والمعربون العصريون في سورية وديار مصر سموها الرياح الموسمية أو الدورية أما أهل خليج فارس والعمانيون واليمانيون والعراقيون فلا يسمون الأرياح المذكورة إلا البرساة كما ذكرها صاحب تاج العروس؛ وأن لكل الهوام يلفظها البرصاة أو البرصات. ولا ترى ذكر هذه الأسماء في المعاجم الإفرنجية العربية أو بالعكس. ثم يأتي بعض كتابنا ويأخذ عن الإنكليز ما وضعه السلف في لغتنا فلقد صح المثل (بضاعتنا ردت إلينا) لكن بصورة شنيعة. فأنظر بعد هذا ما يفعله جهلة المعربين على تمزيق أديم لغتنا وقد عهد إليهم حفظها من الفساد.
الزنبرك أو الزنبورك
س - يافا - ي. ك: من أين أتتنا كلمة زنبرك أو زنبورك؟
ج - الزنبرك هي قصر الزنبورك. وزنبورك تصغير زنبور على الطريقة الفارسية وذلك أن أصحاب هذه اللغة يزيدون كافا في آخر الكلمة فيصغرون بها المكبر.
والزنبورك ضرب من المدفع يتخذ بصورة زنبور تحشى قذيفته من الوراء وعند دفعها يحرك نابض يقذفها للحال؛ ثم سموا هذا النابض زنبوركا أو زنبركا من باب الملازمة، ملازمة الشيء للشيء.
وقد جاءت الزنبورك في أول استعمالها بمعنى نوع من البرقيل أو الجلاهق يقذف بها البندق. ثم نقل معناها إلى ما يقذف كبار البندق أو القنابل (القنابر) فاضطر إلى إبدال شكلها فجعلت بشكل الزنبور على ما ألمعنا إليه. على أن كاترمير في كتابه (تاريخ المغول ص 285 و286) يقول: أن هذه الآلة عرفت بالزنبورك (أي الزنبور الصغير) لأنها تحدث رنينا عند إطلاقها شبيها بدوي إذا طار، ولما اخترعت آلات الحرب النارية أطلق هذا الاسم على المدفع السهل النقل الذي يحمل على ظهر البعير.
وقد قال العلامة م. رينو في كتابه الموسوم: (في فن الحرب عند العرب في القرون الوسطى) في ص 21 ما هذا معربه:
(سمي كتبة العرب الذين بحثوا عن حروب الصليبين البرقيل زنبوركا حينما كان يتخذه النصارى في حروبهم، وأول مرة جاء ذكر الزنبورك في كتبهم كان حين حاصر صلاح الدين الأيوبي مدينة صور في سنة 1187م وبقي اتخاذ(6/55)
الصلبيين للزنبوك في حصار عكاء سنة 1189م كان النصارى بنوا على حافات الخنادق سورا من الآجر وضعوا وراءه صفا من الجند كان يرمي بالزنبورك. وكان الزنبورك يومئذ - على ما نقله مؤرخ بطاركة الإسكندرية - سهما مراشا بثخن الإبهام طوله ذراع له أربعة اوجه، وكان رأسه من حديد محدد وحيثما كان يقع هذا السهم كان ينفذ وربما نفذ من رجل إلى رجل إذا كان الواحد وراء الآخر بعد أن يكون قد جاوز الدرع ولباس الجندي ثم يخرج لينغرز في الأرض وربما يثبت في حجر الأسوار. . . ويقال أن الزنبورك استعمل منذ سنة 1066 للمسيح مع استعمال القوس في وقت واحد وذلك في موقعة هستنكس ويجوز أن تستنتج من هذا أن الزنبورك هو من اختراع الروم.
أما المسلمون فالظاهر أنهم لم يتخذوه إلا بعد هذا الحين بكثير.
فقد ذكر جمال الدين وهو من كتبة العرب وأول من ذكر الزنبورك عند المسلمين أن في سنة 643هـ (1245م) اتخذ الحنفاء الزنبورك حينما حاصر سلطان مصر عسقلان. ودونك عبارته: (وآثروا الرمي إليها بالجروخ والزنبورك) وما عتم أن شاع في الشرق استعمال الزنبورك، ثم اتخذه العثمانيون وكان عندهم جيش اشتهر جنده باسم (زنبور كجيلر). ولما اخترعت الآلات النارية أطلق اسم الزنبورك على ضرب من المدفع. وبهذا المعنى عرف في ديار الفرس) انتهى كلام المسيو رينو.
واليوم أنتقل لفظ الزنبورك إلى معنى ثالث وهو قطعة من المعدن ملوية ليا يدفعها إلى أن تعود إلى حالتها الأولى إذا بطل الضغط عليها وهو ما سماه إبراهيم اليازجي بالنابض واقره كتاب العصر ويقابله في الفرنسية وكان السلف قد اصطلح عليه في هذا المعنى لا بالمجراة (بضم الميم واسكان الجيم وفتح الراء يليها ألف ثم هاء).
أما العراقيون فيسمون هذا النابض (نابض الساعة وغيره) بالزنبلك (وتلفظ بكسر الزاي واسكان النون وفتح الباء وفي الآخر كاف) وأهل المغرب (أهل شمالي أفريقية) يقولون: زنبراق، بقاف في الآخر.(6/56)
ولهذا نقول: من الحسن أن تبقى الزنبورك بمعنى البرقيل أو الجلاهق وبالفرنسية والزنبرك أو الزنبلك للنابض أمنا للبس. فأنظر كيف أن الكلمة الواحدة تسير من قوم إلى قوم، ومن بلد إلى بلد وكيف تتزيا بازاء مختلفة وهي أزياء التصحيف، وكيف تعيش بمعنى ثم تموت بمعنى آخر.
وقد ذكر محمد النجاري في معجمه الفرنسي العربي أن الزنبورك يقابلها في الفرنسية إذ يضع بازائها هذه الكلمات: (الزنبورك، نوع منجنيق وهي لفظة عربية) ومعنى قوله وهي لفظة عربية أي أن اللفظة الافرنسية (اسبرنكال) عربية مع أن هذه نختلف عن تلك اختلاف الثرى عن الثريا. ومن الغريب أنه وضع بازاء الكلمة الفرنسية كلمتي (قوس وزنبورك) وبازاء كلمة زنبلك ودائرة، فأين بقي التحقيق وكيف يخذ بكلامه وأين التدقيق في وضع الألفاظ في موطنها؟
البياسرة
س - بوشهر (خليج فارس) السيد م. م. ن - أرى في بعض كتب التاريخ اسم البياسرة، فما معناها ومن أي لغة هي؟
ج - البياسرة على ما في معاجم اللغة: جيل بالسند (ويروى بالهند) تستأجرهم النواخذة لمحاربة العدو والواحد بيسري وفي مروج الذهب البياسرة لفظ يراد به الذين ولدوا من المسلمين بأرض الهند واحدهم بيسر. اهـ
فيكون محصل معنى اللفظة المسلمين المولودين في الهند أو السند وعندنا أن اللفظة فارسية الأصل من (بي سر) أي (بلا مثيل أو نظير) أي ليس بين الناس من رأسه يشبه رؤوس أولئك المولودين في الهند لما في خلقهم من صفاء الدم واسر العضل وتفوق الأخلاق على من سواهم من أهل الهند.
وفي (البستان) البياسرة جيل بالهند. وفي نسخة بالسند (كذا) تستأجرهم النواخذة أي أهل السند (كذا) لمحاربة العدو. الواحد منهم بيسري. أهـ. وفي هذا النص غلطان: الأول قوله: وفي نسخة وكان الأحجى به أن يقول: وفي نسخة من القاموس أو ويروى أو نحو ذلك. والثاني: قوله النواخذة أي أهل السند (؟) والصواب أهل السفن كما هو معروف في لغة العراق إلى يومنا هذا.(6/57)
باب القريظ
1 - الأقلام
مجلة شهرية تبحث في العلم والأدب والفلسفة والاجتماع في 40 صفحة، صاحب امتيازها ومديرها المسؤول علي ظريف الاعظمي، لم يقف نشاط علي ظريف أفندي الاعظمي عند تصنيف كتب التاريخ فقد بعثته إلى إنشاء مجلة تكون مندفقا لعلمه.
تناولنا الجزء الأول من (الأقلام) فوجدنا فيه 23 عنوان مقالة أفرغها في 40 صفحة. وكنا نود أن تكون المقالات أقل عددا واغزر مادة ليجد فيها القارئ غذاء لنفسه ونقعا لغلته فعسى أن تكون الأجزاء القادمة احفل من هذا الجزء.
2 - مختصر تاريخ البصرة بقلم علي ظريف الاعظمي
طبع في مطبعة الفرات في بغداد في سنة 1927 في 164 ص بقطع الثمن الصغير نشاط الكاتب المتفنن علي ظريف أفندي الاعظمي مثال حي لمن يريد أن ينفع نفسه ووطنييه، فأن حضرته يقضي معظم أوقاته في المطالعة والتأليف فيستفيد ويفيد، بينما نرى سائر الشباب يصرفون أوقاتهم. في الملاهي والمفاسد. فاكرم به رجلا يستحق كل مدح وثناء.
على أننا لا نريد أن نعصم المؤلف من كل عيب، فالكريم من تعد معايبه والذي نراه في المؤلف أنه يتسرع في الحكم فيقول مثلا في ص 13 أن ميشان وبرات ميشان (وطبعت ميشاه وهو خطأ) وكرخا دميشان (وطبعت خطأ كرخاديشان) وخارك اوحارك هي التي سماها العرب دست ميسان وميشان.
قلنا: أما ميسان وميشان فهما لغتان لكلمة واحدة. وأما برات ميشان والصواب فرات ميشان فكانت مدينة قريبة من البصرة وليست بها وكذلك قل عن كرخا دميشان والسلف قالت فيها: كرخ ميسان وهي مدينة غيرها ذكرناه بل(6/58)
هي التي سماها اليونانيون (سباسينون كرخ). وكرخ بالخاء المعجمة ولا يقال فيها حارك وبالمهملة.
ومما يؤسف له أن اغلب أعلام الرجال والمدن مصحفة ففي حاشية ص 3 التي ذكرناها ذكر عمر بن الخطاب بصورة الحطاب (بالمهملة) وقرمة علي بصورة كرمة علي والثني (في الحاشية) بصورة الثني. هذا عدا ما أشرنا إليه من الأغلاط المذكورة أنفا.
وفي كل هذه الأعلام من الدقة في اللفظ ما يخفى على الكثيرين. ونحن نقول لحضرته أن
يراجع المصادر الإفرنجية التي تبحث عن بلادنا فأن لهم تآليف جليلة في هذا الموضوع ولا يمكن أن يستغني عنها فعسى أن لا ينظر إليها إلا بعين الإجلال والتقدير لأنهم يصرفون الحياة والمال والوقت لتحرير الوقائع والمواطن وتطلب الحقائق.
على أننا نقر له بالفضل العظيم لأنه مع جهله لغات الإفرنج، وضع لنا خير مختصر عن ولاية البصرة. ولا جرم أن جميع العراقيين يقتنونه، ولا سيما من كان من أهل البصرة نفسها.
3 - اردشير وحياة النفوس
قصة غرامية تلحينية ألفها أحمد أبو شادي
عنيت بنشرها رابطة الأدب الجديد في الإسكندرية وهي في 150 صفحة بقطع 16
كل مرة نقف على أثر من آثار شاعر العصر، ونابغة الشباب العربي، الدكتور أبي شادي نقول في أنفسنا: أن هذا العبقري أتى بأبدع ما يمكن أن يجول في خاطر بشر، ولا جرم أنه إذا أراد أن يأتي بأثر آخر فأنه لا يأتي بمثل ما هو في أيدينا الآن: لكن سرعان ما يتغير فكرنا إذا ما وقفنا على نتاج فكري آخر له إذ نقول: حقيقة أن هذا الولد يشبه أخاه وكلاهما يشبه أباه. (ومن يشبه أباه فما ظلم)
فهذه (عبرة) أردشير دلت على قدرة عظيمة في مفكرة الشاعر المفلق المبدع ولا سيما حين زينها بأبدع التصاوير الرمزية حتى أصبحت طرفين في غلالة واحدة: طرفة الفكر وطرفة القلم. وفي هذه الغرة تصدير للمؤلف، ومقدمة للأستاذ محمد سعيد(6/59)
إبراهيم وتلحين (الأوبرا) للمؤلف وموضوع القصة ملخصا عن الفئات ليلة وليلة وأشخاص القصة عن الكتاب المذكور ونسق التمثيل للمؤلف وتمثيل القصة له أيضا. وكل ذلك بأسلوب بديع.
فأنت ترى من هذه الفذلكة أنك تربح كل الربح إذا ما اقتنيت هذه التحفة البديعة.
4 - ذكرى سعد زغلول في العراق
مجموعة تحتوي على مقالات الصحف والمجلات والكتاب وقصائد الشعراء وخطب الخطباء في رثاء الشرق في 185 ص بقطع الثمن الصغير، بقلم خلف شوقي أمين الداودي.
هذه المجموعة هي احسن دليل على صلة الود الجامعة بين القطرين المحبوبين: العراق وديار مصر. فأننا نرى فيها ما شعر به أبناء الرافدين عند سماعهم نعي كبير رجال الثكلى. ولقد أبدع الداودي في تنسيق ما أورده من المنثور والمنظوم بحق فقيد الشرق. حتى أنه قطع به لسان كل معترض ومما استحسناه فيها إهمال الألقاب المبجلة لأنه يعتقد (أن مقال الكاتب أو قصيدة الشاعر، احسن دليل على مقدرة الكاتب أو رقة الشاعر وبلاغة الخطيب. وما الفائدة من الألفاظ إذا لم يدعمها بيان وبلاغة ورقة وحسن إلقاء؟)
5 - التقرير الرابع بأعمال المجمع العلمي العربي
عن سنة 1925 - 1926 - 1927 في 28 ص و42 صورة
اسم يدل على مسمى ولا يحتاج إلى شرح ومما سرنا في هذه النشرة أن في (عزم المجمع أن ينشئ معجما صغيرا يدخل فيه الأوضاع العلمية الحديثة وأن يضع رسالة اللغات الحية مزينة بالرسوم يصف فيها المهم من آثار المجمع وعاديات دمشق) فعسى أن تتحقق هذه الأمنية التي يتوق إليها كل عربي يحب رقي وطنه.
وكنا نود أن لا تعنون النشرة (بالتقرير الرابع بأعمال المجمع) لأن التقرير لم يأت في كلام فصيح بمعنى الفرنسية وهو المعنى المطلوب هنا، بل في كلام فصيح ولهذا يحسن بنا أن نقول: الرفيعة الرابعة، إذ رفع رفيعة هو وليس كتب تقريرا.(6/60)
6 - تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني
حاكم عكا وبلاد صفد تأليف مخائيل نقولا الصباغ العكاوي، عنى بنشره وتعليق حواشيه الخوري قسطنطين الباشا المخلصي.
الجزء الأول طبع بمطبعة القديس بوليس في حريصا (لبنان) في 96 ص بقطع الثمن الكبير
كتاب مفيد لكل من يريد يتتبع صدق الرواية في التاريخ، ونحن نأمل أن يطبع ناشره في آخر الجزء الذي يتمه فهارس للأعلام وفهارس للألفاظ الغربية التي وردت فيه وهي نافعة للغوي المؤرخ.
وقد وقع بعض أغلاط كما يقع في سائر المطبوعات من ذلك ص4، لكن إذ قد تقلص -
وقاصرا على القسم - وفي ص 5 المكتبة الشرقية - ثقاة المؤرخين - وأرسله له إلى باريس - وفي ص 6 ضبط سنة توليتهم - ومن ثم يبان لنا - وفي ص7: يبتدي (مكررة) - وفي ص 11 خمس مائة، والصواب فيها: لكن لما أو حين تقلص - ومقصودا على - والخزانة الشرقية - ثقات المؤرخين (لأنها جمع سالم لثقة) وأرسل له به إلى باريس - وضبط سني توليهم - ومن ثم يبين لنا - يبتدئ - خمسمائة (لأن خمس مائة قد تعني خمس المائة وهو عشرون.)
وذكر في حاشية 4 من ص 20 (كيو مرته باللغة النبطية أحمر العين) قلنا ليس في النبطية لفظة بهذا المعنى. وكيومرته لفظة فارسية قديمة وكذلك في الهندية القديمة ومعناها الرجل الكبير الذي لا يهاب الموت وهي مركبة من (كيو) أو كي (أي كبير) ومن (مرته أو مرت لغة في (مرد) (أي رجل). فليحفظ.
7 - بيير روش
تأليف بوليس فتري. طبع في باريس سنة 1923 في 14 ص بقطع الربع
بييرروش هو الاسم الفني لفردينان ماسنيون والد لويس ماسنيون المستشرق الفرنسي الشهير وقد ألف بولس فتري صديق المتوفي رسالة أودعها بعض الصور التي صنعها أو نحتها بيير روش فإذا هي تشهد له بطول الباع في النحت والحفر إذ كلها بدائع وروائع ولا عجب بعد هذا إذا جاء الابن على آسال من أبيه.(6/61)
باب المشارفة والانتقاد
8 - فن النسج
لمؤلفه الحكيم شوكت موفق الشطي
أستاذ فن النسج والتشريح المرضي في المعهد العربي بدمشق.
هذب لغته ووقف على طبعه الدكتور مرشد خاطر طبع في المطبعة البطريركية الارثوذكسية بدمشق سنة 1927 في 527 ص
هذا سفر جليل في موضوع لم يكن معروفا في الطب القديم، ولهذا عانى صاحباه الواضع والمهذب كل العناء لإخرجه إلى الناطقين بالضاد بحلة عربية من أبهى الحلل. ولا جرم أن الشرف كل الشرف يعود إليهما لسبقهما سائر الأطباء إلى تأليف هذا الكتاب الذي يقدره حق قدره كل من عالج موضوعا حديثا لم يكن للسلف منا عهد بمصطلحاته وعباراته ومميزاته.
أننا وأن لم نكن ممن يمارس الطبابة، إلا أننا نستطيع أن نميز الأوضاع بعضها عن بعض وما يصلح منها للكلم الإفرنجية أو ما لا يصلح لها، وأول شئ نأخذه على صاحبي هذا التصنيف البديع أنهما سمياه: (فن النسج) ولعل ذلك لأن العمل في هذا الأمر يفوق العلم بكثير إذ لا يحتاج فيه إلى بعد النظر كما لسائر العلوم. فأن صح رأينا قلنا: والعمل مهما بسيطا وسمحا يحتاج إلى علم، نظريا كان أو علمياً. ولهذا كان الأحسن لهما أن يسمياه (علم) النسج. ثم انك إن تتبعث أنواع الفنون المعروفة اليوم عند الأقدمين والمحدثين وذكر أجدادنا لها في كتبهم تراهم يسمونها (العلوم). ولا تجد بينها ما يسمونها فنونا البتة.
والأمر الثاني الذي كنا نود أن نراه في هذا التصنيف هو فهرس هجائي في آخر الكتاب يجمع الألفاظ العلمية مرتبة ترتيب هجاء إفرنجي أو عربي مع ذكر(6/62)
صفحة ورودها في الصفحات ليجدها الطالب أو يتخذها الكاتب إذا ما احتاج إليها. وتوفيرا لذكرها مردوفة في مطاوي الكتاب مع لفظتها الإفرنجية.
والأمر الثالث: إهمال تصحصح أغلاط الطبع في آخر الكتاب فأنها ليست بقليلة.
والأمر الرابع: سوء تصوير الأعلام الإفرنجية بحروف عربية فأنهما اعتبرا كل حرف عليل في الإفرنجية حرفا عليلا في العربية. وليس الأمر كذلك فأن من حروف العلة
الإفرنجية ما هو مقصور غير ممدود فيقابله في العربية الحركة لا الحرف. وأنا اذكر لك أمثلة. قالا في ص 5 برونن وفي ص 10 باله وروسي وفي ص 11 لورو وايفن برترن إلى غيرها. وعندنا لو قالا برونان وبيلى ورسي (بتشديد السين) ولرد وايفان برتران لكانت تلك الأسماء اقرب إلى لفظها الحقيقي الفرنسي ما ذاكراه.
والأمر الخامس هو أننا رأينا فيه بعض عبارات كانت تكون افصح لو أفرغت في قالب آخر. فقد قالا مخابرة جميعها ناقصة على الرغم من نبوغ أساتذته. - وفيها لأنه رم ز النهضة العلمية -. وفيها: فعاد المعهد لا يقل اتقانا عن المعاهد الطبية الكبرى. . . وفي ص 5: تلك السنوات الثلاثة. - وعندنا لو قالا: فظلت مخابرة ناقصة مع نبوغ أساتذته. . . لأنه رمز إلى النهضة. . . فإذا المعهد لا يقل اتقانا. . . تلك السنوات الثلاثة ومن مثل هذه الهنات لا تخلو صفحة.
والأمر السادس أننا لا نوافقهما على وضع كثير من الألفاظ الجديدة. فقد سميا مثلا اللعلة (وهي زهرة يشبه لونها اللعل (الذي هو حجر كريم) وتسميها العامة الليلاق أو الليلق أو الليلك فيقولون مثلا ليلاقي وهم يريدون اللون اللعلي): (البجلة) (ص 23) ولا جرم أنهما أخذاها عن الفوائد الدرية في اللغتين الفرنسية والعربية المطبوعة في بيروت وهو للأب بلو اليسوعي. فهذا الكتاب لا قيمة علمية له، فهو سفينة أغلاط تمخر في بحر العربية فقد نقل إلى بلاد كثيرة سوء الوضع والنقل والترجمة والتعريب. فقد قال المذكور في مقابل(6/63)
بجلة أو شجيرة ذات أزهار بيضاء أو حمراء (ليلك) ثم اعتبر البجلة التي معناها الشجيرة اسم علم فقال بعد ذلك (لون أزهار البجلة) ولو قال أزهار البجلة المذكورة لكان كلامه اسلم عاقبة. إذن الغلط واضح. ولهذا كانت متابعة صاحبي كتاب (فن النسج لهذا المعجم من أفظع الغلط. والأحسن أن يقال: (لعلة) الفارسية الوضع العربية الاستعمال لصلة تجمع بين الزهرة والحجر الكريم وهو اللون الخاص به ولهذا سموا به الزهرة. على أن الإفرنج ذهبوا إلى أن أصل الكلمة من العربية ليلك أو ليلج وهي من الفارسية نيلنج أو نيلج والآبين أنها من (لعلة) على ما يبدو لنا وهو اقبل للعقل وللصواب.
ولا نريد أن نتبع الكاتبين في جميع أوضاعهما، إذ هذا يطول لكثرة ما هناك منها، على أننا لا ننكر عليهما أصابتهما في ألفاظ كثيرة، كالجسم المركزي (ص 21)، والليفين، واللحمة
الليفية (ص 22)، وعلى كل حال أننا نرى الكتاب من المصنفات التي تستحق أن تقتني، ولا سيما يجدر بأرباب الطب. طلبة كانوا أو أساتذة. أن يكون في أيديهم لأن صاحبيه جمعا فيه كل ما جاء مفرقا في تأليف علماء هذا البحث. وهناك فائدة أخرى لا تنكر وهي أن كل كلمة معربة جديدة أو قديمة يجانبها الحرف الإفرنجي ولو تكررت مرارا. ومهما يكن من الأمر فأننا نتمنى للكاتبين رواج تأليفها وإعادة طبعه احسن وجه متخذين الألفاظ الموافقة للإفرنجية كل الموافقة، وتاركين ما لا يفي بالمعنى.
8 - مباحث في التعبية
الكتاب الثالث: الخدمة السفرية. الجزء 2: المسير والحماية
تأليف الزعيم طه الهاشمي مدرس الجغرافية العسكرية وتاريخ الحرب في المدرسة العسكرية، طبع على نفقة المجلة العسكرية في مطبعة السلام في بغداد 1927 في 220 ص بقطع 16.
لم يبق اليوم من يجهل فضل الزعيم طه بك الهاشمي فهذه تآليفه(6/64)
العديدة تشهد ما له من الفضل على ديار العراق وأهاليه من معلمين ومتعلمين وهو لا يزال في ريعان الشباب يجد في التأليف ونفع أبناء الوطن بما يفيضه عليهم من علمه الزاخر إذ لا تمضي سنة إلا يصدر بضعة تآليف تبين للناس خدمته للعراق وللناطقين بالضاد. وهذا الكتاب الثالث من مباحثه في التربية (راجع مجلة لغة العرب 311: 5) يبحث عن الخمة السفرية وقد خص هذا الجزء بالمسير والحماية. وقسمه إلى بابين ذكر في الباب الأول منهما ما يتعلق بالمسير وأودع الباب الثاني كل ما يتعلق بالحماية، فجاء هذا التصنيف البديع من احسن ما الفئات في لساننا.
ومما يزينه ويجعله كتابا مفروضا على كل جندي الصور المختلفة التي تشاهد في تضاعيفه لجلاء ما فيه من المصطلح. فمن صوره خريطة بغداد وأمثلة المرور فيها إلى نقطة الشروع. وخريطة الموصل وما يجاورها وثالثة لقسم آخر من الموصل وتصوير يمثل الفوج في الستار وهر يباع بربية واحدة ليقبل عليه الناس وأن لم يكونوا من المطلعين على أساليب الحرب فنتمنى له الرواج والانتشار.
10 - المجلة العسكرية (البغدادية)
برز الجزء الأول من السنة الخامسة وإذا المجلة في تحسن دائم وهي تصدر أربع مرات في السنة، وكلها فوائد ومن أجل ما فيها ما يوشيه حضرة الزعيم طه بك الهاشمي فأنه لا يدع جزءا من أجزائها يبدو للعيون إلا يرى فيه ما يفيد القراء عن الحركة العسكرية في العراق، ولهذا أصبحت هذه المجلة ضرورية لكل من يعنى بمعرفة ما يجري من هذا القبيل في ديار العراق. (راجع أيضاً عن هذه المجلة لغة العرب 182: 5).
مقالات للمستشرق الروسي اغناطيوس كراتشكوفيسكي
لم يبق اليوم من يجهل تضلع العلامة الروسي اغناطيوس كراتشكوفسكي من علومنا العربية فقد ذكرنا له عدة تآليف تبحث عن العرب وتاريخهم وعلومهم وحضارتهم وقد أهدى إلينا اليوم مقالتين إحداهما في:
11 - وصف كتاب خط غير معروف للشيخ محمد الطنطاوي
اسمه تحفة الأذكياء بأخبار بلاد الروسياء.
وهو تأليف جليل في لغتنا الضادية، ليس شبيه، لأن المصنف أمعن في(6/65)
هذا الموضوع ويقع في نحو 200 ص وقد أنجزه في أوائل ك 2 سنة 1850 من الميلاد وقد رتبه في عشرة فصول.
وفي المقالة الثانية:
12 - وصف الكتب الخطية الشرقية التي كان جمعها
المستشرق غرغاس
والموجودة اليوم في خزانة جامعة لننغراد، وبين تلك النفائس كتاب الكتابية وقد جاء في آخره: (تم الكتاب. . . كتبه أحمد بن الحسين بن حمد. . . لنفسه بمدينة السلام بغداد سنة تسع وسبعين وأربعمائة) إلى غير ذلك من الكتب فنشكره على تعريفنا بمصنفات السلف ونستزيده منها.
13 - الزباء أو زينوبيا ملكة تدمر
نرى اليوم الشاعر العصري أحد زكي (أبو شادي) على رأس جماعة لا هم لها سوى حمل
أبناء العصر على موافقة الغربيين في توخي اقرب الوسائل إلى الرقي والاندفاع وراء تقدم الحضارة التي تسير سيرا حثيثا في جميع الشؤون. وقد لاحظ أن من أسباب رقيهم الأدبي هو وضع عبرات (أوبرات) ومشاهدة تمثيلها فأنها تفعل في النفس مالا ينتجه أعظم محببات مكارم الأخلاق.
ويمتاز قلم (أبو شادي) بثلاثة أشياء: - 1 - أنه يعالج في عبراته الأمور الشرقية. - 2 - ينزه قلمه عن اللغة العامية ومساوئها. - 3 - يصوغ عباراته بحيث يفهمها الجميع ولا ينبو عنها سماع الفصيح. - هذا فضلا عن أنه يحل عقدة الرواية حلا توافق عليه آداب العصر ومكشوفات العلم في هذا العهد الجديد.
ورواية الوباء من أمتع الروايات وقد قدم عليها المؤلف تصديرا بسط فيه مختصر ترجمة البطلة، أعقبها بسير الزباء للأستاذ محمد سعيد إبراهيم ويليها موضوع القصة فتمثيلها فأشخاصها فنسق التمثيل فأربعة فصول كلها غرر.
يرى القارئ من هذا التباين الوجيز أن العبرة من أنفس ما جاء في بابها وجدير بأن تمثل في احسن مسرح في العالم. حتى أنها نقلت إلى لغة من لغات أهل الغرب، تجذب الأنظار إلى ناظمها وتعترف له بالفضل على الشرقيين وتحيي(6/66)
فيه دليل العرب إلى اقرب مورد يردونه ليبردوا منه غلتهم، فعسى أن تتحقق الآمال!
14 - الخبرة الصوفية
وإفراغ قوالب النثر الفصيح وألوانه
بقلم لويس ماسنيون
هذه رسالة في 32 صفحة بقطع 16 لكنها تحوي من المواد ما حمل واضعها على أن يطالع مئات بل ألوفا من الصفحات في اللغات الإفرنجية والشرقية. وقد دلنا المصنف على أن مؤلفي كتب التقى قد تختلف عبارتهم حسب الذين تولوا نقل كلامهم أو صححوا تلك الكتب بأنفسهم أو على يد غيرهم قبل أن تخرج بالصورة الأخيرة وذكر لك عدة شواهد وأمثلة، وهي حقيقة جديرة بالتأمل.
15 - قانون تسجيل النفوس ونظام تعليمات تسجيل النفوس
العام وجدول الأمثلة
طبع في مطبعة الحكومة ببغداد سنة 1927 في 24 ص بقطع 16 وثمن النسخة أربع أنات.
هذه هي المرة الأولى يرى العراق، (قانون تسجيل النفوس) فهي خطوة عظيمة في ميدان الحضارة العصرية ونتوقع أن يكون التقييد على أقوم وجه لكي لا تضيع أتعاب الحكومة سدى.
ومما استغربناه في هذا القانون عبارته الركيكة ولا سيما ما ذكره في ص 26 إلى ص 34 من أسماء الصنائع بالتركية والعربية فقد ذكر في باب أسماء الصنائع بالتركية بهذا الوجه: حداد، حائل، حصيرجي - حداد سكاكين - حلاق - حمامجي - وذكر بازائها من أسماء تلك الصنائع بالعربية ما يأتي: حداد - حائل - حصري - سكاكيني - حلاق - حمامي. - ونحن وأن كنا لا نعرف التركية إلا أننا نعل أن الحداد هو دميرجي بالتركية، والحائك: طوقومهجي وحداد السكاكين (وهو بالعربية مذرب أو مسنن أو شحاذ لا سكاكيني لأن(6/67)
السكاكيني هو بائع السكاكين) وبالتركية بيلهييجي. والحلاق هو بربر بالتركية أو بيروكار بالباء المثلثة الفارسية في الأول). هذا مثال لما هناك من الألفاظ من الألفاظ الغربية المنسوبة إلى الترك والترك براء منها ومنسوبة إلى سلفنا والسلف يتقززون منها. - أفلا يرى إذن في ديوان النفوس من يحسن لغة من هاتين اللغتين، فيدفع إليه إصلاح ما تفرغ له ليجئ الكتيب مثال الإتقان ما نتولاه بأنفسنا لأنفسنا؟
15 - نقد صفحة من (البستان)
زارنا أحد الأدباء وقال لنا: وقفت على ما كتبتموه في لغة العرب (612: 5 وما يليها) نقدا للبستان. وأظن أن ما أشرتم إليه هو كل ما في الجزء الأول أو المجلد الأول من الأغلاط ولا يمكن أن يرى غيرها. فأن كنتم صادقين في مدعاكم. أي أن كان في المعجم المذكور أوهام أخرى غير ما ذكرتم، فأنا اعرض عليكم صفحة والتمس منكم أن تنقدوها لننظر صحة ما تزعمون أو علته. قلنا له: عين لنا الصفحة التي تريدها ونحن نبدي رأينا فيها،
قال: دونكم ص 1280 فأنقدوها.
فنزولا على طلب الأديب تنقد الصفحة المذكورة فنقول:
قال الشيخ حفظه الله: ومتعنا بطول عمره، في مادة ش وك: (شاك السلاح) وفيه قولان أحدهما أن اصله شوك (وضبط الواو بالفتح وزان سبب) قلبت الواو ألفا لوقوعها متحركة بعد فتحة. . .) - قلنا: والصواب شوك (بكسر الواو) إذ لا وجود لشوك المفتوحة الواو بمعنى شائك.
وقال في جمع الشوك: (أشواك). - قلنا: لم يرد الأشواك في كلام فصيح والصواب أن الشوك لفظ شبيه بالجمع ولم ينقل عنهم جمعه.
وذكر شرحا للشوكة ما حرفه: (والشوكة عند المولدين أداة كالمذراة ذات أصابع دقيقة محددة يؤكل بها.) - وهي عبارة محيط المحيط إلا أنه غير (آلة) (بأداة) وقوله ذات أصابع كلام غريب والأحسن ذات أسنان.
وشرح الكتان بقوله: طينة تدار رطبة ويغمر أعلاها (ثم)(6/68)
تنبسط ثم. . . - والصواب ويغمز أعلاها (حتى) تنبسط ليقسم المبنى والمعنى.
وفي تلك الصحيفة عينها: (ارضي شوكي نبات يقال له الخرشوف.) - وفي هذا التعبير عدة معايب: - 1 - لم يحل اللفظة بال التعريف على مألوف عادته في الأسماء. - 2 - لم يضبط حرفا من أحرفها. - 3 - هذه الكلمة (ارضي شوكي) من الألفاظ التي اختلقها الياس بقطر وليس لها وجود في العربية البتة. لأن تركيبها ليس عربيا. ولو كان كذلك لقيل: الشوك الأرضي، أو الاريض الشوكي مثلا. ومعنى الاريض العريض. وذلك أن لهذا النبت ثمرة ملمومة الأوراق وأوراقها عريضة وفي طرف كل ورقة شوكة صغيرة. فيكون الاريض الشوكي، النبت العريض (الورق) الشوكي (في طرفه) فيجئ التركيب عربيا. أما الأرضي الشوكي فتركيب غير سائغ في لغتنا ولا معنى له فيها. ونقلها عن بقطر رسل وعنه فريتغ فأخذها عنه البستاني الكبير فبستانينا الأخير. أما أجدادنا العرب فأنهم لم يعرفوها ولم ترد في ديوان من دواوينهم.
ومما ينظم في هذا السلك قوله في تلك الصفحة نفسها: (الحبل الشوكي هو النخاع المستطيل الممتد من الدماغ في قناة الفقرات) - وهو تعبير غريب لعدة أسباب: - 1 -
لأن الحبل الشوكي لم يذكره أحد من السلف في كتبهم إذ اللفظة حديثة الوضع ذكرها الأطباء المحدثون وأهل التشريح نقلا عن الإفرنج. - 2 - لم يضبط الحرفين كما هو المطلوب منه - 3 - سوء التعبير وعجزه عن تأدية المعنى. فلو قال: هو النخاع الذي ينقاد من الدماغ إلى اسفل فقرات الظهر لكان أوفى بالمراد - 4 - أن السلف قالوا في هذا المعنى خيط الرقبة أو حبل الفقار لا غير.
سماه في محيط المحيط حبل الظهر ايضا، لكني لم أره في كتاب ثقة ولا(6/69)
جرم أنه بدل حبل الفقار بقوله حبل الظهر. وعرف اللغويون حبل الفقار بأنه عرق ينقاد في الظهر من أوله إلى آخره (التاج) والعرق في كلامهم هذا لا يعني ما يريد به الأطباء من باب التحقيق. بل ما يريد به اللغويون من باب التشبيه، فانهم يسمون بعض ما يمتد طولا حبلا وخيطا وعرقا. ففد قالوا مثلا العرق المدني، وهو دواء معروف في المدينة ويسمى في بعض ثغور خليج فارس شعرة الحية وهي الحية والصواب الشعرة الحية. كما سموا الجبل وحبل الرمل عرقا أيضا. كل لما في هذه المسميات من معنى الامتداد.
ومما ورد في تلك الصفحة عينا ونعده غلطا قوله: (الأشواك من الثياب الخشن لجدته. يقال: أشواك وحلة شوكاء) قلنا في هذا التعبير سقم تركيب ظاهر فكان يحسن به أن يقول: الأشواك من الثياب الخشنة لجدتها لتطابق الصفة الموصوف، لكن في التعبير غلط آخر وهو أنه لا يقال الأشواك جمعا لأشواك بل المفرد المؤنث شوكاء. وهناك غلط ثالث وهو كان يجب عليه أن يقول: الأشواك من الثياب الخشن فزاد الطابع الألف من عنده فصار الأشواك. على أن الأشواك نفسه غلط رابع وذلك لان الأشواك لم يرد مذكرا لموصوف مذكر بل سمع عنهم شوكاء صفة لحلة. فقالوا حلة شوكاء ولم يخطر ببالهم أن يقولوا: ثوب أشوك. لكنه نقلها عن محيط المحيط ولم يلتفت إلى ما فيه من الأغلاط الفظيعة الشنيعة.
وليت الأشواك يكون آخر غلط جاء في تلك الصفحة فقد ورد فيها غلط آخر وهو قوله: (وشال ميزان فلان غلت في المفاخرة). فلم نفهم هذا الكلام ولا المرد من قوله (غلت) إذ لا معنى لها هنا يوافق سياق الكلام وبعد أن فكرنا طويلا قلنا: لا شك أنه أراد: غلب (بصبغة المجهول) في المفاخرة. لكن المنضد قلب الباء الموحدة التحتية تاء مثناة فوقية فأنقلب المعنى ظهر البطن بل انقلب كلاما لا ظهر له ولا بطن، ولم يلتفت المصحح إلى ما حل
بالكلمة من التحويل والتبديل. وليس في آخر الكتاب تصحيح لأغلاط الطبع التي وردت فيه لتبرئه من كل تهمه والأغلاط التي فيه تشوه كل صفحة من صفحاته التي(6/70)
فهل حفظت الأغلاط التي سردناها لك وقد جاءت في صفحة واحدة؟ - فهي:
1 - شوك (كسبب) والصواب كحذر.
2 - أشواك (كأحمال) والصواب شوك (كقول).
3 - أصابع والصواب أسنان.
4 - ثم تنبسط والصواب حتى تنبسط.
5 - ارضي شوكي والصواب حذف هذه اللفظة بتاتا من اللغة، والاكتفاء بالخرشوف لا غير.
6 - ثوب أشوك لا يقال بل حلة شوكاء.
7 - غلت في المفاخرة والصواب غلب في المفاخرة. وهكذا قل عن كل صفحة من هذا المعجم فإن الأغلاط تكثر فيها وتختلف بعضها عن بعض عددا ونوعا باختلاف المواد. فتأمل.
وإذ قد اجبنا طلب المقترح تنتقل إلى ذكر ما ورد فيه من الأوهام ذاكريها طوائف طوائف وفصولا فصولا كما بدأنا في جز سابق فنقول:
جهلة علم الحيوان
جاء في مادة ر ب ح: الرباح بالفتحة كسحاب. . . دويبة كالسنور وهي قطعة (كذا) الزباد لأنه يحتلب منها و - بلد يجلب منه الكافور - الرباحي: صنف من الكافور منسوب إلى رباح وهو البلد الذي يجلب منه الكافور. اهـ
فلننعم النظر في الكلام. وأول كل شئ نأخذه عليه أنه قال الرباح بالفتح كسحاب. فقوله بالفتح زائد أيراد وزنه كاف - ثانيا قوله دويبة كالسنور. في غير محله إذ الدويبة المذكورة لا تسمى رباحا بل زبادا أو زبادة فصحفه بعضهم وجرى وراءهم على هذا التصحيف كثيرون من الأدباء والكتبة واللغويين، وكان الأليق به أن يقول أن البراح تصحيف مخطوء فيه لكلمة زباد وقد حقق ذلك صاحب تاج العروس ولا نريد أن نورد كلامه وتحقيقه لطوله - ثالثا قوله (وهي قطعة) من غلط الطبع وقد ذكرنا ذلك في محله والصواب قطة الزباد
وهي عبارة محيط إلا أنه قدم فيها وأخر ليوهم أنه غير ناقل عنه؛ لكن الفضيحة تظهر في قوله (قطة الزباد) والسلف لم(6/71)
يقل أبدا قطة الزباد بل سنور الزباد (راجع حياة الحيوان للدميري) ولم، ينطقوا في هذا المقام بالقط والقطة أبدا لان قولهم (القط) خاص بالحيوان الأليف الأهلي أما السنور فقد يقع على الوحشي أيضاً كما يؤخذ من نصوص الأئمة، وأنت تعلم أن الزباد أكثر ما يكون وحشيا وقليلا ما يكون أهلها. وهناك سبب آخر وهو أن اللفظة القليلة الأحرف تدل على معنى يقع على مداول صغيرة بخلاف اللفظة الكثيرة الأحرف فأنها على مداول أكبر ولما كان الزباد أكبر بقليل من القط من دعوة سنور الزباد قط الزباد.
أما معنى الرباحي على الحقيقة فهو ضرب من الكافور فاخر. ولا جرم أن الكلمة مصحفة لأننا لا نجد اليوم في كتب تقويم البلدان بلدا معروفا بهذا الاسم، ولهذا نظن أنه مصحف تصحيفا قديما وهو زباج (بزاي وباء موحدة تحتية وألف وجيم)، والكلمة على وزن سحاب، وهي لغة في زانج وتمال الألف فيهما فيقال زنيج وسيبج وينسب أليهما فيقال زينجي وسيبجي ومن ذلك الألف فيهما فيقال زيبج وسيبج وينسب إليهما فيقال زيبجي وسيبجي ومن ذلك السبابجة بباءين موحدتين أو السبائجة بهمزة قبل الجيم والصواب السيابجة وهم الذين سماهم صاحب البستان بالسابجة التي لم يذكرها أحد وإن كانت تجوز هذه التسمية الأخيرة المصلحة من غلطها على سبيل حذف ياء النسبة وقد وردت أمثلة في كلام علمائنا الأقدمين.
أما ما هي زانج. فالذي حققه علماء العصر من مستشرقين وغيرهم أنها جزيرة (جاوة) الحالية وكانت تطلق أيضاً هذه التسمية على ما جاورها أي على ما نسميها اليوم سومطرة وقد جاءت زابج وزباج وسابج وسباج بصور كثيرة مصحفة لا تعد وكلها في المخطوطات والمطبوعات وما ذلك إلا لغرابة اللفظة عن مألوف الألفاظ ولتناول القوام إياها من أدباء وجهلة فخطبوا وخلطوا والمشهور ما ذكرناه.
وعليه كان يجب على المؤلف أن يقول مثل هذا الكلام أو يقاربه: (الرباح كسحاب. . . تصحيف قبيح مرغوب عنه للزباد وهو دويبة كالسنور وتسمى أيضاً سنور الزباد و - بلد يجلب منه الكافور وهو تصحيف زباج الذي هو لغة في زانج وهي جزيرة تعرف اليوم
بجاوة وربما جاءت بمعنى سومطرة أيضا. وسمي رباحيا أيضاً نسبة إلى رباح خطأ وقد تحذف ياء النسبة كما قالوا في(6/72)
جهرمي جهرم.
ومن غرائب وقوفه على علم الحيوان ما قاله عن التمساح فقد ذكر في مادة ت م س ح (؟) ما هذا حرفه: (التمساح (ولم يضبطه إلا بالقلم) حيوان مائي كالسلحفاة ضخم طوله خسة أذرع. . . اهـ.) قلنا: وأول شئ نعترض عليه هو ذكره التمساح في باب ت م س ح: وجميع اللغويين (ما خلا صاحب محيط ومن نقل عليه) ذكروه في م س ح لان التاء زائدة وهي في ما أظن - أداة التعريف للمذكر عند القدماء المصريين والكلمة مصرية.
والشيء الثاني الذي نأخذه عليه أنه تابع صاحب القاموس في قوله؛ حيوان مائي كالسلحفاة، وهو تعريف يصح أن يذكر في أبينا آدم أو نوح أو أحد الأدباء الاقدمين، أما اليوم فهذا التعريف يبعث على الضحك والأغراب فيه. ولو تابع صاحب المصباح لكان احسن - ثالثا أن في التمساح لغة ثانية ذكرها صاحب المصباح وهي التمسح بحذف الألف. وهذه عبارته في مادة م س ح والتمساح من دواب البحر يشبه الورل في الخلق لكن يكون طوله نحو خمس اذرع واقل من ذلك. . . والتمساح كأنه مقصور منه والجمع تماسيح وتماسح اهـ - رابعا: قال خمسة اذرع كما نطق به المجد الفيروز ابادي والمشهور أن الذراع مؤنثة وإن كانت تذكر فاتباع الأفصح المشهور خير من اتباع القبيح المهجور. قال ابن بري. الذراع عند سيبويه مؤنثة لا غير ولم يعرف الأصمعي التذكير في الذراع (راجع لسان العرب وتاج العروس) ومع ذلك أننا لا نخطئه لكونه ذكر تذكيره هنا إنما نقول كان الأحسن أن يذكر، لان حضرة المؤلف الجليل يرمي دائما إلى الفصيح بل إلى الأفصح على ما يرى من كتاباته وتأليفه. - خامسا كنا نود أن يعرف الحيوانات والنباتات والجمادات تعريفا علميا عصريا فإن أبناءنا قد ملوا هذه التعريفات القديمة لأنها غير محققة وتنافي تقدم العلوم الطبيعية على ضروبها.
له تلو
(ملاحظة) جميع الهدايا التي وصلت إلى إدارة هذه المجلة ولم نتكلم عنها إلى الآن، يأتي البحث عنها في جزء قادم إذ نرصد لباب المشارفة صفحات أكثر لكي لا يتأخر البحث عنها أكثر من هذه المدة.(6/73)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - آثار عراقية
ذكر المستر ليونرد وولي، رئيس التقنيات في أور، أنه كشف ضريحا لملك مضى عليه أكثر من خمسة آلاف سنة وفيه تابوت يحوي اعز مقتنيات المسجى فيه.
ومن أهم هذه اللقي واعجب الآثار التي وجدت في ديار شمر قناع كبير من الذهب الإبريز المطروق المحفور، وهو بحجم الرأس وينضم عليه وجها وقفا. وفي أسفله ثقوب ليربط بها ما وجد مما يتعلق بالقناع، وربما كان يلبس بمنزلة خوذة في أيام الحرب، أو لعله لباس خاص بالحفلات الرسمية، أما طريقة صنعه التي تستحق الإعجاب، فتشهد على طول باع ذلك الصائغ الذي تفنن أي تفنن في بذل كل مهارة ليأتي به تحفة أو طرفه ولهذا تعتبر صنعته اثمن من الذهب الذي صنع منه؛ ولا سيما ما يرى عليه من الخطوط المتموجة المحفورة فيه فأنها محكمة الرسم في منتهى الدقة والإتقان.
وقد وجدت أدوات أخرى في هذا القبر الذي يرتقي عهده إلى 3500 سنة قبل المسيح، من ذلك خنجر نصله من ذهب وقبضته من النضار والفضة - وغمده من اللجين - وخاتم من ذهب - ولازورد - وأسلحة وفأس متخذة من خليط الفضة والذهب - ورأس حدأة أي فأس ذات حدين - وحراب من القنا ذات أسنة من ذهب - وأقراط ذهب - وجام من العسجد بديع الصنع له آذان من اللازورد - إلى غير هذه من الكنوز والدفائن الثمينة.
قال: المستر وولي: ولم يدر أحد منا أننا نقع على قبر أحد الملوك في مدينة آزر ولا سيما عثورنا على قبر لم يمس بشيء البتة. ولا يختلف هذا القبر عن غيره من القبور إلا بكونه أكبر منها قليلا وبكون محتوياته ثمينة غاية الثمن تدل على جاه صاحبه وثروته وكانت الجثة في تابوت من خشب(6/74)
مسنودا إلى أحد أعضاد الحفرة، ووجدت طرف أخرى صغيرة دقيقة الصنع بديعة، العمل وأفخرها تمثال قرد وعلو هذا التمثال خمسة أثمان العقدة (البوصة).
والذي يزيد أثمان هذه الطرف إتقان صنعها في ذلك العهد الواغل في القدم ومما يؤسف عليه أن نفائس الفضة والنحاس لم تصبر على مقاومة الانحلال في تلك المدة المديدة،
ففقدت شيئا كثيرا من رونقها.
على أن جام الذهب المزخرف الذي كان خارج التابوت يضارع في صناعته ونقشه القناع الذهبي، وفي داخل التابوت كان أيضاً جام ذهب أملس للشرب لم ينقش عليه سوى اسم صاحبه ولقبه موصوفا ببطل الطيب الذكر. ومن أقوى الأدلة على جاه المدفون وغناه أن سلاحه كان الذهب أو من مزيج الذهب والفضة.
ومن جملة البدائع عالي الصدر من الفضة يشبه في شكله وحجمه أباريق الحجر التي يتخذها الكهنة في أثناء تقديم الذبائح لمعبوداتهم. وكان في القبر عدد من آنية الفضة والنحاس. وكثير من الحراب. وقد غرزت في الأرض حول النعش وأسنتها منكسة تنكيس الأسلحة في جنازات العصر، ما عدا حربة واحدة تتصل عقدها شيئا بشيء بينها حلقات من الذهب تشبه الخيزران وكانت أسنتها إلى فوق وهي التي هدتنا إلى قبر الملك، أو قبر الأمير أن لم يكن ملكا.
وخلاصة القول أن الآثار الكثيرة التي وجدت في القبر كافية لتوسع نطاق أكبر المتاحف، وتمد المؤرخين بآثار تساعد على إضافة شئ جم إلى التاريخ القديم أو قل: إلى تحريره وتقويمه.
واكتشف المنقبون الإنكليز في كيش (الاحيمر) عجلة صغيرة، ومسامير دواليبها ضخمة الرأس مقببة كالمسامير التي ترى اليوم على أبواب دور بغداد القديمة؛ وبعض تلك المسامير تشبه مسامير نعال الخيل. ويقال أن عهد هذه العجلة يرجع إلى قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة أو اكثر.
وعثروا أيضاً على جماجم وصقل (هيكل عظام) كانت موضونة في طرف العجلة ووجدوا آثارا بينة تدل على مواطن قصور ملوك كيش في سابق الزمن. وقد دفعت هذه الدفائن أولئك(6/75)
المنقبين إلى الإمعان في الحفر والبحث إذ يتوقعون الوقوع على نفائس أخرى مطمورة في تلك الأرضيين العادية.
2 - الحكم على الشيخ ضاري
كان الكرنل لجمن قتل في 12 آب سنة 1920 وقتل معه حسن خادمه وهندي سائق سيارته وكان القتل في موطن قريب من مخفر الشرطة أو حواليه بين الفلوجة وبغداد وشاع
أن الذين قتلوه هم (الشيخ ضاري) وابنه سليمان وابنا أخيه وهما صلبي وصعب من أعراب زوبع ولهذا هربوا جميعا من وجه الحكومة.
وفي خريف سنة 1927 أراد الشيخ ضاري أن يرحل من كفر توثا في أرض الترك حيث كان، بعد أن يمر إلى حلب بحسكة فطلب إلى سائق (ميكائيل كريم) من تبعة الجمهورية التركية في الحسكة أن ينقله فرضي ميكائيل، وعوضا عن أن يأخذه إلى حلب أوصله إلى يد الحكومة في الموصل طمعا بالمال الموعود لمن يأتي به. وهكذا وقع الشيخ ضاري في يد الحكومة ولم يستطيع الإفلات منها، وكان ذلك في 3 تشرين الثاني من سنة 1927 وقد أتى به إلى بغداد في شهر ك 1 من سنة 1927 وفي شهر كانون الثاني سنة 1927 مثل بين يدي المحكمة العليا. وبعد المرافعات الطويلة العريضة حكم عليه بالقتل ثم أبدل القتل بالأشغال الشاقة مدى حياته. واليك نص حكم المحكمة الكبرى بحرفة:
(حكمت المحكمة الكبرى للواء بغداد على المجرم الشيخ ضاري بن ظاهر المحمود بالإعدام شنقا وفق الفقرة السادسة من المادة (214) بدلالة المادة (54 و 55) من قانون العقوبات البغدادية، وقررت بالأكثرية تبديل عقوبة الإعدام المفوضة على المحكوم المذكور بالأشغال الشاقة المؤبدة اعتبارا من تاريخ توقيفه المصادف 3 تشرين الثاني سنة 1927 وفق المادة (11) من القانون المذكور وذلك للأسباب آلاتية:
1 - أن المحكوم هو طاعن بالسن.
2 - تغيبه عن محله ثماني سنوات وبقاءه مضطربا خلال هذه المدة واعتلال صحته - خلالها ولابتلائه بمرض شديد قد لحقه.
وقررت بالاتفاق الحكم على المجرم الشيخ ضاري المذكور بالأشغال الشاقة المؤبدة وفق المادة 212 بدلالة المادة 54(6/76)
- 55 من القانون المذكور على أن تنفذ العقوبتان بالتداخل. وافهم ذلك علنا بتاريخ 30 كانون الثاني سنة 1928
رئيس المحكمة الكبرى للواء بغداد
وقد أثر هذا الحكم على الشيخ المريض منذ حين فتوفي في ليلة أول شباط ودفن في عصر أول شباط وكانت الدفنة من احفل ما جاء من نوعها إذ مشى فيها ألوف من العراقيين وهم يهوسون رجالا ونساء حتى واروه في القبر بجوار الشيخ معروف في الكرخ في مقبرة
الشيخ داود الطائي.
3 - نزع أسلحة
جردت الحكومة التركية من السلاح أهالي قرية (كيهاني) العائدة إلى الملك خوشابا الاثوري، وفعلت كذلك بجميع الاثوريين الذين في داخل حدود تركية ولم تبق سوى بندقية (واحدة لا اكثر) بيد الملك خوشابا المذكور.
4 - ضمان غابتين في بغداد
نشرت متصرفية لواء بغداد في 20 ت 1 من سنة 1927 أن (وقع السوم على التزم الحصة الملاكية من أحطاب غابة الصمدية الأميرية مبلغ 5000 ربية وحصة الملاكية من أحطاب غابة السمرة مبلغ 3500 ربية) اهـ بحرفة
5 - النفط في كركوك
حفرت شركة النفط التركية بئر لاستخراج النفط بقرب كركوك، فوجدته غزيرا على غور 1. 521 قدما. وبعد بضع دقائق من العثور عليه، فاضت البئر بالسائل الثمين بلا سبق إنذار، فأخذ يتدفق على الأرض ولا رادع يردعه وكان ينبط من البئر بمعدل 9. 2000 برميل في اليوم على حساب 48 جالونا في البرميل.
وابتدأ بالانفجار في الساعة الثالثة من صباح الخميس 13 ت1 ولم يتمكنوا من تبدده وضياعه وسد فوهة البئر إلا في 17 منه في الساعة 4 بعد الظهر وكانت حركة النقب والخرق لولبية ثم جعلوها عمودية. وبلغ الخرق اللولبي 15000 قدما لم يثقبوا ثقبا عموديا سوى 21 قدما بعد أن شعروا - وهم على ذلك البعد - بصخرة مانعة نبط من ورائها ذلك السائل بقدر 1400 لبرة في العقدة المربعة.
واعلم أن 47 سها ونصفا من مائة سهم هذه الشركة هي لشركة النفط الإنكليزية الفارسية، وما بقي لشركة (الريال دوتش شيل) ولشركات فرنسية وللمستر كولبنكيان.
أما تصفية النفط في تلك الآبار فقد(6/77)
بدأت في 5 نيسان من هذه السنة. وانفجار هذا النفط فجأة سبب قتل ثلاثة أميركيين وعراقيين ونشر في الجو رائحة كريهة ضرت بصحة الجميع ولم يستطع المهندسون أن يردعوا جماح هذا الانفجار إلا بعد خمسة أيام وذهاب
كثير منه في الأودية المجاورة وكان يرتفع النفط في انفجاره ارتفاعا هائلا.
6 - قنصل بلجكي في الحاضرة
عين المسيو شوفين الفرنسي قنصلا لدولة بلجكة ووافق صاحب الجلالة على أوراق اعتماده.
7 - دخل سكك الحديد العراقية
بلغ دخل سكك حديد العراق في الأسبوع المنتهي في 31 ك 1 سنة 1927 نحو 183. 739 ربية يقابلها 187482 في مثل هذا الأسبوع من السنة التي سبقها.
8 - الطاعون في بغداد
وقعت وفاة مطعون في الأسبوع الأول من شهر ك 2 وذلك في محلة قاضي الحاجات ثم وقعت إصابتان أخريان في محلة قنبر علي فتوفي أحدهما وشفي الآخر.
9 - تلفون من بغداد إلى خانقين
مد خط تلفون بين بغداد وخانقين وبدأت المراجعة به منذ أواخر ك 2 من هذه السنة 1928.
10 - بيباد
صدرت إرادة ملوكية بنقل مركز قضاة العمادية إلى قرية بيباد.
11 - منع تطيير الحمام
صدر أمر الحل والعقد في حلب إلى دوائر الشرطة بمنع الحمام داخل المدينة وضرب الجزاء على المخالفين. فمتى يصدر عندنا مثل هذا المنع والمطيرون يقلقون راحة الأهالي بإلقاء الحجارة على البيوت وإزعاج الناس بأصواتهم والجلبة التي يحدثونها عند إطارة تلك الحيوانات.
12 - نقل اطائم (طمات) الحمامات
قرر مجلس الصحة في حلب بنقل اطائم الحمامات (التي نسميها نحن الطمات وأهل سورية
يسمونها القمامين جمع) المكشوفة إلى مواطن مغطاة منعا لتطاير الأقذار ونقل جراثيم الأمراض إلى الأهالي. فهل تقوم إدارة الصحة عندنا لتصدير مثل هذا المنع في بلادنا، فإن(6/78)
الاطائم أو الطمات هي محل للأقذار الأدبية والمادية، ومن يغش هذه المواضع العامة يتحقق صدق كلامنا.
12 - هجوم الأخوان على كويت
في 27 ك 2 هجمت قوة من الأخوان وكان عددهم ثلاثمائة هجان ومائة خيال ويقودهم ابن عشوان من شيوخ مطير فغزت إمارة الكويت وأغارت غارة شعواء على (أم ربيان) وهي أرض واقعة في شمال غربي الجهرة) وذبحت ذبح الغنم جماعة من رجال القبائل ثم ولت الأدبار، آخذة معها طائفة غير قليلة من الاباعير والبقر. وحالما وقفت حكومة الكويت على الخبر أرسلت عليهم ثلاثين طيارة وثلة من الهجانة والفرسان لمطاردتهم.
وما عتم هؤلاء المتعقبون أن أدركوهم في جهة الرقعي على بعد 90 ميلا من الكويت فوقعت معركة شديدة بين القبيلين فخسر كل منهما خسائر كبيرة لم يتضح إلى الآن عددها؛ إلا أن ثلاثة من شيوخ آل شيوخ صباح (الأسرة المالكة) جرحوا، وهم عبد الله الجابر وعلي الخليفة وعلي السالم فمات علي السالم من جرحه وغادر الغزاة الأخوان ما نهبوه وهربوا مولين لا يلوون على شئ وقد انتصر الكويتيون هذه المرة على الأخوان.
13 - أسعار سوق الموصل
بموجب تقرير غرفة التجارة للأسبوع
المنتهي في 30 ت 2 سنة 927
(بحرفه الرسمي:)
الوزنة سعر
حقة استانة درهم آنة ربية10160حنطة - 81شعير - 110حمص - 83عدس - 101باقلى - 01سمن - 017عفص عنباري - 07عفص ابيض - 86صوف عواس - 813صوف كرادي - 813والمنتهي في 7 ك 1 سنة 1928
(بحرفه الرسمي):
الوزن سعر(6/79)
حقة استانةدرهم آنة ربية10160حنطة - 81شعير - 110حمص - 3عدس - 121باقلى - 01سمن - 18عفص عنباري - 86ابيض - 5صوف عواس - 813كرادي - 813 /// 15 - خلاصة الجدول الأسبوعي للأمراض السارية في القطر العراقي
(بحرفه الرسمي:)
نبين أدناه خلاصة هذا الجدول المنتهي في 31 ك 1 سنة 1927 مأخوذا من جدول مديرية الصحة العامة:
جدول مديرية الصحة العامة:
المرض الإصابات الوفيات
الهيضة 01 الخناق 103 الحصبة 502 النكاف 90 الحمى التيفوية 60 الكزاز 21 شبه الجدري 50 البثرة الخبيثة 10 الحمرآء 70 السل الرئوي 183(6/80)
العدد 56 - بتاريخ: 01 - 02 - 1928
الدرويش
إلى القارئ:
دونك مقالا طريا طريفا لم تطالع نظيره في الصحف أو المجلات، وبالأخص لان المستشرقين الذين عالجوا هذا الموضوع لم يقفوا على كل ما فيه من دفائن الأسرار، فجاء كاتبنا أحمد حامد أفندي الصراف ووفى البحث حقه، فنوجه الأنظار إليه.
(ل. ع)
توطئة
ولدت في مدينة كربلاء؛ وكربلاء مدينة يحترمها المسلمون كافة، ويشدون الرحال إليها لزيارة الشهداء الكرام من بني هاشم الذين قتلوا في معمعة كربلاء في القرن الأول من الهجرة. وفي هذه المدينة الحزينة الباكية أناس من كل فج عميق إذ ترى فيها الفارسي والهندي، والأفغاني والتركماني، والاحسائي والبحراني، وغيرهم من المسلمين الذين يؤمونها حبا بمجاورة المزارات المقدسة، وهي كسائر المدن التي فيها مزارات الأئمة العظام كالنجف والكاظمين وسامراء، لا ينقطع منها النواح والبكاء، ولا تكفكف فيها الدموع كما لا تخلو من التعازي والمآتم(6/81)
ومع ما في بساتينها الزاهية المحيطة بها من دواعي الأنس والسرور، وفي شوارعها الطويلة العريضة المستقيمة بواعث الانشراح والرفاهية، ترى فيها الألم سائدا، والحزن مبثوثا في أفئدة سكانها، والبؤس متمثلا في ليلها وضحاها.
في مسقط رأسي هذا شاهدت (الدرويش) لأول مرة إذ في كربلاء عدد عظيم منهم وقد لا تخلو أبدا من درويش يرن صوته رنين الجرس عند انبلاج الفجر أو عند جنوح العصر أو عند حلول الغيب، في الصحن الشريف أو في الأسواق أو في الأزقة - يرن صوته مادحا أو راثيا أو باكيا أو متباكيا ومن ثم داعيا للناس بالخير ومستجديا.
اعتقاد الناس في (الدرويش) اعتقاد حسن ومنهم من يعتقد فيه الخير والصلاح والزهد والعفاف، حتى الكرامات. والنسوة يتفاءلن برؤيته ويتهافتن على الإحسان إليه ويفرحن بدعائه وكلماته وينفحنه مبلغا من المال ليكتب (تمائم وحروزا وأدعية) لبنيهن وبناتهن. والعاقرات منهن يفزعن إليه ليدبر لهن وسيلة للحبل، وغير المتزوجات يهرولن إليه ليخط
لهن دعاء يسرع زواجهن ومنهن من تحمل ابنها الوجع أو ابنتها المريضة ليمر الدرويش يده على رأسه أو رأسها. والخرافيات الجاهلات منهن يعتقدون أن الجن طوع إرادته، ورهين إشارته إلى غير ذلك من الاعتقادات العجيبة المضحكة.
وقد عن لي عام 1918 أن أعجم عود هؤلاء الدراويش واطلع على معتقداتهم وآرائهم وإن أتفهم (نفسياتهم) واعلم سبب تفضيلهم حياة التسول والاستجداء على العمل والجد فاتصلت بكثيرين وخالطتهم طويلا فعزفت أسرارهم ورموزهم وألقابهم وشاهدت فيهم الفاضل المهذب والعفيف الورع، وشاهدت فيهم الجاهل المغفل والخبيث السفيه. كما فيهم المعتقد بتقمص الأرواح، والمؤمن بالحلول والقائل بالتناسخ، بل فيهم الملحد المتظاهر بالدين كذبا، كما فيهم المعتقد بألوهية علي بن أبي طالب (ع)، ومنهم من يعتقد بنبوته وخيانة (جبريل) لرسالته لأنه بلغ الرسول بالنبوة والرسالة بدلا من علي بن أبي طالب. وقد دونت حياة عشرة دراويش وهي ملأى بالحوادث والوقائع والاعتقادات الغريبة العجيبة.
والذي اكتبه الآن هو نتيجة تحقيقي وثمرة بحثي الطويل وهو غير مستند(6/82)
إلى كتب وأسفار، بل استقيته من الدراويش مباشرة وأخذته من أفواههم فالدرويش هذا - ولا ريب عندي - هو من صعاليك فلول المتصوفة.
واقصد بفلول المتصوفة أصحاب تلك الطرائق التي أخذت التعاليم والآداب من السنة والشيعة والإسماعيلية والباطنية والحلولية كالبكتاشية والمولوية والقزلباشية والعلوية والعلي اللاهية. والسبب الذي دعاني إلى أن أعتقد بهذا الشيء هو إنني وجدت عند درسي الدراويش وتدويني تراجم أحوالهم أن بعضهم يعتقد بالحلول وتقمص الأجسام والتناسخ كما أسلفته.
الدرويش
الدرويش كلمة فارسية معناها (المتسول) وهو ذلك الشخص الذي نراه أحيانا في الأسواق والشوارع منشدا شعرا بالفارسية غالبا أو العربية أحيانا في مدح آل البيت ولهذا ولأمثاله أي للدرويش المتسولين - تكية خاصة بهم يلجئون إليها في كل مساء ليتناولوا فيها طعامهم ويتحادثوا في شؤونهم برئاسة (البير) أي (الشيخ أو الرئيس) وهذا البير هو الذي يدير شؤون التكية ويعلم المريدين أو المنتسبين إلى الطريقة كيفية الاستجداء والتسول. ولبعضهم
نفوذ عظيم وكلمة مسموعة فيخضع لأمره الدراويش جميعهم ولا يترددون في تسليمه جميع ما حصلوا عليه في يومهم وهو الذي يقسم بينهم الدراهم بالسوية ويهيئ لهم الطعام.
وهؤلاء الدراويش لا يربط بعضهم ببعض رابطة فكرية أو فلسفية ولا يجتمعون على مبدأ واحد بل رابطتهم الوحيدة هي التسول والاستجداء وليس هناك شئ من الرسوم أو العوائد التي يجب أن يراعيها من يريد أن يتدروش (أي يكون درويشا) ويكفي لمن يريد أن ينظم في هذا السلك أن يكون ذا صوت شجي رخيم ويحفظ كثيرا من الشعر الفارسي في مدح آل البيت وشجاعة عند الاستجداء مع قلة حياء.
وهم متفرقون في الأقطار والمدن التي فيها مزارات مقدسة وهم اصبر خلق الله على احتمال المصائب والرزايا فلا يبالون بلفحات الحر ولا بلسعات الشمس المحرقة ولا بصولات برد الشتاء كما لا يستقرون في بلد ولا يسكنون في مدينة، كأنهم مأمورون على ذرع فضاء الله.(6/83)
وليس لهم أي صنعة أو حرفة سوى الاستجداء والتعيش من الحسنات والصدقات التي يجود بها الناس عليهم وبينهم من يرون مهازيل نحفاء قد انتابت جسومهم الأوجاع والأمراض وعلى وجوههم سيماء الكآبة بل يقطر منها البؤس ويتمثل فيها الشقاء. شعث غبر قد تعود أكثرهم الرذيلة فلا تجد عندهم وفاء ولا ذمة ولا فضيلة ولا أيمانا صحيحا.
انك ترى أكثرهم لا يترددون في ارتكاب النكرات والموبقات والكبائر. يشربون الخمرة ويرتكبون الكذب ويستعملون الحشيشة ويشربون الأفيون وقد تجد بعضهم احسن حالا واقل شقاء فتراهم نظيفي الثياب حسني الأخلاق كثيري الفضائل ودعاء مسالمين.
ولبعضهم وسائل شيطانية في إغواء الشباب لهتك أعراضهم وتمزيق آدابهم فلقد يتحيلون مدعين بمعرفة (الكيمياء) - وهي في عرف العوام - أيجاد الذهب فيقربون من الفتية المرد بهذه الأحلام والخيالات ويصورون لهم القناطير المقنطرة من الإبريز الذي يحظون به تعلم الكيمياء حتى إذا وفق أحدهم لاصطياد فتى فر به إلى أرض نائية بعيدة عن وطنه وافسد أخلاقه فتكون الصلة بينه وبين الفتى الأمرد عين الصلة التي كانت بين والبة بن الحباب وبين تلميذه أبي نواس يوم كان غضا يافعا.
لباسهم
للدرويش لباس خاص وبزة غريبة هي أعجوبة من العجائب ومنظر فظيع يستوقف الناظر إليه فيدهشه، فيخيل إلى الرائي إذا نظر إلى الدرويش أنه يرى مخلوقا اقرب إلى الوحش منه إلى الإنسان. يتقوم لباس الدرويش (1) من قلنسوة طويلة من اللبد الأبيض ضاربة إلى صفرة موحشه بآيات قرآنية ومطرزة بأبيات فارسية تتوسطها طرة كتب فيها (بندة علي) أي (مملوك علي بن أبي طالب) وتحت هذه القلنسوة شعر طويل مسترسل كالجدائل على كتفيه فوجه أشعت اغبر قد التصقت في أسفله لحية نتنة هي أشبه شئ بالمخلاة (2) من ثوب خلق فوقه جلد طويل من جلود النمور أو الخراف (3) من جراب فيه أنواع(6/84)
من الحاجيات الصغيرة كالإبرة والخيط والمقص (4) من صرة فيها أنواع الحشيش والأفيون (5) من قدوم ذات حدين منقوشة عليها أبيات فارسية وكلمات مأثورة لأكابر المرشدين منهم
(صورة) صورة درويش بلباسه
(6) من هراوة ذات تعاريج وعقد (7) من كشكول اسود يرفعه بيده اليسرى (8) من سلسلة من النحاس (9) من قرن طويل من قرون الجاموس أو الثيران ينفخ فيه كالبوق مع رفاقه وأخدانه أثناء الاجتماعات ولا سيما(6/85)
حينما يجتمعون للعزاء والمأتم (10) من حبل طويل قد علقت فيه التمائم والأدعية وأنواع الخرز والحجارة والودع والدهاش وبالجملة تكون هيئته هيئة غريبة شنيعة قل هي هيئة العفاريت والأبالسة ليس إلا.
ألقابهم. درجاتهم. رموزهم
وللدراويش ألقاب وكنى ما عدا أسماءهم الأصلية ولكل درويش اسم عادي كقاسم ومحمد وتقي وغير ذلك. واسم آخر هو اسم الدروشة مثل (بندة علي) أي مملوك علي مع لقب خاص جميل لطيف الواقع على السمع مثل (كل) أي ورد و (بهار) أي ربيع و (آزاد) أي حر و (نور خدا) أي نور الله و (خدا داد) أي عطاء الله و (بي بروا) أي غير مبال و (خردمند) أي العاقل و (كل دسته) أي حزمة ورد أو باقة زهر.
أما مراتبهم ودرجاتهم فسبع وهي:
1 - المنتسب ويكون عادة غلاما يافعا يصحب أحد الدراويش ليلقنه الأسرار ويعلمه الرموز ويدربه على تلاوة الشعر بالهرج والغناء ويشجعه على الاستجداء
2 - المريد ويكون مساعدا للدرويش ويتلو معه الشعر ويدعو بالخير لمن يجود بشيء على الدرويش.
3 - الدرويش وهو الذي مهر في الشحاذة وتفنن في الاستجداء وحفظ من الشعر كثيرا وتمكن بذلاقة لسانه من أن يؤثر في سامعيه فيحصل منهم على بغيته.
4 - المرشد وهو شيخ التكية وكبير الدراويش في يده العقد والحل وهو الذي يقسم الدراهم على الدراويش ويهيئ لهم الطعام.
5 - القلندر وهو كالدرويش إلا أنه أعظم مقاما من المرشد ومحرر من قيود التكاليف والرسوم بعيد عن الأماني والآمال في الحياة منزه عن ظواهر العبادة الاسمية طالب جمال الحق وجلاله، واصل إلى الفيوضات السنية من لدن الأحد المطلق ولا يركن إلى الكون وأهله المغرورين. والخلاصة هو ذاك الذي يطلب الكمال ويخرب العادات في التجريد والتفريد ويتوخى في العبادات القصد وصدق الأعمال.(6/86)
6 - الرند (بكسر الراء) وهو من كان في أسمى درجة من الدراويش لا يبعد عن القلندر إلا بعدم المبالاة والاهتمام بالعرف والعادات وكثيرا ما تكون سيرته وأعماله هدفا للنقد وأما قلبه فطاهر صاف كالمرآة المصقولة وظاهره مشكوك فيه جالب للوم.
7 - البير (بباء مثلثة فارسية) هو (كالقطب) عند الصوفية والبير ليس من الدراويش ولا من الذين يتنزلون إلى الاستجداء إذ قد يكون من ذوي المال والجاه إلا أن الدراويش يتبركون به ويعتقدون فيه الكرمات ويرون فيه كشاف الأسرار فينشدون الرحال إليه ويقصدونه لمجرد تقبيل يده والنظر إليه، والبير نادر جدا وقد لا يظهر واحد خلال قرن والدراويش يسمونه (ستارة حكمت) أي (نجم الحكمة)
أن هذه المراتب والدرجات أسلفنا ذكرها لا تنال بالاقتراع والانتخاب بل يحصل عليها من يرزق قلبا ذكيا، وعقلا ثاقبا وحافظة واعية وبراعة في الشحاذة وصوتا رخيما فيرتقي حينئذ إلى المرشد أو القلندر في أيام معدودات.
أسرارهم وإشاراتهم
الحشيشة: ويسمونها (الأسرار) والدراويش جميعهم يعرفون بها ولعون باستعمالها ولعاً عظيما اللهم إلا النزر القليل منهم والحشيشة هي التي أفسدت أخلاقهم وأنحلتهم وولدت في
نفسهم الجبن وفي الوجه الاصفرار وفي الفم النتانة وفي الحواس الضعف لان فيها خاصية التحذير والسكر. والإكثار منها يخرج شاربها إلى حد الرعونة بل إلى الجنون ومن ثم يأتي الموت باكرا ولهذا ذهب ألوف من الناس ضحايا للحشيشة.
والحشيشة اسم أطلق على ورق القنب الهندي كما اخبرني بذلك مؤيد الأطباء وهي ارهف سلاح بيد الدرويش لهتك آداب الفتيان وإغوائهم بالشر وقد دون المقربزي تاريخ أول ظهور الحشيشة واستعمالها وذكر أنها تسمى بحشيشة الفقراء وسبب ذلك أنه كان شيخ للفقراء اسمه (حيدر) كثير الرياضة(6/87)
والمجاهدة قليل تناول الغذاء وكان قد نشأ بخراسان واتخذ زاوية في أحد جبالها ومعه جم غفير الفقراء، فمكث هناك أكثر من عشر سنين لا يخرج ولا يدخل عليه إلا رجل خاصا بخدمته فخرج وحده في يوم شديد الحر ثم عاد وقد علا وجهه نشاط وحبور بخلاف ما عليه قبلا فأذن لرفقائه بالدخول عليه وجعل يكلمهم فسألوه عن الحال الذي صار إليه فقال بينما أنا في خلوتي إذ خطر لي الخروج إلى خارج المدينة منفردا فلما خرجت وجدت كل النبات ساكنا لا يتحرك لسكون الريح ولفت نظري نبات له ورق فرأيته يميس بلطف ويتحرك تحرك السكران الثمل فجعلت اقطف منه أوراقا وآكلها فحدث لي من الارتياح ما ترون فيها بنا إلى البرية لأطلعكم عليه فتعرفوه. فخرجوا وراءه فلما رأوا قالوا له: هذا هو القنب فتهافتوا على أوراقه فأكلوا منها فسروا وطربوا فأمرهم الشيخ كتم هذا السر إلا عن الفقراء قائلا لهم: أن الله خصكم بهذا السر ليذهب عنكم همومكم الكثيفة ثم حثهم على زرع هذا النبات حوله ضريحه بعد وفاته وبقي يأكل منه بقية حياته ثم توفي سنة 618هـ وبني على ضريحه قبة فاتته النذور الوافرة من أهل خراسان وعظموا قدره واحترموا أصحابه وكان قد أوصى أصحابه أن يوقفوا ظرفاء أهل خراسان وكبراءهم على هذا العقار، فأطلعوهم على سره واستعملوه وشاع أمر الحشيشة في بلاد خراسان وفارس ولم يكن أهل العراق يعرفونه حتى جاءهم صاحب هرمز ومحمد بن صاحب البحرين وهما من ملوك سيف البحر المجاور لبلاد فارس في أيام الملك المستنصر بالله وذلك سنة 628هـ فحملها أصحابها معهم فاظهروا للناس أكلها فاشتهرت بالعراق ووصل خبرها إلى الشام ومصر وبلاد الروم فاستعملوها وفي نسبتها إلى الشيخ حيدر يقول الأديب محمد بن علي بن الأعمى الدمشقي:
دع الخمر واشرب من مدامة حيدر ... معنبرة خضراء مثل الزبرجد. . .
ولا نص في تحريهما عند مالك ... ولا حد عند الشافعي واحمد
ولا اثبت النعمان تنجيس عينها ... فخذها بحد المشرقي المهند(6/88)
وقال بعضهم لم يأكل الشيخ حيدر الحشيشة طول عمره وإنما أهل خراسان نسبوها إليه لاشتهار أصحابه بها، وإن إظهارها كان قبل وجوده بزمان طويل وذلك أنه كان بالهند شيخ يسمى (بير رطن) وهو أول من ظهر لأهل الهند كلها ولم يكونوا يعرفونها قبل ذلك ثم شاع أمرها في بلاد الهند حتى ذاع خبرها ببلاد اليمن: ثم اتصل خبرها بأهل فارس ومنها إلى العراق والروم والشام ومصر قال: وكان بير رطن في زمان ألاكاسرة وأدرك الإسلام فاسلم فاخذ الناس من ذلك الوقت يستعملونها وقد نسب إظهارها إلى الهند علي بن الشاعر بقوله من قصيدة:
فقم فانف جيش الهم واكفف يدالعنا ... بهندية أمضى من البيض والسمر. . .
بهندية في أصل إظهار أكلها ... إلى الناس لا هندية اللون كالسمر
تزيل لهيب الهم عنا بأكلها ... وتهدي لنا الأفراح بالسر والجهر
قال: وأنا أقول أنه قديم معروف منذ أوجد الله تعالى الدنيا وقد كان على عهد اليونانيين والدليل على ذلك ما نقله الأطباء في كتبهم عن بقراط وجالينوس من مزاج هذا العقار وخواصه ومنافعه ومضاره.
وأنا أرى الحشيشة استعملت قبل الشخصية حيدر؛ استعملها (الحسن بن الصباح) وجعلها ستارا وسرا لطائفته الجهنمية المسماة (بالباطنية) وبها سموا (حشاشين)
والدراويش يستعملون الحشيشة في مجتمعاتهم سرا خوف الناس وقد سألت أحد الدراويش عن سبب استعماله الحشيشة مع أن فيها مادة مسكرة والمسكر حرام شرعا فقال: أنه يستعملها لأنها تزيل الهموم الرابضة في الصدر وإنها ليست حراما لان الله نص على تحريم الخمر في كتابه أما الحشيشة فحلال لأنه لم يأت نص يوجب تحريمها.
اجتماعاتهم
لا يجتمع الدراويش لذكر أو تلاوة دعاء أو ورد أو غير ذلك إلا في العشرة الأولى من المحرم فيعقدون مجالس خلال تلك الأيام للعزاء بعد أن يكونوا قد نصبوا خيمة كبيرة
واسعة في صحن المزارات المقدسة وهم يعلقون على الجدران المظللة بالخيمة فدائم وهراوات وطاسات وكشاكيل ويوقدون الشموع في كل ليلة من الليالي العشر الأولى من المحرم ويقرءون المآتم. وفي اليوم العاشر(6/89)
يخرجون جماعة واحدة وقد نشروا شعورهم على أكتافهم وحملوا كشاكيلهم وأبواقهم وهم ينشدون نشيدا واحدا لا يتغير وهو (نادوا عليا عليا يا علي) وبين آونة وأخرى يخرج أحدهم قرنا ينفخ فيه فيتبعه الباقون فينفخون في القرون فتفزع النساء ويهرب الصبية.
أصول الاستجداء
وللدراويش أسلوب خاص بالاستجداء يتفننون فيه تفننا عجيبا ولهم طرق كثيرة منها: أن الدراويش يقف في الأسواق المحتشدة بالناس شعرا في مدح النبي وآله يمد يده إلى الناس ولا يطلب شيئا فيتصدق عليه المارون بدرهم أو فلس يرمونه في كشكوله فيدعو لهم بصوت خافت. ولأجل أن يلفت أنظار الجمهور إليه يصرخ بأعلى صوته (دوست علي مولا جان) أو (أمير المؤمنين أسد الله جانم).
ومنهم من ينشر شعره الطويل على كتفيه ويمشي في الأسواق منشدا شعر ويقدم خلال إنشاده له ريحانا إلى أصحاب الحوانيت فيرمون له في (كشكوله) بما يجودون به عليه. والذين لا يريدون أن يتصدقوا عليه يقولون له: (سبزشود) أي فليكن أخضر أو (بنجشيد) أي اعذرنا والكلمة (سبزشود) رمز خاص إلى الدرويش وهي هديته وهذه مأخوذة من بيت يحفظه كل درويش وهو:
بلك سبزي آست تحفة درويش ... جه كند بي نوا هين دارد
ومعناه: الورق الأخضر نحفة الدرويش ماذا يفعل المسكين. هذا كل ما عنده وإذا قال أحدهما للدرويش (خدا بدهد) (أي يعطيك الله) يتألم كثيرا لأنه يعتقد أن ليس لأحد شئ يملكه في الحياة والأموال مشاعة بين الناس وانه لا يطلب غير حقه.
ومنهم من لا يستظهر على قلبه شعرا فيقتصر على ترديد ألفاظ مثل: (يا أحد، ويا صمد، ويا قدير).
ومثل (بلغ العلى بكماله، كشف الدجى بجماله، حسنت جميع خصاله، صلوا عليه وآله).(6/90)
أو (أكر خسته جاني بكو يا علي واكرنا تواني بكو يا علي مترس وملرز بكو يا علي) أي
(إذا كنت مريضا قل يا علي، وإن كنت ضعيفا قل يا علي، لا تخف ولا ترجف وقل يا علي).
وبينهم من يحمل بيده افعوانا مقلوع الناب أو لا ناب له أو يلف على معصمه حية طويلة رقطاء يكحل بذنبها عيون الناس بدرهم أو أكثر يوهمهم أن التكحيل بذنب الحيات يحفظ المكحول به من العمى.
ومن طريقهم أن يقف اثنان في الصحن فيخطران جيئة وذهابا متبادلين إنشاد الأشعار والمكان فإذا انتهيا من إنشادهما واجتمع الناس حولهما وحل وقت الاستجداء قال أحدهم للأخر:
أي مرشد:
أجابه الأخر: بلى قربان أي أنا فداؤك وهو اصطلاح خاص بالفرس.
ثم يسأله: هركه جراغ أول را ميدهد جه شود؟
أي ماذا يكون من يعطي (الجراغ) الأول؟ والجراغ معناه (النور) ويريدون بالنور الدراهم وهو اصطلاح خاص بالدراويش.
فيجيبه: خداي عز وجل عمر اورا دراز كند واورا از مصائب وستم فلك دور كند) أي يطيل الله عز وجل عمره ويجعله بعيدا عن المصائب ومظالم الفلك.
وخلال هذه المحاورة يتصدق الناس عليهم.
تحيتهم
التحية الشائعة على أفواه المسلمين هي كلمة (السلام عليكم) أما الدراويش فلا يستعملونها إلا نادرا ويستعملون في مكانها قولهم: (مدد يا علي)
هذا ما وقفنا عليه بنفسنا من غير أن نقيس شيئا من أي كتاب كان.
أحمد حامد الصراف
(تذكير) إذا وقفت على هذا المقال، راجع ما جاء في معلمة الإسلام بعنوان (درويش) تر فرقا عظيما بين الوصفين؛ ثم حاكم نفسك وقل: من ترى أجاد في ما أورد وفصل؟ أن الصراف صرف القارئ عن كل مقال سواه.(6/91)
خزائن زنجان (في إيران)
في زنجان عدة خزائن للكتب بينها بعض نوادر منها خزانة كتب العالم الجليل الشيخ ميرزة فضل الله من علماء زنجان وهو عريق النسب والشرف وهذه من نوادرها:
1 - الأنساب والتاريخ
1 - النفخة العنبرية في انساب خير البرية لمحمد الكاظم بن أبي الفتوح بن سليمان الموسوي من أهل القرن التاسع.
2 - كتاب في التاريخ للشيخ أحمد بن الحسن بن الحر العاملي وهو غير تاريخه المسمى بالدر المسلوك. نسخة الأصل.
3 - تاريخ هراة تاريخ كبير بالفارسية لم نقف على اسم مؤلفه لسقوط ورقة من أوله: يظهر من مطاوي كلمات المؤلف أنه موجودا في أوائل المائة التاسعة.
4 - نفحات الانس، لعبد الرحمن بن أحمد الجامي نسخة قديمة تاريخ كتابتها 939.
5 - كنوز الجواهر في الأخلاق والمحاضرات يشتمل على ثلاثة أقسام في مجلدين تأليف محمود بن محمد بن أبي الحسن السمناني. ألفه باسم صاحب الديوان محمد الساوجي وأتمه في سنة 702 بحدود المحروسة واسط. تاريخ كتابة النسخة سنة 901.
6 - تاريخ قم للحسن بن علي بن الحسن بن عبد الملك القمي. الجزء الأول.
2 - الأدب
1 - شرح قصيدة لامية في مدح أمير المؤمنين علي (ع) لأبي المعالي محمد المشتهر بعلي بن أبي طالب بن عبد بن جمال الدين علي الزاهد الجيلاني.
2 - تذكرة أبي علي الفارسي. الجزء الثاني منه نسخة قديمة. سقط من آخره تاريخ الكتابة بقرينة المقابلة ويغلب على الظن أن النسخة من خطوط القرن الخامس تقريبا.(6/92)
3 - فض الختام في التورية والاستخدام لصلاح الدين الصفدي ورد في آخره: (تم الكتاب المبارك في العشرين من جمادي الآخرة من شهور سنة ثلاث وخمسين مما اجتهد في تعليقه لنفسه العبد الفقير نجم أبن اسحق الإسرائيلي من نسخة الأصل التي بخط المصنف الخ.)
وعلى ظهر النسخة جملة من خطوط قديمة أقدمها: (أنهاه مطالعة محمد بن عبد الرحيم المهاجي سنة 799)
4 - كتاب المصايد والمطاردة لأبي الفتح محمود بن الحسن الرملي والمعروف بكشاجم في الصيد وما يتعلق به وأوصاف الجوارح والضواري وأسباب الصيد وآلاته وما قيل في ذلك وهو يشتمل على ثلاثين باب نسخته قديمة ليس بها تاريخ للكتابة.
5 - شرح ديوان المتنبي لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي.
6 - زينة السالك في شرح ألفية ابن مالك للمولى محسن بن محمد طاهر النحوي القزويني الجزء الأول من نسخة الأصل.
7 - خلاصة نسيم ربيع مختصر لترجمة ربيع الأبرار للزمخشري ألفه باسم السلطان محمد قطبشاه ولم اعثر على اسم مؤلفه.
8 - المفصل للزمخشري نسخة قديمة كتبت في مدينة حلب سنة 603.
9 - مجموعة من منشئات العلامة المحقق الاغا حسين الخونساري وابنه العلامة جمال الدين الخونساري بالفارسية والعربية وفي ضمنها نسخ مراسلات متبادلة بين بعض الملوك الصفويين وبين شرفاء مكة وكتب إلى ولاة خوزستان وغيرهم.
3 - الفلسفة والمنطق
1 - كتاب التلويحات للشيخ السهروردي المقتول. القسم الأول والثالث منه.
2 - المشاع والمطارحات للسهروردي أيضاً الجزء الأول يشتمل على المنطق وقسم الطبيعيات تاريخ النسخة في أواسط القرن السابع تقريبا.
3 - مجموعة من رسائل الفيلسوف وابن سينا يحتوي على: (1) رسالة له في خطأ من قال أن شيئا واحدا جوهر وعرض معا (2). رسالة له إيضاح براهين ثلاث مسائل (3). رسالة له في المعاد (4). رسالة في الخطب والجمعات.(6/93)
4 - مجموعة للفيلسوف الفارابي تحتوي على: (1) كتاب إحصاء العلوم ومراتبها له وهذا الكتاب هو الذي زعم العالم الجليل المستشرق السنيور كرلو نلينو في كتابه علم الفلك وتاريخه عند العرب في القرون الوسطى أنه فقد. وقال أن هذا الكتاب فقد اصله العربي. ونقل مطالبة عن ترجمته اللاتينية. ل (جرردو دكريمونا) وهذه النسخة منقولة عن أصل
قديم كتب 677 (2) مقالة في قوانين صناعة الشعر له. (3) مقالة في الجهة التي يصح عليها القول في أحكام النجوم به. (4) مختصر انولوطيقي الثانية له. (5) دانش نامة علائي للمولى محمد أمين المحدث الاسترابادي. (6) المباحثات للشيخ الرئيس ابن سينا الفيلسوف مع تلميذه بهمن يار وأبي منصور بن زيلة وغيرهما، (7) التعليقات في الحكمة لابن سينا والنسخة منقولة عن نسخة قديمة. (8) زبدة الحقائق لعين القضاة الهمذاني.
4 - الطب والبيزرة
1 - شرح جالينوس على تقدمة المعرفة لبقراط ومنه كتاب البلدان والاهوية لبقراط تاريخه في حدود الألف الهجرية.
2 - كفاية مجاهدية في قسمي الطب النظري والعملي لمنصور بن محمد بن أحمد بن يوسف بن السباسي.
3 - رسالة في علم البيزرة. . . (لم يذكر اسم مؤلفها أولها: (وبعد فهذا كتاب في علم البزدرة ومعرفة أحوال الجوارح وصفاتها وأوزانها وألوانها وأمراضها وعلاجها وجيدها ورديئها وتفرئتها وما يتعلق بها مبوبا على أحد وأربعين بابا جامعا لكل ما يحتاج إليه في هذا الفن مما وضعته حكماء اليونان للإسكندرية ملك الزمان) الخ والنسخة من خطوط أواسط القرن الحادي عشر.
5 - الرياضيات
1 - ترجمة رسالة عز الدين الزنجاني في معرفة الوفق التام ليحيى بن أحمد الكاشاني. نسخة قديمة.
2 - إصلاح كتاب مانالاوس في الأشكال الكرية ليحيى بن محمد أبي(6/94)
يشكر المغربي وفي آخر الكتاب مقالة أخرى ورد في أولها ما نصه:
(هذه مقالة ألحقها بآخر الكتاب مولانا وأستاذنا وسيدنا ملك علماء الرياضة يحيى بن محمد بن أبي يشكر المغربي) وذكر فيها ما يتفرع عن الشكل القطاع من النسب المؤلفة على سبيل الإيجاز والاختصار.
والنسخة قديمة لا تاريخ لكتابتها وهي موضحة بأشكال والجداول بالحمرة.
3 - ترجمة تحرير اقليدس بالفارسية لعلامة محمود بن مسعود بن مصلح الشيرازي شارح كتاب حكمة الإشراق.
4 - تهذيب رسالة فصل وإيضاحها بالجداول والأشكال لمحمد بن محمد الكاشغري.
5 - مجموعة تاريخ كتابتها قبل الألف الهجري على ما يظهر من الخطوط التي على ظهرها وهي تتضمن هذه الرسائل: (1) قول للحسن بن الحسين بن الهيثم في الضوء. (2) قول لأبي علي الحسن بن الحسين بن الهيثم في أضواء الكوكب. (3) رسالة لابن هيثم في تربيع الدائرة. (4) رسالة مختصرة في مساحة الأشكال المسطحة بالفارسية تاريخها 959. (7) شرح البيرجندي على رسالة معرفة الإسطرلاب للمحقق الطوسي. (8) شرح تذكرة المحقق الطوسي للسيد الشريف الجرجاني. (9) مقالة مختصرة كتبت في أولها هذه العبارة: (المقالة المفروزة من زيج السجزي للإمام العلامة المحقق المدقق الفاضل الحكيم الخازني عفا الله عنه آمين) (10) رسالة في انعكاس الشعاعات وإنعطافاتها للفيلسوف نصير الدين الطوسي.
6 - منها خزانة كتبي الشخصية
1 - (الفلسفة)
كتاب الآراء الطبيعية التي يقول بها الحكماء لفلوطرخس منقولة عن أصل قديم كتب في سنة (677) هـ.
رسالة ارسطوطاليس في العالم والمخلوقات المعروفة بالرسالة الذهبية منقولة عن أصل قديم تاريخه 677.
رسالة في الكل وحركته لإسكندر الافريدوسي منقولة عن أصل قديم تاريخه 687.(6/95)
رسالة في العقل لنصر الدين الفيلسوف المسماة بنفس الأمر تاريخه 677.
2 - الرياضيات
البارع في النجوم للشيخ علي بن أبي الرجاء الشيباني الكاتب ذكره صاحب كشف الظنون.
رسالة تربيع الدائرة لابن الهيثم المصري.
رسالة في الأثرين القوس والهالة وتحرير مقالة ابن الهيثم في ذلك لكمال الدين حسن
الفارسي جعله ذيلا لكتابه تنقيح المناظر وأظن أن كتاب تنقيح المناظر موجود في النجف الاشرف في ضمن خزانة النجف أبادي التي وقفها لعامة القراء.
قطعة في معرفة الإسطرلاب لأبي ريحان الرياضي البيروني عدد صفحاته 30 تقريبا بقطع الربع.
كتاب المطالع لاسقيلاوس مما أصلحه يعقوب بن اسحق الكندي من نقل قسطا بن لوقا. حرره نصير الدين الفلكي الفيلسوف يشتمل على ثلاث مقدمات وشكلين.
رسالة في الشكل القطاع وبراهينه ذكر مصنفها أنه كان عمل في ما مضى من الزمان كتابا جامعا في ذلك باللسان الفارسي فسأله بعض بأن ينقله إلى اللسان العربي وهي تشتمل على خمس مقالات.
3 - التاريخ والتراجم
ترجمة تاريخ بني المشعشع والسادات المشعشين أمراء وولاة الحويزة وتراجمهم وحالاتهم تأليف السيد عبد الله بن ينتهي نسبة إلى الإمام الكاظم (ع) وهو من بني المشعشع. ترجمة السيد نعمت الله التستري واكمل الترجمة ابنه السيد محمد نور بعد ما ذهب بصره والده أهدى اصله العربي المولى عبد العلي خان من أبناء المشعشع إلى أحد أمراء القاجاريين والنسخة مخطوطة في قطع الربع أهداه إلى العالم الأديب محمد صادق خان أديب من ضباط الجيش الإيراني واشكره عليه ولا أنسى فضله أبد الدهر.
تذكره شعراء سنندج مركز إيالة كردستان الإيرانية وحالاتهم وجملة من شعارهم.
إيران زنجان
أبو عبد الله الزنجاني(6/96)
نيرب ومكشوفاتها
تعريب الرقمين المنقوشين على النصبين اللذين وجدا في
نيرب
أننا مع اتباعنا العلامة كليرمون كانو في ماينوط باكتشاف النصبين ووصفهما نوثر من حيث الترجمة أن نقتفي آثار أستاذنا الأكبر حضرة لاكرنج الأجل فانه قد جاء بها اصح واشد اتقانا.
تعريب رقيم النصب أ
(هذه صورة ومضجع المتوفى (سين زير بان) كاهن سهر نيرب، كائنا من تكون أنت الذي تختلس هذه الصورة والمضجع من محله فلينزعن (سهر وشمش ونكل ونسك) اسمك ومقامك من الحياة وليقطعن حبل عمرك وليبيدن نسلك. وإن أنت حافظت على هذه الصورة والمضجع فليحفظ غيرك ما هو لك)
تعريب رقيم النصب ب
(هذه صورة اشر كاهن سهر نيرب. من أجل بري أمامه قد منحني اسما شريفا وأطال عمري. ويم مماتي لم ينقطع الكلام من فمي. وماذا يا ترى قد رأيت بعيني؟ أبناء (ذريتي من الجيل) الرابع. وكانوا يبكون علي وهم في غاية التأثر ولم يضعوا معي آنية من فضة ولا من نحاس بل وضعوني بثيابي لكي لا ينهب مضجعي لمنفعة الغير. فكائنا من تكون أنت الذي تهينني وتنهبني فليجعل (سهر ونكل ونسك) موته تعسا ولتبد ذريته)
تعليقات على الرقمين
في الرقيم الأول اسم الكاهن أشوري لا ريب فيه وهو مركب من ثلاثة أهجية (مقاطع) وهي (سين زير بان) ومعناه: (الإله) سين خلق ذرية أو أقام زرعا أما كلمة (الكمر) وهي في السريانية (كمرا) وفي العبرية (اكمر) فمؤداها الحبر أو الكاهن. والظاهر إنها هنا لقب شرف خلافا لما في لغة اليهود فأنها تدل على الذل والهوان. (أكبر) اسم أشوري ايضا،
اصله من كلمة (جبر) ومعناها قوي وصار جبارا. وله مقابل وهو (جبارو) في(6/97)
رقيم زنجرلي المنطقة الارمية دون ريب. ومثله أيضاً بطريق اسم ابجر (ابكر) وجبرين (كبرين) موقع قرب نيرب.
أما سياق الكلام في آخر الرقيم الثاني فيتطلب استعمال ضمير المخاطب عوض ضمير الغائب أي (فليجعل سهر. . . موتك تعسا ولتبد ذريتك) لان العبارة السابقة هي للمخاطب. لكن لما كان الأصل الارمي بهذه الصورة اقتضى اتباعه في التعريب مع التنبيه عليه.
تعريف الآلهة الواردة أسماؤها في نصبي نيرب
1 - الإله (سهر)
الأصح أن يلفظ (سهر) بالسين لا بالشين لأنه هكذا جاء في الكتابة المسمارية. وهو آله نيرب حسب منطوق الرقمين، زلة حق التقدم على بقية الآلهة المذكورة و (سهر) معناه في الارمية (القمر) فهو إذن ارمي لا غبار عليه. ويقابل اسم (سين) نفسه (أي الإله القمر) الآشوري، فلا يحتمل أن سهر (الإله) منقول من آشورية إلى نيرب إذا أنه آله في وطنه. ومن سهر الارمية كلمة الشهر في العربية الدالة على كل قسم من أقسام السنة الأثني عشر وذلك لأنه لما كان القمر يتغير ويتحول جاء اسهل واسطة اتخذها القدماء لقياس الزمان. وسين أو سهر أي القمر كان في الأصل آلها خاصا بمدينة حران لأنها كانت مركزا لعبادته. تدل على ذلك عدة شواهد. إذ هذه المدينة شيد منذ القديم هيكل عظيم للإله سين، وبعد أن أخربه الماذيون جدد بناءه الملك نبونيد.
ولم تكن عبادة سين قد اضمحلت في حران على زمن الرومانيين بل بقيت عند طائفة من الارميين ذكرهم القران باسم الصابئة.
2 - الإله (شمش)
الظاهر هنا أن هذا الإله آشوري بابلي بل قل أنه من جملة آلهة زون تلك البلاد وإن كان اسمه مذكورا في الغالب بين طائفة الزون السامي. ويستدل على كونه آشوريا بابليا من المشابهة الظاهرة في طائفة الآلهة الرباعية في نيرب والطائفة الرباعية في الآثار الآشورية والبابلية.
3 - الآلهة (نكل)
يقابل هذه الآلهة في الرقم الآشورية والبابلية (نركل وننكل) فقد جاء(6/98)
في رقيم نبونيد السابق الذكر عن لسان نفسه إذ يخبر كيف أن الهيكل القديم هيكل الإله سين كان قد هدمه الماذيون وكيف عمره ثانية حسب أمر الإله مردوخ والإله سين وفي مطاوي حديثه يذكر أسماء الآلهة بترتيب يقابل ترتيب رقيم نيرب ب أي سين (سهر) وننكل ونكسو وفي غير موطن تلقب ننكل باسم أم الآلهة وزوجة سين. ويظهر أن لفظ ننكل الآشوري أو قل الشمري قد
نقل إلى الارمية بلفظ نكل (بشد الكاف) على طريق الإدغام الجاري في اللغات السامية كما أن قلب الكاف كافا فارسية أو جيما معروف فيها.
4 - الإله (نسك)
الإله نسك هو بلا شك الإله نسكو الآشوري الوارد ذكره في الرقم. ولفظه بالسين لا بالشين كما يستدل عليه من كتابة هذا في الخط المسماري وقد أشرنا إلى ذلك في كلامنا عن الإله سهر، وهو خاص بآله قائم بذاته لا يسوغ خلطه بالإله نبو. وأبين برهان على انفراده عن غيره مجيء اسمه في جملة أسماء للآلهة مذكور فيها أيضاً اسم نبو. فهو إذن شئ ونبو شئ آخر.
النتيجة هي أن هناك مضارعة بين آلهة حران وآلهة نيرب تظهر من هذه المقابلة:
آلهة حران: سين شمش ننكل نسكو
آلهة نيرب: سهر شمش نكل (بتشديد الكاف) نسك
أما سدنة هيكل نيرب فالظاهر انهم أن لم يكونوا آشوريين أصلا فلا أقل من انهم كانوا آشوريين بالأسماء والثياب واللغة مما يدلك على نفوذ تلك البلاد في هذه الديار. وأما دخول عبادة الإله سين الحراني إلى نيرب فاثبت ما يمكن القول به هو رأي كليرمون كانو أنه جرى في عهد الحبرين (سين زير بأن وأكبر) المذكورين في الرقمين النيربيين أي في العهد الآشوري أو البابلي الحديث الذي سبق عهد الفرس وان كان في الإمكان من باب الاحتمال أن يرقى به إلى عهد اقدم من ذلك.
مكشوفاتها الحديثة
قلنا في استهلاك المقال أن بعثة من معهدنا الكتابي الأثري أجرت في(6/99)
نيرب تنقيبا كانت نتائجه غاية في الفائدة. فأول أمر فكر فيه أرباب البعثة هو اختيار المحل الملائم للشروع في العمل وقد رأوا أن احسن موقع لذلك هو موضع الناووس الآتي ذكره في سياق كلام كليرمون كانو وهو يصف النصبين اللذين وجدا بالقرب منه. وما أخذ النقابون في الحفر التمهيدي إلا تحققوا أن التل متقوم من طبقتين متميزتين. ومن مميزات الطبقة السفلى وجود حيطان من لبن لم يكن في إمكانهم تعيين ثخنها لتقطعها وحالتها المتهدمة. فلم يكن
منهم إلا أن حفروا خنادق متعددة في نقاط مختلفة. وقد لاحظوا في هذه الطبقة كثرة أصناف الخرافيات الدالة خواصها على ارتقائها إلى العصر الحديدي. ومما وقفوا عليه أيضاً ضرب من الجرار الواسعة البطن الدقيقة الأسفل الضيقة الفم وفي جملة تلك الجرار جرة علوها متر و20 سنتيمترا ووعاء آخر حاو رفات ولد صغير عمره نحو 3 سنين.
أما العمل الخاص فقد جرى في الطبقة العليا من الربوة وبعد أن فتح النقابون عدة خنادق على عادتهم لم يعتموا أن استدلوا على وجود مدفن قديم واسع متخذ لهذه الغاية مدة قرون طويلة. وقد لاحظوا فيه ثلاث طرائق للدفن:
1 - طريقة النواويس
وهي قليلة الاستعمال إذ لم يجدوا منها إلا واحدا بمعزل عن اجانة كبيرة من الحجر البركاني. وهذا الناووس هو من الكلس الخشن الصنع ذو شكل غير منتظم. طوله متر و35 سنتيمترا وعرضه 61 سنتيمترا عند الرأس و41 سنتيمترا عند الرجلين منه شئ؟ فيه صقل (هيكل إنسان طاعن في السن مستلق على ظهره وركبتاه وعلى رأس الجثة أناء مشوه وفيه أيضاً حلقتان كبيرتان من النحاس وعرى من معدن.
2 - طريقة الجرار المدفنية
البائن أن استخدامها كان مقصورا على دفن الصبيان ولم يظفروا إلا باثنتين منها الأولى على علو 7 أمتار من الهضبة وكان فيها صقل (هيكل) ولد ساعده الأيمن مطوق بحلة من نحاس. والثانية يظهر أنها من العهد البابلي الحديث(6/100)
طولها متر و22 سنتيمترا وقطرها الأوسع 26 سنتيمترا وكان فيها صقل صبي ابن نحو 10 سنوات.
3 - طريقة القبور
في هذه القبور تشاهد الجثة غالبا محاطة بقطع كبيرة من الحجارة أو بالصلصال المطروق. وعلى جانبها جرة قائمة في التراب أو ملقاة فيه، ولبعض القبور هيئة غريبة؛ فقد وقفوا على قبر تغطيه ست جرار متتابعة تقابل رأس الواحدة اسفل الأخرى. والجرار متخذة من الصلصال الخشن غير المشوي وهي طويلة الشكل ضيقة الأطراف تارة جانبها طول إحداها 85 سنتيمترا وتحت الجرار ترى الجثة موضوعة تارة على جانبها الأيسر وتارة
على الأيمن أو على الظهر. وعدد الجرار ستة أو سبعة.
رأيت أن موقع الحفر مدفن عريق في القدم وإن طرائق الدفن فيه ثلاث: طرائق النواويس والجرار والقبور وقد أجملنا لك وصفها. أما الآن فاعلم أن هذه المدافن على تباين أنواعها لم تكن فارغة بل كانت تحوي أشياء ومحتوياتها لم تكن مقصورة على بقايا الموتى بل فيها شئ كثير من الأوعية والأدوات والحلي والأسلحة والنقوش والكتابات وهلم جرا فضلا عن الجثث البشرية فيجدر بنا أن نوقفك على ضروبها وعدد كل صنف منها إتماما للفائدة ثم نذكر لك المهم منها بوصف أجمالي متبعين النظام الآتي:
أ - 10 تماثيل صغيرة من الفخار.
ب - 20 قطعة من الخزفيات والمصابيح.
ج - 30 أداة من الأدوات المعدنية.
د - 40 خاتما.
هـ - 50 أداة من الحجر البركاني.
و25 لويح بالخط المسماري.
أ - التماثيل من الفخار
وجد بعض هذه التماثيل في الطبقة السفلى والبعض الآخر في الطبقة العليا من قبل الاتفاق. وهي مختلفة الأشكال، بينها طائفة قد امتازت بميزة المدينة(6/101)
الحثية التي يظهر أنها قد بلغت مقاما ساميا وكان لها أثر بالغ في تاريخ تل نيرب. قياس هذه التماثيل نحو 5 سنتيمترات بوجه عام اغلبها مصنوع من التراب الأحمر أو الأبيض الضارب إلى الحمرة. واغلبها يمثل رجالا بشعرهم ولحاهم وعمرتهم هي العراقية. وبعضها يمثل حيوانات كالحصان والكلب والكبش والأسد.
تماثيل الطبقة العليا
جميع هذه الصور وجدت في طبقة علوها بين 6 و8 أمتار وصنعها أكثر اتقانا من صنع السابقة. أما أنواعها فهي أقل اختلافا وتحصر في ثلاثة ضروب.
الضرب الأول
صور تمثل امرأة مرتدية. ورؤوس جميع هذه التماثيل مقطوعة. وبالأجمال ترى المرأة لابسة قميصا وفي عنقها قلادة مزدوجة من اللؤلؤ وذراعها الواحدة نازلة والأخرى ملوية ويدها على صدرها:
الضرب الثاني
صور تمثل عارية تعصر ثدييها. ومن هذا النوع شئ وافر والبائن انه من صنع البلاد الجامع بين الطراز السوري الآشوري البابلي وعلى كليهما صبغة من الفن المصري: وما يتضارب في هذه الصور غاية التضارب هو شكل العمرة. فهي من العمرة المتدرجة أو المصرية أو من ذوات شكل الإكليل وشعر الرأس فيها مدفوع إلى الوراء ومعصوب من الأمام وفي الرقبة قلادة لؤلؤ ذات ثلاثة اكراس والوجه محاط بتخاريم ملولبة. وقد فقد إجراء البعض منها لتكسرها. ويظن أن عهدها هو من القرن السادس أو السابع ق م.
الضرب الثالث
صور فرسان وحمالات سلاح. وهي أيضاً تظهر من صنع البلاد عليها مسحة أجنبية تصل بها إلى العهد الفارسي. وقد وجد من أمثالها في جهات متعددة من سورية ولا سيما في ديار حمص وأما صورة الفرسان فتمثل راكبا ملتحيا عمرته عراقية مطوية من الجانب الواحد وفرسه من الجنس العادي كأن رأسها خارج من صدرها ولا يكاد يرى انفصال ركبتيها خلافا لذيلها فأنه في غاية الظهور. أما حمالة السلاح فالبائن أن مركوبها جمل عليه ضرب من القتب وكأن المرأة مختمرة (مستورة بخمار) وبين ذراعيها ولدان.(6/102)
ب - الخزفيات
عثروا على القسم الأعظم من الكسر الخزفية في الطبقات العليا من التل والذي يتبادر إلى الفكر أن هذه الخزفيات قد نقلت إليه من الخارج إذ عليها مسحة الطرز القبرسي الراقي إلى القرن الثامن ق م. إلا أن في جملتها ما يعزى إلى القرون التالية أي السادس والخامس والرابع واغلب هذه القطع صحون وآنية مصنوعة من التراب الأحمر وفيها بعض نقوش غائرة أو بارزة وهناك أيضاً كسر مصابيح وقفوا على كثير منها كانت في جوار الناووس أو إحدى الآبار وفيها ما هو من الطرز الإغريقي.
ج - أدوات معدن أو عظم
محل اكتشاف هذا الضرب من الأدوات طبقات التل المتوسطة أو العليا. أما السفلى منه فلم ير فيها سوى بقايا يعسر الجزم في حقيقة ماهيتها. فمن ذلك سهام وأسنة رماح وشفار وابر وغيرها من الأدوات والأسلحة وجميعها من نحاس ومعها بقية باقية من مرآة. هناك أيضاً نصب سكاكين من عظم وغيرها من الآلات العظمية شئ وافر وجد في الطبقة الوسطى والعليا كما انهم كشفوا آلات حديد بينها حسام.
وبين هذه الأدوات تدرج الحلى التي كشفت على اختلاف أشكالها في الناووس وفي القبور أو غيرها من الامكنة، من ذلك مشابك عديدة منها مدورة ومنها على شكل يد مبسوطة أو مطوية الأصابع وهي شبيهة بالتي وجدها في بابل سابقا هناك أيضاً أسورة مفتوحة وقد رأوا أحدها في ساعد الجثة المدفونة تحت الجرار. ثم حلقات ذات أشكال متنوعة مفتوحة أو مقفلة ووقعوا على قرط من نحاس ومشخلبة (وهو شئ يشبه اللؤلؤ من زجاج أو هي حجارة ملونة).
د - الخواتم
يحسن بنا أن ننظم في مقدمة هذا النوع من اللقى بعض الجعلان المصرية منها واحد فيه تأريخ ملكي باسم (من خبيررع) وهو لقب تحوتمس.
ووجدوا ماخلا هذه الجعلان عددا وافرا من الخواتم المصنوعة من حجارة مختلفة تمثل حيوانات عادية كالأيل أو حيونات غريبة الجنس(6/103)
ومن هذه الخواتم ما فيه نقوش في الجهتين.
هـ - أدوات من الحجر البركاني
منها صحون متنوعة الصنعة لبعضها قوائم تقوم عليها وللبعض الآخر كزخارف منقوشة أو مصقولة. منها أيضاً أطباق (صواني) أو بقايا من أطباق وجدت في مواقع متعددة ولا سيما في الطبقات السفلى ومنها أصنام صغيرة خشنة الصنع.
واللويحات ذات الخط المسماري
مادتها الصلصال غير المشوي وبين الخمسة والعشرين لويحا يرى ما قد كسر منه جزء
فيها صغير أو كبير. واغلبها لويحات حسابية ومقاولات بالخط المسماري يكثر فيها اسم مدينة نيرب وكذلك اسم الإله نسكو الوارد في النصين اللذين جرى الكلام عليهما فيما تقدم وهذا الرقم اسم الإله نسكو يدخل في تركيب طائفة من الأعلام وتجد على حافلة من هذه الرقم كتابة ارمية كأنها قد رسمت بالمسمار وتاريخها يمتد من السنة الأولى من حكم نبوكد نصر الثاني (604 ق م) إلى الملك قنبوسيا (كنبيز) (529 - 521 ق م) وأكثره مؤرخ في عهد نبونيد (555 - 538) وهذه اللويحات المسمارية سوف يفرد لها حضرة الأب دورم رئيس معهدنا ومدير مجلتنا الكتابية الضليع في الآشوريات بحثا خاصا ينشره في (مجلة الأبحاث الآشورية) الفرنسية.
الخاتمة
هذا مجمل مكشوفات نيرب قديمها وحديثها فيظهر مما سبق أن في تل نيرب طبقتين متميزتين وقد عرفت الطبقة العليا منهما معرفة تفوق معرفة السفلى. والنتائج التي يمكن استخلاصها من أعمال التنقيب هي أننا إذا القينا على المدفن نظرة عامة جاز لنا أن نرقى به إلى العهد البابلي الحديث وقد جاءت هذه النتائج نظرة لرأي كليرمون كانو في شأن النصبين المدفنيين الموجودين اليوم في اللوفر إلا أن هذا المدفن لم يهمل في زمن الفرس. فهناك أدلة تدل على أن المدفن فيه إلى القرن الرابع وما بعده والحضارة أو قل مزيج الحضارات التي ظهرت فيه عقبت تمدنا سابقا بشف من ورائه نفوذ المدينة الحثية على أن ذلك يعسر(6/104)
إثباته بنوع جلي وإن كان غير خال من الاحتمال فلا سبيل إذن إلى الحكم فيه حكما قاطعا إلا إذا كشف التل كله حتى الحضيض بطريقة فنية. فعسى أن الأحوال تساعد تحقيقه فيعود تحقيقه ذلك على العلم الأثري والتاريخ بأجزل الفوائد.
الأب أ. س. مرمرجي الدومنكي
أحد أساتذة المعهد الكتابي والأثري الفرنسي في القدس
تأثير اللغات السامية في اللغات الإفرنجية الحديثة
كلنا نعلم أن اللغة الإيطالية والأسبانية والفرنسية فرع من اللغة اللاتينية وإن اللغة الألمانية والإنكليزية فرع من اللغة السكسونية ومزايا هذه اللغات تختلف كثيرا عن مزايا اللغات السامية التي من أشهر مميزاتها: أن يتقدم الفعل على الفاعل أو يسبق الفاعل الفعل، يليهما المفعول به. وبعده الجار والمجرور أو متعلقات المفعول به. أما اللغات الإفرنجية فنظام العبارة كان على نسق اللغة اللاتينية أو على طراز اللغة اليونانية، لكن لما نقلت التوراة إلى لغات أوربة وحاول النقلة المحافظة على سبك العبارة الأصلية العبرية أثر ذلك في لغاتهم المتنوعة، فأصبح صورة الكلام عندهم على الأسلوب العبري، أو العربي أو قل: على الأسلوب السامي، وهكذا أثرت لغاتنا الشرقية في لغاتهم؛ وهو أمر قلما يلتفت إليه علماء الألسنة، مع أن هذا الفضل ظاهر لكل ذي عينين. أما إذا كان هناك غير هذا السبب في تغيير سنن تلك اللغات الإفرنجية الحديثة، فليذكرها لنا من يخالف رأينا بأدلة بينة لنشكره عليها.
وسبك العبارة لم يكن وحده نتيجة تلك النقول (جمع نقل) بل هناك مزايا أخرى دخلت ألسنتهم لم تكن معهودة عندهم إذ كانت مخالفة لقواعد لغاتهم، لكنهم اتخذوها محافظة على سلامة النص الكريم، ثم تأصلت في كلامهم، إلى آخر ما هناك.(6/105)
خاتم الأمان
معاجمنا لا تحوي إلا شيئا من ألفاظ لغتنا التي كانت شائعة قبيل الإسلام وفي صدره. وأما المفردات التي نشأت في عهد العباسيين فلا تكاد تجد لها أثر وإنما تراها مبثوثة في كتب الأدب والتاريخ والبلدان. ولهذا كان من الواجب تبعها وتدوينها لتكون لغتنا حية. ومن جملة الكلم المولدة التي لا وجود لها في معاجمنا (خاتم الأمان، ومنديل الأمان) وقد بحث عنها صديقنا المدقق يعقوب أفندي نعوم سركيس منقبا عنهما في الأسفار ثم جاءنا بتحقيقه لهما في المقالة الآتية:
(لغة العرب)
للعوائد حياة ولا ريب في أن مصير حياة العوائد يوما إلى الإهمال أن عاجلا أو آجلا.
إذ حدثنا أحد اليوم عن خاتم الأمان يستغرب الكثيرون قوله. وإذا روى لنا صاحبنا أن المنديل قام بمثل هذه الوظيفة قد ينسب المطلع هذه العادة إلى قرون كأن شيوخ جيلنا الحاضر لم يشهدوا ذلك في أوائل عمرهم. فرأيت أن اثبت ما وقع عليه نظري في هذا الموضوع لما فيه من اللذة وتدوين التاريخ.
أن المخطوط الذي عرفته بالحوادث الجامعة لابن الفوطي منهل غزير المادة وقد أتحفنا بخبر جاء ذكر خاتم الأمان قال المؤرخ في حوادث 640هـ (1242م)
ذكر واقعة الأتراك (في بغداد)
(في شعبان حضر جماعة المماليك الظاهرية والمستنصرية عند شرف الدين إقبال الشرابي للسلام على عادتهم وطلبوا الزيادة في معايشهم وبالغوا في القول وألحوا في الطلب فحرد عليهم: وقال: ما نزيدكم بمجرد قولكم! بل نزيد منكم من نزيد إذا أظهر خدمة يستحق بها ذلك: فنفروا وخرجوا على فورهم إلى ظاهر السور وتحالفوا على الاتفاق والتعاضد فوقع التعيين على قبض جماعة من أشرارهم فقبض منهم اثنان وامتنع الباقون وركبوا جميعا وقصدوا باب البدرية ومنعوا الناس من العبور فخرج إليهم مقدم البدرية وقبح لهم هذا الفعل فلم يلتفت إليه أحد فنفذ إليهم سنجر الياغر فسألهم عن ذلك فقالوا: نريد أن يخرج أصحابنا ونزايد معايشنا، فأنهى سنجر ذلك إلى الشرابي فأعاد عليهم الجواب: أن(6/106)
المحبوسين ما
نخرجهم وهم ممالكنا نعمل بهم ما نريد. ومعايشكم ما نزيدها. فمن رضي عنه بذلك يعقد، ومن لم يرض وأراد الخروج من البلد فنحن لا نمنعه وطال الخطاب في ذلك إلى آخر النهار. ثم مضوا وخرجوا إلى ظاهر البلد فأقاموا هناك مظهرين للرحيل فبقوا على ذلك أياما فاجتمع بهم الشيخ السبتي الزاهد وعرفهم ما في ذلك من الإثم ومخالفة الشرع، فاعتذروا وسألوا الشفاعة لهم وإن حضر لهم (خاتم الأمان) ليدخلوا البلد فحضر عند الشرابي وعرفه ذلك وسأله إجابة سؤالهم فاخرج لهم (خاتم الأمان) مع الأمير شمس الدين قيران الظاهري والشيخ السبتي. فدخلوا والشيخ راكب حماره بين أيديهم وحضروا عند الشرابي معتذرين فقبل عذرهم. وكان مدة مقامهم بظهر السور سبعة أيام!) أهـ.
وجاء ذكر خاتم الأمان بعد ذلك التاريخ بنحو مائة سنة في كتاب عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب إذ ادخل فيه مؤلفه نبذا تاريخية. وملخص خبر هذا الكتاب بشأن خاتم الأمان (ص 12 وما بعدها من طبعة بومبي 1318) أن الشريف أحمد بن رميثة كان السلطان أبو سعيد (في سنة 736هـ - 1335م) فاخرج الشريف من الحلة حاكمها الأمير ابن الأمير طالب الدلقندي الحسني الافطسي وتغلب على البلد وأعماله ونواحيه. ولما تمكن ببغداد الشيخ حسن ابن الأمير اقبوقا أراد هذا أخذ الحلة من الشريف بدون أن يقدم إليها لكنه عجز عن أخذها بهذه الصورة فقصدها بنفسه وأحاط بها. ثم رأى أن يرسل إلى الشريف شيخ الإسلام بدر الدين المعروف بابن شيخ المشايخ الشيباني فأمنه وحلف له وأعطاه (خاتم الأمان) انتهى ما أردت تلخيصه.
منديل الأمان
رأينا في ما تقدم أن الخاتم كان شارة للأمان فبقي علينا أن نرى المنديل حاملا السلام قائما بما تكفله الخاتم.
جاء في معجم المستشرق دوزي الذي وضعه في أسماء الألبسة(6/107)
عند العرب (ص 415) شواهد أراد بها صاحبه أن يستقصي بما يراد بالمنديل وصورة استعماله كلباس وقطعة نسيج يحتاج إليها الإنسان وغير ذلك ومما جاء به هذا المستشرق أنه اقتطف نبذتين من كتاب ألف ليلة وليلة فيهما ذكر منديل الأمان. وهذا كلام المعجم.
(فقال: أخي أراد الأمان فأعطاه (منديل الأمان) (271: 1 طبعة مكنكتن) (فقال الشاب: العفو يا أمير المؤمنين! اعطني (منديل الأمان) ليسكن روعي ويطمئن قلبي. فقال له الخليفة: لك الأمان من الخوف و (لك) الإحسان (185: 2)) أهـ.
وقد يتبادر إلى الخاطر أن إعطاء منديل الأمان في ألف ليلة وليلة من تلفيق المؤلف الواسع الخيال، لكنا نستفيد مما اقتطفه دوزي أيضاً من مخطوط للنويري في تاريخ ديار مصر أن إعطاء منديل الأمان كان من الأمور التي تقع بالفعل فقد قال النويري:
(فجاء الملك الصالح إسماعيل بعساكره إلى القدس وصحبته الفرنج فأرسل إلى الشيخ بعض خواصه (بمنديله) وقال له: ادفع إليه (مندلي) وتلطف به واستر له وعده بعوده إلى مناصبه) أهـ.
هذا ما كان قبل مئات من السنين وقد كان مثله في النصف الثاني من القرن الماضي. وهنا ادرج صورة الوثيقة التي عندي وهي تتعلق بهذا الباب ولها شأن في تاريخ المنتفق فضلا عن تعريفها إيانا ببقاء هذه العادة إلى هذا العهد القريب. وهذا نص الوثيقة التاريخية بوضعه المغلوط:
ذو النجابة ناصر السعدون
وصلنا معروضك، وصار معلومنا كافة ما ذكرت من الإفادات خصوصا من بيان السبب الداعي لالتماسك الرأي والأمان الثاني من طرفنا في قرآن ممهور وإن الاشتباه والوسوسة الحاصلة لك ناشئ من الأوراق والكواغد الواصلة إليك المرسولة مع كاتبك ملا خضر
لطرفنا. فيكون معلوم جنابك أن(6/108)
الأوراق المذكورة مشتملة على بيان عزل (أخيك) منصور (باشا) وما فيها ذكر جنابك. وعلى الخصوص تاريخها مقدم على تاريخ شقة الرأي والأمان التي أرسلناها إليك مؤخرا. فيقضي أن لا يمر في خاطرك شئ من الوسواس ويلزم أن تعتمد على رأينا وأماننا الوثيق بلا اشتباه. وأجزم بأن جوابنا لا يتبدل ولا يتغير. عفا الله عما سلف.
وبهذه الدفعة قد سيرنا لك مع ملا خضر (كيفية الرأي والأمان) لأجل اطمئنان قلبك. فإذا صار ذلك مفهوم ينبغي أن تتوكل على الله تعالى وتجي إلى طرفنا. وأنت مأمون وما تشاهد من جانبنا سوى حسن الالتفات. تجي ظالما وتعود إلى محلك سالما. ولا حاجة فوق ذلك إلى طول الكلام هكذا يكون معلوم جنابك والسلام.
في 29 شعبان 1280 وفي 27 كانون ثاني 1279 (1864م). (الخاتم:) محمد نامق).
ومن المعلوم أن العراقيين يطلقون كلمة الكفية على المنديل. وهذه الكفية التي ورد ذكرها هنا عندي مع الوثيقة وما تقدمها من رسائل نامق باشا التي كان قد بعث بها إلى ناصر (باشا) وفيها يستدعيه إلى بغداد ولم يكن قد صار شيخا بعد. وتلك الكفية هي نسيج دقيق من الكتان ولونها ابيض تشوبه سمرة لعتقها وزواياها مطرزة بالقصب فهي من النوع الذي كان يسمى جوزه (بتح الجيم المثلثة وسكون الواو وفتح الراء) وكان يرد من الأستانة. وكلمة جوره تركية معناها المنديل المطرز الأطراف. وكان هذا اللفظ مستعملا بين ظهرانينا وقد هجر اليوم إذ لا يؤتى منذ أمد بمثل هذه الكفافي من الأستانة لتدفق المنسوجات الأوربية علينا.
ولا يبعد أن تكون كفيتنا هذه الأخيرة من الكفافي الحاملة السلام والأمان في عراقنا المحبوب وإن كان عندنا العهد الأخير لتلك العادة دفينة بطون التاريخ.
بغداد: يعقوب نعوم سركيس(6/109)
عبد الوهاب الجوادي الموصلي
هو الشيخ عبد الوهاب الجوادي، ولد في مدينة الموصل سنة 1247هـ (1831م) وتعلم في المدارس الابتدائية فالمدارس الأهلية حيث ثقف في علوم اللغة العربية وآدابها ثقفه أولا الشيخ صالح الخطيب الموصلي فالشيخ عبد الله العمري الشهير ب (باش عالم) (أي العالم الأول أو رأس العلماء) وعلى الأخير قرأ المادة الكبرى وهي علم المنطق وعلما أصول الفقه والكلام وبقية أقسام الفلسفة والشرعيات فاتهما واستجاز بها منه وهو في الخامسة والثلاثين من عمره. وكان قد أخذ يتعاطى التدريس على الطريقة البلدية منذ أن بلغ العشرين ربيعا. وفي الأربعين من عمره قلد منصب القضاء الشرعي في الرقة من أعمال حلب وبعد أن قضى المدة المعينة للقضاة في ذلك العهد رجع إلى مسقط رأسه الموصل فولى وجهه شطر التدريس فاقبل عليه الطلاب وعين مدرسا في مدرسة جامع نبي الله يونس عليه السلام كما عه إليه الوعظ في الجامع المذكور فانقضى عليه ثماني سنوات في المنصبين ثم اسند إليه التدريس في مدرسة (نعنمان باشا الجليلي) وظل يدرس فيها عشر سنوات حتى نصب مدرسا في مدرسة (يحيى باشا الجليلي) وبقي عمره مثابرا على التدريس والبحث والمطالعة أناء الليل وأطراف النهار حتى أنه لم يعرف لذات الدنيا وشؤونها شيئا وهكذا قضى حياته الحافلة بالعمل الهادئ المتواضع من غير فخفخة أو أبهة إلى أن أنتقل إلى جوار ربه في غرة المحرم الحرام 1324هـ (1906م) وقد أجاز جماعة من كبار العلماء منهم العلامة الكبير السيد الفخري وأخوة المرحوم السيد الفخري وأبنه الوحيد السيد أحمد الجوادي (أستاذ العلوم الدينية والعربية في مدارس الحكومة في الموصل حالا) وغيرهم من لعصريين ممن يقطن الموصل أو قد هجرها إلى الديار النجدية وغيرها بينهم جماعة من الكرد.
ولم يولع العلامة الجوادي بالتأليف بل انصرف بالتدريس فلم يترك تأليفا إنما(6/110)
آثاره تلاميذه الفضلا.
أما الجليليان الوارد ذكرهما هنا فالأول (نعمان باشا ابن سليمان باشا) خلف الحاج عبد الباقي باشا ابن آغا الجيلي في ولاية الموصل 1222هـ (1807م) فعمر الجامع الشهير
المعروف بجامع النعمانية مع المدرسة المذكورة آنفا ولم يحكم إلا سنة واحدة وفي عهد ولايته جاهر اليزيدية بالعصيان وأمعنوا في العبث بالأمن في الأطراف سلبا ونهبا حتى انهم قطعوا الطرق على المسافرين ثم تجمعوا في النواحي البعيدة وشهروا الحرب على الحكومة المحلية فسار إليهم نعمان باشا بعساكره فقاتلهم وأخضعهم. ثم استقال من الولاية ولم يمض عليه أكثر من سنة لمرض أصابه.
والثاني (يحيى باشا ابن نعمان المذكور) ولي ولاية الموصل بعد عبد الرحمن بك ابن عبد الله بك سنة 1238هـ (1822م) فخول رتبة كبير الوزراء وأسس مدرسة شهيرة نعرف باسمه. وفي أيامه حدث غلاء ومجاعة عظيمة في الموصل فانشأ فرنا (مخبزا) خفف به وطأة الجوع وعرف بكرمه وحبه لعمل الخير وقد صنف عبد الباقي أفندي ديوانا في مدحه سماه (نزهة الدنيا في مدح الوزير يحيى) وتوفي في القسطنطينية سنة 1284هـ (1867م)
رفائيل بطي
الحرز (محركة)
في محيط المحيط: الحرز الخطر والجوز المحكوك تلعب به الصبيان. . . أهـ. أخذ هذه العبارة صاحب البستان فقال: الحرز محركة الخطر و - الجوز المحكوك الذي يلعب به الصبيان. . . ولم يصب في كلامه لأنه توهم أن الخطر غير الجوز المحكوك فضل المعنى والأب بلو اليسوعي لم يفهم هذا الشرح فقال في فرائدة (الفرائد الدرية في اللغتين العربية والفرنسية): حرز أي الكعب أو الزهر (زار الطاولة عند العراقيين) والخطأ أوضح في رائعة النهار وقد عاد الغلط في معجمه الآخر الفرنسي العربي 290: 1 وفي ديوان الأدب: الحرز الخطر وهو الجوز المحكوك الذي يلعب به الصبيان يفعل به ذلك ليكون أسرع تدهورا في بعض الألعاب لهم لا كلها أهـ.(6/111)
نبذتان من تاريخ الموصل
عن مخطوط قديم للشيخ أبي زكريا الازدي
ذكر حضرة الأب الفاضل القس سليمان الصائغ في كتابه (تأريخ الموصل) الذي نشره بالطبع سنة 1923 أنه لم يقف على أثر كتابين قديمين - اغتالتهما يد الضياع - يحتويان على المدينة المذكورة، وهما؛
أولا - تاريخ الموصل لقاضيها أبي زكرياء الازدي الذي عاش في القرن الثالث للهجرة.
ثانيا - كتاب الباهر في أخبار ملوك الموصل الاتابكيين للمؤرخ الشهير عز الدين ابن الأثير المتوفى سنة 630 (وهو صاحب تاريخ الكامل).
وقد بذل السياسي سليمان قصارى جهده في البحث والتنقيب، فجاء كتابه مستوفيا شافيا ومن احسن ما كتب في التواريخ القديمة والحديثة، وهو أهل للشكر والمديح وجدير بأن يطالعه كل من كان مؤلفا للتواريخ الصحيحة.
ولما كانت قد عثرت على جزء من التاريخ القديم المنسوب للشيخ أبي زكريا الازدي، وهو الجزء الثاني الموصوف في فهرس مكتبتنا بالقاهرة عن سنة 1928 ص 44 أحببت أن أتحف أهل العلم بنبذتين من هذا التاريخ الجليل المفقود، فيرى ما فيه من الخطورة والدقة في وصف الحوادث التي جرت بمدينة الموصل، وقد وضعها المؤلف وهي قريبة من عصره ويا حبذا لو وجدت بقية أجزاء هذا الكتاب الذي يعد من أهم التواريخ في موضوعه.
أما كتاب الباهر في أخبار ملوك الموصل الاتابكيين لعز الدين بن الأثير أفلا يكون من ضمن تاريخ الكامل للمؤلف المذكور؟ فأني وجدت بين الكتب المطبوعة في باريس كتابا موسوما بمكتبة الحروب الصليبية مترجم إلى اللغة الفرنسية فيه (تاريخ الدول الاتابكية بالموصل) أظنه مستخلصا من تاريخ الكامل. فإن ابن خلكان لم يذكر لعز الدين بن الأثير كتابا الباهر بل ذكر له ثلاثة(6/112)
كتب أولها تاريخ الكامل المشهور ثم اختصار كتاب الأنساب للسمعاني ثم كتاب أخبار الصحابة في ستة مجلدات وهو كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة المطبوع بالقاهرة.
واليك الآن وصف المخطوط القديم لأبي زكريا الازدي الذي وقع بيدنا وأخذنا عنه فوتغرافية بغاية الإتقان. كتب عنوانه هكذا:
المجلد الثاني من تاريخ الموصل
تأليف الشيخ أبي زكريا بن يزيد بن محمد بن اياس بن القاسم الازدي
وكتب في آخره:
تم الجزء الثاني من كتاب تاريخ الموصل (وبالهامش من سنة أربع وعشرين ومائتين)
رواية أبي زكريا يزيد بن محمد بن اياس الازدي
وفرغ من تعليقه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن جماعة بن علي وذلك يوم الجمعة ضاحي نهار السادس عشر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة حامد الله ومصليا على رسوله النبي. . .
نبذة أولى
في ذكر الدار المنقوشة مما جاء فيه في ولاية الحر بن يوسف على عهد خلافة هشام بن عبد الملك وحكايته موجودة في تاريخ الموصل للقس سليمان صائغ في الصفحة 64.
قال في حوادث سنة 106:. . . والوالي على الموصل لهشام الحر بن يوسف اخبرني محمد بن معافا (كذا) عن أبيه. . . عن جده قال كانت أم حكيم بنت يوسف ابن يحيى بن الحكم بن أبي العباس تحت هشام بن عبد الملك فولا (كذا) أخاها الحر بن يوسف الموصل فقالت أم حكيم يولي أخي الموصل وما قدرها؟ فقال لها هشام: يا بنت يحيى أما يرضى أخوك أن يصلي خلفه الهراثمة يعني ولدهر ثمة بن عرفجة البارتي؟ وقد كان هشام مقيما بالموصل. أما في أيام محمد بن مروان عمه أو في أيام سعيد بن عبد الملك وابتنى في الموصل قصرا في موضع قطائع بني وائل الآن فرأت في نقش السجل الذي اقطع المنصور أبو جعفر وائل بن السماح فيه القطيعة التي تعرف ببني وائل فوجدت فيه والحد الثاني ينتهي إلى قصر هشام بن عبد الملك.(6/113)
حدثني عبد الله بن علي بن مصعب بن عبد الله كانت آمنة بنت يحيى بن الحكم تحت هشام بن عبد الملك وتزوج أيضاً أم حكيم وقد ذكر أبو الحسن علي ابن محمد الدائني أن عبد الملك بن مروان ولي يوسف بن الحكم طول أقامته. فإن كان ما ذكر أبو الحسن فقد طالت
ولاية يوسف الموصل. وهو بناء المنقوشة التي هي من سوق القثايين (كذا) إلى الشارع المعروف بالشعارين إلى سوق الأربعاء إلى سوق الحشيش وإنما سميت المنقوشة فيما ذكروا. لأنها منقوشة بالساج والقشاقش (كذا والصواب والفسافس) وذلك والمنقوشة للحر بن يوسف شهد عنه أهل الموصل ومن يعرف ذلك منهم وإن كان أبو الحسن عالما بالسيرة وأخبار العرب، وقد روي أن عبد الملك بن مروان ولي محمد أخاه الموصل ومحمد بنا (كذا) سور الموصل سنة ثمانين لا خلاف بين من يعلم السيرة من أهل الموصل وقد يجوز أن يكون عبد الملك ولي يوسف الموصل بعض أيامه والله اعلم بذلك. فأما ولاية الحر بن يوسف الموصل لهشام وطول مقامه بها وإن المنقوشة داره وما كان بالموصل من أولاده ومواليه وضياعه. فمشهور ومتعارف وسأذكر ما انتهى إلى ذلك وما يجوز في مواضيع أن شاء الله وأقام الحج. . .
نبذة ثانية
في حفر المكشوف
حكاية مذكورة أيضاً في كتاب القس سليمان صائغ ص 64
قال أبو زكريا الازدي في حوادث سنة سبع ومائة.
حفر النهر المكشوف الذي يجئ وسط الموصل وشرب منه أكثر أهلها وكان سبب حفره فيها:
أخبرني عبيد بن عمر عن أبيه عن الأشياخ. . . وفيما حدثني محمد بن معانا (كذا) عن أبيه عن جده: كان الحر جالسا في داره المعروفة بالمنقوشة قال عبيد عن عمر أبيه وإنما سميت المنقوشة لان الحر ابتناها فنقشها بألوان النقش والساج والقشاقش (كذا والصواب والفسفافس) فكانت قصر الإمارة. واجتمعا في الحديث قالا باسناديهما فكان جالسا ينظر في مناظر له، فرأى امرأة على عاتقها جرة وقد جاءت من جلة وهي تحملها ساعة وتضعها ساعة تستريح(6/114)
فسأل عنها فقيل امرأة حامل جاءت بماء من دجلة وقد أجهدها حمله، فاستعظم ذلك فكتب إلى هشام بن عبد الملك يخبره بذلك وببعد الماء على أهل المدينة فكتب إليه يأمره أن يحفر نهرا في وسط المدينة فابتدأ في حفر النهر وفي هذه السنة ولي هشام بن عبد الملك عبيد الله بن الحيحاب مولى بني سلول وهو جد الحباحبة الذين بالموصل أو جد بعضهم بمصر وعزل عنها يزيد بن أبي يزيد وقام فيها الحج للناس إبراهيم بن إسماعيل المخزومي.
وتتبع المؤلف أعمال حفر النهر سنة فسنة فقال:
في سنة 108: وأمير الموصل الحر بن يوسف وقد جمع الصناع وأهل الهندسة لحفر النهر واتخاذ الآلات وجد في حفره.
وفي سنة 109: وأمير الموصل الحر بن يوسف وهو مجد في حفر النهر ينفق عليه الأموال ولا يحصل إلى هشام شيئا وكان للحر بن يوسف ابن يقال له سلمة وكان فصيحا شاعرا فارق أباه وخرج إلى البدو.
وفي سنة 110: وهو مجد في عمل النهر لا يستكثر شيئا اطلعه فيه. وفي سنة 111: وهو يجبي المال وينفق على النهر وزعموا أنه كان يعمل في خمسة آلاف رجل.
وفي سنة 112: وفيها الخزر أرض الموصل حتى قربوا منها وأمير الموصل الحر منكمش في عمل النهر.
ودخلت ثلث عشرة ومائة وكان مال الموصل إذ ذاك كثيرا وكانت أعمالها واسعة وكان منها الكرخ ودقوقا وخانيجار وشعر زور والطيرهان وبانقيا وتكريت والسن وباجرمي وقردى وسنجار إلى حدود أذربيجان. وذكروا أن هشام بن عبد الملك استبطأ الحر في أمر النهر واستشرف النفقة على النهر وانقطاع الحمل وفي آخر هذه السنة توفي الحر بن يوسف بالموصل و (دفن في) مقابرهم المعروفة بمقابر قريش وكانت بازاء دورهم المنقوشة وهي بين سوق الدواب وسدة المغازلي وهي مشهورة هناك. . .
ودخلت سنة أربع عشرة ومائة(6/115)
وفيها مات الحكم بن عيينة وعلي بن عبد الله بن عباس، وفيها ولد عبد الله ابن إدريس الازدي وأمير الموصل لهشام الوليد بن تليد العبسي. وورد عليه فيها كتاب هشام يأمره الجد في أمر النهر. فوضع العمل فيه وإنفاق الأموال. . . وكان الفراغ من عمل النهر المكشوف سنة 121 كما جاء في المخطوط المشار إليه.
وقال في حوادث سنة إحدى وعشرين ومائة:
وفيها ولد أبو عاصم الضحاك بن مخلد على صهوة (كذا) الموصل وأحداثها الوليد ابن تليد وفيها فرغ من عمل النهر المكشوف وذكروا أنه انفق عليه ثمانية آلاف ألف ألف درهم وجعل عليه ثمانية عشر حجرا تطحن وانه وزنوا الماء من فوهة النهر وطرحوا لكل رجل (كذا) علامة قد عملوها ويقال جوزة وقعدوا في زورق في جوف النهر والعلامات تشير بين أيديهم حتى خرجوا إلى آخر النهر فجاءت كل علامة. ويقال (كذا) جوزة إلى الرحا التي عملت حتى دخلت في سيب الرحا وذكروا أن هشاما وقف عليه هذه الرحا على نفقة هذا النهر وما احدث فيه وأقام الحج للناس محمد بن هشام.
هذا ما رأيت نشره موافقا لإظهار فائدة المخطوط الذي ووفقت للحصول عليه ولعل أدباء العراق يبحثون لنا عن الجزأين المفقودين فتقر العيون بحفظ هذا الأثر الجليل الذي خلفه لنا الأقدمون.
مصر القاهرة:
يوسف اليان سركيس
الوأقة
في تاج العروس في مادة وأق: (مما يستدرك عليه (الوأقة من طير الماء هكذا أورده صاحب اللسان وحكاه بعضهم في التخفيف قال ابن سيده: فلا أدري اهو تخفيف قياسي أو بدلي أو لغة وعلى الأولين فهو من هذا الباب وعلى الأخير لا انتهى - قلنا: الوأقة معروفة عندنا باسم الغاقة وبعضهم يقول: قاقة فتكون الهمزة لغة في المخفف أي لغة من يهمز م ليس بمهموز وهو كثير الشواهد في لغتنا كما أن قلب الغين واوا كان معروفا عند الأقدمين ومنه: عيش اغطف واوطف أي واسع (راجع المزهر: 228)(6/116)
كلمة في الشعر
أخذ الأستاذ الشاعر العصري جميل صدقي الزهاوي في طبع (اللباب) وهو مختار أشعاره. وقد طلبنا إليه أن يذكر لنا ما يرتئيه في الشعر بعد أن فرضه سنين مديدة وقد علمه الاختبار ما لا يعلمه غيره، كما طلبنا إليه أن يبين لنا ما يريد أن يدونه في ديوانه الجديد، فكتب إلينا هذه السطور التي تخلد له الذكر الطيب وتبين للقوم مزايا الشعر العربي الصميم العصري الحقيقي.
(لغة العرب)
ما أكثر خلاف المتأدبين في الشعر وفي الجيد منه! ولكل أحد ذراع يقيسه بها، فإن وافقها عدة حسنا. وإن خالفها ظنه سيئا! ولما كان مستوى الأكثرين عندنا في الأدب منحطا، لم يرضوا إلا ما وافق مقاييسهم من الأميال الرجعية وهناك من لا يعجبه من الشعر، إلا ما كان في ألفاظه وأسلوبه تقليد الشعراء الجاهلية، أو صدر الإسلام. وإن كانت معانيه سخيفة لا صلة لها بالشعور العصري. ومن لا يرضيه إلا ما كان في معانيه تقليد لشعراء الغرب، وإن كانت ألفاظه سقيمة وتراكيبه ركيكة وبين أولئك وهؤلاء نفر قليل عددهم، قوي حجتهم، فضلوا ما اجمع إلى حسن الالفاظ، ومتانة التركيب، شعورا عصريا يوائم ثقافة هذا العصر وأبنائه المؤمنين بتطوره، وهؤلاء هم في الحقيقة المجددون.
أما التقليد فهو ذميم، سواء كان تقليدا لشعراء العرب الاقدمين، أو لشعراء الغبر المحدثين، فإن لكل أمة شعورا لا يتفق في الغالب وشعور أمة أخرى، قد فرقت بينهما سنة الوراثة في أجيال بعد أجيال، كما أن الموسيقى عندهما لا تتفق.
والجديد من الشعر هو ما كان مشبعا بالشعور العصري، وكان لذلك الشعور تأثير في شعور الآخرين يهيجه فيهم كأنه الكهرباء وكانت ألفاظه بمثابة الأسلاك الموصلة لذلك الكهرباء، مستوفية لجمال اللغة، وموسيقى الوزن، سواء كانت من أوزان الخليل أو غيرها ولما كان التقليد تكرارا لشعور هو لغير صاحبه،(6/117)
وكانت المبالغة ضربا من الكذب لا صلة لها، بالشعور، كانا وخيمين لا يهضمهما العصر الحاضر.
واحسن الشعر في نظري ما استند إلى الحقائق أكثر من العواطف والخيال البديعين عنها،
فكانت حصة العقل فيه أكثر من حصتهما، وفي الشعر القديم، ولا سيما شعر العواطف منه كثير من الجيد الخالد ولكن تقليده اليوم غير حميد. فهو صدى لصوت قد تقدمه فلا خير. والفرق بين الشعرين القديم والجديد: (أن الأول ضيق، لضيق معارف أصحابه؛ والثاني متسع لسعة معارف أهله. ومن هنا تعرف أن ما يطلب من الشاعر العصري أكثر مما يطلب من المتقدمين وإن ما يرفع هذا غير ما يرفع ذلك، وإن كان منهما صادقا في شعوره.
وللشاعر أن يجمع في بعض قصيدة أكثر من مطلب، بشرط أن يكون بين مطالبها صلة تربط حلقاتها المتعددة. واحسب أن هذا اقرب إلى طبيعة التفكير أو الإحساس، فأنهما لا يأتيان إلا في صورة أمواج هي فورات النفس وثورته، يستقل كل منها عن الأخرى، وتكون القصيدة حينئذ أشبه بباقة من مختلف الأزهار مع تناسق في ألوانها.
وقد يختلف ما يشعر به الشاعر به آخرون في موضوع واحد فتقول عليه قيامة هؤلاء يتقدمونه رامين إياه بالسفه في الرأي غير أنه شعر بما لم يشعروا به أو نظم في طريقه لم يألفوها، وهم بالإكبار أولى لأنه مبتكر أتى بما هو جديد. وهكذا كل مجدد هو غرض لسهام مخالفيه. أو حاسديه وقد يسليه عمله أن العاقبة له.
ولقد نشر لي ببيروت في أول سنة الدستور العثماني. ديوان باسم (الكلم المنظوم). ونشرت لي في مصر سنة 1924 طائفة من الشعر غير قليلة باسم (ديوان الزهاوي) وهذه مقسومة إلى أقسام جمعت إلى جيد من الشعر ما لم استحسنه بعد المراجعة. وطبعت لي ببيروت في السنة نفسها، رباعيات باسم الدواوين الثلاثة ومن (الثمالة) - هي ديوان رابع لي يطبع بعد، وقد نظمت(6/118)
قصائدها بعد طبع الديوان بمصر - أعلق ما بي من غيرها أن لم يكن أحسنه وانشره في ديوان واحد باسم (اللباب) فاعرض به على الأنظار ما يمثل شعوري الذي قد ينافي شعور غيري فتقرأ هذه الأنظار فيه شخصيتي وإن ضؤلت وقد فعلت، فإن أحسنت فلنفسي وإن أسأت فعليها.
وقد كثر اللغط في مصر وسورية والعراق حولي، فمن قائل أنه لا فيلسوف ولا شاعر، بل هو عالم يحكم العقل والمنطق فيما يكتبه، أو ينظمه؛ وقائل أنه شاعر لا فيلسوف؛ وقائل أنه فيلسوف لا شاعر؛ ومحب يقول أنه فيلسوف وعالم وشاعر معا؛ وحاقد يقسم بإحراج الإيمان أنه لا عالم ولا فيلسوف ولا شاعر. ومن الذين عدوني شاعرا من يذهب إلى أني
متطرف في التجديد، ومنه من يرى أني مقلد للرث البابلي من القديم. أما أنا فلا ادعي أني شئ مما اختلفوا فيه. وإنما آراء في الكون والحياة والاجتماع. قد أذعتها وكلم موزونة هي في الغالب من بنات شعوري قد نشرتها وللناس أن لا يعدوا تلك الآراء من العلم والفلسفة. وتلك الكلم من الشعر، أو لا يعدو ذلك الشعر من الجديد. فإن أقل شعري إلا لنفسي، فحسب شعري أن ترضى عنه نفسي راضية عنه، فلا يهمني بعد ذلك أن يرضى عنه من لا صلة بين شعوره وشعوري:
لقد أظهرت مقتا لها عند نقدها ... لشعري ناس كان يمقتها شعري
ولست أبالي بالذين يرونه ... بعيدا عن المألوف من صور الفكر
وما كنت في شعري لغيري مقلدا ... وما أبعد التقليد عن شاعر حر!
تصوره عقلي وأبرز لونه ... خيالي إلى حد وجاش به صدري.
ولست ادعي أن كل ما جمعته من الشعر في هذا الديوان جديد، بل أني سائر فيه إلى التجديد، وقد مشيت فيه شوطا وهو ما يعترف به المصنف، وينكره الحاقد. ورتبته على خمسة أقسام بحسب أزمانه: الأول ما قلت أكثره بعد سفري الأول إلى عاصمة الدولة العثمانية بعد الاحتلال. ومن هذا القسم رباعياتي التي نشرت في بيروت. والرابع ما قلته بعد سفري إلى سنة 1924. والخامس(6/119)
ما قلت أكثر بعد عودتي إلى بغداد.
ولما كانت غايتي من هذا الديوان جمع ما وقع عليه اختباري من قصيدي وقد أسقطت كثيرا ما يربط البيت بأخيه لم يبق في أكثرها الاطراد المطلوب ففصلت بين قسم وآخر من القصيدة بخط تنبيها على أن هناك أبياتا قد حذفتها. وعسى أن لا يلتبس مثل هذا بالفواصل الطبيعية منها.
بغداد: في شباط سنة 1928
جميل صدقي الزهاوي
ساعة في سدة الهندية
استدعت الحكومة العثمانية في عام 1909م المهندس الإنكليزي المعروف بالسير وليم ويلكوكس لإقامة سد محكم عل الفرات بالقرب من قصبة المسيب ليمنع المياه الوفيرة من الانحدار نحو الجنوب من دون أن تستفيد منها مزارع الفرات الأوسط فائدة تذكر. ويكون (الناظم) هو الحكم في توزيع المياه على المزارع والمدن القائمة على عدوتيه توزيعا عادلا يدر على المزارع والفلاح أفضل الخيرات والبركات.
وقد اضطرت الحكومة البائدة إلى استدعاء المهندس المشار إليه للقيام بهذا العمل الخطير على أثر انهيار السد الذي أقامه في عرض النهر المذكور المهندس الافرنسي المسيو شندرفر عام 1885م، عندما بدأ الفرات يتحول عن مجراه الطبيعي فيتدفق بغزارة في شط الهندية من دون أن يأخذ جدول الحلة منه قسطه الوافر. والذي يطلع على خارطة العراق وأنهاره، ويلم بمواقع فدنه ومزارعه يدرك - بلا ريب - حاجة المزارع الواقعة على نهر الحلة إلى مياه غزيرة دائمة حتى لا يعوزه القحط فيستحوذ على سكانه كما استحوذ عليهم عام 1878م. فلهذا السبب مست الحاجة إلى وضع (ناظم) لماء الفرات وأصبح ذلك الشغل(6/120)
الشاغل لا لأهالي الفرات فحسب بل لساسة العراق وحكومة الأستانة من ورائهم.
زرت سدة الهندية غير مرة فلم اقض فيها وقتا كافيا لدرس طرق توزيع المياه وتعبير السفن وترتيب المناوبة كالوقت الذي صرفته هناك في بحر كانون الأول من سنة 1927 فقد بقيت هناك مدة طويلة استطعت فيها أن اقف على ملاحظات دقيقة لا أعتقد أن قراء لغة العرب الزاهرة في غنى عنها.
(أقيم سد السر وليم ويلكوكس على أثر انهدام سد المسيو شندرفر الافرنسي فوق أرض تبعد ألف متر عن السد القديم وهو أعظم بناء شيدته يد البشر في بلاد الرافدين حتى ألان. والواقف عليه اليوم يدهش دهشا عند رويته ضخامة ذلك الأثر وهندسته وتبويبه والطرق الفنية المتخذة لرفع الأبواب لتوزيع المياه وتعبير السفن وغير ذلك مما يدهش العقول: طول السد أكثر من 250 مترا وعرضه بين الطوارين 4 أمتار وعدد الأبواب التي فيه 36 وعرض كل منها 5 أمتار وهذه الأبواب من المعدن وتنزل إنزالا كما ينزل السيف في
القراب. واقربتها من الآهين (الحديد المصبوب) وتنزل فيها بواسطة آلات خصوصية تقام على الاطورة (التيغ) من جهة صدر النهر تسمى مرافع (جمع مرفعة) ويكون ارتفاع منبسط الماء الذي يمر خلال هذا السد 6 أمتار في وقت الفيضان ويدفع 2600 متر مكعب في الثانية وعرض كل عمود من هذا السد متر ونصف وطوله عند قاعدته 13 مترا والسد كله مبني بالطابوق وبالملاط (الشمنتو) ولقد صنع له أكثر من 12 مليون آجرة واتخذت الأسس من اللياط والملاط ولم يستعمل فيه من الحجارة إلا حجارة هيت وذلك لتقوية بعض المنحدرات منه وعلى الجانب الأيسر من السد درقتان متتاليتان عرض كل منهما 8 أمتار وطولها 50 مترا لتتمكن السفن من العبور من جانب السد إلى الجانب الآخر منه).
