المقيمين في الأستانة ولم يذكر اسمه وكان ذلك بوساطة (صاحبه وابن صاحبه القديم المودود جناب الخوجه فتح الله بن نعمة الله يوسف عبود الذي عرفه بهذا النصراني كما قاله: (مذ علم (فتح الله) أن لنا حاجة تقتضي واسطة شفيق حازم. . . لم يجد أهلا لقضاء لوازم الأصحاب. . إلا ظريف ذلك الجناب. . . فبمقتضى ذلك دلنا عليك في رفع الحاجة إليك. . .) وطلب منه أن يبعث بالفرمان الشريف عن يد فتح الله أيضاً إذا من الله تعالى بالحصول على المراد. وكان فتح الله عبود همزة وصل بين السيد عبد الجليل وبين بطرس كرامة (الديوان ص 177).
وبعض ترجمة آل عبود في هذه المجلة الغراء (3 (1913 - 1914): 563 و4 (1914): 19). وليوسف والد نعمة الله تأليف دونه بنفسه عن أيامه في وقائع حلب لا يزال غير منشور ونسخته وحيدة والموجود منه قد سقط منه الأول وفيه نقص في موضعين في نحو الوسط. تراءى لي ذلك لعدم ارتباط الكلام بعضه ببعض. وهو يبتدئ بقسم من سنة 1185 هـ (1771 م) وينتهي في سنة 1220 هـ (1805 م) وآخره تام لكنه خال من الخاتمة. وفي الأربع السنوات الأخيرة أخبار عن بغداد كنت قد شرعت في نشرها في لغة العرب في جزئها الثاني من سنتها الرابعة (آب 1914) وذلك عن أوراق للمصنف قبل أن أجد تأليفه مجموعا. ويقع المخطوط في مائة وثمان وثلاثين ورقة يختلف طول وعرض كل منها بسنتيمتر أو نحوه والورق ليس من جنس واحد بل من أجناس عديدة مما
يدل على أن المخطوط هو أول نسخة منه كان صاحبه يكتبها على توالي السنين وكانت كراريس غير مجلدة يوم صارت بيدي. وأطول ورقة فيها قياسها نحو 23 سنتيمترا في نحو 16 س وفي أوراقها حاشية بيضاء قدرها نحو 8 سنتيمترات تكثر فيها تواريخ وفيات النصارى ومواليدهم في حلب وغير ذلك وصفوة القول عن حجم المخطوط إنه لو طبع لجاء في نحو ثلاثمائة صحيفة من قطع هذه المجلة وهو بخط مؤلفه الجلي للفصيح على الطريقة الحلبية. وكان(6/739)
هذا المخطوط للأب الفاضل نرسيس صائغيان الذي وصفه في هذه المجلة (3 (1913 - 1914): 364 ح) وبين لنا أحد مضامينه الحاكي عن أمور طائفية. أما الكتاب فنحو ثلثيه لا مساس له بطائفة المؤلف الرومية الملكية بل هو تاريخ لحلب يروي لنا وقائعها مع أسماء ولاتها وسلوكهم وما أصابها من اضطرابات وقلاقل وأوبئة وغلاء ورخص وشدة وفرح وغير ذلك. وكان الأب نرسيس قد ظن أن الكتاب حينما وصفه لأحد بيت عجوري (عجور) الحلبيين ثم اتفق كلانا لأسباب أكيدة يطول شرحها إنه ليوسف عبود المتوفى في حلب في 23 شباط (حسابا شرقيا) سنة 1806 م وانه بخطه بلا ريب. والمخطوط اليوم عندي بعد أن أهداه إليّ الأب صائغيان فشكرا له على هدايته الثمينة.
وألان أنقل إلى القراء مكتوب السيد عبد الجليل بعلاته. ومكاتيبه إلى نعمة الله عبود جميعها على هذا النسق من الأغلاط. وهو مؤرخ في 19 ذي الحجة سنة 1226 (1811م) وقد بعث به من البحرين إلى حلب.
(. . . كتابك وصل، وبه الأنس حصل، لما افهم عن وصولك للأهل والوطن فلله النعمة والفضل وله الثناء الحسن. وجميع ما ذكرت صار في البال ولاسيما من قبل ما عتبت به من عدم المراسلة للعام الماضي فلك العتبى ولكن قد قيل: (فرب لها عذر وأنت تلوم) وذلك أن طرفنا العام قد وقع فيه اضطراب عظيم. واقل ما وقع أن أهل الزيارة جلو منها وتحولوا إلى البحرين وحاربوا بن سعود. وهذا ما وقع إلا لأمور شاقة متعبة. وقد جلو منها في النصف من ربيع الثاني سنة 1225هـ (1710م) وبقي حربهم مستمر إلى ربيع أول سنة 1226 وهذه المدة التي فيها الحرب لا يزال لبني عتبة في البحر ستين، سبعين سفينة تدور في البحر وجميع الناس ما لهم شغل ولا عمل إلا أخذ السلاح والأهبة للقتال وقد
عدموا الراحة والبيع والشراء والغوص وتعطلت جميع الأسباب بالكلية حتى أنهكتهم الحرب ولما أراد الله الفرج تصادم خشب بني عتبة(6/740)
وخشب اتباع الوهابي واقتتلوا مع أول إشراق الشمس إلى بعد الزوال حتى فنا غالب الفريقين واحترقت ثمانية مراكب: خمسة لبني عتبة وثلاثة لضدهم. وباقي خشب اتباع بن سعود استولوا عليه بني عتبة ونصرهم الله عليهم. وقد فني منهم قدر عظيم ما بين قتل وحرق وغرق في البحرين وقتل من بني عتبة قدر سبعمائة رجل وصارت الدائرة على اتباع بن سعود.
وأما الفقير ففي أول ضعون بني عتبة من الزبارة كنت بأيدي اتباع بن سعود وحيل بيني وبين أهلي ومالي وبرحت عندهم من صفر سنة 1225 إلى صفر سنة 1226، حول كامل. وبقيت أجوب البلاد فتارة في (قطر) وآونة في الحسا، ومقدار ثلاثة أشهر في الدرعية عند سعود إلا أني محشوم موقر عندهم ولي وجاهة عندهم والحمد لله. وصارت حرفتي في استخلاص شيوخ بني عتبة، آل خليفة، من حبس سعود لأنهم محبوسين عنده من ذي الحجة سنة 1224 (1809م) إلى رمضان سنة 1225 (1810م). وحبس الجماعة هو سبب تحويل بني عتبة عن طاعة سعود وصرنا أنا ومعي اثنين من كبار الجماعة أهل الزبارة عند سعود يعرف منا الصدق معهم ونحن على ذلك. واجتهدنا في خلاص آل خليفة من يد سعود بالعهود والأيمان على انهم إذا وصلوا إلى رعيتهم مكرمين يرجعونهم إلى الزبارة ويعملون بطاعة سعود فصدقنا، ونحن ما لنا باطن غير ظاهرنا معه. وقد أخذنا المواثيق على آل خليفة بذلك فارخصنا (سعود) وهم معنا.
فلما وصلنا إلى البحرين نبذوا طاعته ونقضوا عهده بحربه وحضروا الوقعة المذكورة ونحن ما أمكننا إلا التسليم لأن المال والعيال عندهم في البحرين ولا بيدنا حيلة. والذي ألجأهم إلى نقض العهد هو ما أذاقهم سعود من الذل والهوان واخذ كرايم الأموال من الخيل والركاب والسلاح مقدار 30. 000 ريال فرنسة وأردف ذلك بحبسهم وصدور هذا الأمر منه معهم بعد العهد فكأنه(6/741)
تبين منه أولاً عدم الوفاء بعهده معهم. هكذا فهموه وربما له عذر يطول شرحه وكل متأول أمر. ويستبين الأمر للجميع إذا وقفوا بين يدي الحكم العدل سبحانه وتعالى.
والآن نحن في البحرين مستقرين على أحسن حال. وفي مبدأ هذا الأمر لما كنا في أرض
بن سعود وكنت في أسوأ حال من مفارقة الخل والصاحب والوطن كارها معاشرة غير المشاكل والمجانس وفي أرض لا نعرفها وناس ما ألفناهم ومع ذلك ونحن مباشرين القتال مع اتباع سعود فالمفازيع والقتال بكرة وعشية والمراد أننا أقمنا حولا كاملا على حال صعب، متعب، مهلك، مفاليس من المال والأهل والعيال إلى أن إذن الله بالفرج ورجعنا كما شرحناه لكم والحمد لله على كل حال.
وقد صنفت فيما وقع علينا وما قاسيناه من الشدايد رسالة عربية تشابه مقامة من مقامات الحريري كالرحلة وأرسلتها لبعض الأصحاب في البصرة فاعرف لشدة ما وقع علينا حتى أحوجنا الحال إلى تصنيف رسالة فيه والله المستعان.
ثم إن جماعتنا بني عتبة بعد ما منّ الله عليهم بالنصر والظفر على عدوهم وأهلكه وقطع دابره بني سعود من جميع ساحل البحر استراحوا واستقروا وكل أخذ في البيع والشراء والغوص وامتدت سبلهم وقد بلغ عندنا اللؤلؤ هذه السنة أقيام، مذ خلقه الله ما بلغ قيمة هذه السنة مع نزوله في البلدان وسبحان عامر الكون. وقد تعوضنا الذي قسمه الله وبعنا غالبه أبكارا لحصول المصلحة ولغلائه فما جرعنا (جرأنا) نقطعه إلا القليل. وقد صار عندنا بعض المخرق بقدر ربع المادة لأن الأكثر بعناه أبكارا. وقد طلع عندنا قبل الناس ربطة مقدار مثقال 600 شيرين وأرسلناها ليوسف الزهير يبيعها(6/742)
وكتبنا لأخيك ميخائيل - على العادة كما كنا نكتب لك عند إرسال المال - إجراء لحقوق الصداقة لأجل تنبيهه. فإن كانت له رغبة فالأمر يصير واضحا لديه. وهذا في شوال وحال التاريخ طلع عندنا قدر مثقال 160 يكة اليكة عال العال وأرسلناها ليوسف أيضاً وعرفنا أخيك بها. وعندنا بعض (الكنبايتي) مهما زهب (أي تهيأ وحضر) نعرفه بإرساله إن شاء الله وهذا كله لأجل بقاء الملازمة للصداقة والقيام بمقتضياتها. . . واسأل لنا خاطر خالكم العزيز صديقنا الخواجه نصر الله. . .) هذا ما أردت نقله حفظا للتاريخ.
الطرابلسي وعبود وبعض الأدباء
من المعلوم أن الشيء بالشيء يذكر وهذا ما دعاني إلى الدخول في موضوع آخر. رأى القراء الكرام أني أضفت نسبة الطرابلسي إلى ذلك الشاعر نصر الله بن فتح الله النصراني الحلبي. وأظن أن الفرصة تبيح لي الكلام عنه زيادة في تعريفه لمن تهمه ترجمته وفي ذلك
ترد أسماء أدباء وتجار كانوا في البصرة.
إن إضافتي هذه النسبة ليست لمجرد أن نصر الله المذكور كان من شعراء ذلك العصر وإن اسمه واسم أبيه متفقان مع أسم الشاعر الشهير بالطرابلسي بل لوقوفي على أن نعمة الله عبود كان صديقا قديما للطرابلسي الذي كان قد عرفنا به المشرق. فقد جاء في صورة لمكتوب - والصورة عندي - لنعمة الله كتبه إلى الطرابلسي يمدح فيه الشيخ خالدا ابن الشيخ أحمد بن رزق الساكن في البصرة ويثني عليه ثناء عاطرا زكيا ومما يقوله عنه إنه من التجار وله شغف عظيم بالأدب والعلوم حتى أن ذلك يلهيه عن أشغاله التجارية وانه (اطلع على مجموعتي من شعر جنابكم (يعني شعر الطرابلسي) فصارت كأنها نديمه الخاص(6/743)
وانه شرع في بناء دار جديدة له يتم بناؤها في سنة 1232هـ (1816م) ولوح له (لنعمة الله) من بعيد في طيات الكلام برغبته في قصيدة من شعركم يزين بها الدار مع أن كلا من الشيخ عثمان بن سند والشيخ عبد الله بن جامع والشيخ أحمد الكردي قد نظم قصيدة بتاريخها إلا إنه لا يظن أن ينقش الشيخ خالد شيئا من ذلك في الدار أملا بالحصول على قصيدة من نظمكم. ويرجو نعمة الله في كتابه من الطرابلسي أن يحقق رغبته وبهذا يكون قد دفع أيضاً قول من نكر عليه أن نظم المجموعة لأحد المسيحيين فلبى الطرابلسي سؤال صديقه بمكتوب مؤرخ 25 ج سنة 1232 وقد استهله بهذا العتاب لأمر نجهله كان قد وقع بينهما:
(. . . ثانيا لنبدي لجنابكم أني منذ فارقتكم ووقوع المجروية المعهودة منكم فلابد أن صافي سماء المودة تكدر بغيوم الانفعال وأوشك أن يشوب عقد الصحبة الانحلال وزاد على ذلك مع مرور كذا أشهر بل أعوام. لم يظهر من جنابكم ولا أدنى إشارة حتى سلام. فهنالك زدنا تحقيقا بمودتكم الوردية وكدنا نقاوم طبعنا وننزع عنا محبتنا الآسية. وشهدت لنفسي بالألمعية إذ:
الألمعي الذي يظن بك ال ... ظن كأن قد رأى وقد سمعا
كون سابقا مر لنا مع الجناب واقعة مزاح نظمنا لها أبيات جاء شطر منها:
فينفر عني مغضبا وله الذنب
ربما في حفظكم. وقد غيرت الشطر الأول فقلت:
يحب ولكن لا يدوم له حب ... وينفر عني مغضبا وله الذنب
ولولا الذمام لصارت قصيدة طويلة ولكن ما الحيلة، وما زالت تتفاقم هذه الظنون. . . حتى تلبد ذاك الغيم المتكاثف. . . حتى ورد كتابكم الكريم المستحق التعظيم. . . فحالا أصبح ما عندنا كأنه هشيم. . . ورأينا من السماحة السماح. . .
ثم أردف الطرابلسي قائلا: (ثم إننا لكي نحقق لجنابك عدم تغيرنا على أي حال كان. . . فقد قبلنا بكل رغبة رجاءكم في نظم أبيات تهنئة وكتابة في الدار الجديدة التي أحدثها الشيخ خالد. . . فبادرنا بتحرير رسالة وهي خاصة له(6/744)
ضمنه. . . وربما تستحسنون اختيارنا إذ جعلنا رجاكم انفذ توأما. . . ثم بعد ألحقناها بقصيدة لائقة بالمقام) أهـ. وهو يشكو من الزمان الذي ألم به فإنه قال: (هذا مع كثرة الأشغال وتشعب البال وعدم الإمكان على الإدمان وتعس الزمان.
إذا الفتى ذم عيشا في شيبته ... فماذا يقول إذا عصر الشباب مضى
وقد تعوضت عن كل بمشبهه ... فما وجدت لأيام الصبا عوضا
أي نعم! وجاد الحيا عهد الصبي حبذا الصبي ... لقد كنت خلو البال لا أعرف الوجدا
ثم قال أيضا: (ثم نعرف الجناب أن القصيدة الحالية هي من بحر الرمل وهو يأتي غالبا مقبوض العروض سالم الضرب فنحن أتينا به في بعض أبيات سالم العروض والضرب. وجاء في شعر المولدين وهذا شيء يدريه العروضيون إنما ذكرناه ليعلم أننا قلنا عمدا لا عفوا وقصدا لا سهوا.) أهـ.
وإني لآسف لأني لم اعثر على مجموعة الطرابلسي المحكي عنها ولا على صورة رسالته وقصيدته. ولعل هذه الرسالة والقصيدة في ديوانه الذي وجدت نسخة منه عند أحد أدباء بيت ابيلا في صيدا أو في مقاطيعه التي كانت عند الخوري توما أيوب في حلب على ما ذكرهما كتاب المخطوطات العربية للمكتبة النصرانية للأب شيخو (ص 138 - 139) وفي المشرق (3 (1900): 397) ترجمة الطرابلسي مع طائفة من قصائده وعندي إحداها مختلفة الرواية قليلا عن التي في المشرق، وترجمة الطباخ في كتابه في تاريخ حلب (7: 269) نقلا عن المشرق وقال أن قسطاكي الحمصي ترجمه أيضاً في كتابه أدباء حلب. وذكرت (نصر الله طرابلسي) (كذا) المجلة السورية (1: 534) ثم نقل ذلك كتاب (أهم
حوادث حلب) (ص 57) ومجلة القربان (2: 399) وكان نصر الله ترجمانا لقنصل خالد وبيته في سبائك المسجد وفيه ترجمة الشيخ عبد الله بن عثمان بن جامع.
هذا ما عنّ لي تدوينه عن أمراء وتجار قضى عليهم الزمان وأمسوا في خبر كان.
يعقوب نعوم سركيس(6/745)
لواء بغداد
(صورة) عبد الرزاق الحسني
صديقنا السيد الحسني شاب في مقتبل العمر. ولوع بالبحث والتنقيب عن المواضع العلمية والتاريخية وتشهد له بذلك مقالاته الممتعة التي لا يزال ينشرها بين آونة وأخرى في المجلات المصرية والسورية والعراقية وقد ألف ونشر حتى الآن ثلاثة كتب صادفت رواجا واستحسانا. وهذه الكتب هي: 1 المعلومات المدنية و 2 تحت ظل المشانق و 3 رحلة في العراق. وهو اليوم مشغول بكتابه الجديد (مباحث في العراق) الذي ينشر بعضا من فصوله البلدانية.
ولد هذا الشاب عام 1321 هـ. من والدين شريفين وأسرته شهيرة في بغداد. وقد أتم تحصيله الابتدائي في المدرسة الجعفرية ببغداد. وفي عام 1338 هـ انتقل إلى النجف بانتقال والده إليها حتى إذا وضعت الثورة العراقية أوزارها، عاد إلى العاصمة ودخل دار المعلمين وتخرج فيها.
ولصاحب الترجمة مبادئ سياسية لا تتفق وموقف البلاد السابق. وقد اضطهد من اجلها مرارا. وهو صاحب جريدة الفضيلة ببغداد وجريدة الفيحاء بالحلة وقد عينه فخامة الهاشمي باشا لوظيفة (معاون محاسب وزارة المالية) بعد أن أقفلت الحكومة جريدتيه في بغداد والحلة وخرج موقفه وهو لا يزال في هذه الوظيفة.
(لغة العرب)
لواء بغداد، مركزه مدينة بغداد عاصمة الرشيد بالأمس وعاصمة الملك فيصل اليوم. اختطها الحجاج بن ارطأة وأبو حنيفة النعمان في أبدع بقعة من بقاع الشرق فجاءت آية في العمران والعظمة. تمر بها دجلة فتشقها شقين كبيرين هما: الرصافة والكرخ ولكل من هذين الجانبين مناظر بديعة تأخذ بمجامع القلوب.
تطل قصورها الفخمة ومبانيها اللطيفة على دجلة فيخيل إلى الناظر إنه في بقعة من بقاع الجنة. تشرق عليها الشمس نهارا فتنير أرجاءها وتصور فيها أشكالا نضرة خلابة. وإذا طلع عليها القمر ليلا كساها حلة فضية هي أشبه(6/746)
بغادة لبست ثوبا فضفاضا تخترقها من
الشمال إلى الجنوب جادة طويلة مبلطة مفروشة بالقار ومرصوف جانباها رصفا بديعا فإذا جاءها الليل أنيرت بالمصابيح الكهربية فتؤثر في النفوس أثرا جميلا. هواؤها عذب عليل وماؤها زلال وسكانها مشهورون بكرم الأخلاق وحسن الضيافة. أحصت الحكومة نفوس المدينة عام 1928 فكانوا نحو (248. 350) نسمة.
وقد كانت بغداد هذه حاضرة العالم الإسلامي أيام العباسيين. انبثق فيها فجر العلم والأدب فأضاء بنوره البلاد الدانية والقاصية وبلغت من العمران ما لم تبلغه مدينة في ذلك العصر ودامت حقول العلم ورياض الأدب زاهرة نضرة في حين أن الأمم التي لم ترشف من حياض مدنيتها المترعة ولم تقتطف من ثمار جناتها اليانعة. كانت تتسكع في مجاهل الضلالة وتتخبط في دياجير العمى. ولكن النكبة التي منيت بها على يد هولاكو التتري عام 656 تركتها قاعا صفصفا لا يرى فيها بعد تلك العظمة والجلال. والزخرفة والبهاء غير الدمار والبوار ولعل الهمة الناشطة اليوم في تعبيد طرقها وتشييد المباني الضخمة فيها ستعيد إليها رونقها الغابر وعزها المندثر.
أسسها أبو جعفر المنصور عام 145 هـ على الجانب الغربي من دجلة في بادئ الأمر ثم أتم بناءها على الجانب الشرقي فتمت في سنة 157هـ وقد بناها واتخذها مقرا لخلافته بغضا لأهل الكوفة وتجافيا عن جوارهم وهو الذي وضع أول لبنة فيها بيده.
وقد اختلف المؤرخون في أوجه تسمية بغداد بهذا الاسم: فمنهم من قال إنها (أي كلمة بغداد) تفسير كلمة بستان لرجل فباغ بستان وداد أسم رجل ومنهم من قال بغ اسم صنم وذكر إنه اهدي إلى كسرى خصي من المشرق(6/747)
فاقطعه إياها وكان الخصي من عباد الأصنام ببلده فقال: (بغ دادي) أي الصنم أعطاني وقيل بيغ هو البستان وداد أعطى وكان كسرى قد وهب لهذا الخصي هذا البستان فقال بغ داد فسميت به ويرى جماعة من أفاضل العراقيين ومنهم للعلامة الكرملي أن أسم بغداد ارمي مبنى ومعنى ويستدلون على ذلك بأن الفرس لم يدخلوا العراق إلا في المائة الرابعة قبل الميلاد على عهد كورش وبغداد معروفة بهذا الاسم قبل الفرس بمئات من السنين فكيف تكون الكلمة فارسية الأصل؟!!.
ومهما اختلفت الأفكار وتباينت الآراء في هذا الصدد فبغداد مدينة وجدت قبل الإسلام بهذا الاسم وكانت قبل أن يمصرها المنصور قرية تقوم فيها سوق عظيمة في كل شهر مرة
فيأتيها تجار الفرس والأهواز وسائر البلاد، وربما كانت سوق الغنم فيها من أشهر أسواقها
وبغداد اليوم أعظم وأكبر مدينة في العراق. جاداتها واسعة، وأسواقها منظمة، ومبانيها فخمة. وقصورها شاهقة. وتجارتها واسعة وعمرانها بديع وسكانها كثيرون. ومدارسها عديدة، ومعاهدها حافلة بطلاب العلم، ونواديها مكتظة برجال الأدب، وهكذا ترى فنادقها وعلى وجه العموم إن الرجل في بغداد يجد من وسائل الراحة ورغد العيش ومظاهر العلم والتربية ما لا يجده في أية بلدة عراقية أخرى.
تنظيمات اللواء
يتقوم لواء بغداد من مركز اللواء وتتبعه أربع نواح، ومن ثلاثة اقضية أخرى. أما مركزه فمدينة بغداد وقد سبقت الإشارة إليها. وأما نواحيه الأربع فهي:
1 - ناحية الكرادة - وهي مساكن لطائفة من الفلاحين الذين كانوا يسقون بساتينهم بالكرود ولهذا نسبت البقعة إلى أصحابها ويبلغ عدد أهلها (15. 000) نسمة وهي ما كان خارجا عن بغداد المدينة نحو ميلين جنوبا وفيها عدة قصور لتجار بغداد ومثريها وهي تعد اليوم مصيفا لبغداد لجودة هوائها واعتدال طقسها(6/748)
وجمال موقعها.
2 - ناحية الدورة - ومركزها قصر قائم على الضفة اليمنى من دجلة في محل يبعد عن بغداد ثلاثة أميال جنوبا وليس فيها دور ولا عمران. إلا إنه بالقرب منها الهنيدي المؤسسة بعد الاحتلال البريطاني لبغداد والمتخذة محطة للطيران ومسكنا للبريطانيين المستخدمين في جيشهم.
3 - ناحية سلمان باك - ومركزها قرية سلمان المدفون فيها سلمان الفارسي الصحابي أحد مشاهير الإسلام ومدفنه واقع في وسط جامع فخم يقصده البغداديون في ربيع كل عام وهي تبعد عن العاصمة نحو (25) ميلا وبالقرب منها أنقاض مدن كثيرة واقعة على متني دجلة أشهرها سلوقية وطيسفون التي فيها (طاق كسرى) وقبرا حذيفة بن اليمان وعبد الله الأنصاري وغير ذلك.
4 - ناحية الاعظمية - ومركزها بليدة الاعظمية الجميلة القائمة على ضفة دجلة اليسرى. فيها قبر الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى عام 150 وفيها الكلية الاعظمية وجامعة آل البيت التي أنشأها الملك فيصل عام 1341 وتقدر نفوسها ب (4600) نسمة
وأسواق البليدة منظمة وشوارعها حسنة ويصلها بالعاصمة جادة مستقيمة تكتنفها الحدائق والبساتين والمسافة بينهما نحو ثلاثة أميال.
أقضية اللواء
ذكرنا فيما تقدم أن للواء بغداد ثلاثة اقضية وهي: - قضاء سامراء وقضاء الكاظمية وقضاء المحمودية.
قضاء سامراء
سامراء الحالية إحدى البيوت الشهيرة في أيام المعتصم بالله وكان يسكنها الإمام علي الهادي فلما توفي في 25 جمادى الآخرة سنة 254 هـ (22 أيار سنة 868 م) دفن في بيته وبعد تقوض دولة العباسيين ومرور الزمان أصبحت سامراء مركزا لأبناء الشيعة فعاد إليها عمرانها وهي مركز قضاء سامراء اليوم الذي تقدر نفوسه ب (33. 88) نسمة فيها مرقد الإمامين علي الهادي وولده الحسن العسكري ويرى فيها إلى اليوم سرداب غيبة صاحب الزمان (ع) وهي محتاطة بسور فخم(6/749)
ولا ينبت فيها شجر لصلابة أرضها وكثرة الحصى فيها. أما سامراء القديمة فهي تبعد عن سامراء الحالية بميلين وقد شيدها المعتصم بالله عام 221 هـ ومن غريب ما يذكره المحققون أن تشييدها تم في خمسين سنة فسكنها كثير من الخلق والعقل يؤيد هذه النظرية بمسألة مألوفة، هي أن الأمة في هاتيك الأيام كانت في أحسن دين لملوكها. فإذا انتقل الملك إلى جهة ما، تحول السكان معه كما جرى ذلك في بناء بغداد فاحتوت على تلك النفوس العديدة.
واسم سامراء الحقيقي - على قول بعض المؤرخين - (سر من رأى) ثم (ساء من رأى) لما تهدمت وتقوضت فخففها الناس وقالوا فيها سامراء وهي تبعد عن بغداد ب 74 ميلا وكان يمر بها سابقا الخط الحديدي (بغداد إلى شرقاط) أما الآن فينتهي إلى بعيجة (بيجي). وذكر بعض المؤرخين أن السبب الذي حدا بالمعتصم إلى تمصيرها هو كثرة جيوشه في بغداد إذ أخذت تعيث فيها فسادا فضح الأهلون منهم وشكوا حالهم إليه فأمر بتشييد سامراء وانتقل إليها بعسكره.
للقضاء ثلاث نواح هي: تكريت وبلد وسميكة
أما ناحية تكريت فبليدة على ضفة دجلة اليمنى في محل يبعد عن بغداد نحو 109 أميال وعن الموصل نحو 160 ميلا وكانت في أول أمرها قلعة حصينة بناها الرومان يشهد عليها اسمها لأن معنى تكريت في الرومانية (اللاتينية) قلعة دجلة
وفيها نحو 5000 نسمة جل مهنتهم تسيير الاكلاك والعبرات بين الموصل وبغداد.
والناحية الثانية (بلد) وهي ليست بلد التي ذكرها الحموي في معجمه فإن تلك آثار مندرسة لا يشاهد منها اليوم غير الطلول في بعض البساتين الواقعة بين بلد الحالية وبين محطة القطار أما (بلد) المشهورة بجودة الكروم والتفاح فهي بليدة فيها نحو 4000 نسمة تكتنفها الحدائق والبساتين وتبعد عن ساحل دجلة ميلا واحدا وعن بغداد خمسين ميلا وليس فيها مدنية ولا عمران.
والناحية الثالثة (سميكة) وهي إحدى قرى (دجيل) وتبعد عن بغداد 38(6/750)
ميلا ونفوسها نحو ألف نسمة وأشهر ما فيها الرمان الذي ينمو هناك نماء حسنا
قضاء الكاظمية
قاعدته قصبة الكاظمية إحدى مدن العراق المقدسة التي تبعد عن العاصمة خمسة كيلومترات وكانت في الأصل تسمى مقابر قريش ولا يزال في صحن الكاظمية إلى الآن محل يسمى بصحن قريش. إلا إنه لما دفن فيها موسى الكاظم ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر وولده محمد الجواد (ع) عرفت بالكاظمية نسبة إليه (راجع معجم البلدان في مادة مقابر قريش في ص 587 من طبعة الإفرنج) ويربطها بالعاصمة ترامواي أنشأه مدحت باشا عام 1869م وهي تبعد عن ساحل دجلة الأيمن كيلو مترا واحدا وفي وسط الكاظمية صحن عظيم تتجلى فيه أربع مآذن وقبتان كلها بالذهب وتتلألأ على بعد تلألؤ الشمس في كبد السماء. تروج فيها التجارة رواجا لا يستهان به ولاسيما في أيام الزيارات ويؤمها ألوف من الزوار في كل عام. فيها أسواق منظمة وشوارع فسيحة وفيها عدة مدارس علمية وعصرية وقد أحصت الحكومة نفوس القضاء في الأيام الأخيرة فكانت 27. 397 نسمة.
وللقضاء ناحية واحدة مع شعبة. أما الناحية فهي الطارمية: ومركزها الطارمية القائمة على ضفة دجلة اليمنى وتبعد عن بغداد 56 ميلا في محل يقابل قرية (الجديدة) (وزان هبيرة) وأما شعبة الكاظمية وهي داخلية
قضاء المحمودية
لم تكن وسائط النقل الحالية كالسيارات والقطارات وغيرها موجودة في العراق قبل عشرين عاما، بل كان المسافر يركب الحيوانات إذا أراد السفر إلى جهة من الجهات، ثم تطورت الحالة فجاءت العجلات ثم القطارات فالسيارات ولهذا كان أرباب البر والإحسان يومئذ يشيدون الخانات والمنازل بين بغداد والحلة وكربلاء والنجف تأمينا لراحة الزوار والمسافرين ومن جملة هذه المنازل خان المحمودية الذي أنشأه السيد جعفر ابن السيد محمد عام 1285م على مقربة من مزرعة والي بغداد محمود باشا في أوائل القرن السابع عشر للميلاد ثم أخذ الناس بعده يشيدون المنازل والمقاهي حتى أصبحت المحمودية بالصورة الحالية وهي(6/751)
مركز قضاء المحمودية.
والمحمودية اليوم بليدة قليلة العمران والمباني تبعد عن بغداد نحو 21 ميلا يمر بها الخط الحديدي الكبير (من بغداد إلى البصرة) وتمر جميع السيارات في طريقها إلى مدن الفرات الأوسط وقد أحصت الحكومة نفوس القضاء مؤخرا فكانوا 29. 981 نسمة.
للقضاء ناحية واحدة مع شعبة: أما الناحية فهي (اليوسفية) وليس فيها قرية ولا دور سوى صرح للحكومة قائم في محل جميل على نهر اليوسفية المتشعب من الفرات مع دائرة للري وإما الشعبة فهي شعبة المحمودية وهي داخلية.
مياه اللواء
يشترك الفرات مع دجلة وديالى في إرواء الأراضي والمزارع الغربية من لواء بغداد على الوجه الآتي:
يدخل دجلة لواء بغداد من محل يقع بين تكريت وشرقاط اسمه (الفتحة). وهو الحد الفاصل بين لواءي الموصل وبغداد ثم ينحدر نحو تكريت فسامراء فبلد فالكاظمية فبغداد وقبيل وصوله إلى نادية بلد يتشعب منه نهر عظيم يذهب إلى ناحيتي (بلد وسميكة) ويضمحل في مزارع الأخيرة منها وهذا النهر هو دجيل كأنه (تصغير دجلة) الشهير في زمن العباسيين.
ثم أن دجلة بعد أن تخرج من بغداد يصب فيها نهر ديالى في موضع يبعد عن العاصمة نحو 15 كيلومترا وتذهب بعدئذ إلى ناحية سلمان باك فأراضي لواء الكوت.
أما الفرات، فإنه بوصوله إلى (الصقلاوية) من أعمال لواء الدليم يتشعب منه نهر كبير يدعى (القرمة) وهذا النهر بعد أن يجتاز أراضي الدليم الواقعة في جهة (الجزيرة) ويسقي أراضيها. ينحدر نحو هور عقرقوف التابع للواء بغداد. وهناك تتفرع مياهه أربعة فروع تسقي زهاء 30. 000 دونم ويضمحل في البزائز (أي ذنائب النهر أو منتهاه) ولو سمحت دائرة الري بجعل مياه (القرمة) تجري على حالتها الطبيعية فتروي ما يحيط بالجانب الغربي من بغداد والكاظمية من الأراضي القاحلة، لجعلتها جنات وبساتين تدر على الخزينة مالا وفيرا كما(6/752)
كان الأمر في عهد العباسيين ونهر القرمة هذا حفرته حكومة الاحتلال عام 1918م.
والفرات بعد أن يجتاز قصبة (الفلوجة) ومقاطعة (الرضوانية) ينشطر منه نهر (اليوسفية) الذي حفرته حكومة الاحتلال عام 1919 والذي يسقي أراضي اليوسفية والمحمودية وشيشبار حتى تضمحل مياهه في البزائز الواقعة في داخل أراضي الجزيرة التابعة لقضاء الصويرة من أعمال لواء الكوت.
أما نهر ديالى فإنه قبيل أن يصب في دجلة - كما تقدم - يسقي المزارع الواقعة على ضفتيه من منطقتي سلمان باك والكرادة بواسطة منضحات وكرود أعدت لهذا الغرض ثم يصب في دجلة.
نتاج اللواء ودخله
تزرع جميع أنواع الحبوب في لواء بغداد عدا الشلب (الأرز) وفيه النخيل وأشجار الفواكه على اختلاف أنواعها ويقدر دخل الحكومة من هذا اللواء بمليونين ونصف مليون ربية موزعة كما يلي:
(300. 000) ربية من قضاء سامراء (600. 000) ربية من قضاء المحمودية (200. 000) ربية من قضاء الكاظمية (1. 400. 000) ربية من لواء بغداد ويدخل في هذا المبلغ المحصولات الزراعية والطبيعية والحيوانات والضرائب ولاسيما ضريبة الأملاك التي تجبى منها في بغداد فقط 700. 000 ربية.
معلومات أخرى
لواء بغداد كبقية الألوية العراقية يصدر ما تصدره ويجلب ما تجلبه والمعارف فيه مبثوثة في جميع أنحائه وقد أخرنا بحثنا عنها لأن تقرير المعارف للسنة الحالية لم يتم بعد وكذا القول عن العشائر في اللواء فقد حالت بعض الظروف دون نشر معلوماتنا في الوقت الحاضر.
بغداد: السيد عبد الرزاق الحسني
مصعب بن الزبير
قال أحدهم (قطري أبو نعامة المازني) خرج زمن (مصعب الزبير) وإنما هو (مصعب بن الزبير) أخو عبد الله بن الزبير والذي يجهل هذا الرجل يستوجب التعلم مع الأحداث.
مصطفى جواد(6/753)
قبر الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة
-
شاع منذ أجيال عديدة وأيقنت الحكومة العثمانية وعلماؤها في العصور الغابرة والحاضرة مع مؤرخيها وكتابها أن القبر الذي في باب مشهد الإمام موسى ابن جعفر (رض) والواقع في مقابر قريش (وهي الكاظمية اليوم) هو قبر الإمام أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة (رض) ولم تزل الحفاوة به والاحترام لقبره يزدادان مع الأيام وقد كانت الهدايا من سلاطين آل عثمان تتوارد الواحدة تلو الأخرى ويجدد مسجده كلما آل إلى الخراب. وتعتني دائرة الأوقاف بصرف ما يحتاج إليه مسجده من اللوازم وغيرها بغيرة عظيمة بدعوى أن صاحب القبر هو الإمام أبو يوسف قاضي القضاة في زمن الرشيد وصاحب أبي حنيفة.
ولكني قرأت في الجزء الثاني من وفيات الأعيان صحيفة 40 (في ترجمة أبي يوسف يعقوب بن صابر الملقب بنجم الدين الشاعر) ما خلاصته: (وتوفي ابن صابر المذكور في ليلة الثامن والعشرين من صفر سنة ست وستمائة ببغداد، ودفن يوم الجمعة غربيها بالمقبرة الجديدة بباب المشهد المعروف بموسى بن جعفر رضي الله عنهما). انتهى: ولما راجعت ترجمة الإمام المشار إليه في الكتاب نفسه وجدت في صحيفة 307 ما خلاصته. (أن الإمام أبا يوسف توفي يوم الخميس أول وقت الظهر لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين ومائة ببغداد. انتهى) ولم يعين محل دفنه.
وقد أخبرني بعض المعمرين أن قبرا بجنب قبر (الست زبيدة) تحت القبة التي في الشونيزي (مقبرة معروف الكرخي) ينسب للإمام أبي يوسف وزاد إنه رأى كتابة على جدار القبة عند رأسه تشعر بدفنه هناك. وهذا أمر ثان لابد من الركون إليه والتبصر فيه وهو إن زبيدة زوج الرشيد توفيت سنة 210هـ(6/754)
(وفيات ج 1 ص 180). هذا فيما لو صح إن هذه القبة وهذا القبر لها وهو أمر لا يتفق والتاريخ لأن ابن الأثير يقول (ص 214 و 215): (إنها دفنت في مقابر قريش). وإن أبا يوسف توفي سنة 182 هـ فهل كان دفنه تحت القبة قبل دفن زبيدة أم كيف كان الأمر؟ ولذا اضطربت من هذه الملاحظات لشدة وقعها في نفسي وقلت متعجبا: كيف فاتت العلماء والمؤرخين هذه الحقيقة الناصعة وكيف أخذ الناس بتعظيم قبر دفين مقابر قريش أبي يوسف (نجم الدين الشاعر) واهمين إنه قبر
الإمام أبي يوسف تلميذ صاحب المذهب؟ هذا وقد راجعت كل ما لدي من كتب التراجم فرأيتها كلها تجري على وجه واحد ضاربة صفحا عن ذكر محل دفنه، وقد رأيت في الجزء الثاني ص 85 من كتاب (حماة الإسلام) تأليف المرحوم مصطفى بك نجيب المصري المطبوع بمصر في العشر الأخير من ذي الحجة سنة 1341هـ ما نصه: (وتوفي (أبو يوسف) سنة اثنين (كذا) وثمانين ومائة (فعزى الإسلام بعضه بعضا بموته) ومشى الرشيد في جنازته، وصلى عليه، ودفنه في مقبرة أهله، في مقابر قريش بكرخ بغداد بقرب زبيدة ومحمد الأمين) أهـ. ففي قوله هذا خبط وخلط في التاريخ، إذ إنه يكذب من عدة وجوه بأدنى تأمل ويكذبه من له أقل إلمام بالتاريخ. فقوله: (دفنه في مقبرة أهله بمقابر قريش بكرخ بغداد) خلاف للواقع لأن مقابر قريش هي اليوم مشهد الإمام موسى بن جعفر (ع) (معجم ياقوت ص 107 ج 8) أما كرخ بغداد فقال ياقوت عنه (ص 234 ج 7): (فبين شرقها - كرخ بغداد - والقبلة محلة باب البصرة. وقال ابن بطوطة في رحلته: (وفي الجانب الغربي من المشاهد قبر معروف الكرخي (رض) وهو في محلة باب البصرة) واليوم بين مقابر قريش ومقبرة معروف أي باب البصرة الواقعة في شرقي كرخ بغداد مسافة ساعة ونصف للراجل. واغرب من ذلك قوله بقرب زبيدة(6/755)
وزبيدة كانت في الحياة لما توفي أبو يوسف كما ذكرنا آنفا وقوله ومحمد الأمين أي بقربه غلط فاحش أيضاً لأن محمدا الأمين قتل سنة 198هـ وبين وفاة أبي يوسف ومحمد الأمين ست عشرة سنة. والصحيح في مدفن أبي يوسف (رح) ما أسلفنا ذكره، وحققنا عنه أي إنه لم يذكر له محل دفن معلوم.
(صورة) قبر الست زبيدة إحدى خواتين السلجوقية الذي يظن فيه العوام انه قبر زبيدة امرأة هرون الرشيد
(وبالختام أرجو من المؤرخين والباحثين أن يفيدوني بما لديهم من المعلومات في هذا الباب
على صفحات جرائد بلادنا أو مجلاتها إظهارا للحقيقة وخدمة للتاريخ والله ولي التوفيق.
عبد الحميد عبادة
(لغة العرب) جاء في كتاب تاريخ المساجد لأستاذنا الالوسي في ص 128(6/756)
من نسختنا الخطية ما هذا حرفه: (وقد اتصل بهذا المسجد والصحن (صحن الجوادين والكاظمين) مسجد الإمام الثاني يوسف يعقوب بن إبراهيم عليهم الرحمة والرضوان ومشهده فيه وعليه
قبة كبيرة. وفي جنب مشهده مسجد تقام فيه الصلوات. وتؤدي الطاعات وهو مسجد رصين البناء قويم الأرجاء فيه روحانية وانشراح للصدور. . .)
وهذه العبارة تختلف عما جاء في النسخة المطبوعة ص 119. ولا نعلم على أي كتاب أو مؤرخ اعتمد أستاذنا المرحوم في كلامه هذا، مع ما بذلنا من الجهد في الاهتداء إلى محله. ويخيل إلينا أن أستاذنا الالوسي استند إلى التواتر والله اعلم.
اللباب والرباعيات في نظر المستشرقين
كتب إلينا صديقنا المستشرق الإيطالي (جرجيو ليفي دلافيدا) مدرس اللغات الشرقية في جامعة رومة الكبرى، ما يأتي:
إن هديتي الزهاوي: (اللباب والرباعيات) ألي، أعجبتاني كل الإعجاب، وأرجو منك أن تقدم تشكراتي إلى الأستاذ الكبير، والفيلسوف الشهير، فقد وجدتهما من انفس الشعر والترجمة معا وتحققت أن الزهاوي في نظم الشعر وترجمته يعجب الجمهور، لما في يراعته من السهولة والتدفق، وأيقنت أن اللغة العربية بين يديه كالشمع تطيع أنامله وتنقاد له انقياد العبد الذليل. وأنا أقدر ديوانه لأن في نظمه تجديدا للشعر العربي وذلك مما لا يرى في نظم أعاظم الشعراء الأقدمين.
وقدرت كذلك ما نقله إلى العربية من رباعيات الخيام فقد افرغ الأساليب الفارسية في قوالب عربية تدهش القوميين المتوغلين في لغتيهما.
ومثل هذا القول أقول عن نثره. فإنه يدل على تفوق في كتابته، قلما يشاهد مثله في مترسلي هذا العصر.
ونتيجة هذين السفرين إنه ألقى ضياء جديدا على العربية فأخذت تميس في برد الجمال، وجعلها مما يتشوق إلى رؤيتها أبناء الغرب. فشكرا للزهاوي على ما ينظم وينثر.
رومة في 31 آب 1928(6/757)
الفردية الأدبية
لمناسبة تهجم العقاد على لطفي بك السيد، بقلم الكاتب القدير الأستاذ جورج فرح في صحيفة (المهذب) الغراء.
ذكرتنا حملة العقاد السخيفة على الأستاذ لطفي بك السيد بحملته سابقا على الأستاذ جميل صدقي الزهاوي وإن تأدب فيها نسبيا، كما ذكرتنا بحملة أحد الشعراء العراقيين على الأستاذ الزهاوي في الصحف العراقية المغرضة، وبحملته على العلامة الأب الكرملي لأن لجنة يوبيل الكرملي اختارت زميله ومنافسه الزهاوي رئيسا عاملا! فالعوامل في هذه الصبيانيات الأليمة واحدة وهي (الفردية) في أقبح صورها.
والعقاد - الذي يملأ الحسد والحقد جوانب نفسه - يغار من وصف الزهاوي بالشاعر الفيلسوف، كما يغار من لطفي بك السيد لاكتسابه صفة الفيلسوف في الأوساط الفكرية الراقية بمصر وفي غير مصر. وكذلك حال الشاعر العراقي المتستر الذي نؤثر أن نغفل فضيحته فنتركه في موت الخمول هو وأذنابه الصغار.
هذا هو السبب الحقيقي لحملة العقاد على الأستاذ لطفي بك السيد وليس السبب غيرته السياسة الوفدية، ولو صحت هذه الغيرة لما كانت في ذاتها عذرا للذبذبة الأدبية وللتناقض المعيب بين موقفيه بالأمس واليوم نحو لطفي بك. وما يمنعه من متابعة صديقه المازني في تقلباته المعروفة سوى مكره الذي يدله على إنه بذلك التقلب ينتحر أمام الجمهور، حيث يؤثر العقاد التصفيق من الجمهور على إرشاده وقيادته. وهو بخطته هذه يقلد سياسة شوقي بك الأنانية التي كان ينتقدها العقاد من قبل، ونعني بها متابعة الدهماء، والغيرة من كل أديب نابه، والإساءة إليه إن زاحمه أو لم يسر في ركابه، حتى ولو كان له فضل سابق عليه، فإن هذا الفضل ينسى بل يعتبر شبه جريمة!!
ولعل هذه الصفة المشتركة بين العقاد وشوقي - صفة الفردية القبيحة(6/758)
والأنانية البشعة - هي أصل التراشق بينهما إلى درجة معيبة، بحيث أن كليهما لا يعترف للآخر بأدنى حسنة، فقد عرفنا عن أدباء نزيهين غيروا أحكامهم سواء تقديرا أو انتقاصا لسواهم ولكنهم لا ينسون الحسنات إذا ما ذكروا السيئات، وأما حال صاحبينا المتصدرين للزعامة بالقوة
فعكس ذلك تماما!!
وقد اعتاد العقاد طول حياته أن يبني شهرته على حساب غيره متظاهرا بالكبرياء والعظمة ليكون حديث الناس وليقال عنه عظيم جبار!! فقد استغل من بادئ الأمر عطف الأستاذ عبد الرحمن شكري عليه وتعاونا مع المازني، فكان ثالوثهم داعيا لتشجيع الأدباء المجددين والصحفيين المتعلمين لهم، وكذلك القراء الذين سئموا القديم البالي، ولكن العقاد لم يرتح لاستمرار هذه الحالة الطيبة، فتآمر والمازني على هدم شكري، وكذلك فعلا في كتابهما البذيء السخيف المسمى (الديوان) لعلمهما أن أكبر عيب لشكري هو إنه رقيق الإحساس جدا، فصدمة قاسية كهذه كافية لجعله يبغض الشعر والشعراء ويطلق الأدب بتاتا. . . وهكذا كان تقديرهما في محله!!
وما فرغ العقاد من شكري إلا وتحول للمازني، فاستغله كمطيب له استغلالا مضحكا مبكيا، بينما يطعن فيه أقبح طعن في مجالسه الخاصة! وهكذا قضى العقاد على وحدة الثالوث وأبقى على نفسه، كما استغل المازني للدعاية له وجعله آلة من الآلات التي يهدم بها مشاهير الأدباء في مصر بل وفي غير مصر إذا اقتضت مصلحته. . . ثم أحاط نفسه بطائفة من العيال المتطفلين على الأدب، يلقي عليهم دروسا عن عظمته لينشروها شفويا وكتابة بمناسبة وبغير مناسبة، دع عنك ما يكتبه متسترا في الصحف للنيل من سواه، وأخيرا اهتم بمقاومة نشر آثار غيره من الأدباء المعروفين بحجة إنها غير فنية، وإن نشرها إساءة للأدب العصري، كأنما حضرته قيم على هذا الأدب!!! ولم يكتف بهذه العجائب بل أضاف إليها دسائس شتى كاتهامه بعض الزملاء الأفاضل بالعمل لحساب الشيوعية، دع عنك تجاهله إنتاج سواه من نبغاء مصر كالدكتور طه حسين والدكتور هيكل وأمثالهما ومقابلته يد الصداقة الأدبية الممدودة إليه بالإساءة.
وبالاختصار فهو لن ينوه إلا بفضل ميت لا يخشى منافسته، ويشترط عادة(6/759)
أن يكون أجنبيا، أو بفضل صغير في حكم العدم لا خوف من مزاحمته، وأما أقرانه فلا ذكر لهم عنده غير الطعن المستمر أو التجاهل، وهذا ديدنه الذي يعتبر في التخلي عنه فناءه، لأنه لا يعيش إلا على إصغار سواه، ولا يوجه النظر إلى نفسه إلا بتصنع العبقرية والعظمة. . . فتأمل!! وسبحان واهب العقول!
على أننا لو نظرنا إلى أدب العقاد من أوله إلى آخره لما وجدناه في أحسنه سوى تقليد لنظم شكري ولنقد المويلحي وهيكل وغيرهما، وليس في أغلبه سوى ثرثرة ومهاترة وسفسطة. . . فوجود هذا الأدب وعدمه سيان، بل الخير في عدمه، والأديب العصري المطلع على الثقافة الأوربية لا يسعه إلا أن يهزأ بصاحبه عندما يدعي إنه ليس بأديب مصر الأعظم فحسب، بل في مقدمة أدباء العالم وفلاسفته!!
هذا هو الدعي الذي يحتال احتيالا على الشهرة بالشذوذ والشتائم وبتصنع العظمة، وبالدعاية العميقة الماهرة بينما يظهر كالصنم المظلم، وبمحاولة هدم سواه من نبهاء مصر، وبالاختلاق على كل نابغة، حتى قضى على كل ظن حسن وجه إليه سابقا من إخوانه الأدباء أمثال الأساتذة طه حسين، ومحمود عزمي، وحسين هيكل، وزكريا جزارين، وخيري سعيد، وعبد الحميد سالم، وإسماعيل مظهر، ونجيب شاهين، وسلامة موسى، وغيرهم من الأفاضل المشهورين. فهل يتصور العقاد إنه يستطيع بعد أن اشتهرت دخيلته أن ينال من وزير المعارف المصرية الجليل الأستاذ لطفي بك السيد رجل الفضل والأدب ومكارم الأخلاق؟! على أننا لا نبرئ الأستاذ لطفي بك من اللوم، فقد أدنى إلى مجلسه الراقي المهذب من لا يستحق ذلك.
وقد شاء تهكم الأقدار أن تحتمل مصر بين عجائبها ظهور العقاد وشيعته من المتنطعين فيها ليصدق عليها الحكم المأثور:
وكم ذا بمصر من المضحكات ... ولكنه ضحك كالبكا!!
ولكن لنا عزاء في أن الدجل الفكري أصبح مفضوحا عديم الأثر، فلن يغتر به أديب مثقف لا في مصر ولا في غيرها، وحسبنا شاهدا قريبا على ذلك النقد المتين البليغ لديوان العقاد الذي نشرته زميلتنا (لغة العرب) الغراء، فقد قضى قضاء مبرما على ترهاته وفتح عيون المخدوعين فيه، ولم ينفعه دفاعا سبابه المألوف(6/760)
ومغالطاته ومجالس الباطل التي يعقدها لنفسه. . . ونحن نؤمن بحرية النشر ونرحب بأي دفاع يكتب لنا عن العقاد، ولا نتردد في نشر نماذج من شعره ونثره حتى لا نقف مرة في موقف التحامل الذي نبغضه اشد البغض، ولكننا لا نبالغ إذا قلنا بأنه ليس في الإمكان تهيئة دفاع صالح عن رجل أصبحت سيئاته وإساءاته وشذوذه وأنانيته ومصارعته للحق أضعاف أضعاف ما له من حسنات، ولن يجديه
فتيلا أن يتظاهر بالأبهة والعظمة كصفوة الأرستقراطية، ولا أن يلقبه بعض صبيانه بزعيم الأدباء المجددين، إذ لن يقبل هذه الزعامة المزيفة الطائشة أي أديب مخلص يحترم نفسه ويؤمن بقول الشاعر:
لا خير في أدب لمن لم يتخذ ... من طبعه طبعا ومنه أصولا
المصدر على وزن مفعول
في مختار الصحاح (وقد عقل من باب ضرب و (معقولا) أيضاً وهو مصدر وقال سيبويه (هو صفة) وقال إن المصدر لا يأتي على وزن مفعول البتة) فأقول: إن كتب اللغة ذكرت كثيرا من المصادر على وزن (مفعول) منها (المفتون والمعسور والميسور والمحلوف والمجلود) وعندي أن (المجيء والمزيد) كالسابقات فاعتراهما الإعلال بعد أن كانا على ذلك الوزن لان اصلهما (مجيوء ومزيود) ولكن مختار الصحاح لم يذكر ذلك. أما قول سيبويه فغير مقبول لأمور ثلاثة:
1 - إن المجيء والمزيد على وزن المبيع والمدين. ولم يشك لغوي في مصدريتهما لأنهما مصدران ثابتان، وبذلك بطل ادعاء سيبويه أن المصدر لا يأتي على وزن مفعول البتة.
2 - بعض هذه المصادر هي لأفعال لازمة المعسور والميسور والمحلوف ولا يصاغ أسم المفعول من الفعل اللازم إلا بإحدى الوسائط الثلاث التي ذكرها النحويون.
3 - قد يحل المصدر محل الاسم في الاستعمال فقد قيل (شاهد عدل) و (شاهدان عدل) وشهود عدل) عوضا عن (شاهد عادل) و (شاهدان عادلان) و (شهود عادلون) فالميسور وما على وزنه من المصادر يستعمل ذلك الاستعمال. قال في المختار: (وأما قوله تعالى: خذ العفو أي خذ (الميسور) من أخلاق الرجال ولا تستقص عليهم) أهـ. وذلك التعبير مثل قولك (خذ العدل من الشهود) أي العادلين.
مصطفى جواد(6/761)
كتاب ثمار القلوب
-
أتيح لي في الأيام الأخيرة أن أطالع كتاب ثمار القلوب، في المضاف والمنسوب، للثعالبي بعد أن لبث في غيابة خزانتي لبث يوسف في سجنه، وكنت في أثناء مطالعتي المح في الحاشية تعليقات للمصحح، على بعض كلمات الكتاب على سبيل الشرح والتفسير.
فإذا أنا أمام (شريط من الأعاجيب) ما كنت أتخيلها، وما كنت أظن أن بشرا حاضر العقل يرتكبها، وإن الإنسان ليخلط في حماه ويهذي في منامه ولكنه يخلط ويهذي بما يقارب الواقع أما الحاشية فكانت فوق الخلط وفوق الهذيان.
وكانت أول غلطة فظيعة عثرت بها في مسيري رواية قول حسان ص 175: (أني لو وضعت لساني على شعر لحلقه أو على صخر لفلقه) بقافين - (لقلقه) - وتعليقه عليها قوله (اللقلقة صوت طائر طويل. . .) فحملتها لاستبعادي صدورها من عاقل على هفوة قلمية وأشرت إلى ذلك في جزء سابق من هذه المجلة (6: 371) معتذرا عن المصحح بأن الإنسان محل السهو والنسيان ولكن لما أمعنت في استعراض الحاشية مرت من أمامي مخاز وترهات لا يمكن لبشر احتمالها فألجأتني إلى استرجاع اعتذاري! لأني لم أرض لنفسي أن اعتذر عن بلاهة فأضيف إليها بلاهة أخرى.
وهاءنذا أعرض على أنظار القراء ما كتبته من الملاحظات حول تلك الفضائح وهي إلى تفكهة القراء أقرب منها إلى النقد لأن الحال سقطت عن أن يتناولها قلم منتقد.
قال في ص 267 بيت:
أناس هم المشط استواء لدى الوغى ... إذا اختلف الناس اختلاف المشاجب
أقول: (المشط) معروف و (المشاجب جمع مشجب) وهو - كما في القاموس - خشبات توضع عليها الثياب وهذا البيت بديع جدا لأن الشاعر عمد إلى آلتين إحداهما ذات فروع متضامة في استقامة وتواز والثانية ذات فروع(6/762)
متفرقة ومتباعدة وقد تكون متقاطعة ومنعقفة فشبه الوفاق بالآلة الأولى وشبه الشقاق بالآلة الثانية والصيغة كما لا يخفى أسم آلة أما حضرة المصحح فإنه فسرها في الحاشية بالاختلاط والتنازع وإن لم تضحك من هذه فسوف يضحكك ما يليها ففي الصفحة نفسها قول بعض البلغاء: (في إحدى سني القلم أري
وفي الأخرى شري) ففسر حضرته (الشرى) بالخراج المعروف وهو بهذا المعنى لو كان مقصورا على وزن (فتى) لكن مراد القائل ما يوازن (الاري) وتفسيره على هذا الوزن (الحنظل) وهو الذي يناسب المقام لفظا ومعنى.
وفي ص 282: (ويقال أيضاً كانت عليهم كراغية السقب يعنون رغاء بكر ثمود حين عقر الناقة قدار) هذا نص عبارة المؤلف وهو نفسه فسر السقب بالبكر أي ولد الناقة فأتى المصحح وركب عشواء وقال: (السقب والصقب بفتحتين القرب وفي الحديث الجار أحق بسقبه) فأين هذا من ذلك؟
وفي ص 284 قول بعض العرب في وصف ناقة: (الإبل سفن البر وجلودهما قرب ولحومها نشب وبعرها حطب وأثمانها ذهب) ومعنى النشب المال كما هو معروف أما المصحح - وهنا تسكب العبرات - فقد قال: (النشب جمع نشابة) فوقع في خطل مركب: أولاً إن لحوم الإبل ليست نصولا جارحة فتسمى نشابا. ثانيا إن النشابة جمعها نشاب بإسقاط الثاء كتفاحة وتفاح.
وفي ص 286 في بحث (أشقر مروان) قال المؤلف: (هذا فرس مشهور كان لمروان بن محمد آخر ملوك بني مروان وهو يعدل شبديز ابرويز في الحسن والكرم حتى صار مثلا لكل ظرف - كذا بالظاء - عتيق وفرس كريم) فقال المصحح في الحاشية: (الظرف واحد الظرفاء والظراف وهو المشتمل على طباع كريمة) فهل رأيتم بالله عليكم بلاهة توازي هذه البلاهة؟
أولاً إن الظرف ليس واحد الظرفاء والظراف بل واحدهما ظريف وثانيا إن الصواب (طرف) بالإهمال والكسر ك (سرب) الكريم من الخيل وهو المناسب للمقام.
وفي ص290 بيت من قصيدة أبي دلامة:
وتحفى أن بسطت لها الحشايا ... ولو تمشي على رمث الرمال(6/763)
كما ترى (رمث) بالراء وعلق عليها في الحاشية (نبات ترعاه الجمال ينبت في السهل. . .)! والصواب (دمث) بالدال يقال فلان دمث الأخلاق أي لينها.
وفي ص 292: (أبو الهزيل) بالزاي والصواب بالذال المعجمة وفيها أيضاً أحمد بن أبي داود) والصواب (دواد) بتأخير الألف عن الواو وهما متكلمان مشهوران.
وفي ص 298، (ذنب الحمار - يضرب مثلا لما يزيد ولا ينقص. . . وكان أبو بكر الخوارزمي يقول فلان كأعيان المرجئ وذنب الحمار) والصواب - كما في ص 135 من الكتاب نفسه (لا يزيد ولا ينقص) و (كأيمان المرجئ) لأن طائفة المرجئة تقول (الإيمان لا يزيد ولا ينقص).
وفي ص 310: (العرب تقول في الدعاء على العدو:
رماه الإله بداء الذئا ... ب لأن دهره جائع)
هكذا على هيئة بيت من بحر المتقارب وعندي عدة أدلة على أن الكلام ليس بنظم: الأول أن الشطر الثاني غير مستقيم الوزن. الثاني إن تعليل الدعاء على هذا الأسلوب لا يلائم الذوق الأدبي. الثالث إن عبارة المصنف لا تدل على إنه نظم إذ لو كان نظما لقال: (قال الشاعر) ولم يقل: (العرب تقول).
وفي ص 311 بيت هكذا:
وكنت كذئب السوء لما رأى ... دما بصاحبه (يوما) أحال على الدم
وفي ص 319 بيت:
وأما نومكم عن كل (خبر) ... كنوم الفهد لا يخشى دفاعا
هكذا بالباء الموحدة وعلق عليها حضرته قوله: (الخبر بفتحة وسكون الاختبار) ولم يشأ أن يرويه بالياء المثناة ويستريح من عناء التفسير.
وفي ص 320 بيت من الرجز:
ليس ينام كنوم الفهد ... ويأكل كأكل العبد
وهو كما ترى ليس فيه ما يسمى رجزا والصواب أن يكون هكذا:(6/764)
ليس بنائم كنوم الفهد ... ولا بآكل كأكل العبد
وفي ص 332: (يقال ابر من هرة) فعلق عليها هذه العبارة: (الهرة قد أبرت بأولادها في أكلها إياهم. . .) بزيادة الهمزة في الفعل واستعمال ضمير العقلاء. وهذا غاية في الجهل! وفي الصفحة نفسها بيت الراجز:
انك لو عمرت سن الحسل ... أو عمر نوح زمن (العظمل)
والصواب كما في ص 515 من الكتاب:
انك لو عمرت عمرت الحسل ... أو عمر نوح زمن الفطحل
وفي ص 334 هذه الأبيات:
وطيب أهدى لنا طيبا ... فدلنا المهدي على المهدي
لم يأتنا حتى أتتنا له ... روائح أغنت عن الند
بظاهر اخشن من قنفذ ... وباطن ألين من زبد
كأنما تكشف منه المدى ... عن زعفران شيب بالند
وعلق على (الند) الأول قوله: (الند بالفتح الطيب، وهذا التفسير صحيح لكنه علق على (الند) الثاني قوله: (والند بالكسر النظير) وهذا نهاية الرقاعة والصواب أن الكسر لا مناسبة له هنا وإنما ساقه إلى اعتبار الكسر محاولة التخلص من الإبطاء فوقع في أقبح منه ولو كان على بصيرة من أمره لعوض عن أحد الندين لفظة الرند وهو أيضاً ذو رائحة طيبة وبذلك يتخلص من الإبطاء.
وفي ص 346: (والشعراء يشبهون الشيء الصغير القصير بإبهام القطا والحبارى واظفور العصفور) علق على كلمة (اظفور) مفرد كظفر وجمع الأول اظافير وجمع الثاني أظفار وراجع القاموس.
وفي ص 351 البيت المشهور:
أسد علي وفي الحروب نعامة ... ربداء تنفر من صفير الصافر
علق على لفظة (ربداء) قوله: (ربداء صفة النعامة من ربد أي أقام وسكن) أقول: إن فعلاء صفة مشبهة مثل عرجاء وحمقاء وتختص بما يفيد الثبوت لذلك لا ينبغي أن تأتي من (ربد) بمعنى أقام كما لا يأتي جلساء من جلس ولا كتباء(6/765)
من كتب والصحيح أن ربداء من الربدة كغبراء من الغبرة وزنا ومعنى.
وفي ص 354 البيت المشهور:
بغاث الطير أكثرها فراخا ... وأم الصقر مقلاة ترود
علق عليه قوله (مقلاة مهجورة أي قليلة الولد وترود تدور باحثة) أقول: إن مقلاة ليست من المقلي إذ لا مناسبة له هنا فتفسيرها بالمهجورة ثم تفسير المهجورة بأنها قليلة الولد تكلف ظاهر والصواب إنها من القلت قال في القاموس (المقلات ناقة تضع واحدا ثم لا تحمل
وامرأة لا يعيش لها ولد) وعلى ذلك ينبغي رسمها بالتاء المبسوطة لأنها أصلية والرواية المشهورة (مقلات نزور) وهي المناسبة للقافية لأن مطلع القصيدة:
ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وفي أثوابه أسد هصور
وفي ص 358 في وصف الطائر المعروف بالسمندل (هذا الطائر في طباعه مزاج من طلاء النفاطين وأظن هذا الطلاء من طفل وخطمي ومغرة) فعلق على كلمة (النفاطين) قوله (النفاطين طلاء) وسكت والى القارئ الحكم.
وفي ص 382 بيت:
وما القطاة الكدر إلى القفر ... أهدى من الفقر إلى الحشر
وعلق عليه قوله (الكدر والمنكدر المسرع) ولم ادر لم أضاف لفظة (المنكدر) وأنت ترى أن البيت غير مستقيم الوزن وينبغي أن يكون من السريع هكذا:
وما القطا الكدر إلى القفر ... أهدى من الفقر إلى الحشر
بإسقاط التاء لإقامة الوزن وليناسب كلمة (الكدر) لأنها جمع أكدر كحمر لأحمر والكدرة من صفات القطا.
وربما في كلمة القبر هنا أولى من كلمة الحشر فتأمل.
وفي ص 439 قطعة للجاحظ في من طال فراقه لأهله واشتدت عليه الحال فوقع في ما لا يحسن ذكره! وفيها يقول: (ومن كان كذلك لم يميز بين غثيان البهائم و. . .) كما ترى (غثيان) بالثاء وعلق عليها المصحح قوله: (والغثيان الخبث) ولم تصل مداركه إلى أن يصحح الغثيان بالغشيان أي الإتيان.
وفي ص 465 بيت:(6/766)
أترى عليل الوجد يطفئ ناره ... إلا رضاب الكاعب الغيداء
قال في الحاشية (الغيداء بخلاف الاغيد فإنه الوسنان المائل العنق) فلينظر ما معنى قوله (بخلاف الاغيد. . .)؟
وفي ص 490 حديث عن النبي (ص): (ما زالت اكلة خيبر تعاودني فلا تهدأ أو تقطع ابهري).
وفي الحاشية (الابهر جمع بهر بالضم تتابع النفس) فيا لله من هذا الإفن الذي لا يصدر
مثله عن صاح! انظروا رحمكم الله ما معنى هذه الحاشية؟ وأي مناسبة بينها وبين الحديث؟
قال في القاموس: (البهر. . . وانقطاع النفس من الإعياء. . .) إلى أن قال: (والأبهر الظهر وعرق فيه) ولا يخفى أن هذا هو المناسب للحديث.
وفي ص 499 أبيات في وصف السيف:
كأن على متنيه أمواج لجة ... تفقأ في ضحضاحه وتطول
كأن صغار الذر كسرن فوقه ... عيون جراد بينهن دحول
حسام غداة الروع ماض كأنه ... من الله في قبض النفوس رسول
علق عليها قوله (ضحضاحه أي بقربه) فأي فائدة في هذا التفسير؟ مع شيوع كون معنى الضحضاح الماء الخفيف شبه به السيف.
ثم قال: (وقوله الدحول والداحول ما ينصبه صائد الظباء من الخشب) ولم استطع أن افهم المناسبة بين هذا التشبيه وبين آلة لصيد الظباء.
والذي ينبغي أن يقال أن في الكلمة تصحيفا وصوابها ذحول بالذال المعجمة جمع ذحل وهو الثأر يقال: بين القبيلتين ذحل قال الشاعر:
كل فج من البلاد كأني ... طالب بعض أهله بذحول
وإن شئت حدثتك أيها القارئ بشيء أعجب ولا عجب بعد الاطلاع على ما سبق ذلك: أني انتهيت إلى الصفحة 512 فإذا فيها فصل هذا عنوانه: (ليلة منيح منبع بالشام). . . إلى أن قال (ولما دخل الرشيد منيحا. . .) فقلت ليت شعري ما هو (منيح) الذي دخله الرشيد ولم اسمع به مع شغفي بالتاريخ؟ وما هي الليلة التي نسبت اليه؟ ولولا عطفه على ذلك قوله (وهي بلدة البحتري) لما اهتديت إلى أن يعني بلدة (منبج)!!!(6/767)
ومما يضحك الثكلى ما ورد في ص 543 (كان سليمان بن عبد الملك يقول: إن الفرس يصهل فتنق له الحجرة وإن الفحل يهدر فتضع له الناقة وإن التيس لينث فتستحرم له العنز وإن الرجل يغني فتشتاق له المرأة) فعلق عليها جناب المصحح قوله: (ينث يرشح)! والصحيح إنه بالباء التحتية المشددة مكان المثلثة أي (ينب) من نبيب التيس وعلى الباحث أن يفتش عن كلمة (تضع) لعلها (تضبع) أو غير ذلك. وتنق لا معنى لها هنا ولعلها تدق من ودق.
وفي الصفحة نفسها في فصل سقاية الحاج (. . . ونبيذ الزيت) والزيت لا نبيذ له! بل هو الزبيب قد حرف.
وفي ص 547 قال أعرابي لابنه: يا بني كن يدا لأصحابك على من قاتلهم ولكن إياك والسيف فإنه ظل الموت واتق الرمح فإنه رشا المنية وأحذر السهام فإنها رسل الهلاك).
علق على كلمة (رشا) قوله (رشا بكسر الراء وضمها جمع رشوة)! هذا والله شيء يكاد الناظر إليه يمزق ثيابه! ويحك! إنها (رشاء) بالمد بمعنى الحبل شبه به الرمح كما شبه عنترة الرماح باشطان البئر في قوله:
يدعون عنتر والرماح كأنها ... اشطان بئر في لبان الأدهم
وفي ص 550 بيت:
لا رقة الخصر الرقيق غذتهم ... وتباعدوا عن فطنة الأعراب
بالخاء المعجمة والصاد المهملة والصواب إهمال الأولى وإعجام الثانية.
وفي ص 559 بيتان:
وند ما له ند ... تعاطيه من السنة
إذا ما دخل النار ... حكى رائحة الجنة
علق عليه قوله (الند بكسر النون الطيب والند بفتحها النظير)!!!
هذا ما هيئ لي أن انبه عليه من تلك المخازي ومنه يعلم مبلغ ما منيت به لغتنا العزيزة التي هي دعامة هذه الأمة الضعيفة. فكم بين أظهرنا من حاملي شارة العلم والأدب لا يمتازون شيئا عن هذا المصحح يجوسون خلال معاهد الإفادة ويتسمون بسمات الأساتذة وهو لعمري أثر من آثار الفوضى التي دست اشاجعها في كل شأن من شؤوننا والله هو المجير.
محمود الملاح(6/768)
فوائد لغوية
الأوهام الشائعة
1 - قال أحدهم (علينا أن نتبين حالة معلوماتنا فنلاحظ بذلك ما (ينقصنا)) وهو يريد (ما يعوزنا) وشتان ما بين المعنيين. فمعنى ينقصنا يجعلنا ناقصين أو يبخسنا أو يترنا.
2 - وقال المذكور (فان لم يجل المطالع. . . يكفيه أن يهتم بأحدها) ولم يعلم أن الفعل المضارع مثل (يكفيه) إذا كان جواب شرط وجب جزمه. فالصواب (يكفه) بحذف الياء نيابة عن السكون لأنه معتل الآخر بالياء.
3 - وقال وهو من الجهلة المغرورين (ويجب استعمال اللفظة العربية الفصحى - بأن يهجر المنشئ الألفاظ المدرسية الغالبة على ألسنة التلاميذ نحو: أجاب على السؤال بدلا من: أجاب عن السؤال - وإذا مقدرته أصغر من مقدرات التلامذة لأنه قال مخالفا لما نصح به غيره (أن هذه التحريات بأجمعها طويلة وصعبة (والجواب عليه) إن كل شخص يعمل بحسب قواه) وقال أصلحه الله (فعليه وخطته إلى جانب مسودته. أن يعيد قراءتها بتأمل وانتباه مرارا وينتقدها من عدة أوجه (ويجيب على الأسئلة التالية) وفي القولين استعمل (على) بدلا من (عن) مع الاسم والفعل. وما أنكى أن ينقض الإنسان قوله بقوله جهلا وغباوة وتبجحا ولو كان ما منعه مألوفا عند المولدين.
4 - وقال (الأشخاص التي ينبغي التنويه عنها) وهو غالط كالذين من قبله فالصواب (ينبغي التنويه بها) كما قال الفصحاء.
5 - وقال هذا المتبجح (والفرق بين هذا الترجيح والترجيح الفقهي أن هناك يرجح) فجعل أسم أن المتقدم خبرها (فعلا) هو (يرجح) ولا يدخل (أن) على الفعل إلا الشعراء ذوو الضرائر المستقبحة (فالصواب أن هنا ترجيحا).
6 - وقال المغرور نفسه (وقيل ليست المشنقة هي التي تكسب العار وإنما(6/769)
هي الجريمة) والصواب (وإنما الجريمة تكسبه) تخلصا من الإضمار قبل الذكر الممنوع وإيضاحا للمعنى مع محافظة الإيجاز.
7 - وقال مخطئا (كذلك تجد في نفسك ذاتها) والفصيح (كذلك تجد في نفسك عينها أو
بعينها) وليس التأكيد بالذات فصيحا.
8 - وقال أحدهم (وينبغي لنا أن ندرك أن هذين الرجلين من الشواذ) والصواب (من الشاذين أو الشذاذ) حسب القياس. لأن وزن (فاعل) صفة لمذكر عاقل لا يجمع على (فواعل) لئلا يلتبس بجمع (فاعلة) مثل قارئة وبجمع (فاعل) صفة لمؤنث مثل (طوالق وحوائض).
9 - وقال هو بنفسه (لا نظن أنا ملزمون بذمها) والفصيح (ملزومون ذمها) لأن أسم المفعول هنا يعمل كفعله المبني للمجهول أي ينصب مفعولا واحدا.
10 - وقال وهو يدعي إرشاد الناس إلى استعمال العربية الفصحى (وذلك أن بعض الحوادث المضحكة حدثت في (مأتم)) مريدا (مناحة أو معزى) والفصيح أن يقول (حدثت في مأتم حزني) لأن في المآتم ما هو ذو فرح وانبساط.
11 - وقال وهو من المدعين (إن ثلاثة معان أو أربعة يوثق من صحتها) والصواب (يوثق بصحتها) لأن الباء تستعمل هنا.
12 - وقال المذكور (وأني أحيانا حينما أجد رفاقي يتحادثون مسرورين عن آمالهم لا أقوى على. . .) فجعل ظرفي الزمان متواليين وهذا مستكره وآخر الجار والمجرور فكان التباس. فالصواب (وأني حينما أجد رفاقي يتحادثون أحيانا عن آمالهم مسرورين لا أقوى على. . .) بفصل أحد الظرفين وتأخير (مسرورين) خشية اللبس.
13 - وقال مدعيا (فعلى الكاتب أن يبرز كل ما هو جوهري) والصواب الموجز (أن يبرز كل جوهري. . .).
14 - وقال هو بنفسه: (فإذا أردنا كتابة فرض موضوعه (الحجاج) مثلا و (تعرضنا إلى) قوى عقله وإرادته) قلنا: هو مخطئ في وضعه (إلى) موضع اللام. فالصواب (وتعرضنا لقوى عقله. . .) ولا يقال (تعرض إليه).
الكاظمية: مصطفى جواد(6/770)
باب المكاتبة والمذاكرة
فضل علماء مصر على صاحب المجلة في يوبيله إلى فضيلة
العلامة الأب انستاس ماري الكرملي حفظه الله.
يرفع هذه التحية القلبية إلى فضيلتكم نفر من أدباء مصر الذين يقدرون منزلتكم العلمية والأدبية العالية وما نحن إلا بعض الجم الغفير من أهل الأدب ومحبيه في العالم العربي الذي يشعر شعورنا بديننا الباقي لمواهبكم السامية في انتصاركم للأدب الشريف وخدمتكم النبيلة للغة القرآن التي أصبحتم تعدون عن جدارة أمام أئمتها.
وقد دعتنا إلى مخاطبتكم تلك الفرصة المباركة وهي إتمامكم في 16 أيلول من هذا العام 35 سنة منذ اشتغالكم بتدريس العربية وآدابها باللسان والقلم لنفع طلبتكم وقارئيكم ومريديكم العديدين في عالم الضاد. وسرنا أن غيرنا من محبيكم في العراق لم يفته الانتباه إلى هذا الحادث التاريخي الأدبي، وانه يعنى بأعداد حفلة يوبيل عامة لائقة بقدركم يشترك فيها أدباء جميع الأمم العربية ومعاهدها الدراسية، فضلا عن الأعلام المستشرقين.
ويزيدنا سرورا أن تتنازلوا لقبول هديتنا الصغيرة التي نرفعها لهذه المناسبة إلى (لغة العرب) الغراء وهي صك قيمته ثلاثون جنيها مصريا اعترافا بتضحيتكم المتواصلة في سبيل العلم والأدب، وتقديرا لعنايتكم الممتازة بتهذيب اللغة والنقد الأدبي، وبث روح النزاهة والشجاعة الأدبية والإخاء الفكري، ونصرة الحق والفضيلة، ولعلكم لا ترفضون نشر اعترافنا هذا بمجلتكم الغراء.
ونسأل الله أن يمد عمركم الثمين، ويوفق العالم العربي لزيادة الانتفاع من جهودكم المنوعة الفذة، وأن يبقيكم ذخرا للعلم والأدب، وفخرا للعالم العربي. وتفضلوا بقبول أجل الاحترام عنهم.
عن مصر القاهرة: محمد شرف
(لغة العرب)
إن هذه السطور تدل على كرامة أصحابها أكثر مما تدل(6/771)
على ما نستحقه، إذ ليس فينا إلا
العجز والقصور. على أن تقدير صاحب السعادة العلامة الكبير الدكتور محمد شرف بك ومن انضم إليه لما فعلناه من القيام بفرائض لغتنا، مما يدفعنا إلى مواصلة الخدمة لنكون أهلا لهذا المديح الذي نرانا بعيدين عنه إلى اليوم كل البعد.
ونشكر اخوتنا المذكورين المصريين الكرام شكرا ثانيا لمساعدتهم إيانا بمالهم لنرأب بها صدع الخسائر التي تتكبدها ولا نزال نتكبدها لخدمة هذه اللغة الشريفة بواسطة مجلتنا الضعيفة فعسى أن يصلح حسن النية وإخلاصها ما يعوزنا من العمل والله الميسر.
المضخة والمنضحة
في مطالعتي الجزء التاسع من السنة الخامسة من (لغة العرب) الوضاءة استوقفني منها الكلام المثبت في آخر سطر من صفحة 545 وهو (باتخاذ المضخات التي تديرها المحركات). إلا أن من يرجع إلى استشفاف وجه هذا الكلام في ذلك الموطن لا يكون له بد من الوقوف عند لفظة (المضخات) المخرجة إلى غير حيزها استعمالا وتفسيرا؛ وذلك لأن الكاتب قد تخيل هذه اللفظة من الوضع الميسر للدلالة على الآلة العصرية المستنبطة للسقي أي على الآلة التي يقال لها ولكن الصحيح - وهو الذي لا مشاحة فيه - أن اللفظ الذي قد أطلق على هذا المعنى هو (المنضحة) ولا تسمية سواها مما تبارت في اشتقاقه قرائح الواضعين لتجاري تمثيل حقيقة المعنى وإما (المضخة) فهي اللفظة التي أفردت على وجه التخصيص (للدوش) الشائع استعماله في حمامات الأمصار التي توفر حظها من الحضارة ومن أخذ أخذها وذلك لمن يتوخى الاستحمام ضخا لمقاصد صحية، وفاقا لطرقه المختلفة. وحيث قد وهم الكاتب في حقيقة حكم هذا الوضع ووجه استعماله تحتم التنبيه عليه، ابتغاء رده إلى نصابه.
(ل. ع) لا فرق في الأصل بين مادتي (ض خ) و (ن ض ح) والمادة(6/772)
الأولى أقدم من الثانية لوجودها في حالة خلقها الأول. وإما الثانية فادخل عليها النون لزيادة في المعنى وإما وضع الحاء في موضع الخاء المعجمة فهو من لغات بعض القبائل وألا فانهما في جوهر واحد بقي هناك أمر لابد منه هو التخصيص فإذا خصصت المضخة بالدوش والمنضحة بالطلمبة انتفى اللبس وهو الغاية من وضع الألفاظ. أما اللغة فأنها لا تأبى وضع الواحدة موضع الأخرى.
أغلاط الجزء الأول من الأغاني
اقتنيت حديثا كتاب الأغاني الجديد الطبع فرأيت فيه بعض الأوهام اعرضها على القراء وهي:
في التصدير
ص 5 س 8 ما معناها: ما بين معناها - ص 10 س 19 وصفت: رصفت - ص 32 س 7 شيابه: شبابه
في الكتاب
ص 18 س 6 عقبة أبي: عقبة بن أبي - ص 28 س 19 قال ويقال: قال ويقال فيه في آسيه أي في اصله والاسي الأساس واحد وذرى كل شيء أعاليه وهو جمع واحدته ذروة ويروى. . . - ص 94 س 2 من الحاشية: ململام: مملام - ص 197 س 12 من الحاشية: آوقة: آونة - ص 205 س 9 من المتن: آية: آيه (لان المعنى ورد مكررا في القرآن الكريم) - ص 215 س 7 من الحاشية: سنينا: سخينا (لان السنين لا معنى لها هنا ويوصف الدمع بالسخين) ص 241 س 10 من المتن: ومنها. مع أن الشعر ليس من تلك القصيدة - وص 252 س 4 وص 309 س 9 وص 380 س 7 ومن النساء قال ابن سريج: (ولم ينوه به عنه وإن قال أن أحسن الرجال غناء من تشبه بالنساء؛ فكان التنويه لازما حسبما أرى) - ص 343 س 4 عدا: غدا - ص 365 س 11 من الحاشية، أحيل على الحاشية رقم 5 ص 346 والصواب رقم 6 - ص 392 س 2 وذكر - وذكرا - ص 393 س 10 من الحاشية: وجاء يعدو فقال: وجاء يعدو فعثر وتبدد الجمر فقال (كما في القاموس والأمثال) - ص 397 س 6 من المتن: وقضى: وكان قضى أو وقد قضى (فهلا صحح) - ص 402 س 10(6/773)
من الحاشية: الحشاش الذي يحش الحشيش (ولا معنى له هنا بل هو الذي يكتسح الحش وهو الخلاء) - ص 414 س 10 من المتن: قوله بابي حنيفة أيها القاضي، ولا اذكر إنه ولي قضاء فهلا علق عليه كلمة.
بغداد: عبد اللطيف ثنيان
الكتابات الأثرية العباسية
كان طير إلى صديقي العزيز العلامة الأب الكرملي منشئ هذه المجلة الجامعة بطاقة بالبريد الجوي مؤرخة في 28 حزيران سنة 1928 يقول فيها إنه جاءه في يوم واحد - 9حزيران - أربع رسائل من أربع مدن بخصوص الآثار العباسية ستنشر في الجزء السابع الذي يصدر بعد أسبوع.
فاغتبطت بهذا الخبر ظانا أن مقالتي عن الكتابات الأثرية العباسية المدرجة في صفحة 116 من المجلد السادس قد حملت بعض العلماء الذين يعرفون مثل هذه الآثار فكتبوا عنها ما يخدم العلم وينفع الناس وكتبت إلى الصديق الكرملي من عرض الكرمل أعلنه هذا الاغتباط وسروري بمقالتي التي جرت وراءها أربع مقالات وبت أرقب وصول الجزء السابع بنافد الصبر.
فلما جاءني بالأمس وجدت أن الرسائل الأربع التي تكاد تتفق في المعنى هي في نقد ما كتبته وإن اختلفت في المبنى. وبالرغم من تضمن إحداها عاطفة رقيقة فإنها كانت بمجموعها عاصفة تحامل شديد يراد به نسبة كل فضل وفضيلة إلى المستعربة من الغربيين الذين لا ننكر أياديهم البيضاء في خدمة لغتنا وتاريخنا ولكننا لا نرتضي لأنفسنا أن نكون عالة عليهم في القول والتفكير بل في الأمور التي قد نصل إليها ونطلع عليها أكثر منهم لأنها من تراث أجدادنا.
لذلك كنت شديد الأسف على التسرع الذي بدر من بعض أصحابنا على غير هدى. في حين أني لا ادعي العصمة ولا أبرئ نفسي من الخطأ والزلل.
والذي يتلخص من تلك الرسائل الأربع هو:
1 - إن هذه الكتابات جمعها فإن برشم وعلق عليها فوائد جليلة ولعل الكتاب نشر قبل أيام في مطبعة المعهد الفرنسي في القاهرة.(6/774)
2 - إن هذه القضية قد طرقها السيد جرجي أفندي يني الطرابلسي منذ سنة 1892 في مجلة المقتطف الغراء في العددين الثامن والتاسع من المجلد السادس عشر وذلك بترجمة ما كتبه كليرمون غانو عنها.
3 - إن مجلة الهلال الغراء نشرت مقالة بتوقيع أحمد زكي باشا تتضمن نحو ثلاثة أرباع ما في مقالتي وإن زكي باشا نقلها ببعض تصرف عن مقالتي فإن برشم وكليرمون غانو
وانه استفاد من مقالة السيد يني وأنني انتفعت بهذه المقالات الثلاث دون أن أشير إليها بكلمة واحدة.
4 - إنه كان يحسن بزكي باشا وبكاتب هذه السطور أن يذكرا المصادر التي أخذا عنها مقالتيهما ولا ينتحلاها لنفسيهما إذ في ذلك الأمانة والإقرار بالمعروف ونسبة كل ذي حق إلى حقه.
انتهى ملخص الرسائل الأربع المدرجة في الصفحتين 353 و536 من المجلد السادس من لغة العرب المحبوبة.
وقبل أن أتولى الرد على السادة النقدة أرى من واجبي أن اشكر للأب الكرملي ذلك الثناء والإطراء الذي قدمهما بين يدي مقالتي وتوج بهما رأسها فأثار هذه العاصفة الأدبية ولولا ذلك ما تنبهت الأذهان إلى هذا الجرح والتعديل والمقابلة التي حفت بها مقالتي عن الإيمان وعن الشمائل. ولا يسعني وأنا أصوغ قلائد الشكر للصديق إلا أن أقول للناقدين إنني لم ادع في مقالتي الابتكار ولما زعم إنني أتيت بما لم يطلع عليه قبلي انس ولا جان وإنما عين الرضى جعلت الأب انستاس ينظر إلى المقالة بذلك النظر الكليل عن كل عيب. في حين إنه لم ينسب إليّ الابتكار والابداع، ولم يغمط حق المتقدمين في هذه المباحث. بيد إنني أستطيع القول لمن يريد: أنني وفقت لاكتشاف أشياء من هذا النوع لم يعلم بها غيري قبل أن أعلنها بين الملأ وآتي على قولي هذا ببرهانين نشرتهما في مجلة الزهراء الغراء، فمن كان في ريب مما اقول، فليرجع إليها في الصفحة 526 من المجلد الثاني والصفحة 578 من المجلد الثالث. وفي مجموعتي عشرات من الكتابات التي لم يسبق نشرها أو بالحري لم يمكن الاطلاع عليها لغيري.
ولم تكن عنايتي بجمع أمثال هذه الكتابات الأثرية من باب التقليد الأعمى(6/775)
بل أن الذي حداني إلى ذلك إنني كنت بدمشق زائرا قبل خمسة عشر عاما فبينما كنت أتجول في شوارعها وجوادها وقع نظري على بعض الكتابات الأثرية المنقورة في الحجارة وقد أدخلت في بعض البنايات الحقيرة فورد على خاطري أن جمع مثل هذه الكتابات قد يجدي نفعا للتاريخ وقد أدليت برأيي هذا حين ذاك إلى صديقي صاحب المقتبسين العلامة الأستاذ السيد محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي وزير المعارف في الحكومة السورية
الآن فاستحسنه ولكنه قال أن مثل هذا المشروع يتطلب عناء ونفقة وهو أحرى بعلماء المشرقيات في الغرب منا نحن المشارقة العرب ومع ذلك فإني أخذت بنقل ما عثرت عليه من الرقم في فلسطين ولا أقول إنني تمكنت منها جميعا لأن في الزوايا كثيرا من الخبايا إلا أن الذي أستطيع أن أجاهر به وأفاخر إنني طوفت بأكثر مدن فلسطين وقراها باحثا منقبا وأنني صححت بعض أغلاط النقلة من العلماء المستشرقين الذين جمعوا كتابات معينة محدودة ولعل صديقي الأب يذكر حديثي له في هذا الشأن في دير مار الياس على رأس الكرمل سنة 1925 بل أقول أكثر من هذا إنني وجدت لكلرمون غانو ولفان برشم أغلاطا من هذا النوع سأنشرها متى جاء وقتها. ولا لوم ولا تثريب عليهما في ذلك فانهما ليسا من الناطقين بالضاد ولا هما من أبناء البلاد الذين يستطيعون التغلغل في أحشائها وقد قيل: أهل مكة أدرى بشعابها.
والذي أريد أن أقوله بجلاء ووضوح هو أنني نقلت تلك الكتابات عن أرقامها الأصلية ولم استعن بأحد كما توهم أصحابنا. على أن المتأخر إذا نقل عن المتقدم لا يكون قد ارتكب شططا أو جاء أمرا فريا. أما ردودي على كرام الكاتبين فهي:
1 - إن المأسوف عليه فإن برشم كان عني بجمع الكتابات الفلسطينية وقضى نحبه قبل أن يقضي لبانته من نشرها وتمثيلها بالطبع. وقد نشر الجزء الأول من مجموعته التي ستقع في ثمانية أجزاء منذ بضع سنين واقتنيت ذلك السفر على الرغم من جهلي اللغة الفرنسية التي علق بها على الكتاب واللغات الأجنبية الأخرى كما(6/776)
أشار إلى ذلك الأب انستاس في معرض الدفاع عني. وليس في هذا الجزء ما نحن بصدده من الكتابات ولم اطلع على الجزء الذي تلاه بالنشر - ولا أدري إذا كان هذا الجزء هو الذي قال عنه أحد الناقدين إنه صدر قبل أيام في القاهرة - لأتبين أكانت الكتابات التي تناولتها في مبحثي قد نشرت أو لم تنشر بعد! فهل يريد صاحبنا أن يقول إنني اطلعت على مسودات فإن برشم ونقلتها عنه والرجل كان يقيم في وطنه سويسرة ولم يتسن لي الاجتماع به. على إنه لو فرضنا أن فإن برشم قد نقلها إلى مجموعته فلا يمنع هذا من اطلاعي عليها قبله أو بعده وتعليقي عليها بما قدرت عليه.
وعلى ذكر هذه الكتابات أرى أن اذكر اهتمام أحد أساتذة اللغة بها فقد قال لي أن نشرها
على طرازها الأصلي قد أفاد العلماء معرفة طريقة الكتابة في القرن الثالث الهجري وانه لو لم يكن من وراء نشرها سوى هذه الفائدة لكفى.
2 - يؤسفني أن أقول إنني لم اطلع على ما كتبه الأستاذ يني في المقتطف الأغر قبل سبع وثلاثين سنة تعريبا لما كتبه كليرمون غانو وتعليقا عليه ولكن الذي ألاحظه أن الذي كتب عنه الأستاذ هو المبحث الخاص بالكتابة الأموية المشوهة. وهذه الكتابة ليست من موضوع مقالتي (الكتابات الأثرية العباسية في فلسطين) وإنما ألحقتها بها بسبب التحريف الذي نالها في زمن المأمون العباسي وإذا فليست هي موضع الجدل وإنما كان يجب أن يقصر النقد على الرقيمين العباسيين اللذين بنيت مقالتي عليهما. وأنني اشكر لكل من يكشف لي الغطاء عنهما ويثبت لي بالبرهان انهما قد نشرا قبل أن أنشرهما سواء بالمقتطف أو غيره من المجلات والكتب فإن الكاتب لا يستطيع الإحاطة بكل ما يكتب ولا يفي العمر لقراءة جميع الكتب.
ولو كنت عند ظن أصحابنا النقدة أنني أتناول ما كتبه غيري وانسبه لنفسي لكنت كتمت أسم كلرمون غانو الذي نقلت عنه الرقيم العباسي الثالث المدرج في الجزء الثامن (م 6 ص583) ولم أشر إلى فإن برشم أيضاً فإن في كتم ذلك تضليلا للقراء وتوهيما لهم بأنه من اكتشافاتي الخاصة وهو شيء لا أقبل به ولا أقره.(6/777)
3 - ويؤسفني أيضاً أن أقول إنني لم أقرأ مقالة صديقي العلامة الجليلي الأستاذ أحمد زكي باشا في الهلال في حينها لأنقل عنها ثلاثة أرباع ما في مقالتي ولا أعني بذلك إنني استكبر النقل عن الأستاذ الثقة ولكني أقول الحق. وكم كنت أتمنى لو أن الناقد البصير أتى ببعض عبارات الهلال وقابل بينها وبين أقوالي لاقتنع من عند نفسي بتوارد الخاطر ووقع الحافر على الحافر على إنني اربأ بصديقي الزكي أن يكون قد استفاد من فإن برشم ولم يكن قد نشر الجزء الذي يتضمن هذه الكتابة بعد، ولعله لم ينشر إلى الآن، أو أن يكون قد انتفع بكلرمون غانو ولم ينسب أليهما ما نقله عنهما.
لذلك فقد قرأت الآن المقالة الزكية الواردة في المجلد الثاني والثلاثين في الصفحة 41 وعنوانها (الآثار المصرية بين يدي الملك والدين) فإذا بصاحبنا ينسب كل شيء إلى أهله شأن العلماء الأمناء واليك ما قاله في هذا الصدد بعد ذكر ما صنعه المهدي في الروضة
النبوية في المدينة المنورة يثرب من استبدال أسم الوليد بن عبد الملك على الطراز باسمه:
(ونظير ذلك ما فعله المأمون بالهرم الكبير وأمره معروف. لكن الذي لا يعرفه الأكثرون هو ما فعله بقبة الصخرة المعظمة في بيت المقدس. وفد عليها في رحلته إلى مصر فرأى ما بهره مما لا يزال إلى الآن فتنة الناظرين وأعجوبة العالمين فتشبه بجده المهدي في فعلته بالروضة النبوية. وذلك إنه أمر برفع قطعة من القاشاني عليها أسم عبد الملك بن مروان وأمر بتقليد قاشاني يشابهها وطبخ اسمه عليها ثم وضعها بدل التي انتزعها واستراح خاطره وظن أن السرقة قد تمت له على ما يشتهي وإن الأجيال الآتية ستتخيل وتتخيل إنه هو الذي بنى هذه العمارة الفائقة بل هذا الأثر الوحيد في المشرقين والمغربين.
وقد أعماه الله عن إتمام الخديعة فلم يتفطن إلى أواخر الحجارة المرقوم عليها سنة العمارة فبقيت الكتابة الأثرية إلى يومنا هذا كما شاهدتها بعيني شاهدا على جنايته الأدبية وبرهانا قائما على تزويره.
والفضل في اكتشاف هذا التزوير يرجع إلى المستشرق الفرنسي(6/778)
كليرمون جانو فهو أول من تفطن إليه ونبه عليه وكتب بذلك فصلا بجرنال آسية سنة 1887 ص 484 وضمنه صورة الكتابة منقولة بالفوتوغرافية.) أهـ. كلام زكي باشا الذي نشر في الهلال صورة تلك الكتابة.
وقد نقلت عبارة زكي باشا القصيرة بحروفها ليتبين القارئ من خلال السطور إنه لم يستعن بمقالة جرجي يني ومجموعة فإن برشم وإن كان استفاد من مقالة كلرمون غانو فقد نوه بها وأشار اليها، وانني لم أنقل ثلاثة أرباع ما كتبته عنه فإن ما كتبه زكي باشا أيضاً يتعلق بالكتابة الأموية.
وأنت ترى أنني لم اتفق في الرأي مع الصديق الزكي فقد زعم أن تلك الكتابة قد طبخت على ألواح القاشاني وزعمت إنها رصفت بحجارة ملونة من نوع الفسيفساء ولعل لصديقي بعض العذر فيما يقوله فإن الفسيفساء على ما حددها صاحب القاموس (ألوان من الخرز مركب في حيطان البيوت من داخل وكتابة عبد الملك ليست بالخرز وإنما هي من حجارة ملونة صغيرة الحجم سميناها بالفسيفساء قياسا على أمثالها من الخرز واستنادا إلى ما جاء في معلمة لاروس في التعريف بالفسيفساء بقولها:
(الفسيفساء: مادة مركبة من قطع مجموعة (حجارة وتراب مطبوخ مطلي بالجلاء وزجاج وخشب مختلفة الألوان: يتألف من مجموعها نوع من الأصباغ).
وقولها أيضا:
(أن المادة الأولية للفسيفساء مؤلفة من قطع رخامية صغيرة مختلفة الألوان مربعة الأشكال ومن قطع صغيرة طبخت من تراب ملون طلي بالجلاء.)
والظاهر من قول المعلمة إنه يراد بالقطع الترابية المطلية بالجلاء القاشاني.
على أن في بلاد الأندلس ضربا من القاشاني كثير اللمعان تزين به القباب والمناور ويصنع هذا النوع الذي يسمى عندهم جليز في بلاد المغرب وهي تصحيف زليج.
وفوق ذلك فإن صديقي نقل الكتابة على الوجه الآتي:
(بنى هذه القبة المباركة عبد الله عبد الله الإمام المأمون أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين تقبل الله منه ورضى الله عنه آمين.)
وأنا نقلتها ومقدمتها التي هي:(6/779)
(بسم الله الرحمن الرحيم. لا اله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله صلى الله عليه. بنى. . . الخ)
ولهذه الكتابة بقية سأذكرها عند نشري الكتابات الأموية في فلسطين.
4 - إن أحمد الزكي قد ذكر المصادر التي نقل عنها في مجلة الهلال. أما أنا فقد بسطت لك الكلام على أنني لم أنقل عن أحد من العرب أو المستعربين ولو نقلت عنهم لما استكبرت عن الاعتراف بذلك لهم واحمد الله على أن من دأبي نسبة كل شيء إلى أهله حتى في روايتي وأحاديثي الشفهية احتفاظا بأمانة النقل.
وأرى أن اقتصر على هذا القدر من الكلام فإن فيه الغناء لمن يعقلون.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
ملاحظات
1 - جرى لي سبق قلم في كتابة تاريخ ولادة ابن الفوطي فقد كتبت سنة 742 (راجع لغة العرب 6: 648) والصحيح هو 642 فقد جاء في الترجمة التي رقمها 2408 من الدرر الكامنة ما نصه: (ابن الفوطي - مولده في المحرم سنة 642 وكذا ورد في تذكرة الحفاظ
للذهبي طبع حيدر آباد 4: 284
(ل. ع) الذي ورد في الأوراق التي جاد بها علينا الصديق هو 742 ولا جرم أن هناك سبق قلم لاشك فيه.
2 - لما قلت: (باشر كتب) (6: 648 من لغة العرب) قدرت أن أصل الكلام هو: باشر نظارة كتب. أو وكالة كتب أو خزن كتب خزانة الرصد، مما يتحمله باب حذف المضاف إليه. إذ يستحيل عقليا أن يكتب الرجل أربعمائة ألف مصنف. وكثيرا ما يستعمل ابن حجر كلمة (باشر) ويردفها بالمصدر فيقول مثلا: باشر توقيع الدست، وباشر نيابة القضاء إلى غير ذلك. ولهذا أبقيت كلام ابن حجر على حاله. وأنت تعلم أن كلام ابن حجر ليس مما يؤتم به.
(ل. ع) قلنا: وعدم التقدير أحسن من التقدير، ولاسيما لأننا لو أولنا (كتب) بالمصدر لجارينا ابن حجر في مصطلحاته كما لا يخفى.
3 - قولكم في الحاشية 3 من ص 648 من هذه السنة 6: (في هذا العنوان خطأ ظاهر من الناسخ الماسخ والصواب معجم الآداب في معجم الأسماء والألقاب(6/780)
كما ورد في كشف الظنون يخالف ما جاء في المخطوط بصريح العبارة: (اختصره في آخر سماه مجمع الآداب ومعجم الأسماء على الألقاب) ونظن أن صاحب كشف الظنون وهم في قوله، أو لعل الوهم من الناسخ لا منه والصحيح ما ذكرناه.
(ل. ع) ونحن نرجح تصويب الأستاذ الصديق.
4 - يجب أن يكتب مبارك بن المستعصم لا مبارك ابن المستعصم كما ورد سهوا في المجلة 6: 648 وكان أحد أبناء الخليفة المستعصم ومن المحدثين كأبيه.
5 - صححتم قول ابن حجر خمسمائة إنسانا بقولكم: (والصواب: إنسان بالجر) (ح 7 ص 648: 6) والذي في النسخة الخطية إنسانا بالنصب ولابن حجر فلتات غير هذه.
6 - صححتم (في قطع الكبير) (ص648: 6) بقولكم: والصواب في القطع الكبير، فاسمحوا لي أن لا أوافقكم في هذا ولا اعتبر أن في الأصل خطأ ففي قوله: في قطع الكبير تقدير هو: في قطع الورق الكبير. ومثل هذا ورد في صبح الأعشى (7: 253 س 7) أما الملطفات ففي قطع الثلث. وفيه (ص 250 س 10) يكتب في قطع البغدادي الكامل. وفيه
(ص 215 س 2) في قطع الشامي الكامل. وفي (6: 426 في عدة مواطن) إنه كتبه في قطع البغدادي الكامل. وجاء فيه مرارا قوله: في قطع الكبير وفي قطع الكامل.
إن أغلاط ابن حجر في مميز العدد لا تنكر أما من جهة اتباع النعت للمنعوت فمما لا أوافقكم عليه. والنسخة الخطية التي بيدي مرت تحت أنظار المؤلف نفسه وأنظار السخاوي وفي الكتاب أوهام وعبارات واستطرادات (لا محل لها من الأعراب). أني موقن بأن النسخة التي بين أيدينا هي المسودة، لما في النسخ الأخرى الحسنة من تبديل مواضع بعض التراجم وكثرة البياض في بعض الصفحات، بياض كان يمكن أن يملأ بكلمة أو كلمات بسهولة عظيمة. ويظهر لي إنه كان للمؤلف كتب خطية عسرة القراءة أو إنه كان يقرأها بصعوبة عظيمة. وقد كتب ابن حجر بنفسه على حاشية مخطوطي: (تجب معارضة الكتاب مرة ثانية) والكتاب الذي يشير إليه ليس عندي وهو (الإحاطة) لابن الخطيب. والترجمة(6/781)
التي يشير إليها غير موجودة في المجلدين اللذين نشرا في القاهرة والنسخ الخطية التامة ترى في ديار الأندلس أو في ديار المغرب.
7 - جاء (تكهل) بمعنى (اكتهل) مرارا عديدة في كتاب (الدرر الكامنة) وقد أنكرتموها.
(ل. ع) لم ننكرها إلا لأننا لم نجدها في سفر من الأسفار اللغوية فإذا وجدت لغيره أيضاً سلمنا بمولديتها.
8 - في مطالعتي مجلتكم وجدتكم بعض الأحيان تستعملون مفرد أفعل المؤنث (أي فعلاء) في مكان الجمع كما يفعل كتاب مصر. فقد جاء في لغة العرب (6: 252 س 20) الأشجار الخضراء في مكان الأشجار الخضر.
(ل. ع) من مزايا لغتنا وصف المنعوت المجموع من غير العاقل بصفة مفردة مؤنثة ومنه في سورة الحاقة: (قطوفها دانية أي دانيات. وقوله: في الأيام الخالية أي الخاليات. وفي سورة البقرة: إن تبدوا الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم.) وهذا لا يحصى.
9 - رأيت في النص الفارسي الوارد في مقالة بي بروا بعض الأوهام منها في الصفحة 243 (من السنة 6) في السطر 21: نرادد والصواب ندارد. وفي ص 248 س 8: ميدادر والصواب ميدارد. وفي ص 249 س 14 ريدة من: ديدة من. وفي ص 250 س 4
مهناب: مهتاب. وفي ص 252 س 11 بررم: يدرم بباء مثلثة تحتية فارسية.
بكنهام (إنكلترة): ف. كرنكو
(ل. ع) كان حضرة الكاتب الجليل أحمد حامد أفندي الصراف نبهنا على هذه الأغلاط لكن فاتنا أن نصححها. فنشكر حضرة صديقنا كرينكو على ملاحظاته هذه.
الجيل ومعناه
جاء في تذكرة الكتاب للأديب اللغوي اسعد أفندي خليل داغر (في ص 62) ما حرفه: ويستعملون الجيل بمعنى القرن، فيقولون: (كان ذلك في أوائل الجيل الماضي) وفي كتب اللغة: الجيل صنف من الناس. أهـ. قلنا: جاء في التاج: والجيل أيضا: القرن. أهـ. ونزيد على ذلك أن الشاعر قال في هذا المعنى:
أن الغراب وكان يمشي مشية ... فيما مضى من سالف الأجيال(6/782)
أسئلة وأجوبة
جاء في الأهرام الصادرة في أول سبتمبر (أيلول) 1928 ما حرفه:
التعضيد والمعاضدة إلى الأستاذ الكبير السيد وحيد بك (الأيوبي)
سئلت مجلة (لغة العرب) التي ينشئها ببغداد العلامة اللغوي الأب أنستاس الكرملي عما نشرتموه في أهرام 3 يوليو الماضي بخصوص التعضيد والمعاضدة فكان جوابها ما نصه:
أولاً - إن كتب اللغة لا تحوي جميع المفردات فإن الجوهري ذكر أربعين ألف كلمة. وصاحب القاموس زاد عليها عشرين ألفا، فجاء في ديوانه بستين ألف كلمة. أما ابن منظور الأفريقي صاحب لسان العرب فإنه أوصلها إلى ثمانين ألف كلمة وقد ضممنا نحن إلى هذا القدر خمسة عشر ألف كلمة فأنت ترى من هذا كله أن دواوين اللغة لا تستوعب الألفاظ كلها لكثرتها.
ثانيا - إذا كان القياس لا يمنع وضع اللفظة فاتباعه لمعنى جديد مستحب.
ثالثا - ذكر أحد الثقات للفظة مما يحملنا على اتخاذها. والحال أن عضد (من باب التفعيل) واردة في المصباح. قال في فصل النسبة في آخر الكتاب (ص 889 من الطبعة الثانية الأميرية التي ظهرت في بولاق سنة 1906) ما هذا نصه: (وقول العامة: شفعوي خطأ إذ لا سماع يؤيده ولا قياس يعضده) وقد ضبطت الضاد بالشد. وجاءت أيضاً في المخصص لابن سيده (85: 9) كسر نسعا وهو الوجه عندي لأنه عضده بالوصف الجلي. انتهى المراد من نقله. وقد ضبطت الضاد بالشد. وأنت تعلم أن ناشر الطبعة الثانية من المصباح هو الأستاذ الشيخ حمزة فتح الله المفتش الأول للغة العربية بنظارة المعارف العمومية ومتولي نشر المخصص هو من أعلم علماء اللغة محمد محمود الشنقيطي وكفى بهما حجة. أهـ.(6/783)
كلام لغة العرب. فما قول سيادتكم في ذلك كله؟
محمد محمد مرجان مدرس
فكان جواب الأستاذ اللغوي وحيد بك الأيوبي في الأهرام الصادرة في 6 أيلول (سبتمبر) ما هذا حرفه:
جواب التعضيد بمعنى الإعانة خطأ
سألني الفاضل الغيور الأستاذ محمد محمد مرجان عن قولي فيما جاء بالمجلة العراقية (لغة العرب) مختصا باللفظ (التعضيد) الذي قلت إنه بمعنى الإعانة خطأ فمع احترامي للعلامة اللغوي الأب أنستاس الكرملي صاحب المجلة أجيب عن السؤال:
جاء في المجلة قولها (أن كتب اللغة لا تحوي جميع المفردات) وأني لم اقتصر على كتب اللغة في مثل ذلك فلم يرد التعضيد بذلك المعنى في كتاب من الكتب التي نعتمد عليها معجما كان أو غيره لم يرد في معلقات العرب بل دواوين شعرائهم كلها وخطبهم والمنقول عن وفودهم جميعا لم يرد ذلك في القرآن، لم يرد في حديث، لم يرد في مجمل ابن فارس، أو مفردات الأصفهاني، أو مغرب المطرزي أو فصيح ثعلب، أو الصحاح، أو المحيط، أو الأساس، أو اللسان، أو المصباح أو المختار، أو التاج، أو تهذيب ابن السكيت، أو كتاب الألفاظ للهمذاني أو فقه اللغة أو أي كتاب من الكتب الموثوق بها. وقد اتفقت كتب الأئمة الثقات واللغويين الإثبات على أن ما في كلام العرب هو العضد بفتح فإسكان أي الإعانة والمعاضدة أي المعاونة (عضده يعضده عضدا مثل نصره ينصره نصرا وعاضده يعاضده معاضدة) وتعضيد السهم إذا ذهب يمينا وشمالا عند الرمي وتعضيد المطر إذا بلغ ثراه العضد وتعضيد البسرة إذا أرطبت من وسطها. ذكره ابن فارس في المجمل.
قيل في المجلة أن في خاتمة المصباح قوله في سياق الكلام (لا قياس يعضده) بتشديد الضاد فأنبه المجلة على أن هذا التشديد خطأ واقع في المطبوع الأميري فليس ذلك مشكولا في الأصل الذي بخط المؤلف وقد وقع مثل هذا الخطأ أي الغلط في الشكل في غيره من المطبوعات.(6/784)
أما استناد المجلة إلى القاموس فهو مردود لأن التفعيل في مثل أبرت النخل أبرا أي لقحته وأبرته تابيرا للمبالغة والتكثير موقوف على السماع فقد جاء في كلام العرب عضده يعضده عضدا مثل نصره نصرا وزنا ومعنى ولم يجيء في كلامهم نصرة ينصره تنصيرا للمبالغة والتكثير في النصر أي الإعانة وغير هذا كثير.
وحيد
صحة لفظ التعضيد
علينا قبل الجواب، أن نعلم:
1 - إن الإمام الشافعي قال: (لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا. ولا نعلم أن يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه) (المزهر طبع بولاق 1: 34).
2 - قال الزبيدي صاحب أعظم معجم عربي وجد إلى اليوم في آخر كتابه: (وأما الاستيعاب (استيعاب ألفاظ اللغة) فأمر لا يفي به طول الأعمار، ويحول دونه مانعا العجز والبوار، فقطعته والعين طامحة، والهمة إلى طلب الازدياد جامحة، ولو وثقت بمساعدة العمر وامتداده، وركنت إلى أن يعضدني التوفيق لبغيتي منه واستعداده، (لضاعفت حجمه أضعافا، وزدت في فوائده مئين بل آلافا. . .) أهـ.
وهذا كلام واضح في أن دواويننا اللغوية لا تحوي مفردات لغتنا من قياسية وغير قياسية فكيف يحاول امرؤ أن يجدها في كتاب صغير من المؤلفات التي في أيدينا؟
وبعد هذا نقول: إن عدم وجود عضد (المضعفة) في الإسفار التي أشار إليها حضرة الأستاذ وحيد بك لا ينفي وجودها. اللهم إلا أن ينص إنه لا يصاغ من عضد الثلاثي عضد المضاعف العين وهذا التصريح لم نعثر عليه في سفر.
وليسمح لنا سعادته أن نورد له بهذا الشأن ما وقع لنا قبل سنة 1910: كنا قد أدرجنا مقالة في إحدى مجلات بيروت استعملنا فيها كلمتين هما: (كلام ساذج) فقال لنا أديب أخطأتم في قولكم هذا، لأن الساذج - للكلام الذي لا نكت فيه ولا فقر ولا جناس ولا محسنات البديع - لم يرد في كلام(6/785)
العرب ولا في ديوان من دواوين اللغة. فقلنا له إنها وردت في الأساس. فقال: لا وجود للمادة نفسها فكيف تنسبون إليه فرعا لها؛ اللهم إلا أن يكون الأمر في أساس مخيلتكم. ثم نقرنا عن الكلمة في الأساس وفي جميع الكتب التي سرد أسماءها لنا حضرة البك فلم نعثر عليها. مع أننا كنا قد دوناها في معجمنا لكننا لم نذكر مظنتها وكنا نتذكر إننا رأيناها في الأساس. ولما لم نجدها في مادتها والأديب ينسب إلينا التهم واختلاق الشواهد، اضطررنا إلى مطالعة الأساس من أوله إلى آخره لنعثر على اللفظة فوجدناها في مادة غ
س ل، إذ يقول: (كلام فلان مغسول، ليس بمعسول؛ كما تقول: عريان وساذج: للذي لا ينكت فيه قائله كأنما غسل من النكت والفقر غسلا أو من حقه أن يغسل ويطمس). أهـ. ولما أطلعناه على النص اطمأن باله وهدأ. فيا حضرة البك إن دواويننا اللغوية لا تحوي جميع ألفاظ لغتنا.
3 - إن اتفاق غلط الطبع في المصباح المنير والمخصص يعد من اغرب الغرائب - إذا كان الأمر كما يقال - على إننا نستعبده لأننا لم نشاهد في هذين السفرين أغلاط طبع كثيرة حتى نضيف هذا إلى اخوته. ونحن نعلم العلم اليقين أن الأستاذ الشنقيطي كان ينعم نظره كل الإنعام في ما كان يطبع باسمه، بل ما كان يحتمل وهم طبع مثل هذا ينسل إلى ما يتولى نشره أو تأليفه أو طبعه ونحن نعارض الشنقيطي بأكبر اللغويين الأقدمين والمحدثين.
4 - إن اغلب مرادفات عضده (من باب التفعيل) جاء على هذا الباب من ذلك أيده وأجده وعقده وأطده ووكده وقواه ووثقه ومكنه وثبته وأكده ووطده وقرره إلى غيرها. على أن عضده المضاعف العين ورد في النهاية لابن الأثير قال في مادة (ع ض د): (وفي صفته - صلى الله عليه وسلم - إنه كان أبيض معضدا. هكذا رواه يحيى بن معين وهو الموثق الخلق. أهـ. وهذه العبارة وردت أيضاً بحرفها في مستدرك التاج في مادة (ع ض د) وفي مجمع البحرين للشيخ الطريحي في المادة المذكورة وهذا نصها: والأخبار قد يعضدها كذا (بتشديد الضاد) أي يقويها من عضدته إذا قويته. أهـ.
5 - إن (عضده) (بالتشديد) لغة مفخمة في أيده. وذلك إن من قبائل(6/786)
السلف من كان يجعل الهمزة عينا وهو ما يعرف بالعنعنة. ومنهم من كان يقلب الياء ضادا فكان بعضهم يقول (الضرع) وهو الصغير من كل شيء ويريد به (اليرع) وقد يحمل أيضاً على لغة من يجعل الياء جيما ويصير الجيم ضادا ونحن نرى أنهم قالوا في أيده: (أجده) ثم قالوا (عضده) على سبيل إدخال لغتين في كلمة واحدة. قال في اللسان: بناء مؤجد مقوى وثيق محكم. أهـ. ومؤجد مثل موطد لأنهم استثقلوا قولهم موضد بالضاد فنقلوها إلى الطاء طلبا للخفة. أما أنهم جعلوا الجيم ضادا فكثير في كلامهم. فقد قالوا وجح الطريق بمعنى وضح. وأوضفه بمعنى اوجفه أي حمله على الإسراع في المشي. وضرح الشهادة بمعنى جرحها. وهضمها
عليهم بمعنى هجم والرضام الرجام لصخور عظام إلى غيرها. ولهذا نذهب إلى أن عضد اصلها أيد، ودخول لغتين على الكلمة الواحدة معروف في لساننا فقد قال الفصحاء آض (أي رجع) عاد بجعل الهمزة عينا والضاد دالا أو بالعكس. وقالوا: الكثر والقدر. سما وشمخ أو سمق. ختره في غدره إلى غيرها. وكذلك في لغة العوام. فقد سمعت يوما الدكتور المرحوم يعقوب صروف يقول لي (أزان) فلم افهمها في بادئ الأمر. فقلت له اكتبها فخط (أظان) فقلت: وهذه أيضاً لا افهمها فما تريد؟ فقال: المرجل أو القدر الكبير. قلت: الآن فهمت أن الكلمة تركية الأصل من (قزان) بمعناها. وقزان نفسها مخفف (قزغان). ولما كان السوريون وبعض المصريين يلفظون القاف همزة والزاي ظاء قالوا (اظان) وهكذا كان يكتبها المرحوم الدكتور صروف في مقتطفه. فلا عجب بعد ذلك إذا قيل في (أيد): (عضد).
6 - قال حضرة البك: (لم يجيء في كلامهم نصره ينصره تنصيرا للمبالغة والتكثير). قلنا: لو قال حضرته لم نجد نصره (بالتشديد) في دواوين اللغة لسلمنا له بالأمر أما إنه لم يجيء أبدا فهذا ما نخالفه فيه لأن ابن قتيبة يقول في كتابه (أدب الكاتب) في ص 488 من طبعة أوربة: (وتدخل فعلت (المشددة العين) على فعلت (المجردة) إذا أردت كثرة العمل) ولهذا انتقد الفرزدق إذ انشده
ما زلت افتح أبوابا وأغلقها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمار
فقال: (فجاء به مخففا وهي جماعة أبواب وهو جائز إلا أن التشديد كان(6/787)
أحسن وأشبه بالمعنى). أهـ.
أما أن التنصير ورد في كلام الأدباء فهو أمر لا يحتمل الريب فقد جاء في كتاب البيان لمؤلفه ابن العذاري المغربي وهو من أبناء المائة السابعة للهجرة؛ في مقدمة الجزء الأول ص 88 في الرقم 3 فراجعه.
7 - يؤخذ من كلام حضرة اللغوي المحترم إنه لا يحسن بنا أن نستعمل إلا ما استعمله السلف وأن لا نتخذ إلا ما اتخذه السلف لا غير. أو بعبارة أخرى يقول لنا: يا أهل القرن العشرين: كونوا من موتى السلف ولا تتحركوا حركة ولا تظهروا إمارة حياة لأن السلف لم يتحركوا كما تتحركون فاهمدوا في مواطنكم. وكل هذا أمر بالموت صبرا وهذا لا يسلم به حي من الأحياء.
8 - من غريب صنع حضرة الإمام اللغوي إنه يأمرنا بالجري على آثار السلف أو بالجمود أو قل بالهمود وهو يخالف ما يأمرنا به. فإنه استعمل في جوابه علينا: (المجلة والمعجم والمطبوع والمشكول) بالمعاني الحديثة وهي كلها ألفاظ لا وجود لها في القرآن ولا في الأسفار التي أشار أليها. فكيف جوز لنفسه ما لا يجوزه لغيره؟ أليس لأنه يجاري أبناء العصر في أعمال حياتهم؟ فإذا كان كذلك. فما لنا إلا أن نقول التعضيد إذا أردنا كثرة العضد التي يصعب النطق بها لتجاور حرفين ثقيلين على اللسان. ولهذا نرى استعمال التعضيد في كل موطن خير من حصرها في معنى التكثير وحده.
10 - كان السلف منا يتخذ الألفاظ للمعاني وحضرته يريد منا أن نتخذ المعاني للألفاظ وهو عندي أمر جائر لا يقبل به أحد من المعاصرين. إذ المعاني هي كالأرواح للألفاظ أو كالصورة للمادة أو كالقلب للجوهر أو كسكان البيت للبناء الذي يأوون إليه. فكيف يريد بعد هذا أن يجعل الألفاظ فوق المعاني والأجسام فوق الأرواح والقالب فوق الجوهر والأبنية فوق سكانها. أننا لا نظن أن ابن بشر يرضى بهذا الحكم الجائر مهما كانت لغته. وأي حق للموتى على الأحياء أن يكرهوهم على أن لا يجروا إلا في الطرق التي جروا فيها. وأن لا يلتفتوا في سعيهم يمينا ولا يسارا ولو تجددت أنسالهم وأنجالهم ابد الدهر؟(6/788)
النتيجة: عضد (من باب التفصيل) بمعنى أيد (من الباب المذكور) إذا أردت به التكثير من افصح كلام العرب وقد ورد استطرادا في المصباح والمخصص أي في مظنة مادته كما ورد الساذج في اللغة في غير مظنته وكما ورد ألوف من الألفاظ على هذا الوجه. وورد في مادته في النهاية ومجمع البحرين. ودونك الآن سر نشوئها: أد، أيد، أجد، أكد، وكد، اطد، وطد، عقد، عضد.
تعليق
من غريب الاتفاق أن (الأيد) العربية توافق الفرنسية زنة ومعنى وليست اللفظة الواحدة مشتقة من الأخرى البتة. و (الأيد) في اللغة البروفنسية وفي الأندلسية وفي الإيطالية وكلها من الرومانية المشتقة من أسم المصدر اللاتيني بهذا المعنى.
استعمال كلمة فنان
جاءنا هذا السؤال من أحد قرائنا المصريين:
شغل بعض الأدباء المصريين بالمساجلة طويلا حول استعمال كلمة (فنان)، فقال فريق منهم إنه لا يجوز استعمال هذه الكلمة بمعنى رجل الفن المتخصص له الضليع، لأنها لم ترد في اللغة إلا بمعنى حمار الوحش، وقال غيرهم: بل لا مانع من استعمالها، فهذه صيغة قياسية للمبالغة، ومن مصلحة اللغة الإكثار من القياس كلما دعت الحاجة إليه، فتزداد بذلك المفردات المعبرة تعبيرا دقيقا من مختلف المعاني وتنمو ثروة اللغة اللفظية، وهذا شأن جميع اللغات الحية. ولا يمكن أن تحل كلمة (فني) محل كلمة (فنان) في مدلول المعنى وتحديده الصحيح، ولذلك لم يتردد كبار الشعراء والكتاب العصريين في استعمال اللفظ الأخير في موضعه المناسب.
فما رأي فضيلتكم في هذا الخلاف، وفي مبدأ تشجيع القياس الوضعي للمفردات التي تدعو حاجة التعبير العصري إليها، ما دامت قواعد الاشتقاق مرعية؟ أرجو أن تعنوا بالرد على هذا السؤال لأن جمهور الأدباء في مصر يهتم دائما بمعرفة أحكامكم اللغوية، ولفضيلتكم الشكر سلفا على هذا الفضل. (ش. ي)
ج - ليست (فنان) هنا للمبالغة، وإن كان فعال بتشديد العين من صيغها،(6/789)
بل للنسبة أو الإضافة: إذن معنى الفنان صاحب الفنان وممارسه قال سيبويه (2: 900 من طبعة مصر): هذا باب من الإضافة تحذف فيه ياءي الإضافة وذلك إذا جعلته صاحب شيء يزاوله، أو ذا شيء. أما ما يكون صاحب شيء يعالجه، فإنه يكون فعالا. وذلك قولك لصاحب الثياب ثواب، ولصاحب العاج عواج. . . وللذي يعالج الصرف: صراف، وذا أكثر من أن يحصى. . . أهـ. فالفنان: الذي يعالج الفناء ويزاوله. ويكاد يكون هذا الوزن للثلاثي قياسيا لكثرة ما ورد منه، فاستعماله لا غبار عليه واتخاذ القياس يزيد اللغة ثروة ويؤدي معاني لم يعرفها السلف ومن الضروري الرجوع إليه كلما احتجنا إلى وضعه.
على أننا نخير هنا على الفنان: الفتان (بتاء مثناة مشددة في الوسط) وقد استعملها الأقدمون منا. قال في الأغاني (1: 256) وهو يذكر قول عطاء بن أبي رباح لابن سريج. (يا فتان) ألا تكف عما أنت عليه. . . تفتنهم أغانيك الخبيثة. . .) أه. وأنت تعلم أن ابن سريج كان فتانا في فنه الغنائي ولهذا قال له يا فتان. - ولذلك سمينا دائما الفنون التي تأخذ القلب
(بالفتانة) وهي أحسن من سائر الألفاظ التي استعملت كالفنون الجميلة والمستظرفة والرفيعة والأثيلة والناضرة والبديعة إلى غيرها. فهذه كلها لم يتخذها السلف وهي من سيئ التعريب من كلام الإفرنج وإن ادعى بعضهم أنهم استعملوها. فالغناء والشعر والنقش والنحت والموسيقى كلها من الفنون الفتانة.
وحكة الزجاجي في أماليه يسنده عن الأصمعي قال: حدثنا عمر بن أبي زائدة قال: حدثتني أم عمرو بنت الأهتم قالت: مررنا ونحن جوار بمجلس فيه سعيد بن جبير. ومعنا جارية تغني بدف معها، وتقول:
لئن فتنتني لهي بالأمس افتنت ... سعيدا فأمسى قد قلا كل مسلم
وألقى مصابيح القراءة واشترى ... وصال الغواني بالكتاب المتمم
فقال سعيد: كذبتن، كذبتن، أهـ. وراجع التاج في فتن.
فانظر كيف أن المغنية ناقرة الدف استعملت لفظة صورت بها حقيقة فتن إتقان الفناء لمن يقدره حق قدره.
وللفتان معان عديدة كلها تصح لمقابلة الإفرنجية لأن السحر نفسه من فنون الإفتان. وهذه المعاني لا تراها في الفنان (بثلاثة نونات). فاختر من(6/790)
اللفظين ما تشاء.
المخاضرة، بيع الغرز، البيع على علاته
س - بغداد - ط. ق: كيف تترجمون إلى العربية المستعملة في علم الحقوق؟
ج - للكلمة الإفرنجية عدة معان منها: وهو بيع نتاج مستقبل كالحصاد قبل أوانه وعلى الشاري أن يدفع قيمته التي عينت في أول البيع. سواء أكان النتاج أو الحصاد حسنا أم سيئا. وهذا ما سماه السلف (بالمخاضرة) قالوا: المخاضرة: بيع الثمار قبل بدو صلاحها. سمي لأن المتبايعين تبايعا شيئا أخضر بينهما، مأخوذ من الخضرة ويدخل فيه بيع الرطاب والبقول وأشباهها على قول بعض. أهـ عن التاج. ولما كان معنى الأخضر واسعا في العربية جاز أن نطلق المخاضرة على كل ما يرى فيه خسارة أو ربح وجاز لنا أن تسميها (بيع الغرز) (بفتح الأول والثاني) قال في التاج: الغرز، محركة. . . الخطر ومنه الحديث: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرز وهو بيع السمك في الماء، والطير في الهواء. وقيل: هو ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول. وقيل: هو أن يكون على غير
عهدة ولا ثقة. قال الأزهري: ويدخل في بيع الغرز البيوع المجهولة التي لا يحيط بكنهها المتبايعان حتى تكون معلومة. أهـ. وتكاد تكون عبارة اللسان نفسها وإن لم يعزها إليه. وإما إذا أريد باللفظ الإفرنجي معنى عاما يوافق جميع ما تفرع منه من المعاني فقول السلف (على علاته) هو أحسن ما يؤدي هذا المطلوب. قال اللغويون قولهم على علاته أي على كل حال، لأن الكلمة الإفرنجية منحوتة من كلمتين من أي ثمن أو قيمة أي معمول أو مقطوع. وملخص معناهما بيع محسوم الثمن أو مقطوعة أو بيع الحسم. وهذا أيضاً مما يمكن اتخاذه من باب التعريب المعنوي.
والمعاجم الإفرنجية نقلت أسم هذا البيع بقولها: باع قطبا أو قطرا أو بالمشايلة أو بالمقاولة أو جزافا أو بالكلية لأن القطر أو القطب هو أخذ الشيء ثم أخذ ما بقي على حسب ذلك الشيء جزافا بغير وزن، يعتبر فيه بالأول.(6/791)
وهذا لا يفي معنى المصطلح الإفرنجي. وكذلك القول عن البيع بالمشايلة أو المقاولة أو الكلية أو الجزاف فكلها من هذا القبيل المخطوء في اتخاذه.
الماسة أو الطابق
ومنه: ما الكلمة العربية الموافقة للماسة (وبعضهم يقول الماصة)؟
ج - الماسة أو الماصة كلمة تركية الاستعمال إيطالية أو لاتينية الأصل وهي ومعناها في الأصل المائدة أو المنضدة. ويراد بهذا الاصطلاح موجودات المفلس من المال أي وأهل سورية ومصر سموها (الطابق).
قال في محيط المحيط: الطابق (بكسر الباء) عند أرباب التجارة موجودات التاجر إذا انكسر. أهـ. والكلمة شاعت بهذا المعنى فلا بأس من اتخاذها لاشتهار معناها. واصل معنى الطابق ظرف من حديد أو نحاس يطبخ فيه وهو الذي نسميه في العراق (طاوة) كأن التاجر وضع فيها عند انكساره فيقلى عليه قليا لما يحتمل حينئذ من العار.
البارية
س - بيروت - القس ا. ا: أأصاب أرباب. المعاجم العربية بقولهم: (البارية أو البورية) الحصير المنسوج من القصب وهي كلمة معربة اصلها فارسي؟ فإن كان ذلك صحيحا فما
هو اللفظ الفارسي الأصلي وما هو مدلوله الحقيقي؟ وإن لم يكن فما رأيكم في الأمر؟
ج - البارية أو البورية فارسية لا تحتمل شكا. وهي في هذه اللغة (بوريا) بضم الباء ضما غير صريح أي تلفظ وسكون الواو وكسر الراء وفتح الياء وفي الآخر ألف. ومعناها الأصلي نوع من القصب يكثر في الآجام ويشبه البلاج بعض الشبه وتتخذ منه الحصر أو البواري ثم سميت عندهم البارية (بلاج) (وزان سحاب) وهكذا أصبح له معنيان كما ترى عندهم للبارية معنيين.
وأصحاب معاجمنا العربية لم يذكروا الكلمة الفارسية للبارية ومن غريب أمرهم أنهم ذكروا البارية في مادة (ب ور) و (ب ر ي) معان الصحيح أن تذكر في (ب ور) لا غير، إشارة إلى اصلها الفارسي (بوريا). ولفظ الواو بين(6/792)
الألف والواو دفع السلف إلى تعريبها بصور مختلفة: البوري، والبورية، والبورياء (بالمد)، والبارياء، والباري (بالتشديد) والبارية (بالتشديد والهاء).
وأصحاب المعاجم العربية إلى اللغات الأجنبية فسروا البارية بقولهم: أي حصير متخذ من الأصل وهو غير صحيح، لأن الذي يتخذ من الأسل أو من ضرب من الأسل يعرف بالساماني (والبغداديون يقولون سماني وصماني أو صاماني) والسامان هو نوع من الأسل يكثر في المستنقعات والبطائح يعرف بالفرنسية باسم والصواب أن يقال والعراقيون إلى اليوم يسمون الحصر المتخذة من القصب (بواري) وما يتخذ من السامان: (صماني) وكانت تعرف بالطميل في عهد العباسيين. وكانت الطمل ترمل وتربط أجزاؤها بعضها إلى بعض بالخيوط وهو المعروف بالرمل والطمل والسف والنسج إلى غيرها. أما الباري فلا ترمل بل تضفر ضفرا أو تجدل جدلا.
باب المشارفة والانتقاد
تراكمت المقالات والأسئلة والأجوبة والمراسلات والأخبار حتى لم يبق متسع لباب المشارفة والانتقاد مع ما عندنا من موادها المهيأة ما يقع في نحو 250 صفحة. فالرجاء من القراء العذر الذي هو من شيمهم الكريمة.
الهدايا
كثرت الهدايا في هذه المدة ولا يمكننا ذكر أسمائها كلها، فنجتزئ بذكر ما يأتي: ديوان الاعشين، ديوان طفيل والطرماح، نسب الخيل، نظم العقيان في أعيان الأعيان، السريريات والمداواة الطبية، رجب أفندي، جدول الأمراض، أناشيد المحبة، الراشد، تاريخ حوادث الزمان وأنبائه، نماذج خطوط اللغات الشرقية، السائس واللصوص، أصول اللغة العربية باللغة الروسية، مجموعة مقالات كتبت بشأن مرور 500 سنة على ولادة مير علي دروس عملية في الأمراض الولادية، العلم والعمران وهي هدية المقتطف السنوية ورسائل في التعقيم ومقالات في هذا الموضوع لعلامة أميركي إلى غيرها.(6/793)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - مؤتمر المستشرقين أو علماء المستشرقيات في اكسفورد جرت لعلماء المشرقيات عادة حسنة هي أنهم يعقدون مؤتمرا عاما في كل سنة أو سنتين وينتخبون له بعض البلاد المشهورة موطنا للاجتماع، وقد كان عقد مؤتمرهم لهذه السنة في جامعة اكسفورد بعد أن امتنع عقده خمس عشرة سنة بسبب الحرب العامة.
في مساء اليوم السابع والعشرين من شهر آب (أغسطس) الماضي اجتمع رجال المشرقيات وقادة العلم في العالم من جميع أقطار الأرض في الرواق الأكبر من مدرسة الامتحانات وكان عددهم فوق السبعمائة وافتتح المؤتمر بخطبة قصيرة فاه بها رئيس المؤتمر اللورد جلمرس كان موضوعها الترحيب بمندوبي الأمم وقد ذكرها أمة أمة إلا العراق والحجاز فانهما لم يمثلهما أحد رسميا وإذ كنت قد انتخبت مندوب العراق انتخابا غير رسمي لصلتي بجامعة لندن، قدمت إلى رئيس المؤتمر في زمرة الذين شملهم أسم الانبراطورية البريطانية ومن جملتهم كندة وأسترالية والهند ومصر وفلسطين.
وكان عدد المندوبين الرسميين فقط 252 مندوبا ينقسمون إلى 100 عن انكلترة ومستعمراتها و28 عن الولايات المتحدة و25 عن ألمانية ورئيسهم العلامة بكز وزير معارف ألمانية وعن فرنسة 19 وفي ضمنهم مندوبو سورية والجزائر والهند الصينية ورئيسهم الأستاذ مورة وعن بلجكة 11 وعن بولونية 10 وعن روسية 10 وعن إيطالية 5 وعن الدنمرك 5 وعن إيران 5 وعن نروج 5 وعن الفاتيكان 4 وعن هولندة 4 وعن يوغسلافية 3 وعن السويد 3 وعن مصر 2 وعن لطيفية (؟) 2 وعن نثرلند 2 وعن المجر (هنغارية) 2 وعن كل من اليابان والنمسة والترك والبرتغال وملايا واحد.
وتوفيرا للوقت على الخطباء والمستمعين معا قسمت المواضيع إلى شعب وخصصت غرفة لكل شعبة. أما المواضيع التي(6/794)
طرقت فكانت 27 خطبة عن بلاد آثور وما يتصل بها من الأخبار وكان رئيس هذا الفرع الأستاذ لنكدن و27 خطبة في مسائل عامة ورئيس هذا الفرع الأستاذ مايرس و19 خطبة عن مصر وأفريقية والرئيس لها الأستاذ غريفيث و6 خطب عن آسية الوسطى والشمالية و33 خطبة عن الهند القديمة و14 خطبة عن الهند
الحاضرة، والهند الجنوبية وسيلان و14 خطبة عن إيران وأرمينية والقفقاس وكان الرئيس لهذه الفروع الأربعة الأستاذ توماس و24 خطبة عن الشرق الأقصى والرئيس الأستاذ سوثل و34 خطبة عن الارمية والعبرية والرئيس الأستاذ كوك و36 خطبة عن الإسلام وتركية والرئيس الأستاذ مرجليوث و17 خطبة عن الفنون الفتانة في الشرق والرئيس السر مايكل سدار
وفي نحو الساعة التاسعة وربع من صباح يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من آب (أغسطس) 1928 شرع الخطباء في الخطابة ودام الأمر على هذه الصورة كل يوم صباحا وعصرا وليلا حتى مساء يوم الجمعة الحادي والثلاثين من الشهر المذكور.
وفي صباح اليوم الذي عقبه اجتمع الجميع في رواق الامتحانات كما اجتمعوا في الليلة الأولى وودع بعضهم بعضا بعد أن قرروا أن يعقد المؤتمر القادم بعد سنتين في مدينة ليدن من هولندة.
وكان مندوب سورية حضرة العلامة السيد محمد كرد علي قد دعا المؤتمرين في خطبته التي خطبها بالعربية إلى أن يعقد في الشام فقام الدكتور طه حسين مندوب الجامعة المصرية وقال أني باسم حكومة مصر أدعو المؤتمرين إلى مصر ثم أن رئيس اللجنة قال أن ذلك يتعذر لكثرة النفقات ومشقة السفر وطوله فقام كاتب هذه السطور وفند حجته مبينا أن الفوائد التي يجنيها المستشرقون من الشرق أعظم بكثير من النفقات التي تنفق في هذا السبيل والكلام عن القوم في داخل بلادهم يأتي بثمرة أكثر مما يأتيه الكلام عن القوم في خارج بلادهم وليس هناك دولة من دول الأرض إلا ولها منافع اقتصادية أو سياسية في الشرق فهي لا تخسر إن أنفقت بضع مئات من الليرات في هذا السبيل وأنا لا أدعوكم إلى بغداد لأني أخاف(6/795)
هجوم الأخوان عليها ساعة حضوركم فيها فتنالكم الأذية فنوسم بسمة التعصب والهمجية (فضحك القوم لذلك). أما من جهة طول السفر ومشقته فلا أرى لهما مانعا لوجود الطيارات (فزاد الضحك والتصفيق استحسانا). ولكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح إذ قررت اللجنة ما تقدم ذكره.
أما الخطب التي قيلت فبعضها بالافرنسية فالألمانية فالإنكليزية فالهندية فالعربية وكانت خطب الألمانية أمتع من سواها في جلال الموضوع وإشباع البحث والتدقيق في التحقيق.
وقد كان المندوبون عن مصر الدكتور طه حسين والأستاذ جاد المولى وعن سورية العلامة الشهير السيد محمد كرد علي وعن لبنان السيد الحوراني نزيل منجستر وعن تركية الأستاذ كبرلي زاده محمد فؤاد بك وعن إيران الأستاذ ميرزا محمد خان القزويني.
وخطب المستر وولي مدير الحفريات في اور خطبة نفيسة عن أعماله في أور عما اكتشفه فيها وذكر أن قد ثبت له أن مدنية أور أقدم من مدنية مصر ثم قال الأستاذ الأكبر ارنست هرتسفلد المعروف لدى العراقيين وخطب خطبة بديعة عن حفرياته في إيران اظهر فيها أن مدنية فارس أقدم من مدنية أور لأنها ترتقي إلى العصر الحجري. ذكرت هتين الخطبتين خاصة لأنهما صادرتان من منبعيهما وتتعلقان بالعراق خاصة.
لندن: 6 - 9 - 1928
كاظم الدجيلي
وكتب إلينا صديقنا العلامة ف. كرنكو أن أمتع ما سمعناه كان كلام مبعوثي المغرب المسيو ليفي بروفنسال وابن شنب. وتاج هذه المباحث كان الخطبة العربية البليغة التي خطبها السيد محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي (المحنى) ووزير المعارف في سورية فإنه بين بأجلى البراهين ما للمستشرقين من الفضل في إحياء العلوم الغربية في المشرق. ولما كانت عباراته دررا رطبة تنثرها شفتاه لم يصعب فهمها علينا نحن المستعربين المساكين ولاسيما لأن صوته جلي.
وكتب إلينا صديق ثالث (ا. ج) كان لألمانية سبعون عالما ممثلا للجان المؤتمر التسع وقد اظهروا من البراعة في المباحث التي عالجوها ما ادهش جميع حضنة العلم والتحقيق، على إنها كانت(6/796)
سابحة في جو كله ضباب فكري وتطويلات مملة واستطرادات آخذة بعضها برقاب بعض
2 - ترفيع درجة ممثلينا السياسيين
صدرت الإرادة الملوكية بترفيع درجة ممثلينا السياسيين في لندن وأنقرة إلى درجة مندوبين فوق العادة ووزيرين مفوضين. فنهنئهما بذلك.
3 - عودة الوفد العراقي
عاد من الحجاز الوفد العراقي في مساء الخميس 30 آب (أغسطس) غير ناجح في مسعاه.
4 - الحاج عبد اللطيف جلبي ثنيان
عين حضرة صديقنا مديرا لإدارة الوقف في وزارة الأوقاف وقد كان في هذه الوظيفة سابقا فنهنئه بعودته إليها أو قل بعودتها إليه ونتوقع أعمالا خطيرة على يديه.
5 - أحمد حامد أفندي الصراف
تعين صديقنا الأديب الشهير أحمد حامد أفندي الصراف مديرا للمطبوعات فنهنئه بها ونتمنى له خدمة طيبة للوطن ورقيا عليا للمطبوعات.
6 - البعثة العلمية العراقية
قررت وزارة المعارف إرسال 28 طالبا وطالبة في هذه السنة إلى الجامعات العلمية في أوربة وأميركة ومصر وبيروت للتخصص في مختلف العلوم والفنون على الوجه الآتي:
4 - إلى أميركة للتخصص في الزراعة.
6 - بنات إلى بيروت للتخصص للتعليم في كلية البنات الأميركية.
4 - معلمين إلى انكلترة لإكمال الدراسة.
4 - من التلاميذ إلى الجامعة الأميركية في بيروت للتخصص في العلوم.
6 - إلى انكلترة للتفرغ في الهندسة.
6 - إلى انكلترة للتفرغ في سكك الحديد.
2 - إلى مصر للتضلع من آداب اللغة العربية.
1 - إلى انكلترة للتفرد بفرع من فروع الحقوق.
28
وسيقرر أيضاً إرسال تلميذة أخرى وتلميذ آخر إلى بيروت للاستفراد بالعلوم كما إنها قررت أن لا ترسل إلى انكلترة أو أميركة طالبا ما لم يكن بيده شهادة الدخول في الجامعات. لذلك أبرمت أن يستعد الطالب في بيروت قبل أن يرسل إلى الجامعات.
7 - نكبات آل البكر والهاشمي
نكب آل البكر والهاشمي نكبات عديدة في مدة وجيزة: فقد فجع الأولاد بوفاة والدهم قبل برهة غير بعيدة؛ ثم غرق في دجلة أحد الأولاد وهو المرحوم(6/797)
إبراهيم البكر فأقيمت له مناحة رددت صداها أرجاء العراق. وفي أوائل آب سافر أخوه محمود البكر إلى سورية فهجمت عصابة من قطاع الطرق على السيارات في طريق الصحراء وأطلقت الرصاص على المسافرين فأصيب قدرا محمود البكر ضحية لهذا الهجوم فوقع صريعا يتخبط في دمائه ونقلت جثته إلى دمشق فدفنت فيها وشيعها أبناء العراق في تلك المدينة الفيحاء رحمه الله.
ونحن نقدم إلى خالي الصريعين يس باشا الهاشمي وطه بك الهاشمي المدير العام لمعارف العراق طالبين إلى الله أن لا يريهما بعد هذا مكروها.
8 - وفاة عبد اللطيف الفلاحي
في صباح 31 آب توفي عبد اللطيف الفلاحي نائب الحلة سابقا. والأستاذ في جامعة آل البيت وغيرها من المدارس وهو من مزاولي التعليم من مدة تقرب من أربعين عاما. وعالج الصحافة أيضاً فأصدر وضيعة (مكتب) باللغات التركية والعربية، والفرنسية في العهد العثماني، ومجلة (العلوم) في الشام وقد أبرز منها أجزاء لم تتم بها السنة. ونشر في بغداد جريدة باسم (الفلاح) بعد تأسيس الحكم الوطني في العراق. ووضع بضعة كتب للمدارس لا بأس بها. ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي. رحمه الله.
9 - القس عمانؤيل يالينكتيان
توفي هذا القس الفاضل البار في مساء 6 أيلول وكان قد ولد في مرعش سنة 1879 وتلقى دروس الكهنوت في مدرسة القديس لويس للآباء الكبوشيين في بك أوغلي (بيرا. الأستانة) وكهن في سنة 1907 ولما جاء في بغداد في سنة 1923 ليعلم في مدرستنا أكب على درس اللغة العربية لما رأى فيها من المحاسن والاتساع واخذ يزاول مهنته في هذه اللغة ناجحا فيها كل النجاح، ودفن في دار الأيتام الراجعة إلى المبعث، رحمه الله رحمة واسعة.
10 - ماتت من لسعة زنبور
لسع زنبور السيدة ظريفة حنا جموعة امرأة دانيال باكوس في صباح 29 آب ولم يمهلها
إلا ساعة من الحياة فنقدم إلى نجليها القس حنا باكوس وأخيه سركيس أفندي تعازينا. كما نقدمها إلى نسيبها شكر الله باكوس ونطلب للفقيدة الرحمة والراحة الأبدية.
11 - جان خياط
جان بن جرجيس خياط شاب عمره 17 سنة كان يتلقى علومه في المدرسة(6/798)
الثانوية فتحكمت فيه حمى محرقة واختطفت روحه فأبقى والديه وأخاه وأخواته وأولاد عمومه بلا سلوى. فنشاطر الأسرة بأجمعها البلية التي انتابتهم ورحم الله تلك النفس الغضة.
12 - وفاة محمود سلامة
عظمت خسارة الأدب في العام الفائت وفي هذه السنة بوفاة الكثيرين من علمائه كالأب شيخو والدكتور يعقوب صروف وغيرهما. والآن ننعي لقرائنا مع الأسف الشديد الصحفي المصري القديم الأستاذ محمود سلامة صاحب جريدة (الواعظ) وقد مات قتيلا بفأس شرير في ريف مصر. وكان الفقيد كاتبا بليغا. وشاعرا مقلا مجيدا، ومربيا فاضلا. ومن مأثور نظمه قوله:
ما توانى عن الحبيب كتابي ... لسلو أو رغبة عن هواه
إنما كلما كتبت رقيما ... سقط الدمع فوقه فمحاه
رحمه الله رحمة واسعة.
14 - الدجل في الأدب
لما بدأنا ننقد (ديوان العقاد) كنا نحسب أن صاحبه أول من يرحب بهذا النقد كيفما كانت قيمته، لأننا وجهنا به أنظار الكثيرين من المتأدبين في العراق إلى ديوانه، ووسعنا لهذا النقد موطنا وافيا على قدر الامكان، واتبعنا كعادتنا لهجة معتدلة يشهد بها كل منصف خالي الغرض فذكرنا له حسناته، وآخذناه على سقطاته، تحذيرا لسواه وتنبيها له ايضا، وما تشددنا في مواضع إلا أملا في إصلاحه، وإلا فما كان أهون علينا إغفاله كما أغفلته صحف ومجلات أخرى هي أعرف منا بدجله وشعوذته، وباتخاذه العظمة مركبا له وتحايله على الشهرة بالشذوذ والسباب والغطرسة ونحو ذلك. . . فلما تهجم علينا بهزءه الشائن ومهاترته التي يحسبها نوعا من المهارة لم نجد مطلقا عن جادة الحق، وآثرنا أن نرد أباطيله بالحجة
القوية على السكوت، دفعا لدجله ومغالطته التي هي أسوأ ما عرفناه في هذا العصر لكاتب عربي معروف يدعي إنه شاعر كبير أيضاً!
والمطلع على الصحافة المصرية لن يجد أي مشقة في معرفة قيمة العقاد الحقيقية بين أبناء وطنه الذين يعرفون إنه مصاب بنوع من جنون العظمة، فيهزءون منه إلى حد إشفاقهم عليه، حتى يتجاوز هو حدود السكوت عنه وحينئذ لا يرون مفرا من ردعه. وقد اشتهر العقاد بالدجل السياسي في كتابته، وهو عين ما يتبعه الآن في أدبه الذي لا يمثل الجديد منه إلا ما ينهبه من الأدب الأوربي بعد شيء من التحوير والسفسطة.
وقد نشرنا بعنوان (الفردية في الأدب) مقالا سديدا للأستاذ جورج فرح صاحب مجلة (المهذب) الغراء يغنينا عن أي تعليق عليه لهداية من تعوزه الهداية، ونختم هذه النبذة بكلمة عن العقاد في جريدة (السياسة) المؤرخة في 30 أغسطس سنة 1928، وهي أوسع الصحف المصرية الصميمة انتشارا. قالت بعد كلام: (. . . رجل وقح سليط اللسان، كل تاريخه منحصر في الإساءة لكل من أحسن إليه يوما(6/799)
من الأيام. هذا السليط اللسان لا يستحي أن يتبجح بالكرامة والإباء وعزة النفس وانه لم يطأطأ رأسه لمخلوق! ويعلم الله والناس ويشهد تاريخه الماضي كم طأطأ الرأس حتى لمس الأرض إرضاء لسيد كان يشتغل عنده، حتى إذا أخرجه هذا السيد بعد، إذ لم يستطع صبرا على أخلاقه، إذا به ينقلب أفعى تنهش عرض ذلك السيد في غير أدب ولا حياء. هذا السليط اللسان لا يستحي أن يعير الناس بالأمراض والعاهات التي لا يعير بها مخلوق وينسى هو - ويؤلمنا حقا أن نذكر ذلك - أن الله قد ابتلاه حقا بمرض ينفر الناس منه وينئيهم عنه. . . ولكن ماذا نقول في خسة الأخلاق؟).
ونظن أننا بعد هذا قد أدينا واجبنا الخلقي التهذيبي بتحذيرنا أدباءنا الناشئين وسواهم من الانخداع بتغرير هذا الرجل ودهائه، كما إننا سنتم في هدوء واجبنا الأدبي بإتمام نقد ديوانه الذي يعلن عنه في كل مجال بمثل إعلانه عن نفسه يوميا في صحيفة (البلاغ)، حتى نفضح خرافة (زعيم المجددين) الذي أصبحت شتائمه شرفا لكل أديب نابه ولكل رجل جهير، وكانت دليلا على أن حظه من رجاجة الفكر ومن التربية الاجتماعية في حكم العدم.
14 - خريجو مدرسة صنائع الموصل
خرج هذه السنة من مدرسة صنائع الموصل ثمانية طلبة.
وصدر الأمر بقبول الطلاب الثلاثة الأولين المتخرجين من مدرسة صنائع الموصل الأميرية في مدرسة صنائع بغداد. الجزء الأخير من السنة الخامسة
يظهر الجزءان الأخيران من السنة الخامسة في غلاف واحد ويوزعان في آخر شهر تشرين الأول (أكتوبر) من هذه السنة.
الجزءان ال 11 وال 12 من هذه السنة
يتأخر الجزءان المذكوران من هذه إلى أجل غير مسمى لأنهما يحويان فهارس مواد السنة.
الجزء الأول من السنة السابعة وجزء اليوبيل
يظهر الجزء المذكور في أول كانون الثاني (يناير) 1928 ويرصد جزء لنشر القصائد والهانئ والرسائل والبرقيات التي وصلت إلى لجنة الاحتفال باليوبيل أو جاءتنا رأسا. كما ينشر فيه أيضاً ما جاء في الصحف والمجلات وكان متعلقا بهذا الموضوع مدحا كان أو قدحا.
الشفق الباكي
للدكتور أبي شادي
شعر ونقد وأدب عام
يجمع هذا الديوان العصري الكبير الواقع في أكثر من ألف صفحة مئات من القصائد والمقطوعات المتنوعة ما بين وصفية ووجدانية واجتماعية وفلسفية وقصصية وتاريخية. وهو مطبوع أفخر طبع بالشكل، ومزدان بنخبة من الصور ومجلد تجليدا نفيسا. وبه من الشروح والتعليقات والنقد الأدبي ما فيه الغنية الكافية للأديب الباحث. ثمن النسخة الواحدة عشرون قرشا مصريا تضاف إليها أجرة البريد. ويطلب من المطبعة السلفية بشارع الاستئناف بمصر القاهرة.(6/800)
العدد 65 - بتاريخ: 01 - 01 - 1929
سنتنا السابعة
بلغنا والحمد لله - السنة السابعة من مجلتنا بفضل مشتركينا الكرام، ومساعدتهم، وممالأتهم إيانا في جميع أمورنا، وهنا نوجه الشكر إلى الأيادي البيضاء التي مدت إلينا من الديار المصرية فيسرت علينا إتمام ما بدأنا به من مشروعنا خدمة للغة المضرية وللمتكلمين بها، أما الربح فلا يمكننا أن ننتظره، إذ هيهات تعود النفقات وهي باهظة في ديارنا هذه.
وعلى كل حال نحن جادون في مهمتنا سائرين إلى الأمام مهما كلفنا هذا السعي من الأتعاب والخسائر، والله المستعان.
وقد خصصنا هذا الجزء بيوبيل صاحب هذه المجلة ذكرنا فيه كل م صلت إلي يدنا في هذا الموضوع، ولا ندعي بأننا أتينا على كل ما قيل في، فنلتمس العذر ممن لم يبلغ إلينا كلامه.(7/1)
في يوبيل أنستانس الذهبي
قصيدة لشاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء جميل صدقي الزهاوي:
سلام على عهد الرقي المحبب ... سلام على حزب الشباب المهذب
سلام على المستشرقين وعطفهم ... على النخبة الأنجاب من نسل يعرب
وإني محيي للعروبة إنها ... قد استيقظت من نومها بعد أحقب
وقد أخذت تعدو لتبلغ سؤلها ... برغم الرزايا والشقاء المخيب
وإن لأبناء العراق تأهباً ... ولا تكذب الآمال في المتأهب
إذا جن ليل الخطب أو طال ساجيا ... تألق منهم كوكب بعد كوكب
لهم أمل أن يدركوا شأو غيرهم ... وإن شط عنهم وهو أفضل مأرب
فساروا على فجر من الحق صادق ... وليس على وعد من البرق خلب
ولا أدعي أنا بلغنا مرادنا ... ولكننا فوق الطريق المقرب
فيا عين قري بالذي تشدينه ... ويا نفس سري بالحفاوة واطربي
وإني لأرجو للعراق تقدماً ... يضاهي هبوب العاصف المتوثب
وإني إذا هبت من الغرب نفحة ... لأول مفراح بها ومرحب
وما إن نما غرس الرجاء من الحيا ... ولكنما من دمعي المتصبب
ومرت ليال كنت فيها لشقوتي ... وحيدا أقاسي غيهبا تلو غيهب
لقد كان مني الروح فيها معذبا ... ولكن ضميري لم يكن بمعذب
ويحسب قوم في التعصب رشدهم ... وما آخر الأيام غير التعصب
وهل يتساوى القصد بين مشرق ... ليدرك غايات الهدى ومغرب
وكنت ركبت الصعب أبلو جاهداً ... فما قل مجهودي ولا ذل مركبي
عشية ما في الرافدين سلامة ... ولا العيش في كل العراق بطيب
عشية لا عبد الحميد بسامع ... دعائي ولا مني فروق بمقرب
وما كان ما تأتي الشعوب بثورة ... ولكن حمى الدم المتلهب
فمنم بريء مذنب من خيانة ... أتاها ومنهم مذنب غير مذنب
ولم ننتفع بالعلم إلا صبابة ... تجرعها مثر بمشهد مترب(7/2)
وما ذل قوم أبرموا وحدة لهم ... وإن لم يكونوا ينتمون إلى أب
وما الأرض إلاَّ للتناحر حومة ... ولا فوز إلاَّ للفريق المدرب
ولا عار في زيغ الفتى وشذوذه ... ولكنه في كذبه والتذبذب
ولست أبالي ما به يشتمونني ... وإن كان في قلبي كلسعة عقرب
أقول لمن أرغى ليرغبني صه ... فما أنا خوار ولا أنت مرعبي
ولا شيء يسمو بالبنين إلى العلا ... كتكريمهم للعلم في حفلة الأب
حفلنا بأستاذ تبحر في اللغى ... ولا سيما الفصحى سليلة يعرب
وأن أنستاسا هو السند الذي ... همى علمه للظامئين كصيب
ترهب يرعى العلم خمسين حجة ... فأكبر به من عالم مترهب
تلقى بما أبقى ثناء معطرا ... وهل يتلقى طيب غير طيب
وأنا بهذا الحفل نوفيه حقه ... وأنا نحييه تحية معجب
وقد سر قلب الشرق والغرب حفلنا ... بيوبيله الجم الفخار المذهب
نكرم في تكريمه العلم والحجى ... ونكبر فيه الحذق في كل مطلب
وكم كلم كانت من الشك في دجى ... فأوضحها للطالب المترقب
توصل بعد البحث منه لأصلها ... وبعد جهاد منه في الفحص متعب
نقدت نزيها ما نقدت فلا تخف ... وعيداً وأكمل ما بدأت وعقب
وأنك أنت اليوم خير مثقف ... وأنك أنت اليوم خير مهذب
وقل باسلاً ما ينبغي أن تقوله ... ولا تلتفت للجاهل المتعصب
أتخشى وأنت اليوم في عهد فيصل ... مليك العراق الهاشمي المحبب
شفى قادرا أو كاد داء جمودهم ... برأي الطبيب العبقري المجرب
وكنا جميعا قبله رهن محنة ... نحاول تحقيق الرجاء المخيب
رأيت بني الحاجات قد نبتوا ضحى ... على بابه نبت الحمام بمعشب
له من ذكاء العقل في العين ومضة ... متى صدمت عين المخاطب تخلب(7/3)
ورب قصيد فيه تروى كأنها ... إذا خطرت أبياتها سرب ربرب
وأني إلى رأس الوزارة محسن ... لمهد ثناء عرفه جد طيب
همام إذا ما الدهر قطب وجهه ... كفاه بوجه منه غير مقطب
يقوم بأعباء الأمور ثقيلة ... بحزم القوي اللين المتصلب
ويكرم أهل العلم من كل نحلة ... ومن كل دين ثم من كل مذهب
شد الشعر بعد الصمت يطرب أمة ... فيا شعر قد أحسنت فأشد وأطرب
وليس بفعل المرء يكبر شعره ... ولكن بما في روحه من تكهرب
وللشعر عين ماؤها متدفق ... متى يأت من صيابة القلب يعذب
وكنت له جدبت بين مخطئ ... يعنفني في قرضه ومصوب
يؤنب في تجديدي الشعر صاحبي ... فيا صاحبي أفكر جيداً ثم أنب
وقال أتلقى في الفسيل نظير ما ... تراه على النخل الرفيع المشذب
أليس الجديد ابن القديم الذي شدا ... به القوم بعد القوم من عهد يعرب
فقلت له ما أنت للحق خاضع ... وأني لما تدلي به في تعجب
فأنا وإياهم كالخمر لا ترى ... سناها بماء الكرمة المتحلب
شعرنا بما لم يشعر القوم قبلنا ... شعور السليل الناهض المتهذب
وأن الجديد الغض في عنفوانه ... كبكر كعاب والقديم كثيب
ولست على العالات أجحد فضلهم ... ولكنما تقليدهم غير معجبي
فكذبني للجهل فيما صدقته ... وأي صريح ما له من مكذب
وماذا علي اليوم والحق غايتي ... إذا كان لا يرضى الجماهير مذهبي
وقد كان يهدي الشعر للحق حزبه ... فلم يك حزب الشعر بالمتنكب
وقد كان في أدواره الشعر كلها ... يسايرني في موكب ثم موكب
ولولا ضياء الشعر ما فزت بالهدى ... ولولا كفاء الشعر ما حزت منصبي
ولا خير في شعر أريد انتقاصه ... ولم يتحفز للدفاع ويغضب
أنا اليوم من كر الحوادث أشيب ... ولمن شعري كله غير أشيب(7/4)
ويا شعر أنت اليوم أكبر مرشد ... لمن ضل عن قصد الطريق الملحب
ويا شعر حرر ما تشاء من النهي ... ويا شعر بعد من تشاء وقرب
ويا شعر أن القلب أنت سفيره ... إلى كل قلب وافر الحزن مكئب
أبث شعوري فيك غير مقلد ... وأعرض آمالي ورأيي ومذهبي
وأنك طورا عندليب مغرد ... وطورا عقاب قد أدل بمخلب
نذكر الآن ما جاء في اليوبيل منذ أوائله شيئا بعد شيء:
لجنة اليوبيل الكرملي
اعتاد أبناء الغرب أن يكرموا عظماءهم من علماء وشعراء وأدباء، اعترافا بفضلهم وتقديرا لخدماتهم وأتعابهم الكثيرة. والصحف الغربية مشحونة بوصف الحفلات العظيمة التي يقيمها وطنيوهم لتبجيل رجالهم. وقد أنتجت هذه الفكرة ثمرة يانعة. فانتقلت إلى الديار الشرقية وطفق أبناؤها يشعرون بما لعظمائهم من حق عليهم.
وقد توالت على الأمة العربية مصائب ونكبات كادت توردها الحتف وتلحدها أبد الدهر لولا اللغة العربية التي كانت السبب الوحيد للم شعث العرب وجمع شتاتهم.
ولما كان الأب أنستاس ماري الكرملي العربي أرومة ومحتدا ونشأة قد خدم لغة الناطقين بالضاد خدمة تقارب نصف قرن رأى فريق من المفكرين اعترافا بخدماته وتقديرا لها أن يكرموا ذاك الذي ابيضت لمته وعارضاه في البحث والتنقيب عن كنوز اللغة. وقد أنشئت لجنة لتكريمه قوامها كل من حضرات السادة الآتي ذكرهم:
صاحب المعالي يوسف أفندي غنيمة وزير المالية
الحاج عبد اللطيف جلبي آل ثنيان
يعقوب أفندي نعوم سركيس
السيد طه أفندي الراوي
سليم أفندي حسون
معروف أفندي جياووك نائب أربل
المحامي شاؤل أفندي أسود
أحمد حامد أفندي الصراف
محمود أفندي الملاح
المحامي طاهر أفندي القيسي
وانتخبوا بالإجماع شاعر العرب الأستاذ جميل صدقي الزهاوي رئيسا(7/5)
لها وقد عينوا يوم الاحتفال 16 أيلول من سنة 1928
بغداد في 14 حزيران 1928
سكرتير اللجنة أحمد حامد الصراف
دعوة الزهاوي
(رئيس لجنة اليوبيل الكرملي)
الغرب قد سبق الشرق، والشرق قد انتبه وسار يحاول أن يلحق بالغرب. وقد مضى اليابان في سبيل التقدم كقنبلة خرجت من فم مدفع ضخم وهبت العروبة من رقدتها. ونفضت عنها غبار الكسل، فأخذت تسرع الخطى إلى الأمام برغم الأثقال التي تثبطها. عالمة أن حياة الأمم ي تقدمها وأن الأمة التي لا حراك لها في هذا السياق العام تسحقها الأرجل. والأمل أن تكون في مقدمة الأمم الشرقية، فترجع تراث أجدادها من مجد ضائع وتزيد على ذلك المجد التليد مجدا طريفا فتثبت للملأ أنها تستحق الحياة وأنها سوف تحيا ثم تحيا.
ولما كان العلامة الأب انستاس ماري الكرملي من الذين أنجبهم العراق نابغة في العلوم العربية وقد خدم اللغة بصدق خمسين عاما خدمة لا يجحدها كل من طبعت نفسه على الإنصاف، وكان من تباشير كل نهضة صادقة أن تقدر الأمة جهود علمائها الفطاحل، رأى فضلاء العراق أن الواجب يدعوهم إلى تكريمه، اعترافا بفضله الجم، فتألفت في بغداد لجنة لهذا الغرض الشريف وشرفتني برئاستها فجئت أدعو باسم اللغة العربية المحبوبة رجال العلم والأدب في العراق وبقية الأقطار العربية من شعراء وعلماء وكتاب إلى الاشتراك في تكريم الأب الذي نكرم فيه العلم واللغة. وذلك في 16 أيلول القادم راجيا الحضور في بغداد عند حلول الموعد أن أمكنهم ذلك، أو إرسال ما تجود به قرائحهم من نظم أو نثر طالبا من الله تعالى أن يوفق الأمم الشرقية عامة، والأمة العربية خاصة، لكل خير وأن يسدد خطاها حتى تصل إلى مصاف الشعوب الراقية الجديرة بالحياة.
بغداد في 2 تموز سنة 1928
جميل صدقي الزهاوي
(ملاحظة) وقد نقل يوم الحفلة إلى 7 تشرين الأول (أكتوبر) لأسباب يطول ذكرها. والآن نورد صورة الدعوة التي وزعت قبل يوم اليوبيل بأسبوع ثم صورة المنهاج يعقبها الخطب كما تليت في اليوم المذكور.(7/6)
حفلة يوبيل العلامة الكرملي
بإشراف معالي وزير المعارف
أتشرف بدعوة. . . إلى حضور حفلة يوبيل العلامة الكرملي في دار فخامة رئيس الوزراء يوم الأحد الموافق 7 تشرين الأول 1928 في الساعة 4 بعد الظهر ولكم مني الاحترام.
رئيس لجنة يوبيل الكرملي جميل صدقي الزهاوي
بغداد (العراق)
منهاج
حفلة يوبيل العلامة الكرملي
1 - كلمة ترحيب للأستاذ الزهاوي.
2 - بيان سكرتير لجنة اليوبيل أحمد حامد الصراف.
3 - كلمة المجمع العلمي بدمشق يتلوها الأستاذ الزهاوي.
4 - ترجمة المحتفل به لرفائيل طي.
5 - قصيدة الأستاذ الزهاوي.
6 - كلمة صاحب المعالي وزير المعارف.
بغداد في 7 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1928
شكر وترحيب
أشكر ما للسيد الجليل المبجل رئيس الوزارة فخامة محسن بك السعدون من العناية بالعلم والعلماء كما تفعل الوزارات الرشيدة وأكبر برهان على ذلك هو إقامته هذه الحفلة المباركة في داره العامرة بإشراف وزير المعارف المحترم معالي الأستاذ توفيق بك السويدي وأرحب بالذين أجابوني على دعوتي فأولوني الشرف بحضورهم من وزراء فخام ونواب كرام ووجوه وعلماء ومحررين أكفاء.
وما الحفل بيوبيل العلامة الكرملي إلا حفل بالعلم في شخصه الذي خدم لغة(7/7)
العرب أكثر من خمسين سنة بأمانة وصدق وهو الحفل الذي أذعنا قبل أشهر نبأه فرددت صداه الصحف في الشرق والغرب وتوالت من كبار المستشرقين في عواصم أوربة ومن المجمع العلمي
العربي في دمشق ومن مصر وسورية وإيران رسائل وبرقيات وقصائد يهنئون بها العراق ويستدلون على رقي أهله بتقديرهم لعلمائهم مهما اختلفت أديانهم ولا غرو فأن الأمة أخذت توسع خطاها لبلوغ شأن الذين سبقوهم في مضمار الحياة العلمية من الأمم الراقية بعد أن فقهت ما للعلم من الشأن في ترقية المجتمع وذلك برعاية جلالة ملكها المعظم فيصل الأول جعل الله عهد حكومته سلاما على الأمة وعصمة لها!
فليحيي الملك المعظم فيصل الأول ولتسعد الأمة في ظل عرشه الوارف!
كلمة كتوم اللجنة (سكرتيرها)
في ظل عرش صاحب الجلالة، وفي بيت فخامة رئيس الوزراء، وبإشراف معالي وزير المعارف، ورئاسة فيلسوف العراق وشاعرة الأعظم، وبمحضر هذه الوجوه الكريمة نكرم اليوم شيخاً من شيوخ اللغة وعلما من أعلام الأدب ورجلا أنقطع في ديره منزويا خمسين حجة يبحث خلالها في كنوز اللغة الفصحى ويدافع عن منزلتها وكرامتها دفاع الصب المغرب عن حبيبته بل دفاع الكمي الشريف عن عرضه وشرفه. في هذا اليوم المبارك نكرم رجلا عربيا عراقيا قد ترك الدنيا وما فيها من زخرف وبهرجة وجمال. واختفى في صومعة تارة يذكر اسم الله وطورا يقلب المعاجم اللاتينية واليونانية ويسترجع ما استعارته الأقوام من الأمة العربية ويسلها من مكمنها ويضيفها إلى أخواتها ويعيدها إلى وطنها الأصلي.
نكرم اليوم الأب أنستاس ماري الكرملي العربي محتداً وأرومة ذلك الرجل الذي خدم لغة القرآن منذ حداثته حتى كسته الأعوام إكليلا من أكاليل الوقار وهو (الشيب) الذي يلوح في رأسه وفي عارضيه. واحتفال هذه الوجوه الشريفة بهذا الرجل العالم دليل على أن العراق الواثب الناهض السباق إلى كل مكرمة يقدر علماءه وعظماءه على اختلاف نحلهم وعقائدهم حق التقدير(7/8)
ويوفيهم حقهم ويجلهم إجلالا عظيما.
خدم الأب لغتنا المحبوبة ورفع شأنها وخدمها خدمة صادقة فهو لذلك جدير بالتكريم والتبجيل والاحترام الكثير، ولكل لغة في الحياة صلة قوية بالقومية وعلاقة كبيرة بحياة الأمم السياسية والاجتماعية وقد أجمع العلماء على أن للغة تأثيرا عظيما في حياة الشعوب لأن اللغة أداة لبث الإحساس والشعور وهو قوام الأدب. والأمة التي لا يتفشى فيها الحس
الأدبي لا يتفشى فيها الإحساس الوطني وقد عانت الأمة العربية خلال أربعة عشر قرنا مصائب جمة وتوالت عليها النكبات ونزلت بها الملمات والطامات. وثقوا أيها السادة الأفاضل لولا القرآن الذي يتلوه العربي في العشية والضحى لأصبحت الأمة العربية أثراً بعد عين.
إلا فليعش القرآن! ولتعش اللغة العربية المحبوبة!
أيها السادة في منتصف القرن الرابع الهجري ولد في مدينتنا بغداد هذه علويان شريفان زكيان هما السيدان الشريفان الرضي والمرتضى ولدا العلوي الشريف أبي أحمد الحسيني نقيب نقباء الطالبيين وقد تتلمذا لعلامة عصرهما صاحب الحجج القاطعة الشيخ المفيد رحمه الله وأخذا العلوم العربية الأخرى عن عظماء النحويين والمحدثين والمفسرين واللغويين كابن جني والسيرافي وغيرهم.
وقد نشأ الرضي وبين جنبيه نفس شريفة لا تضام وفي عروقه دم عربي هاشمي وقد غلب على طبعه الشعر كما غلب على طبع أخيه العلم وكان الرضي شاعر قريش وأديب الطالبيين شجاعاً جريئاً كبير الروح فخوراً شريفاً غير آبه لسلطان الخليفة. ومن شعره الذي يخاطب به الخليفة قوله:
مهلا أمير المؤمنين فأننا ... في دوحة العلياء لا نتفرق
إلاّ الخلافة ميزتك فأنني ... أنا عاطل منها وأنت مطوق
وقد نشأ في ذلك اليوم أيضاً أديب كبير وكاتب تحرير هو أبو أسحق الصابئ صاحب الرسائل الشهيرة وكان كاتب الدولة إذ ذاك فتعرف بالسيد الشريف الرضي وتوثقت بينهما عرى الصداقة والمودة وألف الأدب بين قلبيهما حتى أفتتن كل واحد بصاحبه وكان إذا حل شهر رمضان صام أبو أسحق الصابئ مجاراة للرضي وكان إذا قصد أبو أسحق الصابئ الذهاب إلى الرضي مشى إليه(7/9)
حافي الأقدام إجلالا لقدره ولما خطفت يد المنون روح أبي أسحق حزن الرضي حزنا شديدا وبكى صديقه ورثاه بقصيدة عصماء خلد بها ذكر أبي أسحق وهي التي قال في مطلعها:
أرأيت من حملوا على الأعواد ... أرأيت كيف خبا ضياء النادي
ومن الشواهد على مروءة الرضي ووفائه أنه مر ذات يوم بقبر أبي أسحق الصابئ صاحبه
وخليله فترجل هو وحاشيته ووقف على قبر الصابئ باكيا منشدا:
لولا يذم الركب عندك موقفي ... قبلت قبرك يا أبا أسحق
وقد شاء الله أن يقذف ذلك الحب المتبادل بين الرضي والصابئ بعد عشرة قرون في قلب حكيم عراقي وشاعر عظيم إذا قال كلمة أحدثت تلك الكلمة دويا في أرض الله وهزت النفوس والأعصاب هو أستاذنا شيخ الشعراء جميل صدقي الزهاوي الذي يكرم اليوم الكرملي كما كان يكرم الرضي صاحبه الصابئ في مجلسه العظيم.
إن هذا الوداد المتبادل بين الرضي والصابئ قبل قرون وبين الزهاوي والكرملي اليوم برهان ساطع على أن المسلمين من العرب يعيشون مع إخوانهم العرب المسيحيين بوئام ووفاق وإخاء تجمعهم الجامعة الوطنية وتربطهم الرابطة القومية وسنتهم الدين لله والوطن للجميع:
وعشنا وعاشت في الدهور بلادنا ... جوامعنا في جنبهن الكنائس
وسوف يعيش الشعب في وحدة له ... عمائمنا في جنبهن القلانس
إن للأب المحتفل به شهرة واسعة في الغرب والشرق ومكانة عظيمة في قلوب العلماء الإجلاء ما يدل على فضله وتضلعه من اللغة ولا أدعي أن الأب معصوم من الخطأ فهو إنسان ولكل إنسان خطيئات وحسنات إلا أن الحسنات يذهبن السيئات ونحن في تكريمنا الأب نكرم العلم في شخصه مقدرين أعماله وحسناته وفضله غير ناظرين إلى شيء سوى ذلك. والواجب على كل شخص منصف أن يفكر في أعمال الرجال لا في الرجال جريا على قاعدة (فكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله) تلك القاعدة العظيمة التي وضعها السادة الصوفية.
أحمد حامد الصراف(7/10)
رسالة المجمع العلمي العربي في دمشق
دولة سورية
وزارة المعارف
المجمع العلمي العربي
الأستاذ العلامة السيد جميل صدقي الزهاوي
أرسل إليك إليها الأخ الكريم مدحة نثرية كي تتلى باسم مجمعنا العلمي في حفلة تكريم عضو مجمعنا العلامة الأب أنستاس الكرملي.
ولعل ترؤسك لهذه الحفلة لا يمنع من اعتبارك مندوبا لمجمعنا العلمي في شهودها وإذا أنضم إلى ذلك تلاوتك المدحة بنفسك كان ذلك أقصى ما يتمناه الجميع ويتطال إليه.
وفي الختام أقبلوا احتراما واحترام رجال المجمع مع تقديم تهانئنا جميعا لأخينا الجليل المحتفل به ودمتم. والسلام عليك سيدي.
في 22 آب سنة 1928
وكيل رئيس المجمع العلمي العربي المغربي
دولة سورية
وزارة المعارف
المجمع العلمي العربي
إن كان علامتنا الأب أنستاس أحق علمائنا المعاصرين بالحفاوة والتكريم فأن مجمعنا أو (محفانا) أحق بالسبق إلى تكريمه والتنويه بفضله.
ذلك أن مجمعنا منذ يوم نشأته وجد في الأب الكرملي العضو الذي يحتاج إليه. والندب الذي يعول في خدمة هذه اللغة عليه.
فكنا وإياه من المساندة، وجميل المساعدة، كأننا نعمل بفكر واحد، أو يد واحدة.(7/11)
أشتهر الأب أنستاس في خدمة لغتنا العربية وتحقيق أبحاثها، وكشف الغطاء عما أشتبه حاله من غريب كلماتها - بما لم يشتهر به غيره من علماء اللغة في عصرنا. حتى لم يعد يفهم من اسم (الأب أنستاس) إذا أطلق معنى الإنسان الذي ينطق بل معنى المعجم الذي يدقق ويحقق.
كثرة اشتغال الأب أنستاس في اللغة العربية أنسى الناس المعنى الكهنوتي المراد من كلمة (الأب) وجعلهم لا يفهمون منها إلاّ المعنى اللغوي - معنى الولادة والنسب - فهو للغتنا العربية أب كريم يحنو عليها حنو المرضعات على الفطيم، على حد قول شاعرنا العربي:
وكان له عما لطيفا، وولدا ... رؤوفا، وأما مهدت فانامت
لا يضر العراق أن لا يكون فيها محفى لغوي وهذا الأب أنستاس قائم بجميع ما يطلب من المحافي اللغوية - فهو واحد في شخصه وجمائه لكنه ألف في مجزئته وغنائه.
فحيا الله علامتنا الكرملي وأطال عمره حتى يرى ما يتمناه للغته العربية من الظهور على جميع اللغات، ويرى أبناؤها ما يحبونه له من الهناء وطيب الحياة.
22 آب 1928
المجمع العلمي العربي في دمشق
برقيات المستشرقين
برقية من لننغراد في 9 أيلول 1928
بغداد - أحمد حامد الصراف
تحياتي القلبية منبعثة من شمالي البلاد إلى المحتفل به عالم العراق الكرملي.
لننغراد: كراتشكوفسكي
برقية من باريس في 14 أيلول 1928
إلى الأستاذ الزهاوي من أعيان بغداد
إني سعيد في إرسال تهانئي بخصوص يوبيل الكرملي.
باريس: ماسنيون(7/12)
برقية من برلين في 16 أيلول 1928
بغداد - لجنة يوبيل الكرملي
بارك الله في من يخدم نهضة الناطقين بالضاد
الأستاذ كافماير
رسائل المستشرقين
من الأستاذ د. س. مرجليوث
حضرة الشاعر المطبوع والخطيب المصقع والفيلسوف المدقق جميل صدقي الزهاوي.
بعد تأدية واجبات الإكرام والاحترام والاعتراف بفضلكم اعرض أنه قد وصل خطابكم الذي تاريخه الثاني من تموز ومضمونه الدعوة إلى الاشتراك في تكريم الأستاذ الكامل والحبر الفاضل الأب أنستاس ماري الكرملي الذي اشتهرت فغي الأقطار فضائله وذاعت وشاعت مناقبه بالحضور في مدينة السلام عند احتفال المحفل الجاري فيه تعداد خدم الأستاذ للغة العربية وتهنئته بما وفق إليه من رفع ذكرها وتقفية آثارها وإحياء دراسها وأداء ما يستحقه من الشكر على ما أنعم به على المنتسبين إلى الشرق والاستشراق في الأقاليم والآفاق ولولا شط المزار وضيق الوقت وكثرة الأشغال الشواغل لكنت أسرعت إلى الانتظام في سلك
المحتفلين والدخول في زمرة المادحين والشاكرين والالتذاذ بسماع ما يلقى من الخطب وينشد من القصائد والانتفاع ببلاغتها وفصاحتها ولما لم تفسح المقادير بالمراد فقصاراي أن أبلغ حضرتكم دعائي بنجاح مشروعكم المحمود ورجائي إلا يقصر عن الغرض المقصود حتى يتيقن الأستاذ الفاضل تقدير العلماء لأعماله وتحمل الغيرة غيره على النسيج على منواله ولا يبقى مما يقال إلا الدعاء بحسن المآل
اكسفرد في 22 آب سنة 1928: المخلص د. س. مرجليوث(7/13)
من الأستاذ فريتس كرنكو
سيدي المفاضل المحترم أحمد حامد أفندي الصراف أدام الله تعالى عزكم.
بعد السلام والتحية أني أحب أن أوافقكم والسادة أعضاء لجنتكم من باطن قلبي الخالص الصداقة في التهنئة للأب أنستاس عن بلوغه خمسين سنة في خدمة الآداب العربية فقد أشتهر اسمه بعيدا عن بلاد الذين يتكلمون بالضاد وهو مشهور شرقا وغربا بمعرفته الواسعة في اللغة العربية وآدابها،. نحن هاهنا في المحفل العلمي للمستشرقين في اكسفورد (وأنا أكتب كتابي هذا هنا) نذكره ونتأسف أنه ليس بيننا في هذه الأوقات ولكن ما يكون فقدنا يكون ربحا لكم، ودعائي أن الله تعالى يبقيه بينكم وبيننا سنين كثيرة في الصحة والقوة التامة يشتغل في إحياء العلوم وترقي الآداب في بلادكم ولا سيما مدينة السلام كما كان يشتغل في الماضي. لست أنا إلا من أبناء الأعاجم المحبين للغة العربية ولم يمكني أن أوضح في كتابي هذا كل ما كنت أشتهي أن أقول ولكن سيكون فكري معكم وقت احتفالكم. وفي الختام أقبلوا سيدي المحترم تحقيق احترامي ووافر تحيتي.
29 آب 1928: المخلص لكم فريتس كرنكو
من الأستاذ لوي ماسنيون
أيها الأب الجزيل الاحترام
. . . سأبرق بعد قليل إلى العين جميل صدقي الزهاوي لاشترك من صميم قلبي في اليوبيل الواقع في 16 أيلول وأنت تعلم لمن هذا المهرجان.
وإني لأشكر شكرا مقرونا بالجميل لكتوم اللجنة أحمد حامد أفندي الصراف على أنه فكر
بي فأرسل إلي بنسخة من الدعوة.
باريس 16 أيلول 1928: لويس ماسنيون
من الأستاذ اغناطيوس غويدي
إلى حضرة طاهر أفندي القيسي في لجنة تكريم الكرملي
سيدي الفاضل: بلغني دعوة الزهاوي إلى تكريم الأب أنستاس الكرملي في هذه(7/14)
الأيام وكنت أود أن أحضر بنفسي في يوم الحفلة ويطيب لي هذا الأمر حقيقة لأتمكن من أن أبدي إلى الأستاذ المحترم شواعر إعجابي بما أنتج من الأعمال لترقية الدروس العربية ولا سيما لكي أظهر له إخلاص شكري مما أحسن به علي ولا جرم أنك تفهم أن المانع لحضوري هو تقدمي في السن فلا يمكنني أن ابتعد عن مقامي ولهذا أنيب كتابي هذا عني متمنيا لصاحب اليوبيل الأستاذ المكرم كل خير وهناء.
فرسكاتي (قرب رومة) في إيطالية 12 أيلول 1928: خادمكم الصادق اغناطيوس جويدي
أحد أعيان مملكة إيطالية
من الأستاذ ج. كافماير
إلى حضرة الأب أنستاس ماري الكرملي في بغداد.
أيها الأب الفاضل
أسمح لي بأن أبدأ هذه السطور بتجديد الدعاء الذي اطرته على جناح البرق في هذا اليوم عينه وهذا نصه: (بارك الله من يخدم نهضة الناطقين بالضاد).
إنك أوقفت نفسك للمباحث العربية ولقومك العرب الذين تنتمي إليهم وحبستها بصورة دائمة كل هذا الدوام فأنتجت ذلك النتائج على مدى هذه السنين الطويلة. أطال الله هذه الحياة وتوجها بآلائه وبركاته.
برلين دهلم في 16 أيلول 1928: الأستاذ الدكتور ج. كافماير
لغة العرب
تحية مجلة (لغة العرب) وصاحبها العلامة الأب أنستاس ماري الكرملي في مستهل عامها السابع
في عيد مجدك يهتز الألباء ... وتحمل البشر للأبناء أنباء
طلعت عنوان فضل - لا يحد له ... نبل - لمن أمتعوا براكما شاؤوا
وكنت شارة خل كله شمم ... حيا جلاله ماضيه الإجلاء(7/15)
في نصف قرن بنى علما وتجربة ... وحكمة فوق ما يرجوه بناء
ولا يزال عظيم الجهد مبتدعا ... له أياد على الإصلاح غراء
إن كنت ابنة ست في الستين فكم ... في دفتيك من الأعوام أحياء
وذمة مثل حد السيف قاطعة ... وبسمة للذكاء الجم حسناء
ما بين بأس عظيم البطش في ثقة ... بالحق أن عصفت بالحق أهواء
وبين مرحمة بالفكر بالغة ... وبالتراث المعلى فهي انداء
وبين نار تلظى، من تأججها ... هذي العقول وإشعاع وعلياء
وبين سعي لدفع بل مقاتلة ... للجهل، والجهل أدواء وأرزاء
جمعت شتى من الدنيا، وما وهبت ... لرشدنا همة شماء قعساء
أهلا بيوم (انستاس) تكرمه ... مآثر هي للتاريخ صهباء
كم تضحيات أضاءت حولنا قبسا ... والتضحيات حرارات وأضواء
حياته سيرة للنفع دائمة ... (موسوعة) ولها الأعوام أجزاء
أعاد مجدا من الأسلاف مندثراً ... إلى (لسان) له (الآباء) آباء
الرافعون منارا من سماحتهم ... والعالمون الإجلاء الأعزاء
كأن (بغداد) قد عادت لعزتها ... و (للخليل) بها وحي وإيماء
ولم يفت (سيبويه) - تقصمه ... وجدانك الحي - إرشاد وإفتاء
قضى عليه (الكسائي) في مناهضة ... زورا، وطعنتك الغراء نجلاء
تأثرت للعلم، فليخسأ محاربه ... فما لنا بعد للحساد إصغاء
هذي صحائفك البيضاء ساطعة ... وحسبنا صفحة في الحق بيضاء
أغنتك في موقف عز النصير ففي ... مبادئ الحر تعزيز وتأساء
إن شاء أن يتعامى عن مفاخرها ... غر فللوهم إضحاك وإبكاء
أو شئت أنت احتجاجا عن علانية ... فللمآثر مثل العطر إفشاء
أو ناظرتك عقول جد مجدبة ... فما تحس بجدب الترب فيحاء
أو صورتك بأغراض مزعزعة ... فإنما مقلة الأغراض عمياء(7/16)
أو عاب حكمك من يهوى مجاملة ... فليس في العدل إيثار وإقصاء
إن العظيم عظيم النقص عن شرف ... يعنو لهيبته رعد وأنواء
وليس من شاد فوق المال هيبته ... وهما، وهيبته جوفاء خرساء
بل من تعيد في تعييده أمم ... طوعا، ويتبع نجواه الألباء
أحمد زكي أبو شادي
العلامة الكرملي في حفلة تكريمه
عن الأهرام الصادر في يوم الخميس 30 أغسطس (آب) سنة 1928
قصيدة شاعر مصر الكبير الأستاذ أحمد محرم
تستعد عاصمة العباسيين استعدادا فخما للحفاوة باليوبيل الخمسيني للعلامة اللغوي الشهير الأب أنستاس الكرملي صاحب مجلة (لغة العرب) الذي سيقام فيها بعد أسابيع قليلة. وقد أذاعت لجنة الاحتفال المركزية من بغداد منشوراً بليغاً للدعوة إلى الاشتراك في هذا الاحتفال الأدبي الكبير مذيلا بتوقيع رئيسها الشاعر الفيلسوف الأستاذ جميل صدقي الزهاوي. والمنتظر أن يقبل على الاشتراك فيه كثيرون من أعلام الأدب وعلماء العربية في جميع الأقطار، فضلا عن كبار المستشرقين ومعاهد الأبحاث اللغوية في أوربة. والمأمول أن يكون لأدباء مصر مذكور من الحفاوة الواجبة بصاحب اليوبيل الجليل المآثر.
وقد أتيح لنا الإطلاع على القصيدة المشرقة العصماء التي نظمها لهذه المناسبة السارة الشاعر القدير الأستاذ أحمد محرم وأرسلها على جناح الطيارة إلى بغداد فراق لنا أن ننشرها أداء لواجبين، ووفاء لحق اللغة والأدب.
(الأهرام)
يا برق هل لك في الجمي ... ل وهل تعين على الذمام؟
أنت البقية من أيادي ال ... عبقريين الكرام!
لك نجدة الحر الوف ... ي، ونهضة البطل الهمام!
ما أن عييت بمطلب ... وعر المسالك أو مرام
تدني الممالك والأنا ... م من الممالك والأنام(7/17)
ما الدهر فيك سوى ثوا ... ن من نهار أو ظلام!
يا برق بالذمم الجسا ... م وبالمواثيق العظام
أد الرسالة من ربى ... (مصر) إلى (دار السلام)
دعها فقد علقت بأج ... نحة العواصف والغمام!
تمضي بكل محلق ... متقاذف الأرجاء سام!
في جوف خافقة الجنا ... ح يهيجها طول أعوام!
بنت الجواء رمى بها ... رامي الكواكب بالسهام!
يحملن من جن الحضا ... رة كل مستعر العرام!
يغتال كبر المستحي ... ل وعزة الموت الزؤام!
تناسب طاغية القوى ... وتمر طامحة الزمام
عصفت بمملكة النسو ... ر تريد مملكة الحمام
دار (الرشيد) وما رمي ... ت صاحبتي فيها بذام
أولى المصاقع بالمنا ... بر، والسواجع بالبشام
جمعوا المواسم كلها ... في موسم الأدب المقام!
هتفوا بذكر (الكرمل ... ي). فقلت بورك من إمام!
ونهضت أستبق القري ... ض فردني جللا مقامي
مارسته، فرميت من ... هـ بزاخر الآداب طام
عزت به أم اللغا ... ت أبا يناضل كل رام!
يحمي جوانب ملكها ... ويهيب بالهمم النيام
ويقيم ما هدم الغزا ... ة من الحوائط والدعام
إن كنت جاهله فسل ... هـ عن المجاهل والمعامي
تلك المعالم وضحا ... فخذ السبيل إلى الخيام
عند الأعاريب الكرا ... م شفاء ما بك من هيام
سر في ذمام (الكرمل ... ي) وفي حمى الأدب الحرام
وقل: السلام عليك يا ... أم الغطارفة الفخام(7/18)
لا تذكري مجرى الجيا ... د ومرتمى الجيش اللهام
ناب الكتاب عن الكتا ... ئب، واليراع عن الحسام!
هذا (الإمام) فلن ترا ... عي في حماه ولن تضامي!