وطرق عبور السفن من جانب إلى آخر مدهشة وخطرة لان الماء الذي في جهة السد اليمنى يعلو الماء الذي في الجهة اليسرى بأكثر من خمسة أمتار أحيانا(6/121)
ولهذا تراهم يفتحون أبواب الدرقة اليمنى فتمتلئ ماء حتى يوازي سطح النهر في الجهة اليمنى فتدخل السفينة في الدرقة وتنزل أبوابها ثم تفتح أبواب الدرقة اليسرى فتخرج المياه منها وتنخفض حتى تكون موازية لسطح النهر من الجهة اليسرى فتخرج السفينة عندئذ سالمة من كل خطر. ولكنها قد تنقلب أحيانا فتتضرر وذلك في موسم الطغيان عندما تكون المياه غزيرة وقوية لا تقوى أبواب الدرقتين على مقاومتها.
تفتح جميع أبواب السد - وعددها ستة وثلاثون كما أسلفنا - في موسم الطغيان فتجري المياه في مجاريها الطبيعية وتشترك جميع الأنهار في الاستفادة منها. أما في موسم الصيهود (أي وقت نقصان المياه) فتسد الأبواب بأجمعها وتوزع المياه على البلاد والأنهر بطرق المراشنة (المناوبة). وهذه الطريقة وإن ألحقت أنواع الأضرار الحية والمعنوية بسكان الفرات الأوسط، ولا سيما بأهل الحلة والديوانية في أيام الصيف المناوبة إلا إنها تفيد المزارع فوائد جزيلة، فعوضا من أن تكون المياه نصيب المزارع الواقعة على شط الهندية الكبير فقط، تجد جميع مزارع الفرات وبلدانها تستفيد بهذه الطريقة فائدة واحة مقسمة بينها تقسيما عادلا فنيا. ولو أن الحكومة العراقية الرشيدة عملت بجميع التوصيات الفنية التي أوصى بها السير وليم ويلكوكس المهندس الإنكليزي البارع وأقامت السدود عل دجلة في (سامراء) وفي (بلد) وعلى صدر الفرات قبالة مدينة الكوت وعلى (قرمة علي)
لحصلت على موارد زراعية عظيمة ربما عوضت عن جميع النفقات اللازمة لإنشاء هذه السدود في مدة لا تزيد على أربعة أعوام وبذلك تتخلص من الضائقة الاقتصادية التي لا تزال رازحة تحت أثقالها لان البلاد بلاد زراعية وليست فيها موارد اقتصادية شريفة وعظيمة غير زراعتها فإذا لم تستثمر الحكومة هذا المنبت الحيوي فلا فائدة اقتصادية ترجى لهذا المملكة وإذا قال غاندي أن استقلال الهند قائم على المغازل؛ فنحن نقول أن مدنية العراق المقبلة منوطة بالمحاريث والمناجل وكفى بهذا الاعتبار فخرا.
بغداد
السيد عبد الرزاق الحسني(6/122)
غادة بابل
- 7 -
أخذ بيروس يترقب أخبار شمشو ويتوقع نعيه اليوم بعد اليوم فاقبل أحد الفلاحين القادمين من ضواحي مدينة اوبي ومعه غلات أتى بها إلى الهيكل وهو يقص على جماعة من أصحابه في ساحة الهيكل نبأ موت أحد المسافرين من بابل إلى أشور فجأة في الطريق. فطرق هذا الحديث سمع الكاهن الكلداني فتقدم من المحدث مستوضحا منه الخبر اليقين، سائلا عنه اسم المتوفى. فلم يتمكن الفلاح من معرفة اسم الميت إلا أنه قال له: وقع ألي أن الرجل مات مسموما.
وبعد هنيهة سمع بيروس رجلا آخر قادما من تلك الديار أيضاً يروي الخبر بعينه ويقول أن المتوفى يسمى شمشو أو أنه من رجال القافلة التي فيها تاجر يسمى شمشو فاستبشر كاهننا بهذا النبأ وقال في نفسه: لقد أصاب سهم دسيستي شمشو في صميمه فأرداه.
تناقلت الألسنة نعي ذلك الشاب فانتشر في المدينة ولا سيما أن بيروس كان يسعى في أذاعته ويظهر للملأ تأسفه كذبا: فبلغ حديث هذه الفاجعة بيت شلمان كرادو وبيت اجيبي وكان لهذا النعي رنة حزن وأسى رددت صداه مدينة بابل. وكان وقعه عظيما، في قلبين غضين، كان كل منهما ينتظر اويتوق أن يكون الفقيد شريك حياته في المستقبل وهما شميرام وقلب حترآء.
مهما كان الحزن الذي خامر قلب شميرام عظيما لفقدانها ابن عمتها إلا أنها كانت تسترشد بنور عقلها ولا تستسلم للحزن والكدر بل كانت صابرة على هذه البلوى تتسلى بقراءة الحكم وبمطالعة رقم العلم والأدب.
أما حترآء فأنها لم تتمكن من ضبط عواطفها بل أخذها حزن نغضت له جوانحها، ووجد تفطرت له مرارتها وباتت تعالج برحاء الهموم سرا وتغص(6/123)
بآلامها وهي تتكتم حتى استولى عليها اليأس والقنوط وداهمتها حمى مطبقة عقبها هذيان واشتراك الخاطر فكانت تردد ألفاظا وهي غير شاعرة بما تقوله ولا يجد لها سامعوها معنى. وكان بيتها (رحل. . . تركني. . . لا يعود. . . مات. . . أتبعه. . . ثم تبكي فتأخذها رعشة عصبية ويغشى
عليها فتغيب عن حواسها.
اجتمع الأهل والأصدقاء حواليها وكل منهم يبدي رأيا فهذا يقول أن الإله والالاهة اللذين يحميانها قد تركاها. والآخر يقول: لقد استولت عليها الأرواح الخبيثة فهي تؤذيها. والثالث يقول يجب أن نستدعي الكاهن الفلاني المشهور بقوة سحره وسعة علمه ليرى ما فيها. وغيره يعارضه ويفضل على الكاهن المذكور كاهنا آخر قد جربه في الحادث الفلاني. وفي الآخر اتفقت آراء الأهل والاقربين على طلب أحد الكهان فأرسلوا إليه من يستقدمه.
جاء الكاهن متأبطا حزمة فيها كل ما يلزمه من العدد للقيام بمهمته فنزع حذاءه وتطهر بالغسل وتقدم من المريضة وبعد فحص رأسها ووجهها وتفقد حالها قطب حاجبيه لأنه رأى حالتها الروحية والجسدية تنذر بخطر ولكنه لم ييأس اذ يثق بالآلهة وبقوة سحره التي تترضاها وتطرد الأرواح الشريرة التي تعذبها.
لم يصر الكاهن على نقل المريضة إلى الهيكل للقيام بشعائر الدين بل رضي أن تتم في دارها لان مرضها ثقيل.
ألقى في النار نباتا مقدسا فالتهب وعبق الغرفة برائحته الذكية واخذ ماء معطرا في أناء سحري وتمتم عليه صلوات وأدعية لطرد الأرواح الشريرة واشربه حترآء.
وقرأ في رقيم استله من تلك الرزمة دعاء البهلة بصوت ثابت وموقع فقال:
سطت البهلة على الإنسان كشيطان وهبط عليه صوت الساحر كضربة وهجم عليه الصوت الخبيث والبهلة المؤذية وضرر السحر والصداع تذبحه البهلة المؤذية كما يذبح الحمل. إذ أن الإله محامية قد ترك جسده وابتعدت عنه الالاهة محاميته. وامتد عليه الصوت يقرعه كثياب المخلع.
مهما كانت قوة نفثات السحر عظيمة ومهما كان المرض شديد الوطأة فالآلهة(6/124)
لا تترك هذه الابنة بين أنياب الروح الشرير. فها أن مرودخ يخاطب أباه (أيا) ويبتهل إليه لإنقاذ هذه الفتاة ويقول له: يا أبت البهلة الشريرة قد امتدت إلى هذه الفتاة كشيطان (ويكرر سؤاله عما يجب أن تفعله هذه الفتاة لتشفى).
يجيبه أبوه (أيا) قائلا: بماذا أحدثك يا مرودخ وماذا أقول لك وأنت لا تعرفه فالذي اعرفه تعرفه أيضا: اذهب إذن وخذ هذه الفتاة إلى الحمام الطهور وابعد عنها أذى السحر واطرد
نفثاته المضرة لترتفع عنها البهلة التي سببت لها الألم المعذب جسمها سواء أكانت بهلة أبيها أم بهلة أمها أم بهلة أحد الادنين أو بهلة أي كان غير معروف. لترتفع عنها بطلسم (أيا) وتتلاشى كما يقشر سن الثوم وكما تقطع الثمرة وكما ينتزع الغصن المحمل أزهارا.
آه من أذى السحر! عزم يا شبيه السماء عزم يا شبيه الأرض عزم فإن الآلهة تتذرع بما لديها من الحول والقوة لشفاء المريضة وها أن (أيا) سيد العالم يعطف عليها ويصف لها الدواء الناجع.
لتأخذ سن ثوم وتمرة وغصنا مثقلا بالأزهار وتلقيها في النار قطعة قطعة وهي تتلو رقية. فتتلاشى مؤثرات البهلة مهما كانت عظيمة.
تطهرت حترآء عملا بمشيئة (أيا) فغسلت يديها ورجليها ووجهها ورشت جسمها بماء معطر. ولما انتهت من هذه المقدمات جلس الكاهن أمام الموقد مع المريضة وجرد سن الثوم الذي طلبه الإله واحرقه وهو يتمتم صورة الدعاء الآتي: (كما قشر هذا الثوم والقي في النار ويفنيه السعير المتأجج فلا يغرس بعد هذا في البستان ولا يغمره ماء البحيرة أو الساقية ولا تغور جذوره في الأرض ولا تنمو أبدا ساقه ولا يرى الشمس ولا يتخذ طعام للآلهة. وللملك كذلك ليطرد بقدرته مرودخ قائد الآلهة أذى السحر من حترآء ويقصه بعيدا ويحل وثائق الشر المضر، شر الخطيئة والذنب والوقاحة والجرم.
وكان يجب عل حترآء أن تجيبه اأن خور قواها واضطراب أفكارها منعاها من القيام بواجبها فنابت عنها والدتها وقالت بصوت خافت:(6/125)
هل للمرض الذي في جسمي ولحمي وأعصابي أن يزول عني كما زال القشر من سن الثوم هذا، ويضمحل بالسعير المتأجج في هذا اليوم. أخرج يا أذى السحر ليتسنى لي أن أشاهد النور مدة مديدة أيضا.
وكانت تعود هذه الرقية كل ما ألقى الكاهن شيئا جديدا في النار من تمر وغصن محمل وورد وسبيخة صوف وشعر معزى وخيط مصبوغ وباقلاء ويضيف كل مرة عبارة أو بعض عبارات إلى دعاء الرقية مما يناسب القطعة الملقاة في النار وعدم رجوعها إلى اصلها أو الانتفاع منها).
ولما طال الأمد على حترآء والكاهن يعزم خارت قواها لانتشار الضعف فيها فحملت إلى
فرشها وهي بين الحياة والموت. إلا أن الكاهن تظاهر بالاستبشار بهذا الحال زاعما أنها من تباشير الشفاء لان الآلهة الصالحين تكافح الأرواح الشريرة ولم تصبر قوة حترآء على هذه المصارعة بين القوتين الصالحة والطالحة. فإذا مر هذا الدور القصير وانتصرت الآلهة شفيت لا محالة.
ختم الكاهن هذه الشعائر بدعاء إلى (أيا) ومرودخ وآله النهار كما يأتي:
أيتها النار الرئيسة المتحركة المنتشرة في البلاد. البطلة ابنة الهاوية التي انتشرت في البلاد. يا آله النار يا من بنارك المقدسة أوجدت النور في دار الظلمات. أنت الذي تعين الأقدار على كل ما له اسم، أنت الذي تمزج النحاس والقصدير بإذابتهما، أنت الذي تنقي الفضة والذهب، وأنت الذي ترعد الأشرار في الليل، اجعل هذه الفتاة التي رجعت ابنة لإلاهها زاهية بالطهارة ولتكن نقية كالسماء وزاهية كذلك على الأرض لتتلألأ كما في وسط السماء وإن اللسان الخبيث الذي سحرها لا يعود فيقبض عليها.
توالت الأيام على حترآء والكاهن يكرر هذه الرقية صباح مساء وهي تزيد سقما ووطأة مرضها تزيد شدة. وبينما كان أبوها يسير ذات مساء في طرق بابل سمع النساء الجالسات على قارعة الطريق عند أبواب دورهن وبأيديهن مغازلهن يتحدثن عن مرض ابنته ويظهرن اسفهن على شبابها الغض. فقالت إحداهن: أن(6/126)
هذه الفتاة المسكينة أصيبت بتبعة أعمال أبيها الصراف الظالم الذي يقرض الفضة للأيامى بربا فاحش ويسلبهن أملاكهن وعقاراتهن بثمن بخس فيلوع قلوبهن. ويجور على العبيد فيشغلهم في حقوله وعمران دوره من شروق الشمس حتى غيابها. فالآلهة سمعت نحيب منكسري القلوب واتت اليوم تنتقم من الصراف العاتي بمرض ابنته الوحيدة مرضا لا يرجى شفاؤه ولا ينظر برؤه.
ارتعد منها شلمان كرادو من هذا التبكيت وتذكر دعاء إحدى الأيامى اللواتي ابتاع منها قسرا عقارا ثمينا بسعر بخس فاخذ طريق هيكل اشتر ليقرأ فيه نشيد الندامة كفارة عن خطاياه لان النفس إذا أثقلت بالهموم تصغر وتلجأ إلى قوة عظيمة مادية أو معنوية تستغيث بها وتستبد إليها في ضعفها فتجد فيها نورا تنبثق أشعته فتضيء دياجير النفس الكئيبة.
وقف بين يدي كاهن واتخذه وسيطا بينه وبين الآلهة وقال هذه الترنيمة:
شلمان كرادو: الخاطئ
ارمقي بنظرك وهن الخلائق الحية - فها أني عبدك اصرخ إليك ممتلئا تنهدات - اقبلي من اخطأ والتجأ إليك - أن نظرت إلى إنسان حيي ذلك الإنسان - يا سيدة الجنس البشري الكلية القدرة أنت شفيقة بمن يقصد الرجوع إليك. اقبلي طلبتي.
الكاهن:
لان آله والآهتة قد حنقا عليه فانه يصرخ إليك - حولي وجهك إليه وخذي بيده.
شلمان كرادو (الخاطئ)
ليس من الآهة مرشدة غيرك - انظري ألي رفقا، اقبلي تضرعي - تكلمي. فها أن الغفران قد منح ليهدئ فؤادك فإلى متى؟ آها يا سيدتي، حولي وجهك ألي - أني كالحمامة أنوح وقد شبعت تنهدات.
الكاهن:
بالحزن والألم امتلأت روحه تنهدات - يسكب دموعا ويتنهد راثيا
يوسف غنيمة(6/127)
فوائد لغوية
الشيخ عبد الله البستاني ولغتنا
خذ بيدك أي ديوان لغة شئت من دواوين لغتنا الشريفة وتصفحة حق التصفح تتحقق أن فيه بعض المغامز. هذا كتاب (العين)، الذي له السبق على سائر المصنفات التي من ضربه، لا يخلو من معايب؛ وقد نبه عليها اللغويون الذي جاءوا بعده. أن في حياته وإن بعد وفاته. وكذا قل عن كتاب الجمرة لابن دريد والتهذيب للأزهري، والصحاح للجوهري، والمحكم لابن سيده، والمجمل والمقاييس وكلاهما لابن فارس، والمحيط لابن عباد، إلى غيرها من معاجم اللغة، فلقد جاء بعدهم من أخذ علهم بعض أمورهم لم يصيبوا فيها وكان النقد صحيحا في اغلب الأحيان أن يكن في جميع المواطن.
على أن تشويه اللغة لم يبدأ إلا لما أخذ المستشرقون في تصنيف المعاجم واستدراك ما لم يجدوه في كتب متون اللغة، بل وجدوه في تصانيف المولدين وأرادوا إيداعه مؤلفاتهم. فكانوا كحاطب ليل، احسنوا في أمور وأساءوا في أخرى، وبين هؤلاء المتعربين: غليوس وفريتغ.
كان غليوس أول من عني بتدوين المستدركات لكنه لم يكن واقفا حق الوقوف على أسرار العربية ومطالعة كتب الخط. فقرأ ألفاظا على ما تصورها وفسرها على ما شاء فجاء بعده فريتغ فكان أوقف منه على مساقط الكلم فاصلح شيئا من أوهام سلفه، بيد أنه حاول أن يدون حروفا عثر عليها في مطالعاته فاخطأ الحفرة هو أيضاً في تعابير كثرة وقرطس في أغراض لا بأس بها.
ثم جاء غيرهما من أبناء الغرب، فكانوا كأخويهم بين مصيبين ومخطئين. وعلى كل حال نعذرهم لأنهم أجانب عن منطقنا ومصطلحنا ولساننا وكتابتنا ونتسمح معهم كل التسمح مهما تمادوا في الضلال.(6/128)
لكن فساد مفردات اللغة لم يبدأ إلا لما شرع المعلم بطرس البستاني في تصنيف ديوانه الكبير محيط المحيط، فحينئذ جاءت تلك الأوهام والأغلاط كالسيل المنهمر من عل، جاحفا في سيره أصول العربية وفروعها. فشوه كل ما مر به غير محترم أقوال المصنفين. ولا
جرم أنه لم يعتمد ذلك. حاشا لله أن أقول ذلك، إنما أنا انظر إلى العاقبة واحكم على ما أشاهده، فإنه اضر بلغتنا أكثر مما نفعها. وهذا معجمه بأيدينا، لو وزنت ما فيه من المساوئ والمعايب والمغامز والأوهام والهنات. وتجسمت تجسم المحسوسات، لقام في وجهك كالجبال التي لا تتزعزع ولا تزال.
وذنب المؤلف أنه نقل كتابه عن معجم فريتغ وهو في اللغتين العربية واللاتينية، والظاهر أنه كان يشدو اللاتينية ولا يعرف منها إلا الذرء فخبط وخلط، وجاءنا بذاك النتاج الجامع بين الحسنات والسيئات على اغرب وجه وأعجبه.
ولما كان هذا المعجم سهل التناول اقبل على شرائه ومطالعته أبناء العصر ولا سيما المؤلفون منهم والمصنفون والصحفيون فكانت عثراتهم لا تقال، وأصبحت أوهامهم داء عضالا. ثم جاءت بعده مصنفات الآباء اليسوعيين من معاجم عربية فرنسية وفرنسية عربية، وعدا وراء الكل الشيخ سعيد الشرتوني والجميع يأتمون بالمعلم بطرس البستاني. وقد أصبح لهم ولكل من جاء بعده الدليل الوحيد فأصبحت الأغلاط من الشائنات غير الزائلات وهكذا أخذت اللغة تسير في وجه غير وجهها فتفسد شيئا بعد شئ، وتتحكم تلك الأغلاط في النفوس والأقلام وليس من يقوم وينبه على تلك الفظائع الشنيعة.
كنا نفكر في معالجة هذا الداء الوبيل ونتطلب وسيلة لصد السيل الجحاف أو لإيقافه عند حده. إذ قيل لنا أن الشيخ عبد الله البستاني يصنف معجما يكون جامعا للحسنات ومزيلا للسيئات ودواء للادواء، فاستبشرنا خيرا وكنا على أحر من الجمر لرؤية تلك الدرة النفيسة، قاصدين نشر حسناتها وأذاعتها على رؤوس الملا. لكن ما يكاد يصل إلى أيدينا المعجم ونتصفح صفحات منه حتى انقلبنا آسفين على ما برز من قلم الأستاذ الكبير. فانه لم يكتف بتدوين أغلاط من تقدمه من المحدثين، ولا سيما أغلاط المعلم بطرس البستاني والشيخ سعيد الشرتوني -(6/129)
و (بستانه) ليس إلا نسخة جامعة بين هذين المعجمين لا غير - بل زاد على ذلك ضغثا على ابالة، فجاءنا بأغلاط لم تخطر على بال بشر. ولم تجل في خاطر عربي ألبته.
وذكر هذه الأغلاط أمر صعب إذ يحتاج الكاتب إلى وضع تصنيف بكبر تصنيفه ليعدد تلك الأوهام ويثبتها بشواهد وليظهر فسادها أو ليزيفها. على أن ما لا يدرك كله لا يترك جله،
ونريد بهذا الجل إشارات إلى أنواع ما هناك من المغامز الخاصة بهذا المعجم الغريب.
ولكن لا يتهمنا أديب بالمغالاة أو بالتحزب على شيخنا الوقور، نأخذ صفحة من صفحات كتابه ونعرضها على القراء.
1 - قال حضرته في ص 1087 من كتابه: (السرق: مصدر و - شقق من الحرير الأبيض معرب سره بالفارسية أي جيد. الواحدة سرقة.)
قلنا: هذه العبارة محيط المحيط للبستاني وعبارة جميع اللغويين الأقدمين لكن اللغوي الناقد إذا وقف على هذه العبارة ومثلها يعدها خرافة إذ كيف يكون معنى بالفارسية جيدا. ويكون في العربية شققا من الحرير الأبيض؟ - هذا أمر لا يقبله العقل. أن السرق أعجمية بمعنى الحرير، لكنها ليست فارسية بل لاتينية أي
2 - وقال: (السرق كصرد: ضرب من النبات.)
وقد بحثنا عن هذا الحرف في ما لدينا من الكتب النباتية واللغوية من مطبوعة ومخطوطة. فلم نجد ذكرا لهذا النبت عند السلف، إنما وجدنا الكلمة في محيط المحيط وهذا نقلها عن فريتغ ولم يعزها. وفريتغ نقلها عن فورسكال في كتابه ازاهير مصر وجزيرة العرب. فاتضح أن الكلمة عامية. وهذا ما يجب أن يشار إليه كما فعل الأقدمون وكان يجب أيضاً أن يذكر نوع هذا النبات حتى لا يكثر في دواويننا مثل هذا القول الذي أعيا الكبار والصغار: ضرب من النبات من غير أن يحلوه. وهو أمر كان في العصور الأولى، أما الآن فلا يكفينا.(6/130)
3 - وترى في تلك الصفحة قوله: (السرقين والسرقين (وضبط الأول بالكسر والثانية بالفتح) الزبل كالسرجين). . . (وضبط زاي الزبل ضبط قلم بالضم).
والصواب ضبط زاي الزبل بالكسر وهو مشهور.
4 - وفي تلك الصفحة: (السركار (وضبطها بكسر السين) ديوان الوالي فارسية.)
وهي عبارة محيط المحيط وقد نقلها عن فريتغ. وفريتغ لم يضبط اللفظة ولم يقل ديوان الوالي، بل قصر الأمير وهي لم ترد إلا في كلام المولدين المتأخرين من الكتبة ولم ترد في كلام فصيح. ففي قوله إذن غلطان: غلط ضبط وغلط معنى.
5 - وفيها: (سرمه تسريما: قطعه. تسرم: تقطع مطاوع سرمه.)
ولو زاد على ذلك. وكلتاهما لغة في صرم وتصرم لاهتدى الباحث إلى اللغة المشهورة.
6 - ومن ألفاظه الخاصة بمعجمه قوله في تلك الصفحة: (ذوات السرم) من الحيوان ما كان له مسلك واحد للنسل والثقل كالطير.)
قوله: (ذوات السرم) لا يقابل ما يريد به. ثم أن هذا التعبير حديث الوضع لا يعرفه الأقدمون ولم يشر إلى حداثة وضعه. وهو قصور باد لكل ذي عينين. والذي وضعه الإفرنج في هذا المعنى هو ولا يطلق على الطير بل على طائفة من الحيوانات ذوات الثدي إلا أنها وسط بينها وبين الطير فقد اخطأ في التسمية واخطأ في الشرح واخطأ في التمثيل ثم ولو قال (الوحيد المسلك) لكان احسن واعف لفظا.
7 - وفي ذلك الوجه يقول أيضا: سرم الديك نوع من النبات.
قلنا: العبارة عبارة محيط المحيط وهي من سوء النقل عن فريتغ. والصواب أن يقال: هو ثمرة الورد ويكون أحمر وهو من كلام عوام أهل الشام وفصيحه الدليك. راجع ما قاله شرحا لهذه اللفظة فقد قال عنها: تمر (كذا بنقطتين والصواب ثمر) الورد يحمر حتى يكون كالبسر فينضج فيحلو فيؤكل كأنه(6/131)
رطب. أهـ. إذن سرم الديك ليس نباتا بل ثمر نبات.
8 - وفي الوجه المذكور يقول: (السرمان بالكسر، والضم لغة. يقال هو العظيم من اليعاسيب و - دويبة كالحجل.
قلنا: الذي في اللسان: (السرمان: العظيم من اليعاسيب والضم لغة. والسرمان (وضبطها بالكسر) دويبة كالحجل وضبطها بالقلم وزان وقد أعاد صاحب التاج هذه الكلم ولم ينسبها إلى ابن مكرم. قلنا: وفي كل عدة أوهام فالسرمان بالكسر والضم لغة هو العظيم من اليعاسيب وهو دويبة كالجحل بتقديم الجيم المفتوح على الحاء الساكنة ومعناه - على ما جاء في التهذيب -: (دويبة) في خلق الجراد إذا سقط لم يضم جناحيه. فهذا هو الحق لا ما مسخه نساخ كتب اللغة فغدا الكلام طلسما من الطلسمات.
9 - وفي تلك الصفحة ما هذا نصه: (السرموجة بالضم: حذاء يستر مقدمة القدم وعقبها ويبلغ إلى الكعبين ج سرامج.)
قلنا في هذه العبارة ثلاث غلطات: غلط ضبط وغلط تأويل وغلط صرف، بل هناك غلط رابع وهو أن الكلمة ليست فصيحة بل مولدة وإذا أردت غلطا آخر فانك غير مبالغ وذلك
أن سر موجة فارسية الأصل وهو لم يشر إلى عجمة اصله بكلمة. - أما غلط الضبط فهو أن الكتب التي ذكرت اللفظة هي كتب المولدين وحدهم وهم ضبطوها بفتح السين لأنها هي كذلك في الفارسية وأما لان فعلولا أو فعلولة لم يرد مفتوح الأول فهو حديث خرافة قال به الصرفيون وبعض اللغويين. أم الحق فانه وارد في لغتنا من ذلك صعفوق، وصندوق، وكرموص، (التاج) وسحنون، (على رواية)، وقرقوف، وطرخون، وبرشوم، إلى غيرها. وفتح أول سرموج أو سرموجة ذكره البستاني في محيط محيطه إذ يقول: السرموج (وضبطها ضبط قلم بالفتح) نوع من الأحذية والسرموجة أخص منه وتعرف عند العامة بالسرماية وأكثرهم يقولها بالصاد. أهـ. وقال صاحب أقرب الموارد في ذيله: السرموج (وضبطها أيضاً ضبط قلم بالفتح) نوع من الأحذية، والسرموجة أخص منه. دخيل (نقله فريتغ من ألف ليلة وليلة). أهـ. فأين وجد حضرته أن السرموجة بضم الأول؟ - فانه لم يقل ما قال إلا(6/132)
لكي يوافق على قول اللغويين: العرب لا تعرف وزن فعلول المفتوح العين مع أن هذا التقييد غير صحيح كما ذكرناه.
ومن غريب ما نقله في تعريف السرموج أنه قال: (حذاء يستر مقدم القدم وعقبها ويبلغ إلى الكعبين). أهـ. والذي ساقه إلى الوهم عبارة نسبية الذي قال أن السرموجة تعرف عند العامة بالسرماية وأكثرهم يقولها بالصاد أي الصرماية وهذا غير صحيح البتة والذي دفع البستاني الأول آل هذا القول أنه رأى مشابهة بين أول كلمة سرموجة وأول سرماية فقال لا بد أن العصا من العصية وهو وهم ظاهر فالصرماية مشتقة من الصرم وهو الجلد الذي تتخذ منه ولا يقول العوام أبدا سرماية بالسين فكلام البستاني الصغير لتعريف السرموج يوافق الصرماية (أو الصرم) عند العوام ولا يوافق البتة السرموج. والصرماية عند الشاميين هي الكوندرة عند الترك وعند العراقيين الحاليين، فأين السرموج من الصرماية.
أما السرموج فهو الخف الواسع الذي يلبس فوق الخف. والكلمة فارسية مركبة من (سر) وهي بمعنى فوق في لسان الفرس و (موزه) أي أو خف فيكون معنى السرموج (ما يلبس فوق الخف) فأين هذا من ذاك؟
والأقدمون منا لم يعرفوا السرموج فإن هذه من المعربات الحديثة معربات كتاب ألف ليلة وليلة. أما السلف فقد عرفوهم باسم الجرموق قال صاحب البستان نفسه عن الجرموق: ما
يلبس فوق الخف وقاية له وهو فارسي معرب. أهـ.
فيظهر من كلامه عن السرموج والجرموق أنه لم يعرف أن الواحد هو الآخر بعينه، إنما الفرق هو أن الجرموق من تعريب الأقدمين والسرموج من تعريب المحدثين أو المولدين. ونما فضلوا السرموج على الجرموق موافقة لأصلها الفارسي وهو سرموزه وثانيا خشية اجتماع الجيم والقاف في كلمة واحدة فيكون لها ظاهر الأعجمية فاحبوا أن تكون بنيتها بنية عربية.
وأما غلط الصرف الذي أشرنا إليه في صدر الكلام عن السرموج فهو أنه جمعها على سرامج وهو لم يسمع عن أحد ولا سيما لأنه مخالف لأصول لغتنا وصواب جمعها سراميج حملا على القياس لان فعلول لا يجمع على فعالل بل على فعاليل اللهم إلا في الشعر وذلك عند الضرورة فقط. ونزيدك يقينا في ما نقول أن صاحب(6/133)
المصباح المنبر ذكر لجمع الجرموق (وهو السرموج عينه) جراميق ولم يقل جرامق ألبته.
والغلط الرابع جاء في كلامه عن السرموج هو أن اللفظ من كلام المولدين أو من كلام عوام العصور المتوسطة وليس من حر اللغة والسلف الصالح ينبه دائما على مثل هذا الأمر كل مرة اقتضت الحال، لان حر اللفظ شئ واللفظ الساقط شئ آخر.
أما أنها فارسية الأصل ولم يشير إلى عجمتها فلقد بيناه فويق هذا وهو غلطه الخامس وذلك كله في كلمة واحدة.
وقال في تلك الصفحة (لأننا إلى ألان نطالع في ص 1087 ولم نخرج عنها إذ هي جنبه من جنبات ذلك (البستان) الزاهي، والمتنزه قلما يود مفارقته): (السرمدي الدائم الذي لا ينقطع وقيل - ما لا آخر له) أهـ.
قلنا: ظن المؤلف أن بين الشرحين فرقا في المعنى ففصل بينهما لاعتقاده أن الأول غير الثاني والحال أن كلا الشرحين واحد وما الفرق إلا في التعبير لا غير.
وفي تلك الصفحة عاد إلى ذكر السرموج بصورة السرموزة وضبطها أيضاً بضم الأول فقال: (السرموزة لغة في السرموجة). أهـ.
نقل ذلك عن محيط الذي ذكرها بفتح الأول وفريتغ لم يضبطها ولم يقل سرموزة بل سرموز (بلا هاء في الآخر)؛ وقد ذكر أنه نقلها عن يعقوب شلت الألماني - إذن تنقل عن
عربي فصيح وعلى كل حال لم ينبه صديقنا المحبوب على هذا الأمر.
وجاء في تلك الصفحة أيضا: السرمق نبات الفطف معرب.
قلنا: صواب الفطف بالفاء: بالقاف والسرمق من الفارسية سرمه وهو القطف أي الإسبانخ الروسي.
ومما ورد في تلك الصفحة قوله: (السرنج (وضبطها كجعفر) نوع من صناعة النقش كالفسيفساء).
والصواب أن تضبط السرنج كسمند أي بفتحتين فسكون وخيم تلك المادة س ر ن ج وتلك الصفحة بقوله: وسرنج كجعفر دوية أي مفازة واسعة بعيدة(6/134)
الأرجاء. أهـ.
قلنا: سرنج لم ترد في كتاب عربي بالمعنى الذي يشير إليه إنما وجدها في ذيل اقرب الموارد بهذا التصحيف فنقلها عنه وصاحب الذيل يزعم أنه نقلها عن اللسان وهي لا توجد فيه في المادة التي يشير إليها بل ترى في مادة س ر ب ج قال في تاج العروس: سرنج بالباء الموحدة بعد الراء، في اللسان في حديث جهيش: وكأين قطعنا إليك من دوية سربج أي مفازة واسعة الأرجاء. أهـ. فأنت ترى من هذا أن كلا من اللسان والتاج ذكر سربج ولم يذكر (سرنج) فكيف نسبها إلى اللسان وهي ليست فيه؟ - الجواب أن الشرتوني نقلها عن التاج الذي يعزوها إلى اللسان. والتاج ذكرها في مستدرك مادة س ر ن ج فظن سريج من خطأ المؤلف أو الطبع فوقع في تلك الهاوية، مع أن السيد مرتضى ذكر اللفظة في مستدرك المادة في المادة نفسها. فتأمل.
على أننا نقول أن السراج غير صحيحة والصواب السريخ بباء موحدة تحتية وخاء معجمية في الآخر. وهذه ذكرها جميع اللغويين وممن ذكرها ابن الأثير في نهايته وهو حجة ثقة في أيراد الأحاديث وغريب ألفاظها وهو اقدم من ابن مكرم والفيروز ابادي والسيد مرتضى. فأول من صحفها إذن بصورة سرنج هو صاحب اللسان ثم تبعه صاحب التاج. أما السريخ بخاء معجمة في الآخر فقد ذكرها جميع اللغويين قاطبة. إذن التصحيف باد ومن عهد السان لا غير. قال في النهاية في مادة س ر ب خ: (أي جاء كتاب أبي موسى) في حديث جهيش: وكأين قطعنا إليك من دوية سربخ أي مفارزة واسعة بعيدة الأرجاء. أهـ. ولم يذكر شيئا في مادة س ر ب ج. وجرى في أثر ابن الأثير اللسان والقاموس والتاج بل حضرة
الشيخ عبد الله نفسه إذ ذكر هذا الحديث بنصه في مادة س ر ب خ وقدم عليه قوله: السربخ كجعفر: الأرض الواسعة التي لا يهتدي فيها لطريق. وفي حديث جهيش. . .
إلا هنا انتهت بنا مطالعة هذه الصفحة ونحن لا ندعي بأننا وفيناها حق النقد من جميع وجوهه وأتينا على ما فيها من السقط فلعل غيرنا يرى فيها ما لم نره وعلى حال أننا كتبنا ثماني صفحات من مجلتنا لإظهار ما في صفحة واحدة(6/135)
مما نظنه أوهاما، فكيف بنا لو أنعمنا النظر في المجلد الأول كله وفيه 1831 ص فنحتاج إذا إلى ثماني مرات 1381 و11048 أي نحو اثني عشر ألف صفحة فمن ذا الذي يكتبها ومن هذا الذي يطبعها ومن ذاك الذي يطالعها. . ذلك ما نتركه للقراء ليحكموا فيه، والله الهادي إلى سواء السبيل.
(يهرف ليس اسم سبع)
جاء في تاج العروس، في مستدرك مادة هـ ر ف ما هذا حرفه: ومما يستدرك عليه (أي على المجد الفيروزابادي صاحب القاموس): يهرف كيضرب: اسم سبع سمي به لكثرة صوته. أهـ. وقد بحثنا في الدواوين التي بأيدينا فم نجد ذكرا لهذا السبع، إنما وجدنا ابن سيده يقول في مخصصه (75: 8): ويقال لبعض السباع هو يهرف بصوته أي يتزيد فيه. أهـ. ولم يجد أكثر من هذا القدر. وقد قال صاحب اقرب الموارد في الذيل: (يهرف كيضرب: اسم سبع سمي به لكثرة صوته (التاج) أهـ. وأنت ترى أنه لم ينقل إلا نص التاج وكان عليه أن يحقق الأمر بنفسه. فأنظر كيف يجب أن يعتمد على أن ينقله المؤلف رحمه الله.
الحرباء
قال المعلم بطرس البستاني في محيط محيطه في مادة ح ر ب: الحرباء. . . معرب حربا (وضبطها بضم فسكون فباء مفتوحة فألف مقصورة) بالفارسية. ومعناه: حافظ الشمس أهـ. وقف على هذه العبارة صاحب البستان. فقال. . (وهو فارسي الأصل مركب من (حر) أي الشمس ومن (باء) (كذا ممدودة) والمجموع حرباء أي حافظ الشمس).
قلنا: وكل هذا الوهم سرى من فزيتغ وعنه أخذ البستاني الأول عبارته. على أن المستشرق الألماني يقول: ويظن بعضهم أن الحرباء من الفارسية خربا (بلا مد) ومعناه: حافظ الشمس
(لا حافظة الشمس، لان الحرباء مذكر لا مؤنث ومؤنثها حرباء أو أم حبين).
نعم. خور أو خر يعني الشمس، لكن (با) أو كما قال الشيخ عبد الله (باء) لا تعني الحافظ أو الحافظة؛ فمن أين أتى بهذا التأويل؟(6/136)
باب المكاتبة والمذاكرة
أالدفترية أم الذباح
رأيت في باب الأسئلة والأجوبة سؤالا عن وما يقابلها فكان الجواب كلمة الذباح الخفيفة الوزن، ثم أريد مسايرة المتهوسين للغات الإفرنج فأجيز تعريب اللفظة بصورة (دفترية) لان الكلمة اليونانية تدل على لفظتنا المستعملة في لغتنا وهو دفتر أي مجموع أوراق.
مال بعض الناس إلى أن دفتر العربية مأخوذة من اليونانية وهي صفة مؤلفة من بمعنى اثنين ومن بمعنى جناح فيكون المعنى المقصود منها (ذو الجناحين) يراد بهما دفتا كل كتاب أو مجموع أوراق على أنني لم أر اليونانيون استعملوها بهذا المعنى.
واكثر العلماء على أن كلمة دفتر العربية مأخوذة من اليونانية وهي اسم مؤنث ومعناها: (1) الجلد وبهذا المعنى استعملها اقدم كتاب اليونان ومن معانيها: (2) غشاء جاف متين كالذي يستعمل في العود والطنبور؛ ثم توسعوا فيها فجعلوها لكل شئ من جلد نحو (3) لباس من جلد للعبيد (4) طراف (5) كيس من أدم (6) نوع من الرق للكتابة وفي الجمع من هذا المعنى الأخير فقط استعملوها بمعنى الأوراق والمكاتيب ووصفوها بالملوكية وأرادوا بها أخبار ملوك الفرس ووصفوها بلفظ نحاسية وأرادوا بها صفحات من نحاس رقيقة تحفر فيها حروف واشتقوا منها كلمات أسماء وأفعالا فمن الأسماء دفثريياس المكسو جلدا وذفثرينوس جلدي من جلد وذفثريس سريدة من جلد تغشى بها مفاصل ألواح السفينة وذفثروبوليس، جلودي، من يبيع الجلود. ومن الأفعال، ذفثرو: جلد ولم يشتقوا منها كلمة بمعنى الذباح وما أظن الروم من بعدهم استعملوا كلمة ذفثري بمعنى الذباح وأظن أن الإفرنج في الزمن الأخير اشتقوا ذفثرا من معناها الثاني(6/137)
كلمة ذفثريا ووضعوها للذباح إذ من مميزات هذا المرض أن يعض لمن به غشاء كاذب فاليوناني اليوم يفهمها لأنها أخذت من اظهر معانيها عندهم.
أما نحن العرب فقد أخذنا من معاني ذفثرا معنى واحدا هو أقل معانيها استعمالا بين تلك الأمة فإذا جئنا اليوم بذفثرية فلا نجد مناسبة بين الدفتر والذفثرية أي الذباح فيأتينا بعض المتحذلقين ويتحمل لها عللا ما انزل الله بها من سلطان كما تمحلوا لمنجنيق ولا يساغوجي
وما أغنانا عن فتح هذه الكوة وعندنا الذباح؟
هذا ما رأيته وتفضلوا بقبول فائق احترامي سيدي
حيفا (فلسطين):
رشيد بقدونس
(لغة العرب) أن الذين يقولون دفترية (والغالب دفتريا) يحاولون التقرب من الأجانب ومن مصطلحاتهم لكنهم ينسون أن عملهم هذا يبعدنا عن فهم كلام السلف ومصطلحاتهم وهذا ما لا نرضاه لنفسنا وكلمتنا العربية تشير إلى فعل هذا الداء المشؤوم في الإنسان أي أنه يذبحه ذبحا أو يقتله قتلا وكان الأمر كذلك في اغلب الأحيان قبل اختراع المصل الشافي منه وكنا نحن أول من ذهب إلى أن كلمة (دفتر) يونانية الأصل في مقالتنا الألفاظ اليونانية في اللغة العربية.
السميدع
وصلني الجزء التاسع من مجلتكم فوجدتكم تقولون في ص 5: 519 أن السميدع تكتب بالدال المهملة وأنا أوافقكم على قولكم هذا، إذ قد كثر لفظ السميدع في الأشعار القديمة. ومما كتبته على حواشي نسختي للسان العرب ما قاله بن اوس:
لكل فتى رخو النجاد سميدع ... واشمط لم يخلق جبانا ولا وغد
ولبشر بن أبي خازم هذا البيت وهو في مختارات ابن الشجري:
وهم وردوا الجفار على تميم ... بكل سميدع بطل نجيب
(الجفار بالراء موضع وقد طبع الجفان بالنون فهو تحريف ظاهر)
وانشد طفيل الغنوي:(6/138)
وفينا ترى الطولى وكل سميدع ... مدرب حرب وابن كل مدرب
وقال فضالة بن شريك:
بكل سميدع واري الزناد.
ولسعدي بنت شمردل هذا البيت:
متحلب الكفين أميت بارع ... أنق طوال الساعدين سميدع
وجاء في كتاب الألفاظ لابن السكيت: (السميدع السيد الموطأ الأكناف) إلى غير ذلك وهو كثير جدا في أشعارهم. وقد طبع العلامة المرحوم الأب لوس شيخو في شعر الخنساء هذا البيت:
فلئن هلكت لقد غنيت سميذعا
بإعجام الذال وأظنه غلطا: أما في الأصل وأما في النقل. والصواب الذي لا يشوبه ريب إهمال الدال، كما بينا ذلك وكما أثبتموه في تحقيقاتكم.
بكنهام (انكلترة):
ف. كرنكو
معجم دوزي
وقع بيدي منذ بضع ساعات الملحق بالمعاجم العربية لمؤلفه المستشرق والهولندي دوزي وتصفحته تصفحا مجملا، فوجدت فيه غرائب وعجائب وقد خبط في نقله خبط عشواء غير متدبر ما يقع في اللفظة الواحدة من التصحيف والتحريف فيدون ما يراه كأنه حقيقة لغوية لا شائبة فيها. من ذلك ما وقع عليه نظري في مادة كلت فقال؛ الكتلة (وضبط الأول بالفتح والكسر والثاني بالسكون): الحفرة المملوءة ماء والبحيرة والمستنقع والغدير ثم ذكر أسماء الكتب التي وجدها فيها وهي كلها كتب إفرنجية. وقال أن بعضهم كتبها بالكاف الفارسية المثلثة النقط. وكل هذه التأويل ليست بشيء ولو قال بعد ذلك هي تصحيف للقلت في لغة بعض العوام لأصاب. والقلت (بفتح فسكون) النقر في الجبل يستنقع فيها الماء. هذا هو الصحيح المعتمد عليه وإلا فلو كانت كل لفظة تدون في المعاجم لتشويه يقع فيها لأصبحت دواوين اللغة عشرة أضعاف ما هي عليها ألان، بل ربما عشرات الأضعاف.
ب. م. م(6/139)
أسئلة وأجوبة
الألسنية
س - بغداد - ب. م. م - كتبتم في السنة الخامسة من مجلتكم (ص 335) تعليقة صغيرة على اصطلاح حضرة الأب الفاضل ا، س مرمرجي الدمنكي ناكرين عليه قوله (الألسنية السامية) تعريبا لقول الإفرنج:
فقلتم: (هذا من وضع الأب صاحب المقال ونحن لا نوافقه عليه) ولم تذكروا السبب، مع أن أمثال اصطلاحه كثيرة في لغتنا: من ذلك الداخلية والخارجية بتقدير الوزارة والنظارة وكقولنا: العربية والفرنسية بتقدير اللغة فحذف الموصوف واستغني عنه بالوصف. ثم النسبة إلى الجمع كثيرة الأمثلة أيضا ومنها: الملوكي والثيابي والدجاجي إلى غيرها وتعد بالمئات لا بالعشرات. - إذن لماذا أنكرتم على الأب اصطلاحه؟ أفلا يقال ما قال أو يقول، فما هي أسبابكم؟
ج - لا يقال (الألسنية) بالمعنى الذي أشرتم إليه (ولا يمكن أن يقال) بل ولا يخطر على بال ابن عربي أو ناشئ في بيئة عربية. والسبب هو هذا: (انك إذا أضفت (أي نسبت) إلى جمع أبدا، فانك توقع الإضافة (أي النسبة) على واحدة الذي كسر عليه ليفرق بينه إذا كان اسما لشيء واحد وبينه إذا لم ترد به إلا الجمع فمن قول العرب في رجل من القبائل قبلي (مثل سببي) وقبلية (مثل سببية) للمرأة). . . (عن سيبويه بحرفه 88: 2 من طبعة مصر) على انهم قد أجازوا الإضافة أو النسبة إلى الجمع. لكن متى؟ في عدة موطن اشترطوا فيها شروطا عدة ومن جملتها هذا الشرط (أن يكون وزن الجمع له نظير في (كثير من المفردات) (عن شرح الطرة ص 305) والحال أن (الألسن) على وزن افعل بفتح الأول وضم الثالث. ولم يرد هذا الوزن في العربية كلها سوى(6/140)
حرفين وهما: إصبع وأنملة على لغة من ينطق بها. ولهذا يمتنع أن يقال: (الالسني) بتاتا.
هذا من جهة النسبة إلى الألسن. وهناك سبب آخر يمنع اتخاذ الألسنية بالمعنى المطلوب في الإفرنجية وذلك أن الموصوف لا يحذف إلا إذا كان هناك قرينة هي كثرة الاستعمال أو
شهرة الموصوف أو نحو من الألفاظ التي أشرتم اليها، والا جاز حذف الموصوف في كل موطن لقلنا: الدمنكي وأنت تريد الأب أ. س. مرمرجي مع الدمنكي يدل على راهب اتخذ طريقة القديس دمنك (أي عبد الأحد).
نعم يقال الدمنكي وتريد به الأب المشار إليه وذلك إذا جاء المذكور مثلا في بلدة ليس فيها أحد من اخوته فتتكلم عنه في بادئ الأمر فتسميه باسمه الحقيقي ثم إذا أتاح لك الحظ أن تشير إليه في كلامك مرارا عديدة فحسبك حينئذ أن تقول الدمنكي وحده فيفهم الناس الراهب الذي تعنيه. إذن ترى من هذا أن الموصوف يحذف وتنوب عنه الصفة، إذا كان هناك ما يدل على حذفه. أما أنه يحذف حيثما يراد فهذا لم يرد في كلامه السلف والوهم فيه لا يخفى على بصير.
ولعلك تريد أن اذكر لك علة ثالثة لامتناع هذه التسمية. فدونكها؛ أن الألسنية لا تفيد المعنى الإفرنجي، بل حتى قولك المقابلة الألسنية، لان هذا الاصطلاح يناظر قولهم: لا غير. فإذا سلمنا أن ما اصطلح عليه الأب المحترم يقلبه ومعه بعضهم، فما الذي يقوله في التعبير الإفرنجي الذي ذكرناه له؟ فلعله يقول: (المقابلة اللسانية) لكن المقبلة اللسانية والمقابلة الألسنية في لغتنا لا تفيدان إلا مفادا واحدا من جهة صميم المعنى. إذن لم يبق فرق بين التعبيرين الإفرنجيين فينجم من هذا التعريف عوار، بل شنار، لا بل تشويه فظيع. وقانا الله شرهما.
وعندنا أن ما يقابل ما سماه الأب (الدمنكي) (الألسنية السامية) هو: (مقابلة أسرار الألسن السامية) فهذه أربع كلمات تقابلها خمس في الإفرنجية وتعبيرها أدل من تعبيرهم. والمفهوم واحد. فالفيلولوجية لا يرادفها عندنا في لساننا إلا (اسرر اللغة) لا غير. فافهم ولا تغتر بظواهر الأدلة.(6/141)
لحم البقر
منها ومنه - وذكرتم في تعليقه أخرى على مقال الأب مرمرجي المحترم أن كلمة (لحم) هي عندكم بمعنى (خبز) فانتقلت بصورة (لقم) العربية لان الخبز يكثر في طعام الناس ثم سموا ما يدخل الفم (لقما) من باب التوسع إلى آخر ما قلتم إدعاما لرأيكم هذا.
على أن مدلول (لحم) هو (القوت) مطلقا. فيكون معنى بيت لحم: بلد القوت أو الأرض
المخصبة كما يؤيد ذلك مرادفها (افراثة) التي معناها المخصبة، فهذا التأويل لا يتفق وتأويلكم. فما رأيكم الأخير؟
ج - تأويلنا أوسع نطاقا ما ذهب إليه حضرة الأب مرمرجي المحترم. لأننا أولنا اللحم واللقم يدل على كل ما يؤكل بقلا كان أو حبا، مطبوخا كان أو غير مطبوخا. فإذا كان كذلك، جاء معنى بيت لحم: بلد اللقم أي بلد كل ما يؤكل. وهذا لا يكون إلا في البلد الخصب وهو يوافق معنى افراثة أكثر من قولنا بلد القوت. لان القوت خاص بما يغذي من الأطعمة ولما كان المأكول قد غير مغذ لم يفد فائدة اللقم إذ اللقم يقع على كلا المعنيين: المغذي وغير المغذي.
أما أنه قد يخصص فيكون بمعنى الخبز فباب التخصيص لا تخلو منه مادة من مواد العربية. وهذه مادة ل ق م نفسها فانك ترى فيها: اللقم (بالتحريك) ويراد به معظم الطريق. وما ذلك إلا لان وسط الطريق يتلقى أرجل المارين على اختلاف أنواعهم كما يتلقى الفم الأطعمة فجعل لمعنى الطريق معنى خاص وذلك على هذا الوجه الذي أشرنا إليه من باب التخصيص إذ من بعد اكانت المادة تعني إدخال الشيء في الفم نقلت إلى الطريق لما هناك من عمل يشبه عمل الفم.
وبعد هذا الشرح ترانا في سعة عن العودة إلى البحث مرة ثانية. لأنه إذا كان الكلام لا يقنعكم، فلا يقنعكم وجود الشمس في رائعة النهار حين تصرون على القول بأن الظلمات ضاربة إطنابها في وقت يقول لكم الناس الخلاف.
على أننا إذا رأينا من يفند أقوالنا تفنيدا منطقيا علميا بلا تهويل وشقشقة فلا نبطئ في أن نسلم لغيرنا الحق إذا ظهر لنا ولغيرنا معا.(6/142)
باب المشارفة والانتقاد
17 - التاريخ العام
الجزء الأول لمؤلفة رشيد بقدونس في 572 ص بقطع 12 مع 14 خريطة
الجزء الثاني في 704 صفحات بقطع 12 أيضاً لمترجمه رشيد بقدونس أستاذ التاريخ والجغرافية في المدرسة التجهيزية سابقا، حقوق الطبع محفوظة للمترجم، طبع في مطبعة الترقي في دمشق 1924
هذا التاريخ موضوع في جزءين، يبحث الجزء الأول منها عن شعوب آسية وأوربة القديمة. والثاني موضوعه شعوب البربر وشعوب أوربة في القرون الوسطى والترك والعرب والحكومات الإسلامية والكتاب في قسميه موافق لبرنامج الصف الثامن من المدارس التجهيزية وأقرت رئاسة المعارف في سورية تدريسه بقرار لجنة الترجمة والتأليف الصادر بتاريخ 22 تموز سنة 1924 رقم 107.
والذي يلاحظ في هذا التأليف أو هذا النقل إلى لغتنا أن الأستاذ اتخذ الكتابة التركية لتصوير الأعلام الإفرنجية فيقول مثلا فره دريق وغره غوار والسجليتين. . واينوسان. . . وأهل الصليب. . وهو يريد فريدريك وغريغوريوس والصقليتين وانوشنسيوس والصليبيين فأين هذه الأسماء من تلك؟ فالظاهر أن المؤلف لم ينقل هذه الأسماء رأسا عن أصحاب التأليف أنفسهم بل عن التركية وإلا لا يجوز لنا أن نتلاعب بالأعلام كيفما نشاء لان ما كان لاتيني الأصل ينقل بلاتينيته وما كان إيطاليا يؤخذ بإيطاليته إلى غيرهما من اللغات المعروفة نعم إننا نرضى بأن تعرب بعض الأعلام الإفرنجية على الوجه الذي عربه السلف في سابق العهد فاشتهر بذلك الوجه كطليطة وغرناطة وبلد الوليد لما يسميه الغربيون: توليدو، وكريناده، وفلدوليد، من أعلام المدن وبطرس وبولس ولوقا من أعلام الرجال؛(6/143)
أما الأعلام التي لم تشتهر عد السلف، أو لم يجر فيها على صورة واحدة فتصرف فيها كل مؤلف أو كل أخباري على ما هواه خاطره فالتقرب من الرواية الإفرنجية احسن واضبط والأسماء التي رواها المؤلف قريبة من اللغة الفرنسية بعيدة عن أصحاب الأعلام أنفسهم وعن مزية لغتنا العربية. فكان يجب إذن أن تروى على ما يرونها هم بلسانهم
الخاص بكل قوم من أقوامهم لا كما فعل حضرته.
وعليه لا نوافقه أبدا في اغلب ما أورده من الأسماء فأنها غير صحيحة في نظرنا ومخالفة لأوضاعهم وأوضاعنا معا. وموافقة للتركية فقط. .
ثم أن حضرته خالف نقل الألفاظ العربية صريحة لما نقله السلف واتبع في ذلك منقولات ومصطلحات الترك. فقد قال مثلا في الاركون: أرخونت (237: 1). وفي الخنفساء: اسقارابة (ص 42)، والمدرج (بتقدير المسرح) انفي تياتر (ص 525) والمسكوني: اكومونيك (ص 453) والعراعر: أوباترينس والمشبى (بضم الميم وفتح الباء) اوغوست (446) ولو قال اوغسطس لكان أهون، والشبر: اوقاريست (446) ولو قال اوخارستية لكان ايسر، والمتفائل: اوكور (334) والبطريق: (313) والكاهن: بره تر (435) ثم قال:. . . ولم يستعملها اليونان القدماء بغير هذا المعنى، ولما أخذها الافرنسيون حرفوها لفظا ومعنى حتى صار معناها اليوم راهب (كذا). أهـ. قلنا: الأقدمون منا استعملوا الكاهن. وأما قوله أنها اليوم يعنون بها الراهب فغير صحيح إذ الراهب هو بالفرنسية أو وأما الكاهن فهو
ولا نريد أن نستقصي جميع الألفاظ التي نقلها عن الفرنسية بحروف عربية لأنها كثيرة. ولهذا أصبح كتابه متعبا على من يطالعه لما يتدفق فيه من هذه المفردات الغريبة الكتابة والمعنى والمبنى؛ فلا نتعرض لها.
على أن العيب الكبير في هذا السفر وهو العيب الذي لا يغتفر أن المؤلف أو المعرب أو الناقل روى أخباره كلها عن كاتب معاد للكاثوليك وقد سدك بهم كل شنيعة بلا أدنى تحقيق، فكان يجب على من يكتب مثل هذه التآليف أن يطالع ما يفتريه قوم على قوم، فم ينصف في حكمه. وإلا فإذا كانت الأخبار هي انتقام وتشف لعدو من حزبه الخصم، فالكتاب لا يساوي دانقا. وهذا ما نجده في جميع(6/144)
ما يرويه من الأخبار التاريخية، فالكاثوليك لا يلتفتون إلى مثل هذه التصانيف سواء أكان أصحابها من أبناء الغرب أم من أبناء الشرق؛ إذ ما نصيب الكذب والبهتان وتزوير الأخبار إلا نبذها في زوايا النسيان ونحن نأسف على أن يكون صديقنا قد جرى في هذا الوادي، وادي تضلل.
18 - جلال خالد
قصة عراقية موجزة
1919 - 1923 بقطع الثمن، لمحمود أحمد السيد المدرس (حقوق الطبع محفوظة له)، مطبعة دار السلام في بغداد 1928.
كلنا نعرف محمود أحمد أفندي وانه شاب متوقد الفؤاد يحسن صوغ الروايات ويبرزها بثوب شفاف عن الحقائق الملموسة التي لا مبالغة فيها. وهذه القصة هي من هذا الطرز فلا عجب إذا اقبل العراقيون على مطالعتها.
19 - المجلة الطبية المصرية
لسان حال الجمعية الطبية المصرية (السنة الحادية عشرة) سنتها عشرة شهور. العدد الأول يناير 1928، الإدارة بشارع زين العابدين بالسيدة (بمصر القاهرة).
تلقينا للمرة الأولى الجزء الأول من هذه المجلة النافعة فوجدناها من أفخر المطبوعات مادة وجوهر. عدد صفحات الجزء الواحد 9 في اللغة العربية و26 في اللغة الإنكليزية هذا عدا ما فيها من الإعلانات الطبية الكثيرة في صفحات على أننا نرى أصحابها يتساهلون في لغتهم كل التساهل واغلب مقالاتهم لم تصحح من خطأها في التعبير. ومن أبحاثها مقالة في الجواتر الجحوظي. وقد ذكرت الجواتر بهذه الصورة مرارا عديدة، مع أننا نعلم أن هذه العلة كانت معروفة عند أطباء السلف باسم الجدر (وزان سبب) أي فلا نرى موجبا لإهمال العربية الخفيفة على اللسان الشائعة في العراق والتمسك بجواتر الغليظة الضخمة، على أن الذين يغلب في مقالاتها اصح الآراء وأثبتها في علم الطب الحديث، فنتمنى لها الروح بين ظهراني الناطقين بالضاد.(6/145)
20 - المفاوضات الروحية
بين النفس وقلب يسوع في سر القربان الأقدس
صنفه مؤلف كتاب المتعبدين لقلب يسوع الأقدس، طبع طبعة ثانية متقنة بالمطبعة السريانية الكاثوليكية في بغداد في 502 ص بقطع 16.
هذا الكتاب طرفه من الطرف، حسن الورق، والطبع والتصاوير، وبالأخص: حسن الأقوال
فصيح العبارة ينفذ إلى أعماق النفس حتى أنه ليؤثر فيها أثرا مفيدا. ونحن لم نقرأ تصنيفا تقويا محبوك المعاني وأننا لنوصي به جميع الذين يودون السير الحثيث في طريق الكمال المسيحي، أو السلوك في الباطن سلوكا تظهر آثاره في جميع ما رأيته المرء من المحامد التي هي مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.
21 - القسم الأخير من كتاب تجارب الأمم
لأبي علي أحمد بن محمد المعروف بمسكويه، مع نخب من تواريخ شتى تعلق بالأمور المذكورة فيه، وقد اعتنى بنسخة وتصحيحه هـ. ف. آمدروز.
وهو في ستة أجزاء وفهرست. والأجزاء الثلاثة الأولى عربية النص والثلاثة الأخرى ترجمتها بالإنكليزية بقلم د. س. مرجليوث، وكلها بقطع الثمن
مسكويه، لا ابن مسكويه كما يقول بعضهم، ثقة في رواة في التاريخ الذي خطته أنامله. لأنه كان أمين صندوق عضد الدولة من بني بويه، ومعتمده في جميع أموره. ولهذا كان أبو علي واقفا على أنباء زمانه احسن وقوف، فضلا عن أنه كان نقادة لما كن يقع تحت عينيه أو يسمعه. توفي في 9 صفر من سنة 421هـ (17 شباط 1030م).
كان بدئ بطبعه على أن يصور الأصل المخطوط كما هو ويطبع كما تطبع الصور، على نفقة (لجنة ذكرى حب) الإنكليزية؛ لكن ظهر بعد الطبع أن في قراءة الأصل على ما هو عنتا ومشقة، فعدل عنه، ثم طبع بمطبعة فرج الله(6/146)
الكردي في مصر سنة 1914 فجاء سهل القراءة.
والعناية بطبعه عظيمة لأنه وضع في كل صفحة مطبوعة رقم صفحته الأصلية حتى إذا أراد الإنسان التحقيق على ما في الأصل لم يكلف شططا. وضبطت مواطن الأشكال والشبهات ضبطا كاملا. إلا أنه مع ذلك كله وقع خطأ كثير في الطبع. وفي بعض الأحيان كتب متولي تصحيح مسودات الطبع (كذا) لأنه لم يتمهد إلى الرواية الصحيحة. فقد جاء مثلا في 193: 1: وأضاف إلى ما كان إلى أبي الهيجاء من أعمال طريق خراسان وحلوان والدينور. . . ودقوقاء وخانيجان (كذا) والموصل. . . قلنا: كتب (كذا) وراء خانيجان لأنه لم يشاهد في كتب البلدان مدينة بذلك الاسم ولقد أصاب؛ لكن في المدينة معروفة باسم خانيجان (براء في الآخر) ولا نريد أن نتتبع تلك المساقط في جميع مواطنها لان ذلك
يطول.
وكنا نود أن تختلف حروف العناوين أو الفصول عن حروف النص كما كنا نود أن يتخذ في آخر هذا السفر مفتاح لمغلق الألفاظ التي وردت فيه وإن يفرد معجم للألفاظ التي لم ترد إلا في كتب الولدين، ولا سيما في هذا التصنيف البديع الممتع، فقد ورد فيه مفردات جمة، بل لآلئ فريدة نحن في حاجة إلى معرفتها في هذا العصر والى اتخاذها في ما نخطه قياما بحاج القوم.
أما الترجمة الإنكليزية فيكفيها حسنا أن العلامة المستشرق الشهير صديقنا مرجليوث تولى نقلها إلى لسانه. وهي من احسن الترجمات.
وفي الكتاب أخبار كثيرة تتعلق بالعراق ولا سيما ببغدادنا المحبوبة فاقتناؤه واجب على كل من يحب دياره.
والفهرس شامل لجميع الأعلام من أناس وموضع مما يجعل فائدة هذا التاريخ على طرف الثمام. وبذلك النفع العام.
22 - المحراث
مجلة زراعية صناعية اقتصادية، صاحبها ومحررها: ادوار غالب مهندس زراعي.
جاءنا الجزء الأول من هذه المجلة الزراعية النافعة وفيها عدة مقالات في(6/147)
شجرة الزيتون وغرسها والعناية بها. والمحراث قديما وحديثا وداء الهريان في الكرمة أي ونظرة في تربية الحيوانات الداجنة، وآكلة التفاح إلى غيرها. والظاهر من عبارة صاحبها أنه غير متمكن من لغتنا وغير عارف المصطلحات الفنية، فقد ذكر في ص 30 من هذا الجزء (وعدد صفحاته كلها 32) أسماء أزهار بالافرنسية والعربية خبط فيها خبط عشواء إذ ذكر منها ثمانية ولم يصب إلا في اثنين وسائر لأسماء غير صحيحة، بل مشوهة أشنع تشويه. عزى الله أصحاب هذه اللغة بما يفعله بها أولادها الضعفاء.
23 - جامع التصانيف الحديثة
التي طبعت في البلاد الشرقية والغريبة والأمريكية، الجزء 2 يحتوي على مطبوعات سنة 1927 الموافقة لسنتي 1335 - 1346هـ، في 60 صفحة بقطع الثمن الصغير عني بجمعه
وترتيبه يوسف اليان سركيس الدمشقي.
صديقنا القديم السيد يوسف اليان سركيس ممن ولع بالورقة (بالببليوغرافية) وهو يعالجها منذ أمد بعيد، وله تحقيقات في هذا الموضوع تشهد له بعلو كعبه فيها. وهذا الثاني يتمم صنوه الأول الذي ذكرناه في هذه المجلة (614: 4) وقد اصلح فيه الأغلاط التي كانت وقعت من قلمه في ذلك الجزء وزاد فيه ما كان قد اغفل عن ذكره فيه من المطبوعات.
وقد لاحظنا أن المؤلف لا يهتم بما ينشر في العراق إلا من بعيد، فقد فاته ذكر مؤلفات عديدة طبعت في حاضرتنا في مطابعها المختلفة، ولا سيما مطبعة دار السلام ودار الطباعة الحديثة ومطبعة الحكومة والمطبعة السريانية. فالظاهر أنه لا يعرف منها إلا النزر القليل الذي لا يكاد يعد. وقد ذكرنا نحن بعض هذه التآليف التي أهديت ألينا؛ فلو راجع مجلتنا لزادت بضاعته.
وفي بعض الأعلام خطأ في النقل فقد ذكر في الرقم 342 اسم القس يوسف كركي الكلداني وأعاد هذا الغلط في الفهرس (ص 60) والصواب كوكي بواو بين الكافين الفارسيتين.(6/148)
وفي هذا الجزء ذكر 394 كتابا مطبوعا. فهو مفيد لكل من يود الوقوف على أسامي المصنفات ومحال طبعها.
24 - خواطر الأخت ماري ليسوع المصلوب
للأب دنيس بوزي من كهنة جمعية قلب يسوع، تعريف الأب انستاس ماري الكرملي الحافي، طبع بالمطبعة الرسيانية الكاثوليكية في بغداد سنة 1926، في 177 ص بقطع الثمن الصغير.
الأخت ماري ليسوع المصلوب راهبة كرملية حافية عاملة، ومولدها في عبلين قرب شفا عمرو (فلسطين) في سنة 1846 وتوفيت برائحة القداسة في دير كرمليات بيت لحم؛ ولم تكن تعرف القراءة والكتابة، إلا أنها اشتهرت بمكارم أخلاقها، وكثيرا ما كانت تخطف بالروح فتتكلم بأمور عالية وهي لا تشعر بما تنطق به فكانت الراهبات من حواليها يكتبن ما كانت تتلفظ به ولم يذكرنه لها في حياتها. وفي هذه السنوات الأخيرة نشر أحد الأدباء من جمعية قلب يسوع بعض تلك الخواطر التي تنم على فضل غير مألوف وأفكار في أقصى السمو. وقد نقلنا إلى لغتنا هذه الأفكار وهي تباع عندنا بربية واحدة.
25 - النشء الجديد
مجلة مدرسية علمية أدبية شهرية لسان حال النهضة الحديثة، لصاحبها ورئيس تحريرها: عبد الرزاق الناصري، العدد الرابع السنة الأولى. مارت سنة 1928، طبعت في المطبعة الكاظمية في العشار (البصرة).
تلقينا من بريد البصرة الجزء الرابع من هذه المجلة. وكان قد ظهر منها ثلاثة أجزاء، ثم احتجبت بأمر من وزارة المعارف. والآن افرج عنها وعادت إلى النشور. وهي تصدر في 42 صفحة. وأبحاثها تفيد المدارس ومن ينتمي إليها معلمين ومتعلمين:
وكنا نود أن نرى أغلاط طبعها قليلة ليسلم التلميذ عند مطالعتها من العثار(6/149)
في كل صفحة من صفحاتها. ومن العادة المألوفة أن الطابع يجيد تنضيد الوجوه الأولى ونرى مع ذلك في الصفحة 121 وهي الأولى من هذا الجزء قوله: فأسف كل صديق مخلص وتشمت كل حسود مناوئ. والمعنى يطلب هنا أن يكون الفعل: ويشمت كل حسود وفيها. . . أما الآن وقد عدنا إلى ما بدأنا به، فقد صار من اقدم واجباتنا. . . ولعل الصحيح هو: من اقدس واجباتنا، إذ لا معنى للقدم هنا - وفيها التي تنتمي بكل فخر أليها. . . ولو قال: ننتمي إليها بكل فخر لكان أسد.
وعلى كل حال لا يلتفت إلى هذه الهنات لما فيها من المواضيع المفيدة لأبناء المدارس، فعسى أن لا تحتجب كما احتجبت أخواتها الكثيرة.
26 - كتاب الرد على الزنديق اللعين ابن المقفع عليه لعنة الله
للقاسم بن إبراهيم عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم، ضبط متنه وترجمه إلى اللغة الإيطالية وعلق عليه الحواشي، ميكائيل انجلو جويدي الأستاذ بجامعة رومية وبالجامعة المصرية، طبع بمطبعة أكاديمية لنجاي الملكية في رومية سنة 1927 في 56 صفحة عربية و128 صفحة إيطالية بقطع الثمن.
الأستاذ ميكائيل انجلو هو ابن الأستاذ الشهير اغناطيوس جويدي المعروف بتآليفه المختلفة في اللغات الشرقية المتعددة. واليوم يجري النجل على آثار والده وقد أهدانا هذا الكتاب (الرد على ابن المقفع) ناقلا إياه إلى لغته الإيطالية وهذا الكتاب وأشباهه من انفس
مذخرات السلف، لان أغلبها اتلف ولم يسلم منها إلا ما لا يكاد يذكر. وهذا لم يسلم إلا لأنه جاءنا على يد خصمه الذي يظن في نفسه أنه فنده. ونحن لا نرى رأيه، لان هذا الرد في منتهى الفهامة ويدل على عجز في المفند، ولعل ذلك كان حيلة منه لينقل إلى الأجيال الآتية رسالة ابن المقفع التي يعترض فيها على بعض الايات، فيطبع في النفوس آراء من نعته بالزنديق ليروج على عقول الأغرار بضاعة ابن المقفع.
هذا من جهة الآراء، أما من جهة عبارة القاسم فأنها مسجعة يظهر فيها التكلف وتكرار لفكر الواحد بألفاظ مختلفة. مما يدل على قلة المادة في فكر المفند.(6/150)
على أن الكتاب يبقى نفيسا في نظر العلماء لأنه يطلعنا على رأي ابن المقفع وعلى المذاهب الشائعة في عصره.
وكان المرحوم الأب لويس شيخو اليسوعي قد ذهب إلى نصرانية ابن المقفع وهذا كلامه: (وقد اشتهر كثير من الكتاب والمصنفين بين النصارى، نستغني بذكر بعضهم. فمنهم: ابن المقفع الكاتب المشهور. . . (مجاني الأدب 308: 4 في الحاشية)، مع أن النصرانية لم تخطر على بال ابن المقفع، قال صاحب الفهرست. . . واسمه بالفارسية روزبة وهو عبد الله بن المقفع ويكنى قبل إسلامه أبا عمرو فلما اسلم اكتنى بابي محمد. . .) وقد ذكر غير واحد أنه لم يكن مسلما صادقا وكان يبطن المجوسية. أما الصحيح فانه كان زنديقا وهذا كتابه يشهد على هذه الحقيقة.
دع عنك ما في الكتاب من سقم التعبير فإن إنشاء القاسم لا يداني إنشاء ابن المقفع، ولو عن بعد. فقد قال مثلا في ص 9: فإن هم ثبتوا له اسما غيره لم يكن إلا مفعولا. وإن كان هو اسمه كانت أسماؤه ممن سماه فضولا، والفضول عندهم من كل شئ فمذمومة (كذا)، وأسماؤه إذا كلها شرور ملومة. فهل يبلغ هذا من القول، إلا كل أحمق أو مخبول (كذا ولعلها أو مجنون). وقال الرحمن الرحيم، فلمن زعم. ألنفسه أم للأصل الذميم؟ فإن كان عنده رحمنا رحيما. لمن لم يزل عنده شرا ملوما. أن هذا (كذا) لهو أجهل الجهل، والرضى عما ذم من الأصل. وإن كان إنما (كذا) هو رحيم رحمان لما هو من نفسه إحسان، فهذا احول المحال واخبث متناقض الأقوال)
قلنا: ونحن وضعنا (كذا) كلما اقتضت الحال. وكل ذلك يدلك على سقم التدليك وسقم
العبارة. فكيف يدرك الظالم شأو الضليع.
وقد أفادنا حضرة المعتني بطبعه أن المؤلف من أئمة الشيعة الزيدية وتوفي في سنة 246هـ سنة 860م والرد يرى في الخزانة الانبروسية في مجموع رسائلها كلها للإمام المذكور وبينها رد على النصرانية وقد نشره من مدفنه وطبعه أ. دي ماتيو في 63 صفحة.
أما ترجمة الرد على ابن المقفع إلى الإيطالية والحواشي التي زينت بها فمما يظهر مقدرة ناشر الكتاب وتضلعه من لغتنا العربية وقوفه على العلوم الإسلامية(6/151)
فعسى أن يزيدنا من نشر أمثالها.
27 - ديوان الحوماني
الجزء الأول
وقف على تصحيحه (كذا) وعلق عليه ناظمه (كذا) حقوق الطبع محفوظة، مطبعة العرفان. صيدا سنة 1927 في 208 ص بقطع الثمن.
هذا ديوان حسن الطبع والورق، وعناوين قصائده جميعها مبتكرة، وهو أمر ما كان الأقدمون من السلف يعرفونه.
وفي مطالعتنا لهذا الجزء الأول وجدنا فيه أشياء مخالفة لما كنا قد تعلمناه في صبانا فلا نعلم: أمعلمونا جهلوا ما كانوا يلقنوننا إياه، أم أن الناظم هفا هفوات لم يشعر بها. وعلى كل حال إننا نعرضها عليه ليرشدنا إلى خطأنا - أن كان هناك خطأ - وها نحن أولاء نبوبها أبوابا ليسهل على القراء تتبعها.
1 - جعجعة ولا طحن أو مبالغات فاضحة
في بعض الأبيات صناعة بديعية وهي الصناعة التي بارت سوقها منذ نحو نصف قرن ولم تبق إلا في نظم الأقدمين. أو من كان في دماغه خميرة الأقدمين.
من ذلك ما جاء في ص 10:
ضحك الحسام ولست اعذر جفنه ... أن لا يسيل ومن دم عبراته
فقد رأى الاشتراك الفظي بين جفن السيف وجفن العين. فأتى بالعبرات والدم والسيلان. وكل هذا تصنع لا علاقة له بالشعر الحقيقي الذي هو الشعور. ومن مبالغاته قوله في ص
12:
لا اعذر الصخر الأصم وقد وعى ... تنحابها، أن لا تلين صفاته
ومن غريب قوله ما جاء في الصفحة عينها:
يبكي الحمام ولست أنكر دمعه ... أن المحب سخية عبراته
فلا أدري متى كان للحمام دمع.
وقوله في ص 13:
حشد البسيط عليه منه كتائبا ... وانقض منه عليه صقر آزم
قال ناظمه في شرحه: (الضمائر كلها تعود إلى الشعب المظلوم) قلنا: والبيت(6/152)
لا يزال مع ذلك غامضا وإن الضمائر تعود إلى الشعب المظلوم. ثم أي قيمة تكون لشعر يتوقف فهمه على تعليق الشروح عليه؟
والكذب صراح في قوله ص 13
يستنزف الاماق من وقع الظبي ... برق ومن خفق البنود زمازم
وفسر الزمازم بأنها جمع زمزمة وهي صوت الرعد، فأنت ترى أن وقع الظبي يحدث برقا وخفق البنود يسمع زمازم. فكل ذلك من المبالغات التي لا يقبلها ابن هذا العصر.
ومن هذا القبيل قوله في تلك الصفحة:
والخيل تسبح في الدماء فراسب ... في لجها الطامي وآخر عائم
ومثله في ص 16:
كم مقلة للزن فاضت حوله ... وجيوب زهر فتقت وكمائم
والذي نراه هنا أن (كمائم) معطوفة على جيوب و (جيوب) معطوفة على نقلة، و (مقلة) مجرورة. لكنه احتاج إلى ضم كمائم لان القافية مضمومة فضمها هذا فضلا عما في هذا الكلام من المبالغة التي لا تتحقق في حد نفسها.
ومن باب المبالغة المخالفة لذوقها في هذا العصر قوله في ص 29:
هكذا تعلو بهم همم ... دونها ينحط كيوان
فسر كيون: (برج (؟) في السماء. كلا يأخي، كيوان ليس برجا بل هو زحل أي كوكب من الخنس وأما البرج فهو قسم من فلك البروج.
ومن هذا القبيل قوله في ص 40:
بل سيد في حشا الجوزاء صارمة ... يفري وفوق السها تجري به قدم
ومثل ذلك ما جاء في ص 62:
وكنت قبل الهيام فيه ... أجر بردي على النجوم
وكقوله في ص 96:
ترمق حصباء أرضنا حسدا ... عليه حتى الكواكب
ومنه في ص 101:
ما صدنا؟ عن أن يمد على ... هام السماك لمجدنا طنب(6/153)
فلا يعلم أن الذي يصده هو علو السماك نفسه؟
ومن هذا الطرز قوله في ص 102:
من فيض كفيك هذا البحر منفجر ... ومن سمائك هذا الغيث منهمر
يا تاركا حصب الغبراء تحسده ... عليك فوق السماء الأنجم الزهر
وكذلك قوله في ص 105:
أثقلنني، ولو أن بعض خفافها ... جاوزته لآتى على الثقلين
ويشبهه في المبالغة قوله في ص 110:
تحف بها سلاسل من جبال ... نظمن فكن للجوزاء شنفا
وكقوله في ص 119:
فضلت نقيبتك الأنام فكلهم ... في بحر فضلك عائم أو غارق
وفي ص 124:
تحسد حصبائه (كذا) المجرة إذ ... غص بأمثال درها فمه
والصواب حصباؤه. ويضاهيه في المبالغة ما جاء في ص 131:
أمعترضا لهوات الفلا ... بكوماء أكرم بها معتلى
أبت لك إلا السما منزلا ... وإلا زهور الدراري كلا
ونهر مجرتها مشربا
ومن غريب مبالغته ما جاء في ص 63:
يهيجها البرق (اليماني) خافقا ... فتمطرها فوق الغصون السواجع
فلا أعرف ماذا تمطرها الغصون السواجع.
وفي تلك الصفحة:
ولا كهزار القرط منك يهزني ... إليك فزدني من هزارك تغريدا
وأنا أخال أحداً يدعي بأنه يسمع صوت القرط. وقال في ص 187:
فصمت عرى صبر الجميل بأنمل ... تركت معاصمها السور فصيما
ونحن لم نسمع بمعصم يفصم السوار. وجاء في ص 187.
وأضعت قلبي يوم مر فهزمني ... نغم يردده صدى قرطيه
فهل للقرطين صدى؟
لها بقية(6/154)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - السر الفريد مند في بغداد
كان عصر يوم الأربعاء 8 ك 2 موعد قدوم السر الفريد مند الإنكليزي مع عقيلته وآنسته وحاشيته إلى حاضرتنا وحل ضيفا في دار المعتمد السامي وكان أعلن خبر وروده في الجرائد المحلية وقبل أن تحين الساعة التي يجئ فيها، تجمهز طلبة المدارس في الأزقة والشوارع محتجين على الصهيونية ووعد بلفر في شخص المثري البريطاني المذكور وكان بأيدي التلاميذ أعلام وألواح مكتوب عليها: ليسقط وعد بلفور لتسقط الصهيونية. لتحي الأمة العربية لتحي الوحدة العربية) ويقال أن عددهم كان يناهز الألفين. وكان كلما أوغلوا في الشوارع انضم إليهم جموع أخرى إلى أن بلغوا محطة القطار فجاء إليهم مدير الشرطة ومعه شرط خيالة ليشتت شملهم فكان ذلك داعيا إلى اشتداد تحمسهم. بل يروى أن بعض الطلبة حصبوا الشرطة ثم مشوا في وجههم إلى جسر الخر ليقابلوا السر الفريد (مند) إلا انهم لم يوفقوا لرؤية الوزير الإنكليز السابق بل كانوا كلما رأوا سيارة قادمة من أنحاء سورية يتصورون أنها هي. وفي الآخر لم يأت المثري في الساعة المعينة، بل جاء متأخرا بساعة ونصف بعد أن تفرقت الجموع.
وفي آخر هذه المظاهرة قبضت الشرطة على واحد وعشرين شخصا من المتظاهرين واعتقلت عميده وهو الشاب يوسف زينل ثم نفته بعد ذلك إلى البصرة فالفاو.
2 - اجتماع في جامع الحيدرخانة
نهار الجمعة 10 شباط اجتمع عدد من الأهلين في جامع الحيدرخانة (وهي الجمعة الأولى بعد حادثة مظاهرة طلبة المدارس) فانشد أحدهم قصيدة وطنية حماسية وبعد أن انتهى منها واخذ المجتمعون بالتفريق أوقفت الشرطة كمال نصرت منشد القصيدة وعثمان(6/155)
الشيخ سعيد وإبراهيم أدهم الزهاوي وعاصم فليح الخياط ثم أطلق سراحهم بكفالة قدرها ألف ربية عن كل منهم.
3 - الطلبة المعتقلون
قدمت مديرية الشرطة في 11 شباط أوراق المعتقلين لمظاهرات اليوم 8 من شباط إلى محكمة الجزاء. وطلبت المديرية المذكورة من المحكمة تمديد أجل توقيف الطلبة ومن شايعهم فكان قرار المحكمة في 12 شباط أن يطلق سبيل سبعة منهم بكفالة قدرها ألف ربية عن كل واحد، وإن يمدد أجل توقيف عشرين منهم إلى 15 الجاري.
وقد ساقت مديرية الشرطة جميع المعتقلين من أجل المظاهرات إلى بناية السجن المركزي في محل اسمه (السينما أو السنيم) وهو محل خاص بالموقفين حتى ينتهي أمر التحقيق.
4 - بيان من متصرف لواء بغداد بحرفه
أن التجمع في الطرق والشوارع والميادين العامة وتسير المواكب فيها والاجتماعات في المحال العامة ممنوع بدون أذن من هذا المقام. ومن يخالف ذلك يعرض نفسه إلى أحكام الباب الثالث عشر من قانون العقوبات البغدادي وبيان البوليس لسنة 1920 وقانون التجمعات العثماني.
قرار وزارة المعارف في قضية الطلبة المتظاهرين
قررت وزارة المعارف طرد أحد عشر طالبا من دار المعلمين وخمسة من المدرسة الثانوية وطالبين من متقن الحقوق طردا باتا للمظاهرات التي أقاموا بها.
6 - إرادة ملوكية
اصدر جلالة ملكنا المعظم إرادة أثر مظاهرات الطلبة وهذا نصها بحرفة:
مرسوم رقم 13 لسنة 1928
بالنظر للضرورة الماسة وحفظا للنظام والأمن العام.
نحن فيصل ملك العراق
بموافقة مجلس الوزراء نأمر بوضع المرسوم الآتي وفقا للفقرة الثالثة من المادة 26 من القانون الأساسي.
المادة الأولى - إذا تحقق أن أحد طلاب المدارس ممن لم يكمل الثامنة عشرة من عمره قد اشترك في أي اجتماع غير قانوني أو اقلق أو حاول أن يقلق السلم العام بصورة أخرى يسوغ عقابه بالجلد بعد المعاينة الطبية على أن لا يزيد ذلك على 25 جلدة.
المادة الثانية - على وزير المعارف(6/156)
تنفيذ هذا المرسوم الذي يعتبر نافذا من يوم نشره في الجريدة الرسمية وله أن يصدر تعليمات لتسهيل تطبيقه.
كتب ببغداد في اليوم الحادي عشر من شهر شباط سنة 1928 واليوم العشرين من شهر شعبان سنة 1346.
فيصل
يلي اسم جلالة الملك أسماء الوزراء ووزاراتهم. (راجع لغة العرب 635: 5).
7 - رفيعة تقرير الشرطة عن أعمال الرعاع في حادثة
مظاهرة الطلبة
نشرت الأوقات البغدادية في عددها 4822 الصادرة في 16 شباط تقرير الشرطة بما يتعلق بأعمال الرعاع في حادثة مظاهرة الطلبة ونحن ننقله بحرفة عن الجريدة المذكورة. قالت:
(يقدر أن الجموع التي احتشدت على السدة بلغ عددها عدة آلاف من الناس وكان هناك، علاوة على الطلبة. عدد كبير من الغوغاء وعناصر المدينة التي لا تراعي للقانون حرمة. وكانت الجموع بحالة من الهياج بشعة للغاية. واكثر المتظاهرين من رمي الحجارة والقناني واستعمال العصي. وكان البعض حاملا المسدسات يطلق عياراتها النارية في الفضاء. ولقد أوقفت السيارات الخارجة من المدينة والداخلة إليها وفي أحوال كثيرة تعمد المتظاهرين إلحاق الأذى بها. إذ شتم سائقو السيارات والركاب وأهينوا واعتدي عليهم وفيما يلي الحوادث التي وردت ألينا:
(1) كان المستر ج. نيرن وصحبه ذاهبين لملاقاة القافلة الآتية إلى العاصمة فأوقفت سيارتهم على السدة حوالي الساعة الخامسة والنصف مساء. وقذفت الحجارة على السيارة فتركت فيها أثرا ظاهرة وضرب اثنان من سائقي تلك السيارات بالحجارة والطين.
(2) وكانت سيارة نائب مفتش الشرطة العام (في قسم المباحث الجنائية) متوجهة إلى جسر الخر مقلة للنائب المذكور ومفتش الشرطة العام. فأوقفت الغوغاء السيارة المشار إليها في جسر الخر بسلك من الحديد مد على عرض الطريق. وقذفت عليها الحجارة والطين ومزق المتظاهرون ثلاثة إطارات (تايرات) وخربوها، كما مزقوا كبوت السيارة.
(3) وأحاط المتظاهرون بسيارة المفتش الإداري فاعتدوا عليها. ورشقت بالحجارة وهي سائرة على السدة. وقد تركت فيها الضربات أثرا ظاهرا.(6/157)
(4) واعتدت الغوغاء على سيارة الكبتين ايفيتس. أحد ضباط الفوج السابع من الجيش العراقي. فمزقت تايرات السيارة. وأطلق المذكور عيارين ناريين من بندقية صيد في الفضاء فوق رؤوس المتظاهرين لإرعابهم فتفرقوا للحال.
(5) وأوقف المتظاهرين سيارة أديب شعبان الآتية من سورية مقلة المثل الأمريكي هوتيش هوفمان وقرينته والمدعو محمد نعماني. وكانوا ركابا. وقد أهين الركاب. وتسلق بعض الغوغاء على السيارة فحطموا نافذة السيارة الخلفية ولما تبين للمتظاهرين أن هؤلاء الركاب لم يكونوا قسما من جماعة السر الفرد موند سمحوا للسيارة بمتابعة سيرها إلى العاصمة.
(6) واعتدى المتظاهرون على سائقين من سيارات (التراكتور) التابعة للسادة كوتريل وكريك فضربوهما ورشقوهما بالحجارة. والسائقان اسمهما اغا جان وآدم، وهما أرمنيان.
(7) وكان المدعو كيروب مدير المزرعة الملكية في الوشاش راجعا بسيارته إلى بغداد فأوقفها المتظاهرون وضربوه هو سائق سيارته.
(8) وكان المستر كروزني، أحد الضباط البريطانيين، مرتديا ملابسه غير الرسمية وراكبا للنزهة مع السيدة فرنون (قريبة جناب مستشار المالية) وبينما كانا واقفين بجواديهما عند معبر الخط الحديدي. وقت أن كانت البوابة مقفلة أخذت الغوغاء تصيح وتصخب في وجهيهما. فنشأ عن ذلك أن خاف جواد الضابط وجفل فرماه وأصيب مجروح من جراء الأسلاك الشائكة التي وقع عليها.
(9) وروى حضرة كميل أفندي غزالة الموظف بمديرية الزراعة أن سيارته أوقفت وإن المتظاهرين سرقوا مسدسه وبعض دراهمه ومزقوا تايرات سيارته.
ووقعت حوادث أخرى لم تبلغ واحدة منها الشرطة. على انه يمكن القول أن الغوغاء اعتدت على جميع السيارات التي سارت على السدة.
(معربة عن الإنكليزية)
وقالت في العدد 4824 الصادر في 18 شباط ما حرفه:
يؤخذ من تقرير آخر لدائرة الشرطة أن الشرطي إسماعيل حسن (رقم 549) انزل عن
صهوة جواده عصر يوم تظاهرة الطلاب، وطعن في خاصرته. وإن(6/158)
المتظاهرين ضربوا الشرطي الراكب محمود احمد (رقم 525) بطابوقة في عينه وانزل المتظاهرون الشرطي الراكب مرزمراد (رقم 558) عن صهوة جواده ثم داسوا عليه فكسروا رجله وانزل كذلك الشرطي الراكب الحاج نوري (رقم 419) عن صهوة جواده وكسر معصمه وأصيب كثيرون من الشرطة بجروح خفيفة من تطاير الشظايا ومن جراء إنزالهم عن ظهور جيادهم ومن جملة من جرحوا حضرة مجيد أفندي السهروردي معاون مدير الشرطة.
8 - فضائع الأخوان
قالت البصرة في 22 الجاري:
أن الطيارة التي أصيبت بالرصاص وهوت إلى الأرض أحاط بها الأخوان وقتلوا الضابط الطيار جاكصون واحترقت الطيارة. وفي صباح أمس عادت الطيارات والسيارات المدرعة بعد أن تزودت بالعتاد الكافي لمطاردة الأخوان ولم يصلنا حتى كتابة هذه السطور نبأ عن نتيجة أعمالها.
وقد جيء برئيس عشيرة الجوارين المدعو دبيسان جريحا مع عدد وافر من رجال قبيلة إلى الشعيبة.
9 - التنكيل بالإخوان
وقالت في ال 23 من الجاري:
تنقسم قوى الأخوان إلى ثلاث أقسام الأولى بقيادة الشيخ ابن عشوان والقسم الثاني بقيادة ابن جبرين - وهو من زعماء مطير البارزين - والثالث ابن حثلين وعل رأس الجميع فيصل الدويش وتتألف تلكم القوات من زهاء ألفين ومائتين رجلا (كذا) و200 فارسا (كذا) من مطير وكانت القوة الأولى قد هاجمت نهار 19 الجاري الطوائف الآتية من قبيلة الجوارين العراقية وهي: القصوم (والعوازم والسوابع وعتواثا) والتيوس والنبهان والشريفات الضاربين حول الباطن الواقع جنوب غربي الزبير على بعد 50 ميلا تقريبا وبعد قتل دام بين الطرفين سحابة ثلاث ساعات تراجعت تلك الطوائف تاركة وراءها مواشيها و (حلالها).
أما الذين قدر لهم الوقوع بأيدي هؤلاء البرابرة فقد ذبحوا ذبح الغنم. وأما القسم الثاني فقد هجم الأعراب الضاربين شمالي الموقع الذي أشرنا إليه آنفا وكانوا يتألفون من المشاعلة وأبو ظهير ففتكوا بهم فتكا ذريع وأستاقوا مواشيهم ونهبوا أموالهم.
وأما القسم الثالث بقيادة ابن حثلين فقد صادف في طريقه قافلة مكونة من خمسة عشر رجلا من(6/159)
الصلبة وقافلة أخرى كانت تقصد الزبير وهي مؤلفة من أربعين بعيرا وخمسمائة رأس غنم فباغتتهم وذبح رجال القافلتين على بكرة أبيهم وأستاق ابلهم ومواشيهم وبينما كان يحاول الهجوم على قافلة ثالثة إذ داهمتهم الطيارات فأنقذت القافلة وألحقت بابن حثلين ورجاله خسائر فادحة في النفوس والأموال.
أما السيارات المدرعة فلا تزال مقتفية أثر الغزاة جميعهم ومطاردتهم بالصحراء وقد علمنا أنها أدركتم نهار أمس بالقرب من الباطن فقتلت منهم أكثر من مائة وأسرت خمسة ولا تزال تطاردهم في الصحراء.
وجاء أيضاً في أخبار الزبير: أن السيارات المدرعة التي ذهبت لمطاردة الأخوان البغاة قد بلغ عددها 33 سيارة وأما أسراب الطيارات فكثيرة. وقد عادت المدرعة في ال 23 من الجاري بعد أن تعقبت الأخوان مدة 3 أيام متوالية وألحقت بالنفوس والأموال خسائر فادحة. فكانت قنابل السيارات تحصد البغاة حصدا وهم منهزمون وواصلت السيارات مطاردتهم حتى آخر نقطة من ماء الرقعي في جنوب غرب وعلى بعد مسير ثلاثة أيام عنها.
وذكرت الأنباء أيضاً أن الأخوان الذين في ال 20 من الجاري على طوائف الجوارين العراقية قد فروا تلقاء النار الحامية التي أصلاهم إياها رجال الجوارين. وترك المنهزمون ما كانوا قد غنموه نهار ال 19 من الجاري. حتى أن ابل الأخوان التي هامت في الصحراء باتت في قبضة رجال الجوارين.
10 - تمثيل مصر في بغداد
جاء في ميزانية وزارة الخارجية المصرية أنه قد وضع في ميزانية 1928 - مخصصات لأربع قنصليات جديدة وهي بغداد (العراق) وهمبورغ (ألمانية) وبومباي (الهند) وكورية (اليابان).(6/160)
العدد 57 - بتاريخ: 01 - 03 - 1928
الكتابات الأثرية العباسية في فلسطين
هذه مقالة لا يعرف شأن منزلتها إلا من عالج هذا الفناء من علم آثار الأقدمين، ولهذا الضرب من العرفان مقام جليل عند المؤرخين والإخباريين لأنه يطلعنا على مآثر الأقدمين وأعمالهم اطلاعا يكاد يكون ملموسا. ولقد كتب كثيرون من الناطقين بالضاد أشياء جمة تفيدنا عن أطلال الأولين في ديار فلسطين، وجاء الإفرنج في هذا القرن الأخير وأماطوا اللثام عن رقم كانت مجهولة عند من تقدمهم فأفادوا فوائد لا تنكر، على انهم لم يستطيعوا أن يتوصلوا إلى كشف الآثار كما أفضى إليها صديقنا المحقق والمؤرخ المدقق عبد الله بك مخلص فإن الإمعان في التثبت من أنباء السلف دفعه إلى كشف كتابات لم يخطر وجودها على بال بشر وهي تفيد جميع المنتمين إلى التاريخ ولاسيما أبناء العراق ولهذا نزف إليهم هذه الرود ونلتمس من حضرة الصديق المدقق أن يطرفنا بمثل هذه البحوث التي لا يمكن أن يعالجها غيره إذ رأينا أبناء الغرب يشهدون له بهذه المزية، وهي شهادة ليست بزهيدة بحق واحد من أبناء العرب.
(لغة العرب)
تمهيد
عنيت منذ مدة بجمع وتدوين الكتابات الأثرية العربية الموجودة في المساجد والمعابد والمعاهد والأضرحة الفلسطينية على نية أن اعلق عليها بعض التعاليق(6/161)
التاريخية وانشرها مجموعة خاصة لأن في نشرها تنوير بعض النواحي المظلمة من التاريخ وكنت أتوقع أن تأتى هذه الكتابات معدودة محدودة فإذا هي كثيرة العدد مديدة السيل تحتاج إلى أعمال الروية وكثرة البحث والتنقيب وتفتقر إلى تعليقات طويلة الذيل وقد أتيح لي الوصول إلى كتابات أموية وعباسية وفاطمية ومصرية وعثمانية زبرت على الحجارة والخشب والنحاس وفي ألواح القاشاني وغيرها من مواد العمارة ووسائط الزخرف. وكانت أكثرها في بيت المقدس ثم في حبرون مدينة الخليل إبراهيم عليه السلام ثم في غزة فالرملة فطبرية فغيرها من مدن فلسطين.
وأني وإن لم أتمها إلى الآن إلا أن كثرتها قد هالتني ووقفتني عن العمل على النحو الذي
كنت ارغب في انتحائه ورأيت أن خير ما اصنعه في هذا الشأن هو استكمال جمعها ونشرها بدون تعليق.
الكتابتان العباسيتان
ومن هذه كتابتان حفرتا في لوحين نحاسيين كبيرين يرجعان إلى أوائل أيام الدولة العباسية التي كان يمتد سلطانها من ضفاف دجلة إلى مصاب النيل وهما كل ما يوجد في فلسطين من هذا النوع، وقد حفظتا في قبة الصخرة القائمة إلى جانب المسجد الأقصى ببيت المقدس.
وقد احكم وضعها إحكاما عجيبا وطليا بالأصباغ والألوان والتذهيب حتى ليخيل إلى الناظر أليهما انهما من وسائط الزخرف التي تراها ماثلة للعيان بكثرة في تلك القبة البديعة المثال ولذلك خفيت على الكثيرين طول هذه السنين العريقة في القدم فلم يذكرهما أو قل لم يذكر عمارة قبة الصخرة من قبل المأمون العباسي أحد من المؤرخين الذين دونوا تاريخ المسجد الأقصى من القاسم أبن عساكر صاحب المستقصي في فضائل الجامع الأقصى إلى مجير الدين الحنبلي مؤلف الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل وما بينهما من المؤلفين الكثيري العدد.
ترميم قبة الصخرة من قبل المأمون
هذان اللوحان هما اللذان دلانا على ترميم قبة الصخرة من قبل الخليفة العباسي عبد الله المأمون بن الرشيد سنة 216هـ 831 م ذلك الترميم الذي لم(6/162)
يأت على ذكره مؤرخ كأنه غير حقيق بالتدوين.
صالح بن يحيى مولى المأمون
وقد استفدنا منهما فوق ذلك معرفة رجل لم تذكره التواريخ هو صالح بن يحيى مولى أمير المؤمنين.
من هو صالح بن يحيى؟
جاء في التواريخ ذكر لإسحاق بن يحيى بن معاذ الجبلي في ولاية الشام للمأمون والمعتصم وقالوا أن أجداده من سمرقند وانه ولي مصر أيضاً سنة 235 هـ 849 م واخرج العلويين
منها بأمر المتوكل على الله.
وجاء ذكر لعلي بن يحيى الأرمني وانه ولي مصر سنة 228هـ 842 م ثم وليها ثانية 234هـ 848م فلعل صالحا هذا هو الأخ الثاني لإسحاق بن يحيى أحد العاملين المذكورين ولعله كان عامل المأمون في بيت المقدس.
المعتصم في الشام ومصر
أما المعتصم فقد كان نائب الشام وأضيفت إليه نيابة مصر وقدم الثانية سنة 214هـ 829 م.
المأمون فيهما
أما المأمون فقد قدم الشام سنة 215هـ 830 م ومنها هبط مصر في مفتتح سنة 217هـ 832 م وعاد منها فيها بعد أن رمم القبة وهو في دمشق قبل مبارحته لها إلى مصر.
الكتابة الأولى
وهذه نسخة الكتابة الأولى وهي مما نقش بالخط الكوفي على لوح نحاسي ملصق فوق الباب الداخلي من الباب الشرقي أحد أبواب الصخرة الأربعة والحروف بغير إعجام.
1 - بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لا اله إلا هو الحي القيوم بديع السموت والأرض ونور السموت.
2 - والأرض وقيم السموت والأرض الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ملك!
3 - لملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء كل ملك لك ومنك(6/163)
ربنا واليك مصيره رب العزة.
4 - الرحمن الرحيم كتب على نفسه الرحمة وسعت رحمته كل شيء سبحنه وتعلى عما يشرك المشركون نسألك اللهم بر
5 - حمتك وأسمائك الحسنى وبوجهك الكريم وسلطنك العظيم وبكلمتك التامة التي بها تقوم السموت والأرض
و6 - بها تعصم برحمتك من الشيطن وتنجي بها من عذابك يوم القيمة وبنعمتك السبغة وفضلك العظيم وبحلمك وقدر
7 - تك وعفوك وبجودك أن تصلي على محمد عبدك ونبيك وبلغنا شفعته في أمته صلى الله عليه والسلم عليه ورحمة الله
ووتحت ذلك بحرف أصغر على يمين اللوح ويساره
8 - مما أمر به عبد الله عبد الله الأمام المأمون أمير المؤمنين أطال الله بقاه في ولاية أخي أمير المؤمنين أبي اسحق بن أمير المؤمنين
9 - المؤمنين الرشيد أبقاه الله وجرا على يدي صلح بن يحيى مولى أمير المؤمنين في شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة ومائة. 8 - مما أمر به عبد الله عبد الله الأمام المأمون أمير المؤمنين أطال الله بقاه في ولاية أخي أمير المؤمنين أبي
9 - اسحق بن أمير المؤمنين الرشيد أبقاه الله وجرا (1) على يدي صلح (2) بن يحيى مولى أمير المؤمنين في شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة ومائة (3). /// الكتابة الثانية
وهذه نسخة ثانية وهي مما نقش على لوح نحاسي ملصق فوق الباب الشمالي الداخلي وهذا الباب يعرف بباب الجنة:
1 - بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لا اله إلا هو الحي القيوم لا شريك له الأحد الصمد لم يلد ولم(6/164)
2 - يولد ولم يكن له كفؤا أحد محمد عبد الله ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله
3 - ولو كره المشركون آمنا بالله وبما انزل على محمد وبما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن
4 - له مسلمون صلى الله على محمد وعبده ونبيه والسلم عليه ورحمت الله وبركته ومغفرته ورضونه.
وتحت ذلك بحرف أصغر على يمين اللوح ويساره
5 - مما أمر به عبد الله عبد الله الإمام المأمون أمير المؤمنين أطال الله بقاه في ولاية أخي أمير المؤمنين أبي اسحق بن أمير
6 - المؤمنين أبقاه الله وجرا على يدي صلح بن يحيى مولى أمير المؤمنين في شهر ربيع
الآخر سنة ست عشرة ومائة. 5 - مما أمر به عبد الله عبد الله الإمام المأمون أمير المؤمنين أطال الله بقاه في ولاية أخي أمير المؤمنين أبي اسحق بن أمير
6 - المؤمنين أبقاه الله وجرا (1) على يدي صلح (2) بن يحيى مولى أمير المؤمنين في شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة ومائة (3). /// تشويه الكتابة الأموية
وعلى ذكر المأمون نرى من باب استتمام الموضوع أن نشير إلى التحريف الذي أحدثته يد صناع في الكتابة التاريخية المنسوبة إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان والمكتوبة بقطع الفسيفساء على دوائر مثمنات قبة الصخرة وهذا نصها اليوم:
(بسم الله الرحمن الرحيم لا اله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله صلى الله عليه. بنى هذه القبة المباركة عبد الله عبد (الله الأمام المأمون) أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين. تقبل الله منه ورضي الله عنه آمين).
وتظهر الجملة التي وضعناها ضمن عضادتين للعين المجردة بأنها مصنوعة لأن حرفها أدق من حروف الأصل ولون فسيفسائها يختلف قليلا عن لون الكتابة(6/165)
الأصلية مما لا تدع مجالا للشك في إنها كانت (الملك بن مروان) ويثبت لنا ذلك بقاء تاريخ بنائها سنة 72هـ 691م بدون تصحيح ولو انتبه المصحح إلى ذلك لكان طمس علينا الحقيقة ولم يتبين الناقد البصير أن تلك الكتابة قد لعبت بها الأيدي والأهواء وإن نقمة العباسيين من الأمويين أصابت النابت والجامد والحي وسبحان محول الأحوال.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
البرغوث أو أبو أربعة
كان يسمي العراقيون النقد الصغير من الفضة المساوي للقرش الواحد الصحيح أو للأربعين بارة (أبو أربعة) أي ذا أربعة غروش رائجة. وأهل ديار الشام يسمونه (البرغوث).
وقد بحث بعضهم عن سبب تسمية هذا النقد بهذا الاسم فقال: لأنه صغير القدر ويسهل انفلاته من اليد كما يفلت البرغوث من اليد إذا أريد قصعه (راجع معلمة الإسلام في مادة (برغوث)) لكنا لا نرى هذا الرأي مصيبا: فلو كان الأمر كذلك لسمي ربع الليرة الذهبية الذي هو أيضاً بهذا الحجم بالاسم المذكور. والذي عندنا إنه سمي كذلك من التركية أي (برغروش) ولما كانت هذه اللفظة قريبة في إذن السامع العربي من برغوث توهم أن القائل ينطق به. وإذا علم القارئ أن لبعض السلف لثغة يجعلون بها الشين المعجمة ثاء مثلثة لم يمتنع عليه قبول هذا الرأي فقد قالوا مثلاً الثابة في الشابة. وغثمر في غشمر وامرأة عثة في امرأة عشة إلى غيرها.
ويقرب لفظ (البرغوث) وهو هذا الصغير من الهوام من اللفظ اليوناني الذي بمعناه وهو برغوس بضم الحروف الثلاثة الأولى وإسكان الواو ومعناه العاض (من صغار الهوام) ومعناه أيضاً الدبى وهو صغار الجراد قبل أن تنبت أجنحته ويكون كصغار القمل أو كالبراغيث.(6/166)
نماذج تراجم من الدرر الكامنة
-
كلمتك مرارا عن هذا الكتاب النفيس الذي يحوي تراجم عدة رجال غير معروفين عند كثيرين من المؤرخين والإخباريين. وكنت قد أخذت بتهيئته للنشر حتى اعترضني كتاب التيجان فأمسكت عن إتمام ما شرعت فيه ريثما أنجز طبع هذا الكتاب الجليل العوائد. أما الآن فقد عدت إلى إتمام مشروعي الأول أي نسخ الدرر الكامنة وتصحيحه ومقابلته على ثلاث نسخ اثنتان منها جيدتان والثالثة سقيمه.
وقد أتممت الجزء الأول من هذا السفر البديع وهو يحوي نحو 2. 500 ترجمة وها أناذا مستعد للإرسال به إلى الهند ليطبع فيها.
وقد استخرجت من هذا التصنيف المفيد أربع تراجم ممن كان لهم صلة بالعراق وبوقائعه وأخباره وهي كالقطر من المحيط.
(حرف الباء)
بوسعيد بن خربندا بن ارغون بن ابغا بن هلاوو المغلي، ملك التتار صاحب العراق والجزيرة وخراسان والروم. قال الصفدي: الناس يقولون أبو سعيد بلفظ الكنية لكن الذي ظهر لي إنه علم ليس في أوله الف، فإني رأيته كذلك في المكاتبات التي كانت ترد منه إلى الناصر هكذا: أبو سعيد، قال: وكان بو سعيد مسلما. حسن الإسلام، جيد الحظ جوادا عارفا بالموسيقى مبغضا في الخمر (كذا لعلها للخمر) أراق منها خزانة كبيرة وكان يرغب في الدخول إلى الإسلام، وهو آخر بيت هلاوو، انقرضوا بهلاكه، أقام في الملك عشرين سنة وكان قبل موته بسنة قد أرسل الركب العراقي إلى مكة فسلب الركب فلما كان في السنة المقبلة جهزهم أيضاً فنهبتهم العرب فسأل عن السبب في ذلك فقيل له: أن هؤلاء أقوام يقيمون في البراري ليس لهم رزق إلا ما يتخطفونه.(6/167)
فقال: نحن نجعل لهم من بيت المال مقدارا يكفيهم ويكفون عن الحاج. ورتب ذلك أمر به فملت في تلك السنة وكانت وفاته بالازد (كذا) في ربيع الآخر سنة 737هـ (1326م) وتأسف الناصر عليه لما بلغه موته.
ترجمة ثانية من الدرر الكامنة في حرف السين
بو سعيد بن خربندا بن ارغون بن ابغا بن هولا و (كذا) المغلي. ولد على راس القرن وتسلطن وهو شاب ونشأ على خير فكان معه العراق وخراسان وأذربيجان والروم والجزيرة وكان قليل الشر، وادعى يكره الظلم ويؤثر العدل وينقاد للشرع، وكان يكتب خطا منسوبا، وكان يجيد ضرب العود. وابطل مكوسا كثيرة، وقد اختتن وهدم الكنائس ببغداد: واكرم من يسلم من أهل الذمة. وهادى الناصر وهادنه وعمرت البلاد. كل ذلك بواسطته وانقرض بموته بيت هولاو (كذا) وقتل الذي أقيم بعده. بعد شهور وقتل وزيره محمد ابن الرشيد. وكان الذي يحمله على عمل الخير. وكان موته بأذربيجان في شهر ربيع الآخر سنة 736هـ (1235م) ونقل إلى تربته بالسلطانية فدفن بها.
بغداد خاتون بنت النوين جوبان زوج بو سعيد كانت أولاً زوج الشيخ حسن وكان بو سعيد يعشقها وكان أبوها يفهم ذلك فلا يمكنها من دخول الاردو. فلما هرب جوبان وقتل أخوها وخرب الآخر إلى مصر اغتصبها بو سعيد من زوجها، وصارت عنده في أعلى مكانة، ويقال إنه لم تكن في تلك البلاد أحسن منها وصار لها في جميع الممالك الكلمة النافذة، وكانت تركب في مركب حفل من الخواتين، وتشد في وسطها السيف، فلم تزل على علو منزلتها إلى أن مات بو(6/168)
سعيد فقتلت بعده وذلك في سنة 736هـ (1335م).
جوبان النوين الكبير نائب المملكة القانية. تمكن من المملكة وأباد عددا كثيرا من المغل وكان أبنه (دمشق خجا) قائد عشرة آلاف فلما تنكر له بو سعيد قتل أبنه دمشق وهرب أبنه تمرتاش إلى القاهرة وسار جوبان إلى هراة فاطلعه واليها إلى القلعة ثم غدر به وقتله وكان صحيح الإسلام كثير النصح للمسلمين أجرى الماء إلى مكة حتى لم يكن الماء يباع بها وانشأ مدرسة بالمدينة مجاورة للحرم الشريف وكان أعظم الأسباب في تقرير الصلح بين بو سعيد والناصر، ولما نزل خربندا على الرحبة ونصب المجانيق رمى سمس (كذا) قرا سنقر حجرا يضيع (كذا ولعلها بضبع أي بناحية) القلعة فاحضر جوبان المجانيق وهدده وقال له بعد أن سبه: لئن عدت سمرتك على سهم المنجنيق، وكان ينزع النصل من النشاب ويكتب عليه: إياكم أن ترعبوا فهؤلاء ما عندهم ما يأكلون. واجتمع مع الوزير وقال له: ماذا يقول الناس إذا غلب خربندا على الرحبة وسفك دم أهلها وهدمها في هذا الشهر العظيم (وكان شهر رمضان)؟ أما كان عنده نائب مسلم ولا وزير مسلم؟ فدخلا إلى خربندا وحسنا
له الرحيل عنها وإن يطلب أكابرها ويخلع عليهم ويعطيهم الأمان ففعل. فكان حقن دماء المسلمين على يدي جوبان، وكانت ابنة جوبان زوج بو سعيد فنقلت والدها لما قتل إلى المدينة الشريفة ليدفن في تربته التي بناها بمدرسته فوصلوا به لكن لم يمكنوا من الدفن بمنع السلطنة فدفنوه بالبقيع وكان قتله في سنة 728 وهو ابن ستين سنة. وقد تقدمت له قصة في ترجمة ايرنجن. قال الذهبي: وكان شجاعا مهيبا شديد الوطأة كبير الشأن كثير الأموال عالي الهمة صحيح الإسلام ذا حظ في صلاة (لعلها في صلاح) وبر وتزوج أبو سعيد بابنته وكان ولده تمرتاش متولي ممالك الروم وابنه دمشق خجا قائد عشرة آلاف.(6/169)
إيرنجن بكسر أوله وسكون التحتانية وراء مفتوحة بعدها نون ثم جيم، الططري، النوين خال القان (بوسعيد) كان اتفق مع بوسعيد على إمساك جوبان وقتله فتحيل عليه هو وقرمشي ودقماق وجماعة ففطن لهم فهرب فطلبوه وحدثوه (كذا لعلها حربوه أي نهبوا أمواله) فلجأ إلى قلعة مرند. ثم توجه إلى بوسعيد فدخل عليه ومعه كفنه فقال قتلت رجالي ونهبت أموالي فإن كنت تريد قتلي فها أنا (كذا والصواب: وها أناذا) بين يديك، فتبرأ بوسعيد من ذلك. فاستخدم رجالا وأوقع بإيرنجن ومن معه فانكسر واسر هو وقرمشي ودقماق فعقد لهم مجلس فقالوا: ما فعلنا شيئا إلا بإذن القان فأنكر بوسعيد فقال إيرنجن: هذا خطك معي. فضربه بسيخ في قمه (لعلها في قمته أي في أعلى رأسه) فقتله وطيف برأسه وتمكن جوبان أباد اضداده وذلك سنة 709هـ (1309م) وقتل دقماق وقرمشي.
بكنهام (انكلترة):
ف. كرنكو
(لغة العرب) أن نسخ ألف صفحة من كتاب الدرر الكامنة ومعارضتها بثلاث نسخ وتصحيحها كل ذلك من الأعمال التي لا يأتيها إلا جبابرة الأدباء وقد أنجز هذا الأمر الشاق صديقنا فريتس كرنكو مما يدل على طول باعه في لغتنا وتمكنه منها، وبالأخص لأنه لم يتلق علوم لساننا عن معلم بل أتقنها بسعي نفسه وكد فكره. والأسماء المذكورة في الدرر الكامنة غريبة وفيها أعلام من جميع اللغات التي كانت معروفة في عهد العباسيين في العراق وما جاوره. زد على هذا أن تلك الأعلام غير منقطة وقد كتبت كلما وردت بصورة غير الصورة الأولى وهذا ما يوجب الناشر على أن يتأكد كتابة كل أسم قبل تدوينه فيحتاج
إلى مراجعة عدة مصنفات وفي لغات عدة ولا يمكن أن يأتي هذا العمل إلا العلامة كرنكو أو من ضارعه، ولهذا نتمنى أن نرى الكتاب مطبوعا في أقرب وقت لتغتني به خزائن الأدباء وعسى أن يتم في القريب العاجل.(6/170)
أوابد الشهور
الصوم الخرساني
يصوم أكثر العراقيات آخر سبت من شهر رجب، ويسمى هذا اليوم (الصوم الخرساني) أو (صوم مريم) وتصومه عادة كل امرأة ذات بنين أو بنات وتنقطع فيه عن الكلام فلا تنبس ببنت شفة كل ذلك اليوم. وتصومه أيضاً من تطلب (مرادا) وعند المساء تقعد الصائمة على حافة البئر في بيتها موجهة وجهها شطر (القبلة) ثم توقد الشموع. وتفطر باللبن والسيلان وتقول ثلاث مرات: (فطرنا على اللبن والسيلان يعطينا الله مرادنا مثلما أعطى مريم بنت عمران).
رمضان
هو من أعظم الشهور عند المسلمين كافة وفيه نزل القرآن (شهر رمضان الذي انزل فيه القران) (الآية) وصيامه فرض على كل مسلم ومسلمة، وهو شهر التعبد والطاعة. وقد اعتاد أكثر المسلمين أن يتصدقوا على الفقراء في كل ليلة جمعة منه لأرواح أمواتهم.
وليلة النصف منه تسمى عند أعراب (المعدان) (الخوارة) فيطبخ كل شخص طعاما ويتصدق به عند المساء عن الأموات.
ليلة القدر
الليلة الثالثة والعشرون عند الخاصة هي ليلة القدر وعند العامة هي الليلة السابعة والعشرون وفي هاتين الليلتين يتصدق المسلمون على الفقراء ويتعبدون ويصلون والزاهدون المتعبدون منهم يسهرون في تلك الليلة والعامة تعتقد أن السماء تنفتح في ليلة القدر. وإن الدعاء مستجاب فيها. كما إنها تعتقد بأن الشياطين يحبسون فيها.
عيد الفطر
ويسميه العوام عيد الصغير (بضم الصاد وفتح الغين وتشديد الياء المكسورة)(6/171)
وفي صباح العيد يقصد الخاصة المزارات لأداء صلاة العيد فيها. و (المعدان) يقصدون النهر للنظر فيه
معتقدين أن (خضر الياس) يمر إمامهم.
وبعد صلوة العيد تقصد الخاصة والعامة قبور أمواتهم فيتصدقون هناك عند القبور على الفقراء ويعطون درهما أو أكثر لأناس مخصوصين لقراءة سورة (يس) على قبور أمواتهم.
دورة السنة
هو يوم (النوروز) وكلمة (نوروز) فارسية معناها اليوم الجديد وهو راس السنة الجديدة عند الفرس، ومن أعظم أعيادهم. ويرتقي تأريخه إلى آلاف من السنين فيحتفلون به الفرس احتفالا شائقا ويقيمون فيه الأفراح والمهرجانات وأخبار هذا اليوم مشهورة ومدونة في كتب المؤرخين. أما العرب فقد أخذوه عن الفرس. والعوام يسمونه (دورة السنة) والفراتيون يعدونه من الأعياد فيتزينون فيه نساء ورجالا ويصافح أحدهم الآخر مباركا بحلول هذا اليوم واعتقادهم فيه غريب جدا ويعد من الأساطير المهمة:
يعتقد العوام على الإطلاق بأن أرضنا مسطحة وليست كروية وأنها تنتهي بجبل عظيم يسمونه (جبل قاف)! وببحر أعظم يسمونه (بحر الظلمات)! والأرض يحملها ثور كبير على قرنه وإن هذا الثور واقف على ظهر حوت كبير، وإذا مر اثنا عشر شهرا، وهو تمام السنة، حول الثور الأرض من قرن إلى آخر: وعندما يحول الأرض يعتقد العوام أن أحد الحيوانات تمر أمام الثور أثناء التحويل فعندئذ يقولون دارت سنتنا على كلب أو قرد أو غير ذلك وهذه الأضحوكة يشيعها المشعوذون المنجمون وأصحاب (الفال) في ذلك اليوم، ومن معتقدات العوام أن السنة إذا دارت على (قرد) فرحوا وصفقوا وقالوا سنتنا سنة خير، لأن القرد حيوان ضحوك.
وإذا دارت على (كلب) اغتموا وقالوا: سيحصل في سنتنا حرب أو قتال أهلي أو شجار بين الناس لأن الكلب في معتقدهم شرير.
وإذا دارت على (الحوت) اعتقدوا إنه سيحصل نقص عظيم في طعام سنتهم، لأن الحوت حيوان نهم لا يشبع ولأنه ابتلع يونس (عليه السلام).
وإذا دارت على (الخنزير) حزنوا واعتقدوا إنه سيصيبهم شؤم ويشق(6/172)
أحدهم بطن الآخر.
وإذا دارت على (الفار) أو (الدجاجة) قالوا سوف يتفشى الموت بين الناس. وإذا دارت على (الحية) أو (ابن آوى) قالوا سنتنا سنة خير.
وإذا دارت على (البقرة) فرحوا فرحا عظيما وبشر أحدهم الآخر بالخير والنعم والآلاء: لأن البقرة (حلابة) وأنها ستدر عليهم بإخلاف البركات.
والاعتقاد بعدم كروية الأرض غير مقصورة على العوام: بل هناك رجال ممن يعدهم الناس من العلماء الأعلام وهم يعتقدون عقيدة العوام نفسها فمن المعممين في بغداد (الملا نجم الدين) الواعظ في (الجامع النعماني) أمام دائرة البريد في الرصافة والخطيب في (جامع حنان) في جانب الكرخ.
ناقشني ذات ليلة في بيت الحلقوني اللوذعي الصديق السيد محمد منير أفندي القاضي وبمحضر منه واخذ يسرد لي حججه ليقنعني بعدم كروية الأرض؟! فجادلته وذكرت له المراصد التي شيدتها الدول الإسلامية في العصور المختلفة وذكرت له أسماء الرجال الذين اثبتوا كروية الأرض منهم: العلامة أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي، والشريف أبو عبد الله محمد بن محمد الإدريسي الشهير، وعلم الدين قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني الاسفوني المعروف بتعاسيف والعلامة رضوان الفلكي، وعلي بن عيسى الحراني، ومحمد بن مؤيد الدين العرضي: حتى أن هؤلاء جميعهم صنعوا كرات ليمثلوا بها كرة الأرض أو كرة الفلك. وقد حاولت أن أقنعه بالحجج العقلية والنقلية، إلا إنه أبى أصر، وذهبت أقوالي أدراج الرياح: ولما احتدم الجدال بيني وبينه جاءني من طريقة أخرى فاخذ يقرأ لي أحاديث موضوعة فحاربني بالحديث فسكت مضطرا لأني لم أشأ أن أقول له أن هذه الأحاديث موضوعة ومختلفة لئلا يرميني بالمروق والجحود والكفر والإلحاد.
واذكر أنني حضرت سنة1923 وعظ الملا مصطفى، وهذا الملا مشهور بين البغداديين، وهو يعظ الناس في جامع (القبلانية) الواقع في (سوق السراي) وأمام (سوق الهرج) المحاذي للمدرسة المستنصرية والبغداديون يتهافتون على سماع وعظه في شهر رمضان لأنه يعظهم بلغتهم ويكثر من النكات الطريفة. وقد يشتم أحيانا. إذا احتدم وغضب، إلا أن الرجل طيب القلب محب لبلاده يحرض الاهلين على الخير، وقد قال ذات يوم وقد ورم انفه وعلا صوته غضبا(6/173)
(والمصيبة أن بعض السرسرية - أي الأوباش - يعتقدون أن أرضنا هذه مدورة مثل البرتقالة وأنها غير واقفة بل تمشي في الفضاء) ثم صفق بيده أسفا وقال: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) وكان يسمع وعظه كثير من طلبة المدارس
وجم من الشبان المنورين ولم يجرؤ أحدهم على رده لئلا تنهال عليه النعال من العامة.
وفي عام 1919، كنت مديرا لمدرسة كربلا الأميرية وقد أرسل أشراف المدينة أبناءهم إلى مدرستي واحدا أثر واحد وقد لاحظت ذات يوم في جدول تردد التلاميذ أن أحد أبناء الوجهاء قد انقطع أربعة أيام متواليات فكتبت إلى والده أسأله عن سبب انقطاع ابنه عن الدرس فجاءني الرجل في اليوم الثاني إلى المدرسة فاستقبلته بما يليق بمقامه إلا أنى لمحت على سيمائه آثار الغضب فابتدرني قائلا بلهجة الحنق المغيظ: (أنت يا ابن أخي من بيت فضل وعلم وقد كان جدك وأبوك مثلين حسنين في العلم والأدب فاستعبدت منك أن تلقن ابني أمورا خارجة عن الشرع والعقل وأشياء ما انزل الله بها من سلطان) فقلت له - وقد بهت - ما الخبر يا عم؟ قال لي الخبر هو أنني سألت ابني عن دروسه، فقال: إني أقرأ (جغرافية) وإن الأرض كروية، وأنها تدور حول الشمس، وأنها معلقة في الهواء، أي يا أبن أخي، أنت فتى فاضل، وابن فاضل، وسبط فاضل، فما هذه العجائب الصادرة منك؟
فقلت له: يا عم، أن درس الجغرافية درس رسمي ولابد من تدريسه: إلا أنى ارغب أن أسألك: هل أنت معتقد بفضل العلامة السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني وهل أنت معترف بورعه وصحة نظره قال: اجل! أخرجت له من خزانتي كتاب (الهيئة والإسلام) للمشار إليه وقرأت له دلائله وبراهينه في كروية الأرض المستندة إلى الآي الكريم، وقلت له: اذهب وحاج السيد المشار إليه أن كنت غير قانع ومصدق بما أقوله. فودعني الرجل وانصرف مدهوشا متحيرا.
كيفية الاحتفال بهذا اليوم
تسمى الليلة التي تتقدم ليلة (دورة السنة) (المتلمسة)، والنساء يزعمن(6/174)
أن السنة العتيقة جاءت تتلمس الخبر، وعليه يحتم كل امرأة أن تكنس بيتها وتغسله وتنظفه وتبيض القدور والأواني عند (الصفار) وتضع في تلك الليلة تحت سلة الطعام (سبعة سينات) أي سبعة أنواع من الأطعمة التي أول اسمها حرف (س) وهي:
1 - السمك ويجب أن يكون غير مشوي.
2 - سمنو وهو طعام يعرفه الفراتيون.
3 - سبيناغ أي اسبانخ.
4 - سمسم.
5 - سلك بالكاف الفارسية (أي سلق).
6 - سويك بالكاف الفارسية أي (سويق) وهو شعير مهبش (أي مهروس في مهراس والكلمة عراقية) ومسهى أي (محمس) ومجروش يخلط بالدبس.
7 - سيلان أي دبس.
ويطبخون أيضاً (زرده وحليب) والزرده هي الأرز والدبس مطبوخان والحليب هو التمن (الأرز) والحليب المطبوخان.
وخبز (الركاك) أي الرقاق وهو خبز رقيق يفرش بالشوبك ويشوى في التنور.
ويخبزون أيضاً (كليجة) وهو خبز صغير ثخين مدور يكون فيه سمن وقد يطلى بالبيض المدوف فيه زعفران والكلمة عراقية فارسية الأصل.
ويسحنون السكر مع السمسم.
ويضعون شيئا من السكر والفاكهة والمخضرات ثم يضعون جميع هذه الأشياء في صينية ويضعون فيها على عدد أهل البيت أباريق وتنك صغيرة: للذكر إبريق وللأنثى تنكة (التنك جمع تنكة وهو الكوز بلا بلبلة) ويوقدون على عدد أهل البيت الشموع في الصينية المذكورة وحول الطعام.
ومن عادة الكربلائيين وبعض الفراتيين أي العوام منه أن يأكلوا بيضتين مسلوقتين من بيض الدجاج ليأمنوا رمد العين.
وفي الساعة التي تدور فيها السنة يجتمع أهل البيت حول الصينية على شكل(6/175)
حلقة ويتجهون شطر القبلة وبأيديهم دنانير أو سمسم أو أرز يديرونها من يد إلى أخرى ويقولون: (اللهم يا محول الحول والاحوال، ويا مقلب القلوب والأبصار حول حالنا إلى أحسن حال).
ولا يجوز لأحد بتاتا أن يمد يده إلى الصينية ليأكل مما هو موجود فيها قبل دورة السنة فإذا دارت أكلوا منها وأهدى الجار إلى جاره شيئا مما عليها أما الشموع الموقودة فتترك على حالها حتى تذوب من نفسها والنساء يتشاءمن كثيرا إذا انطفأت إحدى الشموع، وبعد ذلك يقصد أحدهم الآخر في بيته ليهنئه بهذا العيد! وإذا دخل عليهم في صباح دورة السنة أحد اسمه (محمد أو محمود أو أحمد أو مصطفى) يفرحون ويبتهجون تيمنا بهذه الأسماء التي
تسمى بها الرسول الأعظم (ص). وإذا دخل عليهم رجل أعور أو امرأة عوراء شوهاء تشاءموا كثيرا.
وفي المدن التي فيها مزارات مثل كربلا والنجف والكاظمين وسامرا وغيرها يقصد الناس في دورة السنة ضريح المزارات ويقرءون سورا ويتلون أدعية ويجب أن لا يغرب عن البال أن هذه العادة جاء بها الفرس إلى العراق.
سينزده بدر
كلمتان فارسيتان. ومعنى (سينزده) الثالث عشر و (بدر) في الباب ومحصلهما (اليوم الثالث عشر في الخارج) ويحتفل به كل الاحتفال العراقيون ويسميه البغداديون (كسلة) وهو اليوم الثالث عشر الذي يلي دورة السنة وفيه يخرج النساء والأطفال والفتية إلى الارباض المحيطة بمدينتهم والى البساتين والجنات القريبة إليهم فيرمون في النهر أو في البساتين (إبريقا أو تنكة) قد اعشوشب ما حولها. وهذه التنكة يستحضرونها في أول يوم دورة السنة وكيفية استحضارها هي: انهم يأتون بقطعة من الكتان يملئونها شعيرا ويشدونها على التنكة المملوءة ماء وبعد مدة ينبت العشب حولها فتخضر فيأخذ كل واحد منهم تنكة فيرميها كما أسلفنا والنساء يجلسن في البساتين ويأخذن حزمة من الحشيش النابت في البستان ويشددنه من غير أن يقلعنه ويقلن: (خذ الأصفر واعطنا الأخضر).
أحمد حامد الصراف(6/176)
جامع الخلفاء
بعد أن قدمت إلى مدير هذه المجلة الغراء مقالتي (منارة سوق الغزل) التي أدرجها في الجزء الأول من هذه السنة، طبع الكاتب البارع بهجة الأثرى كتاب (تاريخ مساجد بغداد وآثارها). ودعتني تلك المقالة إلى أن انعم النظر في البحث الخاص بجامع الخلفاء، آملا أن أجد فيه ما تزين به تلك الصحائف من الأنباء المتممة، فوجدته يقول في المتن والحاشية (ص 39) عن هذا الجامع أن بانيه هو الأمام محمد المهدي في سنة 159هـ (775م). ولم أتذكر وجود هذا القول في النسخة الخطية المحفوظة في خزانة الآباء الكرمليين، التي كنت طالعتها أبان كتابتي المقالة، ولكني لم اعتد بذاكرتي، فرجعت إلى النسخة الخطية لتحقيق الغاية. وهذا ما فيها (ص 72) عن قدم الجامع: (كان هذا هو المسجد الجامع أيام الخلافة العباسية. . . فكان مصلى خليفة المسلمين من آل عباس). أهـ. ولم يزدنا المخطوط في تعريف زمن بناء الجامع.
وإذ ذكرت هذه النسخة المخطوطة، وقد نظر فيها المرحوم الشيخ محمود شكري الآلوسي، كما سيجيء، فلا استغني عن نقل ما ورد فيها عن (شخصية) ناسخها وغير ذلك لعلاقته بالبحث.
وهذا ما فيها في ص 155: (تكملة المساجد الثمانية في الجانب الغربي. وقفت على القسم الثالث من أخبار بغداد، وما جاورها من البلاد، للعلامة الأستاذ السيد محمود شكري أفندي الشهير بالآلوسي دامت معاليه، وهذا القسم التاريخي يحتوي على ذكر الجوامع والمدارس في بغداد، ولما كان الجانب الغربي يحتوي على كثير من المساجد التي لم يرد ذكرها فيه أحببت أن ألحقها فيه (كذا) خدمة للتاريخ. والله الموفق المعين) أهـ.
وفي آخر الكتاب (ص 171) ما يلي: (هذا ما وصلت إليه يدي من تكملة المساجد في الجانب الغربي مع ضيق الوقت. . . وأنا الفقير إليه تعالى(6/177)
محمد خلوصي ابن السيد محمد سعيد التكريتي الناصري، تحريرا في اليوم الحادي عشر من شهر شعبان المعظم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ألف هجرية). أهـ.
قلت أن الشيخ الآلوسي نظر في هذه النسخة والذي يؤكد لنا ذلك ما نقرأه في ورقة بخطه
ملصوقة بالصفحة 33 من المخطوط فيها قصيدة لعز الدين أبي حامد عبد الحميد بن أبي الحديد، وهي التي طبعت في مجلة اليقين (1 (1341هـ 1922م): 433) في جملة المستنصريات، ثم في المستنصريات المطبوعة على حدة (ص 11) وجاء منها بيتان في اليقين أيضاً (3 (1344هـ 1925م): 489) ووردت في كتاب المساجد المطبوع (ص 91) ومطلعها:
أبيت فلا أقيم على الصغار ... وبالمستنصر الملك انتصاري
وفي ذيل الورقة ما قوله: تابع صحيفة 31 من كتاب المساجد بعد قوله: في الشرع والمطلوب كالمعتذر ثم تثبت هذه القصيدة. ثم يأتي بعدها: وتلخيص شروط هذه المدرسة (يريد بها المستنصرية) أهـ. وكل ما في هذه الورقة بخط الآلوسي.
وبعد هذا الإيضاح عن النسخة المخطوطة لا أخال أن القول عن جامع الخلفاء إنه جامع الرصافة من زيادة المؤلف بعد نظره في تلك النسخة. وقد يكون ظني في غير محله.
ولما كانت النسخة المطبوعة لكتاب المساجد تعتبر جامع الخلفاء إنه جامع الرصافة أحببت أن أعود إلى طرق هذا الموضوع نفعا للتاريخ ولعلمي أن الحقيقة بنت البحث وإن الأثرى من الذين ينشدونها أني لأستأذنه في ذلك:
قال الأثرى في مقدمته على المطبوع (ص 15) نقلا عن الخطيب البغدادي: (أن أول جمعة أحدثت في الإسلام في بلد مع قيام (الجمعة القديمة) في أيام(6/178)
المعتضد في دار الخلافة من غير بناء مسجد لإقامة الجمعة، قال: وسبب ذلك خشية الخلفاء على أنفسهم في المسجد العام، وذلك سنة 280هـ (893م) ثم بني في أيام المكتفي مسجد فجمعوا فيه) أهـ.
وقد علق الأثرى (ص 39) حاشية على بحث جامع الخلفاء أورد فيه ملخص كلام معجم البلدان عن الرصافة وجامعها فقال:
(ذكر ياقوت الحموي المتوفى في سنة 626 أن المهدي بني في الرصافة جامعا أكبر من جامع المنصور واحسن وإن فراغه من بناء الرصافة والجامع بها كان سنة 159هـ أي في السنة الثانية من خلافته وانه وجد تلك النواحي في عصره خربة وانه لم يبق منها يومئذ إلا الجامع وبلصقه مقابر خلفاء بني العباس وقال: وعليها وقوف وفراشون ولولا ذلك لخربت). أهـ. فكأنه أراد بذلك أن يؤيد ما جاء في الكتاب نفسه من أن جامع الخلفاء هو
جامع الرصافة، ولو لم تكن لدينا تلك الشواهد التي أوردتها في مقالة منارة سوق الغزل عن أن جامع الخلفاء هو غير جامع الرصافة لكفانا قوله نقلا عن الخطيب إنه كانت (جمعة قديمة) وجمعة أحدثت في أيام المعتضد في دار الخلافة ثم بني مسجد في أيام المكتفي فجمعوا فيه).
ويحسن بنا أيضاً أن نرجع إلى كتاب مناقب بغداد الذي طبعه الأثرى (ص 21 و23 و33) فإذا راجعناه لا يسعنا أن نسمي جامع الخلفاء بجامع الرصافة بل نقول بدون تردد إنه جامع القصر.
والظاهر أن الأثرى ائتمن جريدة العرب، أو مجلة مرآة العراق التي نقلت عنها، على ما نقلته عن معجم البلدان ولم يظن أن هناك بترا وعدم ترو أدى إلى قولها أن جامع الخلفاء هو جامع الرصافة. ولولا اعتقاده بأمانة النقل لآتى ببقية كلام المعجم عن الرصافة وجامعها حيث يقول: وبلصقها (بلصق مقابر خلفاء بني العباس) محلة أبي حنيفة الإمام وبها قبره) ولانتهى بالبت بأن جامع الخلفاء هو غير جامع الرصافة.
وإذا عارضني أحد في إسناد النقل عن أحد المأخذين المذكورين: العرب(6/179)
والمرآة بأنه قول مجرد عن سند فإن لي دليلا على ذلك هو اتفاق كلام حاشية ص 39 من كتاب المساجد المطبوع مع كلام المنقول عنه إلا التحرير، وهنا اقتطف كلام الجريدة والمجلة وكلام الكتاب للمقارنة بينهما:
كلام العرب والمرآة
وقال بعض المؤرخين إنه أدرك من باب هذا المسجد ميلين شامخين في الهواء كانا على جانبي باب الجامع وإن سليمان باشا الكبير والي بغداد سنة 1193 هدهما وبني بأنقاضهما مسجدا صغيرا بقرب المنارة وهو المشتهر اليوم بجامع الخلفاء وكان الباب الذي على جنبيه الميلان السوق التي يباع فيها اليوم الغنم وغير ذلك.
كلام الكتاب
وذكر بعضهم إنه أدرك من هذا المسجد الجامع ميلين شامخين في الهواء كانا على جانبي بابه وإن سليمان باشا والي بغداد سنة 1193 هدمهما وبني بأنقاضهما مسجدا صغيرا بقرب
المنارة (وهو المسجد الموجود اليوم) وإن الباب الذي عليه الميلان كان عند السوق التي يباع فيها اليوم الغنم وغيره.
وجاء في الجريدة والمجلة المذكورتين ما قوله:
(. . . فانهم (يريد بهم البريطانيين) لما رأوا ما عراها (عرا المنارة). . . أرسلوا لها عارفين. . . فكشفوا عليها. . . ثم باشروا في إصلاح خللها. . . وقد جددوا كرسيها على الأساس الأول واخذوا يصلحون البدن كله. . .) وقال الأثرى عن ذلك: (وقد اعتنى البريطانيون بعد احتلال بغداد بالمنارة الباقية من الجامع وجددوا كرسيها على الأساس الأول ولم يكملوها) وكان الزمن قد أكل بعض آجر الكرسي فضعف وهذا الذي أعادوه إلى ما كان، ولقد أحسن الأثرى بقوله: (لم يكملوها) إذ انهم لم يصلحوا غير الكرسي. وعسى أن يقوم أحد بقراءة بقية كتابتها ولعله يفلح بإدراكه منها شيئا.
وصفوة القول أن جامع الخلفاء كان يسمى جامع القصر ثم سمي جامع الخليفة أيضاً وقد فشا عنه قول إنه جامع الرصافة في كتاب المساجد المطبوع لغلط المصدر الذي أخذ عنه، والعصمة لله وحده.
بغداد: يعقوب نعوم سركيس(6/180)
دفين جامع الأصفية
جاء في كتاب المساجد المطبوع (ص 28 - 31) بحث عن جامع الاصفية قال فيه أن في الجامع قبر اشتهر بين الناس إنه للعالم الزاهد أبي الحارث المحاسبي وإن البعض يقول للكليني من أكابر علماء الأمامية وإن كلا القولين لا يصح وانه يفهم من كلام بعض المؤرخين إنه قبر أبي جعفر المستنصر بالله باني المدرسة المستنصرية (بل هو الظاهر المتعين) ثم قال ولابد أن يكون ذلك لأحد الخلفاء وأيد ذلك بعده (ص 101).
وأني لأستميح الأثرى عفوا باستخراجي من المطبوع نفسه فضلا عن غيره أن المرقد لغير المستنصر.
جاء في هذا الكتاب (ص 101) (ثم أشيع موته بعد ذلك (موت المستنصر بعد مبايعة ولده) ودفن في الدار المثمنة على دجلة ثم نقل إلى تربة الرصافة فدفن تحت قبة كان قد اتخذها لنفسه مدفنا) أهـ.
وفي معجم البلدان أن الدار المثمنة هي في دار الخلافة، وقد رأينا هنا (5 (1927): 453) أن أول باب لحريم دار الخلافة من جهة الغرب هو باب الغربة وانه هو ما يسمى اليوم بشريعة المصبغة، وقد قال كتاب المساجد (ص 71) عن باب الغربة إنه هذه الشريعة ولا أظن أن الأثرى يخالف القائل أن ما كان فوق شريعة المصبغة ليس بحريم دار الخلافة إذ قد أتيت ببينات بهذا الصدد في مقالة عن حريم دار الخلافة في هذه المجلة في عددها الثامن من سنتها الخامسة ومن ثم فجامع الاصفية ليس في دار الخلافة فليس بالدار المثمنة وليس إذن دفين المرقد بالمستنصر هذا فضلا عن إنه نقل من الدار المثمنة كما رأينا.
وهذه رواية أخرى عن دفن المستنصر ونقله جاءت في كتاب الحوادث الجامعة في أخبار سنة 640هـ (1242م) وهي هذه: (ودفن (المستنصر) في الدار المثمنة بدار الخلافة على شاطئ دجلة) وقال كتاب الحوادث أيضاً في(6/181)
فصل صدره هكذا: (ذكر نقل المستنصر بالله من مدفنه بدار الخلافة إلى التربة بالرصافة:
. . . تقدم إليهم (وقد ذكرهم قبلا) بقصر دار الخلافة. . . فمضوا. . . ثم قصد هؤلاء كلهم دجلة فخرج الصندوق الذي فيه الخليفة. . . ثم حط في شبارة طويلة. . . فلما وصلوا إلى
مشرعة الرصافة رفع الصندوق على الرؤوس وامتد الناس كلهم بين يديه إلى التربة فدفن رحمه الله في الموضع الذي أعده. . . ثم ترددوا (تردد الناس) إلى الترب. . .) أهـ.
وفي معجم البلدان في مادة الرصافة أن خربت تلك النواحي كلها ولم يبق إلا الجامع وبلصقه مقابر الخلفاء بني العباس. . . وبلصقها محلة أبي حنيفة الإمام وبها قبره. فترب الخلفاء هناك وفيها مرقد المستنصر كما رأينا. وكلتا الروايتين: الرواية الواردة في كتاب المساجد ورواية الحوادث الجامعة تؤيد إحداها الأخرى أن دفين الاصفية ليس بالمستنصر.
ومما جاء في كتاب المساجد أيضاً إنه صرف على عمارة هذا المرقد نحو عشرة آلاف دينار وانه من البعيد أن يدفن الكليني في مثل هذا الموضع أو ذلك الرجل الصالح المحاسبي الذي كان لا يملك دينارا ولا درهما وانه من البعيد أن يصرف غيره على عمارة مرقده هذا المبلغ.
قلت: وفضلا عن هذا الاستخراج ورد في نزهة القلوب (بالفارسية) لحمد الله المستوفي الذي ألفه في سنة 740هـ (1339م) وتوفي في سنة 750هـ (1349م) أن الحارث المحاسبي مدفون في الجانب الغربي على ما جاء في الكتاب المذكور (35 من طبعة جب بلندن) خلافا لما يرى في كتاب (تراجم الوجوه والأعيان المدفونين في بغداد وما يليها من البلدان) تغريب وتأليف صفاء الدين عيسى البندنيجي المتوفي في سنة 1283هـ (1866م) وهو كتاب مخطوط يرى في خزانة الآباء الكرمليين في الحاضرة وهو القائلي أن المحاسبي مدفون في الاصفية ولما كان المستوفي أقدم عهدا من الأخير بقرون فمن الظاهر أن القبر ليس للمحاسبي بصورة باتة على ما ذهب إليه المرحوم الالوسي.(6/182)
وعسى أن يطلعنا أهل البحث على هذا الدفين.
بغداد: يعقوب نعوم سركيس
ملحق بجامع الأصفية
(لغة العرب): - قابلنا بعض ما جاء في تاريخ مساجد بغداد وآثارها المطبوع بالنسخة المخطوطة الموجودة في خزانتنا، فوجدنا (المهذب) غير عبارة المؤلف رحمه الله تغييرا
عظيما ويكاد يكون في كل موضع وموضوع. من ذلك أن السيد الالوسي كان قد كتب عن جامع الاصفية: (أن كر الليالي ومر العشي قد ضعضع منه بنيانه وزلزل أركانه) فاصلح العبارة (المهذب) وقال في (ص 28) (قد ضعضعا منه بناينه وزلزلا أركانه) مع أن كر الليالي ومر العشي أمر واحد. ولهذا كان أفراد الفعل اصح أوثق معنى.
ومما هذبه (المهذب) في كلامه عن هذا الجامع الأبيات المرسومة على الحجر الكاشاني فوق الباب الذي في جهة الشرق من المسجد وهي هذه:
ذا جامع كان قدما (لا نظير له) ... في حسن بنيانه والدهر (غيره). . .
حتى أتى ذو العلي داود آصفنا ... من (حك) بالسبعة الأفلاك مفخره
فشاد (إطنابه) من بعدما (اندرست) ... للعابدين ووشاه وصوره
(وحين تم) غدا الداعي يؤرخه ... ذا جامع (بالندى) داود عمره
أما حضرة المهذب فقد أبدل الألفاظ التي حصرناها بين قوسين بما يأتي: (لا شبيه له. . . بعثره. . . من حل. . . أركانه. . . انهدمت. . . ومذ أتم. . . بالندا.). قلنا: فإذا كان يجيز لنفسه (تهذيب عبارة أستاذه) أفيجيز لنفسه إصلاح عبارة الأقدمين، ولاسيما عبارات مكتوبة على الكاشي تنعي على مغيرها أوهامه وسقطاته؟
ثم أن حضرته كتب في الحاشية عن انهدام رأسي مئذنتي الاصفية ما هذا حرفه: هب في أوائل الحرب العامة إعصار شديد معه مطر ينصب كالسيل الجارف كاد يجعل بغداد عاليها سافلها، وذهبت به شرفات البيوت (كذا)(6/183)
ورأس (كذا) هاتين المئذنتين. . . إلى آخر ما قال، فانظر كيف يؤرخ حضرته وقائع السنين، إذ يكتفي بقوله: في أوائل الحرب العامة. مع أن الأمر وقع في 9 نيسان سنة 1915 وهو غير بعيد عنا.
فأنت ترى من هذا أن الكتاب هو على هذا النحو من قطع وجذع وحذف وصلم وقد تصرف (المهذب) في عبارة المؤلف رحمه الله حتى إنه لم يبق لها مزيتها الأولى التي وضعت عليها والكتاب المطبوع كله على هذا النسق فلا تستطيع أن تهتدي إلى عبارة الأستاذ على ما كانت. ثم جاء بحواشيه فكانت ثالثة الأثافي. أو الدواء الشافي، عاملنا الله بمغفرته ورحمته.
المريق
المريق وزان دريء (وفي لغة غير صحيحة كقبيط): (حب العصفر وفي التهذيب: شحم العصفر. وبعضهم يقول: هي عربية محضة وبعض يقول: ليست بعربية. قال ابن سيده:. . وقال سيبويه: حكاه أبو الخطاب عن العرب، قال أبو العباس: هو أعجمي. وقد غلط أبو العباس، لأن سيبويه يحكيه عن العرب، فكيف يكون عجميا؟ وثوب ممرق: صبغ بالمريق. وتمرق الثوب: قبل ذلك (انتهى بحرفه عن اللسان).
والذي أراه أنا أن المريق ينظر إلى اللاتينية وهي محارة يستخرج منها صبغ لونه كالجريال أو المرجان يعرف بالبرفير أو الفرفير أو الأرجوان ولون المريق يشبه لون (المريخ) وهو نجم لونه بين الأصفر والأحمر. واصل المادة هو (المرج) بمعنى الخلط والمزج لاختلاط لوني الأصفر والأحمر معا فيكون منهما لون المريق. ولهذا أرى أن المادة سامية الاصل، فنقلها منها الأقدمون إلى لغاتهم.(6/184)
الكتب الخطية
الموجودة في خزانة السيد محمد مهدي العلوي بسبزوار
(إيران)
1 - كتاب إرشاد الأذهان (في الفقه) للعلامة الحلي بخط منها بن رداد الجزائري فرغ من استنساخه في ليلة السبت 6جمادي الآخر سنة 967هـ في طوس وفي هامش الصفحة الأخيرة من الكتاب إجازة بخط أحد العلماء أجاز فيها الأمير الكبير عبد الكريم ابن الأمير عبد الوكيل بأن يروي عنه كلما صحت له روايته وأجازته، وتاريخ الإجازة سنة 1006هـ وعلى هذا الكتاب حواش نافعة.
2 - نسخة أخرى من كتاب الإرشاد بخط محمد اسحق بن محمد افتخار وتاريخ الفراغ من تحريره: 22 محرم سنة 1087هـ.
3 - ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد (المذكور). من مؤلفات الاخوند الملا محمد باقر السبزواري، تم استنساخه في يوم السبت غرة شهر صفر سنة 1211هـ على يد محمد بن حسن خان السبزواري في طوس.
4 - كتاب تفسير النيسابوري المسمى بأنوار التنزيل وأسرار التأويل مكتوب إلى سورة مريم وسقط منه بعض السور ولم يذكر فيه أسم كاتبه ولا تاريخ الفراغ منه لكن الظاهر منه إنه قديم الخط، وعلى هذا الكتاب حواش للسيوطي وعصام الدين وعبد الحكيم وغيرهم.
5 - كتاب الصلوة (في الفقه) لأستاذنا العالم الكبير الشيخ الميرزا محمد حسين القفقازي اللنكراني، وهو بخط مؤلفه، واكثر فصول الكتاب هي محاضرات العلامة المصلح الشيخ الملا محمد كاظم الخرساني. وهذا الكتاب غير مطبوع.
6 - كتاب قرة العيون (في علم الكلام) للملا محسن الفيض. فرغ كاتبه الكربلائي محمد بن الحاج باقر الكربلائي من استنساخه في يوم الاثنين 8 ذي الحجة سنة 1221هـ.
7 - كتاب التعجب (في علم الكلام) لمؤلفه الشيخ أبي الفتح الكراجكي(6/185)
بخط الحاج الملا
أحمد الكوزه كناني، فرغ من استنساخه في العشر الأول من ذي الحجة سنة 1306هـ في كربلاء، وأظن أن هذا الكتاب غير مطبوع.
8 - شرح الباب الحادي عشر (في علم الكلام) للفاضل المقداد السيوري تم على يد كاتبه الملا علي أصغر ابن الملا حسن الكوه ميشي في يوم الاثنين 18 شوال سنة 1224هـ. ويلحق بهذا الكتاب حاشية الملا عبد الله اليزدي على تهذيب المنطق بخط كاتبها الملا علي أصغر المذكور، لم يذكر تاريخ فراغه من تحريرها.
9 - ديوان الحاج الملا هادي السبزواري المسمى بأسرار (بالفارسية) بخط الميرزا رجب علي المتخلص بفرصت (بكسر الفاء واسكان الراء وبسط التاء) ابن المرحوم الميرزا رخصت (وزان غرفة وبتاء مبسوطة في الآخر) الشاعر السبزواري، أتمه في ربيع الثاني سنة 1280هـ.
10 - كتاب البداية (في علم الدراية للشهيد الثاني زين الدين العاملي، بخط الشيخ محمد حسين السبزواري، لم يذكر تاريخ الفراغ من استنساخه.
11 - رسالة تشريح الأفلاك (في علم الهيئة) للشيخ بهاء الدين العاملي، فرغ من استنساخها الشيخ علي بن عبد العظيم في سنة 1331هـ.
12 - كتاب الإتقان (في علم الأصول) لمحمد هادي بن محمد أمين. ثم الكتاب في 20 شعبان سنة 1336هـ على يد السيد عبد الله الموسوي الخوئي في النجف الاشرف (غير مطبوع).
13 - حاشية على قوانين الأصول (في علم أصول الفقه) للمحقق الميرزا أبي القاسم القمي، وهي للسيد محمد الشهشهاني من علماء اصبهان، لم تكمل، (وهي مخطوطة لم تطبع).
14 - شرح القطر (في علم النحو) لابن هشام، بخط الشيخ محمد بن الملا(6/186)
جعفر، فرغ من تحريره في رجب سنة 1267هـ.
15 - حاشية الحاج الملا هادي السبرواري على شرح الألفية للسيوطي (في علم النحو) كتبت إلى أواسط باب المصدر، لم يذكر في الكتاب أسم كاتبه ولا تاريخ الفراغ، لم يطبع.
16 - شرح لغز الشيخ البهائي العاملي المسمى بالكافية. وهو رسالة وجيزة للسيد عبد
الرحيم الموسوي الخرساني القاءاني النوربخش، فرغ الشارح من تأليفها في ليلة الخميس 5 ذي القعدة سنة 1296هـ في سبزوار وفرغ مستنسخها الحاج الملا علي أكبر الكوه ميشي في ربيع الأول سنة 1298هـ (أي بعد سنتين من تأليف الرسالة، لم يطبع).
17 - حاشية على مبحث الطهارة من كتاب الرياض للسيد علي الطباطبائي الحائري (في علم الفقه)، وهي للشيخ غلام حسين بن علي أصغر بن غلام حسين الدربندي (لم يطبع).
18 - حاشية المير سيد شريف على كتاب الشمسية (في علم المنطق)، فرغ من تحريرها الفاضل المار ذكره آنفا الملا علي أصغر الكوه ميشي، لم يذكر فيها تاريخ الفراغ منها.
19 - مجموعة صغيرة تحتوي على بعض السور القرآنية والأدعية المأثورة بخط السيد شهاب الدين أحمد بن نور الدين الحسيني النيريزي، فرغ من تحريرها في 14ربيع الأول سنة 1296هـ.
20 - مجموعة صغيرة تحتوي على بعض السور القرآنية والأدعية المأثورة بخط الاغا هاشم الاصبهاني، حيث أن بعض أوراقه قد تمزقت قام بتنقيحها وكتابة ما سقط منها (خطيب باشي طوس) وذلك بإشارة والدي الحاج السيد إبراهيم وتاريخ التنقيح والتصحيف: ربيع الثاني سنة 1327هـ.
21 - رسالة وجيزة في العصمة وهي رسالة فلسفية كلامية، كتبها مؤلفها جوابا على استفتاء ورد إليه حول ذلك، وهي بخط مؤلفها العالم الجليل الشيخ محمد علي القمي الحائري، فرغ منها في يوم السبت من العشر الأخير من رجب سنة 1343هـ (مخطوطة).(6/187)
22 - مجموعة صغيرة تحتوي على عدة رسائل وهي:
مقدمة كتاب التنبيهات العلية على وظائف الصلوة القلبية، وتشتمل هذه المقدمة على تحقيق معنى القلب والذي ينبغي إحضاره في أوقات العبادات وبسببه تفاوت مراتب العبادة في الدرجات، وبقية هذا الكتاب مفقودة ولا يعلم أسم مؤلفها.
23 - كتاب مصباح الشريعة: مشتمل على مائة باب وكلها من أقوال الإمام (جعفر الصادق عليه السلام) في المواعظ والارشاد، لا يعلم أسم مؤلفه وقد ينسب إلى الإمام الصادق نفسه (طبع هذا الكتاب مرتين ملحقا بكتاب جامع الأخبار مرة بإيران ومرة ببمبي أما طبعة بمبي فلا يخلو منها من الغلط).
24 - رسالة تحتوي على أربعين سورة من الأحاديث القدسية يدعي صاحبها إنها منتخبة من التوراة (وقد طبعت).