نظم المشارق علمه ... والعلم أشبه بالنظام
ما للممالك أن هوى ... ركن المعارف من قيام
تقدير النبوغ والعبقرية
الاحتفال بالعلامة الكرملي
حضرة الأديب العلامة الجليل الأستاذ الفاضل سكرتير لجنة يوبيل العلامة الكرملي الموقر
تحية واحتراما وبعد:
أعلمني صديقنا العلامة الفاضل النطاسي البارع الأستاذ أحمد زكي أبو شادي وأنا على فراش المرض بتكريمكم للعلامة الكبير أستاذنا الموقر الكرملي فأكبرت فيكم وفي إخواننا القائمين بهذا الأمر جلال عظمتهم المجيدة التي قامت لتقدر العبقرية والعلم والنبوغ. وقد دفعتني عواطفي الجياشة وأنا في حالتي المرضية بأن أنظم هذه الأبيات ولي الشرف بأن أقدمها للجنة مع هذا الخطاب حتى لا يفوتني انتهاز هذه الفرصة المباركة دون الاشتراك في هذا المهرجان العلمي العظيم. وطد الله بكم دعائم العلم والأدب وتفضلوا بقبول أجل وأجمل تحيات المخلص
يا جارة البان بين النيل والهرم ... وربة الشدو يا ورقاء والنعم
صاغت إليك فتاة الشعر قافية ... يسري مع البرق رياها وفي النسم
هيا امتطي أفق الجوزاء وانطلقي ... لروضة المجد والعلياء والكرم
وردديها على الأسماع شادية ... في دوحة العلم والآداب والحكم
فندوة الضاد يا ورقاء قد جمعت ... أهل الفصاحة في (بغداد) والعظم(7/19)
فأن شهدت بها شمسا ونابغة ... وفيلسوفا غدا كالبدر في الظلم
وعبقريا وفذا بالعلا كلفا ... في دولة العلم أضحى صاحب العلم
على محياه نور العلم مؤتلق ... فصار في نوره كالنجم في الغسم
وحوله سادة غر عباقرة ... غير النبوغ وغير العلم لم ترم
فلتعلمني أنه (الكرملي) من حفلت ... بمجده وعلاه دولة القلم
علامة الشرق فخر العرب من شهدت ... أم اللغات له بالفضل والحكم
النابه الذكر من جاز السهى شرفا ... المبلغ اللغة الجوزاء بالهمم
يا جارة البان أن أدركت ساحته ... فقد بلغت رحاب المجد والحرم
فغضي طرفك يا ورقاء خاشعة ... وأقضي حقوق العلا والمجد والعظم
فسوف تشجعك يا ورقاء رقته ... وحكمة وعلاء غير منصرم
فأن سعدت بخلق كالحيا طلقا ... يحوي العلا والندى فأثني على قلمي
وبلغيه تحايا العلم عاطرة ... من شاعر بربوع النيل والهرم
أدي الرسالة يا ورقاء موفية ... حاشاك أن تنكثي بالعهد والذمم
هيا أعتلي الجو واجتازي مرفرفة ... البر والبحر لا تخشي من الرخم
(دار السلام) لواء المجد ينشره ... على رباك شموس العلم بالهمم
العبقرية في واديك ماثلة ... حجت إليها ملوك العلم والحكم
يا نخبة الشرق في علم وفي أدب ... يا مالكين عنان الطرس والكلم
يا أنجم العلم في عرب وفي عجم ... يا ناشرين لواء العلم في الأمم
يا معتلين من العلياء دوحتها ... وفضلكم في الورى أنساب كالديم
قياصر الأدب العالي وأيكته ... وأسرة الفضل والأخلاق والشمم
جددتمو اليوم للتاريخ ما هدمت ... يد الدهور بملك باذخ سنم
(هارون) في رسه قد بات مغتبطا ... يهوي لو استطاع يلقاكم على قدم
لولا صروف لدهر من حوادثه ... قضيت عمري في حزن وفي ألم
شددت رحلتي كي أحظى بفضلكمو ... وكنت أول من للفضل مغتنم
الإسكندرية 4 سبتمبر 1928: محمد صالح إسماعيل(7/20)
يوبيل الأب أنستاس ماري الكرملي
حضرة الزميل الكبير والأخ الأجل الأستاذ الزهاوي الشهير:
تحيتي إليكم وإجلالي (وبعد) فأرسل لحضرتكم هذه القطعة تلبية لطلبكم الكريم وتقديرا لحضرة المحتفل به. وتفضلوا بقبول تحياتي وشكري وحفظكم الله ورعاكم:
نحيي على بعد المدى ونكرم ... ونهتف بين الهاتفين وننظم
ونزجي (لبغداد) القريض كأننا ... حضور به في حفلها نتكلم
قواف اطارتها إليكم شجونها ... وكان لها في حبة القلب مجثم
أهاب بها صداح (دجلة) فانبرت ... سراعا له من (نيلها) تترنم
حمائم لم تهبط على الحب مرة ... فتلقطه. بل همها اللحم والدم
بعثنا بها نحو (العراق) إلى امرئ ... ترف عليه ورقه وتسلم
فما هو إلاّ الروض يجزي نميره ... ويضحك فيه زهرة المتبسم
غذته عقول الناس خمسين حجة ... أقام بها يسقي الرحيق ويطعم
جنا قطفه دان، وماء مصفق ... وظل على كل البلاد مخيم
فمصر، وأرض الشام منه بجنة ... وحومانة الدراج. والمتلثم
مآثر غفي عرض البلاد وطولها ... تحيي فتاها مثلنا وتعظم
وأعمالنا مثل الأناسي، ناطق ... فصيح وذوعي، وآخر أبكم
وتلقى من الأعمال ما هو شاعر ... وتلقى من الأعمال ما هو مفحم
ومن شيد العلياء قامت وشيدت ... له من جميل الذكر ما ليس يهدم
يقولون شاب الكرملي - ولم يشب - ... ومن هذه آثاره كيف يهرم
يزيد على كر العشيات روعة ... كذلك يروع النسر والنسر قشعم
أراني منه في خضم. فإن يطل ... مديحي له. أو لم يطل فهو أعظم
لقد جل عن شعري - وإن جل نظمه - ... وقصر عنه القول. فالصمت أسلم
9 سبتمبر 1928: محمد الأسمر(7/21)
في موقف التكريم
حلمت أن قد صفت في العيش أيامي ... فلم تصح من الأيام أحلامي
إني فكرت مليا في حقيقتها ... فلم يزدني فكري غير أوهام
ما جن ليلي إلاَّ هاج بي شجن ... وآلمتني نفسي أي إيلام
كم ليلة بت والسمار قد رقدوا ... فريسة بين أوجاع وآلام
قد شاب رأسي من برح الهموم ولم ... يمر لي من حياتي غير أعوام
لولا طموحي إلى مجد يشرفني ... ما طال في العيش انجادي واتهامي
وما يؤمن في الدنيا سعادته ... غير امرئ هازئ بالكرب مقدام
ماذا ستنفعني الشكوى ارددها ... والدهر نكس قبل اليوم أعلامي
إن لم أقم لرجال العلم منتصرا ... فلا مشت بي إلى العلياء أقدامي
أبجل العلم مهما دان صاحبه ... وذاك لا غيره ديني وإسلامي
يا مكرمي الكرملي الفذ أنكم ... أكرمتمو العلم فيه أي إكرام
قوموا إلى الأب في يوبيله زمرا ... وصافحوه بتبجيل وإعظام
وأنشدوا الشعر تقديرا لخدمته ... ولا تبالوا بحساد ولؤام
عاثوا بمملكة الآداب من شره ... عيث الذئاب - وقد جاعت - بأغنام
أصغوا إلى الشعر يتلى أنه عظة ... وأنه خير نهاض بأقوام
الشعر ما وضح المعنى به وصفت ... ألفاظه وخلا عن كل إبهام
وما البلية إلاَّ أن يزاوله ... من لم يكن فيه ذا حذق وإلمام
شببت والحب في مهل تمارسه ... وقد سبحنا معا في بحره الطامي
أيامه مثل أيامي مكدرة ... وعل أيامه تصفو وأيامي
أخشى إذا نحن لم نأس الجراح به ... أن يقضي الشعر من جرح به دام
ما ألهمتني وحي الشعر آلهة ... بل أنها النفس منها كل إلهامي
أسديت شعري الشبان أطربهم ... فقد تسر شباب اليوم أنفاسي
من يرمق الزهر من بعد القطار ... فلا يلقاه إلاَّ بوجه منه بسام(7/22)
في روضة ظل رجاس ازاهرها ... حتى تفتح أجفان لأكمام
أقول والطير قد هبت مغردة ... أملأ لي الجام فاللذات في الجام
هلم نأوي إلى الآداب رائعة ... ونستظل ضحى في صرحها السامي
في عهد فيصل ما أسماه من ملك ... معصب من بني عدنان قمقام
بتاجه الشعب كل الشعب مغتبط ... ما أحسن التاج معقودا على الهام
وأنه هو مولاه وسيده ... وأنه هو في الجلى له الحامي
الشعر في ظله عصفورة غرد ... والعلم مخضوضل من غيثه إلهامي
لو لم أجد لي في الأقلام تسلية ... كسرت من عنت الأيام أقلامي
صفحا إذا كان خنذيذ القريض كما ... فلم يساعد على جريي وأقدامي
بغداد: أكرم أحمد
نشيد وتفنيد
يا رابضا وبه الآمال تصطخب ... إن قبل ممن؟ يقل آبائي العرب
أنت البقية من شعب ذوي عظم ... أوهاهم العجز والتفريق والوصب
ملوا الجهاد فظلوا في عمايتهم ... كأنهم تائه أودي به التعب
أصوب الطرف فغي أحوالهم فأرى ... بؤسا يحيط بهم من بعد ما غلبوا
من بعد تحليقهم في أوج رفعتهم ... لقد هووا مثل مقطوع به السبب
يستنجدون وما من منجد لهم ... ويستغيثون إذ أصمتهم الكرب
والله كم سال دمعي عند رؤيتهم ... وكم بقيت بلج الحزن أضطرب
شتان ما يومهم والناس تخدمهم ... ويومهم قد نكى في جمعهم عطب
أين البهاليل من شعبي فيا أسفي ... أودت (قعاد) بهم لما بها طربوا
وقد تفانوا وما كفوا تفانيهم ... عن قتل أمتهم حتى معا عطبوا
يا للتعجب من شعب يذوب كما ... ذاب الضريب بنار هاجها حصب
العرب هل أصبحت فتيانهم حمما ... وكم براقش تجني بل وكم تثب؟
قد دنسوا الحق تدنيسا وما ارتدعوا ... عن منكرات بهن الذل والكلب(7/23)
أسدد فمي قبل بوحي بالذي عجزوا ... عن ذكره فزمان البوح مقترب
غاض الكرام وقد غاض اللئام فلا ... نصح يفيد ولا علم ولا كتب
لئن ذكرت رجال اللؤم أحرقني ... جوى كمين وفي قلبي له ندب
أف لهم ولما يبغون من أرب ... مدنس مات فيه العز والأدب
قلوبنا ضعضعوها وهي صابرة ... على الأذى وبنار الطعن تلتهب
تعسا لقوم عتوا صدت بصائرهم ... عن الصلاح وبالتضليل تنتقب
نرى الأذلة ترمينا بقسوتها ... وأنها لفلول الخبث منقلب
غشوا نفوس ضلالات بثوب هدى ... كأنهم نجس بالخز محتجب
هم الذين أضاعونا بخستهم ... يزجون غدرا إلى خبث ولن يجبوا
وا حسرتاه على حر يذوب أسى ... على العروبة والأعراب تحترب
وا حسرتاه علينا إذ سفينتنا ... أضحى بها الجهل ربانا ويا عجب
هذي الجزيرة مجتاحا ومضطربا ... في كل يوم بها حرب ومستلب
ضاع التراث كما ضاعت سعادتنا ... وقد وقفنا فلا غذ ولا خبب
لم يبق من أمتي العظمى سوى لغة ... ظلت على طول هذا الدهر تنتحب
كم أعجمي غزاها وهي آمنة ... وجيشه لجب من عجمة تعب
فانصاع مكتئبا تحدوه خيبته ... والجيش منحطم أعضاؤه تعب
يا سائرا ووجيب القلب صاحبه ... لنا ببغداد من بين القسوس (أب)
أقرأ عليه سلامي خالصا عطرا ... فأنه من معين الحب منسكب
أب عزيز وذو علم ومعرفة ... قضى السنين بسوق العلم يكتسب
حنا على لغة القرآن حنو أب ... على الوليد وعنه تنطق الحقب
له أياد على أبناء يعرب ما ... دامت لغاتهم أثوابها قشب
عقل منير وأخلاق معظمة ... ودربه سيلها للعلم مصطحب
ذاكم (انستاس) معروفا ومرتويا ... من بحر علم وللإصلاح منتدب
عرفته فاضلا من قبل ما نظرت ... عيناي وجها له للطف ينتسب
حلو الحديث دميث الخلق ذو أدب ... عال ومجلسه للعلم منتهب(7/24)
طلاب حق وإصلاح ومكرمة ... وصفو علم وفي أعماله سرب
صافي السريرة ضحاك إذا ضحكوا ... ماضي العزيمة ذو حلم إذا غضبوا
قد (يوبلوه) فأبقوا خير مأثرة ... لهم فيوبيله بالفخر مختصب
لم ينقموا منه إلاَّ أنه كلف ... بالبحث لا مدع جهلا ولا غضب
حامي الحقيقة إن شطت وإن قربت ... مهذب ولشطر الدهر محتلب
كم لقلق صات في يوبيله حسدا ... وكم غراب نعى والقلب ملتهب
قد جلوا جهلهم ما كان أغربهم ... والجهل ينفق في إفنائه الذهب
كل له دينه والعلم مقتسم ... فلا ازدراء ولا حقد ولا صخب
بلى أنستاس أهل للذي فعلوا ... بخلقه ومساع جلها شهب
بغداد: مصفى جواد
كتاب صاحب المعالي وزير المالية
حضرة العلامة الفاضل الأب أنستاس الكرملي المحترم
دعاني الواجب إلى أن أغيب عن العاصمة يوم يوبيلكم الميمون، فلبيت صوت الواجب وفي قلبي لواعج من الشوق للاشتراك بتكريم العلم في شخصكم النبيل والإشارة بمفاخر لغتنا العربية التي أفنيتم العمر العزيز في الوقوف على أسرارها والبحث عن مكنوناتها الثمينة والتنقيب عن كنوزها العجيبة الساحرة الفتانة.
إن حرمت حضور الحفلة وسماع ما يلقى من الدرر المنثورة واللآلئ المنظومة في مدحكم والثناء على خدماتكم المشكورة وأعمالكم المبرورة في الجهاد في سبيل العلم واللغة والتدريس فأن لي من أسباب السرور والحبور ما ينسيني هذا الحرمان ذلك أن فخامة رئيس وزارتنا المحبوب عبد المحسن بك السعدون قد تكفل بإقامة هذه الحفلة في داره العامرة وأن زميلي العزيز معالي توفيق بك السويدي وزير المعارف قد أقام يوبيلكم تحت إشرافه.(7/25)
فنظرا إلى التضامن الموجود بيننا نحن أعضاء الوزارة السعدونية فأني أعد نفسي مشتركا في هذه الحفلة وإن لم أكن حاضرا
وهنا لا بد لي من كلمة أقولها ألا وهي: إن الأب أنستاس الكرملي موضوع فخر ومباهاة للوطن ولأبناء اللغة العربية الناطقين بالضاد فقد حمل مصباح العلم والعرفان مدة خمسين سنة وقد أقتبس من نوره الوضاح تلامذة يعدون بالمئات. وقد أسعدني الحظ أن أكون أحدهم بما أخذته عنه بعد مغادرتي المدرسة من الفوائد الفرائد.
لم تقتصر خدمات الأب الجليل على التعليم والتهذيب والتلقين بل هي أوسع نطاقا من ذلك. فها أن أبحاثه الجليلة اللغوية والتاريخية أكب شاد على ما أقول وها أن تنقيباته الأدبية لأعظم حجة على ما ألمع إليه.
لا يذكر اسم الكرملي إلا وينتصب في الذاكرة شبح كتاب (الإكليل) و (الموعب) وكتاب (العين) وغيرها من تراث الأقدمين التي كانت مفقودة فوجدها.
أما مجلة (لغة العرب) فاسمها يغني عن البيان والتبيان فهي كنز لغوي وتاريخي.
إن حب أنستاس للعرب والعربية جعله يتحمل مضض النفي والإهانة في عهد دولة مضت أيامها ودالت دولتها.
حيا الله الشعور العربي الصميم المتغلغل في قلب الأب المحترم. وهل من حجة لامعة على
هذا الحب أكبر من العذاب في سبيله؟
فإذا قرعت طبول البشائر في يوبيل العلامة الأب أنستاس فلا عجب. فما ذلك إلا دليل باهر على أن البلاد وأهل البلاد وحكومة البلاد تقدر العلم وتحترمه في شخص رجاله الذائبين في سبيله.
حيا الله الأب أنستاس الكرملي حامل مقياس العلم وعلم العربية. وحيا البلاد والرجال الذين يكرمون العلم.
بغداد 5 تشرين الأول 1928: المخلص يوسف غنيمة(7/26)
الأب أنستاس ماري الكرملي
عماد للنهضة الحديثة
- 1 -
كان النصف الثاني للقرن التاسع عشر مبعث النهضة الأدبية في الشرق العربي بعد أن قطعت العواصف السياسية والاجتماعية علاقته بماضيه الوضاء ومهما يكن من الأسباب التي بعثت هذه النهضة المباركة، فأنها من غير شك كانت تقوم في جهات ثلاث: الشام، ومصر، والعراق، ويظهر أن الأسبقية إنما كانت للشام لتزاحم البعوث والإرساليات الأمريكية إلى هناك فتمكن رجالها من بذر البذور المباركة للحركة الأدبية والعلمية في هذا الشرق وقد تبعتها مصر منذ انتظمت حياتها الحسية وأسست على قواعد ثابتة تضمن للنهضة النجاح والاطراد، وقد نافستهما العراق منار الثقافة الإسلامية العربية في عهد (دار السلام).
وهنا يجب أن نقرر - إنصافا للحقائق التاريخية - أن هذه النهضة التي كانت في مصر وسورية والعراق كانت تقوم على أعمدة ثلاثة: مدرسة دار العلوم بمصر، ومدارس الإرساليات بالشام. والأب أنستاس ماري الكرملي بالعراق.
- 2 -
ليس من المبالغة أو العصبية أن نضع الأب الكرملي في العراق تجاه مدرسة عتيدة بمصر، وعدة مدارس بسورية، فأننا إذا فهمنا مقومات هذه النهضة أول الأمر علمنا صدق هذه
الدعوى، وأننا لم نشتط حين وضعناه في هذه المكانة، فأنه حين حاولت البلاد أن تحيا حياة أدبية أواخر القرن الماضي كانت لوثة العجمة شائعة في الألسن العربية، ولم تكن ترى شخصا يحسن التكلم باللغة الفصيحة، وكانت اللغة العامية خليطا من لهجات شتى، بعيدة النسب عن العربية فضلا عن أن النفس الشرقية كانت مقفرة من أية ثقافة إلا الجهل المطبق، والظلمة الحالكة، والانحلال الشائن، فكان لا بد لكل غيور على هذا الشرق العربي أن ينقذ هذه(7/27)
الطوائف من جهالتها محاولا تقريبها إلى المثل الأعلى لتلك الحضارة الأدبية الماضية مراعيا في ذلك آثار الزمان والمكان، ودواعي الفروق بين الحالة الحاضرة أمامه وبين الحالة السالفة أمام العصر العباسي حيث ازدهرت الدنيا بآثار العربية وكنوزه الثمينة. . . وأي شيء يجب البدء به سوى تقويم الألسنة وتطهيرها من الأخطاء اللفظية والكلمات الأعجمية حتى إذا استقامت واشتد ساعدها كان على المصلح أن ينظر في محاولات أخرى معنوية وموضوعية عله يتم ما بدأ؟!
أفليس الناس إذ ذاك أشبه شيء بالطفل الناشئ يجب إصلاح لسانه ثم يتلقى بعد ذلك المعلومات؟ أريد أن أفصح أكثر من هذا فأقول: كانت النهضة محتاجة إلى تقويم جسمها قبلا حتى يتمكن من حمل ما يلقى فيه من الروح الحديثة التي هي في الحقيقة الغاية أو الوسيلة للرقي العام.
هكذا كانت تعمل دار العلوم بمصر أول نشأتها فكانت معنية بدراسة الأدب العربي القديم وتقليده بعض الشيء لفظاً وأسلوباً، وكان المتخرجون فيها يجتهدون في تقويم الناشئين بهذه الأساليب حتى تأسست الدراسة المصرية على نهج قويم، وقريباً من هذا في شيء من التجديد عمل رجال سورية لاتصالهم أكثر من سواهم بالحضارة الأجنبية فلانت لهم الأساليب وجروا شوطاً ليس بالقريب.
أما الأب الكرملي فقد كان ترتيبه الطبعي أسبق من ذينك العاملين: كان فقيها لغويا عليه وحده نعتمد في الإصلاح اللفظي: الأفرادي والتركيبي لأنه أتيح له ما لم يتح لقرينيه ففاز بخير نصيب.
- 3 -
نعم أتيح له ما لم يتح لغيره من جميع المشتغلين باللغة العربية في هذا العهد فكان طبيعيا
أن يكون عمله أجدى من ناحية، وأن يكون (صاحب الشريعة الغوية) أن أباح لنا هو هذا التعبير من ناحية ثانية.
من هذه الميزات ولوعه منذ الصغر باللغة وآدابها، وإذا علمت أن أول دراسته كانت في كتب الصرف تبين لك من أول الأمر ذلك المذهب الذي سيعتنقه هذا الصبي بعد. . . بناء اللغة وتكوينها وفهم أسرارها.
ومنها إكبابه الطويل على دراسة اللغة والبحث في معاجمها وجمع الكتب التي تصادفه وتفيده في هذا الباب، فحصل على أكبر قسط من المعارف اللغوية التي(7/28)
تجعله بحق حجة وحده ومرجعا للباحثين.
ومنها معرفته عدة لغات شرقية وغربية مما يفيد في وسائل إثراء اللغة وطرق درسها وإنمائها، ثم الوقوف على فقهها وتاريخ نشأتها منذ عرفها التاريخ ولا أعرف رجلا غيره تيسر له الوقوف على هذه اللغات الشرقية بهذا الإتقان ثم الانتفاع بها في تحقيق الأصول العربية، فليس من الغريب إذا أن يكون كعبة الأساتذة والمستشرقين وطلاب التحقيق الفقهي للغة العربية.
ومنها رحلته إلى أوربة وبلاد الشرق ووقوفه على مظاهر الحضارة القديمة والحديثة وآثارهما مما جعله أوسع معرفة وأدرى بمقتضيات هذا العصر من تجديد واصطلاح وتواضع على ألفاظ خاصة لكل جديد حتى لا ترمى اللغة بالفقر والعجز عن مجاراة الحضارة الجديدة.
- 4 -
أفبعد هذا يكون من الغريب أن يكون الأب الكرملي محط آمال المجتمعات اللغوية العلمية. وإن تتهافت النوادي الشرقية في أوربة والشرق على انضمامه إليها ليكون عتادها الأوحد ومرجعها الذي لا مرد لحكمه؟! ولم لا تترجم آثاره إلى اللغات الأجنبية التي يعنى ذووها بدرس الآثار الشرقية. وفهم هذه النفس الجباة التي كانت مثال النبوغ في مظاهرها المتنوعة، مظهر الدين ومظهر الفلسفة ومظهر اللغة وعلومها؟ ولم لا يضطهده الأتراك أعداء العرب وهو يعنى بإحياء الحضارة العربية ويذيع ما كان لهم من مجد تليد وعلم جم؟ أليس هذا رجلا في أمة وأمة في رجل؟
لا أذكر مؤلفاته وآثاره المطبوعة والمخطوطة الباقية والبائدة، لا أذكرها فهي شيء ذائع معروف سيحفظها التاريخ في إثباته، وينتفع بها الناس بعد أن يحصلوا عليها.
إنما أذكر (لغة العرب) التي كانت - ولا تزال - صدى الحركة اللغوية في العالم العربي وغير العربي، عند كل متعلم وأستاذ، ناشئ وشاد، أذكر (لغة العرب) التي عودتنا النقد النزيه، الحق، والتواضع الكريم والاعتراف لكل مجتهد بجهده، وأخيرا كانت خير صلة بين الناطقين بالضاد وخير عامل على حراسة اللغة من عوامل الفناء والجمود والاضطهاد.(7/29)
- 5 -
فإذا كان من الحق على العالم العربي اليوم أن يكرم عالمنا الفذ، وأكبر مضح بعمره وماله، فأنه يكرم عنصرا قويا لا ندري ماذا كنا نكون لولاه،
نعم إن هذه النهضة الحديثة أخذت الآن تتحول إلى ناحية حديثة من الثقافة المعنوية الفلسفية، ولكنها في حاجة عظيمة إلى ذلك الأب البار يرؤمها ويرقبها في سبيلها، خوف الاضطراب والشذوذ والعثرات التي كثيرا ما تعترضها، اللهم إنا نحتسب عندك هذا العمر الذي أنفقه وذاك الجهد الذي قاساه ونرجو أن يمد الله عمره حتى يتم ما بدأ، ويصل بهذه الروح الشرقية إلى دور النضج التام.
فباسم مصر، وباسم الشرق، وباسم اللغة العربية، وباسم الآمال التي نعقدها على حياته. . . نقدم له أنفسنا مخلصة، ووفاءنا خالدا ونتقدم إلى لجنة الحفل بالمقترحات الآتية للسعي معنا في تحقيقها:
1 - أن يعين في الجامعة المصرية أستاذ الفقه اللغة العربية.
2 - أن تعنى لطبع مؤلفاته ونشرها.
3 - أن تحتفظ بخزانة وتسعى في الانتفاع بها.
4 - أن يكون هذا التكريم في كل من مصر والشام والعراق وغيرها من الأقطار العربية تكريما عمليا مؤديا للانتفاع الأوفى بآثاره الغراء.
الإسكندرية في 2 أكتوبر سنة 1928: أحمد الشايب
من الدجيلي
حضرة سكرتير لجنة تكريم الأب انستاس المحترم
بعد السلام فإني أشكركم على تقديركم إياي باللياقة للاشتراك في الاحتفال الذي ستقيمونه في بغداد في اليوم السادس عشر من شهر أيلول من هذه السنة ومن حيث أني في لندن والشقة بعيدة بيني وبينكم وكثرة النفقات تمنعني من(7/30)
الحضور في ذلك الاحتفال الميمون رأيت أن استعيض بالكتابة عن الحضور بالنفس، متأسيا بقول من قال: (المراسلة نصف المواصلة) فإذا رأيتم ما كتبته مستحقا للقراءة والنشر فافعلوا ذلك وإلا فألقوا به عرض الحائط واتركوه في زوايا الإهمال وأنا لكم من الشاكرين. وفي الختام أهدي جميع أعضاء لجنتكم المحترمين السلام.
لندن 30 آب 1928: المخلص كاظم الدجيلي
سيدي وأستاذي العلامة معالي الرئيس المحترم
سادتي المحتفلين الكرام
إن تكريم الأحياء سنة قد جرى عليها الأولون والآخرون من البشر والقصد منها تشجيع الناس على إتيان الأعمال العظيمة التي يستفيد منها وطنهم وأبناؤه.
ولما كانت النفوس تميل - بطبيعتها - إلى تعظيمها وتبجيلها أخذت تسعى في مصلحة مبجلها والمعترفين بجميلها عليهم. وبهذه السنة صارت مصالح الفريقين تتبادل وقوادهم تزداد ومنافعهم تتكاثر. إلا أن سنة التكريم هذه لم تدم في الشرق كدوامها في الغرب الذي ازداد اعتبارها وعظم شأنها فيه. ولا غرابة في ذلك إذ التربية والآداب في الشرق انحطت فأنحط كل شيء بانحطاطها.
أما في الغرب فالحالة على خلاف ذلك حيث ترى للتربية والتعليم حياة راقية وآدابا سامية.
إننا في تكريمنا حضرة العلامة الأب انستاس - الذي هو أهل لذلك - نكرم في الحقيقة سواه من أبناء العراق إذ نبعثهم بعملنا هذا على الاجتهاد في إبراز الأشياء النافعة للجمعية العراقية خاصة والبشرية عامة بحيث تكون تلك الجمعية شاعرة كل الشعور بوجوب تكريمهم واحترامهم.
إننا في تكريمنا حضرة الأب أنستاس نثبت لأبناء العراق النبهاء العمل بقوله تعالى: (من يعمل مثقال ذرة خيراً يره).
إن للأب أنستاس فضلا على كثير من شبان بغداد بل العراق وكتابه الحاضرين إذ درب
الكثيرين منهم على معرفة الآداب العربية وحسن الإنشاء بها بل النبوغ فيها، وأنجى بصنعه الجميل نبغاء الكتاب من الوقوع في أغلاط كانوا يجهلونها قبله(7/31)
لو كان من المتعارف أو المستحسن أن يقص المرء سير الأحياء من غير متاقاة أو محاباة لقصصت عليكم من أخباره الطوال ما يستوعب كل وقتكم.
لحضرة الأب أنستاس منة لا تنكر على اللغة العربية وأبنائها لأنه يغار عليها أكثر مما يغار على أي شيء سواها ويحب إعلاء شأنها إلى السموات العلى ومن فرط حبه لها ينتقد مفسديها انتقادات مرة قد يرى المتعصبون الجاهلون لها أنه عدوها اللدود، وفي الحقيقة أن انتقاده هذا ما هو إلا كضرب الوالد الشفيق لولده الجاهل إذا أراد تأديبه وتدريبه على محاسن الأخلاق وطلب العلم.
إن إصدار مجلة لغة العرب مما رفع ذكر العراقيين في الآداب العربية وأحيا ميت أسمهم فيها. قد لاقيت غير واحد من المستشرقين في أوربة فكان أول شيء منهم إعجابهم بمجلة لغة العرب والتحدث عن مزاياها وفوائدها الجمة. ورأيتهم يقدرون كل التقدير اختيار الأب للكلمات التي يعبر بها عن المسميات العلمية والفنية الحديثة، وإن كان في بعضها مما يثقل على السمع تلقيه أو أصبح بحكم المهجور.
للأب أنستاس سعة صدر وحلم عظيمة، وكيف لا يكون كذلك وهو أحد الرهبان الذين من سيرتهم غفران الذنوب والإحسان للمسيء.
إن صلتي بالأب أنستاس قد تزيد على الخمس وعشرين سنة وهي متينة لم يصبها أي خلل طوال هذه المدة مع أنه راهب كاثوليكي - ومن مبادئ الكاثوليك الدعوة إلى المسيحية - وأنا شيعي أصولي - ومن مبادئ الأصولية التصلب في الدين والتنجس من غير المسلمين - يشهد الله علي أنه ما دعاني يوما إلى دينه ولا دعوته أنا إلى ديني، أو تناقشنا في هذا الباب كثيرا. فصحبتنا كانت ولا تزال أشبه شيء بصحبة الرضي والصابئ بل على ما أظن أقوى وأمكن.
(الفضل ناسب بيننا إن لم يكن ... شرفي يناسبه ولا ميلادي)
قد كنت أحيانا اسمعه - بغير قصد - بعض الكلم التي لا يجب سماعها المتدينون مثله فيتشاغل عن سماعها بسواها ويغير الموضوع بأدب وحكمة. وإني أتذكر عند كتابة هذه
الأسطر حادثة من هذا القبيل حدثت بيني وبينه - شهدها حضرة محمود أفندي الشيخ علي والد المفاضل علي محمود المحامي، وقد يقصها(7/32)
لمن يريد سماعها فظهر فيها الأب مظهر من أتبع المسيح وعمل بأقواله.
ذكرت هذا دحضا لقول المتقولين على حضرة الأب أنه يفسد على أبناء المسلمين دينهم وينصرهم. سبحانك اللهم أن هذا لهو البهتان المبين.
حسدوا الفتى إذْ لم ينالوا فضله ... فالقوم أعداء له وخصوم
قد قرأت في بعض الجرائد الأميركية أن جماعة احتفلوا بأحد نوابغ أميركة وقد دعوا إلى تكريمه عددا غير قليل من مشاهير الأميركيين وكان بين المدعوين أحد الأغنياء فأحب أن يسلك طريقة جديدة في التكريم فكتب صكا بمائة ألف دولار ووضعه في جيبه ولما جاء دوره للخطابة رقي إلى المنبر وأخرج الصك من جيبه وقال للحاضرين هذه خطبتي ثم سلمه إلى المحتفل به فكان لصدى هذا الخبر دوي بلغ مسامع أوربة فذكرته جرائدها بإعجاب عظيم.
فهل للمحتفلين بالأب أنستاس أو للعراقيين عامة - أن يعملوا لحضرته شيئا من هذا القبيل أي طبع ما جمعه حضرته من المصطلحات العلمية، وما علق على كتب اللغويين من تصحيح واستدراك، ثم إهداء نفعه بعد استخراج نفقاته إلى حضرته ليعم نفعه فيكون العراقيون قد خلدوا لهم بهذا العمل المبرور ذكرا جميلا، ونفعوا البلاد العربية نفعا جما وما خسروا شيئا؟ فأنا أول المستعدين للاشتراك في الإنفاق على هذا المر الجليل.
وأختم كلامي هاتفاً عن بعد: ليحي الأب أنستاس وليشكر القائمون بتكريمه!
لندن 30 آب 1938: كاظم الدجيلي
الكرملي
الكرمل أحق بلاد الله بتكريم العلامة الأب أنستاس ماري الكرملي الذي تشرف بالانتساب إلى هذا الجبل الذي استعير في العهد القديم لعظائم الأمور في حين إنه كان لها من الجلال والجمال بحيث صاروا يعبرون عن وقوع بلية بذبول أشجاره الغضة وأزهاره اليانعة.
و (عبد الله المخلص) أولى الناس بتعظيم (عبد يسوع المخلص) الذي أجتمع به لأول مرة في رأس هذا الجبل المشرف على بحر الروم كان فيه منارة علم يستضاء(7/33)
بنورها إلى
جانب منارته الزجاجية التي تنير السبل للجواري المنشآت في البحر.
أجل أن الأب أنستاس الذي أقام في ديري الكرمل وأعني بهما دير (مار الياس) في رأس ناحيته الغربية و (دير المحرقة) في آخر سلسلته الشرقية وسكن بدار إيلياء النبي ومسكن اليشع أو بجوارهما قد أفاض علينا من فيض علمه ما نذكره له بكل شفة ولسان وفي كل زمان ومكان.
ولم يكن اغتباطنا بتكريم هذا الكريم بسبب حرفة الأدب التي تجمعنا جامعتها ولا للصداقة التي تربطنا روابطها وإنما كان لأن هذا العالم العامل والتقي الورع المنقطع إلى عبادة ربه وخدمة عباده قد نال في هذه الحياة الدنيا بعض ما يستحقه من الإكبار والإجلال فكان له في ذلك بعض العزاء والآخرة خير وأبقى.
وعلماء العراق الذين قاموا قياما على أمشاط أرجلهم للعمل على تكريم هذا العالم الفحل هم من أئمة الأدب العربي فكان حقيقا بنا أن نقلدهم ونشكر لهم هذا المسعى الحميد الذي أثلج الصدور وأقر العيون من الناطقين بالضاد العارفين فضل الأب على لغتهم الشريفة.
ولا يهمني قول البعض إن الأب الكرملي يكتب الصفحات الطويلة في سبيل كلمة من كلمات اللغة وأنه لو أنفق هذا الوقت أو بعضه في سبيل آخر لأفاد أكثر فذلكم التطويل دليل الغيرة على اللغة الفصحى وبرهان الاهتمام في الاحتفاظ بذلك التراث الذي ورثناه من الآباء والأجداد ومن علم أن بعض علماء المشرقيات يكتب مئات من الصفحات في سبيل بيت أو قصيدة عربية عذر الأب الغيور على تقصيه وبحثه بل عذله لأنه لم يزد في النكاية بهؤلاء المتشدقين الذين كادوا يفسدون علينا أمر لغتنا.
وأذكر أن أحد علماء البيان قال لي مرة أن كتابات صاحبك الأب أنستاس خالية من الصناعات البديعية فلا تجد فيها كناية ولا استعارة ولا عبارة جزلة ضخمة فأجبته أن صديقي الصادق يكتب في موضوعات علمية وبلغة علمية فلو أضطر مرة إلى كتابة خطاب حماسي أو مقال خيالي ربما جاء فيهما بالمبدع وحملك على الاعتراف معي بأن الذي يكتب هذا السهل الممتنع لا يعجز عن الكتابة بذلك الشكل الطنان الرنان الذي لا يسمن ولا يغني من جوع فسكت وانتهى الجدال.(7/34)
وإذا ما ذكرت للأب علمه الجم وفضله الغزير وأنه خير من تضرب له آباط الإبل وتشد
إليه الرحال فلا أنسى أن أذكر له مزية قلما نجدها في أمثاله من رجالات الدين هو ابتعاده عن التعصب الممقوت. على أن هذه الخلة لا تضير الذين اشتروا الآخرة بالدنيا فهجروا نعم الثانية في سبيل نعيم الأولى. أما دليلي على ذلك فهو وقوفه في وجه كاهن مثله ورده عن تنصير بعض الشعراء الجاهلين أو قل دفاعه عن حقيقة تاريخية دون أن يتأثر بما أريد أن يخلط فيها من أمور الدين.
وإني لا أزال أذكر رحلة صغيرة قمنا بها نزولا على رغبة الأب المحتفل به إذ كان يريد زيارة العش الذي درجت منه القديسة ماري ليسوع المصلوب الكرملية في قرية تدعى عبلين فبعد أن وصلنا بالمركبة إلى شفا عمرو وعلمنا أنه لا يمكن الوصول إلى عبلين إلا مشياً على الأقدام بضع دقائق أخذنا بالمشي والشمس في الهاجرة فقطعنا برهة زادت على البضع دقائق التي ذكرت لنا تهوينا وتشجيعا للمضي وقال لنا الدليل أننا سنضطر إلى قطع مسافة أكبر من التي قطعناها فوقفت وقلت للأب أقرأ لروحها الفاتحة على طريقتنا الإسلامية وأبعث بها إليها من هنا فابتسم وقال لي أن محاولتي زيارة البيت الذي ولدت فيه تلك القديسة هو لأنها شرقية عربية اعترف لها الغرب بهذا الحق وأوصلها إلى هذه المرتبة العليا فأعجبت بروح الأب العربية وعدنا أدراجنا إلى شفا عمرو ومنها إلى حيفا بالمركبة والأب العالم يطرفنا بحديثه الطلي الشهي وبعد فأنني أرجو لصديقي العزيز السعادة والهناء وللأمة العربية ما تتمناه من الأماني والآمال.
حيفا في 6 أيلول سنة 1928
عبد الله مخلص(7/35)
من طرابلس لبنان
إلى لجنة تكريم العلامة الكرملي.
سادتي الأفاضل:
كتابي أطال الله بقاء السادة وأعز بهم العلم والأدب. وأنا شاكر لهم عملهم الطيب الذي نابوا به عن الناطقين بالضاد في تكرمة العلامة الكبير والبحاثة الذائع الصيت الأب أنستاس ماري الكرملي لأنه قضى عشرات السنين في خدمة العلم بين تحقيق وتدقيق ونشر وإفادة حتى غدا ومعظم القراء من تلاميذه.
وإني ولئن كنت بعيد الدار فما فاتني أن أستفيد من بحوثه علما وأن أقتطف من جهوده ثمرا شهيا ولذلك احسبني من تلاميذه الفخورين بهذه النسبة. ولكم قرأت من كتاباته المفيدة مقالا أحسبه غاية ما يصل إليه براعة أو يتطال إليه فكره ولا أكاد أنتهي من دراسته حتى أفوز بما هو أعلى وأسمى وأجزل نفعاً.
ولا عجب من قولي عن دراسة كتاباته فإني لم أتجاوز الحقيقة إلى المبالغة والصدق كل الصدق أن معظم ما قرأت لعلامتنا الجليل من مثل ما أقرأ لأمثاله العلماء الأعلام الذين تؤخذ أقوالهم كدروس تلقى على الطلاب. وهذه مجلته لغة العرب فإني أقرأ العدد الواحد منها المرة بعد الأخرى ولولا شيخوختي لوعتها حافظتي.
وفوق هذا فالعلامة رجل كلما زادك إفادة تنظر خلال سطوره فتراه متصاغرا متضعا كأنه لم يكن مفيدا وهذا غير ما نرى من بعض رجال العلم والأدب وكلما قلدت من بحوثه درة غاص عليها حتى العباب نظر إليك كأنه هو المستفيد منك. فلله دره!
وأنتم يا سادتي الأفاضل لا تؤاخذوا جرأتي على مخاطبتكم فأني محب للمحسنين المجيدين ولو استطعت لركبت البر إليكم فاستأنست بحفلة تكريم أستاذي وبرؤية خيرة الرجال. وهاأنذا اجتزئ بتكرار الشكر وبالدعوات الصالحات للفيفكم الموقر. ودوموا معافين بمنه تعالى وكرمه.
طرابلس - لبنان في 23 آب 1928
الداعي جورج يني(7/36)
اليوبيل في التاريخ
اليوبيل كلمة عبرية اصطلاحية معناها (التهليل) وقد خصها الإسرائيليون بعيد الشابؤوث عندهم أي (عيد نزول الوصايا العشر على موسى (ع) فوق جبل سيناء) وأطلقوها على يوم مخصوص من السنة التي تلي سني حاصل ضرب سبع في سبع (أي السنة الخمسين).
ومعلوم أن السبعة عدد مقدس عند اليهود كما هو مقدس عند معظم الأمم، ففي اليوم المخصص من السنة الخمسين عند اليهود تقام الولائم والأفراح ويطلق سراح جميع المسجونين وترد العقارات المغصوبة إلى أصحابها وتبطل جميع الأشغال والدوائر الإسرائيلية ويتنازل أصحاب الديون عن ديونهم ويعتق النخاسون جميع عبيدهم ويمتنع
المثرون عن زرع أراضيهم وعن حصد غلتها لأنهم يتركون ذلك للفقراء والمساكين وعلى وجه العموم هو يوم مقدس عظيم لا يصادفه الإسرائيلي في حياته إلا مرة واحدة وقليلون هم الذين يتمتعون بنعمه مرتين اتفاقا.
وقد سرت هذه العادة عند النصارى أيضا ودخلت في آدابهم الدينية. ففي السنة اليوبيلية المسيحية تغفر جميع الخطايا والذنوب ويتمتع المسيحيون باستحقاقات المسيح (ع) وأوليائه وهو عندهم يوم مسامحة وصفح وغفران ولهذا يعظمونه كثيرا ويحتفلون به احتفالا كبيرا.
وقد أنبأنا التاريخ عن أول يوبيل نظامي أدخله المسيحيون في آدابهم الدينية وإنه كان في عام (1000) المسيحي. فإن البابا سلفسترس الثاني لما أفتتح كنوز النعم الروحية للشعوب النصرانية بعد أن أرتبك الناس بتوقعهم قرب انتهاء العالم في تلك السنة. أدخل عادة شريفة في الدين المسيحي بأن يفتتح كل قرن بقصد (رومة) لأداء المناسك الدينية ونيل غفران الأثام.
ثم رأى خلفاء بونيفاشيوس ما ولدته هذه العادة من الخير والنعم على البشر بنتيجة اليوبيل الذي أقيم عام 1300م فأحب أن يجدد هذه الذكرى الحميدة في كل خمسين سنة كما هي العادة عند اليهود وهكذا كان. غير أن الناس استطالوا هذه(7/37)
المدة أيضا واسترحموا من (اربانس الثامن) ثم من بولص الثاني أن يجعلا اليوبيل أنواعا. ومنذ ذلك الحين بدأت النصارى تحتفل بذكرى اليوبيل كل 33 سنة مرة إكراماً للسنين التي قضاها السيد المسيح (ع) على الأرض وبمرور كل 25 سنة مرة (أي كل ربع قرن) وهي العادة الجارية اليوم فأنهم يحتفلون بيوبيل كل كبير ديني عندهم إذا قضى في منصبه خمسة وعشرين عاماً.
ومن اليوبيل الديني أشتق الملوك والعظماء والأدباء اليوبيل المدني وجعلوا أنواعه أربعة هي:
1 - اليوبيل الفضي: وهو الذي يقام في حفلة شائقة لكل من أدى للوطن وللبلاد خدمة جليلة مدة 25 سنة.
2 - اليوبيل الذهبي: وهو يقام للذي يؤدي خدمة جليلة مدة 50 سنة متواصلة.
3 - اليوبيل الألماسي: وهو الذي يمنح لمن يخدم البلاد والوطن 75 سنة متتالية.
4 - اليوبيل القرني: لمن مضى على حياته مائة سنة وهو جاد في خدمة البلاد والوطن.
وقد سبقت مصر بقية الأقطار العربية - شأنها في جميع الأمور - فأكرمت بحفلة يوبيل أول أديب عربي نعني به المرحوم سليمان البستاني صاحب المؤلفات القيمة. ومنذ ذلك الوقت أعتاد أدباء العرب أن يكرموا رجالاتهم بحفلات يوبيلية. ومن مصر أنتقل اليوبيل إلى سورية ومنها إلى العراق.
ولم تقم حتى الآن أية حفلة يوبيلية لأي أديب أو شاعر عراقي. ولكن الهمة الناشطة التي بذلتها جماعة من أدباء بغداد وفضائلها لإقامة حفلة يوبيلية تكريما للعلامة الأب أنستاس ماري الكرملي صاحب (لغة العرب ببغداد) بعثت في القلوب فرحا وحبورا إذ شعر العراقيون بضرورة تقدير خدمات الذين أفنوا أعمارهم وقضوا أوقاتهم في سبيل خدمة بلادهم خدمات جليلة مشكورة. إن كنا قد جهلنا أثمانها وفوائدها الأدبية فالتاريخ مسجلها لحضراتكم بمداد الفخر والمباهاة إذ أنه سيد المنصفين.(7/38)
وقد تقدمني جماعة من الفضلاء فعددوا محاسن الكرملي ومزاياه وأطنبوا في مدح خدماته للغة الشريفة وما أنتجته من ثمار يانعة عادت عليها بالنفع الجزيل ولم يبقوا لي إلا لذكر آية محمدة تفرد بها الأستاذ الكرملي. لهذا اضطررت إلى أن أبحث عن تاريخ اليوبيل والأدوار التي مرت عليه وصورة انتقاله من الصبغة الدينية إلى الشؤون الأدبية والمدنية وأن اكتفى بما قدمه وبأن أختم بحثي قائلاً:
(إن كانت الحفلات اليوبيلية التي أقيمت لأدباء الشرق قد رددت صداها الأقطار الشرقية فستردد المحافل الأدبية والعلمية في الشرق وفي الغرب معا ذكرى احتفال العراقيين بيوبيل الكرملي لخدماته التي أسداها إلى لغة الضاد خمسة وثلاثين عاما متتالية).
فليعش الأب أنستاس ماري الكرملي مستميتا في خدمة لغتنا الشريفة وليخسأ الذين يقيمون الحرب العوان على علماء القطر وأدبائه حسدا منهم فالله نصير الحق في كل أوان والسلام.
السيد عبد الرزاق الحسني
لغوي العرب في القرن الرابع عشر
إن للإفرنج عادات جميلة في تكريم نوابغهم والاحتفال برجالهم وعظمائهم فلتكريم النوابغ والعظماء فوائد عظيمة ومنافع جزيلة إذ أنه ينهض الهمم ويدفع الناس إلى أن تشرئب أعناقهم إلى ما في قمم المعالي من العز والسعادة الأبدية. وفضلا عن ذلك أن الرجل النابغة
نفسه إذا وجد قومه يقدرون له خدماته يضاعف سعيه في سبيل العلم والإصلاح والوطن وغيرها ويزيد شوقه إلى خدمة أمته ووطنه، أما إذا وجد قومه يهينونه ولا يعتنون بأعماله الخطيرة بل ربما كانوا غير مبالين بما قام به من الأفعال الجليلة فبالطبع يتقهقر ويكر راجعا إلى الوراء. والعراق إذا أرادت أن تنهض من كبوتها وتستوي في مصاف الأمم العظيمة فما عليها إلا أن(7/39)
تحيي مآثر عظماء رجالهم العاملين وعلمائها المصلحين.
فالعراق اليوم يفتخر بأبنائه الذين استجابوا دعوة العلم والأدب إلى تكريم لغوي العرب.
يعلم الجميع ما كان للأسماء الدينية والتحزبات المذهبية من المضار ولا سيما كانت وسيلة إلى تغلب أهل الغرب على أهل الشرق فأنزلوا فيهم المحن والبلايا؛ وما أشد سروري عندما بلغني أن أبناء دار السلام يقصدون الاحتفال بالرجل النصراني الذي خدم العلم والأدب خدمة يسجلها له التاريخ بسطور من ذهب فهذا يفيدنا أن الإخاء والصداقة قد أشتد ساعدهما وعظمت شوكتها بين أبناء الرافدين ورجع النفاق بخفي حنين.
الكرملي عربي صميم ينتمي إلى ميخائيل جبرائيل من بيت عواد. وهو بيت قديم في جبل لبنان، يرجع أصحابه في نسبهم العريق إلى بني مراد الشهيرين في تاريخ العرب في عهد الجاهلية. ظعن جدهم الأعلى إلى لبنان وهناك بقي مع ذريته إلى عهدنا هذا وتفرغ منه فرع في بغداد. أما أمه فمن بيت جبران وهو أقدم بيت نصراني في بغداد. وكان جبرائيل عواد رجلا دينا هبط بغداد فأتخذ له اسم (ميخائيل ماريني لأمور سياسية ألجأته الأحوال إليها.
الكرملي أديب أوتي قدرة بارعة على البيان يستطيع أن يتصرف فيها كيفما يشاء فينقل بواسطتها إلى مخاطبة كل ما توحيه إليه قواه العقلية التي لا تقل عن قدرته البيانية براعة.
الكرملي كاتب ينظم جواهر الألفاظ بسمط البلاغة ويجليها بإكساب الفصاحة ثم يعلقها على معان وزنها العقل السليم وأنتجها الفكر المستقيم فكلامه خفيف الوقع على الأسماع عظيم التأثير في الطباع شديد التعلق بالقلوب.
الكرملي أول من أنشأ مجلة في الوزراء أسسها عام 1329هـ واسماها (لغة العرب) كانت سببا عظيما لرقي اللغة ونشر الفصحى من قبرها وستجد لغة عدنان بفضل الكرملي - حياتها الخالدة.
الكرملي شيد صروح فن الانتقاد في العراق فوزن الكتب والآثار في مجلته وفي غيرها بقيمة الإنصاف وانتقدها انتقادا سالما من الأغراض منزها عن شوائب(7/40)
الغايات.
الكرملي عرف الناس بتاريخ هذه البلاد نشر من المؤلفات وما أورد في مجلته عنها. كانت الناشة العراقية تجل تاريخ بلادها من غير أن تعرفه فصارت عالمة به بعد ما وقفت على (خلاصة تاريخ العراق) و (الفوز بالمراد) اللذين استخرجهما من كتب السلف والعلماء والمستشرقين، نعم أن البعض من حاضر وسلف وضعوا مصنفات في هذا الموضوع إلا أن نواقصها كانت كثيرة ومنها عدم إيرادها لتاريخ العراق في القرون الأخيرة فالكرملي سد هذا الخلل بهمته الشماء.
هذا ما أكتبه الآن خدمة للتاريخ وتلبية لطلب رئيس اللجنة أعزه الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سبزوار (إيران)
من خادم العلم والدين محمد مهدي العلوي
من زنجان
حضرة العلامة الجليل الأستاذ الزهاوي الكبير
تلقيت دعوتكم في وقتها وشكرت فضلكم. أحب شعراء قطرنا وأدباؤه أن يشتركوا بفخر في إجلال العلامة النابغة الكرملي الذي هو أهل له بخدمته العظيمة التي تذكر وتشكر مدة نصف قرن كما أن حسن صنيعكم بالقيام بتأسيس هذه الحفلة يحمد لكم حمدا صميما فقدم الشاعر المفلق الجليل الميرزا أبو الفضل (كرمان) قصيدة تعرب عن حسه الدقيق لفعل الجميل بكل معنى الكلمة وهذا الشاعر الجليل ولد في سنة 1314هـ ومنخرط في سلك أحرار الوزارة المالية في إيران.
وقدم إلينا قصيدة أخرى الشاعر الكبير خسرو ميرزا المولود سنة 1310هـ وهو من أعيان قطرنا والرجاء أن تنال قصيدتهما قبولا لديكم وتكون دليلا على حسن نظر الفارسيين وإجلالهم للعلم وذويه من غير فرق بين قوم ونحلة فأن دولة العلم يجمع تحت لواءها جميع محبيه وأهله. . .
المخلص لكم أبو عبد الله الزنجاني(7/41)
(اللجنة) وصلت القصيدتان ولكون حرف المجلة عربيا صرفا لم تتمكن المجلة من درجهما.
تهنئة باليوبيل
سيدي العلامة المحترم الكبير الزهاوي الأستاذ الفيلسوف
أهنئكم تهنئة الحب والإخلاص، بإقامة بعض أدبائنا الناهضين الحفلة الشائقة التي رن صداها، ليس في سماء العالم العربي فحسب، بل شمل جميع أرجاء العالم الشرقي والغربي، وهي أول حفلة تكريمية أقيمت لهذا العلامة الروحي الكبير في عاصمة هذه البلاد العربية ولم يسبقها مثال، مما يدلنا على أننا بدأنا حياة الرجال الناهضين في خدمة العلم والدائبين في نشر الأدب العربي والرافعين لواءهما أمام من يريد أن يرتشف من مناهله العذبة ويقتبس من أنواره الساطعة؛ ونشعر بالواجب نحو وطننا، ورجاله المصلحين البررة لإقامة حفلة تكريمية نشجع فيها نحن العرب العلماء والأدباء، وأرباب الصحف وغيرهم وأن كنا نثق كل الثقة بشجاعة كل فرد نحو وطنه وأمته وتحريه الخدمة الملائمة له، والمصلحة النوعية لأبناء جلدته، وبذل النفس والنفيس، وما عز وهان في سبيل نشر العلم والعرفان، إلا أن إقامة هذا (اليوبيل) المهم الذي يعقد في بغداد سنة 1928 لتكريم العلامة المحقق الباحث الكبير الأب أنستاس الكرملي ذلك القس الغيور على اللغة الشريفة لغة يعرب والذي انخرط في سلك الرهبان وزهد في مشاغل الحياة ولذاتها وعكف منذ صغره على لغة القرآن، فخدمها خدمة خلدت عند الأمة ذكره وأوجبت علينا شكره فواجب إكرامه من أعظم الواجبات الضرورية وأهم الأعمال الحيوية، التي تمهد لقادة العلم والأدب مستقبلا زاهرا وستكون هذه الحفلة التاريخية قدوة حسنة لمن أراد أن يقتفي أثرها ويسير على منهاجها حذو القذة بالقذة هذا ورجائي قبول هذه الكلمة الموجزة التي سطرها قلمنا القاصر، ونهنئ الرجال الناهضين بهذه الأعمال الطيبة والقائمين بيوبيل العلامة الكرملي وعلى الأخص الصديق الحميم والأديب المحبوب الصراف، والسلام عليهم وعليكم في المبدأ والختام.
النجف: عبد المولى الطريحي(7/42)
اللغة العربية في يوبيل الأب أنستاس
رأيتها واقفة وبيدها بوقها الذهبي تنفخ فيه لتسمع الأمم بهذا العيد الخمسيني وتتباهى بحبيبها البار.
هي الفتاة المعروقة غزالة الصحراء! هي لغة الجدود!
رأيتها واقفة بين المهنئين رافعة صوتها المطرب وهو من ذوات الأوتار تبشر أبناء يعرب بهذا (اليوبيل الذهبي) مقبلة عليهم بمحياها الوضاح ووميض التبسم مرتسم على فمها الحلو الذي لا يبرح يسقي بلماه العذب قلوب محبيها!
هي الفتاة المعشوقة غزالة الصحراء! هب لغة الجدود!!!
رأيتها واقفة أمام المجتمعين تخطب وصوتها يرن في آفاق القلوب، وهو من ذوات الأوتار مشمرة عن ذراعيها كأنهما جمارتان تلوح بهما نحو الجهات التي يسكنها أبناء الضاد المتفرقين هنا وهناك، تناديهم (ألا هبوا من رقادكم يا نيام واجتمعوا في نادي لأسمعكم حديث نفسي وأبثكم أسرارها.
هي الفتاة العربية غزالة الصحراء! هي لغة الجدود!
سمعتها تقول إلا أنصتوا لنبوتي:
أيتها الأمم إلى متى وأنتم متفرقون بعلة (برج بابل)؟ أليس الإنسان أخاً الإنسان؟!
هلموا وانضموا تحت راية وحدتي واحتشدوا في ساحتي الرحبة متصافحين يدا بيد متفاهمين فما أنتم، بدلا عن هذا التنافر من جراء هذه العجمة، كل واحد منكم كأنه الأخرس مع أنه طلق اللسان أو مثل الطفل أمام الطفل لا يفهم مراما. آه وألف آه!(7/43)
أنا الفتاة العربية غزالة الصحراء! أنا لغة الجدود!
صاحبت الأجيال وأنضجتني الدهور فازددت جمالا كما ترون، وأنتم الذين لا ترون جمالي اقتربوا مني تبصروا في بديع جلاله، والله أنا لغة الإنسان الأعلى (السبرمان)! أنا لغة الفردوس الأرضي!
والله أنا لا غير سوف أجمع في الأخير كلمة الأمم، فلا بأس بأختي (الأسبرانتو) فهي مقدمة الزاحف لا غير إلى حظيرة الإنسانية، ويحرم عليها الدخول في بيت (قدس الأقداس) قبلي! بل أنا داخلة إليه بجماهير الأمم فيه.
هي الفتاة الجميلة غزالة الصحراء! هي لغة الجدود!
سمعتها تقول وقولها ملؤه الحنان:
ألست أنا فتاتكم؟ أواه!! لماذا أنتم عني منصرفون؟ أناديكم ولا تجيبونني كأنني عجوز درداء شوه الدهر محاسنها، ألست أنا ربيبة أولئك الأباء الباسلين وسليلة تيك العرائس الأوانس؟
أترون جمالا خيرا من جمالي؟
أهذه سنة العشاق؟ أهذا جرى بين الأحباب في سابق الزمان؟
والله أن هذا لهو العجب العجاب!
هي الفتاة الجميلة غزالة الصحراء! هي لغة الجدود!
سمعتها تقول:
أنا أحصل على أرديتي بعرق الجبين وفتيات الأمم تتردى أرديتها وتتزيا بأزيائها بلا عناء وكلها مهيأة وذلك بثمن زهيد من أسواقها القائمة، ومع هذا أني حافظت على جمالي لئلا أبرز إليكم مبتذلة مشوهة الهندام قدام الأمم. وبودي أن أظهركم جميلين معي أمام الناس، من منكم تقرب إلي ولم أبرزه للناس جميلا، هذا علي بن أبي طالب، هذا الجاحظ، هذا جبران، هذا المنفلوطي، هذا الريحاني أينقصهم جمال؟(7/44)
أالذنب ذنبي؟ أجيبوني يرحمكم الله!
أنا الفتاة الجميلة غزالة الصحراء! أنا لغة الجدود!
سمعتها تقول:
أي: أولاد عدنان، ألم تخجلوا من أسمالي وملابسي هذه الرثة حينما أبرز أمام الأمم، فما لكم لا تذهبون إلى أسواق الأمم تبتغون لي أحسن الحلل اللائقة بي وغوالي الطيب لا تطيب بها واثمن العقود لا تجمل بها في هذه الحياة؟ لأن زي هذا العصر غير الزي الذي أنا متزينة له، فأبدلوه بل مزقوه يا كرام!
لا لا تستدلوا على فقري من منظر أرديتي فتقولوا أنها معدمة، بل أن حقائبي أمامكم كلها مملوءة من الدينار الفتان والدرهم الرنان، هاكم تزودوا منها ما شئتم فعليكم الحركة ومني البركة.
أنا الفتاة الجميلة غزالة الصحراء! أنا لغة الجحود!
سمعتها تقول وبيدها سورة من سور العتاب: (وأبيكم، وهو قسم، لو تعلمون عظيم! لولا نفر من عشاقي وهو مبعث أحلامي ومصدر رجائي لهجرتكم هجر الرائل سغيبته. ولكن هذه صبابتي وهذا العشق المتبادل بيننا جعلني أرغب في البقاء وأصبر على مضض إعراضكم عني الذي - والله - علي لا شيء، فالله الله بفتاتكم!)
هي الفتاة المعشوقة غزالة الصحراء! هي لغة الجدود!
رأيتها واقفة أمام جماهير محبيها الذين لبوا نداءها القدس، سمعتها تقرأ آية من آيات الحب:
(ألا انظروا أيها الأحباب إلى هذا الحبيب أتعرفون من هو؟ هو إذا ذكرته في نواديكم المقدسة فمن المحتم أن يقرن اسمه باسمي لأنه هو أنا وأنا هو.
أليس هذا هو الحبيب؟)
هي الفتاة الجميلة غزالة الصحراء! هي لغة الجدود!(7/45)
هو نقطة الضاد هو الأستاذ اللغوي.
سمعتها تقرأ في سفر الحياة:
(منذ بدأ في السير في جادة الحياة وهو في باكورة شبيبته صادفها مع سرب من فتيات الناس، وطفقا في السير معا وفي نيته أن يقضي معها السير إلى منعطف الطريق ثم يفارقها، ولكن الحديث أخذ بعضه برقاب بعض فتكشفت الأسرار وأسفرت له بجمالها الفتان، فصار عشقا مقدسا.)
هي الفتاة المحبوبة غزالة الصحراء! هي لغة الجدود!
هو نقطة الضاد هو الأستاذ أنستاس.
سمعتها تقول:
(لقد صرف معي خمسين حجة وها قد ذرف على الستين، وهو يتعهدني بحاله هذه المذهبة لا يزال يحملها إلي تارة في أطباق (المقتطف) وأخرى في أطباق (الهلال) وطوراً في أطباق (المشرق) وعلى التوالي في أطباق (لغة الجدود) وفي أطباق الأدب المتعددة.)
حلل ما أجود نسجها وأحسن صنعها وما أبهج ألوانها إذ دونها ريش الطواويس.
كم من صندوق لتجار المؤرخين فتش كي يحصل على خيوط وطاقات ليربط بها سدى هذه البرود.
وكم سوقاً من سوق حفاري طبقات الأرض جال فيها ليلقط من أحجارها الكريمة فيرصع صدر هذه الحلل.
وكم مرة جال مع طبقات الناس للسماع عن زي لون جديد يليق بهذه الملابس!
هي الفتاة الجميلة غزالة الصحراء! هي لغة الجدود!
هو نقطة الضاد هو العلامة اللغوي الأستاذ أنستاس.
سمعتها تهتف بصوتها المطرب وهو من ذوات الأوتار: يا فتيان الرافدين ويا فتيان(7/46)
النيل ويا فتيان بردى ويا فتيان لبنان الساكنين في بلاد العالم الجديد ويا فتيان الصحراء.
أبشركم يا أحبائي وأعزائي أن هذا اليوم يوم التكريم أن هذا اليوم يوم ترف فيه أعلام السرور في سماء بغداد! هذا اليوم يوم عيد يوبيل أخيكم البار!
هي الفتاة الجميلة غزالة الصحراء! هي لغة الجدود!
سمعتها تنشد بصوتها الرخيم:
إلا قولوا معي وأمنوا فليحي الأدب وليبق العرب!
إلا قولوا معي وأمنوا فليحي أولو الوفاء أولو الهمم!
إلا قولوا معي وأمنوا ورددوا ذكر الحبور عيد السرور على مر الدهور بين الأمم.
الشطرة: رشيد الشعرباف
صوت من الكويت
بسم الله من الكويت إلى بغداد:
إلى حضرة الأديب الفاضل الأجل الأخ العزيز طاهر أفندي القيسي دام مجده وعلاه.
تحية واحتراما. وبعد فقد وردني كتاب كريم من لجنة يوبيل الكرملي فيه دعوة الكويتيين إلى مشاركة إخوانهم في حفلة تكريم الأستاذ الأب أنستاس الكرملي لبذله قصارى جهده في خدمة اللغة العربية وهي دعوة يجب على العرب عموما تلبيتها. وكان بودي أن تتاح لي فرصة ليحضر تلك الحفلة الزاهرة وأمتع السمع بما سيردد في أرجائها من القصائد الغر والمقالات البديعة ولكن الأشغال - والأسف ملء الجوانح - تعوقني عما أريد. لهذا بعثت إليكم اليوم بهذه الكلمة معتذرا أو طالب قبول العذر مع أعلامي إياكم مشاركتنا لأهل ذلك الاحتفال في شعورهم وعواطفهم وإن لم نحضر إذ نحن نرى أن خدمة اللغة العربية مما
تستحق الاعتناء التام ومما يجب أن يعرف للقائمين بخدمتها قدرهم. إننا نشارككم في تكريم الأستاذ الكرملي لخدمة تلك اللغة الشريفة الحية ذات البهاء والجلال والحسن والجمال الفتان هذا ما لزم.
الكويت: عبد العزيز الرشيد(7/47)
صوت من مرسيلية
حضرة السري الأمثل السيد حامد أفندي الصراف المحترم أحد أعضاء اللجنة التي أنشئت لتكريم مثير دفائن لغتنا الوضاءة الأب أنستاس الجزيل الحرمة.
كم استفزني واجب الإقرار بالفضل والأدب أن أهرع إلى مشايعة الألباء أرباب النبل والوفاء الذين ائتمروا على إقامة احتفال يوبيلي لعلامة عراقنا الأغر الأب أنستاس ماري إيذانا ببذل ما عنده في إحياء رسوم اللغة وجمع شتيتها وجلائه غياهب الأوهام عن كثير من مسائلها التي ضرب إليها آباط المسالك بما لم تحلم به عقول المعاصرين والأوائل ممن اشتهروا بوحي الفكرة وسمو المدارك؛ إذ برهن على أن كثيرا مما انضوا في طلبه ركاب الأعمار لم يكن إلا نسجاً على غير منوال وطبعا على أسوأ نموذج ومثال؛ فأيد بذلك دولة اللغة ودعائم العلم الذي به أتسع نطاق المعارف البشرية إلى ما تجاوز مرمى الحواس والمدارك العقلية. إلا أنني لم أنكص عن القيام بما يتطلبه مني الواجب في ذلك الباب إلا ما تراءى لي من أن مجال القول ذو سعة ولا ندحة لي عن أن أطلق العنان للجنان ليمثل للعيان كيف يتشعع (النجم) في العنان؛ كيف كان يستتب لي مزاولة مثل هذا الشأن وأنا الآن مقيم ههنا في دار هجرتي وليس بين يدي من المراجع اللغوية وغيرها ما استعين على التنكب عن الهفوات والعثرات والانتبار لعقد الموازنات بين علامتنا وبين من تقدمه في التجلية في الحلبات؟ إذ أنني كنت أوثر أن اسم خطبتي ب (للناس فيما يعشقون مذاهب) وهذا ليس من المواضيع التي لا تستدعي الأعقد حكاية لتمثيل عاطفة بل من المواضيع المهمة التي تستلزم جمع مواد من موارد شتى لوفاء الموضوع قسطه في جميع أنحائه حيث أن ما أبرز أمامنا اللغوي من نتاج مواصلته إناء الليل بأطراف النهار إنما كان به نسيج وحده؛ وما بلغ ما بلغ إليه من القبض على أعناق اللغة وهتكه الستار عن كنه حقائقها وخباياها دون أن يفوت طرفه شيء من دخيلها ومولدها ومثقفها وآودها حتى غدا
ربها وقيمها إلا بفضل ما أوتي من سمو المواهب والثبات والصبر على مزاولة المطالب
هو جدير بأن يتخذ قدوة في التحري والاجتهاد في استخراج الحقائق المطموسة(7/48)
وإرشاد البصائر إليها توسيعا لنطاق العلم واغتناما لبقاء الذكر؛ ومن ثم كنت أنوي أن أختم الخطبة بزف تهنئة نفيسة للغة نفسها حيث قيض لها من بين الأفواج ممن خاضوا غمرات الحياة ونفضوا أنحاء العلم في الانتهاء بها إلى ذروتها الحرية بالاعتبار من أعطى القدرة على البحث في أوعر مسائلها والإتيان على أطرافها والإحاطة بأكنافها حتى كشف ستر الغموض عنها إلا وهو الإمام الذي ائتمرتم على تكريم صنيعه وتقدير عنائه ووفاء اجره مما حق له أن يكون غرة أقطابها دون أن ينازعه في ذلك منازع.
فقد تبين مما تقدم بسطه أن المرء قد يخالف جهة القصد وهو يراها ويصرف عنانه عن الأمنية وهو يتوخاها وما أود أن أزيد على هذا القدر في الاعتذار إن صح أن يسمى مثل ذلك عذراً.
وهنا محل لأجهر بالثناء الطيب على حضرتكم وسائر حضرات أعضاء اللجنة إثر تنبهكم للقيام بهذه المأثرة الأدبية العراقية التي هي ولا ريب أصدق إمارة على يقظة وطننا من غفلته وهبوبه من ضجعته؛ واشكر في الختام دعوة اللجنة إياي إلى الانحياز إلى مصاف المهنئين الأدباء وأتمنى بلوغها في ذرى النجابة إلى المكان الذي يؤهله لها نبلها بالهام المولى سبحانه وحسن تسديده.
عراقي
الدائب للوطن
قال أحد الحكماء: العلم شيء، والعمل شيء، والمنفعة شيء، فربما كان علم ولم يكن عمل، وربما كان عمل ولم يكن علم، وربما كان علم وعمل ولم تكن منفعة. وقد يجتمع العلم والعمل والمنفعة في فرد من الأفراد المعدودين على الأصابع كما اجتمعت في سيرة المترجم.
نرى بين الناس من يتعلم العلم لينفع به نفسه فقط، ومنهم من يتعلمه ليفيد به نفسه وغيره، إذ يجعله وسيلة للحصول على حطام هذه الدنيا أو لتقويم أود معاشه، ومنهم من يتعلم العلم ويسبر غوره ويغوص على درره في أغوار بحره حارما نفسه خيراته وثماره اليانعة بها
أخوته بلا مقابل يذكر فترى صاحبه يسهر جفنه ويدمي(7/49)
مقلته في التحرير والتحبير خدمة خالصة لأبناء جيله ومن هؤلاء الأفراد الأفذاذ العلامة الكرملي.
لقد وضع صاحب الترجمة تأليف عديدة من أدبية ولغوية واجتماعية وتاريخية. وغايته من جميعها خدمة الحقيقة لا غير وقد استفاد كاتب هذه السطور فوائد لا تحصى من مقالاته المنشورة على صفحات المجلات وأخص منها بالذكر ما كان يتعلق بتاريخ ديارنا العراقية كالطائر الخفاق على أطلال العراق والصابئة أو المندائية واليزيدية وغيرها من النبذ التي يطول تعدادها:
(كيف تعرفت بالمترجم)
كنت قد أصدرت مجلة باسم العلوم عام 1910 وقد جاء في مطاوي أبحاث الجزء الأول لفظة (بليون) وقلت إنها مليون مرة مليونا فأعترض بعض الشبان الذين تخرجوا في المدارس البغدادية على لفظه بليون وقالوا إنها خطأ بمعنى مليون المليون فراجعت إذ ذاك المحتفل به وعرضت عليه هذه المسألة فرحب بي غاية الترحيب وقال لي أنك مصيب في قولك هذا وقد ذهبت مذهب الإنكليز والألمانيين في تعبيرك بيد أن الفرنسيين استعملوا هذه بمعنى المليار أي ألف المليون وعلى أثر ذلك ألقى على مسامعي خطبة في الكتابة والإنشاء لا يزال صداها يرن في أذني، منها قوله:
يجب على الكاتب العصري أن يدرس الموضوع الذي يتوخاه درسا دقيقا ويراجع مباحث من سبقه في نفس الموضوع لئلا يكتب شيئا خلاف الحقيقة كجماعة من الصحفيين الذين لا يتروون في ما تخطه أناملهم حق التروي فتجيء مقالاتهم مشوهة أقبح تشويه. ثم عليك أن تكتب في المواضيع المبتكرة قدر جهدك ولا تطرق أبواب مباحث قد أكل عليها الدهر وشرب فأن بحثك وأن اختلف لفظا فهو لا يختلف معنى عمن تقدمك في بحثك أكثر الأحايين وأبذل مجهودك في أن تجعل كتاباتك حسنة مما يفتخر بها الوطن.
فاستحكمت منذ ذلك اليوم عرى الصداقة والإخلاص بيننا ولا نزال على ما كنا عليه منذ أول تعارفنا.
وللأب أنستاس فضل لا ينكر في تثقيفي وتدريبي على الإنشاء فأنا تلميذه(7/50)
وخريجه وإقرارا بفضله العلمي والأدبي أهديته باكورة تآليفي وهو معجم معربات عوام العراق لأنه أثر من
آثاره اللغوية العديدة.
فعسى أن يأخذ الله بيده ليقوى على نشر كتبه وجمع مقالاته مجلدات ليرجع إليها عند البحث والتنقيب الأدباء أنه سميع مجيب.
تلميذه رزوق عيسى
الأب الكرملي
من صاحب الزهور (الحيفوية)
كثيرون هم أبطال العرب في عصرنا الحاضر، وليست بطولة السيف وقد يعتورها بعض المرات ضعف الاستكانة إلى ما هو أقوى منها من أدوات التدمير العصرية. ولكن البطولة الحقيقية التي نعنيها هي بطولة النبوغ والتبريز في حلبة جهاد يندفع الإنسان فيها، بطولة الخدمة الصحيحة للأدب والعلم، بطولة العمل بقوة نفس وبجد وثبات في سبيل غاية يرمي الإنسان إليها. وفي طليعة أبطال العرب اليوم في هذا النوع من البطولة حضرة العلامة المفضال والفيلسوف اللغوي المحقق الأب انستاس ماري الكرملي العالم العامل بإخلاص وتفان في ميدان الجهاد الواسع الذي نزل فيه منذ أن تذوق طعم الأدب وشعر من نفسه ميلا للغة العرب لغة آبائه وأجداده، ومنذ أن عرف ما خفي على غيره معرفته فيها أي منذ خمسين سنة.
عرفنا هذا الرجل النابغة - ومن لا يعرفه - بمباحثه المفيدة المختلفة في أرقى صحف العالم العربي كلها تبحث بحث العارف المتخصص في اللغة وآدابها وفلسفتها في اشتقاقات كلماتها، عرفناه بمجلة (لغة العرب) التي أصدرها مدة لجهاده المتواصل وللجهود التي يبذلها للوصول بأبحاثه إلى أقصى حد ممكن من التنقيب والدرس قشعا لغياهب الظلمات وطردا لغيوم الجهل وفتحا لمغالق لا تزال بعيدة المنال على طارقيها في العلوم والمعارف؛ عرفناه أيضا بشخصه الكريم وبعلو(7/51)
نفسه وواسع اطلاعه ورحابة صدره يوم كان بين ظهرانينا في حيفا وقد قطن الكرمل جبل الوحي في أحد أديار رهبانيته وانفرد فيه إلى الله مستوحيا مبتهلا وقد كان فيه كعبة القصاد من رجال العلم يأتونه من كل حدب وصوب ليقفوا على آرائه الصائبة في اللغة. عرفناه كريم النفس واليد سخياً بعلمه ومعارفه وأدبه لا يخيب سائلاً ولا يرد طالباً. عرفناه أخيراً وعرفه جميع قراء مجلتنا (الزهرة) وقد خصها حضرته في سنتها الخامسة بأبحاثه القيمة حول نقد معجم (أقرب الموارد) وكان له في كل عدد مقال من هذا النوع يذكر له فيشكر عليه ليس منا فقط بل من كل من تابع هاتيك الأبحاث وجنى من فوائدها الجمة. . .
كنا نتمنى على الله أن يبقى حضرته بيننا إعلاناً لشأن الأدب في محيطنا ولكي نستزيده
فائدة ولكنا تمنينا من جهة أخرى أن يعود إلى جهاده في العراق إلى جانب خزائن كتبه الحاوية لكثير مما لا تحويه غيرها من نفائس المطبوع والمخطوط ومن ذخائر الأدب ما يمكنه معه أن تزداد اللغة من خدماته ويمكنه أن يتم ما أبتدأ به من الأعمال الأدبية خصوصا ذلك المعجم الكبير الذي سيكون الوحيد من نوعه إذا مد الله بعمره وابرز المعجم إلى عالم الأدب، ويمكنه أيضاً أن يستأنف إصدار مجلته (لغة العرب) وهي نطاق واسع لجهاده المبرور وأثر خالد لأعماله المجيدة ولسان ناطق يردد صدى أبحاثه وآرائه المفيدة بين الناطقين بالضاد.
هذا هو البطل العربي العصري الذي تألفت في العراق لجنة برئاسة فيلسوف الشعراء الأستاذ الكبير جميل صدقي الزهاوي وعضوية أكابر العلماء الأعلام هناك لتكريمه وقد سألت هذه اللجنة العالم العربي أجمع للاشتراك معها في هذا التكريم في حفلة تقام في بغداد في 16 من شهر أيلول الحالي. وإننا من فلسطين البلاد المقدسة، ومن حيفا ثغر الكرمل البسام إذا ما مددنا يدنا إلى أيدي القائمين بتكريم العلم والنبوغ شخص الأب الكرملي لنصافحها شاكرين لها المسعى فإنما نكون مخلصين بهذه المصافحة وحضرة المكرم عزيز على الجميع حقيق بالتكريم وجدير بكل ما يوجه إليه من الآيات الباهرات في مدحه وتعداد مناقبه وأفضاله.(7/52)
فهنيئا للأب الكرملي بمقامه الرفيع في القلوب وشكرا للعراق وآله على هذا المسعى الخالد الذي يقومون به والله المسؤول أن يجازيهم على الأدب خيرا وأن يطيل بعمر صاحب اليوبيل ليكمل جهاده الأدبي فينال بعد ذلك الإكليل المعد للمجاهدين الأبرار والسلام.
جميل البحري صاحب مجلة الزهرة وجريدة الزهرة
يوبيل العلامة الكرملي للحكيم الأستاذ مرشد خاطر
احتفلت الزوراء في 16 أيلول المنصرم بيوبيل حضرة العلامة الطائر الصيت الأب أنستاس ماري الكرملي تقديراً لمقامه العلمي الكبير وخدمة الجليلة التي أسداها إلى اللغة العربية وقد رأس الحفلة شاعر بغداد الكبير وفيلسوفها الشهير جميل بك صدقي الزهاوي فكان ذلك اليوم كسوق عكاظ نثرت فيه درر الخطب ونظمت لآلئ القصائد الغوالي في مدح المحتفى به ولا عجب إذا هبت بغداد لتكريم علم أعلامها ونابغتها الكبير وهو الذي خدم
اللغة العربية نصف قرن باحثا منقبا، وهو الذي أنشأ مجلته (لغة العرب) فكانت أداة وصل بين الشرق والغرب، وهو الذي وضع من المؤلفات زهاء ثلاثين مؤلفا منها (تاريخ بغداد) و (تاريخ العراق) و (تاريخ الكرد) و (العرب قبل الإسلام) ومعاجم ثلاثة نادرة لم تطبع بعد، وهو الذي بانتمائه إلى العراق قد جعل بغداد قبلة العرب والمستشرقين وقد كنا من الذين بهرهم ذلك النور الثاقب منظوراً إليه يستضيئون به في رحلتهم العلمية المظلمة فكم من المصطلحات الطبية التي وضعها فاحكم وضعها وكم من الألفاظ القديمة التي أحياها بعد إن كانت مندثرة وأن مجلة معهدنا هذه ومؤلفنا (السريريات والمداواة الطبية) الذي أنجز طبع جزئه الأول لبرهان ساطع على ما للعلامة الكرملي على لغة الطب وعلينا من الفضل.
فنحن نتمنى لصديقنا ورصيفنا الفاضل يوبيلا مباركا وحياة طويلة لتستفيد البلاد العربية من علومه الغزيرة.(7/53)
إلى الزهاوي الفيلسوف الخطير
حضرة الأستاذ المفضال والفيلسوف الشاعر السيد جميل زهاوي المحترم تحية واحتراما
وبعد فلقد تلقت إدارة هذه المجلة ما تكرمتم به من دعوة صاحبها إلى حضور حفلة تكريم الأب العلامة المفضال انستاس الكرملي. ولما كان يتعذر علينا اغتنام هذه الفرصة الثمينة للاشتراك في تكريم نابغة العرب جئنا بأسطرنا هذه معتذرين عن تخلفنا عن تلبية ندائكم راجين أن تتكرموا وترسلوا إلينا نبذة من تاريخ العالم المومأ إليه مصحوبة برسمه الفوتوغرافي أو الزنكوغرافي إن كان ذلك ميسورا. لنتمكن من نشره في عدد تشرين الأول القادم وهو العدد الأول من المجلة بعد احتجابها الصيفي ثم نعيده إليكم فورا مصحوبا بخالص شكرنا وامتناننا لازلتم فخرا للغة العربية ومن خيرة حملة ألويتها الخفافة سيدي
حلب في 27 آب سنة 1928
القس أغناطيوس سعد صاحب مجلة القربا
يوبيل الأب انستاس ماري الكرملي الخمسيني
تألفت في العراق لجنة رأسها فيلسوف الشعراء جميل صدقي الزهاوي وانضم إليها فريق
من علماء القوم وفضلائه وقد دعت هذه اللجنة الكريمة العالم العربي أجمع إلى الاشتراك في احتفال كبير إقامته في السادس عشر من شهر أيلول المنصرم في عاصمة العباسيين لمرور خمسين عاما على جهاد الأب انستاس ماري الكرملي في سبيل اللغة العربية ويا له من جهاد عظيم سيتمتع أبناؤها بثماره الغزيرة الطيبة مدى الأحقاب.
قليلون هم أولئك الذي لا يعرفون الأب المحتفى به فهو كتاب التحرير المبدع الذي لم تخل مجلة من مقالاته الرنانة ومباحثه المبتكرة الشائقة وهو اللغوي المدقق الذي أماط اللثام عما جاء في معاجم اللغة من مثل لسان العرب وتاج العروس ومحيط المحيط وأقرب الموارد وغيرها من أغلاط ومفاسد وهو العالم المحقق الذي أراد أن يتفرغ بكليته للغة العرب فأنصب على درس الآرامية والعبرية والحبشية(7/54)
والفارسية والتركية والصابئية وهو صاحب مجلة (لغة العرب) الطائرة الصيت والمنقطعة النظير صاحبة الأيادي البيضاء على كثير من الكتبة والمؤلفين.
وقد ذاع فضله في الشرق والغرب فألحت عليه بعض المجامع العلمية في الانضمام إليها والعمل وإياها فلم يلب إلا طلب مجمع الشرقيات الألماني ومجمع العربي العلمي بدمشق وذلك لضيق أوقاته.
وقد أنفق عمره في التأليف حتى بلغت مؤلفاته الثلاثين مجلدا ولسوء طالع العربية استولى الأتراك أبان الحرب العالمية على هذه المؤلفات الثمينة وجعلوها طعام النار فلم ينج منها إلا القليل.
وقد جاب الأفاق والأمصار سعيا وراء الحصول على الكتب الخطية النفيسة فجمع منها في مدة أربعين سنة ما كلفه نحو ثمانية آلاف ليرة ذهبا وقد بلغ عدد المجلدات على أنواعها أثني عشر ألفا أتلفت يد الأتراك الأثيمة في 7 آذار سنة 1917 معظم تلك الكنوز النادرة.
فلا عجب إذا كانت الحكومة العثمانية تنظر إليه شزرا وقد أعلى منار لغة العرب جاعلا لأبنائها رابطة تفاهم وعلم وأدب ولا بدع إذا كانت تتحين الفرص لتوقع به وتثأر لأبنائها منه.
فلم تكد تدور رحى الحرب العالمية وتعلن الأحكام العرفية في البلاد العثمانية ويخلو الجو لحكومتها حتى ساقته في طليعة من ساقتهم إلى بلاد الأناضول السحيقة ملتقى رجال العلم
والفضل والوطنية في ذلك العهد المشؤوم وقد أجتاز في طريقه إليها بحلب حيث جعل سجنه في الغرفة القذرة المظلمة الكائنة تحت درج دار سجن الولاية وترامى خبره إلى الطيب الذكر المرحوم السنيور كاوتيري قنصل دولة إيطاليا بحلب فأخذ يعمل سرا على تخليصه إذ لم يكن في وسعه أن يتوسط علنا لدى المراجع الإيجابية لأن إيطاليا كانت في ذلك الحين على أهبة الانضمام إلى صفوف الحلفاء وكانت حكومة الأتراك حانقة عليها تعمل على كيدها. فأتى دار المطرانية المارونية حيث اختلى بصاحب السيادة المطران ميخائيل أخرس رئيس أساقفة الموارنة وبعد المفاوضة قر رأيهما على إرسال القس اغناطيوس سعد صاحب هذه المجلة إلى افتقاد السجين في سجنه ومراجعة ترجمان الولاية في أمره فذهب كاتب(7/55)
هذه السطور ورأي العالم الكبير المفضال وما هو عليه من سوء الحال وحرج المكان وعرض عليه باسم سيادة الموفد ما يحتاج إليه من الخدم وأطلعه على اهتمام سيادته مع قنصل دولة إيطاليا بأمره وأنه موفد لمراجعة أولياء الأمر في شانة. ثم غادره وسار إلى دائرة الترجمة حيث قابل قدرة بك ترجمان الولاية في ذلك العهد وصاحب الكلمة لدى والي الولاية جلال بك. فلم يسمع الترجمان بوجود الأب الكرملي في السجن حتى دهش لذلك أعظم الدهش وقال له: الكرملي ذلك العالم الكبير هنا! إن أمره يهمني في درجة قصوى وسأصرف جهدي في الإفراج عنه. فأسرع صاحب المجلة فورا إلى سجن الأب والفؤاد منه يطفح بشرا وحبورا وبشره باهتمام قدرة بك بإطلاق سراحه وهو صاحب الحل والربط. فعبس الأب وجهه وقال إن هذا الرجل لهو اعدى أعدائي وقد كاشفني العداء مرارا ببغداد. وقد صدق ظن الأب ففي اليوم الثاني لما عاد إلى زيارته أخبر أنه سبق إلى قيصرية وهناك ذاق من العذاب والتنكيل إشكالا وألوانا. ولكنه ما لبث أن أخلى سبيله وعاد إلى جهاده الواسع في سبيل اللغة والعلم. وهنا نهنئ حضرة الأب العلامة فخر العربية في هذا العصر بيوبيله الخمسيني سائلين الله أن يفسح في أجله ويصل له الأعوام بالأعوام منارا يهتدى به وحجة تساق إليها رواحل الأدباء والعلماء.
صاحب مجلة القربان
الراهب الكامل
لا أريد أن أبين تضلع المحتفل به من اللغة العربية ولا طول باعه باشتقاقها كما أني لا
أريد تعداد تآليفه ولا إذاعة ما فيها من الفوائد للناطقين بالضاد بل جل غايتي من هذه السطور تبيان خصلة من خصاله الحميدة ألا وهي (التقى) شعار الراهب الكامل.
التقى! وما التقى؟ التقى ماء المحاسن والفضائل وعصارة المناقب والشمائل، رحيق رباني يسكر الأفئدة الشريفة بشذاه، عاطفة نبيلة تهيم النفوس الكبيرة بهواها، قبس من نور الله تقطن ربوع القلب الأبية، بل شعلة روحية يستنير بها المرء في سبيل المكارم السنية، فلا عجب أذن أن يكون الكرملي هائما بحبها(7/56)
باذلا مهجته منذ صباه باقتباسها.
دخل المحتفل به مدرسة الأباء الكرمليين ثم مدرسة الاتفاق الكاثوليكي وفي هاتين المدرستين رضع افاويق الفضائل فشاهده إذ ذاك رئيس الكرمليين ميالا إلى التقى ولوعا بالتحلي بها فأقترح أن يرسل إلى بيروت فقصدها سنة 1886 وانخرط في سلك تلاميذ المدرسة الأكليريكية اليسوعية وهناك أفرغ كنانة المجهود في اكتساب الفضيلة فتجلت تقاه بأجلى مظاهرها.
بل ما يدل على تقاه ترهبه في في بلجكة واقتباله درجة الكهنوت في ولا حاجة هنا إلى أن أبين ما أبداه من التقى في هذين الديرين فهي التقى التي جعلته راهبا وكاهنا معا.
آب المحتفل به إلى موطنه بغداد فتقلد زمام إدارة المدرسة الكرملية وأخذ يعلم بجد وفي الوقت نفسه كان يلقن تلاميذه مبادئ التقى المتغلغلة في صدره منذ نعومة أظفاره.
ترك إدارة المدرسة وشرع يعظ على المنابر حاثا الناس على الزهد والتقى واقتباسهما والعمل لهما.
أجل! القوا نظرة إلى لباسه، ألقوا نظرة إلى حياته اليومية فالتقى دليله ليل نهار والزهد خليله كل ساعة ودقيقة وكم شاهدت في غرفته من التقشفات ولا سيما أيام الرياضيات السنوية.
هذا ولا أريد أن أسرد ما قاساه أيام منفاه من الجفاء والقساوة من قبل القائمين بشؤونه أما هو فما كان ينبس ببنت شفة بل كان يتحمل كل ذلك بتقى وصبر.
واليوم كم يقاسي من المنتقدين وكم يحطون من منزلته العلمية وربما بالغوا في طعنه أما هو فلم يقابلهم كما يقابلونه بل يجيبهم بحلم ماؤه التقى.
فهذه وتلك براهين قاطعة وأدلة ساطعة على منتهى تقاه.
الأسر أيها الكرملي إلى الإمام سر ولا تلتفت إلى الوراء فأن أقوال المتخرصين تذهب أدراج الرياح أدامكم الله لرفع شأن بلادنا العراقية.
بغداد: رفائيل بابو اسحق(7/57)
يوبيل الأب الكرملي
ترنحت أعطاف الزوراء (بغداد) طربا ليوبيل حضرة العلامة الشهير صديقنا ورصيفنا الأب أنستاس ماري الكرملي (من آل عواد الأسرة اللبنانية المعروفة الملقبة هناك بماريني) وذلك احتفاء بمقامه العلمي الكبير فترأس تلك الحفلة الحافلة الشاعر الكبير الفيلسوف جميل بك صدقي الزهاوي البغدادي وألقيت الخطب النثرية والقصائد الشعرية وتبادل العلماء والأدباء التهاني بهذا المهرجان العظيم الذي نشاركهم فيه على بعد الديار داعين للمحتفل به بطول العمر للاستفادة من جهاده العلمي الدائم.
وللأستاذ الكرملي آثار ومباحث مهمة في اللغة والأدب والتاريخ والآثار والاشتقاق قلما يجاريه بها مجار تشهد له المجلات الكثيرة التي ملاها بمقالاته الرائعة وآرائه السديدة وأوضاعه اللغوية مما تداولته الأقلام وشهد به كبار العلماء ولا سيما المستشرقون في الأقطار الأوربية والأمريكية وقد كان لمجلتنا (الآثار) حظ من تلك النفثات الساحرة فأنه أتحفها مقالات نشرت (في المجلد الثاني الصفحة 334 و481 و491 والمجلد الثالث 34 و198 و484)
وهو ضليع من كثير من اللغات الشرقية والغربية قوي البنية واسع الرواية جيد الحافظة وكفى بمجلته (لغة العرب) الطائرة الشهيرة في العالم شاهدا فأنه نشر منها قبل الحرب ثلاثة مجلدات مهمة ونشر جزءين من السنة الرابعة فقضت الحرب بتعطيلها وناله ما ناله من النفي وتشتيت خزانته الحافلة بالمخطوطات النادرة والمطبوعات المهمة ولما عاد سالما أستأنف خدمة الصحافة فنشر (لغة العرب) وهي اليوم في سنتها السادسة يعرفها القراء وجدد خزانته الثمينة وقد وضع أكثر من ثلاثين مؤلفا مهما منها (تاريخ بغداد) و (تاريخ العراق) مما طبع. ونشر معجم الخليل المعروف (بالعين) فأوقفته الحرب المذكورة عند 148 صفحة منه وأسس مطبعة الأيتام لرهبنته وله (تاريخ الكرد) و (اللمع التاريخية والعلمية) و (العرب قبل الإسلام) و (معجم كبير في موافقة العربية للغات الشرقية
والغربية) وغيرها من المخطوطات.
عيسى اسكندر المعلوف
صاحب مجلة الآثار(7/58)
من الأستاذ المحقق حبيب الزيات
من رسالة له:
. . . وقفت في مجلة الآثار على خبر إقامة أدباء العراق يوبيلا لك في بغداد. فما ترى كان فكرك عن سكوتي؟ بيد أني أوكد لك إنه لم يخطر على بالي أن تكون هذه الحفلة في هذه السنة وإلا لقمت بما يطلبه مني واجب الصداقة ولبعثت إليك بوفد الأدعية وبما يكنه صدري من الإعجاب بك وحبي لك وتعلقي بك ذاك التعلق الموسوم بطابع الإخلاص والاحترام.
ولا جرم أنك تعفو عني لانزوائي عن الناس ولما يتقاذفني من أمواج هذه الدنيا، إذ أراني معذبا أي عذاب، منذ أن قدمت إلى الإسكندرية وتركت أهلي في فرنسة. على أن الأبطاء في مجيئي هذا إليك لا يألم شيئا من تهانئي الحارة الخالصة من كل شائبة. فأتمنى لك العمر الطويل خيراً للغة ولشرف العلم الشرقي ولوداد المعجبين بك الكثيرين. . .
من رسالة ثانية له:
. . . بما أن لجنة اليوبيل عينت اليوم ال 16 من أيلول لإقامة ذلك المهرجان فلماذا ذكرت بعض المجلات كالآثار مثلا أن ذاك العيد أقيم وتم في يومه المعين؟ وإذا كان هناك لجنة فلماذا لم تبلغ إلى أصدقائك العديدين كلمة تبعث بها إليهم منذ أول هذه السنة ليتسنى لهم تهيئة مباحث جدية إكراما لك واحتفاء بك على غير طريق الخطب والمقالات والقصائد؟ وإذا كان قد زرع مثل هذا البلاغ فليس لي ما ألوم به اللجنة الموقرة لأنها فكرت بإيصاله إلى الأعيان البارزين من أبناء الوطن العزيز أو إلى الممتازين بتآليفهم في الآداب الشرقية. أما أنا فقد نسيت لأن جل همي التجارة. على أنه يحق لي أن أحتج وأحتج بكل قواي لكوني صديقك الحميم وما كان يجدر باللجنة أن تجهل صديقا يعرفك منذ أمد بعيد ويعجب بعلمك ودرايتك ولهذا أتيتك لأظهر لك ما يكنه صدري من الحزن والألم بهذا الصدد.
لو كنت واقفا على حقائق الأمور كما وقفت عليها الآن لكنت هيأت لك بحثا(7/59)
مبتكرا قبل
براحي فريسة يتعلق بتاريخ بغداد حيث يكون بحثا وجيها لا يحتقره الأدباء ولا المستشرقون أبناء الغرب، ويظهر للجنة البغدادية في الوقت عينه أن في أبناء دمشق الفيحاء من يقدر عظيم القدر عاصمة العباسيين ومن فيها من أنجالها الكرام المشهورين بالظرف والعلم والأدب.
ويسوءني أن أراني الآن في حالة لا يمكنني أن أخرج بها عن دائرة الأشغال التي ألقتني يد الدهر فيها ولعلني أبقى فيها إلى شهر أيار من السنة القادمة 1929 فأتمكن من القبض على ناصية الأعمال وأعود إلى مقامي في فرنسة.
إذن آتيك معتذرا عن القيام بمبحث خاص بك طالبا من المولى عز وجل أن يعوض عني بآلائه أضعاف الأضعاف ويغمرك بفيض نعمه أنه سميع مجيب. . .
حياة الأب أنستاس ماري الكرملي وخدمته للعلم وللغة العربية
أيها المحفل الكريم!
اسمحوا لي أن اسمي اجتماع هذه النخبة الصالحة من رجال الدولة والفضل وأخوان العلم والأدب بالمظاهرة القومية التي تتجمد فيها العروبة ويعلو شأن الوطن. وكيف لا يكون ذلك ويجتمع شملكم في عهد الملك فيصل الأول الهاشمي، وفي دار الرئيس السعدون العربي الصميم، بإشراف الوزير السويدي العباسي، وبرئاسة شاعر العرب الفيلسوف، في تكريم من أحتسب حياته لخدمة لغة القرآن الكريم، فلتحيي العروبة، وليحيي كل عامل في سبيل العرب ولسانهم المبين.
موضوعي حياة المحتفل به الأب أنستاس ماري الكرملي وخدمته للعلم واللغة العربية.
في موضوعي مجال للإسهاب ولكني محصاة علي كلماتي حرصا على وقتكم لذلك سأوجز في القول وسأجاوز المقدمات والتمهيدات ففي حضرتكم وأنتم صفوة أهل الفضل والأدب يتناول الموضوع تواً من غير مقدمات، أي على(7/60)
الطريقة الإنكليزية - في الخطابة والكتابة طبعاً.
ولد الأب أنستاس في بغداد في 5 آب سنة 1866 وسمي بطرس، فلما بلغ الثامنة من عمره دخل مدرسة الآباء الكرمليين وفي هذه المدرسة ومدرسة الاتفاق الكاثوليكي تعلم التعليم الابتدائي حتى إذا رآه مدير مدرسة الكرمليين ولوعا باللغة شاديا في آدابها، أختاره
لتدريسها وهو ابن ست عشرة سنة فقط. وما برح يدرسها إلى هذا اليوم أي مدة 46 عاما وقد تخرج على يده تلاميذ أولعوا بالعربية وطفق في ذلك الحين يكاتب بعض الجرائد كالبشير والصفاء والجوائب بالمقالات الأدبية واللغوية باسمه الصريح أو بأسماء مستعارة. وقصد سنة 1886 المدرسة اليسوعية الألكيريكية في بيروت حيث تفرغ لتدريس العربية ودراسة اللغتين اللاتينية واليونانية.
ومن هنا رحل إلى في بلجكة فترهب، وانتقل بعدها إلى لاغتو قرب نيس في كورة جبال الألب البحرية وفي الدير الكرملي هناك وتعلم الفلسفة وأنجز الدراسة اللاهوتية والفقهية في مونبليه وسيم كاهنا باسم الأب أنستاس ماري الألياوي.
وبعد أن قسس غادر فرنسة فقام برحلة في بلاد الأندلس وأطلع على مخلفات المجد العربي ثم آب إلى موطنه بغداد فتولى إدارة المدرسة الكرملية وتعليم العربية والفرنسية فيها كما أخذ على عاتقه الوعظ في الكنيسة، والبحث والكتابة في لغة القرآن.
وما لبث أن ترك إدارة المدرسة وتفرغ للوعظ والكتابة والتأليف فشرع يكتب المقالات اللغوية والعلمية في الجرائد والمجلات العربية والفرنسية وليست هناك مجلة عربية راقية إلا وقد حملت بين دفتيها بحثا للأب أنستاس الكرملي ولكنه عادة لا يوقع مقالاته باسمه الصريح لاعتبارات مختلفة أهمها ثوبه الرهباني ولعلي لا أخطئ خطيئة مميتة إذا ما أبحث في هذا الموقف بسر تواقيعه المستعارة فهي كثيرة اذكر منها: (الشيخ بعيث الخضري، وساتسنا، وأمكح - والاسم مؤلف من أول حرف لكلمات اسمه الكامل - وكلدة، وفهر الجابري. ومستهل ومتطفل، ومنتهل، ومبتدئ، ومحب الفجر، وابن الخضراء) والذي يطالع(7/61)
مجلات المشرق والمقتطف والهلال والزهور والمقتبس والمباحث والمنهل وغيرها يعثر على مقالات ممتعة بهذه التواقيع. ولو جمعت مقالات المحتفل به في كتب لجاوزت المجلدات العشرة وأغلب مباحثه لم يطرقها طارق قبله، نظير أبحاثه في الصليب والنور وبني ساسان والخزاعل واليزيدية والصابئة والداوديين والركوسية والشبك والكاكائية والدوطة عند العرب والكفل وإيوان كسرى وعقرقوف والوركاء وبعض هذه المباحث يعد الأب صاحب (لغة العرب) أول من كتب فيها في العربية كما أنه أول من كتب عن كتابي اليزيدية المقدسين مصحف رش وجلوة باللغة الفرنسية في مجلة النمسية وصدر حديثا
كتاب إنكليزي جليل عن اليزيدية يشيد بفضل الأب أنستاس في هذا الأمر.
وبالنظر إلى تخصصه في الفلسفة اللغوية أضطر إلى دراسة اللغات الآرامية والعبرية والحبشية والفارسية والتركية والصابئية فألم بطرف منها ونقب في أصولها وبعض ألفاظها وتوغل في علاقاتها باللغة العربية فجاءت أبحاثه في الموضوع فريدة في بابها. وقد نفاه العثمانيون في خلال الحرب العظمى إلى الأناضول فبقي في قيصري سنة وعشرة أشهر نال في أثنائها صنوف العذاب ثم أعيد إلى بغداد.
ورحل إلى أوربة مرار أفزار معظم عواصمها وحواضرها كما طاف أشهر أقطار الشرق مرات وتجول في أنحاء العراق. وقد عينته الحكومة بعد الاحتلال عضوا في مجلس المعارف وعهدت إليه بمراقبة إنشاء جريدة (العرب) سنة وتولى إنشاء مجلة (دار السلام) ما يزيد على الثلاث سنوات.
وللمكانة التي أحرزها الأب أنستاس في عالم انتخبه مجمع المشرقيات الألماني عضوا في سنة 1911 وأختاره المجمع العربي في دمشق ليكون من أعضائه وحضر سنة 1924 مؤتمر المرسلين المنظمين للمعرض الفاتيكاني في رومية. وأهدت إليه الحكومة الإنكليزية وساما مع لقب كما أهدت إليه الحكومة الفرنسية سنة 1920 وسام وانتخبته وزارة معارفنا أحد مؤسسي المجمع اللغوي الذي ألفته في العام الماضي ولم يعش طويلا.
وقد ترجم كثير من مقالات المحتفل به إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية والروسية والإيطالية والأسبانية والتركية وقام بإصلاح كتب ومقالات ورسائل(7/62)
لكثيرين من الكتاب والمؤلفين وقد يبعث إليه أحيانا بعض المؤلفين والكتاب بكتبهم ورسائلهم من مصر وسورية وأوربة وأميركة ليدقق النظر فيها ويصلحها قبل طبعها.
إن انصراف الأب الكرملي إلى أبحاثه وكتابته المقالات لم يدع له مجالا لنشر مؤلفاته العديدة، وما نشر من كتبه شيء لا يعتد به ولا يمثل شخصيته العلمية والأدبية في حين أن له نحو 30 مؤلفا طبع منها خمسة كتب دينية وكتابا (الفوز بالمراد في تاريخ بغداد) و (خلاصة تاريخ العراق) وكلاهما طبع في غيابه فشوه بالأغلاط. إلا أن هذا لا يبخسه حقه في مؤلفاته الخطية الجليلة في اللغة والتاريخ ويمكنني أن أذكر منها:
(تاريخ الكرد).
(خواطر علمية) وهي موضوعات لغوية لم يطرقها الأقدمون.
(جمهرة اللغات) الحاوية أنواع اللغات واللغيات التي كان ينطق بها العرب في أقطار كثيرة من جزيرتهم جمعها من كتب الأقدمين.
(كتاب الجموع) فيه أسرار الجموع الكثيرة والأوزان الغريبة التي أفرغت فيها ولم يذكرها الصرفيون والنحاة في كتبهم.
(كتاب السحائب) يتضمن قوانين لم يذكرها الصرفيون والنحاة في كتبهم إلا أن اللغويين ذكروها استطرادا في دواوينهم.
(كتاب العجائب) ويشتمل على غرائب اللغة والصرف والنحو وردت في عدة كتب من أقدمي اللغويين ومشاهيرهم.
(الغرائب) وقد أتى فيها على ما تناثر في كتب المحققين من غرائب الصيغ والأمثلة والقواعد.
(الرغائب) ذكر فيها ما اختلج في صدور اللغويين من الصيغ والمعاني التي كانوا يودون أن تفرغ فيها اللغة.
(كتاب أديان العرب)
(حشو اللوزينج) حوى غرائب مقالات الأقدمين المبعثرة في الكتب المختلفة التي بسطها كل لغوي.
(مختارات المفيد) فيها مقالات عديدة لم تدرج في المجلات والجرائد وفي نيته أن يبرزها إلى النور شيئا بعد شيء.
(متفرقات تاريخية) ومعظمها يتناول تاريخ العراق وأقوامه.(7/63)
(الأنباء التاريخية) وقد حدثنا بها عن أنباء الرافدين وجزيرة العرب في القديم والحديث.
(اللمع التاريخية والعلمية) في جزءين كبيرين.
وهي مقالات باللغة الأفرنسية في الأبحاث اللغوية والتاريخية.
(الغرر النواضر) معظمها فيه نفائس أقوال الأقدمين في الفنون والعلوم العربية.
(النغم الشجي في الرد على الشيخ إبراهيم اليازجي) في النقد اللغوي.
(العرب قبل الإسلام)
(المجموعة الذهبية) كنز فيها خواطر فلسفية.
(ترجمة كتاب أرض النهرين)
(شعراء بغداد وكتابها) وهو تنقيح كتاب ترجم عن التركية.
(رحلة بغدادي إلى اليمن) سنة 1861 نشرها باللغة الفرنسية في مجلة وهي رحلة قام بها ميخا يوسف النجار البغدادي من أهل القرن التاسع عشر إلى بلاد اليمن.
وقد فقد الكرملي في أثناء نفيه إلى الأناضول سنة 1914 ونهب من خزانة كتبه سنة 1917 طائفة من مؤلفاته الخطية الثمينة منه أربعة كتب في تصحيح المعاجم: (لسان العرب) و (تاج العروس) و (محيط المحيط) و (أقرب الموارد) ورسائل وكتب هذه موضوعاتها: -
(الألفاظ اليونانية في اللغة العربية) وقد نشر منها منا نماذج في مجلة المشرق استشهد بهذه الأبحاث على تأثير النهضة المأمونية في العقلية العربية الدكتور رفاعي في كتابه الحديث (عصر المأمون) و (الألفاظ اللاتينية في اللغة العربية) و (الألفاظ الفارسية في اللغة العربية) و (الألفاظ الدخيلة من عبرية وهندية وقبطية وحبشية وتركية في اللغة العربية). و (الألفاظ الأرمية في اللغة العربية). و (الألفاظ العربية في اللغة الفرنسية) ومقالات عديدة في إصلاح أغلاط الكتاب المعاصرين ولغة الدواوين. كما أن له انتقادات خطيرة على معجم دوزي (ملحق المعاجم العربية) ومعجم فريتاغ العربي اللاتيني.
وجمع كتاباً نفيساً في (أمثال العوام في بغداد والموصل والبصرة) و (حكايات(7/64)
اللغة الدارجة) وعني بتصحيح كتاب (الإكليل) للهمداني و (الموعب) في اللغة لابن تيان و (مقامات ابن ماري) وكان قد شرع قبل الحرب العظمى بطبع كتاب (العين) للخليل بن أحمد اللغوي العراقي الشهير مع حواش لغوية فاكمل منه 144 صفحة وحالت الحرب دون إنجاز البقية. فعسى أن يتيسر من ينفق على طبع هذا الكتاب وسائر مؤلفات الكرملي الخطية لغني بها الخزانة العربية.
وقد جمع الأب الباحث كتبا نادرة المثال حوت زهاء أثني عشر ألف مجلد من مخطوط ومطبوع وأصبحت بغية القصاد من الدارسين والباحثين ولكنها أصيبت بالنهب في 7 آذار سنة 1917 فتفرقت أيدي سبا.
وعاد سنة 1918 إلى جمع الكتب وتجديد خزانته الشرقية فجمع منها زهاء أحد عشر ألف كتاب مطبوع وسبعمائة كتاب مخطوط تغلب عليها الأبحاث التاريخية واللغوية ونقل بإشرافه كتبا خطية عديدة منها ما أتلفته يد الضياع ومنها ما يحتفظ بها بغية طبعها ونشرها تعميما لفوائدها.
وكلكم تعرفون مجلة صاحب اليوبيل (لغة العرب) التي أتمت في هذه الأيام السنة السادسة فهي المجلة العربية التي تعد صلة بين علماء الشرق والغرب وتنقل معظم مقالاتها إلى اللغات الأجنبية وهي المجلة الفريدة التي تنشر أبحاثها الشهرية كثير من المجلات العلمية الأوربية والأميركية.
ويستخدم الكتاب الآن ألفاظا جديدة لبعض المسميات الحديثة ولا يعلم أنها من صنع الأب أنستاس كألفاظ برقية ل ووضيعة ل وإضبارة ل وكناشة ل ومعلمة ل ولا يمكن أن أتوغل في ذكر ألفاظ كثيرة من هذا القبيل لئلا أصدم أسماعكم بأسماء غريبة مثل اطريراء
وأهم ما يشتغل به الآن منشئ لغة العرب ثلاثة معاجم كبيرة:
1 - معجم عربية كبير يذكر ما ذكرته المعاجم القديمة وما أغفلته.
2 - معجم فرنسي عربي يحوي الألفاظ الأعجمية وما قابلها باللغة العربية الفصحى.(7/65)
3 - معجم عربي فرنسي مطول.
هذا غير مواصلة إصدار مجلته الحافلة بالأبحاث النفيسة وتحقيقاته اللغوية ونقداته اللاذعة وهجماته الفاتكة مما تجدونه بين طبقات المجلة.
والأب متعصب للفصاحة القويمة على نحو ما نقل عن السلف الصالح يمقت النحث ويشمئز من كل تعبير لم ينص عليه في سند ثبت من القرآن أو الفصحاء الخالدين.
وبعد الأب أنستاس الكرملي حجة في آرائه اللغوية وأبحاثه في الأقوام الشرقية المعاصرة لنا. لذلك تجد اغلب المؤلفات الغربية والشرقية التي تتطرق لتاريخ الشرق الحديث وأقوامه ولغاته تذكر آراء الأب أنستاس وتناقشها. والذي يطالع الأنسكلوبيذية الإسلامية يتبين صحة ما أقول فضلا عن تآليف المستشرقين الآخرين وأبحاث الدكتور أمين المعلوف في (معجم الحيوان) وتآليف المعهد الطبي العربي بدمشق ومجلته وتقرير لجنة عصبة الأمم التي
زارت الموصل وأطرافها وقد ألف بعض العلماء الأوربيين رسائل في حياة صاحب (لغة العرب) منها رسالة المستشرق الروسي كراتشكوفسكي ورسالة المستعرب الإيطالي غريفيني.
ولا يمكنني أن أسكت عن أن الأب أنستاس يدفعه حبه للعربية إلى أن يصرف كل وقته لدرس اللغة والتأليف والبحث فيها وقد يزوره الغرباء في أوقات الصلاة فيجدونه غارقا في بحث لغة الفرقان (كذا؟!) ولم يمنعه ثوبه الرهباني من أن يناقش قسا آخر هو الأب شيخو اليسوعي العالم المعروف وينكر عليه دعواه بنصرانية بعض الشعراء العرب وأدبائهم أنصافا للتاريخ.
هذه لمحات من حياة الأب انستاس الذي تحتفلون بيوبيله ذكرتها من غير أن أتعرض لبسط آرائه اللغوية والنحوية وتذكرون أنني عاهدت نفسي على الإيجاز فكان إيجازي هذا التطويل. ولكن ليس الذنب ذنبي بل للرجل حياة حافلة بالعمل طويلة الأثر فأعذروني بكرمكم وشيم العرب الصفح والكرم.
رفائيل بطي(7/66)
كلمة إبراهيم حلمي العمر
أيها السادة الأكارم.
إني وأن كنت أخطب الآن فيكم من دون أن يذكر اسمي في منهاج هذه الحفلة الشائقة إلا أن اقتراح الفاضل كتوم (سكرتير) اللجنة علي أن أتكلم ما يناسب المقام من جهة وصلتي الوثقى بالعلامة المحتفل به كان مما يشفع لي في الوقوف أمامكم متكلما عن الخدمات الجلية التي أسداها الأب المفضال الكرملي إلى اللغة العربية في حياته الأدبية الطويلة التي نطلب لها المزيد والاستمرار.
إن الكلام عن منزلة العلامة الكرملي من النهضة الأدبية وآثاره العلمية قد سبقني إليه صديقي الفاضل رفائيل بطي الذي وفى الموضوع حقه في خطبته الممتعة التي سمعتموها قبل دقائق معدودات ولكني أقول كدارس على الأب علوم اللغة والبيان في حداثتي أن للأب أنستاس من الجهود والمساعي الكبيرة التي قدمها في سبيل إعلاء اللغة العربية وإقالة عثرتها وإنهاضها من كبوتها ما يستحق عليه كل تكريم وتعظيم، ومن أقدس واجبات أبناء
هذه النهضة المورقة الأغصان الوارفة الظلال أن يكرموا العلم والأدب وخاصة الأدب العربي في شخص هذا العلامة الكبير الذي نحتفل به اليوم تنويها بفضله واعترافا بأياديه البيض.
حقا أن قيام هذه الحفلة في دار فخامة السعدون بك الذي أرصد يوما من أيامه الثمينة لتكريم العلم والأدب من جهة واشتراك نخبة فاضلة من زعماء البلاد وقادة حركتها الفكرية وأساطين العلم فيها من جهة أخرى ليذكرنا بتلك الأيام الغابرة التي كانت ساسة العرب ورجالهم وإلى جانبهم شعوبهم الحية الناهضة يحتفلون بنوابغهم وفضلائهم مع قطع النظر عن المذاهب والأديان وبذلك شيدوا لهم مجدا خالدا وحضارة فخمة لا تزال آثارها ماثلة لعيون الباحثين المنقبين، وإذا أقام السعدون بك هذه الحفلة في قصره العامر لتكريم الأدب العربي في شخص الكرملي المفضال، فإنما هو يحذو حذو أجداده العرب الذين كانوا يعملون على بث العلم والعرفان وتنشيط الأدب في ظلال خلفائهم وملوكهم وسلاطينهم وما الملك الأعظم اليوم إلا رمزاً إلى تلك العزائم والهمم التي حمت العلم وذادت عن حياض(7/67)
الأدب فكان وزراؤه بهدية يهتدون وبإرشاده يعملون.
لقد قرت عين الأدب بهذا الاحتفال البهيج الذي يقيمه العراق شعبا وحكومة لتكريم علامة العصر الأب الكرملي ولا نغتبط بهذه الحفلة من ناحية واحدة هي الاعتراف بفضل ذوي الفضل فحسب بل نغتبط بها من ناحية أخرى هي أن العلم فوق كل الاعتبارات والمظاهر الأخرى وأن هذا الروح الذي يدفعنا إلى التآزر والتعاون في نصرة النهضة الأدبية وتكريم رجالها العاملين خير كفيل بإيصال نهضتنا إلى المستوى الرفيع الخليق ببلاد كبلادنا كانت مهبط العلم وكعبة الأدب ومستقر الحضارة والعمران.
كلمة صاحب المعالي توفيق بك السويدي وزير معارف
العراق
فخامة الرئيس، سادتي الأفاضل:
أقف بينكم وقفتي هذه والسرور ملء جوانحي لما أراه فيكم من غيره محمودة للاحتفال بيوبيل العلامة الأب أنستاس ماري الكرملي وتكريمه.
إني أود قبل كل شيء أن اثني الثناء العاطر على ما قامت به لجنة الاحتفال المحترمة من صنع جميل أتاح لنا الفرصة الثمينة لنعرب هنا عما نشعر به من التقدير العظيم لما قام به المحتفل به من الخدمة الصادقة للغة العربية وما أعلى به رؤوس العراقيين من صيت ذائع بين أبناء الضاد في الخارج والأجانب المستشرقين.
تعلمون سادتي أن تنشيط العلماء والأخذ بناصرهم هو من أهم الأسباب المؤدية إلى الرقي والعمران في عصرنا هذا. وبتكريمنا الكرملي اليوم نكرم العلم والعبقرية في هذه البلاد التي تحتاج إلى ذلك بقدر ما يحتاج الجسم إلى الغذاء.
يسرني جداً بأن أنتهز هذه الفرصة لأبين إعجابي بالجهود العلمية التي بذلها المحتفل به منذ حداثته حتى الآن في سبيل إعلاء شأن اللغة العربية إذ أصبح منارا يستنير به طلابها وعشاقها حينما كانت مهجورة حتى من أبنائها في هذه البلاد(7/68)
كما كان ذائدا بقلمه عن حوضها المتهدم آنئذ غير هياب وغير مبال بخوض غمار أخطار ذلك في أزمان عصيبة جداً.
كنت ذات يوم من سنة 1920 أطالع مجلة الهلال فوقع نظري فيه على مقال بعنوان (الثمائل عند العرب) مذيل باسم (مستهل) ولم أكن اعلم حينئذ أن هذا الاسم المستعار هو للعلامة المحتفل به.
قرأت ذلك المقال الممتع وأعدت قراءته ثانية لأحيط بما احتواه من حقائق علمية ولغوية غابت على الكثيرين من فطاحل اللغة من عرب وأجانب فدهشت لما فيها من دقة البحث والاستقصاء وحسن التنقيب عن خفايا موضوع لم يطرقه إلا وكان متدهورا في لجج الخطأ.
أظهر العلامة (مستهل) بذلك المقال أغلاطا عديدة كانت قد وردت في معاجم عربية وإفرنجية وكشف الستار عن حقيقة (الثمائل) مما دل على تضلعه من فقه اللغة والتاريخ تضلعا يغبطه عليه أكثر العلماء، فعرفت (مستهلا) من ذلك الوقت وقدرت له مساعيه العلمية.
أذكر له هذه المزية وهي ليست في الحقيقة إلا قطرة من بحر مكتفيا بذلك عن الاسترسال في تفاصيل أخرى.
أيها الأب الكريم!
إني مغتبط أشد الاغتباط بأن أحيطك علما أنك في بلاد معجبة بمزاياك الطيبة فهي تعرف فيك ولدا باراً تذخره ليخدمها بعلمه وقلمه وهي إذا قامت اليوم تحتفل بيوبيلك الذهبي فإنما هي ترجو أن يمن الله عليك بعمر يوصلك إلى يوبيل ماسي تكون فيه قد حققت لها نفعا أكثر مما حققته الآن.
فسر إذن مزوداً عونه وبركته وحقق ما تأمله فيك البلاد من نفع يعود عليها وعلى لغتها والعلم بالخير الجزيل.
توفيق السويدي وزير المعارف(7/69)
قصيدة ميميه
در تهنيت جشن أدبا براي حضرة أب انستاس كرملي
(لغة العرب) اشتهر اليوم في ديار إيران شاعران كبيران: الميرزا أبو الفضل كيهاني وخسرو ميرزا. وقد نظم كل منهما قصيدة بديعة بلغته الفارسية فتذوقها كل من سمعها. ولم ننشرهما في محلهما لأنه لم يكن عندنا حينئذ حروف نصور بها الألفاظ الفارسية. أما الآن فوجدنا منها بعض القدر ولهذا ندرجهما هنا لنجعلهما بمنزلة أفخر الطعام يقدم إلى الآكلين فتبقى ذكرى الدعوة من أطيب الذكريات في مسامعهم. وهذه قصيدة فخر شعراء الفرس في عهدنا:
شبي جو قلب من وزلف يا رغرق ظلام ... شبى جو خلوت دلداده كان براز آلام
فلك جو صحنه ميدان وكهكشان دروى ... كشيده لشكر انواروبر كرفته نظام
أثير بيشه وزنجيرهاى نور دراو ... جوتار كارتن اندر مسالك آجام
براين بساط وبراين كوشه وبراين مردم ... براين أساس وبراين ملت وبراين أقوام
بجشم عبرت هرسوهزار هاخورشيد ... نظارة كانند ازاين سبهر نيلى فام
عجب بعرصه اين بهن دشت بى آغاز ... عجب بصحنه أين زرف بحربى انجام
زمين جوذره نابود ليك بر رويش ... فكنده رحل أقامت جرائم وآثام
بشر بنام جراثيمى ازعناد وخلاف ... بسطح توده غبرا كرفته جاو مقام
تمام لايق اعدام وآنكه ازنخوت ... نموده وضع أساس سياست اعرام
بتيره شب نه مر اخواب بدنه فكر نشاط ... كه دهر سفله أم افكنده بد بقيد ملام
كهى مكابره أم باستاره ريمن ... كهى مناظره أم بامكاره أيام
دراين ميانه مه جارده جوسيم طبق ... كشود جهرهء رخشان فكند نور بيام
أفق كشاده وقلب بازروح لطيف ... بهر كرانه نهان كشت جون ذباب غمام(7/70)
زجذبهء ملكوتم بدل رسيد نويد ... زعطر عالم قد سم شكفته كشت مشام
رسيد طيف بت مهربان دلم براو ... بسجده آمد وجون برهمن براصنام
تبارك الله زان مست نركس برشور ... تمام فتنه وجذب تمام ضعف مقام
مكوى جلوه كه شد قلب خسته أم همه خون ... وزان سبس جو عرق سرزداز عروق مسام
خطاب كردكه اى خسته ازنوائب دهر ... جرا زبان قلم راكشيدهء دركام
بشعر تسلية مسعود سعد داشت تونيز ... ستان قصاص خوداز روز كاربد فرجام
جه روح شاعرا نراخرد تواندو كفت ... كه دور دهر شمارد بسان كردش جام
جواب دادم اى روح مهربان كه مرا ... شكسته سنك حوادث جنان بجسم عظام
كه در خيالم نى وضع مانده ني موضوع ... نه ذوق قوت تفكيرونى اداى كلام
تكلمم جو زمسلول نفثة المصدور ... تخيلم جو زمحموم فكرت سرسام
جه جاى يادزدار أست ولعلى أست وعقبق ... جه جاى وصف زاعشاب سبسب أست آكام
بدين تراكم أندوه وين تهاجم غم ... كه هست طاير فكرم هميشه بسته بدام
نه حب جاه ومقامم بود كه نيل بوى ... شود مسبب توقير سفله كان لئام
نه بيم شيخ ريايم كه مويد ازسر جهل ... كه خون خلق حلالست جام باده حرام
دراين مفاوضه بوديم تاسحر زافق ... فراشت خسرو خاور به آسمان أعلام
جو بيك صبح سعادت رسيد قاصد فضل ... نمود دعوتم از سوى بيشواى أنام
زجاى جستم وجون محرمى بقصد طواف ... جه كعبه بستم وبر طرف محضرش إحرام
كشيد قائد بختم بصدر محفل قدس ... خجسته محضر وأستاد فيلسوف إمام(7/71)
إمام شيخ أبى عبد الله انكه محضرا
و ... رواست باشد ومسجود ومعبد إجرام
كجاست حضرت ويكتور هو كوكه تاكويد ... كه هست ذاتش باب أرامل وأيتام
بجاي شيخ مبارك بيش هميدانست ... مصنف بؤسا بد اكردراين هنكام
به بشتبانى دين وبرهنمائى عقل ... نموده فك. قيود خرافة وأوهام
مرابكفت كه اى افتاب جرخ أدب ... كه هست فكرت نضرت نمونه الهام
من أين حقيقة دانم تورا بحب وطن ... علاقة ايست مقدس تعصبى أست تمام
رجوع كشور دارابفر عهد كيان ... تورا بخاطره اندربود خجسته مرام
هماره كوئى فرزند خسرو شابور ... زشهد بارس ناب باد شيرين كام
ولى نبايد تكذيب سازد عقل سليم ... مآثر عرب اندر ممالك إسلام
كذرز صاحب طغرائى وبديع زمان ... كه از جمال أدب بر فكنده أند لثام
نزاد خالص ايرانيند ليك أدب ... كرفته رونق ازانان جلوه بدرام
بناى آئين تنهانه زيور عرب أست ... زبان حاضر ما هم أزان كرفته قوام
كنون ملك عرب طرفه اكهى بزرك ... رسيده أست فرح بخش مثل ذوق مدام
براى أهل أدب صاحبان فضل كمال ... بشارتى أست كه هرجهره ميشود بسام
بماه آتيه سازند احتفالي عظيم ... بجشن رآداب انستاس كرملي كرام
تونيز تهنيت آغاز ساز جانه سراى ... كه زشت باشد وشمشير صيقلى بنيام
جواب دادم اى بيشواى أهل هنر ... كه كل كرفته زخلق شريفت عطر بوام
من آن شناشم كه بيكرى أست شريف ... كه از شرافت جان دارداز أدب اندام(7/72)
نشار مطلع دوم كنم جواهر شغر ... مكر كه روحم ازجلوه أش شود آرام
صبا زجانب من بادرود با إعظام ... بياك مجمع فضل وهزببر بيغام
كه اى كناه جهانز افدائيان نجات ... كرفته مركب توفيق رابد ست زمام
مجسته باد مبارك ستوده جشن بزرك ... كة بر كريم هنر ميكنيد أين إكرام
جودر آداب انستاس كرملى لغتى أست ... كه ذوق وسعى وشرافت دران بودادغام
يعصر باك تكامل بظهر روز سعيد ... بسان غره صبح أست در ممالك شام
نه أز مساعى أن راد مرد إنسان دوست ... لسان قوم عرب يافته أست استحكام
بفر دانش أو كشته أند شكر كذار ... زبان كلده وأشور وعبرى وعيلام
زمن درود بران راد مفلق مفضال ... كه دور كرده زجان لغت بسى إسقام
بيارك مجمع وبران رئيس دانمشند ... جميل صدقي شمس الشموس دانش ونام
يخه شاعرى كه باسم مقدسش نازند ... فرات ودجلة ونيل مبارك وأهرام
من رئيس وجنين مجمع وجنين موضوع ... كه نعت مدح أدب راهمى كنند إلزام
جوم معرفتند ونجات نوع بشر ... بيمبران تكامل مبشران سلام
سعيد باد جنين روز فرخى كه دراو ... درود كويد وكيهان بجشن شيخ همام
ختام رزمشك أست واختتام خوش أست ... جه بهتر أست ازاين اختتام مشك ختام
ميرز أبو الفضل كيهاني(7/73)
قصيدة رائيه
(لغة العرب) ودونك الآن قصيدة زينة شعراء إيران في هذا اليوم:
سرى كه واجدذوق أست صاحب أفكار ... درون فلسفه ماند بنقطه بركار
دماغ شاعر وشعر أست شمع بروانه ... كه بالطبيعة بر اطراف آن شود سيار
بجذبه هاى غزيزى كه هست در خورشيد ... زجذب هيئت سيار كان بود ناجار
نهال تازه وأنكاه منع أو زنمو ... زبان شاعر وأنكاه وقفه در كفتار
جو آب جمع شوددر بحور ناجار أست ... بى خروج ومخزن بدل شود ببخار
تخيلى كه مرا همره أست وزان دارم ... تنى معذب وجانى غمين دلى أفكار
زنوك خامه اكرروى نامه ننشيند ... شبيه باشد بر حبس نغمه در مزمار
جرانكويم كاين كردكرد كنبد خاك ... جو كار خانه تندى بود جنا بار
جرانكويم دراين سراجة برشور ... بجز فجايع جانسوز نيست اندر كار
جرا خموش نكردد زدوداه شموس ... جرا سقوط نكيرد زسير خود اردار
نهاده نام تمدن بشيمه كه توان ... بدان وسيلة برند ازميانه حق صغار
همان سياست غرب ومناسبات دول ... مكربه مرصد صيد أست دامكا شكار
بى سهولت غصب حقوق سرعت قتل ... رماح شعلة فشان لبين ومر كه طيار
يكانه معدون جور أست دهر سر تاسر ... بخيره جون شده نام كرك آدمخوار
فقط عناصر باكى أست عذر خواه بشر ... بدين جرائم زشت جهان بد كردار
وجود عده أز عالمان إنسان دوست ... الكربنود دراين خاكدان كيه شعار(7/74)
نه بد بهاى بشيزى حياترا بجهان ... بسان بيكربى روح عشق بى دلدار
بدين ذوات مقدس سزد كه كوى زمين ... كند بجشمه تابان مهر استكبار
شموس لامع افلاك عقل معرفتند ... كه نور علم بنوع بشر كنند إيثار
بوبزه حضرت شمس الشموس عالم قدس ... جهان مجد أبى عبد الله اسمان وقار
شعاع شمس بيكسوى أرض ميتابد ... به قسمتى زشب وروز هست آنسوتار
ضياء باك ضميرش بهر دقيقة وآن ... كند حيات بشررا مطارح أنوار
بزر كوار وجودى كه مهر عاطفة أش ... جوروج ناميه ونوع آدمى أشجار
خوشا بدان نظرباك ونيت صافي ... كه التيام دهد بين سبحه وزنار
لطف داد رهيرا بخدمتي فرمان ... كه يافت كلشن جانم أزان صفاى بهار
بر آي تهنيت جشن محفل أدبى ... زطبع ناسره أين جند بيت كشت نثار
نكين حلقه انكشت شرق بحر فخار ... خجسته راد انستاس ستوده أخيار
جر فلسفة قطب كمال محور فضل ... كه زتو قطر عرب أست فخربر أقطار
به نيم قرن اثر خدمت تو كارى كرد ... كه قرنها زتو باقى بود همين آثار
بناي لحن عرب ازتو يافت تعميرى ... كه طاق كنكره أش كشت جالب أنظار
لبسان توده يعرب بسان مرءآتى أست ... زدوده كشته أزان باكف توزنك غبار
خوشا نزاد عرب خرما ديار عراق ... كه ديده مثل توفرز مهر بان بكنار
يكي فراز مشعشع بصفحه تاريخ ... زنام نامى توباز مانده در إعصار
فقط نه نسل عرب إذ توميكند تقدير ... تورا رهينه منت بسى نزاد وديار(7/75)
ثنا كرت نه همان روح امرء القيس إست ... روان سعدى مدح توميكند تكرار
زقبر نابغه واز مزار فردوسى ... رزاست بشكفد ازوجد كونه كون أزهار
نسيم لطف تو آراست كلشنى كه برآن ... ترانه ساز زهر سو هزار هاست هنزاز
هران زبان كه سهيم أست بازبان عرب ... بصد زبان شده نعمت توشكر كذار
منت بسلطنة حقه ميكنم تبريك ... كه سلطنة نه بتخت أست وتاج كوهردار
مشاعر شعرا وقلوب أهل قلم ... ممالكى أست كه فكرتو كرده استعمار
شهان بقوت سرينزه ملك ميكيرند ... بملك خويش تورا كلك داده استقرار
نيافت كشورى ازهيج قائدى عادل ... جنانكه كشور فضل ازتو يافت رنك بكار
لذا غريو مشد از صميم دل خسرو ... كه يادراد انستاس زه بر خوزبار
خسرو(7/76)
كلمة الشكر للأب المحتفل به
يا صاحب الفخامة ويا أصاحب المعالي ويا سادتي الأفاضل،
أول كلمة أنطق بها: الشكر لجلالة مولانا سيدنا ملكنا المفدى فيصل الأول، الذي لا يزال يحبب العلم ويرقيه في مملكته، ويبث لغتنا الكريمة بين ظهراني تبعته، ويرغبهم فيها بجميع الوسائل الممكنة. وما هذا الاجتماع إلا من جملة أدلة تشجيعية لمن يعنى بلغتنا الحسناء، وينشرها في طبقات الناس، أن بين الاقربين، وأن بين الأبعدين.
والكلمة الثانية التي أفوه بها: شكري لصاحب الفخامة عبد المحسن بك آل سعدون العربي الصميم الذي عرف روح متبوعنا الأعظم وأمنيته لإتقان لساننا فأخذ على نفسه وفي رعايته إقامة هذه الحفلة الدالة على حبه الجم للوطن وقومه ولغته، ولكل من يسعى في نشر هذا الحب بين وطنييه.
ولا أنسى فضل أصحاب المعالي الآخرين الكرام، وأعياننا، ونوابنا الأماثل الذين شرفوني بحضورهم هذا، وأخص بالذكر صاحب المعالي البارزة: توفيق بك السويدي، وارث العلم كابرا عن كابر، ونافخ ضرمه في صدور أبنائنا بلا فرق فيهم ولا تمييز. وهذه خطبته البليغة شاهدة على ما أقول، إذ أن كل درة تدل على سامي فكره وتقديره للمنتسبين إلى العلم، وأن لم تكن تلك النسبة مما يليق بهم كانتساب هذا العاجز إليه.
ثم أني أشكر حضرة أستاذي المكرم، فيلسوف العراق وشاعره الأكبر جميل صدقي الزهاوي لعنايته بهذا اليوبيل، وأشكر اللجنة التي قامت بتحقيق هذه الفكرة. وأخص منها بالذكر الأستاذ المحبوب، تلميذي المهذب، أحمد حامد أفندي الصراف مدير مطبوعات الحكومة العراقية.
وبعد هذا يحق لي أن أقول: يا سادتي الأجلاء.
إن أحب امرؤ إنساناً لم ير فيه غير المحاسن، وأن كرهه لم يجد فيه سوى المساوئ وقد احسن أحد شعرائنا في قوله:(7/77)
وعين الرضى عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساوئا
إني وايم الحق لم آت عملا جليلا للغتنا الشريفة، حتى يقام لي هذا المهرجان، وقد سبقني رجال أفاضل إلى خدمتها خدمة أجل وأنفع وأوسع من خدمتي هذه؛ ومع ذلك لم يعترف بفضلهم مثل هذا الاعتراف. وما ذلك إلا لأني وفقت لأن يكون لي أحباب أجلاء ذوو همة عالية بارزة، يرون نفوسهم في غيرهم، فيخيل إليهم أني هم، وأنهم أنا، فانفعوا إلى هذا الصنيع الذي يخلد أسماءهم في سجل الوطن المحبوب، ولغة الضاد الكريمة بحروف من ذهب. ولهذا أني لا أرى هذا الإطراء جديرا بي، بل خليقا بكم، إذ أراكم تجلون العلم والفضل حتى في من ينتسب إليهما انتسابا، وإن لم يكن من أهلهما. فالمجد والشرف لكم يا سادتي لا لي، إذ أراني بعيداً عن كل ما عددتموه لي، ونسبتموه إلي، في حين لا أجده إلا فيكم يا سادتي الصيد الأشاوس.
على أن الذي أستطيع أن أقوله وأفتخر به هو أنني أغرمت بهذا اللسان الكريم منذ نعومة أظفاري، وبقيت مولعاً به إلى هذه الساعة من غير أن ينتابني فتور أو وناء.
وكثيراً ما تمنيت أن أخدم هذه اللغة وأصحابها خدمة تنفعهم النفع الجم، وبذلت مهجتي في هذا السبيل، إلا أن الحالة التي وجدت فيها منذ حداثتي، عاندتني أشد العناد وقاومتني مقاومة غريبة. فاكتفيت من تلك الخدمة بحسن النية والإخلاص لا غير؛ وهو ما يفرضه علي حب وطني وقومي ولساني؛ فقمت بالواجب المحتوم علي بقدر طاقتي، ومن قام بما عليه، فلا شكر له ولا حمد ولا ثناء ولا إطراء.
وفي الختام أشكر جميع الحاضرين. وجميع الذين شاركونا في هذا اليوبيل عن قرب أو عن بعد برسائلهم أو بتهانئهم أو ببرقياتهم أو بندى أياديهم سواء أكانوا من أبناء لغتنا أم من المستشرقين أم المستعربين. وأشكر لهم عنايتهم بهذا اليوبيل من صميم قلبي واحداً بعد واحد، متمنياً لهم طول العمر والهناء والسرور.
حيا الله ملك العراق المفدى!
حيا الله الأمة العربية ولغتها المحبوبة! حيا الله العلم العراقي!(7/78)
عم سعدون مغامس المانع والكرملي
ما أبهى ما كان يوم الأحد الذي وقع في 7 تشرين الأول 1928 ذلك اليوم التاريخي عند إخوان الأدب العربي ورافعي أعلام التشجيع له من كبراء وعظماء فأن في عصره المشهود
أقيمت تلك الحفلة الباهرة لتكريم الأستاذ الكبير الأب انستاس ماري الكرملي في دار صاحب الفخامة عبد المحسن بك آل سعدون لقضاء الأب الفاضل عمره حتى شيخوخته الحاضرة في خدمة لغة الضاد الشريفة ذلك العمر الذي أتى فيه بالكتابات العديدة والمباحث الكثيرة ما قدره علماؤنا وكتابنا وشعراؤنا من عراقيين وسوريين ومصريين وفلسطينيين وغيرهم وفي طليعتهم المجمع العلمي العربي بدمشق الشام وهنئوه ببلوغه هذا اليوم وقد بجاه مع تهانئ حارة كبار من المستشرقين من مختلفي الشعوب الغربية. وقد اجتمعت في هذه الحفلة كلمة هؤلاء الأفاضل جميعهم على تقدير خدماته الجلى لما وقفوا عليه فضلا عما لدى الأب من الآثار غير المنشورة.
فليهنأ الأب وليعيش طويلا للمثابرة على أعماله المقدرة!
وأني لأستأذن كلا من فخامة ألبك وفضيلة الأب في أن أذهب بهما وبالقراء الكرام إلى حادث تاريخي:
لا بد وأن الفكر سائد إنه لم يسبق قبل اليوم أن سعدونياً كرم كرملياً - ولو على غير هذا الوجه - لأتساع الفراغ الفاصل بين الفريقين، فيظن إذ ذاك أن ما أبرزه هذا الاحتفاء لهو مما أولده القرن العشرون لكنا إذا تصفحنا التاريخ رأينا هناك تكريم شيخ من بيت فخامته - يوم كان يدعى بيته شبيبيا قبل أن يكون سعدونيا - لأحد الكرمليين من الجدود المعنويين للمحتفى به. فكأن(7/79)
التاريخ أراد بهذا الاحتفاء أن يجدد على الستارة صورة صلة بات عهدها نسيا منسيا خالعا عليها ثوبا قشيبا جديدا تميس فيه تيها ودلالا. وقد تجلى في تلك الحفلة في فخامة ابن سعدون الشبيبي ما ورثه من آبائه الأماجد من مكارم الأخلاق مزدانة بحبه لترقية العلوم ولا سيما تنشيطه للأب - وضمنا تشجيعه لحملة الأقلام كافة - على موالاة خدمة لغتنا الجليلة.
كان مبدأ إقامة الأباء الكرمليين في بغداد في سنة 1721 أما الصرة فقد دخلوها للإقامة فيها منذ سنة 1623 وقد وجد السر هرمن كولنز سجلاً لمبعثهم في البصرة دون فيه أحد رؤسائهم ما لقيه من أخبارهم منذ سنة دخولهم حتى زمانه الذي كان في سنة 1674 وشرع يضم إلى تلك الأنباء ما كان يحدث في أيامه في البصرة وتبع تلك الخطة الذين خلفوه. وهذه النسخة التي هي اليوم عند السر المذكور تنتهي بأخبار سنة 1733 وهي الأم بنفسها
المختلفة الخطوط ولغتها هي اللاتينية إلاّ صحائف قليلة في لغات إفرنجية أخرى مع نصوص عربية وتركية. وقد بعث السر بالطبع هذا السجل من مدفنه مع ترجمته إياه إلى الإنكليزية ووشاه بصورة شمسية لما يحويه من النصوص العربية والتركية.
ومما يرويه لنا هذا السجل الوحيد النسخة استيلاء شيخ المنتفق مغامس المانع على البصرة في سنة 1705 (1117هـ) وكانت يوم ذاك سفن هولندية راسية فيها في شط العرب. وإني لأقصر كلامي في هذا المقام على نقل ما جرى للأب حنا (يوحنا) مع الشيخ مغامس معربا كلامه عن الإنكليزية ومورداً النص العربي بحروفه (302: 3 من الأصل):
تعريب فقرات الكتاب ونص البراءة
(. . . في اليوم السابع من هذا الشهر (تشرين الثاني 1705) حضرنا إمامه (إمام الأمير مغامس) فرحب بنا وبعد أن هنأه الربان الهولندي التمس منه أن يعطيه عقد اتفاق بين الهولنديين والعرب. فكرم عليه مجيبا طلبه بكل(7/80)
ما يرغب فيه وبعد ذلك أوضح له الهولندي مطلبهم بمذكرة الهولنديين تتعلق بشؤون الشركة فانتهزت هذه الفرصة بتقدمي إليه مذكرة في أمر حماية كنيستنا ودارنا.
وفي 9 من الشهر الجاري قدمنا مذكرتينا بواسطة عبد اللطيف إلى الأمير مغامس فدفعهما حالا إلى قاضيه الشيخ سلمان ليصدقهما تصديقا شرعيا.
وفي 12 منه أرسل الأمير مغامس بالبراءتين إحداهما إلى الهولندي في الاتفاق وثانيهما إلي في مادة الحماية الواردة في ما يلي:
(الحماية التالية هي بالتركية)
محل الختم توكلت على الله
تعلمون به الواقفون على كتابنا هذا من كافت خدامنا وعمالنا وطباطنا (ضباطنا) بانا أعطينا حامل الورقة النادري حنا على موجب ما بيده من فرمانات أولياء الدولة القاهرة ومن أوامر الوزير العظام والأمراء الكرام. وله منا فوق (ذلك) زيادة الحشمة والرعاية وقد أسقطنا عن خدامه وترجمانه الجزية والخراج وكتبنا له هذا الكتاب سنداً بيده يتمسك به الذي (لدى) الحاجة إليه. وعلى كتابنا هذا غاية الاعتماد والله تعالى شأنه ولي العباد وبه كفا. حرر في ثاني وعشرين من شهر رجب الفرد سنة سبعت عشر وماية وألف. سنة 1117.
الفقير مغامس المانع
حصلت على براءة الحماية ونلتها بدون أي مصروف وستفيدنا دائما فوائد جمة وسينتفع بها بيتنا في أحوال مماثلة. . .) اهـ
وهكذا تمر الأيام والتاريخ يسجل.
يعقوب نعوم سركيس(7/81)
أقوال الصحف
كانت الغاية من هذا اليوبيل إقامة الذكرى للسنة الخمسين من ابتداء تدريسنا للغة العربية وكان ذلك في 16 أيلول من سنة 1878 إذ بدأنا ندرس العربية دروسا خصوصية لعدة أناس منهم الأب دميانس الكرملي الحني والسنيور زانغيتا الإيطالي وأربع أوانس: سوسان بنة يوسف رحماني، وتوزة سكمن، ورجينة حبيب شيخا، وأميلية عبد الله مالكم.
هذا الأمر لا فضل فيه ولا فخر، إذ من الواجب على كل إنسان أن يجبب لغته لقومه ولغير قومه، إلا أن بعض الأصدقاء - ولا سيما واحد منهم أراد أن يبقى في ظل الخفاء - أحلب أن يشجع الغير على حب العربية وتحبيبها للغير، أخذ على نفسه إقامة ذكرى صدع (أي بين العظيمة والصغيرة). فاستحسنها الأوداء وأستقبحها نفر ومن ثم نشأت أقوال تناسب تلك الآراء. فقد ذكرنا أقوال المحبين، والآن نذكر آراء المحبين والكارهين معا من أصحاب الصحف والمجلات. ونحن لا نتبع في تقديم بعضها على بعض سوى ما يقع منها في أيدينا وقد جاء في بعض الصحف مدح وقدح في جزء واحد أو عدد واحد. فنذكر كل ذلك على علاته. فدونك ما ورد في (النشء الجديد) وهي مجلة كانت تصدر في البصرة واليوم تصدر في بغداد (273: 2) وهذا نصه:
يوبيل العلامة الكرملي واجب الحفاوة الكبرى به
أعلنت لجنة الاحتفال بيوبيل فضيلة العلامة اللغوي الشهير الأب أنستاس ماري الكرملي أنها ستقيم هذا الاحتفال في بغداد يوم 16 أيلول القادم، وهذا يوافق ذكرى مرور 50 سنة على بدئه بتدريس العربية في مدرسة القديس يوسف في بغداد سنة 1878، وهو ما يزال يدرس فيها حتى الآن. ويقابل هذا التاريخ كذلك انقضاء ما يناهز نصف قرن على خدمته الخالصة للغة الضاد سواء بالقول أو اللسان تحبيرا وتدريسا لتلامذته العديدين ومريديه الكثيرين المنتشرين في العالم العربي، دع عنك العلماء المستعربين في أوربا وأمريكا الذين يراسلونه(7/82)
بانتظام للاسترشاد بآرائه الصائبة ومباحثه السديدة، وهي ثقة عالية تفرد بها العلامة الكرملي بين أئمة اللغة العربية المعاصرين، ولا تستكثر على عالم جليل مثله متبحر في فقه لغات جمة ما بين شرقية وغربية. إلى جانب تبحره الفذ في علوم العربية.
وقد أطلعنا على النداء البليغ الذي وجهه إلى الأدباء عامة الأستاذ الشاعر الفيلسوف الكبير
جميل صدقي الزهاوي رئيس لجنة الاحتفال، ولحظنا أن هذه اللجنة قريبة التأليف، ولكن كان بودنا تأجيل الاحتفال حتى مستهل السنة الميلادية الآتية ليوافق هذا أيضاً مستهل المجلد السابع (للغة العرب) فتكون المناسبة أتم. وتتاح بهذا التأجيل فرصة لاشتراك أدباء العربية في جميع الأقطار اشتراكاً محسوساً لأن علم الكرملي أو فضله ليس مما تحصره بغداد حتى ولا العراق بأسره.
وقد اغتبطنا لإسناد رئاسة لجنة الاحتفال إلى العلامة الزهاوي فهو قرين صديقه الأب الكرملي في الفضل وذيوع الصيت، كما أنه قرينه في كثرة الحساد له والمتحاملين عليه من أطفال الرجال والمغرورين المفتونين بالشهرة والعظمة على حساب غيرهم!. . .
وبديهي أن العلامة الكرملي في غنى كلي عن مظاهر هذه الحفاوة، فهو شيخ وقور متواضع دمث الأخلاق لم يعرف عنه في حياته المباركة أنه حفل مرة بالدعاية لمجهوده القيم. وكم من مرة وافى (المقتطف) وغيره من كبريات المجلات بمباحث لغوية وأدبية شائقة مكتفيا بتذييلها بإمضاء مستعار مثل (فهر الجابري) و (كلدة) ونحو ذلك، بينما جمهور الأدباء كان يكبرها إكبارا غير عالم بشخصية كاتبها الجليل المستتر تواضعا وتفانيا في خدمة العلم والأدب فلا فائدة إذن لمثل الكرملي من احتفال هو في غنى عنه، فمنزلته أسمى مرارا من أي احتفال، وإن لم ننكر أن لمثل هذا الاحتفال فائدة أدبية جليلة تعود على سمعة القطر العراقي. ولكن الفائدة تتحقق أيضاً لفضيلة المحتفل به إذا هي وجهت بالذات نحو أعماله القيمة، فتقدم المساعدات المالية إلى مجلته اللغوية الفريدة التي سدت فراغا عظيما في خدمة فقه اللغة وآدابها، ويعاون فضيلة الأب على نشر(7/83)
مؤلفاته الخطية النفيسة التي يستفيد منها زائروه ومكاتبوه دون أن يستطيع هو نشرها لأنه ليس من رجال المال والدنيا، بل مثله يعيش في تقشف وزهد عيشه العالم المخلص الذي يضحي بكل نفيس حباً في العلم؛ ولذلك نلح على لجنة الاحتفال أن لا تغفل هذه المسألة الهامة من برنامجها برا يجهد هذا الرجل العظيم.
ولسنا في مقام سرد لسيرة فضيلة الأب وأن تكن مشهورة مأثورة، وقد ألمت بها مجلة (الحرية) في عدد آذار سنة 1924م. كما نوهت بها غيرها من المجلات العربية. فحسبنا أن نقول هنا أن الكرملي في آثاره اللغوية الإصلاحية يقابل الإمامين جمال الدين الأفغاني
ومحمد عبده المصري في إصلاحاتهما الاجتماعية والفكرية في العالم العربي، كما يقابل العلامة الزهاوي في نهضته التجديدية للشعر العربي. وللكرملي تلاميذ عديدون بين كبار الأدباء، وأصدقاء كثيرون ينتفعون بعلمه وإرشاده، وقد نالت مجلته اللغوية (لغة العرب) أضعاف ما نالته في وقتها مجلة (الضياء) التي كان يصدرها المغفور له الشيخ إبراهيم اليازجي وإطلاع الأب الكرملي غير محصور، كما أن إنتاجه نشرا وخطا وافر عظيم، هذا إلى جانب مجالسه الأدبية المشهورة التي يؤمها صفوة أدباء العاصمة العراقية وأسلوبه في النقد اللغوي أسلوب علمي محكم منقطع النظير، وأين لنا سواه المتضلع من بعض ما يعرفه من لغات وعلوم يطبقها تطبيقا سديدا شائقا في أبحاثه الفريدة؟ وحسبنا أن نشير إلى مساجلته اللغوية مع الأستاذ جبر ضومط، وإلى نقده البديع لمعجم (البستان) و (للأغاني)، وتصحيحه أغلاط المعاجم المشهورة، ناهيك بمؤلفاته الجمة التي يقتبس منها قاصدوه؛ وهي حبيسة ترتقب الناشر الأديب المقتدر، ناهيك بمباحثه اللغوية الموفقة التي كثيراً ما نقلت إلى اللغات الأوربية وتهافت عليها العلماء المستعربون ومحبو التمحيص والتدقيق اللغوي.
فالاحتفال بيوبيل الكرملي جدير بأن يكون منقطع النظير تقديراً لمنزلته ومراعاة لهذه المناقب والمآثر على الأخص:
1 - تضحياته الجمة هذا العمر الطويل بالصحة والمال والجهد وبمصلحته الشخصية في سبيل اللغة العدنانية الشريفة رفعا لمكانتها، وصيانة لفرائدها، ودفعا لما يشوه جمالها، وتنقيبا عن حسناتها المستورة.(7/84)
2 - إنشاؤه (لغة العرب) ومثابرته على إذاعتها سادا بها فراغا لغويا كبيرا، مما يشرف أدباء العرب عامة وأدباء العراق خاصة، والحاجة الحاضرة إلى التعاون على إظهار مخطوطاته النفيسة الكثيرة المودعة في خزانة كتبه.
3 - تفانيه العلمي الذي لا يعرف حياء ولا مواربة في الحق حتى مع أقرب الأصدقاء إليه. مما أدى إلى خلق خصوم كثيرين له بين صغار الأحلام وعباد التصفيق لهم والطنطنة بأسمائهم كما اكسبه احترام العلماء الأجلاء الذين يقدرون هذا الروح النزيه النادر.
4 - تواليفه الجليلة القيمة، وبينها معجمه الكبير، وتصحيحاته اللغوية وابتداعه الموفق لكلمات كثيرة مستحدثة ذائعة تعد بالمئات، ومباحثه المدهشة في أصول الكلمات العربية -
تلك المباحث التي لا نعرف أحدا جاراه فيها لا قديما ولا حديثا، ولا عجب في ذلك وأمامنا اللغوي يتقن أشهر اللغات الحية، فضلاً عن معرفته بالأرمية والعبرية والحبشية والفارسية والتركية والصابئية، وهذه مقدرة فائقة تدل على حافظة نادرة وعلى عبقرية فذة مجبولة على حب الإتقان والولوع بالكمال،
5 - خدمته التعليمية الطويلة باللسان والقلم في حاضرة العراق، وبالمراسلة إلى أقطار العالم العربي طول عمره الثمين.
6 - الشعور بضرورة مقابلة تقدير مجامع العلم الأوربية إياه بتقدير خليق بمنزلته من أبناء العربية قولا وعملا.
ويحول فراغ (النشء الجديد) دون الاسترسال في التنويه بمنزلة هذا المصلح الكبير الذي يعد بحق إمام أئمة العربية في هذا العصر. فحسبنا هذا التذكير الوجيز لكل من يحترم اللغة القومية والعلم الصراح والفضل الممتاز فيكرم - باشتراكه في تحقيق هذا الواجب - لغته ووطنه ونفسه، وينصف جهد هذا الإمام العلامة الجليل الذي يمثل أرقى ما بلغته ثقافتنا اللغوية!. . .
الإسكندرية: المسجل(7/85)
حول يوبيل الكرملي
حقا ما يقول الأستاذ (الزهاوي) أن الغرب قد سبق الشرق وأن الشرق قد أنتبه وسار يحاول اللحاق بالغرب - وهي نبوءة لا بأس بها تقوي الأمل بهذه الحياة وتدعو إلى التفاؤل بالمستقبل وما يضمه بين دفتيه من آمال رهن التحقيق لو صحت هذه الأحلام! وتقدير الرجال العظماء هو نهج الحق الواضح وهو رمز الانبعاث الذي جاء يبشر به الأستاذ؛ ولكن حق لنا أن نتساءل متى كان الكرملي من هؤلاء الرجال الذين يستحقون الإجلال والإكبار؟؟؟؟
عرفت الكرملي عالماً باللغة العربية ضليعا بأصولها مطلعا على غريبها ولكن في مكتبته فقط (كالإبل تحمل أسفارا) وبين كتبها المكدسة؛ أما في خارج جدرانها الأربع (كذا) فلا يعلم من شؤونها إلا ما أعلمه أنا من اللغة الهيروغليفية حرام علينا أن نستهتر بالأدب إلى هذا الحد المشين (كذا) فلقد ابتذلت الألقاب حتى جعلناها على من لا ناقة لهم في الأدب ولا
لهم جمل فيه! وما كفانا ما حبوناه للنظام من ألقاب الإعظام حيث أصبح خير ما يقدم به الشاعر الحق في الحفلات والصحف اسمه فقط لأن (الشاعر العبقري) و (الأستاذ الكبير) و (فيلسوف الشعراء) و (شاعر الفلاسفة) أصبحت تخلع على من أصبحوا كلا على الأدب وذويه!!
ما كفانا هذا الإسفاف حتى جئنا إلى أجل مقدسات الشعوب الناهضة ذلك هو حفلات للتكريم (اليوبيل) نقيمها لأناس لم يتذوقوا الأدب فضلا عن أن يخدموه ويحسنوا إليه.!. .
مناورات تقيمها فئة راغبة في الشهرة الكاذبة على حساب الأدب المحتضر الذي أصبح يتبرأ منهم إلى الله لما ألحقوا به من الإهانة،!
هذه كتبهم قلب صفحاتها المتناثرة ما تجد فيها إلا ما تأباه النفس ويعافه الذوق السليم!!
متى كان الكرملي أديبا ومتى كان عالما؟ أفي كتابه (تاريخ العلاق) وهو كتاب ملؤه اللحن والركة والخطأ التاريخي الفاضح؛ ناهيك عما فيه من سموم استعمارية ملاها كتابه الذي لم يصدر إلا لظروف خاصة وخدمة لجهة معينة؟؟(7/86)
أم لمجلته (لغة العرب) وهي لا تحمل من (العرب) و (العربية) إلا أسمها فقط. . . حيث تسترجع الكلمات العربية القحة إلى أصول لاتينية وتيوتونية (كذا) وإن كان في تلك الكلمات ما لهجت بذكره العرب في جاهليتها وردد صداه شعراء صدر الإسلام ومؤلفوه.
أم لأنه عضو في المجمع العلمي العربي بدمشق وتلك ليست الغلطة الأولى من نوعها لهذا المجمع الذي سبق أن ضم إلى عضويته كاظم الدجيلي ومن لف لفه ممن حشروا (كذا) بظروف (كذا) لا تخفى على كل لبيب؟
لا أخال الزهاوي نفسه يستطيع أن يدلني على مصادر علم من جاء يطلب إليه التكريم غير هذه الثلاث (كذا) فإذا كان يجد فيها ما يستحق أن تقام له الحفلات وأن تحبوه من الإجلال ما ناله صروف وشوقي؛ فذلك يعني أن العلم والأدب فقيدان في العراق؛ وأنا لا ندري من شؤونهما إلا بقدر ما تعلمه هذه الفئة المهوسة!!. . . (ل. ع: صدقت لا فض فوك!)
وتلك سبة لا نرتضيها للعراق الناهض وذلك عابى (كذا) أن تلصقه الشخصيات النازعة إلى الظهور على حساب الأدب الذي وقفنا أنفسنا لنصرته والذود عنه وأنا له لحافظون!!
البصرة: فائق السامرائي
كلمة تعليق (حول اليوبيل (المرحوم) للأب الكرملي) (عنها)
نشرنا في غير هذا المكان. مقالين متناقضين موضوعهما واحد، هو الأب أنستاس ماري الكرملي أولا، وإشاعة الاحتفال بيوبيله (الخمسة والثلاثين) (كذا) ثانيا. .
وغايتنا من هذين المقالين، أن نقف (كذا) القراء على مبلغ ما يؤدي بصاحبه التطرف والشذوذ. . (فالمسجل) قد أغرق في مدح الكرملي والإشادة بذكره، حتى أصبح مدحه في نظرنا ذما، وثناؤه إسرافا وشططا وخروجا على حدود الحقيقة والواقع!. .(7/87)
وتطرف صاحب المقال الثاني فجرد الكرملي من صفات العلم وميزات الإطلاع على فقه اللغة وقواعدها. وذلك ما لا يؤيده فيه أحد، مهما بلغت خصومته للكرملي من الشدة والعنف.
فالأب الكرملي في نظرنا من الرجال المعدودين الذين تجب حرمتهم ومراعاة جانبهم في كل من أفراد هذا البلد. ولكن هل هو بالمنزلة التي تؤهله ليوبيل لا ندري هل هو فضي أو ذهبي أو نحاسي أو شيء من هذا القبيل؟!
ذلك ما نتردد في الإجابة عنه، ولقد كفانا الأستاذ الزهاوي شر القتال، فأعلن تأجيل اليوبيل إلى أجل غير مسمى، وربما كان شاعرنا رئيس اللجنة ينتظر اليوم الذي يخلو الجو فيه من خصومه وخصوم الكرملي، وذلك يوم نراه بعيدا جدا، اللهم إلا إذا كتب على هذه البلاد أن تجتاز مستقبلا هزله جد وجده هزل والعياذ بالله. . .!
المحرر
يوبيل الكرملي
أحجية من يفسرها للعراق؟
(لغة العرب) قيل لنا إن صاحب هذا المقال التالي نقله هو للشيخ محمد باقر الشبيبي فلا نستبعد هذا الشيء لأنه من عداد الذين أحسنا إليهم وقد قيل: (اتق شر من أحسنت إليه) لكننا مع ذلك لا نجزم بنسبه إلى الشيخ المذكور والمقال جاء في جريدة الاستقلال البغدادية في العدد (1328) الصادر في 15 ت1 (أكتوبر) 1928.
وقف عليه الكاتب الضليع مصطفى أفندي جواد فبدأ له بعض ملاحظات في أثناء مطالعته
له، ونحن نذيلها في الحواشي ليطلع عليها أدباؤنا ويحكموا على علم الشيخ ومنزلته من كفايته لنقد الغير. وهذا نص المقال:
(في العراق حركة فكرية مباركة ونهضة علمية ميمونة وفي هذه البلاد نزوع شريف للأدب الغض وتطلع عجيب للحياة العصرية واستعداد قوي للإقتداء بالأمم الراقية واقتباس أساليب المدنية في القرن العشرين والاتصال بأساليب التطور الاجتماعي والانقلاب الأدبي مما لم يسبق له مثيل اللهم إلا في(7/88)
عهد الحضارة العربية وفي غضون دولة العرب في (مطلع الشمس).
فحق أن نكبر هذه النزعة وأن نشجع فينا هذا النحو من مناحي الحياة الجديدة وأن نقوي الروح الأدبي ونعضده ونتعهد هذا الشعور المبارك بالنمو.
ومن بواعث السرور أن الاتجاه لم يكن إلى ناحية واحدة من نواحي النهضة بل إلى كل نواحيها وذلك دليل على أن الثقافة العربية في اطراد وأن هذه الأمة حية لن تموت.
وإذا كان حقاً علينا تأييد هذه المظاهر والتنويه بما تحدثه من الآثار الطيبة والنتائج البليغة فحق علينا أن نسترشد بالعقل ونستفيد من الحكمة وأن لا نهرول في مواقف تستدعي تثبيت الخطى واجتناب الزلل والعثار فحاجتنا إلى أن نكون موزونين في الحياة أمس من حاجتنا إلى مظاهر هذه الحياة.
فكر الأستاذ الزهاوي في تكريم الكرملي والزهاوي شيخ قليل التجربة كثير الاستعجال كبير الدعوة والخيلاء فإذا رأى رأيا أو سيق إليه فلا يستشير أحداً وليس لأحد - أيا كان - أن ينصحه أو يناقشه على خطل ذلك الرأي وإذا انقدح في ذهنه أمر فقولوا له هذا الوحي إلا فأنتم أغرار وأنتم لا تعلمون.
ويكفي الشيخ الزهاوي من كل هذه الفلسفة!! أن يلقى قصيدة أو مقطوعة على شرط أن تستعاد أبياتها وتقاطع بالتصفيق ولكنه لا يكفيه إلا أن يذكر اسمه مقرونا بأفخم الأوصاف وأضخم النعوت. ففيلسوف العرب وشاعر العراق الكبير ورسول الحرية الفكرية والتجدد، أوصاف لا تسد حاجة هذا الشيخ.
هي فلتة من الأستاذ، وما دفعه إلى هذه الفلتة وما عرضه إلى هذه(7/89)
الهفوة إلا حب الشهرة وأن جاءت من طريق إهانة العرب والعراق، والشهرة داء الزهاوي العياء.
ويمتاز هذا الشيخ الجليل بتفننه في البحث عن مواطن الشهرة فهو أستاذ في اصطياد الانباز (كذا) والألقاب وخبير بمعرفة استغلال النوادي والحفلات وقد برز على كثير من عبيد الفخفخة وعباد الظهور.
يكرمون الكرملي والكرملي أداة خلقها التنطع (كذا) وسهم فوقه التبشير وسيف صدئ جرده الاستشراق على رؤوس العرب الشرقيين والاستشراق سبيل من سبل المستعمرين (كذا) وعين من عيون الطامعين (لله درك!).
يكرمون الكرملي وأي شيء في الكرملي يستحق التكريم؟ الكرملي - وأنا من أعرف الناس به - فهرست لأسماء الكتب اللغوية وهيكل منقوش على صدره كل غريب غير مألوف وكل ما لا يستعمل من الألفاظ المعقدة المهجورة وكل حوشي من الكلام الجاف والمفردات المستنفرة،، أمن أجل هذا يستحق التكبير؟
عفى الله عن الأستاذ الزهاوي وسامح الله شركاءه في الاحتفال به وتكريم العلم والأدب بشخصه كما يقولون. ولا أدري أي درب يريدون وأي علم يعنون؟
لقد وصفوه بأنه علامة العرب وأنه المثل الأعلى تجمعت فيه مواهب العلماء وأخلاق الأدباء ومادة المؤلفين العظام، ووصفوه بأنه أكبر من خدم لغة التنزيل وأعظم من كتب في تاريخ هذه اللغة وإحياء آدابها (ل. ع: أين وجدت كل ذلك؟) فتجاوزوا في الغلو والإغراق فما كان انستاس ذلك الرجل وليس لأنستاس فضل على اللغة أكثر من فضل غيره من دارسي المفردات.
أما أنه من المتبحرين في تاريخ اللغة - فإذا صح ذلك - فما هو بالأول الذي تناول هذا الطرف من أطراف تاريخ اللغة وما كان من المجودين(7/90)
في هذا الفرع ولا من المبرزين في التتبع والاستقراء وتفلية المعاجم والموسوعات وهذه أبحاثه في (لغة العرب) تشهد المتخصصين بأن الرجل قد استهدف للغلط والاضطراب مضافاً إلى أن مهمته - التي أستحق عليها التكريم - كانت ولا تزال محصورة في قلب الحقايق (كذا) وتشويه لغة العرب الكريمة وتغلط الأئمة والحجج الذين يعول على اختصاصهم في معرفة الأصول والمصادر، وقد حاول جهد الطاقة أن ينكر استقلال لغتنا التي شهدت كل العصور بأنها حية مستقلة لم يضطرب لها وضع ولا كيان. (ل. ع: لماذا لا تؤيد كلامك بالبرهان؟)
وإذا استقرينا أكثر أبحاثه التي تلقنها الأعاجم وأعتد بها علماء المشرقيات فلا نكاد نجد فيها أكثر من إرجاعه اللغة العربية إلى أصول يونانية مما يستوجب الضحك ومما لا يقره على رأيه الفطير أحد حتى من الأجانب الذين تفرغ لخدمتهم وتطوع لتزويدهم بما يهتمون به ويطمئنون (كذا).
فالعراق لا يعرف في الكرملي شيئا غير بلاده الإنشاء وسقم العبارة والتكلف في النحت والاشتقاق واستعمال ما لا يصح استعماله من الألفاظ والمفردات وقد وقف نفسه لفائدة المستشرقين وإرشادهم وحبر عدة مقالات في المقتطف والهلال و (المشرق اليسوعية) كلها غرائب وأوهام (كذا) ولا أبالغ إذا قلت إن مهمته كانت ولم تزل سياسية أكثر منها علمية ولغوية (كذا).
ولماذا نذهب إلى تلك المجلات فهذه مجلة (الآباء الكرمليين) وحدها أكبر دليل على صحة مذهبنا فيه وما يعمله من درس المباحث والعناوين وحسبنا أن(7/91)
نكتفي بالتلميح إلى هذه الأمور تاركين التوسع إلى فرصة أخرى.
وأما أنه خدم الأدب العربي فأني لا أعرف أحداً يستطيع أن يخدم الأدب وأستحق عليه التكريم. إلا الأديب المتبحر لمعرفة أسراره وتحليل مزاج الأمة العربية وبحث ادواها (كذا) وفحص روحياتها. والكرملي وأن حذق بعض الألفاظ ووعى بعض التراكيب فأنه غريب عن فهم معاني الأدب وهو فقير إلى طرق التفكير في مناحي الأدباء ومعرفة مذاهبهم وأغراضهم وتتبع أحوالهم وخصائهم (كذا).
وما ظلم الأدب قديمه وجديده إلا الشيخ الزهاوي (كذا) وحملة رباعيته ودعاة قريضه المفلوج فقد اسمعونا أنهم يكرمون الأدب في العلامة الكرملي!! وما كنت أعلم أن الأدب خلع مذخرة في حقائب الفيلسوف! يكسوها للعراة الحفاة متى شاء وما كنت أظن أن الزهاوي الذي يستقل لنفسه لقب الأديب ويأنف أن يشاركه فيه غيره - وإن كان من أعظم الأركان والأساطين - يندفع للتهكم على الأدب فيصف به الكرملي، ويسخر على الأدباء فيخلع على صديقه في حفلة اليوبيل شعارهم وشعارهم لا يخلع على الجامدين، ولا نعلم لماذا يسف الفيلسوف إلى هذه المقاصد وما هي الغاية من هذا المهرجان؟
لقد خاب الأمل بالزهاوي فيا ضيعة الرجاء وعقيدتي وهي عقيدة جمهرة الأدباء (كذا) أن
الزهاوي الذي أقدم على تلفيق حفلة اليوبيل متوسلاً في ذلك بألف وسيلة وألف شفيع قد سجل له في أخريات حياته مثلبة ليس لها نظير بين المثالب المحفوظة في التاريخ وكنت حريصاً أن لا تمس شيخوخته المتوجة بالظرف وأن لا يكون أحدوثة غير حسنة للأجيال المقبلة.(7/92)
حقا أن الحفلة كانت موقرة ولكن من هو المحتفل به؟ ومن هي تلك اللجنة التي اقترحت هذا التكريم؟ وإذا استنكرنا هذه الحفلة فإنما نستنكر المبالغة والفضول واصطناع المجاملة، وإذا قرعنا أحد فلا نقرع غير الزهاوي المخدوع.
فالحفلة تاريخية والتاريخ سيحفظها كما حفظ غيرها، ولكنها لم تكن للعراق والعراق برئ من هذه الأخلاق الضعيفة والشعور الركيك وكنا نريد أن يقدم هؤلاء وعلى رأسهم فيلسوف العرب!! على تكريم العلم والأدب في غير الأب الكرملي وفي آباء عراقيين وأبناء وطنيين لهم أثر في خدمة العرب والعراق ولو كان الأب الكرملي متحليا بتلك الفضيلة لما أنكرنا تكريمه على أيدي هؤلاء وأيدي غيرهم فهل خلت هذه البلاد من أشخاص يستحقون التكريم؟
أما وقد تم للزهاوي ما دبرته الدسائس وما خبأته الحيل والمكايد فأنه لا يبالي بالتأنيب والتبكيت ولا يهتم بغضب الأدب الموتور. وماذا يضره من ذلك؟ ولماذا يهتم بسخط الفضيلة؟ وقد ألقى قصيدته وهي كل ما أعده منذ أمد بعيد - مسلما فيها على المستشرقين محبباً عطفهم على سلائل العرب؟ مشجعا صديقه الكرملي على المضي في سبيل الدعوة وطرق التبشير إلى غير ذلك مما يقتضيه الإيمان بالوطن والشعور بالواجب والقيام بما تفرضه كرامة العلم والعلماء، ويعجبك من الأستاذ أن يطري نفسه ويمدح شعره ويذكر جهاده وجهوده وحريته(7/93)
وتجديده.
ومما يغضب العرب ويقض مضاجع العلماء والأدباء والشعراء وقوف سكرتير لجنة اليوبيل يعدد مزايا الكرملي ويذكر فضله العظيم على لغة الفرقان والانكى من ذلك أن يقابل بين الزهاوي والكرملي وبين الشريف الرضي وأبي إسحاق الصابئ غير مدرك ما في هذه المقارنة من الشذوذ والخروج على الأدب الصحيح، فهل كان الزهاوي مشبها شاعر قريش؟ وأية نسبة بينه وبين نقيب الطالبيين الذي أجمع الأكثرون على أنه أشعر قريش
وحسبكم علو كعبه في الشعر والأدب ويكفيكم أنه ما ضم شاعر بين جنبيه نفسا مثل ما ضم الرضي الذي قصر أكابر الشعراء عن اللحاق به وإدراك شأوه ومجاراته في شاعريته العظيمة، أما غيره فأنه ذرة في الهباء وفقاعة على وجه الماء.
ويضحكني أنه حاول التشبيه بين شيخ الكتاب والمترسلين أبي إسحاق وبين الأب الكرملي على بعد ما بينهما من أوجه الشبه والتقريب، فما رأيت ولن يرى الناس محاولة أسخف من هذه المحاولة وتخرصا أقبح من هذا التخرص، وهذا دليل آخر على نقص في التربية والغذاء (كذا) في الأخلاق وجهل بضروب المقايسة والتمثيل، ونحن لا ندري كيف يتحقق الشبه بين الصابئ والكرملي(7/94)
فهل كانا متشابهين في الخلق والطباع في العلم والأدب، فهل كان الكرملي يحفظ القرآن ويقتبس من آيه كما كان أبو اسحق، وهل صام رمضان مع المسلمين كما صامه أبو إسحاق متأدبا بالآداب الإسلامية متحلياً بأخلاق علماء العربية إلى غير ذلك من الخلال الطيبة والصفات الحميدة أو ليس ظلما أن يقال إن أنستاس كالصابي جد أبي الحسن هلال صاحب التاريخ.
لنترك ناحية الأخلاق والطباع فلا ينقص الكرملي إنه لم يقتد بالصابي وإن كان قدوة حسنة، ولنأتي (كذا) إلى الناحية الثانية من نواحي القياس، فقد ترك أبو اسحق طائفة من الكتب النافعة لم يترك مثلها أحد وحسبنا أن نأخذ من كتب كل منهما مثالين دلالة على أثر الفضل ومبلغ الثقافة والعلم في كل منهما. لقد ذكروا للكرملي ثلاثين مؤلفا في اللغة والأدب والتاريخ واللاهوت أشهرها كتاب الفوز بالمراد في تاريخ بغداد وكتاب تاريخ العراق، أما الأول فهو رسالة صغيرة جمعها من هنا وهناك (كذا) كما تجمع الأخبار النافية (كذا) والقصص الباهتة (كذا)، ولو وقع هذا التاريخ المنقوص بين يدي غريب من غرباء الأقطار النائية والأمصار البعيدة لم يعرف منزلة بغداد التاريخية في العصور الذهبية لما ظن عاصمة الخلافة وقاعدة الحضارة والثقافة إلا قرية محقرة من قرى العراق، ولو توفر لأحد صغار الطلاب(7/95)
ما توفر له من المأخذ (كذا) والمصادر والوثائق والمستندات لاستطلاع أن يخرج للناس كتابا شيقاً في تاريخ هذه الحاضرة الإسلامية ومؤلفاً ممتعاً مما لا يستطيع المحتفل به أن يؤلف مثله ولو انفق مثل سنين اليوبيل!!
ومع كل هذه الحقايق (كذا) يقف (بطي) مكشوف الرأس يسمي آثار الكرملي واحدا بعد
واحد ويعد هذه الرسالة من آثاره الخالدة (كذا. ومتى قال ذلك؟).
وأما كتابه الآخر وهو تاريخ العراق فحدث عن الخبط والخلط والحشو والفضول وإذا أرتم أن تعرفوا قيمة هذا الكتاب فاذكروا أن مؤلفه الكرملي واذكروا أن السلطة العسكرية المحتلة هي التي كانت كلفت صاحب اليوبيل كتابة هذا التاريخ الجليل واذكروا أن الميجر بومن ناظر المعارف في ذلك العهد القريب هو المقترح على العلامة الكرملي وضع كتاب على هذا الغرار خدمة للعرب والإسلام!! وحرصا على مآثر الخلفاء في هذه الديار!! وهكذا كان الأمر وعلى هذه الصورة نجز هذا السفر الجليل طبق رغبة الدساسين.
هذه هي أهم آثار الكرملي (كذا) وهذه هي التي أهابت بالأستاذ الزهاوي أن يقول في تكريمه:
حفلنا بأستاذ تبحر باللغى ... ولا سيما الفصحى سليلة يعرب
وأن أنستاسا هو السند الذي ... همى علمه للظامئين كصيب
ترهب يرعى العلم خمسين حجة ... فأكرم به من عالم مترهب
إلى آخر الأبيات التي أنشدها في الحفلة بل إلى نهاية القصيدة الركيكة (كذا) التي لا يحضرني وصف اصف به ركاكتها أبلغ من أنها قصيدة الأستاذ الزهاوي (كذا).
وإليك مثالين من أمثلة أبي اسحق الصابي فهما يكفيانك مشقة البحث في آثاره وعناء الوقوف على كل أفكاره فالأول رسائله المعروفة برسائل الصابي، كتبها لما تقلد (ديوان الرسائل) سنة 349 وهي من أمتع الرسائل وأكثرها فائدة(7/96)
وأغزرها مادة لا يستغني عنها أبلغ المنشئين وأحذق الكتاب وهي مقسمة إلى أبواب في المراسلات والشفاعات والمكاتبات وما أنفذ إلى العمال والمتصرفين والنواحي وفيها كثير من الرسائل الودية فضلا عن المخابرات السياسية والتقاليد الرسمية والمناشير ونحوها وفيها من الفوائد التاريخية والاجتماعية ما يحتاج إليها الأدباء والحكام والولاة والرؤساء.
والمثال الثاني (منشئات الصابي) وهي خزانة أدب وتاريخ وسياسة ومن أبلغ ما كتب في ذلك العصر تشتمل على مراسلات كتبها على لسان ولاة الأمر في عصره من ملوك آل بويه والخلفاء وغيرهم وهي كالمخابرات الرسمية في وصف الوقائع الحربية أو غيرها منها رسالة كتبها إلى ركن الدولة سنة 364 شرح فيها فتح بغداد وانهزام الأتراك منها
ووصف الخلاف، ورسالة على لسان عز الدولة إلى عضد الدولة جواب كتاب بفتح جبال (القفص) بين فارس وكرمان، وقهر البلوص (جيل من الأكراد) (كذا. والرجل يدعي الوقوف على التاريخ مع أن البلوص جيل كالأكراد وليسوا منهم) ورسائل أخرى عن حروب بين البويهيين والحمدانيين وغيرهم وكلها تشتمل على حقائق تاريخية رسمية تفسير بعض ما ألتبس في تاريخ ذلك العصر ومنها صورة عهود أو تقليدات رسمية للولاة والعمال والقضاة صادرة من الخليفة كالعهد الذي قلده الطايع (كذا) لله العباسي أبا الحسن علي بن ركن الدولة على الصلات وأعمال الحرب وفيه أمور مهمة عن السياسة والإدارة والاجتماع مما لا أيتيسر الوقوف عليه في كتب التاريخ ونسخة عهد إلى قاضي القضاة وغيرها إلى القواد والفقهاء وأمراء الحج ومنشورات بعثت(7/97)
إلى الأهلين أو العمال أو القرامطة فضلا عن رسائل خصوصية كتبها الصابي إلى أصدقائه.
تلك هي أمثلة الاثنين وذلك هو الكرملي وهذا هو الصابي فأيهما العلامة يا مدير المطبوعات؟ وأيهما خدم العلم والأدب يا فيلسوف العراق؟ وأيهما المثقف والمهذب يا بطي؟ لقد ظلمتم الصابي بهذا القياس وظلمتم هذه البلاد.
وبعد ذلك وقف وزير المعارف توفيق السويدي فتكلف أن يخطب في تكريم الكرملي وما الجأه إلى ذلك - على ما أظن إلا كونه وزير معارف فقط!! فمقالة (كلدة) المنشورة في مجلة الهلال هي التي جعلت وزير معارفنا يشهد بفضل الأب أنستاس وهي شهادة عن الوزير!! أليس كذلك؟
ولا بد لي هنا من الاستفهام عن الأسباب التي قلبت شكل الحفلة وصيرتها نصف رسمية - إن لم تكن رسمية - وصبغتها بصبغة سياسية وإلا فلماذا تقام في دار رئيس الوزراء وبإشراف وزير المعارف؟.
أما السبب الذي نعرفه - وهو غير تلك الأسباب السياسية - فأنه مكشوف فلولا إقامتها في دار فخامة الرئيس لحبطت كل المساعي المبذولة في سبيل هذا التكريم ومع ذلك فقد قوطعت من قبل كثير من الأدباء والمفكرين وقوبلت بالاستهجان وعدت من قبيل التطويح بالأدب والإهانة للأدباء.(7/98)
ومن دواعي الفرح أن كثيرا ممن حضروا الحفلة كانوا متفرجين على هذه الرواية حائرين
في تفسير العوامل التي أهابت بتمثيلها على هذا الشكل ولا يسعني إلا أقول إن حفلة اليوبيل أحجية من يفسرها للعراق؟
ابن زريق (؟ كذا)
يوبيل العلامة الكرملي
(عيد اللغة والأدب)
(عن جريدة وادي النيل في مصر 25 أكتوبر 1928)
يعد الكرملي عن جدارة إمام أئمة العربية في هذا العصر لا لتبحره في علوم اللغة فقط تبحرا منقطع النظير يذكرنا بعهد الإمام الشنقيطي بل لمواهب أخرى فذة. فالرجل راهب متقشف كريم النفس مفروض فيه أنه وهب نفسه للدين ولكن الواقع أنه مفتون فتنة كبرى بعلوم اللغة التي خدمها نصف قرن أجل خدمة وكون بطريقته ونهجه مثلا أعلى لأهل اللغة المحدثين. فهو لم يقصر على استيعاب القديم بل تضلع من لغات شتى غربية وشرقية تضلعا عجيبا. وتذوقها تذوق رجل فنان يستوحي أسرارها. ولهذا السبب تجد فتاويه اللغوية - سواء وافقتها أنت أم خالفتها - دليلاً ناصعاً على تعمقه الكبير في اللغة والأدب بل في لغات وآداب شتى. ومثالا جميلا للأسلوب العلمي النزيه في البحث. وإلى جانب هذا نجد الكرملي ذا شجاعة أدبية نادرة في الشرق العربي على الأخص حيث يؤدي الاستقلال الفكري إلى إيجاد الخصوم الأدعياء ولكن الكرملي لم يكن يبالي بشيء من ذلك في سبيل إعلان ما يعتقده. ويتسع صدره لكل ما يقال أو يكتب(7/99)
ضده من أهل الطوائف والعصبيات الذين يحاربون العلم والنهضة بسلاح الدين أو بسلاح الجمود. وبذلك أكتسب الكرملي احتراماً لطهارة ذمته ورجاحة ذهنه الذي لا يتأثر بشهرة أو صداقة أو قرابة في الحكم على أي عمل أدبي ينقده.
ومن أجل هذا نال الرجل احترام الجامعات والمعاهد اللغوية في الغرب وغبط العالم العربي عليه العلماء المستشرقون. وكان ولا يزال يعد الحجة الكبرى في النقد اللغوي الأدبي - ونقول الأدبي لأن للرجل أسلوباً سهلاً صافياً وذوقاً أدبيا ممتازا بخلاف كثيرين ممن اشتغلوا بعلوم اللغة فتحجر أسلوبهم وأذواقهم معا وأصبحوا عاجزين عن النقد الأدبي
الصحيح فلم يخدموا الأدب السامي ولا الثقافة العصرية بل كانوا عقبة في طريقها.
هذا هو العلامة الجليل الأب أنستاس ماري الكرملي الذي أحتفل بيوبيله في عاصمة العباسيين في السابع من أكتوبر الجاري احتفالا شائقا بمنزل فخامة رئيس الوزراء محسن بك السعدون وبإشراف وزير المعارف العراقية معالي توفيق بك السويدي وبحضور صفوة أهل العلم والبيان في بغداد ونخبة رجال العراق من وزراء وأعيان ونواب وعلماء وأدباء ووجهاء وصحفيين وكان فخامة رئيس الوزراء يرحب بالقادمين. وقد أفتتح الشاعر الفيلسوف الكبير الأستاذ الزهاوي الحفلة بخطبة وجيزة مناسبة وخطب بعده سكرتير لجنة الاحتفال الأديب المعروف الأستاذ أحمد أفندي حامد الصراف مدير المطبوعات خطبة بليغة ثم تلا ما جاء من المستشرقين من عواصم الغرب في تهنئة الأستاذ الكرملي. ومن مصر وسورية وإيران وغيرها من الأقطار الشرقية من برقيات ورسائل وقصائد عربية وفارسية ومن جملتها قصائد الشعراء المصريين الأساتذة أحمد محرم والدكتور أبي شادي ومحمد الأسمر ورسالة الأستاذ الكاتب المجدد أحمد الشايب ثم تلا الأستاذ الزهاوي رسالة المجمع العلمي العربي بدمشق في تهنئة الأب الكرملي وإطرائه - تلاها بالوكالة عن المجمع بصفته عضوا فيه. ثم قام الصحفي الأديب الأستاذ رفائيل أفندي بطي وقرأ ترجمة المحتفل به ترجمة مفصلة أجاد فيها. ثم قام الأستاذ الزهاوي وأنشد قصيدته العامرة. وأثره أرتجل الأستاذ الصحفي القدير إبراهيم أفندي حلمي خطبة بليغة نفيسة. وكانت الحفلة شائقة فريدة في بابها(7/100)
وكان التصفيق عجاجا. وفي الختام خطب الأستاذ الكرملي خطبة وجيزة بليغة دلت على سلامة ذوقه ومراعاته الجميلة لمقتضى الحال فقوبلت بإعجاب وافر.
و (وادي النيل) يكرر تهنئته لفضيلة المحتفل به وللعراق الشقيق شعبا وحكومة بهذا العيد - عيد اللغة والأدب - ويحمد للحكومة العراقية اشتراكها النبيل في هذا الحفل الجليل. ويرجو أن يتبع في التقدير العملي الصحيح بإخراج بقية آثار هذا العالم الكبير إلى عالم المطبوعات لأن مثل الكرملي ملك للعالم العربي بأسره بل للعلم أين كان وقدر لا للعراق وحده.
حفلة تكريم الكرملي
عن مجلة (النديم) المصرية في عددها ال 23 من السنة الأولى
العلامة الأب أنستاس الكرملي من زعماء الأدب العربي في هذا العصر وهو مشهور بأبحاثه اللغوية التي انتشرت في معظم مجلات الشرق والغرب منذ خمسين عاما ولا يزال دؤوبا على أبحاثه ويصدر مجلته لغة العرب الذائعة الصيت من دون كلل ولا ملل ومن غرائب الاتفاق أن العراق ولبنان تبادلا قطبين من أقطاب اللغة في منتصف القرن الماضي فأن الأب لويس شيخو العلامة المشهور هو من سلالة عراقية أما الأب أنستاس الكرملي فهو من سلالة لبنانية وقد شاءت الظروف والمقادير أن يرأس الكرملي نهضة العراق اللغوية، ويقوم شيخو بنصيبه من الخدمة العلمية والأدبية في لبنان! ولكن شتان بين الرجلين فالأول لغوي يغار على لغة القرآن غير صحيحة ولا شائبة فيها ولا مغمزا منقباً على الأسانيد التاريخية ذائدا عن حياضها ومنابعها الصافية؛ أما الأب شيخو فكان يتخذ العلم والأدب وسيلة لبث دعايته الدينية. ولا أدل على الفرق البارز بين الرجلين من أن الأب أنستاس فند أشد تفنيد كتاب شعراء النصرانية وكتب مقالات شائقة أظهر فيها خطأ الأب لويس شيخو ونقد افتئاته على الحقيقة والتاريخ وكان في جملة ما قاله أن العجز عن تنصير الأحياء حدا بالأب شيخو إلى تنصير الأموات وحقا أن رجلاً كهذا حريصاً على اللغة والأدب وحقائق التاريخ لا يمكن أن تجهل بلاده مكانته أو يتناسى قومه خدمه فقد تألفت لجنة من خيرة أدباء العراق برئاسة الأستاذ الكبير جميل صدقي أفندي الزهاوي لإقامة حفلة أنيقة لمناسبة يوبيله الذهبي تعرب فيه العصبة الأدبية في(7/101)
العراق عن تقديرها لجهوده العلمية وإعجابها بما قدمه إلى لغة الضاد من جليل المآثر ومما جعل لهذه الحفلة أهمية كبرى هو أن فخامة السعدون بك رئيس الوزراء رضي أن تقام في قصره الفخم كما أن معالي توفيق بك السويدي رضي أن يشملها بأشرافه بصفته وزيرا للمعارف ولقد كانت الحفلة على جانب كبير من الأبهة والعظمة إذ أشترك معظم الوزراء وأكابر رجال الدولة وأقطاب الإنكليز وجمهرة صالحة من أدباء العراق الكبار وخطب فيها كل من الفاضل أحمد حامد الصراف مدير المطبوعات بصفته سكرتيرا للجنة الاحتفال وألقى رفائيل أفندي بطي خطبة ممتعة عن حياة المحتفل به وأعماله في خدمة اللغة وألقى الأستاذ الزهاوي قصيدة عصماء من قصائده المحجلة وارتجل الأستاذ السويدي بك وزير المعارف خطبة شكر لما شهده من عطف بني وطنه عليه ثم الأستاذ إبراهيم حلمي العمر خطبة ارتجالية قيمة،
وهكذا أثبت العراق أنه يقدر العلم حق قدره ويكرمه في أشخاص أقطابه ورجاله وبرهن أن العلم لا يعرف دينا ولا مذهبا وأن جميع أبناء العراق على اختلاف نحلهم سواسية في تشييد صرح هذه النهضة الأدبية في ديار الرشيد.
(مكاتب النديم الخاص في بغداد)
يوبيل الأستاذ الكرملي في بغداد
عن (مجلة السيدات والرجال) نقلا عن الجزء السابع من سنتها التاسعة
احتفل في هذا الشهر أدباء بغداد وأعيانها وأهل الفضل فيها برئاسة شاعرهم الحكيم الكبير جميل أفندي صدقي الزهاوي احتفالاً شائقا بيوبيل العلامة اللغوي الأب أنستاس ماري الراهب الكرملي منشئ مجلة لغة العرب ومؤلف المعجم اللغوي المقارن بين الألفاظ العربية والرومانية واليونانية والمعلل أصولها. ولحضرة الأب الجليل ضلاعة في اللغة نادرة المثال فضلا عن براعته في اللغتين اليونانية واللاتينية وأهم اللغات الأوربية الحديثة فضلا عن اللغات الشرقية القديمة. وقد خدم اللغة العربية والنهضة الشرقية خدما يستحق لأجلها هذا التكريم وأعظم منه. فنهنئ الأب المحترم بما ناله من حفاوة قومه ونهنئ العراق بوجوده فيه ونشترك معه بتكريمه.(7/102)
يوبيل الكرملي
عنها أيضاً في الجزء التاسع من السنة المذكورة
نوهنا في عدد سابق بهذا اليوبيل كأنه حدث قرأنا عنه في إحدى الصحف ثم وردت إلينا نشرة من اللجنة القائمة بالاستعداد له ففهمنا إنه لم يحدث بعد بل أن شاعر العرب الكبير جميل صدقي الزهاوي أفندي نشر في الصحف دعوة يحث بها أهل الأدب والفضل على إقامة احتفال كبير بيوبيل العلامة الشهير اللغوي الأب المحترم انستاس ماري الكرملي صاحب مجلة (لغة العرب) في بغداد فلبى نداءه عدد من الكرام الذين يعرفون قدر الأب وانتخبوا لجنة للاهتمام بهذا الاحتفال الذي تعين موعده 16 أيلول (سبتمبر) فنحن نهنئ الأب الجليل بما لقيه من عناية الفضلاء والعظماء بيوبيله الذي يتوقع أن يكون حافلا أنيقا لائقا بعلم الأب وفضله وخدمته للشرق.
الأب انستاس ماري الكرملي
نقلاً عن مجلة (فتاة الشرق) في جزئها الأول لسنتها الثالثة والعشرين
هو العالم العلامة واللغوي المدقق صاحب (مجلة لغة العرب) قضى خمسين عاماً من حياته باحثا منقبا متوخيا تهذيب اللغة العربية من ادران الشطط عاملا على ضبط ألفاظها فيما يتفق مع أصول قواعدها ويقبله الذوق السليم وقد انتشرت انتقاداته اللغوية في العالم العربي انتشاراً جعل كل ناطق بالضاد يعرف قدره العلمي، ويعترف بمنزلته السامية في عالم الأدب.
ورأى أدباء العراق أن الواجب يدعوهم إلى تكريم مواطنهم النابغة اعترافاً بفضله العظيم فتألفت لجنة في بغداد برئاسة الشاعر الكبير جميل أفندي صدقي الزهاوي لتنظيم حفلة شائقة دعوا إليها رجال العلم والأدب من جميع الأقطار العربية ليشتركوا معهم في تكريم الأب الفاضل.
وسنأتي على وصف الحفلة في عدد قادم، مرددين مع سائر المحتفلين آيات الثناء على صاحب اليوبيل سائلين المولى أن يمد بأيامه ويقويه على خدمة لغتنا التي هي في أشد حاجة لأمثاله.(7/103)
اليوبيلات
عن مجلة (المورد الصافي) في جزئها الثالث من السنة الثالثة عشرة
. . . ومنها يوبيل العلامة الأستاذ الأب أنستاس ماري الكرملي - فإنه خدم اللغة العربية خمسين عاماً. فرأى فضلاء العراق أن الواجب يدعوهم إلى تكريمه وتعينت لجنة لذلك برئاسة العلامة الشاعر جميل صدقي الزهاوي لإقامة الحفلة في 16 أيلول القادم فأذاع منشوراً يطلب فيه إرسال ما تجود قرائح الأدباء في صاحب اليوبيل.
حفلة تكريمية فخمة
عن (نشرة الأحد) من الجزء 21 من سنتها السابعة
في السابع من هذا الشهر (ت1 - أكتوبر) - وكان يوم الأحد - اجتمعت في دار فخامة رئيس الوزراء عبد المحسن بك السعدون في الساعة الرابعة زوالية نخبة من وزراء بغداد
ونوابها وعلمائها وأدبائها للاحتفال بيوبيل حضرة الأستاذ اللغوي الأب انستاس ماري الكرملي وحضر هذا الاحتفال الشائق من الرؤساء الروحانيين حضرة الأب غريغوار رئيس الرسالة الكرملية وحضرة المنسنيور عبد الأحد جرجي بالنيابة عن سيادة المطران جرجس دلال وبالأصالة عن نفسه وحضرة الأب نرسيس صائغيان النائب البطريركي. وهيأت هذا الاحتفال المنقطع النظير لجنة شريفة الأعضاء رئيسها شاعر العرب وفيلسوف الأستاذ جميل صدقي أفندي الزهاوي.
ولما تم عقد الجمع أفتتح الاحتفال الأستاذ الزهاوي رئيس لجنة اليوبيل بكلمة ترحيب بالقوم الكرام الذين لبوا دعوته تكريماً للعلم في العالم المحتفى به ثم عقبه أحمد حامد أفندي الصراف كتوم (سكرتير) اللجنة ومدير المطبوعات فتلا بيانا طويلاً ختمه بقراءة كل ما بلغ اللجنة من جميع أنحاء العالم شرقاً وغرباً من التقاريظ والتهانئ لحضرة الأب صاحب اليوبيل ومن الاستحسان لفكرة هذا اليوبيل وقام بعده الأستاذ الزهاوي واسمعنا كلمة أخرى في مديح الأب الأستاذ وردت من المجمع العلمي بدمشق ثم تلاه الشاب الأديب والمكاتب التحرير رفائيل(7/104)
أفندي بطي وسرد لنا في خطاب وجيز فصيح ترجمة المحتفل به، وهب تلوه من كرسيه حضرة الأستاذ الزهاوي شاعر العرب وعندليب العراق وأنشد قصيدة عصماء اهتزت لها الألباب طربا وارتياحا لما جمعت من المعاني الجليلة والمباني البليغة والمبادئ القويمة بحيث أنه اضطر إلى إعادة بعض أبياتها دفعتين أجابه للمعجبين بكلامه والصارخين إليه (أعد أعد) ثم خطب صاحب المعالي توفيق بك السويدي العباسي خطابا شرح فيه فضل الأب أنستاس على اللغة العربية بدقيق أبحاثه.
وختم هذا الاحتفال حضرة الأب صاحب اليوبيل المحترم بكلمة شكر وتواضع وجهها إلى جماعة الحاضرين فأحببنا أن نزفها بنصها إلى قراء نشرتنا الكرام في آخر مقالنا هذا.
ولي أنا محرر هذه الوضيعة كلمة أقولها في شكر حضرة الأب أنستاس ماري الكرملي المحترم في فرصة يوبيله الذهبي الميمون على ما له علي أيضاً وعلى نشرتي خاصة من الأيادي البيضاء إذ أنه لا يزال يحور بدون ملل وكلال كتاباتي كافة وينزهها بل يعصمها على قدر الإمكان من الأغلاط النحوية واللغوية ويزيح لي الستار عن أغلاط الكتب والكتبة بل عن أغلاط المعاجم عينها. وكل مرة قصدته في حاجة رأيته يرحب بي كل الترحيب
تاركاً أشغاله الخاصة ليتفرغ لأشغالي الشاقة التي كثيراً ما أتعبته بكثرة التنقيب والتدقيق والتفتيش إذ لا يريد أن ينص نصاً إلا يتأكد صحته ويتحقق متانته فأضم إذن اليوم صوتي إلى أصوات جميع المقرظين إياه شرقاً وغرباً لأهنئه معهم بما حصل عليه بجده الحثيث واجتهاده الطويل من وسيع المعارف في آداب اللغة العربية ودقائق معانيها وفصيح مبانيها.
حفظه المولى وأطال أيامه فخراً للنصرانية وإعلاء لشأن اللغة العربية التي أغرم بحبها واكب على درسها منذ نعومة أظفاره فرفعت منزلته وأذاعت صيته في الخافقين وخلدت اسمه في الصحائف والمجلات وإلينا كلامه بعينه شاهداً صادقاً على صحة قولنا:. . .(7/105)
يوبيلات!!
عن جريدة (الشورى) الصادرة في 20 آب (أوغسطس) 1928
كل عوائد الغرب اللطيفة أصابها المسخ منذ وصلت إلينا، ومن ذلك الاحتفال بالأعياد الخمسينية للعلماء.
نفهم أن يحتفل العالم العربي بمرور خمسين سنة على وجود مجلة المقتطف ونفهم أن يحتفل كذلك بالأستاذين عبد الله أفندي البستاني وجبر أفندي ضومط. ولكن لا نستطيع أن نفهم قيام الأستاذ الزهاوي وبعض الذين لا يكاد يعرفهم أحد نشر الدعوة للاحتفال بانستاس الكرملي في بغداد!!