25 - رسالة موجزة منتخبة من حكم الإمام علي ابن أبي طالب (ع) مرتبة على حروف المعجم (مخطوطة) وهذه ديباجتها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الإنسان بقدرته، وهداه بتوفيقه، إلى جادة طريقه، وحكمته، وفضله بتوحيده على سائر خليقته، احمده على تمام نعمته، واشكره على دوام رحمته، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ينجو بها المؤمنون واشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله لإظهار دينه ولو كره المشركون وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله المجيب، محمد بن غياث الشيرازي الطبيب، عامله الله بفضله القريب هذه رسالة سميتها نور الأبرار من حكم أخ (كذا) الرسول حيدر الكرار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فانتخبت من درر ألفاظه وزبدة ايعاظه مما نقل عنه في كتاب نهج البلاغة ودرر الحكم من لب لبابها فوايد (كذا) تزيل العمى، وتذهب البكم ورتبته على حروف الهجاء وإن لم يكن بألفاظه(6/188)
لهجا، وأني معترف بالقصور في هذا المنتخب لكن هداني إليه ما ورد أن المرء يحشر مع من احبه، حرف الألف: الدين يعصم الخ.
26 - رسالة نثر الالئ من حكم مولانا علي وهي أوجز من الرسالة المتقدمة (مخطوطة)، أما مؤلفها فقد قال الميرزا عبد الله الاصبهاني المعروف بالأفندي في كتابه رياض العلماء في ترجمة أمين الإسلام أبي علي الطبرسي صاحب التفسير ثم أن له من المؤلفات أيضاً كتاب نثر اللآلئ على ما ينسبه إليه وقد رأيت نسخا منه وهو رسالة مختصرة ألفها على ترتيب حروف المعجم وجمع فيها كلام علي (ع) على نهج كتاب الغرر والدرر للآمدي وظني إنه للسيد علي بن فضل الله الحسيني الراوندي، أهـ.
27 - رسالة في طرق السلوك والعرفان لرجل اسمه الشيخ إسمعيل ولم تزدنا ديباجتها على ذلك (فارسية).
وكاتب هذه المجموعة لم يدرج اسمه فيها ولا كتب تاريخ الفراغ منها لكن الظاهر من نسخها إنها كتبت في القرن الماضي (الثالث عشر الهجري).
المصحف الخطي
وفي خزانة كتبنا مصحف كريم بقطع الثمن الصغير خطه في منتهى الحسن والجودة، وتحت كل سطر منه ترجمته بالفارسية بخط حسن، وفي هذا القرآن المجيد خطوط مذهبة تحيط بكتابات كل صفحة، فرغ من تحرير هذا المصحف الشريف كاتبه (المجهول) في سنة 1253هـ.
سبزوار (إيران):
محمد مهدي العلوي
معنى الأسيل
في (البستان) الأسيل كل سبط مسترسل و - من الخدود السهل اللين الدقيق المستوي والمسنون الليل (كذا) الدقيق الآنف يقولون (هو على آسال من أبيه) كما يقولون على آسان. . . أهـ. قلنا: وغلط الطبع واضح، والصواب:. . . والمسنون اللطيف الدقيق. . . وأما ربط الجملة الأولى بقوله: يقولون: هو على آسال. . . فكان يجب أن يقطع هناك الكلام ويبدأ بعبارة أخرى لا تتصل بما سبق.(6/189)
فريتس كرنكو
فريتس كرنكو هو أسم المستشرق الألماني الذي يطوي اليوم بساط أيامه في بكنهام (في إنكلترة) ناشرا كتبا شعرية لغوية تاريخية لقدماء السلف مصححا إياها مما أوقعه فيها النساخ من الأغلاط والأوهام المتنوعة.
وكرنكو كلمة صقليية معناها (ابن سادن الشمس) وكان والد صديقنا موظفا في خدمة الحكومة الألمانية.
ولد فريتس في 12اب سنة 1872م وهو الولد الثاني لوالديه لأنه كان له أخت سبقته في الحياة والممات، إذ انتقلت إلى دار البقاء قبل ولادته، ولما بلغ السنة الخامسة من عمره غادر والده هذه الدنيا فرجعت حينئذ والدته إلى بيت أبيها ومعها فريتس وأخت له فعني جده بتربيته وتربية أخته. وكان جده لأبيه مهيبا بين الناس في بلدته المعروفة باسم شنبرج التي معناها في العربية الجبل (برج) الحسن (شن).
فأرسله جده يتردد إلى المدرسة الثانوية وهي عند الألمان كالدرجة الأولى لمن يريد الرقي إلى الجامعات المشهورة، ولكن - لسوء حظ الصبي - كان في ظن عمه أن الأحسن لهذا الفتى أن يدرس التجارة، فلما بلغ من سنه السادسة عشرة. دخل الصبي في محل تاجر في مدينة لويبك وكان يومئذ يحسن الإنكليزية ولغات أخرى قديمة وحديثة ولم يكن يتفرغ للغات الشرقية إلا إنه كان من همه في كل فرصة ينتهزها مطالعة الآداب واللغات معالجا إياها بنفسه بكل جد واجتهاد.
وأول لغة شرقية باشر دراستها كانت اللغة الفارسية، ثم طالع كتب النحو للغات الهندية وسائر الأمم: فلم يستطب منها إلا اللغة العدنانية فتفرد لها بعد سنة 1901 ثم أخذ يتبحر فيها وفي آدابها معالجا كل ذلك بنفسه غير آخذ أصولها عن أستاذ، ولله دره! وذلك لأنه لم يجد من كان واقفا على حرف من حروف اللغات الشرقية فيطلعه على مبادئها أو لا أقل من أن يرشده إلى أحسن المصنفات التي الفت لهذه(6/190)
الغاية فأضاع شيئا كثيرا من اثمن عمره وهو يطالع كتبا غير صحيحة أو غير مفيدة الفائدة المطلوبة.
وفي سنة 1907 صادف لحسن حظه السيد الجليل السر جارلس ليال ناشر ديواني عبيد
بن الأبرص السعدي الاسدي، وعامر ابن الطفيل العامري أو عامر بن صعصعة وناقلها إلى الإنكليزية وهو من كبار مستشرقي الإنكليز، فكان أول من حثه على إتقان العربية ونصحه عدة نصائح عادت عليه بفوائد جزيلة، وكان في تلك المطاوي يشتغل بالتجارة والصناعة فنجح نجاحا لا ينكر حتى إنه كان في إدارته في زمن الحرب العظمى أكثر من ألف عامل وعاملة، ولما رأى أن أشغال التجارة تقوم عقبة في وجهه أخذ يقلل منها وما كان يسرقه من الأوقات التي كان ينزعها من أمور الاتجار يبذله عن يد سخية لمعاناة درس لسان يعرب ومطالعة كتبه من مطبوعة ومخطوطة وكان في عزمه أن يرصد مبلغا جليلا لنشر العلوم العربية إلا أن الأقدار عاكسته ففقد في أبان الحرب العظمى جل ما كان يملكه ولهذا انتقل بأسرته من مدينة ليسستر إلى لندن.
ومع كل هذا وغيره لم ينقطع عن الاشتغال بعلوم السلف وآدابه ونشر ما كان يراه مفيدا لأبناء هذا العصر ساعيا سعيا حثيثا في هذا الميدان.
ولقد هذب ونشر عدة كتب نادرة كانت مدفونة في زوايا الإهمال أو النسيان، من ذلك:
1 - ديوان أبي دهبل الجماحي.
2 - ديوان بكر بن عبد العزيز العجلي.
3 - ديوان النعمان بن بشير.
4 - طبقات النجاة للزبيدي.
5 - الجمهرة لابن دريد وهو كتاب ضخم جليل في اللغة.
6 - تنقيح المناظر لابن هثيم البصري ثم المصري وهو أجل كتاب صنف في هذا الفن.
7 - الكتاب المأثور عن أبي العميثل الأعرابي.
8 - الأرض التي اقطعها النبي الحنيف لتميم الداري وهي تتضمن حبرون(6/191)
والمرطوم وبيت عينون وبيت إبراهيم وما يتصل بها.
9 - مرثية المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة التي يعزوها بعضهم إلى زياد الأعجم والبعض إلى سلطان العبدي.
10 - المجتنى لابن دريد.
11 - الحماسة لابن الشجري.
وهناك كتب أخرى نجهل أسماءها أو لم نقف عليها.
وقد هيأ للنشر:
12 - كتاب التيجان لابن هشام.
13 - كتاب الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني.
14 - ديوان الطفيل والطرماح.
15 - كتاب معاني الشعر لابن قتيبة.
وله مقالات عديدة في المجلات الإنكليزية والألمانية الكبرى وفي لغة العرب، وله تعليقات نفيسة وتصحيحات عديدة علقها على نسخة له من لسان العرب وهي النسخة المطبوعة في مصر القاهرة، إذ وجد فيها أغلاطا وأوهاما شتى، وقد طالع مئات من دواوين الشعر للجاهلية والمخضرمين ولمن كان في صدر الإسلام واستل منها الألفاظ المشروحة التي لا ترى في كتبنا اللغوية وقد بعث من هذه الدرر البديعة بأكثر من 15. 000 كلمة إلى العلامة الألماني فيشر الذي يضع معجما عربيا حاويا ألفاظا قديمة لم ترد في معاجمنا العربية كالقاموس ولسان العرب وتاج العروس وسائر كتب متون اللغة.
فإذا كان العلامة كرنكو أمد زميله وبهذا القدر من الألفاظ المستدركة على أصحاب دواويننا فما يكون قدر تلك الألفاظ التي جمعها المستعرب الألماني فيشر وهو لم يتم سفره إلى هذا اليوم؟
هذا بعض ما نعرفه عن صديقنا الألماني ولعل ما نسيناه أكثر مما ذكرناه.
الحب بمعنى الجرة الضخمة
جاء في (البستان) الحب - الجرة و - قيل الضخمة من الجرار و - الخشاب الأربع. و - الخابية أهـ - قلنا: والصواب الخشبات الأربع وما بقي من المعاني هو واحد لا حاجة إلى فصل بعضه عن بعض فاحفظه.(6/192)
أسرار اللغات واللهجات
2 - لكل لغة أو لهجة ذوق خاص بها
أن لكل لغة أو لهجة ذوقا خاصا بها ولكل كلمة أو جملة وقعا دقيقا لا تجده في مقابلها من لغة أخرى.
فقد يجد الإنسان بونا كبيرا في الذوق بين تركية أهل الأستانة وبين تركية سكان الضواحي من التركمان. وللغة البداة من العرب نبرات لا نجدها في لغة الحضر منهم، وفي أناشيد البدو وأغانيهم جرس خاص يضطر المغنين من الحضر إلى احتذائهم في بعض ما ينظمون ولاسيما ما كان للحماسة أو النياحة.
وأهل العراق ينقلون الأغاني السورية والمصرية على حالها لخاصية فيها؛ وإن أدى ذلك إلى ما ليس في مألوفهم من قلب القاف همزة، والظاء زايا مفخخة، والجيم كافا فارسية. ويرون أن تحقيق مخارجها الأصلية مفسد لنشوتها.
ومن ثم كان من العبث أن نلتمس في الترجمة ما نلتمسه في الأصل من التأثير في العواطف. فكم من شعر نظم في لغة أو لهجة فهز العواطف، وحرك الرواكد ثم صادف عكس التأثير بعد نقله إلى لغة أخرى، أو لهجة تخالف اللهجة الأولى، وإن كانتا بنتي لغة واحدة.
فآيات الكتب المقدسة المعربة مثلا يشهد العقل بأن فيها حكما بالغة، لكن العاطفة لا تشهد بقوة فعلها في النفوس بعد التعريب إلا ما لا يلحظ فيه التأثير كبعض الأحكام والقصص.
وطائفة من القرآن إذا نقلت إلى لغة أخرى كان نقلها سلبا لخلعة الأعجاز المفرغة عليها، فقول القرآن: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) نموذج من إعجازه، ولكنها إذا ترجمت إلى التركية مثلا فقيل: (هبكز اللهك ايبنه طوتنكز) ذهبت تلك الطلاوة ولاقت أية القرآن ما لاقته أية المزامير الآتية بعد تعريبها وهي: (واسحق أعداءه أمام وجهه. . . وباسمي ينتصب قرنه)!(6/193)
وفي بعض المناجاة: (وتنصب مثل البقر الوحشي قرني)! - ص 542 - 544.
وكثير من الأمثال العامية لا تؤدي كل مزاياها اللغة الفصحى وكذلك بعض أمثال أهل بلدة
إذا نقلت إلى أختها في القومية: لذلك نجد الأمثال تنقل على علاتها فالمثل المشهور في العراق ينقله السوريون على علاته وهكذا العكس.
ألا ترى أن المثل الذي ضربه (نابغة الكرخ) في بعض قصائده العامية، وهو:
(والحان هذي يا عضيدي مثل ذيح ... في الحقيقة خوش مركه وخوش ديح
وقول العرب في أثناء الثورة العراقية:
(سل (دكسن) عنا اش سوينا ... وهنا علكنا الكناره)
والمثل المشهور: (ما زال كهوة وتتن كل الأمور تهون).
لو ترجمت إلى اللغة الفصحى، أو اللهجة السورية أو الموصلية لكان مسخا ممجوجا.
والأنشودة التركية وهي:
آرى كزر. حيحك امر. قوشلر اوجر. بريم ارار
لو ترجمت إلى العربية هكذا:
النحلة تدور. تمتص الزهور. تطير الطيور. لالتماس الحب
لتجلت فيها التفاهة. اللهم إلا أن يقال أن هذه المعاني قدت على قدر الصغار، لأنه وضعت أناشيد لهم، غير أنى مع هذا الاعتذار لا أزال مصرا على رأيي.
لكن لو ترجمنا القطعة المتداولة بين الصغار أيضاً وهي قطعة تتضمن تحاورا بين الزنبار والنحلة إذ يقول الزنبار:
أيها النحلة ماذا يشغل الناس بحبك، إنني في حسن شكلي، لست محبوبا كحبك إلى آخر المحاورة. . . لما شعرنا بتلك التفاهة. فلا بد أن يكون في القضية سر وهذا السر قد يكون في ضيق صدر اللغة عن أداء المعنى أو ترفعها عنه.
واللغة الفارسية فيما أظن تعجز عن إعداد قالب مكين للمعنى الذي تضمنه بيت الحماسة وهو:(6/194)
فلما تأت عنا العشيرة كلها ... أنخنا فحالفنا السيوف على الدهر
ولعل الفارسية أتيت من قبل إنه لا يتفق بين جيلها مثل هذا الوضع الذي عناه الشاعر البدوي المتحمس.
كما أن اللغة العربية تتجافى عن تهيئة لباس مناسب لمضمون بيت الكلستان:
أي مرغ سحر عشق زير وانه بياموز. . .
أي: يا طائر السحر تعلم العشق من الفراشة. . .
لأن اللغة العربية وضعت للطائر الصغير الذي يسميه الفرس (بروانه)، لفظة (فراشة) والفراش يطلق في عرف العرب على الهمج بصورة عامة فاندمج في هذا العموم ذلك الطائر الجميل فيكون في تكليف طائر السحر الاقتداء به في مذهب العشق بخس لحقه وحط من قدره وهذا مما يأباه الذوق العربي السليم.
نعم لو كان في العربية أسم خاص بهذا النوع من الهمج بحيث يميزه عن هذه الحشرات الخسيسة وينوه بشأنه كما سماه العامة من أهل الموصل ومسلمي بغداد (طائر الجنة) لما كان في تكليف طائر السحر الاقتداء به غضاضة في نظر الأدب.
ويقال بصورة عامة: أن الجمل التي يدور عليها البحث قدت على قدر اللغة أو اللهجة، وصبت في قالب ملائم، فإذا أنزلت في قالب لغة أو لهجة أخرى من دون تعديل، كانت كالثوب الذي قطع لشخص فارتدى به شخص آخر.
وهذا التمانع المحسوس بين اللغات واللهجات، ليس جاريا في جميع نواحي الكلام، بل إنك لتجد تماسا قويا في بعضها، فقول الشاعر الفارسي:
جهان أي برادر نماند بكس. . .
مماس لقول الشاعر العربي القديم:
أشاب الصغير أفنى الك ... بير كر الغداة ومر العشي
إذا ليلة هرمت يومها ... أتى بعد ذلك يوم فتي
حتى في الوزن، ولا غرو فإن للأوزان علاقة قوية بمواضيع الشعر، ومثله(6/195)
بيتان أنشديهما بعض الفرس من نحو عشرين سنة:
بقبر ستان كزر كردم كم وبيش ... بديدم قبر دولتمند ودرويش
ولا أتذكر الثاني، فانهما يلامسان بيتين قالتهما العرب في القديم وهما:
نطوف ما نطوف ثم يأوي ... ذوو الأموال منا والعديم
إلى حفر اسافلهن جوف ... وأعلاهن صفاح مقيم
وقد ترجم العلامة سليمان البستاني (رح) بيتا من أبيات (الإلياذة) بقوله:
وتخفق أحشاءهم كما اللج خافق ... إذا لقي البحر الرياح السوافيا
فأصاب المحز. ومثله - كما نص عليه في الحاشية ص 252 - قول الشنفري:
ولا خرق هيق كأن فؤاده ... يظل به المكاء يعلو ويسفل
أنشدني الشيخ بشير الغزي رحمة الله بيتا ترجمه من الفارسية وهو:
ما حمرة الياقوت إلا خجلة ... من صخرة قد ضمخت بدم الحسين
غير أني - ولكل إنسان ما يرى - لم أره موافقا للذوق العربي وإن حاز دقة في التشبيه والابتكار مع حسن السبك في التعريب. وعلى من يعرف الأصل أن يقابل بينه وبين الفرع.
وقد هدتني التجارب إلى أن الرجل في بلادنا إذا قيل له (قليل الأدب) أو (عديم الأدب) لم يكن لها في نفسه وقع كلمة (أدبسز) لأن الثانية مشربة معنى دقيقا لا تهتدي إليه الأذواق إلا إذا برزت اللفظة الدالة عليه في بزة خاصة.
ولو قيل لرجل: (متشرد) لم تبلغ في نفسه مبلغ كلمة (سرسري) التركية.
وربما اصطلح أهل مدينة على كلمة يطلقونها على معنى، أو يريدون بها مغزى، فلا يقوم مقامها كلمة أخرى، مهما حاول المتكلم أداء المعنى المطلوب بها، أو الإيماء إلى المغزى الذي يرمون إليه كإطلاق البغداديين لفظة (مترقي) على من كان حديث عهد بنعمة فأورثته غرورا، فهناك لا يسد مسد (مترقي) لفظة (مغرور) ولا (متكبر) ولا (معجب) ولا (طائش) ولا (ذو تيه) أبدا وإن كنا نعبر عن معناها في الفصحى بقولنا (شمخ بأنفه) أو (اعجب بنفسه) مثلا.
إلا أن هذا الاصطلاح وقتي لا يلبث أن ينطفئ لأنه موضعي وغير مدون. أهل الموصل يقولون إزاء ذلك (زم) وهي تؤدي مؤدى (مترقي) في(6/196)
مصطلح البغداديين لا تنقص عنها شيئا.
إلا أن لفظة (زم) عريقة في القدم أما لفظة (مترقي) فأظنها وليدة الاحتلال وذلك إنه كثر في هذا العهد تطاول الأوباش إلى ما ليس من شأنهم من مراتب سامية ما كانوا يحلمون بها، وكان أحدهم إذا هبت ريحه كبر في عين نفسه وشمخ بأنفه على أصحابه وعشرائه اللاصقين به متناسيا حقوقهم فينبزونه بقولهم (ترقى). . .
ويقول أهل الموصل للعبد الأسود خاصة إذا استشاط غضبا وحمي وطيس غيظه (زنكر) ولا يغني غناءها عندهم (غضب) ولا (زعل) ولا (شخر) ولا (نخر) ولا (ابرق) ولا (ارعد) بل الكلمة الجامعة لكل هذه المعاني هي (زنكر) وإن كنا مضطرين في الفصحى إلى أن نقيم مقامها (عربد العبد) بيد أن ذلك لا يشغل الفراغ الذي يشغله قولهم (زنكر) ومنه قولهم (. . . زنكرت بعرورة).
وإمعان النظر في الملاحظات السابقة يكفينا باعثا على التردد في ادعاء من يدعي أن الذين ترجموا رباعيات الخيام مثلا حافظوا على جميع مزاياها من جميع أطرافها.
وعلى النظر بعين الاحتياط إلى دعاة التجدد في الشعر العربي باحتذاء الإفرنج فيه ما لم يوضحوا مناهجهم ويزيحوا كل غشاوة، ويعطوا عهدا بوجوب الاحتفاظ بكرامة اللغة العربية وخصائصها الذوقية ولا مانع من تهذيب لا تشويه فيه.
وعلى النظر بعين الريبة إلى قول من يقول: أن في اللغة الفصحى نقصا لأنها تعجز أحيانا عن أداء بعض ما تجيش به صدورنا - إذا كانت غاية القائل الإعراض عنها إلى اللغة العامية - لأن كثيرا مما تجيش به صدورنا تعجز اللغة العامية عن أدائه أكثر مما تعجز اللغة الفصحى. وهكذا يقال في اللهجات العامية المتباينة وإن كانت شقائق. وفي اللغات الأجنبية أية كانت. فكل منها تعجز عن تحمل بعض ما تتحمله الأخرى من الخصائص. فمن كان على رأي هذا(6/197)
القائل، وكان عراقيا، أحلته على الجرائد المصرية العامية: وإن كان مصريا أحلته على الجرائد العراقية العامية؛ لينظر كل من خالجته شبهة من اتباع كل ناعق دساس! هل ثمة ما تطمئن إليه نفس الناصح لامته المتفاني في شد أزر الجامعة العربية؟
أن هناك خروجا على هذه الجامعة، ومحاربة لها بسلاح التفريق اللغوي بعد أن حوربت بسلاح التفريق الجغرافي؟!. .
واجدر بمن كان مخلصا للغة ولجامعة اللغة ويجري في عروقه حبها والحرص على حياتها أن يثابر على سد الثلم الذي يدعيه، وإلا فليصرح بملء شدقيه إنه غادر بقومه، أو دخيل فيهم فهو مثل السوس في بنائهم، والجرثومة الخبيثة في بنيتهم.
محمود الملاح
الدرداقس
في (البستان) للبستاني: (الدرداقس) ويقال أيضاً بالصاد، عظم يصل بين الرأس والعنق معرب عن الرومية. أهـ. وهي عبارة أقرب الموارد ومحيط المحيط وكل من أخذ عنها وأول من غلطها صاحب القاموس لأنها عبارته والخطأ واضح، والصواب: يفصل بين الرأس والعنق، أو: يصل الرأس بالعنق: لكن لغوينا المحدثين خاطبوا ليل ينقلون بلا ترو ولا تبصر.
وغوليوس وفريتغ ودوزي وقزميرسكي وسائر نقلة الإفرنج لم يذكروا الكلمة الرومية (أي اللاتينية) التي صحفت عنها. ونظن إنها من أي محور الرأس وهو معناها، على أن السلف الفصحاء عرفوها باسم (الفائق) من (ف وق) لأنها تفوق جميع الفقار بعلوها، وب (الفهقة) قال بن الأعرابي الفهقة: موصل العنق بالرأس. وهي (السرير) أيضاً إذ يجلس عليها الرأس ويقز.
وجاء (درقاس) في الشعر بدلا من درداقس. أنشد أبو زيد:
من زال عن قصد السبيل تزايلت ... بالسيف هامته عن الدرقاس
(أورد ذلك صاحب اللسان والتاج في مادة (د ر د ق س).
قال أبو زيد: و (المتلقية) على عظم الفائق مما يلي الرأس. أهـ، فتكون هذه هي المسماة بالافرنسية (المخصص1: 60) فاحفظ كل ذلك.(6/198)
البصرة
تاج لأشهر مدن البطائح
بنى البصرة عقبة بن غزوان في سنة 14 للهجرة وذلك بأمر عمر بن الخطاب وأول بناء أقيم فيها كان المسجد بناه من قصب ثم دار الإمارة ومكانها دون المسجد في الرحبة التي يقال لها رحبة بني هاشم وكانت تسمى الدهناء وفيها الديوان والسجن وحمام الأمراء.
وكان أول بناء معاهدها من القصب فكانوا إذا غزوا نزعوا القصب وحزموه ووضنوه حتى يعودوا من الغزو فيعيدوا البناء. ويظهر أن البصرة لم تكن أول عمارة ظهرت ونهضت في تلك الأنحاء بل إنها قامت على أنقاض (قصبة الخريبة) تلك القصبة الفارسية التي سقطت ونهضت البصرة في مكانها وكان قريبا منها عمارة بلد الابلة التي كانت مسالح للفرس.
والابلة عمارة فارسية على نهرها المعروف وكانت آهلة قبل البصرة ولأجل مناعتها تأخر فتحها عن البصرة.
ويظهر أن العرب لم يختاروا البصرة مشتى لهم لأجل حسن هواءها وجيد مناخها، إذ كانوا يتذمرون من ذلك كثيرا بل كان الدافع على استيطانها غرضا حربيا وهو جعلها حامية للعراق وقطعا لظهر الفرس الذين كانوا مشتبكين مع العرب في داخل العراق لكي لا يستمدوا بإخوانهم من أهالي خوزستان وما جاورها. وهكذا بقيت البصرة ثغرا يصد الهاجمين على العراق من هذه الناحية. هذا هو مبدأ تكوين البصرة ثم تدرجت وتقدمت خطى واسعة وأول من قاس البصرة هو يزيد الرشك. قال: قست البصرة في ولاية خالد بن عبد الله القسري فوجدت طولها فرسخين وعرضها فرسخين إلا دانقا. فهذه في البصرة القديمة ومكانها اليوم بلدة الزبير.
أما البصرة الحالية فهي تبعد عن الأولى 14 كيلومترا ولم يكن لتأسيسها زمن خاص معروف عند المؤرخين. بل يظهر إنها نشأت تدريجا على أنقاض(6/199)
البصرة القديمة. والبصرة الحالية قائمة على نهر الابلة يسمونه اليوم نهر العشار. قال القزويني في عجائب المخلوقات: (الابلة): جانبان شرقي وغربي طوله أربعة فراسخ. أما الشرقي فيعرف بشاطئ عثمان، وهو العامر الآن: وأما الغربي فخراب غير أن فيه مشهدا يعرف بمشهد
(العشار) مشرف على دجلة وهو موضع شريف قد اشتهر بين الناس. أهـ.
فيمكن أن يكون بهذه المناسبة أبدل أسم الابلة بالعشار، ولا صحة لما يقولون إنه سمي كذلك لاجتماع العشارين على صدره لأخذ الأعشار من السفن والمارة. وقد كانت البصرة القديمة على نهر الاجانة الذي حفره أبو موسى؛ ويظهر أن البصرة كانت في سباخ من الأرض تبعد عن الماء ثلاثة فراسخ ويظهر أن الماء كان حولها بشكل بطيحة ولم يكن نهرا فقد ذكروا أن دجلة العوراء كانت تكون خورا واسعا فيما يلي البصرة وكانت العرب في الجاهلية تسمي هذا الخور بالاجانة وسمته العرب في الإسلام بالجزاز وقيل في موضع آخر أن ماء دجلة كان ينتهي إلى فوهة (الجوبرة) فيستنقع هناك ويكون مثل البركة الواسعة وكانت فيه اجاجين وانقرة ولذلك سمي النهر الذي جذبه منه أبو موسى نهر الاجانة.
وكل تاريخ البصرة حوادث وفتن ونهب وانتزاع وأول وقائعها الحربية واقعة الجمل سنة 36 هجرية وآخر وقائعها واقعة الإنكليز والأتراك سنة 1333هـ وما بين هذين التأريخين فتن وحروب وقلاقل مستمرة لم تسترح منها حتى مدة نصف قرن فأوقع فيها صاحب الزنج وأوقع فيها القرامطة وأوقع فيها الخوارج وأوقع فيها الموالي وأوقع فيها الوهابيون وتصارع عليها الولاة والأمراء وتنازعها الملوك من الفرس والعرب والديلم والمغول والأتراك ودخلت البصرة في طاعة العثمانيين سنة 951هـ وذلك حين قدم العراق السلطان سليمان وكانت البصرة تابعة للفرس وكان واليها يومئذ راشد وهو زعيم كبير من زعماء قبائل البصرة فشخص راشد إلى بغداد وقدم إلى السلطان العثماني إحتراماته وخضوعه إلا إنه لم يكن فعله إلا في الظاهر وكان يقصد بعمله هذا الاستئثار بالبصرة عندما يتردد أمرها بين الفرس والأتراك ولما أدرك العثمانيون طوية(6/200)
راشد شخص إلى البصرة اياس باشا والي بغداد سنة 953هـ يقود جيشا لهاما فدخلها ظافرا ووجد راشد قد فر فنظم ولاية البصرة وضم إلى عملها واسطا والجزائر. وهكذا بقيت البصرة تابعة لبغداد وكان يرسل والي بغداد إليها عاملا من قبله يتسلم إدارتها ويسميه البصريون (المتسلم) إلى آخر أزمنة آل سعدون.
وفي عهد ناصر باشا انفصلت إدارة البصرة عن إدارة بغداد وسميت باصطلاح الإدارة التركية (ولاية) وقد تابع الفرس مناجزاتهم على البصرة ودخلوها مرارا وآخرها المناجزة الكبرى التي وقعت في القرن الثاني عشر بين المنتفق وبين باقر خان الزند، أخي الشاه
كريم خان الزند، المؤسس للسلطنة الزندية في إيران. وقد أبلى المنتفق في هذه الحرب بلاء حسنا ودخل باقر خان البصرة ولكن المنتفق بعد أن استرجعوا قواهم كروا على الجيش الفارسي، وأخرجوه من البصرة.
وقد وقع في القرن الثالث عشر بعض معاركات بين المنتفق والفرس في ضواحي البصرة ولم يتيسر لهم دخول البصرة بعد ذلك.
والبصيرة تصغير البصرة وقد كانت محلة منفردة واقعة على شط العرب يوم كانت البصرة العتيقة زاهية وهذه البصيرة صارت اليوم البصرة الجديدة وهذا قبل العمارة الفخمة التي قامت حديثا باسم العشار، وعلى كل حال تكون هذه البصيرة أو البصرة عبارة عن عدة محال معروفة منها: (بريهة) في أقصى البصرة من الجهة الشرقية فاصلة بينها وبين (المناوي) وجاء في القاموس نهر بريهة تصغير إبراهيم أحد انهار البصرة ولعله هذا (المناوي) محلة من محلات البصرة وقد كانت أولاً قلعة على نهر المناوي تفصل البصرة عن شط العرب.
ومن محلات البصرة (تومة العباس) و (سوق الغزل) ويعرف اليوم (بسوق الدجاج) والسيمر و (أهل الدير) و (الحوز) و (المكسار) و (المشراق) و (محمد الجواد) و (غصيبة) و (بنت الجبل) و (الخندق) وكثير غيرها.(6/201)
وللبصرة ناحيتان الجنوب والشمال (فناحية الجنوب) علم للقرى التي ما بين البصرة والبحر الملح من الجانب الغربي وهي مشتملة على انهار كثيرة وعلى كل نهر قرية. فالنهر الأول مما يلي البصرة المناوي ثم الخورة فالسراجي فمهجران فحمدان فيوسفان فاليهودي فأبو الخصيب فالفياضي فالنوفلي فالزين فالمطوعات فالحنت فالشباني فالكيعرة وكثير غيرها مثل خريبط وأما (ناحية الشمال) مما يلي البصرة من الجهة الشمالية فهي علم لنواح كثيرة مثل الشرش، والرباط، ونهر معقل، (وهي التي يسميها اليوم بعضهم خطأ ماركيل) والهارثة، والدير ونهر عنتر وكثير غيرها.
وقد اشتهرت البصرة بمذهبها النحوي فإلى البصريين يرجع فخر هذا العلم والتأليف فيه إذ فيها ضبطت شوارده، ودونت قواعده.
ولمربد البصرة شهرة أدبية عالية لم تقل عن بقية أسواق العرب وكان يجتمع فيه الأدباء
والعلماء والشعراء فيتناشدون ويتفاخرون بالقصائد والخطب.
النجف: علي الشرقي
فرتني
(فرتني فرتنيان: إحداهما بمروالروذ والآخرة في أثينة من بلاد اليونان، وكل منهما قصر بديع في محل رفيع)، هذا ما كنا وجدناه في أحد الكتب الخطية التي كانت عندنا قبل الحرب، واتلف مع ما اتلف من خزانتنا الجليلة، ولسوء الحظ لم نقيد اسمه في ما نقلنا عنه من الموضوعات والمصطلحات.
قلنا: أما فرتني أو فرتنا مرو الروذ فقد ذكرها الطبري في تاريخه الشهير في 2: 594 و596 و696 و1145 وياقوت في معجمه في 3: 868 وكلاهما من طبع الإفرنج.
وأما فرتني أثينة فلم اعثر عليها إلا في كتاب واحد مطبوع لا يحضرني الآن اسمه وأظن أن الفرس في أيام عزهم تشبهوا كثيرا باليونانيين وبنوا أبنية تضارع آطامهم وقصورهم فسموها بأسماء يونانية من ذلك الطربال وطيسفون أي إلى غيرهما. ومعنى فرتني البكر العذراء والكلمة لقب المعبودة اثينة وهي اللات أو اللاة عند السلف. ومن الغريب أن أصل الكلمة اليونانية عربي هو (الفاتنة) فأقحموا الراء بين الألف والتاء وقالوا الفارتني أو الفرتني أرادوا بها البغي وسبب هذه التسمية يطول شرحه فاكتفينا بالإشارة إليه.(6/202)
تصريف اللفيف المقرون في لغة عوام العراق
أن اللفيف المقرون له حكم الناقص لكون لامه في الماضي ألفا فتقلب في المضارع ياء ويصرف تصريف المضارع الناقص هكذا:
يشوي يشوون تشوي يشون تشوي تشوون تشوين
تشون أشوي نشوي.
الأمر
الأمر صيغة يطلب بها الفعل من المخاطب ولا يكون إلا مستقبلا، والأمر يصاغ من المضارع بحذف حرف المضارعة (وهو التاء للمخاطب) فإن كان ما بعده متحركا فالأمر هو ما بقي من المضارع بعد حذف حرف المضارعة نحو (تشوف) فانك إذا حذفت التاء منه بقي (شوف) وهو فعل الأمر، وكذلك (تمد) فانك إذا حذفت التاء منه بقي (مد) وهو فعل الأمر.
وإن كان ما بعد حرف المضارعة ساكنا زيدت عليه أي على ما بقي بعد الحذف همزة لتعذر الابتداء بالساكن. وهذه الهمزة تكون مكسورة إذا كان عين المضارع مكسورا أو مفتوحا نحو اجلس واعلم، وتكون مضمومة إذا كان عين المضارع مضموما نحو أنصر. هذا هو الأصل في صيغة فعل الأمر وربما خالف ذلك بعض صيغ الأمر شذوذا كما سنذكره في محله عند تصريف الأمر.
أما آخر الأمر فمبني أما على السكون وذلك أن لم يكن في آخره حرف علة نحو اضرب وإما على حذف حرف العلة وذلك أن كان ناقصا أو لفيفا نحو ارم واشو وأوف. وإما على حذف النون وذلك إذا كان من الأفعال الثلاثة(6/203)
نحو اضربوا واضربي، وتسكن عين فعل الأمر المصوغ من الأفعال الثلاثة لأن عين المضارع من الأفعال الثلاثة ساكن أيضاً.
وإما على الفتح وذلك إذا اتصل به ضمير جمع المخاطبة وهو النون الساكنة نحو اضربن. وتسكن عين فعل الأمر في هذا أيضاً.
تصريف الأمر من السالم
لما كان هذا الأمر لا يكون إلا للمخاطب كانت صيغ تصريفه أربعة لا غير وهي (1) المفرد المخاطب (2) جمع المخاطب (3) المفردة المخاطبة (4) جمع المخاطبة. فيصرف هكذا:
أضرب - أضربوا - اضربي - أضربن
تصريف الأمر من المضاعف
الأمر من المضاعف لا تزاد في أوله همزة لان ما بعد حرف المضارعة في الفعل المضارع منه متحرك، فيصرف هكذا من غير فك للإدغام:
مد - مدوا - مدي - مدن
تصريف الأمر من مهموز الفاء
قد قلنا فيما تقدم إنه لا يوجد في كلام العامة من مهموز الفاء سوى ثلاثة أفعال وهي أخذ وأكل وأمر.
فأما (أمر) فيصاغ الأمر من مضارعه على وجهين أحدهما موافق للقياس بأن تزاد في أوله همزة بعد حذف المضارعة منه فيقال من تأمر أؤمر ويصرف هكذا:
أؤمر - أؤمروا - أؤمري - أؤمرن
والثاني مخالف للقياس بأن تزاد في أوله همزة مفتوحة وتقلب الهمزة الثانية التي هي فاء الفعل ألفا لينة وتجعل عين الفعل مكسورة في المفرد المذكر وساكنة فيما سواه فيقال من تأمر آمر ويصرف هكذا:(6/204)
آمر - آمرو - آمري - آمرن
وإما أخذ واكل فلا يصاغ الأمر من مضارعهما إلا على خلاف القياس وذلك بأن تزاد همزة في أوله بعد حذف حرف المضارعة وفاء الفعل معا فيقال في الأمر من تأخذ أخذ ومن تأكل أكل ويصرف هكذا:
أخذ - أخذوا - أخذي - أخذن
أكل - أكلوا - أكلي - أكلن
هذه لغة أهل الأمصار والقرى غير أن في أهل البادية من يجري في الأمر من هذين الفعلين أعني تأخذ وتأكل على ما جرى عليه أهل اللغة الفصحى سوى انهم يكسرون أولهما فيقولون خذ وكل. وفي أهل البادية أيضاً من يقول خوذ وكول.
تصريف الأمر من مهموز العين
يصرف هذا كالأمر من السالم بلا فرق. هكذا:
اسأل - اسئلوا - اسئلي - اسئلن
تصريف الأمر من مهموز اللام
قد ذكرنا لك إنه لا يوجد في كلام العامة من مهموز اللام سوى قرا وجا، فأما قرا فقد علمت أن الحكم في تصريفه كحكم الناقص فالأمر أيضاً يصاغ من مضارعه كما يصاغ من مضارع الناقص أي تحذف من آخره الألف في صيغ الأمر كلها، هكذا:
أقر - اقروا - أقري - اقرن
وإما جا فقد أماتوا فعل الأمر منه استغناء عنه بتعال فهو إذا لبس له أمر من لفظه بل له أمر من معناه، هكذا:(6/205)
تعال - تعالوا - تعالي - تعالن
تعريف الأمر من المثال
يجري على القياس اعني قياس اللغة العامية فلا تحذف الواو التي هي فاؤه كما لم تحذف من المضارع وتزاد الهمزة في أوله بعد حذف حرف المضارعة فيقال:
أوعد - أوعدوا - أوعدي - أوعدن
تصريف الأمر من الأجوف
هذا أيضاً يجري على القياس اعني قياسهم فلا تزاد فيه همزة لأن ما بعد حرف المضارعة من مضارعه متحرك وتثبت عين الفعل التي هي الواو أو الياء أو الألف فلا تحذف في الأمر. هكذا:
شوف - شوفوا - شوفي - شوفن
تصريف الأمر من الناقص
تحذف من آخره الياء أو الألف في جميع صيغ الأمر هكذا:
أرم - ارموا - أرمي - أرمن
إرض - أرضوا - إرضي - إرضن
تصريف الأمر من اللفيف المقرون
هو من جهة أوله كالمثال ومن جهة آخره كالناقص فيصرف هكذا:
آوف - آوفوا - آوفي - آوفن
تصريف الأمر من اللفيف المقرون
هو كالناقص فتحذف الياء من آخره في جميع صيغ الأمر. هكذا:
اشو - اشووا - اشوي - اشون
أمر الغائب
الأمر قسمان: أمر الحاضر وقد تقدم بيانه وأمر الغائب وهو في اللغة(6/206)
الفصحى يكون باللام المسماة بلام الأمر الداخلة على المضارع نحو ليضرب، وإما في كلام العامة فلام الأمر معدومة غير مستعملة وإنما يستعملون في أمر الغائب كلمة (خل) التي هي فعل أمر بالتخلية. إلا انهم لا يقصدون بها معنى أمر الحاضر بل يأتون بها بدل لام الأمر ويدخلونها على المضارع فيتكون منها ومن الفعل المضارع صيغة أمر الغائب فيقولون (خل يضرب) ويريدون معنى ليضرب حتى انهم يخففون اللام من خل ويسكنونها فيقولون (خل يضرب) بمعنى ليضرب غير انهم إذا جعلوا لام الأمر مخففة ساكنة لا يدخلونها إلا على الأفعال المضارعة الساكنة الفاء كيضرب، وإما مع المضارع المتحرك الفاء كيشوف ويمد فلا يوردونها إلا بتشديد اللام وكسرها، فتصرف أمر الغائب عندهم هكذا:
خل يضرب - خل يضربوا - خل تضرب - خل يضربن
الفعل المجهول
أن صيغة الفعل المجهول معروفة في كلام العامة يستعملونها بل هم يستعملون بدل الفعل المجهول فاعله صيغة (انفعل) فيقولون (انكتل) مكان قتل (وإنجرح) مكان جرح وانكتب
مكان كتب ويقولون (انسقى الزرع) مكان سقي (وانمطرت الأرض) مكان مطرت و (انبنى الحائط) مكان بني و (انباع الشيء) مكان بيع ومنه قولهم وهو من احاجيهم: (بعد العصر ما ينباع) ويقولون (ينكال لفلان كذا) مكان يقال لفلان كذا و (ينشاف) مكان يشاف أي يرى ومنه قولهم وهو من أمثالهم (خشاف ينذكر ما ينشاف) أي يذكر ولا يرى. إلى غير ذلك من الأفعال لكن استعمالهم انفعل مكان فعل خاص بالثلاثي المجرد، أما الثلاثي المزيد فليس للمجهول منه موقع في كلامهم، وإما الرباعي المجرد فيستعملون في موضع المجهول منه تفعلل فيقولون (تسربس الغزل) بمعنى سربس، و (تخرمش وجهه) بمعنى خرمش.
معروف الرصافي(6/207)
غادة بابل
8
لم تجد نفعا الرقي والطلاسم والتعازيم وندامة الأب بل كانت حال المريضة تزداد حرجا وأصبحت على قاب قوسين من النزع فارتأى أهلها أن ينقلوها من البيت إلى الخارج ويعرضوها على أنظار المارة لكي يصف لها من يراها تعويذة فعالة أو دواء ناجعا مجريا فحملوها على فراشها ووضعوها عند باب دارها. فتكاكأ عليها المارة واخذ كل واحد يصف لها وصفة من تعاويذ وعقاقير جربها في حادث حدث له في زمن مضى ثم يأتي غيرهم ويسفهون آراء من سبقهم ويؤكدون أن رقية الإله الفلاني هي برء الساعة مع العقاقير التي يسردون أسماءها.
ثم أتى واحد واخبرهم أن (آسو) أتى من مصر وهو عالم بمداواة المرضى قدير أن يشفي
أعضل الأمراض.
عمل الأهل كل الوصفات والرقي واستقدموا (الآسو) فلم تنجع في المريضة حيلة بل اشتدت على حترآء الآلام وارتفعت حرارة الحمى فأسلمت الروح بعد غياب الشمس.
أطلقت النائحات أصوات الويل والثبور وأرسلت النساء شعور رؤوسهن(6/208)
والقين التراب والرماد على هاماتهن ولطمن الخدود بالأيدي وخمشنها بالأظافير. واشترك بهذا المأتم العبيد والعبدات ثم أتت الجارات وانضممن إلى المحفل.
اشتغل الأهل والأقرباء والجارات بالمراثي واللطم وعهدوا بجثة حترآ. إلى نساء دأبهن تجهيز الموتى والسهر على أجسامهم قبل الدفن. فدهنها بزيت معطر والبسنها اجمل ثيابها وأفخرها وزينها بالحل الغالية الثمينة. ووضعن قرطي ذهب في أذنيها وقلادة نفيسة في عنقها هي خرز من العقيق واللازورد والذهب منظومة في سلك، وأساور في معصميها وخواتم وحلقات في أصابعها وحجلين في رجليها ومشطا من ذهب في شعرها وحمرن وجنتيها بالحمرة ودهنها بالدهون وصبغن أهدابها وأطراف عينيها بالزرقة. ثم أضجعنها على فراش وثير وأطبقن ذراعيها على صدرها. ثم نصبن مذبحا عند رأسها لقرابين الماء والبخور والحلويات وأخفين تمثالين الواحد عن رأسها والآخر عند قدميها يمثل أحدهما
صورة (ايا) والآخر شبيها (بأيا) وعلى كل منهما جلد سمكة. وقد مدا أيديهما على جثة حترآ، ووضعن ثلاثة تماثيل أخرى في غرفة المائتة أحدهما بصورة إنسان والاثنان الآخران رأسهما رأس أسد وجسدهما جسد إنسان.
والغاية من هذه التماثيل منع الأرواح الخبيثة من دخول غرفة الميتة وتقمصها بصورة عفريت يمتص بعدئذ دم الأحياء.
وتوضع كذلك تماثيل الآلهة فوق سطح البيت لمنع تلك الأرواح الشريرة من الهبوط من السقف.
وتقام الصلوات والأدعية استدعاء للأرواح الصالحة للسهر على جثة المتوفاة.
اهتم بعض أقاربها بانتقاء تربة شريفة يودعونها جثمانها، فمنهم من ارتأى نقله إلى اورك. تلك المدينة المقدسة في جنوبي بابل التي تنقل إلى مقابرهم أجسام الموتى من جميع المدن البابلية
للتبرك بقداسة ثراها لأنها مدينة العلم والدين(6/209)
والكهنة والملوك.
ومنهم من ارتأى دفنها في مقبرة البيت القديمة في دار السكنى عينها حيث قبر بعض أجدادها في زمان كان البابليون يدفنون موتاهم في بيوتهم.
إلا أن أباها لم يوافق على الرأيين بل رغب في دفنها في المدفن الذي قبرت فيه أمها لتكون إلى جانب تلك التي حنت عليها في صغرها.
حملوا الجنازة من بيتها بين النوح والبكاء واللطم تتقدمها النائحات والعازفات ويتبعها جوق منهما وكان معها أهلها وأصدقاؤهم ومعارفهم مرتدين ثياب الحداد من نسيج غليظ كمد ليس فيه ثنايا ولا طيات بل يشبه كيسا. أخذوها إلى إحدى المقابر في ضواحي المدينة ووضعوها في تابوت على هيئة حب وهو متخذ من الطين المشوي من قطعتين. وإحدى القطعتين هي غطاء الحب. ولحموا القطعتين بالقار وفي طرف الحب أو التابوت ثقب صغير تخرج منه الروائح التي تنبعث من الجثة عند انحلالها.
وكانت توضع الجثة في التابوت وضعا يوافق معتقداتهم الدينية فالقوا الرأس على آجرة لفوها بقطعة مطرزة من النسيج وفيها أهداب ذهبية. وتركوا التابوت في مشكاة معقودة في جدار القبر وجعلوا في القبر حلاها وأدوات الزينة وعلب الحمرة والخضاب وأصباغ الوجه
وأواني العطر وأقداحا وأكوابا وبعض أمتعة البيت وشيئا من الطعام الذي كانت مولعة به في حياتها وتمرا وجرة ماء وأزهار ومسرجة. وبعض تماثيل ونقوش محفورة على حجر وصخر وعلى قطع صغيرة من البلور الصخري والجزع واليصب وحجر الحية وحجر الدم والعقيق والبلور، فكانت هذه الأمور تقدمات خالدة للآلهة تفوق التقدمات البالية منزلة وقدرا أو تعاويذ تصد الأرواح الشريرة عن أذى الراقد أو الراقدة.
رجع المشيعون واخذ بعضهم يتحدث عن سرعة زوال الحياة وعن انتقال تلك الشابة الحسناء إلى (الأرض التي لا دعوة منها) إلى (قعر الظلمة) إلى (دار البلى) إلى (مملكة الأموات العظيمة) التي تسود فيها (اللات) ملكة الموتى، إلى ال (ارلو)(6/210)
ذي السبعة الأبواب للداخلين فيه وعلى تلك الأبواب حراس يمنعون من يحاول الخروج منه لا ينفذ إليه نور الشمس وإنما تبعث منهم أحيانا آلهة الموتى (اللات) بعثة خاصة إلى الأرض لأذى الأحياء لا يأكلون في الارالو إلا الحما المسنون ولا يلبسون إلا ريش طيور الليل الأدكن وما ملكة الموتى (اللات) أو ارشكيجل إلا آلهة الانتقام، إلا ربة البطش والفتك بالأحياء، إلا سيدة مطلقة عنان القسوة والشكاسة والشراسة تعامل الموتى معاملة فظة مهما كانت سيرتهم في الحياة صالحة أو طالحة فهم في عينيها سواء، تكيل لهم العذاب جزافا ويهيبهم قبح منظرها وسماحة تمثيلها وهي امرأة زباء مشوهة الخلقة متخاذلة الأعضاء وجهها وجه لبوءة كاشرة عن أنيابها. ولها أجنحة واكف طائر جارح، وتهز بكل من يديها حية عظيمة كالحربة تطعن بها عدوها وتسمه بلا رأفة. وولداها أسدان ترضعهما من جسمها. تسير في مملكتها وقوفا أو ركوعا على ظهر حصان يرزح تحت ثقلها وتسحقه سحقا وفي بعض الأوقات تذهب بنفسها لتفتقد النهر المنحدر من عالم الأحياء فتركب وحصانها مركبا جنيا يبحر بلا شراع ولا مجداف ينتهي مقدمه بمنقار طائر وكوثله برأس ثور.
فهذه الآلهة المسيطرة على الكائنات مهيمنة في دولتها مستقلة في إدارتها لا يتدخل في شؤونها أي قدير كان، حتى أن الآلهة أن شاءت الدخول إلى تلك المملكة تخنع لأوامر ملكتها وتعدهم من رعاياها الأموات، أما قرينها نرجل فدونها في السلطة في تلك المملكة ولها جند ينفذون أوامرهم ومنهم (الطاعون) و (الحمى) وغيرهما. مسكينة حترآء لقد قضت أيامها ودخلت أقطار الهاوية فهل لها أن تترضى (اللات) لتمنحها جرعة ماء من (ينبوع
الحياة) ذلك الينبوع الواقع عند عتبة الارالو الذي يعيد ماؤه الحياة إلى الموتى. ولكن كيف الوصول أليه وحراسته موكولة إلى أرواح الأرض السبع - هي سبع - سبع هي - في حفرة الهاوية هي سبع لا هي ذكور ولا هي إناث، لكنها تنتشر كالتيارات - لا تتخذ نساء ولا تلد أولادا أبدا. لا تعرف الرأفة والإحسان - لا تسمع الصلوات ولا الأدعية - تكثر الحقد في الجبال هي أعداء (ايا) هي رسل الموت.(6/211)
هذه هي الأفكار والمعتقدات التي كان يرددها المشيعون الأغرار إلا أن المفكرين منهم كانوا قد ارتقوا إلى تصور جنة تجري فيها الأنهار وتظللها الأشجار يدخل فيها الصالحون والصالحات وهي مثوى الآلهة في قمة (جبل العالم) لا بل أن الأبرار والفضلاء يستقبلهم الآلهة في جنتهم ويؤلهونهم. وبهذا الرجاء كان أبو حترآء يعزي نفسه ويتوقع رؤية ابنته في تلك الجنة على قمة (جبل العالم)!.
يوسف غنيمة
أصل السدلى
أو السدير.
في تاج العروس في مادة من س د ل: السدلى كزمكي، معرب، واصله بالفارسية سه دله كأنه ثلاثة بيوت كالحاري بكمين، كما في العباب واللسان. أهـ. فكتب الواقف على طبعه: قوله (كالحاري) كذا بخطه كاللسان فظهر من قوله هذا إنه لم يفهم كالحاري وصاحب (البستان) لم يذكر هذه الكلمة في معجمه ولا ندري السبب مع أن الذين نقل عنهم ذكروها وإن لم يشرحوها.
قلنا: معنى الحاري: الثوب المصنوع في الحيرة، وهي نسبة شاذة إلى الحيرة، المدينة المشهورة في العراق، وإما الكلمتان الفارسيتان فليستا (سه دله) بل (سه دير) ومعناهما البيوت الثلاثة فمعنى (سه) ثلاثة، ومعنى (دير) البيت المعقود عليه قبة أو جنبذة كما يقول بعض رزاة السلف نقلا عن الفرس المنقرضين، ولهذا نرى بعض الأقدمين عرب (السدلى) بصورة ثانية وهي (السدير). ومنه أسم القصر الذي بناه في الحيرة آل المنذر وكان فيه ثلاث قبب متداخلات وقد غلط صاحب التاج في مادة سدر إذ يقول إنه معرب عن (سه دره) أي ذو ثلاثة أبواب. والصواب ما أوردناه نقلا عن المحققين.
وفي فرصة أخرى، نذكر كيفية ذلك البناء الشهير.(6/212)
فوائد لغوية
الجحاد لم ترد بمعنى الجاحد
جاء في الفرائد الدرية في اللغتين العربية والفرنسية للأب ج. ب. بلو اليسوعي وهو المعجم الذي نظر في مسوداته ونقحها الشيخ إبراهيم اليازجي في مادة ج ح د هذه الكلمة: (جحاد: ومعناهما: الذي ينكر كل شيء. ناكر الإحسان: ولما نقل المؤلف نفسه ديوانه المذكور إلى الفرنسية وضع بازاء جاحد وناكر الجميل أو الإحسان، جحاد غامص أو كافر النعمة. . . ثم جاء بعده الأب حوآء اليسوعي فنقل إلى الإنكليزية العبارة المذكورة في معجمه: الفرائد الدرية في اللغتين العربية والانكليزية فقال وكنا نؤمل أن نرى الأب لويس معلوف اليسوعي يصلح وهم أخويه، فلم يزدنا إلا ثباتا فيه فقال: جحده حقه: أنكره على علمه به فهو (جاحد وجحاد)، وكنا نظن أن الوهم سرى إلى هؤلاء المؤلفين جميعهم من أقرب الموارد وهذا من محيط المحيط لكنا ألفيناهما يذكران المعنى الذي أشار إليه جميع اللغويين وليس هنا محل ذكر ذلك الشرح، ثم قلنا: فلعل الآباء المؤلفين اليسوعيين نقلوا الوهم عن فريتغ المشهور بسوء فهم عبارة لغتنا، فلما نقرنا عن اللفظة في ديوانه رأيناه أساء فهم العبارة حقيقة لكن على غير الوجه الذي ذكره الآباء اليسوعيون إذ قال باللاتينية: الجحاد أي من يبطئ في ضيافة الناس، على أننا لا ننكر أن الجحاد وردت بمعنى الكثير الجحود في لغة عوام الأندلس، إلا أن لغة العوام هي غير لغة الفصحاء. وأول من نقلها عنهم أحد الكتبة الإفرنج في القرن الثالث عشر للميلاد وعنه نقل دوزي اللفظة ومن كتاب دوزي نقلها قزميرسكي في معجمه ومن هذا الديوان نقلها الأب بلو اليسوعي في مفرداته فانتشرت هذا الانتشار الغريب.
أما الإنكليزيان (فرنسيس جونصن) في معجمه الفارسي العربي إلى الإنكليزي(6/213)
و (لين) في معجمه مد القاموس فقد أصابا في نقلهما بخلاف حبيب انطون سلموني فإنه أخطأ في ما نقله في قاموسه العربي الإنكليزي.
وبعد هذا ليتأمل من يريد أن يضع في اللغة ديوانا تجمع فيه صحة الألفاظ إلى حسن أداء المعنى.
أصل كلمة التصوف
قال ابن خلدون في مقدمته (ص 467 من طبعة بيروت المضبوطة بالشكل الكامل): اختص المقبلون على العبادة باسم (الصوفية) و (المتصوفة). وقال القشيري، رحمه الله، ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربية، ولا قياس والظاهر إنه لقب. ومن قال اشتقاقه من (الصفا) أو من (الصفة) فبعيد من جهة القياس اللغوي. قال وكذلك من (الصوف) لأنهم لم يختصوا بلبسه) أهـ.
قلنا: وقد أصاب القشيري في ما قال، كما أصاب كبد الحقيقة كل من ذهب إلى هذا الرأي. الذي عليه اليوم أغلب اللغويين وأكابرهم - على أننا إذا عرفنا حقيقة التصوف وجوهره عرفنا أصل الكلمة أيضاً. قال ابن عربي وهو أكبر المتصوفة: (التصوف: الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهرا وباطنا وهي الخلق الإلهية: وقد يقال بازاء إتيان المكارم للأخلاق وتجنب سفسافها لتجلي الصفات الآلهية، وعندنا: الاتصاف بأخلاق العبودية، وهو الصحيح فإنه أتم. أهـ.
فالتصوف بهذا المبنى والمعنى من اليونانية
وأول من بحث عنه واشتهر به هو أحد متصوفي السوريين اليونانيين واسمه (ملك الصوري) الذي ولد في (بتانة) من أعمال صور، وكانت مستعمرة صورية وقريبة منها: ثم نقل اسمه بعد ذلك ترجمة، فعرف (بفرفوريوس الصوري) صاحب كتاب إيساغوجي، وقد ذكر التصوف في كتابه (في التنحس) أي في الامتناع عن أكل اللحم. في الصفحة 327 من طبعة أ. نوك الثانية.
وكانت ولادته في سنة 233 للميلاد ووفاته في سنة 304 وقيل في 305 في روما، إذن عاش فرفوريوس قبل الإسلام بنحو ثلاثة قرون، وكان وثنيا من أشد الناس عداوة للنصرانية، وعنه نقل النصارى كلمة التصوف، ومنهم انتقلت إلى المسلمين. ومن العجب أن كلمة التصوف لم ترد في القاموس بل في التاج فقط.(6/214)
باب المكاتبة والمذاكرة
ابن سعود أو ابن آل سعود
من يطالع جرائد الديار العربية ومجلاتها والكتب التاريخية التي صنفت منذ نحو قرنين أو أكثر ير روايات مختلفة في إيراد أسم ابن سعود، فمنهم من يجرده من أداه التعريف، ومنهم من يوجب وضعها، وآخرون يقولون: آل سعود. وقد حار كثيرون في أمر صحة ضبط هذا الاسم: فطلبنا إلى كبير علماء جدة وهو الشيخ محمد نصيف أن يطلعنا على الرواية الصحيحة فكتب إلينا ما نثبته هنا بنصه:
(طلبتم الإفادة عن كيفية إمضاء الملك عبد العزيز آل سعود: وهل الصواب هو (ابن السعود) أو (ابن سعود) فأقول:
(إن جلالته لا يمضي الكتب، بل يختمها ويصدرها باسمه جريا على عادة السلف فيقول: عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود، أو السعود، أو عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل.
(وقد طبع على الدراهم الجديدة الفضية والمعدنية: عبد العزيز بن عبد الرحمن السعود. ولم يطبع عليها: (ابن السعود) أصلا.
(فان رأيتم شيئا في الجرائد على الصورة المذكورة فهو خطأ منها. لا أصل له. ومن حيث إنه ينتسب إلى أحد أجداده المسمى (سعود) فيكون من الخطأ كتابته، (ابن آل سعود) لأن ليس في أجداده أحد يسمى (السعود). وقد راجعت بعض علماء نجد فوجدتهم يقولون: (عبد العزيز ابن عبد الرحمن آل سعود) ولا يزيدون عليها شيئا أصلا.
هذا غاية علمي ومعرفتي فإن كان صوابا فالحمد لله، وإن كان خطأ فأرجو إسبال الستر عليه. واقبلوا فائق احترامي.
جدة (الحجاز) في 15 شعبان 1346 الموافق 7 فبراير 1928 محمد نصيف(6/215)
(لغة العرب) نشكر للشيخ جوابه، ولله دره، فقد (قطعت جهيزة قول كل خطيب) وملخص كلام الشيخ العلامة أن لفظة أبن، إذا تقدمت (بعض الأعلام) تنزع منها آل، وإن لم تتقدمها جيء بها فيقال (ابن سعود) وابن هذا آل وابن سويط وابن رشيد إلى غيرهم. ويقال: عبد
العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود أو السعود.
المخطوط القديم في الحديث
قرأت في الجزء الأول 6: 33 من لغة العرب مقالة في مخطوط قديم في غريب الحديث، طلب فيها صاحبها الفاضل من ذوي العلم في العراق وفارس بيان ما انتهى إليه بحثهم في ترجمة المؤلف والمحشي، فأقول: أن قلة كتب التراجم، وضيق الوقت عاقاني عن الفحص التام عن ترجمتها؛ ولكن رجعت إلى قاموس الأعلام التركي لشمس الدين سامي فوجدت ما هذا تعريبه عن الجزء 1 ص 742:
أبو علي بن شاذان هو حسين بن أحمد من المحدثين المشهورين. ولد في بغداد سنة 337 وتولى في بلخ من قبل داود والد الب ارسلان السلجوقي وكان وكيلا له فيها وهو أستاذ نظام الملك وأمثاله من المشهورين توفي سنة 425هـ. أهـ.
وقال ابن خلكان في تاريخه في الجزء 1 ص 156 طبع إيران (أن نظام الملك اتصل بخدمة علي بن شاذان المعتمد عليه بمدينة بلخ. أهـ) فالمظنون ظنا قويا أن أبا علي بن شاذان هو مؤلف كتاب غريب الحديث لوجوده منها:
توافق سلسلة الأسماء المذكورة.
ومنها كونه من المحدثين المشهورين وتخصصه في الحديث والكتاب في فنه ومن تفرغه له.
ومنها وقوع وفاته قبل سنة 464هـ.
أما انتسابه إلى استراباد (إيران) فأما اشتباها وإما تحريفا في النسخ أو(6/216)
النسخة وإما لقرب بلخ من استراباد أو لمناسبة غير معلومة لنا فنسب إليها. هذا ما ظهر لي وفوق كل ذي علم عليم.
وإذا عثرت على فوائد غير هذه في ترجمته وترجمة أبي محمد عبد الله المروزي المحشي اذكرها لكم والسلام.
زنجان (إيران):
أبو عبد الله الزنجاني
الشعر والشاعر
من حديث بين مراسل (لغة العرب) والأستاذ الدكتور أبي شادي
س - تعلمون حضرتكم أن (لغة العرب) احتفت بآثار قلمكم كما احتفت بها كبريات الصحف والمجلات في العالم العربي وكثيرون من المستشرقين فهل لكم أن تجيبوني بصراحتكم المعهودة كما تجيبون صديقا مخلصا على ما سأوجهه إليكم من أسئلة أدبية قد ينتفع الأدباء من إجابتكم عليها؟
ج - بكل ارتياح.
س - إذن فإني مشتاق إلى معرفة مبلغ ميلكم إلى الأدبيات بالنسبة إلى العلميات وهل تؤثرون الانقطاع إلى الأدب؟
ج - لقد تخصصت لعلم الجراثيم أو البكتريولوجية بعد إتمام دراستي الطبية، ولي شغف عظيم به، ولا يخفى على حضرتكم أن لطائفة من العلوم ارتباطا وثيقا بعضها ببعض، ولهذا دعتني محبتي لعلم الجراثيم إلى العناية بعلوم أخرى وبينها علم الابقلطوية أو تربية النحل الذي أسست من أجله في إنكلترا سنة 1919، أثناء إقامتي الطويلة، نادي النحل الدولي المسمى وكذلك مجلة (عالم النحل - ولثبت رئيسا لقلم تحريرها الدولي سبع سنوات. فمن هذا تدرك مبلغ عنايتي بالشؤون العلمية التي تخصصت لها، والتي لن يحولني عنها شيء ما دمت(6/217)
في عافية أما ميلي إلى الأدبيات فيرجع إلى عوامل وراثية والى استمتاعي بالأدبيات كرياضة ذهنية نفيسة بين شواغلي ومتاعبي الكثيرة. فإذا كنت قد أفدت بها المجتمع كما أفدت نفسي فهذا رد دين علي وتوفيق من الله. أني على كل حال اقدر أن علي واجبات كأديب نظير ما علي من الواجبات كرجل علم واحسب أني أفهم شيئا عن وحدة الحياة واشعر أن الفارق بين العلميات والأدبيات فارق وهمي ولذلك لا أوثر الانقطاع إلى الأدب.
س - إنكم بتصريحكم هذا تخالفون المألوف من رأي، إذ الشائع أن تكون الحياة العلمية بمعزل عن الحياة الأدبية، ومن الناس من يرى أن توزيع الجهود يذهب بالإتقان. فما قولكم في ذلك؟
ج - لقد أحببت سابقا على بعض ملاحظتكم هذه وأزيد على ذلك أني أستمد من حياتي العلمية غذاء لنفسي الأدبية كما أستمد نظير ذلك من مشاهداتي ومطالعاتي وخبرتي وولوعي بالطبيعة، وليس يعنيني رأي فريق مغرض من الناس يود تثبيط همة الأديب العالم، كأنما الأدب مقصور على غير أهل العلم وكان الأولى بهم تشجيعه لو اخلصوا حقا للأدب، أليس الأولى بالأدباء أن ينتظم في سلكهم رجال العلم والطب والفلسفة والحكمة من انتظام العاطلين العابثين؟ ولا يخفى عليك أن الأدب طبع وسجية وموهبة ولا شأن له بالإرادة والرجل الذي بتكوينه وفطرته أديب لا تستطيع قوة أن تصده ولا أن تقهر نزعته وملكته الأدبية. فليس كل منتسب إلى العلم جديرا بأن ينتسب إلى الأدب أيضاً لأن المسألة كما قدمت لك مسألة طبيعة واستعداد فطري. ولا يخفى عليكم أن تخصص الإنسان لعلم من العلوم لا يحول دون إتقانه رياضة أو أكثر. ومن الناس من يتقن اتقانا تاما أكثر من صناعة واحدة. فما يتشدق به بعض الناس من هذا القبيل كثيرا ما يرجع إلى عوامل الحسد أو الغفلة أو الجهل.
س - وما هي العوامل الوراثية التي تنسبون إليها تكوينكم الأدبي أصلا؟
ج - أريد بها التأثير الوراثي أولاً عن والدي محمد أبي شادي بك فقد كان(6/218)
كاتبا وخطيبا مشهورا، كما كان صحفيا معدودا في زمنه، ونقيبا للمحامين بمصر، وسياسيا معروفا، وشاعرا أدبيا، وكانت والدتي السيدة أمينة نجيب أديبة مطلعة شاعرة وكان خالي مصطفى بك نجيب شاعرا وكاتبا قديرا من أقران البارودي وإسماعيل صبري، ويشهد بمنزلته شوقي بك وخليل بك مطران وحافظ بك إبراهيم وتيمور باشا وغيرهم من كبار معاصريه، كما شهد أيضاً صديقاه مصطفى كامل باشا ومحمد فريد بك. وكما تشهد آثار يراعته رغم الكثير المفقود من نفحات أدبه فإلى هؤلاء أدين بتكويني الأدبي أولاً، وإن دنت بعد ذلك للبيئات الأدبية التي امتزجت بها بكثير من الفضل علي.
س - وما هذه البيئات الأدبية التي انتفعتم بها وتشيرون إليها؟
ج - هذه أولاً البيئة الصحفية التي كنت أجوس خلالها في طفولتي الأدبية، فكان لها أثر عظيم في نفسي لعله كان سابقا لأوانه فقد كان والدي يصدر صحيفة (الظاهر) اليومية المشهورة في عهدها وصحيفة (الإمام) الأسبوعية الأدبية وسواهما كما كان ينشر نخبة من
كتب الأدب القديمة (كثمار القلوب) للثعالبي وغيره فهيأ لي ذلك أسباب الاتصال بمشهوري الكتاب والشعراء سواء في دار عمله (حيث ترى الآن إدارة مجلتي (الزهراء) و (الفتح) أو خارجها. وأذكر بين محرري صحفه الأستاذ محمد كرد علي والشيخ عبد القادر المغربي والأستاذ أحمد رفعت والأستاذ محمد حسين كما أذكر بين نوابغ الشعراء شوقي بك والأستاذ أحمد محرم وخليل بك مطران على الأخص، ولمطران في نفسي منزلة وأثر عظيم طول هذا الزمن (22 سنة) لم يزعزعه حادث ولا اغتراب ولا نضج ذهني وشاعريتي.
وثانيا البيئة الأدبية الإنكليزية التي عشت فيها عشر سنوات وكنت أحرر وأراسل في غضونها طائفة من الصحف الإنكليزية بين يومية وأسبوعية فيما يخص المسائل المصرية وشؤون الأدب العربي فضلا عن مراسلة الصحف المصرية (كالمؤيد) و (العلم) و (الشعب) و (الأهالي) وغيرها.
وثالثا البيئة العلمية الطبية التي وسعت مجال تأملاتي وأبحاثي وتعمقي الفكري.(6/219)
وهذا يذكرني بأبياتي عن (المجهر) حيث أخاطبه بقولي:
صحبتك عمرا في وفاء ومتعة ... فكنت لفني ملهما ولأفكاري
فكم من بيان لاح لي منك مرشدا ... وكم من معان قد وهبت وأسرار
ويذهل قوما أن يحبك شاعر ... وما عرفوا فني الدقيق وأشعاري
ففي كل مرأى لي سؤال ومبحث ... وللغيب نزاع الحنين وأوطاري
أرى فيك سر العيش والموت معلنا ... مرارا، وآلام الوجود بتكرار
ويا رب خيط عد جرثوم قوة ... تناولت منه الوحي والأمل الساري
وآخر قد عدوه بؤسا وشقوة ... دعاني إلى فحص التعاسة والعار
فمثلك أستاذ للبي وخاطري ... وأكبر فنان يخص بإكبار
ولست جمادا من نحاس ومجمع ... من العدسات الهاتكات لأستار
إذا قلت كان القول للعقل حجة ... ولولاك ما أعتز الطبيب ولا الداري
وان لم تبح حيرت فكرا منقبا ... وحينا بمحض الصمت تفصح عن واري
فيا قوم صفحا. . . لا تعيبوا الذي يرى ... وينظم ما يلقى بدائع للقاري!
وسيان جاءت من صخور كئيبة ... أو الطرب الزاهي بضاحك أزهار
وسيان من شلال نهر ممرد ... أو المجهر الهادي البخيل على الزاري
فذا عالم فيه الفنون مشاعة ... وما حيلتي إن كنت اعشق أسفاري
وأقرأ شتى من حقائق مثلما ... أصوغ من الآثار أروع آثاري؟!
وأظن أن هذه الأبيات التي تراها أمامك مطبوعة منذ زمن (وقدم لي كتابا نقديا لشعره وعنه أنقل) تغنيني عن زيادة الكلام والشرح. وتبرهن لك على أن(6/220)
عقيدتي هذه ليست بنت اليوم.
س - هل لك أن تفيدني إذن متى بدأت تنظم الشعر؟ وكيف تدرجت في نظمه؟
ج - كل ذلك منذ 24 عاما وأنا في طفولتي تقريبا وكنت شغفا بقريبة لي نشأت معها فأنطقني حبها لأول مرة أبياتا أولها:
نشأت وقلبي يصبو لك ... وإني ريعت على حبك!
وهذه الأبيات منشورة على ما أظن في كتاب حداثتي الأدبية، منذ عشرين عاما تقريبا. وقد أخذ شعري يستوي منذ سنة 1910 وزاده نضجا ما انتابني من محن نفسية رغم صغري. ولما رحلت عن مصر في إبريل سنة 1912م. قاصدا إنكلترا لإتمام دراستي وهربا من البيئة الجانية على صباي نظمت قصيدة عواطف ووطنية أودع بها مصر، نشر (المؤيد) معظمها وقلت في مستهلها:
آن الرحيل فلا جواب لداع ... حتى أتم لها مقال وداعي
وأسطر العهد الذي إن فاتني ... يوما رعايته قصفت يراعي
في العيش أم في الموت ما بين المنى ... واليأس أذكرها بقلب واع
ستعيش أوطان يحقق عيشها ... وتموت أوطان بسعي الناعي
يا من يخاف علي أن تؤدي النوى ... بعظيم تحناني لها ودفاعي
أنا لست من ينسى الوفاء وإن تكن ... عقباه أوجاعا على أوجاعي
أنا من طهارة ذمتي وسريرتي ... كالحق معتصم وراء قلاع
وقد كانت لحياتي في أوربة واطلاعي على الأدب الغربي فضلا عن معيشتي زمنا في ريف إنكلترا وحبي للجمال الطبيعي ما استمر على تكييف أدبي عامة وشعري خاصة والسير به نحو الأصلح. ولكني ما زلت غير راض عن جهدي، وما أظن أني سأرضى عنه تمام الرضاء في يوم ما.
س - ما هي أحب الموضوعات إليك لتنظم فيها؟
ج - من الشاق علي أن أجيب على هذا السؤال، ولكني أصدقك القول إذا جاهرتك بأني لا أنظم مطلقا في أي موضوع لا تندفع نحوه عواطفي، سواء(6/221)
كان هذا الموضوع بمحض اختياري أو مقترحا علي.
فكل ما أنظم فيه من وصف وغزل وبحث وفلسفة وتأبين وغير ذلك قريب إلى نفسي لأنه منتزع منها وإن يكن بعضه صادرا عنها في أحوال هدوئها وتأملها والبعض الآخر صادرا عنها في أثناء ثورتها وانفعالها.
س - وكيف تطبق تفسيرك هذا على ما تنظمه من روايات غنائية وقصص مثلا؟
ج - إني لم انظم شيئا من هذا القبيل لم ترتح إليه نفسي غاية الارتياح من قبل، وعند نظمي استمد من اختباراتي وعواطف حبي السابق ومشاهداتي وغير ذلك من ذخيرتي الذهنية ما يعينني على اختيار التعابير والألفاظ المناسبة وتصوير المواقف المطلوبة، فليس للصناعة أثر في ذلك وإنما الفضل يعود إلى تذكاراتي النفسية وتجاريبي وتأملاتي في الحياة.
س - وما هي أحسن الأوقات لديك لقرض الشعر؟
ج - كثيرا ما استطبت النظم عند الفجر أو في سكون الليل، وكثيرا ما استطبته أثر انفعال شديد ترويحا عن نفسي، وكثيرا ما استعذبته إثر راحة، وكثيرا ما شكرت للشعر فضله علي حينما أحس بانقباض وإعياء وبدلا من الانتفاع بالهدوء حينئذ فإن النظم يكاد يذهب بتعبي! ومن هذا ترى إنه من الصعب علي الإجابة على سؤالك، فإن قرض الشعر لمثلي رياضة نفسية والهام، ومتى جاش في صدري في أي وقت فليس في إمكاني حبسه، وإلا شعرت بانقباض شديد وألم دفين واعتلت صحتي.
س - وكيف إذن تنظم الشعر؟
ج - قبل النظم تتشبع نفسي بموضوعه وتتألف في ذهني وحدته وحينئذ أبادر إلى النظم، وسواء تم ذلك في جلسة أو أكثر فلا يمكنني التوقف الطويل ولا أحس براحة قبل الفراغ مما اعتزمت نظمه وعادتي في نظم القصيد إتمام نظمي في جلسة واحدة، إذ ما دمت متشعبا من موضوعي فإني اعتبر الأصلح لمثلي الكثير الشواغل اجتناب التسويف منعا
لتشتت ذهني، ودفعا لضياع ما في خاطري من معان وتأملات، خصوصا وإن لدي من المتاعب والمشاغل ما يستنفذ مني(6/222)
يوميا نحو 14 ساعة.
س - وكيف تجدون إذن الهمة والوقت لقرض الشعر؟
ج - للأسباب التي قدمتها لك وهي لا أنظر للنظم الشعري كعمل بل كرياضة نفسية، ولست أنا الذي أتصيد القوافي والبحور بل هي التي تتبعني وتفيض من وجداني فيضا لا قبل لي بدفعه وحبسه. واقرب الأمثلة لذلك نظمي معظم القصة الغنائية (أردشير) في قطار الليل بين القاهرة والإسكندرية بصحبة الأديب يوسف أفندي أحمد طيرة حيث لم انم قط وكنت في شدة التعب، ورغم ذلك فكان لي في النظم انس وغذاء لنفسي، وكان نظم (أردشير) من أحسن ما أخرجت للأدباء. ولو كنت من ينظر لنظم الشعر كعمل مجهد شاق لما تمكنت من أداء واجبي الأدبي فأعمالي العلمية كثيرة ومسؤولياتي جمة متنوعة.
س - وهل لي أن اسأل حضرتكم عمن تعدونه بين شعراء العربية أعلاهم كعبا في جملة مواهبه وآثاره؟
ج - أعتبر خليل بك مطران ذلك الشاعر.
س - وما رأيكم في شوقي بك؟
ج - شوقي بك شاعر عظيم بمجموع أثره. ولكن الجانب الخلقي منه أفسد شاعريته في الزمن الأخير فتأخر هو وتقدم سواه. وهو في نظري أعذب الشعراء لفظا وأجرئهم تعبيرا ووثبة متى أطلق لنفسه العنان، ولكنه للأسف يرسف في قيود الشهرة وحب التهليل من جانب المحافظين.
س - وما رأيكم في حافظ بك إبراهيم؟
ج - شاعر جليل أيضاً بمجموع أثره، وله أكبر فضل بين الشعراء على النهضة القومية المصرية. ومن وجهة مواهبه الشعرية فهي في نظري أقل من مواهب شوقي بك لأنه بسليقته أقرب إلى الناقد الاجتماعي منه إلى الشاعر. وهو بعبادته للألفاظ يسيء إلى أدبه كما لا يجاري النهضة التجديدية.
س - وما الذي تقترحونه من الوسائل لإقالة الشعر العربي من عثرته؟
ج - أقترح أولاً: أن تعنى الصحافة الأدبية المستقلة بتنشيط الشعراء المجتهدين بغض
النظر عن مبلغ شهرتهم، لأن الذي يهمني هو الأثر الأدبي وحده(6/223)
لا أسم صاحبه، ومن مصلحتنا الأدبية تعميم هذا المبدأ.
وثانيا إيجاد روابط قومية وروابط عامة - عن طريق الأندية والمجلات الشعرية - بين شعراء العربية جملة، مما يعين على تبادل المعارف والمودة بينهم بدل ما هم عليه الآن من تنابذ وتحاسد ممقوت.
وثالثا: أن يتذرع المجددون من الشعراء بكل شجاعتهم الأدبية فيسيروا في طريق الإصلاح بغير توان من غير أن يلتفتوا إلى الأوهام النقدية التي يوسوس بها المحافظون الجامدون من كتاب وشعراء لا يرضيهم ظهور عناصر جديدة ناهضة بينما كل نقدهم دليل على بلادتهم الذهنية: فمن اعتراض على كلمة. إلى تهكم بمعنى شعري لا تفهمه أذهانكم الكليلة، إلى غير ذلك من العبث النقدي الذي لا جدوى منه، وإنما كل ما ينشدونه من ورائه تثبيط همم المصلحين الناهضين والنيل من سمعتهم حسدا وغيرة.
س - وهل تعبرون من التجديد استعمال اللغة العامية كما هو الشائع الآن في نظم الكثيرين من الشعراء وفي صحف ومجلات مصرية مشهورة؟
ج - كلا! وقد حكمت ضمنا بسؤالك هذا على من يلجئون إلى العامية في نظمهم بينما يدعون الغيرة على العربية فغيرتهم نظرية فقط بينما هم عمليا يحكمون على العربية بالعجز عن مجاراة الروح العصرية سواء في الشعر الغنائي أو في غيره وهكذا يجنون عليها شر جناية من حيث لا يشعرون. أما مذهبي فاستعمال السلس المصقول من الكلمات والتعابير المولدة الجميلة في شعري ونثري وبذلك أساعد على إنماء ثروة اللغة وأبطل حجة من يعتذرون بضرورة الالتجاء إلى العامية في النظم الغنائي والنظم القصصي على الأخص. أني لشديد الحرص على مراجعة المعجم عند الفراغ من النظم، فما تراه في نظمي من كلمات وأساليب عصرية مولدة مقصودة لذاتها للأسباب المتقدمة.
س - وهل ترون للأوبرات (أو العبرات كما يسميها العلامة الأب الكرملي) بما لكم من الأسبقية والخبرة في التأليف في مصر وغيرها من الديار العربية؟
ج - أني لا أستطيع الحكم على غير مصر من الممالك العربية، وإن كان المعقول أن تنتشر بينها في المستقبل تدريجيا عوامل الثقافة الحديثة المشتركة(6/224)
ومنها التمثيل الغنائي،
وأشير بصفة خاصة إلى العراق وسوريا، وأما في مصر ففرقة الأوبرا الوطنية العامة في الوقت الحاضر هي فرقة السيدة منيرة المهدية فقط. وهذا أمر يؤسف عليه لأننا في حاجة إلى أكثر من فرقة، وأذكر منذ شهور أني شافهت الآنسة أم كلثوم على أثر حفلة في نادي موظفي الحكومة بالإسكندرية عن حاجتنا إليها على المسرح الغنائي بدل (التخت) الذي لا اعتبره لائقا بها، ولا بغيرها من شهيرات مغنياتنا، ولكننا لا نزال حتى الآن محرومين هذه الأمنية. بيد أن للأوبرا مستقبلا مرجوا في مصر لأن الشعب المصري شعب طروب يحب الشعر والغناء، فيمكن استثمار نزعته هذه لتهذيبه عن طريق الفناء إذا قام الشعراء المؤلفون بواجبهم القومي.
س - وما نصيحتكم إلى من يحاولون التأليف الغنائي من الشعراء الناشئين؟
ج - لابد لمؤلف الأوبرا من اطلاع على الأدب المسرحي ومن ميل خاص إلى الشعر الغنائي، وقد أشرت إلى ذلك بإسهاب في مقال (الأوبرا والأدب المصري) المنشور في ذيل الأوبرا (إحسان) فلا حاجة بي للأثقال عليك بالشرح الطويل، ويكفي أن تطلع عليه ولاسيما إنه موضوع طريف في الأدب العربي.
س - تشجعني إجابتكم هذه على سؤالكم عن النقط التي تراعونها مراعاة خاصة في نظم قصصكم الغنائية، فهل تتفضلون بإجابتي؟
ج - أراعي أولاً اختيار موضوع تاريخي أو عصري أو خرافي يكون مناسبا في الوقت ذاته لتضمينه شيئا من الدعوة التهذيبية أو الوطنية أو العواطف الإنسانية. أراعي في نظمي التنويع واختيار الأوزان الغنائية والابتداع فيها عند الاقتضاء. وأراعي في الكلمات المنظومة انسجام مخارج الحروف وتناسبها وعصرية الألفاظ بقدر الطاقة بحيث لا تنبو عن الأسماع. وفي هذه الحدود اترك لنفسي الحرية في رسم الصور الشعرية والتعبير عما يستثار من عواطفي بكل ما أستطيع من قوة. ويسرني أن يرضى على الأخص مثل الملحن المصري الشهير الأستاذ الدكتور أحمد صبري عن خطتي هذه وإن يقدر آثارها. غير أني أرجو بمرور الزمن أن أوفق للتقدم المستمر في عملي هذا، وحسبي الآن وضعي أساس تأليف الأوبرات باللغة العربية ووضعي طائفة منها، وهذا مما يهون جهد(6/225)
من يتبعني فإن المشقة كل المشقة كما لا يخفى عليك في وضع الأساس ورسم النماذج الأولى.
س - لي سؤال أخير لعلكم لا تعدونه غريبا، وهو: ألا ترون في هذا العصر المادي أن الشعر شيء كمالي وإن لا مستقبل له؟
ج - كلا وألف مرة كلا! إن اصح ما يوصف به عصرنا الحاضر إنه العصر العلمي لا العصر المادي. وقد ذكرت لك سابقا أني لا اعتبر العلوم عدوة للآداب، وكل ما حدث وسيحدث أن التآخي بين القوتين العظيمتين سيتوطد وانهما ستندمجان. وما الشعر في اعتباري إلا نبع الإحساس العميق والتأمل البعيد والنظر إلى ما خلف المظاهر، ومن المشاهد أن رقي الحضارة يرهف الأعصاب ويحد الأذهان ويزيد رقة الإحساس، وكل هذه عوامل تنتج الشعر وتهيئ النفوس لقبوله بل إلى الإلحاح في طلبه غذاء روحيا لها. فمن ينكر مستقبل الشعر مخطئ لم يدرس بعناية العوامل التي أنبتت الشعر منذ فجر المدنية ولا تزال تغذيه وتحافظ عليه وستضمن له خلوه.
كلمة في الكتابات الأثرية العباسية
كنا قد طبعنا مقالة الكتابات الأثرية العباسية التي أنشأها حضرة صديقنا عبد الله بك مخلص، ثم أرسلنا إليه بالمسودة ليعيد النظر فيها، ولما وصلنا إلى آخر الملزمة الخامسة من هذا الجزء، جاءنا من جنابه ما هذا حرفه:
(أعدت النظر - بناء على إرشادك - على مقالة الكتابات العباسية، فوجدت أنني قد أخطأت بوضع ولاية علي بن يحيى الأرمني على مصر سنة 228هـ (842م) في الصفحة 163 سطر 9)؛ فإن صوابها 226هـ (841م) واعترف لك بأن مصدر هذا الخطأ هو (جرجي زيدان)، فقد كنت رجعت إلى كتابه تاريخ مصر، لأنه من الكتب الحديثة التي كنت أظن إنها كتبت بتحقيق، وأخذت عنه ذلك التاريخ المغلوط فيه؛ وقد صححته الآن على كتاب الولاة للكندي، فإذا كانت المسودات لم تطبع بعد، أرجو تصحيحها. وإلا فاذكروا الصواب في قائمة الخطأ والصواب بآخر السنة.
وكذلك وجدتني قد خلطت في أسم كتاب الجامع المستقصي في فضائل(6/226)
المسجد الأقصى؛ فقد جاء في ص 162 المستقصى في فضائل الجامع الأقصى، وأنا لا أجيز (الجامع) بدل (المسجد). والصواب ما ذكرته الآن أرجو تصحيحه.
وعلى ذكر هذا الغلط، اروي لك ما وجدته حوله من الأغلاط الأخرى من باب التسلية. واليك رواية زيدان بالحرف:
(وكان في نيته إقالة أشناس من إمارة مصر، لكنه لم يكد يفعل حتى توفي أشناس في الفسطاط سنة 228هـ. فأقام مقامه علي بن يحيى الأرمني؛ وبعد نحو سنة أبدل بعيسى بن منصور للمرة الثانية).
أما الكندي فيقول:
(وثم وليها علي بن يحيى الأرمني من قبل أشناس على صلاتها قدمها يوم الخميس لتسع خلون من ربيع الآخر سنة ست وعشرين ومائتين. . . فوليهم علي بن يحيى إلى وفاة أبي اسحق المعتصم: وبديع الواثق فاقره عليها إلى يوم الخميس لسبع خلون من ذي الحجة سنة ثمان وعشرين ومائتين؛ فوليها عيسى بن منصور الثانية من قبل أشناس على صلاتها، دخلها يوم الجمعة لسبع خلون من المحرم سنة تسع وعشرين ومائتين. وتوفي أشناس سنة ثلاثين ومائتين).
ففي سطر واحد مما كتبه زيدان عدة اغلاط، منها وفاة أشناس سنة 228 مع إنها سنة 230، ومنها: ولاية علي بن يحيى سنة 228 مع إنها في سنة 226. ولعلنا لو استقصينا لوجدنا لها أمثلة عديدة. ولمثل هذه الأغلاط نعذر الذين كانوا لا يقبلون الرواية إلا بالإسناد الصحيح حتى في التاريخ.
حيفا (فلسطين): عبد الله لخلص
الخشفاء
ذكر دوزي في معجمه هذه الكلمة ثم قال: (وهذه الرواية ليست بمضبوطة وهو أسم حيوان يتخذ من عرفه وذنبه مذاب (مراوح) ويضع بعضهم منه في أطراف الأعلام. قاله دي جنك. أهـ.
قلنا: هذا هو الخشقاء تعريب خشقاو أو غر كاو وهو أيضاً القطاس أي فقوله خشفاء بالفاء غلط صريح.(6/227)
أسئلة وأجوبة
العرفان والتصوف
س - الشطرة: ي. د - ذكر كثير من المؤلفين في كتبهم كلمة (عرفان) بمعنى التصوف كقولهم مثلا: هذا المعنى عرفاني ويريدون به التصوفي. وفي جملتهم المؤرخ الفيلسوف (ابن خلدون) فإنه يقول في مقدمته المطبوعة في مطبعة التقدم ص 123 س 5: (ليحصل لهم أذواق أهل العرفان والتوحيد) وفي س 7: (أقرب إلى العرفان بالله وإذا عريت عن ذكر كانت شيطانية وحصول ما يحصل من معرفة الغيب والتصرف لهؤلاء المتصوفة) وص 518 س 12 إلى 14: وظهر من كلام المتصوفة القول بالقطب ومعناه رأس العارفين. يزعمون إنه لا يمكن أن يساويه أحد في مقامه في المعرفة حتى يقبضه الله، ثم يورث مقامه لآخر من أهل العرفان).
فما رأيكم هل تقوم كلمة العرفان مقام التصوف، وهل التصوف يونانية الأصل كما يقول جرجي زيدان في مقدمة كتابه تاريخ آداب اللغة العربية. وهل تعليله صحيح فنرجوكم الإفادة.
ج - الألفاظ الدالة على التصوف كثيرة، أن أردنا بها التوسع فيها، من ذلك العرفان وعلم السلوك وعلم الإشارة وعلم الحق وعلم الأخلاق إلى غيرها.
وإما من باب التحقيق فاللفظة الواحدة لا تقوم مقام الأخرى. لأن العارف هو من يجمع إلى حقائق علم الدين العمل بها. وقد يكون العارف زاهدا في الدنيا منقطعا لعبادة الله بالصلاة والصيام ولا يكون الزاهد مع هذا عارفا. قال في كتاب جامع أصول الأولياء: (العارف هو من اشهده الله ذاته أو صفاته وأسماءه وأفعاله. فالمعرفة (فالعرفان) حال تحدث من شهوده). أهـ.
وقد نقل الإفرنج العرفان إلى لسانهم أسوأ نقل والصواب هنا أن يقال:(6/228)
والتصوف هو. والتصوف من اليونانية كما قلنا في ص 214 من هذا الجزء ونحن سبقنا جرجي زيدان إلى تنبيه الناس على اصلها الأعجمي بثلاث وعشرين سنة. وربما أخذها عنا، ومعنى اليونانية حكمة الله أو عرفان الله.
أبو العبر
س - بغداد - ب. م. م - من هو أبو العبر الذي ورد ذكره في مجلتكم (5: 351)؟
ج - قال أحمد زكي باشا في المقتطف 41: 438 ما حرفه: كانت مدينة أبي جعفر المنصور جنة الدنيا في عهد هارون والمأمون وخصوصا في أيام المتوكل وكان فيها شاعر يسمى (أبو العبر) له أحوال عجيبة وأمور غريبة، وكان من المجان الذين يقل نظيرهم في الدنيا. وقد تكفلت كتب التواريخ والأدب بشرح أموره. وكان يزيد في كل سنة حرفا في اسمه حتى انتهى إلى: (أبي العبر طرد طيل طليري بك بك بك). كان المتوكل يلبسه قميصا من حرير ثم يرمي به في المنجنيق إلى نهر دجلة. فمتى حذفه المنجنيق في الهواء صاح: (الطريق، الطريق) (كما نقول الآن: وسع وسع) (وكما يقول البغداديون اليوم: بالك، بالك)؛ ثم يقع في الماء، فيأتي السباح ويستخرجونه. وكان في أحد قصور المتوكل زلاقة ما أشبهها بالتوبوجان الموجود الآن في مصر الجديدة (واحة عين شمس)؛ فكان الخليفة يأمره بالجلوس عليها، ومن هناك ينحدر ساقطا من فوق الزلاقة حتى يقع في البركة فيطرح الخليفة الشبكة فيخرجه كما يخرج السمك. وفي ذلك يقول شاعرنا:
ويأمر بي الملك ... فيطرحني في البرك
ويصطادني بالشبك ... كأني من السمك
انتهى كلام الأستاذ في المقتطف. وقد علمنا من صاحب تاج العروس أن اسمه أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي.(6/229)
باب المشارفة والانتقاد
28 - كتاب خطط الشام
تأليف محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي
الجزء الخامس: طبع في مطبعة الترقي في دمشق سنة 1927م في 308 ص بقطع الثمن الكبير
أهدى إلينا حضرة صديقنا العزيز السيد محمد كرد علي جميع أجزاء كتابه خطط الشام، وكنا قد بدأنا بنقده (لغة العرب 4: 544 وما يليها) إلا أن كثرة الهدايا التي وصلت إلينا حالت دون نشر ما كنا قد أعددناه من الملاحظات وحالما يتيسر لنا الأمر نعود إلى ما كنا قد شرعنا فيه.
وألان نذكر شيئا عن الجزء الذي بلغ إلينا في هذه الآونة
يحوي هذا السفر الجليل التاريخ المدني وقد ابتدأ به ذاكرا تفاصيل بديعة عن الجيش. فالأسطول. فالجباية والخراج، فالاوقاف، فالحسبة والبلديات، فالترع والمرافئ والطرق فالبريد والبرق والهاتف، فالمصانع والقصور وقد تناول هذه البحوث منذ العصر القديم إلى هذا العهد وكل ذلك بعبارة سلسة طلية.
على أننا نراه يتساهل في الألفاظ تساهلا كنا نود أن لا نراه فيه وهو أستاذنا وشيخنا في مجمع العلماء الدمشقي. فقد قال مثلا في ص 31: فظهرت كفاءتهم في اختراق العباب. . . وكثرة الأخشاب. . . يهتدون بنجمة القطب. وعندنا لو قال كفايتهم. . . وكثرة الخشب. . . وتنجم القطب أو الجدي (بالتصغير) لكان افصح. وجاء في ص 32: اجتازوا البحر الأبيض. . . التي سلكوها. . . فكانت بحريتهم وصناعتهم في مصر أولاً. . . وقد فسر لنا في الحاشية معنى الصناعة في هذه العبارة فقال: الصناعة في العرف أسم المكان المعد لإنشاء المراكب والسفن. نقلت إلى لغات الغرب فصارت ارسنال وعادت إلى العرب من طريق الترك باسم (ترسانة) أهـ.(6/230)
قلنا: ونحن لم نجد مؤلفا عربيا ذكر أسم بحر الروم أو بحر الشام باسم البحر الأبيض (راجع لغة العرب 5: 488). . . التي يسلكوها. . . (ارسنال) الإفرنجية مأخوذة من (دار
الصناعة) وهي أشهر من (الصناعة) في هذا المعنى. وحذفوا الدال من الأول لظنهم إنها حرف زائد أو حرف جر على ما يرى في لغتهم. هكذا قال بعض لغوييهم. وذهب لاروس في معجمه الوسط أن الكلمة مشتقة من اللاتينية بمعنى القلعة أو الحصن، وبعضهم من رأى رأي صديقنا العزيز، والناس مخيرون في ما يذهبون أليه.
وعلى كل حال هذه الأمور الزهيدة لا تعتبر شيئا بجانب العمل الذي أتاه الأستاذ العلامة، فإنه يخلد لله الأثر إلى ابد الدهر ويشكره عليه كل من عانى هذه المباحث وأمثالها. ونحن نضم صوتنا إلى سائر الأصوات الكثيرة التي ترتفع من كل قطر وبلد قياما بفرض الشكر.
29 - تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني
حاكم عكا، وبلاد صفد (الجزء الثاني)
تكلمنا عن الجزء الأول من هذا التأليف المفيد في 6: 61 واليوم تلقينا الجزء الثاني منه وهو كأخيه جزيل الفائدة لمتتبع أخبار ديار الشرق الأدنى، وصفحاته تتبع صفحات الجزء الأول فتنتهي في الصفحة ال 184 وفي الآخر فهرس المواد على تتالي الوجوه في الكتاب.
وفي هذا القسم هفوات من جنس هفوات القسم الأول ففي حاشية ص 135 المؤرخين الثقاة وفي حاشية ص 145: حضر لعنده قيجي (رسول السلطان) من الدولة. . . ونظن أن الصحيح هو الثقات (راجع 5: 61). . . وحضر عنده فيج (بفاء وياء وجيم) وقد يزيد بعضهم على آخره ياء فيقول: فيجي. والصواب الأول والفيج رسول السلطان القادم على رجليه. وأهل العراق كانوا يسمونه قبل نحو ثلاثين سنة (التتر أو التتار أو التاتار أو الططر أو الطاطار. وإما القبجي فلا معنى له في لغة من اللغات. والفيج أو التاتار يعرف اليوم عند الفرس باسم حابار أو حبر(6/231)
وكنا نود أن نرى فيه فهرس الأعلام لتزيد فائدته فلم نره لسوء الحظ.
30 - جوليوس قيصر
أثر شاعر وحكيم معروف انكليس ويليم شكسبير وشرح حال حكيم مشار إليه ومختصري أن تاريخ رومية، ترجمة وتأليف ميرزا محمد خان بهادر، درجابخانة كاظمية. در. بصره طبع شد.
صديقنا الميرزا محمد خان بهادر من نوابغ الكتبة في اللغة الفارسية والمثال الذي نعرضه اليوم للقراء يدل على إنه قابض على زمام الفصاحة في اللغة التي ينتسب إليها، هذا فضلا عن إتقانه اللغة الإنكليزية إتقان رجل بريطانية، ولهذا كان نقل (جوليوس قيصر) من أحسن ما نقل من لغة إلى لغة لأن المترجم خلع على عروس فكره ثوبا فارسيا بديعا فجاءت تلك الغادة الإنكليزية إيرانية غربية شرقية، فلله دره من كاتب!
31 - هفتاد ودو ملت
نكارش مرحوم ميزرا عبد الحسين معروف به ميرزا آقا خان كرماني
32 - خواب شكفت
بارسالة مرحوم آخوند ملا فتجعلى أصفهاني
33 - شرح حال كلنل محمد تقي خان بسيان
جميع هذه الكتب للمؤلف المذكور وطبعت في مطبعة إيران شهر في برلين
هذه الكتب من طبقة التأليف السابق من جهة الانشاء؛ لكن في هذه المصنفات نفسا غير نفس أخيها البكر. فهي موشاة بأنامل لبقة تريد إصلاح ما في طبقات بعض الإيرانيين من المساوئ والمفاسد. فمعنى العنوان الأول: (اثنتان وسبعون فرقة) وهو في 122 ص. ومعنى الثاني (النوم العميق) وهو في 80 ص. ومعنى الثالث ظاهر وهو في 120 ص وكلها بقطع الثمن الوسط. فلا عجب إذا عدت هذه المصنفات من خيرة ما نمق في الفارسية لحسن صوغ عبارتها ولاسيما ما فيها من المعاني الدقيقة ومغازي الإصلاح، ولهذا تتمنى لها سرعة الانتشار وكثرة القراء.(6/232)
34 - الحب الإلهي أمام الآلام والموت
بقلم الأب بولس قوشاقجي
تاريخ وشرح رسالة القديس اغناطيوس أسقف إنطاكية.
إلى الرومانيين طبع في 48 ص عربية و34 ص فرنسية بقطع 12، بمطبعة القديس بولس في حريصا (لبنان) 1928.
كتاب حسن يحوي شرح (الحب الإلهي المضطرم في قلب شهيد) هو القديس اغناطيوس الشهيد، فهو يحوي ترجمة هذا الولي العظيم مع تفاصيل ما قاساه في حياته. وفي آخر السيرة خريطة تبين الطريقة التي سار فيها من إنطاكية إلى روما. وعبارة هذا الكتيب تحتاج إلى إصلاح في بعض المواطن إذ يظهر من منشئه إنه قد ألف بعض الأغلاط الموجودة في بعض المصنفات، ولم يتخلص منها مع إنه حاول أن يتبرأ منها بقدر طاقته.
فقد قال مثلا فأحرى بنا. . . ونور الكهرباء. . . ولا يؤخذ المنطاد أو الطيارة مطية للتهاوي (؟) فوق الغيوم (ص4). . . وهاأنذا (وهو يتكلم عن لسان الاكتشافات ص 5) إلى غيرها. والصواب أن يقال: فأحرى بنا (بكسر الراء). . . ونور الكهرباء بالقصر إذا أراد المادة نفسها. أو الكهربية إذا أراد النور المنبثق من تلك المادة وهاأنا ذي (لان هاءنذا للمتكلم المذكر). والتهاوي لم ترد بمعنى الارتفاع في الهواء بل يقال التحليق فجل من لا عيب فيه.
35 - الآثار
الجزء الأول من المجلد الخامس
السيد عيسى إسكندر المعلوف مؤلف شهير عرف بوقوفه على تاريخ الأسر الشرقية. وهذه مجلته تشهد له بعلو مقامه في هذا الموضوع. وقد جاءنا الجزء الأول من مجلده الخامس فإذا هو مزدان بصور ورموز بديعة طبيعية ففي الزاوية اليمنى في الأعلى صورة بقايا قلعة بعلبك وبازائها في الزاوية اليسرى صورة تمثل أبا الهول وفي الأسفل رسم الجامع الأقصى وبازائه إيوان كسرى الذي نسميه اليوم (طاق كسرى).(6/233)
فنتمنى للرصيفة طول الحياة واحاسن المباحث واطراد الرقي على ما رأيناها إلى هذا اليوم.
36 - تاريخ الحروب العربية أو حرب البسوس
لمحمد بن اسحق صاحب المغازي، طبع على نفقة عبد الحميد زاهد، الجزء الأول في 191 ص بقطع الثمن الصغير، طبع في مطبعة دار السلام في بغداد سنة 1928.
نحن العرب في حاجة إلى معرفة مزايا السلف وآدابهم ومكارم أخلاقهم وليس من كتاب
يطلعنا على هذه الأمور مثل (تاريخ الحروب العربية) فإن هذه الأخبار طافحة فيه وهي تربى في صدور نشئنا حب الوطن والقومية وإباء النفس إلى غيرها من المزايا والمناقب العالية، فنوصي كل ناطق بالضاد أن يطالع هذا الكتاب المفيد.
37 - حركات السيدات في الانتخابات
أو ابن هو ابني، في 128 ص بقطع الثمن الكبير، بقلم نقولا حداد.
قليلون هم الذين اطلعوا على خفايا المجتمع البشري الشرقي، ومن الرجال الذين يعدون في هذه الطبقة الكاتب الشهير نقولا حداد، فإنه لا يتناول يراعته ليكتب في موضوع اجتماعي إلا يوفيه حقه من حسن الأداء ووصف الدواء الناجع وكتابه هذا جدير بالمطالعة في مثل هذه الأيام التي يكثر فيها ذكر حركات السيدات في الانتخابات.
38 - المجلة الأميركية للغات السامية وآدابها
المجلد الرابع والأربعون (بالإنكليزية)، تطبع في مطبعة جامعة شيكاغو في البلاد المتحدة.
هذه مجلة جليلة القدر، وكتابها من أعاظم حضنة العلم ورافعي ألويته: وهم واقفون أحسن الوقوف على اللغات السامية وأسرارها. إذ لا يعنون بالموضوعات الحية العصرية فقط بل يطرقون ما كان من ضربها في القرون المنصرمة. فهي إذن مجلة لا يستغني عنها علماؤنا الناطقون بالضاد فنتمنى لها الرواج اللائق بها.(6/234)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - تصريحات ممثل الحكومة البريطانية بخصوص أنباء
الأخوان
صرح فخامة المعتمد السامي البريطاني في العراق للجرائد المحلية بخصوص أنباء الأخوان بما يأتي:
أنني لا اشعر شخصيا بأقل قلق من الحالة الناشئة عن خطة الأخوان تجاه العراق. ثم أوضح فخامته لمحدثيه أن الرواية القائلة أن ابن سعود عقد اجتماعا في الرياض وحث فيه زعماء نجد على مهاجمة العراق تظهر إنها رواية بولغ فيها كثيرا، ألم تكن رواية مختلقة تناقلتها أفواه البدو فوصلت البصرة عن طريق الكويت مكبرة. ولا يخفى أن الروايات تتناقلها الأفواه في البادية بسرعة ولكنها تظهر بمظاهر مختلفة باختلاف رواتها. وعلى كل حال لم يتمكن الضباط البريطانيون في قلم الاستخبارات حتى الآن من العثور على صحة أنباء إعلان الجهاد المزعجة مع ما لديهم من الوسائط والتسهيلات الكافية للحصول على أنباء البادية العربية.
ومما لا ريب فيه أن النيات السيئة التي عزيت إلى ابن سعود - إذا صحت أنباؤها وهذا ما يستبعد - هي تعد صريح على (اتفاقية بحرة). ويرى فخامته أن ليس لحكومة صاحب الجلالة البريطانية من الأسباب ما يحمله على توقع حدوث هذا التعدي الصريح من مليك عربي حاز ثقة الحكومة البريطانية في السابق.
وصرح فخامته أيضاً قائلا: أن الغزوات الجوية التي قامت بها الطيارات البريطانية أثرت تأثيرها الفعال كما إنه واثق بأن القوة الجوية الملكية في العراق كافية لصد غزوات الأخوان ومعالجة الأزمة إذا حلت. وإن الحكومة العراقية باذلة جهدها في سبيل اتخاذ الإجراءات الفعالة لمقاومة الغزوات المتقطعة التي تقع في بعض الأوقات بين قبائل نجد وبين أفخاذ قبائل شمر التي لجأت إلى العراق آتية من نجد على(6/235)
أثر هزيمة زعيمها الأمير ابن رشيد عام 1921.
ولما بحث البرلمان البريطاني عن إشاعات إعلان جهاد الأخوان أجاب المستر امري وزير المستعمرات البريطانية قائلا: ليس لديه ما يؤيد رسميا الأنباء القائلة أن الملك ابن سعود أعلن الجهاد أو اشترك بنفسه في حركة من هذا القبيل وزاد قائلا: ليس لنا دليل على أن الملك ابن سعود مسؤول مباشرة عن الغزوات المشار إليها وليس من الصواب والدقة التامة وصف هذه الغزوات وصف هجوم عام لاجتياح العراق. ثم أبدى سروره لتكذيب الأنباء القائلة أن الجنود الهندية ذاهبة إلى الكويت للدفاع عنها بمناسبة وقوع الاضطرابات التي آثارها الأخوان. ويقول المستر امري إنه متأكد بأن القوة الجوية البريطانية قامت بجميع الأعمال الممكنة لصد هجمات الأخوان عن حدود العراق الجنوبية.
وعلقت جريدة الأوقات البغدادية على خبر هذه الإشاعات المختلفة قائلة: (نرجو أن لا تؤثر هذه الإشاعات على عقول البسطاء. لأن الأخوان ليسوا جيشا منظما كسائر جيوش الدول ويتعذر عليهم اختراق أراضي العراق والتوغل في الداخلية. والظاهر انهم باتوا فعلا مهددين بمجاعة).
أما حافظ وهبة - المقيم الآن في القاهرة - فإنه كذب أيضاً النبأ القائل أن ابن سعود قد أعلن الجهاد مساعدا قبائله عسكريا وهو يقول أن الأمر بعكس ذلك إذ نرى ابن سعود يبذل المساعي لتهدئة خواطر القبائل التي ثارت على غزوات البريطانيين الجوية.
وجاء في نبأ من عمان أن الشيخ فرحان أبي ماش الهور الذي كان مسؤولا عن الهجوم على قبائل شرقي الأردن قد سجن وأرغم على أن يرد المنهوبات التي نهبها ويدفع الدية للقبائل التي اعتدى عليها برجاله.
2 - كيف يتنصل الأخوان من تبعة غزواتهم
جاء في العدد 164 من أم القرى لسان حال الحكومة النجدية الحجازية بعنوان: (غزوة عودة العطنة، ماذا يظن من في شرق الأردن؟) ندرجه بحرفه.
في 16 ربيع الثاني سنة 1346 الموافق 12 أكتوبر سنة 1927 بينما كانت قافلة من تجار بريدة في القصيم عند قلعة المعظم تمشي بتجارتها إلى الحجاز باغتها(6/236)
عودة العطنة مع فريق من قومه (وعودة العطنة من قبائل شرق الأردن) فسطا على القافلة وقتل منها اثنين وهما محمد بن رحيل الفقير وعلي الرشودي وجرح شبل بن علي الرشودي جرحا خطيرا
واخذ ما معهم من أباعر وسلب منهم 150 جنيها إنكليزيا و 700 مجيدي وبعد أن أتى فعلته المنكرة هذه رجع من المعظم إلى ربل حيث نزل ضيفا كريما على سليمان أبو دميك وفرح أبو شعيل من بني عطية ومكث عندهم مدة ثم توجه شمالا إلى قرب المدورة دون أن يلقى أي معارضة وقد سبق لعودة العطنة هذا أن قام بأعمال شقاوة وغزوات كثيرة على رعايا نجد فلم يصب من قبل حكومة شرق الأردن بأذى ولا مكروه أما الحكومة عندنا فقد احتجت على هذا العمل وطلبت تأديب الفاعل وهذا الاحتجاج أصبح من الأشياء المعتادة عند حكومة شرق الأردن أن تسمع مثلا فلا تجيب وإن أجابت ففي التسويف والمماطلة وإن أرادت تسويفا قانونيا دعت إلى إنفاذ أحكام معاهدة جدة وطلبت تشكيل محكمة لتعيين المنهوبات وردها، فإذا اجتمعت المحكمة رأيت من المراوغة فيها ما يدعو لفضها فيفوز المجرمون بالأسلاب ويعود المسلوبون بالحسرة والندامة.
ليست غزوة عودة العطنة من قبائل شرق الأردن، الأولى من نوعها على قبائلنا فقد تكررت غزوات قبائل شرق الأردن على قبائل نجد بعد معاهدة جدة تكرارا لا يطاق الصبر عليه، كل هذا وقبائل نجد ساكنة لم تقابل شيئا من تلك الغزوات بمثلها، ولكن قبائل شرق الأردن لا تزال سادرة في غوايتها تأتي ما تشاء من الإجرام لا معقب ولا رادع بل ربما وجدت المنشط الذي يساعدها على غوايتها، فماذا يظن من في شرق الأردن؟. أيظنون أن هذا السكوت ضعف منا؟ أم ظنوا أننا عاجزون عن تأديبهم؟ والله أن سكوتنا عنهم لم يكن عن ضعف ولا عجز. وإنما وفاء بعهد قطعناه، وانتظارا لما تنتجه المفاوضات والمكاتبات في هذا الشأن. وخير لمن في شرق الأردن أن يكفوا عن أذاهم وإن يسألوا الله العافية.
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجم)
أهـ. قلنا: ولم تذكر الجريدة شيئا تزكي به أعمال الغزوات بخصوص العراق(6/237)
مما يدل على أن حكومتنا بريئة مما ينسب إليها.
3 - مظاهرة في النجف
في يوم السبت 11 شباط من هذه السنة، وصلت سيارة إلى النجف، قادمة إليها عن طريق كربلاء، وكان فيها أربعة رجال وصندوقان مغلقان، واتفق أن انكسر أحد الصندوقين قبل أن ينزل من السيارة. فسأل الركاب السائق عن الرائحة المنبعثة عن الصندوق فقال: هي
رائحة خمر. فدهش الفضلاء الروحانيون من نقل مسكر إلى النجف.
وما كادت السيارة تصل إلى محلها حتى بادر الحمالون بسرعة إلى نقل الصندوقين على دوابهم إلى صاحبهما وهو (محمد الفحام السوري) صاحب صيدلية النجف وما كاد الحمالون يضعون منقولهم أمام الصيدلية المذكورة حتى جاء مأمور مركز النجف وقبض على الصندوقين، فامتنع الصيدلي من تسليمهما.
فالح عليه مأمور المركز في تسليمهما فأبى الصيدلي وحينئذ كلمه المأمور بشدة فما كان من الصيدلي إلا أن لطم المفوض لطمة أو لطمتين. وفي الحال أمر مأمور المركز الشرطي الحاضر بين يديه أن يقبض على المعتدي فساقه إلى مركز الشرطة ومعه الصندوقان. ولا تسل عن تجمهر الناس. ولولا أن السلطة تزج المذنب بالسجن لكان بئس المصير.
وفي اليوم الثاني (12 شباط) أطلق سراح الصيدلي بعد أن وردت إلى الحكومة كتب العلماء، فكأنما أطلقت قنبلة من فوهة مدفع الرأي العام وباتت النجف في تحمس شديد.
وما بزغت شمس 13 شباط حتى رأيت الجماهير تحتشد في الأسواق وتهوس هوسات ترتج لها البلدة، ثم انقسمت هذه الجماهير إلى فرقتين: فرقة هجمت على الصيدلية وكسرت ما فيها من الخشن وحطمت بعض قناني الأدوية فتداركت السلطة الأمر بأن أرسلت ستة من الشرطة للمحافظة على ما بقي من الصيدلية وقد أعانهم بعض المنورين من الشبان.
والفرقة الثانية وعددها لا يحصى قصدت دائرة الحكومة في خارج البلدة ووصلت إلى قائم المقام فقيل للناس: أن الصيدلي في محله (وهو النادي) فهاجموا وماجو محاولين الدخول على الصيدلي ولكن همة مأمور المركز كانت عظيمة فحول دون أمنيتهم؛ فذهبوا إلى دائرة(6/238)
الحكومة فخرج قائم المقام إليهم وكلمهم بلطف وافهمه بأن الحكومة تتخذ التدابير اللازمة لمعاقبة الصيدلي؛ إلا أن المتظاهرين لم يقنعوا، فبدد مأمور المركز شيئا من الشمل.
ثم ذهب قائم المقام إلى البلدية وكان المتظاهرون في الصفا (الميدان) فخطب فيهم خطبة جمعت بين اللين والشدة وفي الوقت عينه اظهر الشرطة حزما وعزما فتفرق المتظاهرون وبعد ذلك اخرج الصيدلي من النادي (القلوب) إلى السجن ونادى منادي الحكومة بالإخلاد إلى الهدوء والسكينة ففتح الناس حوانيتهم وبهذه الصورة انطفأت ثائرة المتظاهرين وختمت هذه الحادثة على أحسن وجه من غير أن يصدر شيء يكدر الأمن والسلم.
وقد أثنى كثيرون في هذه الحادثة على همة الشباب النجفيين الناهضين، وعلى ذكاء مأمور المركز وحكمة قائم المقام في البلدة.
3 - مصير الكتب التركية بعد اتخاذ الأبجدية اللاتينية
فؤاد بك رائف باشا أحد أعضاء لجنة الأبجدية اللاتينية وكان قد كتب عدة مقالات في الجرائد بلزوم الأخذ بالأبجدية اللاتينية وأجاب على سؤال وجه إليه بخصوص مصير الكتب التركية بعد اتخاذ الأبجدية اللاتينية أن 95 بالمائة أصبح مهجورا تماما وإذا كان بينها بعض الكتب النفيسة فيعاد طبعها بالأحرف اللاتينية وإن كان لا يزال في الأمة من يحن إلى مطالعة هذه الكتب بالأبجدية العربية وهم النزر القليل فما عليهم إلا أن يتعلموا الحروف العربية ويطالعوا فيها ما شاءوا.
4 - الوفد الهندي التجاري
وصل أعضاء الوفد التجاري الهندي العاصمة في الساعة الحادية عشرة ونصف من صباح (17 شباط) فاستقبلهم على رصيف المحطة جناب المستر امسون مندوبا عن فخامة المعتمد البريطاني السامي وجناب مندوب الجمعية الهندية في بغداد وأقامت الجمعية الهندية حفلة استقبال دعت إليها جميع أعضاء الوفد التجاري الذين اجتمعوا ومعهم عدد من كبار تجار العاصمة وتحدثوا طويلا عن سير التجارة الهندية في بغداد.
5 - إرادات ملكية
صدرت الإرادة الملكية بتوجيه جهة التدريس في التكية الخالدية إلى السيد عبد الوهاب أفندي خطيب كربلاء(6/239)
السابق.
وصدرت الإرادة الملكية بمنح نوط الخدمة الفعلية لجميع الضباط ونواب الضباط وضباط الصف والجنود والأشخاص الآخرين المنتمين إلى وحدات الجيش العراقي التي اشتركت في حركات المنطقة الشرقية في رتل بنجوين من 19 إلى 27 نيسان سنة 1927.
6 - ميزانية دائرة صحة الموصل
آنةربيةالواردات8531من معاينات الأصناف142318من التبخيرات42068من الصيدلية02314من الغرامات الصحية1251من بيع أنابيب المصل ضد
الجدري67284المجموعالمصروفات025620الرواتب13186الصيدلية والمستوصف0123دائرة التبخير1433387التنظيفات (تشمل الكنس ورفع الازبال وتنظيفات المسلخ والمدبغة) 01200المتفرقة1160517المجموعة /// 7 - أسعار سوق الموصل
بموجب تقرير غرفة التجارة للأسبوع المنتهي في 22 - 2 -
1927
الوزنةسعرحقةاستانةدرهم بايآنةروبية10 - 160حنطة - 81شعير - 100حمص - 84عدس - 81باقلى - 41سمن - 029عفص عنباري - 86ابيض - 05قطن محلوج - 013بدون حلج - 03تطعيم الجدري شخص عدد 81
التبخيرات
قطعة للأهالي 251
الحيوانات المذبوحة
غنم 80 معز 635: بقر: 120 جمال 3 جاموس 11
المعاينة الطبية للفقراء
معاينات أولية 268 المجموع
معاينات مكررة 101769
الجرائم الصحية
عدد أشخاص 6(6/240)
العدد 58 - بتاريخ: 01 - 04 - 1928
بي بروا
-
في كتب مشاهير الرجال ونوابغهم. لا نرى أثرا لمن نبه من أصحاب المهن والصنائع والفنون؛ ولا نقرأ شيئا عن أولئك الرجال الذين كان لهم منزلة عظيمة في طبقتي الأمة الوسطى والدنيا، كما لا نجد وصف البيئة لتلك الأيام في أكلها وشربها، وانسها، وسكنها، وفرحها، وحزنها، إلى ما ضاهى هذه الحالات.
على أننا إذا قلنا: لم نر، ولم نجد، ولم نقرأ، فليس معناه التعميم والاطراد الذي لا شاذ فيه، فقد وجدنا في أيام العباسيين رجالا تصدوا لمثل هذه الأبحاث، لكنهم يعدون على الأصابع، بالنسبة إلى ما دون في سائر المواضيع والمعاني، فلقد كتب لنا أبو الفرج الأصفهاني، والجاحظ، والقاضي التنوخي، أمورا يحسدهم عليها أرقى الأمم في عهدنا هذا.
ونحن الآن في عصر تولي فيها العادات والأخلاق والبيئة العربية وتدبر أدبارا لا عودة لها إليها ومع ذلك ليس من يفكر في هذا الانتقال فيدون ما يراه اليوم ليكون سندا يعتمد عليه الجيل القادم في ما كان في هذا العهد.
ولقد انتبه إلى هذا الشأن الخطير حضرة المفكر الاجتماعي أحمد حامد أفندي(6/241)
آل الصراف. فاخذ يطوف القراء بما يلاحظه في هذا الموضوع والفضلاء يطالعون هذه المباحث بشوق عظيم، أن في ديارنا الشرقية وإن في الديار الغربية ويستزيدونا منها.
واليوم يهدي إلى هذه المجلة موضوعا من الذهنية المواضيع وهو ترجمة أحد (الدراويش) الذين كان يرى مثلهم في بغداد قبل نحو خمسين سنة مئات ومئات يجولون في الطرق والأسواق ليستعطفوا الناس عليهم ويستدروا حسناتهم. وفي الوقت عينه يعرفنا بحالة أبناء المجتمع في البلاد التي مر بها المترجم و (عقليتهم ونفسيتهم) وسلطة بعض طبقات الناس على بعضها الآخر. ولهذا تعد هذه الترجمة من افخر ما كتب في هذا المعنى، ومما يجب أن يحتذى عليه، إذ هي المثال الأعلى في هذا الموضوع. قال حفظه الله:
(لغة العرب)
رجعت في الليلة العاشرة من شهر تشرين الثاني 1919 إلى بيتي الواقع في حارة (باب بغداد) في كربلاء وهي حارة ضيقة الأزقة، ينيرها بصيص من ضياء الفوانيس القديمة
المعلقة على جدران البيوت. وكانت الليلة ظلماء حالكة الأديم. خلت سماؤها من قمر مضيء، وكوب لامع: فركنت إلى غرفتي وكنت تعبا ضجرا، مهموما أفكر في العبء الثقيل الذي القي على عاتقي وهو عبء المدرسة الأميرية إذ كنت مديرها. وكان المعلمون السبعة الذين عينوا لها من الأعاجم؛ فكان فيها الشاهرودي والطهراني والشيرازي والرشتي.
وكان في كربلاء ثلاث مدارس فارسية تزاحم مدرستي وتسعى إلى القضاء عليها. وكنت أرى بعيني أبناء العرب الاقحاح من العلويين والهاشميين يؤمون المدارس الأعجمية هناك، حيث يدرسون التاريخ الفارسي والآداب الفارسية ويهتفون بذكر طهمورث وحمشيد وكسرى. وقد تغيرت سجاياهم العربية وتبدل إحساسهم وتطورت عوائدهم وألفوا الفارسية بدلا من العربية.
وكان حاكم كربلاء إذ ذاك رجلا فارسيا عينته السلطة الإنكليزية أثناء الاحتلال، وكان داهية، شديد النعرة الفارسية كثير الرغبة في إنهاض المدارس الإيرانية. قليل الاهتمام بالمدرسة التي كنت مديرها، إلا فترات كان يجامل بها الاهلين، وكادت كربلاء إذ ذاك على شفا جرف هاو. إذ كادت تنقلب بلدة فارسية.(6/242)
وكانت هذه الحوادث المؤلمة تثير أعصابي وتزيد في آلامي وكنت في تلك الليلة ال 10 من تشرين الثاني191 - أفكر في الطرق التي أنقذ بها المدرسة العربية من تلك المخالب.
فقضيت ساعتين تارة أفكر وطورا اقرأ ما تيسر لي من الكتب حتى دقت الساعة الرابعة عربية ليلا، فساد الصمت وانقطعت أصوات النائحين والباكين في التعازي والمآتم. وإذا صوت رخيم رقيق أشبه برنين الجرس فقد انبعث من طيات ذلك الليل الهادئ منشدا:
يا شام غريبان يا إمام رضا
وكانت تلك النغمة التي لم تكن إلا نغمة النأي الحزين قد أهاجت بلابلي وأثارت كوامن شجوي، فانتفضت انتفاضة المتكهرب ورفعت باب الكوة المطلة على الطريق، وملت بكل جوارحي إلى الجانب الذي جاء منه ذلك الصوت الرخيم وبعد بضع ثوان سمعت نشيدا بنغمة فارسية: (دوست علي مولا جانم) ثم انطلق يتغنى بأشعار فارسية لم استطع ضبطها فعلمن من النغمة ومن هذه الكلمات إنه (درويش فارسي). فقلت: بابا درويش بفرما أي
تفضل أيها الدرويش - فجاء يمشي الهوينا، حتى وقف تحت (الفانوس) فتبينته ثم رميت له قرانا (نقدا فارسيا يساوي نصف فرنك ذهب) لم يعثر عليه إلا بشق النفس. وقلت له:
أي مرشد بخوان - أي اقرأ أيها المرشد. فقال جشم.
فقرأ بنغمة الافشار قصيدة من أبدع قصائد الشاعر الشهير سعدي الشيرازي وقد ضبطت - وأنا في غرفتي - بيتين منها:
شرف مرد بجود است ... وكرامت بسجود
هركه إين هردر ندادد ... عدمش به زوجود
اي كه در نعمت ونازي ... بجهان غرد مشو
كه مجالست در إين ... مرحله إمكان خلود
معناها: شرف المرء بجوده وكرامته بسجوده لله ومن لم يملك هذين(6/243)
الأمرين كان عدمه أحسن من وجوده يا أيها المتنعم المدله لا تغتر بهذه الدنيا إذ من المحال الخلود في هذه المرحلة (الحياة).
ولما أتم إنشاد القصيدة، رميت له قرانا آخر وقلت له:
شعر عربي ازبر داريد؟ يك قصيدة عربي بخوان - أي: أتستظهر شعرا عربيا. اتل قصيدة عربية. أجابني قائلا: بيرشي.
ثم قال بلي قربان ازبر دارم أي نعم عزيزي أني استظهر ذلك فانطلق ينشد كالقيثارة النائحة قصيدة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... حتى جاء على آخرها
وقد أحدث في ثورة من ثورات المغرم حين يهزه الوجد فقلت له: شام نميخواهي آيا كرسنه نيسي (أي إلا تريد أن تتعشى)؟ الست جوعان؟ فسكت فعلمت إنه جوعان فصرخت على الخادمة وقلت لها أن تفتح الباب ففتحته له فصعد إليّ ودخل متأدبا وحياني قائلا: سلام عليكم.
عليكم السلام بفرما آغاي مرشد فجيء له بالطعام، فأكل بتؤدة ثم غسل يديه، وشكر الله، ودخن دخينة (سيكارة) قدمتها إليه وكان ينظر إليّ أثناء تدخينه إياها نظرة الخائف الوجل وابتدرني سائلا: جناب عالي مأمور دولتي؟ أي أجنابكم موظف حكومة؟ قلت له نعم. ثم
طلبت إليه أن ينشدني شيئا من الشعر العربي والفارسي. وأخذت اليراعة والقرطاس لأدون ما ينشدني فترنم بالأبيات الفارسية الآتية وقد ضبطتها من فمه:
آن ياركه بي وفا است دشمن به ازوست ... وآن نقرة كم بهاست آهن به أزوسث
هركس كه نمك خورد نمكدان شكند ... در مذهب رندان جهان سكك به أز وست
أي: العدو أحسن من حبيب أو صديق لا وفاء له. والحديد أحسن من فضة لا قيمة لها. ومن أكل الملح وكسر المملحة فالكلب اشرف منه بمقتضى مذهب العقلاء الحكماء في الحياة.(6/244)
يشير إلى إنه أكل من نعمتي وهي نكتة أديب واستشهاد أريب ثم أنشدني قصائد لحافظ الشيرازي وخاقاني ومنوجهري وغيرهم من شعراء الفرس.
ثم قرا لي بيتين بلكنة أعجمية وهما:
انبتت سبابتكم ... غرحة على كبدي
بت من تفجئكم ... كالأسير في السفد
أي:
انبتت صبابتكم ... قرحة على كبدي
بت من تفجعكم ... كالأسير في الصفد
ثم انقطع عن النشيد فسألته عن اسمه وعن أسم بلده. فقال اسمي أبو القاسم ولقبي (بي بروا) وبلدي (شيراز) فقلت له: متى صرت درويشا؟ ولماذا فضلت هذه الحياة؟ وماذا كانت مهنتك وعملك قبل أن تكون درويشا؟ فلم يجبني بشيء فألححت عليه كثيرا، وكررت عليه السؤال. فقال لي (عشق است) أي - العشق - إلا أنني لم اقنع بهذا الجواب وكررت عليه السؤال وطلبت إليه بإلحاح أن يجيبني فقام على قدميه وقال متأدبا: آغا خيلي دير كردم أن شاء الله وقت ديكر خواهم كفت أي سيدي أني تأخرت وسأحدثك أن شاء الله في وقت آخر فدعوته إلى أن يأتيني في الليلة الثانية فودعني وانصرف. وانصرفت عني كل همومي وكانت الساعة الخامسة تماما.
أبو القاسم بي بروا
كان الدرويش بي بروا شيخا قد اجتاز الكهولة، ربعة، أشقر اللون، ازرق العينين، ذا وجه
مستديرا، أحدثت فيه الآلام غضونا، وأورثت فيه تجعدا ذا لحية طويلة صفراء وخطها المشيب، ذا شعر طويل كشعر النساء لهزه البياض.
أما ثيابه فلم تكن أسمالا اخلاقا، وكانت نظيفة وهي عبارة عن قلنسوة طويلة (كلاه) من اللبد الأصفر، مشدود في وسطها حزمة من خيوط دمقسية طويلة قد اختلطت بشعره، عليه قميص من الصوف فوقه جلد معز طويل وجراب طويل وقدوم ثمينة مزخرفة بنقوش وأبيات فارسية وعلى ظهره كشكول.
تدل ملامحه وحركاته على إنه لم يكن من أولئك السفلة الشحاذين، ثم بدا(6/245)
لي أن أدون بعد هذا اليوم، ما يقع لي من أمر هذا الدرويش وما يتعلق به فكتبت يومئذ في مذكرتي ما أعيد صورته إلى القارئ.
طلعت شمس اليوم العاشر من تشرين الثاني سنة 1919 فذهبت إلى المدرسة وقمت بواجباتي وخرجت منها من الساعة الحادية عشرة غروبية وذهبت توا إلى بيتي فانتظرت الدرويش إلى الساعة الخامسة عربية فلم يأتني ثم يئست من مجيئه ولما أعياني السهر نمت.
11 تشرين الثاني
خرجت من بيتي عند انبلاج الفجر وتجولت في الحضرة الحسينية والعباسية لعلي أجد الدرويش فلم أره ثم ذهبت إلى الخيمكاه وهو مأوى أكثر الدراويش الفقراء فلم أصادفه، فذهبت إلى المدرسة وأرسلت خادم المدرسة (حمزة) ليفتش عنه فجاءني بعد بضع ساعات وقد طاف في المدينة فلم يلاقه.
صرفت التلامذة في الوقت المعين وخرجت إلى الحضرة الحسينية حين طفول الشمس ولما دخلت الصحن من باب القبلة رن في مسمعي صوت الدرويش فأسرعت إليه فوجدته قد رفع قدومه على كتفه ووضع كشكوله على مرمر الصحن ووقف حاسر الرأس منشدا شعرا في مدح الحسين الشهيد (عليه السلام) وقد اجتمع حوله الناس على شكل دائرة رجالا ونساء وشبانا وهم بين باك ومتباك وقد ملئوا كشكوله من كل ما شاءوا.
ووقفت أمام الدرويش (بي بروا) ولما وقع بصره علي امتقع لونه وتجلجل، فخرقت الصف ورميت له ربية واحدة في كشكوله ولما أتم نشيده دعا للحاضرين بالخير والبركة وطول
العمر على عادة الدراويش ثم قرا الفاتحة ورفع كشكوله من الأرض وانصرف موليا وجهه شطر السوق من غير أن يلتفت إليّ فتقصصت أثره ثم تعرضت له في السوق وسلمت عليه قائلا بلهجة المعاتب:
أي مرشد بكجا تشريف ميبريد؟ (إلى أين تذهبون أيها المرشد؟ فوقف الدرويش وقفة المتحير في أمره فعلمت في تلك اللحظة القصيرة إنه ارتاب مني(6/246)
ومن شكلي ولباسي وطربوشي وظن إنني موظف أمرت بالبحث عنه فمسكته بيدي وعرفته باني مدير مدرسة، من خدمة العلم والأدب، ويلذ لي معاشرة الدراويش وصحبة الفقراء وإن صوته الرخيم وحفظه الشعر الكثير حبباه إليّ وأقسمت له وأغلظت له الإيمان مؤكدا له صدق ما أقول، فاطمأن وهدأ روعه فأخذته رأسا إلى بيتي.
ليلة 12 تشرين الثاني
ولما اختلط الظلام قام وتوضأ وصلى صلاة المغرب ثم تعشينا معا وبعد أن دخن عدة دخينات (سيكارات) اندفع يغني شعرا فارسيا دون أن أكلفه وكان غناؤه أوقع في قلبي من نغمات الأرغن ونقرات العود ولم أشأ أن أسأله في تلك الليلة عن سبب تفضيله هذه الحياة على حياة العمل لئلا يرتاب مني مرة أخرى فينقطع وأنا حريص عليه جد الحرص، ولما مضى هزيع من الليل ودعني وانصرف بعد أن نفحته ربية أخرى ورجوته أن يزورني تلطفا.
ليلة 13 تشرين الثاني
جاءني الدرويش في هذه الليلة وقد أكثر من تلاوة الشعر بنغمته الفارسية الرقيقة.
لم يزرني الدرويش في ليلة 14 و15 و16 من شهر تشرين الثاني.
17 تشرين الثاني
زارني الدرويش بي بروا في مدرستي، ففرحت به ورحبت به كثيرا وعاتبته طويلا على انقطاعه عني ثلاث ليال سويا فاعتذر مني وقال إنه لم يبرح (الخيمكاه) ثلاثة أيام إذ انتابته الحمى خلالها فتحادثنا طويلا في الشعر ونقلت في مذكرتي بضع مقطوعات شعرية ثم ودعني وانصرف ووعدني بأن يزورني في تلك الليلة.
ليلة 18تشرين الثاني
جاءني الدرويش وكان فرحا مبتهجا فاخبرني بأنه تشرف بزيارة قبر المجاهد الشهيد الحر بن حرب الرياحي راجلا ثم جلس مطمئنا وقال إنه سر كثيرا بزيارته كربلاء، وانه جذل بمعاشرتي، وبعد العشاء طفق يغني شعرا غراميا للشاعر حافظ الشيرازي، ولما أتم إنشاده سألته عن سبب تفضيله شعر حافظ على شعر غيره(6/247)
فسكت قليلا ثم أن أنة الغريب الكئيب. وقال أحب حافظا لأنه نبت في وطني ونشأ فيه، ولان شعره يذكرني ببلدتي شيراز الجميلة فقلت له: أتحبها وتحن إليها، فقال أن كنت تسألني لكوني درويشا فأقول أني لا أفضل مدينة على أخرى وكل بلاد الله وطني، وكل أهل الأرض أقاربي لا افرق بين العربي والعجمي والهندي والتركي، إلا أني مع ذلك، احن إلى شيراز، لأنها ملعب صباي، ومراح شباب وفيها قبور أمي وأبي وزوجتي وعشيرتي ثم قال وقد ترقرق الدمع في جفنيه:
جه وا بلبل آشبانهء خودرا دوست ميدادر وإنسان وطن خودرا دوست نميدارد.
أي: لماذا يحب البلبل عشه ولا يحب الإنسان وطنه.
فقلت له: ومتى فارقت مدينة شيراز؟ فقال وقد انحدرت دمعة من مآقيه على خده: لم أطأها منذ أربعين سنة على التقريب.
لماذا؟ وما السبب؟ فقال بعد أن تنهد طويلا: إنك قد سألتني قبل بضعة أيام فلم اشأ أن أقص عليك حديثي، خشية منك، لأني إرتبت كثيرا في أمرك وخفت أن يصيبني في (كربلاء) ما قد أصابني في (بيروت) وذلك أنني وطئت بيروت أثناء الحرب فذقت فيها عذاب الهون وعانيت ألوانا من المصائب والرزايا وكان أطفالها يركضون خلفي ويحصبونني ويمطرون علي وابل الحجارة.
آغا شهر بيروت بر أز فرنك بود. أي ومدينة بيروت ملآى من الفرنك
وقد تعرفت بفتى من أهل بيروت أخذني إلى بيته وأطعمني وسألني عن سياحاتي فقلت له أني جئت من الهند على طريق إيران وفي اليوم الثاني قبض علي شرطي طويل القامة وقادني إلى دار الحكومة ثم زجني بالسجن ثم طلبوني واتهموني بالتجسس، يلي اغا جان مارا كوتك زدند خيلي جوب زندن فرياد كردم قسم خوردم كه من درويشم غريبم كوش ندادند وزدند تحمل كردهم خدارا شكر كرده م.
نعم يا سيدي فقد ضربوني وجلدوني بالسياط صرخت كثيرا وحلفت لهم بأنني درويش غريب فلم يصغوا إليّ ثم ضربوني وضربوني فتحملت وشكرت الله.(6/248)
ثم أطلقوني وقد مرضت وأشرفت على الهلاك وكنت اقضي أيامي في أحد المساجد ثم تعرفت بصاحب (قهوة) وكان مسلما من الأخيار الطيبين فكنت اغني نهارا في قهوته، وانفخ بالناي، فكان يطعمني.
ولما عاد إليّ نشاطي وصحتي تركت بيروت وما فيها من ظلم وعسف وجور، وأتيت إلى الشام ثم سافرت إلى بغداد ومنها إلى طهران.
بلي قربان! خيلى اذيت كشيده أم - لقد عانيت الاذى، ولهذا السبب خشيت أن أقص عليك حديثي، وانقطعت عنك وقد سألت عنك فعرفت إنك من الأخيار وألان أقص عليك حديثي وأكلمك عن السبب الذي دفعني إلى أن أكون درويشا:
حياة (أبو) القاسم بي بروا
وكانت الساعة الثالثة من الليل، فجيء بأكواب الشاي فشرب الدرويش ثلاثة اكواب، ومسك قدومه بيده ووضعها بجانب الكشكول، واخرج من جيبه مشطا من خشب الأبنوس واخذ يمشط لحيته الطويلة الصفراء، ويرجل جعد ذوائبه الطويلة ثم نظر إليّ نظرة طويلة وقال:
أي جوان! أي نور ريدة من! بنجاه سال دارم ازفلك بي رحم خيلي ستم ديدم بدرم درشيراز كارباس فروش بود - أي أيها الفتى يا نور عيني عمري خمسون سنة؛ وقد شاهدت ظلما من هذا الفلك الظالم. أبي كان في شيراز (بزازا) وقد قرأت في صباي القرآن وقرأت على (الاخند) أي (الملا) النحو والصرف والمنطق وقرأت الفقه، وحفظت كثيرا من كلستان سعدي الشيرازي وديوان حافظ الشيرازي.
بلي قربان! خيلي حفظ داشتم! كنون يك كمي ميدانم از مبتدا وخبر ونواصب وقضية صغرى وكبرى ببر سيد الحمد لله شما از أهل عرفان هستيد. أي كنت احفظ كثيرا وألان أيضاً أعرف قليلا. سلني عن المبتدأ والخبر والنواصب وقضايا المنطق في الصغرى والكبرى. الحمد لله أنت من أهل العرفان.
وكان والدي يحبني ويعزني كثيرا، لأني كنت ولده البكر وكان يهتم بي ويعتني بتربيتي أكثر من أخي الصغير. ولما بلغت الخامسة عشرة أخذني والدي(6/249)
إلى الدكان لأعينه. وكان
لي عم توفي هو وزوجته وترك ابنته الصغيرة، فأخذها والدي إلى بيتنا.
وهنا زفر الدرويش زفرة شفت عن ألم عميق، واسترسل في حديثه وكانت ابنة عمي جميلة الخلق والخلق: مهناب بود، ستارة آسمان بود! كانت قمرا وكانت نجم السماء! وكنت احبها حبا جما، وكانت هي تحبني أيضاً حبا عظيما ولما بلغت العشرين زوجني إياها والدي وأقام الأفراح والولائم.
وهنا تغيرت لهجة الدرويش حالا واخذ صوته يتقطع ويرتجف ارتجافا متواليا ويرتعد جسمه ويهتز اهتزاز شجرة الصفصاف. وقفت شعرات لحيته الطويلة: فرمى السيكارة من يده وقال: وبعد مرور شهر واحد مرضت زوجتي مرضا لم يدم إلا يومين حتى أرداها. ثم استخرط في البكاء وهو يدمدم دمدمة الهائج الحزين المغلوب على نفسه.
أي خدا وندكار! حه كويم؟ أيها الرب ماذا أقول؟ ثم أخذ يزبد ويرعد ويرغو رغاء البعير وتدفقت دموعه حتى بللت خده ونحره. وأخضلت لحيته وقد طال بكاؤه وأنينه ساعة من الزمن، إلى أن نفدت عبراته وملت نفسه الأنين ولما انتهى دوره جاء دور السماء فأمطرت وابل الدموع. فقمت وأنا حيران في أمر هذا الدرويش الباكي الحزين وقد علمت يقينا إنه فجع بموت حبيبته.
أي مرشد خواهش دارم إمشب در إين اوتاق بخو ابيد تاريكي وباران بيرون آمدن خيلي سخت است. أيها المرشد أرجوك أن تنام ليلتك في هذه الغرفة (إذ اليوم لا يرى إلا) ظلام ومطر (ولهذا كان) الخروج عليك صعبا جدا.
فانطرح الدرويش على الأرض وخرجت من الغرفة فذهبت إلى مخدعي ونمت نوما متقطعا ولم يغمض جفناي إلا قبيل الفجر.
18تشرين الثاني
انتبهت على صوت الدرويش وكان يتلو دعاء في العربية بنغمة مشوبة بلكنة أعجمية فدخلت عليه في الغرفة فقام في وجهي متأدبا وقد ظهر الخجل(6/250)
على محياه.
سلام عليكم. (سبهكم) الله بالخير اغا جان ببخشيد ديشب خيلي بي ادبي كردم مارا ببخشيد خيلي دلتنك بوده ام.
سيدي، اعذرني قد أسأت الأدب ليلة أمس اعذرني فقد كنت حزينا متألما.
فهششت له وابتسمت بوجهه وقلت له: أني آسف لأني أنا الذي ذكرتك بتلك الذكريات المؤلمة، وجددت لك حزنك، وأنت معذور في بكائك لفقدانك زوجتك التي كانت عزيزة عليك، ثم فطرنا معا وخرجنا من البيت، فذهبت إلى مدرستي وفارقته في السوق وقد وعدني بالمجيء إلى بيتي، ولما خطوت بضع خطوات اندفع ينشد في السوق بهزيج أوقع في القلب من نغمة المزمار:
(جان علي جان علي جان، أي أمير المؤمنين أسد الله جانم).
ليلة 19 تشرين الثاني
جاءني بي بروا في الساعة الثانية ونصف عربية من الليل واعتذر إليّ مرة أخرى فقلت: إنما أنا يجب علي أن اعتذر إليك لأني أنا الذي أثرت آلامك وأحزانك، كلنا أيها المرشد العزيز نموت، ولا يبقى إلا وجه الله الكريم، وقد مات الأنبياء والأولياء والأحباء والأئمة والعلماء قبلنا فالموت نصيب الإنسان والمنية مورد كل حي.
فابتسم وقال: بلي قربان، خدا كفت، (كل نفس زائغة الموت) أي (كل نفس ذائقة الموت).
أني كنت ليلة أمس كالمجنون، فقد تذكرت والدي وأمي وزوجتي وبلدي شيراز ولهذا السبب أزعجتك كثيرا. وكانت المصيبة التي نزلت بي عظيمة جدا، وهي التي أخرجتني من أهلي ودفعتني إلى الدخول في طريقة الدراويش، فتغربت عن وطني أربعين عاما، قضيتها في التسول والتجول في إيران والهند والصين وسمى الاسم الأخير - حين ما حين - وبلخ وبخارى وهراة والغوغاس (كذا) والاسلامبول (كذا) والشام والبيروت (كذا) والمكة (كذا) ومدينة (كذا) وبقداد (كذا) وقد عانيت آلاما وأوجاعا وعذابات كالحبس والجلد والجوع(6/251)
والبرد والحر، وقد صاحبت خلال هذه السنوات أناسا كانوا اخبث من الشياطين والأبالسة، وعاشرت السفلة من الدراويش السفهاء فأهانوني وسرقوا أشيائي وحسدوني لأني احفظ منهم شعرا وأعذب منهم صوتا وكان المؤمنون يتصدقون علي. وكثيرا ما كنت ارجع عند المغرب وكشكولي مملوء دراهم.
خيلي نياز داشتم - كان محصولي كثيرا.
أي لعنت خدا بأن روي كه بدتر از روي إبليس بود لعنت بآن ناغلا، آن نامر، بي مذهب بي دين بي حيا!
إلا لعنة الله على ذلك الوجه الذي كان ابشع من وجه إبليس! إلا لعنة الله على ذلك الزنيم النغل الذي لا مذهب له ولا دين ولا حياء!
ماتت زوجتي فحزنت عليها، ثم مرضت وأصابني هزال ونحول!
بيمار أفتاده أم بدرم خيلي اطبا آورددوا دادند خوب نشدم تب لازم داشتم.
وقعت مريضا وقد جاء أبي بالأطباء. وصفوا لي علاجا فلم اكسب صحتي وكانت معي حمى ملازمة.
وقد أشار بعض أصدقاء أبي عليه أن يعرضني على درويش كان ظاهره يدل على إنه كان زاهدا تقيا دينا، فجاء به والدي فكتب لي أدعية لتحرق تحت ثيابي، وكان موسم الربيع وقد طاب الوقت، ورق النسيم، وبرزت براعم الأشجار واخضرت الاغصان، وتفتحت أكمام الورد والأزهار، وتغنت البلابل، فكانت شيراز جنة تجري من تحتها الأنهار فرجع إليّ قليلا من نشاطي وكان ذلك الدرويش الملعون يأخذني في كل صبح ومساء إلى البساتين والجنات والى الأرباض المحيطة بشيراز فكنا نجلس إلى الجداول الصغيرة ونتفيأ ظلال الأشجار الخضراء وكان ذلك الدرويش ذكي القلب، لبقا فتيق اللسان، أريحي الطبع، رقيق الصوت؛ بارعا في إيراد النكات حافظا للشعر؛ إلا إنه كان خبيث الروح، خداعا مكارا، طماعا، لا ذمة له ولا ضمير ولا وفآء. وكان ينشدني شعرا في مدح أمير المؤمنين وال الرسول؛ وقد صحبته شهرين متتابعين حتى تعلقت به ولم يكن في وسعي أن أفارقه يوما واحدا.
وكان أبي لا يبخل عليه بتومان (من نقود إيران) في كل ثلاثة أيام ذلك(6/252)
فضلا عن الثياب والطعام.
وكان ذلك الدرويش يقص علي أحاديث أسفاره وسياحاته وكان يحبب إليّ السفر ويحضني عليه ويرغبني في دخول سلك الدراويش حتى أقنعني. فاتفقنا على السفر على أن تكون وجهتنا مدينة الإمام المعصوم علي بن موسى الرضا أي خراسان.
ففاتحت ذات يوم والدي بالأمر وبينت له رغبتي في زيارة الإمام المذكور فأبى ورفض طلبي رفضا باتا؛ وكان يخشى علي من السفر ومن نوائب الدهر؛ فأشار علي الدرويش بأن أتظاهر بالمرض فلزمت فراشي بضعة أيام فتحير والدي في أمري وشاور صاحبي
الدرويش فأشار عليه أن يوافق علي سفري قائلا: أن ابنك على خطر.
اغا شيطون بود حرامزده بود - كان شيطانا وكان زنيما فرفض والدي طلبي وزجرني فدخلت ذات يوم غرفة أبي وسرقت منها مائة تومان فسافرت مع الدرويش تحت جنح الظلام ووصلنا خراسان ونزلنا في أحد الخانات. وكنت اصرف عليه من الدنانير التي كانت معي وكان يأخذني بعد زيارة الإمام كل يوم إلى محل يأوي إليه الدراويش فعرفني بهم ولاسيما (البير) فأخذوا دراهمي مني إذ قال لي (البير) إنه لا يجوز للدرويش أن يحتفظ بالدراهم. وجمع ذات يوم (البير) كل الدراويش وطبخ لهم (شاة قلندران) وبعد أن أكل الجميع امرني أن أتعرى فامتثلت الأمر وسكبوا على رأسي أربعة عشر طاسا من الماء البارد (آب قدرت) رمزا إلى الأربعة عشر معصوما. وقد زعم (البير) إنني تطهرت من الدنس والرجس الدنيوي ثم علمني (البير) تلاوة القصائد في مدح آل البيت بنغمة الدراويش وأعطاني قلنسوة (كلاها) وقدوما وكشكولا وبعد أن تمرنت وحفظت الأدعية وكيفية الاستجداء أخذني (البير) مرة إلى السوق ليمتحن صوتي وإلقائي وجرأتي فتجولت في أسواق خراسان وأزقتها منشدا شعرا في مدح الإمام علي بن موسى الرضا. فاجتمع علي الناس وملئوا كشكولي دراهم حتى أن أحد التجار نفحني تومانا واحدا لأن جودة صوتي(6/253)
وماء حسني الرقراق كانا يؤثران في نفوس القوم.
رجعت مساء إلى المأوى فاخذ (البير) جميع ما حصلته من الدراهم في ذلك النهار وأطعمني ما أطعم الدراويش فبقيت على تلك الحالة مدة شهرين، تعلمت في خلالها الأدعية والقصائد والأسرار وكان ذلك البير رجلا صالحا طيب القلب، عفيف النفس صمم يوما على السفر وشد الرحال إلى طهران وأناب في مكانه الدرويش الذي صحبني من شيراز إلى خراسان وكان رجلا ماكرا خبيثا يستعمل الأفيون.
رجعت مرة إلى الخان الذي يأوي إليه الدراويش. اغا در آن روز خيلي نياز داشتم، وكان محصولي كثيرا فأخذ ما كان معي من الدراهم. ولما جن الظلام جاء ذلك الماكر الملعون إلى غرفتي وجلس إلى جانبي واخذ يحادثني على عادته فشكوت إليه فراق أبي وأمي وأخي، فقال. وقد برقت عيناه من المحال أن ترجع إلى شيراز، أو تترك الدروشة وإن حدثتك نفسك بترك الطريقة تقتل لا محالة. وكان قد مضى الهزيع الثاني من الليل. وكان
الخان الذي يلجأ إليه الدراويش بعيدا عن البلدة نحو فرسخ واحد. وهو وقف أحد الأخيار على الفقراء وكان خاليا ليس فيه أحد سواي والدرويش ودرويش آخر كان مريضا يعاني سكرات الموت. وكان ذلك الدرويش اللعين نائما بجنبي وعند منتصف الليل انتبهت مذعورا إذ قد وجدته يدب إليّ.
ثم ضحك الدرويش (بي بروا) ضحكة الساخر المتهكم وقال: بدرسوخته خيلي بي بود. كان ابن المحروق قليل الحياء. . . ولهذا سئمت من البقاء معه وأخذت عروضي وخرجت بها من ذلك المأوى بعد أن ضربته ضربا وجيعا.
وذهبت توا إلى ضريح الإمام علي بن موسى الرضا (ع) ونمت عند عتبة الصحن الشريف مع الفقراء والمساكين ولما انبلج الصباح لجأت إلى داخل الضريح وصليت وصممت على السفر إلى بلدي شيراز فذهبت في الحال إلى السوق وبعت أدوات الدروشة مثل القدوم وابتعت ثيابا معتادة ورجعت إلى الصحن. ولما وصلت إلى عتبة المزار المقدس شعرت بضربة عصا غليظة على ظهري فنظرت وإذا الدرويش الذي أشبعته أمس لكما وضربا مع جندين وجمع من ذوي العمائم السوداء والبيضاء. فصاح الدرويش (بكريد إين كافر بابي را) أي (خذوا هذا الكافر(6/254)
البابي) فمسكني الجنديان وشدا وثاقي ثم انهال علي الناس يضربوني بعصيهم وأيديهم وأحذيتهم وحصبني الأطفال عند مروري في السوق وبعضهم كان يبصق في وجهي وكنت أصرخ واستغيث وأقسم الإيمان واغلظ في القسم متبرئا من البابية وليس من مجيب أو مغيث وكان أحدهم يصرخ: اقتلوا هذا الكافر الوقح والآخر يقول أحصبوا هذا الغراب، ارجموه بالحجارة حتى يموت وكانت الجموع تتدفق تدفق السيل لتنال الأجر من الله في ضربي وإهانتي. وفي أثناء هذا الهياج رأيت أحدهم يشق الصفوف حتى دنا مني وخاطب الجنديين والناس قائلا كفوا عن ضرب هذا الفتى وارحموا هذا المسلم إلا تسمعون إنه يتبرأ من البابية فلعل الذي وشى به كان كاذبا ثم قاله لهما: إنكما أن لم تمنعا الناس عن ضربه وظهرت براءته يصبكما عقاب من الحكومة: فضلا عن عقاب الله وسخطه فلما سمع الجنديان كلامه فرقا الجموع ومنعا الناس عن الدنو مني إلا أن ذلك الدرويش الملعون كان يصرخ بالويل والثبور ويركض تارة أمامي وطورا ورائي يلطم صدره ورأسه ويقول واد يناه! وامحمداه! واشريعتاه!
ساقني الجنديان إلى بيت أكبر عالم في طوس والناس يقتفون اثري ولما دخلت الدار شاهدت في فنائها نيفا وخمسين رجلا من المعممين وقد توسطهم رجل ذو عمامة بيضاء يلوح الوقار على سيمائه فعلمت إنه المجتهد فأسرعت نحوه وأكببت على يده اقبلها وقلت بأعلى صوتي (لا اله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله).
جناب اغاي آية الله حجة الإسلام والمسلمين من مسلم غريبم بابي نبستم سيعه أم الحمد لله.
أي: يا أية الله وحجة الإسلام والمسلمين أنا مسلم وغريب ولست بابيا أنا شيعي والحمد لله ثم انحنيت على رجله اقبلها وتلوت الشهادة مرات وكنت على وشك أن الفظ أنفاسي الأخيرة من شدة ألم الضرب الذي لحقني فأمر المجتهد أن احبس في بيته فأخذني الخدم إلى سرداب مظلم كادت الرطوبة تقوض أركانه وتهدم حيطانه وعند الظهر جاءني أحد الخدم ورفسني برجله وسبني ووضع أمامي كوزا من الماء ورغيفا من الخبز اليابس وصحنا فيه (آش) ولما كان(6/255)
المساء جاءني الخدم وقادوني إلى غرفة طويلة مؤثثة بالسجاد النفيس في صدرها المجتهد محفوفا بأعوانه المعممين فقبلت يده بأدب فامرني بالجلوس فجلست وأجهشت بالبكاء ثم لمحت شخصا مقيدا مغلولا جالسا في آخر الغرفة وقد بانت عليه آثار التعذيب والجلد وكان نحيفا مهزولا يئن أنينا خفيا ويردد أنفاسا سريعة فقال له المجتهد ألم تزل مصرا على ضلالك وغيك وكفرك وإلحادك فأجابه برباطة جأش أني مصر على يقيني واعتقادي الصحيح وعلى ديني وإيماني وانتم المصرون على ضلالكم وغيكم. ولما أتم كلامه ماج الجالسون وهاجوا وتطاير الشرر من عيونهم وصرخ المجتهد بخدمه وقال لهم (بزنيد سخت بزنيد) أي اضربوه اضربوه شديدا فجر ذلك البائس على وجهه والسياط تنوشه كوقع الصيصة في النسيج. أما هو فكان يكثر من النداء يا صاحب الزمان (بلى آغا دولت خيلي ضعيف بود حكم در دست مجتهدين وعمامه ها بود!) أي الدولة كانت ضعيفة والحكم كان بيد المجتهدين من ذوي العمائم!