ماذا صنع الكرملي للعلم العربي واللغة العربية غير التشويه ودس الألفاظ الملفقة وانتقاص علماء العصر واحداً بعد واحد؟ (كذا بحرفه)
إذا لم يجمع أهل المرء وسكان وطنه على أنه يستحق التكريم فهو بلا شك لا يستحق التكريم وما رأيناه دعوة صادفت أعراض الجمهور كدعوة الأستاذ الزهاوي هذه (كذا). ومن شاء أن يتبين الخبر فما عليه إلا مطالعة صحف بغداد. فأي تكريم عمرك الله يوم في بلد لا تعضده الصحف المحلية؟ (كذا)
ليت الأستاذ الزهاوي يلم نفسه ولا يعرض اسمه المحترم للقيل والقال، وإلا فهذه صحف بغداد أخذت تتهمه بأنه يريد بهذه الحفلة للكرملي أن يقوم هذا فيدعو إلى حفلة مثلها للزهاوي!! فهل يعجب الأستاذ الزهاوي هذا الصيت اللطيف؟!
عدول الأستاذ الزهاوي عن تكريم الكرملي
عنها أيضاً في عددها الصادر في 11 أكتوبر 1928
ذكرت صحف العراق أن الأستاذ الزهاوي عدل في آخر لحظة عن رياسة حفلة التكريم هذه التي كنا وجهنا إليه أشد اللوم من أجلها.
وتقول العالم العربي الغراء أن رئيس وزارة العراق أقام الحفلة في داره.
أما نحن فنعتقد أن الوزير لم يقم بهذا إلا لاعتبارات ظنها صحيحة، ومنها(7/106)
منع بعض الألسنة من القول أن في الموضوع شيء (كذا) من التعصب الديني! وهو اعتبار غير وجيه لأن العالم العربي كله أشترك في تكريم المقتطف والبستاني وضومط حتى في تكريم الأب شيخو.
يوبيل الأستاذ الكرملي
عن جريدة (الأوقات البغدادية) الصادرة في 8 تشرين الأول 1928
أحتفل عصر أمس في دار صاحب الفخامة السر عبد المحسن بك السعدون بيوبيل الأستاذ الأب أنستاس ماري الكرملي الذهبي بمناسبة مرور خمسين حجة على خدماته المتوالية للغة العربية. وحضر الحفلة أكثر من مائة من أعيان العراق وسراته بينهم أصحاب الفخامة والمعالي الوزراء الحاليين والسابقين والأسبقين والعلماء الفضلاء والأعيان والنواب وكبار موظفي الحكومة.
وأفتتح الحفلة شاعر الفلاسفة الأستاذ جميل صدقي أفندي الزهاوي عضو مجلس الأعيان، بكلمة شكر بها الحاضرين تكرمهم بالحضور. وتكلم بعده حضرة الأديب الفاضل أحمد حامد أفندي الصراف مدير المطبوعات معددا رسائل التهنئة والتقدير الواردة على لجنة اليوبيل. وأعقبه حضرة الأديب الفاضل رفائيل أفندي بطي فألقى خطبة ممتعة للغاية عدد بها مآثر الأستاذ الكرملي. ثم تلا حضرة الأستاذ الزهاوي رسالة تهنئة وتقدير من حضرة الأستاذ رئيس المجمع العلمي بدمشق.
وألقى الأستاذ الزهاوي أيضاً قصيدة عصماء استعيدت تلاوة بعض أبياتها بين الهتاف والإعجاب ثم وقف صاحب المعالي توفيق بك السويدي العباسي وزير المعارف فأطنب في مدح المحتفل به ومدح خدماته للغة العربية داعياً له بطول العمر.
ورد حضرة الأستاذ الكرملي على حضرات الخطباء فأشاد بفضل حضرة صاحب الجلالة الملك فيصل المعظم بعنايته بالعلم وتكرمه بتشجيع العلماء شأن الملوك المصلحين العظام، وشكر لفخامة السعدون بك والأستاذ الزهاوي وحضرات أعضاء لجنة اليوبيل تكرمهم بإقامة يوبيله، كما شكر حضرات الجهابذة المستشرقين والمستعربين الذين بعثوا إلى اللجنة برسائل التهنئة والتقدير وقال في تواضع أنه لا يستحق كل هذا التقدير من المحتفلين به.
ثم ألقى الأديب الفاضل إبراهيم أفندي العمر كلمة ارتجالية تناسب المقام(7/107)
أثنى فيها الثناء المستطاب على فخامة السعدون والأستاذ الكرملي والأستاذ الزهاوي وكان ذلك مسك الختام فأنصرف الأستاذ الكرملي شاكراً لفخامة السعدون تخصيصه داره العامرة لإقامة الحفلة فيها. وأنصرف بعده باقي المدعوين متحدثين بأناقة الحفلة وحسن ترتيبها ووفرة عدد الأفاضل الذين حضروها وكرم فخامة السعدون وتقدير الأستاذ الزهاوي وأنصاره الفضلاء للمساعي القيمة التي بذلها حضرة الأب الورع المحتفل به ولا يزال يبذلها لترقية اللغة العربية.
وأنا بدورها نهنئ حضرة الأستاذ الكرملي المفضال بيوبيله الذهبي داعين له بطول العمر. ونقدر لفخامة السعدون ولحضرة العين الأستاذ الزهاوي وحضرات أعضاء لجنة اليوبيل ولمعالي وزير المعارف الهمام سعيهم المحمود لإقامة هذه الحفلة الشائقة. ولولا ضيق نطاق القسم العربي من جريدتنا لوفينا الحفلة حقها من الشرح المسهب.
تكريم العلم
نقلاً عما نشر في صدر جريدة (العالم العربي) البارزة في 9 تشرين الأول (أكتوبر) 1928 وهو من كلام (المتفرج)
1 - كفارة
عيب، وأيم الحق، كبير أن يقام في جامعة أوكسفورد مؤتمر عام للبحث في الأمور الشرقية المختصة بالآثار والعادات والتواريخ والآداب والعلوم والفنون. . . وأن يشترك في المؤتمر 700 مستشرق من جميع الشعوب والأجناس والنحل، وأن يكون في جملتهم ترك ومغربيون ومصريون وسوريون ولبنانيون يمثلون بلادهم في مؤتمر (المشرقيات)، وأن لا
يكون بينهم من يمثل العراق رسما، في حين أن العراق هو معدن الآثار ومنبع العلوم والآداب والفنون والحضارة الشرقية الغابرة التي هي مدار أبحاث المؤتمر.
وقد تألم بعض المستشرقين المؤتمرين الذين يعرفون العراق لرؤياهم أن حكومته حرمته حظ الاشتراك في المؤتمر كما أنها حرمت المؤتمر الاستفادة من وجود خبراء العراقيين فيه. ولم يقدر وزير معارف سوريا وممثلها هناك أن(7/108)
يتحمل ذلك إلى النهاية فطلب من الشيخ كاظم الدجيلي أن يحضر المؤتمر بصفة غير رسمية ليقال أقله أن العراق موجود وقد اشترك في مؤتمر العلماء ولو اشتراكاً غير رسمي.
فعدم اشتراك العراق اشتراكاً رسمياً في المؤتمر العلمي العام المذكور حسب خطيئة كبيرة اقترفت أمام العالم أجمع!
ولكن بينا المستشرقون وأرباب التاريخ والآداب والعلم يتحدثون في هذا وينكرون على رجال العراق إهمالهم هذا، إذا بيوبيل أحد علماء العراق قد ظهر في الميدان فاتخذته الحكومة فرصة مناسبة تكفر فيها عن خطيئتها وتحاول بهذا التكفير تصحيح ظن عالم العلم، والاشتراك في تكريم النبوغ العراقي في شخص الأستاذ الكرملي المتفاني في خدمة علم اللغة العربية.
فتسهيل أمور لجنة يوبيل الكرملي التي يرأسها الزهاوي، وإقامة الحفلة نهار الأحد في دار السعدون رئيس الوزراء تحت إشراف السويدي وزير المعارف مما يعد نوعا ما كفارة عن خطيئة إهمال أمر العراق، وشرف العراق، وسمعة العراق، ومصلحة العراق في مؤتمر اوكسفورد.
2 - حفلة تكريم العلم
حضر حفلة يوبيل الكرملي 95 رجلاً بحيث أن الكراسي (الأنيقة) التي أعدت في صالة دار السعدون بك رئيس الوزراء، وفي البقعة الجميلة من جنينتها، قد امتلأت.
ومن الجدير بالذكر أن حضرة السيد أفنان رئيس التشريفات في وزارة الخارجية العراقية كان (يدشن) في فناء الدار - على سبيل التبرع - فنون التشريفات بثغر باسم، وناظر مرفوع وكلام حلو. أما فخامة السعدون بك فكان هو بنفسه قائما باستقبال المدعوين يعاونه حضرة مرافقه جميل روحي بك.
وكان الأستاذ الكرملي صاحب اليوبيل في صدر (الطارمة) يكتنفه الشيخان باقر الشبيبي وعلي الشرقي، والسويدي وزير المعارف والزهاوي رئيس لجنة اليوبيل وساطع الحصري، ورئيس الرهبان الكرمليين. . . ثم الوزراء (ما عدا نوري السعيد والحيدري والشيخ أحمد غنيمة فأنهم كانوا غائبين) ثم بعض رجال(7/109)
الدين والعلم ثم فريق من الأعيان والنواب ورؤساء الدوائر وأرباب الصحافة وحملة الأقلام.
وفي الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، وقد انتهى تقديم الدخان والشاي والحلويات وما أشبه، نهض الأستاذ الزهاوي فرحب وسر وشكر. وتلاه سكرتير لجنة اليوبيل أحمد حامد أفندي الصراف مدير المطبوعات فألقى خطبة نفيسة في الموضوع. وختمها بتلاوة بعض برقيات التهانئ والثناء الهابطة من كبار المستشرقين، وأشار أيضا إلى الرسائل والقصائد الواردة من الخارج في هذا الباب، ومن ذلك: برقيات المستشرقين كراتشكوفسكي (روسية) وكافمير (برلين) وماسنيون (فرنسة) ورسالتا كرنكو ومارجليوث (إنكلترة) وقصائد مصر للدكتور أبي شادي ومحمد الأسمر وأحمد محرم وإسماعيل صالح. وقصائد إيران، ورسائل عبد الله مخلص (حيفا) وجميل البحري صاحب الزهور، وعبد العزيز الرشيد (الكويت) والشيخ كاظم الدجيلي (لندن) والعالم عبد الله الزنجاني ومحمد مهدي العلوي وجورج يني صاحب المباحث. . .
ثم تلا الأستاذ الزهاوي رسالة العلامة عبد القادر المغربي عن المجمع العلمي بدمشق. وتلا رفائيل بطي ترجمة المحتفل به. وألقى الأستاذ الزهاوي قصيدته الكبيرة المنشورة في غير محل من هذا العدد. وكان في أثناء إنشاده يقعد ويقوم ويثور وهو في كل ذلك يتذوق حلاوة الشعر ويتحسى كأسه حسوة حسوة.
ثم فاه السويدي وزير المعارف بكلمة مدح طيبة بين فيها وجوب تكريم العلم في أشخاص ذويه، وأثنى على خدمة الكرملي للغة العربية العزيزة.
وعاد الزهاوي فشكر لرئيس الوزارة عطفه وحسن صنعه بإقامة الحفلة في داره وأثنى كذلك على وزير المعارف وجميع الذين اشتركوا في الحفلة.
وختم الحفلة الأستاذ الكرملي صاحب اليوبيل الذهبي إذ تلا بإيمان قوي وشعور حي كلمة وجيزة قال فيها كل ما يجب أن يقال. وكلمته منشورة في محل آخر من هذا العدد. وكان
مسك الختام لكل خطاب وكلام الهتاف الحار بحياة جلالة ملك العراق الساعي السعي الحثيث إلى تعزيز أسباب العلم ونشره. . .(7/110)
يوبيل انستاس الكرملي
عن جريدة (الموصل) الصادرة في 15 تشرين الأول 1928
الأب انستاس الكرملي راهب بغدادي اشتغل مدة خمسين سنة في نشر لغة الضاد في البلاد العراقية والعالم المستشرق اجمع. ولد في بغداد سنة 1866 وأنكب منذ حداثته على نشر اللغة العربية بالرغم عن احتقار السلطات التركية لها. وبعد أن ترهب في فرنسة قام برحلة في بلاد الأندلس بغية الإطلاع على آثار التفوق العربي ثم عاد إلى عاصمة العباسيين وأخذ يدرس اللغة العربية ويؤلف الكتب ويدبج المقالات الممتعة في أرقى المجلات العربية باسمه الصريح أو تحت أسماء مستعارة طارقا مواضيع مبتكرة لم يبحث عنها أحد غيره وفي إبان الحرب الكبرى أحتمل الأم النفي وتضييقات السلطات التركية لولعه الزائد في نشر لغة القرآن وإحياء آثار وأمجاد العروبة.
وزار انستاس الكرملي معظم العواصم الأوربية وتفقد معاهدها التاريخية واللغوية وقد حاز على أوسمة من البلاد الإنكليزية والفرنسية وكان عضوا في مجلس معارف الحكومة العراقية التي عهدت إليه مراقبة إنشاء (جريدة العرب) ومجلة (دار السلام).
هذه نبذة وجيزة من حياة خادم العلم واللغة العربية الذي احتفل بيوبيله الذهبي في دار فخامة عبد المحسن بك السعدون رئيس الوزارة العراقية بناء على دعوة معالي العين جميل أفندي صدقي الزهاوي.
حضر حفلة اليوبيل 95 رجلا من الوزراء والأعيان والنواب ورجال الصحافة وكبار القوم في بغداد تحت إشراف معالي توفيق بك السويدي وزير المعارف وتكلم في هذه الحفلة كل من الزهاوي وأحمد حامد الصراف مدير المطبوعات ورفائيل بطي وتوفيق السويدي وإبراهيم حلمي العمر وختم الحفلة الأستاذ بكلمات التواضع العميق ناسبا الإطراء والمديح والفضل إلى أصدقائه الأجلاء أصحاب الهمم العالية البارزة الذين أقاموا له هذه الحفلة لتكريم لغة الضاد الشريفة.(7/111)
يوبيل الكرملي
عن (المهذب) في العدد 131 - 132 من سنتها الرابعة
أستقر رأي لجنة الاحتفال بيوبيل العلامة الأب الكرملي على اختيار يوم الأحد الموافق 7 أكتوبر سنة 1928 في الساعة الرابعة بعد الظهر في دار فخامة رئيس الوزراء بعد أن أجابت من قبل طلب الأفاضل الغائبين عن العاصمة العراقية فأجلت الحفلة حتى انقضاء العطلة الصيفية حتى يكون الحفل أتم. . .
و (المهذب) يكرر أخلص تهانيه بهذا التقدير الحق إلى فضيلة العلامة الجليل الأب الكرملي وإلى الأمة العراقية النبيلة، بل إلى العالم العربي الذي احتفى بإخلاص بإمام اللغة الأكبر في دياره هذا الاحتفاء الجليل. . .
(ل. ع) أغفلنا مقالات كثيرين لأنها سرقت منا ولم ندرج بعض المقالات لما فيها من الإطراء الزائد عن حده وأهملنا ما لم يرد إلينا إلا بعد طبع هذا الجزء
الهدايا إلى صاحب اليوبيل
من أدباء مصر (30 جنيهاً مصريا) أو 400 ربية و8 آناتمن الفاضلة ح. ت. س40 ربيةمن أربع بغداديات60 ربيةمن ثمانية عراقيين128 ربيةمن سوريين (اثنين) 48 ربيةمن فلسطيني21 ربيةمن ثلاثة فرنسيين184 ربيةالمجموع880 ربية و8 آناتمن الخوري منصور عواد البحر صافي تآليفه: 1 - الزوجة الأمينة أمام القضاء - 2 - ماذا عمل الخوري - 3 - بسكنتا وما يجاورها - 4 - راشيا - 5 - هل من جزية على الأكليروس أو خراج؟ 6 - نقطة سوداء.
فنشكر جميع الذين احسنوا إلينا بقلمهم أو بلسانهم أو بيدهم طالبين لهم المكافأة في الدارين أضعاف الأضعاف بمنه وكرمه. وربما عدنا فأدرجنا ما وصل إلينا متأخرا(7/112)
العدد 66
اللغة العربية والتجدد
هي اللغات ترى في سيرها غيرا!
كثر التسآل والترداد. في هذه الأيام، عن اللغة العربية، وتجددها، وموافقتها لأهواء ذا الزمان، ومقتضياته. الحقيقة هي أن العربية في حاجة إلى التجدد. ولكن ليس إلى ذلك المقدار الذي يتوهمه المجددون المغالون والمتطرفون، بل إلى مقدار معلوم، ومحدود الآن؛ أما في المستقبل. فتحتاج إلى الضروري من التعديل، شأن اللغات الأخرى الحية. وهي ليست كما يتقول ويتشدق عنها الرجعيون المتعنتون، الذين ينعتونها بكل ما وسعته المعاجم من الألقاب الضخمة ويزعمون أنها بغناها، وكثرة مترادفاتها، ومتوارداتها، ومفرداتها، قادرة على أن تقوم بلوازم هذا العصر، فهي وإن كان لها بعض ما يتوهم من الغنى. في كثير من الألفاظ والاصطلاحات والمفردات، وحائزة درجة عظيمة من الرقة والجمال، في عوز من الأوضاع العصرية فعلينا أن لا نغفر كثيراً، ولا نتوهم ما هو مناف للواقع، بعيد عن الحقيقة، بعد الثريا عن الثرى ونؤخذ بقول أحدهم:(7/113)
إن الذي خلق البرية كلها ... جعل الجمال وسره في الضاد!؟
أهذا تخيل؟ أسفاسف؟ أجهالة؟ - العربية ليست بأكثر جمالا، وأعز مكانا، وأوفر غنى من اليونانية أو اللاتينية أو الفرنسية مثلا. ولكل لغة ميزتها الطبيعية. وكلنا نعلم أن العربية جمدت في مكانها، أربعة قرون، فلم تتحول عما كانت عليه. وليس لدينا من شك، ولولا قرآن تتلى آياته، صباح مساء، بين عرب وعجم، لذهبت اللغة الفصحى إلى سقر، وحلت مكانها اللغة العامية. ولولا تيسير المولى الرحيم بعض نوابغ أخذوا بناصرها، لظننا أن قد قضي عليها. ولذا تقدمت يسيرا. ولكنها لم تزل في سلم التقدم. فإذا لم نعمل لها، وجمدنا حيث نحن، ذهبت تعبهم سدى!
انقضى زمن السلف، ودالت دولتهم، وتركوا لنا تراثا: هو لغتهم!، هذه اللغة التي عرفنا كيف نبذ أهلها، يوم كان لا يزال لهم بقية سلطة. فنبغ منهم الأخطل والمعري والمتنبي وغيره. فنافسوا عرب الجاهلية في لغتهم، وأصابوا منها أكاليل المجد والفخار. وما درس ملكهم، وذهبت دولتهم، حتى جمدنا نحن لجمودهم. نعم. إن أكثر اللوم يقع على تلك
الجماعة. التي حلت مكانهم، حكومة بني عثمان، والتي وافقها أن تنزع من البلاد. التعليم والثقافة، ليتسع المجال في حكم بلاد رماها سوء الحظ والدهر بين براثنها فريسة باردة. وكم، وكم وضعت من العراقيل في سبيل تقدم الشعوب التي تحت إمرتها! فهؤلاء (التتار) بحكم الطبع الذي فيهم، وحب التملك والسلطة جاروا على البلاد الناطقة بالضاد جورا هائلا. فعفت آثار المدارس، واندرس التعليم، وسقط الشعب في هوة الجهل الفظيع. وأنى له أن ينهض، وعدوه الجاهل بالمرصاد يزرع بذور الفتنة، ويدس سم الجهل والتعصب. غير أن حكمة الله العادلة، ما لبث أن نفخت في الغرب الغيرة على هذا الشرق المسكين فهب بعض أبنائه، ولله درهم! واتخذوا سورية أول هدف لهم، لما يربطهم بها، من الذكريات الدينية، ونزلوا منها على الرحب والسعة، فنتج من ذلك إن تمكن السوريون من أن (لعبوا بدورهم التاريخي)، ويساعدوا الأمم الشرقية على الترقي،(7/114)
واقتباس التمدن العربي. وعلى يد هؤلاء الفرنجة، انتعشت اللغة العربية اعتناقا، ذلك الانتعاش الذي لا يزال يغاديها. ونرى آثاره بادية إلى الآن. ولكن يا أسفاه! بعد هذه النفخة الغربية، لم يصلها من أبناء الشرق إلا هبات قليلة متقطعة، كأن البلاد عدمت أبناءها! وما أكثر ما نسمع الآن من جعجعة في الجرائد والمجلات بجمال اللغة العربية، وما تحويه من البدائع! فما أشبهنا بذلك المرء يلعب بالدنانير التي بين يديه، ولا يعلم سر استعمالها لفائدته، فإنك تجد بطون المهارق محشوة شدوا بغنى هذه اللغة، وما تضمه من مترادفات، ومتواردات واشتقاقات، ونفوذ القياس واطراده في اغلبها كأن هذه الشقشقة كافية أن تبعثها، وتنفخ فيها روحا جديدة! معاذ الحق! لقد ساء فألنا، وأردنا لها الموت من حيث توهمنا لها الحياة!
قلنا إننا ورثة هذه اللغة. ومن آل إليه أمر بالوراثة، تصرف فيه كيفما شاء وأنى أراد، فلم لا نتصرف فيها حسبما نريد، أو ليست اللغة ملكا مشاعا لنا؟ أم نحن ملكا لها! أكان العرب الذين أورثونا إياها، أرقى منا وأكثر تمدنا منا؟ لا! إذن ما الذي يمنعنا من فعل ما فعلوا - وليس هنالك من مانع جوهري - فنغير ما حسن لدينا تغييره، إذا بدا لنا فائدة تجني منه!
قد يخال القراء أننا ننعى على العربية، ونذمها، ونتهمها بالفقر، وما هي براء منه. بيد أن الأمر بعكس ذلك كل العكس. نحن لا نتقول عليها مطلقا. ولكننا نعلم حق العلم. إن لا حياة للغة ما لم يحاول أبناؤها التجديد فيها. فإذا وضعوا نصب أعينهم القديم وألهوه، فقل على
تلك اللغة ألف سلام! ولكننا نعلم أيضا أن العربية هي الآن على مفترق الطرق، ولا يمكنها أن تصبر كثيرا على زمر الزامرين المتقعرين، وليست في موقف يسمح لها بالانتظار والتمهل. إلى أن تدفعنا النخوة - والله وحده يعلم متى! - فنستعد لننفخ فيها روح التجدد ونضرم فيها هبة الحياة. فإذا - لا سمح الله - وجدنا أنفسنا عاجزين عن القيام بحاجاتها وتأهيلها بمقتضى ضروريات العصر، بالمفردات العلمية، فنحن احرياء بترك هذا التراث والبحث لنا عن لغة تستوفي كل الشروط ويمكنها أن تقوم بمطلبات العصر من أسهل وجه، فلماذا نقبع ونستذل فنرضى أن تكون لغتنا(7/115)
العزيزة تحت مستوى اللغات الأخرى، وبعد إن كانت سابقة مقلدة، أصبحت لاحقة مقلدة! هاهو ذا تاغور شاعر الهند الأكبر، قد رفع مقام لغته وشأن أمته رفعا عاليا بين الغربيين، وسحرهم ببنات أفكاره. فترجمت تآليفه إلى كثير من اللغات الأجنبية، حتى إلى العربية، وأشتهر شهرة واسعة، وليس من متعلم في أوربة لم يقرأ منه شيئا، لو لم يسمع بصيته على الأقل. وهاهو ذا قد نال جائزة نوبل منذ سنوات عدة. فهل من أديب أو مؤلف في العربية عصري ترجمت مؤلفاه أو بعضها إلى لغة أوروبية واحدة؟ ولا نقول نال بها جائزة نوبل وإنما نود أن نعلم أنال شهرة فيها، ولو طفيفة! لا نسأل عن الجواب، فهو معلوم للجميع. . . وإذن من أولى باللوم وأحق بالتقريع؟ أهذا دليل على عقم العربية، أم على عقم ما تنتجه قرائح الكتبة عندنا؟ لا شك أن أمر اللوم يقع على الكتبة، فليس من يكد نفسه ليستخرج من أعماق روحه شيئا مستقلا عن القديم موسوما بطابعه الخاص، ممتازا عن غيره، ولم يحتذ فيه أسلوب قدماء كتاب العربية في التعابير والوصف وغيرهما، بل يشق له طريقا من جوفها فيخرج ما هو شاعر به، لا ما صاح به الثعالبي والأصبهاني وبديع الزمان والبحتري والحريري والجاحظ وسواهم من الأعلام. على أن من كتابنا الآن، من يسير على الطريقة الأوروبية الصميمة، حتى في التعابير، وهذا ما يضر بلغتنا، بغض النظر عن أن هذه في مواضع كثيرة أبعد عن أن توافق اللغة العدنانية. ونرى الأفضل اتخاذ الوسط بين طرق الإفرنج وتعابيرهم وطرقنا العربية وتعابيرها. وقد قيل (خير الأمور الوسط).
ليس في العربية عقم وليست هي دون باقي اللغات المعروفة. فإذا ما كتبنا يوما من الأيام، في العلوم التي أندفع تيارها من أوروبة علينا، ولم نجد لبعض المفردات والاصطلاحات،
والتعابير أوصافا لم تعرفها العرب، فلم لا نذهب إلى الاستعارة فنأخذ تلك الكلمة ونكيفها ونصقلها لتوافق العربية، أو نذهب بأن نجعل الاشتقاق فيها فياسياء، وأن نفتح باب التعريب على مصراعيه - ذلك الباب الذي سد في وجوهنا، كما سد باب الاجتهاد في الدين -، وبأن نفهم أن مفردات اللغة إنما تتقرر باستعمال العامة اللهم إلا مصطلحات العلوم والفنون فأنها تتقرر بوضع(7/116)
الخاصة، واستعمالهم إياها، فيجب إذن أن ندخل في معاجمنا كل ما وقع فيه التفاهم بين العامة من الكلمات الأجنبية التي لا نجد ما يقابلها في الفصحى فنثبتها في المعاجم كما تكلمت بها العامة، أو نتخذها بعد شيء من الصقل والتحوير وإلا أصبحت لغتنا جامدة جمود عقولنا في الأمور الدينية والحقيقة التي لا مراء فيها، أن لغتنا لا تزال جامدة لم يصبها شيء من التجديد إلا النزر اليسير؛ ومما يضحك ويؤلم معا؛ إننا أصبحنا عبيداً للغتنا! ذلك شيء لم يسمع بمثله في الأساطير فكيف بالحقائق المرة؟!. . . أجل! أصبحنا عبيدا لأولئك العرب الذين كتبوا وحوروا في العربية ما شاءت إراداتهم وسولت لا للغتنا فقط!!!! ثم نأتي أمامهم ونقدم لهم بخور التكريم، فلا نخرج عن حدودنا ما كتبوا - ولا نغير من العربية ما نرى أن وقت إلقائه في اليم قد حان وكذلك التخلص من حمل عبئه - كأنهم من طينة غير طينتنا! أو جاز لهم ما لا يجوز لنا؟ أيجوز لهم أن يهدموا العربية ويتلفوها - إذا أرادوا - أما نحن فلا يجوز لنا ترميمها - إذا رأينا مهاوي التلف والتصدع تحتها فاستنقذناها؟! عجيب والله أن نرى هذا التقعر والتخاذل من جانبنا؛ وغريب أن ننقاد لأوامر ونواه طوتها الأحقاب. ومرت عليها الأجيال ونحن لها عبدة وعبدان. . .!!
خصت العربية بسلاسة وانسجام وغنى في الألفاظ. وإنما يعوزها الكثير من الاصطلاحات الفنية والعلمية والإدارية وغيرها لتعاصر غيرها فهي سهلة القياد لينة التكييف. . قلنا؛ إنها ليست فقيرة وليس فيها عقم البتة؛ إذا عرفنا كيف نديرها ونستنبط ما نحن في حاجة إليه، وإنما دواعي الكسل والجمود والتعصب الذميم، وما يطبل به من يريدون للشرق التأخر وحبوط العمل، تثبط عزائمنا وتميت هممنا، وتجعلنا لا نرى أبعد من أنوفنا! فإذا ما حاولنا هنيهة أن نرفع هذه الغشاوة قليلاً؛ إذ بهذه الغازات المخدرات تنزل ستارا كثيفا علينا فنعود إلى مضاجعنا ونحن نتثاءب ونهتف بغنى العربية وعصريتها؛ ونردد ما يقوله بعض أبناء الغرب عن كتاب العرب، فنشبه المتنبي بنيتشه. ونقرن ابن خلدون(7/117)
بمكيافيل. نساوي
المعري بدانتي اليجيري الخ. . . وقد قرأت في صحيفة أجنبية مقالا لأحد علماء المشرقيات ينحي باللائمة على بعض المستشرقين الذين لا هم لهم سوى كيل المدح والثناء جزافا. لعلماء وشعراء العربية. فيرفعونهم إلى أسمى مكانة وأرفع منزلة. وذلك ليس حبا لأولئك الفطاحل. بل تبعا لأهواء سياسية. فهم يرجعون للشرق الخمود والجهالة. يعلمون أن مما يثبط همم الشرقي الثناء والفخر. فالشرقي بعكس الغربي إذا ما مدح همدت عزيمته، واعتاض من الماء بالسراب. فلا يعمل ولا يجد! هذا ملخص كلام هذا العالم الجليل - ولا يحضرني الآن أسمه - وأني أرى الحق في جانبه وقد أصاب كبد الحقيقة. فعسى أن لا نغتر إذا ما أطلعنا على بعض عقود ثناء صيغت في الغرب للعربية وإعلامها. وشر ما في الأمر أن هؤلاء الخدعة يستترون وراء أشرف رداء وأجمله فالتردي بلباس الاستشراق واتخاذه درءا تخفى وراءه مقاصدهم الخفية والسياسية دناءة ونذالة فمن المستشرقين الكرام خرجت نفحة العلم الأولى في الشرق - منذ مائة عام تقريبا - وهي تلك النفحة التي ملأ الآن شذا عطرها أرجاء بلادنا العزيزة. وهذي أثارها ظاهرة لكل ذي عينين. فهم قد أسدوا إلى اللغة العربية أجل خدمة. وهاهم أولاء كما كانوا يخدمونها للآن. فلغتنا مدينة لهم بما كشفوه ونبشوه من كنوزها الثمينة. ولولاهم لما وقعنا على شيء منها - وهؤلاء الذين اتخذوا من علم المشرقيات قترة استتروا فيها. يمدحون كل شيء قديم. وإن ثبت لهم عدم صحته للحياة الآن. ويتهمونه بكل جميل وحسن. في الهند والصين مثلا يمدحون البوذية والبرهمية والكنفوشيوسية. كي يظن أتباع هذه وتلك. إنهم أعلى من الأوروبيين بدينهم وأسمى بمعتقداتهم ولغتهم وآدابهم. هم يحاولون جهدهم ليحولوا بينهم وبين أن يروا تأثير التمدين المسيحي الذي أنقذ أوربة من الضلال وحضر شعوبها. يحاولون جهدهم أن يخفوا عنهم ما تفيض به من الاختراعات لئلا تنبهر عيونهم بذلك ويظهر لهم في أي ضلال هم. ففي الهند تعمل الآن المسز بزنت التي أفضت إلى أحط ما أخرجه العقل البشري، وأنتن ما ولده ذهن إنسان من الفلسفة، ونشرت مبدأ سافلا قذرا. زعمت عنه كل(7/118)
حسن وخلاب. مبدأ الثيوصوفية ووجدت لها اتباعها - وما أكثر ما يجد الشيطان خدما! - وأمثالها الذين يدعون الاستشراق. في الهند يمدحون هذا المبدأ السافل. ويعظمونه ويظهرونه بمظهر الاعتقاد الأسمى. ويفضلونه على المسيحية. وانخداع الأتباع يعود إلى تعصبهم. وقلة
تبصرهم فيعتقدون ما طبل به أولئك الخدعة. ويرددون كالببغاء أقوالهم الخرقاء والجوفاء.
من أهم الذين تلاعبوا في الآداب العربية. المختلق الكذابة رينان. فهذا والمتأثرة: الدكتور غوستاف لبون وغيرهما. حاولوا في كتاباتهم غش الشرق وذر الرماد في عيون أبنائه. فتركوا صيتا حميدا لهم واختلقوا اختلاقات كثيرة ومما كتبوه عن العرب ليس فيه من الحقيقة والصواب إلا عشرة أجزاء من المائة!!! وأمام هذه الحقيقة لا يسعنا ونحن خلقاء أن لا نتناول أمثال كتابات هؤلاء. وخصوصا حيث يكثر سيل الثناء والمديح. إلا بالتمحيص فلعل بين الدسم سما نقيعا؟ ثم إيانا نجنح إلى الضلال والتعصب السام. فنتهم من يمحضونا النصح ويبينون لنا محامدنا ومثالبنا. بما هم براء منه. ولرب متهم بريء!
نرى أن تقدم اللغة الفصحى. وتقريب العامية منها. يرتكز على أمور أهمها أعمدة ثلاثة. هي: المدرسة - الشعراء والأدباء - المجمع العلمي - ونحن نبسط فيما يلي آراءنا فيها. وعسى أن تقع من الأدباء الكرام موقعا حسنا.(7/119)
أولا: المدرسة
المدرسة هي الأساس الذي ترتكز عليه الآداب. بل هي مهبط الوحي. والقلب الذي يدفع دم العلم الجديد في أعضاء الشعب. فإذا أسيء التصرف فيها. وقفت الحركة وأتت بأقبح العلل وأفسد النتائج فمن هذا القبيل يجب على الحكومات أن توجه إليها أقصى انتباهها وعنايتها. فلا تلتفت إلى ما منه يمكنها زيادة دخلها. فهو أمر ثانوي. بل إلى المدرسة التي هي الأمر الأولي فمن وراء نشر العلوم وارتقاء الآداب يحصل تثقيف من ينتج للحكومة أدخلا حسنا (إيرادات حسنة). عناية السلطات في الشرق بالعلم قليلة. فما كان قبل لحرب لا يزال معمولا به إلى الآن. اللهم إلا بعض إصلاح يسير ومما يؤلم أن أنفذ سهم وأضره يصيب العربية وآدابها في الصميم. وليس - ويا للأسف! - من يسعى في تضميد هذا الجريح المثخن. فالطرق التي تدرس بها العربية عقيمة للغاية تجعل الذي يتعلمها كارها لها أشد الكره. وجميع الطلبة في المدارس يكرهون ساعة العربية ويحاولون جهدهم أن يتخلصوا منها. ومنهم من يدرس في أثنائها درسا آخر بالخفية عن المعلم طبعا - ولا يعير أقل انتباه إلقاء الأستاذ وتعليقه. وفضلا عن ذلك أن ما يعطى لهم كمنتخبات من الآداب العربية، لا يظهر منها إلا صحيفة سوداء قاتمة مشوهة تزيد كره المتعلم لهذه اللغة. فما تكاد أيام
دراسته تنتهي حتى يقذف بكتبه هذه إلى آتون نار! ناظرا إليها نظر الصحيح إلى الأجرب، وما تكاد تحدثه عنها حتى يبتعد عنك كأن مجرد ذكرها يخدش أذنه وسبب هذا أن من يؤلف هذه الكتب الدراسية عندنا، ليس له أقل إلمام بعلم التربية - وعلم النفسيات أو لا يريد إعنات نفسه أقل عناء ومشقة بينما نرى كل أمثالها في الغرب يعلمها أساطين هذين العلمين، ولا يقبل كتاب للدراسة ما لم يكن مستوفيا جميع الشروط.
لا أزال أذكر كيف كنت أنا وكل الطلبة نكره الدروس النحوية، ونشعر بسأم في ساعة درسها. وما كنا لنطيق درس تلك الجداول الكثيرة التعقد والتشويش، القليلة الجدوى. وما يوافي الامتحان. وينقضي حتى يسرع كل منا إلى كتبه العربية فيستل منها كتب النحو والصرف وغيرها، فيطعمها(7/120)
النار، وبئس القرار!
كتبنا الأجرومية ما هي إلا حشو في حشو. بينما نرى أمثالها الأوربية منسقة أتم تنسيق، ومبوبة أبدع تبويب ومرتبة من الأسهل إلى السهل ومن الأصعب إلى الصعب أحسن ترتيب فليس ثم حشو وعجمة كلام دون فائدة وإيجاز بحيث يجب التوسع وبالعكس!. . . . تناول أي كتاب شئت من كتب اللغة الأفرنسية لهذا الفرع للدراسة الثانوية. تجده يضم أصول هذه اللغة وأحكامها بل يتعداها إلى ترجمة حياة كبار أدبائها وشعرائها وفلاسفتها وما كتبوه وألفوه وقد يضم خلاصة تاريخ اللغات الأخرى كاليونانية واللاتينية والألمانية وغيرها مع خلاصة ترجمة حياة لعلماء كل لغة من تلك اللغات وفلاسفتها وشعرائها وأشهر كتبهم. ثم يشرح فيه تاريخ الأفرنسية واشتقاقها من اللاتينية أمها وتطورها فرقيها. هذا الكتاب هو عبارة عن معلمة (دائرة معارف) صغيرة عن اللغات وتطورها ومجموعة آدابها وبلاغتها وعلومها في حين أن أهم كتاب أجرومية ظهر في العربية لا تجد فيه غير أصول هذه اللغة وأحكامها وما قال سيبويه وأبو عبيدة. وابن الإعرابي. وغيرهم من أئمة النحو مكدسة تكديسا دون روية ولا تفهم. وليس من خلاصة نرى فيها ترجمة أو حياة لأحد أولئك الأعلام إلا ما ندر أو كان هفوة قلم. ولا شيء هناك يستفاد من نشأة العربية وتطورها وآدابها. فشتان ما كتبهم وكتبنا!. .
قلنا إن ما يعطى في المدارس من آداب العرب أو تاريخها ليس إلا صحيفة سوداء خرقاء بعيدة عن أن تدعى بآداب أو تاريخ وهي عبارة عن شتات (منتخبات) جمعت من هنا
وهناك حسبما شاءت المصادفة وضم بعضها إلى بعض دون تعقل وتبصر! وأكثر هذه المنتخبات ليست من طرف العربية ولا من غرر تآليفها - كيف نطلب إذن أن نجد بين المتخرجين في المدارس الأجنبية وسواها من يعشق العربية؟ بل من يشعر بأقل ميل إليها وهذه حالة كتبها وصفتها؟ إنا نرى الحق في جانب من يعشق لغة أجنبية ويهوى آدابها فأنها أجدر من العربية بحبه لما تبعثه في نفسه من الاستهواء بها وما تحويه كتبها المرسية من صورة جذابة لآدابها وتاريخها الرائع! كل ما بين يديه يمتاز عما في(7/121)
العربية بوجوه عديدة!
إن تاريخ آداب العربية لم يظهر إلى الآن بالمعنى المعروف به في الغرب أي ولا سيما ما يوضع منه بين أيدي طلبة المدارس. هاك كتاب تاريخ آداب اللغة الأفرنسية للأبيل كلفه المعمول به في أكثر المدارس الثانوية. وقلبه هنية. فإنه يفيد الطلبة فضلا عن إفادته أي امرئ كان. فهو قد قسم كتابه على طريقة عصرية ابتكرها هو وجعله على جزءين أحدهما تاريخ للآداب الفرنسية منذ أقدم عصورها قبيل شارلمان إلى عصرنا هذا. والثاني حوى منتخبات جليلة تأييدا لكل فصل من فصول الجزء الأول وأحكامه. وفي نهاية كل ترجمة علم من أعلام الفرنسيين وقد وضع قائمة للمستندات التي يعتمد عليها ليقرأها المطالع ويرجع إليها إن شاء أن يتوسع أو يتخصص في هذا الموضوع. هذا الكتاب تحفة من تحف العلم والطرافة، فمتى تجد في العربية شبيها له؟!
خذ أيضاً قاموس لاروس تجد قد ضرب في كل فن بسهم جامعا لأشتات الآداب والتاريخ والعلوم جميعها حديثها وقديمها ولآخر الاختراعات، يضم بين دفتيه أيضا طائفة من الخرائط الجغرافية الحديثة ومعلمة (دائرة معارف) صغيرة مفيدة. ولا تضع يدك عليه وتقلبه في أي موضوع تطرقه وتود أن تتفهم عنه شيئا حتى تجده تحت نظرك موضحا جليا - ولكن باختصار - فمثال هذا المعجم معدوم في العربية. وخلاصة ما عندنا منها - من معاجم مدرسية أو غيرها - لا تتعدى أن تكون جامعة لكثير من كلمات غير مستعملة خشنة اللفظ ثقيلة على السمع صعبة المخرج وقعت في صفحات عديدة لتأخر عقلية جامعيها ومنسقيها وتوهمهم أن الطلبة أو عامة الناس في احتياج إليها. بينما هي خالية من كثير من كلمات مستعملة جدا (عربية قحة خالصة استعملها العرب ووردت في كلام فصحاء العرب الإسلاميين. . . وأخرى عربية المادة هي كلمات اصطلاحية فنية أو
إدارية. وأخرى عربية المادة ولدها المتأخرون الخ. . . . . . فلو استغنوا عن تلك الكلمات الحوشية. واستبدلوا هذه بها لكفوا الطلبة(7/122)
والناس مؤونة من التعب عظيمة!
معاجم العربية لا تتطرق أبدا إلى غير الكلمات العربية التي نشرها قدماء اللغويين في معاجمهم وتعف عن إدخال كلمات لم يذكرها هؤلاء إلا نادرا. ثم هي لا تحوي شيئاً من أفذاذ اللغة وفلاسفتها وتأبى عليهم بل تضن على من كان السبب في رقيها ببضع وريقات. مع أنهم من الأهمية بمكان عظيم. وعليه نجد نواقص المعاجم في العربية عظيمة وكثيرة جداً تحتاج إلى دروس طويل واف وعسى أن يعنى العلامة البحاثة الأب أنستاس ماري الكرملي بنشر ما يبرد الغليل منها ويفيد الطالب والباحث معا فهو العليم الخبير بعلل وأدواء اللغة الكريمة ومعاجمها.
بسطنا أن النقصان عظيم في الكتب المدرسية لا يتمشى والروح العصر الآن ولا سيما بعد أن صار من الضرورة في شرقنا العزيز تعليم اللغات الأجنبية في المدارس. ومن تدرب على تلك الطريقة من التعليم أو ذاق حلاوتها ولو قليلا منها صعب عليه أن يعود إلى طرق بالية ومناهج عقيمة مملة جافة المذاق.
سر تفوق الإفرنج علينا في هذا الباب لا يعود إلا إلى عدم نشرهم كتبا للتدريس قبيل الدرس العميق. ثم هم يشيدونها على أساس متين من ذلك أولاً: علم التربية ثانياً: علم النفسيات أما نحن فنأبى أن نمارس طرقهم ونعف عنها لجمودنا وكسلنا وتعلقنا بما أقره قوم لا يعقلون! انقرضوا مع أجيالهم ولم تبق فائدة لأساليبهم في هذا العهد فإن كانوا قد أفادوا في عصرهم فهم لا يفيدوننا اليوم. المدارس هي الروح التي تبعث في التلميذ العلوم وهي الأساس الذي نشيد عليه رقينا وتقدمنا. فإذا أسأنا وضع الأساس فقد استحق البناء الهدم! أو ليس القصير الذي يشيد على الرمل تسقطه الزوابع والأرياح؟ هكذا نحن لا نعلم العربية على أساس متين فإذا ما خرج إلى الميدان من أتقنها وصادمته التجارب وجد أن لغته تحتاج إلى جهد كثير فيدب دبيب الكره إلى قلبه فيقلعها منه ويتحول إلى اللغة الأجنبية التي يميل إليها ويصبو قلبه إلى اجتلاء محاسنها فيذهب جهد الأساتذة هباء باطلاً!!
هذه أهم ما في العربية من نقائص وعوج وهي أساس الجميع فلنتحول إلى ما يليها
(الباقي للتالي)
ميشيل سليم كميد(7/123)
عند الشاطئ
عن ديوان (الشفق الباكي) للدكتور أبي شادي
(1) الأصل لصاحب الديوان:
مَرِحْنَ والماء أيضاً ... في نشوَِةِ مِنْ مِراحْ
عرفْنَ للحُسْنِ فَرْضاً ... إحسانهُنَّ المُباحْ
فكان في الماءِ عَوْمي ... تجديَد فَأني الَحياةْ
والماء يُغْرِقُ هَمّي ... إذا حُرِمْتُ الشَّفاةْ!
قدْ ذابَ فيهِ الَحَنانُ ... ومُسْتَطابُ الضِيّاْء
فشَاق منهُ البيانُ ... وراقَ فيهِ الرَّجاْء!
وقلتُ للَّصحْبِ: (هذا ... شِعر للُبّي ونفسي!
لا تسألوني لماذا ... إحساسُكْم غيرُ حِسّي
فكلَّ رُوحٍ أصابَتْ ... مِنْ أُنْسِها ما تَراهْ
فإنْ سَلَتْ ما استطابتْ ... مِنْ قَبْلُ وَلَّى سَنَاهْ!
و (الشّعْرُ) عندي الشَّعورُ ... وعَطْفُ هذي (الطبيعَةْ)
وفي الَّتفاني الحُبورُ ... ومُلْكُ نفي الَوديَعْه!)(7/124)
مدينته ومنها انتقل إلى تحرير القسم العربي من جريدة (موصل) الرسمية والترجمة في مطبعة الولاية.
وعلى أثر إصابته بمرض سافر إلى حلب فنال الشفاء فلما عاد إلى مسقط رأسه وقد توفي والده تسلم أشغاله التجارية واختارته غرفة التجارة الموصلية رئيساً لكتابها براتب 500 غرش عثماني شهريا.
وعلى أثر احتلال القوات الإنكليزية لمدينة الموصل سعى علي مع الساعين في تأسيس (النادي العلمي) وهو الجمعية الأدبية في مظهرها والتي كانت تري إلى خدمة الوطن في الأدب والسياسة وانتخب المترجم عضوا في لجنته الإدارية ووكلت إليه اللجنة رئاسة تحرير مجلة النادي (النادي العلمي) وهي مجلة علمية فنية أدبية أخلاقية نصف شهرية
صدر جزئها الأول في 15 كانون الثاني سنة 1919 وتوقفت عن الصدور بعد صدور الجزء الثاني. وقد قام الجميل (بشؤون تحريرها) وكتب فيها مقالات عديدة وما لبثت السلطة الاحتلالية أن سدت النادي لما شعرت أنه يشتغل بالقضايا السياسية بنزعة وطنية. فتوظف علي رئيساً لكتاب دائرة الأوقاف. ظل في هذه الوظيفة مدة طويلة ثم اختلف مع بعض رؤسائه فاستعفى.
وقد أولع علي بالتحرير فكان يكتب المقالات في جريدة (النجاح) التي أصدرها خير الدين بك الفاروقي نائب الموصل في المجلس النيابي على أثر إعلان الدستور العثماني في الحدباء ونشر بعض آثاره القلمية في مجلة (لسان العرب) و (المنتدى الأدبي) لسان حال الجمعية العربية القومية (للمنتدى الأدبي) في الآستانة. وحرر مدة جريدة (موصل) الرسمية في قسمها العربي. وراسل جريدة (المصباح) التي كان يصدرها الحاج عبد الحسين الأزري الشاعر المجيد في بغداد قبيل الحرب العظمى وراسل بعد الحرب جريدة (العراق) مدة ولم تخل رسائله هذه من نزعة في تأثير الغرض على كتابته شأنه في كل ما كتبه في السياسة والإدارة.
وكان يحن أشد الحنين إلى مزاولة الصحافة حتى إذا شام الفرصة سانحة(7/133)
بعد أن استعفى من وظيفته في دائرة الأوقاف أنشأ جريدة (صدى الجمهور) بالاشتراك مع المحامي عبد الله فائق في الموصل فظهرت في ربيع سنة 1927 وعهد برئاسة تحريرها إلى الفقيد. وكان الأمل أن تظاهر الجريدة الحركة الوطنية في الموصل ولكن سلوكها الصحفي جعلها تلبس لبعض الحالات لبوسها وتمثل سلوك منشئها السياسي وظلت تصدر مرتين في الأسبوع إلى هذه الأيام ولا نعلم مصيرها بعد وفاة صاحبها.
وقد ألف في خلال الحرب الكبرى رسالة نزولاً على رغبة الحكومة الاتحادية بعنوان (التحفة السنية في الهدية السنوسية) وطبعها في مطبعة نينوى سنة 1915 وموضوع الرسالة حركة السنوسي السياسية.
وكانت حياة الرجل تنطوي على صفحات متنوعة فبينما تراه عربيا قحا إذا هو عامل للاتحاديين يحرر الجريدة الرسمية ويسبغ على حوادث الحرب الثوب الذي يريدونه وتارة تجده حرا في فكره جريئا في أقواله وطورا تراه من أعوان السلطة مستسلما لها صاغرا
وأرى أن روحه كانت مضطربة ولم يكن له من القوة النفسية ما يقوى على الثبات في طريق واحدة فقد كتب إلي في كتاب خاص في 11 نيسان سنة 1924 يقول:
(أحب الحقائق ولكنني أصبر على أشد من الجمر. وأروم الجهر بالحق ثم أكف لساني فأسكت على مضض. فتراني معذبا أغلب الأحيان. وربما مرت علي ساعات الليالي الطوال فأسكب فيها دموعا على من لا يعرفها تخفيفا لآلامي المختفية بين جوانحي.
(يراني الناس في حالة وأرى نفسي في حالة وشتان ما بين الحالتين. لا بد للحجب أن تتمزق للألسنة أن تتفتق وللكلام أن يتدفق وللحقائق أن تلوح.
(وكم لي من أشجان مسطورة على صحف منظورة طيها الآلام محفوظة. تنطق بما تذرف له العين ويذوب منه الفؤاد ولئن ضن الزمان بنشرها الآن فسيتلوها قوم آخرون. وهناك ينجلي الصبح لذي عينين ويخرق صوت داعي الحق الأذنين. ولكل أجل (كتاب)
ولن أعلم إذا ترك مذكرات أو تآليف عالج فيها حالتنا الاجتماعية حسب(7/134)
الخطة التي رسمها في السطور الآنفة الذكر أم كانت زفرته نزوة من نزوات الفؤاد وكان الرجل كاتبا مجيدا لا يمتاز بأسلوب خاص إنما ترى فيه نزعة عصرية في ديباجته نظرا إلى المدرسة الأدبية التي تخرج فيها. وولع بالنظم منذ حداثته فحفظ قصائد وأبياتاً كثيرة ونظم بعض مقاطيع وقصائد ولكنه لم يأت فيها بشيء جديد فمن نظمه قوله:
يا سراة الحي مالي ... ورعاع جاؤوا غيا
نسبوا عشقي لليلي ... ولسلمى ابنة ريا
أنا لا أختار ذلا ... بعد ما كنت عليا
يا خليلي سلاها ... ما الذي قيل عليا
نالت العذال منها ... كلما كان قصيا
فاروها الغي رشدا ... واروها الرشيد غيا
وقوله:
ذكرتني في دياجي الليل ليلي ... وعلامات الحيا في وجنتيها
ثم أخفت خيفة العذال وجدا ... وغراما قد بدا من مقلتيها
بالذي أجراك يا ريح الخزامي ... بلغيها عظم شوقي إليها
ما عليها غير حفظ العهد دوما ... غير حفظ العهد ما عليها
ومنها:
لست أنسى ما تقتضي من زمانك ... فيه دارت اكؤسي من راحتيها
وليال قد قطعناها وغصن ال ... أنس يبدو ساجدا بين يديها
وإذا ما هجم النوم علينا ... بحنو وسدتني معصميها
وقد أثبت نماذج من نظمه في الجزء الثالث من كتاب (الأدب العصري في العراق) غير المطبوع.
وكان قد أصيب بمرض في الكلى في أثناء الحرب العالمية فقصد إلى حلب وتطبب فيها وشفي على نحو ما ذكرت هنا وفي موضع آخر. ثم أصيب في الأشهر الأخيرة بمرض نظنه مرض الكلى أو الزحار فقصد إلى حلب وهناك انطفأ سراج حياته بعد ربط (عملية جراحية) في ليلة الاثنين 1 تشرين الأول 1928 وحمل جثمانه إلى الموصل فوصلها صباح 3 تشرين الأول 1928 فدفن في المقبرة الواقعة قرب جامع النبي شيت مبكيا عليه من أصدقائه ومحبيه. ففي ذمة الله أيها الكاتب الصحفي.
رفائيل بطي(7/135)
رشيد الدين
صاحب كتاب تاريخ المغول -
نقلا عن الجزء الثاني من الدرر الكامنة غير المطبوع:
فضل الله بن أبي الخير بن غالي الهمذاني الوزير رشيد الدولة أبو الفضل. كان أبوه عطارا يهوديا فأسلم هو وأتصل بغازان فخدمه وتقدم عنده بالطب إلى أن أستوزره. وكان يناصح المسلمين ويذب عنهم ويسعى في حقن دمائهم، وله في تبريز آثار عظيمة من البر. وكان شديدا على من يعاديه أو ينتقصه يثابر على هلاكه. وكان متواضعا سخيا كثير البذل للعلماء والصلحاء وله تفسير على القرآن على طريقة الفلاسفة فنسب إلى الإلحاد. وقد احترقت تواليفه (كذا) بعد قتله. وكان نسب إلى أن تسبب في قتل خربندا ملك التتار فطلبه جوبان إلى السلطان على البريد فقال له: أنت قتلت القان. فقال: معاذ الله أنا كنت رجلا عطارا ضعيفا بين الناس فصرت في أيامه وأيام أخيه متصرفا في الممالك. ثم أحضر الجلال الطبيب ابن الحزان اليهودي طبيب خربندا فسألوه عن موت خربندا. فقال: أصابته هيضة قوة أنسهل بسببها ثلاث مائة مجلس وتقيأ قيئاً كثيراً فطلبني بحضور الرشيد والأطباء فاتفقنا على أن نعطيه أدوية قابضة مخشنة. فقال الرشيد: هو إلى الآن يحتاج إلى الاستفراغ. فسقيناه برأيه مسهلاً فأنسهل به سبعين مجلساً فسقطت قوته فمات. وصدقه الرشيد على ذلك فقال الجوبان للرشيد: فأنت قتلته. وأمر بقتله فقتل وفصلوا أعضاءه وبعثوا إلى (كل) بلد بعضو وأخروا بقية جسده وحمل رأسه إلى تبريز ونودي عليه: هذا رأس اليهودي الملحد. ويقال إنه وجد له ألف ألف مثقال. وكان موته بعد موت خربندا كما سيأتي في رمضان سنة 716 (ووصل) الخبر بقتله إلى دمشق سنة 718 وفيها أرخه البرزالي وتبعه ابن حبيب والأول أتقن. وقال في ترجمته: كان حسن البراعة وطبيباً صادقاً في القناعة وأستوزره خربندا وغازان تسعف(7/136)
بعلمه وحكمه في الممالك وبنى عدة من الخوانك والمدارس وكان له من الأموال من كل جنس ونوع الكثير سوى مأكله فبصفات معروفة. قال: وعاش نحوا من ثمانين سنة. قال الذهبي: كان له رأي ودهاء وكان الشيخ تاج الدين الأفضلي يذمه ويرميه بدين الأوائل وقدر عليه فصفح عنه. وفي الجملة فكانت له مكارم وشفقة وبذل وتودد لأهل الخير وعاش بعضا وسبعين سنة.
بكنهام: ف. كرنكو
البعيم
ذكر علماء اللغة صنما سموه البعيم لم يصفوه وصفاً يبينه لنا أو يذكر لنا أصله. والذي عندنا أن البعيم تخفيف البعليم ويراد به البعول جمع بعل وكان ألهاً للكنعانيين الذين جاوروا السلف، ثم اندمجت بقاياهم في بعض القبائل العربية التي كانت في عهدهم وهذه الميم في البعليم هي للتعظيم وإن كانت في حد ذاتها للجمع، فهي تشبه قول العبريين (الوهيم) ومعناها بالحرف (الآلهة) وهم لا يريدون به إلا الإله الحق الواحد المفرد. وإن جمعوه للتعظيم، وبهذا المعنى وردت الكلمة في سفر القضاة (11: 2 و7: 3) الخ.
وقد ذهب بعضهم إلى أن البعيم أو البعليم تعني صوراً أو هيئات من صور أو هيئات (بعل) الإله الكنعاني. أما رأي أغلب العلماء فالبعليم أو البعيم هو من رموزه ويريدون به ما سماه العبريون الحمانيم (بفتح الحاء وتشديد الميم) والمصبوط (بفتح الميم وتشديد الصاد المفتوحة بعدها باء مبهمة الضم ثم واو ساكنة وفي الآخر طاء) وبهذا المعنى وردت البعليم في سفر الملوك الأول 4: 7 وسفر الأيام 2: 28(7/137)
لواء الموصل
يقع هذا اللواء الجسيم في الجهة الشمالية من العراق؛ وأكثر أراضيه جبلي ويحده من الشمال الجمهورية التركية ومن الجنوب لواء بغداد وشيء من لواء الدليم ومن الشرق لواء أربل مع شيء من تركية ومن الغرب سورية وقسم من تركية أيضا.
قاعدته مدينة الموصل الخصبة وهي بلدة قديمة قائمة على عدوة نهر دجلة اليمنى ويسكنها زهاء ثمانين ألف سنة. يربط جانبيها جسران: أحدهما حجري قديم ويستعمل أيام هبوط الماء. والآخر خشبي يقوم على قوارب منتظمة وتحف بها من جانبيها سلاسل من حديد مربوطة في كلتا الجهتين إلى خشب مثبتة في الساحل.
وللبلدة ربض كبير فيه المباني الجليلة والدور العامرة والمساجد الكثيرة والحمامات العديدة والفنادق والأسواق المنظمة والشوارع الفسيحة الطويلة. وعلى وجه العموم فيها كل ما يرتاح له الإنسان. ومما يحسن ذكره هنا، أن جميع مباني البلدة مبنية بالحجارة الكلسية التي تجعل للمدينة منظرا بديعا ورصانة غير منكورة.
والموصل بلدة عربية بحتة شيدها العرب أنفسهم بعد أن أفتتحها خالد بن الوليد عام 20 هجرية وكانت قبل ذلك قصبة صغيرة يسميها بعض كتبة الأرميين بما معناه (الحصن العبوري) أي القلعة القائمة على الضفة الأخرى من دجلة قبالة نينوى. ويرى في الموصل إلى اليوم موضع يسمى (القليعات) وهي نشز من الأرض في شرقي المدينة قد تكون موقع ذلك الحصن القديم لإشرافه على دجلة؛ وهو بلا شك أقدم عمران في الموصل.
وكانت الموصل تعرف في عهد الفرس باسم (نوادر شير) فكان شائعا بين العد الأرمي والعربي وهذا ما أجمع عليه المؤرخون من العرب. وقد ذهب البعض إلى أنها دعيت بعد ذلك باسم الموصل نسبة إلى مشيدها. وهذا بعيد عن الصحة لأن الموصل كلمة عربية معناها الالتقاء. ولعلها سميت كذلك لأن جسرها كان(7/138)
يصل ضفتها الشرقية بضفتها الغربية. وقيل لأنها باب العراق ومفتاح خراسان وقيل لأنها وصلت دجلة بالعراق. وقيل بل لأنها وصلت الجزيرة (جزيرة ابن عمر) بالعراق وهو ما نرجحه.
ومن أسمائها (أم الربيعين) وسبب هذه التسمية هو لأن الزروع تنبت في أراضيها الشهيرة
بالخصب مرتين. والذي يقصدها في هذين الموسمين، يشاهد على مد البصر أرضاً جميلة خضراء، إذا هب عليها النسيم العليل. عطر سائر الأرجاء بنفحاته. وتعرف أيضا ب (الحدباء)، وربما كان السبب لهذه التسمية أو أرضها تكاد تكون محدبة. والذي يقصد الموصل الآن، يكاد يلمس هذه الحقيقة بيده إذا ما نظر إليها من بعد لأن البيوت فيها غير واقعة على مستوى واحد! بل بعضها على نشز وبعضها على تلاع وبعضها في منخفض من الأرض.
وعلى مقربة من المدينة عين كبريت كبيرة يغتسل فيها معظم الموصليين فيبرأ المرضى من أسقامهم الجلدية. وطالما قصدها الناس من سائر الجهات للاستشفاء لهذه الغاية ويقرب منها (حمام علي) الذي يسميه بعضهم خطأ (حمام العليل) وفيه مياه كبريتية غزيرة، حبذا لو اعتنت الحكومة بتنظيفها وتشييد المنازل والفنادق بالقرب منها لتوطيد راحة أولئك الذين يقصدونها في كل صيف بغية الاصطياف والاغتسال في هذا الينبوع الصحي.
وللموصل موقع تجاري مهم؛ إذ بواسطتها تربط التجارة العراقية (بماردين وديار بكر ووان وبتليس وغيرها) من البلدان التركية المتاخمة للحدود العراقية. كما أن طريقي (الموصل إلى دير الزور) و (الموصل إلى راوندوز والسليمانية) من الطرق التي لا يستهان بأهميتها.
تنظيمات اللواء الإدارية
يعد لواء الموصل اليوم أوسع لواء في العراق فيه تسعة أقضية هي:
1 - الموصل 2 - تل أعفر 3 - شيخان 4 - سنجار 5 - العمادية 6 - عقرة 7 - دهوك 8 - زاخو و9 - الزبيار. ولكل من هذه الأقضية تنظيمات خاصة نلخصها في ما يلي:(7/139)
1 - قضاء الموصل
هذا قضاء داخلي. أي أن مركزه داخل في مركز اللواء (الموصل) وهو الوحيد من نوعه في (التشكيلات الإدارية) عندنا في الوقت الحاضر. ويتألف من ست نواح هي:
1 - ناحية الموصل: وهي عبارة عن مجموعة قرى تتجاوز - على ما نقل لي - الخمسين قرية تسكنها زهاء (1940) نسمة. ويقيم مدير الناحية في مدينة الموصل حيث دائرة
أشغاله.
2 - ناحية تلكيف: وهي أيضاً مجموعة قرى تبلغ (70) قرية على ما قيل ويسكنها زهاء (14440) نسمة. مركزها تلكيف الواقعة في الجهة الشمالية الشرقية من مدينة الموصل وتبعد عنها عشرة أميال. وهي عبارة عن مجموع بيوت مبنية بالحجر تسكنها الطائفة المسيحية الكلدانية فقط وأهلها يستقون مياههم من الآبار التي تحفر لهذه الغاية. ولضيق هذه القرية بأهلها، يظعن منها كل سنة مئات من النفوس منحدرة إلى بغداد والبصرة وسائر البلاد.
3 - ناحية قرقوش: وهي كتلكيف من حيث القذارة والبناء. ويبلغ عدد قراها ثمانين قرية ومجموع نفوسها 21470 نسمة. ومركز الناحية قرية قرقوش التي تبعد عن الموصل 16 ميلا في الجهة الشرقية.
4 - ناحية الشورة: يبلغ مجموع سكان هذه الناحية (13880) نسمة ويبلغ عدد قراها ثمانين قرية. ومركزها قرية الشورة القائمة على الشاطئ الأيمن من دجلة وتبعد عن الموصل 28 ميلا.
5 - ناحية شرقاط: يبلغ مجموع قرى هذه الناحية (38) ويبلغ مجموع سكانها (12030) نسمة ومركز الناحية قرية شرقاط وهي تبعد عن الموصل 71 ميلا. وكانت تسمى قديما (قلعة شهر قرد)
6 - ناحية الحميدات: مركز هذه الناحية قرية الحميدات القائمة على أنقاض كنائس قديمة تبعد عن الموصل (11) ميلا وهي مجموعة قرى تبلغ أربعين وعدد نفوسها (7820) نسمة.
وكل هذه القرى صغيرة جدا. لا يبلغ أهل الكبرى منها 500 نسمة على الغالب(7/140)
2 - قضاء تل أعفر
تل أعفر ويكتبها بعضهم تلعفر بلدة قديمة تبعد عن الموصل 44 ميلا. مبنية فوق ربوة مرتفعة تبعد عن جبل سنجار بثلاثين ميلا. فيها منبع ماء تشتغل عليه عدة أرح وبينها وبين سنجار عدة ينابيع أشهرها عين الشبابيط ثم عين الحصان ثم عين سينو وغيرها. وتقدر نفوس البلدة حسب الإحصاء الأخير، بزهاء (8530) نسمة. أما نفوس القضاء كله
ف (24340)
للقضاء ناحيتان هما ناحية تلعفر - وناحية زمار. أما الأولى فمجموعة قرى لا تتجاوز ال (40) وهي كلها مربوطة بمركز الناحية الواقع في مركز القضاء ومجموع نفوسها (7800) نسمة. وأما الناحية الثانية فيبلغ مجموع قراها (42) ومعظمها واقع على ساحل دجلة الأيمن. وتسكنها عشائر (الكركرية وجحيش والجبور). والكركرية (بكافين فارسيتين) قوم يتكلمون بلغة خاصة هي مزيج من اللغات الثلاث التركية والفارسية والكردية. وتبعد زمار عن الموصل 55 ميلا
3 - قضاء شيخان
لرئيس اليزيدية لقب هو (مير شيخان) ويسكن قرية باعذري. وقد سمي هذا القضاء بهذا الاسم نسبة إلى رئيس اليزيدية الذين يؤلفون الأكثرية بين سكان القضاء كله. وبالقرب من قوية (باعذري) مزار الشيخ عدي بن مسافر الذي تجله اليزيدية وتحج إلى قبره من جميع الأصقاع في مواسم مخصوصة ومجموع قرى القضاء ثلاثمائة تقريبا قاعدته قرية (عين سفني) التي تبعد عن باعذري خمسة أميال. وبيوتها من حجر وفي القضاء ينابيع غزيرة المياه تسقي المزارع والبساتين ولا سيما الأرز والسمسم والقطن. وله ثلاث نواح هي: -
1 - ناحية عين سفني: وهي داخلية وقد تقدم وصفها. وتبعد عن الموصل 26 ميلا.
2 - ناحية القوش: وهي بليدة قائمة على سفح جبل القوش الذي يمتد إلى عين سفني وباعذري. وتبعد عن الموصل 26 ميلا. وفيها ديران، دير قديم منحوت في جبل القوش ويرتقي تأريخه إلى صدر النصرانية ويسمى (دير ربان هرمز) ودير حديث كبير أسمه دير السيدة وفي القوش أيضا ضريح النبي ناحوم(7/141)
الذي يظن أنه دفن فيها ويزوره اليهود في كل سنة.
3 - ناحية بحشيقا: تقع أراضيها في الجهة الشمالية الشرقية من مدينة الموصل وتبعد عنها 16 ميلا وهي مبنية على سفح جبل بحشيقا القريب من جبل مقلوب. وقرى هذه الناحية كثيرة ومتقاربة ومنها قرية أبو جربوعة وبير حلان والشبك وبحزاني وغيرها. و (بحزاني) مقر الرؤسء الروحانيين من اليزيدية.
4 - قضاء سنجار
ذكر العلامة الأفرنسي المسيو ماسبيرو في كتابه (التاريخ القديم للشعوب الشرقية) ص 342 و776. إن سنجار بلدة آثورية قديمة وجدت منذ أكثر من ستة آلاف سنة وهي مفتاح الموصل وحصنها الحصين اهـ وقد ظلت هذه المدينة موصلية بحتة وخاضعة للسلطة التي حكمت الموصل، إلى أن تحصن فيها اليزيدية عام 1807م. ورفعوا راية العصيان على الحكومة فحملت الحكومة عليهم حلتها المشهورة وأخضعتهم.
وسنجار بلدة جميلة واسعة تبعد عن الموصل 74 ميلا وتستقي مياهها من ينابيع جبلية عديدة تتفجر من جبل سنجار وتخترق البلدة فتشقها شقين يقع الأول فوق الجبل وتسكنه الطائفة اليزيدية فقط. ويقع الثاني على سفحه وتسكنه بقية الطوائف المختلفة المذهب. وبعد أن تسقي هذه المياه مزارع البلدة وبساتينها، تتجمع في واد يدعى وادي الثرثار.
ومن جبل سنجار، تمتد عدة كهاريز إلى القرى الملحة بالقضاء. وله ناحيتان الأولى ناحية سنجار: وهي داخلية ومجموع قراها أربعون قرية. ومسكن المدير مع دائرة أشغاله في القسم السفلي من الجبل المذكور. والثانية ناحية الشمال وهي مجموعة قرى يبلغ عدها (40) قرية أيضا ومحل المدير في موضع يدعى قرية (كرسي) الواقعة على جبل سنجار الشمالي وتبعد عن سنجار بعشرين ميلا.
5 - قضاء العمادية
قاعدته قصبة العمادية. وهي من أغرب القصبات في العراق. لأنها عبارة عن حجر كبير واحد تحيط به المياه والمزارع، وتعلوه دواوين الحكومة ودور الأهلين. ولا يمكن الدخول إلى هذه القصبة إلا من بابين فقط أحدهما يسمى (باب الزيبار)(7/142)
لأنه يذهب إلى الزيبار رأسا. والثاني يسمى (باب العمادية) وهو في غربي القصبة.
وفي وسط البلدة بئر عميقة في وسط جامع كبير تقام فيه الصلوة. ومن هذه البئر وحدها يأخذ الأهلون مياههم عندما يحاصرون في عقر دارهم. أما في سائر الأيام فيستقي بعضهم مياههم من هذه البئر، ويستقيه البعض الآخر من المياه المحيطة بالحجر الآنف الذكر.
أسسها عماد الدين زنكي عام 537 هجرية على عهد الدولة الأتابكية وقد مرت عليها أدوار عكرت صفاء الأمن في ربوع الجزيرة ردحا من الزمن وتقدر نفوسها بألفي نسمة. وعلى
بعد خمسة أميال من هذه القصبة، قرية تعرف ب (بيباري) وقد اتخذت مقراً للحركات الحربية العراقية على الحدود.
للقضاء ثلاث نواح هي 1 - ناحية العمادية وهي داخلية. - 2 - برواري بالا وقراها (40) قرية تقريباً وكلها متلاصقة. و3 - ناحية نيروه ريكان وهي عبارة عن ثلاثين قرية تقريباً.
6 - قضاء عقرة
عقرة بلدة تاريخية قديمة لم يهتد المؤرخون إلى معرفة تأريخها بالضبط حتى الآن. وهي بلدة جميلة واقعة على منحدر الجبل المسمى باسمها. ويتوهم الناظر إليها من بعد أنها بناء شامخ متقوم من عدة طبقات بعضها فوق بعض تطل على واد فسيح فيه الحدائق الغناء المحتوية على أنواع الفواكه والأشجار وهي تبعد عن الموصل 64 ميلا.
ومعظم سكانها من الأكراد ولما كان مناخ البلدة شديد الحرارة في الصيف فأن الأهلين يضطرون إلى سكنى الوادي الفسيح. وفي الجهة الشرقية الجنوبية من القصبة، شلال يتدفق فيه الماء بغزارة فينشأ منه عمود يسميه الأهلون (سيبه) وهي كلمة كردية منحوتة من سي أي ثلاثون وبه أي قدم. ولعلهم يقصدون بذلك أن ارتفاع هذا العمود 30 قدماً وهو أحيانا كذلك.
للقضاء ناحيتان: الأولى ناحية عقرة وهي داخلية. والثاني ناحية العشائر السبع وقد سميت بهذا الاسم لأن سكنتها سبع عشائر وقد تقدم البحث عنها في(7/143)
كلامنا عن العشائر.
7 - قضاء دهوك
قاعدة هذا القضاء قصبة دهوك. وهي بلدة جميلة قائمة على تل مرتفع يطل على نهر دهوك وتبعد عن الموصل 51 ميلاً ونهر دهوك هذا ينبع من عين تسمى (كرماوه) وبعد أن يمر بالبلد، يصب في دجلة بالقرب من قرية تسمى (باشابي) التابعة لهذا القضاء ويتجاوز مجموع قرى القضاء كله ال (150).
نواحي القضاء ثلاث هي ناحية دهوك والمزوري والدوسكي. أما ناحية دهوك فداخلية. وأما المزوري فمجموعة قرى كثيرة جلها جبلية مربوطة بمركز الناحية وهو قرية
(اتروش) المحاطة بالكنائس والقرى. وأما ناحية الدوسكي فجملة قرى يبلغ مجموعها 30 ونفوسها خمسة الآلف تقريباً.
8 - قضاء زاخو
زاخو بلدة جميلة اشتهرت بالفواكه الأثمار وطيب النسيم العليل وحسن الماء. والذي يقيم بجوارها شهرا أو شهرين. يشعر بنفسه كأنه في جنة غناء فهي في وسط النهر المسمى باسمها وتكتنفها الجبال وفيها الأشجار على اختلاف أنواعها. وزاخو مركز القضاء وتبعد عن الموصل 78 ميلا وتقدر نفوسها ب (3480) وللقضاء ثلاث نواح: هي السليفاني والسندي وكلي. أما ناحية السليفاني فمجموع قراها 109 ومركزها قرية السليفاني القليلة الماء الرديئة الهواء وتبلغ نفوس الناحية (5942) وأما ناحية السندي فمجموعة قرى أيضاً لم أضبط عددها. وأما ناحية كلي فمعظم أراضيها جبلي وتكثر فيها المراعي وينابيع المياه العذبة.
9 - قضاء الزيبار
بعد أن يتجاوز المسافر جبال عقرة وبيرس بسبع ساعات، يصل إلى قرية تبعد عن ساحل نهر الزاب الكبير بميلين تقريبا تسمى (بيرة كبرى) فهذه القرية مركز قضاء الزيبار في الوقت الحاضر. غير أنه تقرر نقل المركز إلى قرية (بيلا) القائمة على ضفة الزاب اليسرى لتوسطها ولجمال موقعها ولا سيما وقد بنت الحكومة فيها صرحاً جليلا
والذي يلاحظ في هذا القضاء، هو أن معظم أراضيه جبلي تتفجر منها(7/144)
المياه العذبة فتسيل في الوديان والغابات التي تكثر فيها أشجار البلوط والكرم والسماق والعفص وغيرها من الغلات التي تنمو في الشمال.
للقضاء ثلاث نواح هي: (بيرة كبرى) وقد تقدم البحث عنها. و (شروان) وهي تقع على الطرف الشرقي من مركزها وفيها (85) قرية. و (مزوري) وهي واقعة على طرف القضاء الشمالي وقراها (90).
ملحوظة
في لواء الموصل أكثر من أربعة آلاف قرية ويصعب على كل باحث تدوين أسمائها
بالضبط ولهذا اكتفينا بما قدمناه حذر وقوعنا في غلط مبين.
بغداد: عبد الرزاق الحسني
(لغة العرب): نحن نرى مبالغات ظاهرة في تعداد القرى. والظاهر أن هذا العدد مأخوذ عن مصادر حكومية كما أفادنا الكاتب. وقد بلغت المبالغة أشدها عند الختام إذ يقول صاحبها أن قرى لواء الموصل تزيد على أربعة آلاف قرية. فلو فرضنا أن في قرية مائة نفس على أقل تقدير فيكون سكان تلك القرى أربعمائة ألف نسمة، ما عدا ما في لواء الموصل نفسه الذي لا يعد قرية. والحال أننا نعلم أن أهالي الموصل - بلوائها وقراها - لا يزيدون على 360 ألف نسمة فأين الحقيقة؟
عوض
قال اللغويون ما هذا بعض نصهم: عوض مثلثة الأخر مبنية. . . معناه الدهر أو أسم صنم لبكر بن وائل. . . اهـ ولم يحلوا لنا هذا الصنم لنعرفه. والذي يبدو لنا أنه المسمى في اليونانية أفالسلف أخذوا هذا الاسم عن اليونانيين أم هؤلاء أخذوه عن جدودنا؟ فهذا ما ندع البحث عنه في فرصة أخرى. - وما نسبة اليونان إلى زوس نسبة السلف إلى عوض. وأصل عوض: عبء واصل عبء: ضوء. وجعل الباء واواً أشهر من أن يذكر وقلب الهمزة ضاداً في الأخر لا يجهله لغوي. وكان من لغة الضزاز، والضزاز جمع الأضز هو من يضيق عليه مخرج الكلام حتى يستعين عليه بالضاد أي يتردد بحرف الضاد حتى يسترسل منه إلى الكلام.(7/145)
الأرملة المرضعة
القصيدة التي ألقاها الأستاذ الشاعر الكبير معروف الرصافي في حفلة جمعية حماية الأطفال التي أقيمت في صباح 11 كانون الثاني (يناير) سنة 1929:
لقيتها ليتني ما كنت ألقاها ... تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابها رثة والرجل حافية ... والدمع تذرف في الخد عيناها
بكت من الفقر فاحمرت مدامعها ... وأصفر كالورس من جوع محياها
مات الذي كان يحميها ويسعدها ... فالدهر من بعده بالفقر أشقاها
الموت أفجعها والفقر أوجعها ... والهم أنحلها والغم أضناها
فمنظر الحزن مشهود بمنظرها ... والبؤس مرآة مقرون بمرآها
كر الجديدين قد أبلى عباءتها ... فانشق أسفلها وأنشق أعلاها
ومزق الدهر، ويل الدهر، مئزرها ... حتى بدا من شقوق الثوب جنباها
تمشي باطمارها والبرد يلسعها ... كأنه عقرب شالت زباناها
حتى غدا جسمها بالبرد مرتجفا ... كالغصن في الريح واصطكت ثناياها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها ... حملا على الصدر مدعوما بيمناها
قد قمطتها باهدام ممزقة ... في العين منشرها سمج ومطواها
ما أنس لا أنس أني كنت أسمعها ... تشكو إلى ربها اوصاب دنياها
تقول يا رب لا تترك بلا لبن ... هذي الرضيعة وارحمني وإياها
ما تصنع الآم في تريب طفلتها ... أن مسها الضر حتى جف ثدياها
يا رب ما حيلتي فيها وقد ذبلت ... كزهرة الروض فقد الغيث أظماها
ما بالها وهي طول الليل باكية ... والأم ساهرة تبكي لمبكاها
يكاد ينقد قلبي حين أنظرها ... تبكي وتفتح لي من جوعها فاها
ويلمها طفلة باتت مروعة ... وبت من حولها في الليل أرعاها
تبكي لتشكو من داء ألم بها ... ولست أفهم منها كنه شكواها(7/146)
قد فاتها النطق كالعجماء ارحمها ... ولست أعلم أي السقم آذاها
ويح ابنتي أن ريب الدهر روعها ... بالفقر واليتم آها منهما آها
كانت مصيبتها بالفقر واحدة ... وموت والدها باليتم ثناها
هذا الذي في طريقي كنت أسمعه ... منها فآثر في نفسي وأشجاها
حتى دنوت إليها وهي ماشية ... وأدمعي أوسعت في الخد مجراها
وقلت يا أخت مهلا أنني رجل ... أشارك الناس طرا في بلاياها
سمعت يا أخت شكوى تهمسين بها ... في قالة أوجعت قلبي بفحواها
هل تسمح الأخت لي أني أشاطرها ... ما في يدي الآن أسترضي به اللاها
ثم اجتذبت لها من جيب ملحفتي ... درهما كنت أستبقي بقاياها
وقلت يا أخت أرجو منك تكرمني ... بأخذها دون ما من تغشاها
فأرسلت نظرة رعشاء راجفة ... ترمي السهام وقلبي من رماياها
وأخرجت زفرات من جوانحها ... كالنار تصعد من أعماق أحشاها
وأجهشت ثم قالت وهي باكية ... واها لمثلك من ذي رقة واها
أو عم في الناس حس مثل حسك لي ... ما تاه في فلوات الفقر من تاها
أو كان في الناس أنصاف ومرحمة ... لم تشك أرملة ضنكا بدنياها
هذي حكاية حال جئت أذكرها ... وليس يخفى على الأحرار مغزاها
أولى الأنام بعطف الناس أرملة ... وأشرف الناس من في المال واساها
(على) في مختار الصحاح
جاء في مختار الصحاح (على: حرف خافض يكون اسما وفعلا وحرفا) فأقول إن الحرف لا يكون اسما ولا فعلا. لأن (على) حرف الجر هو غير (علا) الفعل الماضي المتصرف. وقول الشاعر (غدت من عليه تنفض الطل بعد ما) معناه من (فوقه) وهو الصواب ولكن الضرورة ألجأته إلى ذلك. ولو جاز ذلك في النثر لجاز لنا أن نقول (رأينا العدو فهربنا إلى عنه) والسماجة في القول كالح وجهها يسيء الناظرين.
مصطفى جواد(7/147)
يا محب الشرق
القصيدة المتقدة ناراً أو المستعرة لهبا للأستاذ الرصافي وقد جهرها في حفلة الحزب الوطني العراقي، تلك الحفلة التي أقيمت في عصر 11 - 1 - 29 لتكريم جناب المستر كراين الأمريكي، محب العرب ووطنهم:
يا محب الشرق أهلا ... بك يا مستر كراين
مرحباً بالزائر المشهو ... ر في كل المدائن
مرحبا بالقادم المشكو ... ر في هذي المواطن
فضلكم باد على الشرق ... وشكر الشرق عالن
كم لكم من وقفات ... دونه ضد المشاحن
أيها المستر كراين ... أنظر الشرق وعاين
فهو للغرب أسير ... أسر مديون لدائن
إن هذا الشرق والغر ... ب لمغبون وغابن
فترى الشرق تجاه الغرب ... يسعى سعي ماهن
وترى الغرب عليه ... واقفا موقف خائن
منكرا منه المزايا ... موجدا فيه المطاعن
غاصبا منه المواني ... شاحنا فيه السفائن
حافرا فيه المعادن ... نابشا فيه الدفائن
فهو يمتص دماء الشر ... ق من كل الأماكن
باذرا من كيده في ... أهله بذر الضغائن
حاكما فيه على ... أهليه حكم المتهاون
جاعلا في رجله قيد ... الونى والقيد شائن
فترى الشرق لهذا ... ماشيا مشية واهن
أفهذي يا محب الشرق ... أفعال المهادن؟
أين ما قد قاله ولس ... ن يا مستر كراين
لم يكن ولسن فردا ... أن في الدنيا (ولاسن)(7/148)
فعلام الغرب لا ... ينفك للشرق مضاغن
كم يسوم الغرب أهل ... الشرق خسفا ويخاشن
وإلى كم ساسة الغرب ... تداحي وتداهن
يظهرون النصح في القو ... ل لنا والغش باطن
كم وكم نسمع منهم ... قول خداع ومائن
إن في الشرق تجاه ال ... غرب نيرانا كوامن
سوف ينشق حجاب الد ... هر عنها بالدواخن
وإذا قامت حروب ... من بني الشرق طواحن
فمن المسؤول عن ذ ... لك يا مستر كراين؟
وإذا تسأل عما هو ... في بغداد كائن؟
فهو حكم مشرقي الضر ... ع غربي الملابن
وطني الاسم لكن ... إنكليزي الشناشن
عربي أعجمي ... معرب اللهجة راطن
فيه للإيعاز من لند ... ن بالأمر مكامن
هو ذو وجهين وجه ... ظاهر يتبع باطن
قد ملكنا كل شيء ... نحن في الظاهر لكن
نحن في الباطن لا نم ... لك تحريكا لساكن
أفهذا جائز في الغر ... ب يا مستر كراين؟
متى يستوي المذكر والمؤنث في اسم التفضيل؟
قال ابن أبي الحديد في ال ص 25 الجزء الأول من شرح نهج البلاغة منتقدا ابن الراوندي (كان ينبغي أن يقول، إذا كان منكرا مصحوبا بمن استوى المذكر والمؤنث في لفظ أفعل تقول: زيد أفضل من عمر وهند أحسن من دعد) قلت وهذا ناقص لأن استواء المذكر والمؤنث لا يقتصر على كون اسم التفضيل (منكرا مصحوبا بمن) بل يشمله أيضاً إذا كان (مضافاً إلى نكرة) تقول (زيد أفضل رجل) و (هند أحسن امرأة) ويجوز فيه إذا كان مضافا
إلى معرفة مقصوداً به التفضيل تقول: (التلاميذ والتلميذات أحسن الأولاد) و (علي أشجع العرب).
مصطفى جواد(7/149)
قبر الإمام أبي يوسف
-
وقفت في مجلتكم (754: 6 إلى 757) على مقالة شائقة للكاتب الأديب عبد الحميد أفندي عبادة فوجدت صاحبها يتطلب أوثق المصادر وصولا إلى أمنيته والخلة حسنة ممدوحة إذ قلما نجد رجالا يتحرون المصادر الصادقة، بل يبنون غالباً أحكامهم على (قيل وقال). وقد لاحظت أن حضرة الفاضل لم يعثر على محل قبر الإمام أبي يوسف مع صرف جانب كبير من وقته لهذه الغاية، وفي الآخر أنكر أن يكون قبره في مقابر قريش أي في الكاظمية.
ولما كنت ممن انضى رواحل البحث في مثل الموضوع الذي يعالجه الكاتب الألمعي جئت بكلمتي هذه لأدله على تصنيف يحل المعضلة وهو الرحالة البشاري فقد قال في تأليفه (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) المطبوع في ليدن سنة 1906 في ص 130 في كلامه عن مشاهد العراق ما هذا حرف: (وببغداد قبر أبي يوسف في مقبرة قريش) وإذا أعترض الكاتب وقال: هذا الكلام يتعلق بأبي يوسف الشاعر قلنا له: لم يتعرض المؤلف لذكر قبور الشعراء والفضلاء والكتاب ومن جرى مجراهم، إنما تكلم على مشاهد الأئمة والصلحاء ومن تزار قبورهم تبركا. ولهذا لم يتعرض في ذلك الفصل إلا لذكر من تستجاب دعوتهم ثم أن تعدادهم مع تسميتهم كاف لإظهار الحقيقة. ولهذا أظن أن المرحوم محمود شكري الآلوسي كان قد أستند إلى هذا المؤلف في كلامه عن محل قبر أبي يوسف وأنه في الكاظمية (مقابر قريش).
وأنت تعلم أن البشاري حجة في ما يقول أولا لأنه كان حيا في المائة الرابعة للهجرة (المائة العاشرة للميلاد) ولأن أبا يوسف توفي في أواخر المائة الثانية للهجرة (أي سنة 182هـ أو 708م)، فشهادته إذن من أحسن الشهادات لقدمها ولا سيما حين تعلم أن ابن خلكان هو من أبناء المائة السابعة للهجرة أو الثالثة عشرة للميلاد - ثانيا لأن البشاري كان ثبتا في ما يرويه ولا يلقي الكلام على عواهنه وكتابه خال من ذكر الخرافات والأوهام وأنواع الأضاليل؛ والإفرنج يجلونه(7/150)
كل الإجلال ويعرفونه بالمقدسي، أما السلف فلا يعرفونه إلا بالبشاري، وهو محمد بن أحمد بن أبي بكر البناء، أبو عبد الله البشاري المقدسي ومقدمة
كتابه تشهد بعلو كعبه إذ قال: (أعلم أني أسندت هذا الكتاب على قواعد محكمة وأسندته بدعائم قوية وتحريت جهدي الصواب. وما استعنت به على تبيانه سؤال ذوي العقول من الناس، ومن لم أعرفهم بالغفلة والالتباس، عن الكور والأعمال في الأطراف التي أبعدت عنها، ولم يتقدر لي الوصول إليها فما وقع عليه اتفاقهم أثبته، وما اختلفوا فيه نبذته. وما لم يكن لي بد من الوصول إليه والوقوف عليه قصدته، وما لم يقر في قلبي ولم يقبله عقلي لسندته إلى الذي ذكره أو قلت: زعموا. . .) اهـ.
فأنت ترى من هذا العرض الوجيز أن أحسن التقاسيم من المصنفات الجليلة التي تعقد عليه الخناصر. وحجته من امنع الحجج وكفى.
ب. م. م
اليوبيل
اليوبيل (بضم الياء وإسكان الواو وباء مكسورة يليها ياء سانة فلام) كلمة عبرية معناها آلة ينفخ فيها تبشيرا بيوم التحرير أو الإطلاق أو الخلاص، وهو يوم كبير كان اليهود يحتفلون به كل خمسين سنة ويعفون فيه من الديون على أنواعها، ويعيدون المواريث إلى أصحابها الأقدمين ويحررون جميع العبيد الذين في بيوتهم (راجع سفر اللاويين 10: 25 وما يليها ففيها تفاصيل جمة مفيدة).
أما الكاثوليك فيسمون يوبيلا يوم الغفران الكامل العظيم. يقام باحتفال جليل عام في ديار النصرانية جميعها ويمنحه أمام الأحبار في بعض الأزمنة وفي بعض الفرص. وقد أدخله البابا بونيفاطيوس في الكنيسة في سنة 1300 وجعله مرة فغي كل قرن (أو مائة سنة) ثم نقله البابا أقليمس السادس في كل خمسين سنة. وحوله البابا أربانس إلى كل ثلاث وثلاثين سنة. ونقله سكستس الرابع إلى كل 25 سنة ثم توسع فيه القوم فأطلقوه على كل يوم فرح عظيم بلا حصر في المدة.(7/151)
ثياب الشرق في بلاد الغرب
طالعنا في جريدة (الاتحاد) المصرية الصادرة في 25 - 11 - 28 مقالة بعنوان (أثر النفوذ الإسلامي في الفن الأوربي) وهي خلاصة محاضرة المدام ديفونشير حاضرت فيها الجمعية الجغرافية الملكية. وقد قالت فيها:
(فالنسيج المعروف حتى اليوم بالموسلين لم يأت إلا من (الموصل). وهذا القماش الإيطالي المسمى (بالداكو) يدل معناه على كلمة الخدر أو المظلة (؟ كذا). أما القماش الذي يسميه الإنجليز (دينيتي) فأصله من مدينة (دمياط). اهـ.
قلنا: لقد صح كلامها في الموصلي والدمياطي وبالفرنسية أما في (بلداكوا) وبالفرنسية فلم يصح لأن (البلداكو) مشتقة من (بلداك) وهذه تصحيف قبيح لكلمة (بغداد) فالبلداكو بمعنى المظلة مشتق من الثوب (البغدادي) وكان يجلبه الإفرنج إلى بلادهم ليتخذوا منه المظال. أما توجيه السيدة فلا قائمة له يقوم عليها. وهناك ثياب أخرى أصلها من الشرق ويحسن بنا أن نذكرها على حروف الهجاء الإفرنجي:
بعلبكي ومن أهل بعلبك انتقل إلى ديار الهند في بنغال فصنع هناك أيضا. بوقاسي نسبة إلى بوقاس بلدة بين حلب والمصيصة. أو قائم قاليقوطي (كلكتي) نسبة إلى قاليقوط أو كلكتة في كنبائي نسبة إلى (كنباية) في خانقيني(7/152)
نسبة إلى (خانقين) من نواحي السواد (العراق) سابقا والآن هي في ديار والعراقيون يقولون جيت (بالجيم الفارسية المثلثة وهي أصح). فتر (ككبد) ضرب من الثياب كانت النساء يتخذونه في أول الأمر من الفسطاطي وله طيات كثيرة واسعة ولا يتجاوز طوله الركبتين ثم أتخذه الأورام لباسا خاصا بهم فأصبح ثوبا مميزا لقوميتهم. أما كيف حولت طاء فسطاط نونا فمثله كثير في لغتنا وذلك لإحداث معنى جديد فقد قالوا قرطاط وقرطان، الوهط والوهن إلى غيرهما. وذكر الفسطان صاحب محيط المحيط وقال راجع الفستان وقال في هذا الثوب ما نصه: الفستان من لبس النساء بمنزلة القباء أو القنباز للرجال. فارسي والجمع فساتين. اهـ. وقد رأيت أنه عربية نسبة إلى فسطاط التي يقال فيها أيضاً فستات بتاءين فاصل فستان أو فسطان فستاني أو فسطاني ثم حذفت ياء النسبة كما حذفوها من جهرمي وأجنبي وبلخشي فقالوا:
جهرم وأجنب وبلخش إلى غيرها. وقد وردت الفشطان بالشين المعجمة أيضا. قال ابن بطوطة في رحلته: وكنت أراه (قاضي مكة) حين ذلك لابسا جبة بيضاء قصيرة من ثياب القطن المدعوة بالفشطان (وفي بعض النسخ بالفسطان) كان يلبسها في بعض الأوقات. اهـ.
نسبة إلى فسطاط مصر وكان يصنع فيها أفخر ثياب الكتان ذات الخمل الدقيق وفيها شيء من القطن. غرناطي نسبة إلى (غرناطة) في نسبة إلى درب الحبش في(7/153)
لاوندي (أي شرقي) مضام ويعرف في العراق باسم الخورشيدي أيضاً والكلمة مأخوذة من اسم بلدة في الهند اسمها مدابولام. (نسبة إلى ماصوليباتام في الهند). (وهو ضرب من الثياب تتخذ منه القرام للمقاعد) مور (ثوب يتموج تموج ماء البحر) مور (من باب التفعيل) أي جعل ظاهر الثوب يتموج مهاباذي (نسبة إلى مهاباذ قرية شهيرة بين قم وأصبهان) مولتاني أو ملتاني (في الهند) ننكيني نسبة إلى (ننكين) في بكيني نسبة إلى مدينة (بكين) في صاية محرفة عن شاية أو شيه وهذه عن ساج لنوع من الثياب. سيامي أو صيامي نسبة إلى (سيام أو صيام) عتابي (بتشديد التاء نسبة إلى العتابيين وهي
مجلة في بغداد كان يصنع فيها هذه الثياب. وقد ذكر العتابيين ياقوت الحموي في مادة جهار سوج ودار القز ولم يذكرها في مظنتها وراجع أيضا دوزي(7/154)
في كتاب الألبسة ص 10 و436 وراجع كانومير في سفره أخبار المماليك (8: 241: 1
و2: 70: 1 وراجع م. دي. فيانجوس - أخبار الدول الإسلامية في سورية وإسبانية 1، 358 وذكرها النويري في أخبار مصر إلى غيرهم) وممن ذكر الثياب العتابية ابن جبير في رحلته (ص 226 من طبعة الإفرنج): ومن أسماء المحلات (التي في الكرخ أو الجهة الغربية) العتابية وبها تصنع الثياب العتابية وهي حرير وقطن مختلفات الألوان. اهـ. فهذا نص واضح على ما نقوله.
وقال دوزي في معجمه: (دونك خبر العتابي: العتابي مجلة من محال بغداد أخذت من اسم عتاب أحد حفدة بني أمية فعرفت بالعتابية. وكان يصنع فيها ضرب من الثياب المخططة المتموجة وهي التي عرفت باسم العتابية والواحد منها عتابي. . .) اهـ
وممن ذكر الثياب العتابية الأصطخري وابن حوقل وابن البيطار والإدريسي وكثيرون آخرون.
طنجلي (من بلاد الهند)
تركي
ولا جرم أن هناك ثيابا أخرى لكنها فاتتنا.
وأشهر المدن الشرقية التي كانت تصنع فيها أنواع الثياب، فقد كان فيها عدة قرى تعنى بالنسج والحياكة. منها: السبن (كسبب) وكانت تصنع فيها الثياب السبنية وهي أزر سود للنساء وقد تسوى من كتان مخلوط بحرير. - وذكر ابن خلدون في كتابه أخبار الأندلس: الملاحف البغدادية قال: ثمانية وأربعون من الملاحف البغدادية لزينة الخيل من الحرير الذهب - وذكر ياقوت الحموي الحظيرة وقال عنها: قرية كبيرة من أعمال بغداد من جهة تكريت من ناحية دجيل ينسج فيها الثياب الكرباس للصفيق ويحملها التجار إلى البلاد. - وفي المخرم وهي محلة كانت ببغداد بين الرصافة ونهر العلي كانت تصنع فيها الثياب ذات المنافذ مختلفة الأشكال حتى أشتهر اسم المخرم عند جميع الناطقين بالضاد من العوام بمعنى الثوب الممنن النقش أي الدانتيل ثم نقل إلى ما يشبهه(7/155)
من الأبنية.
وذكر المقدسي في كتابه (ص 128 من طبعة الإفرنج) ما في العراق فقال: ألم تسمع بخز البصرة وبزها وطرائفها. . . وبالأبلة تعمل ثياب الكتان الرفيعة على عمل القصب وبالكوفة عمائم القز والبنفسج في غاية الجودة. وبمدينة السلام الطرائف وألوان ثياب القز وغير ذلك. . . ويصنع بالنعمانية أكسية وثياب صوف عسلية حسنة. وببغداد أزر وعمائم يكانكي رفيعة. ومناديل القصرية والبويبية وصوف تكريت والستور الواسطية. اهـ.
قلنا: أما اليوم فقد تلاشت تلك الصناعة ولم يبق منها سوى صنع الأزر الحريرية لأن الثياب الإفرنجية قتلت ما سواها. فعسى أن يأتي يوم تعود صناعتنا إلى ما كانت عليه سابقا.
السيد محمد علي الشاه عبد العظيمي
في فهرست المجلد الخامس من لغة العرب: 128: علي الشاه السيد محمد عبد العظيمي والصواب: الشاه عبد العظيمي السيد محمد علي و (الشاه عبد العظيم) بليدة تبعد عن طهران فرسخ دفن فيها السيد عبد العظيم الحسني فسميت به.
وبهذه المناسبة نذكر شيئا من ترجمة المرحوم السيد محمد علي فنقول:
السيد محمد علي الحسيني الشاه عبد العظيمي: عالم فاضل صالح من أعلام النجف في القرن الرابع عشر، له مؤلفات جليلة وأسفار نفيسة أعرف منها: غرفة المعجزات (جزءان) ط. والإيقاد (في ترجمة النبي وفاطمة والأئمة الاثني عشر) ط. وكتاب (في المواعظ) ط. ورسالة في الرجال أظنها مطبوعة. يروي (بالإجازة) عن الشيخ محمد حسين الكاظمي والملا لطف الله المازندراني ونحن نروي (بالإجازة) عن الشيخ محمد علي الغروي الأوردبادي عنه قدس سره. توفي رحمه الله في النجف ودفن في الإيوان الذهبي بقرب العلامة الحلي. وله عدة أولاد منهم السيد محمد رضا صاحب كتاب اللؤلؤ المرتب في أخبار البرامكة وآل المهلب. ط.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي(7/156)
نظرة في تاريخ مساجد بغداد
وقع نظري على تاريخ مساجد بغداد فبدا لي خطأ أعرضه على القارئ. ذلك أن مهذبه محمد بهجة أفندي الأثري قال حول (مشهد الإمامين في الكاظمية) في ص 117: (وعمر في القرن السابع الهجري عمره البويهيون فيما أظن وبقي على ذلك إلى أيام وزارة ابن العلقمي فعمر القبة. . .) اهـ والذي أعلمه أن دولة البويهيين انقرضت سنة سبع وأربعين بعد الأربعمائة للهجرة (447) أي منتصف القرن الخامس الهجري إلا ثلاث سنين. فالظن في التاريخ شوك وقد قيل (إنك لا تجني من الشوك العنب). أما الذي عمر المشهد في الاحتراق الثاني فهو (أبو نصر محمد الظاهر بأمر الله) وعمره بعده (المستنصر) لأنه أحترق في زمن الظاهر فشرع في عمارته فمات. ثم أتمها المستنصر. وإن المهذب هذا قد ذكر احتراقه الذي حدث سنة (443) فهل من المعقول أن يبقى من منتصف القرن الخامس إلى القرن السابع بلا عمارة؟
وقال المهذب المسطور في ح ص 53: (زعم انستاس هذا أيضا - لغة العرب م3 ص 561 - إن على هذا الباب المسمى اليوم بالباب الوسطاني كتابة مسطورة على جبينه. . . وليس ثمة كتابة وإنما هي على الطلسم الذي أتخذه الأتراك مخزنا للبارود والقنابل ونسفوه ليلة سقوط بغداد بيد البريطانيين. وقد أختلط عليه الأمر فظن ذاك هذا وقال ما قال رجما بالظنون، ولعمري لو كان المؤرخون كلهم على شاكلة هذا الأنبا أو هذا الأب لقلنا على التاريخ العفاء) انتهى بحروفه.
قلت إن هذا المهذب أراد بباب الوسطاني (باب الظفرية) الذي سمي باسم محلة الظفرية من محال بغداد. وقصد بالطلسم (باب الحلبة). أما ما ذكره من تكذيبه الأب أنستاس واستجهاله إياه فليس في محله لأن الكتابة التي تكلم عليها الأب المذكور لا تزال مرقومة ثابتة على باب الظفرية (الوسطاني) وترى على الوجهة الجنوبية وقد تبحثتها يوما بعد يوم حتى قرأتها واليكها أيها القارئ فهي(7/157)
حقيقة تاريخية يجب أن تضطم عليها جوانح التاريخ:
(ولا زالت دعوته المباركة للدين قواما وللإسلام نظاما ودولته القاهرة سكينة للأمة واعتصاما ولمدينة السلام بابا وأنوارا) اهـ.
والغريب المستنكر أن الأثري نقل ذكره سطورا ما نصه (وافق الفراغ في سنة ثمان وعشرين - ثمان عشر - وستمائة) فذكر العشرة مع أنها مركبة والمعدود مؤنث. فيجب إذن لأن العربية لم تنحط في زمان الناصر لدين الله إلى هذه الدركة السفلى من الغلط.
مصطفى جواد
نظرة في مقالة: الشيخ فخر الدين الطريحي
هذه المقالة كثيرة المنافع تبحث عن ترجمة أحد أعلام النجف فغي القرن الحادي عشر الهجري وفي أثناء مطالعتي لها عثرت على بعض أوهام منها:
في هامش ص 725: الشيخ بهاء الدين محمد بن عبد الصمد بن الحسين والصواب الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد (راجع روضات الجنات ص 532 وأمل الآمل طبعه العجم ص 450 ولؤلؤة البحرين ص 15 والكشكول ص 386)
وفي ص 727: وكتاب (حاشية على المعتبر للمحقق الحلي) ثم عرف المحقق الحلي في الحاشية بالشيخ الطوسي والصحيح أن المحقق الحلي هو الشيخ جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي الهذلي صاحب المؤلفات العديدة التي منها كتاب الشرائع وكتاب مختصر الشرائع وهو الذي شرحه الطريحي واسماه بالضياء اللامع توفي عام 676هـ (1277م)، فأين هذا من ذاك؟
وفي هامش ص 727: أخذ عن الشيخ المفيد بن النعمان وأخذ عنه علم الهدى السيد المرتضى، والصحيح أن يقال: أخذ عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان وعن علم الهدى السيد المرتضى (راجع روضات الجنات ص 581 ولؤلؤة البحرين ص 248)، أما السيد المرتضى الذي أخذ عنه فهو غير علم الهدي بل هو أبو الحسن المطهر ابن أبي القاسم الديباجي (راجع روضات الجنات ص 584)
وفي هامش ص 730: السيد نعمة الله الجزائري صاحب الأنوار النعمانية المتوفى سنة 1117هـ. والصواب سنة 1112هـ أي عام 1701م (راجع روضات الجنات ص 222 والهيئة والإسلام ص 16)،
محمد مهدي العلوي(7/158)
خزائن كتب إيران
خزانة الحاج الملا علي آقا في تبريز
الحاج الملا علي آقا ابن عبد العظيم الواعظ التبريزي الخياباني: عالم جليل من أصدقائنا الصميم، له خزانة كتب عامرة حوت فرائد الأسفار وبدائع الآثار ونحن نصف الآن مخطوطاتها مرتبة على حروف الهجاء.
الهمزة
1 - الإجازة الكبيرة للسيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الموسوي الجزائري: أشار فيها إلى أحوال جملة من مشايخه وأفاضل عصره وكأنه وضعها تكملة لكتاب أمل الآمل وتداركا لما فاته.
2 - الاختصاص للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان المتوفى سنة 413هـ
3 - آداب الرياضة وطريق السلوك مطابقا للشرع المطهر للملا محمد تقي المجلسي الأصبهاني المتوفى سنة 1070هـ: بالفارسية.
4 - آداب المتقين للملا أحمد ابن الملا محمد الرستاقي: بالفارسية.
5 - الأربعين لأسعد بن إبراهيم بن الحسن بن علي الأربلي: قال في مقدمته: حدثني الشيخ الإمام الحافظ الحسيب النسيب جمال الدين ابن الدحية والحسين المغربي الأندلسي سنة عشر وستمائة.
6 - الأربعين عن الأربعين لأبي سعيد محمد بن أحمد الحسين النيسابوري الخزاعي: قال في مقدمته: أخرجت أربعين حديثاً عن أربعين رجلاً من شيوخي وسميتها الأربعين عن الأربعين في فضائل علي أمير المؤمنين.
7 - الأربعين عن الأربعين من الأربعين للشيخ منتجب الدين علي بن عبد الله ابن الحسن بن الحسين بن بابويه القمي: كتاب جليل يشتمل على أربعين حديثا عن أربعين شيخا عن أربعين صحابيا من أربعين كتابا وألحق بآخره أربع عشرة حكاية في فضائل الإمام علي عليه السلام ومعاجزه.
8 - الأستنصار في النص على الأئمة الأطهار لأبي الفتح محمد بن علي(7/159)
الكراجكي المتوفى سنة 449.
9 - الاستيعاب في بيان ترجمة الآل والأصحاب للشيخ عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي الأندلسي المالكي المعروف بابن عبد البر المتوفى سنة 463
10 - أصل (من الأصول) في الحديث لبعض القدماء من أصحابنا علماء الشيعة الإمامية ولم نقف على أسمه.
11 - أصول العقائد وجامع الفوائد للملا محمد هادي بن اللوحي الموسوي الحسيني السبزواري، بالفارسية.
12 - الاعتقادات في الكلام للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان.
13 - الأعمال المانعة من الجنة لأبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي.
14 - الأمالي للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان.
15 - الأنوار المضيئة في الحكمة الشرعية للسيد بهاء الدين علي بن عبد الحميد الحسيني النيلي النجفي، كتاب في خمسة مجلدات (أولها) في علم الكلام على طريقة الشيعة الامامية و (ثانيها) في بيان الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والعام والخاص والمطلق والمقيد إلى غير ذلك و (ثالثها) و (رابعها) في فقه آل البيت و (خامسها) في بيان أسرار القرآن والقصص الظريفة والأخلاق والآداب والسنن والأدعية.
16 - إيضاح دفائن النواصب (المعروف بمائة منقبة) لأبي الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن شاذان القمي، أورد فيه مائة منقبة من طريق أهل السنة والجماعة.
الباء
17 - بحر العلوم للميرزا حسن الزنوزي (الملقب بشيخ الإسلام وهو من السادة الشرفاء) بالفارسية.
التاء
18 - تاريخ الأئمة لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن الخشاب المتوفى سنة 567هـ
لها بقية
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي(7/160)
صدى اليوبيل
لغة العرب
عن مجلة (السفير) الصادرة بالإسكندرية في 18 ديسمبر سنة 1928
تبدأ زميلتنا الغراء (لغة العرب) التي تصدر عن بغداد سنتها السابعة في مستهل العام الجديد ولكنها - تلبية لرجاء قرائها - بادرت إلى إصدار عدد ممتاز خاص بيوبيل العلامة الكبير الأب أنستاس الكرملي، فجاء تحفة أدبية شائقة لما تضمنه من نفيس المنثور والمنظوم الذي وجه إلى الأب عن جدارة وأهلية. وإذا ما ذكر الأب الكرملي ذكر التبحر اللغوي العظيم والتضلع النادر من فقه اللغة على أصول علمية صحيحة يكفي للدلالة عليها مقالته الممتعة التي نشرتها زميلتنا مجلة (الهلال) في عدد ديسمبر. فلا غرو إذا عد الحجة الثقة والإمام اللغوي الأكبر في هذا العصر بين أبناء العربية. ونحن من أجل ذلك نرحب بعلمه الغزير ونتمنى لزميلتنا (لغة العرب) التي يرأس هيئة تحريرها العمر الطويل لخدمة الضاد وأبنائها، كما نحث جمهرة الأدباء - المحافظين والمجددين منهم على السواء - أن يقبلوا على فرائدها اللغوية النفيسة. وبدل الاشتراك السنوي جنيه مصري يرسل مقدما إلى إدارة المجلة في بغداد أو يدفع إلى مكتبه العرب بشارع الفجالة بالقاهرة أو إلى المكتبة الإنجليزية بشارع زغلول بالإسكندرية.
يوبيل العلامة الكرملي
عن مجلة المباحث التي تصدر في طرابلس لبنان لصاحبها الكبير المؤرخ الشهير جرجي ينى في جزئها الصادر في السنة 20 منها ص 308:
ذكر من قبل في (المباحث) إذاعة اللجنة الكريمة المؤلفة في بغداد لتكرمة العلامة الكبير الأب أنستاس ماري الكرملي المشهور بجليل بحوثه العلمية واللغوية والأدبية.
وقد أنصل بنا أن الحفلة عقدت في دار حضرة صاحب الدولة عبد المحسن(7/161)
بك السعدون رئيس وزارة العراق وشهدها نائب كريم عن جلالة الملك فيصل المعظم وبعض الوزراء الكرام وجمهرة من العلماء والعظماء حتى غصت بهم الدار على رحبها، وذلك إجابة لدعوة اللجنة المؤلفة من عظماء القوم وفي صدرهم صاحب المعالي يوسف أفندي غنيمة وزير
المالية. وقام على رئاستها الفيلسوف الشاعر جميل صدقي أفندي الزهاوي الذائع الصيت.
ولما أكتمل الحشد، فتحت الحفلة بالنشيد المنسوب لجلالة ملك العراق فوقف الأستاذ جميل صدقي أفندي لأول مرة بصفته رئيس اللجنة ورحب بالذين لبوا الدعوة ترحابا بليغا ثم تلاه الفاضل أحمد أفندي الصراف كتوم اللجنة فألقى خطبة غراء ذكر بها فضائل المحتفي به وجهوده العلمية ومناقبه وتلا ما ورد على اللجنة من البرقيات والرسائل.
وما جلس حتى عاد جميل صدقي أفندي ثانية فوقف بصفته عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق وتلا منه رسالة بتهنئة العلامة ووصف كمالاته وتلاه الفاضل رفائيل أفندي بطي فخطب خطبة شائقة أجاد فيها بوصف المحتفى به.
وعاد بعده للمرة الثالثة الأستاذ الشاعر جميل صدقي أفندي فنشف الآذان بسماع قصيدة غراء وصف بها العلامة الكرملي وأعماله وصفا يخلب الألباب كعادته.
ولما انتهى وقف صاحب المعالي توفيق بك السويدي وزير المعارف فأثنى على الأب الجليل وكمالات صفاته وآدابه وأعماله العلمية.
وعندئذ وقف العلامة المحتفى به وقال قولا جميلا أظهر به ما تجعل به من الوداعة والتواضع منكرا ما شهد له به الملأ من الفضل وإجادة العمل واستحقاقه الاحتفال بتكريمه من أفاضل الناس.
أما المباحث فتهنئ أستاذها العلامة الجليل بعيده الذهبي الخمسيني وتدعو له بطول العمر والبقاء معافى نشيطا ليجتاز عيده الألماسي والناس من حوله يجنون فوائد علمه الراسخ وأدبه الجم.(7/162)
فوائد لغوية
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
كتب من يصعب علي أن أذكر اسمه مقالة في إحدى جرائد بغداد ينتقد بها بعض ما كتبته في (لغة العرب) حسدا ومغالطة. وقد نسب المواضيع التي انتقدها إلى (الأب أنستاس ماري الكرملي) مع أنها موقع فيها بتوقيعي الصريح ورمى الكرملي بكلام أقذع له فيه أي إقذاع!! ولا عجب من ذلك فلسوقنا الأدبية غرار لا درة. وإني لأعظم من أن أسابه وأقرصه بالقوارص لتنزهي عن ذلك ولأن مني هذه المجلة التي أشادت بذكره إحسانا إليه: خدمة اللغة العربية وتخليصها من شوائب الجامدين وعبث العابثين الذين حداهم نقصان تربيتهم على مجازاة مشجعهم جزاء (سنمار). ومثل هؤلاء كمثل (الملاح) الذي أعياه الماء بانحداره على سفينته فأنه يستند إلى لجام السفينة ظانا أنها تشق عباب الماء مع أنه يغش نفسه بنفسه. وذلك يذكرني قول النابغة الذبياني:
يظل من خوفه (الملاح) معتمدا ... بالخيزرانة بعد الأين والنجد
1 - قال هذا في أول كلامه (بمناسبة صدور الجزء الأول من المجلد السابع لمجلة لغة العرب الخاص بيوبيل الكرملي. . . أريد أن أقدم) ويرى القارئ أنه ترك المعنى مبهما بعد (مناسبة) إذ لم يذكر (الذي ناسبه صدور الجزء) والجهل ظاهر ولو غطي على شناعته بزخرف القول. فالمعروف أن يقال (ناسب هذا الأمر ذلك الأمر) و (بمناسبة هذا الأمر لذلك الأمر أريد أن أقدم. . .) وكيف لهذا الناقد بهذا التحقيق وهو بعيد عن العربية!
2 - وقال عن الكرملي العلاقة متقولا عليه (أتخذ صومعته بمثابة قلعة لمحاربة لغتنا الشريفة وخرقه - سياج حرمة أئمتنا - الأعلام) وإلى مثل هذا يلجأ ضعفاء الحجج. فكأن العلماء ساروا كلهم على وتيرة واحدة ولم يختلفوا(7/163)
في تفسير القرآن العزيز ولا نقل الأحاديث ولا تفسيرها ولا مفردات العربية وكأن الدنيا خلت من نقد القاموس للصحاح واستجهال صاحب الجاسوس لصاحب القاموس ومن الفلك الدائر على المثل السائر ومن أشباه ذلك التي لا تحصى. والمستقذر أن قوله (سياج حرمة أئمتنا) هو قلعة حارب فيها (بلاغة العربية) ولكن لا لوم عليه لأن محاربته صدرت عن جهل والجاهل يعلم (بتشديد
اللام). قلت ذلك لأنه (تابع الإضافات) في جملته والمطلع على علم البلاغة يستقذر (تتابع الإضافات) مثل (حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي) ومثل (سياج حرمة أئمتنا) فليعلم إنني جاهل مثله فمرحبا بمن يعلمني نزيها.
3 - في ص 661 من لغة العرب ادعيت أن المنادى المعرفة المختص بمثل (يا علي) و (يا أيتها النفس المطمئنة) و (يا جوابان) يجب أن نرفعه فيكون مبنيا محله الرفع. وما ضربت تلك الأمثلة إلا ليخرج المضاف المعرفة من قولي (المنادى المعرفة). وقلت محتجا على العلماء (إن البناء يحذف التنوين فقط) واستدللت على ذلك باسم (لا) النافية للجنس لأنه معرب الأصل يقبل التنوين فلما بني حذف منه التنوين مثل (لا مغالط شريف) فقال هذا الرجل مسندا إلي الضمير (لأن البناء في زعمه هو إسقاط التنوين وكلام هذا الخابط مفند من ثلاثة وجوه) (كذا) اهـ. مع إني لم أقل ذلك وإنما قولي (إن البناء يحذف التنوين فقط) فتأمل يا منصفا وأي عجب تعجب إذا علمت أن قولي ليس بعام بل هو جواب لمن يدعي أن البناء في المنادى المبني يقلب الفتحة ضمة والياء ألفا وواوا لأنه لو جاز ذلك لجاز أن نقول (لا رجل حاضر) بضم الرجل و (لا عاقلان مغالطان) و (لا عاقلون مغالطون) لأن ذلك مبني وهذا مبني ولأن الأول معرب الأصل ولأن الثاني معربه أيضا. أما أنهم جوزوا نصب النعت لذلك المنادي فهو تأييد لقولهم المطعون فيه لغرابته.
4 - وأنظر إلى قوله (ثلاثة وجوه) تعرف مقدار علمه لأنه استعمل (جمع الكثرة) في موضع (جمع القلة) أي (ثلاثة أوجه) وإذا قلت له (هذه بضاعتك يا أيها الفتى) قال لك (قد استعمل جمع القلة مكان جمع الكثرة) وما عليك حينئذ إلا أن تقول له (ذلك سماعي واضطراري فلا تعبث بالقواعد(7/164)
الثابتة من أجل غلطك البارز).
5 - قلت (أو لم يروا إلى اسم (لا) النافية للجنس فأنه عند بنائه لم يمتنع ظهور علامة النصب عليه) فقال هذا الناقد (فظن هذا الموسوس أن فتحة أسم (لا) فتحة إعراب فأراد أن يقيس عليها ضمة المنادى والحقيقة أنها (فتحة بناء) وأنه يقال: مبني على الفتح في محل نصب لكن الأغبياء تقصر أذهانهم. . .) وبعد تقدمي الأدلة يظهر الغبي المتعسف للقارئ. قال ابن عقيل في شرح الألفية (وذهب الكوفيون والزجاج إلى أن (رجل) في قولك (لا رجل) معرب وأن (فتحته: فتحة إعراب لا فتحة بناء وذهب المبرد إلى أن (مسلمين
ومسلمين) معربان اهـ. أفانا الموسوس أم هو؟ فقولنا (لا رجل حاضر) تكون الفتحة فيه للبناء والإعراب فهي علامة نصب قبل البناء وبعده وقولنا (لا مسلمين حاضران) تكون الياء فيه للإعراب والبناء وهي علامة نصب قبل البناء وبعده وقولنا (لا مسلمين حاضرون) تكون الياء فيه للبناء والإعراب وهي علامة نصب قبل البناء وبعده. ورب قائل يقول كيف تجع البناء والإعراب وهما متضادان قلت (هذا محصول قول العلماء فأنهم أجازوا الإعراب والبناء في هذا المحل ولم يذهب العلماء هذين المذهبين إلا لجواز الاشتراك بينهما. فتأمل يا منصفا.
6 - وقال في معرض كلامه (كما يعلم ذلك أقل التلاميذ) ولم أهتد إلى صواب في هذا القول. فالخطأ تركه (أقل) من دون تمييز فأحتمل قوله وجهين الأول (أقل التلاميذ معرفة) والثاني (أقل التلاميذ جهلا) فتطلع أيها القارئ الغيور على العربية إلى لغة هذا الكتاب الضليع!!
7 - كتبت في ص 665 شيئا حول الإقحام وضربت مثلا قول من قال (عطر وريح عمرو) و (كتاب وقلم العالم) وقلت إن الأصل (عطر عمرو وريحه) و (كتاب العالم وقلمه) نقل هذا الناقد الحسن الأخلاق (وهذا غاية في الرعونة وقد ارتكب عدة خطيئات لا تغتفر - 1 - أعتبر المسألة من باب الإقحام ظاناً أن لفظة (العالم) مضاف إليه للفظة (كتاب) فتكون لفظة (قلم) مقحمة بين شيئين متلازمين وليس الأمر كذلك بل كتاب مضاف(7/165)
إلى العالم المحذوف استغناءا عنه بالمذكور والمسألة مبسوطة في باب النعت قال ابن مالك. . .) ثم قال - 2 - ومثلوا لذلك بقول العرب (قطع الله يد ورجل من قالها) اهـ. قلت إن جهل الرجل دفعه إلى ذلك القول الذي جعله نصا عاما. وما قدمه إلا ناشزة عن هذا العلم لأن البيتين اللذين احتج بهما قد ضمنا (مذهب المبرد) ولم يجد حتى الآن من يعلمه أن المذهب الذي ذكرته هو مذهب سيبويه. قال ابن عقيل في شرح (ومذهب سيبويه أن الأصل (قطع الله يد من قالها ورجل من قالها. فحذف ما أضيف إليه (رجل) فصار (قطع الله يد من قالها ورجل) ثم أقجم قوله (رجل) بين المضاف الذي هو (يد) والمضاف إليه الذي هو (من قالها) فصار (قطع الله يد ورجل من قالها. فعلى هذا يكون الحذف من الثاني لا من الأول) اهـ. فأطلع يا أيها القارئ على علم الرجل وتخطئته ما لم يدرسه في ثلاثين سنة قضاها في
درس العربية. أما وضعي الضمير مكان الظاهر فلا يجوز الطعن فيه إذ لا فصيح يقول (كتاب العالم وقلم العالم) من دون اضطرار.
8 - وقلت في ص 595 حول (ولا سيما): (لا حرج علينا في إحلال (ما) محل لام الجر المحذوفة) فقال هذا الرجل (فيقال هنا: لقد قست زائدا على غير زائد لأن ما القائمة مقام كان غير زائدة و (ما) في (لا سيما) زائدة وهذا بعد عن المنطق) اهـ قلت إن (ما) قد عدها العلماء موصولة ونكرة وزائدة ووجهان يرجحان وجها واحدا. وبذلك تبطل دعواه التي قال بصحتها قول المتأكدين المتبحرين فيا عجباه. والمستغرب أنه نسب إلي النطق بأن المصدرية في قوله (أبا خراشة أما أنت ذا نفر) بكسر الهمزة لكون المطبعة قد وضعت الهمزة تحت الألف الخطية. فكيف تجوز مجادلة من يستمسك بالمغالطة والمراوغة ليغلب من هو أنفذ منه بصيرة. وأرسخ قدماً؟ أما ادعائي أن (سي) في قوله (ولا سيما تيم بن مرة) تكون معروفة إذا أضيفت فمبني على (إن المضاف إلى معرفة: معرفة) فإن ثبت ضده فأني مخطئ لا محالة.
9 - لم يغلط السيوطي إلا غلطة واحدة
إن جلال الدين السيوطي مثل في باب التنازع لأعمال العامل الثاني (رأيتهما(7/166)
وأكرمت أبويك. ضرباني وضربت الزيدين) وكنت قد خطأته في ضربه هذين المثلين مع أن الرجل لم يخطئ إلا في المثل الأول لأنه ترك (الهاء) في (رأيتهما) وهي تعود إلى المتنازع مع أن العامل الأول مهمل والثاني معمل، فتخطئتي له في المثل الثاني فلتة مي (ففلتة منه وفلتة مني) والمنتبه لا يعاتب بل يشجع.
10 - ابن عقيل يخطئ القرآن عن غير قصد منه
قال ابن عقيل في شرحه (وأما: إن وأن فيجوز حذف حرف الجر معهما قياسا مطردا بشرط أمن اللبس كقولك (عجبت أن يدوا) والأصل: عجبت من أن يدوا. أي من أن يعطوا الدية. ومثال ذلك مع (أن) بالتشديد (عجبت من إنك قائم) فيجوز حذف (من) فتقول (عجبت إنك قائم) فأن حصل لبس لم يجز الحذف نحو (رغبت في أن تقوم أو في أنك قائم) فلا يجوز حذف (في) لاحتمال أن يكون المحذوف (عن) فيحصل اللبس) اهـ. فالقارئ
يرى أن ابن عقيل منع أن يأتي (رغب) من غير حرف جر مع أن القرآن العزيز قد ذكر ذلك ففيه (وترغبون أن تنكحوهن) فهو مخطئ للقرآن من دون قصد. أما رد الناقد المذكور علي فهو قوله (فيقال لهذا المتعجرف: إذن ما معنى قول ابن عقيل (فإن حصل لبس؟ أليس معناه: إن لم يحصل لبس جاز حذف) قلت: أنار الله بصيرتك: إن ابن عقيل (جعل اللبس حذف الحرف عن هذا الفعل وجعل زوال اللبس وروده معه) أفلم تقرأ قوله (فلا يجوز حذف - في - لاحتمال أن يكون المحذوف - عن - فيحصل اللبس)؟ فإنه منع الحذف منعا باتا فما هذا النقد البارد الباطل؟
11 - وفي ص 534 انتقدت (مختار الصحاح) في استعمال العرب (طائلا) وذكرت قول (ابن أبي عيينة) وكتب في المجلة (أبو عيينة) سهوا:
فإن ظفرت كفاه منك بطائل ... فما ظفرت كفاك منه بطائل
وقد وقع فيه سهو والأصل:
فقد ظفرت كفاه منك بطائل ... وما ظفرت كفاك منه بطائل
وقلت (فقد جاء طائل غير مجحود مرتين في بيت واحد) فقال هذا الناقد(7/167)
الجهبذ (احتج بقول عزاه إلى أبي عيينة (ابن أبي عيينة معرضا بعيسى العباسي وهو مولد على ما يظهر واللغة لا تثبت بأقوال المولدين) قلت: إذا كان الأمر كذلك فمن أجاز لك أن تقول (مستلفتا نظر المجمع العلمي)؟ وأي جاهلي أو مخضرم أو مولد ذكر لك (استلفت ومستلفتا). ومن أجاز لك أن تقول في غير هذا النقد (واستشكلوا قولي) فهل غير المولدين المتأخرين جداً ذكروا (استشكل)؟ وكيف يصدق صاحب القاموس وهو يعزو القول إلى علمه إلا قليلا؟ ثم قال (والصواب أنه محجود في الشطر الثاني ومعنى كونه مجحودا وروده في حيز النفي) قلت: إنه غير مجحود في الشطر الثاني لأن النفي واقع على الفعل وإنما يراد بالجحد قولهم (لا طائل فيه وهذا غير طائل) والدليل الناطق على ذلك قبوله الجحد فيقال (وما ظفرت كفاك منه بلا طائل) (أو وما ظفر كفاك منه بغير طائل) فلو كان مجحودا في الشطر الثاني لما قبل الجحد ولا أنقلب معناه فتدبر.
12 - وقلت في ص 534 (حصر الماضي والمضارع بالا) فقال هذا الناقد العلامة (قال في العنوان: حصر الماضي والمضارع بالا. مع أن المحصور لا يأتي بعد (إلا) بل قبلها
فصواب العبارة (الحصر في الماضي والمضارع بواسطة إلا) اهـ. قلت: إن أمر هذا الرجل غريب فليقرأ قول ابن عقيل في باب المبتدأ والخبر (الثالث: أن يكون الخبر محصورا بإنما نحو: إنما زيد قائم، أو بالا نحو: ما زيد إلا قائم) اهـ. فليس الخبر إلا (قائما) وقد ذكر بعد (إلا) فقيل (محصور بالا) وكيف ينكر علي قولي من يدعي أنه مطلع. وما قيمة من يجهل ذلك؟
13 - وفي ص 450 عرفت الإدغام بقولي (الإدغام: إسكان الحرف الأول من الحرفين المتتاليين المتشابهين ونقل حركته إلى الذي قبله الساكن ما عدا حرف اللين إن كان متحركا وإبقاؤه على حاله إن كان ساكنا) فقال هذا الناقد: (لا يخفي أن معنى قوله إسكان الحرف الأول) هو إعدام الحركة فكيف يقول بعد ذلك (ونقل حركته إلى الذي قبله) مع أن المعدوم لا ينقل) اهـ. قلت أراد هذا بالإعدام (الإفناء) وبالمعدوم (المفنى) لجهله لغة العرب(7/168)
فذلك من أقوال جهلة العربية. ودعواه باطلة لأن الإسكان يستوجب حذف الحركة فإن شاء الحاذق نقلها وإن شاء أهملها ومن ذلك قول الجرجاني (الإدغام في اللغة: إدخال الشيء في الشيء. . . وفي الصناعة: إسكان الحرف الأول وإدراجه في الثاني) اهـ. وقال غير ذلك. فقد قال (إسكان الحرف الأول) مع أن حركته تنقل إلى ما قبله عند اللزوم مثل (رجل مضلل) بسكون الضاد وكسر اللام المخففة ولوجوب الإدغام صارت الكلمة (مضل) بكسر الضاد فالكسرة انتقلت من اللام إلى الضاد. ومن اعتراض هذا الناقد قوله (لدينا من المدغمات ما لا نقل فيه مثل كلمة (صد) فالصاد مفتوح من الأصل) اهـ. قلت هداك الله إلى الحق فما معنى قولي (إلى الذي قبله الساكن) فالصاد متحركة لا ساكنة وما ذنبي وأنت لم تصلح التعريف بالاستدراك الذي نشرته في آخر الجزء السابع وهو إضافة (الساكن) الذي أفلت من القلم. وما فائدة التصويبات؟ ولمن ينشرونها؟
14 - وقال عن اعتراضي على مختار الصحاح لتفسيره التوت بالفرصاد. (إن اللغويين ولا سيما المتأخرين منهم كانوا يتساهلون في مثل ذلك اعتمادا على القرائن ولم ينفرد صاحب المختار به بل تابعه على ذلك صاحب القاموس) قلت ليس ذلك بحجة لأن له مندوحة عن التجويز والتساهل. وأن رمت الإطلاع على علم صاحب القاموس الذي استشهدته فأشرف على (الجاسوس). والله يعلم أني طالعت مرة في القاموس في مادة (طلع)
فوجدته يقول (نعلان مطبقان) فقلت: إن الرجل مخطئ لأن الصواب (مطبقتان) بالتأنيث وراجعت علامتا الكرملي فأراني (الجاسوس) وأطلعني على هذه الغلطة التي سبقتني إليها العلماء الكبار.
15 - قال (يقال الطيب من أنواعه المسك على حسب مقتضى الحال) وهو مخطئ فالصواب أن يقول (بحسب مقتضى الحال) فهذا الفصيح المشهور.
16 - وقال (إن قوله (الجزء لا يشمل الكل) ليس في موضعه إذ ليس هناك جزء ولا كل بل هناك كلي وجزئي وعموم وخصوص) قلت ليس هذا موضع التنطع والثرثرة فليطالع (حصر الكل في أجزائه) في كتاب التعريفات(7/169)
ففيه (هو الذي لا يصح إطلاق اسم الكل على أجزائه منها حصر الرسالة على الأشياء الخمسة لأنه لا تطلق الرسالة على كل واحد من الخمسة) اهـ. ذكرت ذلك فضلا عن قوله (الكل: في اللغة أسم مجموع المعنى).
17 - وقلت في ص 449 حول الآية (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) ما نصه: (وإن التعليل الذي ورد في مختار الصحاح مضمونه (إن (إلا) موصوف بها) ثم قلت (نقض ما بناه النحويون بتجويزه أن يقال: جاءني القوم إلا زيد بالرفع) فقال هذا المتبحر الغزير الأدب (الثاني: افتراؤه على صاحب الصحاح إذ أسند إليه أن يقال: جاءني القوم إلا زيد بالرفع قياساً على الآية. مع وجود الفرق الواضح بينهما لأن القوم معرفة وآلهة نكرة) اهـ. قلت لو كان الرجل أعمى لما جاز له أن يسند إلي الافتراء على صاحب الصحاح قبل أن يستعين بغيره على التفتيش فكيف وهو بصير؟ والقارئ يرى أنه استبعد من صاحب الصحاح ما نقلته لكون الخطأ ظاهرا وإليك نص المختار (وقد يوصف ب (إلا) فإن وصفت بها جعلتها وما بعدها في موضع (غير) واتبعت الاسم بعدها ما قبلها في الإعراب فقلت: جاءني القوم إلا زيد. كقوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) اهـ. فالقارئ قد علم من المفتري؟ وكيف يبيح هذا لنفسه استجهال العلماء ويقول لي (تجهيله لإمام من الأئمة اللغة وهو صاحب المختار ناقلا عن سلفه فالتجهيل سار إليهم بالطبع) فكيف جاز له أن يقول (مع وجود الفرق الواضح بينهما لأن القوم معرفة وآلهة نكرة) مستجهلاً هذا الإمام الذي مدحه. وما معنى قوله (سار إليهم بالطبع) فالساري مختص بالليل فلم حرم النهار سير التجهيل؟ وكيف يكون (بالطبع) لا بالعادة ولا بالأخلاق (أسرار لغة هذا العالم لا تدرك).
وقد قال عني (فجعل كلامه السافل مقابل كلام الأئمة) مع أن نهاية كلامي هي قولي: (وربما كان كلامي عن المستثنى بالا محتاجا إلى التأييد أو التفنيد) فأنظر إلى سخيمته. وأحتج بقلهم (إلا الحماقة أعيت من يداويها) ولم يعلم أن ذلك مثل (وكل أخ مفارقه أخوه، لعمر أبيك إلا الفرقدان). وفقنا الله لخدمة العربية خدمة خالصة طاهرة.
الكاظمية: مصطفى جواد(7/170)
باب المكاتبة والمذاكرة
الغا بنتو
قرأت في الصفحة 6: 634 من لغة العرب وهما غريبا لكنك معذور فيه. ذكرت أن الغا بنتو رجل والحال أنها امرأة وهي تلميذه صديقي الأستاذ جرجيو ليفي دلافيدا، وكاتبتها مرارا. وقد هيأت للطبع (تملك معاوية) مستلة من كتاب الإشراف للبلاذري. وطلبت إلي أن أذكر لها أين تنشر النص وترجمته إلى الإيطالية وفي أي مجلة. فقلت لها إن الأمر هين لنشر النص العربي وأما الترجمة إلى الإيطالية فأمر آخر. ولهذا لا يمكن أن ينشر النصان إلا في مجلة إيطالية. وذكرت لي أن كتاب البلاذري المذكور جزيل الفائدة من عدة أمور وهذه لا ترى في تاريخ الطبري ولا في سائر كتب الأخبار.
بنكهام (إنكلترة) 13 أيلول 1928: ف. كرنكو
وجاءتنا رسالة من الآنسة نفسها تقول لنا بتاريخ 28 أيلول (سبتمبر) 1928
أيها الأب المحترم
أشكرك على الثناء والأدعية القلبية التي وجهتها إلي في كلامك عن أطروحتي: (الخزائن العربية) كما أشكرك على الجزء الذي تكلمت فيه عني. ولعلك تأذن لي بأن أصلح أمرا بترجمتك إياي، فليس المؤلف من الرجال بل. . . من الإناث، وأن أردت زيادة ففي الإيضاح فأنا صبية. وعسى أن تغير جنسي لا يؤثر على تغيير أمانيك الطيبة بما يتعلق بي وبالخطة التي تفرغت لها وأختم كلماتي هذه ببذل مهجتي تحية وسلاما.
الغا بنتو
(لغة العرب) نشكر صديقنا الأستاذ (ف كرنكو) على تصحيحه لغلطنا ونزداد إعجابا بالآنسة التي أدهشتنا بتفرغها لدرس لساننا وتضلعها منه في حين أنها لا تجني منه لنفسها ثروة بل يزيدها كذا وجهدا ونفقات. فلمثل ذلك(7/171)
ليتنافس المتنافسون!
اللطفية لا اللطيفية
قرأت ما نشرتموه في لغة العرب من النبذة التي كتبتها في شأن مؤتمر المستشرقين (794:
6) وأعجبني ذلك إلا وضعكم علامة الاستفهام على كلمة (لطفية) التي كتبتها سهوا (لطيفية) وأظنكم لم تعرفوا هذه الجمهورية الصغيرة.
لطفية من حكومات بحر البلطيك أنشئت هذه الجمهورية في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1918 وهي واقعة في شرقي وجنوبي خليج ريغا. وريغا إحدى مدنها العظمى وسكانها يبلغون زهاء مليوني نسمة وهم خليط من الروس والجرمن والبولنديين والنمسويين والمجر واليهود إلى غيرهم.
فإذا رأيتم الفائدة في الإشارة إلى ذلك وتصحيح ما وقع في الجزء السابق ذكره فافعلوه.
لندن: كاظم الدجيلي
(لغة العرب) نشكر حضرة الشيخ على إفادته ولو ذكر الاسم بصورة (لاتفية) أو (لتفية) لاهتدينا إليها. أما (لطفية) أو (لطيفية) بهذه الصورة العربية المحضة فمما يوهم القارئ.
أسلوب سلامه موسى
حضرة الأستاذ العلامة صاحب لغة العرب
أطلعت على تنويهكم بمجلة (كل شيء) وعلى نقدكم لأسلوب الأستاذ سلامة موسى. فهل تسمحون لي أن أبدي ملاحظة صغيرة خدمة للحقيقة والأدب؟
الواقع أن الأستاذ سلامة موسى له أكثر من أسلوب، كما لأغلب الأدباء البعيدين عن التكلف والتصنع، وذلك حسب مناسبات الكتابة، ولكن الروح الغالب على جميع كتابته هي روح السهل الممتنع والرشاقة الفنية، وهذه تتجلى في أرقى كتاباته بوضوح لا ينكره غير المتعنت. وليس للرجل لذة في استعراض فقه اللغة بكتابته، ولكن لذته الكبرى هي في نشر الثقافة العالية والتهذيب العصري بين الخاصة والجماهير على السواء، ولذلك فهو مضطر إلى التدرج في أساليبه حسب المواقف والمناسبات. ولكنه في رأيي لا يسف بأسلوبه ولا يتحذلق أبدا، بعكس حال معظم ناقديه الذين يرصون المفردات رص الحجارة(7/172)
ويحسبون ذلك من مختار البيان! وهو بالرغم من ميله إلى الإيجاز شعري اللهجة في غير غموض، كما ترى من وصفه للصور الفنية. وتمثل كتابته زبدة إطلاع جم ولا يعيب ذلك إلا من يعيب على النحل تعدد مصادر شهده فسلامة موسى يقرأ كثيرا ثم يمج ذلك شهدا صافيا لعاشقي أدبه المتعالي عن صغائر الكتاب الشائعة من حقد وحسد وعبث وخصام. . .
وإني شخصياً موقن بأن الرجل مخلص في آرائه التي يبثها دائماً بحرارة، وهذا سبب من الأسباب التي تدعوني إلى إكباره، بل السبب العام الذي يدفعني إلى احترام أدباء آخرين قد أخالفهم أو أوافقهم في أكثر نظراتهم وقد يعتبرهم غيري خصوما ولكني أعتبرهم متممين بعضهم لبعض من وجهة الحقيقة والجمال العام، بحيث لا يطيب لي غير التفتيش عن حسناتهم التي توافق نفسيتي وأن تناقضوا بل تناحروا في ميادين شتى! ولذلك أرى أنه من الغبن إنكار أدب سلامة موسى دون أن أكون مضطرا إلى موافقته على جميع آرائه، ولذلك أشكر لكم ما نشرتموه أنصافا لفضل هذا الرجل النابغة، وكل أديب للأديب قريب.
الإسكندرية (مصر): أحمد زكي أبو شادي
كتاب ثمار القلوب
شيء عن مصححه حضرة الإمام اللغوي الجليل صاحب (لغة
العرب).
بعد التحية والاحترام وشكري لكم على نفائس مجلتكم الثمينة - أطلعت على ما كتبه الأستاذ محمود الملاح نقدا لمصحح كتاب (ثمار القلوب في المضاف والمنسوب) للثعالبي. وإتماما للتاريخ الأدبي أقول: إن مصححه هو الأستاذ محمد حسين الكاتب والصحفي القديم المعروف والموظف بالجمعية الزراعية الملكية بالجزيرة بمصر القاهرة، وهو واضع كتاب (الشعر الجاهلي والرد عليه)، وله مباحث أدبية شتى ممتعة بين قديمه وحديثه. وقد ذكر عنه أحد زملائه إنه كان يعاون المرحوم إسماعيل باشا اباظة في تحرير جريدة (الأهالي) عن نيف وثلاثين سنة خلت، وكانت تصدر مرتين في الأسبوع في أربع صفحات صغيرة وتطبع على آلة بسيطة. ثم أشتغل بتحرير مجلة (الفلاحة المصرية) للمرحوم محمود بك أنيس. ثم بتحرير جريدة (الوطن) لما ابتاعها جندي(7/173)
بك إبراهيم من المعالم ميخائيل عبد السيد في أواخر سنة 1900م. وتقلب في العمل بالصحف اليومية والأسبوعية، وأشهرها صحيفتا (الظاهر) اليومية و (الإمام) الأسبوعية، وانتهى من الصحافة إلى العمل الكتابي في (الجمعية الزراعية الملكية) مستبقياً صلاته الأدبية المتنوعة واهتمامه الفكري بالصحافة والأدب فهو من جماعة المخضرمين الذين لحقوا الصحافة في أيام أبطالها الأول أمثال
المويلحي الكبير وعلي يوسف وميخائيل عبد السيد والشيخين الخيامي والشرباتلي ونصر الدين زغلول ومحمد أبو شادي ولم يبق من معاصريه العاملين في مصر سوى الأساتذة خليل زينيه وفارس نمر ومحمد مسعود وخليل مطران ونجيب هاشم ونجيب فخر وداود بركات وعمر منصور ونجيب شاهين وأحمد حافظ عوض وعوض واصف وأحمد فؤاد وتوفيق حبيب وخليل ثابت. وقد مضى على هؤلاء في التحرير الأدبي ما لا يقل عن ثلاثين سنة، وقد جاوز بعضهم الأربعين سنة في حياته الصحفية. ولم يفت خليل بك مطران أن يشير إلى ذلك في مرثيته لمحمد أبي شادي بك.
ولعل الأستاذ محمد حسين لا يفوته الإطلاع على ما نشرته عنه (لغة العرب) بقلم الأستاذ الملاح فيوا فينا بآرائه دفاعاً عن نفسه وخدمة للأدب.
مصر: صحفي صغير
كتاب الدرر الكامنة
قرأت في أعداد لغة العرب السابقة نماذج من (الدرر الكامنة، في أعيان المائة الثامنة) لابن حجر العسقلاني تلك الدرر التي نشرها العلامة المستشرق الألماني فريتس كرنكو عن النسخة المخطوطة لديه من الكتاب المذكور، فسررت جدا، وجذلت لما عرفت أن الرجل العلامة عازم على تمثيله للطبع، وشكرت فضله، وأكبرت همته العالية لإحياء الأثر المنسي وأمثاله، وتصديه لتصحيحه وضبطه بعد البحث والمراجعة، ولما كنت قد شاهدت هذا الكتاب النفيس قبل سنوات في مكتبة البحاثة الكبير العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء. نقلت منه في مذكرتي كلمة موجزة من أوله رغبة بإيرادها على صفحات هذه المجلة، عسى أن يكون في ذكرها فائدة للقراء الكرام لكن جاءت عناية العلامة الألماني بنشرة نعمة على نعمة. وتقع النسخة التي شاهدتها في أربع مجلدات وهي(7/174)
جيدة الخط والورق لكنها سقيمة جدا، من جهة الصحة قال المؤلف في طلعتها،
أما بعد فهذا تعليق مفيد جمعت فيه تراجم من كان في المائة الثامنة من الهجرة النبوية من ابتداء سنة إحدى وسبعمائة إلى آخر سنة ثمانمائة من الأعيان من العلماء والملوك والأمراء والكتاب والوزراء والأدباء والشعراء إلى أن قال: وقد استمددت في هذا الكتاب من أعيان العصر لأبي الصفا الصفدي ومجاني العصر للحافظ قطب الدين الحلبي ثم عدد زهاء
عشرة كتب مؤلفة في ذلك القرن استمد كتابه منها اهـ.
ومن جملة الأغلاط المهمة الموجودة في هذه النسخة أن ذكر المؤلف مرتين في مقامين ترجمة العلامة أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي الشهير صاحب الكتب القيمة التي تنيف على الخمسمائة أنه توفي سنة 726هـ وهو خطأ ظاهر.
النجف: عبد المولى الطريحي
إعراب مشكل القرآن للجرجاني لا للقيسي
طالعت الفهرست المنشور في الجزء التاسع من المجلد السادس من لغة العرب ص 664 عن (الخزانة الرضوية) في خراسان فوجدت الناشر ينسب النسخة المخطوطة من كتاب (إعراب مشكل القرآن) لمكي بن أبي طالب القيسي وأنه توفي سنة 467هـ وهذا خطأ والصواب أنها للإمام عبد القاهر الجرجاني صاحب كتاب دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة المتوفى سنة 366هـ وظني القوي أن الكتاب المذكور طبع قبيل الحرب العامة وقد راجعت إحدى مذكراتي فوجدت أني نسخت بيدي مقدارا من هذا الكتاب ولم أتذكر الخزانة التي وجدته فيها وهو يعزوه إلى أبي عمرو بن العلاء صدر القراء أنه أجاب بهذا الكتاب وما فيه من الأجوبة في المنام، وأول الكتاب ما نصه بعد البسملة: قال الإمام العالم أبو الفرج عبد القاهر الجرجاني بن عبيد الله: أما بعد تكامل المنن والآلاء مبدع الأرض والسماء والصلوة على محمد سيد الأنبياء وآله الطاهرين النجباء. فإني مذ صحبت الزمان. ولله الحمد والامتنان، لا أعرف النوم إلا توهما، ولا تجدني من أخباره إلا مستفهما، ألذ ليالي ما قال الأول:(7/175)
إني أرقت فبت الليل مرتفعا ... كأن عيني فيها الصاب معصور
تستفز عن المنام، إذ لم تكن ... لها منه إلهام
ولي مقلة عهدها بالرقاد ... بعيد وبالدمع عهد قريب
تحار إذا زار طيف المنام ... كما حار في الحي ضيف غريب
والكتاب يحتوي على عشرين صحيفة صغيرة وقد جاء في آخرها قول بعضهم:
أيا دهر ويحك كم ذا الغلط ... لئيم علا وكريم هبط
وغير يسلب في وجنة ... وطرف بلا علف يرتبط
وجهل يسوس وعقل يساس ... وذلك مشغبة مختلط
وأهل القرى كلهم ينسبون ... إلى آل كسرى فأين النمط
وقائل هذا من قوم لم أشاهدهم، وإن كنت بالضمير لما بيننا أناجيهم (قال عبد القاهر) فتضاعف منه العجب، وقال قد قضينا من الأنس بك غاية الأرب. اهـ
النجف: عبد المولى الطريحي
نقل رباعيات الخيام في نظر المستشرقين
كتب المستشرق فريتس كرنكو في (مجلة الشركة الملكية الآسوية) التي تصدر في لندن ما هذا تعريبه:
هذه نخبة من 130 رباعية لعمر الخيام، نقلها مؤلف عربي شهير له سمعة عالية بشعره في العراق وفي الديار العربية اللسان. وقد ذكر لكل رباعية نصها الفارسي وأتبعها بنقلها إلى لغة الضاد نثرا ونظما. وبحر الرباعية يختلف باختلاف المطلب ليؤدي المعنى تأدية دقيقة. وقد دلت ترجمته على علو كعبه في الوقوف على كنه الأمور. على أنني لاحظت في رباعية أن الناقل أبدل معناها مع أنها تدل دلالة صريحة على البدعة والضلالة فقد قال الشاعر الفارسي في رباعيته التاسعة:
(ناقص بود آنكه ... باده را نقص كند)
ومعناها: كان ضعيف العقل من عاب الخمرة. فلم ينقل هذا المعنى في النظم. وأما في النثر فقد قال: (والذي ينتقصها هو الناقص) وفي ما عدا ذلك فأن المترجم نقل كل نص نقلا بديعا ثم أفرغه في قالب عربي منسجم فصيح جلي بقدر ما تسمح به لغة النثر والنظم في العربية والفارسية.(7/176)
رسالة من المستر هـ. أ. ر. جب
أحد مشاهير مستشرقي الإنكليز
لندن في 5 سبتمبر سنة 1928
حضرة الأديب العلامة الأب أنستاس ماري الكرملي المحترم ببغداد.
بعد إهداء ما يليق بمقامكم من الاحترام والتحايا، أني أخبرك بأنه لما رجعت من قضاء فسحتي في اسكوتلاند وجدت هنا طردة محتوية على نسخة من (لغة العرب) ومجلدتين من شعر الشاعر الطائر الصيت الغزير المعاني، الأستاذ جميل صدقي الزهاوي، فلا ريب عندي في أن هذه الهدية النفيسة عبارة عن لطفك وحسن ظنك بي. وقد وقعت مني أحسن موقع لا آلوك شكراً عليها. أرجوك أن تبلغ من قبلي حضرة صاحب الديوان المعظم نصيبا وافرا منه وأوكد لك وله أني متشرع في دراسة هذه الآثار دراسة تامة دقيقة بروح أقرب إلى التجلة منه إلى الانتقاد.
(انتهى بحروفه)
باب المشارفة والانتقاد
1 - شعر طفيل بن عوف الغنوي رواية أبي حاتم السجستاني
عن الأصمعي
كتاب فيه جميع ديوان الطرماح بن حكيم بن نفر الطائي عني بنشر نصيهما العربيين وترجمتها إلى الإنكليزية فريتس كرنكو، طبع على نفقة شركة ذكرى أ. ج. و. جب في 266 صفحة عربية و78 صفحة إنكليزية بقطع الربع في مطبعة بريل في ليدن (هولندة) ويباع في مكتبة لوزاك وشركائه في لندن
شعر طفيل الغنوي من أجل ما يعرف وأمكنه من النفس. وكذا قل عن شعر الطرماح. وقد طبع المتن والشرح بالشكل الكامل فجاء الديوانان من أحسن ما يذخر ومما يزيد نفاستهما أن متولي نشرهما من أوثق المستشرقين إذ هو العلامة(7/177)
كرنكو الذي أشتهر بتوغله في لساننا وعنايته بنشر كتب السلف. ونحن نستأذن الصديق بإبداء بعض الملاحظات:
1 - إن الحرف المستعمل لطبع هذا المجلد غير حسن ونقط الحروف فيه دقيقة قد لا تظهر بعض الأحيان فيفسد المعنى فقد جاءت خمصانة في بيت الشعر ص 3 س 7 حمصانة بالحاء المهملة؛
2 - فهارس الأعلام التاريخية والبلدانية غير تامة إذ فيها نواقص.
3 - لا يرى في معجم الألفاظ الغريبة التي وردت في تضاعيف الشعر والنثر طائفة من الكلم التي كنا نود أن نراها بين ما جمعها من هذا القبيل. فقد جاءت مثلا كلمة حدثة كقصبة (ص 5 س 1) مجموعة على أحداث، والأشيب (ص 4 س9) بمعنى الكهل الذي قد نجده مراس الأمور، واستشعر اللون بمعنى أستشرب (ص 7 س 10 و11 و12) إلى غيرها مما لم تذكره كتب اللغة مع أنها جديرة بالتدوين، ومثل هذه الألفاظ التي لا ذكر لها بالمعاني المشروحة في هذا السفر الجليل عشرات عديدة فكان يحسن بالناشر أن يجمعها ويشير إلى محل وجودها من صفحات النص. نعم إنه وضع معجماً للألفاظ الغريبة مشروحة بالإنكليزية لكنها من الطائفة المشروحة في معاجم اللغة. ومع ذلك وجدنا فيها ما لا يوافق
معناها الحقيقية أو غير مؤدية المعنى حق التأدية. فقد شرح الحوجلة بما معناه الجرة من الحجر (ص 241 والحرقوص بالفسافس (فيها) واستشعر ص 250 بمعنى أتخذ شيئا تحت الثوب وجعله يلي الجلد) وقد ذكرنا أنها وردت في الديوان المذكور بمعنى استشرب اللون إلى غيرها. أما الحوجلة فهي القارورة الضخمة تكون من الزجاج. والحرقوص دويبة كالبرغوث حمتها كحمة الزنبور أو القراد ومن اسمائها في العربية الهتيك والنهيك والنهيك (بالتصغير) والنهيكة وبالفرنسية
4 - وقع في ضبط الألفاظ حركات وشكلات موهوم فيها. فأنه ضبط الاسم (ص 6) وجميع المصادر المزيد فيها المصدرة بالهمزة مثل الاستشعار والأستشراب (ص 7) والانكباب (ص 9) بهمزة القطع والذي قرره النحاة أنها تضبط بهمزة الوصل، ومن أغلاط الطبع: والنبعة شجر (ص 5 س 12)(7/178)
وإذا أقورت (فيها س 13) بضم التاء، وهزلت (ص 8 س 17) بصيغة المجهول. ويتكبده كما يتكبد نخلة (ص 11 س 7). وضبط يتكبده الثانية بصيغة المجهول وفيهما ضبطك: إنه من قوله: (معناه أنه بكسر الهمزة. . . والصواب في كل ذلك: والنبعة شجرة، وأقورت بإسكان التاء، وهزلت بصيغة المعلوم في العبارة التي ذكرها وإلا فقد يجيء الفعل بصيغة المجهول في غير هذا المعنى. و (كما تكبده) بصيغة المعلوم. (ومعناه أنه) بفتح الهمزة من (أنه) إلى غير هذه الأوهام.
وقد اعتمد الناشر في تصحيح الديوان على تسعة كتب مخطوطة من تصانيف الأدب. وعلى 114 كتابا مطبوعا وعمله هذا عمل خطير كما يشهد له كل منصف ولهذا يبقى سفره من أجل الأسفار التي يعتمد عليها في ديواني طفيل والطرماح.
2 - كتاب نسب الخيل في الجاهلية والإسلام وأخبارها
تأليف أبي المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي ويليه أسماء خيل العرب وفرسانها تأليف أبي عبد الله محمد بن زياد الأعرابي رواية أبي منصور وموهوب بن أحمد الجواليقي، عني بنشرها وتعليق حواشيهما وترتيب فهارسهما جرجس لوي دلا ويدا أستاذ اللغات السامية في جامعة روما العظمى، طبع في مطبعة بريل في مدينة ليدن سنة 1928 في 141 ص عربية و54 ص أفرنسية النص وثلاثة ألواح تمثل النسخة الأصلية
تصنيف جليل في موضوعه لمعرفة الخيل ونسبها، وجليل التأليف لأنه يحوي كتابين الأول
من وضع ابن الكلبي والثاني من قلم ابن الأعرابي وكلاهما من إثبات العلم اللذين يشار إليهما بالبنان.
وقد قدم عليهما الناشر مقدمة من انفس ما يكتب في هذا الموضوع فأنه عرفنا بالنسخة التي طبع عليه سفره وكيف انتقلت من يد إلى يد بحرص دونه كل حرص. فكأنه يتكلم عن أعز ولده ويتتبعه في نشوءه وتنقله من موطن إلى موطن وفي تلك المطاوي صحح أوهام كثيرين تكلموا عن الخيل العراب وفي كل صفحة حاشية ضافية الذيل يقابل فيها موشيها ما جاء في كتب الأقدمين والمحدثين(7/179)
الذين ذكروا النصوص المأخوذة عن ابن الكلبي أو عن ابن الأعرابي وكذلك فعل بالأبيات الشعرية فأنه عارضها بسائر ما جاء من قبيلها في معاجم اللغة أو دواوين المصنفين وضم هذا المجلد النفيس بثلاثة فهارس أسماء الأفراس، وفهرس أسماء الرجال والقبائل والشعراء والرواة وغيرهم من الأعلام؛ وفهرس أسماء المواضيع والأيام، مما جعل مضامين هذا المجلد على طرف الثمام.
وقد وجدنا فيه بعض الأغلاط في الطبع. من ذلك في ص 42 س 7 اللحيين (وضبط اللام بالكسر) والصواب بالفتح. - وفيها س 9 والخز والصواب والخزز بزايين في الآخر. وفي ص 43 س 5 لو كان أعوج نفسه على هذه الحال ما ساوى. وضبط أعوج بالضم أو بالرفع ونفسه بالفتح أو النصب والصواب ضبطهما بالفتح أو النصب. ووقع من (ما ساوى) اللام. والصواب (لما ساوى) وضبط بالكسر لام (لما) في هذه العبارة: (فقال بعض الشعراء (لما) رأى عليه مسلم. . .) والصواب بفتح اللام وتشديد الميم. وكتب (مشائخهم) في ص 45 س 10 بالهمزة والصواب بالياء وفي تلك الصحيفة س 11: يقال له الحموم فبعث إليه فجيء والصواب: يقال لها الحموم أو أن يقول: يقال له الحموم ويقول بعد ذلك فجيء به. ومثل هذه الأوهام لا تحتاج إلى تنبيه لاشتهارها. والذي كنا نود أن نراه هو فهرس للألفاظ التي وردت في هذين الكتابين بمعان لم يذكرها اللغويون في دواوينهم كالعربية الحنيفية (ص 4 س 1) والعرق: السلالة (فيها س 7) إلى غيرها وهي كثيرة. فعسى أن ينظر إلى هذه الملاحظات في طبعة الكتاب الثانية.
3 - العلم والعمران
هدية المقتطف السنوية في 339 ص بقطع الثمن
كتاب جليل (يشتمل على فصول بسطت فيها قواعد العلوم الطبيعية الحديثة وارتباطها بالمبادئ الفلسفية وما لها من الشأن الخطير في تثقيف العقول وترقية العمران كما جاءت في خطب رؤساء مجمع تقدم العلوم البريطاني (من سنة 1895 إلى 1927)) وبعد هذا الكلام المنقول بحرفه عن هذا السفر الجليل نفسه لا حاجة لنا إلى أن نذكر ما فيه من الفوائد الجليلة والنظرات الفاضحة لبعض(7/180)
أسرار الطبيعة، وتلك الأمور التي تجب معرفتها في هذا العهد الذي امتدت فيه معارف المرء إلى مسافات شاسعة ولا بد من الوقوف عليها.
4 - رجب أفندي
قصة مصرية مزينة بصور عديدة من صنع حسين أفندي فوزي، طبع في المطبعة السلفية في مصر 156 ص بقطع 16
محمود تيمور بك جلى في تصوير الأخلاق المصرية العصرية حتى سبق كل من جرى في هذا الميدان. ولا نظن أننا وجدنا قصة بنيت حالة المجتمع المصري في طبقته الوسطى والحقيرة كما بينتها يراعه الأستاذ محمود بك ولا جرم أن كتابه هذا يفيد إصلاح المجتمع أحسن من كل وسيلة أخرى تتخذ لهذه الغاية.
5 - أناشيد المحبة
قصائد مصورة من نظم الأب رفائيل نخلة اليسوعي، طبعت في المطبعة الكاثوليكية في بيروت سنة 1928 في 96 صفحة بقطع 12، هذه أناشيد تقوية تفيد فائدة جزيلة أصحاب الورع والزهد وتسليهم في ساعات هذا المنفى. فنتمنى لها أن تنتشر في المدارس المسيحية والجماعات المتدينة.
6 - تاريخ
حوادث الزمان وأنبائه، ووفيات الأعيان من أبنائه، لشمس الدين محمد ابن إبراهيم الجزري الدمشقي، جزء موجود من كتاب مفقود في خزانة باريس، بقلم حبيب الزيات طبع بمطبعة المحامي في زحلة (لبنان) في 42 ص بقطع الثمن.
إذا تولى صديقنا المحقق المدقق حبيب أفندي الزيات أمرا، وفاه حقه من البحث والتمحيص وقام به أحسن قيام. فقد وصف حضرته المخطوط المذكور اسمه فويق هذا فكان وصفا من
أبدع الأوصاف. ولهذا نطلب إلى كل من يعاني مثل هذه الأمور أن يطالع بروية هذه الصفحات المفيدة ليتعلم كيف يجاري المجلين في هذه الحلبة التي يكثر فيها اللطيم والسكيت.(7/181)
7 - جدول الأمراض
لمؤلفه الدكتور فؤاد غصن طبع في المطبعة الأميركية في 49 ص بقطع الثمن
وضع حضرة الطبيب هذا (الجدول) في الأمراض وسماه بالفرنسية ولا نظن أن هذا التعبير جائز في الفرنسية، وكذلك ما نقله إلى الإنكليزية ونظن أنه لو اكتفى بكلمة لكان أحسن أو كان يجدر به أن يجتزئ بكلمة ولا يجمع بينهما.
وفي هذا (الجدول) ألفاظ كثيرة لا نوافقه عليها مثل الحبليل فأنه ذكر له مقابلا بالفرنسية والحال أن الحبليل هو أسم ثان للخراطين وأما الفرنسية فيقابلها بالعربية الحرقوص. وذكر بقوله انقلاب أمامي ولو قال القمع (كسب للدلالة على المرض) وجعل مقابلا لقولهم: كلمة الخنث لكان أقصر وأوفى بالمقصود ومثل هذا كثير. وقد وقع بعض أغلاط في الطبع كقوله اللاثدية (بياء واحدة مشددة) والصواب اللاثديية (بياءين والثانية مشددة) وفي ص 16 برد قارص والصواب قارس وفي ص 44 ورم لثي والصواب لثوي، وفي ص 45 دوالي والصواب دوال (بكسرتين) أو الدوالي بلام التعريف وإثبات الياء. إلى غيرها ونتوقع إصلاحها في طبعة ثانية.
8 - التقرير السنوي عن سير المعارف (في العراق) لسنة
1927 - 1928
طبع في مطبعة الحكومة ببغداد في 23 ص بقطع الربع.
علمنا من هذا التقرير عدة أمور يجب أن يقف عليها كل من يريد أن يتتبع رقي العرفان في العراق. فقد كانت المدارس الأميرية في آخر هذه السنة الدراسية (268) وأساتذتها (1051) وطلبتها (26706) أما في السنة التي قبلها فكانت المدارس (249) وأساتذتها (909) وتلاميذها (24170) فازدادت المدارس الابتدائية (19) والأساتذة (92) والتلاميذ (2536) ونحن نتوقع أن يطرد هذا الازدياد ليكون سببا حقيقيا لرقي ديارنا المحبوبة.(7/182)
9 - الراشد (بالفرنسية)
للأخ شارل دي جيزو (الأب شارل دي فوكو)، طبع في مطبعة دار الأيتام في أوتويل قرب باريس في 140 ص بقطع 16.
كتاب وضعه صاحبه للجمعية التي كان يريد أن ينشئها فلم يتوفق لها. وكان قد بقي مخطوطا عند وفاته فنشره بالطبع صديقنا وصديق المؤلف المسيو لويس ماسنيون فأحسن في عمله هذا إذ أبقى فيه لصاحبه روحه وأفكاره. فنشكر صديقنا على هديته هذه.
-
10 - عند نصارى الشرق
تأليف جان مليا. طبع في باريس سنة 1929.
المسيو جان مليا كان مديرا لدار الاعتماد في سورية ولبنان وحل عدة مدن من ديار الشرق الأدنى وقد عرف جماعات عديدة من النصارى وهو يبحث عن حالتهم في هذا العهد. من ذلك أنه شارف أعمال اللعازريين في عين طورا (لبنان) وأطلع على أعمال الدمنكيين في القدس الشريف. ووقف على مساعي اليسوعيين في بيروت. وجال في المدرسة الأكليركية للأباء البيض في أورشليم وختم كلامه بأن سورية وفلسطين هما فسيفساء أحجارها مختلف الأديان والمذاهب.
وقد وصف كل ما شاهده بعبارة طلية فرنسية عصرية ليطلع أبناء وطنه على حالة المسيحيين الذين في سورية وفلسطين.
11 - نماذج خطوط اللغات الشرقية الموجودة في مطبعة
المحفى الجمهوري السوفيتي
طبع في لننغراد في 73 ص بقطع 16 سنة 1928.
في هذا الكتب 65 مثالا من أمثلة الخطوط المستعملة في مطبعة المحفى (الأكادمية) الجمهوري السوفيتي وكلها شرقية وهذا يدل على همة قعساء في الجمهورية السوفييتية وعلى أن سياستها لا تقعدها عن بذل ما في الطاقة لرقيها العلمي.(7/183)
أسئلة وأجوبة
كلمات ومناسبات
1 - التربيع
بمعنى الاستغلال كلمة مفيدة في لغة الزراعة على الأخص. وقد وردت في شعر البحتري حيث يقول:
ولم لا أغالي بالضياع وقد دنا ... علي مداها واستقام اعوجاجها
إذا كان لي ترييعها واغتلالها ... وكان عليك كل عام خراجها؟!
2 - العطر
هو الطيب مطلقا. وقد ذكر الكلمة أصحاب المعاجم العربية في مقام التمييز باعتبارها عربية الأصل، ولكنها واردة في لغات شتى بنصوص متقاربة كما وردت في معجم (وبستر الأممي) فهي في الإنكليزية وكذلك الخ؛ ونظيرتها في الفارسية وفي الفرنسية وغيرهما. ولم يذكرها صاحب (دليل لغة العرب) ولا ذكرها أحد من المتقدمين فيما أعلم في جدول الألفاظ الدخيلة من الفارسية، بل للكلمة مادة عربية أصيلة، وأذن فهذه إحدى الكلمات التي نقلها الأجانب عن العرب وتصرفوا فيها. وهي من مختار الكلمات بدليل استعمالهم إياها في شعرهم.
ومادمنا في سيرة الكلمات العربية المنقولة إلى لغات أجنبية فما رأي فضيلة الأستاذ صاحب (لغة العرب) - وأبحاثه الممتازة في فقه اللغة نفائس مشهورة - في هذه الكلمات التي نذكرها هنا على سبيل المثال فقط:
3 - أب
ويقابلها بالإنجليزية وهي بمعناها الديني شائعة في لغات مختلفة كاليونانية والقبطية والحبشية. الخ.(7/184)
4 - تشرب
ويقابلها بالإنجليزية وهذه مشتقة من الكلمة اللاتينية حيث تقابل الفاتحة الحرف (من) وتقابل فعلنا العربي، والشبه بينهما عظيم. وعندنا في لساننا كلمة تسرب (بالسين) بمعنى تملأ.
5 - بذاءة
ويقابلها بالإنجليزية وباللاتينية وهما بمعنى أيضاً أي إساءة الاستعمال أو سوء التصرف. وروح هذا المعنى موجود في اللفظ العربي وكذلك معنى الانحطاط. ومن هذا القبيل قول العرب أرض بذيئة أي لا مرعى فيها.
6 - أكمل
ويقابلها بالإنجليزية ونظائر هذه الكلمات في اللاتينية وفي الفرنسية القديمة والحديثة.
7 - قمة
ويقابلها بالإنجليزية وبالإغريقية بمعنى رأس أو ذروة وقد جاءت في شعر الإنكليز فهي من مختار الكلمات الأدبية.
8 - ضبط
ويقابلها بالإنجليزية بمعنى وفق وشبيهاتها في اللاتينية والفرنسية وغيرهما.
9 - إضافة
ويقابلها بالإنجليزية وباللاتينية وهي أيضا من الكلمات الشائعة، ونحن لا ننظر للتشابه الصوتي في الكلمات بل لتشابه الأصول وبهذه المناسبة نقول إن عندنا في العربية كلمة الداشن بمعنى الجديد، ولكنها لا تخصنا في هذا المقام برغم التشابه الصوتي.
10 - مزج
ويقابلها بالإنجليزية كلمة وبالويلسية كلمة وبالجاليقية كلمة
وخوف الإطالة تحاشيت التعليق عليها وذكر ما تنسبه لها المعاجم وكتب(7/185)
فقه اللغة من أصول معقولة ومردودة. وليست كلمة بمعنى (مزج) بأبعد عن العربية من كلمة التي
يقابلها في لغتنا (أمير البحر).
الإسكندرية (مصر): أحمد زكي أبو شادي
جوابنا
1 - ورد ريع من باب التفعيل لازما ومتعديا وهو رشيق المبنى ويحسن استعماله بمعنى الاغتلال وهو عندنا أصل الأداة الداخلة على الكلم اللاتينية وفروعها أي فأنها أن دخلت على الكلمة أفادت النمو والزكاء والتكرير والرجوع والعود وهذه المعاني وفروعها موجودة في فعل (راع) العربي.
2 - هذه من جملة الألفاظ المأخوذة من العربية ودليلنا على ذلك أنها تكتب بوجهين في الإنكليزية أي وذلك لتصوير العين كما يقع مثل ذلك كثير في ما يؤخذ عن لغتنا.
3 - جميع علماء اللغات الغربية اتفقوا على القول بأن كلمة مأخوذة من سامي من غير خلاف بينهم.
4 - هذه اللاتينية الأصل من نجار عربي وهي الألفاظ المعدودة بالمئات المأخوذة من لساننا وإن لم يسلم بها الغربيون.
5 - لا نوافق حضرة الكاتب على رأيه هنا لأن أصل اللفظة اللاتينية ومعناه الاستعمال واصل معنى الاستعمال عندهم النصب ثم دخلت عليها للدلالة على السوء فصارت أي سوء الاستعمال والذي يقابل الأصل اللاتيني الأول هو (حظ) عندنا. فيكون معنى سوء العادة أو سوء الاستعمال والأصل في المعنى سوء الحظ.
6 - لا نوافق حضرته على هذه اللفظة أيضا فما ذكره هو من باب الاتفاق كما اتفق ورود (الجليد) العربية للاتينية وكل منهما من أصل يختلف عن الأصل الآخر. والذي عندنا هو أن مشتق من ويوافقها عندنا (فلا يفلو فلوا) أي ربى تربية والتربية هي إكمال أو إتمام خلق الغلام أو آدابه.
7 - نوافقه كل الموافقة والكلمة من الألفاظ التي كنا قد انتبهنا إليها منذ القدم.(7/186)
8 - الضبط وما يقابله في الإنكليزية أو الفرنسية أو اللاتينية من باب الاتفاق وليس من باب الاشتقاق أو التأصيل. وإلا فأن اللفظة الأعجمية من أصل أو ويتفق والعربية في كلمة عبأ فمعنى عباه لا غير في أصل وضعه. وقد تفرع منه في العربية فرع آخر هو
عبل الحبل أي فتله وأحكم ربط قواه بعضها ببعض.
9 - الكلمة الغربية مشتقة من فالمشابهة بينها وبين كلمتنا اتفاقية لا غير تقابل طعى الذي هو لغة قديمة في عطى أي أعطى.
10 - نوافقكم عليها وهي من الألفاظ التي دوناها أنها تتفق ولغتنا ومن أصل واحد نظنه عربيا في بدء وضعه.
وهذه المباحث لذيذة جدا إلا أن مزالقها جمة لمن يبتدئ فيها. ولهذا يجب على الباحث أن يطالع أصول الوضع قبل الشروع في التوغل فيها.
بسلط أو بصلد
س - الموصل. ي. ح. أ. أي كلمة تقابل بازلت الإفرنجية؟
ج - بازلت الإفرنجية مأخوذة من اللاتينية والرومان يقولون إن كلمتهم هذه مأخوذة من لغة أفريقية. ونحن نوافقهم على ذلك. وهي مركبة من الباء وهي أداة تعريف في اللغة المصرية القديمة ومن (سلط) أو (صلد) أي الصلب فيكون معنى البسلط أو البصلد (وزان سمند): الحجر الصلب والبازلت هو كذلك. وبلاد السلط سميت كذلك لأن أرضها بسلطية. وقد وهم الذين كتبوا (السلط) بصورة (الصلت). والذين بدءوا يركبون متن هذه العشواء مؤرخو القرون الوسطى من أخباريينا. قال في التاج: السلط موضوع بالشام وهو حصن عظيم وقد نسب إليه جماعة من المحدثين ووهم من كتبه بالصاد والتاء. ويقال له السنط بالنون. اهـ. - قلنا: وقد جاء بصورة الصلت في الكامل لابن الأثير وفي جميع التصانيف التي ألفت قبيل عصره وبعيده. فلينتبه الغافلون. ومن أسماء البسلط في لغتنا: الفتين والقوفوي والشبيثي (راجع لغة العرب 46: 5 و48)(7/187)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - كشف كنيسة مطمورة
دعانا حضرة الهيرولهلم ليتن قنصل ألمانية ببغداد إلى مشاهدة الكنيسة التي كشفتها البعثة الأثرية الألمانية في طيسفون فذهبنا إليها ناهبين الأرض بالسيارة في الساعة 10 من صباح 16 ك2 (يناير) من هذه السنة. وبعد ساعة كاملة وصلنا إليها.
وأول من لاقيناه من علماء الألمان الأثريين كان رئيسهم وهو الأستاذ الدكتور روتر وتحت أمره يشتغل 120 حفارا من أبناء الوطن فاطلعنا على أسس الميدان الذي كان أنشأه الملوك الساسانيون وكانوا يلعبون فيه لعبة الصولجان أو يعرضون فيه السباع. ثم اطلعنا على ما وجدوه في تلك الحفريات من قطع الفسيفساء وقطع الحجارة المختلفة القدر والهيئة وعلى كثير من كسر الكلوي المختلفة الأشكال. ثم اطلعنا أحدهم على بعض قطع من التماثيل ومن جملتها قطعة تمثل شيئا من فرس وقطعة تمثل بعضا من خنزير البر الذي كان يصاد في تلك الأرجاء كما يصاد فيها اليوم. وارانا أيضا تمثالا يكاد يكون بكبره الطبيعي وهو يمثل على ما بدا لنا مطرانا أو بطرير كامرتديا شملة فضفاضة وعلى صدره بطرشيل البطاركة إلا أنه مقطوع الرأس واليدين والرجلين. وكل ما رأيناه كان من الجص.
وقل لنا الأثري دليلنا: إن هذا التمثال وجد بهذه الحالة المهشمة على(7/188)
جرصن في كنسية كشفنا عنها التراب وهي في غربي طيسفون. ولا بد من الذهاب إلى تلك الضفة من دجلة لرويتها ويكون هذا الأمر بعد الظهر.
وفي الساعة الثانية عبرنا دجلة في مركب يسيره محرك (موطوربوط) وعند بلوغنا الضفة رأينا على الأرض أربعة مراحل من حديد بهيئة أجراس كبيرة قيل إنها كانت تتخذ في صنع البارود في أيام مدحت باشا. ورأينا غير بعيد عنا سور المدينة القديمة ذاهبا في الشط (في دجلة). وقال لنا الأثري أيضا: إن هذا السور كان عظيماً يحيط بطيسفون في عهد الساسانيين وكان دجلة يجري وراء السور من الغرب ثم تحول مجراه فقفز إلى السور فخرقه وأجرى ماءه من ذلك الشق إلى يومنا هذا.
ووصلنا إلى الكنيسة المكشوفة بعد أن سرنا على الأقدام بنحو 27 دقيقة إلى غربي دجلة.
فشاهدنا ما كشفوه منها وهو صدرها من جانب المحراب. وقد شاهدنا ثلاث قواعد كانت تقوم عليها عمد ينشأ من جميعها هيكل القربان أي وعلى طول الكنيسة اظآر (جمع ظئر وهي الدنكة عند العراقيين المحدثين أي لتقوية الحيطان وطول البيعة خمسة وعشرون مترا في عرض أحد عشر متراً وهذا عدا طول الهيكل الذي يبلغ تسعة أمتار ويظن العارفون من علماء الآثار الألمان أن طرز الكنيسة يدل على أنها بنيت في عهد بني ساسان أي في أواخر المائة السادسة أو أوائل القرن السابع بناها النساطرة أي الكلدان المشارقة.
ولما فتحت طيسفون أتخذ الفاتحون هذه الكنيسة حماما لهم، إذ يرى البناء المخصص بمثل هذا الأمر، أي أنك تشاهد قريبا من هيكل القربان مسالك للبخار الدافئ والحار لنقله إلى أنحاء الحمام وهي تذهب في الطول وتعرف اليوم بالزنابير.(7/189)
ووجدنا من العملة الحفارين في هذا الجانب سبعين رجلا يشتغلون في تل غير بعيد عن هذه الكنيسة.
وبعد أن شاهدنا كل هذه المكشوفات عدنا إلى الحاضرة في الساعة السادسة وطالت عودتنا هذه المرة بالسيارة نفسها خمسين دقيقة.
فنحن نشكر حضرة القنصل على إطلاعنا على هذه الحفريات كما نشكر الجماعة الأثرية الألمانية التي تعنى بإظهار كنوز أرضنا فعساهم أن يعثروا على آثار أنفس من هذه ترقية للعلم والتاريخ وتعويضا من المبالغ التي ينفقونها في هذا السبيل.
2 - الأزهر وشيخه الجديد محمد مصطفى المراغي
الجامع الأزهر من أشهر جوامع ديار مصر أتم بناءه أبو تميم معد في جمادى الأولى سنة 359هـ وفي رمضان سنة 316 (حزيران وتموز 972) دشن وفتح للناس وابتدأ التدريس لخمسة وثلاثين طالبا أجريت لهم الجرايات وذلك سنة 988م وكان حماة الجامع والمدرسة معا الملوك والأمراء فكانوا يتولون إدارتهما بأنفسهم. وفي المائة الحادية عشرة من التاريخ الهجري عين للأزهر رئيس عام يدير شؤونه ويراقب أموره أطلق عليه أسم (شيخ الأزهر) وينتخب ممن اشتهروا بالفضل والدراية من جلة حضنة العلم بلا شرط أن يكون من مذهب معين من مذاهب الإسلام الأربعة
وكان التعليم في هذا الجامع في غاية السماحة (البساطة) يكاد يكون فطريا أساسه التقي
وقوامه احترام الدين وأهله ولم يكن فيه شيء من النظم العالية المتبعة في معاهد العلم الراقية والكليات أو الجامعات. وأول مرة وضع له قانون كان في سنة 1871 ثم توالت عليه النظم إلى سنة 1911م
وقد عين شيخا له في هذه السنة محمد مصطفى المراغي وهو عالم تخرج في الأزهر منذ عشرين عاما وعين قاضيا شرعيا لمحكمة دنقلة (السودان) ثم قاضيا لمحكمة الخرطوم ولا يزيد عمره اليوم على (49) سنة ولم يقابل كبار علماء الأزهر تعيينه بشيء من الارتياح لصغر سنه ولأن كبارهم كانوا يتوقعون أن يتولى المشيخة أحدهم. على أن الرفيعة التي رفعها إلى أولي الشأن لإصلاح التدريس فيه نم على سعة فكر وحب إصلاح وقوة إرادة لم يشاهد مثلها في من تقدموه في هذه المرتبة وقد اهتمت(7/190)
بها جرائد مصر ونشرتها، فدل عمله هذا على أن الشيخ الجديد الأكبر رجل عصري منور حتى أن بعض اخصائه وصفه بقوله: (إن تحت هذه العباءة بزة إفرنجية على آخر طرز) وهذا كان نتيجة احتكاكه بالإنكليز في حين إقامته في السودان، إذ تعلم ثم بعضا من الإنكليزية.
وقررت وزارة (الحقانية) انتدابه لرياسة اللجنة التي عهد إليها تعديل الأحوال الشخصية للمسلمين.
وقد استأجر صرحا كبيرا في حي الدواوين لاستقبال زواره العديدين وإقامته الحفلات الأدبية، والمآدب الأخوية.
أما الذين فرحوا بتعيينه فرحا لا يقدر فهم محبو الإصلاح والرقي، إذ باتوا يتوقعون من همته نهضة تجدر باسمه وقدره وليس ذلك ببعيد على همته العالية.
3 - شؤون مصرية
يهتم المصرف القومي الشهير المعروف (ببنك مصر) بتأسيس فرع له في فلسطين وقد وعد السيد عبد الحميد شومان من كبار التجار الفلسطينيين في نيويورك بإيداع خمسة وعشرين ألف جنيه مصري فيه. ويقال إن في نية (بنك مصر) إنشاء فرع له في بغداد في العام المقبل توسعا للعلائق التجارية بين الشعبين الشقيقين إذا وجد تعضيدا كافيا من أغنياء العراق.
وتعنى الحكومة المصرية بأعمال إنشائية كثيرة واسعة النطاق في جميع مرافق الأمة
لتتقرب بذلك إلى الشعب، ومن بين هذه الأعمال إصلاح (الأزهر) إصلاحا عصريا جديا، وتأسيس مجمع لغوي عظيم وإنشاء كلية للطب وأخرى للحقوق بثغر الإسكندرية تمهيد الإنشاء جامعة كبرى في عاصمة القطر الثانية، وتعميم مياه الشرب في القرى بطريقة صحية، والبدء بتنفيذ مشروعات الري الكبرى، وبيع أراضي الحكومة لصغار الفلاحين بأثمان معتدلة مقبولة تدفع أقساطا، وتحسين هندسة القاهرة بإنشاء متنزهات جديدة فيها وبغير ذلك، وإصدار قانون عصري للأحوال الشخصية والسعي الجدي لدى الدول الأوربية للقضاء على الامتيازات الأجنبية، وإنشاء مستشفيات ريفية كثيرة، وتسهيل الهجرة إلى السودان، وتحسين حالة مساكن العمال وردم البرك والمستنقعات، وغير ذلك من أعمال الإنشاء والإصلاح الجليلة التي بدأت فعلا تتكيف غير(7/191)
مقتصرة على الوعود والأقوال.
ومن الأخبار المصرية السارة هبة السيد عبد الرحيم باشا الدمرداش لوطنه بمائة ألف جنيه لإنشاء مستشفى، وباثنين وثلاثين ألفا من الجنيهات ثمن أرض لهذا الغرض. وقد جادت المحسنة الكريمة شقيقة صاحبي السعادة عزيز عوزت باشا وفؤاد عزت باشا بستمائة فدان من أجود أطيانها على إدارة مستشفى عظيم ومدرسة كبيرة ومسجد فخم في محطة التوفيقية من أعمال أيتاي البارود. وهذه الأطيان تساوي مائة وعشرين ألف جنيه، يضم إليها عشرون ألف جنيه قيمة نفقات البناء فيكون مجموع ما تبرعت به مساويا مائة ألف جنيه وأربعين ألف جنيه، وقد بوشر العمل التحقيق ذلك. وفي مثل هذا الإصلاح العظيم والإحسان الخالد فليتنافس المتنافسون!
4 - وفاة ثروت باشا
توفي في باريس في الثاني والعشرين من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي داهية مصر السياسي الذي - كثيرا ما شبه بالكونت دي كافور - صاحب الدولة عبد الخالق ثروت باشا. وافانا نعيه بعد إتمام المجلد السادس فلم يكن في وسعنا قبل هذا الجزء أن نشير إلى كارثة مصر السياسية بفقده. فالرجل من أعظم رجالاتها ومن أفذاذها النادرين كسعد زغلول، وحسين رشدي، ومحمد سعيد. ويعرف ثروت باشا بأبي الدستور المصري وواضع حريات مصر ومنظم كيانها السياسي، كما عرف سعد زغلول بمزيني مصر تشبيها له ببطل الوحدة الإيطالية العظيم.
لقد كان بنيانا لمصر مبجلا ... كما قد بنى تاريخها الناصع الفخما
توفي رحمه الله بعد مرض يوم أو أقل بحمى رثيية (روماتزمية) حادة تبعتها ذبحة صدرية كانت في الخاتمة، فبكته مصر بكاء حارا إذ قلما تجود البيئات السياسية في الشرق العربي بأمثال هذا النابغة السياسي الكبير.
يمر زمان قبل جود بمثله ... وقد تورث الأحداث للأمم العقما
وكم من عظيم مجده مجد غيره ... وقل الذي يعطي الورى مجده الضخما
فنقدم إلى آل الفقيد وإلى الشعب المصري الكريم - الذي روع على اختلاف أحزابه لهذه الفادحة - عزاءنا الخالص.(7/192)
العدد 67
الشمسية
1 - باب البحث
في الجبال المنبثة فوق ماردين، أطواد تعرف باسم (قره جه طاغ) - هي كفل لكاهل جبل الروم المعروف عند السلف ب (جبل) (أي الطورس أو طور، بلا أداة تعرف في جبل وفي وتمتد من الفرات إلى دجلة في الرقعة التي كانت تعرف في غابر الزمن باسم ديار ملطية (كما قالوا ديار مضر وديار ربيعة وديار بكر. وديار ملطية هي
في تلك الهضاب مغاور منها طبيعية ومنها من صنع ابن آدم تختلف بين الصغر والكبر، وآبار مختلفة العمق منها ضيقة ومنها واسعة، يتخذها سكان تلك الربوع لمختلف مقاصدهم صهاريج واهراء وسهوات.
يروي نصارى تلك الأرجاء أن تلك الكهوف وتلك الجباب حفرها جدودهم الأقدمون، ولا سيما النساك منهم، فاتخذوا الأولى منها مساكن، واتخذوا الثانية آبارا ومخازن. وكان غير النساك منهم يقضون أيامهم موزعين ساعاتهم من الفلاحة والزراعة ورعاية الغنم والحياكة والنجارة والحدادة إلى غيرها(7/193)
من الأشغال، بينما يرى النساك والحبساء في مناسكهم يعبدون الله ويترضونه بقرباتهم.
أما اليوم (في سنة 1897 لأننا كنا اعددنا هذه المقالة في ذلك العام) فيشاهد فيها أناس يدعون النصرانية التي يظهرونها ويعملون بالشمسية التي يبطنونها من باب المتاقاة خوفا على أرواحهم وحرصاً على التمسك بأذيال مذهبهم بل بأسماله. ويتخذون تلك الكهوف لغايات مختلفة: للسكنى ولحفظ مواشيهم ولسجن أعدائهم فيها، إذ يتخذون تلك الجباب أو تلك المغاور سهوات يغيبون فيها أعداءهم (وهم يريدون بهذا الاسم المسلمين) ليعذبوهم فيها شر عذاب من جوع وعطش وعري ورجمهم (أي ورمي حجار عليهم)، فيثأروا قتلاهم أو يتروهم لعداوات سبقت لهم بينهم وبين السجنى أو بين ذوي قرباهم.
2 - وصف خلقهم وخلقهم
الشمسيون قوم تدل ملامحهم على أنهم جبليو النجار، يمتازون بطول القوام وخلق مفتول،
هامتهم في الغالب كبيرة، وشعرهم أسود فاحم وافر، وانفهم أقنى، وفمهم واسع، وعينهم دعجاء نجلاء، وشاربهم ضخم، ولحيتهم كثة، وذراعهم طويلة عبلة، وكفهم واسعة، وأصابعهم مستطيلة كأنها (أصابع فرعون)، وصدرهم رحب، ومنظرهم جهير، وبطنهم ملموم، وساقهم مملوءة وقدمهم عريضة كبيرة، وفي الجملة تراهم كالجبابرة. وتشاهد نساءهم في غاية الحسن والجمال والروآء. والذي طالع في التواريخ القديمة شيئا عن وصف الماردين (أو المردة أو الماردية لا يشك في أن هذا الجيل من الناس نازل منهم ومن صلبهم. والأخبار العتيقة تؤيد هذا الرأي ولغتهم - التي فيها شيء من الرطانة - تدفعنا إلى قبوله والاعتماد عليه.(7/194)
هذا من جهة خلقهم وأما خلقهم فيشبه خلق الجبليين فأنهم غليظو الطباع جفاتها، يستسهلون القتل إذا ما رأوا غفلة من أعدائهم، يقطعون الطرق على خصومهم ويباغتونهم شر مباغتة، وإذا قتلوهم مثلوا بهم، ولهم شجاعة عظيمة وأقدام غريب على اقتحام المصائب كأن نفسهم قدت من الجلمود - لو أمكننا هذا التعبير - وهم لا يهابون الموت. ومن شجاعتهم أنهم يهجمون على الذئاب أو الضباع أو خنازير البر أو على نحوها من الضواري بسلاح قليل لا يساعد غيرهم على اتخاذه والتصرف فيه وهم يحبون الضيف ويكرمونه ولا يغدرون به البتة، ويعرفون بالجود والكرم وإباء النفس. يهربون من موبقات أهل الدين ويستفظعون شنائعهم وهم أصحاب جلد لاحتمال البرد والثلج والجوع إلى غير ذلك من الخصال الحميدة.
3 - موطنهم الأصلي
الذي عندنا أن هذا القوم طارئ في تلك الهضاب وأصله من الماردين الذين كان وطنهم الأول الديار الشمالية من بحر الخزر أو بحر قزوين. وكان ملوك الروم جلوهم ونقلوهم إلى جبال الجزيرة وسورية ولبنان. ومن اسمهم تسمت مدينة (ماردين) وبقي هناك عدد منهم وكذلك في جوار ديار بكر وجبال شمالي الجزيرة، فحفظوا آدابهم وأخلاقهم وديانتهم وقد اتبعوا المسلمين في غزواتهم فحفظوا آدابهم وأخلاقهم وديانتهم وقد أتبعوا المسلمين في غزواتهم الأولى إذ قاوموهم أشد المقاومة وكابدوا منهم الأمرين. وربما كان منهم أيضا بنو الأحرار والأبناء والأحامرة والأجامرة والأساورة والجراجمة وبعض الجرامقة لا الجرامقة
كلهم، لأن الكتلة الكبرى في هؤلاء الأخيرين العنصر السامي وربما كان العنصر العربي.
4 - ديانتهم
أول شيء يظهر للعيان عند مشاهدة هؤلاء الناس، أن الشمسين لا يصلون ولا يصومون علنا ولا يأتون عملا دينيا بينما يدل على عبادتهم للإله، أو على اعتقادهم بنبي من الأنبياء. وإذا خالطهم الإنسان عرف أنهم لا يعتقدون بنبوة(7/195)
موسى ولا عيسى ولا محمد، ولا يسلمون بأوليائهم ولهذا لا يبوحون بمعتقدهم لأحد لئلا يكفرهم من ليس على دينهم فيستدركون الأمر بإخفاء مذهبهم والضن بأسرارهم.
والذي يمكن أن يقال بوجه الإجمال أن ديانتهم قرار جميع النحل والملل والمذاهب، فأنك ترى فيها خليطا من المجوسية والصابئية (أي عبادة الأجرام النيرة) والحرنانية والثنوية والمانوية والمزدكية والنصرانية وعبادة المواليد (الحيوان والنبات والجماد).
والذي علمته من رجل يعقوبي المذهب (كان في الأصل شمسيا، وكان زارني سنة 1897 ليسألني عن ورود اسم الشمسيين في التاريخ القديم وكان اسمه قبل التنصر هرمزد فروش ولم يبح لي بما باح إلاّ بعد أخذ المواثيق والعهود مني) أن اعتقاد كبار الشمسيين قائم على أن الإله الأعظم الذي تحت أمره سائر الآلهة (لأنهم يعتقدون بكثرتها) هو الشمس، وسائر الآلهة هي القمر والنجوم وسائر الكواكب من متحيرة وثابتة، والشمس (وهي عندهم ذكر لا أنثى) خالق الموجودات كلها من منظورة وغير منظورة، من معروفة ومجهولة، من باطنة في المخلوق وخارجة عنه، ولولا عنايته (أي لولا عنايتها) لفني كل ما على هذه البسيطة من حيوان ونبات وجماد. وهم يسجدون لها (أو له بلسانهم) صبحا وظهرا ومساء بحيث لا يراهم أحد، لكي لا يكفرهم، وهذا السجود غير واجب أداؤه لمن كان خارجا عن داره، فإذا أشرقت أتجه الشمسي إليها ومد ذراعيه أو كفيه كأنه يغترف شيئا من الهواء أو قل شيئا من النور الجديد المنبث في الكون، ومسح وجهه بما توهمه أنه تلقاه منه ودهن به كتفيه وذراعيه وساقه وقدميه وهو في تلك الأثناء يتمتم. وعند الظهر يركع عدة ركعات عند تكبد الشمس السماء. وعند الغروب ينتظرها قائما في مكان عال بحيث يرى مغيبها ليودعها وداع آخر النهار وفي مطاوي تلك الركعات والسجدات يزمزم زمزمة جدوده (أي عبدة الشمس) آفتاب برستان.
وهم يؤمنون بالعواقب الأربع ويكرمون مل الإكرام الأسد والببر والنمر ويبجلونها ويكرمون بعض الأشجار ولا سيما الكبيرة الضخمة منها. وبالأخص(7/196)
الحور ويجلون السوسن والأذريون والبابونج والأقحوان، والهندباء والقطن ولا سيما التنويم (دوار الشمس) وجميع النباتات التي تتأثر من حركة الشمس فتدور أوراقها بدوارنها، ويجلون من الحشرات الوزغة وأبا بريص والحرباء للزومها جميعاً حرارة الشمس، ويعظمون الذهب لأنه لون الشمس ولأنه يقضي جميع حاجاتهم إذا ما كان بأيديهم.
ويزعمون أن كل من لا يجل الشمس ويعبدها يهلك لا محالة ونصيبه النار الخالدة. وليس لهم كتب منزلة أي مقدسة ولا يعرفون القراءة والكتابة ويحرمونهما على أبنائهم وبناتهم. ولهم في السنة عدة اجتماعات يعقدونها في الأسراب أو في المغاور. وربما خالفوا بين كهف وكهف في كل مجتمع لكي لا يهتدي أحد إليهم ويفاجئهم وهم في ذلك المعبد المتخذ إلى أجل مسمى لا غير واليهود والنصارى والمسلمون الذين في أنحاء ديارهم يشيعون عنهم أنهم يأتون المنكرات في تلك الحتشدات. والذي يمكن أو أؤكده للقارئ أن هذه الإشاعة من الأراجيف لأن أخلاقهم وأبدانهم وصحتهم تشهد على أنهم لا يعرفون فساد الآداب ولا يطلقون لأنفسهم الأعنة لشهواتهم وأميالهم السيئة. وإذا اجتمعوا كان فيهم الرجال والنساء معا وهم لا يفرقون بين شق وشق فللمرأة حق مثل حق الرجل وهم يساوون بينهما ولا يفضلون الذكور على الإناث على ما يرى عند أصحاب بعض الأديان الأخرى المنتشرة في الشرق ومسألة اتهام أرباب الأديان الخفية بارتكاب المنكرات في مجتمعاتهم ومعابدهم شائع ذائع في بلادنا الشرقية وينسبونها أيضا إلى الشبك واليزيدية والدروز وكلها افتراء محض.
وفي تلك المجتمعات يتشاورون ويتباحثون ويلقن كبارهم بالغيهم من ذكور وإناث أسرار ديانتهم ولا يجيزون لواحد أيا كان أن يشهد ذلك الحفل ما لم يكن بالغاً حافظاً للسر وعرف بينهم بحسن السلوك والآداب. وهم يذكرون للريضين منهم الأحداث أن من يفشي السر عقابه الموت أينما يحل أو يرتحل، وإذا أنكر أحدهم دينه وصبأ إلى دين آخر لا يفشي سرا من أسرارهم ولو قطع أربا أربا.
وإذا كان صاحبي أفشى بعض ما كان يعلمه فأنه فعل ذلك لأسباب:
1 - لأنه تنصر وهو في عمر 35 سنة وقد ناهز السبعين ومل الحياة ولم(7/197)
يبق له طمع فيها ولا في حطامها - 2 - لأنه كان صادق النصرانية في الباطن والخارج وكان يتوقع القتل ليكون شهيداً في حب المسيح - 3 - لأن امرأته كانت قد وفيت في الولادة بعد أن رزقها الله أربعة بنين وثلاث بنات وكلهم ماتوا بين العشر سنين والعشرين سنة ولم يبق له من أهل بيته باق، فكان يعد نفسه غريبا في هذه الدنيا. ومع هذا كله ما كان يود أن يعرف أحد دينه القديم لأنه كان يتبرأ منه، وإنما قال لي ما قال لأني استغربت بحثه عن الشمسية وحزرت أنه كان على هذا الدين في صباه.
والتقية شائعة عند هؤلاء الناس، في صغارهم كما في كبارهم، فإذا ساقتهم الأحوال إلى التغرب أو إلى أن يكونوا في موطن ليس فيه من شيعتهم أحد قالوا أنهم من أهل دين ذلك الموضع فهم يهود مع اليهود، ونصارى مع النصارى، ومسلمون مع المسلمين، ويزيدية مع اليزيدية إلى غيرهم، وهم يكرهون المسلمين أشد كراهية لأنهم فتكوا بهم فتكات هائلة مرارا لا تحصى واستحلوا دماءهم ونساءهم وبناتهم وسبوا ذراريهم. ولهذا تراهم يكظمون غيظهم وحقدهم في الديار التي يكثر فيها المسلمون، إذا ما نزحوا إليها، خوفا على نفوسهم من القتل. وهم يأتلفون والنصارى ويكثرون الاختلاف إليهم والاختلاط بهم، وكل مرة أجبرهم المسلمون على ترك دينهم والتمسك بدين آخر يكون معروفا في البلاد المسلمة فضلوا النصرانية على سواها، وإن كانوا في بعض الأحيان يبطنون معتقدهم. وإذا تنصروا انضموا إلى الأرمن في أغلب الأحايين، أو إلى اليعقوبية، ولهذا ترى في بعض الأسر من هذين المذهبين أجدادا شمسي الأصل أي أن في أسماء سلفهم فارسية أو كردية أو غريبة من الأرمنية والسريانية.
ومن عجب أمر هذا الدين أنه وإن كان خليطا من سائر النخل والملل لا يرى فيه شيء من الموسوية ولا المحمدية، ثم أن معتقداتهم هذه لا تبقى في حالة ثابتة واحدة، بل تتغير بتغير أنسالهم، وسبب ذلك هو ما قلناه أنهم لا يرجعون في مذهبهم إلى سفر مكتوب ولا إلى مصحف منزل أي مقدس فليس لهم ما يصونون فيه آراءهم الدينية من الخلل والخطل، ولا من الزيادة والنقصان.(7/198)
فيعتورها جميع الشوائب والمعايب في اختلاطهم بمن ليس على مذهبهم، فإذا احتكوا بهم زمنا طويلا وسمعوا منهم ما ليس معروفاً في مذهبهم أضافوه إليه
وظنوا أن ما سمعوه من هذا الغريب النحلة سرقة من أقوال جدودهم. وهكذا ترى معتقدهم كالريشة في مهب الريح تسفل وتعلو، وتذهب يمنة ويسرة، فديانتهم تزيد وتنقص بحسب ما يهجم على أفكارهم من مذاهب الغرباء عن دينهم. ولهذا نعتقد كل الاعتقاد أن ما ندونه اليوم غير ما كان يعتقده أسلافهم قبل قرنين أو أكثر، بل يحتمل أن تكون مادة المعتقد أي أصله هي الأساس المهم، وما زيد عليه أو يزداد عليه هو من قبيل البنيان الذي أقيم أو يقام على ذلك الأساس.
وهناك معتقدات أخرى نذكرها في باب الموت. وغيرها لم يجز لنا هرمزد فروش أن ننشرها حتى بعد موته ولهذا نبقى محافظين على كتمها قياما بوعدنا له.
5 - ثيابهم وأسلحتهم
ثيابهم تشبه ثياب سائر أكراد الجبال أو نساطرة الجبال ومسيحييهم. فالذي يظهر من تلك الملابس: (البشما) بباء فارسية مثلثة مفتوحة، يليها شين فميم فألف وهو سراويل واسعة من صوف ثقيلة تلبس فوق سراويل خفيفة من قطن اسمها (شروالا) ويلبسون على الصدر (زخمة) وعلى الزخمة ما يسمونه (اليلك) (بفتحتين) ويشدون على وسطهم منطقة عريضة من صوف اسمها (حاصا) (وهي عندنا تصحيف حياصة) ويلبسون في أرجلهم جوارب يعرفونها باسم مروى (وتلفظ وفوقها الأحذية التي يسمونها زركوله
ولا يسير الرجل منهم بلا أسلحة إذ لا بد منها عندهم وإلاّ عد ذاك الرجل من اللئام، وأول شيء يلبسونه هو (الخنجر) وعلى الجنب (السينا وهو السيف وعلى صدره قلادة من الرصاص يسمونها (رخت) وعلى ذراعه البارودة ويسمونها (تفنتا)
6 - لغتهم
لغتهم كدينهم فيها من جميع اللغات والألسنة فهي خليط من الزندية والفارسية والتركية والكردية والعربية والأرمنية والآرمية (السريانية) وتدوينها ودرسها(7/199)
من أهم الأمور.
وهم يسمون (جاه) أو (جه) بجيم مثلثة فارسية مفتوحة، ممدودة أو مقصورة: الكهف الذي يعذبون فيه أعداءهم ولا سيما المسلمون منهم. وبهذا الاسم نفسه يسمون الجب الذي يخفون فيه عدوهم. وأظن أن الاسم التركي لتلك الجبال أي (قرة جه طاغ) مأخوذ من تلك التسمية
ولبعض روساء دينهم أسماء نراها فصل (الموت) من مقالنا هذا.
7 - ميلهم إلى بعض العناصر وأصحاب الأديان
يميلون إلى الكرد من أصحاب العناصر البشرية، فإلى الفرس فالعرب فالترك. ويميلون أشد الميل إلى النصارى ولا سيما إلى الأرمن منهم فإلى اليعاقبة ثم إلى المسلمين ويفضلون السنة منهم على الشيعة.
8 - عددهم
لا يعرف عددهم على التحقيق، فهم على تناقص دائم، فقد كانوا في أوائل القرن السابع عشر نحو عشرة آلاف؛ وأما اليوم فلا يزيدون على ألف بين رجال ونساء وأطفال. وجميعهم يسكنون في هذا العهد قره جه ظاغ ونواحي ماردين. وفي هذه المدينة نفسها محلة تعرف ب (محلة الشمسية) ومذهبهم اليعقوبي في الظاهر لكنهم يبطنون مذهبهم الشمسي.
9 - الولادة
العادة الشائعة في الشرق أو ولادة البنت تحزن أهل البيت جميعهم، ولا سيما والدتها. وهذه الكراهة للبنت ترى عند أصحاب جميع الأديان: عند المسلمين والنصارى واليهود.
أما عند الشمسيين فليس الأمر كذلك فأن ولادتها تعد من أيمن الطوالع. وهم إذا سمعوا بدخولها في هذا العالم هلهلوا لها وطربوا أشد الطرب وأقاموا لها أنواع الولائم والأفراح ولا سيما إذا كانت البكر؛ أما ولادة الابن فلا تحزن ولا تفرح بل يبقى أهل البيت على حالتهم المألوفة.
10 - الزواج
الزواج عندهم مجلبة الأفراح، ولا يجوز للرجل الواحد إلاّ اتخاذ امرأة(7/200)
واحدة، ولا يعرفون الطلاق ولا الزنى إلا في ما ندر. ومخالطة الرجال للنساء في مجتمعاتهم تحفظ آدابهم من الفساد. ولا يجري بينهم ما يخدش الآذان من أسباب الاضطراب والبلبال وأغلب الأحيان يعيش الزوجان بالاتفاق والوئام.
11 - الموت
إذا مات في البيت واحد منه لم يضجوا له ضجة عظيمة كما يفعل أبناء الشرق من يهود ونصارى ومسلمين بل يسلمون أمرهم (للشمس) التي تحيي وتميت وتدعو عبادها إليها في دار الخلد الطيبة.
ويزعمون أن الصالح منهم إذا أوشك أن يموت ظهر بين يديه مثال من الخلق مجس جسما تعوزه الروح لتحيا. وهذا الجسم يكاد يشبه خيال الظل ولا يتحرك إلا بعد دخول الروح ويكون ذلك بعد موت المحتضر. ويرى حول ذلك الخيال روحانيون صالحون يسمون الواحد منهم بلسانهم (فري) ومنهم من يسميه (فر رخ - وبيد كل واحد منهم أداة من أدوات الجنة. فيرى في يد الواحد منهم صولجان الملك. وفي يد آخر إكليل جواهر، ويقبض ثالث على عصابة من لآلئ رطبة يعصب بها جبين الصالح إذا لفظ نفسه ويمسك الرابع بيده ثوباً موشى يتألق ضياء ويرى بيد خامس جام مملوء كوثرا وهو مكلل بالدر الرطب والزبرجد الفاخر؛ ويشاهد في كف سادس أثمار غضة طيبة إذا أكل منها الميت الصالح غدا خالداً ولا سيما إذا شرب عليها شيئاً من ذلك الكوثر شراب الآلهة، ولهذا لا يهرم أهل الجنة وإذا شعروا بضعف لتقدمهم في السن أكلوا من تلك الطيبات وكرعوا عليها كرعات من ذبالك السلسبيل.
وبازاء جماعة الفري طبقة من الأرواح الخبيثة النجسة يعرف الواحد منهم باسم (ديو)، وكل منهم يرغب المحتضر في أمر من أمور الدنيا، فواحد يرغبه في حسان النساء، وآخر في جميع حطام الدنيا وثالث يطري له المجد والكرامة والعظمة والتسلط على الأنداد. ورابع يزين له الأخذ بالثار وسحق الأعداء وقتل المناوئين له. وخامس يبعثه على التلذذ بأطايب المآكل والمشارب والمفارش إلى غير ذلك. فإذا مال المحتضر إلى الفريان (جمع فري) انتقلت(7/201)
روحه الحيوانية إلى ذاك الخيال المستعد لأن تحل فيه الروح الحيوانية. وأما النفس أو الروح العقلية أو الروح النورانية فأنها تنتقل مزينة بتلك الملابس والحلي صاعدة إلى عليين يصحبها أولئك الفر رخان لتعود إلى ما كانت عليه سابقا في جنان من الخلد أو جنان النور. وأما الجسد فيبقى ملقى على الأرض فتجتذب منه الشمس والقمر وسائر الأجرام النيرة العناصر التي فيه أي الماء والنار والنسيم فترتفع كلها إلى الرب الأعلى الذي هو الشمس. ويقذف بما بقي من جسده - الذي هو ظلمة كله - إلى جهنم.
وأما إذا مال المحتضر إلى الديوان (جمع ديو) فللحال تفوح منه رائحة كريهة وتهرب الفر رخان أو الفريان فيأخذه الديوان ويعذبونه ويرونه الأهوال بألوانها، فيحضر ثانية أولئك الفريان ومعهم أدوات السجينة التي كانت معهم في حضورهم الأول، فيتوهم المحتضر أنهم قد جاؤوا لنصرته وتحريره من أيدي الديوان، وإنما جاؤوه لتعزيزه وتوبيخه وتذكيره مساوئه ومآثمه وإلزامه الحجة في ترك إعانته الأولياء والصلحاء، ثم لا تزال روحه تتردد إليه في الدنيا متعذبة إلى وقت تقمصه في المثال الذي كان يرى بقرب الفريان، ثم يكفى في النار الجاحمة.
أما من كانت سيرته وسطا بين سيرة الصالح والطالح فأن روحه المادية تنتقل إلى المثال الجامد المعد لقبولها مع روحه العقلية فتكونان واحدة فيعود الإنسان إلى الحياة إلى أن يكفر عن سيئاته فيكون صالحا أو لا يكفر عنها فيعود شريرا وتكون عاقبته عاقبة من ذكرنا من أمر الصالحين أو الأشرار.
ولهذا تراهم يذبحون الذبائح لمن يعتقدون فيه السيرة الوسط ومن بعد أن يقطعوها يوزعونها على الفقراء البؤس. وربما ذهبوا إلى كهنة النصارى وحلوهم ليصلوا على نفوس موتاهم. وكذلك ينفخون رئيسهم الأعلى دراهم أو يهدون إليه هدايا لمثل هذه الغاية. ورئيسهم هذا يسمى (هازربيد) وأظن أن أصل الكلمة هيربد المشتقة من اللغة الزندية آيتثرا بيتي أي كاهن النار. وعندهم أناس يعتبدون في الجاهات أو يتحنثون فيها واسم الواحد منهم (هرتاسب وهم يعتزلون الخلق أكثر من(7/202)
غيرهم. وهؤلاء أيضا يحلون (أي يهدى إليهم حلوان وهو أجرة الكاهن للصلاة التي يقيمها على روح الميت). ولا جرم أن الكلمة هرتاسب فارسية الأصل منقولة إليهم كابرا عن كابر.
وإذا دفنوا موتاهم وضعوا على قبره حجرا محفورا حفرا مستديرا يمثل الشمس في نظرهم، وكأنهم يقولون له: إنك من عباد الشمس الإله العظيم وإليه عدت فلا خوف عليك ولا حزن. وهكذا تتميز قبور الشمسيين من غير الشمسيين.
أوهام المنجد
1 - في المنجد (الزهر والزهر: نور النبات الواحدة زهرة وزهرة. الجمع أزهر وأزهار وزهور وجمع الجمع أزاهر) أقول (ليس الأزاهر جمع أزهار بل جمع الأزهر بمعنى النير المشرق وجمع الأزهار: أزاهير طاظافير وأهاويل وأباطيل وأقاويل. وقد جاء هذا الجمع في حديث علي في وصف الطاوس. وإن أحتج بأن الأزهار وردت في الشعر مكان أزاهير فليس ذلك إلاّ لضرورة استوجبت حذف الياء كما استوجبت حذفها في قولهم في الشعر (أظافر).
2 - وفيه (قطع الشعر: حلله إلى أجزائه العروضية) أقول: لم يذكر في باب (حلل) أنها جاءت بمعنى (جزأ) وما الذي أراده بقوله (حلله) إلاّ (جزأه) فلم ينجد المنجد صاحبه؟ ذلك أمر غريب.
3 - وفيه (التحاسين: الأشياء الحسنة يقال ما أبدع تحاسين الطاوس وتزايينه) أقول: هذا تفسير لا يوفى بالمقصود لأن التحاسين جمع (تحسين) من قولك (حسنت تحسينا) ولأن التزايين جمع (تزيين) من قولك (زينت تزينا) وكل مصدر سمى به على وزن (تفعيل) فقياس جمعه على (تفاعيل) كتراتيب وتقاويم وتقارير وتحارير وتصاوير.
مصطفى جواد.(7/203)
صفحة من تاريخ التطعيم
الواقي من الجدري في العراق وإيران
تمهيد
كان الجدري معروفاً في الشرق منذ عهد عهيد وأما في بلاد الغرب فلم يشعروا به إلاّ في القرن الخامس أو السادس للمسيح وكان الوباء المذكور كثير الغوائل شديد الوطأة على الناس لأن الوسائل الواقية أو الشافية منه كانت مجهولة في أغلب أنحاء المعمور وإن كان في بعض الأقطار شيء منها فأنه ما كان يفي بالمراد دائما وعليه يعود الفضل العظيم لإيجاد وسيلة واقية منه كل الوقاية إلى الطبيب الإنكليزي المدعو أدورد جنر الذي أذاع كشفه الخطير سنة 1796 بعد أن درسه درسا صادقا مدة عشرين سنة. ولا حاجة إلى القول أن ذلك الكشف كان التطعيم بمصل من ضرع البقرة المصابة بمرض وبائي اسمه بالإنكليزية أي جدري البقر وأما المصل فيسمى من الكلمة اللاتينية أي البقرة.
التطعيم في بغداد ونواحيها
قبل منتصف سنة 1786 قدم بغداد شاب أرمني كاثوليكي من أهل الآستانة اسمه أوانيس وشهرته مراديان للقيام بأمور تجارة آل صوفيالي المقيمين في العاصمة المذكورة وهم أيضا من الأرمن الكاثوليك وكان يومئذ في بغداد واحد منهم يدعى(7/204)
خواجا ساراغا. فهذا لدى عودته إلى وطنه عهد إلى أوانيس جميع أمور تجارة الصوفياليين ومهامها بعد أن أتخذه شريكا لهم في الأرباح والخسائر. غير أن أوانيس لم يلبث أن أنفصل عنهم فأستقل بتجارته مع أخويه بوغوص وفلبس وكان أحدهما في الآستانة والآخر في مدارس (الهند).
فنجحوا ففي أوائل أمرهم نجاحا يذكر لكن ما عتم أن أخذ نجم نجاحهم بالنزول والأفول حتى أضطر أوانيس إلى أن يخدم القنصلية الفرنسية في بغداد ترجمانا ليفوز بحماية فرنسة.
وفي سنة 1819 دعاه محمد علي ميرزا نائب الشاهفي كرمنشاه ليكون في بلاطه أول التراجمة وفي تلك السنة عينها نال من فتح علي شاه وسام الأسد والشمس (شير وخورشيد)
من الطبقة الثانية وبعد أن قام هناك بوظيفته أحسن قيام مدة تقارب أربع سنوات مات النائب مسموما فغادر حينئذ كرمانشاه وأخذ يجول في بلاد إيران حتى حط الرحال في حلفا وهناك توفاه الله سنة 1832 عن امرأة هي تريزية أبنة خريسطوفور بن انطوان أتري الطبيب الأفرنسي وعن أبنين وهما سيزار وآشيل وليس اليوم بباق من نسله.
وكان أوانيس من أدباء زمانه المعدودين يحسن الأرمينية والإيطالية والأفرنسية والتركية والفارسية وشيئا من العربية فضلا عن إلمامه بأغلب علوم عصره ولا سيما التاريخ والسياسة وكان يتعقب عن قرب وعن بعد سير الأمور السياسية شرقا وغربا ويتتبع تقدم العلوم في بلاد الإفرنج وظهور المكشوفات العلمية فيها والاختراعات الفنية ولا غرو من ذلك إذ كان قد ربي منذ حداثته في البندقية ودرس على الآباء المخيتاريين.
فعلى يد رجل هذه ترجمته وهذه صفاته دخل بغداد لأول مرة التطعيم الواقي والعام من الجدري طبقا لطريقة جنر لكن الله يعلم بما كابده من الأتعاب وعاناه من المشاق في سبيل الوصول إلى إقناع أهل بغداد بقوله لهم والإقدام عليه وذلك بسبب الأوهام السائدة وقتئذ على العقول ولا سيما لأن التطعيم كان يظن أنه مخالف للقدر وعليه فلا عجب إذا ما حبطت في أول الأمر مساعي أوانيس بالرغم من المعاضدة العظيمة التي عاضده بها الدكتور شارت طبيب القنصلية(7/205)
الإنكليزية في بغداد.
بيد أن أوانيس عاد سنة 1809 فأفرغ قصارى جهده في تذليل العقبات وتشتيت الأوهام التي حالت قبلا دون غايته ففاز أخيرا بأمنيته وتكلل مسعاه بنجاح باهر حتى أن مفتي بغداد الكبير وهو أحمد أفندي الحصيف الرأي رضي بأن يتطعم أولاده وحفدته الستة وذلك بعد أن طعم أوانيس ابنه سيزار بحضور كثير من أرباب الأسر وكان أكبر مؤازر له في مساعيه هذه الثانية الدكتور هين خلف الطبيب شارت المار ذكره.
فمثل مفتي بغداد شجع الناس على اختلاف مللهم فدفعهم إلى الإقدام على التطعيم بلا خوف ولا تردد حتى أن أوانيس تمكن من أن يطعم مع امرأته تريزية أكثر من خمسة آلاف وأربعمائة ولد في مدة تسع سنوات دون أن يحدث حادث يقلل ثقة الناس بالتطعيم وكان تطعيم الثلثين من العدد المذكور مجانا.
ولم يكتف أوانيس بتعميم التطعيم في بغداد ونواحيها بل رغب كل الرغبة في نقله إلى
غيرها من البلدان فأدخله الموصل على يد القس بطرس أخطل الموصلي ابن الأسقف بشارة السرياني وذلك بعد أن علمه في بغداد أصول التطعيم ودربه على طريقة إجرائه مدة بضعة أشهر ولما عاد إلى الموصل زوده كتابه بعدة تعاليم فنية وكان يكاتبه من وقت إلى آخر بالإيطالية لأن الكاهن المومأ إليه كان قد درس حينا من الزمن في المدرسة الأربانية في رومة.
وكذلك عرف بالتطعيم أهل اريوان على يد الخوري الأرمني غير الكاثوليكي المدعو ورتانيس وارتابيت الذي أخذ عن أوانيس أصول التطعيم فأتقنها اتقانا لا مزيد عليه.
التطعيم في إيران
بعد أن أقيم أوانيس ترجمانا في كرمانشاه سعى سعيا حثيثا لنشر التطعيم بين ظهراني الإيرانيين أيضا فكان النجاح رائده حتى طعم في مدة إقامته هناك أكثر من خمسمائة ولد من جملتهم 25 أميرا وأميرة من الأسرة القاجارية المالكة في فارس ولما بارح كرمانشاه طفق يطعم مجانا في البلاد التي كان يمر بها ومنها همذان وطهران وكاشان واصبهان وجلفا وكان يرسل بأسماء المطعمين إلى(7/206)
الدكتور ماكنل طبيب السفارة البريطانية في طهران إجابة لطلبه.
وفي أثناء إقامته في جلفا عاد إليها أحد أهلها وهو مناطا كان (أي باق) ابن دير اسطيفان المطعم الهمام وتلميذ الدكتور ريغ وكان قد قرر إرساله إلى بغداد ليكون مطعما هناك غير أن موانع شتى حالت دون الذهاب إليها ففوض حينئذ إليه أمر التطعيم في جلفا وابتدأ بالعمل حالا بعد أن قدم إليه أوانيس مصلا جديدا من أحسن نوع.
هذا في جلفا وأما في بغداد فأن أوانيس قبل سفره إلى كرمانشاه كان قد عهد إلى امرأته بشؤون التطعيم فيها والسهر على حسن إجرائه غير أن البعض من الجهلاء والجاهلات أخذوا يتدخلون في أمر التطعيم وهم ليسوا من رجاله فحدث من جراء ذلك ما حدث من النتائج الوخيمة التي أدت إلى إزالة ثقة الناس به وابتعادهم عنه وظلت الأمور على هذه الحالة إلى أن أرسلت شركة الهند الإنكليزية مطعما على حسابها وهو محمد صالح خادم الدكتور (هين) سابقا ولكن لم يمر زمن طويل حتى ذهب ضحية لتعدد زوجاته فمات قبل أوانه وبموته حرمت بغداد مطعما كفوا. فقامت حينئذ تريزية امرأة أوانيس مراديان
وشمرت عن ساعد الجد بمساعدة أبنيها في إعادة ثقة الناس بالتطعيم وإعلاء شأنه ولو أن الأمر كان يكلفها أحيانا تضحيات بما لها.
ولما كادت سنة 1847 أنفذ السلطان عبد المجيد أمرا بإرسال راغب بك حاجبه الثالث إلى بغداد وغيرها من الولايات العثمانية ليفقد أموالها وينظر في شؤونها ويهدي في الوقت عينه سيفا لمحمد نجيب باشا والي ولاية بغداد تقديرا لحسن إدارته وحكمه في هذه الولاية فدخل راغب بك الزوراء في 21 آذار من السنة المذكورة ومعه طبيب ارمني اسمه باروناك فروخ خان كان قد رافقه من الآستانة ليداوي المرضى ويطعم الأولاد مجانا في جميع المدن والقرى التي على طريقهما وما وطئت قدماه مدينة السلام حتى أخذ يقو بوظيفته المعهودة إليه بهمة لا تعرف الملل في جهات عديدة من العراق ثم قفل راجعا إلى الآستانة.
ومن ذلك اليوم لم ينقطع التطعيم من العراق بل زاد شأنا وانتشارا فكانت(7/207)
تزاوله عادة وغالبا القوابل وبعض النساء المسنات فضلا عن الرجال وأما طريقة التطعيم المألوفة فكانت قائمة بنقل الطعم من ذراع مطعم إلى ذراع غير مطعم ولم تزل تلك الطريقة جارية إلى يومنا هذا بجنب استعمال المصل البقري الذي كان يبطل سواه.
الشهادات
كان من عادة أباء الأولاد المطعمين أن يسلموا أحيانا إلى أوانيس مراديان شهادات ناطقة بفضله وشكره وبمنافع التطعيم وعدم مضاره وقد ورد ذكر ثلاث منها: الأولى لمفتي بغداد المتقدم ذكره والثانية لأمراء كرمانشاه القاجاريين والثالثة لقسم من نصارى بغداد لم تزل محفوظة عندي وإليك نصها بالحرف الواحد وبتواقيع أصحابها وقد أضفت إلى هذه الشهادة شيئا بين عضادتين إيضاحا للأمر:
نقر ونعترف نحن المحررة أسماينا بذيله ولأجل أننا صرنا مطلعين نشهد أيضا على أن علم تركيب رفع الجدري المسمى بالفرنجي واكسين أدخله في بلدنا هذه فقط الخواجه أوانيس مراديان الإسلامبولي. صحيح من مدة زمان كان أنسمع هاهنا خبر هذه المعرفة المحدثة جديدا في فرنكستان ولكن ولا واحد منا ما كان يتجاسر أن يقدم ولده إلي التجربة بذلك. غايته الخواجه أوانيس المذكور بجهد كلي بالحث والنصائح وثم بتاريخ سنة 1810 مخصوص لأجل ولده جاب أصل مادته وأمامنا ركب لولده وأم ثم باستماعنا فعله التركيب
وبالسلامة معافاته من ذلك كل منا عزمنا وتجاسر قبلنا وفعلنا لأولادنا أيضا والآن في بلدنا هذه ممارس هو من جميع الطوايف من مثال ولده وحثه وجهده وهذه الورقة مخصوص لأجل تقدمه الممنونية حررناها وعطيناها له بشهادة الحق بحيث من تاريخ أربعة سنين إلى الآن كلمن استعمله فما عاد ظهر بد جدري الطبيعي أبدا. ربنا يجازيه ولأولاده لأجل هذا الخير الكلي الذي أدخله وعلمه في هذه بلدنا. حرر في بغداد في 30 تشرين الأول سنة 1814.(7/208)
شهد بما فيه شماس سمعان بطرس ولد الياس غنيمة وكيل الكلدان.
وهنا ختمه بالكلداني
ويلي ذلك: داود ولد الياس غنيمة: يوسف ابن جبره (وهو المعروف في بغداد بفراني): وعبد الأحد ابن الياس غنيمة: وانطوان بشارة (وهو جد رزوق كيوع): وأنطوان أو في (وهو أخو حنا أوفي من أم أخرى): اندريا ابن يوسف بشارة (وهو جد آل أندريا): ومانويل عبد المسيح (وهو أخو يوسف مسيح): وبولص ابن يوسف كرجي (وهو جد الخواجا يوسف المعروف بأبي الشعر الأحمر): وجرجس ابن عبد الله (وهو على الأرجح والد إبراهيم طبره): ويوسف ابن عبد الله (وهو على الأرجح والد توما لوقا): وتوما ابن يوسف عبد الله (وهو على الأرجح توما لوقا): ونعمان ابن حنا صايغ (وهو من أهل الموصل): ويوسف عبد الله حلبي نمنومي) وهو من أقارب بيت جرجي): وعبد النور حبش: ويوسف حبش: وحنا ولد شماس حبش (وثلاثتهم أخوة ولا نسل اليوم إلاّ لعبد النور أي بيت نوري) وعبد الله ابن الياس ترزي باشي (وهو عبوش عم الياس والد المرحومة سيدي قرينة الكونت جبرائيل أصفر): وكوركيس ابن يوسف فرج: وعبد الأحد ابن توماس (وهو بحوش): وعبد العزيز ابن عبد المسيح (وهو من أقارب بيت قشا)، ونعمان ونمعا: وداود ابن انطوان جوخجي: ويعقوب بن انطوان جوخجي (وهما من أقارب بيت اوساني ولا نسل لهما اليوم).
واليوم أيضا بعد أن مر على كتابة هذه الشهادة أكثر من قرن يسجل تاريخ العراق بمزيد الشكر تلك المأثرة الحميدة لاوانيس بن بدروس مراديان وأسرته الكريمة.
دير نرسيس صائغيان(7/209)
اللغة العربية والتجدد
ثانيا: الشعراء والمترسلون
يقال إن الشاعر ميزان الأمة ومعيار رقيها وانحطاطها. إذن فما أحرانا أن نندب حظنا العاثر؟ فالشاعر عندنا عبد رقيق للقديم ولا يزال ينسخ الشعر كما نسجه عنترة والنابغة وجرير والفرزدق وغيرهم. ولذا لا نجد عندنا شعرا عصريا بكل ما تتطلبه كلمة (العصر) من معنى وقوة. وإنما عندنا ما يسير على منوال القديم ببعض (معاصرة). ومما يزيد تشويه الشعر العربي العصري، اغترار الشعراء وتعسفهم، واعتدادهم بأنفسهم وحبهم إظهار (شخصياتهم) بمظهر المتضلع من العربية، الملم بدخائلها وشواردها. وكل سعيهم منحصر في تنقية الكلام واستصفاء زخارفه. ولا أذكر أني عثرت على شعر متدفق، حي، مستقل لأحد هؤلاء المعاصرين سوى بعض قصائد لا تتجاوز عدد الأصابع زل بها القلم! إذ نحن لا نزال نجاري شعراء المائة السادسة والسابعة والثامنة في شعرنا في الأفكار والتخيلات. . . فما الشعور الذي يتخلل شعرنا العصري سوى تصنع! وما المخيلة التي تبعث به سوى مقلدة!. . ألا ليت هؤلاء الشعراء تركوا الشعر ونبذوا الخيلاء والتكبر، وكفوا الناس شر ثرثرتهم وبحثوا عما هو أفيد لهم وللعربية!!! هيهات! هيهات!
لا بد للعربية من شاعر يخرج عن طور القديم، لا يتقيد بأي قيد من قيود التقاليد العتيقة، بل ينهج مناهج الأوربيين - ولا يتأثر إلاّ في اللازم الضروري من القديم - لأن الشعر عندهم في أعلى درجاته وأرقاها. ومن شروط هذا الشاعر أن تكون عوامل الشاعرية فيه على أتمها، يكون شاعرا (شخصيا) حيا، واقفا على مجرى العلوم الحديثة، ملما بالتاريخ والمدنيات، متمكنا من الآداب الغربية ومطلعاً على دواوين إعلام الشعر الغربي ومتأثرا بها كلامرتين ودي موسه(7/210)
ودانتي وأمثالهم، مستمدا منهم وحي الشعر الحي الحقيقي، فلا نقنع بدواوين السلف الأقدمين فحسب، ونتأثر بها. وإني لأعجب للشاعر منا لا يلتفت إلى ما هو خارج عن حدود العربية ويزيدني استغرابا أن أجد الكتاب أيضا، إذا ما تناشدوا أخبار التاريخ ذكروا سلفنا العرب، كأن هؤلاء الذين قذفتهم الأرض ولفظتهم البادية الجرداء، سادة الاجتماع وكأن تاريخهم وحده هو تاريخ العالم بأكمله، أو كأن المكان لا يتسع إلاّ لأخبارهم
ونوادرهم وخرافاتهم ووقائعهم.
نعم لقد أتوا أعمالا عظيمة تستحق الإعجاب والحمد ولكن ليست إلى هذا الحد الذي يجعلنا أن نذكرهم أناء الليل وأطراف النهار وفي معرض كل كلام، حيث لا يكون لذكرهم من لزوم بل لا يتعلق بهم على الإطلاق بأمر. وبلغ ببعض المتهوسين أن لا يتذاكروا ربهم بقدر ما يذكرون العرب من تمجيد وتعظيم.
أذكر أني قرأت لأحد الشعراء المعاصرين قصيدة كرر ذكرهم ست مرات في بيتين منها، وفي معرض سخيف جدا. فتأمل!
إذن فالشاعر العصري يجب أن يسير على مثال أبناء الغرب. ولا يقتبس من القديم سوى ما كان ضروريا. لئلا يفسد ذلك لغته ونرى أن لا يضع همه الوحيد في العربية فقط، بل يأخذ بما تأثرت به اللغة من اللغات القديمة الأخرى كالسريانية مثلا، فالإفرنج أنفسهم، مع ما بلغته لغاتهم من رقي (ومعاصرة) يأخذون عن اللاتينية والإغريقية ليجيدوا الكتابة في لغتهم، فهذا راسين الذي عاش في القرن السابع عشر يكتب إلى ابنه ناصحا أن لا يعكف على شعراء الفرنسية فقط ولا يجعلهم درسه الوحيد، وها أننا نورد ههنا الفقرة مترجمة إلى العربية حرفا بحرف وهي من كتاب له إلى ولده مؤرخ في الثالث من حزيران (يونيو) عام 1693 (أي قبيل وفاته بسنوات ست):(7/211)
(إنك تطيب خاطري بما تبينه لي من أمر مطالعاتك، إلاّ أني أحثك على أن لا توجه كل فكرك إلى الشعراء الفرنسيين بل فكر في أنهم لا يجب أن يكونوا لك إلاّ بمنزلة لهو لك، لا لأن تتخذهم غرضا لمباحثك الحقيقية. وعلى هذا أرغب في أن تستطيب بعض الأحيان أن تكلمني عن هوميرس ومكونتليانس وغيرهما من المؤلفين الذين هم من تلك الطبقة).
وغير راسين من الفرنسيين كثار قالوا ما يشابه هذا الكلام أي أن لا يكون الإنسان عبدا للقدماء أبناء لغته فقط ويحذو حذوهم بل يشق لنفسه طريقا جديدة ولو أردنا لملأنا صفحات من (لغة العرب) باستشهادات منهم! وقد يقول البعض من ذوي العقول الضيقة أن عند الإفرنج وغيرهم آدابا ليست عندنا، وقد لا توافق أسلوبنا، فلهؤلاء نقول ما قاله بوالو (إن لم تجد الكلمة التي تطلبها فأخترعها) أي أننا إن لم نجد عند الأقدمين ما ينتفع منه، فما علينا سوى أن نستحدث الأسلوب المطلوب وننقله عن أبناء الغرب بعد قليل من التحوير
والصقل.
والآن فلننظر إلى ما يلي هذا في الأهمية وهو:
ثالثا: المعهد العلمي العربي(7/212)
لندخل في الموضوع المنشود دون مواربة ولا محاباة. فالذي نريده هو مجمع علمي بكل ما في هذه الكلمة من قوة، أي لا نريده مجمعا لغويا بحتا لا يبحث إلاّ عن أصول وقوانين اللغة كما هي الحالة الآن بل نبتغيه مجمعا علميا كما في أوربة يجمع أكاذميات في ضمنه.
أكاذمي اللغة أو بلغة أصح الأكاذمية العربية، لا تؤدي في عرفنا مهمة إحياء العربية كما يجب. نحن لا نريد تقدم وتجديد كلمات في الأدب فقط بل في العلوم بأنواعها جميعا، فالعالم الآن يرتكز على العلوم لا على النظم والنثر، والبيان والبديع، فأذن لا مندوحة لنا عن إنشاء المجمع على النمط الأوربي فيحتوي على خمس أكاذميات - (ونظن أن في الإمكان أن نجد في شرقنا العربي أعضاء اختصاصيين في أكثر فروع هذه العلوم، وما لم نجد له اختصاصيا فلا بأس من تركه حتى يتاح لنا) - وسنأتي على ذكرها في وقتها وهي الكفيلة لنا بتجديد نشاط العربية وتقدمها ومضارعتها للغات الأوربية بعد أن تحذف أغلب كتب النحو والصرف والأدب الغليظ وغيرها.
هذا المجمع العربي لا ينشأ من سوريين أو لبنانيين فقط أو من مصريين أو عراقيين أو غيرهم من الناطقين بالضاد، كلا! إذ العربية ليست قطر من هذه الأقطار دون آخر منها. وحيث أنه ليس من لغة مصرية أو سورية أو عراقية. بل جميع الشرق الأدنى تقريباً يتفاهم بلغة عدنان. وحيت أنها الملك المشاع للجميع، فلا حرج من أن يكون لكل منها حق التداخل في شؤونها. ولكي لا تختلف الآراء وتتضارب الاقتراحات وتتشابك الأقوال والأعمال. فلا يوافق مجمع على أمر ويأتي بمشروع يناجزه مجمع آخر - إذا ما أنشئ في كل قطر ناطق بالضاد مجمعا، فالأوفق والأقرب إلى الصواب والسلام، تأليف مجمع واحد فقط. يختار الأعضاء من بلاد الشرق العربي أرباب الكفاية والاقتدار. وتكاليفه تتحملها حكومة كل منها بالتعديل.
يجب أن يتألف المجمع العربي على النسق الأوربي دون أدنى تبديل، إذا أريد بعث الحياة في لغة السلف. وها أننا نورد فيما يلي الأكاذميات وفروعها التي(7/213)
يشتمل عليها المجمع
الأفرنسي وهو خير مثال، فهو يتألف من خمسة أكاذميات هي:
أولا: الأكاذمية الأفرنسية (40)
ثانيا: أكاذمية العلوم (72)
وتحوي هذه العلوم: الهندسة. الآلات (الميكانيكيات). الفلك. الجغرافية وعلم البحار. الطبيعيات العمومية. الكيمياء. الجوامد والمعادن. النباتات. الاقتصاد الحقلي. التشريح. الحيوانات. الطب. الجراحة.
ثالثا: أكاذمية الرقم والأدبيات (الأدب. البيان. الإنشاء) (40)
رابعا: أكاذمية علوم الأخلاق والسياسة (40)
وتتركب من علوم: الفلسفة. علم الأخلاق. علم الشرائع. الاقتصاد السياسي. التاريخ.
خامسا: أكاذمية الفنون الفتانة (40)
وتتركب من علوم الرسم. التصوير. الحفر. الريازة (العمارة). النقش. الموسيقى.
هذا ما يتأسس منه المجمع العلمي الأفرنسي ومنه نطلع على عدم اختصاصه باللغة أو بعلم آخر فقط بل يطرق كل أبواب العلوم العصرية المعلومة فإذا سير بما فيه - وبذا تتقدم اللغة خير تقدم - نجحنا وأصبحت لغتنا كاملة إذ تدخل فيها كلمات كثيرة هي في أشد الحاجة إليها.
اللغات السامية والتورانية وتأثيرها في العربية
لا يخفى علينا أن العربية تأثرت بلغات شتى أخصها الفارسية ثم السريانية وتأثرها بالأولى يبتدئ عهده منذ أيام الجاهلية، أولا: حين كان جزء من البلاد العربية يقع تحت سيطرة الأكاسرة.
ثانيا: حين انتقال الخلافة إلى أيدي بني العباس، وانتقال الملك والحكم إلى العراق في دار السلام، كان أكثر الحكام والوزراء من المعجم (المجوسيين المسلمين) ومن وطد الحكم للعباسيين في تلك النواحي كان رجل يمت إلى الفارسية بالدم وهو أبو مسلم الخرساني القاتل الظالم صريع المنصور. ومن بعده تناول شؤون الحكم البرامكة وغيرهم. فهذا الاحتكاك بالفارسية أنتج إدخال كثير(7/214)
من الألفاظ والكلمات الفارسية حتى أن أقدم كتاب عربي عندنا لم يخل من الدخيل الفارسي.
يبتدئ تأثير العربية بالسريانية منذ عهد الجاهلية حين كان لبني غسان سلطة من قبل الروم على بعض أنحاء البلاد العربية. ثم كان دخول العرب دمشق وافتتاحهم سورية ومعلوم لدينا أن هذه اللغة كانت لسان اغلب أهل سورية حتى أن بني غسان العرب الصميم كانت السريانية تخالط كلامهم العربي. ثم كان وزراء الأمويين المشهورين وهم كما نعلم من أبناء الشأم كابن سرجون عضد معاوية وغيره. فإن حكومات العرب لم يكن لها في بادئ الأمر من العربية إلاّ أسمها بل كان ذلك في كل أيام حكمهم في دمشق؛ إذ كانت في أيام حكم الأمويين، عربية المظهر سورية الإدارة وفي دولة العباس في بغداد، فارسية عراقية الإدارة وقل كذلك عن باقي البلاد التي افتتحوها. ففي مصر الأقباط (الذين اتخذوا الإسلام دينا) وفي الأندلس المغاربة ولم يلحق العرب بعد مائة عام من ظهور الإسلام سوى العلامات البارزة وظلت السريانية في الديار السورية تغالب العربية وهذه تغالبها حتى تم النصر للأخيرة فلجأت الأولى إلى شمالي لبنان، إلى أن قضي عليها كل القضاء في المائة السابعة عشرة للسيد المسيح، ولا يزال الجائل في لبنان يجد اليوم شيئا من اللهجة السريانية في بعض القرى النائية.
كل هذا الاحتكاك، أولد - ولا مراء في ذلك - أثرا، نراه باديا لنا. ولا سيما في لغاتنا أو قل في لهجاتنا العامية فكسبت منه العربية كسبا جزيلا. ولذا نرى من الواجب المحتم أن تلقن في المدارس إحدى هاتين اللغتين، في الفرع الخاص بالعربية، أي أن تكون من مواد درسها. (وإن لا يقبل) في أي أكاذمية من المجمع العلمي العربي، سوى من أتقن إحداهما. أو كليهما - ركن التأثير في العربية ومقلع رخامها - (إذا كان عضوا في الأكاذمية العربية)، فضلا عن تذرعه ببعض لغات أوروبية كي ينقل عن آدابها ما يوافق العربية ويعوزها.
الناطق بالضاد من يتعلم إحدى اللغات السامية، ويتعلم العربية أيضا ومن حيث أن لغتنا هي لغة سامية، إذ قد تكون ابنة لإحدى لغاتها. فإن من يتعلم الأم يتعلم ما تسلل فيها منها ويستفيد منها. أنظر إلى اللاتينية فأنها أم الفرنسية، فمن(7/215)
تعلمها وأتقنها، تفهم الفرنسية احسن تفهم، وتميز بجمال أسلوبه وعلوه وسلاسته وحسن تعبيره، لأن أصول الفرنسية ترى في اللاتينية.
وفي الغرب، في الدول اللاتينية الأصل تدرس الأخيرة بين مواد التدريس فما أحرانا نحن أذن بدرس السريانية، شقيقة العربية الكبرى. وجعلها من تدريس أصول اللغة العربية في الصفوف الثانوية. وحبذا لو جعلت أيضا الفارسية بالاختيار لمن يريدها من طلبة الصفوف العليا الذين يوردون حذق العربية وإتقانها كل الإتقان. وكذا تتم الفائدة وتتقدم لغتنا.
الخلاصة
هذا مجمل رأينا في هذا الموضوع، بسطنا فيه أهم مواطن الضعف والنقصان في العربية، فعسى أن نكون قد أصبنا في التبيان وأتينا بالحق - وما المعصوم من الزلل سوى الله - وقد حدانا إلى كتابة هذه السطور، خوفنا على هذه اللغة الكريمة. أن تنتابها يد الفساد، وتعمل فيها يد الزمان، فتدخل في حكم الطبيعة. . . وكلنا أمل أن نرى في القريب العاجل نهضة في شرقنا العزيز تحيي ميت الرجاء وتبعث العربية من رقدتها.
إلى معشر الكتاب، والجمع حافل بسطت رجائي، بعد بسط شكائي والله الموفق أنه السميع المجيب.
بركات (السودان): ميشيل سليم كميد
معجم الشعراء للمزرباني
اقتنت دار التحف في برلين في السنة الأخيرة كتاب خط هو معجم الشعراء للمزرباني وقد أعارتني إياه وأنفذت به إلي في لندن. فوجدته الجزء الثاني والأخير من المعجم المذكور. ويبتدئ أوله بمن أسمه عمرو وعددهم زهاء مائتين وقد نسخ هذا المجلد مغلطاي بن قليج في القاهرة في سنة 734هـ وقد علق على حواشيه فوائد مستلة من مخطوطين من (جمهرة النسب لابن الكلبي) ومن مصادر أخرى. وثمن الكتاب لا يتوقف على شواهد الأبيات الواردة فيه بل على ما حواه من التفاصيل الحجة التاريخية التي لا ترى في سفر آخر.
بكنهام (انكلترة): فريتس كرنكو(7/216)
دار ابن الجوزي وقبره ببغداد
-
اشتهر بالانتساب إلى هذا البيت خمسة رجال - 1 - جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن ابن علي بن الجوزي، ولد محيي الدين يوسف أستاذ الدار - 2 - أولاد هذا جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن، وشرف الدين عبد الله، وتاج الدين عبد الكريم. وكلهم أفاضل من كبار العلماء الأعلام المبرزون في زمانهم.
في بغداد خربة بقرب دار القنصلية البريطانية وأمام بابها القديم وباتصال قصر المرحوم السيد عبد الرحمن أفندي النقيب المطل على دجلة. كانت هذه الخربة قبل اليوم حديقة وقفها محمد بك الشهير باغريبوز (أكريبوز) وباتصالها خربة أخرى كانت هذه أيضا حديقة وقفها محمد بن جواد (اوطه باشي) على أولاده سنة 1224 هـ وتنتهي من جهة الغرب بمجسد صغير وباتصال جدارها الشمالي جدار آخر يعلو قامة الرجل بنيت عليه ساقية يأتي ماؤها من الكرد الذي كان منصوبا في قصر النقيب المشار إليه وقد أدخل وحريمه فيه حينما أبطل. فيصب فيها ثم ينعطف فيعبر على طاق صغير كان فوق باب الحديقة المنسوبة إلى عبد الجبار غلام وينتهي إلى جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني (رض) ولما فتح الشارع العام زمن ولاية خليل باشا سنة 1334 هـ دخل جدار الساقية وقسم قليل من حديقة اوطه باشى والمسجد كله في الشارع المذكور، ولو سرنا إلى الخربة المذكورة أعني حديقة (اكريبوز) لوجدنا في الغربي منها غرفة مربعة وعليها سقف معقود بالأجر والجص وأرضها منخفضة عن مستوى أرض الحديقة قدر سبعين (سنتيمترا) وفي وسطها قبر عليه خام أخضر وقد وضع على صدر باب هذه الغرفة رخامة بيضاء مكتوب عليها بعض ما استطعت قراءته وهو (اسند نصر الله ملا سلطان بن ملا إبراهيم إلى موسى باشا في بناء ابن الجوزي وقد أتى تاريخه فتح (كذا) من الله. . .) وموسى باشا هذا كان واليا على بغداد سنة 1055 هـ وباقي الكتابة قد أتلفتها المؤثرات الطبيعية ولما رأى بعض المحققين وغيرهم كلمة ابن الجوزي محررة كما نقلنا اعتقدوا لا بل أيقنوا(7/217)
فأشاعوا أن صاحب هذا القبر هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي صاحب الشهرة الذائعة والمواعظ الفائقة دون غيره من الجوزيين. ولكنهم باكتفائهم بهذه الوثيقة قد شذوا عن الحقيقة التي
أردت تبيانها في مقالي هذا وإليكها: إن هذه الخربة هي دار عبد الرحمن بن علي الجوزي أما القبر فلغيره من الجوزيين ولدي أدلة أراها كافية لتبرير مدعاي:
إن جمال الدين أبا الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي قد شاهده. ببغداد ابن جبير حيث قال في رحلته (من طبعة ليدن صحيفة 220 ما نصه) ثم شاهدنا صبيحة يوم السبت بعده أي (12 صفر سنة 580) مجلس الشيخ الفقيه الإمام الأوحد جمال الدين أبي الفضائل بن علي الجوزي بازاء داره على الشط بالجانب الشرقي وفي آخره على اتصال من قصور الخليفة وبمقربة من باب البصلية آخر أبواب الجانب الشرقي) اهـ. وقال في صحيفة 229 وللشرقية (الجانب الشرقي) أربعة أبواب فأولها وهو من أعلى الشط باب السلطان (باب المعظم الذي هدم سنة 1345 هـ) ثم باب الظفرية (باب الوسطاني لوقوعها أمام محلة الظفرية المعروفة اليوم بمحلة قنبر علي وعزات طويلات (ثم باب الحلبة) وهو الطلسم الذي نسفته الحكومة التركية ليلة تخليها عن بغداد 11 مارت سنة 1917) ثم باب البصلية اهـ (أي الباب الشرقي وكان يسمى أيضا باب كلواذا) فلم يبق هنا شك في أن الحديقة هي دار عبد الرحمن المشار إليه وهي حتى اليوم واقعة على الشط يفصل بينهما قصر النقيب الآنف ذكره. ولم تبق ريبة في أن القصور التي تملكها الخضيريون وما يليها هي قصور الخليفة كما أشار إليها ابن جبير بما نقلناه عنه لقربها من باب البصلية (الباب الشرقي) وخربة ابن الجوزي ثم أن المشار إليه عبد الرحمن بقي في الحياة بعد مشاهدة ابن جبير له أي سنة 597 هـ فمات ودفن بباب حرب بمقبرة الإمام أحمد ابن حنبل رض (ابن خلكان ص 279) ومختصر طبقات الحنابلة ص 41 ومقبرة ابن حنبل هي في الجانب الغربي بعد محلة الحربية وجامع المنصور (وسأعقد فصلا خاصا أتكلم فيه عليها).
فبين هذا التحقيق وبين ما قيل أن الذي في حديقة اكريبوز لعبد الرحمن بون شاسع (راجع لغة العرب 455: 5).(7/218)
أما ابنه محيي الدين أستاذ الدار يوسف وأولاده الثلاثة السالف ذكرهم فقد قال عنهم صاحب مختصر طبقات الحنابلة صحيفة 41 وقتل (محيي الدين) سنة ست وخمسين وستمائة هو وأولاده الثلاثة إلى أن قال: قتلوا لما دخل هولاكو ملك التتار بغداد. اهـ. ورأيت في كتاب الحوادث الجامعة (مخطوط الآباء الكرمليين) ثم قتل (هولاكو سنة 656 هـ). . .
ومحيي الدين بن الجوزي أستاذ الدار وولده جمال الدين عبد الرحمن وأخوه شرف الدين عبد الله وأخوه تاج الدين عبد الرحمن اهـ. وعلى هذا فأن هذا القبر لا بد أن يكون لأحد هؤلاء الأربعة ولا يمكن تخصيصه بأحدهم غير أني أرجح أن يكون لمحيي الدين يوسف لأنه الأب المحترم والفائق على أولاده علماً ورتبة ولا أزيد على هذا لقربه من الحدس والتخمين وباقي التحقيق عن صحب هذا القبر أحيله لغيري من المحققين أن لم يف تحقيقنا بالمطلوب.
عبد الحميد عبادة
ثمار القلوب في المضاف والمنسوب
كنت أظن أن النسخة المخطوطة من كتاب (ثمار القلوب في المضاف والمنسوب) للثعالبي - وهي النسخة التي شاهدتها قبل سنة - أنها نادرة الوجود وليس لها ثانية وهي من كتب خزانة العلامة الشيخ علي زين العابدين المازندراني الملقب بشيخ العراقين الحائري المتوفى سنة 1346 هـ وقد بيعت في النجف قبل سنة مع أكثر كتب هذه الخزانة المخطوطة وقد أبتاع جملة وافرة منها (نعمان الأعظمي صاحب المكتبة العربية في بغداد) بأثمان بخسة، لكن لما قرأت هذا العنوان في الجزء العاشر من المجلد السادس من لغة العرب تحققت أن الكتاب المذكور قد طبع في مصر. هذا فضلا عن النسخ الخطية الموجودة منه في بغداد وسائر مدن الديار الناطقة بالضاد وفي ديار الغرب. فعسى أن يقوم من يعنى بطبعه طبعه علمية معارضة بنسخ عديدة مزدانة بفهارس كثيرة لمكانة هذا السفر الجليل من الآداب العربية.
النجف: عبد المولى الطريحي(7/219)
خزائن كتب إيران
تتمة خزائن الحاج الملا علي آقا في تبريز
19 - التبر المذاب في بيان ترتيب الأصحاب لأحمد بن محمد بن أحمد الحافي الحسيني الشافعي.
20 - التحفة السنية قفي شرح النخبة المحسنية (في الفقه): المتن للملا محسن الفيض القاشاني والشرح للسيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الموسوي الجزائري.
21 - تحفة المؤمنين للملا سلطان حسين ابن الملا سلطان محمد الأستربادي الواعظ: بالفارسية.
22 - ترجمة الصحيفة السجادية لمحمد صالح بن محمد باقر القزويني بالفارسية.
23 - التعريف بوجوب حق الوالدين لأبي الفتح محمد بن علي الكراجكي.
24 - تفسير القرآن لفرات بن إبراهيم الكوفي.
25 - تفسير القرآن لأبي النضر محمد بن مسعود السلمي المعروف بالعياشي.
26 - تفسير القرآن لأبي الفتوح الحسين بن علي الخزاعي الرازي (في عشرين مجلدة) وقد طبعت عدة منها في طهران، بالفارسية.
27 - تفسير القرآن المسمى بمعالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي.
28 - التمحيص لأبي علي محمد بن همام: مختصر قفي ذكر أخبار ابتلاء المؤمن وأنه تمحيص لذنوبه.
29 - تواريخ الأئمة الأثني عشر لنصر بن علي الجهضمي.
الثاء
30 - ثاقب المناقب لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي الطوسي المشهدي المعروف بابن حمزة، جامع لفضائل جمة ومعاجز كثيرة للنبي وفاطمة والأئمة(7/220)
الأثني عشر.
الجيم
31 - جامع المقال في تمييز المشتركة من الرجال للشيخ فخر الدين الطريحي النجفي
المتوفى سنة 1085 هـ.
32 - الجعفريات (في الحديث) لمحمد بن الأشعث الكوفي: كتاب يعتمد طبه ويشتمل على ألف حديث بأسانيدها المتصلة كلها بالإمام جعفر الصادق.
33 - جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع للسيد رضي الدين علي بن طاوس الحسني الحلي المتوفى سنة 664 هـ.
34 - جوامع الحكايات ولوامع الروايات (المعروف بجامع الحكايات) لجمال الدين محمد العوفي: كتاب طريف (بالفارسية) يشتمل على خمسة أقسام ويبحث عن التوحيد والأنبياء والأولياء والملوك ولطائف كلماتهم وطرائف حكاياتهم وعن الأخلاق ومكارمها والمذموم منها وفيه حكايات لطبقات الناس (على اختلاف اصنافهم) وعجائب البحار وطبائع الحيوانات. تاريخ تأليفه عام 625 هـ
الحاء
35 - حوض النهر في شرح روض الزهر: المتن أرجوزة منظومة في مديح آل البيت للسيد محمد البرزنجي قال في أولها:
يقول راجي ذي الجلال المنجي ... محمد بن المصطفى البرزنجي
أحمدك اللهم واسع الندى ... مصليا على النبي احمدا
وآله ذوي الصفاء والوفا ... وأهل بيته الكرام الشرفا
وصحبة البررة الأمجاد ... وناهجي مسالك الرشاد
فهذه أرجوزتي روض الزهر ... الفتها في آل سيد البشر
أنقل عن جهابذ الأحبار ... ما جاء فيهمو من الأخبار
جعلتها هدية للسادة ... أرجو بها خاتمة السعادة
والشرح للسيد حيدر الحسني. وهذه النسخة كتبت على نسخة الأصل بأمر سليمان باشا والي شهر زور المعروفة ب (كردستان) المتصلة بآذربيجان، والفراغ من كتابتها كان في عام 1248 هـ.(7/221)
36 - حياة الأرواح وروح الأشباح (في الكلام) للسيد محمد حسين بن أحمد الشريف الحسيني: بالفارسية.
الدال
37 - الدر المنثور من المأثور وغير المأثور لعلي بن محمد بن الحسن ابن العوم وشرح فيه أخبارا مجملة ومسائل مشكلة.
38 - الدروع الواقية من الأخطار في ما يعمل مثله كل شهر على التكرار للسيد رضي الدين علي بن طاوس الحسني الحلي.
39 - دلائل الإمامة لمحمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي (وهو غير محمد ابن جرير الطبري المؤرخ المشهور).
الذال
40 - ذخائر الواعظين للملا سلطان حسين ابن الملا سلطان محمد الأستربادي الواعظ: بالفارسية.
الراء
41 - رسائل عشر للملا حيدر علي المجلسي.
42 - روضة الأحباب في سير النبي والآل والأصحاب لجمال الدين عطاء الله بن فضل الله الحسيني الشافعي الشيرازي، بالفارسية.
43 - روضة الأزهار ونزهة النفوس والأبصار، كتاب كبير في الأدب وفنونه لم يذكر المؤلف اسمه في كتابه.
44 - رياض الجنة للميرزا حسن الزنوزي (الملقب بشيخ الإسلام وهو من السادة الشرفاء) بالفارسية.
45 - رياض العلماء للميرزا عبد الله الأصبهاني المعروف بالأفندي، أربعة مجلدات منه مع خاتمة القسم الأول وخاتمة القسم الثاني. والأصل في عشرة مجلدات كلها في أحوال علماء الإسلام من سنة 260 هـ إلى سنة 1119هـ في زمانه.
السين
46 - سؤالات الملا خليل القزويني من الملا محمد باقر المجلسي الأصبهاني، بالفارسية.(7/222)
47 - سعد السعود لرضي الدين علي بن طاوس الحلي.
48 - سلوة الحزين (المعروف بكتاب الدعوات) لأبي الحسن قطب الدين سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي.
الشين
49 - شرح قصيدة الحميري (العينية) للميرزا فضل علي التبريزي.
50 - شرح المناظرات الماموني لمحمد بن الحسين الشهير بإسماعيل المازندراني بالفارسية.
51 - شرح نهج البلاغة لعز الدين الآملي، بالفارسية.
52 - شرعة التسمية لمحمد باقر الداماد الحسيني الأستربادي المتوفى سنة 1041 هـ.
الصاد
53 - الصراط المستقيم (في الإمامة) لزين الدين علي بن يونس العاملي البياضي المتوفى سنة 877 هـ، كبير.
54 - صفات الشيعة للصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المتوفى سنة 381 هـ.
الضاد
55 - ضياء الشهاب في شرح الشهاب لأبي الحسن قطب الدين سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي.
العين
56 - عجالة الراكب وقناعة الطالب للميرزا محمد حسين بن محمد مهدي الكرهرودي السلطان آبادي، بالفارسية.
57 - العروس (في فضل يوم الجمعة ونبذ من آدابها) لأبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي المعروف بابن الرازي.
58 - عوالم العلوم للشيخ عبد الله بن نور الله البحراني أربعة مجلدات منه وهي:
أ - مجلد النبوة ب - مجلد الإمامة ج - مجلد الغيبة د - مجلد أموال أمير المؤمنين.
ولا يخفى أن عوالم العلوم يشمل على مجلدات كثيرة وفي الحقيقة أنه بحار(7/223)
الأنوار لأستاذ
مؤلفه إلاّ أنه ألبسه صورة أخرى بترتيب أحسن وشكل أجمل.
الغين
59 - الغايات (في الأخبار المشتملة على أفعل التفضيل من نحو أفضل الأعمال كذا وأبغضها إلى الله كذا) لأبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي المعروف بابن الرازي.
60 - الغرر والدرر لعبد الواحد الآمدي: يشتمل على جوامع الكلم المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي مرتبا على حروف المعجم.
61 - غوالي اللآلي لمحمد بن علي بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائي.
الفاء
62 - فتح الأبواب (في الاستخارات) لرضي الدين علي بن طاوس الحسني الحلي.
63 - فضائل شهر رجب للصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي.
64 - فضائل شهر رمضان له أيضا.
65 - فضائل شهر شعبان له أيضا.
66 - فلاح السائل ونجاح المسائل (في عمل اليوم والليلة) لرضي الدين علي بن طاوس الحسني الحلي.
القاف
67 - قاموس المعارف للميرزا محمد علي التبريزي: بالفارسية.
68 - قرب الإسناد (في الحديث) لأبي جعفر محمد بن عبد الله الحميري.
الكاف
69 - كامل الزيارة لأبي القسام جعفر بن محمد بن قولويه القمي المتوفى سنة 368 هـ.
70 - كشف المحجة لثمرة المهجة لرضي الدين علي بن طاوس الحسني الحلي.
71 - الكشكول في ما جرى على آل الرسول لحيدر بن علي الحسيني الآملي.
72 - كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لمحمد بن(7/224)
يوسف الكنجي
الشافعي.
73 - كنز جامع الفوائد للشيخ علم بن سيف بن منصور: هو مختصر كتاب تأويل الآيات الباهرة للسيد شرف الدين علي الحسيني الأستربادي. فرغ مؤلف كنز جامع الفوائد منه سنة 937 هـ.
اللام
74 - اللآلئ العبقرية في شرح القصيدة الحميرية لبهاء الدين محمد بن الحسن الأصبهاني المعروف بالفاضل الهندي المتوفى سنة 1131 هـ: شرح فيه القصيدة العينية للسيد إسمعيل الحميري شرحا وافيا.
75 - لجة الأخبار للميرزا هاشم خان التبريزي: بالفارسية
الميم
76 - المؤمن للحسين بن سعيد بن جماد بن مهران الأهوازي.
77 - المحاسن لأبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي (نسبة إلى برقة من أعمال قم).
78 - مرآة الأحوال للآغا أحمد بن الآغا محمد علي ابن الآغا محمد باقر البهبهاني: بالفارسية.
79 - المسائل التي سألها السيد مهنا بن سنان من العلامة الحلي.
80 - مسلسلات الأخبار لأبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي المعروف بابن الرازي.
81 - مصابيح القلوب لأبي سعيد الشيخ حسن بن الحسين السبزواري: بالفارسية.
82 - مصادقة الأخوان للصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي.
83 - مصباح الزائر لرضي الدين علي بن طاوس الحسني الحلي.
84 - مصباح المتهجد للشيخ محمد بن الحسن الطوسي (المعروف بشيخ الطائفة) المتوفى سنة 460 هـ.
85 - معالم العلماء لرشيد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن شهراشوب المازندراني المتوفى سنة 588هـ.
86 - مقامات النجاة للسيد نعمة الله الموسوي الجزائري المتوفى سنة 1112 هـ: كتاب في شرح أسماء الله الحسنى، مرتب على حروف الهجاء إلى آخر حرف الضاد المعجمة.
87 - مقتل أمير المؤمنين لأبي الحسن أحمد بن محمد البكري.(7/225)
88 - مقتل الحسين لأبي المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي المكي الحنفي (في مجلدين).
89 - منهاج الحق واليقين في تفضيل علي أمير المؤمنين على كافة الأنبياء والمرسلين ما خلا محمد خاتم النبيين للسيد ولي الله بن نعمة الله الحسني الرضوي الحائري.
90 - المواسعة والمضايقة لرضي الدين علي بن طاوس الحسني الحلي.
النون
91 - نظم الغرر ونضد الدرر (شرح بعض الحكم والمواعظ لأمير المؤمنين علي) لعبد الكريم بن محمد يحيى القزويني: بالفارسية.
92 - نكت البيان للسيد علي خان ابن خلف الموسوي المشعشعي: كتاب جليل يشتمل على ثمانية أبواب: الأول في تفسير الآيات القرآنية وتكلم فيه بما أغفله المفسرون والثاني في شرح الأحاديث المشكلة والثالث في ذكر ما تكلم فيه مع العلماء السابقين والمعاصرين له في مسائل شتى وبقية الأبواب في إيراد كلمات حكيمة للأنبياء والأئمة وأهل الفضل والصوفية وفي اللام على فحول الشعراء والإيراد عليهم (؟) والانتصار لهم ثم أورد أقسام الشعر من غزل ونسيب ومديح وفخر ورثاء إلى غير ذلك من الحكايات المستطرفة، وكانت مدة تأليفه إياه خمسة أشهر من سنة 1084هـ.
93 - نهج الحق وكشف الصدق (في الكلام) لجمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر المعروف بالعلامة الحلي المتوفى سنة 726 هـ.
الواو
94 - وسيلة المآل في عد مناقب الآل لصفي الدين أحمد بن فضل المكي الشافعي.
الهاء
95 - الهداية للشيخ عبد الله بن الفرج القطيفي البحراني.
96 - الهداية لأبي عبد الله الحسين بن حمدان الحضيني (بالتصغير والضاد المعجمة):
كتاب في تاريخ النبي والأئمة الأثني عشر ومعجزاتهم.
الياء
97 - اليقين باختصاص مولانا علي بإمرة المؤمنين لرضي الدين علي بن طاوس الحسني الحلي.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي(7/226)
جامع قمرية والمدرسة العمرية
بحث كتاب مساجد بغداد وآثارها (المطبوع) عن هذا الجامع القديم وعن المدرسة العمرية الواقعين في الجانب الغربي أي جانب الكرخ مع ذكر تأريخهما فعن لي أن أزيد على ذلك ما وقفت عليه من أمرهما. وقمرية علم لأسم الأنثى من القمري والناس يسمون الجامع غلطا جامع القمرية (بفتح القاف والميم) كأنه أنشئ في موضع كان فيه قمرية (بفتح الأولين) أو كأن قمرية (كذلك بفتح الأولين) كانت فيه. والقمرية من الألفاظ العامية الحديثة في العراق ويراد بها الظلة أو العريش أي ما يقوم من العيدان التي يلتف عليها أغصان الكروم أو ما ضاهاه من الأشجار. وكتاب المساجد صدر البحث بقوله: (جامع القمرية) وزاد على ذلك أن نبه في الحاشية على ضبط الكلمة بأنه (بفتح القاف والميم) مع أنه نقل عن تاج العروس أنه جامع قمرية (بالضم ثم بالسكون). وممن ضبط هذا الاسم أيضا على هذه الصورة الأخيرة الشيخ عبد الله السويدي في رحلته كما سيجيء.
قال كتاب مساجد بغداد (ص 114) ما يلي:
(وقال بعض المؤرخين: إن هذا المسجد من أبنية الناصر لدين الله الخليفة العباسي. والوضع والبناء يشهدان له بذلك. وقمرية هذه لعلها من أهل بيته أو إحدى حظاياه من الجواري والله أعلم.) اهـ
فيستشف من هذا الكلام ارتياب إلاّ أن ما يأتي يزيل كل شك عن زمن أحداث المسجد في سابق العهد. وما أسند إلى بعض المؤرخين صحيح لا ريب فيه فأنه مؤيد بكلام المخطوط الذي عرفته بالحوادث الجامعة لابن الفوطي فأنه لم يدخل أل التعريف على قمرية وهو ممن عاشوا في القرن الذي بني فيه المسجد. فقد جاء فيه قوله في أخبار سنة 676 (1277):(7/227)
(وفيها توفي الشيخ مجد الدين عبد الصمد المقرئ إمام مسجد قمرية. وكان زاهدا ورعا يقرئ الأيتام بمسجد قمرية ويصلي إماما من حيث فتح. . . وكان مولده سنة 593 (1196) اهـ.
وإذ كانت خلافة الناصر قد ابتدأت في سنة 575 (1179) وامتدت إلى سنة 622
(1225) وكانت ولادة مجد الدين في سنة 593 وكان يصلي في هذا الجامع إماما من حيث أنه فتح على ما رأينا فلا بد أن بناء الجامع كان في أيام الناصر ولا بد من أن إتمامه لم يكن قبل سنة 613 (1216) ليتسنى أن يكون لمجد الدين عشرون عاما من العمر عند فتحه حتى يولى الإمامة إذ من البعيد - على ما أظن - أن تولى الإمامة رجلا قبل أن يبلغ هذه السن على أقل تقدير.
وكان الشيخ مجد الدين عبد الصمد أبنا لأبي الجيش فقد جاء في الحوادث الجامعة في أخبار سنة 652 (1254) أن (الخليفة أمر بوقفية دار سوسيان وما يجري معها من الحجر والبساتين وجعلت رباطا للصوفية ورتب الشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش إمام مسجد قمرية شيخا للصوفية بها. وجعل ولده موضعه في مسجد قمرية) اهـ.
الطوارئ على الجامع
وتذكر الحوادث الجامعة غرق بغداد في سنة 653 (1255) ومما قالته: (وتهدمت الجوامع والمساجد كجامع المنصور. . . وبعض مسجد قمرية. . . وتلا هذا الفرق غرق آخر في سنة 654 (1256) وقد أصاب مسناة الجامع دمار عرفنا به هذا الكتاب نفسه قال: (وسقط نصف مسناة مسجد قمرية فعمل له سكر من خشب وطرفاء فما زال على ذلك إلى أن عمره الصاحب علاه الملك الجويني سنة سبع وستين وستمائة) اهـ. وقال في حوادث سنة 668 (1269): (ثم أمر (علاء الدين صاحب الديوان وهو الجويني) بعمارة مسجد قمرية بالجانب الغربي. وكانت قد خربت في زمن الخليفة المستعصم(7/228)
عند زيادة دجلة وغرق بغداد وعمل سكرا من الخشب وبقي إلى الآن فتقدم بتجديده وعمله كما كان أولا.) اهـ.
وذكر كتاب المساجد أنه (جرت على المسجد عمارات من ذلك عمارة السيدة عائشة بنت أحمد باشا والي بغداد سنة 1163 (1719) وكانت زوج عمر باشا الذي كان واليا على بغداد سنة 1177 (1763) كما دل على ذلك مضمون الأبيات المحررة على باب المصلى. ثم أختل البناء. . . سنة 1230 (1814) فتداركه سعيد باشا والي بغداد يومئذ فأعاد عمارته إلى أحسن ما كانت عليه. . .) اهـ.
وقد وقفت في كلشن خلفا على إحدى تلك العمارات التي أشير إليها ولم يذكرها. قال كلشن في بحثه عن دلي حسين باشا الذي كان واليا في بغداد خلال بضعة أشهر من سنة 1054
(1644) ما تعريبه ملخصا:
(كان الجامع المعروف بجامع قمرية (بدون أل) المقابل للسراي (دار الحكومة وهي لا تزال كذلك إلى الآن) والمزين لشط دجلة قد خرب في أيام الفتن فشيد أركانه (دلي حسين باشا) وعمر قبابه. وحينما أتمه عين له خطيبا وإماما وخداما على أن تعطى رواتبهم من الخزنة العامرة إذ ليس لهذا الجامع وقف خاص به. والآثار الخيرية لهذا الوالي لا تزال باقية إلى هذا اليوم) اهـ. وكانت وفاة صاحب كلشن في العقد الرابع من القرن الثاني عشر للهجرة.
فمما مر بنا يتضح أن الجامع اسمه (جامع قمرية) وان أحداثه وإتمامه كان في عهد الناصر في إحدى السنين الواقعة بين سنة 613 وسنة 622 وأن أول من جدده فشيد أركانه بعد خرابه هو دلي حسين باشا الذي كان واليا على بغداد في سنة 1054 هذا ألم يكن قد سبق هذا الخراب خراب غيره فعمارة فخراب.
وأما نسبته إلى قمرية التي قال عنها كتاب المساجد لعلها من بيت الخليفة(7/229)
الناصر لدين الله أو إحدى حظاياه ففي ذلك نظر. والشك الذي داخله يداخلني إذ أن عيون الأنباء لابن أبي اصيبعة (327: 1) تروي ترجمة أبي منصور الحسن بن نوح القمري مؤلف كتاب الغنى والمنى في الطب وفيها أن ابن سينا (وفاته سنة 448 هـ 1056م) عاصر القمري أفكان في موضع هذا الجامع أو بقربه ما كان يسمى قمرية قبل أحداثه؟ أم كان هذا الطبيب منسوبا إلى هذا الموضع وأن ظهر في بلاد العجم؟ إن الأنساب للسمعاني ومقدمة الخطيب البغدادي ومناقب بغداد لابن الجوزي لم تذكر موضعا في بغداد بهذا الاسم. ولو لم يكن كتاب الحوادث ناقصا في أوله لوقفنا فيه على حقيقة نتطلبها أن صح ظني. ومن الغريب أن مناقب بغداد لم تذكر هذا المسجد نع أن مؤلفه كان عائشا في منتصف القرن السابع للهجرة أي بعد بناء المسجد ببضعة عقود من السنين.
الوالي أحمد باشا
وهنا معرض الكلام على أن هذا الوالي - وهو ابن حسن باشا والي بغداد أيضا - كان قد توفي قبل سنة 1163 وقد ذكر كتاب المساجد أنه كان فيها واليا على بغداد فأني وجدت دوحة الوزراء وسجل عثماني ومختصر حديقة الزوراء متفقات على أن وفاته كانت سنة 1160 (1747) وقد رثاه الشيخ عبد الرحمن السويدي بقصيدة جاء منها في مختصر هذان
البيتان وفيهما التاريخ:
فما صار حقا إلى حفرة ... ولا حل فيها ولا أقبرا
ولكنه منذ تاريخه ... إلى رحمة الله قد صيرا (1160)
وفي المختصر أيضا أن الشيخ محمد سعيد السويدي أخا مؤلف الحديقة رثى كذلك أحمد باشا بقصيدة جاء في آخرها تاريخ الوفاة:(7/230)
فعليه رحمة ربه تتلى إلى ... وقت النشور وبعد يوم الحشر
ولدى الجزاء من الكريم مؤرخا ... مأواه عدن لاحقا بالخير (1160)
فلا بد أن الخبر الصحيح عن تاريخ وفاة أحمد باشا هو ما وجدته في المصادر التي أوردتها وفي غيرها كمخطوط صغير بالتركية في تاريخ بغداد عن بضع سنين وهو عندي فلم يكن أذن أحمد باشا حيا في سنة 1163.
المدرسة العمرية
وذكر كتاب المساجد (ص 134) هذه المدرسة وقال: (يقال إن عمر باشا أحد ولاة بغداد ابتناها لرجل من الأفاضل اسمه الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ محمود من أهل وراء النهر) اهـ.
فالصراحة في شكه بينة في هذا الكلام ولكن كلشن يوقفنا على جلي الأمر فأنه قال عن منشئها ما تعريبه:
(وأنشأ عمر باشا مدرسة منظرها كالجنة بقرب جامع الأنوار (المسمى جامع) قمرية مع غرف لطيفة وعين لها مدرسا ومحدثا وطلابا وبين رواتبهم ووقف عليها بعض الأوقاف فأرخ ذلك كاتب ديوانه المرحوم طيبي (وهنا بيت بالتركية) اهـ. وكانت ولاية عمر باشا على بغداد من سنة 1088 إلى سنة 1092 (1677 - 1681).
أما النفحة المسكية في الرحلة المكية للشيخ عبد الله السويدي ففيها (ص 4 - 5 من مخطوطي) في ترجمة المؤلف لنفسه أن الذي بنيت له المدرسة هو الشيخ حسين نوح وهذا ما في الرحلة:
(. . . فبعد مجيئه (مجيء عمنا أخي أبينا لأمه الشيخ أحمد بن سويد وكان مجيئه من القسطنطنية في سنة 1109 أو بعيدها بوقت وجيز) بثلاثة (سها الناسخ هنا أن يقول أيام
أو أسابيع أو أشهر) إلى الكتاب والشيخ فيه إذ ذاك شيخنا الصالح الورع التقي العالم العامل الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ محمود من أهل وراء النهر فختمنا عنده القرآن وأقرأنا رسالة في التجويد وتعلمنا عنده(7/231)
الكتابة. . .) حتى قال: (ثم أنه (يعني عمه المذكور) أرسلنا إلى الشيخ حسين نوح المتقدم ذكره لتعلم العلم. وكان شيخنا هذا يدرس بالمدرسة العمرية نسبة إلى والي بغداد إذ ذاك عمر باشا رحمه الله تعالى. وهو قد بناها لأجل شيخنا المذكور فهو أول من درس بها التدريس العام. وهذه المدرسة على كتف دجلة في الجانب الغربي شرقي جامع القمرية بفتح القاف والميم. ملاصقة له) ثم قال: (وأخذت النحو عن شيخنا الشيخ حسين نوح. قرأت عليه الأجرومية وشرحها للشيخ خالد الأزهري و. . . و. . .) وقد سبق فقال: (حسين نوح المتقدم ذكره) وهذا ما كان قد ناله عنه (أنه العالم النحرير. . . و. . . الشيخ حسين نوح الحديثي الحنفي. . ونوح هذا عمه فنسب إليه لأنه كفله ورباه فعرف به. وكان نوح المذكور من العلماء العاملين والنساك الصالحين) اهـ.
ويسعني الآن أن أقول بعد أن أوردت النقول المذكورة أن الذي بنى هذه المدرسة العمرية هو عمر باشا والي بغداد في زمن ولايته التي كانت من سنة 1088 إلى سنة 1092 وأنه بناها للشيخ حسين نوح فكان هذا أول مدرس بها وأن الباشا لم يبنها للشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ محمود من أهل وراء النهر.
ومن آل نوح يحيى أفندي بن نوح العراقي الذي سأل عبد الغني النابلسي في الدخان فأجابه في سنة 1111 (1699) مخطوطات الموصل ص 34 في مجموعة رسائل تحت رقم 13).
هذا ما أردت الإتيان به خدمة للتاريخ.
بغداد: يعقوب نعوم سركيس
المرعز
المرعز (كزبرج مشدد الآخر) والمرعزي (بالألف المقصورة مع تشديد الزاي) ويمد إذا خفف (والميم والعين مكسورتان على كل حال وقد تفتح الميم في الكل وجعل سيبويه المرعزي صفة عنى به اللين من الصوف. اهـ ملخصا عن التاج. ويراد اليوم بالمرعز في العراق نوع من العنز يعرف عند الإفرنج باسم عنز أنقرة كما أنهم يسمون الهر الطويل
الشعر بالشيراز وبالفرنسية(7/232)
عشائر لواء الموصل
في لواء الموصل جماعات كبيرة من العشائر المختلفة. منها الرحالة التي تنتقل بأغنامها بين قرية وأخرى ومعظمها لا يعرف لنفسه ولا حكومة معينة ولهذا تراها تارة في حكم الأتراك وطورا في حكم الانتداب الأفرنسي في سورية وأوأنا في أمر الحكومة العراقية. ومن هذه العشائر شمر وطي. ومنها المستوطنة في القرى والتفصيلات الآتية توضح مراكز عشائر اللواء كلا منها بحسب القضاء الذي تسكنه.
1 - العشائر التي تقطن قضاء الموصل هي: - 1 - الجبور - 2 - البو حمد - 3 - الموالي - 4 - الحديديون - 5 - قسم من الشرابيين (وهم من قبيل المعدان عندنا) - 6 - قسم من عشائر الدليم بالتصغير) - 7 - الجحيش (بالتصغير).
2 - العشائر التي تقطن قضاء تل أعفر هي - 1 - اليعافرة (وأصلهم من التركمان) - 2 - قسم من الجبور - 3 - قسم من الحديديين كالحديد (المنسوب المجموع بلا تصغير).
3 - العشائر التي تقطن قضاء سنجار هي - 1 - اليزيدية وهم قسمان قسم يستوطن القرى والجبال ويمتهن الزراعة وقسم يسكن السهول وهم الذين يقومون برعاية الأغنام والمواشي وهم رحالة - 2 - البو متيوت (بالتصغير) - 3 - شمر - 4 - طي.
4 - عشائر قضاء شيخان مؤلفة من خمس فرق هي - 1 - الكلدانيون المسيحيون - 2 - اليزيدية - 3 - العرب المسلمون - 4 - الأكراد - 5 - الشبك (وأصلهم كردي) وشيخان هذه مقر رئاسة اليزيدية.
5 - العشائر التي تقطن قضاء دهوك: - 1 - المروزي (وزان المقول بزيادة ياء النسب) - 2 - قسم من معامرة - 3 - قسم من الشرابيين - 4 - الدوسكي ومن العشيرة الأخيرة قبائل رحالة تعرف بالكوجر - والكوجر لفظة كردية تعني الرحالة ومن أفخاذها كودان وشرفان (كسرطان) وقليان (بكسر الأول) وارتوش (مثل صعفوق) وغيرها.(7/233)
6 - العشائر التي تقطن قضاء العمادية: - 1 - ارتوش وهم كوجر ينقسمون إلى أفخاذ كثيرة أشهرها: -
أ - زيروان - ب - شرفان - ج - مهمدان (من المحتمل أن يكون اسمها الحقيقي
محمدان)
2 - برواري بالا (إي بروراي العليا) - 3 - برواري زير (أي برواري السفلى) - 4 - نيروه - 5 - ريكان - 6 - جماعة من الآثورين.
7 - العشائر التي تقطن قضاء زاخو: - 1 - السليفاني - 2 - السندية - 3 - الكلي (بضم الكاف الفارسية وتشديد اللام المكسورة) - 4 الهاجات - 5 - الزيوكية. وكل هذه العشائر رحالة. أما المستوطنة منها فهي: - 6 - اليزيدية - 7 - الخليلان (وهم أكراد).
8 - العشائر التي تقطن قضاء عقرة: - 1 - آشوش (بالمد) - 2 - السورجية ومن أفخاذها (مام سال وستبال ومام أومر (أي إمام عمر) وشيخان وخنديري ومام ساك. - 3 - العشائر السبع (وأفخاذها كيره، وزركري، وشايلو وشيخ تبريني، ولو ماء وخنت بري وشارك.). وكل هذه الأسماء كردية.
9 - العشائر التي تقطن قضاء الزيبار - 1 - الزيباريون و - 2 - البارزانيون فقط.
ملحوظة
في لواء الموصل أكثر من سبعين مخفرا للشرطة بعضها واقع على الحدود وبعضها على منتصفات الطرق والبعض الآخر في مراكز النواحي والقرى المهمة وللشرطة ثلاث سيارات مصفحة ومجهزة باللاسلكي تجول على الحدود لضبط الأمن بين تركية وسورية والعراق. ويبلغ عدد أفراد الشرطة في هذا اللواء ألفا وعشائر شمر التي يرأسها الشيخ عجيل الياور تبلي بلاء حسنا في سبيل محافظة الجزيرة وتشترك مع الحكومة في ضبط الأمن في هذا اللواء الشاسع الأرجاء.
مياه اللواء
1 - دجلة - ينبع هذا النهر العظيم من جبال أرمينية في تركية ويدخل العراق من محل يسمى (فيشخابور) ثم ينحدر نحو الجنوب مارا بناحية (زمار)(7/234)
ويدخل مدينة الموصل بعد ذلك ثم ينحدر نحو الجنوب وهو يفصل بين قضاء دهوك وزاخو وبين تل اعفر.
2 - الزاب الكبير - يدخل العراق من شمالي (العمادية) ويذهب منها إلى قضاء الزيبار ثم يأتي قضاء عقرة وبعد أن يسقي أراضيها، يتجه نحو الجنوب في قضاء الموصل فيسقي
قرية (قره قوش) ويصب في دجلة في ناحية الشورة.
3 - الخازر - تتجمع مياه هذا النهر من عيون كثيرة منتشرة في الجبال في أودية عقرة. ثم يدخل قضاء عقرة ويأتي بعد ذلك إلى قضاء الشيخان. حيث يفصل هذا القضاء عن قضاء عقرة ثم ينحدر نحو الجنوب فيدخل ناحية (العشائر السبع) ويفصل قضاء الموصل عن قضاء عقرة ويصب أخيرا في الزاب الكبير في محل يسمى (داروك).
4 - نهر الخابور - ينبع من جبال تركية ويدخل العراق من محل يسمى (ميركة ونزدور) ثم يفصل قضاء العمادية عن قضاء زاخو ويتجه بعدئذ نحو الشمال فيصب في دجلة في محل يسمى (فيشخابور).
5 - نهر الهبزل - ينبع من جبال تركية ويدخل العراق من محل يسمى (سناط) ثم يفصل حدود تركية عن حدود العراق ويختلط بالخابور في محل يدعى (درنق) وهو مخفر للشرطة يبعد عن زاخو ستة أميال من جهة الشمال.
6 - نهر الصينة - ينبع من جبال العمادية بالعراق ويمر بأودية وجبال برواري بالا وبرواري زير ومن ثم يصب في الخابور في محل يدعى (باصي).
7 - نهر الخوصر - ينبع من جبال الشيخان من محل يدعى (الناوران) ثم يخترق أراضي القضاء ويصب بعدئذ في دجلة في شرقي الموصل.
8 - وهناك نهيرات وجداول عديدة تروي الأراضي والمزارع الكثيرة في سائر جهات اللواء.
طرق المواصلات
تسير السيارات بين جميع أجزاء اللواء سيرا متصلا فتربط شماليه بجنوبيه وشرقيه بغربيه وتجعله بذلك شبكة متصلة الأجزاء. وتستعمل المواشي على اختلاف أنواعها لنقل البضائع وغيرها. وإذا تحقق ما ترمي إليه الحكومة(7/235)
العراقية في سياستها الحاضرة من ربط الموصل بالسكة الحديدية يكون لها شأن عظيم في المستقبل القريب.
دخل اللواء وخرجه
يمتاز لواء الموصل في صادراته عن بقية الألوية العراقية بأنه يصدر مقادير كبيرة من
الصوف والجلود والمواشي والعفص واللوز والفستق وغير ذلك من الحاصلات التي تنمو عادة في الشمال أو الجبال أو الأقاليم الباردة يضاف إلى ذلك الحبوب بأنواعها المختلفة مع السمن ونوع من المنسوجات المتخذة من المرعزي (راجع ص 232 من هذا الجزء).
أما ما يجلبه هذا اللواء من الأموال فهو كسائر ما تجلبه بقية الألوية العراقية من شاي سكر وبن وتوابل ومشروبات روحية وغيرها. وقد بلغت واردات الحكومة من هذا اللواء في السنة المالية 1927 - 1928 كما يلي:
نوع الوارداتربية من المحصولات الزراعية1. 372. 000من الكودة72. 000من المارك والمكوس842. 000من البرق والبريد162. 000من ضريبة الأملاك300. 000من العدلية والطابو300. 0003. 696. 000 ربية على التقريبوهناك واردات مختلفة ولكنها زهيدة ولعل فيما ذكر غني للقارئ عن التتبع الكثير.
اليزيدية في اللواء
وفي لواء الموصل جماعة يتراوح عدد نفوسها بين سبعة وعشرين ألف نسمة وثلاثين ألف نسمة يدعون اليزيدية ويترضون الشيطان ومقرهم كردستان وأرمينية وبلاد القوقاس. ولهم شعائر دينية غريبة وعادات لم تألفها بقية الأمم والمعروف أن أصلهم من بقايا المجوس وهم يؤدون إلى صنم لهم يدعونه (طاووس(7/236)
ملك) أنواع العبادات ويتكلمون باللغة الكردية لأنهم يعتقدون بأنها لغة الله ولهم كتابان مقدسان اسم أحدهما (جاوة) واسم الثاني (مصحف رش) وفي كليهما من الخبط والخلط ما فيهما. وقد افرزنا لهم رسالة مطولة أسميناها (اليزيدية) ونشرناها مستقلة وربما جعلناها أحد فصول كتابنا (مباحث في العراق) الذي لا نزال ننشر بعض بحوثه البلدانية.
المعارف في اللواء
اشتهر العرق في القرون المنصرمة بمعارفه وآدابه وفنونه، شهرة عظيمة وبقيت جنات العلم ورياض الأدب زاهية فيه زمنا طويلا إلى أن دخلت الدولة العباسية في دور الانحطاط والاضمحلال، فتداعت صروح الثقافة والتهذيب وبدأ العراق يسير القهقرى زهاء خمسة قرون لم يشيد فيها مدرسة ولم يقم معهد علمي. ولكن الحرب التي أثارها الجشع
الاستعماري في الشرق وفي الغرب معا، نبهت الشعوب الضعيفة من رقدتها وخلقت فيها حركة علمية واسعة كان للعراق منها نصيب لا يستهان به.
وإنك لتجدن مثلا في لواء الموصل اليوم (71) مدرسة أميرية فيها (7161) طالبا. وتختلف درجات هذه المدارس باختلاف سعة المدن التابعة للواء المذكور وعدد نفوسها. وهي من حيث العموم 12 مدرسة ابتدائية ذوات خمسة وستة صفوف و56 مدرسة أولية ومدرسة ثانوية واحدة وأخرى للصنائع وثالثة للمعلمات. هذا عدا المدارس الأهلية التي يبلغ مجموعها (19) مدرسة فيها (1598) طالبا فيكون عدد المدارس في اللواء من حيث العموم (90) مدرسة يبلغ مجموع طلابها (8759) بين تلميذ وتلميذة وأساتذتها (343) بين مدرس ومدرسة.
وإذا قابلنا نصيب لواء الموصل في المدارس بنصيب بقية الألوية العراقية فيها، لما وجدنا في ذلك نسبة البتة. ففي لواء الحلة مثلا لا يتجاوز عدد المدارس العشرة وهكذا في لواء كربلاء والديوانية والكوت والدليم وغيرها. وإذا حللنا الأعذار التي تبديها السلطات المختصة بتعليل هذا التوزيع غير العادل وجدناها أعذارا واهية لا يصح أن تركن إليها حكومة يتطلب شعبها النشيط المستيقظ نهضة علمية صادقة واسعة ليستعد بها مجده المؤثل. فهل للموضوع الشاذ من حد له نهاية؟
السيد عبد الرزاق الحسني(7/237)
فوائد لغوية
حول نقد محمود الملاح لصناعة الإنشاء إلى علامتنا ومرشدنا الأب أنستاس ماري الكرملي الجليل.
كنت قد أخبرتكم أن محمود الملاح قد لبس عليكم الحق بالباطل في إقناعكم بان (استقرى) بمعنى (تتبع وتأثر) مهموز الأخر لا معتلة. وذلك في نقده (صناعة الإنشاء) الذي ألفه عز الدين علم الدين في ص 630 من المجلد الخامس من مجلتكم (لغة العرب) إذ قال (قوله: أستقرى بالنقص بمعنى استقرأ المهموز ذهابا منه إلى أن الهمزة في الاستقراء منقلبة عن حرف علة كالاستخذاء مثلا) اهـ. وقد ذكرتموه خطأه الفظيع وأنا جليسكم فتفصى بأنه أعتمد في ذلك على المنجد، فقلتم له (أعلى المنجد يعتمد من ينقد كتب الناس في لغة العرب الحريصة على العربية والحقيقة حرص الواله على حبيبه؟) ولعل ما ذكرت مضمون قولكم لا نصه بحروفه:
وإني أنعمت النظر في النقد الآنف ذكره فوجدت أمارات الزيغ والشطط بادية عليه، لذلك قدمت إليكم نظراتي هذه لأن أربكم خدمة العلم والحقيقة:
1 - إن ادعاءه أن (استقرى) يجب همزه غلط شنيع جهل به غيره مع أنه جاهل صوابه. وأضاف إلى ذلك أنه أرتكب الخطأ بعينه في ص 633 بقوله (وما أدري كيف استقرأ أحوالنا الخلفاء) فالصواب (كيف استقرى أحوال الخلفاء) أي تتبعها أما قولهم (استقرأ الجمل الناقة أي تاركها) فلا يدل على ذلك فالهمزة في الاستقراء إذن منقلبة عن حرف علة على رغم جهل هذا الناقد.
2 - وقال في ص 627 (مع إنا نعلق على معرفة المصادر أهمية كبرى) فساقه وهمه إلى جعل اسم التفضيل (كبرى) موافقا للموصوف في التأنيث والتنكير مع أننا ندرس التلاميذ الأحداث في المدارس الابتدائية أنه يجب ذلك إذا دخلت عليه (أل) مثل (الأهمية الكبرى) ويجوز إذا أضيف إلى معرفة(7/238)
مثل (معرفة المصادر هي في الفوائد كبراهن) أو معرفة المصادر من كبرى الفوائد) فالفصيح (أهمية كبيرة).
3 - قال في ص 497 (ومتى وجدنا مواقده خامدة فيها فلننفض أيدينا من نجاحها نفض
الأنامل من تراب الميت) فالخطأ هو نفضه يديه من النجاح مريدا (يأسه من النجاح) لأن الذي ينفض يديه من النجاح يدعو إلى الشك في سلامة عقله. وإلاّ فكيف ينفض يديه من مراده العزيز وهو الذي قاسى ما قاسى حتى أدركه فأمسكه؟ فقوله خطأ من حيث الحقيقة مقصودة ومن حيث المجاز مراد فالصواب (فلنقنط من النجاح).
4 - وقال في ص 499 (ومن نقص التربية مناصبة أرباب النقد النزيه العداء) والصواب (ومن نقصان التربية) لأن المراد مصدر الفعل اللازم أي (النقصان) لا مصدر المتعدي أي (النقص). قال في مختار الصحاح (النقص مصدر المتعدي والنقصان مصدر اللازم). وقال المبرد في كامله ج 2 ص 191: وكذلك يصغر في آخر الشهر لأن النقصان فيهما واحد) فأستعمل مصدر الفعل اللازم أي (نقص الشهر). وقال في المختار في ل ي ن (ويقال ألانه أيضا على النقصان والتمام) فاستعمل المصدر اللازم وقابله بالتمام المصدر اللازم وقال في القاموس (وليل تمامي أطول ليلي الشتاء أو هي ثلاث لا يستبان نقصانها) فهذه أدلة كافية لدعم ما ذكرنا من الإصلاح.
وقال فيها: (إن الانتقاد إذا توفرت شروطه كان خدمة جلى تستحق مناصرة العقلاء). ففي قوله: (خدمة جلى) تكرار للخطأ الذي ذكرناه في المادة الثانية والذي لا يخفى صوابه على تلاميذ المدارس الابتدائية لأنه من دروسهم فالصواب (الخدمة الجلي) مثل (الخدمة العظمى) قال عمران بن حطان يخاطب روح بن زنباع:
حتى أردت بي العظمة فأدركني ... ما أدرك الناس من خوف ابن مروان
أو (خدمة جلى الخدم) بالإضافة إلى معرفة.
5 - وقال في ص 628 حول قول المؤلف لصناعة الإنشاء (بدا له طريقان فسلك أشدهما ظلمة وترك أوضحهما نورا) ما نصه: (وههنا إشكال وهو أنه(7/239)
هل يجوز أن يقال: زيد اسخى من عمرو وعمرو أبخل من زيد) فقياس قول المؤلف على قوله وذلك قياس باطل يدل على تكلف قائسه العريض لأن قوله (زيد اسخى من عمرو) وأتباعه قوله (وعمرو أبخل من زيد) متضادان متناقضان أما قول المؤلف (أشدهما ظلمة وأوضحهما نورا) فلا تناقض فيه لأن للنور درجات وللظلام دركات فأشدهما ظلمة هو (أقلهما نورا) وأوضحهما نورا هو (أقلهما ظلمة). فلو قال قائل (بدا له رجلان فتبع أشدهما ظلمة وترك أوضحهما
نورا) لما أعترض على قوله معترض. فلو جعلنا قوة النور (20) جزءا وكان مع زيد (16) جزءا لاحتاج إلى (4) أجزاء حتى يتم نوره فقوة الظلام معه إذن (4) أجزاء لأن ضد الضوء هو الظلام. ولو جعلنا لعمرو (18) جزءا من الضوء لاحتاج إلى جزءين فقوة الظلام معه (2) فزيد إذن أشد من عمرو ظلاما وعمرو أوضح من زيد نورا وكلاهما مشترك في النور والظلام. وإنك لو أوقدت (شمعة) قرب جدار ثم أوقدت مصباحا أشد نورا منها ووضعته قبالتها وأبعد منها عن الجدار لرأيت خيال ضوء الشمعة على الجدار وهكذا ترى لو استبدلت بالشمعة المصباح وعوضت من المصباح أشد منه أي ترى خيال ضوء المصباح على الجدار. فالشمعة أقل نورا وأشد ظلمة. والمصباح أشد منها نورا وأقل ظلاما.
6 - وقال في ص 629 (ولم يشعر بأن المقلد بالفتح كان مخطئا لأن الأسف إنما يتعدى بعلى إلى الأمر المحبوب الذي جرى عليه أمر مكروه أما الأمر المكروه فينبغي أن يقرن باللام فتأمل) قلت: يا ويلتا ماذا يتأمل القارئ فأي دليل ضرب؟ وأي تمثيل مثل؟ وكيف يطلق القول بلا دليل فقوله (أما الأمر المكروه فينبغي أن يقرن باللام) خطأ واضح لأن المأسوف له محبوب لا مكروه تقول (أسفت لمحمد على ما فاته) فمحمد غير مكروه فمن أين جاءنا العلامة المتبقر بدليله!! فاللام توضع في موضع (من أجل) قال (عمرو بن ذر) حينما وارى ابنه في القبر (باذر أنه قد شغلنا الحزن لك عن الحزن عليك لأنا لا ندري ما قلت ولا ما قيل لك. والأسف أشد الحزن وفعلاهما متساويان في (على) واللام فكيف يكون (ذر)(7/240)
مكروها عند أبيه وهو حزين من أجله مشغول عن الحزن على فقدانه؟ فماذا تقول لو علمت أن الناقد درس المعلمين في دار المعلمين؟
7 - وقال في الصفحة بعينها ناقلا عن المؤلف: (قال الفضل بن سهل للمأمون وهو بدمشق مشرف على غوطتها) وقال من علمه الزاخر (والصواب مشرفا) قلت أنه لم يذكر سبب الإصلاح وذلك ديدنه ولا قيمة لإصلاح بلا دليل والظاهر أنه نصب مشرفا (على) الحالية وليس بشيء. فقول المؤلف كقول أبي العباس المبرد (وجعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرو بن العاص عن أمه ولم تكن في موضع مرضي فاتاه الرجل (وهو بمصر أمير فقال. . .) ولم يقل (أميرا عليها) فمشرف في قوله (وهو بدمشق مشرف على غوطتها خبر
ثان كما أن (أميرا) في قول المبرد خبر ثان فالتقدير (وهو مستقر بدمشق مشرف على غوطتها) و (وهو مستقر بمصر أمير عليها) فتعسا للجهل.
8 - وقال فيها (بأفراد اسم الموصول) والصواب (بأفراد الاسم الموصول) فما قولك في من يعرف الصفة وينكر الموصوف؟ وأي بكاء تبكي على العربية إذا قلت لك أنه قال (وإن خامرك الشك فالصق ركابك بركابي في هذه الحملة المباركة التي يراد بها إعلاء كلمة الأدب وإنقاذه من براثن التصنيع) أفهذه حملة مباركة أم تلك التي ضاع رجالها فهب مكانهم أذناب الأدباء وقتلة العربية؟
9 - وقال في ص 633 (ومثل هذه الدقائق مما لا ينبغي أن يذهل عنها أو يجهلها والإنشاء) ففي قوله غلطان أولهما نفيه الفعل ينبغي فصار التقدير (لا ينبغي الذهول عنها) وهو أضعف من قولهم (ينبغي أن لا يذهل عنه) أي (ينبغي عدم الذهول عنه) لأن التعبير المنقود يحتمل غير الانبغاء كأن يقال (لا ينبغي الذهول عنها بل يفرض) أما التعبير الثاني فلا صير في الواحة المنضدة. والغلط الثاني نفيه الشيئين لوضعه (أو) والمراد (نفيهما كليهما) فالصواب (ينبغي أن لا يذهل عنها ولا يجهلها معلمو الإنشاء) فتأمل رعاك الله هذا المتبجح الفذ.
10 - وقال في ص 570 (لأن مذهبي التسامح في لغة تدوين الفنون بالنظر إلى وضع الراهن في مدارسنا) فاستعمل (بالنظر إلى) للتعليل ولا يستعملها(7/241)
إلاّ جهلة الكتاب البعيدين عن العربية فالصواب (من أجل وضع اللغة الراهن في مدارسنا) أو (لانحطاط موضع اللغة الراهن) وهو القائل أيضا (وهو تصحيح إذ بان نظرا إلى حذف النون) فالخطأ عشيرة وسميره والصواب (لحذف النون) لأن النظر لا يفيد التعليل ولا يجوز أن يكون مفعولا لأجله لكونه مصدرا غير قلبي. يقال (لفت جيدي للنظر إليك) لا (نظرا إليك) وشتان ما التعليل والنظر.
11 - وقال فيها (إن المؤلف مع تهجسه في مسالك التعبير واعتياده الدبيب الخفي. . .) وقد أراد بالتهجس (التخوف والتردد) وفي القاموس ما نصه (وخبز متهجس فطير لم يختمر عجينه) فما المعنى من (إن المؤلف مع عدم الاختمار في نفسه في مسالك التعبير)؟ ولعله يريد أن يتبع لغة العامة فأنهم يقولون (فلان يتهجس في مشيه) أي (يتخوف ويتردد)
فوا أسفا على لغة العرب ومدخر مجدهم العظيم!
12 - وقال فيها عائبا على عز الدين كتابه (حتى جاء كتابه ناشزا على الفصاحة التي هي من أخص مزايا لغتنا) قلت (وكيف علمت ذلك ومن علمك؟ ومن أجاز لك أن تقول هذا القول وأنت بعيد عن الفصاحة ولغة العرب كلها؟ فانظر إلى قولك (أخص مزايا لغتنا) فالمزايا مضاف إليه ولغة مضاف إليه و (نا) مضاف إليه. وإن المبتدئين بدرس البلاغة العربية لا يتابعون الإضافات هذه المتابعة ولا يغلطون هذا الغلط المستقذر. ألم تدرس أن العلماء عابوا على الشاعر قوله (حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي) للتابع الإضافات فما لكم يرى أحدكم القذاة في عين غيره فيستقذره ولا يرى ما هو أشد منها في دماغه.
13 - وقال في ص 571 (ومادتا الغوص والغطس فاشيتان) فقوله (مادتا الغوص) يدل على أن للغوص مادتين مع أنه أراد نسبة مادة واحدة إليه. أما عطفه بقوله (والغطس) فهو يشرك (الغطس) في المادتين أيضا فهذا خطأ ثان. وإنك لو قلت (بستانا محمد وخالد) لفهم أن لمحمد بستانين شاركه فيهما خالد. فالتركيبان متساويان وما هو إلاّ جد مخطئ. وإن الذي أرتكب هذا الغلط ظن أنه مختصر للفظ متم للمعنى واستوعر أن يقال (مادة الغوص ومادة(7/242)
الغطس) ومن القدامى الراكبين هذا الشطط (أحمد بن محمد) الفيومي مؤلف المصباح المنير فأنه يقول (من بابي كذا وكذا) مريدا (من باب كذا وكذا). ومن ذلك قوله غفي ر ب ع (وفي لغة من بابي قتل وضرب) مع أنه لو فكر في ما نقله عن العلماء في المادة الآنفة بعينها لوجد نفسه مخطئاً ففيها (وقال الأزهري أيضا: والعرب تذكر الشهور كلها مجردة من لفظ شهر إلاّ شهري ربيع ورمضان) فقوله (شهري ربيع ورمضان) يدل عند أحمد الفيومي على شهرين فقط لأن تركيبه كتركيب (بابي قتل وضرب) وذلك خطأ ظاهر لأنه أراد ثلاثة أشهر (شهر ربيع الأول وربيع الثاني ورمضان) فهذا من تراكيب انحطاط العربية.
14 - وقال فيها (ولكن عسى أن يكون لعز الدين رأي لم نطلع عليه) فقوله (أن يكون) يدل على أن الرأي سيكون في المستقبل لدلالة (أن والمضارع) على ذلك. غير أنه وصف ذلك الرأي المتوقع بقوله (لم نطلع عليه) فنفى الإطلاع في الماضي. وإنك والله تعجب ممن يقول لك (سيكون رأي في الدنيا ما اطلعت عليه أنت) إذ كيف تطلع على رأي لم يخلق ثم
تصفه بجملة نافية للإطلاع؟ هذا هو التهاون بالعربية قلت ذلك لأن (لم) إذا دخلت على المضارع جعلت زمنه الماضي لا غير فالصواب (وربما كان لعز الدين رأي لم نطلع عليه) ليستقيم المبنى والمعنى.
15 - وحول قول المؤلف (أن) لنفي الماضي مطلقا و (لما) لنفيه ممتدا إلى ما بعد زمن التكلم و (لن) لنفي الاستقبال) قال الملاح في ص 572 (نعم ولكن ما باله أضاف إلى هذه العبارة. . .) مريدا التصديق مع أن (أجل) تفضيل على (نعم) في التصديق كثيرا فلماذا تركها هذا الذي قال (يا سماء اسقطي كسفا) لأنه رأى غلطة للمؤلف في كتاب صناعة الإنشاء؟
16 - وقال غير ما ذكرنا فتركناه تفاديا من التطويل واقتصارا على هذه الفوائد المنبهة المؤدبة فرحم الله امرأ عرف قدر نفسه فصانها عن التورط والجهل والغش والمكابرة وعودها تقبل الحق والإذعان لأمره. وفقنا الله لخدمة العربية خدمة خالصة أنه ولي التوفيق.
مصطفى جواد(7/243)
باب المكاتبة والمذاكرة
دين ابن المقفع
حضرة الأب أنستاس ماري الكرملي الآجل
سلاما واحتراما:
اسمحوا لي أن أبدي رأيي فيما بسطتم في لغة العرب (610: 6) عن دين ابن المقفع، وأنه كان زنديقا. واعتمدتم فينا ذكرتم عن زندقته على ابن خلكان إذ يذكر (في كتابه (150: 1) من طبعة بولاق: أمر (سفيان) بتنور فسجر ثم أمر بابن المقفع فقطعت أطرافه عضواً عضوا وهو يلقيها في التنور؛ وهو ينظر حتى أتى على جميع جسده. ثم أطبق عليه التنور وقال: ليس علي في هذه المثلة بك حرج لأنك (زنديق). . . فما أدرانا أنه أتهمه بهذه التهمة، ليستر أمرا حدث من ابن المقفع به تعريض يمس كرمته، أو إهانة حدت له منه، وكان يبطن ذلك، فأحب التخلص منه بهذه الوسيلة، ويستنتج ذلك من معاملته له بتقطيعه أربا أربا، وزجه بعدها بتنور. أهكذا يفعل بالزنادقة؟؟ وإلى هذا الحد يبلغ بسفيان التوحش الفظيع لو لم يكن وراء الأكمة عار أو فضيحة تستر؟! ثم أعلن سفيان قتله بوصمة الزندقة، فاغتر المسكين ابن خلكان بهذا الأمر، وسجله في كتابه. ونحن نعلم أن في ذلك العهد المظلم كان الخليفة أو أي حاكم كان، أن يفعل ما يشاء ويذيع ما يريد إذاعته، والحقيقة في الصدور!! وأنى للمؤرخين والكتبة أن يعلموا ما تكنه الأفئدة؟ كفى تأييدا لكلامنا، أن كل الخلفاء والوزراء كانوا في اتصال دائم بالروم والإفرنج سواء أكانوا في سورية أم في العراق أم في الأندلس ودليلنا على هذا، المراسلات والهدايا التي تبودلت بين شارلمان وهارون الرشيد ومع غيرهما ولم يذكرها أو لم يذكر إحداها أحد مؤرخي العرب، بل كلهم كانوا يجهلونها جهلا تاما(7/244)
وعرفناها عن طريق أوربة، إذ ذكرها المؤرخون الأوربيون. وسبب هذا الجهل أنه لم يكن يسمح لأحد قط بنقلها أو شيء منها إلى الخارج وما كان يعلمها إلاّ أرباب السلطة العليا وأصحاب الديوان!! ونحن نقف الآن في حادثة ابن المقفع نفس موقفنا في تلك، فلم لا نشك في حديث ابن خلكان، ونظن أن سفيان أراد قتله لوشاية بلغته عنه، أو تعريض أصاب به واحدا من ذوي قرباه فحفظها له وأخذها عليه فلفق تهمة
الزندقة - وما أسهلها في ذلك الزمن! - ولوثه بادرانها، فذهب ضحية الظلم والعدوان كما ألبسوه حلل الرياء والكفر!!
أما من جهة دينه فليس بمقدرة أحد الآن إثبات إسلامه أو نصرانيته (كما ارتأى المأسوف عليه الأب لويس شيخو اليسوعي) أو نقض أحدهما، إذ نحتاج إلى براهين كثيرة، هي ليست بإمكان أحد، ولكن من الثابت المؤكد أنه كان دينا موحدا، وأنه لا يبطن المجوسية، وليس من اللازم أن يكون في دينه ورعا متعصبا، حتى يكون خارجا عن الزندقة. وإنما كان حافظا لأصول دينه أيا كان كما تشهد عليه بذلك كتاباته، وهي خير دليل، التي أدلى بها الفاضل محمد مهدي العلوي في لغة العرب (609: 6)، وهذا رأينا في هذه المسألة، عسى أن ينال رضاكم، وما العصمة إلاّ لله جل جلاله.
وأقبل يا أبت العلامة فائق الاحترام ومزيد الإكرام.
بركات (السودان): ميشيل سليم كميد
ملاحظات
سيدي العلامة الكبير الأب أنستاس ماري الكرملي المحترم
قرأت في الجزء العاشر من المجلد السادس من مجلتكم الغراء مقالا ممتعا بعنوان (الشيخ فخر الدين الطريحي) فراقني ما حواه ذلك المقال من الأبحاث التاريخية الموجزة التي لم يطرقها كاتب غيره، وعند تصفحي للمقال المذكور وجدت فيه أغلاطا لا ينبغي السكوت عنها وأحببت التنبيه عليها، علق الكاتب في صفحة 727 من الجزء المذكور كلمة موجزة عن الشيخ الطوسي على اسم (العلامة المحقق الحلي) ولم يذكر الشيخ الطوسي في المتن، وكم فرق بين الشيخ الطوسي والمحقق أبي القاسم جعفر بن الحسن بن أبي زكريا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي(7/245)
الحلي الشهير بالمحقق صاحب الشرائع والمختصر النافع والمعتبر وغيرها من الآثار المتوفى سنة 676 هـ ولعل الاشتباه إنما حصل من حيث كتاب فخر الدين المسمى (عواطف الاستبصار) الذي لم يذكره الكاتب في ضمن كتب المترجم (والاستبصار) هو للشيخ الطوسي وظني أن الكاتب ذكره وسقط حين الطبع لأن هناك أمارة على ذلك وهو وجود تعليق أحوال الشيخ الطوسي على ذلك، وعلق الكاتب أيضا نبذة من أحوال (الشيخ حسام الدين الطريحي) الذي هو ابن أخي المترجم فخر الدين على اسم
(الشيخ محمد حسام الدين الجزائري) الذي يروي عنه فخر الدين بواسطة وهو من مشايخ إجازته فكم فرق بين الاسمين، والحسامين المذكورين، وعلق الكاتب على اسم (الشيخ محيي الطريحي) نبذة أيضا من أحواله ولم يذكر تأريخ وفاته شعرا ولا نثرا، وكانت وفاته سنة 1141 هـ وقال النحوي شعرا.
والدهر أعلن بالنداء مؤرخا ... المجد مات لموت محيي الدين
وقد شاهدت في بعض المجاميع أن للشيخ فخر الدين تأريخا لوفاته منظوما ومطلعه:
خطب أصاب حشا الهدى والدين ... مذ فخره أودي بسهم منون
وختامه:
لا فخر حيث تضيف أصحاب الكسا ... أرخ وطيد بعد فخر الدين
ولم أجد الكاتب قد تعرض له في آخر المقال وهناك أغلاط أخر طفيفة أعرضنا عنها لأنها لا تخفى على القارئ اللبيب والسلام عليكم.
(منتقد)
كتاب التعجب مطبوع
ذكرتم في المقال الذي نشرتموه في الجزء الثالث من المجلد السادس تحت عنوان (الكتب الخطية) أن (كتاب التعجب في علم الكلام) - تأليف الشيخ أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي المتوفى سنة 449 هـ أحد مشاهير تلامذة (الشيخ المفيد والسيد المرتضى) وهو من علماء طرابلس الشام - غير مطبوع وبما أن لي العلم بأن الكتاب المذكور مطبوع في إيران مضموما إلى(7/246)
كتابه (كنز الفوائد) أحببت التنبيه على ذلك ليكون القارئ على بصيرة من أمره.
النجف: عبد المولى الطريحي
نظرات
جاء في لغة العرب (159: 7) ذكر كتاب (الأستنصار في النعي على الأئمة الأطهار لأبي الفتح محمد بن علي الكراجكي المتوفى سنة 449) أنه من المخطوطات أما اليوم فأصبح من المطبوعات والكراجكي صاحب (كنز الفوائد) المطبوع في إيران وغيره من المؤلفات
الممتعة البالغ عددها (215) وقد طبع هذا العام في المطبعة العلوية في النجف سنة 1347 هـ سنة 1928م على نفقة (المطبعة) بقطع صغير يبلغ عدد صفحاته 38 وقد ضم إليه كتاب (مقتضب الأثر في النص على الأئمة الأثني عشر) تأليف الإمام العلامة ابن عياش وهو أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن عياش بن إبراهيم بن أيوب أبي عبد الله الجوهري المتوفى سنة 401 هـ وكابن عياش هو وأبوه وجده من وجوه أهل بغداد في أيام آل حماد، والنسخة التي طبع عليها هذان الكتابان كانت من أنفس ذخائر الكتب الموجودة في خزانة العلامة الشهير السيد ميرزا حسن الشيرازي نزيل سامراء المتوفى سنة 1312 هـ ويرجع تأريخ خطها إلى القرن الخامس الهجري وكانت في غاية الصحة وجودة الخط، ومن عيوب هذين الكتابين المطبوعين عدم وجود فهرست في أخرهما يهتدي به المطالع، وجاء في صفحة 156 تحت عنوان (السيد محمد علي الشاه عبد العظيمي) أنه توفي رحمه الله في النجف (كذا) والصواب توفي في الهندية (طويريج) سنة 1335 هـ ونقل إلى النجف فدفن بها.
النجف: عبد المولى الطريحي
مراسلات أخرى
ضاق هذا الجزء عن استيعاب جميع ما وصل إلينا من المكاتبات وقد ارجأنا قسما عظيما منها إلى الأجزاء التالية. فنعتذر إلى أدبائنا عن ذلك، والعفو من شيمهم الكريمة التي عودونا إياها.(7/247)
أسئلة وأجوبة
الأرمة
س - بغداد - سائل: هل الأرمة لفظة عربية وما معناها؟
ج - الأرمة (بإسكان الراء في الغالب وبعضهم يكسرها) كلمة إفرنجية وصلت إلينا في القرن الماضي عن طريق الترك، مع أنه كان لديهم لفظة قديمة بهذا المعنى هي (اونغون).
والأرمة يقابلها عندنا (الشعار) والشعار ما يرسم على (الدرقة) والدرقة صورة درقة ترسم ليمثل عليها علامات البيت الشريف تلك العلامات التي اتخذها لنفسه ليتميز بها عن غيره من البيوتات. وإذا كانت الدرقة صغيرة قيل لها دريقة وأما مجموع الشعار والدرقة وما ينقش عليها داخلا فيها وخارجا عنها فيعرف عندنا بالشارات وعند الأفرانج
وسمى السلف الأرمة (أمرة) (وزان قصبة). ويحتمل أن تكون الأرمة الإفرنجية منقولة عن لساننا فتوهموا أنها من اللاتينية بمعنى الأسلحة وأنكروا أصلها العربي والناطقون بالضاد هم أول من أتخذ الأمرة في القرون المتوسطة فكانوا يرسمون صورة حيوان أو نبات أو غير ذلك فيتخذونه وسما له، بل كانوا يتخذون ذلك الوسم في الجاهلية ويسمون به حيواناتهم ويعلقون أمثلة على مقتنياتهم ورسموه في العصور المتوسطة على النقود (السكة) والإعلام والآثار. ويذكر التاريخ أن الملك الظاهر بيبرس من ملوك مصر اتخذ صورة الأسد (أمرة) له وجاراه في عمله هذا الملك الظاهر وهو أحد سلاطين المماليك ولم يكن عربي النجار وقد وضع أحدهم كتابا في الوسم (وهو ليس في أيدينا الآن) تعريفا لأنواعه وأصحابه. وربما سمي الوسم بالشية أيضا حينما كان يوشي توشية وكثيرا ما كانوا يسمون به الدرع من أسفلها، حتى إذا سقط المحارب عرف منه، إذ(7/248)
قد يقطع الرأس ويهرب به ولا يعرف صاحب الجثة. أما الدرع الموسومة بوسم صاحبها فتعرفه به. وعليه ترى اللغويين يقولون: درع موسومة أي مزينة بالشية من أسفلها. وقد ذكر ذلك شمر اللغوي من أبناء المائة الثانية للهجرة فنقلها عنه سائر اللغويين، فهذه شهادة جليلة على قدم وسم الدرع.
أما أن الوسم كان الأمرة أو شيء كالأمرة فظاهر من تعريف الغويين له. قال في تاج العروس: (الوسم أثر الكي يكون في الأعضاء. قال شيخنا: هذا هو الاسم المطلق العام.
والمحققون يسمون كل سمة باسم خاص. واستوعب ذلك السهيلي في الروض، وذكر بعضه الثعالي في فقه اللغة - قلت الذي ذكر السهيلي في الروض من سمات الإبل: السطاع. والرقمة. والخباط، والكشاح، والعلاط، وقيد الفرس، والشعب، والمشيطفة (كذا) والمعفاة، والمرمة والجرفة، والخطاف، والدلو، والمشط، والفرتاج، الثؤثور، والدماغ، والصداع، واللجام، والهلال، والخراش. هذه ما ذكره. وفاته العراض، واللحاظ، والتلحيظ، والتحجين، والصقاع، والدمع، وقد ذكرهن المصنف كلهن (كذا، والصواب: وقد ذكرها المصنف كلها، لأنها كثيرة) في مواضع من كتابه (أي من القاموس). وقال الليث: الوسم: أثر كية. يقال (موسوم) أي وسم بسمة يعرف بها. أما كيه وأما قطع في أذن، أو قرمة تكون علامة له. وقوله تعالى: سنسمه على الخرطوم تقدم في خرطم) انتهى كلام التاج.
وفي أيام المماليك سميت الأمرة (الأرمة) بالرنكك (بالكاف الفارسية) وقد ذكرها صاحب كتاب تاريخ السلاطين المماليك في 1: 1: 1و 1: 2: 153 و2: 1: 14 وجمعت على رنوك مثل رهن ورهون. والكلمة فارسية معناها اللون. وقال المقريزي في رسالته: النقود الإسلامية) ص 15: ضرب (بيبرس دراهم ظاهرية) وجعل رنكه على الدرهم وهو صورة سبع) اهـ.(7/249)
وقد وضع الإفرنج علما خاصا بالشارات سموه (علم الشارات أو أو وكلمة (بلازن) مأخوذة من العربية (براز) بكسر الباء وهو مصدر بارزه يبارزه أي خرج إليه لمقاتلته. وكان الرجلان إذا عزما على البراز يقوم مناد فينادي في المحلة وقوع الأمر في اليوم الفلاني. ولهذا سمي الفن عندهم بهير الديك أيضا وهو مشتق من (هيرالدس) اللاتينية المولدة أي المنادي للسبب المذكور. فقالوا في (بزار) (ويلفظها عوامنا بإسكان الباء) بلاز وفي حالة الرفع بضمتين أي بلازن وهكذا تفرنجت لفظتنا العربية. ولغويو الإفرنج لم يتفقوا على أصل الكلمة ولا على اللغة التي وردت فيها أولا. وبعد هذا الشرح لا يصعب على القارئ أن يرى أصلها العربي، والمراد من البراز عندهم (أي البلازن) مجموع ما تتقوم منه درقة الشعار.
وسمي شعار الشارات شعارا لأنه كان يصور في أول أمره بهيئة الشعار الذي يلبس ولهذا يسميه أصحاب هذا الفن إلى عهدنا هذا بالرداء وبلسانهم
أسئلة من أديب
سيدي صاحب مجلة لغة العرب المحترم.
منزلتكم عندي منزلة سامية في ما يتعلق بآداب اللغة العربية فقد أبنتم عن جدارة أنكم ابن بجدتها إذ قضيتم معظم حياتكم في التنقيبات والتحقيقات وعليه رأيت أن ألقي عليكم الأسئلة التالية راجيا من حضراتكم أن تجاوبوني عنها بجرأتكم الأدبية المشهورة إظهارا للحق وإزهاقا للباطل.
بغداد: رزوق عيسى
1 - كلمة نحو
هل عثرتم في تنقيباتكم عن مفردات اللغة ما يؤيد قول المقتطف بخصوص لفظة (نحو)؟ فقد جاء في الجزء الأول من المجلد الرابع والسبعين منه ص 6 ما حرفه: (إن كلمة (نحو) أسم بلد في مديرية المنوفية من القطر المصري نسب إليها(7/250)
(كذا) الأسقف القبطي المؤرخ يوحنا النحوي الذي كان في زمن الفتح فخلط العرب بينه وبين يحيى الغراماطيقي اليوناني الذي كان قبل الفتح بزمن طويل فسحبوهما رجلا واحدا واستنتجوا أن كلمة نحوي مرادفة للكلمة غراماطيقي)
ج1 - نعم عثرنا على كلمة (نحو) لأسم المدينة التي ذكرها المرحوم الدكتور يعقوب صروف؛ لكن لا في اللغة العربية بل في اليونانية (ومثلها في القبطية) وهي تلفظ بالحاء المهملة أو الخاء المعجمة على السواء فأن اليونانيين يسمونها نيقوس واللاتين (أو الرومان) يعرفونها باسم أو وقد وصفها أحسن وصف العلامة كانرمير في كتابه مذكرات عن مصر واشبع الكلام عليها وأثبت أنها المدينة المسماة بشاتي ثم عرفت باسم بشادي بعد ذلك ولعل اسم الشاعر المصري العصري الشهير الدكتور النطاسي أحمد زكي بك أبو شادي من تلك المدينة فعرف بها كما أشتهر كثيرون بأسماء محلات ولادتهم.
2 - العربية بالحروف اللاتينية
ما رأيكم في تبديل الحروف العربية من الحروف اللاتينية؟ فقد قام نفر من أدباء العراق ومفكريه وأخذوا يجاهرون بآرائهم على صفحات الجرائد والمجلات فمنهم من يذهب إلى
أن تبديلها من الحروف اللاتينية يأتي بالفوائد الجمة، ومنهم من يقول بالمحافظة عليها لأنها كنز الآباء وأرث الأسلاف. ولكل فريق حجج وأدلة. وأنا مع القائلين بتبديلها لأنها في نظري عقبة كأداء في سبيل تطورنا الأدبي والاجتماعي. فإذا نقلنا كلامنا بالحرف اللاتيني يسهل حينئذ علينا قبول الإصلاحات العلمية والفنية وزجها على علاتها بين مفردات لغتنا إذ يستحيل علينا تعريبها أو اشتقاق مفردات لها من العربية وقد عددها على خمسمائة ألف أسم في الحيوان والنبات والجماد كما ذهب إلى هذا القول المقتطف في هذا العهد الأخير.
ج2 - في تصوير كلامنا العربي بحروف لاتينية منافع ومضار. أما المنافع فمنها - 1 - سرعة تلقي اللغات الأجنبية التي حروفها جميعها الحروف اللاتينية وحينئذ يسهل على أبنائها تعلم لغات الأجانب - 2 - تعميم وحدة الحروف والعالم صائر لا محالة إلى تعميم وحدة الأمور كلها. فإن نشر المكشوفات والمخترعات والمرافق العصرية لا تتيسر لنا إلاّ بهذه الوحدة ولهذا يستفيد أبناء الغرب من المكشوفات(7/251)
العصرية أكثر ممن يجهلون قراءة كتبهم ومجلاتهم وصحفهم. ألا ترون أن الثياب الإفرنجية عمت الدنيا كلها وكذلك آداب المخالطة والأكل والشرب والزيارة سارت ولا تزال تسير سيرا حثيثا إلى التوحد؟ ونحن نرى أنه يأتي يوم تشيع لغة واحدة في العالم كله وهذه اللغة تكون لسان الأمة القهارة الجبارة. فإن تسلط الألمان على العالم امتدت لغتهم وقتلت سائر اللغات وكذا قل أن عمت سطوة الإنكليز أو الفرنسيين أو الإيطاليين أو الترك. فالعالم سائر إلى تعميم الوحدة في كل شيء. أذن لا بد من كتابة العربية بحروف لاتينية شئنا أم أبينا. وكلما كتبنا لمقاومة هذه الحركة أزداد مخالفوها ودنت أيام اتخاذ الحروف اللاتينية - 3 - هناك أسباب أخرى مبنية على ما في حروفنا من الصعوبات ودواعي إفسادها أكثر فأكثر فيكون من الحسن القضاء عليها.
أما المساوئ فهي - 1 - إننا ننفصل عن السلف وعلومه وآدابه وأخلاقه فتقوم بيننا جبال تبعدنا عنهم كل الأبعاد - 2 - يهون على أبنائنا أن يتعلموا لغات الأجانب فيتركوا لغتنا أو إذا حافظوا على لغة آبائهم ويدخلون فيها كلما غريبة لا يحصى عددها إذ لا تختلف صورها الأجنبية عن صور لغتنا فتفسد صيغ كلمنا - 3 - يهون على الأجانب التصرف في لغتنا على ما توحي إليهم أهوائهم - 4 - تقتل حينئذ اللغة العامية اللغة الفصحى إلى
غير ذلك من المفاسد.
على أنه يحسن بالعاقل أن يزن الحسنات والسيئات ويختار الراجح منها فإذا فعلنا ذلك زادت الأولى على الثانية. وإذا قيل لنا: إن حروفنا تدل على قوميتنا أنكرنا ذلك لأسباب منها: إن لغتنا كانت تكتب في الجاهلية القريبة منا بالمسند في اليمن وبالقلم الصفوي في الحجاز وشماليه وبالنبطي وبغيره في سائر الأنحاء وأما في الجاهلية القصوى فكانت تكتب العربية في عهد حمرب (حمورابي) بالحرف المسماري، وفي عهد الملوك الرعاة بالحرف المصور (أي الهيرغليفي) ومع ذلك لم يفقد السلف من عروبتهم شيئا. وكذلك ترى كل قبيل من الإفرنج باقيا على قوميته وإن كانت حروف لغته لاتينية. وكذلك قل عن أديانهم فأن الكتابة شيء والدين أو القومية أو اللغة شيء آخر.
وفي حروفنا مصيبة عظيمة لا تنكر وهي: إنها لا تؤدي النطق بما في لساننا من الحروف المعتدلة وهي الحروف المتوسطة بين الحروف الفخمة والحروف(7/252)
الرقيقة أن كانت ممدودة وإن كانت مقصورة، فليس في لغتنا ما عند الغربيين ما يصور لنا هذه وإذا قيل لنا: إننا ندخل على حروفنا بعض التعديل، قلنا: هذا التعديل لا يكون إلاّ بزيادة حروف جديدة (وهذا حسن) وبزيادة الحركات لتأدية الأصوات الموجودة في لساننا أو ألسنة الغير وليست موجودة في كتابتنا. قلنا: إننا نضطر حينئذ إلى كتابة سطرين أو ثلاثة في وقت واحد: سطر للحروف وسطر أو سطران للحركات والتنقيط فيذهب الوقت عبثا وتزداد الكتابة نقوشا غريبة وهذا كله لا يمنعنا من تعلم النحو بما فيه من القواعد الكثيرة المملة؟ أما اتخاذ حروف الغربيين فيقصر وقت الكتابة ويسهل علينا قواعد النحو فيحصرها في قواعد قليلة كما هو الأمر في اللغات الغربية من قديمة وحديثة. فيتسع لنا الوقت لتعلم علوم جديدة أو لغات أخرى، بدلا من أن نقضي عقودا من السنين في حفظ ما قاله سيبويه وأنكره السيرافي، وما ذهب غليه البصريون وخالفهم فيه الكوفيون، وما نطقت به القبيلة الفلانية، وسكتت عنه القبيلة الأخرى، وما أيده المحدثون ونفاه الأقدمون، وما استعمله الفصحاء ولم يتخذه العوام وقد يهون تبديل شكلات الضبط فتتغير المعاني.
أما رأينا الشخصي فنحن نفصل حروفنا الحالية على سواها، لأنها تضطر أولادنا على تعلم غيرها إذا أرادوا إتقان لغة من لغات أبناء الغرب فتتسع مخيلتهم ولا يفقدون النطق
بالحروف السامية الفخمة الخاصة بلغتهم. فقد أتضح للمحققين أن الساميين الذين يجارون الغربيين أو الذين يكتبون لغتهم بالحروف الغربية يفقدون في الوقت عينه النطق بالحروف الحلقية الفخمة فتعظم حينئذ مفاسد اللغة فيختار عليها أبناؤنا لغات الغربيين ومن ثم يحل بلغتنا ما يحل الآن ببلادنا لكون أعاجم في لغتنا كما نرى نفوسنا أجانب ونحن في عقر دارنا.
على أننا نقول: إن رغبتنا هذه وتعلقنا بقلمنا العربي الجميل لا يبدل شيئا من القضاء المبرم الذي لا بد من حلوله ذات يوم وهذا القضاء هو: إن العالم سائر إلى (تعميم الوحدة) في كل شيء وسوف يأتي يوم تصبح فيه كتابة لغتنا بالحرف الأجنبي كما يأتي يوم يعم فيه (لسان واحد) في العالم كله فتبقى العربية وحروفها لغة الدين وكتابته لا غير كما وقع للاتينية واليونانية وكانت من أعم لغات الدنيا. فماتتا وقام من رفاتهما اللغات(7/253)
الشابة العصرية الحية وبقيتا تلكما في مدفنهما. وهكذا يكون من لغتنا ومن كتابتنا، شئنا أم أبينا، وهي سنة الله في خلقه (ولن تجد لسنة الله تبديلا).
3 - كلمة سراسين
يطلق جماعة من مؤرخي الإفرنج كلمة سراسين على العرب القدماء ولا سيما الذين دخلوا في ديار الإفرنج. فهل هي تصحيف أو تحريف كلمة شرقيين أو صحراويين؟
ج 3 - الجواب عن هذا السؤال يكون في جزء قادم لطوله.
4 - تنسيق المعاجم العربية
ألا ترون أنه قد حان الزمن لتنسيق المعاجم العربية بحسب تهجئة الكلمة لا بحسب تجريدها من الزوائد لأنه كم من وقت ثمين يذهب سدى في وجود معنى كلمة ممن لم يسبر غور اللغة فقد رأيت شبانا كثيرين يقضون أحيانا عشرات من الدقائق بل من الساعات لاستخراج معنى كلمة التوت مسالكها عليهم لأنهم لم يهتدوا إلى أصلها مثل ميعاد في وعد. وترية في رأي ورود في رأد وتترى في وتر وطوبى في طيب واتكأ في وكأ وتؤدة في وأد والربة (بالتخفيف) في ورب وبعضهم ذكرها في صعت إلى غيرها، فلو كانت معاجمنا منظمة كالمعاجم الأوربية لهان على الكلاب الوقوف على أي كلمة بلا مشقة تذكر.
ج4 - نحن على رأي اعتبار زوائد الحروف في المعاجم كالأصيلة توفيرا للوقت وجعل في آخر كلمة أصلها أو مادتها الأولى كما يفعل الغربيون.
5 - إصلاح اللغة العربية
ألا تذهبون إلى أن إصلاح اللغة العربية من صرفها ونحوها بات محتوما على علمائنا وأدبائنا في هذا العصر عصر العروج إلى العلى والقبض على سنن الطبيعة ولا نغالي بالقشور ونحرص عليها دون اللباب؟
ج5 - نحن نوافقكم على هذا الرأي أي يجب إصلاح قواعد اللغة وزيادة حروف جديدة على حروفها الأصلية واتخاذ حركات جديدة زيادة على ما عندنا. ألم نتخذ الحروف اللاتينية ويجب لذلك وضع محفى ولا يتسنى هذه الأمور كلها اليوم إلاّ للأمة المصرية، فعساها فاعلة إن شاء الله.(7/254)
باب المشارفة والانتقاد
12 - تفسير القرآن الكريم
الجزء التاسع، تأليف السيد محمد رشيد رضا منشئ مجلة المنار طبع بمطبعة المنار سنة (1347 هـ - 1928م).
هذا التفسير بقطع الثمن مؤلف من (668) صفحة عدا الفهارس. ثمنه 25 قرشا و20 لباعة الكتب وطلبة المدارس ووزارة المعارف. وقد قال مؤلفه في أول غلافه: (تفسير سلفي أثري مدني عصري إرشادي اجتماعي سياسي هذا هو التفسير الوحيد) غير أنه محشر لعلم الكلام الذي قد باد أثره وعفت معالمه ومبعث للأخبار المتعارضة والعقائد المتناقضة لأنك إذا مررت به صادفت عصر الجدل الديني فترى إلى يمينك قائلا: إن الله يرى في الآخرة بلا عين ولا حس عضو ولا لون ولا مكان ولا إدراك غير معين ولا مجسم ولا مدرك.
وترى إلى شمالك آخر قائلا: (وكيف يرى الله بهذه الشروط المستحيلة المتناقضة لحصول الرؤية؛ وتصادف ثالثا في غير هذا الكتاب يطعن في من نقل الحديث النبوي في رؤية الله لأن الناقل كان يكره من الخلفاء الراشدين من لا يجوز إبغاضه. وفيه غير ذلك من الأمور الدينية المتعددة المتنوعة والمستغرب أنه نصب نفسه منصب المصلح الهادي وهو يطعن في الطوائف الإسلامية خصوصا الشيعة الأثني عشرية وينسب إليهم ما تلقفه من أفواه الجفلى والدهماء عنهم. وإنك لترين في ص 500 من هذا التفسير ما نصه: (مفاسد الاتكال على المهدي) وهو يندد فيه بمن يعتقد عند ظهوره ملأه الأرض عدلا وهدى. ولكنه ينقض قوله بنفسه في ص 268 إذ نقل فرحا مستبشرا (وسيظهر إن شاء الله المهدي رضي الله عنه من نسله ويكون خليفة الله في الأرض ويكون الدين كله لله في عهده الشريف) اهـ. وفي خلال تصفحنا هذا التفسير وجدنا لمؤلفه هنوات لغوية(7/255)
عثرنا بها قبل أن نعثر عليها لنشوزها وبروزها وجسامتها. ففي ص 136 (كآية نفي إدراك الأبصار) وفي القول تتابع إضافات ثلاث فالصواب (كآية النفي لأدراك الأبصار) وفي ص 137 (وكذا أهل السليقة أيضا) وأيضا زائدة لأن أهل السليقة لم يتكرر الإسناد إليهم فيستوجبها وفي ص 138
(ليس من المحالات. . . وإلاّ لما وقع. . . ولا بالبراهين وإلاّ لأرتفع) وقد حذف فعل الشرط بعد النفي مريدا به الإثبات وذلك خطأ ظاهر وأدخل اللام على جواب الشرط وتلك غلطة لا تحتاج إلى دليل فالصواب (ولو كان منها. . . لما وقع. . .) و (لو ثبتت بالبراهين لارتفع الخلاف) وفي ص 144 (ولكن تنكير الساق وإسناد كشفه أوسع مجالا للتأويل من إضافته) والصواب (إسناد كشفها. وإضافتها) لأن الساق مؤنثة وليست بمذكر وكيف نسي قوله تعالى) وألتفت الساق بالساق) وقد كرر هذا الخطأ مرات وفي ص 151 (وحرمانهم من هذا التجلي) والصواب أو الأفصح (حرمانهم هذا التجلي) وقد كرر هذا المصدر غالطا في استعماله له ولفعله. وفي ص 172 (في مواضع من إنجيلي لوقا) وليس للوقا إلاّ إنجيل واحد وفي ص 350 (في سورتي النحل) وللنحل سورة واحدة. وفيها (هل يفهم المترجمون هذه. . . فيراعونها) والصواب (فيراعوها) لأن الفعل منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية وجوبا والفاء قد سبقها طلب هو الاستفهام وفيها (مع مقارنات أخرى) يريد بها (معارضات أي مقابلات) مع أن المقارنة هي المصاحبة والاقتران. وفي ص 351 (إن الأصل في شرط (إن) أن يكون مما يجهله المخاطب أو ينكره أو يشك فيه أو ما ينزل هذه المنزلة) وهذه من تقعرات العلماء المتأخرين. فلينظر إلى قوله تعالى (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس) فهل كان هؤلاء جاهلين عدم فعلهم؟ وفي الكتاب مئات من أمثال ما تقدم إلاّ أننا أعرضنا عنه حذر اكتظاظه (لغة العرب) وهي ضيقة الباحة.
مصطفى جواد
13 - رسائل الأرواح
طبع في مطبعة المقتطف والمقطم في مصر سنة 1928 في 236 ص بقطع الثمن
كتاب يشتمل على أحدث المباحث في مناجاة الأرواح، وانتقال الأفكار(7/256)
وقراءتها وتعليل الأحلام والأنباء بالمستقبل، والشفاء بالاستهواء وما إلى ذلك من المباحث التي تتناول نفس الإنسان قبل الولادة وبعد الموت وآراء العلماء فيها) وكل ذلك بحسب مذاهب (الماديين) من أبناء العصر. والمطالع فيه يرى أن مدارك المرء مهما ارتقت لا تتمكن من حل أمور تتعلق بالنفس التي هي غير مادية بوسائل مادية. والذي يحاول معالجة مثل هذه المباحث
على المناحي (المادية) يشبه من يريد أن يرى بأنفه أو يسمع بعينيه أو ينظر بأذنيه أو يعقل برجليه. فهذا الكتاب مع ضخمه يفيدك أنه من المتحتم عليك أن تعتقد أن في الكون نفسا عاقلة حكيمة وأن العلم (المادي) لا يفيد فائدة حسنة لحل ما خفي منها إلاّ باعتقاد ما هناك من الحقائق غير المنكورة التي يشاهد أثرها وهي وراء الطبيعة. ويعوز هذا الكتاب فهارس هجائية للإعلام لكي تتخذ عدة بيد المتحقق.
13 - قصيدة ترحيبية (بالفارسية والإنكليزية)
14 - شبنامهء دارا يا عروسي زيبا ودانا سرايش (بالفارسية)
15 - كفتا رسوم أز سر كذشت زيور خانم (بالفارسية)
نكارش ميرزا أحمد دارا
خلف مرحوم حاجي حسين كازروني شوشتر
هذه ثلاث رسائل للميرزا أحمد دارا، وهي تدل على ما لحضرة هذا الأديب الفاضل من القدم الراسخة في اللغة الفارسية والإنكليزية. وكل من يقف عليها يشهد له بطول الباع. فعسى أن يعنى بكتب كبيرة يجد فيها الناس فوائد عظيمة.
16 - إصلاح حروفه داير
مجلس مبعوثانه لايحه
محرري: دوقتور موصليلي داود
كان الدكتور داود أفندي الجلبي الموصلي سبق جميع المفكرين في بلاد تركية إلى إبدال الحروف التركية العربية الوضع من الحروف اللاتينية وذلك حينم كان مبعوثا عن الموصل في مجلس النواب، فنشر هذه الرسالة في سنة 1326 (1908م) ليحمل الحكومة العثمانية على أن تتخذ الحروف اللاتينية بدلاً من حروفنا، والرسالة في 55 ص بقطع 16 وقد أتى فيها من الأدلة والبراهين ما أهاب بالحكومة التركية الحالية إلى العمل بها. فالعراقيون(7/257)
يفتخرون بدكتورهم لكون أفكاره سادت في الأخير وتحققت. فنهنئه بهذا الفوز.
17 - قبر الإمام السيوطي وتحقيق موضعه (في 24 ص مع
رسوم)
18 - تاريخ العلم العثماني (في 18 ص مع رسوم)
19 - اليزيدية ومنشأ نحلتهم (في 48 ص مع رسوم)
ثلاث رسائل لصديقنا المحبوب العلامة أحمد تيمور باشا وهي بقطع الثمن وكلها تنم على فكر صائب، وتحقيق بليغ، وتتبع لا تتبع وراءه. والناطقون بالضاد يعلمون أن تيمور باشا إذا عالج بحثا وفاه حقه من التمحيص. فهذه الرسائل الثلاث على قلة أوراقها تسد مسد عدة أسفار ضخمة تبحث في الموضوعات المذكورة. وقد بلغ التحقيق أقصاه في ما دونه بخصوص منشأ اليزيدية. ولا جرم أن هذه الرسالة تكون مسندا جليلا بيد كل من يعاني هذا البحث إذ قد برز على جميع من ألفوا فيه لسبقه أبناء الغرب والغرب فلله دره من محقق!
20 - دروس عملية في الأمراض الولادية في 82 ص بقطع
الثمن الصغير
(هي سلسلة محاضرات ألقاها الحكيم لوسر كل، أستاذ السريريات الجراحية حين عهد إليه في القيام بمهام السريريات النسوية سنة 1927. ترجمها الحكيمان مرشد خاطر وشوكة موفق الشطي: الأستاذان في المعهد الطبي العربي) وهذه الدروس محكمة الوضع والتعريب لا يستغني عنها أطباء ديارنا الذين لا يحسنون اللغات الإفرنجية ويودون الوقوف على الحركة العلمية في فن الولادة.
21 - اختلال التوازن العالمي
وضعه الدكتور غوستاف لوبون ونقله إلى العربية الدكتور صلاح الدين وصفي، عني بنشره الشيخ يوسف توما البستاني في سنة 1928 في 440 ص بقطع 12.
صاحب الكتاب معروف وقد نقلت عدة كتب من قلمه إلى لغتنا وهذا من خيرة تصانيفه، إذ بينما نرى في الشرق ميلا إلى خلع الدين من الرقاب نشاهد الدكتور لوبون المعروف بإلحاده يقول في ص 355 موافقا لرأي أستاذ في السربون معروف هو أيضا بعدم تحزبه لخدم الدين:(7/258)
(إن الحياة الدينية تكفل تحريك ما كمن في الشخص من القوة التي ترفعه إلى أعلى مما هو. . . إن المؤمن يقوي على الأمور أكثر من الجاحد عادم الإيمان فهذه الاستطاعة والقوة
ليست خيالية أبدا بل هي التي مكنت البشرية من الحياة والعيش) اهـ.
وقال في الصفحة التالية لها: (وعلى ذلك فلا يوجد اليوم أي مبرر علمي أو فلسفي أو عملي يساعد على استصواب أعمال الاضطهاد والعسف التي تناولت الدراسة الدينية في فرنسة وأوشكت أن تتناولها في الألزاس عندما عادت هذه إلى التظلل بالراية الفرنسية) اهـ.
فترى من هذين الشاهدين أن المؤلف لم يبق على فكرته الأولى من استهجان الدين بل عدل عنها، بينما نرى في بلادنا الشرقية من يروجها ليستفيد منها فائدة مادية مالية أو ليقال عنه أنه من علماء هذا العصر!!!
22 - نقد السائس والمسوس
طبع بمطبعة العرفان في صيدا في 224 ص بقطع 12
مجموعة من مقطعات الحوماني وضعها في أربعة أبواب. الأول في نقد السائس والثاني في نقد المسوس والثالث في الاجتماع والرابع في الوصايا. وفي هذا الديوان جمع كل ما نظمه في أيام صباه وفي عهده الأخير: وقد قال في صفحة عنوانه (صححه وفسر ألفاظه ناظمه) ولو لم يقل ذلك لفهم الناس أن التصحيح والتفسير له. فالكلمات زائدة في غير موقعها وقد استعمل ألفاظا من المولد المنحط كقوله: وحشى دماغه. . . وأسماكا (صفحة و) ورفاه (ص ز) والروح العصرية (صفحة ح) وترى صورهم في غير هذا المكان (ص 3) إلى غيرها وهي كثيرة. وهو يريد أن يقول: حشا دماغه وسمكا ورفاهية والروح العصري (أما الروح العصرية فهي النفس لا العقل) وترى صورهم في مكان آخر من هذا الكتاب.
وفي بعض أقواله ما يجب أن يؤخذ به كذمة لتعدد الزوجات (ص 129) والتعصب الديني (ص 108) ومذهب درون (ص 120) إلى غيرها. على أننا استغربنا ضرورة الطلاق لأن المرأة صارت دردحة (بدينة عريضة أو ثقيلة على(7/259)
الطبع أو نحو ذلك) (ص 130) ولا نوافقه على قدحه في المجمع العلمي (ص 57) ولا ما قاله في رقي الفتاة المزعوم (ص 90) ففي آرائه حسنات وسيئات وكنا نود أن لا نرى في كتاب الصديق إلاّ آثارا تدل على مكارم الأخلاق.
23 - جب يوسف الصديق وقبره الشريف لعبد الله مخلص
رسالة في أربعين صفحة بقطع 16 وهي مفيدة لمن يبحث عن آثار الأباء الأقدمين. وقد قال صديقنا في ص 36: (ولو كانت رفات سيدنا يوسف نقلت حقيقة إلى حبرون لوجب. .) والذي نعلمه أن الرفات ليس جمع رفت إذ لا وجود لهذا اللفظ بالمعنى المطلوب هنا، إنما رفات مفرد كغراب وحطام وكسار وفتات إذن هو مذكر. والرسالة منقحة العبارة يعجب بها القارئ.
24 - مجموعة مقالات
كتبت بشأن مرور خمسمائة سنة على ولادة مير علي شير، طبعت في مطبعة المحفى الجمهوري السوفيتي سنة 1928 في 174 ص بقطع 12.
أبناء أوربة يقدرون العلم وحضنته أحسن تقدير: مير علي شير شاعر تركستاني ولد قبل خمسة قرون. فسعت الحكومة الروسية إلى إقامة ذكرى له بأن وضعت كتابا باسمه وعهدت بكتابة مقالاته إلى تسعة من العلماء فجاء أبلغ شهادة على أن روسية تقدر العرفان أحسن تقدير فعسى أن نرى في ديارنا من ينحو نحوها، فنشكر القائمين بهذه الذكرى ونشرها أحسن شكر.
25 - غراماطيق (أي أصول) اللغة العربية الفصحى
تأليف ن. ف. يومانوف طبع في لننغراد سنة 1928 في ص 144 بقطع الثمن الصغير
هذا الكتاب في أصول اللغة العربية بكلام روسي وأمثلة عربية مضبوطة بالشكل الكامل يدل على أن صاحبه واقف أتم الوقوف على أسرار لغتنا الفصحى فجاء من أحسن ما صنف في هذا الموضوع وقد جمع إلى محاسن التأليف جمل الطبع وجودة الورق وضبط التشكيل، فأننا لم نجد فيه غلط طبع واحد أن في الحركات وأن في الحروف. وهو أمر نادر لم نشاهده في تصانيف أدبائنا(7/260)
التي تطبع في الشرق. فنهنئ المؤلف وأصحاب المطبعة بما فازوا من النجاح في أعمالهم.
26 - المرأة بين الماضي والحاضر
بقلم الأستاذ محمود خيرت بسكرتارية مجلس الشيوخ، عنيت بطبعه ونشره إدارة مجلة الإخاء بمصر طبع بمطبعة الشمس بشارع كلوت بك بالقاهرة 1928 في 150 ص بقطع
الثمن الصغير.
ينسب صاحب هذا الكتاب توسيع ميادين الفساد في العالم إلى تمزيق حجاب المرأة وإلى حريتها ويود أن يرجع ذلك الحجاب ليبقى البيت الشرقي بناء شرقيا ومعملا مستقلا. على أننا رأينا في ديار الغرب بيوتا شريفة أبناؤها كلهم طاهرو الذيل وهم لا يعرفون هذا الحجاب أو هذا النقاب، فالفساد يأتي من سوء التربية وعدم تنشئة الأولاد على حب الفضيلة ومكارم الأخلاق وعلى التبرؤ من الدين لا من الحجاب أو النقاب على ما يبدو لنا.
27 - نظم العقيان في أعيان الأعيان
تأليف الإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي وهو يتضمن تراجم مشاهير القرن التاسع للهجرة في مصر وسورية وسائر العالم الإسلامي، حرره الدكتور فيليب حتي سنة 1927.
طبع في المطبعة السورية الأمريكية في نيويورك لصاحبها سلوم مكرزل في 196 صفحة بقطع الثمن الصغير
بعثت إلينا شركة المنضدة لمرغنثالر في نيويورك (امريكة) 20 - بنسخة من هذا الكتاب ومعه هذا العنوان نظم العقيان في أعيان الأعيان مصبوبا صبا واحدا كأنه حرف واحد. وهو الذي تراه هنا والشركة تخبرنا بأنها تبيع مثال هذه المطابع المنضدة وهي آلة كالصندوق تنضد الحروف وتصبها سطورا ثم يطبع بها وبعد أن ترتب الحروف، ترجع بعد الاستغناء عنها إلى مواطنها إذا ما ضغط المنضد على زر هناك من غير أن يعنى بتفريقها بنفسه إذ هي من ذاتها تقوم بالعمل. وأما الصفحة المرتبة المصبوبة فأنها تماع رصاصا بعد أن تفي(7/261)
حقها من الطبع. فالآلة وحدها تقوم مقام عدة مرتبين أو منضدين وهي الموزعة للحروف وهي الصابتها بنوع عجيب. وما يخرج منها يبدو متصل حروف الكلمة كأنها كتبت باليد. فحبذا الآلة المنضدة وحبذا الكتاب.
ولا سيما إذا علمت أن المعتنى بإبرازه إلى عالم النشور علامة شهير ومحقق لا ينطق بكلمة إلاّ يعرف موقعها ويحتاج إلى هذا التأليف كل من يهمه أمر مشاهير رجالنا ولا سيما مشاهير القرن التاسع للهجرة. فعسى أن يقتنيه كل أديب يحب الوقوف على مزايا المائة المذكورة.
28 - النجم
مجلة علمية أدبية للبطريركية الكلدانية، تصدر في الموصل مرة في الشهر في 50 صفحة بقطع الثمن مديرها المسؤول، ورئيس تحريرها القس سليمان صائغ وتطبع في المطبعة الكلدانية في الموصل.
أشرقت علينا أشعة هذا (النجم) في 25 ك1 من سنة 1928 فإذا بها بديعة تأخذ بالأبصار، ثم جاء الجزء الثاني في حينه أي في 25 ك2 (يناير) من هذه السنة. ومقالاته مفيدة كل الإفادة وقد ارصدت المجلة صفحات منها لدرس بعض فلاسفة العرب وذكرت في الجزء الأول (أخوان الصفا) وفي الجزء الثاني (الغزالي) وعند تتبعنا أقوال الكاتب رأيناه يعرب أغلبها من (معلمة الإسلام) حتى أنه لينقل عنها أغلاطها من حيث لا يشعر. وكنا نود أن ينسب مآخذه في الحاشية ليعود كل فضل إلى صاحبه. وبعض المقالات مشوهة لما وقع فيها من أوهام أو من سوء سبك العبارة. ولا جرم أن ذلك كله يزول مع المراس. فنتمنى للرصيفة الانتشار والعمر الطويل الهنيء.
29 - تاريخ تكوين الصحف المصرية
يحتوي على تاريخ كل جريدة ومجلة عربية ظهرت في القطر المصري من ابتداء تكوينها حتى الآن، بقلم قسطاكي الياس عطاره الحلبي، طبع بمطبعة التقدم في الإسكندرية (في مصر) في 362 ص بقطع الثمن.
كان المؤلف قد نشر الجزء الأول من هذا الكتاب الجليل في سنة 1926 (راجع لغة العرب 426: 4) وفي آخر سنة 1928 نشر الجزء الثاني وهو(7/262)
مرصد للصحافة المصرية. وقد رتبه في ثمانية فصول ومهد عليها تمهيدا من أنفس ما جاء في معناه فوقع في 74 صفحة كلها غرر أو درر، أما ما أودع الفصل الأول فتعريف الصحافة من أقوال مشاهير الرجال وأودع كل فصل من الفصول الباقية ما نشأ من الصحف والمجلات في عهد كل من تولى حكم مصر ثم دون في الفصل الثامن وهو الأخير: (أسماء جرائد ومجلات القطر المصري وأصحابها وأنواعها حسب سني صدورها) فترى من هذا النظر المجمل الموجز منافع هذا المصنف لأرباب الأدب وللمنتمين إليه ولحاجة خزائن الكتب إليه. ولا سيما ندرة هذا
المصنف من التأليف. والذي نأسف عليه أن المؤلف لم يضع فهرسا عاما لإعلام الكتاب وجرائده ومجلاته ولو فعل لكان سفره هذا سمير الكبير والصغير فعسى أنه يفعل ليكون فغي هذه القلادة فريدة. وليس ذلك ببعيد على همة صاحبه المفضال.
30 - رابعة العدوية
تأليف مرغريت سميث (باللغة الإنكليزية)
قيمة الكتاب عشرة شلنات ونصف
لله در الإفرنج! إنهم لم يكتفوا بتعلم لغتنا والأخذ من كتبنا ونشر ما كاد يدفن دفنا لا حياة يرجى من بعده بل أقدمت نساؤهم وبناتهم على مجاراة رجالهم في إتقان لغتنا العربية وتأليف الكتب في أصعب المسائل التي نراها عندنا وأدقها موضوعا.
كلنا يعلم من هي رابعة العدوية تلك المرأة القيسية البصرية التي اشتهرت بصلاحها. عاشت في البصرة وماتت سنة 185 هـ (801 م) ودفنت فيها؛ - ومن الغريب أننا نرى كاتبة عربية عصرية اسمها زينب ابنة فواز العاملي وضعت كتابا سمته: (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور) تذكر رابعة العدوية في ص 302 من كتابها وتقول: كانت وفاتها في سنة 135 ذكره (كذا) ابن الجوزي في شذور العقود. وقال غيره سنة 185. رحمها الله تعالى. وقبرها يزار وهو بظاهر القدس من شرقيه على رأس جبل يسمى الطور (كذا) اهـ.
فأين هذا القول وأشباهه إذ يرى في هذا الكتاب الضخم المحشو روايات ضعيفة من قول الآنسة الإنكليزية مرغريت سميث التي ألفت هذا السفر الجليل(7/263)
وأودعته من نفائس التحقيق والتدقيق ما لا نراه في مصنفات علمائنا الأعلام.
إن الآنسة سميث ألفت كتابها ودونت فيه ما لرابعة العدوية من المنزلة وحياتها وتفاصيل عيشتها ومنزلة المرأة في الإسلام ومقامها من المجتمع البشري وذكرت المشهورات الصالحات في الدين الحنيف. والكتاب المذكور هو أجل ما صنف في هذا الموضوع لأنه يحوي ترجمة واسعة للصالحة العدوية. وقد قسمته مؤلفته إلى ثلاثة أقسام: أودعت القسم الأول منها ما يتعلق بحياة رابعة وتكلمت في الباب الثاني منها عما يمس التعلم والكتابة عند المسلمات. ودونت في الجزء الثالث منها منزلة المرأة في الدين الحنيف وذكر المشتهرات فيه بتقاهن.
وقد اعتمدت في كتابة هذا البحث على مائة وأربعة مصنفات منها: 46 عربيا و9 فارسيا وواحد اردوي وواحد تركي و49 إفرنجيا مع ذكر أسمائها وأصحابها وضمت إلى هذا كله فهرسا بديعا على حروف المعجم، على أنه فاتها من أسماء الكتب العربية شيء كثير ولعلها استغنت بالمطولات عن المختصرات وعن العصريين بالأقدمين.
وقد وجدنا الكتابة تتوخى أصدق الروايات وأقربها للحق. تجد من ذلك مثالا مما أوردناه فويق هذا فأن السيدة زينب فواز ذكرت روايتين لسنة وفاة رابعة وذكرت أن قبرها بجوار القدس (؟). أما السيدة مرغريت سميث فأنها لم ترو لوفاتها إلاّ سنة 185 هـ وأنها دفنت في البصرة لأن هذه الرواية هي الرواية الصادقة وما عداها فمن الأقوال الباطلة الواهنة التي لا تحتمل النقد بريهة. فنحن نهنئ السيدة مرغريت بكتابها هذا البديع ونهنئها بلقب (دكتورة في الفلسفة من جامعة لندن) وقد نالته عن جدارة.
31 - معجم المطبوعات العربية والمعربة
جمعه ورتبه يوسف اليان سركيس
وصل إلينا الجزء الخامس من هذا السفر البديع الذي يحتاج إليه كل ناطق بالضاد كما تحتاج إليه خزائن الكتب والمدارس ودور العلم على اختلاف ضروبها وأنواعها. وقد بلغت صفحات هذا الكتاب إلى 761 وهو يبتدئ بذكر حسن باشا زاده الشيخ محمد وينتهي في الصفحة 960 باسم رينو أو رينود، وفي هذا السفر(7/264)
ما لا يرى في أي مطبوع من المطبوعات الواصفة للمؤلفات فهو خزانة علم وعرفان ودراية لا يستغني عنها. وراجع أيضا ما ذكرناه عنه في مجلتنا (301: 6 و702).
32 - كتاب السريريات والمداواة الطبية
لمؤلفيه الحكماء ترابو ومرشد خاطر وشوكة موفق الشطي.
طبع في دمشق في سنة 1927 في 1143 ص عربية و25 ص فرنسية وهذه تحوي الألفاظ الطبية مرتبة على حروف الهجاء والكتاب بقطع الثمن الكبير.
يظهر حسن هذا الكتاب بيم ما صنف من الأسفار الطبية ظهور الكواكب النيرة الكبرى بين نجوم السماء الصغيرة ومن مزاياه أن المؤلف راسخ القدم في الطب وأن الطبيبين اللذين
نقلاه إلى لغتنا الفصحى من أبلغ كتابنا في هذا العصر وأطولهم باعا في معرفة دقائق الألفاظ ومعانيا العلمية ولهذا لا نعجب أن سمعنا بإقبال الناس على شراء هذا الكنز العظيم، فلا جرم أنهم يقفون فيه على آخر كلمة نطق الطب في هذا العهد، وبعبارة تطرب الأسماع وتلذ للذوق. فعسى أن أبناء وطننا لا يحرمون أنفسهم اقتناءه (وراجع أيضاً مجلتنا 300: 6).
33 - وثائق تاريخية للكرسي الملكي الأنطاكي
عني بنشرها وتعليق الحواشي عليها الأب الياس اندراوس البولسي، في 221 ص بقطع الثمن.
هذه الوثائق هي من هدايا مجلة المسرة التي تبرز في حريصا (لبنان) وكلها تروي حقائق تاريخية جرت للبطريرك مكسيموس الثالث مظلوم رأس الطائفة الملكية الانطاكية من سنة 1348 إلى سنة 1855 وقد دونها ابن أخيه الشماس توما مظلوم. وفي آخر هذه الوثائق فهارس على حروف الهجاء تجعل محتوياتها على طرف الثمام فهي إذن من الدواوين التي تفيد مؤرخي أخبار الطائفة الملكية بل أخبار النصرانية في الشرق الأدنى.
34 - تدابير المنازل أو السياسات الأهلية
لابن سينا نشره الشيخ جعفر نقدي
أهدت إلينا مجلة (المرشد) البغدادية هذا الكتيب النفيس فوقع في 48 ص يقطع 22 وعلق عليه الشيخ المذكور فوائد كثيرة.(7/265)
35 - التطرف والإصلاح
تأليف أمين الريحاني طبع على نفقة إدارة مجلة مينرفا
حسنا عمل أمين الريحاني في جعل حقوق طبع هذا الكتاب وترجمته محفوظة للمؤلف ليمنع نشروبائه بين عموم الناس، ونحن نعجب من أولئك (الذين يعدونه) من مبرزي كتبة هذا العصر. والرجل ناقم من كل أمر يراه ثائرا أبد الدهر على كل موجود على هذه الكرة الأرضية فهو يقول (ص 16)، أن فترة من الفوضى يتبعها نظام جديد قويم عادل لخير من المظالم المستمرة) ولو كان قول إزالة المظالم وإجراء العدل خير من نظام جديد لا تعلم
نتائجه لكان أصوب.
وأما من جهة لغته فالكاتب من مفسديها بلا ريب. فقد قال مثلا في ص 12: فقام أحدهم يطلب من سيد الأرض زيادة في الأجور ليتمكن من إصلاح حالهم. . . وفي ص 13: وإني أكون مسرورا. . . وفي ص 16: من أن يسيروا عماوة في شعاب الزمان. . . إلى آخر ما هناك من العجز والبجر. ولو قال: فقام أحدهم يطلب (إلى) سيد الأرض زيادة في الأجور ليتمكن (أصحابه) من إصلاح حالهم. . . وأني أسر. . . من أن يخبطوا في شعاب الزمان. لكان أصح. وإلاّ فالعماوة غير معروفة بمعنى العمى في لغتنا. فكم من غلط في قوله العماوة: أولا إن الفعل عمي هو يائي لا واوي. فكان يحسن به أن يقول عماية. ثانيا إن العمى غير العماية فالعماية هي الغواية واللجاج وهو يريد هنا العمى أو العمه. ثالثا إن استعمال كلمة تؤدي المعنى خير من استعمال عبارة تافهة فالخبط هو المعنى المطلوب في هذا التعبير وما سواه تافه ينبذه الذوق السليم فليحفظ.
36 - من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام
الجزء الأول تاريخ الحركات الاجتماعية، تأليف بندلي جوزي أستاذ في جامعة باكو ودكتور في الآداب العربية وقف على طبعه الأستاذ خليل سكاكيني.
تأليف مفيد للوقوف على حركة روح الثورة والاشتراكية في الدول الإسلامية وقد أظهر صاحبه من الوقوف على تاريخ الإسلام الذي كتبه الناطقون بالضاد والذي(7/266)
حرره أبناء الغرب ما يشهد له بسعة الإطلاع كل منصف. وقد وقع هذا الجزء في 182 ص بقطع الثمن الصغير. ولا شك في أن هذا التأليف يلاقي إقبالا عظيما ممن يعنى بهذه المسائل.
37 - عوائد العرب
بقلم المرحوم الخوري بولس سيور البولسي، نشرته تباعا مجلة المسرة ثم أبرزته على حدة في 169 ص بقطع الثمن.
المسرة من خيرة المجلات السورية فهي لا تنقل إلى القراء إلاّ ما يفيدهم من صحيح روايات التاريخ ومن أخبار العلم الموثوق بها وهذا الكتاب من أحسن ما جاء في هذا الموضوع فأن مؤلفه يقابل بين عادات الأعراب العصريين الذين يعيشون في البوادي
وبعض المدن وبين أخلاق اليهود بل أخلاق الساميين جميعهم في العصور القديمة. ولهذا يعتبر هذا التصنيف مصدراً يعتمد عليه في المقابلة بين أخلاق الأقدمين وبين أخلاق الناطقين بالضاد في هذا العصر.
38 - دروس قواعد العربية
لتلاميذ صفوف الرابعة الابتدائية، لرفائيل بابو اسحق وخضوري بهنام فرجو.
كتاب في أصول العربية وقد قررت وزارة معارف العراق تدريسه في الصفوف المذكورة وهو مطبوع في دار الطباعة الحديثة في 240 ص بقطع 16 وهو حسن التبويب وفي آخر كل فصل أمثلة وتدريبات تعين المتعلم على إتقان ما يدرسه.
39 - اليزيدية أو عبدة الشيطان
نبذة للسيد عبد الرزاق الحسني نشرتها مجلة (المرشد) المذكورة فوقعت في 44 ص بقطع 32 وهي من هدايا مجلة المرشد البغدادية ولا تخلو من فائدة.
40 - المهذب
وصل إلينا الجزء الممتاز من هذه الجريدة الإسكندرية فوجدناه حافلا بمقالات كبار الكتبة فنتمنى لهذه المجلة الرقي الدائم.(7/267)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - مضمون مذكرة فخامة السعدوني لدار الاعتماد السامي بما يتعلق بمطالب العراقيين.
انكشف الغطاء عن المطالب العراقية التي تضمنتها مذكرة السعدوني رئيس الوزراء وقد بعث بها إلى دار الاعتماد السامي وثبت أن الحكومة العراقية قد طلبت ما يأتي تفصيله:
1 - إن تكون قيادة الجيش العامة للعراق حتى في حالة اشتراكه مع الجيش البريطاني أو القوة الجوية.
2 - إن يكون إعلان الإدارة العرفية من حق العراق فقط.
3 - إن يملك العراق السكك الحديدية مجاناً وأن يسجل ميناء البصرة باسم الحكومة العراقية.
4 - فرض التجنيد الإجباري.
5 - رفض دفع نفقات دار الاعتماد البريطاني.
6 - قيام السفارات العراقية بحماية الرعايا العراقية في الخارج.
7 - إلغاء الاتفاقية العدلية.
8 - حرية التمثيل الخارجي بلا قيد ولا شرط.
9 - رفع الرقابة المالية التي فرضتها الاتفاقية المعمول بها الآن.
أما جريدة (الأهرام) المصرية فقد ذكرت مطلب العراق الرئيسية التي رفضتها الحكومة البريطانية كما يأتي:
1 - رفع الرقابة الملكية والعسكرية والسيطرة على الكمارك.
2 - وجوب تطبيق قانون الخدمة الإجبارية في الجيش العراقي.
3 - تأليف جيش قوي تسلم قيادته إلى ضباط عراقيين.
4 - حل قضية ميناء البصرة والسكك الحديدية.
5 - وجوب تمثيل العراق في الخارج تمثيلا صحيحا.
6 - وضع حد للاستشارة وجعل الكلمة الأخيرة للوزير.
7 - عدم اعتراف بفرق نفقات القوى البريطانية في العراق.(7/268)
8 - عدم دفع مخصصات المعتمد السامي من أموال الخزينة العراقية.
2 - استعفاء الوزارة السعدونية
استعفى صاحب الفخامة عبد المحسن بك آل سعدون رئيس الوزارة العراقية من منصبه وقدم استعفاءه إلى صاحب الجلالة ملكنا المعظم في 20 ك2 (يناير) وقد قبل جلالته تلك الاستقالة لكنه أمر بأن تستمر الوزارة عاملة إلى أن يتم تأليف الوزارة الجديدة عند قدوم السر جلبرت كليتن المعتمد السامي الجديد وذلك بسبب رفض مطاليبه.
3 - في البلاط الملكي
أدب في 1 ش جلالة ملكنا المعظم مأدبة في بلاطه العامر لتوديع السر هنري دوبس المعتمد السامي البريطاني قبل براحه العراق الذي وقع في 3 - 2 صباحا. وقبل العشاء علق مليكنا المحبوب (وسام الرافدين من أعلى درجة) على صدر صاحب الفخامة وهو أول وسام ينعم به جلالته ومع الوسام صورة المنعم في إطار من ذهب. وبعد الطعام ألقى كل من صاحب الجلالة وصاحب الفخامة خطبة سياسية تشير إلى ما في الصدور من الأماني والرغائب.
4 - سفر المعتمد السامي
سافر السر هنري دوبس صباح الأحد 3 شباط (فبراير) فشيعه الوزراء والأعيان والنواب ووجوه المدينة والجالية الإنكليزية وقناصل الدول والجيش العراقي والإنكليزي ولما ركب الطيارة مع قرينيه أطلقت المدافع 17 نارا وداعا له وشيعته عدة من طيارات.
5 - المستر كرين
قدم مساء 3 ك2 (يناير) راكبا الطيارة المستر جارلس كرين الأمريكي صديق العرب وقد خف لاستقباله في محطة الطيران رجال العاصمة الممتازون وممثلو الأحزاب السياسية والصحف والشباب الناهض. وكان جلالة الملك قد بعث إليه سيارته الخاصة به لتأخذه إلى فندق كارلتن. وقد أقام البغداديون عدة مآدب وحفلات إكراما له وأنشدت القصائد وألقيت الخطب. وسافر إلى الموصل في 6 من الشهر المذكور ثم عاد إلى بغداد فكانت الحفلات آخذة بعضها برقاب بعض ويوما بعد يوم ثم سافر إلى البصرة فوصل إليها في 9 من
الشهر المذكور وفي 13 منه أراد السفر إلى الكويت فباغتته جماعة من الأخوان (أو الوهابيين) بالقرب (صفوان) الذي يبعد عن الزبير زهاء 20 كيلو مترا وكان مع المستر كرين نجله جون(7/269)
والمستر اوسطن مرافقه والمستر هنري بلكرات أحد أعضاء التبشير البروتستاني الأمريكي في البصرة وكان الجميع راكبين السيارات. فأمطر الأخوان على المسافرين وابلا من الرصاص فأصابت رصاصة المستر بلكرت فتوفي بعد سويعات وشيعت جنازته في البصرة تشييعا لائقا به ودفن في مقبرة الإنكليز في (الحكيمة) في 15 من يناير وفي 25 منه أقام الشبان البصريون في العشار حفلة لتأبين الفقيد فحضرها جم غفير من الأدباء وكان من جماعة الحضور المستر جارلس كرين وابنه وبعض الجالية الأمريكية في البصرة وزرافات من السيدات والأوانس رحم الله الفقيد.
6 - السر دنيسن روس
السر دنيسن روس مستشرق إنكليزي مدير مدرسة الشرقيات في لندن، وثبت في التاريخ الإسلامي وقد برح عاصمة بلاده لدرس الشؤون الشرقية وتطور الفكرة الإسلامية بعد الحرب العظمى. فمر بمصر وألقى فيها محاضرة وجهت إليها أنظار علماء وادي النيل.
وقد هبط بغداد نهار السبت 26 ك2 (يناير) ومعه عقيلته، فأنتهز صاحب المعالي مزاحم بك الباجه جبي فرصة وجود صديقه في حاضرتنا ليدعوه إلى شرب الشاي مع أدباء بغداد، حملة الأقلام، وحضنة العلوم فلبى الدعوة جميع الفضلاء في 28 من الشهر المذكور من الساعة الخامسة بعد الظهر إلى الساعة التاسعة وحضرة السر ينتقل من حلقة إلى حلقة ويكلم كل واحد من المحتفين به باللسان الذي ينطق به. وعلى هذا الوجه تيسر للضيف الشهير بعلمه أن يتفوه بالإنكليزية والفرنسية والعربية والتركية والفارسية والألمانية. وربما تكلم بألسن أخرى لم نسمعها نحن وسمعها غيرنا. وقد أظهر في محاوراته هذه من سعة الإطلاع وحسن الأخلاق والأدب الرائق ما أعجب به كل من خاطبه. ولما سئل عن إبدال الحروف العربية من الحروف الرومانية لم يوافق. وقال: لعل تلك الأشكال توافق اللغة العامية. أما اللغة الفصحى فأنه لا يجوز للناطقين بالضاد إلاّ أن يكتبوها بالحرف الذي وضعه لهم أجدادهم.
وكان معه رفيق لا يفارقه ويحسن الفارسية والتركية هو المستر بيشبس وحضرة الضيف
زايل بغداد في أول شباط (فبراير) متوجها إلى البصرة ففارس فالهند.(7/270)
7 - الدكتور ارنست هرتسفلد
جاء من طهران إلى بغداد حضرة الأستاذ الكبير والعلامة الشهير الدكتور ارنست هرتسفلد ليذهب إلى سجستان (اليوم سيستان) لبعض الحفريات هناك وكان وصوله إلى حاضرتنا في 15 فبراير (شباط) وقد زارنا في 19 منه فسألناه عن رأيه بخصوص اتخاذ الحرف اللاتيني للغة العربية فقبح هذا الرأي وسفه وقال هذه فكرة استعمارية ويجب على كل غربي غيور على قوميته ولسانه وآدابه أن يمقتها ويقاومها بما في مكنته من الوسائل. وختم قوله: (إن اتخاذ هذه الحروف سائر بوجه إلى الوقوع وهو مما يؤسف عليه).
ثم سألناه عن زرادشت وهل كان رجلا وهميا اخترعته مخيلة أهالي البلاد الفارسية. فقال: هذا رأي بعض المعاصرين من المغالين في النقد فأن الرجل وجد وعاش في نيسابور في سجستان وسفره الديني يشهد له بذلك، هذا ولحضرة الأستاذ العلامة أدلة تاريخية كثيرة لا يمكن نقضها.
ثم قال: سمعت العوام يكلمونني بعربية قبيحة مخلوطة بألفاظ هندية وإنكليزية، وهذا الأمر ما كان معروفا في سنة 1913 ويجب على الأدباء والوطنيين الصادقين في وطنيتهم أن يقاوموا هذه الحركة المفسدة للغة العراقية التي كانت سابقا بعيدة عن هذه الرطيني الشائنة. فشكرنا على افاداته كلها. ثم سافر إلى شقته بعد يومين.
8 - قنصل مصر الأول
قدم إلى بغداد سعادة مصطفى بك مخلوف قنصل مصر الأول مرة في 21 يناير فنزل في أول أيامه في فندق كارلتن، وقد أدب البغداديون عدة مآدب لسعادته ترحيبا به وتوثيقا لعرى الصداقة بين البلادين المتحابتين مصر والعراق.
9 - السير عن اليمين
كان السر في الطرق في العهد العثماني عن اليمين، فلما حل البريطانيون العراق أدخل السير عن اليسار والسير على هذه الصورة خاص بالإنكليز ولما كنا نجاور الإيرانيين والسوريين والترك وسكان جزيرة العرب والسير عندهم عن اليمن رأت الحكومة العراقية
أن تعود إلى الطريقة الأولى حذر وقوع ما يضر بالنفوس حينما يذهب العراقيون إلى غير بلادهم أو حينما يأتي الأجانب(7/271)
إلى ديارنا. أما الآن فقد اتخذت الطريقة الأولى منذ أول شباط من هذه السنة في الساعة الخامسة حسابا زواليا ولم يقع ما يكدر الخواطر لأن الشرطة كانت مبثوثة عند مفارق الطرق وفي الشوارع وهكذا تيسر للعراقيين أن يساووا بقية خلق الله في سيرهم عن اليمين.
10 - تحقيقات بخصوص المستر بلكرت
أرسلت حكومة الولايات المتحدة رجلا ليحقق حادثة مقتل المستر هنري بلكرت وعن المسؤول فيها وقد وصل المندوب المذكور إلى الكويت في أوائل شباط (فبراير) واجتمع بسمو حاكم الكويت وحقق القضية ورفع عنها رفيعة إلى حكومته وسوف تظهر النتيجة من البلاغ الذي توجه حكومة أميركة إلى من يهمه الأمر.
11 - حالة الحيوانات في الحلة
عولج في شهر واحد في المستوصف البيطري 749 حيوانا من الحيوانات التي كانت مصابة بأمراض مختلفة.(7/272)
العدد 68 - بتاريخ: 01 - 04 - 1929
حضارة الإسلام ومفكروه
(لغة العرب) عرف قراء هذه المجلة حضرة الأديب الفاضل ميشيل سليم كميد، إذ جذب إليه قلوب كثيرين من ديارنا، فتعلقوا به كل التعلق، فلقد رأوا فيه رجلا مفكرا قديرا واقفا أحسن الوقوف على آدابنا وآداب الغربيين: ووجدوا فيه أنه يتبع من الآراء أصلبها وأبينها محجة. وهذه المقالة التي نعرضها اليوم على أنظارهم تبين أن رأيهم لم يكذب، وهي توضح لنا منزلة تصنيف شاع في ديار الغرب فأقبلوا على مطالعته واسمه (مفكرو الإسلام) وصاحب هذا المقال يشير هنا إلى ما فيه من المحاسن وبعض المساوئ ويطلعنا على محتوياته بعبارة جلية فنشكره على هديته هذه الحسناء ونستزيده من اشتباهها.
توطئة
فضل المستشرقين
هو جد الأوربيين غريب، وعجيب دأبهم على استخلاص حقائق الأمور وغوامض السفور! والله هم، إذ ينصبون على تفسير واستطلاع واستكشاف(7/273)
الدفائن! لا كلال يعتورهم، ولا ملل يتطرق إليهم!. . تراهم إذا بحثوا عن قصد ثبتوا في البحث ثبوت الراسيات إلى النهاية حتى الفوز بالمراد؛ مهما كلفهم من عناء ووصب. لهذا ترى دواما التفوق في جانبهم والابتكار في حقائبهم فهم يختلفون عنا الشرقيين قلبا وقالبا، فأننا إذا ما حاولنا أعمالا خطيرة وأنسنا التعب والبرح تخللنا اليأس، وتطايرت منا تلك الأحلام الذهبية الوهاجة، تلك الأحلام التي كان يمكن أن تتحقق لو دئبنا في العمل. إلاّ أننا قذفناها غير آسفين أو لفقناها وأبرزناها لضوء الحياة، صفحة تعسة بائسة، عليها سماوة العجلة والاضطراب. والأصعب أن ننتشل فردا ثار على هذه النقائص الشائنة.
أنظر إلى الغربيين ولله درهم! وأدر الطرف النزيه في مخلفات القرائح، ومولدات الأذهان ونتائج الأدمغة؛ سواء أكانت اختراعات صناعية هائلة أم كتبا زاخرة بالأفكار والآراء تجد صورة الوجدان الحي والاعتناء والجلد والدرس العميق البعيد المدى، تتخلل أدق دقائقها! وقد أراد المولى الكريم بالشرق خيرا وعونا، فتخصصت فئة كريمة من هؤلاء الغربيين الفطاحل المدققين؛ هي فئة المستشرقين الأكارم وتطوعوا كرما ولطفا لدرس آثاره الثمينة
والوقوف على مخلفاته الخالدة. فهم لم يجبروا وليس عليهم الزام؛ إنما حب إيقاظ الشعوب الحالمة، وشعورهم الحي في إظهار الحقائق وبسط المطويات، دفعاهم إلى القيام بهذا المجهود الهائل الذي كان أثره في الشرق - كما نجده عظيما - وعظيما جدا، فإليهم يعزى فضل عظيم في نهضتنا الأدبية الحديثة - دون غمط لفضل البعثات الأجنبية الدينية التي يمكننا وضعها ضمن دائرة الاستشراق فلهم بها أيد كريمة!. . أجيالاً يعلمونها ونحن رقود صموت. ومن المحتم أننا أولاهم لبقينا إلى يومنا هذا، كعهدنا السالف أو كما في بدء تنبهنا - إذا أتيحت لنا الفرص - ولاستلزم بلوغنا حالتنا الأخيرة عناء وجهدا وأعواما أخرى كثيرة؛ ومن المحتم أيضا، فقدنا لكثير من المؤلفات والآثار القديمة. مما هو عوز الماضي وفخر اليوم، وعلى الأخص ما نبشوه من نوادر المخطوطات النوادر واستنقذوه من عبث الزمان وجهالة الإنسان، وقد غدت الآن من غرر الآثار في الآداب العربية وغيرها ودرر تأليفها وحسبنا أن نلقي من نظرنا لمحة للغابر ونستفسر دور(7/274)
الآثار وخزائن الكتب ولنحكم بعدئذ! لنحكم لمن الفضل في جمع وترتيب الآثار وطبع المؤلفات والقيام بجميع ذلك خير قيام! لست أحاول البحث وإطالة الشروح فكل لبيب أديب يعرفها ويقدر الخدمات الجمة والمشاق العديدة التي قاموا بها. فحيا الله تلك الشهامة الشماء والهمم القعس!
لا يخلو أمر من فساد ولا حسن من شائبة، والوجود يحتم الضلال تناول أي موضوع شئت في هذا الكون الواسع المنبسط تحت أنظارك فأبحث دواخله وخوارجه، فلا شك أنك تصطدم بالمساوئ بين حنايا المحاسن، وحيث أن هذه الطبيعة المفسدة من سنة الكون، لا نعدم الوقوع على أقوام مفسدين، إذ نقصد استفادة فائدة من كتب المستشرقين الجليلة، والارتطام العنيف بأفكار الطفيليين الخلابة المضللة. هم قوم شيمتهم الأندساس تحت لباس علم المشرقيات، وما هم منه بشيء؛ والتردي بردائه الشريف. وأظن أنه ليس في الشرق من لم يسمع بهذه الأسماء المرددة ألوف المرار على صفحات جرائدنا ومجلاتنا الممتازة أيضا: رينان، غوستاف لوبون، أدوار مونته، وأمثالهم. وأهمها ترديدا على شفاه الشرقيين: رينان ولوبون. فأي شرقي مطلع على الحركة الأدبية عندنا ولا يعرفهما؟ اسمان يتلألأن زهوا ولمعانا على كل شفة ولسان؟! لعمري! لقد ساء فألنا. ونسبنا الفضل إلى من لا فضل له ولا فائدة؛ وغمطنا أصحاب الفضل حقهم، وسلبناهم عنوة وزورا تعبهم وجهدهم، وسحقنا
بتصلف وعجرفة - كدت الفظ بلؤم - نتيجة قرائحهم الوقادة المتدفقة! ولعمري ماذا فعل هؤلاء - وشاكلتهم والحمد لله نزرة - حتى نمجدهم ذا التمجيد؟ أكفأهم أن يحمدونا ويطرونا - وداؤنا العياء الإطراء - حتى نسجد لهم سجودا، ونلتقط كلامهم منزلا لا مرد له وهم لم يقدموا إلينا جديدا مبتكرا! يا للمعرة!. . فلا يغرننا ذهبي الكلام ومنمق الألفاظ، فلنبحث الحقيقة ولنقدر الرجال، فلقد أمرضنا بخس الأقدار، واحتقار الأعمال الجسام!
يكاد الفرنسيون يحتكرون الاستشراق، فمنذ قرون عدة وهم المقدمون المشار إليهم بالبنان. هم يبدءون العمل ويفكون الألغاز ويتفهمون الرموز ويحلون الطلاسم، ثم يأتي بعدهم من ينسج على منوالهم، ولكنه لا يبذهم ولن يبذهم أحد، أمامك الأمثال شواهد. فهل من مماثل لهم أو قرين؟(7/275)
كانوا على الدوام، ولا يزالون محور الابتكار ومركز الاستشراق التام فمن كتبهم خاصة نال الشرق إلهام نهضته الحديثة، وبمساعدتهم وهب الشرقيون حظ حياة جديدة لامعة؛ لكنها لا تخلو من بقع سود تذهب برونق كثير من بهجتها. وكما سبقنا فقلنا: من عدم تقديرنا للأعمال الخطيرة، ولا ندري توجيه خطانا المتقلقلة، فنحن نحب التشدق بمفاخرنا. فمن الكوخ الحقير نبتعث قصرا بل قصورا! كلما أثنى علينا أحد ولو كذبا ونفاقا لاستجلابنا، آمنا بكلامه ورفعناه سماء ورددنا صيته كالببغاء كائنا من كان دون فقه ولا بحث، أيتكلم عن جدارة وحق أم هو ينقل ما قاله هذا وكشفه ذلك وأتى به لينال شهرة عندنا أو ربحا ماديا أو أدبيا، ولم يأت بالشيء المبتكر منه، بل هو ذاته عالة على سواه وأن تقول أمرا كان من الأهمية بلا الكثير وليس في حد نفسه يفيد التاريخ ولا يجلو غامضة حالكة.
إذن، سادتي، ما الفائدة لنا من أمثاله؟ لا شيء سوى البرهان على ضعف عقليتنا وسوء تقديرنا! هاءاناذا أراك تؤنبني قائلا: إنك لا تراني فيما أكتبه إلاّ عابسا مكشرا ناعيا على الشرق تأخره حظه التعس في العلوم. . . أجل! إني لكذلك فقد انقضى عهد كان مدح الشرق فيه واجبا على الشرقيين. لقد آن لنا أن نرفع رؤوسنا المطأطئة ونبصر ما كانت تحجبه حواجب الظلام والجهل. مضى ذلك العهد البائد التعس، وحق للشرقيين استفادة فائدة من حوادث الماضي فاجتناء المفيد واجتناب الباطل. فإن ترني مشمئزا كارها نادبا فما أراه من مواطن الضعف وانحطاط التقدير تجبرني أن أكونه. . . إذا أردت مثلا فلأضربنه لك
وألمس به الحقيقة القاتلة ظاهرة محسوساً بها تشق القلوب. . . غوستاف لوبون! يا له من اسم يفلق أصمخة المسامع في الشرق! أكبر مستشرق عالم في الغرب وفي العالم كله طرا (؟؟؟). . . هذا بعض ما يتحدث عنه أكثر الجرائد والمجلات عندنا. وهل من اسم غربي في الشرق أكثر شهرة وأذيع صيتا من اسمه؟ لا مراء أنه الاسم الغربي الوحيد الذي حاز قصب السبق على شفاه قرائها! ولكنه أيستحق كل هذا الفخر وهذا الإكبار؟ إن كتابه (مدنية العرب) الذي سبب له رفعة الشأن هذه ليس من الأهمية بمكان. فالذي تطرق(7/276)
إليه، غدا اليوم عند المستشرقين في حكم المهملات لذيوعه وانتشاره إلاّ القليل منه التافه. وهو ليس منها بمكان كريم. إنك ترى الآن أن وضعه وأمثاله في مصاف المستشرقين والمستعربين فضلا عن عدهم ثقة وحجة بينهم وصمة عار وخيانة منا تجاه المستشرقين. . ويندر أن تقرأ في الشرق أسماء: دوسو وماسنيون، ولامنس، وكرا دي فو، وفران، وبرو كلمن وغيرهم من إجلاء العلماء في هذا العلم - هؤلاء من أفادوا الشرق حقيقة وتاريخه فائدة جليلة لا تقدر ولا يحصرها حصر - بجانب ما تقرأه عن رينان ولوبون ولا سيما الثاني فبهما تطفح صفحات النشرات وتغطي الزبى وتلتهم مفاخر غيرها. وبذا تجد أيها القارئ العزيز أن قد شططنا عن معقل العدل وواجب العرفان وأسأنا استعمال الشك؛ فحبذا لو وعينا ورددنا إلى كل حق حقه!
(مفكرو الإسلام) لكرا دي فو
-
أما الآن بعد تبسطنا، فقد آن لنا، أن نأتي على ذكر كتاب له اليوم مركزه العظيم، في عالم الاستشراق، إلا وهو كتاب (مفكرو الاسم) للمستشرق العلامة البارون برنار كرا دي فو. هذا الكتاب، عظيم بمحتوياته عظيم باستنتاجاته عظيم بجميع مباحثه، أن نذكر عملا خطيرا في عالم المشرقيات يمكننا بكل طمأنينة وثبات، أن نضع في المقدمة هذا التأليف؛ وهو مع أنه عمل للشعب الأوروبي عامة، والأفرنسي خاصة، وكما يقول المؤلف الكريم، ليعطي فكرة الأفرنسي عن الإسلام، وماضيه واعتقاده. وعزه الغابر، وجهده، وبذله. فقد أحله المستشرقون أكرم موضع، ولحظ في سائر منتديات العلوم في الغرب، بعين الاعتبار
والإجلال، فما أحرانا نحن باقتفاء أثرهم، وما أحرانا بالاستمتاع واستفادة فائدة من نواضر هذه الأفكار، الفذة التي لا شبيه لها. لغة هذا الكتاب عامة، سهلة، قريبة المأخذ، دانية التفهم من الفراء حتى من ضعيفي الملكة في الفرنسية من دون تعب ذهن ولا وصب عين. أما المؤلف فهو دون معارضة أحد أئمة هذا العلم في الغرب أجمعه، وإن كان غير معروف لدينا فهو اشهر من أن يذكر لدى علماء المشرقيات.(7/277)
كلمة عن التأليف
يتركب الكتاب الآنف الذكر، من خمسة أجزاء، بقطع 12 الضخم، ولا تقل مجموع صفحاته عن نيف وألفين، وهو يبحث عن كل ما يختص بأعمال الإسلام، واحتك به، عن شيعه وصوفيته، حكامه ومؤرخيه: قوانينه وشرائعه فلسفته الدينية والسياسية، وعلومه الطبيعية حتى عن موسيقاه. أي أنه وعى كل فعل له أثر بارز في تاريخه. ومع أن الآداب العربية، غير داخلة تحت بحثه يستدل من عنوانه. قد خصص فصلا لها ليس بالكبير ولا بالصغير، أدلى برأيه فيها. فإذا أنت تراه دون مبالغة عملا رائعا حقا، جديرا بالشكر والاحترام فهو بحار علوم إسلامية زاخرة، أو بكلمة أعم: معلمة إسلامية وفية، ومما يزيده قيمة، ويكسبه فخرا، اتصافه بالعلم، وعدم الجنوح، فقد أعطى (ما لقيصر قيصرا، وما لله الله) وقد أتى بتراجم الخلفاء والفلاسفة، والعلماء، وسواهم. ذوي الأثر في تاريخ الإسلام، ولا تظنه قد أتى عليها دون تعليق، كلا! بل أودعه من بنات أفكاره؛ وآرائه فيهم، وحكمه عليهم، مما له الدرجة الأولى في نوعه، ونحن إذ نذكر شيئا عن هؤلاء لا نأتي بفكرته المبتكرة ذات الأثر، إذ ما الفائدة من الكتاب لو سلبناه زبدته وروحه بل حياته، ونشرناها وإنما سنتكلم كلاما مجملا، لنعطي القارئ بعض الفكرة - وحبذا النجاح! - عن محتوياته، وعليه مراجعة الكتاب، لاجتناء فوائده؛ وحسبنا في هذه الكلمة، أن ننبهه على قصدنا، فنزيل ليل الشكوك ونبعد عثرات سوء التفاهم. وقد نعلق في بعض المواضع، بكلمة منه أو منا، لننقذ الأسلوب من الجفاوة والاملال؛ فلا يسأم من ذلك القارئ.
قد يساعدنا على إعطاء فكرة عنه؛ إن نذكر ما جاء في مقدمته ففيه يبين المؤلف العظيم غايته في نشره وبسط تقاسيمه ومقاطعه وحبذا هي خير مرشد وأفصح دليل للقارئ العزيز عن جلالة العمل النفيس:
(إن اهتمام الشعب يزداد تحولا شيئا فشيئا نحو الشرق، وعلائق الدول الأوربية وشعوب الإسلام التي اشتدت عراها أيضا في ساحات القتال إبان الحرب الأخيرة تزداد توثقا. ففرنسة تملك الآن إمبراطورية إسلامية(7/278)
عظيمة. ولذا يجب عليها أن تطلع جيدا على أحوال الشعوب التي تمد ظل سلطتها أو نفوذها ومن الواجب أيضا أن تعلم نفسيتها وماضيهم واعتقاداتهم واميالهم ومجدهم الغابر.
لغة كان للاستشراق العميق نصيب وافر في السنين الأخيرة - ولا يخفى أن بلادنا احتلت المكان الذي هي جديرة به منذ قرون ثلاثة - وقد عرفت أعمال المستشرقين الآداب الواسعة الرفيعة المختلفة والفائضة أخبارا وأعمالا وأفكارا. وقد نشر الشرقيون أنفسهم كثيرا من تأليفهم القديمة. والكمية المنشورة الآن - في الآداب الإسلامية الثلاثة الكبرى: العربية والتركية والفارسية - هائلة دون إشارة إلى الملحقات. فالصعوبة الآن بذلك تزداد في وجه المستجد في انتقاء طريقه في هذه (البحار) كما يقول العرب ولذا فالتأليف الجامعة هي مما لا غنى عنه اليوم والتي تحوي بيانات وإرشادات عامة عن المادة المبتغاة.
لا نريد أن نعطي هنا فهرسا بل منتخبات. وليست غايتنا أن نقول كل شيء بل أن نبسط البارز وأن نعرف التأليف الرئيسة وبيان بعض الأفكار الجليلة وجلاء بعض القاتم. إذن ليس ما نقدمه للقارئ أسماء ولا عناوين كتب بل هو شيء حي عن أشخاص وصور وأفكار وسمات.
جميع هذه الآداب تزخر بالأفكار؛ وكل مؤلفاتها تكاد تفيض بشعور غريزي حق وحسن أخلاق وتصوف. والأميال الذهنية الصادقة قد تسلطت على حياة أشد الغزاة المتوحشة مع نوع من غريزة ممتازة من أداة حسنة وعقل وحكمة.
(يتألف هذا التأليف من خمسة أجزاء:
(فالأول عن (الملوك والمؤرخين والفلسفة السياسية).
(والثاني عن (الجغرافية والعلوم) لأن جغرافيتي العرب عرفوا في أوربة منذ عهد بعيد وعلماء هذه الأمة، علماء الفلك والجبر والكيمياء والطب. كانوا ذوي شهرة في القرون الوسطى وهانحن أولاء في هذا الكتاب نعد للأفكار الذكرى ونختصر شيئا مما بذلوه في سبيل العلم.
(والجزء الثالث يبحث عن (التفسير والفقه). فتاريخ أصول الإسلام غدا في هذه الأوقات هدف أعمال جليلة من فطاحل المستشرقين كافة من جميع(7/279)
الجنسيات وهي تكاد تتخذ اليوم ذاتها فرعا طريفا بين علم المشرقيات وسنبحث عنا الشيء العميم.