وبعد برهة حول المجتهد وجهه نحوي وقال: بكو أي جوان شما هم بابى هستي - أي قل أيها الفتى أأنت أيضاً من البابية؟ فقلت له: وقد بكيت، معاذ الله يا مولاي أني مسلم موحد وشيعي مؤمن وأني لا أعرف البابية ولا أعلم بمعتقدهم ولم أعاشر أحدا منهم. ثم قصصت عليه قصتي من أولها إلى آخرها وكيف أغواني الدرويش وجاء بي إلى خراسان. وأراد
هتك عرضي إلى غير ذلك وقلت له: أن أبي اليوم في شيراز وانه ينتظر مجيئي فامرني المجتهد بأن اسب الباب والبابيين فامتثلت أمره فاعتقد بصدق ادعائي ورق لحالي وبينما كان على وشك أن يطلق سراحي قام أحد المعممين وهمس في إذن المجتهد بضع كلمات ما عتم أن تغير لونه وبدت على سيمائه آثار الغضب فأمر الخدم أن يرجعوني إلى السرداب. فبت ليلتي وقد تمشت الحمى في مفاصلي وعظامي وكنت أئن طول الليل أنين المحتضر.
وكانت الحكومة الإيرانية قد أطلقت للمجتهدين التعذيب والتنكيل بمن يشتبه به إنه من الطائفة البابية أو يشك في إنه ممن ينتمي إليهما فكان المجال فسيحا للمتعادين المتباغضين إذ يبطش أحدهم بالآخر وكان المجتهدون لا يترددون طرفة(6/256)
عين في إصدار فتوى تقضي بالموت على من ألصقت به هذه التهمة لذلك تفشت الوشايات فأريقت الدماء وأزهقت الأرواح وكثرت الضحايا وأصبحت البلاد في هرج ومرج وقد بات الناس خائفين على حياتهم مرتاعين من فتاوى المجتهدين الذين كانت أقلامهم أمضى من السيف إذ ذاك.
قلت للدرويش (بي بروا) هل تعرف شيئا عن البابية؟ قال: لا غير أني كنت ذات يوم أتسمع وعظ أحد الواعظين في صحن الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، وكان يقول للسامعين أن البابية فجرة كفرة طغام وانهم جاحدون مارقون عن الدين وانهم يعتقدون بمذهب الحلول إلى غير ذلك، قلت له: أتعرف مذهب الحلول؟ فأجابني بالسلب.
شعر (بي بروا) بالتعب وتصبب جبينه عرقا، فانقطع عن الكلام، وقال لي سأحدثك ليلة غد بالبقية أن شاء الله وتركته في تلك الغرفة، فنام فيها ليلته وقد استيقظت في الصباح فلم أجده. وقد أعلمتني الخادمة إنه خرج قبيل الفجر من غير أن يفطر.
20 تشرين الثاني
جاءني بي بروا في الساعة الثانية ونصف عربية من الليل فتعشينا معا ثم أشعل سيكارة واتكأ على الوسادة ونظر إليّ ويسراه تعبث بلحيته الطويلة وقال: بقيت في بيت المجتهد مسجونا نحو شهر واحد ثم جاء نفر من جنود الدولة وساقوني أنا مع ثلاثة آخرين إلى الحاكم فبقينا في سجن الدولة مدة أسبوعين لم يسألونا شيئا ولم يطلبونا إلى الاستجواب والاستنطاق ثم نفيا مخفورين إلى مدينة (شروان).
درراه خيلي زحمت كشيديم مارا شلاق زدند.
لقد عانينا المشقات في الطريق فقد ضربونا بالسياط، جئنا إلى شروان وجلسنا فيها مدة ستة أشهر ثم نفينا إلى مدينة (رشت) وحبسنا فيها مدة تقارب السنتين. ثم أخذنا إلى طهران وبقينا في حبس الحكومة سنة واحدة وأطلق سراحي يوما على غفلة فتجولت في طهران وأنا لا املك قطميرا فراجعت (شواء) توسمت فيه الخير والصلاح وقصصت عليه حديثي من أوله إلى آخره فرق(6/257)
لحالي واستخدمني في حانوته وكان ينفحني في كل يوم قرانا واحدا عدا الطعام والمنام وبقيت عند الرجل مدة تقارب ستة أشهر أرسلت خلالها بعدة مكاتيب إلى والدي في شيراز إلا أني لم أتلق منه جوابا فشعرت يوما كان القيامة قامت في طهران وإن الأرض تميد ميدا والناس يموج بعضهم أثر بعض فلما تحققت الخبر علمت أن أحد البابية قتل ناصر الدين شاه في مزار الشاه عبد العظيم وقد انبث الجند في طهران يقبضون على كل من يشك فيه أو يشتبه به إنه من البابية فأحسست بالشر وعلمت انهم قابضون علي لا محالة فاضطربت كثيرا إذ تراءى لي شبح المنون فأيقنت بالموت. فبكيت طول يومي.
وفي المساء أعطاني ذلك (الشواء) الطيب القلب عشرين قرانا وقال لي: انج بنفسك فخرجت من المدينة خائفا أترقب لا الوي على شيء والمدينة في هول عظيم.
وضعت على رأسي عمامة خضراء لأوهم الناس بأنني من السادة العلويين ولأدفع عن نفسي الأذى وطفقت انتقل من قرية إلى قرية، ومن بلد إلى آخر، هائما على وجهي وكنت أتعيش من (فتح الفال). وبقيت على هذه الحالة مدة ثلاث سنوات حتى وصلت إلى مدينة (اصفهان) فشاهدت أثناء دخولي البلدة جماعة من اليهود قد رجعوا إلى المدينة وقد دفنوا ميتا لهم ورأيت جماعات من الأطفال وبعض الرجال يركضون وراءهم، يضربونهم بالحجارة فبقيت في اصفهان مدة سنة واحدة وكنت اشتغل كعامل في قهوة. وهناك تعلمت النفخ بالناي وبعد هذه السنة حصل لدي مبلغ غير يسير من الدراهم فشددت الرحال إلى شيراز - وكنت أتلهف شوقا إلى رؤية والدي وأمي - فوصلتها. . . وهنا ارتعد الدرويش (بي بروا) وامتقع لونه وارتجفت لحيته، ثم قال: وقد سألت العبرات من عينيه:
جه عرض كنم اغا. ماذا أعرض لك يا سيدي، علمت أن والدي ذهب إلى طوس ليبحث عني فمات فيها أسفا على فراقي وإن أخي الصغير مات وإن أمي هلكت كمدا وإن المجتهد
في شيراز وضع يده على أموال أبي وبيته. فراجعت ذلك العالم وطلبت إليه أن يسلمني أموال والدي وبيته فابرز لي ورقة(6/258)
وقال أن والدك جعلني وصيا على ثلث ماله، وإما الباقي من تركته فقد صرفتها على الفقراء حيث لم يظهر وارث لتركته. فراجعت حاكم المدينة مع ثلة من التجار فقال لي إنه لا يتعرض لشؤون العلماء فرجعت يائسا ثم ذهبت إلى ذلك المجتهد مرة أخرى وتذللت بين يديه وشكوت له حالي. وبثثت له آلامي فلم يرق لي وطردني من بيته طرد الكلاب. هكذا يا مولاي أغواني ذلك الدرويش السفيه الخبيث، وهكذا فجعني الدهر بأمي وأبي وأخي وهكذا اغتصب العلماء مالي وملكي وجعلوني مشردا أهيم على وجهي في أرض الله، أبيت تارة طاوي أحشائي جوعا، ومرة أنام في الأزقة والشوارع. وقد شاء القضاء أن تكون حرفتي الاستجداء ومهنتي التسول. وقد تربيت في أحضان العز والدلال وكنت من ذوي الرفاه والجاه. وأنا اليوم في حاجة إلى قطمير وقد أصبح مصيري بئس المصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإذا أصابتكم مصيبة قولوا أنا لله وأنا إليه راجعون. . .
أن هذه المصائب والفجائع والكوارث التي ألمت بي أشعلت في كبدي نار الأسى فصممت على أن أخرج من شيراز إلى بلاد أخرى فذهبت إلى بوشهر ومن هناك ركبت باخرة إلى الهند فصادفت أناسا طيبين في الباخرة وبينهم رجلا كان روضيا (روضه خوان) فعلمني قراءة مآتم الحسين (ع) وبعد ذلك وصلت إلى مدينة بومبي.
اغا هند أم العجائب است، جمعي كاورا ميبر ستندة، قومي آتش واميمر ستند هندوها مردهاي خود شانرا بآتش ميسو زانند حيز هاي عجيب وغريب در هند ديدم. سيدي الهند أم العجائب فيها أناس يعبدون البقر وقوم يعبدون النار والهنادكة (الهندو) يحرقون أمواتهم في النار. شاهدت في الهند أمورا عجيبة غريبة يعجز اللسان عن ذكرها.
وقد وجدت في الهند جماعات من الدراويش الفقراء وهم على جانب عظيم من الزهد والورع؛ ولم أصادف نصبا ولا أذى، وقد جلت في أكثر مدنها مثل دهلي وكجرات ومدراس وغيرها: ثم سافرت إلى حين وما حين - يريد بذلك(6/259)
الصين ومن اعجب ما شاهدته في هذه البلاد هو أن الصينيات يحبسن أرجلهن في قوالب من حديد لكي تبقى صغيرة وعند الصينيين أن من الجمال الرائع أن تكون الأرجل صغيرة ومن الصعب أن
يفرق الإنسان الرجل من المرأة هناك لأن الرجل يرسل شعره المضفور على كتفيه كالمرأة وهم يستعملون الترياق (الأفيون) ثم رجعت من هناك إلى بلوجستان فأفغانستان فالقوقاس، وزرت مدينة قونية وفيها قبر الصوفي الكبير مولانا جلال الدين الرومي الشاعر وحضرت (ذكر المولوية) وهم يدورون على أنفسهم على نغمات الناي والقيثارة ثم ذهبت إلى اسلامبول وهي اجمل مدينة شاهدتها في أسفاري ثم اشتقت إلى أن أحج بيت الله الحرام وإن ازور قبر الرسول الأعظم فشددت الرحال إلى مكة فمررت بحلب والشام والقدس الشريف. وبعد أداء فرض الحج وزيارة الرسول قفلت راجعا إلى إيران. وفي أيام الحرب جئت إلى الشام فبيروت وقد أصبت بأذى فيها كما حدثتك قبل هذا وعدت إلى إيران ومنها جئت إلى (كربلاء).
ثم تنهد الدرويش (بي بروا) طويلا وقال بلهجة المتألم الحزين: هذه حياتي وهكذا قدر علي أن أعيش متسولا فقيرا مشردا في أرض الله الطويلة العريضة وأنا اليوم اعدد ساعاتي وانتظر الموت ولست أدري بأي صورة يداهمني الحمام أاقبر في مقابر المسلمين أم أموت عطشا وجوعا في الصحارى أم أكون طعمة للنيران أم فريسة للوحوش. ثم اندفع يتغنى:
أي آنكه زهيجم بوجود آوردي ... وز سوي عمايم بشهود آوردي
نه نفع زطاعتم نه خسران كناه ... در سوق جهانم بحه سور آوردي
أي - يا إلهي الذي جاء بي من العدم إلى الوجود ومن العالم المعمى الغامض إلى عالم المشاهدة أنت يا الهي غير منتفع من إطاعتي لك وغير خاسر من ذنبي فلأي جئت بي إلى سوق هذه الحياة؟
قلت للدرويش (بي بروا) كيف كنت تحصل قوتك في أسفارك الطويلة قال تارة انشد الشعر في الأزقة والأسواق واستجدي من الناس والناس لا يبخلون علي بشيء من الصدقات. وطورا أصير (فتاح فال) واخرج لي من جرابه كتابا(6/260)
أكل الدهر عليه وشرب في (الفال) وبعضا اقرأ مأتم الحسين (ع) وأخرى اطبب في القرى الصغيرة. قلت له: أنت تجهل الطبابة وربما أعطيت مريضا دواء أهلكه أفلا تخشى الله في عملك هذا؟ قال: أن الأدوية التي أصفها للمرضى معلومة وتفيد ولا تضر وهي: سنامكي وبنفشه (بنفسج) وكل كلب زبون أي ورد لسان الثور.
21تشرين الثاني
اجتمع عندي في هذه الليلة بعض أنباء الأشراف وعرفتهم بالدرويش (بي بروا) وكان نتطارد في الشعر. وحفظ الشعر هو ما يتفاخر به أبناء النبلاء في كربلاء والبليد الأحمق في نظرهم من لا يستظهر طائفة من القصائد العربية وتلاوته فاكهتهم في مجالسهم التي يعقدونها.
وبينما كنا نتلو شعرا كان الدرويش يكتب شيئا في دفتره الصغير ثم نظر إلينا وقد ابتسم ثغره وقال: آقايان من هم شعر درست كردم بشنويد أي سادتي أني أيضاً نظمت شعرا فاسمعوا. وقرأ لنا بنغمته الرقيقة المشجية أبياتا أضحكت الحاضرين وهي:
أنا الدرويش بي بروا ... احب النان والحلوى
حليف الهم والبلوى ... أريد المن والسلوى
ثم أخرج النأي من جرابه وكان يعزف به عزفا مشجيا إلى أن مضى هزيع من الليل فانصرف الحاضرون ونام الدرويش ولما كان الصباح فطرنا معا وبعد ذلك انحنى الدرويش على يدي يريد تقبيلها وقال بلهجة المتمن: أشكرك يا ولدي ونور عيني فقد شاهدت منك لطفا وكرما عظيمين وأني اليوم عازم على السفر إلى إيران وأني سأدعو لك في صلواتي وتعبداتي وأرجو الله أن يطيل في عمرك وإن يبارك في رزقك وإن يوفقك.
فشكرت الدرويش وطلبت إليه أن يبقى عندي فاعتذر، فأعطيته شيئا من الدراهم وزودته بمتاع فودعني وسافر ولست أدري ما فعل الدهر به. فأسعده الله أن كان حيا يرزق ورحمه الله أن كان ميتا ملحودا!
أحمد حامد الصراف(6/261)
أرجوحة الأبطال
ذكر صاحب جريدة الزمان بين يدي الزهاوي شابا غض الإهاب أمر بشنقه جمال باشا السفاح، وكان أول عبارة خرجت من فم المحكوم عليه: (إذا كان لابد للاستقلال من أن يشيد على جماجم الرجال، فمرحبا بك يا أرجوحة الأبطال) وبمثل هذه الفكرة تقدم إلى
العود (عمر حمد) الذي مضت كلمته مضي المثل. فأخذ زهاوينا هذه العبارة وأفرغها في قالب بديع المعنى، والمبنى جدير بأن يقف على حسنه كل مغرم بشعر العصر، قال:
(ل. ع)
يخاطب (المشنقة)
فيك أهتز فارحا بالمعالي ... مرحبا (يا أرجوحة الأبطال)
أن في الموت للبقاء جلالا ... أنت تعلين بي لذاك الجلال
ارفعيني إليك ثم ذريني ... أتدلى معلقا بالحبال
أمل أنت لي وليس ببدع ... أن يكون الردى من الآمال
قد طلبت الهدى لنفسي عمرا ... ثم أني وجدته في ضلالي
حلمي كنت في هجوعي بليل ... ولدي يقظتي نهارا خيالي
ولأنت اليوم الحقيقة في رو ... عتها من قرب أراها حيالي
أنت بين الجمهور مرفوعة لي ... ولأفراد جاهدوا أمثالي
كلما زدتني أذى زدت فخرا ... لا تكوني رحيمة في اغتيالي
أنت تولينني البقاء فسحقا ... للألى يزعمون فيك زوالي
أنت من واحد لتضحية بالنفس ... للآخرين خير مثال
أنت مأساة الشعب أجمع بعدي ... أنت ذكرى التاريخ والأجيال
حبذا الوعد والوفاء به لي ... بعد شحط النوى وطول المطال
أنا راض بأن ألاقي حتفي ... في سبيل الحياة للأنسال
لا أخاف الأيام في جدثي تس ... ود حتى تكون مثل الليالي
إنما الموت للحياة جدير عند كل الأقوام بالإجلال
سيري الناس إنني حين أعلو ... ك شجاع بالموت غير مبال(6/262)
وكأني عليك بعد قليل ... لم أكن للرأي سوى تمثال
لم يكن حين أبصرتك عيوني ... بغتتة من مخافة إجفالي
بل تذكرت أنني لم أصافح ... بعد أصحابي للفراق وآلي
لم أودع شمس النهار التي أحببت ... ها في الغدو والآصال
جميل صدقي الزهاوي
الحاج السيد إبراهيم السبزواري
هو الحاج السيد إبراهيم بن معصوم بن إبراهيم، وينتهي نسبه إلى علي العريضي (بالتصغير والنسبة) ابن الإمام جعفر الصادق.
ولد في 3 رجب سنة 1282هـ (الموافق 13 تشرين الثاني سنة 1865م) بسبزوار ونشأ فيها كما درس فيها العلوم العربية وغيرها.
وفي سنة 1310هـ (1892م) زار مكة والمدينة والأستانة وغيرها من البلاد الشهيرة في التاريخ.
وفي سنة 1311هـ قدم العراق من الحج وسكن الكاظمية وحضر محاضرات الشيخ محمد تقي آل الشيخ أسد الله، ثم هاجر إلى النجف وتتلمذ لبعض العلماء الأعلام كالشيخ الملا محمد كاظم الخراساني، والسيد كاظم البزدي والحاج الميرزا حسن الميزرا خليل؛ ثم عاد إلى الكاظمية ولبث فيها إلى المحرم من سنة 1326هـ (1908م) فشد رحاله إلى إيران، وبقي بسبزواز مدة سنة وفيها رزق ولده السيد محمد مهدي العلوي الذي ترجمناه سابقا (6: 32).
وفي سنة 1327هـ عاد إلى العراق وبقي فيها إلى سنة 1340هـ (1921م) فرجع فيها إلى سبزوار، وهو اليوم مقيم فيها.
وله كتاب في بعض الأدعية المأثورة وحواش على كتاب المختصر المنافع في الفقه، (وكلاهما مخطوط).
السجاجة
في البستان: (أتانا بضيحة سجاجة ترى سود (كذا) الماء في حيفها) فسجاجة هنا بدل، إلا أن يكونوا بالسجاجة (كذا) لأنها في معنى مخلوط (كذا) فتكون على هذا لعثا. أهـ. قلنا: والصواب: سواد الماء. . . إلا أن يكونوا وصفوا. . . معنى مخلوطة. . .(6/263)
الكاكائية
1 - من هم؟
الكاكائية طائفة خفية المعتقد والمذهب؛ مبثوثة في كركوك وأنحائها ولهذا لم يذكر وجودهم أحد من الكتبة والمؤرخين لأنهم يخفون رأيهم الديني على كل إنسان ويتظاهرون بالإسلام في موضع يكون أكثر سكانه مسلمين، ويتظاهرون بالنصرانية في المواطن التي يكثر فيها المسيحيون.
2 - أسرار معتقدهم
لا يبيحون بأسرارهم لأحد، والذي عرفته من رجل زارني في شهر حزيران من سنة 1896 وصبأ إلى النصرانية انهم لا يعتقدون (بنبوة ابن عبد الله). هكذا نطق باسم النبي الحنيف (سعود بن جمو)، وهو الذي توفي في قرية واقعة على الزاب الأكبر قبل نحو سبع سنوات، وكان قد وقف على حقائق كثيرة من الأديان الشهيرة في شمالي العراق لمخالطته بعض الناس المتأدبين منذ صغر سنه. قال: ولا يعتقد أجدادي بالصحابة ولا بأئمة المسلمين من أقدمين ومحدثين: - ثم عدد لي أسماء بعض الصحابة والأئمة وأصحاب المذاهب الأربعة ولا حاجة إلى سردها. كما أنهم لا يؤمنون بالقرآن ولا يأخذون بشيء من الحديث والخبر وإن كانوا يطوون أيامهم بين ظهراني أصحاب الدين الحنيف.
وهم يعتقدون أن الإله واحد إلا إنه يظهر في ثلاثة مظاهر: كبير ووسط وصغير فهم ثلاثة في واحد وواحد في ثلاثة، وإن الروح القدس خلق مريم العذارء (كذا) بواسطة جبريل (كذا) وتحت هؤلاء الثلاثة أربعة وزراء ولكل وزير سطوة أو سلطة خاصة به ولأولئك الوزراء الأربعة مسيطرون وعددهم سبعة، ولهؤلاء المسيطرين السبعة منفذون لأحكامهم وعددهم اثنا عشر وقد اتفقوا جميعا على أن يرسلوا إلى العالم الأدنى رجلا زودوه بجميع القوى العقلية والجسدية وهو موسى. وهم يعظمونه أشد التعظيم ويحلفون به ويضعونه فوق جميع الأنبياء ويعتقدون بأنه المسيح (كذا بهذا الخبط والخلط).(6/264)
3 - الحلال والحرام عندهم وبعض من قرباتهم
يحرمون أشياء عديدة كما يحرمها النصارى ولاسيما ما أملاه الضمير على صاحبه ويبيحون شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ولا يحرمون على المرء ما استطابه ذوقه أو قبلته معدته.
وهم يصومون أربعين يوما ينقطعون فيها عن أكل اللحم ولهم ما عدا ذلك ثلاثة أيام صوم في أوان الشتاء. وبعد ثلاثة أيام من صومهم يذبحون دجاجة بيضاء وبعد أن يسلقوها أحسن سلق يقلونها في السمن (الدهن) ويأكلونها مع خبز رقاق (وهو خبز مستدير دقيق يفتحون عجينته بشوبك) ويكون دقيقه من اخلص الحنطة وابيض اللون. ولا يجسرون على أن يأكلوا منه إلا من بعد أن يصلي عليه رئيسهم الروحاني الديني ويوزعه هو بيده عليهم ولا تحضر النساء حين هذا التوزيع ولا يفرق الرئيس بين كبير وصغير بين خادم ومخدوم ويسمون هذه الحفلة بكلمة عربية هي (اللقمة).
ومن أعمالهم الدينية: الاعتراف فهم يقرون بذنوبهم وبكل ما ارتكبوه بتذلل وخشوع ويقرعون صدورهم ويكونون بين يدي رئيسهم الديني كالمجرم بين يدي الحاكم عليه بالعقاب ويفرض عليهم ما يفون به ذمتهم.
وعندهم صلوات خاصة تعرف عندهم باسم عربي أيضاً هو (تصرعات) يبتهلون بها إلى الله فيرفعون رؤوسهم إلى السماء ويبسطون أكفهم إليها ناظرين إليها نظرهم إلى رجل أهانوه ويستمدون منه العفو والصفح.
وهم لا يتجهون إلى (القبلة) وليس لهم صلوات خمس كما لا يعرفون (الآذان) ولا يتوضئون قبل صلاتهم.
وهم يحبون النصارى كل الحب ولا يكرهون اليهود. ولا يودون التقرب من المسلمين لكنهم يخافون بطشهم فيعاملونهم بالحسنى حفظا لحياتهم وتدبيرا لشؤونهم. وهم لا يزوجون بناتهم المسلمين وإن كان بعض المسلمين يزوجون بناتهم رجالهم. ويوم الزفاف عندهم من أهم أيام حياتهم ويقيمون أفراحا لا يقيمون مثلها في أي فرصة كانت، ورقصهم وأغانيهم وملاهيهم على ابسط ما يكون.(6/265)
4 - لسانهم
لسانهم هو لسان أهل البلاد التي يكونون فيها فالذين يسكنون كركوك يتكلمون بالتركية وفي ديار الكرد: الكردية وفي ربوع العرب: العربية؛ إلا أن لهم لسانا خاصا بهم لا يعرفه غيرهم ولا يتكلمون به بين يدي من يجهله وهو كلسان العصافير ويستعملونه لحفظ أسرارهم من الفشو.
5 - أسماؤهم
عند جميع الأكراد المنتشرين في الموصل وكركوك وسليمانية وتلك الأرجاء أسماء مصوغة صيغة خاصة بهم غير معروفة في غير تلك الأنحاء. وقولي (جميع الأكراد) يشمل جميعهم، مهما كان دينهم ومذهبهم، حتى أن تلك الصيغة معروفة عند المسلمين والنصارى أنفسهم وتلك الصيغة هي وزن (فعو) أي بفتح الأول وتشديد الثاني المضموم وفي الآخر واو ساكنة. فيفرغون جميع الأعلام في ذلك القالب فيقولون في محمد وعلي وحسن (أو حسين) وسعيد وجميل ويوسف وعبد الله: حمو وعلو وحسو وسعو وجمو واسو (لا يسو) وعبو إلى غيرها. فإذا سمعت بلفظة مفرغة في تلك الصيغة فاعلم أن اصله من الموصل أو من تلك الأرجاء وليس من ربوع أخرى. فأحفظه.
6 - كتبهم الدينية
عندهم الزبور على ما هي موجودة في أيدي النصارى؛ وعندهم كتب دينية خاصة بهم. لا تشبه كتب أصحاب سائر الأديان ولا يمكن أن يتوصل إليها أحد مهما بذل من الأموال لشرائها.
7 - عددهم ومواطن وجودهم
يدعون أن عددهم يبلغ ثلاثة ملايين. ولا جرم أن هذا العدد مبالغ فيه كل المبالغة ولعل عددهم الحقيقي لا يجاوز العشرين ألفا.
ففي كركوك نحو 60 بيتا وهم في محلة الجاي.(6/266)
وفي أنحاء دقوقاء (طاووق) نحو 540 بيتا. أي إنك تجد منهم في (عرب كوي) و (زنقير) و (علي سراي) و (طوبو زاوه).
ومنهم من هم في جوار قرى دزديي على نهر الزاب نحو 480 بيتا.
وفي خانقين وأطرافها نحو 560 بيتا.
وما بقي منهم مبثوثون في السليمانية وما جاورها من القرى والدساكر، ومنهم شيء قليل في بغداد. ويقولون أنهم كثيرون في خارج بلاد العراق أي في الأستانة وإيران وروسية والهند والصين إلى غيرها من البلاد النائية.
8 - نسب كبيرهم في الدين
يزعم كبيرهم الديني أن نسبه يتصل بمنصور الحلاج ويسمونه (منصور بردار) ومعنى بردار: على الخشبة، لأنه صلب عليها. وكان يقول: (أنا الحق) فلما سمعه بعضهم كفروه وحكموا عليه بالصلب. ويقول هذا الرئيس أن الحلاج المذكور كان الرئيس الأكبر لطائفتنا في عهده وهو الذي كان موزع (اللقمة). وكان صلبه في 24 ذي القعدة سنة 309هـ (أي 26 آذار 922م) فيكون قد مضى على رئيسهم الأكبر أكثر من ألف سنة وتزعم الكاكائية أن نصف سكان بغداد كانوا على مذهبهم (كذا) إلا أن تشديد غيرهم عليهم ممن لم يكونوا على معتقداتهم دفع كثيرين إلى إنكار ديانتهم ومالوا إلى المذاهب أو الأديان الأخرى فاختاروا النصرانية على كل دين سواه.
واليوم أكبر شعراء كركوك بالتركية والفارسية معا هو دده محمود هجري أفندي وهو يدير جريدة كركوك الحالية ورئيس تحريرها، ويلقب بدده لأن (دده) كلمة فارسية معناها الجد وبعضهم يقول بابا ويلقب به كل كبير في الدين ويرى تحت أمره سائر الزعماء فهو مثل شيخ الإسلام عند المسلمين وكالباب عند النصارى. ويعرف عند الغير (بموزع اللقمة).
9 - رأينا في أصلهم ومعتقدهم
في أنحاء الموصل وكركوك وسنجار وما يجاورها فرق دينية مختلفة لا تكاد تجدها في بلاد أخرى، حتى أن مذاهب المسلمين المبثوثين في تلك الأصقاع(6/267)
تختلف مذاهبهم ومعتقداتهم عن أصحاب تلك النحل في سائر الديار وهذا الاختلاف يعود إلى طبيعة البلاد فأنها جبلية وقد تناوب عليها أصحاب الأديان القديمة والعناصر المتباينة. وقد أبقى كل عنصر وكل معتقد وكل مذهب شيئا من بقاياه، فإن قلت أن الأمة الفلانية أو الفرقة الفلانية أو النحلة الفلانية هي كردية أو فارسية أو سريانية أو عربية أخطأت كل الخطأ. وكذا القول في
المذاهب فإنها كلها غريبة. وفي كل من أولئك الأقوام وكل مذهب من تلك المذاهب وفي لسان كل من تلك الأجيال بقايا قد اختلط بعضها ببعض حتى إنه ليستحيل على كل عاقل الوصول إلى قرار الحقيقة والذي يحاول البلوغ إليه يطلب المحال.
ففي عنصر الكاكائية ترى سحنات مختلفة تترد بين سحنة الكردي والتركي والفارسي والعربي والآرامي والأرمني. وكذلك قل عن لغتهم ففيها ألفاظ من جميع هذه اللغات المتضاربة الأصول البعيدة المنازع في لغات أخرى، وإما المذهب أو الدين أو النحلة أو ما تريد أن تسميه من الأسماء فإنه مجتمع معتقدات قديمة وحديثة لا صلة تصل بعضها ببعض ولا جامعة تجمع بعضها إلى بعض فترى فيها شيئا من المزدكية وبعض النصرانية وفيها من اليهودية وجزءا من الإسلامية. وإن كانوا يقولون لا نقر بشيء منها. وعندهم طائفة من آراء الفرق السرية كما عندهم رموز يتعارفون بها وألفاظ لا يبوحون بها إلى غير إخوانهم وحينما عرفوا أن بين الأتراك الجدد أخوانا ماصونا (أو فرماصونا) حاولوا الانخراط في سلكهم، لكن لم يتيسر لهم ذلك لأن الحرب حالت دون تحقيق أمنيتهم.
ثم أن لفظة كاكائي ليست أسم قبيلة أو أمة أو قوم أو بلد، إنما هي لفظة كردية فارسية الأصل معناها: الأخ. فقالوا في واحدها العائد إلى هذه الجمعية السرية كاكايا على الطريقة الارمية ومنهم من يلفظها كاكايي مفردا وجمعا. فانظر كيف جمعوا في لفظة واحدة الفارسية والآرامية وهم يريدون بذلك (الأخ في المذهب) أو كما يقول الفرنسيون فيكون معنى كاكائية أو
10 - أنباؤنا
هذه الأنباء أو المعلومات - كما يقول بعضهم - أخذناها في أول الأمر(6/268)
من سعو بن جمو - لكننا ارتبنا في صحتها. لأننا قلنا: لعله يفيدنا بهذه الإفادات بلوغا إلى غاية نجهلها الآن، ولا تتضح لنا إلا في ما بعد ثم قلنا: لعله يوهمنا ليحملنا على اعتقاد أشياء لا حقيقة لها في ذاتها. ولهذا أخذنا نبحث عن رجل آخر يفيدنا عن حقيقة ما سمعناه. فمضى على تلك المدونات نحو أربع سنوات واتفق إننا عرفنا كاكائيا آخر فكلمناه فزاد شيئا عليها، لكنه لم ينكر علينا واحدة منها وإن لم نكن نذكر له شيئا مما كنا سمعناه. بل كنا نلقي عليه أسئلة فكان يجاوبنا عليها وكنا ندونها أمامه بلا خوف، لأنه كان أديبا فاضلا.
ثم عرفنا ثالثا كان جاء إلى بغداد ليبيع شققا من البسط، وكان قد سمع بأننا في حاجة إلى عدد منها؛ فجاء بها إلينا فسألناه عن وطنه واصله ولغته ومذهبه فقال إنه (كاكائي) فقلنا له: وما تريد بذلك؟ إلى آخر الأسئلة، فكانت أجوبته تقوي ما كنا قد نقلناه عن أخويه. والرجل حي يرزق وهو الآن في جهة سليمانية.
11 - الخلاصة
الكاكائية فرقة دينية منتشرة في أنحاء كركوك منذ قديم العهد، ولها أسرار غامضة لا يبوح أصحابها بها إلى غير إخوانهم، ولهم ألفاظ خاصة بهم يتعارفون بها وكان أبناؤها سابقا من عناصر مختلفة؛ أما اليوم فأجل عنصر فيها هو الكردي.
وسميت بهذا الاسم لأن (كاكا) بالفارسية هو ألام الأكبر - وللأخ الأكبر عند الشرقيين اعتبار خاص في الأسرة يتميز به عن سائر اخوته الأصغرين وذلك لأن الأب كان يبوح لابنه البكر فقط بأسراره الخاصة به وبالأسرة فكان الولد الأكبر مستودع الأسرار، والغنى، والشرف، والمجد، والقوة، والسؤدد، وهو ما يرى إلى اليوم في تلك الأرجاء.
وكان الأب يعد ابنه في حياته لهذه الغاية ومسألة انتقال أمور المملكة إلى البكر غير مجهولة في ديار الغرب نفسها، بل كان البكر في حياة أبيه ينوب هو عنه في غيابه دون سواه. وأبناء الشرق يحافظون على عاداتهم الموروثة عن آبائهم الأقدمين إلى عهدنا هذا وإن كان هذا الأمر لا يرى في جميع هذه الديار بصورة واحدة.(6/269)
رثاء الدكتور صروف
كنا نشرنا في المجلد الخامس من (لغة العرب) رثاء الدكتور أبي شادي للعلامة الدكتور صروف عميد (المقتطف)، ثم قصيدته الكبرى التي نظمها لحفلة التأبين. وعقبنا على ذلك بكلمة نقد صريحة حققت الأيام صدقها. وإن أدهشت بعض القراء الذين لم يقفوا مثلنا على تيار الحركة الأدبية في مصر. ونحن نأسف لذلك، وكنا نتمنى أن نكون مخطئين، حتى لا يصدق دائما على الأقطار العربية أن نوابغها غرباء فيها، وإن أكثر ما تعتمد عليه الشهرة فيها هو المال أو النفوذ الاجتماعي. ونحن ننشر اليوم للمقارنة الأدبية النقدية قصيدة أحمد شوقي بك الشاعر المعروف، حتى يقارنها القراء بما سبق لنا نشره. تاركين لهم الحكم المستقل، وإن كنا واثقين من انتصارهم لآرائنا النقدية. وبعد هذا إلا ترى زميلتنا (العصور) أننا وغيرنا من مقدري الدكتور أبي شادي معذورون على مقابلة هذا الجحود لأدبه فضلا عن التحامل عليه بإعلان تقديرنا لأثاره ومواهبه؟! وهذا هو شعور أصدقائنا المستشرقين أيضاً.
قصيدة شوقي بك
سماؤك يا دنيا خداع سراب ... وأرضك عمران وشيك خراب
وما أنت إلا جيفة طال حولها ... قيام ضباع أو قعود ذئاب
وكم ألجأ الجوع الأسود فأقبلت ... عليك بظفر لم يعف وناب
قعدت من الإظعان في مقطع السرى ... ومروا ركابا في غبار ركاب
وجدت عليهم في الوداع بساخر ... من اللحظ عن ميت الأحبة نابي
أقاموا فلم يؤنسك حاضر صحبة ... ومالوا فلم تستوحشي لغياب
تسوقين للموت البنين كقائد ... يرى الجيش خلقا هينا كذباب
رأى الحرب سلطانا له وسلامه ... وان آذنت أجناده بتباب
ولولا غرور في لبانك لم يجد ... بنوك مذاق الضر شهد رضاب
ولا كنت للأعمى مشاهد فتنة ... وللمقعد العاني مجال وثاب(6/270)
ولا ضل رأي الناشئ الغر في الصبا ... ولا كر بعد الفرصة المتصابي
ولا حسب الحفار للموت بعدما ... بنى بيديه القبر ألف حساب
يقولون يرثي كل خل وصاحب ... أجل إنما أقضي حقوق صحابي
جزيتهمو دمعي فلما جرى المدى ... جعلت عيون الشعر حسن ثوابي
كفى بذرى الأعواد منبر واعظ ... وبالمستقليها لسان صواب
دعوتك يا يعقوب من منزل البلى ... ولولا المنايا ما تركت جوابي
أذكرك الدنيا وكيف لم تنل ... لها أثرا شهد بفيك وصاب
حملنا إليك الغار بالأمس ناضرا ... وسقنا كتاب الحمد تلو كتاب
وما انفكت الدنيا وإن قل لبثها ... لسان ثواب أو لسان عقاب
إلا في سبيل العلم خمسون حجة ... مضت بين تعليم وبين طلاب
قطعت طوالى ليلها ونهارها ... بآمال نفس في الكمال رغاب
رأى الله أن يلقى إليك صحيفة ... فنزهتها عن هوشة وكذاب
ولم تتخذها آلة الحقد والهوى ... ولا منتدى لغو وسوق سباب
مشينا بنوري علمها وبيانها ... فلم نسر إلا في شعاع شهاب
وعشنا بها جبلين قمت عليهما ... معلم نشء أو أمام شباب
رسائل من عفو الكلام كأنها ... حواشي عيون في التروس عذاب
هي المحض لا يشقى به ابن تيمية ... غذاء ولا يشقى به ابن خضاب
سهول من الفصحى وقفت بها الهوى ... على ما لديها من ربى وهضاب
وما ضعت بين الشرق والغرب مشية ... كما قيل في الأمثال حجل غراب
فلم أر أنقى منك سمعة ناقل ... إذا وسم النقل الرجال بعاب
وكم أخذ القول السري معرب ... فما رده لأسم ولا لنصاب
وفدت على الفصحى بخيرات غيرها ... فوالله ما ضاقت مناكب باب
وقد ما دنت يونان منها وفارس ... وروما فحلوا في فسيح رحاب
تبتلت للعلم الشريف كأنه ... حقيقة توحيد وأنت صحابي
وجشمت ميدان السياسة فارسا ... وكل جواد في السياسة كأبي
وكنا ونمر في شغاب فلم يزل ... بنا الدهر حتى فض كل شغاب(6/271)
رأى الثورة الكبرى فسل يراعه ... بتحطيم أغلال وفك رقاب
وما الشرق إلا أسرة أو عشيرة ... تلم بنيها عند كل مصاب
سلام على شيخ الشيوخ ورحمة ... تحدر من أعطاف كل سحاب
ورفاف ريحان روح ويغتدي ... على طيبات في الخلال رطاب
وذكرى وإن لم ننس عهدك ساعة ... وشوق وإن لم نفتكر بإياب
وويح السوافي هل عرضن على البلى ... جبينك أم سترته بحجاب
وهل صن ماء كان فيه كأنه ... حياء بتول في الصلاة كعاب
ويا لحياة لم تدع غير سائل ... أكانت حياة أم خلية داب
وأين يد كانت وكان بنانها ... يراعة وشيء أو يراعة غاب
ولهفي على الأخلاق في ركن هيكل ... ببطن الثرى رث المعالم خابي
نعيش ونمضي في عذاب كلذة ... من العيش أو في لذة كعذاب
ذهبنا من الأحلام في كل مذهب ... فلما انتبهنا فسرت بذهاب
العقل وأصل اشتقاقه
ذكر صاحب تاج العروس سبب تسمية العقل بهذا الاسم وسر اشتقاقه، أو أصل اشتقاقه من مادة ع ق ل، فقال ما هذا حرفه: (واشتقاقه من العقل، وهو: المنع لمنعه صاحبه مما لا يليق، أو من المعقل، وهو الملجأ، لالتجاء صاحبه إليه كذا في التحرير لابن الهمام. وقال بعض أهل الاشتقاق: العقل أصل معناه: المنع، ومنه العقال للبعير، سمي به لأنه يمنع عما لا يليق قال:
قد عقلنا والعقل أي وثاق، وصبرنا والصبر مر المذاق). اهـ. وقد راجعنا كتبا كثيرة في هذا المعنى فرأينا أصحابها لا يخرجون عن القول بأحد هذه الآراء. ونحن لا نرى هذا الرأي والذي عندنا أن أصل معنى (العقل) هو العين: لأنه عين النفس وباصرتها، ثم مات المعنى المادي وبقي المعنى المجازي. يشهد على ذلك أن اللاتين يسمون العيون والعقل باسم واحد هو (عقل)(6/272)
افتقار اللغات قاطبة إلى الاستعانة بالإشارات
واللهجات
يستحيل أن نظفر على وجه المعمورة بإنسان ينبعث للكلام هنية، فلا يحتاج إلى الاستعانة في تأدية أغراضه بحركات، ولهجات بأصوات متباينة الأجزاء. صعودا وهبوطا، وشدة ولينا، للدلالة على النفي والإثبات، والرفض والقبول. والأمر والنهي، والسخط والرضى، والجلد والجزع، إلى غير ذلك.
ولعل هذه الحالة ورثها البشر عن عهد كان يؤدي فيه مقاصده بالإشارات، تصحبها أصوات غير هجائية أو هجائية أحادية ثم ثنائية حتى بلغ الكمال في التعبير: لكنه كمال نسى لا حقيقي، إذ لو كان حقيقيا، لاستطاع الإنسان أن يعبر عن جميع مقاصده مستغنيا عن الإشارات واللهجات وهذا ما يخالفه الواقع.
فلو فرضنا أن أنسانا كلف الأعراب عما يدور في خلده. على شرط سكون جوارحه، وهدوء عينيه، وركون اساريره، واستمر حديثه بضع دقائق. لوجدت علائم الضجر بادية على وجهه، ولا يقتصر الضجر على المحدث بل يشاركه فيه المصغون إلى حديثه فيستفزهم الملل كما إنه لا يطمئن إلى حديثه في إماطة اللثام عن رغائبه كما يجب.
وهذا الافتقار يختلف باختلاف المواضيع، فمنها ما يحتاج المحدث إلى الافتنان فيه، كأن يكون الموضوع خطابيا، أو تمثيليا، يراد به حسن الوقع في النفوس؛ فكم من رواية كرر تمثيلها فاستحملت تارة، واستهجنت تارة أخرى مع أن الألفاظ واحدة: لكن الذي ألقى تلك الألفاظ في إحدى المرات كان امهر في إتقان الحركات والتفنن في الإشارات ممن ألقاها في المرة الأخرى.
إلا أن الافتنان في مثل هذا أمر فضلة لأن التأثير وحسن الوقع ليسا من غايات الكلام المباشرة. فإن فقرات الرواية تفهم بمجرد إلقائها، سواء أتفنن فيها، أم لم يتفنن؛ بل للغاية المباشرة للكلام هي الإفهام لا غير.(6/273)
فلنجعل موضوع بحثنا قضية الإفهام فحسب، بيد أن ذلك لا يعيننا على إنقاذ اللغات من
النعت بالافتقار.
ألا ترى إنك إذا قلت: (ما أخذت كل الدراهم) مثلا احتمل كلامك وجهين: أنك أخذت بعض الدراهم، وانك لم تأخذ منها شيئا، وتضطر في التعبير عن المقصد الأول إلى إظهار شدة الارتباط بين الفعل والمفعول به، بتعجيل النطق بالكاف بعد التاء، وتضطر في التعبير عن القصد الثاني إلى أحداث فترة لطيفة بينهما.
نعم أن الناطق ليفعل كل ذلك بسائق الفطرة، دون الانتباه لسرها الخفي. ففي الفرض الأول اعتبر أن الجملة كانت في الأصل مثبتة، ثم ادخل عليها حرف النفي، أي أن أصل الكلام كان: (أخذت كل الدراهم) ثم سلط السلب عليه لثلم كلية الأخذ، فانقلبت جزئية فكانت تقوية الاتصال بين الفعل ومفعوله إيذانا بأنهما مقترنان من قبل، أي قبل إدخال حرف النفي، ولولا ذلك، لما انتقل ذهن السامع إلى الغرض.
وفي الفرض الثاني أحدث فترة بين الفعل ومفعوله، للدلالة على أن الفعل، إنما سلط على المفعول به بعد مصاحبته للسلب.
ومن هذا الباب قول الترك: (بر آلما يدم) مثلا، وذلك أنهم قد يقرنون الكلمة بلفظة (بر) للدلالة على الوحدة، وقد يقرنونها بها للدلالة على التنكير. فترجمة العبارة السابقة: (أني أكلت تفاحة واحدة) أو (أكلت تفاحة) فإذا أراد المتكلم المعنى الأول نطق بالراء بإزعاج كأنه يحاول مصادمة مدع إنه أكل أكثر من ذلك، وإذا أراد المعنى الثاني نطق بها بهدوء وسكون لأنه لم يقصد بلفظة (بر) معناها الأصلي المستحق للاهتمام، بل أتى بها لتكون أمرا عرضيا كالتنوين في اللغة العربية.
ولعل من دواعي اختراع البشر للموسيقى، عجز اللغات عن ترجمة ما تفيض به العواطف، مما لا يستطيع اللسان ترجمة أكثره، إذ تكتظ الجوانح بما لا قبل لها وبه وتضطر إلى نفث ما عندها طلبا للتخفيف عن النفس وإذ لا تصادف بغيتها عند اللسان، تفزع إلى الآلات التي يكل اللسان عن مجاراتها، من عود اخرس، ووتر ابكم، إذا اجتمعا كانا افصح ناطق.
محمود الملاح(6/274)
بلد الزبير
أو البصرة القديمة
على طف الجزيرة، وفي ظهر البصرة الحالية، يلوح للوافد عمارة ضخمة، وأبراج سور، قامت عليه مأذنة ذلك هو البلد الذي فيه (مشهد الزبير بن العوام). وهو بليدة فيها مساكن وأسواق، وعماراتها من الجص والآجر وهي على بساطتها. طيبة المناخ، نقية السماء، جافة الهواء، كغيرها من البلاد العربية.
وموقعها الهندسي كموقع برج مطل على مدينة البصرة، وهي على قربها من تلك المدينة المغمورة بسعفات النخل الكثيف، تراها بليدة جرداء معراة في قفر خال من الغرس، وربما وجدت في ضواحيها بعض أثلاث تكثر في المهابط العربية نعم، أن هذا العراء أكسب تلك البليدة فروقا محسوسة بين مناخها ومناخ البصرة فبينما يكون السائح مغموسا في طبقات كثيفة من هواء البصرة المضغوط عليه بسعفات النخل التي عقدت عليها رواقا كثيفا، وقد تلبد بوخامة ووبالة من البخار المتصاعد من البطائح والمناقع المكتنفة به من الوجه البحري القريب منه - ترى الزاهق الذي يفر من البصرة إلى برية الزبير كروح تخلصت من كثافة الجسد وفاضت سابحة في الفضاء النقي حيث التربة رملية ذهبية، وحيث النسيم طلق خفاق يتموج بعذوبة، وحيث النور الوهاج الذي يبهج القلب، نعم لا تكاد تولي وجهك شطر بليدة الزبير فارا من مدينة البصرة إلا تشعر بأنك قد تخلصت من المرض إلى العافية.
أجل يشاهد الوافد إلى قصبة الزبير جواد فسيحة تتخللها رحب واسعة والمساكن في الغالب ذات طبقة واحدة وترى الجواد متحدرة تشبه واديا ركبت على حافتيه المساكن البيض التي طليت بالجص وبعدد هذه العمارة كانت خصاص وأكواخ يأوي إليها الملاكون والزوار الذين فضلوا الهجرة على مواطنهم تجنبا للناس وابتعادا عن الواث المدينة زهدا وعزلة.
وقد كان أكثر أولئك المجاورين من العبيد النوبية الذين يكثرون في الجزيرة ومرابضها. وعلى أثر الحوادث الوهابية التي حصلت في نجد في غضون القرن(6/275)
الثالث عشر تغير موقف مشهد الزبير تغيرا فجائيا، وذلك لأمرين مهمين أولهما أن كثيرا من البيوت النجدية التي تخلد إلى السكينة وتحب العافية، جعلت مشهد الزبير مهجرا لها ابتعدت فيه عن قلاقل نجد وحوادثها فشيدوا فيه المساكن والبيوت ومن ذلك الحين نهضت فيه العمارة الفخمة،
والأمر الثاني أن الحكومة العثمانية حسبت حساب زحف الوهابيين إلى البصرة فأخذت تحتاط الحيطة لنفسها ورأت أن مشهد الزبير كحصن للدفاع عنها في ظهرها فطوقت البلدة بسور متين وجعلت في البلدة عاملا لها وأقطعته (تنومة) إحدى إقطاعات البصرة، ولكن لم يكن لذلك العامل أقل نفوذ بل كانت أدارتها على قواعد المشيخة وهي نظام بسيط وإدارة عربية تجري بالعادات أكثر من أن تجري بالقوانين كما أن بلدة الزبير منحازة عن البلدان العراقية في موقعها الجغرافي كذلك هي منحازة في أخلاقها وأدارتها وعاداتها لم تلوثها المدنية الجديدة بأدناسها وبقيت محافظة على مزاياها الفاضلة وبزتها العربية فكأنك عندما تقطع تلك المسافة الهينة بين البصرة الحالية وبين بلدة الزبير أو البصرة القديمة تجد نفسك قد طفرت طفرة رجعت بها إلى الوراء في التاريخ والى ما وراء قرون عديدة فهذه القصبة قصبة (سلفية) وأهلها (سلفيون) وكان (السلف) العربي ماثلا بجميع أطواره فيها وتاريخ تشييد السور يتصل بعام 1217هـ (أي 1802م) وقد اندك اليوم أكثره.
مشهد الزبير
هو بعيد الأمد في الظهور وقد ذكره الرحالة ابن بطوطة وكثير غيره واليوم ترى كتابة رقشت على صخرة في ذلك المشهد وإن هذه البناية قد جددت بأمر السلطان سليم العثماني. ومشهد الزبير عبارة عن حائط في رحبة من الأرض لا يلاصقها شيء من عمارة الاهلين. وارتفاع ذلك الحائط متفاوت. فمن جهة الجنوب والشمال من الحرم والسرحة ثلاث عشرة ذراعا، ومن جهة الغرب الرحبة والشرق تسع اذرع، ولحائط الجامع أربعة أبواب: من جهة الجنوب والشمال بابان ومن الشرق بابان.
يشاهد الداخل إلى الجامع بهوا واسعا وفي زاوية ذلك البهو مما يلي جهة القبلة شمالا قبة بيضاء معقودة على ضريح الزبير بارتفاع 15مترا، وعلى الضريح(6/276)
مصطبة بارتفاع مترين يحيط بها شباك خشبي مستطيل بارتفاع ثلاثة أمتار. هذا هو مشهد الزبير وهو عبارة عن حجرة بسيطة لا غير وعمارة الجامع حرم وسرحة أما الحرم فينشئ ست أسواق أي يكون ستة صفوف مستطيلة طول كل صف 23 مترا ويتخلل تلك الصفوف سوار من الطاباق ومجموعها 6 سوار لكل صف من تلك الصفوف واحدة ومعقودة على تلك السواري اسطوانات من الطاباق والجص.
أما السرحة فهي عبارة عن صفين طول كل صف 30 مترا معتمدة على سوار معقود عليها سقف خشبي وفي هذا الجامع مأذنة مشيدة بالطاباق والجص بارتفاع 22 مترا تقريبا وهناك بئر للاستقاء منها عمقها 22 مترا ويظهر أن أرض الجامع كانت منخفضة بمقدار خمس زلف.
الحويزة
بلدة في وسط البطائح، بين البصرة وواسط وخوزستان وأول من حاز هذا البلد هو ديبس بن عفيف الاسدي وذلك في خلافة الطائع العباسي. وقد تلاعبت الحوادث على الحويزة وتعاورت وما أكثر ما تتابعت عليها أغراض الزعماء والمتغلبين. وقد تعرض لذكرها بعض الأدباء المتقدمين. فقال: الحويزة، وما أدراك ما الحويزة! أرضها رغام، وسماؤها قتام، وسحابها جهام، وخواصها عوام، أنا منها بين هواء رديء، وماء وبئ. . .
ولم يكن للحويزة شأن كبير من أول نهوضها إلى القرن الثامن للهجرة ولكن في غضون القرن التاسع برزت وظهر شأنها وذلك بواسطة المشعشع المتمهدي الذي اختار الحويزة عاصمة لإمارته على البطائح لما رأى فيها من المناعة والمناسبة للموقع.
وقد كانت تابعة لحكومة شيراز فواقع المتمهدي الأمير الشيرازي عدة. مواقعات على أبواب الحويزة، فشل في بعضها ونجح في الأخيرة منها فاحتل الحويزة، وجعلها قاعدة إمارته، فعمرت وتوسعت وهكذا بقيت زاهية في كل زمان إمارة الموالي. وسقط شأنها بسقوطهم. وذلك في القرن الرابع عشر للهجرة فقد انحازت(6/277)
البطائح إلى حكومة العراق وأصبحت إمارة خوزستان في بيت الشيخ جابر أمير المحمرة فنهضت المحمرة، وسقطت الحويزة، وهي اليوم قرية واهية تريد أن تنقض، وفيها بقية للموالي وبقية لنفوذهم الأدبي.
هذا تمام الكلام في مدن البطائح وقراها أما واسط فسيأتي الكلام عليها مفصلا في فصل الغراف وآثاره.
البطائح في التاريخ وذكر أمرائها
ذكرها جماعة من المؤرخين وأصحاب كتب البلدان مثل البلاذري، وابن رسته، واليعقوبي وابن الفقيه وابن فضل الله وابن حوقل وابن خرداذبه والحموي والسمعاني وحفيد الصابئ والصفدي وابن الأثير وابن أبي الحديد والطبري وصاحب حماة والمسعودي وابن سرابيون. قال هذا أن أول البطيحة (القطر) وهو زقاق قصب نابت وبعده هور والهور هو ماء كثير ليس فيه قصب واسم هذا الهور (بحصى) وبعده زقاق قصب ثم الهور الثاني واسمه (بكمصى) وبعده زقاق قصب ثم الهور الثالث واسمه (بصرياثا) وبعده زقاق قصب
ثم الهور الرابع واسمه (المحمدية) وفيه منارة حسان المعروفة بمنارة البطائح وهو أعظم الأهوار وبعده زقاق قصب وهو ماء إلى نهر أبي أسد ويمر بالخالة وقرية (الكوانين) ويصب في دجلة العوراء. اهـ. وذكرها كثير من أدباء الفرس وكتابهم وذكرها البحتري في شعره بقوله:
حنانيك من هول البطائح سائرا ... على خطر والريح هول دبورها
لئن أوحشتني جبل وخصاصها ... فما آنستني واسط وقصورها
جبل ضبطها الحموي بالضم والتضعيف وجاء في مراصد الاطلاع ص 108 بالفتح بليدة في الشرقي من دجلة بغداد وهو من بقايا آثار الفرس وعمارتهم وموقعه بين النعمانية وواسط. قلت: واليوم يقع بين كوت الإمارة وقصبة البغيلة وبسبب انحراف مجرى دجلة ركب الماء آثار جبل وجرى عليها فهي الآن في عقيقه لا(6/278)
تظهر إلا زمن النشف (أي النشوفة) والعرب اليوم تسمي تلك الآثار جنبل بزيادة النون.
وقد أخرجت البطائح جماعات من رجالات الأدب والعلم حتى افرد لذلك تاريخ خاص فقد ذكر أن لأبي العباس أحمد بن بختيار الواسطي المتوفى سنة 552هـ كتاب تاريخ البطائح، لم نعثر على أثره مع شدة الطلب له، وأخرجت البطائح رجالا كبارا لم يغفل التاريخ ذكرهم بل جعلهم في صف مشاهير الرجال فمنهم من تأمر، وهم كثير ومنهم من تقلد منصب الوزارة ومن هؤلاء أبو عبد الله المأمون ابن البطائحي وزر للأمر بالله العلوي صاحب مصر، وكان هذا الوزير كريما واسع الصدر شديد التحرز سفاكا كثير الإطلاع وقد كثر الغامزون فيه واخذ يتلاعب في أمر الخلافة وحاول قلبها عن مستقرها فاتصل أمره بالخليفة فصلبه واخوته سنة 519هـ.
وقد كانت البطائح من أعمال واسط مرة ومن أعمال الحويزة مرة أخرى ومن أعمال البصرة طورا: وربما جمعوا واسطا والبصرة وما بينهما من البطائح في عمل واحد وربما انفصلت البطائح مستقلة كما يظهر كل ذلك من أكثر كتب التاريخ وخطط البلدان ونحن لا نذكر زمن تابعيتها في الحكم إذ لا فائدة في ذلك ولكن إليك تاريخ الإمارات الضخمة التي تأسست فيها مثل إمارة آل شاهين وإمارة آل المظفر وإمارة آل الرابي الخير وإمارة الموالي وإمارة آل سعدون وتاريخ كل أسرة من هذه الإمارات مفصلا.
النجف: علي الشرقي
(لغة العرب) جاء ذكر البطائح في معلمة الإسلام والمقالة لصديقنا العلامة م. شتريك البفاري. وفي خاتمتها يقول: (وفي تلك الأرجاء مثل (أم الرق) (أي والدة الفسافس) في جنوبي كوت الإمارة على شط الحي مشهورة بكثرة هذه الهوام التي لا تطاق).
قلت: ليس هناك (أم الرق) بل (أم البق) ولا جرم أن الخطأ من الطبع لا من صاحب المقال بما إنه يؤولها (بوالدة الفسافس) والتأويل هنا خطأ. ومعنى (الأم) هنا (ذات) والبق هنا البعوض لا الفسافس.(6/279)
من كنوز العرب
ابنة تبكي خطيبها
قرأت على صفحات الجزء التاسع من مجلتكم الغراء لسنتها الخامسة أبياتا من الشعر العامي الجليل بقلم حضرة الفاضل الشيخ عبد المولى الطريحي. فراقني ما شاهدت واهتز قلبي طربا لتلك الأغاني الجميلة التي تنم عن سمو أفكار العرب وسعت خيالهم. لكن مع كل أسف لم يعثر حضرته إلا على النزر القليل من منظومهم فاكتفى بشيء لم يمثل أفكارهم على حسب المرام، لذلك رأيت أن أتحفكم بشيء من منظومهم ليطلع القارئ على ما للعرب من سمو الفكر وسعة الخيال والغور في بحار المعاني العالية واليكم ما عثرت عليه من تلك الكنوز. وقد جعلت هذه الأبيات على لسان خطيبة فارقت خطيبها فأخذت تصف نفسها بعد سفره كما تصف جمال حبيبها. وقد دعوتها بكنوز العرب راجيا نشرها على صفحات مجلتكم الراقية الغراء:
أرتوي الزيتون من دمعي ولأراك ... الغيرك ما نحل جسمي ولا راك
أخاف أطول مدتنا ولا راك ... وقبل وصلك تبادرني المنية
الأراك شجر معروف والغيرك أي لغيرك لم ينحل جسمي ولم يرك والخطاب للمحبوب ولا راك بمعنى أخشى أن تطول مدة الجفاء ولا أشاهدك وتبادرني أي تفاجئني والمنية نهاية العمر.
دمه هلن بدال الدمع يجفون ... على الماظن بيهم قبل يجفون
الوداع أشجان ضرهم لو أن يجفون ... جفوني وكل حسود اشتمو بيه
الدمع يجفون أي سحي أيتها الجفون دما عوضا عن الدموع. وقبل يجفون أي يبدون الجفاء. تقول ما ضرهم لو وقفوا ساعة الوداع.
الله وياك حلو الجسد والطول ... بقت عيني عليك تهمل وأطول
العشرة ما بقت وياك والطول ... يا زاجي ما بدت مني رديه
تريد بالطول القد والاعتدال وتهمل وأطول أي تمطر دمعها كالطل والطول (الثالثة) أي طول الألفة.(6/280)
الله وياك حلو الجسد والعين ... هلبت ودعت من بيك والعين
دريض يا قلب واستجن ولعين ... ابتليت بلوت الخنسا الشجيه
والعين يعني مغرمين واستجن ولعين بمعنى كف عن ذكراه أيها القلب واسترح قليلا. إذ قد بليت كابتلاء الخنساء في حسنها الشديد.
دفق دمعي على الوجنة وسيله ... على الماصار وياهم وسيله
أدور الممتحن مثلي وسيله ... يقلبي اهجع مثل ما بيك بيه
أي أخذت دموعي تنهار على وجنتي ووسيلة أي السيلان ووياهم وسيله أي صورة حال معهم والوسيلة (الثالثة) بمعنى أتحرى كل ممتحن مثلي لأسأله عما جرى عليه من امتحان الغرام. واهجع أي استقر.
صلت خدي دمعتي من تسالي ... عليك الرأس شيب منتسالي
عيب لسا يقلبي منتسالي ... سلوك اهجع شبيدي تلوم بيه
تقول أن دموعي قد أحرقت خدي من كثر جريانها، ولقد شاب رأسي من كثرة السؤال عنك. ثم تقول عجبا أيها القلب إلى الآن ما سلوت من ألم الوجد، والسلوك هنا الأحبة أيها القلب فما ذنبي تكثر علي اللوم.
الك منزل بدلالي ولك دار ... ووصلك يجلي همومي والكدار
مدار هواك بضلوعي ولك دار ... سحن بقواي ونشبني المنيه
تقول لك منزل في قلبي ودار أنت ساكن فيها والدلال القلب، والكدار أي الأكدار. تقول ويلك فإن غرامك قد أخذ يدور بين جوانحي. ومعناه الشطر الرابع: هد قواي وأنحلها وقولها ونشبني المنيه أي رماني بالهلاك.
فقت مرعوب من نومي بالأسحار ... دون ما ونت الثكلى بلسحار
يناهي فرزن دلالي بلسحار ... عيونك حيث مبهن رحم بيه
بالأسحار أي انتبهت مرعوبة من نومي في السحر. وبلسحار أي أئن كما تئن الثكلى في الصحارى وتريد بلسحار (الثالثة) سحر الجفون وقولها فرزن دلالي أي جفونك قد اصمت فؤادي بسحرها. مبهن أي ما فيهن رقة علي.
أنا بادي وعلى الترف بداي ... وحرت يا ساهي العينين بداي(6/281)
انجان أنت حكيم استاد بالداي ... دون جروح قلبي وجرن بيه
تقول لقد قصدت مكانا غير مكاني فزار الحبيب منزلي ولم يجدني وذلك لسوء طالعي. وساهي العينين أي واسع العينين وقولها بداي تعني حرت في دوائي والشطر الأول من البيت الثاني هو خطاب للمحبوب تقول أن كنت حكيما حاذقا وتشخص الداء فعليك إذن بمداواة قلبي وقولها وجرن بيه يعني أخذت جروح قلبي تتعاظم في الآلام.
ذلولي ما يجده السير ظل عاي ... انتهو عني ومد البصر ضلعاي
شبه كسر الزجاجه انكسر ضلعاي ... وبد ما يرهم التجبير بيه
تقول أن ذلولي قد عجز عن المسير وقولها ظل عاي يعني ظل واقفا لم يتحرك من شدة التعب. وفي الشطر الثاني من البيت الأول تقول أن أحبتي قد غابوا عن بصري فلم أشاهد سوى أضلاع جبال شاهقة ممتدة في الصحراء وقولها أيضاً أن أضلاعي قد تحطمت تحطم الزجاج وأصبحت غير قابلة للإصلاح كما أن كسر الزجاج لا يشعب.
النجف: حسن الجواهري
(لغة العرب) للشيخ عبد المولى الطريحي العلامة مقالات كثيرة في إدارتنا منذ نحو أكثر من سنة. ولكن كثرة ما عندنا حال حتى الآن دون نشرها. وله في (أبو ذية) أبيات أخرى وقد أجاد في انتقائها وشرحها بيد أننا ننتظر فرصة لنشرها؛ إلا أن هذا التأخير لا يقلل شيئا من عظيم شكرنا له وطلب العذر من عدم نشرها حتى الآن.
وبعد أن ندرج المقالة التي أشرنا إليها لا نذكر بعدها ما يكون في هذا الموضوع لكثرة ما عندنا منه بل إذا أراد أحد الكتبة أن يجيل يراعته في ميدان الشعر العامي فليكن من الأنواع الأخرى ليكون عندنا أمثلة متنوعة لمختلف القصيد العامي ولهذا نرجو من أرباب الأقلام أن لا يعودوا إلى موضوع (أبو ذية) لأننا نطرح مقالهم بين المهملات. ولا لوم علينا بعد ذلك. إذن لينتبه الغافلون.(6/282)
آثار في ضياء أباد إيران
-
على بعد 12 ميلا في الجنوب الغربي من زنجان قرية اسمها (ضياء آباد) كانت أرضها قطعة من قرية أخرى عمرها والدي الشيخ الجليل رحمة الله عليه وأسكن فيها جماعة من الفلاحين والزراعيين وألان هي عامرة وملك لنا.
بين سنة 1320هـ أو سنة 1326هـ عثرت بعض نساء القرية وفي جنوبيها حين اشتغالهن بشؤون الفلاحة على أربعة دراهم من الذهب قطر الواحد منها يقرب من قطر الربية في هذا الزمان: ولكنها ارق منها. وفي واحد وجهيها صورة رجل قاعد على كرسي يشبه أن يكون من صور الملوك أو رجال الدين وفي وجهها الآخر صورتا رجلين حاملين شيئا كالعلم في رأسه صليب مثنى الذراعين أو أن شئت فقل: خط قائم وعلى عرضه خطان متوازيان كحرف الفرنسي مع خطين متوازيين في رأس الحرف. ولما زرت المجمع العلمي في دمشق سنة 1342هـ كان معي أحد تلك الدراهم فرآه أعضاؤه الكرام فظن أحدهم إنه من الدراهم الرومانية العتيقة وأظن إنه أصاب في رأيه، وإن الدرهم أثر لأول زمن انتشار النصرانية في المملكة الرومانية.
ثم تيسر لي أن أرى بعد ذلك الحين بسنين كتابا في كربلاء في النقود والدراهم العتيقة بالفرنسية وبعد الفحص لم أجد صورة هذا الدرهم بين الصور الموجودة فيه.
ووجدت مرة أخرى في هذه القرية عدة أوان كبيرة من الخزف كالآنية المدهونة التي ترى في هذا الزمان. وفي الصيف الماضي خرجت من زنجان متوجها إليها للوقوف على أحوال الفلاحين الزراعية وللنزهة فوجدتهم قد بنوا لهم فيها حماما وحفروا في الجهة الشرقية من بيوت القرية حفرا ليخرجوا منها أحجارا ظنوا بوجودها هناك عثروا على قطع الخزف المخطوطة التي تفضلتم بقراءتها وأنقذتها من أيديهم وكانوا يحاولون وضعها للحمام.
وسألت بعض أهل القرية عن الموضع الذي وجدوا فيه هذه القطع فقالوا(6/283)
هو موضع تتبرك به نساء القرية إذ يسرجن فيه ويقمن فيه ببعض القربات الدينية.
فشكل الدراهم وكتابة القطع تقوي الظن بوجود النصرانية في نواحي زنجان في سابق العهد فلا شك أن يد الحفر تصل في هذا المكان إلى آثار عتيقة أخرى.
زنجان (إيران): أبو عبد الله الزنجاني
(لغة العرب) كان حضرة الشيخ المجتهد الكبير أبي عبد الله الزنجاني أرسل إلينا صورة شمسية للكتابة التي يشير إليها وهي بالخط الكوفي وهذا نصها: (الى الله. قبر افلوتلا الملائكية سنة. . .) فمعنى (إلى الله): أنت الذاهبة إلى الله؛ - ومعنى قبر افلوتلا إشارة واضحة إلى أن المدفونة نصرانية لأن الاسم المذكور لا يتسمى به إلا النصرانيات وهو روماني الوضع. وافلوتيلا في الأصل أسم قديسة كانت تلميذة القديس بطرس ويحتفل بعيدها في 20 أيار. وقول الكتابة القبرية: (الملائكية) دليل على أن الابنة كانت صغيرة السن. وكنا قد قرأنا السنة المكتوبة على قطعة الخزف لكنها فقدت منا فنسيناها. فنرجو من حضرة صديقنا الوافي الشيخ أبي عبد الله أن يذكرها لنا إتماما للفائدة.
أما أن النصرانية كانت معروفة هناك في سابق العهد، فليس من يجهل ذلك. وتاريخ النصرانية مملوء بذكر شهدائها في عهد المجوس وبعده. ولقد بقيت النصرانية زاهية في فارس إلى عهد غير بعيد. أما في زنجان فقد ذكر الطبري في تاريخه (3: 2140 من طبعة الإفرنج) ما نصه:
(ولليلتين خلتا من رجب منها (أي من سنة 281هـ الموافق 8 أيلول 894م) شخص المعتضد إلى الجبل فقصد ناحية الدينور وقلد أبا محمد علي بن المعتضد: الري وقزوين، وزنجان، وابهر، وقم، وهمذان والدينور. وقلد كتبته: أحمد بن أبي الأصبغ نفقات عسكره والضياع بالري: الحسين بن عمرو النصراني. . .) انتهى. قلنا لو لم يكن في تلك الأنحاء نصارى لما قلد المعتضد نصرانيا وسلم بيده ما سلم.
وكانت زنجان في أمر تدبيرها الديني راجعة إلى أبرشية قزوين. وكان في هذه الأبرشية في نحو سنة 1700م: (أسقف واحد اسمه مار أدى وكان من(6/284)
كفرتوثا وتحت يده قسوس وشمامسة قدرهم كاف لإدارة الرعية. وكان عدد الكنائس ثلاثة. وعدد المؤمنين أربعة آلاف وجميعهم نساطرة) (راجع التقويم للكنيسة الكلدانية النسطورية ص 21).
وقد أفادنا صديقنا الجليل فائدة عظيمة وهي (أن النساء الوطنيات يذهبن إلى الآن إلى ذلك الموطن ويتبركن ويسرجن فيه السرج ويقمن فيه ببعض القربات الدينية). - وعندنا أن هذا دليل على أن المكان المذكور كان مقبرة للنصارى إذ من عادة المسيحيين أن يسرجوا
السرج على القبور - كما هي العادة إلى اليوم في ديار الغرب - ويتقربون إلى الله ببعض القربات. ولا جرم أن هذه العادة انتقلت من جيل إلى جيل منذ العهد القديم إلى هذا العهد من غير أن ينقطع حبل ذلك التقليد.
واحرص الناس على الأمور الدينية النساء لما في طبعهن من حب الدين والجري على آثار السلف الصالح.
هذه آراؤنا نعرضها على القراء ولا ندعي أننا مصيبون بل هي بمنزلة خواطر عرضت لنا ومن أحب أن يفندها بأدلة قاطعة تاريخية فنحن لا نتوقف في نشرها.
البلور والبلارج وضبطهما
ورد في البستان للبستاني: (البلور (وضبطها كسنور) جوهر أبيض شفاف وهو نوع من الزجاج. معرب. قال في اللسان: هو المهى من الحجر. واحدته بلورة. . . (انتهى المطلوب من إيراده على أن هناك لغة مشهورة جاءت في اللسان وغيره. لم يذكرها البستان وهي البلور (بكسر ففتح فسكون) قال في اللسان: وفي التهذيب: وإما البلور المعروف فهو مخفف اللام. اه فعدم ذكر لغات الكلمة الواحدة تقصير من المؤلف.
وقال في بلرج: البلارج (وضبطها ضبط قلم بكسر الراء) طائر كبير طويل المنقار ليس بأعقف. دخيل. اهـ. والصواب ضبط الراء بالفتح لأنه مفرد بدليل قوله الطائر. وليس في لغتنا كلمة واحدة في المفرد مكسور ما قبل آخرها. وقد أصاب فريتغ هذه المرة بضبطها بالفتح ولم يصب صاحب محيط المحيط بضبطها بفتح الراء وكسرها.(6/285)
قاتل أخيه
ما أجهز على المجتمع العراقي من قبل إلا إهمال التربية الصالحة، وإطلاق الوحشية عليه من كل جوانبه؛ وما أخاه الشقاء إلا لتقاعس حكامه وزعمائه عن إنعاشه من كبوته، وتمهيد السبل المأمونة المستقيمة له على أنهم هم المسؤولون عن ذلك لاستيلائهم على خلاقه من المال والثمرات. وكان إذا استأداهم حقه من الإصلاح الذي ابتاعه منهم بماله وثمراته، كانت حال جوابهم منطبقة على المثل المشهور القائل: (الأخذ سريط والقضاء ضريط).
فلذلك صار العراق بيئة للجرائم وبؤرة تتقد فيها الاضطرابات ويضطرم فيها الجهل، ووطيسا يقذف شرار الهمجية وحممها.
شب (ي. ن) في ذلك العهد المشؤوم في ناحية من لواء ديالى كثيرة الجداول والخمائل خصيبة الأرض وافرة النعم. في أسرة مشتملة على رجال ونساء عدة وأطفال أقلاء. ولقد كانت هذه الأسرة معتمدة على زراعتها وأنعامها في أعداد معيشتها واعتاد حاجها ولكن العيش لم يتسع لها ولا رأت منتدحا عن حالها الأولى مع كدح رجالها ودأبهم في أعمالهم.
وكان موطن الشاب المذكور (ي. ن) مكتظا بالزعارة أو شراسة الخلق والأجرام. واكثر عشرائه أشرارا وأغمارا وشطارا فلا غرو أن يكون عنفوان شبابه معفرا بالجهالة والسفالة والشرة وكان والداه في أبان ذلك الشاب المضطرب حيين وله منهما ثلاث أخوات اثنتان متبعلتان والأخرى عانس وأخ كبير أسمه (ع. ن) كان يؤدبه كلما جنف عن الصلاح وينقذه إذا وقع في أمر عصيب.
ولقد كانت المودة مستحكمة بين هذين الأخوين استحكاما تاما. فالصغير يحترم الكبير وينقاد له انقيادا عظيما. والكبير يعز الصغير ويعطف عليه عطفا اخويا ويعوده الشجاعة ومكابدة المشاق ويحميه من كل اعتداء أو تحامل من الناس. والويل والثبور لمن كان يمس أخاه الصغير بضر؛ فإنه يكون(6/286)
من النادمين المنكوبين بل ويح الذي يماس (ع. ن) نفسه مماسة فيها خشونة فإنه يعرض نفسه لرجل كالصاعقة في انقضاضه وكالليث في غضبه وكالمستبسل المستميت في كفاحه. ولكثرة تخوف الناس إياه وتحاشيهم عن بأسه زاد سطوة وهيمنة، وشهرة حتى سموه (غضب الله).
أما الأسرة فأنها كانت قانعة بعيشها مطمئنة في أفكارها هادئة في حياتها وكان ذانك الأخوان همامين دائبين في زراعتهما راضين بعيشة الاجتهاد والكدح؛ بل قدوة حسنة للذين يعملون عملهما وينافسونهما. وما أحلى الاشتغال بحرية بين المزارع والبساتين والجداول والخمائل بقلوب متعاضدة مؤلفة وأجسام نشيطة وهمم عالية ونفوس مطمئنة.
والذي يقرأ صحيفة حياة الأسرة المذكورة يجد عنوانها (السعادة) وشرح السعادة غني عن التفسير (ورب موضوع فسره عنوانه)، ولما توفيت والدتهم التي كانت حنونا عليهم وقطبا لتحابهم وتعاونهم وإئتلافهم أمسوا بعدها مستعدين للشر معدين له (قرع الظنابيب) ما خلا أباهم فإنه كان عاقلا وديعا لكنه لم يعرف كيف ينهج مهيع التأديب والتهذيب. لذلك لم يقدر على إرواء أولاده من مورد الأدب الكامل والتربية الصالحة فانهم كانوا عطاشا بل هيما لا متعطشين.
بينما كان الآخر الكبير (ع. ن) يرقص أبنه ذات يوم إذ نشب في البيت شجار أو حوار ثم مشاحنة دفعته إلى سب والدته المتوفاة أمام أخيه الشاب فأمتلئ هذا غيظا وحنقا عليه وقال له:
ويلك يا هذا كيف استبحت سب والدتنا التقية البارة ومعاملتنا بغلظة فظاظة؟
أجابه:
أسبها ولا أبالي من أنت يا أيها النذل الرذل حتى تقابلني بهذا الاعتراض والامتعاض؟
ثم هجم عليه ليضربه فراغ عنه هذا وصعد إلى سطح منزلهم هلعا حنقا ثم تجاوزه وانحدر إلى بيت أخته (ع. هـ) المتبعلة وكان قريبا فتناول بندقية كان يعرف مناطها ثم غذ أو أسرع إلى سطح منزلهم أيضاً متوعدا أخاه متهددا إياه بقوله:
أأنت تريد أن تضربني. اغرب عني يا لئيم يا رعديد وإلا رشقتك بقذيفة تعدمك(6/287)
الحياة فتسكنك القبور.
قال الكبير: من هو اللئيم والرعديد يا جبان. قف لي أن كنت صادقا فسوف أريك الحقيقة. واندفع نحوه صادعا إلى السطح ليفتك به ولكن (ي. ن) هرب من بين يديه بجأش مضطرب وإنذعار شديد. فقد كان لا يطيق الوقوف أمام أخيه الكبير وقوف المخاصم بل المناضل فضلا عن أن عمره لم يتجاوز الثامنة عشرة.
لتلك الأسباب نمت بينهما العداوة وأثمرت وبالا وشقاء. فإن عنوان حياة الأسرة قد تبدل بعنوان (الشقاء) وحملت القلوب أحمال الإحن والضغائن وأمست تنوء بها مهتبلة فرصة تتبدد فيها ويكون ذلك التبدد فاروقا وفيصلا. يفرق أو يفصل بين هذين الأخوين بالعاقبة الوخيمة والمغبة السقيمة. والذي زاد الشنئان أضعافا مضاعفة هو أن أختهما الكبيرة (ع. هـ) وزوجها (ح. ن) كانا يشنئان ذلك الأخ الكبير لكونه شديدا في معاملتهما مفتئتا بحريتهما. مضت على تلك المشادة أيام وهنالك من يضرم سعير العداوة بين الأخوين إضراما مستمرا والذين لا يضرمون غافلون عن تدارك الخطر القريب الوقوع. أما (ي. ن) فإنه هجر أهله وانقطع إلى الأقرباء والبساتين بيد إنه كان يختلف إلى بيت أخته (ع. هـ) فيستفهمها أخبار أخيه ونيته نحوه فلا يسمع منها إلا ما يقلقه ويهوله. بعينها في ذلك (حليلها) فقد كانا يقولان له: (إن أخاك متسلح ببندقية يبحث عنك في مآويك ويسأل عنك الناس فلئن ألفاك ليقتلنك فأحذره).
دخل أخوه مرة عليه وهو في بيت أخته المذكورة فأخفته في حجرة فيها بندقية حتى إذا أراد به أخوه شرا دافع عن نفسه. ولكن (ع. ن) لما سألها عن أخيها الصغير أنكرت وجوده عندها لأمر في نفسها أن تعظم الخلاف بينهما فلا يتفقا بعد أن افترقا. ولو أخبرته بوجوده فلربما صالحه وهادنه.
أما الأخ الصغير فإنه عزم عزما صادقا على اغتيال أخيه لينجو من شره الذي صوره له النمامون وظل يهتبل الفرص للفتك به حتى مر به مغربا وهو كامن له ممسك بندقية فوجهها نحوه وجر زندها فثارت وأصابت قذيفتها بطن أخيه(6/288)
فمزقت أحشاءه كل تمزيق. وخر على الأرض صريعا. ولقد سمعت إنه استجوب عن قاتله فغلبته الشفقة الأخوية ولم يقر بأنه أخوه (ي. ن) ثم فارق الحياة بعد ساعات فما أعظم رأفته بأخيه فقد دعته إلى الإنكار:
أخوه قاتله عمدا ورأفته ... به دعته إلى الإنكار والصبر
وانه صار قربانا لرأفته ... أكرم به من أخ في اليسر والعسر
ثم هرب القاتل المجرم الأثيم كالكلب المكلوب ممثلا للناس عاقبة التربية الطالحة ونتيجة الجهل ومغبة إهمال التأديب وغاية التحريض والنميمة. أما المبتلى فهو المجتمع البائس
الذي لا يبل من مرضه إلا بإبلال أفراده.
سمعت الحكومة بالحادثة فطاردت مرتكب ذلك الجرم العظيم وأمسكته ودحمته إلى غيابة السجن لمدة اثنتي عشرة سنة ابتداؤها سنة (1316) مالية فقضى هذا الشرير قسما منها ثم نجا بالعفو العام. وهو الآن حي يرزق دميم الوجه (كالحريري) أعمش العينين أرمصهما خبيث النفس ولكن الدهر خفف من زعارته وشرته وقد قيل: (نعم المؤدب الدهر) وإن لهذا المجرم جرائم عدة وقد سئل مرة عما دفعه إلى اغتيال أخيه فأجاب:
لا تثيروا أشجاني ولا تنبشوا أحزاني إنه كان شفيقا رؤوفا بي مواسيا وحاميا لي فما أعظم إساءتي إليه ووا حر كبداه عليه. اهـ لقد حرضني عليه الظالمون النمامون من الغرباء وذوي القربى وسرت خباطا في ضلال مبين. (ذلك غدره وهذا عذره) أيد الله المصلحين المرشدين الذين سدكوا بتضميد جروح المجتمع وبث العرفان فيه وأغرموا بمداواة أمراضه ففي ذلك الأجر العظيم.
الكاظمية قرب بغداد: مصطفى جواد
الجزءان الحادي عشر والثاني عشر
يسألنا كثيرون من داخل العراق وخارجه عن صدور الجزأين المزدوجين الحادي عشر والثاني عشر فنقول لهم انهما لم يطبعا إلى الآن لموانع حالت دون أمنيتنا ولعلهما لا يطبعان إلا بعد أربعة أشهر أي إلى أن يتفق لجزء الشهر الواحد أن يصدر في أول يوم منه لأنه إلى الآن لم يستهل لنا ذلك. لكن على كل حال لابد من صدور الجزأين معا. وكل آت قريب.(6/289)
فوائد لغوية
الأب
عجيبة هي لغتنا الشريفة: لو قلت لك إنها تفتح أسرار اللغات السامية والآرية، فلا تعجب، لأنه كذلك.
خذ كلمة الأب (بفتح الهمزة وشد الباء) فإنها تفيدك معنى الكلأ والمرعى للدواب كالفاكهة للإنسان. وقال ثعلب: الأب: كل ما أخرجت الأرض من النبات. والأصل فيها: هجاء واحد أي أب (بفتح فسكون) وهو آخر ما تكون عليه اللفظة وهذا ما يدل على قدمها، أما الآرميون فيقولون في هذا المعنى (ابيانا) وتلفظ وتكاد تكون الكلمة في العبرية والسامرية والامحرية تشبه العربية لكنها ليست بهجاء واحد كما في لغتنا، كل هذا يدلك على أن صيغة حرفنا من أقدم الصيغ.
ذلك من جهة اللغات السامية وإما في لغات الغرب فلليونانيين كلمة فانك أن حذفت من آخرها أداة الأعراب يبقى لك وهو كما في لغتنا لفظا أو يكاد، ومعناها عندهم: ماء النبات أو الماء الذي يجري في العود. وعندنا نحن الاباب (كسحاب) بمعنى الماء وبالضم: معظم السيل والموج. قابل كل ذلك بالهندية القديمة أي كلمة (آب) بباء مثلثة ومعناها الماء. وبالفارسية الحديثة (آب) بباء موحدة بمعناها، ويلفظها بعضهم (آو) وهي بالكردية) (آو) وبالزندية (آفش) وبالبروسية القديمة ومعناها النهر والينبوع وفي اللتوانية وفي اللتية أو اللتونية ولو أردنا أن نجري في وجهنا ناظرين ما يقابل لفظتنا في سائر اللغات لقضيت العجب مما تهتكه لك لغتنا من أستار الأسرار. وهذه الكلمة ليست الوحيدة في جنسها بل هناك مئات هي على هذه الشاكلة، بل قد جمعنا منها نحو ألفين، إذن أكرم بلغة تمكنك من القبض على أزمة سائر الألسنة. وكفى بها شرفا.(6/290)
باب المكاتبة والمذاكرة
اللغة والعصر
كتب إلينا أحد الأصدقاء العلماء في ديار مصر يقول: (ما رأي فضيلتكم في نشر هذا الحوار والتعليق عليه في (لغة العرب)؟ فهذا بحث مفيد.
ثم أرسل إلينا بقصاصة من جريدة الكشاف الصادرة بمدينة القاهرة بتاريخ 2 أبريل 1928، فنحن ندرج هنا نص الحديث الذي جرى بين الشيخ الجليل وبين مكاتب الكشاف ثم نعلق عليه ما يبدو لنا.
(لغة العرب)
كيف تنهض لغة العرب
حديث للشيخ عبد الله البستاني
قال مكاتب الكشاف من بيروت:
حدث الشيخ عبد الله البستاني، رئيس المجمع العلمي العربي اللبناني، عن هذا المجمع قال: لا نفع يرجى من المجمع العلمي، إلا إذا عرفت الحكومة كيف تنفق أموالها عليه: ثم قال: نحن الآن أمام حقيقة يعرفها الجميع. فليس بين البشر من يعمل بلا أجر، وأعضاء المجمع العلمي من هؤلاء البشر، فإذا لم يجدوا لهم فائدة من المجمع، لن يأتوا عملا ثابت الركن وطيد البنيان.
وعندي أن أعضاء المجمع يجب أن يكونوا من المتخصصين، وممن يحسنون اللغات الأجنبية، لا من الواقفين على أصول اللغة العربية فقط، لأننا في مهمتنا سنأخذ على عاتقنا وضع مصطلحات جديدة، للاختراعات الحديثة، فيوضح لنا المتضلع في (كذا) اللغات الأجنبية اشتقاق الألفاظ التي تحتاج إليها لغتنا، فنضع لها المترادفات. ولا حرج علينا إذا نهجنا نهج علماء اللغة في أيام هارون الرشيد، فكانوا يأتون بالألفاظ الفارسية، والرساينية، ويثبتونها، أما على علاتها، أو بتعديلها بعض تعديل، ويجب علينا أن نأخذ بمبدأ النحت. ولو سألوني عن(6/291)
كلمة تلفون لقلت لهم: اكتبوها كما هي وقولوا: تلفن يتلفن تلفنة فاللغة لا
يضيرها إذا نقلت عن اللغات الحية لتنهض وتعيش.
أما موقف المجمع العلمي من سائر المجامع العلمية العربية فيجب أن يسوده ويسودها جميعا جو وئام وحسن تفاهم وعلى الحكومات العربية أن تكن همزة الوصل بين هذه المجامع فتسعى للتوفيق بينها؛ وليس أفضل من المكاتبات لتذليل كل عقبة تقف في الطريق فتتفاوض المجامع في ما بينها ولا تتمسك بسوى الرأي الصحيح.
ثم أجاب على سؤال وجه إليه عن ترجمة قاموس (لاروس) إلى اللغة العربية فأجاب: لا باس أن نترجم من قاموس لاروس ما تخلو منه اللغة العربية من ألفاظ ولا يهولن أقطاب اللغة أمر تلك الترجمة فالكلمات غير الموجودة في لغتنا لا يصعب علينا أن نجعل لها وجودا (كذا) وأنا الكفيل.
ثم قال: أن الجمود يقتل اللغة العربية وإذا نحن رددنا عنها تيار العجمة والرطانة والركاكة لا يستنتج من عملنا أننا نريد أن نعيش بعقل أبن البادية فإن أبن البادية جاءنا بما عنده وعلينا أن نتحف اللغة بما عندنا لتقوم لها قائمة وقد عابوا يوما على جمال الدين الأفغاني قوله: هذا رجل من نسل البقروت، فأجابهم: ألا تقولون جبروت ورهبوت وملكوت فلماذا تمنعون عني القول بقروت؟
قالوا: ولكنها لم ترد في كلام العرب. قال: وهل تريدون مني أن أنكر نفسي واخضع لبدوي. هذا ما قاله الأفغاني وهذه هي القاعدة التي يجب علينا العمل بها في إنهاض لغتنا.
جوابنا
نوافق على آراء الأستاذ الشيخ الجليل واللغوي المعروف إلى قوله: (ولا حرج علينا إذا نهجنا علماء اللغة في أيام هارون الرشيد. . .) فنخالفه فيه لأن الذي وجدناه نحن هو أن الذين وضعوا الألفاظ الفارسية والسريانية لم يكونوا من اللغويين في نظرنا، بل من النقلة. والناقل غير اللغوي؛ أما اللغويون فهم الذين وجدوا لتلك المفردات عربيات فصيحات قتلت تلك الأعجميات الدميمات.
فقد قال النقلة مثلا السولوجسموس والافودقطيقي، والطوبيقي، والسوفسطيقي والربطوريقي، والبيوطيقي؛ ولما جاء المعربون اللغويون قالوا عوضا عنها:(6/292)
القياس، والإيضاح، والمواضع، والتحكم، والخطابة، والشعر. ومثل هذا كثير. ومن شاء فليراجع
كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمي والمؤلفات التي عربها كبار الفصحاء.
والنحت لم يذهب إليه أحد إذ لم يوضع له ضابطة والألفاظ المنحوتة التي وصلت إلينا هي حروف جاءتنا في مواضيع مختلفة نطق بها الناس بعد أن صقلتها السنتهم، وهي غير جارية اطرادا على وجه من الوجوه؛ والاشتقاق عندنا يقوم مقامه ويوفي حقه بل يفوقه وقد وضعت له قواعد وصنفت الكتب وجاءت أبوابه في جميع المعاني. وكل لفظة منحوتة (وضعت في العلم) نزعت منه ولم تعش زمنا طويلا. ولغتنا ليست من اللغات التي تقبل النحت على وجه لغات أهل الغرب كما هو مدون في مصنفاتهم، والمنحوتات عندنا عشرات. أما عندهم فمئات بل ألوف لأن تقديم المضاف إليه على المضاف معروف عندهم فساغ لهم النحت أما عندنا فاللغة تأباه وتتبرأ منه.
نعم هناك ألفاظ يقدم فيها المضاف على المضاف إليه كما في لغتنا. لكن مزايا لغتنا تفر من الجمع بين ذينك اللفظيين المتنافرين حفظا لسلامة الذوق أو هربا من إطالة الاهجية التي تستمرئها لغات الغرب وتنبذها لغتنا الشريفة.
إلا إننا نقبل بين مفرداتنا الألفاظ المنحوتة الغربية الأصل فنقول: تلفون ونشتق منه فعلا فنقول تلفن كما قال السلف نوروز ونورز، وفيلسوف وفلسف؛ لكن هذا لا يكون إلا لشرطين وهما: 1 - أن تكون الألفاظ خفيفة النطق والصيغة. 2 - أن تكون مادتها تشبه المادة العربية وإلا فانك لا تقول فوطغرف يفوطغرف اشتقاقا من الاسم الإفرنجي المنحوت (فوطغرافية) أن قبلناها. فما كل منحوت إفرنجي نقبل كما لا نشتق دائما منه فعلا يفيدنا مرادنا فالأمر موكول إلى الذوق العربي وأوزان لساننا وصيغ الألفاظ نفسها ومادتها. وهذا مما يجب أن ينتبه له.
أجل لأننا لا نريد أن نسير برأي أهل البادية في لغتنا لكننا نريد أن نسير على المناحي والمنازع التي تلقيناها من السلف جيلا بعد جيل وأصلهم من البادية ولا نقبل أن ندخل في لغتنا مثل البقروت بحجة أن جمال الدين نطق بها. فلقد(6/293)
يكون المرء حسن الرأي والقول في أمور ولا يصح رأيه في أمور اخرى؛ ولهذا يجب علينا أن نعمل بقول من قال: لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال. فجبروت ورهبوت وملكوت ألفاظ ارمية الأصل والصيغة أو مشتركة بين الأختين الساميتين وكذلك البقروت فمعناها في اللغة الآرامية
رعاية البقر؛ لكن هل نحن في حاجة إليها ذلك ما ندعه لحكم القارئ. وإذا كان لابد من وضع كلمة في هذا المعنى فالبقارية والفدادية (بالتشديد وياء النسبة) أقرب إلى المراد والطف اشتقاقا من البقروت الخشنة الثقيلة التي لا تغني فتيلا.
الأدب العربي
بعض أخطاء (عن الجزء 108 من مجلة (المهذب))
تحت هذا العنوان نشرت مجلة (الأفريكان ورلد الشهيرة في عددها المؤرخ 17 مارس نبذة جميلة تقديرا للأدب العصري في مصر، فأحببنا تعريبها لقراء (المهذب) ليروا كيف ينظر أدباء الغرب إلى جهدنا الأدبي في الوقت الحاضر. ولا يسعنا إلا توجيه الشكر إلى الزميلة لما تبذله بنفوذها القوي من مسعى جليل لتوثيق عرى الإخاء الأدبي بين الغرب والشرق بأقلام حضرات محرريها المستشرقين ونرحب بمثل هذه الآراء الصادرة من عاصمة الإمبراطورية الإنكليزية قالت: (لمناسبة تجدد العناية بالأدب العربي - كما سبقت الإشارة في (الأفريكان ورلد) - ربما كان المفيد في هذه الفرصة أن نمحو بعض الأخطاء الشائعة عن طبيعة الأدب العربي الحديث. فإن الفكرة الغالبة هي أن الأدب العربي الحالي يتمثل في الشعر وهذا ليس سوى طبعة جديدة للشعر العربي القديم اللهم إلا في تطبيقه على الظروف الحديثة! ولكن بينما شعراء العرب القدامى مخلصين في عواطفهم فالشعراء المعاصرون في العالم العربي أو على الأقل معظمهم لا يمثلون عقيدة فنية صادقة، وهم كثيرو التقلب في أغراضهم وأساليبهم. ولم يكن قليلون منهم من ترددوا في مقاومة حرب الاستقلال اليونانية وفي معاضدة الطاغية عبد الحميد! على أننا وإن لم ننكر هذه الآراء، وإن اعترفنا كذلك بأن ترجمات السير تشارلس لايال من ديوان الحماسة لأبي تمام تصلح لأن تكون بديلا بل مغنيا عن الترجمات المقترح عملها من نظم شعراء(6/294)
المدرسة القديمة المعاصرين، إلا إنه من العدل أن نذكر أن هناك عملا جيدا وافرا يقوم به في هدوء الشباب الناهض من شعراء العرب. وبغض النظر عن جهود الدكتور أبي شادي التي أشير إليها بتقدير على صفحات (الأفريكان ورلد) وفي جرائد أخرى بأقلام الأدباء المستشرقين فمن الواجب الإشارة إلى غيره من الشعراء المبرزين كشكري وجبران والعقاد وأبي ماضي
دون أن ننسى النقاد والكتاب المشهورين أمثال الدكتور هيكل والدكتور طه حسين. وبتعاون هؤلاء الشعراء والنقاد المثقفين والعصريين حقيقة استطاعت مصر (وتبعا لها الأقطار العربية الأخرى) أن تنهض بمستوى الشعر العربي الذي صار الآن مساعدا على تأليف الدرامة والأوبرا ومؤديا نصيبه نحو تقدير الطبيعة وخدمة الإنسانية. وهذا الروح الجديد هو الذي يستحق أن يستحضر أكثر من قبل أمام الجمهور الأدبي في إنكلترا إذ لاشك في إنه سيقدم شيئا جديدا ممتعا، كما إنه سيعين على إنماء صداقة مدرسية جميلة ما بين الأدباء الإنكليز والمصريين وبالتالي ما بين الفريقين النابهين في الأمتين لفائدتهما المشتركة. ومن أجل هذا نرى الفرصة سانحة لإنعاش (جمعية الآداب العربية التي أسسها في لندن الدكتور أبو شادي والمستر ك. ميخائيل والمستر أ. بكري وغيرهم برئاسة الأستاذ مرجليوث منذ 14 سنة وغرضها الأول تبادل الثقافتين الإنكليزية والعربية. وقد خسرت هذه الجمعية بسبب ظروف الحرب وما بعدها وبسبب سفر الكثيرين من أعضائها من لندن. ولكن مع وجود المساعدة المالية والغيرة الأدبية فإنه من الميسور تجديد جهودها النافعة).
اليوصي لا العفصي
رأيت في جملة أغلاط معجم دوزي في مادة (أب) قوله أبو جرادة: ضرب من الطير الجوارح يسمى أيضاً بالباذنجان وفي الشام بالبصير وفي كتاب مخطوط في الاسكوريال 893 يذكره المؤلف بين الطيور التي سماها: (الباشق واليؤيؤ والعفصي) اهـ. قلنا: والصواب اليوصي. لأننا لم نجد العفصي بهذا المعنى في أي كتاب كان. أما اليوصي وزان سبب وبياء النسبة في الآخر فيرى في جميع المعاجم.
ب. م. م(6/295)
أسئلة وأجوبة
السطو
س - بينانغ (ملقى) السيد حسين المازندراني - هل يجوز في دين الإسلام أن يستخرج الرجل الولد الميت في بطن أمه إذا نشب فيه. وهل لهذا العمل أسم في العربية؟ وما يسمى بالإفرنجية؟
ج - كان يجدر بكم أن تسألوا هذا السؤال أحد علماء الدين الحنيف. على إنه لما كان يتصل باللغة نجيبكم على الأسئلة كلها. فنقول:
جاء في تاج العروس: قال ابن الأعرابي: سطا (الرجل) على الحامل، وساط مقلوب، إذا أخرج ولدها. وحكى أبو عبيد السطو في المرأة ومنه حديث الحسن: لا باس أن يسطو الرجل على المرأة. وفسره الليث، فقال: إذا نشب ولدها في بطنها ميتا، فيستخرج، أي إذا خيف عليها ولم توجد امرأة تفعل ذلك. اهـ.
فيؤخذ من هذا إنه: 1 - يجوز في دين الإسلام أن يستخرج الرجل من بطن المرأة الولد إذا نشب في البطن وكان ميتا ولم يكن في البلد امرأة تحسن إخراجه.
2 - أسم هذا الفعل بالعربية السطو.
3 - اسمه بالإفرنجية على ما نظن
متى تكون (المنى) مذكرا ومتى مؤنثا
س - الكاظمية - مصطفى جواد: قال (محمد بهجة الأثري) في رثاء الكبير سعد باشا:
هذا مناي فإن تحقق فهو لي ... سلوى الحزين ورب سلوى تنفع
والمني جمع (منية) مثل (نهى ونهية) و (زبى وزبية) وقد ظهر عندي إنه لم يفرق بين المذكر والمؤنث بقوله (هذا مناي) وقوله (فان تحقق) وقوله (فهو) وكذلك لم يفرق بين المفرد والجمع لأن (ذا) يشار به إلى المفرد(6/296)
المذكر وقد أشار به إلى الجمع المؤنث.
فما قولكم دام فضلكم في هذا البيت الغريب الذي عددته أنا طعنة في قلب لغة العرب وأرشدت قائله إلى الخطأ فلم ينتصح. ولعلكم تظهرون أني مخطئ لأن إصرار القائل على
قوله إصرار عجيب يستوجب وجود حجة قوية لديه.
ج - (مناي) في البيت المذكور مفرد مذكر لا جمع وهو وزان (على) الجارة بعد حذف الضمير للمتكلم ومعناه (القصد) كما صرح به اللغويون. ولو فرضنا أن الكلمة هنا جمع منية فالمعنى يكون حينئذ: هذا الأمر مناي، فتكون خبرا لمحذوف وهو كثير الأمثلة في لغتنا. فلا طعنة هناك ولا غرابة.
النضوج
س - الله آباد (الهند) - السيد محمد برغش الافشاري: أرى في كتب المصريين وصحفهم ومجلاتهم النضوج بمعنى النضج أي أدراك الثمر أو نحوه، فهل ورد هذا اللفظ عند الفصحاء؟
ج - لم يرد هذا اللفظ أو هذا المصدر في كلام الفصحاء، لكن النضوج قد يؤول بجمع النضج وحينئذ يستقيم المبنى والمعنى. ومثله النضوج فإنه لم يرد، لكنه يقاس وإن لم يسمع. قال في لسان العرب في مادة ض ح: (فأما قول أبي حنيفة (الدينوري، صاحب كتاب النبات) نضوج الشجر (بمعنى تفطره بالورق) فلا أدري أرآه للعرب أم هو أقدم، فجمع نضج الشجر على نضوج لأن بعض المصادر قد يجمع كالمرض والشغل والعقل. قالوا: أمراض وأشغال وعقول). اهـ.
قبلة وقرطاس وهدف
س - بيروت - ق. ل. ما أحسن كلمة عربية تقابل؟
ج - معنى الفرنسية: خشبة تتخذ مرمى لأسلحة النار والكلمة الفرنسية عربية الأصل وهي القبلة ومعناها كل ما يستقبل من شيء. ومن مرادفاتها بالعربية القرطاس والهدف. والفرنسيون لم يعرفوا إلى الآن أن لفظتهم من لساننا. إذ لم تذكرها معاجمهم، بل ذهبوا إلى إنها من أصل ألماني وهذا خطأ ظاهر.(6/297)
باب التقريط
39 - كلمات جبران خليل جبران
جمعها من مؤلفاته المختلفة (في 170 ص بقطع 12) الارشمندريت انطونيوس بشير، عني بنشرها الشيخ يوسف توما البستاني، طبعت في المطبعة العربية بمصر القاهرة.
للكاتب جبران خليل جبران روائع أفكار. كما له أفكار تمت إلى عنقاء مغرب بخيال بعيد، بيد أن الغالب على هذه (الكلمات) خواطر جامعة بين صحة الفكر وجدة العبارة، على أن للمؤلف طرازا من السبك إذا ألفه القارئ مله لوحدة نسقه. والكتاب حسن الطبع والحرف والورق. وهو ما يجلب نظر القراء في هذا العصر والشيخ يوسف البستاني نشر مؤلفات كثيرة عربية لم ينشرها غيره فهو جدير بالشكر.
40 - المجلة السورية
تاريخية أدبية علمية مصورة تصدر مرة في الشهر في مصر القاهرة، لصاحبها ومحررها: الخوري بولس قرألي.
دفع لينا البريد في الأسبوع الأخير من نيسان جزأين من السنة 3 من هذه المجلة فألفيناهما حافلين بالمواضيع العامة الفائدة عن المباحث الخاصة بسورية. وهي مما تفرغت له هذه المجلة الحديثة. ويلاحظ الأدباء أن المجلات المتخصصات لفرع من فروع العلم والتاريخ والأدب أمتع لهم من سواها، ولاسيما المجلات التي تدعي إنها تبحث عن كل مقصد وغاية، فانك تجدها فارغة. بل افرغ من فؤاد أم موسى. فنحن نتمنى للخوري بولس قرألي - وهو من بيت علم وفضل وأدب - اطراد النجاح لمجلته والفوز بالفلاح وهذا ما يرى في تضاعيف سطورها كلها.(6/298)
41 - فتاة الشرق
مجلة علمية أدبية تاريخية روائية، تصدر في مصر القاهرة مرة في الشهر لصاحبتها ومحررتها لبيبة هاشم.
جاءتنا أجزاء هذه المجلة لسنتها الثانية والعشرين فوجدناها من أفضل مجلات الإناث وأقدمها وقد خدمت الوطن العربي ولغته بين النساء خدمة لا تنكر ومباحثها من أطيب
الموضوعات وفيها من المقالات الطويلة النفس ما يشبع منها قارئها وليست نبذا مقطعة الأوصال مشوهة الأعضاء كما يرى في بعض المجلات التجارية البضاعة فالمجلة حافلة بكل معنى طريف، جدير بأن تطالعه بنات الخدور، كما يليق بأن يطالعه أبناء القصور على السواء.
42 - صدى الكرخ
جريدة أدبية أسبوعية تصدر في بغداد بقطع الربع، صاحب امتيازها: الملا عبود الكرخي ومحررها عبد الأمير الناهض.
كانت (الكرخ) أم (الصدى) كتبت مقالا حول الصراع القائم بين صحف الاستعمار وصحف الوطن عن مسالة مظاهرة الطلبة، فرأت مديرية المطبوعات في ذلك المقال خروجا عن الخطط المرسومة للصحف الأدبية فأقفلتها. وألان حصل صديقنا الشاعر العامي الكبير الملا عبود الكرخي على امتياز لإصدار خلف للكرخ فسماها (صدى الكرخ) وهي كلها مشحونة بالقصائد العامية اللذيذة كثيرة المقالات المفيدة ظهر عددها الأول يوم الثلاثاء 27 نيسان 1928 فنتمنى لها النجاح والعمر الطويل.
43 - الاقتصاد
مجلة شهرية اقتصادية مصورة تبحث بالتجارة (كذا) والصناعة والزراعة، في 52 ص بقطع الثمن. المدير المسؤول: بديع شوكت، بدل الاشتراك عن سنة كاملة 10 روبيات في كل مكان، طبعت بالمطبعة الوطنية عشار، (كذا) بصرة (كذا)
هذه المجلة تصدر في البصرة بعربية خاصة بها وعبارات لا يعرفها إلا بعض البصريين وتحتاج إلى أن يفتح مغلقها في الحاشية لكي لا يحرم فوائدها من ليس من ذلك الثغر العربي القديم. فنحث الناس على مطالعتها.(6/299)
باب المشارفة والانتقاد
44 - السريريات والمداواة الطبية
لمؤلفيه الحكماء: ترابو ومرشد خاطر وشوكة موفق الشطي، طبع على نفقة وزارة معارف دولة سورية الجليلة. دمشق سنة 1927.
وصلنا من هذا الكتاب النفيس 576 صفحة فاخرة الورق بقطع الثمن وهو لم يتم. والذي لاحظناه فيه: وقوف أصحابه على المستحدثات الطبية والاختبارات التي انتهت في السنة الماضية وهو لا يزال يطبع ويدون فيه أصحابه كل ما يكشف في هذه السنين.
وتزينه صور كثيرة متنوعة تجلي ما غمض من إدراك بعض الأمور التي تحتاج إلى رؤية العين في الخزع والبضع والقطع.
ومما يلفت الأنظار حسن عبارته وابتعادها عن ركاكة بعض المؤلفات الطبية التي يكثر فيها سقم المنطق، وإدخال ألفاظ أعجمية تنفر القارئ عن المطالعة أو تتحرى وضع مفردات لا توافق لغتنا العدنانية. فلا جرم أن هذا السفر الجليل يرفع ذكر واضعيه فيكون في مقدمة المصنفات الطبية، إذ فيه مزيتان: مزية تنفع أبناء اسقلبيوس (اسكولاب) وهو ظفرهم بتصنيف يوقفهم على أحدث الآراء واقرب الطرق إلى مداواة المرضى وتخفيف ما يصابون به من الويلات ومزية تنفع المنتمين إلى الفصاحة والبيان ومعرفة المصطلحات الطبية والطبيعية والخلقية من قديمة وحديثة، إذ يجدون فيه كنزا نفيسا جواهره مفردات تزري بكل عقد ثمين، أو حجر كريم.
ومعنى كلامنا هذا، أن لابد من اقتناء هذا التأليف البديع، إذ لا يستغني عنه أديب ولهذا نتمنى له كل انتشار ورواج.(6/300)
45 - معجم المطبوعات العربية والمعربة
وهو شامل لأسماء الكتب المطبوعة في الأقطار الشرقية والغربية مع ذكر أسماء مؤلفيها ولمعة من ترجمتهم وذلك من يوم ظهور الطباعة إلى نهاية السنة الهجرية 1339 الموافقة لسنة 1919 ميلادية، جمعه ورتبه يوسف اليان سركيس بشارع الفجالة رقم 53 مصر
القاهرة 1928م بقطع الربع الكبير.
كلنا نعلم من هو يوسف اليان سركيس، أي هو رجل مولع بالكتب ومطالعتها ومحل وجودها ويعني بهذه المهنة منذ عدة سنين وأنجاله يشبهونه في هذا الغرام غرام الأدب. ونحن نعرف هذا الصديق منذ أعوام كثيرة وعرفناه بهذا الولع العجيب وكان يشتغل بوضع هذا السفر الجليل وألححنا عليه مرارا بطبعه فكان يمتنع. أما اليوم فقد شرع في إبرازه إلى عالم الوجود فإنه ديوان جليل لا يستغني عنه كل أديب يعرف العربية مهما كانت مهنته.
ولقد أرسل إلينا الصديق الجليل بنموذج ما صدر منه فإذا هو في 72 عموا أو 36 صفحة بقطع الربع وكل صفحة منه مقسومة شطرين لكي لا يطول السطر ويضيع القارئ السطر التالي في أثناء المطالعة.
وطريقته في هذا المعجم أن يذكر المؤلف بموجب ترتيب حروف الهجاء وسنة ولادته ومحلها وسنة وفاته ومحلها ويشير إلى تآليفه وموطن طبعها وإن طبع المصنف مرارا وفي مدن مختلفة فيذكرها. وكل ذلك على أحسن صورة وأبدع حرف بحيث لا يسقط نظر القارئ على الصفحة إلا يرى فيها كل ما ذكرناه وإذا احتاج إلى زيادات وإضافات في الإفادات ذكرها في هدب الحاشية. وكل مؤلف مذكور اسمه في وسط السطر بحرف ممتاز وكذلك فعل عند ذكر أسم كل تصنيف.
على إننا لا نتوقع أن يكون هذا التصنيف الجليل كاملا في طبعته الأولى، لما يتطلب من البحث والتنقير وكثرة الاطلاع. وهذه صفات لا تجتمع في الرجل الواحد إلا من باب الشذوذ. ولنا دليل على ما نقول أن المؤلف نسي عدة كتب مطبوعة للعلماء الذين ذكرهم. من ذلك إنه ذكر لأستاذنا محمود شكري الالوسي ثلاثة كتب مطبوعة فقط ونسي:(6/301)
1 - فتح المنان، تتمة منهاج التأسيس، رد صلح الاخوان، طبع في الهند.
2 - المنحة الإلهية تلخيص ترجمة التحفة الإثني عشرية (كذا). طبع في الهند.
3 - كشف الحجاب عن الشهاب في الحكم والآداب.
4 - شرح أرجوزة تأكيد الألوان. نشر في مجلة المجمع العلمي العربي في دمشق.
5 - السواك. وقد نشر في مجلة الحرية في بغداد. (لا نذكر هنا مساجد بغداد لأنه طبع في سنة 1927 وصاحب المعجم يقف في سنة 1919 ولا كتاب الضرائر. . . ولا كتاب
تاريخ نجد ولا غيرها من المؤلفات).
وسوف يظهر المعجم المذكور أجزاء ليسهل اقتناؤه ومطالعته وفي كل جزء 100 صفحة كبيرة بقطع الربع كما قلنا. فيكون مجموع ما في الجزء الواحد 200 صفحة لو جعلناه بقطع الثمن أو مائتي عمود. وثمن كل جزء 20 قرشا مصريا أي نحو ثلاث ربيات وإن أراد المشتري أن يدفع ثمن الكتاب سلفا (ويكون في 2000 صفحة مزدوجة) فقيمته 150 قرشا مصريا وترسل إليه الأجزاء تباعا خالصة الابراد (أجرة البريد) هذا ما علمناه بكتاب خاص ورد إلينا.
ونحن نأمل أن يلحق المؤلف خاتمته بالتصويبات إذ المطبوعات لا تخلو من أوهام. فقد قرأنا في ص 8: (قمر على سوريا. . . وكان شغوفا بالمطالعة. . . فوفق لتأليف مكتبة. والصواب: على سورية (كما يكتبها جميع اللغويين والكتبة الإثبات. ولا عبرة بما يكتبه بعض الصحفيين)، وكان مشغوفا (لأنه مشتق من فعل شغف المجهول الصيغة)، فوفق لتأليف خزانة (لان المكتبة هي المكان الذي تكثر فيه الكتب لتباع).
ومن أوهامه ذكره أسم طابع كتاب غرائب الاغتراب ونزهة الألباب وانه أحمد شاكر الالوسي نجل أبي الثناء شهاب الدين السيد محمود والحال أن ناشره هو أستاذنا محمود شكري الالوسي بن عبد الله بن محمود الالوسي. والذي ساقه إلى الوهم هو إنه رأى على ظهر الكتاب المطبوع، غرائب الاغتراب. . . (حقوق إعادة الطبع محفوظة لنجل المصنف. . . السيد أحمد شاكر الالوسي). فالناشر(6/302)
شيء وصاحب حقوق إعادة الطبع شيء آخر.
على أن أوهام الطبع لا صلة لها بفوائد هذا المعجم الفذ فنحث جميع الأدباء والفضلاء على اقتنائه.
46 - عجائب الزمان في صرح عروس البلدان
رواية تاريخية أدبية اجتماعية في 110 ص بقطع 12، بقلم المحامي آكوب كبرئيل، طبعت في المطبعة الكاظمية في البصرة سنة 1928.
مؤلف هذه الرواية أحد المحامين في البصرة وكان قد عني بزرع أرض جليلة القدر وجلب لها أدوات السقي والفلاحة واتخذ لها عددا عديدا من الاكرة والعملة فاحتك بهؤلاء كلهم
وبغيرهم وأراد أن يذكر ذلك بصورة روائية فأنتجت له قريحته هذه الرواية.
والظاهر إنه عني بمعناها أكثر مما عني بمبناها، لأن عبارتها لا تخلو من ركاكة ظاهرة فقد قال مثلا في ص 51: (الجلوس إلى خوان الطعام. . . والمعتم بالعمامة. . . بالأردية السمال رجلا هامجا. . . كما جاء في قول أحد إخواننا الأدباء:
ولبس عباءة وتقر عيني ... خير إليّ من لبس الشفوف)
والذي نعرفه إنه يقال: مائدة الطعام. . . والمعتم. . . بالأردية الأسمال رجلا همجة. . . كما جاء في قول ميسون بنت بحدل الكلبية (وفي محيط المحيط في مادة شفف ميسون بنت جندل الفزارية وقيل الكلابية وهو خطأ صريح كما هو مألوف عادته):
ولبس عباءة وتقر عيني ... أحب إليّ من لبس الشفوف
والبيت أشهر من أن يذكر إذ يستشهد به النحاة لإضمار أن المصدرية جوازا بعد عاطف على أسم صريح.
فعسى أن تصحح هذه الرواية من أغلاطها العديدة التي لا تخلو منها صفحة في طبعة ثانية!(6/303)
47 - الثقافة
مجلة الحركة التجديدية في العراق في 64 ص بقطع الثمن، مديرها: لمحامي عبد الجليل يرتو، طبعت في المطبعة الكاظمية: عشار (كذا) بصرة (كذا).
وصل إلينا الجزء الخامس من هذه المجلة ولم يصل إلينا الأجزاء الأربعة الأولى وهي لا تخلو من فائدة: فعسى أن تصادف فلاحا ونجاحا.
48 - كتاب الأصنام
كتاب الأصنام لأبي المنذر هشام بن محمد بن سائب بن بشر الكلبي، المتوفى سنة 204هـ 819م هو أجود كتاب في هذا الموضوع إن لم يكن الوحيد في بابه.
وقد عثر صديقنا النقابة البحاثة، أحمد زكي باشا من علماء مصر - ومصر موطن العلم والعلماء - على نسخته الفريدة التي أبقت عليها يد الزمان، فنشرها بعد أن قدم لها مقدمة ممتعة، وعلق عليها حواشي نافعة، تنم عن علم وفضل غزيرين.
وطبع هذا الكتاب للمرة الأولى في المطبعة الأميرية بالقاهرة، سنة 1333هـ 1914م بحرف
مشكول على ورق صقيل، فجاء أية في الإتقان.
وأهدى إليّ صديقي الزكي سنة 1342هـ 1923م وأنا في بيت المقدس نسخة من هذا الكتاب الذي لم ينتشر بين عامة القراء، إلا قبل سنة واحدة حيث أعيد طبعه في المطبعة المذكورة فتداولت الأيدي طبعته الثانية وعم النفع بها.
ترجمته إلى الفرنسية
في سنة 1343هـ 1924م كان زارني المستشرق الفاضل الأب جوسين(6/304)
الدمنكي وطلب إليّ أن أعيره نسختي ليعمل على ترجمتها إلى الفرنسية وعلمت منه إنه من الذين تخصصوا في هذا البحث وضربوا في طول بلاد العرب وعرضها وجابوا الصخر بالواد لأجله وإذا لم تكن قد خانتني الذاكرة فإنه كان في العلا وما إليها عند شبوب نار الحرب الكونية الكبرى فنجا بروحه بشق الأنفس وعاد إلى بيت المقدس.
فأعرته نسختي عن طيب خاطر أو قل جدنا عليه بما جاد به علينا الخيرون وعدت بعد ذلك إلى الإقامة في حيفا.
(لم يتم)
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
49 - الشوقيات
الجزء الأول: السياسة والتاريخ والاجتماع لأحمد شوقي، طبع في مطبعة مصر، شركة مساهمة مصرية في 376 ص بقطع الثمن
- 1 -
في شهر حزيران من السنة الماضية كتب إلينا أحد الفضلاء رسالة طويلة(6/305)
هذه زبدتها: (أني مغرم بشعر شوقي بك. لأنه عصري المغزى، بديع المعنى محكم المبنى. لا يرى في أبياته أدنى ركاكة حتى إنك لا تجد في كل ما نظم ضرورة شعرية واحدة مهما كانت. وإذا تليت قصائده، سمعت أنغام أوتار تذكرك أنغام ملائكة السماء. وكثيرا ما ترفعك تلك الحبرات إلى طبقات علية من الأفكار، لا تجدها في أي شعر كان من الأقدمين والمحدثين، من جاهلين وإسلاميين. والى الآن لم يستطع أحد أن يجد فيما نظم وأبدع أدنى شائبة من أي نوع كان.
فإن كان عندكم ما يخالف مقالنا أو مدعانا فنرجوكم أن تذكروه خدمة للأديب وسعيا وراء إصلاح ما يظن إنه لا يناله ارفع انتقاد.
فكتبنا إليه ما هذا معناه: (الأذواق قد تختلف في الناس اختلاف صورهم ووجوههم وسحناتهم. وإذا اغرم أحدنا بشيء فهذا لا يدل على أن سائر الناس يغرمون به، فلك ذوق ولغيرك ذوق آخر، أما نقد (الشوقيات) فلا نتعرض له، ما لم يهد إلينا أحد نسخة منها أو يكتب أحد في هذا الموضوع نقدا نظنه صائبا (فندرجه له).
فلم يرد علينا الفاضل بكلمة، وألان قد أتحفنا أحد الأدباء بنسخة من هذا الديوان وطلب إلينا أن نبدي رأينا فيه. ولما كان الكتاب كثير القصائد ويصعب علينا أن ننقدها جميعها إذ لا يسعنا الوقت ولا يمكن أن نرصد صفحات كثيرة من مجلتنا هذه لمثل هذا الموضوع الذي لا يفيد إلا جماعة من القراء أخذنا أول قصيدة من تلك المجموعة وآخر قصيدة منها ثم أوسطها فنقدناها نقد مجملا ليكون مثالا لبقية تلك المنظومات ولعلنا ننقد غيرها في فرصة أخرى. فنقول:
نقد للقصيدة الأولى من الشوقيات
لا يخرج شعر شوقي بك في الأكثر من أفكار متناقضة، لا صلة لها بالطبيعة أو الحقيقة التي تستند إليها، وتفاهة وتقليد للقدماء. خذ مثلا قصيدته الهمزية في أول ديوانه فإنها نموذج لكل ذلك. قال: (ص 1)
همت الفلك واحتواها الماء ... وحداها بمن تقل الرجاء
ولا أدري أأنزلت في الماء الفلك التي أقلت من فيها ساعة ركوبهم ليحتويها الماء حينئذ. ألم يكن الماء محتويا إياها قبل أن تهم؟ وهل كان رجاؤهم هو(6/306)
الذي حداها؟ إذن ماذا كانت وظيفة الربان؟ وقال (فيها):
ضرب البحر ذو العباب حواليها ... سماء قد أكبرتها السماء
وفي البيت مبالغة ذميمة، فإن البحر ليس بشيء يذكر بالنسبة إلى سعة السماء فكيف تكبره هذه؟ - وقال (فيها):
ورأى المارقون من شرك الار ... ض شباكا تمدها الداماء
وجبالا موائجا في جبال ... تتدجى كأنها الظلماء
وأنت ترى إنه شبه فيهما أمواج البحر تارة بالشباك وأخرى بالجبال الموائج في مثلها، على ما بينهما من الفرق. ومعنى (تتدجى)): تظلم. فكأنه يقول: تظلم كأنها الظلماء. وقال (فيها):
ودويا كما تأهبت الخيل ... وهاجت حماتها الهيجاء
وكلمة (دويا) معطوفة على قوله قبلا: (ورأى المارقون من شرك الأرض شباكا. . . وجبالا). ولا أدري أيرى الدوي أم يسمع؟ وقال (فيها):
لجنة عند لجة عند أخرى ... كهضاب ماجت بها البيداء
والهضاب في البيداء ثابتة، فلا يحسن تشبيه لجج البحر بها، كما لا يحسن إسناد الموج إلى هضاب البيداء. وقال (فيها):
نازلات في سيرها صاعدات ... كالهوادي يهزهن الحداء
شبه السفين في البحر في نزولها وصعودها بالإبل التي يهزها الحداء. والمقصود من النزول والصعود هو ابتعادها عن الأنظار واقترابها؛ فلا وجه لتشبيهها من هذا الوجه بالإبل التي تهتز للحداء. ثم ماذا حدا بأمير الشعراء في القرن العشرين (؟!) أن يشبه البواخر بالإبل في سيرها. ألم يمض بعد زمان التغني بالإبل والتشبيه بها؟ وقال (فيها):
رب أن شئت فالفضاء مضيق ... وإذا شئت فالمضيق فضاء
ولا صلة لهذا البيت بما قبله أو بعده؛ وإنما هي الصنعة - طرد العكس - هي التي حببت إليه إثباته في مكانه؛ وإلا فإن هناك بحرا رحبا ولا فضاء قد صار مضيقا، ولا مضيق قد صار فضاء. وقال (فيها):
فأجعل البحر عصمة وابعث ... الرحمة فيها الرياح والأنواء(6/307)
يدعو (أمير الشعراء) أن يبعث الله الرحمة فيها الرياح والأنواء وهو في البحر كأنه طائر البحر الذي يأنس بالزوابع، وهل يكون البحر عصمة إذا هبت الرياح والأنواء؛ ثم أخذ يتصوف في أبيات، ثم طفر يتكلم عن البخار ولكن بشعور عرب الجاهلية، فقال (ص 2):
يا زمان البخار لولاك لم ... تفجع بنعمى زمانها الوجناء
وهل كان تحميل الناقة والسير عليها أياما وليالي في القفار نعمى لها حتى تفجع بها بسبب البخار؟ وقال (فيها):
فقديما عن وخدها ضاق وجه ... الأرض وانقاد بالشراع الماء
فهل صحيح أن وجه الأرض في القديم كان يضيق عن سير الإبل؟ وإن كان صحيحا فالإبل أفضل من البواخر. وهو في مقام تفضيل البخار عليها، كما يدل عليه قبل البيت قوله:. . .
(لولاك لم تفجع الوجناء) وإذا كان الماء قبل وجود البخار ينقاد بالشراع، فما فضل البخار عليه؟ - ثم أتى بأبيات كلها مبالغ فيه مبالغة شعراء القرون الوسطى إلى أن قال (فيها):
تشفق الشمس والكواكب منها ... والجديدان والبلى والفناء
ولا اعتقد أن شوقي عندما قال هذا البيت، كان يعتقد أن الشمس والكواكب كانت تخاف من قبور الفراعنة في مصر؛ ثم تأتي أبيات سخيفة وأخر عامرة. وقال (ص 3):
ليت شعري والدهر حرب بنيه ... وأياديه عندهم أفياء
ما الذي داخل الليالي منا ... في صبانا ولليالي دهاء
وأظن كهنة مصر الأقدمين أيضاً يعجزون عن فهم ما يريده منهما (أمير الشعراء)، وقال وراءهما (فيها):
فعلا الدهر فوق علياء فر ... عون وهمت بملكه الأرزاء
ولا أدري أي فرعون يعني، فهم كثار. و (همت) إذا تعدى بالباء، فهو بمعنى نوى الشيء وقصده ولم يفعل؛ فهل يريد أن الأرزاء أرادت أن تلم بملك فرعون، فلم تفعل؟ وهو خلاف الواقع، - ثم تأتي أبيات ركيكة(6/308)
قلقة القوافي، لا تمت حتى إلى الشعر القديم بواشجة وقال (ص 4):
قد أذل الرجال فهي عبيد ... ونفوس الرجال فهي إماء
جعل الرجال عبيدا، ونفوس الرجال إماء، فهل نفوس الرجال غير الرجال؟ - أم هل يلعب بالألفاظ، فيجعل النفوس إماء لأنها جمع نفس وهي مؤنثة من حيث اللغة سماعا. فهلا قال في الشطر الثاني: (وأذل النساء فهي إماء)؟
وقال بعد بيت (فيها):
ولقوم نواله ورضاه ... ولا قوام القلى والجفاء
ففريق ممتعون بمصر ... وفريق في أرضهم غرباء
وإذا كان رجال مصر يومئذ أذلاء عبيدا، ونفوسهم إماء كما صرح به في البيت المتقدم،
فمن هو هذا الفريق الممتع في مصر؟
(له بقية)
50 - ديوان العقاد
- 1 -
الأستاذ العقاد كاتب كبير وكنا نعتقد إنه كذلك شاعر كبير، حتى جاءنا ديوانه الجديد حافلا بما نظمه قديما وحديثا، فإذا هو دون ما أكبره تصورنا وإذا هو مشحون بالأغلاط والضرورات القبيحة، وإذا هو قبر للألفاظ الميتة دارس فيه كثير من العظام البالية، وإذا هو تافه المعاني في الأكثر، وإذا هو في كثير من قصيده يخرج عن الموضوع فلا تبقى فيه الوحدة المتوخاة منه، وإذا هو يبالغ أو يغرق في كثير من أبياته، وإذا هو يقلد القدماء فليس فيه ما يمت إلى الشعور بواشجة إلا أبياتا قليلة متفرقة هنا وهناك.
وكنا نراه قبل نشره ديوانه يطعن في مواهب كبار الشعراء، بل كان ينال من كل شاعر عربي تقريبا، مصريا كان أو شاميا أو عراقيا، فما كنا نفهم علة ذلك بعد سكوته الطويل عن الشعر والشعراء، حتى ظهر ديوانه العجيب فأدركنا السر.
وقد دفعني حبي للأدب. أن انقده نقدا نزيها كما هو عادتي عند ظهور كل ديوان لأديب قد اشتهر؛ فاذكر على سبيل الإجمال ما أجده فيه من الحسنات(6/309)
والسيئات، ففعلت وعسى أن لا يسوء الأستاذ نقدي هذا، ولي شفيع من قوله في صدر ديوانه:
فيه من الحكمة والغباء
فليلق بين القدح والثناء
ما شاءت الدنيا من الجزاء
ولما كان إظهار كل ما فيه من زيغ وشطط، يحتاج إلى زمان طويل اكتفيت بذكر ما هو بارز من الأغلاط أو سخيف من المعاني غير مغفل التنويه بما أجاد فيه فبرز على غيره ولله وحده العصمة.
قال ص 19 من قصيدة (فرضة البحر):
قطب السفين وقبلة الربان ... يا ليت نورك نافع وجداني
أن كان يريد فرضة خاصة فهذه ليست قطب جميع السفن، وقبلة كل ربان، كما يفهم من
الإطلاق، وإن أراد الفرضة عامة فما تعلقها بوجدانه ليكون نورها نافعا له أو غير نافع؟ والقصيدة برمتها في وصف الفرضة فما ادخل وجدانه في هذا الصدد؟
وقال:
يزجي منارك بالضياء كأنه ... أرق يقلب مقلتي ولهان
و (يزجي) يتعدى بنفسه لا بالباء.
وقال:
وعلى الخضم مطارح من ومضه ... تسري مدلهة بغير عنان
المطارح هي المواضع التي يطرح إليها الأشياء، وهي من البحر المواضع التي يصيبها ومض المنار؛ وهذه ثابتة لا تسري بل الذي يسري هو ومض المنار وهو غير المطارح.
وقال:
تخفى وتظهر وهي في ظلمائها ... باب النجاة وموئل الحيران
افهم أن تكون مطارح ومض المنار في ضيائها باب النجاة وموئل الحيران ولا افهم أن تكون كذلك في ظلمائها. ثم قال:
أمسيت إحداق السفائن شرع ... صور إليك من البحار رواني
ولو نصب (شرع) على الحالية لخلا البيت من تتابع الأخبار شرع، صور. رواني. وقال:(6/310)
فكأن ضوء منارها نار القرى ... لو كان يبعث ميت النيران
ولا أدري لماذا جعل بعث ميت النيران ممتنعا، كما يدل عليه (لو)؟ ولماذا علق كون ضوئها مشبها نار القرى ببعث ميت النيران؟
وفي القصيدة أبيات رائعة كقوله:
بسطت ذراعيها تودع راحلا ... عنها وتحفل بالنزيل الداني
زمر توافت للفراق فقاصد ... وطنا ومغترب عن الأوطان
متجاوري الأجساد مفترقي الهوى ... متبايني اللهجات والألوان
وقال من قصيدة (عزاء):
يا شاكيا وصبا أحاط بنفسه ... أربع عليك لكل يوم كوكب
وقد شرحه بقوله: أن الأيام تختلف كواكبها فيوم للنحس، ويوم للسعد وأني استحلف القراء
هل يفهمون من قوله: (لكل يوم كوكب) هذا المعنى قبل مراجعة الشرح؟ وقال:
أنت النعيم لناظري وخاطري ... عجبا وحقك من نعيم ينحب
أهذه المغالطة من الشعور الذي يدعو الأستاذ الشعراء إليه؟ وهل يخرج من كان نعيما للأنظار بجماله عن كونه إنسانا يتألم؟ وقال:
يشكو من الدنيا الألى لولاهم ... ما كانت الدنيا تحب وترغب
و (رغب) فعل لازم لا يبنى منه المجهول إلا بحرف الجر و (رغب) لا يحذف منه حرف الجر لأنه يتعدى بحرفين مختلفين (فيه وعنه) ويختلف معناه بموجبهما فأي معنى يريده منهما؟ وإذا صحت قاعدته من أن الذين تحب الدنيا بهم يشكون من الدنيا فما باله قد تعجب في البيت قبله من نحيب حبيبه؟ وقال:
قد كنت تبلغ ما تروم وتشتهي ... لو أن للأيام عينا ترقب
ولكن الأيام ليس لها عين ترقب فأنت لا تبلغ ما تروم وتشتهي. هذا هو المعنى الذي أراده فهل يلائم قوله بعده:
لا يذهبن بك القنوط فربما ... عاد الصباح وأنت لاه تطرب
إذ كيف يؤمل له أن يلهو ويطرب بعدما أحال أن ينال ما يروم ويشتهي؟ وقال من قصيدة (فينوس) ص 21 وقد عربها من شكسبير:(6/311)
وتنفخ في روع الغبي فينبري ... فصيحا ويغدو مدره القوم ابكما
فقوله: (ويغدو) معطوف على (فينبري) وهو معطوف بفاء التفريع على تنفخ في روع الغبي، فكيف يكون الغبي مدرها؟ وإذا تسامحنا فقلنا إنه معطوف على (تنفخ) فبأي شيء يغدو المدره ابكم إذ لا تعلق للنفخ به، وقال ص 22: (عرامة مجنون ورقة مائق) وشرح العرامة بالشراسة، والمائق بالأحمق، وإذا كانت الكلمتان تحتاجان إلى شرح فلماذا جاء بهما؟ ولماذا لم يضع مكانهما الكلمتين اللتين شرحهما بهما؟ والوزن مساعد فيقول: (شراسة مجنون ورقة أحمق) ثم لا أدري متى كان الأحمق رقيقا، بل الحقيقة أن الإنسان كلما زادت حماقته اقترب من الحيوانية، فكثرت غلطته، وقال (ويسفه فيك الشيخ أن بات مغرما) وأحسن من قوله (إن بات) (قد بات) ليكون حالا. وقال (عسوفا إذا ما الخوف قد كان احزما) ولا تجتمع (قد) للتحقيق والشرط فلا يقال (إذا ما زيد قد أتاني) لأن الشرط مشكوك
في وجوه فلا يناسبه التحقيق. وقال (وأنت بأن تقسو جدير وترحما) أليس عجيبا أن لا تنصب (أن) فعل المضارع بها - تقسو - وتنصب الفعل البعيد عنها - وترحما - بواسطة العطف؟. وهذا قبيح وإن جاز. وقال:
وإن شئت أزجت الجبان فاقدما ... ووسوست في قلب الجريء فأحجما
وهو في صدد ما سيصيب الحب من الكوارث أو التناقض، فقوله (أن شئت) ينافي ما يريده. فما دام الأمر قائما بمشيئة الحب فالحب لا يشاء ما يكون فيه زراية عليه، فهو لا يورط نفسه. وقال (ألا ولتفرق والدا عن وليده) واللام للأمر الغائب فلا يدخلها الفصحاء على المخاطب. وقال ص 23:
أحمل هذا الدهر ذم صنيعه ... كما يحمل العبد السياط ليضربا
ويشبه عبد السوء في كل فعله ... فيضرب أحيانا وما زال مذنبا
شبه الأستاذ الدهر بالعبد الذي يضرب بالسياط، ولا أحسب أن الأدب العصري يهضم مثل هذا التشبيه، والأستاذ إنما تبرم بالدهر لأن الدهر ضربه ومن هنا تعرف أيهما الضارب.
وقال من قصيدة (أنس الوجود) ص 24 بعد أبيات:(6/312)
تصاحبتما قدما فيا بدر هل ترى ... عراص الثرى يوما بموضعه قفرا
الخطاب للبدر وللقصر الذي ذكره في البيت السابق والمعنى غير مفهوم وقال:
عبرنا إليه النهر ليلا كأننا ... عبرنا من الماضي إلى الضفة الأخرى
أتراه يريد بالماضي الضفة التي عبر منها؟ ولا أدري لماذا عده ماضيا.
وقال ص 25 (قضى نحبه فيه الزمان الذي مضى) وإذا كان الماضي قد قضى فيه نحبه فإن آثار فيه باقية، كأنها لم تقض نحبها. وقال بعد أبيات لا تستخرج منها معنى واضحا:
ويا رب أرباب قضى الموت حكمه ... عليها فسواها بعبادها الحيرى
يريد أن الموت اهلك الأصنام كما أهلك عبادها ولكن الهالكين لا يكونون حيرى. وقال:
فيا عابديها قد ذهبتم بسرها ... فقوموا فأفشوا الآن ذيالك السرا
والبيت يدل على أن عبادها لم يكونوا حيرى فانهم يعرفون سرها وإلا لم يطلب منهم إفشاءه. وقال:
أقامت على عهد الشموس ولم يكن ... مقيم على عهد الكواكب في مصرا
ولعل الناظم نفسه لا يفهم ماذا أراد بهذا البيت. وقال راجزا:
يا للسماء البرزة المحجوبة ... أعجب ما أبصرت من أعجوبة
تروعنا أنجمها المشبوبة ... تهولنا قبتها المضروبة
كأنها الهاوية المقلوبة ... كأنها الجمجمة المنخوبة
تهمس فيها الذكر المحبوبة
والذي يشبه السماء بالهاوية المقلوبة لا يشبهها بالجمجمة المنخوبة (!). وقال ص 27:
الشمس والبحر المريج تلاقيا ... أم الضياء ومعدن الأنعام
إذا تلاقى الشمس والبحر فكلاهما المريج فما وجه تخصيصه البحر به. وقال:
دهر يدور صباحه ومساؤه ... متعاقبان على مدى الأيام
والأولى جعل (صباحه) فاعلا ليدور ونصب (متعاقبان) على الحالية. وقال ص 28:(6/313)
يرفان في الحسن القشيب كأنما البسنه يبقى على الأعوام
والصواب (كأن ما) ليعود ضمير يبقى إلى (ما). وقال:
والنجم في غسق المساء كأنه ... شرر تطاير في خلايا أيام
والأيام بالتخفيف هو الدخان وهو من الكلم الميتة منذ الجاهلية. وقال:
بوركت فاغمر بالظلام ظلامي ... يا مغرق الأفراح والآلام
ولا أدري لماذا يكون الليل مغرق الأفراح والآلام وهما في الغالب يشتدان فيه. ولعله أراد بالإغراق إخفاءهما.
وقال من قصيدة (الشاعر الأعمى) ص 29:
وتسلبني نورا أراك بوحيه ... فأظهر ما أخفى سواد الدياجر
وكان عليه أن يقول (كنت أراك بوحيه) لأنه في الحال لا يراه وقد أجاد في قوله:
وهل كنت أخشى الموت إلا لأنه ... يحجب عني حسن تلك المناظر
وقال من قصيدة العقاب الهرم ص 30:
يهم ويعييه النهوض فيجثم ... ويعزم إلا ريشه ليس يعزم
وكان الصحيح أن يقول إلا ريشه فهو لا يعزم أو إلا أن ريشه ليس يعزم فإن (ريشه) مستثنى منصوب فلا يصح أن يخبر عنه بقوله: (ليس يعزم) وأحسن من (ريشه) (حوله)
بمعنى قوته فإن المانع عن طيرانه هو الخور فيه لا ريشه. وقال:
لقد رنق الصرصور وهو على الثرى ... مكب وقد صاح القطا وهو أبكم
و (رنق) بمعنى خفق بجناحيه ورفرف ولم يطر لا كما شرحه بقوله طار طيرانا خفيفا، ومن عرف حياة العقبان علم إنها وإن هرعت لا تقع مواقع الصرصور. وقال:
جناحين لو طارا لنصت فدومت ... شماريخ رضوى واستقل يلملم
رضوى ويلملم جبلان بالحجاز والبيت أقرب في أسلوبه إلى شعر الجاهلية. يريد لو طار ذانك الجناحان، لطار رضوى ويلملم أي أن طيرانهما محال كطيران(6/314)
هذين الجبلين وما كاد أجدره بالتباعد عن هذه المبالغات، وهذا الشعور الجاهلي وقال:
ويغمض أحيانا فهل أبصر الردى ... مقضا عليه أم بماضيه يحلم
ومعنى (أقض) خشن وهو إنما يستعمل في المضجع ولعله ظن مقضا بمعنى منقضا؟ وأحسن من (أبصر)؛ (وجد). وقال:
وما عجزت عنك الغداة وإنما ... لكل شباب هيبة حين يهرم
الذي أعرفه أن الشباب لا يجتمع والهرم.
وهناك قطعة بعنوان (إلى السعادة) هي جد جميلة لولا البيت:
إن الحبيب بغيض ... إذا أستمر بخالك
والخال هو الخيلاء. ولولا أن الفكرة غير طبيعية ولا أشك في أن الأستاذ كغيره يركض وراء السعادة التي يذمها. وهي كالسراب تبتعد عنه وقال من قصيدة (النوم) ص 31:
أيا ملكا عرشه في العيون ... يظلل دنيا الكرى بالجناح
والملك الذي يناديه هو النوم والكرى أيضاً هو النوم فهل يظلل النوم دنيا النوم؟ - أي يظلل نفسه؟ - وقال:
وتدني إلينا بعيد الرجاء ... إذا الدهر ما طلنا بالسماح
والنوم قد يدني بعيد الرجاء في الحلم فلا يصح الإطلاق. وقال:
إذا كان عش الفتى لا يدوم ... فهزل المنام كجد الصباح
وقد أراد هزل المنام كجد اليقظة. فلما لم تؤته القافية قال كجد الصباح. والصباح لا يقابل المنام وكثيرا ما يحلو النوم في الصباح.
وقال من قصيدة (الليل والبحر) ص 32:
غرب البدر أم دفين بقبر ... وهوى النجم أم أوى خلف ستر
والذي أعرفه ويعرفه كل واحد هو أن القمر في حالة البدر لا يغرب عن عين الرائي فهو يبقى فوق الأفق إلى الصبح وإلا لم يكن بدرا. ثم قال:
ضل هادي العيون وأحلولك الليل ... فلا فرق بين أعمى وهر
ولا أحسب أن القمر إذا غاب، أحلولك الليل، إلى درجة أن يتساوى الأعمى والهر الذي يرى بنور النجوم ما لا يراه الأعمى، على أن كلمة الهر في(6/315)
البيت لا يستملحها القارئ. وقال من قصيدة (عظمة الجمال):
أوتيت من حسن الشمائل نعمة ... والحسن في الدنيا من الآفات
وإذا كان الحسن من الآفات فكيف يكون نعمة؟ ومما أجاد فيه قوله:
كالبدر يأتم السراة بنوره ... ولقد يضيء مواقع الشبهات
وقال من قصيدة (أين الدموع) ص 35:
لو جرت في السحاب أجفل أو يأ ... زم عن سبحه الفضاء الوسيع
الضمير في (جرت) راجع إلى العبرات قبل البيت وفيه مبالغة تدل على إنه ليس بشعر الشعور وعطف (يأزم) وهو مضارع على (أجفل) وهو ماض على أن يكونا جوابا لقوله (لو جرت) قبيح. وهذه القصيدة كلها تافه. وقال من قصيدة (الصبر):
أكان للمرء أيما أرب ... في الصبر لولا كوارث الزمن
وليس من الصواب جعل (أيما) وهي للاستفهام اسما ل (كان) المصدر كذلك بهمزة الاستفهام. ثم أن (أي) لها صدر الكلام فلا يجوز من هذا الوجه أيضاً جعله اسما لكان. وقال:
الخطب يعرو والصبر يعقبه ... يا بئس من صاحبين في قرن
نعم يجوز حذف فاعل (بئس) والاستعاضة عنه بنكرة منصوبة على التمييز أو مجرورة بمن، ولكن هل يجوز مع ذلك حذف المخصوص بالذم كما في بيت الأستاذ؟ هذا ما ارتاب فيه. وقال ص 36:
لست على الصبر مزريا أبدا ... الصبر دأب المجرب الطين
يتعدى (أزرى) على الفصيح (بالباء) وقد جاء بمعنى زرى ولما كان (مزريا) في البيت بمعنى زاريا كان عليه أن يقول: لست على أحد مزريا الصبر. وأبرد ما في القصيدة قوله:
والعيش عيشان جانب دمث ... واللب منه في الجانب الخشن
والموت موتان موت ذي دعة ... لا حسن فيه وموت ذي الكفن
ولا أدري كيف يكون موت ذي الكفن قسيما لموت ذي الدعة. فهل جميع ذوي الأكفان غير وادعين؟
(له تلو)(6/316)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - نهضة التمثيل في مصر
لما كانت عناية جلالة ملكنا المعظم بترقية التمثيل في العراق بلغت أقصاها وكان أقرب الشواهد عليها عنايته برواية (ليلى وسمير) لشاعرنا الفيلسوف الكبير الزهاوي نذكر في هذا الصدد بأننا علمنا من مراسلنا الإسكندري حضرة الأستاذ يوسف أفندي أحمد طيرة (أن جلالة ملك مصر قرر تخصيص مبلغ 1500 جنيه مصري جوائز تمنح لمؤلفي الروايات التمثيلية على ثلاث سنين ينفح منها في كل سنة خمسمائة جنيه تشجيعا للتمثيل العربي وإعانة لإحسان التأليف الروائي. وقد قسمت وزارة المعارف المصرية مبلغ الخمسمائة جنيه الخاصة بهذا العام إلى ثلاث جوائز: الأولى بمبلغ ثلاثة وخمسين جنيها والثانية بمائة والثالثة بخمسين بحيث تمنح الجائزة الأولى لمن يقدم أحسن رواية عربية تمثيلية والأخريان للذين يليانه في النجاح. والوزارة تترك موضوع الرواية ونوعها الفني لرأي المؤلف بشرط أن تكون رواية جديدة مصوغة في قالب عربي سهل فصيح. ويطلب من الذين يريدون الاشتراك في هذه المباراة أن يقدموا رواياتهم إليها قبل نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام).
فنلفت نظر وزارة معارفنا إلى هذه الظاهرة الجديدة في نهضة الثقافة المصرية، وحبذا لو جاد علينا الأستاذ طيرة بنبذة عن حالة التمثيل في مصر الآن كما جاد سابقا بحواره للدكتور أبي شادي ذلك الحوار الجامع الشائق عن الشعر في مصر، ونشكر له سلفا هذه المعاونة الأدبية.
2 - الخدمة الصحية في العراق
خلاصة حوار للدكتور حنا بك خياط مدير الصحة في العراق
(لما غادر الترك العراق لم يكن في الديار العراقية كلها سوى عشرة أطباء وبضعة مستشفيات صغيرة لا يزيد ما فيها من الأسرة على خمسين وكان يعاون أولئك الأطباء ستة من الصيادلة لا غير.(6/317)
أما الآن ففي ديارنا خدمة صحيحة منظمة على أحدث طراز ففيها من المستشفيات خمسة وعشرون بين كبير وصغير، فيها ألف وخمسمائة سرير.
وعندنا من الأطباء سبعون مبثوثون بثا بموجب (المتصرفيات والأقضية) ففي العراق أربعة عشر لواء وفي كل لواء طبيب يلقب (برئيس الصحة) وينقسم اللواء إلى (أقضية) وفي كل قضاء طبيب. وينقسم القضاء إلى (مديريات) وفي كل مديرية كبيرة طبيب.
ويدير كلا من المستشفيات طبيب متخصص وبين أطباء المستشفيات سبعة عشر طبيبا إنكليزيا. جميعهم من المتخصصين في فروع معينة. وهم يقومون بتدريس تلك الفروع في المتقن الطبي الجديد الذي أنشئ في العاصمة في أول سنة التدريس الحالية (في ت1 سنة 1927).
والمتقن خاص بالحكومة والتدريس فيه بلا أجرة ويشترط على من يقبل فيه أن يخدم الحكومة أربع سنين في الألوية والأقضية. ولما فتح المتقن أبوابه تقدم ثمانون طالبا لتلقي العلوم الطبية فيه فلم يقبل منهم سوى عشرين. والعمل جار بكل همة ونشاط.
وبين الأطباء من هم غير عراقيين ويدفع لكل منهم ثلاثون جنيها في الشهر. وعندنا أربعة معاهد طبية يتولى شؤونها أطباء إنكليز ويعاونهم أطباء عراقيون وهذه المعاهد هي:
1 - معهد باستور.
2 - معهد للأشعة المجهولة.
3 - معمل كيموي.
4 - معهد لتحضير المصل ومواد التلقيح على اختلاف أنواعه.
ولكل من هذه المعاهد مركز في بغداد وفروع في البصرة وكركوك والموصل.
وعندنا أيضاً ثلاثة مستشفيات للتدريس ومدرسة للقابلات ومدرسة لتعليم طبابة الأسنان وللمعاونين الصحيين.
وفي العراق ثلاثة محاجر صحية تشتمل على مستشفيات لاحقة بها. واكبر هذه المحاجر محجر البصرة وقد أنفقت عليه الحكومة مليونا ولكي ربية (نحو مائة ألف جنيه) والمحجر الثاني في خانقين على تخوم إيران. والثالث في الرمادي على حدود سورية وقد تم إنشاؤه في هذه السنة وفتح في أوائل هذه السنة (1928) ويبلغ عدد موظفي(6/318)
المصلحة العراقية
825 وميزانيتها مليونين و600 ألف ربية والحالة الصحية في العراق مرضية للغاية. وفيها استعداد تام لمكافحة كل داء ووباء.
3 - قضية صيدلي النجف
أتمت المحكمة دعوى جميع المتهمين في هذه القضية فحكمت على كل شخص منهم بالسجن لمدة ثلاثة أشهر وينفذ على الإيرانيين منهم بعد قضاء مدة الحكم النفي إلى خارج العراق. وقد ثبت أن هؤلاء الأشخاص أخلوا بالأمن وإن مفوض الشرطة السيد مهدي أفندي لم يقم بوظيفته على أصولها لأنه أهاج الرأي العام أمام الصيدلية.
ولم يظهر حتى الآن شيء بخصوص تعويض خسائر الصيدلي التي تقدر بخمسة عشر ألف ربية (كذا).
4 - مظاهر طلاب مدرسة السيف في البصرة
وقع سوء فهم بين مدير المدرسة جاسم أفندي شوقي وبين المدرس عبد الواحد أفندي. فرأي مدير المعارف لمنطقة البصرة من المناسب أن ينقل الأستاذ المذكور إلى مدرسة أخرى حسما لكل نزاع. فلما لم يحضر عبد الواحد أفندي في صفه في 7 نيسان وعلم الطلبة من مدير المعارف إنه لا يعود إليهم ليدرسهم وسمعوا منه أنهم مخيرون بين البقاء والخروج، خرج تلاميذ الصف الخامس وعددهم 73 ثم الصف الرابع ثم خمسة من الصف الثالث والثاني وعند خروجهم قاموا بمظاهرة بالطرق وبأيديهم العلم العراقي وهم (يهوسون) صارخين: لتحي الحرية.
وفي اليوم التالي وهو نهار الأحد 8 نيسان اجتمع الطلبة في المحل الذي اتفقوا على تعيينه وقاموا بمظاهرة ثانية وساروا في الطريق (يهوسون) وينشدون الأناشيد ويلقون المحفوظات بحماسة لا مزيد عليها. ثم وعدوا بإصلاح ذات البين فتفرقوا.
5 - صرعى الانتخابات في بغداد
منذ أن بدأت الانتخابات حمي الوطيس بين الرجال، واتفق أن في ليلة السبت الواقع في 21 نيسان كان بعض المنتخبين قد اجتمعوا في محلة (دكان سمعو) ثم حدث جدال بين إبراهيم معاون مدير الإطفائية ورشيد خطاب النائب السابق ومع المتجادلين أخوان وأقران،
ثم ساءت المجادلة فانتقلت إلى المضاربة فقتل بكر مدير مال الكاظمية رميا بالرصاص وطعنا بالخناجر ثم وقع أخوه عمر رئيس مهندسي دائرة الطابو فنقل(6/319)
إلى داره وهناك فاضت روحه.
وجرح في هذه الواقعة رشيد خطاب وأخواه توفيق وأمين واحمد محمود الجندي وإبراهيم المهدي فنقلوا إلى المستشفى.
وفي صباح 22 نيسان قصد الرجل محمد ولي المستشفى فسأل عن إبراهيم قائلا هلب مات أو لا؟ فاشتبه به ولما عاد من المستشفى هجم عليه شخص (يقال إنه قصاب) وطعنه بسكين فصرعه يتخبط في دمائه. ولما فتش وجد عنده خنجر مان قد ربطه بساقه عند دخوله المستشفى وفي صباح ذلك اليوم شيعت جنائز الجميع ودفنت بإكرام.
6 - انهدام حائط
سقط حائط دير الراهبات الدمنكيات الواقع في رأس القرية في نحو الساعة السابعة صباحا من نهار 27 نيسان، ولما كشفت الأنقاض وجد تحتها ثلاثة اخوة وهم جورج وجوزيف ونجيب أولاد طوبيا وكانوا ذاهبين إلى مدرسة طائفتهم الكلدانية المعروفة بمدرسة الطاهرة وكان عمر أكبرهم 13 سنة أصغرهم 8 سنوات. ووجد معهم حمال كردي بعمر 18 سنة وكان بيده دراهم. فهؤلاء جميعهم كانوا مارين بالشارع الضيق المذكور فأهلكهم في سقوطه ووجدوا جميعهم واقفين مستندين إلى الحائط الذي يحاذي دير الراهبات.
ولا حاجة إلى تفصيل ما حدث بوالدة هؤلاء المساكين عند رؤيتها جثثهم ألهمها الله الصبر ورحم الجميع.
7 - خلاصة التقرير الأسبوعي
لأشغال الصحة بالموصل
نهاية الأسبوع 18 - 2 - 1928
الولادات
ذكورإناثالمجموعمسلمونمسيحيونيهود32316341184الوفيات
ذكورإناثالمجموعمسلمونمسيحيونيهود2117382684الأمراض المعدية
ذكور: 24، إناث: 15، المجموع: 39(6/320)
العدد 59 - بتاريخ: 01 - 05 - 1928
تآخي العربية واللغات الغربية
كتب بعض علماء الغرب من المتوغلين في المباحث اللغوية، وأسرارها، ومقابلة بعضها ببعض، أن لا علاقة للغات السامية - على اختلاف أنواعها - باللغات الغربية القديمة، كاليونانية والرومية (اللاتينية)، والانكلو صكصونية وكاد يتفق جميعهم على هذا الرأي؛ إلا أن بعضهم - وهم النفر القليل - قال بأن هناك واشجة تمت إلى اللغة العبرية ببعض ألفاظ. وما كاد أصحاب هذا المذهب ينطقون به حتى قام عليهم خصومهم فأسكتوهم بلا أدلة قوية.
على أننا قد استقر بنا ألفاظا كثيرة في اليونانية والرومية فرأينا إنها لا تؤول تأويلا حسنا إلا بالنظر إلى لغتنا الشريفة وقد رأينا هذه المشابهة عظيمة بين اليونانية والعربية في مفردات تقارب الألفين. ورأينا مثل هذه المشابهة بين الرومية والعربية في نحو ألف لفظة. ولابد من أن نذكر شواهد على كلتا اللغتين في مقالة طويلة ندرجها شيئا بعد شيء حين ينفسح لنا المجال في هذه المجلة والمستقبل أحسن كفيل لنا.(6/321)
كتاب الديارات
في الجزء الأول من مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري، تحقيق الأستاذ أحمد زكي باشا.
ذكر ابن خلكان في ترجمة الشابشتي مصنف كتاب الديارات المشهور أن في هذه الديارات تآليف كثيرة (وفيات الأعيان ص 426)، ومن الأسف إنه لم يجل في خاطره أن يعدد لنا أسماءها. وقد تتبعتها في جميع المخطوطات والمطبوعات في التراجم والتاريخ والأدب التي تسنى لي الوقوف عليها في دور الكتب، فلم اهتد إلى أكثر من ستة منها فقط. ولاشك أن شهاب الدين العمري وقف على معظمها حين افرد في كتابه مسالك الأبصار الذي أبقاه لنا ذخرا من أنفس الآثار هذا الفصل، الجامع بين الجد والظرف، والمجون والهزل. وقد نقل فيه مرارا عبارات من تقدمه من مؤرخي الديارات، كأبي الفرج الاصبهاني،
والشابشتي، والخالدي. ولم يقتصر فقط على تلخيص أقوالهم بل أضاف إلى صفحاتهم صفحات أخرى لا تقل عنها جزالة وتأنقا وجودة اختيار للنكتة والنادرة، دون فيها أخبار الديارات التي عرفها أو مر بها في الشام وفلسطين فأتم بذلك ما كان ناقصا، وأعاض عن بعض ما كان ضائعا.