(وينشر الرابع تحت هذا العنوان (الفلسفة (المدرسية) وعلم الكلام والتصوف) وهو أمر قد أفضنا عنه قبلا. (والخامس يكون تحت (الشيع والإباحية العصرية).
إلى هنا ينتهي كلام البارون الفاضل عن علمه العظيم ويقف به وقد أتى في بضعة سطور على أهم دوافعه إلى القيام بالأثر الخالد، فهو كما تراه ألم بجميع المواضيع وبحث فيه مختصرا لكنه جدير بالاحترام والاسترشاد. فهيا بنا إذن نستطلع بوضوح وجلاء أكثر ماذا كتب ونستفسر أفكاره في بعض أهمها. ولعلنا نتوفق فنتمكن من إعطاء صورة فياضة جليلة مضطربة تهدي القارئ وتكشف له عما يستحقه هذا المؤلف من التفات وعناية وإجلال.
وصف محتوياته: الجزء الأول
هاهو ذا في الجزء الأول يحدثنا بادئا بالمنصور صاحب دار السلام ويتلوه بهارون الرشيد وما بذله في سبيل إعلاء دولته ويحدثنا عن نيته في افتتاح قناة تشق الصحراء، بين البحرين الرومي والقلزم (الأحمر) وهي الفكرة نفسها التي خطرت فيما بعد لنابليون في أثناء اكتساحه مصر، ولغيره حتى قيضت العناية(7/280)
الإلهية لها (فرديناند دلسبس) فأفتتح قناة السويس. لكن منعت الرشيد موانع دينية فنفض يده منها كما نفضها منها قبله عمرو بن العاص للسبب عينه.
ومما يشين عهد هذا المولى العظيم قساوته ولا سيما قتله البرامكة الرائع، فلولاها لكان عهده الزاهر لأحسن آونة مرت بها دولة العرب. . . ونصوب نظرنا فإذا المأمون والأمين، حب الرشيد وزبيدة يعترضاننا وإذا قصتهما الفاجعة تنتحي بين طيات الصفحات وإذا تحكم المأمون يتلوها زاهيا. ففي أيامه ازدهرت الفلسفة اليونانية عند العرب وافتتحت المعالم (المدارس) لتعليمها وازدهرت سائر العلوم والفنون الراقية وكان موت هذا (الأمير العظيم الحكيم) ضربة صماء على العرب. ثم ينتقل كرادي فو إلى صلاح الدين وأعماله الكبيرة وانتصاره العظيم في موقعة طبرية الشهيرة، بمساعدة الأقدار وعن صداقته مع ريكاردس قلب الأسد وعن حكمته وكرمه حتى أن أعداءه كانوا يميلون إليه (وكادت تكون
بينه وبين زعماء الإفرنجة شبه صداقة) فلقد كان عظيما في حكمه عظيما في أعماله عظيما في حروبه.
نمر في هذا الجزء بتاريخ كثير من كبار الحكام في الإسلام أمثال هولاكو الذي ثار على غرب بلاده أو كما نعرفه اليوم على (الشرق الأدنى) وترك بغداد قاعا صفصفا ينعق فيها البوم وتتصايح على جثث أولادها الوحوش وتحوم حولها النسور. فمحمد الثاني فاتح القسطنطينية ومؤسس دولة الأتراك فيها. فسليمان وتيمورلنك ونتدرج بعد ذلك إلى غيرهم فيقع اختيارنا على (أكبر) أحد عظماء حكام المغول في الهند الذي كان عالما فيلسوفا. وكانت بلاده تضم من الأديان(7/281)
جميعها وأشتاتها. فأمام هذا السيل الجارف من المعتقدات خطر له أن يوحد دينا يتألف من جميعها. فأتى بكثير من رجال الأديان حتى من اليسوعيين للتجادل أمامه وسمح لكل بإنشاء معبده الخاص به وكان هذا المكان يدعى (عبادت خانه) أي بيت العبادة. فكانوا يخطبون فيه بكل حرية. وبلغت به فلسفة أن أنشأ على رغم تحريم الإسلام لصورة الحيوان معبدا ضم فيه إلى صور المسيح صور بوذا. ولقد كانت له حقا من فلسفته هذه - بل عدم إيمانه إذ أمكن (كما وصفه أحد مؤرخيه) تجاوزا عظيما عن كل ما يقتضيه الشرع الإسلامي. أجل أنها لثورة فلسفية ساكنة هادئة تحميها السلطة وتوطدها السلطة فالخوف. ولا تزال قاعة تلك المحاضرات المتعددة الأغراض المتباينة المذاهب والأديان تقوم في عاصمته (فتح بور سيكري). . . وفي حكمه ارتقى الفن في الهند ارتقاء عظيما، فقلعة (اكرا) الشهيرة هي من مبتكراته. فهو لم يكن فيلسوفا فحسب بل كان حاكما عالما يحب الرقي والفن في كل شيء حتى قيل أنه حسن الآلات الحربية واختراع طراز عجلات (عربات) وهلم جرا.
وإذا انتهينا من أمر الملوك والحكام نر إنا أمام المؤرخين وإذا البارون الكريم يحدثنا عن سبب جهلهم في أوروبة. لأن العرب لم تعرف قط معنى كلمة (تاريخ) كما نعرفها وكما كانت تفهم في أوروبة منذ عهود. فنحن إذا قرأنا تواريخ بلوطرخس المؤرخ اليوناني الشهير وقابلناها بما لدينا من كتب العرب المسماة (تواريخ) أطلعنا على الفرق العظيم الشاسع فتواريخ العرب عبارة عن قصص وأخبار مضطربة غير منسقة تختلف طولا وقصرا دون فكر إذ لا تمحص ما يقع تحت يدها بل تلقيها على القراء جزافا وقد نعت دي
فو المؤرخ العربي وأصاب بكونه (جامع أخبار وأنباء) (ومعلومات) ولم يكن قصده الاهتداء للحقيقة بل جمع الأحاديث وضمها بعضها إلى بعض وعلى القارئ أن يحكم وعليه أيضا أن ينقد. فالمؤرخ مخبر أنباء (معلومات) لا غير. . . ويزيد التاريخ العري تعقيدا ما يعتور لغة من جفاوة الأسلوب وقصر المقاطع مما يلبسه صبغة مملة. وقد تكون في بعض الأحيان أو في أحد الفصول ما ينفر القارئ نفورا كريها.
هانحن أولاء نتعرف بالطبري وابن مسكويه (ل. ع. صوابه مسكويه(7/282)
(والفخري وعن أشهر تأليفهم المفيدة ثم نتوصل إلى مؤسس الهلال المرحوم جرجي زيدان فنقف هنية أمامه نقلب النظر. فدي فو ينظر إليه كمؤرخ شرقي يتمشى على الروح الأوربي العصري فيبحث عن طريقة زيدان في درس العصور الإسلامية على الإجمال ثم اختصاصه بعهد العباسيين. فبحثه عن سياستهم وإدارتهم وأحوالهم في رواياته المعروفة في الشرق. كالعباسة أخت الرشيد والأمين والمأمون وعروس فرغانة وغيرها. فبحث زيدان عن المنافسة الهائلة التي كانت تجري بين الفرس (العجم) والعرب وما كانت تتستر به في كثير الأحيان فتختفي الأغراض المزمجرة وتظهر المقاصد التافهة؛ ونحن نرى في عروس فرغانة بعض تلك المثل ظاهرة رائعة وذلك حقيقة كما ينعته دي فو أنه درس تاريخ العباسيين (بروح فلسفي يدعمه نظر ثاقب).
وننتقل فإذا ابن الأثير وكامله الذي خصص للصليبية مكانا معتبرا فيه. . . من أغرب صفحات التاريخ العربي أن أحد أمراء السوريين أسامة بن منقذ الذي كان في شيزر كتب ما نسميه اليوم (بالمذكرات) فهذه غير معروفة في الشرق ولم نعرفها نحن إلاّ منذ عهد ليس ببعيد بينما كانت منتشرة في الغرب منذ عصور بعيدة فأسامة شذ عن جميع المؤرخين في العربية بانتقائه هذه الطريقة الفريدة وسار عليها ونشر تاريخ حياته وأعمال والده الأمير وتدخلت بين تضاعيفها أخبار الحروب الصليبية فلذا تعد مرجعا مفيدا لا بأس به في نواحي ذلك التاريخ. ويمتاز أسامة أيضا بشخصية غريبة جدا. . . ونمر سراعا على المؤرخين العرب والفرس والمغول والترك أمثال المقريزي والفردوسي وناصر خسرو وأبو الغزي وسعد الدين وجاويد بك وسواهم. ونحط رحالنا أو إنا لننظر إلى (الاجتماعي العري العظيم ابن خلدون) من لا يخفى على أحد شهرة مقدمته التي طارت في الخانقين؛ فههنا بحث
كرادي فو من جهة فلسفته التاريخية. فابن خلدون بحث فيها عن نفسيات الشعوب وأسباب الفروق التي بينها من قيام الدول وسقوطها والمدنيات وتقلب الأحكام وهلم جرا. لذا أضطر دي فو التوسع في بحثه ودرسه وأفاض كثيرا مع ازدحام كثرة مواد الكتاب وختم كلامه بوضعه في مصاف كتاب أوربة العصريين كما أن غوتيه عده أحد الثلاثة العظام الذين أنجبهم شمال(7/283)
أفريقية أي وضعه إلى جانب (حنيبعل والقديس اغسطينس) وقد تعمق هذا الكاتب أيضا في درسه وخصص له مكانا رحبا في كتابه الفريد (عصور المغرب المظلمة). . . أجل! إذن فالبارون الفاضل لم يهضمه حقه بل وفاه إياه كاملا ولا نبالغ نحن إذا قلنا عنه أنه أحد الأدمغة العظيمة التي أنجبتها العرب في ميدان الإنسانية المفكرة الشاسع.
ونعبر إلى الجاحظ ونظام الملك وأمثالهما الفطاحل وإذا نحن نقف فجأة أمام مطلع فصل (الأمثال والقصص) فنراه يتحدث لنا عن الآداب العربية. . . ما هذا؟ ليس هذا من موضع الكتاب كما يومئ اسمه! نعم! فالبارون الفاضل يحدثنا أن ليس هذا من اختصاصه ولكنه يجب أن يدلي ببعض الرأي وحسنا فعل؛ فبذا يعطي القارئ على الأقل فكرة عن الآداب العربية مصغرة تصغيرا حسنا. ويقف من ناحية الشعر موقف الكثير من المستشرقين. فهم جميعا يرون في الشعر الفارسي وفي التركي المعاصر تفوقا عليه في الرخامة والتصوير والإبداع والرقة ولعلهم مصيبون؟ ويتحدث عن بعض فطاحل الشعراء الجاهليين والإسلاميين كعنترة والنابغة والأخطل وجرير والمتنبي ويقتطف قطعة من ديوان الذبياني - المنقول إلى الفرنسية بعناية ديرانبور - ويمتدح الأمثال في العربية ويقول أنها مما تكسب العرب فخرا حميدا. ويصف كتب جوامع الأمثال كالزمخشري والميداني ومن هوى مهواهم وتنتهي فإذا هو يتحدث إلينا عن لقمان الحكيم وكتاب كليلة ودمنة. ولا نتعجب ونذهل أن وجدناه خصص حصة من بحثه الطريق بحكايات ألف ليلة وليلة؛ فلها في أوربة حرمة وبين المستشرقين الكرام مكان معتبر - حتى أن أحد الأمريكيين خصص لها اليوم نور حياته للوقوف على منشأها وأصلها وكيفية دخولها في هذه المجموعة اللذيذة - وعليه نراه يتحدث معنا عنها ويبحث في بعض قصصها المشهورة. وهكذا ينتهي الجزء الأول.
الجزء الثاني
والآن نتناول الجزء الثاني فهذا يصوب بحثه نحو مواضيع كان للعرب في بعضها جزء من الفخر جميل ولهم بها يد كريمة فيتلخص البحث عن أرباب الجغرافية وعلماء الرياضيات والطبيعيات. في هذه يختلف تأثير مواهبهم حسبما(7/284)
رافقهم الحظ بها. يستهل هذا الجزء بالحفريات وإذا باليعقوبي يواجهنا وهو أحد أوائل العلماء العرب في هذا العلم شهده الشرق في القرن الثالث للهجرة مع قريتنه ابن خرداذبه الذي سبقه هنيهة إنما يمتاز عنه (برزانته وإفلاته من الخرافات فتلك شأن الكثير من الجغرافيين الشرقيين) ثم يتلو هذا بعلم هذا العلم الشريف الإدريسي صاحب (نزهة المشتاق) وهذه (في مجملها تضاهي مجموعة استرابون) وإنما يؤخذ عليه ما يشوه خرائطه العديدة من الأغلاط الجمة. . . ونقلب الصفحات فإذا أبو الفداء صاحب (تقويم البلدان) فياقوت الرحالة المعروف وكتابه العظيم الخالد أحد الأعمال التي تزيد الإسلام شرفا عظيما. ثم يتحدث كرادي فو عن الجغرافية العامة في البحث عن الخسوف والكسوف ونجم القطب وخطوط الطول والعرض وفصول السنة وخلافها مما يدخل ضمن حكم هذا العلم الضخم مع بعض عرض لأفكار فطاحل الإغريق القدماء كفيثاغورس وبطليموس وأمثالهما. ويتوسع في هذا البحث العميم فيتخذ الفصل الثاني من كتابه في الكلام عن جوابه البحار والابحاريات (علوم البحار). ويذكر لنا بعد استهلال مطول ابن ماجد النجدي الذي كان ربان سفينة فاسكودي غاما الكاشف البرتغالي العظيم وهو الذي قادهم إلى جهات الهند ودلهم على سواء الطريق ومأمنه. ثم نعكف فإذا الفصل الثالث يلاحق أخويه ويتصل بالعلم المذكور وفيه نمر بفطاحل المسافرين طول عهد الإسلام الغابر كالبيروني أحد أولئك العلماء النادرين الذين اختصوا بينهم العرب بالأمور الهندية فقد كتب عن تاريخ الهند ومفكريها الشيء إلهام باحثا عن علومهم وفلسفتهم وأفكارهم وآرائهم في الوجود والكون موازنا بينهم وبين سواهم النصارى والأميين ولا سيما الإغريق ثم كتابه عن مختلف الشعوب والأديان الذي لم يسبقه إليه أحد من العرب ويزيد هذه الكتب قيمة ما تمتاز به عن أمثالها من جليل الفوائد الجمة. لكنها تحتاج إلى جهد عظيم في تفهمها لصعوبتها ونجد بعد ذلك ابن جبير صاحب الرحلة الشهيرة فابن بطوطة أكبر رحالة في تاريخ الإسلام على الإطلاق إذا ما نظرنا إلى المسافات الشاسعة والبلدان الكثيرة النائية التي اخترقها وجاب أطرافها ونجودها وأغوارها من مراكش إلى تخوم
الصين ومن الأندلس إلى(7/285)
جوف أفريقية في السودان. كلها قطعها غير عابئ بالأتعاب مستهترا بالأخطار التي استهدف لها عديد المرار وقضى شطرا عزيزا من حياته متنقلا كالفراشة من بلدة إلى أخرى ورحلته ذات طلاوة وإفادة وعليها مسحة سذاجة خير إشارة إلى صدق الرحالة ونزاهته ولين عريكته إذ كان يرقم كل ما كان يسمعه ويراه بسذاجة الطفل تلاعبه الألوان الوهاجة من دون نقد عميق ولا اعتراض فهو من هذا القبيل شبيه بهيرودوتس الجوابة الإغريقي الشهير وجوانفيل مؤرخ الصليبية السابعة. ويختم كرادي فو كلامه في الجغرافيات أنها على الإجمال ذات فائدة عظيمة لما حوته من دقيق الأخبار ومختلف الحوادث ومتباين الأبحاث في ذلك العهد إذ ليس لها قرين (وهي تكسب شرفا وذكاء وجدا وشجاعة أولئك الرجال الذين تعاملوا بها وهي مأخذ أسانيد ذات قيمة لا تقدر لو تشرب استعمالها قليلا من سلسبيل روح نقاد).
يتحول البحث الطريف المفيد بعدئذ نحو الحساب والجبر مما كان للعرب والإسلام الباع الطويل فيه. فيحدثنا عن أصل الأرقام الني نسميها نحن (بالهندية) بينما تدعى في أوروبة (بالعربية) وكيف دخلت عند العرب مما يعارض المألوف وهذا ما فسره أحد المستشرقين ويبكه ثم ينتهي إلى تفصيل أعمال الخوارزمي فعمر الخيام فالكرخي وأمثالهم ويكثر من البحث وإيراد الأدلة والشواهد مما نضرب صفحا عن ذكره ويتلو ذلك بفصل في المساحيات (الهندسية) وأصلها عند الإغريق. ثم مقابلة ما أخذه العرب عنهم وعرض بعض مسائل وأمثلة وتفسيرها وهلم جرا. . . ثم ننصرف فإذا الآليات (علم الحيل) فعلم الفلك(7/286)
والطب وما إليها من تضارب العلوم. وفي كل هذه يرجع إلى أصلها اليوناني باحثا مبينا الفروق والمتشابهات مع أعمال الكبار من رجال العرب والإسلام وما اختصوا به من هذه المباحث العمرانية وتدخل الخلفاء فيها وحضهم أربابها عليها وإكرامهم لهم.
ثم تراه يبحث في علم المواليد عند العرب فيحدثنا عن مركز الحيوانات في عرف العرب؛ عن الخيل والبزدرة أي الصيد بالصقور والبزاة والفهود ويتكلم عن مؤلفات ابن العوام في الزراعة والدميري في حياة الحيوان ثم يتدرج بعد ذلك إلى الهلكيات (الجيولوجية) فأبحاث استكشاف مناجم المعادن ومواضيعهم في علم المعدنيات والأمكنة التي كانوا يستخرجون منها ذهبهم وفضتهم ونحاسهم ويستنبطون سائر حاجاتهم المعدنية. ثم يتوصل إلى معرفة
كيفية استكشاف إبرة الإبحار (البوصلة) وكما يحدثنا أنه يعزى إلى الصينيين أنهم أول من استنبطها. واستعملوها حوالي القرن الثاني للمسيح. وتوصل العرب إليها وأخذها عنهم الغرب إبان الحرب الصليبية ومن ثم عم شيوعها أنحاء البسيطة ثم يحدثنا عن الكيمياء وانتشارها بين العرب وكيف أن مقصدهم كان العثور على حجر الفلاسفة ويتوسع في هذه المادة آونة ذاكرا من بحث وأختص فيها من العرب والشعوب الإسلامية. وهكذا يختم هذا الجزء الثاني بعد أن يعطي قارئه رأيا مجملا عن جميع ما اختص به العرب وابتدعت فيه وتعاملت به الشعوب التي دانت بالإسلام منذ فجر الخلافة في شعبة هذه العلوم الفياضة. وهو في هذه الموضوعات مرجع له القيمة الغالية.
(لها بقية)
بركات (السودان): ميشيل سليم كميد(7/287)
قبر الإمام أحمد بن حنبل
ثبت لدى كل المؤرخين أن قبر الإمام أحمد بن حنبل (رض) كان في مقبرة باب حرب وقد سقطت قبته مرارا وغمر ماء دجلة جامعه فابتلعه ولم يبق منه إلاّ شيء ثم غمرته المياه ثانية فأزال ما كان قد بقي منه وأصبح أثرا بعد عين.
ولا حاجة لنا إلى ذكر المؤرخين الذين رووا هذه الحادثة لشيوعها شيوعا عاما ولكن لم أر أحدا من المؤرخين أو السياح ذكر أن الإمام المشار إليه نقل إلى داخل بغداد ودفن في أحد مساجدها. ومع ذلك إذا ذهب أحدنا إلى المسجد الواقع في محلة كوك نظر المعروف بمسجد (حاج أفندي أو مسجد اللالات) يرى في الجدار الذي يلي الباب رخامة كبيرة عليها كتابة هذا النص: (هذا قبر المرحوم المغفور له الدارج إلى رحمة الله تعالى الشيخ المجتهد السيد أحمد من الأربعة المجتهدين، رضوان الله عليهم أجمعين. رحم الله والدي من زازه وسعى في عمارة مسجده في الخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الساعي بالخير كفاعله للجنة وذلك 12 ربيع الأول سنة 562) وعند منتهى هذا الجدار غرفة فيها قبر صندوق من خشب مغشى بقماش أخضر. وقد فكرت في هذه الكتابة وفحواها فتوارد إلى خاطري أنه قبر الإمام المشار إليه لقوله (المجتهد أحمد من الأربعة المجتهدين) إذ لا يبعد أن نقل إلى محله الحالي لسبب غرق بغداد الذي وقع سنة 544 هـ (1149م) الموصوف في التاريخ ثم رجعت وقلت لو كان نقله لو وقع حينما أحس بحدوث الغرق لكان ذلك قبل تاريخ سنة 544 هـ والحال أن التاريخ المحرر في الرخامة هو بعد الغرق بثماني عشرة سنة ذلك الغرق الذي جعلها كالجزيرة في وسط الماء.(7/288)
ومن هذه الملاحظات يظهر أن هذا التاريخ هو تاريخ النقل لكن تحرير التاريخ على الرخامة بهذه العبارات أضاع قضية تاريخية يقام لها ويقعد. فقبح الله الجهل وأباد أهله وذوي قرباه. وبما أن هذه القضية التاريخية تهم الكثير من المسلمين ما لا مزيد عليه راجعت كل ما لدي مكن كتب التراجم والتواريخ فلم أعثر على رجل من العلماء المعروفين توفي في بغداد بهذا الاسم وفي اليوم والسنة المذكورين فويق هذا. فأرجو ممن له إطلاع على هذه الحادثة التاريخية أن ينشرها على صفحات إحدى المجلات أو الجرائد العراقية
إظهارا للحقيقة وإزالة للشك الحاصل في صاحب هذا القبر المذكور ليقام له بالواجب حسب قدره إذ أداء أمور الاحترام حتم على الرجال الكرام.
بغداد: عبد الحميد عبادة
(لغة العرب) في كتاب تراجم الوجوه والأعيان المدفونين في بغداد وما يليها من البلدان للبندنيجي ص 169 من نسختنا الخطية ما نصه: (توفي (أحمد بن حنبل) في بغداد ودفن بمقبرة باب حرب على بعد فرسخ من بغداد في الجانب الغربي منها، وكان قبره فيها مشهورا يزار، ثم بمرور الأزمنة ومضي القرون أخذت دجلة مرقده وغمرته، فصار لا يرى له أثر ولا طلل) اهـ.
إذ ما: اسم لا حرف
من الغريب أن تعد (إذ ما) (حرفا) وهي اسم لا شك فيه، إذ لو جردناها من (ما) الزائدة لما بقي شك في أنها اسم من ظروف الزمان. فما الذي مسخها إذن؟ فإن كان الماسخ (ما) فالقول بذلك مردود لأن (ما) دخلت على (إذ) كما دخلت على (حيث وكيف وأين) التي بقيت محافظة على أسميتها ولم تتقمص روح الحروف فالخلاصة أن (إذ ما) ظرف زمان ومن رام غير هذا فليدل بحجته فقد كفانا ما مضى من الفوضى. قال الشاعر:
وإنك (إذ ما) تأت ما أنت آمر ... به تلف من إياه تأمر آتيا
والقارئ البصير المنصف يرى (الظرفية) فيها ظاهرة سجحاء
مصطفى جواد(7/289)
أسماء القبائل وأنسابهم
أثر مخطوط
من الآثار المخطوطة التي حوتها خزانة العلامة الشهير الشيخ نعمة الطريحي المتوفى سنة 1293 هـ كتاب (أسماء القبائل وأنسابهم) وهو تأليف العلامة المؤلف الشهير في القرن الثالث عشر الهجري السيد معز الدين مهدي القزويني الحسيني المتوفى سنة 1300 هـ صاحب الآثار الثمينة في النحو والصرف والبلاغة والأدب والتأريخ والحكمة والكلام والأصول والفقه وغير ذلك وآثاره المخطوطة أكثرها من أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر، وهو من سلالة الأسرة العلوية القزوينية المنتشرة اليوم فروعها في النجف والهندية والحلة الفيحاء تلك الأسرة التي خدمت العلم والأدب خدمات جليلة خلدت ذكرها في بطون التاريخ.
وكان لهذه الأسرة الشريفة خزانة حافلة بالكتب الجليلة والآثار النفيسة تفرق أكثرها من عهد غير بعيد. ولد السيد معز الدين مهدي في النجف سنة 1222 هـ وبها نشأ وحصل ما حصل فيها من العلوم والآداب، وقد أخذ العلم فيها من فطاحل العلماء وكبار أساتذة عصره من عرب وعجم، ونال مرتبة الاجتهاد وهو ابن ثلاث عشرة سنة وتخرج عليه فريق من فضلاء النجف وأدبائها وابتداء بالتصنيف والتأليف وهو ابن عشر سنوات وآثاره المخطوطة مع ديوان شعره وما قيل فيه ن تهنئة وثناء ومديح ورثاء.
وجال في أواخر أيامه في العراق جولة المعتبر المستفيد الذي يحب ويرغب أن يكتب عن مشاهدة حسية وأحيا بتجواله كثيرا من آثار العلويين المندرسة في الفرات، وأحيا ذكرها وأشاد البناء عليها ورحل إلى الحجاز وإيران فاستفاد فوائد طيبة لا تحصى.
والكتاب الذي نحن بصدد وصفة اسماه (أسماء القبائل وأنسابهم) وألفه في أثناء سياحته وتجواله في العراق وقد رتبه على الحروف الهجائية وهو يحتوي على 90 صحيفة صغيرة(7/290)
لكنه محشو بالأغلاط اللغوية والمعنوية. وكنت أظن قبل أن أطالعه أن السيد مهديا المذكور لم يترك شاردة ولا واردة تخص هذا الموضوع إلاّ أثبتها في كتابه هذا لكن الذي يطالعه يجده ناقصا من وجوه عديدة:
أحدها أنه أهمل الضبط والتشكيل وهذا عيب كبير لا يدركه إلاّ من له إطلاع وخبرة بأسماء بعض القبائل الشهيرة على الأفواه والألسنة. ثانيها إنه يذكر بعض القبائل في موادها المخصوصة بها ولم يذكر فروعها ووشائجها كي يتمكن القارئ من وصل القبائل بعضها ببعض وإرجاع كل إلى أصله الأصيل ومعرفة ما فيها من الدخيل. ثالثها لم يذكر وطن القبيلة التي نشأت فيه أولا، وكان عزمنا أن نتصرف في تصحيح بعض الأسماء المغلوط فيها وضبطها بعد مراجعة الكتب المؤلفة في هذا الشأن على وجه يرضي المؤلف حتى لا يقض عليه في مضجعه لكن كثرة المشاغل وعدم سنوح الفرصة منعتنا عن ذلك الآن ولعلنا نتوفق لذلك بعد حين، وقد نقل السيد مهدي في كتابه هذا كثير من المؤلفات المخطوطة لابن الكلبي النسابة وأثبتها في غضون كتابه هذا. قال المؤلف بعد البسملة: الحمد لله الذي أنشأ الأنس من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها ثم جعلهم شعوبا وقبائل وصلى الله على محمد وآله الطاهرين أهل الوسائل وبعد فهذا كتاب يجمع أسماء القبائل وأنسابهم وقد رتبته على حروف المعجم ليسهل التناول. . . وقال في أول مادة من (حرف الألف) (أعاجيب) قبيلة في العراق من المعادن. (آد) أبو قبيلة وهو آد بن طابخة بن اليأس بن مضر بن نزار بن عدنان. (ادد) أبو قبيلة من اليمن وهو ادد بن زيد بن كهلان بن سبأ ابن حمير وادد أبو عدنان، وفي حديث الباقر (ع) لم يزل بنو إسماعيل ولاة البيت يقيمون للناس حجهم، وأمر دينهم يتوارثونه كابرا عن كابر حتى كان زمن(7/291)
عدنان بن ادد فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وأفسدوا وأحدثوا في دينهم، وأرج بعضهم بعضا، فمنهم من خرج في طب المعيشة، ومنهم من خرج كراهية القتال، وفي أيديهم أشياء من الحنفية يعني سنة إبراهيم (ع) من تحريم الأمهات والبنات وما حرم الله في النكاح إلاّ أنهم كانوا يستحلون امرأة الأب وابنه الأخ والجمع بين الأختين وكان فيما بين إسماعيل وعدنان وموسى (ع) وهو من أولاد قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم (الأزذ) أزد أبو حي من اليمن وهو أزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان بن سبأ وهو بالسين أفصح قاله الجوهري في (الصحاح وصاحب القاموس) ويقال أزد شنوءة، وأزد عدنان وأزد السراة قال الشاعر:
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل بها ريب من الحدثان
فأما الذي صحت فأزد شنوءة ... وأما التي شلت فأزد عمان
وفي الحديث: لما دخل الناس في الدين أفواجاً أتتهم (الأزد) أرقها قلوبا وأعذبها أفواها ومن أولاده الأنصار كلهم الخ.
وقال في آخر الكتاب ما نصه: هذا ما أردنا بيانه من أسماء القبائل والعشائر وبعض الملوك والحمد لله تعالى أولا وأخرا وكان الفراغ منه بيد مؤلفه الراجي عفو ربه محمد بن الحسن المدعو بمهدي الحسيني الشهير بالقزويني في بلد الحلة الفيحاء يوم السبت سادس شهر جمادي الآخرة من شهور السنة الثامنة والثمانين بعد الألف والمائتين هجرية على مهاجرها ألف صلوة وتحية اهـ.
وهذا الكتاب لو نقح وهذب وصحح لأتى بفوائد جمة خصوصا أن أكثر المواد المذكورة فيه تخص القبائل العراقية القانطة في أنحاء سقي الرافدين (الفرات ودجلة).
النجف: عبد المولى الطريحي(7/292)
السرحيون أو الشرويون
الفرنسيون يسمون العرب الذين دخلوا ديار الأندلس وديارهم بالسرازين والإنكليز يكتبونها والرومان واليونانيين وقد أختلف لغويوهم في أصل هذه الكلمة وذهب أغلبهم إلى أنها محرفة عن (شرقيين) هذا ما نص عليه لغويو الفرنسيين والإنكليز والإيطاليين والأسبانيين وغيرهم. وهذا لا يمكن أن يكون، إذ لا يبعد أن يكون أول من أتخذ هذا الاسم الأجانب أو المسلمين. فإن كان الأجانب فلا يمكن لهم ذلك إذ لا يسمونهم باسم عربي وهم لا يعرفون العربية والعرب لا يعرفونه ولا ترى في كتبهم ولفظ الشرقي يشمل كل من كان في ديار الشرق الأدنى ولا يدل على المسلم وحده دون غيره، أو أنه لم يدل على هذا المعنى في أول وضعه، وأما المسلمون فأنهم فضلوا أسم المسلم على كل أسم سواه.
إذن من المحال أن يكون السرازين أو السراسين تصحيف (شرقي) ثم جاء صاحب الهلال وأثبت هذا الرأي واستحسنه فكتبنا عليه ردا قبل 25 سنة (أي في سنة 1904) في مجلة المشرق أوضحنا رأينا في أصل هذه الكلمة ولم نوافق على رأي البحاثة جرجي زيدان وهذا نصه بحرفه بعنوان (العرب أو السرحيون):
(طالعت في الهلال (297: 6) نبذة في أصل لفظة الإفرنجية فرأيته يقول:
(إن الإفرنج قد صفحوا لفظة الشرقيين إلى لفظة وأرادوا بها العرب، وهذا رأي السواد الأعظم من المستشرقين؛ ولكنه تعليل ضعيف لأن اليونان والرومان إذا سموا العرب باسم، لا يسمونهم بلفظ من لغة العرب، بل من لغتهم هم (كذا)، ويلوح لنا أنه الأقرب إلى الصواب لأن بلاد العرب ما برحت معروفة منذ القديم ببلاد المشرق وأهلها بنوا المشرق. وحيثما ورد ذكرها في التوراة سميت (قدم) أي المشرق وأهلها (بني قدم) أي بنو المشرق. والغالب أن يراد بهذا الاسم الأقسام الشمالية من جزيرة العرب. وأما(7/293)
أقسامها الجنوبية فيسمونها أرض الجنوب (تيمن) وفي القاموس: التيمن الجنوب ومنها اليمن وتدل هذه اللفظة في أصل اللغات الشرقية على اليمين أو اليد اليمنى. والسبب في إطلاقها على بلاد العرب أن من يستقبل المشرق بوجهه كان الجنوب إلى يمينه. وكان العبرانيون يقيمون في شمالي جزيرة العرب وهم هناك إذا استقبلوا مشرق الشمس كانت بلاد العرب إلى يمينهم.
فسموها التيمن أي اليمن ثم تشابه المعنيان اليمين والجنوب) انتهى كلام الهلال.
ثم نقرنا عن أصل هذه الكلمة في معاجم لغويي الفرنسيين وفي كتاب حضرة الأب لامنس عن الألفاظ الفرنسية المأخوذة من العرب، فألفيناهم جميعهم يقولون مثل هذا القول، أي أن كلمة من تصحيف الكلمة العربية (شرقيين) ومع هذا كله فأننا نستبعد هذا الاشتقاق لأن الأعاجم إذا أرادوا أن يسموا قوما أجنبي الجنس أطلقوا عليه اسما مأخوذا عنهم أو عن بلادهم أو اسما يضعونه لهم أخذا عن لغتهم. والحال أن العرب لم يتسموا بالشرقيين. كما أنه يستحيل على الإفرنج أن يسموا الناطقين بالضاد باسم غير موجود في لغتهم. ولهذا إننا نوافق صاحب الهلال في كلامه الأول ونخالفه في كلامه الثاني.
ولفظة (سرزين أو سراسين قديمة الاستعمال عند الإفرنج. فقد قال ابن بطوطة في رحلته (وكانت في سنة 1333م) إلى بلاد الروم عند دخوله القسطنطينية ما نصه: (سمعتهم يقولون سراكنو، سراكنو، ومعناها المسلمون. (رحلة ابن بطوطة طبع باريس 425: 2) - وقد أشار ابن الأثير إلى أصل هذه اللفظة في الكامل (117: 1 من طبعة القاهرة) إذ قال: (وكانت الروم تسمي العرب سارقيوس) يعني عبيد سارة بسبب هاجر أم إسماعيل) اهـ. وهذا الرأي عندي أصح من قول من تقدمت الإشارة إلى ذكرهم. وليس من البعيد أن تكون اللفظة منسوبة إلى سارة وهي مما يعرفونه وموجود في لغتهم. فقالوا إذن (ساريون) أو على طريق النسبة في لسانهم (سراكينو أو سراكينوي) إشارة إلى أنهم عبيد لسارة كما تنسب إلى من يكون في خدمة الملك أو السلطان أو القيصر فتقول فيه: ملكي أو سلطاني وقيصري لأن بعض الأسماء قد يضاف إليها أو ينسب إليها لأدنى علاقة بينها وبين الأصل.
إلاّ أني أرى رأيا آخر وهو: إن لفظة سرزين منسوبة إلى (سرحة) قال(7/294)
ياقوت: (سرحة بلفظ واحد السرح. . . مخلاف باليمن وهو أحد مراسي البحر هناك وهو موضع بعينه) اهـ. وهذا يوافق ما نقله بعض الإفرنج عن قدماء وطنييهم كما جاء في المعجم اليوناني الفرنسي لالكسندر قال: أهلها) اهـ.
وقال كيشرا وأ. دافلوي في معجمهما اللاتيني الفرنسي نقلا عن اميناس مرشلينس ويونيور أن أل أو جيل من عرب اليمن. وقال بواست في معجمه العام: قطر قديم في
جنوبي اليمن). فهذا القطر أو هذا المخلاف هو (سرحة) وكان فيه قبيلة من العرب تعرف باسم (بني جرم) وقد فتحوا الفتوحات الجليلة في صدر النصرانية وخافهم الرومان والفرس وسوف نرصد لهم مقالة خصوصية مسندة الروايات إلى مؤرخي الإفرنج والعرب مما يقضي منه العجب إن شاء الله.
هذا ولما كانت الحاء غير موجودة عند الإفرنج من أقدمين ومحدثين أبدلوهما من الكاف في اليونانية أي ومن في اللاتينية ومن السين أو الزاي في الفرنسية فتنقلت بهذه الصور المختلفة فتنكرت ومما يعين المتثبت على قبول هذا الرأي الجديد:
1 - تتبع هذه اللفظة في فروع اللغة اللاتينية أو في لغياتها، فهي في الأندلسية والبرتوغالية وفي القطلونية (وهذه تقرب كثيرا من الأصل العربي) وفي البلنسية إلى غيرها.
2 - استبعاد تسمية شعب أو أمة أو قبيلة باسم غير اسمها الذي تسمي بها نفسها أو بغير مسمى بلادها، أو باسم غير مشتق من لغة القوم الذين يطلقون على الأجانب هذه التسمية الجديدة.
3 - لو قلنا مأخوذة من لفظ (شرقيين) فكيف نفسر قول الأقدمين من يونانيين ورومان أو أو قطر من بلاد العرب وأن أو قوم مكن عرب اليمن أو من أهل بلاد اليمن؟
4 - يعسر قبول رأي ابن الأثير أن (سراكيوس) (كذا في الأصل المطبوع في القاهرة والأصح سراكنو كما ذكرها ابن بطوطة أو (سراكنوي) تبعا للأصل(7/295)
اليوناني) أن يكون من سارة أمة (جارية) إبراهيم الخليل ثم امرأته لأن اغلب عرب اليمن من قحطان (أو يقطان كما في التوارة) لا من عدنان؛ وأولئك أقدم عبدا في اليمن من هؤلاء. ثم أن في هذا النسب مما يخالف مطرد النسب عندهم، فلو كانت اللفظة منسوبة صحيحة إلى (سارة) لقيل مثلا أو لا لأن هذه مضافة (أي سرحة) التي ذكرناها.
وبهذا القدر كفاية لمن يريد أن يسمع الحق ويراه، ويقر به، ولا يحتج بقوله أن الإفرنج لم تقل به لأن المستشرقين أو لغويي الغرب لم يوهبوا فصل الخطاب ولم يؤتوه في كل باب؛ والله أعلم بالصواب) انتهى ما كنا كتبناه في مجلة المشرق.
أما اليوم فنزيد على ما تقدم رأيا آخر نظنه أمتن من مذهبنا الأول. وإن كان ذاك حسنا في
حد نفسه، ودونك إياه:
إن كلمة منسوبة إلى السراة وفي الوقف تلفظ وهو يوافق كل الموافقة لما نطق به الأقدمون من أبناء الغرب، فقد قال الأصمعي: (السراة: الجبل الذي فيه طرف الطائف إلى بلاد أرمينية. وفي كتاب الحازمي: السراة: الجبال والأرض الحاجزة بين تهامة واليمن، ولها سعة وهي باليمن أخص. وقال الحسن بن علي بن أحمد بن يعقوب اليمني الهمداني: أما جبل السراة الذي يصل ما بين أقصى اليمن والشام، فأنه ليس بجبل واحد وإنما هي جبال متصلة على شق واحد من أقصى اليمن إلى الشام في أرض أربعة أيام في جميع طول السراة. . . اهـ. وقال أبو عمرو بن العلاء: أفصح الناس أهل السروات، وهي ثلاث، وهي الجبال المطلة على تهامة مما يلي اليمن، أولها هذيل وهي تلي السهل من تهامة، ثم بجلية وهي السراة الوسطى، وقد شركتهم ثقيف في ناحية منها، ثم سراة الأزد، أزد شنوءة، وهم بنو كعب بن الحرث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد اهـ.
فلا عجب بعد هذا الشرح أن يسمى العرب سرويين إذ يشمل هذا الاسم اليمانيين أي القحطانيين والحجازيين أي العدنانيين. على أن الظاهر من نقل الرومان(7/296)
واليونانيين للفظة أنها كانت في أول الأمر (سراهيين) لا (سرويين) أي أنهم اعتبروا السراة اسم جمع يشمل تلك الجبال المنقادة من اليمن إلى الشام، ولما نسبوا إليها اعتبروا الهاء الأخيرة هاء مصرفة كما في سنة، فأنهم قالوا في النسبة إليها سنوي على الأصل وسنهي على اللفظ. وهكذا قالوا في السراة: سروي على الأصل وسراهي على اللفظ.
وعندنا أن هذا الرأي أرجح وأن كان ذاك حسنا أيضاً في حد نفسه فليختر القارئ ما يشاء. أما القول بأن الأصل هو شرقيون أو كما قال آخرون سراقون جمع سراق بمعنى السارق أي كثير السرقة أي الغزاة فليس فيه شيء من الحقيقة وكذلك القول أن الأصل هو صحراويون فكل ذلك غير صحيح ومبني على الوهم.
ومن الغريب أن بعض الكتبة المسيحيين في القرنين الأخيرين جهلوا أصل هذه اللفظة كل الجهل، فأخذوا يعربون الكلمة عن الغربيين بلا فكر ولا هدى. وذكروها بصورة: سراكنة وهي واردة في تراجم القديسين مثلا في سيرة القديس صفرونيوس بطريرك أورشليم. وجرى في أثرهم الخوري يوسف داود زبوني الذي أشتهر بعد ذلك باسم المطران أقليميس
داود فأنه ذكر مسلمي العرب باسم السراكسة (راجع كتاب مختصر تاريخ الكنيسة للمعلم لومون ص 322) وبعضهم ذكرهم باسم الشراكسة مع أن هؤلاء هم الشركس أو الجركس وقد نبه على هذا الغلط البطرك بولس مسعد فقد جاء في كتابه الدر المنظوم (تسمت دول العرب عموما بدول السراكسة نسبة إلى محل بين مكة ويثرب (المدينة) أو في الطريق التي تؤدي من مكة إلى القدس يدعى سوراقية أو سرقة ومسرقة وسرقا ومسريقا والشرق وهو غير اسم الشراكسة المطلق على دولة الأتراك الجركسية) اهـ.
ولكن لم يقل لنا المؤلف كيف أن سوراقية وأخواتها تنقلب سراكسة. ولا أين وجد تلك الأسماء التي في بعضها من الغرابة ما يطرد خبثاء الجن ولا جرم أن الباحث يحتاج إلى صرف جانب عظيم من مخيلته ليصل غليها والعلم لا يسلم به هذا فضلا عن أن هذه المواضع لا وجود لها في كتب البلدان ولا في الرحلات فلا ندري من أين أتى بها. والذي عندنا أنه نقلها عن الأجانب والله أعلم.(7/297)
المخطوطات العراقية في المتحفة البريطانية
(لغة العرب): طلبنا إلى صديقنا الكريم العلامة فرينسس كرنكو أن يذكر لنا أسماء الكتب الخطية التي اقتنتها المتحفة البريطانية في السنن التي تلت الحرب العظمى فكتبت لنا ما يأتي:
نسخة خطية رقم 8073
كتب في الفهرسة: تاريخ العراق تحت حكومة مراد بك.
هذا خطأ واضح لأن النسخة تشتمل على وقائع حدثت في اليمن من سنة 1047 إلى 1080 وعنوان الكتاب: (طبق الحلوى وصحائف المن والبلوى). ومؤلفه العلامة عبد الله بن علي الوزير. هذه النسخة ناقصة من الأول وهي في القطع الربع وتحتوي 51 صحيفة فقط والمؤلف شافعي المذهب ومعاصر للوقائع.
نسخة خطية 8863 في القطع الربع 84 صحيفة
تاريخ أولياء بغداد
قال المؤلف في المقدمة ما نصه بحرفه:
فهذه رسالة لطيفة ونسخة مشتملة على مناقب عدة أنبياء، وجملة أولياء وفرقة مشائخ أنقباء (كذا لعلها أتقياء أو أنقياء أو نقباء) وزمرة علماء عالمين وصلحاء واصلين الذين هم في داخل بغداد وخارجها وملحقاتها ظاهرين (كذا) المراقد والآثار، باهرين (كذا) الفيض والأنوار. كانت هذه الرسالة من قبل مؤلفها تأليفا لطيفا بلسان (كذا) التركي، بعبارة فائقة، ونكت رائقة. المنشئ لها رجل من أعزة بغداد فاضل كامل العرفان والاستعداد المعروف بزمانه بين أقرانه بحسن العبارة والإنشاء كاتب بارع لطيف التأليف عذب الأداء (مرتضى أفندي الشهير بنظمي زاده) رحمه الله. قد ذكر عن سبب تأليفه وترجمته هؤلاء الرجال الكمل(7/298)
الأولياء رضي الله عنهم ونفعنا بهم بأنه قد قدم بغداد واليا عليها في تاريخ اثنين وتسعين وألف وزير دولت (كذا) العثمانية حضرت (كذا) إبراهيم باشا المرحوم وكان وزيرا فاضلا كيسا عاقلا محبا للصلحاء راغبا غاية الرغبة لسماع (كذا) مناقب الأولياء زائرا مراقدهم مترددا لمشاهدهم فأمر منشئ النسخة التوركية (كذا) بهذه (كذا) التأليف والترتيب ورتب على نمط ما سنترجمه بالعربي شكر الله تعالى سعيه. ثم وصلت النسخة التركية ما نظر الأمير الكبير (وهاهنا طوفان من الألقاب الدالة على سوء ذوق) أعني به سعد الله بيك (كذا) المحترم سعد جده، وجد سعده، فهو نجل الوزير الشهير (سيل آخر من الألقاب) حضرت (كذا) المرحوم المغفور له الحاج حسين باشا رحمة الله. . . فرغب المشار إليه البك المكرم لترجمة النسخة المذكورة بالعربية حيث كانت (كذا) أشرف الألسن. . . وأشار لهذا المخلص الداعي أحمد ابن السيد حامد فخري زاده الموصلي بالترجمة فأنتهز الفقير الفرصة وشرع في المقصود مستعينا بالله تعالى الودود فقال مترجما) الخ. . .
بعد هذه الترجمة يجيء المؤلف بتراجم مختصرة لأولياء عديدين مع إشارة في الترجمة إلى موضع المزارات في بغداد ونواحيها ولكن نادرا ما تجد تواريخ وفيات أصحاب التراجم وكل ترجمة تبتدئ بلفظ (مبحث) وفي أول الكتاب تراجم بعض المشاهير الذين ليس مرقدهم في بغداد مثلا: - 1 - مبحث في ذكر مرقد آدم ونوح - 2 - مبحث نبي الله يوشع - 3 - مبحث حضرت ذو الكفل (كذا) - 4 - مبحث رابع الخلفاء علي المرتضى رضي الله عنه - 5 - مبحث سيد الشهداء الإمام حسين رضي الله عنه - 6 - مبحث
سلمان الفارسي رضي الله عنه الخ. .
ظني أن أكثر الفائدة من هذا التأليف ضبط الأماكن لمراقد الأولياء في بغداد ونواحيها حيث ذكر المؤلف عدة من القرى وغيرها في أثناء التراجم ومع هذا أخاف أنه كان رجلا صالحا أكثر منه عالما مؤرخا. والنسخة جيدة في حد نفسها ولكن لا يخفى على القارئ أن الكاتب أو المؤلف كان جاهلا وليس له معرفة بقواعد العربية.
بكنهام (إنكلترة): ف. كرنكو(7/299)
على يفعول
كنت نشرت في مجلتكم الزاهرة (م 4 ص 351) تعليقا على كتاب يفعول للصغاني الذي عني بنشره وإضافة بعض الأعلام والأسماء إليه صديقنا العلامة التونسي الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب والذي زدتم عليه بعض ما جاء على وزن يفعول مما أهمله المؤلف والناشر وفصلت ما أجمل في الأصل والتعاليق عن الأعلام الفلسطينية.
وقد عثرت في مطالعاتي بعد ذلك على طائفة من الأعلام الواردة على ذلك الوزن فعلقتها لأنني كثير الولع باستقصاء ما أكتب عنه وبعثت بها إليكم لتروا رأيكم في نشرها.
الهمزة
يأرون: قرية مأهولة في ناحية الحولة كانت من عمل لبنان فأضيفت أخيرا إلى فلسطين وهي على نحو عشرة أميال من صفد وذكرت في التوراة باسم يرأون. يأغوش: الياغوشي لقب لعبد الغني بن محمد بن إبراهيم بن صالح بن عمر باشا بن حسن باشا المترجم له في سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للمرادي (ج 2 ض 39).
يألوش علم لحصن متهدم في جبل عاملة من لبنان نسب إلى رجل عرف بهذا اللقب. يألون: خربة على بعد ستة ميلا شرقي مدينة عكا ويظن أنها أيلون المذكورة في التوراة.
الثاء
يثبور: اسم من أسماء المدينة المنورة (يثرب) ذكره ابن رستة في الأعلاق النفسية (ص 78).
الحاء
يحطون: اسم أحد أبناء نوح الأربعة ذكره ابن عبد الحكم في فتوح مصر وأخبارها طبع المعهد العلمي الفرنسي في القاهرة (ج 1 ص 6).(7/300)
يحفوف: يحفوفة قرية من عمل بعلبك تبعد عنها 28 كيلو مترا بالقرب من الخط الحديدي الممتد بين بيروت والشام وهي على تسعة كيلو مترات من محطة رياق.
يحمور: ذكرت في الأصل أنها دويبة من دواب البر. ويحمور قرية من عمل صافيتا
بالقرب من اللاذقية وفيها قلعة بهذا الاسم. وذكروا لابن حيان الغرناطي المتوفى سنة 745 هـ (1344م) كتاب المخبور في لسان اليحمور فهل نفهم من هذا وجود جيل من الناس أو لغة من اللغات بهذا الاسم؟
الراء
يرقون: من المياه التي جاء ذكرها في ترجمة التوراة العربية وهو الآن نهر العوجاء مخرجه عند قلعة رأس العين بجوار محطتها على السكة الحديدية بين حيفا ويافا ومصب هذا النهر شمالي يافا.
يرموت ويرموث: من المدن المذكورة في ترجمة التوراة العربية وهي اليوم قرية على بعد أربعة أميال جنوبي بيت شمس وسبعة أميال من تل الصافي وتعرف اليوم بيرموك، وهي بالقرب من بيت جبرين غربي حبرون (خليل الرحمن).
السين
ياسور: خربة واقعة غربي أشدود من قرى مقاطعة غزة وقد ذكرت في التوراة باسم حاصور التي جاء ذكرها ثلاث مرات ويقال أن إحداها ياسور هذه.
يسعون: ذكر السيوطي في بغية الوعاة (ص 435) ابن يسعون يوسف بيقي.
بسنوم: ذكره في الأصل وقال عنه موضع وكذلك قال البكري وياقوت كما حشى على ذلك الأستاذ عبد الوهاب ناشر الكتاب والذي في كتاب الجبال والأمكنة والمياه للزمخشري (ص 162) موضع باليمن.
العين
يعفور: ذكر في الأصل أنه من تيوس الظباء، والخشف وولد البقرة الوحشية(7/301)
ويعفور قرية آهلة بالسكان بالقرب من ميسلون التي وقعت فيها الوقعة بين الدمشقيين والفرنسيين. وقد ذكرها ابن شيخ الربوة المتوفى سنة 727هـ 1326م في كتابه نخبة الدهر في عجائب البر والبحر ص 84 فقال: قرية بالشام كان بها معدن حجر المرقشيئا الفضية.
الغين
يغمور: أسم أمير من أمراء الدولة الأيوبية وقد بنى ابنه موسى الياروقي مدرسة في الشام
سنة 663 هـ 1264م. وترون أن يغمور هذا من مماليك ياروق الذي أضافه الأب الكرملي إلى ما جاء على يفعول (م 4 ص 102) على أن العلمين هما من الأعلام التركية التي تعربت.
القاف
يقدور: ملك من ملوك الفرس كان في سنة 509 هـ 1115م ذكره ياقوت في معجم البلدان في مادة الشوبك.
يقسوم: هو ابن أبرهة الذي ملك الحبشة في اليمن. جاء ذكره في كتاب التيجان الذي نُشر بعض صحفه الأستاذ عبد العزيز الميمني الراجكوتي في مجلة الزهراء (م 3 ص 304). وقد ذكره الصغاني في الأصل باسم يكسوم بالكاف وكذلك ذكره غيره بالكاف.
الهاء
جوع يهقوع: قال في الأصل (جوع يرقوع أي شديد وقال أبو الغوث هو جوع ديقوع ولم يعرف جوع يزقوع وأثبته ابن دريد). وجاء في كتاب الأتباع والمزاوجة لابن فارس (ص 16) جوع يرقوع يهقوع ديقوع.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
من أوهام المنجد
قال في حوج (الحوجاء: الحاجة) ولم يذكر جمعها فأين انجاده؟ جاء في أول الكامل (ويقال في قلبي منك حوجاء أي حاجة ولو جمع على ذا لكان الجمع (حواج) يا فتى وأصله (حواجي) يا فتى ولكن مثل هذا يخفف كما تقول في صحراء صحار يا فتى وأصله صحاري.
مصطفى جواد(7/302)
الحامض وأنواعه
عند الفرنسيين ثلاثة ألفاظ مختلفة تدل على الحامض وهي آسيد واكسيد واغر وهذه الألفاظ الثلاثة يحسن بنا أن نشرحها قبل أن نذكر لها ما يقابلها في لساننا. (فالأسيد) في اصطلاح علمائهم: مركب يتقوم من المميه (الهيدروجين) ومن خاصيته أنه يحمر زرقة التنوم (دوار الشمس) ويولد أملاحا ومبدلا المعدن بالمميه الداخل في تركيبه.
و (الأكسيد) في مصطلحهم: مركب ينشأ من اختلاط جسم بسيط بالمحذي (الأكسجين).
و (الأغر) كلمة عامة المعنى تشمل كل ما يلذع اللسان.
أما في لغتنا العربية فلا نجد لهذه الأحرف الثلاثة في معاجمنا الإفرنجية العربية إلاّ كلمة واحدة: (الحامض) وقد أدخل بعض المعربين من أهل سورية ومصر وبعض الديار العربية الأخرى كلمة (الأكسيد) الدخيلة. وأبدلها آخرون ب (الحمض) كما فعل الترك وبعض المعربن الذين نقلوا عملهم عن الترك، - وأما (الأسيد) فأتفقوا على وضع كلمة (حامض) في ما يقابلها عندنا. وكذلك ترجموا كلمة (أغر).
ورأينا أن يتخذ لكل كلمة إفرنجية كلمة عربية تميز إحداها عن صاحبتها فالأسيد الأفرنسية من أصل لاتيني هو وهذه منقولة عن لغتنا في العصور المترامية في القدم. فإنك أن حذفت من آخرها علامة الرفع أي يبقى عندك التي ليست شيئاً آخر سوى (آخذ) العربية بمعنى حامض وذلك أن الخاء كثيرا ما يختلف في نقلها إلى اللغات الغربية ومن جملتها إلى فقد قال الفرنسيون يريدون الخلاف (الشجرة) والخليفة والخروب (الشجرة) ولهذا نفضل أن نضع في العربية الآخذ.
وأكسيد الفرنسية مشتقة من اليونانية وهي نفس (الأخذ)(7/303)
إلاّ أنها موضوعة على الوجه اليوناني بعد حذف أداة الأعراب من آخرها. والحرف خ يصور بحرف اليوناني في بعض الأحيان. لكن لما كان (الأخذ) محولا عن (الحاذي) من باب القلب المكاني فيحسن بنا أن نجعل (الحاذي) مقابلا للأكسيد فيقال حذاه يحذيه بمعنى أكسده يؤكسده الحديثة الوضع. والمحذي (من باب التفعيل) (الأكسجين) لأن التفعيل للكثرة. والجسم المولد للحذي يجدر به أن يكون من باب التفعيل لكثرة فعله في الأجسام واصل اشتقاق الحذي وما يقابله عند أبناء
الغرب بحث طويل.
أما الحامض فيبقى للغر وهكذا يكون عندنا ألفاظ عربية محضة أداء أمان حديثة الوضع متخذة من ألفاظ عربية قديمة. ف (ترد بضاعتنا إلينا).
نسب كبش ابن منصور
هو كبش ابن الأمير منصور ابن الأمير أبي سند جماز (أمير المدينة) ابن الأمير شجة ابن الأمير هاشم ابن الأمير أبي فليتة قاسم بن المهنأ الأعرج (أمير المدينة) ابن شهاب الدين الحسين (أمير المدينة) ابن الأمير أبي عمارة المهنأ حمزة ابن أبي القاسم داود ابن الأمير أبي أحمد القاسم ابن الأمير أبي علي عبيد الله ابن أبي القاسم طاهر ابن أبي الحسين يحيى النسابة (يقال أنه أول من جمع كتابا في نسب آل أبي طالب) ابن الحسن بن جعفر الحجة (من أئمة الزيدية) ابن عبيد الله الأعرج ابن أبي عبد الله الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين علي ابن الحسين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام).
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي
من أغلاط صاحب المنجد
قال صاحب المنجد في باب النسبة: (فيقال في (عصا) و (دلو) و (عجوز) و (كتاب): عصي ودلي الخ) فأقول أنه قال من قبل هذا: (وأعلم أن المؤنث المعنوي الثلاثي تظهر في تصغيره تاء التأنيث المقدرة وجوبا نحو شمسية وأريضة) فلم لم يطبق القاعدة على قوله المذكور آنفاً؟ إنه كان حرى أن يقول: (عصبة ودلية) أما الدلو فقد جاء تذكيرها قليلا.
مصطفى جواد(7/304)
نصرة الحق واجبة
ألا يا قومنا اتخذوا الجهودا ... وسائل تبلغ الشعب السعودا
وكونوا راكنين إلى اتحاد ... يكون لجمعكم ركنا وطيدا
ولا يستضعفن المرء منكم ... فأن عليه أن يبقى شديدا
إذا لاقته معضلة طواها ... كما تطوي سراع الطير بيدا
فيا من حقه أضحى مضاعا ... دع اليأس المميت وكن حديدا
ولا تجزع من الموت الموافي ... فأن الموت لا يدع الطريدا
وكن في الحرب كرارا شجاعا ... فمن جبنوا فقد صاروا عبيدا
وحارب شطر (رشاش) مبيد ... فليس لمجدك الباقي مبيدا
وقابل مدفعا أفنى حقوقا ... فصون الحق يكسبك الخلودا
فما العرب الأولى حاطوا حماهم ... سوى قوم بدوا قبلا أسودا
فيا عربي شبل العرب جاهد ... لهم وأرفع لعزهم البنودا
وصل واهجم وحارب كل ظلم ... ودافع مخلصا واحفظ عهودا
وأخرج بالحراب حقوق قوم ... عطاشى الحق قد أرووا الوعودا
فما للحق في الدنيا وجود ... إذا لم يظهر البأس الوجودا
ولا تأمن على وطن غريبا ... فأن السيد أغتال المسودا
وناضل للبلاد نضال حر ... بئيس رام في العليا صعودا
فأنا في زمان ليس يحيا ... به إلاّ القوي فخذ حدودا
فدباباتهم في الأرض تسعى ... تهد الحصن والسور المشيدا
وطياراتهم في الجو عامت ... تنث الموت والظلم العديدا
وطراداتهم جابت بحورا ... تبيد الشيخ والطفل الوليدا
وغواصاتهم غاصت فشقت ... بوارج لا تطيق (الطوربيدا)
ولسنا منكرين لما أروه ... من التقديم فاكتسبوا السعودا
وأوروا للأنام منار علم ... له الأعمال قد صارت شهودا(7/305)
وساروا للرقي بكل نهج ... فأمسى الجهل عندهم وئيدا
ولكن لم يزالوا في تعاد ... مع الأحرار فاغتالوا الوحيدا
وباستعمارهم أوهوا بلادا ... لمن قد ود أن يحيا سعيدا
قد اتخذوا العلوم وسيل فتك ... بمعتزلين ما داموا رقودا
ولو رنت العلوم إلى مناهم ... لولت عن مفاهمهم بعيدا
ولو ساءلت أهل الأرض حينا ... عن استعبادهم أمدا مديدا
لقالوا: ويلنا من ظلم قوم ... أرونا العيش مكروها مكيدا
إذا قلنا: دعونا نسترح من ... قيود أحكموا فينا القيودا
عتيدا من مرافقنا انتقوه ... ولما يصلحوا عيبا عتيدا
وقد ساروا على نهج ذميم ... فأما طولبوا صدوا صدودا
قيام أن أرادوا سلب شيء ... وعن إصلاحنا ظلوا قعودا
فدع أقوالهم إذ تلك بحر ... من الإيهام يورثنا الجمودا
عهودا أو وعودا أو قيودا ... نرى أم كان ثورتهم مودا؟
حياة أم ممات أم سبات ... تلاقينا فتجعلنا همودا؟
الكاظمية: مصطفى جواد
(لغة العرب) كل من يطالع مقالات الأستاذ مصطفى أفندي جواد يحكم بأنه راسخ القدم في القواعد العربية وقابض على أعنتها بنوع يدهش من يقف على كلامه المتين المنقح. وكذا يقال عن حسن نظره في النقد إذ يراه كل فاضل بعيداً عن الطعن بآداب المنتقد الشخصية ولا يتعرض إلاّ لما يقول. وما كنا نظن أن ممالئنا في تحرير هذه المجلة يتقن الشعر من جهة الخيال. فجاءت هذه القصيدة العامرة الأبيات تشهد له بعلو الكعب في الضرب على أوتار العود العربي فنحن نهنئه بهذا الفوز العظيم ونتوقع أن يتحفنا بمثل هذه القصيدة العصرية الدالة على شعر وشعور عاليين، ونرجو منه أن لا يترك ما كان يجود به علينا من قريحة نثره المسبوك في قالب البلاغة المنيعة.(7/306)
اليزيدية
1 - إذا طرق العلامة أحمد تيمور باشا موضوعا تاريخيا لا يكتفي بما يسهل الحصول عليه من المصادر بل يرجع إلى ما هو عزيز المنال في خزانته العامرة الشيء الوافر. ثم يشجع البحث تدقيقا وتمحيصا ويوفيه حقه. ومما نشرته له أخيرا المطبعة السلفية بمصر رسالة في (اليزيدية ومنشأ نحلتهم) جمع فيها المؤلف شوارد عنهم لا يأتي بها إلاّ من تجشم عرق القربة فأبان أنهم كانوا في مبدأ أمرهم مسلمين من الصوفية يسمون عدوية ثم ضلوا عن الإسلام.
وإذ كان من الأخبار ما هو في مواطن قد لا تظن فيها أو لاتصل إليها اليد أو غير ذلك فالعالم المتروي لا يرى أنه قد استقصى كل نبأ فيديم النشدة والتطلب. ولا شك أن سعادة الباشا في طليعة هذه الطبقة الفاضلة. وكفانا شاهدا رغبته في الاستمرار على التنقيب إذ يقول في رسالته (ص 43): ولعل موالاة البحث تكشف عنها (عن تسمية العدوية باليزيدية) فيما بعد) اهـ.
ومما ذكرته الرسالة (ص 43) قوله: (أما تسميتها (تسمية العدوية) بعد ذلك باليزيدية فلم نقف على زمنها والظاهر أنها حدثت في القرون الخيرة. . .) اهـ.
وذكرت الرسالة أيضا شرف الدين محمد (ص 22) وقالت عنه: ولم تعلم من خبره إلاّ ما رواه ابن العبري في تاريخ مختصر الدول فقد ذكره عرضا باسم شرف الدين محمد ابن الشيخ عدي في حوادث سنة 655) اهـ. (1257م) ورجحت أنه شرف الدين محمد الذي جاء اسمه في نسب زين الدين يوسف دفين مصر.
وقبل الشروع في الموضوع أستأذن سعادته في الرد على قوله (ص 4) بوجود طائفة من اليزيدية في نواحي بغداد فأنهم ليسوا فيها ويبتدئ وجودهم في شمال(7/307)
الموصل ثم أتصدى لتحديد قوله: (القرون الأخيرة) التي أطلقت بدون تقييد فأبدي أن تسميتهم باليزيدية كانت معروفة في الربع الأول من القرن العاشر للهجرة بل على الظاهر في النصف الأول من القرن التاسع على أقل تقدير. وأبين أن لشرف الدين محمد ذكرا غير ما ذكره في تاريخ
ابن العبري وفي غير نسب زين الدين يوسف. ومع هذا لا يبعد من أن الذكر الذي أريد إيراده أن يكون مصدره ابن العبري وعلى كل حال فإيراده لا يخلو من الفائدة.
وبعد البحث عن اسم اليزيدية وعن شرف الدين محمد سأخرج عن الخطة المرسومة في الرسالة قليلا متوخيا بعض الزيادة في النفع على فرض الحصول عليه في ما أكتبه.
ومما ساقني إلى هذا البحث مقالتان لأديبين فاضلين مقالة السهروردي ومقالة الدملوجي اللتان نشرتا في الأشهر القريبة جريدة (العراق) ومقالة الفاضل الأديب الحسني تلك المقالة التي جاءت في أثرهما وقد نشرها في مجلة المرشد (البغدادية) ثم أبرزها في كراسة وكتب منها نبذا في مجلة الهلال مع تصاوير وكثيرا ما استقى بعض هؤلاء الأفاضل عن أصل اليزيدية من كراسة سعادة الباشا.
اسم اليزيدية في النصف الأول من القرن التاسع للهجرة
إن بضاعتي بشأن تسمية هذه النحاة في الربع الأول من القرن العاشر للهجرة بل في النصف الأول من القرن التاسع هي استشهادي ثلاثة مصادر منبعها مختلفة أولها درر الحبب وثانيها (شرفنامه) وثالثها صورة مخطوط بالآرامية لراميشوع الراهب نشره المستشرق نو (بفتح النون) ونشرت بعضه وطبعته دار السلام.(7/308)
المصدر الأول
قال الأستاذ الطباخ في تاريخه إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء (525: 5) نقلا عن درر الحبب للرضي الحنبلي (الطباخ 355: 5 ح) وهو من رجال منتصف ذلك القرن العاشر.
عز الدين بن يوسف الكردي المتوفى سنة 948
(عز الدين بن يوسف الكردي العدوي أمير لواء حلب في آخر الدولة الجركسية وأوائل الدولة العثمانية - كان من طائفة ينتسبون إلى الشيخ عدي ابن مسافر رضي الله عنه ويعرفون ببيت الشيخ مند - الذي كان يأتيه من لدغته الحية فيطعمه من خبز رقي عليه ونفث فيه فيأكله فيبرأ بأذن الله تعالى. وكان الأمير عز الدين شهيرا بهذه الخاصية بين الأكراد مع إدمانه على شرب الخمر وقتل النفوس سياسة وكان لهم غلو زائد فيه حتى كانوا يلقبونه بالشيخ عز الدين. وربما قيل للواحد منهم: أنت من أكراد ربنا أو من أكراد عز
الدين؟ فيقول: من أكراد عز الدين. وكان شيخا معمرا يصبغ لحيته بالسواد وله شهامة ووصلة أكيدة بخير بك كافل حلب في آخر الدولة الجركسية.
(وفي أيامه كان صلب الأمير حبيب بن عربو تحت قلعة حلب وذلك أنه كان بين الأمير عز الدين وبين أولاد عربو - طائفة معتبرة من أمراء القصير - عداوة بينه من جهة الدنيا وكذا من جهة الدين لأن بيت عربو كانوا من أهل السنة والجماعة رضي الله عنهم وبيت الشيخ مند كانوا يزيدية فكان (عز الدين) يغدر بهم (ببيت عربو) حتى سعى في قتل جماعة منهم كالأمير حبيب وكأخيه الأمير قاسم. وكان قتله (قتل قاسم) بالباب العالي السليمي عن عرض عرضه أحمد باشا المشهور بقراجا (قره جه - الأسيود) باشا أول من كان باشا بحلب في الدولة العثمانية السليمية. وذكر فيه أنه جمع بين تسع نسوة في زمن واحد بمكر عز الدين به عنده وهذا الحوض الكبير داخل آغيول (آق يول - الطريق الأبيض) من إنشاء الأمير عز الدين. وكان يزعم أنه عمره من حلال مال والده. توفي الأمير عز الدين سنة ثمان وأربعين) (بعد الألف الهجري -(7/309)
1541 م) اهـ.
وقال الطباخ (87: 6) ما بعضه:
جان بلاط بن عربو المتوفى في أواخر هذا القرن (العاشر)
(جان بلاط ك ابن الأمير قاسم الكردي القصيري المشهور بابن عربو أمير أكراد حلب. كان منصبه هذا أولا بيد الأمير عز الدين ابن الشيخ مند ثم بيد واحد من ذرية الملك خليل ثم كان بيده وذلك أنه لما غدر الأمير عز الدين بأبيه (بوالد جان بلاط الأمير قاسم) عند قراجا باشا أول من كان باشا حلب في الدولة العثمانية السليمية - على ما ذكر في ترجمة عز الدين - رفعه الباشا إلى جن قلعة حلب. . .) حتى قال: فسفك (جان بلاط) دماء جمع جم من الأكراد اليزيدية من قطاع الطريق اللصوص وجعل لهؤلاء سجنا هو بئر عميقة وأشبعهم بلاء حتى حسم مادة المفسدين منهم. . . وتمكن (جان بلاط) من منصب الأمير عز الدين عدو أبيه ومن شيعته اليزيدية ودوره التي بناها بكلز (بكلس) وحلب ومن زوجته. . .) اهـ.
المصدر الثاني
وثاني المصدرين - كما قلت - كتاب شرفنامه فأنه ذكر الشيخ عز الدين وقال عنه - كما قال الرضي الحنبلي - أنه كان يزيديا. وهذا تعريب ما في شرفنامه (ص 220 - 223) عن الشيخ عز الدين وبيت مند ببعض التصرف:
في ذكر حكام كلس (أوكلز)
غير خفي على ذوي الفطنة الواقفين على السلالة الهاشمية أن سلسلة حكام كلس - على ما يزعمون - تنتهي بأحد أولاد العباس رضي الله عنه. ويروون رواية صحيحة أنهم هم وحكام حكاري (هكاري) وحكام العمادية أبناء عم بعضهم لبعض. ويقولون في هذا الصدد أن شمس الدين وبهاء الدين ومنتشا، هم أخوة ثلاثة وأن حكام حكاري - وهم من نسل شمس الدين - يسمون باصطلاح الأكراد (شمو) وحكام العمادية (بهدين) وهم من نسل بهاء الدين وحكام كلس (مندا) وهم من نسل منتشا.
وعلى كل تقدير فقد أجتمع في بادئ أمر مند تحت أوائه جماعة من طائفة الأكراد فذهب إلى جهة مصر والشام وأختار هناك ملازمة السلاطين الأيوبية.(7/310)
فعين للواء مند هؤلاء السلاطين العادلون ناحية القصير القريبة من ولاية إنطاكية فأضحت مشتى لأتباع مند وأنضم إلى لوائه جماعة اليزيدية من الأكراد المتوطنين هذه الديار.
وكانت تظهر في مند يوما فيوما آثار المقدرة والسداد وتتزايد فيه علامة الشهامة والرشاد فقصده أكراد (حوم) و (كلس) جميعهم وشملته عناية السلاطين الأيوبية وكفلت آماله وافتخرت به إمارات أكراد الشام وحلب امتدت يده في القبض والبسط والرتق والفتق فظهرت حكومة هذه الجماعة قوية فرفعت (مند) إلى مرتبة عالية ممتازة بين الأقران.
وفي أول الأمر نازع مند على سرير حكومة الأكراد بعض شيوخ اليزيدية الساكنين ما بين حماة ومرعش، فكان يقع بعض الأحيان جدال يسبب الحرب والقتال. وفي آخر الأمر أطلع هؤلاء مند وانقادوا إليه يقهره وتعنيفه إياهم ولطفه بهم وإحسانه عليهم فأدخل جميع أكراد هذه الديار رقابهم في رباق طاعة مند.
وحينما توفي مند تصدى لأمر الحكم ابنه عرب بك ولما وفي هذا قام مقامه ابنه جمال بك ثم خلفه أحمد بك وفي عهد حكومته طوت يد القضاء بساط حكومة آل أيوب وانتقلت
دولتهم إلى الغلمان الجراكسة الذين لم يطعمهم أحمد بك فقام حبيب بك مقام أبيه فاستمالته السلاطين الجراكسة بالخدمة فدعوه إلى حلب وقتلوه.
ثم ضبط وحكم قاسم بك الأكراد بحسب الإرث وبمقدرته إلاّ أن السلاطين الجراكسة فوضوا حكومة الأكراد إلى المدعو عز الدين من أولاد شيوخ اليزيدية فتبعه بعض هؤلاء. ووجه شهريار بك رمضانلو قائدا ومعه متجندة(7/311)
حلب لدفع قاسم بك فتحصن هذا وعشائره وقبائله في جبل صهيون. وأرسل من جهة أخرى السلطان غوري ابن أخته مع جمع غفير من متجندة حلب لمقاتلة قاسم بك الذي قابلهم عدة دفعات وفي كل منها كانت الخيبة نصيب جنود الجراكسة.
وحينما عزم السلطان سليم خان على تسخير عربستان وولاية مصر والشام ودفع الجراكسة وعطف عنان سفره إلى هذه الجهات، سار إذ ذاك قاسم بك وخيري بك الجركسي إلى تقديم طاعتهما إلى السلطان وفازا بشرف المثول بين يديه وبعد أن فتح السلطان ديار مصر والشام وحلب توجه قاسم بك إلى الآستانة مع ابنه جان فولاد البالغ من العمر اثنتي عشرة سنة من الركاب الملكي المظفر.
أما الشيخ عز الدين اليزيدي بادر للحضور خدمة قراجه باشا ميرميران حلب وبإغواء بعض المفسدين وبكلماته ذات الأغراض أبان للباشا خيانة قاسم بك وعصيانه فعرف الباشا بعض ملازمي سرير الخلافة بالخبر مبالغا فيه. من ذلك قوله: إن عودة قاسم بك إلى حلب تبعث الفساد فأصدر السلطان أمره بقتل قاسم بك ونفذ الأمر فورا وجعل ابنه جان فولاد في السراي العامر مع غلمان الخزينة وكفلت بتربيته وحفظه. وفوضت إمارة الأكراد إلى الشيخ عز الدين اعتمادا على طلب قراجه باشا من ديوان السلطان سليم خان) اهـ.(7/312)
ولليزيدية ذكر أيضا في هذا المجلد من شرفنامه في الصحائف الآتية: 14 و117 و307 و310.
المصدر الثالث
هو مستند بالآرامية نشرته بحروفه مجموعة نو وقد أخبرنا فيه أنه منقول عن أصل قديم كان قد وضعه كاتبه في سنة 1452م (855 هـ). وهذا تعريب لجزء من هذا المستند عن الترجمة الفرنسية حيث ذكر اليزيدية. وإني لأكتفي بهذا القسم دون غيره وإليك المطلوب:
وكان اسم الوالد الطبيعي لعادي مسافرا بن أحمد وهو من الأكراد التيراهية الذي كانوا يقضون اعتياديا فصل الصيف في زوزان وينزلون منه شتاء إلى ضواحي الموصل. وكان في ذلك العهد عشيرة اليزيدية جدوده (جدود عادي) سكنة زوزان - تبع أقارب عادي في ذهابهم إلى جبال زوزان وإيابهم منها وكان النظر إليهم كخدمة لهذه الأسرة الكبيرة.
وحينما كان يرجع اليزيدية من زوزان في أول تشرين الثاني كانوا في طريقهم يجتازون بعادي ابن أميرهم ومعهم هدايا وعطايا ثمينة فكان عادي يكافئهم عنها بالضيافة من ماكول ومشروب مع أفراح على ضروب كثيرة. وكان هؤلاء يحبون الشرب (أي الخمر) وكان عددهم 650 بيتا (أسرة). أما رجال عادي الذين كانوا مسلمين وهم أكراد تيراهية فكان عدد خيامهم (أسرهم) يتجاوز الألف) اهـ.
وكانت قد جاءتنا وضيعة دار السلام (3 (1920): 321) التي كانت تصدر في مدينتنا دار السلام بأن عند القس ماروثا مخطوطا نفيسا قديما باللغة الآرامية مقطوعا من كتاب كبير ترجمة لها القس إلى الفرنسية فعربته للقراء وهو القسم العظم لما نشره نو وفيه نقص في الوسط. وقد وجدت باستعانة من(7/313)
يعرف الآرامية أن ترجمة نو مقاربة كل المقاربة للأصل الآرامي إلا قوله (الوالد الطبيعي) فأن كلمة: (طبيعي) ليست في الأصل. أما الترجمة الفرنسية التي عربتها دار السلام فالظاهر فيها أن للمترجم إلى الفرنسية غلطات واضحة من ذلك أنه قال: (مسافر من أولاد أومية (وفي الأصل من بني أومية) وقال (قبيلة زدنايا). ويبين أنه كان في نصه كلمتا (اومثة) و (يزيدنايا) (والألف الأخيرة بالإمالة) - وهما في نص نو - فقرأهما (أومية) و (زدنايا) وأعتبر (اومثة) علماً مع أنها نكرة ومعناها (أمة) وقد ترجمت في مجموعة نو بكلمة أي عشيرة. وحذف مترجم دار السلام الياء الأولى من (يزيدنايا) (أي اليزيديين بالنسبة والجمع) فقال (زدنايا).
والذي أوجب هذا التنبيه على ما في دار السلام هو ملاحظتي أنه قد يصعب على بعض الكتاب الوقوف على ما نشره نو فيرجع إلى دار السلام ويبني كلامه على ترجمة القس ماروثا فيزيد الإشكال في معرفة الحقائق.
والفرصة سانحة لأن أذكر أن كتاب مخطوطات الموصل للأديب البارع الدكتور داود الجلبي عرفنا (في ص 264) (بفتوى بالتركية وترجمتها بالعربية في تحليل قتل اليزيدية
أصدرها أبو السعود بأمر السلطان سليمان). وكانت وفاة السلطان في سنة 974 هـ (1596م). وفيه (ص 139) ذكر كتاب يبحث عن اليزيدية لأحمد أفندي الخياط من رجال الثلث الأخير من القرن الثالث عشر للهجرة. وفيه أيضا (ص 274) أن في مجموعة من المجاميع رسالة في بيان مذهب الطائفة اليزيدية وحكم أموالهم للشيخ حسن الشفكي الموصلي.
شرف الدين محمد في مستند قديم
وإذ انتهيت من الكلام عن تسمية اليزيدية وجب علي أن أبين أن لشرف الدين محمد ذكرا في غير تاريخ ابن العبري وفي غير نسب زين الدين يوسف دفين مصر فهو مذكور في المستند الذي نشره نو ودار السلام. ومما رواه(7/314)
هذا المستند أن شرف الدين محمدا هو ابن لعدي بن مسافر وذكره منتصرا لعز الدين صاحب أيقونية كما قال ابن العبري. ولعل ذلك منقول عن ابن العبري نفسه مع إلحاق المستند بنوة عدي بمسافر، ثم ذكر مستندنا قتله شرف الدين محمد في موضع اسمه (قماح) وإذ كانت كتابة المستند المنوه به في سنة 855 هـ (1452م) كانت تلك الكتابة بعد وفاة عدي بن مسافر بثلاثة قرون فجاء واضعها يخبط خبط عشواء من تقديم وتأخير وغير ذلك ما شوه تاريخ وقائع لا جدال فيها. ومن تلك الحوادث أنه رأى عدي بن مسافر وشرف الدين محمد معاصرين لعز الدين صاحب أيقونية في حادثة وقعت يوم ذاك. وكانت هذه الحادثة في سنة 655 هـ (1257م) على ما أطلعنا عليه ابن العبري. وإذ كان قد مر عامئذ على وفاة عدي بن مسافر قرن كامل فمن البعيد أن يكون (شرف الدين محمد) أبنا صلبيا لعدي بن مسافر فضلا عن أن عديا هذا لم يكن له ابن فشرف الدين محمد المذكور في ابن العبري وفي المستند يوافق عصره شرف الدين محمد بن شمس الدين حسن بن شرف الدين عدي ابن أبي البركات الخ الذي ذكرته الرسالة (ص 23 و32) في نسب زين الدين يوسف دفين مصر في عام 697 هـ (1297م). ولقد أحسن سعادة الباشا بأن رجح أن شرف الدين محمد المنوه به في ابن العبري هو الذي ورد أسمه في نسب زين الدين. وعندي على ذلك دليل آخر سيأتي.
ولي كلمة حول شرف الدين عدي أنقلها من تاريخ الموصل للقس الفاضل سليمان الصائغ (300: 1) تلخيصا عن قلائد الجواهر للشيخ محمد الحنبلي قال القس:
(بعد وفاة الشيخ عدي بن مسافر الأموي خلفه ابن أخيه الشيخ أبو البركات بن صخر بن مسافر الأموي. وكان هذا الرجل أيضا من المشايخ الكمل العظام وصحب عمه استفاد من يمن أنفاسه. وخلفه بعده ولده أبو المفاخر(7/315)
عدي بن أبي البركات بن صخر بن مسافر الأموي الشامي الأصل الهكاري المولود والدار. وكان له اعتبار وقدر زائد) اهـ.
وإذ قد رأينا هنا أبا المفاخر عديا فلا يبعد أن ابن العبري عند كلامه عن شرف الدين محمد ابن الشيخ عدي أراد بابن الشيخ عدي - ولم يقل ابن الشيخ عدي بن مسافر - ابن أبي المفاخر عدي وهو شرف الدين عدي الوارد اسمه في ترجمة ابنه الحسن (شمس الدين) في ابن شاكر (الرسالة ص 18) وفي كلام السخاوي عن زين الدين (الرسالة ص 24). وهذا الدليل الثاني الذي أشرت إليه في ما تقدم. وقد لا يدحض دليلي بالقول أن شرف الدين محمدا كان أبنا لشمس الدين حسن فلم يكن صلبيا لأبي المفاخر شرف الدين عدي بل حفيدا له فقد يجوز أن الحفيد أشتهر ببنوته لجده دون أبيه. ويجوز أيضا أنه تغلبت على شرف الدين محمد البنوة لعدي بن مسافر لصلته به قرابة وطريقة فأطلق عليه ابن العبري شرف الدين محمدا ابن الشيخ عدي من باب التوسع وكل حفيد هو ابن.
النتيجة
يبين مما مررنا به عن هذه النحلة التي قيل عنها في الرسالة (ص 43) أنها سميت على الظاهر يزيدية في القرون الخيرة أنها كانت تسمى بهذا الاسم في عهد السلطان سليم الأول وهو المتوفى في سنة 926هـ (1519م) فأننا رأينا في الطباخ في عصر هذا السلطان أن عز الدين بن يوسف الكردي العدوي كان يزيديا بل كان اسم اليزيدية شائعا على أقل تقدير في سنة 850 هـ (1446م) إذا صح ترجيحي أن حبيب بن عربو المذكور في الطباخ هو حبيب بك ابن جمال بك ابن عرب بك (وعلى لهجة الأكراد عربو) ابن مند وعندئذ يكون مند من رجال النصف الأول من القرن التاسع وقد رأينا أيضا في شرفنامه أن أسم اليزيدية كان معروفا في أيام مند. وفضلا عن ذلك أن المستند الآرامي - على فرض صحة كتابته في سنة 855 يسميهم (يزيدناييا) (بالإمالة) (اليزيدين بالنسبة والجمع) - حتى أنه يرقي هذا الاسم إلى زمن عدي بن مسافر وهو الأمر الذي لا يمكن التسليم به لمجرد قوله لبعده عن زمن عدي بن مسافر.(7/316)
هذا ما كان من أمر تسمية اليزيدية أما ذكر شرف الدين محمد الذي لم تقف الرسالة (ص 22) على ترجمة له في كتب التراجم إلا ما رواه ابن العبري في تاريخ مختصر الدول فأننا رأيناه في المستند الآرامي ولعل هذا المصدر أخذ شيئا عن ابن العبري.
بغداد: يعقوب نعوم سركيس
(لغة العرب) حضرة صديقنا الكريم يعقوب نعوم سركيس مغرم بمطالعة ما يكتبه سعادة المحقق الكبير أحمد تيمور باشا. ونحن مولعون بمطالعة ما يكتبه الصديقان العزيزان اللذان هما فرسا رهان. وللأديب ناشر هذه المقالة النفيسة مقالات ظهر وشيها في هذه المجلة وفي غيرها تدل على علة كعبه في تفلية الأحداث والوقائع ولا يتكلم إلاّ عن إمعان في التحقيق والتدقيق ونحن نشكره على ما أتحفنا به من المباحث الجليلة والتدقيقات البديعة التي دفعت جماعة من أدباء أوربة ومستشرقيها إلى أن يعرفوا شيئا من ترجمته ومحل تلقيه العلوم. والذي نستطيع أن نقوله الآن أن حضرته منعنا إلى الآن من نشر شيء عنه. فعسى أن تكون هذه المباحث الدقيقة كافية للدلالة على رفيع منزلته من أدب العراق وتاريخه والتنقيب عن بلدانه وآثاره ورجاله. إذ كل ذلك يبين من خلال السطور التي تخطها بنانه. متعنا الله بعمره طويلا!
والذي يشكر عليه حضرة صديقنا أنه جمع لنفسه خزانة من أفخر خزائن الكتب وذلك أنه خزن فيها جميع التصانيف التي تبحث عن العراق وتاريخه وبلدانه ورجاله من مطبوعة ومخطوطة من حديثة وقديمة من أي لسان كان، فأنك ترى فيها مؤلفات بالعربية والفارسية والتركية والفرنسية والإيطالية والأسبانية والبرتغالية واللاتينية والإنكليزية والألمانية والفلمنكية إلى غيرها مما نجهله. ولا جرم أن بين مخطوطاته مؤلفات لا نظير لها في خزائن أوربة وديار الناطقين بالضاد إلاّ أن هذه ليست بكثيرة لعز أمثالها ومناعتها وأحسن شاهد على ما نقول تلك المقالات المطبوعة بطابع التحقيق الموشاة بالشواهد المختلفة والحواشي البديعة فعسى أن لا يحرم قراء هذه المجلة فوائد تلك الدواوين والأسفار الجليلة التي بيده.(7/317)
صدى اليوبيل
كلمة رسالة قلب يسوع
(العراق). في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 1928 أجتمع في دار رئيس الوزارة جمهور من الوزراء والنواب والأعيان والأدباء للاحتفال بيوبيل الأب أنستاس ماري الكرملي، اللغوي الشهير؛ إقرارا بفضله على اللغة العربية.
عن رسالة قلب اليسوع السنة 10 (ك2 سنة 1929) ص 23.
يوبيل الأب انستاس الكرملي
أقام فريق من أدباء العراق، وفي مقدمتهم الشاعر البغدادي جميل صدقي الزهاوي، حفلة يوبيل للأستاذ المعروف الأب أنستاس (ماري) الكرملي الذي خدم اللغة العربية زهاء ربع (أقرها: نصف) قرن في ذلك القطر. وقد أقيمت الحفلة في دار عبد المحسن بك السعدون، رئيس الوزراء، واشترك فيها الكثيرون معترفين بفضل الأب المذكور على اللغة وعلومها في عصرنا.
فمجلة (المشرق) تضم صوتها إلى أصوات مكرمي العلم، وتهنئ من كان يتحفها بمقالاته النفيسة في اللغة والآداب، بيوبيله متمنية له سنين مديدة يواصل فيها بتقدم ونجاح أبحاثه المفيدة.
(عن المشرق 950: 26)
يوبيل الأب أنستاس ماري الكرملي
يسرنا أن نرفع إلى حضرة الكاتب الفاضل الأب أنستاس ماريا (كذا والصواب ماري بتشديد الياء، إذ هكذا نريد أن يكون أسمنا) الكرملي التهاني الحميمة بيوبيله الذهبي. فقد خدم اللغة العربية خدمة تذكر فتشكر في العراق وفي جميع البلاد الناطقة بالضاد. وقد طالعنا بلذة العدد الأول من (مجلة لغة العرب) لسنتها السابعة وهو مشحون كله بما جادت به قرائح الشعراء والكتبة على اختلاف مذاهبهم في وصف جهود هذا الأب الغيور. فنسال الله جل وعز أن يمتعه بالصحة ليواصل هذه الخدم الجليلة تعزيزا للدين والوطن واللغة
العربية.
عن مجلة الآثار الشرقية 417: 3(7/318)
تهنئة المقتطف
(لغة العرب) أدرجنا مقالة في المقتطف بعنوان: (أداة التعريف في التاريخ) فكتب صاحبه هذه الكلمات ليعرف قراءه بصاحب المقال فكتب هذه الكلم:
(العلامة الأب أنستاس ماري الكرملي، صاحب هذا المقال الفريد في بابه - نابغة في العلوم العربية، وقد خدم اللغة وتاريخها وفلسفتها وفيلولوجيتها خمسين سنة خدمة صحيحة لا يشوبها رغبة في منصب أو نشب. فأجمع أفاضل العراق ووزراؤه وعلماؤه وأدباؤه وجمهور كبير من مستشرقي الإفرنجة ومريدي العلامة من علماء مصر وسورية وفلسطين وغيرها من الأقطار على تكريمه في حفلة في 7 أكتوبر الماضي في دار رئيس الوزارة العراقية وبرآسة وزير معارفها الهمام. فنهنئ الأب العلامة - ويسرنا أن ننشر لأبناء العربية والمشتغلين بعلومها هذا المقال النفيس من قلمه في نشوء أداة التعريف مثالا لمباحث الأب المحتفل به وإذاعة (لفضله) انتهى بحرفه.
أتيتك متأخرا
كتب إلينا أحد علماء البندكتيين الألمانيين في مونيخ بتاريخ 27 ك2 سنة 1929 ما هذا حرفه العربي ما عدا ما حذفناه من عبارات التبجيل والتعظيم:
إلى حضرة الفاضل الأعلم ذي المجد الظاهر الأب أنستاس ماري الكرملي المحترم أطال الله بقاءه
. . . قرأت في صحيفة ألمانية مقالة تذكر شيئا غير يسير عن اشتغالكم بالعلوم العربية وتوغلكم في أد بياتها ولغوياتها، وتروي المفاخر والمآثر التي امتزتم بها، والتكريمات والتعظيمات التي حظيتم بها في 7 ت 1 من السنة الماضية في بغداد المحروسة إذ قرأنا في الجريدة المذكورة أن رجال الحومة وأبناء العلم وأصحاب الفنون الفتانة أجمعوا على الإقرار بفضلكم الذي لا ينكره كل ذي فضل خال من عمى الغرض.
والآن أتيتكم - ولو متأخرا - لأقدم إليكم التبريكات اللائقة بشخصكم الكريم وأني أسر
بمكارم أخلاق العراقيين لأتفاقهم على تكريم من هو أهل للفضل والفخر (وهنا عبارات وألقاب ضخمة) وقد سمعت هنا عن حضرتكم(7/319)
من الدكتور بركشتسر الأستاذ الشهير في كلية مدينتنا مونيخ أنه يعجب بعلمكم الزاخر وآرائكم اللغوية الطريفة لأنه يطالع (لغة العرب) بكل حرص ولذة، وهو من أشهر عارفي العربية والألسن السامية في عصرنا وقد قرأت عليه شيئا كثيرا من كتب فلاسفة العرب ونحاتهم وأخذت عنه أصول السريانية. . . ومن الذين يعترفون بعلمكم وتضلعكم من اللغة العربية الدكتور كراف وهو قسيس كاثوليكي من أحسن عارفي الأدبيات العربية النصرانية في ديار الإفرنج. وقد ألف كتابا بالألمانية عن لغة العرب النصارى ولا سيما، لهجتهم ودفع إلي نسخة من كتاب خطي موضوعه: (مجادلة أو محاورة بين الراهب سمعان وثلاثة من المسلمين) وطلب إلي أن أنقله إلى الألمانية وانشره وإذا وفقت لإتمام نقله أعرضه على حضراتكم لتروا رأيكم فيه لأن ما تقولونه فيه يكون حجة لا تنكر. كل ذلك لأن أساتذتي قد طبعوا في نفسي تقدير علمكم ورسوخ قدمكم في لغة الضاد المحبوبة الواسعة في بحار مبانيها ومعانيها وأرجوكم في الختام أن تقبلوا عذري وتغفروا لي تقصيري وحفظكم الله منارا وهدى لمن أستهدي بكم.
الأخ تيلو بنرث البندكتي
كتاب يوبيل الكرملي
لا مشاحة في أن اتفاق العلماء ورجال الحكومة والسياسة من كل المذاهب والأحزاب على تكريم أحد رجال العلم الذين خدموا وطنهم هو البرهان الساطع على أهلية واستحقاق النائل الإكرام ودليل واضح على النهوض والرقي في تلك البلاد.
وما الاحتفال الشائق باليوبيل الذهبي للأب أنستاس الكرملي الذي عني بإقامته في 7 ت1 سنة 1928 أدباء بغداد وعلماؤها ووزراؤها اعترافا بالخدمات الجلي للغة العربية الذي قام بها هذا الكاتب المعروف واللغوي المدقق نصف قرن إلاّ دليل حسي على النهضة الحديثة المباركة في العراق وعلى أهلية المحتفى به ورفيع مقامه في عالم العلم والأدب فالأب
الكرملي درس وبحث ونقب وكتب وعلم وألف بنشاط(7/320)
وأمانة هذه السنين الطوال في اللغة العربية فأستحق ثقة وثناء أبناء هذه اللغة الشريفة.
أهدي إلينا مؤخرا جزء اليوبيل الذي أصدرته مجلة لغة العرب وتصفحناه فوجدنا في ما جاء فيه من بليغ المنظوم والمنثور تقديرا جميلا لمواهب الأب الكرملي وعبقريته وغيرته على لغة العرب.
ويسرنا أن نرى أنه قد اشترك في إكرام هذا العالم أما خطابة في حفلة اليوبيل أو كتابة إلى المحتفى به أو على صفحات المجلات والجرائد أدباء العرب والفرس من العراق ومصر وسورية وإيران. فمجلة الكلية تضم صوتها إلى أصوات هؤلاء الأدباء بالثناء الصادق على الزميل الكريم الأب الكرملي محبذة ما جاء في الكتاب من آيات الاعتراف بخدماته الثمينة وتسال الله أن يطيل عمره ليستمر نفعه بعلمه وأدبه وفضله لبلاده الناهضة ولسائر الأقطار العربية.
عن مجلة الكلية 237: 15
يوبيل الكرملي والنهضة اللغوية الحديثة
كان وقت لم يحفل فيه أحد بتكريم نوابغ الرجال بيننا إلى أن أخذ الاستيقاظ الفكري يتمشى في بيئاتنا المتعلمة، فبدأنا حينئذ نلتفت إلى هذا الواجب الاجتماعي فأهتم عظماؤنا بتكريم المرحوم العلامة سليمان البستاني معرب (الإلياذة) وتبعث ذلك حفلات للتكريم مناسبة وجديرة بالاعتبار. ثم جاء وقت أصبحت فيه حفلات التكريم مذالة تقام بمناسبة وبغير مناسبة لكل من خدمته الظروف، سواء كان أو لم يكن على جانب من المواهب المذكورة وأخيرا في عهدنا الحاضر - عهد التيقظ الآثم - أخذنا نعنى بتكريم نوابغنا في مصر خاصة وفي العالم العربي عامة ولكن بميزان.
ولعل من أصدق المظاهر لهذا التنبه المحمود حفلة اليوبيل الكبرى التي أقيمت حديثا في بغداد لإمام اللغة الشعير الأب أنستاس ماري الكرملي، وقد اشتركت في إقامتها الحكومة العراقية ورجال الأدب في العالم العربي ومشاهير المستشرقين ولو كانت الحفلة في مدينة سهلة المواصلات لحضرها الجم الغفير من أهل العلم والأدب من مختلف الأقطار ولكانت مؤتمرا أدبيا عظيما، ولما اكتفى الكثيرون اضطرارا(7/321)
بإهداء تمنياتهم الطيبة عن بعد. على
أننا نرجو أن يكون لمصر حظ خاص في تكريم حضرة الأب الجليل بين ربوعها في المستقبل.
ولكن لماذا نعلق أهمية خاصة على هذا اليوبيل؟ ليس ذلك لمنزلة فضيلة الأب المحتفل به فقط، ولكن لظروفه الاجتماعية أيضاً. فالأب الكرملي راهب متقشف يعيش في بيئة منقسمة إلى شيع وطوائف دينية شديدة التعصب، تنفر كل منها من الاعتراف بفضل من ينتسب إليها، وكثيرا ما تستحل الطعن في أخيار الرجال مدفوعة بعامل التعصب المذهبي الذمي!!! ولكن برغم كل ذلك لاقى الأب الكرملي من الحفاوة البالغة به ما دل دلالة صريحة على التيقظ الفكري السليم في العراق بل في العالم العربي بأسره وكان ذلك في دار فخامة رئيس الحكومة العراقية برعاية معالي وزير معارفها، وبأشراف كثيرين من الوجهاء والأدباء وصفوة أبناء العراق على اختلاف مشاربهم وعقائدهم الدينية والسياسية.
ولد الأب أنستاس في بغداد 5 آب (أغسطس) سنة 1866، فهو الآن شيخ جليل يناهز السبعين من سني حياته المباركة ولكنه ما يزال فتى في نشاطه وهمته وصفاء تفكيره وجلده العظيم وفي حبه للعمل المنتج، واهبا نفسه هبة صادقة للغة والأدب، مستبقيا عهده الديني في تقشفه الدائم.
وقد أنفق الأب الفاضل نحو خمسين عاما في تدريس العربية وآدابها؛ فقد ظهرت علامات نبوغه المبكر وهو ابن ست عشرة سنة وحينئذ تولى التدريس في مدرسة الكرمليين ببغداد، وكان قبل ذلك يقوم بالتدريس الخاص، وهذا نبوغ مبكر حقا، ولم يكن نشاطه قاصرا على التدريس بل كان يكاتب طائفة من كبريات الصحف والمجلات في ذلك العهد (كالبشير) و (الصفا) و (الجوائب) مهتما بالأبحاث اللغوية والأدبية. وفي سنة 1886 م قصد المدرسة اليسوعية الأكليريكية في بيروت لتدريس العربية وفي الوقت ذاته كان يدرس اليونانية واللاتينية.
وقد أتم فضيلة الأب الكرملي دراسته الدينية ورهبنته في بلجيكة وفرنسا وبعد أن قسس غادر فرنسة إلى الأندلس ليطلع على مخالفا الحضارة العربية.(7/322)
ثم عاد إلى بغداد فتولى إدارة المدرسة الكرملية وتعلم العربية والفرنسية فيها إلى أن تفرغ أخيرا لأبحاثه المستقلة العظيمة ولمجلته الشهرة (لغة العرب).
وقد زار المترجم مصر كما زار أوربة مرارا، وكذلك تجول في كثير من أقطار الشرق، فأكتسب بذلك معارف شتى وخبرة واسعة بطباع الناس وأخلاقهم وميولهم.
ولفضيلته من الأبحاث المبتكرة في كبريات المجلات (المقتطف) و (الهلال) و (المشرق) و (الزهور) و (المقتبس) و (المباحث) و (المنهل) و (الزهراء) و (فتاة الشرق) وغيرها ما كان ولا يزال موضع العناية والإجلال سواء كان بإمضائه الصريح أو بإمضاء مستعار كما كان يفعل كثيرا زهدا في الشهرة، وحبا في خدمة اللغة والأدب والتاريخ لذاتها.
ويعد الأب الكرملي عن جدارة الحجة الثقة في فلسفة اللغة العربية وشيخ أئمتها وما كان ذلك عن إطلاع كبير أو عن ذاكرة نادرة فقط بل كان أولا لعبقريته المبتكرة الفذة، فإذا أردت دليلا عليها في مجال البحث المستقصى المشبع بالتحليل والذكاء والاستنتاج العميق فحسبك ان تقرأ ما كتبه عن (أداة التعريف في التاريخ) كمثال لمباحثه الجليلة التي لم يسبقه إليها باحث ولم يلحقه فيه مجتهد: وإذا أردت نموذجا لنقده اللغوي الدقيق الممتلئ بالإنصاف والأحكام فحسبك أن تقرأ ما كتبه في نقد معجم (البستان). وهذه مجلته (لغة العرب) مفعمة دائما بالكثير من مباحثه النقدية الثمينة.
وقد أدى تخصص الأب الكرملي في فقه اللغة العربية إلى اهتمامه بلغات شرقية قديمة وحديثة وتضلعه منها كاللغات الآرامية والعبرية والحبشية والفارسية والتركية والصابئية، دع عنك اللغات الأوروبية القديم منها والحديث على السواء فأصبح دائرة معارف لغوية مدهشة، وصار علما لا يسامى في منزلته ومعارفه الفذة الممتازة التي يستثمرها خير استثمار في جميع كتاباته ومباحثه.
وقد نكب الأب الكرملي أثناء الحرب العظمة بتبديد مكتبته الكبيرة على أيدي الأتراك وبنفيه زمناً إلى قيصري حيث لاقى صنوفا من الهوان والعذاب حتى إذا ما عاد إلى وطنه أنكب غير يائس على إصلاح ما أتلفت ظروف الحرب والسياسة(7/323)
مجددا قدر الطاقة مكتبته، ومضاعفا جهوده لخدمة اللغة العدنانية. ورغم مكانته العالية في جميع المحافل الأدبية واللغوية وفي دوائر المستشرقين التي كثيرا ما ترجمت مقالاته إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية والروسية والإيطالية والأسبانية فأنه لم يقو على نشر تأليفه وهي كثيرة حتى إذا استثنينا منها ما عبث به أيدي الغزاة أثناء الحرب العظمى حين تبديد مكتبته ونفيه مع من
نفي من كرام العراقيين ومن أهم تأليفه (غير تصحيح المعاجم الكبرى وغير اشتراكه في تهذيب تأليف جمة تنشر ونشرت في الشرق العربي وفي أوربة) هذه الأسفار القيمة: (جمهرة اللغات) و (كتاب الجموع) و (كتاب السحائب) و (الغرر النواضر) و (العرب قبل الإسلام) و (شعراء بغداد وكتابها) وكلها تتناول من مباحث اللغة والأدب ومسائل التاريخ ما يمتاز بالابتكار والتعمق والاستقصاء بحيث تسد فراغا عظيما في ثقافتنا اللغوية والتاريخية، ويبلغ مجموع مؤلفاته نحو ثلاثين كتابا جديرة كلها بالذيوع والإجلال. ولعل أهم ما يعنينا منها معجمه الكبير الذي ضمنه ما ذكرته المعاجم القديمة وما أغفلته ويجب أن لا ننسى أيضا فضله العظيم في وضع ألفاظ جديدة لكثير من المسميات الحديثة، نستعملها تكرارا دون أن نعرف مبدعها المتواضع المتواري ولعل أشهرها لفظ (برقية) لكلمة (تلغراف). ولفظ معلمة لكلمة (انسيكلوبيديا).
ومن المصريين الذين كتبوا عن الأب الكرملي كتابة تاريخية ذات تحليل فلسفي الأستاذ أحمد الشايب الذي عد الكرملي في العراق بل في الشرق العربي مدرسة قائمة في شخصه يقابلها في مصر دار العلوم. وعندنا أن الأب الجليل أسمى من ذلك. وحسبك أن تطلع على آثار المستشرقين ومجلاتهم وعلى جميع الكتب العربية المحققة الهامة التي صدرت في أواخر القرن الماضي وفي هذا القرن لترى النفوذ اللغوي والأدبي للعلامة الكرملي منبثا فيها. حينما لا تجد شيئا من هذا لأساتذة دار العلوم. . . فلا عجب بعد ذلك إذا كانت سيرة هذا اللغوي الكبير مبجلة في الغرب وموضوع كتابه أمثال كراتشكوفسكي المستشرق الروسي. وغريفيني المستشرق الإيطالي، كما أنها موضوع إجلال كل عربي يبجل العلم النزيه غير متأثر بالتعصب الأعمى لجنس أو دين أو مذهب.(7/324)
وبعد هذا، فما هو أثر الكرملي في نهضتنا اللغوية الحاضرة ولماذا يكون ليوبيله ميزة خاصة؟
وعندنا أن الإجابة على هذا السؤال الوجيه ميسورة وخليقة بالاهتمام بها؛ فلنجملها في النقط الآتية:
(1) الأب الكرملي مثال لرجل العلم اللغوي الصادق الذي يقدس النزاهة العلمية غاية التقديس: وحسبنا أن نذكر مناقشته التاريخية الحادة للأب لويس شيخو اليسوعي حينما
نسب النصرانية خطأ إلى بعض شعراء العرب وأدبائهم. فأبت ذمة الألب الكرملي النصراني أن يقبل ذلك إنصافا للعلم والتاريخ. وهذه الصفة النزيهة متجلية في جميع كتاباته بحيث أنه يتساوى أمامه في مجال النقد الأصدقاء وغيرهم على السواء. وهذا ما جعل الكرملي قدوة صالحة في النقد وكون لارائه المستقلة قيمة ثمينة في عالم الأدب كما خلق كثيرين من الخصوم بين الجهلة والمغرضين وأهل الإدعاء الكاذب.
(2) للرجل فضل لا ينكر في حركة النشر اللغوي والأدبي الصحيح شرقا وغربا ونظن الأستاذة أحمد زكي باشا وأحمد تيمور باشا والدكتور محمد شرف بك وأمثالهم في مقدمة من يشهدون بذلك وهذا ما يجعل العالم العربي بأسره مدينا لفضله العميم.
(3) وضع الأب الكرملي قواعد جديدة للبحث والنقد اللغوي ولدراسة فقه العربية تنم عن ذكاء عظيم ومقدرة فائقة. فشجع الابتكار في الدرس والبحث وقضى على أساليب القدامى النقلية التي جنت شر جناية على ثقافتنا اللغوية وأطالت أسرها في سلاسل التقليد.
(4) قضى الأب الكرملي على التقطع اللغوي وبرهن برهانا عمليا على أن العالم اللغوي يجب أن لا يتجرد من صفات الكاتب الأديب العصري وهذا ما يمتاز به أسلوبه دون غيره من اللغويين المتحذلقين وإن لم يدانوه معرفة وذكاء.
(5) عاش الرجل طول حياته الثمينة العامرة مثال النزاهة والشمم والإخلاص الكلي لما وهب نفسه له، فأستحق بتضحياته المتنوعة المتواصلة إكبارنا الأوفى.
عن مجلة (العصور) جزء مارس 1929 ص 319(7/325)
فوائد لغوية
عثرات إبراهيم اليازجي وجرجي جنن البولسي في مغالط
الكتاب ومناهج الصواب
(مغالط الكتاب ومناهج الصواب): أسم كتيب محتو على إصلاحات لغوية جمعها الأب (جرجي جنن البولسي) مما كتبه المرحوم الشيخ إبراهيم اليازجي ومما كتبه هو نفسه. وقد ألفيت آثار عثرات في هذه المناهج فوجب علي أماطة العواثير عنها والإشارة إلى المعاثر خدمة للغتنا الضادية وتنبيهاً لكتاب العربية الكرام على أشياء يستحسن الوقوف عليها وإليك ذلك:
1 - نقل الأب جرجي في ص 131 عن الشيخ إبراهيم اليازجي قوله (وغلط أفظع قولهم: أولد عمرو كذا بنين) ثم ذكر عنه أن الصواب (ولد عمرو كذا بنين) ولم يذكر سبب التغليط غير أني حسبته (كون الثلاثي متعديا فلا حاجة لنا إلى استعمال الرباعي). واليازجي لم يصب في تخطئته لأن العرب تستعمل أحيانا أفعالا متعدية إلى مفعولين فتهمل أحدهما وتذكر الأخر وأن هنالك من لم يذكرهما كليهما ومن الأدلة الناطقة قول الرسل عليه السلام لعلي (ك) (أما إنك ستسام مثلها فتعطي) يريد (فتعطي منازعيك مثلها) ولكنه حذف المفعولين. فقولهم (أولد عمرو كذا بنين) قد حذف منه مفعول واحد فقط وذلك شيء مألوف كقولهم (أعطى درهما) و (ألبس ثوبا) لأن المعطي منوي وكذلك الملبس. فأصل قولهم إذن (أولد عمرو زوجه كذا بنين) ولكنهم حذفوا (زوجا) وما بقي فدال على المحذوف فالقول المذكور فصيح لا يستوجب الطعن ولا الاستنكار.
2 - وقال الأب نفسه في ص 121 ناقلا عن اليازجي مسندا غليه (النيف الزيادة أو ما زاد على العقد إلى أن يبلغ العقد الثاني. ولا يأتي إلاّ بعد عقد.(7/326)
غلط قولهم: (نيف وعشرون دينارا. صوابه: عشرون دينارا ونيف) قلت: إن تغليط اليازجي المرحوم من غريب الغلط لأنه أنكر تقدم النيف للعقد مع أن الفصحاء الكبار قدموه. ومن ذلك قول (الحسن بن رجاء) في الكامل (ج 1 ص 216) (ونحن إذ ذاك نجري
على نيف وسبعين) وقول أبي العباس المبرد فيه ج 2 ص 54 (قد ولدت في العرب نيف وعشرين حيا) وهذا نص صريح على خطأ اليازجي. فالقائل (نيف وعشرون دينارا) مصيب كل الإصابة ومستعمل للفصيح من الكلام.
3 - وقال الجامع في ص2، 1 (غلط: لا يفنيه كر الأيام. صوابه: كرور الأيام) ثم عرض السبب وهو أن معنى الكر والكرور والتكرار لا تقتضيه الحال لأنه من (كر) بمعنى عطف وحمل وهجم وأن الموافق لمقتضى الحال (الكرور) بمعنى الرجوع) قلت: وليس الرجل مستندا إلى دعوى رصينة لأن هجوم الأيام أشد إفناءا من رجوعها فهو يحتمل الشدة والتكرار معا. ففي قولهم إذن معنى كبير. قلت ذلك فضلاً عن أن تعبيرهم من تعابير السلف الفصيح. فقد قال أبو الأسود الدؤلي:
أفنى الشباب الذي أفنيت جدته ... (كر الجديدين) من آت ومنطلق
فلقد رأيت قوله (كر الجديدين) أي الليل والنهار فما وجه التخطئة وللقائل أسوة حسنة في أول جامع للنحو وهو من أشهر الفصحاء؟ وقال الصلتان العبدي:
أشاب الصغير وأفنى الكبير ... مرور الليالي و (كر العشي)
4 - وقال في كلامه على مهما (وتاتي ظرفا بمعنى (كل مرة) نحو: مهما يزرني زيد أكرمه. أي كل مرة يزورني) قلت أن المشهور عن (مهما) كونها لغير العاقل وتستعمل في الاشتراط. وإن كلامه فيه ارتباك عبارة فقد قال (أي كل مرة يزورني) والصواب (كل مرة يزورني فيها) أو (كلما زارني) فهو استعمل (كل مرة) بدلا من (كلما) وشتان ما هذان التعبيران وما أضعف (كل مرة) أمام (كلما)!!
5 - وذكر في ص 101 قول اليازجي (ويقولون: رأيته أكثر من مرة وجاءني أكثر من واحد. ومقتضاه: إثبات الكثرة للمرة وللواحد لأن المفضل(7/327)
عليه في معنى من المعاني لا بد أن يشارك المفضل في ذلك المعنى فقولك: بكر أشرف من خالد يتضمن إثبات الشرف لخالد مع زيادة بكر عليه فيه) اهـ. قلت أن اليازجي قد ألتبس عليه استعمال (أفعل التفضيل) فعده ذلك العد. ألا ترى أن الجملتين اللتين عدهما خطأ فيهما اسما تفضيل قد تقدمهما فعلان مختلفا الاستعمال. فالأول ذكر معه فاعله فصار أسم التفضيل (مفعولا مطلقا) وهي في الأصل صفة للمفعول المطلق) المحذوف. والتقدير (رأيته رؤية أكثر من مرة)
فليس في الكرم إثبات الكثرة للمرة. أي كما ادعى اليازجي وإنما الكثرة للرؤية. فالمصدر مفضل والمرة مفضل عليه ولا خطأ في الكلام لأن الرؤية التي هي أكثر من مرة تشمل المرتين وأكثر منهما. وكذلك قولهم (جاءني أكثر من واحد) لأن الذي هو أكثر من واحد (اثنان فأكثر منهما) وتقديره (جاءني بشر أكثر من واحد) أما ضرب اليازجي (بكر أشرف من خالد) مثلا للاستدلال فمرغوب عنه لأن ما قبل أسم التفضيل في المثل (أسم هو بكر) وقد ارتبط اسم التفضيل بالدلالة على التفضيل صريحا. فلو كان قد قال (جاءني أشرف من خالد لأصاب حقا. وتقدير قوله (جاءني إنسان أشرف من خالد). ولكن حذف الموصوف فنابت الصفة منابه فليس من خطأ ثم.
6 - وقال في ص 123 ناقلا عن اليازجي (أما هاته فلم ترد في شيء من كتب المتقدمين وما هي بالفصحى ولا الفصيحة) قلت ذلك جزم يدل على أن اليازجي قد قتل كل كتب اللغة بحثا وتفتيشا فلم يجدها ولكن الحقيقة غير ذلك فقد وردت في كتب المتقدمين بنص صريح. قال أبو العباس المبرد (ذي: معناه ذه. يقال: ذا عبد الله وذي أمة الله وذه أمة الله و (ته) أمة الله ثم قال: وتقول (هاته هند وهاتي هند) وذلك في الجزء الثالث من الكامل. الكلام في ص 59 و60 وفي مختار الصحاح (تا اسم يشار إلى المؤنث مثل ذا الذكر و (ته) مثل (ذه) فاليازجي مخطئ في ما ذهب إليه لا محالة لن المبرد ذكر (ته) وأدخل عليها (ها) التنبيه والمختار ذكرها من غير (ها).
(لها بقية)
مصطفى جواد(7/328)
باب المكاتبة والمذاكرة
أألمذمر أم السماوة؟
قرأنا في مجلة المعهد الطبي العربي (194: 6) مقالة هذا نصها:
موازنة بين كلمتين (مذمر) و (سماوة)
جاءتنا المقالة الآتية من حضرة اللغوي الكبير الشيخ عبد القادر المغربي عضو المجمع العلمي تعليقا على كلمة مذمر فنشرناها شاكرين له غيرته على اللغة.
حضرة الفاضل رئيس إنشاء الطب العربي.
قلتم في الجزء الأول الصادر في هذه السنة من مجلتكم تعليقا على كلمة (مذمر) أن العلامة الأب أنستاس الكرملي هو الذي وضع هذه الكلمة لتقوم مقام كلمة الأفرنسية التي يراد بها الصورة النصفية وأن (المغربي) وضع كلمة (سماوة) للدلالة على ذلك المعنى.
وكنتم قبل هذا التعليق سألتموني لماذا لم ارتض كلمة (مذمر) وعدلت عنها إلى (سماوة) مع أن مذمر تفيد معنى كل الإفادة هكذا قلتم وهاأنا أملي رأيي عليكم.
أول من أشار بوضع كلمة (سماوة) للصورة النصفية هو الشيخ مكي الخضر التونسي. وقد نشر ذلك في مجلة (الزهراء). فلما أطلع على قوله الأب أنستاس ذكر في مجلة (لغة العرب) ما قاله الشيخ مكي ثم عقبه بأن كلمة سماوة غير موافقة للكلمة الافرنسية وأن كلمة (مذمر) أصلح منها للاستعمال.
ولما قرأت قولهما راجعت كلمة (مذمر) وتأملت في معناها وطرائق(7/329)
استعمالها فلم أجدها تفضل على كلمة (سماوة) لا من جهة دقة المعنى ومطابقته للمراد من كلمة ولا من جهة رشاقة اللفظ وعذوبته. ولذا عولت على اختيار كلمة (السماوة) فذكرتها في جملة (الكلمات الجديدة) التي أشير على الكتاب والمحررين باستعمالها في كتاباتهم وأنشر هذه (الكلمات الجديدة) في جريدة (ألف باء). وقد قلت عند الكلام على (سماوة) ما نصه:
(أستحسن بعض الفضلاء أن نستعمل كلمة (سمامة) للصورة الكاملة: ففي كتب اللغة أن
(السمامة) تطلق على شخص الرجل بتمامه إذ يقال (فلان بهي السمامة. ظاهر الوسامة) كما نقول بهي الطلعة. ولا نريد إلا شخصه كله أما الصورة النصفية فنستعمل لها كلمة (سماوة) بالواو: ففي كتاب الأماني لأبي علي القالي (جزء 1 ص 25) أنه يقال لا على شخص الإنسان (السماوة). وفي القاموس وشرحه: (سماوة كل شيء شخصه العالي اهـ).
هذا ما قلته استنادا إلى نصوص علماء اللغة. وعباراتهم واضحة جلية تشف عن المعنى الذي نريده لكلمة كما يشف البلور الصافي عما أشتمل عليه. أما عبارات علماء اللغة في تفسير كلمة (المذمر) فلا تشف عن المعنى الذي نريده لكلمة إلاّ بتكلف: ففي القاموس وشرحه أن المذمر كمعظم القفا. وقيل المذمر أسم لعظمين في أصل القفا. وهذان العظمان كما يسميان (المذمر) يسميان أيضا (الذفرى وقيل (المذمر هو الكاهل. وقد جمع الأصمعي بين هذه المعاني في تفسير (المذمر) فقال المذمر الكاهل والعنق وما حوله إلى (الذفرى) و (الذفري) كما مر هي العظمان في أصل القفا أو العظم خلف الأذن.
وإنما سمي هذا المكان ن القفا (مذمرا) بفتح الميم المشدودة لتعلق فعل (التذمير) به. و (التذمير) أن يدخل الرجل (المذمر) بكسر الميم المشدودة (والمذمر للإبل كالقابلة للناس) - يده في حياء الناقة فيلمس مذمر جنينها الذي في بطنها (أي يلمس قفاه أو العظمين اللذين في قفاه أو العظم الناتئ خلف أذنه أو كاهله) - فيعلم إذ ذاك أن كان جنين الناقة ذكرا أو أنثى.
وقال بعضهم في تفسير (التذمير) هو أن (المذمر يلمس المذمر أي لحيي الجنين: فإن كانا غليظين كان الجنين فحلا. وإن كانا رقيقين كان ناقة. وهذا التفسير زادنا في معاني (المذمر) أن يكون بمعنى (اللحي) وهو عظم الفك.(7/330)
فنلخص من هذا جميعه أن (المذمر) في لغة العرب هو عضو من أعضاء الجسم لا يعدو أن يكون (القفا) أو (العظمين في القفا) أو (العظم خلف الأذن) أو (الكاهل) أو (اللحي).
هذه هي المعاني التي يتعاورها لفظ (المذمر). وعبارة التاج التي نقلها الأصمعي وهي قوله (المذمر الكاهل والعنق وما حوله إلى الذفرى) وهي التي أستند إليها الأب أنستاس - موجزة فسرها الأصمعي نفسه وأوضحها بأكمل إيضاح.
ففي شرح نقائض جرير والفرزدق (جزء 1 ص 352) طبعة أوربا عند قول الفرزدق:
(كيف التعذر بعد ما ذمرتم ... سقبا لمعضلة النتاج نوار
ما نصه:
(ذمرتم أي مسستم مذمرة عند نتاجه، وقال الأصمعي) للمذمر مكانان يمسهما المذمر: فأحدهما ما بين الأذنين إذا وجده غليظا تحت يده علم أنه ذكر. وإذا رآه يموج تحت يده علم أنثى. والمكان الآخر: أن يمس طرف اللحي فأن وجده لطيفاً علم أنه أنثى وأن وجده جاسئا (قاسيا صلبا) علم أنه ذكر اهـ)
فبعد هذه النقول كلها لا يصح القول بأن (المذمر) له معنى لغوي باعتباره يصح إطلاقه على الصورة النصفية للإنسان. وإنما (المذمر) مكان خاص أو عضو خاص من النصف الأعلى للإنسان بل ربما كان أكثر استعماله في الإبل كما مر صراحة وهو لعمري لا يعدو المكان الواقع بين الكتف والرأس في العنق كما قال الزمخشري في الأساس.
فالمذمر إذا مما يحسن أن يهديه صديقنا العلامة الكرملي إلى علماء التشريح عامة. أو علماء البيطرة خاصة.
إلاّ أن يكون لدى الأب المحترم علم أو قول لعلماء اللغة في تفسير (المذمر) لم نهتد بعد إليه. والسلام عليك وعليه.
المغربي
فنجيب حضرة الأستاذ المغربي صديقنا المحبوب عن كلامه النفيس بما يأتي:
(يعلم القوم أننا هيأنا معجما من الفرنسية إلى العربية كما أعددنا دواوين لغوية أخرى. وكنا قد وضعنا منذ نحو ثلاثين سنة لفظة (المذمر) لما يسميه الإفرنج وذلك بعد أن وقفنا عل كل ما جاء من الألفاظ التي تقارب(7/331)
المعنى المطلوب له وضع ما يقابله في لغتنا، فلم نجد أحسن منها ولا نرى غيرها في لساننا يؤدي مؤداها. والذي زادنا تمسكا بها ما قرأناه في المخصص (52: 1) (قال) ثابت: السمامة والآل: الشخص. . . وقد يكون الشبح والسمامة والسماوة شخوص غير الآدميين. وأنشد في الشبح. . . وفي السمامة. . . وفي السماوة:
سماوته أسمال برد محبر ... وصهوته من أتحمى معصب
يعني (بيتا) تظلل فيه في قائلة في فلاة من الأرض) اهـ. وهذا ما يسمى بالفرنسية كما هو مدون في معجمنا، ومن أسمائه في لغتنا المبينة: السواد، والجماء، والسدف (وجمعها
سدوف)، والشدف (وجمعها شدوف)، والزول واللام، إلى غيرها وهي كثيرة، فإذا كانت السماوة هي فما عسى أن تكون ولا جرم أن الصديق المغربي لو علم أن في لغة الفرنسيين لفظة أخرى تقابل كل المقابلة كلمة سماوة لما رضي أن تكون هذه الأخيرة مقابلة للإفرنجية
والذي يزيدنا تمسكا بالمذمر ما جاء عن ابن مسعود، فقد قال: انتهيت يوم بدر إلى أبي جهل وهو صريع فوضعت رجلي في مذمرة فقال: يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعبا. قال: فاحترزت رأسه. قال الأصمعي: المذمر هو الكاهل والعنق وما حوله إلى الذفرى. انتهى عن التاج وكذلك شرحه ابن الأثير في النهاية. فهل يعقل أن يكون المذمر هنا القفا وحده أو العظمين في أصل القفا أو الذفرى؟ - أم مجموع كل ذلك إلى الكاهل حتى استطاع ابن مسعود أن يضع عليه رجليه الاثنتين؟ - فليصدقنا القارئ. والفرنسيون لا إلاّ إذا كان إلى الكاهل أي ولهذا أخطأ كل من نقل إلى لغتنا هذه اللفظة ب (صورة نصفية) إذ ليست كذلك، ويخطئ من ينقلها إلى قوله (السماوة) لأننا لو سلمنا أنها بمعنى أعلى الشخص أو أعلى الإنسان فهذا يفيدنا نصفه الأعلى وهذا خطأ كالسابق. دع عنك من قال: أن اللغويين جميعهم اتفقوا على أن السماوة والسمامة بمعنى واحد، وكلتاهما لا تفيد الصورة الواضحة المبينة للإنسان بل تفيد الشخص لا غير، والشخص هو كل شيء يرى غير واضح عن بعد، بل يرى كأنه خيال، بل (الخيال) نفسه هو من أسماء(7/332)
السماوة ومرادفاتها وكذلك الظل والطيف وكل ذلك إذا لم يكن واضحا، فأن كان بينا واضحا فلا يسمى بتلك الأسماء. إذن لا يحسن بنا أن نوجه كلام السلف إلى غير معانيه كما لا يليق بنا أن نضع للألفاظ الإفرنجية ألفاظا لا تقابلها كل المقابلة إذا دققنا النظر فيها تدقيق ناقد. أما إذا نظرنا إليها نظرا مجملا بلا روية فهذه أمر آخر ولسنا من الذين يذهبون إلى الأخذ به.
وبعد هذا القول الواضح الجلي ليتبع الإنسان ما يهوى فهو حر في ما يتبع.
مجمل اللغة لابن فارس
سألني أحد أدباء بغداد عن كتاب (مجمل اللغة) المخطوط لأحمد بن فارس المتوفى سنة 395 هـ أتوجد منه نسخ مخطوطة عندكم في (النجف فأجبته أن في النجف على ما أعلم من هذا الكتاب ثلاث نسخ (إحداها) كانت في خزانة العلامة السيد محمد اليزدي الطباطبائي
المتوفى سنة 1334 هـ وقد بيعت مع جميع الكتب (المطبوعة والمخطوطة) الراجعة إلى السيد المذكور في العام الماضي ولم أعلم من ابتاعها و (ثانيتها) أبتاعها الصديق الشيخ كاظم الدجيلي نزيل لندن حين زيارته النجف في صفر سنة 1346 هـ سنة 1927 م من (أحد الكتبيين) مع كتابين مخطوطين نفيسين لا يعلم مؤلفاهما (الأول) في (علم الحيوان) وقد انخرم مقدار من أوله وآخره (والثاني) في (علم التفسير).
وكانت نسخة (مجمل اللغة) التي ابتاعها الشيخ المذكور قديمة الخط كاملة الأول والآخر عليها خطوط بعض العلماء، و (ثالثها) في خزانة العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء وهذه النسخة في غاية الحسن والنفاسة وفي أعلى مراتب جودة الخط والإعراب.
وفي هذه الخزانة أيضا نسخة من (مقاييس اللغة) لأحمد بن فارس المذكور الموجودة لديكم نسخة منه.
وحبذا لو تسنى لأحد عشاق الفضل وخدام اللغة العربية أحياء هذين الكتابين (المجمل والمقاييس) اللغويين بعد التصحيح والتنقيح والضبط والتشكيل ليسدي للغة العربية خالد الذكر، ويستحق بذلك جميل الشكر.
النجف: عبد المولى الطريحي(7/333)
أسئلة وأجوبة
أصل كلمة بارياء
س - بغداد: ب. م. م - ذكرتم في لغة العرب 782: 6 أن (البارية أو البورية فارسية لا تحتمل شكا) ثم قرأنا في إحدى مجلات بيروت مقالة لأحد الأدباء يذهب فيها إلى أن اللفظة أكدية من أو وكتب لتأييد رأيه مقالة في نحو عشر صفحات فما رأيكم؟
ج - أضحكتنا هذه المقالة كثيراً لأسباب منها: إن صاحبها أراد أن يفهمنا بأنه واقف على لغات الأقدمين والمحدثين من مسمارية الكتابة وزنديتها وارميتها إلى غيرها - 2 - ذكر وجود الأقدمين في سقي الرافدين ولم يذكر للفرس الأقدمين فيها وجوداً - 3 - ذكر فيها قوله ساخرا من علمائنا ولغويينا بهذه العبارة (أما أهل المعاجم العربية، فلعدم معرفتهم كل هذا (إنها من الأكدية وفروعها) ولوجودهم الكلمة في الفارسية. سقطوا في وهدة الضلال (كذا سامحك الله على هذه الإهانة) بادعائهم أنها فارسية فورطوا في ورطتهم حتى أئمة عصرنا الممحصين، المنتقدين، المغربلين، القائلين القول الفصل!! (كذا بنصه ونقشه على ما به من التبجح والتكبر والتصلف والتعجرف فالمسألة صغيرة تافهة لا تتحمل كل ذلك) (راجع المشرق 89: 27) - 4 - رأينا من كلام الأديب (المهذب) إنه حديث العهد بالوقوف على علم أصول الكلم. لأننا إذا أخذنا الآن لفظة من الفرنسيين أو الإنكليز أو الإيطاليين فلا نقول أننا أخذناها من القوم الذين أخذها منهم هؤلاء الفرنسيون أو الإنكليز أو الإيطاليون بل نقول: أخذناها من الفرنسيين إذا كنا تلقيناها منهم أو من الإنكليز أو الإيطاليين إذا أخذناها من أحد هذين القومين.
والدليل على ذلك أننا نعرض على الكاتب مثالا من عدة أمثلة: ما تقول يا هذا(7/334)
في أصل كرتون ومتر وبكلة وبولس التي اقتبسناها من الفرنسيين في المائة الأخيرة من تاريخنا؟ فإن قلت أن الكرتون من الإيطالية والمتر وبوليس من اليونانية والبكلة من اللاتينية. قلنا لك لا يوافقك على هذا التقعر أحد من اللغويين المحدثين من إفرنج وعرب لأننا أخذناها من الفرنسيين ولهذا رويناها رواية الفرنسيين وإلاّ فأن أصول تلك الكلمات الفرنسية هي كما يأتي:
الكرتون الكرتون من كرتونه الإيطالية وهي من اليونانية خرطاس. والمتر من مترون اليونانية والبكلة من اللاتينية والبوليس من بوليتييا اليونانية. ولهذا لم يجز القول عندنا أننا أخذناها من هؤلاء القوام بل من السلف في كتب المعربات وحديثة نأخذها كل يوم من فرنجة هذا العصر كتلفون وفونغراف وغرامفون وغيرها بالمئات فأننا لا نأخذها من الروم أو اليونانيين بل من الفرنجة.
أما أن البارية هي (بورو) بالأكدية فنحن لا ننكره. وكنا قد رأينا ذلك في شرح الألفاظ الآشورية الفرنسية لصاحبه أنط. سوبين - ص 49 في السطر 6 من العمود الثاني، لكننا لم نقبلها لأن العرب أخذوها عن الفرس الذين طووا أيامهم في سقي الرافدين مئات من السنين من آخر المائة الثالثة قبل المسيح إلى منتصف المائة السابعة بعد المسيح. لأن بلادنا حكمها آشوريون وبابليون وفرس ومكدونيون وسلوقيون وفرثيون ورومانيون والسلف والترك. وبين الفرس والأكديين كان مئات من السنين ولا جرم أنه لم يبق من اللغة الأكدية شيء بعد عهد الساسانيين وانهدام مملكتهم.
ثم إن الأكديين أو الشمريين لم يعرفهم السلف في تاريخهم والاسم حديث العهد في اللغات الغربية نفسها فكيف يمكن أن يقال أن العربية من الأكدية. نعم أن أجدادنا الناطقين بالضاد اتصلوا بالفرس والفرس بمن سبقهم من البابليين والآشوريين بيد أن الألفاظ التي اقتبسوها منهم أفرغوها في قوالب لغتهم (فتفرست) ولم(7/335)
تبق أكدية أو شمرية.
ثم من قال له أن الأكديين هم الذين وضعوا هذه اللفظة. فقد يحتمل أن جيلا آخر سبق الأكديين في ديار الرافدين وهم الذين نقلوها عن غيرهم أو وضعوها هم بأنفسهم إلى غير ذلك من الاحتمالات. ومهما يكن من أمرها فأنها نقلت إلى (صيغة فارسية) أي إلى بوريا ولم تبق بورو؛ فهي في لغتنا (فارسية الأصل لا تحتمل شكا) مهما حاول الخلاف حضرة الشيخ شارح الخنفشار الذي يعارض بعلمه بيك الميراندولي الذي قيل عنه أنه كان يتقن كل ما يعرف وما وراء ذلك -
ولهذا إذا وضعت معجما عربيا وأردت أن تذكر فيه أصل كلمة برياء يجب عليك أن تقول أنها من الفارسية (بوريا) ولا يجوز أن تتعدى في أصلها إلى ما وراء ذلك فهذا عائد إلى الباحث عن أصلها في الفارسية فتأمل ترعو.
وهناك أدلة أخرى على ما نقول مأخوذة من ألفاظ العراقيين أنفسهم في عصرنا هذا. فأنهم يسمون مستودع البضائع ومحل بيعها بالمغازة وهي تركية بلا أدنى ريب وجميع المعاجم التركية العربية تذكر أنها من الفرنسية أي مأخوذة من (مغازين أو مغازن) إلاّ أن هذه الفرنسية هي من العربية مخازن جمع مخزن فإذا سألك سائل: من أين أتى العراقيين أسم (المغازة) فلا يمكنك أن تقول إلاّ من التركية. وإذا أردت أن تتعمق في ذكر الأصل تقول: والتركية من الفرنسية والفرنسية من العربية.
ومثل هذه الكلمة (همائل وهلال) فأن الأولى هي حمائل والثانية هي الخلال لما ينظف به الأسنان.
فهل فهمت الآن يا حضرة (المتبحر المتبقر المتقعر) ولهذا يجدر بك أن لا تتعرض لما لا يعنيك وتهرف بما لا تعرف - ليس هذا بعشك فأدرجي) والسلام على من لا يسوقه الهوى.
كذبة نيسان
س - بغداد - السيد ع. ر ح - ما أصل كذبة نيسان (أبريل)؟(7/336)
ج - كذبة نيسان ويسميها الإفرنج أي سمكة نيسان كذب اعتاده بعض المازحين ليخدعوا به السذج أو البله فإذا خدع قيل له (سمكة نيسان). ولم يتفق العلماء على تعيين أصلها. فمن قائل أنها ابتدأت في أواخر المائة السادسة عشرة للمسيح في حين انقطاع رأس السنة من أن تكون في أول نيسان لأنها كانت تبتدئ في هذا الشهر في الأزمن السابقة فاتفق أن ملك فرنسة وكان يومئذ شارل التاسع يقيم في قصر روسليون في دوفينة من أعمال فرنسية في سنة 1564 وأصدر مرسوما يقول فيه أنه ينقل رأس السنة الميلادية إلى شهر يناير (ك2) بدلا من أول نيسان (أبريل) ولما وقع هذا التغيير لم تعط هدايا العيد إلاّ في اليوم الأول من رأس السنة المحولة ولم يبق في أول نيسان إلا تبادل التهانئ تهانئ المزاح - للذين بقوا محافظين على رأس السنة القديم واستصعبوا بدءها في أول يناير (ك2) -، بل زادوا الطين بلة أنهم أخذوا يشيرون إلى عقليتهم التي لم تنطو على التغيير الجديد بأن يهدوا إليهم هدايا فارغة أو بأن يرسلوا إليهم رسلا كذبة. ولما كان هذا المزاج يقع في شهر نيسان (أبريل) وفي هذا الشهر تنتقل الشمس من برج السمك سمى الإفرنج هذه الكذبة بسمكة نيسان (أبريل).
والإنكليز يسمون كذبة نيسان يوم أحمق نيسان وعادة إرسال أناس لقضاء أمور تافهة أو لحمل هدايا فارغة معروفة في ربوع أوربة كلها وقد امتدت إلى أميركة وأسترالية وغلى جميع الديار التي دخلها الإفرنج وتكاد تكون في أصقاع الشرق كله، ولا سيما البلاد التي يكثر فيها الغربيون.
ومن الآراء في أصل هذه العادة المكروهة أن الإفرنج أخذوها من عيد هومي في الهند وفي ذلك اليوم يباح الكذب المحتفلون وقيل هي ذكرى لإرسال هيرودس المسيح إلى بلاطس وهذا إلى قيافا. وهناك غير هذه الآراء وكلها لا تقوم قيام الرأي الأول الذي أثبتناه في رأس الجواب. وقد ألقي هذا السؤال على جرائد ومجلات عربية مختلفة في سورية وديار مصر وكلها أجابت أجوبة ناقلة إياها من كتب الإفرنج إذ العادة إفرنجية: أما سلفنا فأنهم كانوا يجهلونها. والرأي الذي أوردناه لم تذكره صحيفة من صحفنا المذكورة.(7/337)
باب المشارفة والانتقاد
موادنا النقدية
سألنا بعض القراء عن تتمة مقال الأستاذ العلامة أحمد أفندي الشايب عن (الأخطل) فنجيبهم بأننا لم نتلقه بعد بسبب انهماك صديقنا الأستاذ في واجبات التدريس، ومتى سمح له وقته ووافانا به أحللناه منزلة الاعتبار الواجبة لعلمه وأدبه.
وسألنا غيرهم عن إتمام نقدنا لديوان العقاد ولديوان الحوماني وللبستان (معجم البستاني الحديث) باعتبار أن مثل هذا النقد الأدبي جامع لفوائد شتى حقيقة بالعناية والدرس. فجوابنا أنه لم يعقنا عن ذلك سوى كثرة المواد الأخرى كثرة غالبة، ولا مانع عندنا غير هذا العذر الاضطراري. وربما كان في ما نشرناه نماذج كافية تغني عن بقية النقد. ولا غرض لنا على أي حال سوى خدمة اللغة وآدابها.
41 - محمد والمرأة
ابن خلدون في المدرسة العادلية - محاكمة وزيرين في أمرين خطيرين
هذا الكتيب بقطع الثمن الصغير قوامه (83) صفحة مطبوعة بالحرف الأوسط بمطابع (قوزما) وقد ضمنه مؤلفه (الشيخ عبد القادر المغربي الأستاذ) ثلاث محاضرات له وجعله هدية الكشاف الثانية لعام 1928م وعناوين هذه المقالات هي عناوين هذا النقد بعينه. ففي الأولى تكلم على بعض الأحاديث النبوية الشريفة في سعادة المرأة وعلى الحجاب وتعدد الأزواج والطلاق وعلى يد المرأة المسلمة العاملة في نهضة المسلمين وفي الثانية تكلم على محاكمات الدولة العباسية وأن القضاء في أواسط زمنها أمسى قضاءا على الحق وإجهازا على العدل المثخن بالجروح وفي الثالثة تكلم على صفات ابن خلدون ومراوضته أعداءه(7/338)
وفضله على طلاب العلم، فهذا الكتيب جدير بالمطالعة، خليق بالتصفح حري بالمدح ولنا فيه لحظات:
1 - قال الشيخ في ص 24 منه حول الأفشين ابن أبي الساج (تارة يكون عاملا من قبل خمارويه. . . وطورا من قبل الموفق الخليفة العباسي) وهذا وهم منه لأن (الموفق) لم يكن
خليفة وإنما كان أخا المعتمد الخليفة العباسي (256 - 289) هـ غير أنه كان الآمر الناهي في الخلافة.
2 - وقال في ص 54 حول ابن خلدون (وهبط مصر سنة (874) للهجرة) والصواب (784) لأنه لم يحي بعد موته (66) سنة ولأنه توفي سنة (808) للهجرة أي سنة وفاة (تيمور) الأعرج مجادل ابن خلدون في هذه المحاضرة والبطل الثاني فيها.
3 - وقال في 62 (وكان الأجدر أن يمدح ابن خلدون لا أن يذم وذلك لاختراعه طريقة (ترجمة النفس) بشكل مفكرات أو مذكرات) وليس الأمر على ما قال الشيخ فأن (الرئيس ابن سينا) 370 - 428 هـ) أملى ترجمة نفسه بهذه الطريقة والفرق بين زمنيهما أربعة قرون فكيف يكون ابن خلدون (المخترع لهذه الطريقة)؟!!
4 - كثرة الأغلاط المطبعية نقصت من محاسن الكتيب ففي ص 4 (جمعية التهذيب) وفي ص 8 (وكل امرأة أم إن لم يكن بالفعل فبالقوة) ولعل الأصل (فبالقول) وفي ص 10 (لمغيت) وفي ص 13 (نفيسة المرأة وغرائزها) وفي ص 17 (ملكات الحجبان) والأصل (لمغيث، نفسية، الحجاب) وفي ص 35 (أخبرني بها القاضي) والأصل (أيها) وفي ص 17 أيضا (نصف أرت أخيها)(7/339)
والأصل (أرث) وفي ص 3 (أحاديث) أي أحاديث.
5 - الكتاب (مشحون غلطا لغويا ففي ص 3 (حقا أن مراعاة التناسب. . . هو موضع صعوبة) وفي ص 21 (فإباحة الزوجة الثالثة في شرع محمد إذن إنما هو سد لحاجة الطبيعة) والصواب (هي موضع) و (هي سد) لرجوعهما إلى المراعاة والإباحة.
6 - وقال في ص 4 - 5 (كانوا يرون في المرأة سببا لمذلتهم ولحوق العار بهم فتشاءموا بها إلى حد أن وأدوها) وكأني بالشيخ قد أغضى عينه عن قوله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) وقوله (ولا يقتلن أولادهن) فأي تشاؤم وعار سوى حاجتهم وكيف أشترى (صعصعة بن ناجية (280) بنتا الكامل ج 2 ص 73)؟ إن كان قتلهن خوف العار.
7 - في ص 5 (بل والتبشير) وفي ص 6 (بل وعلى قلبها) والصواب حذف الواو المفسدة للتركيب، وفي ص 8 (بل وتلميذه) وفي ص 17 (والجواب عليه) والصواب (عنه) وفي ص 18 (مهما تحرينا. . . لا بد أن يقع) وفي ص 62 (ومهما توفرت. . . لا بد أن) والصواب (فلا بد) لربط جواب الشرط وفي ص 71 (التثبت من الأمر) والصواب (في
الأمر) وفي ص 20 (التي يبيح لها محمد) والصواب (يبيحها محمد) وفي ص 82 (فهو وإن كان قد رأى. . لكنه رأى) والصواب (رأى) أو (فأنه رأى) على توهم الشرط أفلم يلتفت الشيخ إلى ما نقله عن القاضي البهلول في ص 27 (إن هذا الجندي وإن كان قد جهل فأنه قد غمني) وفي ص 27 (دون العشرة مقارع) والصواب (دون العشر المقارع) أو (العشر مقارع وفي ص 30 (في آن واحد) وكذلك في ص 41 وقد أنكر الأب أنستاس ماري الكرملي (آنا) فالصواب (أوان) وفي ص 31 (ضجة عظمى. . . ثورة شؤمى) والصواب (الضجة العظمى والثورة الشؤمى) وإن كان لقومه هذا وجه ضعيف هو غير التفضيل هنا إلاّ أن الفصحاء لا يجوزون مثل هذا التعبير.
وفي ص 39 (العاشر من ربيع الثاني) والصواب (من شهر ربيع. .) راجع (ربع) من المصباح المنير وفي ص 45 (تأمل فيها) والصواب (تأملها)(7/340)
وفي ص 39 (زحف على بلاد الشام) والصواب (زحف إلى. . . وفي الكتيب ما فوق الثلاثين غلطة ما عدا ما ذكرنا وقد أعرضنا عن ذكرها خشية الإطالة.
الكاظمية: مصطفى جواد
42 - الشفق الباكي
نظيم من شؤون وعواطف، بقلم، لدكتور أحمد زكي أبي شادي
عني بنشره، حسن صالح الجداوي، طبع بالمطبعة السلفية بمصر سنة (1345 هـ - 1926 م) وقوامه 1314 صفحة، بقطع الثمن الغير.
1 - الشعر الخاص بصاحب الديوان نيف وستون وسبعمائة وثمانية آلاف من الأبيات - على ما ذكر ناشره - وقد تضمنتها ثمان وسبعون وأربعمائة قصيدة ومقطوعة.
الدكتور أبو شادي حامل علم التجديد والتطوير في مصر الناهضة وقائدة الأقطار العربية ومبدع أسلوب (النظم الحر أي الشعر المرسل) وأنك لتبصرن على حياته الفلسفية والخيالية والحقيقية في ما اضطرمت عليه دفتا هذا الديوان من الشهر السامي الكامل اللذيذ الطعم الوثير الشريعة المطفئ أوام العربية، ففيه (الحقائق النيرة والخيال البديع والغزل الشريف
والتشبيه الجميل والصراحة الناضجة والفلسفة العليا والوصف المعجب والقصص الحق والتنبؤ الصادق والمناظرة العادلة والرثاء الخالد والحكم الرصيفة والتاريخ الوعظي والمداعبة الجليلة والملاعبة الحنون والأبعاد المهلع والتصوف النزيه والإيمان بوجوب خدمة الوطن) وغير ذلك من شؤون ذات شجون (ومن يلم بهذا الديوان القيم الثمين يجد عذوبة اللفظ وسوغ التعبير والكلم المستأنس الأنيس والإبداع المستحق للاستبداع، فهو ينبوع أدب عال مزيج من العربي والغربي لا يستغني عنه الشاعر في خلوته ولا الأديب في مطالعته ولا العطار في دكانه ولا الفلاح في مزرعته. وكيف يستغني عن غذاء الروح ورقوه الجروح وموقظ النفوس؟(7/341)
أجل أن الدكتور أبا شادي آس للجسوم كما أن شعره آس للنفوس أضيف إلى ذلك دماثة أخلاقه الشهيرة ورقة طباعه الكريمة، وحنان نفسه وإيلاعه بحب الحق، وبساطة يديه، ولباقته الوافرة، وأن امرأ هذا صفاته لقمن بالتعظيم والقدر والاعتداد وأن شعره لخليق بالتبجيل والإجلال والاستعظام لأنه فيض نفس عالية طاهرة ماهرة، وشآبيب قلب طافح بالحق والسلامة والرأفة رأيت لمحا باصرا أن ناسا في مصر نعوا على الدكتور المبدع (طريقته المرسلة المبدعة) بأنها تشذ عن القوافي وتزور عن الوزن وهم ينسون أو يتناسون أن الشعر الحي هو ما كان ملاكه (المعنى الواضح والتعبير السجيح والإرب السامي) فليس الوزن والقافية إلا جلبابين من جلابيب الشعر يلبسهما إياه من أحب ويعريه منهما من لم يحب، أو لم يروا إلى (عبد الرحمن بن حسان بن ثابت) حينما لسعه زنبور وهو صبي فجاء أباه يبكي فقال له حسان: مالك؟ فقال: لسعني طائر كأنه ملتف في بردي حبرة) فقال حسان (قلت والله الشعر) فهذا شاعر الإسلام المخضرم قد أيد أن الشعر شعر من حيث المعنى لا الوزن، ومن حيث الإبداع لا القافية، بل ألم ينظروا إلى (ابنة لبيد بن ربيعة الصبية) لما مدحت الوليد بن عقبة بالأدبيات التي آخرها:
فعد إن الكريم له معاد ... وظني بابن أروى أن يعودا
فقد قال لها لبيد أبوها (أحسنت يا بنيتي لولا أنك سألت) فقالت له (إن الملوك لا يستحى من مسألتهم) فقال لها (يا بنيتي وأنت في هذا أشعر) فهذه الصبية النابغة لم تأت بوزن في قولها الأخير ولا قافية وإنما أرسلته حكمة وجوابا رصيفا فعدها أبوها في النثر أشعر منها
في الشعر المتعارف. فالأديب يدرك من هاتين القصتين مراد العرب بالشعر وهم في ذلك الزمن أي غرة القرن الأول للهجرة ويعلم أن هذا دليل لا يسيخ ولا يتداعى.
في الفرنسية استعارة (أصلية مجردة) تستعمل للكتاب المفيد فائدة عظيمة ونصها الإنكليزي
(أي عرق الفائدة المثرية ينبض) ولعمري أن عرق الفائدة الفنية لينبضن(7/342)
كثيرا حينما يقرأ الإنسان في هذا السفر الفريد الفوائد الكثير الفرائد لأن صاحبه (عفيف النفس) بإجماع أدباء مصر على ذلك والعفة خير ما يزين به الإنسان في الحياة وخير زاد لمن يؤمن بما بعد الممات ولا يزال الغربيون ينقلون معجبين عن العرب:
أي (إن العفة شجرة جذورها القناعة وثمرها السلامة) وهذا الدكتور الفاضل يعد السعادة (طهارة القلب وصفاءه) على غرار قول الغربيين وهو مشهور بإحسانه إلى المسيئين إليه وتجاوزه عن المخذلين عنه وحبه للناس وحسن ظنه بهم وما أحسن ما نقله الفرنجة عنا:
أي (دعنا نكن كالأشجار تنتج ثمرها للذين يرمونها بالحجارة) وهو دؤوب على التصريح بالحقيقة خصوصا (وجوب العطف على الإنسانية المعذبة وبيانا عن الخلافة الإسلامية وتمجيد عظماء التاريخ) والصراحة من صفات الكمال الإنساني وقد أعجب الغربيون بقولنا فيها وترجموه فقالوا
أي (لا تكتم الحقيقة إذا تبينتها ولا تلبسها ثوب الزور) والدكتور أيضا مشهور بانتباذه عن التعصب المردي يمدح (الطيب) لأنه طيب غير ملتفت إلى كونه من (خبيث أو طيب لأن الأصل غير الفرع، ألا ترى أنك إذا ركبت (برعوما) لشجرة مثمرة على غصن شجرة عقيمة أتى أكله وافرا لذيذا وأصله عقيم لئيم؟ يقول الغربيون
وينسبون هذه الحكمة إلى العرب ومضمونها (عاشر الذين يشعرون بفرق بينك وبينهم أيا كان دينك، فإذا اختلطت بهم مختارا ولم تغضب حين سماعك إياهم فقد بلغت السلام وكنت أستاذا في التأديب والتهذيب) وأنها لحكمة(7/343)
سامية قل من احتذاها في حياته فنحن أحرياء أن نتبع ما عزي إلينا من هذا الأدب الحي.
وإن الدكتور أبا شادي شاعر فحل وكمي مدجج بالسلاح في ميدان الشعر فلا بدعة في أن استنتل من صفة يصاول ويتحمس ويقبل ويدبر فالاسنتال المحكم من صف الشعراء فن برأسه ودال على الإبداع وزيادة الإتقان، وبأي حق يعاب من قطف ثماره اليانعة بيديه وكيف يجبر على اتخاذ سلم أو غيره والقطوف دانية؟
أما حبه لمصره العزيزة فلا يؤثر فيه المدح ولا الذم لكونه قد أستحوذ عليه منذ طفولته فصار كالغرائز أي الانطباعات النفسية التي توجد بوجود صاحبها في الدنيا وأنك لتجدنه يقول في قصيدة (حامد القار ص 258):
إن العروبة والكنانة ملتي ... دين يوحده الوفي العابد
فلوطني روحي وكل جوارحي ... ولكم حنيني والشعور الماجد
يكفي لنا النسب العتيد مجمعا ... فجميعنا صيد رماه الصائد
فلا تنشب أن تجل هذا الشعور المبارك النير والاعتراف بحق العروبة وكل من ينتسب إليها وهم الآن فرائس بين الشدوق وأنظر إليه في قصيدة (بعد الفراق ص 678) يقول:
نزحت عيوفا عن بلاد أحبها ... تساق بها الأحرار للخسف والضيم
أقمت بها عمرا على الوجد صابرا ... وخلفتها بين التلفت وألام
ذكرت بها بدرا ضللنا لبعده ... فأرسلت توديع الفؤاد على أليم
ولقد صدق القول المأثور (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا) فأنت ترى نفس شاعرنا الفحل مضطربة حيرى تغذت بالحب وشربت الإخلاص، وتحلت بالوفاء والهمة فلم تتمكن بيئتها من تحملها.
ثم الحظه في ص 914 وهو يقول (أيها المصريون اعرفوا واجبكم) فينشد (اعرفوه، اعرفوه يا رجال: اعرفوه).
له بقية
مصطفى جواد(7/344)
43 - معجم إنجليزي عربي
تأليف الدكتور محمد شرف
وهو معجم في العلوم الطبية والطبيعية (مبني على المعارف الحديثة)
للاصطلاحات والمفردات المستعملة في الطب، التشريح، علم وظائف الأعضاء، الجراحة، القبالة، المادة الطبية، أمراض النساء، الأطفال، العيون، الأعصاب، الجلد، الطب الشرعي، علوم النبات، الحيوان، الكيمياء، الطبيعيات، الكهربائية، علم حفظ الصحة، الصيدلة الخ. وصاحب هذا التأليف من أشهر الأطباء علما الدكتور محمد شرف بك، عضو كلية الجراحين الملكية بإنجلترا ومجاز الطب من كلية الأطباء الملكية بلندن وجراح بمستشفى الملك وهذه هي الطبعة الثانية بعد التنقيح والإضافة. حقوق إعادة الطبع والنشر محفوظة للمؤلف. طبع بالمطبعة الأميرية بالقاهرة سنة 1928 في 971 صفحة بقطع الربع. وفيه 12 ص للتصويبات و42 للمقدمة وقيمته 150 قرشا مصريا.
كل ما ذكرناه إلى هنا نقلناه عن هذا المعجم النفيس الذي يحقر بجانبه كل معجم من جنسه.
والمقدمة وحدها تقع في كتاب قائم بنفسه ذي منافع جليلة لكل من يزاول النقل عن اللغات الأجنبية، أو يعالج تعريب الألفاظ، فأن مصنفة وقف على أسرار الوضع والترجمة والتعريب وأجاد في ما أفاد. ونكاد نوافقه في كل ما أثبته في مقدمته هذه النفيسة.
وفي صدر هذه المقدمة الجليلة يذكر المؤلف ما عاناه من التعب في تحقيق ما وضعه. وهذا بعض ما ورد في ص 7 و8:
انتهيت في ختام سنة 1914 إلى اقتباس طريقة شنون من الطرق الحديثة لتنظيم القيد والمراجعة وتوفير الزمن والجهد، وأخذت في تقييد كل لفظ أو مفرد عربي على تذكرة خاصة وإمامه ما يقابله بالإنجليزية أو اللاتينية أو الفرنسية. وكنت كلما طالعت كتابا أو ديوانا أو معجما من معاجم العربية المختلفة المؤلفة قديما أو حديثا استخرجت منه المفردات والألفاظ معاجم العربية المختلفة المؤلفة قديما أو حديثا استخرجت منه المفردات والألفاظ المطلوبة، مثبتا أمام كل لفظ مرجعه وأسانيده ومواضع نقله ومواطن أخذه بالأرقام والاختزالات احتياطا للدقة العلمية واستظهارا على كل معترض.
ولما استنفدت قراءة دواوين اللغة والشعر والمعاجم والموسوعات العربية.(7/345)
وأخذت بغيتي وما عرب أو ألف في علوم الطب والطبيعيات قديما وحديثا ولم يبق بين كتب الأدب
والشعر والعلوم مما تتناوله الأيدي، أو كان مكنوزا في الخزائن العمومية إلا وأجلت فيه نظري؛ تجمع لدي زهاء 45000 تذكرة، بدأت في ترتيبها على حروف المعجم الأجنبية واضعا كل حرف في صندوق خاص مرقوم به. وأخذت في الاستمرار على هويتي وملهاتي، أقضي بها جميع أوقات العطلة والفراغ، وأعمل على إحسانها في صمت واحتشام، واستعنت بكاتبين للنسخ على الآلة الكاتبة ومراعاة الترتيب الهجائي.
وإذا علمت ما بذلته من الجهد وكيف كنت مكبا على عمل لا أفارقه، ناسيا في خدمته الشهوات حريصا على ادخار كل ما يعاونني وتدوينه أولا بأول ثم مبلغ جهدي في ضبط الألفاظ والمفردات، والنظر في كل كلمة من كلمة حتى إذا رأيت مفردا أو معنى ناقصا أو مفقودا ظللت أبحث عنه حتى أجده والتمسه من مظانه. . .)
له بقية
44 - برنامج سيدة النجاة الخيرية السريانية المؤسسة في
بغداد سنة 1913م
بلغ دخل هذه الجمعية الخيرية ونفقاتها من شهر أيلول سنة 1926 إلى نهاية كانون الثاني 1929 9632 ربية ونصفا. ووجدنا في آخر صفحة كلمة (جمعيكون) فلم نفهم في أي فرع من فروع اللغة الهندية هي هذه الكلمة ولعلها بمعنى (المجموع).
45 - الطلائع
صور وأحاديث موجزة عراقية وغيرها لمحمود أحمد، طبعت بمطبعة الآداب ببغداد سنة 1929 في 128 ص بقطع الثمن الصغير.
محمود أحمد من كتابنا العراقيين المعروفين برشاقة الأسلوب العصري، وهو إذا وصف لك واقعة صورها لك تصويرا بديعا. وهذه (الطلائع) شاهدة على ذلك. وقد جعل ثمنها ربية واحدة وخصص نصف ربحها بجمعية حماية الأطفال. ونتوقع أن يبرز لنا بقية ما وعدنا به من قصصه.(7/346)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - ابن سعود وجيرانه
نشرت (أم القرى) الجريدة الرسمية للدولة السعودية في افتتاحية لها أن بين نجد والعراق ما يشم منه رائحة التحامل ونفت نفيا باتا قول القائلين أن نجدا وملكها يمالتان الأجنبي على العراق بشن الغارات على ديار سقي الرافدين في مطاوي اشتداد الأزمة بين بريطانية العظمى وربوع الفراتين لغاية أن تغصب الدولة الأجنبية دولة العراق حتى تنقاد هذه لتلك. وزادت على ما تقدم أنها قالت أن نجدا لم تكن يوما من الأيام إلا الحافظة لعهد العروبة وأنها لن تكون آلة مسخرة بيد الأجنبي مهما اختلفت أسماؤه وألقابه ولا سيما غايته القضاء على أنفاس العرب الحرة.
2 - حكومة نجد وحادثة المستر كرين
أنفذت حكومة نجد إلى المستر كرين كتابا أظهرت فيه أسفها على الحادث الذي وقع له على طريق الكويت (راجع لغة العرب 7: 269) فقتل فيه رفيقه المستر هنري بلكرت ونفت أن يكون القاتل من أبناء رعيتها.
3 - نبذة تاريخية في الحركة الانفصالية في البصرة
لما رجع السر برسي كوكس المعتمد السامي البريطاني السابق في العراق من مؤتمر القاهرة إلى مقامه في سنة 1921 وكان قد حضر المؤتمر المستر جرجل (تشرشل) وممثلان للعراق جعفر باشا العسكري والسر ساسون حسقيل أخبر المعتمد جماعة من البصريين بأن الحكومة البريطانية تنوي تأسيس مملكة عراقية على رأسها جلالة الملك فيصل الأول، فلم ترق هذه الفكرة بعض البصريين محبي الانفصال ممن يهمهم جمع المال وحب النعيم والتلذذ بالراحة وتفضيلها على القومية الصادقة فذهب اثنان منهم إلى السر برسي وأشعراه بأنهما وجماعة من البصريين يخالفون هذه الفكرة ويودون أن تنفصل البصرة عن جسم العراق فتبقى في ظل الصولجان البريطاني متمتعة بنفسها ووحدتها دون أن تتصل بغيرها، فلم يستقبح المعتمد السامي هذه الخطة، لكن البصريين الصميم(7/347)
أثاروا
العواصف في وجوه المخالفين فعميت أبصارهم وولت الأدبار أحلامهم السيئة.
4 - قطعة ثوب من عهد الفاطميين
اقتنت دار التحف في الحاضرة في ك2 (يناير) كسفة قصبي (والقصبي ثوب من كتان ابيض مقصب كان يعمل في ديار مصر) وفيه ثلاثة خطوط منسوجة بالحرير الأحمر والأزرق وفي أعلاها نقوش مصورة فيها طيور موشاة متقنة الصنع يقابل فيها الطائران الطائرين وفي أعلى هذه الطيور وأسفلها كتابة بالخط الكوفي محكمة التنميق لونها ابيض على بساط أحمر هذا نصها (بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلاّ الله. . . لا شريك له محمد رسول. . . عليه. . . الله عليه نصر من الله. . . لعبد الله ووليه المنصور أبو علي الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين الإمام العزيز بالله. . . المؤمنين وولي عهد المسلمين وخليفة أمير المؤمنين أبو القاسم عبد الرحيم بن الياس بن أحمد بن المهدي بالله أمير المؤمنين. . . سلام. . . لعبد الله ووليه المنصور أبو علي الحاكم بأمر. . . الإمام. . . العزيز بالله أمير المؤمنين. . .
والعلم الثاني (الشريط الثاني) مثل الأول ولكنه أبين منه. والكتابة الكوفية التي عليه (الملك لله) مكررة مرارا عديدة. والعلم الثالث أصغر من السابقين. وهو منطقة زرقاء في أعلاها وأسفلها منطقتان حمراوان عليهما شيء دقيق مستدير أبيض اللون.
والأسماء الواردة في الكتابة الكوفية تذكرنا بعهد الحاكم بأمر الله (الذي سمى نفسه بعد ذلك الحاكم بأمره) وبولي عهده عبد الرحيم بن الياس وكان هذا حفيد المهدي أول الخلفاء الفاطميين في أفريقية وابن عم الحاكم بأمر الله وهذا الحاكم بأمر الله هو الذي أشتهر عصره بالحوادث الغريبة الخطيرة فأمر بقتل ونفي وتعذيب وإرهاق عظماء وعلماء وأدى به الأمر في آخر عهده إلى أن أدعى الألوهية ثم قتل حين كان خارجا يتنزه ويظن أنه سم، وأما عبد الرحيم بن الياس فنصب أولا حاكما على دمشق ثم أتى به إلى مصر بحيلة فمات مسموما في السن.
5 - الآثار العادية في أور
دعا المستر (سندي سميث) مدير دار التحف العراقية المعين حديثا لها جماعة من أصحاب
الصحف والمجلات(7/348)
إلى مشاهدة العاديات التي كشفت في أور (المقير) والتي ترتقي في قدمها إلى خمسة آلاف سنة. فإذا تلك الآثار نفيسة جدا. ولا بد من أن نصف شيئا منها في فرصة أخرى لاكتظاظ هذا الجزء بموضوعاته.
6 - القوارب الطيارة في البصرة
كذبت حكومتنا تكذيبا رسميا النبأ الذي نقله رويتر عن إنشاء قاعدة بحرية بريطانية في البصرة للقوارب الطيارة الإنكليزية ومما جاء في البلاغ المذكور أن الحكومة البريطانية أعربت في شهر ت2 (نوفمبر) 1928 عن رغبتها في إنفاذ أربعة قوارب طيارة في سنة 1929 إلى خليج البصرة اختبارا لفوائدها لمقاصد شتى في الحالات الجوية المرتبكة في خليج فارس، على أن تكون البصرة مركزا لها إلى أجل مسمى وذلك خلال مدة الاختبار التي تمتد إلى 18 شهرا أو إلى سنتين وكل ذلك برضا الدولة العراقية وقد وصلت ثلاثة من هذه القوارب إلى بغداد في 13 مارت ونزلت في دجلة أمام المستشفى العسكري في الهنيدي.
وكان مسير هذه الطيارات من لندن إلى مرسيلية إلى مالطة إلى نابولي إلى أبو قير إلى الإسكندرية ثم طارت صباح الأربعاء 13 مارت من هذا الثغر متجهة شطر حلب واستمرت في سيرها فوق الفرات حتى الفلوجة فاتجهت إلى عاصمتنا فمرت فوقها عند الساعة 3 والدقيقة 15 وطالت رحلتها من الإسكندرية إلى حاضرتنا (والمسافة زهاء 750 ميلا) يبع ساعات ونصفا.
ثم طارت في الساعة العاشرة من صباح 14 مارت إلى مقرها في البصرة.
7 - طلبة الطيران عندنا
اختارت وزارة الدفاع ستة شبان لتدريبهم على الطيران واتخاذهم في جملة القوة الجوية العراقية المنوي إنشاؤها في السنة القادمة. وبلغ عدد الذين يدرسون في الآليات في الطيران أربعة وعشرين شابا.
8 - حديقة الأطفال في باب المعظم
همة الحكومة العراقية بعناية صحة الأطفال عظيمة لا تجارى. وقد أنشأت في هذه السنة
حديقة بديعة لهم ليلعبوا فيها ويمرحوا ويرضوا فيها أبدانهم الغضة وفتحت أول مرة في 12 مارت (آذار) فذهب إليها تلاميذ المدارس من البنين والبنات الذين دون العاشرة من سنهم والدخول فيها مجانا كما هو الأمر في حدائق البلاد الراقية، وفي هذه الحديقة الجديدة من أنواع الألاعيب(7/349)
ما يجذب كل طفل وطفلة إلى قضاء الوقت فيها والى الانتفاع بما فيها من أدوات الراحة والترويض وتربية صحة الجسم والمحافظة عليها. بارك الله في سعي المحسنين إلى الوطن.
توحيد المصطلحات العلمية في الطب والعلوم المتصلة به
منشور (الجمعية الطبية المصرية) للعالم العربي
رأت (الجمعية الطبية المصرية) أن المؤلفات والتراجم في الطب والعلوم المتصلة به قد زادت كثيرا في اللغة العربية بما يظهر في مصر وغيرها من البلاد العربية من وقت لآخر، وقد لوحظ بعين القلق تفنن الكاتبين في العلم الواحد في نحت وتعريب المصطلحات العلمية وكثيرا ما يروق لكل كاتب ألفاظ تغاير ما يختاره الآخر ولذلك تعددت المصطلحات لغرض واحد.
ولما كان أساس العلم الاتفاق على لفظ واحد ينصرف إلى معنى خاص لا يتعداه إلى غيره ولا ينصرف ذهن قارئه إلى غير ما وضع له اللفظ مما دعا الأمم الأوربية إلى نحت مصطلحاتهم العلمية من اللغات القديمة كاللاتينية واليونانية حتى لا يكون لدى القارئ أي معنى غير ما اتفق عليه وتستعمل هذه المصطلحات في كل اللغات الأوربية الحديثة حتى سهل على المعلمين بكل علم مراجعة الكتب الموضوعة فيه بأي لغة من اللغات.
لهذا تناشد (الجمعية الطبية المصرية) جميع الكاتبين باللغة العربية في المواضيع الطبية أن يأخذوا بالمصطلحات التي جمعت في معجم الدكتور محمد شرف، على أن الجمعية ترحب بكل اقتراح أو تصحيح لأي لفظ وارد بالمعجم المذكور أو وضع ألفاظ جديدة لم ترد به وقد شكلت لجنة من حضرات المذكورين بعد وبينهم المؤلف لفحص جميع ما يصل للجمعية من الاقتراحات في هذا الشأن وإقرار الصالح منها وإدخاله بالطبعات التالية للمعجم كتعهد المؤلف بذلك:
سعادة أحمد تيمور باشا وحضرات الشيخ أحمد السكندري وخليل بك مطران والدكتور أحمد
عيسى بك والدكتور نجيب بك محفوظ والدكتور محمد بك عبد الحميد والأستاذ أحمد أمين والدكتور أحمد زكي بك أبو شادي ومحمد أحمد الغمراوي أفندي وعازر أرمنيوس أفندي والدكتور محمد شرف بك والدكتور محمد خليل عبد الخالق.
وترى الجمعية في حضرات من ضمتهم هذه اللجنة من الأعضاء خير(7/350)
ضمان لبذل الجهد الصادق في تحقيق أماني المتكلمين بالعربية إزاء هذا الموضوع الخطير كما أنها تأمل معاونة جميع الكتاب وإرسال اقتراحاتهم إلى سكرتيرية (الجمعية الطبية المصرية) رقم 5 بشارع الصنافيري بالقاهرة.
10 - قدوم السر جلبرت كليتن
قدم إلينا السر جلبرت كليتن ومعه عقيلته راكبين الطيارة فاستقبلهما في المحطة في صباح السبت الثاني من آذار (مارت) جم غفير من كبار القوم.
11 - عطاء الخطيب
توفي فجأة في 22 ك 2 (يناير) بالسكتة القلبية حين كان في دار طبيبه وكان قد ذهب إليه ليستشيره في أمر ما شعر به. وكان نائب لواء كوت العمارة وله وقوف على صناعة الترسل ونظم الشعر. ولد في شهرابان في سنة 1885 ثم نقله والده إلى بغداد فأدخله المدرسة الإعدادية الملكية ثم تنقل في المدارس حتى رسا فكره في الانقطاع إلى الدرس بملازمة شيوخ مدرسة الفضل ومنها بعد حين تلقى الحقوق في بغداد وفي سنة دراسته الأخيرة لها نشبت نيران الحرب (1914) فلم يتمكن من الحصول على الشهادة. وكان يتقن التركية والفارسية والكردية وشدا الهندية حين نفاه الإنكليز إلى ديار الهند.
12 - الطاعون في بغداد
وقعت ثلاث إصابات من الطاعون في جانب الرصافة في بغداد في الأسبوع المنتهي في 9 آذار ووجدت سبعة جرذان مصابة بالداء المذكور (5) منها في محلة قهوة شكر وجرذان في صبابيغ الآل والحكومة تبذل وسعها لقطع دابر هذا الوباء.
13 - الإخوان في أنحاء الكويت
نزل (ابن حميد) رئيس عشيرة عتيبة المخلوع من إمارة (عيينة) بجوار الكويت في موضع
اسمه (الطرفية) ومعه جماهير من الخلق ونزل (ابن ربيعان) في موطن آخر اسمه (المستوى) بالقرب من الكويت أيضا ومعه جماعات من الغزاة. وفي 3 آذار (مارت) هجم هؤلاء الغزاة على العراقيين الذين في تلك الأنحاء فنهضت طيارات العراق قبيل الظهر من (الشعيبة) فحاصرت الغزاة في موطن يبعد عن جنوبي الكويت نحو عشرين ميلا.
وكان عدد الغزاة نحو ستمائة مقاتل راكبين ثلثمائة بعير وهم يسوقون قطيعا جرارا من الشاء وحالما لمحوا الطيارات تحوم فوق رؤوسهم ابتدروها(7/351)
بإطلاق الرصاص فقابلتهم بوابل من القنابل وأغرقتهم برشاش مدافعهم فولوا الأدبار لا يلوون على شيء ويظن أن الغزاة كانوا من عشيرة (مطير) والمغزوين كانوا عشائر عراقية مختلفة بينها عشائر بني مالك.
وقد نالت رصاصة من رصاص الغزاة طيارة فأصابت العامل في اللاسلكي الطيار فقتلته في أثناء عمله وأودع مقره الأخير بعد ظهر 4 (مارس) آذار.
وبعد يومين أي في (6 منه) هجم أخوان آخرون على القبائل العراقية والشائع أن ابن حميد المذكور أغار عليها ومعه 3000 مقاتل وكان المغزوون من البدو وزياد وشمر ويبلغ عدد خيمها جميعا ألفين فوقع بين الفريقين معركة شديدة لم تتحقق خسائرها.
ويقال إن بين العشائر المنكوبة قبيلة العقيلات وأن خسارتها لا تقل عن ثمانمائة بعير وفقدت عشائرنا أكثر مواشيها وغنمها.(7/352)
العدد 69 - بتاريخ: 01 - 05 - 1929
حضارة الإسلام ومفكروه
(مفكرو الإسلام) لكرا دى فو
الجزء الثالث
تتمة
حقا إن جزءه الثالث يستحق مركزا لا شك في كونه عظيما، ولا سيما بين قرائه الشرقيين، لما يجمعه الدرس من المسائل التي تهم الكثير منهم فمن بحوث عن بلاد فارس قبيل الإسلام وكذلك عن البلاد العربية، إلى بسط حياة نبي الإسلام، فقيام الدعوة إلى الافتتاح العربي الهائل، إلى أخبار معاوية وقيامه بالحرب ثم بأعباء الخلافة الأموية، إلى غير هذه مما يسد فراغا عظيما، ويؤدي إلى القارئ خدمة واسعة. وقد أحسن البارون العلامة كل الإحسان، أن أتى بطرفة: كافية ولو أنها وجيزة، مناسبة لحالة الكتاب وضخامة موارده الثمينة من تاريخ الفرس قبيل الإسلام وأحسن أيضا، إذ جعلها فاتحة هذا الجزء، ولا سيما أننا في عهد من مستلزماته التفسير الوافي والإيضاح الكافي، الذي لا غنى فيه عن سبق البحث، بنظرة سالفة وجيزة، فالمرء يتنقل هكذا، من الابتداء إلى الانتهاء، فيقف على تطور الحوادث، وتقلبها السريع والبطيء والعوامل التي(7/353)
أدت إليها وهلم جرا، وبذا يلم بأطراف الموضوع جميعه، ومن ثم يلج إلى النتيجة المنشودة. . . وقبل أن أصف شيئا، أبدي تألمي، لما خصني به الطابع والناشر، في هذا الجزء، من سوء التجليد، فأن شطره الأول ويا أسفا قد تداخلت صفحاته الأولى في الأخيرة. واستهلت هذه مكان تلك واستبدت وتعدت باغتصاب مركز غيرها. فأكسبتني تعبا، وأضاعت مني وقتا، فيا لسوء الحظ!! والآن فلنهرول ولنتشل من بين اضطراب الصفحات، وتعانق الأوراق المتباينة المواضيع، شيئا عن دولة الأكاسرة في سلطتها، وعنفوان مجدها حتى القليل قبيل انحلالها فسقوطها في قبضة العرب. . . يحدثنا المؤلف عن كسرى انوشروان وحربه ليستنيانس ثم عن اهتمامه بأمور مملكته الواسعة، وترقيتها وتحصينها في كافة الجهات خوف غارة الأعداء المرتقبة دواما من جانب أعدائه الزرق من نواحي قاف (القوقاس) وسورية، وفي أيامه رتعت فارس
في بحبوحة العيش إذ بملكه الطويل الأجل الذي قارب نصف قرن تقدمت الزراعة وتحسنت طرق القوافل وأنشئت سبل التواصل، فاستحق لقب (العادل) الذي وصفه به نبي الإسلام (مع أنه كان يكره الأعاجم). وأتى هرمز ولده فعكس سياسة والده الرشيدة، ففي أيامه هوجمت بلاد العجم من نواحيها جمعاء. فخان الأتراك هاجمها في ثلثمائة ألف راجل وفارس، وانبراطور الإغريق في ثمانين ألفا. وكذلك شعوب بحر جرجان والعرب أيضا.
فترى أن الإمبراطورية الهائلة أحيط بها من جهاتها الأربع: ولكنه أرسل إلى الأتراك قائدا لبيبا شجاعا يدعى بهرام، الذي بسهم منه أزهق روح خان الأتراك، ومن ثم تفككت عرا هؤلاء، فولوا وتفرقوا جذع مذع ولكن حيث أن هرمز كان طاغية مستبدا بالعظماء والأشراف. وقد أطار من رؤوسهم الشريفة العدد العديد ثاروا عليه بقيادة بهرام هذا فأجبروه على التنازل وبعد مشاحنات بين ولده خسروا أبرويز وبين بهرام الخارج، سافر الأول إلى بوزنطية وحل ضيفا كريما على إنبراطورها، وتزوج أبنته الأميرة مارية، ثم خنق أتباعه أباه الضرير دون أدنى معارضة من لدنه. وأعطاه انبراطور البوزنطيين جيشا مؤلفا من ستين ألف محارب وبه تمكن من الاستيلاء على دياره(7/354)
المفقودة؛ وفر بهرام إلى بلاد الأتراك جيرانه. وأجاز ابرويز رجوع الجيش البوزنطي بعد مكافأتهم خير مكافأة، ودخل عاصمته المدائن ظافرا. وقد حاول أن ينتقم من بهرام الخائن فتمكن من رشوة زوج الخان، وهكذا قتل المغتصب. أما زوجته أو بالحقيقة أخته إذ يجوز في شريعة الفرس زواج الاخوة فسافرت إلى بلادها بعيد قتلها أخا الخان الذي رامها حليلة. وهناك شكرها أبرويز على نصحها بهرام ولومه في ثورته. وتزوجها وتزوج أيضا شيرين الجميلة التي كادت تجلب على رأسه من سخط الشعب ثورة نارية رائعة، لأن زوجته الجديدة كانت وضيعة الأصل غير جديرة - على زعمهم - بهذا المركز السامي. . . واتفق أن هاج الشعب البوزنطي على موريق والد زوجة مارية وأتى ولده مستنجدا العجم. فأرسل ابرويز على الفور جيشا لجبا لرد العرش إلى أهله ومعاقبة المغتصب. . . وتمكنت إحدى فرقه من الاستيلاء على أورشليم، وتوصلت إلى الاهتداء إلى الصليب الأقدس في حقه الذهبي. فدفنه في حديقته. ثم تولى بعد ذلك ملك بوزنطية هرقل - الذي تم في أيامه افتتاح العرب سورية - وفي حكم ابرويز تمت واقعة (ذي قار) التي يهللها العرب.
وكان في نفسه نزعه شائنة، إلى سفك الدماء، وإزهاق أرواح العباد فكان حكمه قاسيا جدا، حتى قال هو نفسه، إنه منذ السنة السادسة والعشرين من حكمه إلى الثامنة والثلاثين، (لم تكن السماء تتحرك إلا بحسب إرادته) أي لم يكن أمر يحصل إلا بموافقته فأمام هذا الاستبداد الوحشي، ثار الشعب وولى أبنه، من الأميرة مارية، مكانه. ثم أجبر هذا الابن المسكين، الذي كان ألعوبة في أيدي كبار الدولة، على الأمر بقتل والده، فأزهقت روحه بالفأس وقد سر موته البلاد العربية، وعلى الأخص نبي الإسلام، الذي كان وقتئذ في المدينة. فقد علم أن موت هذا الملك الصنديد، يجعل بلاد العجم بأسرها فريسة باردة؛ لأي مهاجم فاتح، واستنتج، ما تحقق بعدئذ على أيدي الصحابة ووطنييه. . . وانتحرت شيرين على قبر خسرو بعد أن ندبته مر الندبة.
وبعد أن أكمل ابن خسرو ابرويز عقوقه، بقتله أخوته السبعة عشر، كما طلب إليه الكبراء والأشراف، تملكته السوداء، ومات بعد حكم ثمانية أشهر،(7/355)
ملعونة من السماء والأرض، ومنذ ذاك الوقت أسرعت فارس في خطاها الواسعة نحو الهوة والخراب، وفي زهاء ست سنوات، تعاقب على حكمها ستة ملوك، بينهم امرأتان، من بنات ابرويز، فالأولى، كانت ذات مقاصد حسنة، وقد أرجعت إلى انبراطور الإغريق الصليب المقدس. وبعد هذا التدفق الملوكي على العرش الفارسي، ارتقى آخر ملك من بني ساسان، المدعو يزدجرد، وكانت دولته إذ ذاك، في غاية من التضعضع، وسوء الإدارة، والارتباك، فما كانت السنة التالية لحكمه القصير، إلا والفتح الإسلامي يمد يده المسلحة نحو بلاده المرتبكة. فحارب بشدة وبطولة. لكن عبثا. وبعد أن كان لفارس أعز مكان، وأرهب ذكر، سقطت هذا السقوط المنكمش واستولت العرب عليها وأمحقت دولة الساسانيين، بعد أن عاث آخرو ملوكها فسادا وزرعوا الشر فيها فحصدوا ما زرعوا.
وننتهي إلى بلاد العرب في الجاهلية، فنرى بعض بحث ونقد عما يشاع عن الجاهلية، ونجد تاريخ اليمن وهذه كما نعلم لها مركزها الحقيقي، في عهد الأعاجم والأحباش، فلا جرم أن تلاسنتها العرب بعد إسلامها، وللمجد آثار، قد تؤدي إلى الخرافيات، كما حدث. وإذا بذي نواس يهاجم نجران المسيحية، فيهدمها ويدعو إلى اليهودية، ويعمل السيف في أهلها. فيمحقهم، وترقص في الهواء رؤوس عشرين ألفا! وترشد المصادفات وسائل الهرب
من هذه الجحيم الإنسانية، لأحد أبنائها التاعسين، مستنجدا شهامة قيصر الروم، وهذا يبعثه إلى الأحباش؛ وهاهي ذه الجيوش تخترق العباب لمعاقبة الجاحد الظالم. وها نحن أولاء وقد انتهى كل شيء، واستولى أبرهة على اليمن فيا للإجارة من الرمضاء بالنار! فاستجاروا بالفرس، فأنفذوا إليهم جيشا، أنقذهم من وبال الحبشة، ولم تطل هذه، حتى ظهرت الدعوة الإسلامية، وكان من أمرها المعروف أن انضمت اليمن تحت اللواء الموحد.
إن نأخذ على كرا دي فو أمرا في هذا الموضع؛ فنحن نستغرب منه أشد الاستغراب، أن أهمل كل الإهمال، الأب المأسوف عليه لويس شيخو، فهو(7/356)
كما نعلمه نحن وكل شرقي، قد كان مختصا بالجاهلية، وتآليفه عنها في غاية الأهمية، ولها مركزها الجدير بعناية المستشرقين، ولا نعلم المقصد من عدم ذكره في قائمة الكتب القيمة الثمينة التي ذكرها؛ في مذكرته عند الاستهلال ولعله يتداركها في طبعة تالية.
يحدثنا كرا دي فو عن أديان العرب في الجاهلية غير المسيحية ولا المتأثرة بتعاليمها وبتعاليم اليهودية فيخبرنا مثلا عن الصابئة وما يظن عنها وأنها دين إبراهيم الخليل وحيث أن هذه أقرب إلى الوثنية فلعل العرب عكست اسم إبراهيم عن بهرام الفارسية وبرهما الهندية وقصة النار التي يلصقها العرب بإبراهيم وإلقاء نمرود الطاغية له فيها فنجاته بمعونة العلي تروى عند المزديين أي المجوس وتنسب إلى بهرام الخ. ثم عن تحطيم النبي لأصنام الكعبة الستين والثلاثمائة.
ونمر فإذا أخبار قس بن ساعدة وزيد بن عم عمر بن الخطاب فورقة بن نوفل فأمية بن أبي الصلت وقد أطال البحث عن الأخير خاصة إذ ليس من باحث في أخبار الجاهلية لا يعبأ بهذا الشاعر الفرد فلامية شذوذ عن سائر شعراء ذلك العهد إذ طالما أتى بأفكار قلما ذكرت وأقول بل لم تذكر قبلا عن أحد الشعراء في زمنه (وهذا مما يزيد شعره قيمة ويكسبه حلة أنقى ويجعله إلى عواطفنا أقرب دون أكثرية الشعر الجاهلي. . . ونجده أقرب إلى مزاجنا وأوفى إلى طبيعتنا من أشعار الشنفرى والنابغة وغيرهما). أما دي فو فأدار سكان بحثه تجاه فلسفته الدينية واشتقاقها - فإنه يعزى إلى أمية الحنيفية كما يعزى دين الصابئة إلى إبراهيم الخليل وفي ذلك من الخلط الفاحش ما فيه - ويقدم لنا بعض شواهد من شعره،
والآن فإذا نحن بحياة صاحب الحركة الهائلة النبي محمد. فيحدثنا عن نشأته وتجارته في
سورية والحجاز فزواجه بخديجة فنشره الدعوة إلى الإسلام ومهاجرته إلى المدينة حين أبى المكيون قبولها وناهضوه حيث لقي إذنا صاغية سميعة. . . فحروب بدر وأحد وغيرها إلى تمام تغلبه على الأكثرية وسحقه معارضيه. وانتشار الإسلام دينا قويا في بلاد العرب وموت النبي ومن ثم نشأت من بعده حب(7/357)
الاكتساح وتدويخ الأمصار وإذا بالأهبة تتناول محلها في صدور العرب الجائشة فتخرج عن عزلتها. وتتناول من جهة الشمال سورية فواقعة اليرموك الشهيرة واندحار الروم والسوريين. ثم استيلاء العرب على دمشق الشام درة المشرق، فالانتصار الرائع واعتزاز الإسلام بعد وقوع جميع هذه البلاد التي تلاطم منبعه وما كان بينها من الصلات. ثم نرى فإذا أمر ينبثق فجره من سجوف المعارك والملاحم الشعبية وينكشف الستار عن ملك حكيم وملك عظيم. وإذا الخليفة المقدام معاوية الأول ودولته الأموية ففي هذا الخليفة وهذه الخلافة قويت شوكة الإسلام وامتدت سلطته إلى أقاصي البلدان وهو من علم العرب - أو كان العامل الأول في رزقهم - فنون البحرية. وهو كان ينهض فيهم الهمم والاهتمام بجميع الأمور. كما كان يود تقدمهم ورقيهم ويتخذ لذلك أمره وكما يقول العلامة الأب لامنس (يريد تثقيفهم وتدريبهم على احترام السلطة الحاكمة بادئا بعائلته الخاصة. . لأننا نعلم عادة العرب وثورتها إذ كانت في بحر جاهليتها على السلطات الحاكمة ونقضها كل حكم فمعاوية ود من الصميم إرشادهم إلى طرق الحياة المثلى وكان كما يقول عنه البارون (ملكا عاملا) وقد ترك من الذكر الحسن هالة لامعة حول ذكرى بني أمية وكان له من مشاعره الحية ورقة إحساسه وكرمه وحلمه على الغير ما حببه إلى القلوب وجذب إليه العواطف التي هي أشد جموحا وصدودا. وقد تبسط عنه دي فو في هذا الجزء كثيرا وبسط آيات حكمه وحللها من جميع جهاتها وأثنى عليه وعلى اقتداره في القيام بأعباء الملك. والحق يقال أنه لو أرادت سورية أن تعطف على من تناوبوا الحكم على كرسيها منذ عهد حيرام وايتوبعل الزاهر إلى يومنا هذا من ملوك وحكام ذوي صولة وهيبة نظروا إليها بعين البنوة - فلا مشاحة أن معاوية له بينهم مركز سام فالإسلام قد وجد فيه خير خليفة وحاكم عادل إذ هو الرمز المنير والقدوة اللامعة في تاريخه.(7/358)
وبلغت دولة بني أمية علاها وذراها في أبهة وعز عبد الملك - وولده يزيد - إنما كانت
بلاد العرب وفارس والعراق تلتهب ثورات وانتفاضات، ولا يخفى على القارئ ابن الزبير. فكان والحالة الخطيرة هذه لابد لدعم وتثبيت السلطان من وال صخري الفؤاد فولاذي الإرادة وكان واجبا أن تقذف الصحراء العربية هذا المثال - وكان أن لفظته، وإذا شبح الحجاج المرعب ينكشف عنه الستار فيرسل صاعقة غضب ونقمة. وجال هذا جولاته الدموية ما بين مكة والعراق فأباد الثوار والخوارج ومحقهم محقا وأجرى من الدماء أنهارا وطفحت المحابس والمطابق بما لا يقل عن خمسين ألف رجل وثلاثين ألف امرأة حسبما وجد فيها عقب وفاته. وعليه قويت شوكة هذه الدولة واشتد ساعدها وامتدت أصولها من الشرق إلى الغرب إلى أن ظهر السفاح والمنصور وقد ابتدأ الخمول والانحلال يدبان فيها فلاشياها فتأسست على الأنقاض الدولة الجديدة: دولة بني العباس.
ثم نلاعب صفحات فنحن نقرأ عن الحديث الكريم وعن أوائل رواته كابن عباس وعائشة وأبي هريرة وسواهم من أصحاب الإسناد. ثم نجد بعد ذلك جماعة كالبخاري ومسلم كما يتلوه فصل واسع في الفقه وفي المذاهب الأربعة وأئمتها العظام ففصل في تحليل المؤلفات الذائعة الصيت في الشريعة والفقه الإسلاميين ثم يختم الجزء عن مفسري القرآن.
الجزء الرابع
إن هذا الجزء الرابع لا يقل أهمية وتقديرا عن سالفه فهو بما حواه عن الفلسفة (المدرسية) وعلم اللاهوت والتصوف والموسيقي لغاية في الفوائد ويبتدئ فيحدثنا عن الحكماء؛ ونحن نعلم أن معالم (مدارس) الحكمة العربية منقسمة إلى قسمين أحدهما: المدرسة الشرقية؛ والثاني: المدرسة الغربية. ولهذا بدئ الكلام أولا عن الشرقية وأركانها الفحول: الكندي والفارابي والرئيس ابن سينا، ثم تلتها الغربية وإسنادها: ابن رشد وابن الطفيل.
لما كان مرجع الفلسفة العربية - وبكلمة أوضح (الإسلامية) - الفلسفة(7/359)
الإغريقية: السند والمأخذ للفلسفات جميعها، كان لا بد من مترجمين لها، فبرز حنين بن اسحق فأبنه اسحق فأبو بشر متى، فأتحفوا العربية بمعربات كتب ارسطوطاليس وأفلاطون وكان لابد لهذه من مفسر عبقري كي لا تتبعثر فوائدها فتضمحل. فأهدته كندة إلى العربية وخرج فيلسوف العرب راس الزاوية في فلسفتهم: الكندي الشهير فتناول وبحث وشرح وألف ما يربو على المائة والخمسين رسالة في سائر العلوم ومختلف المباحث وتلاه الفارابي أي (المعلم الثاني)
كما أرادت العرب ولقبته أي الثاني بعد أرسطو ثم الرئيس ابن سينا، وقد بحث دي فو عن أعمالهم وشرح فلسفتهم شرحا وافيا.
أما المدرسية الغربية فتستهل بابن طفيل وقصته الفلسفية الشهيرة المسماة (حي بن يقظان) ترجمت مرات عدة إلى الفرنسية والإنجليزية واللاتينية ويظن العلامة كرا دى فو أنها تشبه قصة روبنسن كروسو الإنجليزية المعروفة في الشرق من حيث وجود رجل منذ ولادته في جزيرة نائية عن سطح البسيطة ثم قيامه بحسب إرشاد عقله وتجاربه العملية أن يصل إلى مستوى سائر البشر في إدارة دفة حياته، وترتيبها وتغذيتها بالعلوم والأصول الفلسفية والصوفية. إنما نحن نعرف أن (حي بن يقظان) يخالف قصة روبنسن كروسو من حيث أن الأخير ألجأته الطوارئ وهو شاب إلى تجشم هذه المشاق. ويظن دى فو أن بين هاتين القصتين اتصالا عميقا أي أن قصة ابن طفيل كانت الإلهام الذي أوحى إلى (دانيال ديفو) بتصنيف روايته الخالدة. وهذا قريب الاحتمال سهل الحصول!
ثم يحدثنا عن ابن رشد ومؤلفيه الشهيرين تهافت التهافت وكتاب الفلسفة وسواهما ثم نتعرف كيفية دخول الحكمة العربية في المدارس اليهودية والمسيحية ومبلغ تأثيرها السالف، ومن تأثر وتفقه بها من أبناء الغرب في القرون الوسطى،
ونرى فإذا أمامنا أيضا تتهادى في تؤدة ورفق الجمعيات السرية من قرامطة وإخوان الصفا والصابئة. مما كان لها وجود فلسفي وذات أثر في تاريخ الإسلام فنتدرج إلى سبب انتشائها وفلسفتها وأعمالها وكيفية اتحاد(7/360)
الأعضاء بعضهم ببعض. وقس على ذلك وهو يأتي بمقتطفات من كتبها الشهيرة أو رسائلها أو تعاليمها.
ويأخذنا دى فو إلى علم اللاهوت فيأتينا ببحث في علم الكلام - كما يقول العرب - والمتكلمة والمعتزلة في الإسلام، ويستفيض فيها وكذلك عن ابن حنبل والغزالي وكتبه الشهيرة كتهافت الفلاسفة والمقاصد ثم أفكاره الفلسفية وينتقل إلى غيره مما نحيل عليه القراء الكرام.
أمامنا الآن أحد ألذ البحوث وأعمقها تأثيرا في الإسلام: الصوفية. ويحسن بنا قبل أن نتعمق فيه أن نقول هنا أن هذه الصوفية هي غير الثيوصوفية الهندية التي تنفث سمها الزعاف المموه بألوان الذهب وعميدتها اليوم المسز بزانت فتسم الأفكار وتذل النفوس الظمأى إلى
(العجائب والألغاز)!!!
يبتدئ دى فو بالتحدث عن الصوفية وانتشارها إلى أن يوصلنا إلى ابن منصور الحلاج ضحيتها وأحد كبار المتصوفة الإسلاميين وعن التأليف الضخم عن حياته وتصوفه واستشهاده الذي أبرزه المستشرق المعروف ماسنيون منذ عهد غير بعيد. واشتهر الحلاج أينما سار وحيثما توجه في الهند وتركستان وخراسان وخوزستان والبصرة وبغداد. وأهميت عليه الألقاب الحكمية الرنانة ونسب إليه أن اتحاده بالله هو أوثق عرا من أسلافه لما توهم عنه من المعجزات المدهشات؟! قيل أن أحد أعدائه لطمه ذات مرة فناشده الحلاج الله أن يثني لطمته فلما أراد شلت يده! وظلت الشهرة والخصومة تتناوبانه حتى أمر بقتله المقتدر ففاظ عام 922 م.
ثم نجد محيي الدين بن عربي الصوفي الأندلسي الشهير، فأخباره العجيبة ثم نجد الشاعر المتصوف ابن الفارض ومن لا يعرفه؟ قد شبهه أحد المستشرقين فالرحا (في أشعاره القصيرة) بترارك الشاعر الإيطالي. وإذ ننتهي بكلمة مستفيضة عن تراجم الأولياء في الإسلام نصل إلى فصل يتناول موضوعا ليس دون غيره خطورة ولا أدنى أثرا من صاحبه في الإسلام: الارتياب أي السوفسطائية. . . كيف لا وأكثر نوابغ الشعراء فيه. أصابهم ولو جانب من الداء المريب. فممن ناله بعض التلوث: أبو دلامة وأبو نواس وأبو العتاهية حتى المتنبي نفسه علق(7/361)
به بعض الشيء (إنما الشخص الذي يذكر عادة كأبرز ممثل للذهن الشكوك في الآداب الإسلامية القديمة لهو الشاعر الضرير: المعري) صاحب اللزوميات ورسالة الغفران وسقط الزند وما إليها من بدائع الكتب، وقد داخله الشك أولا في دينه ثم عقبه في غيره من المعتقدات والأديان بما ولده في نفسه العكوف على درس الديانات الأخرى وفلسفتها ولا ريب أن المحن والمصائب التي حلت بساحته كان لها اليد الطولى في تحويل دفة ذلك الخيال المتدفق العظيم وسوقه في بحار الشك واليقين المتعاركة المتلاطمة فرجحان الأولى في غالب أعماله. فمن فقدان نعمة البصر فرأفة الوالد فحنو الأم الحنون إلى عبث الأيام وسخر الأنام كل هذه أفاضت عليه من التشاؤم المحزن والشك الرائع حلة فضفاضة خلابة أثرت في أيامها ومن بعدها أثرا عظيما في النفوس الكثيرة.