ومعلوم أن أكثر هذه التأليف التي أشار إليها ابن خلكان قد اغتالته أيدي النوائب والضياع ولم يسلم من كل تلك الاعلاق والنفائس إلا عقد فريد أو هي الدهر نظامه، ونثر بعض درره، وهو كتاب الديارات للشابشتي الذي انتهى إلى خزانة برلين بعد أن سقط منه قسم من أوله، وأوراق في أثنائه، ذهبت بذهابها خصوصا أخبار ديارات الشام برمتها، ولم يخلص منها إلا ذكر دير البخت فقط على قلة ما فيه. وقد اشتهر هذا الكتاب وسار ذكره في الأندية والمجالس حتى قل من تناول ذكر الديارات بعده، دون أن يستعير منه شيئا. وهذا ياقوت الرومي على وفرة علمه وسعة محفوظة لم ير بدا من الاستعانة به(6/322)
على وصف الديرة في ما عدده منها في معجم البلدان. ولو شاء أحد مريديها في هذا العصر أن يتقفى آثار الشابشتي في كتابي ياقوت والعمري وسائر من حذا حذوهما بين الأدباء والمؤرخين لأمكنه أن يجمع من هذه النقول والعواري المتفرقة عدة صفحات كانت تصلح اليوم لمعارضة بقية الأصل الموجود أو الاستعاضة عن المفقود، لولا أن كل من حكى عنه شيئا أداه في الغالب أما ببعض تصرف في اللفظ أو بالاختصار.
وقد قابلت خصوصا بين ما ذكره العمري، وبين ما هو مثبت في نسخة برلين، فوجدت بين النصين بعض التفاوت والإيجاز في النثر وتقديما وتأخيرا ظاهرين واختصار غير قليل في النظم. وقد أشار الأستاذ المحقق إلى بعض هذا الاختزال مرتين في أبيات ص364 و371 مرة واحدة في متن ص 363 واغفل في ما عداها مواطن كثيرة على شاكلتها. وبالأجمال ندران ترد أبيات عن الشابشتي في العمري دون أن تكون مبتورة أو مبدلا فيها وإن كان بعض هذا التبديل لا يخلو أحيانا من وجه من الصحة أو يكون ناشئا عن اختلاف في بعض الروايات أو في النسخ المتداولة.
ولا بأس أن أورد هنها مثالا من هذا التغيير والاختزال يكون شاهدا على طريقة العمري في العبث بالشابشتي. قال في كلامه عن دير سابر: (وأورد الشابشتي فيه للحسين بن
الضحاك أخبارا ظرافا وانشد له أشعارا لطافا منها) ونقل هنا ستة أبيات اجتزئ منها بهذه الثلاثة:
أما ناجاك بالوتر الفصيح ... وأن إليك من قلب الجريح
ألا يا عمرو هل لك بنت كرم ... هلم إلى صفية كل روح
فقام على تخاذل مقلتيه ... وسلسلها كأوداج الذبيح (العمري ص 278)
وهذه الأدبيات في الشابشتي اثنا عشر بيتا فيكون المنقول منها نصفها فقط. وفي هذا النصف نصف آخر في كل نصف بيت منه فرق غير قليل وهي في الأصل:
أما ناجاك بالنظر الفصيح ... وان إليك من قلب قريح
ألا يا عمرو وهل لك في الصبوح ... هلم إلى صفية كل روح
فقام على تخاذل مقلتيه ... وسلسل بالسنيح وبالبريح (الشابشتي ورقة 23)(6/323)
وقد سكت الأستاذ المحقق عن كل هذا الاختلاف ونظائره مع أن نسخة الشابشتي كانت لديه:
وربما تعدى هذا الاقتصاد والتبديل إلى النثر أحيانا وأحال بعض معانيه كقول العمري في دير قوطا (قال الشابشتي وهذا الدير يجمع أموالا كثيرة من عمارته وكثرة فواكهه وما يطلبه أهل البطالة فيه) (ص 280) وإنما قال الشابشتي (وهذا الدير يجمع أحوالا كثيرة. منها عمارة البلد وكثرة فواكهه ووجد جميع ما يحتاج إليه فيه. ومنها أن الشراب مبذول هناك والحانات كثيرة. ومنها أن في هذا الموضع ما يطلبه أهل البطالة والخلاعة من الوجود الحسان والبقاع الطيبة النزهة) (الشابشتي ورقة 25) وشتان بين الأموال والأحوال في القولين.
وقريب من هذا الاختصار المخل قوله في دير الخوات (وعيده الأحد الأول من الصوم. قال الشابشتي وتسمى ليلة الماشوش) (ص 282) وليس في العبارة ذكر لمرجع الضمير في تسمى. وهي في الشابشتي (وعيده الأحد الأول من الصوم وفي هذا العيد ليلة الماشوش) (ورقة 38). وعلى ذكر هذه الليلة فقد ذكر الأستاذ في باب التصويبات والتصحيحات إنه أكثر من البحث والتسآل عن لفظة ماشوش فلم يظفر بطائل وإن العلامة الأب انستاس الكرملي أفاده أن ما رواه الشابشتي هو خرافة. قال ولا مانع عندي من الانضمام إلى رأيه
الرشيد (ص 10) قلت وقد وفقت في التنقيب عن أصل هذه الكلمة وتاريخ هذه الخرافة للوقوف على عدة فوائد مأثورة وشواهد لبعض مؤرخي الإسلام جديرة أن تفرد لها مقالة برأسها فأدخرها إلى فرصة أخرى.
وقد صرح الأستاذ في المقدمة التي ساقها بين يدي هذه الطبعة أن الجزء الأول من المسالك الذي نقل عنه قد قرأ على المؤلف نفسه. وفيه زيادات بخط يده كتبها في جزازات. فيترتب على ذلك أن نسخة الشابشتي التي كانت بين يدي العمري كانت غير كاملة في بعض صفحاتها أو مشوشة في وضعها لأنه في كلامه عن دير الخوات المشار إليه آنفا نسب إلى الشابشتي أبياتا لجحظة زعم إنه قالها في الدير وهي:(6/324)
وحانة بالعلث وسط السوق ... نزلتها وصارمي رفيقي. . .
ولم ترد هذه الأبيات في الشابشتي وإنما هي كما يتبين لأول وهلة مقولة في دير العلث لا في ليلة الماشوش حسبما جاء غلطا في الفهرس (ش). وقد اغفل العمري هذا الدير ولم يشر إليه بحرف مع إنه في الشابشتي قد وقع في تسع صفحات كاملة (39 - 43) فضلا عن ذكره في معجم البلدان. فلا ريب إنه كان هنالك كلام في دير العلث يلي الكلام في دير الخوات كما هو في نسخة برلين فسقط من نسخة العمري أو من قلم الناسخ أو فات الانتباه إليه.
ويشبه هذا النقص والتشويش ما جاء للعمري في تعريفه دير قني ودير العاقول. قال: (دير قني وهو ببغداد والمدائن. ودير العاقول أسفل منها باثني عشر فرسخا (كذا ص 256) وما أدري كيف يمكن أن يكون دير قني في بغداد والمدائن معا وبين البلدين في قول ياقوت ستة فراسخ (ج 4 ص 447) ولا كيف يكون أيضاً في بغداد وقد صرح الشابشتي إنه (على ستة عشر فرسخا من بغداد منحدرا في الجانب الشرقي بينه وبين دجلة ميل ونصف وبينه وبين دير العاقول بريد (ورقة 116) ولا يخفى ما في نص العمري كما هو مطبوع من الأشكال والقلق فيتحتم أن يكون قد سقطت منه بعض عبارات نشأ عن سقوطها هذا الاضطراب والتناقض.
وقد كان ينتظر من صاحب السعادة أحمد زكي باشا الأستاذ المشهور وهو قد وسع كل شيء علما، وقتل كل علم بحثا وفهما، أن ينبه على كل ذلك وأشباهه لما في هذا التنبيه من الشأن
والفائدة في التعريف بهذا الكتاب الذي خدمه هذه الخدمة الجلى وأغناه بكل هذه الحواشي والتدقيقات والهوامش والاستدراكات والتصويبات والتصحيحات وأبرزه بعد ذلك في هذه الحلة القشيبة الزاهرة التي استحق من اجلها ابد الدهر أطيب الثناء واجزل الشكر وأصبح بمثل هذا الإبداع فيها إماما يجدر أن يأتم به كل من نشر كتابا في كل قطر، على إنه لو كان أعار بعض هذه المصادر والمراجع التي رد إليها المطالع نصيبا أوفر من الاعتبار والالتفات وعارض بين ما ورد فيها وبين ما تمثل له في نسخة العمري لكفى نفسه بعض مؤونة هذا العناء الشاق الذي تحمله أحيانا في التخريج والتعليل وتيسر له(6/325)
تقويم بعض الأغلاط من أقرب سبيل. وقد روى بيتا للصنوبري من قصيدة قالها في دير زكي وصف به البهار فقال:
وبهار مثل الزنانير محفو ... ف بزهر الخيري والحوذان
ومن البين الواضح أن ليس للزنانير محل في هذا التشبيه وإن اللفظة محرفة عن الدنانير ولو ألقى نظرة واحدة على الشابشتي الذي كان له على طرف الثمام نقرأ فيه (وبهار مثل الدنانير). واستغنى عن هذه الشروح والتأويلات التي شغل بها مقدار صفحة من باب التصحيحات وبقي بعدها مترددا بين الزنانير والزنابير والدنانير (ص 10). ومثله ما ذكره في تصحيح عمر عسكر بعمر كسكر (ص 13 من التصويبات) واللفظة واردة بهذه الصورة في الشابشتي وياقوت فلم تكن من ثم حاجة إلى التوقف في الاستفتاء في شأنها. وابلغ من ذلك ما عاناه في تفسير قول أبي الفرج الاصبهاني في كلامه عن دير اللج (أن النعمان كان يركب في كل أحد إليه وفي كل عيد معه أهل بيته. . . فإذا قضوا صلاتهم انصرف إلى مستشرفه على النجب) (ص 326) قال في التصحيحات (ومن الأسف أنني لم اعثر على كتاب الديارات لأبي الفرج لتثقيف هذه الكلمة (النجب) والحكاية غير واردة في الأغاني. وأني أتخيل إنها محرفة عن النجف (ص 14) قلت ومن الأسف أيضاً أن يتطلب كتاب الديارات لأبي الفرج وهو مفقود ولا يخطر في باله أن يراجع كتاب معجم ما استعجم للبكري وهو موجود بل من الغريب أن يكون هو الدال على الصواب ولا يتبعه ويكون أول من أشار على المطالع في حاشية (ص 326) التي علقها على دير اللج أن ينظر في كتاب البكري (ص 366) ولا يكلف نفسه النظر في هذه الصفحة عينها ولو فعل
لقرأ فيها قول أبي الفرج (فإذا قضوا صلاتهم انصرف إلى مستشرفه على النجف) ولضرب صفحا عن هذه الصفحة الكاملة التي تكلفها لإثبات ما أصاب في تخيله.
ومما فاته استدراكه أيضاً دعوى العمري في دير البغل شمالي دير شعران بمصر (ص 369) قال الحاشية أنظر ما أورده أبو صالح الأرمني (ص 63)(6/326)
وقد راجعت هذه الصفحة فلم أجد فيها ذكرا لدير البغل. وغاية ما هنالك إنه كان في دير القصير بمصر بغل يستقى عليه الماء فليس ثم أقل إشارة إلى دير كان يعرف في القرن السادس للهجرة بدير البغل. وأول ما وقفت على هذا الاسم كان في بعض تواريخ مصر في القرن الثامن. قال المقريزي في كلامه عن الملك ارقاديوس حين تطلب ارسانيوس لتعليم ولده بعد أن تحول إلى جبل المقطم (فبعث إليه ارقاديوس فإذا هو قد مات فأمر أن يبنى على قبره كنيسة وهو المكان المعروف بدير القصير ويعرف الآن بدير البغل من أجل إنه كان به بغل يستقى عليه الماء فإذا خرج من الدير أتى المورد وهناك من يملا عليه فإذا فرغ من الماء تركه فعاد إلى الدير) (الخطط ص 502 - 503) فالديران إذن واحد وقد وهم العمري في التمييز بينهما وتعيين كل منهما على حدة كأنه قائم بنفسه. ومن الغريب أيضاً إنه زعم أن بهذا الدير دير البغل جمائع من الرهبان اليعاقبة. مع إنه ما برح موطنا لرهبان الروم الملكية.
ومن أسماء الديارات التي نقل العمري تحديدها عن الشابشتي وخالفه قليلا في رسمها فكان هذا الخلاف داعيا لوهم الأستاذ فيها: دير مار يوحنا. وقد كان في الأديار ديران عرف كل منهما بهذا الاسم ولكن فرق بينهما في الرسم. الأول على جانب تكريت على دجلة. وهو المشهور بدير مريحنا (بياء قبل الحاء) ذكره الشابشتي في ديارات العراق (ورقة 74) وانشد فيه أبياتا لعمرو بن عبد الملك الوراق أولها:
أرى قلبي قد حنا ... إلى دير مريحنا
ونقله عنه ياقوت (ج 2 ص 701). والآخر على شاطئ بركة الحبش بمصر وكان معروفا بدير مرحنا (بحاء دون ياء) وفيه يقول ابن عاصم من قصيدة:
اقرأ على دير مرحنا السلام فقد ... أبدى تذكره مني صباباتي
وهو في الشابشتي (ورقة 127) وفي ياقوت (ج 2 ص 698) ولو راجع الأستاذ أحد هذين
الكتابين لتبين له الفرق ولكنه اعتبر مجرد الرسم وذكر في تعليقه على دير شاطئ الحبش. أنظر ياقوت (ج 2 ص 701) مع أن المذكور في هذه الصفحة هو الدير الذي على دجلة فاقتضى التنبيه.(6/327)
ومثل هذا الالتباس الناشئ عن التقارب في الرسم ما ورد له في حاشية دير الناعوث على شاطئ الفرات (ص 261) قال ولم يذكره الشابشتي وإما ياقوت فقد سماه دير باغوث بالمعجمة وبدون أداة التعريف واقتصر على القول بأنه دير كبير كثير الرهبان على شاطئ دجلة بين الموصل وجزيرة أبن عمر (ج 2 ص 646) قلت فهذا الدير إذن ليس بذاك وكل منهما في واد. وإذا كان ذكر الأول قد سقط من نسخة الشابشتي في جملة الديارات الساقطة فهو باق محفوظ في ياقوت وقد سماه دير مرماعوث بالميم (ج 2 ص 700) وكلامه فيه هو نفس الكلام الذي نقله العمري بالحرف في دير الباعوث بالباء فالديران من ثم واحد وإن تباينا قليلا في الرسم. ويؤخذ من الأبيات التي استشهد بهما كلاهما في التعريف به أن صحة اسمه هي دير مرماعوث أو مرباعوث وهي في العمري:
يا طيب ليلة مرباعوث ... فسقاه رب العرش صرف غيوث
ومورد الوجنات من رهبانه ... هو بينهم كالظبي بين ليوث
حاولت منه قبلة فأجابني ... يا حسن ذا التذكير والتأنيث
ورواية ياقوت أتم واصح وهي:
يا طيب ليلة مر ماعوث ... فسقاه رب الناس صوب غيوث. . .
ومورد الوجنات من رهبانه ... هو بينهم كالظبي بين ليوث
ذي لثغة فاتنة فيسمي الط ... اووس حين يقول (بالطاووث)
حاولت منه قبلة فأجابني ... لا و (المثيح) وحرمة (الناقوث)
أتراك ما تخشى عقوبة خالق ... (تعثيه) بين (شمامث) (وقثوث)
وقد كان يجب التنبيه في الحاشية على كل هذه الاختلافات والتصحيحات لمكانتها وفائدتها كما لا يخفى.
وفي جملة الأعمار الواردة في الشابشتي عمر مربوبان بالانبار. كذا بدون إعجام كامل (ورقة 113) وقد ضبطه العمري مرتومان (ص 286) بتاء أولى وميم ثالثة. ولم يسبق قط
استعمال هذه الصيغة في تسمية مارتوما فضلا عن أن في الشابشتي ذكرا خاصا لدير ورد مرسوما في نسخة برلين هكذا برقوما (ورقة 133) تصحيف مرتوما كما جاء مثبتا في ياقوت (ج 2 ص 697)(6/328)
فلا شك إذن أن العمري أساء النقل وعذره في مثل هذه الأسماء الأعجمية واضح. وبدلا من مرتومان تتحتم قراءة مريونان بياء وواو ونون ولو لم يرد في ياقوت دير بهذا الاسم. على أني بعد البحث والتنقيب وجدت له ذكرا في أخبار فطاركة كرسي المشرق من كتاب المجدل لماري بن سليمان المطبوع في رومة سنة 1899. قال في خبر بربعشمين الجاثليق (وفي هذه الأيام ظهر ماريونان صاحب عمر الانبار وهو تلميذ مار اوجين (ص 26) فلم يبق إذن سبيل لا قل ريب.
ومن الأديار التي وقع الوهم في ضبطها دير صباعي على شاطئ دجلة شرقي تكريت فقد ورد في الشابشتي ضباعي بالضاد المعجمة المضمومة والياء المثناة (ق 75) وفي ياقوت صباعي بالصاد المهملة دون ضبط والألف المقصورة استشهد عليه ببيت لبعضهم قال فيه:
حن الفؤاد إلى دير بتكريت ... الى صباعي وقس الدير عفريت
ونقله الأستاذ المحقق في نسخة العمري صباعي بالصاد المضمومة والباء المخففة ولكنه ضبطه بعد ذلك بالباء المشددة في بيت لبعض لصوص بني شيبان قال فيه:
ألا يا رب سلم دير صباعا ... وزد رهبان هيكله اجتماعا
والشعر على هذه الرواية مختل الوزن كما هو ظاهر. والمعول عليه في ضبط هذا الاسم دير صباعي بالصاد المهملة المفتوحة والباء الموحدة المشددة والعين المهملة مفتوحة أو مكسورة والياء المثناة نسبة إلى مار شمعون بن صباعي أو بر صباعي كما يقال في الآرامية وهو الجاثليق الشهيد على عهد ملك الفرس سابور هرمز؛ ثم تعاورت اللفظة أفواه العامة والسنة الشعراء فقيل فيهابر صباعي وبر صباعي بالتخفيف. ومن ثم لا أشك أن صحة البيتين السابقين يجب أن تكون:
في الأول:
حن الفؤاد إلى دير بتكريت ... لبر صباعي وقس الدير عفريت
وفي الثاني:
ألا يا رب سلم بر صباعا ... وزد رهبان هيكله اجتماعا(6/329)
وبذلك يستقيم الوزن.
ومثل هذا التحريف الذي تناول كل كتب الديارات المعروفة قولهم في الدير الذي كان في باب الشماسية ببغداد قرب الدار المعزية دير درمالس بضم الدال كما في الشابشتي (ق 1) أو درمالس بفتحها كما في ياقوت (ج 2 ص 660) أو دومالس بالواو بدلا من الراء في متن العمري المطبوع (ص 257) والصحيح في كل ذلك رومانس بالراء والواو والنون.
ونظيره كتابتهم دير بونى (بالباء الموحدة) للدير الذي كان بجانب غوطة دمشق وهو من الاديار الساقطة من نسخة الشابشتي في برلين ولا ريب في إنه كان مرويا فيه بهذه الصورة لأن ياقوت الذي نقل عنه أورده في معجمه في حرف الباء الموحدة (ج 2 ص 649) ومثله العمري (ص 351) والصواب يونى بالياء المثناة أي يوحنا. وربما قيل أحيانا ياونا بإشباع الفتحة لضرورة الشعر كما في بيت أبي صالح عبد الملك بن سعيد الدمشقي:
تمليت طيب العيش في دير ياونا ... بندمان صدق كملوا الظرف والحسنى
وقد روي فيه بالباء الموحدة غلطا.
وأيسر خطبا مما تقدم إثباته عمر اخويشا بإسعرد بالخاء المعجمة بدلا من الحاء المهملة كما في الشابشتي وياقوت وهي الرواية الفصحى. قال الشابشتي وتفسير احويشا بالسريانية الحبيس (ق 86) فيكون معنى الاسم دير الحبساء. وقد وهم في هذا الموضع أيضاً بضبط اسعرد بفتح العين وهي في كل كتب البلدان بكسرها. ويقال فيها أيضاً سعرد وسعرت.
وفي ضد ذلك انتقدت عليه مجلة المجمع العربي بدمشق روايته دير بلوذان بالذال المعجمة لاعتقادها أن الضبط الصحيح بلودان بالدال المهملة كما يتلفظ بها اليوم (6: 1926 ص 188) والحقيقة أن القرية التي ينسب إليها الدير كانت فيما يظهر معروفة في عهد العمري بالذال المعجمة كما ضبطها مرتين في النثر والشعر (ص 358) ووردت كذلك في بيت لمحاسن الشوا الحلبي من قصيدة قالها في دمشق رواها ابن شاكر الكتبي الدمشقي في مجلد من عيون التواريخ في خزانة باريس (رقم 1587 ص 67) جاء مرويا بالضبط الكامل:(6/330)
حييا ساكني بلوذان عني ... ورجالا بدير قانون زهرا
ومن الأبيات التي أستشهد بها العمري في الكلام على دير فيق من أرض الأردن أبيات
نقلها عن الشابشتي بعد أن بتر أكثرها وهي مطلع قصيدة لأبي نواس من اظرف قصائده قالها يخاطب بها غلاما نصرانيا كان يهواه وناشده فيها بكل محرج من الإيمان التي كان يمكن أن يقسم بها على نصراني في عهده. ومنها أخذ مدرك الشيباني ما أخذه وحلف به عمرو بن يوحنا في مزدوجته المشهورة (من عاشق ناء هواه دان) وهذه أبيات أبي نواس كما جاءت مطبوعة في مسالك الأبصار (ص 337)
بمعمودية الدين العتيق ... بمرطبليطها بالجاثليق
تخجل قاصدا ما سر جسان ... فدير النوبهار فدير فيق. . .
لقد أصبحت زينة كل بكر ... وعيدا مع جفائك والعقوق
وقد غلب التحريف والخطأ على هذه الأبيات وشوه محاسنها بحيث لا يستقيم لها معنى صحيح. وأول ما يتعرض الناظر فيها ذكر (الدين العتيق) ولا يدري ما هو في الحقيقة. وإنما أراد أبو نؤاس الدير العتيق (بالراء) من الاديار القديمة للنسطورية بناحية المدائن وقد فات معجم البلدان ذكره. قال اليعقوبي من أهل القرن الثالث للهجرة (لم يكن ببغداد إلا دير على موضع مصب الصراة إلى دجلة الذي يقال له قرن الصراة. وهو الدير الذي يسمى الدير العتيق قائم بحاله إلى هذا الوقت ينزله الجاثليق رئيس النصارى النسطورية (كتاب البلدان ص 235). وفي الشطر الثاني لفظة أعجمية غريبة وهي مرطبليط وأول ما يتبادر إلى الذهن في تفسيرها إنها مارطباليط أحد أولياء النساطرة وقديسهم في العراق الذين يستشفع بهم. وما الكلمة إلا تحريف مطر بليط أي متوربوليت أحد الألفاظ التي تطلق على رؤساء النصارى ومنها اختصر لقب المطران وهو دون الجاثليق. فيكون تصحيح البيت الأول:
بمعمودية الدير العتيق ... بمطربليطه بالجاثليق(6/331)
وتصحيح البيتين التاليين:
بحجك قاصدا ما سر جساني ... فدير النوبهار فدير فيق
لقد أصبحت زينة كل دير ... وعيد مع جفائك والعقوق
والباء في قوله بحجك كالباء في البيت الأول متعلقة بفعل القسم المضمر والمعنى على هذا الوجه بين واضح لا أشكال فيه.
وقد وقع التصحيف أيضاً في صفة دير الثعالب من ديارات العراق. قال العمري وهو في الجانب الغربي من بغداد بباب الجديد (ص 277) والصواب باب الحديد بالحاء المهملة كما في ياقوت (ج 2 ص 350) وقبله في الشابشتي (ورقة 8) وللناشئ في هذا الباب:
يا ليالي اللذات بالله عودي ... بين قيرونيا وباب الحديد
وقريب من ذلك قوله أن دير زرارة بين الكوفة وحمام أعين على يمين الحاج من بغداد (ص 286) والصواب الخارج من بغداد. وقوله في عمر اتراعيل هو عمار كبير وفيه رهبان كثيرة (ص 287) وهو في الأصل دون ريب عمر كبير أي دير. ومثله قول الصنوبري في دير زكي:
حبذا المرح حبذا العمر لا بل ... حبذا الدير حبذا السروتان (ص 266)
بضبط العمر بالعين المفتوحة وإنما هو بالضم بمعنى الدير. وإما المرح فقد توقف في أمرها وقال في الحاشية لعلها المرج (بالجيم) والصحيح الكرخ وهي محلة ببغداد معروفة بهذا الاسم إلى يومنا هذا.
وقال أيضاً في دير إسحاق هو بين حمص وسليمة. . إلى جانب ضيعة صغيرة يقال لها جذر (ص 328) بالذال المعجمة الساكنة والمشهور إنها بالدال المهملة المفتوحة. وكذلك هي في قول الأخطل (من قهوة عتقتها حمص أو جدر) كما هو في ديوانه. وفي هذا الدير بيت لعبد الرحمن الهاشمي السماني:
وإذا مررت بدير إسحاق فقل ... جادتك غير سحائب وبروق
وهو على هذه الصورة دعاء عليه لا له. والصواب جادتك غيث سحائي وبروق. ومن الأعلام التي تناولها التحريف أيضاً ما رواه عن الخالدي من قول الوليد ابن يزيد لحنين (غنيتني البارحة في آخر المجلس وقد أخذ الشراب مني بشعر صاحبكم عيسى بن زيد. . . قال فاخذ حنين رقاقه ووقع عليها وغنى.(6/332)
يا لبينى أوقدي النارا ... أن من تهوين قد جارا (ص 350)
وهذا البيت مشهور لعدي بن زيد لا لعيسى وكل من رواه كما في الأغاني وغيره رواه قد حارا من الحيرة والضلال كما يقتضيه المقام لا من الجور.
ويشبه هذا ما حكاه عن أبي الفرج الاصبهاني في كلامه عن دير مارت مريم بالحيرة قال
كان قس يقال له يحيى بن حمار (ص 318) والصواب يقال له يحيى خمار أي إنه كان بائع خمر حسبما نقله البكري في معجم ما استعجم (ص 369 - 371).
ومن فوائد معارضة العمري بالشابشتي وياقوت إمكان الاستعانة بهما ولا سيما بالشابشتي لترجيح بعض الروايات أو إصلاح بعض الغلطات في سياق الأبيات المستشهد بها. وهذا أهم ما وقفت عليه منها أورده على ترتيب الصفحات:
ص 275 س 14
حتى حسبت لنا البساط سفينة ... والبيت ترقص حولنا حيطانه
والأرجح رواية الشابشتي (والدير ترقص).
ص 278 س 2
هل عند قسك من علم فيخبرني ... أم كيف يسعد وجه الصبر من خانا
وفي الأغاني والشابشتي وياقوت والبكري (من بانا) وهو الصحيح.
ص 281 س 5
ترنم الصيف بعد عجمته ... وأنصرف البرد في أزمته. . .
ومن وفى وعده بزورته ... وبت أوفي له بذمته
والصواب ما ورد في الشابشتي (ترنم الطير بعد عجمته) في شطر البيت الأول. و (وفى بميعاده وزورته) في شطر البيت الثاني.
ص 282 س 13
وأحيت لذة الكاس ... ولكن قتلت سكرا
وضبط اللذة بالنصب والصواب (لذة الكاس) بالرفع على الفاعلية.
ص 287 س 6
فأغتنم غفلة الزمان وبادر ... واقترض لذة الليالي القصار
وفي الشابشتي (وأفترص) دون أعجام. ولا أتوقف عن قراءتها (وأفترص) من الافتراص وهو انتهاز الفرصة وهو ما يقتضيه المقام.
ص 311 س 3
فلم يزل في رياض العمر يعمرها ... قصفا وتعمرها اللذات والطرب
وفي الشابشتي
فلم نزل في رياض العمر نعمرها ... قصفا وتغمرنا اللذات والطرب
وهي الرواية الصحيحة.
ص 317 س 9
حتى يظل الذي قد بات يشربها ... ولا براح به يختال كالمرح(6/333)
وفي الشابشتي ونهاية الأرب للنويري (ج 4 ص 100) (ولا مراح به) بالميم كما يقتضيه قوله يختال كالمرح.
ص 324 س 18
رأيتك من تعقد له حبل ذمة ... من الناس يأمن سرجه حيثما ارتقى
وفي الشابشتي وديوان النابغة (من الناس يا من سرحه حيث أربعا)
ص 338 س 1 و5
فأي زمان بهم لم يسر ... وأي مكان بهم لم يطب
نحث الكؤوس باهزاجه ... ومرسوم ارماله بالعجب
وفي الشابشتي (فأي زمان بهم لم يسر) ببناء يسر للمعلوم (ومزموم ارماله والنصب) وهو الصواب.
ص 339 س 5
وأقبل الليل لابسا حللا ... مسكية ما لهن أذيال
وفي الشابشتي (وأقبل الغيم لابسا حللا) وهو الأصح.
ص 347 س 4
يا دير يونس جادت سرحك الديم ... حتى ترى ناظرا بالنور يبتسم
وفي الشابشتي (حتى ترى ناظرا بالنور تبتسم) وهو الصواب.
ص364 س 7
فسقى الله أرض حلوان فالمنجد ... فدير القصير صوب العشار
وفي الشابشتي ويتيمة الدهر للثعالبي:
فسقى الله أرض حلوان فالنخل ... فدير القصير صوب العشار
وهو الصحيح المشهور.
وهنالك أبيات شتى لم ترد في الشابشتي ولا بأسمن تصحيحها أيضاً وهي:
ص 263 س 12
وكانت هناة لي الويل من ... جناها الذي خطه كاتبي
وقد جاء هذا البيت في إرشاد الأريب لياقوت (ج 1 ص 157) مطبوعا على هذه الصورة برسم هناة بالتاء المربوطة ومعناها في اللغة الداهية ولا محل لها هنا. والوجه رسمها (هنات) بتاء الجمع المبسوطة أي هفوات وخصلات شر وهو ما يدل عليه قوله في بيت سابق:
سقاني المدامة مستيقظا ... ونمت ونام إلى جانبي
ص 267 س 2
وبهار مثل الزنابير محفو ... ف بزهر الخيري والحوذان
وقد سبق تصحيح الزنابير من هذا البيت بالدنانير، وبقي فيه أن (الخيري) بكسر الخاء لا بفتحها (والحوذان) بفتح الحاء لا بضمها.(6/334)
ص 267 س 7
تضاحكها الفرات بكل فج ... فتضحك عن نضار أو لجبن
والصواب يضاحكها كما لا يخفى. وقد سبق له تأنيث الفرات مرة أخرى في كلامه عن دير الباعوث. قال وهو على شاطئ الفرات من جانبها الغربي (ص 261) بدلا من جانبه.
ص 284 س 11
ما أبعد الرشد من قلب تضمنه ... قطربل فقرى بنا فكلوا ذا
كذا ضبط ياقوت واكثر كتب البلدان قطربل بفتح الراء ولكن المرجح في دواوين اللغة قطربل بضم الأول والثالث. وقد ورد اللفظ على هذه الصورة في شرح ديوان أبي الطيب المتنبي في قوله (سقتني بها القطر بلي مليحة) ومن ثم فتصحيحه في باب التصويبات (ص 10) قطربل (بضم الأول والثالث) بقطر بل (بضم الأول وفتح الثالث) غير مأثور في المتعارف المشهور.
ص 295 س 10
وكتب في لازورد الدجى ... بزنجفرة وبزنجاره
بضم الزاي من لازورد وفتحها من زنجفر. والوجه العكس أي (لازورد) (بفتح الزاي) و (زنجفر) بضم الزاي والجيم).
ص 395 س 18
بسط البنفسج. . . تبسط في ... صحون آس وخيريات تفاح
ولم ترد لفظة خيرية في معاجم اللغة وكتب الدخيل والمولد بما يصح تفسيرها به هنا. وقد أفادني عنها حضرة الأب انستاس ماري الكرملي وهو اليوم جهينة اللغة أن صحتها (حيريات) بالحاء المهملة المكسورة جمع حيرية نسبة إلى الحيرة حيث كانت تصنع. قال: الحيرية هي طبق يسوى من قضبان الخلاف أو الصفصاف أو الرمان يتخذه أهل الحيرة لوضع الأثمار والفواكه.
ص 296 س 2
حتى تخمر خماري بمعرفتي ... وحبرت ملحي بالسكر ملاحي
والصواب (حيرت) بالياء المثناة المشددة. وقد تكرر له مثل ذلك في قوله (ص 324 س 16) وفيهن كل عذراء تدهش المتحبر بدلا من (المتحير) كما هو ظاهر.
ص 301 س 9
إذ على سطحك سيف الدولة القر ... م الذي فات الورى عزا ومفخر
بكسر القاف من القرم. والوجه فتحها.
ص 313 س 14
يعتاده كل مجفو بعارفة ... من الدهان عليه سحق إمساح
وهو على هذه الرواية الغريبة لا يستقيم له معنى. والصواب (محفو مفارقه)(6/335)
بالحاء المهملة من الحفو وهو المبالغة في قص الشعر والبيت لأبي نواس يصف به رهبانا حلقوا أوساط رؤوسهم.
ص 314 س 1
حتى إذا انطق الناقوس بينهم ... مزين الخصر رومي القرابين
والصواب (مزنر الخصر) من الزناد كناية عن إنه نصراني وهو ما أشار إليه أيضاً بقوله
رومي القرابين. وقد تقدم في ص 308 بيت لبكر بن خارجة في غلام نصراني من أهل الحيرة قال فيه:
زناره في خصره معقود ... كأنه من كبدي مقدود
ص 336 س 8
أحوى أغن إذا تردد صوته ... في مسمع رد احتجاج ذوي الحجى
بضبط مسمع بفتح الميم. والقياس (مسمع) بالكسر بمعنى الأذن.
ص 345 س 8 أمه معروفة وأبوه نكره
والصحيح المشهور (أمه معرفة).
ص 355 س 10
حث المدام فإن الكأس مترعة ... مما يهيج دواعي الشوق أحيانا
بنصب مترعة والقياس الرفع كما لا يخفى وهو من أغلاط الطبع.
ص 379 س 9
ونأكل السلور والشبوطا ... والفرخ والمسلوخ والمسموطا
بأجراء السلور والشبوط على وزان واحد. والمعروف في الأول (السلور) بكسر السين وفتح اللام.
وإما في النثر فهذا ما رأيت فائدة في التنبيه عليه:
ص 255 س 10 قلعة أردمشت بفتح الدال. والمشهور في ضبطها (اردمشت) بضم الدال والميم كما في ياقوت (ج 1 ص 199).
ص 258 س 11 فوجه إليها عشرين دنا شرابا ومائة دجاجة وعشرين حملا وفاكهة قال في باب التصويبات (في الأصل فوجه إليها. . . وعشرين حملا وكبانج فاكهة. فأولا: كلمة (إليها) يجب جعلها (إلينا) كما يحتمه السياق. . . وثانيا: كلمة (بياح) عليها في نسخة ألام نقطة من المداد جعلتني أتخيل أن المؤلف ضرب عليها بالقلم فلذلك أهملتها في الطبع ولاسيما وأني لم افهم لها معنى وقتئذ لكن الأمانة أوجبت علي المراجعة عنها والتدقيق فيها. وقد وجدت أن صاحب القاموس(6/336)
إشارة في مادة (ن ب ج) إلى أن (النبج) هي الغرائر السود) أي الجوالق والزكائب فتكون الفاكهة حينئذ من النواشف أي من نوع النقل. ويكون
ابن فضل الله قد أراد الرجوع عن جمع الجمع (نبايج) لعدم وروده فضرب على الكلمة ثم سها عن وضع الكلمة الواردة في كتب اللغة. . . (ص 8).
قلت ومن الغريب أن يكون مثل الأستاذ لا يرى بأسافي التصرف في عبارة المتن ولو بإسقاط كلمة واحدة بحجة عدم تبين معناها. ولا أدري كيف يصح أن يكون العمري نفسه هو الذي هم بتبديل حرف من كلام كان يعلم إنه ليس له بل لجحظة البرمكي بدعوى إنه لم يرد في اللغة. وهل هذا كله إلا تخيل وافتراض محض. وقد كان الأجمل والأحرى أن تترك اللفظة في مكانها من المتن وتثبت على علاتها إذ لعله يقيض لها من يجلو مبهما ويعنى بتفسيرها. وإما ما أرتاه من أن النبائج هي جمع الجمع (نبج) بمعنى الغرائز والجوالق السود أي الأعدال الكبيرة التي يوضع فيها المتن ونحوه فاقل ما يترتب عليه أن تكون العادة سبقت في بغداد بين ظرفائها وأهل التنوق والترف فيها أن تنضد الرياحين في الجوالق السود ويهدي نقل الشراب في الأعدال. . . والحقيقة أن النبائج جمع نبيجة وهي السفرة والطبق من الخوص أو الخيزران. وورودها في كتاب الموشى بصورة نبانيج أو بنانيج ليس إلا خطأ وتحريفا من النساخ. وقد وجدتها مستعملة بصيغة المفرد في كتاب الديارات للشابشتي وهذا ما قال فيه:
(لما صح عزم المتوكل على أعذار أبي عبد الله المعتز. . . كان في صحن الدار. . . ألف نبيجة خيزران فيها أنواع الفاكهة) (ورقة 65) فالنبيجة إذن والنبائج كانت في العراق كالأطباق التي تفرش عليها الأزهار والثمار بين أيدي الباعة اليوم في مصر وإما أصل الكلمة فقد تفضل حضرة الأب انستاس ماري صاحب هذه المجلة الغراء بتعريفي إنها لغة عراقية في (النبية) الواردة بمعناها في معاجم اللغة. ومثلها (النفية) ويقال أيضاً (النفيجة) لغة أخرى عراقية فيها.
ص 263 س 1 قصدت بسر من رأى رائدا بعض كبارها. وفي إرشاد الأريب لياقوت حيث وردت القصة نفسها: قصدت بسر من رأى زائرا(6/337)
بعض كتابها) (ج 1 ص 157 وهو الأصح.
ص 289 س 17 حوله قلال كثيرة. بدلا من (قلالي) كما ورد تصحيحها بعد. في ص 294 حاشية (2) ونظيرها في (ص 374 س 5) برار معطشة بدلا من (براري).
ص 293 س 8 القلفطار بالفاء والصواب (القلقطار) بالقاف المثناة بأوله وثالثه.
299 س 10 في خارجه مغار الجبل فيها صناديق. والقياس (فيه) لقوله فيما بعد (داخل هذا المغار) مما يدل على إنه أراد المغار لا المغارة.
ص 302 س 19 بلط واسمها بالفارسية شهر اباذا (حاشية 3) والصواب (شهراباذ) بدون ألف في الآخر كما في ياقوت (ج 1 ص 715).
ص 305 س 15 شعر زعفرانه فائق. وإنما هو (سعر زعفرانه) أي قيمته لأن الزعفران كان يزرع في عدة ديارات ويتجر به. وقد اشتهر بزراعته خاصة دير كان على الجبل المحاذي نصيبيين عرف لذلك بدير الزعفران (ياقوت ج 2 ص 663).
ص 312 س 4 لكل منهم يومئذ شأن يغنيه. بدلا من (يعنيه) بالعين المهملة المفتوحة.
ص320 س 14 فلن نعدم أعرابيا فصيحا يطير إلينا. والصواب (يصير إلينا) بالصاد المهملة.
ص 339 س 18 هو قذى عيونهم إلى أن يتخلى. وإنما هو (يتجلى) بالجيم. وهو مأخوذ من بيت لمحمد بن سعيد الكاتب:
رأى خلتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلت
ص 362 س 7 دير نهيا. . . الماء يحيط به من جميع جهاته. . . فإذا تصرف الماء أظهرت أرضه غرائب النوار. في الشابشتي (فإذا انصرف الماء. . . وزرع) وهي الرواية الفضلى.
ص 366 س 15 كان السراج قد طفئت فتيلته (بضم الطاء). والصواب (طفئت) بفتحها لأن طفئ لازم لا متعد فبناؤه للمعلوم.
ص 374 س 1 الديارات السبع. والقياس (الديارات السبعة) لأن مفردها دير وهو مذكر.
ص 375 س 11 مرت الأطلاب مزينة الترك وجياد الخيل. قال في الحاشية يظهر(6/338)
إنه سقط كلام في الأصل وربما كانت الجملة هكذا: (ومرت الأطلاب مزينة (بأبناء) الترك وجياد الخيل). ثم عاد في التصحيحات فقال أني بعد إنعام النظر أتخيل أن الناسخ غير كلمة (اليرك) لأنه لم يفهمها بكلمة الترك. واليرك كلمة تركية كانت فاشية الاستعمال بمصر على عهد المماليك ومعناها السلاح، وكثيرا ما يستعملها المؤرخون لذلك العهد. ويكون
المعنى أن الأطلاب مرت مزينة أسلحتها وخيلها الجيدة (ص 16)).
وقد اغفل الأستاذ هذه المرة أيضاً كعادته أن يراجع النصوص التي اعتمد عليها لادعاء أن اليرك كلمة تركية كانت فاشية الاستعمال في عهد المماليك بمعنى السلاح. ولو فعل لأعجزه البحث أن يأتي بشاهد واحد عليها من هذه الشواهد الكثيرة التي توهمها. وقد قبلت ما وسعني تقبيله من تواريخ المماليك ومعاجم اللغة التركية في دار الكتب في باريس فلم اقف فيها على أثر للفظة (يرك) بالياء والكاف ولا نص واحد على استعمالها بهذا الضبط. وإنما جاءت هنالك كلمة (يراق) بالقاف قبلها الألف بمعنى السلاح. وقد استعمالها بعض المتأخرين بعد إسقاط الألف منها كابن اياس خصوصا ولكنهم لم يعنوا بها السلاح فقط خلافا لدوزي. بل أطلقوها على جملة أجهزة المسافر للقتال من أمتعة وألبسة وأسلحة وأزوده ودواب وسائر ما يحتاج إليه من العدد والأثقال الحربية ولا بأس أن أعزز هذا الاصطلاح ببعض الشواهد لأني لا أعلم إنه سبق لأحد كلام فيه أو توسع في تفسيره. قال ابن أياس في مجلد مخطوط من تاريخه في خزانة باريس رقم 1825:
في صفر (سنة 922) قال السلطان للخليفة لما جاس أعمل يرقك إلى السفر وكن على يقظة فأنا مسافر إلى حلب بسبب ابن عثمان. وقال للقضاة الأربعة اعملوا يرقكم وكونوا على يقظة حتى تخرجوا صحبتي (ص 9).
وقال بتاريخ يوم السبت 25 صفر من السنة نفسها:
جلس السلطان في الميدان وعرض الأمراء الطبلخاناة والعشراوات(6/339)
وروس النوب فلما عرضهم قال لهم اعملوا يرقكم وكونوا على يقظة من السفر (ص 13).
وقال بعد ذلك بتاريخ يوم الثلاثاء 5 ربيع الأول:
نزل القاضي شهاب الدين بن الجيعان نائب كاتم السر عن لسان السلطان إلى أمير المؤمنين المتوكل على الله بسبب عمل يرق الخليفة وقد كشفوا في الدفاتر القديمة أن الخليفة إذا سافر صحبة السلطان يكون جميع يرقه على السلطان فكتب الخليفة قوائم بمصروف عمل اليرق فكان ذلك بعشرة آلاف دينار وقيل خمسة آلاف دينار (ص 13).
فليست إذن كلمة اليرك ولا اليرق هي التي يترجح أن تكون في متن العمري. ولا أخال حضرة الأستاذ المحقق إلا إنه أراد البرك بالباء الموحدة وهي لفظة فارسية من معانيها
الأصلية السلاح وأثاث المسافر وزاده وسائر مقتنياته. وقد سبق استعمالها عصر المماليك ولا يبعد أن تكون قد طرأت على اللغة في عهد السلاجقة لأن ابن الأثير أوردها في تاريخه الكامل في كلامه عن بني جهير سنة 493 قال في المجلد المخطوط في خزانة باريس رقم 1499:
في سنة ثلث وتسعين بيع رحل بني جهير ودورهم بباب العامة ووصل ثمن ذلك إلى مؤيد الملك. ثم قتل في سنة أربع وتسعين مؤيد الملك وبيع ماله وبركه واخذ الجميع وحمل إلى الوزير الأعز. وقتل الوزير الأعز هذه السنة وبيع رحله واقتسمت أمواله (ص 125).
وقال أيضاً في حوادث سنة 494:
واخذ عسكر محمد (السلطان أخي بر كيارق) ما تخلف للأمير اياز من مال ودواب وبرك وغير ذلك (ص 122).
وقد أريد بالبرك هنا كما هو ظاهر معنى الرحل وهو في اللغة منزل الرجل وما يصحبه من الأثاث ولذلك عوقب بينهما في الشاهد الأول من كلام ابن الأثير. ثم تغلب معنى المتاع والثقل خصوصا على البرك دون السلاح حتى احتاجوا أحيانا إلى الجمع بين اللفظيين للنص على المعنيين. قال ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة في حوادث سنة 698:(6/340)
إلا أن جميع الأسعار غلت لاسيما السلاح وآلات الجندية من القماش والبرك وحوائج الخيل وغير ذلك (باريس 1783 ص 47).
وقال ابن اياس في وقائع سنة 922:
لم يبق عندنا لا خيول ولا قماش ولا برك ولا سلاح (باريس 1825 ص 85). ولا حاجة إلى استقصاء شواهد البرك في ابن الأثير والمقريزي وابن تغري بردي وابن قاضي شهمة وابن اياس وسائر المؤرخين ولعل ابن اياس انفرد دونهم بالجمع بين لفظتي البرق والبرك كقوله في الكلام عن قاسم بن أحمد بك بن أبي يزيد بن عثمان انقله عنه بلحنه وعاميته:
كان السلطان قد أقام له برك ويرق وتكلف عنه بنحو ألفين دينار حتى يظهر أمره (باريس 1825 ص 31).
وإما ضبط اللفظة فإذا روعي الأصل الفارسي وجب أن ترسم بالباء المكسورة والراء الساكنة مثل سلك ولكنهم عدلوا في الاستعمال عن الكسر إلى الفتح فقالوا برك وأحيانا برك
بفتح الباء والراء كأنهم أرادوا أن ينظروا فيها إلى معنى يرق التركية فاجروها مجراها. وقد وجدتها مضبوطة مرتين بفتحتين في مجلد مخطوط من الكامل لابن الأثير في خزانة باريس رقم 1501. ووردت في مجلد آخر من الكتاب نفسه بخط الأمام المؤرخ العلامة عبد الرزاق ابن الفوطي البغدادي بفتحة واحدة بين الباء والراء وما أظنه إلا أراد ضبط الراء بها. وقد رسمها مرة أخرى مهملة دون أقل شكل.
وإذا صح أن يكون العمري تعمد هذه اللفظة الدخيلة في قوله (مرت الأطلاب مزينة) فيكون أراد بها الأثقال والعدد التي تصحب الجنود في الأسفار. ولكني لا أرى أقل حاجة إلى كل هذه التخرصات والتأويلات ولا أدري لماذا عول الأستاذ بعد أنعام النظر على العدول عن كلمة (الترك) الواردة في النسخة ألام وليس ثم ما يعترض دون بقائها وتفسيرها. وإذا كان هنالك حقيقة كما قال كلام ساقط في الأصل بين كلمتي (مزينة) (والترك) فلا ارتاب أن يكون العمري أراد أن يقول فيه (مرت الأطلاب مزينة بأقمار الترك وجياد الخيل). وهو ما أشار إليه في البيت السادس والثلاثين من الأرجوزة التي نظمها في الدير الأبيض(6/341)
(ص 375) وقال فيه.
أقمار ترك فوق شهب الخيل ... وبينها أدهم مثل الليل
وهذا لم يكن ثم أقل بياض في المتن فيتحتم أن تكون كلمة الترك بفتح فسكون جمع تركة وهي بيضة الحديد والخوذة وفي ذلك ما لا يخفى من التوفيق الهنيء المريء بين رأي الأستاذ في السلاح وبين صحة المتن دون تغيير ولا تبديل.
وقد بقيت هنالك هنات وهفوات لا يسلم من مثلها كتاب مطبوع كقوله (ص 352) مما مدح به السيد الرضي لعمر بن عبد العزيز بدلا من (عمر بن عبد العزيز) و (ص 358) دير شق معلولا بها صدع فيه ماء ينقط بدلا من (به) لأن الصدع في الدير وليس في القرية. وكتابته في (ص 375) ثم ينقضي بدلا من (لم ينقض). واقتراحه في باب التصويبات (ص 10) إبدال (بؤس العتاب) بدعوى أن العتاب بين الحبيبين المتقاطعين المتهاجرين لا بؤس فيه (ببؤس الغياب) في بيتي دير حزقيال:
رب ليل أمه من نفس العا ... شق طولا قطعته بانتحاب
ونعيم يوصل من كنت أهوى ... قد تبدلته ببؤس العتاب
وقد جاء (بؤس العتاب) في غير العمري أيضاً كياقوت (ج 2 ص 654) وإنما أراد الشاعر مقابلة نعيم الوصل ببؤس الهجر فوضع لضرورة القافية العتاب موضع الهجر لأنهما متلازمان.
ومثل ذلك اختباره وضع (إحياء) في موضع (أخبار) من بيت دير يونس:
يعلك منها برهة بعد برهة ... سحاب بأخبار الرياض كفيل
قال على أن السحاب لا يتكفل إلا (بإحياء) الرياض لا (بأخبارها) (ص 15) وفاته أن (الأخبار) هنا تكون جمع (خبر) بفتح فسكون. ومن معانيه (الزرع) فلا حاجة إذن إلى تكلف تغيير فيه.
وهلم جرا من أمثال هذه التصحيحات التي يجد الناظر فيها موضعا للقول والمراجعة دون أن يضع ذلك من قدر فوائدها أو يغض شيئا من مزايا هذه الطبعة الفريدة التي بلغت شأوا بعيدا في الإتقان والافتنان والتمثيل البديع وزهت برونقها وشارتها حتى إذا أنكرنا عليها إساءة واحدة جاءت محاسنها بألف شفيع.
افالون (فرنسة): حبيب الزيات(6/342)
العيافة عند عوام العراق
العيافة مشتقة من عفت الطير وغيرها من السوانح اعيفها عيافة: زجرتها وهو أن تعتبر بأسمائها ومساقطها وممرها وأصواتها فتتسعد أو تتشأم والعائف: المتكهن بالطير أو غيرها من السوانح ويقال له الزاجر أيضاً (ملخص عن اللغويين).
والذي عندنا أن العيافة مشتق من (العوف) كما أن البوابة مشتقة من الباب، والعوف هو الطائر (وفي كتب اللغة طائر. وهذا وهم عندنا) كما أن الإفرنجية مشتقة من أي اختبار العوف أو الطائر واستشارته كما في العربية.
وكان السلف كثيرا ما يعيف الطير وهكذا كانت سائر الأمم مولعة بالعيافة كما هو شأن جميع الأقوام غير المتنورة وإلا فما أثر هذه الحيوانات على اختلاف أنواعها في أمور الناس وهم مخيرون في أعمالهم ولا صلة تصلهم بما يحيطهم. ومن الأمم المولعة بالعيافة الرومان فانهم كانوا أشد الناس حرصا على معرفة المستقبل وما يكون في مطاويه من سعد ونحس بالنظر إلى حركات الطير على اختلاف أنواعها.
والأمم مهما ارتقت تكون فيها طبقتان: طبقة عالية وهي طبقة الخاصة، وطبقة منحطة أو سافلة وهي طبقة العامة، والعوام في جميع البلاد والديار والأمصار مولعون بالعيافة أو الزجر، ولما كان صديقنا العزيز أحمد حامد أفندي الصراف من متتبعي آداب طبقات الناس والباحثين عن أخلاقهم، طلبنا إليه أن يتحفنا بما يعلم عن عيافة العوام في العراق، فكتب لقراء لغة العرب هذه المقالة الشائقة وقسمها إلى أربعة أقسام: قسم الحيوانات، وقسم الطيور، وقسم الحشرات، وقسم الأشجار. فقال:
(لغة العرب)
1 - عيافة الحيوانات
الخراف
الخرافيون من الرجال يتفاءلون بروية الخراف عند الصباح، معتقدين(6/343)
أن رؤية الغنم (غنيمة)؛ وإذا شاهد أحدهم قطيعا وجب أن يعد منه سبع نعاج حمر. وإلا أصابه مكروه في
يومه.
والطفل الذي يبكي كثيرا تأخذه أمه إلى قطيع من الغنم فتمشي أمامه (أمام القطيع) بسرعة وتقول: (يا عجة، اخذي اللجة) أي أيها العجاج، خذ اللجاج، معتقدة أن هذه الفعلة تجعل الولد هادئا لا يبكي ولا يصيح.
ومن أمثال العوام: (فلان صار خروف) أي خرف وهذي وهرم.
ومنها (فلان مثل النعجة) يقال للرجل العاجز الجبان.
الكلب
كان العربي الجاهلي يحب الكلب ويضرب المثل بوفائه بل مدح أحد السلف في صدر الإسلام الخليفة بقوله:
أنت كالكلب في احتفاظك للود ... وكالكبش في قراع الخطوب
وكان إذا أراد أحدهم مدح آخر ونعته بالكرم قال: (فلان جبان الكلب) وأخبار هذا الحيوان الأمين كثيرة في كتب الأدب.
أما المسلمون فيعدونه نجسا لحديث ورد عن النبي (ص) قوله: إذا ولغ الكلب في أناء أحدكم فاغسلوه سبعا إحداهن في التراب.
أما الآن فيتشاءم منه عامة الجهلة من نساء ورجال ولاسيما حين يعوي عواء الذئب فيكثر من عوائه فينهرونه حينئذ بقولهم له: (مجعوم بالله هلك هلك عوذه) أي (أنت مردود بعون الله إلى أهلك اهلك نعوذ بالله منك) وبعضهم لا يتردد في قتل مثل هذه الكلاب تخلصا من شرها.
أما الذي ينبح نباحا عاديا فلا يتشاءم منه؛ وإذا نبح الكلب في وجه طفل (وأخترع) أي أرتعب اخذوا شعرات منه واحرقوها تحت ثياب الطفل. وإذا عض الكلب أحدهم اخذوا من أصحابه (خمرة) أي عجينة وملحا ووضعوها على المكان المعضوض فيبرأ على ما يزعمون! والأعراب العائشون في البساتين والحقول يتهافتون على اقتنائه لأنه يحرس غنمهم ومواشيهم ليلا.
ومن أمثال العوام (إذا كانت حاجتك عند الكلب قل له حاج كليبان) أي(6/344)
عظمه بالألقاب الضخمة لتنال بغيتك، ومنها: (مثل كلب المبلل) يقال لمن يتورط في أمر، ومنها: (طردوه
طرد الكلب من الجامع) ومنها: (مثل كلب المكلوب) يقال لمن يعربد ويصخب ويشاغب كثيراً.
الهر
لا يتشاءم منه الناس ولا يتفاءلون به أما إذا شوهد يمسح وجهه بيديه وخصوصا إذا أمرهما فوق أذنيه قالت النساء سيجيئنا ضيف وإذا تقاتلت القططة وقام أحد سكان البيت وضربها قالوا: سيصيبه أذى في يومه.
واليهود في العراق يكرهون القططة كرها عظيما ولا يترددون لحظة في قتلها والمشهور عن الهر إنه يأكل فراخه والى هذا المعنى أشار شوقي بك الشاعر مشبها الشمس بالهرة فقال:
فيالك هرة أكلت بنيها ... وما ولدوا وتنتظر الجنينا
ومن أمثال العوام: (هر المطابخ) يقال لمن فيه سمن.
ومن أمثالهم (عداوة الجريدي والبزون) أي عداوة الجرذ والهر يقال ذلك عن عدوين عداوتهما قديمة موروثة ويسمى بعض العوام (الهر) (عتوي) ويريدون به الهر الضخم ولاسيما الأسود.
أبن آوى
ويسميه العوام في العراق (الواوي) ويتفاءلون برؤيته وإذا صاح ابن آوى ليلا يفرحون معتقدين أن سنتهم تكون سنة خير وبركات، فإذا أكثر من صياحه وكان أحد سكان البيت مريضا أو أرمد أو به سعال شديد أو غير ذلك، تقف إحدى النساء وتأخذ بيدها اليمنى طاسة مملوءة ماء وتضع يدها اليسرى على رأسها وتتقبل (القبلة) وتسكب الماء وراءها وتقول:
(يا واوي البرية خذ صخونة فلان بن فلان أو رمد فلان بن فلان وذبه بالبرية) والمرضعة تأخذ ولدا من أولاد أبن آوى وترضعه من ثديها معتقدة أن ذلك يطيل حياة ابنها.
ويتفاءل المسافرون إذا عرض لهم أبن آوى في طريقهم
والأنثى يسميها العراقيون (بعيوة) (مصغرة) ومن أمثال العوام:(6/345)
(فلان مثل واوي الخضرة
ويراد بذلك المحتال الداهية.
وفي بغداد إذا قال أحدهم للآخر (واوي) والصعاليك يرفعون عليهم هراواتهم مهددين إياهم بالبطش والفتك.
الذئب
حيوان لا تشاءم منه. والنساء يعتقدن أن الذي يحمل عليه عينه المقلوعتين يصاب بأرق شديد فلا يستطيع أن ينام ومن يحمل قطعة من جلده أو نابا من أنيابه أو كعبا من كعاب عظامه تهزم منه الجان.
وإذا وقع الطفل، أو زلت قدمه صرخت النساء (الذئب، الذئب) مستنجدات به لطرد الجان لأن الذئب يأكل الجان بموجب اعتقادهن كما ذكرناه في بحثنا عن الخرز.
والذئب مشهور بالغدر عند العرب القدماء وأحسن من وصفه الشاعر المشهور الفرزدق حيث يقول من قصيدة له:
وأنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما ... أخيين كانا أرضعا بلبان
الخنزير
حيوان مشؤوم وقد حرم لحمه على المسلمين بنص القرآن وقد حرم الفقهاء أكله بجملته. إلا أن النساء يستعملن شحمه وجلده للسحر والعلاج. من ذلك إنهن يعتقدن أن شحمة أذنه تفرق بين المتحابين. وإن حمل أحد إحدى أنيابه أمن الشر. لذلك تراهن يعلقن سنه في عنق الطفل. ويستعمل الماء الذي يشرب منه لمعالجة (السعال) وداء آخر يسمى في عرف العوام (خنيزيرة) وهو الخنازير ولذلك يقتني بعضهم خنزيرا ليبيع من الماء الذي يشرب منه فيضعه في القناني لهذه الغاية وقد حدثني أحد يهود بغداد بأن القنينة الواحدة تباع بنصف ربية وقد حققت الأمر من يهود بغداد فتبين لي صحة هذا الزعم. ويعتقد الأعراب أن وجود الخنزير بين الخيل مدعاة إلى سمنها.
أحمد حامد الصراف(6/346)
شم النسيم
-
إلى الحبيب الهاجر، عن ديوان (الشفق الباكي) للدكتور أبي شادي، (والديوان يطبع اليوم):
أهلا (بشم النسيم) ... يطيب في ذكراك
كأنما هو روح ... نشرتها من هواك!
ففاح منها (الربيع) ... وجدد الكون طر!
ورف قلبي سرورا ... كأنما حال زهرا!
أو إنما بعثته ... ذكرى صعود (المسيح)
وجدت أنت بعطف ... أحيا الشهيد الجريح!
وأوقدوا النار فيه ... و (الفجر) يرنو لناري
حتى الإله (بتاح) ... رأى بها أشعاري!
يوم به تتباهى ... مواكب الشبان
تستقبل الصفو (حبا) ... في النهر والبستان!
وما تباشير عبدي ... وغرس هذا (الربيع)
إلا حنان فؤادي ... إلى سناك البديع!
عيد لأبناء (مصر) ... مؤصل في قرون
وعيد قلبي المرجي ... من خصني بالفتون!
فكل (شم نسيم) ... وأنت تقطف أنسا
لم أسل انسك فيه ... هيهات أنسك ينسى!(6/347)
الشيخ حسن بك
الحسن بن اقبغا بن ايلكان النوين الشيخ حسن بك حاكم العراق، وهو والد أويس، وكان يقال له (حسن الكبير) تمييزا له عن (حسن ابن تمرتاش). وكان حسن الكبير زوج خاتون بغداد بنت الجوبان فلم يزل بو سعيد إلى أن طلقها وأخذها منه قهرا وأبعده. فلما مات بو سعيد عاد فملك بغداد وأقام بها وجرت له مع التتار حروب كثيرة ومع أولاد تمرتاش انتصر فيها. ثم إنه تزوج دلشاد بنت دمشق خواجا بن جوبان هي ابنة أخي امرأته الأولى. ووقع في ولايته على بغداد الغلاء المفرط حتى بيع الخبز بصنج الدراهم. ونزح الناس عن بغداد، وقام هو بالملك أحسن قيام ونشر العدل إلى أن تراجع الناس إليها. ولما كان في سنة 749هـ (1348م) توجه إلى (تستر) من أهلها (كذا) قطيعة قررها عليهم فأخذها وعاد فوجه نوابه في بغداد قد وجدوا في رواق الغزر (؟) ببغداد ثلاثة قدور مثل قدور الهريسة طول كل جب منها نحو ذراعين ونصف الثلاثة مملوءة ذهبا مصريا وصوريا ويوسفيا وفي بعض سكة الناصر البغدادي. فيقال جاء وزن ذلك أربعين قنطارا بالبغدادي. ومات الشيخ حسن في سنة 757هـ (1356م).
(عن الدرر الكامنة)
ف. كرنكو(6/348)
نكت وغرائب لغوية
كل لغة لابد أن تشتمل على نكت وغرائب لا يتقنها إلا أهلها الناشون في أحضانها، وسبب غرابتها جريانها على غير قياس. والفروق الناجمة من اختلاف القياس، والمعاني الناتجة من الاسترسال في التفريع، ولدت تلك النكت، مثال ذلك: أن أهل الموصل يقولون: (مجروح) و (مكسور) و (مبيوع) مثلا بإمالة الضمة ولا يميلون (مقتول) و (مغدور) و (مغبون) و (معذور) و (مهموم) و (مديون) مثلا مع قطع النظر عن قلبهم الراء في (مجروح) و (مكسور) غينا دون (مغدور) و (معذور).
ويقولون (يروح) بالإمالة وقلب الراء غينا دون (يروج) مع تشابه اللفظيين ويكسرون ما قبل هاء التأنيث فتنقلب الهاء ياء في نحو (مفطومة) و (معجونة) و (مسلولة) وذلك فيما حققوا ضمته خاصة ولا يفعلون ذلك في ما أمالوا ضمته مثل (مقطوعة) و (مطبوخة) و (مخنوقة).
ويكسرون (شربه) و (جنه) و (خشبه) و (ثلاثة) و (خمسة) ويفتحون (أربعة) و (سبعة) و (عشرة) و (جمعة) و (خديجة) و (حجرة) و (دقيقة) و (ساعة).
ويزيدون (. . . ايه) للدلالة على الوحدة في المتفرق الأجزاء مثل (تمرايه) و (تينايه) و (حنطايه) و (حباية) و (عنبايه) في تمرة وتينة وحنطة وحبة وعنبة أو للدلالة على القطعة في المتصل الأجزاء مثل (خبزايه) و (جبنايه) و (حطبايه) و (شحماية) في خبزة وجبنة وحطبة وشحمة. أو للدلالة على حقارة الشيء في نحو (بيتايه) و (حصيرايه) و (ميزايه) للبيت الحقير والحصيرة الحقيرة والمنضدة (الميز) الحقيرة وكل ذلك بكسر ما قبل الهاء ولا يزيدون شيئا في نحو (تفاحة) و (رمانة) مع أنهم يقولون (خيزرانايه) أي خيزرانة ولا في (لحمه) وإن أشبهت (شحمه) وإن أشبهت (حطبه)! سوى أنهم يبقون (تفاحه) على فتحها ويكسرون ما عداها.(6/349)
ومن هنا يتبين خطأ من ذهب إلى التذمر من الشذوذ الواقع في اللغمة الفصحى لانا لو حاولنا وضع قواعد للعامية لوقعنا في الأشكال عينه! دع عنك المشاكل الأخرى التي لا يسع المقام سردها.
ثم أنهم يفتحون مثل (شريفه) و (عزيزة) و (عفيفة) إذا قصدوا العلمية، ويكسرون إذا قصدوا النعت فيقولون: (فلانة عفيفة) بكسر ما قبل الهاءين.
وهم منقسمون إلى طائفتين فيما زادوا فيه (. . . ايه) فإحداهما تميل الألف، والثانية تقيمها، ومن يقيم ينتقد من يميل، ومن يميل لا ينتقد من يقيم! كأنهم يحسون بشناعة الإمالة، وإن كانت مألوفة لديهم. كما أن هناك طائفة تفتح الياء مع الإقامة.
ويقلبون راء (رمضان) غينا. ولا يقلبون راء (رجب)، ويفخمون الراءات المفتوحة لكن يرققون راء (مدرسة) مع كسر السين ويعدون تفخيمها تنطعا، ويقولون (نور) بتحقيق الضمة والراء وربما أمالوا وقلبوا في بعض الأعلام المنسوبة أو المضافة إلى (النور) ك (عبد النور) و (نوري) لغرض في أنفسهم.
واليهود يسمون (موشي) والنصارى يسمون (موسى) كالمسلمين مع أن مأخذ اليهود والنصارى واحد. وللنصارى في ذلك غرض!
والموصليون يفخمون الراء من (إبراهيم) لكل من سمي بهذا الاسم فإذا رققوا قصدوا رجلا بعينه لا ينتقل الذهن إليه إلا بالترقيق!
ويقولون لمن لا يتكلم عادة (ما يحكي) بتحقيق الكاف، فإذا كان عدم تكلمه عن تكبر وخيلاء قلبوا الكاف جيما مثلثة فارسية كبعض الأعراب مع تشديدها، ويقولون (زرع) و (حزر) بتفخيم الزاي وقلب الراء غينا، ومن رقق استبردوا نطقه ومن عادتهم النطق بالباء العربية على حالها، في نحو (باذنجان) و (باقلاء). ويفخمونها في (باميا)، و (كباب)، و (كبابه).
ويقولون لمن كانت منته الكتابة: (كاتب)، ولمن كانت منته الحساب (حاسب) بالإقامة، فإذا أرادوا الحدث كأن يقولوا (فلان كاتب إليّ أن أفعل(6/350)
كذا) أو (فلان حاسب حسابه) أمالوا.
ويطلقون على الفتى كلمة (جاهل) بالإمالة، ويقيمون إذا أرادوا مقابل (العالم). وإذا أرادوا اليوم الثالث من أيام العزاء أمالوا ألف (ثالث) وفيما عدا ذلك يقيمون. وإذا دعا أحدهم صديقه للاستراحة في مقهى أو دكان قال له: (استريح) بتحقيق الراء - وإبقاء الياء - وإذا أمروا بأخذ الراحة بصورة مطلقة قلبوا الراء غينا. فهل رأيتم أعجب من هذا؟
ومن الغرائب أن (الطربوش) دخل إلى بلاد العراق من ناحية الأتراك ولا يخفى أن الموصل وغيرها من البلاد العراقية سواء بالنسبة إلى ذلك، بل ربما كانت بغداد أشد نسبة
- لأنها كانت كرسيا إداريا وسياسيا للبلاد، ومع ذلك نجد أهل الموصل يسمونه (نيس) إضافة إلى (فاس) المدينة المشهورة - كالأتراك وأهل بغداد وما إليها يسمونه (فينة) كأنها نسبة إلى عاصمة النمسة (ويانة) فمن أين أتى انفرادهم بهذا الاسم وهم إنما تلقوه من الأتراك؟ والأتراك لا يسمونه بهذا الاسم البتة وأعجب من هذا أن يهود بغداد يسمونه (فيس) كاهل الموصل.
ومن الغرائب أن لفظة (مجيدي) وضعت للقطعة الفضية العثمانية المعروفة، ولما تقلص ظل الأتراك عن العراق تقلص ظل نقودهم معهم، لكن العراقيين لا يزالون يطلقون هذه اللفظة على ما يعادل موضوعها الأصلي، فيقولون مجيدي ويريدون به ربيتين ونصفا. وكذلك لفظة (القرش) فإن البغداديين كانوا يطلقونها على (المتليك) وبعد أن فقد المتليك من بين أظهرهم لم ينفكوا يطلقونه على نصف (الانة). ولو لم يتح لنا الوقوف على سر هذه التصرفات اللغوية بأن لم يدركها جيلنا لعزت علينا معرفة سبب تسمية الربيتين والنصف بالمجيدي والبيستين بالقرش (البيسة والبعض يقول بيزة هي ربع الانة) كما نجهل اليوم سبب إطلاق البغداديين كلمة (قرش) على المتليك الذي هو ربع قرش عثماني وثلث قرش موصلي وثلث قرش حلبي مع كسر.
وكما خلدت لفظتا (مجيدي) و (قرش) اللتان هما اصطلاح تركي فيما يظهر بنقلهما إلى ما يعادل موضوعهما الأصلي، كذلك خلدت لفظة (قران) التي كانت تطلق على قطعة إيرانية ثم نقلت إلى ما يعادلها من القطع العثمانية ثم(6/351)
إلى ما يعادلها من القطع الهندية وهو ذات أربع الانات. (وتلفظ قرآن بإسكان القاف وفتح الراء ثم ألف ونون).
ومن النكت اللغوية بقاء فعل الأمر في اللغة الفصحى على حرف واحد إذا كان الفعل لفيفا مفروقا وقد جمعت متفرقها: (وأي) (وعد) إ، وجي (خصى) ج، وخي (قصد) خ، ودى (أعطى الدية) د، ورى (افسد) ر، وزى (أجتمع) ز، وشى (من الوشاية) ش، وصى (وصل) ص، وعى (حفظ) ع، وفي (من الوفاء) ف، وقى (من الوقاية) ق، وكى (ربط القرية) ك، وكى (ربط القرية) ك، ولى (من الولاية) ل، ومى (غلب) م، ونى (فتر) ن، وهى (من الوهي) أهـ.
ويتفرع عن أمر (وأي) دلالة الكسرة على جملة في نحو (قل إ) وإيضاح ذلك أن العرب
أجازوا نقل حركة الهمزة إلى الحرف الساكن قبلها نقلا مطردا فيسبب ذلك سقوط الهمزة وقيام كسرة اللام مقامها (قل) وإذ كان الفاعل المستتر في (إ) انتقل مع الكسرة أصبحت كسرة اللام نائبة عن فعل وفاعله أي نائبة عن جملة فعلية وهذا ما لا أظنه يجري في لغة غير اللغة العربية وعلى هذا الغز بعضهم فقال:
في أي قول يا نحاة الملة ... حركة قامت مقام الجملة؟
ومن نكت العربية قراءة من قرأ (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى) حيث أمال (أعمى) الأولى وأقام الثانية إيذانا بأنه سيكون يوم القيامة أشد عمى! ومنها أن قراءة (عاصم) ورواية (حفص) الشائعة في بلادنا تقضي بترك الإشباع في كل هاء متصلة بكلمة (فيه) إلا موضعا واحدا من القرآن وهو قوله تعالى (ومن أوفى بما عاهد عليه الله) فأنها بالضم تفخيما للفظة الجلالة إلا أن هذه القراءات ليست عزيمة، لمخالفة بقية القراء ولكنا ضرب من البديع وإن لم تذكر في فنه.
ومن هذا الضرب ما قالوه في شأن الواو المسماة ب (واو الثمانية) في تعليلات مبسوطة في مواضعها ومنها قوله تعالى في سورة الكهف: (سيقولون(6/352)
ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم (الآية) فإن الواو متصلة بقوله (ثامنهم) دون (رابعهم) و (سادسهم)! ونسبة الواو إلى الثمانية لا تشفي غليلا إذ يقال لماذا اختصت بها دون غيرها من العدد؟
وأقرب من ذلك أن يقال أن المفسرين نسبوا القولين الأولين إلى أهل الكتاب ولذلك عقبهما بقوله: (رجما بالغيب) تفنيدا لظنونهم ثم أتى بالقول الثالث الذي نسبوه إلى المسلمين. وإذ كانت غاية منزل هذه الآية التنويه بشأنهم وعلو منزلتهم في البلاغة أودع كلامهم نكتة بديعة دون كلام غيرهم وإيضاحه أن ترك الواو يجعل الكلب كأنه داخل في جملة أصحاب الكهف وهو مما لا يرتاح إليه الذوق! فأقحم الواو في كلام المسلمين للتمييز على سبيل التأدب من هذه الناحية تشبه الواو التي في قول المجيب بالنفي: (لا وأطال الله بقاءك) وهي الواو التي وصفها بعض البلغاء بأنها أحب إليه من واوات الأصداغ.
محمود الملاح
ضبط الأبنوس
في (البستان) الأبنوس، بضم الباء (؟! كذا) وفتحها (كذا): شجر يعظم كالجوز، أوراقه كأوراق الصنوبر وثمره كالعنب وخشبه شديد الصلابة اسود، والهندي منه فيه بياض وهو معرب واسمه بالعربية سأسم وزان جعفر بهمزة. وحذف الواو لغة. أهـ.
والذي قرأناه في تاج العروسفي مادة بنس: آبنوس بمد الألف وكسر الموحدة، قيل: هو الساسم، وقيل هو غيره. واختلف في وزنه وهنا (أي في مادة ب ن س) محل ذكره. انتهى - وذكر اللسان الأبنوس في س س م، وضبطها ضبط التاج، ثم قال: والساسم غير مهموز. ثم ذكر الساسم في س أس م، وقال: (قال أبو حاتم: هو الساسم غير مهموز). أهـ. فاتضح من هذا أن (البستان) وهم في ضبط الأبنوس كما وهم في ضبط الساسم إذ أن غير المهموز افصح من المهموز. ومن غلط في ضبط الأبنوس صاحب محيط المحيط وكل من نقل عنه.(6/353)
المدرسة المستنصرية
-
هي تلك المدرسة الرصينة البناء، المطلة على دجلة، التي شرع في تشييدها في بغداد على جانبها الشرقي، المستنصر باللْه العباسي، في سنة 625هـ (1227م) وأتمها في سنة 631هـ (1233م)، فجاءت أية بين مآثره الجلية، وسجلت له تقديره للعلم، وحبه لرفعه، وقد مدح الشعراء منشئتها، وراحت الركبان تتغنى بها في الآفاق، وكانت موردا صافيا للطلاب ومرتشفي العلوم: ثم دالت عليها الأيام بالبؤس، وانقلبت عليها بالشقاء، فرأى الرحالة نيبهر - ويا للأسف - مطبخها في سنة 1766م (1180هـ) دارا لضرائب سماها أي ضريبة المرور وأظن إنه أراد بذلك الكمرك. وقال عن قسم كبير منها إنه خان يسمى (اوت ميداني خان) أي خان ميدان الحشيش، وإن الكل خراب بباب. ولا شك في أن في قوله عن خرابها كلها تطرفا ومغالاة، فإنه قال ببقاء بعضها، ويدلنا واقع الحال على أن الخراب الذي قاله صاحب الرحلة هو عن مرافقها التي اندثرت، ودخلت في خبر كان، وعن الإهمال الذي صارت إليه. وهي لا تزال اليوم تنازع البقاء قوية عليه، إلى أمد قد يكون بعيدا.
والذي نعرفه عن هذا المعهد الجليل أن القسم القائم الآن وهو المدرسة بنفسها كان يسمى في القرن الماضي (خان المواصلة أو المصالوة) على لغة بعض العوام.(6/354)
والظن الغالب على سبب هذه التسمية أن الموصليين كانوا قد اعتادوا أن ينزلوه إذا قدموا إلى بغداد ثم أمسى بعد ذلك مخزنا لألبسة الجيش ثم دارا للكمرك وهي الضريبة المعروفة التي كان يقال لها (رسومات) أيضاً وهكذا كانت المستنصرية عند الاحتلال فلا تزال كذلك دارا للكمرك.
وقبل نحو خمسة وعشرين عاما ابتدأ الكتاب باستخراج نبذ من مطاوي الكتب عن هذه المدرسة الرفيعة الشأن ودبجوا فيها مقالات ونقلوا عنها أبحاثا أتحفوا بها مجلات المشرق (5 (1902): 164 و961 و10 (1907): 80 و390) ومجلة المجمع العلمي بدمشق (4 (1342 - 1924): 41) واليقين (3 (1344 - 1925): 483) والزهراء (3 (1345 - 1926): 254) وهذه المجلة (5 (1927): 341 و505 وغيرهما) وملحق جريدة العراق المؤرخ في 15 تموز سنة 1921 ولعل غير ذلك مما لا يحضرني أو أجهله. وحكى عنها بإيجاز كتاب تنزه العباد في مدينة بغداد للمعلم (ثم الطبيب) نابليون الماريني وخلاصة
تاريخ العراق للعلامة شقيقه صاحب هذه المجلة ومختصر تاريخ بغداد للفاضل على ظريف الأعظمي. وآخر ما ورد عنها ما رواه كتاب تاريخ مساجد بغداد وآثارها المطبوع وفيه قول الصفدي الذي أظنه منقولا من مجلة المجمع العلمي التي قالت إنه نقل عن الصفدي عن ابن الساعي. وكانت وفاة ابن الساعي في سنة 674هـ (1275م).
ومن الذين كتبوا عن هذه المدرسة من المستشرقين في أيامنا لسترنج وهوار وماسنيون وفيوله وهرتسفلد وذكرها سعادة المستر انكرك في كتابه الإنكليزي الذي ضمنه تاريخ العراق في القرون الأربعة الأخيرة، ولقد اقتبس هؤلاء الكتاب من عرب وأوربيين ما اقتبسوه وأضاف على ذلك بعضهم شيئا عن الوقت الذي كتبوا فيه ومنهم من نقل الكتابات المنقوشة على جدران(6/355)
هذه المدرسة ومع هذا فإنه بقي من تاريخها شيء في تضاعيف الكتب. ولم يأتونا عنها بشيء عن الحقبة الممتدة بين استيلاء هولاكو على بغداد في سنة 656هـ (1258م) وبين دخول هذه المدينة في قبضة العثمانيين في سنة 941هـ (1534م) إلا ما اقتطفوه من رحلة ابن بطوطة وكلمة نقلوها عن نزهة القلوب بالفارسية لحمد الله المستوفي وهما من رجال القرن الثامن للهجرة.
وقد اكتفى كتاب المساجد المطبوع (ص 97) عن ذلك الزمن بالأسطر التالية:
(ولم تزل هذه المدرسة على ما كانت عليه في زمن منشئها إلى أن حدثت حادثة التتار. . . فجميع ما كان في هذه المدرسة من كتب وفرش ومرافق قد نهبه جند العدو المخذول بل من الكتب ما رموا به إلى دجلة قهرا لأهل العلم والدين. وبعد أن تولى بغداد من تولى عاد شمل المدرسة وأهلها إلى ما كان عليه ولم تزل تجمع الأفاضل والفضائل إلى أن دخل العراق في حوزة الدولة العثمانية. . .) أهـ.
وهذا كلام موجز عن ست وعشرين سنة مرت من فتح المدرسة إلى استيلاء هولاكو على بغداد ومر بين ذلك وبين دخولها في يد العثمانيين نحو ثلاثمائة سنة وفي ما نقله الكتبة لم نقف على خبر عنها عن تلك الأيام إلا ما سبقت الإشارة إليه. ولا نعرف في كل ما جاء آنفا من جمع على الأقل تراجم بعض مدرسيها إلا أن نبذة في مجلة المشرق (5 (1902): 961) جاء في صدرها: أن الأب انستاس استلها من كتاب مساجد بغداد ومدارسها للشيخ محمود شكري أفندي الالوسي قالت أن في تاريخ ابن النجار وغيره تفصيل تراجم مدرسي
المستنصرية مع من تخرج فيها من الأساتذة والأئمة والأعلام. وإذ كان هذا الخبر قولا مجملا وكان تاريخ ابن النجار غير متداول في الأيدي فقد سدل على معرفة هؤلاء الشيوخ الأفاضل. ولعل شيئا نزرا من تراجمهم في مختصر هذا التاريخ لابن ايبك الحسامي المعروف بالدمياطي. وهب تاريخ ابن النجار نفسه بأيدينا فإنه لا يحوي إلا تراجم مدرسي بضع من السنين لا غيرها لأن المؤلف توفي(6/356)
في سنة 643هـ (1245م) أي في السنة الثالثة عشرة من فتح المدرسة. ولا يبعد أن يكون في (غيره) خبايا ولعلنا نجد لم شعث من ذلك المطلوب. في المخطوط الذي ذكره تاريخ المساجد (ص 47 و48) وقال عنه إنه مختصر ذيل تاريخ ابن النجار وانه من مخطوطات الخزانة النعمانية بجامع مرجان في بغداد ويا ليت الناشر عرفنا باسم الكتاب ومؤلفه أن أمكن ذلك ويا حبذا لو وصفه. ونظرا إلى ما جاء فقي هذا المختصر عن ذكر سنة وفاة العاقولي (كما ورد في كتاب المساجد ص 47) وهو المتوفى في سنة 728هـ (1327م) فمؤلفه هو من رجال القرن الثامن للهجرة أو بعد ذلك فله متسع لإيراد تراجم كثيرين من مدرسي هذه المدرسة.
ولقلة ما كتب في هذه المادة عن لي أن اجمع شتات ما وقفت عليه من نتف أخبار هذه المدرسة وأخبار نفر من مدرسيها وما وقع فيها من الحوادث ضاربا صفحا عما جاء في تلك المقالات والكتب القريبة إلى الباحث المتتبع.
ولا شك أن ما أريد أن استنير به عن العصور التي مرت على هذه المدرسة سيكون ضئيلا وضئيلا جدا لكن ما أورده سيضيف صفحة جديدة إلى تاريخها وإن كانت صفحة صغيرة. وسيبين لنا إنها فتحت بعد حادثة بغداد لهولاكو بمدة وجيزة لا تتجاوز ثلاث سنوات لو طالت والذي يخبرنا بذلك ما جاء في الحوادث الجامعة في أنباء سنة 659هـ (1260م) وهو:
(وفيها رتب الشيخ عبد الجبار بن عكبر الواعظ مدرس طائفة الحنابلة بالمدرسة المستنصرية نقلا عن الإعادة بها. وحضر دروسه الصاحب علاء الدين (الجويني) والأكابر، والعلماء وخلع عليهم). أهـ.
مسجد الحظائر والمستنصرية
يرينا كتاب المساجد (ص 36 و85) أن جامع الأصفية هو من مرافق المستنصرية لكنه لم
يرو لنا المصدر وقال القنصل الفرنسي ريموند في بغداد عن طراز البناءين المذكورين انهما واحد وكان القنصل المذكور في بغداد في أوائل القرن التاسع عشر وحكى لنا عن جامع الأصفية - قبل أن يسمى بهذا الاسم - فقال (ص 156 و218 من كتابه) (المولا خانه) تكية للدراويش(6/357)
لا يفصلها من المدرسة المستنصرية إلا طريق تفضي إلى الجسر والظاهر إنها منها. وقد اتصل به أن المولا خانه كانت جامعا لطلاب المستنصرية.
أما كلشن خلفاء فإنه ينبئنا في أخبار سنة 1017هـ (1608م) أن باني زاوية الدراويش المولوية هو محمد جلبي كاتب الديوان وكاتم الأسرار عند محمد بن أحمد الطويل. وإن محمدا هذا كان مستقلا في بغداد ومتغلبا عليها في تلك السنة وكانت هذه الزاوية في عهد مؤلف كلشن عامرة على ما قاله في كتابه الذي يمتد إلى سنة 1130هـ (1717م).
وقد عد اوليا جلبي تكايا بغداد وفيها (المولويخانه) وكان صاحب هذه الرحلة في بغداد في سنة 1058هـ و 1066هـ (1648م و 1655 م).
وفي جهاننما (ص 459) أن في بغداد مولويحانه تطل على دجلة في موضع مبهج.
وإذ قيل أن الأصفية من مرافق المستنصرية رغبت أن أنقل كلاما عما كان يجاور هذه المدرسة أملا أن يعين ذلك من يبحث على استخراج شيء عن تاريخ جامع الأصفية الحالي.
جاء في الحوادث الجامعة في زيادة دجلة وغرق بغداد في سنة 646هـ (1248م) ما يلي:
(ونبع الماء من أساس حائط المدرسة المستنصرية ومن دار (سنقرجا) زعيم خوزستان المجاورة للمستنصرية ومن مسجد الحظائر المعروف بأم الناصر المجاور لهذه الدار. . .).
وإذ لم يفصح هذا الكلام عن موضع المسجد والدار أكان ذلك في شمالي المدرسة أم في جنوبيها فلا يمكننا تعيين موضعهما بالتدقيق لأنه يجوز أن محلهما(6/358)
كان في شمالي المدرسة أو جنوبيها أي فوقها أو تحتها. وسبب هذا الاحتمال إننا نجد مسافة قدرها نحو مائة متر تفصل بين المدرسة القائمة اليوم وبين شريعة المصبغة وهي باب الغربة في العصر العباسي الذي قلت أن ما ليس بحريم دار الخلافة. وكان بلصق المستنصرية - على ما اخبرنا به ابن العبري - بستان يتنزه فيه المستنصر ويقرب من شباك مفتح (أي مفتوح) في إيوان. المدرسة ينظر إلى البستان وعليه ستر فيجلس وراء الستر وينظر إلى المدرسة
ويشاهد أحوالها وأحوال الفقهاء ويشرف عليهم ويتفقد أحوالهم. ولكن لا ندري أيضاً بأي جهة من الجهات كان هذا البستان. ويسوقنا إلى الظن أن دار سنقرجا كانت في شمالي المدرسة ما جاء في كتاب المساجد (ص 89) عن الصفدي عن ابن الساعي أن الدار المجاورة لهذه المدرسة (في الحد الأعلى) لم ير مثلها أحد. ولا لأدراك وصفها أمد.
والظاهر إنها هي الدار التي قال عنها كتاب الحوادث في أخبار سنة 696هـ (1296م) كما سيجيء أن السلطان غازان دخل المدرسة المستنصرية من الدار المجاورة لها ثم عاد إلى الدار المذكورة وبات بها، فالراجح أن هذه الدار هي التي ذكرها ابن الساعي لما بين أناقتها التي عرفنا عنها بقوله (لم ير مثلها أحد ولا لأدراك وصفها أمد) وبين منزلة غازان ورفعته من الموافقة والوئام. وإذا صح ترجيحي هذا أضحى من الأكيد أو شبهه أن الدار المحكي عنها هي نسنقرجا فتكون الأصفية مسجد الحظائر المجاور لهذه الدار كما رأيناه. ولعل هذا المسجد هو جامع المستنصرية الذي ذكره كتاب الحوادث كما سيرد في سنة 672 إذ قال في معرض كلام: (باب الجامع (كذا) المستنصرية). وليس بغريب أن نرى هذا الجامع بعد أن كان يسمى مسجد الحظائر أن يسمى أيضاً جامع المستنصرية بعد بنائها كما أن جامع الأصفية كان يعرف وقتا بالمولاحانة. وقد عرف صالح التميمي قدمه كما يفهم من أبياته ذلك القدم الذي حكى عنه ريموند المعاصر(6/359)
التميمي. ولنا مثال في تغيير الأسماء كما جرى في تسمية جامع القصر. وإما كون طراز بناء المدرسة المستنصرية والجامع المعروف بالأصفية واحدا فلا ينافي إمكان أن تكون الأصفية مسجد الحظائر. وسبب عدم المنافاة قرب زمن أم الناصر المتوفاة في سنة 599هـ (1202م) من زمن بناء المستنصرية إذ لا تزيد المدة التي بينهما على خمسين سنة فلم يكن ثمة اختلاف في الريازة فقي وقت لابد أن تطورها - على فرض وجوده - كان بطيئا جدا. ونظرا لما أثبته فالاحتمال عن الجامع المعروف بالأصفية اليوم هو مسجد الحظائر احتمال غير بعيد ولكن البت في الأمر هو غير الاحتمال. وإظهار الحقيقة الراهنة يحتاج إلى نصوص تؤيد هذا الرأي المشكوك فيه، ومن هذه الشكوك أن كتاب الحوادث يقول: دار سنقرجا المجاورة للمستنصرية ومسجد الحظائر المجاور لهذه الدار. ويقول أيضاً أن غازان دخل المستنصرية من الدار المجاورة فيكون موضع الدار المذكورة بين المستنصرية وبين مسجد الحظائر ولكن يجوز أن نرتئي
أن المؤلف لم يراع الترتيب بدقة وضبط كامل وخلاصة القول أن لم يكن جامع الأصفية مسجد الحظائر بنفسه فهو قريب منه جدا.
وهنا يحق للسائل أن يلزمنا بالجواب عما أوضح عنه كلشن خلفاء بقوله بأن باني المولاخانه هو محمد جلبي. قلت الظاهر أن هذا الباني جدد في المسجد شيئا ليتخذه تكية للدراويش فقيل إنه بنى المولاخانة كما أن هذا الجامع المعترف بقدمه قيل له الأصفية نسبة إلى آصف المجدد بناءه الذي أريد به - على ما يبين - داود باشا كما يستدل من البيت التالي للتميمي:
حتى أتى ذو العلى داود (آصفنا) ... من حل بالسبعة الأفلاك مفخرة
وأتمنى لو أن باحثا يجد أم يسد بعض الفراغ - والفراغ واسع جدا - عن تاريخ هذه المدرسة الشهيرة فيضم إلى لقاطه ما يرد هنا وما جاء في تلك الكتب والمجلات فينزف إلينا تاريخا ثمينا عن هذا المعهد الجليل بعد تمحيص ما يطالعه وتدقيق النظر فيه فإن ما في بعض ما كتب أغلاطا وهفوات وسهوا.(6/360)
وعلى سبيل المثال نورد سقوط كلمة في ترتيب الحروف أثر وقوعها في التاريخ. جاء في المشرق (10 (1907): 393 ح) في تاريخ كتابة منقوشة فوقه قال في آخرها: (وكان ذلك في سنة اثنتين وثمانين وألف) ولما كان ذلك في تجديد وقع في زمن السلطان عبد العزيز من آل عثمان فلا يمكن أن يكون التاريخ إلا سنة اثنتين وثمانين وألف. وقد ورد عفوا هذا التاريخ الصحيح في هذه المجلة (5 (1927): 507) دون أن ينبه على ذلك الغلط الذي قد يجر الكتاب إليه.
وهنا أشرع بالاقتباس والاقتطاف وما لا انسبه فهو منقول من الحوادث الجامعة.
(له تلو)
يعقوب نعوم سركيس
كتاب تحفة الأزهار، وزلال الأنهار، في نسب الأئمة الأطهار
لمؤلفه السيد ضامن بن شدقم بن علي بن الحسن النقيب الحسيني المدني المتوفى في القرن الحادي عشر للهجرة.
وهو في سبعة مجلدات. منه نسخة في خزانة الشيخ علي آل كاشف الغطاء بخط السيد
حسون البراقي المعروف. رتبه مؤلفه على أبواب. وفصول، وأصول، وأيكات، وأسباط، ودرجات، وهكذا إلى الساق والقدم ذكر في الجزء الثاني منه نسل الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين (ع) وفيه جملة فوائد رجالية وتاريخية، وقد وقع الكتاب في زهاء (700) صفحة بقطع كبير.
أوله: الحمد لله المتفضل المحسن الكريم الوهاب. وقد نقل عنه المحدث الشهير الحاج ميرزه حسين النوري، صاحب فصل الخطاب في كتابه (دار السلام) وتاريخ الفراغ من بعض أجزاءه سنة 1055 انتهى.
وبيت شدقم بيت علم وفضل في القرن العاشر والحادي عشر منه: ضامن المذكور، ومنه السيد حسن بن علي بن شدقم تلميذ والد البهائي له ذكر في أمل. الأمل، والسلامة. ومن مؤلفاته زهر الرياض وزلال الحياض في السير والتواريخ. نقل عنه المجلسي الشهير صاحب البحار ومنهم محمد بن الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن شدقم ولد في دكن ومات بمكة.
زنجان (إيران): أبو عبد الله الزنجاني(6/361)
لواء الديوانية
- 1 - توطئة
يكاد يقف العراقي صامتا مبهوتا، إذا ما ألقى عليه أحد سؤالا عن بلدة عراقية أو لواء من ألويته ولا سيما البلدة الصغيرة غير المشهورة في حين إنك إذا سألته عن لندن مثلا أو باريس أفادك إفادات مفصلة عنها قد لا يستطيع أن يمليها عليك اللندني أو الباريسي. وهذا النقص في الجواب لا يرى في شخص أو شخصين بل يكاد يشمل جميع الطبقات بما فيها من أفراد الحكومة. لهذا أردت أن ابحث عن ألوية العراق بصورة مفصلة عسى أن أتوفق في الأخير لوضع مجموعة تضم بين دفتيها أبحاثا ثمينة عن الألوية العراقية. وأبدأ بحثي عن لواء الديوانية لما له من الأهمية.
نظرة عامة
لواء الديوانية لواء واسع الأرجاء شاسع الأطراف. تزرع فيه أنواع الحبوب وتربى فيه أنواع الماشية وتقطنه جماعات كبيرة من العشائر المستوطنة كما أن فيه عشائر رحالة كثيرة تنتقل بأغنامها وابلها بين سورية ونجد والعراق. والزراعة في هذا اللواء معتمد معيشة سكانه الذين يتجاوزون (400. 000) نسمة
يحد هذا اللواء من الشمال شيء من لواء الكوت ولواء الحلة، ويحده من الغرب قسم من بادية الشام ولواء كربلاء ومن الجنوب لواء المنتفق ومن الشرق لواء الكوت ولا نغالي إذا قلنا أن ثلاثة أرباع مساحته تكاد تكون مزروعة.
أقضيته
للواء أربعة أقضية، وهي: أبو صخير، والشامية، وعفك، والسماوة، ولكل من هذه الأقضية دوائر إدارية ومالية تختص به كما سيجيء تفصيله.
مركزه
هو قصبة الديوانية: وهي بلدة لا بأس بعمرانها، قائمة على عدوة نهر الفرات اليسرى، يربطها بالعاصمة الخط الحديدي الكبير (من بغداد إلى البصرة)(6/362)
وتبعد عنها ب (116)
ميلا، فيها جسر حديدي ومدرسة ابتدائية وأسواق منظمة، إلا إنها تفتقر إلى بساتين وحدائق تحيط بها لتمنع الأتربة من التحليق في جوها إذا ما هبت عاصفة ولو كانت طفيفة، ونفوسها 3000 نسمة عدا العشائر المجاورة لها. تتبعها ثلاث نواح: هي الشافعية ومليحة والإمام حمزة وهذه النواحي أو الشعبات مراكز للمقاطعات الزراعية الكبرى وليس فيها أبنية ولا أسواق غير مراكز الحكومة وهي أبنية عادية من اللبن.
1 - قضاء (أبو صخير)
مركزه قصبة أبو صخير وهي بليدة قائمة على نهير البكرية (كأنها منسوبة إلى بكر، وهو علم مشهور) المتشعب من شط الكوفة كما سيجيء تفصيله وتبعد عن الكوفة 12 ميلا وتحيط بها الرياض الغناء والبساتين النضرة وتقدر نفوسها بأربعمائة نسمة وتوصلها بالنجف جادة مستقيمة تسير عليها السيارات بمدة (35) دقيقة. وهذا القضاء صغير بمركزه كثير بشعبه وتوابعه إذ أن له من النواحي (التاجية والجعارة والفيصلية) وهذه تؤدي إلى خزينة الحكومة أكثر من ثلث ودخلها اللواء كله. وليس في (أبو صخير) من البيوت ما يصلح للسكنى إلا أن طلائع العمران تسير فيها سيرا حثيثا.
ونواحي القضاء ثلاث كما أسلفنا: الأولى (التاجية) داخلية (ومعناه في اصطلاحهم أن مركزها في مركز القضاء. والثانية (الجعارة) (كشدادة) بلدة تاريخية معروفة من قديم الزمان ونعنى بها الحيرة محط المناذرة ورجال العلم والأدب ويشاهد في الحيرة اليوم آثار النعمان بن المنذر ماثلة للعيان. نفوسها 4000 نسمة وهي تبعد عن مركز القضاء ميلا واحدا. إلا إنه منخفضة في هذا المركز كثيرا. ولهذا ترى الأوبئة وأنواع الحمى تفتك في صفوف الأهلين فتكا ذريعا لما يكثر فيها من المستنقعات. والناحية الثالثة هي (الفيصلية) وكانت تسمى سابقا السوارية وهي تبعد عن أبو صخير 25 ميلا وهي محط عشائر آل فتلة (وزان قتلة) وقد سبق لنا أن نشرنا في الجزء الثامن من المجلد الرابع من هذه المجلة بحثا عنها (4: 458).
2 - قضاء الشامية
الشامية بلدة عمرت كثيرا في الأيام الأخيرة، وهي قائمة على أنقاض أم(6/363)
البعرور المعروفة
ب (الحميدية) والمؤسسة قبل 30 سنة تقريبا في عهد السلطان عبد الحميد. وكلمة الشامية هذه تطلق على جميع أجزاء القضاء الواقع في قلب الأرض المصطلح عليها بالشامية. وقد كانت البلدة إلى عهد قريب مباءة للأمراض الوبيلة لكثرة المستنقعات فيها إلا إنها أخذت تزول بالتدريج. فيها مدرسة أميرية ودار إمارة (سراي) فخمة للحكومة أنشئتا حديثا. وفيها مستوصف لا بأس به وجسر من خشب وأسواق لا نظام فيها ولا عمران، نفوسها نحو 2000 نسمة ونواحيها أربع هي:
1 - الصلاحية داخلية (أي مركز القضاء) ولكنها ترى شؤون الزراع والمزارع التابعة لها.
2 - (هور الدخن) ومركزها أبو شورة بالقرب من الكوفة فيها من النفوس نحو 5000 نسمة ويقدر دخلها ب 75. 000 ربية (حصة الحكومة فقط).
3 - الغماس (كشداد) ومركزها الخرم (وزان بكر) وفيها آل زياد (بتشديد الياء) والسادة البوطبيخ. نفوسها مع عشائرها 2. 300 نسمة.
4 - الشنافية وهي قرية تبعد عن الديوانية بأكثر من عشرين ميلا. نفوسها مع العشائر 4. 000 نسمة ودخلها قليل جدا ومن المحتمل إنها تلغى لتلحق بإحدى النواحي المارة الذكر.
3 - قضاء عفك
يتقوم القضاء من مركزه ومن النواحي التابعة له وهي أربع. أما مركزه فقصبة صغيرة سكانها قليلون وشوارعها ضيقة قذرة وفيها جسر صغير من خشب وتقدر نفوسها بألفي نسمة. وفيها سوق صغيرة يبتاع منها السكان حاجياتهم. وإما نواحيه الأربع فهي:
1 - الدغارة وهي بلدة جميلة عمرانها واسع وتجارتها متقدمة، تقع على الضفة اليمنى من نهر الدغارة وفيها مرتبات شعب منظمة لإدارة أمورها.
2 - الفوار (كشداد) وهي مقاطعة واسعة تقدر نفوسها بخمسمائة نسمة.
3 - عفك وهي ناحية (داخلية) في مركز القضاء.(6/364)
4 - آل بدير ومركزها قرية (العبرة) (بكسر العين) أما نفوسها فهي أكثر من 1. 000 نسمة وليس فيها مدينة ولا عمران معظم سكان قضاء عفك من العشائر التي تشتغل في استغلال الأراضي الخصبة.
4 - قضاء السماوة
السماوة بلدة جميلة عامرة تقع على ضفتي الفرات ويربط الجهتين الواحدة بالأخرى جسر من خشب إلا إنه محكم الوضع. هواؤها عذب، ماؤها غير صاف سكانها كثيرون، تجارتها واسعة، زراعتها بوجه عام حسنة. وبالقرب من السماوة تلتقي فروع الفرات المتنوعة. ويمر بها الخط الحديدي الكبير من بغداد إلى البصرة وهي تبعد عن الأولى 172 ميلا وعن الثانية 184 وفيها مدرسة ابتدائية ومركز فخم للشرطة الخيالة والمشاة التي تراقب حركات الأخوان في البادية مع صرح (سراي) للحكومة لا بأس به من حيث الجسامة والعمران. نفوسها نحو 15. 000 نسمة وجاداتها واسعة ومقاهيها هي أحسن المتنزهات للآهلين. والبلدة محاط بها بسور محكم البناء لصد غارات الأخوان ولو إنه مبني من اللبن.
ولهذا القضاء ثلاث نواح هي الرميثة (بالتصغير) والخناق (كشداد) والخضر (كابل).
أما (الرميثة) (بالتصغير) فبلدة عذبة الهواء لطيفة الموقع مركزها الرميثة أو (الأبيض) (بالتصغير وتشديد الياء) وفيها مدرسة عامرة وصرح (سراي) فخم للحكومة وقد أنشئا منذ مدة قريبة. تقدر نفوسها بثلاثمائة نسمة وفيها جسر من خشب متين الوضع وتبعد عن العاصمة 156 ميلا ويمر قطار البصرة فيها. ولهذا السبب يرجى لها مستقبل زاهر من حيث التجارة والعمران.
وإما (الخناق) فناحية داخلية في القضاء ومركزها في السماوة.
وإما (الخضر) فمركزها الخضر وهي تبعد أربعة أميال عن السماوة وتقدر نفوسها ب 3. 000 نسمة بما فيها من العشائر. وتقع على العدوة اليسرى من الفرات. وسكانها كلهم زراع.
بغداد: عبد الرزاق الحسني(6/365)
أوربية تحب عراقيا
وما (حسن) إلا فتى ذو ملاحة ... وقد نال في الآداب أسمى المراتب
وفي البصرة الفيحاء حط متاعه ... يتاجر بالأموال تحت المتاعب
وسار إلى الميناء يختار مركبا ... وليس له إلا بضاعات كاسب
رأى مركبا ينوي البراح بركبه ... وشيكا إلى قطر الحجاز المقارب
فأودعه تلك البضائع مزمعا ... رحيلا إلى ما فيه خير المكاسب
رأته فتاة غضة الجسم كاعب ... تطل على الركاب من كل جانب
وتلك لربان السفين سليلة ... أبوها فرنجي رفيع المناصب
فنادته من شوق أثار بقلبها ... سعير غرام أقلق النفس غالب
ولم يصطبر حتى أجاب نداءها ... إجابة مسكين لإكرام واهب
بناء صرح الحب
وقد بنيا صرح الوداد بسرعة ... يؤولها القاصي بشتى المذاهب
وسارا ببحر يرعب الأسد موجه ... وكل له في الحب سر العجائب
أضاءهما البدر المنير تحننا ... كأن له في الحب عنوان راغب
فكم قضيا الساعات لهوا وبهجة ... وفوقهما البدر الجميل كراهب
سقوط حسن في البحر الأحمر
مضى الصب كيما يستحم بجانب ... ولم يدر أن يلقى عظيم المصائب
ومن قدم زلت به وهو غافل ... إلى البحر لم يعلم به غير راكب
وغاص بأمواج يهول اضطرابها ... وقد ظن أن الموت أقرب صاحب
وكان بأنواع السباحة ماهرا ... فلم يبد للأمواج مظهر تاعب
نعي الحبيب في المركب
ونادى مناد في السفينة ناعيا ... حبيبا هوى في رحب بحر الغرائب
فيا لنداء مفجع يبعث الأسى ... إلى كل قلب للحنان مؤالب
وجاءوا إلى الربان يبغون عطفه ... لإنقاذه قبل امتداد النوائب
فقال عمري لات ساعة منقذ ... فقد قضى الأمر الرديء العواقب(6/366)
شعور الحبيبة
ولما أحست بنته هاج حزنها ... فلم تر حبا لم ينغص بشائب
وشبت لها في القلب نار لفقده ... فلم تتأخر عن تحري المواجب
فصاحت بصوت يسلب العقل وقعه: ... أبي أحيني حتما بإرجاع غائبي
وإلا فهذا البحر لاشك منقذي ... من الحزن من بعد الحبيب المصاحب
فقال لها: يا بنتي استيقظي فما ... تألمك يجدي اندحار المصاعب
فهمت بما قالت وهم بردها ... ولم تقتنع إلا بنيل المطالب
البحث عن الحبيب
فأرسل من يأتي به فوق قارب ... إذا كان حيا بعد تلك المصائب
رأى شبحا فيه حراك وفوقه ... جناح حياة خافق غير واصب
فألفاه كرارا بميدان معرك ... من الموج ليس الموت فيه بناشب
فأنقذه والخوف ضعضع جسمه ... وأبدت به الأهوال أردى الشوائب
وجاء به للراكبين بفرحة ... وجفت دموع العين بعد المساكب
وهشت فتاة الحسن هشة مبهج ... به تبتغي من ذاك ردع النوائب
وآن لصبين التقاء مخفف ... عذابا له في القلب أنكى المثالب
الفراق
وإذ قاربا ميناء (جدة) أصبحا ... على جرف التفريق قصد التذاهب
فقالت له: ويل لقلبي فإنه ... سيضنى من البعد الكثير المتاعب
فيا صبر رافقني لتدفع لوعتي ... وتدحر حزنا لا يحن لناصب
وقال أبوها: لا تفارق عزيزتي ... وحقق مناها بالوداد المواظب
أحبتك جما وهي في الحب حرة ... ولست على استحبابها بالمشاغب
أجابهما والقلب يذوي بحسرة ... على الطائر الميمون ذات المناقب
فحبك في قلبي أثيل وموقد ... حشاي دهيني اختبط في الغرائب
حبيب بأرض الشرق ظل معذبا ... ومحبوبة تهواه عند المغارب
فما أنحس الأوقات أوقات مفصم ... لعروة حب مفعم بالعجائب
وما الحب إلا نعمة مستديمة ... إذا لم تمزقها النوى بالمخالب
الكاظمية: مصطفى جواد(6/367)
فوائد لغوية
القنع
قال السيد مرتضى: (القنع) بالضم: الشبور، وهو بوق اليهود. . . وليس بتصحيف (قبع) بالموحدة، ولا (قثع) بالمثلثة، بل هي ثلاث لغات: النون، رواية أبي عمر الزهد (كذا. والصواب أبي عمر الزاهد). والثالثة نقلها الخطابي وأنكرها الأزهري. وقد روي حديث الآذان بالأوجه الثلاثة. . . وقد روي أيضاً بالتاء المثناة الفوقية. . . مثال الخطابي: سألت عنه غير واحد من أهل اللغة فلم يثبتوه لي على شيء واحد، فإن كانت الرواية بالنون صحيحة، فلا أراه سمي إلا لإقناع الصوت به، وهو رفعه. ومن يريد أن ينفخ في البوق يرفع رأسه وصوته. وقال الزمخشري: أو لأن أطرافه أقنعت إلى داخله أي عطفت. أهـ.
قلنا أصل رواية اللفظة في القديم في عهد الجاهلية قنع (بضم القاف وإسكان النون وفي الآخر عين) وقد نقلها اليونانيون عن العرب في العهد العهيد بصورة وكانوا إذ انقلوا العين إلى لغتهم حاروا في تصويرها بحروفهم فيختلفون بين ما ذكرناه من حرفهم (وهو حرف واحد في لسانهم) وبين حروف أخرى. واصل معنى القنع صدفة يشبه ظاهرها صدفة حلزون كبير وبالافرنسية ثم أطلق على كل ما أشبه هذه الصدفة من آنية وآلات فكان من معانيها عندهم القنقل، وهو مكيال يكال به، والجمجمة، وأعلى الرأس، ومقبب الترس أو الدرقة. وغطاء كل آنية إذا كان مقببا ولاسيما ورودها عندهم بمعنى صدفة الحلزون وبمعنى الشبور الذي يشبه هذه الصدفة. والشبور بوق مقنع الطرف أي مستديره معطوف إلى داخله كالصدفة المذكورة.
أما القبع بالباء الموحدة التحتية، والقثع المثلثة فهما عندنا من التصحيف القديم للفظة، خلافا لما ارتأى صاحب التاج؛ إذ اللغات في الغالب مبنية على تصحيف(6/368)
وتحريف أو لثغة. وإن وردت مفردات على غير هذه الأوجه المذكورة.
ومن الغريب أن السلف من بعد أن وضعوا هذا الحرف في الزمن القديم عادوا إلى اليونانية فعربوا المذكورة بصورة قنقن وخصوها بما يقابلها عند الإفرنج وأطلقوا القنقن أيضاً على ما سماه اليونانيون وكذلك نقلوا عن اليونانيين (القنقل) المار ذكره وهو مكيال يسميه
الرومان
ونقل اليونانيون لفظتنا (القنع) بصورة أخرى وهي وهي عندهم الصدفة المستديرة العطفات إلى الداخل فنقلها عنهم الرومان بصورة بمعنى الحلزون. واشتقوا منها في لسانهم الملعقة فسموها لأنهم كانوا يستخرجون بطرفها الواحد الحلزون الذي كانوا مولعين بأكله.
فقد رأيت من هذا البسط أن السلف سموا الشبور بالقنع لأنه على شكله والقنع هو الحلزون. ولم يكتفوا بالقبع والقثع المصحفين عنه. بل زادوه تصحيفا ثالثا وهو (المنع) فكأنهم قرءوا القاف المهملة ميما وابقوا النون على حالها وأرادوا به السرطان لا الحلزون والمنعي بزيادة ياء النسبة أكال السرطانات. فالظاهر أن السلف في الجاهلية كان مولعا بأكلها على حد ما يفعل الرومان واليونان وأبناء الغرب في عهدنا هذا. ومن الغريب أن اللغويين ذكروا المنع والمنعي بمعنييهما ولم يذكروا معدنيهما واصليهما والسلف كثيرا ما يصحف الألفاظ ليعلق بها معاني جديدة وكان يتصرف مثل هذا التصرف في المفردات الدخيلة المعربة.
ومن العجب أن عوام سورية جهلوا أن اللاتينية عربية النجار فعربوها عنها وقالوا (قوقعة) في حين أنهم كانوا في مندوحة عنها بقولهم (قنعة) مفرد القنع وإن لم تسمع، لوجود القاعدة أن الشبيه بالجمع يفرد بالهاء. وكان عوام آخرون عربوها بصورة (قوقن) على ما رواه المستعيني وجاءت (كوكن) أيضاً. وكلها تنظر إلى الأصل العربي المصحف.
وما أضحكنا إلا قول أحد الفضلاء المتشدقين وهو: (إذا أردتم أن تحطموا قوقعاتكم وتتخلصوا من أنواع الضيق المسيطرة على نفوسكم. فاخرجوا. . . أفلا قال كما قال السلف الفصيح: إذا أردتم أن تتخلصوا من قائبتكم أو قنعتكم. . .(6/369)
أو نحوهما؟).
لكن هذه اللغة البائسة قد صار أمرها إلى بعض الجهلة فاخذوا يهدمون حصونها بالنواسف وهم يجهلون نتيجة عملهم. فهذا هو الجهل المركب. وقانا الله شره!
الغريزي لا الغرزي
يكثر كتبة مصر من النسبة إلى الغريزة بقولهم غرزي بفتح الأول والثاني مدعين أن ذلك هو القياس لما كان من المنسوبات إلى فعيلة. والحال ليس كل قياس يقال: لأن السماع أفضل من القياس. إذ هذا وجد بعد ذاك. والمسموع في النسبة إلى الغريزة غريزي كما
قالوا طبيعي وسليقي وسليمي وعميري وبديهي في النسبة إلى طبيعة وسليقة وسليمة وعميرة وبديهة، وذكر الغريزي صاحب (مد القاموس) نقلا عن الثقاة، والأطباء الأقدمون لم يقولوا إلا (الحرارة الغريزية) وقال أبو القف في كلامه عن خواص العدس: (وأما حرارته الغريزية فقوية وطبيعته فائقة جيدة لا يغلبها سبب ممرض) أهـ. وابن البيطار ذكر الحرارة الغريزية مئات ومئات.
ولهذا تتحدى كل كاتب أن يورد لنا شاهدا واحدا - من الأقدمين أو من المولدين - فيه لفظة الغرزي في معنى الغريزي - نعم قد يجد الباحث الغرزي نسبة إلى الغرز (كسبب) وهو ضرب من الثمام، لكن بمعنى الطبيعي لا تجد ولن تجد. ولهذا وجب أن يقال الغريزي أمنا للبس، وإما حيث لا لبس فالنسبة إلى فعلية هو فعلي بالتحريك. تقول ربعي وحنفي وجذمي في النسبة إلى ربيعة وحنيفة وجذيمة؛ ويشبه فعلية في النسبة فعلية (بضم ففتح) تسقط منها الياء في مواطن وتحتفظ بها في مواطن أخرى. تقول جهني وقتبي (بضم ففتح) في جهينة وقتيبة. لكنك تقول حويزي في النسبة إلى حويزة (راجع كتاب سيبويه طبع مصر 2: 70 و71) ولهذا لا يحسن بالمرء أن يخطئ صاحبه معتمدا على ما يرى في كتب الصرف والنحو ولا يلتفت إلى السماع، وإلا فإن ثبت هذا لديه كان حجة على القاعدة وضرب بها عرض الحائط كما قرره العلماء الأعلام في معاجم اللغة ودواوينهم العلمية.(6/370)
باب المكاتبة والمذاكرة
غريبة
من أغرب ما ساقتني إليه المصادفة، أني بينما كنت أطالع في كتاب (ثمار القلوب في المضاف والمنسوب) لأبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي المطبوع بمطبعة الظاهر في القاهرة سنة 1326هـ. عثرت في الصفحة 175 على بحث في حسان بن ثابت الشاعر المشهور (رض) إذ قال في حضرة النبي (ع) على سبيل التمدح بقوة لسانه: (والله أني لو وضعته على شعر لحلقه، أو على صخر لفلقه) سوى أن سقم الطبع الذي مني به هذا الكتاب الجليل أخرج الفاء قافا فكانت كلمة (لقلقه) هكذا: (لقلقه) وهي غلطة بديهية لا يعز على الأديب الاهتداء إلى تصحيحها من دون كلفة، وليس مثار التعجب هو هذا، بل هو تعليق المصحح على الكلمة بقوله: (اللقلقة صوت طائر طويل يأكل الحيات وهو صوت في حركة واضطراب ومنه حديث عمر: ما لم يكن نقع ولا لقلقة).
ولعمري أن هذا من أغرب مداحض الأقلام. وسبحان من لا يذهل ولا يسهو.
أما حديث عمر فهو كما جاء في الصفحة 18 من الكتاب المذكور من أن خالدا (رض) لما توفي لم تبق امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمتها على قبره أي حلقت رأسها، ولما ارتفعت أصوات النساء عليه أنكرها بعض الناس فقال عمر (رض): دع نساء بني المغيرة يبكين أبا سليمان، ويرقدن من دموعهن سجلا أو سجلين، ما لم يكن نقع أو لقلة.
وفي الجزء الثالث من (النهاية في غريب الحديث) ص 172 هكذا:
ما عليهن أن يسفكن من دموعهن على أبي سليمان ما لم يكن نقع ولا لقلقة. . . النقع رفع الصوت. . . وقيل أراد بالنقع شق الجيوب وقيل أراد به وضع(6/371)
التراب على الرؤوس من النقع (أي) الغبار وهو أولى لأنه قرن به للقلقة وهي الصوت فحمل اللفظيين على معنيين أولى من حملهما على معنى واحد. أهـ المطلوب.
محمود الملاح
قبر حيدر
وقفت على مقالة الكاتب المتفنن أحمد حامد أفندي الصراف عن الدرويش ورأيته يتوقف في صحة موقع قبر الشيخ حيدر (6: 88) والحال إنه من المثبت أن هذا القبر هو كوهستان في مدينة (زوا) وهي التي تسمى اليوم (تربة حيدر) ذكرا له (راجع كتاب لسترنج - أراضي الخلافة الشرقية المطبوع في كنبردج سنة 1905 ص 356) والتربة المذكورة قريبة من باخرز.
باريس: لويس ماسنيون
البياسرة
قرأت ما كتبت (لغة العرب) عن البياسرة (6: 57) وأنا واثق أن البياسرة أناس من ذرية متزوجين زواجا مختلطا أي من نسل عرب متزوجين هنديات أو من نسل هنود متزوجين عربيات. والكلمة من أصل هندي. فإن الهنود سموا البغلة (بيسر) (وزان حيدر) ولما كان البغل - حتى في اللغة العربية - يطلق مجازا على كل حي كان والداه مختلفي الجنس، جاز أن يطلق على هذا النسل أسم البياسرة. ولعل مدير المجلة يتحقق هذا الأمر من هنود بغداد الذين كثروا فيها بعد الاحتلال البريطاني. ولقد وجدت الجاحظ يذكر البياسرة في مؤلفاته. فليحتفظ ذلك إنه من الفائدة الثمينة في مكان حريز.
يهرف
ليست يهرف أسم سبع وقد أصبتم في تخطئتكم من ذهب إلى هذا الرأي.
وقد رأيت في المحكم وفي اللسان: هرف السبع يهرف. . . ولا جرم أن أحدهم قرأها هكذا: السبع يهرف فوقع في تلك الهاوية من الوهم، وجر معه من تبعه في هذا الضلال، ويهدي مخطوط من (كتاب المعاني) وفيه أوهام مصوغة تلك الصياغة الشنيعة من الوهم وسوء الفهم.
بكنهام (إنكلترا): ف. كرنكو(6/372)
أسئلة وأجوبة
النقود في التاريخ
س - بغداد - سائل: ما رأي لغة العرب في (العملة) وتأريخها وتطورها وهل هي قديمة أو حادثة؟ وبماذا كان يتعامل الناس قبل المسبح بألف سنة!!
ج - يؤخذ من المأثورات الإغريقية التي أثبتتها المكشوفات الأثرية أن أقدم النقود لا تتعدى المائة السابعة قبل الميلاد أما قبل ذلك فكانت المعاملة تجري بقطع الذهب والفضة وسائر المعادن من غير أن يكون عليها علامة خاصة ثم تطور شكلها بتقدم الحضارة فطبعت كل إمارة على كل قطعة منها علامة لتعرف بها وبصحة جوهرها. وقد ألف الغربيون كتبا قائمة بنفسها في تاريخ نقود كل بلد بل شحنوا مؤلفات ضخمة بصور النقود التي كانت معروفة في العصور السابقة وبتاريخ كل منها.
والعملة (كغرفة) بمعنى النقود من كلام عوام سورية ومصر ولم ترد في كلام فصيح. وسميت بذلك - على ما جاء في محيط المحيط - اشتقاقا من العملة وهي أجرة العمل لأنها تعطى أجرة للعمل. وأحسن من العملة بمعنى النقود (المعاملة) لأنه يتعامل بها. وهي أيضاً عامية أو مولدة إلا إنها وردت في كتب بعض المولدين أقدم من كلمة عملة والأحسن أن يقال النقود.
اصطلاحات علمية حديثة
س - بغداد - روزق عيسى: قرأت مقالة بديعة في العدد ال 69 من البلاغ الأسبوعي بقلم الكاتب المتفنن عباس محمود العقاد بعنوان (الأحساسية في التصوير) وقد جاء فيها بعض مفردات إنكليزية عربها صاحب المقالة تعريبا معنويا كقوله:
الأحساسيون المحدثون -
التقسيميون(6/373)
الدواميون
التعبيريون
المستقبليون
ما بعد الأحساسية -
الوحشية
فهل تستصوبون هذا التعريب الذي جرى على منواله فريق من كتاب العربية اليوم وهل في العربية ألفاظ تقوم مقام تلك المفردات؟
ج - أحسن من الدواميين الدواريون وكلتاهما بضم الدال وتشديد الواو. ولا نفضل دواريين على دواميين إلا لأن دوارين أقرب إلى فهم العامة. أما الدواميون فقد يتوهم فيها القارئ إنها منسوبة إلى الدوام بخلاف الدواريين فليس فيها ما يدفع إلى الوهم. وإما المستقبليون (أن لم يقع في النقل وهم) فليس صحيحا لأن ما ينتهي باللغات الإفرنجية بأحرف يفسر (بالذهب أو الطريقة) أو أن يؤنث اللفظ المنسوب فيقال مثلا المستقبلية بمعنى مذهب المستقبليين لكن لا يقال أبدا (مستقبلون) (كذا) بمعنى وما بقي فهو من الترجمة الصحيحة في نظرنا.
ذهني وخارجي
س - بغداد - ح. خ: ما هما الكلمتان المقابلتان للحرفين الإفرنجيين
وج - ويقابله في لساننا الذهني والثاني يقابله في لغتنا الخارجي قال أبو البقاء في كلياته عن الأول: الذهن: القابلية. والفهم الإدراك وقد يطلق الذهن. ويراد به قوتنا المدركة وهو الشائع. وقد يطلق ويراد به القوة المدركة مطلقا. سواء كانت النفس الناطقة الإنسانية أو آلة من الآن إدراكها أو مجرد آخر. وهذا المعنى هو المراد في (الوجود الذهني) وكذا الخارج يطلق على معنيين: أحدهما الخارج عن النحو الغرضي من الذهن. لا من الذهن مطلقا والخارج بهذا المعنى اعم من الخارج بالمعنى الأول لتناوله له وللنحو الغير الغرضي من الذهن وهو المراد من الخارج في قولهم: صحة الحكم مطابقته لما في الخارج(6/374)
فالموجود الخارجي على نحوين: أحدهما الحصول بالذات لا بالصورة، وذلك الحصول اعم من الوجود في نفس الأمر من وجه لتحقق الأول بدون الثاني في المخترعات الذهنية وبدون الأول في الموجودات الخارجية. ثم الموجود في الذهن عند المثبتين للوجود الذهني هو نفس الماهيات التي توصف بالوجود الخارجي والاختلاف بينهما بالوجود دون الماهية.
ولهذا قال صاحب المحاكمات: الأشياء في الخارج أعيان. وفي الذهن صور. انتهى كلام أبي البقاء.
فأنت ترى من هذا أن تعريف كل من الذهني والخارجي تعريف صحيح على ما يفهمه الإفرنج في هذا العهد، ولا نعرف للحرفين المذكورين كلمتين أخريين ومن يعرفهما فليذكرهما لنا فنكون له من الشاكرين. بشرط أن ينقل كلام الأقدمين بنصه واسم الكتاب الذي ورد فيه مع أسم مؤلفه. ولو وجد غير هذين اللفظيين لذكرهما لنا صاحب الكليات نفسه.
س - ومنه - ما الكلمة العربية المقابلة للإفرنجية
ج - للإفرنجية معنيان؛ المعنى الأول إنها تفيد (بلا خبرة أو اختبار) معتمدا المتكلم في ما يقوله على العقل أو على دليل ظاهر قد سبق التسليم به وهذا يقابله قولنا: (عقليا) أو آنفا بضم الأولين. والثاني يأتي مقابلا لقولهم فيقال حينئذ استئنافا وللفظة الثانية الإفرنجية (استنتاجا) أو (اختبارا) أو أن يقال بازاء الإفرنجية: (سباقا ولحاقا) وهي أشهر ما جاء في كلام المتكلمين والفقهاء وعرفهما اللغويون، فليحتفظ بهما.
جمع المصدر وجمع جهد على جهود
س - مصر القاهرة - س. ب. م -: هل تجوزون جمع المصدر وهل توافقون على أن يجمع جهد على جهود، وهل ورد في كلام الأقدمين؟
ج - جمع المصدر لا يجوز كما صرح به النحاة واللغويون وكما ترونه مدونا في جميع المصنفات التي تتعرض لهذا الموضوع. قال في المصباح في مادة ق ص د: بعض الفقهاء جمع القصد على قصود. وقال النحاة: المصدر المؤكد، لا يثنى ولا يجمع. لأنه جنس والجنس يدل بلفظ ما دل عليه الجمع من الكثرة فلا فائدة في الجمع، فإن كان المصدر عددا كالضربات، أو نوعا كالعلوم والأعمال،(6/375)
جاز ذلك لأنها وحدات وأنواع جمعت، فتقول: ضربت ضربين، وعلمت علمين، فيثنى لاختلاف النوعين، لأن ضربا يخالف ضربا في كثرته وقلته، وعلما يخالف علما في معلومه ومتعلقه، كعلم الفقه، وعلم النحو، كما: تقول عندي تمور، إذا اختلفت الأنواع، وكذلك الظن يجمع على ظنون لاختلاف أنواعه، لأن ظنا يكون خيرا وظنا يكون شرا - وقال الجرجاني: ولا يجمع المبهم إلا إذا أريد به الفرق بين
النوع والجنس، واغلب ما يكون فيما ينجذب إلى الاسمية نحو العلم والظن ولا يطرد. إلا تراهم لم يقولون في قتل وسلب ونهب (المصادر): قتول وساوب ونهوب - وقال غيره: لا يجمع الوعد لأنه مصدر. فدل كلامهم على أن جمع المصدر موقوف على السماع، فإن سمع الجمع عللوا باختلاف الأنواع، وإن لم يسمع عللوا بأنه مصدر، أي باق على مصدريته وعلى هذا فجمع القصد موقوف على السماع. وإما المقصد فيجمع على مقاصد. أهـ كلام صاحب المصباح.
قلنا: لم يسمع جهد جمع على جهود لكن اليوم أكثرت منه الصحف والمجلات والكتب، فالأحسن القول بجمعه وإن لم يسمع عن الفصحاء فيسابق العهد، لأن (إجماع فصحاء العصر كإجماع فصحاء الأقدمين، ولماذا يجوز لقوم واحد أن يقولوا كذا ولا يسمح لأبنائهم أن يتبعوهم؟
ونحن نجوز كل ما استعمله (فصحاء المولدين والمحدثين والعصريين) وإن خالف صريح نصوص الأقدمين القائلين بمنعه. هذا رأينا الفائل يقول به من يشاء ويضرب به عرض الحائط من يشاء ولا نلزم أحدا باتباعه.
المتولي الفقيه
س - الكاظمية - مصطفى جواد: قرأت في المرشد (3: 104) مقالة بعنوان آثار (كذا أي آثار) بغداد هذه العبارة: (. . . ولما كنت قد وقفت على حقيقتهما (حقيقة المدرسة التاجية وصاحب قبر الشيخ أبي اسحق المدفون فيها) بعد البحث والاستقراء الدقيقين أردت بمقالي هذا أن أبين الحقيقة لمن تهمه هذه المباحث) ثم يقول في ص 106 ما هذا حرفه: (ومنهم (من المدفونين في التاجية) أبو سعيد عبد الرحمن بن مأمون ابن (كذا أي بن) علي المعروف(6/376)
بالمتولي الفقيه الشافعي مدرس المستنصرية المتوفى (كذا. أي المتوفى بياء غير منقوطة) سنة 478هـ. . .) أفهذا كلام صحيح؟
ج - كنية المتولي الفقيه أبو سعد لا أبو سعيد (كما ذكره ابن خلكان في الجزء 1: 392 من طبعة بولاق). وإما إنه كان مدرسا في المستنصرية فهذا لا يمكن لأن هذه المدرسة أنشئت سنة 325هـ (1227م) راجع هذا الجزء من مجلتنا ص 354) وأبو سعد توفي سنة 478هـ وعليه يكون الصواب: (مدرس النظامية) كما قال ذلك ابن خلكان في الجزء والصفحة
اللذين ذكرناهما. فعسى أن يصلح الغلط في جزء تال من المرشد ذهابا إلى الحق.
الأصنوجة والدوالقة أو الزوالقة
س - زحلة - س. م: قرأت في (البستان) ومحيط المحيط وفي كثير من المعاجم هذه العبارة وهي: الأصنوجة: الدوالقة من العجين، ولما نقرت عن الدوالقة في الدواوين لأعرف معناها لم أجدها. فهل لكم أن تذكروها لنا؟
ج - لم يفسرها أحد تفسيرا واضحا. فقد قال صاحب اللسان: الأصنوجة: الزوالقة من العجين ولم يذكر معنى الزوالقة في موطن من المواطن بل قال الناشر في الحاشية: هكذا بالأصل. وفي القاموس: الدوالقة بالدال. وحرره. أهـ. وكذلك لم يفسرها صاحب التاج. وقال في الأوقيانوس: الأصنوجة وزان أضحوكة: خيط الخمير الذي يمتد طولا عندما يعجن فيكون كخيوط الحلوى (المعروفة عند الترك) بكتان حلواسي (ويسميها أهل العراق شعر بنات). أهـ. وعندنا أن الكلمة المفسرة للأصنوجة هي الدمالقة وهي القطعة المستديرة من العجين تكون بكبر الصنج وقبل أن تلصق بالتنور فالدمالقة مشتقة من الدمالق للحجر المستدير والدمالق من الدمالج أو لغة فيه والدمالج جمع دملج للحلي المستدير الذي يلبس في العضد كما أن الأصنوجة مشتقة من الصنج لمشابهة العجينة الصنج المستدير. وسبب التسمية في اللفظيين واضح كما لا يخفى على الباحث اللغوي، أما المستشرقون فلم يهتدوا إلى المعنى بتاتا ففريتغ ذكر الاصنوجة وقال (الدوالقة من العجين) بحروف عربية ولم يفسرها. وقال فرنسيس جونصن: الأصنوجة هي المعجن الذي فيه العجين (كذا) فتأمل.(6/377)
باب المشارفة والانتقاد
51 - مباحث في الآداب العربية العصرية
بقلم هـ. ا. ر. رجب
بيت جب، بيت علم وفضل وأدب. ولهذا البيت فضل على اللغات الشرقية لأن أحد أبنائه ارصد مبلغا لنشر ما يفيد من مصنفات الشرقيين عربا كانوا أم فرسا أو تركا. وأمامنا الآن مقالة نفيسة في 16 صفحة تكلم فيها صاحبها عن نهضة الأدب في المائة التاسعة عشرة فإذا هي من احفل المقالات في هذا الموضوع والذي يطالعها يتحقق أن صاحبها من أعظم الناس وقوفا على الحركة الأدبية عند العرب والكاتب لا يبعث بفكر إلا يؤيده في الحاشية بالأسانيد التي لا تنكر. ولم يصلنا إلا القسم الأول من هذا البحث الجليل فعسى أن يكون القسم المتمم له على هذا الطراز من التحقيق والتدقيق.
52 - أنباء عن اليمن
آخر رحلة هرمان بورخرت في جنوبي ديار العرب، أعاد النظر فيها اوجين متووخ.
ما يتولى علماء الألمان نشر كتاب عن ديار العرب إلا يفونه حقه من التحقيق والعناية بخدمته من شرح وإفادات. صاحب هذه الرحلة أحمد بن محمد الجرادي من أهالي صنعاء. كان كاتبا للمستشرق الألماني بورخرت. وقد نشر نص هذه الرحلة العلامة اوجين متووخ وعلق عليها تعاليق نفيسة وشرح الألفاظ الغامضة(6/378)
وهي كلها من المفردات العامية الخاصة بأهل صنعاء. والحق يقال أننا لم نفهم من هذه الرطينى إلا الشيء النزر لما فيها من الكلام المحرف المشوه والمفردات الغريبة. والكتاب في 74 صفحة بقطع الربع، فيه 28 صورة شمسية محكمة الصنع وخريطة رحلة بورخرت من مكة إلى صنعاء مع ذكر جميع المدن التي مر بها. وقد قسم ناشر الرحلة كتابه إلى سبعة أقسام هي: المقدمة - نص الرحلة باللغة
العربية الصنعانية - ملاحظات عليها - أمثلة من لغة صنعاء - ملاحظات على غوامض نص الرحلة - فهارس وتصاوير.
والكتاب جدير بالاقتناء إذ يستفيد منه الباحث عن ديار اليمن واللغوي والمؤرخ والأديب. إذ فيه من المواد ما ينفع جميع هؤلاء الباحثين.
53 - أعظم حرب في التاريخ وكيف مرت حوادثها
تأليف جرجس الخوري منشئ مجلة المورد المطبعة العلمية بيروت سنة 1927 في 130 ص.
كتاب مفيد لكل من يريد أن يقف وقوفا مجملا على تلك الحرب العظمى التي انتابت العالم وقد قال صاحبه أن تأليفه (خلو من روح التعصب المذهبي أو الجنس. . . وإن لغته من السهل الممتنع) (المقدمة) وقد رأينا بعض أشياء تخالف ما قاله منها قوله: (من معاني لبنان الطيب الرائحة مشتق من اللبان أي البخور) وإذا كان أحد اللغويين الإثبات نطق بمثل هذا الكلام فحري بأن يضرب رأسه بصخر لبنان ليتعلم أن البحث عن أصول الألفاظ لا يكون بهذا الروح من التعصب الجنسي، إنما لبنان معناه الأبيض لا بيضاض ثلجه لا غير، وإلا فالجبال كلها ذوات روائح عطرة لما فيها من النباتات الطيبة الشذا. - وفي ص 4 وللوطنيين شغف شديد في التعلم. والمشهور أن الشغف يوصل إلى مفعوله بالباء ومنه:
غيلان مية مشغوف بها هو مذ ... بدت له فحجاه بأن أو كربا
وفي ص 5 يقول: متمتعين بالمناظر الحسنة وبالهواء الطيب وبالماء الزلال وبوارف الإظلال) ونحن نرى من الثقل في تكرير الباءات ما يذكرنا بجلاميد لبنان. أفما كان الأحسن حذفها طلبا لخفة العبارة؟ - وقال في ص 6: (بقرته وعنزته). ونحن لم نجد فصيحا استعمل العنزة بمعنى العنز. نعم أن محيط المحيط واقرب الموارد(6/379)
والمنجد ومعجم الطالب والمعتمد (ولعل البستان الوشيك الظهور) وشركاءهم ذكروا ذلك، لكن هؤلاء جميعهم حجج ضعيفة لا قيمة لهم عند المحقق.
وهكذا لو تتبعنا المؤلف في كل صفحة من كتابه لوجدنا عبارته (سهلة، لكنها غير ممتنعة) فعسى أن تنقى في طبعة ثالثة من شوائب الركاكة ولاسيما الكتاب وضع لطلبة التاريخ الحديث.
54 - العقل الباطن أو مكنونات النفس
تأليف سلامة موسى في 181 ص بقطع 16، عنيت بنشره إدارة الهلال بمصر سنة 1928.
سلامة موسى كاتب مصري معروف، مولع بكل علم جديد وبحث طريف لكنه ضعيف النظر في لغتنا وكثيرا ما يضع ألفاظا في غير موضعها فيفسد اللغة ويحمل الغير على إفسادها. من ذلك إنه سمى: سبق الوهم ويجمع على سبق الأوهام وبالإنكليزية بالتغرضات والحال أن التغرضات في لغتنا الفصيحة مصدر تغرض الغصن كأنغرض أي انكسر ولم يتحطم فأين هذا من ذاك.
وسمى الكظم ضغطا ونسي أن الضغط هو فلا يجدر به أن يحمل اللفظة الواحدة معنيين مختلفين في حين أن لغتنا تمكننا من اتخاذ لفظة لكل معنى.
وقال العقل الباطن هو مع إنه قال أن العقل الواعي هو فكان يجدر به أن يطلق على الأول العقل الساهي ليصدق قوله على الثاني العقل الواعي. هذا فضلا عن أن الباطن هو وكلاهما كذلك فلا معنى يفيد اللفظة إلا إذا قلنا: العقل الساهي.
وأراد بالكبت ما يسميه الإنكليز والحال أن اللفظة تعني عندنا القمع.
واغلب هذه المفردات غرابة إنه وضع للإنكليزية (اللببد)، فلقد(6/380)
أغربنا في الضحك حتى كدنا نموت وشرح هذه اللفظة بعربيته الخاصة به بما هذا حرفه: (لبيد هو تلك القوة الجنسية في العقل الباطن (العقل الساهي) تريد أن تنطلق على الرغم من الكبت والضغط (أي مع محاولة كظمها أو قمعها). إذن ما سماه اللبيد هو (الشبق) لا غير فلا نعلم كيف يجهل حضرة الكاتب هذه الألفاظ ويضع في مواطنها ألفاظ الغتم (البشكانية) فعسى أن لا يسوق أبناء الضاد إلى الموارد الرنقة.
ست مقالات للعلامة اغناطيوس كراتشقوفسكي
55 - تاريخ الآداب العربية في المهجر الأمريكي في 20 ص بقطع الثمن الكبير.
56 - مقدمة للمنتخبات العصرية لدرس الآداب العربية في 24 ص بقطع الثمن.
57 - نقد حياة اللغات وموتها. وفي متلو كالكتاب. الجزء الأول وكلاهما للخوري مارون
غصن 5 ص بقطع الثمن.
58 - نقد لامية أبي الكبير الهذلي وشرحها للسكري وهي التي نشرها فهيم البير قداري في 4 ص بقطع الثمن.
59 - منتخبات من الآداب العربية الحديثة وترجمتها للأب رفائيل نخلة اليسوعي في 4 ص بقطع الثمن. وكلها بالروسية إلا الأولى فأنها بالألمانية.
هذه المقالات تشهد بتضلع صديقنا من لغتنا الفصيحة في عصير القديم والحديث ومن وقوفه على آدابهما وقوفا يدهش أبناء لغتنا أنفسهم. فلله در أبناء الغرب من محققين!
60 - بطل المحبة الخالد
القديس منصور دي بول في 32 ص بقطع 12، تأليف الأب يوسف علوان اللعازري طبع بالمطبعة الكاثوليكية في بيروت 1928.
القديس منصور دي بول هو مؤسس جمعيتي الآباء اللعازريين وراهبات المحبة وشفيع جمعيات مار منصور وسائر الشركات الخيرية في العالم كله. والكتاب مزين بالصور البديعة مما يعين على سرعة فهم الأحوال في أوائل القرن السادس عشر وعبارة الكاتب مشهورة بالجلاء والوضوح والصحة وهي خصال تندر في كتبة هذه الأيام ولاسيما الذين يكتبون في الأمور الروحية.(6/381)
61 - المنتخبات العصرية لدرس الآداب العربية
الجزء الأول وهو نصوص المنتخبات في 258 ص بقطع الثمن، اعتنت بجمعها وترتيبها كلثوم نصر عودة فاسيليفا، معلمة اللغة العربية في الكلية الشرقية في لينينغراد وعليها مقدمة لمراقب نشرها اغناطيوس كراتشقوفسكي أستاذ تاريخ الآداب العربية في الكلية المذكورة، لينينغراد سنة 1928.
هذا الكتاب يحوي مقالات لواحد وعشرين كاتبا وكاتبة فيهم ثمانية مصريين وما بقي من أبناء سورية. ولم نجد بينهم عراقيا أو من غير ديار سورية ومصر. نعم نرى بين أصحاب تلك الأفلام من يسكنون اليوم أمريكا لكنهم سوريون، فنحن لا نرى ذلك من باب الأنصاف، وبين العراقيين وغير العراقيين من حملة اليراع وأرباب القريظ من هم في الطبقة الأولى.
فكيف فات ذلك السيدة كلثوم. وكيف ذهل عن هذا الأمر صديقنا اغناطيوس كراتشقوفسكي؟ فلعل الجزء الثاني يحوي ما لم يحوه هذا الجزء. فعسى أن يصدق ظننا!
وكنا نود أن يذكر في الحاشية محل ولادة الكاتب ومحل وفاته أيضاً إذا كان من الراحلين. ولا سيما الكاتبة المؤلفة قد ذكرت سنة الولادة والوفاة في صدر المقال فلم يبق لها إلا أن تذكر محل الولادة والوفاة.
وكنا نود أيضاً أن يكون الحرف أحسن خطأ من الحرف العربي المشهور في روية منذ نحو مائة سنة وهو هو على ما كان لم يغير إلى الآن ورسم حروفه لا يشبع الناظر إليه.
هذه هي الهنات التي رأيناها فيصدر المنتخبات وإلا فإن صاحبتها أظهرت من الذوق في حسن الاختيار ما يجلب إليها أحسن الثناء ويشكر لها عملها كل من يقدر الآداب العربية العصرية، ومما استحسناه المقدمة التي صدر بها صديقنا هذه المنتخبات البديعة فأنها جديرة بأن تصدر من صاحب ذيالك القلم السيال المعسول.
62 - ترجمة ب. ف. غرغاس
ترجمة ضافية الذيل حسنة التفصيل لصديقنا العلامة الروسي اغناطيوس كراتشوفسكي.(6/382)
كتاب الأصنام
2 - كيف ترجم الكتاب
وكتبت بعد ذلك إلى صديقي الأستاذ الأب أ. س. مرمرجي البغدادي الدومنيكي أحد أساتذة المعهد الكتابي والأثري الفرنسي في بيت المقدس أسأله عما تم من أمر الترجمة فبعث إليّ بكتاب يقول فيه ما هذا حرفه:
(ما أحسن ما كان صنعك بتوجيهك الرسالة إليّ. فإن الأب جوسين وإن كان اليوم هنا لكان يعجز عن الإجابة على أسئلتك لأنه لم يكن له في أمر كتاب الأصنام لأناقة ولأجمل فإني أنا الذي كنت قد تفرغت لهذا البحث وعليه دونك ما يأتي تلبية لطلبك.
لم تنشر عن كتاب الأصنام لا ترجمة كاملة ولا ترجمة ملخصة بل أني بادئ بدء قد عمدت إلى ترجمته برمته لكن بقصد أن أصبه عند الترجمة بقالب منظم على الأصول المنطقية لا على ما هو عليه من الخلل من حيث التأليف.
وقد علقت عليه بالفرنسية حواشي كثيرة مستمد بعضها من تعليقات أحمد زكي باشا إلا أن كل ذلك لم ينشر. فقد حكم بأن الأفضل في الوقت الحاضر أن اجتزئ بمقالة واحدة موضوعها كل الأصنام المدونة في الكتاب ليس إلا.
وقد قسمتها قسمة منظمة إلى ثلاث طبقات طبقا لخطورتها عند العرب عامة أو عند بعض قبائلها.
الطبقة الأولى: هبل واللات والعزى ومناة.
الطبقة الثانية: اساف ونائلة وود وسواع ويغوث ويعوق ونسر.
الطبقة الثالثة: إلا قيصر وذو الخلصة وسعد وسعير وذو الشرى وعائم وعميانوس وسعير والفلس وذو الكفين ومناف ونهم واليعبوب وباجر والسجة.
وقد أتيت عن كل واحد من هذه الأصنام بخلاصة مستمدة من الكتاب عينه بتصرف مستشهدا بالأبيات الشعرية ناقلا نصها العربي ملحقا إياه بترجمته(6/383)
إلى الفرنسية.
وبعد الكلام عن الأصنام أنهيت المقال بكلمة عن أشهر المقادس العربية وهي الكعبة وكعبة نجران وكعبة سنداد والقليس ورضاء ورئام حسبما ذكرت في المؤلف ذاته.
وقد وقعت المقالة في أربع وعشرين صفحة من صفحات مجلتنا وجاءت طبقا للغاية
المتوخاة إلا وهي اطلاع القراء على ما دونه ابن الكلبي عن الأصنام.
ولذا لم يأت فيها لا نقد ولا شرح ولا مقابلة ولا تعليقات هذا ولم أتعرض لا ترجمة ولا تلخيصا لكل ما جاء في السفر فيشان أصل الأوثان وكيفية دخولها بلاد العرب لخلو ذلك من الفائدة لاستناد أكثره على تخيلات وخرافات تضحك الثكلى.
وقد عنونت المقالة بما تعريبه: (إلهة الوثنية العربية تبعا لابن الكلبي).
وقد صدرت المقالة بكلمة عن الناشر وبترجمة وجيزة لصاحب كتاب الأصنام.
هذا وما عدا الأصنام المذكورة في كتاب ابن الكلبي هناك طائفة معتبرة قد جاءت أسماؤها متفرقة في كتب القوم منها ما سرده الناشر في آخر الكتاب ومنها ما قد جمعته أنا بمطالعاتي ومنها ما قد أطلعني عليه الأب انستاس.
وأنا مواصل البحث حسب سنوح الفرص الملائمة لتحقيق ذلك مستندا على ما يقع بين يدي من الآثار والمستمدات على اختلاف ضروبها.
وإذا تيسر الأمر نشرته في مجلتنا الكتابية أو على حدة بالفرنسية.
أما محل نشر مقالتي فهذا هو:
المجلة الكتابية للآباء الدومنكيين في القدس عدد تموز سنة 1926 من سنتها الخامسة والثلاثين من صفحة 397 إلى 420) انتهى كتاب الأب مرمرجي
(بحرفه)
(له بقية)
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص(6/384)
الشوقيات
- 2 -
وهناك أدبيات ركيكة لا طائل تحتها، إلى أن أتى بقاعدة غريبة هي قوله (ص 5):
يولد السيد المتوج غضا ... طهرته في مهدها النعماء
والذي اعرفه أنا هو أن كل أحد يولد غضا.
وقال (فيها): (فإذا أبيض الهديل غراب). ولو قال (الحمام) بدل (الهديل) لأحسن ولم يحتج إلى شرح الكلمة.
وقال (فيها): (ولواء من تحته الإحياء). وهل من العظم لرمسيس أن يكون تحت لوائه أحياء لا أموات. وأي أمير أو قائد لا يكون تحت لوائه عدد من الأحياء؟
وقال (ص 6): (ووجود يساس). ولم افقه السر في اختياره الوجود للسياسة وهو اعم الصفات، لا صلة له بها. فهلا قال: (ورعايا تساس)؟ قال (فيها):
وبناء إلى بناء يود ال ... خلد لو نال عمره والبقاء
فما أكذبه! وقال (فيها):
لك آمون والهلال إذا يك ... بر والشمس والضحى آباء
ولم استحسن قوله: (إذا يكبر)، فإن الشرط إذا حذف جزاؤه جاء في صيغة الماضي، فهلا قال:
لك آمون والكواكب والأق ... مار والشمس والضحى آباء
وقال (فيها):
ولك المنشآت في كل بح ... ر ولك البر أرضه والسماء
فهل كانت له منشات في البحر الاتلنتي، وهل كانت له طيارات تطير في الجو ليجوز له أن يقول: (لك السماء)؟ - وقال (فيها): ليت لم يبلك الزمان. . . فحذف أسم ليت وهو عمدة يقبح حذفها - وقال (ص 7): (فاروه الصديق في ثوب فقر) وهو كأنه يريد بالصديق ابنة فرعون اروه إياها في ثوب الفقر، يدل على ذلك فاء التفريع بعد ذكرها في الذلة، فقصر اللفظ عن المعنى الذي يريد وقال (ص 8).(6/385)
هكذا الملك والملوك وإن جا ... ر زمان وروعت بلواء
وكان الأحسن أن يقول: (هكذا ترحم المارك. . .) الخ. ليناسب قوله في البيت الذي قبله:
(فبكى رحمة. . .) والصحيح في كلمة بلواء (بلوى). وقال فيها:
لا تسلني ما دولة الفرس ساءت ... دولة الفرس في البلاد وساءوا
وهو بيت سقيم، ومثله البيت الذي بعده. ثم تأتي أبيات أكثرها سخيفة في معانيها، ركيكة في مبانيها. وقال ص 11:
(لعلاك المذكرات عبيد).
وهو جواب الشرط قبل بيت وهو قوله: (وإذا تعبد البحار. . .) الخ. فكان الواجب تصديره بالفاء. ثم تأتي أبيات كثيرة ذكر فيها آلهة المصريين القدماء، ثم استطرد إلى الثناء على الله. ثم ذكر موسى وعيسى عليهما السلام، ثم القياصرة وفي معانيها المبالغات وأفاظها الركاكة، اذكر نموذجا لها قوله ص 11:
فإذا قيل ما مفاخر مصر ... قيل منها إيزيسها الغراء
وقوله ص 13:
ليس تغنى عنها البلاد ولا ما ... ل الأقاليم أن أتاها النداء
وقال ص 14:
وتولى على النفوس هوى الأو ... ثان حتى انتهت له الأهواء
و (تولى) في المعنى الذي يريده لا يتعدى إلا بنفسه. يقال: تولى الأمر بمعنى تقلده وقام به: وفلانا: اتخذه وليا. وكأنه استعمله بمعنى استولى. ولذلك عداه بعلى.
ثم استطرد إلى ذكر النبي الحنيف بعد ذكر موسى وعيسى كأن القصيدة قصص الأنبياء. ثم قال فيه (وفيها):
لم يفه بالنوابغ الغر حتى ... سبق الخلق نحوه البلغاء
وكلمة (لم يفه) لا تقوم مقام (لم يدع) وهو مراده هنا. وقال في جبرئيل (ص 15):
يحسب الأفق في جناحيه نور ... سلبته النجوم والجوزاء
وسلامة العبارة تقتضي أن يقول: (يحسب الأفق أن في جناحيه نورا). وقال ص 18:
فأتت مصر رسلهم تتوالى ... وترامت سودانها العلماء
ولا أدري بماذا نصب (سودانها) فإن (ترامت) فعل لازم ولا يجوز(6/386)
نصبه على الظرفية. فإن أسم المكان المعين تحذف أداة الظرفية منه. وقال فيها،
علمت كل دولة قد تولت ... أننا سمها وأنا الوباء
وليس مدحا لقوم أن يكونوا سما ووباء لآخرين. فهلا قال عوض الشطر الثاني: (أننا داؤها وأنا الدواء). وجاء أخيرا يذكر محمد علي باشا فقال ص 19:
رام بالريف والصعيد أمورا ... لم تنل كنه غورها الأغبياء
رام ناجيهما وعرش المعالي ... ويروم العظائم العظماء
وحتى الآن لم افهم ماذا جعل (ناجيهما) فاعلا لرام أو مفعولا، وعلى كل وجه لا يستقيم المعنى إلى أن قال (ص 20):
الثم السدة التي أن أنلها ... تهو فيها وتسجد الجوزاء
جعل هوي الجوزاء وسجودها في السدة جزاء للثمه إياها ولعل هذا من ابتكاراته. والبيت فيه سخف. والقصيدة مائتان وتسعون بيتا يقلد فيها شوقي البوصيري في همزيته. وقد ركب في كثير من أبياته الشطط والضرائر القبيحة ونهج منهج القدماء ولم يلحقهم. وهي من قصائده التي يعدها المحافظون أية في. . .؟! البلاغة (!). ومن حظ مصر أن انتبه في آخر الوقت الفريق المتهذب من أبنائها فأخذوا يرجعون بشوقي إلى الصف الذي هو جدير به بين الشعراء.
نقد قصيدة في الوسط وهي قصيدة (وداع اللورد كرومر)
وخذ مثلا قصيدته (وداع اللورد كرومر) (ص 209)، فانك ترى الذل فيها باديا في سياق لوم اللورد وتبكيته، مما ينافي شعور أمة تتطلب الاستقلال وتريد نزعه من أيدي غاصبيه. وقد ذكر في معرض التبكيت الذين ساسوا مصر قبله مستبدين غير مسؤولين، كأنه يسجل على مصر كونها لم تحكم نفسها بنفسها. مما ينافي ما هو بصدده من أباء المصريين للاستبداد. قال:
أيامكم أم عهد إسماعيلا ... أم أنت فرعون يسوس النيلا
أم حاكم في أرض مصر بأمره ... لا سائلا أبدا ولا مسؤولا
يا مالكا رق الرقاب ببأسه ... هلا اتخذت إلى القلوب سبيلا
أنظر إلى ما تعرضه عليك هذه الأبيات من الصغار والضعف لمصر، والبأس والقوة للورد: وأنظر كيف يطلب أن يتخذ إلى القلوب سبيلا، كأنه يجهل أو يتجاهل أن التذلل
يزيد القوة قسوة وكبرياء، وقال فيها:(6/387)
لما رحلت عن البلاد تشهدت ... فكأنك الداء العياء رحيلا
و (تشهدت) معناها: نطقت بكلمة الشهادة. كأنها آمنت من جديد، ولا يخفى ما في ذلك من السخف، إذ لا يتشهد بعد الضنك إلا الأغرار (السذج) من الضعفاء. وقال (فيها):
أو سمعتنا يوم الوداع إهانة ... أدب لعمرك لا يصيب مثيلا
ومن العجب أن يقسم أمير الشعراء، بعمر اللورد، على أن ما أتاه يوم الوداع أدب ليس له مثيل. ومتى اقسم شاعر أمة بمن أهانها؟ وقال (فيها):
في ملعب للمضحكات مشيد ... مثلت فيه المبكيات فصولا
يريد بالملعب (دار الاوبرة) وهي ليست خاصة بالمضحكات، بل تمثل فيها المضحكات والمبكيات و (في) في الشطر الثاني زائدة، إذ يغني عنه قوله في الشطر الأول (في ملعب). وقال (فيها):
جبن أقل وحط من قدريهما ... والمرء أن يجبن يعش مرذولا
وإحدى الكلمتين: (اقل وحط) زائدة. وقال ص 210:
أحسبت أن الله دونك قدرة ... لا يملك التغيير والتبديلا
الله يحكم في الملوك ولم تكن ... دول تنازعه القوى لتدولا
وأنت ترى أن إحدى الكلمتين: (التغيير والتبديل) في البيت الأول زائدة أتى بها إكمالا للوزن و (الله) في البيت الثاني غير معطوف على الله في البيت الأول ليكون البيت من حسبان المخاطب. وعلى هذا يكون قوله. . . (ولم تكن دول تنازعه القوى لتدولا) مغايرا لما يريده من أن الدول التي تنازعها القوى تدول. وقال (فيها):
فرعون قبلك كان أعظم سطوة ... وأعز بين العالمين قبيلا
ولم يصرح أي فرعون يريد، فالفراعنة كثار: ثم ماذا يريد أمير الشعراء بذكر فرعون وعظم سطوته وكونه أعز قبيلا، فإن تذكير مثل كرومر بهذه التوافه سخيف وهل كان الشعب في مصر أيام الفراعنة أقوى من الشعب الإنكليزي في الحاضر. وقال فيها:
ومدارسا يبني البلاد حوافلا ... حظ الفقير بهن كان جزيلا(6/388)
ولم أدر ما الفاعل لقوله (يبني البلاد) ثم تأتي أبيات ما فيها من الشعر غير الوزن والقافية
كقوله (ص 212):
أم هل يعد لك الإضاعة منة ... جيش كجيش الهند بات ذليلا
وقال:
لو كنت من حمر الثياب عبدتكم ... من دون عيسى محسنا ومنيلا
أو كنت بعض الإنكليز قبلتكم ... ملكا أقطع كفه تقبيلا
وقد قصد بحمر الثياب الإنكليز كما في الشرح فلا وجه للإتيان ب (أو) للترديد فإن البيت الثاني كالأول (لو كنت من حمر الثياب. . .) والقصيدة على هذا النمط من ضعف التأليف، وفيها مفاضلة كمفاضلة الأطفال.