ونعثر بعدئذ على الخيام مرسل الرباعيات الشهيرة وصديق حسن بن الصباح الذي صار
فيما بعد شيخ الجبل ورئيس طائفة الحشاشين وصديق نظام الملك أيضا الذي غدا وزيرا لملك شاه - وتتمثل لنا حياته وصوفيته ووجهة نظره في الحياة وشكوكه في الآخرة فوصفه الخمرة. . . ثم نصل إلى حافظ وهذا أيضا من أصحاب الرباعيات؛ فسعدي وأمثالهما من فطاحل الشعراء الفرس الذين لهم في نفوس مواطنيهم وشعوب كثيرة حرمة عظيمة لما يكتنف أشعارهم من الجاذبية والجمال والسحر الحلال.
مما لا شك فيه أن عشاق الموسيقى الشرقية يهمهم هذا الفصل الذي يختم به الجزء الرابع ويجري موضوعه في هذا المسلك من الفن غذاء النفوس الساكنة الثائرة، ولا نظن أن لا نجد فيه شيئا طريفا. كلا! بل هو كسائر بدائع هذا الصرح تستنبطه آراء جديدة ونظريات لها ماهيتها عند أربابه مع كلمة عن جميع الكتب التي اختصت بالغناء والآلات الوترية.
الجزء الخامس
والآن هاهو ذا الجزء الخامس والأخير من العمل العظيم وبه تختم هذه السلسلة الملأى بالآراء والزاخرة بالفوائد التي تتدفق فيه تدفقا ويمتاز عن اخوته بما يتخلله من العصريات، فقد خصص معظمه بالبلاد الشرقية التي تلهبها النهضة(7/362)
الحديثة أو تكاد. ونمر في هرولة وتعجل؛ فإذا الطوائف والنحل والشيع تتراءى أمامنا على هذه الصفحات وأخبار منابذتها واضطراباتها تتخيل لنا ما بين حين وآخر فنجد الإمام عليا وتحزب بعض أفراد ونشوء أشياعه تليها أخبار الإسماعيلية والقرامطة فالحشاشين وهي فرع من الإسماعيلية - الطائفة التي كان ديدنها سحق من يخالف مبادئها السياسية - وقصدها فقتلت وأبادت الكثير من الفرنجة والعرب وأجبرت صلاح الدين الأيوبي نفسه مع عظمته وجبروته على فداء حياته بإتاوة وصونها بالمال الوفير. . . ونجد أيضا الدروز الذين يتملكون اليوم حوران وجزءا من لبنان. فنعرف كيف سبب جنون الحاكم ودعواه الإلهية نشوء هذه الشيعة ولما لهذه الطائفة من حوادث ومواقع جمة في لبنان في بطون التاريخ تبسط كرا دى فو عنها وتحدث أيضا عن الموارنة وهما - كما نعرف كلنا - في بعض صفحات التاريخ الأعداء الزرق وفي صفحات أخرى، الأصدقاء الأحباء مراعاة لما تقتضيه السياسة والمصالح. ثم نمر بحياة أكبر أمراء لبنان، وهما اثنان. أولهما: فخر الدين المعني الملقب بالكبير ونرى حبه لتقدم بلاده العزيزة في أثر رجوعه من بلاط آل مديشس بفلورنسة إلى أن سلق له الحظ
الوقوع بين أظفار آل عثمان الحادة - ويا لها من أظفار تنزف الموت الزؤام - فقضى ضحية زكية. ونجد الأمير بشيرا فخر لبنان يتلوه. فعن حوادث ملكه العنيفة وصعوده وهبوطه حتى قيض الله له أن تسعى به الأعداء فيسقط من رفعة مجده بعد مجاهدة الأبطال فذهب إلى الآستانة منفيا حيث عاش إلى أن حلت به نائبة الموت فودع نور الحياة وكله حسرات وآلام.
نصل بعد ذلك إلى البابية فالبهائية وليدتها وقد أخذت مكانا في الكتاب جليلا لأهميتها وبدئها وانتشارها كان تابعوها مضطهدين يشدد عليهم النكير جميع من في بلاد العجم. وكم من مذابح وكم من لعنات أرسلت عليهم ولكنهم صبروا وقاوموا حتى كان للبهائية من أبناء سورية (ويا أسفا) دعاة في أميركة حيث نالت بعض النجاح عند الشعب الأميركي وكيف لا، وهو ذو الداء العشقي للأديان والشيع الجديدة.
هنا نستقبل القسم الثاني من هذا الجزء الأخير، وهو مما يهم كل شرقي من مراكش غربا إلى أنجاد الهند ومغاور بلاد التتار وهضابها دون استثناء إذ هي(7/363)
تبحث عن كل من له علاقة بالحالة الحاضرة منذ ابتداء دبيب النهضة في جميع هذه الجهات. إنما تركية ومصر تحتلان الجزء الأكبر منه، ولا غرو فلتركية نهضة بل نهضات أهمها منذ عهد مدحت باشا إلى اليوم. وكذلك مصر فلها مكانها الزاهر في فجر النهضة الشرقية، منذ تلك البرهة السعيدة التي تسلط فيها محمد علي عليها فانبثق من النهضة ينبوعها الأول.
فالبارون يحدثنا عن تركية عن أولى علائقها بأوربة عموما وفرنسة خصوصا فعن حوادث التجدد التي كان مصطفى الثالث أول مضرم لها. فسليم الثالث فالسلطان محمود الثاني ثم عن رشيد باشا الذي بذل جهدا في تحديد بلاده وإنهاضها وهو ممن لا بأس به.
أما الشخصيات البارزة اليوم في نهضة تركية على العموم فثلاث: مدحت باشا وأحمد رضا ومصطفى كمال. فهؤلاء تعاقبوا بالتتالي واحدا تلو الآخر. فكان مدحت وكان أن جد وأبلى وأسقط عبد العزيز وأجلس مرادا وخلعه وملك عبد الحميد طلبا للحصول على فائدة للبلاد. ولكن الأخير لم يدعه يبحث عما هو أفضل لإنعاش البلاد، فنفاه إلى الطائف حيث قتل على الأرجح. وتلاه أحمد رضا صاحب الأفكار المطلقة وأتى بأعمال عظيمة أهمها إسقاط صولة وجبروت عبد الحميد مع طغمته وإجلاس رشاد. ويأتي بعد ذلك الغازي مصطفى كمال من
يعزى إليه الفضل الأكبر في إنهاض تركية من كبوتها بعد أن كادت أيدي التفرقة والخراب والظلم تعمل بها عملها المعلوم. فنعرف حقيقة ما قام به لا كما يتحدث أصحاب الغايات بل كما يدل عليها الدرس والبحث النزيه.
ثم يختم كلامه عن تركية بلمحة عن آداب أهلها العصرية والتعليم العالي بها. وعن بعض مؤلفاتهم العصرية الشهيرة الفلسفية وسواها.
ونأتي إلى مصر فنهضتها تأخذ شرارتها منذ عهد رأس الأسرة العلوية المالكة محمد علي الكبير فأعمال الإصلاح (والترميم) وإرسال البعثات إلى أوربة وقدوم الأساتذة الأجانب إلى مصر ككلوت بك للطب وسيف (أو سليمان باشا الفرنساوي كما يعرف اليوم) للحربيات وفتح قناة السويس في عهد إسماعيل ثم عن الجامع الأزهر فالشيخ عبده والشيخ الطنطاوي فيقظة الإسلام في مصر وعقد المؤتمر في مكة(7/364)
كل هذه تتردد بين الصفحات وهي التي كان لها رد فعلها الحسن اليوم في النهضة الجديدة.
لا نود أن نتوسع أكثر عن الحوادث المصرية وإيرادها فهي معروفة لدينا كما أنه لا يمكننا أن نأتي بتعليقات البارون عن مختلف حوادثها وإنما نحبذ لو يسعى من يقرأ كلمتنا هذه من المصريين الكرام بنشر هذا الكتاب بين أبناء وطنه لما تضمنه عن بلادهم وعما أخرجته من قادة الأفكار لأنها اليوم مديرة الحركة الإسلامية. ولذا نكتفي بما أوردناه وكفى بذا خير إشارة.
ثم تحدث عن بلاد العرب وأفريقية عن دعوة الوهابيين منذ أن نبضت حركتها فتسلطها وكسر محمد علي لشوكتها إلى نهوضها فتربعها في دست الحكم اليوم. وكذلك حدثنا عن الإسلام في أفريقية وتطوره إلى اليوم.
في الهند أيضا للإسلام مظاهر وأفكار. فوجب تخصيص فصل ببعض توسع عن حركاته وسكناته وكذلك قل عن بلاد فارس وبلاد التتار ثم يختم الكتاب بفصل عن المرأة المسلمة وعن النساء ذوات الأثر فيه حديثا.
وينتهي هذا الجزء بل هذا العمل الرائع بملحوظات وكلمة شبه ختامية يفسر فيها بيان مقصده من الكتاب إلى ما هنالك من فوائد ومذكرات.
كلمة ختامية
هذه هي شبه خلاصة عن سائر محتويات هذا العمل المجيد وأنى لي أن أصف بما أوردته ما تضمنته خمسة أجزاء ضخمة أو ما ينيف على ألفي صفحة من جلائل الفوائد ولم يقتصر الأمر بها على إيراد النتائج والوقائع بل تعداه إلى إتباع كل جزء فوائد وملحوظات تختلف من أربع صفحات إلى ست وسبع مدونا فيها كل ما ظنه - بل وجده ذا فائدة عظيمة - يستمد منها الطالب دررا وقد رتبها بحسب المواضيع وتخاصيص كل جزء، داعيك مما قد جمعته رؤوس الأقلام والمذاكرات في أثناء تعاريج تلك البحوث مما يطفح إناء القارئ وكما قلت في مقدمة بحثي إني لن آتي بثاقب فكره في مواقع الكتاب بل سأكتفي ببسط مضامينه لأبثها على صفحات (لغة العرب) النيرة ولست فيها غير محدث مخبر ومع ذلك لم اقدر أن أذكر سوى أهم الحوادث وأهم مضامينه وعبرت عن الشيء الكثير(7/365)
وما قصدي من وراء هذا البحث سوى أن نتمكن من القيام بواجب الشكر لأحد جلائل أعمال المستشرقين الكبار الخالدة.
أما طبع وتجليد هذا الكتاب فهما غاية في الجودة والإبداع - على الرغم مما نالني في جزئه الثالث من حظ عاثر شأنه معي في اقتناء الكتب على الدوام - والكتاب من كافة جهاته هو بغية الشرقيين ومطلبهم.
وإني أرجو بذا وكلي أمل أن أكون قد قربت إلى الإفهام قيمة هذا الأثر الخالد الذي قلت أشباهه وندرت أمثاله وفاضت فوائده.
مسك الختام
والآن أمام هذا لا يسعنا إلا إبداء شكرنا للبارون الفاضل على ما جاد به من جهد وعناء صرفهما في القيام بإعداد عمله المذكور وإبرازه تحفة أنيقة مفيدة في حلته القشيبة.
فحبذا من جانب الشرقيين الالتفات والشكر وحبذا من الشرق معرفته وإقراره بالجميل!
وحي على الفلاح!!!
بركات (السودان): مشيل سليم كميد
طبع الدرر الكامنة
أبللت بعد أن لازمت حجرتي ستة أسابيع وهاأنا ذا أذهب إلى خزانة لندن لأشتغل فيها.
وإقامتي طول هذه المدة بين جدران غرفتي مكنتني من أن أنهي (الدرر الكامنة) وقد أرسلت إلى الهند بالأوراق الأخيرة ليتم طبعها. وقد بلغ عدد التراجم 5444 وسوف أضع فهرسا في الآخر أذكر فيه الأسماء المنسوبة التي يعرفها بها أصحابها دون غيرها وهي لا توجد في النسخة الآن إلا أن معرفتها من الضرورة بمكان عزيز وإلا فما أمكن الاهتداء إلى وجود أصحابها بالأسماء المذكورة دون المشهورة. وفي هذا السفر نواقص لا تنكر ولا سيما أن المؤلف نفسه لم يكن بيده إلا مستندات سقيمة الخط وذلك ما يتحققه كل باحث مما يراه مكتوبا على الحواشي التي تطرز المخطوط الذي بيدي.
بكنهام (إنكلترة): ف. كرنكو(7/366)
في ظلال الحب الشريف
الصب مرقده من الأقلاق ... وحليفه الشوق الممض الباقي
وأنيسه ذكر الحبيبة وحدها ... وجليسه أمل لنيل تلاقي
والحب (لاسلكي) اكتظت به ... ساح القلوب بسائر الآفاق
قد جاء (مركوني) بلاسلكيه ... والحب قدوته على الإحقاق
للحب جذب قاهر متناثر ... يدني القلوب بقوة الأشواق
و (نيوتن) بالجذب جاء ولم يقل: ... جذب الغرام لأنفس العشاق
فالحب يغزو والسلاح ملاحة ... والصب مغزو قريح مآقي
والحسن يطوى والعيون دليله ... والقلب ميدان لشد وثاق
قالت فبان الثغر ذا إشراق ... وتبسمت كتبسم العشاق
قالت فأشرق ثغرها ببياضه ... والوجه منها دائم الإشراق:
يا من توغل في الهوى فهوى به ... ما لي أراك تنوء بالتعشاق
فكأن أشجار الحديقة دمدمت ... بحفيفها وتساقط الأوراق
ورنت إلي بحسرة وتحنن ... فبكت لقلبي المولع الخفاق
ذرف الدموع لدى الحبيب مترجم ... ودليله الإيماء بالأحداق
باحت بشكواها فزاد حنينها ... واستأذنت للحب في الإطلاق
لبست من الأخلاق ثوبا طاهرا ... لا سيئا دنسا من الأخلاق
إن لم يكن فيها الجمال محسنا ... فلقد سمت بدماثة الأخلاق
مأسورة للحب مثل حمائم ... سجنت بأقفاص من الإرهاق
وقفت فكان وقوفها لي نعمة ... يا ليتها دامت مع الإغداق
وبدت لها في الوجنتين أشعة ... حمر فكانت بهجة المشتاق
أوهت بعينيها الدماغ تكهربا ... فأشرت للعينين بالإطباق
فالحب ينمو بالوصال كأنه ... خوط تعهده الخبير الساقي
وكأن قرأت علي بياض جسيما ... آيا من الحب الشريف الراقي(7/367)
حب يموج بقلبها متصادما ... في بحره المتلاطم الدفاق
لو صار في الحسن السباق لحصلت ... بعلا الجمال وسام الاستحقاق
ذاقت تعاذيب الغرام وأزمعت ... كتم الهوى بالصبر والإطراق
وحنت علي بنظرة مملوءة ... لطفا يبين غزارة الإشفاق
قلت: أرفقي بي يا (رباب) وانصفي ... فالروح قد بلغت حدود تراقي
قالت: فصفني إن عرفت محاسني ... فارتج قلبي خشية الإخفاق:
فمن الجمال لك العظيم فما الذي ... أنا من أذاه المستطير ملاقى؟
وجه يشع كأنه متأجج ... شكلاء طلعته وذو آلاق
خدان كالشفقين في أفقيهما ... بانا بأفقي وجهك البراق
عيناء تنبثق الوداعة من سنا ... عينيك فاعتمدي على الإنفاق
فمشت كما هب النسيم تحذرا ... ولكي يدوم السر في الإغلاق
وتغلغلت بين (الورود) ودمعها ... متناثر كتناثر الأوداق
قالت إلى آتي اللقاء وودعت ... قلبي الذي لم يصطبر لفراق
ذهبت وأبقت لي خيالا ثابتا ... فرسا بقلبي الحزن في الأعماق
الكاظمية: مصطفى جواد
شبهة هبة الله بن كمونة اليهودي
جاء في لغة العرب (6: 421): (وإلى الآن لم يرد الفقهاء اعتراضاته على الدين حتى إنها عرفت عندهم بالشبهات). اهـ. فأقول: لم يقف العلماء على سوى شبهة واحدة له وهي المعروفة في كتب الكلام والفلسفة بشبهة ابن كمونة وهذا تقريرها:
(لم لا يجوز أن يكون هناك هويتان بسيطتان مجهولتا الكنه مختلفتان بتمام الماهية يكون كل منهما واجب الوجود بذاته ويكون مفهوم واجب الوجود منتزعا منهما مقولا عليهما قولا عرضيا).
وهذه الشبهة قد ردها العلماء في كتبهم (راجعوا كتب الكلام والفلسفة في مبحث الإلهيات عند بيان: إن واجب الوجود أحدي الذات من جميع الجهات تروا فيها ردا وافيا).
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي(7/368)
الشعر المنثور
ويسمى الشعر الحر أو المطلق أيضا، وهذا النوع من الشعر لا يشترط فيه أن يأتي من وزن واحد وقافية واحدة، بل أن يأتي من مختلف الأوزان، أما الذي يشترط فيه فهو صوغ الجمل من الألفاظ تلك الألفاظ التي يأتلف بعضها إلى بعض في الأوزان الشعرية حتى تكون الجملة منسجمة فتبرز الحقائق مصورة في قوالب شعرية، وبعبارة أخرى لا يكتفى بجمال النغمات الشعرية فقط بل بكمال جماله وروعة حسنه بوجود الفلسفة العالية وحقائق الحياة فيه فيثير العواطف الشريفة من رقادها لتتناول الفضيلة بأسهل متناول فهو لا يقل تأثيرا عن قسيمه الشعر المنظوم. ويجب أن تراعى فيه فواصل الجمل - صغرت تلك الجمل أو كبرت أي أن تكون الجملة مستقلة في رسم الخط، ويستحسن فيه ربط الجمل بأن يؤتى بعد كل جملة أو جملتين أو ثلاث - حسبما يطلبه المقام - بجملة صغيرة متكررة لتجلب الأذهان فتكون بمثابة البيت الأخير في بعض الموشحات.
هل الشرقيون أسبق من الغربيين فيه
لو رجعنا إلى تاريخه لوجدناه منتشرا بين الأمم الشرقية قبل أن يتفشى بين الأمم الغربية نخص بالذكر منهم العبرانيين فإن أدبهم قد امتلأ منه حتى إنه من كثرة تعاطيهم إياه أتتنا كتب الدين متضمنة شطرا كبيرا منه، ولو حفظ لنا تاريخ الأدب العبري كما كان مفصلا لرأينا الشعر المنثور قد ملأ أسفارا ضخمة ولم تذهب أشعار بقية شعرائهم كإضراب داود وآساف وسليمان وإرميا فإن الذي وصلنا من هذا الشعر المنثور اتصل إلينا بواسطة كتب الدين كسفر المزامير وسفر الجامعة وسفر نشيد الأنشاد وسفر إشعيا وسفر إرميا وسفر مراثيه وغيرها من أسفار التوراة فالذي يقرأها يحكم في الحال - على رغم تشويش الترجمة التي لم تفرغ في قوالب كما يرام - إنها شعر منثور ويعترف بالروح الشعري الطافح المترقرق في ديباجتها، وأنا لو حذفنا من سفر نشيد(7/369)
الأنشاد أو سفر الجامعة بعض الجمل وأبدلنا ببعض الكلمات كلمات توافق روح عصرنا هذا ووقعناها باسم أحد أدبائنا ما استبعد أن يقال أنها لهذا الأديب صاحب التوقيع.
ومن يرى أسلوب سفر نشيد الأنشاد وتوقيع نغماته يحكم بلا تردد أن ما يأتيه أدباء عصرنا (كجبران) و (مفرج) و (مي) وغيرهم منسوج على منواله ومفرغ في قوالبه ومضروب على غراره.
ورد في قاموس الكتاب المقدس في مادة شعر: (ولا تعتبر القوافي في الأشعار العبرانية ولم تنقسم إلى أوزان كالشعر العربي (المنظوم) ومع أنها قد نظمت أحيانا على الحروف الأبجدية لم يكن في شطري أبياتها عدد مرتب من التهجئات وإنما نظمت على مقابلة الأفكار) الخ.
الأوربيون اقتبسوه من الشرقيين
لما تمكنت النصرانية في القرون الوسطى من أوربة وخمد صوت الفلسفة اليونانية وأرتفع صوت الديانة النصرانية أدخلت بالطبع هذه الطريقة الشعرية الإسرائيلية في كلام الدين بل جعلت جزءا من الدين إذ لا تتم الطقوس النصرانية على وجهها المناسب ما لم ترتل هذه الأشعار كمزامير داود في المجامع والهياكل.
ولا يعقل أن هناك متنصرا ما لم يتل هذه الأسفار، فتذوق الأوربيون هذا الشعر المنثور العبري من هذه الأسفار بلذاذة فنشأ روح الشعر المنثور في بلاد الغرب.
ولما أتت القرون الحديثة بإصلاحها وجد الروح الشعري الشرقي مادا إطنابه في الأدب الأوربي، فتحور وتهذب عندهم من باب الضرورة وتصرف أولئك الناس فيه لشؤون شتى في الحياة الاجتماعية والأدبية ترى ذلك ظاهرا في أسلوب شعرائهم وهاك مثلا كتاب (بلاغة العرب) الذي يضم بين دفتيه طائفة من آثار شعرائهم (كفيكتور هوغو) و (لا مارتين) و (بيير كوريني) وغيرهم وما تنشره المجلات العربية لشعرائهم.
وجوده عند العرب
وقد وجد عند العرب وتراه في مجاميع الأدب داخلا في زمرة الكلام المنثور(7/370)
كنثر بعض عرب الجاهلية وفي القرآن الكريم كثير منه فهاك مثلا (سورة الدهر) و (سورة المرسلات) واقرأهما تر أنه ينطبق عليهما كل الانطباق وأغلب الآيات القرآنية أعتبرها العرب شعرا بدليل ما حكاه القرآن عنهم من قولهم في النبي - - صلى الله عليه وسلم - - والقرآن (إنه قول شاعر) مع
إنهم يرونه غير موحد في الوزن ولا مقفى ومع ذلك اعتبروه شعرا فترى أنه وإن كان غير منظوم فإنهم اعتبروه شعرا فهو إذن شعر منثور.
وقد ورد منه شيء كثير عند المولدين كنثر أبي طيب المتنبي في أوائل ادعائه بالنبوة ونثر المعري في (الأيك والغصون) و (ملقى السبيل) وغيره حتى لو تطرفنا في البحث لوجدنا (الحل) والنثر قبل (العقد) الذي هو نوع من فنون البديع وهو شعر منثور.
وفي القرن الرابع عشر للميلاد أي وقت جمود الأدب العربي وجد شيء منه مثل (بند) ابن الخلفة وقد عارض تلك القصيدة النثرية أدباء عصره.
الشعر المنثور عندنا في العصر الحاضر
لقد تركه الشرقيون فالإسرائيليون غادروه وغادروا عالم الأدب كله لينصرفوا إلى عالم التجارة والكسب وذلك بعد موت الروح القومي منهم فضل كل فرد منهم ولم يبق فيه شيء يهمه سوى أمر شخصه وشأن حياته القائم بها.
وأما العرب فلم يكثروا منه ولم يستخدموه في عالم الأدب إلا لكونه نثرا فاكتفوا عنه بقسيمه الشعر المنظوم فكان ذلك منهم إغفالا مع وجود نماذج عالية عندهم واعترف المتقدمين به كما سبق بيانه.
ولما سرى روح الإصلاح والنهوض في الأمة العربية في العصر الحديث وأدخلت المدنية والعلوم والآداب العصرية الغربية فيها دخل معها في جملة ما دخلها من أنواع الآداب.
وأول من تعاطاه الريحاني فانهال أدباء العصر على اتخاذه وهكذا ردت بضاعتنا إلينا.
الشطرة: رشيد الشعرباف(7/371)
قبر ابن الجوزي وقصور الخليفة
من المولعين بالتحقيق عن آثار بغداد والمشغوفين بتاريخها الفاضل عبد الحميد عبادة وقد نشر عنها المقالات المفيدة في هذه المجلة الزاهرة. من ذلك مقالته الواردة في الجزء 3 ص 217 من هذه السنة وهي عن دار ابن الجوزي وقبره. وقد أبان فيها غلط من يقول أن المرقد الذي في حديقة اكريبوز هو لابن الجوزي المتوفى في سنه 597 (1200) وأحال القراء على الصفحة التي رجحت فيها أن هذا القبر هو لابن جوزي الذي أشير إليه.
وإني لأشكر عبادة على نقده النزيه وعلى تخطئته إياي. وكان سبب غلطي إني اعتمدت على (سالنامه) بغداد وعلى ما رأيته في أول مخطوط قديم ذكرته هناك. وكان الواجب علي أن أرجع إلى ابن خلكان. وليس بين المترجم والمترجم إلا قرن واحد فضلا عن ابن خلكان من الثقات المعلومين.
أما ما قاله عبادة أن القبر لا بد أن يكون لمحيي الدين بن الجوزي أو لأبنه جمال الدين عبد الرحمن أو لأخيه شرف الدين عبد الله أو لأخيه الآخر تاج الدين عبد الكريم وما رجحه أن القبر لمحيي الدين منهم لأبوته ولتفوقه على أولاده في العلم والرتبة ففي ذلك نظر. فإن قتل هؤلاء الأربعة - على ما قاله كتاب الحوادث وعلى ما نقله عبادة من مختصر تاريخ الحنابلة - كان في دخول هولاكو بغداد. وكانت الدماء تجري فيها والناس في ويل وثبور أفلم يكن عندهم ما يمنعهم من الوقوف على مدفن فلان ومدفن فلان؟ ويجوز أنهم وقفوا على دفين هذا القبر، أما سبب الترجيح الذي أورده عبادة فلا يمكن أن يكون(7/372)
حجة في ما ذهب إليه إذ كم من القبور للمشاهير من العلماء وغيرهم درست وبقيت قبور غيرهم من الذين هم أقل شهرة ومقاما! هذا ويجوز أن يكون المرقد لأحد الجوزيين غير الذين ذكرهم كأبي الحسن علي والد المتوفى في سنة 597. وفي ترجمة الابن في ابن خلكان أن وفاة الوالد كانت في سنة 415 (1120).
قصور الخليفة
وإذا انتقلنا إلى قول عبادة القائل: (ولم تبق ريبة في أن القصور التي تملكها الخضيريون وما يليها هي قصور الخليفة كما أشار ابن جبير لقربها من باب البصلية (الباب الشرقي)
وخربة ابن الجوزي) وجدنا أن السند الذي تمسك به الكاتب لا يحمله على هذا القول الحاسم. وهذا ما نقله عن مستنده ابن جبير الذي قال:
(ثم شاهدنا. . . مجلس الشيخ. . . جمال الدين أبي الفضائل بن علي الجوزي بازاء داره على الشط بالجانب الشرقي و (الدار) في آخره (يعني في أخر الجانب الشرقي) على اتصال من قصور الخليفة و (هي أعني الدار) بمقربة من باب البصلية آخر أبواب الجانب الشرقي.) اهـ.(7/373)
وإذ رأينا إن دار ابن الجوزي هي في آخر الجانب الشرقي وبمقربة من باب البصلية وأن هذه الدار على اتصال من قصور الخليفة فلا وجه لقبول عبادة أن قصور الخليفة كانت في موضع قصور الخظيريين وما يليها إذ يحتمل أن تكون قصور الخليفة فوق دار ابن الجوزي أو تحتها. ولعل الأرجح أن تكون تلك القصور فوق الدار إذ أن المقربة من باب البصلية قد نسبت إلى الدار وليس إلى القصور.
ومن يراجع مقالتي المعنونة (حريم دار الخلافة) (هذه المجلة 5: 449) يقل أن الجبهة المطلة على دجلة لحريم دار الخلافة كانت بين شريعة المربعة أو نحوها وبين شريعة المصبغة التي كانت تسمى باب الغربة ومما يؤيد ذلك قول ياقوت عن القرية (وهي اليوم محلة رأس القرية على الغالب كما سيبين) أنها محلة في حريم دار الخلافة بل قال في مادة باقداري أنها بدار الخلافة وفضلا عن ذلك فقد قال ابن الساعي في كتابه مختصر أخبار الخلفاء ص 91 و112 أن السيد سلطان علي هو دفين رأس القرية ببغداد، وإذ كان جامع السيد السلطان علي - ومرقده فيه - بمحلة طرفها يقرب من طرف ما نسميه اليوم بمحلة رأس القرية (وأن تفصل المحلتين إحداهما عن ثانيتهما محلة أخرى) وكانت(7/374)
محلة القرية في حريم دار الخلافة بل بدار الخلافة نفسها على ما رأيناه في ياقوت جاء ذلك مؤيدا إن حريم دار الخلافة وضمنه دور الخلافة كانت جبهته ممتدة بين شريعة المصبغة وشريعة المربعة أو نحوها ولا تتجاوز ذلك.
قصور الخظيريين ليست بموضع قصور الخليفة
يؤخذ من كلام ياقوت وكلام أبي الفداء اللذين نقلتهما في (حريم دار الخلافة) أن مبدأ هذا الحريم من جهة الغرب (الشمال الغربي) باب الغربة وهو الآن شريعة المصبغة ولا جدال
في ذلك. وإذ كان الحريم بمقدار ثلث بغداد وفي وسطها ولا سيما دور العامة محيطة بالحريم فلا يتصل الحريم بسور المدينة في آخرها. وإن قيل عن الإحاطة أن ياقوت قالها من باب التوسع وليس بكل معنى الكلمة وحصره قلت ذلك جائز ولكن لا يمكن اتصال الحريم بسور المدينة عند آخرها لقوله أن الحريم في وسط بغداد الخ. وإذ كانت قصور (الخظيريين) في منتهى المدينة على ما بسطته قبيل هذا في الحاشية فقصور الخليفة - ودور الخلافة كما سماها ياقوت - لم تكن في موضع قصور (الخظيريين).
أبستان اكريبوز هي دار ابن الجوزي؟
لا يبعد أن يكون ذلك وكنت قد قلته. أما عبادة فقد رأى أن يبت ويجزم بالأمر بعد إيراده نص ابن جبير عن أبواب بغداد وعن دار ابن الجوزي ومجلسه وبعد كلامه عن القبر الذي في بستان اكريبوز، قال عبادة: (فلم يبق شك في أن الحديقة (حديقة اكريبوز) هي دار عبد الرحمن المشار إليه (ابن الجوزي)) اهـ فالظن بما كنت قد قلته وقاله قوي لكنه لا يصل إلى درجة الحكم القاطع مع وجود دليلين آخرين لم يذكرهما. وهما: أولا كلام ياقوت وفيه أن (حريم دار الخلافة يكون بمقدار ثلث بغداد وهو في وسطها الخ وثانيا وجود شريعة المربعة على بعد نحو مائة متر فقط فوق بستان اكريبوز. وإذا لاحظنا موقع هذه البستان وجدناه في مبدأ نحو الثلث الأخير من بغداد وهو يوافق وصف ياقوت فيكون موقع هذا البستان على اتصال من دور الخلافة الواقع في وسط(7/375)
بغداد، وسبب تعرضنا لذكر شريعة المربعة فضلا عن وجود القبر الذي في بستان اكريبوز هو لقول ياقوت أيضا أن الدار المربعة هي بدار الخلافة فيمكن أن تكون هذه الدار آخر دور الخلافة وأن دار ابن الجوزي كانت باتصال منها فالقول أن بستان اكريبوز كان دار ابن الجوزي حري بأن يؤخذ بنظر الاعتبار ولكن - على ما أظن - يجب ألا يتجاوز ذلك حتى يقوم برهان ليؤيده.
ومما ذكره عبادة حديقة نسبها إلى عبد الجبار غلام وكانت صفته فيها صفة مستأجر. والأحرى في مثل هذه المواضيع أن يذكر الملك باسم مالكه لأن المالك - على الغالب - يكون قابضا على زمام الملك مدة أطول من مدة الإيجار ولا سيما إذا كان الملك وقفا فإن اسمه يعمر دهرا. وإرجاع نسبة الملك إلى مالكه يفيد الخلف على تعيين المواضع، هذا وإن اشتهرت هذه الحديقة في عهدنا وقتا بعبد الجبار غلام أما الآن فلا أحد يعرفها بهذا الاسم.
والذي اعرفه عنها أنها وقف للكيلانيين أو للنقباء منهم. وهي اليوم عرصة خالية وجبهتها على الشارع العام طولها على الشارع الممتد إلى الشيخ عبد القادر الكيلاني فآخر المدينة من جهة الشمال الشرقي. وقد شرع الآن بعمارتها.
وقال عبادة (وهي (أي دار ابن الجوزي التي قال إنها حديقة اكريبوز) حتى اليوم واقعة على دجلة على الشط يفصل بينهما قصر النقيب الآنف ذكره) اهـ ولا أدري ضمير (بينهما) إلام يعود ولا اسمين في الجملة أما ما جعله فاصلا فلا يبين لي. والذي نعرفه أن لا فاصل بين قصر النقيب وحديقة اكريبوز وهما متصلان أحدهما بالآخر.
والآن ألخص كلامي بما يأتي:
1 - ليس بأيدينا مستند يرجح أن القبر الذي في بستان اكريبوز هو لمحيي الدين يوسف بن الجوزي.
2 - من المحتمل كل الاحتمال أن يكون بستان اكريبوز دار ابن الجوزي دون البت في ذلك.
3 - ليست قصور (الخظيريين) في موقع قصور الخليفة.(7/376)
4 - كانت قصور الخليفة كما سماها ابن جبير - وكما سماها ياقوت دور الخلافة - بين شريعة المربعة أو نحوها إن فوقها وإن تحتها وبين شريعة المصبغة.
هذا ما عن لي بيانه عن الماضي وتدوينه في المستقبل.
بغداد: يعقوب نعوم سركيس
معجم المرزباني
بيدي نسخة من هذا الكتاب البديع النفيس وقد تكلمت عن هذه النسخة في مجلة لغة العرب 7: 216 وعند مطالعتي إياه وجدت فيه فوائد تاريخية جريلة لا تقدر. ولما رأيت ما فيه من المنزلية الرفيعة في إيراد الأخبار التي وقعت في عصر المؤلف أسرعت في نسخه ومما يؤسف عليه أن النسخة التي بيدي غير تامة إذ ينقص منها عدة أوراق، وضبط الأعلام الواردة فيه من اشق الأمور غير أن الناسخ وهو مغلطاي الشهير كان من العلماء الذين يفوقون حضنة العلم الذي في عصره. ولو كان ناسخه غير هذا الثبت لجاءت النسخة من أسقم النسخ. وفي نظري أن هذا التأليف أهم من تأليف كتاب المعاني لأبن قتيبة.
بكنهام (إنكلترة): ف. كرنكو
(لغة العرب) نود أن نعلم هذا الأمر وهو: أترى نسخة تامة من معجم المرزباني عند بعض القراء أو يمكن أن يذكر لنا صاحبها تاريخ نسخها واسم ناسخها وللأديب الفضل على أبناء العربية جميعهم.
معجم الشعراء المذكور ومختصره
علمت أن لدى العلامة المستشرق الألماني فريتس كرنكو نسخة مخطوطة من(7/377)
(معجم الشعراء) لأبي عبد الله محمد بن عمران بن موسى بن سعيد بن عبد الله المرزباني من رجال القرن الرابع الهجري المولود سنة 297 هـ والمتوفى 388 هـ وقد رجح المرزباني (ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان) في كتابه (معجم الأدباء) على كثير من رجال العلم والتأليف الممتازين في ذلك العصر (كالجاحظ) وأشباهه وقال عنه ما ملخصه:
إنه (صنف كتبا كثيرة في أخبار الشعراء والأمم والرجال والنوادر وكان حسن الترتيب لما يصنفه يقال أنه أحسن تصنيفا من (الجاحظ) ثم عد كتبه منها (المفيد) في أخبار الشعراء وأحوالهم في الجاهلية والإسلام ودياناتهم ونحلهم، ومنها (المعجم) الذي رتبه على حروف المعجم واثبت فيه زهاء خمسة آلاف اسم من أسماء الشعراء المشهورين وغيرهم واستغرق ألف ورقة، ونص الحاج خلفة في كتابه (كشف الظنون) على هذا الكتاب فقال ما ملخصه: (معجم الشعراء) لأبي عبد الله المرزباني.
وقد سبق في العام الماضي أن عثر العلامة العاملي السيد محسن الأمين الحسيني الشهير نزيل دمشق في إحدى خزائن (جبل عامل) على كتاب مخطوط (تلخيص أخبار شعراء الشيعة) للمرزباني وضعه بقوله (ذكر فيها ترجمة سبعة وعشرين شاعرا وفيهم جماعة من المشهورين وذكر من مستحسن أخبار جملة منهم ما يندر وجوده في كتاب مما دل على سعة باع المرزباني وكثرة اطلاعه اهـ).
ولا يبعد أن يكون (تلخيص أخبار الشعراء) مختارا من (معجم الشعراء) ويمكن أن يكون (التلخيص) كتابا مؤلفا برأسه مستقلا ليس له ربط (بالمعجم).
وقد نشر السيد العاملي نماذج من (تلخيص الشعراء) المخطوط في المجلد الرابع عشر من مجلة العرفان السورية والخامس عشر واليك أسماء المنشورين في المجلدين من العرفان على الترتيب (1) أبو طفيل الكناني (2) أبو الأسود الدؤلي (3) عبد الله بن العباس بن عبد المطلب (4) المرقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري (5) خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين (6) قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري (7) ثابت بن العجلان الأنصاري (8) عدي بن حاتم الطائي (9) حجر بن عدي ابن الأوبر الكندي (10) الأحنف بن قيس التميمي (11) شريك بن الأعور الحارثي(7/378)
(12) قيس بن فهدان الكندي (13) الفرزدق بن همام المجاشعي (14) كثير عزة (15) الكميت بن زيد الأسدي.
وقد أخبرني بعض الثقات بوجود نسخ مخطوطة من كتاب (المعجم) في بعض خزائن العراق وسأبحث عن ذلك. وأوافيكم بالمعلومات المفيدة عنه.
النجف: عبد المولى الطريحي
صفحة منسية من تاريخ نادر شاه
في اليوم السابع من شهر نيسان سنة 1926 إذ كنت أتصفح المخطوطات الآرمية المحفوظة في خزانة كتب مطرانية كركوك الكلدانية عثرت على نبذة تاريخية كتبها بتلك اللغة أحد نصارى كركوك المعاصرين لطهماز قولي خان المشهور بنادر شاه وقد كتبها في الصحيفة الثانية من كتاب رسائل بولس الرسول الكلدانية المقسمة على مدار السنة طبقا لطقس الكنيسة السريانية الشرقية وقد خط الكتاب القس هرمز بن عبد الأحد الصائغ في مدينة كركوك في كنيسة دانيال النبي (وهي اليوم جامع) في سنة 2045 يونانية (1734).
والأرجح أن كاتب تلك النبذة هو أيضا القس هرمز عينه ويظهر من إنشائه أنه كان قصير الباع في فن الكتابة وقليل الإلمام باللغة التي يكتب بها فإن كلامه معقد وكثير الأغلاط ولا يفهم غالبا معنى كلامه إلا من قراءته فضلا عن أنه أفرغ عباراته بقالب اللغة التركية كما أفادني بذلك السيد اسطيفان جبري رئيس أساقفة كركوك وسليمانية الجزيل الاحترام في رسالته المؤرخة في 5 أيار من السنة المتقدم ذكرها وهو ناقل تلك النبذة إلى العربية إجابة لالتماسي إذا(7/379)
أني لم أتمكن يومئذ من نقلها لضيق الوقت واليوم قد أحببت أن أنشرها حفظا لها واليك ترجمتها على علاتها:
دير نرسيس صائغيان
(نبتدئ بعون سيدنا يسوع المسيح ونكتب خبر طهماز خان الفارسي.
اعلموا أيها القراء الأعزاء إنه في سنة ألفين وخمس وأربعين يونانية الموافقة سنة ألف ومائة وخمس وأربعين هجرية في السنة التي أثار فيها الفرس اضطهادا على بابل وأطرافها. جاءت عساكر كثيرة من المجوس من المشرق فهجموا أولا على قرية اسمها زهاب وذلك قبل شروق الشمس يوم الخميس الواقع في 28 ت 2
وأعملوا السيف في أهاليها فقتلوهم جميعا وكان مع المقتولين كثيرون من الروم وأسروا أميرا اسمه أحمد بك واستاقوه إلى خراسان. وارتكبوا منكرات كثيرة ونهبوا أموالا جزيلة ولم يمكن إحصاء عدد الرجال والنساء والأطفال الذين قتلهم الرجل المشهور بالمجوسية المدعو طهماز خان وعساكره سفاكو الدماء في حوالي بابل (بغداد). هذا جاء من بابل مع
فيالقه الأربعة فوجه فيلقا إلى قره تبه وفيلقا إلى كفري وآخر إلى خورماتي وآخر إلى دقوقاء فعذبوا وقتلوا وارتكبوا المنكرات وسبوا الرجال والنساء والصبيان واغتنموا غنائم وافرة. وجاء إلى مدينة كركوك ليلة السبت الواقع في السادس عشر من كانون الأول فضرب أولا اليهود وقتل منهم جانبا وأسر منهم عددا غير يسير وكان مقره بعيدا عن المدينة بمسافة ميل. فثار أهل المدينة وخرجوا إليه شبانا ورجالا وقاتلوه قتالا شديدا نحو ثلاث ساعات وقتل من الطرفين جم غفير. حينئذ ترك المدينة وتوجه إلى القوريا (القرية) وهي قرية تبعد عن المدينة نحو ساعة وأعمل السيف في أهاليها وارتعبت المدينة كلها. ونزلت عساكره خارج المدينة وقتل كثيرا من الرجال وسبى خلقا عديدا من الرجال والنساء والأولاد. ومن هنالك توجه إلى قرية (بشير) وهجم على أهاليها وكانوا نحو ألفي نسمة فمنهم من قتل ومنهم من هرب. حينئذ سار إلى القفر المدعو (براوون) لأن إلى ذلك القفر كان قد هرب كثير من أهل كركوك بنسائهم وأموالهم وذلك المحل يبعد عن المدينة نحو ست ساعات فهجم عليهم وأعمل السيف بهم وقتل وسبى كثيرين منهم وعساكره ارتكبوا فظائع عظيمة واغتنموا غنائم ثمينة جدا.(7/380)
في مجيء الفرس مرات أخرى
يوم الجمعة الواقعة في الثلاثين من كانون الأول جاءت عساكر الفرس ومقدارها اثنا عشر ألفا مع قائد برتبة بكلربكي فاضطربت المدينة وأخذها الرعب ففتحوا أبوابها وخرجت العساكر والوجوه والأمراء والرؤساء وحدثت مقاتلة عنيفة بين الطرفين مدة أربع ساعات وأنتصف النهار والحرب قائمة فلم يقم المسلمون صلوة الجمعة ذلك اليوم، وبعد ذلك توجهت عساكر الفرس إلى القوريا (القرية) البعيدة عن المدينة نحو ساعة وبنوا حواليها سورا وأبراجا (قللا) عديدة صفوا عليها المدافع وكانت المحاربة بالمدافع والبندقيات شديدة جدا وتبدأ صباحا كل يوم ولا تبطل حتى غروب الشمس وذلك مدة عشرة أيام ومن بعد عشرة أيام أنتقل الفرس إلى (يوقارى زيوا) وهي محلة أو قرية مقابل المدينة تبعد عنها نحو ميل وبنوا حواليها سورا عاليا وأبراجا (قللا) ورتبوا عليها المدافع وكانوا يحاربون كل يوم ودامت محاربتهم عشرة أيام دون انقطاع ومن بعد عشرة أيام تركوا كركوك وارتحلوا وكان ارتحالهم يوم أربعاء الباعوثة. وفي سيرهم لم يزالوا يخربون القرى التي
عن يمينهم وشمالهم حتى بلغوا بغداد (بابل) وجمع طهماز خان على بغداد عساكر كثيرة لا تحصى وأقامها مقابلها وبنى الأسوار العالية وركب عليها المدافع وكان الحاكم في المدينة أحمد باشا ابن حسن باشا. والسكان في بغداد (بابل) وفي ضواحيها اعتراهم خوف شديد. وكانت عساكر طهماز خان تحارب أهل بابل كل يوم من الصباح إلى غروب الشمس دون انقطاع ومن عساكر الفرس ورد إلى كركوك نحو اثني عشر ألفا وهذه المرة الثالثة التي جاءوا فيها إلى كركوك وكان وصولهم في يوم الأحد الواقع في الثالث من أيار ودامت المقاتلة بينهم وبين أهل كركوك نحو أربع ساعات وقتل جم غفير من الطرفين وباتت العساكر مقابل المدينة وقامت صباحا وسارت إلى طهماز خان في بغداد (بابل) وشدد طهماز خان الحصار على بغداد وعمر على النهر جسرا عبر به إلى الجهة الأخرى مقابل بغداد وشرع من هناك يحارب الأهالي وأقتتل الطرفان ووقع عدد غفير من القتلى ودامت المحاربة على هذه الصورة أياما دون انقطاع وغدت المدينة تحت الحصار فلم يكن يأتيها القوت من مكان(7/381)
فصار فيها جوع عظيم وسمع بذلك ملك الروم (الترك) فاحتدم غيظا وأرسل سريعا نحو اثني عشر ألف نفر من العسكر ومعهم القواد والأمراء والوزراء تحت قيادة ماموش باشا فوصلوا كركوك في الحادي عشر من أيار الواقع يوم الأحد ونزلوا في خارج المدينة. ومن بعد عدة أيام وصل أيضا إلى كركوك السر عسكر عثمان باشا ومعه أربعمائة ألف جندي (كذا) وأربعة وعشرون قائدا وكان وصولهم في الخامس عشر من حزيران وبعد أن مكثوا مقابل كركوك أياما يسيرة توجهوا إلى بغداد وكانت القرى على طريقهم خالية من السكان وساروا إلى بغداد على ضفة النهر وسمع طهماز خان بقدومهم فثار بعساكره وجاء لمقاتلته السر عسكر فالتحم القتال بين الطرفين وكان الروم على ضفة النهر والفرس بعيدين عنها واشتدت الحرب بالمدافع والبندقيات والسيوف وقتل من الطرفين خلق كثير ومات بالعطش كثيرون من الفرس ودام القتال سبع ساعات وانتهى بهزيمة طهماز خان. وقبل هزيمته كانت بغداد قد بقيت محاصرة تسعة أشهر وما كان يأتيها قوت من الخارج فوقع أهاليها في جوع عظيم وأصبحت وزنة الحنطة التي هي أربع وعشرون حقة بمائة وخمسين غرشا ولم تكن لتوجد. وصارت حقة اللحم بذهب وحقة الدهن بذهب وحقة لحم الجمل باثني عشر عباسيا وقيمة دمه ثمانية عباسيات وحقة لحم
الفرس بعشرة عباسيات ودمه بثمانية عباسيات وبيع الكلب بخمسة عشر عباسيا والسنور بذهب والدجاجة بذهب وحمامتان بذهب وقيمة رغيف الخبز أربعة عباسيات ومات كثيرون جوعا ولم يكن لهم من يدفنهم لذلك أنتنت البيوت والأسواق والدور (الأحواش) وفسد الهواء بنتانتهم وكذلك الماء لأن كثيرين ماتوا فيه ومن بعد هذا سمع صوت في المدينة أن طهماز خان قد هرب فاهتزت المدينة فرحا وانتعش الرجال والنساء والفتيان سرورا وسبحوا الله جميعا وفتحوا أبواب المدينة وذهب كثير منهم إلى المحل الذي كان فيه طهماز فأخذوا ما ترك من حنطة وشعير وسمن وغير ذلك وعادوا إلى المدينة.
ومن بعد هزيمة طهماز خان قام سر العسكر عثمان باشا مع عساكره الكثيرة من البرية ودخلوا المدينة لدى أحمد باشا وبقوا في بغداد ثلاثة أيام ثم سافروا(7/382)
وكانوا ينتقلون من قرية إلى قرية وكلها خراب حتى وصلوا كركوك وكان وصولهم في الخامس عشر من تموز. واشتد العويل والنحيب في المدينة لأن محاربة شديدة جرت بين عساكر السر عسكر وبين عساكر الفرس التي كانت باقية في كركوك وكثر الخوف في القلعة والتحم القتال شديدا بين الطرفين بالمدافع والبندقيات اليوم كله حتى غروب الشمس ومات من الطرفين عدد كثير. وهرب الفرس في تلك الليلة إلى قرية (ليلان) التي تبعد عن المدينة أربع ساعات وكانت خرابا خالية من السكان. وتلف أيضا كثير من عساكر الفرس جوعا.
المدرسة البشيرية
يقال: إن المؤرخ كحاطب ليل، فكنت أفسر هذا القول: أن المؤرخ يجمع بين الغث والسمين والموثوق به والضعيف، وما كنت أفكر يوما بأن له معنى آخر وهو الخبط والتلفيق وتغيير الحقائق وتشويه الوقائع إلا بعد اطلاعي على مقالة كانت قد نشرتها مجلة (المرشد) الغراء في جزءها السادس بعنوان (المدرسة البشيرية وكيف صارت سيفا)؟
أقول (مع احترامي لشخص كاتبها) إنها تحتوي على أمور بعيدة عن الهدف الذي أراد، وعلى مباحث مخالفة للأمر والواقع فهلا فكر حضرة مدبج سطورها (قبل التسرع بنشرها) بأن هناك رجالا يغارون على التاريخ وانهم يضعون ما كتبه في ميزان التحقيق فيرمون ما كان منه موضوعا: أو يصهرونه في بوتقة التدقيق ليطيروا كل ما يجدون فيه من المواد الزائفة والعناصر الغريبة:
قرأت المقال المذكور بكل دقة وإنعام نظر مرارا عديدة فوجدته قد احتوى على مواضيع شتى يمكن حصرها في ستة أبحاث: - 1 - البشيرية - 2 - بيوت بغداد الشهيرة - 3 - حوادث الغرق والبرد في سنتي 454 و466 - 4 - قبر الأشعري - 5 - السيف ومسجده - 6 - الصالحية.
وقد ذكر الكاتب إن نقل بحثه هذا من كتاب لمحمد أمين السهروردي(7/383)
(عمه) ولكن لم يفصل قول عمه عن قوله الخاص به بل أدمج قوله في ما نقله حتى اصبح لا يعرف النص من الزيادة، وقد جئت هنا مبينا حقيقة هذه المباحث حسبما جاءت في كتب التاريخ.
البشيرية
مدرسة واقعة في مقبرة معروف الكرخي (رض) بنتها حظية المستعصم بالله العباسي المعروفة بباب بشير واليك ما جاء في هذا الصدد من النصوص:
قال ابن الفوطي في كتابه الحوادث الجامعة للمائة السابعة ما نصه: وفيها أي في سنة 649 شرع ببناء المدرسة البشيرية. وقال: وفي سلخ شعبان سنة 652 ختمت دار القرآن التي أمرت بعمارتها والدة الأمير أبي نصر محمد بن الخليفة المستعصم المعروفة بباب بشير التي بنت المدرسة البشيرية. وقال: وفي 9 شوال سنة 652 توفيت البشيرية ودفنت تحت
القبة التي أعدتها بجانب المدرسة المذكورة،، وتوفي بعدها ولدها أبو نصر محمد في 12 ذي القعدة سنة 652 ودفن عندها. وقال: وفيها أي في سنة 653 فتحت المدرسة البشيرية بالجانب الغربي من بغداد تجاه قطفتا التي أمرت ببنائها حظية الخليفة المستعصم أم ولده أبي نصر المعروفة بباب بشير، وجعلتها وقفا على المذاهب الأربعة على قاعدة المدرسة المستنصرية، ووقفت عليها وقوفا كثيرة قبل فراغها وكان فتحها يوم الخميس ثالث عشري جمادى الآخرة، وحضر الخليفة وأولاده فجلسوا في وسطها وحضر الوزير وأرباب المناصب ومشايخ الربط والمدرسون وكان المدرس بها سراج الدين النهرقلي أقضى القضاة وشرف الدين عبد الله ابن أستاذ الدار محيي الدين بن الجوزي ونور الدين محمد بن الغربي الخوارزمي الحنفي وعلم الدين أحمد بن الشرمساحي المالكي وعمل وليمة عظيمة، وخلع على المدرسين المذكورين والناظرين بها ونواب الإمارة والفراشين وخدم القبة وأنشدت الأشعار وكان يوما مشهودا وكانت وفاة البشيرية في السنة الماضية على ما ذكرناه:
أما قطفتا: فقد قال ياقوت عنها في معجمه: قطفتا محلة كبيرة ذات أسواق بالجانب الغربي من بغداد مجاورة لمقبرة الدير التي فيها قبر الشيخ معروف الكرخي (رض) بينها وبين دجلة أقل من ميل وهي مشرفة على نهر عيسى إلا أن(7/384)
العمارة بها متصلة إلى دجلة بينهما (القرية) محلة معروفة اهـ.
فأين هذا من قول الكاتب: بناها بشير الدولة وساحتها كبيرة حتى السوق المتصل بالجسر والمسجد الواقع بفوهته كان من متممات المدرسة المذكورة!!! وكيف التوفيق بين قوله: أفل نجم المعهد بسبب غرق بغداد سنة 454 هـ وأذهب بجمالها (كذا) البرد الكبير الحجم الذي سقط سنة 466 هـ وقوله أيضا أن أحد معيدي الدرس فيها كان ابن عكبر المولود سنة 640 هـ وبين ما قاله ابن الفوطي إنه شرع ببنائها سنة 649 هـ. إن ذلك كله لأمر غريب.
أما مدرسو البشيرية فقد ذكرهم ابن الفوطي أيضا بقوله: وفي سنة 665 هـ درس بها نظام الدين عبد المنعم البندنيجي. وفي سنة 668 هـ. . . ثم تقدم بترتيب الشيخ نور الدين علي الاطلبي الحنفي مدرسا بالبشيرية عوضا عن فخر الدين الطهراني المتوفى في السنة الماضية. وقال: وفي سنة 677 أعيد صدر الدين محمد بن شيخ الإسلام الهروي إلى
القضاء في الجانب الغربي من بغداد وتدريس المدرسة البشيرية فبقي على ذلك مدة شهرين وأصبح ميتا. وفي سنة 682 نقل مجد الدين علي بن جعفر من التدريس بالمدرسة النظامية إلى المدرسة البشيرية: وقال الصفدي في نكت الهميان ص 101: أحمد بن عبد السلام بن تميم بن عكبر. . . الشيخ الإمام العالم الكامل الخير الناسك الورع التقي المعمر نصير الدين أبو العباس البغدادي الحنبلي أحد المعيدين لطائفة مذهبه بالمدرسة البشيرية بالجانب الغربي من بغداد إلى آخر ما ذكره الكاتب وقد ظن الكاتب حفظه الله: إن عكبر بيت من بيوتات بغداد الشهيرة وهو أبو المعيد المذكور فقال: إنه من أشهر بوتيات (كذا) بغداد ولم يعلم أن عكبر: بليدة من نواحي دجيل قرب صريفين وأوانا بينها وبين بغداد عشرة فراسخ والنسبة إليها عكبري وعكبراوي (معجم ياقوت) أما قبره فليس له أثر اليوم ليزار. وقد نسب غير هذا المعيد كهذه النسبة.
أما تقاضي الخدم والإمام رواتبهم من دائرة الأوقاف فغريب في بابه إذ أن الدوائر التي يراها الكاتب اليوم لم تكن في ذلك العصر حتى قبل سنة 1285 هـ. بل لم تكن إلا المحكمة الشرعية وفيها يرى كل ما يتعلق بالأحكام وبيع الأملاك وشرائها ووقف الأملاك والصرف عليها إذ أن المحكمة المشار إليها كانت الدائرة(7/385)
الوحيدة في بغداد يرى فيها كل ذلك كما يفهم مما في سجلاتها من المعاملات، وقد رأيت فيها الوصولات التي تعطى مقابل الرواتب المخصصة بالأئمة والخطباء وكان يعضد هذه المحكمة مجلس يدعى (بمجلس التمييز) وبقي هذا إلى تنظيم العدلية سنة 1285 أي عند مجيء مدحت باشا وتوليته ولاية بغداد وعندئذ عرفت هذه الدوائر ونظمت هذه المجالس والمحاكم فلم أدر من أي دائرة أوقاف كان يتقاضى خدام مسجد داود باشا؟ أما نظارة جد الكاتب (محسن أفندي) على الأوقاف فإنها كانت على مجلس الأوقاف الذي تديره المحكمة الشرعية بصرف المبالغ للتعمير ودفع رواتب الخدم وغيرها، وإن لم يصدق ما أقول فعليه بمراجعة سجلات المحكمة:
ثم إن داود باشا أمر بتعمير السيف المذكور سنة 1236 كما يفهم ذلك من التاريخ المحرر في صدر بابه الشرقي وكمل بناؤه سنة 1240 وكان يعرف قبل تعميره ب (العلوة) كما تنطق بذلك الحجة الوقفية: أما المسجد الذي يليه فقد أخرج من السيف ولكن لا كما قال إن داود باشا باشر بناءه بنفسه: إذ إن سطوة الباشا وجبروته في ذلك اليوم، واستقلاله بالحكم
مشهورة ومسطورة في التاريخ ولم يسمع إنه لما بنى مسجده الجامع ومدرسته التي طاولت قببه السماء وناطحت مئذنته القبة الزرقاء باشر بناءه بنفسه ولم يسمع أيضا إنه وضع الحجر الأساس له بنفسه كما جرت العادة في تشييد الأماكن الفخمة الضخمة فضلا عن أن البناء هو حجرة صغيرة من حجر السيف!!!
وقد اشتبه الأمر على الكاتب فعرف الصالحية بالبستان الذي أوقفه عبد القادر أبن الحاج صالح على أولاده حوالي سنة 1270 هـ ولم يدر أن هذا البستان لم يشتهر أسمه بين البغداديين إلا بعد الاحتلال البريطاني لبغداد بعد أن فتحت الجادة التي تحاذيه وعقد الجسر الذي سموه باسم الفاتح (مود). أما محلة الصالحية التي ذكرها ياقوت في معجمه وقال عنها إنها محلة ببغداد وتنسب إلى صالح بن منصور المعروف بالمسكين. فلم يعين محلها ولم يدر هو أيضا أهي بالجانب الشرقي أو بالغربي من بغداد ولم أدر أنا أيضا ما أراد الكاتب بقوله ولا بد من ذكر الصالحية ووصفها بما كانت عليه سنة 446 هـ وخص لصم هذه(7/386)
السنة التي فيها انحل أمر الدولة السلجوقية ببغداد وبها سادت الفتن والفوضى. أكان يريد وصف الصالحية مع هذه الحوادث والقلاقل؟
وظن الكاتب أن الأثر الباقي من الأبنية القديمة الواقعة على ضفة دجلة والمعروفة اليوم (بالسن) هو من بقايا قصور (جعفر بن برمك) يريد قصور جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك. بل هو من بقايا قصر عيسى المنسوب إلى علي بن عيسى كما جاء في معجم ياقوت. وقال في الحوادث الجامعة: أمر الخليفة (المستعصم) ببناء سكر على فم نهر عيسى مما يلي دجلة ليزداد ماء النهر بحيث تعبر شبارته إلى القصر المستجد بجوار قنطرة الشوك. أما قصور أبن برمك فهي في غير هذا المحل من بغداد.
وبالختام أرجو من حضرة الكاتب أن لا يتسرع بنشر ما لم يتحقق لديه من كتب رجال التاريخ لئلا يقع في أمثال هذه الهفوات التي لا يمكن رجال التاريخ أن يمروا عليها مرور المتفرج.
عبد الحميد عبادة
لواء الدليم
مدخل البحث
لواء الدليم من أوسع الألوية العراقية وأشهرها وإن كانت حاصلاته الزراعية لا تذكر بجانب حاصلات بقية الألوية. وهو منحصر بين ألوية بغداد والحلة وكربلاء وتحده من جهة الشمال ولاية الموصل ومن جهة الشرق بغداد وأطرافها ومن الجنوب لواء كربلاء وبادية الشام ومن الغرب بادية الشام وتقع أراضيه على ساحلي الفرات الأعلى من شمالي قناة (أبو غريب) حتى (القائم) التي هي آخر حد للملكة العراقية وتسود حاكمية الشيخ علي السليمان في معظم قبائل اللواء التي ترجع إلى قبيلة واحدة هي (الدليم).
مركزه
مركز لواء الدليم قصبة الرمادي القائمة على عدوة الفرات اليمنى في محل يبعد عنه كيلومترا واحدا عن بغداد 67 ميلا. وهي قصبة جميلة المر عليلة النسيم(7/387)
تمر بها جميع السيارات في طريقها إلى سورية وما جاورها من الممالك والبلدان وهذا علة تفاؤل الناس لها بمستقبل عظيم.
ونفوس القصبة لا تتجاوز الخمسة آلاف نسمة وفيها أبنية ضخمة وقصور حسنة وعمارات كثيرة لم يكن لها أثر قبيل افتتاح طريق السيارات من بغداد إلى سورية وفيها أيضا مستشفى ملكي ودائرة مكس (كمرك) واسعة مع عدة منازل صحية مبنية على أحدث طرز يسكنها كبار الموظفين.
نواحي مركز اللواء
وتربط بمركز اللواء ارتباطا إداريا: ناحيتان واسعتان هما الرحالية وهيت أما الرحالية فمركزها قرية الرحالية التي تبعد عن جنوبي الرمادي 60 ميلا وتكثر فيها التمور بأنواعها المختلفة وأكثر نخيلها مغروس على ينابيع مياه كافية لإرواء البساتين. ويقدر سكانها بأربعة آلاف نسمة فقط. وهي أقرب إلى شفاثة (من أعمال لواء كربلاء) منها إلى الرمادي.
وأما ناحية هيت فمركزها قصبة هيت المحوطة ببساتين وجنائن كثيرة فيها أنواع الفواكه
والأثمار وهي تبعد عن مركز اللواء 42 ميلا وتقع على عدوة الفرات اليمنى. ويزعم بعضهم إن الذي أسسها هو (هيت بن السبندي) وهو من الخرافات وكان البابليون يطلون أرض (بابلهم) بقار يؤتى به منها.
وهيت هذه من مدن العالم الغنية: يكثر فيها الزفت والقار والملح والكبريت والفحم الحجري والكلس والنفط الأسود وغيرها من المعادن الثمينة التي لم تستثمر حتى الآن والذي يؤسف عليه كثيرا فقدان المباني الجليلة والعمارات الكثيرة المنظمة ومعظم بيوتها مبني بالحجارة العادية الصلبة ومعظمها مطلي بالقار مما يجعل لها منظرا أسود حالكا.
ومياهها ثقيلة لكثرة المعادن التي فيها وهواؤها رديء وتقدر نفوسها بنحو ثلاثة آلاف نسمة.
وعلى مقربة منها عين ماء معدني يقال لها (العين الجرباء) يقصدها المصابون بالجرب فيبرأون منه بعد اغتسالهم فيها مرارا.
وعلى بعد عشرة أميال من غربيها قرية كبيسة (بالتصغير) المشهورة بعذوبة(7/388)
الهواء وكثرة المياه المعدنية وقد كانت ناحية ملحقة بمركز اللواء ولكن الحكومة ألغتها حديثا.
تنظيمات اللواء
للواء الدليم قضاءان هما قضاء الفلوجة وقضاء عانة.
قضاء الفلوجة
مركزه قصبة الفلوجة الواقعة على ضفة الفرات اليسرى في محل يبعد عن بغداد 47 ميلا ويربط جانبيها جسران أحدهما خشبي والثاني حديدي ومدت الحديدي شركة (جكسن) ولكنه لم يقو على مقاومة تيار الفرات الجارف فأغرقه عام 1928 فكبد الشركة بذلك خسارة طائلة.
وتمر جميع السيارات بقصبة الفلوجة في طريقها إلى سورية كما تمر بالرمادي وهذه الفلوجة ليست بالتي ذكرها الحموي في معجمه فأن هذه أصبحت آثارا مندرسة لا يشاهد منها اليوم غير الطلول والأتربة مع الأنهار المندرسة. أما (فلوجة) اليوم فقد شيدت قبل نصف قرن على وجه التقريب وهي عبارة عن مبان قليلة من اللبن وبعضها مبني بالآجر
وعلى النهر بضعة قصور للأغنياء وكان يربطها بالعاصمة خط حديدي أنشأته الحكومة الاحتلالية لأشغال عسكرية، ولكنها ما لبثت أن رفعته جملة خطوط من عدة أماكن.
وللقضاء ناحية واحدة يقال لها ناحية الدليمية ومركزها قرية الدليمية الراكبة نهير القرمة الذي يتشعب من الفرات بالقرب من الفلوجة وينتهي بالقرب من الكاظمية.
قضاء عانة
لعل عانة من أقدم مدن العراق. فقد جاء في معجم البلدان أنها كانت إحدى قرى هيت مضافة طسوج الأنبار، فلما ملكها انوشروان بلغه أن جماعة من الأعراب يغيرون على ما قرب من السواد إلى البادية، فأمر بتحديد سور قرية (آلوس) التي كانت قد بنيت وسلحت لحفظ ما قرب من البادية فخرجت هيت وعانة بسبب ذلك السور عن طسوج الأنبار وكانت (عانات) قرى عديدة مضمومة إلى هيت.(7/389)
وكما أن عانة من اقدم المدن في العراق؛ هي أيضا أطول مدينة فيه لأنها ممتدة على ساحل الفرات الأيمن إلى مسافة نحو ثلاث ساعات. أما عرضها فلا يتجاوز بناية بيتين في معظم الأماكن وهي مركز قضاء عانة، نقية الهواء حسنة الموقع جميلة المنظر تكتنفها طلول طويلة وقليلة الارتفاع وهي منحصرة بين هذه الطلول وبين النهر وتقدر نفوسها بنحو 9500 نسمة.
ويقابل قصبة عانة على ضفة الفرات اليسرى، قرية راوة الشهيرة وهي اعرض من عانة بكثير وبين أهل البلدين أحقاد قديمة كثيرا ما أدت إلى نشوب مصادمات بين الطرفين المتخاصمين فتذهب بعشرات النفوس وقد قلت هذه الحركات والفتن في عهد الحكومة الحاضرة بل يتوقع إنها تزول. وللقضاء ناحيتان هما الحديثة والقائم أما الحديثة، فمركزها قرية الحديثة القائمة في جزيرة وسط الفرات فيها نحو مائتي دار يسكنها زهاء ألف نسمة. ويرى محل الحكومة في موضع يقابل هذه القرية على ضفة الفرات اليمنى. وهي تنسب إلى أبي مدلاج التميمي كما روى الحموي ذلك.
وتتبعها قريتان مشهورتان في التاريخ: الأولى (آلوس) وقد كانت موطنا لبيت علم اشتهر في العراق وينسب إليها جماعة من فطاحل العلماء. واسم الثانية (جبة) وهي أيضا قرية قديمة وكلتاهما جزيرة في شرقي مركز الناحية.
أما ناحية القائم فمركزها خان (القائم) وهو عبارة عن مخفر للشرطة، يقع على ضفة الفرات اليمنى في آخر حدود المملكة العراقية. وتجاوره عشائر السلمان الرابضة في هاتيك الجهات. وتقرب منها مبان قديمة يتخذها قطاع الطرق مكامن لهم عندما يسلبون القوافل بين بغداد وسورية.
خرج اللواء ودخله
يصدر لواء الدليم كمية من الحنطة والشعير ومقدارا عظيما من الزفت والملح والقار والصوف والسمن والخيل الأصيلة. ويجلب ما تجلبه بقية الألوية من سائر المنسوجات والبقالية والعطارية وكذلك يجلب التمور والأرز من قضاء الهندية.
ويقدر دخل اللواء بنصف مليون ربية فقط وذلك تقديرا عاما على(7/390)
جسامة أراضيه الشاسعة الأطراف ومعظمها من قضاء الفلوجة لأن دخل قضاء عانة لا يتجاوز الخمسين ألف روبية.
عشائر اللواء
معظم سكان لواء الدليم من العشائر. أما سكان المدن والقرى فقليلون جدا. وتنتمي معظم هذه العشائر إلى الدليم التي يرأسها الشيخ علي السليمان، وهي تنقسم إلى قسمين البو خلف والبورديني. ولكل منهما أفخاذ عديدة وأشهر أفخاذ (البو خلف) - 1 - البو ذياب - 2 - البو عساف - 3 - البو مرعي - 4 - البو هزيم وغيرها.
أما أشهر أفخاذ (البورديني) فهي - 1 - البو فهد - 2 - البو علوان - 3 - البو كليب وغيرها (والبو منحوتة من آل أبو).
وفي اللواء عشائر أخرى من الدليم أشهرها البو عيسى والمحامدة. ومن غير الدليم عشائر يقال لها الزوبع ويرأسها الآن الشيخ درع المحمود شقيق المرحوم الشيخ ضاري المشهور.
المعارف في اللواء
جاء في التقرير الرسمي الذي أصدرته وزارة المعارف العراقية حديثا؛ أن مدارس لواء الدليم خلال عام 1928 كانت إحدى عشرة. ويظهر أن رغبة سكان اللواء في التعليم عظيمة جدا. لأن نسبة المدارس فيه إلى بعض الألوية كالكوت وكربلاء والحلة والسليمانية.
لا تذكر مع أن جل سكان لواء الدليم من العشائر وهؤلاء بالطبع لا يرسلون أولادهم إلى المدارس إلا القليل منهم. بينما تغص بقية مدن الألوية المذكورة بالسكان من الآهلين.
ولو فتحت الوزارة المشار إليها. مدرسة للبنات في هذا اللواء بدلا من بعض مدارسها في الأرباض والقرى، لخدمت الحركة العلمية فيه أجل خدمة وعساها أن تفعل!.
مياه اللواء
ليس في هذا اللواء من المياه لسقي أراضيه ومزارعه وإرواء سكانه غير (الفرات) الكثير البركات والخيرات فهو يدخله من قرية القائم القائمة على ضفته(7/391)
اليمنى ثم ينحدر نحو عانة فيسقي مزارعها ويحيط (بالحديثة) التي ترى في وسطه. وبعد أن يمر بآلوس وجبة يأتي إلى ناحية (هيت) فيخترقها ويسير نحو قصبة الرمادي (ثم الفلوجة ومن ثم يفارق أراضي هذا اللواء متجها نحو (المسيب).
وقبيل دخوله قصبة الفلوجة، يتشعب منه جدول يسمى (القرمة) وهذا الجدول يسقي مزارع ناحية الدليمية وينتهي بالقرب من الكاظمية. وهناك بعض جداول صغيرة قائمة على عدوتيه لسقي المزارع البعيدة عن النهر وهي قليلة. وواسطة الإسقاء في لواء الدليم (الكرود) (الآبار أو السواني) إلا (الدليمية) فإن مزارعها تسقى سيحا، كما أن في قضاء الفلوجة نحوا من 35 مضخة لإرواء المزارع التي يصعب إرواؤها بالكرود لعظم ارتفاعها.
السيد عبد الرزاق الحسني
ملاحظة في الشعر المنثور
ذكر رشيد أفندي الشعرباف في ص 371 من هذا الجزء أن أول من تعاطى الشعر المنثور في عصرنا هذا هو الريحاني. وهذا الرأي خاص بحضرة الكاتب. والذي يجب أن نذكره هنا هو: أن كثيرا من الناس لا يفرقون بين (الشعر المنثور) و (الشعر المرسل) فالشعر المنثور هو ما تلتزم فيه القافية ولا يلتزم فيه الوزن. أما الشعر المرسل فهو ما يلتزم فيه الأوزان ولا تلتزم فيه القافية.
وأول من أبدع الشعر المرسل عندنا هو الأستاذ الكبير والفيلسوف الشهير جميل صدقي
الزهاوي فقد نشر قصيدة منه في المؤيد (جريدة كانت تصدر في مصر القاهرة) قبل زهاء 28 سنة وله قصيدة من هذا الطرز في ديوانه (الكلم المنظوم) نشرت في أول سنة الدستور العثماني (سنة 1908) ونشر قصيدة منه أيضا في جريدة (العراق). وخالفه فيه جماعة من الأدباء وحاولوا أن يزيفوا طريقته فألقمهم الحجر واحدا بعد واحد وقال: إنه طريقة الشعر في المستقبل. ثم نشر قبل ثلاث سنوات أو أكثر قصيدة من هذا الأسلوب في مجلة الهلال وسماها: بعد ألف عام وهذا لا يجهله من يمت إلى الأدب العصري العربي ولو بطرف من النسب. إذن ثبت أن لم يسبق أحد من الشعراء العرب وأدبائهم الأستاذ الزهاوي في إبداع الشعر المرسل وإن كان بعضهم حاول أن يسلبه هذه الدرة وينزعها من تاجه المزين به جبينه الوقور منذ أمد بعيد.(7/392)
العظيمة التي اشتهر بها في العالم العربي بل وفي مجامع العلم الغربية اشتهارا ذائعا.
ونقول اليوم أن نجاح هذا الحفل الأدبي الفخم في عاصمة العباسيين وتضافر أعلام الأدباء على تقديره برغم الفروق السياسية والجنسية والدينية دليل كاف على أننا معاشر العرب قد بدأنا ننفض عنا غبار التعصب الذميم ونقدر الفضل لصاحب الفضل أينما كان وكيفما كانت صبغته الشخصية الخاصة به كما هو شأن الأمم الحية.
وقد نبه هذا اليوبيل أذهان ذوي العقول الراجحة في مصر وسورية والحجاز وتونس والهند فضلا عن العراق وبقية أقطار العالم العربي إلى المزايا الفذة التي يتحلى بها فضيلة الأب الجليل المحتفل به وشعر الكل بأن لنا في هذا الرجل العبقري الإمام الضليع الأوحد البصير بفلسفة العربية وفقهها بدرجة لم تعهد بعد في عصر من عصورها السالفة حتى في العهدين العباسي والأموي، إذ لم يكن بين اللغويين في ذلك الوقت ما للأب المحترم من تضلع وافر من علم مقارنة اللغات فضلا عن بصره النافذ إلى أسرار العربية ومعرفته بلغات شتى قديمة وحديثة. ونحن نعلم أن وزارة المعارف المصرية اهتمت جد الاهتمام بآثار الأب الجليل ووجهت أولى عنايتها إلى مجلته النفيسة (لغة العرب) التي هي مرجع محبي العربية لما فيها من مباحث لغوية مبتكرة لا ينضب لها معين، ومن فتاوي قيمة لا يستغنى عنها ومن نقد أبي ممتع كله نزاهة وصدق وفائدة. ونعرف أيضا أن إدارات التعليم في الحكومات العربية الأخرى لم يفتها التفكير في الاستفادة من علم فضيلة الأب المحترم،
كما نعلم أنه في مقدمة الأعضاء المراسلين المرشحين للمجمع اللغوي المراد تأليفه قريبا. ولكننا نرى أنه يجب أن يكون الانتفاع من مواهب الأب الكرملي أعظم من ذلك، فمثل هذا الرجل لا يجود به الدهر إلا مرة في عصور وينبغي أن تعد مواهبه ملكا للعالم العربي بأسره، وأن تتضافر حكوماته على استغلالها وعلى إخراج تآليفه الجليلة العديمة النظير. وما نشك في أن وزارة المعارف المصرية وحدها قادرة على تحقيق ذلك إذا قصرت الحكومات العربية الأخرى في هذا الواجب. وعيب وحرام أن نبقى مشغوفين بالفرنجة وننسى مواهب الأعلام من رجال العرب فلا نعرف كيف نستفيد منها.(7/399)
ليس الأب الكرملي في مواهبه وآثاره فردا بل هو أعظم من مدرسة وبنسبة منزلته الممتازة يجب أن تكون الجهود الموجهة إلى استثمار معارفه الغزيرة. فهذا وحده هو التقدير العملي الصحيح الجدير بالرجل في حياته المباركة، ولا خير في تقدير متأخر بعد حياته إذا لم نعرف كيف نستفيد منها الفائدة الواجبة.
ويسرنا في هذا المقام أن نكرر لفضيلة الأب العلامة تهنئتنا القلبية بما أحرزه من منزلة سامية في قلوب أبناء العربية وفي عيون المستشرقين الأعلام عن جدارة حقة بعلمه وأخلاقه وأدبه. ولا سيما بنزاهته العالية وحبه الحقيقة بل تقديسه إياها فوق كل اعتبار، ونتمنى له العمر الطويل والصحة والسعادة، وأن يبقيه الله ذخرا لأبناء الضاد
المعامرة لا معاملا
ورد ذكر هاتين الكلمتين (معاملا ومعامرا) في ص 229 من المجلد السابع عشر من مجلة العرفان السورية، فرأيتكم قد أصبتم في قولكم وظنكم وجود (معامرة) في العراق، وإنكاركم ونفيكم وجود (معاملا) كما أني رأيت الأديب الحسني قد أخطأ بنفيه وجود كلتا الكلمتين بقوله: (ليس في لواء الموصل لا معملا ولا معامرة). أما (المعامرة) فهم كثيرون منتشرون في (قرى دجلة والفرات) ومنهم طائفة في (النجف) قطنتها منذ قرنين، ومهنتهم رعاية الماشية (الجاموس) والاكتساب من ألبانها إذ يبيعونها في الأسواق، ويلقبون (بآل عامر) ويؤيد قولكم أيضا وجود مادة (معامرة) في الكتاب المخطوط تأليف السيد مهدي القزويني الموسوم (بأسماء القبائل وأنسابهم) الذي وصفته في (لغة العرب) 7: 290 فقد نص على مادة (المعامرة) في باب الميم فقال (المعامرة قبيلة من زبيد في العراق) وكررها حرفيا في
(باب العين) من الكتاب عينه وذكر بعدها مادة (العماريين) بالنصب فقال (قبيلة من زبيد في العراق من أحلاف خزاعة يحرثون الأرض) ثم قال بعدها في مادة (العامران) (عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة وهو أبو براء ملاعب الأسنة، وعامر بن طفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب وهو أبو علي) ورجائي أن تجلوا البحث عن هاتين (اللفظتين) ليزول الاشتباه في هذا الموضوع.
النجف: عبد المولى الطريحي(7/400)
فوائد لغوية
عثرات إبراهيم اليازجي وجرجي جنن البولسي في مغالط
الكتاب ومناهج الصواب:
7 - وقال في ص 99 ناقلا عن اليازجي (والقوت جمع أقوات) ولعله يريد (الأقوات جمع قوت) كقفل وأقفال وقطر وأقطار وصقع وأصقاع.
8 - وقال في ص 116 ناقلا عن اليازجي (أوعز إلى المنصبين بعدم إفشاء الأخبار) وفي قوله خطأ هو استعمال الباء مكان (في) فالصواب (أوعز إلى المنصبين في عدم إفشاء الأخبار) إذ يقال (أوعز إلى فلان في ذلك الأمر إذا تقدم إليه به).
9 - ونقل عن اليازجي في ص 129 تخطئة من قال: (فعل هذا بصفته رئيس المجلس) وذكر أن الصواب (بصفة كونه رئيس المجلس) وفي كلام اليازجي خطأ بارز لأنه جعل الاستعانة بصفة الكون مع إنها بالكون نفسه. واليازجي هو الذي خطأ في ص 125 من قال (هنأته بسلامة الوصول) محتجا بأنهم يثبتون السلامة للوصول. ومثل هذا اعتراضي على قوله السابق فإن الاستعانة فيه تكون (بصفة كونه رئيس المجلس) والصواب أن تكون (بكونه رئيس المجلس) ولهذه الجملة وجهان ما خلا الوجه المذكور فالأول (فعل هذا بأنه رئيس المجلس) والثاني (فعل هذا رئيسا للمجلس).
10 - ونقل في ص 78 عن اليازجي (أعرابي جمعه أعراب وجمع الجمع أعاريب) قلت: وليس ذلك على الشيء من الصواب لأن الأعراب (اسم جنس جمعي) قال في المختار (والأعراب منهم سكان البادية خاصة والنسبة إليهم أعرابي) فالأعرابي منسوب إلى الأعراب لا مفردها اللفظي. وقال أيضا وليس الأعراب جمعا لعرب بل هو اسم جنس). وقال في القاموس (والأعراب منهم(7/401)
سكان البادية لا واحد له ويجمع أعاريب) وقد عده في الكامل (اسم جمع) كذلك إذ قال في ج 1 ص 70 (تقول في قوم أقوام فتجمع (الاسم الذي هو للجمع) وكذلك أعراب وأعاريب وأنعام وأناعيم) اهـ.
11 - ونقل الأب عنه في ص 77 في كلامه عن العدد (يعرف بإدخال أل التعريف على
العدد وحده أو على المعدود وحده أو على كليهما) ثم ضرب مثلا للحالتين المتقدمتين فقال) وفي الثالث يكون تابعا نحو أين الأربعة الرجال). قلت: يجوز أن يكون (مضافا) إليه. وليس إلزام اليازجي إياه الاتباع ولا اختصاصه به مقبولين. والدليل على قولي ما جاء في مختار الصحاح وهو: (وتقول: هذه الخمسة الدراهم بجر الدراهم وإن شئت رفعتها وأجريتها مجرى النعت وكذا إلى العشرة) فهذا دال على إن الإضافة راجحة على الاتباع عند الجوهري لتقدمها.
12 - وقال الأب جرجي جنن في ص 69 (غلط: ضرع إلى الله - أبتهل إليه) صوابه (تضرع إليه أو استضرع له - أبتهل إليه بتذلل. وإنما جاء ضرع ضراعة بمعنى خشع وذل واستكان وتصاغر ولم يأت المجرد من هذا الفعل بمعنى الابتهال) اهـ. قلت: إن الرجل قد أخطأ ثلاثة أخطاء في كلامه. أولها إنكاره ضرع بمعنى استضرع بإصلاحه (ضرع) ب (استضرع). وفي القاموس (والمستضرع الضارع) وثانيها إنه لم ينتبه إلى أن الاستكانة تدل على التضرع أي الابتهال وكذلك الضراعة لأنها عامة. فالتذلل يكون لحاجة أو غيرها من الأسباب المضرعة وثالثها أن (ضرع إليه) مستعمل وفصيح. قال في مقدمة القاموس (ضارعا إلى من ينظر من عالم في عملي أن يستر عثاري وزللي) فمعناه (متضرعا إليه أي مبتهلا إليه وراغبا إليه). وقد رأيت أن الدليل على خطئه قد استخرجته من كلامه أولا ثم ذكرت غيره مني.
13 - وقال في ص 73 ناقلا عن اليازجي (طالما مركبة من (طال) و (ما) الكافة عن اقتضاء العمل نحو: طالما أيقظك الدهر فتناعست. أي طال إيقاظ الدهر لك فتقاعست) قلت ليست (ما) كافة كما قال بعض العلماء بل هي مصدرية حقا والذي ينكرها في الاحتجاج لا يتمكن من إنكارها حين التفسير.(7/402)
ألم تر إلى اليازجي كيف قال في التفسير (طال إيقاظ الدهر) والمعلوم أن (ما) تكف الحروف لا الأفعال وقد تزيل اختصاصها (فكثر ما اجتهدت وطالما ربحت وقلما خسرت وشد ما سعيت) أفعال كثيرة الاستعمال وفواعلها المصادر المؤولة الأربعة. ولو لم تكن (ما) مصدرية لجاز دخول (طال) على الاسم فيكون مبتدأ مثل (طالما محمد قائم) قلت ذلك لأن الكف عن العمل يستوجب فائدة ألا ترى أن (رب) تدخل على الأسماء فإذا التصقت بها (ما) دخلت على الأفعال وأن (إنما) وغيرها تدخل على
الأفعال والأسماء.
14 - ونقل الأب في ص 66 عن اليازجي (غلط: حكم صارم. .: بمعنى عنيف) ثم قال (إنما يقال: رجل صارم أي ماض شجاع وسيف صارم أي قاطع) قلت هذا من عجائب النقد لأن (صارما) اسم فاعل يستعمل لكل ما يصرم أي يقطع، أفلم يقل اليازجي (رجل صارم أي ماض) فالمضي ليس مقصورا على شيء إذ يقال (زمن ماض وسيف ماض ورجل ماض) فكيف لا يقال (حكم صارم وسيف صارم وسكين صارم فالحكم الصارم من المجاز بمعنى يقطع الحق أما قوله (رجل صارم) فليس من هذا الباب بل من (صرم صرامة) وباب الأول (صرم صرما) مثل ضرب ضربا وشتان ما المراد من الأول والمراد من الثاني.
15 - وقال الأب نفسه في الصفحة نفسها (غلط: صرف هذا المبلغ في مشترى الكسوة. وهذا مصروف كبير. صوابه: أنفق هذا المبلغ وهذه نفقة كبيرة.) ثم قال (إنما يقال: صرف زيدا عن كذا - رده عنه. وصرف الدراهم بدلها بغيرها) قلت جاء في المصباح المنير (وصرفت المال أنفقته) فما على الأب إلا أن يتحقق ذلك بعينه فيرى أنه مخطئ لا محالة وأن القول المنقود صواب صراح.
16 - وقال في ص 67 ناقلا عن اليازجي (اصطلح الخصمان: تصالحا) وأنكر أن يكون لاصطلح معنى ثان. مع إنه قال بعد سطور (ولرسم القرآن اصطلاح مخصوص) فما أراد بالاصطلاح؟ أتصالحا أراد أم غيره؟ فالصواب أن يقول (واصطلحوا على الشيء: اتفقوا عليه) إذ ليس لقوله (وللقرآن(7/403)
تصالح مخصوص) معنى ما لم تضف هذا التعبير إلى كتب اللغة العربية.
17 - وقال في ص 64 ناقلا عن اليازجي في كلامه على المصدر (فيثنى ويجمع باعتبار ما يقارنه في الخارج) ومعنى (يقارنه: يصاحبه ويقترن به) ولا معنى له هنا لأن استعماله مغلوط فيه فالصواب أن يقول (يقابله أو يساويه أو يكافئه) فهو المراد.
18 - وقال في ص 60 ناقلا عن اليازجي (غلط: رجل شفوق، صوابه شفيق - ذو شفقة أي ذو حنو وانعطاف) قلت أن وضعه الانعطاف في موضع العطف غلط بين لأن الانعطاف الانثناء والميل ومنه (عطف العود فانعطف) ومنعطف الوادي منعرجه ومنحناه
فالصواب أن يقول (ذو حنو وعطف) ليستقيم الكلام ويزول الاشتباه.
19 - وقال الأب جرجي نفسه في ص 57 (على أن (ما) تامة وعبرة بدلا منها (قلت الصواب (بدلا منها) لأن هذه الجملة إذا عدت معطوفة على الجملة المتقدمة وجب (رفع (بدل) بكونها خبرا للمعطوف على اسم (أن) وإن لم تعدد كذلك وجب رفعها على أنها خبر للمبتدأ (عبرة الذي سبقته واو الاستئناف أو الحال.
20 - وقال في ص 50 (الخيزلى: مشية فيها تثاقل وتراجع فلا يصح أن تكون في مقابلة القهقرى فهي أن تكون موافقة للقهقرى أقرب من أن تكون مضادة لها) ذلك ما قاله اليازجي وليس بشيء فإنه أضاف من عندياته (التراجع) إلى الخيزلى وليس فيها تراجع البتة فهي ضد القهقرى لا محالة لأن القهقرى رجوع. وروي في الكامل عن الأصمعي إنه رأى رجلا يختال في أزير (مصغر أزار) في يوم قر في مشيته فقال له الأصمعي (ممن أنت يا مقرور)؟ فقال (أنا ابن الوحيد أمشي (الخيزلى) ويدفئني حسبي) فيظهر لك أن الخيزلى تقدم لا تراجع أي مشي باختيال لا قهقرى. وقد يقال: فلان بطيء في سيره فكأنه يتراجع إذا سار. وهذا لا يقتضي إنه يتراجع على الحقيقة لأنه تشبيه.
له بقية
الكاظمية: مصطفى جواد(7/404)
باب المكاتبة والمذاكرة
كتاب الخراج لجعفر بن قدامة
نشر المستشرق دي خوي الهولندي في سنة 1889 جانبا من هذا الكتاب في الجزء السادس من الأسفار التي أطلق عليها العلامة الذكور اسم (خزانة جغرافيي العرب) وذلك من الصفحة 186 إلى ص 266 وما وشاه بالطبع لا يحوي إلا الباب السادس من اصل التصنيف والمخطوط الذي انتفع به الناشر يرى في خزانة كتب كوبريلي في استانبول.
ومن هذا التأليف نسخة في مجموعة شفر في باريس وقد ذكر دي خوي في مقدمة النص الذي أبرزه للوجود أن الأعلام في هذه النسخة مشوهة تشويها يعسر على الباحث أن يعرف حقيقتها. هذا فضلا عن أن النص مهشم تهشيما وكثير الأغلاط والأوهام والبياض. وبعد معارضته بنسخة استانبول ظهر أن اغلب تلك الهفوات ترى في النسخة الأم، وليس لي علم بنسخة ثالثة من هذا الكتاب الجليل الفوائد. والذي منع العلامة دي خوي من نشره بحذافيره سقم النسختين لا غير. فإذا كان عند أحد الأدباء نسخة حسنة فليحسن إلينا بتعريفها للقراء وله الفضل والمنة.
بكنهام (إنكلترة): ف. كرنكو
قبر الإمام أبي يوسف في مقبرة قريش
كنت تصفحت في لغة العرب المحبوبة ما كتبه السيد عبد الحميد عبادة عن الشك الذي خامره في موضع قبر الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة ولم آبه كثيرا للتعليق على ما كتبه حتى جاء السيد ب. م. م فكتب في الصفحة 150 من مجلد السنة الحاضرة يثبت بشهادة البشاري المقدسي صاحب أحسن التقاسيم(7/405)
في معرفة الأقاليم وجود قبر أبي يوسف في مقبرة قريش.
فتنبهت إلى التثبت من ذلك ورجعت إلى نسختين مخطوطتين من رحلة أبي الحسن الهروي المعروفة ب (الإشارات إلى أماكن الزيارات) كان تفضل فأستنسخهما لي بالتصوير الشمسي العلامة الجليل الأستاذ أحمد تيمور باشا من الأصلين المحفوظين في
خزانة كتبه العامرة الحافلة بالنوادر وأهداهما إلي فوجدت الهروي يقول ما نصه بالحرف:
بغداد دار السلام وقبة الإسلام ومقر الإمام عليه السلام بها الإمام موسى ابن جعفر الكاظم عليهما السلام عمره اثنان وثمانون سنة وبها الإمام محمد ابن علي بن موسى الجواد ولد بالمدينة عاش سبعا وعشرين سنة وبها الإمام الأمين محمد بن الرشيد رضي الله عنهم وجماعة من الأشراف في مقابر قريش وقبر أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنهما.
ثم تذكر بعد ذلك محلة الرصافة ومن دفن بها من الخلفاء.
ولا يخفى أن أبا الحسن الهروي توفي سنة 611 هـ 1214 م بعد أن طوف بالبلدان وبحث وتقصى فشهادته تعتبر شهادة عيان بعد شهادة المقدسي الذي عده السيد ب. م. م شاهد عدل وهو كما قال.
أما عناية ملوك آل عثمان بمرقد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان وصاحبه فيرجع إلى انهم كانوا يقلدون مذهبه الحنفي ويرون تلك العناية من لوازم الخلافة كما جاء في كتاب وقف للسلطان سليمان القانوني حبس به بعض القرى والدساكر على تكية زوجه في بيت المقدس والى القارئ جملة من ذلك الكتاب المدون في سجلات المحكمة الشرعية فيها:
(هو الذي شرفه الله الملك السلام بتعهد لوازم بيته الحرام ومراسم روضة النبي عليه الصلاة والسلام ويسر له نظم مناظم المشهدين بأحسن نظام وعمر(7/406)
مرقد الإمام الأعظم بالتوسيع والإملاء والإعظام فحق أن يقال له انه أتم حق الخلافة حق الإتمام وأظهر قواعد الدين القويم بالإظهار التام أعقل الخواقين الفضل وأعدل السلاطين الكمل الخ.
وتاريخ هذا الكتاب أواخر شوال المبارك 967هـ 1560م وهو ملحق بوقف للسيدة خاصكي سلطان تاريخ كتابه أواسط شعبان سنة 964 (1557).
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
منية المريد ومسكن الفؤاد مطبوعان
جاء ذكر هذين الكتابين في الجزء الثامن من المجلد السادس للغة العرب (ص 563) تحت عنوان (خزائن إيران) وكأن الناشر قد اعتبرهما (مخطوطين) أما أنا فلا اعتبرهما كذلك لعلمي انهما مطبوعان ومؤلفهما العلامة الشهير الشيخ زين الدين (كما يقول صاحب
الروضات نور الدين) بن أحمد بن جمال الدين بن تقي الدين صالح بن مشرف الشاملي العاملي أحد رجال القرن العاشر الهجري المتوفى سنة 966هـ وقد اشتهر عند الخاصة والعامة (بالشهيد الثاني) وهو أول من ألف في (التربية والتعليم) من علماء الإمامية أما كتابه (منية المريد، في آداب المفيد والمستفيد) فقد طبع مرتين مرة في إيران ومرة في هندستان وكلتا الطبعتين سقيمة.
وقد نظم هذا الكتاب كله على (بحر الرجز) أحد علماء النجف المشاهير المنسيين هو الشيخ عبد الرحيم (المتوفى سنة 1313هـ) بن محمد حسين بن عبد الكريم بن محمد بن محمد رضا بن محمد تقي بن المحدث المجلسي الشهير الشيخ محمد باقر صاحب كتاب (بحار الأنوار) والمتوفى سنة 1111هـ وسماها (محاسن الآداب) كما قال الناظم:
سميتها (محاسن الآداب) ... للطالبين من أولى الألباب
حوت لباب (منية المريد) ... وهو كتاب شيخنا الشهيد
وهذه الأرجوزة مخطوطة ومنها في (النجف) ثلاث نسخ إحداها في خزانة كتب العلامة الشهير الشيخ نعمة الطريحي المتوفى سنة 1293هـ وتحتوي على 700 بيت تقريبا رتبها ناظمها على (مقدمة وفصول وخاتمة) وجعل لكل فصل عنوانا خاصا به؛ وليست كلها على نمط واحد من حيث أسلوب بلاغتها وسبك(7/407)
ألفاظها لذا يجد كل من أنعم النظر فيها (الغث والسمين) بل يجد في بعض أبياتها ركاكة شعرية لا تغتفر في نظر أهل (الفن والصناعة) وألفاظا غير صحيحة الاستعمال عند أهل اللغة. قال الناظم في مطلعها:
أعوذ بالله من الشيطان ... ومن شقاء النفس والطغيان
وقال في ختامها:
وهاهنا قد تمت الرساله ... في غاية السرعة والعجاله
في مائتين بعد ألف ومعا ... بعدهما تسعون حيث اجتمعا
وأما كتاب (مسكن الفؤاد في فقد الأحبة والأولاد) فطبع أيضا طبعا سقيما في (النجف) سنة 1342 هـ سنة 1924 م في (المطبعة الحيدرية) على نفقة أصحابها الضنينين به وبغيره من (المطبوعات) على الصحف والمجلات، فجاءت في (84) صحيفة بقطع الربع، وهذا الكتاب مرتب على فصول تضمن أخبارا وطرفا ونوادر وحكايات فيما يختص بالتسلية كما
يظهر من (أسم الكاتب) وقد جرده طابعوه من الفهرست شأنهم في أكثر الكتب التي يطبعونها على نفقتهم ويبقونها على علاتها.
النجف: عبد المولى الطريحي
عوض
أخاف أن العلامة صديقنا الأب أنستاس ماري الكرملي في عصبيته العربية جاوز الحد لما قال أن عوض هو الإله اليوناني زيوس. فأن هذه الكلمة كلمة آرية محضة والزاي في أولها تبدل من الدال في اللغة اللاتينية يعني وهذه الكلمة تكرر في اللغات الآرية فتجد في اللغة الليتوانية ملفوظة ثيووس وكذا في لغات أخر آرية محضة.
بكنهام (إنكلترة): ف. كرنكو
(لغة العرب): لما كتبنا أن عوض هو زيوس اليوناني عرفنا أننا نستهدف لنقد المستشرقين بلا أدنى ريب على أننا لا نخشى منه. إذ قد وطنا نفسنا عليه. إن حضرة صديقنا العلامة المتضلع من لغتنا ومن لغات عديدة يقربان (زيؤس) اليونانية و (ديؤس) اللاتينية من صلب واحد. وهذا كان رأينا منذ القديم(7/408)
فقد كنا نشرنا في مجلة (المشرق) البيروتية (3: 681 وما يليها) في سنة 1900 إن كلا الحرفين مشتق من العربية (ضوء) لأنك إذا حذفت من آخر اللفظين الأجنبيين الكاسعة بقي عندك (زيوء) أو (ديوء) فهما بلا أدنى شك لفظ (ضوء) بحروف الأعاجم وهم يقرون أن معناهما الضوء كما نعترف لهذا اللفظ بمعنى النور.
بقي هناك أمر وهو كيف صارت (ضوء): (عوض)؟ - قلنا: إن الحرف الضاد في اللغة العربية يأتي بصورة عين. فإن الآرميين يسمون مثلا الأرض (أرعا) أو (أرع) بعد حذف الألف. والضال: (عالا) والضب: (عبا) إلى غيرها وهي كثيرة. فلو أنطقنا إرميا بكلمتنا (ضوء) لصارت (عوء) بلسانه بل أيضا بلسان بعض القبائل من قومنا الأقدمين الذين كانوا يجاورون الآرميين ويجارونهم في ألفاظهم وأوضاعهم وتعابيرهم. ففي لغتنا مثلا يقال بلا فرق: ضج وعج. الضمد والعمد. جرض وجرع. الضب والعلب (وهنا أقحموا اللام تفننا وزيادة في المعنى كما قال سيبويه).
زد على ذلك أن بعض السلف منا (كان يضيق عليه مخرج الكلام في الآخر فكان يستعين
عليه بالضاد وهؤلاء هم الضزاز) (التاج في ض ز ز). وهكذا قالوا في (عوء): (عوض). هذا فضلا عن كثيرين من قدمائنا كانوا يجعلون الهمزة ضادا أينما وقعت، وكما أنهم قالوا في عوء: عوض، قالوا في أوى إليه: ضوى إليه.
وبعد هذا الشرح الموجز المنخول لا نحتاج إلى تأييد القول بطريق المعنى إذ هو أيضا واحد في (عوض) العربي، و (زيؤس) اليوناني و (ديؤس) اللاتيني.
أما أن (زيؤس) آرية محضة فهذا لم ننكره إلا أننا نقول أنه يمت إلى لغتنا بنسب قديم وعندنا من الأدلة شيء لا يحصى إذ رأينا كثيرا من الألفاظ الآرية ترجع في أصلها إلى النجار السامي - وإن شئت منا صراحة - قلنا لك: (إلى أصلها العربي) وقد أحصينا منها مئات لا عشرات. وهكذا لا نرضى بقول لغويي الغرب أن لا صلة بين الآرية والسامية؛ إذ بيدنا المعاول العلمية ما ينسف تلك الصروح عن آخرها ولا بد من أن نأتي بها يوما.(7/409)
ديانا ابن المقفع
قلتم في (6: 61): في كل ما أوردتموه ليس دليل على تدين الرجل. . . وهذا لا يثبت أن القائل بها متدين بل أن الرجل كان دينا مع الدينين وخبيثا مع الخبثاء. . . وهل تنسون الآية. . .
فأقول: لم نجد دليلا للإيمان أعظم من إقرار المرء بإيمانه فاعترافه يثبت تدينه اللهم إلا إذا فهمنا من الخارج أو من كلام له ما يدل على كفره وإلحاده. أما الآية التي أوردتموها فقد نزلت في المنافقين ومن أين ثبت أن ابن المقفع كان دينا مع الدينين وخبيثا مع الخبثاء حتى تشمله الآية؟
الأبرياء من الزنادقة: لا يخفى أن الأبرياء الذين رموا بالزنادقة أما أن كان الرمي من قبل الجاهلين الذين يجهلون كلام الرجال ولا يفهمون مقاله فيحملونه على محمل سيء كالفيلسوف عمر الخيام النيسابوري فالجاهل لا يستطيع فهم بعض رباعياته فيأخذها على غير المعنى المطلوب. وأما إن كان الرمي من قبل الأعداء كأبي العلاء المعري الشاعر الدين الذي رماه أعداؤه بالمروق من الدين ووضع غواة تلاميذه وأهل عداوته أشعارا نسبوها إليه قصدا لإهلاكه وإيثارا لإزهاق روحه ولذا فقد ألف الشيخ كمال الدين بن العديم كتابا أسماه (دفع التجري على أبي العلاء المعري)؛ وصحة عقيدته ظاهرة من معظم
أشعاره وجميع أعماله.
وكذلك الحكيم البليغ ابن المقفع فلم يرمه أحد بالزندقة سوى عدوه سفيان ابن معاوية أمير البصرة وترى المؤرخين يقولون: إن ابن المقفع كان كثير الاستخفاف بسفيان بن معاوية فقتله سنة 143 هـ - 761 م فسبب قتل سفيان لابن المقفع هو حقده الناشئ من كثرة استخفافه به لا كما ادعاه هو نفسه من أن قتله إياه لزندقته. هذا فضلا عن أن الرجل المقر بالإيمان والتوحيد لا يقال له زنديق بمجرد أن رماه حاكم فاسق بالزندقة علاوة على أن العلماء الذين ترجموا الرجل وتعرضوا لذكر أحواله لم يذكروا إلحاده ومروقه.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) جاءنا هذا الرد منذ نحو سنة فلم يتهيأ لنا نشره سوى الآن لكثرة ما عندنا من المقالات فنعتذر إلى حضرة صاحبه.(7/410)
أسئلة وأجوبة
تحرف وترسم
س - بغداد - ب. م. م: قرأنا لأحدهم مقالة أدرجها في مجلة نيروتية يبين فيها أن أحسن لفظ يؤدي بها معنى أو هو (فعل (كرشن) والاسم (؟) (كرشنة) ومأخذ الفعل من كلمة (كرشوني) المطلقة على الخط السرياني المكتوب به كلام منطوقه عربي أي كلام لغة ذات أبجدية خاصة مصور بأبجدية غريبة عنها. ومن باب التوسع يسوغ أن نطلق اللفظة على كل لغة تكتب بغير أبجديتها) فما رأيكم في ذلك؟
ج - أول شيء يحسن بنا أن نعلم أن الفعل الأول الإفرنجي حديث والفعل الثاني أقدم منه بمعنى كتب كتابة بحرف غير الحرف الذي وضع لها. أما اليوم فإنهم يميزون بين الفعلين كل التمييز. والأمر الثاني أن (الكرشنة) ليست اسما إنما هي مصدر. وعلماؤنا يفرقون بين المصدر واسمه. وهذا أمر لا يجهله أحداث المدارس فكيف يجهله (بيك الميراندولي). وأما الكرشوني فقد وضعها السريان المتعربون ناقليها من الآرمية، لكن العرب لم يقبلوها ونفضوها على نفاية الكلم التي يمجها ذوقهم فلم يستعملوها البتة. وهي لا ترى إلا في (لغة من فسد ذوقهم العدناني).
وأما معنى أي رسم ألفاظ لغة بحروف لغة أخرى أو بعبارة ثانية: مال عن حرفه إلى حرف دخيل، فعندنا فعل (تحرف) يؤدي هذا المعنى قال اللغويون: تحرف عنه: مال إلى حرف أي جانب وعدل عنه. وفي صيغة تفعل ما يؤدي معنى أي العبور الذي يكون شيئا فشيئا أو يكون دفعة واحدة. ومنه: تحول وتنقل وتطور وترشح وتنضح وتعرج وتمعج وتخلى وتعلى إلى ما لا يحصى عده. فمعنى تحرف إذن: تحول أو مال(7/411)
إلى حرف آخر. يقال حرفه تحريفا فتحرف تحرفا كما تقول عرفه تعريفا فتعرف تعرفا: أي جعله يعرف الأمر شيئا بعد شيء.
وأحسن لفظ لقولهم ومعناه الحقيقي نقل أو نسخ ما هو مكتوب فهو (ترسم) قال في اللسان: (ترسمت المنزل: تأملت رسمه وتفرسته. . . وكذلك إذا نظرت وتفرست أين تحفر وتبني) اهـ. قلنا: وهكذا يفعل من يريد أن ينقل كتابا أو ينسخه أو يرسم علامات الغناء فإنه يتأمل
موطن النقل أو النسخ ثم يخط ما يريده.
وهكذا وإنك تعلم أن في هذه المادة: (الروسم) وهو خشبة فيها كتاب منقوش يختم بها الطعام وهو بالشين المعجمة أيضا) (اللسان) فكل هذه المعاني تحملنا على اتخاذ فعل ترسم في معنى اللفظة الإفرنجية. وهكذا نتخذ لفظين عربيين صميما لفعلين إفرنجيين يختلف معنى الواحد عن صاحبه. وبعد هذا إذا أردت الإمعان في التحقيق فأعلم أن عوام الأندلس عرفوا (الكرشنة والتكرشن) بمعنى القشعرة والاقشعرار كما نقلها دوزي في معجمه، وعليه إذا حاولت أحد الأمرين فأبق محافظا على اللفظين. فإنك مخير بمنه وكرمه.
كلمة كروكي
س - مصر - م. أ. ط: للإفرنج كلمة تدل على الصورة المرسومة رسما مجملا وهي بالفرنسية كروكي وبالإنكليزية سكتش فهل وجدتم كلمة عربية تقابلهما فقد بحثت في المعاجم الإفرنجية العربية فلم أعثر على كلمة ترضيني ولهذا جئت أسألكم عن مقابل لإحدى اللفظتين اللتين ذكرتهما لكم.
ج - الكلمة المقابلة لكروكي هي التحطيط بالحاء المهملة في المخصص (1: 53) التحطيط: الصورة وليست بتلك الفاشية وأراها عراقية اهـ. قلنا: الكلمة من مادة ح ط ط الموافقة لمادة خ ط ط إلا أن الأولى ترى في اللغة الآرمية والثانية في لغتنا الضادية وإذا كانت غير فاشية في العهد السابق فلعدم احتياج الأدباء الأوائل إليها أما الآن فإننا في حاجة إليها لأنها تمتاز عن (الصورة) بأن التحطيط صورة غير محكمة الصنع ويقابلها عند الفرنسيين أيضا(7/412)
أو أما صورة فهي أو وإذا كان المصدر عندنا معروفا فلا يشق علينا اشتقاق الفعل منه وما ينشأ من الفعل من المشتقات.
برهان قاطع لا برهان كيتي
س - العمارة - س. ب: قرأنا في مجلة (الكويت) مقالة بعنوان: (هل كان العرب يعرفون اليابان وبماذا كانوا يسمونها؟) لصاحبها العلامة الكبير الأستاذ عبد القادر المغربي. وقد قال في الصفحة 446 من السنة الأولى (وفي المعجم الفارسي المسمى (برهان كيتي) أن في بلاد واق الواق (كذا) قرودا مدربة على تكنيس البيوت وجلب الحطب من الغابات وغير
ذلك من الأعمال. .) فهل لكم أن تذكروا لنا صاحب هذا القاموس ومحل طبعه لنقتنيه؟
ج - عندنا أغلب المعاجم الفارسية وليس فيها واحد أسمه (برهان كيتي) إذ لا وجود لهذا الديوان في اللغة الفارسية ولعل الاسم الصحيح هو (برهان قاطع) وهو معجم فارسي شهير طبع مرارا عديدة في ديار الهند وإيران والآستانة ووادي النيل. وقد نقل إلى التركية وطبع في استنبول. وعندنا عدة نسخ من النص الفارسي ومن ترجمته إلى التركية. وصاحبه محمد حسين بن خلف التبريزي الحيدر آبادي. وقد اشتمل على تسع قواعد وتسعة وعشرين مقالا. والاستخراج فيه مبني على الحرف الأول والثاني والثالث والرابع وقال في تاريخه: (برهان قاطع كتاب نافع) يعني سنة1061 هـ. وقد انتقده أسد الله الغالب الدهاوي وسماه: (قاطع برهان) ورد عليه الشيخ رحيم وسماه (ساطع برهان) وتعقبه نجف علي خان الججري الهندي وسماه (دافع هذيان) أما ترجمته إلى التركية فهي لأحمد عاصم أفندي وسماها: تبيان نافع لكتاب برهان قاطع وطبع في الآستانة سنة 1212 وهي من أحسن النسخ من جهة الطبع والترجمة وهي بقطع الربع الكبير في 642 صفحة. وطبع في الهند بنصه الفارسي فقط مرارا عديدة وأغلبها على الحجر وأحسن هذه الطبعات هي التي برزت في سنة 1888 في شهر آذار في مجلدين بقطع الربع الصغير.
أما أن صاحب (برهان قاطع) ذكر إن هناك قرودا مدربة على كنس(7/413)
البيوت وجلب الحطب من الغابات فلم نجده فيه. والظاهر من تحريف أسم الكتاب وأسلوب الكتابة في هذه المقالة إن أغلب ما جاء فيها معرب عن الفرنسية أو عن لغة أخرى أوربية ولهذا جاءت العبارات على غير الوجه الذي ذكره أصحاب التصانيف البلدانية. وللمعرب عذر في ذلك إذ لم يتسن له - على ما يظهر - الوقوف على النصوص في مظانها.
المعامرة لا معاملا
النجف - الشيخ عبد المولى الطريحي - سألنا حضرته في ص 400 من هذا الجزء عن رأينا في (المعامرة لا المعاملا) فنقول:
ج - بعد هذا الإفصاح الذي أتيتم به لا نرى أن هناك قرية أو فرقة باسم (معاملا) بل (معامرة) وهم أعراب أصحاب زرع وضرع ومنهم جماعة تسكن قريتي (عدايا) و (رحمانية) - وعدايا بفتح العين والدال المهملة بعد ألف وياء وألف. أما رحمانية فكأنها
منسوبة إلى رحمان - وكلتا القريتين بجوار الموصل والمعامرة سادة سنة وعدد نفوسهم مائة بيت.
نقد الكتب المطبوعة في العراق
س - الزقازيق (بلاد مصر) - م. س. م: لماذا نراكم لا تنقدون المؤلفات العراقية وتنقدون سواها. نحن لا نعلم من الكتب المطبوعة في مدن الرافدين إلا الشيء النزر؟
ج - إن العراقيين حديثو العهد في التأليف وهم يخافون أن يهدوا إلينا تصانيفهم لئلا ننقدها. ويظنون أن نقدنا للكتاب يسقطه من عيون القراء أو المشترين ويجهلون أن نقده يشيعه بين الناس الذين يودون أن يطالعوه ليروا أصح رأي ناقده أم أخطأ. وقد رأينا في ديار الإفرنج مصنفات كثيرة كانت منسية فدفعها أصحابها إلى النقاد فشهروها بذلك وراجت سوقها. وعلى كل حال إننا قد نتعرض لنقد بعض المصنفات إذا رأينا في أصحابها سعة صدر. ولهذا ندرج في هذا الجزء طرفا من نقد (المجمل) وإن كان صاحبه لم يهد إلينا منه نسخة والنقد للأستاذ مصطفى جواد. والمجمل للأثري لأننا نرى في الكاتبين سعة: في الأول سعة في حسن نظره وفي الثاني سعة في حسن تلقيه لما يوجه إليه بحسن النية.(7/414)
باب المشارفة والانتقاد
46 - المجمل في تاريخ الأدب العربي
الجزء الأول
تأليف محمد بهجة الشيخ المعلم في ثانوية بغداد المركزية سنة 1347هـ و1929 م
هذا الكتاب بقطع الثمن وعدة صفحاته ثلاثمائة وثمان وعنوانه يغني عن إعلانه والإيماء إلى ما فيه: ولكنه رديء الوضع سيئ الطبع مدخول المضامين ولذلك تراه بين كتب الأدب لهذا العصر سكيتا في السباق لا مجليا ولا مصليا ونعم أجر العاملين بإخلاص.
ويغني المؤلف عن التعريف (تهذيبه (؟) لتاريخ مساجد بغداد) وغيره من آثار الأدب الدالة على عقل نضيج واستقراء غير مألوف، وحينما نشرت وزارة المعارف العراقية أسماء الكتب المدرسية في الجرائد ألفينا هذا الكتاب (في دور التمحيص) والظاهر إن الوزارة لم تلفه كتاب أدب بحسب ما تتطلبه من الشروط: بيد أنه لا يخلو من الفوائد المجموعة والأساليب المرجوعة فلكل جديد لذة واستلفات ولو قليلين على إننا استغربنا من الشيخ الأديب قوله في أول الكتاب (وأرجو إني كنت موفقا. . . ومسددا في ما أبرمت من آراء أنتجها الفكر المستقل (!) ومحصها البحث العميق (!)) لأن فيه رمزا إلى التبجح وكناية عن التمدح وأغرب ما جاء به المؤلف إنكاره تشيع الفرزدق وتخطئته من يجعل قصيدته الميمية مدحا لعلي بن الحسين عليهما السلام فقد قال في ص 269 (والتحقيق أن هذه القصيدة محمولة عليه وليست منه في ورد ولا صدر وقائلها إنما هو الحزين الكناني من فحول شعراء الأمويين قالها في عبد الله بن مروان، ومن الناس من يرويها لغيره أيضا، إذن فدعوى أن الفرزدق علوي المذهب في سياسته ساقطة) اهـ
فأقول إني لأعجب أيما عجب من قوله (والتحقيق أن. . . وقائلها إنما هو(7/415)
الحزين) بوضع إنما للحصر والتأكيد وتعقبه ذلك بقوله (ومن الناس من يرويها لغيره) هذا فضلا عن أنه لم يأت بالدليل بل أرجأه إلى جزء غير هذا، أما دليلنا على نقض ما جاء به فهو ما ورد في (أمالي السيد المرتضى في ص 48 من الجزء الأول بمطبعة السعادة حول إنشاد الكميت
للفرزدق قصيدة ونصه (فقال الكميت:
بني هاشم رهط النبي فإنني ... بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب
فقال له الفرزدق والله لو جزتهم إلى سواهم لذهب قولك باطلا) وقال السيد المرتضى في ص 45 واسمه همام بن غالب وكنيته أبو فراس. . . وكان شيعيا مائلا إلى بني هاشم) وقال في ص 48 أيضا (ومما يشهد أيضا بذلك ما أخبرنا به أبو عبيد الله المرزباني، قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا جدي يحيى بن الحسن العلوي قال حدثنا الحسين بن محمد بن طالب قال حدثني غير واحد من أهل الأدب أن علي بن الحسين عليه السلام حج فاستجهر الناس جماله وتشوفوا له وجعلوا يقولون من هذا؟ فقال الفرزدق (هذا ابن خير عباد الله كلهم الخ. . . ثم قال السيد رحمه الله (وفي رواية الغلابي أن هشام ابن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك أو الوليد وهو حدث السن فأراد أن يستلم الحجر فلم يتمكن من ذلك لتزاحم الناس عليه فجلس ينظر خلوة فأقبل علي بن الحسين عليه السلام. . . فإذا بلغ الحجر تنحى الناس له عنه حتى يستلمه هيبة له وإجلالا فغاظ ذلك هشاما فقال له رجل من أهل الشام من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فقال هشام لا أعرفه - لئلا يرغب فيه أهل الشام - فقال الفرزدق وكان هناك حاضرا لكني أعرفه وذكر الأبيات) اهـ.
وقال ابن خلكان في تاريخه وفيات الأعيان في باب همام (وتنسب إليه مكرمة يرجى له بها الجنة وهي إنه لما حج هشام بن عبد الملك في أيام أبيه فطاف وجهد أن يصل إلى الحجر ليستلمه فلم يقدر عليه لكثرة الزحام فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أعيان أهل الشام فبينما هو كذلك إذ اقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وقد تقدم ذكره وكان من أحسن الناس وجها وأطيبهم أرجا فطاف بالبيت فلما(7/416)
فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم فقال رجل من أهل الشام من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فقال هشام: لا أعرفه - مخافة أن يرغب فيه أهل الشام فيملكوه وكان الفرزدق حاضرا فقال أنا أعرفه فقال الشامي من هو يا أبا فراس فقال: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته. . . الخ) اهـ. ثم ذكر القصة كلها وكذلك ما نقله ابن (الطقطقى) في الفخري ص 85 مطبوعا بالمطبعة الرحمانية ونصه: (ثم أحضر مسلم بن عقيل رضي الله عنهما فضربت عنقه فوق القصر فهوى رأسه واتبع جثته رأسه، وأما
هانئ فأخرج إلى السوق فضربت عنقه وفي ذلك يقول الفرزدق:
وإن كنت لا تدرين ما الموت فأنظري ... إلى (هانئ) في السوق وابن عقيل
إلى بطل قد هشم السيف وجهه ... وآخر يهوي من طمار قتيل
فاستئمان الكميت الشيعي إلى الفرزدق وإنشاده له شعره لآل النبي (ص) وإسناد السيد المرتضى الشيعية إلى الفرزدق ورواية ابن خلكان والمرتضى للقصيدة منشدة في مدح زين العابدين وأن الفرزدق سينال بهذه المكرمة الجنة تحملنا على تكذيب ما ادعاه محمد بهجة حتى يأتي بدليله الناطق وأما رثاء الفرزدق لمسلم بن عقيل وهانئ بن عروة فدليل مستقل على تأييده العلويين وتشيعه.
(له بقية ذات أعاجيب)
مصطفى جواد
47 - الحولية الخلدونية لسنة 1929
هي تقويم سنوي تنشره مجلة التربية والتعليم. وهو بقطع 16 في 152 صفحة محلى بالصور المختلفة. وصاحبه ساطع بك الحصري بديع في ذوقه وبتعميمه للمعارف والفنون وهذا التقويم من أحسن الذرائع للبلوغ إلى أمنيته.
إن الذي يشوهه كثرة الأغلاط في ضبط الألفاظ الإفرنجية وهذا لا ينفي أوهام الطبع في العربية نفسها فهي أيضا متراصة فيه. وفي بعض الآراء غرائب لم يذكرها سواه كقوله في ص 56: (ايغناجه لوايولا 1291 (كذا) - 1559) راهب افرنسي. سعى لمقاومة الإصلاح الديني عن طريق التعليم وأسس لذلك طريقة جديدة ومدارس خاصة اشتهرت باسم (جماعة اليسوعيين) و(7/417)
(مدارس الفرير) اهـ.
ونحن نكاد نرى في كل كلمة غلطة - 1 - اسمه اغناطيوس بالعربية لا ايغناجه 2 - هو من لويولا لا لوايولا - 3 - ولد في سنة 1491 لا في سنة 1291 - 4 - مات في عام 1556 لا في 1559 - 5 - هو راهب إسباني أو بشكي لا إفرنسي. - 6 - لم يسع لمقاومة الإصلاح الديني بل سعى في تعميمه إنما قاوم مذهب البروتستان - 7 - لم ينشئ طريقة جديدة بل أسس فرقة - 8 - لم ينشئ مدرسة واحدة فمن أين جاءت المدارس؟
9 - أما مدارس الفرير فلم يفكر بها اغناطيوس تفكيرا بل لم تخطر بباله البتة. - 10 -
أما مؤسسها فهو لاسال أو جان باتست دلاسال أو يوحنا المعمدان السالي - وكان راسخ القدم في التهذيب والتربية ومن العجب أن لا نرى له ذكرا في هذه (الحولية) المفيدة. ونتوقع أن يتلافى كل ذلك في (الخلدونية) الثانية وأن يزاد على المربين اسم منصور البولسي الذي عني بتربية اللقطاء واسمه بالفرنسية
48 - كتاب إيضاح السبيل في ديجور البدع والأضاليل
بقلم المنسنيور عبد الأحد جرجي لقب يسوع الأقدس، طبع بالمطبعة السريانية الكاثوليكية في بغداد سنة 1926 في 444 بقطع الثمن الصغير.
المنسنيور عبد الأحد جرجي من الرجال العاملين الدائبين ليل نهار ومن الذين لا يعرفون النصب وهذا التصنيف يشمل جميع البدع الدينية منذ نشوء النصرانية إلى هذا اليوم. وهو فريد في بابه لأننا لم نر في لغتنا العربية من تعرض لهذه البحوث وبهذه السعة ومما نستحسنه فيه صحة الأخبار بعبارة منقحة وهو يكاد يكون خاليا من كل غلط في الطبع. ولا نظن إننا وقفنا على كتاب في لغتنا توفرت فيه كل هذه الحسنات، ولا بدع بعد هذا من أن نسمع بإقبال القراء على اقتنائه. على أننا كنا نتمنى له أن يكون له فهارس لأعلام الرجال والمدن والفرق ليكون الانتفاع به أعم وأشمل ويقرب ورده من كل ناهل ولعل المؤلف يصدرها بعد حين فتباع على حدة.(7/418)
49 - ثورة عواطف رواية حب يعلم الأدب
بقلم نقولا الحداد مصر سنة 1928 في 147 صفحة.
روايات العصر العفيفة النزيهة المهذبة الأخلاق قليلة جدا إذا لا توافق ذوق المستهترين بالأدب. أما هذه فإنها من الطرز السليم من هذه الأدواء المهلكة. إلا إننا رأينا صاحبها يتساهل في تعبيره حتى يكاد يخرج عن المشذب من الكلام ففي ص 39: (وقد أخذت الريشة لصنعها من جانح الملاك وألوانها من أزاهر الفردوس. . . وبعد سكوت هنيهته) ولعله يريد أن يقول: من جناح أو جناحي الملك وألوانها من أزاهير (بالياء ولا يقال أزاهر إلا في الشعر). . . وبعد سكوت هنيهة. . . وقوله سكوت هنيهته ورد كثيرا في الرواية مما يدل على أنه ليس من خطأ الطبع فعسى أن تفلى هذه الرواية مما يذهب ببعض
محاسنها.
50 - اللغة العربية
وهو (خطاب) ألقاه الأستاذ جبر ضومط م ع، في شهر تشرين سنة 1911.
سمى حضرة الأستاذ الكبير خطبته (خطابا) ثم قال: (ألقاه) ولا ندري أورد الخطاب بمعنى الخطبة؟ ثم لا ندري لماذا لم يقل: خاطب به). . . وكنا نود أن نعلم حقيقة كل هذا الاستعمال. وكل هذا لا يمنع ما في هذه الخطبة من الآراء المعززة بالأدلة والشواهد مما يدل على علو علم الصديق المحبوب.
51 - المسلمون والنصارى
محاضرة تاريخية ألقاها في نادي الشبيبة الإنجيلية بحيفا السيد عبد الله مخلص في سنة 1927.
من يجهل تحقيق السيد عبد الله مخلص؟ فإنه لا يعالج بحثا إلا يمحصه ويؤدي إليه حقه من الجلاء والبيان. وهذه المحاضرة دليل جديد يضاف إلى ما كتبه من الأمور التاريخية وحسنا فعل بأنه سكت عن أمور وجاهر بشؤون تأليفا للقلوب وتقريبا للناصر وهو نعم العمل.(7/419)
52 - الألف باء (باللغة الإسبانية)
وهو كتاب يحلل فيه صاحبه دعوى نشوء اللسان العام، تأليف أنطون ألياس وطبع في بوينوس آيرس سنة 1925 في 256 صفحة.
صاحب هذا الكتاب سوري الأصل على ما نرى من اسمه ووقوفه على العربية. وقد كسر كتابه على ستة مطاو. أودع الفصل الأول منها البحث عن أصل الأصوات في حروف الهجاء وتكلم في الثاني عن أصول الكلم وجعل موضوع الفصل الثالث فقه اللغة. ومدار الفصل الرابع تفلية الضمائر والصفات وترك الفصل الخامس للبحث عن وحدة الألسنة وحصر الفصل الأخير بالعرب وأصلهم والتمييز بينهم وبين العبريين وسائر فروع الساميين. وعبارة الرجل الإسبانية مهذبة سلسة فتتوهم أنك تقرأ تأليف رجل من أبناء تلك البلاد. والمؤلف يدعي أن اللغات كلها ترجع في أصلها إلى لغة واحدة هي العربية ثم يذكر لنا شواهد مأخوذة من اليونانية واللاتينية والإسبانية ويذكر أصلها العدناني. إلا أننا نراه
مجازفا في أغلب أقواله إذ يبني أغلب آرائه على مجانسة لفظية بين اللغة الآرية واللغة السامية أو العربية. وقد تكون تلك المجانسة وهمية ولدتها مخيلته الشرقية المبدعة. ونحن نضرب لك مثلا: إنه يدعي أن الكلمة (سنسكريت) بمعنى اللغة القديمة الهندية الفصحى مصحفة عن المنحوتة من العربية (سام) و (خطوط أو خروت) ص 43 فيكون معناها (السامية الخطوط أو الخروت) والخروت جمع خرت وهو الثقب لأن الحروف كانت تحفر حفرا في المواد الصلبة.
وهو لم يذكر لنا كيف وصلت هذه الكلمة إلى ديار الهند ولا بأي وسيلة وأمثال هذه الكلمة كثيرة في هذا التأليف الغريب الجريء. بيد إنه يدل على قوة في الابتداع عجيبة جدا. ولو أفرغها المؤلف في قالب علمي يستند إلى الأدلة لأدهش العلماء. فإننا رأيناه أصاب كل الإصابة في بعض الألفاظ فالكلمة اللاتينية هي في نظره من مادة (نشأ) العربية ص 119 وهي كذلك في نظرنا والأدلة متضافرة على ذلك وليس المقام محلا لإيرادها. وفي هذا الكتاب خطأ كثير في الطبع من ذلك إنه ضبط ص 38 هذيل وطيء وجذام وقضاعة وتغلب(7/420)
وأزد عمان هكذا: هزيل (بالزاي) وطايه وبكسر جيم جذام وكسر قاف قضاعه وفتح لام تغلب وتشديد الميم في عمان. وأملنا أن يعاد موضوع الكتاب على أسلوب علمي ويهمل ما فيه من نتاج الخيال ليقنع بآرائه من يتمسك بالأدلة لا غير.
53 - رفيق المسافر
مجلة أسبوعية تاريخية أدبية فكاهية
جاءتنا بعض أجزاء من هذه المجلة الأسبوعية فوجدناها محلاة بالصور والملح الظريفة وهي كاسمها تستحق أن تكون رفيق المسافر وتنشر في مصر في 34 صفحة بقطع الثمن الكبير فنتمنى لها الرواج.
54 - ترجمة الأب مارية يوسف
رئيس الرسالة الكرملية في بغداد من سنة 1858 إلى 1898، طبعت بالمطبعة السريانية الكاثوليكية في بغداد سنة 1928 في 119 ص بقطع 12.
هذه فصول الكتاب: (مولد الراهب الرئيس - في الدير - سفره إلى الرسالة - جبل
الكرمل - الجزيرة والعراق - بغداد والبصرة - رسالة الكرمليين الحفاة في بلاد فارس والجزيرة - مبادئ المرسلين الجدد - نصارى بغداد - البصرة والعمارة - رحلته إلى أوربة - الأعراب في البادية - الصليب - صدقة ابنة فقيرة - العودة إلى بغداد - بناية كنيسة بغداد للآباء الكرمليين المرسلين - تعيين الأب يوسف رئيسا للرسالة - مميزات أخلاق الأب الرئيس - وقائع مختلفة وقعت في الرسالة - مبرات الأب الرئيس الأخيرة - حفلة شائقة تكريمية - وفاة الأب يوسف).
يرى من عناوين هذه الفصول مباحث الكتاب وقد نقلناه من الفرنسية إلى العربية. ومؤلفه الرئيس الذي خلف المترجم وهو الأب بطرس الإسباني. وثمن النسخة ربية واحدة أو ثمانية قروش مصرية.
55 - مجلة النهضة النسائية
بلغت هذه المجلة النسوية المصرية سنتها السابعة وهي تسير سيرا حثيثا في(7/421)
خطتها التي يستحسنها كل من له ذوق عربي سليم فنتمنى لها العمر الطويل والمنفعة العامة واطراد رقيها.
الشفق الباكي
- 2 -
لا تهابوا من خطوب لا تهابوا ... إن موت الشعب في عيش الخنوع
كل فرد فرضه ما عنه يدري ... فليقم كل بإرضاء الضمير
إنما الذمة تاج الفرد حقا ... ثم تاج لعلى الشعب الكبير
فليؤد الفرد ما يرجى لديه ... فاعتزاز الفرد إعزاز الكثير
تره قد شجع ودرب وضرب المثل الأسمى ووزع الواجبات وحبذ العاقبة وأهاب بالمتقاعسين ولوح لهم بطرف العزازة الطاهر، أما شعره الخاص بالإنسانية فلا يكاد يحصى لاستفاضته فأنظر إلى قصيدته (الأبوة رحمة الوجدان) في ص 555 تجده ينشد:
والمرء إن رزق الأبو ... ة عن صواب لا يهون
كل عواطف شاعر ... فاضت عن القلب الحزين
إن الأبوة رحمة ال ... وجدان إن قست السنون
وعذابها الشجو الجمي ... ع وشدوها ملء الشجون
وأنظر إليه في ص 279 يقول فرحا بمبدئه رافعا عقيرته الشاجية الداعية:
سألته رحمة بالناس في زمن ... ليس الشريف هو المنسوب واللاهي
أنا بعهد غدا نفع الأنام به ... أدنى من الفخر والأنساب لله
وأطل عليه من شرفة ص 746 رادا على كبلنج الشاعر الإنجليزي الاستعماري ذي فكرة. الشرق شرق والغرب غرب الخ) تجده ينادي.
وأي قدر لأي فن ... مبشر بالعداء فينا
فكلنا وحدة وفينا ... جميعنا الجد والصغار
وما افترقنا بغير جهل ... وما اتحدنا بغير علم
وكان أحرى بمن يباهي ... بشعره أن يرى نبيا(7/422)
يحبب الناس في السلام ... وفي الجمال وفي السمو
فما رجاء الحياة إلاَّ ... بنهضة وحدت بنيها
وإن رجلا هذا مبدؤه لا توافقه هذه الحياة بل يلائمه قول من قال:
ليتني قد خلقت في غير عصري ... أو فؤادي يكون غير فؤادي
ومع كونه لين العريكة بعيد الأناة لا يتحاشى عن التهديد الرشيد ولا التحضيض والتنديد ففي ص 92 يقول مخاطبا أولي الأمر:
يا فاتحين بلا عقل ولا رشد ... دار السفارة في أرض البرازيل
كأنما قد غدونا دولة حكمت ... في العالمين وسادات البهاليل
هلا اجترأتم فأعلنتم تملككم ... لما بها دون تفسير وتعليل
فهو سائر على مهيع التشنيع على الخونة والاجلاب عليهم والنعي على قصار الأبصار فأنظر إلى ص 915 تجده يقول:
مرحبا بالعسف منكم مرحبا ... علمونا يا طغاة الأدبا
أرهقونا جهدكم حتى نرى ... أصلح الخلق ينال الغلبا
نحن شعب قد مرضنا كرما ... نحن قوم قد سقمنا لعبا
نحسن الظن بمن سخرنا ... ننشد الذمة ممن غصبا
فهو يكاد يقول:
(لجأنا إليه مثلما لاذ خائف ... من الأسد بالأنمار والموت في الشدق)
وإن القارئ ليعجب بصراحته ففي ص 89 يقول:
باسم السياسة حلل ال ... أجرام والعيش القبيح
حتى تبرأ كل ذي ... فضل من الفضل الصريح
أسفي على عهد به ... إنكار بطرس للمسيح
وأي صراحة ترى في ص 259 حيث يقول:
(تخذوا الخلافة سيرة لوساوس ... ولكل وهم عابث ومعاند)
وفي ص 223 حول (الدين والعلم) يقول:
كم سخر الدين الشريف لتهمة ... الجاهلوه وخيرهم أغرار
وتوهموا العلم الأدبي يهابهم ... والعلم في ملكوته جبار(7/423)
ما نال منه وإن تهجم طائش ... كلا ولا أودى به الثرثار
العلم عون الدين في نور الحجا ... أهلوه أطهار به أبرار
وفي ص 201 يصف العلم بالشعر ويبين أن اللذة العلمية فوق كل مراد لمن يطلب السمو لأنه سمو لا لأنه مسبب للغلو فهو يقول:
مهنة الطب قد عشقناك لكن ... قد غنمنا جزاء غر عشيق
لم تنل غير لولؤ من صديد ... يورث الخوف أو دماء العقيق
ورضينا الجزاء في النفس للنف ... س شعورا من السمو الحقيقي
ويناظر لاحيه على استبداعه الشعر وإيلاعه به بقصيدة (الطب والشعر) ص 297 حيث يقول:
يا زاجري عن شعري الحسي ... من أنت في حكم على نفسي
طبي وعلمي ماثلا أدبي ... متنظرين حقائق الحس
أتلوم إبداعي ولا من ... للعقل والآداب والطرس؟
هل كان قرض الشعر موهبة ... للجهل أو للهو والكأس؟
ومحرما أبدا على نفر ... علموا وجوه العلم والحدس
فحصوا الوجود ومزقوا حجبا ... عن أبعد المجهول للأمس
مستوقفين العلم دون ونى ... بمنوع التمحيص والدرس
وهو فياض الشعور بمنزلة الشعر الرفيعة متخذ إياه سلوانا وغاية شريفة وسببا قويا للإصلاح وتهذيب النفوس خصوصا شعر الحب الشريف لذلك تراه يقول في مقطعة (شعر الحب ص 144):
ردده لي فهو السلاف بعينها ... أذكت ولم تتلف جنان الصاحي
ردده لا شعر يسر بلا هوى ... مهما تقادم فهو مثل الراح
له بقية
الكاظمية: مصطفى جواد
معجم إنجليزي عربي
2 - والمقدمة كلها فوائد يتعلم منها القارئ منحى التأليف والسعي والكد. ولقد(7/424)
طالع حضرته أغلب الكتب التي يستفاد منها فائدة تزيد ثروته العلمية الإصلاحية وفي كل لغة ولسان. وأنا
لنقدر هذه المساعي الدالة على أن المؤلف من الجبابرة في الهمة والإقدام. ولهذا لا يقف عليه مطالع إلا يشكره على ما أهدى إلى اللغة تلك الهدية التي تجعل للغتنا مقاما رفيعا في عيون العلماء واللغويين وأصحاب الفنون والعرفان على اختلاف طبقاتهم.
وإذا كنا لا نستطيع أن نورد في مجلتنا ما في هذه المقدمة من العوائد الجليلة فإننا نذكر ما هناك من العناوين ليقف المطالع على ما بذل (المؤلف الجبار) من النصب آناء الليل وأطراف النهار. ودونكها: مقدمة. - مقدمة الطبعة الثانية وفيها: بيان الطريقة العامة في التأليف (وذكر فيها أنواع الكتب التي طالعها لوضع سفره النفيس) - مناهج العرب في نقل الكتب الفرنجية وتعريب الألفاظ الأعجمية - مناهج التعريب في العصر الحاضر - المقابلة بين القديم والحديث - النهضة الحديثة ومستقبل اللغة - أسلوب المعجم في التعريب - في تصوير المفردات والأعلام الفرنجية بحروف عربية (فذكر هنا): حروف العلة - والحروف الفرنجية السالمة بالعربية (ثم جاء على ذكر كل حرف من حروفهم) - تعريب الكلمات الفرنجية المبتدئة بساكن - الانتهاء بألف أو تاء - الاشتقاق في العربية ونهج العرب في التوسع في اللغة والاصطلاح - الألفاظ المأخوذة بالقياس - في ذكر الأصيل والدخيل من الألفاظ العربية في الألفاظ الفصيحة التي وردت في المعاجم القديمة ويصبح إهمالها والاكتفاء بما شاع استعماله وكان قويما لعدم الإثقال على ذهن الطالب - في اختلاف أسماء الحيوان والنبات باختلاف الأصقاع - في أن يكون مرادف اللفظ الفرنجي لفظا واحدا بسيطا - في المذكر والمؤنث من الألفاظ العربية - الخاتمة. ثم تأتي التصويبات.
فأنت ترى مما بسطناه المقام الرفيع الذي وصل إليه هذا المعجم الذي لا يكون له مثيل إلا إذا تضافرت جماعة من العلماء على وضع ند له.
على إننا نقول: إن العمل البشري مهما كان متقنا فإنه يحتاج إلى تحسين، لأن الإنسان محل النسيان. وقد يفوته أشياء قد يراها غيره. ولهذا نستأذن حضرة الصديق الحميم في أن نبدي له بعض النظرات. ولا ندعي أننا نصيب في(7/425)
ما نرمي إليه، بل نقول: لربما ينتج مما نبينه شرارة نور تنقدح منه. فنقول:
1 - نظراتنا في التمييز وغيره
لم يفرز حضرة الدكتور الألفاظ الفصيحة من الألفاظ العامية أو المولدة أو المحدثة أو المستحدثة أو التي وضعها هو بنفسه. واللغويون يحرصون على مثل هذه الفروق وكذلك يفعل كتبة العصر ممن يهمه رقي اللغة أو تمحيصها من الشوائب - ولعل قائلا يقول: لم يوضع هذا المعجم للغة بل للعلم، والعلم لا يهمه أن تكون اللفظة من الطبقة الفلانية أو من العهد الفلاني، إنما المهم التعبير عن الأفكار ليس إلا.
قلنا: إن الغربيين مع رقيهم وإمعانهم في الحضارة العصرية وتفننهم في المخترعات والمكشوفات يحرصون كل الحرص على تقييد كل شاردة وواردة ووضعها في محلها من الفصاحة والبيان. وهذا لا يمنعهم من اتخاذ أي لفظة كانت للتوصل إلى التعبير عن أفكارهم. وحسب المؤلف أن يضع لكل طبقة من المفردات علامة أو حرفا لتعرف منزلة اللفظة. وفي كل صفحة من صفحات هذا المعجم النفيس يرى القارئ اختلاط الكلمة الواحدة بالأخرى، أو إن شئت التشبيه: اختلاط الحجارة الكريمة بالحجارة اللئيمة، أو اختلاط الأمير بالمأمور، أو السيد بالعبد، إلى ما تحب وتهوى من التشبيهات. وأنا أضرب لك مثلا واحدا لا غير يقاس عليه غيره. فقد وضع حضرته بازاء هذه الكلمات ونحن ننقلها بحرفها: (طرخشون (أ. ب) - طرخسفري - أسنان الأسد (ابن البيطار) هندباء البر - اليعضيد. ومن اللغات التي وردت في كتب العرب: طرخشقوق (أ. ب) طرخشقوق (لسان العرب) طرخجقوق (التاج وأبو حنيفة) طلخشقون (مفاتيح العلوم للخوارزمي) طلشقوق. طرشقون. تلخشكوك. تلحسكوك. طرخشقون. طلحشقون. طرحشقوق. (أ. س) طرشقون).
فليست كل هذه المفردات تعامل معاملة واحدة في الفصاحة والعروبة والمحوضة فاليعضيد أحسنها. ثم يليها هندباء البر، فطرخشقون فلغاتها المختلفة. وفي الآخر تلخشكوك وتلحسكوك لأنهما أبعد أخواتهما عن المعرب الحقيقي. ثم أن(7/426)
حضرته لم يذكر إلا بعض ما ورد منها. وكنا نحن قد ذكرنا في لغة العرب 3: 683 أكثر مما جاء به حضرته ودونك ما تراه هناك:
طرخشقون. هندباء البر. يعضيد. طرخشقوق. طرخجقوق. طلخشقوق. طلشقوق. طرشقوق. بلخشكوك. بلحشكوك. بلحسكوك. طرخشقوقى. طرحشقوق. طرحشوق. طلحشقوق. طرشقون. تلخ جكوك. تلح جكوك. تلخ جوك. طرخشم. طليخم. طركسيتا.
طرسيما. طرقسيما. طرخسقوق. طرسقوس. طرحشقون. طلحشوش. طرقسقوس. بلحسلوك. طرخجقوق.
أما الفائدة من ذكرها فهي أن نعلم كيف كان السلف يتصرف في اللفظة الواحدة الأعجمية وكيف أن حروف الكلمة الواحدة تنتقل من حرف إلى حرف حتى أن القارئ ليحار في توجيه كل منها. والفائدة الثانية أن إحدى هذه اللغات أو اللغيات واللثغات قد ترد في أحد المصنفات ولا ترد بوجه آخر، فإذا كان المطالع لا يعرفها تاه في بيداء البحث والتنقير وأضاع قسما ثمينا من وقته ليهتدي إليها.
2 - نسيان ألفاظ
إن حضرة الصديق نسي بعض الألفاظ التي كان يتوقع أن ترى في معجمه فإنك لا تجد مثلا أثرا للنبات المسمى - المعروف عند العلماء باسم والسلف: البروق (وزان فوفل) وهو من العقاقير المعروفة قديما وحديثا. والكلمة العربية من أصل لاتيني قديم هو حذف صدرها واحتفظ بعجزها طلبا للخفة.
ومن هذا القبيل الحية التي يظن إنها خرافية وهي المعروفة عند الإنكليز باسم وعرفها الأقدمون منا ومن اليونانيين والرومان. وكان السلف يسميها الباسليق ذكرها البستاني في دائرة المعارف (5: 106) وقال في آخر الموضوع: وقد تصور الشعراء القدماء من الإفرنج حيوانا سموه باسيليسكوس كان نفسه يسم الهواء ونظرته تميت وحضوره مشؤوما لجميع المخلوقات حتى الإنسان وزعموا أنه بشكل حية يتكون من بيضة ديك تفقسها حية والعرب تسميه ملكة (بكسر اللام) اهـ. قلنا: وهذا النوع من الحيات الخرافية يسميه الإنكليز له بقية(7/427)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - قدوم بعض الأثريين الفرنسيين
جاء في العقد الثالث من آذار (مارت) بعض الأثريين الفرنسيين الذين يحفرون في الصالحية على الفرات. كان منهم العلامة رنه دوسو وعقيلته والأثري المسيو بيله الذي يرأس أشغال التنقيب في الصالحية. وقد زارنا في 27 و28 مارت وقال أن البعثة الفرنسية الأميركية التي تتولى الحفر في الصالحية قد توفقت في ما عثرت عليه من الآثار القديمة وقال: كان علماء التاريخ يجهلون أمر المدينة القديمة المعروفة باسم دورا اوروبس - أما اليوم فقد عرفنا من أمرها فوق ما كان ينتظر لأننا وجدنا في الصالحية الواقعة على الفرات وهي على طريق دير الزور أنصابا عديدة مكتوبة باليونانية تذكر أنها المدينة دورا وأن الزلازل التي تتابعت في سنة 161 بعد الميلاد هدمتها ووجد في خلال الحفر عقود ثمينة وفسيفساء وأدوات حرب إلى غير ذلك مما يوضح مظلمات تلك العصور ويعز العثور على أمثالها في غير تلك الأراضي.
2 - مستشرق إنكليزي
وصل إلى حاضرتنا في صباح 14 نيسان الأب سبريان رايس الإنكليزي من رهبانية الأخوة الواعظين وهو يعرف من اللغات الشرقية العربية والفارسية والتركية. ويحسن من لغات الغرب الفرنسية والألمانية واللاتينية واليونانية إلى غيرها وقد جاء إلى هذه الديار الشرقية ليتقن اللهجة العربية العراقية ثم سافر إلى الموصل في 16 منه.
3 - تمديد الأجل لمجلس الأمة
قرئت الإرادة الملكية في مجلس الأمة في 14 نيسان لتمديد أجل المجلس إلى شهرين للأعمال التي لم تنته إلى الآن.
4 - استئناف الصلات السياسية بين إيران والعراق وبالعكس
عزمت الحكومة الإيرانية على إيفاد مهدي فروغي خان إلى العراق بمهمة سياسية فوق
العادة لتسوية المشاكل المعلقة بين الجارتين بعد اعتراف إيران(7/428)
بالعراق اعترافا رسميا. وكان فروغي خان وزيرا مفوضا لحكومته في أفغانستان.
وحكومتنا نظمت وفدا قوامه صاحب السعادة رستم بك حيدر كتوم جلالة الملك الخاص ورئيس الديوان الملكي وحضرة أحمد حامد أفندي الصرف مدير المطبوعات وحضرة السيد باقر أفندي أحد أمناء البلاط الملكي وسافر الوفد في 20 نيسان فحضر تتويج جلالة بهلوي شاه إيران الذي وقع في 23 منه وعاد إلى حاضرتنا ومعه اعتراف الحكومة الفارسية بالحكومة العراقية وهكذا عادت صلات الجارتين إلى ما كانت عليه في سابق العهد كما تقتضيه الأحوال.
5 - مهد الحضارة الأولى
ذكر الأستاذ اليوث سمث لمندوب جريدة (مورننك بوست) إن الأدلة مثضافرة على إثبات الحضارة ووجودها قبل زمن الطوفان، وإن ما قرره الدكتور لانكدن والمستر وولي من أن الحضارة الشمرية هي أقدم الحضارات ليس صحيحا والذي هو أصح ما أيده الأستاذ برستد وزملاؤه ودعموه بما شاهدوه من الآثار العادية في جميع المواطن التي تكثر فيها العتائق أي في مصر والعراق فأجمع رأيهم على أن شمس الحضارة بزغت في وادي النيل ومنها امتدت بعد قرون إلى وادي الرافدين.
6 - ابن سعود والعصاة
لما لم يصغ فيصل الدويش وابن حميد ومن ألتف حولهما إلى نصائح جلالة ابن سعود الراشدة ورفضوا تحكيم الشريعة في أعمالهم الأخيرة أرسل عليهم جلالته جيشا قويا يقوده الأمير سعود ودارت رحى القتال بين القبيلين في سهل الشبكة قرب الارطاوية فأسفرت المعركة عن جرح فيصل الدويش وقتل ولده وفرار ابن حميد واستسلام من بقي حيا من قبائل مطير وعتيبة. وقد نظمت المحاكم الشرعية والجزائية لمحاكمة المخالفين لأوامر صاحب الجلالة السعودية. أما ابن حثلين فقد استسلم قبل بدء المعركة.
والأحوال في نجد هادئة جارية مجراها المألوف.
7 - ابن سعود وابن صباح
تلقى أمير الكويت من ملك نجد والحجاز كتابا مفعما ودا وولاء وقد وعده بأن يزور ثغر الكويت ليؤمنه من الغارات بعد تأديب الذين نكثوا العهد من رعاياه.(7/429)
8 - من أخبار عربستان (خوزستان)
عادت الحكومة الإيرانية على إجبار أبناء عدنان على لبس العمرة البهلوية وذلك ابتداء من النيروز ولا يستثنى من اتخاذها أحد البتة. وقد أخذت شرطتهم (أو كما يسمونها نظيمتهم) في تنفيذ هذا الأمر على أهالي الأرياف والضواحي العربية وهذا ما نبه الشعور في العرب إلى القيام على ذاك الإكراه الذي ليس في محله.
9 - ديار البحرين تعن على بال إيران
يعلم الناس أن جزيرة البحرين كانت من أملاك العباسيين وفي سنة 1507 إلى سنة 1622 استحوذ عليها البرتغاليون وفي سنة 1835 إلى سنة 1774 كان الحكم فيها للإيرانيين ثم نهضت بنفسها فحكمها شيوخ من أبنائها وفي سنة 1861 تسلل إليها البريطانيون فأخذوها تحت أجنحتهم والآن عن في بال الإيرانيين أن يطالبوا الإنكليز بها.
وفي أواخر شباط (فبراير) من هذه السنة وزعت صورة المذكرة - التي قدمها سفير بريطانية في طهران على أعضاء عصبة الأمم وفند مطالب الإيرانيين عبارة عبارة ومن جملة ذلك التفنيد أن في سنة 1880 و1892 أخذت بريطانية على نفسها تبعة القيام بصلات البحرين الخارجية. وهذا ما دعا شيخ البحرين الآن إلى طلب مساعدة الإنكليز ودفع عادية الإيرانيين عنه. ويظن أن الإيرانيين لا يعودون إلى قرع هذا الباب.
10 - وفاة قاصد العراق
انتابت (خنقة الصدر) سيادة رئيس أساقفة بغداد على اللاتين والقاصد الرسولي في العراق في 22 آذار فكادت تقضي عليه. ثم استراح منها. وفي مساء 5 نيسان عاودته فجأة فلم تشفق به.
ولد فرنسوا دمنك بيره في سان اتران من أبرشية رين (بريطانية الصغرى) في 15 أيلول عام 1857 وانتخب رئيسا لأساقفة بغداد في 9 آب 1921 وسقف في 9 آذار 1922 وكان قبل هذا قد أتخذ طريقة القديس عبد الأحد فجاء إلى الموصل في سنة 1885
وأخرج شبانا كملا للكهنوت وكان يعلم في المدرسة الأكليركية شرح الكتاب المقدس والموسيقى وكان حاذقا لهما وتنقل في وظائف عالية قام بها أحسن قيام وكان يحب وطنا أشد المحبة حتى كاد ينسى مسقط رأسه وكان في نيته أن ينشئ ثلاث مدارس(7/430)
ثانوية في كل من بغداد والبصرة والموصل ويدفع إدارتها إلى أخوة المدارس (الفرير) فاستحسن الكرسي الرسولي مشروعه وشجعه على إخراجه إلى حيز الحقيقة لكن المنون حالت دونه رحمه الله رحمة واسعة!
11 - حبا لملك أور
منذ خمسة آلاف سنة، قتل في مقبرة ملك أور (المقير) إحدى عشرة امرأة من نساء الملك وحظاياه، مثقلات بالحلى والتمائم وستة جنود صناديد مدججون بالأسلحة، واثنان وأربعون عبدا وآمة، كل ذلك قياما بخدمة ملكهم الميت حينما يبعث للحياة الأخرى.
وقد حملت آثار هذه المقتلة الفظيعة إلى لندن في هذه الأيام وأودعت دار تحفها، فأقبل الناس على مشاهدتها إقبالا غريبا.
ومكتشف هذه المقبرة المستر ليونرد وولي كبير منقبي الآثار في أو الكلدان وهذه الآثار يرجع عهدها إلى زمن إبراهيم الخليل.
ولما فتح المستر وولي ذلك المدفن رأى جثث القتلى مطروحة على الأرض كما سقطت حين قتلت. وقد صدئت خوذ الجنود النحاسية وما زالت الحلى والجواهر فوق عظام الحظايا وهي مكدسة حول تابوت الملك وبجوارها جون فيها أدوات الزينة والخضاب والطلاء.
وبين الضحايا التي ضحي بها في المقبرة ستة ثيران كانت تجر عجلة تابوت الملك، وبقيت أصقالها مطروحة على الصعيد بين بقايا أطواقها الفضية وأعنتها الملبسة بالذهب وعلى مقربة من رؤوس الثيران أصقال السواس وعلى مقاعد العجلة جثث سائقيها.
وقد نقلت هذه الأصقال إلى متحفة لندن فيشاهد فيها المتفرجون آثار تلك القتلة القاسية، فمن جماجم جنود غائصة في خوذهم، إلى عقود الفضة والذهب والدمالج والخلاخيل، إلى أقراط وشنوف كانت الحظايا يتزين بها. وقد نظفت تلك الحلى على أحسن ما يكون، فبدت لماعة براقة كأنها خرجت الآن من أيدي صانعيها مع أنه مر عليها خمسة آلاف سنة.
وأجمل هذه العاديات وأكثرها إثارة للخواطر ذاك التاج الذي كانت تلبسه الملكة (شبعاد) وقد دفنت جثتها بعد دفن زوجها لترافقه في الدار الآخرة.
والتاج عجيب الشكل، بهي المنظر متخذ من أسلاك الذهب. وفي موقعه(7/431)
على الجبين عقد حباته من اللازورد تتدلى منه حلقات من الذهب الإبريز. وقد صنع التاج بشكل إكليلين ذهبيين من أكاليل الغار أحدهما بهيئة أوراق شجرة التوت والآخر على خلقة أوراق الصفصاف. وفي قمة الإكليلين مشط له سبعة أسنان وقد نشبت في كل سن منها أزهار من ذهب تتدلى وتتجلجل كلما حركت لابسته رأسها.
ولعل سائلا يسأل: كيف وقعت هذه المذبحة؟ وهل قتل أولئك الناس على حدة وعددهم تسعة وخمسون بين رجال ونساء ثم حملت جثثهم إلى قصر مولاهم؟ أو سير بهم إلى ذلك المدفن المظلم وعلى إشارة صدرت من أحد الجلادين قتلوا في ساعة واحدة؟. فجواب المستر وولي هو: إن تلك الضحايا سقطت في المقبرة في ساعة معينة وكان قتلهم من فروض تشييع الجنازة إلى الآخرة.
(عن العروسة بتصرف في تصحيح العبارة)
12 - أشغال دائرة الري في الحلة
قامت دائرة الري بإنشاء صدور الجداول الآتية أسماؤها: العثمانية وأم الفلفل، والفارسية، وزبار، وبازول قوجان وبزل بريذل، والابيخر والفياضة ولم يبق سوى نهر الطليعة والعمال يشتغلون ببناء صدره. والآن يجري تقسيم المياه على الزراع بصورة عادلة متساوية.
والزراع مرتاحون من جهة وفرة المياه لحاجاتهم.
13 - الإيرانيون في العراق
ذكرت (إيران) وهي من الصحف الفارسية أن مصالح رعايا إيران في العراق تزيد على مصالح سائر الدول ولا نبالغ إن قلنا أن عدد رعايانا في ديار الرافدين يبلغ أربعمائة وخمسين ألف نسمة وهذا العدد يقارب ثلث نفوس العراقيين أو ربعها. وفي كل سنة يسافر إلى ربوع الفراتين ما يزيد على مائة وخمسين ألف زائر للعتبات. اهـ.
قلنا: لا نعلم على أي شيء يستند صاحب الجريدة في ما ذكر من الأرقام التي جاءنا بها فسكان العراق في عهدنا هذا يبلغون ثلاثة ملايين فالثلث يكون مليونا وقد قال أن الإيرانيين يبلغون 450000 نسمة. وإذا كان الربع فيكونون 750000 ثم لا نعلم إلى أي إحصاء استند الكاتب في قوله أن رعايا إيران أربعمائة وخمسين ألفا. ونحن نرى في هذا الرقم الضخم مبالغة ظاهرة. أما أن عدد الزوار يبلغ 150000 فمن المحتمل في بعض السنين وليس في جميعها بنوع مطرد.(7/432)
العدد 70
اليزيدية
2 - مقام الشيخ عادي هو دير يوحنان عسبران
بعد كلامي عن زمن تسمية اليزيدية وعن شرف الدين محمد يجدر بي أن انتقل إلى مقام (الشيخ عادي) (على ما يلفظ اليوم) الذي هو معبد اليزيدية ومحجهم الأكبر. فقد جاء عنه في المستند إنه كان دير مار يوحنان ومار يشوعسبران ويفهم من المستند إنه كان احتلال هذه النحلة له قبل سنة 619 (1222) بثلاث سنوات وإن ذلك الزمن كان زمن الخليفتين العباسيين الظاهر (خلافته 3 -(7/433)
622 - 6 - 1225) والمستنصر (مبدأ خلافته سنة 623هـ - 1226م) ويبين لي أن صاحب المستند لم يكن واقفا على خليفة ذلك الزمن فادمج في كلامه اسم كل من هذين الخليفتين اللذين كانا قريبين من ذلك العهد (كانت السنون الواقعة بين 9 - 616) من سني الناصر) أو أن المستند أخطأ في عدد السنين فكانت النتيجة أن الاستيلاء في عهد الظاهر أو المستنصر.
ولقد استطرد تاريخ الموصل (295: 1) في بحثه إلى هذا الموضوع وحدثنا عنه ومما استند إليه مخطوطة راميشوع ومنظومة لايشو عياب بن المقدم واسترشد هذا التاريخ رأي (نو) (مجموعته ص 4) المنقول عن فرنك القائل لا بد من إنه كان عديان فجاءنا القس بما لم يعرفه المستشرقان فأوضح أن عديا - هو غير عدي بن مسافر بل هو (أبو المفاخر شرف الدين) عدي بن أبي البركات وقال (300: 1): (فلعل عدي الذي احتل دير يوحنان ويشوعسبران هو عدي أبو البركات (يريد أن يقول: عدي بن أبي البركات كما ذكره أيضا) لقربه من التاريخ الذي يعينه صاحب المخطوطة إذا سلمنا بصحة روايتها) اهـ.(7/434)
وجاء في المستند (نو ص 64) أن المغول أخذوا عديا الكردي (شرف الدين عديا) إلى مراغة وقضي عليه بالقتل لاستيلائه على الدير. أما قلائد الجواهر في مناقب الشيخ عبد القادر (ص 110) فإنه يذكر جهله تاريخ وفاته ولعل السبب قتلته في بلاد قاصية إذا صح قول المستند.
ولا بد أن يكون عدي هذا هو الذي استولى على الدير - على ما ظنه القس - وأن مر بين الاستيلاء وأخذ عدي إلى مراغة نحو أربعين سنة.
وعلى ذكر مراغة أقول: إن لليزيدية في كلامهم عن أخبار عدي ذكرا لهذه المدينة على ما سمعه منهم المسيو سيوفي (مجموعة نو ص 80) وإن قالوا عن قطرها غير ما نعرفه عنه. ولعل ذلك أثر طامس لما حكاه المستند عن إيفاد (شرف الدين) عادي إليها.
رأينا أن الاستيلاء على الدير كان قبل سنة 619 بثلاث سنوات أو نحو تلك السنين ونرى هنا ذكر عادي (شرف الدين عدي) في زمن المغول وقد كان ذلك بعد أخذ الدير بنحو أربعين سنة وسنرى ما قالته رسالة الباشا (ص20 - 18) نقلا عن ابن شاكر أن شمس الدين الحسن قتل في سنة 644هـ (1246م) وله من العمر ثلاثة وخمسون عاما. فكانت إذن ولادته في سنة 591هـ (1194م) فمن المحتمل أن والده شرف الدين عدياً كان شاباً حين ولادة ابنه وأنه استولى على الدير وهو كهل وكان شيخا معمرا حين قتل. ويتضح من ذلك كله أن المستولي على الدير هو شرف الدين أبو المفاخر عدي بن أبي البركات.
وهنا تعترضنا مسألة عن زمن الاستيلاء على هذا الدير وهذه المسألة هي أن الشيخ عدي بن مسافر كان على ما رواه المؤرخون يسكن (لالش) التي قيل فيها أيضا ليلش وأنه دفن في زاويتها على ما جاء في قلائد الجواهر (ص 90) وأن(7/435)
المضيق الذي فيه (معبد الشيخ عادي) لا يزال الأكراد واليزيدية يسمونه مضيق لالش (تاريخ الموصل 301: 1) فيكون قبره في هذا الموضع إذا كان الموضع زاويته.
وفي رسالة الحسني (ص 40) ما يأتي: (أما اليزيدية أنفسهم فلا يقولون بأن هذا القبر هو قبر الشيخ عدي (بن مسافر) نفسه لأنهم يعتقدون بأنه تصور بعد موته بصورة مباركة عرج على أثرها إلى السماء. . . وأنه ظهر بعد ذلك ملك صالح قال لهم: هذا قبره فصاروا يحجون إليه) اهـ. فإذا صح ما نقل إلى الحسني يكون اليزيدية قد لفقوا حكاية العروج ليوجدوا لهم منفذا للتأويل لعدم وجود الرفات في محله إذ قد ورد عن ذلك (رسالة الباشا ص 19) نقلا عن جزء مخطوط قديم في التاريخ أن بدر الدين لؤلؤ نبش ضريح الشيخ عدي بن مسافر وحرق عظامه في سنة 652هـ (1252م).
وإن فرض أن عدي بن مسافر كان مدفونا في المعبد الذي في لالش فإنه يترتب هذا السؤال: هل تعاقب استيلاءان على الدير فكان أحدهما في زمن عدي بن مسافر ثم أعيد إلى أصحابه وكان استيلاء آخر في زمن شرف الدين عدي بن أبي البركات؟ أو أن زاوية
عدي بن مسافر كانت في غير هذا الموضع - وقد تصرف في رفاته على ما رأيناه - فجاء شرف الدين عدي أو غيره بعده فوضع لأصحابه حكاية الدفن في هذا الموضع ليزدادوا تمسكا بوضع اليد عليه؟(7/436)
عدي بن مسافر وأبو المفاخر شرف الدين عدي بن أبي
البركات
من يطالع مستند راميشوع ير ذكر عدي بن مسافر بن أحمد من الأكراد المدعوين ترهايا وير عديا الكردي فيخيل إليه لأول وهلة أنه يريد بهما رجلين إلا أن متدبر كلامه يقول إنه يقصد بهما رجلا واحدا فالمستند مصيب من ناحية ومخطئ من ناحية أخرى. وغلطه هو في تسميته لعدي - الذي أراد به - عدي بن مسافر - فضلا عن قوله إن مسافرا هو ابن أحمد. والحوادث والوقائع التي أوردها تثبت أن زمن عدي الذي تكلم عنه لم يكن زمن عدي بن مسافر إذن لم يكن من زمن مسافر ولا زمن أبيه بل تدل على أنها كانت في عهد شرف الدين عدي بن أبي البركات. وهذه بعض البراهين أقتطفها من كلامه ضاربا صفحا عن غيرها:
1 - قوله كما رأينا: (اليزيدية جدوده (جدود عادي بن مسافر بن أحمد) سكنة زوزان) ولا يذكر التاريخ اسم اليزيدية في زمن عدي بن مسافر وليس فيه أثر أن جدوده كانوا في زوزان.
2 - قوله كما سبق: (عادي ابن أميرهم) (أي أمير اليزيدية) وليس في ترجمة عدي أن أباه مسافرا كان أميرا ولم يكن في زمنه اسم (اليزيدية) معروفا بالمعنى الخاص بهذه النحلة.
3 - قوله (ص 58): (إن لعادي ابنين: شرف الدين محمد وشمس الدين اللذان تزوجا مثل أبيهما نساء مغوليات تتريات) وحسبنا قول الرسالة (ص 27) عن السخاوي وغيره أن عدي بن مسافر كان أعزب.
4 - ذكره كما رأينا: (عز الدين صاحب أيقونية) وكان من رجال القرن السابع للهجرة على ما ذكره ابن العبري فلم يكن ذلك الزمن زمن عدي بن مسافر.(7/437)
5 - ذكره في تلك الحوادث (ص 63) (باجو نوين) وهو مذكور في ابن العبري في
حوادث سنة 653هـ (1255م) وغيرها بصورة (بايجونوين) وفي الحوادث الجامعة بصورة (بانجو) في سنة 6 - 655هـ (8 - 1257م) وفي مجموعة (نو) (ص 63 ح) أنه مذكور أيضا في التاريخ السرياني لابن العبري سنة 1254م. وإذ كانت الأيام التي يعيش فيها تلك التي رأيناها كانت وفاته بعد وفاة عدي بن مسافر بمائة سنة فعدي الذي عاصر بايجونون هو غير عدي بن مسافر.
6 - ذكره في هذه الأخبار (ص 64) (للملك الصالح بن بدر الدين) (بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل) وهو الذي خلف أباه بعد سنة 656هـ (1258م) فكان ذلك بعد وفاة عدي بن مسافر بقرن إلى غير ذلك من الأدلة والبراهين التي تؤيد أن عديا الذي تكلم عنه مستندنا في واقعة استيلاء الدير هو أبو المفاخر شرف الدين عدي بن أبي البركات وأنه ليس بعدي بن مسافر.
والذي يظهر لي أن قوله (أميرهم) في جملة (عادي ابن أميرهم) كما مر يجب عزوه إلى أبي البركات الذي قال عنه قلائد الجواهر (ص 109) أنه هاجر إليه (أي إلى عمه عدي بن مسافر) من البقاع. . . إلى أن مات مسنا ودفن عند عمه الشيخ عدي بن مسافر. وقبره بها ظاهر يزار.) اهـ. ومن البديهي أن من يخلف الشيخ عدياً يكون مسموع الكلمة مطاعا فليس المستند بمغال إذا نعته بأمير. ولم أقف على ذكر قبره في بحوث اليزيدية.
ولا بد أن اسم عدي (شرف الدين) بن أبي البركات كان شائعا في زمن كتابة راميشوع لحكاية الدير وكذلك اسم عدي بن مسافر فالتبس على كاتب المستند الأمر وضاع حتى قال إن عادي - وهو عدي بن مسافر على رأيه - كان مسلما بالاسم وأنه على الصحيح كان يدين بدين (ترهايا) الذي أخذوه عن يزيد ما يرده التاريخ. ولا شك أن جهله للتاريخ جعله يحل كلمة (يزيد) محل (يزد) حاضرة دين المجوس أتباع زرادشت وما ذلك إلا لأن الكلمتين مؤلفتان من الأحرف نفسها ولأن هذه النحلة ليست بخالية من رابطة تربطها بيزد إذ أن في معتقدها ما يمت إلى دين المجوس أو فرع منه ومن جهة أخرى (بيزيد) وقد بينت(7/438)
رسالة الباشا (ص 44) منشأ اعتقادهم نحلته. وما قول المستند عن اعتقاد يزيد إلا لصقا به وهو بريء منه.
وإذا كانت صحة لكلام المستند عن زيغ هذه النحلة فإنه يجب نسبته إلى زمن شرف الدين
عدي فإن ذلك يوافق ما قالته رسالة الباشا (ص 3 - 42) (إنما بدأ الزيغ بعد موته (موت عدي بن مسافر) في رئاسة الشيخ حسن (شمس الدين) أو قبله بقليل) اهـ وإذا صعدنا إلى ما قبل شمس الدين نجد غير زمن أبيه شرف الدين عدي؟ لكن قلائد الجواهر (ص 110) - الذي ترجم عديا هذا ابن أبي البركات - لم يرو لنا زيغا في معتقده بل يثني عليه.
والظاهر أن قتل بدر الدين لؤلؤ للشيخ حسن شمس الدين في سنة 644 (الرسالة ص 19) لم يردع أصحابه عن الانقياد لتعاليمه بل زادهم غلوا في الاعتقاد له وبالشيخ عدي بن مسافر مما جرأ بدر الدين لؤلؤ على نبش ضريح الشيخ عدي بن مسافر وحرق عظامه في سنة 652هـ (1254م) على ما روته الرسالة ص 17) إذ أن دفاع العدوية عن نفوسهم في المقاتلة التي قام بها عليهم بدر الدين لؤلؤ لإطلاق لسانهم فيه على ما ذكره المخطوط لا تستلزم وحدها هذا العمل بالضريح. والظاهر أيضا أن بعد ذلك رجعت العدوية عن ضلالهم. فإن ابن خلكان (وفاته سنة 681هـ) يذكر أنهم (على جميل الاعتقاد).
ومما رواه المستند (ص 67) قال: (وقعت مذبحة في دمشق في زمن خلف يزيد ونفي منها من كان يوالي يزيد إلى جبال زوزان وبلاد فارس وقتل ألوف وكان ينظر إلى من بقي من هؤلاء كما ينظر إلى المكروهين حتى ظهر في سنة 1190 لليونانيين (879م - 266هـ) أحمد جد الشيخ عادي فرأسهم ثم كان بعده ابنه مسافر ثم ابن مسافر الشيخ عادي فهداهم عادي إلى التوحيد. لكنه فرض عليهم أن يؤمنوا بأن يزيد كان إلها وأنه هو أيضا كذلك إلها ثم أضاف شرف الدين وشمس الدين ابنا عادي اعتقادات شتى إلى معتقداتهم كما يرويه تاريخهم) انتهى كلامه معربا عن الفرنسية بتلخيص. فإرجاعه عاديا وأباه مسافرا وجده إلى زمن يقرب من الخليفة يزيد الأموي غلط بين وتسميته(7/439)
جد عدي (أحمد) هو ضرب من التلفيق إذ ليس بين جدود عدي من اسمه أحمد ونسبه مذكور في ابن خلكان، ولا أدري إلى أي من الوقائع يرمي في كلامه هذا. وأخال أن المستند أراد أن ينقل خبر هجرة أبي البركات والد شرف الدين عدي من البقاع إلى (جبل الهكار) - كما رأينا في قلائد الجواهر - فشطح إلى زمن خلف يزيد.
أما لصق المستند بعادي الكردية وترهايا (التيراهية) فله وجه هو أن أبا البركات كان قد هاجر إلى هذه الأصقاع الكردية فلا بد أن ابنه شرف الدين عديا نشأ بين ظهراني الأكراد
فكان يتكلم لسانهم فعده المستند من (ترهايا). وقد رجع المستند بعض الرجوع فقال: (ومن الناس من يقول إن أسرته (أسرة عادي) أموية النسب) اهـ.
رأينا قبيل هذا أن الشيخ عادي هدى اليزيدية إلى التوحيد وأنه فرض عليهم اعتقاده ويزيد ما فرضه، ولعل هذا التعليم كان لشرف الدين عدي إذ لعله كان يقول بالحلول إلا أننا ننفي كل ذلك عن عدي بن مسافر كما يرينا ابن خلكان وغيره.
وبالنتيجة أن الذي يلوح لي هو أن جدود اليزيدية كانوا على دين مخالف للتوحيد ثم اسلموا في زمن عدي بن مسافر وفيهم القوم المسمى ترهايا (أي التيراهية) وأنهم من الأكراد كانوا مسلمين في زمن شرف الدين أبي المفاخر عدي ويداخل اعتقادهم الحلول ثم كانوا على جميل الاعتقاد في زمن ابن خلكان بشهادته - ولا يسعني إلا الأخذ بها - وأخيرا ارتدت (ترهايا) إلى دينهم القديم دين المانوية ذي المبدأين أو إلى بدعة منه ومزجت بذلك أقوالا شوهتها فأبعدتها عن اليهودية والنصرانية والإسلام مع تعظيم لعدي بن مسافر وغيره تعظيما لا يليق بمخلوق ويضاف إلى ذلك ما استنبطته قرائحهم من الأوهام والخيالات فتطورت ديانتهم طورا بعد طور.
وخلاصة القول إن الشيخ الأقدم لهذه النحلة قبل زيغ أربابها كان عدي بن مسافر فلم يكن عاديا أو هاديا أو أدي (بفتحتين مع تشديد الدال) وما شاكل ذلك من الأسماء التي لاحت لكثيرين من الذين كتبوا عن اليزيدية فراحوا إلى(7/440)
حيث لا يعلمون وذهبوا إلى أن جدود اليزيدية الحاليين لم يكونوا مسلمين وقتا من الأوقات. ويشبه بطريقة معكوسة هذا القول المردود الذي غدا الكتاب يرجعون عنه قول من كان يرجع الصابئية (ديانة الصبا أي المندائية) إلى النصرانية ويقول عن أصحابها أنهم فرقة من النصارى تاهت في غياهب الضلال فيجوز لنفسه تسميتهم (نصارى القديس يوحنا (المعمدان)). ولا ينكر اليوم أحد أن تلك التسمية كانت غلطا فضيحا.
قلت إن اليزيدية كانوا قديما على معتقد مخالف للتوحيد فهل كانوا على دين القوم المسمى ترهايا (التيراهية) أو على بدعة من هذا الدين؟
قال تاريخ الموصل (299: 1 ح) نقلا عن كتاب التاريخ السرياني (يريد به تاريخ ابن العبري بالسريانية ص420: إن التيراهية هي الوثنية القديمة أي ديانة زرادشت) أما الذي
نراه في مجموعة (نو) (ص 58 ح) ترجمة عن ابن العبري والذي سمعته ممن عرب لي كلام ابن العبري بالسريانية أن ترهايا (التيراهية) كانوا على وثنيتهم القديمة وأنها المجوسية (وفي ترجمة (نو) ديانة زرادشت. والكل واحد). ولخص تاريخ الموصل أيضا كلام ابن الأثير (82: 12 في حوادث سنة 602هـ - 1205م) عن التيراهية من ذلك نقله ما يلي: (وكانوا (وكان التيراهية) كفارا لا دين لهم يرجعون إليه ولا مذهب يعتمدون عليه) والظاهر من كلم ابن العبري وابن الأثير والمستند أن ترهايا (التيراهية) لم يكن اسم ديانة بل اسم قوم فيصح أن يرتأى أنهم كانوا على دين المانوية القائل بمبدأ الخير ومبدأ الشر - وكان مركز أهل هذا الدين مدينة يزد - أو على بدعة من هذا الدين وأن جدود اليزيدية كانوا قديما على هذا الاعتقاد ثم كان من أمرهم ما رويته. ولا يزال اليزيدية يعتقدون مبدأين هما مبدأ الخير ومبدأ الشر. ويخافون مبدأ الشر خوفاً لا فوقه خوف ولا مزيد عليه.
النتيجة
1 - كان مقام (الشيخ عادي) الدير المصطلح عليه بدير مار يوحنان ومار يشوعسبران وكان الاستيلاء عليه 619هـ (1222م) أو نحوها والمستولي عليه(7/441)
هو أبو المفاخر شرف الدين عدي بن أبي البركات ولعل كان استيلاء آخر سبق هذا الاستيلاء في زمن عدي بن مسافر.
2 - كان مبدأ زيغ اليزيدية عن الإسلام في زمن الشيخ حسن (شمس الدين) أو قبله بقليل كما قالت رسالة الباشا والظاهر أن ذلك كان في زمن شرف الدين عدي بن أبي البركات والد الشيخ حسن شمس الدين وهذا شرف الدين عدي غير عدي بن مسافر.
3 - كان جدود اليزيدية على دين مخالف للتوحيد. وهو الدين الذي كان يعتقده القوم المسمى (ترهايا) (التيراهية) ثم أسلموا على يد عدي بن مسافر ثم زاغوا وبعده كانوا على جميل الاعتقاد في زمن ابن خلكان ثم ارتدوا إلى دين المانوية ذي المبدأين أو إلى بدعة منه ومزجوا بذلك أقوالا شوهوها عن اليهودية والنصرانية والإسلام مع أوهام وضعوها فكان له دينا جديدا.
أجمال الدين الشافعي العدوي هو أخو عز الدين اليزيدي؟
والآن أحب أن أقتدي بسادة الباشا الذي ترجم بعض العدوية المسلمين فأشير إلى أخ مسلم لأحد اليزيدية.
بين مخطوطاتي كتاب الدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد لرضي الدين بن (؟) الغزي العامري جاء في مقدمته أنه جمع هذه الرسالة من مقدمة شرح. . . (هنا شيء لا يقرأ) للشيخ الإمام محيي الدين النووي ومن غيرها. وفي آخر النسخة قال كاتبها أنه علي بن أحمد بن علي البغدادي وأنه فرغ من نقلها من خط مؤلفها في رجب سنة 932 (1525م) ويتلو ذلك في ظهر الصحيفة كلام للمؤلف فحواه إن كانت النسخة (الشيخ الفاضل العالم علاء الدين ابن الشيخ الإمام العلامة المحقق الأوحد القاضي شهاب الدين أحمد بن علي البغدادي) قرأ نسخته عليه في مجالس آخرها في السابع والعشرين من شهر رمضان من سنة 935 (1528م). ومن الاتفاق الغريب - وهو بيت القصيد - إن في الورقة الأولى من النسخة كتابة نصها: (ملك الفقير الحقير جمال الدين بن يوسف البابلي الشافعي القادري العدوي عفا الله عنهما) اهـ فالعصر واسم الأب(7/442)
والنسبة العدوية تدل في الظاهر أن مالك النسخة كان أخا لعز الدين المتوفى في سنة 948هـ الذي سبق الكلام عنه في ص 309 مع ترجمته وفي ذلك إنه كان يزيديا وأن جمال الدين هذا لم تكن قد زلت قدمه بل بقي مسلما أو إنه كان قد رجع عن اعتقاد اليزيدية.
اليزيدية في كتب تركية وفارسية
وفي ما اطلعت عليه من البحوث حول اليزيدية لم أصادف نقل شيء عنهم عن كتاب تركي وفارسي وقد نقلت في ما مر بعض ما جاء عنهم في كتاب (شرفنامه) والآن أنقل إلى لغتنا ما ورد في ذلك الكتاب وغيره من معتقدهم. فقد جاء في شرفنامه (14: 1) أنهم يؤمنون أن عديا بن مسافر هو أحد تابعي الخلفاء المروانية. . . ومعتقدهم الفاسد هو أن الشيخ عديا قد كفل لهم بالصوم والصلاة وأنه هو المخاطب (المسؤول) عن ذلك. ولهم بغض وعداوة لعلماء الظاهر) اهـ.
وممن ذكر اليزيدية كتاب تركي في الجغرافية اسمه جهاننما لكاتب جلبي (ص 438 و543 و601) جاء فيه (ص 449) عن معتقدهم: (إنهم يحسبون أنفسهم من مريدي الشيخ هادي
(كذا) وهو من الخلفاء المروانية. وقد زاغ اليزيدية عن مسلك الصوفية وهووا في طريق الضلال فهم زنادقة ملحدون وأكثرهم جهلة. ومن يكون شيخا عندهم يعتم بعمامة سوداء ولذلك يسمى (قره باش) (الأسود الرأس) وهم لا يدعون نساء نحلتهم يفلتن من أيديهم ويشترون مواضع من الجنة ويجتنبون لعنة الشيطان ويزيد ولعنة كل شيء ويقولون إن الشيطان ملك مقرب وأن الشيخ هادي (كذا) قد كفل بصومنا(7/443)
وصلاتنا ودخولنا الجنة يوم القيامة بدون حساب. ولهم عداوة شديدة لعلماء الظاهر.) وصيغة هذا الكلام تدلنا على أنه منقول من (شرفنامه) مع بعض إضافات. وفي (جهاننما أيضا (ص 418) ما تعريبه:
(سكمان آباد. ناحية قريبة من خوي. والمتمكن فيها عشيرة دنبلي التي يقول شرف خان عن نسبها أنه يتصل برجل اسمه عيسى من أمراء الشام وأن عيسى هذا كان قد جاء من ديار الشام فالتحق بخدمة ملوك إيران فأعطوه بطريق ال (أو جاقلق) ناحية سكمان آباد من أعمال خوي فجمع يوما بعد يوم العشائر والقبائل فاشتهرت باسم دنبلي وكانت هذه العشيرة في مبدأ أمرها يزيدية ثم صار من أبناء السنة بعض أمراء العشائر وكبرائها ونبذوا الكفر والبدعة فاهتدى أغلب القوم إلا أن كثيرا منهم بقي على ضلاله) اهـ والظاهر أن هذه القطعة منقولة من شرفنامه أيضا (310: 1) وفيه أن عيسى كان من أعراب الشام.
ومن الذين ذكروا اليزيدية في القرن الحادي عشر من كتبة الأتراك أوليا جلبي في رحلته (226: 3 و230: 4) وذكر معتقدهم (705 - 8) واعتبر الشيخ هادي (كذا) من الصحابة مما يغلطه التاريخ بصورة باتة.
التنكيل باليزيدية
ومما قاله عن اليزيدية أوليا جلبي (142: 6) - في ترجمة ملك أحمد باشا والي بغداد وكان إذ ذاك واليا في ديار بكران في عهد السلطان إبراهيم (سلطنته من سنة 1049 إلى سنة 1058هـ - 48 - 1639م) جمع جيشا مؤلفا من ثمانين ألفا فضرب بهم اليزيدية العصاة في جبل سنجار فقتل منهم ثلاثة عشر ألفا ورجع سالما إلى ديار بكر وقد أسر اثني عشر ألفا.
وجاء في كتاب الآثار الجلية في الحوادث الارضية لياسين العمري ابن خير(7/444)
الله العمري (مخطوطي ص 75) ما يلي حرفه بدون تغيير:
(سنة 1057 وسنة 1058 (8 - 1647م) سافر إلى اسلامبول رجل من اليزيدية من بعض قرى الموصل واسمه ميرزا بك ودخل إلى السراي وتوصل إلى رجال الدولة وطلب له منصب الموصل أو غيره فلم يتيسر له ذلك وخرج إلى (من) اسلامبول مغاضبا وحرضه الشيطان على العصيان فجمع الأشرار وجعل يقطع الطريق وينهب القوافل. فجمع العساكر والي وأن شمسي باشا وخرج من (وان) إلى قتال اليزيدي (اليزيدية) وكانوا آمنين وقد أطلقوا خيولهم ترعى فكبسهم شمسي باشا بمن معه وقتل أكثرهم وقبض (على) ميرزا بك بعدما أظهر شجاعته. وكان راكبا فرس بغير سرج ولجام وأثخنوه بالجراح وقيدوه وحملوه إلى اسلامبول لعند السلطان فأمر بقتله. وقيل كان قتله في أيام السلطان محمد بن إبراهيم في أول سلطنته) اهـ. وفي كتاب غرائب الأثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر تجد أيضا أخبارا بالتنكيل بهم وكذلك في غيره من المصنفات التي يطول بنا ذكرها ولربما عدت إلى جمعها.
حاشية على حاشية دار السلام
وسياق التتبع يدفعني إلى ذكر الحاشية التي علقتها دار السلام على أنباء المستند الذي دار بعض بحثي عليه. ومضمون ما قالته هو الاعتماد على ما جاء فيه لعلمها أن كتابته كانت سنة 856هـ (1452م) ولتصورها (أن الشيخ عديا قتل سنة 855 فتكون كتابتها (كتابة هذه الأنباء) بعد سنة من وفاته). وقد رأينا في ما سبق ما حواه المستند فليس له تلك المنزلة التي راقت دار السلام لكنه أوضح لنا شيئا هاما عن زمن الاستيلاء على الدير. ولم تكن كتابة المستند سنة وفاة الشيخ عدي (كما قالت الوضيعة وهي تريد بالشيخ عدي عدي بن مسافر (فإن وفاة هذا الشيخ كانت في إحدى سني العقد السادس(7/445)
من القرن السادس للهجرة. فتكون كتابة المستند بعد وفاة عدي بن مسافر بثلاثة قرون وبعد قتلة شرف الدين عدي بن أبي البركات بقرنين.
لا عمرة لرسم (اليزيدية) بصورة (اليازيدية)
كنت أود أن الحسني لا يأبه كثيرا لرسم اسم هذه النحلة في مصوري الشمسي (وقد ذكره ص 15) المخطوط بصورة (يازيدية) ذلك الرسم الذي دفعه - على ما أظن - إلى أن يبني
ما بناه (ص 8) بقوله إن اسمهم منحوت من يزدان مع تحريف، مع أنه اطلع على رسالة الباشا الذي فند فيها سعادته قول من يرى أن اليزيدية هي نسبة إلى غير يزيد وحصر النسبة إلى الخليفة يزيد.
وما أكثر غلطات هذا المخطوط في الكتابة فضلا عن غيره فأنه كتب في سطور (ص 1) الانبية بمعنى (الأنبياء) والأولية (للأولياء) وتخاصمه (عند كلامه عن آدم وحواء) في تخاصما) فمن كان على هذا الجهل له أن يكتب يازيدية عوضا عن يزيدية.
وقد نقل الحسني قطعة في رسالته (ص 32) قال إنها من مقدمة لكتاب الجلوة وقد وردت في رسالة الباشا (ص 12) الذي قال إنها جاءت قبل كتاب الجلوة كمقدمة في النسخة الأميركية وإذ وردت في مصوري أيضا فيستدل من ذلك أن الذي في المصور ليس بشيء غير معروف بل هو الصحائف التي عرفها سعادة الباشا أنها كمقدمة لكتاب الجلوة حتى أن التأليف ليس بقديم كما نعته الحسني فقد جاء في موطن منه (ص 26) بعد أن عد الفرائض الدينية التي يجب على اليزيدي أن يؤديها قوله: (جل هذه الأسباب وغيرها لا يمكن (يازيدي) يكون عسكري (جنديا) فلما قدموا (أي اليزيدية) عريضحال (عرضحال) بهذه الصورة وأعطوا مبلغ دراهم للحكومة رضى طاهر بك وإن كان أركان حرب يصير يعطون بدل أي كل واحد يقع عليهم. وبقوا على هذه الحال ليومنا هذا في سنة 1305) اهـ (1889م). وفي الصفحة الأخيرة من الصورة الشمسية شيء ممحو وتحته أسطر لا تقرأ كلماتها جميعها. والذي استخرجته من ذلك(7/446)
أن المخطوط مكتوب في سنة تصنيفه. وهناك كلمات تمكنت من قراءتها هي: (بطرس وملة السريان. ودير الزعفران. وماردين) اهـ. ومن المعلوم أن دير الزعفران هو مر بطريرك السريان اليعاقبة بقرب ماردين ومن المصور نسخة في خزان الكرمليين في بغداد وأخرى عند الشيخ كاظم الدجيلي والأصل عند إسمعيل بك اليزيدي.
الشيخ مند
كنت ذكرت في ما سبق كلاما عن مند ولم أكن قد عثرت أن اليزيدية لا يزالون يعرفون (مند) ويعظمونه حتى وقع بيدي أخيرا كتاب بالإنكليزية اسمه (عبادة الملك طاووس تصنيف إمبسن الذي طبعه في سنة 1928 وفيه ذكر مند وذكر عين ماء تنسب إليه وهي
في بحزاني ولعل مند هذا هو الذي تكلمت عنه.
إن ما أوردته ليس ببحث قائم بنفسه لكنه فكرة للبحث عن معتقد هذه النحلة وتاريخها وديارها والأمل أن تنقيب المتتبعين يزيدنا علما بما بحثنا فيه. ويستحب التنقيب عن أخبار هذه النحلة في الكتب التركية والفارسية ولا سيما الأرمنية لما كان للأرمن ولها من وحدة الديار في بعض تلك الأصقاع ومن جوار بعضها للبعض الآخر وبالختام أردد لنفسي أني عرفت شيئا وغابت عن أشياء والتنقيب والتحقيق كفيلان بالكشف.
يعقوب نعوم سركيس
(لغة العرب) هذا بحث دقيق طافح بالتمحيص لا يعرف قدره إلا من وهب له الله حظا وافرا من روح التحقيق والأحفاء في الموضوع لا يتمكن منه كل امرئ بل هو قسمة بعض الرجال الأفذاذ. ونقول بعد هذا: لا يمكن الباحث عن اليزيدية أن يقرع باب الموضوع ما لم يطالع ما كتبه الأستاذ الكبير سعادة أحمد تيمور باشا وما جادت به قريحة البحاثة البعيد السمعة صديقنا صاحب هذا المقال. فنشكره على ما جاد به على هذه المجلة إلى هذا اليوم وما يجود به عليها طالبين منه أن يوالي هذه البحوث لأن القراء جميعهم يطالعون بلذة لا توصف ما توشيه يراعته البديعة.(7/447)
زواجنا من شقائنا
(لغة العرب): هذه القصيدة تصور للقارئ حالة الزواج في العراق: يعهد إلى (سمسارة) أن تختار البنت التي تراها مناسبة للشباب فتذهب من دار إلى دار ومن موطن إلى موطن لتبحث عن ضالتها على ما تراها في نظرها. فإذا وقع بصرها عليها واستحسنتها أخذت في مدح الشاب وأعارته محاسن قد لا تكون فيه. واظهر أهل البنت للسمسارة حالة غير حالتهم المألوفة من جهة الثروة وصوروا لها أخلاقا في البنت قد لا يكون فيها ظلها. ثم تذهب السمسارة إلى بيت الشاب وتطري البنت حتى تجعلها من حور الجنان، وكل من الخطيبين لم ير صاحبه. وعلى هذا الوجه يجري الزواج فيتفق أن تتلاءم أذواق العروسين فيبقيا عائشين في الحب والائتلاف وهو قليل. أما في غالب الأحيان فإن التنابذ يبدو حين
تلاقي العينُ العين ثم يستحكم القلى في القلبين كلما عرف الواحد صاحبه ولا تكون الراحة إلا بالافتراق وهذا ما يصوره لنا الأستاذ بقلمه العسال. على أننا نقول: إن هذه العادة عادة الوساطة لا ترى عند النصارى. وكانت جارية قبل نحو خمسين سنة عندهم وهي موجودة إلى اليوم عند بعض اليهود:
1 - الخطبة
ذهبت تجوب مساكن الأحياء ... وتسير بالأوصاف والأنباء
ذهبت ترود لغيرها بتثاقل ... والزاد أحمال من الإيلاء
ومطيها كذب شموس مهلك ... تطوي به دوا من الإطراء
ذهبت تبحث زوجة مأمونة ... وجميلة وكريمة الآباء(7/448)
دخلت بيوت الناس تظهر حاجة ... تفهى الحوائج شأن كل مرائي
حتى استقرت في بيت مؤنس ... ظهرت عليه أمائر الأنداء
شعروا بمأربها فزادوا قدرها ... وبدوا لها في قمة العلياء
كذب إلى كذب ودعوى رثة ... وتفاخر بتقادم الأصداء
فكأنهم في حلبة كذبية ... يتسابقون بكاذب الإثراء
هذي الخطوب تقدمت فخيرة ... مداحة لقريبها المتنائي
عدته في أخلاقه وطباعه ... ملكا يعوم لطهره بسماء
مالت إلى أعماله مياسة ... فارتهموه برتبة الأمراء
ملك المشارق والمغارب ملكه ... والخادمون له من العظماء
ثم انثنت بلسانها ثرثارة ... كي يعلموا بمبذر معطاء
جنحت إلى وصف الشجاعة عنده ... جعلته ليثا هاج في الظلماء
فإذا جمعت خصاله وصلاحه ... تلفيه يقرب ساحة النباء
لو كان في ذا اللغو مكس أحجمت ... حتى يقال: شبيهة الخرساء
ثم انبرت تحفي عن البنت التي ... قد نال أهلوها جديد رجاء
فتوثبوا والمين خير مؤيد ... لكلامهم ذي الخبث والأدواء
متذائبين على المديح بهمة ... كرارة وبنية خشناء
مستعظمين جمال بنتهم التي ... لم تقتبس قبساً من الإعلاء
يطوون نهج الوصف دون تعثر ... طي البراق بليلة الإسراء
نعم الصناع بدت وخير فتية ... أم الجمال ومصدر اللألاء
بين الصواب وضده كف ولم ... تزل العيون عدوة الكذباء
2 - الملاك
فتعاهدوا وجرى الملاك بسرعة ... وتآدبوا كتآدب النبلاء
ومشوا بأمتعة الجهاز بأطرق ... مشهورة لإذاعة الأشياء
ولطالما صدحت لذاك (مزيقة) ... لبيان أبهة وعرض ثراء
أما الخطيب فلا يزال مسائلا ... عن ذات خطبته بكل دهاء(7/449)
يتسمع الأخبار كل هنيهة ... يتشمم الأوصاف من قرباء
فكأنه صياد اسماك رأى ... حبل الشباك مجررا في الماء
فبدا له أمل النجاح فجره ... مستبشرا أو ظاهر اللاؤاء
قد أنبئوه بحزمها وجمالها ... لكنما الأذواق غير سواء
بئس الزواج زواجنا ولنعم ما ... سارت عليه عوائد الغرباء
ما ضر أن يتعارف الخلان في ... زمن اللقاء ومجمع الآراء؟
الشرع حلله لنفع مآله ... ولكي يعاش بألفة وصفاء
3 - الزفاف
زفوا العروس إلى الحليل وإنها ... دخلت فجوج حياتها العمياء
وكذاك زفوه إليها حائرا ... لا آملا لمعيشة السعداء
يلقي حليلته بوجه كالح ... ويغير حب سابق بلقاء
زوجان قسرا لا صداقة إدراكا ... بتا ولا ذهبا بروح الداء
والزوج شق النفس عند أولي الحجا ... في حالة السراء والضراء
كيف التلاؤم والتباين ظاهر ... بين الحليلين بكل جلاء؟
أم كيف يتفق التوافق بين من ... لم يحظ بالتعريف والإغراء
والحب لم يثبت بلقية فجأة ... بل لا يكون بخرقة وغراء
وهو الذي يغزو القلوب بقوة ... لم تكتشفها حيلة العلماء
فيعيش فيها إن رآها رحبة ... أو يعتليها خشية الإيذاء
جاءت مصافحة اليدين بخفة ... فتناولت كفيهما بعناء
فتصافحا بالليل أي تصافح ... مستبطن بتقية ورياء
هذا الزواج من الخلاف ملاكه ... ومن التباعد فاعتبر يا رائي
يا ليلة تبني الحياة بما بها ... فيك الهناء وفيك كل شقاء
نظر الخطيب إلى عروس لم يزل ... يرنو إليها من ورا الأنباء
إن أعجبته فظل محتاجا إلى ... نسج التوافق من خيوط صفاء
وإذا بدت صدافة عن ذوقه ... كان الزواج مسببا لفناء
ولطالما كتموا العروس واظهروا ... من أهلها حوراء ذات رواء(7/450)
حتى يصيد الزوج صيدة ناجش ... إن التناجش ديدن السفلاء
تلكم مصيبتنا وذاكم داؤنا ... والشعب محتاج إلى صلحاء
أيان نحسم داءنا بدوائنا ... فنضر بالفتيات والأبناء
ويح ابن آدم أن عرته مصيبة ... طول الحياة تثور بالإيراء
ويح ابن آدم إن تكن منجاته ... مهواته ومصادر البرحاء
فرم الزواج إذا أردت سعادة ... وصن الزواج بصائن العقلاء
بغداد: مصطفى جواد
كحل الإخفاء
من المسائل الخرافية الشائعة بين عامة الناس المأخوذة من (السحر والشعبذة) مسألة (كحل الإخفاء) والكلمة مركبة من (الكحل) بضم الكاف وإسكان الحاء والآخر معرب وهو اسم للدواء الذي يضعه الناس في عيونهم للزينة والتحسين، أو لتخفيف شدة الألم والوجع العارض في (العيون) ومن (الإخفاء) مصدر أخفى الشيء إذا غيبه ويزعم العامة أن الإنسان إذا اكتحل به اختفى عن العيون والأبصار ولا يمكن أحدا أن يراه فهو (يرى ولا يرى)؟ وكأنه خالق السماوات يأكل مع الناس ولا يرون إلا أثر المأكول فارغا ويحدثهم في (الخلوة) ولا يحدثونه خوفا منه وإجلالا لهيبته ويسمعهم كلامه ونغماته ويتعجبون إذا سمعوا صوته ولا يرون شخصه المتحجب عنهم ويخافون منه خوفا شديدا ويخوفون أبناءهم الصغار به كما أنه إذا جن عليهم الليل يقسمون به على السارق الذي يطرق بيوتهم أن لا يمسهم بأذى وإذا طرقها وأحسوا به يهددونه (بصاحب الكحل) فإذا سمع السارق بصاحب الكحل ولى الأدبار من دون أن يتناول شيئا من البيت.