نقد آخر قصيدة من ديوانه
وننقد هنا آخر قصائده في ديوانه وهي قصيدة (الصليب والهلال الأحمران) (ص 363) كما نقدنا أول قصائده وأوسطها فتعلم أنا لم ننتق للنقد ما رأيناه قد أسف فيه. قال:
جبريل أنت هدى السما ... ء وأنت برهان العناية
ولا أدري ما شأن جبريل في الصليب والهلال الأحمرين، فهو ليس ببشير الرحمة في كل وقت في اعتقاد المسلمين، بل كثيرا ما كان نذير الدمار، ووراءه أبيات لا بأس بها ثم قال فيها:
لو خيما في (كربلا) ... لم يمنع (السبط) السقاية
نزعة في أمير الشعراء الرجوع إلى القديم حتى في الحوادث الجديدة.
وقال فيها:
أو أدركا يوم المسي ... ح لعاوناه على النكاية
ولا أدري كيف يدعي أن اليهود نكوا بالمسيح وهو مسلم والقرآن يقول: (وما صلبوه وما قتلوه ولكن شبه لهم). ثم إنه ذكر الممرضات ذكر الجاهلي لهن (ص 364) كأنه لا يستطيع مفارقة الشعور القديم فقال:
يسعفن ريا أو قرى ... كنساء طي في البداية
وقال:
أن لم يكن ملائك الر ... حمن كن همو حكاية
وهو سقيم التركيب مثل كثير من أبيات قصيدته. وقال في آخرها (ص 365):
ستظل دامية إلى ... يوم الخصومة والشكاية(6/389)
كأن الحرب التي قامت ليست يوم خصومة. والظاهر إنه قصد بيوم الخصومة والشكاية يوم الحساب وهو قصد بعيد.
وما شعر شوقي بالإجمال إلا تقليد للقدماء، وكثيرا ما يستخرج المعنى من القافية فيكون تافها ليس عليه مسحة عصرية.
وربما عدنا إلى نقد بعض قصائده غير هذه
ديوان العقاد
- 2 -
ومما أجاد فيه الأستاذ قوله ص 36:
ليس بين الجنون والعقل إلا ... خطوتا سائر فحاذر وأمسك
أول الخطوتين نسيانك الن ... اس وإما الأخرى فنسيان نفسك
وكان الأحسن - لو ساعده الوزن - أن يقول (أولى الخطوتين) كما قال (والأخرى).
وإما قصيدته (الحب الأول) ص 37، فحدث عما فيها من الركاكة والتفاهة والإغلاق ولا حرج إلا أبياتا قليلة أحسن صياغتها وضمنها معاني تجذب الأنظار. قال:
يهنيك يا زهر أطيار وأفنان ... الطير ينشد والأفنان عيدان
عرفنا أن الطير ينشد ولكن من الذي يضرب على العيدان؟
وقال:
طوباك لسن بإنسان فتشبهني ... إني ظمئت وأنت اليوم ريان
رأى الأستاذ نفسه ظمئان، ورأى الزهر الذي يخاطبه ربان فقال:
(طوباك لسن بإنسان) وما كل إنسان بظمآن، ولا كل زهر بريان ليفضل الزهر على الإنسان. قال:
هذا الربيع تجلى في مواكبه ... وهكذا الدهر آن بعدها آن
المعروف من المعجمات أن الآن أسم للوقت الذي فيه الإنسان، أو الوقت المتوسط بين الماضي والمستقبل، وهو لا يكون إلا قصيرا فما إطلاقه على الربيع موافق لما وضع له، نعم يجوز أن نقول إذا تفلسفنا: أن الدهر مركب من الأنات، ولكن الربيع ليس أحد هذه الانات، بل هو قسم كبير منها، على أن(6/390)
الآن لم يجئ بغير اللام. وقال: (تفتحت عنه أكمام السماء رضى) وما ابغض كلمة (رضى) هنا.
وقال (والروض بالأثمار قينان) وقد شرح (قينان) بقوله (مثمر) (؟ كذا) والقينان في اللغة هو موضع القيد من ذوات الأربع. ولعل الصواب (فينان) وقينان خطأ مطبعي. ولكن فينان كذلك ليس بمعنى مثمر بل هو حسن الشعر الطويلة. وقال:
في كل روض ترى للزهر يعمرها ... يا حبذا هي أبيات وسكان
وكنت انتظر أن يطري الروض لكونه منابت للزهر لا لكونه قرى وسكانا وقال:
مستأنسات سرى ما بينها عبق ... كما تراسل بالأشواق حبان
و (حبان) جمع حب بمعنى المحبوب وهو عدا إنه من الكلمات المهجورة يلتبس بالمثنى فلا يحسن استعماله. وقال ص 38:
والليل يحييه والأطيار هاجعة ... بلابل وشحارير وكروان
أن كانت البلابل والشحارير والكروان تحيي الليل فالأطيار غير هاجعة ومما يؤكد أن الأطيار غير هاجعة قوله بعده (مؤذن الطير يدعو فيه محتسب) زد على ذلك أن الشحارير والكروان لا تغني ليلا، حاشى البلابل إذا أريد بها العنادل، فإنها تغني ليلا، وقال:
والصبح في حلل الأنوار طرزه ... في الشرق والغرب أسحار واصلان
افهم أن السحر يطرز الصبح ولكني لا افهم كيف يطرزه الأصيل، وقال:
كأنما الأرض في الفردوس سابحة ... يحدو خطاها من الأملاك ربان
والسابح لا يمشي على قدميه لتكون له خطى. وقال:
نفاه عن عرس الدنيا شواغله ... أن الحداد من الأعراس شغلان
وقد راجعت المعجمات بأسرها فلم أعثر على (شغلان) مصدرا أو صفة مشبهة فهي من لغة عوام مصر لا غير وقال:
تنصاح طرته عن صبح غرته ... فيفضح الصبح وجه منه ضحيان
والضحيان المضيء وفي البيت مبالغة. وقال ص 39.(6/391)
وا ضيعة الحب أبديه وأكتمه ... ومن عنيت به عن ذاك غفلان
يلام من يعنى به الشاعر إذا غفل عن حبه الذي يبديه ولكنه يعذر إذا غفل عما يكتمه منه، وقال:
هبها جناية جان أنت آثمها ... ما كان يعصم لا أنس ولا جان
آثر الأستاذ الجناس بين جان وجان على الشعور فجاء بيته هذا غثا باردا وقال:
أن الجسوم مثناة جوارحها ... إلا القلوب فصيغت وهي احدان
والقلب وحده ليس بمنفرد في الجسم فاللسان والكبد والطحال والفم كل منها أيضاً منفرد. وقال ص 41 (من لي بمهدك ترعاني لواحظ) وكان عليه أن يقول: (من لي بعينك) فإن المهد ليس له لواحظ وقال:
أبيت أزجي إليه كل ضاحكة ... من الأماني يوحيهن فتان
والصواب يوحي بهن. وقال (في زبرج بالحياء الغض يزدان) والزبرج كما شرحه هو الزينة فكأنه يقول زينة تزدان. وقال:
وبات للقلب في جنح الظلام إلى ... دبيب أحلامه صغو وأرغان
الارغان هو الإنصات وهو كلمة مهجورة فما أشد وحشية الارغان وما ابرد البيت! وقال (وطرفه الأكحل الوسنان وسنان) وفسر الماء بعد الجهد بالماء. وقال:
أي الفريقين أحمى لهفة ووجى ... من ذاق أو لم يذق فالكل لهفان
والصواب أن يقول (أو من لم يذق) عطفا على (من) السابقة لكنه عطف (لم يذق) على (ذاق) فذكر أحد المفاضل بينهما وسكت عن الآخر وهذا قبيح. وقال:
يا ليلة حطمت أنوال حائكها ... فلا يحاك لها في الدهر ثنيان
والثنيان من هو دون السيد مرتبة وهو خاص بالإنسان وقد هجره الكتاب والشعراء منذ صدر الإسلام. وقال:
أصبحت والله لا أدري لبهجتها ... أليلة سلفت أم تلك أزمان
والمعروف - كما أثبته العلم - أن الإنسان يحس بأوقات السرور قصيرة أليس هو القائل في موضع آخر:(6/392)
حسنات الزمان تمضي سراعا ... والرزايا ثلج في الإبطاء
وقال ص 42 (وفيها عنه رجحان) والرجحان لا يتعدى بمن. وقال:
حتى تصوم جنح الليل وانبثقت ... من كل مطلع للصبح عمدان
ظن الأستاذ أن العمدان جمع عمود فأورده بمناسبة الصبح والعمود لا يجمع إلا على أعمدة وعمد (بفتحتين) وعمد (بضمتين وبضمة واحدة) أما العمدان فهو رسيل العسكر ولا يجوز أن يريد هذا المعنى فإنه مذكر وقد أنث الفعل (انبثقت). نعم أننا لا ننكر أن (العمدان) جمع عمود في لغة عوام مصر فقط لكن الأستاذ يترفع عن اتخاذ العامية مركبا لكلامه الفصيح. وقال:
أنفى لرين النهى من كل ما نقشت ... على الصحائف أعراب ويونان
أراد (عرب) فلم يساعده الوزن فقال (أعراب) والأعراب سكان البادية وهم ليسوا من ذوي
النقوش على الصحائف.
وقال:
تهتز بين طوايا النفس نبرتها ... كما يموج لضوء الشمس خيطان
الخيطان جمع خيط لجماعة النعام والجراد وإما الخيط بمعنى السالك - وهو مراده - فجمعه أخياط وخيوط وخيوكة. أما خيطان فهي من العامية المصرية فماذا ادخلها في اللغة الفصحى؟ وقال: (ذر الدساتين) وشرح الدساتين فقال جمع دستان بمعنى الوتر ولم اقف عليه في المعاجم. وقال:
ولا تعلم وزن القول شاعرهم ... إلا وكان له بالنبض ميزان
والواو في (وكان) زائدة تفسد المعنى. وقال ص 43.
كأن من صور اسرافيل دعوته ... لو يسمع الصور يوم البعث صفوان
أراد إنه أقدر من صور اسرافيل على البعث ولكن اللفظ قصر عنه ثم تأتي أبيات ثلاثة هي أحسن ما في القصيدة:
والشعر السنة تفضي الحياة بها ... إلى الحياة بما يطويه كتمان
لولا القريض لكانت وهي فاتنة ... خرساء ليس لها بالقول تبيان
ما دام في الكون ركن للحياة يرى ... ففي صحائفه للشعر ديوان
وقال ص 44:
كأنني تاجر في الشط مرتقب ... موج الخضم وفلكي فيه غرقان(6/393)
ولم يجيء الغرقان، بل جاء الغرق والغريق والغارق ولعله أخذه من العامية وقال:
يا أملح الناس هلا كنت أكبرهم ... روحا فيتفقا روح وجثمان
وقوله (فنيتفقا روح وجثمان) على لغة (أكلوني البراغيث) وقال ص 45:
أن أصبح القرد في خلق يماثله ... ففي خلائقه لا شك برهان
أراد بهذا البيت أن يؤيد ما ادعاه قبل بيت من أن الإنسان ليس من قرد بل من ثعبان (؟!) ولكن اللفظ قصر عما أراده. وقال:
لا يجهل الخير أدراهم وأجهلهم ... ففيم عالمهم بالشر كظان
ولم يجئ (كظان) بل الذي جاء هو كظ وكظيظ. وقال:
ما زال يحرمني دهري ويوهمني ... حتى غدا وهو بالأوهام ضنان
فما أسخف المعنى ولم يجئ ضنان مبالغة في ضنين. وقال:
فعش كما شاءت الأقدار في دعة ... لا يجرمنك بر الناس أو خانوا
فحذف فاعل (يجرمنك) وهو عمدة لا تحذف وقد جاء في القرآن (لا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا). وقال:
من عاش في غفلة طاب البقاء له ... وإن تولته بالأرزاء حدثان
والحدثان مذكر فلا يجوز تأنيث الفعل له (تولته) إلا من باب التأويل. وقال ص 46:
بلى ولا تلق منها إذ تقلدها ... فريدة نبذها للموت خسران
والظاهر أن (تقلدها) مضارع قد حذفت إحدى تاءيه فحينئذ لا مسوغ لتصد بره ب (إذ) لأن هذه مختصة بالماضي. وإن كان (تقلدها) ماضيا فإنها من غير فاعل.
وقال:
يا واهب الليل بدرا هب لمشبهه ... بدرا يضيء له والقلب غيمان
وكأن الأستاذ في هذا البيت قد سقط من السطح، فمن مشبه الليل الذي أخذ يدعو الله أن يهب له بنوا مثل بدر الليل ثم أي قلب هذا الهيمان؟ - أهو الأسود الذي دعا الله أن يهب له بدرا أم قلب الأستاذ نفسه؟ - هذا ما لا يظهر. وقال من قصيدة (صلاة عابد المال) ص 46:
سكنوا في الحياة تحت الحنايا ... وسكنا مناطق الجوزاء
الحنايا جمع حنية وهي القدس، ولعله أراد بالحنايا أقواس البناء توسعا(6/394)
ولكن هذه الأقواس ينام تحتها عابد المال أكثر من المملقين الذين لا يجدون للسكنى غير الأكواخ أو العراء ثم أن البيت فيه مبالغة ذميمة. وقال:
(أنت غلبتني على كل جبار) والمثرون هم الجبابرة اليوم فهل يريد غلبتني على كل غلاب؟ والحقيقة أن الله غلب المثري على الفقير لا على المثري الذي هو الجبار فإن هذا مثله غالب. وقال في ص 47:
أنت أعشيت بالبريق ضميري ... فاستراحت من وخزة أعضائي
والظاهر أن الصواب (من وخزه) على أن يرجع الضمير إلى البريق. وليس العشو سببا
لاستراحة الأعضاء من الوخز، فقد لا يرى الإنسان الشيء وهو يخزه. وقال:
ولك الدهر كل صبح صلاتي ... وابتهالي إليك كل مساء
يغني أحد الظرفين - الدهر وكل صبح - عن الآخر ولو قال عوض الشطر الأول: (لك مني الصلاة في كل صبح) لأحسن. وقال من قصيدة (كولمب في الاوقيانوس).
ضاربا في حشا خضارة تعلو ... هـ سماه عميقة التدوير
و (خضارة)، كما شرحه، البحر وهي كلمة مهجورة ولم استحسن وصفه للسماء بعميقة التدوير.
وقال:
يعتل صهوة الخضم خضما ... لم يوطأ كلآبد المذعور
ولا يحسن جعل الحال من لفظ ذي الحال أو المضاف إليه. وقال:
بين سخطين من صحاب غضاب ... أين يمضي وعيلم تيهور
قوله (أين يمضي) حشو قبيح والتيهور هو الموج وكان الصواب أن يقول ذي تيهور. وقال ص 48: (في سماء ما قط حوم فيها) وقط لا تتقدم الفعل فكان الفصيح أن يقول (ما حوم قط). وقال:
كل يوم يرى بساطا من المو ... ج شبيه المطوي بالمنشور
والمطوي من الأمواج لا يشبه المنشور منها. وقد أجاد في قوله:
ثم لاحت فظنها القوم راحا ... مدها الله من وراء البحور
وقصيدة (غير طفلة) جميلة كروح الطفلة. وقال من قصيدة (المجد والفاقة) ص 49:(6/395)
ضل الصواب وغم الأمر واشتهت ... على المراقب يمناه بيسراه
واشتبه لا يتعدى بالباء. يقال: اشتبه هذا وهذا بمعنى أشبه كل منهما الآخر، ولعله عداه بالباء لتضمنه معنى التبس.
وقال من قصيدة (الكروان) ص 54: (دعوة الغرقان) ولم يجئ الغرقان في كلام فصيح كما تقدم. وقال:
أن المزايا في الحياة كثيرة ... الخوف فيها والسطا سيان
شرح السطا فقال جمع سطوة ولم أعثر إلا على سطوات في جمعها كما نص عليه
الصحاح. وقال ص 55:
والجاهلون بسر ما رجعته ... من نغمة مأثورة ومعان
لا يسمعون بسر بين جنوبهم ... صمما وإن كانوا ذوي أذان
لم استحسن إضافة السر إلى (بين) وهو ظرف. وقال:
جهل لعمرك أن يطوع صاحبا ... من جاهرته النفس بالعصيان
يقال طوعت له نفسه أن يفعل كذا ولا يقال طوع فلانا وقد جاء في القرآن: (فطوعت له نفسه قتل أخيه). وقال:
أملك هواك فإن أطقت فكم فتى ... خان الوداد فلست بالخوان
وقوله (فلست بالخوان) قد وقع قلقا. وقال ص 55 من بيتين باسم (عاشق):
محب جدته مهلا فإن لها ... بالأكبرين عن الأحفاد شغلانا
ولم يجئ (الشغلان) مصدرا أو جمعا للشغل في كلام فصيح أما مصدر شغل فهو الشغل بضم الشين وفتحه وإما جمع الشغل فهو أشغال وشغول.
وقال من قصيدة (وقفة في الصحراء) ص 57:
ثؤر (؟) كأفواج الدخان تطلعت ... إلى علو من قاصي قرار جهنم
فما أقبح قوله (إلى علو)، وإن ورد في شعر الجاهلية وكلمة (قاصي) حشو إذ ليس في جهنم أبعد من قرارها ولم أعثر على ثؤر في المعاجم.
(له تلو)(6/396)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - التمرد في عربستان (خوزستان)
كنا قد ذكرنا شيئا عن مبدأ هذا العصيان (راجع 5: 636) وقد قرأنا في جريدة (النهضة العراقية) عن القائم بهذا التمرد وعن سفره إلى العراق، أو قل عن عودته إليه ما هذا ملخصه:
الشيخ مهلهل بن مصبح العرفج، هو أحد رؤساء بني مالك، القبيلة العراقية الشهيرة، القاطنة في أراضي الفرات الجنوبية، وفي أنحاء شتى من (شط العرب) ومواطن أخرى من ديار بين النهرين.
كان والد الشيخ مهلهل وهو مصبح العرفج قد نزح إلى ربوع خوزستان. منذ أمد ليس باليسير، في عهد أمير المحمرة الشيخ خزعل، وقبل الاحتلال البريطاني للعراق. ولم يقطع أبدا حبال صلاته عن قبائله العائشة في موطنه الأول، بل ما زال هو وولده مهلهل يترددان بين أرضه مسقط رأسه، وبين أرضه المحتلة حديثا. غير أن ترددهما حينئذ لم يكن عن خلاف، بل عن رياسة بني مالك المبسوطة لهما، أن في أرض الولادة وإن في أرض الإقامة.
ولما تمرد الشيخ مهلهل على الدولة الإيرانية للأسباب التي ذكرناها وآذته هو وأعرابه، لم يرد أن يقيم في ربوع يناله فيها الضيم فصمم على العودة إلى وطنه العراق، ففعل، ومعه فريق كبير من قبائله ونزل على (شط العرب) في موطن اسمه (حمرة كتيبان) (بالتصغير)، فعسى أن يرى فيها فائدة له ولأعرابه!
2 - برد وثلج
اشتد البرد في آخر يوم شباط وظن الناس أنهم في أوائل الشتاء. ووقع دمق (ريح ثلج) في الجبال الشمالية من الموصل فغطت الثلوج أنحاء دهوك وزاخو والعمادية. فسر أهلوها بكل ذلك لعلمهم أن ينابيعهم تجود وتغزر كلما زاد سقوط الثلج.(6/397)
3 - إجراء الماء إلى النجف
اتفق (الحاج رئيس الإيراني) مع حكومتنا على إعادة المبلغ الذي كان خصصه بجر الماء إلى النجف قبل ثلاث سنوات وقدره ثلاثمائة ألف ربية. فقررت الحكومة قبوله وإضافة ما يقتضي له من المال لإكمال مد الأنابيب من الكوفة (على الفرات) إلى النجف، وإقامة خزان كبير في النجف نفسها لخزن الماء، وذلك بعد وضع الآلات اللازمة لدفعه وقد أحست الحكومة بأن الطريقة الوحيدة لإيصال الماء إلى النجف هي عن طريق الكوفة وربطها بها بأنابيب خاصة وقد أثبتت التجارب هذه الفكرة.
4 - سطح انهر العراق
زاد ارتفاع دجلة في بغداد عن السابق مقدار 42 سنتمترا. وزاد ارتفاع الفرات في الرمادي عن السابق مقدار 10 س. وهبط نهر دجلة في الموصل 16 س. وفي الشرقاط 40 س. وفي بعيجة (بيجي) 48 س. وهبط نهر ديالى في جبل حمرين 13 س. (عن رفيعة إدارة الري في 11 نيسان سنة 1928).
وفي 25 نيسان كان المقياس كما يأتي: هبط ماء دجلة في الموصل 4 س. وارتفع في شرقاط 15 س. وفي بعيجة 5 س. وبقي على حاله في بغداد.
وهبط ماء ديالى في جبل حمرين سنتمترين. وإما نهر الفرات فقد بقي على حاله في الرمادي.
5 - أمر كارث في أنحاء بدرة
على ستة أميال من قضاء بدرة، قبر يعرف بقبر (علي يثرة) (كأن يثرة تخفيف يثربي) ويقال إنه قبر أحد أولاد الحسن المثنى بن الحسن المجتبي وقد اتخذ البدريون هذا القبر مزارا محترما يترددون إليه وكثيرا ما يذهبون إليه طلبا لفصل دعاويهم في مخاصماتهم ومحاكماتهم فيقتنع المدعي من خصمه باليمين اقتناعا باتا.
ويقدر عدد الذين يترددون إلى هذا المرقد يوميا بين العشرين والثلاثين. وفي ليالي الجمعة بين المائة والأربعمائة.
وفي ليلة الجمعة 15 شوال (6 نيسان 1928) أجتمع نفر من موظفي الحكومة وشربوا من المسكر ما جعلهم ثملين ومضوا نشاوى إلى المرقد المذكور وهجموا على الزوار الذين
كانوا هناك ليلا وكان عددهم - بين رجال ونساء - نحو أربعمائة وأرهبوهم بالضرب فتشتتوا وذهبوا تحت كل كوكب. وهناك أتموا شرب الخمر في داخل(6/398)
الحرم بجنب القبر وهم يغنون إلى الصباح.
وهذا ما اقلق أهالي بدرة وضواحيها أشد القلق واضر بآداب المجتمع فأخذت الحكومة جميع الوسائل لمنع وقوع مثل هذا الحادث ثانية.
6 - رئاسة شمر
تنوي حكومة السام أن تجعل رئاسة عشائر شمر بالانتخاب لتعلم مقياس اعتماد تلك العشائر على أي الشيخين يكون: والشيخان هما دهام الهادي ومشعل الفارس.
7 - مرض في أغنام سنجار
فتكت ذات الرئة وداء الأمعاء في الأغنام السائمة في منطقة سنجار فعالجت دائرة البيطرة الملوكية في لواء الموصل 1060 حيوانا وبطت أربع بطات كبيرة (عمليات) وسبع عشرة صغيرة.
8 - غرس الأشجار في شوارع مدينة الموصل
غرست أشجار في شارع نينوى العام كالليمون (النومي) والبرتقال وأحيطت بسياج حديدي منعا لأضرار الحيوانات وبعض صبيان الشوارع الذين يعبثون في غالب الأحيان بهذه الغرسات اللطيفة كلما تشبث أهل الذوق لتزيين طرقهم المزروعات.
9 - فتح مجلس الأمة
فتح مجلس الأمة في 19 أيار من بعد أن كان قد حل وجرت الانتخابات. ففي الساعة التاسعة دخل جلالة الملك ردهة المجلس فاستقبله الأعيان والنواب وقوفا. ثم قدم فخامة رئيس الوزراء خطبة العرش إلى جلالته فتلا هاو الجميع وقوف ولما أتم الخطبة غادر جلالته المجلس فشيعه معالي الوزراء إلى باب نيابة المجلس.
10 - مهرجان أحد ميخائيل في الموصل
انقضى أحد ميخائيل وأيام عيد الفطر بهدوء وأمن دون وقوع أية حادثة كانت، وذلك بهمة
موظفي شرطة الموصل كبارا وصغارا أولئك الذين سهروا سهرا يقظا على حفظ النظام بين ألوف الزائرين والمتفرجين وتأمين راحة الآهلين. كان (أحد مار ميخائيل) في السنين الغابرة عيدا خاصا بطائفة من الطوائف المسيحية في الموصل فكانت تقيم في كل سنة ذكرى مؤسس هذا الدير في الأحد الذي يسبق عيد القيامة بأسبوعين. وفي هذه السنوات الأخيرة - ولا سيما في هذا العام - أصبح هذا العيد مهرجانا عاما لسكان الموصل طرا فانهم أغلقوا دورهم ودكاكينهم وخرجوا على(6/399)
اختلاف نحلهم وطوائفهم - منهم للتبرك ومنهم للتنزه - إلى هذا الموقع التاريخي اللطيف مستنشقين الهواء العليل بين الخضرة السندسية والحقول الزاهرة وكانت تزيد رونقها وبهجتها أشعة الشمس الذهبية وأزياء المعيدين المختلفة الأنواع والألوان.
11 - فتح طرق في لواء الموصل وإصلاحها
باشرت دائرة الأشغال والمواصلات فتح طريق العمادية وتهيئته لسير السيارات والعربات (العجلات) فيه. وقد مدت الدائرة المذكورة في طريق زاخو جسرا حديديا صغيرا في موقع قرية (كرانة) قرب (فايدة) واصلح طريق مضيق زاخو حتى أصبح الآن في حالة جيدة.
وباشرت أيضاً دائرة الأشغال والمواصلات إصلاح طريق العقرة إلى الموصل.
وقد كمل جسر (وادي القصب) الحديدي الممدود على طريق شرقاط إلى الموصل وهو يعد الآن أكبر جسر حديدي قامت بمده دائرة الأشغال والمواصلات في لواء الموصل إذ يبلغ طوله 116 قدما في عرض 13.
12 - الجراد وأضراره
في 27 شباط هجم رجل من الجراد على مزارع السماوة وظل يعبث بها مدة 11 يوما فأفنى مزارع عديدة. ثم هجم الزارعون أنفسهم على الجراد واخذوا يجمعونه ويطبخونه ليأكلوه وقد يكفي ما جمعه بعضهم بضعة أشهر ليعيشوا به. وإتلاف الجراد للزرع سبب غلاء السمن في تلك الجهة فارتفع في يوم واحد بالمائة 67.
ومن ذلك الجراد الفاتك ما ذهب إلى الشنافية والى حمزة (وهي ناحية من النواحي الملحقة بقصبة الديوانية) وقد رئي منه شيء قليل في طريق الديوانية المؤدية إلى الشنافية وهكذا
يسير من دار إلى دار متلفا الزروع التي صرفت عليها المبالغ الطائلة والأتعاب الشاقة.(6/400)
العدد 60 - بتاريخ: 01 - 06 - 1928
الأخطل
بقلم الأستاذ الشايب مدرس الأدب العربي في المدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية
1 - لعل الأخطل أكثر الشعراء الإسلاميين اتصالا بالعصر الجاهلي في أغلب نواحيه، إن لم يكن في كل نواحيه، ولعل القدامى لم يخطئوا حين قالوا: لو أدرك الأخطل الجاهلية لما فضله أحد في الشعر. وما عساك تبغي من شاعر انتهت إليه البلاغة الجاهلية في فنه وموضوعه ونزعته ثم أضاف إليها عصارة الحياة الإسلامية في أولها، أي حين كانت الحكومة العربية الدولة الإسلامية خالصة العروبة والدين، لم تشبها حضارة فارس واليونان، ولم تتورط فيما تورطت فيه من السياسة الفارسية والنزعة الغربية أيام بني العباس، فإن نحن عرضنا اليوم لدرس هذا الشاعر الفذ فإنما ندرس النفس العربية في بدايتها من جهة، وفي فنونها الأدبية من جهة ثانية، وفي أسلوبها الحكومي أو السياسي من جهة ثالثة، ثم صلابتها الخلقية والدينية آخر الأمر. ولقد يخطئ المؤرخون الذين يعتبرون رجال التاريخ وحدات مستقلة عن الدنيا كأنهم هبطوا من السماء،(6/401)
أو كأنهم مضارب صحراوية لا يتصلون بالحياة التي عاشوا في جوانبها وتأثروا بمظاهرها فكانوا هم مظهرها، كما قد يخطئون الرجل بسني حياته فقط أو بعصره الذي عاش فيه. وفي الحق أن رجال التاريخ الأدبي اوالفلسفي أو العلمي ترجع حياتهم في بداءتها إلى قبل عصورهم بل إلى أقدم عصور التأريخ البشري ما دمنا نؤمن بنظرية الإرث العقلي وتواصل الجهود العالمية، فيكون الفرد العلمي منا صلة بين الماضي والمستقبل، لأنه ثمرة السابقين ومقدمة اللاحقين. وهكذا نجد الاخطل في شعره ومذهبه الفني.
2 - ففي خلافة عثمان بن عفان. وفي جهات الجزيرة الفراتية بين تغلب نشأ الاخطل نصرانيا كأغلب قومه يحترم دينه لحد ما، غير متأثر بتلك الديانة الإسلامية التي تزخر حوله وتقوم عليها الدولة الجديدة والحكومة الفتية، وهذا يدل على احترام الاخطل النصرانية دينه ودين آله، ثم يدل كذلك على تسامح الحكومة الإسلامية والشعب المسلم، فلقد كان النصارى يعيشون آمنين ناعمين ليس للنعرة الدينية ذلك الشأن الذي يحول بين القلوب ويفرق النفوس، بل نزيد على ذلك أن الاخطل كان مقدما لدى حكومة أمية، وإن كان سبب ذلك
مذهبه الأموي في الشعر ونصرته دولتهم أمام أعدائهم من الشيعة والخوارج. ولأجل أن نفهم مذهب الاخطل في الشعر وفي السياسة العصبية يجب أن نرجع إلى زمن الجاهلي ليعلم أن أشهر القبائل العدنانية ثنتان: مضر وربيعة، ومن ربيعة بكر ثم تغلب قبيلة الاخطل، وبين مضر وربية منافسة شديدة منذ القدم ظهرت آثارها في المهاجاة بين جرير والاخطل، كذلك كانت منافسة بين بكر وتغلب وحروب في الجاهلية امتدت عصبيتها إلى ما بعد الإسلام ومن غريب الأمر أن يحتفظ الاخطل بعصبيتة الربعية وإن ينسى الفرزدق مضريته وينضم إلى الاخطل ليقف في وجه المضري، كما قد يكون من الغريب أن ينسى الاخطل نفسه وقبيله أمام القرشيين الأمويين فيضرب بهم سائر عدنان ثم الأنصار من اليمن، ولكن التفرق السياسي في ذلك العصر هو الذي حكم على هؤلاء الشعراء بالتنابذ كما يحكم على الصحف العصرية الآن فتتهارش وتساب!!!(6/402)
3 - وكيف أفاد الاخطل شعره؟ وهنا أيضاً سنعود إلى العهد الجاهلي فنرى مسألة أخرى عربية: نرى أن مدرسة مضرية - أستاذها أوس بن حجر، ومن تلاميذه زهير والنابغة ثم كعب بن زهير والحطيئة - تعتمد في فنها الشعري على أمور ظهرت واضحة في آثار تلاميذها حتى لتشعر انهم صورة واحدة يأخذ بعضهم من بعض. من هذه الأمور التأني في عمل الشعر وتهذيبه قبل إذاعته ليكون محكم النسج، قوي الأسر، لا اضطراب فيه. وأنت تعرف حوليات زهير وقصائد النابغة والحطيئة، وتشعر بما فيها من استواء وأحكام. وكذلك كان الاخطل يهذب شعره فامتاز بجزالته، وقوة استوائه، وأسره، وكان يبقي من القصيدة وينفي سائره. ويمكنك أن تقرأ قصيدة:
خف القطين منك أو بكروا ... وأدركتهم نوى في صرفها غير
التي يمدح بها عبد الملك بن مروان لتعرف أثر التهذيب وإبداع الصنعة الفنية، ومن تلك الأمور العناية بأنواع التشبيه والمجاز والكناية. ويعتبر عهد هذه المدرسة أقدم العصور الصحيحة لهذه الفنون البيانية التي ظهرت آثارها بعد في شعراء العصر العباسي بعد ما نقلها إليهم الاخطل، والحطيئة، ومروان بن أبي حفصة وغيرهم. ولا يزال رجال البلاغة إلى اليوم يستشهدون ببيت زهير:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطلة ... وعرى أفراس الصبا ورواحله
ولا تكاد تخلو قصيدة الاخطل من هذه الأنواع البيانية.
ومنها الاعتماد على المحسنات فيما يذهبون إليه من تشبيه ومجاز. فكأنهم يريدون نقل الطبيعة إلى أساليب القول كما ينقلها الراسم في لوحته. كذلك يتبعون الأمور الواقعة والحوادث فيصورونها كما هي مرتبة حقة لا مبالغة فيها ولا زيادة. ويمكنك أن توازن بين زهير والاخطل في صدر المعلقة، وفي قصيدة الاخطل التي سبق مطلعها.
وهذه الميزات تلفتنا إلى أمرين هامين: أحدهما - أنها تمثل الشعر العربي في أول أطوار نضجه حيث يعتمد على الطبيعة والحس دون الخيال البعيد الذي لا يظهر إلا في الأطوار الأخيرة بعد النضج العلمي والفكري بانتشار العلوم(6/403)
والثقافة، وثانيهم - أنها ساعدت في إثبات كثير من الشعر الجاهلي حين عرض له الشك والانتحال أمام مذاهب النقد الحديثة.
فاستكشاف هذه المدرسة المضرية كان ذا أثر ثمين في تحقيق شعر تلاميذها، وفي إقامة الفنون البيانية في فجر التاريخ الأدبي.
نقول أن الاخطل درس في هذه المدرسة المضرية واخذ عن تلاميذها، فكان شعره صورة صادقة من شعرهم، ولولا شيء من موضوعاته الاجتماعية والسياسية والتاريخية لأضيف شعره إلى الجاهلية دون خوف من أصول الفن!
ولم يقتصر الاخطل على احتذاء هؤلاء في طريقة التشبيه، واخذ المعاني وتربيتها وتهذيب الشعر وأحكامه، بل تعدى ذلك إلى معارضة قصيدهم واخذ عباراتهم برمتها ونصها.
عارض النابغة في داليته، وعارض كعبا في لاميته وعارض زهير في أكثر شعره، واخذ منه الشطرة والعبارة وأخذاه حتى في أجزاء القصيدة الواحدة. ترى ذلك إذا قرأت شعرهم جميعا، ولولا خوف الإطالة لوضعت يدك على أمثلة كثيرة.
ووجه الغرابة في ذلك أن الاخطل ربعي فكيف يأخذ شعره عن مضر؟ قد يكون سبب ذلك أن ليس لربيعة شعر جاهلي صحيح يأخذ عنه الاخطل، وقد يكون السبب أن الشعر المعروف لربيعة مهلهل النسج ضعيف الأسر لم يرق الاخطل فيحتذيه، فأختار الشعر المضري نموذجه فأفاد منه. وإتماما للموضوع اذكر الأعشى وهو ربعي يقرب مذهبه من مذهب المضريين، ولعل الاخطل أخذ عنه شيئا واحدا موضوعيا وهو القول في الخمر.
وأما من عدا الأعشى من شعراء ربيعة فشعرهم مضطرب النسيج.
4 - بعد أن نبغ الاخطل وجد في قومه شاعرا هجاء أيضاً هو كعب بن جميل التغلبي، اشتبك معه الاخطل في الهجاء فأخمله الاخطل، وأحتاج يزيد بن معاوية إلى شاعر يرد على الأنصار عدوانهم فذهب إلى كعب فأبى وخاف معاوية ولكنه دله على الاخطل، يريد إيقاعه في الشر، فكان الخير في ذلك للاخطل(6/404)
إذا اتصل خلفاء أمته وكان فيما شاعرهم المقدم.
ولشرح ذلك أيضاً يجب أن نعود إلى العصر الجاهلي وصدر الإسلام. فقد كان بين اليمن والعدنانيين عداوة سياسية جاهلية ازدادت منذ ابعد الأولون الحكم الإسلامي بعد وفاة الرسول وحصر الحكومة في قريش. ثم انتقلت العداوة بين البيوتات العدنانية أو المضرية، فكانت منافسة بين القبائل المضرية، وكانت بين بيت هاشم وأمية، ظهرت واضحة حين وقف علي ومعاوية كل لصاحبه ونتج عن ذلك انتقال الحكم إلى بني أمية على يد معاوية بن أبي سفيان.
وجد الأمويون أنفسهم أمام أعداء عديدين: اليمنيون ومنهم الأنصار سكان المدينة حين ظهر الإسلام والقبائل العدنانية الأخرى، ثم الهاشميون من قريش وكذلك الخوارج الذين أتعبوهم كثيرا، فلم يكن من معاوية إلا أنه تألف القبائل العربية، وهدأ العصبيات مدة حكمه، فما هو إلا من أن مات حتى ظهرت العصبيات شديدة، وكانت نتائج سياسية وأدبية معروفة.
ولم تكن صلة الاخطل بيزيد بن معاوية إلا ظاهرة من هذه الحال السياسية التي تقسمت العرب إليهم حمية الجاهلية الأولى. فوقفت الأحزاب تتحارب وتتنافس حتى قضت على الحكومة الأموية أولا وعلى الدولة الإسلامية أخرا. وكان لا بد للعصبية الأموية من شاعر ينصرها، وصحيفة تدفع عنها، والصحف الكبرى في ذلك العهد ثلاث: جرير والفرزدق والاخطل. فأما جرير فناشئ لم يظهر على أنه متأثم متحرج، فكيف يقف مع أمية في وجه بيت هاشم بيت الرسول؟ فاعتدل ولم يذم الهاشميين، كما أنه مدح الحكومة طلبا للمال والاحتماء بها. وأما الفرزدق فكان شيعيا وإن مدح الحكومة أحيانا أو حملته الحكومة على مدحها ونفحته بالمال اتقاء لسانه وشره، فلم يبق أمام البيت الحاكم سوى الاخطل الذي لا يعني بالمسألة الدينية الإسلامية، كما لا تهمه الحكومة ونوعها فوجه فيها الأمويون طلبتهم،
وأضافوه إليهم وسموه شاعرهم واحتملوا أن يشرب ويدخل ثملا بل أن يشرب في منازلهم وإن يدل عليهم، ذلك لأنه صحيفتهم ومادحهم الخاص. فضربوا به جريرا والفرزدق، وأغنوه بالمال الجزيل. وأما حكايته مع يزيد بن معاوية فتلك أن عبد الرحمن بن حسان(6/405)
ابن الأنصاري شبب برملة بنت معوية أخت يزيد، فوسع ذلك حلم معوية، ولكن يزيد حمل الاخطل على هجاء عبد الرحمن هذا والأنصار فقال من ذلك:
ذهبت قريش بالسماحة والندى ... واللؤم تحت عمائم الأنصار
فذهب زعيم الأنصار إذ ذاك وهو النعمان بن بشير إلى معاوية وحسر عن رأسه وقال له: أترى لؤما؟ فقال: لا بل أرى كرما وخيرا. ما ذاك؟ قال: زعم الاخطل أن اللؤم تحت عمائمنا. . . وكاد الاخطل يقع في شر لولا أن يزيد أنقذه، فمدحه ومدح خلفاءه حتى مات في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة خمس وتسعين هجرية فانظر تلك العصبيات وآثارها، وانظر الفرق بين دهاء معاوية وقسوة يزيد الذي ضرب الأنصار في المدينة بعد موت أبيه في واقعة (الحرة) المشهورة انتقاما منهم منذ ضربوا قريشا في واقعة بدر أيام الرسول حتى قال أحد شعراء أمية في نكبة المدينة:
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل
5 - عاصر الاخطل جريرا والفرزدق، وهاجى جريرا وغيره، وفخر عليهم ومدح الحكومة الأموية حين غضب عليها الشيعة والخوارج وغيرهم، وكان هؤلاء الثلاثة هم الصحف السياسية للعصر الأموي وأقوى الشعراء فنا وأعلاهم مكانة ولعل الاخطل يمتاز بأنه اصدق تمثيلا لساسة الأموية ودعوتها في استحقاق الخلافة والملك. ولكن مسألة الهجاء كانت مشغلتهم جميعا. لان الخلفاء كانوا يزيدونها لهبا ليشعلوا الشعراء والقبائل بأنفسهم حتى لا يفزعوا للحكومة ويناقشوها الحساب على قاعدة (فرق تسد) فانضم الفرزدق إلى الاخطل وتهافت عليهم عشرات الشعراء يهجون جريرا، فأخملهم جميعا؛ ولم يثبت إلا صاحباه هذان، على أن الفرزدق كان أفخرهم لحسبه ونسبه وكان جريرا أسيرهم شعرا وأسلمهم أسلوبا وأكثرهم فنونا حين كان الاخطل أوصفهم للخمر وأحسنهم مديحا وأطهرهم هجاء.
وهنا يمكننا أن نوجز القول ونختصر فنون الاخطل الرئيسية في المدح(6/406)
والهجاء والفخر
ووصف الخمر. هذه هي الأبواب التي تضم شعر الاخطل. وقد يدخل فيها شئ من النسيب والوصف والحكمة على الطريقة الجاهلية، ونحن نميل إلى أن شيئا من شعره قد ضاع، وإن ديوانه المطبوع لا يجمع كل آثاره، ولكنه كان احسن حظا من صاحبيه اللذين لم ينالا هذه العناية بحفظ شعرهما وإتقان طبعه ونشره للناس.
ولعلنا نكون قد ألممنا كافية بهذا الشاعر الممتاز بقيت مسألة الموازنة المفصلة بينه وبين صاحبيه، ولما كانت هذه في حاجة إلى تفصيل شديد ودراسة مطولة لا تسعها الآن صفحات (لغة العرب) الغراء، فأرى أرجاءها إلى غير هذا العدد.
(لغة العرب) لم نقرأ في حياتنا كلها مقالا يحلل (نفسية) الاخطل وشعره وعصره وآراءه المقال الذي حبك عراه الأستاذ الكبير الشايب. طالعنا كتبا جمة للناطقين بالضاد ولعلماء الشرقيات فلم نجد فيهم من أجاد في كلامه وأصاب في تفاصيل ما حلله إصابة صديقنا الجليل أستاذ الأدب العربي في المدرسة العباسية الثانوية في الإسكندرية. فلا جرم أن الاخطل تجذل عظامه في مرفده عند علمه أن مثل هذا الكاتب الفذ عرفه لأبناء هذا العصر بهذا الكلام الوجيز المعجز وأغنى الناس عن مطالعة المجلدات الضخمة التي كتبت أو تكتب عنه وهي لا تفيد عشر معاشر ما جاء في هذه القلادة التي طوقها بها جيد هذا الجزء. فنطلب إلى حضرة الأستاذ الكبير أن يتم بحثه هذا ويوافينا بما بقي منه ليكون احسن ذخر للقراء وللأجيال المقبلة.
البرجاس
(البرجاس: غرض في الهواء يرمي به. قال الجوهري: وأظنه مولدا). (لسان العرب) وفي البرهان القاطع: هو بالفارسية (دار كدو) وبالتركية: (قباق اغاجى) وهو رمح أو سارية في أعلاها غرض. واكثر ما كون كرة من ذهب أو فضة، تتخذ غرضا فيرميها الحذاق، وإذا أصابها أحدهم بسهمه - بشرط أن يكون على جواد ناهبا الأرض - يكافأ وتكون الهدية جام ذهب أو فضة وحصانا وخلعة) اهـ. وهو من اليونان(6/407)
العلم والإحسان
من قصيدة الشاعر الطائر الصيت خليل بك مطران في حفلة تدشين مدرسة السيدة هيلانة سياج في الشاطبي بالإسكندرية:
في حبكم لي قلب جد مرتهن ... بحبكم، وبغير الحب لم يدن
النفل في دينه كالفرض يلزمني ... والوعد في حكمه كالعهد يلزمني
قلبي ومضربه جنبي وأحسبه ... على نوى سكني أدنى إلى سكني!
كيف التخلف عن أنس برويتكم ... وطالما التمستها العين في الوسن؟
أخ دعاني فاكرما وتلبية ... قد سر قلبي ذاك الصوت في أذني
من قال للمطلب البادي تعذره ... عند اجتماع الهوى والرأي كن يكن!
أمر المودة مسموع فكيف به ... على الطهارة من رجس ومن درن؟!
من لا يجيب واسني ما يكلفه ... تشجيع سارين في هاد من السنن؟!
يا آخذين بتعليم الصغار لقد ... صنتم مرابعكم من أكبر المحن
مساوئ الجهل في الأطفال شاملة ... لقومهم كلهم في مقبل الزمن
كم عز من ضعة شعب بفتيته ... وكان آباؤهم في أوضع المهن!
أجمل واجلل بتعليم البنين فكم ... به نجاة من العلات والإحن!
هو ابتناء لما ترجمون من عظم ... وهو اتقاء لما تخشون من فتن!
من يستغر فتثقيف العقول به ... عز، ومن يستهن يوما به بهن!
فانفع الناس هم أهل السماح بما ... ينمي نفوسا على الأخلاق والفطن
رعاية سنها حق البلاد على ... كرامها فرأوها أوجب السنن
هذا هو البر أشفى ما يكون ندى ... وتلك في خير معنى خدمة الوطن
يا من بنت بيد في الله ايدة ... صرحا على أسس الفضل المتين بني
أثني عليك واثني عن مؤاخذة ... يراعتي لفريق بالعلى قمن(6/408)
لكن قومي إذا ضنوا تداركهم ... سخاء معتذر عن ألف مختزن!
حقيقة أن جرى هذا اللسان بها ... فعن أسى للآلي عاتبت لا ضغن
فليشهدوا اليوم، والإجلال يخطئهم ... إليك، ما لصحيح المجد من ثمن!
ولينظروا بطل ما تغري القلوب به ... شم المنازل والخضراء في الدمن!
أنا لنستقبل الحسنى وقد برزت ... لنا مصورة في وجهك الحسن!
أبقيت فنا وفي الأجيال تعقبنا ... ذكرى نقدسها في السر والعلن
ذكرى هي الكنز لا يفنى إذا عبث ... أيدي الزمان بكنز غيره ففني!
الزق ومرادفاته
(البستان) - كما رأيت كثير الأغلاط، إذ لا تكاد تطالع فيه مادة إلا هجم عليك سيل الأوهام حتى لتحار ما تصلح منها. وحين يقول لك: قال فلان وذكر فلان، فلا تصدقه. لأنه ينقل الأقوال عن (الرواة) لاعن (المؤلفين أنفسهم) قال مثلا في مادة ز ق ق: (وقال في الكليات لأبي البقاء: (الزق اسم عام للظرف، فإن كان فيه لبن فهو وطب. وإن كان فيه سمن فهو نحي، وإن كان فيه عسل فهو علة (كذا وضبطها بكسر العين) وإن كان فيه ماء فهو شكوة، وإن كان فيه زيت فهو حميت وزق الحداد كيرة).
قلنا: هذه عبارة محيط المحيط بخطئها: والصواب فهو عكة بضم العين. ثم أن كلام صاحب الكليات ينتهي بعد قوله: (وان كان فيه زيت فهو حميت). وما بقي فهو من كلام صاحب محيط المحيط. والحق يقال أن (الحميت) واردة في محيط المحيط بصورة (خميت) أي بالخاء المعجمة نصححها لكنه لم يصحح (العلة) بالعكة وهو مما فاته. ولا جرم أن وجود الغلط في محيط المحيط والبستان يفسد اللغة، ولا سيما عند اتفاق الاثنين على النقل، مع انك تحققت أن الناقل هو واحد وما الثاني إلا ناقل كلام الراوي لا غير. وعلى مثل هذا الوجه تثبت الأغلاط في الكتب ويزلق الناس في ما يكتبون. أفما كان يحسن بالشيخ عبد الله أن يراجع النصوص قبل إثباتها حتى لا تزل بها القدم هذا الزلل. ومثله كثير في كتابه؟(6/409)
غازان بن أرغون
من الدر الكامنة لابن حجر العسقلاني
غازان بن ارغون بن ابغا بن هلاكو بن تولي بن جنكيز خان السلطان معز الدين؛ واسمه محمود ويقوله العامة قازان بالقاف عوض الغين المعجمة. كان جلوسه على تخت الملك سنة 693هـ (1294م) وحسن له نائبه نوروز الإسلام. فأسلم سنة 694 ونثر الذهب والفضة على رؤوس الناس وفشا بذلك الإسلام في التتار، وكانت مملكته خرسان بأسرها، والعراقان وفارس والروم وأذربيجان والجزيرة. وكان إسلامه على يد الشيخ صدر الدين إبراهيم بن سعد الله بن حمودية الجويبي، وعمره يومئذ بضع وعشرون سنة وكان يوم إسلامه يوما عظيما دخل الحمام واغتسل وجمع مجلسا وشهد شهادة الحق في الملأ العام؛ فكان لمن حضر ضجة عظيمة وذلك في شعبان سنة 694 ولقنه نوروز شيئا من لقرآن وعلمه الصلاة وصام رمضان تلك السنة (بالأصل: كل السنة).
وكان غازان يتكلم بالفارسية مع خواصه ويفهم أكثر ما يقال باللسان لعربي. ولما ملك أخذ نفسه بطريق جده الأعلى جنكيز خان وصرف همته إلى إقامة العساكر وسد الثغور وعمارة البلاد والكف عن سفك الدماء.
ولما اسلم قيل له: أن دين الإسلام يحرم نكاح الآباء: وكان قد استضاف نساء أبيه إلى نسائه وكان احبهن إليه بلغان خاتون وهي أكبر نساء أبيه. فهم أن يرتد فقال له بعض خواصه: أن أباك كان كافرا ولم(6/410)
تكن بلغان معه في عقد نكاح صحيح إنما كان مسافحا بها فأعقد أنت عليها فإنها تحل لك. ففعل ولولا ذلك لارتد عن الإسلام؛ واستحسن ذلك من الذي أفتاه به لهذا المصلحة.
وكان هولاكو ومن بعده يعدون أنفسهم نوابا لملك (السراي) فلما استقرت ضرب السكة بالقان وقطع ما كان يحمل الهم وافرد نفسه بالذكر والخطبة وضرب السكة باسمه وطرد نائبهم من بلاد الروم وقال: أنا أخذت البلاد بسيفي لا بغيري.
وكان غازان إذا غضب خرج إلى الفضاء وقال: الغضب إذا خزنته زاد فإن كل جائعا أكل أو بعيد العهد بالغشيان غشي. ويقول: آفة العقل الغضب ولا يصلح للملك أن يتعاطى ما
يضر عقله.
وأول ما وقع القتال مع موروز بن ارغون الذي كان حسن له الإسلام فإن نوروز خرج عليه فحاربه ثم لجأ نوروز إلى قلعة خراسان فأخذ منها وقتل ثم عاد غازان إلى الأكراد الذين أعانوا نوروز فأوقع بهم فقتل في المعركة خمسون نفس وبيعت البقرة السمينة في هذه الواقعة بخمسة دراهم والرأس من الغنم بدرهم والصبي الحسن الصورة المراهق والبالغ باثني عشر درهما.
ثم طرق البلاد الشامية في سنة 699 (1299م) فكانت الوقعة العظيمة بوادي الخزندار والظفر لغازان ودخل دمشق وخطب له على المنبر واستمرت (الخطبة) من ربيع الأول إلى رجب وحصل في تلك الوقعة لأهل الشام من العذاب والجوع. ثم رجع وعاد مرة أخرى سنة سبعمائة فأوقع ببلاد حلب أشهرا ثم جهز قطلوشاه بالعساكر ليعزيهم (كذا لعلها ليغير بهم) على حلب وأمره أن لا يجاوز حمص: فلما حضر وجد العساكر (يعني عساكر المصريين)(6/411)
قد تقهقرت فجاز البلاد إلى أن وصل إلى دمشق واستمر طالب (كذا أي طالبا) مصر فكانت الكسرة العظيمة عليه في وقعة شقحب وذلك في سنة 702 (1302م) وحمل غازان على نفسه بسبب فلم يلبث أن مات.
وكان غازان أشقر، ربعة، خفيف العارضين، غليظ الرقبة، كبير الوجه، وكان يعف عن الدماء لا عن المال. وكانت وفاته في 12 شعبان سنة 703 (21 آذار سنة 1304) بقزوين. قال الذهبي: كان شابا عاقلا شجاعا مهيبا مليح الشكل. مات ولم يتكهل (كذا ولعلها لم يكتهل) واشتهر أنه سم في منديل ملطخ تمسح به بعد الغثيان فتعلل (ولعلها فاعتل) وهلك. وكانوا أشاعوا موته مرارا ولا يصح ثم تحقق فقال الوداعي:
قد مات غازان بلا مرية ... ولم يمت في المدد الماضية
كانت الأخبار ما أفصحت منه ... وكانت هذه القاضية
بكهنام (إنكلترا): ف. كرنكو
ما هو الأقيانوس
(الاوقيانوس) هو القاموس للفيروز ابادي نقله إلى التركية (أبو الكمال السيد أحمد عاصم أفندي) وزاد عليه زيادات مفيدة وطبع لأول مرة في سنة 1262هـ في دار الطباعة العامرية
(أي دار طباعة الحكومة العثمانية) بقطع الربع الكبير.
وكانت مطبعة بولاق قد سبقت وطبعته سنة 1250 بقطع النصف الكبير على كاغد فاخر ثم بقطع الثمن الصغير سنة 1305 في مطبعة جمال أفندي في جادة الباب العالي رقم 34 قال الطابع أن الذي حداه إلى طبعه بالقطع الصغير سببان الأول ليكون سهل التصفح لمن فيه والثاني لان قيمته أصبحت خمسة دنانير ذهب بعد أن كانت ثلاثة. وأما ثمن نسخته فستون قرشا ذهبا أو ثلاثة مجيديات. وقد أتمه مؤلفه يوم الأحد 14 من ذي القعدة سنة 1225 (12 كانون الأول 1810م).(6/412)
المدرسة المستنصرية
-
2 - سنة 631هـ (1233م) فتح المدرسة المستنصرية وتلخيص شروطها (راجع إجراء المجلات المذكورة قبلا وكتاب المساجد ولا سيما مجلة المشرق وجميع هذه النقول الآتية غير المنسوبة هي من كتاب الحوادث).
وفيها توفي أبو عبد اله يحيى بن فضلان (نقل المشرق (18 (1920): 596) ترجمته عن المخطوط الذي عرفناه بالحوادث الجامعة).
سنة 632 (1234) وتوفي أبو حفص عمر بن محمد أبي نصر الفرغاني الفقيه الحنفي، شيخ صالح قدم بغداد وأقام بها مدة برباط الزوزني المجاور لجامع المنصور ثم انحدر إلى واسط وأقام عند بني الرفاعي سائحا متعبدا وأنتفع به بنو الرفاعي واشتغلوا عليه ثم عاد إلى بغداد بعد سنين (سنتين؟) واصعد إلى سنجار فأقام بها مدة يقرأ عليه في جامعها الفقه والأدب ثم عاد إلى بغداد وأقام برباط العميد مدة ثم ندب إلى تدريس الطائفة الحنفية لما فتحت المدرسة المستنصرية فلم يزل بها إلى أن مات.
قيل دخل اليع الشيخ محمد بن الرفاعي فصبحه غلطا وكان مساء فقال ارتجالا:
أتاني مساء نور عيني ونزهتي ... ففرج عني كربتي وأزاحا
فصبحته عند المساء لأنه ... بطلعته رد المساء صباحا
سنة 633 (1235) في المحرم وصل الملك الناصر، ناصر الدين داود بن الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب إلى بغداد. . . وسأل ناصر الدين في مدة أقامته ببغداد أن يحضر المدرسة المستنصرية فأمر الخليفة بعمل دعوة وإحضار فقهاء المدارس ثم احضر ناصر الدين فجلس على طرف إيوانها(6/413)
الشمالي ووقف مماليكه وأصحابه في ربعي المالكية والحنفية ووقف عند كل طائفة حاجب وحضر قراء الديوان وقرأت الختمات وانشد جماعة من الفقهاء قصائد ثم قدم الشروب وبعده أنواع الأطعمة فتناول ناصر الدين من ذلك بعد أن قبل الأرض مرارا. فلما فرغ من ذلك انصرف إلى داره.
وفيها وصل الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر المغربي الأصل الشرمساحي المولد الاسكندراني المنشأ والدار إلى بغداد ومعه أهله وولده وجماعة من الفقهاء المالكية فلقي بالقبول من الديوان ثم احضر دار الوزرة واحضر جميع الدرسين فذكر مسألة تفرع منها عدة مسائل على المذاهب أمام مالك بن أنس وبحثت الجماعة معه وأستجادوا كلامه فخلع عليه وأعطى بلغة بعده كاملة أسوة بالمدرسة المستنصرية. وولي التدريس بسائر المدارس والفقهاء فحضروا فخطب بليغة وذكر اثني عشر درسا وختما بدرس من الوعظ وأعربت دروسه عن فضل ظاهر. وجعل له في كل رجب مائة دينار وخلع على أخيه وجعل معيدا لدرسه ثم خلع على الفقهاء الذين وصلوا صحبته واثبتوا.
وفيها تكامل بناء الإيوان الذي أنشئ مقابل المدرسة المستنصرية (نقل ذلك المشرق وراجع اليقين والزهراء وكتاب المساجد).
سنة 634 (1236) وفيها حضر عبد الله الشرمساحي مدرس المالكية بالمدرسة المستنصرية بالبدرية عند شرف الدين إقبال الشرابي وانعم عليه بلباس الفتوة نيابة ووكالة عن الخليفة.
سنة 635 (1237) وفيها ولي أقضي القضاة عبد الرحمن بن اللمغاني تدريس الطائفة الحنفية بالمدرسة المستنصرية عوضا عن ابن الأنصاري الحلبي فانه سأل الأذن له في العود إلى بلده بأهله وأولاده فأذن له. وكانت مدة تدريسه بالمدرسة المذكور أحداً وعشرين شهرا(6/414)
وفيها في تشرين الأول جاء رعد هائل وبرق عظيم ووقعت صواعق كثيرة منها صاعقة أصابت إنسانا ظاهر سوق السلطان قريبا من سوق الخيل. . . ووقعت صاعقة أخرى في دار يهودي بخربة ابن جردة. . . ووقعت صاعقة أخرى في شباط على الرواق بالمدرسة المستنصرية فشعثت منه موضعا.
سنة 640 (1242) ذكر ركوب الخليفة. في يوم الخميس خامس عشر شهر رجب ركب المستعصم بالله في شبارة ومعه شرف الدين إقبال الشرابي وعز الدين مرشد الهندي المستعصمي واصعد في دجلة إلى مشرعة الكرخ وعاد منحدرا إلى باب الازج ثم عاد إلى داره.
ثم ركب يوم السبت سابع عشر الشهر على الخيل وتقدم إلى جميع من كان يركب مع والده بالركوب معه وقصد دار الحريم ودخل الرباط ثم تكرار ركوبه فلم يدع صالحا ولا وليا إلا زاره وقصد مشهده ولا رباطا منسوبا إليهم ولا مدرسة إلا تردد إليه وشاهده. وقصد المدرسة المستنصرية يوم الجمعة سابع شعبان ومعه الشيخ شمس الدين علي بن النيار. وأعتبر خزانة الكتب التي بها وأنكر عدم ترتيبها ووكل بالنواب يومين ثم افرج عنهم. . .
سنة 642 (1244) وفيها توفي المحبب (المحب) أبو عبد الله محمد بن محمود ابن النجار الحافظ المتقن المحتوي على فنون العلوم. حفظ أولا القرآن المجيد وقرأ علم النحو مع الحديث وبرع في كتبه التاريخ وقرأ علم الأدب وسافر إلى الحجاز وجاور مدة سفرته وتطوفه هذه البلاد ثمنية (ثمانية) وعشرين سنة قرأ فيها على العلماء والمشايخ واشتمل معجمه على ثلاثة الفئات (آلاف) شيخ وأربع(6/415)
مائة امرأة وجمع مجموعات كثيرة تزيد على أربعين كتابا. منها الذيل على التاريخ بغداد ست عشرة مجلدة ونثر الدر ثمانية أجزاء والعقد الفائق، في عيون أخبار الدنيا ومحاسن الخلائق. وقدم بغداد سنة أربع وعشرين وستمائة وقد مات أهله جميعهم فسكن دارا في محلة الظفرية فعرض عليه السكنى في رباط شيخ الشيوخ فأبى وقال: أني قادر على المسكن ومعي نحو ثلاثمائة دينار فما يحل لي أن ارتفق من وقف. وأشتري جارية. فلما فتحت المستنصرية عين عليه (كذا) مشتغلا في علم الحديث فأجاب إلى ذلك لأنه لم يبق معه من مال إلا شئ يسير فل يزل على ذلك إلى أن مات. وكان مولده سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ببغداد.
سنة 644 (1246) وفيها فتح باب خزن المدرسة المستنصرية المقابل لباب سوق المدرسة وأخذ منه نحو أربع مائة رطل معمولا وحدود ثلاثمائة رطل سكرا ومبلغ ثلاثمائة دينار وثلاثون مصليا (كذا) طبرية وقيل أن جوقه الرندي فعلوا ذلك. وكثر اللصوص ببغداد وكانوا يأتون بالعدة ويأخذون أموال الناس.
سنة 645 (1247) وفيها أنهى خازن المدرسة المستنصرية أنه شاهد ختم الخزانة متغيرا والقفل بحاله فاعتبروا ما فيها من الرهون والعين فشذ منها شئ ومن المال ثلاثمائة دينار فانهي ذلك إلى الخليفة فأمر بإلزام الفقهاء والحاشية برمي تراب ففعلوا ذلك ثلاثة أيام فلم يجدوا شيئا فتقدم بتقسيط ذلك على النواب بالخزن والفراشين على قدر أحوالهم فاستوفي
منهم ورتب عوضهم.
وفي مرآة الجنان لليافعي (112: 4): سنة 645، وفيها توفي الكاشغري إبراهيم بن عثمان الزركشي ببغداد. سمع من جماعة ورحل إليه الطلبة من الآفاق والجهات وكان آخر من بقي بينه وبين الإمام مالك خمسة انفس وتولى مشيخة المستنصرية.
وذكر كتاب الحوادث في أخبار سنة 646 (1248) تواتر الأمطار وزيادة دجلة ووصف ذلك في نحو أربع صحائف من هذه المجلة وقال نقلته آنفا (ص(6/416)
358) عن نبع الماء من أساس حائط المدرسة المستنصرية ومن دار سقنرجا المجاورة لها ومن مسجد الحظائر المجاور لهذا الدار.
سنة 647 (1249) وفيها كتب إنسان فتيا مضمونها: هل الأيمان يزيد وينقص أم (كذا) لا؟ وعرضت على جماعة فلم يكتبوا فيها ابن وضاح الخبلي وعبد العزيز القحيطي وبالغا في ذم من يقول: أن الأيمان لا يزيد ولا ينقص ثم سلمت إلى فقيه حنفي فحبسها عنده ولم يكتب فيها فانتهى حديثها إلى الديوان وتألم الحنفية من ذلك وقالوا: هذا يعرض بذم أبي حنيفة فتقدم بإخراج ابن وضاح من (المدرسة المستنصرية) ونفي ابن القحيطي عن بغداد فحمل إلى الحديثة والزم المقام بها.
سنة 653 (1255) وتقدم الخليفة إلى المدرسين في المستنصرية أن يقولوا بعد الختمة كلاما خلاصته أن الأمير مجاهد الدين أيبك الخاص مولى أمير المؤمنين لم يثبت عليه عند مولاه ومالكه شئ مما نسب إليه وفقه الله تعالى والخلائق للتمسك بطاعة أمير المؤمنين والإخلاص في ولائه وأودعهم وإياه شكر مراحمه العميمة وأنعامه فسأل الدويدار أن يحضر المدرسون عنده فحضروا فخلع عليهم.
سنة 654 (1256) ذكر غرق بغداد في هذه السنة زادت دجلة. . . فأحاط (الماء) ببغداد وغرق الجانبين. . . وصلى الناس عدة جمع (في المرسة المستنصرية) وكان الناس يحضرون بالسفن فامتلأت المدرسة وغلق بابها واتصلت الصفوف في السفن من (باب المستنصرية) إلى سوق المدرسة والى آخره وصلى أهل باب الازج في مصلى العيد بعقد الحلبة. . .
سنة 659 (1260) وفيها رتب الشيخ جلال الدين عبد الجبار بن عكبر الواعظ مدرسة
طائفة الحنابلة (بالمدرسة المستنصرية) نقلا من الإعادة بها. وحضر درسه الصاحب علاء الدين (الجويني) والأكابر والعلماء وخلع عليه.
سنة 667 (1268) وفيها توفي أقضى القضاة نظام الدين عبد المنعم البندنيجي ودفن في صفة الشيخ الجنيد وقد بلغ من العمر إلى ست وسبعين سنة. وكان ورعا عفيفا تقيا حسن السيرة استعمل بالفقه في عنفوان شبابه بمدرسة دار(6/417)
الذهب ببغداد حتى برع وأفتى ثم رتب معيدا (بالمدرسة المستنصرية) ثم شهد عند أقضى القضاة كمال عبد الرحمن بن اللمغاني ثم جعل في ديوان العرض على الإطلاق معايش الجند فلما تكلمت له سنة أطلق له عنه المشاهرة فأمتنع وقال: لا يحل لي أن اجمع بين خدمة ووظيفة (المستنصرية) فأنهى ذلك الخليفة فأستحسنه وتقدم أن يطلق له مشاهرة مع أرباب الرسوم. ثم عين قاضيا بالجانب الغربي سنة اثنين وخمسين ثم نقل إلى الجانب الغربي (كذا والظاهر الشرقي) وخوطب بأقضى القضاة سنة خمس وخمسين فأستمر على ذلك إلى الآن.
سئل في حال مرضه عمن يصلح بعده لقضاة فقال: قد تقلدته حيا فما أتقلده ميتا فقيل له: لا بد من الإشارة في ذلك فقال: أن امتنع سراج الدين الهنايسي فيكون عز الدين أبي الزنجاني قاضي الجانب الغربي. فلما توفي أحضر سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي الشافعي ورتب قاضي قضاة بغداد نقلا من التدريس بالمدرسة البشيرية فلم يمتنع من ذلك.
سنة 668 (1269) فيها تقدم علاء الدين صاحب الديوان بعمل (دولاب تحت مسناة المدرسة المستنصرية) يقبض الماء من دجلة ويرمية إلى مزملتها ثم يجري تحت الأرض إلى بركة عملت في صحن المدرسة ثم يخرج منها إلى مزملة عملت تجاه (إيوان الساعات) خارج المدرسة وجدد تطبيق صحنها وتبنيذ حيطانها وكان المتولي لذلك شمس الدين حميد الخرساني صدر الوقوف.
وجاء في كشف الظنون ذكر كتاب الإبهام لدفع الأوهام أنه للعلامة ظهير الدين محمد بن عمر النوحابادي البخاري الحنفي ألفه بالمستنصرية ببغداد سنة 668هـ (1269).
سنة 669 (1270) فيها توفي الشيخ سراج الدين عبد الله بن الشرمساحي المالكي المدرس (بالمدرسة المستنصرية) وكان عالما كثير العبادة. ورد إلى بغداد في زمن الخليفة المستنصر ومعه أخوه علم الدين أحمد فلما توفي الآن عين أخوه علم الدين في موضعه نقلا
عن تدريس البشيرية.(6/418)
سنة 670 (1271) وفيها قتل نجم الدين خواجة أمام كان من نواب الصاحب علاء الدين. قدم معه خراسان فأثبته فقيها (بالمدرسة المستنصرية) وفوض إليه أمر وكالته في خاصته وقدمه وأعلى مراتبه حتى صار المشار إليه في بغداد وحصل أموالا عظيمة ثم كفر النعمة واستعد للقول في الصاحب فبلغه ذلك فقبض عليه وحبسه في داره فنقب الحبس وخرج منه ليلا والتجأ إلى بعض أمراء المغول وضمن له مالا على أن يوصله إلى حضرة السلطان فركب الصاحب في جماعة وأحاط به وأخذه وقتله وطيف برأسه في بغداد ثم دفن في مشهد أبي حنيفة.
سنة 672 (1273) فيها وصل السلطان اباقا خان إلى بغداد وفي خدمته الأمراء والعساكر وخواجة نصير الدين الطوسي وعبر دجلة وتصيد في أراضي قوسان حتى بلغ قريبا من واسط ثم عاد إلى بغداد ونزل بالمحول وأمر بالإحسان إلى الرعايا وتخفيف التمغات وحذف الأثقال عنهم. وكتب ذلك على حيطان باب (الجامع (كذا) المستنصرية) ثم اقطع المحول بلغان خاتون فلما انقضى الشتاء عاد إلى مقر ملكه.
وأما خواجه نصير الدين الطوسي فانه أقام ببغداد وتصفح أحوال الوقوف وأدار أخبار الفقهاء والمدرسين والصوفية وأطلق المشاهرات وقرر القواعد في الوقت وأصلحها بعد اختلالها.
وفيها مات العلم الشرمساحي أخو سراج الدين المالكي وهو مدرس المالكية بالمستنصرية. . .
سنة 674 (1374). . . وتأخر وقوع الغيث في هذه السنة فخرج الناس إلى ظاهر بغداد للاستسقاء مشاة تقدمهم قاضي عز الدين أحمد الزنجاني وخطب الشيخ جلال الدين عبد الجبار بن عكبر الواعظ ثم خرجوا من الغد كذلك وخطب الشيخ عماد الدين ذو الفقار مدرس الشافعية (بالمستنصرية) ثم خرجوا في اليوم الثالث وخطب الشيخ ظهير الدين محمد بن عبد القادر فلم يسقوا ماء الغيث إنما زادت (كذا) الفرات عقيب ذلك وسقت (كذا) الزروع.(6/419)
وفيها عين الشيخ محيي الدين محمد بن المحيا العباسي خطيبا بجامع المدينة المعروف
بجامع السلطان ولصلاة العيدين (بالمدرسة المستنصرية) وشرط الواقف أن لا يخطب بها إلا هاشمي عباسي ولم يخطب بالعراق بعد الواقعة خطيب هاشمي سواه.
سنة 68 (1271) فيها توفي الشيخ جلال الدين بن عكبر.
وقد نقلت البحث في هذه المجلة (6 (1928): 16) فلا حاجة إلى أعادته
سنة 682 (1283) في رجب منها وصل شرف الدين هرون بن (كذا) الصاحب شمس الدين محمد الجويني صاحب ديوان الممالك إلى بغداد وقد فوض إليه تدبيرها وجعل صاحب ديوانها على قاعدة عنه علاء الدين فأستبشر الناس بقدومه وحضر الشعراء بين يديه وأنشدوه المديح. . .
وعين شمس اليدن زرديان نائبا عنه عى القاضي بدر الدين علي بن محمد ملاق (كذا) وفوض إليه أمر القضاء بالجانب الغربي إضافة إلى ما كان يتولاه من الحسبة بجانبي بغداد والتدريس بمدرسة سعادة. وعين الشيخ نصير الدين بن عبد الله بن عمر الفاروثي مدرس الشافعية (بالمدرسة المستنصرية) وسلك طريقة عمه في تدبير العراق.
سنة 683 (1284) وفيها أشتهر ببغداد أن عز الدولة ابن كمونة اليهودي صنف كتابا، سماه:
(الأبحاث عن الملل الثلاث)، تعرض فيه بذكر النبوات وقال ما نعوذ بالله من ذكره، فثار العوام وهاجوا واجتمعوا لكبس داره وقتله فركب الأمير تمسكاي شحنة العراق ومجد الدين ابن الأثير وجماعة الحكام إلى (المدرسة المستنصرية) واستدعوا قاضي القضاة والمدرسين لتحقيق هذه الحال وطلبوا ابن كمونة فاختفى وأتفق ذلك اليوم يوم جمعة فركب قاضي القضاة فمنعه العوام فعاد إلى (المستنصرية) فخرج ابن الأثير ليسكن العوام فاسمعوه اقبح الكلام ونسبوه إلى التعصب لابن كمونة والذنب عنه فأمر الشحنة بالنداء في بغداد بالمباكرة في غد إلى ظاهر السور لإحراق ابن كمونة فسكن العوام ولم يتجدد بعد ذلك له ذكر. وأما ابن كمونه فأنه وضع في صندوق مجلد وحمل(6/420)
إلى الحلة. وكان ولده كاتبا بها فأقام أياما وتوفي هناك.
وفيها اجتمع الفقهاء (بالمستنصرية) على جمال الدين الدستجردي صدر الوقوف ونالوا منه وأسمعوه قبيح الكلام فحماه منهم الشيخ ظهير الدين البخاري (؟) المدرس وخلصه من
أيديهم فأتصل ذلك بالحكام فعزلوه ورتبوا رضي الدين ابن سعيد فلم ينهض بأمور الوقف وصحت الحال بين يديه فأعيد جمال الدين الدستجردي. ووصل بعد ذلك فخر الدين أحمد بن خواجة نصير الدين الطوسي وقد أعيد أمر الوقوف بالمالك جميعها إليه وحذفت الحصة الديوانية في الوقوف ووفرت على أربابها فعين علي الدين إسماعيل بن الياس صدرا بالوقوف عوضا عن جمال الدين الدستجردي فعين علي عز الدين محمد بن شمام نائبا عنه فيها.
وفيها توفي نور الدين علي بن تغلب الساعاتي كان يتولى تدبير الساعات التي تجاه المستنصرية. كان مولده سنة إحدى وستمائة.
سنة 684 (1285) وفيها استناب قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني في القضاة ببلاد الحلة العدل الفقيه تاج الدين محمد بن محفوظ بن وشاح الحلي. ورتب نجم الدين بن أبي العز البصري الشافعي مدرسا (بالمستنصرية).
وفي كتاب نكت الهميان في نكت العميان (ص 189 - 190) ترجمة أحد مشايخ المستنصرية وهو:(6/421)
عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم الشيخ الإمام العلامة نور الدين أبو طالب البصري الحلي مدرس طائفته بالمدرسة المستنصرية ببغداد مولده سنة أربع وعشرين وستمائة ووفاته يوم عيد الفطر سنة أربع وثمانين وستمائة (1285).
كان من العلماء المجتهدين العالمين العاملين. عين أولا مدرسا بمدرسة الحنابلة بالبصرة فدرس بها مدة انتفع به خلق كثير. حفظ القرآن المجيد في أول عمره وختمه سنة إحدى وثلاثين وعمره يومئذ سبع ونصف. قدم بغداد سنة سبع وخمسين وفوض إليه التدريس بطائفة النابلة بالمدرسة البشيرية فدرس بها مدة وكف بصره سنة أربع وثلاثين وأذن له في الإفتاء سنة ثمان وأربعين. . . ومن تصانيفه: كتاب جامع العلوم في تفسير كتاب الله الحي القيوم أربع مجلدات و. . .
ولما توفي الشيخ الإمام جلال الدين ابن عكبر مدرس الحنابلة (بالمدرسة المستنصرية) عين مدرسا بها. وذلك في يوم الاثنين التاسع من شوال سنة إحدى وثمانين وستمائة.
وفي هذا الكتاب (ص 210) أيضاً ترجمة علي بن الحسن بن يوسف وهو الشيخ الإمام
العلامة موفق الدين أبو الحسن ابن الصياد البغدادي. أحد معيدي الحنابلة (بالمدرسة المستنصرية) كان من أعيان العدول ببغداد واضر قبل وفاته بمدة. . . وكانت وفاته بناحية الراذان في شهر رجب سنة خمس وثمانين وستمائة (1286). . .
سنة 696 (1296) في المحرم سار السلطان غازان يريد العراق فلما وصل همذان بلغه أن نوروز قد تغيرت طاعته في نيته وفسدت سريرته وإن جمال الدين الدستجرداني صاحب الديوان عين له يخبره بالأحوال فأمر بقتل الدستجراني فقتل توسيطا. وكانت مدة ولايته الآن أربعين يوما ورتب صدر الدين الخالدي عوضه ثم توجه إلى بغداد بجيوش كثيرة وشمل الناس بالعدل والإحسان ولم يتعرض أحد من العسكر لأهل السواد بما جرت به العادة من(6/422)
رعي الزروع ولا غير ذلك. وكانت الرعية تسير بينهم ومعهم الأشياء المجلوبة للبيع فلا يأخذ أحد منهم شيئا إلا ابتياعا باللطف واللين. ورأى الناس من العدل ما أوجب زيادة دعائهم لدوم دولته.
فلما دخل بغداد لم ينزل أحد في دار إلا بالأجرة وما أزعج أحد من منزله ثم أنه دخل (المدرسة المستنصرية) من الدار المجاورة لها وكان يسكن بها نظام الدين محمود شيخ المشايخ وكانوا (كذا) المدرسون والفقهاء قد جلسوا على عاداتهم والربعات الشريفة في أيديهم فلما عاينوه قاموا وخدموا فأمر رشيد الدين أن يقول لهم: انتم مشغولون بقراءة كتاب الله عز وجل كيف جاز لكم تركه والاشتغال بغيره؟ فقال أحد المدرسين: السلطان ظل الله في أرضه وطاعته وتعظيمه والانقياد له في الشرع. فدخل خزانة الكتب ولمحها ثم عاد إلى الدار المذكورة فبات بها فنزل من الغد في شبارة وقصد المحول وأقام بدار الخليفة أياما فتألم الناس من إلزامهم بالخراج ذهبا أحمر وكان جمال الدين الدستجرداني قد استوفاه في السنة الماضية كذلك وقال: قد كانوا في زمن الخلفاء يؤدونه ذهبا. فاضر ذلك بالناس فأمر السلطان بأجرائهم على عادتهم منذ فتحت بغداد فتوفر عليهم شئ كثير من التفاوت فزادت أدعيتهم ثم توجه إلى الحلة. . .
وفي نكت الهميان (ص 206 - 208 ترجمة علي بن أحمد بن يوسف بن الخضر الشيخ الإمام العلامة زين الدين إلى أبي الحسن الحلي الامدي العابر.
ومما رواه نكت الهميان عن المترجم أنه (لما دخل (السلطان) غازان. . . بغداد سنة
(خمس) وتسعين وستمائة اعلم بالشيخ زين الدين الامدي المذكور فقال: إذا جئت غدا المدرسة المستنصرية اجتمع به. فلما أتى السلطان(6/423)
غازان المستنصرية احتفل الناس له واجتمع له بالمدرسة أعيان بغداد وأكابرها من القضاة والعلماء والعظماء وفيهم الشيخ زين الدين الامدي لتلقي السلطان. فأمر غازان أكابر أمرائه أن يدخلوا المدرسة قبله واحدا بعد واحد ويسلم كل منه على الشيخ زين الدين ويوهمه معه أنه هو السلطان امتحانا له. فجعل الناس - كلما قدم أمير - يزهزهون له ويعظمونه ويأتون به إلى الشيخ زين الدين ليسلم عليه الشيخ يرد على من أتى به إليه من غير تحرك له ولا احتفال به حتى جاء السلطان غازان في دون من تقدمه من الأمراء في الحفل وسلم على الشيخ وصافحه. فحين وضع يده في يده نهض له قائما وقبل يده وأعظم ملتقاه والاحتفال به وأعظم الدعاء باللسان المغلي ثم بالتركي ثم بالفارسي ثم بالرومي ثم بالعربي ورفع به صوته إعلاما للناس (وكان زين المذكور يعرف بالسن عدة) فعجب السلطان غازان من فطنته وذكائه وحده ذهنه (ومعرفته) مع ضرره. ثم أن السلطان خلع عليه في الحال ووهبه مالا ورسم له بمرتب (يجري عليه) في كل شهر ثلاثمائة درهم. وحضي عنده وعند أمرائه ووزارته وخواتينه (كثيرا) أهـ. وذكر الكتاب تصافيه وغير ذلك حتى قال أنه توفي بعد سنة اثني عشرة وسبعمائة (بقليل والله سبحانه وتعالى اعلم).
وفي مرآة الجنان (242: 4) قوله: (أي في سنة 706 (1306) مات ببغداد الإمام العلامة المتفنن نصير الدين بن عبد الله بن عمر الفاروقي الشيرازي الشافعي مدرس المستنصرية قدم دمشق وظهرت فضائله.
وفيه (243: 4) في ترجم سنة 707 (1307) أنه مات ببغداد مسندها الإمام رشيد الدين محمد أبي القاسم المقرئ شيخ (المستنصرية) روى عن جماعة وتفرد وشارك في الفضائل واشتهر.
وفيه أيضاً (277: 4) في تراجم سنة 728 (1327) أنه فيها توفي(6/424)
الإمام الواعظ مسند العراق شيخ (المستنصرية) عفيف الدين عبد الله بن محمد ابن الحسن البغدادي.
وفي تاريخ أبي الفداء (106: 4) طبعه مصر 1325 في حوادث 732 (1331) أنه توفي فيها الإمام شهاب الدين أبو احمد عبد الرحمن أبو محمد بن عسكر المالكي مدرس
المستنصرية ببغداد وله مصنفات في الفقه وكان حسن الأخلاق ولد في سنة (ستمائة و) أربع وأربعين بباب الازج (ببغداد).
وفي التاريخ المذكور (4: 107) وحوادث 733 (1332) انه في صفر وصل الخبر بموت محدث بغداد تقي الدين محمود بن علي بن محمود بن مقبل الدقوقي كان يحضر مجلسه خلق كثير لفصاحته وحسن آدابه وله نظم وولي مشيخة (المستنصرية) وحدث عن الشيخ عبد الصمد وجماعة وكان يعظ وحمل نعشه على الرؤوس وما خلف درهما.
ويعز علينا أن تظهر المستنصرية بمظهر قلعة حرب وهيجاء بعد أن كانت ذلك المنهل النافع. فقد جاء في كلشن خلفاء في سنة 640 (1533) قبيل دخول السلطان سليمان إلى بغداد أن حاكمها محمد خان الذي كان تولى بغداد طلب من الطائفة (تكلو) أن تخرج معه منها لكن هؤلاء أبوا الطاعة وعددهم نحو ثلاثة آلاف من الشجعان فأضرموا نار الفتنة بينهم وبين الخان واتخذوا المدرسة المستنصرية الواقعة في راس الجسر مقرا لجمعيتهم وحصنا منيعا لهم وقد رأى الخان أن يكافح نار جميعهم ويبدل بيت سرورهم ببيت الحزن فتهيأ لهم ومعه اتباعه وتعلقاته (أي أقرباؤه وقد ترد الكلمة بمعنى منسوبين وتابعين) وشمر الساق لذلك السيد محمد كمونه تدخل في الأمر ودفع الهرج والمرج.(6/425)
وفي فذلكه كاتب جلبي بالتركية (5: 2) ترجمة المولى غنائم (غانم) البغدادي ومما فيها أنه ولد في بغداد وانه حينما ولي رضوان أفندي قضاء بغداد في سنة 998 (1589) انعم عليه بالتدريس (بالمدرسة المستنصرية) التي هي أجل مدارس دار السلام وكان المولى المذكور اعلم العلماء في هذه الديار وقالت الفذلكة أنه استشهد في بغداد في سنة 1030 (1620) حينما استولى على بغداد بكر صوباشي وكان له الانتساب الأتم إلى الفقه فكانوا يرجعون إلى فتواه. وقد جمع مسائل الضمانات وله رسالة نافعة في ترجيح البينات وهي ملجأ القضاة وابتدأ بكتاب في النحو والتزم شواهده من الآيات القرآنية لكنه لم يتيسر له إتمامه وله كتاب اسمه حصن الإسلام.
ومما يؤسف عليه أن اوليا جلبي (419: 4) رأى المدرسة الواقعة في السراجخانة وهي مدرسة الخلفاء - على سماها - يعطي فيها للانكشارية (آت تعييني) أي (علوفة الحصان) ويعز علينا أن نراها (خان ميدان الحشيش) في أيام نيبهر ومرة أخرى على هذه الصورة
المؤلمة.
وذكر لنا كلشن ما كان بجوارها فقال ما ملخصه: أن والي بغداد السلحدار حسين باشا عمر سوقا بديعة المنظر عند باب المدرسة المستنصرية واشترى غير ذلك من الأملاك ووقف جميع ذلك على خيراته وهي البئر العميقة التي عمرها على دجلة فأسال الماء فوق جدار بناه فأوصله إلى مرقد شهاب الدين السهروردي دفع لقلة الماء كان قد مضى عليه زمن طويل في تلك المواضيع المباركة فأخلاها من العمارة وغيرها من اجتماع الناس فيها. وأحيا الوالي هناك بستانا غدا نزهة للخاص والعام. وأنشأ (هناك) في موضعين سقايتين. وكانت إسالة الماء في سنة 1085هـ (1674م) على ما حفظه بيت(6/426)
بالتركية رواه الكتاب. وكانت خيرات الواقف باقية في عهد المؤلف.
وأختم كلامي متمثلا بقول القائل:
تلك آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار
وأرجو أن ينهض وطننا العزيز بالعلم أسوة بالشعوب الراقية إذ لا حياة بغير العلم وهو الحجر الأساسي لكل سعادة.
يعقوب نعوم سركيس
من أغلاط البستان
في ز ق ز ق
قال: زقزق الطائر رمى بذرقه. . . والصبي رقصه و - حذف.) - قلنا: الظاهر أنه لم يفهم معنى حذف هنا بل ظن أنه معنى جديد. والصواب هو: زقزق الطائر بسلحه: حذف به أي رمى به. ولهذا فإعادته بعبارة غير العبارة الأولى لغو.
وقال في الزققة: (الزققة أيضاً محركة الفواخت اتي تزق زكها وهو فرخ الفاختة). قلنا: والذي في اللسان والتاج: (تزق زكها أي فراخها.) فيؤخذ من هذا أن الزك هو للمفرد وللجمع. ثم كيف يسوغ له أن يقول: الفواخت (وهي جمع) التي تزق زكها وهو على ما فسره فرخ الفاختة. إذ لا يمكن أن تزق كل هذه الفواخت فرخا واحدا بل كل فاختة تزق فرخها. ولهذا وجب أن يقال: الزققة: الفواخت التي تزق زكها أي فراخها.
وقال: (الزقة بالضم: طائر صغير من طير الماء (يمكث) حتى يكاد يقبض عليه ثم يغوص في الماء فيخرج بعيدا ج زقق) أهـ.
قلنا: لا معنى ليمكث هنا. والذي ورد في التاج واللسان: (يمكن) بنون في الآخر من باب الأفعال المعلوم. أي يسهل أخذه. أهـ.
وذكر من جموع الزق بالكسر: الازق وقال: كنطع وأنطع. وهذا لم يذكره إلا الهجيري. أورده في المحكم وقال بعد ذلك: الزق (وضبطها بالضم) أيضاً الخمر. ولا معنى لقوله: (أيضا) لأنه لم يسبق ذكر الزق بالضم والذي سبق ذكره كان الزق بالكسر وقال: حلق رأسه زقية: أي جز رأسه ولم ينتفه. . . مع أن اللغويين قالوا: ويرى: زطية فهو لم يذكرها هنا ولا في ز ط ط. إلى غير هذه الأوهام في هذه المادة.(6/427)
جمعية حماية الأطفال في العراق
أنشئ في أواخر الأسبوع الأول من أيار جمعية لوقاية الأطفال من الموت والعناية بشؤونهم في حياتهم وتربيتهم على احسن الوجوه لتنمية أعضائهم وإبلاغهم العمر الطويل من الحياة. فألقيت الخطب وأنشدت القصائد وجمعت الأموال تحقيقا لهذه وقد قرأنا في هذا الموضوع قصيدة عامرة الأبيات بديعة المبنى والمعنى للشاعر الشهير حافظ إبراهيم عنوانها (أنقذوا الطفل) ونحن ندرجها هنا لعلو أسلوبها. وكانت قد أقامت (جمعية الطفل) في مصر في أول أيار (مايو) حفلة بدار الاوبرة الملوكية بمدينة القاهرة. حثا على البر، وتنويها بفضل المحسنات المصريات. وهي هذه:
أنقذوا الطفل:
أيها الطفل لا تخف عنت الده ... ر ولا تخش عاديات الليالي
قبض الله للضعيف نفوسا ... تعشق من ذوات الحجال
أي ذوات الحجال عشتن للب ... ر ودمتن قدوة للرجال
لم يكونوا ليدركوا المجد لولا ... كن أو يسلكوا سبيل المعالي
بسمة تجعل الجبان شجاعا ... وتعيد البخيل اكرم نال
وعظام الرجال من كل جنس ... في رضاكن ارخصوا كل غال
راعني من نفوسكن جمال ... يتجلى في هالة من جلال
وجمال النفوس والشعر والأ ... خلاق عندي أسمى مجالي الجمال
قمن علمننا المروءة والعط ... ف على البائسين والسؤال
قمن علمننا الحنان على الطف ... ل شريدا فريسة المغتال
قد اجبنا نداءكن وجئنا ... نسأل القادرين بعض النوال
لو ملكنا غير المقال لجدنا ... إن جهد المقل حسن المقال(6/428)
أنقذوا الطفل إن في شقوة الطف ... ل شقاء لنا على كل حال
إن يعش بائسا ولم يطوه البؤ ... س يعش نكبة على الأجيال
رب بؤس يخبث النفس حتى ... يطرح المرء في مهاوي الضلال
أنقذوه فربما كان فيه ... مصلح أو مغامر لا يبالي
ربما كان تحت طمريه عزم ... ذو مضاء يدك شم الجبال
رب سر قد حل جسم صغير ... وتأبى على شديد المحال
فخفاف الأفيال أرفق وقعا ... لو تبينت من دبيب النمال!
شاع بؤس الأطفال، والبؤس، داء ... لو أتيح الطبيب غير عضال
أيدوا كل مجمع قام للب ... ر بجاه يظله أو بمال
كم يتيم كادت به البأ ... ساء لولا (رعاية الأطفال)
ورجال الإسعاف أنبل لولا ... شهوة الحرب من رجال القتال
يسهرون الدجى لتخفيف وبل ... أو بلاء مصوب أو نكال
كم جريح لولاهم مات نزفا ... في يد الجهل أو يد الإهمال
كم صريع من صدمة أو صريع ... من سموم مخدر الأوصال
كم حريق قد أحجم الناس فيه ... عن ضحايا تئن تحت التلال
يترامون في اللهيب سراعا ... كترامي القطا لورد الزلال
لا لشيء سوى المروءة يحلو ... طعمها في فم المريء الموالي
فاصنعوا البر منعمين وجودوا ... أيها القادرون قبل السؤال
لانتشار العلوم، أو لانطواء ال ... بؤس والشر، أو لترفيه حال
محمد حافظ إبراهيم
البرسام في البستان
في (البستان) برسم الرجل بالبناء للمفعول فهو مبرسم أصيب بعلة البرسام. ولم يرد هذا الحرف معلوما في غير محيط المحيط واقرب الموارد من كتب اللغة. أهـ. قلت: ونسي: معجم فريتغ الذي نقل عنه البستاني وعن هذا نقل الشرتوني على انك تقول: برسم الله الرجل (بالمعلوم) فبرسم (بالمجهول) فيستعمل بالمعلوم.(6/429)
العيافة عند عوام العراق
- 2 -
2 - عيافة الطيور
الغراب
هو طائر مشؤوم في نظر العامة فإذا نعق قالت النساء: (خير يكون وشر يزول. وألف صلوة على الرسول أن جنت غراب، طم نفسك بالتراب، وإن جنت بشير، ذبه من جناحك وطير) أي عسى أن الخير يكون والشر يزول، وألف صلوة على الرسول، أن كنت غرابا فادفن نفسك في التراب، وإن كنت بشير فارم بشارتك من جناحك وطر).
والعامة تعد قول من يقول أحدهم للآخر: (أنت غراب) شتما ومن أعذب ما قاله الشاعر:
(ما غراب أبين إلا ناقة أو جمل)
لأنهم يعدون الغراب مفرقا للأحباب.
العقعق
طائر يشبه الغراب الأبقع طويل الذنب إلا أنه لا يتشاءم منه، وإذا صاح قالت النساء (خير خير) وينتظرن قدوم الضيوف.
البازي
طائر مشهور يضرب به المثل في الشجاعة. ومن عادته أن يقوم من وكره قبل انبلاج الفجر والى ذلك أشار بن برد الشاعر الأعمى الشهير من قصيدة له في مدح خالد بن يحيى البرمكي:
إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها ... خرجت مع البازي علي سواد
والخرافيون من الرجال يعتقدون أن من يصادف البازي في سفرته يصادف إقبالا ونجاحا عظيمين.(6/430)
الصقر
طائر مشهور يضرب به المثل في الشجاعة والأقدام فيقال (فلان كالصقر) والعامة تقول (فلان صكرهم) أي (فلان صقر أعدائه) إشارة إلى أنه لمحهم أو تسلط عليهم لان أنواع الطيور إذا سمعت صوت الصقر أو رأته لبدت في الأرض وارتعبت خوفا منه. والعامة تعتقد أن الذي يجني الصقر عشر سنوات لا يهرب خلالها من بيته يلاقي بعد ذلك فرحا وحبورا في دنياه.
الططوة (أي الطيطوي)
الططوة طويئر يسميه الفرس وسكنة كربلا (بي بي ديم) أي (يا سيدي رأيت) ويسميه أهل البادية (بلبل الزور) وصوت هذا الطويئر نغم شجي فإذا مر ليلا على البيوت قال سكانه (سيقدم غائبنا) ومن يقول في العراق للآخر (عقلك عقل الططوة) فانه يغضبه لأنه يعد هذا الكلام من الشتم.
يا كريم
طائر جميل يسميه البعض (القمري) والبعض (يا كريم) لتغنيه بشيء على وزن (يا كريم) وفي معتقد النساء أنه لا يجوز أن يحبس هذا الطويئر لأنه يسبح الله؟ ولذا يتشاءمون باقتنائه وهذا الطائر اسمه عند العلماء
البرهان
طائر ذو ساقين دقيقتين والنساء يتشاءمن به لأنه كالأقرع إذ ليس على رأسه إلا ريش ناعم دقيق ويعتقدون أن من يراه عند الصباح يرى شؤما ومنكرا ويعرف عند الإفرنج باسم
العصفور
محبوب من الجميع والنساء يتفاءلن به خيرا ويعتقدن أنه إذا اجتمع العصافير وتناقرت ثم تفرق جمعهم وسقط أحدها على رأس أحد سكان البيت أصابه خير عظيم وقدم إليه غائب.(6/431)
وهناك مثل شائع على أفواه لعوام (زعل العصفور على بيدر الدخن زاد ألف طغار) أي غضب العصفور على بيدر الدخن فزاد ألف تيغار (والتيغار يختلف اليوم قدره بين ألف و 1540 كيلغراما) يقال ذلك للحقير إذا غضب فانه يوفر على القوم طعامه.
الديك
يحب النساء الديك الأبيض الأفرق ويعتقدون أنه أحد جنود ديك العرش. وهذا الديك مقامه في السماء السابعة تحت عرش الله وهو الذي ينبه الملائكة ليصلوا صلاتهم في الأوقات الخمسة. كما أنه يطرد الجن من المكان الذي يكون فيه ويعتقدن أيضاً أن صياحه آذان وإن في غير أوقاته المعلومة قلن أنه (بد يمن) أي شؤم والفرس يسمونه (خروس بي محل) أي الديك الذي يصرخ في غير أوانه ويذكرونه عندهم لمن يتكلم في غير أوانه وعلى هذا فأما يذبح وأما يتخلص منه بالبيع أو بوسيلة أخرى.
وإذا خرجت الدملة المعروفة (بالأخت) عند العراقيين في وجه الطفل أو في يده أو في محل آخر تأخذ المرأة غشاء كبد الديك وتحرقه ثم تمزجه بزبد البقر وتضعه على (الأخت) معتقدة أن هذا المزيج يزيلها. ويزعمن أيضاً أنه إذا أحرقت رجل الديك مع الشعير ووضع هذا الخليط على المكان المحروق من الجسد يبرأ بأذن الله.
وإذا علقت سبع ريشات من الديك الأبيض عند رأس الطفل ولى الشيطان عنه
الدجاجة
الدجاجة السوداء التي ليس في ريشها بيضاء تكون ذات قيمة لدى النساء فقد يتهالكن على اقتنائها للحصول على بيضها التي يستعملنها لوجع الرأس، والسن. وللطفل - إذا (اخترع) (أي فزع فزعا فجائيا)، فعندئذ تكسر البيضة في المحل الذي خاف فيه الطفل، أو تدفن مع مسمار وكعب (عظم) وفلس أحمر ليذهب عنه رعبه ويعود إليه روعه!
ويتفاءل بالدجاجة التي تبسط جناحيها فتنبطح في الشمس؛ فأنهن يقلن (خمت الدجاجة) ويعتقدن أن غائبا سيحضر وإذا خرجت ريشة واحدة من موضعها قلن: (سيفت الدجاجة) (من باب التفعيل) واعتقدن أنه سيقدم لهم ضيف فارس شاكي السلاح.(6/432)
البوم
هو طائر جميل الشكل عند أناس، قبيح الصورة عند آخرين وهو يختفي في النهار ويطير في الليل. والعامة تعتقد فيه الشؤم والشر؛ والدليل على ذلك انهم يعدون قول أحدهم للآخر: (أنت بومة) أو (وجهك وجه البومة) أو (بومة الديار أو (بومة الخرائب) شتما وسبابا. ومن
عادتهم إذا صرخ هذا الطائر ليلا ومر على البيوت صفقوا بأيديهم مرات وصرخوا قائلين: (سكين وملح). وبعضهم يعتقد أن في صياحه إشارة إلى أن غائبا يحضر عند أهله وهناك أسطورة شائعة على أفواه العوام، مغزاها: أن البوم هو الذي جعل (كسرى) يكون عادلا: بعد أن كان ظالما سفاكا للدماء.
وهذه الحكاية ينقلها الرجال الخرافيون والعجائز الخرافيات وهي: كان أحد الأكاسرة ظالما فتاكا يرتاح إلى سفك الدماء وإزهاق الأرواح وكان له وزير وهبه الله حظا وافرا من العقل والفطنة والتدبير فأرق كسرى ذات ليلة أرقا شديدا وكان الوزير يتمشى معه على سطح القصر ويقص عليه أخبار الأولين ووقائع الأقدمين فوقف كسرى بغتة محولا نظره إلى الجنة المحيطة بقصره وقال للوزير: إلا تسمع صراخ هاتين البومتين؟ فقال له الوزير: بلى فقال ليتني اعلم ما تقولان فقال الوزير: أني أعرف منطق الطير وقد فهمت الحوار الذي دار بينهما، إلا أني أخشى أن أقصه على الملك لئلا يسخط علي ويغضب فقال له كسرى: قل، ولك الأمان.
فقال الوزير: أن إحدى هاتين البومتين خاطبت صاحبتها قائلة: أني أريد أن اتخذ ابنتك زوجا لابني فقالت لها الأخرى: إنني راضية بما تقولين ولكني أريد سبعة بيوت خربة مهرا لابنتي فأجابتها رفيقتها: (ما طول كسرى كسرى ما تعمر ديار) أي ما دام كسرى في قيد الحياة فلا تعمر ديار أي خذي ما شئت لابنتك من البيوت الخربة.
وتعتقد العامة أن الوزير أراد أن يفهم الملك ظلمه وسوء سلوكه على لسان الطير. فاعتبر الملك بكلام الوزير وهجر الظلم والعسف وعدل عنه منذ ذلك اليوم وراف بالناس ورحمهم وقد أصبحت كلمة (ما طول كسرى كسرى ما تعمر(6/433)
ديار) مثلا شهيرا يتمثل به العوام من الناس: (ما طول كسرى كسرى يا ويلها من الخراب)
3 - الزواحف
الحية
إذا ظهرت الحية في بيت أحد يوم السبت قالت النساء: أنها يهودية، وعندئذ تقف صاحبة البيت وتقول: (سايمين عليج موسى بن عمران اطلعي من بيتنا) أي (نقسم عليك بالنبي
موسى بن عمران أن تخرجي من دارنا).
وإذا ظهرت يوم الأحد قالوا أنها نصرانية فيبدل القسم بعيسى بن مريم.
أما إذا ظهرت يوم الجمعة أو في سائر الأيام الأخرى قالوا أنها مسلمة وفي هذه الحال يضعون في المكان الذي خرجت منه ماء وملحا في أناء ويقولون: (أكلت من زادنا وملحنا، وأنها لا تقصد بعد ذلك إيذاءنا.)
والحية التي تظهر دائما في البيت لا تقتل، وتسمى (حية البيت) ولها أسطورة عجيبة تقصها العجائز الخرافيات وهي:
يقال أن امرأة ذات ولد ذهبت يوما إلى الحمام بعد أن وضعت أبنها في المهد ولما أبطأت في الحمام طفق الولد يبكي ويصرخ ولما جاءت إلى بيتها سمعت في غرفتها صوت امرأة تغني لابنها وتقول: (لول لول يا ابن جويرتي لا لي أيدين الارفعك، ولا لي رجلين الأدفعك، ولا لي دويس الأرضعك، وأخاف احبك وألسعك وتزعل علي جويرتي. لول لول يا ابن جويرتي) ومعناه: نم يا ابن جارتي، لا يدين لي لأرفعك بهما ولا رجلين لأدفعك بهما أي لا هز مهدك بهما ولا ثدي لأرضعك وأخاف أن أقبلك فألسعك فتغضب علي جارتي. نم يا ابن جارتي).
فلما دخلت المرأة على ابنها، ورأت الحية بجانب المهد، وللحال اختفت الحية عن أنظار المرأة فاعتقدت أم الولد بأن هذه الحية من الجان وأنها مسلمة ولا تقصد الإيذاء بل السكنى في البيت عليها اسم حية البيت. وهناك أسطورة(6/434)
أخرى حدثني بها الشيوخ الخرافيين قال: كان في الحلة الفيحاء رجل فقير مملق وكان ذا عيال والدهر عابسا في وجهه. فصمم ذات يوم على أن يشد الرحال إلى بيت الله الحرام وإن يزور بعد ذلك الرسول الأعظم ليشكو له فقره: فذهب مع الركب راجلا ولما وصلوا إلى منتصف الطريق نام الركب ليلته طلبا للراحة، ولما كان الصباح استيقظ الرجل فدهش حين شاهد حية طويلة عظيمة ملتفة حوله. وكان للرجل بندقية ولما تململ للوثوب أشارت إليه الحية أن يتبعها فتبعها حتى وصلا إلى كهف فأشارت إليه الحية بالدخول، فدخل؛ فشاهد عقربا عظيما يتحفز للوثوب على حيات صغيرة، فعلم الرجل أن هذه الحية جاءت تستنجد به لينقذ فراخها من هذا العقرب فصوب الرجل بندقيته إلى العقرب فقتله ففرحت الحية ورفعت رأسها إليه شاكرة ثم ضربت بذنبها
على الأرض مشيرة إليه بالحفر فحفر الرجل وعثر على بستوقة (جرة مدهونة الباطن والخارج) مملوءة ذهبا فحملها وجاء بها إلى بيت الله شاكرا وزار الرسول مسرورا ورجع إلى بلده فقص على وطنييه هذه الواقعة فسموا منذ ذلك اليوم (بيت أبو حية).
وهناك أساطير وخرافات أخرى يضيق بنا المقام عن ذكرها ومن أمثال العوام (لسان الحلو يطلع الحية من الزاغور) أي (الكلام الطيب يخرج الحية من الثقب) ومنها: (حجاية الحية ما تخلص) أي (حديث الحية لا ينتهي) لأنه كلما ذكر أحدهم شيئا منه زاد الآخر حديثا جديدا. ومنها (الحية وراك) يقال لمن تنم كلماته ونظراته عن حسد وتقولها العامة كثيرا إذا شاهدت القرد فيقولون: (شادي وراك الحية). (والشادي هو القرد عند العراقيين)
وقد استظهرت وأنا صغير دعاء من فم إحدى الخرافيات المرحومة (الملاة جدعة) وكانت مهنتها قراءة مأتم الحسين وهو:
أعوذ برب السها والسهية، من كل شر عقرب ورتيل وحية، شجع قرني شجع قرني شجع قرني، يا نوح يا نوح يا نوح، سلام على نوح في العالمين، سلام على طه وياسين.
وكنت قد سألتها ما السها والسهية وما شجع قرني؟! فقالت أن السها والسهية نجمان في السماء يرصدان الحيات والعقارب، وأما شجع قرني فانه(6/435)
شيخ الحيات والعقارب، ونحن نقرأ هذا الدعاء لينقذنا من شر الهوام؟!
ويتفاءل المسافر إذا صادف حية عند سفره ومن أمثالهم (لو كتلت الحية اسحك رأسها، لأنهم يعتقدون ما يعتقد العلماء إنها لا تموت ما لم يسحق رأسها والى هذا المعنى أشار الشاعر:
لا تقطعن ذنب الأفعى وتتركها ... أن كنت شهما فالحق رأسها الذنبا
4 - الحشرات
العقرب
قتلها أجر (ثواب)، ومن قتلها فكأنما قتل كافرا؟ ويضرب بها المثل في اللؤم فيقال: فلان عقرب أصفر والفرس يعتقدون إنها لئيمة ومؤذية.
الزنبور
من يقتله له تمرة في الجنة!
5 - النبات
الأشجار
شجرة النبق أو السدرة
والعوام يسمونها (نبكة) بالكاف الفارسية والنساء وبعض الرجال يعتقدون أن هذه الشجرة (مسكونة) أي يأوي إليها الجان ولذلك تحجم العامة عن قلعها وإذا طالت أغصانها فيكتفون بتزبيرها فقط وقد جاء عنها في الحديث: (قاطع السدر ملعون) والأصل فيه منع قطع السدرة التي يأوي إليها الناس أثناء أسفارهم ولكن الجهل عمها لكل السدر.
الخروع
يتشاءم النساء بزرع الخروع في البيوت لأنها (بد يمن) أي مشؤومة. يحبون زرعها في فناء البيت لطرد الشر ومقاومة (النفس) و (العين الصائبة).
الكرم
يغرسونه في البيوت لان عرقه أصيل ولان فيه سرا يحرص البنين والبنات إلا أنه لا يصح أن يتصدق بالعنب كخيرات لأرواح الأموات لان عصيره الخمرة.(6/436)
اليقطين
يستحب أكل اليقطين مطبوخا والنساء يعتقدن أن فيه شفاء مبارك ومقدس لأنه جسد النبي يونس يوم خرج من بطن الحوت وللحديث الوارد: يا عائشة إذا طبختم قدرا فاكثروا فيها من (الدباء)
التمر
يستحب التصدق به على الفقراء كما يستحب الإفطار عليه ولذلك يفطر الزاهدون المتعبدون في شهر رمضان على تمر.
بغداد: احمد حامد الصراف
(البرسام في (البستان))
ذكرنا في ص 429 من هذا الجزء بعض ما جاء في مادة ب ر س م. وقوله: (أصيب بعلة البرسام) لم يقله أحد ولا يقوله من له أدنى وقوف على مصطلح اللغة. ذلك لأن بناء لفظ البرسام يفيد الداء فقوله (أصيب بداء البرسام) حشو ولغو والصواب: أصيب بالبرسام. ثم قال: (البرسام بالكسر. . . مركب من بر (وضبطها بكسر الباء) بالفارسية وهو الصدر. وسام. وهو الموت) - قلنا: قوله: بر (بالكسر) هو الصدر بالفارسية خطأ يراه كل من له أدنى الفارسية فالحرف الذي يعني الصدر بالفارسية هو بر (بفتح الباء) وقوله سام هو الموت، كلام مصحف والعبارة عبارة صاحب تاج العروس نقلا عن لسان العرب، والفرس الأقدمون ما كانوا يركبون اللفظ الواحد من فارسي وعربي بل يتخذون صدر المركب وعجزه من لغتهم. (وسام) في لغتهم الالتهاب والداء لشديد الألم والنار فيكون برسام (وهي عندهم وزان بغداد) وكذا ضبطها الأزهري التهاب الصدر أي التهاب حجاب الصدر. فاحفظه.
وقال: (لم يرد هذا الحرف (مثل برسم) معلوما في غير محيط المحيط واقرب الموارد من كتب اللغة). وذكرنا له معجم فريتغ ونسينا أن نذكر له اسم الزمخشري فقد ذكر هذا الفعل بصيغة المعلوم في كتابه المطبوع مقدمة الأدب في ص 281 في السطر 2: قال: برسم أخذه البرسام. وضبطه برسم الشكلات وزان دحرج. ولعل ذلك من غلط الطبع، إلا أنه غير مصحح في الآخر.(6/437)
اللغة الكردية
ما أكثر الأدباء الذين يجهلون تاريخ اللغة الكردية أو يعلمون شيئا نزرا عن آدابها! وليس هذا الجهل مقصورا على الأدباء غير الأكراد من عرب وغيرهم فقط بل يشتمل أدباء الأكراد بوجه عام، فقليلون جدا أولئك الذين في وسعهم أن يحدثونا عن هذه اللغة وقواعدها وآدابها ومطبوعاتها ودواوين شعرائها الخ. وهذا العامل هو الذي حملني على تتبع هذا البحث، فتتبعته وتمكنت من مراجعة عدة تآليف أجنبية لهذا الغاية وفي مقدمة هذه المصنفات كتاب:
لمؤلفه المستر الحاكم السياسي في لندن عام 1919. والمستر صون ثقة في اللغة الكردية، لا لأنه مؤلف هذا الكتاب الثمين فقط، بل لأنه أديب في اللغتين الفارسية والكردية وكان يتكلم اللغة الكردية على اختلاف لغاتها ولأنه قضى ثلاثين عاما في الأصقاع الكردية في مهمة سياسية متخفيا.
ويليه كتاب: - طبع بباريس عام 1885م. وكتب أخرى لمؤلفين مستشرقين من ألمان وروس سيأتي ذكرها في سياق البحث.
فأنت ترى أن هذا البحث الذي تقرأه ليس عفو الخاطر أو فكرة بنت الساعة بل نتيجة بحث وتنقيب.
وقبل الدخول في الموضوع أرى في الموضوع من واجبي تقديم تشكراتي القلبية إلى حضرة الأستاذ الكرملي لإفساحه المجال لهذا البحث في مجلته الزاهرة (لغة العرب) ومن أولى بنشر بحث مسهب فيه عن (لغة الكرد) غير مجلة (لغة العرب).(6/438)
لا أزال أذكر تلك الليلة التي ضمنا فيها مجلس أدبي كان فيه بعض الأفاضل وجلهم من خريجي الحقوق في بغداد وكان موضوع البحث (الأدب القومية واللغات وتاريخها) واللغات الشرقية وآدابها إلى أن جاء الكلام عن اللغة الكردية فأتفق الجميع على أنها (رطانة جافة) مزيج من العربية والفارسية وأنها ليست سوى لغة العجم الدارجة وحاولت إقناعهم عبثا بأنها لغة مستقلة لها آداب وتاريخ ودواوين وأدباء. لكن الأكثرية كانت علي فغلبت على
أمري وأنا أحرق الارم من الغيظ لا لجهل أصحابي فإن جهل هذا الموضوع عام يشترك فيه بل لخمول الأكراد أنفسهم - وأنا في طليعتهم - لعدم اهتمامهم بإحياء لغتهم ونشر تاريخها وآدابها ليقف عليها الرأي لأدبي العام في الشرق خاصة وفي العالم عامة.
قل لي بربك من يدري أن في (رواندوز) مجلة نصف شهرية لها مطبعة واسمها (زار كرامانجي) أي (لغة الكرمانج - أو الكرد) وقد أصدرت هذه المجلة عدة كتب تاريخية في تاريخ الكرد وترجمت عدة كتب اجتماعية إلى اللغة الكردية وطبعت بضعة دواوين شعر لمشاهير الشعراء؟ من يدري بكل ذلك من قراء العربية إذا يقم أديب كردي ويترجم بحثا من تلك المجلة أو فصلا من كتاب تاريخي أو كتاب أدبي أو قطعة من الشعر. فاللوم في هذه الحالة يتوجه إلى شبان الأكراد أنفسهم لا إلى غيرهم.
أجل ليس العهد ببعيد عندما كان الناس يعتقدون أو يصفون اللغة الكردية لأنها (رطانة خشنة) وأنها لغة دارجة من اللغة الفارسية، لا يفهمها إلا فريق من الناس - وهم الكرد أنفسهم - الذين يتكلمون بها طبيعة كما أن البعض من الناس أو المتتبعين كانوا يعتقدون بأنها (لغة مصطنعة - تشعبة -) مركبة من كلمات فارسية، وعربية، وتركية، وأرمنية. أما الحقيقة فليست هذه ولا تلك (أي) أنها ليست بلغة متشعبة من هذه اللغات ولا (رطانة غير مفهومة) وإنما هي لغة مستقلة بذاتها كما سيأتي البحث.(6/439)
تاريخ اللغة
كان الماذيون والفرس القدماء يتكلمون بلغتين مختلفتين فالماذيون لسانهم الماذي أو الافستي والفرس كانوا يتكلمون بلغة فارس القديمة وهاتان اللغتان تباعدتا معنى ومبنى واصطلاحا أحدهما عن صاحبتها بمرور الدهور إلى أن أصبحت اللغة الواحدة لا تشبه الأخرى وبتعبير اصح أصبحت لغة مستقلة بذاتها. وكما أن اللغات الأوربية اضطرت إلى قبول الكلمات اللاتينية وإدخالها في لغتها الخاصة - كالإنكليزية القديمة لغة الانكلوسكسون والإنكليزية الحديثة اليوم الطافحة بالكلمات اللاتينية - كذلك اللغة الفارسية لم تر بإدخال الكلمات العربية في لغاتها وأقول: إنما اضطرت بحكم السيف أن تخضع للعرب حتى في لغاتها وبرهنت عن عجز في لغتها أمام لغة القرآن. ولم تكن اللغة الكردية - (الماذية) أقل احتياجا من اللغة الفارسية إلى العربية فقبلت الكلمات العربية ولكن على قواعد صرفية
ونحوية نختلف عن قواعد اللغة الأولى وإذا كنا نجد بين اللغة الكردية كلمات فارسية فليس ذلك دليلا على أن اللغة الكردية خالية من لفظة تدل على أن اللغة الكردية الأدبية مستقلة تمام الاستقلال عن شقيقتها اللغة الكردية الدارجة عن اللغة الفارسية الفصيحة.
وإذا الباحث في آداب اللغة الكردية في بضعة أعوام يقضيها بين الجبال الكردية المنيعة ومطالعة دواوين شعراء الأكراد وكتب الأدب الكردي يتحقق أن هناك لغة كردية رئيسية لا تشوبها شائبة مركزها وسط كردستان وهي أساس لسائر اللغات الكردية المتشبعة في سائر الأقطار الكردية ككردستان الشمالية وكردستان الجنوبية.
ويظهر من التغيرات التي طرأت على البلاد التي يقطنها أكراد محض، أو تكون أكثريته الساحقة منهم خلال الألفي عام المنصرمين أن الوطن الكردي كان يمتد من أرمية وبحيرة (وان) إلى جبال الرافدين وجبال زقر (زاغروس) نحو الجنوب ومن الشمال موطن العشائر اللورية أو عشائر كوران القديمة وعشيرة اردلان(6/440)
الكرديتين. ففي تلك الديار كانت لغة الكرمانج هي السائدة وهي اللغة الوطنية أو المحلية وتدعى أيضاً (كردماك) وعندما تقلصت سيادة الحكومة التي تحكم هذه الأصقاع ولى هذا القوم المحارب وجهة شطر الشمال والغرب وهم لا يزالون حتى يومنا هذا يتوسعون في بلادهم حتى إلى ما وراء بايزيد. (وكانت بايزيد تحت حكم الأمراء الأكراد مئات من السنين) وارضروم وأذربيجان حتى جبال حلب.
هذا ما رواه المسيو أوجين ولهام في كتابه المار الذكر (لسان الكرد) وهو موافق لموقع بلادهم. وكلما سرنا نحو الشمال نجد الأكراد يغدون نوعا ما رحلا غير حضر مع ما فيهم من شديد الرغبة في التحضر في القرنين المنصرمين. وفي بداوتهم يكونون سبب (فزع ورعب) لمجاوريهم إذ يرون متأهبين للقتال فيخوضون معامعه لأول حركة فكأن الواحد منهم جندي لكنه غير نظامي.
ويقول نقول المستر صون في كتابه (اللغة الكردية وقواعدها) ما ملخصه:
وعندما نقول الحقيقة ونذكر أن هذه العشائر كلها تتكلم الكرمانجية وهي اللغة الكردية فيجب أن لا نغفل أن ذكر القبائل الأخرى التي تعيش بين تلك العشائر الكردية وأصبحت تدعى بالقبائل الكردية - غير الكرمانجية) - وأهم هذه القبائل قبيلة (الزازة) وهي قبيلة كبيرة
ذات فروع جمة في وسط كردستان وغربيه.
ويزعم النظريون أن الزازة قد تكون متشعبة من قبيلة زرادشت الفارسية وهنالك قبيلة أخرى تجدها في ايالة درسم التركية وتسكن بين القبائل الكردية الأخرى وبين قبيلة الزازة وهي قبيلة (بالكي) ولغتها تكاد تكون لغة خاصة بها وهي مزيج من الكردية والعربية والأرمنية. وربما كانت أيالة هكاري ومكري (وزان كردي) من الكرد الصميم والأولى حاملة لواء الأدب الكردي في الغابر فلقد أنجبت هذه الايالة أدباء لا تزال آثارهم محتفظة بقيمتها الأدبية وإن مرت عليها بضعة عصور تقادم عهدها. وإذا ما بحثنا عن أدباء الأكراد والأدب الكردي في العصور الوسطى نجد (علي الهكاري) في طليعتهم فلقد نشأ هذا في مقاطعة (شميدينان. من أيالة هكاري في القرن الحادي عشر(6/441)
للميلاد وله تأليف ثمينة. ويليه (الشيخ أحمد الجزري) من أيالة هكاري أيضاً نشأ في القرن الثاني عشر للميلاد. وله ديوان نفيس كان مفقودا في عالم الأدب إلى أن توافق بحاثة ألماني لا أتذكر اسمه - للعثور عليه فنشره مصورا مطبوعا على الحجر والنسخة الأصلية محفوظة في خزانة برلين في هذا اليوم.
بغداد: خ. شوقي أمين الداودي
لواء الديوانية
2 - نظرة مجملة فيه
لا ينتقدنا منصف إذا قلنا أن للواء الديوانية فضلا عظيما على العراق من الوجهتين المالية والاجتماعية. فهو ينتج من الحبوب الأثمار ويصدرها إلى سائر الأنحاء فيسد ثلمة واسعة من احتياجات القطر ويرسل إلى خزينة الحكومة في بغداد بمال وفير. وقد كان له اليد البيضاء الحكومة الوطنية الحاضرة لان معظم الذين قاموا بثورة عام 1920 كانوا من هذا اللواء ومن نواحي هذا اللواء وحده، استعرت نار الوطنية (من الرميثة) وفي لواء الديوانية وحده تغلب القوة وأنصاره وقد ذكر ساسة الإنكليز في مؤلفاتهم أن لواء الديوانية سقى الأشجار والنخيل بدم الوطنية والمفاداة في مصلحة الوطن مدة تنيف على نصف سنة مما يدل على أن في هذا اللواء روحا وثابا وعاطفة شريفة أبيا الخضوع للقوة والاستعمار. وما عهد الثورة العراقية ببعيد عنا.
طرق المواصلات
كانت المواصلات بين بلدان هذا اللواء الواسع الأطراف ضعيفة جدا(6/442)
في عهد الحكومة العثمانية. إذ لم يكن يومئذ لهذه الغاية سوى الحيوانات وأما اليوم فترى فيه السكة الحديدية مارة بمعظم أطرافه فضلا عن التي تشق جاداته المستقيمة فتربط شماليه بجنوبيه وشرقيه بغربيه وبالأخص بعد أن أقيم جسر (البربوتي) بالقرب من السماوة. وعلى هذا يكون شبكة حديدية متماسكة الحلقات أو العيون وهذه مما يسهل طرق الموصل وإن كانت السفن والحيوانات لا تزال تجد سوقها.
أنهاره
ينشطر الفرات بعد عبوره سدة الهندية واقترابه من ناحية الكفل إلى شطرين مهمين: يذهب الأول منها إلى الكوفة فأبو صخير ويسمى (شط الكوفة) وهناك ينقسم إلى فرعين: فرع يسقي أراضي أبو صخير وناحية الجعارة (الحيرة) ويسمى جحات أو البكرية، وفرع يتجه نحو الجنوب فيسقي أراضي المشخاب المسماة بناحية (الفيصلية) وينتهي في بزائر هور
(صليب) (بالتصغير) كزبير حيث ينتهي فرع (البكرية) ومن ثم يختلطان فيمران بالشنافية فالسماوة فالناصرية. . . الخ. ويذهب الشطر الأيسر ويسمى (أبو كفوف) (كأنها جمع كف) إلى العباسيات، فالشامية (الحميدية) حيث يسقي أراضيها. وينحدر نحو الجنوب حتى سدة الخمس (وزان خبز) في أراضي آل زياد (وزان جبار) والسادة البو طبيخ. ومن هناك تتوزع مياهه على ثلاثة انهر هي أبو بلامة (وزان علامة) والنفيشية (بالتصغير والنسبة) والغزالي (كأنها نسبة إلى الغزال) ثم تتجمع في هور (الجارة)، (وزان فارة) وهو الحد الفاصل بين قضائي الشامية وأبو صخير وتفصل مياه (الجارة) بشط الكوفة المذكور آنفا في موضع يقع على بعد عشرين ميلاً من غرب الشنافية يقال له (النقارة) حيث تتجه نحو السماوة وبالناصرية كما أسلفنا.
وفي سدة الهندية تنحدر مياه غزيرة في شط الحلة بواسطة بوابات أعدت لهذه الغاية. وهذا الشط بعد أن يسقي أراضي لواء الحلة ومزارعه ويملأ الجداول والنهيرات القائمة على عدوتيه يسير على خط مستقيم حتى صدر الدغارة حيث يتفرع إلى فرعين: يمر الأيمن منها بالديوانية والرميثة ثم يصب في السوير (كأنه تصغير السور) بالقرب من السماوة ويتجه الأيسر إلى الدغارة فيسقي(6/443)
أراضيها، وينحدر نحو عفك (وزان سبب) فيروي مزارعها وينتهي في مزارع آل بدير (بالتصغير) حيث يضمحل وتنضب مياهه.
وتقوم على ضفتي كل من الأنهر المذكورة جداول ونهيرات تسقي المزارع البعيدة عن الشطوط.
عشائره
لا نغالي إذا قلنا أن لواء الديوانية لواء عشائر بحت تسكنه جماعات منها مختلفة يتقوم منها ثلاثة أرباع سكان اللواء. وهذه العشائر اختلفت أسماء قبائلها وتباينت طرق معيشتها، إلا أنها تمت إلى اصل واحد ونحن ندون في ما يلي اسماه القبائل الموزعة على اقضية اللواء:
قضاء أبو صخير: تقطنه آل فتلة (بالفتح) وآل إبراهيم والغزالات (كأنها جمع غزالة) وآل شبل (وزان ابل).
قضاء الشامية: فيه آل فتلة وبني والخزاعل وآل شبل والعوابد والكرد (بفتح فكسر) وآل زياد (بتشديد الياء).
قضاء الديوانية: تسكنه عشائر الأقرع والخزاعل.
قضاء عفك: فيه السعيد (بكسرتين) والأقرع وآل غانم والبحاحثة (كأنها وزان جبارة) وآل حمزة وآل شيبة والمحاضرة وآل بدير.
قضاء السماوة: تقطنه الظوالم والبو حسان وآل زياد (كشداد) والازيرق (الازيرج) والخزاعل وبني حكيم (بالتصغير) وتلفظ (حجيم).
ولكل من هذه القبائل بيوت من قصب تسمى صرائف يقطنها أصحابها وعرائش تؤمن راحة المسافرين ومضايف تكرم فيها الوفود وأسلحة تذخر إلى الأيام السود وقصور من طاباق يسكنها الرؤساء ويحل فيها الضيوف الكبار ومفاتيل يتحصن فيها المحاربون أيام شن الغارات وقوارب تسمى سواجي (جمع ساجية) يتنقل(6/444)
بها الرؤساء والسراكيل بين الأهوار والمضايف والبيوت وهلم جرا فهي كالغندول في البندقية (فنيسية) من ديار إيطالية.
وطرق المعيشة عند هؤلاء الأفراد كالطرق المتبعة عند جميع العشائر العراقية فهم يسكنون بيوتا من شعر أو قصب ويكتفون من اللباس بثوب طويلة يسمونه (الدشداشة) (هي الجلباب عند الفصحاء) مع عقل وكوفية وطعامهم الأرز مع اللحوم وقد يكون لهم في بعض الأحيان خضراوات مختلفة.
المعارف فيه
الأمية في لواء الديوانية ضاربة إطنابها فيه ولا أعتقد أن لواء من الألوية العراقية يشابهه فيها. ولعل النقطة التي أوضحناها آنفا عن كثرة العشائر الرابضة فيه ذلك، إذا أردنا أن نتغاضى عن تقصير المعارف في هذا الصدد في الوقت الذي يرى من المصلحة العانة إنشاء مدارس وكتاتيب في جميع الأرياف وإنشاء مدارس مستقلة يجوب أساتذتها منازل العشائر المستوطنة لتثقيفها وتهذيبها وإزالة الجهل والأمية المتأصلين فيها.
ومع كل هذا يرى في لواء الديوانية شباب ناهض وروح للتقدم العلمي والأدبي. فإذا إلى ذلك أضفنا قليلا من جانب الحكومة. أكن التفاؤل بمستقبل علمي زاهر لهذه المنطقة الواسعة.
حاصلاته
يعني في لواء الديوانية وبالأخص في قضائي أبو صخير والشامية بزرع الشلب (الأرز بقشره) على اختلاف أنواعه. ويكثر فيه زرع الحنطة والشعير وهما مصدرا ثروة اللواء. ثم يلي ذلك في الأهمية (الصيفي) (ما يزرع في الصيف) بما فيه من دخن وسمسم وماش وإذرة (ذرة) وسائر الحبوب التي يجنى منها ثروة لا يستهان بها. وإذا كانت حصة الحكومة من مزروعات اللواء التي تسقي سيحا فقط، تتراوح بين 15 و20 لكا من الربيا فنترك للقارئ تقدير الحاصلات(6/445)
العامة بأن في اللواء أكثر من 120 مضخة تتراوح قواتها بين 10 حصن و60 حصانا
خرجه ودخله
يصدر لواء الديوانية في نتاجه الشلب والحنطة والشعير وسائر أصناف الحبوب التي ألمعنا إلى ذكر زرعها، وعلاوة على ذلك يصدر قدرا جليلا من الجلود والصوف والغنم والماشية والسمن (الدهن) وجانبا صالحا من التمر. ويجلب جميع الأقمشة التي يحتاج إليها مع الابازير (العطارية) على اختلاف أنواعها ولا سيما البن منها لكثرة استعماله في مضايف العشائر. وبعض أقضية اللواء تجلب تمورها من الخارج لضعف النخل فيها وقلته. ويستهلك لواء الديوانية قدرا لا يستهان به من المشروبات الروحية.
هذه ملاحظات عامة على لواء الديوانية أثبتناها في هذه العجالة خدمة للتاريخ والحقيقة ليطلع عليها من أراد أن يلم بشيء عن هذا اللواء الجسيم.
بغداد: السيد عبد الرزاق الحسني
الأغاني الفراتية
- 1 -
نبغ في الفرات من العامة إن في القرى وإن المدن مئات من الشعراء الذين احسنوا النظم عفوا في (اللغة العامية) أيما إحسان، وأجادوا فيها أيما إجادة! ولعل الفرصة تسنح لي بتأليف كتاب عن تاريخ حياة مشاهيرهم وتخليد ما رق وراق من شعرهم وشعورهم الذي طالما مثلوا به الحوادث السياسية والانقلابات الكونية، ووصفوا به المناظر الطبيعية، وأطربوا النفوس بأهازيجهم الموسيقية، وأثاروا عواطف الأمة، وأهاجوا السواد الأعظم، وأيقضوهم من سباتهم ورقدتهم.
ولم يقتصر العاميون بنظمهم الشعر على قسم من الأقسام، أو نوع من الأنواع فحسب، بل توسعوا فيه أيما توسع، وأطلقوا الحرية فيه أيما أطلاق، ووسعوا دائرته حسب مقتضيات الزمن وتقلبات الأحوال، وهم بعكس (شعراء القريض)(6/446)
الذين لم يزالوا حتى الآن مكبلين في شعرهم إن في التخيل والكنايات، وإن في المعاني والاستعارات مقلدين بها طريقة السلف الغابرة، اعني شعراء (القرون الوسطى) وآداب الأجيال الماضية، يقتفون أثرها، ويمشون خلفها، ويحذون حذوها جنبا لجنب.
ولم يتملص من أولئك الشعراء، ويفر من تلك القيود الشديدة الاليمة، والتقاليد القديمة، إلا إفراد قليلون، معدودون على الأصابع تمردت أرواحهم على العبودية، وحلقوا بأدبهم الغض في سماء الحرية فخلد لهم التاريخ العربي ذكرا حسنا جميلا. . .
ولما كان الشعراء العاميون اليوم في هذه الإعصار، قادة الأفكار، في جميع الأقطار والأمصار، استحقوا لان نخلد آثارهم الشعرية، الصادرة عن آرائهم الناضجة وأفكارهم الواسعة، فبادرنا إلى تأليف كتاب في جميع أقسام (الشعر) العامي) وأنواعه وأساميه ومصطلحاته، ليكون أثرا خالدا بعدنا، تتناشده أبناؤنا وحفدتنا عنا، يستشهدونها عند الحاجة، ويقصونها على أقرانهم وأحبابهم لدى الضرورة، ووسمت الكتاب (بكنوز العرب المخفية، في تاريخ آداب اللغة العامية) وجعلت لكل قسم من اقسامه، أو نوع من أنواعه، عنوانا خاصا يليق به وقد وضعت لهذا القسم الذي نحن بصدده مثالا له ووسمته:
بالأغاني الفراتية
الأغاني الفرايتة، هي مهبط الخيال، وقيثارة العواطف، وتسلية الروح، المسكرة للقلوب برناتها الموسيقية والمذيبة للأحشاء والأكباد بصدحاتها البلبلية، ولها (مقامات) كثيرة يستعملها القراء يسمى منها (1) حكيمي و (2) إبراهيمي و (3) صبا و (4) حجازي و (5) ارفه و (6) مدمى) وغير ذلك من أسماء المقامات التي يطبقها القراء على تلك (الأغاني الشجية) التي لها أصوات متعددة منها:
(1) (بوب) وهو الصوت المستهجن الذي يشبه صوت البقر ويلفظ(6/447)
(2) (بوقلي) وهو الصوت الرقيق الذي لا يمكن إظهاره ويلفظ -
(3) (الداوودي) وهو ذو قسمين: جوهري وغير جوهري وفي كل من قسميه شائبة زبورية تؤنس (المستمع) وكأن الكلمة مشتقة من لفظة داود النبي.
(4) (المنصوري) وهو كالنفخ في اصور، وهو عبارة عن ارتفاع الشفتين بالقابلة.
(5) (الرست) وهو ما كان له دندنة كدندنة النحل أو الزنبور وله أصوات أخر كثيرة لا يسع المقام تفصيلها.
والأغاني الفراتية، وإن كانت كلها على وزن واحد تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
(القسم الأول) ما كان لفظه ومعناه مبتكرا من دون أن يكون مأخوذا من (الشعر الفصيح).
(القسم الثاني) ما كان لفضه ومعناه مأخوذا من (الشعر الفصيح).
(القسم الثالث) ما كان الشعر الفصيح مأخوذا منه لفظا ومعنى. ولنبدأ بكل قسم من الأقسام الثلاثة.
أمثلة القسم الأول
1 - وعيوني خوش أعيون ... وأعمن على أهواي
والمرزا وأهل السوق ... ما لمو أدواي
تقول الشاعرة، أن عيني جيدتان صحيحتان، ولكن عميتا أي كف بصرهما على (أهواي) أي معشوقي، (والمرزا) اسم (للطبيب) وهذا شائع عند العراقيين منذ القديم وإن الطبيب مع
أهل السوق أي العطارين ما استطاعوا أن يلوموا دوائي أي يجمعوه.
النجف: عبد المولى الطريحي(6/448)
فوائد لغوية
فلتة من فلتات النحويين
أوجب النحويون نصب المستثنى بالا إذا كان الكلام مشتملا على (المستثنى منه) أي تاما ومشتملا على (الإثبات) أي غير منفى والظاهر أن ذينك الشرطين غير كافيين لا يجاب النصب فقد جاء في القرآن الكريم (لو كان فيهما آلهة إلا (الله) لفسدتا) برفع كلمة (الله) في حين أن الكلام تام مثبت.
وهذا نقض لذلك الحكم الموجب للنصب. وإن التعليل الذي ورد في مختار الصحاح لتلك الآية مضمونه أن (إلا) موصوف بها فهي قائمة مقام (غير) وهو صواب لكنه يأت بالسبب الذي جعلها موصوفا بها ولجهله السبب نقض ما بناه النحويون بتجويزه أن يقال (جاءني القوم إلا زبد) وفي ذلك وبال على لغة العرب. أما الذي استبنته فهو أن يضاف (شرط كون المستثنى منه معرفة) عند أيجاب النصب. فلينظر إلى (آلهة) وهو المستثنى منه يجده (نكرة) ولذلك لم ينصب المستثنى بالا ثم لينظر إلى قول الشاعر:
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان
فالفرقدان لم ينصب لان المستثنى منه (نكرة) وهو (أخ) ولو لم يعضد هذا البيت بالآية السابقة لجعلنا قول الشاعر (الفرقدان) اتباعا للروي. وهذا الحكم يثبت بالتغاضي عن قول القائلين أن (إلا) في هذا البيت بدل من واو العطف لان ذلك القول خطأ واضح لمن يعرف أن الفرقدين ثابتان لا يتفارقان ما شاء الله لكونهما من النجوم الثابتة. أضف إلى ذلك أن (إلا) لو كانت كذلك لصار عطف الشاعر لغوا مستهجنا لأنه قدم حكما عاما قوله (وكل أخ مفارقه أخوه). بيد أن (إلا) وردت بدلا من الواو لكن في غير هذا الاعتبار كقوله تعالى (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) أي واللمم. وربما كان كلامي عن المستثنى بالا محتاجا إلى التأييد أو التفنيد.
مصطفى جواد(6/449)
غلط الأعلام في تعريف الإدغام
عرف عالم الإدغام بأنه (إدخال حرف ساكن في مثله) وقال جماعة: هو إدخال أحد الحرفين المتماثلين في الآخر. وقال الجرجاني في التعريفات: إسكان الحرف الأول وأدراجه في الثاني وقيل هو الباث الحرف في مخرجه مقدار الباث الحرفين. اه فالتعريف الأول لجلال الدين السيوطي وهو خطأ لأننا لو قلنا (يصدد) ثم أدغمنا بقولنا (يصد) لعملنا عملا لم يذكره صاحب التعريف هو حذفنا الحركة من الحرف المدغم وعدم إدخالنا إياه في الثاني لأنه مستقل في النطق فالتعريف ناقص أذن. والتعريف الثاني لمؤلفي (قواعد اللغة العربية) وهو مغلوط فيه لان أحد الحرفين لا يدخل في الثاني بتاتا والدليل الدال على ذلك أن كل واحد منهما يظهر على اللسان مستقلا منفردا والتعريف الثالث غلط أيضاً لان الحرف الأول لا يدرج في الثاني عوض كما قلنا. والتعريف الرابع لا صواب فيه لان الدال في قولنا (عدد) لابث في مخرجه مقدار لبث حرفين فتكون بذلك حرفان لا إدغام فيهما. أما التعريف الذي أراه صوابا فهو أن يقال (الإدغام: إسكان الحرف الأول من الحرفين المتتاليين المتشابهين ونقل حركته إلى الذي قبله ما عدا حرف اللين أن كان متحركا وإبقاؤه على حاله أن كان ساكنا مثل: مستقل وغل.)
الكاظمية: د مصطفى جواد
الرويبضة ومعناها
في لسان العرب: في حديث في الفتن: روي عن النبي (ص) أنه ذكر من أشراط الساعة أن تنطق الرويبضة في أمر العامة قيل: وما الرويبضة يا رسول الله؟ - قال: الرجل التافه الحقير ينطق في أمر العامة. قال أبو عبيد: ومما يثبت حديث الرويبضة تصغير الرابضة وهو الذي يرعى الغنم. وقيل هو الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها. وزيادة الهاء للمبالغة في وصفة. انتهى. وهو بالفرنسية: وإذا بحثت عن هذه الكلمة الإفرنجية في المعاجم الدخيلة المنقولة إلى العربية لا تجد لها لفظة عربية تؤدي هذا المعنى مع إنها موجودة في لغتنا. فاحفظها.(6/450)
بابا المكاتبة والمذاكرة
نقد الشعر
سيدي العلامة صاحب (لغة العرب)
أطلعت على بعض ما ظهر في مجلتكم الزهراء من نقد (الشوقيات) و (ديوان العقاد) مما أعده حفاوة بالأدب المصري. اشكر حضرتكم على ذلك النقد ولا سيما النقد معتدل ويدل دلالة صريحة على روح شريفة بعيدة عن الغرض. على أني لا أوافقكم على استكاركم قول شوقي بك واصفا اندفاع السفينة: (وحداها بمن تقل الرجاء) كما لا أوافقكم على استهجان قول العقاد في قصيدة فرضه البحر: (يا ليت نورك نافع وجداني) فإن هذا نقد منطقي صرف، وللشعر - لا يخفى عليكم - لغة خاصة به، كما لكل علم وفن لغة، ولا اعد هذا النوع من نقدكم إلا نوعا من المداعبة الأدبية ولعل هذا هو قصدكم. وعلى كل حال فأني اكرر لحضرتكم الشكر على بحثكم النقدي. وأؤكد لكم أن كل شاعر مصري يحترم نفسه يرحب بمثل هذا النقد، ولا يرى في التقريظ البحث إلا إساءة إليكم والى الأدب.
لا زالت (لغة العرب) مرجعا للأدباء ورابطة لوحدتهم، ولا زلتم ذخرا ثمينا لهم، وتفضلوا بقبول أجل الاحترام وأصدق التحيات.
الإسكندرية في 15 أيار 1928: أحمد زكي أبو شادي
آراء سلامة موسى
بينما كنت أراجع أعدادا سابقة لمجلتكم الغراء وقفت على كلمة نقدية شديدة موجهة منكم إلى الأستاذ سلامة موسى، فلم استغربها باعتباركم من رجال الفضيلة الدينية وقد ترون في كتاباته ما يعادي مذهبكم وآراءكم. ولكن ثقتي بسعة صدركم وعلمكم الواسع ونزهتكم تشجعني على لفت نظركم إلى حقيقة جلية وهي أن الأستاذ موسى - برغم الحادة الديني إذا صح ذلك -(6/451)
رجل غيور على النهضة الأدبية ونشر احدث الآراء الفكرية الغربية، فيجب أن تعد له هذه الحسنة وأني أؤكد لفضيلتكم أنه من اشد الأدباء استقامة وتواضعا وتحقيقا للأدب العالي في حياته الاجتماعية، فما نقل إليكم عن هوسه الخلقي وغروره ونحو ذلك
إنما هو من تضليل حاسديه الذين ينامون بينما هو يعمل، وأكثرهم لا يفهمون من الأدب سوى تحبير السطور وزخرف الأقوال وليس في حياتهم وأعمالهم قدوة صالحة. فلعلكم لا تبخلون بنشر هذا التصحيح إنصافا للرجل وأكبر ظني أنكم ستنصرون آراء الأدبية في مواقف كثيرة وإن اختلفتم معه في غيرهم.
الرملة: ابن سينا
التمثيل في مصر لمراسل (لغة العرب)
اجتازت مصر في السنوات الأربع الأخيرة شوطا بعيدا في نهضتها المسرحية وتقدم التمثيل بها تقدما محسوسا يلمسه كل منهم بهذا الفن الجميل، فبعد موت المرحوم الشيخ سلامة حجازي كنا نعتقد أنه قد قضي على المسرح المصري، ولكن الأستاذ جورج أبيض تلميذ سليفان الشهير أحيا ميت الأمل منا وأعاد لنا المجد الذي شعرنا بفقده مبدئيا.
تذوق الجمهور المصري طعم التمثيل فاستعذبه واقبل عليه، وكان هذا الإقبال مشجعا للأستاذ نجيب الريحاني على إنشاء فرقته (الكوميدية) وهذا لون جديد من التمثيل اقبل عليه الجمهور بشغف كبير لأنه اقرب إلى ميوله، ثم تكونت بعد ذلك فرق عديدة منها فرقة السيدة منيرة المهدية وفرقة علي أفندي الكسار وفرقة الأستاذ يوسف بك وهبي السيدة فاطمة رشدي وفرقة حديقة الازبكية وغيرها من الفرق الصغيرة.
أما أنواع التمثيل المهمة في مصر فثلاثة: الدرامي والهزلي والغنائي، ولعل التمثيل الدرامي أرقاها، وعماده في مصر فرقة رمسيس، وقد تلقى مديرها يوسف بك وهبي أصوله في إيطالية، ومن المؤلم أن تكون كل رواياته معربة عن الفرنسية والإيطالية. وليس للمسرح المصري نصيب من الروايات المؤلفة التي تصور البيئة المصرية، ومهما (مصرت) الروايات المعربة فأنها لن تفي بالغرض(6/452)
المطلوب لبعد الخلاف بين الذوقيين المصري والأوربي.
أما التمثيل الهزلي فلا يخرج عن الدائرة التجارية: (تهويش وتهريج)، فترى الرواية ناجحة عند الجمهور بينما هي ساقطة من الوجهة الفنية لتفاهة موضوعها وضعف تأليفها.
وإذا تكلمنا عن التمثيل الغنائي فلا شك في أننا فقراء، ويرجع ذلك إلى إحجام كبار شعرائنا عن النظم - (إذا استثنينا الأستاذ الدكتور أبا شادي) - وتقاعد صحافتنا عن تشجيع هذا
النوع مع علمها بأن في مصر أصواتا قوية فنية صالحة لو دربت قليلا، ولعل نور الفجر المرتقب هو ما أظهرته الحكومة أخيراً عن عطف وتشجيع.
الإسكندرية: يوسف أحمد طيرة
بعض ملحوظات
على انتقاد لغة العرب لمعجم المطبوعات العربية والمعربة
أولا - ذكرتم أن الصفحة مقسومة إلى شطرين لكي لا يطول السطر ويضيع القارئ السطر التالي في أثناء المطالعة. ولكن لهذه القسمة إلى شطرين فائدة أخرى لم تنتبهوا إليها وهي أن في آخر المعجم سينشر فهرست أبجدي بأسماء الكتب كلها وبازاء كل كتاب رقم الصفحة التي يكون فيها ذكر الكتاب فمن أراد مراجعة ذلك لا يجد عناء لوجود محل الكتب والأمر بالعكس أو كانت الصفحة واحدة فيطول النظر إلى اسم الكتاب المطلوب.
ثانيا - قلتم أن مؤلف المعجم نسي عدة كتب مطبوعة للعلماء الذين ذكرهم واستنادا إلى ذلك ذكرتم ثلاثة كتب تأليف الأستاذ محمود شكري الالوسي أغفل ذكرها. منها:
1 - فتح المنان تتمة منهاج التأسيس الخ. طبع في الهند.
2 - المنحة الإلهية ترجمة التحفة الإثنى عشرية (كذا) طبع في الهند.
3 - كشف الحجاب عن الشهاب في الحكم والأدب.
4 و 5 - كتابان نشرا في بعض المجلات العلمية.
فالجواب على ذلك:(6/453)
أولا أن المقالات أو الرسائل التي طبعت في المجلات لا يمكنني ذكرها البتة في معجمي لان ذلك يتطلب سنين طوالا ومئات من المجلدات كما لا يخفي عليكم فإن بعض المجلات لها أكثر من خمسين سنة وهي تنشر لبعض الأدباء مقالات ممتعة وذات شأن ولكن لم تفرد على حدة في كتب خصوصية فمن المستحيل ذكرها إلا أن بعض المقالات جاء ذكرها عفوا لأسباب خصوصية.
أما الثلاثة الكتب من رقم 1 إلى 3 فأني لم أر لها ذكرا في كتاب أعلام العراق الذي نشره بهجة الأثرى وضمنه تصانيف الالوسيين جميعها، وقد راجعته كله لم تذكروا محل طبعها ولا تاريخ نشرها فكيف يمكنني معرفتها؟ وكيف يمكن الاستدلال بها؟
ثم لابد أنكم لاحظتم في مقدمة الكتاب أني قلت أنه ربما فاتني كتب كثيرة طبعت في العجم والهند لعدم وجود فهارس تنبئ عنها وقد بذلت غاية مجهودي لاقف على ما نشر في تلك الأصقاع وترون ذكر قسم كبير منها.
ثالثا - ذكرتم أن اسم سوريا تكتب بالتاء أي سورية لا بألف أي سوريا؛ مع أن كتبا كثيرة الفت في بلاد الشام ذكرته بألف لا بالتاء وأظن أنه يجوز كتابتها بالشكلين كما يقال أفريقيا وأفريقية وسوريا وسورية. الخ (قلنا: راجعوا لغة العرب 454: 6)
ثم أني أشكركم على ما أبديتموه لي من النصائح لإتقان العمل ويا ليت كان الوقت يسمح لي بزيادة التدقيق والتنقيب وكان في نيتي أن لا انشر الكتاب بالطبع قبل البحث الدقيق عن كل مؤلف وتأليف. إنما رأيت أن يستغرق سنين طوالا فيضيع ما جمعته من الفوائد وهي كثيرة مما بالنفع على الأدباء أكثر من القليل الذي فاتني.
فاطلب من الأدباء المعذرة ومؤازرتي لتتميم هذا العمل الذي أقدمت عليه حبا بنشر الآداب العربية ونشر مآثر أدبائنا الشرقيين.
مصر القاهرة: يوسف اليان سركيس
نظرة في مقالة (كتاب الديارات)
طالعت المقالة الموسومة بهذا العنوان (من ص 322 إلى ص 342) فعن لي(6/454)
بعض خواطر أبديها للكاتب الأديب ليرى فيها رأيه.
قال في ص 322:. . . وحمام أعين على يمين الحاج من بغداد فأصلحها بقوله: الخارج من بغداد. - قلت طريق الحاج في بغداد واحد ومعروف، وأما الخارج من بغداد فقد يخرج منها من نواح مختلفة، (وحمام أعين) واقع على يمين من يبرح بغداد ليذهب إلى مكة سائرا في طريق الحج. فقول الأديب (على يمين الخارج من بغداد) في غير محله.
وقال في ص 338: شعر زعفرانه فائق خطأ والصواب سعر زعفرانه بسين مهملة ومعناه قيمته. على أن تفوق الزعفران لا يظهر إلا بشعره أي بخيوطه فإن كانت دقيقة كان فاخرا وإن لم تكن كذلك لم يعد نفسيا أو فاخرا.
وقال في تلك الصفحة مخطئا المؤلف لا يقال: (لكل منهم يومئذ شأن يغنيه) (بالغين) بل بعينه (بالغين المهملة)، لكن نسي المخطئ أن هذه العبارة هي آية من سورة عبس ونصها:
(لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه.
نظر في ما بقي من الجزء الخامس
جاء في ص 344: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعا إحداهن في التراب) والمشهور في هذا الحديث:. . . فليغسله سبعا إحداهن بالتراب.
وجاء في ص 352: ولكننا ضرب من البديع. والصواب ولكنها ضرب من البديع. وفي ص 360 س 21 من حل بالسبعة والصواب من حك بالسبعة.
وفي ص 362: سكانه (سكان لواء الديوانية) يتجاوزن (400. 000) والصواب انهم لا يتجاوزون (250. 000) والفرق عظيم - وفي ص 363 س 14 وهذه النواحي (أي التاجية والجعارة والفيصلية) تؤدي إلى خزينة الحكومة أكثر من ثلث ودخلها اللواء كله (؟). ولعل الصواب. . . أكثر من ثلث دخل اللواء كله.
بغداد: عبد اللطيف ثنيان
(ل. ع) أننا نقدر كل التقدير ملاحظات الصديق العزيز الحاج عبد اللطيف أفندي ثنيان ونشكره عليه باسم المنتقد، لأننا لا نشك في أن البحاثة المحقق السيد حبيب الزيات يحب مثل هذا التصويبات البينة الفوائد ونشكر في الوقت عينه العلامة الزيات لأنه أتى بنقد واف شاف قلما يضارعه أحد فيه.(6/455)
أسئلة وأجوبة
افتراء مجلة (كل شيء) على التاريخ
س - الكاظمية - مصطفى جواد: وجدت في الجزء ال 129 من مجلة (كل شيء) الأسبوعية المصرية تحت عنوانه (نوادر العظماء في التاريخ) تسكعا في التاريخ مضمونه (أن دهريا تحدى هرون الرشيد في إثبات الله تعالى. فاستدعى هرون عظيم علمائه (أبا حنيفة بن ثابت بن زوطا بن ماه الفارسي) فناظر الدهري وأفحمه. وأني استنكرت عمل هذه المجلة السخيفة لان القائمين بها جهلاء في التاريخ. فالإمام أبو حنيفة توفي سنة 150 للهجرة. وولد هرون سنة 145. وعلى هذا قد يكون تحداه الدهري فاحضر أبا حنيفة وعمره إذ ذاك 5 سنين. وعلى هذا الجهل فليتنافس الجاهلون. فما قولكم دامت فضيلتكم؟
ج - أول من أورد هذه الحكاية السيوطي في كتابه أنيس الجليس وكنا قد قرأناها فيه قبل خمسين سنة. ثم رأيناها مدرجة في مجاني الأدب 170: 2 ولا جرم أن الخطأ واضح على أن غاية السيوطي كانت غاية حميدة وهي إثبات الخالق والظاهر أن الحكاية موضوعة أو أنها جرت بعد عهد هرون الرشيد وعلى كل حال فإيرادها بهذا الوجه مخالف للتاريخ أما أن أصحاب مجلة (كل شيء) لأنهم لم يقفوا أتم الوقوف على يوم ولادة هرون وولادة أبي حنيفة إذ لم يجمعوا بينهما جمعا معقولا، فقد يزل العالم مهما كان موغلا في بحثه وهذا لا ينفي بقية علمه. فقد غلط سيبويه في كتابه والليث في عينه والجوهري في صحاحه إلى غيرهم، ومع ذلك فأننا لا نزال جميعا نعتبرهم حججا إثباتا في ما ألفوا في موضوعاتهم. والنسيان من شان الإنسان.
والخلاصة أن هذه الحكاية موضوعة ولو لم تكن كذلك لذكر لنا الراوي اسم الدهري ونسبه وقوميته إلى ما يضاهيها من الأمور التي تعرفه.(6/456)
باب المشارفة والانتقاد
58 - حرب العراق
الجزء الأول: الحركات من إعلان الحرب إلى معركة سلمان باك
تأليف الزعيم طه الهاشمي، طبع في مطبعة دار السلام سنة 1928 في 212 ص بقطع الثمن الصغير مع خرائط ورسوم ويباع بربيتين ونصف.
صديقنا الكريم الزعيم طه بك الهاشمي من علماء العراق الأعلام من الواقفين على العلوم العصرية أتم وقوف. تشهد له كتبه المتعددة من تاريخية وبلدانية وعمرانية، وحربية وإخبارية وهو اليوم المدير العام للمعارف في العراق يقضي أوقافه في تفقد المدراس وتعهد الصفوف بنفسه وإدارة سكان هذه السفينة الكبرى، سفينة التعليم. ومع هذا كله يجهد نفسه فليحمها أثقالا جديدة ليفيد بتصانيفه من هم بعيدون عنه.
هذا الجزء الأول من (حرب العراق) من انفع الكتب للأدباء والعلماء والذين يحبون أن يقفوا على سير موقع الحرب الأخيرة في العراق فإن المؤلف قسمه إلى مقدمة وستة فصول ذكر في مقدمة: مصادر حرب العراق وبينها من الكتب ما لم تطبع إلى اليوم. ونبذة من تاريخ العراق. ووصف العراق الأراضي والإقليم (الهواء) في العراق - ثم ذكر في الفصول الستة الحركات التي جرت منذ العهد الذي سبق الحرب بقليل إلى آخر يوم منها. ففي الفصل الأول ذكر أسباب الحرب الكبرى ودخول تركية فيها. وفي الثاني الشروع في الحركات واحتلال البصرة وفي الفصل الثالث التقدم نحو القرنة وفي الرابع معركة الشعيبة وفي الخامس التقدم نحو الناصرية والعمارة وفي السادس التقدم نحو الكوت.
ويزين كل ذلك رسوم وخرائط تجلي الغوامض لمن من أرباب الفن وتوضح له الأمور فلا تبقى له خافية.(6/457)
فنحن نشكر بلسان المجلة سعادته على ما يكابد من الأتعاب والمساعي ونطلب له العمر الطويل الهنيء ليستفيد منه أبناء الوطن، بل والخارجون عنه أيضا.
59 - النكبات
أو خلاصة تاريخ سورية منذ العهد الأول بعد الطوفان إلى عهد الجمهورية بلبنان
تأليف أمين الريحاني
طبع في المطبعة العلمية ليوسف صادرة في بيروت 1928 في 112ص بقطع الثمن الصغير لا تتوقع مما يكتبه الريحاني الوقوف على قواعد العربية ففي أول صفحة من كتابه يقول: (والخطط جمع خط (وضبطها بالفتح) وخطته) (وضبطها بالكسر) والأحسن رواية الأعلام فانه يذكر قرقميش (ص 4) ولا توخي الصدق واحترام الكتب المنزلة، أفلا تراه يقول في ص 5: وجاء موسى أرض كنعان باله سماه يهوه (كذا). وكان الكنعانيون يعبدون إلها اسمه بعليم (كذا) فاحترب الإلهان وغلب اليهوه البعليم. أهـ. مع انك تعلم أن الخطط جمع خطة، وقرقميش هي كركميش، وموسى لم يأت إلى أرض كنعان باله جديد. إنما ذكر الإله الحق المسمى في العبرية يهوه. والبعليم ليس اسم اله بل عدة أصنام أو معبودات والكلمة عبرية ومعناها الأرباب أو السادة وليس اسما مفردا. فأنظركم غلطا في سطيرات لا غير.
ومن كان رأس ماله هذه البضاعة المزجاة فأحر به أن يدفنها في التراب على حد ما يفعل الهر.!!!
60 - التائه في بيداء الحياة
رواية عصرية اجتماعية أخلاقية فلسفية وهي في جزأين مجموع صفحاتها 336 ص بقطع 12
بقلم ايليا الخوري أبو رزق، عني بنشرها الشيخ يوسف توما البستاني صاحب مكتبة العرب بالفجالة في مصر.
الشيخ يوسف توما البستاني معروف بسعيه في نشر الكتب في لغتنا العربية وبهذه الصورة يوسع نطاق لساننا بأحسن الوسائل ونحن نشكر له فضله على سعيه هذا المحمود ولا سيما موضوع الرواية موضوع عصري يود كل قارئ أن يعرف ما في هذا العهد من المساوئ والحسنات فيتخذه هذه ويستنكف من ذلك. وهذه(6/458)
الرواية هي من المؤلفات التي تطلعك على الخبايا التي في الزوايا. وكنا نود أن تكون عبارته اقرب إلى العربية الفصحى.
61 - حياة القديس يوحنا المرحوم بطريرك الإسكندرية
عني بنشرها وطبعها الارشمندريت ارسانيوس عطية، بمطبعة القديس بوليس في حريصا (لبنان) في 36 ص بقطع 32
كتيب صغير الحجم عظيم الفائدة فهو كالدرة الغضة
62 - اللواء
جريدة يومية سياسية اجتماعية انتقادية تصدر ثلاث مرات في الأسبوع موقتا، صاحبا امتيازها ومديرها المسؤول: محمد سعيد العزاوي.
وصل إلينا العدد 3 من هذه الجريدة البغدادية وكان صدورها نهار الجمعة من ذي الحجة سنة 1346 الموافق 25 أيار (مايس) 1928 فنتمنى لها العمر الطويل وإفادة الوطن وجمع القلوب على التآلف والتفاهم.
63 - الكويت
مجلة دينية تاريخية أدبية أخلاقية لغوية شهرية، يصدرها في الكويت عبد العزيز الرشيد، في 40 صفحة بقطع الثمن وبدل اشتراكها في الخارج 12 ربية.
نعرف الشيخ عبد العزيز الرشيد ونقدر علمه بما يتعلق بالكويت وما يجاورها من تاريخ تلك البلاد واطلاعه على أهاليها وآدابهم وأخلاقهم ولغتهم إلى غير هذه الأمور ونتوقع أن تردم هذه المجلة ثغرة واسعة في تلك الأنحاء التي لا يعرف من أمرها شيء يذكرها لحرمانها المطبوعات والمنشورات.
64 - ف. كركاس
65 - ملح في الأدب لابن مماتي
لاغناطيوس كراتشكوفسكي
من العلماء من لا يعرفون الراحة. والأستاذ كراتشكوفسكي من هذه الطبقة؛ فالرسالة الأولى موضوعها ترجمة أحد أعلام الروس المستشرقين وهو(6/459)
ف. كركاس وتعديد ما تولى نشره وتصحيحه أن الكتب. والمقالة الثانية وصف كتاب مجهول يحوي نوادر وملحا لابن مماتي
وقد أجاد الأستاذ في كلا الأمرين وأملنا فيه أن يتابع هذه المواضيع الشائقة لكي لا يفوتنا شيء مما يتعلق بمستشرق روسية من جهة، ونقف على المصنفات العربية التي تغني خزائن تلك الديار من جهة أخرى.
66 - إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
المعروف بمعجم الأدباء أو طبقات الأدباء لياقوت الرومي وقد أعتني بنسخه وتصحيحه.
د. س. مرجليوث
الجزء 3 الطبعة 2 بمطبعة هندية بالموسكي بمصر 1927
أهدى إلينا صديقنا الأستاذ مرجليوث الطبعة الثانية من هذا التصنيف الذي لا يستغني عنه أحد وقد وقع هذه المرة في 249 ص بعد أن وقع في المرة الأولى في 219 ص لان المصحح عثر على نسخة أخرى صحح بها ما فاته في الأولى ووجد فيها ما لم يجده من التراجم في النسخة السابقة، لكننا وجدنا في هذه الطبعة بعض أغلاط لعلها من الطبع. ولما كانت كثيرة فقد أرجأنا تصحيحها إلى أحد الأجزاء القادمة لتدفق المواد عندنا في الأجزاء الوشيكة الظهور أما الآن فنكتفي بإهداء شكرنا الصادق إلى حضرة الأستاذ الصديق على إهدائه إلى الناطقين بالضاد كنوزا كانت تعتبر مفقودة؛ أما اليوم فقد أصبحت في حرز من التلف بسعيه وهمته.
كتاب الأصنام
- 3 -
رد التهمة عن ابن الكلبي
وقد لا نقره على اتهام المؤلف بخلل التأليف واستناده في أبحاثه إلى التخيلات والخرافات وهو يكتب في أوائل القرن الثالث للهجرة والتاسع للميلاد ولولا ابن الكلبي لما كان صديقنا الأب كلف نفسه مؤونة الترجمة والتبويب والترتيب وسود من بياض الطروس ما سود في استقصاء الأخبار الوثنية بل لما كنا عرفنا(6/460)
من أمر تلك الأصنام ما عرفناه وعرفه من تقدمنا.
الأصنام التي لم ترد في أصل الكتاب ولا في تعاليقه
وقد كنت أطلعت عرضنا على أسماء بعض الأصنام التي لم ترد في أصل الكتاب ولا في الحواشي التي علقها عليه العلامة الناشر فبعث إلى الصديق العلامة الأب انستاس ماري الكرملي صاحب هذه المجلة الزاهرة أقص عليه القصة وأسأله من الأصنام التي عليها في مطالعاتها فأجابني بقوله:
(نعم كنت قد وجدت عدة أسماء أصنام للعرب لم ترد في كتب التاريخ التي بأيدينا ولا في كتاب الأصنام وكنت قد بعثت بها إلى الأب مرمرجي والى العلامة تيمور باشا فإذا كان عندك شيء من هذا القبيل فأنشره لك وأضيف عليه وصلت يدي إليه وهكذا يفيد أحدنا الآخر) أهـ.
أما أنا فلم استقص خبر الأصنام والذي وجدته منها - وقد أهمله المؤلف - ضمان ذكرهما ياقوت في معجمه وهما: (الحمام: بضم أوله صنم في بنى هند ابن حرام ضنه بن عبد كبير بن غدرة سمع منه صوت بظهور الإسلام).
ذريح: (بكسر أوله وتشديد ثانيه صنم كان بالنجير من ناحية اليمن قرب حضرموت.)
وبيت عبادة ذكره ياقوت أيضاً وهو:
السعيدة: (بفتح أوله وكسر الثاني بيت كانت العرب تحجه وكان على رأي ابن دريد بالقرب من سنداد وعلى قول ابن الكلبي على شاطئ الفرات والقولان متقاربان وقال ابن حبيب كان الازد يعبدون السعيدة أيضاً وكان سدنتها بني عجلان وموضعها بأحد وهو الجبل المعروف بضاحية يثرب.) أهـ.
والغريب أن ابن الكلبي لم يذكر في كتابه الذي وصل إلينا هذا فلا ندري بماذا تعلل رواية ياقوت عنه! فإن صح زعم ياقوت فلا بد من أن تكون قد سقطت أخباره من كتاب الأصنام وهو ما نرجحه لأنه لا يعقل أن يغفل ابن الكلبي ذكره وهو من البيوت المعظمة عند القوم وفي ضاحية يثرب التي كانت دار هجرة وإقامة للنبي صلى الله عليه وسلم.
ومن البيوت المعظمة التي ذكرها العلامة الناشر في تعاليقه وقال عنه بيت(6/461)
لغطفان بس. والذي في معجم البلدان بساء بضم أوله وفتح الثاني وتشديده. ليحلبها وأبس بالإبل عند الحلب إذا دعا الفصيل إلى الناقة يستدرها به فكأنهم كانوا يستحلبون الرزق في الطواف حوله.
كيف كان يتلقى المتأخرون الأصنام
ومن قبيل الاستطراد أرى أن أشير هنا إلى طريقة تلقي بعض مؤلفي العرب المتأخرين الأصنام فقد قال: الجواليقي: (البد: الصنم فارسي معرب والجمع البددة).
قلنا وفي لغة الفرس بت بالتاء المثناة. وقال أيضا (اسم صنم نسب إليه بخت نصر الذي خرب بيت المقدس وكان وجد عند الصنم ولم يعرف له أب فنسب إليه فقيل هو ابن الصنم)
وقال الهروي:: (ولا بد أن نذكر في كتاب العجائب والآثار والأصنام والطلسمات وجميع ما سمعناه في أخبار الأهرام والأصنام وصنم أبي الهول وجميع البرابي التي ببلاد الصعيد وحديث الصنم الذي يقال له السيدة بدرب السيدة بمصر الخ.)
وذكر ياقوت في معجم البلدان في مادة الأندلس: (البحر المتوسط خليج خارج من البحر المحيط قرب سلا من بر البربر فركن الجزيرة الأول هو في هذا الموضع الذي فيه صنم قادس وعنده البحر المتوسط الذي يمتد إلى الشام.)
وقال بعد ذلك: (والركن الثالث هو ما بين الجنوب والغربي من حيز جليقية حيث الجبل الموفي على البحر وفيه الصنم العالي المشبه بصنم قدس وهو البلد الطالع على برباطينة.)
وقال أيضاً في مادة مولتان: (مدينة في بلاد نسبت إلى صنم قائم بها). إلى أمثال ذلك من مناحي التفكير التي تدلنا انهم كانوا يعدون كل نصف(6/462)
أو تمثال صنما أو وثنا للعبادة
وقد فرقت العرب بين الصنم والوثن فجعلوا الأول لصورة إنسان معمول من خشب أو ذهب أو فضة والثاني لما كان منحوتا من حجارة.
وبعد فقد انفسح المجال لصديقنا الكرملي لينشر لنا أسماء الأصنام والأوثان التي عثر عليها خدمة للعلم الذي وقف نفسه عليه والله يمتعنا ببقائه.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
(لغة العرب): كنا نود أن ندرج مستدركاتنا على الأصنام التي ذكرها ابن الكلبي لكننا لم نر الآن ميدانا في مجلتنا. إذ قدمنا دائما مقالات الأصدقاء على مقالاتنا كما يرى ذلك في كل جزء من أجزائها. ولا جرم أننا ندرج ما عندنا حالما ينفسح لنا المجال.
وعندنا أن كلمة صنم مصحفة عن الارمية (صلما) بمعناه وكان الارميون يسبقون العرب
إلى عبادة الأصنام ثم قابله (بالظلم) في العربية وهو الخيال أو الشيخ والطيف ولا سيما الظل الذي يرى من وقوع النور عليه ولا جرم انهم اتخذوا في الظل الطبيعي أو الصناعي.
وأما الوثن عندنا فمقطوع من كلمة (اثني) اليونانية بمعناه ثم لاح لهم أن الياء هي للنسبة وتصورا أن الوثن هو الصنم الوثني عابدة. ومعنى اليونانية ظاهر يقال لكل من ليس بيهودي ثم أطلق على عابد الصنم.
واتخاذ العرب هذه الألفاظ من أصل غريب عنهم يدل على انهم كانوا يعبدون اله ولم يحيدوا عن عبادته إلا باحتكاكهم بأقوام أغراب من أرميين ويونانيين وغيرهم وأما الصنم من (شمن) الفارسية والوثن من الوثن لغة في الواثن كما يقول بعض اللغويين فهي من الأدلة التي تدل على أن أصحابها غير واقفين على أسرار اللغة.(6/463)
66 - اللباب
- 1 -
هو ما اختاره الأستاذ الفيلسوف والشاعر العصري الكبير جميل صدقي الزهاوي من دواوينه (1) الكلم المنظوم (2) ديوان الزهاوي (3) ديوان الرباعيات (4) الثمالة - هي ديوانه الأخير نشرت في السنوات الأخيرة أكثر قصائده في الصحف والمجلات ولم تطبع مجموعة.
وقد نشرنا في 117: 6 من مجلتنا مقدمته بعنوان (كلمة في الشعر) وعدد صفحاته 396 بقطع الثمن وفي آخره فهرس مطول لأسماء القصائد التي وردت فيه، طبع الديوان في مطبعة الفرات. وثمنه في الخارج ثلاث ربيات.
ولا أريد أن اطري الزهاوي فإن شهرته في الشرق والغرب تغني عن الإطراء، فإذا ذكر فلاسفة الشرق العصريون أو شعراؤه كان في طليعتهم، فهو صاحب نظرية (الدفع) عوض ونظرية (الناموس الدوري) ونظرية (صيرورة السيارات شموسا) وهو على شيخوخته وأمراضه المبرحة يرفع اليوم راية التجديد في الأدب العربي فلا تقليد للمتقدمين ولا تعقيب. ينظم شعوره بألفاظ سهلة بتراكيب متينة وكأن القوافي تأتيه عفوا وهو في العراق أول من نظم القصص وأول من نوع القوافي في القصيدة الواحدة وأول من زاد على أوزان
الخليل وزانا وأول من نظم الشعر المرسل ودعا الشعراء إليه وأول من مزج الحكمة بالغزل فجاء شعره رائعا وأول من دعا إلى التجديد وأول من كسر في العراق شوكة التعصب.
وأنك إذا قرأت شعره أخذتك هزة ولا أعلم أحدا من الشعراء بعد المتنبي كثر حاسدوه في حياته بقدر ما كثر حاسدو الزهاوي وكلما أرادوا الحط من منزلته ارتفعت وقد سار كثير من شعره مسير الأمثال وأخذ الكتاب يستشهدون به كما لا شاعرا تنوع موضوعات شعره بقدره وهو كلما تقدم في السن تقدم شعره في رونقه وابتكاراته.(6/464)
والموضاعات التي طرقها الزهاوي في قصيدة كثيرة تضيق مجلتنا عن سردها كلها وإيراد أمثلة لها منها وإنما نكتفي بإيراد نماذج من شعره لبعض الموضوعات:
الدفاع عن نفس
فمن شعره في الدفاع عن نفسه قوله ص 26:
ساكت أنت والأعادي تقول ... ومضر بك السكوت الطويل
إعياء وليس فيك عياء ... أم ذهول وليس فيك ذهول
لك في الذود من لسانك سيف ... شهد الله أنه مصقول
ويراع أن أحجمت في مكر ... صافنات الأقلام فهو يجول
وقواف تسيل في كل واد ... طفحت منها دجلة والنيل
أن تسالم بها فتلك أغان ... أو تحارب بها فتلك نصول
وقوله ص 27:
العلم يا بلدا نشأت بأرضه ... ضاعت لديك حقوقه وحقوقي
يا نفس قد سبوك حين نصحتهم ... هذا جزاء الناصحين فذوقي
قالوا اطردوا الزنديق من أوطانكم ... ماذا يخاف القوم من زنديق
قالوا اقتلوه إنما هو مارق ... ماذا يضر المؤمنين مروقي
أنا لست زنديقا ولا أنا مارق ... حتى يحل لظفركم تمزيقي
وقريب من هذا قوله ص 71:
مقامك في الزوراء غير حميد ... ولينك للأعداء غير مفيد
وظنك حسنا بالليالي سفاهة ... ورأيك في الأيام غير سديد
ومنها:
رأيت بها بؤسا وشاهدت نعمة ... فلم أسترح من شامت وحسود
وقوله فيها:
إذا لم يذد عن نفسه بلسانه ... فقل لي ماذا يفعل الشاعر الحر
وقوله ص 87:
ويزري بفحل الشعر ناس حسادة ... أولئك فحل الشعر أيضاً بهم يزري(6/465)
2 - حياته الشخصية
ومن شعره في حياته الشخصية قوله ص 290:
أما حياتي فجد لا يخالطه ... شيء من الهزل أو شيء من النزق
اخترت فيها سبيلا لي أسير بها ... ولم أطل وقفتي في مفرق الطرق
ولا أسامر ناسا عن طواعية ... أخلاقهم لم تكن قد وافقت خلقي
ومنه في شعوره نحو مناوئيه قوله:
لقد أظهرت مقتا لها عند نقدها ... لشعري ناس كان يمقتهم شعري
ولست أبالي بالذين يرونه ... بعيدا عن المألوف من صور الفكر
تصوره عقلي وأنجز ماله ... من السبك طبعي بعد ما جاش في صدري
ومن شعوره بحاجته إلى المال قوله ص 120:
لم أرد آه - لجهلي ... قوة المال - لا غنى
يوم كان المال مني ... قاب قوسين وأدنى
وكأنه يعتذر لنفسه في قوله في الصفحة نفسها:
أينما كنت تأتي ... لي به خبز وماء
وأقلتني أرض ... وأظلتني سماء
وقوله:
رب مال هو لو شئت ... اقتناء عند لمسي
إنما تمنعني من ... نيله عزة نفسي
وقوله:
قد أرادوا أن يسيل الد ... مع من عيني فسالا
وقد ينبت في تأ ... ريخهم دمعي سؤالا
وقوله ص 123:
أنا قد لاقيت في بغداد ... ضنكا أي ضنك
طالما كنت بها، اعت ... زل الناس وأبكي
وقوله ص 124:
أيها الشعر سلوي ... أنت في ساعة همي
أدرأ الأحزان عني ... بأبي أنت وأمي
وقوله ص 125:(6/466)
أنا يا شعر كئيب ... مثلما أنت كئيب
وكلانا أيها الش ... عر في بغداد غريب
وقوله ص 142:
سمعت أمس أراجي ... فهم فلا كان أمس
كانت لعمري سهاما ... تصيب عزة نفسي
وقوله ص 162:
أنا للشعر في العرا ... ق أديب مجدد
أنا في جنب دج ... لة عندليب يغرد
وقوله ص 163:
أنت يا شعر خالد ... أنا يا شعر هالك
أنت يا شعر كل ما ... أنا في الكون مالك
2 - شذوذه
ومما يدل على أن الزهاوي شاذ لا يزال يرى في كثير من المطالب رأي الجمهور قوله ص 214:
أنكرت ما حمد الورى ... وحمدت ما قد أنكروا
ولقد قنعت من الطعا ... م ببلغة تتيسر
لا كالذين على طعا ... م واحد لم يصبروا
أو كالذين تغير ... ت الظروف تغيروا
أو كالذين إذا تجم ... هرت الرعاع تجمهروا
أو كالذين تذللوا ... أو كالذين تكبروا
أو كالمنافق جاء يظ ... هر غير ما هو يضمر
وقوله ص (105):
وما زلت في جو من الشعر طائرا ... ومن عادتي أن لا أطير مع السرب
(له بقية)
(تنبيه): نؤجل نشر بقية نقد (البستان) وديوان (الحوماني) إلى أن يتسع لنا الميدان(6/467)
ديوان العقاد
- 3 -
وقال ص57:
إذا ما رآها الوحش ولى كأنها ... من النقع تجلى عن خميس عرمرم
ومن (النقع) بيان للخميس المتأخر وقال: (خياشيمه م القيظ يبضضن بالدم) والميم في (م القيظ) مخففة من (من) الجارة وهذا التخفيف ذميم وإن أرتكبه بعض الجاهلين.
وقال من قصيدة (الحمام) ص 59 يصف فيها الغواني يسبحن في البحر
لا بل منيت بفتنة خلعت ... جلبابها للكر والفر
وأي علاقة لحسناء تستحم. بالكر والفر وقال ص 60:
وتميل من ظهر إلى بطن ... طورا ومن بطن إلى ظهر
والوزن في الشطر الأول لا يستقيم إلا بتحريك الطاء من (بطن) ولم يجئ البطن متحرك الطاء بالمعنى الذي يريده. وقال من قصيدة (ليلة الوداع) ص 61
تطلع لا يثني عن البدر طرفه ... فقلت حياء ما أرى أم تغاضيا
وأنت تعلم أن مقول القول لا يكون إلا جملة فما وجه نصب (حياء) والمعطوف عليه (تغاضيا)؟ وقال (غدا ننظر البدر المضوىء فوقنا) وكلمة (المضوىء) غير جميلة. وقد
أراد ليلة غد وقال ص 62:
كأن فؤادي طائر عاد ألفه ... إليه فأمسى آخر الليل شاديا
يريد فشدا آخر الليل. وقوله: (فأمسى آخر الليل شاديا) كمن يقول: أمسى فلان مغنيا، عوض (غني فلان) والفرق بين المعنيين ظاهر. وقال:
وأشكوه ما يجني، فينقر غاضبا ... وأعطفه نحوي فيعطف راضيا
يريد أشكو إليه ما يجني و (أشكو) لا يتعدى إلى مفعولين.
وقال: (في الدجى إذا اسود) واسوداد الدجى تحصيل الحاصل فإن الدجى هو السواد ولو قال في الليل إذا اسود لما أخذ عليه قوله وقال ولم افهم ما يريد: فقلت
على النفس التي سوف تغتدي ... طلولا بإحناء الضلوع حوانيا
وقال ص 63
وأسلمت كفي كفه فأعادها ... وقلبي فهلا أرجع القلب ثانيا(6/468)
أراد أسلمت إلى كفه كفي فأعادها وأسلمت قلبي ولم يرجعه فلم يفصح ثم أن (اسلم) لا يتعدى إلى مفعولين، وقال:
فلم أر ليلا كان أطيب مطلعا ... وأكأب عقابا وأشجى معانيا
والصواب (أعقابا) وقال:
إذا كان لي في مقبل العيش مدة ... فيا ليت يغدو مقبل الغيب ماضيا
فحذف اسم (ليت) وهو عمدة، والقصيدة ضعيفة التراكيب.
وقال من قصيدة (العرض) ص 64 وقد عربها عن شكسبير.
يضيع على المثلوب زينة نفسه ... وليس يفيد العرض من هو ثالبه
الضمير في (يضيع راجع إلى (من) في قوله قبله (ولكن من يسلب من المرء عرضه) وكأن هناك من يذهب إلى أن ثالب المرء في عرضه يفيده فهو يصحح رأيه ولا أرى أن أحداً يذهب هذا المذهب وقال:
لقد طال عمر الليل حتى حسبتها ... توارت من الغرب المعصفر في رمس
خلاصة البيت أن الليل قد طال فحسب أن الشمس قد توارت في رمس هو الغرب المعصفر. والغرب يكون معصفرا بعد تواري الشمس بقليل ولكن هذه العصفرة لا تشاهد
إذا طال الليل وقال من قصيدة (المنظار المقرب).
أنت عين من زجاج وقها ... يجذب الأنوار من كل سماء
شرح الموق فقال هو الحدق والموق مما يلي الأنف وهو مجرى الدمع ولا دخل له بالرؤية فلا يصح قوله (يجذب الأنوار من كل مكان). وقال من قصيدة (إلى جار بحر الروم) س 65: (أني ألب بموطن) وشرح (ألب) بأقيم ولو أقام (أقيم) مقام (ألب) المهجورة لاستقام الوزن والمعنى ولكن ولعه بالغريب هو الدافع له إلى ركوب هذا الشطط. وقد أجاد في قوله:
تمضي الشهور وفي الجوانح لوعة ... تمشي على كبدي كحز المبرد
أشكو الزمان إلى القريض وتارة ... أشكو القريض إلى الزمان المعتدي
وقال (أنا نؤجله الحساب إلى الغد) وأجل لا يتعدى إلى مفعولين وقال (الغمام المرعد) والصواب الراعد أما المرعد فهو الذي أصابه رعد أو سمع الرعد. وقال من قصيدة (الخيبة) ص 66 وأجاد.(6/469)
يا قلب صبرا أجد الخطب أم هزلا ... ما تلك أول بؤسي خيبت أملا
حسب الرزيئة منا أن نصافحها ... هنيهة ثم نلهو بعدها جذلا
قد طالما نزلت ضيفا بساحتنا ... والضيف يصيب الدهر محتفلا
أنا قرينا الرزايا من مدامعنا ... وقد نضبن فماذا تشتهي بدلا
إلا الحياة وأني لا أضن بها ... وكيف ضني بشيء هان فابتذلا
وقال ص 67:
ما للأماني يستضحكن لي غررا ... وقد سلوت ويستحدثن لي غزلا
وأستضحك بمعنى ضحك فهو لا يتعدى إلى المفعول وقال (فاحتلن لاستدراجي الحيلا) واحتال فعل لازم لا يتعدى فالعبارة خطأ إلا إذا تكلفنا فجعلنا (الحيلا) مفعولا مطلقا لاحتلن وقال من قصيدة (الشتاء في أسوان) ص 68:
ما طب جالينوس قي ... س بطبه إلا غرور
و (قيس) حال عن (طب جالينوس) وإذا وقع الماضي حالا وجب تصديره بالواو وقد أو بقد أو الواو وحدهما. نعم ورد مثل (كما انتفض العصفور بلله القطر) ولكن لا يقاس عليه
وقال:
أبدا تحوط به ودائعها ... بسور خاف سور
و (تحوط) فعل متعد بمعنى تحفظ وإنما أراد تحيط به يحسن التعبير وما أقبح تركيب البيت الآتي:
من كل قاع جؤذر ... تلقاه أو ظني غرير
وقال ص 69: خلجانه تنساب كالحيات ما بين الصخور
ذهب مذهب القدماء في تشبيه المياه الجارية وبئس التشبيه هذا في مقام الإطراء فإن رؤية الحيات لا تبسط النفس وقال:
ما كان أول مغرب ... شهدت على العصور
والمغرب مذكر لا يحسن وصفه بشهدت.
وهناك أبيات بعنوان (الرجاء) سخيفة ضعيفة. وقال من قصيدة (البدر والصحراء ص 70:
أيها أبا النور أطربنا فكم لك من ... لحن على البيد لم يطرب له أحد(6/470)
قال أطربنا فهو يريد الإطراب فلا معنى (لأيها) فأنها للإسكات:
وقال (ليست شأبيبك الحفل بمغنية) ولم أستحسن الحفلى وقال:
والنفس تسمو بها الأضواء تغمرها ... كالماء يسمو على أثباجه الجسد
وهو غامض وفيه استعارة بعيدة. وقال من قصيدة (الطبيعة والحياة) ص 71:
تسبي نواظرنا الطبيعة ... وتروع وهي بنا مروعه
أفهم أن تروعنا الطبيعة ولا أفهم أن تراع بنا ولعله أراد الحيوان الذي يروعه الإنسان. وقال:
لولا الحياة لما تملت حفل زينتها الطبيعة
إن كانت الطبيعة ما يتملى الشيء فهي تتملى سواها أوجدت الحياة أم لم توجد وبعدها بيتان جاء بهما تأييدا لدعواه الفارغة وهما من المعاني التي لا تمت إلى الشعر بنسب. ثم أبيات ركيكة تكاد معانيها تكون من تصورات الأطفال.
وقال:
تبدي الجميل وتستر ... - الصور المنشأة الشنيعة
ولم يجئ شنأه بالتشديد ثم سترت الطبيعة الصور المشنوءة الشنيعة ألست تعرض على الأنظار ما قبح من صورها وما حسن؟ وهناك أبيات سقيمة ركيكة ليست من الشعر في شيء وقال:
هيهات تصقل صادئا ... هي الغنية والخليعة
ولم يجئ (صادئا) بل الذي جاء هو (صدى) ثم لا أدري لماذا لا تصقل الغنية والخليعة مرآتها الصدئة فهل تبقها صدئة وهي قادرة على صقلها؟ وقال:
لا تغبطينا أيها ... الأحجار فاللقيا سريعة
فغدا تشرفك الحيا ... ة ونحن أحجار وضيعة
لا تتم اللقيا وإن كانت على سبيل الجاز إلا إذا عاد الحي جمادا مثل الأحجار أو كانت الأحجار مثله إحياء ولكنه يرى اللقيا في أن تكون الأحجار في غد أحياء مثله وهو يكون مثلها ميتا وهذا هو الشعر. وقال من قصيدة (إلى ربة الحب) أو (الزهرة) ص 72:
فريدة الأفق أسعدتني ... وخالسي النجم وارمقيني
وإذا كانت الزهرة كما يتوهم الأستاذ ربة الحب فمن أي نجم تخاف ليأمرها بقوله (وخالسي النجم وارمقيني) وقال:(6/471)
أراك تغويني بوحي ... إلى السماوات يزدهيني
لا يقال أغواني إلى الشيء. وقال:
فيك ضلال وفيك رش ... د فضلليني وأرشديني
ولعل ربة الحسن قد أسعفته بأول المطلبين وهو التضليل وقد أجاد في قوله:
كوني منارا فالحب بحر ... قلوبنا فيه كالسفين
وقال:
يا طالما تخدع الدراري ... لواحظ الشاعر الحزين
(تخدع) مضارع فهو للحال أو المستقبل والمستقبل لم يجئ بعد والحال أقصر من أن يطول فضلا عن كونه لم يطل في الماضي. نعم يجوز أن تقول ظالما خدعت ولكن لا يجوز (طالما تخدع) وقال:
ورب ليل سما جبيني ... إليك يا قبلة الجبين
أهذا هو التجديد الذي يدعو إليه الأستاذ المتأدبين وقال ص 73:
أو نسمات الصباح تسري ... من الروابي إلى الحزون
أراد من الروابي إلى السهول ولكن الروي نون فقال إلى الحزون والحزن ما غلظ من الأرض والروابي لا تكون إلا في مثلها وقال:
تكتم أنفاسها وتخشى ... من لفتة الغصن والطنين
أن هذه التي تخشى من لفتة الغصن والطين هي نسمات الصباح وقد تقدمت قبل بيتين ثم قال في أبيات ما خلاصته: سمعت منك مقالة هي الجنون أو شر من الجنون هي أن الزمان ليل اقضوه باللهو ولا تنقصوه بالنوم ولا أدري لماذا تكون هذه المقالة جنونا أو شرا من الجنون ثم قال (كفاكم نومة المنون) وهو يريد تكفيكم فانهم لم يموتوا بعد وقال ص 74 من قصيدة (على شاطئ البحر)
لم ابصر إلا ذي فيه كأنه ... خيل الطراد تسوقهن صباه
إلا وددت بأن أراه فلا أرى ... أفقا يصد الطرف دون مداه
ومن العجيب أن يود رؤية البحر من يبصره!!! والقصيدة برمتها سخيفة. وقال قصيدة (الخمر الإلهية):
تلوح كماء المهل أما مذاقها ... فمن سلسبيل الخلد في طيب سقياه
والمهل هو القطران الرقيق والسم والقيح وصديد الميت خاصة وما ذاب(6/472)
من صفر أو حديد ولا أحسب أن الخمرة ولا سيما الإلهية تلوح كأحد هذه الأشياء. والقصيدة هذه اسخف من الأول ومن يصدق فليراجعها.
وقال ص 76 من قصيدة (الربيع الحزين):
عبق الربيع بناج وبباسق ... أهلا ولا أهلا بذاك العابق
وقد أجاد فيه وبعده أبيات عليها صبغة شعرية. وقال من قصيدة (أسبوع فلورة أو تكريم الكلاب) ص 78:
أن عي اللسان خير من النط ... ق إذا كان للاذاة سلاحا
نعم القاعدة هذه لو لم يخالفها واضعها!!! وقال من قصيدة (اللؤم سلاح):
يسر صديقي أن يراني مبرئا ... من اللؤم مرسوما بكل سماح
كما خصما أن يراك أمامه ... تنازله حربا بغير سلاح
يعلمنا الشاعر المجدد بهذين البيتين ما لا يجهله أحد (!!!) وقال بعدهما:
هو اللؤم سيف للئيم وجنة ... من الناس والدنيا مجال كفاح
ولا أرى ما أذكره لؤما فأي مخاصم لا يهوى أن يقهر خصمه. وقال من قصيدة (ليلة نابغية) ص 79:
إلى أي قولي أنت أميل ... وعن أي حاليك العيشة تسأل
عرفت مدى شطر وشطر جهلته ... فحسبك من بلوك ما لست تجهل
لم يبين ما هما القولان والحالان وكلمة (مدى) حشو. وقال:
تغوص على الأوجاع بهرا كأنني ... بريء من الأوجاع لا أتململ
الخطاب في (تغوص) للقلب كما يفهم من البيت بعده ويريد ب (بهرا) الجهد الشديد ولكن هل يغوص القلب على الأوجاع فإن كان لمعرفتها؟ - فهذا العمل من أعمال العقل وقال:
ويا من يراني والظلام كأنه ... إذا الليل أغضى قاتل يتزمل
شبه الظلام بقاتل يتلفف بثوبه ليخفي نفسه وهناك الليل يراه غير أنه يغمض عنه والمشهود أن الأشياء تتستر بالظلام والظلام هو الساتر ولكن خيال الأستاذ يتعدى حدود المشهود!!! وقال:
أبيت وبي ليلان ليل صباحه ... ويرجى وليل مدبر الصبح مقبل(6/473)
الليل الأول هو الحقيق ولذلك قال يرجى. وأما الليل الثاني وهو المدبر الصبح المقبلة فهو ليل الهموم ولا أرى وجها للشاكية من هذا الليل فانه على ما وصفه الأستاذ نفسه ليس بأقل من ضرره. أليس هو مقبل الصبح مثلما هو مدبره؟ وقال:
إذا أدبر الليل استرحت وإنما ... يوكل بي الليل الذي هو أطول
وإذا كان الليل الثاني مدبر الصبح مقبله فهو غير أطول من الليل الأول. والقصيدة ليست غير خيالات باطلة تقصر عنها الألفاظ. وقال من قصيدة (ليلة الأربعاء) ص 80:
يمن الله سعيه من رسول ... يطرق الأرض وافدا من ذكاء
والضمير في سعيه راجع إلى القمر و (يمن) لا يتعدى بنفسه يقال يمن على فلان ببركة ثم تأتي أبيات لا يفهم المقصود منها القارئ كأنه من الأحاجي كقوله:
كل من ينتحي حماه غريب ... عنه حتى ما فيه من غرباء
تكشف الشمس ثم ما يضمر اليم ... كعين المنون النجلاء
وقال ص 81 (أذكرتني بك الكواكب) والصواب (أذكرتني إياك) فإن (أذكر) يتعدى بنفسه إلى مفعولين وقال من قصيدة (المصور) ص 82:
ودمى من الصخر الأصم تصوغا ... فتغار منها الغانيات وتحسد
كان الأستاذ إلى هذا البيت يصف المصور ولكنني أراه في هذا البيت فما بعده يصف المثال فسبحان من لا يتحول!
وقال من قصيدة (حظ الشعراء) ص83:
ملوك فأما حالهم فعبيد ... وطير ولكن الجدود قعود
شبه الشعراء في بيت واحد بالملوك وبالطير على ما بينهما من البعد وقال:
وما ساء حظ الحالمين لو انهم ... تدوم لهم أحلامهم وتجود
وهو مثل بيت حسين بن المطير:
لعمرك ما في العيش عتب لو أننا ... وجدنا لأيام الصبا من يعيدها
وقال:
ويذرون من مس العذاب ودموعهم ... فينظم منها جوهر وعقود
أما كونهم يذرون دموعهم فقد يصح وأما كونها ينظم منها جوهر وعقود فلا.
(له تلو)(6/474)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
خطبة ملك العراق في فتح مجلس الأمة
كنا ذكرنا في الجزء الماضي (ص 399) بفتح مجلس الأمة ولما كانت خطبة الملك. أو قل (خطاب) الملك لنوابه من أجل الأمور لأنه يوقفنا على ملخص السنة الماضية وخلاصة الشؤون التي تجري عليها حكومتنا، كان من اللائق أن ندرجه بحروفه وهو هذا:
حضرات الأعيان والنواب: يسرني أن افتتح مجلسكم في دورته الثانية مرحبا بممثلي الأمة وأعيانها راجيا من الله تعالى أن يوفقنا لما فيه الخير والفلاح.
لقد دعت الظروف كما تعلمون إلى حل المجلس النيابي السابق وانتخاب مجلس جديد بغية الرجوع إلى رغبات الأمة في بعض الأمور الخطيرة فجرى الانتخاب وتألف مجلس النواب ممن اختارتهم الأمة لتمثيلها فلنا وطيد الأمل انهم سيكونون عند حسن ظنها فيهم.
أيها السادة:
أن وضعنا السياسي في تحسن مستمر وعلاقاتنا الخارجية توطد يوما فيوما على أسس ثابتة. ففي السنة الماضية كان موعد إعادة النظر في المعاهدة الإنكليزية العراقية وبالنتيجة وقع في معاهدة جديدة مع حليفتنا بريطانية العظمى ولم تزل المفاوضات جارية بشأن تعديل الاتفاقيتين المالية والعسكرية وعندما تنتهي هذه المفاوضات وتسفر عن نتيجة ملائمة لمصلحة البلاد تعرض المعاهدة والاتفاقيتان على مجلسكم للبث فيها.
لم يطرأ تطور جديد على علاقات العراق مع الدول المجاورة له سوى ما وقع مؤخرا على الحدود العراقية النجدية من الحوادث المؤسفة التي أطلعتم عليها في حينه. لقد كان في الإمكان أن تحسم المشاكل بين الطرفين بالطرق السياسية السليمة إلا أنه لم يقع شيء من هذا القبيل بل قامت العشائر النجدية بشن الغارات على الحدود. فاتخذت(6/475)
حكومتنا التدابير لصد تلك الغارات وحماية رعاياها من الاعتداء، وقد بدأت حديثا المفاوضات مع جلالة الملك ابن السعود لتمهيد حسم المشاكل القائمة بيننا وبين نجد وأننا نأمل أن تكلل هذه المفاوضات بالنجاح وإن يزول ما من شأنه الإخلال بعلاقات القطرين المتجاورين.
لم تأل حكومتنا جهدا في توسيع نطاق التمثيل الخارجي لما في ذلك من تعزيز مركزنا
السياسي وتوثيق الروابط الودية مع الدول الأجنبية وحفظ مصالح العراقيين في بلادها. وقد أوفدت حكومتنا عنها ممثلا سياسيا إلى أنقرة بعد أن عينت حكومة الجمهورية التركية قنصلا عاما لها ببغداد فازدادت من جزاء ذلك العلاقات بين الدولتين تحسنا أوجب المسرة والاغتباط. وفي النية إيجاد علائق سياسية وتجارية بين العراق ومصر بأسرع ما يمكن وقد وضعت المخصصات اللازمة لذلك في ميزانية هذه السنة.
سارت الأمور المالية سيرا حسنا أدى إلى زيادة إيرادات الدولة وقد عالجت الوزارة السابقة الديون العثمانية بعملية ستعرضها حكومتنا عليكم في وقت مناسب، أن الهمة مبذولة في معالجة مشروع العملة العراقية للتوصل إلى حل مرض يحقق للبلاد عملة وطنية موضوعة على قاعدة ثابتة سليمة كما أن المفاوضات مع أصحاب رؤوس الأموال لإنشاء مصرف وطني ومصرف زراعي سائر في تقدم ومن المنتظر إتمام المشروع في القريب العاجل. لقد اهتمت حكومتنا بتنفيذ رغبات مجلس الأمة التي عبر عنها كرارا فيما يتعلق بتثبيت ملاك الدولة وسن قوانين للموظفين تكفل حقوقهم وتعين واجباتهم واتخذت كل الترتيبات في هذا الشأن حتى أصبحت أعمال لجنة الملاك على وشك الانتهاء وقد وضعت الحكمة نصب عينيها تنشيط تجارة الصادرات وتشجيع المشاريع الاقتصادية فتذرعت بالوسائل المؤدية إلى ذلك وسنت بعض اللوائح التي ستعرضها على مجلسكم عند إكمالها.
أيها السادة:
إن أحوال البلاد الداخلية تتقدم تقدما مطردا ويسرنا أن نشير بوجه خاص إلى استتباب الأمن في جميع أنحاء البلاد وما نشأ من ذلك من تقدم العمراني والاقتصادي وقد أحدثت بعض أوضاع إدارية جديدة رغبة في تأييد سلطة(6/476)
الحكومة والسير بالبلاد نحو الرقي المنشود. لقد شرع في إنشاء جسر الفلوجة وكمل جسر قره غان وتم القسم الأعظم من طريق رواندوز رايات كما أن هناك طرقا عديدة بوشر فتحها وجعلها صالحة لمرور السيارات وكذلك مدت خطوط التلفون بين عدد من المدن العراقية، أما المعارف فالاهتمام بها لا يقل عن الاهتمام بالشؤون الحيوية الأخرى في البلاد وقد زيدت اعتمادات المعارف هذه السنة بنسبة 14 في المائة عن اعتمادات السنة السابقة لتمكين وزارة المعارف من القيام بمشاريع عملية أوسع نطاقا مما هي عليه الآن. أن المساعي التي بذلت لمكافحة
الجراد لا تزال مستمرة ولما كان التخلص تماما من هذه الآفة الفتاكة ليس بالأمر السهل اقتضى مضاعفة الجهود واتخاذ أساليب متعددة جديدة.
إن من جملة الأمور المهمة التي ستعرض عليكم في هذا الاجتماع ميزانية هذه السنة ومقاولة اللطيفية التي حلت محل الامتياز المعروف بامتياز أصفر وامتياز التنوير والترامواي الكهربائي لمدينة بغداد المعدل للامتياز القديم الذي منحته الحكومة العثمانية قبل الحرب وبعض اللوائح القانونية. وستعرض عليكم أيضاً قضية الدفاع الوطني التي نحن واثقون أنكم ستبتون فيها بالصورة التي تكفل حماية الوطن وسلامته.
هذا ونأمل أنكم تعالجون الأمور التي تعرض عليكم بالحكمة والروية وفي الأخير أدعو الله عز وجل أن يسدد خطواتكم ويقرن أعمالكم بالنجاح والتوفيق. أهـ.
2 - أسماء النواب مرتبة على حروف الهجاء
إبراهيم البكر (الموصل) أحمد حالت (الكوت) أحمد الشيخ داود (بغداد) أحمد الراوي (الحلة) أحمد عزت الاعظمي (ديالى) أحمد الوهاب (كربلا) إسماعيل راوندوزي (اربل) إسماعيل الصفار (الديوانية) أمين زكي (السليمانية) توفيق السويدي (الدليم) جعفر أبو التمن (بغداد) جمال بابان (اربل) جميل الراوي (الدليم) جميل الفخري (الموصل) حازم آل شمدين اغا (الموصل) حسين العطية (البصرة) حسين مكوطر (الديوانية) حكمت سليمان (ديالى) حمدي الباجه جي (بغداد) خالد سليمان (الديوانية) خير الدين العمري (الموصل) خيون(6/477)
العبيد (المنتفق) داود الحيدري (اربل) رشيد عالي الكيلاني (الكوت) رضا الشبيبي (بغداد) رؤوف الجوهر (الحلة) رؤوف اللوس (الموصل) زامل المناع (المنتفق) ساسون حسقيل (بغداد) ساسون سيمح (الموصل) سلمان البراك (الحلة) سيف الله (السليمانية) شعلان السلمان الظاهر (الديوانية) شواي الفهد (العمارة) صبري (السليمانية) ضياء الدين يونس (الموصل) طالب الحاج محمد على (المتفق) عبد الله آل سليمان بك (الموصل) عبد الله الشيخ نور محمد (الموصل) عبد الله المفتي (اربل) عبد الله الياسين (الكوت) عبد الإله حافظ (الموصل) عبد الجبار التكرلي (المتفق) عبد الحسين الجلبي (بغداد) عبد الرحمن المطير (العمارة) عبد الرزاق الازري (الحلة) عبد العباس الفرهود (الديوانية) عبد العزيز القصاب (بغداد) عبد الغني الحمادي (المتفق) عبد المجيد السعدون (البصرة) عبد المحسن
شلاش (الديوانية) عبد المهدي (المتفق) عبد النبي مير معلم (البصرة) عثمان العلوان (كربلا) عطاء الخطيب (الكوت) علوان الجديل (العمارة) علوان الياسري (الديوانية) علي السليمان (الدليم) محمد جعفر (البصرة) محمد الجاف (كركوك) محمد حسن الحيدر (المتفق) محمد زكي المحامي (البصرة) محمد سعيد الحاج حسين (كركوك) محمد سعيد العبد الواحد (البصرة) محمد صالح (السليمانية) محمد علي قيردار (كركوك) محمود امز (بغداد) محمود صبحي الدفتري (ديالى) مشحن الحردان (الدليم) مصطفى الطه (البصرة) مصطفى عاصم المحامي (الحلة) مصطفى اليعقوبي (كركوك) مظهر الحاج صكب (الديوانية) معروف علي أصغر (اربل) منشد الحبيب (المتفق) ناجي السويدي (بغداد) نعيم زلخة (بغداد) نوري السعيد (بغداد) هاشم النقيب (البصرة) هبة الله المفتي (الموصل) ياسين العامر (العمارة) ياسين الهاشمي (بغداد) الخوري يوسف خياط (الموصل) يوسف عبد الأحد (البصرة) يوسف غنيمة (بغداد).
3 - دخل بلدية كربلاء
بلغ دخلها في آذار الماضي 10. 663 ربية والتحصيلات 8568 ربية.(6/478)
4 - آخر خلاصة
الحسابات الكرمليسيين
جمع من حسنات الأفاضل في العراق كله 16. 231 ربية و 8 آنات وقد تسلمت لجنة توزيع إسعاف المنكوبين من أهل كرمليس على يد متصرفية الموصل دفعات مختلفة، مبلغا قدره:
آنةربية1415. 854140لم تدفع إلى الآن85عن مطبوعات50إلى جانب الاكتتابات101أجرة بريد816. 231وهو أيضاً مجموع /// 5 - لبس الخوذ
بدأ موظفو البريد والبرق منذ أول أيار من هذه السنة بلبس الخوذ وهو ما يستحسنه كل عقل لأنها لازمة في البلاد الشديدة الحر مثل بلادنا، وقد أثنى الجميع على همة المدير العام للبريد والبرق لاعتنائه بصحة الموظفين في دائرته.
6 - الثورة في إيران
تفيد الأنباء الواردة من جنوبي إيران أن جلالة بنفسه زحف الجند إلى لورستان لتأديب القبائل المتمردة فيها، فلقد قتلت في الأسبوع الأول من نيسان هذه السنة وزير الأشغال الإيراني، ونظن أن الحملة لا تتأخر عن الزحف.
7 - الجنائز
نقل إلى كربلاء في شهر آذار 80 جنازة بين محلية وغير محلية.
8 - الجدري
لقح 150 شخصا في كربلاء لمكافحة الجدري و 135 في النجف.
9 - تسجيل النفوس
سجل في كربلاء وملحقاتها بما فيها من العشائر داخل ناحيتي شفاثة والحسينية 73. 166 نسمة فيها 17. 407 ذكور و 9. 759 أنثى وفي هذا العدد الأجانب أيضا.
من رفيعة لدائرة الصحة في الموصل عن سنة 1927 (بحروفها وأغلاطها العديدة)
10 - المعارف
شعرت أثناء السنة عند التفتيشات التي أجريتها تقديما محسوسا بأحوال المدارس الصحية ويعزى معظم هذا التقدم إلى توسيع أعمال الكشافة والرغبة المتزايدة في الألعاب الرياضية التي تنتشر بسرعة بين طبقات الطلبة وقد اهتمت دائرة المعارف وسدت بضع مدارس لللملالي غير مستوفية الشروط(6/479)
ووضعت ما تبقى منها تحت رقابة مفتشيها الدائمين.
11 - إسالة الماء
أعطى للأهالي في سنة (1927) (269. 369. 540) غالونا من الماء وكان معدل الصرفيات ليومية لموسم الصيف (935. 458) غالونا ومعدل الصرفيات في موسم الشتاء (539. 454) غالونا.
12 - المهن التي لها علاقة بالصحة العامة
تسعى الدائرة على قدر الإمكان بأن تحصر أرباب هذه المهن في بقع معينة في البلدة.
تسهيلا لمراقبتها. ويوجد لجنة خاصة في البلدية تدعى (لجنة خاصة توحيد الأصناف) تألفت لهذه الغاية وتعتقد الدائرة أن البلدية لا يسعها في الوقت الحاضر القيام بمشروع التوحيد ولهذا تطلب أجراء الإصلاحات الصحية على محلات أرباب هذه المهن في مواقعها الحاضرة، وقد عاينت الدائرة في هذه السنة من أرباب المهن (15063) شخصا وأصدرت لهم رخصا بمجموع روبية 531 وأنة 8 - يقابل هذا (946) شخصا باجرة روبية 473.
13 - المقابر
المقابر منتشرة ضمن البلدة وأطرافها بالجوامع والكنائس وفي عموم الفسحات الموجودة في المحلات؛ وبالحقيقة لا يمكن للمتجول في البلدة أن يرفع عينيه إلا والمقابر تحيط به. وهي (أي المقابر) بحالة سيئة وللدائرة تقارير واقتراحات عديدة بخصوص إفراغ حالة المقابر إلى شكل يتفق مع حرمتها ومصالح الصحة وقد رأت المتصرفية ضرورة النظر في أمر المقابر ولهذا عينت لجنة سمتها (لجنة المقابر) مؤلفة من رئيس البلدية ومدير الأوقاف ومدير الطابو وعضو أداري وعضو بلدي ومهندس البلدية وطبيب البلدية وكانت مهمة اللجنة النظر في قضية المقابر بصورة عمومية من الوجهة الصحية والعمرانية. وقد اجتمعت هذه اللجنة مرارا ولم تصل إلى نتيجة حاسمة في الوقت الحاضر، فبقيت المقابر على حالتها السابقة ودائرة الصحة تعني بنظافتها على قدر الإمكان وإن كانت مساحتها الربعة تزيد بكثير مساحة طرق البلدة وأزقتها المطلوب نظافتها ولا يمكن لدائرة الصحة أن تقوم بنظافة المقابر وحراستها من التجاوز بالتخصيصات التي لديها.
(عن جريدة (الموصل) العدد 1471)(6/480)
العدد 61
نظرة إجمالية في أعمال شركة النفط التركية
1 - تمهيد
نشرت هذه المجلة في جزئها الأول من هذه السنة في باب الأخبار نبذة عن فيضان بئر النفط بجوار كركوك. ولما كان هذا البحث جليلا من الوجهتين التاريخية والاقتصادية. دفعتني الغيرة الأدبية إلى أن أتحف قراء (لغة العرب) بوجيز العبارة وبسيط الكلام ما شاهدته بعيني وما وقفت عليه بنفسي في خلال ثلاث سنوات وما قامت به (شركة النفط التركية) من الأعمال الخطيرة والمساعي المشكورة. في المدة المذكورة.
2 - كيفية الحصول على الامتياز
في ربيع 1925 أتاح لي الحظ أن أقابل مرارا عديدة المستر كليلينغ بشأن(6/481)
أمور تتعلق بمهمته وكان قد قدم العراق مندوبا من قبل المركز العام لشركة النفط التركية في لندن للمناقشة والمساومة مع الحكومة العراقية الجليلة رغبة الحصول على امتياز نفط الموصل فنجح في مهمته هذه مع ما لاقي من الصعوبات الشديدة والعقبات الكثيرة من جهات عديدة. ولا سيما من قبل مندوبي شركتي فنكس وفرنك هوامس النفطيتين ولما كانت شروط كليلينغ ارفع وأنفع لمصلحة هذه البلاد وافقت الحكومة العراقية على إعطائه الامتياز وفوضت الأمر إلى صاحب المعالي مزاحم بك الأمين الباجه جي الذي وقع أوراق الامتياز نيابة عن الحكومة العراقية مشتركا مع المستر كيلنغ وكالة عن شركة النفط التركية وكان ذلك في اليوم الرابع عشر من شهر آذار 1925.
3 - أعمال علماء طبقات الأرض
وفي أيلول من السنة نفسها وصل إلى العراق طائفة من علماء طبقات الأرض فيهم الإنكليزي والفرنسي والهولندي والمجري وأخذوا يجولون في أراضي العراق طولا رغبة في التنقيب والتدقيق إلى من حيث أتت، ورفعت الرفائف وخطت الخطط اللازمة للأعمال التي تتوخاها وفي ربيع 1926 استأنفت الأعمال بهمة لا تعرف الكلل وبنشاط ليس وراءه ملل.
4 - فتح الطرق وتسهيل المواصلات
إذا سرت في صحراء العراق العربي لا تقع أنظارك على سوى منخفضات ومرتفعات - حصى وصخور - تلال وجبال - وديان وسهول - انهار وسيول فتتكبد كثيرا من المشقات بل يصعب عليك المرور بل قل لا يمكنني العبور ما(6/482)
لم تمهد الطرق وتوطد الجسور ولهذا اهتمت الشركة بمر فتح وتسهيل المواصلات وتذليل العقبات ليتسنى لها أمر تسيير سياراتها وأدوات النقل العظيمة الهائلة. ومواصلة الأعمال التي عقدت نيتها على إنجازها. فاستخدمت ألوف العمال ونسفت شاهق الجبال. وصرفت في هذا السبيل الكثير من المساعي والأموال.
(صورة) صاحب الجلالة فيصل الأول ملك العراق الهمام وهو يلقي خطبته التاريخية المهمة وبحضرته المستر هيلري بل مدير الشركة العام
5 - الاحتفال بافتتاح أعمال الحفر في جبال بالخانة
في 25 نيسان 1927 كان موعد الاحتفال بإفتتاح أعمال الحفر وقد عينت(6/483)
الشركة لهذا الأمر بئر التجارب المرقم 1 الذي أقامته بالقرب من جبال بالخانة وقد ازدادت الحفلة وجلالا بحضور صاحب الجلالة مليك البلاد المحبوب فيصل الأول وقد دعت الشركة عددا ليس باليسير من أعيان العاصمة بينهم الوزراء والأعيان والنواب ورؤساء الدوائر والمصارف والمحال التجارية من وطنيين وأجانب ونقلتهم على نفقتها في قطار خاص إلى محطة سلمان بك ومنها على سياراتها إلى بالخانة. فياله من مشهد تاريخي عظيم حين تبودلت الخطب الرنانة صاحب الجلالة الملك فيصل والمستر (هيلري بل) القائم بأعمال الشركة في العراق!
وقد افتتح صاحب الجلالة أعمال الحفر بيده الكريمة وبعد الغداء في محطة سيلمان بك رجع الكل إلى العراق العربي.
ولسوء الحظ أو حسنه بعد أن دامت أعمال الحفر هناك عدة شهر بلا نجاح تركت هذه البئر وأبدلتها بغيرها وهي المعلمة برقم 3 وذلك بالقرب من جبال بالخانة أيضا.
6 - راحة الموظفين
في الأيام الأولى كانت الخيام المأوى الوحيد لجميع الموظفين. وأما اليوم فانك ترى في جميع مراكز الشركة التي تمر بها عمارات لطيفة ومباني جميلة شيدت لسكنى الموظفين وراحتهم وقد فرش معظمهم فرشا ثمينا ومدت الاسلاك الكهربية للضياء والانارة ليلا. ولإقامة مراوح تخفيفا لحرارة شمس القيظ نهارا. وهناك معمل للمياه المعدنية (الصودا) ومعمل ثان للثلج ومضخة (مكينة) نصبت عند فتحة آق صوفي جاي لاستقاء الماء وتقطيره وتقسيمه على جميع المراكز بواسطة الأنابيب الممتدة في عرض البر وطوله.
7 - بيت القصيد انفجار بئر النفط في بابا كركر
أنه ليوم تاريخي عظيم للعراق وأهله يوم العثور على منبع النفط في (بابا كركر) - ذاك المكان الذي لا تخلو علاقاته التاريخية من عظيم الأهمية. في شمال غربي كركوك، في البطاح التي تبعد عن(6/484)
المدينة نحو 7 أميال، هناك بين التلال والجبال، نشاهد بعض ينابيع معدن الكبريت؛ هناك تسمع قرقرة الغاز أو الريح كما كان يقول السلف، وبعد أن ينبط السائل بشكل مادة نفطية ثخينة يسمع صوت هو صوت الحاصل من جلبة الغاز في تلك البقعة التي أطلق عليه اسم (أبو كركر أو بابا كركر) هناك في تجويف سطحي طفيف عند قمة الجبل يشاهد الإنسان قدرة الخلاق العظيم إذ يرى ما ينيف على عشرين فوهة في الأرض ينبثق منها على الدوام غاز طبيعي وهذه الفوهات دائمة الاشتغال لا تنطفئ ألبته.
ويظن العوام أن تلك البقعة موازية لأتون النار المتقدة الذي طرح فيه بختنصر الملك ثلاثة فتيان اليهود من سبي بابل.
والتاريخ ينبئنا عن هذه النار حينما كان المكذونيون مسيطرين على بلاد العراق (بين النهرين) لان المؤرخ الشهير بلوطرخس في كتابه (حياة الاسكندر) يشير إلى ما صنع الاسكندر يوما وهو في إقليم اكبتانة (ارض همذان) حين شاهد هوه من النار تلتهب على الدوام كأنها ينبوع لا ينفذ ولا يجف. ولقد أخذه العجب العجاب عندما شاهد قريبا من تلك الهوة سيلا من النفط يفيض بغزارة أية غزارة حتى نشأ منها بحيرة واسعة الأطراف
ومما يجدر بالذكر هنا أن سكان هذا الإقليم كانوا يستخرجون النفط من هذه البقاع منذ الزمان وينقلونه على ظهور دوابهم إلى كركوك لتصفيته هناك وبيعه.
أما اليوم وقد أعطى امتياز استخراج نفط البلاد العراقية إلى شركة النفط(6/485)
التركية فقد تم الاكتشاف بواسطة فئة من متخصصي علم طبقات الأرض ومدت الأمور للشروع في الأعمال العظيمة فحفروا بئرا بالقرب من تلك البقاع ونصبوا برجا حديدا هائلا ارتفاعه (120) قدما يرى جليا من مدينة كركوك وإن كانت قاعدته منخفضة جدا. أما أعمال الحفر في تلك البئر فقد بدأت في 30 حزيران 1927 ودامت ليل نهار وفي 14 تشرين الأول 1927 غدا عمق البئر (1520) قدما وفي صبيحة اليوم التالي حدث ذلك الحادث العظيم الذي اهتزت له الأسلاك الكهربية شرقا وغربا عند وقوع إنجازه إذ ذاع خبره في العالم اجمع لما من الأهمية في الصنائع العصرية.
أجل لقد فاضت البئر بالسائل الثمين واخذ يتدفق بغزارة عظيمة بمعدل 92. 000 برميل في اليوم ويرتفع نحو 60 قدما فوق البرج القائم على البئر فوجدت الشركة إذ ذاك ضالتها المنشودة وحصلت على الأماني المقصودة ولم يمكنها حالا سد فوهة البئر إلا إنها تمكنت منه في اليوم 23 من شهر ت 1 1927 بعد أن دام السيل ثمانية أيام ونصفها بلياليها. فتأمل.
8 - المركز العام لإدارة شؤون الشركة
انتخبت الشركة مقرا عاما لها ولإقامة موظفيها وإدارة قطعة واسعة من الأرض تبعد عن قرية طوز خورماتي نحو 25 دقيقة على الأقدام وذلك بالقرب من محطة السكة الحديدية حيث شيدت المباني الكثيرة لسكنى الموظفين(6/486)
ولإدارة الأعمال - وهناك دوائر متعددة للحفر والهندسة والنقليات والهلك (والجيولوجية) والمخازن الخ. ومستشفى فخم جليل فيه ما يقضي من الآثار والرياش والعقاقير الطبية على أنواعها يدير أعماله أحد كبار أطباء الإنكليز.
(صورة) صاحب المقال ومدير المال لشركة النفط التركية نزيل طوز خورماتلي
ولما اقتضى أن ينقل محل بغداد إلى أعمال الطوز لينضم إلى هذا المحل الجديد الذي هناك ذهب إليه مدير الشركة العام ومعه مدير المحاسبات العام وحاشية كبير من الموظفين والعمال بينهم الإنكليزي والفرنسي والأميركي ولروسي والهولندي والهندي والعربي والآثوري واليوناني والأرمني والإيراني والكردي واليهودي (فيا لهول بابل القرن العشرين
في هذه الديار!) والمدير العام المشرف بنفسه عن(6/487)
جميع أعمال الشركة بخبرته الواسعة وغيرته الشماء.
هذا وفائدة لحضرات القراء الكرام قبل الختام أهم مراكز الشركة في هذا البقاع وقد مرت بأغلبها في سياحتي الأخيرة وهي:
1 - كركوك وتوابعها 2 - بابا كركر 3 - طارجل 4 - دقوقاء (طاووق) وملحقاتها 5 - افتخار 6 - جانبور 7 - خرمر 8 - بالخانة وتوابعها 9 - سليمان بك - وآق صوفي جاي 10 - انجانة وملحقاتها 11 - الخشم الأحمر 12 - نارين 13 - حصار وتوابعها: شرقاط وخانوقة (ويلفظون القاف كافا فارسية).
9 - مسك الختام
هنا امسك عنان القلم خوف الإطالة والملل على هذا قلقل من كثير وأملي أعود في فرصة أخرى وأوفي قراء لغة العرب بمقال أوفى وأشهى. ومن الله التوفيق هو حسبي ونعم الوكيل.
ليون أفندي لورنس عيسايي
صاحب هذا المقال ليون أفندي ابن لورنس عزيز الياس عيسايي ولد في بغداد في 6 نيسان 1886 وتيتم وهو في سن الطفولة فعنيت والدته جوزفين (جوجو) كل العناية فأدخلته في مدرسة القديس يوسف العالية للآباء الكرمليين في بغداد فتلقى فيها مبادئ العلوم واللغات العربية والفرنسية والإنكليزية والتركية وعشق الفضيلة فاتخذها غرضا لأعماله كلها. وفي سنة 1900 وكل إليه عناية تدريس الطلبة ولما بلغ من سنة السادسة عشرة وظف في محل تجاري إيراني فاضطر إلى أن يتعلم الفارسية أيضا. واتخذ التجارة بعد ذلك مهنة له، وفي سنة 1903 انشأ نشرة أسبوعية سماها (بستان الأخبار) وفي سنة 1905 اصدر تقويما سنويا وسمه (بالتقويم الأدبي) وله مقالات عديدة في الجرائد والمجلات كالروضة (البغدادية) ومرقعة الهندي والزنبقة (البغدادية) ونشرة الأحد والمفيد والحقائق المصورة إلى غيرهم. وفي سنة 1910 نشر تقويما عرف باسم (هلال الزوراء) فدام سنتين. واليوم يشتغل في شركة النفط الإنكليزية التركية ويرضي جميع رؤسائه.
(لغة العرب)(6/488)
الشاي
-
لئن كان غيري بالمدامة مولعا ... فقد ولعت نفسي بشاي معطر
إذا صب في كأس الزجاج حسبته ... مذاب عقيق صب في كأس جوهر
به أحتسي شهدا وراحا وسكرا ... وأنشق منه عبق مسك وعنبر
يغيب شعور المرء في أكؤس الطلا ... ويصحو بكأس الشاي عقل المفكر
يجد سرور المرء من دون نشوة ... فأحبب به من منعش غير مسكر
خلا من صداع أو نزيف كأنه ... سلافة أهل الخلد أو ماء كوثر
فمنه أصطباخي وأغتباقي ولذتي ... ومنه شفائي من عناء مكدر
كأني إذا ما أسفر الصبح ميت ... وان أرتشف كأسا من الشاي أحشر
فلله أرض الصين إذ أنبت لنا ... ألذ نبات بالمسرة مثمر
لو أن هاني فاز منه بجرعة ... لراح بأقداح ابنة الكرم يزدري
ولو ذاقه الأعشى وحكم في الطلا ... وفيه لقال الفضل للمتأخر
فللفم أحلى مشرب من مذاقه ... وللعين من مرآة أجمل منظر
عجبت له يكون اللسان حرارة ... ويطفئ نيران الجوى المتسعر
لقد نال من طبع الحياة حرارة ... فان يسر في ميت من الناس ينشر
إذا فار ما بين (السماور) ماؤه ... سمعت له أنغام نأي ومزهر
فاشرب مرتاحا على نغماته ... كؤوسا وما نقلي له غير سكر
كأن به ينوح وقد ذكى ... لهيب الهوى منه بقلب مسعر
فيسكب أن تخمد به نار حيه ... وان تذك فيه لوعة الشوق يزفر
وإن بلغت الهوى فيه حدها ... بكى لوعة في دمعه المتحدر
كأن به (بركان ويزوف) ثاقب ... فان ثار يقذف بالشرار ويمطر
كأن به نار الغرام تمثلت ... لدى العين يخشى قربها كل مبصر
تمد بأفلاذ الزنوج إذا جنت ... فتحكى جحيم الزنج في يوم محشر(6/489)
فثم تخال الفحم أفلاذ مهجة ... من الليل تلقى في نهار منور
فأن ضاق صدرا عن تأجج شوقه ... تأوه في أنفاس ماء مبخر
لئن يمتلك يوما جناحا يطر به ... إلى حيث من يهوى وبالوصل يظفر
كأن كؤوس الشاي بضع تواسك ... تحيط بمعبود من التبر أصفر
وتفتح فاها بالدعاء فيجودها ... بذوب لجين أو بدر مقطر
وأحسبها حول (السماور) تارة ... بنا مجوس قد أحطن بمجمر
وتحكي لنا ما بين بيض صحونها ... تماثيل در في معابد مرمر
وإبريقه فوق (السماور) مرتق ... كمثل خطيب جالس فوق منبر
يفوه ولكن في عقيق مقطر ... وينطق لكن في كلام مصور
(سماوره) يبدو كشيخ معمم ... من الصين يزهو في رداء معصفر
إذا ساق هم الدهر نحوي جيشه ... الاقية من أقداح شاي بعسكر
فمذ أحتسي جاما وأرشف ثانيا ... يفر الأسى عني بجيش مبعثر
فأشرب كأس النصر جذلان ناعما ... وأزهو وقد أدركت عز المظفر
فلله كاسات لنصري أسرعت ... ومن ينتصر في أكؤس الشاي ينصر
كأن به معنى السعادة كامن ... فلو يشتري بالنفس ما ليم مشتري
لئن أنقض العمر الثمين اعتياده ... فأي حياة دونه لمعمر
دع الراح والأفيون واشرب عصره ... مداما ولا تشرب مدامة حيدر
النجف: السيد أحمد الصافي
(الإبريق)
ورد في (البستان) في مادة اب ر ي ق: (الإبريق إناء للماء من الخزف أو المعدن له عروة وفم وبلبلة معرب آب ر س. . .) اه. قلنا: تخصيصه الإبريق بإناء الماء لم ينص عليه اللغويون فقد ذكروا أنه قد يكون للخمر.
قال في التاج: والعرب تشبه أباريق الخمر برقاب طير الماء. . . ثم ذكر أبياتا ادعاما لقوله. وأما أنه معرب آب ر س. فلم ينص عليه أحد، بل قالوا معرب آب ر س. والصواب آب ريز على ما حققناه.(6/490)
الشعر الجاهلي
-
وما المجد لولا الشعر إلا معاهد ... وما الناس إلا أعظم نخرات
أبو تمام
ما هو الشعر؟
هو تلك العاصفة التي تمر فتهدم، وتلك الروح التي تنبني فتخلد، هو تلك العاطفة التي انحنت لها الملوك، وخفقت بين يديها الأمراء، وخرت أمامها الأبطال والقواد! هو تلك العواطف تتأجج في صدرك وتكاد تنفجر بك، وتلك العوامل تهيج بنفسك على شاطئ البحر، بين مناظر الطبيعة الخلابة، في المروج الخضراء على رؤوس الجبال، في ظلمات الليل البهيم، عند المرضى والبائسين، وقت البلاء والشقاء!!. . .
على شاطئ البحر بين الصخور، عند موطئ قدميك الأمواج هائجة متلاطمة تهيج عليك، كأنها تريد أن تفترسك افتراسا، وتطأك بأذى، فتلطم بالصخور فترتد مدحورة، تستأنف الكرة، وتجمع نفسها وتكر أخرى فما تلبث أن تعود أيضاً خائبة مدحورة، فأمام هذه ما هو شعورك؟ أما سكنت متأملا؟
بين مناظر الطبيعة الخلابة، على جبل عال، مطل على واد أم سهل، تزينه الأشجار وتجري فيه الأنهار، وتصدح على أشجاره الأطيار، كسته الطبيعة إبداع حللها، جللته بالاخضرار يتخلل ذلك بدائع الألوان الأرجوانية والبنفسجية وغيرها، فأمام هذه ما هي عواملك؟ أما صمت متفكرا؟
في ظلمات الليل البهيم، وهنالك بين من أصابهم الدهر بمصائبه، وناء عليهم بكلكه، فاطرحوا الفراش، فهم على شواطئ الابدية، أو بين من ضاقت بهم سبل المعاش، وأخنت عليهم الإنسانية فليس من يهون عليهم، وينظر إليهم ويضمد كلومهم، ويخفف أحزانهم، ويرمقهم بعين الرأفة والمعونة، فباتوا بالخيال أشبه، والى الأموات اقرب. ما هي عواطفك؟ أما وقفت حزينا متألما(6/491)
وقت البلاء والشقاء، إذ ما كشر لك الدهر عن أنيابه فجفاك الأصدقاء، ونبأ عنك الإخلاء، وقلب الزمان لك ظهر المجن، فأصبحت وحيدا، بالله ما هي احساساتك وشعورك وعواطفك؟
في جميع هذه الأحوال شعرت! وفي كل هذه الحالات موارد للشعر! فحيث يكون الشعور تهيج العواطف، فيكون للشعر مورد! ولكن لم لا تقول الشعر، ما دامت تستولي علينا العواطف ويهيج بنا الشعور في جميع هذه الحالات وفي جميع الحركات والسكنات؟ أليس الشاعر رجلا مثلنا، يتركب من لحم وعظم!؟ أليس يشعر بنفس شعورنا ويحس بنفس إحساسنا؟ بلى! ولكن (الشاعر - كما يقول المثل الفرنسي -: يولد شاعرا)، فهو إذا ما نظم الشعر عرف كيف يختار السبل التي يوصل بها شعوره وعواطفه إلى قلوبنا، ويضرب على وتر إحساسنا ولكننا إذا ما أردنا أن نظم شعرا. ضاعت منا تلك العاطف ولم نعرف كيف نسبك ذلك الشعور قالبا متماسك الأجزاء يؤثر في نفس قارئه، فلذا يخرج ما تقوله ألفاظا مقفاة، متفككة الاجزاء، مختلفة القصد. بعيدة عن الشعور!
(قد تستغني بعض الأمم عن سماع الموسيقى وربما لا تدرك جمال التصوير ولكن أمة من الأمم لا تعيش بدون أن تعبر عن ادراكها، ولا بغير أن تبث عواطفها واحساساتها، ولا من غير أن تتغنى بآلامها وأحزانها وحظها من الحياة أو آرائها في الوجود) فالشعر وخصوصا الغنائي، محور العواطف ومركز الإدراك، فقلما تمر بإنسان ولا تجده يعرف شيئا من الشعر، حتى لو كان أميا متوحشا، فله شيء يتغنى به ويبث من وراء احساساته، ففي قلب أفريقية حيث لم تطأ قبل الآن رجل أبيض، هاهو ذا أحد ملوك السود يتقدم نحو المارشال فرانشه دسبيري حين قطع الصحراء الأفريقية بالسيارة، وينشده مديحا شعرا، نورد فيما يلي تعريبه نثرا.
(أنت ملك البيضان، الأول بعد (ما هو)، أنت قدير، أنت معبود(6/492)
(صنم) أنت شجاع أنت أكلت أعداءك. . . أنت تأكل الشمس حين يلزم!. . .
أنت أجرأ وأقوى من الأسد وأسلس من الفهد. أنت قدت عساكرك وسط الأدغال إلى افتتاحات، هي عظيمة أي عظم، حتى أن (الداهومي) ما هي بالنسبة إلى مملكتك سوى قرية!. .
أنت قهرت القيصر عدوك، وأنت أعطيته السم القاتل. . . الثعابين المقدسة كانت معك، وأنت ضغطت على هذا المتغطرس حتى كدت تخنقه. . . فاسعد الآن. . وابسط نفسك. . اضحك. . اضحك. . فساعة الضحك والانبساط آذنت، بعد أن تدفقت الدماء كالينابيع. .
!)
فهنا نجد أن الشعر لم يوجد فقط بين المتمدنين بل هو متأصل في نفس كل إنسان متمدن أم متوحش، فالعواطف واحدة وإن تختلف باختلاف البيئة فالأكراد محادثاتهم أكثرها تقريبا أشعار أو أمثال شعرية تسبك جملا، يتفاهمون بها، ويتعاملون بينهم، وهم يشابهون العرب البداة، في معنى انهم شديدو الإحساس، لطاف الشعور، دقاق الادراك، ويماثلونهم، أيضا، في كلامهم إذ فيه خشونة الصحراء وعنجهية البادية، (وعلام كانت تقوم الحياة العربية في بداوة العرب وأول عهدهم بالإسلام؟ على الشعر ونستطيع أن نقول على الشعر وحده. فالعرب واليونان يتشابهون من هذه الجهة تشابها كاملا، تستطيع أن تبحث عن فلاسفتهم، وحكمائهم وقادتهم وساستهم ومديري أمورهم الاجتماعية أيام البداوة فلا تجد إلا الشعراء ثم تستطيع أن تبحث عن فلسفتهم ودينهم، ونظمهم المختلفة وحياة عقولهم وعواطفهم فلا تجدها إلا في الشعر - الشعر إذن هو أول مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية القوية لهاتين الأمتين؟ وتستطيع أن تقول في غير حرج أن الشعر هو أول مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية لكل الأمم المتحضرة التي عرفها التاريخ وأذن فالشعراء هم قادة الفكر في هذه الأمم تأثروا بحياتها البدوية فنشئوا ملائمين لها وتميزت شخصياتهم فأثروا في من حولهم ثم في الأجيال التي خلفتهم).(6/493)
نشوء الشعر الجاهلي
من سوء الحظ أن تاريخ اللغة العربية القديم مجهول أتم الجهل فليس من يقدر أن يعرف الأطوار الابتدائية، التي لا بد لكل لغة من المرور فيها، فنحن حينما نحاول البحث عن أصل اللغة العربية، أو نشوء الشعر فيها، نكاد نضيق ذرعا في التنقيب عنها، فكأن هذه اللغة لم تعرف الطفولة وكأنها خلقت، كما نجدها في كتب الأدب القديم (وأنك لتقرأ للمؤرخ من العرب السفر الضخم، ذا الأجزاء العديدة، والحواشي، والتعاليق، وتعاني من البرح، والعنت، ما تعاني، ثم لا تظفر إلا بأشياء لا تستحق، ما عالجت في سبيلها من الشدة، وبذلت من الجهد، وأنفقت في طلبها من الوقت، والمال والعافية، ولا تجد إلا قصصا وأخبارا لا ترى عليها طابع العقل وميسم التفكير).
ومن عجيب أمر هذه اللغة، أنه مع ما بلغته من النفوذ من اتساع النفوذ إلى حدود الصين،
والهند، ومجاهل أفريقية، وسواحل اوربية، لا تجد للان، تاريخا ممتعا لآدابها، وافيا بالمرام، مع وفرة كتبتها، وعلمائها، وتعدد مصنفاتها، في كل أبواب العلوم والآداب، وممن شعر بهذا الخلل، فئة من أولئك المستشرقين الذين أدوا للغتنا، خدمات جلى، فأرادوا نوعا سد هذا النقص، ببعض التآليف لتي أودعوها. أوصاف العلوم العربية، والحقوا بها الحواشي، والتعاليق العديدة، مع تراجم أصحابها وقائمة الكتب التي صنفوها. ولكن أني لهم أن يسدوا بعض هذا الخل، فهيهات، هيهات! وليس بين أيديهم، بل ليس في جميع الكتب العربية، المواد اللازمة لبناء هذا الصرح الشامخ، ووضع هذا التاريخ! ومما يزيد العراقيل أن (البلاد العربية، كما تعرف، كانت تحوي أصنافا من العرب مختلفة الشعوب والقبائل، متباينة اللهجات، متنائية الجهات وكانت مختلفة أيضاً في الوحدات السياسية فمنها ما كان خاضعا للدولة الرومية ومنها ما كان قائما بذاته مستقلا. كل هذا يستتبع بالضرورة تباينا كبيرا بين تلك الأمم العربية في مناهج الحكم وأساليب الإدارة وفي الآداب والعادات وفي كثير من مرافق الحياة الاقتصادية والمادية) فأما هذه كان من الصعب أن(6/494)
نحصل على كل المعلومات الضرورية لجمع تاريخ الآداب في الجاهلية خصوصا وفي الإسلام عموما وفضلا عن ذلك أنه من المؤكد أن العرب كانت أمة بادية لا تفقه الكتابة ولا تألفها وكتب العرب نفسها تحدثنا أن عهدهم بالكتابة متصل بظهور الإسلام وانه من خطل الرأي أن نذهب إلى أن العرب كانت في بداوة جاهليتها كاتبة؛ اللهم إلا ما كان في بعض حمير ومن اتصل بالدولة الكسروية أو الدولة الرومية من القبائل النصرانية أو المتنصرة وغيرها كما ليس لنا ما يدل على عمران البلاد العربية أو أنئذ سوى آثار قليلة كسد مأرب في اليمن ومنازل ثمود بين الحجاز والشام وبعض آثار في نجران وغيرها قليل وعليه فإن ما وصل إلينا من تراث الجاهلية كان بطريق الرواية لا بطريق الكتابة ولو لم يعاجل الموت كثيرا من الرواة في عجز الجاهلية وصدر الإسلام لتوافقنا دون شك للحصول على إيضاحات اكثر.
ويزيد البحث صعوبة التلاعب والغش من بعض كتاب السلف فلا يمكن التثبت والكون إلى أقوال بعض الكتاب والوثوق برواياتهم ونحن نعلم أن القصاص في الكوفة والبصرة وبغداد تلاعبوا بكثير من أخبار الجاهلية وصدر الإسلام فزادوا حمادا وخلفا الأحمر وغيرهم من
الرواة والمنتحلين ولسنا نقتصر في الشك على ما رواه العرب بل نتعداه إلى سائر الشعوب القديمة إذا ما وجدنا للشك سبيلا ولسنا أول من شك في ذلك التراث المتروك فإن سوء الظن أمر واجب محتم ونتيجة لازمة لرقي البحث وتعزيز ملكه التحقيق على احدث الأساليب العصرية العلمية وإذا وجب الأمر وقفنا موقف الإنكار.
الشعر العربي لم يظهر إلا حوالي أواخر القرن الرابع للمسيح وفجر القرن الخامس فإن اقدم شاعر معروف جاهلي هو البراق عاش في القرن الخامس وقد ولد في نحو سنة 395 للمسيح ومما يعرف من أولئك شعره قوله (من الرجز):
لإفرجن اليوم كل العمم ... من سبيهم في الليل بيض الحرم!
صبرا إلى ما ينظرون مقدمي ... أني أنا البراق فوق الأدهم(6/495)
لأرجعن اليوم ذات المبسم ... بنت لكيز الوائلي الأرقم!
(وقد زعم بعض الثرثارين المتفيقهين أن الشعر العربي سبق الإسلام، بمئين من السنين بل سبق ميلاد المسيح بأجيال عديدة حتى نسبوا منه نتفا إلى زمن نبي يدعونه هودا يزعمون أنه عاش قبل إبراهيم الخليل والألف الثالث قبل المسح وأمعن غيرهم في غلوهم وأوهامهم فرووا لآدم أبي البشر أبياتا رثى بها على رأيهم ابنه هابيل القتيل، فعارضه إبليس الرجيم.
تلك مزاعم يضحك منها العلماء ويضرب بها عرض الحائط بل كل من له أدنى إلمام بتاريخ اللغات عموما واللغة العربية خصوصا) وأننا نورد ههنا من ذلك الشعر الذي ينسبه أولئك الجهال إلى آدم منها:
تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح
وقابيل أذاق الموت هابي ... ل واحزنا! لقد فقد المليح!
فما لي لا أجود بسكب دمعي؟ ... وهابيل يضمنه الضريح!
أرى طول الحياة علي غما ... وما أنا من حياتي مستريح!
وبلغت بهم الجهالة أقصاها فنسبوا لإبليس الرجيم الأبيات التالية يعارضه ويذكر كيف أسقطه من النعيم:
تنح عن البلاد وساكنيها! ... ففي الجنات ضاق بك الفسيح
وكنت بها وزوجك في هناك ... وقلبك من أذى الدنيا مستريح
فما زالت مكايدي ومكري ... إلى أن فاتك الثمن الربيح.
فلولا رحمة الجبار أضحى ... بكفك في جنان الخلد ريح!
ويؤيد قولنا هذا اتفاق الكتبة الأقدمين عليه، فالجاحظ في كتاب الحيوان (27: 1) يقول (أما الشعر فحديث الميلاد، صغير السن أول من نهج سبيله وسهل الطرق إليه امرؤ القيس بن صجر ومهلهل بن ربيعة. . . فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له إلى أن جاء الله بالإسلام، خمسين ومائة عام وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتي عام) وهذا بحسب ما نظنه اقدم سبقنا فأوردنا البراق كمثل وكأقدم شاعر عربي معروف.(6/496)
أصل الشعر العربي، الحداء، فالغناء، وقد وقعت العرب في أول عهدها به، على ابسط بحوره الرجز فلزموا فيه التقفية كما لزموا الأسجاع في المنثور غير أن أبياته قليلة، وعلى وجه المثال نأتي بقول امرئ القيس إذ بلغه خبر مقتل أبيه بدمون في نواحي اليمن:
تطاول الليل علينا دمون ... دمون، أنا معشر يمانون
وأننا لقومنا محبون
وقال أيضاً في ذلك من الرجز:
يا لهف هند إذ خطئن كاهلا ... القاتلين الملك الحلاحلا
خير معد حسبا ونائلا ... وخيرهم قد علموا شمائلا
نحن جلبنا القرح القوافلا ... تالله لا يذهب شيخي باطلا
يحملننا والاسل النواهلا ... وحي صعب والوشيج الذابلا
مستثفرات بالحصى جوافلا ... يستشرف الأواخر الاوائلا
حتى أبيد مالكا وكاهلا
وهذا البراق أيضاً كما قدمنا اقدم الشعراء هو قائل أول شعر من الجز وقد أوردناه قبلا (لأفرجن اليوم كل الغمم).
زد على ذلك أن العرب كانوا كثيرا ما يحضرون المحافل الدينية المسيحية النصارى وغير النصارى منهم فيسمعون كثيرا من ألحانها فعلقت بنفوسهم فتأثروا بها واستفزتهم القريحة فأحبوا أن يحاربوا هؤلاء في الغناء فنظموا بادئ بدء ألفاظا ورتبوها مقاطع وانشدوها فطربوا لها فأعجبوا بها وما زالوا يغيرون بعض الأجزاء منها ويبدلون فيها ويحسنون
أوزانها حتى استقامت وصارت إلى ما نعهده من حسن السبك وبديع الانسجام ولطف النغم وبراعة التنسيق.
وأول من نسق الشعر ورتبه وألف القصائد وأنشدها جماعة البدو فالبراق والمهلهل وعنترة والنابغة وزهير بن أبي سلمى وغيرهم جلهم من العرب الرحل يدلنا على ذلك (أن ما ورد في هذا الشعر من الألفاظ والأوصاف والتشابيه والمعاني والأفكار يعتبر دليلا ساطعا على أن صناعة القصائد اخترعها وأتقنها الأعراب أهل الوبر وإن الحضريين إنما اتخذوها مقلدن لهم متمثلين بهم(6/497)
في لغتها وأساليبها ومواضيعها فتوافق نتيجتنا هذه ما اجمع عليه قدماء الإخباريين من كساد سوق الشعر وقلة النابغين عند أهل الحضر وسكان مدن الحجاز. . .)
تأثير الشعر عند العرب
كان الشاعر عند العرب، ولا سيما في الجاهلية خطيبا قبل كل شيء واهم مزايا الخطيب أن يؤثر في سامعيه ويستميلهم إليه ويعمل جهده ليقنعهم، ويضمهم إلى جانبه فمن دواعي ذلك أن تجتمع في الشاعر الخطيب هذه الصفات المؤهلة دقة الملاحظة، قوة التصوير وبراعته، رقة الوصف، وإن يكون مشبعا بالعواطف وغيرها من مستلزمات الخطابة فترى الشاعر العربي إذا ما قال شعرا سبكه خطبة. وكثيرا ما ضربت أعناق ونجت أعناق من الضرب وأثيرت الحروب بسبب، ألم يذهب المتنبي ضحية بيت شعر؟ فانه لما فر عندما اشتد عليه الطلب قال عبده أتهرب وأنت القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فالتفت إليه المتنبي وقال له: قتلتني قتلك الله. ولوى العنان ورجع فحارب حتى قتل - وهذا تميم بن جميل عندما احضر للرشيد فأمر بضرب عنقه ألم تنجه هذه الأبيات:
أرى الموت بين السيف والنطع كامنا ... يلاحظني من حيثما أتلفت
واكثر ظني انك اليوم قاتلي ... وأي امرئ مما قضى الله يفلت!
ومن ذا الذي يأتي بعذر حجة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت!
وما جزعي من أن أموت وأنني ... لأعلم أن الموت شيء موقت!
ولكن خلفي صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتت!
كأني أراهم حين أنعى إليهم ... وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا؟
فان عشت آمنين بغبطة! ... أذود الردى عنهم وإن مت موتوا!
فبكى الرشيد وعفا عنه. وهذه ليلى العفيفة حين أسرها العجم، وضربوها لترضى بمراد ملكهم، جعلت تستصرخ ابن عمها البراق واخوتها فقالت:
ليت للبراق عينا! فترى ... ما أقاسي من البلاء وعنا!(6/498)
يا كليبا! يا عقيلا! اخوتي ... يا جنيدا! ساعدوني بالبكا!
عذبت أختكم، يا ويلكم! ... بعذاب النكر صبحا ومسا
يكذب الأعجم ما يقربني ... ومعي حساسات الحيا
قيدوني! غللوني! ضربوا ... موضع العفة مني بالعصا!
قل لعدنان فديتم شمروا ... لبني الاعجام شمير الرحى
يا بني تغلب! سيروا وانصروا! ... وذروا الغفلة عنكم والكرى!
وأحذروا العار على أعقابكم ... وعليكم ما لقيتم في الورى!
وما زالت بهم حتى هبوا لنجدتها فأظفرهم الله بمطلوبهم. . . وأمثال هذه الوقائع تكثر في أخبار الشعر العربي، فلو أردنا أن نسرد بعضا منها لاحتجنا إلى صفحات عديدة وسئم القارئ. فعبيد بن الأبرص لم يمكنه النطق ببعض الأبيات حين وفد على النعمان المنذر يوم بؤسه وكان هذا آخر ما يطمع فيه في الحياة والمتنبي قربه إلى سيف الدولة بيت من الشعر بعد تجافيه. وعمرو بم كلثوم لم يهب تهديد الملك عمرو بن هند في وجهه وسليمان بن عبد الملك الأموي ضرب عنقه المنصور لأجل بيت قاله أعرابي في بني أمية يقدح فيهم ويذمهم ويذكر سيئاتهم بعد رضاه.
وبلغ من شدة تأثير الشعر في العرب أن بلغ بعمر بن الخطاب أن اشترى أعراض المسلمين من الحطيئة الشاعر الهاء المعروف بثلاثة آلاف درهم ليؤكد الحجة عليه وفي ذلك يقول الحطيئة:
وأخذت أطراف الكلام فلم تدع ... شتما يضر ولا مديحا ينفع
وحميتني عرض اللئيم فلم يخف ... ذمي وأصبح آمنا لا يفزع
ويدخل الشعر في جميع أطوار العرب وأحوالهم وعاداتهم في الحرب، في السلم، في السلب
والنهب حتى في المزاوجة فكانوا يستعينون بالشعراء لتزويج بناتهم كما فعل الأعشى الأكبر في نظمه الشعر للأوانس كي يتزوجن ومن أمثلة ذلك أنه وفد على الملحق فأكرمه واحسن وفادته ليقول شيئا في بناته(6/499)
وكن ثمانيا عنه إلى سوق عكاظ وقال فيهن قصيدته المشهورة التي منها:
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار باليفاع تحرق
تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والملحق
فما قام من مقعده وفيهن مخطوبة إلا وقد زوجها!!!
فهكذا كان الشاعر عند العرب وبالأخص في الجاهلية قائد قومه بلسانه وإمامهم وخطيبهم ودليله والذاب عن أعراضهم وأحسابهم وسلاحهم اللساني حين تهجمات الأعداء اللسانية تخرصاتهم فإذا ما أهيج واستعدي نفث في الأعداء سما يقطر من لسانه فيكبدهم ويسقيهم كاس الردى فانظر مثلا إلى هذا البيت الذي تعده العرب أهجى بيت قالته:
فغض الطرف انك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
ومثله قول الحطيئة الذي ضاقت في وجه سبل الهجاء فهجى نفسه:
أرى لي وجها شوه الله خلقه ... فقبح من وجه وقبح حامله
وكذلك إذا ما أهيج الشاعر للفخر واستنشد تدفقت من فيه الدرر فيخفي النقائض والأغلاط كقول عنترة يستر سواده:
أن كنت عبدا فنفسي حرة أبدا ... أو أسود الخلق أني أبيض الخلق
وقول السموأل بن عادياء:
تعيرنا إنا قليل عديدنا ... فقلت لها أن الكرام قليل
وما ضرنا إنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل. . . الخ
وقد يجعل من المعايب محاسن كقول الخطيئة في بني انف الناقة وكانت العرب تعيرهم فقلب المعرفة إلى مديح فقال:
قوم هم الرأس والأذناب غيرهم ... ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا
وكانت القبيلة من العرب لا يهنأ لها بال ولا تستقر على حال حتى ينبغ فيها شاعر فإذا ما ظهر توافدت القبائل المهنئة على ذلك الحي فذبحت الذبائح وأولمت الولائم وأقيمت الأفراح
والحفلات أياما واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر وتباشرت(6/500)
وكان أمراء العرب يتقون هجاء الشعراء فيصلونهم ويقربونهم ابتغاء مديحهم كل هذا يدلنا على أن الشاعر الجاهلي يقول الشعر رغبة لا رهبة فلا يخاف حاكما ولا يهاب ملكا فالجميع لديه سواء: الصعلوك والملك الفقير الحقير، والأمير الخطير فليس يندفع فيقول الشعر إلا إذا هاجت به نفسه أو دفعه دافع فطري أو أهابت به العاطفة الجائشة فعند ذاك يندفع الإنشاد فيأتي بالبدع.
بركات (السودان): ميشيل سليم كميد
خطر الجراد في العراق
حديث لمدير الزراعة العام في العراق
(غرز الجراد المراكشي في السنة المنصرمة في سبعة ألوية من العراق فاتخذ لإبادته في مغارزة جميع التدابير اللازمة فتمكنا من القضاء عليه وساعدتنا أيضاً الطبيعة على إبادتها. ولقد وجدنا بعض الصعوبات في قضاء كفري فتمكنا أيضاً من تذليلها فسرنا في طريقنا إلى مكافحة الجراد بكل نجاح. وكذلك وجدنا بعض الصعوبات في الحدود بين خانقين وإيران فأزلناها. وكنا مطمئنين كثيرا من سير المكافحة والنتائج الباهرة التي أنتجتها. وكنا نفكر أننا قضينا خطر الجراد عن البلاد بعيدا وإن الناس سيكونون في مأمن من خطر هذه الدويبة على مزارعهم وباقي مرافقهم الحيوية. ولكن (الجراد النجدي) ظهر بغتة وعلى حين غفلة وانتشر في ألوية البصرة والناصرية والديوانية والحلة وغيرها فنشطنا لمقاومته ومكافحته بكل ما يمكننا من الوسائل والتدابير.
وهذا النوع من الجراد غريب في أحواله وأطواره فهو يغرز بأيام قليلة ويفرخ في أيام قليلة ويطير في أيام قليلة ويكتسح كل ما يجده أمامه من المزروعات حتى الأشجار.
فيجب علينا وعلى جميع المراجع في الحكومة بل وعلى الاهلين أن يكافحوا هذه الحشرة الفتاكة ويقاوموها بكل ضروب المقاومة والله يوفقنا لدفع هذا الخطر المحدق بالزرع والضرع!(6/501)
بعض صفحات من كتاب الفهرست
-
كنت اقتنيت بطريق الابتياع كتابا مخطوطا في بيت المقدس أتى الزمان على جلده فمزقه وأظهر ما تحته ولاحظت أن هناك صفحات مكتوبة قد لصقت بعضها ببعض فتكون منها مقوى الكتاب الذي الصق فوقه الجلد ففصلتها فإذا هي صفحات من كتاب (الفهرست) لابن النديم البغدادي المتوفى نحو سنة 385هـ 995م.
وتبين لي من أسلوب خطه أنه من خطوط القرن السادس للهجرة أو الثالث عشر للميلاد. فإن الكاتب يضع على السين والراء علامات أشبه شيء بنقطتين متصلتين بتجويف ويعجم الحروف على الأكثر إلا في الأعلام المعلومة الكثرة الورود.
وابن النديم هذا صاحب فضل كبير على آداب اللغة العربية فهو أول من دون أسماء المؤلفين والمؤلفات؛ وبذلك عبد الطريق لمن جاء بعده منهم وقد طبع كتابه المستشرق فلوغل الألماني سنة 1288هـ أو 1871م في ليدن من أعمال هولندة وذيله بالفهارس والشروح بالألمانية وقد ندرت نسخة الآن وغلا ثمنه وقد قابلت الصفحات التي انتزعها من المقوى على المطبوع فوجدت بينهما بعض الفوارق التي تجدر معرفتها والتي تؤثر في المعاني والمباني ولا سيما في ما يتعلق بالأعلام.
وقد أجهدت الفكر في تبين وجه الصواب في كتابة الصحف المخطوطة التي كتبت بخط جميل وحرف كبير واستخرجت طريقة الناسخ من خطه وطريقة رسمه ونقلت ما كتبه بأمانة وتدقيق.
وليس من شأني أن أتولى الترجيح بين الصحف المخطوطة والكتاب المطبوع بل اقتصر على نشر ما وجدت من المخالفة بينهما خدمة لهذا الكتاب الذي صدر عن عاصمة العباسيين قبل عشرة قرون.
وسيرى القارئ الكريم عبارات قد سقطت من المطبوع لا تزال في الصحف المخطوطة وأسماء أعلام قد نقلت إلى المطبوع مغلوطة وأسماء كتب لم ترد(6/502)
فيه إلى غير ذلك من الاختلافات التي يقضي علينا فن معرفة الكتب أن نعول في تصحيحها على الصحف المخطوطة وان نحكم بعد ذلك بأن الكتاب لم يطبع بالتدقيق الذي يتطلبه علم مقابلة النسخ.
ولعل الناشر - أثابه الله - قد اعتمد على نسخة مغلوطة فيها فجاءت تلك الأغلاط والسقطات.
وهذه قائمة بما ألفيناه في تلك الصحف القليلة وما يقابلها في المطبوع:
عبارة المخطوط في ترجمة ابن شنبوذعبارة المطبوعوكان يناوئ أبا بكر ولا يعشره. . . وكان أبو علي بن مقلة. . . إذا نودي للصلوة يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله وقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وقرأ: كالصوف المنقوش وقرأ: تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى وقرأ: اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وقرأ: فلما خر تبينت الناس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين31 وكان يناوي أبا بكر ولا يفسده. . . وكان الوزير أبو علي بن مقلة. . . إذا نودي للصلوة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله وقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة
غصبا وقرا: اليوم ننجيك بيدنا لتكون لمن خلفك آيه وقرأ: فلما خر تبينت الناس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهينفي ترجمة النقار (بالراء) في ترجمة النقاد (بالدال). . . على الشموني وقرأ الشموني على الأعشى. .
وتوفي النقار بالكوفة32 على الشمولي وقرأ الشمولي على الأعشى. .
وتوفي النقاد بالكوفةفي ترجمة ابن مقسم. . . سمع من ثعلب وروى عنه. . .
. . . كتاب في النحو كبير. . .
. . . كتاب اختيار نفسه
33 سمع من ثعلب. . .
كتاب في النحو. . .
كتاب اختيار فقه
(كتاب السبعة بعللها الكبير، كتاب(6/503)
السبعة الأوسط، الأوسط آخر، كتاب الأصغر يعرف بشفاء الصدور) كتاب انفراداته، كتاب مجالس ثلعب في ترجمة النقاش. . كتاب الموضح في القرآن ومعانيه، كتاب العقل، كتاب ضد العقل
كتاب السبعة بعللها الكبير، كتاب السبعة الأوسط، كتاب السبعة الأصغر كتاب التفسير الكبير اثنا عشر ألف ورقة33 كتاب في القرآن ومعانيه كتاب ضد العقل
كتاب السبعة بعللها الكبير كتاب السبعة الأوسط، كتاب السبعة الأصغر 37 كتاب التفسير الكبير اثنا عشر ألف ورقة في فصل الكتب المؤلفة في فضائل القرآن. . كتاب أبي عمر الدوري
. . كتاب عمر بن الهيثم الكوفي
. . كتاب أبي شبيل كتاب خلف بن هشام البزاز كتاب أبي كعب الأنصاري. . كتاب أبي عبد الله الدوري
. . كتاب عمرو بن هشيم الكوفي
. . كتاب أبي سبيل كتاب أبي بن كعب الأنصاري في فصل الكتب المؤلفة في عدد أي القرآن. . كتاب العدد للعبسي كتاب ابن عياش
. . كتاب عبد الرحمن بن يزيد. .
كتاب أبي سعد النحويكتاب العدد لعيسى كتاب ابن عباس
كتاب عبد الرحمن بن زيد. .
في ترجمة البهذلي (بالذال المعجمة) البهدلي (بالدال المهملة) البهذلي واسمه عمرو بن عامر47 البهدلي واسمه عمرو بن عامر(6/504)
في فصل ومن خطوط العلماء أبو الخدر كان، أبو تمام الحرار، أبو الحصين
الهجيمي مكوزة أبو الغمر واسمه العلا47 أبو الحدرجان، أبو تمام تمام الحراني أبو الحصين
47 الهجمي مكوزة أبو العمر واسمه العلا في الفضل ذاته أبو المسلم القاضي أبو عمرو والشيباني في نوادره47 أبو المسلم العاصي روى عنه أبو عمرو الشيباني في نوادره في فصل ومن فصحاء الأعراب أبو مشهر الإعرابي روى عنه أبو عطية حرو بن قطن الثكني
اسمه علي بن بريد (بالراء) 47 أبو مسهر الأعرابي روى عنه أبو عطية حرد بن قطن الثكني
اسمه علي بن مرثد (بالراء) في ترجمة مروج السدوسي وجدت بخط أبي عبد الله بن المعتز48 وجدت بخط عبد الله بن المعتز في ترجمة اللحياني واسمه علي بن المبارك
وقيل ابن حارم ويكنى أبا الحسن لقي العلماء واخذوا (كذا) الفصحاء من الأعراب48 واسمه علي بن المبارك وقيل ابن حازم ويكنى أبا الحسن لقي العلماء والفصحاء من الأعراب في ترجمة الأموي واخذ عن فصحاء الأعراب وله من الكتب النوادر كتاب دخل البيت48 واخذ عن الفصحاء من الأعراب وله من الكتب كتاب النوادر كتاب رحل البيتفي ترجم أبي المنهال أحد الرواة العلماء له من الكتب كتاب الأمثال السائرة48 أحد الرواة له من الكتب كتاب الشراب كتاب الامثال السائرة ووجدته في موضع آخر الأبيات السائرةفي أخبار اليزيديين. . . وعيسى وسليمان وعبيد الله ويوسف فالبارع منهم أحمد والعباس(6/505)
وجعفر. . .
فمات أحمد قبل سنة ستين ومائتين والعباس مات سنة إحدى وأربعين ومائتين ومات عبدوس قبل هؤلاء. . .
ومات فضل سنة ثمان وسبعين ومائتين
ولم يتبين لهؤلاء ابن روى العلم غير أبي عبد الله
أحدهما موسى بن أحمد ويكنى بأبي عيسى وعيسى ويكنى بأبي موسى رويا عن عم أبيها إبراهيم بن محمد. . .
والذي الفئات محمد من الكتب
. . . كتاب مختصر نحو ألفه لبعض ولد المأمون كتاب النقط والشكل
والذي ألفه إبراهيم بن أبي محمد اليزيدي كتاب ما اتفقت ألفاظه واختلفت معانيه. كتاب بناء الكعبة كتاب المقصود والممدود. كتاب المصادر في القرآن وبلغ منه إلى سورة الحديد ومات50 وعيسى وسلمان وعبيد الله ويوسف والبارع منهم أحمد والبعاس وجعفر. . .
فمات أحمد قبل سنة ستين ومائتين ومات عبدوس قبل هؤلاء بمدة.
ومات قبل سنة ثمان وسبعين ومائتين
ولم يتبين لهؤلاء ابن روى الحديث غير أبي عبد الله
أحدهما موسى بن أحمد ويكنى بأبي عيسى و. . . ويكنى بأبي موسى رويا عن عم أبيها إبراهيم بن أبي محمد. . .
والذي الفئات أبو محمد من الكتب
51 كتاب مختصر نحو ألفه لبعض ولد المأمون
والذي ألفه إبراهيم بن أبي محمد اليزيدي كتاب النقط والشكل. كتاب بناء الكعبة. كتاب المقصور والممدود كتاب المصادر في القرآن وبلغ منه إلى سورة الحديد ومات. كتاب ما اتفقت الفاظه واختلفت معانيه. في ترجمة الصفوانيوبعد فانه يحق لنا القول بأن في ظهور بعض الكتب خيرا ما في بطونها إذا اعتبرنا أن المقوى المستعمل في تجليد الكتب كان يحتوي مثل هذه الصفحات النفسية والكتب القيمة.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص(6/506)
من تقويم ومواسم عشائر بطائح الغراف
لعشائر بطائح الغراف تقاويم فطرية واصطلاحات فينة خاصة بهم وقد وضعوا لها قواعد بصورة أمثال ودونك طرفا منها مرتبة على حسب الأشهر الرومية القديمة لأنهم لا يعترفون بالحساب الرومي المصحح.
(شهر كانون الأول وشهر كانون الثاني)
المربعانية أو المشهاب أو الجلة الكبيرة تقع في هذين الشهرين ومدتها أربعون يوما تبتدئ في أول كانون وتنتهي في اليوم التاسع من كانون الثاني.
(الجلة الصغيرة)
مدتها اثنان وعشرين يوما منذ اليوم التاسع من كانون الثاني إلى نهايته.
(برد الازرك)
أي البرد (الأزرق) وهو برد أيام شديدة القرس ومدته سبعة أيام منها أربعة في المربعانية وثلاثة في الجلة الصغيرة.
وفي اليوم الحادي عشر من كانون الأول يقولون على سبيل المثل:(6/507)
(كرين حادش، الشتا بالش) ويقولون في اليوم التاسع من كانون الثاني (كرين تاسع منين ما هب الهوا لاسع).
(شهر شباط)
ويقولون في اليوم السابع من شباط (كرين سابع امجيع او شابع).
(شهر آذار)
ويقولون في اليوم الخامس من آذار (كرين خامس ربيع طامس) أو (كص الفحل والغامس)
ويقولون في موسم هذا الشهر (آذار يطلع السنبل من الأحجار).
(موسم نيروز)
يقع موسم النيروز عندهم في اليوم التاسع من شهر آذار وفي الحساب الصحيح يقع في اليوم الرابع من نيسان وهو فصل الربيع عندهم ويهتمون به لكثرة وقوع زراعتهم فيه وأكثر حسابهم عليه مثلا يحسبون من أول موسم (نيروز) الى مغيب (سهيل) خمسة وعشرون يوما ومن مغيب (الثريا) خمسة وعشرون يوما ومن مغيب (الثريا) الى طلوعها خمسة(6/508)
وعشرون يوما.
ويقولون في المدة التي ما بين مغيب الثريا وطلوعها. (تغيب الثريا على جديس شعير وتطلع على جديس دخن) وتكثر هبوب الرياح الهوجاء والعواصف القاصفة والامطار الفجائية وذلك في زمن يكون بين غياب الثريا وطلوعها وهي امور مطردة في وقت الانقلاب الصيفي وهو المؤثر الحقيقي في هذه التقلبات الجوية فيعتقدون في هذا أنه بتأثير الثريا لا غير وهم يعتقدون أيضا بتأثير بقية الكواكب تبعا للرأي القديم.
(شهر نيسان)
ويولون في اليوم الثالث من نيسان (كرين ملاش لأخذ منجلك وأنحاش) ويقولون في ايلول: (أيلون (أيلول) سيروا ولا تكيلون).
وفي تشرين الثاني يكون برد الاحيمر وهو عندهم مقدمة لبرد (الازرك) ويجيء في اليوم العشرين من تشرين الثاني إلى آخره وسمى كذلك لأنه يحمر البشرة ببرد وهو أخف وطأة من (الازرك).
ويبدلون أسماء بعض الاشهر القمرية باسماء وضعوها من عندهم فيسمون(6/509)
شهر المحرم: (عاشور) وشهر رجب (زيادة) لأنه في هذا الشهر تكثر زيارات مراقد الأئمة الاثني عشر علي بن أبي طالب وأولاده ويسمونه شهر شعبان (كصير) (أي قصير بالتصغير) لأنه على زعمهم يسرع في جريه فيأتي وراءه رمضان ورمضان عندهم أطول الأشهر لان فيه الصوم والصوم يكلف الطبيعة ويجدها وهذا القول يطابق المثل المشهور: (أطول من يوم الصوم) ويسمون شهر شوال (فطر أول) لان فيه يفطر الناس ويسمون شهر ذي القعدة (فطر ثاني) ويسمون شهر ذي الحجة (ضحية) لان يكثر فيه نحر الأضاحي.
شطرة المنتفق: رشيد الشعرباف
(مياه لواء الديوانية)
أن شط (أبو كفوف) الذي يذهب من الكفل إلى العباسيات فالشامية قبل أن يدخل أراضي قضاء الشامية يتفرع من ضفتيه عدة شعب أهمها (نهر الأعمى) الذي يسقي أراضي (الصليجية) ويذهب إلى (هور ابن نجم) فتستقي مياهه مقاطعة (أبو تبن) ويصب أخيراً في (النكارة) (النقارة) وشط الأعمى هذا نهر قديم اندرس بزوال الاهتمام بالزراعة وقد أعادت الحكومة فتحة عام 1927. ومنها نهر (آل شمخي) و (جيجان) و (مهناوية و (العكر) (العقر) وكلها تصب في (هور ابن نجم) الذي ينتهي في (النكارة) (النقارة) ومنها أيضاً نهر (أم حيايا) الذي يتفرع من الضفة اليمنى من شط (أبو كفوف) المذكور أعلاه وتتجه مياهه نحو (هور الغادوري) الذي يصب في (أم شواريف) وينتهي في نفس الذي سبق أنه تفرع منه ومن ثم يدخل شط أبو كفوف قصبة الشامية ويخرج إلى سدة الخمس كما سبق التفصيل.
بغداد: عبد الرزاق الحسني(6/510)
خزائن كتب إيران
(لغة العرب) طلبنا إلى أصدقائنا في إيران أن يكتبوا لنا ما يعرفونه عن خزائن الكتب التي فيها لان علماء الشرقيات لم يعرفوها وكتابنا الشرقيون لم يذكروها ظنا منهم أن ديار فارس خالية من المصنفات العربية على ما أدرجناه إلى اليوم يدل على أن جارتنا غنية بخزائنها وطلبنا إلى مكاتبنا في فارس أن لا يذكروا لنا الكتب الدينية بفروعها لكثرتها في البلاد فكتب إلينا السيد محمد مهدي العلوي ما حرفه: كان رأيي أن لا ادرج في هذا المقال أسماء الكتب الفقهية والأصولية لكن لما كانت الكتب المذكورة وأكثرها مخطوط ذكرت أسماءها. اه. ودونك الآن مقالته:
كتب الشيخ المفضال عبد العزيز الجواهري مقالا عن خزائن إيران نشرت في هذه المجلة (5: 520 - 528) أوجب شكر الجميع إياه بخدمته للعلم وقد ورد فيها بعض الأوهام كقوله في ص 522 س 16: للشيخ الطوسي أستاذ السيد المرتضى علم الهدى والصواب أنه تلميذه وفي ص 525 س 4: تجريد بن ميثم والصواب تجريد ابن ميثم وفي ص 528 س 3 الحسن بن مطهر والصواب الحسن ابن يوسف بن علي بن المطهر. وقد ذكر في ص 526: خزانة الشيخ عبد الحسين في مشهد الرضا في خراسان وهو الشيخ عبد الحسين ابن الحاج الشيخ عبد الرحيم البرجوردي؛ توفي ليلة 12 شعبان سنة 1345هـ وقد حكى الشيخ أحمد نجل الشيخ المذكور أن خزانة كتبه ابتاعها حسين اقا ملك التجار بعد وفاته.
هذا وقد أحببت أن أضيف إلى ما كتبه حضرة الشيخ الجواهري ما وقفت عليه عن بعض الخزائن المهمة التي لم يذكرها:
خزانة الحاج الشيخ محمد باقر في بيرجند (إيران)
أن من خزائن إيران المهمة خزانة العلامة الكبير صديقنا وشيخ إجازتنا الحاج الشيخ محمد باقر المجتهد البيرجندي صاحب المؤلفات العديدة وخزانته تزيد على الفئات مجلد وفيها نادرة قلما توجد في سائر الخزائن ودونك وصفنا(6/511)
لكتبها الخطية:
القرآن الحكيم: مجلدات عديدة منه بالخطوط الجديدة بعضها قديمة غير مؤرخة وتاريخ بعضها سنة 1255هـ.
في تفسير القرآن:
1 - تفسير القاضي البيضاوي المتوفى سنة 685هـ: إلى آخر سورة آل عمران بخط قديم مصحح محشى.
2 - تعليقه الفاضل الجلبي على تفسير البيضاوي من أول الفاتحة إلى أول طه (آخر سورة مريم) عليها خط من سنة 1008هـ.
3 - قسم من تفسير الصافي للملا محسن الفيض.
4 - تفسير غرائب القرآن لأبي بكر محمد عزيز السجستاني.
في الحديث:
1 - كتاب الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني: بخط جيد.
2 - كتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي: بخط جيد.
3 - معاني الأخبار له أيضا: بخط حسن جدا مصحح عليه الحواشي الكثيرة وعليه خط الملا محمد باقر المجلسي: أنه استنسخ من نماء الحمام الواقع في أراضي نقشجهان ببلدة اصفهان من أوقاف السلطان الأعظم سلطان سليمان الموسوي الصفوي شد الله إطناب دولته بأوتاد الخلود؛ وختمه بختمه ونقشه: محمد باقر العلوم.
4 - علل الشرائع له.
5 - جملة من الأحاديث المنتخبة من أماليه (أي أمالي الصدوق).
6 - كتاب التهذيب لمحمد بن الحسن االطوسي: بخط جيد.
7 - كتاب الاستبصار له أيضا: بخط جيد.
8 - مجلدات من الوسائل للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي.
9 - هداية الأمة إلى أحكام الأئمة له أيضا: منتخبة من كتاب الوسائل مع حذف الأسانيد والمكررات.
10 - مجلدات من كتاب بحار الأنوار للملا محمد باقر المجلسي.
11 - جامع الأخبار لمحمد بن محمد الشعيري (نسبة إلى شعيرة قبيلة في اليمن):(6/512)
بخط جيد، كاتبه محمد محسن الدشت بياضي في سنة 1073هـ.
12 - شرح أبي الحسن سعيد بن عبد الله الخلخالي على الكافي ومعه إجازة لتلميذه محمد سعيد الاصبهاني.
13 - شرح آخر على الكافي: صاحبه وتاريخه غير معلومين.
14 - شرح توحيد الصدوق للقاضي محمد سعيد القمي.
15 - شرح أربعين حديثا له أيضا.
16 - شرح حديث الغمامة له أيضا.
17 - شرح حديث المفضل له أيضا.
18 - شرح حديث عمران الصابئ (المروي في عيون أخبار الرضا) للملا خليل بن اشرف القايني.
19 - شرح خطبة علي عليه السلام المعروفة بالتطنجية للسيد كاظم الرشتي.
20 - من محاسن البرقي من باب الأخبار العدية: مجلد كبير.
في الكلام والحكمة (الفلسفة)
1 - كتاب الألفين الفارق بين الصدق والمين (في الإمامة) للعلامة الحلي الحسن بن يوسف.
2 - خلاصة المذاهب للميرزا إبراهيم الهمذاني (المعروف بقاضي زاده همذاني) ابن الميرزا محمد حسين: بخط جيد، كاتبه محمد زمان الشريف ابن محمد صادق في سنة 1106هـ.
3 - كتاب المعارف في شرح الصحائف: المتن لشمس الدين محمد بن اشرف السمرقندي والشرح لولي الله السمرقند. كاتب النسخة سعيد بن محمود بن مسلم الكماخي في شهر رمضان المبارك سنة 745هـ.
4 - تجريد الكلام للخواجه نصير الدين الطوسي: بخط جيد.(6/513)
5 - شرح القديم على تجريد الكلام: بخط عجيب قديم، كاتبه سليمان بن عمر وملكه إبراهيم بن محمد ولم يؤرخا أن الظاهر أنه كتب في عصر مصنفه شمس الدين محمود بن عبد الرحمن بن احمد.
6 و7 - حاشيتان على التجريد أحدهما للحفري والأخرى لبعض الأفاضل جيد غير
معروف.
8 - الأمور العامة من شرح التجريد الجديد.
9 - حاشية الخفري على مبحث الإلهيات.
10 - حاشية سلطان العلماء الحسيني على حاشية الخفري.
11 - إحقاق الحق للقاضي نور الله التستري.
12 - منتخب المجلد السابع من كتاب بحار الأنوار: للميرزا علي نقي القايني الدرخشي.
13 - رسالة فارسية في أصول الدين لزين العابدين بن علي أكبر الدرخشي القايني.
14 - كتاب العقائد للسيد أبي السيد تراب القايني.
15 - مرآة الوحدة (في التوحيد) له أيضا.
16 - الدرة الباهرة في فضل الأئمة الطاهرة له أيضا.
17 - أبصار المستبصرين لعبد الوهاب (المعروف بجديد الأيمان) ابن عبد الرحمن الدهلي السني.
18 - رسالة في جواب مسائل كثيرة وردت على السيد المرتضى علم الهدى من الشريف أبي الحسين الحسيني في أبواب متفرقة فأجاب بأحسن جواب.
19 - كتاب الرد على الصدوق في سهو النبي للشيخ المفيد.
20 - عين اليقين للملا محسن الفيض الكاشاني.
21 - علم اليقين له أيضا.
22 - تقويم الأيمان للميرزا محمد باقر الداماد.
23 - شرح الفوائد متن وشرح وكلاهما للشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي.
24 - شرح رسالة الفقه الأكبر: المتن لأبي حنيفة حكم فيه بتفضيل عائشة على فاطمة وقال بوجوب الاعتقاد بذلك، والشرح للملا علي القارئ المكي(6/514)
وقد رد على الماتن.
25 - شرح تكميل الإيمان: المتن والشرح لعبد الحق الدهلوي ابن سيف الدين البخاري.
26 - رسالة شمس الهروي المعروف بخان ملا خان.
27 - شهاب ثاقب للملا محمد مهدي النراقي: رد على رسالة لبعض أفاضل أهل السنة. كاتبه اقا كوجك الكاشاني في السنة 1239هـ.
28 - رسالة في الرد على الصوفية للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي.
30 - الشهاب الثاقب (في رد الأصوليين) للميرزا محمد النيسابوري الأخباري.
31 - رسالة في جواب الشيخ محمد العرب في مخاطب (اياك نعبد) للحاج محمد كريم خان الكرماني.
32 - رسالة نظم اللآلئ في أجوبة المسائل الواردة على الملا محمد باقر المجلسي في أصول الدين وفروعه: جمعا بعض تلاميذه.
33 - قطعة من شرح الهياكل لابي بكر بن علي بن وحشة.
في الفقه:
1 - المجلد الأول من التنقيح الرائع في شرح مختصر الشرائع: للشيخ مقداد ابن عبد الله السيوري: بخط قديم عجيب، كاتبه محمد بن أحمد الخطيب في محرم سنة 848هـ.
2 - كتاب الناصريات للسيد المرتضى علم الهدى.
3 - المسائل الرملية في المنامات والمتعة والنذر والبيع والطلاق وغيرها له ايضا، كتبت سنة 1137هـ.
4 - الطرابلسيات الثانية له أيضا.
5 - الطرابلسيات الثالثة له أيضا.
6 - رسالة الرد على المنجمين الثلاثة له ايضا، كتبت في ذي الحجة سنة 116هـ.
7 - أجوبة المسائل الواردة عليه من الري.(6/515)
8 - المسائل السروية للشيخ المفيد.
9 - المسائل العكبرية له أيضا.
10 - رسالة في حكم ذبائح أهل الكتاب له أيضا.
11 - مجلد من جامع المقاصد للشيخ علي بن عبد العالي الكركي.
12 - الغنائم للميرزا أبي القاسم القمي: بخط حسن.
13 - ثلاثة مجلدات من كتاب البحر الزاخر للاقا محمد علي بن محمد باقر الهزار جريبي:
أ - مجلد يشتمل على كتاب الديات وكتاب الخمس.
ب - مجلد في المعاملات مشتمل على كتب.
ج - مجلد في النكاح والطلاق (بأقسامه).
14 - مخزن الأسرار الفقهية في حاشية شرح اللمعة الدمشقية له أيضا. وهذه النسخة من مبحث الطهارة إلى آخر الزكاة.
15 - إرشاد العلامة الحلي.
16 - تعليقة الشيخ علي بن عبد العالي الكركي عليه.
17 - المفاتيح للملا محسن الفيض: مكرر.
18 - رسالة الرد على الصدوق في قوله بالعدد في شهر رمضان للشيخ المفيد.
19 - رسالة المتعة له أيضا. ينقل عنها في البحار.
20 - رسالة في الوقف للشيخ مرتضى الأنصاري.
21 - كتاب القضاء والشهادات له أيضا.
22 - رضاعية.
23 - رضاعية الشيخ علي عبد العالي الكركي.
24 - صيغ العقود أيضا.
25 - مناسك الحج له أيضا.
26 - مسائل سئل عنها فأجاب عليها.
27 - خراجيته.
28 - معراج الشريعة لمحمد مهدي الكرباسي: مجلدات في الطهارة والصلوة(6/516)
في شرح والده الحاج محمد إبراهيم الكرباسي.
29 - مسائل سئل عنها الشيخ أحمد بن فهد الحلي فأجاب عليها.
30 - زبدة البيان (في آيات الأحكام) للملا أحمد الاردبيلي: مصحح محشى.
31 - صيغ العقود للسيد محمد بن عبد الصمد الشهشهاني الأصفهاني.
32 - قطعة من شرحه على الرياض.
33 - عيون المسائل لميرزا محمد باقر الداماد.
34 - رسالة للاقا محمد البهبهاني في الجواب على الأسئلة الواردة عليه.
35 - رسالة في العبادات له أيضا: على سبك رسالته المشهورة في المعاملات.
36 - الفوائد له أيضا.
37 - رسالة في عدم جواز تقليد الميت له أيضا.
38 - رسالة في المنع عن تقليد الميت الثاني زين الدين العاملي.
39 - رسالة في تقليد الميت للحاج محمد إبراهيم الكرباسي: بخط جيد.
40 - رسالة في حصول الإفطار بدخان التنباك (له أيضا) وفي آخرها بعض الوصايا خصوصا في الفتوى وشدة الأمر فيه ومذمة النارجيلة بحيث يظهر منه الحكم بالحرمة: بخط جيد.
41 - رسالة في صلح حق الرجوع للملا عبد الجواد القايني.
42 - كتاب التعليقات لمحمد أمين بن عبد الوهاب: في رد الشهاب الثاقب الذي وضعه أستاذه الفيض الكاشاني في عينية وجوب صلاة الجمعة.
43 - رسالة في وجوب إجراء الحدود للحاكم في ومن الغيبة للحاج السيد محمد باقر الرشتي الأصفهاني. وضعها لما ظهر من شيخ إجازته الميرزا أبي القاسم القمي الإشكال فيه وعدم حكمه بالجوز (كما صرح به في جامع الشتات).
44 - تمام كتاب الأجوبة والأسئلة له أيضاً وعليه خطه الشريف وخاتمه.
45 - رسالة مبسوطة في الوقف له أيضا.
46 - رسالة للقبلة لبعض علماء اصفهان وقد نحلها بعض أبناء العصر فجعلها باسمه فليعلم.
47 - ينابيع الولاية في من له الولاية على غيره كالأب والجد وحاكم الشرع(6/517)
وغيرهم للسيد أبي طالب ابن السيد أبي تراب القايني.
48 - التحفة القوامية في فقه الأمامية للميرزا قوام الدين محمد بن محمد مهدي الحسيني القزويني: منظومة نظم فيها اللمعة الدمشقية للشهيد الأول محمد بن مكي العاملي.
49 - المجلد الأول من القواعد للعلامة الحلي الحسن بن يوسف وفيه حاشية.
50 - إيضاح القواعد لولده فخر المحققين محمد.
51 - رسالة في كيفية العمل مع السلطان وعماله.
في أصول الفقه:
1 - شرح القاضي عبد الرحمن بن أحمد العضدي الايجي الشافعي على مختصر ابن الحاجب: مكرر تاريخ واحد منها سنة 1000هـ.
2 - المجلد الثاني من كتاب الإشارات للحاج محمد إبراهيم الكرباسي.
3 - رسالة في مسألة الصحيح والأعم له أيضا.
4 - وافية الأصول للملا عبد الله البشروي التوني.
5 - شرح السيد صدر القمي عليها.
6 - زبدة الأصول للشيخ بهاء الدين العاملي.
7 - شرح تلميذه محمد جواد بن سعد الله البغدادي الكاظمي عليها.
8 - وثائق الأصول للسيد حسن القايني.
9 - الاستبصار له أيضا.
10 - الإبداع له أيضا.
11 - قواعد الفقه للشهيد الأول محمد بن مكي العاملي: مكرر.
12 - تمهيد القواعد الأصولية والعربية لتفريغ الأحكام الشرعية للشهيد الثاني زين الدين العاملي.
13 - معين المجتهدين للملا عبد الخالق اليزدي (في مجلدين).
14 - الكواكب السبعة للسيد أبي طالب ابن السيد أبي تراب القايني: في سبع مسائل مهمة.
سبزاور (إيران): محمد مهدي العلوي(6/518)
الحقيقة
للنقاش أ. فوجيرون
تجليت في أبهى نصوعك للورى ... وما كنت إلا خير ما هو فيهم
ولم تغفلي المشكاة في يدك التي ... تحدت بنور جهلهم وغرورهم
فحاروا وولوا هائبين، وربما ... على خجل ولوا أمام بينهم
وما خجلوا إلا لان حياتهم ... ضلال وغش يستبيح شرورهم!
ولم يلف في هذي (الطبيعة) كلها ... محب سوى هذي (الطبيعة) وحدها
فحولك في بشر تحييك دائما ... فانك قد مثلت صدق مناها
وقد خانك (الإنسان) إلا وليدة ... فعوض للام (الطبيعة) فقدها
وناداك مسرورا، وحياك حينما ... ذووه على جبن رأوك أذاها!
الإسكندرية: احمد زكي أبو شادي(6/519)
الكزنخية
الكزنخية (بفتح الكاف المثلثة الفارسية والزاي الساكنة والنون المفتوحة والخاء المعجمة المكسورة يليها ياء مشددة مفتوحة وفي الآخر هاء)، جيل من النصارى، أصلهم من كزنخ وهي قرية قرب بحيرة (وان) في أرمينية وهم رعاة غنم رحل (كوجر) وأصلهم كردي، على المذهب النسطوري. ولا يعرفون من دينهم سوى انهم نصارى، وليس فيهم من يعرف القراءة والكتابة، بل ولا يعرف ابسط الصلوات وأصغرها، فهم أميون جهلة وليس معهم كاهن ولا يترددون إلى كنيسة مذهبهم إذا مروا ببلدة أو قرية فيها كنيسة.
ولغتهم الكردية، وليس لهم من صنائع الدنيا كلها سوى رعاية الغنم. وكانوا في عهد الترك ينحدرون في كل سنة من قريتهم كزنخ إلى أنحاء زاخو وجبالها. فإذا مضى الشتاء عادوا إلى قريتهم وما جاورها.
ومنذ الاحتلال البريطاني لديار العراق إلى عهد حكومتنا العراقية الحالية لم يؤذن لهم بالتردد بين قريتهم وزاخو فبقوا في جوار زاخو من ديار الكرد العراقية وعددهم نحو مائة خيمة لا غير. وربما كانوا أقل من ذلك وهم في ترحالهم يأخذون معهم نساءهم وأطفالهم فضلا عن غنمهم. ومن الغريب أننا لم نر أحداً من الكتبة ذكرهم في مصنفه مع امتيازهم عن سائر نصارى تلك الأرجاء بسماحة معيشتهم وأميتهم وعدم ترددهم إلى كنيسة واعتزالهم سائر النصارى حتى الذين من مذهبهم. وبالأخص انهم لا يعرفون الكاهن ولا كل ما يتعلق بالدين.
والذي حققناه أن هذه القرية كانت مدينة في سابق العهد، ولم تكن من أعمال أرمينية، بل من أذربيجان. وهي المعرفة عند الأقدمين باسم (جزنق) (وزان جعفر). فإذا كتبت بحروف ارميه وقرأت على طريقتهم قرءوها (كزنخ) كما ذكرنا. قال ياقوت: جزنق بالفتح ثم السكون وفتح النون وقاف: بليدة عامرة بأذربيجان بغرب المراغة فيها آثار للاكاسرة قديمة وأبنية وبيت نار. أه.(6/520)
الرباعي المجرد في لغة عوام العراق
الرباعي ما كانت حروفه الأصلية أربعة نحو كربس وخرمش ولولح. وهو أما سالم كالأمثلة المذكورة وأما مضاعف وهو ما جانست فاءه لامه الأولى وعينه لامه الثانية نحو طرطر وبلبل.
أما الماضي من الرباعي المجرد فساكن الآخر كماضي الثلاثي المجرد إلا أنه يضم آخره إذا اسند إلى ضمير جمع الغائب نحو خرمشوا ويفتح إذا اسند إلى ضمير المفرد الغائبة وجمع الغائبة نحو خرمشت وخرمشن ويكسر إذا اسند إلى ضمير المفرد المخاطب أو المتكلم نحو خرمشت ويبقى ساكنا مع بقية الضمائر المرفوعة فيكون تصرفه هكذا:
خرمش خرمشوا خرمشت خرمشن خرمشت خرمشتو خرمشت خرمشتن خرمشت خرمشنا.
وأما مضارع الرباعي فمكسور الأول في كلامهم أي أن الياء والتاء والنون من حروف المضارع فيه تكون مكسورة إلا أن كسرتها لا تكون إلا ضئيلة لان ما بعدها متحرك وأما الهمزة فيه فمفتوحة.
وأما آخره فكآخر مضارع الثلاثي أي أن الأصل فيه هو السكون وإذا لحقته الضمائر المرفوعة كان حكمه كحكم آخر الثلاثي إلا عين المضارع الثلاثي تكون ساكنة مع الضمائر البارزة كما ذكرنا هناك وأما المضارع الرباعي فتكون لامه الأولى ساكنة مع الضمائر المذكورة. فيكون تصريفه هكذا:
يخرمش يخرمشون تخرمش يخرمشن تخرمش تخرمشون تخرمشين تخرمشن اخرمش نخرمش.
وأما الأمر من الرباعي فيكون بحذف حرف المضارعة من الفعل المضارع مع حذف النون من آخره أن كان من الأفعال الثلاثة هكذا:
خرمش خرمشوا خرمشي خرمشن.(6/521)
للثلاثي المزيد عشرة أبواب لأنه أما أن يزداد فيه حرف واحد وهو ثلاثة أبواب فعل وفاعل وافعل. وأما يزداد فيه حرفان وهو خمسة أبواب تفعل وتفاعل وانفعل وافتعل
وافعل. وأما أن يزداد فيه ثلاثة أحرف وهو بابان استفعل وافعوعل.
باب فعل (بتشديد العين)
أكثر ما يستعملون هذا الباب لتعدية الفعل اللازم فإذا أرادوا أن يجعلوا قعد مثلا متعديا قالوا قعد (بالتشديد) ولا يقولون اقعدوا وكذلك يقولون في قام قوم ولا يقولون أقام. وخاف ونام ونوم ولا يقولون أخاف ولا أنام وفي مات موت ولا يقولون أمات وكذلك طول ونزل وفرح وهو كثير في كلامهم وقد يستعملونه للمبالغة والتكثير وذلك في الأفعال المتعدية نحو ضرب وقطع ومنه قولهم وهو من أغانيهم (لو كطعوني بسيف منك فلا أجوز) وقد يستعملونه لقصد الجهة نحو غرب وشرق أي سار نحو الغرب والشرق ومنه قول شاعرهم وهو من أغانيهم (والله لا شرج تشريج واكضي العمر بطويريج) وقد يستعملونه للكسب والاحتراف كقولهم (فلان يبكل) و (فلان يحمل) أي يشتغل بالبقالة والحمالة. وقد يستعملونه بمعنى المجرد كقولهم (فلان يجذب) أي يكذب.
باب فاعل
يستعملونه للدلالة على المشاركة وهي أن يفعل الواحد بالآخر ما يفعله الآخر به فيكون كل منهم فاعلا ومفعولا نحو ضارب ومنه قولهم (كاسرت الماي) إذا صب الماء الحار ماء باردا ليعتدل فهو من باب المشاركة لان البارد يكسر حرارة الحار كما أن الحار يكسر برودة البارد فيحصل الاعتدال وقد يستعملونه بمعنى افعل نحو قولهم (عاونت فلان) أي أعنته وقد يستعملونه للمبالغة كقولهم (طالبت فلان بحكي)
باب افعل
هذا الباب نادر الوقوع جدا في كلامهم لأنه أكثر ما يستعمل للتعدية وقد قلنا انهم إذا أرادوا تعدية اللازم نقلوه إلى فعل (المشدد العين). على أن من الأفعال اللازمة(6/522)
ما يستعملونه متعديا بنفسه دون أن نقلوه إلى فعل أو إلى فعل ومن ذلك قولهم (فلان نكر حكي) بمعنى أنكر. وقولهم (كرمني) بمعنى أكرمني و (عجبني بمعنى أعجبني و (قر) بمعنى أقر و (عزني) بمعنى أعزني ويقولون في الفاعل من هذه الأفعال ناكر وقار وفي المفعول معزوز ومكروم. ولم أجد في كلامهم فعلا على افعل سوى أصبح واقبل. ومن ذلك قول شاعرهم
(اكبل علي من بعيد وحواجبه هلال العيد) ويروى (سلم علي من بعيد).
باب تفعل
أكثر ما ستعملونه لمطاوعة فعل نحو تكسر وتبعد وقد يستعملونه للكسب والطلب نحو تفود أي الفائدة وكسبها ومنه قولهم وهو من أمثالهم (راحت تتفوذ نكطت بالمعود) وقد يستعملونه للاتخاذ كقولهم (توسد أيده ونام) أي اتخذها وسادة.
باب افتعل
يستعملونه لمطاوعة فعل فيقولون اجتمع مطاوع جمع، وافتضح مطاوع فضح وارتمى مطاوع رمى. وانتهى مطاوع نهى ومنه قول بعض نسائهم (نهيتج ما انتهيت وعملت ما اشتهيت) وقد يستعملونه للاتخاذ نحو احتطب أي اتخذ حطبا.
باب انفعل
يستعملونه لمطاوعة فعل كاستعمالهم انكسر لمطاوعة كسر واكثر استعمالهم إياه في مقام الفعل المجهول لان صيغة الفعل المجهول معدومة في كلامهم فيستعملون بدلها صيغة انفعل ويبنونها من كل فعل ثلاثي متعد كما ذكرنا سابقا فيقولون من ضرب وانضرب ومن فهم وانفهم ومن خبز انخبز ومن طحن انطحن ومن عجن انعجن ومن سمع انسمع ومن شاف انشاف إلى غير ذلك من الأفعال. ففاعل انفعل في كلامهم بمثابة نائب الفاعل في اللغة الفصحى.
باب افعل
يستعملون هذا الباب للدلالة على الألوان والعيوب نحو أحمر وأصفر واسود وابيض واطرش واعوج وأثول. ويجرون فيه حكم المضاعف الثلاثي عند(6/523)
إسناده إلى الضمائر المرفوعة أي يزيدون في آخره ياء إذا اتصل به من الضمائر المذكورة ما سوى ضمائر الغيبة فيقولون في المفرد المتكلم اطرشيت واثوليت وكذا في غيره من ضمائر التكلم والخطاب.
باب تفاعل
أكثر ما يستعملونه للمشاركة نحو تضاربوا وتشاتموا وتكاونوا وتعاركوا وتعاونوا وتصالحوا وقد يأتي في كلامهم للدلالة على توالي الشيء وتتابعه كقولهم (السما تتبارك) إذا كان برقها متتابعا.
باب استفعل
يستعملونه للطلب نحو استغفر الله أي اطلب مغفرته. وقد يأتي للوجدان على صفة كقولهم (ما استحسن كذا) أي ما أجده حسنا وقد يستعملونه بمعنى المجرد كقولهم (ما أستجري افعل كذا) أي ما أجرأ.
باب افعوعل
هذا الباب ملغى عندهم فلا وجود له في كلامهم فأبواب مزيد الثلاثي في كلام العامة تسعة وإذا أسقطنا باب أفعل أيضاً لأنه نادر في كلامهم كما قلنا آنفا للثلاثي المزيد في كلامهم ثمانية أبواب.
الرباعي المزيد
لا يوجد في كلام العامة من الرباعي المزيد سوى ما زيد فيه حرف واحد وهو باب تفعلل ويستعملونه لمطاوعة فعلل نحو تكربس وتخرمش ويستعملونه أيضاً في مقام الفعل المجهول فاعله من الرباعي المجرد فيقولون في مكان كربس تكربس وفي مكان خرمش تخرمش كما بيناه فيما سبق ذكره من الفعل المجهول.
الملحق بالرباعي
أن من الأفعال الثلاثية ما يزاد فيه بعض الحروف على الطريقة التي ذكرناها في الثلاثي المزيد. ويسمى مثل هذه الأفعال ملحقا بالرباعي وله ستة أبواب في اللغة الفصحى إلا أنه لا يوجد منه في كلام العامة سوى ثلاثة أبواب وهي (1) باب فنعل نحو خنزر وعنفص وحنبل (2) باب فعول نحو هرول. (3) باب فيعل نحو بيطر.(6/524)
النمر البشري
-
أن كان النمر مغرما بسفك الدماء في كل وقت فإن في البشر نمورا أشد منه وحشية وأرغب منه في سفك الدماء.
محمد باقر رجل إيراني قبيح الوجه طويل القامة احمش الساقين تظهر عليه سيماء الهدوء والدماثة وقد قارب عمره الخمسين سنة. موطنه بلد (كلتا يكان) من إيران قرب أصبهان. وكان في بلده مشهورا بالزعارة والسرقات والتعدي على من يستضعفهم. ومن زعارته أنه رأى (لمحا باصرا) امرأة جميلة مفرطا في جمالها. فأهاجت عاطفته الحبية. وأقلت نفسه المطمئنة. ومع علمه بأنها متبعلة وأن لها حليلا لا تخونه ولا تثلب شرفه وعفتها، راودها عن نفسها مرارا واحتك بها احتكاك العاشق الدنف ولكنها لم تره إلا صدوفا وتبكيتا ولما استحوذ عليه الفشل والخيبة شرع يضرب أخماسا لأسداس حتى اصطحب يوما زوجها وهو خارج من (كلبايكان) فاغتاله في الطريق ثم افترض الفرصة فتزوج امرأته الجميلة. أنه لم يقتل ذلك البري إلا لصلابة قلبه واستسهاله الولوغ في دماء بني جنسه واستمرائه إزهاق الأرواح. فما أشد وحشيته وما أعظم خطره على الناس البراء الودعاء.
ولما ضاق به بلده ونضبت موارده رزقه هاجر إلى العراق منذ سنين فاتخذ مدينة الكاظمية غاية هجرته فافتتح حانوتا قريبا من مدرسة (اخوت ايرانيان) وبدأ يبيع الفحم وبذلك صار فحاما. أن الذي ينظر إلى هذا الفحام الجديد لا يرى عليه إلا أخلاق الملابس ودمامة الوجه وسكينة الفقر والذلة والمسكنة بيد أنه كان يقضي زمانا في الذهاب خلفه بين القطرين والسبب الظاهر في ذهابه وإيابه زيارة بعض أهليه وذوي قرباه في إيران.
وكان في الكاظمية شاب وديع النفس محمود السجايا اسمه (علي) وحرفته(6/525)
العطارة من السوائل في حانوت قريب من مرقد الإمامين (موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد) (ع). وكانت بضاعته رائجة لاستمرار قدوم الزوار من إيران إذ بهم ينفق مثل هذه البضاعة. ولما منعت الحكومة الإيرانية الزيارة كسدت تجارة الشاب فقرع ظنبوبه ليجد نجاة من ذلك الضيق ويخرج إلى نجوة يستعيد بها الربح القديم ويستثيت ذلك النعيم. أنه كان خبيرا ماهرا بصناعته رفو الطنافس وإصلاح معثوثها وباليها. ولما سمع بأن الرفو في إيران
نافق رابح تأهب للسفر إليها سنة (1342) للهجرة وعند إيغاله في إيران اختار مدينة (همذان) محطا له ولعلمه واستأجر محلا وبدأ يدعو الناس إلى صناعته فيرفو لهم ما يحتاجون إلى رفوه. ثم أخذ يشتغل بالتجارة أيضاً وبذلك إنثالت عليه المكاسب وتتوج عمله بالنجاح. ولكثرة عمله استعان بشبان جعلهم تلاميذ له. وبعد مدة تزوج امرأة فأصبح رافلا بحلل النعيم مطمئنا إلى هذه الحياة النضرة القشيبة.
وفي العام الفارط جاء بغداد رجل اسمه (حسين) وهو من سكان مدينة (النجف) ومعه أربعة أحمال من الأعبية العراقية قد أعدوها ليتاجر بها في إيران وذلك العمل حرفته من الزمن السابق. لذلك ارتحل إلى إيران آملا ربحا كثيرا والرجوع إلى وطنه العراق سالما ذا ثمر.
أما محمد باقر الفحام فانه كان يبدو أمام الناس بأطوار مستغربة لأنهم يرونه يتصل بما لا يغنيه فيتحسس أخبار المسافرين إلى إيران حتى أنه ليسأل المسافر عن غاية سفره وأمله ومنزله ورفقائه ووقت سفره. أنه لتحسس يستوجب التبصر والتمحص. أما حسين النجفي فانه وافي مدينة (كرمانشاه) كان محمد باقر المذكور قد تأثره من قبل وأدركه فيها. ثم أخذ يتعرف به بالسلام والكلام وبعد التعرف به تعرفا تاما رغب إليه أن كان له ماهنا يمهنه ويؤنسه في وحشته. فرضي حسين بطلبه وامتهنه ثم وجده كثير الاجتهاد بارز الإخلاص أمينا. ومن يعلمه أن هذه الرجل طماع طماح يتوسل بكل وسيلة لتحصيل الحطام الدنيوي الذي جاد الرحمن به على غيره؟ ومن يخبره أنه يهون عليه قتل كل إنسان إذا كان وراء القتل استلاب أموال وابتزاز نقود؟(6/526)
أن كان (لاندرو) الأوربي قد اغتال عشرات النساء من أجل ابتزاز حليهن ونقودهن فإن محمد باقر يريد أن يغتال مئات الرجال للحصول على الأموال. وإن كان ذاك (لاندرو) النساء فإن محمد باقر (لاندرو) الرجال. وفي الدنيا عجائب وغرائب ومصائب. فهذا الرجل الضاري بقتل النفوس هب ليطفئ ضراوته باغتيال (حسين النجفي) وبذلك يسلبه العباءات الأربعة ولكنه بقي مترقبا الوقت الملائم لإجرام هذه الجريمة ولم يغير من نشاطه وأحواله في خدمته حسينا المذكور.
ارتحل حسين إلى (همذان) مصطحبا ماهنه محمد الذي لم ير منه إلا النشاط والإخلاص. ولقد قلنا آنفا أن (عليا) الكاظمي يشتغل في (همذان) وهي محط أعماله ومسكنه. وكانت
بين حسين وبينه صداقة وثيقة فلا بد لحسين إذن من أن يعرج على صديقه علي ويهدي إليه الهدايا التي أعدها له من العراق فنفذ عزمه بزيارته عليا وتقديم الهدايا إليه. وبهذه الواسطة تعرف محمد باقر بعلي واظهر له الاحترام والزهد والتنطس أما أحمال العباءات فإن حسينا أرسلها إلى مدينة (طهران) مع شركة سفرية. وكان محمد باقر عالما بهذه القضية ولذلك نشر شبكة دماغه ليصطاد حيلة يتوصل بها إلى ابتزاز الأحمال وإدراك الآمال. الذي ساعده على نجاحه في خسته هو أن حسينا رغب عليا في التجويل في مدن إيران فأعدا عدة السفر إلى مدينة (قم) وسافرا مرفقين محمد باقر الفحام أمانية الأخير فهي أن يغتال حسينا ويسرع إلى الشركة في طهران فيدعي أنه حسين النجفي المرسل الأحمال الأربعة وفي ذلك الفوز العظيم. وصل الثلاثة مدينة (قم) في شهر رمضان الماضي سنة (1345) أما محمد باقر فقد تمزقت مريطاء صبره وهاجت هوائج وحشيته فأعد سما زعافا من نوع (الاستركنين) كما قيل ومزجه بما يشرب منه حسين النجفي من دون أن يطلع أحد غير الرؤوف الذي هو بالمرصاد. فلما شربه البائس المظلوم أخذ يتلوى ويتضور لان السم قد اختلط بدمه العبيط فصيره نجيعا وظهرت عليه إمارات السم. ولما رأى صديقه هذا المرض الفجائي استدعى طبيبا قميا فعاده الطبيب وقبل أن يصف له الدواء افترض محمد باقر فرصته انفراده (أي انفراد الطبيب) عن على وانبرى يقول له:(6/527)
يا مولاي الطبيب أن حسينا المريض قد أكل البارحة كم حقق من الرمان وكذا مئات من التفاح وكثيرا من غيرهما لذلك أصابته (التخمة) وبذلك غش الطبيب وسخم له وجه الحقيقة فبدا اسود حالكا. في حين أن الطبيب لم يصادف معالجة مسموم من قبل هذا حتى يدرك إمارات السم في جسم حسين. وصف الطبيب الدواء فأحضر ثم تناوله المريض فتجانف إلى الإبلال مصادفة وأظهر محمد باقر الفرح العظيم واكمن الغدر الأليم ثم قرب إلى الله تعالى قربانا من الشياه مع أنه لم يعرف حرمة ولا احتراما فعل ذلك لئلا يستريب به رفيقاه والناس المطلعون. وهذه حيلة شيطانية أن لم أقل أن الشيطان لا يدركها بسهولة وما دامت قنينة السم عنده (فان حسينا لا محالة مائت) ثم وجد نهزة سانحة فسقاه السم مرة ثانية كانت عليه القاضية.
وبعد سويعات اجتثت المنون شباب حسين المزهر فغادر الدنيا فزعا إلى ربه الرؤوف
جزعا مما لاقاه من قساوة هذا (النمر البشري) طامعا في الاستئثار من خصمه الوحشي الزنيم. وكان ذلك في اليوم الخامس عشر من رمضان المذكور.
لقد شاهد علي وفاة صديقه وراقب فبكاه بدموع يمدها الألم ويسيل معها الحنان وبعد ذلك دفنه في المدينة نفسها أي (قم) تأمينا لا دائما وانفق عليه من ماله ولم يعلم السر في هذا المرض البغتي ولم يستغرب هذا الإعلال بعد ذلك الابلال. أن الثلاثة كانوا قد لاقوا أحد تجار طهران المسمى (عبد الوهاب) في مدينة قم وكان لهذا صداقة ثابتة بينه وبين الصديقين علي وحسين ولا سيما حسين وقد دعاهما إلى زيادة مدينة طهران ومحمد باقر مطلع على تلك الأمور. فقال في نفسه: (لم أقتل حسينا إلا للحصول على بضاعته المودعة الشركة الفلانية في طهران) فإذا ارتحل صديقه علي إلى طهران اخبر (عبد الوهاب) بموت صديقه الحميم حسين فيسرع ويضع يده على الأحمال الأربعة ريثما يتسلمها أهله في العراق وبذلك أمسى مبلسا مخفقا فالحزم الحزم أن اغتال عليا قبل أن يصل طهران فتصبح فريستي كأنها في بيتي.
أما علي فانه سافر بعد أيام من (قم) إلى طهران فلما وصل (حسن أباد) كان محمد باقر قد أرهقه فيها عازما على إزهاق روحه ولما رآه محمد باقر يتغدى أخذ(6/528)
يلجلج لقمة في فمه ويمضغها شديدا يستوجب الالتفاف أنه أيها القارئ كان قد اعد (مربى من الزنجبيل) ولا شك في أن طعمه حريف. ولكن المنية حركت عليا فسأله قائلا:
ما تأكل يا محمد باقر؟ أجابه (آكل مرباة من الزنجبيل طيبة الطعم كثيرة الطراوة مفيدة للبدن فهل لك إلى أن اقدم إليك قطعة جيدة لترى صدق قولي؟) فقال علي: (نعم ناولنيها) فناوله قطعة قائلا له: استرطها يا علي استراطا سريعا لئلا تحس بحرارتها ولا تلجلجها.
أنه امرؤ لعين بل لشيطان بشري عرف أن عليا إذا لجلج هذه الأكلة بفمه لم يسغها لوجود السم فيها ولذلك قال له: (استرطها).
استرطها علي من دون لجلجة أو ترديد اتباعا لنصيحة ذلك المجرم الأثيم والجاحد الزنيم وبعد ساعة أخذ العرق يتصبب من جميع جسمه ثم جرى السم في دمه فعم جسمه وهو يتضجر ويتكسر ويضطرب ويتضور. ولما أحس محمد أن وحشيته قد لاحت بوادر نجاحها احتمل (عليا) بسيارة موجها شطر بلد (الشاه عبد العظيم) فوصله ذلك النهار وكانت الآلام
قد ضغطت عليلا ضغطا مهلكا ففارق الدنيا قبل غروب الشمس في اليوم ال 21 من رمضان لائذا بربه الشفيق مستئثرا من هذا الزنديق. شعر محمد باقر بموته وهما غريبان فهب يبكي ويصيح ويعول إعوال الجريح قائلا نادبا (وا ابن أختاه! وا عزيزاه! يا قطعة كبداه! ويا حزناه!) وأرسل الدمع من عينيه مدرارا. فاجتمع الناس حوله واضطربت قلوبهم من اجله وهو لا ينفك يصرخ (يا أيها الناس! وا مصيبتاه! هذا المتوفى ابن أختي قد فقدته! وله أخ قد توفاه الموت في مدينة (قم) قبل نيف من الأيام اللهم ما هذه المصائب والفجائع؟ وما أقول لأختي في العراق التي أرسلتني خلف ولديها العزيزين لآتي بهما إليها سالمين؟) ثم يعقب ذلك بلطمات على وجهه ودمغات على هامته وبكاء طويل وعويل. أنه لعالم أن لا ينجو من هذا الموبق ولا يفوز إلا بأن يضرب أخماسا لأسداس بين هؤلاء الناس وقد(6/529)
نجح في مكره وخداعه ولم يترك سبيل ريبة تسير فيه أفكار الناس فأف له ولما ارتكب من منكرات ووحشيات فذة لا نظير لها! ووي من خسة آماله التي لا تخطر على بال!
ولكي ينفي الاسترابة به نفيا مجزوما دفن عليا في (الشاه عبد العظيم) وأقام له مأتما حزينا واظهر الحداد لابسا الحداد. وبعد إتمامه جريمته الثانية هرع إلى طهران وذهب إلى الشركة التي كان حسين النجفي قد أودعها بضاعته فادعى أمام الخازن أنه حسين المذكور له حكاية البضاعة وأوصافها ثم تسلمها وشرع يبيع منها ما تيسر له بيعه ولم يبق إلا عباءات قليلة أخذها معه حين سافر إلى بلده القديم (كلبايكان) فأعطاها أخاه ليبعها ثم آب إلى العراق فوصل الكاظمية وشرع يبيع الفحم كأنه قتل ذباباتين حقيرتين. لكنه استعد ليورط له فريسة أخرى: كان له صديق في الكاظمية اسمه (علي أكبر) يبيع الأحذية فتحسس أسراره فألفاه يملك ألفى ربية وسولت له نفسه الخبيثة أن يغدر به ويبتز ما عنده فقال له يوما:
ما لي أراك سئوما هذه الحال ذاوي الآمال ذا تجارة كاسدة وعزيمة باردة؟ فأجابه علي أكبر:
أن العمل يولد النشاط؟ فقال محمد باقر: بلى فارحل معي إلى إيران فإن الألفي ربية يصبحان أربعة آلاف وأنا كفيل بذلك الربح فانخدع هذا البائع لاعتماده على الصداقة ولاستناده إلى ظواهر محمد باقر التي على سلامة وصفاء نية.
ثم أخذ يبيع بضاعته بثمن بخس فرحا باتباع الأمل الجديد والآمال مهواة الرجال ومدعاة الأموال. ولكن هذا المغشوش قبل أن ينهي ما عزم عليه قبضت شرطه الكاظمية على محمد باقر وذلك في شهر ذي الحجة سنة 1345.
أما السبب في اعتقاله فهو أن أخبار (حسين وعلي) قد انقطعت عن أهليهما في العراق وقد مر بالقارئ انهما سكنا القبور من أجل ذلك سافر عم الأول وأخو الثاني إلى إيران يستقريان البلاد التي مر بها المفقودان استقراء عظيما ولما أحست الحكومة الإيرانية بهذه الجناية العظمية اجتهدت وتفقدت ذينك الشابي(6/530)
ن وتطلبت أسباب اختفائهما والمجرم فأوصلها البحث إلى أخيه المقيم في (كلبايكان) ومنه أخذت أوصاف محمد باقر وانه رجع إلى العراق فأشعرت أولي الأمر في العراق فقبضوا عليه كما آنفا وأرسل إلى طهران للتحقيق ولا يزال هذا المجرم الفاسق الشرير مسجونا في طهران يراوغ في جوابه عند استجوابه ولا يقر بالخبر الصحيح إلا بعد إجهاد الحكومة وذهابها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا لتعثر على موضع جرائمه وقد قال أولو الأمر في طهران (لماذا تراوغ في الأخبار وتتعب الحكومة وأنت مجرم ثابت الجرم؟) فأجاب (لأجد لي فرصة افترصها لأهرب) والقارئ يعلم أن جوابه لا يخلو من أفكاره الشيطانية الجهنمية.
أما المعروفون الذين ذهبوا ضحية هذا النمر البشري فهم سبعة أحدهم (حسن خان) الذي أخذه من الكاظمية حينما جاء من إيران إلى قبر (سلمان الفارسي) (رض) وأغرقه في القرب من قبر (حذيفة اليماني) في دجلة ثم أخذ يستغيث ويستنجد ويبكي وينوح عليه فلم يجد في جيبه ما يجاوز العشر ربيات أما الذي اغتالهم من غير هؤلاء المعروفين فالله عالم عديدهم ولا شك في انهم كثير طهر الله الناس من أمثال هذه النفس الخبيثة والوحشية التي ستلاقي جزاء وفاقا وتشرب من العذاب كأسا دهاقا إنه رؤوف بعباده.