ولم نعلم حقيقة الشيء الذي يكتحل به ويقال إن هذه المسألة كان يتقنها فريق من العلماء المتقدمين ويعلمونها تلاميذهم منهم العلامة الشهير الشيخ بهاء الدين العاملي محمد بن الحسين بن عبد الصمد المتوفى سنة 1037هـ وأظن أن هذه الوسيلة تلاشت معرفتها في هذا القرن لانا لم نسمع أحدا من علماء هذا العهد في العراق تعلم هذه (الشعبذة) من أستاذ أو علمها غيره.
النجف: عبد المولى الطريحي(7/451)
إلياس صالح اللاذقي
1839 - 1885م
تبكي عليك اللاذقية كلما ... أخنى عليها الدهر في حدثانه
يبكيك تاريخ لها الفته ... بمدامع كالودق في هميانه
ترثيك ما افتقرت أهاليها إلى ... ركن أساس الشرع من أركانه
أسعد خليل داغر
نسب الرجل
هو الياس بن موسى بن سمعان بن صالح. ولد جده الأعلى في غزة، وشب فيها، واتخذ خدمة الحكومة مهنة ونهج على منواله ولده سمعان ونال مركزا ساميا، وحاز صيتا بعيدا واسما حميدا. فطلبه والي فلسطين وهو إذ ذاك محمد باشا أبو مرق فلباه وشخص إلى يافا مقر الولاة أيامئذ. وهناك زاد شأنه وعلت مرتبته. فصار رئيسا لكاتب الحكومة، واتفق أن توجهت زوجة حنا كبة، (ملتزم أموال) لواء اللاذقية، إلى يافا، أثر تحريض الطاغية الجزار، عدرة آغا صاحب قلعة المرقب على زوجها، فالانتهاء بالعصيان عليه وقتله. فأكرمها محمد باشا أبو مرق وأحسن وفادتها واحلها أجل منزل وفاء لصنيع أتاه زوجها حين فر إلى اللاذقية من وجه الجزار أيضا - ثم سعى فزوج ابنتها سمعان صالح جد المترجم، فرزق منها ذكرين وثلث بنات وبينما هم في نعيم ناعمي البال، إذ دار الزمان دورته، فبغى على سمعان وقتل بأمر حسن باشا والي دمشق الشام، واستولت الحكومة على مقتنياته وأملاكه في يافا والقدس. ولم يبق لدى أسرته سوى ما أخفي عن أعين الطغاة. ورجعت أرملته مع والدتها وأولادها وأخيها جرجس كبة إلى اللاذقية، حيث تزوج موسى ولدها، ورزق خمسة أولاد ذكور بكرهم صاحب الترجمة.
نشأته
ولد في 26 كانون الثاني عام 1839، فلما ترعرع أظهر ميلا عظيما إلى العلم.(7/452)
فأخذ يدرس مبادئ العربية والافرنسية والإيطالية، وما كاد يشب، حتى أتقن هذه اللغات، وبرع في العربية أيما براعة، ونبغ فيها على صغر سنه: واتخذها وسيلة للدخول بها في ميدان
العمل والكسب شدا لأزر والدته وإسعافا لأخوته.
وفي عام 1859، أنشأ المرسلون الأميركيون مدرسة في اللاذقية فقرأ فيها زمنا يسيرا، على أحد معلميها ليتقن أصول العربية وقواعدها على طريقة علمية وذلك كلما سمحت الفرص. ثم انقطع يشتغل بنفسه فعكف على دراسة كتب أئمة اللغة والتفقه بها (لا يرشده في ترهات الإبهام سوى مشكاة عزيمته المتلألئة بنور الهدى ولا يؤنسه في وحشة السآمة والملل إلا جليس الجد والاجتهاد) حتى لم تفته شاردة ولا واردة وعرف مداخل اللغة وخارجها ووقف على دقائقها وأسرارها وبلغ فيها شأوا بعيدا.
المهن والوظائف التي احترفها
في سنة 1866م تعين ترجمانا لقنصلية أميركة في اللاذقية وامتهن التجارة مع الخواجات الياس وجبران صوايا. لكنه لم يلق فيها نجاحا وإنما حاز نجاحا في اشتراكه في التزام أعشار قضائي جبلة واللاذقية. وفي عام 1872 تولى إدارة قنصلية اميركة لداعي رجوع القيس قنصل الدكتور متيني إلى وطنه. ولكنه ما لبث أن استعفى منها عام 1875. وانخرط في سلك رجال الحكومة عضوا في المحكمة الابتدائية وظل فيها إلى آخر أيامه.
معرباته وتآليفه
في عام 1869 طلبت إليه الرسالة الأمريكية نظم المزامير مع إبقاء المعنى الأصلي وتلحينه فأتمه سنة 1874 ثم اضطر إلى السفر إلى مصر على طلب الرسالة ليشرف على طبعه حيث بقي عاما كاملا. وشرع في تأليف تاريخ نفيس مطول لموطنه اللاذقية عام 1873 فبقي مخطوطا إلى الآن في ثلاثة مجلدات وقد حوى تاريخ هذه البلدة منذ إنشائها إلى أيامه ودعاه (آثار الحقب في لاذقية العرب) ولما كان من أرباب القانون ومن المتضلعين منه قد عرب عن التركية والفرنسية كتبا قانونية وتاريخية كالدستور الهمايوني وقوانين الدولة وغيرها ولكها لا تزال خطية ولم يطبع من مؤلفات سوى خطبة له في حقيقة التهذيب نشرت في المطبعة العمومية(7/453)
ببيروت سنة 1866 وديوان شعر عني بطبعه ولده. رفيق أفندي عام 1910 في اللاذقية.
شعره
شعر الياس صالح كأكثر شعر القرن الماضي لا يخرج عن حدود القديم المعلوم من مديح ورثاء وغيره مما هو ليس شعرا موضوعيا كما يجب أن يكون الشعر العصري ولا يخفى علينا أن من واجبات الناقد أن يراعي في نظره الشاعر وزمانه ومحيطه وعليه كان الياس صالح في محيط لا يخرج كله عن الطور القديم وكثيرا ما نراه لا يطرق الشعر إلا لدى طلب منه في مديح وتهاني. ورثاء وتأريخ لمولود وسواه وقد وصفه محمد بك بهجت - (المدير الثاني للمدرسة السلطانية في بيروت المنتدب مع رفيق بك التميمي مدير مدرسة التجارة فيها في أثناء الحرب وقد انتدبهما عزمي بك والي بيروت حين ذاك لوضع تقويم طويل عن ولاية بيروت وملحقاتها) - وصفا يستدل من ورائه أنه لو لم يكن في ذلك المحيط بل في محيط آخر لكان له شأن يذكر قال: (وقصارى القول إن الياس صالح شعر في حياته بكثير من الهياج وحلول جهده أن يبثنا إياه ويطلعنا عليه ولهذا يجب على اللاذقيين عامة والمسجيين منهم خاصة أن لا ينسوا اسمه لأنه استطاع تحريك الاحساسات التي تخفق لها قلوبهم وتقريرها. وقدر على نقل حالتهم الروحية وتثبيتها.)
هذا مجمل ما وصفه به محمد بك بهجت وزميله وها أننا نأتي بأمثلة من شعره فيما يلي لمختلف الأغراض ومتباين الغايات وللقراء الكرام الحكم.
كان الشاعر متصلا بأكثر أدباء وشعراء عصره بالمراسلات الشعرية ومن أصدقائه فرنسيس مراش الحلبي شاعر حلب والسيد أحمد وهبي ونقولا بك نوفل وسواهم وأكثر مراسلاته كانت مع المراش ودونك قطعة من رسالة أو استهلها بالنسيب كعادة الكثير من شعراء العربية قال:
حتام تصبو يا فؤاد وتكلف! ... وتكلف العين البكاء فتذرف؟
وتميل نحو الغانيات فتنثني ... عنها وأنت من المعاطب متلف؟(7/454)
فدتك من تلك القدود ذوابل! ... وتناهبتك من العيون الأسيف؟
وتجاذبتك الغيد حتى قد غدت ... بك كل خود في الهوى تتصرف؟
واختط على هذا المنوال قدرا تطرق بعد ذلك إلى ذكر شمائل مراسله:
رب الفصاحة! من بسحر بيانه ... بهر النهى البدر الذي لا يخسف!
فرد، إذا لمس اليراع بنانه ... نلقاه، وهو لنا حسام مرهف
بحر خضم، قد غدت أمواجه ... كرما، لنا الدرر اليتامى تقذف
وذهب بعدئذ إلى الثناء والمديح:
لك طيب ذكر يا ابن مراش غدت ... أرجاؤنا من عرفه تتعرف
نثرت علينا من صفاتك حلية ... آذاننا أضحت بها تتشنف!
ثم اتفق أن نشر المراش ديوانه المعروف (بوق المحبة) فنقده أحمد العمري الموصلي، واعترض عليه، فرد عليه صالح، بقصيدة عصماء لم ينهج فيها منحى الابتذال والسقط في الكلام، بل انتقد العمري وأبان فيها أغراضه وضعف انتقاده، وافتتحها بحكم مليحة ذات روعة، قال:
زنة الكلام، لدى وجوب مقال ... قبل التكلم من صفات كمال
وأخو النهى، من لا يجرد أبيضا ... قبل التفكر في انتهاء قتال
فلربما قصد الوبال لغيره ... رجل، فألقى نفسه بوبال!
ما الحزم إلا بالتأمل، إنما ... عدم التأمل، خيبة الآمال!
والعلم ليس بصادق إن لم يكن ... متقارن الأقوال، والأفعال
فلعل قول المرء قول أخي حجا ... والفعل فعل أعاظم الجهال!
للناس أطباع! بكل يقتفي ... ضربا من الأهواء والأميال
وانتقل إلى ذكر مراش وبوقه:
فرد غدا بذكائه عسرا على ... الأيام أن تأتي له بمثال؟
متوقد الأفكار يمحو نورها ... في كل خطبة ظلمة الأشكال
صاغ القريض فرائد منظومة ... جيد الزمان، بها تبدى حالي
أو ما سمعت له دويا من صدى؟ ... (بوق المحبة) للبرية مال!(7/455)
بوق له صوت ينادي في الملا ... بالحب، يفصح عن بديع مقال
في شطرها الباقي، انتحى الرد على العمري:
قل للمعاند من أتى متعرضا ... جهلا له، ابشر بشر نكال
عرضت نفسك للمهالك، عندما ... وافيت تقحم غابة الرئبال
جردت هندي الخصام محاولا ... حربا ولست ترى من الأبطال
وبرزت تدعو للنزال ولم تكن ... لتطيق يوما، حملة بنزال!
فبم اغتررت بلا ارتئاه تاركا ... سبل الفطانة، حابط الأعمال؟
إني أراك فقدت حزمك حيثما ... غرتك غيبته، عن الأطلال
أفما دريت؟ بأن رشق سهامه ... يصمي ببعد مثل قرب محال!
وبأنه إن غاب عنك فكم له ... من صاحب حامي الذمار موالي!
لا غرو إن لم ينجلي لك صافيا ... نظم له أشهى من السلسال!
فلقد بدوت لنا مقرا شاهدا ... بفساد ذوقك في صريح مقال
وختمها بهذه الأبيات:
عار عليك بما أتيت لنا به ... في مدح نفسك من سنى الأقوال!
ليس الفتى من بات يحسب نفسه ... متسامياً بالعلم والأفضال
بل من يبيت القوم يشهر فضله ... فيذاع في الأسحار والآصال
وإذا رأيت فتى تصلف معجبا ... بالتيه فاحسبه من الجهال!
فالعالم السامي الحجا من لم يكن ... عن عجزه يا صاح في إغفال
فاعلم وذو الدعوى يؤوب بخيبة ... وبصفع وجه لا بصفع قذال!
واتفق أنه حين كان في مصر، اقترحت عليه (جمعية بطركخانة الروم الأرثوذكس) مدح خديوي مصر. إسماعيل باشا، لمكرمة أسداها إليها، فلبى الطلب ونظم قصيدة ذكر فيها أفضال الخديوي وقدمها إليه، قال:
البشر في قطر مصر فاح عاطره ... واليمن قد نورت فيه أزاهره
والسعد غرد في روض النجاح على ... أفنان أيك الهوى والصفو طائره(7/456)
قطر رعته فأضحى السعد يخدمه ... عين الخديوي وأحيته مآثره
مولى علي أثيل المجد باذخه ... شديد عزم سديد الرأي باهره
بظله عم مصر الخير منتشرا ... وكل شأو به قرت نواظره
وذكر فضل الخديوي وما أنشأه من المدارس، وعدل فذكر فضله على الأرثوذكس والمدرسة التي أنشأها لهم قال:
قد عم إحسانه كل الأنام وقد ... جرى على فقراء الروم وافره
قامت بآلائه الغراء مدرسة ... لهم بها شكره رنت مزاهره
لا يحصر الوصف أفضلا له عزرت ... ولا يقوم بحق الشكر شاكره!
ولما توفي المرحوم العلامة سليم البستاني، وكان من معارفه، رثاه بهذه المرثية الحكمية، قال:
يبدي لنا الدهر من أحكامه عبرا ... في كل يوم وكم يجري لنا عبرا!
ونحن نغتر بالدنيا وزخرفها ... دوماً ونلهو ولسنا نذكر الخطرا!
كأننا لسنا ندري أننا بشر ... عقباهم الموت طال العمر أو قصرا؟
لا المال! كلا! ولا المجد الرفيع! ولا ... شرخ الشباب نراه يدفع القدرا!
كم سيد ماجد تحت التراب ثوى؟ ... وكم فتى أروع يحويه جوف ثرى؟
لا كان يوم، به الناعي نعى أسفا ... لنا سليما! فأجرى دمعنا مطرا
غالته أيدي الردى نورا مباغتة ... وعفرت في الثرى جثمانه النصرا
تبكي عليك بنو الآداب قاطبة ... أسى وترثيه أهل الفضل والشعرا
كذا الطروس تردت بالحداد على ... من كان يلبسها من نسجه حيرا
والنثر والنظم والإنشاء قد حزنت ... عليه إذ كان يجلوها لنا غررا
ناحت عليه المعاني! فهو مبرزها ... نفائسا تدهش الألباب مبتكرا
وقد بكته زواهي اللفظ نادبة! ... إذ طالما فاخرت في نطقه الدررا
ولوع الموت عرب الناس مع عجم ... لما طواه وأبكى البدو والحضرا(7/457)
لئن يكن قد قضى نحبا فما برحت ... آثاره الغر تحيي ذكره العطرا
فكم له في فنون العلم من أثر! ... ما مات من في الورى أبقى له أثرا!
ومن الخطبة التي أنشأها وطبعها في بيروت في التهذيب هذه الأبيات أختمها بها وكلها حض على التعلم الذي دعا إليه كثيرا، قال رحمه الله:
فجر العلوم على أرجائكم طلعا ... فنبهوا منكم الطرف الذي هجعا!
وشاهدوا الكون في هذا الزمان تروا ... نور التهذب في أقطاره سطعا
لا يقطن المرء إذ قد جاز سن صبا ... فالعلم يفتح أبوابا لمن قرعا
وليس للمرء من فضل يزان به ... إن لم يكن في نهاه للعلوم وعى
فالعلم للعقل مثل الحد في عمل ... للسيف والسيف لولا الحد ما قطعا
ليس التهذب في تقليد من نسبوا ... إليه إن لم يكن بالعلم قد شفعا
وكان متدينا ورعا تقيا وقد اقترحت عليه كثير من كرائم سيدات موطنه أناشيد في مدح السيدة العذراء (عليها السلام) فأجاب الاقتراح ولباهن في ما طلبن فنظم لهن عدة أناشيد تسامح فيها من جهة اللغة والإعراب ووقعها على وزن أغاني شائعة موسيقيا
وفاته وتأبينه - رثاؤه
عبث المرض بجسمه النحيل، وتعلب به الداء، وما كان ليحتمله، فسقط عياءا وإذا الموت يوافيه صباح الثلاثاء لمنتصف أيلول سنة 1895م فأودع الروح بارئها بعد جهاد طويل قضاه يعارك الزمان، ويطلب لوطنه الفلاح. وفي عصر ذلك اليوم بعد أن صلي عليه، وقف المرحوم الدكتور سليم الجريديني وابنه فالشاعر الثائر أسعد خليل داغر. فالمرحوم سامي كومين تأبينا مؤثرا بليغا ومن ثم أودع الثرى.
يسقي ثراه الغيث ما جن الدجى ... والشمس ما طلعت وما سفر القمر
رحمه الله رحمة واسعة.
بركات (السودان): ميشيل سليم كميد(7/458)
نسخ كتاب الدرر الكامنة
التي قابلتها لتحرير ما أطبعه
-
1 - نسخة قديمة هي لي وتشتمل على الجزء الأول بكماله ومختصر الجزء الثاني والجزء الأول مكتوب في عهد المؤلف وفيه بعض التصحيحات بخط ابن حجر نفسه والذي يزيد فائدتها أن فيها حواشي كثيرة بخط العلامة السخاوي تحتوي على نحو مائتي ترجمة لا وجود لها في الأصل للمؤلف ونبه في أماكن عديدة على أوهام ابن حجر. وأما المختصر فهو مأخوذ أيضا من أصل جيد إلا أن الكتب حذف تراجم الملوك والأمراء وتراجم الأندلسيين.
2 - نسخة جديدة قديمة محفوظة في خزانة المتحفة البريطانية في مجلدين فرغ الكاتب من المجلد الأول في 29 شهر ربيع الأول سنة 876 ومن المجلد الثاني في 24 جمادى الآخرة من السنة نفسها ومن خصوصية هذه النسخة أن الكاتب أشار إلى الألفاظ المبهمة بالعلامة ط (يعني غلط) في الحواشي وكتب شيخ الكاتب وهو محمد بن بهادر الطرابلسي في آخر النسخة ما نصه: قال مؤلفه الحافظ الإمام ابن حجر: فرغ منه جامعه سوى ما ألحقه بعد تاريخ فراغه في شهور سنة ثلاثين وثماني مائة وألحقت فيه إلى سنة 37 ولم يكمل الغرض من الإلحاق للبقايا من التراجم في الزوايا لم استوعبها بعد أن أعلن الله تعالى على استكمال ذلك بمنه وكرمه آمين. وفي هذه النسخة خرم قدر كراسة كاملة في الجلد الثاني. وهذه النسخة أصل النسخة التي في خزانة دار الكتب بالقاهرة ولهذه السبب لا فائدة في مقابلة النسخة المصرية لأن أصلها بين يدي.
3 - نسخة كاملة في 3 مجلدات محفوظة في وينا (النمسة) حديثة العهد كثيرة الخطأ لكن فيها ما نقص في النسخة اللندنية كتبت بيد تركي في القسطنطينية ولكن كان الكاتب خائنا ومل من الكتابة في آخر الجلد الثالث فحذف أكثر التراجم وأدخل بعضا في بعض إذ لعله كان له راتب في نسخ(7/459)
النسخة التي أخذ عنها. وهذه النسخة هي المتداولة بين علماء أوروبة وهي السبب في كثرة الأوهام التاريخية عندهم.
4 - نسخة في مجلدين في خزانة دار حكومة الهند مكتوبة في الهند تحتوي الجلد الأول
من النسختين الأوليين ولا تجد نسخة أكثر خطأ من هذه النسخة ولو بحثت في العالم كله عن نظيرة لها! إذ ليس فيها سطر إلا ترى فيه ثلاثة أوهام أو أكثر من ذلك.
أما أصول ابن حجر فلا شك أنه أخذها من كتب كثيرة ولا سيما من المشيخات وقد قابلت بعضها ببعض فاتضح لي كما يتضح لمن له بعض معرفة بهذا النوع من الفن أن أكثرها مكتوبة بسرعة عظيمة. وإذا كانت صحيحة النقل فرداءة خطوط الكتاب تحول دون تحقيق قراءتها في مواضع كثيرة فكانت آفة لابن حجر نفسه. مثلا قد ورد في أثناء التراجم بين الشيوخ المذكورة محدث بغدادي لا أدري إلى الآن صحة اسمه فأنه مكتوب ابن الدنية وابن الدينة وفي أكثر المواضع بحذف نقط الياء أو النون فلعل أحد علماء العراق يعرفه باسمه الصحيح إذ الظاهر أنه توفي في بغداد في النصف الثاني من القرن السابع للهجرة وإنه لم يبق إلى القرن الثامن.
ومما نحمد عليه ابن حجر أنه ليس له عصبية شديدة إلا على الحنفية وهو يذكر أهل السنة والشيعة بلا فرق وتعلم من كتابه أن أتباع الشيعة كانوا في زمانه قليلين في مصر والشام ولكن في المدينة المنورة كانوا أرباب الدولة.
بكنهام (انكلترة): فريتس كرنكو
تعبيرهم العسير عن المضارع المبني المؤكد
وتراهم يقولون إن المضارع يبنى إذا اتصلت به نون التوكيد ثم يقولون إذا اتصلت مباشرة ويفسرون عدم المباشرة بحيلولة حائل لفظي هو (ألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة أو تقديري هو (ياء الخاطبة وواو الجماعة) ولو قالوا (إنه يكون مبنيا إذا أسند إلى الاسم الظاهر أو ضمير المفرد أو المتكلم عموما) لأراحوا طلاب العربية واستراحوا فالمسند إلى الظاهر نحو (ليجتهدن الرجل وليجتهدن الرجلان وليجتهدن الرجال ولتجتهدن المرأة ولتجتهدن المرأتان ولتجتهدن السناء) والمسند إلى ضمير المفرد نحو (ليجتهدن هو ولتجتهدن أنت) بفتح التاء.
(مصطفى جواد)(7/460)
أرجوزة الظاء والضاد
وجدت في إحدى المجاميع القديمة في خزانة كتب مدرسة الحجيات في الموصل (وهي المجموعة المذكورة في كتابي مخطوطات الموصل في الصفحة 100 تحت الرقم 24) أرجوزة لابن قتيبة في الألفاظ أتت بالظاء وبالضاد وبمعان مختلفة فأحببت نقلها لمجلتكم الغراء. فإن وجدتموها معروفة وقد درجت قبلا في إحدى المجلات فأهملوها. وإلا فلا أظنكم إلا دارجيها. هذا ولا بد من القول إن وجدت فيها ألفاظا لا وجود لها في التاج وكلما أخرى ذكرت فيه ولكن بمعان غير المعاني التي نسبها إليها ابن قتيبة كلفظة (الفيظ) و (الحنظل) و (الظب) و (المرظ) و (الظد) و (الضجة) و (الفظة) وغيرها. فلو لم يأت بها ابن قتيبة لشككنا فيها ولكن الرجل حجة. فهل يلزمنا يا ترى ضم هذه الألفاظ والمعاني إلى كتبنا اللغوية؟
بغداد: الدكتور داود الجلبي الموصلي
قال ابن قتيبة أرجوزة في الظاء والضاد اللفظ واحد والمعنى مختلف
أفضل ما فاه به الإنسان ... وخير ما جرى به اللسان
حمد الإله والصلاة بعده ... على النبي فهو أسنى عنده
محمد وآله الأبرار ... وصحبه الأفاضل الأخيار
وكل ما ينظم للإفادة ... فذاك معدود من العبادة
وقد نظمت عدة من الكلم ... في الظاء والضاد وجميعاً فافتهم
فإنها مختلفات المعنى ... يعرفها من بالعلوم يعنى
فاسمع بني من أبيك سردها ... واعرف هديت حصرها وعدها
فابدأ إذا قرأتها بالظاء ... وثن بالضاد على استواء
فالغيظ ما يعرض للإنسان ... والغيض غيض الماء في النقصان
واعلم بأن الظهر ظهر الرجل ... والضهر أيضا صخرة في الجبل
والظن في الإنسان إحدى التهم ... وهكذا الضن البخيل فافهم(7/461)
والفيظ فيظ النفس وهو النفق ... والفيض فيض الماء لا يختلق
وحنظل نبت كثير معترف ... والحنضل الظل المديد المؤتلف
والحظ منسوب إلى الإقبال ... وبعده الحض على الأفعال
والظب وصف الرجل الهذاء ... والضب معروف لذي البيداء
واعلم بأن البيظ بيظ الفحل ... والبيض لا يجهله ذو عقل
وهكذا بالظاء بيظ النمل ... وما سواه فبضاء أمل
والمرظ الجوع الشديد فافهم ... والمرض الداء الدوي فاعلم
والقيظ حر في الزمان ثائر ... والقيض في البيضة قشر ظاهر
والمطرب المحسن بظ الوترا ... وبض سال الحسن حتى بهرا
وعظت الحرب إذا ما اشتدت ... ثم السباع والذئاب عضت
وبات زيد مرض وظلا ... وحاد عن طريقه وضلا
وموضع الحجارة الظرير ... فيه يضيع الرجل الضرير
والفيء من بعد الزوال ظل ... والجهل ما بين الأنام ضل
وفي الحشيش ما يسمى ظربا ... وقد ضربت بالحسام ضربا
والمنطق العذب الشهي ظرف ... وناعم العيش الرخي ضرف
وهكذا المماثل النظير ... والمذهب النضار والنضير
وكل ذي وجه قبيح ظد ... والخصم في كل الأمور ضد
وهكذا الحجارة الظراب ... والنزو في البهائم الضراب
والضربة النجلا تسمى ظمه ... وكثرة الأصوات أيضا ضجة
وزوجة المر هي الظعينة ... والحقد في الصدر هو الضغينة
وعلة القوم تسمى ظفره ... والجذب في الشعر أيضا ضفره
ثم سواد الليل يدعى ظلمة ... والسهر العظيم أيضا ضلمه
وورم الأحشا يسمى فظة ... والمعدن المحبوب يسمى فضة
وكل ما يفسد فهو ظر ... وصخرة تعي الرجال ضر
والظعف نبت في الرجال خمل ... والضعف نقص في القوي وهزل
والوحوش والأنام عظيم ... ومقبض القوس ففيه هضم(7/462)
والزرب حول الغنم الحظيرة ... ومجمع القوم فهم حضيرة
والخيل في حافرها وظيف ... وكل شيء لازم وضيف
ثم الفظا ضرب من الصنوبر ... وهكذا بالضاد بعض الشجر
وحرم الله الربا وحظرا ... وغاب بدر وزهير حضرا
والفظ في الإغلاظ قولا حتما ... وانفضت القوم وفضوا الختما
والمظ رمان الجبال فاعلم ... ومضه بالشتم زيد فافهم
وناظر إلى العيون الناظره ... كرامق إلى الوجوه الناضره
وللرجال والسباع ظفر ... والرجل القصير فهو ضفر
ما يقابل كحل الإخفاء عند الأقدمين
كحل الإخفاء المذكور هنا في ص 451 يذكرنا بحكاية أحد الأقدمين المسمى جيجس أو جوجس وكان راعي غنم في لوذية والقول عنه في أساطير اليونانيين كان له خاتم فإذا لبسه اختفى عن عيون الناس. فذهب إلى بلاط ملك كدولية فتمكن من أن يكون وزيره الأكبر ثم قتل مولاه ليعقبه على عرش المملكة فأسس دولة المرمنادة (في المائة 57. ب م)
العمران أبو بكر وعمر
جاء في المختار: (والعمران أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقال قتادة هما عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز) اهـ. قلت إن وقوف القائل في هذا الحد لا يفيد القراء لأن القولين قد تناطحا فوقع بينهما الصواب. وعندي أن العمرين (أبو بكر وعمر: رض) فقال قال أبو العباس المبرد في كامله (ج 1 ص 98) ما نصه: (وقالوا العمران لأبي بكر وعمر. فإن قال قائل إنما هو عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز فلم يصل لأن أهل الجمل نادوا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أعطنا بينة العمرين) اهـ. وقد أراد أبو العباس أن وقعة الجمل حدثت وعمر بن عبد العزيز غير مولود وإنما ولد بعد أكثر من عشرين سنة مرت عليها فكيف يطلبون سنته وهو غير مولود؟
مصطفى جواد(7/463)
المطبوعات الحديثة في النجف
المطبعة العلوية
تمهيد
لما انبثق فجر النهضة الأدبية في العراق على عهد الدستور العثماني، وسطع جبينها وانبلج صبح محياها الذي كان محجوبا المغشى ببراقع الجهل والكسل والخمول والرقدة في هذه الربوع، وتنفس أبناء الرافدين تنفسا ما كانت النجف في طليعة المدن العراقية التي أخذ أبناؤها يرحبون بتلك النهضة الطيبة فدب في قلوبهم روح النشاط وأماطوا عنها تمائم الجهل، وتتحفزوا للوثوب لما فيهم من نضج الفكر والاستعداد الطبيعي والشغف والميل الغريزي إلى ترقي العلوم والمعارف والآداب، وأخذوا يتمسكون بأسباب التقدم والنهوض وسلم الارتقاء، وبكل الوسائل التي تمكنهم من بلوغ أمانيهم.
ففكر يوما لفيف من أدباء النجف وأعيانها وأشرافها بعد إن كانوا مجتمعين في دار أحدهم، وتفاوضوا على أن يقوموا بعقد شركة تجارية لإنشاء مطبعة في النجف كاملة مجهزة بجميع لوازمها ومعداتها، وأخرى صغيرة تنضم إليها لتكون عونا لها لدى الحاجة واللزوم، والعوارض الطارئة عليها، الموجبة لتوقيفها خدمة للعلم والآداب العربية وإحياءا لآثار السلف الماضيين على اختلاف موضوعاتها وأساليبها، تلك الآثار التي ملأت القماطر وغصبت بها خزائن الشرق والغرب على رحبها دع عنك التي ذهب أكثرها أدراج الرياح لعدم المحافظة عليها.
ولما اتفقت آراء الجمعية على هذا المشروع الحيوي عقدوا في الحين تلك الشركة، جعلوها حصصا وقسطوها اسهما كل سهم بجنيه واحد، ليسهل الأمر على من يريد أن ينخرط في سلك الجمعية من الرجال غير المثرين كل الثراء ولهذا دخل فيها أعضاء متبرعون فخريون يتجاوز عددهم العشرة، فقبلت الجمعية دخولهم، وشكرتهم على فعلم الجميل، وما مضى على تاريخ الجمعية شهر واحد إلا أرسلت من قبلها إلى بغداد مندوبا خاصا لشرائها من (شركة ألمانية وزودته(7/464)
بمقدار من الدراهم. فابتاع المندوب آنئذ مطبعتين إحداهما كبيرة
والأخرى صغيرة بمبلغ ليس لي اطلاع عليه فأنفذ المندوب إلى النجف بعض الأدوات وأوشك أن يتم هذا المشروع لو لم تفاجئنا تلك الداهية الكبرى والكارثة العظمى أعني بها (الحرب العامة) التي انفجر بركانها، واستعرت نيرانها وعمت ببلائها أقطار الشرق والغرب فكانت سببا لإخفاق كل مشروع وتعطيل المعامل والصنائع.
وقد تفرقت هذه الجمعية وباع بعض المحتاجين حصصهم لآخرين وعلى أثر سكون الثورة العراقية وهدوء تلك الثورة التي وقعت بين الإنكليز والعراقيين سنة 1338 ونودي عقيبها باستقلال العراق، قام بعض أعضاء الجمعية لإكمال ذلك المشروع بعد البناء والتركيب فأكملت في رجب سنة 1340هـ الموافق لآذار سنة 1922م وعينت لها مديرا فارسي الأميال والذوق والنزعة والمعرفة، ولذلك بقيت المطبعة على علاتها فلم تتطور تطور المطابع اليوم في بغداد ومع ذلك كله فقد نشرت فيها أسفار كثيرة من قديمة وحديثة لا يستهان بها وكان عزمي أن أرتب مطبوعاتها على حروف المعجم لكن عدم انتظام سير (المطبعة العلوية) المجعول لها هذا الاسم لمناسبة قربها (للمشهد العلوي) حملني على أن أهمل هذا الأمر فأذكر منها ما اتصل بي وما وصلت إليه يد البحث والتنقيب عنه بالمشاهدة وأول كتاب طبع فيها هو:
1 - الجامعة
الجامعة هي زيارة مطلقة للإمام علي عليه السلام ولسائر الأئمة من بعده ولشهرتها طبعت عدة طبعات في إيران وهندستان في ضمن كتب الأدعية والزيارات وقد استلها وحدها من تلك الكتب السادن الحالي (للروضة الحيدرية) السيد عباس الرفيعي وطبعها على نفقته سنة 1340هـ فجاءت في (32 ص) وأوقفها على الروضة، وفيها عيب كبير هو أنها مجردة عن (التشكيل) والجامعة لم يعرف من أنشأها قيل الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع)، وقيل (جابر الأنصاري) وقيل بعض المغالين للأئمة من العلماء الذين عاشوا في القرن الثاني للهجرة وهي تحتوي على كلمات وجمل مسجعة، وفي بعض جملها مغالاة كثيرة في حق الإمام بحيث تخرجه عن كونه من البشر. ولهذا شغف بها (الكشفيون)،(7/465)
و (الشيخون) أتباع الشيخ أحمد الاحسائي المعروف المتوفى سنة 1242هـ الذي ادعى النيابة الخاصة عن الإمام الغائب وأتى بآراء مستحدثة في الدين وشرحت عدة شروح وممن شرحها السيد كاظم
الرشتي الحائري تلميذ الشيخ أحمد المذكور.
2 - إتقان المقال في أحوال الرجال
مؤلف هذا الكتاب العلامة المرحوم الشيخ محمد طه نجف من مشاهير علماء العراق في القرن الحاضر المتوفى سنة 1323هـ تخرج على يده خلق كثير من العلماء والفضلاء، وقد جمع في هذا الكتاب رجال الرواية من الشيعة (الثقات والحسان والضعفاء) ليعلم من يأخذ الحديث عنهم مبلغه من الصحة (وإهمال علمي الرجال والحديث من سيئات العصر الحاضر) وقد طبع سنة 1340هـ على نفقة الشركة العلمية في النجف وورقه وطبعه جيدان إلا أن فيه من المعايب خلوه من (الفهارس) وعدد صفحاته (398).
3 - أنوار الهدى
يتضمن هذا الكتاب ردودا على المذاهب الباطلة في نظر مؤلفه المستتر الشهير بكاتب الهدى النجفي كمذهب الماديين والطبيعيين طبع سنة 1340هـ فجاء في (120) صفحة صغيرة.
4 - حلبة الأدب
هي عدة قصائد مختارة للشاعر الشهير الشيخ محمد مهدي الجوهري النجفي جارى بها قصائد منتخبة لشعراء كبار من عصريين ومتقدمين كشوقي وإيليا أبي ماضي، وعلي الشرقي ومحمد الرضا الشبيبي وابن التعاويذي. ولسان الدين الأندلسي. شرع بطبعها سنة 1340هـ على نفقة مدير مدرسة الغري الأهلية (يحيى قاف) وقبل أن يكمل طبعها صادرها أحد الشعراء النجفيين المتقدم الذكر لكون صاحب (الحلية) قد عرض به تعريضا مرا، وقد أعاد طبعها (الجواهري) سنة 1341هـ (بمطبعة دار السلام) ببغداد.
5 - أحسن الحديث في أحكام الوصايا والمواريث
هذه الرسالة تأليف العلامة الشهير الشيخ أحمد آل كاشف الغطاء النجفي المتوفى سنة 1344هـ وموضوعها يعلم من اسمها ومن يطالع هذه الرسالة ويطالع ما كتبه (البراقي) صاحب (جامع السعادات) لم ير فرقا بين الرسالتين ومع ذلك(7/466)
فهي من الرسائل النافعة، وقد طبعت سنة 1341هـ على نفقة صاحبها فجاءت في 108 صفحات بطبع وورق حسنين.
6 - وسيلة النجاة
رسالة عملية في الفقه لأحد مقلدي الشيعة اليوم العلامة السيد أبو الحسن الأصبهاني، وهي حاوية (للعبادات والمعاملات) وقد ملئ ظهر غلافها بالألقاب الضخمة القديمة والآيات. طبعت سنة 1341هـ فجاءت في 261 ص متوسطة بورق وطبع جيدين وفيها مع ذلك بعض الأغلاط الطبعية.
7 - منتخب الرسائل
هي رسالة أيضاً بالفارسية للعلامة المتقدم الذكر وهي نقل الرسالة العربية السابقة وقد طبعت أيضا سنة 1341هـ فجاءت بمقدار صفحاتها.
8 - التعساء
واضع هذه الرواية الميرزا جعفر الخليلي نسبة إلى (الميرزا خليل) الطبيب المعروف في القرن الماضي وإليه تنتمي الأسرة الخليلية اليوم في النجف وهي رواية تبحث عن التعس والتعساء واسمها أكبر من موضوعها في نظرنا طبعت سنة 1341 فجاءت في 40 ص وقد صدرت بهذين البيتين للشاعر الجواهري:
لا تذكرني الهنا يشجي الحشا ... ذكره أني ألفت الشجنا
إنما أشكو حياة كلها ... تبعات كنت عنها في غنى
9 - منهج اليقين
منظومة جاءت في 48 ص متوسطة وقد طبعت سنة 1341هـ لناظمها السيد أحمد الجزائري النجفي والناظم من أحفاد السيد نعمة الله الجزائري من علما القرن الثاني عشر الهجري وهي في فضائل أهل البيت عليهم السلام وإثبات إمامتهم. والمنظومة غير خالية من الحشو والأغلاط الطفيفة وقد نقلت من منظومة الشيخ الحر العاملي المتوفى سنة 1104هـ ولم يقوس الذي ضمنه ولم يجعله بين عضادتين فيعد على هذا منتحلا لبعض الأشعار.
10 - مضار حلق اللحى
طبعت هذه الرسالة سنة 1340هـ فجاءت في 36 ص صغيرة وموضوعها يعلم من اسمها وهي لا توافق الذوق الحاضر لأنه أصبح حلق اللحية عاما وقد(7/467)
أصدرها مؤلفها السيد هبة الدين الشهرستاني رئيس مجلس التمييز الجعفري باللغة الفارسية ولم ندر سر ذلك.
11 - مصباح الميزان
كتاب صغير في علم المنطق لمؤلفه الشيخ حسن الطهراني السنكلجي نزيل النجف طبع سنة 1341 فجاء في 39 ص بقطع متوسط والكتاب مرتب على (مصابيح) وعليه تقريظ لأحد علماء النجف السيد محمد الفيروزبادي المتوفى سنة 1345هـ
12 - كفتار خوش
(كفتار خوش) معناه (الكلام الطيب) وقد صدر باللغة الفارسية لمؤلفه المرحوم الشيخ محمد صاحب (مجلة الغري) التي كانت تصدر في النجف باللغة الفارسية قبل الحرب نجل العلامة المرحوم الشيخ إسماعيل المحلاتي والجزءان جامعان لعدة مسائل متفرقة. وأكثرهما حوى نكتا لطيفة وفوائد ظريفة طبعا سنة 1341هـ فجاء كل جزء في 142ص) وقد جددت طبعهما المطبعة وأعادته مرة ثانية سنة 1345 والفرس يتهافتون على اقتنائه تهافت الفراش على النار.
13 - نفحات الإعجاز
كتب على ظهر الكتاب أن مؤلفه العلوي الخوئي والذي نعلمه أن الخوئي لا يجيد اللغة العربية حتى استطاع أن يكتب فيها هذا الكتاب لكن المشهور أنه لصاحب الهدى المتستر حفظه الله وهو رد على كتاب اسمه (حسن الإيجاز) تعرض به للقرآن الكريم والكتاب طبع سنة 1342هـ فجاء في (50 ص) متوسطة وطبعه جيد.
14 - الشعر المقبول في رثاء الرسول وآل الرسول
صدر الجزء الأول من هذا الديوان لناظم عقده الشيخ قاسم الشيخ حسن محيي الدين وهو نجفي المولد والموطن عاملي الأصل وأسرة آل محيي الدين تعد من الأسر النجفية لا العاملية وقد وجدنا في هذا الديوان سرقات شعرية كثيرة من ديوان السيد صالح القزويني
البغدادي المتوفى سنة 1293هـ كان الأولى أن يشير إليها الناظم لئلا يقع في هذه الورطة من الانتقاد وقد جمع فيه عدة قصائد ومراثي في النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته وأصحابهم وطبع سنة 1342هـ طبعا حسنا على ورق جيد في 120 ص وصدر الديوان بمقطوعتين لشاعرين(7/468)
نجفيين مقرظين بهما عليه إحداهما للشيخ عبد الحسين الحياوي المتوفى سنة 1345هـ ومطلعها:
عقبى أمري أني أحشر ... وأرى عملي خيرا أو شر
وثانيهما للشيخ محمد رضا الشبيبي، ومطلعها:
يا قاسم يا بن أبي جامع ... يا ناظم الأشعار مرويه
15 - هدية المتقدين إلى شريعة سيد المرسلين
هذا الكتاب هو ملخص من كتاب (هداية الإمام) للعلامة المرحوم الشيخ محمد حسين الكاظمي المتوفى سنة 1308هـ و (هدى المتقين) رسالة عملية تأليف الشيخ هادي كاشف الغطاء وهي في (العبادات) وطبع سنة 1342هـ فجاء في زهاء 340 ص وقد حشي غلافه بالألقاب الضخمة والأسجاع الباردة.
16 - فتح الباب إلى الحق والصواب
مؤلف هذا الكتاب الميرزا محمد الأخباري صاحب كتاب (الرجال) المتوفى سنة 1232هـ وقد جمع مسائل متفرقة بعضها مفيدة وبعضها مضرة في نظر الأصوليين غير مقبولة عندهم وطب على نفقة الشيخ سالم آل خيون رئيس بني أسد سنة 1342 فجاء في 170 ص متوسطة وفيه من الأغلاط ما الله بها عليم.
17 - شرح ألفية ابن مالك
قد اشتهرت ألفية ابن مالك في النحو والصرف اشتهارا عظيما ولذلك شرحت عدة شروح وأحسنها شرح ابن الناظم (بدر الدين) إذ هو أعرف من غيره بمقاصد أبيه ومناحيه ولما قلت نسخها من طبع بيروت وكادت تفقد جدد السيد محمد العاملي الكتبي في النجف طبعها سنة 1342هـ وهي كالنسخة البيروتية ما عدا تشكيل النظم وقد أسا بذلك الناشر أي إساءة لإهماله تشكيلها وتعريبها وتصحيحها على الدقة كما يطلب ويرام.
18 - مصادر الأنوار
مؤلف هذا الكتاب جمال الدين أبي أحمد الميرزا محمد الأخباري وعدد صفحاته 319 وهو في تحقيق الاجتهاد والأخبار وصاحبه أخباري كما ذكرنا عن كتابه المتقدم ذكره (فتح الباب) بمعنى أنه لا يعمل بالاجتهاد بل بالأخبار والحديث وهو(7/469)
من الكتب التي يحسن الاطلاع على ورقه وطبعه وجدول خطئه وصوابه وقع في عدة صفحات طبع سنة 1342هـ
19 - اللؤلؤ المنثور في رثاء النبي وآله البدور
يحتوي هذا الكتاب على قصائد باللغة العامية للشاعر العامي الشيخ باقر ابن الشيخ حبيب الحلي طبع سنة 1342هـ فجاء في 64 ص وقد قرظه على غلافه الحاج مجيد الحلي بقوله:
هذا كتاب سمي ... باللؤلؤ المنثور
فيه رثاء المصطفى ... وآله البدور
لباقر يرجو به العت ... ق من السعير
والفوز في يوم الجزا ... بالحور والقصور
20 - وسيلة النجاة في العبادات والمعاملات
طبع هذه الرسالة العملية سنة 1342هـ فجاءت في 176 ص وهي للشيخ ميرزا حسين النائيني أحد مشاهير العلماء وقد كتب على ظهره من الألقاب الضخمة ما يمجها السمع وينفر منها الطبع.
21 - الشهاب الثاقب
طبعت هذه (المنظومة) قبل 15 عاما في إيران طبعا مغلطا بدون شرح ولما نفدت نسخها عني الشيخ محسن الجواهري بشرحها وطبعها طبعا جيدا سنة 1342هـ على نفقة بعض التجار فجاءت في 89 ص متوسطة وفي آخرها بعض التقاريظ لبعض شعراء النجف المتوفين. أما المنظومة فهي لناظمها السيد محمد باقر الحجة الطباطبائي الحسني الذي ولد سنة 1272هـ وتوفي سنة 1331هـ
22 - ملحقات وسيلة الدارين
هي مجموعة تتضمن كلها قصائد شعرية رثائية باللغة العامية يصف الشعراء العاميون فيها واقعة الطف طبع سنة 1342هـ طبعا حسنا على ورق جيد صقيل على نفقة السيد محمد العاملي الكتبي فجاءت في 88 ص وليست القصائد جميعها لواحد بل هي لفريق من مشاهير شعراء اللغة العامية النجفيين وبعضهم من جمع بين (الفصحى والعامية) كالسيد باقر الهندي والسيد ميرزا الحلي وعبود(7/470)
غفلة والشيخ جوا انواس والشيخ محمود سبتي وعبد الرضا الحجار، وقد أهمل هؤلاء الشعراء تصحيح قصائدهم قبل النشر فجاءت فيها تحريفات وزيادة حروف حين الطبع فشوهتها وهذه المجموعة ملحقة (بوسيلة الدارين) المجموعة العشرية الصادرة باللغة العامية والمنشورة سنة 1339 في مطبعة غير هذه المطبعة وتتضمن أيضا عدة قصائد في الشعر العامي لمشاهير شعراء النجف المعروفين بالقريض كالشيخ كاظم سبتي المتوفى سنة 1341هـ والشيخ محمد نصار المتوفى سنة 1212 والشيخ محمد حسن سميسم المتوفى سنة 1343هـ والشيخ حسن سبتي وغيرهم.
23 - الجزء الثالث من وسيلة الدارين
يشتمل هذا الجزء على جميع شعر الشيخ علي بازي النجفي في اللغة العامية ويظهر على أكثر شعر هذا الجزء الركاكة ما عدا قصيدتين وكل ما فيه من القصائد هو في رثاء الإمام الحسين (ع) طبع سنة 1342هـ فجاء في 124 صفحة متوسطة.
24 - جريدة النجف
أنشئت جريدة النجف سنة 1323هـ وكان مديرها المسؤول ورئيس تحريرها يوسف أفندي رجيب وهي جريدة أدبية اجتماعية انتقادية كانت تصدر مرة في الأسبوع وقتيا وكنت آزرها كثيرا ونشرت فيها عدة مقالات مهمة في الأدب والأخلاق وأول عدد صدر منها كان في يوم الجمعة 23 رمضان سنة 1343هـ 17 نيسان 1925م وعاشت سنتين وكانت تطبع بالمطبعة العلوية وقد أوقفها صاحبها لأسباب مادية في 23 من المحرم الحرام سنة 1346هـ 23 تموز سنة 1927م بعد أن أصدر عددا ممتازا وانتقل إلى بغداد فعين محررا في جريدة (النهضة العراقية) الحالية، وقد ثقفت جريدة النجف كثيرا من شبان مدينتنا الذين طمحوا إلى التجدد ونشرت شيئا كثيرا من بنات أفكارهم من نظم ونثر، والبلاد اليوم بحاجة ماسة
إلى صحافة راقية فيها لتظهر للملأ قلمها العلمي والأدبي وفضلها على النهضة العراقية الفنية والسياسية.
لها بقية.
النجف: عبد المولى الطريخي(7/471)
اللباب ورباعيات الخيام
في نظر المستشرقين
نشر العلامة المستشرق الكبير الألماني الأستاذ: ج. كامبفماير مقالة في مجلة (أخبار مدرسة اللغات الشرقية في برلين)
السنة 31 (القسم الثاني - مباحث عن آسية الغربية) طبعة خاصة - برلين سنة 1928
بالمطبعة الانبراطورية - يذكر فيها رأيه في اللباب ورباعيات الخيام للأستاذ الفيلسوف الزهاوي.
معرض الأفكار الشرقية
1 - اللباب - (وهو المختار مما قرضه جميل صدقي الزهاوي من الشعر في أدوار حياته) - يصعب علي أن أقدم هذا الديوان الجديد للشاعر جميل صدقي الزهاوي إلى القارئ بأحسن مما قدمه المؤلف نفسه وذلك في المقدمة التي أورد في ما يلي ترجمتها بتمامها (هنا المقدمة من أولها إلى آخرها مترجمة إلى الألمانية مع ترجمة الأبيات التالية نظما):
لقد أظهرت مقتا لها عند نقدها ... لشعري ناس كان يمقتها شعري
ولست أبالي بالذين يرونه ... بعيدا عن المألوف من صور الفكر
وما كنت في شعري لغير مقلدا ... وما أبعد التقليد عن شاعر حر
تصوره عقلي وأبرز لونه ... خيالي إلى حد وجاش به صدري
يجد القارئ نموذجا من شعر الزهاوي في الأبيات المدمجة في متن المقدمة وفي مرثية سعد زغلول باشا التي أثبتناها في ص 122 (ف).
إن الطريق الجديدة التي ينتهجها الشاعر وبلاغته التي تزينها البساطة والوضوح لمما يطبع في نفوسنا نحن معشر الغربيين أثرا بليغا جديرا بالاحترام والإعجاب.
وإن ذلك النفر القليل في الشرق الذي يستهل الشاعر المقدمة بالتنويه بذكره لفي نمو مستمر وفضلا عن ذلك فإن شعر الزهاوي أينما حل ترحب به الصحافة العربية بالتفات عظيم.
ومما هو جدير بالإطراء في هذا الصدد - تجاه ما نقلناه في ص 172(7/472)
عن رأي الأب
اليسوعي لويس شيخو - إن الزهاوي (كشاعر مسلم كما يذكر شيخو) هو الذي ترأس اللجنة التي هيأت الاحتفال بعيد يوبيل الأستاذ الأب أنستاس ماري الكرملي في خريف 1928.
رباعيات الخيام
(ترجمها عن الفارسية نثرا ونظما جميل صدقي الزهاوي)
يورد الزهاوي في هذا الكتيب برهانا ثانيا جديرا بكل اعتبار عن الطريق الجديد الذي يسير عليه. إن رباعيات الخيام لم ينقل منها إلى العربية إلى يومنا هذا إلا القسم القليل؛ بعضها مترجم عن الإنكليزية ففقد الأصل روعته إذ أفرغ في قالب غير قالبه فضاع فيه معناه والبعض الآخر وإن كان مأخوذا مباشرة عن الفارسية إلا أنه - كما شعر الزهاوي - لم يؤد ذلك الجمال الرائع وتلك الأنغام الشعرية التي امتازت بها الرباعيات.
أخذ الزهاوي على عهدته القيام بهذا العمل فأتقنه بأسلوب من شأنه أن يمهد لأبناء العربية التقرب من نفسية الشاعر الفارسي ودخائلها وحقا أنه لقد أجاد كل الإجادة في ذلك.
أورد الزهاوي رباعيات الخيام - ليس كلها بل 130 رباعية انتقاها لجمالها ولأنها تنم على فلسفته في الحياة ومسلكه في الاجتماع - بالأصل الفارسي أولا ثم مترجمة إلى العربية نثرا ونظما بصورة صحيحة متقنة وفي نهاية المقدمة التي تشيد بذكر الشاعر الفارسي ورباعياته - يلهج الزهاوي بالثناء على ملك العراق الجليل فيصل ركن النهضة العربية ويختمها بالعبارة التالية التي تنم على الآمال التي يضمرها هو وأبناء شعبه لتحقيق تلك الأماني: (حقق الله به آمال الأمة العراقية وسهل لها أن تتقدم في ظل عرشه الوارف حتى تعيد مجدها الغابر ومنزلتها الرفيعة بين الأمم وجعل للأدب العربي في أيام شوكته دولة تضاهي في رفعتها دولة الأدب في الغرب فتزهر في العراق الآثار الثمينة بتنشيطه وتبقى خالدة في طيات الدهر ترتلها الأجيال المقبلة مقرونة إلى اسمه العظيم) فنحن نسدي إلى فيلسوف الشعراء التهنئة على فوزه الأدبي المبين هذا لأنه جاءه بشيء جديد في عالم الأدب الشرقي لم يسبقه إليه أحد.
ج. كامبفماير(7/473)
صدى اليوبيل
حضرة الأب انستاس الجزيل الاحترام:
ناخ لساني في ساقته عن تمثيل اختيال نفسي تيهاً واعتزازاً بما انهال على مواهبكم العلمية من الثناء الخالد في يومكم اليوبيلي الزاهر الذي حفل به المتأدبون وأرباب الفضل والألمعية، تقديرا للمؤونة الشاقة التي عانيتموها بأرصادكم كل مطامعكم النفيسة لما طالما حامت عليه أماني الخاصة من الجهابذة وتخاذلت عن خواطرهم. من مزاولة أخشن المباحث اللغوية مركبا، وأبعدها مطلبا وأخفاها مدبا. قصد تعهد بزتها وسائر ما ترفل به من متبرجاتها بالإحياء والتجديد، حتى استبطنتم من آثار متشوفات الحقائق، ما يعد في حد الخوارق، على ما ألمعت إليه في خطابي السابق؛ ليشف ذلك عن ترنح وجداناتي الخفية، بنشوة هذه النهضة العلمية العراقية! وإلا فإن محاولتي الإيماء إلى ما أدركني من مثل هذه الحال على ذلك الأثر، أتخيلها كافية لتنم لكم عن العوامل الخلابة التي بدهت بها نفسي لدى إطلاقي لرائد طرفي، التبسط في مناحي ما اكتظ به الجزء الأول من السنة السابعة من مجلتكم المتيمة، (وهو الجزء الذي سيخلد لعراقنا ذكرى هذه المأثرة الجلى) من تصوير محيا ذلك الحفل الحافل، وشأوه من الترتيب والنظام البالغ، وما أجلى علينا من مجالي غرر التقاريظ المنثورة والمنظومة ذات الصناعة الرشيقة، والفرائد المختارة المتناسقة، التي تدفق سيل طلاوتها في ذلك المرج الأدبي النضير، مرج هيفائنا اليعربية من تفضح في حسنها بد السماء المنيرة من مناضح القرائح التي تضافرت من كبد العراق، وعيون الآفاق من مشارقة ومستشرقين، حول المغالاة والاحتفاء بمن قد استهواه جمالها واستأسره(7/474)
دلالها وجلالها؛ إذ لم يكن من عاقبة شأنه وإياها إلا أن أفضت إليه بمقاليد كنوزها وكاشفته بأسرار نشوئها وتحليل آثارها ورموزها؛ فطفق يبسط لعين الفكر من بدائهها، ما لا تكاد تبصره عين الحس من مرتجلاتها ومطارفها. حتى أضاء علينا من أنوار تفننه بأساليبها اللفظية والمعنوية الفذة، ما وجدنا على ذلك الضياء أنوار الهدى؛ ولا سيما في منبلج صبح هذا الدور الذي فيه ذر قرن الغزالة العربية على أهم أقطارها التاريخية، وخصوصا عاصمتنا الأثيلة العباسية بعد أن توالت عليها مدلهمات الطوراق، فتركتها متسكعة في ظلام
غير مفارق استمر قرونا غير يسيرة لا يكاد يرى فيه ضوء الشفق العلمي البارق. وذلك - ولا جرم - أنطق دليل بأن عنصر سلالتها الممتازة بطيب محتدها المتفردة بمحاسن أخلاقها وصفاتها وبديع تكوينها، إذ أجمع الباحثون في الطبائع على أن لا ند لها في جميع الأجيال البشرية؛ لم يفنأ متسلسلا في دماء أعقابها، يستفزهم للإتمام بمعالم حضارتهم المقطعة الأوصال والنياط ويستحثهم لأن يقطعوا في الكر عليها أضعاف ما قطع الأسلاف في سبيلها من الأشواط.
بل إن ما زاد الاحتفال إجلالا وإكبارا فرن صداه في صدور الأندية إعجابا واستبشارا؛ انتداب فخامة رئيس الوزراء آيته الغراء، للاضطلاع بأعباء هذا الحفل وتأليفه في باحة داره الغناء؛ وهل من عجب أن غدت هذه الباحة؛ باحة إلى الفصاحة لأن الشيء لا يستغرب من معدنه.
على أنه حري بي ههنا أن أجتزئ عما توخيت بيانه من الكلام - في موضوع هذا الاحتفال وما ينجم عنه من المؤثرات المعنوية. والمقومات الأدبية - بالإلماع إلى الأمر الخطير الذي استشف من غضون ترجمتكم لدى تفصيلها لنا تعداد ما وفقتم لوضعه من التآليف النفيسة المختلفة المواضيع. وما يتخلل بعضها من المباحث المبتكرة التي لم يسبقكم إليها مسابق. ولم يمر طيفها بمخيلة عالم محقق(7/475)
فجاءت مؤيدة لما أقره عالم العلم والأدب من سمو فضائلكم في المراتب العلمية وبعد غوركم في البحث فيها قصد استبطان دقائق مغيباتها. فعسى أن تدب روح (الحمية العربية الحقة) في بعض ذويه فتتألف منهم جمعية وطنية تهتم بإبراز مكنونات هذه الدرر السنية من وراء سجفها توسيعا لنطاق العلم وتعميما للنفع، وذلك اقتداء بالأمم التي لاحت شمس العلم لامعة في كبد سمائها، فتفشت عوامل الحياة الحقيقية في أوطانها فأثرت في بنائها وأخلاقها وطباعها وعوائدها لاستمرار فعلها وثبوت أثرها فيها بحيث أمست لا تكاد توقع ظهور مصنف نافع إلا تضافرت متنافسة على عقد الاتفاقات مع مؤلفه على طبعه فيتهافت القوم على اقتنائه، وتتبارى الصحف والمجلات في نشر ألوية الإطراء على ما ضم من جلائل الأغراض بين دفتيه؛ إذ هي إنما تخدم بذلك نفسها أولا وبالتالي تكون ذريعة إلى إضرام نار التفاضل في صدور علمائها للإقدام على موالاة الأكباب على التآليف الرافعة لشأن العلوم، والمنيرة لقوى النفوس؛ وإلا فما أخلق
وأبر بحكومتنا الحكيمة التي لم يبق من لم يشعر بدبيب عناصر الحياة الفتية في كيانها على أثر تضافرها على ضرب أطناب العلم والمعارف في أنحاء القطر كافة، وتوفرها على الدأب في تنظيم خطة شؤونها على مثال الحكومات المتمدنة توصلا إلى الإتقان والكمال، من أن تنشط بنفسها لمبادرة هذا المطلب الحيوي المحض بالإنفاق عليه من أموال البلاد (إلى أجل) بما يتسنى لها رده على خزينة البلاد شيئاً فشيئا، وذلك تعزيزاً لأقطابها في عيون الأوطان وسائر البلاد، لما أن هذه التآليف القيمة لم تكن في شيء من مزيد المؤلفات المتناولة بالنقل والانتحال، بل هي ثمرة الإخلاد والانقطاع إلى المطالعة واستقراء دواوين علوم وآداب الألسنة وأسفار التواريخ على تفاوت موضوعاتها وما يليها من متفرقات سائر العلوم والفنون جليلها ودقيقها وتمحيص حقائقها من مشتبهاتها وإقرار كل فرع منها في نصابه. وبديه أن هذا مما لا يستعان على إدراكه إلا بترشيح السجية له منذ أول أدوار حياة الإنسان الأدبية فينشأ عليه ويعتاده وينمو فيه بنموه حتى تنفعل به المواد المركب منها جسمه فيصبح كأنه قد فطر عليه ما هو شأن سائر الملكات المكتسبة للنفس، وهذا أيضا مما لا يتم إلا على تمادي الزمن وتطاول(7/476)
الاجتهاد، وإفناء أشعة الأبصار بالسهاد.
وعلى ذلك فإنني لم يبق لي التوسع في هذا الشأن الذي هو ولا ريب رأس شؤون الممالك التي بزغ عليها فجر التمدن العصري إلا من باب تحصيل الحاصل، لما يتخيل للخاطر من أن حكومتنا العزيزة الناهضة لمحاولة (الطفرة) تعمل لا محالة على الأخذ بمثل هذه الذرائع التي ترتفع بها مكانتها بين سائر الحكومات اليقظة النافذة الشوكة. الثابتة السطوة، ربة البصائر الضاربة في مذاهب العلم والاختراع إلى ما وراء المدارك العقلية؛ بل إنها بهذا (تؤيد) ما أجهرت به في مستهل تأسيس عرشها، من تأهبها لاستعادة عصور عز بلادنا وحضارتها المندرسة، ألا وهي تلك الحضارة العباسية الوهاجة التي تقلصت أشع سناها عن ربوعنا الشرقية، فكان الغرب مجتمع أنوارها، فاستصبحت أممه بتلك الأنوار فدهشت العقول والإفهام بما كان من وراء انبثاقها من المكشوفات والاستنباطات التي تفوت الحصر لما بذل القوم من الجهد والمثابرة في البلوغ إلى كل ما يتمثل للذهن ويمر في الخاطر من الغايات التي قد تظهر لطالبها في حد المستحيلات مما نهض بهم إلى أسمى ذرا الفخر وعلى أثره أخذ يعمل العاملون، غير أن الخواطر إذا طمحت إلى استطلاع منشأ المؤثرات
التي حملت في بادي الرأي أنصار هذه المدنية على التنبه لبث طلائعها بين ظهرانيهم، لم يكن لها محيد عن ضرورة الحكم بأن مصدره لم يكن إلا التقليد والانتحال تحديا بما يؤثر عن المأمون الخليفة العباسي من أنه لما تراءى لعين حكمته أن قوام كل مملكة برجالها، ولا رجال إلا بالعلم، لأنه هو الذي يرهف أذهانها في سداد، ويقوم خطاها في رشاد، ويكسبها من صفات الرجولية ما يؤهلها في سداد، ويقوم خطاها في رشاد، ويكسبها من صفات الرجولية ما يؤهلها لأن تكون أمة حية ذات بأس ونجدة تستطيع الدفاع عن نفسها في معترك الحياة صيانة لاستقلالها، وذودوا عن حوزتها، - ما عتم أن هب هارعا إلى إبراز هذه الفكرة من حيز القوة إلى عالم الفعل، فشد لها مئزر الإخلاص واندفع بعوامل قلما يحلم الدهر بمثلها إذ جمع أهم الطوائف العزيزة القدر من كتب اليونانيين والكلدان والفرس في الطب والحكمة والعلوم(7/477)
الطبية والرياضية وغيرها وعهد بترجمتها لها قوم من النساطرة الذين استدعاهم من أصقاعهم لهذه الغاية، لأنه لم يكن إذ ذاك في الأمة من يضطلع باستخراج هذه الكتب إلى العربية، وأفرد لهم مكانا في بلاطه ووزع تلك الأعمال بينهم على ما يحسنه كل فريق منهم إلى آخر الحكاية المروية في موطنها من كتب الأخبار. إلا أن حكومتنا النبيهة هي اليوم في غنى عن القيام بمثل هذه الشؤون الشاقة لأنها كلها ميسرة ومعدة لها بلا تكلف ولا تعمل، ولم يبق لها إلا أن تقضي بما حتمت به على ما قدمناه قريبا. فهذا الحتم يدعوها اليوم إلى الاعتداد والنزوع إلى ما نحن بصدده ليستتب نفعه وتتحقق ثمرته.
ولا يخفى ما يترتب على ذلك من الاعتبارات السنية في نظر المدنية العصرية وفي نظر التاريخ الذي سيسجل بمداد الفخر هذه المأثرة لحكومة البلاد على حد تسجيله المأثرة المأمونية الآنفة الذكر، فسيسفر الأمر عن حقيقة توثق صلة القطر العزيز بين زمنه الحاضر، وتاريخه الغابر، والله سبحانه ولي الإعانة والتوفيق.
مرسيلية في 8 شباط 1929: (ي. م.)
حذف (من) بعد أفعل التفضيل
قال الجوهري في باب (كبر) من مختار الصحاح (لا تقول هذا رجل أكبر حتى تصله بمن أو تدخل عليه الألف واللام) قلت يجوز حذف (من) بعد (أفعل) هي ومجرورها فتقول (هذا
رجل عظيم وذلك رجل أعظم) و (أنت كبير ومحمد أكبر). قال أبو العباس في كامله (ج 2 ص 233) حول تفسير قوله تعالى (يعلم السر وأخفى) ما نصه (وتقديره في العربية: وأخفى منه. والعرب تحذف مثل هذا فيقول القائل (مررت بالفيل أو أعظم) و (إنه لكالبقة أو أصغر) ولذلك جعل لقول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول
وجهين أحدهما أنه أراد (بيتا دعائمه أعز وأطول من بيتك يا من أخاطبه. وهذا لعمر الفصاحة خير من تكلف النحويين أن معناه (عزيزة طويلة) لغرابته وطعنه القياس في صميم فؤاد.
مصطفى جواد(7/478)
فوائد لغوية
عثرات إبراهيم اليازجي وجرجي جنن البولسي في مغالط
الكتاب ومناهج الصواب
21 - وقال في ص 50 ناقلا عن اليازجي (تقول: تراوح الرجلان العمل: تعاقباه) قلت: يقال: عاقبه في العمل فتعاقبا فيه أي تتابعا واليازجي قد عداه بنفسه فالصواب أن يقال: (تراوح الرجلان العمل: تعاقبا فيه أو عليه) وإذا قال معترض إن هذا من باب حذف حرف الجر وتعدية الفعل بنفسه قلنا ذلك سماعي ولا يطرد إلا قبل (أن) وإن استثقالا للنطق بحرف الجر واستسهالاً للتعبير.
22 - وقال في ص 48 ناقلاً عن اليازجي (غلط: رغب الشيء وشيء مرغوب. صوابه: رغب في الشيء - أراده وأحبه. وشيء مرغوب فيه) قلت: قد استبان لي أن اليازجي لم يطالع كثيرا من كتب اللغة لأن تعدية (رغب) بنفسه قد ذكرها العلماء ولا حق لليازجي في تخطئة من عداه بنفسه ففي المصباح المنير (رغبت في الشيء ورغبته يتعدى بنفسه أيضا إذا أردته) فالشيء إذن (مرغوب). وقد كان الواجب على اليازجي أن يقول (الفصيح: رغب في الشيء) لأن تعديته بنفسه قد اقتبسها العلماء من قوله تعالى: (وفي يتامى النساء اللاتي لا تؤتوهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن) غير عالمين أن حرف الجر قد حذف وفي الآية دليل على أنه (عن) والدليل قرينة متقدمة.
23 - وغلط اليازجب في ص 49 من قال (هذا من أسباب حضارة الأمم ورفاها) محتجا بأن الصواب (الرقي والأحسن الترقي أو الارتقاء) قلت إن القائل (رقى الأمم) مصيب كل الإصابة لأن الرقي جمع (رقية) بكسر الراء وهي مصدر الهيئة للفعل (رقى) و (فعلة) بكسر فسكون ففتح تجمع قياسا(7/479)
على (فعل) كعنب مثل (لحية ولحى) و (حلية وحلى) و (جزية وجزى) و (بنية وبنى) و (كسرة وكسر) و (قصدة وقصد) و (قطعة وقطع) وما لا يستقصى.
24 - وقال في ص 47 نقلا عن اليازجي (غلط: فعل هذا بغير رضائي صوابه: رضاي
- اختياري) ثم احتج بأن (راضاه رضاءا ومراضاة - طلب رضاه وتوخاه) قلت: هذا النقد من غريب نقد اليازجي فإن دليله ينقض نقده وذلك أنه فسر (راضاه) (طلب رضاه) فكيف يخطأ من يقول (فعل هذا بغير أن يطلب رضاي أي من دون موافقتي؟) والذي استدرج اليازجي إلى هذا الخطأ إضافة المصدر إلى الياء إذ حسب أنه مضاف إلى فاعله. على أنه مضاف إلى مفعوله. والتقدير (بغير مراضاته إياي) فلك أن تقول (فعل هذا بغير ترضيتي) والتقدير (بغير ترضيته إياي) فلما حذف ضمير الفاعل حل محله ضمير المفعول متصلا.
25 - وقال في ص 47 ناقلا عن اليازجي (رشاه يرشوه رشوا - أعطاه الرشوة ج رشى) ثم قال (غلط ارشاه) قلت ليست دعواه في شيء من الصواب لأنه يغلط من دون أن يستقصي البحث ففي مختار الصحاح (واسترشى في حكمه طلب الرشوة عليه. وأرشاه: أعطاه الرشوة) فهذا نص صريح فصيح وما اليازجي إلا مخطئ. ولعل معترضا يقول: قد يكون هذا ثلاثيا. فأقول له (إنه ذكر قبل هذا (وقد رشاه من باب عدا) فلا موضع للالتباس ولا موطن للاشتباه. فقوله دليل ناطق ولو لم يذكره غيره.
26 - قال في باب (رشا): ما يعطيه الرجل للحاكم ليحكم له. فعدي (يعطي) إلى مفعوله الثاني بلام التقوية وليس ذلك صوابا لأن هذا الفعل متعد بنفسه إلى مفعوليه ولأن لام التقوية لا تطرد في معمول الفعل دائماً بل في معمول اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر.
27 - وقال الأبد جورج جنن في ص 46 (غلط: مربي السفرجل. صوابه: مربب السفرجل وهو المعمول بالرب) قلت إن الأب مثل اليازجي في التخطئة السريعة التي تسوق الإنسان إلى الاستجهال مع أنه جاهل لما استجهل غيره من أجله. قال في مختار الصحاح (والرب: الطلاء الخاثر، وزنجبيل(7/480)
مربب معمول بالرب كالمعسل ما عمل بالعسل ومربى أيضا من التربية) فما الفرق بين أن يقول القائل (وزنجبيل مربى) و (مربى السفرجل) من حيث معنى (مربى) فالأب مخطئ للصواب في ما اعتمد عليه فكره والدليل قد أقر بذلك.
28 - وقال في ص 45 ناقلا عن اليازجي (لأن النظر هنا يدل على الفحص والتدبر بخلاف الرؤية التي لا تكون إلا بالعين) قلت إن اختصاص اليازجي الرؤية بالعين مرغوب عنه لأن الرؤية تكون بالعين والعقل الذين سموه من قبل (قلبا) وقد نص على ذلك
القاموس.
29 - وقال الأب جروجي جنن نفسه في ص 43 (غلط: ذريت الملح، صوابه: ذررت الملح) ثم قال (وأما ذرى (بالتشديد) فيستعمل للحنطة والتراب ونحوه) ولكنه وقع في السطر الثاني في الخطأ نفسه فقد قال (وذررت أنا الحنطة: أطرتها قليلا في الهواء بالمذرى لكي أنقيها من التبن) وذلك باستعماله (ذر) للحنطة مع إرشاده الناس إلى أن الصواب (ذريت الحنطة) وهذا هو العلم المتكلف.
30 - وقال الأب أيضاً في الصفحة بعينها (غلط: ابنه بالذخيرة صوابه ابنه بالتبني فالابن متبنى ومتخذ ابنا. والأب كفيله لأنه يكفله ويعوله ويقوم بأمره) وقد غلط الأب غلطين أولهما قوله (كفيله) والصواب أن يقول (كافله) لأن الكفيل هو الضامن في الدين وفي ما أشبهه. أما الكافل فهو الذي يكفل إنساناً أي يربيه ويعوله ومنه قوله تعالى عن مريم عليها السلام (وكفلها زكريا) والكفيل من (كفل به) والغلط الآخر قوله (متبنى ومتخذ ابنا) بوضع الواو مع أن معنى الجملتين واحد فالصواب (أي متخذ. . .)
31 - وقال في ص 40 ناقلا عن اليازجي (غلط: أدليت الأحكام إليه صوابه أسندت إليه ولم يسمع استعمال (أدلى) بهذا المعنى) قلت إن ذلك عجيب لأن العرب إن كانوا لم يستعلموا (أدلى) بهذا المعنى فإنهم لم يغلقوا أمامنا باب الاستعارة ولا باب الكناية ولا غيرهما من الأبواب المباح دخولها. فقد استعيرت البئر للرجل واستعير الماء العذب للحق واستعيرت الدلو للأحكام فهي تمتلئ من الحق وتعود بأدنا مكتظة ليرتوي طلاب الحق منها.
له بقية
مصطفى جواد(7/481)
باب المكاتبة والمذاكرة
مؤلف مشكل إعراب القرآن
وردت كلمة في لغة العرب (175: 7) تتعلق بفهرست خزانة خراسان المنشور في (664: 6) تفيد أن نسبة كتاب (مشكل إعراب القرآن) لمكي بن أبي طالب القيسي خطأ والصواب أنه للإمام عبد القاهر الجرجاني مؤلف كتاب دلائل الإعجاز وكتاب أسرار البلاغة ولم يأت القائل بدليل الخطأ.
والصواب كما اخترناه أن الكتاب لأبي محمد مكي بن أبي طالب لأسباب منها: إن ابن خلكان عده من مصنفات مكي بن أبي طالب وهذا نصه في الجزء 2 ص 243 طبع إيران:
(له كتاب مشكل غريب القرآن ثلاثة أجزاء).
ومنها قول الإمام السيوطي في الجزء الأول ص 180 من الإتقان وهذا نصه: (النوع الحادي والأربعون في معرفة إعرابه أفرده بالتصنيف خلائق منهم مكي وكتابه في المشكل خاصة والحوفي وهو أوضحها وأبو البقاء العكبري وهو أشهرها والسمين وهو أجلها على ما فيه من حشو وتطويل.
ومنها أن صاحب المقال ذكر أول الكتاب بنصه وهو يخالف نص أول كتاب مكي فإن أوله بعد ذكر اسم المصنف على عادة القدماء والحمد والثناء: (فإني رأيت افضل علم صرفت إليه الهمم) وآخر النسخة: (فلما استحال المعنى حملته على العطف على الوسواس).
أما أنه توفي سنة 467 فهو خطأ وصوابه كما ذكرناه في الفهرست واختاره ابن خلكان أنه توفي سنة سبع وثلاثين وأربعمائة 437 بقرطبة.
إلا أنه وقع في الفهرست غلط طبع واشتبه رقم 3 ب 2 والشيخ الكاتب اعتمد على مذكرته أكثر من اعتماده على مفكرته.
وكان يحسن به أن يحكم بالخطأ بعد التأمل وإنعام النظر فيه وقد نبهنا على(7/482)
ذلك ليعلم أن النقد يحتاج قبل كل شيء إلى التدبر والإحاطة والفكر العميق.
وإلا فأهل العلم يعلمون أن الكتاب لمكي بن أبي طالب.
وفي الختام أني معترف بالقصور والنسيان كما هو شأن الإنسان.
زنجان: أبو عبد الله الزنجاني
نظرة في نادر شاه
بينما كنت ممعنا نظري (؟ كذا) ومسرحا رائد فكري في المقال المنشور ص 379 تحت عنوان (صفحة منسية من تاريخ نادر شاه) إذ وجدت غلطا ظاهرا واشتباها غريبا وبادرت لتصحيحه (؟ كذا) وإليك بيانه: قال الناشر: (عثرت على نبذة تاريخية كتبها بتلك اللغة أحد نصارى كركوك المعاصرين لطهماز قلي خان، المشهور بنادر شاه). فأقول لم ينص أحد من المؤرخين للدول التي تعاقبت على حكم إيران والعراق (إن نادر شاه الإفشاري الذي ولد سنة 1687م وقتل سنة 1747م كان يلقب (بطهماز قلي خان) (؟ كذا) وهذا اللقب مختص بالملوك الصفوية) (؟ كذا).
وقد سمي به بعضهم ولقب به منهم آخرون، وأول ملك منهم سمي بهذا الاسم (الشاه طهماسب بن إسماعيل الذي ولد سنة 905 وجلس على أريكة الملك سنة 930 وكانت مدة ملكه 54 وتوفى سنة 984هـ والشاه طهماسب الثاني بن الشاه حسين وهو الملك العاشر (؟ كذا) من (الدولة الصفوية) ولد سنة 1103هـ وملك سنة 1135هـ وكانت مدة ملكه 10 سنوات (؟ كذا) حتى انتزع الملوكية منه (نادر شاه) الافشاري الذي ولد من أصل وضيع في بلاد خراسان (كذا) وكان معدودا من ملوك الفرس الناهضين، وكان كثير الشبه (برضا على الشاه البهلوي الحالي) أي بتوليه الملك وأعملاه الجسام (؟ كذا).
وكان (نادر شاه) يلقب قبل السلطنة (بنادر قلي افشاري) كما هو المشهور عند كثير من المؤرخين المشرقين (؟ كذا) والمستشرقين (؟ كذا) لا كما يقول الناشر (ملهماز قلي) (؟ كذا) ولنادر شاه في العراق عدة مآثر خصوصا في (؟ كذا) (النجف الأشرف) منها (الجوهرة الثمينة) الموجودة الآن في (الحضرة(7/483)
العلوية) ومنها تذهيبه (للقبة العلوية) وتبليطه للمنارتين أيضا بالذهب الأبريز سنة 1155هـ وقد أرخه الشاعر الشهير بعصره (السيد حسين مير رشيد الرضوي النجفي) بقوله من قصيدة يمدحه بها ويؤرخ عام البناء في ختامها:
أمطلع الشمس قد راق النواظر أم ... نار الكليم بدت من جانب الطور
أم قبة المرتضى الهادي بجانبها ... منارتا ذكر تقديس وتكبير
وصدر إيوان عز راح منشرحا ... صدر الوجود به في حسن تصدير
بشائر السعد أبدت من كتابتها ... آي الهدى ضمن تسطير وتحرير
قد بان تذهيبها من أمر معتضد ... بالنصر للحق سامي القدر (منصور)
وقال في ختامها:
غوث البرايا شهنشاه الزمان علا ... (النادر) الملك مغوار المغاوير
يا طالبا عام إبداء البناء لها ... أرخ تجلي لكم نور على نور
1155
النجف: عبد المولى الطريحي
جوابنا
لا نرى حاجة إلى إظهار ما في هذه النبذة من الأوهام اللغوية والتاريخية فأما أوهامه اللغوية فكقوله: ممعنا نظري والمشهور منعما نظري. وقوله: وبادرت لتصحيحه والصحيح إلى تصحيحه أو (لتصحيحه بادرت) بتقديم المعمول على العامل وهو المشهور. وقوله: طال المطال من الكلام الذي لا معنى له إلا أن إذا تكلف لتأويله. وقوله: خصوصا في النجف والصواب خصوصا النجف.
وأما إنكاره اسم نادر شاه قبل اعتلائه عرش إيران باسم طهماز قلي خان فهو أشهر من أن يذكر وقد ذكره المشارقة والمغاربة والمستشرقون والمستعربون فليراجع السفر الجليل الذي صنفه أ. دي. زنباور - في ص261 و264 و275 و300 و304 و306 ير ما في نقده من الأوهام العديدة ليراجع كذلك معجم م. ن. بويه ص 326 فهو يسميه نادر شاه أو طهماسب قلي خان. وما كان في نيتنا أن ننشر هذه النظرة لكن أردنا أن نبين لحضرة الشيخ الجليل أن لا يتسرع في الرد على الكتاب ولا سيما على مثل الشيخ المجتهد أبي عبد الله الزنجاني والأبيل الفاضل نرسيس صائغيان فإنهما ليسا ممن تزل أقلامهم بسهولة،(7/484)
ولهذا نطلب إلى حرة الصديق الطريحي وأمثاله أن يعذرونا عن نشر هذه الردود وأشباهها وكذلك النظرات أو الملاحظات أو ما ينطوي تحت أثناء هذه المرقعات.
وأما الأغلاط التاريخية فقد أشرنا إليها بأداة الاستفهام فإنها لا توافق ما ذكره المحققون في
هذا الصد فليراجع حضرته ما جاء في التاريخ المذكور ليرى المهاوي السحيقة القعر التي وقع فيها. وهكذا يقع من لم يقف على أحداث السنين.
فقوله: (لم يلقب بطهماز قلي خان غير الملوك الصفوية) غريب فلا نعلم أنزل بذلك وحي من السماء أم نص عليه أحد كبار (لا صغار) المؤرخين. ثم أن المذكور في التاريخ أن طهماسب الأول (والعامة تقول طهماز) لم يلقب بقلي خان (راج تاريخ زنباور ص 261). والشاه طهماسب الثاني هو الملك الحادي عشر لا العاشر. وملك إحدى عشرة سنة لا عشر سنوات وخلع سنة 1144 لا سنة 1149 ولو خلع في هذه السنة على ما يقول الكاتب لكانت سنو ملكه 14 سنة لا 10 كما قال. ثم أن ملكه مدة 11 سنة ليس بقليل فلا يحق للمكاتب أن يقول: لم يطل على ملكه المطال (؟ كذا) وقال: ولد من أصل وضيع في بلاد خراسان والإنسان لا يولد في بلاد بل في بلدة أو قرية أو موطن من البلاد. إذن تعبيره خطأ والصواب أنه ولد في المشهد من أعمال خراسان. ثم في تشبيهه نادر شاه الأفشاري برضا خان بهلوي حط من قدر الشاه البهلوي العظيم الحالي لأن نادر شاه كان في أول أمره جمالا فقاطع طرق فقائد عصابة حتى صار ملكا فكيف يعارض بشاه بهلوي؟.
وقال حضرته إن (نادر شاه كان يلقب قبل السلطنة (بنادر قلي أفشاري) كما هو المشهور عن كثير من المؤرخين المشرقين (كذا بمعنى المشرقيين أو المشارقة أو الشرقيين) والمستشرقين). فنرجو منه الآن أن يذكر لنا أسماء الشرقيين من المؤرخين لنعرف منزلتهم من التحقيق. واسما واحدا لا غير من المستشرقين لنعرف منزلة هذا الكاتب من وقوفه على ما يكتبه المستشرقون إخوانه وإلى أي قوم ينتمي. فلعل ذلك المستشرق هو من قبائل الزولو أو الهتنتوت أو قبائل الوحشيين في قلب أفريقية؟. أما ما قاله حضرته عن مآثر نادر شاه أو طهماسب قلي خان في العراق فهذا مما نسلم له به فقط ولا نزيد على هذا القدر.(7/485)
حول مقالة (قبر ابن الجوزي) و (قصور الخليفة)
إني من المعجبين بالبحاثة الجليل (يعقوب أفندي نعوم سركيس) المطرين له في غيبته إطراءا دونه إطراء الأخ لأخيه اللهم إلا عند مجادلية لأن ذلك يفسخ عزمهم ويدعوهم إلى القول بتحزبي بل ربما شجعتهم على نقده لتمحيص الحقائق وشحذ الأذهان. ومما يمتاز به
البحاثة الفاضل أنه لا يقول إلا إذا استند أو اعتمد لا كما يفعل الطاشة من كتاب التاريخ من عدم ذكر المساند فكأن التاريخ أشعار تنظم وخيال يبتدع وكل ما ذكرت مما يدعني أتحرج في طلب الحقيقة لأن طالبها متأثم نزيه بلا خلاف
ذكر صديقي الفاضل في لغة العرب (373: 7) ما كتبه الرحال ابن جبير عن (جمال الدين أبي الفضائل بن علي الجوزي) الحنبلي ليستدل به على موضع (دور الخلافة) أي قصور الخليفة مضيفاً إلى ذلك (كلمات) لشرح ما أبهم من الأسماء والمقاصد واضعا لها بين عضائد ونص الجميع (ثم شاهدنا. . . مجلس الشيخ. . . جمال الدين أبي الفضائل بن علي الجوزي بازاء داره على الشط بالجانب الشرقي و (الدار) في آخره (يعني في آخر الجانب الشرقي) على اتصال من قصور الخليفة و (هي أعني الدار) بمقربة من باب البصلية آخر أبواب الجانب الشرقي) اهـ
فأقول: إن قوله (والدار) قبل قول ابن جبير (بالجانب الشرقي) مغلوط فيه وقوله (هي أعني الدار) قبل قول ابن جبير (بمقربة من باب البصلية) كذلك لأن الأخبار عن (مجلس الشيخ لا داره بل الوصف لمجلسه لا داره ألا يراه قد قال بلصق قوله المذكور (وهو يجلس به كل يوم سبت)؟ (فشاهدنا مجلس رجل. . .) وأضيف إلى ذلك قوله في ص 203 من الرحلة بمطبعة السعادة سنة (1226 - 1908) ما نصه (وحضرنا له مجلسا ثالثا يوم السبت الثالث عشر لصفر بالموضع المذكور بازاء داره على الشط الشرقي اهـ.
أما قول الصديق الفاضل (يعني في آخر الجانب الشرقي بعد قول ابن جبير) وفي آخره فأرى أن صوابه (في آخر الشط) لأنه قال رحمه الله (بازاء داره على الشط وفي آخر) وإسناد الضمير إلى الجانب لا طائل فيه لأن للجانب الشرقي آخرا شماليا وآخرا جنوبيا وآخرا شرقيا وآخرا غربيا بل له آخر في كل نقطة من محيطه(7/486)
وليس لدى صديقي الفاضل نص على أن الآخر بمعنى الجنوب اطرادا لا مصادفة.
وهنا يحتج علي الصديق الوديع قائلا (وما دليلك على أن الضمير يعود على الشط وما الشط إلا جانب النهر مطلقا؟ فأقول: إن إطلاق ابن جبير لفظ (الشط) يراد به شط بغداد خاصة وإلا كان الكلام لغوا لأن الوصف لها والخبر عنها وإذ لا يقنع الصديق بهذا أحيله على ص 208 من الرحلة فيرى (ثم باب البصلية، هذه الأبواب التي هي في السور
المحيط بها من أعلى الشط إلى أسفله) اهـ. فالمراد بالشط إذن شط بغداد الشرقي الذي له اسفل وأعلى وبالاعتماد على ما لخصت يكون قول الأستاذ في ص 374 (إذ أن المقربة من باب البصلية قد نسبت إلى الدار وليس إلى القصور) غير صحيح لاستبداله الدار بالمجلس وهنالك اضطراب ظاهر في قوله (يحتمل أن تكون قصور الخليفة فوق دار ابن الجوزي أو تحتها) ثم قوله (ولعل الأرجح أن تكون تلك القصور فوق الدار فإني أرح الأرجح وانبذ ما فيه (أو) الشكية لأن مجلس ابن الجوزي المذكور في آخر الشط الجنوبي ولأن داره بحذاء مجلسه أي بازائه واستعمال لفظ (إزاء) يدل صراحة على أن الدار على الشط وعلى غرار المجلس مع فاصل بينهما سواء أكان جدارا أم طريقا ينفذ إلى (دجلة) والازاء لا يحتمل الصدد أي الأمام ولا الخلف بل اليمين أو الشمال. وبعد علمك بالفاضل تجزم أن (قصور الخليفة) فوق دار ابن الجوزي الحنبلي لا تحتها فيصح الترجيح هو الصحيح وذلك لأن المجلس يأتي بعد الدار كما رأينا وقال في ص 374 أيضا (ومما يؤيد ذلك قول ياقوت عن القرية: إنها محلة في حريم دار الخلافة بل قال في مادة باقداري أنها بدار الخلافة) أما ابن جبير فقد قال في ص 203 (وأكبرها القرية وهي التي نزلنا فيها بربض منها يعرف بالمربعة على شط دجلة بمقربة من الجسر) ثم قال (والعادة أن يكون لها جسران أحدهما مما يقرب من دور الخليفة والآخر فوقه) فالظاهر من قوله أن المربعة من أرباضها بمقربة من الجسر(7/487)
وأن الجسر الجنوبي مما يقرب من دور الخليفة).
وإذا كانت قصور الخليفة بين شريعة المربعة أو نحوها وشريعة المصبغة أي على ما ادعى الصديق الكريم فكيف يتفق الأمر وقول ابن جبير ص 206 عن الناصر لدين الله (وقد انحدر عنها صاعدا في الزورق إلى قصره بأعلى الجانب الشرقي على الشط) اهـ. فهل كان أعلى الجانب الشرقي المصبغة؟
مصطفى جواد
لا قرية باسم معاملة ولا معامرة
اطلعت على ما نشره (الطريحي) الفاضل في الجزء الخامس من المجلد السابع من مجلتكم الزاهية حول كلمة (معامرة) التي تكلمت معكم بشأنها الشيء الكثير فلاحظت أن الكاتب المحترم يرميني بالخطأ لنفيي وجود (معاملة أو معامرة في لواء الموصل).
ولا بد من أنكم تتذكرون أن مذاكراتنا ومكاتباتنا لصاحب (العرفان) كانت تدور حول وجود قرية بهذا الاسم (أو بما يقاربه في اللفظ) في قضاء تلعفر من أعمال لواء الموصل (يسكنها جماعة من الشيعيين ولهم فيها مزار يقدسونه ويحترمونه كثيرا). ولم يدر البحث حول وجود (عشيرة) بهذا الاسم قائمة على ضفاف دجلة أو الفرات أو على كليهما.
فعليه ودفعا للالتباس الذي قد يخامر الباب البعض؛ أعمد الآن فأنفي وجود أية قرية في لواء الموصل بهذا الاسم ولدي من الدلائل الملموسة والتحارير الرسمية ما يؤيد مدعاي.
أما وجود عشيرة باسم (معامرة) في لواء الموصل كما ذهب إليه الطريحي الفاضل فليس في ذلك ما يتعلق بهذا الرد الوجيز.
الحسني
السرحيون أو الشرويون أو السرويون
وصل إلي الجزء 4 من لغة العرب وفيه الكلام عن السرحيين أو الشرويين ص 293 وأنا لا أوافقكم على رأيكم في أصل الكلمة والذي يجب النظر إليه هو أن الرومان وبعدهم جميع الأقوام الأوربية اشتقوا الاسم المستعمل عندهم من اللفظ اليوناني، ولا سيما إلى المائة الرابعة أن الحرف اللاتيني(7/488)
كان يلفظ مثل وإني متأكد لما يتعلق بهذا الحرف الأخير وليس للغة اليونانية - كما تعلم - الشين المعجمة وكذلك قل عن اللاتينية. ولهذا قال الغربيون إلى غيرهما على ما في توراتنا، إن في اللاتينية وأن في أي لغة أوربية. إذن كانت الكلمة في الأصل أو ما يشبهها. وليس لنا أقل فكرة بخصوص صفة الحروف الصائتة من طويلة وقصيرة وكذلك قل عن صوت الحرف الأول أي فقد يكون سينا كما قد يكون شينا.
بكنهام (انكلترة): ف. كرنكو
قلنا: إن كان أصل الحرف الأول السين فيكون اللفظ الأصلي عندنا (سرويين أو سرحيين) وإن كان الشين فالأصل الشرويون وكلاهما لم ننكره والحرف جاء عند اليونانيين والرومان بازاء الكاف والقاف والحاء. فمثال الحاء قديما وحديثا حيفا وحبل ومثل القاف قوطولي وقراميد ومثال الكاف كاثوليك وكركند أما الحرف اللاتيني كان يلفظ في زمن من الأزمان كالحرف فهذا لم ننكره. إذن نرى حضرة المعترض يسلم بما قلنا وبما نقول
فلماذا تكون اللفظة من شرقيين (وهذا لا يمكننا أن نسلم به للأسباب التي ذكرناها 295: 7) (ولا تكون من سرحيين أو شرويين؟ فنطلب من حضرته أن يأتينا بالبرهان الواضح لا بما تلقاه في صغره من الأقوال، أو بما جاء في كتب اللغة الإفرنجية التي في الأيدي.
كبيش لا كبش
إني أخاف أن كاتب الحروف في نسب كبش 304: 7 سقط في عدة أوهام. . . فالأمير المشار إليه هو (كبيش) بالتصغير وجده هو (شيحة) بكسر الشين وإسكان الياء المثناة وفتح الحاء المهملة وجده الأخير (أبو فليتة) بالتصغير أيضا وأخبارهم في كتاب الدرر الكامنة مع أخبار أخوتهم. ولو أسرع الطباع طبع هذا الأثر المهم لكان اليوم في أيدي الناس وأزال عنهم بعض الأوهام.
ف. كرنكو(7/489)
مسألة
قرأت في 328: 7 في السطر 19: قد قتل كل كتب اللغة. . . ولو كنت أنا الكاتب لقلت: قد قتل كتب اللغة كلها.
ف. كرنكو
(ل. ع) نعم هذا التعبير الأخير أخف وأرق وأوثق من الأول، لكن لا غبار على فصاحة الأول.
تنبيهات
يقول أحد الكتبة (في هذه المجلة 246: 8): ذكرتم في المقال الذي نشرتموه في الجزء الثالث من المجلد السادس تحت عنوان (الكتب الخطية) أن (كتاب التعجب في علم الكلام). . . غير مطبوع اهـ.
فإن كان خطابه إلينا قلنا: لم نقل بأن الكتاب المذكور غير مطبوع (على سبيل العلم بل قلنا إننا نظن أنه غير مطبوع والظن غير العلم والفرق بينهما بين ظاهر فلا حاجة إلى إحالة الكاتب على كتب الأصول (ليرى هناك البحث عن القطع وحجيته والظن وعدم حجيته (إلا
في الركعات) فالظن في الركعات في حكم القطع لأن حضرته مطلع (والحمد لله).
ونشكر الكاتب على تنبيهيه (247: 7) شكراً جزيلاً.
ونستغرب من حضرته قوله في (407: 7) جاء ذكر هذين الكتابين (أي منية المريد ومسكن الفؤاد) في الجزء الثامن من المجلد السادس للغة العرب (س 563. كذا ولعله يريد 593) تحت عنوان (خزائن إيران) وكأن الناشر (كذا ولعله الكاتب) قد اعتبرهما مخطوطين أما أنا فلا اعتبرهما كذلك أمامي إنهما مطبوعان ومؤلفهما العلامة الشهير الشيخ زين الدين (لا كما يقول صاحب الروضات نور الدين) اهـ.
لم اعتبر الكتابين مخطوطين وهذه عبارتي (51: 6): ودونك وصفنا لكتبها الخطية والكتاب الخطي غير الكتاب المخطوط كما لا يخفى وهل نسي الكاتب أن في ذلك المقال أسماء كتب كثيرة مطبوعة ثم أن عبارته (أما أنا فلا أعتبرهما كذلك الخ) عبارة مضحكة فإن أمثالها تستعمل في الجدل فيقول إن فلانا يقول كذا أما أنا فلا أقول ذلك بل أقول الخ أو أن فلانا يعتقد كذا أما أنا فلا أعتقد ذلك بل اعتقد الخ؛ فالأحسن أن يقول: وكأن الكاتب(7/490)
قد اعتبرهما مخطوطين وهما مطبوعان، وخير الكلام ما قل ودل. أما قوله لا كما يقول صاحب الروضات فإن كان يريد بالروضات ذكر اسم زين الدين في باب الزاء (288: 1) وذكر في ص 295 اسم الكتابين عند بيان تصانيفه وقد نقل ذلك عن رسالة ابن العودي تلميذه ولم يقل إنهما لغيره.
جاء في مقالة الشعر المنثور لغة العرب (371: 7): وفي القرن الرابع عشر للميلاد أي وقت جمود الأدب العربي وجد شيء منه مثل (بند) ابن الخلفة. اهـ. أما البند فقد وجد قبل ذلك القرن بعدة قرون، ولم نعثر على بند أقدم من بند ابن دريد وقد نقله صاحب مجلة اليقين البغدادية (20: 1) عن المجموعة (166 م مجاميع) المحفوظة في دار الكتب الخديوية في القاهرة وهو مكتوب في آخر صحيفة من كتاب الشاه للأصمعي وهذا أوله: رب أخ كنت به مغتبطا، أشد كفي بعرى صحبته، تمسكا مني بالود، ولا أحسبه يغير العهد، ولا يحول عنه أبدا، ما حل روحي جسدي الخ. فكان على حضرة الكاتب أن يقول: وفي القرن العاشر للميلاد أي وقت رقي أدب العربي وجد شيء منه مثل (بند) ابن دريد.
جاء في مقالة اليزيدية لغة العرب (308: 7): ومقالة الفاضل الأديب الحسني تلك المقالة
التي جاءت في أثرهما وقد نشرها في مجلة المرشد (البغدادية) ثم أبرزها في كراسة. لم ينشر الأديب الحسني مقالة عن اليزيدية في المرشد والذي نعلمه هو أن مجلة المرشد الأغر نشرت رسالته (اليزيدية) هدية لمشتركيها في السنة الثالثة.
جاء في لغة العرب (245: 7): أما من جهة دينه (أي دين ابن المقفع) فليس بمقدرة أحد الآن إثبات إسلامه أو نصرانيته اهـ. قلنا إن المؤرخين يقولون كان ابن المقفع مجوسيا فأسلم على يد عيسى بن علي (عم السفاح)، وإن لم يصدق الكاتب فليراجع بنفسه كتب التاريخ والتراجم ليجد هناك الحقيقة ولا ينكر إسلامه الثابت عند المؤرخين.
سبزوار: العلوي
حول آثار أو الكلدانيين
نشرتم في هذا العام في باب (أخبار الشهر) كلمتين موجزتين عن الآثار(7/491)
التي وجدها المنقبون في (مدينة أور الكلدانيين والشمريين وهي المدينة التي نشأ فيها إبراهيم الخليل (ع) المشهورة اليوم (بالقير) الواقع غربي لواء مركز (الناصرية) وعلى مقربة منها وبعد مطالعتي لها وجدتكم قد تسامحتم في عدم ذكر بقية الآثار التي عثر عليها في تلك (المدينة التاريخية) المهمة مع أن مجلتكم (لغة العرب) هي أجدر بنشر آثار بلادها من غيرها. أما الآثار التي لم تذكروها فهي (الأثران) النفيسان اللذان أحدهما إناء مصنوع من الذهب الأبريز منقوش نقشا جميلا وإن يكن (كذا) بسيطا والثاني (رأس ثور) مصنوع أيضا من الذهب وهو آية من آيات الفن بدقته وجماله وشدة مطابقته للأصل الطبيعي وهكذا تذهب آثارنا إلى (البلاد الغربية) ولا نستفيد منها شيئا وصرنا محرومين حتى من (كذا) مشاهدتها.
النجف: عبد المولى الطريحي
(لغة العرب) تستعجلون في ما تكتبون. إننا كنا قد وعدنا بأن نذكر تلك العاديات عند سنوح الفرصة (راجع 249: 7) لكن أجزاء المجلة مكتظة بالمقالات وأصحابها يعاتبوننا في كل بريد على عدم إدراجها فنضطر إلى الإرسال بما عندنا إلى الخارج ونؤخر بعض ما هو لنا إلى أجزاء تالية والأمر لا يتيسر لنا كلما حاولنا تحقيق الأمنية. أما أن هذين الأثرين اللذين يذكرهما الشيخ الطريحي بأنهما نقلا إلى ديار الغرب فلم نسمع بهذا الخبر بل إننا
شاهدناهما ويشاهدهما كل تائق - متحفتنا البغدادية.
الوجود الفاني
إن كان للموت كل حي ... ففيم إيجاده ورزقه؟!
كان رقيق الهلاك قبلا ... يا ليت ما انفك عنه رقه
ما كان أحراه وهو شيء ... للموت أن لا يتم خلقه!
لكن هو الله دق عنا ... في ملكه فتقه ورقته
الشاعر المجهول
القاهرة
(ل. ع.) يدلع الشاعر الطبيعة إلى التكلم بلسان حال الظواهر ثم يستدرك اعتراضه على الله بقوله بما معناه: إنه دق عنا في أعماله فلا يمكننا الوصول إلى كنه أسراره.(7/492)
أسئلة وأجوبة
السبورة
س - مندلي (العراق) - م. ت: ما أصل كلمة (سبورة) المستعملة في العربية بمعنى اللوح الأسود للكتابة وهل الكلمة عربية؟
ج - السبورة لغة في السفورة وهي مشتقة من فعل سفر يسفر الممات في لغتنا ومعناه: كتب يكتب ومنه السافر أي الكاتب والسفر أي الكتاب واللفظة سامية الأصل فهي بالآرمية والعبرية (سفر) لا (سبر) ومعناها في الأصل شفر وحفر وجز وقص ثم انتقل إلى معنى درس وبحث وكتب إلى غيرها من المعاني. إذن يقال السفورة والسبورة وهذه وردت في الحديث والمعنى: ما يكتب فيه.
أصل كلمة هيكل
س - بغداد - م. ع. م - هل كلمة (هيكل) بمعنى معبد أو غيره عربية النجار؟ وإن لم تكن عربية فمن أي لغة أصلها في القديم؟
ج - كلمة هيكل سامية الأصل وهي كذلك أو ما يقاربها لفظا ومعنى في الأرمية والعبرية والحبشية والآشورية. وهي منحوتة من (هي أي بيت أو دار وماء و (كل) أي ضخم وكبير وجليل. فيكون معناها البيت الكبير الضخم وذلك في اللغة الآشورية والشمرية.
ألفاظ طبية
س - دمشق - م. خ: ما هي الألفاظ العربية المقابل للكلم الفرنسية الآتي:
1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 -
ج - 1 - معنى الإفرنجية: تحرير الكلية من محفوظاتها في بعض حالات الالتهاب (كلام السائل) قلنا: الموافق لها هو الفصع عندنا. قال اللغويون: فصع(7/493)
فلان الرطبة عصرها فأخرجها من قشرها. اهـ.
2 - معنى اللفظة الإفرنجية: توجيه الشرارات الكهربية إلى بعض الأورام بقصد معالجتها
(كلام السائل) ولهذا المعنى نشتق فعلا من الشرارة فنقول: أشر كما فعل الإفرنج فقد قال السلف أشره: أظهره. قلنا: ولم يظهره إلا بتوجيه النور أو أشعة النور إليه. فهو من الاشتقاق السائغ الموافق لمصطلح السلف.
3 - معناها في الفرنجية: تخثير السائل بالكهرباء وهي طريقة مستعملة في معالجة بعض الأورام تقوم بتسديد مجرى كهربي إلى الورم يخثر فيه المواد نظيره الأخ فتظهر خشكريشة فيه ولا تلبث أن تسقط بعد حين ويشفى الورم. (السائل) يقابله عندنا الترويب أو التدوية من دوى اللبن (من باب التفعيل) ركبته الدواية وهي جليدة تعلوه وتعلو الهريسة (وكل سائل أو مائع) إذا ضربته الريح كغرقئ البيض اهـ. فالتدوية هنا تدل على اللزوم ولا بأس من تعديتها. إذ مثل هذا كثير في لغتنا أي أن الوزن الواحد يستعمل للزوم وللتعدية معا.
4 - معنى اللفظة الافرنسية: إضاءة المثانة أو تنويرها لرؤية ما فيها (السائل). قلنا: هذا يوافقه تنظر المثانة (وزان تعلم) والآلة التي تتخذ لهذه الغاية هي منظار المثانة أما (المنظار) فيدل دلالة واضحة على الآلة وأما (التنظر) فلأنه غير النظر إذ تنظره معناه تأمله بعينه (مهما كانت تلك العين عليها منظار أم لم يكن، إنما المهم في المعنى تأمل الشيء بالعين) وهذا معنى اللفظ الإفرنجي ويقاس على هذين الحرفين سائر الحروف الإفرنجية المنحوتة هذا النحت. أما إذا جعلت المرآة بدل المنظار والرؤية بدل التنظر فليس فيهما من دقة المعنى ما ذكرناه لك!
5 - تنظر الاحليل على ما سبقت إليه الإشارة لمثل هذا اللفظ المنحوت.
6 - الورم الذي لا ذنب له بل يرتكز على النسج بقاعدة عريضة (السائل) هذا مأخوذ من اصطلاح النباتيين عن الورق والزهر فهو (اللاطي) في لغتنا وبضده أي المعنق (من باب التفعيل).
له بقية(7/494)
باب المشارفة والانتقاد
56 - ديوان بين الشعور والعواطف
لصاحبه محمد مهدي الجواهري
طبع بمطبعة النجاح في بغداد في 142 ص بقطع الثمن الصغير
يرى من شعر محمد مهدي الجواهري أنه تلميذ للزهاوي الكبير؛ فإن لم يكنه لتلقي أصول القريض عنه، فهو خريجه في الأسلوب والفكر وقد صدق في تسمية منظمه بديوان بين الشعور والعاطفة إذ نرى تلك الأبيات منبعثة عن نفس متأثرة بما ينزل فيها فينعقد دررا مصوغا بأبدع الحلي وأزهى الألوان حتى أنك لا تقف على قصيدة من قصائده إلا كأنك تشعر بما يختلج في نفسه من العوامل والمؤثرات. ولا يستبعد القارئ لو قلنا: إن مهدينا يكون الهادي إلى أسمى الأفكار وأبدع المعاني بعد قليل من السنين حتى يبرز على جم غفير ممن يدعون الشعر وهم أبعد عنه بعد الثريا عن الثرى ولو سألنا سائل: ما أحسن قصيدة وقفتم عليها في هذا الديوان لحرنا في الجواب لأننا لم نر إلا لآلي ودررا وجواهر؟ فليطالع السائل الشاعر في ص 75 والروضة الغناء 81 وسجين قبرص 83 وعلى دمشق 199 ودمعة على بغداد 123 والربيع 132 وفي سبيل الأخوين 133 بل قد أخطأنا في الإشارة إلى هذه الغرر لأننا قلنا إنه كله لآلي رطبة.
57 - آثار الشيعة الإمامية
من تأليف عبد العزيز جواهر الكلام (باللغة الفارسية)
الجزء الرابع في 242 صفحة بقطع الثمن الكبير
كان الشاعر المفطور محمد مهدي الجواهري أصدر ديوانه في بغداد قبل نحو ثمانية أشهر ولم يهد إلينا منه نسخة إلا في 18 نيسان وفي اليوم عينه جاءنا هذا الجزء (آثار الشيعة الإمامية) من طهران من أخيه عبد العزيز. وكان هذا الأخ قد صنف(7/495)
بالعربية كتابا ضخما في عدة أجزاء لم يتمكن من أي يطبعه في العراق. فتوفق في طهران لأن تطبع حكومة إيران الجزء الرابع منه وهو الجزء الذي بأيدينا بعد أن نقله إلى الفارسية ابن عمه (علي
جواهر الكلام) فجاء تحفة من التحف. وهذا الجزء يحوي تراجم الرجال الفارسيي الأصل الذين صنفوا أسفارهم في لغتنا العربية فأصبح هذا المجلد ذا فائدتين كما ترى.
إن هذا الجزء مع حسن كاغده وطبعه وجلاء حروفه فيه عيبان: الأول: إنك لا تجد بيتا واحدا من الشعر مضبوطا بالشكل الكامل إلا والضبط مخطوء فيه. فقد عددنا 35 بيتا وردت إلى ص 84 ولم نلف فيها واحدا صحيح الضبط. وما ذلك إلا لأن المنضدين أجانب ولا يهمهم وضع الشكلات على وجهها الذي وضعت عليه.
والعيب الثاني هو أن الأعلام المكتوبة بالحرف اللاتيني غير صحيحة الكتابة فإن الواضع لها تلك الحروف لم يتخذها على وجه سوي. وهذا مما يؤسف له.
وما عدا ذلك فإن هذا الجزء يدل على تمكن عظيم في صاحبه من الأخبار والتواريخ. فإنه راجع 19 كتابا خطيا و48 سفرا مطبوعا من عربي وفارسي واغلبها من الكتب التي لا تقع في الأيدي بسهولة فإن المؤلف حفظه الله وعمره توصل إلى مؤلفات لم يعرفها كثيرون لكثرة رحلاته وتعدد أصدقائه وحسن أخلاقه مما أظفره بما لم يظفر به قبله أحد. ورجاؤنا أن يصدر بقية الأجزاء بلغتها الأصلية العربية لينتفع بها أبناء عدنان وليس ذلك بعيدا على همته الشماء.
58 - مكتبة العرب
لصاحبها الشيخ يوسف توما البستاني عن سنتها الخامسة والعشرين
في هذه القائمة 182 صفحة وفي كل صفحة ذكر نحو عشرين كتابا مطبوعا للبيع. فيكون عدد التآليف التي يعرضها الشيخ البستاني 3640 ولعلها أربعة آلاف أو أكثر ولذا يرى فيها الراغب في المشترى جميع ما يشتهيه من الأسفار والمصنفات وإن لم يجد ضالته في تلك القائمة فيحسن به أن يذكر اسم ما يريد لصاحب المكتبة فهو يكفل تحصيله له بأحسن معاملة.(7/496)
59 - الفصول المهمة في تأليف الأمة
لمؤلفها السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي
الطبعة الثانية (في 192 ص بقطع الثمن الكبير)
60 - الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء
لمؤلفه أيضاً في 40 ص بالقطع المذكور، وكلا التصنيفين طبع في مطبعة العرفان بصيدا سنة 1347.
أدلة هذين التصنيفين كالبواتر لمن يخالف رأي صاحبهما، بل هي صواعق مواحق تلاشي من يقاومه. وإذا علمت ذلك وأن عبارة السيد الموسوي متينة صقيلة لا غبار عليها. تحقق لديك أن هذا التأليف مفتول الرأي. معصوب الفكرة، باطش الحجة ومع هذا كله كنا نود أن لا نرى السباب والشتم في كتب فضلائنا وعلمائنا وأدبائنا، بل أن يكثر فيها التسامح وحسن التعامل لتجتمع الكلمة على الوحدة ولا تشق عصا الوئام، وعسى أن تكون هذه الفصول آخر ما يكتب في هذا المعنى لئلا يستشري العداء إلى ما لا حد له فيعسر الرتق على الراقع.
61 - في سبيل الاتحاد (من هدايا المسرة)
بقلم الأب الياس أندراوس البولسي، طبع بمطبعة القديس بولس في حريصا (لبنان) في 232 ص بقطع 12.
يتضمن هذا الكتاب (المحاضرات التي ألقيت في غضون أسبوع الاتحاد المقام في كاندرائية الروم الكاثوليك في مصر القاهرة في سنة 1927) وقد وجدناها طافحة بالعبارات الأخوية، والآراء الصائبة، والأدلة المنيعة وكل ذلك بكلام خال من التعقيد وعويص الألفاظ فجاءت تحفة في بابها. فعسى أن تنتشر الانتشار اللائق بها وبأمثالها.
26 - مصطفى كمال أو تجدد تركية (بالفرنسية)
-
ظهر هذا التصنيف في باريس عند أوجين الناشر للكتب وهو بقطع 16 في 240 ص وقد جاء في أوانه لأنه يروي لنا أعمال رجل رأى(7/497)
بلاده على حافة الهوة الهاوية فأسرع وأبعدها عنها ونفخ فيها نسمة روح التجدد فإذا هي بلاد عصرية سائرة بخطا واسعة بجانب الأمم الحية الراقية المتمتعة بالعلوم والفنون والصنائع المنعشة وقد أصبحت اليوم تركية من الأمم التي يجب أن تراعى حقوقها كل المراعاة بلا فرق بينها وبين أقواها بأسا ومراسا.
وبعد أن بعث مصطفى كمال روح الحياة في الجيش التركي أخذ على نفسه رفع مستوى قومه إلى مستوى أعظم الأجيال رقيا في الحضارة والعمران فأفلح لأنه أصلح اليوم في بلاده كل ما يتعلق بالسياسة والألفة والاقتصاد بل اندفع إلى ترقية الآداب والوسائل التي تؤدي إليها كالكتابة والكتب ومعاجم اللغة. وهذا ما يرويه لنا المسيو جان مليا بعبارة بديعة جلية ودراية وكفاية تشهدان له بعلو الكعب. فكتابه هذا لا يستغني عنه من يود الوقوف على ما جرى في تركية بعد الحرب وما يجري فيها إلى اليوم.
المجمل في تاريخ الأدب العربية
2 - ولكون النقد الشريف قائما على دعائم الإنصاف نقول: إن البيتين اللذين نسبهما صاحب الفخري إلى (الفرزدق) قد عزاهما (أبو الفرج الاصفهاني) في كتباه (مقاتل الطالبيين) إلى (عبد الله بن الزبير الأسدي) وليس لنا فيهما إلا نصف حجة.
ومما يحمد عليه هذا الجامع الفاضل تجنبه التفضيل بين الشعراء وربما اعتمد في ذلك على أن الأذواق متباينة فما يستمرئه أحد الناس قد يستمرئه أو لا يستمرئه غيره. أما الكلمة التي بدرت منا نحوه للتعريض بتهذيبه لتاريخ مساجد بغداد فقد أردنا بها أن يتجافى عن الأسلوب الظني في الأمور التاريخية الثابتة ويتحاشى عن سلق الناس بلسانه المعروف المألوف. فالمشهور بين الناس أنه صاحب توقيع (حاصد) وحاصد هو القائل في إحدى الجرائد (خادم العرب ولغتهم أو البائس أو مصطفى جواد مخلوق كثير عليه أن اذكر اسمه فضلا عن(7/498)
أن أتناوله بالقلم) فهذا من أدبه العالي وفقه الله لما يحب ويرضى، ولكي نحسن إليه صدد هذه الإساءة نعلمه: إن (أو) لا تكون بين الأشياء المتشاكلة بل تكون بين المتباينة فمن الغلط الفظيع قوله (خادم العرب ولغتهم أو البائس أو. . .) والصواب (أي) فهي المفسرة للمتشابهات وله في هذا الأمر أسوة حسنة في (عبد الرحيم محمود) المعلم الثانوي في مصر فقد نبهناه في مجلة (المقتطف) على هذا الوهم فقال لنا (أو ما علم الأستاذ أن من معاني (أو) التخبيير نحو تزوج هندا أو أختها ولك أن تقول: كتبت بالقلم أو زبرت بالمزبرة) ولما أدر أجهل أن (المزبرة هي القلم وأن هندا غير أختها) أم تغافل عنه فالأولان
متشابهان والأخريان متباينتان، ولذلك اعترض بعض العلماء على قول الغزالي (حانوت أو دكان) فقال: (الصواب حذف إحدى اللفظتين فأن الحانوت هي الدكان) ولما رأى صاحب المصباح أن اعتراضه مبني على فقدان التباين في قول الغزالي، قال (ولا وجه لهذا الاعتراض لما تقدم أن الدكان يطلق على الحانوت وعلى الدكة) فحكم بوجود التباين وقولنا إذن من صميم الحق لاعتماده على فقدان التباين أبدا.
2 - ومن نقائض الكتاب عدم ضبط الأعلام والمصادر فضبط الأعلام يعوز التلاميذ فضلا عن القراء عامة وعدم ذكر المصادر قد جعل الكتاب بخس القدر جدا يعافه المحقق ويعرض عنه المدقق ولا يذكر في عالم الأدب.
3 - وقال المؤلف المحترم محمد بهجة في الصفحة الأولى من مجمله (ثم بعد أن دونت علوم العربية سلب هذا الوصف من هؤلاء) والفعل (سلب) يتعدى إلى مفعوليه بنفسه فإذا صار أحدهما نائبا عن الفاعل بقي الآخر منصوبا فالصواب (سلب هؤلاء هذا الوصف) عن المختار والمصباح.
له بقية
مصطفى جواد
الشفق الباكي
3 - ثم أرجع البصر إليه في ص 178 حيث يقول مبينا واجب الفن وموجبا(7/499)
مراعاته وذلك بعنوان (واجب الفن):
من واجب الفن تصوير الحياة كما ... ترى الحياة بآمال وآلام
لا يترك الشر منبوذا لخشيته ... أو يرسم الخير سلطانا بأحكام
بل يرسم الدين والدنيا كما ظهرا ... في مظهر ساقط أو مظهر سام
وفي تضاعيفه للحق منزلة ... هي الحياة تناجي عطفك النامي
كذلك من واجب الفن الصحيح هدى ... هذي النفوس وإرواء الهوى الظامي
وإن سألت عن مجمع فنون الشعر الذي جل عن التقدير والاختبار فهو في قصيدته (مجمع
الفنون ص 703) يريد به الشعر إذ قال:
عزفت ملء رنين القلب أشعاري ... وكان لي منه أصدائي وأوتاري
قيثارة صدحت باللحن ضاحكة ... حينا وآنا بكت في وجدي الناري
كم بين جنبي من شعر ومن نغم ... أحبه لم يزل سري وإضماري
فإن سمعتم أناشيدي مرتلة ... فما سمعتم مزاميري وأسراري
لكن كفتكم أغاني مهجتي نخبا ... من كل لحن عجيب الروح سيار
والشعر يحيي الأغاني في النفوس كما ... يحيي النسيم أغاني الجدول الجاري
كأنما جمعت فيه الفنون كما ... يؤلف الروض أطيارا بأزهار
فلا تعيبوا جمال الشعر عن خطل ... جماله روح أرواح وأفكار
وفي ص 553 قصيدة عنوانها (ضمير الخالق) يعترف فيها بأنه قطعة من المجدد المعيد فلذلك يقول:
وأنا المقر بأن كلي قطعة ... مما أراه مجددا ومعيدا
وتراه يتطرق غالبا إلى عظماء التاريخ فيبحثهم ويوفي بحق كل منهم ففي ص 158 يقول للفردوسي ناظم الشاهنامة:
شاب الزمان وماتت الأعوام ... وحجاك حي لم يرعه حمام
يا فيلسوف الشرق غير مدافع ... هومير إن يكرم فأنت إمام(7/500)
وفي ص 213 يقول محييا (الجامعة المصرية) حانا إلى مجد العرب القديم الذي ألوى به الطيش والغرور والفجور:
حييت جامعة أساس بنائها ... شمم على مجد القرون يغار
وكأنما المستنصرية جددت ... ومواهب الأمس السري تثار
أو أن بغداد العظيمة أشرقت ... وبها نظام الملك والأنصار
وفي ص 248 يقول:
وفي وثوب كأن الصقر قائده ... وطارقا مسعف يتلوه فرسان
وبربروسا على الغارات محتكم ... في البحر يزعج من ذكراه أسبان
يريد بالصقر (عبد الرحمن الداخل الأموي) وبطارق بن طارق زياد وببربروسا (خير الدين
باشا) القائد الأبحاري للدولة العثمانية في القرن التاسع للهجرة وقد ذكر الناشر في الحاشية شيئا عن هذا القائد.
وإنه ليعمد كثيرا إلى قضايا التاريخ بالذكر والتمحيص ليستنتج منها عبرة ومثلا ففي ص 744 يقول:
فصدك قوم كالخوارج قادهم ... قرين أبي جهل وقد طفحوا جهلا
على أن الخوارج كانوا متبايتين فمنهم المحق والمبطل فأي فريق قصد شاعرنا الفحل؟ وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (م 1 ص 447) قول علي بن أبي طالب (ع) في الخوارج: (لا تقاتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطئه كمن طلب الباطل فأدركه).
وهو يمجد العظيم لأن عمله عظيم غير ران إلى دينه ولا إلى مذهبه وفي ص 942 يمدح (فرديناند دلسبس) بقوله:
تمثال دلسبس العظيم يشير في ... ظفر الأبي بعزمة ومضاء
وفي ص 990 يقول، (فتلق وفاد المحبة كالوفود أمام كسرى) وتجده في أكثر ديوانه مشيرا إلى عظماء التاريخ للتعظيم والتعليم وهو في الوصف مبدع خلاب رقيق مرقق سواء أكان الوصف حقيقة أم تشبيها ففي ص 559 تحت عنوان (خالان) يقول:
خالان خال يستعز بوجنة ... وأخوه بالشفة الجميلة ضاح(7/501)
متوشحان من السواد بحلية ... ضحكت من الأصباغ والأوضاح
وفي ص 946 يقول واصفا (همس الأقدام) ومستلزماته بهذا العنوان:
يهمس بالأقدام كال ... ألحان في نجوى القلوب
وكان وقع حفيفها ... شوق الربيع لها الطروب
أو صوتهن وقد هرب ... ن من الجنان بلا رقيب
كل يخاصرها حبي ... ب والوجود لها حبيب
وفي ص 960 يصف راقصة في ثوب أحمر وفي فمها وردة حمراء قد عضت عليها والوصف عنوانه (ورد ونار) فهو يقول:
رقصت وفي فمها المورد وردة ... عكست لهيب الشمس من برديها
فوددت لو عضت علي وأشفقت ... من نار ورديها ومن شفتيها
وشاعرنا الدكتور مولع بتفقد الطبيعة له فيها نشيد وحيد وشوق مديد فتحت (رسم الطبيعة) من ص 181 يقول:
لا تنهروني لتصوير محاسنها ... إن الطبيعة إلهامي وأستاذي
أو تنكروا صوتها الوافي إلى أذني ... فربما لم تبح إلا لأفذاذ
جعلت شعري صفات من بدائعها ... فإنما لسناها يحتذي الحاذي
وفي ص 985 يقول:
والزهر في قربه يهتز مبتهجا ... شوقا ويرشف راح الماء جذلانا
والغابة الحرة المزهو رونقها ... تردد الشعر أضواء وألحانا
والعشب في مرح والترب في فرح ... وعالم الجو حاكى الأرض أحيانا
وإذا مررت بديوانه (بستان الأدب النضيج) حفت بك الحكم النافذة في خلال أشعاره الغر الحسان ففي ص 675 يقول:
يشقى الغني بماله ... وينوء بالفقر الفقير
وكلاهما صنو الحقير ... العبد أو مثل الأجير
وكلاهما يشكو الحيل ... ة ويستغيث ويستجير
يا ليت شعري من سوء ال ... مال المسخر والأمير
له بقية
مصطفى جواد(7/502)
معجم إنجليزي عربي
3 - وقد قال في صاحب (قاموس سعادة) في مادة ما حرفه: ملك التعابين (كذا بتاء مثناة وهذا المعجم مشحون أغلاطا) وهو حيوان خرافي قال الأقدمون إنه إذا نظر إلى شخص أو نفخ فيه قتله ثم زادوا فقالوا هو ثعبان هائل ذو رأسين واحد من كل طرف إذا فح ذعرت منه سائر التعابين (كذا. تراه يكتب الثعبان بالثاء المثلثة إذا جاء مفردا وإذا جمعه كتبه بالتاء
المثناة وهو غريب) وهربت. وكتب في مادة ما ننقله بعبارته: أفعى خرافية زعم الأقدمون أنها تولدت من بيضة ديك حضنتها أفعى. اهـ
فقوله في الأول (أي عن الباسيليق) رئيس الثعابين مأخوذ من معجم بادجر الإنكليزي العربي حيث قال صاحبه: رئيس الثعابين أما في الثاني فلم ينقل كلمة بادجر وهي صل.
أما رأينا فهو أن يذكر بازاء الباسيليق الملكة لأن كلمة باسيليق يونانية معناها الملكي. كأنه يشير إلى أنه ملك الحيات وسماها العرب أيضا (المكللة) لأن كل ملك لا بد من أن يكلل ولأن بعض هذه الثعابين مكانة إكليلا تكلم عنه العلماء. ومن مرادفاتها (الأصلة) لأن السلف عربوا اللفظة في بادئ الأمر على ما أظن بصورة باصلة ثم توهموا أن الباء زائدة وأنها للجر فقالوا (أصلة) وكنا قد كتبنا مقالة قبل نحو ثلاثين سنة أو أكثر في مجلة (المنهل) وبعثنا فيها عن أسماء هذه الأفعى ثم نقلت الأصلة إلى أخصر منها وهي صلة أو صل. وقد ذكر الصل والمكللة الدميري في باب الحية.
وأما فقد سماها السلف (الناظر) وسماها أيضا (الأصلة) قال الدميري في باب الحية: وهو عظيم جدا له وجه كوجه الإنسان ويقال إنه يصير كذلك إذا مرت عليه ألوف من السنين ومن خاصية هذا أن يقتل بالنظر أيضا. اهـ.(7/503)
والمؤلف صديقنا ذكر بازاء الناظر. الرقيب (الدميري). فنقول: إننا لم نجد الرقيب في كتاب الدميري كله - والناظر هو ما ذكرناه - وقد ضبط حضرته الدميري بضم الدال وزان زبير وبياء النسبة وهو ما ينطق به العوام، والصواب دميري كجليلي أي بفتح فسكون. أما الكلمة التي يحسن أن توضع بدلا من الناظر والرقيب فهي الأصم. وقد ذكرها الدميري في باب الحية. والكلمة العملية تعين ذلك.
أما فقد وضع لها الصديق مقابلا: الثعبان أبو العيون. وعندنا أن الثعبان الجاحظ هو أوفق وأشبه. وجعل بازاء ثعبان عيون. ضرة. والذي أثبتناه نحن في مجلة المشرق 347: 2 (في سنة 1899 أي قبل ثلاثين سنة) هو الدساس. وما هذه الكلمة إلا تصحيف الدبساس وقد قرأت كذلك لإهمال الأعجام.
وأما ضرة (وقد ضبطها ضبط مرة) فليست كتابتها كذلك بل ضراء (كسماء) كأنك تقول: ثعبان الضراء فحذفت المضاف وأبقيت المضاف إليه وهو كثير الأمثلة في لغتنا. والضراء
هو الشجر المتلف في الوادي أو أرض مستوية تأويها السباع والحيات وبها نبذ من الشجر.
ولا نريد أن نمتد في هذا الموضوع أكثر مما أتينا عليه. إذ غايتنا إيراد أمثلة وشواهد لا ذكر كل ما هناك من هذا القبيل.
3 - غنى لغتنا
ذكر حضرة صديقنا الودود بعض الألفاظ الإنكليزية ولم يقابلها بما عندنا مما يؤدي معناها أحسن تأدية بكلام أو لفظ موجز مثال ذلك كلمة فقد وضع بازائها في لساننا: - 1 - فضلة في الفم - 2 - الفطر - رتبة من النباتات بدون سوق أو جذور أو أوراق وليس فيها كلوروفيل وتتكاثر بالبذور - عرهون - فطرة (ج فطر) كمأة - عرجون - عيش الغراب - فقاع - شحم الأرض - عسقل (ج عساقل) اهـ.
فنقول إن اللفظة اللاتينية التي اتخذها الإنكليز وعلماء سائر اللغات هي(7/504)
عربية الأصل في نظرنا وهي الفقع (بفتح الأول وكسره) فالفاء في اللغتين العربية والغربية واحدة وأما النون الإفرنجية فمن وضع الغربيين وهم كثيرا ما يقحمونها كلما وجدوا متحركا فساكنا عندنا. مثال ذلك وبالإضافة أي ينبوع أو عين. فأصلها (بض) واصل البض: السيلان قليلا من شق صغير في الأرض. وفيه لغات بط ونبض إلى غيرها. وكذلك القول في أي الجبل فإن أصله (مد) أو مط لامتداده في السماء أو الجو، إلى غير ذلك وهو كثير. والفقع بالمعنى الذي يريده الغربيون مذكور أيضا في كتب السلف منا. قال في اللسان: (الفقع والفقع بالفتح والكسر: الأبيض الرخو من الكمأة وهو أردأها. قال الراعي:
بلاد يبز الفقع فيها قناعه ... كما ابيض شيخ من رفاعة أجلح
وجمع الفقع بالفتح فقعة (كقردة) مثل جبء وجبأة. وجمع الفقع بالكسر فقعة أيضا مثل قرد وقردة. وفي حديث عاتكة: (قالت لابن جرموز: يا ابن فقع القردد) قال ابن الأثير: الفقع ضرب من أردأ الكمأة. والقردد أرض مرتفعة إلى جنب وهدة وقال أبو حنيفة: الفقع يطلع من الأرض فيظهر أبيض وهو رديء. والجيد ما حفر عنه لو استخرج. والجمع أفقع وفقوع وفقعة. قال:
ومن جني الأرض ما تأتي الرعاء به ... من ابن أوبر والمغرود والفقعة
ويشبه به الرجل الذليل فيقال: (هو فقع قرقر ويقال أيضا: (أذل من فقع بقرقر) لأن الدواب
تنجله بأرجلها. قال النابغة يهجو النعمان بن المنذر:
حدثوني بني الشقيقة ما يم ... نع فقعا بقرقر أن يزولا
الليث: الفقع. كم يخرج من أصل الأجرد: وهو نبت قال: وهو من أردأ الكمأة وأسرعها فسادا. انتهى كلام صاحب اللسان.
فأنت ترى من هذا النص البديع التفصيل (وقد أوردناه برمته ليعلم فضل السلف العرب من ينكره عليهم) إن ما سماه الغربيون هو الفقع نفسه.
له بقية(7/505)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - سرقة كتب مخطوطة من خزانتنا
في أيام الشتاء سرقت من خزانتنا ثلاثة كتب مخطوطة، لكننا لم ننتبه إلى فقدها إلا في أول أيار من هذه السنة، حين احتجنا إلى مراجعة اثنين منها، أما أننا فقدناها في أيام الشتاء فلأننا رأينا مكانها فارغا في ذلك الحين. وكنا نظن أننا وضعناها تحت يدنا لاحتياجنا إليها ولم يخطر في بالنا أنها سرقت ولما أردنا رؤيتها وطلبناها في مظنتها لم نجدها. وأول هذه المخطوطات مصحف مخطوط بقلم (ياقوت) كما هو منصوص في آخره بعبارة تركية تقع في أكثر من صحيفة. وكل صفحة منه مقسومة إلى كتابة الآية في أعلاها بقلم ثلثي ثم يليها كتابة الآيات التي تليها بقلم نسخي فبقلم ثلثي فبقلم نسخي فبقلم ثلثي أي أن متصفح المصحف يرى في الصفحة الواحدة كتابة بالقلم الثلثي في أعلاها ووسطها وآخرها وبين سطور الثلثي سطور بالنسخي والخط من أبدع ما يمكن وهو محلى ومطلى وكنا قد أخذناه إلى لندن في سنة 1921 فأهدى إلينا أحد الأميركيين بدلا منه خمسمائة ليرة إنكليزية فأبينا. وهو مجلد بجلد أسود وكان قد أهداه السلطان محمود خان إلى داود باشا الكرجي الأصل والي بغداد في نحو سنة 1829م ولما توفي الوزير المذكور في المدينة وضع وارثوه أيديهم على كتبه ومقتنياته فانتقل المصحف المذكور من واحد إلى واحد حتى صار بيدنا، ثم سرق منا.
ومن عادتنا أن نسم كتبنا بخاتم خاص بنا ونطبع به الصفحة الأولى والأخيرة من كل كتاب ثم الصفحة ال 50 فصفحات المئات مثل 100 و200 و300 إلى آخر ما هناك من المئات. وكان نقش الخاتم قبل الحرب الكبرى باللغة اللاتينية وبحروفها، حتى إذا أخذها أحدهم لا يهتدي إلى قراءة صاحبها الشرعي وهكذا نجد فيها سمتنا عليها. أما بعد الحرب فكنا قد وضعنا على كتبنا ومخطوطاتنا نقش خاتم حفرناه في النجف في سنة 1918 وهذا ما عليه: (المكتبة الشرقية العراقية للآباء المرسلين(7/506)
الكرمليين في 18 بغداد 19).
ونختم الصفحات كما ذكرنا بحبر لا يمحى والناس يعلمون هذا الأمر ولهذا كان السارقون يقصون بالمقص الصفحات المذكورة. لكن يجهلون أنهم بمحوهم أو بقصهم تلك الوجوه
يثبتون أن الكتاب مسروق من خزانتنا بدليل عملهم هذا. وليس في بلاد الله كلها من يختم صفحات كتبه بالنظام الذي سردنا تفصيله.
على إننا لم نختم المصحف المذكور بخاتمنا لأسباب يطول شرحها. أهمها أن ليس في صفحاته أرقام ولأننا لم نرد أن نشوه محاسنه بخاتمنا الكبير الضخم الذي في حبره أجزاء تجعلها لا يمحى البتة.
أما الكتابان الآخران فلم يتيسر لنا ختمهما أيضا لأننا أردنا أن نختمهما مع سائر الكتب التي كنا أجلنا وسمهما إلى سنوح الفرصة، إذ الوقت الفارغ قليل عندنا غاية ما يكون، فكنا لا نختم من الكتب إلا إذا اجتمع عندنا منها مقدار مائة أو مائتين حرصا على الوقت فذهب هذان المخطوطان غفلين من كل سمة من سماتنا. سوى أننا كتبنا بالإفرنجية في الصفحة الأولى منهما بما معناه: اشترى هذا الكتاب الأب أنستاس ماري الكرملي بكذا من المال في اليوم والشهر والسنة الفلانية) ومحو هذا السطر هين بإمرار حبر أسود فاحم عليه أو بوسيلة أخرى لا تصعب على من يسرقه.
والكتاب الثاني المسروق لم نهتد إلى اسمه إلى الآن إلا أننا نرى فراغ مكانه بين المخطوطات النفيسة ودونك الآن وصف الكتاب الخطي الثالث وهو (دمية القصر) للباخرزي:
في نحو أواخر شهر نيسان سنة 1928 اشترينا هذا الديوان من أحمد حامد أفندي الصراف بمائة وعشرين ربية.
وفي ورقته الأولى ترجمة المؤلف منقولة عن المولى طاشكبري زاده وفيها أيضا اسم أجد أصحابها وقد محي أكثره ومما يتبين للمتبحر فيها أنه الحاج محمد جواد ابن الحاج عبد ال. . . في سنة 1145 وفيها أيضا: (مما انتظم في سلك ملك أحقر العباد عيسى بن (كذا) المرحوم السيد مصطفى الحسني الشهير بالعطار سنة 1205) وفي آخر السفر ما هذا بعض نصه بحرفه:
(وهذا آخر الكتاب. . . ونجزت بعونه تعالى هذه النسخة المباركة على يد(7/507)
المذنب. . . مصطفى بن أحمد البغدادي بمدينة دار السلم بغداد. . . في أواسط شهر ذي الحجة الشريفة من شهور سنة أربع وستين بعد الألف من الهجرة النبوية. . .)
وجاء بعدها متن القصيدة القطميرية ويليها رسالة عنوانها: (روح الجنان وروح الجنان لأبي الحسين علي بن المقرئ. ويعقبها قصيدة الفرزدق التي يمدح بها علي بن الحسين:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
ثم يأتي بعدها (كتاب التيسير في علم القراءة السبع) جمع الإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان سعيد. وفي آخر ذلك كله أنه فرغ من كتبه في أواسط رمضان سنة 1064 مصطفى ابن أحمد. ويتلو ذلك قصيدة بانت سعاد وأخرى مطلعها:
كيف ترقى رقيك الأنبياء ... يا سماء ما طاولتها سماء
ثم شيء عن تبالة في اليمن وقد نقلها أحد الأدباء ليدرجها في (لغة العرب) وهي لعبد الحميد البغدادي الشهير بالحكيم زاده. ويتلو تلك الأوراق فوائد أخرى له أيضا. والمجلد كله بخط كاتب واحد جلي القراءة فصيح الحروف التي تكاد تكون بحجم 24 من مجلة لغة العرب.
وكان قد استعار منا أحد الفضلاء هذه الدمية فنقل منها قصائد وفوائد لعلنا ننشر منها شيئا إذا سنحت لنا الفرصة.
2 - عمر الحضارة
أخذ تاريخ الحضارة يزداد اتضاحا عند كل اكتشاف أثري جديد فقد ظهر أن الزمن الذي بدت فيه الاكتشافات التي أزاحت أستار الغموض عن الحقائق الكبرى والتي انتشلت الجنس البشري من أعماق البربرية يرتقي تاريخه إلى عهد بعيد جدا ففي القرن الغابر كانت التعاليم تفرض أن العالم لم يخلق إلا قبل 6000 سنة وكانت هذه التعاليم تدرس عموما في جميع المعاهد لكن الواجب يحتم علينا الآن تعديل نظرياتنا عن سير تقدم البشر استنادا إلى ما اتضح من أن أناسا عاشوا قبل 6000 أو 7000 سنة أو ربما قبل ذلك بكثير لأنهم كانوا قد بلغوا شأوهم من الحضارة والمدنية إذ استطاعوا أن يبنوا بالحجارة والآجر واتخذوا الآنية الخزفية مخروطة واستعملوا الكتابة لتدوين أفكارهم وقد أذاع الدكتور ا. س. أ. ج. لكندن في(7/508)
السنة الماضية آراءه على صفحات (الديلي تلغراف) مبينا الأعمال التي تنويها بعثة جامعة أكسفورد وبعثة متحفة شيكاغو للقيام بها في الشتاء المقبل. وقد تواردت علينا الأنباء الرسمية عن شيكاغو مفيدة أن البعثة قد عثرت على بعض العاديات
مما يرتقي تاريخه إلى 4000 سنة قبل المسيح أو أكثر وليس ذلك بالأمر العجيب لأن هناك من الأسباب الموثوق بها ما يحملنا على الاعتقاد بأن سكان بلاد الرافدين استعملوا النحاس قبل المسيح بأربعة آلاف سنة فعلية أن الحضارة التي نهضت بأصحابها إلى درجة تمكنوا فيها من اتخاذ المعادن لا بد أن يكون قد مضى على بزوغها في فجر التاريخ زمن طويل.
ولكن أين نشأت تلك الحضارة ومن الذين أنشئوها؟ - ذلك لا يزال من الأسئلة المعقدة أجوبتها. قد يصح تطبيق المأثورة القديمة والنظرية الحديثة التي اتخذت من مصر أما لجميع العلوم لأن هناك احتمالا أن الأمة التي نشرت الحضارة المصرية العظمى ظهرت لأول مرة في مصر (5000) سنة قبل المسيح ولم يمض على ظهورها زمن طويل حتى شرعت البلاد في اتخاذ النحاس على إنه لم يتحقق حتى الآن هل كانت مصر أو بابل هي المكتشفة لطريقة استعمال النحاس وقد يصح أن كلتيهما تلقت هذا الفن مع فنون أخرى أوسع نطاقا من أحد مصادر العلم والثقافة القريبة من آسية الوسطى.
فقد اكتشف في بلاد تركستان النائية كنز ذهبي تدل علائمه على أنه من عهد الحضارة البابلية القديمة وتوصل الدكتور لنكدن إلى تمييز بعض العلاقات بين العاديات المستخرجة من كيش وتلك التي جيء بها من بلاد فارس في عهدها السابق للتاريخ أن هيئة الناس الذين قطنوا ديار الرافدين معلومة لدينا ولنا من المذمرات (التماثيل النصفية) ما يبلغ 5000 سنة في القدم وليس في الوجه من الملامح ما يدل على أنه من أصل سامي بل فيه شيء من السيماء المغولية وفي الإمكان مشاهدة أمثال هذه الوجوه في مختلف أنحاء أوربة في يومنا هذا ومن أغرب ما يذكر عن هؤلاء الناس أنه كلما توغلنا في البحث عن أديانهم نجدها تزداد بساطة فمن دين تتعدد فيه الآلهة وإذا أوغلنا في التنقيب عنه نجد أقصى تاريخه قائما على ثلاثة آلهة يجمعهم ثالوث واحد وفي رأي الدكتور(7/509)
لنكدن أن ما كان من الآلهة قبل ذلك لم يتعد عدد الواحد وهذا الواحد هو الإله (آن) والد الآلهة كلها جمعاء فإذا كان لرأيه نصيب من الصحة وجاءت الحفريات الجارية في كيش مؤكدة أن أو دين دان به الإنسان المتمدن كان قائما على عبادة إله واحد فلا بد أن يكون لهذا الأمر الخطورة العظمى في ما نعهده من النظريات عن الحياة البشرية
(عن الديلي تلغراف في 31 ك2 سنة 1929)
تعريب أميل لورنس
3 - الوزارة السويدية
صدرت الإرادة الملكية بإسناد كرسي رئاسة الوزراء إلى صاحب الفخامة توفيق بك السويدي ودونك صورة كتاب صاحب الجلالة وإرادته المطاعة:
وزيري الأفخم توفيق السويدي
بناء على استقالة فخامة عبد المحسن السعدون من منصب رئاسة الوزراء ونظرا إلى اعتمادنا على درايتكم وإخلاصكم فقد عهدنا إليكم برئاسة الوزارة الجديدة على أن تنتخبوا زملائكم وتعرضوا أسماءهم علينا والله ولي التوفيق.
صدر عن قصرنا الملكي في اليوم التاسع عشر من شهر ذي القعدة لسنة ألف وثلاثمائة وسبع وأربعين هجرية الموافق لليوم الثامن والعشرين من شهر نيسان لسنة ألف وتسعمائة وتسع وعشرين ميلادية.
فيصل
صدرت الإرادة الملكية بناء على ما عرضه رئيس الوزراء بتعيين:
توفيق السويدي وزيرا للخارجية والأوقاف
عبد العزيز القصاب: وزيرا للداخلية
يوسف غنيمة: وزيرا للمالية
داود الحيدري: وزيرا للعدلية
محمد أمين زكي: وزيرا للدفاع
الحاج عبد المحسن الشلاش وزيرا للمواصلات والأشغال
سلمان البراك: وزيرا للري والزراعة
وخالد سليمان: وزيرا للمعارف
على رئيس الوزراء تنفيذ هذه الإرادة
كتب ببغداد في اليوم الثامن والعشرين
من شهر نيسان سنة 1929 واليوم التاسع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1347.
فيصل
توفيق السويدي رئيس الوزراء
4 - رئاسة المجلس النيابي
فاز فخامة عبد المحسن بك السعدون رئيس حزب التقدم برئاسة المجلس النيابي بعد أن شغر كرسيها بإسناد وزارة(7/510)
الداخلية إلى معالي عبد العزيز القصاب.
5 - البطريرك أغناطيوس افرام الثاني رحماني
نعى البرق من القاهرة البطريرك أغناطيوس أفرام الثاني رحماني كبير الطائفة السريانية الكاثوليكية وقد ذهب إلى حلوان ليستشفي بمائها لداء ألم به فتوفي فيها في 7 أيار تاركا له أثرا بل آثارا لا تمحى في العلم والفضيلة.
ولد المرحوم في الموصل في 7 نوفنبر (ت2) سنة 1848 ودرس في مدرسة الدمنكيين ثم ذهب إلى رومة وسقف على الرها (اذسا) في 2 ت1 (أكتوبر) سنة 1887 ونقل إلى أبرشية بغداد في 20 أيلول 1890 سنة فحول إلى حلب في أول أيار (مايو) من السنة المذكورة وأقيم بطريركا على السريان في 9 ت1 (أكتوبر) 1898 وأثبت في مقامه في مجمع الكرادنة في 28 ت2 (نوفنبر) من السنة المذكورة نفسها متخذا لنفسه اسم أغناطيوس وكان اسمه لويس حين كان قسيسا وأفرام حين كان أسقفا وكان مقام البطاركة السريان في ماردين فسعى في جعله في بيروت.
وكان يحسن من اللغات الشرقية: العربية والأرمية والعبرية والفارسية وشيئا من التركية ومن الألسنة اللاتينية واليونانية والإيطالية والفرنسية والإنكليزية والألمانية والإسبانية وربما كان يعرف غيرها وكان له أجل وقوف على آداب الشرق وتواريخه وعلومه وله تآليف عديدة بألسنة شتى تشهد له بمعارفه الوافرة وعلو مداركه فكان من أعلم أعلام الشرق ومن أبر أبنائه رحمه الله رحمة واسعة.
6 - طغيان الفرات
ندرج هنا البلاغ الرسمي الذي أذاعته إدارة المطبوعات بحرفه وعلاته:
(لقد طغى نهر الفرات في الآونة الأخيرة طغيانا عظيما لم يسبق له مثيل منذ عشرات من السنين؛ وبالرغم من اعتناء الحكومة واهتمامها في تحكيم السداد فإن قوة المياه الفائقة للعادة قد تغلبت على السداد وكسرت معظمها وأضرت إضرارا لا يستهان بها. وقد منيت بعض ألوي الفرات: (الدليم والحلة والديوانية) بخسائر زراعية وقد اتخذت الحكومة الترتيبات المستعجلة الآتية:
1 - جلبت الألوف من العمال والفعلة لتشغيلهم في تحكيم الكسرات ومراقبة السداد ووقايتها من الخطر المحدق بها.(7/511)
2 - قررت الحكومة بصورة مستعجلة إسعاف المنكوبين بالأرزاق والسكنى لتامين راحتهم وأصدرت الأوامر اللازمة للملحقات لتشكيل لجان خاصة لإيواء وإطعام المنكوبين.
3 - أما الموظفون الإداريون والمهندسون فإنهم مهتمون في تحديد الأضرار، والحكومة باذلة أقصى جهدها في سبيل إيقاف الضرر والخطر المحدقين في الألوية المار ذكرها.
4 - لم يحصل ضرر ما في النفوس
5 - وسنوافيكم بأخبار الفيضان عند حصولنا على معلومات جديدة.
7 - ضحايا فيضان الفرات
يظن أن ضحايا فيضان الفرات جاوزت ألف نسمة أكثرها من الأطفال. وخلت عدة قرى ودساكر من سكانها الذين فروا منها مذعورين. وأغلبهم لجئوا إلى كربلاء فمد أهل هذه المدينة أيديهم إلى المنكوبين وساعدوهم بكل ما كان في طاقتهم.
8 - يوبيل الرافعي
نقلت إلينا أخبار لبنان أن احتفل العلماء والشعراء بيوبيل الشاعر الكبير عبد الحميد بك الرافعي وذلك في 7 نيسان فازدان المجلس بأعاظم الرجال وأفاضلهم وتليت الخطب وأنشدت القصائد ونحن نهنئ الرافعي بيوبيله الخمسيني ونتمنى له اليوبيل الألماسي وما وراءه.(7/512)
العدد 71 - بتاريخ: 01 - 07 - 1929
القلم حاجية(7/513)
المترجم (أي المعرب) اهـ. وأخال أن لا غناء عن التنويه بأن مرتضى أفندي نظمي زاده لم يكن واليا بل كان كاتبا وشاعرا ومؤرخا وهو مؤلف (كلشن خلفا) الذي مر بنا اسمه مرارا في هذه المجلة. وأوسع ما عرفته عن هذا المصنف هو ما جاء به هوار وفي ذلك ترجمة والده وستأتي بعيد ذلك.
والمعرب الثاني لتصنيف مرتضى أفندي عن الأصل هو عيسى صفاء الدين البندنيجي. وها أنقل عن مقدمة تعريبه ما دعاه إلى ذلك نقلا عن مخطوط مبعث الآباء الكرمليين لما في ذلك من اللذة والفائدة. قال ص 7:
(أما بعد فيقول - صفاء الدين عيسى القادري المقشبندي البندنيجي - أن علم التاريخ والأخبار مما ينشر بساطه في مقاعد أولي السعادة الأخيار - ولا سيما تاريخ الأنبياء الكرام وورثتهم من الأئمة الأعلام وسائر العلماء العاملين والأولياء والصالحين - ومن يسرح طرف الطرف في حدائق أسطاره - من زكت أعراقه - ذو الأيادي الحاتمية - السيد - الشريف - الحسيب - الكريم - القادري الحسب والنسب - رئيس عترة الكيلاني - نقيب الأشراف السيد محمود أفندي - وبينما أنا في غصص الزمان أتجرع مرائرها فيه آنا فإن - لما أنا في زمان أندرست في (كذا لعلها فيه) المعالم - وإذا بطارق يطرق الباب - فقلت من هذا؟ فقال خادم سلالة الأطياب - النقيب - أرسلني يدعوك - فأجبت - وسرت - فتشرفت بناديه - ثم بعد استقراري - ناولني كتابا - وقال أن هذا الكتاب في بابه أعجب من العجاب حوى تراجم الوجوه والأعيان وحاز مآثر غرر نواحي الأزمان من الأصفياء والأولياء المقبورين في بغداد وما يتبع قضائها (كذا) من البلدان. إلا أنه تركي البيان - فالمأمول أن تترجمه بلسان العرب - ولما انتهى كلامه - أطرقت مليا وقلت في نفسي خفيا هو مني مناط الثريا. وما للبندنيجي والبيان فإنه عجمي الطبع واللسان - فرفعت رأسي، وأظهرت ما في نفسي معتذرا - فكلما اعتذرت إليه - لم يفد الاعتذار إلا تكرار الطلب والإصرار. فلم يسعني إلا المسارعة والبدار إلى الامتثال والائتمار. على(7/519)
إني مولع بخدمة هؤلاء الفحول - معتقدا فيهم علو الشأن والرتبة. . .
وكان الإشارة إلي في ذلك - من الأخ الصفي (وقد نعته الصرفي - النحوي العروضي اللغوي الأديب المناظر البياني المحدث المفسر الكلامي الأصولي الفقهي المنطقي المدرس
المحرر الواعظ) أحب أحبائي شهاب الدين السيد محمود أفندي الآلوسي - ووافقه في تلك الإشارة الورع الزاهد - السيد - الشريف - إمام العصبة الحنيفية في الحضرة القادرية وخطيب أهل السنة السنية - السيد عبد الوهاب - وحثني عليه - من هو من جسدي بمنزلة الروح - نخبة أولي النباهة - كمالاته تتنافس فيها الأشراف - ضم إلى حسن الأخلاق. ظرافة تضحك له مباسم الأوراق - يرتاح بطيب حديثه من جالسه وحادثه - عارف للناس وزمانه - ولي الإمامة في سدة إمامنا أبي حنيفة النعمان. زمن الوزير داود باشا مدة من الزمان - وولي توليتها سنة زمن وزير الوقت علي باشا. ثم عزل لأمر أراده الله وشا - قسي الفصاحة. حاتمي السماحة - عبد الرحمن أفندي - فلا جرم شمرت عن ساعد الاجتهاد - فلازمت ترتيب المؤلف في التقديم والتأخير والتزمت إضافة زيادات بعد التهذيب والتحرير - والمرجو من فضلاء الزمان أن يصلحوا بقلم فضلهم ما فيه من الفساد. . .) اهـ.
وعقب ذلك تعريب مقدمة الأصل التركي ومما فيه:
(أما بعد فإن سلطان السلاطين - أبا الفتوح السلطان محمد خان - لما ولى - إبراهيم باشا ايالة بغداد - سنة سبع وسبعين وألف (1666) دخلها وصار لسكانها الغيث والكهف. ولم يزل يتذاكر (كذا) في مناقب الأولياء - فسئل (كذا) هذا الحقير عن كتاب حافل لذكر مناقبهم المنيفة - فلم أظفر بكتاب مختص بالبحث عن المقبورين في الزوراء فنهضت متشبثا بأذيال المصنفين الفضلاء ونظمت دور مآثر مختصة بأولئك الأجلاء جامعا إياها من كتابي شواهد النبوة ونفحات الإنس المنسوبين إلى - مولانا عبد الرحمن الجامعي - والبهجة وشرح(7/520)
الهمزية وروضة الصفا وتاريخ ابن خلكان وغيرها وسميتها: جامع الأنوار في مناقب الأخيار إلا أنه لاستعجالي في تصنيفه - كان محتاجا إلى التكميل - ولم يساعد التقدير - إلى أن تولى بغداد - إبراهيم باشا الثاني - سنة ألف واثنتين وتسعين (1681 م) فدخلها - أثناء جمادى الأخرى (كذا) ولم يزل كسلفه مولعا بتدبر مناقب الأولياء وتتبع مآثر الصلحاء فأخبر بالكتاب المؤلف المذكور - فطلبه - فشرعت في تكميله والزيادة عليه - ثم أهديته وقدمته بين يديه. . .) اهـ.
ثم قال المعرب: انتهت الديباجة ولنشرع في المقصود - من تعريب تراجم الوجوه
والأعيان المدفونين في بغداد وما يليها من البلدان. . .) اهـ.
تراجم المؤلف والمعربين
المؤلف نظمي زاده مرتضى أفندي
لم يقصر مؤلفنا مرتضى أفندي على تأليف الكتاب الذي عقدنا له هذا الكلام بل له غير ذلك من المصنفات وفيها كلشن خلفا وهو تاريخ لبغداد. وقد توسع فيه المؤلف في أخبارها في العصر العثماني بالنظر إلى حجم الكتاب وهو من جل مآخذ هوار الذي رأى أن يأتينا بترجمة المؤلف مع ترجمة والده في مدخل (تاريخ بغداد في الأعصر الحديثة). وإليك الآن ما قاله هوار معربا:
(كان مرتضى تركيا وهو ابن الشاعر نظمي، وقد هاجر الوالد مع أغلب الأتراك من بغداد حينما استولى عليها الشاه عباس وكان نظمي قد اختفى أياما ثم تنكر بزي درويش وأخذ معه والدته وهو مكشوف الرأس حافي القدمين لا زاد له ووجهته آسية الصغرى (الأناضول) واجتاز بالحلة وكربلاء فأقام فيهما مدة للراحة ثم سار نحو حافظ أحمد باشا وكان الباشا بطريقه إلى العراق عائدا إليه ليحاول استرداد بغداد ممن أخذها الأمر الذي لم يفلح فيه. وكانت بين نظمي وبين القائد (حافظ أحمد باشا) معرفة سابقة فتبع نظمي أحمد باشا إلى آسية(7/521)
الصغرى وتسلى عن بعده من وطنه بتردده إلى كبار الموظفين من هم برتبة وزير و (ميرميران) وبإثرائه من رفقتهم. والمحتمل أن ثروته جمعت مما كانوا يهدونه إليه لقاء قصائده بمديحهم.
وتجد من نظمه ما نقله ابنه مؤلفنا (مؤلف كلشن خلفا) عن ديوانه أو عن مجموعة من قصائده من ذلك بيتان من قصيدة أنشدها حينما قدم السلطان مراد إلى أورفة وهو يسير إلى بغداد (1048 - 1638) وقد عاد هذا الشاعر إلى وطنه (بغداد) بعد أن استرجعها الأتراك. وكانت عودته عقيب علمه بموت الشاه صفي ملك فارس في 14 صفر 1052 (14 أيار 1642) وكان برفقة نظمي أولاده وحفدته وظل عائشا بعد ذلك فإنه نظم في سنة 1069 (9 - 1658) تاريخا لبناء جامع السلاحدار محمد باشا ذلك الجامع الذي لم يتم إلا بعد خمسة وعشرين عاما أي في سنة 1094 (1683).
هذا ما كان من أمر نظمي. أما مرتضى فإنه تعرف برجال نقلوا حكاية استعداد المحاصرة
لبغداد في سنة 1035 (6 - 1625) وكانت بغداد إذ ذاك بقبضة صفي قولي خان الذي ولاه الإيرانيون عليها. وشهد مرتضى (ملك أحمد باشا) (والي بغداد) - المشتهر بهذا الاسم لفضائله - يصلي صلاة الميت على عامل مات تحت ردم جدار. وقد قال الباشا أن من يموت وهو يسعى في كسب رزقه يعد شهيدا. وعرف مرتضى سميه مرتضى باشا الذي كان حظيا في أعماله يتفاءل لصيادي السمك في دجلة. وروى ملحتين ونظم عدة تواريخ في استرداد قبرص في سنة 1081 وفي مولد السلطان أحمد الثالث في سنة 1084 (1673) وفي ترميم بغداد معروف الكرخي في زمن عبد الرحمن باشا الذي كان (واليا في بغداد) من سنة 1085 إلى سنة 1087 (6 - 1674 وفي إتمام السلا حشور(7/522)
محمد بك لجامع السلاحدار في سنة 1094 (1683). فكان مرتضى شاهد عيان للوقائع التي يرويها في القسم الأخير من كتابه وكانت وفاته في سنة 1133 (1720) على رواية أحمد حنيف زاده نقلا عما هو ملحق بكشف الظنون المجلد 6: 574 و578 و606 من طبعة فلو كل وفي سنة 1136 على رواية هامر) اهـ. وحاشية هوار ترجعنا إلى كتاب بالألمانية ذكر اسمه، وإلى فهرس المخطوطات التركية للمتحفة البريطانية. ويؤيد سجل عثماني (4: 560) رواية أحمد حنيف زاده في أمر سنة الوفاة فإنه قال ما تعريبه: (نظمي مرتضى أفندي: رجل بغدادي وهو ابن السيد علي البغدادي ولد في بغداد ثم قدم إلى الآستانة وتوفي فيها في سنة 1136 (1723) وهو شاعر ماهر. وله من التآليف كلشن خلفا وذيل سير نابي وتيمور نامه وترجمة تاريخ وصاف.
وفي قائمة المخطوطات العربية والفارسية والتركية التي أهداها دى كردمانش إلى الخزانة الأهلية في باريس (ص 89) أن نظمي زاده البغدادي مرتضى أفندي هو ابن السيد علي أفندي نظمي البغدادي. وذكر له شرحا لشواهد مغني الليب وعد تصانيفه بالتركية ونسب إليه الديوان الذي ذكره هوار لوالده كما رأينا. وقال أيضا أن كشف الظنون (6: 544) ينسب إليه ترجمة تاريخ ابن عربشاه إلى الفارسية ومعجم تاريخ وصاف الحضرة (6: 566). قلت والذي أراه في فهرس المخطوطات العربية والفارسية والتركية المحفوظة في خزانة ويانة (فلو كل 1: 109 و2: 185) أن كتاب (لغت وصاف) هو لحسين أفندي ابن السيد علي نظمي زاده وأن له شرح وصاف. ويؤيد ذلك ما جاء في مخطوطات الموصل
(ص 31 عدد 125) أن للسيد عبد الأمين كتابا تركيا ينتقد به شرح نظمي زاده حسين أفندي لديوان (كذا) وصاف.
حسين أفندي نظمي زاده
ليس من عادتي في مثل هذا المعرض الصمت عن التنويه بفاضل كهذا الذي كان شيخا للشيخ عبد الله السويدي الذي قال في رحلته (مخطوطي ص 13 و14): (وأخذت علم التفسير عن شيخنا الشيخ حسين نظمي زاده. قرأت عليه تفسير(7/523)
جزؤ عم للقاضي البيضاوي وقرأت على ذلك (؟) درسا حاشية المولى عصام الدين مع ما كنت عليها (؟). . . وأخذت المعاني والبيان والبديع على شيخنا حسين نظمي زاده. قرأت عليه الشرح المختصر على التلخيص مع مراجعة الشرح المطول. . .) اهـ.
ولحسين أفندي ترجمة بالتركية لرسالة في الهيئة جاء في مقدمة الترجمة أن مؤلفها هو إبراهيم القرماني ثم الأمدي وقد كتبها للسلطان إبراهيم (وفاته في سنة 1058 هـ - 1648) ويقول المترجم أنه قد رفع تأليفه إلى والي بغداد حسن باشا. وعندي نسخة قديمة من الترجمة.
المعرب الأول السيد أحمد ابن السيد حامد فخر (فخري) زاده
مفتي الحدباء (الموصل)
جاء ذكر ترجمته في غاية المرام في تاريخ محاسن بغداد جار السلام لياسين ابن خير الله العمري الموصلي (مخطوطي ص 399) قال:
هو غرة جبهة الفضلاء. وعنوان صحيفة العلماء المقدم في كل فن من العلوم سافر إلى بغداد في أيام عمه ذو (كذا) الرشاد وزار قبر جده الإمام علي البطل الضرغام، ومدحه بقصيدة طنانة فريدة وسيرد عليك ما رق وراق. وعاد إلى الموصل وولي الإفتاء سنة ألف ومائتين وثلاثة (كذا) (1788) فأقام بهذه الرتبة السنية والخدمة المرضية، وأرضى جميع البرية إلى أن أدركه الحمام فقضى نحبه ولقي ربه سنة ألف ومائتين وتسعة عشر (كذا) (1804 م) (وهنا أورد أبياتا من القصيدة التي نوه بها ومطلعها):
أتينا نجوب البيد حثا على السير ... نأم (كذا) اغتراف الفضل من ذلك البحر
وفي ص 249 من هذا المخطوط في الكلام عن شهداء كربلاء قول مؤلفه:
(ورأيت في نسخة ألفها الفاضل مرتضى أفندي الشهير بنظمي زاده ألفها سنة ألف واثنين (كذا) وتسعين باسم الوزير إبراهيم باشا والي بغداد. ألفها باللسان التركي فنقلها إلى العربية مفتي الموصل السيد أحمد فخر (كذا) زاده. . .)
المعرب الثاني عيسى صفاء الدين البندنيجي
قالت جريدة (العرب) البغدادية في عددها المرقم 13 المؤرخ بتاريخ 31(7/524)
تموز 1917 أنها وجدت عند أحد الأصدقاء الأخصاء كتابا خطيا صغيرا سماه صاحبه: شعراء بغداد في أيام وزارة المرحوم داود باشا والي بغداد من سنة 1200 إلى سنة 1246هـ (1830م) تأليف الفاضل عبد القادر الخطيبي الشهرباني وأن فيه ترجمته نقلا عن لسانه. وفيه تراجم من كان في عهده من الشعراء والعلماء والفضلاء. وقد وجدت فيه ترجمة عيسى صفاء الدين وترجمة أبيه اللتين سأنقلهما إلا أن الذي ظهر لي من مطالعة ترجمة (الخطيبي) أن كاتب ترجمته هو غيره فإنها تذكره بصيغة الغائب ثم تذكر وفاته فلا يكون الخطيبي قد ترجم نفسه ويكون المخطوط تأليفا لغيره وهو يحوي أربعا وثلاثين ترجمة على ما في جريدة (العرب).
وهذه ترجمة السيد عبد الله البندنيجي وابنه عيسى صفاء الدين أو صفائي وقد وردت في العدد المرقم 57 المؤرخ بتاريخ 6 تشرين الأول سنة 1917:
السيد عبد الله البندنيجي
أصله من البندنيجين (مندلي الحالية) جاء أبوه بغداد وأخذ الطريقة عن الشيخ خالد وتخلف في الطريقة النقشبندية. وأوفده شيخه إلى البندنيجين بمنزلة خليفة فأقام هناك إلى وزارة داود باشا فقربه هذا منه وأدناه. وكان ذلك بالمكاتبة إلى أن صارت واقعة العجم فجهزوا عساكر ليزحفوا على بغداد. وكان داود باشا يستنشق أخبارهم من الشيخ الموما إليه فكان يطلعه على ما كان يقع في عسكر الأعجام. واتفق أن هؤلاء الأعجام قبضوا على مكاتبات الشيخ وكان يتكلم فيها عليهم بلهجة شديدة فجاء الإيرانيون وحاصروا البندنيجين فأخذوها قهرا وقبضوا على الشيخ المذكور وأحرقوه في النار فاستشهد رحمة الله عليه.
نجله صفائي أفندي أو عيسى صفاء الدين
كان نجله (أي نجل السيد عبد الله) هذا ذكيا منذ صغر سنه وكانت تظهر عليه إمارات الفطنة والزكانة قرأ العلم على الأصول المتعارفة وجاهد كل المجاهدة(7/525)
في ميدانه حتى برز فيه وعرف بتفوقه به على غيره وبعد أن أتم دروسه على شيخه عبد الرحمن الكردي في بغداد أخذ منه الإجازة بها وكان المرحوم داود باشا يلاحظه وكان يمدح علمه وذكاءه فلما عمر الوزير المذكور جامعا كبيرا وأنشأ فيه مدرسة وخزانة كتب أقامه مدرسا فيها وهو اليوم يدرس العلوم صباح كل نهار ويرضع أفاويقها للمترددين عليه. وهو أيضا صاحب طريقة يجلس في تكية السيد علي البندنيجي قدس سره. وقد تزوج كريمة حفيد السيد علي البندنيجي. وهو الآن مقيم في تكيته المذكورة ويذهب كل يوم صباحا إلى المدرسة الداودية وبعد الظهر يرجع إلى التكية. أجزل الله سعيه!
وجاءت ترجمته في أول كتابه في التراجم وهو الكاتب الذي نحن بصدده وذلك في نسخة مبعث الآباء الكرمليين أنقلها بنصها:
(توفي ليلة الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من رجب الفرد من شهور السنة الثالثة والثمانين بعد المائتين والألف من الهجرة وفي 14 من تشرين الثاني ودفن صباح الأحد في تكية البندنيجي في حجرة قرب قبة السيد علي. رحمهم الله تعالى.
كان، عليه الرحمة، متوسطا في الطول والضخم، قوي البنية، متوسط الكف والقدم، بهي المنظر، حسن الصورة، بين البياض والسمرة، أحمر، واسع العينين، عريض الجبين، خفيف الدم، أحمر الشفتين، صغير الفم، لطيف الأسنان، أسود الشعر، لا بالسبط ولا بالقطط، لا بالكثير ولا بالقليل، عريض الزندين، والساقين، طويل العنق مهدل الأكتاف، واسع الصدر، معتدل القامة، فصيح الكلام، عذبه ذكيا، جيد الفطنة والإدراك، والانتقاد والفهم حاضر الجواب، خفيف الروح، جسرا، عاقلا، مدبرا، ذا أخلاق أرق من النسيم الوفا ودودا مصغيا منصتا، مكرما، متواضعا وقورا فروحا بوقار أديبا نجيبا محبوبا، ذا حافظة قوية، ونظم لطيف، ونثر عال وإنشاء في الألسن(7/526)
الغربية، ومعرفة للألسن مثل العربي، والفارسي، والتركي، والكردي، (والفرانساوي). وخط بديع في جميع ذلك وغيره. شفاف الطبع، مرتب الهيئة. عالما بالنحو الصرف والمنطق والفقه والأصول والكلام والجدل
والحديث والتفسير والتاريخ وغيرها من العلوم العقلية والنقلية حافظا للمتون والشعر كريما صالحا دينا متقيا ذا طريقة وعبادة، وعشق وفراسة وخيال وجمال. لا يكدر أحدا ولا يسب ولا يعبس قليل الغضب حليما بشوشا صفوحا سليم القلب، يتصدق سرا لا يترك الجماعة والقرآن والأوراد والصلوات والاستغفار والتسبيح والتهجد. ميسرا له ذا خدم وحشم وزروع وأملاك غالبا على نفسه قليل الضحك والمجون والهزل منعم نفسه بالركوب والتنزه وغير ذلك. ذا دقة في الأمور وحسن توقيع لها حسن الرمي والسباحة مهيء الأسباب لكل أمر عارفا بالطب والرمل ونحو ذلك تغمده الله برحمته وجميع المسلمين آمين) اهـ. والترجمة غفل من اسم كاتبها.
وكان يسكن محلة القرية فقد قال عند كلامه عن الشيخ محمد الأزهري (مخطوط الآباء الكرمليين ص 592 قال المؤلف (نظمي زاده) هو أحد الأولياء. . . وكان والده من أصحاب الشيخ محيي الدين عبد القادر الكيلاني فكان هو أيضا من جملة المنسوبين إلى تلك الطريقة السنية. . . توفي (الشيخ محمد) في بغداد ودفن بها في الجامع الشهير بجامع الخاصكي الواقع في محلة القرية من محلات بغداد انتهى. قد أنعم الله علي بجواري له محلة (ودارا.) اهـ.
وقد رأينا تاريخ بناء هذا الجامع في ما تقدم بعد النصف من القرن الثاني عشر للهجرة وسبب إحداثه بعد عدة قرون من وفاة الأزهري هو وجود مرقده في هذا الموضع (راجع كلشن خلفا).
وحبذا لو عني الأدباء بجمع تاريخ بلادنا وتراجم رجالنا!
بغداد: يعقوب نعوم سركيس
(جوائز سنية) نهدي إلى من يعيد إلينا (دمية القصر) الديوان المسروق 20 ربية وإلى من يعيد إلينا المصحف المسروق منا مائة ربية.(7/527)
الكشافة
ضربوا الطبول واصدحوا الأبواقا ... ومشوا على نهج الحياة رفاقا
متهيئين لدفع كل ملمة ... ومعارضين لمن يثير شقاقا
الصدق ديدنهم وكل فضيلة ... كي ينشروا بين الشعوب وفاقا
قد دربوا في المعضلات لحلها ... في حين أن جعلوا الطباع رقاقا
يتسابقون إلى الصلاح لأنهم ... طبعوا عليه فنوروا الآفاقا
ألفوا المعونة والطموح مع الحجا ... طلبوا النجاة وهذبوا الأخلاقا
نشروا السلام على الأنام ولم يزل ... إصلاحهم يبدو لنا مصداقا
هم صفوة الناس الكرام لفضلهم ... وهم الذين تعودوا الإحقاقا
هم أخوة في المعضلات وفي الهنا ... وبهم طريق أولي الرذائل ضاقا
لا فرق بين قريبهم وغريبهم ... فلقد سقوا كأس الوفاق دهاقا
درسوا العلوم مع الفنون وكلهم ... أضحى إلى نيل العلى مشتاقا
حسنت مآثرهم وراق مرادهم ... وشموس مسعاهم رأت إشراقا
بعثوا نفوسهم لأفضل مأرب ... والشهم من نحو الفضائل تاقا
وقفوا تجاه الخطب بغية صده ... والخطب لولا البأس ليس يلاقى
فشعارهم (أن يستعدوا دائما) ... ويثابروا كيلا يروا إخفاقا
تخذوا الإشارات الخفية مرشدا ... فتجنبوا الأوهام والأعماقا
واستخدموا شتى الرموز وسيلة ... لنجاحهم فبدوا بها حذاقا
لو كان جيد للصلاح لأصبحت ... أعمالهم حقا له أطواقا
من هؤلاء الشوس فينا ثلة ... لبلادهم قد أرخصوا الأعناقا
تركوا المقال وباشروا أعمالهم ... سرا ليحيوا بالجهود (عراقا)
فهم الحصون لدى الدفاع ومطلق ... لمقيد يرجو بهم إطلاقا
إن كان قولي في الخيال فيالها ... من جنة ضربت علي نطاقا
أو كان قولي للظنون مباءة ... فجميل ظني يورث الأشواقا
بغداد: مصطفى جواد(7/528)
نكبة الفلاح
قصيدة من أبدع قصائد فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة الأستاذ الكبير جميل صدقي الزهاوي وقد صور فيها أفصح تصوير نكبة الفلاح العراقي، تلك النكية التي نزلت به في هذه السنة بفيضان الفرات وقد أنشدها في حفلة تمثيل رواية (الوطن) التي قامت بها فرقة السيدة فاطمة رشدي في ليل 5 حزيران سنة 1929 إسعافا لمرزوءي الفيضان.
- 1 -
قد طغى يطفح الفرات وعبا ... يملأ الأنفس الجريئة رعبا
ساعة ثم طبق الأرض ماء ... فكأن الآتي قد جاء وثبا
إن ذاك الذي عهدناه نهرا ... ضيقا أمسى اليوم كالبحر رحبا
غمر الجانبين منه وأنحى ... يتسامى إلى التلاع فأربى
أغرق الزرع والمساكن والش ... اء مطافيل والبساتين غليا
إن يوما أنحى الفرات على الف ... لاح فيه يشله كان صعبا
لم يكن هكذا يشد عليه ... مستبدا لو كان يملك قلبا
كذبتنا الحياة في كل شيء ... ولعل الآمال أكثر كذبا
- 2 -
جاء غضبان بادي الأزباد ... عابئا بالأسداد والأرصاد
وإذا كان السيل قد عب يجت ... اح فماذا مناعة الأسداد
إن من كان في الجبلة حرا ... كلسرا للأغلال والأقياد
ولقد مدته على ما أتاه ... كثرة للثلوج في الأطواد
دهم السيل آمنين فريع ... القوم يستصرخون للإنجاد
هبت الأمهات في الذعر ليلا ... يتعثرن فيه بالأولاد
يا لها نكبة ألمت بناس ... فأضاعوا ما عندهم من رشاد(7/529)
كابدوا الجوع بعد ذلك حتى ... نال منهم، وفت في الأعضاد
فوجوه تكلحت وعيون ... خضلات غارت لطول السهاد
هكذا الحادثات تبدو وتخفى ... في صدام الأزل بالآباد
- 3 -
قد تمادى الفرات في طغيانه ... وأبى إلا قسوة في افتتانه
فاض حتى حسبته وهو يسطو ... ملكا يستبد في سلطانه
غمر القاع ثم عب فأنحى ... يعتدي مزبدا على كثبانه
أتراه مصارعا يتحدى ... أم تراه قد هاج من أشجانه
ذاهبا بالشياه يجرفها ج ... رفا وبالزرع وهو في ريعانه
جاء كالنمر الوحش يهلك ناسا ... رضعوا ما أدره من لبانه
كم فتاة أودى بها في صباها ... وفتى قد أرداه في عنفوانه
إنه في اكتساحه الزرع يعثو ... سل روح الفلاح من جثمانه
لعظيم طوفانه وعظيم ... ما تلقى الفلاح من طوفانه
ولقد كان قبل ذلك يأتي ... حاملا للسلام في أردانه
- 4 -
قد طحا بالفلاح يقسو الفرات ... وله كانت منه تأتي الحياة
أذهب الزرع والمراعي جمع ... اء فجاعت أبناؤه والبنات
قد أصابته في النهاية منه ... نكبات وراءها نكبات
أمهات لهن تدعو صغار ... وصغار تدعوهم الأمهات
ولقد أصبحوا جميعا بلا م ... أوى وباتوا وهم جياع عراة
ذهب الزرع عند إدراكه والبي ... ت ثم الشياه والبقرات
كل هذا في ليلة عصفت فيه ... االسوافي واشتدت الظلمات
رب قوم باتوا جميعا فلما ... أصبحوا ألفوا إنهم أشتات
إنما هذه الطبيعة قيد ... والنواميس كلها حلقات
- 5 -
القرى قد تهدمت والبيوت ... ثم عز المأوى وعز القوت(7/530)
فتيات يعولن خوف المنايا ... ومنايا تطوف وهي سكوت
بالآتي الفلاح فوجئ ليلا ... فهو في ظهر ربوة مبهوت
ينظر السيل وهو ضخم مخيف ... يتنزى كأنه عفريت
أمل ذاهب وجهد مضاع ... وشياه غرقى وشمل شتيت
ليت شعري هل الطبيعة غضبى ... قد قضت في أبنائها أن يموتوا
أين أين المفر والقدر الغ ... لاب قد سل سيفه الأصليت
إنما في السماء قد رفعت والأ ... رض لله وحده الملكوت
- 6 -
جلل ما ألم بالفلاح ... جاءه السيل بغتة وهو طاحي
إنه في ليل من الهم داج ... قد خلا صبحه من الأوضاح
من حشاشاته رحى الهم نالت ... أقس بالهم من رحى ملحاح
ظل في بهرة الشقاء مقيما ... ماله عنها ساعة من براح
أفسدت عيشه صروف الليالي ... هل لما أفسدته من إصلاح
كلما ازداد الفقر في بلد قلت م ... ن اليأس قيمة الأرواح
أي نفع لبائس من حياة ... قد خلت حقبة من الأفراح
هل لهذا الليل البهيم انتهاء ... فأرى النور فائضا في الصباح
- 7 -
ارأفي يا سماء بالمفجوع ... بضراعاته وتلك الدموع
ارحمي أدمعا له قد تحل ... بن تؤاما من قلبه المصدوع
بائس ينخز الأسى قلبه كل ... لياليه ليلة الملسوع
مرسل عند غبسة الليل منه ... شهقات إلى الفضاء الوسيع
وله صرخة إذا النفس جاشت ... تترقى في الليل بعد هزيع
انظري هذه الجموع فهل من ... نضرة في وجوه هذي الجموع
كلهم قد أضاع زرعا وضرعا ... ليس فيهم من لم يكن بمضيع
قد خلا الروض من خزامى ورند ... فكأن الربيع غير ربيع(7/531)
- 8 -
تسعد الأرض بالرجال وتشقى ... وبأعمالهم تغور وترقى
أثر المرء بعده ذو بقاء ... غير أن المآثر الغر أبقى
ومن الناس من يرى الحمق حذقا ... ويرى الحذق بعد ذلك حمقا
أي رشد ترجوه في ثلة قد ... تخذت باطلا من الأمر حقا
كل يوم يسدد الدهر سهما ... غير أن الإنسان لا يتوقى
قد شقينا بما حيينا فسحقا ... لحياة نشقى بها ثم سحقا
وأرى مهجرين في البر عطشى ... وأرى واغلين في اليم غرقى
ما أطقنا احتمال ما قد لقينا ... فعسى أن نطيق ما سوف نلقى
ليس عبء عن العواتق يرمى ... مثل عبء على العواتق يلقى
اغتنم صفوها فإنك في ي ... وم وشيك يجيء تشرب رنقا
من تروى أن الفناء محال ... لا يرى بين الحي والميت فرقا
غير أن الحياة محبوبة لي ... فبودي إني أعيش وأبقى
ولقد يعقب النعيم عذابا ... رب مثر من السعادة يشقى
- 9 -
يرتجي للشدائد السود فيصل ... إنه راحم عليه المعول
ملك جامع لغر السجايا ... فهو فيهن آخر وهو أول
رأسه للسلام بالتاج والت ... اج جديرا برأسه قد تكلل
ما أصاب الفرات غر بنيه ... ساءه فهو اليوم بالهم مثقل
قد طغى فوق كل ما نتظنى ... وطما فوق كل ما نتخيل
ما رد الناس في المساكن ي ... طو مثلما طارد الفريسة أجدل
جميل صدقي الزهاوي(7/532)
لواء ديالي
(لغة العرب) لكاتب المقالات البلدانية السيد عبد الرزاق أفندي الحسني فضل على من كتب في هذا الموضوع العراقي لأنه لا يدون شيئا إلا من بعد أن يذهب بنفسه إلى المواطن المهمة التي يذكرها ويسأل أصحابها عما هناك مما يجدر تسجيله من أراض ومياه وعشائر إلى غمرها ولهذا نشكره عما يتكبده من الأتعاب والنفقات في سبيل التدقيق ونشر الحقائق التي لا غنى لأحد عنها.
1 - توطئة
لعبت إيران في العراق أدوارا مهمة واستولت عليه مرارا عديدة، وبقي جزءه المجاور لها في سيطرتها ردحا من الزمن. وأكثر أراضي العراق المتاخمة لحدود إيران واقع في لواء ديالى. ولهذا ترى معظم القصبات والقرى فيه تسمى بأسماء فارسية تحرف بعضها وبقي البعض الآخر على تسميته الأصلية.
وهذا اللواء صخري الأرض تخترقه جبال (حمرين) الشهيرة وتجاوز بعض مدنه جبال (بشت كوه) الإيرانية. وهو من الألوية المهمة في العراق، والتي تدر على الخزينة مالا وفيرا. ولجلالة عاهل البلاد مزارع وأملاك فيه مهمة. كما لبعض المتمولين من أبناء بغداد. وأكثر حاصلاته الفواكه بأنواعها المختلفة ومياهه ملك لأرباب المزارع والبساتين كما سيجيء التعريف.
2 - مركز اللواء
مركزه؛ قصبة بعقوبا (ويكتبها بعضهم باعقوبة أو بعقوبة) الواقعة على بعد 36 ميلا عن بغداد في الشمال الشرقي منها وبعقوبا بليدة جميلة واقعة على فرع (خراسهان) المتشعب من ديالى. لها منظر بديع وفيها نسيم عليل ويربطها بالعاصمة فعل حديدي، كما أن بينهما جادة مستقيمة لسير السيارات، ونفوس بعقوبا 9500 وتكتنفها البساتين. وأبنيتها من حيث العموم لا بأس بها ولا سيما دور الحكومة ونادي الموظفين.(7/533)
3 - تنظيمات اللواء
ليس لمركز لواء ديالى ناحية مرتبطة به. واللواء أربعة أقضية مهمة وهي 1 - قضاء شهرابان - 2 - قضاء خانقين - 3 - قضاء دلتاوه - 4 - قضاء مندلي. وفيما يلي وصف لهذه الأقضية ونواحيها:
أ - قضاء شهرابان
شهرابان (وبعضهم يكتبها خطأ شهربان) كلمة فارسية مركبة من (شهر) أي مدينة و (ابان) اسم رجل قرشي نسبت إليه تبركا. وهي اليوم اسم لمدينة لطيفة واقعة على ضفتي ترعة شهرابان، تحيط بها البساتين النضرة والجنائن الغن. وتبعد عن بعقوبا 27 ميلا وتمر بها السكة الحديدية (بغداد - خانقين) وهي مركز قضاء شهرابان وعدد نفوس هذا القضاء 17340 وتكثر فيها الفواكه اللذيذة ولا سيما الرمان الذي ينمو فيها نموا حسنا إلى درجة أنه اشتهر بكونه أفخر رمان في العراق.
للقضاء ثلاث نواح وهي شهرابان ومهروت وبلدروز. أما ناحية شهرابان فداخلية. وأما ناحية مهروت فمركزها مخفر للشرطة قائم على ترعة مهروت في موضع يبعد عن بعقوبا عشرة أميال. وهذه الناحية جسيمة جدا لأنها من أعظم المقاطعات في لواء ديالى ولأن الأراضي المزروعة فيها لا تقل عن أربعة آلاف فدان.
وأما ناحية بلدروز فمركزها قرية بلدروز المعروفة ب (براز الروز) في التاريخ. وهي تبعد عن بعقوبا 29 ميلا وقائمة على ضفتي الترعة المسماة باسمها والتي يتشعب منها نحو 220 نهيرا لإرواء البساتين والأراضي الخصبة الكثيرة.
ب - قضاء خانقين
خانقين بلدة قديمة معروفة بهذا الاسم في التاريخ مجاورة لبلاد إيران. تبعد عن العاصمة 111 ميلا ويربطها بها سكة حديدية لها الأثر المحمود في نقل البضائع والزوار الإيرانيين. هواؤها نقي وماؤها ثقيل لجريانه على أرض صخرية في(7/534)
مسافة طويلة.
فيها فواكه جليلة وتقرب منها منابع للنفط تستغلها شركة النفط الإنكليزية الفارسية ولها في القضاء أبنية ضخمة. ومن بعض هذه العيون يستخرج النفط ويصفى في موضع آخر ثم يوضع في علب من الصفيح (التنك) ليبعث بها إلى الخارج.
والبلدة من حيث العمران تنقسم إلى قسمين. أولهما يمتد على الساحل الغربي من نهر الوند (الذي يأتي من إيران) ويسمى (خانقين) ويمتد ثانيهما على الساحل الشرقي من النهر المذكور ويسمى (حاجي قره) ومعناها في الكردية قرية الحاج وقد أسست سنة 1142هـ. ويربط الجانبين قنطرة قديمة يرتقي تاريخها إلى عهد الساسانيين - على ما يقال - وعلى مقربة من البلدة آثار قلعة قديمة جدا ذكرت المعلمة الإسلامية أن تاريخها يرتقي إلى عهد الساسانيين أيضا وكان كسرى الثاني قد سجن فيها النعمان الخامس أحد ملوك الحيرة.
وتروج التجارة في خانقين (التي هي مركز القضاء) رواجا حسنا ومعظم سكان القضاء من القبائل الكردية وبينهم عشائر من الفرس والترك ولهذا ترى معظم السكان يتكلمون باللغة الكردية كما هو الحال عند سكان قضاء مندلي.
ونحو ثلاثة أرباع الأراضي المزروعة من هذا القضاء لجلالة الملك المعظم فيصل الأول. ولجلالته قصر فخم في قرية تسمى علياوة والقصر مؤثث وفيها الكهربية لإنارتها وتحركه رحى تدور بقوة الماء.
للقضاء ثلاث نواح وهي قزلرباط، وهورين شيخان، وقره تو. أما ناحية (قزلرباط) فمركزها قرية قزلرباط الواقعة على بعد 14 ميلا من جنوب خانقين وتمر بها السكة الحديدية البغدادية إلى خانقين وتقدر نفوسها بألف. والظاهر أن اسمها الحالي محرف عن لفظتي قزل أي أحمر ورباط ومن المحتمل أن أهاليها يقصدون بهذه التسمية الرباط الأحمر.
وأما ناحية (هورين شيخان) فمركزها قرية (بيلولة) التي تبعد عن شمال خانقين 52 ميلا والطريق بين هذه القرية إلى خانقين وعر جدا.
وأما ناحية (قره تو) فهي تبعد عن خانقين شمالا 35 ميلا ومركزها قرية(7/535)
تسمى (جياخنج) وهي لفظة كردية يراد بها الجبل الأحمر. وقد كانت سكة حديد بغداد إلى خانقين متصلة بهذه الناحية ولكنها رفعت قبل حين.
ج - قضاء دلتاوة
قاعدة هذا القضاء قصبة دلتاوة التي كانت تسمى قديما (دولتآباد) وهي الآن بلدة متوسطة السعة والعمران فيها نحو خمسة آلاف نسمة. شوارعها ضيقة وأسواقها بالية وللحكومة فيها
مبان عامرة وقد شرعت تفتح فيها الجادات المنظمة.
وتبعد هذه البلدة عن بغداد 40 ميلا وتصلها بها جادة مستقيمة للسيارات وهي مشهورة بكثرة النخيل ووخومة الهواء لأنها محاط بها بعدة بساتين.
للقضاء ناحيتان هما: دلي عباس وخان بني سعد، أما ناحية (دلي عباس) فمركزها قرية دلي عباس أي (عباس المجنون) الجميلة والقائمة على نهر الخالص الغربي وهي مشهورة بكثرة الأرز الأحمر وتقرب منها جملة ممالح (مواضع فيها ملح) وتحيط بها عدة بساتين وليس فيها أي أثر للأبنية الجليلة.
وأما ناحية (خان بني سعد) فمركزها قرية واقعة في طريق بغداد إلى بعقوبا. وتمر بها جميع السيارات التي تغادر بغداد في طريقها إلى أحد أجزاء اللواء وتقدر نفوسها بنحو 500 وليس فيها منازل جليلة ولا أبنية فخمة.
د - قضاء مندلي
تمتد أراضي هذا القضاء إلى سفح جبال بشت كوه الإيرانية المتاخمة للعراق وأغلب سكانه يتكلمون الكردية وبعضهم التركية وليس فيه أثر للعمران والمدنية إذا استثنينا منه دور النقيب وجنائنه الواقعة في مركز القضاء.
مركزه قصبة مندلي (البندنيجين القديمة) وهي بليدة مشهورة بجودة الهواء والتمور وكثرة البرتقال والليمون وتبعد عن مركز اللواء 58 ميلا ويكثر فيها نوع من العقارب السامة اسمها الجرار إذا لسع طفلا فربما قتله. وليس في هذه القصبة ماء للشرب، إنما يأتيها الماء من الجبل المذكور ولهذا تتوقف كثرته وقلته على الصلات السياسية بين العراق وإيران فإذا كانت حسنة فالماء غزير وإلا فالظمأ والهلاك.
للقضاء ناحية واحدة يقال لها (قزانية) ومركزها قرية قزانية التي تبلغ(7/536)
نفوسها نحو 500 وهي واقعة على بعد ثمانية أميال من جنوبي مندلي.
4 - قرى اللواء
في لواء ديالى قرى عديدة يتراوح أعداد سكان كل منها بين الثلاثمائة والخمسمائة وهم مشهورون بكرم الأخلاق وحسن الوفادة حتى أن الذي يجول هناك ليشعر بنفسه كأنه في
بيته وبين أهله وخلانه. وشغلهم يتوقف على العناية بأشجار الفواكه التي تكثر في هذا اللواء بأنواعها المختلفة. ومعظم دورهم مبنية باللبن ومن أهلها يتقوم معظم سكان اللواء وفي ما يلي قائمة بأسماء هذه القرى موزعة على الأقضية المربوطة بها.
5 - القرى الملحقة بمركز اللواء
1 - هويدر - 2 - خرنابات (خرم آباد) - 3 - بهرز - 4 - شفتة - 5 - العبارة - 6 - زاغنية الكبيرة - 7 - زاغنية الصغيرة - 8 - دورة - 9 - السادة - 10 - مخيسة - 11 - جلبي - 12 - سقبة - 13 - محولة - 14 - أبو سباع - 15 - زهرة - 16 - أبو خنازير - 17 - بودجة - 18 - جيزاني النقيب - 19 - قرية - 20 - منصورية الحكيم - 21 - نهر الشيخ - 22 - حد الأخضر.
6 - قرى قضاء شهرابان
1 - أبو صيدا الصغيرة - 2 - أبو صيدا الكبيرة - 3 - العواشق - الزهيرات (بالتصغير) - 5 - الضباب - 6 - عزية - 7 - بروانة - 8 - جلالي - 9 - أبو جسرة - 10 - حنبس وارسيود - 11 - وجيهية (بالتصغير والنسبة) - 12 - عمرانية - 13 - إمام عسكري - 14 - إمام منصور.
7 - قرى قضاء دلتاوة
1 - نبي شيت - 2 - سراجق - 3 - أعجمي - 4 - قليعة القصاب (تصغير قلعة) - 5 - الماجدية - 6 - حميرة (بالتصغير) - 7 - وندية - 8 - الأسود - 9 - أبو نخل 10 - أبو تمر 11 - فليعة المهردار 12 - الكوبات 13 - الخويلص (تصغير خالص) 14 - هبهب 15 - حديث (بالتصغير) 16 - منصورية الشط 17 - منصورية الجبل - 18 - سعدية - 19 - سندية - 20 - جيزاني الجول - 21 - جيزاني الإمام 22 - جيزاني الثعيلب (تصغير ثعلب) 23 - الجديدة (بالتصغير) 24 - جديدة الأغوات 25 - دوخلة 26 - راشدية (وفوقها مقام يؤمه العوام ويعرف باسم الشيخ سكران).(7/537)
8 - قرى قضاء مندلي
1 - جيزاني - 2 - إمام كرز الدين - 3 - نقيب (تصغير نقيب).
9 - ملحوظة
ليس في قضاء خانقين قرى تذكر. وترى معظم هذه القرى واقعة في قضائي دلتاوة وشهرابان وبعضها (وهو الأكثر عمرانا) مربوط بمركز اللواء رأسا، والظاهر أن عددا لا يستهان به من هذه القرى كان بلادا قديمة في التاريخ وبعضها لا يزال فيه مزارات تقصد وفي معجم البلدان لياقوت الحموي تفاصيل نفيسة عن بعضها فليرجع إليه من أحب التوسع في البحث أو المزيد منه.
10 - مياه اللواء
أهم ما في هذا اللواء نهر ديالى الشهير الذي تتجمع مياهه من ينابيع تتفجر في جبال إيران ومن بعض النهيرات والثلوج. وهو من الأنهار المملوكة لأن مياهه توزع في جداول عديدة تنتهي في المزارع والبساتين الكثيرة تبعا لما نظمته الحكومة وتقوم بتنفيذه دائرة الري. فإذا كان الماء قليلا يقسم عندئذ إلى ثلاثة عشر سهما لكل ألف فدان سهم واحد وتكون هذه القسمة بين الأقضية لا بين الجداول. أما إذا كان الماء غزيرا والثلوج كثيرة، فلا تبقى ثمة حاجة إلى تدخل سلطة الري في توزيعها بل تأخذ الجداول حاجتها منه وتنتهي الفضلة في دجلة بالقرب من بغداد.
وتتشعب من ديالى في مواضع مختلفة ثمانية أنهر مهمة وهي خراسان والخالص ومهروت وبلدروز والهارونية وشهرابان وشروين ومنصورية الجبل وعلى ضفاف هذه الأنهر المشهورة جداول ونهيرات عديدة تسقي مياهها المقاطعات الجسيمة والمزارع الكثيرة وتروي معظم أهالي اللواء ولو أردنا تفصيل طرق الإرواء بواسطة نهر ديالى لاحتجنا إلى تحبير عدة صفحات
أما قضاء مندلي فهو بعيد عن نهر ديالى ومجاور لجبال بشت كوه وتتجمع مياهه من الينابيع في الجبل المذكور وتضاف إليها مياه الأمطار في فصل الشتاء فتنشئ نهرا يسمى (القلال) وينتهي في جنوب مندلي في هور يسمونه (سيكة) (بالتصغير والنسبة) ويسمي أهالي مندلي هذا النهر الذي يخترق بلدهم (ككبر) أما العرب منهم فيسمونه (حران).(7/538)
ولما كان أمر انحدار هذه المياه نحو مندلي وانقطاعها عنها منوطا بسكان الجبل، فكثيرا ما
تتعرض هذه البلدة للعطش فتموت بساتينها النضرة ولهذا تدرس الحكومة الآن مشروع حفر آبار ارتوازية فيها لتعوض الآهلين ومزارعهم عن هذه المياه التي يتوقف أمر جريها على الصلات السياسية بين العراق وإيران.
وأما قضاء خانقين فيأخذ مياهه من نهر الوند الذي يأتي من جبال إيران أيضا وهذا النهر بعد أن يعبر القنطرة التي فيها أحد عشر عقدا تجري المياه التي تخرج من التسعة العقود الأخرى فتسيل في متجه مستقيم واحد فتصب في نهر ديالى في موضع يسمى المخلط أو الدكة الذي يبعد عن غرب خانقين ثمانية أميال وأما الماء الخارج من العقد الأول فإنه محصور من الجانبين بجدار قائم على طول مجراه ويتجه نحو مزارع الملك فقط ثم يدفع ما بقي منه في البرائز. والعقد الحادي عشر محصور أيضا ماؤه بين جدارين منتظمين فيسيل الماء نهرا ويخترق القسم الشرقي من القصبة ذلك القسم المسمى (حاجي قره) وبعد أن يسد حاجة الآهلين يسقي بعض المزارع ويدفع ما بقي منه في البرائز.
11 - العشائر في اللواء
ندون هنا أسماء العشائر القاطنة في لواء ديالى موزعة على أقضيتها ففي مركز اللواء عشائر المجمع وبني زيد وبني عز والخيلانية وخسرج.
وفي قضاء شهرابان عشائر الكرخية والزقوت والزهيرية (بالتصغير والنسبة) والباوية، وبني تميم وقسم من بني زيد، والبو موسى، والجبور وقسم من المجمع، وعتبة، وشمر والكراد وهم جماعة عنتر (السبرملية).
وفي قضاء دلتاوة: عشائر الصائح (وهم يتنقلون على الدوام) والعزة والبو هيازع، والبو علقة وبني تميم، والبو مفرج، ومقادمة، والبو عامر، وقسم من الدليم، والعنبقية وقسم من الجبائلة.
أما عشائر قضاء خانقين فكلها كردية عدا بني ويس وربيعة أما الزركش ودلو وباجلان والطالبين والجبور (وهذه عشيرة كردية يلوح لي أن أصلها من عشائر الجبور العربية المشهورة) وشرف بيان وكلها كردية ولا تعرف من اللغة العربية شيئا.
وأما عشائر قضاء مندلي فبعضها كردي وبعضها (وهو القليل) عربي وإليك أسماءها بالترتيب:(7/539)
1 - السردينية 2 - ساعدة 3 - البو جواري 4 - الندى 5 - الحريث (كزبير) 6 - المعلة 7 - البو فرج 8 - الحمد 9 - بني عتبة 10 الدلفية 11 - الفراولوس وهذه كردية بحتة.
12 - المعارف في اللواء
نصيب لواء ديالى من المعارف في المملكة حسن جدا إذ فيه الآن 22 مدرسة للبنين ومدرسة واحدة للبنات مع أن واردات اللواء وعدد سكانه بالنسبة إلى نصيبه من المعارف أقل بكثير من واردات وعدد السكان في بقية الألوية كالحلة والديوانية والمنتفق والعمارة والكوت وغيرها. وهذه المدارس موزعة على قصبات اللواء وبعض قراه المهمة. ولا حاجة لنا للتوسع في الكلام عن المعارف بعد أن أثبتنا هذا المجمل منه.
13 - طرق المواصلات
تربط شمال اللواء بجنوبه، وشرقه بغربه، جادات مستقيمة جيدة تسير عليها السيارات سيرا مطردا. وهو لا يخلو من بعض وسائط النقل القديمة كالعجلات والقوافل (الكروانات) لحمل الأثقال والبضائع. أما السكة الحديدية فلا تمر بجميع أجزاء اللواء، بل تمتد من بغداد إلى خانقين مارة بناحية خان بني سعد فبعقوبا فشهرابان فقزلرباط فخانقين.
14 - أنباء عامة عن اللواء
يصدر لواء ديالى من الفواكه على اختلاف أنواعها، ما لا يصدره أي لواء آخر. وفي استطاعتنا أن نجزم بأن معظم واردات اللواء هو من الفواكه فقط إذ يعتنى بها هناك اعتناء لا مزيد عليه. وتقدر حصة الخزينة من المحصولات الزراعية والكودة فيه فقط بمليون ومائة وتسعة وسبعين ألف ربية فدخل المركز وتوابعه (192400) ربية ودخل قضاء شهرابان (265800) ربية ودخل قضاء دلتاوة (327000) ودخل قضاء خانقين (132300) ربية ودخل قضاء مندلي (262200) ربية.
ويجب أن لا يعزب عن البال أن لواء ديالى يصدر من التمور والحبوب بأنواعها الشيء الكثير ويجلب ما يحتاج إليه كبقية الألوية العراقية.
بغداد: السيد عبد الرزاق الحسني(7/540)
قبر رابعة
نوهتم في لغتنا المحبوبة (م 7 ص 263) بالكتاب الذي وضعته الآنسة سميث الإنكليزية عن رابعة العدوية المتوفاة بالبصرة بذلك التحقيق الدقيق وعرضتم بالسيدة زينب فواز العربية التي ذكرت من غير تمحيص في كتاب الدر المنثور في طبقات ربات الخدور (ص 202) أن وفاة رابعة كانت ببيت المقدس وأنها دفنت على رأس جبل يسمى (الطور) (كذا) وكأني بكم قد ظننتم أن هذه السيدة العاملية العاملة قد انفردت بهذا الوهم فسددتم إليها سهام لومكم في حين أن بعض العلماء قد سبقها إليه وكانت هي ناقلة عنهم (وناقل الكفر ليس بكافر).
فانتصارا لامرأة شرقية عجلت إلى جوار ربها بعد أن خلفت لنا مثل ذلك الكتاب - ولو جاءت فيه أمثال هذه الأغلاط ولو أنها أهملت تراجم الكثيرات من بنات جنسها - جئت بكلمتي هذه اعتذر لكم عن خطئها بخطأ غيرها ممن تقدمها وكانوا أحق بالتقصي منها.
قال السائح الهروي المتوفى سنة 611هـ 1214 م في باب زيارات القدس وما حوله:
(وبالجبل مقام رابعة العدوية وقبرها والصحيح أن قبر رابعة بالبصرة وسيأتي ذكره في رحلة العراق. وإنما هذه التي في الجبل هي رابعة زوجة أحمد ابن أبي الحواري. وبه مواضع مباركة وقبور كثيرة من الصالحين والتابعين رضي الله تعالى عنهم إلا أنها لا تعرف لاستيلاء الفرنج على البلاد).
وقال في زيارات البصرة:
(وبها رابعة العدوية وكريمة ابنة سيرين وحفصة ومعادة(7/541)
وحبيبة العدوية ومريم البصرية وبها عبد الله بن معقل وليس هذا معقل الذي ينسب إليه نهر معقل بن يسار وبها شعبة وسفيان الثوري والعلاء بن الحضرمي والصحيح أن العلاء بن الحضرمي مات بين البحرين والبصرة وبها خالد بن صفوان وقبر صاحب أبي حنيفة وأبو عوانة وجماعة من الصحابة لا تعرف قبورهم مثل أبي عثمان النهدي وصفوان بن محرز المازني ويزيد بن عبد الله بن الحره (هكذا) وأيوب السختياني وأبي المعتمر(7/542)
التيمي وعبد الله بن عون وسعيد بن الحجاج ويزيد بن زريع ويحيى بن سعد العنبري وأبي داود السختياني وعبد الملك
الأصمعي والفرزدق الشاعر وأبي الأسود الدؤلي.
وقال مجير الدين الحنبلي المتوفى سنة 927 هـ 1521م في باب (ذكر جماعة من أعيان التابعين والعلماء والزهاد ممن دخلوا بين المقدس).
(أم الخير رابعة بنت إسمعيل العدوية البصرية مولاة آل عقيل الصالحة المشهورة كانت من أعيان عصرها وأخبارها في الصلاح والعبادة مشهورة. . . توفيت سنة خمس وثلاثين وقيل وثمانين ومائة وقبرها على رأس جبل طور زيتا شرقي بيت المقدس بجوار مصعد السيد عيسى عليه السلام من جهة القبلة وهو في زاوية ينزل إليها من درج وهو مكان مأنوس يقصد للزيارة.(7/543)
وقال الشيخ عبد الغني النابلسي المتوفى سنة 1143 هـ 1730 م ثم صعدنا فزرنا قبر السيدة رابعة العدوية البصرية مولاة آل عقيل الصالحة المشهورة كانت من أعيان عصرها في الصلاح والعبادة ولها كلام في الحقائق والمعارف توفيت سنة 135 وقيل 185 وقبرها على رأس جبل الطور في زاوية ينزل إليها بدرج معمور تقصد للزيارة. كذا ذكر الحنبلي في التاريخ. فوقفنا هناك ودعونا الله تعالى وقرأنا الفاتحة.
وقفى النابلسي على ذلك بقوله! قال الهروي في الزيارات وبالجبل يعني جبل الطور مقام رابعة العدوية وقبرها والصحيح أن قبر رابعة في البصرة وإنما رابعة هذه التي بالجبل هي رابعة زوجة أحمد بن أبي الحواري إلى آخر عبارة الهروي.)
وعلى ذكر رابعة العدوية ورابعة الأخرى ننقل عبارة كتبها صاحب نسخة الإشارات إلى أماكن الزيارات المحفوظة في الخزانة التيمورية بالقاهرة على هامشها وقد حققنا أنه محمد أكمل الدين بن إبراهيم بن عمر المشهور بابن مفلح الدمشقي المتوفى سنة 1011هـ 1063 بمبحث كتبناه في مجلة المجمع العلمي العربي (م 8 ص 121) فإن فيها ما يخالف ذهاب الهروي أيضا إذ يجعل اسمها رايعة بالياء المثناة التحتية وأنها مدفونة في دمشق الشام وإليك نص الحاشية بالحرف:
(الصحيح أن زوجة ابن أبي الحواري اسمها رايعة (بياء مثناة تحتية) وهي التي قبرها عند المدرسة القيمرية الجوانية).
وعلى هذا فتكون رابعة المدفونة في جبل طور زيتا تحت الزاوية الأسعدية والتي ما زال
ضريحها مقصد الزوار لا هي بالعدوية ولا هي زوج أحمد بن أبي الحواري. فلعلها رابعة أخرى ذهبت الأيام بأخبارها وإن لم تستطع محو آثارها.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص(7/544)
الشيخ سكران
ذكر الكاتب المتفنن السيد عبد الرزاق الحسني مقاما فوق الراشدية باسم (الشيخ سكران) في آخر سطر من ص 537 وقد سألنا عنه كثيرين فكانت الأجوبة مختلفة لا يشبه الواحد الآخر. فقال لنا أحدهم: كان سكران من زعماء الأعراب وليس من البعيدي العهد في التاريخ. وقال آخر: ليس سكران من شيوخ العرب وسكران ليس اسمه بل لقبه وأما اسمه فكان محمدا وهو ابن بكران. ثم قال: ويزعم أبناء السنة أنه من أولاد الكاظم. ويذهب الشيعة الجعفرية إلى أنه ليس من أولاد الكاظم ولا من صلبه. إنما هو من قبيلة بني زيد. وكان من الصوفية ولقب بسكران لأنه كان يتمايل في صلاته كما يتمايل السكران.
وقال: وفي شرقيه مقامان: أحدهما للقمان الحكيم والآخر لتلميذه كمون والمقامان واقعان على فرع من نهر المشيرية. انتهى كلامه.
وسألنا آخر عن (مقام سكران) فقال: الذي سمعته من جدي أنه كان يقول كان مقام سكران في صدر النصرانية معبدا صغيرا موقوفا على اسمه وكان (السكران) بعل سودة التي تزوجها النبي (ص) والسكران كان اسمه لا لقبه وكان ابن عمرو بن عبد شمس ومن مهاجرة الحبشة فتنصر ومات بها. وقيل: لم يمت في الحبشة بل قدم في الهجرة الثانية من تلك الديار ومعه امرأته سودة بنت زمعة فتوفي عنها بمكة. اهـ.
وقد بحثنا في كتب التاريخ والأخبار عن سكران فوجدنا ابن الأثير يقول (2: 117 من طبعة مصر) ما هذا نصه: (. . . فلما توفيت (خديجة) نكح (النبي) بعدها سودة بنت زمعة. وقبل عائشة. فأما عائشة فكانت يوم تزوجها صغيرة بنت ست سنين. وأما سودة فكانت امرأة ثيبا وكانت قبله عند السكران ابن عمرو بن عبد شمس أخي سهيل بن عمرو وكان من مهاجرة الحبشة فتنصر بها ومات فخلف عليها رسول الله (سلعم) وهو بمكة وكان الذي خطبها عليه(7/545)
خولة بنت حكيم زوجة عثمان بن مطعون فدخل بسودة بمكة. زوجها منه أبوها زمعة بن قيس فلما تزوجها كان أخوها عبد بن زمعة غائبا، فلما قدم جعل يحثي التراب على رأسه. فلما أسلم قال: إني سفيه حيث فعلت ذلك وندم على ما كان منه) اهـ.
فهل من أديب يهدينا إلى صحيح الرواية من هذه المأثورات المختلفة؟ فنحن نشكر له
صنيعه سلفا.
هولاكو في بغداد
وجدت ورقتين تائهتين في الكتاب المخطوط الملحق بالرقم 23. 322 وهو المجلد الرابع من أخبار بغداد للخطيب وهذا نص ما جاء فيهما:
وذكر المعز حسن الأربلي في تاريخه: قال جلست مع عبد المؤمن بالمدرسة المستنصرية وجرى ذكر واقعة بغداد، فأخبرني أن هولاكو طلب رؤساء البلد وعرفاءه وطلب منهم أن يقسموا دروب بغداد ومحالها وبيوت ذوي يسارها على أمراء دولته، فقسموها وجعلوا كل محلة أو محلتين أو سوقين باسم(7/546)
أمير كبير، فوقع الدرب الذي كنت أسكنه في حصة أمير مقدم عشرة آلاف فارس اسمه بانو نوين.
وكان هولاكو قد رسم لبعض الأمراء أن يقتل ويأسر وينهب مدة ثلاثة أيام، ولبعضهم يومين ولبعضهم يوما واحدا على حسب طبقاتهم. فلما دخل الأمراء إلى بغداد أول درب جاؤوا إليه الدرب الذي أنا ساكنه، وكان قد اجتمع فيه خلق كثير من ذوي اليسار واجتمع عندي نحو خمسين جوقة من أعيان المغاني من ذوي الكمال والجمال. فوقف بانو نوين على باب الدرب وهو مترس بالأخشاب والتراب وطرقوا الباب وقالوا: افتحوا لنا وادخلوا في الطاعة ولكم الأمان، وإلا أحرقنا الباب، وقتلناكم ومعه الزرافون والنجارون وأصحابه بالسلاح. قال عبد المؤمن: فقلت السمع والطاعة، أنا أخرج إليه ففتحت الباب وخرجت إليه وحدي وعلي أثواب وسخة، وأنا أنتظر الموت، فقبلت الأرض بين يديه. فقال للترجمان: قل له: أنت كبير هذا الدرب؟ فقلت: نعم. فقال: إن أردتم السلامة من الموت فاحملوا لنا كذا وكذا. وطلب شيئا كثيرا. فقبلت الأرض مرة ثانية وقلت: كل ما طلبه الأمير يحضر وقد صار كل ما في هذا الدرب بحكمك فمر جيوشك ينهبون ما في الدروب المعينة لهم، وانزل حتى أضيفك ومن تريد من خواصك واجمع لك كل ما طلبت.
فشاور أصحابه ونزل في نحو ثلاثين رجلا من خواصه فأتيت به داري وفرشت له الفرش الخليفية الفاخرة والستور المطرزة بالزركش، وأحضرت له في الحال أطعمة قلايا وشوايا وحلوى وأكلت بين يديه شستي (؟). فلما(7/547)
فرغ من الأكل عملت له مجلس ملوكي (؟ كذا) وأحضرت.
بكنهام (إنكلترة): ف. كرنكو
وفي الورق الثانية ما هذا نصه:
من مشاهير رجال المائة السابعة للهجرة
من تاريخ الإسلام (الخطي) لشمس الدين الذهبي المحفوظ في دار التحف البريطانية في لندن:
عطاء ملك الصاحب علاء الدين الجويني ابن محمد بن محمد الأجل صاحب الديوان بن الصاحب بهاء الدين الخراساني أخو الصاحب الكبير الوزير شمس الدين كان إليهما الحل والعقد في دولة أبغا ونالا من الجاه والحشمة ما يتجاوز الوصف. وفي سنة ثمانين (وستمائة) قدم بغداد مجد الملك العجمي فأخذ صاحب الديوان علاء الدين وغله وعاقبه وأخذ أمواله وأملاكه وعاقب سائر خواصه. فلما عاد منكوتمر من الشام مكسورا حمل علاء الدين معهم إلى همذان وهناك مات أبغا ومنكوتمر.
فلما ملك أرغون بن أبغا طلب الأخوين فاختفيا فتوفي علاء الدين في الاختفاء بعد شهر، ثم أخذ ملك اللور يوسف أمانا من أرغون للصاحب شمس الدين وأحضره إليه فغدر به أرغون، فقتله بعد موت أخيه بقليل؛ ثم فوض أرغون أمر العراق إلى سعد الدين العجمي والمجد بن الأثير والأمير علي حكبيان(7/548)
ثم قتل آرق وزير أرغون الثلاثة بعد عام. وكان علاء الدين وأخوه فيهما كرم وسؤدد وخبرة بالأمور وفيهما عدل ورفق بالرعية وعمارة البلاد.
(ولي علاء الدين نظر العراق سنة نيف وستين بعد العماد القزويني فأخذ في عمارة القرى، وأسقط عن الفلاحين مغارم كثيرة إلى أن تضاعف دخل العراق وعمر سوادها وحفر نهرا من الفرات مبدأه من الأنبار ومنتهاه إلى مشهد علي (رضي الله عنه) فأنشأ عليه مائة وخمسين قرية).
ولقد بالغ بعض الناس وقال: عمر صاحب الديوان بغداد حتى كانت أجود من أيام الخليفة، ووجد أهل بغداد به راحة.
وحكى غير واحد أن أبغا قدم العراق فاجتمع العيد الصاحب شمس الدين (لعلها وشمس الدين) ببغداد فأحصيت الجوائز والصلات التي فرقها فكانت أكثر من ألف جائزة. وكان الرجل الفاضل إذا صنف كتابا ونسبه إليهما تكون جائزته ألف دينار. وقد صنف شمس
الدين محمد بن الصقيل الجزري خمسين مقامة وقدمها فأعطي ألف دينار وكان لهما إحسان إلى العلماء والصلحاء وفيهما إسلام ولهما نظر في العلوم الأدبية والعقلية.
وفي وقتنا هذا الإمام المؤرخ العلامة أبو الفضل عبد الرزاق بن أحمد بن الفوطي مؤرخ بمصر (كذا) وقد أورد في تاريخه الذي على الألقاب ترجمة علاء الدين مستوفاة: هو الصدر المعظم الصاحب علاء الدين أبو المظفر عطاء ملك بن الصاحب بهاء الدين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن إسحق بن أيوب بن الفضل بن الربيع الجويني أخو الوزير شمس الدين. قرأت بخط الفوطي كان جليل الشأن تأدب بخراسان وكتب بين يدي والده وتنقل في المناصب إلى أن ولي العراق بعد قتل عماد الدين(7/549)
الدوبني (كذا لعلها الدويني) فاستوطنها وعمر النواحي وسد البثوق ووفد (كذا لعلها ووفر) الأموال وساق الماء من الفرات إلى النجف وعمل رباطا بالمشهد ولم يزل مطاع الأمور رفيع القدر إلى أن بلي بمجد الملك في آخر أيام أباقا بن هولاكو وكان موعودا من السلطان أحمد أن يعيده إلى العراق فحالت المنية دون الأمنية وسقط عن فرسه فمات ونقل إلى تبريز فدفن بها. وله رسائل ونظم وكتب لي منشورا بولاية كتابة التاريخ بعد شيخنا تاج الدين علي بن أنجب. وكان مولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة ومدة ولايته على بغداد إحدى وعشرين سنة وعشرة أشهر. وقرأت بخطه: وفاة علاء الدين في رابع ذي الحجة سنة 681هـ (1282 م).
ف. كرنكو
تتمة عن اليزيدية
(ل ع) بعد أن أدرجنا مقال الأديب المعروف يعقوب أفندي نعوم سركيس، جاءتنا من حضرة الكاتب المتفنن السيد محمد مهدي العلوي من سبزوار في إيران مقالة عنوانها (اليزيديون) ولم نر فيها شيئا جديدا لم يقله من تقدمه سوى ما نصه:
اسم اليزيديين
(يسكن قسم عظيم من اليزيدية في حوالي شروان (من أعمال باب الأبواب بقرب الدربند) وهم تابعون لحكومة أروان الأرمنية. وغير خفي أن اسم شروان: (اليزيدية) كما في القاموس مادة (زيد).
ولما كانت طائفة من أبناء هذه الفرقة تقيم حواليها نسبت إليها فقيل لهم (اليزيديون) ثم غلب هذا الاسم على باقيهم من باب تسمية الكل باسم الجزء أو من باب التعميم. ولعل جميع أبناء هذه النحلة كانوا يسكنون تلك الديار، ثم نزح قسم منهم إلى أطراف الموصل.
هذا هو رأيي في سبب تسميته هؤلاء القوم باليزيديين ولم يسبقني إليه(7/550)
أحد) اهـ.
الكتب التي تبحث عنهم
(1): كتاب يبحث عن اليزيدية تأليف أحمد بن محمد الخياط (مخطوط، منه نسخة عند رؤوف أفندي حفيد المصنف في الموصل).
(2): رسالة في بيان مذهب الطائفة اليزيدية وحكم أموالهم للشيخ حسين الشفكي الموصلي (مخطوطة، منها نسخة في خزانة الدكتور داود الجلبي الموصلي). وقد نقل الصديق الحسني في خاتمة تأليفه نبذة مبتورة كانت ملحقة بنسخة من كتاب (حسن التصرف) في الخزانة التيمورية وظني أن تلك النبذة الناقصة الآخر منقولة من رسالة الشيخ حسين الشفكي الموصلي فأرجو من الأديب البحاثة الدكتور داود جلبي أن يقابل بينهما ويفيدنا عنها ويوقفنا على الحقيقة.
(3): رسالة عن اليزيدية تأليف الشيخ كاظم الدجيلي (مخطوطة).
(4): كتاب بالإنكليزية عن اليزيديين (مطبوع)
(5): كتاب بالفرنسية اسمه (مطبوع).
(6): رسالة بالتركية: وصف فيها مؤلفها الوالي نوري باشا دين اليزيديين (مطبوعة). وقد جعل لها ترجمة في الفرنسية وطبعها سنة 1910
7 - (ل. ع) رسالة صغيرة أملاها السيد بهنام - أحد مطارنة الكلدان في العشر الأول من المائة التاسعة عشرة للمسيح - على أحد علماء الألمان وطبعت في ليدن بالعربية واللاتينية سنة 1808 م وعبارتها ركيكة جدا عامية، وهذا مبدأها بما فيها من الأغلاط:
(فيش جنس أكراد الذين ما هم مسلمين ولا نصارى ولا ملة من أملال ولكن يأخذوا ابتداهم من مار تداوس تلميد المسيح الذي يسموه شيخ عادي. . .) وفي خزانتنا نسخة منها) اهـ.
وقد نشر الأب أنستاس ماري الكرملي صاحب هذه المجلة مقالا باللغة الفرنسية في مجلة النمسية بحث فيه عن جلوه ومصحف رش (الكتابين(7/551)
المقدسين عند اليزيديين) ونشر مقالا آخر عنهم في مجلة المشرق البيروتية.
نفوسهم ومحالهم
ذكرت لغة العرب (4: 50) شيئا عن هذه الفرقة قالت:
وقد روى إسماعيل بك اليزيدي أحد رؤسائهم الدينيين: أن اليزيديين في العراق ثلاثون ألفا لهم في جبل سنجار (60) قرية (45) قرية في الشيخان ودهوك وزاخو، ونصف اليزيديين يسكنون جبل سنجار ومعظمهم من الأميين والأهالي يتكلمون الكردية وليس بينهم من يتقن العربية كتابة وقراءة وتكلما في الوقت الحاضر في العراق.
ورئيس اليزيديين في جهات الشيخان ودهوك وزاخو هو سعيد بك ويقال أن وارداته السنوية تربو على (60) ألف ربية.
وعدد اليزيديين التابعين لحكومة أروان الأرمنية في جهات أروان وكمري (الكسندروبول) (5) آلاف بيت أي (25) ألف نسمة على وجه التقريب. وقد فتحت لهم الحكومة هناك 11 مكتبا ابتدائيا. انتهى.
وترى اختلافا بين ما رواه إسماعيل بك اليزيدي عن عدد نفوسهم وما جاء في مقدمة الحسني العزيز إذ أن إسماعيل بك يقول أن اليزيديين في العراق ثلاثون ألفا نصفهم في جبل سنجار (فيبقى (15) ألفا وهم في بقية الأمكنة أي في قضاء الشيخان وقضاء دهوك
وقضاء زاخو وغيرها) والصديق العزيز يقدر عدد نفوس اليزيدية في قضاء الشيخان فقط بين (27) ألفا و (30) ألفا، والفرق بين. ويقول المؤلف (ص 22): ولليزيدية مشايخ ولكل منهم محبون ومريدون ومرجع الطائفة كلها أمير يدعى (مير شيخان) وهو اليوم سعيد بك اهـ. وقد عرفت كلام لغة العرب القائلة أن رئيس اليزيديين في جهات الشيخان ودهوك وزاخو هو سعيد بك. وبين القولين اختلاف ظاهر فالأول يقول أن رئيس اليزيديين كافة هو سعيد بك والثاني يقول أن رئيسهم في بعض الجهات هو سعيد بك.
اليزيديون والدولة العثمانية
وقعت لليزيديين مع الدولة العثمانية وقائع عديدة نذكر أهمها:(7/552)
في عام 1127 هـ 1715 م قتل اليزيديون بعض المعتدين عليهم من المسلمين فاتخذ الوزير حسن باشا (والي بغداد - المتوفى سنة 1136 هـ 1723 م) ذلك القتل حجة لينكل بأهل سنجار فسار إليهم وقتل خلقا عديدا منهم ونهب أموالهم وسلب ما عندهم ودمر قراهم فلم يبق فيهم غنيا. وأرخ بعضهم ذلك بقوله (غزاء حسن) وفيه عيب وهو أن الغزاء لم يعرف بمعنى الغزو.
وفي عام 1222هـ - 1807م تحصن اليزيديون في مدينة سنجار ورفعوا راية العصيان على الحكومة فزحفت إليهم بحملة أخضعتهم.
وفي عام 1224هـ - 1809م اتفق اليزيديون مع أعراب الضفير على شن الغارات على من جاورهم فحمل عليهم سليمان باشا (والي بغداد - المقتول في سنة 1225هـ - 1810م ولكنه لم يفز بطائل فإن اليزيديين امتنعوا في إحدى ثنايا سنجار.
لم يكن اليزيديون يخدمون في الجيش لأمور دينية تمنعهم من ذلك على اعتقادهم فكانوا يدفعون بدلا نقديا كاليهود والنصارى ولكن الحكومة العثمانية في العهد الحميدي أرادت أن تجبرهم على التجنيد الفعلي كما كانت تفعل مع الفرق الإسلامية كالنصيرية والدروز والإسماعيلية لتحققها أنهم أيضا طائفة من المسلمين كانوا على الدين القويم ثم ضلوا بإغواء بعض المضلين، وأوفدت لإرشادهم الحاج مسعود بك نقيب ديار بكر فلم يفلح، وصادف أن كتب من الموصل في ولاية عبد القادر كمالي باشا بلزوم إرسال قائد عسكري يخول صلاحية فوق العادة لقمع العصاة وردع أرباب السلب والنهب وإصلاح ما يجب إصلاحه
فأجابت الآستانة إلى ذلك وانتدبت في سنة 1310هـ - 1893م الفريق عمر وهبي باشا لهذا الغرض وضمت إلى مهمته الأصلية جلب اليزيديين إلى الإسلام البحت بأسلوب حسن غير أن الباشا المذكور لم يحسن العمل في هذا الخصوص فاستعمل الفضاضة وأراق الدماء، وفي تلك الأثناء أرسل الشيخ أمين أفندي القره طاغي إلى مزار الشيخ عدي (الواقع في قضاء الشيخان في الشمال الشرقي من الموصل في واد بين(7/553)
جبلين يدعى بوادي لالش) وعين له وللطلاب رواتب وأمره بالتدريس والإرشاد فقرأ على هذا المدرس بعض الأكراد المسلمين من القرى المجاورة وبعض فقراء طلبة الموصل إلى سنة 1322هـ 1904م حيث أقنع الوالي نوري باشا الباب العالي (المقر الملوكي) بترك الحكومة إياهم وقبول البدل النقدي منهم كالسابق عوض الخدمة في الجيش وأغلق المدرسة التي قام بأعبائها الشيخ القره طاغي المذكور آنفا.
أعاد الوالي سليمان نظيف بك الكاتب التركي (والي الموصل زمن إعلان الحرب الكبرى وقبله بقليل - المتوفى سنة 1345هـ - 1927م) إليهم شاراتهم الدينية وكان الفريق عمر وهبي باشا انتزعها منهم، ومن جملتها (طاووس ملك) وهو تمثال من نحاس على هيئة الديك.
الفتوى بتحليل قتلهم
أصدر شيخ الإسلام أبو السعود بن محمد العمادي (صاحب التفسير المشهور المسمى بإرشاد العقل السليم المتوفى سنة 982هـ 1575 م) فتوى بتحليل قتل اليزيديين بأمر السلطان سليمان القانوني (من سلاطين آل عثمان) (ترى نسخة من هذه الفتوى التي هي بالتركية مع ترجمتها إلى العربية في خزانة أمين بك ابن أيوب بك الجليلي في الموصل).
محمد مهدي العلوي
المحكم لابن سيده
في الخزانة البريطانية في لندن نسخة من جزء من المحكم لابن سيده متقنة الكتابة، وكنت قد استشرتها حين نشرت (الجمهرة) ومن هذا المعجم نسخ عديدة في الآستانة والقاهرة وقد قرأت في فهرس الكتب لخزانة جامع القرويين في فأس نسخة تامة من المحكم في عدة
مجلدات وابن سيده في معجمه هذا يتبع الجمهرة في ترتيب المواد ونظام الجمهرة يختلف قليلا عن نظام كتاب العين. والمحكم من أجل الدواوين التي اعتمد عليها ابن مكرم في اللسان والأزهري في التهذيب.
بكنهام (إنكلترة): ف. كرنكو
(لغة العرب) وفي خزانتنا جزء من المحكم قديم متقن الخط ومضبوط الشكل الكامل يبتدئ بمادة (ضرب) وينتهي بمادة (لسن) وقد نزع السارق الورقة الأخيرة منه حين سرقته إياه ولا جرم أنه من المادة السادسة للهجرة.(7/554)
فوائد لغوية
عثرات إبراهيم اليازجي وجرجي جنن البولسي في مغالط
الكتاب ومناهج الصواب.
32 - وقال في ص 38 ناقلا عن اليازجي (فعله في العاشر من نيسان أو ما أشبه) قلت: إن الأسلاف الفصحاء لا يحذفون مفعول (أشبه) البتة خوف اللبس. ومن الأدلة على ذلك قوله في باب (دخل) من مختار الصحاح (فهذا وما أشبهه يكون ظرفا) وقوله في (ج 3 ص 267) من الكامل للمبرد وأصله في السيف وما أشبهه) وفي ص 271 قول الأخفش (مثل راض وقاض وما أشبههما) وفي ص 310 قيل (وكذلك الذئب والعقرب والحية وما أشبه ذلك). ومن أنعم النظر في لغة العرب ألفانا مصيبين كل الإصابة في هذه القضية العجيبة.
33 - وقال الأب جرجي جنن في ص 70 ناقلا عن اليازجي (غلط: مما خلاف فيه هو أن الأمر كذا وكذا. لأن ما قبل (هو) لا يصلح لعود هذا الضمير إليه) قلت أن الأب الذي جمع هذه الفوائد كان أرأى من غيره بأن يرتسم هذا الإرشاد فلا يرتكب ضده. فهو القائل في ص 3 من كتيبه (فما هي علة ذلك يا ترى؟) وهو القائل في ص 106 (ما هو حكمه) و (ما هو حكم المسند إليه) فالضميران (هي وهو) لا يصلح ما قبل كل واحد منهما لأن يعود إليه ضمير أبدا. وذلك هو الإضمار قبل الذكر القاتل للفصاحة. وأن أغلب الكتاب في العالم العربي يضعون الضمير بين أداة الاستفهام والمستفهم وهذا من علائم انحطاط اللغة، فالصواب أن يقول (ما علة ذلك. . .) و (ما حكمه) و (ما حكم المسند إليه) لأن الظاهر لم يتقدم فيستوجب الإضمار. وإنما يصح الإضمار في قول من قال (المسند في الكلام فأين هو؟) و (هذا رجل قادم فمن هو؟) و (حق عليه عقاب فما هو؟).(7/555)
34 - وقال في ص 32 ناقلا عن اليازجي (تحامل فيه وبه: تكلفه على مشقة وإعياء. وتحامل الرجل على نفسه: تكلف الشيء على مشقة قلت: إن الذي يقرأ هذا القول يظن أن التكلف يكون بمشقة وإعياء وبغيرهما. ألم تر أنه قيد كلامه بقوله (على مشقة وإعياء (دفعا للاشتباه مع أن التكلف بعينه يدل على المشقة والإعياء ولو لم يدل عليهما لما سمى تكلفا.
وخير دليل على خطأ الشيخ إبراهيم اليازجي قوله في ص 105) كلفته الأمر: حملته إياه على مشقة فتكلف الأمر: تجشمه وتحمله على مشقة وعرة) وانه لم يقل (فتكلف الأمر على مشقة وإعياء) ولا (كلفته الأمر على مشقة) لأن المراد مستفاد من اللفظ وذكره لغو.
35 - وقال في ص 29 (غلط: حدا به إليه) ناقلا ذلك عن اليازجي قلت: أن تعدية (حدا) بالباء مشهورة مسطورة ففي القاموس (حدا الإبل وبها) وفي المصباح (حدوت بالإبل). وقد جاء في المجلد الأول من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ما نصه (ومن الكنايات المستحسنة قوله عليه السلام للحادي بالنساء: رفقا بالقوارير، ص 442) بإدخال الباء على (النساء) بعد (الحادي) والكلام المنقود صواب من وجهين الأول ما ذكرناه والآخر تقديره (حدا عقله به إلى ذلك الأمر) فصار العقل كالجمل الذاول.
36 - وقال في ص 18 ناقلا عن اليازجي (غلط: فعله في بادئ الأمر أي في أوله وبدئه. ولا معنى للبادئ هنا لأنه اسم فاعل والمقام يقتضي المصدر أو الظرف) قلت إن هذا من باب تقديم الصفة على الموصوف كقوله (عظيم فائدة) أي (فائدة عظيمة) فالأصل في القول المنقود (فعلته في الأمر البادئ) والتقدير (فعلته في الأمر البادئ لأموري أي في أولها. وذلك كقولهم (فعلته بادئ الرأي) أي في الرأي البادئ للآراء. قال ابن أبي الحديد في الجزء الأول من شرحه ص 2 وشرع فيه بادئ الرأي شروع مختصر) اهـ. ومن ذا الذي يشفع لليازجي بعد قول مختار الصحاح في (بدا) ما نصه: بدا الأمر من باب سما أي ظهر وقرئ (الذين هم أراذلنا بادي الرأي) أي من ظاهر الرأي ومن همزه جعله من (بدأت) ومعناه: أول الرأي اهـ. فقول الناس (فعله في بادئ الأمر) معناه (أول الأمر) كما قلنا وقال مختار الصحاح.
م. جواد(7/556)
باب المكاتبة والمذاكرة
مدفن رأس الحسين
قال المحقق البحاثة الشيخ عبد الله مخلص (ل. ع 6: 583): والأثر الخالد في عسقلان هو المشهد الحسيني الذي يزعم أن رأس سيدنا الحسين بن علي كان دفينا فيه فنقله الفاطميون في أوائل الحروب الصليبية إلى القاهرة ودفن في المشهد المعروف الآن فيها وذلك سنة 548 هـ 1153 م. اهـ.
فبهذا الصدد وددت أن أذكر نبذة عن مدفن رأس الإمام الحسين واختلاف العلماء في ذلك فأقول:
اختلف العلماء والمؤرخون في مدفن رأس الإمام الحسين بن علي (شهيد الطف) على أقوال:
منها: أنه مدفون في دمشق الشام في الجامع الأموي وقد وصف السيد محسن أبو طبيخ مشهد رأس الحسين في دمشق بقوله:
وفي رواق الجهة الشرقية من الجامع قرب (باب الفراديس) قبة طولها 14 قدما في عرض 7 أقدام فيها شباك من النحاس الأصفر بديع الصنع داخله قبر يزعم الدمشقيون أنه مدفن رأس الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين عليه السلام (راجع الرحلة المحسنية المطبوعة بصيدا ص 41).
وضعف هذا القول ظاهر من كلام ابن بطوطة السائح الشهير (من أبناء المائة الثامنة) فإنه يقول عند وصفه للجامع الأموي: وباب شرقي وهو أعظم أبواب المسجد ويسمى بباب جيرون وله دهليز عظيم يخرج منه إلى بلاط عظيم طويل أمامه خمسة أبواب لها ستة أعمدة طوال وفي جهة اليسار منه مشهد عظيم كان فيه رأس الحسين رضي الله عنه (راجع أدبيات اللغة العربية ص 328) والظاهر من هذا المقال أن هذا المشهد كان فيه رأس الحسين لا أنه مدفنه.(7/557)
ويعتمد بعض القائلين بدفنه بدمشق على ما روي عن سليمان بن عبد الملك بن مروان أنه رأى النبي (ص) ليلة في منامه وهو يلاطفه فلما استيقظ في صبيحتها دعا بالحسن
البصري وحكى له رؤياه فقال له الحسن لقد صنعت لآل البيت معروفا فقال سليمان وجدت في خزانة يزيد رأس الحسين فألبستنه الديباج وصليت عليه مع جمع من أصحابي ودفنته فقال الحسن أرضيت بهذا الصنيع عنك النبي فاستحسن سليمان تعبيره وأمر له بعطايا. إلا أن هذه الحكاية لم تثبت في كتاب معتبر كما لم ترو عن رجال ثقات يعتد بهم.
ومنها: إنه مدفون في القاهرة بمصر وإليك بيان ما يقوله أصحاب هذا القول:
نقل الرأس الشريف على عهد بني العباس من الشام إلى عسقلان فدفنوه فيها فلما جاء إليها الملك الأفضل عام 491هـ 1099م نبش ذلك المكان وأخرج منه الرأس وعطره بالغوالي ووضعه في صندوق وبنى مشهدا ليدفن فيه فلما تم البناء أخذ الرأس واضعا إياه على صدره وأتى به راجلا إلى المشهد الجديد ودفنه فيه، وفي سنة 548هـ - 1153م نقله (طلائع بن رزيك) من وزراء الفاطميين إلى مصر وبذل في سبيل ذلك أموالا طائلة واحتفل باستقبال الرأس أعظم احتفال ودفنه في الموضع المعروف الآن في القاهرة بمشهد رأس الحسين.
هذا ويمكن أن يكون الرأس المدفون في عسقلان والمنقول إلى مصر رأس علوي آخر أو رأس أحد أصحاب الحسين الذين استشهدوا معه في واقعة الطف أو رأس أحد أهل بيته وسيأتي ما يفيدك أن رأس الحسين عليه السلام لم يدفن في عسقلان ولم يحمل إلى مصر.
وقد وصف السيد محسن أبو طبيخ المشهد الذي في القاهرة بقوله:
وأما مشهد الرأس الشريف فعلى جانب عظيم من إتقان العمارة وفخامة البناء. . . وطول المشهد نفسه 23 قدما وداخله شباك من البرنج الأصفر متقن الصناعة وداخل الشباك دكة عليها بردة حريرية سوداء مقصبة وفيه أيضا طرائف من المعلقات وأفرشة نفيسة وعليه قبة كبيرة لها مأذنتان (راجع الرحلة المحسنية ص 97).(7/558)
ومنها: إنه مدفون بالحنانة وهي موضع بين النجف والكوفة. وهذا القول ضعيف ولاسيما لم يعرف قائله.
ومنها: إنه مدفون بالمدينة عند قبر أمه فاطمة وينقلون عن الحافظ أبي العلاء أن رأس الحسين لما جيء به إلى يزيد وبعث الأسارى إلى المدينة أرسله مع جماعة من أشياع بني هاشم وعدوا لهم من موالي آل أبي سفيان إلى عمرو بن سعيد بن العاص حاكم المدينة
فدفنه عمرو بن سعيد بالبقيع بجنب قبر أمه فاطمة.
ويؤيد القول بأنه مدفون في المدينة ما نقل عن الواقدي أنه قال: لما وصلت السبايا بالرأس الشريف للحسين رضي الله عنهم المدينة لم يبق بها أحد وخرجوا يضجون بالبكاء وخرجت زينب بنت عقيل بن أبي طالب الخ (راجع ينابيع المودة طبعة الآستانة ص 331) فالظاهر من كلامه أن رأس الحسين قد حمل إلى المدينة وهو الظاهر من كلام الشيخ محمد بن الشيخ طاهر السماوي فإنه يقول: وجاء شمر فاحتز رأسه. . . وذهبوا بالرؤوس والسبايا إلى الكوفة ومنها إلى الشام، ومنها إلى المدينة وطن جدهم عليه وعليهم السلام اهـ (راجع كتابه إبصار العين في أنصار الحسين المطبوع بالنجف ص 14).
على أن المشهور بين المؤرخين والمحققين أن الرؤوس لم تحمل إلى المدينة وهو الصحيح إذ لا شك في أن طريق السبايا إلى المدينة كانت من كربلاء وإذا كانت الرؤوس قد حملت مع السبايا كما يقول الواقدي والسماوي فمن البعيد أن نمر بكربلاء حيث أجسادها ولا تدفن هناك وتحمل إلى المدينة (القاصية)!
ومنها: أنه مدفون في النجف بجنب أمير المؤمنين؛ والى هذا القول ذهب بعض علماء الشيعة وقد عقد الكليني في كتابه الكافي (في باب المزار) بابا عنونه بباب موضع رأس الحسين وذكر فيه خبرين وردا عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام يدلان على أنه مدفون بجنب أمير المؤمنين وإليك نص الخبرين:
بالإسناد عن بريد بن عمر بن طلحة قال قال لي أبو عبد الله وهو بالحيرة(7/559)
أما تريد ما وعدتك قلت بلى يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال فركب وركب إسماعيل وركبت معهما حتى إذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض فنزل ونزل إسماعيل ونزلت معهما فصلى وصلى إسمعيل وصليت فقال لإسماعيل قم فسلم على جدك الحسين فقلت جعلت فداك أليس الحسين بكربلا فقال نعم ولكن لما حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين.
وبالإسناد عن أبان بن تغلب قال كنت مع أبي عبد الله فمر بظهر الكوفة فنزل فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا فصلى ركعتين ثم سار قليلا فنزل فصلى ركعتين ثم قال هذا موضع قبر أمير المؤمنين قلت جعلت فداك والموضعين اللذين صليت فيهما قال موضع رأس
الحسين وموضع منزل القائم. اهـ (راجع فروع الكافي المطبوع بطهران - إيران - ص 321).
لكن المحدث المجلسي يقول عن الخبر الأول بأنه مجهول وعن الثاني بأنه ضعيف على المشهور (راجع كتابه مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 3: 360)
وقد روى الشيخ محمد بن الحسن الطوسي في كتابه التهذيب خبرين بالإسناد عن الإمام الصادق مثل ما ذكر إلا أن بينهما فرق يسير (راجع التهذيب المطبوع بإيران 2: 12)
وروى جعفر بن محمد بن قولويه في المزار بالإسناد عن الصادق أبي عبد الله(7/560)
أنه قال: إنك إذا أتيت الغري رأيت قبرين قبرا كبيرا وقبرا صغيرا وأما الكبير فقبر أمير المؤمنين وأما الصغير فرأس الحسين (راجع الوسائل المطبوع بإيران 2: 388).
ولو راجعت الوسائل لوجدت فيه أخبارا عديدة غير ما ذكر تدل على أن رأس الحسين عليه السلام مدفون بجنب أمير المؤمنين عليه السلام.
ومنها: أنه أعيد إلى كربلا ودفن مع جسده؛ وهو القول المشهور بين أصحابنا علماء الشيعة الإمامية. قال الحر العاملي في كتابه الوسائل (2: 388) بعد نقل الأخبار الواردة حول دفن الرأس بالنجف ما نصه: وقد روى رضي الدين علي ابن طاوس في كتابه الملهوف وغيره أن رأس الحسين أعيد فدفن مع بدنه بكربلا وذكر أن عمل العصابة على ذلك ولا منافاة بينهما. اهـ كلام الحر العاملي وغرضه رحمه الله أن لا منافاة بين الأخبار الواردة عن دفنه بالنجف وبين ما ورد عن إعادته إلى كربلاء إذ من الممكن أن ينقل الرأس من النجف إلى كربلاء ولعله الصحيح.
أما ما يقوله البعض من أن الإمام عليا زين العابدين هو الذي جاء بالرأس إلى كربلا وألحقه ببدنه فهو قول مردود فقد فهمت أن الرأس قد حمل من الشام إلى النجف ودفن فيها وقد كان دفينا (أيام حفيده الإمام جعفر الصادق) هناك كما أخبر هو عليه السلام عن ذلك (وقد مر تفصيله) وفي هذا المقدار كفاية للباحثين.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي
ملاحظات في كتاب خلاصة تاريخ العراق
كنت أطالع كتابكم القيم (خلاصة تاريخ العراق) فعثرت على قولكم (ص 76): محمد ابن
عبد الله بن الحسن الحسين بن علي بن أبي طالب ولعله: محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
(ل. ع) روايتكم هي الصحيحة وكنا قد نبهنا حكومة الاحتلال على هذا الغلط وعلى غيره من الأوهام وكانت قد جاوزت المائتين فلم تلتفت إلى كلامنا ولا إلى تصحيحاتنا والكتاب مشحون خطأ وخطلا.
وفي ص 86 علي الرضى (وهكذا رسم الأثري في أعلام العراق ص 10(7/561)
والشيخ الراوي في بلوغ الإرب في ترجمة السيد الشيخ رجب وذريته أهل الجسب ص 36) ولعلكم توافقونني في أن السلف الصالح يكتبون الرضا بالألف لا بالياء.
(ل. ع) رضا تكتب بالألف القائمة وبصورة الياء أيضا قال في لسان العرب في مادة (رضي): تثنية الرضا رضوان ورضيان. الأولى على الأصل والأخرى على المعاقبة وكأن هذا إنما ثني على إرادة الجنس (لأن المصدر لا يثنى ولا يجمع) ثم قال: ورضيت عنك وعليك رضى (هكذا كتبها بالياء المهملة) مقصور مصدر محض. والاسم الرضاء ممدود عن الأخفش. اهـ. وأصحاب المعاجم اللغوية يكتبونها تارة بالألف القائمة وطورا بالياء. وعندنا كتب خطية قديمة وكلمة (رضا) مرسومة فيها مرة بالألف ومرة بالياء، ولا نشك في أن الأصح في رسمها الألف القائمة لأنها مقلوبة عن واو (رضوان). اهـ
وفي ص 113: ابن حبان صاحب الصحيح ولعله ابن حيان وهو محمد بن جعفر بن حيان (ذكره صاحب القاموس في مادة ح ي ن) ولم نغرف كتابا يعرف بالصحيح عدا الصحاح الستة وهي للبخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه والسجستاني. فعسى أن تكشفوا لنا عن هذا الأمر.
(ل. ع) لم تصيبوا هذه المرة في ملاحظتكم. وروايتنا هي الصحيحة إلا أن الغلط وقع في اسم كتابه والصواب صاحب التصحيح في الجرح والتعديل) الذي مؤلفه أبو حامد محمد بن أحمد بن حبان (بكسر الأول وبباء موحدة تحتية مشددة) التميمي الحافظ الفقيه الشافعي. توفي في شوال سنة 354هـ (965 م). اهـ.
وفي نفس الصفحة: ورأس الشيعة الشيخ المقتدر والصواب الشيخ المفيد وهو محمد بن محمد بن النعمان توفي سنة 413هـ 1023م
(ل. ع) كان الأصل الشيخ المقتدر المعروف بالمفيد فأسقط الواقف على طبعه الكلمتين الأخيرتين ولم نعرف السبب. اهـ.
هذا ما أردت ذكره والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(ل. ع) نشكركم على تنبيهاتكم كل الشكر. ولو أطلتم النظر في الفصول(7/562)
الأخرى لوجدتم أوهاما أخرى فنرجو منكم أن تعيدوا نظركم فيها. اهـ.
سبزوار (إيران) في 25 شهر ربيع الأول 1347
محمد مهدي العلوي
(ل. ع) هذه الملاحظات مع ردود ومقالات عديدة كانت عندنا إلى الآن ولم يتسع لنا المجال إلا هذه الساعة. وعندنا غيرها منذ نحو ثلاثة أعوام أو أكثر. فنطلب من الكتاب أن يمهلونا إذ لا يتيسر لنا درج ما يرد إلينا في حين وصوله بل ننتظر الفرصة.
إعادة النظر في المذمر
صديقي العلامة:
أخاف إنك لم تستقص في البحث عند ترجمتك كلمة بالمذمر فلو كنت سألتني عنها قبل معرفتي تعبيرك لكتبت لك: (دمية صدرية) أو إن شئت (تصوير صدري) وأما براهيني في رد ترجمتك فإني لم أجد لفظ (المذمر) إلا في معنى قبيح، كما يظهر من الأبيات التي نقلتها من أشعار القدماء وتفاسير أئمة اللغة؛ وترى من تفسيرهم أن المذمر عندهم لم يشمل الصدر ومقدم الرأس والسبب الثالث أن الكلمة الفرنسية تفضل الصدر على سائر الجسم، وأنت تفضل مؤخر الرأس على سواه وفي الختام أقول: إني لست إلا أحد الطالبين، وأنت أعرف مني في هذه الأشياء وقد سبقتني إليها حتى بلغت منها أقصى الغاية ولا أطمع في أن ألحقك فيها أبد الدهر.
(تذييل): إني لم أطالع المعاجم اللغوية عمدا ليكون تنبيهي منقولا عن الآثار القديمة فقط.
قال عتيبة بن مرداس وهو ابن فسوة:
تطالع أهل السوق والناب دونها ... بمستفلك الذفرى أسيل المذمر
التذمير أن يدخل إنسان يده في رحم الناقة، فيعرف(7/563)
أذكر هو أم أنثى عند ولادتها، يعني
جنينها والمذمر (بكسر الميم) الذي يفعل ذلك. عن كتاب الاختيارين.
وقال القطران السعدي:
متى ما تذمرها تجدها كريهة ... إذا أحضرت شنعد بلقا حجولها
التذمير أن يمس ذفرى الحوار ولحييه إذا خرج رأسه عند النتاج فيعرف أذكر أن أنثى، ويقال لذلك الموضع المذمر.
(عن المذكور أيضا)
وقال الكميت:
وقال المذمر للناتجين ... متى ذمرت قبلي الأرجل
المذمر: الذي يدخل يده في رحم الناقة ليعلم ما الجنين. سمي بذلك لأن يده تقع على مذمر الجنين والمذمر الذفرى وما يليها.
وقال الجعدي:
وحي أبي بكر ولا حي مثلهم ... إذا بلغ الأمر العماس المذمرا
العماس الذي لا تعرف جهته. بلغ الأمر المذمر كما تقول: بلغ الأمر المخنق.
وقال الفرزدق:
كيف التعذر بعد ما ذمرتم ... صقبا لمعضلة النتاج نوار
ذمرتم مسستم المذمر، والمذمر مكانان يمسهما المذمر، أحدهما ما بين الإذنين فإذا وجده غليظا تحت يده علم أنه ذكر، وإن وجده لينا علم أنها أنثى. والآخر طرف اللحي إذا وجده لطيفا علم أنها أنثى وإذا وجده غليظا علم أنه ذكر.
وقال في الجمهرة:
وذمر الفصيل: غمز قفاه إذا خرج من رحم أمه ليعرف أذكر أم أنثى.
وفيها أيضا: المذمر الفاعل من ذمر والمذمر المفعول. والمذمر القفا.
وقال الكميت:
وأنسى في الحروب مذمريكم ... نتاج اليتن ما صفة السليل
المذمر الذي يدخل يده في رحم الناقة لينظر ما الولد.
وقال علقمة بن عبدة:
عمدتم إلى شلو تنوذر قبلكم ... كثير عظام الرأس ضخم المذمر
وفي رواية: كبير عظام الرأس. . . .
وقال أبو اللحام التغلبي:
يقص السباع كأن حلا فوقه ... ضخم مذمره شديد الأنحس
المذمر أسفل من الذفرى.(7/564)
وأنظر أيضا كتاب الإبل للأصمعي ص 72 والنقائض في فهارسها.
بكنهام (إنكلترة): المخلص: ف. كرنكو
(لغة العرب) لما وضعنا كلمة (المذمر) ترجمة لكلمة الإفرنجية لم نرد أن نقول: إن العربية وردت بمعنى الإفرنجية رأسا برأس لكننا أردنا أن نقول أنها أقرب لفظة في لغتنا إلى الغربية، وكل كلمة سواها بعيد عن المطلوب كل البعد. فقد بينا أن السماوة لا تؤدي المطلوب - بل هيهات - لأن اللغويين اتفقوا اتفاقا واحدا على أنها شخص الرجل أي سواده وهو ما يعرف عندهم بسيلويت كما ذكرنا (راجع لغة العرب 7: 329) ولا يمكن مخالفة رأي الأقدمين بأي وجه كان. وأما ما يذكره لنا حضرة صديقنا فريتس كرنكو فلا يؤدي المطلوب. لأسباب منها: إننا أردنا كلمة واحدة لا كلمتين - 2 - قوله دمية صدرية هي صورة الصدر وكذلك قوله: تصوير صدري. فأين هذا من المطلوب تأديته. فالكلمة الإفرنجية تعني الرأس مع أعالي الكتفين وما عليه إلا أن يبحث المعنى في دواوين اللغات الإفرنجية على اختلافها.
إذن نرى أن أحسن لفظة وأقربها إلى المطلوب هي (المذمر) لأن اللغويين الأقدمين والشعراء الأولين أرادوا بها (الذفرى وما يليها مثل ما بين الإذنين، وطرف اللحي، والقفا، وأسفل من الذفرى) فإذا كان كل ذلك، كان أقرب ما يكون إليه هو (البست) الإفرنجية من باب التوسع قليلا والتساهل. لا من باب وضع اللفظ وضعا محكما لما يقابله عن الغربيين. وبعد هذا لا نعود إلى هذا البحث، مهما كتب فيه.
على وزن يفعول
يا نوح
اسم بلد في ناحية بنت جبيل من أعمال صور بقدر ما أتذكر أو اسم بئر في تلك الجهات عند ملتقى الطرق.
يحمور
(أو يحمر اسم قرية من أعمال الشقيف تقع(7/565)
بجانب القلعة الشهيرة بقلعة (بوفور) بجانب أرنون والحمى.
يحشوش
اسم قرية من بلاد كسروان.
نعفول
وقال غيرهم بنعفول بسكون الباء في الأول اسم قرية بجوار صيدا على نهر الزهراني.
يحفوف
اسم بلد في لبنان الشمالي.
القاهرة: (ابن الملطي)
معجم المرزباني
إني أبذل كل ما في وسعي لأنسخ بيدي (معجم الشعراء للمرزباني). فقد جادت علي خزانة برلين بالنسخة التي فيها على أن أعيدها إليها في آخر شهر نيسان ولم يبق علي إلا نقل أربعين ورقة. وهذه النسخة قد أضر بها الماء في عدة مواطن. ولقد غادر مغلطاي عدة أمكنة تتقاذفها أمواج الظنون وتلعب بها أرياح التخرصات. ومما أمتاز به أنه عني عناية ما وراءها عناية بضبط الأعلام على أنواعها. أما في شواهد الشعراء فقد أرى بعض النقص من إهمال كلمة في البيت الواحد وربما أهمل كلمتين أو أكثر وإني لا أشك في أنه أسرع كل السرعة في تسويد نسخته وكان بيده قلم من أسوأ الأقلام. وقد لا يرى فرق بين صورة الفاء وصورة النون. ولا يستطيع أن يفرق بينهما إلا الضليع من شعر الأقدمين. فعسى أن أوفق لما أعنى به.
بكنهام (إنكلترة) في 24 نيسان 1929
فريتس كرنكو
(ل. ع) تأخر نشره لازدحام ما عندنا من عتاد الأدب. وهذا ما نضطر إلى العمل به إذ عندنا من المواد ما قد تكدس منذ إنشاء المجلة أي منذ سنتها الأولى، ولهذا نطلب كما قلنا سابقا أن يعذرنا الكتاب عن عدم نشر مقالاتهم في وقت وصولها إلينا حتى نتمكن من الفرصة.(7/566)
أسئلة وأجوبة
ألفاظ طبية
(تتمة لما في الجزء 6)
7 - اللفظة الإفرنجية مركبة من أي عصب ومن أي وجع أو ألم. والسلف إذا أرادوا هذا المعنى استعملوا وزن فعال (بالضم) للدلالة على هذا المعنى. ومنه القلاب والكباد والصداع. إذا لنقل: العصاب بضم الأول على قياس قدمائنا.
8 - هو المدك وهو القطعة التي تروح وتجيء في المضخة أو الحقنة لتفريغ الهواء ورفع السوائل (السائل). قلنا: الأقدمون استعملوا لهذا المعنى (المدفع) قيل في الآلات الروحانية (ص 190) ويتخذ باب منشف في أسفله ويتخذ له مدفع) أما العصريون من العوام فقد سموه المدك والمكباس وكلاهما مخالف لما يراد من معناهما. والأحسن عندنا أن يقال (مدحم) (وزان منبر) لأن المدفع وإن كان صحيحا انصرف اليوم إلى الآلة الكبيرة التي تقذف القنابل وما ضاهاها. ولهذا يحسن أن نستعمل لفظة أخرى تفيد مفادها وهي المدحم.
9 - معناها: خياطة جدار كيس لا يستطاع استئصاله بالجلد ريثما تلقيه الطبيعة فيعود هذا الجيب المخيط بالجلد شبيها بجيب الحيوانات ذوات الجيب (السائل). قلنا: أحسن لفظة تقابل هذه الإفرنجية هي التوخف وهي مشتقة من الوخفة والوخفة (بفتح الأول): شبه خريطة من آدم. (القاموس) ففي هذه اللفظة معنى الكيس أو الجيب وهي الخريطة ومعنى الجلد وهو آدم. وهو أصح وضعا من الإفرنجية.
10 - محدب.
11 - معناها: الخصي، ولكن هل لك كلمة أخرى لكي نبقي الخصي ل (السائل).(7/567)
ج - إزالة الفحولة من الحيوان يكون على طرق شتى فمنها العصب والوجأ والوهص والجب والبصي والشظف والملس والمتن والمعل والذي يوافق مطلوبكم هنا هو المعل.
12 - معناها عدم التمثل ولكن ألديكم كلمة واحدة لا تقترن بعدم (السائل).
ج - النقيض هو عكس المثيل فيكون النقض والأحسن النكث هو المطلوب هنا. إلا أننا لو حملنا هذا الوزن على ما يقابله من باب حمل الشيء على نقيضه لم نكن من مخالفي مناحي
السلف. ولهذا نستحسن كلمة التنكيث في معنى اللفظة الإفرنجية.
(الوذمة) و (الصقل) و (المجوب) و (الوشاح)
س - ومنه - كنتم عربتم كلمة بوذمة. والوذمة في اللغة المعى. وقلتم: أن اللفظة الإفرنجية عربية الأصل فهل تتكرمون علينا بإيراد البراهين على هذه الترجمة، لأنني بعد أن قبلتها أتاني نقد عنها فأرغب في أن أورد الأسباب التي دعتكم إلى هذه الترجمة فأسندها إلى حضرتكم - 2 - وكذلك الأمر عن كلمة الصقل ل فإن بعضهم يقترح ترجمتها بمنشزة أو نشيزة فما رأيكم؟ - 3 - وما فكركم في ترجمة - بقارمة. وأظن أن المجوب أفضل منها - 4 - وهل تصح ترجمة بوشاح وإلا فماذا؟
ج - ليس للوذمة معنى واحد حتى يقال أنها المعى، بل لها عدة معان وقال في التاج: في الصحاح لحمات زوائد أمثال الثآليل تكون في رحم الناقة. زاد غيره والشاة تمنعها من الولادة. . . إلى آخر ما قال. وقد ذكر بواسيك في معجمه الإغريقي الفرنسي أن أصل هذه المادة مأخوذة من معنى الورم والانتفاخ ثم ذكر لها مقابلا في اللغة الألمانية القديمة العالية كلمة وقال معناها الخراجة والدملة والثولول وما الوذم عندنا إلا لغة في الورم. وقد نقل الغربيون أي الإغريق لفظتهم عن العرب في العصور القديمة حينما كانوا على صعيد واحد في سقي بحر الروم ولا نقول أخذها السلف عن الإغريق لأن كل لفظة يتوفر ورود مدلولها في الطبيعة وضعها الأجداد وكل كلمة مركبة أو(7/568)
غير مركبة إلا أنها تدل علي توغل في الحضارة والعمران فإن السلف أخذها عن مجاوريهم. وواحدة الوذم وذمة.
2 - كنا نحن وضعنا كلمة منشزة أو نشيزة للإفرنجية المذكورة لكن لما وجدنا في بواساك (872) أن الكلمة الإفرنجية مشتقة في الأصل من نعت يدل على القليل لحم المتنين أو المنهضم الخاصرتين. قلنا: هذه كلمتنا الصقل لا غير ولهذا اتخذناها. هذا فضلا عن أن بين الصقل واللفظة الإفرنجية مشابهة لا تخفى على الجاهل فكيف على العاقل؟
3 - المشهور في معاجم اللغة المجوب في هذا المعنى وأما القارمة فليست معروفة ومن الوضع الجديد الذي لا يقارب في حسنه وتأدية المعنى مثل المجوب.
4 - الوشاح حسنة. وأهل العراق يستعملون في هذا المعنى الحمالة ولها وجه صحيح في اللغة. قال أبو حنيفة: الحمالة القوس بمنزلتها للسيف يلقيها المتنكب في منكبه الأيمن
ويخرج يده اليسرى منها فتكون القوس في ظهره. اهـ وهذا يشبه ما يتخذه المصاب بضرر في يده أو ذراعه فيضعها في رباط يأمن به حالتها بلا أذى.
أصل كلمة الواغش
س - دير القمر - ب. ب. ما أصل كلمة واغش المستعملة في ديار لبنان كلها بمعنى الطاعون. وهل الكلمة المذكورة معروفة في العراق وفي مصر وبأي معنى؟
ج - يراد بالواغش في العراق الهمس والنبأة أي الصوت الخفي إلا أنهم يخصونه بما يتوقع منه أمر مكروه، وقد يطلق على كل مكروه وعلى كل مخافة. أما الواغش عند المصريين فمعناه الهامة أو الهوام. والجامع بين هذه المعاني اللبنانية والعراقية والمصرية الخفة والخفاء والاختلاط فالطاعون سريع الانتشار كان سببه خفيا مدة قرون وهو أمر مكروه لا محالة. وفي الهمس والنبأة صوت خفي وفي الهامة أو الهوام دبيب خفي. وعندنا أن الواغش من الوغش لغة في الوش. والوش الهمس عراقية غير معروفة عند الفصحاء إلا أن مضاعفها معروف وهو الوشوشة. وعندنا أن المضاعف الرباعي فرع للمضاعف الثلاثي فلا رباعي(7/569)
بغير ثلاثي. ولهذا نظن أن الفصحاء لم يدونوه نسيانا منهم، إذ قد ثبت من استقراء الأفعال المضاعفة الرباعية أنها لا توجد في الغالب إلا بعد وجود ثلاثيها.
أما أن الوشوشة فصيحة فقد جاء في اللسان: الوشوشة كلام مختلط حتى لا يكاد يفهم. ورواه بعضهم بالسين المهملة ويريد به الكلام الخفي. والوشوشة الكلمة الخفية وكلام في اختلاط اهـ.
ثم إن كانت الوغش مشتقة من الوش فمن أين جاءت الغين؟ قلنا: إن الغين تقحم بعض الأحيان في المضاعف الثلاثي. فقد قالوا مسه بيده ومغسه ومط الشيء ومغطه أي مده. ومر في الأرض ومغر بها أي ذهب فيها وأسرع إلى غيرها وهي كثيرة في لساننا. والغين في وسط الكلمة تدل على الإيغال والإمعان في الشيء. ثم أن العراقيين يسمون الطاعون أيضا واغشا.
ومن قبيل الواغش التي تدل على الطاعون عند عوام لبنان الوهم (بفتحتين) عند العراقيين وتدل على المرض المذكور. كأن صريح لفظ الطاعون يخيف الناس على اختلاف طبقاتهم فيتلمسون لفظا أخف وقعا على القلوب من ذاك فيلطفونه بقولهم الواغش والوهم ولعل هناك
غيرهما على هذا المنحى.
طبع الجمهرة
س - غزة (فلسطين) م. ي. ج. هل طبعت الجمهرة لابن دريد؟
ج - نعم في حيدر آباد الدكن والذي عني بنشرها العلامة الألماني فريتس كرنكو فجاءت في ثلاثة مجلدات كبيرة. وقد وقع بيدينا طائفة من أوراقها المطبوعة فرأينا في ضبط كثير من ألفاظها أغلاط طبع جمة فسألنا عن السبب فقيل لنا: إن الشكلات غير محكمة الوضع في مواطنها على الحروف التي يطبع بها فحدث فيها تقديم وتأخير. وكان قد علق المستشرق الجليل حواشي عليها بلغ عددها 17. 000 وهذا القدر يدل على نبالة محققها وكان أغلبها مقتبسا من السيرافي الذي منه نسخة خطية نفيسة في ليدن (هولندة) وكان العلامة قد أشار إليها بعلامة وميزها عن حواشي النسخة الباريسية بحرف (ف) فخلط الطباعون الغث بالسمين فذهبت أتعاب الصديق العزيز أدراج الرياح. زد على ذلك أن الطباعين أهملوا ضبط مئات من الكلم لا ترى في لسان العرب ولا في تاج العروس. وربما صحف بعض ما ورد في نص الجمهرة جهلا من المنضدين فقد جاءت مثلا كلمة (جنثي)(7/570)
بصورة (جنشى) حتى في بيت لبيد وهكذا أفسد قوم في ساعة ما قام بإصلاحه رجل في مدة أشهر بل سنين. فأنا لله وإنا إليه راجعون.
حج وأصلها
بغداد - ب. م. م. أصحيح أن كلمة (حج) مأخوذة في أصل وضعها من صوت يسمع من أفواه الراقصين في أيام حجهم ويحكي قولك: (حكك. حكك) ثم انتقل معناه إلى الرقص نفسه ومنه إلى الحج؟
ج. نعم، في نظر المحموم الذي يهذي حين تساوره الحمى. وإلا فإن (الحج) حكاية صوت العامل في عمله، مهما كان ذلك العمل: حقيقيا أو وهميا ظاهرا أو خفيا، متعبا أو مريحا. وتكاد تكون الكلمة واحدة في جميع لغات العالم. فهي تنظر إلى اليونانية واللاتينية والفرنسية والإنكليزية ومعناها السوق والعمل. ومن هذه الألفاظ المذكورة تنشأ عشرات من الكلم لا محل لاستقصائها هنا.
أما في العربية فالإبدال والقلب والاشتقاق وسعت أصلها الثنائي: وفخمته (اج) بصور شتى فصارت حج وعج وضج وشج إلى غيرها وكلها تدل على الصوت الخارج من الإنسان والحيوان دلالة على عمله. وكما أن العمل يختلف في صاحبه، كذلك الأصوات تختلف في حروفها لتصورها لنا تصويرا مقاربا لها إن لم تبينها تبيانا صادقا.
ومن حج نشأ حجا يحجو (راجع لغة العرب 6: 47 و48) وحدا يحدو وحجن يحجن إلى غيرها وهي لا تحصى. ونقف عند هذا الحد من تقلبها وتغولها لئلا يمتد بنا النفس إلى ما لا موقف عنده.
الليط
س - الله آباد (الهند) - السيد أ. ع: هل في لغتنا العربية كلمة علمية تفيد الكلمة الإنكليزية اللاتينية الأصل
ج - معنى الكلمة الإنكليزية قشر الجعل وما شاكله وهو الليط في لغتنا بكسر اللام ونحن نظن أن اللاتينية بل الصحيح اليونانية مأخوذة من لغتنا وعلى كل فكلاهما واحد مبنى ومعنى.(7/571)
باب المشارفة والانتقاد
63 - الكلمات
دين ونقد وأدب وهي خمسون كلمة طبعت بالمطبعة الرحمانية بمصر سنة 1344هـ 1926م، بقلم محمود مصطفى الأستاذ الفاضل مدير مدرسة المعلمين بميت غمر في مصر.
هذا الكتاب بقطع الثمن الكبير وقوامه مائة واثنتان وثلاثون صفحة وورقه صقيل ثخين أبيض وإذا قرأته ألفيته يتفجر الإصلاح من تضاعيفه فتطفو عليه سلامة النية بيعاليلها اللطيفة الخفيفة. على أننا لا نوافقه على كل آرائه وهذا بعض نظراتنا:
1 - قال في ص 1 (كيف أدت بهم سبلهم. . . إلى حظيرة الله) والذي نعلمه أن (أدى) متعد إلى (المؤدى) بنفسه وإلى (المؤدى إليه) بالى ونحفظ قول (اسحق بن خلف) رواه له المبرد في الكامل:
إن هبت الريح (أدته إلى عدن) ... إن كان ما لف منها غير معقود
2 - وفي ص 7 (مثل السكر والأملاح والحمض في البول والسمن) وقد أراد ب (الحمض) ما يسمى (أكسيدا) وقد عده الأب أنستاس ماري الكرملي تصحيف (آخذ) العربي أي الحامض أما الحمض فهو من اصطلاح الأتراك ولم تحتمله العربية سماعا ولا قياسا ولا مجازا. وتعريفه عند الكيمياويين: أنه جسم ناشئ من تبادل (كذا) معدن ما من المعادن بجزئي مولد الماء من ذرة الماء، أو من اتحاد مقدار من مولد الحموضة وجسم بسيط من أشباه المعادن ولا يحمر زرقة التنوم (دوار الشمس) فالصواب (الآخذ) فراجع لغة العرب (7: 303)
3 - وقال في ص 10 (فيأيها المتحرجون الموسوسون) وفي ص 28 (حنبلي: من منا لا يذكر بجانب هذا الاسم شدة التحرج والتأثم والتضييق الآخذ بالخناق فاستعمل المتحرج والتحرج والتأثم مخالفة للمراد بهن لأن هذه الكلمات ورد معناها(7/572)
مخالفا للفظها فالمتحرج الخارج عن الحرج والمتأثم المتجنب للإثم كالمتحوب والتأثم الخروج عن الإثم. فهي إذن للمدح لا للذم وقد رأينا في الأخبار قولهم (تحرج موقف أمان الله خان) ولم يريدوا إلا الحرج وما هم ببالغيه ولو تكلفوا.
4 - وقال في ص 17 (ولا يجمل بوزارة الأوقاف أن تبيح لهؤلاء الوادعين. . . أن يملئوا) فعدى أباح إلى أحد المفعولين باللام والصواب أن يعدى بنفسه فقد جاء في المختار (أباحه الشيء أحله له) وفي القاموس (أبحتك الشيء أحللته لك) والعجب أن يخفى هذا على (عبد الرحيم محمود) الأستاذ المدرس في الثانوية السعيدية بالجيزة فقد عد قولنا (فكيف نباح أن نريد من أسلافنا؟) سبق قلم وإنما سبق حكمه خلق لنا سبق قلم وإن تعجب فعجب قوله (والصواب: فكيف يباح) فالخبير يقول (فكيف نباح الإرادة) على غرار (فكيف نعطاها) فتأمل.
5 - وقال في ص 20 (وكفا يرتفع وينخفض) والصواب (ترتفع وتنخفض) لأنها مؤنثة.
6 - وقال في ص 26 (والفتن العمياء) وفي ص 91 (المظاهر الجوفاء) وفي ص 131 (من أيد خرقاء) والصواب (العمي) و (الجوف) و (الخرق) بالجمع لا الإفراد لأن (أفعل وفعلاء) من الصفات إذا وصف بهما جمع وجب جمعهما. ولذلك خطأنا قول عبد الرحيم محمود الأستاذ المذكور (مروج الأندلس الخضراء في أيامها البيضاء) وذكرنا له النص من كامل المبرد فالتجأ إلى كفاية الطالب وبغية الراغب (لأنها لم تذكر ذلك وهذا الكتاب وغيره محجوجان بحكاية المبرد الضليع ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. وأغرب من هذا أن الذي نبه على غلط كتابنا المذكور رجل ألماني هو العلامة الجليل (فريتس كرنكو) وما كنا نحسب أن يمتد بنا زمننا فنرى علماء العرب أجهل من غيرهم للغتهم وأشد إصرارا على الخطأ.
7 - وقبل في ص 29 (وسن الفيل وهو نجس) والصواب (وهي نجسة) لأنها مؤنثة.(7/573)
8 - وقال في ص 30 (لقد ساء فهمنا لكلمات جاء بها الإسلام كالتوكل والإيمان بالقضاء والقدر) وهذا ينقض ما قاله في ص 86 وهو (وقصارى القول أنهم أرادوا بأموالهم خيرا فأبى الله إلا الشر) إذ فيه تموت الهمم وتحيا الجبرية ومن المستحسن أن يبنى الفعل للمجهول في مثل هذا الموضع كما جاء في القرآن المجيد (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا)؟
9 - وفي ص 37 (والخير المتواصل) والصواب (المتصل) والمتواصل (ضد المتقاطع والمتهاجر) فلا محل له هنا.
10 - وفي ص 60 خطأ قول شاعر النيل (لو كنت في عهد الفتوة لم أزل) بقوله (لأن خبر الفعل الناقص لا يتقدم حرف النفي على أن حافظا لو شاء أن يتمحل له أنصار الركة وجه صحة لوجدوا ابن كيسان يجيز ذلك) فنقول أنهم منعوا المنفي ب (ما) وأجاز ذلك ابن كيسان والنحاس أما المنفي بغير (ما) فقال فيه ابن عقيل (يجوز التقديم فنقول: قائما لم يزل زيد، ومنطلقا لم يكن عمرو ومنعهما بعضهم) وقول الحافظ منفي ب (لم).
11 - وفي ص 61 (وفقني إلى رضائه) وفي ص 82 (أن أوفق إلى كتاب أستعيره) والصواب باللام.
12 - وفي ص 76 (وكلا التصحيف والتحريف) والصواب (والتصحيف والتحريف كلاهما) لأن (كلا) لا تضاف إلى المفرد اللفظي والمعنوي معا، قال ابن مالك:
لمفهم اثنين معرف بلا ... تفرق أضيف كلتا وكلا
قال ابن عقيل (فلا نقول: كلا زيد وعمر وقد جاء شاذا كقوله:
كلا أخي وخليلي واجدي عضدا ... في النائبات وإلمام الملمات
وقد أسهبنا حيث لا محل للإسهاب فكيف الأمر لو تقصصنا كل الكتاب؟ ونعتذر لعلامتنا الكرملي من هذا التطويل المحرج للغة العرب.
مصطفى جواد(7/574)
64 - العواطف الثائرة
الحماسة والسياسة من ديوان فتى الجبل السيد عبد الرؤوف الأمين.
الجزء الأول، طبع بمطبعة العرفان بصيدا سنة 1347هـ 1929م.
إن هذا الديوان الثائر بقطع الثمن الصغير وملاكه مائة وثمانون صفحة وفيه مائة وخمسة وستون تصويرا لملوك وأمراء وعلماء دين وأدب وسياسة ووطنية ولأبطال أحياء وشهداء وكل ما في الديوان عواطف ثائرة كما سماه ناظمه إلا أنها متناثرة وثورة العواطف كثورة الإنسان تضيع إذا لم تكن منظمة محكمة مبنية على رأي نضيج.
ويظهر لنا أن فتى الجبل لم يتقن النحو لأنه قال في ص 122
ونحت الشعر من معدنه ... طائعا جاء وما احتجت النحاة
فأقول: إن عدم احتياجه إلى النحاة جعله يعدي (احتاج) بنفسه فيرتكب ضرورة شعرية وهو الذي جعله يرفع البدل في ص 189 إذ قال (إن الخليفة الأول أبو بكر بعد أن. . .) ويرفع المعطوف المجرور في ص 92 إذ قال زهاء مائتي ألف محارب وثلاثة وثلاثون) ويفك جواب الشرط من الفاء في ص 111 إذ يقول (وإن شئت إكثارا سأملي) فما ضره لو قال (فأملي).
وسائر شعر هذا الفاضل مألوف مكرر ليس فيه ابتكار ففي ص 95 (تطير نفسي شعاعا) وهو كقول (قطرى بن الفجاءة) قبل ثلاثة عشر قرنا (أقول لها وقد طارت شعاعا) وقال في ص 95 أيضا.
فهل الأم إذا ما ... خلعت فيك عذاري
مع أنه يقول في ص 172.
ورفاق رزقتهم ليس فيهم ... غير مستأنس بخلع عذاره
فنقول له (إن الطيور على أشكالها تقع) وفي الديوان قصيدات جديرات بالإطراء والإعجاب سدد الله خطاه وزاده حماسة.
بغداد: مصطفى جواد(7/575)
المجمل في تاريخ الأدب العربي
- 3 -
4 - وقال في الصفحة الأولى أيضا قاتلها الله (ولكن القوم قد أسرفوا وأسفوا حتى وصفوا به - أي الأديب - كل من حفظ أبياتا أو سود صحيفة. . . ولم يعودوا يميزون بين الحق والباطل ولكن لكل فوضى نظاما) وقد أصاب الحقيقة بكلامه الأول أفلا تراه قال (لم يعودوا يميزون) مع أن الأدباء والخبراء بأساليب العرب ينفون خبر عاد) فيقولون (وعادوا لا يميزون) وقوله (ولكن لكل فوضى نظاما) كقولهم (ولكن لكل حي مخلوق موتا) فما أدخل هذه التوافه في أول تاريخ الأدب!؟
5 - وقال في ص 2 (فلما وجد أن ذلك قد قام بإفهام مراده مضى في استعماله عند الحاجة إليه) غير عالم بأن جواب (لما) الظرفية الشرطية يكون في زمانها، ولجهله ذلك قال (عند
الحاجة إليه) فتدافع طرفا الكلام بهذا الظرف العريض.
6 - وقال في ص 3 (لأنه يستعرض لغة الأمة في أجمل قوالبها وأبدع أساليبها) يريد (يعرض) كقولهم (عرض الجند إذا أمرهم عليه ونظر ما حالهم.) أما (استعرضه) فمعناه (قال له أعرض علي ما عندك) وشتان هما عند الأدباء.
7 - وقال في ص 4 (قامت هنالك ثلاث دول كبرى) والفصيح: (الثلاث الدول الكبرى) أو (ثلاث دول هي كبرى الدول) بتعريف اسم التفضيل بأل أو الإضافة لأن (الكبرى) مؤنث (الأكبر) فكما أن (الأكبر) لا يسمى هذا الاسم إلا إذا كان معرفة لا تسمى (الكبرى) هذا الاسم إلا عند التعرف وكيف لم ينتبه الأثري إلى أن اسم التفضيل لا يطابق موصوفه إلا إذا عرف بأل أو أضيف إلى معرفة ولما شذت من ذلك (أخرى) وجمعها (آخر) قال النحويون أنها صفة معدول بها عن أصلها فيجب منع الجمع من الصرف.(7/576)
8 - وقال في ص 7 (توطنت الجزيرة في أدهار متطاولة) فقوله (أدهار) يضاد (متطاولة) لأنه جمع قلة ل (دهر) فأنا آسف على إسراف الأثري في استعمال الكلمات العربية البائسة في غير مواضعها كما أسرفوا في التسمية بالأديب!!! فالصواب (دهور متطاولة).
9 - وقال في ص 8 (فإنهم يتوافونها من كل جهة) ولعله يريد (يوافونها من كل جهة).
10 - وقال في ص 10 (سلسلة اندماج لغات القبائل) فيا له تتابعا في الإضافات منكرا.
11 - وقال في هذه الصفحة (طمطمانية حمير: وهي إبدال أل بأم) مع أن الطمطمانية أيضا في كلام (طيء) على ما جاء في ص 449 من شرح الطارة.
12 - وقال في ص 11 (وغمغمة قضاعة تشبيها بأصوات الثيران عند الرعي) قلت جاء في شرح الطرة ص 450 (وهي ترك تبيين الكلام ويقال لأصوات الثيران عند الرعي: غماغم) وقال المبرد في كامله ج 2 ص 171 (وتكون من الكلام وغيره لأنه صوت لا يفهم تقطيع حروفه) وكل دارس محتاج إلى هذا التلخيص.
13 - وأسند الكسكسة في هذه الصفحة إلى (تميم) والكشكشة إلى (ربيعة) كما في شرح الطرة إلا أن المبرد قال في صفحة كامله المذكورة (قوله: تيامنوا عن كشكشة تميم فإن بني عمروا بن تميم إذا ذكرت كاف المؤنث فوقفت عليها أبدلت منها شينا لقرب الشين من الكاف في المخرج وأنها مهموسة مثلها فأرادوا البيان في الوقف لأن في الشين تفشيا)
فيقولون للمرأة: جعل الله لك البركة في دارش (ك)، ويحك مالش؟ (ك).
14 - وقال في ص 12 (ومن التمايز العام. . . مما لم يستطع) فجعل الجار والمجرور مبتدأ مؤخرا وذلك لحن قبيح فالصواب (ما لم يستطع).
15 - وفي ص 13 (والعجمضى لضرب من التمر) وقد ذكر الكاتب أنه منحوت من (عجم) و (ضاجم) غير أن الكرملي حينما سمع ذلك منا لم يتصوبه فليذكر لنا إذن رأيه)
مصطفى جواد(7/577)
(ل. ع) اعتمد الأثري في قوله هذا على صاحب المزهر - إن صح ظننا - فقد قال السيوطي (في المزهر 1: 234 من طبعة بولاق) نقلا عن الجمهرة ما هذا حرفه: العجمى ضرب من التمر وهما اسمان جعلا اسما واحدا (عجم) هو النوى. و (ضاجم) واد معروف. اهـ. والذي نعرفه أن ليس واد معروف باسم ضاجم بل ضاجع بعين في الآخر كما جاء في معجم البلدان وتاج العروس وغيرهما - ومع كل هذا التصريح الظاهر نرى أن الكلمة منحوتة من عجم كما قال ابن دريد وضاو أي هزيل أو ضعيف أي التمر الدقيق النوى كما هي حالته.
65 - كتب تراجم علماء طرابلس الفيحاء وأدبائها
تأليف عبد الله حبيب نوفل، طبع بمطبعة الحضارة بطرابلس (لبنان) سنة 1929 وهو في 300 ص بقطع الثمن.
أعجبنا هذا السفر الجليل غاية الإعجاب والسبب أن صاحبه وهو من بيت علم شهير قديم - جرى على وجه التحقيق في كل ما خطه ودونه. وكل ذلك بعبارة صحيحة فصيحة لا تعقد فيها ولا غموض. ولا جرم أن كثيرين يحبون أن يقفوا على ما في هذا السفر من التراجم لأن علماء طرابلس منبثون في جميع الربوع الناطقة بالضاد.
ونحن نستأذن حضرة الأستاذ البك في إبداء بعض الملاحظات:
1 - كنا نحب أن يتقدم كل ترجمة عددها في الترتيب تيسيرا للاهتداء إلى صاحبها.
2 - أن يطبع عنوان كل ترجمة بحرف يميزه عن النص.
3 - أن يكون الفهرس أوسع حتى يرى فيه ما جاء من التراجم المختصرة التي وردت في الحواشي فقد وجدنا فيها تراجم غير الطرابلسيين ممن يحتاج إلى معرفتهم أبناء هذا
العصر.
4 - أن تصحح أغلاط الطبع كلها في آخر التصنيف لأن المصوب منها قليل فقد جاء مثلا في ص 39: من مشائخ تلك البقعة: وفي ص 40 في سنة اثنين. . .(7/578)
ربيع ثاني. . . وفي ص 143 وسنة 1844. . . انصب. . . وفي ص 145 بطفلتين توأمين. . . بكل لياقة. . . ولعل الصواب: مشايخ. . . وسنة اثنتين. . . ربيع الثاني. . . وفي سنة 1744. . . اكب. . . بطفلتين توأمتين. . . بكل لباقة - لأن اللياقة بالياء المثناة غير فصيحة.
على أن هذه الهنات كلها لا تحط شيئا من نفاسة هذا الكتاب ونؤمل سرعة انتشاره والنسج على منواله.
66 - الشعر النسائي العصري وشهيرات نجومه
عنيت بجمعه ونشره مكتبة الوفد لصاحبها محمد محمود بباب اللوق بالقاهرة، طبع بمطبعة الترقي بشارع الساحة بمصر في 56 ص بقطع 16 وثمنه 30 مليما.
الأشعار الواردة في هذه المجموعة مقتبسة من ديوان وردة اليازجي، وعائشة عصمت تيمور وأمينة نجيب وملك حفني ناصف وفي صدر كل من هذه المختارات ترجمة الشاعرة والطبع حسن وقد أحسن الجامع في انتقاء القصائد الواردة في هذه المجموعة ولاشك في أنها من أبلغ المقاطيع التي يتحتم حفظها على طالبات المدارس في جميع الديار التي يتكلم أبناؤها بلغة الضاد، فنحث بنات بلادنا على اقتنائها وحفظ ما فيها.
67 - المراثي (الحسينية) باللغة الفارسية
جمعها وقدم عليها مقدمة ولهلم ليتن قنصل ألمانية في بغداد.
هذه المراثي الحسينية جمعها وبوبها ورتبها قنصل ألمانية صاحب السعادة صديقنا الهرولهلم ليتن. وهو من المتضلعين من اللغة الفارسية والواقفين على غوامض أسرارها. وقد جمع هذه المراثي حينما كان قنصلا في طهران وطبعها على الحجر بعد أن صورها تصويرا حسنا. فجاءت في 271 ص بقطع الثمن الكبير وجلدها بثوب أخضر ورسم عليها عنوانها بالألمانية بحروف مذهبة ألمانية. وهي مصدرة بمقالة بديعة للعلامة الألماني فريدريك روزن بين فيها مزايا هذه القصائد أو المراثي وكلها منظومة باللغة الفارسية ويعقب هذا
الاستهلال الدال على علو مقام صاحبه مقدمة للمؤلف نفسه أظهر فيها كيف حصل تلك المنظومات(7/579)
ومنزلتها من التاريخ والقريض إلى غير ذلك من الفوائد والإشارات. فجاء النص الألماني في 19 ص بالقطع المذكور وقد خدم بذلك حضرة الصديق العلامة أحسن خدمة الأدب الفارسي القديم والحديث. فنهنئه بما حازه من الفضل والدرجة الرفيعة في هذا اللسان الذي هو أطيب لسان في الشرق على المسامع والذوق.
68 - سفر التكوين
بحث نظري فلسفي تشريحي لبيان من هو كاتب هذا السفر الذي هو أقدم سفر تاريخي في العالم والغاية من كتابته، تأليف الأستاذ جبر ضومط ب. ع. م. ع بالجامعة الأميركانية (كذا) في بيروت مطابع قوزما في 64 ص بقطع الثمن.
صاحب هذا الكتاب معروف عند الناطقين بالضاد أجمعين بل عند أبناء الغرب أيضا. والظاهر من مطالعة هذا التصنيف أن الأستاذ العلامة لم يدون أفكاره فيه إلا من بعد أن استعد لهذا العمل الخطير (نحوا من عشرين سنة) (ص ج من المقدمة) ولا عجب من ذلك، فإن ما أظهره من تفلية السفر، (سفر الخلق أو التكوين كما يقول) يدل على أنه أمعن في البحث كل الإمعان. وقد قادته نتيجة بحثه إلى أن كاتب السفر هو يوسف بن يعقوب وراحيل المشهور بيوسف الحسن، وليس موسى كما يظنه اليهود والنصارى والمسلمون.
ومن أعظم أدلته على قوله هذا - ما عدا سائر ما أورده من الحجج - ذكر (أمور في السفر يصعب تفسيرها والتعليل عنها (كذا بحرفه أي وتعليلها) إلا إذا كان السفر تاريخيا (كذا أي إخباريا) لا رواية خيالية. وكان الكاتب هو يوسف أيضا (كذا وهو تعبير ضعيف بمعنى: وكان كاتبها يوسف أيضا) (ص 25) ومن جملتها: (اعتقاد الكاتب بالأحلام (كذا أي اعتقاد الكاتب (الأحلام)) يدل على أنه يوسف) ص 57
فنقول عن بناية هذا الصرح الذي هو من القوارير أن لوقا يذكر في إنجيله بصدد الرجلين اللذين كانا منطلقين إلى عمواس: (أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده ثم ابتدأ من (موسى) ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب (راجع الترجمة البروتستانية المطبوعة في بيروت(7/580)
وتاريخ رخصة طبعها 17 ذي الحجة 312هـ في ص 118 من العهد الجديد. وهذه الطبعة تشير إلى أن قوله من (موسى) أي من
سفر التكوين 3: 15 و22: 18 و26: 4 و49: 10 فهذا نص صريح على أن كاتب سفر الخلق - بشهادة القديس لوقا إن لم نقل بشهادة المسيح - موسى الكليم كما يعتقده اليهود والنصارى والمسلمون.
وهناك عدة أدلة تنقض ما جاء في هذا الكتاب لا محل لذكرها هنا إذ ليس هذا البحث من موضوعات مجلتنا، فنطلب من حضرة الأستاذ المعذرة.
أما عبارة هذا التصنيف فركيكة وما كنا نتصور أنها تصدر من قلم الصديق لكثرة ما فيها من الأوهام وقد لا يرتكبها الطلبة فكيف به وهو أستاذ الأساتذة!
69 - مكتبة يوسف أليان سركيس وأولاده
في شارع الفجالة رقم 53 بمصر
تلقينا قائمة ما في هذه المكتبة من الكتب المطبوعة في ديار العرب وغيرها فوجدنا فيها كل ما يتوق إليه الأديب من أصناف المؤلفات. والمعاملة فيها من أحسن ما يكون.
70 - أزمنة الفصح الغريبة
في التقويم الغريغوري وخطورتها لإصلاح التقويم الحديث (باللغة الألمانية)، بقلم لدويغ لانج، طبع في منيخ في 1928 في 85 ص بقطع الثمن الصغير.
الإفرنج على اختلاف قومياتهم يعترفون بفضل من يفيدهم في تآلفيهم أو مقالاتهم ولا يبخسونه حقه. كان المؤلف صاحب هذا الكتاب الفاخر طلب إلينا أن نذكر له ما نعلم من أمر زمن الفصح عند النساطرة وبعض النصارى المشارقة فأجبناه عن أسئلته واليوم أهدى إلينا كتابه فوجدناه ينوه في ص 60 بما كنا قد بيناه له مع الشكر لنا فنحن في نوبتنا نقدم إليه عبارات التهنئة بحسن ما قام به من الإفادات الجليلة ونشكره على أداء الحق لذويه ونتمنى له النجاح والرقي في معارج التحقيق والإصلاح.(7/581)
71 - رواية الحق والعدالة (نظما)
للدكتور سليمان غزالة نائب البصرة في المجلس النيابي سابقا، طبعت في دار الطباعة الحديثة. بغداد سنة 1929 في 64 ص بقطع 16.
حضرة الدكتور سليمان بك غزالة ممن لا يعرفون الراحة ولو في الشيخوخة وهذه روايته
المنظومة تشهد له بحسن تصوير الأحداث أحسن تصوير وعسى أن يستفيد من مطالعتها كل من يريد إحقاق الحق وإزهاق الباطل.
72 - حياتي الشخصية والوظائفية
للدكتور سليمان المشار إليه، طبع في المطبعة المذكورة في 1929 في 114 ص بالحجم السابق.
هذه ترجمة الدكتور لنفسه وبقلمه، وهي لذيذة المطالعة لأنه - حرسه الله - يزيح لنا الحجاب عن زاوية مظلمة من تاريخ الدولة العثمانية في مدة تناهز نصف قرن من هذا القرن وخلاصة الترجمة أن الدكتور صاحب الكتاب رجل عصامي وصل إلى ما وصل إليه بسعيه واجتهاده وفي مثله فليتنافس المتنافسون. على أننا كنا نود أن يكون لكل من هذين الكتابين فهرس في الآخر لسهولة الوقوف على مضامينهما.
73 - خير التحف في جواز السجود على الأجر والخزف
بقلم خادم الشرع الشريف محمد مهدي العلوي الإمام في الجامع الكبير بسبزوار، طبع بمطبعة الآداب ببغداد في 13 ص بقطع 32.
رسالة دينية يدل عنوانها على مضمونها وهي حسنة الأدلة، صحيحة العبارة، متقنة الطبع تغني عن الكتب المطولة في هذا الموضوع.
74 - اتهام أبن العلقمي بما هو بريء منه
بقلم الإمام المذكور وهي في 5 ص بذاك القطع نفسه
أنصف السيد العلوي هذا الوزير وأبان بأحسن الأدلة أن العلقمي لم يخن وطنه وما نسب إليه ظلم محض. ونحن نوافق الكاتب على ما ذهب إليه. وهو أيضا رأي المستشرقين في عهدنا هذا.(7/582)
75 - معجم المطبوعات العربية والمعربة
وصل إلينا الجزء الثامن من هذا البديع في بابه وهو يبتدئ باسم (العطار) وينتهي (بالقناوي) ونتوقع أن نختم هذه الأجزاء كلها بفهرس يحوي أسماء الكتب التي ورد ذكرها في تضاعيف كتابه هذا المفيد لتتضاعف الفائدة ويكون بيد كل أديب.
76 - الدليل
جريدة اقتصادية أدبية للإعلان تصدر في الأسبوع مرة وتوزع مجانا.
صحيفة في 8 صفحات مشحونة إعلانات وتعنى بنشرها بلغتنا العربية أو بأي لغة أجنبية كانت وتطبع بمطبعة دار السلام في الحاضرة.
77 - النور بدل الأخلاق
أبدل الشاعر الاستقلالي عبد الرحمن البناء اسم جريدته (الأخلاق) من (النور) وجعل (أجل غايتها ردع المنافقين) وظهر عددها الأول (وهو 121 من الأخلاق) في 23 حزيران 1929 بحجم أكبر. فنتمنى لها سرعة الانتشار على مثال المسمى الذي اتخذت اسمه.
الشفق الباكي
تتمة
وفي ص 730 يقول ناصحا هاديا لمن ينقدون الشيء بعواطفهم لا عقولهم ويلتفتون إلى صاحب الشيء لا إلى الشيء نفسه:
إن تطلب النقد السليم فلا تكن ... متحاملا أو جاهلا وعجولا
ابدأ بنفسك مرشدا ومهذبا ... وتلق من درس البيان أصولا
وإنك إذا تأملت المغزى من تسميته الديوان (الشفق الباكي) علمت قدرته على رثاء الأحياء فكيف الأموات وإذا التمست إبداعه فاقرأ (الحاكمة في ص 698) و (الطبيعة والأدب في ص 938) وأبو الهول في ص 194) و (ليلة صيف في 145) و (إخاء الورود في ص 277) و (أم كلثوم في ص 284)(7/583)
و (جنة النحل في ص 106) فهي من مظان الإبداع التي لا تحصى خصوصا (جنة النحل التي قوامها 137 بيتا).
وكثيرا ما يرمي بشعره إلى غرض فلسفي ففي ص 300 يقول ما عنوانه: (أقصى الظنون):
أقصى الظنون وجودي أصله العدم ... ومن عجيب وجودي ليس ينعدم
أحس أني قرين للوجود وهل ... يفني الوجود قرينا ليس ينفصم
أما شعره المرسل فكثير ومنه قصيدة (الفنان في ص 535) وقصيدة (الرؤيا العجيبة البديعة
في ص 658) وقصيدة اذاء في ص 923) مترجمة عن الإنجليزية وقصيدة (ترنيمة أتون في 963).
وهو كثير الغزل عشاق للجمال أي عشق؟ وشواظ من نار في قصائده الوطنيات وفنان في مراسلته ومداعبته الشعريتين وذو إرهاص في وصفه القصصي وكيف لنا أن نصف نبوغه وحصافته وبراعته بهذه السطور وهذا العقل الضيق المظلم؟
وما الذي يستوجب التمحيص؟
1 - اللغة والنحو: في ص 182 (الخطاب موجه إلى أحد الأدباء الغيورين) والغيور صفة يستوي فيها المذكر والمؤنث مثل صبور وشكور وفخور فلا تجمع جمع مذكر سالما فالصواب (الأدباء الغير) على وزن كتب والظاهر أن هذا القول للأستاذ الناشر.
2 - وفي ص 29 (والمرء أصغر من إحاطة عقله) والإحاطة تعدى بالباء لا بنفسها غير أن الشاعر مضطر غالبا ولا غرابة.
3 - وفي ص 44 (وبدهي أن الطبع) و (فخليق بالشاعر أن يكون) و (إنه لفقير ومسكين ذلك المجتمع) والصواب: (بديهي) وهو المسموع لا المقيس و (فالشاعر خليق أن يكون) لأن المراد جدارته بالكون لا جدارة الكون به و (إن ذلك المجتمع لفقير) خوفا من (ضعف تأليف الكلام) الناشئ من (الإضمار قبل الذكر).(7/584)
4 - وفي ص 47 (ليس من مستلزمات التطور أو التجديد) والصواب: التطور ولا التجدد) أو (التطوير ولا التجديد) لحصول المقابلة وإثبات النفي لكليهما.
5 - وفي ص 48 (يجنى عفوا أو عمدا على رابطتها الدينية طالما حافظنا على الأساس) وطالما لا تؤدي معنى (ما دام) لأنها مختصة بالماضي مثل (طالما زرتنا) و (طالما تزورنا) أي طالت زيارتك إيانا فلا استمرار زمنيا فيها فالصواب: (ما دمنا) أو ما حافظنا.
6 - وفي ص 45 (الإساءة للأدب نفسه) والصواب (إلى الأدب نفسه) من (أساء إليه) لا (له).
7 - وفي ص 50 (مذهبي الذي أأتم به) والصواب (آنم) بجعل الهمزة الثانية مدا مجانسا لحركة الهمزة الأولى ولابد من ذلك.
8 - وفي ص 161 (وفي الغد سوف لا يبقى بناء) و (سوف) حرف استقبال للإثبات لا
للنفي ولا يفصل بينها وبين الفعل بلا غيرها.
9 - وفي ص 190 (وتعيد للبؤساء صفو حياتهم) يريد بالبؤساء التاعسين مع أن معناه (الأقوياء) جمع (بئيس) أما جمع بائس فبائسون قياسا وبؤس سماعا.
10 - وفي ص 119 (تمضي الدقائق بل وساعات ولا) و (بل) حرف عطف والواو حرف عطف فأما الجمع وأما الإضراب فالأحسن (تمضي الدقائق بل سويعات ولا).
11 - كثيرا ما يستعمل شاعرنا (رغما) من دون (الباء) و (على) وآية ذلك قوله في ص 38:
(أو فاتخذ من جرأتي وتفنني ... رغم اشتراك اللفظ علم خبير)
والصواب (على رغم) أو (برغم) على ضعف أو (على الرغم من) وفي الكامل ج 3 ص 36 قول الشاعر:
وما هي إلا كالعروس تنقلت ... على رغمها من هاشم في محارب
12 - وفي ص 441 (وإذا خشيت من افتتاني لا تخف) والصواب (فلا تخف)(7/585)
لأن جواب الشرط جملة طلبية يجب ربطها بالفاء.
13 - وفي ص 500 (فنسيت عمرا بالتعاسة مرهقا) والتعاسة غير فصيحة ولا يحتملها القياس فالصواب (التعس) وقد كرر هذا المصدر في مواضع أخرى من هذا الديوان والنجاة من الضرورة أن يقول (فنسيت عمرا بالتعوس مرهقا).
14 - وفي ص 939 (تركوه لا حرس عليه كأنما حرسته آمال صباح مساء) بجر المساء لفظا والمعروف بناؤها على الفتح لأنها أحد الظرفين المركبين ولعل للشاعر الكريم وجها لم نتنبه عليه.
15 - وفي ص 961 (وصف الزهر الذابل طي كتاب الحبيبة) والصواب (في طي) لأن (طيا) مصدر لا يقبل الظرفية المكانية بلا حرف جر وفي (ضمن) من مختار الصحاح (وأنفذته في ضمن كتابي أي في طيه).
16 - وفي ص 755 (تحالفت وأبو الدهر عن شرف) برفع (أبود) على العطف على الضمير المستتر في (تحالفت) وقد قال المبرد النحوي في الكامل (ج 3 ص 7) ما نصه (وليس بالوجه أن يعطف المظهر المرفوع على المضمر حتى يؤكد نحو اذهب أنت وربك
فقاتلا، وأسكن أنت وزوجك الجنة - ثم قال - وهذا على قبحه جائز أعني: ذهبت وزيد واذهب وعمرو) فما المسوغ للقبح إذن؟
17 - وفي ص 755 (وكلها حجج غراء شماء) والفصيح (غر، شم) بالجمع لأن (افعل ومؤنثه فعلاء إذا وصف بهما جمع وجب جمعهما قال أبو العباس المبرد في الكامل (ج 1 ص 39) ما نصه (فإن أردت نعتا محضا يتبع المنعوت قلت: مررت بثياب سود وبخيل دهم وكل ما أشبه هذا فهذا مجراه) اهـ وقال في (ج 2 ص 250 (ما نصه (وإن أردت أدهم الذي هو نعت محض قلت: دهم) اهـ.
18 - وفي ص 759 (معروف عادة بأن نيسان (مايو) أبهج الشهور) والصواب (إن أيار) لأن الباء لا تجر المبتدأ قياسا بل سماعا شاذا جدا مثل (بحسبك درهم) وربما) جعلوا (درهما) مبتدأ ولأن مايو هو أيار.
19 - وفي ص 758:(7/586)
(تعالي، تعالي، حبيبة قلبي ... فإن الصباح الجميل انتظر)
وهو ترجمة بيت في ص 760 ونصه:
فقد زاد في الترجمة العربية صفة هي (الجميل) لأن النص الإنجليزي مجرد منها ومعنى ينتظر ولكن الدكتور الحاسم ترجمها ب (انتظر) وهذا يجوز على ضعف لولا أنه وكد المضي بذكره (إن) الموكدة والتأكيد يزيل الاحتمال والتأويل.
20 - وفي ص 762 (كأن به جاريات الحياة) برفع (جاريات) والصواب نصبها لأنها اسم ل (كأن).
21 - الأغلاط المطبعية: في ص 6 (المغ) وفي ص 24 (اي فكرة) وفي ص 26 (بل بتعين وفي ص 50 (مذهي) وفي ص 58 (البكتريولوحيين) وفي ص 62 (أقل ما يقال فيه إنه هذيان) وفي ص 94 (للدكتور المفصال) وفي ص 657 (تأمل الكسر) بسكون اللام من (تأمل) وفي ص 198 (لم أنثر الشعر) بسكون الراء من (أنثر) وفي ص 682 (وفي تلك الجنة الفيحاء نحب من أجمل المناظر) وفي ص 1137 (بالنحلة التي) وفي ص 1144 (محفوطة) وفي ص 1146 (تسائلي) وفي ص 1251 (لثروت) وفي ص 1261 (فهو في
عفه) وأصولها (أبلغ وأي ويتعين ومذهبي والبكتريو لوجيين وأنه والمفضال وتأمل الكسر - بكسر اللام - وانثر الشعر بكسر الراء الأولى ونخب والتي ومحفوظة وتسائلني ولثروته وفي عرفه).
وفي الديوان أغلاط لغوية كثيرة للكتاب لا محل لبسطها.
الخاتمة: هي قولنا أن الأدب العربي قد تناوله التطوير العظيم بإضافة هذا الديوان الجليل القيم إليه لأنه من خيرة الشعر العربي ومن صفوة الأدب الإنجليزي وكيف نتمكن من وصف بحر زخار موار قد قمرت العيون بسنا لؤلؤه؟ أطال الله حياة شاعرنا الدكتور المفضال وأمتعنا بأدبه الرائق في الأفواه والرائق للعقول إنه رؤوف رحيم.
مصطفى جواد(7/587)
معجم إنجليزي عربي
- 4 -
ومن غريب الأمر أن الرومانيين يستعملون كلمة الفقع للذليل وهي من ألفاظ الشتم عندهم. ذكر ذلك بلوتس وهو من الشعراء المضحكين. توفي سنة 184 ق م. وأما إطلاق هذا الاسم على المرض الذي يكون في الفم وغيره فمن باب المشابهة كما فعل الغربيون.
وليسمح لنا الصديق أن نقول له: حسن لنا أن نكتفي هنا بكلمة واحدة هي الفقع لما ذكره بالإفرنجية وأن نترك الفطرة لما يقابله عند الإنكليز لفظ والعرهون لما يسمى والكمأه لما يدعى والعرجون هو المسمى بالإفرنسية لهيئته إذ يشبه القنقن أو القنع أو عود الكباسة المعوج. أما عيش الغراب فهو اسم أي فطر كان عند العوام. والفقاع التي ذكرها سعادته هي فطر المروج (راجع دوزي) وشحمة الأرض هي اسم عام لكل كمأة. أما العسقل فهو معروف بالإفرنجية باسم ويجمع على عساقل. ويقال في العسقل عسقول ويجمع على عساقيل وهو يشمل عدة فصائل. وقول حضرة الصديق عسقل جمعه عساقيل مخالف لنصوص فصحاء النحاة واللغويين لأن فعلول لا يكسر على فعالل كما أن فعلل لا يجمع على فعاليل. نعم قد يخالف بينهما وذلك في الشعر فقط من باب الضرورة وإلا فالقياس يأباه.
ونلاحظ في كلام سعادة البك أنه يترجم اللفظة الإفرنجية الطبية المفردة بألفاظ عربية تارة
مفردة وطورا مجموعة. والذي نستحسنه أن ينقل المفرد إلى المفرد والجمع إلى الجمع. ثم إن شاء أن يذكر في لغتنا مفرد اللفظة المجموعة (إذا كانت الإفرنجية كلمة مجموعة) فلا مانع من ذلك وكذلك يذكر في لغتنا جمع الكلمة المفردة (إذا كانت الإفرنجية كلمة مفردة) ففي مادة ذكر ألفاظا مرة مفردة كقوله فطرة وعرهون وعرجون وعيش الغراب وعسقل وأخرى يذكر في المادة عينها الجمع كقوله فطر وكمأة وفقاع وشحم الأرض ولو جعل كلها بصيغة المفرد (ووضع بين هلالين صيغها المجموعة) لكان أوفى بالمقصود وأصح في النقل.(7/588)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - سرقة كتب من خزانتنا
أشرنا في الجزء الأخير (7: 506) إلى سرقة كتب خطية من خزانتنا وقد تحققنا الآن أن يد السارق امتدت إلى المؤلفات المطبوعة أيضا فقد أخذ منا كتاب الفرق بين الفرق وكنا قد جلبناه من أوربة - وديوان ابن حمديس المطبوع في رومة وكان قد أهداه إلينا صديقنا الإيطالي السنيور جورجيو ليفي دلافيدا وهناك غير هذين الكتابين ولا نهتدي إلى المفقود إلا عند احتياجنا إليه.
والكتاب الخطي الثالث الذي سرق منا ولم نكن نعرفه في الشهر الماضي هو ديوان (الباخرزي) ودونك وصفه:
كنا اشترينا هذا الديوان من أحمد حامد أفندي الصراف بمائة وعشر ربيات وكنا قد كتبنا عليه بقلم الثلث (ديوان الباخرزي) وتحت الكلمتين ما هذا نصه: (هو المالك الحقيقي) وتحتها (من جملة ممتلكات أحقر العباد عيسى ابن مصطفى الحسني العطار 1210) وكتبنا نحن بجانب التاريخ: (وقد صار بالمشترى الشرعي إلى الأب أنستاس ماري الكرملي وقد اشتراه من أحمد حامد الصراف في 9 ك 2 من سنة 1928) وبالفرنسية ما كتبناه بالعربية وإذا قلبت الصفحة وجدت بخطنا الثلثي في أول سطر: (ديوان الباخرزي) وتحته:
(بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لوليه. قال الشيخ الإمام الشهيد أبو القسم علي بن الحسن ابن أبي الطيب الباخرزي (ثم بالحمرة ما يأتي:)
يمدح الخليفة القائم بأمر الله وأنشدها في المحرم سنة خمس وأربعين وأربعمائة (ثم بالسواد البائية التي مستهلها):
عشنا إلى أن رأينا في الهوى عجبا
كل الشهور وفي الأمثال عش رجبا وهي في 48 بيتا وعدد صفحات الديوان 382 وقد كتبناها بقلمنا وفي أسفل الصحيفة الأخيرة ما هذا نصه: (تم الديوان بحمد الله وعونه وحسن توفيقه والحمد لله رب العالمين) وفي زاوية الصفحة بقلم دقيق (صاحبه عبد الكريم) وقد كشط أحد الأئمة(7/589)
بمدية تاريخ نسخ الديوان. على أن الورق والكتابة والحبر وضبط
الأبيات وما يتخللها من النثر والإشارات يدل على أنه يرتقي إلى خمسة قرون على أقل تقدير وطول الكتاب 23 سنتيمترا في عرض 15 سنتيمترا. وفي كل صفحة 21 سطرا وطول السطر المكتوب 11 سنتيمترا ونصف سنتيمتر.
وكان الناسخ قد كتب بالحمرة عنوان كل قصيدة أو كل قطعة إلى ص 179 وبعد ذلك ترك ما بقي من تلك القصائد الغر بلا عنوان وهو مما يبخس حق تلك القصائد إذ تضيع فوائدها التاريخية
وكنا شرعنا ننسخ هذا الديوان فوصلنا إلى نحو من نصفه أو أكثر، لكن السارق لم يشفق علينا فأخذه ولم نقف له على أثر.
وربما أدرجنا في مجلتنا بعض تلك القصائد حرصا عليها من الضياع والتلف وقد بعثنا بها الآن إلى أحد المستشرقين ليدرس فكرة ناظمها، فإذا أعادها إلينا قدمنا إلى قرائنا بعض أمثلة منها.
ونحن نهدي إلى من يأتينا بالنسخة الأصلية المسروقة ثلاثين ربية وخمس عشرة ربية إلى من يدلنا على آخذ هذه النسخة وعسى أن لا يخيب أملنا.
2 - الإرادة الملكية بفض مجلس النواب
أعلن فخامة رئيس المجلس أن هذه الجلسة (الخمسين) هي آخر جلسة للمجلس النيابي من هذه الدورة ولذلك يتلى محضرها فتلي (في 13 حزيران) وقبل.
3 - الاقتراع في مجلس الأعيان
في الساعة الحادية عشرة من صباح 13 حزيران شرف جلالة الملك دار الندوة (البرلمان) فاستقبله فخامة رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ودخلوا جميعا ردهة جلالته الخاصة به فاقترع لإخراج عشرة أعضاء من الأعيان من العشرين عضوا لانتهاء الزمن القانوني لعضويتهم في هذا المجلس. ففاز عشرة - طبعا - ودونك أسماء الفائزين:
1 - السيد محمد الصدر
2 - الشيخ عداي الجريان
3 - آصف أفندي آغا
4 - السيد عبد الله النقيب
5 - فخر الدين جميل
6 - غبطة البطريرك يوسف عمانوئيل
7 - الحاج حسن شبوط
8 - عبد الكريم السعدون
9 - مولود مخلص باشا
10 - محمود الاسترابادي
ودونك الآن أسماء غير الفائزين:(7/590)
1 - جميل صدقي الزهاوي
2 - يوسف السويدي. الرئيس
3 - الحاج سعيد معروف آغا
4 - مناحيم دانيال
5 - السيد عبد الحسين الكليدار
6 - الحاج عبد الغني كبة
7 - إبراهيم الحيدري
8 - محمد علي فاضل
9 - صالح باش أعيان
10 - عبد الله صافي
4 - الشكوى من البريد العراقي
تجيئنا تشكيات من مدن وبلاد مختلفة من عدم وصول المجلة إلى المرسل بها إليهم وقد تصل إلى بعضهم لكن بغير انتظام مع إننا نبعث بها إلى الجميع وفي يوم واحد. وآخر شكوى جاءتنا كانت من وزارة المعارف العمومية المصرية فقد كتبت إلينا تقول ما هذا نصه:
(بما أن أعداد المجلة لا ترد إلى مدرسة المعلمات الأولية بالمنيا فالرجاء اتخاذ الإجراءات الفعالة لإرسالها عند صدورها حتى تصل في الوقت المناسب) فنطلب إلى إدارة البريد في
حاضرتنا أن تنظر بعين السهر إلى إيفاد المبعوثات إلى أصحابها بأوقاتها المعينة لكي لا يحط من قدر بريدنا العراقي عند غيرنا. وأملنا أن لا تخيب اعتمادنا عليها.
5 - وفاة السيد طالب النقيب
نعت برقية من البصرة السيد طالب باشا النقيب ذاكرة أنه توفي في منيخ (بفارية) وكان قد سافر إليها قبل مدة وجيزة لمعالجة كبده فتوفي هناك على إثر بضعها. رحمه الله.
6 - قانون تنفيذ أحكام المحاكم الأجنبية في العراق
وافق جلالة الملك المعظم على النظام الذي أقره مجلس الوزراء والقاضي بشمول قانون تنفيذ أحكام المحاكم الأهلية والمختلطة المصرية.
7 - مساعدة المنكوبين
خصصت الحكومة العراقية مائتي ألف ربية بمساعدة المنكوبين بالغرق وهم أصحاب الزرع في لواء الدليم والحلة والديوانية وبغداد والناصرية. ويقال أن هذا المبلغ غير كاف للغاية المتوخاة وإذا استوجب الأمر جاءت حكومتنا إليهم بمساعدة ثانية.
ويؤمل أن يعفى عن الضرائب من ينجح زرعه الصيفي لينتعش الفلاح من عثرته.
8 - انضمام العراق إلى اتفاقية البريد الدولية
انضم العراق إلى اتفاقية البريد الدولية الموقع عليها في استكهلم في 28 آب (أوغسطس) سنة 1924 نافذا منذ 22 نيسان (إبريل) سنة 1929(7/591)
9 - تبادل المجرمين بين العراق وبريطانية العظمى
تمت المفاوضات بخصوص الاتفاق على تبادل المجرمين بين العراق وبريطانية العظمى وفوضت حكومتنا إلى ممثلها في لندن فخامة جعفر باشا العسكري أمر توقيعها باسم الدولة العراقية.
10 - لإصلاح السكة الحديدية
لما فاض الفرات أتلف السكة الحديدية في أهم أقسامها والآن أصدرت الحكومة أمرا بمبلغ 168 ألف ربية لإصلاح الخط في المواطن التي أضر بها الفيضان.
11 - الحاصد
تعرضت هذه الجريدة الأسبوعية البغدادية لموضوع يغاير خطتها فمنعتها إدارة المطبوعات من متابعة نشرها فنتمنى لها العودة إلى الحياة.
12 - الصباح
خالفت هذه الجريدة الأسبوعية الأدبية منهجها فكان نصيبها نصيب أختها فعسى أن لا تحتجب عنا كثيرا.
13 - الناقد
عطلت مديرية المطبوعات جريدة (الناقد) الأدبية لتجاوزها الخطة المعينة للجرائد الأدبية وكان صدور أول عدد منها في 13 حزيران وعطلت في 14 منه فلم تعش إلا يوما أو بعض يوم!
14 - انضمام العراق إلى الاتفاقية والنظام الخاصين
بالأصول الدولية للمواني البحرية
ينفذ العمل بهذه الاتفاقية منذ 30 تموز (يوليو) سنة 1929 وكان التوقيع على هذا الانضمام من قبل الدول في جنيف في 9 كانون الأول (ديسمبر) 1923.
15 - سيارة إسعاف في العاصمة
اشترت أمانة العاصمة سيارة نقل وخصصتها بإسعاف الناس ومن وظائفها أنها تنقل في أحداث الحريق من يصاب من موظفي الإطفاء وغيرهم بشيء في أثناء الحريق والإطفاء. وتنقل كذلك من يقع تحت الأنقاض ويصاب بأذى في مصاب الانهدام والانهيار.(7/592)
العدد 72 - بتاريخ: 01 - 08 - 1929
فضل العربية على سائر اللغات
1 - توطئة
لم يبق شك في أن ألفاظ جمة من إغريقية ورومانية تشابه كل المشابهة حروفا سامية عديدة. ولا سيما حروفا عربية. لأنه إذا كان ثم عشر كلمات من اللغتين المؤتمتين تضارع كلمات عبرية أو ارمية، فهناك مئات من الألفاظ الضادية تنظر إلى اللغتين المذكورتين.
فهذه المجانسة البينة لكل ذي عينين لم تأت من باب الاتفاق والمصادفة ولا هي وليدة توارد الخواطر، لأنه لو وقع شيء من هذا القبيل، لكان في بضعة حروف، وليس في عشرات ومئات. إذن هناك اصل هو أبو الجميع، ومن هذا الأب نشأت سائر الفروع. وهذا الأصل الوالد الكبير هو في نظرنا لغتنا(7/593)
العربية ومزاياها، والذي يدفعنا إلى هذا القول أسباب جمة:
2 - أدلتنا على فضل لغتنا
أول هذه الأدلة اختلاط سلفنا العرب بالأمم القديمة أصحاب اللغات التي كانت مبثوثة في سقي البحر المتوسط أي بالأمم الهندية الأوربية وبسواها.
والهنود الأوربيون في مختلف لغاتهم غير متصلين بعضهم ببعض على طراز الساميين إذ هؤلاء تستحكم بينهم عرا النسب وتشج وشجا وثيقا، ولا يمكنك أن تنكر ما عند القبيلين من المنازل التي تدل على أصلهم منذ القدم. ومن هذين القبيلين نشأ العمران الأكبر، عمران العالم الحديث. وأصل هذين القبيلين البشريين وتطورهما أو تكاملهما هما المسألتان الرئيستان اللتان تهمان التاريخ.
على أن بعض متعصبة الإفرنج وشعوبيتهم يحاولون أن ينكروا كل ممالأة جاءت من قبل الساميين. وينسبون كل تبحر في الحضارة إلى العنصر غير السامي بيد أن مكشوفات العراق وسورية وفلسطين وديار مصر والهند هبت من قبورها ودفائنها لتفند هذا الزعم الفائل، وتكذب أولئك المتقولين والمغرضين.
ولهذا صار مما نرغب فيه اليوم ويفيد المؤرخين والباحثين أن يتقصى الحفي في الآثار، ليطلع على أقدم الطوارئ الآرية التي هبطت على آسية المتقدمة، ويحاكم أحداث تلك
الأجيال محاكمة مجردة من كل غرض.
إننا نعلم أن الفريجيين والأرمن وبعض أقوام آسية الصغرى الواغلة في القدم كانوا ينتمون إلى العشيرة الهندية الأوربية. والآن جاءت الأنبياء لتروي لنا أن هناك آريين أسبقين بدوا لنا اليوم لينضموا إلى العشيرة المذكورة. فانبثاق هذا الفجر الجديد يطلعنا على أمور كان علماء الإفرنج أنكروها قبل نحو بضعة قرون وهي الآن تزداد جلاء ووضوحا، إذ يبدو لنا الآريون، بل قل: الآريون الأسبقون بمظهر العائشين في الشرق المتقدم، عيشة تدل على أنهم كانوا يخالطون الساميين منذ الأزمان الضاربة بعرق في القدم. فإلى ذلك العهد تنسب الألفاظ اليونانية والرومانية التي تشبه في تركيبها وبنيتها وبساطتها الألفاظ السامية، أو(7/594)
قل للأوضاع العربية.
2 - في اللغتين المؤتمتين ألفاظ لا ترجع أصولها إلى مواد معروفة فيهما، وهذا ما أقر به جميع لغوييهم العصريين من ألمان وإنكليز وفرنسيين وإيطاليين وغيرهم ولما عارضناها بالأوضاع العربية: وجدنا مفتاحها فيها فهي إذن من أصل عربي صريح، إذ لغتنا وحدها تحل مغلقها وتؤيد معناها وتطلعنا على سر وجودها في تلك الألسنة.
ورب معترض يقول: إن العربية العصرية أو العربية التي استحكمت أصولها قبيل الإسلام غير العربية القديمة التي كانت في تلك العصور الواغلة في القدم. فعربيتنا في هذا العهد حديثة بالنظر إلى اللغتين المؤتمتين، ولا سيما مدوناتهما، فأنها أعتق من مدونات عدنانيتنا بعدة قرون. فكيف يسوغ لك أن تذهب إلى رأيك هذا؟
قلنا: إننا لا ننكر من هذه الحقائق إلا بعضا منها. نعم إن الصيغ والتراكيب والمباني في لساننا قد تختلف عما كانت عليه في الأزمان البعيدة العهد إلا أن (مادتها الأصلية واحدة) وإن اختلفت صورها وصيغها. وأكثر هذه المواد تعرف عروبتها لأنها أحادية الهجاء. ثنائية الحرف، أي أنها في أبسط حالة يمكن أن تكون عليها الكلمة في أول وضعها ونشوءها. فالمضاعف الثلاثي عندنا ما هو في الحقيقة إلا أحادي الهجاء ثنائي الحرف. أما أنه ثنائي الهجاء ثلاثي الحروف فهو من ابتداع النحاة ومن نتاج مخيلتهم ليلحقوه بسائر الأوضاع الثلاثية التركيب. وإلا فأصل (فر) مثلا هو بفاء مفتوحة وراء ساكنة حكاية لصوت الفرار والذهاب أو الطيران. ولما شددوا الراء وفتحوها أرادوا تحقيق الراء - وهو
الحرف الأخير - لكي لا يخلط بحرف آخر ويتضح أنه راء محضة لا حرف آخر.
والإفرنج لا يريدون أن يقروا بهذا الأصل العربي فهم ينسبون تلك الأوضاع إلى لغات كانت معروفة عند سكان آسية المتقدمة، وهم غير الأمم اليونانية المعهودة عندنا. وقد اخترعوا لهم اسما يدلون به عليهم، وهو (الأقوام الاسيانية) وسموا لسانهم (الاسياني).
3 - مما لا ينكر أن أناسا من الحثيين كانوا في عداد الترواديين وكانت(7/595)
صلاتهم باليونانيين الأقدمين الأبطال من أوثق الصلات وأقواها: وقد أثبتت الأخبار أن أكابر الحثيين كانوا يصاهرون أماثل اليونانيين. ووجد اليوم من الأنباء القديمة أن الدولة الأخانية الكبرى - التي ترتقي إلى النصف الثاني من الألف الثاني قبل المسيح - كانت تراسل عظماء الديار التي نسميها اليوم بالأناضول القباذقية وتواصلهم وصالا مهما يدل على ارتباط قلوب بعضها ببعض.
4 - زد على ذلك أن أخبار التوراة تفيدنا أن أبناء (حث) كانوا ينزاون ربوع كنعان من شماليها إلى جنوبيها. وكان من الحثيين فرع ثالث يقيم في قيليقية وكانوا مرتبطين بالحثيين الكنعانيين - شماليين كانوا أم جنوبيين - ارتباطا وثيقا وعززت هذه الحقيقة مكشوفات فجر هذا العصر.
5 - من الأدلة الجديدة العهد المراسلة التي عثر عليها في (تل العمارنة)، فإن أغلب ما فيها يبحث عن شؤون كنعان، ولغتها الرسمية المألوفة هي السامية وفيها أمثلة من رسائل أخرى عبارتها ميتنية وحثية. وهذا ما يدل دلالة صريحة على أن ارتباط الساميين بالاسيانيين كان ارتباطا وثيقا ومحكما فهو إذن دليل تاريخي منيع لا يتيسر نقضه.
هذه أهم ما عندنا من الأدلة، ومن كان له رأي يخالف رأينا فليأتنا بما عنده لنرى مكانته من الحقيقة والمناعة، إذ لا ندعي العصمة في ما نقول، بل ننزل عن فكرنا حالما نرى من ينسفه نسفا بالطريقة العلمية الصحيحة.
3 - ميدان اجتهادنا
إننا لا ندعي أن جميع الألفاظ الإغريقية والرومانية عربية الأصل كما لا ندعي أن ليس في لغتنا من ألفاظ الأقوام التي جاورهم أجدادنا، فإن كل جيل أعار الجيل الآخر جاره شيئا من مصطلحاته وأوضاعه الخاصة به، حتى أن أجدادنا اقتبسوا بعض الألفاظ التي كانوا في
غنى عنها.
قال محمد الرازي: (وهم (العرب) ربما استعملوا بعض كلام العجم(7/596)
باتفاق وقع بين اللغتين كما قالوا للمسح بوزن الملح: بلاس وللصحراء: دشت) اهـ. واقتباس السلف كلما من جيرانهم مع استغنائهم عنها أكثر من أن يسمى فهذا الهلام أشهر من أن يذكر ومع ذلك أنهم أخذوا عن الأعاجم الخاميز. قال الليث: الخاميز اسم أعجمي إعرابه (عامص وآمص). وزاد في التاج: وبعضهم يقول: عاميص وآميص. وقال ابن الإعرابي: العاميص الهلام. وقال الليث: طعام يتخذ من لحم عجل بجلده. وقال الأطباء: الهلام هو مرق السكباج المبرد المصفى من الدهن. قلنا: هو المسمى بالفرنسية وقال ابن سيده: الخاميز أعجمي حكاه صاحب العين ولم يفسره قال: وأراه ضربا من الطعام. كذا في اللسان والتكملة.
وجميع اللغويين صرحوا في عدة مواطن من تآليفهم أن السلف اقتبسوا ألفاظا جمة من الأعاجم وكانوا في مندوحة عنها. قال ابن المكرم صاحب لسان العرب في كتابه (نثار الأزهار في الليل والنهار) معددا أسماء القمر فأوصلها إلى تسعة عشر ثم ذكر العشرين فقال: (والسلني وهو اسمه باليونانية وقد تكلموا به - وذكر من أسماء الشمس تسعة وعشرين أما الثلاثون فهو ايليوس. قال: (وايليوس وهو اسمها باليونانية وقد تكلموا به إذن وجود الشيء عند السلف لا يعني أنهم لم يضعوا له اسما في لغتهم ولا معناه أنهم في غنى عن اقتباسهم أوضاعا من جيرانهم لتأدية ذلك المعنى عينه والذي قد وضعوا له مسمى من سابق العهد بل معناه الإكثار من الأوضاع لا غير.
وعدم إدراك هذه الحقيقة دفع كثيرين إلى كتابة أمور يضحك منها الواقف على سر هذا الاقتباس على أن هذا الإنكار لم يرد في أقوال الأقدمين من لغويينا بل في بعض الكتاب المعاصرين الذين عرفوا شيئا وغابت عنهم أشياء فهم معذورون لأن الدافع إلى مقالهم هذا غيرتهم على تراث الأقدمين لا اجتهاد ولا تثبت في الحقائق.(7/597)
وعندنا من أقوال اللغويين الأقدمين لإثبات هذه الحقيقة ما لو تجسم لغدا كمامة تسد بها أفواه أولئك المتشدقين الذين ليس لهم من الاشتغال باللغة إلا الإدعاء الفارغ.
أما الألفاظ اليونانية والرومانية التي تمت إلى لغتنا بصلة النسب فهي تلك الألفاظ التي يكثر فيها الهجاء الواحد أو الهجاءان ومدلولها أمر طبيعي أو محاكاة الطبيعة وأما ما يدل منها
على الإمعان في الحضارة أو التوغل في الفكريات والنظريات أو على شؤون لا تعرفها العرب، أو ما كان من هذا القبيل فإنها خاصة بتلك الأمم وقد اقتبسها السلف حين مخالطتهم إياهم.
والذي عندنا أن ما اقتبسه الإغريق والرومان ما آبائنا أوفر مما استعاره أجدادنا من تلك الحمراء والصفراء.
وما حدث في العهد القديم من تحول الألفاظ وتنقلها من قوم إلى قوم واقتباس بعضهم ألفاظ البعض الآخر كل هذا يقع في عصرنا لأن العوامل الفعالة واحدة في البشر فهي لا تتغير ولا تتحول. ألم يقتبس بعضنا كلمة فاميلية ومرسي وربل ومثلها مئات ومئات مع أنه عندنا الأسرة أو الأهل وشكرا والقطار أو السكة الحديدية وبيننا من يتحزب للإفرنج وأوضاعهم فيستعمل ما يستعمله هؤلاء العلوج كما يرى بيننا من يسير على نهج العرب المخلصين وإن أصبحوا هزءا في عيون أولئك الشعوبية الممقوتين. فما يجري اليوم قد وقع أمس والشواهد أكثر من أن تحصى.
ولما ننسب إلى السلف وضع الحروف الأحادية الهجاء أو الثائيته، لا نريد أن نقول: أن كل ما كان على ذينك المبنيين يعود إلى قدمائنا، بل نريد أن نشير إلى الكثرة التي سادت في تلك الأوضاع؛ وإلا فللإغريق والرومان ألفاظ على طراز الوضع العربي بيد أنها من أقل مما ورد من جنسها أخذا عن الناطقين بالضاد.
4 - اقتباسنا الغريب
من غريب من استقريناه في هذا الموضوع أننا رأينا كلما عديدة وضعها الساميون ولا سيما أجدادنا العرب في عهد اختلاط الأمم بعضها ببعض على صعيد سقي البحر(7/598)
المعروف بالبحر المتوسط أو بحر الروم في نحو الألف الثالث أو الثاني قبل المسيح فنقلها عنهم من ليس من الرس السامي فزادوا فيها حرفا أو حرفين أو أكثر فاقتبسها منهم بتلك الصورة الجديدة من عاصر أولئك الأقوام من الناطقين بالضاد غير معتبرين أن أصلها يعربي محض وقد ألبس ثوبا أحمر أو أصفر.
ولا نريد أن نعرض على القارئ كل ما جاء في هذا الموضوع فإنه يحتاج إلى وضع سفر جليل قائم برأسه؛ غير أننا نذكر شاهدين للإشارة إلى ما نذهب إليه:
إننا نعلم أن لفظة (سلني) كلمة يونانية تعني القمر. وقد ذهب فقهاء لغتهم إلى أن الكلمة مشتقة من سلاس أي ضياء. وعندنا أن كلا من سلني وسلا (أي سلاس والسين الأخيرة من علامات الإعراب عندهم) مأخوذة من السنى أي الضياء في لغتنا أو من (سين) الآرمية بمعنى القمر. وسين كانت تعني في لغة أقدمينا القمر ومنه السنمار للمعنى المذكور فهو مركب من (سن) أو (سين) السامية و (مار) الذي أصله (ماه) أي قمر وذلك باللغة الآرية، فكأن المتكلم يخاطب أناسا يعرفون الفارسية وقد نسوا الكلمة السامية، أو يخاطب أناسا محبين للإيرانيين ولا يحبون سماع الساميات إلا للذكرى ومثل هذه الألفاظ المركبة من شقين أو من جزءين مختلفين قدر لا يستهان.
والذي يعزز رأينا في هذا الموضوع قولهم أسنى البرق أسناء: دخل ضوءه البيت أو وقع على الأرض أو طار في السحاب. وأسنى النار: رفع سناها - ومن هذا القبيل قولهم ليلة قمراء صناجة أي مضيئة - والسنيج: السراج - والحاسن القمر وظنوها من مادة حسن ونحن نظنها منحوتة من (حي سن) أي الإله القمر الحي. لأنهم كانوا يزعمون أنه إله حي. وهناك حروف كثيرة مركبة من سن أو سين ومن اسم ثان مثل سنداد وسيناء وسنيق وكان هذا الإله(7/599)
(أي السن بمعنى القمر) يصورونه بهيئة ثور ومنه في لغتنا: السن: الثور.
والذي يزيدنا رسوخا في هذا القول أن هذه المادة، مادة (س ي ن) أو (س ن ي) أو (س ن) في جميع اللغات السامية، فهو أعظم دليل على أن أجدادنا الأقدمين سبقوا غيرهم إلى وضعها.
هذا أصل السلني في نظرنا، وأما ايليوس الذي معناه الشمس في اليونانية، فصحيح لفظه بتفخيم الهمزة، أي يجعل الهمزة هاء أو حاء أو عينا في لساننا مما يحملنا على القول بأن أصلها كان (هيل) أو (حيل) أو (عيل) بعد حذف أداة الإعراب وبعد اعتبار القلب والإبدال فيها كلها. هذا فضلا عن أنه يسوغ لنا أن نعتبر الهمزة أصلية على لغة من لغاتهم. إذ لكل لفظة من تلك الألفاظ وجه في لغتنا وهو أمر عجيب.
فإن اعتبرت الأصل (إيل) فمعناها الإله وسميت كذلك لأن الأقدمين عبدوها كما يعبد الإله.
وإن ذهبت إلى أن الأصل هو (هيل) قلنا لك: أن هذه المادة معناها الدائرة النيرة. ومنها (الهالة) للدارة حول القمر. والهولة: نار التهويل.
وإن قلت أن الأصل هو (عيل) قلنا لك: أما أنه مقلوب العول مصدر عال عياله أي كفاهم معاشهم ومأنهم والشمس كما تعلم سبب معاش الخلائق كلها. وأما أنه مقلوب العلو لأن الشمس من أكبر الأجرام العلوية في نظر العوام من الناس.
أما إذا ارتأيت أن الأصل هو (حيل) قلنا لك: أما أنك تعتبر هذا اللفظ على وجهه الظاهر والحيل هو القوة كالحول والشمس هي سبب قوة المبروءات كلها. وأما أن تعتبرها مقلوبة (حول) والحول كالحيل القوة. بل حول نفسها (بلا لام التعريف وبضم الحاء غير المعجمة) علم للشمس. وقد ذكرها ابن منظور في نثار الأزهار ص 102 وهي التي نقلها اللاتين إلى صورة والفرنسيون إلى والإنكليز إلى وهكذا تراها في جميع اللغات واللغيات الصكصونية بفرق زهيد والأصل هو حول. ومن الغريب أننا لم نجدها في كتب اللغة القديمة ولا في المعاجم الحديثة وهي من الحروف التي(7/600)
لا بد لما فيها من الصلة بالألفاظ الآرية الأصل.
ومن غريب الأمر أن مثل هذا التغيير وقع بعد الإسلام وفي أبان ازدهار الآداب العربية فأخذ السلف عن الأندلسيين الأجانب ألفاظا بصورتها الأعجمية في حين كانوا في غنى عنها لأن ما اقتبسوه من أولئك الأقوام من المفردات هو عربي النجار ونحن نضرب لذلك مثلا واحدا تقيس عليه ما جاء من هذا القبيل.
بين أدباء المائة السادسة للهجرة رجل عربي محض الدم هو أبو القاسم خلف ابن عبد الملك بن مسعود بن موسى بن بشكوال بن يوسف بن داحة بن داكة بن نصر بن عبد الكريم بن واقد الخزرجي الأنصاري القرطبي كان من علماء الأندلس الكبار وله التآليف الجليلة المفيدة. وهو معروف عند الكتاب والمؤرخين باسم (ابن بشكوال) ولم أجد من بحث عن أصل هذه الكلمة. والذي عندي أن اللفظة بهذه الصورة إسبانية أي أندلسية أعجمية وهي تصحيف (الفصحي). وبين الاسمين فرق في اللفظ لا يمكن أن ينكر. أما أنه كيف صار (الفصمعي) بشكوال فنقول: أن الإفرنج نقلوا الكلمة إلى لسانهم بعدة صور منها فنقلت الفاء العربية إلى حرف والصاد إلى والحاء إلى أو ولما نسبوا إلى الفصح الإفرنجية قالوا والإسبانيون قالوا ولما كان الإسبانيون والعرب الأندلسيون في العصور الوسطى يلفظون بعض الأحيان السين شينا صارت (الفصحي) (بشكوال) وهو أمر في منتهى
الغرابة لعدم وجود أدنى مجانسة بين الكلمتين ومع ذلك لا يمكن لأي كان أن ينكر هذه الحقيقة لوضوحها. هذا ولم نر أحدا صارح بهذا الأصل سواء أكان من أبناء لغتنا أم من أبناء الغرب.
والنصارى يسمون (بشكوال) أو أن شئت فقل (فصحي) من يولد من أبنائهم في زمن الفصح. وهكذا اشتهر عندنا كثير من الأئمة باسم (بشكوال) أي الفصحي. منهم القديس بشكوال الأول البابا المتوفى في سنة 824م (1109هـ) والقديس بشكوال بيلون المولود في سنة 1540 م (947هـ) والمتوفى سنة 1592م (1001هـ) فبشكوال اسم نصراني بحت. وابن بشكوال مسلم عربي.
فكيف تسمى مسلم باسم مسيحي صرف؟(7/601)
نظن أن الاسم شاع في الأندلس شيوعا عظيما فسمعه المسلمون وسموا به أولادهم من غير أن ينظروا إلى معناه ومثل هذه التسمية كثير.
فمن كان يظن أن اسم بشكوال معناه ابن الفصحي؟ وإذا علمت أن نظائر هذه التغييرات جمة لا تحصى وورد مثلها قبل الإسلام وبعده تحققت أن أسرار اللغات من أدق الأمور بحثا واستقصاء.
الباء بعد إذا الفجائية
ذكر النحويون أن الباء الداخلة على الاسم الذي يلي (إذا) الفجائية لفظا هي زائدة وأن الاسم مبتدأ في الأصل وذلك في مثل قول الأصمعي في ص35 من الجزء الأول من الكامل (فإذا به في شملة) فتأويله عندهم (فإذا هو في شملة) فأقول: إن الذي أطلع على كلام أسلافنا الكرام وجد أن (إذا) الفجائية يليها ضمير رفع أو اسم ظاهر غالبا ولم أر في القرآن الكريم غير ذلك. أفعند دخول الباء شاذا أم نفتش عن سر هذه القضية النحوية فنؤيد من ادعى أن الباء قياسية الدخول بعد إذا. التفتيش عن السر أولى فالكيه (إن الضمير الذي يلي إذا أما يكون ضمير المفاجئ مثل (بحثت عنهم فإذا هم جالسون) وأما يكون ضمير المفاجأ مثل (بحثت عنهم فإذا أنا بهم جالسين) ولكن العرب استجازوا حذف ضمير المفاجئ على ما ظهر لي فالقول (فإذا به في شملة) أصله (فإذا أنا به في شملة) ومن ذلك يظهر لنا أن (إذا) لا تدخل على الضمير المجرور إلا بتقدير ضمير رفع بينهما يستقيم به الكلام. قال رجل
من ثقيف في (144: 3) من الكامل (ثم أصبحت والناس يقولون: قتل أمير المؤمنين الليلة فأتيت الحسن (وإذا به) في دار علي عليه السلام) فالأصل) وإذا أنا به في دار علي) والذي يؤيد دعواي قول رجل من أصحاب عبيد الله بن زياد في (149: 5) من الكامل (خرجنا من جيش زيد خراسان فمررنا بآسك (فإذا نحن بهم ستة وثلاثين رجلا) فانظر إلى قوله (فإذا نحن بهم) لأنه يبطل دعوى من يقول إن الهاء في (بهم) مبتدأ في الأصل ويؤيد تعليلنا تأييدا شديدا فلو قال هذا (فإذا بهم ستة وثلاثين رجلا) ما أخطأ بل جعل كلامه عرضة للالتباس ويأبى ذلك ذوقه العربي.
مصطفى جواد(7/602)
بسمى أو أدب
كنا نشرنا مقالة بهذا العنوان في (5: 65 إلى 70) وطلبنا إلى حضرة صديقنا الوفي يوسف أفندي رزق الله غنيمة أن ينقل إلى لغتنا ما قاله عنها أبناء الغرب في أسفارهم بعد التنقيبات التي قاموا بها في الأرض التي تعرف باسم (بسمايا) إلا أن حضرة الكاتب الألمعي عين وزيرا لمالية العراق فلم يبق له متسع في الوقت ليفيد قراء لغة العرب بمقالاته إذ انتقلت فائدته اليوم إلى فريق أعظم عددا من فريق قراء مجلتنا فكان العذر واضحا فطلبنا إلى حضرة صديقنا الآخر وهو رزوق أفندي عيسى أحد كتبة المجلة السابقين أن يقوم بهذا السعي فحبر لنا المقالة الآتية:
(ل. ع)
وقفت مؤخرا على المقالة المدرجة في الجزء الثاني من السنة الخامسة من (لغة العرب) الصحيفة ال 65 بعنوان بسمى أو أدب لا بسمايا أو مسماة أو بسماة فشكرت لمنشئ هذه المجلة عنايته بطرق المواضيع المفيدة لنا نحن العرب والمستشرقين عموما وما لفت نظري إلى كتابة هذا المقال هو رد الكاتب المحقق والمؤرخ المدقق على م. ج. دي خويه بقوله (ومع ذلك نراه قد وهم هو أيضا في هذه القرية أو المدينة أو ما شئت أن تسميها وذلك أنه فرز في فهرس الإعلام بسما عن بسمى فذكر للأولى أي (بسما) مواقع وجودها من تاريخ الطبري. وذكر الثانية بقوله: (بسمى) بالبطيحة وبين محل وجودها وورودها في التاريخ المذكور مع أن الحقيقة هي أن الاسمين لمسمى واحد لا غير. ولو أمعن بنظره في البحث لوجد أن ما ظنه قريتين إحداهما قريبة من بانقيا والثانية في البطيحة هما واحدة إذ كلتاهما بالبطيحة أو البطائح حتى بانقيا نفسها ولم يهف علامتنا هذه الهفوة إلا لأنه لم يعرف حدود البطائح).
وقبل الخوض في بيان ما نحن بصدده أقول: أن بطائح العراق هي مجمع سيب الفرات ودجلة وكلما تحول مجرى دجلة تحول موقع البطائح ذلك التحول. هذا ولم يذكر مخطط العرب البطائح ذكرا تاما، إذ لم تستقم على حال واحدة(7/603)
وإنما كانت على ما يشاء لها الاتفاق والحوادث.
إني أذهب اليوم مذهب العلاقة دي خويه إلى أن في العراق موضعين يعرفان بهذا الاسم (بسما وبسمى) وأحدهما معروف وهو التل الذي نقب فيه الدكتور بدجر جمس بانكس الأثري الأميركي عام 1903 وموقعه بين فرات الحلة والغراف وسندرج في جزء مقبل مقالة مسهبا فيها عن هذه المدينة المطمورة منذ أجيال وقد كشفت معاول النقابين عنها النقاب بمشارفة الدكتور المشار إليه فويق هذا.
أما الموضع الثاني المعروف بهذا الاسم فقد بحث عنه في أسفار الرحالين والنقابين والرواد التي بحوزتي فعثرت على ضالتي في أحدها ولم أكتف بذلك بل استطلعت جماعة من الشيوخ الخبيرين بمواطن العراق القديمة والحديثة والملمين بأسماء الروابي والأطلال المنبثة في أطراف الديوانية والغراف وكوت العمارة وفي غيرها وجلهم من المكارين الذين قضوا معظم حياتهم في التنقل من بلدة إلى أخرى فذكر لي بعضهم أن بسمايا تل يبعد عن بلد الكوت نحو ثلاث أو أربع ساعات وذكر آخرون الأنقاض المشهورة الواقعة في شرق الديوانية وقد أجمعت كلمتهم أخيرا على أن في العراق موضعين يعرفان بهذا الاسم، وتأييدا لما نحن بصدده أنقل للمطالع ما جاء في كتاب (بسمايا) أو أدب المفقودة لمؤلفه الدكتور بنكس المطبوع عام 1912 م ص 384 قال المؤلف:
(لم تكن بسمى التي نقبنا فيها الأنقاض الوحيدة في ديار بابل تعرف بهذا الاسم بل هناك بسمى أخرى واقعة في الجهة اليمنى من دجلة قائمة فوق بلدة الكوت تبعد عنها نحو أربع ساعات، وكثيرا ما رغبت في تفقد معالمها فأتاح لي الحظ يوما أن أقضي طول نهاري باحثا منقبا في أطلالها، بينما كنت أنتظر ورود باخرة لتنقلني، فانتهزت فرصة تأخرها ونلت مبتغاي).
(تحتوي الأنقاض على تل واحد طوله نحو نصف ميل في عرض ربع ميل وعلوه خمسون قدما وتكاد تكون قمته مستوية بيد أن أطرافه قائمة متحدرة وقد أثرت فيها سيول الأمطار تأثيرا عظيما فجرفت قسما منها وأصبحت أخاديد عميقة تشبه السواقي وهناك كثير من قطع الخزف المدهونة(7/604)
بدهان أزرق والأجر المشوي وفي الطرف الجنوبي وجدنا احدورا فيه تابوت من الطين فيه سكة من عهد الفرثيين وهم الارشكيون وقد نخرها التراب ثم عثرنا على عدد كبير من النقود مبعثرة في كل مكان من التل غير أنها كانت منخورة جدا
حتى أننا لم نهتد إلى معرفة اسم ضاربها ولا إلى تحقيق ما عليها من الكتابة وقد استفدت فائدة كثيرة من الرسوم المنقوشة على الأجر وفي بعضها وجدنا كتابة تشتمل على ثلاثة أسطر منقوش فيها اسم نبو كد نصر ولكن لم نر فيها أثرا لاسم المدينة ومن الأجر ما هو مطبوع عليه رسم مربع صغير غير أن معظم الأجر مكتوب عليه كلمة واحدة بحروف عبرية أو أرمية وقد انتقيت أحسنها وحفظتها معي لكي أقف منها على اسم ذلك الموضع القديم وبعثت بنسخة من تلك الكتابة إلى الأستاذ توري من جامعة بل فأجابني أن الحروف إرمية قديمة وتلفظ كرنبو ويعقب هذا الاسم إشارة تمثل برجين وتدل على أن تلك الكلمة كانت اسم المدينة وقد وردت لفظة (كرنبو) في الكتابات الآشورية وكانت لها علاقة بكوثى (تل إبراهيم) ويذهب جمهور من الأثريين إلى أنها من أقدم المدن في تلك الناحية وقد أورد ياقوت اسم كرنبو نقلا عن كتبة اليهود أنه كان ابن كوثى بن ارفكشاد بن سام بن نوح ويقال أيضا أن كرنبو كان والد زوجة إبراهيم ويظهر من التقاليد أيضا أن بسمى هذه تمثل موضع إحدى مدن بلاد بابل الواغلة في القدم، هذا وسطح الأنقاض يرشدنا إلى العصور الأخيرة من دولتي بابل وفرثية فإن ذلك التل عال جدا ومن المحتمل أن في ثناياه وطبقاته آثار أمم قديمة والتنقيب فيه سهل ومضمون النجاح).
(إن شظايا الخزف لم تكن خالية من فائدة لأنها كانت مدهونة بدهان أزرق وأحمر وأبيض وبعضها كانت مطبوعة بطابع ومن الطوابع رسم دائرة وضمنها رمز قديم بهيئة صليب يوناني من ذراعين معقوفتين ومنها تصميم يدل على شعار كشعار الدولة العثمانية أي يلمح إلى راية الهلال ولا يبعد أن النجم المستدير يمثل الشمس ومهما يكن من الأمر فإن الواقع يحملني على أن أبحث عن أصل ذلك الرمز المعدود عند العموم كرمز تركي المنشأ لأنه ظهر أولا على الراية العثمانية في هذا العصر فقد جاء في روايات الأقدمين أن ذلك الرمز منشأه الملك(7/605)
فيليب والد إسكندر الكبير فإنه في إحدى غزواته باغت سكان بوزنطية ليلا فكان النجم المتألق في السماء القائم بالقرب من القمر سببا في إثارة كلاب الأزقة وأخذت تنح نباحا شديدا فهب الأهالي وأدركوا الخطر المحدق بهم فقاموا في الحال وأخذوا يذودون عن حياض المدينة حتى أنقذوها من ضربة العدو واستيلائه عليها، بيد أن الاكتشافات في هذه البقعة تحملنا على أن نعتقد أن ذلك الرمز قديم جدا ويتجاوز في القدم عصر فيليب إذ
كان في زمن الشمريين ذلك الرمز كسمة تمثل كلمة رقية ومن المؤكد كون أصل ذلك الشعار تعويذة لطرد الأرواح الخبيثة وتقليص ظل الأمراض والنكبات ولجلب اليمن والسعادة وقد اتخذ أهالي المشرق قاطبة هذا الرمز حرزا حريزا بيد أن الفرس والفرثيين انفردوا به دون سواهم حتى طبعوا رسمه على مسكوكاتهم).
هذا ومن العراقيين من يذهب إلى وجود موضع ثالث يعرف باسم بسمايا وذلك نقلا عن شيوخ بوادي العراق حتى أن أحد الأعراب أتى يوما إلى النقاب الأميركي في بسمى وأكد للعريف الذي برفقته أن التلال التي ينقب فيها لم تكن التلال الواقعة في بسمايا الأصلية فحمله قوله هذا أن يرافقه مع جماعة من الفعلة إلى المحل الذي أشار إليه وقد ذكر ذلك بنكس في كتابه المذكور في صدر هذا المقال ص 154 - 155 قال ما ترجمته:
(بعد أن أسفرت التنقيبات عن نتيجة حسنة أتاني (الاونباشي) ذات يوم بخبر مفزع مآله أن التنقيبات لم تكن جارية في أنقاض بسمايا الأصلية وأن بسمايا الحقيقية التي هي مطمح أنظارنا واقعة على مسافة ميلين أو ثلاثة أميال من هنا إلى الجنوب وراء تلك الجبال (الروابي الرملية) حتى قال حقا لقد أضعنا وقتنا وذهبت أتعابنا سدى واستمر مصرا على قوله هذا أننا لم نظفر بعد بضالتنا المنشودة فاعتمادا على ما فاه به أعددت عدتي وغادرت محلي قاصدا الموضع الذي أشار إليه ولما بلغناه ألفينا أعالي التلال مغطاة بشظايا من الخزف غير المصقول وشاهدنا في أماكن كثيرة آثار جدران مبنية بالأجر المسنم المشوي وبعد أن نبشنا الأرض خرقنا بضعة خروق لم نعثر على شئ مهم يستحق الذكر سوى سطح صهريج معد للماء مصنوع من الأجر الخزفي الصلب وقدر قطره نحو متر وعمقه متساوي(7/606)
جامع قمرية
استدراك
كنت ظننت في (ص230 من هذه المجلة) أن في النقص الذي طرأ على كتاب الحوادث الجامعة بحثا يعرفنا بما نتطلبه من أمر جامع قمرية. وقلت أن باني هذا الجامع هو الخليفة الناصر. وكان قولي هذا لسببين أولهما أن من صلى في هذا الجامع إماما بالناس حين فتحه كان مجد الدين عبد الصمد وإذ كانت ولادته في سنة 593هـ (1196م) على ما كنا رأينا كان من مواليد زمن الناصر فلا يمكن أن يكون الجامع من بناء من تقدمه من الخلفاء أو غيرهم. وثاني السبيين أن كتاب الحوادث المنوه به - والمحفوظة نسخة بحالها الحاضرة يبتدئ من قسم من سنة 626هـ (1228م) كما كنت قد أشرت إليه - لا يذكر بناء جامع قمرية فارتأيت أن تشييده كان قبل ذلك ولا سيما كتاب المساجد ذكر لنا نقلا عن بعض المؤرخين - ولم بسمهم - أن هذا الجامع من أبنية الناصر فقلت قول كتاب المساجد مؤيد إياه.
وكل ما كنت نقلته في كتابتي من الحوادث الجامعة - عن الجامع الذي نحن بصدده - منقول من نسختي المكتوبة على النسخة المخطوطة العائدة إلى صاحب هذه المجلة وهي منقولة عن الأم الوحيدة وقد عرفتها في ما سبق. ولم أكن أدري أن النسخة المصورة لهذا المخطوط المحفوظة في دار الكتب العائدة إلى وزارة الأوقاف تحل لنا المشكل إذ تطلعنا على تكامل بناء الجامع في سنة 626 هـ وهي من سني خلافة المستنصر. والذي أوقفني على ذلك كلمتان - بقلم لا يختلف عن قلم الكتاب - وردتا في حاشية النسخة المصورة دون المخطوطة وقد أغفلهما الكتاب. قالت النسخة المخطوطة:
(وفي شعبان (626 - 1228) تكامل بناء المسجد المستجد بالجانب الغربي على شاطئ دجلة المقابل لرباط البسطامي ونقل إليه الفرش والآلات وقناديل(7/613)
الذهب والفضة والشموع وغير ذلك وفتح في شهر رمضان ورتب فيه مصليا الشيخ عبد الصمد بن أحمد بن أبي الجيش وأثبت فيه ثلثون صبيا يتلقنون القرآن عليه. ورتب فيه معبد يحفظهم التلاقين ورتب أيضا فيه الشيخ حسن بن الزبيدي محدثا يقرئ (كذا) عليه الحديث النبوي في كل
يوم اثنين وخميس. ورتب أيضا قارئ للحديث. وجعل في المسجد خزانة للكتب وحمل إليها كتب كثيرة). اهـ
فلم يكن بوسعي أن أتكهن بأن هذا المسجد هو جامع قمرية ولكني لما وقفت على النسخة المصورة رأيت فيها إشارة بعد كلمة (البسطامي) تهدي إلى الحاشية وفي الحاشية ما يأتي:
(المعروف بقمرية) فلم يبق لي شك في أن جامع قمرية تكامل بناؤه في سنة 626 هـ وكانت تلك السنة في خلافة المستنصر التي بدأت في سنة 623 (1226).
وجاء في الحاشية قوله: (حاشية. حكي أنه قيل للشيخ عبد الصمد أن هذا الموضع رسم أن يكون إمامه شافعيا. . . (هنا كلمات لم أستطع قراءتها) الانتقال عن مذهب الإمام أحمد. فقال: ما وجدت في مذهبه ما يوجب انتقالي عنه. فأنهي ذلك إلى الخليفة فقال: نحن نغير. . . كذلك كلمات لم أستطع قراءتها) اهـ.
وقد جاء في كلشن خلفاء في أخبار والي بغداد إبراهيم باشا أنه جدد في سنة 1903 (1683) عمارة الجامع المقابل لدار الإمارة (هي ما نعرفه اليوم بالسراي) وأن يحيى دده شيخ الدراويش المولوية أرخ البناء ببيت من الشعر بالتركية ذكره. قلت ولعل هذا الجامع هو جامع قمرية أيضا.
وبعد هذا كله أقول من هي قمرية؟ أأمرأة كما قال كتاب المساجد أم غير ذلك؟ والاسم جديد نسب إليه الجامع حين إنشائه أم اسم قديم للموضع الذي بني عليه؟ هذا ما تساءلت عنه قبلا وأكرر السؤال عنه اليوم.
يعقوب نعوم سركيس(7/614)
ما فوق باب اورتمه من الكتابة
وما في داخله منها
لما ألف العلامة (لويس ماسنيون) كتاب (بعثة في العراق من سنة 1907 نقل في الجزء الثاني الكتابة التي فوق الباب الشمالي (لخان اورتمه) وذلك في ص 24 من بعثته. وقد ظهر لنا أنه نقلها عن مؤلف تاريخ مساجد بغداد. ويؤيد ذلك أيضا مناسبة ما في هذا التاريخ لما نقله العلامة المذكور.
وإننا قد استغربنا أوهام هذا النقل لما أن الكتابة مرموقة على الحجارة لا في الأدمغة ولا في القرطاس ولأن أمور التاريخ يجب أن يستثبتها مسطرها قبل تسطيرها خشية أن تتيه القرون التي تأتي في مجهل الارتباك والاضطراب ولا ينتفع الإنسان من حيث يضر، فلخدمة التاريخ النزيه قصدنا إلى باب ذلك الخان أكثر من خمسين قصدة وتحملنا وصب الوقوف والنظر الحديد بين مشاة ساخرة ونظارة حاقرة وعابري سبيل غير ملتفتين، فتوصلنا إلى عرفان ما نذكره أسفل هذا معارضيه بما نقله العلامة ماسنيون لينبلج فجر الحق بعد أن أغطش ليل الالتباس والأرقام لتعداد الأسطر.
ما نقله ماسنيون
1 - بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد النبي وآله أجمعين هذه الخان من إنشاء ذي العمل المبرور والسعي المشكور مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن السلطاني
2 - الاولجايتي وقفها على المدرسة المرجانية ودار الشفاء بباب الغربة.
3 - والنصف للقائمة وتل دحيم ومزرعة بالصراة وبساتين بالمخربية وبساتين بقرية البزل والراذمار وخرم أباد.
4 - رباط جلولا المعروف بقزرباط ورزين حوى ونصف دوري وبساتين ببعقوبا وبوهريز وبالبندنيجين وخان ودكاكين.
5 - بالحلبة وأربع خانات ودكاكين بالجوهرية وخان بالجانب الغربي ودكان كاغد بالحريم
كما هو.
6 - محدود ومشروح في الوقفية وقفا صحيحا شرعيا تقبل الله منه الطاعات في الدارين. . . وكان الفراغ منه سنة ستين وسبعمائة والحمد لله وحده.
7 - وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي العربي الصادق وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه وسلم كتبه الفقير إلى رحمة ربه أحمد شاه النقاش المعروف برزين قلم. غفر الله ذنوبه.
ما نقلته أنا
1 - بسم الله الرحمن الرحيم.
2 - أمر بإنشاء هذا النيم والمنازل والدكاكين المولى المخدوم الآمر الصاحب الأعظم.
3 - الأعدل ملك ملوك الأمر في العالم. صاحب العدل الموفور، عضد السلطنة والإمارة حاوي مرتبة الإمارة(7/615)
والوزارة.
4 - افتخار شهد الأوان المخصوص بعناية الرحمن أمين الدين مرجان الأولافايتي وقفها على المدرسة المرجانية ودار الشفاء بباب الغربة كذلك عقرقوف
5 - والنصف من القائمية وتل دحيم ومزرعة بالصراة وبساتين بالمخرمية وبساتين بقرية الترك والزادمار وخرماباد.
6 - ورباط جلولا المعروف بقزل رباط وزرين جوي ونصف دوري وبساتين ببعقوبا وبوهريز وبالبندنيجين وخان ودكاكين.
7 - بالحلبة وأربع خانات ودكاكين بالجوهريين وخان بالجانب الغربي ودكان كاغد بالحريم كما هو.
8 - محدود مشروح في الوقفية وقفا صحيحا شرعيا تقبل الله تعالى منه الطاعات في الدارين وبلغه نهاية المراد وكان الفراغ من سنة ستين وسبعمائة والحمد(7/616)
لله وحده.
9 - وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي العربي الصادق وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه وسلم كتبه الفقير إلى رحمة ربه أحمد شاه النقاش المعروف برزين قلم غفر الله ذنوبه.
ولزيادة الفائدة نذكر إعلانا أعلن في زمن (إسماعيل شاه الصفوي) وهو مرقوم على الجانب
الشرقي من جدران الباب الشمالي للخان الاورتمه داخلا لا خارجا في صخرة لوبية طولها (82) سنتمترا على التقريب وعرضها (22) سنتمترا على التقريب أيضا لأننا قسمنا بالشبر والفتر والإصبع ثم نقلنا ذلك إلى السنتمترات فدونك الإعلان بحروفه:
بسم الله الرحمن الرحيم في أيام حضرة السلطان الولي الدال على المذهب الإمامي شاه إسماعيل بن حيدر الصفوي الحسني أيدت دولته ووقف عاليجناب الأمير الكبير المخصوص من الله بالعناية والإحسان الأمير العادل (قنغرار) سلطان على قول الله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وأعلم أن عواقب الظلم ذميمة وموارده وخيمة فصدر أمر العالي بألا يؤخذ من دلالي الابريسم ومن عزة (كذا) الأقمشة شيء بعلة الضمان ومطامع الديوان وألا يؤخذ من جند حاكم بغداد وغلمانه وأرباب ديوانه شيء بعلة التمغا ومن غير ذلك أو شيئا منه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ وكتبه في ذي الحجة سنة (921) والحمد لله وحده) اهـ.
وليعلم القراء الكرام أن نقدنا لما نقله العلامة لويس ماسنيون هو نقد لتاريخ مساجد بغداد الذي لم يهتم مهذبه - أي محمد بهجة الأثري - بمقابلة بعضه بما هو مرقوم على الأجر ولا يمكن إفساده ولا العبث به.
بغداد: مصطفى جواد(7/617)
رسالة في تراجم أحوال الرجال
للشيخ (كذا) البقاعي
نسخة خطية محفوظة في المتحفة البريطانية بلندن تحت رقم 57 - 8655.
هو بالقطع الصغير وهو أوراق فقط، قال المؤلف في المقدمة:
قال أحوج خلق الله إلى عفو الحق أبو الحسن إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن بكر البقاعي الشافعي نزيل القاهرة هذه (الكراسة؟) التي خفيت أحوال منتخباتها على الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم فسأل عنها شيخه الحافظ أبا الحسن علي بن عمر الدارقطني فعلق بخطه تحت أساميهم ما صح له من أقوالهم وقال: ثم سألته فشافهني بها وكلهم من أهل العراق وقد رتبتها ليسهل الكشف منها وبالله التوفيق.
وبعد هذا يجيء بأسماء الرجال على ترتيب حروف الهجاء ولكن لم يذكر من أحوالهم شيئا إلا نادرا وليس لأكثر الرجال إلا سطر واحد وليظهر صحة ما قلت نقلت السطرين الأولين:
أحمد بن إبراهيم بن ملحان أبو عبد الله ثقة.
أحمد بن إسحق بن صالح الوران لا بأس به الخ إلى آخر الحروف.
ثم في الورقة السابعة يجيء ترتيب جديد، قال في أوله: وسأله مشافهة عن رجال أثبتهم أيضا مرتبا من أسمائهم وأسماء آبائهم على الحروف وأول سطر: إبراهيم بن زياد سيلان فقال ما أعرف في سيلان إلا خيرا.
وفي آخر الكتاب:
فرغ من ترتيبه. . . أحوج الخلق إلى عفو الحق أبو الحسن إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي الشافعي يوم الأحد خامس عشرين (كذا) شوال من شهور سنة أثنين (كذا) وخمسين وثماني مائة بمسجده من رحبة العيد بالقاهرة المعزية حفظها الله الخ. كأنها نسخة بخط المؤلف نفسه.
بكنهام (إنكلترة): ف. كرنكو(7/618)
الحاج الميرزا معصوم العلوي
هو الحاج الميرزا معصوم بن إبراهيم العلوي وهو الجد الأدنى للسيد محمد مهدي العلوي ينتهي نسبه إلى علي العريضي بن جعفر الصادق.
ولد في كيذقان (قرية تبعد عن سبزوار ستة فراسخ) وبعد بلوغه الحلم انتقل إلى سبزوار وتزوج بها.
اشتغل بتحصيل العلوم برهة من الزمن فقرأ الصرف والنحو على بعض الفضلاء وانتهت دورة تحصيله بإنهائه كتاب شرح الألفية لجلال الدين السيوطي ثم اشتغل بالتجارة ولم يزل كذلك حتى وافته المنية.
زار العراق مرتين وحج مكة والمدينة. وكان قصير القامة أبيض اللون طيب الأخلاق.
أجاب داعي المنون في سنة 1315هـ (1897م) وقد أرخ وفاته أديب مصره وأحد شعراء عصره الميرزا سليمان بقوله:
وفات حاج مير معصوم كه بودا ومؤمن كامل ... بهمراه براد جون برحمت كشت وي
واصل
سؤال سأل تاريخش نمودم ازخرد كفتا ... كه تاريخ وفاتش دان مطابق لفظ (فارغ دل)
1315(7/619)
مندلي الحالية
كان حضرة الكاتب السيد عبد الرزاق أفندي الحسني كتب مقالا في لواء ديالى وذكر مندلي من أقضيتها (7: 537) ولما كان لهذا القضاء شأن في التاريخ طلبنا إلى حضرة المعلم ميخائيل توماس وهو مدرس اللغة الإنكليزية - في مدرسة الحكومة أن يصفها وصفا وافيا يصور لنا هذا القضاء تصويرا يمكننا من أن نقف على أمرها كما هي عليه اليوم فكتب لنا ما يأتي.
1 - موقعها
مندلي أحد الأقضية التابعة للواء ديالى في العراق العربي. وهي تبعد عن بغداد بالسيارة نحو ست ساعات وبالقافلة زهاء ثلاثة أيام أو 24 ساعة أو 58 ميلا.
2 - اسمها الأصلي
يقال أن الفرس لما اكتسحوا بعض جهات العراق في أيام السلطان مراد اجتاحوا هذا المحل وسموه باسم فارسي (بندنيك) ثم استخلصها الترك من أيديهم فحرفوا اسمها وصار (بندنيج).
ثم أن اسم بندنيج تحرف مرة أخرى إلى مندليج ولا يزال هذا الاسم الأخير مستعملا حتى الآن عند الفرس، والرسائل الواردة من إيران إلى مندلي تكتب عناوينها (مندليج) وفي الأخير خفف العراقيون المعاصرون هذا اللفظ بحذف الجيم فصارت (مندلي).(7/620)
3 - نفوس القضاء
إني تحققت من كاتب النفوس في مندلي حسب الإحصاء الذي أجراه سنة 1928 أن عدد أهاليها مع أهالي ناحية قزانية وقرية دو شيخ بلغ (12. 141) ولكن لم تسجل أسماء نفوس مقاطعات القضاء لأنهم عشائر فلو أردنا إضافة عددهم إلى نفوس القضاء لبلغ خمسة عشر ألفا ومن جملة السكان نحو 200 إسرائيلي ساكنين في 40 بيتا وهم في نفس القضاء وحده لا في ملحقاته. وليس في القضاء أحد من النصارى. وفيهم قلم حاجية.
4 - ناحية قزانية
لمندلي ناحية واحدة لا غير وهي قزانية وتسمى عندهم (جيزاني) وهي واقعة في جنوبي مندلي على بعد ساعة ونصف منها سيرا على الأقدام وفيها مدرسة أولية ذات صفين مبنية على الطرز الحديث وتقابل دار الحكومة وقد شيدت هذه المدرسة سنة 1924 ويبلغ عدد تلاميذها نحو 30 تلميذا. وفيها محلتان وهما: (جاي محله سى) و (قلعة محله سى) وتبلغ دورها 700 وخاناتها ثلاثة وعدد نفوسها نحو 3. 600 ويتكلم أهاليها الكردية والفارسية وقليلا من العربية.
5 - قراها
من قراها (نقيب) وهي واقعة في غربي مندلي على بعد ساعة واحدة منها. وقرية (دو شيخ) وهي واقعة في شرقي مندلي على بعد ساعتين منها سيرا على(7/621)
الأقدام وفيها 200 بيت. وفي هذه القرية تصنع الكوافي (جمع كوفية وهي غطاء الرأس).
6 - مقاطعاتها
(نفت) وتبعد عن مندلي 3 ساعات سيرا وفيها 300 بيت و (طحماية) وتبعد عن مندلي 3 ساعات وفيها 310 بيوت. و (دحلة) وهي على بعد 4 ساعات من مندلي وفيها 300 بيت. و (العمريات) على بعد 3 ساعات من مندلي وفيها 100 بيت. و (ترساق) على بعد خمس ساعات من مندلي وفيها 150 بيتا وفي جميع هذه المقاطعات عشائر من الأعراب وبيوتهم كلها من الشعر.
7 - عشائرها
في مندلي طائفة من عشائر الأعراب والأكراد منهم: (قره آلوس) و (زهيري) و (البو جواري) و (الحامدة) و (العوادل) و (بنو عكبة) و (البو فرج) و (البو حريت) و (رديني).
8 - معادنها
على مسافة ثلاث ساعات من قصبة مندلي ينابيع نفط وعيون قير وفيها ممالح مشهورة بجودة ملحها.
9 - مبانيها
لا تزال المباني الموجودة في مندلي على حالها السابق من غير أن يحدث فيها إصلاحات عصرية كما حدث في أقضية أخرى. وإليك أسماء المباني التي فيها: سراي الحكومة - دائرة البلدية - دائرة البرق والبريد (وقد أقيم فيها تلفون في هذه السنة 1929) - دار الكمرك والمكوس - المدرسة الابتدائية الأميرية - المستشفى الملكي - سيشيد فيها عن قريب دائرة للبيطرية - 3 حمامات - جامعان - 3 مساجد - سوقان - خانان أحسنهما المسمى خان هرون وهو منظم وفيه أمتعة التجار وبضعة حوانيت للباعة وجايخانة (مشرب للشاي) وفي هذا الخان ينزل المسافرون القادمون للتجارة - 1700 دار - مطحنة بخارية (مكينة للطحين) - مثلجة (آلة لصنع الثلج) - كنيس لليهود - محل شركة لمكائن خياطة سنجر - 200 دكان للبدالين والبزازين وغيرهم - 7 زوايا - 10 مقاه كبيرة(7/622)
أحسنها قهوة هرون بازاء دائرة لكمرك وإليها يذهب أكثر الأشراف والموظفين ثم يليها في الجودة قهوة روبين الإسرائيلي - 30 مشرب شاي (جايخانات) - 4 كتاتيب لتدريس أصول القرآن ومبادئ الديانة ومبادئ اللغتين الفارسية والتركية - 3 مقرات (كراجات أي مستودعات للسيارات).
10 - مساكن مندلي والإيجار
يبني الأهلون أساس بيوتهم بحجارة صخرية تجلب من جبال الحدود ثم يقيمون عليها الجدران باللبن ويسقفونها بالجريد فيرص على جذوع النخل وشوارع المدينة وأزقتها قذرة لا أثر للعناية بها. والمياه على قلتها ملحة ومرة. وحركة النقل بالسيارات دائمة بينها وبين العاصمة وقد اكتسبت المياه ملوحتها من مرورها في أراضي الزرع وذلك لأن مؤسسي المدينة شيدوها في أسفل المنحدر وزرعوا بساتينهم ونخيلهم أعلى من منازلهم. أما المياه التي فوق البساتين وعلى مقربة من الحدود فأقل منها ملوحة وأحسن طعما.
وأجرة المساكن والدكاكين هناك أرخص مما في بغداد كثيرا إذ يمكن استئجار أحسن دار بمبلغ عشر ربيات شهريا أو ما دون ذلك أي بخمس أو ست وهكذا قل عن أجرة الدكاكين - وأما لوازم المعيشة فأكثرها تجلب من العاصمة.
11 - محلات البلدة
تنقسم المدينة إلى ست محلات كبيرة أكبرها محلة (قلعة جميل بك) الواقعة في الجزء الشمالي من المدينة وأكثر أهلها فرس ولغتهم فارسية وهي تختلف في اللهجة عن الإيرانية ويتكلمون بعض التركية والعربية وقليلا من الكردية وأهلها مسلمون سنة وشيعة وأغلبهم شيعة. ومحلة (بوياقي) وهي واقعة في الشمال الغربي وأكثرهم ترك ويتكلمون اللغتين التركية والعربية وكلهم سنة. ومحلة (قلعة بالي) وهي واقعة في شرقي المدينة وأكثر سكانها أكراد يتكلمون الكردية والتركية وأهلها سنة وشيعة وأكثرهم شيعة. ومحلة (قلم حاج) أو قلعة الأمير حاج، وهي واقعة في الجنوب ويتكلم سكانها الكردية والتركية وهؤلاء على مذهب ال (علي اللهية) وهم القلم حاجية (راجع لغة العرب 7: 513) ومحلة (نقيب) وهي واقعة جنوبا وسكانها يتكلمون العربية وقليلا من(7/623)
التركية وكلهم سنة. ومحلة (السوق الكبير) واقعة في وسط المدينة وبها السوق الكبيرة. وكل أهلها يتكلمون العربية والتركية. ومحلة (السوق الصغير) واقعة في (شمال) وفيها السوق الصغيرة وأهلها كلهم شيعة ويتكلمون الفارسية وقليلا من الكردية.
12 - أنهارها
أنهارها الأربعة (فلشت) ويخرج من نهر (جني) وهما في الشمال وفيها ثلث ماء الأهالي ونهر (السوق) في وسط المدينة وفي الجهة الشرقية نهر (باغ) و (قزانية).
13 - مياه مندلي
تقع مياه مندلي (المالحة المرة) التي تشبه مياه تلعفر من أراضي (هيوان) على مسافة خمسة أيام للمسافر المجد (كما يقدر أهالي مندلي بعد البلاد بعضها عن بعض) وكانت حدود مندلي في عهد الأتراك تمتد إلى مقربة من منابع المياه وكانت أراضي (سنبار) داخلة في الحدود التركية ولذلك كان يسهل عليهم في ذلك العهد أخذ كمية وافرة من سنبار وكانت المنازعات تدور حول امتلاك المنابع نفسها. وكانت الحكومة تساعد الأهالي على الخصام والمعاداة عند انقطاع المياه عنهم بل كانت تمدهم بالسلاح والذخيرة والجند فيذهبون إلى ديار الفرس فيستخلصونها من أيد أولئك الفرس وتبقى في أيدي المندليين بضع سنين ثم ترد إلى أهلها وهكذا دواليك. وقبل الحرب العامة جاءت لجنة تحكيم المياه إلى مندلي
أعضاؤها أجانب بين فرنسي وإنكليزي وروسي وإيراني وبينهم القائد التركي عزيز بك من قبل الأتراك فقررت هذه اللجنة أن تكون نصف مياه سنبار لمندلي وبقيت حالة المياه على هذا الحكم مدة الحرب العامة وأيام الاحتلال حتى بدء الحكومة العراقية. ثم تبدلت الحال فحجز جزء كبير من المياه عن مندلي منذ ذلك الحين فقام المندليون بتقديم عدة شكاو وعرائض إلى المقامات العالية وأولياء الأمور لكن الحالة ازدادت شدة في كل سنه حتى أدى الأمر إلى انقطاع المياه في هذا العام. والماء الذي يتخلل البلدة قذر جدا ولا يقوم بحاجة الأهالي الضرورية إلا بشق النفس هذا فضلا عن إسقاء البساتين التي تحتوي على نحو مليون نخلة(7/624)
ويزرع من الشتوي ما يقرب 3500 فدان داخل القضاء.
إني رأيت بعد التحقيق أن هذا الماء لا يأتي من سنبار ببلاد إيران أي من المنابع وإنما يأتي من الكهاريز التي حفرها الأهالي قبل زهاء عشرين سنة وصرفوا عليها ما يقرب 2500 ليرة عثمانية. وهذه الكهاريز في سفح جبل واقع في المنطقة الإيرانية وتتصل مياه الكهاريز (أي المنابع الصغيرة الصناعية) بالنهر الذي يخترق مندلي، وحسبما سمعت أن الفرس عزموا على سد تلك الكهاريز ولا أدري مقدار صحة هذا الخبر، وكيف تكون حالة سكان المدينة وما يؤول إليه أمرهم إذا سدت البقية الباقية من الماء عنهم.
على أني أتوقع خلاف ما يتوقعه أهل مندلي إذ أن الصلات بين إيران وحكومتنا توثقت عراها وتجتهد كل دولة لأن ترضي الدولة الأخرى بأحسن وجه
14 - الدعاية الفارسية
الدعاية الفارسية سائرة في المدينة سيرا بطيئا لكنها بصورة منتظمة ومدبرة وأقراص الحواكي (القوانات) الفارسية تدار في المقاهي وقد سمعت ذلك بنفسي. وضع صاحب القهوة اسطوانات فارسية للحاكي وأداره لكن شباب العرب المنورين أنكروا هذا الأمر وقام أحد طلبة الكلية الأعظمية ونادى صاحب القهوة وأمره بتبديلها باسطوانة عربية فانقاد للأمر وغيرها. وهكذا الحق لا يعدم أنصارا في أي مكان وفي سنة 1927 أتى إلى مندلي رجل فارسي الأصل من كرمانشاه اسمه (علي نقاش كرمنشاهي) وصور على جدران أكثر مقاهي البلدة رسوما عجيبة ومدهشة تمثل رجال الفرس وأبطالهم القدماء ومن هذه الرسوم أذكر ما يأتي: رستم زاد - قهرمان - توز - أفراسياب - زال والد رستم - سهراب ابن
رستم - محمد شير زاد - أمير خان الونكوهي - عبد الحميد ابن اسكندر - فرهان بن سلطان الصين - شاه عباس جنة مكان - حسين الكرد - بابا نسيم - أمير أرسلان الرومي - كيسسيا بانو ابنة رستم - فلا مرزو بن سهراب - وغيرهم. ويقول أهالي مندلي عن هؤلاء الرجال أنهم بهلوانية. والذين لهم اطلاع تام على الفارسية يقولون أن لهؤلاء الأبطال كتبا مطبوعة بالفارسية تبين سيرة كل منهم وأعماله وما أتاه من الشجاعة وذلك بتفصيل(7/625)
ومبالغات لا وجود لها في اللغات الأخرى. ويسمون الكتب التي فيها تواريخ هؤلاء الأبطال (شاهنامه) باسم الكتاب الذي ألفه فردوسي وهي على نسق كتاب ألف ليلة وليلة هذا وقد كلفت الأصباغ والنقوش كل قهوة زهاء خمسين ربية ولكن لا أظن أن هذه الرسوم يبقى أثرها مدة طويلة إذ أن بعضها على وشك الامحاء ولعل السبب في ذلك عدم ثبوت الأصباغ لأنها تحل في الماء وتنقش بها الحيطان المطلية بالبورق.
15 - أقوال بعض الناس عن نواب الأمة
يقال في مندلي أن نواب الأمة يتذاكرون كثيرا ويحتدم الجدال بينهم في المسائل التافهة كقضية الصحف المعطلة ويصرفون وقتا جليلا فيها ويتركون مسائل القطر الحيوية بلا بت فيها ويدعونها معلقة من أن الواجب يقضي عليهم بفض القضايا الكبيرة لتنتفع البلاد بنتائجها ولا يتأخر تقدمها ورقيها ويعدون مسألة مياه مندلي من أكبر القضايا التي يلزم البت فيها بسرعة.
16 - اقتراحاتهم
يقترحون استبدال أراضي سنبار التي هي للإيرانيين من أراض أخرى أقل أهمية منها لتكون أراضي سنبار من المنطقة العراقية أو داخل الحدود العراقية وإن لم يمكن حفر آبار ارتوازية تكفي مياهها لري المزروعات والبساتين وسد حاجة الأهالي أو عقد معاهدة مع الفرس لأخذ نصف المياه مع تنظيف الكهريز التي أنشأها الأهالي ووضع شروط تكفل تنفيذ المعاهدة على الدوام وبينما يشتكي أهالي مندلي من العطش تجد الإيرانيين يزرعون خضراواتهم في أراضي سنبار ويبددون هذه المياه في السهول الفارسية الواسعة ولقلة المياه في مندلي نقص محصول التمور إلى الخمس ويبست الأشجار المثمرة في بساتينهم إلا
البرتقال وبدأ الجفاف يدب فيه أيضا أما النخيل فيجف وييبس شيئا بعد شيء بنسبة 20 في المائة سنويا ودليلهم على ذلك أن مندلي تقدم إلى بغداد الخضراوات والفاكهة فأصبحت اليوم تستجلبها هي من العاصمة والأقضية المجاورة لها بالسيارات وعلى ظهور الدواب.
ميخائيل توماس أحد المدرسين في وزارة المعارف العراقية(7/626)
الشعر في مصر
1 - توطئة
يعلم الناطقون بالضاد الرقي الذي بلغ إليه المصريون في هذا العصر، حتى ليظن القارئ أن الحضارة العصرية العربية في مصر ساوت أرقى عصور لغتنا في صدر الإسلام، وربما سبقتها في بعض الفنون الفتانة. فالرسم والحفر والنقش والغناء والضرب على آلات الطرب وتمثيل الوقائع على المسارح، كل ذلك بلغ شأوا بعيدا في الإتقان جاوز ما كان يماثله عند السلف في عهد الخلفاء العباسيين وأما الشعر فحدث عنه ولا حرج. كان القريض في عهد العباسيين متاع أدب، يباع ويشترى. وأغلب معانيه لا تتجاوز المدح والقدح، التهنئة والرثاء، الغزل والتشبيب إلى ما ضارع هذه الأبواب.
وأما وصف الطبيعة وما يتجدد فيها من الأحداث والوقائع، ووصف الحقائق التاريخية وتصوير أخلاق الإنسان والحيوان والنبات والجماد ومحادثة النفس نفسها أو نفوس الغير وابتداع المعاني إلى ما دخل في هذه الموضوعات فلم يقل فيه الأقدمون شيئا كثيرا. والذي قالوه لا يجاري ما ينشئه اليوم شعراؤنا. فإن معاصرينا أجادوا أي إجادة حتى أنهم ولجوا كل باب وأمعنوا في باطنه فلم يبقوا ولم يذروا وأصبحوا أساتذة وجاروا أبلغ شعراء الإفرنج المعاصرين.
ونحن لا نريد أن نتعرض لذكر ما امتاز به كل شاعر من شعراء وادي النيل إذ هذا يطول. وإنما نريد أن نشير هنا إلى ما امتاز به أحد نوابغهم الذي جاء بكل طريف تليد، وعالج كل باب من أبواب المعاني العصرية، فبرز على كل من حاول أن يجاريه بل جاوزه حتى بلغ أبعد مدى في المعنى والمبنى.
وإنما نتعرض لذكر هذا العبقري، لأنه أهدى إلينا عدة منظومات من آيات شعره فتمكنا من التفرغ لمطالعتها ودرسها ومعارضتها بغيرها من وشي أبناء لغتنا في ربوع الفراعنة ولغات الأجانب فوجدناه ممن يفتخر بهم العصر والمصر.
وهذا الرجل النابه والأستاذ الكبير أحمد زكي أبو شادي صاحب المنظومات(7/627)
العديدة التي ألبسها من مخترعات براعته غلالة كلها لآلئ ودرر رطبة.
ولعل معترضا يقول: (إن لغة العرب) تعرضت لهذا الموضوع، إذ أظهر مصطفى أفندي جواد ما في (الشفق الباكي) من المحاسن الفتانة والجواهر الغوالي فما معنى هذا العود إلى الموضوع؟).
قلنا: إن الأستاذ النقادة مصطفى أفندي أشار إلى ما في ذلك الكنز الثمين من الفرائد الأبكار. لكنه لم يتعرض لمنزلة صاحبها ومحله من جماعة الشعراء العصريين إخوانه، ولعله فعل ذلك ليوسع لنا مجالا في هذا الميدان غير المجال الذي أظهر فيه مقدرة الأستاذ أبو شادي في ابتداع المعاني وإفراغها في أجمل الصيغ وأشهى النغمات المطربة للأذان والأذهان.
2 - نظرة عامة في طبقات شعراء مصر العصريين
كان الشعر في مصر انحط انحطاطا عظيما حتى بلغ أدنى دركاته في عهد المماليك وعهد الترك ثم أخذ بالنهوض في عهد محمود سامي باشا البارودي (1840 - 1904) حتى قال فيه المنفلوطي: (شيخ شعراء هذا العصر وأول من أحيا سنة الشعر العربي بعد ما دارت الأيام دورتها.) ومن تلاميذه: حافظ إبراهيم وشوقي ومن طرس على آثار البارودي في رأس النهضة الأولى من النهضات الثلاث المعروفة في عهدنا هذا وأصحاب هذه الطبقة استعادوا الديباجة العربية الصافية والمعاني البديعة السامية التي اخترعها السلف في صدر ازدهار العربية.
وأما النهضة الثانية فكان ابتداؤها على يد خليل بك مطران إذ أخذ يعاني طرزا جديدا يحاكي به أسلوب الغربيين على اختلاف قومياتهم فاندفع وراءه أبو شادي وشكري (عبد الرحمن) والعقاد (عباس محمود) والمازني وغيرهم فكانوا يصوغون الأشعار الإفرنجية فيفرغونها بقوالب عربية بديعة وكان الفضل لأصحاب هذه النهضة إحياء الشعر حياة عصرية يتدفق فيها ماء الشباب والتجدد ثم نهض الشعر النهضة الأخيرة في شخص رئيسها ورافع لوائها العجيب الأستاذ أبو شادي فانتهت إليه الرئاسة إذ استقل في السنوات الأخيرة من جهة التفنن بابتكار ميادين جديدة واسعة ليجول فيها الشعر العصري فضلا عن التعابير الحرة والمعاني الحديثة والاستعارات البديعة والتشابيه المنتزعة من البيئة الراقية العصرية فأخضع(7/628)
النظم للشعر عوضا من أن يخضع الشعر للنظم كما فعله بعضهم ولا يزالون يفعلونه لأنهم من الطائفة المقلدة تقليدا أعمى وليس من هؤلاء الفرط المجددين
المجتهدين. وهذا ما وسع أفق الشعر العربي كثيرا حتى مده إلى ما لا نهاية له وحفظ للغة كرامتها أمام سيل العامية الجارف وأمام جلاميد التنطع التي يأتي بها الجامدون ويعترضون بها نهج التقدم الضروري لمن أراد هذه الحياة ومقارعة الأمم التي تحاول قهرنا في عقر دارنا.
3 - شهادات المجلات الكبرى
لعل أحد القراء يتهمنا بالتحزب لحضرة صاحب السعادة أبو شادي، إلا أنه إذا أطلع على شهادات أصحاب المجلات الكبرى التي تصدر في مصر القاهرة يرانا قد قصرنا في ما سجلناه لفضله على اللغة والناطقين بها، وعلى الوطن العربي وسكانه. فدونك الآن شهادة العصور، فقد قالت:
الشفق الباكي
والشفق الباكي عنوان قصيدة من ديوان إليك بعض أبياتها:
لا الشعر شعر ولا الأوزان أوزان ... إن فاته من شعور الكون ميزان.
هذا هو الشفق الباكي بحرقته ... وهذه السحب فيها الدمع نيران.
باتت عن الشمس فارتاعت لفرقتها ... كما يراع لدفن الحسن هيمان.
وذلك الهيكل المصدوع يماؤه ... حزن، وتطفو على مرآه أحزان.
وهذه العمد - اللاتي يشققها ... ذكر ووجد - براها الآن تحنان.
وهذه الشمس في الأجيال تحرسها ... كأنما هي بعد الله رحمن!
ثم يذهب بك في القصيدة من جمال الفن إلى جري الغرير ومن التمثال الساكن إلى السحب في عليائها ومن البلاد إلى القرية ومن التل يموت عند تنفس الصباح موت تشريد، إلى أن يرجع إلى نفسه فيقول:
أما أنا فأنا الباكي الصبا حرقا ... ولن تعيد مضاع الإنس أشجان
والنادب الحب، والحب الغزير إذا ... ولى فما لشهيد الحب سلوان
كأنما الشفق الباكي يمثلني ... لكن حزني أصناف وألوان
الأرض تشجى التياعا للفراق وإن ... جاء الصباح بوصل منه تزدان
فكيف بي وأنا المحروم في زمني ... وكل عمري تباريح وحدثان؟!(7/629)
هذا هو الشفق الباكي. ولا شك في أنه بكاء كثير الألوان مثير للنفس يبعث فيها من المعاني ويصبغها بألوان قل أن يبعثها في النفس غير شفق باك كشفق أبي شادي. ولولا أنه أصبح لكل شاعر (لزمة) أصبحت لاسمه بمثابة إضافة إلى مضاف إليه كما يقال شوقي أمير الشعراء وحافظ شاعر النيل ورامي شاعر الشباب، لقلنا بحق أن أبا شادي شاعر الوجدان. على أن لأبي شادي عندي بعض الهنات التي لا أظن أن كثيرا من الناس يراها فيه. وإحدى هذه الهنات تصريفه المعنى في ألفاظ أضيق من أن تحمل المعنى الذي يجول في مناحي خياله الخصب الوسيع. لذلك قد تقف أمام بيت من أبياته حائرا كيف تستشف مجمل ما قام في خياله من ألفاظ يظهر فيها جليا أنها أضيق من أن تعبر عن المعنى تعبيرا تاما. ولست أدري أهذه من الشاعر منحى من مناحي الكمال أم أنها هنة تؤخذ عليه، على أن هذا في شعره قليل.
على إنني لا أستطيع أن ألم في صفحات قليلة كهذه ببعض ما في الشفق الباكي من مناحي الابتكار وحسن الوضع وجمال النسق وقوة الشاعرية. فإني ولا شك أعتقد أن أبا شادي مطبوع على الشعر. وقد تنقلت هذه الفكرة عندي مذ كنت في المدرسة الابتدائية فكنت أسمع أن شابا اسمه أبو شادي ينظم الشعر ويقول مقطوعات كانت تستهوي من عواطفي بقدر ما في الشباب من عواطف وكنت أحفظ وفريقا من صحبي بعض ما يقول من أبيات قليلة من الشعر. ولقد طاوعته هذه السليقة طوال أيام عمره فنمت معه وشبت فتية مشبوهة فهو الآن من أكثر الشعراء شعرا وفي الوقت ذاته من أجودهم وأطبعهم على نظم القريض.
وإني إن أرسلت هذه الكلمات فإنما أرسلها على سجيتها لا أقصد بها تحليلا أدبيا ولا تقريرا لقواعد يصح أن يقوم عليها النقد إذا ما أردت أن يكون موضوعه شعر صديق أجل فيه الخلق الكريم وصفاء النفس من خبائث علقت بنفوس غيره من شعراء هذا الجيل فبدلت حسنات ما يقولون بسيئات ما تعمل فيهم البيئة والوراثة إنما أصف صورة ما استحالت إليه نفسي وأنا أقلب ديوان الشفق الباكي ولعلك لا تجد في الشفق الباكي من بكاء أمر ولا رثاء أبلغ من رثاء ناظمه للأخلاق وفي ظني أن ما أصابه من أخلاق الناس كان بالغا فصدر عنه في شعر طلي واضح(7/630)
المعاني بكاء هو خير ما ترثى به الفضيلة في عصر نحن أحوج
فيه إلى الأخلاق منا إلى العلم والفلسفة وإني لأحسب أنه يخلق بنا أن نكون في تواضعنا على ضعف، من أن نكون أمة من العباقرة يأخذ بتلابيب أفرادها الغرور، الذي لا أرى له من سبب إلا الجهل بالأشياء والجهل بالأقدار، والجهل بالمقاييس.
إني وإن أكبرت في ديوان أبي شادي من شيء فإنما أكبر فيه تواضع الأدب المرضي والموعظة الحسنة يسوقها في غير تكلف وفي حسن من الأداء. وإن أكبرت فيه خلقا فإنما أكبر فيه الحلم وكرم الأخلاق والتسامح، تلك الصفات التي قد يراها البعض ضعفا ولكنها لن تكون كذلك إلا عند اللئيم ولا تكون إلا قوة. ولكن في نفس الأبي الكريم.
هذه نظرة عجلى في الديوان وفي ناظمه. وما أظن الشعر إلا صورة النفس. وما أظن أن نقدا يساق في الشعر من غير أن يتناول شخصية الشاعر يكون كاملا غير أن هذه النظرة العجلى سوف تتبعها نظرات نحلل فيها بعض القصائد والمقطوعات التي تنضوي عليها دفتا الديوان الكبير.
السريطاء أو السويطاء
وقع جدال بيننا وبين أحد الأدباء الوطنيين المتحزبين للأجانب إذ يزعم أنه لا يحسن بنا أن ننقل إلى لساننا الألفاظ الغريبة، بما يقابلها عندنا من الحروف بل أن تؤخذ بصورها بلا تغيير البتة وتدخل في لغتنا. وسبب زعمه هو أن العربية بعيدة عن أن تؤدي ما عندهم من الأوضاع المختلفة المعاني والمباني. ثم قال ومن جملة ما عندهم أن لهم نوعا من المرقة يكثرون فيها الحبوب أو الخضراوات فيجعلون فيها بصلا وحمصا وكراثا وغيرها أي حشائش وبقولا مختلفة ويسمونها ولم تكن العرب تعرف ذلك فمن الواجب أن نسميها نحن أيضا جوليانة: فقلت له: يا سيدي إن سلفنا العرب قد سبقوا الإفرنج بمئات من السنين في صنع هذه المرقة ويسمونها (سريطاء أو سويطاء) فكيف تنعي على السلف أمور! هم أبرياء منها. قال في تاج العروس في مادة سوط. السويطاء مرقة كثر ماؤها وثمرها أي بصلها وحمصها وسائر الحبوب سميت لأنها تساط أي تخلط وتضرب. وقال ابن دريد. هي السريطاء بالراء وقد مر ذكره. اهـ.(7/631)