الكاظمية: مصطفى جواد
البلشة
البلشة: تفاقم الشر بين قبيلتين إذا وقع بينهما قتيل وذلك إذا قتل رجل من قبيلة رجلا من قبيلة أخرى، فقبيلة المقتول تطالب قبيلة القاتل بدمه؛ فإذا لم يجد صلح بينهما، تعرضت قبيلة المقتول لكل من تصادفه من قبيلة القاتل دون تفريق الجاني أو غيره. فيسمى الموقف (بلشة) (وزان رحمة). وحينئذ تضطر قبيلة القاتل الضعيفة إلى الهجرة مدة نائرة العداوة؛ فإذا قتل واحد من قبيلة القاتل تكافأ الدامون، وعادت المياه إلى مجاريها. ويقال: ابتلش بالأمر: إذا ابتلى به والكلمة معروفة عند أعراب البادية، ولا سيما في أنحاء حلب وما يجاورها.(6/531)
فوائد لغوية
1 - فلتة لجلال الدين السيوطي
أن جلال الدين السيوطي مؤلف (البهجة المرضية في شرح الألفية) لما ضرب مثلا من أمثال (باب التنازع) قال (ومثاله على أعمال الثاني: قاما وقعد أخواك. رأيتهما وأكرمت أبويك. ضرباني وضربت الزيدين) ولذلك ظهر لي أن السيوطي نقل وما عقل. لان العلماء الالى أجازوا التنازع (منعوا عند أعمال الثاني أن يذكر للأول ضمير نصب غير عمدة. أي أوجبوا حذف الضمير أن كان (فضله) كضمير المفعول به المنصوب بغير أفعال القلوب والتحويل فالسيوطي مخطئ في قوله (رأيتهما) و (ضرباني) وذلك لوضعه الهاء في الفعل الأول وإبقائه الياء في الفعل الثاني وهما فضله يجب حذفها عند إهمال العامل قد أهمل من العمل بضمير لغير رفع. . . بل حذفه (أي ضمير غير الرفع) (الزم أن يكن فضله) أما الصواب فهو (رأيت وأكرمت أبويك) و (ضربا وضربت الزيدين) بحذف ضميري النصب من العاملين الأولين لأنهما مهملان ولان الضميرين ليسا بعمدة في الأصل.
2 - فلته لابن عقيل في شرح الألفية
لا نلام إذا ما اعتمدنا على أقوال العلماء فأقوالهم مقبولة ما لم تنصدم أدلتها ولا كذبها الواقع. قال ابن عقيل في شرح الألفية في باب (تعدي الفعل ولزومه) ما يأتي (فان حصل لبس لم يجز الحذف نحو (رغبت في أن أقوم) فلا يجوز حذف (في) لاحتمال أن يكون المحذوف (عن) فيحصل اللبس) فقوله (لم يجز الحذف) تطرف وتعسف إذ يجوز الحذف عند وجود قرينة معنوية بينة. فقد جاء في القرآن العظيم في سورة النساء (في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهم ما كتب لهن وترغبون أن تنكحونهن) بحذف حرف الجر من(6/532)
(ترغبون أن تنكحوهن) لوجود قرينة معنوية بينة. هي (الاستيلاء على أموال يتامى النساء من ذوات القربى إجبارا مع عدم التزوج منهن) فالحرف المحذوف هو (عن) من دون شك وإلا فكيف يلام من رغب في التزوج من يتيمة أملا أن يبقى مالها عنده وهو وليها؟ فالقرينة واضحة. ولكنها لم تبد لابن عقيل.
3 - فلتة للشيخ مصطفى الغلاييني
رغبت في أن اطلع ما كتب مصطفى الغلاييني عن (ولا سيما) فوجدته قد قال (ولا سيما مجتهد مثلك) بجر مجتهد. ثم قال (ولا سيما مجتهد مثلك) برفع مجهد. ثم قال شارحا الإعراب اسفل الصفحة (والجر على انه مضاف إلى (سي) وتكون (ما) زائدة أيضا) ثم قال (وتكون (ما) اسم موصول محلها الجر بالإضافة إلى (سي) فأقول: قد غلط الشيخ (غفر العلم غلطه) ثلاث غلطات أولاها (جعله الاسم الواقع بعد (ولا سيما) مجرورا بكونه مضافا إلى (سي) مع أنها متقدمة عليه) (فالصواب أن يقول (والجر على أن (سيا) مضافة إليه) وثانيها (إضافته (ما) إلى (سي) مع أن (سيا) متقدمة على (ما) فالصواب (بالإضافة (سي) إلى (ما) وثالثتها قوله تكون (ما) اسم موصول) والصواب (اسما موصولا) فالأول خبر (تكون) والثاني نعته الحقيقي.
والغلطات اللغوية فظيعة ولا سيما الأغلاط اللغوية في كتب لغوية.
4 - فضلا عن
قال العسكري في (جمهرة الأمثال): ليفهمها الغبي فضلا عن اللقن وجاء في المباح المنير (قال: قطب الدين الشيرازي في شرح المفتاح: - اعلم أن (فضلا) يستعمل في موضع يستبعد فيه الأدنى ويراد به استحالة ما فوقه. ولهذا يقع بين كلامين متغايري المعنى. واكثر استعماله أن يجئ بعد نفي) أه.
فأقول: أني كنت مصدقا لهذا القول ولكني على الحقيقة متورط. فقد رأيت كلاما لعرب كثيرا فيما يخص (فضلا عن) والذي ارتبطه هو ما جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد من قول معاوية يوم صفين (أن نساء خزاعة لو قدرت أن تقاتلني (فضلا عن رجالها) لفعلت) ومن قول الشريف(6/533)
المرتضى في الرد على قاضي القضاة (يجب أن يعرفه العوام (فضلا عن العلماء) فالأول من الفصحاء الأولين والثاني من الآخرين. وليس في كلامهما (تغاير معنى) و (لا استبعاد أدنى ولا استحالة فوقه) ولا (نفي) فقول أبي اسحق ابتر. ورضا صاحب المصباح بذلك القول لا مبرر له. والصواب كلام العرب لا كلام الكتب. فالفضل يستعمل بمعنى (الزيادة) في كل كلام يليق به ولا خير لنا في الجمود. وقال
العسكري (تجتنيها الخرقاء فضلا عن غيرها).
5 - طائل ولا طائل
جاء في مختار الصحاح (ويقال: هذا أمر لا طائل فيه) في التذكير والتأنيث ولا يتكلم به إلا في الجحد). ولم ادر كيف اثبت مؤلف الكتاب قوله (ولا يتكلم به إلا في الجحد)؟ فقد قال (أبو عيينه) يعرض بعيسى العباسي ابن صالح (هو صالح الذي بنى ما هدمه الروم من (ملطية) في أبان حكم المنصور) ويلوم زوجة فاطمة:
فان ظفرت كفاه منك بطائل ... فما ظفرت كفاك منه بطائل
فجاء (طائل) غير مجحود مرتين في بيت واحد. ومن سوء الحظ أني احتججت غير مرة بكلام مختار الصحاح. ولكني قد صدفت عنه صدفة طالب الصواب ولا عبرة بقول الكتاب.
6 - حصر الماضي والمضارع ب (إلا)
جاء في شرح ابن أبي الحديد قول عمر بن الخطاب (ما سألني رجل عن شيء قط (إلا تبين) لي عقله) وفيه قول رجل لعمر بعينه (ما أراك إلا تستعمل) عمالك وتعهد إليهم العهود) قلت هذا هو الصواب ومجرى الباب. أما إقحام الواو بعد (إلا) فليس على شيء من الصواب إلا إذا قصدت الحال
الكاظمية: مصطفى جواد(6/534)
باب المكاتبة والمذاكرة
الآثار العباسية
في يوم واحد (9 حزيران) تلقينا من البريد الجوي أربع رسائل وفيها ملاحظات على مقالة (الكتابات الأثرية العباسية) المدرجة في 161: 6 الواحدة من الإسكندرية، والثانية من طرابلس لبنان، والثالثة من رومة، والرابعة من لندن. ونحن نلخص كلا منها بما يأتي:
الإسكندرية - طالعت بلذة مقالة عبد الله بك مخلص عن الكتابات الأثرية العباسية في القدس الشريف. وقد قدمت عليها (لغة العرب) كلاما معطرا بالمدح والثناء ولا جرم أنها تجهل أن تلك الآثار أو الكتابات كان قد جمعها فون برشم وعلق عليها فوائد جليلة ولعل الكتاب نشر قبل أيام في مطبعة المعهد الفرنسي في القاهرة. وأنا اقدر ما يكتبه مخلص بك كما تقدره (لغة العرب) لان على ما يحرره هذا الكاتب سلامة ذوق وتتبعا دقيقا اه. طرابلس - قرأت يا سيدي في (لغة العرب) التي يحق لنا أن نسميها (حلقة الطلب)، بحثا عن آثار الإسلام في فلسطين، وتبينت أن الباحث الفاضل يذكر قضية طرقناها منذ 1892 في (المقتطف) في العدد 8 و9 من السنة 16 على ما اذكر. يومئذ ترجمت بحثا للعلامة كليرمون كانو وكان تعليقي عليه سببا لعقد الصداقة والترسل. ومع أني اطعن فيه بنقدي فقد لقيت منه - رحمة الله - ما عرف به الفرنسيون من اللطف والأدب وما امتاز به العلماء الأعلام من التواضع. ألا ليت قومنا يقلدون الفرنجة أيضاً بقبول النقد الصحيح بالرضا والقبول. ولكنا ما برحنا بعيدين عن ذلك. وفقنا الله للخير والهدى. انتهى.
رومة - طالعت في (لغة العرب) في أول الجزء الثالث من هذه السنة مقالة(6/535)
بعنوان (الكتابات الأثرية العباسية) وكنت قد طالعت ثلاثة أرباع ما فيها مقالة أدرجت في (الهلال) قبل سنوات قليلة حينما كنت في مصر القاهرة وكانت بتوقيع أحمد زكي باشا. واحمد زكي باشا نقلها ببعض تصرف عن مقالة لفون برشم وكليرمون كانو. فانتفع عبد الله بك مخلص من مقالات هؤلاء الثلاثة ولم يشير إليهم بكلمة واحدة. وعبد الله بك مخلص غير معذور في ذلك لأنه واقف على حركة ما ينشر من آثار الاقدمين، ولا سيما الآثار التي تبحث عن مآثر الأقدمين في فلسطين. . . أه.
باريس - (الكتابات الأثرية العباسية) من احفل المقالات التي وردت في مجلة (لغة العرب) وهي المجلة التي أتطلع إلى مطالعتها بكل شوق وهي المجلة الشرقية الوحيدة التي يستفيد منها أهل البحث والتحقيق. على أن تلك المقالة - والحق يقال - ليست كلها للأديب عبد الله مخلص. فأني أتذكر أن أول مجلة خاضت عباب هذا الموضوع كانت المقتطف في مجلدها السادس عشر في الجزء الثامن الصادر في أول مايو 1892 من ص 537 إلى ص 542 وفي الجزء التاسع الصادر في أول يونيو 1892 من ص 593 إلى ص 600 بعنوان أثر الإسلام في بلاد الشام. وصاحب المقالة جناب العالم المحقق جرجي أفندي يني من علماء طرابلس الذين يشهد لهم المستشرقون بالتحقيق والتدقيق - وقد استفاد من هذه المقالة بعد نحو ربع قرن الأستاذ أحمد زكي باشا المصري فنشر مقالا في الهلال (لا أتذكر الآن المجلد ولا السنة لان سني هذه المجلة ليست تحت يدي) دل أنه انتفع بما جاء في المقتطف وما نشره فون برشم التي اخذوا عنها مقالاتهم ولا ينتحلوها لأنفسهم إذ في ذلك الأمانة والإقرار بالمعروف نسبة إلى كل ذي حق حقه. ولله في خلقه شؤون. أه.
(لغة العرب) أننا لا نظن أن عبد الله بك مخلص كان واقفا على كل هذه المقالات، ولا سيما وحضرته يجهل اللغات الإفرنجية. وعلى كل حال لا بد من أنه يقول كلمته بهذا الصدد.(6/536)
الخيزران وثروتها
حضرة صاحب مجلة (لغة العرب) الغراء
تحية وسلاما:
كنتم ذكرتم في مجلتكم الشائقة الأبحاث (563: 5) ما ورد في مجلة العرفان الصيداوية (44: 14 (من قولها في الخيزران أم الخليفتين الهادي والرشيد إنها زوج السفاح وعطفتم على ذلك بالرد وأتيتم بنص الطبري في ذلك. واحسب ذلك الغلط محض خطأ مطبعي بدليل قولها (وأم الهادي والرشيد) وإنما أبوهما المهدي ابن المنصور.
ثم قلتم فيما ورد فيها عن ثروة الخيزران من ريع أملاكها يبلغ 16000000 درهم وهو قدر يعادل نصف ريع المملكة العباسية - أنكم لم تجدوا مؤرخا ثقة ذكر ذلك واستفهمتم عن عمدة (العرفان) فيه.
وقد انتظرنا عسى أن نرى لأحد الكرام الكاتبين كلمة في ذلك الموضوع حتى دخلت مجلتكم
في سنتها السادسة الجديدة وورد العدد الأول ثم الثاني وليس فيهما شيء عن ذلك. ولم يتح لي الاطلاع من (العرفان) إلا على ذينيك الجزأين فما أدري أأجابت أم كانت من الساكتين فرأيت أن أدلي إليكم بما لدي إذ كنت ابحث في ترجمة الخيزران. ولا جرم أن (لغة العرب) أوسع انتشارا من أن تكون خاصة بما بين النهرين وما حولهما.
قال المسعودي في مروج الذهب (وكانت غلة الخيزران مائة ألف الف وستين ألف الف درهم) (207: 2) من الطبعة المصرية ببولاق سنة 1283هـ و (289: 6) من الطبعة الباريسية المشفوعة بترجمة الكتاب الفرنسية ل (بربي دومينار) سنة 1871م فليقابل بما في (العرفان) مع التنبيه إلى أن ذلك إحصاء تقريبي لا يصح أن يعتمد عليه كل الاعتماد كما هو الشان.
أما كون تلك الغلة - وهي في اللغة (الدخل من كراء دار وأجرة غلام وفائدة ارض) - سنوية فهو من زيادات جرجي زيدان في تاريخ التمدن الإسلامي (134: 2) كما زاد أن ذلك القدر (نحو نصف خراج المملكة العباسية لذلك العهد) ولعله اعتمد على إحصاء للخراج.
عن رباط الفتح - عاصمة المغرب الأقصى -
ابن خلدون الصغير(6/537)
الدانشمندية لا الدانشمندذية
سيدي الفاضل:
ذكرتم في كتابكم الفوز بالمراد في تاريخ بغداد (ص 4): والدانشمندذية (أي كابر السادة). والذي أظنه هو أن الكلمة: الدانشمندية نسبة إلى (دانشمند) الفارسية ومعناه العالم.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي
(ل. ع) تصحيحكم في محله وفي كتابنا هذا أغلاط طبع كثيرة كنا ذكرناها لمن تولى طبع الكتاب فلم يعبأ بها فنشكركم على تصحيحكم.
مير السيد علي لا مير سعيد علي
ورد في هذه المجلة (8: 5): مير سعيد علي والذي اعتقده هو أنه مير سيد علي. وهذا الاسم بهذه الطريقة شائع في إيران. وضم سعيد إلى علي غير مسموع لحد الآن في إيران
نعم بضم محمد إلى علي وحسن وحسين وغيرهما، ولو قيل أن عليا اسم والد مير سعيد قلنا أن ضم اسم الوالد إلى الولد غير موجود في إيران بخلاف الأقطار العربية كالعراق ومصر وسورية وغيرهما. هذا كله فضلا عن أن اسم سعيد في إيران نادر جدا.
(ل. ع) إنكم مصيبون في نقدكم ونشكركم على ما صححتموه.
الفقير والمسكين
كنت أنقب في مظان البحث عما يؤيد رأيكم من كلام للراسخين في العلم وهو الرأي الذي ذكرتموه في هذه المجلة (230: 5) فحصلت على بغيتي في تفسير سورة البقرة للإمام الحسن بن علي العسكري إذ وجدته يقول عند شرحه للآية (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذوي القربى واليتامى والمساكين): أما قوله عز وجل والمساكين فهو من سكن الضر (وفي نسخة أخرى مسكن الضر) والفقر حركته.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي(6/538)
أسئلة وأجوبة
جمع معجم
س - مصر - ص: كيف تجمع (معجم) وهل لكم شاهد على ما تقولونه
ج - تجمع معجم على معاجم وهو قياسي. ودواوين اللغة لا تذكر دائما القياسات لزومها الوجه الأقوم. فقد قالوا في جمع مطرف ومصحف ومخدع ومجسد: مطارف ومصاحف ومخادع ومجاسد إلى غيرها.
ارم أو أرام لا آرام
س - تلكيف (العراق) - يوسف هرمز: لماذا تقولون ارم (بكسر ففتح) ولا تقولون آرام (بالمد) وأيهما الأصح؟
ج - العرب لم تقل في كتبها آرام بالمد، بل ارم كعنب. ومنه إرم ذات العماد في سورة الفجر. ومعلوم أن القرآن لا يذكر إلا افصح الألفاظ. ويقال فيها ارام بالفتح كسحاب.
أما آرام بالمد فغلط صريح لان صاحب القاموس يذكر (ارم وارام كعنب وسحاب) ولا يذكر آرام بالمد كخاتام كما لم يذكر ذلك أحد من اللغويين.
اختلاط العرب بالرومان أو اللاتين
س - البصرة - ع ب: متى اختلط العرب باللاتين؟
ج - اختلطوا منذ اقدم العصور واقرب عصر إلينا ذكره مؤرخونا هو عصر الجاهلية فإن الغساسنة وهم من اقحاح العرب كانوا يدينون للرومان (للاتين) وكان قد دان للرومان قبلهم الضجاعمة وهم من سليح، فاخرجت غسان سليحا عن ديارهم وقتلوا ملوكهم وصاروا في موضعهم (راجع تاريخ أبي الفداء 76: 1 من طبعة الأستانة وتاج العروس في مادة ض ج ع م). ومن العجب أنكم تسألون ذلك. وبيدكم (شهادة من متقن الحقوق البغدادية) أفما كان يجدر بكم أن تطالعوا ذلك في أي كتاب تاريخ كان، حين تلقيكم علم التاريخ أو(6/539)
أخبار الأمم؟
ألا تعلمون أن كان للرومان في ديار العرب كورة عرفها التاريخ باسم (الكورة الرومانية)؟ تلك الكورة التي بدأت في عهد دولة ملخس الثاني (في نحو سنة 45 وعلى رأي آخر في
سنة 48 للميلاد) وثبت بأيديهم في سنة 105 ثم امتد ظل صولجانهم فيها في عهد الغساسنة ولم يتقلص منها إلا عند فتوح الإسلام فكان آخر أمراء بني غسان جبلة بن الايهم في نحو أواخر المائة السادسة للمسيح؟
ألا ترون من هذا أن الرومان أو اللاتين خالطوا العرب مدة ستمائة سنة وانتم تقولون: متى اختلط العرب باللاتين؟
ألا تعلمون أن في لغتنا ألفاظا لاتينية (رومانية) جاءتنا من ذلك العهد مثل قنطار ودرهم ودينار وبلان ودمستق وقيصر ووقية وحقة ورطل وقيطس وقمس وقنديد وانبراذور (انبراطور) إلى غيرها وانتم تقولون: متى اختلط العرب باللاتين؟
الملقمة لا الملغمة
س - جامعة عليكره في الهند: جاء في لسان العرب، لابن مكرم، في مادة ح ب ر ج هذه العبارة: ابن الأعرابي: الحباريج طيور الماء الملعمة (وضبطها ضبط قلم بضم الميم وفتح اللام وشد العين المهملة المفتوحة وفتح الميم وفي الآخر هاء) فلم أفهم معناها وبحثت عنها في المعجم نفسه في مادة لعم، فلم أجد لها ذكرا، فهل لكم أن تفيدونا عن معناها.
ج - الذي يبدو لنا من سياق العبارة أن الكلمة محرفة، واصلها (الملقمة) بقاف مشددة مكسورة وهي الطيور التي تلقم فراخها تلقيما. ولا تزقها زقا كما يفعل اللقلق والحبروج وغيرهما من طير الماء.
حمم
س - بروسل (بلجكة) ما احسن كلمة عربية تقابل الفرنسية في الكلام عن الشعر أو النبات أو نحوهما.
ج - حمم (بتشديد الميم) قالوا: حمم الرأس نبت شعره بعدما حلق.(6/540)
باب المشارفة والانتقاد
رد على رد العقاد
قرأت في (عدد 15 يونيو) من (البلاغ الأسبوعي) الأغر ردا للأستاذ العقاد، بعنوان (نقد غريب)، على نقدي ديوانه لأخير. ولا أدري لماذا كان نقدي غريبا؟ ألكوني تجرأت على نقد ديوان الأستاذ، وهو الذي يخشى الناس معرة لسانه، فيتجنبونه لئلا يصيبهم رشاش من شتائمه التي يقذفها على من يتصدى لنقده؟ أم هناك سبب آخر أجهله؟ على أن الأجدر بالأستاذ أن يثوب إلى نفسه ويقرع الحجة بالحجة، شأن العلماء، فلا يحنق، ولا يتهور، والذي لا يحترم الناس فالناس لا يحترمونه.
وقد صدر رده على نقدي بفقرات ادعى أنها من كتاب أرسل به إليه الشاب الأديب (اكرم احمد) منها قوله: (فحبذا لو أعرضت عن هذه الوشايات، وقابلتها بفضل وفصول تكتبها عن اللباب، ديوان الزهاوي الجديد، ويتبعها الزهاوي بفصل أو فصول يكتبها عن ديوانك، فينقطع بذلك القيل والقال) إلى آخر ما هنالك، ودعوت الأديب (اكرم احمد) واريته صدر مقالة الأستاذ العقاد فبهت الشاب متعجبا ما وقع من التحريف في كتابه:
ثم أنه أراني مسودة ما كتبه وإذا الفقرة بهذا النص: (حبذا لو نقدت اللباب ديوان الزهاوي نقدا نزيها من الأغراض، ونقد هو كذلك ديوانك نقدا نزيها فاستفاد الأدب من نقديكما) إلى غير ذلك. وليس في كتابة (اكرم) كلمة (الانتقام) ولا جملة (فينقطع) بذلك القيل والقال).
ولعل الأستاذ عبارة الأديب (اكرم) بنصها فأخذت هذا الشكل الذي يوهم ما يوافق هوى الأستاذ العقاد أن يذيع عن الأستاذ الزهاوي.
وسواء أصدقت مسودة اكرم، أم صدق الأستاذ العقاد، وكذب اكرم، فذلك ليس بالمهم. إنما المهم رد الأستاذ على قسم من نقدنا، وإهماله قسما مع(6/541)
أن ما أهمله راجع إلى المعاني، وفيه ما يتعلق بالألفاظ والتراكيب. فما سر ذلك؟ أيريد أن لا يرى قراء (البلاغ الأسبوعي) إلا ما يعتقد الأستاذ أنه قد وفى فيه حق الرد؟ أم ماذا؟
ولا أريد أن أخرج في ردي عليه عن جادة النزهة وان خرج هو عنها، لاعتقادي أن المهاترة سلاح العاجز، وإن التهور لا يكسب صاحبه الحق، إنما الحجة وجدها السلاح
الماضي في مثل هذه المواقف، وأنا لا أنكر أن الأغلاط العربية يمكن توجهها بوجه من الوجوه، فإن باب التعليل في النحو واسع حتى انك لا تكاد تجد خطأ لا يؤول. ولكني أتطلب من الشاعر أن يأتي (بالفصيح المشهور)، لا بالنادر المهجور؛ فيتجنب الضرائر القبيحة، والتعقيد، وهذا هو الفرق بين الشاعر الفحل و (غيره).
قال يجيب عن نقدي قوله:
قطب السفين وقبلة الربان ... يا ليت نورك نافع وجداني
(أسال صاحب لغة العرب من الذي قال أن الفرضة من الفرض يجب أن تدخلها كل سفينة في الأرض ليصح أن يقال فيها أنها قطب السفين). أه.
واحسن جواب عن سؤاله هو إعادة كلمتي وهي: أن كان يريد فرضه خاصة فهذه ليست قطب جميع السفن، وقبلة كل ربان كما يفهم من الإطلاق). فهل في عبارتي هذه ما يفهم منه أن الفرضة العامة يجب أن تدخلها كل سفينة في الأرض؟
وإنما المراد أن الفرضة العامة ما يجوز أن تدخلها كل سفينة، والفرضة الخاصة ما لا تدخله إلا سفن خاصة فيظهر من هذا أن لا وجه لإيراد الكعبة وبيت المقدس مثالين. ولا أعتقد أن الأستاذ يعتقد أن (اللام) في السفين والربان للعهد الخارجي أو الذهني فلا يبقى إلا الجنس والاستغراق.
أما الاستغراق فواضح. وأما الجنس فانه لا يناسب المقام.
ثم أني قسمت ما عسى أن يكون مراده إلى شقين: أحدهما قولي أن كان يريد فرضه خاصة، فهذه ليست قطب جميع السفن، كما يفهم من الإطلاق، وإن أراد الفرضة عامة، فما أدخل وجدانه في هذا الصدد؟ ولكن الأستاذ رد(6/542)
على شق واحد، وسكت عن الشق الثاني، ولعله يريد مهلة للتفكير في أيجاد وجه لدخول وجدانه في الصدد!!!
ورد على قولي: يزجي يتعدى بنفسه لا بالباء قائلا (يزجي هنا متضمنة معنى يدفع، وانه كما يصح أن يقال دفعه ودفع به، يصح كذلك على هذا المعنى أن يقال؛ أزجاه وأزجى به).
على رسلك يا أستاذ! فإن (دفع به) كذلك لم يجئ إلا إذا توسعا فقلنا: الباء زائدة. على انك، يا أستاذ، لم تفهم بعد التضمين، فإن الشرط في التضمين أن يكون معنى الفعل المتضمن - بالكسر - غير معنى المتضمن - بالفتح - ولكنه يتصل به من بعض النواحي، لا أن يكون
مرادفه في المعنى، كما بين (أزجى ودفع) مثال ذلك: (حمد) فانه يتضمن معنى أنهى فيتعدى مثله (بالى) فيقال أحمد إليك فلانا أي انهي، وكقوله: (يخالفون عن أمره) فانه يتضمن معنى يعدلون، ولذلك يجوز تعديته بعن، وقوله: (لاقعدن لهم صراطك المستقيم) فانه يتضمن معنى: لا لزمن. ولذلك جاز تعديته بنفسه وبقوله: (ولا تعزموا عقده النكاح) فهو يتضمن معنى لا تنووها، فعدي مثله. وفي التضمين يقصد معنى الفعل بالأصالة، ومعنى ما تضمنه بالتبع، وهذا ما يدلك على وجوب المخالفة إلا في بعض النواحي.
وأجاب عن قولي في نقد البيت:
أمسيت إحداق السفائن شرع ... صور إليك م البحار روان
(ولو نصب (شرع) على الحالية لخلا البيت من تتابع الأخبار بكلام فيه غرور وتهكم كما هو عادته، فقال (أن مجي الحال من المبتدأ لا يجوز إلا في اضعف الأقوال) فأقول:
نعم، لا يستحسن النجاة مجيء الحال من المبتدأ، ولكنهم لم ينكروا مجيئه في النثر والنظم كقولهم - وهو ما يستشهدون به -: (هذا بسرا خير منه رطبا) وقول الشاعر: (لمية موحشا طلل) ومثله مجيئه عن الخبر كقوله: (هذا بعلي شيخا) وقوله: (وهو الحق مصدقا لما بين يديه) فضلا عن أن مجيئه عن المضاف إليه كثير كما في بيت الأستاذ، إذا نصبنا (شرع) جاعلين إياه حالا(6/543)
عن السفائن.
وأما ما أورد من الآيات القرآنية لإثبات تتابع الأخبار فنحن لم نمنع ذلك على أن ما جاء في هذه الآيات بمثابة النعوت المتتابعة وإن كانت في صور الأخبار كما لا يخفى على (ذي النظر النافذ) بخلاف بيت الأستاذ ونحن لم نستقبح تتابع الأخبار إلا في بيت الأستاذ لما تستوجبه هذه الأخبار من الشطط فإن (شرع) في البيت جمع شارع بمعنى المتسدد أو المرتفع؛ والتسدد أو الارتفاع مناف لقوله (صور) فالصور جمع الاصور وهو المسائل المعرج والإحداق لا تتسدد إلى الشيء أو ترتفع إليه وهي مائلة معوجة، إلا إذا كان صاحبها احول. . .!!! وقد نقدت البيت:
يشكو من الدنيا الأولى لولاهم ... ما كانت الدنيا تحب وترغب
بقولي: ورغب فعل لازم لا يبنى منه المجهول إلا بحرف الجر، ورغب لا يحذف منه حرف الجر، لأنه يتعدى بحرفين مختلفين (فيه وعنه) ويختلف بموجبها وهنا لم يجب
الأستاذ عن جوهر النقد وهو اتخاذ المجهول من اللازم بل تشبث بالعرض، وهو حذف الجر بعد رغب وقد جاء يشاهد من القران وذكر بيتا أورده ابن هشام وكلاهما شاهدان على حذف حرف الجر على (أن) وليس كلامي في هذا، فإن حذف حرف الجر على (أن) بالتخفيف (وأن) بالتشديد قياس، وأما حذفه من رغب فذميم يستقبحه كثير من أئمة اللغة ونحن إنما نحاسب الشاعر على ما يأتيه غير فصيح (وان كان قد شاركه من تقدمه في ذلك).
ورد على نقدي الشطر: (عسوفا إذا ما الخوف قد كان احزما) وهو قولي: (ولا تجمع (قد) للتحقيق والشرط، فلا يقال: إذا زيد قد أتاني لان الشرط مشكوك في وجوده فلا يناسبه التحقيق) فقال: (أصبت لولا (إذا) تستعمل للشرط في حالة التحقيق بخلاف (إن) التي تستعمل للتشكيك (؟!!!) فأقول: أن (إذا) ظرف للمستقبل، تضمن معنى الشرط ومعناها أن الجزاء يتحقق الشرط، فإذا كان هناك تحقيق فهو تحقيق الجزاء عند ثبوت الشرط والأستاذ لم يدخل (قد) على الجزاء، بل على الشرط، وهو ينافي الشرطية(6/544)
كما بينا؛ أما إدخال (قد) على الجزاء فكثير ولا منافاة فيه. ومن أمثلة ذلك قول الشاعر:
إن كنت ريحا فقد ... لاقيت إعصارا
وإن صدق الأستاذ في ادعائه اجتماع الشرط و (قد) فيأتنا بمثال من القرآن أو ببيت قيل في الجاهلية أو الإسلام، وإلا فليسكت، ولا يرفع عقيرته مجهلا لمن يدله على الصواب.
ثم أتى الأستاذ بسند من الشعر على مجيء أمر الغائب بصورة المخاطب، وهذا لا يدل على أنه الفصيح، وأما الآية القرآنية فإن قراءة (أبي) لا تستلزم مرجوحية بقية القراءات بل بالعكس تدل بقية القراءات على ضعف قراءة (أبى).
ونحن لم ننكر دخل لام الأمر على المخاطب بتاتا، بل أنكرنا إدخال (الفصحاء) لها، فقد قلنا لا يدخلها (الفصحاء) على المحاطب والبيت الذي استشهد به الأستاذ:
إذا جن جنح الليل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافا أن جيراننا أسدا
قد نصب فيه خبر (إن) فلماذا لا ينصب الأستاذ خبر (إن) في أبياته قياسا على ما جاء في هذا البيت؟ أليس ذلك لان الذي يخالف الجمهور ليس (بفصيح)؟
وأما البيت:
دهر يدور صباحه ومساؤه ... متعاقبان على مدى الأيام
فقد قلنا في نقده: (الأولى جعل صباحه فاعلا ليدور ونصب (متعاقبان على الحالية) ولكن الأستاذ أبي وطلب منا الدليل على أولوية ما ذكرنا والدليل هو القاعدة المرعية، وهي قول ابن الناظم في شرح ألفية أبيه: (وان كانت الجملة الحالية اسميه فإن لم تكن مؤكدة، فالأكثر مجيئها بالواو مع الضمير ودونه، كقوله تعالى: فلا تجعلوا لله أندادا وانتم تعلمون، وقوله تعالى:
ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت؟)
فإذا لم نجعل (صباحه) فاعلا ليدور، كان مبتدأ خبره (متعاقبان) وتكون الجملة حالا من فاعل يدور، وهي غير مصدرة بالواو
وكنت نقدت البيت:(6/545)
يرفلن في الحسن القشيب كأنما ... البسنه يبقى مدى الأيام
قائلا: الصواب (كان ما) ليعود ضمير يبقى إلى (ما) فشدد الأستاذ علي النكير واخذ يجهلني قائلا: (هل رأى القراء عالما باللغة العربية يجهل أن (ما) بعد (كأن) تكون كافة عن العمل ولا تكون موصولة في حيثما ترد؟)
مهلا أيها الأستاذ فانك لم تعرف إلى الآن أين تكون (ما) كافة، وأين تكون موصولة فقد (علمت شيئا وغابت عنك أشياء) فاعلم أن (ما) بعد (إذا) لا تكون إلا زائدة وهي بعد (أن وكأن ولكن)، تكون زائدة كافة عن العمل وحينئذ تكتب متصلة وتكون موصولة وحينئذ تكتب منفصلة وإذا جعلنا لها وبقي (يبقى) من غير فاعل فيا أيها الأستاذ! أن الخطأ ليس بعيب، ولكن الإصرار عليه هو الغيب. وكنت أزد أن تجل نفسك عنه!!!
وكنت نقدت البيت:
وتسلبني نورا أراك بوحيه ... فاظهر ما أخفى سواد الدياجر
فقلت: وكان عليه أن يقول: كنت أراك بوحيه فانه في الحال لا يراه فقال: (فهل يدري أحد لماذا أجاز لنا أن نقول (تسلبني) عن الماضي ولم يجز لنا (أراك) بدلا من كنت أراك) والجواب: أن البيت مقول على لسان الأعمى وهذا الأعمى مسلوب منه النور في الحاضر، كما سلب منه في الماضي، فصح القول: (تسلبني) ولكن ليس الأمر كذلك في (أراك) فإن
الأعمى في الحاضر لا يراه بالنور، فهل فهمت أيها (الأستاذ)؟!!
ونقدت البيت:
يهم ويعييه النهوض فيجثم ... ويعزم إلا ريشه ليس يعزم
فقلت: وكان الصحيح أن القول: إلا ريشه فهو لا يعزم، أو إلا أن ريشه ليس يعزم، فإن (ريشه) مستثنى منصوب، فلا يصح أن يخبر عنه بقوله (ليس يعزم).
فقال يجيب الأستاذ وليته لم يقل: (ألا يجوز أن تكون (إلا) بمعنى لكن، وإن يكون ما بعدها جملة مركبة من مبتدأ وخبر؟ اعلم، يا هذا، أن(6/546)
هناك شيئا يسمى الاستثناء المنقطع، وراجع باب الاستثناء يفتح الله عليك الأبواب) وخلاصة الجواب أنه يجعل (إلا) بمعنى (لكن) وليس في معاني (إلا) (لكن)، وقد بسط معانيها ابن هشام في المغنى، ومنها العاطفة بمنزلة الواو في التشريك في اللفظ والمعنى كقوله في آية (لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم، ثم بدل حسنا بعد سوء) أي ولا من ظلم وزاد ابن هشام قائلا: على أن هذا رأي بعضهم والجماهير على إعراب ما بعدها مستثنى منقطعا.
أما الأستاذ فقد جعل (إلا) بمعنى (لكن) فأخرجها عن الاستثناء وجعل ما بعدها مستثنى منقطعا فأرجعها إلى الاستثناء وقد عرفت أن جعلها بمعنى (واو) العطف يقتضي التشريك في اللفظ والمعنى، ولا يتصور في البيت التشريك فإن (يعزم) مثبت و (ريشه) قد نفي عنه العزم بقوله: ليس بعزم أما جعل ما بعد (إلا) مستثنى منقطعا، فلا يزيل الاعتراض، فإن (ريشه) الذي هو منصوب على الاستثناء سواء أكان متصلا أم منفصلا لا يجوز أن يخبر عنه بليس يعزم.
ثم أراد الأستاذ أن يوجه (رنق) في بيت له كنا قد نقدناه، فأراد ما قاله صاحب اللسان في (رنق): الترنيق كسر الطائر جناحيه من داء أو رمي حتى يسقط، وهو مرنق الجناح، إلى غير ذلك من معاني الترنيق ونحن لا ننكر أن للترنيق معاني كثيرة ولكن ننكر أن يكون الصرصور قد طار طيرانا خفيفا وهو مكب على الأرض). على أن الطائر إذا رنق من رمي، فلا يطير طيرانا خفيفا بل يسقط أو يطير طيرانا ثقيلا.
ونقدنا قوله:
أكان للمرء أيما أرب ... في الصبر لولا كوارث الزمن
فقلنا: ليس من الصواب جعل (أيما) وهي للاستفهام اسما لكان المصدر كذلك بهمزة الاستفهام ثم أن (أي) لها صدر الكلام، فلا يجوز من هذا الوجه أيضاً جعله اسما لكان.
فقال الأستاذ: (ما رأي (لغة العرب) في قولنا لها: لم نر أي خطأ ولم يزعم أي أحد ما تزعمين. أهذا كلام صحيح أو غير صحيح؟)
والجواب: (غير صحيح) وقد أخذ في السني الأخيرة بعض الكتاب(6/547)
يستعملون (أي) في غير موضعها خطأ منهم في العبارتين السابقتين والصواب في العبارة الأولى (لم نر خطأ) وفي الثانية: (ولم يزعم أحد).
وكنا نقدنا قوله (لست على الصبر مزريا) فقلنا لان (أزرى) يتعدى على الفصيح بالباء، فقال: (لم نعرف أحداً غيرها يجترئ هذا الاجتراء، وينكر تعديه أزرى بعلى وهي في كل كتب اللغة تتعدى بها كما تتعدى بالباء) ويرى القراء من عباراتنا أنا لم نجترئ على إنكار عديها بعلى إنما قلنا يتعدى على (الفصيح) بالباء وإذا كان هذا اجتراء فليمسك بتلابيب ابن سيده وصاحب لسان العرب فإن الأخير قال: (قال ابن سيده عليه قليلة) وتلابيب صاحب القاموس إذ قال: (كأزري عليه لكنه قليل) وتلابيب صاحب الصحاح إذ قال أزريت به ولم يشر إلى وجود أزريت عليه.
ديوان العقاد
- 4 -
وقال ص 83 (وغبن الشاعرين شديد) وهو يريد الشعراء وقال (عليها من حلاه نضود) وجمع النضد انضاد لا نضود، وقال:
تجمعت الأضداد فيه فحكمة ... وحمق وقلب ذائب وجمود
كأنه أحس بما في شعره من تناقض فأراد أن يعتذر عن نفسه عادا إياها من الشعراء وهيهات!!! وقال:
وأقصى مناه في الحياة نهاره ... وأدنى مناه في الممات خلود
وما أكثر ولع الأستاذ بالصناعات البديعية فتراه يهزأ بالحقيقة ليتم له الطباق بين الحياة والممات و (أقصى وأدنى) ومتى كانت الذي أبعده مناه عيش يومه شاعرا خالدا؟! وقال من
قصيدة (الورد) ص 91:
وغرد هاتف الأطيار لما ... جلا البستان عن خدر العروس
لا افهم معنى (جلا البستان عن خدر العروس) يقال جلا عن فلان الأمر بمعنى كشفه وجلا العروس على بعلها بمعنى عرضها عليه مجلوة فهل يريد كشف البستان عن خدر العروس عن ذكر المفعول وقال:(6/548)
نديم الكأس طف بالروض تنظر ... غصون الورد مترعة الكؤوس
وفيه ثمالة لم يودعها ... من الأفراح كرم الخندريس
الضمير في (فيه) لا يعود إلى الكأس لأنها مؤنثة فأين هذه الثمالة التي يتكلم عنها بقية ما في الكأس؟ ولعله راجع إلى الورد ولكن غصون الورد مترعة الكؤوس كما في أول البيتين ولا يقال لما كان مترعا (فيه ثمالة) (!!!)
وقال ص 92:
جنى الفردوس إلا أن فيه ذكاء ... النار والجمر القبيس
ولم يجئ القبيس إلا بمعنى الفحل السريع الالقاح فلا محل لإيراده في البيت وقد ظن أنه فعيل بمعنى مفعول من قبس فهو يريد الخمر المقبوس.
وقال:
وتتركنا كما نشأت وطابت ... كرام الطبع بالوادي الجديس
وقد شرح الجديس بالجدب ولم يجئ الجديس إلا اسما لقبيلة كانت في الدهر الأول وأما الذي جاء بمعنى المجدب فهو الجادس وقال:
لو أنا قادرون لما هفونا ... إلى غير المحاسن والروس
والطروس لم تجئ هنا إلا للقافية ثم تأتي أرجوزة (رحلة إلى الخزان) ص 93 واكثر معانيها غامض وليس فيها ما يجذب نفس السامع نضربنا عنها صفحا.
وقال من قصدية (عيش العصفور) ص 97:
مغردا قط ما تواني ... مرفرفا قط ما استقر
قدم (قط) على فعل الماضي في الشطرين وذلك ليس بالفصيح ولا أتى بمثله شاعر (فحل). وقال:
كخفة الطفل في صباه ... لكنها خفة العمر
أراد كخفة الصبي ولكنه قال (كخفة الطفل في صباه) كأنه يدفع ما عسى أن يتوهم القارئ أن الخفة خفة الطفل في رضاعه أو في شبابه أو كهولته ثم قال: (لكنها خفة العمر) والضمير في (لكنها) راجع إلى خفة ولا أعرف أهي خفة العصفور أم خفة الطفل. فإن كانت خفة العصفور فليست هي خفة العمر بل خفة نوع الطائر. وإن كانت خفة الطفل فما هذا الاستدراك؟ احسب أن من القراء من يزعم أن خفة الطفل هي غير خفة الصبا. وقال:(6/549)
يقارب السحب ثم يهوى ... يبشر االروض بالمطر
ما أوصل العصفور بالسحاب وقد كان بين الأغصان يتنزى والمعروف أن القبرة هي التي تصعد إلى علو مغردة ثم تهبط وقال:
ويستحث الرياح ضربا ... بخافقيه فتبتدر
لله ما أهول المطايا ... واضعف الراكب الأشر
جعل الريح مطيه العصفور وتعجب من هول هذه المطية ومن ضعف راكبها - العصفور - وأي ضعف في طائر يستحث الرياح ضربا بخافقيه فتبتدر الرياح كما ادعى في أول البيتين؟ وقال:
(ولا خلا الروض من ثمر) والروض لا يثمر في كل المواسم. وقال:
من عاش يوما أو بعض يوم ... يعلم ما ضربة القدر
قد يعيش الطائر وغيره شهورا وسنين ولا يعلم ضربة القدر.
وقال من قصيدة (أحكام الموتى) ص 99.
ستغرب شمس هذا العمر يوما ... ويغمض ناظري ليل الحمام
جعل الحياة شمسا للعمر وقال ستغرب ويجئ ليل الموت فيغمض ناظري وما أغنى الشاعر العصري عن كل هذه الاستعارات!!! وقال:
فهل يسري الى قبري خيال ... من الدنيا بأنباء الأنام
ويمسي طيف من أهوى سميري ... ويؤنس وحشتي ترجيع هام
واحلم بالزواهر دائرات ... وبالزهر المنور والغمام
والجواب على استفهاماته هذه كلها: (كلا) وقال:
ألا ليت النيام هناك تحظى ... بأحلام كأحلام النيام
إلى آخر ما تمنى وهي مثل تمنيات الأطفال. وقال من قصيدة (الموت في الكرى) ص 100:
أبصرت بالموت في الكرى ... عميان لا يخطئ العدد
أراد بالعميان الأعمى ولم يجئ وهو من لغة العوام. وقال:
كف من الثلج أن جرت ... في جاحم النار تبترد
أراد بتبترد (تبرد) وتبترد بمعنى تغتسل بالماء البارد وهذا غير مراده وهو(6/550)
يفسد ما أراده. وقال
يا مطعم الدود بالصبا ... لا الدود تبقى ولا الجسد
والباء في (بالصبا) زائدة وقال:
تنسى الذي نام في الثرى ... ولست تنسى الذي ولد
لا تطرق الناس في الكرى ... سلطانك القبر فابتعد
والذي ينسى الذي نام في الثرى ليس سلطانه القبر. وقال من قصيدة (شهرزاد):
فله طلعة بها أجل الغيد ... رهين يستنجز الموعودا
فما اسخف البيت!!! وقال ص 101:
ما جلوها إليه بالليل إلا ... أتلع الموت في الصبيحة جيدا
يريد ما زفوها في الليل إلا ماتت في الصبح ولكن انظر أي طريق وعر سلك في بيان أنها ماتت في الصباح، والصواب (جلوها عليه) يقال جلا العروس على بعلها: عرضها عليه مجلوة. وقال:
جذلا كان صغوه لا غراما ... وجد الآن قلبه المفقودا
وما أرك لفظ هذا البيت واسخف معناه!!!
وهناك أبيات على هذا النمط ما عليها صبغة شعرية. وبينما هو يقص علينا قصة شهرزاد والرجل الحقود على النساء القاتل لهن إذا به يقول في بيتين: (السحر آيتان فمن يملكها يملك الملوك عبيدا) ثم بين الآيتين بقوله:
يستبي القول ساحرات الغواني ... والغواني تسبي القؤول المجيدا
وهو يظن أنه ينثر الحكمة أو يجئ بفلسفة جليلة!!! ثم قال:
أيتا فتنة تصاد وتصطاد ... فآنا صيدا وآنا صيودا
وليست الآيتان تصاد وتصطاد بل الذي يصاد ويصطاد هو الرجل الحقود والغانية وأما الآيتان فهما القول الخادع وجمال الصورة وقال ص 103 من قصيدة:
نحن في هذه الحياة حيارى ... حار والله كل قلب وحيد
ولا أريد أن اصدر حكمي على هذا البيت، إنما اعرضه على القارئ ليصدر حكم نفسه عليه. وقال من أرجوزة (حديقة البرتقال) (نزة عن تصوح(6/551)
وعري) ولا أدري أيقسم التصوح إلى سهلي ووعري.
وقال من قصيدة (قدوم الشتاء) ص 106:
تسير الكواكب سير الحذر ... ويرجف في الجو نور القمر
وما في مشهد الكواكب في الشتاء ما يدل على أنها تسير سير الحذر ولا في منظر القمر ما يفهم منه أن نوره يرجف أما القمر فلا يرجف نوره في الصيف والشتاء وأما الثوابت فإن ما يشاهد من اهتزاز أنوارها لا يختص بموسم دون آخر واظهر فرق بين الثوابت والسيارات أن الأولى يهتز نورها والثانية لا يظهر في نورها هذا الاهتزاز. وأما السبب في الاهتزاز الظاهر للثوابت وعدمه للسيارات فليس هنا محل بيانه. وقال:
وللشمس مشية مستكره ... يساق إلى منظر لا يسر
والأستاذ ظن كلمة (مستكره) وقد شكلها بفتح الراء - بمعنى مكره واستكره الشيء بمعنى عده أو وجده كريها وهذا لا يناسب المقام. وقال:
ينادي بأن الربيع اندثر ... ولكن لا يقال أن الشتاء غدا بالأثر
يقال إذا قدم الشتاء إن الربيع أندثر ولكن لا يقال أن الشتاء غدا بالأثر فإن (غدا) بمعنى ذهب غدوة وكيف يصح القول أن الشتاء ذهب وهو قادم؟
وقال:
فيا منظرا مونقا للرياض ... تأنق فيه الربيع العطر
لقد أنكرتك عيون الشتاء ... ويا حسن ما أنكرت من صور
كما أنكر الشيخ من مجلس ... تداعى الشباب به للسمر
بعدما بين أن الزهر عند قدوم الشتاء طائح يتقلب في الأرض كالمحتضر وأن الطيور أخذت تهجر الرياض شرع يمدح منظر الرياض المونق في الربيع ويذكر أن عيون الشتاء تنكر هذا الحسن كما ينكر الشيخ مجلس الشباب وهل يجتمع الشتاء والربيع لينكر حسنه كما ينكر الشيخ مجلس الشباب؟!!
وقال من قصيدة (الوداع) ص 108 وقد عربها عن بيرنز بعد أن ذكر القبلة والفراق والعناق وانه سوف يبكيها ويدعوها في الليل بالأنين:
كيف يشكو من عثرة الجد ظلما ... من محياك نجمه الالاق
كأنه يقول أن شكايتي ليست في محلها فإن محياك نجمي المؤتلق الذي(6/552)
لا يغيب عن نظري طيفه. ثم قال:
بيد أني درجت في ظلمة اليأ ... س فحولي من الظلام نطاق
ولا أدري كيف غاب عنه طيف المحيا الالاق فدرج في ظلمة اليأس وضرب حوله نطاق من الظلام وقال:
من رآها فكيف يسلو هواها ... يعشق القلب إذ ترى الإحداق
ولم استحسن جعل (كيف) وهي للاستفهام جوابا للشرط فهلا قال في الجواب: (فليس يسلو)؟ و (إذ) الزمانية تختص بالماضي فلا يجوز قوله (إذ ترى) والقصيدة لا تهز سامعها ولعلها في اصلها بديعة غير أن الأستاذ لم يحسن تعريبها وهذا دليل على صعوبة ترجمة الشعر بالشعر مع المحافظة على الروعة.
وقال في ثاني بيتين مستقلين باسم (خف العيش).
وان الموت إذ يأتي ... ك لا يلفيك موجودا
وقد تقدم أن (إذ) الزمانية تختص بالماضي. وقال من قصيدة (هذا لماك) ص 109:
أدنى لثغري من يدي ... وكأنه نهر المجرة
شبه لمي (حبيبه) بنهر المجرة؟ فما أوسع فمه!!! وقال:
أن الشفاه شهية ... أما إذا اشتهيت فمرة
ولماذا؟ وقال من قصيدة (رائش لا يتعب).
ليت الذي يرمي القلوب بلحظه ... رام يريش فيعتريه لغوب
يقال راش السهم بمعنى الصق به الريش ولا أدري لماذا يعتري الذي يريش السهم تعب. قال:
يا من يعيب على الفراش طياشة ... نحن الفراش فما تراك تعيب؟
ولم يجئ مصدرا لطاش إلا الطيش. هلا قال (يا من يعيب على الفراشة طيشها). وقال أبيات باسم (السعادة) ص 111:
أن الشقي الذي لا صنو يشبهه ... وللأصاغر أشباه وأمثال
جعل (الذي) خبرا لان وهو يلتبس بالنعت للشقي. وقال:
(ومن علا عنه ساءت به الحال) و (علا) لا يتعدى بعن يقال علاهم(6/553)
بمعنى ارتفع عليهم. وقال:
أن السعادة تحت الأرض معدنها ... لا يطلب السعد من آوته الجبال
ولا أدري أية سعادة هذه التي معدنها تحت الأرض. أيريد الذهب أم ماذا؟
وقال من قصيدة (الوردة) ص 113 وقد ترجمها من قطعة للشاعر الإنكليزي وليام كوبر:
فما كان اقساني لقد فاض روحها ... وطارت بدادا في التراب إلى الدفن
يريد بكلمة (بدادا) متفرقة و (بداد) بمعنى المتفرق مبني على الكسر فلا يجوز فيه النصب بالفتح والتنوين قال الشاعر: (والخيل تركض في الصعيد بداد) وأما البداد بالفتح فهو بمعنى الرباز والأعداد والأقران وبالضم فهو بمعنى النصيب وبالكسر فمصدر باد القوم بمعنى أخرج كل إنسان شيئا من النفقة في السفر ثم يجمع فينفقونه بينهم أو مصدر باده بمعنى باعه معرضة.
ثم تأتي قصيدة (يا قمر) ص 114 وقد أجاد فيها كل الإجادة.
له بقية
68 - منهج السنة الدراسية الأولى لكلية الطب العراقية
جامعة آل البيت
بغداد طبع في مطبعة الحكومة سنة 1928 في 23 ص عربية و17 ص إنكليزية
متقن الطب عندنا حديث أنشأته الحكومة العراقية في سنة 1927 أما قبل الحرب فلم يكن
في ديارنا شيء من هذا القبيل ولا ما يقارنه وكان أبناء العراقيين يذهبون إلى بيروت أو إلى ديار الغرب لدرس علم الطب، فاليوم أصبحنا في غنى عن تغريب أولادنا.
وهذا المنهج يدل على أن الطب في سنته الأولى يدرس بكل إتقان. وفيه ذكر العلوم والفنون التي تلقى فيه مع أسماء الأساتذة الذين يعنون بتلقينهم إياها للطلبة. ولا جرم أن هذا المتقن يوغل في التعليم كلما تقادم عهده ومرت السنون عليه. فنتمنى له الرقي الدائم والنجاح الثابت!(6/554)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
المؤتمر الدولي السابع عشر للمستشرقين في اكسفورد سنة 1928.
بناء على القرار الذي صدر في الاجتماع الأخير للمؤتمر الدولي السادس عشر للمستشرقين الذي عقد في أثينة سنة 1912 اقترح أن يكون انعقاده السابع عشر في أكسفورد، وبناء على ذلك تتخذ الآن التدابير اللازمة لهذا الغرض في أكسفورد في الأسبوع الذي يبتدئ في 27 أغسطس (آب) سنة 1928 وقد تألفت لجنة التنظيم برئاسة الأستاذ ف. وتوماس مدرس السنسكريت في اكسفورد وقد وضع الترتيب التالي لتأليف المؤتمر:
الرئيس: اللورد تشلمرس.
اللجنة العامة: أعضاء مجلس إدراة معهد اللغة الشرقية في اكسفورد.
اللجنة المنظمة: الرئيس: الأستاذ ف. و. توماس.
الأعضاء: الأستاذ د. س. مرجوليوث الأستاذ و. ا. سوتسهل. الأستاذ س. هـ. لنجدون - الأستاذ ف. ل. جريفث - المستر ج. ر. در يفر أمين الصندوق والسكرتير المستر ك. ن. سادون.
وتبتدئ أعمال المؤتمر يوم الاثنين 27 أغسطس (آب) سنة 1928 وتنتهي جلساته يوم السبت أول سبتمبر (أيلول) وتعقد الجلسات في المعهد الهندي ومباني الكلية المجاورة وترتيب الأعمال في اجتماعات عامة واجتماعات قسمية.
ورتب الاجتماعات القسمية ترتيبا وقتيا كما يلي:
1 - علم البحث في الجنس. مباحث السلالات البشرية. علم الآثار القديمة قبل التاريخ. علم الأساطير القديمة قبل التاريخ. علم الأساطير القديمة وخرافات البشرية.
2 - علم اللغة الآشورية ومواضيع مختلفة. العراق القديم وآسية الصغرى.
3 - مصر وأفريقية.
4 - آسية الوسطى وآسية الشمالية مع التيبت (التبت).(6/555)
5 - الشرق الأقصى. العند الصينية. مالينزية وبولينيزية.
6 - الهند وإيران لغات الهند الأوربية في آسية.
7 - العهد القديم والأدب الخ في الإسلام.
9 - الفن الشرقي.
وستقرر اللجنة توزيع الأوراق على الأقسام المختصة بها وستبذل اللجنة كل ما في وسعها لكي لا تقرأ الأوراق ذاتها في وقت واحد.
وستكون الأقسام تحت مراقبة رؤسائها وسيكون لها سكرتيرون خصوصيون وستكون اللغات المعترف بها في المؤتمر الفرنسية والألمانية والإنكليزية غير هذه وجب عليه أن يستأذن رئيس القسم المختص.
يؤمل أن الاشتراكات التي وصلت تكون كافية لطبع إجراءات المؤتمر وفي هذه الحالة يحق لكل عضو أن يدفع اشتراكا كاملا للحصول على نسخة منها.
قيمة الاشتراك الكامل في العضوية هي جنيه إنكليزية ويحق للأخطاء أن يأخذوا تذاكر لأفراد عائلتهم بنصف قيمة الاشتراك ولهؤلاء الحق في جميع الامتيازات المخولة للعضوية عدا الحصول على نسخة من النشرة التي تشتمل على إجراءات المؤتمر. وعلى الذين يرغبون الانضمام إلى المؤتمر أن يرسلوا بقيمة اشتراكهم إلى أمين صندوق المؤتمر الدولي للمستشرقين وعنوانه كما يلي:
وترغب اللجنة المنظمة أن تدعو بهذه النشرة كل من يهمه الاشتراك في هذا المؤتمر وإن يتكرموا بعضده.
وترجو من الأعضاء أن يقدموا ما لديهم من المطبوعات والمخطوطات التي تهم المؤتمر.
2 - عودة السيد توفيق البكري
عاد إلى القاهرة بعد غياب طويل (17 عاما) في سورية لأسباب طويلة سماحة السيد توفيق البكري الشاعر الناشر المشهور، فرحب به الأدباء في مصر ترحيبا جما وقد نشرت (المقطم) حديثا دار بينه وبين الأستاذ لطفي بك جمعة في شؤون شتى دل على تعافي السيد توفيق مما ألم به. فنهنئه نرجو استئناف جهوده القيمة لخدمة لغة العرب وآدابها بعلمه
وجلده وغيرته.(6/556)
3 - مصر والشيوعية
جاءتنا الصحف المصرية بالبريد الأخير فإذا بها تمتاز بجملة سفيهة منظمة يحملها عباس أفندي العقاد المحرر في صحيفة (البلاغ) التي تصدر بالقاهرة على الدكتور محمد حسين هيكل بك، رئيس تحرير صحيفة (السياسة) المشهور بدعته ومكارم أخلاقه. ثم تبع ذلك ادعاء العقاد هذا بأن في مصر مأجورين لزعماء الشيوعية في موسكو، وانهم يحاربون قوميتهم تحت ستار تمهيدا للشيوعية، فكان بذلك خير معوان للصحافة الإنكليزية التي تحارب توثيق العلاقات التجارية بين مصر وروسية.
وقد سخفت (السياسة) هذا الرأي بقوة، وأظهرت من طرف خفي أن غرض العقاد إنما هو النيل من زملائه الأدباء المجددين المنتصرين للمبادئ الأممية، وللأفكار الإنسانية العامة، التي ينادي بها (ولز) و (شو) وإضرابهما! وهكذا تكون نزهة الحكم والتفكير والقيادة الأدبية وإلا فلا! وإذا لم يخطئ استنتاجنا فنحسب أن العقاد يريد الإساءة إلى سلامة موسى. و (لغة العرب) ليست من عشاق سلامة موسى أولا: لآرائه المتطرفة الجنونية أحيانا، وثانيا: لما نعده من اباحاته الكثيرة إساءة إلى لغتنا العدنانية الشريفة، ولكننا لن نتدنى إلى مثل هذا الاتهام الخطير الذي يلقيه العقاد جزافا لحاجة في نفسه هي حسده لمنافسه وحقده عليه. ونصحتنا إلى سلامة موسى أن لا ينسى ذكره في قائمة عظماء مصر إذا ما عالج هذا البحث مرة أخرى في المستقبل فيريح ويستريح، وحسبنا نحن أن نقول أن رجلا كالعقاد ينحط هذا الانحطاط في أساليبه النقدية إنما ينتحر وهو لا يدري، وليس يضيرنا بعد ذلك إذا حاول الإصغار من قدر (لغة العرب) من جهود صاحبها في جيل كامل والنفاق معا والحق أنه لولا رياءه هذا لكان لنقده شوقي بك زعيم المحافظين قيمة ولكن الناس عرفوا نفاقه وحسده وكبريائه المصطنعة، التي شرحها زكريا أفندي جزارين في كل من (السياسة) و (المهذب) شرحا علميا نفيسا، فأعرضوا عنه، وهكذا أساء العقاد إلى قضية التجديد في الأدب، كما أساء إلى نفسه والى من حف به.(6/557)
4 - العرب ومؤسسات روكفلر
قررت مؤسسات روكفلر إدخال ستة طلاب من العرب على نفقتها في جامعات أميركة لتلقي علومهم فيها، وقد وزع هذا كما يلي: 3 من العراق، و 2 من سورية و 1 من فلسطين.
5 - حمعية طبية في حيفا
نظم الأطباء العرب في حيفا جمعية عليمة طبية لسانها اللغة العربية، وانتخبوا لها الدكتور إبراهيم زعرب رئيسا والتحق الأطباء الثلاثة الأجانب في حيفا وهم إنكليزية وإيطالي وألماني بهذه الجمعية.
6 - بريد المكلا
طبعت حكومة المكلا طوابع بريد من جنسين، ووصلت إليها أدوات البريد، وستشرع عن قريب في تنظيمه بين البلاد القعيطية، وتريم، وسيون.
7 - وفاة الشيخ محمد أمين عالي باش أعيان العباسي
كانت الوفاة نهار الثلاثاء 29 أيار في يوم عيد الأضحى في البصرة وكان المرحوم نائب البصرة ووزير الأوقاف سابقا. وعمره يناهز الستين. وله مقالة في لغة العرب 57: 3 إلى ما بعدها و 128 وما يليها استمد منها جميع المستشرقين الذين كتبوا عن العراق. وكذلك فعل من الفئات عن العراق. وقد اشتهر المرحوم بمساعدته لهذه المجلة بعمله وقلمه وماله رحمه الله رحمة واسعة!
8 - نافع الاورفة لي
انتقل إلى دار البقاء فجأة في 4 حزيران وكان قبل موته بساعات يجول في الحاضرة منهمكا في أمور الانتخابات والترشيحات. وقد ظهر للأطباء الذين فحصوه أنه (من المحتمل أن يكون مات مسموما).
9 - لجنة مشروع المنازل في العاصمة
الفت وزارة الداخلية لجنة خاصة لمشروع المنازل قوامها معالي وزير الداخلية (رئيسا) والمستر بري مستشار وزارتي الزراعة والري والأشغال والمواصلات وسعادة أمين
العاصمة وسعادة مدير الصحة العام وسعادة المفتش الإداري للواء بغداد.
وقد اجتمعت اللجنة في وزارة الداخلية وقررت أن تبين المنازل الجديدة في الأراضي الأميرية. وقد صرف النظر عن البناء في جهة الكرخ وتم الاتفاق على تشييد المنازل في محل عال بين الكرادة الشرقية وسكة حديد خانقين على أن تؤكد إدارة الري أن المحل مصون من أضرار الفيضان.(6/558)
10 - حفلة الضباط الجدد
أقامت المدرسة العسكرية الملكية العراقية في الحاضرة حفلة ذكرى لإخراج ثاني صف من التلاميذ ضباطا للجيش العراقي. وجرى عرضه في ميدان عرض المدرسة في الكرادة الشرقية في الساعة السادسة ونصف من صباح السبت 30 حزيران وحضر الحفلة صاحب الجلالة ملكنا المعظم فكانت من أبدع ما جاء من نوعها. فنهنئ الضباط الجدد بهذا الفوز المبين.
11 - كيف تتنصل حكومة الحجاز من تبعة أعمال الإخوان
من غريب ما جاء في جريدة (أم القرى) وهي الصحيفة الرسمية الصادرة عن لسان ابن سعود ما يأتي نشره بحرفة نقلا عن العدد 169 وهي:
نشرنا من قبل بعض القول عن الخلاف القائم بين نجد والعراق في الأيام الأخيرة، ولا تزال نرى بعض الصحف وعلى الأخص العراقية منها توجه اللوم على نجد وحكومته متناسية ما كان من العراق في جنب نجد من سوء. وربما تبع صحف العراق بعض الكتاب من العرب الذين لا يعلمون حقيقة الإساءات المتتابعة التي كانت من العراق وشرقي الأردن على نجد، والتي من أجل وضع حد لها كانت مقررات المحمرة ثم بروتوكول العقير ثم مؤتمر الكويت ثم معاهدة بحرة ولو أن من في العراق وشرقي الأردن حافظوا على العهود التي قطعوها ولم يخلو بشروطها لما رأينا هذه الحوادث المريعة بين العراق ونجد هذه الأيام وأنا نسرد هنا للقراء نص المواد العهدية التي وردت في مقررات المحمرة وبروتوكول العقير ومعاهدتي بحرة وجدة والتي نقضتها حكومة العراق وحكومة شرقي الأردن ونترك للمصنف الحكم بعد ذلك:
(1) - جاء في فقرة (ب) من المادة الأولى لمعاهدة المحمرة المنعقدة في 7 رمضان سنة 1340 ما يأتي: (انه نظرا لقرار (أ) عشائر المنتفق والضفير والعمارات يرجعون إلى العراق وشمر نجد إلى نجد. . . الخ) فكان بعد ذلك أن عادت عشائر المنتفق والضفير والعمارات إلى العراق وبقيت شمر نجد في العراق تشن الغارات في كل وقت وحين على قبائل نجد ولم تنقطع غزوتها حتى هذه الأيام، وقبل بضعة أسابيع نشرنا في (أم القرى) خبر غزوة المائق من شمر على جهات الجوف وفتكه ببعض(6/559)
الرعاة الضعفاء وسلبه ثلاث رعايا من الإبل ثم أعادت الكرة على جهات الجوف أيضاً وسلبه منها ثلاث رعايا أخرى (ولشمر نجد المتلجئة إلى العراق حديث طويل عن سبب التجائها وغاية الذي يحميها في العراق من حمايته لها وما سبب التجاء الأشرار من هذه القبيلة من كوارث ومحن بين نجد والعراق وليس هذا محل التفضيل في هذا الشان).
(2) - جاء في المادة الثالثة من بروتوكول العقير ما يأتي: (تتعهد الحكومتان كل من قبلها أن لا تستخدم المياه والآبار الموجودة على أطراف الحدود لأي غرض حربي كوضع قلاع عليها وإن لا تعبئ جنودا في أطرافها) أما حكومة نجد فقد منعت البناء مطلقا على الرقعى والحفر ولينا وغيرها لما طلب منها الترخيص بالبناء على هذه المواقع ولكن حكومة العراق لم تبال بالعهد المقطوع فبنت الحصن المشؤوم على بصية والتي قامت القيامة الأخيرة بين نجد والعراق من اجله وفصلنا كل شيء وقع من أجل ذلك في إعداد سابقة.
(3) - جاء في المادة الأولى من معاهدة بحرة المنعقدة بتاريخ أول نوفمبر سنة 1925 ما يأتي:
(تعترف كل من دولتي العراق ونجد أن الغزو من قبل العشائر القاطنة في أراضيها على أراضي الدولة الأخرى اعتداء يستلزم عقاب مرتكبه عقابا صارما من قبل الحكومة التابعة لها وإن رئيس العشيرة المعتدية يعد مسؤولا) وقد وردت هذه المادة بنصها في معاهدة جدة المنعقدة بين نجد والحكومة البريطانية النائبة عن شرقي الأردن وكانت فيها المادة الخامسة. ولكن ما قول المنصفين، إذا كان قد بلغ قيمته ما نهبته قبائل شرقي الأردن من قبائل نجد عن طريق الغزو في أراضي نجد بما في ذلك تقدير ديات القتلى بما لا يقل عن مائتي الفئات جنيه ولا تقل تلك الغزوات عن ثلاثين غزوة وكان من بدو العراق غزوات عظيمة
لا تقل مقدار الخسائر التي لحقت نجدا بسببها عن مائة ألف جنيه، ورغم ما جاء في المادة المذكورة ورغم احتجاجات حكومة نجد وتحذيرها من نتيجة التمادي في هذه الخطة فلم يقصر الغزاة عن إجرامهم وشرورهم كما أن حكومة العراق وحكومة شرقي الأردن لم تؤدبا مجرما من أولئك المجرمين حتى ولا بعتب ولا لوم.
(له تلو)(6/560)
العدد 62 - بتاريخ: 01 - 08 - 1928
الأب جوزيف بوشان
جوزيف (يوسف) بوشان، فلكي فرنسي ولد في فزول (في فرنسة) في سنة 1752، وتوفي في نيس (فرنسة) عام 1801، وهو ابن أخي ميروده دي بور أسقف بابل (بغداد) على اللاتين.
دخل في سنة 1767 في رهبانية البرنرديين وصادق لالند الذي خرجه في علم الفلك، وبرح عام 1781 فرنسة ذاهبا إلى الشرق، لينضم إلى عمه الذي كان قد سبقه إليه بل ذهب إليه ليتفرغ في ديارنا الشرقية لعلم الفلك متتبعا ذوقه الذي كان يحدو به إلى التوغل فيه وفي علم البلدان.
فزار حلب الشهباء، وبغداد الزوراء، والبصرة الفيحاء (سنة 1784) وإيران (1786) ثم آب إلى فرنسة سنة 1790. وفي مدة السنوات العشر أمد بوشان أستاذه لالند بأرصاد مختلفة مهمة وبملاحظات نفيسة. ورسم له خريطة لمجرى دجلة والفرات على طول 1. 200 كيلو متر، وخط خريطة أخرى لبحر الخزر (أو بحر قزوين) وأهدى إلى الأبيل برتلمي صورمبان وكتابات ورقم وأنواط عديدة جميعها عن بابل، كما أتحفه بكتب عربية خطية اشتراها في ديار الشرق.(6/561)
وفي سنة 1776 أرسل إلى مسقط (عمان) قنصلا فعني بإصلاح الأوهام التي ارتكبها بعض العلماء بخصوص الخرائط التي تتعلق بالبحر الأسود (؟ لعلها الأحمر) وفي سنة 1798 دعاه بونابرت إلى مصر ثم عهد إليه بعد ذلك بأن يذهب إلى الأستانة لمهمة سياسية علمية (سنة 1799)، فقبض عليه الإنكليز وهو في البحر وأسلموه إلى الترك بحجة إنه جاسوس. ولم يتحرر من الأسر إلا قبيل موته أي في سنة 1801 في الوقت الذي عينه القنصل الأول (معتمد الصلات التجارية في لشبونة) (برتوغال).
كان بوشان عضوا في المعهد (الانستيتو) الفرنسي ومراسلا لمحفى العلوم. وقد أدرج اغلب ملاحظاته وأعماله في (مجلة العلماء) الفرنسية في سنة 1785 إلى سنة 1793. وفي (الديكاد الفلسفية) وفي (الجريدة المعلمية) (الجرنال الانسكوبيدي) الخ.
ودونك أهم ما كتبه: رحلة من بغداد إلى البصرة على طول الفرات، ورحلة إلى فارس (في
سنة 1787) ومذكرات في العتائق البابلية، وخواطر في أخلاق العرب إلى غيرها.
وفي ختام هذه الترجمة ننقل هنا ما جاء في المشرق (9: 190) بعنوان (مرصد كاثوليكي قديم في بغداد).
أفادنا حضرة الأب بطرس دي فراجيل (اليسوعي) إنه قرأ في كتاب تاريخ الرياضيات للمؤرخ منتلوكا (1758 - 1802) في الطبعة الثانية (ج 4 ص: 567): أن السيد دي بوشان نائب القاصد الرسولي في بابل، كان طلب في القرن الثامن عشر من المجمع العلمي في باريس على يد العلامة الشهير لالند آلات فلكية لرصد النجوم في بغداد، فأجاب المجمع العلمي إلى ملتمسه، وارسل له (أي إليه) المارشال دي كستري عدة آلات رصدية. فبنى دي بوشان مرصدا جميلا سنة 1786، وأرسل إلى المجمع العلمي بنتيجة أرصاده الفلكية إلى سنة 1789. وكان المرصد مبنيا بالآجر، وموقعه عند الجسر، ومنه بقايا تعرف إلى اليوم ب (رصد خانة)، يلحق به بناء آخر يعرف ب (درس خانة).(6/562)
وكان دي بوشان وضع على بابه تاريخ بنائه الذي ذكرناه وهذا حرفه (باللغة اللاتينية):
1786
(لغة العرب) وهذه ترجمة الكتابة في لغتنا: بنى هذا المرصد الأب جوزيف دي بوشان، عاقب بابل (أي النائب العام لأسقف بابل)، وأقامه في بغداد مجددا آثار الكلدان والعرب. وذلك من جود الملك الممعن في النصرانية (أي ملك فرنسا) وجود وزيره دي كستري، وجهزه بالآلات المختلفة وأهداه إلى اورانية المعبودة (الفلكية) والى عاشقها المحبوب كل الحب دي لالند وذلك في سنة 1786م. أهـ.
ونزيد على ما تقدم أن سجلات ديرنا تحافظ على زيج (جداول فلكية) بخط يده وعلى أوراق أخرى تتعلق بماحث فلكية وبلدانية.
ومن الغريب إننا سألنا بعض قدماء الأدباء عن المرصد ومحله وما بقي منه فلم يستطع أحد أن يذكر لنا عنه شيئا فسبحان مغير الأحوال!
الجعل
من غريب صنع صاحب (البستان) إنه كثيرا ما يقدم المعنى المجازي على المعنى الحقيقي وهو صنع استقبحه علماء اللغة في كل عصر ولاسيما في هذا العصر. والأصح أن يقدم الأصل على الفرع كما تسبق ساق الشجرة أفنانها. فقد قال مثلا في مادة ج ع ل: الجعل كصرد، الرجل الأسود الدميم أو اللجوج وقيل هو الرقيب وكل ذلك على التشبيه ودويبة سوداء تكون في المواضع الندية. . . أهـ.
قلنا: نعم، أن مثل هذه العبارة ورد في معاجم اللغة، لكن صاحب تاج العروس اصلح هذا العيب بقوله: (والأصل فيه دويبة سوداء. . . فصحح بهذا العمل ما أفسده الأقدمون الذين سبقوه. فلو اقتدى به صاحب البستان لما لمناه. لكن الرجل ناقل والناقل كالحاقن، وقد قيل في هذا: (لا رأي لحاقن).(6/563)
الشك في الشعر الجاهلي
-
شرارة نار انبثقت في بقعة جرداء، تناولت كل ما جاورها، فأصبحت شعلة عظيمة، هكذا الإسلام ظهر في بقعة صغيرة من جزيرة العرب، فانتشر هذا الانتشار الهائل، وما هي إلا سنوات قلائل، بل ما هي إلا غمضة عين في جفن التاريخ، إذا هو انبث في سوريا، افتتح مصر، اخضع المغرب، أذل الأندلس، دانت له أقاصي فارس، وأطراف الهند، واستولى على أواسط آسيا ولاطم أواسط فرنسا أيضاً، وجميع البلدان التي امتد إليه لهيبه - أمر لم يرو التاريخ مثيلا له، وأندفع العرب في الأثر، فملكوا وأعنزوا وصاروا إلى شيء لم يكن ليخطر لهم بالمنام، ولم يحلم به أجداهم والأباء، وإنما تمكنوا من الدخول إلى هذه البلاد والتسيطر عليها وكانت جميعها في أسوأ حالات الاضطرابات الداخلية التي كانت ترهقها إرهاقا وتستنزف دمها وقتئذ. ففي سورية هرقل لاه بالمجادلات الدينية والمباحثات الفلسفية وفي مصر الشقاق ضارب إطنابه بين القبط والروم والمغرب سادته المنازعات الداخلية، وأسبانية. أرهقتها التحزبات والخصومات بين الملك والأمراء وفارس هدت قوتها الحروب المتوالية، وهكذا أقول عن باقي الشعوب والدول، التي استعمروها، وأنى لهذه البلدان وهذه حالتها، أن تقف في وجوه هؤلاء الغزاة؟ وهذه العصبية الوثابة في الصدور وتلك النار المتأججة في القلوب!!! فهجموا واستولوا عليها وكانت لهم لقمة سائغة وما تربعوا في دست الحكم إلا أخذتهم عزة الملك وأنفة السلطة وارتاحوا من الحروب وهدأت أعمال الفتوحات وانقضى عهد الخلفاء الراشدين لأنه في أيام هؤلاء ما كان أحد يقدر أن يقف في وجههم ولا يعاندهم معاند. ومن تجاسر وأهان العرب أيامئذ أو عيرهم بماضيهم، فما كان الجواب سوى ضربة من هذا السيف، فهو فصل الخطاب، وفضلا عن ذلك كانت العرب تأخذهم عصبية الإسلام، فما كانوا يلتفتون إلا إلى إعلاء شأوه ورفع مناره وبسط ظله(6/564)
فلما انقضى هذا الزمن وظهرت دولة بني أمية، تلك الدولة التي أعلت شأن العلم عند العرب، أفاق هؤلاء الغزاة من كبوتهم، فإذا هم صفر الأيدي من الآداب، وفي بلاد تفوقهم في الرقي والإمعان في التمدن. لأنها كانت مارست جميع العلوم ونبغت في جميع فروعها وعقدت لها رايات الأولية في أكثريتها، فتنبهوا وعلموا أن لابد لهم أن يجاورهم في هذا
المضمار وألا فليس أمامهم إلا أن يرجعوا من حيث قدموا ثم لا تقوم لهم قائمة بعدئذ، فنظروا إلى الخلف فإذا الإسلام أمامهم وفتوحاته، وما صنعوا في سبيله وما بذلوا لأجله وبه يمكنهم أن يتفاخروا بما فعلوا ولكنهم لقرب العهد به لم يشاءوا أن يتخذه كوسيلة للمفاخرة، فنظروا إلى أبعد من ذلك إلى قبيله فإذا الماضي اغبر لا يبشر بشيء فما هم صانعون؟ أحوالهم ومحيطهم تدعوهم إلى أن يثبتوا لمحكوميهم أنهم قوم كانوا ذوي مدنية ورقي، وانه بشر بالإسلام بينهم قبيل ظهوره وغير ذلك ولكن ليس لديهم مستندات ولا كتب! هنا وقفوا حيارى! أي شيء ينيلهم مبتغاهم؟ ليس لهم طريق آمن من الشعر! فعمدوا إلى الرواة والمختلقين وحثوهم، فذكر الرواة ما يعلق بالفكر وتفنن المختلقون فاختلقوا أشعارا وأحاديث كثيرة، والشعر هو أقرب واسهل ما يتمكن به المرء لإخفاء معايبه وإبداء محامده، وهكذا عمدوا إلى الشعر، وطرقوا بابه، فوجدوه مفتوحا ميسورا.
لا يحمل القارئ كلامنا هذا على غير محمله ولا يظن إننا ننفي وجود ما يدعى بالشعر الجاهلي، كلا! بل أننا بالعكس نؤكد وجوده وإن يكن فيه بعض تحريف مهم وتلاعب. وقد قلنا أن العرب لم يعمدوا إلى المختلقين فقط بل إلى الرواة الصادقين أيضاً ولا ينكر الشعر الجاهلي إلا من كان على عينيه غشاوة وفي أذنيه وقروا بعقله تعصب، كما إننا لا ننفي وجود كثير من الشعر المنتحل، لأن أولئك المنتحلة انتحلوا الشيء الكثير منه وعليه فقد وجب الشك فيه وكما أسلفنا فقلنا أن الشك في ما رواه الرواة نتيجة لازمة لترقية البحث العلمي فإن بين العلماء في أوربا الآن من يقول أن الإلياذة والأوديسة ما كانت إلا جملة أبيات أما الباقي فقد نسج خيوطه بعض القصاص بل أن منهم من يذهب إلى أن(6/565)
هوميروس نفسه لم يوجد إلا في مخيلة أولئك الرواة وإن الكل انتحال. ولماذا هذا؟ لأن شعر هوميروس هذا يشبه الشعر الجاهلي في إنه لم يكن مكتوبا بل قصه الرواة بعد زمن هوميروس. كل هذا مع ما بلغه الإغريق القدماء من المدنية وأنشئ في تاريخ آدابهم من الكتب الكثيرة الضخمة، فكيف إذن بالشعر الجاهلي؟ وليس بين أيدينا تاريخ ممتع كامل لآدابه العربية؟ فإن ما يدعى عندنا بتاريخ الأدب العربي، ما هو إلا طائفة من المعاني وبعض من أخبار وتاريخ الشعراء والأدباء جمعت (بعضها إلى بعض بغير فقه ولا احتياط ولا دقة!) فالواجب يقضي علينا بالشك في أكثرية الشعر الجاهلي لما قدمنا من الأسباب
ولأسباب أخرى دينية. ولما كان من التنافس بين الأنصار والقرشين وإن بعض الرواة كحماد وخلف الأحمر وغيرهما لم يكن لهم من هم سوى الكسب والفخر!. . . وسنأتي ببعض أمثلة من الشعر الجاهلي في معرض كلامنا.
ومما يزيد فينا الشك هذه الكثرة المعروفة من الشعر الجاهلي وأننا نعلم أن كثيرا منه مفقود كما يخبرنا كتبة العرب أن جزءا كبيرا منه فقد على أثر فتوحات الإسلام بموت كثير من الرواة ومنع تداول ذكر جزء آخر يخالف معتقدات الإسلام أو يمس النبي أو صحبه بشيء، فهذه لو بقيت ولم تصادفها تلك العثرات المزعومة لوجدنا بين أيدينا طائفة كثيرة منه ولاحتجنا إلى مجلدات ضخمة!!! نعم! لا ننكر إنه منع تداول بعض شعر وقصائد، لامية بن أبي الصلت والحطيئة وغيرهما، وهذا من الثابت لدينا، فإن الأول عارض النبي الحنيف وناصبه العداء فوقعت مشادات كثيرة بينهما والثاني ناجز خلفاء وأصحاب النبي. أفليس هو صاحب:
أطعنا رسول الله إذ كان بيننا ... فيا لعباد الله ما لأبي بكر!
أيورثنا بكرا إذا مات بعده؟ ... وتلك - لعمر الله - قاصمة الظهر!
فكان من دواعي ذلك أن أمر بعدم ذكر قصيدة بها أي تعريض بالنبي أو صحبه وإنما ما بقي لنا من أمثال هذه القصائد تناقله بعض الخوارج فوصل إلينا ونحن نشك بقول هؤلاء الكتبة إنه وجد ذلك القدر الهائل الذي ليمحون إليه. وهذا بقطع النظر عما يلمحون إليه من أشعار أمية بن أبي الصلت وأمثاله(6/566)
من الثائرين على الدين فجميع أشعارهم يحصر في كتاب. وكيف لا نشك في ذلك القدر الموهوم؛ بينما نحن لا نؤمن بكل ما لدينا لما نرى بين سطوره من رقة الشعور الفائقة والإحساس الزائد عما يحتاج إليه أولئك الأعراب فلو أتاني امرؤ وسألني لمن هذان البيتان:
لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم ... ولا ارتضيت سواكم في الهوى بدلا
لكنه قد لها في من يعذبه ... فليس يقبل لا لوما ولا عذلا
ما ترددت لحظة في نسبتها لعمر بن الفارض فإنها تشابه شعره كثيرا ولم يكن ليخطر لي على بال إنها لعنترة بن شداد (على حد قول الرواة) وهو أعرابي جلف لم تصقله المدنية. بلى أن عنترة اشتهر ببعده عن بذاءة الألفاظ وحوشي الكلام: وأمتاز دون أكثر شعراء
الجاهلية برقته ورشاقة تعابيره ولكن مهما يكن لا تبلغ به الرقة إلى هذا الحد وبين هذه الكلمات ترى آثار الصنعة والتلاعب، ألم يبلغ بالرواة أن نسبوا لامية بن أبي الصلت هذه الأبيات:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا ... بالخير صبحنا ربي ومسانا
رب الحنيفة لم تنفذ خزائنها ... مملوءة طبق الآفاق سلطانا
ألا نبي لنا منا فيخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس محيانا. الخ
فهنا نراه يتطلب نبيا. مع أننا عرفنا إنه من الذين حاربوا النبي وعادوه، فالرواة اختلقوا هذه الأبيات والصقوها به كي يدعوا مجالا للظن أن أمية قد تنبأ بظهور نبي حين أرتجاه ويعتقد به، وإنما معاداته للنبي ما هي إلا لأسباب شخصية بحتة بينهما. فهذا الاختلاق هو من ضمن الأسباب الدينية التي قلنا إنها دعت الرواة إلى الانتحال فهم أرادوا أن يظهروا للملأ إنه تنبأ بالإسلام ويبعث نبي عربي من مكة أو من قريش قبيل أيامه بأعوام وقرون، فاختلقوا ما شاءوا من الأشعار ونسبوها لشعراء الجاهلية وعمدوا أيضاً إلى طرق أخرى وطرقوا غير باب الشعر. فقد بلغ ببعض الرواة المختلقين في بلاد الإفرنج أن ألفوا إنجيلا دعوه بإنجيل برنابا، وفيه تنبئوا عن بعثة الإسلام أو ما يشبهه، وذكر فيه النبي المبعوث وذلك أنهم علموا أن القديس برنابا ألف إنجيلا ولكنه ضاع ولم يصل الينا، فالفوا هذا ونسبوه إليه وقالوا أنهم وجدوه مخطوطا قديما في تلك(6/567)
الديار. وكل ذلك ليثبتوا أن كبار الأولياء كانوا ينتظرون بعثة نبي عربي وقد أبان هذا الانتحال كثير من كبار علماء المسلمين فضلا عن المستشرقين.
ومن المضحكات المبكيات نسبة هذه الأبيات لعنترة:
فدونكم يا آل عبس قصيدة ... يلوح لها ضوء من الصبح ابلج!
ألا إنها خير القصائد كلها ... يفصل منها كل ثوب وينسج!
ومثله:
عبيلة هذا در نظم نظمته ... وأنت له سلك وحسن ومنهج!
فما أسخف التعبير! وما أظهر الصنعة؟ ومتى كانت العرب في الجاهلية تفاخر ببراعة نظمها؟ هذه الأبيات تشابه قول الزهاوي، شاعر العراق من قصيدته (أيها العلم)!:
تتلى أمامك والجمهور مستمع ... قصيدة لفظها كالدر منسجم
لشاعر عربي غير ذي عوج ... على الفصاحة منه تشهد الكلم!
هفوة سقط فيها غير الأستاذ الزهاوي من المعاصرين، لو قرأ هذه الأبيات أجنبي لضحك ملء شدقيه، واستخف بعقولنا! تصفح أي ديوان فرنسي مثلا، وقل لي بربك هل تجد فيه هذا المديح وهذه المبالغات وهذا السخف؟ لا أظنك تجده. وإن جل ما تجده من هذا النوع من المفاخرة والمديح، بعض أبيات عند بوالو ذلك الشاعر الناقد المفلق وعند قليل من مثله، ولكن شتان ما بين هذه وتلك! الفرق عظيم في رقة التعابير ورشاقة النظم، وتناسق التركيب وغيره! ونحنلا ندري كيف هفا الأستاذ الزهاوي هذه الهفوة، بينما نعرفه من المجددين الناهضين وسقط في أمر ظهر في سوق الشعر أيام كساده!!.
وينسب لعنترة أيضاً هذه الأبيات:
والنقع يوم طراد الخيل يشهد لي ... والضرب والطعن والأقلام والكتب
فكأنه المتنبي حيث يقول:
الخيل والليل والبيداء تشهد لي ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فمتى كانت العرب في جاهليتها وفي الحجاز تتقن الكتابة أو تعرفها؟ نحن(6/568)
نعلم أن عنترة كان أميا والعرب جلها لا تفقه القراءة ولا الكتابة بل كان همها الأهم أن تبحث عن معاشها، وضرورياتها والأخذ بالثار، وشن الغزوات ولا يشذ عن هذه القاعدة، سوى من كان منهم متصلا بالروم أو الفرس فقد كان فيهم تراجمة وكتبة، فأي طريقة بل أية أعجوبة حصلت فأنشأت من عنترة كاتبا؟. . . هنا نستدل على أن أولئك الرواة لم يكونوا ينتحلون الشعر وينسبونه إلى الشعراء الجاهليين، بل أنهم كانوا يخبطون فيه خبط عشواء فينسبون هذا البيت لهذا الشاعر وتلك القصيدة لذاك، بدون فكر ولا روية فلو كانوا أتقنوا الانتحال لقلدوا شعر الشاعر ونسبوه إليه ولبقينا في هذه الأشعار بين الشك واليقين، ولكن لكونهم لم يفقهوا ما صنعوا زال الشك، فلو نسبوا ذلك البيت إلى أمية ابن أبي الصلت أو إلى قس بن ساعدة لشككنا في الأبيات ولم نقدر على تأكيد الانتحال. ومما يماثل هذه الأبيات من قصيدة نسبوها إلى السموأل صاحب الأبلق، شك فيها كثير من العلماء، وفيها ما فيها من التكلف:
ألا أيها الضيف الذي عاب سادتي ... ألا أسمع جوابي لست عنك بغافل
ألا أسمع لفخر يترك القلب مولها ... وينشب نارا في الضلوع الدواخل
فأحصى مزايا سادة بشواهد ... قد اختارهم رحمانهم للدلائل
ومنها:
السنا بني القدس الذي نصب لهم ... غمام يقيهم في جميع المراحل
من الشمس والأمطار كانت صيانة ... تجير نواديهم نزول الغوائل. . .
فما أسخفها! وأين هذه القصيدة من قصيدته (إذا المرء لم يدنس) الحماسية؟ فمن يعارض هذه بتلك (يأخذه العجب من الفرق الذي بينهما من حيث طبقة الشعر وجودة التعبير ولعله صادق على قول مجلة المقتطف التي وردت بعض الأبيات (سنة 1806 ص 404) فأردفها الكاتب بهذه الكلمات: (مهما يكن من أمرها فهي حديثة كما قال الأستاذ مرغليوث نظمها أحد الإسرائيليين، وتناقلها الحفاظ فزادوا فيها وحرفوها وناظم: (إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه) بريء منها).(6/569)
وفي هذه القصيدة تلاعب أيضاً من الحفاظ فإذا صدق الأستاذ مرغليوث في أن أحد الإسرائيليين نظمها فكيف نعلل هذا؟ فهو دون شك لم يختتمها بهذا البيت:
وفي آخر الأيام جاء مسيحنا ... فأهدى بني الدنيا سلام التكامل
هذا لم يرو في غير نسخة الموصل، فأي يهودي يؤمن أن المسيح أتى؟! إذن لابد أن أحد حفاظها أو قل ناسخ هذه النسخة زادها من عندياته! وهذا يدلنا أيضاً على مبلغ التلاعب والتحريف في تلك الأدوار التي مثلها أولئك الرواة والحفاظ والنساخ أيضاً في نقلهم إلينا أشعار الأوائل على مسرح الأدب.
ولا يغر المرء أن يجد بين الشعر الجاهلي لينا وسهولة، فالعربية لم تتغير كثيرا قبيل نصف قرن من الإسلام، إنما الذي تغير في البلاد العربية وعفا أثره منها تلك اللهجات والتمتعات التي كانت سائدة في اليمن وربيعة وبعض أحياء العرب ولا يذهب حالا إلى أن ذلك اللين فيها دليل على الانتحال بلا تدقيق نظر وأعمال روية فهذه أبيات من معلقة ابن كلثوم بها رقة لفظ وسهولة:
قفي قبل التفرق يا ظعينا ... نخبرك اليقين وتخبرينا
قفي نسألك هل أحدثت صرما ... لو شك البين أم خنت اليمينا
بيوم كريهة ضربا وطعنا ... أقر به مواليك العيونا
وإن غدا وإن اليوم رهن ... وبعد غد بما لا تعليمنا. . . الخ.
فهل يا ترى هذه الرقة في اللفظ هي التي تدعونا إلى وسمها إنها منتحلة؟ لنمسخ قصيدة برمتها دون ترو ولمجرد الشك في تلك الرقة واللغة! ومن ثم يثبت لنا أن عمرا هذا لم يكن متأثرا بلغة القرآن قبيل ظهوره بلغة قريش؟ وأذن لم هذا الشطط وهذا التعسف! يقول الدكتور طه حسين عن هذه المعلقة: (أن في قصيدة ابن كلثوم وهذه من رقة اللفظ وسهولته ما يجعل فهمها يسيرا على أقل الناس حظا من العلم باللغة العربية في هذا العصر الذي نحن فيه. وما هكذا كانت تتحدث العرب في منتصف القرن السادس للمسيح وقبل ظهور الإسلام بما يقرب من نصف قرن. وما هكذا كانت تتحدث ربيعة خاصة في هذا العصر(6/570)
الذي لم تسد فيه لغة مصر ولم تصبح فيه لغة الشعر)!. شيء لطيف! من أنبأ الدكتور هذا؟ أهمست به إليه العصفورة؟ أم شيطان الأدب، أدب الإغريق؟ أم جن الشعر، شعر العرب؟ على أي شيء يعتمد حضرة الدكتور في قوله، أن لغة العرب لم تكن تتحدث هكذا قبيل الإسلام بنصف قرن؟ أعلى الآثار الباقية في جزيرة العرب، وأين هي؟؟؟ أم على مخطوطات تلك اللغة العربية المتقدمة، وأين نجدها؟؟؟
كلنا نعلم أن اللغة باقية كما كانت منذ ظهر القرآن ولم يصبها تغير جوهري ولم يستول عليها الفساد. . . دعنا من هذا وأتني بأي قطعة شئت من أي مقال اردت، ولأي واحد من المعاصرين والمجددين، وتعال قابلها بأي قطعة أخرى لأحد العرب الأقدمين ثم قل لي بربك هل هناك من فرق بين هذه اللغة الشائعة في يومنا، وتلك اللغة القديمة؟ لا! ولا أظنك حاصلا على شيء! ولكن رويدك، دعني أتداركني فأقول نعم هناك فرق، وما هذا الفرق إلا نتيجة لازمة لترقي اللغة كما هو رأي دأب اللغات الحية، وهو ينحصر في استعمال بعض ألفاظ شعرية لغوية وحذف بعض كما جرى ذلك في نثر ونظم كل اللغات القديمة وتجده أيضاً في اتخاذ بعض التعابير الجديدة دلالة على المعاني المستحدثة فإن التعابير الموجودة قديما لا تفي مطلوبنا بل لا تساعدنا على قضاء حاجاتنا في هذا العصر، عصر العلوم والكهرباء، فإذا العربية كما كانت باستثناء هذه، عذراء، تامة الحسن في شرخ الشباب، غضة الإهاب لم تعرف الطفولة بل قد لا تعلم شيئا من هذه الطفولة كما إنها لم تعرف
غضون الشيخوخة! فكيف يريد منا إذن حضرة الدكتور طه حسين، أن نؤمن ونصدق أن ما يقرب من نصف قرن كان كافيا أن يجعل هذا الفرق العظيم الذي يتوهمه بين لغة عمرو بن كلثوم والقرآن؟! ستة عشر قرنا لم تقدر أن تغير في هذه اللغة ما يزعمه تغير في نصف قرن فقط! فيا عجباه! أن اللغة الإنكليزية ولا نقول الفرنسية هي أكثر اللغات التي تتغير بسرعة وتتخذ كثيرا من الاصطلاحات الجديدة الغريبة عنها وتندمج فيها. فلغة بيرون وتعابيره، ولغة كيلنج واصطلاحاته، بينهما فرق يذكر،(6/571)
ولكن هذا الفرق هو دون ما يرى بين لغة القرآن ولغة الشعراء الجاهليين على حسب قول طه حسين!!!
وأننا نرى الدكتور يناقض نفسه بنفسه فيهدم ما بناه. قال هنا أن ذلك العصر عصر ابن كلثوم: (لم تسد فيه لغة مضر ولم تصبح فيه لغة الشعر) وكان قد سبق فقال عند التكلم عن امرئ القيس (فنحن لا نعلم ولا نستطيع أن نعلم الآن أكانت لغة قريش هي اللغة السائدة في البلاد العربية أيام امرئ القيس؟ وأكبر الظن إنها لم تكن لغة العرب في ذلك الوقت وأنها إنما أخذت تسود في أواسط القرن السادس للمسيح وتمت لها السيادة بظهور الإسلام) فهو لا يؤكد هنا أكانت لغة قريش قد سادت في البلاد العربية أيام امرئ القيس أم لا، ويتنازعه الشك فكيف يبيح لنفسه أن يؤكد ذلك حين تناول البحث عن ابن كلثوم؟ نحن نعلم أن امرأ القيس وجد ونبغ قبيل زمان عمرو بن كلثوم وإن يكن نفق على أيامه. فكيف نعلل كلام الدكتور؟
وقد وقع طه حسين في الخطأ الذي يرتكبه أنصار القديم بعينه وعليه لا مهم، ألم يسلم تسليما بقصة الفرزدق مع العذارى، قال: (فالرواة يحدثونا أن الفرزدق خرج في يوم مطير إلى ضاحية البصيرة فاتبع آثارا حتى انتهى إلى غدير وإذا فيه نساء يستحممن فقال: ما أشبه هذا اليوم بدارة جلجل وولى منصرفا فصاح النساء به: يا صاحب البغلة! فعاد إليهن، فسألنه وعزمن عليه ليحدثهن بحديث دارة جلجل فقص عليهن قصة امرئ القيس وأنشدهن قوله:
ألا رب يوم لك منهن صالح ... ولاسيما يوم بدارة جلجل)
فهنا هوى الدكتور في ما عمل لأجل كتابه فهذه القصة المنسوبة إلى الفرزدق ترى فيها الصنعة مجلوة ويحق لنا أن نصفها بالمنتحلة ونضرب بها عرض الحائط. وقصة زيارة
امرئ القيس لخليلته (وتجشمه ما تجشم للوصول إليها وتخوفه الفضيحة حين رأته وخروجها معه وتعفيتها آثارهما بذيل مرطها وما كان بينهما من اللهو) أقرب إلى العقل وأدنى التصديق من تلك القصة! ولماذا(6/572)
يريد الدكتور أن نصدق قول هذا الراوي ونكذب قول ذلك؟ لو أراد أن نشك في ما يقدمه إلينا الرواة وكتاب العرب على معرض الأدب لوجب أن نشك في الكل فلا ننتقي ما يوافق فكرنا ونصدقه ولا نضرب ما لا يوافقه عرض الحائط ونكذبه فأين هذا من النقد الصحيح العلمي؟ وهل هذه طريقة ديكارت؟ لا! نحن لا نقدر أن نعلل هذا التذبذب في كتاب (الأدب الجاهلي) وإنما نكتفي فنقول (أن مبدأه حسن يجمل لنا أن نتخذه قاعدة في درس الآداب فنشك عند أول فرصة للشك ونبحث في موضوعه دون أن ننفي بطريقة عامة وحكم بات كل الشعر الجاهلي) كما إنه يحسن بكل دارس الشعر الجاهلي أن يطلع عليه مع قليل من التحذر ففيه نظريات قيمة وملاحظات ثمينة.
ونظن أننا لا نأتي شططا إذا ما نسبنا النصر لهذا الشاعر أو ذاك، فعنترة والنابغة وأمية بن أبي الصلت وقيس بن ساعدة وعمرو بن كلثوم والمهلهل وغيرهم من فطاحل الشعر الجاهلي هم نصارى وإن تكن قصائدهم لا تتضمن مقاطيع تظهر بصراحة نصرانية أصحابها. . . نتحقق أن الشعراء وهم رافعو لواء قومهم لم يكنوا يفترقون عنهم في أمر مهم كالديانة، وفضلا عن ذلك أن خلو أشعارهم من آثار الوثنية ومظاهر اعتقادهم بالتوحيد وبالحياة المستقبلية، وتعودهم الكثير من الأفكار والمؤسسات والأعياد المسيحية، والتعبير اللطيف الذي يستعملونه لذكرها والذي يلزم كونهم في محيط نصراني أو متنصر) كل هذا يهيئ أمامنا برهانا جديدا على صحة نظريتنا فضلا عن أن كثيرا من كتاب العرب ذكروا شيئا عن نصرانية تلك القبيلة، أو ذلك الشاعر.
نكتفي بما أوردنا عن الشعر الجاهلي وعن أسباب الشك فيه وأننا نرى أن هذا الشعر هو خير ما جادت به اللغة العربية وجادت به قرائح الشعراء (وقد أجمع الجهابذة العارفون بنقد الشعر وفنونه الضاربون في سهوله وحزونة أن(6/573)
شعراء الجاهلية أدركوا مقام التبريز بين شعراء العرب لما تميزوا به من متانة التراكيب واستقامة الأساليب والاضطلاع من إخراج المعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة إلا وهم حاملو لوائه وموطدو بنائه. هذا مع بعدهم من
سخف الكلام وهجنة التكلف ولا غرو فالكلام رهن خواطرهم والفصاحة أمة مقاولهم).
بركات (السودان): ميشيل سليم كميد
الدوشنة
الدوشنة جمع الدوشن، والدوشن يقابل (الكاولي) عند العراقيين، والنوري عند الشاميين، والغجري عند المصريين المعاصرين، وبكلمة أخرى هو ما يسميه الفرنسيون ومن غريب أمر الدوشنة في اليمن المناداة بأمر الإمام وحث الناس على الجهاد وتولي الخطابة في خارج الجوامع. وهذه المهنة عند اليمانيين من الشؤون الشائنة في نظرهم.
يذهب (الدوشن) إلى السوق حيث تجتمع الأناس من قبائل مختلفة للبيع والشراء، فيعتلي يفاعا أو موضعا مرتفعا ولو قليلا، فيخطب في الناس بذلاقة لسان وسهولة تعبير ويرغبهم في ما يدعو إليه، كما يحذرهم ما لا يطيب لهم.
والأسواق في اليمن تقوم مرة واحدة في الأسبوع، وفي كل مرة يكون المجتمع في غير المكان الذي كانت فيه السوق في اليوم السابق. فسوق الخميس في غير موطن سوق الجمعة وسوق الجمعة في غير موطن سوف السبت إلى غيرها.
وللدوشن وقوف تام على انساب القبائل وأحوالها وتاريخها وشيوخها وأشرافها وساداتها لكثرة تردده إلى رؤسائها. فمن هذا ترى أن لهؤلاء القوم شأنا يذكر في الحركة العمرانية أو الاجتماعية اليمانية.
وترى من هذا أن أسماء (بني ساسان) وهم هؤلاء القوم عند الأقدمين من السلف تختلف باختلاف الأزمان والأمكنة فيعرفون اليوم في العراق (بالكاولية) وفي سوريا (بالنور) (وزان سبب) وعند المصريين (بالغجر) وعند الحلبيين (بالقربانية) وعند الدمشقيين (بالزط) إلى غيرها.(6/574)
أبو عبد الله الزنجاني
-
ولد سنة 1309هـ (1891م)
وهو أبو عبد الله بن نصر الله الزنجاني تعلم مبادئ القراءة والكتابة باللغة الفارسية في زنجان ثم درس العلوم العربية وآدابها ومبادئ الفقه الإسلامي وأصوله على كثير من شيوخ العصر وبعد ذلك تلقى الفلسفة وعلم الفلك وعلم الكلام (اللاهوت) عن الأستاذ الشيخ ميرزه إبراهيم الفلكي الفيلسوف الزنجاني كبار المتخرجين على الفيلسوف الشهير ميرزه أبي الحسن جلوة.
ثم رحل إلى طهران عاصمة البلاد الفارسية فدرس فيها العلم برهة من الزمن وفي أواخر سنة 1230هـ 1912م رحل إلى النجف الأشرف ليدرس في مدرستها الدينية الكبرى علم الفقه وأصوله على الإمامين الجليلين السيد محمد كاظم اليزدي وشيخ الشريعة الاصبهاني الطائر الصيت.
(صورة) صاحب الترجمة أبي عبد الله الزنجاني
وتردد على حلقات العلم التي يتصدر فيها كبير فقهاء الدين كالإمام السيد أبي الحسن الاصبهاني والعلامة الشيخ ضياء الدين العراقي الأصولي وغيرهما ومكث في النجف إلى سنة 338هـ ثم قصد زنجان وقد افصح هؤلاء الفقهاء الكبار ببلوغه مرتبة رفيعة من الاجتهاد في الفقه (التشريع الإسلامي) كما تشهد عليه إجازتهم.
ويروي بالإجازة على طريقة الفقهاء ومحدثي الإسلام عن كثير من الأئمة الأعلام كالسيد حسن الصدر الكاظمي الشهير والسيد محمود شكري الآلوسي صاحب(6/575)
بلوغ الأرب والسيد محمد بدر الدين بن يوسف عالم دمشق وعلمها.
ثم سافر إلى بعض بلاد فارس المهمة وزار سوريا وفلسطين والقدس الشريف والقاهرة وحج مكة المكرمة والمدينة. فانتفع في هذه الرحلة باجتماعه بكثير من رجال العلم والفكر في البلاد الفارسية والعربية.
وله آثار علمية مطبوعة ومخطوطة ونحن نذكر بعضا منها:
1 - كتاب مباحث في القرآن وتاريخه.
2 - كتاب أصول القرآن الاجتماعية.
3 - كتاب الأفكار وهو كتاب فلسفي وإصلاحي إسلامي.
4 - كتاب دين الفطرة بالفارسية.
5 - كتاب سر انتشار الإسلام بالفارسية.
6 - كتاب بقاء النفس وهو شرح مبسوط بالأسلوب العصري والرسالة لنصر الدين الفيلسوف في بقاء النفس بعد فناء الجسد طبع في القاهرة.
7 - رسالة في قاعة فلسفية إغريقية الأصل (الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد) وقد وضع أستاذه الإمام شيخ الشريعة استدراكات لهذه الرسالة وقرظها وأثنى على مؤلفها الثناء الطيب الذي هو أهل له.
8 - رسالة طهارة أهل الكتاب وهي نص محاضرة ألقاها على جماعة من طلبة العلوم الفقهية طبعت في بغداد وذكرتها بعض المجلات الغربية وشكر صاحبها عليها كبار المستشرقين في روسيا وفرنسا وألمانيا.
9 - رسالة في جواب سؤال ورد إليه من أمريكا في السفور والحجاب طبعت وهي بالفارسية.
والشيخ يقيم اليوم في زنجان باذلا سعيه في نشر العلم الصحيح وبث أفكاره الإصلاحية بإلقاء المحاضرات العلمية والإصلاحية وتأليف الكتب النافعة.
(ملخصة عن ترجمة طويلة وضعها محمد مهدي العلوي لمجلتنا)(6/576)
لواء الحلة
مدخل البحث
لما أفل نجم الدول البويهية في بغداد، عام 447هـ (1055م)، واستولى عليها طغرل بك الملك السلجوقي فأسر آخر أمرائها الملك الرحيم، لعبت السياسة دورا خطيرا على مسرح الدين، واشتد الضغط على أبناء الطائفة الجعفرية فوقع تعد عظيم على عميدها وزعيمها السيد المرتضى فاضطر إلى النزوح إلى النجف فألقى عصاه فيها عام 448 وتبعه جماعة من تلاميذه.
ولما كانت سنة 495 اختط مدينة الحلة الشهيرة ملك سيف الدولة صدقة الأول ابن منصور بن ديبس بن علي بن مزيد الأسدي في محل يسمى الجامعين. وكانت قبل ذلك أجمة تأوي إليها السباع، فلما نزلها تأنق أصحابه في إقامة القصور والمباني الضخمة فيها فصارت كعبة يحجها التجار ويقصدها سائر أرباب المهن وأخذت تتقدم من الوجهتين العمرانية والتجارية حتى إذا جاء عام 280هـ 1184م كانت الحلة من مدن العراق التي يشار إليها بالبنان. ولقربها من مدينة النجف كثرت الصلات بين سكانها وبين سكان الغري فكان لها أثر يذكر في العلم والعرفان والثقافة والتهذيب إذ تطورت فيها الحركة العلمية تطورا مدهشا حتى عاش في قرن واحد نحو خمسمائة عالم كما ترويه بعض الكتب المخطوطة. والنازح إلى ذلك البلد يجد اليوم المراقد الكثيرة والقبور العديدة، أما لمحدث فاضل أو لمفسر كامل أو لفقيه عالم، وحسب الحلة فخرا ومباهاة أن يكون بين أبنائها الشاعر المفلق صفي الدين الحلي والعلامة الحلي المعروف بسعة علمه وغزارة مادته وغيرهما كالشيخ ورام، والمحقق، ومحمد بن نما، وأولاد آل طاووس، وغيرهم.
هذا هو شأن الحلة إبان تأسيسها ولها تاريخ حافل بالمدهشات في أواسط عهدها لم نتعرض لذكره لما فيه من المرامي والغايات السياسية التي لا تتفق وخطة هذه المجلة، أما اليوم فالحلة بلدة كبيرة تقع على ضفتي شط الحلة (الفرات)(6/577)
وتبعد عن العاصمة 64ميلا ويمر بها الخط الحديدي الكبير النازل من بغداد إلى البصرة وتصلها بالعاصمة وبسائر أنحاء الفرات الأوسط جادات مستقيمة تكتنفها الحدائق والبساتين النضرة وتقدر نفوسها ب (30) ألف
نسمة حسب الإحصاء الرسمي واغلب سكانها يتعاطون التجارة وبعضهم الزراعة.
ومعظم دور الحلة مبنية بآجر بابل المدينة الشهيرة التي تبعد عنها بسبعة أميال في الجهة الشمالية. فيها مدرسة ثانوية وثلاث مدارس أخرى وخامسة للبنات (فتحت سنة 1926) وفيها مبان ضخمة وقصور شاهقة وجادات مستقيمة ومنزل كبير يؤمن راحة المسافرين أسسه رجل يسمى (الأسته جابر) عام 1927 وأسواق البلدة من حيث العموم حسنة لو روعيت فيها النظم الصحية. ولولا ظهور بعض المستنقعات التي أخذت تهدد حياة السكان في الأيام الأخيرة لرجح معظم الناس السكنى في الحلة عليها في بغداد. والبلدة تنار بالضوء الكهربي طول الليل ودوائر الحكومة فيها كاملة بما فيها من البرق والبريد والصحة والبلدة والعدلية وغيرها.
التقسيمات الإدارية
يتألف لواء الحلة من أربعة أقضية ومركز لواء، أما مركز اللواء فهو الحلة وقد سبقت الإشارة إليها وليست لها أية ناحية. وإما الأقضية فهي:
1 - قضاء الجربوعية وتتبعه أربع نواح هي المدحتية ونهر الشاه والقاسم وعلاج.
2 - قضاء النيل وفيه ثلاث نواح: المحاويل والخواص وشعبة النيل.
3 - قضاء الهندية وفيه الكفل وأبو غرق (كسبب) وجدول الغربي.
4 - قضاء المسيب وفيه جرف الصخر والإسكندرية فقط.
حدود اللواء
يحده من الشمال لواء الدليم ومن الشرق لواء الكوت ومن الجنوب لواء الديوانية ومن الغرب لواء كربلاء.
1 - قضاء الجربوعية
هذا قضاء حديث أنشأته الحكومة في أواخر 1927م وكان قبل ذلك نواحي تراجع مركز اللواء رأسا وقد سمي بالجربوعية لكثرة اليرابيع (وهم(6/578)
يسمون اليربوع جربوعا) في أراضيه تلك الحيوانات التي اعتاد سكان المقاطعات التي في هذا القضاء أكلها شأن عربان البادية اليوم. قاعدته قرية (جديدة (كزبيدة) الحاج عبيد) وتسمى الجربوعية أيضاً وهي
عبارة عن مبان قليلة من اللبن قائمة على الضفة اليمنى من النهر ويمر بالقرب منها الخط الحديدي الكبير بغداد إلى البصرة ومعظم سكان القضاء من العشائر التي يقدر عددها بخمسين ألف نسمة.
للقضاء أربع نواح هي: (1) ناحية المدحتية ومركزها أمام حمزة (قبر الحمزة الذي هو من ولد العباس بن علي بن أبي طالب (ع)) و (2) ناحية نهر الشاه ومركزها قرية الدبلة (وزان وردة) و (3) ناحية القاسم ومركزها قرية القاسم (قبر الإمام القاسم أخي الرضا ابن الإمام موسى بن جعفر (ع) و (4) ناحية علاج (بإسكان الأول ومركزها قرية البصيرة (بالتصغير) ومراكز هذه النواحي قرى صغيرة مبنية باللبن وفيها مديرون وبعض كتبة وأفراد من الشرطة والسعاة الذين يقيمون بجباية الأموال الأميرية وتأمين طرق المواصلات.
2 - قضاء النيل
وهذا القضاء حديث أيضاً أوجدته الحكومة عام 1927م كان قبل ذلك نواحي مربوطة بمركز اللواء كما كان قضاء الجربوعية. أحصت الحكومة نفوسة في الأيام الأخيرة فكانوا خمسين ألف نسمة وكلهم من العشائر الذين يتمهنون الزراعة، مركزه قرية (كويرش) وهي من بقايا أطلال البابليين وقد اتخذت الحكومة القصر الذي شيده الألمان هناك قبل الحرب الكونية أيام اشتغالهم بالحفر والتنقيب في بابل محلا لأشغالها.
وللقضاء ثلاث نواح هي
1 - ناحية المحاويل ومركزها قرية المحاويل.
2 - ناحية الخواص (كأنها جمع خاصة) ومركزها عنانة (بالتشديد)
3 - ناحية النيل وهي داخلة في القضاء وهذه الأماكن قرى كبقية القرى التي المعنا إليها آنفا.
وكان المقرر أن يسمى هذا القضاء الجديد بقضاء بابل إشارة إلى بابل المدينة التاريخية المعروفة؛ ولكن الحكومة ارتأت مؤخرا تسميته بقضاء النيل إشارة إلى النهر الذي يسقي المقاطعات العديدة الواقعة على ضفتيه. ومعظم أراضي هذا(6/579)
القضاء مسجلة في الطابو بأسماء بعض الوجهاء في العراق وبعضها أميرية.
3 - قضاء الهندية
قاعدته قصبة طويريق (تصغير طاروق أي مستطرق على لغة من ينطق بالقاف جيما) وقد سمي هذا القضاء بقضاء الهندية لوقوع أراضيه على ضفتي نهر الهندية الذي حفره آصف الدولة المهراجا الهندي عام 1208هـ 1793م. وطويريق هذه بليدة حسنة الموقع والمنظر قائمة على عدوة شط الهندية اليمنى، ومما يزيد في جمالها حدائقها الغناء ومزارعها الكثيرة ونسيمها العليل وماؤها النمير. فيها صرح (سراي) ضخم للحكومة ومدرسة ابتدائية مبنية على طراز صحي حديث وفيها سوق لا تختلف عن أسواق القرى من حيث الحقارة والأوساخ وأسلوب البناء ويربطها بالجانب الأيسر جسر من خشب يناسب عمرانها. أسسها رجل من العشائر يسمى زحاف (بالتشديد) عام 1286هـ 1793م وتأنق من عقبه بتشييد المباني والدور بعد ذلك حتى صارت بالصورة الحاضرة.
وفي طويريق اليوم جماعة يعرفون بآل زحاف من بقايا زحاف المومأ إليه يعيشون في ظل الأسرة القزوينية ولكثرتهم قال أحدهم مخاطبا أحد السادة القزاونة:
أدجاج زحاف عليك تزاحفت ... بيض العمائم في الليالي السود
وقد شطر أحدهم هذا البيت فقال:
أدجاج زحاف عليك تزاحفت ... قوم قلوبهم من الجلمود
زرق العيون وجوههم محمرة ... بيض العمائم في الليالي السود
وقضاء الهندية هذا جسيم تقطنه جماعات من العشائر تقدر نفوسها بنحو (60. 000) نسمة وله ثلاث نواح مهمة هي: (1) أبو غرق و (2) جدول الغربي و (3) الكفل.
أما ناحية (أبو غرق) فمركزها في محل يقال له القص وهي ترى شؤون العشائر التي تقطن مقاطعة (أبو غرق) وناحية جدول الغربي مركزها قرية الرجيبة الواقعة على ضفة النهر اليمنى في محل يبعد عن الهندية بخمسة أميال وهي ترى شؤون العشائر القاطنة على ضفاف جدول الغربي ومعظمهم من آل فتلة وبني(6/580)
حسن. أما ناحية الكفل فمركزها الكفل وهي قصبة صغيرة تقصدها الجاليات اليهودية من سائر أنحاء العراق مرة في السنة لزيارة النبي حزقيل المعروف بذي الكفل والمدفون هناك في قبر فخم شيد حوله البويهيون جامعا كبيرا عام 435هـ 1043م. والكفل بلدة قديمة اختلف المؤرخون في زمن تمصيرها وذكر
اسمها القديم وقد ضربنا صفحا عن أوجه الخلاف فيها لعدم تعلق بحثنا بها.
وشط الهندية عند عبوره سدة الهندية واقترابه من هذه الناحية ينشطر شطرين كبيرين يعملان عملا عظيما في إرواء الأراضي التي على عدواته. وقد سبقت الإشارة إليهما في محل آخر في مقالتنا عن لواء الديوانية (6: 443).
4 - قضاء المسيب
يمتاز هذا القضاء عن بقية أقضية الحلة بقدمه وبخطورته التاريخية وموقعه الجغرافي. فإن أهل الكوفة عندما نقضوا بيعة الحسين بن علي (ع) وحاربوه في أرض الطف أتوا إلى (المسيب بن نجبة الفزاري) أحد أصحاب الإمام القتيل نادمين على فعلتهم مع ابن بنت الرسول (ص) وانضموا إلى صفوفه لمحاربة ابن زياد وقد اتخذوا القرية التي سميت باسم صاحب الإمام (المسيب ابن نجبة) مقرا لحركاتهم الحربية لأن المؤونة والأرزاق التي كانت ترد إلى العراق من الموصل وسوريا كانت تأتي بطريق النهر مادة ب (المسيب) وقد سمي هؤلاء (بالتوابين) لأنهم تابوا على يد (المسيب) واشتركوا معه في حرب ابن زياد تلك الحرب التي دامت نحو أربعة أعوام حتى حمل عليهم ابن زياد حملته التي قضى بها على آخر منافس ومحارب له ومعهم المسيب الذي قتل عام 65هـ 684م
هذا مجمل تاريخ هذه المدينة وهي اليوم بلدة جميلة راكبة عبري الفرات ونفوسها 5. 000 نسمة تكتنفها الحدائق والبساتين وتجري فيها السيارات الكثيرة في طريقها إلى كربلاء والنجف ويمر بها الخط الحديدي الكبير وهي مركز قضاء المسيب الذي تقدر نفوسه ب 40. 000 نسمة وتسير فيها التجارة سيرا حسنا وتهتم الحكومة بدفن المستنقعات التي ظهرت فيها مؤخرا ولها جسر من خشب لا بأس به وللقضاء ناحيتان هما: 1 - الإسكندرية و 2 - جرف الصخر وله شعبة تسمى شعبة المسيب، أما الإسكندرية فإنها منسوبة إلى الاسكندر(6/581)
ذي القرنين الذي كان كلما مر بأرض وفتحها أقام له أثرا فيها وحينما مر بالعراق حفر نهرا كبيرا جره من الفرات إلى السماوة وسماه نهر الإسكندرية وشيد على صدره قرية اسماهم باسم النهر. وفي معجم الحموي أن الاسكندر بني ثلاث عشرة قرية سماها كلها باسمه ثم تغيرت أساميها بعده ومن جملتها الإسكندرية التي بناها بأرض بابل والتي نحن بصددها الآن. والإسكندرية اليوم مجموع بيوت من اللبن مع خان قديم فيها هو
مركز للشرطة وفيها أيضاً مدير ناحية وبعض كتبة وتمر بها جميع السيارات التي تقصد العتبات المقدسة.
وإما ناحية جرف الصخر فمجموع مقاطعات تراجع المدير في شؤونها.
وإما شعبة المسيب فداخله في مركز القضاء وترى معاملات العشائر.
وعلى بعد عشرة أميال عن المسيب في وجهة الجنوب أقيم (ناظم) الفرات الكبير (أي ناظم سدة الهندية) الذي سبقنا فبحثنا عنه بحثا مسهبا فيه هذه المجلة (6: 12).
بغداد: السيد عبد الرزاق الحسني
السلطان مراد الرابع في بغداد
جاء في كتاب مساجد بغداد (ص 22) ما هذا حرفه: (وفي السنة الرابعة والأربعين بعد المائتين (؟ كذا) والألف جاء السلطان مراد الرابع إلى بغداد لطرد الفرس المتغلبين يومئذ عليها).
وفي النسخة المخطوطة المحفوظة عندنا ما هذا حرفه: (وفي السنة السابعة والأربعين والألف (1637م) جاء المبرور له السلطان مراد خان الرابع إلى بغداد لطرد من تغلب عليها يومئذ وتبعيدهم عن خطتها) أهـ. فأنت ترى الفرق العظيم بين الروايتين. فكيف يريد (المهذب) أن يكون مراد الرابع دخل بغداد سنة 1247هـ (أي 1831م) وقد توفي سنة 1049هـ (أي سنة 1639م)؟
لا جرم أن هناك غلطا ليس بغلط الطبع ولو كان كذلك لنبه عليه في التصحيحات، أما لأي غاية دس ذلك الوهم الفظيع في تلك العبارة فلا نعلم؟(6/582)
الكتابات الأثرية العباسية في فلسطين
الرقيم العباسي الثالث
نشرت في المجلد 6 صفحة 161 من هذه المجلة الزاهرة نسخة رقيمين عباسيين يريان في قبة الصخرة ببيت المقدس وكنت أظن أن ليس في فلسطين غيرهما حتى وقعت على ثالث لهما حققه المستشرق الفرنسي كارمون غانو الذي كان ممثلا للدولة الفرنسية في بيت المقدس وقد جد هذا الرقيم في أطلال مسجد عسقلان سنة 1301هـ 1883م وأهديت نسخة منه أخذت على قالب من الجص إلى المستشرق المذكور، أهداها إليه متصرف بيت المقدس الذي كان تابعا للحكم العثماني إذ ذاك وقد زبرت هذه الكتابة في حجر من المرمر المسنون قياسه 47. 5 في 45 سنتمترا ضمن إطار جميل منمق بالأغصان والأوراق.
ولا أدري إلى أين انتهى أمر هذا الرقيم القديم الذي نقش لبناء مئذنة ومسجد ربما كانا من أقدم المآذن والمساجد التي بنيت في فلسطين بعد المسجد الأقصى(6/583)
وقبة الصخرة والجامع الأبيض في الرملة.
المهدي وخلافته
المهدي هو محمد بن المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب بن هاشم وهو ثالث الخلفاء العباسيين وقد ولي الخلافة سنة 158هـ (775م) فكان من الغرابة بمكان أن يرد اسمه في الرقيم مقرونا بإمارة المؤمنين سنة 155هـ (772م) أي قبل ثلاث سنين من توليه الخلافة.
ولسوء الحظ أن كلرمون غانو لم ينقل لنا صورة الرقيم الذي كان طبعا بالحروف الكوفية لنستنطقه ونتبين منه وجه الصواب في التاريخ المذكور ولم نجد له ذكرا في الجزء الأول من كتاب فإن برشم السويسري الذي جمع فيه الرقم الفلسطينية المتعلقة بالأمويين والعباسيين والفاطميين وبعضا من رقم الأيوبيين مما نستدل معه على أن هذا الرقيم لم يصل المتحفة العثمانية لأنه لو كان فيها لكان نقل صورته فان برشم في مجموعته الفرنسية المتقدم ذكرها.
فإذا لم يكن هذا من غلط الراقم حين نقرأ الرقيم فيجب علينا أن نقبل أن أولياء العهد كانوا ينعتون بلقب إمارة المؤمنين قبل أن يرقوا سنامها ويتبوءوا معقدها. أو أن المنصور الذي انتزع ولاية العهد من ابن أخيه عيسى بن موسى وجعلها في المهدي هو الذي أمر بذلك ليرسخ في الأذهان أن الخلافة بعده لابنه المهدي، وهذا الرأي الأخير قد أرتاه كلرمون غانو وارتضاه.
وكان المهدي ولوعا بالعمارة فقد وسع البيت الحرام بمكة مرة بعد أخرى واشترى ما حوله من الدور فأضافها إليه حتى بلغ ثمن الذراع الواحدة يكسر في مثلها - وهي ما نسميها اليوم بالذراع المربعة. خمسة عشر دينارا. وأمر بالأساطين فنقلت من مصر ومن الشام وحملت بحرا إلى ساحل مكة المعروف (بالشعيبة) بالقرب من جدة ثم نقلت تلك الأساطين من الساحل على العجل.(6/584)
وزخرف سقوف المسجد بالخشب المنقش بالألوان وكانت في غاية الصفاء والرونق. وعبد الطريق إلى مكة المكرمة. وغير ذلك من العمائر الكثيرة التي انفق عليها أموالا عظيمة.
وقد توفي المهدي في أواخر المحرم من سنة 169هـ 785م.
مسجد عسقلان
لم يذكر المؤرخون لنا عمارة المهدي لمسجد عسقلان وقد كان ذلك لا يهمهم بمقدار ما تهمهم حادثة قتال كأن التاريخ عندهم تدوين ملاحم وتخليد جرائم.
شهادة المهدي للأمويين
لما قدم المهدي دمشق ودخل مسجدها ومعه أبو عبيد الله معاوية بن يسار الأشعري كاتبه قال: يا أبا عبيد الله سبقنا بنو أمية بثلاث. بهذا البيت، لا أعلم على الأرض مثله، وبنبل الموالي، وبعمر بن عبد العزيز، لا يكون والله فينا مثله أبدا.
فلما أتى بيت المقدس ودخل قبة الصخرة، قال: يا أبا عبيد الله، وهذه رابعة، وكانت زيارة المهدي بيت المقدس سنة 163هـ (779م) وعندها أمر برم ما أخربته الزلازل من عمارة أبيه المنصور في المسجد الأقصى ونقص من طول المسجد وزاد في عرضه.
نسخة الرقيم
وهذا نص الرقيم نقلا عن صورته التي نقلها بالحروف العادية كلرمون غانو في مجموعته مقتطف الآثار الشرقية (المجلد1 ص 214)
1 - بسم الله الرحمن الرحيم(6/585)
2 - لا اله إلا الله وحده لا شريك له
3 - محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
4 - أمر بإنشاء هذه المئذنة والمسجد
5 - المهدي أمير المؤمنين حفظه
6 - الله وأعظم اجره واحسن
7 - جزاءه على يدي المفضل بن سلام
8 - النمري وجهور بن هشام القرشي
9 - في المحرم سنة خمس وخمسين
10 - ومائة لا اله إلا الله الملك
11 - الواحد القهار لا شريك له.
انتهى الرقيم. والأرض لله يورثها من يشاء من عباده.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
المنجد وما فيه من الأوهام
1 - في المنجد (قرع ظنابيب الأمر أي سهله). أهـ ولم يذكر هذه العبارة الأخرى وهي أشهر منها: قرع للأمر ظنبوبه أي تهيأ له. وقد جاء في الكامل للمبرد (يقال: قرع لذلك الأمر ظنبوبه، إذا جد فيه ولم يفتر، قال سلامة بن جندل:
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع ... كان الصراخ له (قرع الظنابيب)
ففي كلام المنجد تقصير، ولعل أصل اصطلاح السلف: أن الإنسان إذا ضرب مقدم عظم ساقه تألم وهاج مثارا بسورة الغضب.
2 - وقال في (الجزارة): أطراف ما يجزر اعني اليدان والرجلان والرأس. أهـ. فأقول: إنه رفع المفعول به والصواب أن يقول: (أعني اليدين والرجلين والرأس).
الكاظمية: مصطفى جواد(6/586)
محراب جامع الخاصكي
كتب أحمد زكي باشا في أهرام 15يونيه (حزيران) 1928 مقالا في حلب الشهباء تعرض فيه لذكر (محراب جامع الخاصكي) فوقع في أوهام ما كنا نود أن نراها في مثل سعادته. وهذه عبارته:
(على أن الإنكليز في بغداد، أرادوا أن يبذوا أبناء باريس في الاستئثار بأجمل المحاريب الإسلامية.
فقديما، سلبوا أبدع منبر من الرخام كان عندنا بالقاهرة، في جامع قايتباي.
وقد رأيته (أنا أحمد زكي) في متحف سوث كنسنجتون، بمدينة لوندرة، سنة 1310هـ (سنة 1892م). وقد أرسلت إليه سهوما (؟ كذا) بل سموما من نواظري كانت تكفي لسحقه، لولا إنه من أفخر المرمر، فلم يتأثر ذلك الحجر. بذياك النظر!
وحديثا، أراد الإنكليز أيضاً، بعد انتدابهم في العراق (أي للعراق)، أن تزدان لوندرة بمحراب من المرمر الأثري الفريد في بابه، أرشدهم إليه الوزير العلقمي الجديد، لينال الحظوة عندهم على حساب دينه وقومه ووطنه. . . وذريته أيضاً.
ذلك المحراب هو الذي سرقوه ليلا من جامع (الخاصكي) القائم بمحلة رأس القرية في بغداد.
ولكن الأسود الأشاوس الذين تحدروا عن (حمورابي) وعن قحطان وعدنان، والذين تجددت فيهم النخوة العربية على عهد هارون والمأمون والمعتصم، قامت قيامتهم. فكانوا كالبنيان المرصوص، وصاحوا صيحة واحدة خلعت النفوس من الصدور، وكانت لهم غضبة آشورية يعربية، فلم تسكن سورتهم، ولم تهدأ ثورتهم، حتى أعادت الحكومة محرابهم إلى موضعه بجامع الخاصكي، كما كان وهو اليوم يشرف من الناحيتين على الرافدين. (كذا بحرفه)
(بهذه المثابة تقدمت بغداد للعالم العربي، منذ ثلاثة أعوام، بموعظة ردد(6/587)
صداها بالأمس على ضفاف ذلك الشيء، أو الشويء، الذي يسمونه نهر (قويق).
فلله در بغداد في هذا السباق. ولله در حلب في ذياك اللحاق!!!
وإما دمشق، فلها الفضل في تنبيه الشعور القومي في يوم بلفور، وقد كان له صداه ببغداد في يوم موند، الذي اختبأ واختفى، في (جسر الخر) وكفى!
فلله در دمشق في هذا السباق! ولله در بغداد في ذياك اللحاق!
وإما فلسطين، فكفاها من الفخار أن سائر العرب يسفكون دماءهم الزكية من اجلها، وهي في لهو وعبث، وسكوت وجمود!
حسبها أن فيها الانقسام، وإن منها الانشقاق! وكفاها أن كل رجيل من أهلها هو حزب لنفسه وحرب على قومه، تطاحنوا حتى جددوا لنا من أنفسهم صورة مكبرة لأهل الكهف والرقيم. فالذي أعرفه أن أصحاب الكهف هم سبعة من الرجال، ناموا في غار بأسفل مدينة افسس من بلاد الاناظول. ولكن أهل فلسطين، الذين حيروا الأنبياء في الزمان القديم، قد أتونا اليوم بمعجزة هي أية الآيات في التكبير، والتعظيم، والتفخيم!
فبعد أن كان الكهف في مدينة واحدة ويضم سبعة من الأجساد، أصبح وهو فلسطين كلها وبلغ عدد النائمين فيه 700. 000 نسمة فلله دركم يا أهل فلسطين!!! كل واحد منكم بمائة ألف نفس. . . من النائمين!!! (انتهى كلام الباشا).
(لغة العرب) يشير حضرة الباشا إلى أن الوزير حمدي بك الباجه جي الذي ينعته (بالعلقمي الجديد) هو الذي ارشد الإنكليز إلى نزع المحراب من موطنه والحال إننا نعلم أن حمدي بك الباجه جي محب لدينه وقومه ووطنه وذريته كما إنه لا حاجة للإنكليز إلى أن يرشدهم أحد إلى النفائس ومحل وجودها فانهم أدرى الناس بمثل هذه الطرف.
والحكومة العراقية لم تعد المحراب إلى محله في جامع (الخاصكي) فإنه يرى إلى الآن في دار التحف في بغداد، وقد وضعت الحكومة محرابا آخر في موطن الأول.
لا المحراب ولا جامع الخاصكي يشرف من الناحيتين على الرافدين فالرافدان هما دجلة والفرات. والجامع غير واقع على دجلة فضلا عن الفرات، فيا حضرة(6/588)
الباشا ألا تعرف أن بغداد بكبرها غير واقعة على الرافدين بل راكبة دجلة. وأين الفرات من بغداد؟ فإذا كان هذا الأمر الذي يعرفه أبناء المدارس في بلاد الدنيا كلها تجهله حضرتك فكيف نصدق ما تقوله؟ فالأحسن لنا أن نتروى في ما نكتب لكي لا نقع في مثل هذه المهاوي أجارنا الله منها.
خزائن كتب إيران
15 - حاشية على مبحث أصل البراءة من (كتاب الرسائل للشيخ مرتضى الأنصاري) له أيضاً.
16 - حاشية التفتازاني على شرح مختصر ابن الحاجب للعضدي.
17 - حاشية السيد شريف الدين (علي الحسيني الجرجاني الاسترابادي) على شرح مختصر ابن الحاجب للعضدي.
18 - رسالة في النظر المؤدي إلى العلم للسيد المرتضى علم الهدى.
19 - رسالة في طريق الاستدلال.
20 - رسالة في مسألة (في الاستثناء).
21 - رسالة تعارض البينات لبعض علماء اصفهان ونحلها بعض أبناء العصر فجعلها باسمه فليعلم.
22 - رسالة في حجية الشهرة والظن المطلق للسيد علي الطباطبائي صاحب الرياض.
23 - رسالة للسيد محمد ابن السيد علي الطباطبائي في حجية الظن المطلق.
24 - رسالة الاجتهاد والأخبار للاقا محمد باقر البهبهاني.
25 - رسالة في أصالة البراءة له أيضاً.
26 - رسالة في الاستصحاب له أيضاً.
27 - رسالة في بيان الجمع بين الأخبار له أيضاً.
28 - حاشية الملا صالح المازندراني على معالم الأصول للشيخ حسن بن زين الدين العاملي.
29 - حاشية سلطان العلماء على معالم الأصول.(6/589)
في التاريخ:
1 - أحسن الكبار (في الملل والمذاهب مفصلا وفي المعصومين الإثني عشر) لمحمد بن أبي زيد الوراميني من علماء المائة السابعة. ينقل عنه في المناقب المرتضوي وغيره.
2 - لباب التواريخ: مختصر كتبه مؤلفه للأمير علي شير.
3 - خلاصة الأخبار لخوندمير كتبها للأمير علي شير.
4 - وقائع أمير تيمور: كبير جدا.
5 - مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي.
6 - خزائن الأنوار في أحوال الأئمة الأطهار للملا أحمد المشتهر باليزدي.
7 - أعلام الورى بأعلام الهدى للفضل بن الحسن الطبرسي.
8 - مقتل الحسين للملا مهدي النائيني: مختصر في واقعة الطف.
9 - مقتل الحسين للحاج محمد كريم خان الكرماني.
10 - أسرار الطف للسيد كاظم الرشتي.
11 - مصائب العارفين للملا حسين الكرماني (تلميذ الشيخ أحمد الأحسائي).
12 - الاستغاثة من بدع الثلاثة لأبي القاسم علي بن أحمد الكوفي.
13 - مزارات قايني لعلي القاين الواعظ بهراة في حدود العشر التاسع من الهجرة.
14 - رسالة مفصلة في أحوال الشيخ أحمد الأحسائي: بخط حسن جدا.
15 - هداية الطالبين (في أحواله أيضاً) للحاج محمد كريم خان الكرماني.
16 - دليل المتحيرين (في عظمته وما ورد عليه) للسيد كاظم الرشتي: بخط جيد.
في الهيئة:
1 - شرح تذكرة الخواجه في الهيئة: المتن للخواجه نصير الدين الطوسي والشرح للملا عبد العلي بن محمد بن الحسين البير جندي، فرغ الشارح منه في ربيع الأول سنة 913هـ. وهو بخط جيد ومحشى بحواش نافعة مصححة. كاتبه غياث الدين النقيب الحسيني التبريزي في سنة 1104هـ.
2 - التكملة في شرح تذكرة الخواجه لمحمد بن أحمد الخفري: فرغ الشارح(6/590)
منه في رابع محرم سنة 972هـ. تاريخ الكتابة سنة 978هـ فيكون في حياة المصنف.
3 - شرح الإسطرلاب وآثار النجوم ينسب إلى الملا عبد العلي البيرجندي. وهذه النسخة ناقصة الأول والآخر.
في الطب:
1 - كليات القانون لأبن سيناء: بخط حسن جدا.
2 - مفردات مخزن الأدوية.
3 - طب اليوسفية نظما ونثرا.
4 - ميزان الطب: محشى.
5 - حقائق الطب للحاج محمد كريم خان الكرماني.
في الأدعية:
1 - الصحيفة السجادية للأمام زين العابدين علي بن الحسين: نسخ عديدة منها. تاريخ واحد منها سنة 1111هـ.
2 - الفوائد الطريفة في شرح الصحيفة للملا محمد باقر المجلسي.
3 - رياض العابدين لشيخ الإسلام بديع الزمان القهيائي: شرح فيه الصحيفة السجادية بالفارسية وذكر أولاً لغاتها بالعربية فصار شرحا وترجمة. فرغ منه في شعبان سنة 1043هـ وفرغ كاتبه محمد شفيع بن محمد رضا في رابع عشر رمضان سنة 1075هـ.
4 - ترجمة الصحيفة بالفارسية لمحمد صالح بن محمد باقر القزويني.
5 - الصحيفة العلوية للشيخ عبد الله السماهيجي البحريني.
6 - البلد الأمين للشيخ إبراهيم بن علي الكفعمي: بخط حسن جدا، وعليه تمام الحواشي التي علقها مؤلفه عليه. تاريخ كتابة هذه النسخة سنة 1138هـ.
7 - ترجمة الإقبال: الإقبال كتاب للسيد علي بن طاوس الحلي والمترجم غير معلوم إلا أن الظاهر من بعض القرائن إنها لعلي بن الحسن الزواري (نسبة إلى زوار بتشديد الواو قصبة بين يزد وأصبهان).
في علوم الدراية والرجال:
1 - الرعاية في شرح الدراية: المتن والشرح للشهيد الثاني رين الدين العاملي.(6/591)
2 - لب الألباب للحاج الملا جعفر الاسترابادي، ينقل عنه الحاج الملا علي الكني في إيضاح المقال.
3 - فهرست الشيخ الطوسي (محمد بن الحسن).
4 - الرجال الوسيط للميرزا محمد الاسترابادي: مكرر.
5 - منظومة الرجال للسيد حسين البروجردي.
6 - رسالة في تحقيق حال محمد بن إسماعيل الراوي عن الفضل بن شاذان: للحاج السيد محمد باقر الرشتي الاصبهاني.
7 - رسالة في تحقيق حال أبان بن عثمان وأصحاب الإجماع. له أيضاً.
8 - رسالة مبسوطة في أحوال أبي بصير. له أيضاً.
9 - تعليقة الاقا محمد باقر البهبهاني عل رجال الميرزا محمد الاسترابادي.
في سائر العلوم والمباحث:
1 - شرح خلاصة الحساب: المتن للشيخ بهاء الدين العاملي والشرح لشمس الدين علي الحسيني الخلخالي. كاتبه محمد مسيح بن سلطان محمد التوني في سنة 1092هـ.
2 - مجموعة ورام ابن أبي فراس: بخط جيد.
3 - الكلمات المكنونة في علوم أهل المعرفة للملا محسن الفيض.
4 - المحجة البيضاء في أحياء كتاب الأحياء له أيضاً: وهو تهذيب لأحياء علوم الدين للغزالي.
5 - الاعضالات في فنون العلوم والصناعات للسيد محمد باقر الداماد.
6 - الفوائد الطوسية للشيخ محمد الحر العاملي.
7 - منية المريد في آداب المفيد والمستفيد للشهيد الثاني زين الدين العاملي: بخط جيد مصحح ومحشى كتب في عصر المجلسي.
8 - الوردية للقاضي محمد سعيد القمي.
9 - رسالة القراءة المبسوطة الفارسية للملا علي القارئ المكي.
10 - مصباح الشريعة ينسب إلى شقيق البلخي (ولعله الصحيح كما هو الظاهر من عباراته): كتاب معتمد موافق لما ثبت في الشريعة اعتمد عليه الكاملون كعلي بن(6/592)
طاووس والفيض والمجلسي.
11 - مسكن الفؤاد للشهيد الثاني زين الدين العاملي.
12 - رسالة في النصيحة له أيضاً.
13 - كتاب في المواعظ والحكايات.
14 - رسالة في أحوال أهل الآخرة.
15 - ميزان المقادير للمجلسي: مكرر.
16 - رسالة طي الأرض للحاج محمد كريم خان الكرماني.
17 - يوسفية: نثر (غير المنظومة) بخط حسن. مؤلفه مجهول.
18 - حاشية الملا عبد الله اليزدي على حاشية الدواني (في المنطق): بخط جيد.
19 - حاشية الخواجه محمود على حاشية الدراني: بخط جيد.
20 - الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد للعلامة الحلي.
21 - حاشية عماد بن يحيى بن علي الفارسي على شرح الشمسية: بخط جيد قديم مجدول.
22 - حاشية الملا عبد الله اليزدي على مختصر التلخيص: كانت ملكا لسلطان العلماء وخطه عليها.
23 - كتاب في المنطق مجهول مصنفه ونحله بعض أبناء العصر فجعله باسمه.
مجموعة فيها أربع رسائل وهي:
24 - رسالة في أحوال الإمام المهدي (الغائب على اعتقاد الأمامية).
25 - نصائح لقمان (ناقصة).
26 - سور من التوراة تعرف بالصحائف الأربعين تعريب عبد الله بن عباس.
27 - حديث اللوح. كاتب هذه المجموعة محمد باقر بن محمد رضا الجويني الخراساني في سنة 1238هـ.
28 - الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري.
29 - حاشية المير على المطول.
30 - فلك النجاة لبعض علماء كلبايكان.
هذه هي الكتب الخطية الموجودة في خزانة العالم الكبير الحاج الشيخ محمد باقر البيرجندي. وسنذكر في جزء آت بعض الخزائن الأخرى أن شاء الله تعالى.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي(6/593)
فوائد لغوية
(ولا سيما) العصرية مذهب جديد صالح
اختلف علماء العربية في جملة (ولاسيما) اختلافا كبيرا فأجازوا رفع الاسم الذي بعدها ونصبه وجره. وهذا اضطراب لألباب الطلاب والكتاب واغتراب عن الصواب. لأنه لو جازت أنواع الإعراب الثلاثة لكان الكلام عن (ولاسيما) لبتر أي لا خير فيه. ولان نسير على مذهب واحد واطراد واحد متحرين صحة التعبير والتفسير والتقدير خير من أن نركض نحو تبلبل العلماء كالراكض نحو السراب يؤيد خطأه ويزيد ظمأه. ولذلك أقول: أن حجج بعض العلماء في (ولاسيما) متناقضة وفي اتباع المتناقض تجويز الأضداد دلالة على فقدان الصواب. ومن سوء حظنا أن (ولاسيما) جاءت في الشعر قبل النثر ومن وضعها في النثر اقتدى بالشعر متغاضيا عن صحة وضعها وترتيب أجزائها وإيضاح معناها غافلا عن أن وزن الشعر واقتضاب المعنى وتغيير اللفظ وبعثرته تضطر الشاعر إلى الخضوع لها، فأضعف دليل عندي وارد في الشعر مخالفا للنثر المؤيد. فإن أمثال ذلك الدليل هي التي بعثرت لغة العرب وبحثرت قواعدها. والعجيب الغريب أن (أحد أخطاء المجمع العلمي) في دمشق نشر بحثا زخارا موارا عن (ولاسيما) وعند استدلاله على جواز تخفيف الياء المشددة من (سي) أتى بها في آخر المضارع الأول في أحد الأبيات. ولكنه لما أورد (لا) النافية للعموم وذكر أبياتا لبعض المعترضين على وجوب تكرار (لا) أدعى أن ذلك ضرورة. فاستشهاده الشعر جائز واستشهاد غيره باطل وتلك لعمر اللغة فوضى وحكم لا يرضى.
أن أعظم أدلة العلماء في (ولاسيما) استندت إلى قول امرئ القيس:
ألا رب يوم لي من البيض صالح ... ولا سيما يوم بدارة جلجل(6/594)
وقد عثرت على قول أبي سفيان يوم السقيفة:
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم ... (ولاسيما) تيم بن مرة أو عدي
فهذان القولان أقدم الأقوال وغيرهما مقيس عليهما ومأخوذ منهما، ومتى فسرنا البيتين تفسيرا بعيدا عن التعسف ذهب التكلف والتحرف والتطرف. فأحسن تفسير توصلت إليه
للبيت الأول هو:
(مرت بي أيام ذات صلاح ونعيم. ولا مماثل ليوم دارة جلجل في صلاحه ونعيمه). ومعنى البيت الثاني:
(يا أبناء هاشم لا تتركوا مجالا لطمع الناس فيكم ولا مثيل لتيم بن مرة وعدي في طمعها) فالقارئ يرى أن (لام الجر) حلت محل (ما) فاستقام المعنى استقامة تامة، ويرى أن جملة (ولاسيما) استدراكه فكأنه قال: (الناس طامعون فيكم ولكن تيما وعديا اطمع الناس). ويرى أيضاً أن الجملة مستأنفة ولم يرتبطها بسابقتها إلا المعنى. ولو لم تكن مستأنفة لتعذر التفسير وأرتبك التقدير وتفه التعبير، فما أسمج أن يقال (مرت بي أيام ذات صلاح ونعيم لا تشبه يوم دارة جلجل لأنه ذو صلاح كثير ونعيم عزير)؛ لأنه لا ينطبق على البيت فأي كلام فسروه ب (لا تشبه)؟ أنهم الصقوا ذلك تقويما لأود تفسيرهم. فالشاعر قال (ولا سي) أي (ولا شبيه أو مثيل) بالتغاضي عن الجملة السابقة وبالرغبة في الاستدراك.
الإعراب
الواو: حرف استئناف واجب الذكر لأن المعنى لا يتم أبدا إلا بالاستئناف كما رأينا. وتضمر الواو وجوبا في ما حذفت منه قديما.
لا: نافية للجنس لا يجوز حذفها أبدا ذهابا إلى الفصاحة واتباعا لأفصح ناطق ب (ولاسيما).
سي: أسم (لا) مبني على الفتح بمعنى (مثيل أو مماثل) ولا يجوز تخفيف الياء أبدا حفظا لأصلها الصحيح.
ما: حرف زائد حل محل (لام الجر) المحذوفة لضرورة الشعر ولكون الألسنة والأذواق قد الفتها حسن وضعها.(6/595)
يوم: مجرور وجوبا باللام المحذوفة والتقدير: (لا مثيل ليوم بدارة جلجل في الصلاح والنعيم) والجار والمجرور في محل رفع خبر (لا) النافية للجنس.
تبرير هذا التقدير
قال العرب (فتى ولا كمالك) أي (فتى ولا مثل مالك في الفضل والشجاعة) ولكنهم حذفوا
آخر الجملة لأن لهم أذواقا حساسة، وإيجاز جميلا. وقالوا: (أبا خراشة أما أنت ذا نفر) والأصل (أن كنت ذا نفر) ولكنهم حذفوا (كان) واحلوا محلها (ما). ولذلك لا حرج علينا في إحلال (ما) محل (لام الجر المحذوفة) تجنبا للتعسفات والتقديرات الغريبة وتحريا للمعنى الصحيح وقتلا لتبلبل العلماء وتناقضاتهم واختصاصا بمذهب واحد ينطبق على كلام الجاهليين والفصحاء المتوسطين والمولدين.
تطبيقات على أحوال (ولاسيما)
1 - قد يحذف خبر (لا) فتدخل (ولاسيما) على الجار والمجرور مثل: (يستحسن إطعام اليتامى ولا سيما في أيام ذات مسبغة) والتقدير: (ولا سي أو (ولا مثيل) للطعام في أيام ذات مجاعة).
2 - قد حذفت واو (ولاسيما) عند المولدين ولكنهم كانوا جدراء بإثباتها اتباعا لمن قبلهم من الفصحاء. ولذلك يجب إظهارها عند إعراب كلامهم. قال ابن أبي الحديد في الشرح: (ولا ريب أن محمدا عليه السلام وأهله الأدنين من بني هاشم (لاسيما) علي عليه السلام انعموا على الخلق) والتقدير (ولا مثيل لعلي في الإنعام) في بني هاشم وأهل محمد الأدنين وحملته فيها تقديم وتأخير والأصل: (قد انعموا على الخلق لاسيما علي عليه السلام).
3 - قد يحذف خبر (لا) وتحذف الواو وتدخل (لاسيما) على حرف يليه فعل قال ابن أبي الحديد (وأين هذا من باب حمل المطلق على المقيد (لاسيما) وقد ثبت أن التعليل) والتقدير (ولا مثيل لقولي أو لإنكاري لأن ثبوت التعليل، الخ). فالواو (واو التعليل) لا محالة ومن الأمثلة على ثبوت قولي بأن الواو للتعليل قولهم:
4 - (الكتاب جيد لا سيما والموضوع موضوع عصري) والتقدير (الكتاب جيد ولا مثيل لجودته لأن الموضوع عصري) فالقارئ يرى أن الواو احتلت(6/596)
محل (لام التعليل) من دون شك أو تكلف.
5 - تدخل على الظرف مثل (المطالعة مفيدة ولاسيما قبل الظهر) والتقدير (ولا مماثل لفائدتها قبل الظهر).
دحض حجج المتبلبلين والمتناقضين
1 - قال العلماء (خبر النافية محذوف والتقدير (موجود أو كائن) قلت لو وضعناه في مثلي الأخير لصارت الجملة (المطالعة جيدة ولا مثيل قبل الظهر موجود) وهي ناقصة تحتاج إلى زيادة (لجودتها) أي الخبر الذي قدرته أنا فتكون (ولا مثيل لجودتها قبل الظهر) فقولي هو الراجح الرابح: بحذف (موجود) الزائد.
2 - وقالوا (ما) أسم موصول مضاف إليه والاسم بعدا خبر لمبتدأ محذوف. قلت ذلك خطأ لأن (لا) يجب أن يكون اسمها نكرة وهم أضافوه إلى المعرفة فصار معرفة ولا يجوز أن نعبث بقواعد لغة العرب من أجل تبرير قولهم. أما رفعهم الاسم فيبطل بقول القائل (الكتاب جيد لاسيما والموضوع موضوع عصري) إذ ليس في الكلام خبر حتى يقدر والمبتدأ. ولا تصلح (ما) لأن تكون موصولة إذ لا صلة لها أبدا. ولو حذفوا الواو وقدروا المبتدأ لصارت الجملة (الكتاب جيد ولا مثيل موجود هو الموضوع موضوع عصري) وليس لها معنى مقبول ولا مبنى صحيح فالصواب ما قدمته في تقدير هذه الجملة.
3 - وقالوا (ما) نكرة تامة مضاف إليها والمبتدأ المحذوف والخبر الموجود صفة لها. قلت هذا لا يجوز أبدا فأبن أبي الحديد قال (لاسيما وقد ثبت) فأين الخبر حتى نقدر له مبتدأ؟ ولو قدرنا كليهما فما معنى (لا مماثل موجود هو الأمر وقد ثبت)؟ فالصواب ما قلت وما قدرت آنفا.
(4) - وقالوا (أن الاسم الواقع بعد (لاسيما) يكون مضافا إليه إذا كان نكرة باعتبار (ما) زائدة وسي مضافا. قلت ذلك جيد ولكنه لا يمكن تطبيقه في كل الأحوال ولذلك نعود إلى التبلبل بإثباته. وقولنا: (ولا مثيل ليوم بدارة جلجل) أصح من قولنا: (ولا مثيل ليوم بدارة جلجل موجود). ومن جعله (تمييزا) فهو متبلبل أيضاً لأن خير قاعدة ما كانت عامة منطبقة على جزيئاتها تمام الانطباق، أضف إلى ذلك إنه غير مألوف لبعده عن الصواب.
الكاظمية: مصطفى جواد(6/597)
باب المكاتبة والمذاكرة
التعضيد والمعاضدة
كتب إلينا أحد قرائنا المصريين يقول: (نشرت صحيفة الأهرام في عددها المؤرخ في 3 يوليو (تموز) سنة 1928 هذه الكلمة بإمضاء (وحيد) - وهو السيد وحيد الأيوبي الذي عني في العهد الأخير بالبحث اللغوي - فما رأي فضيلتكم فيها؟) وهذه هي النبذة التي يشير إليها حضرة الكاتب:
(مما رأينا الكاتبين يخطئون فيه وجوه الصواب ونبهنا عليه منذ سنين ما نراه الآن في كتاب رئيس الوزراء الذي قيل أن وزير المعارف في الحال ومدير الجامعة في الماضي نمقه بدوره.
جاء فيه (تعضيد جلالتكم) وهو غلط لغوي لأنه ليس في اللغة تعضيد بالمعنى المراد.
في اللغة عضده بتخفيف الضاد يعضده بضمها عضدا بإسكانها من باب (نصر ينصر نصرا) صار له عضدا أي معينا وناصرا وعاضده يعاضده معاضدة عاونه وناصره وتعاضدوا تعاونوا وتناصروا. أما التعضيد فإنه يقال عضد السهم بضم الميم أي ذهب يمينا وشمالا عند الرمي وعضد المطر بضم الراء تعضيدا بلغ ثراه العضد وعضدت البسرة تعضيدا أرطبت من وسطها والمعضد بالضاد المشددة المفتوحة ثوب له علم في موضع العضد وابل معضدة بتشديد الضاد وفتحها موسومة في اعضادها وهن رافلات في الوشي المعضد بالتشديد والفتح وهو المضلع بتشديد اللام.
وفي الكتاب غير ما ذكرنا أي فيه غلط أيضاً في اللفظ والتركيب وذلك يؤسف كل غيور على لغة وطنه). انتهى بحرفه.
نقول: 1 - أن كتب اللغة لا تحوي جميع المفردات فإن الجوهري ذكر(6/598)
أربعين ألف كلمة. وصاحب القاموس زاد عليها عشرين ألفا فجاء في ديوانه بستين ألف كلمة. أما ابن منظور الأفريقي صاحب لسان العرب فإنه أوصلها إلى ثمانين ألف كلمة وقد ضمنا نحن إلى هذا القدر خمسة عشر ألف كلمة. فأنت ترى من هذا كله أن دواوين اللغة لا تستوعب الالفاظ كلها لكثرتها.
2 - إذا كان القياس لا يمنع وضع اللفظة فاتباعه لمعنى جديد مستحب.
3 - ذكر أحد الثقات للفظة مما يحملنا على اتخاذها. والحال أن عضد (من باب التفعيل) واردة في المصباح. قال في فصل النسبة في آخر الكتاب (ص 889 من الطبعة الثانية الأميرية التي ظهرت في بولاق سنة 1906) ما هذا نصه: وقول العامة: شفعوي خطأ إذ لإسماع يؤيده ولا قياس يعضده) وقد ضبطت الضاد بالشد وجاءت أيضاً في المخصص لابن سيده (9: 85): كسر نسعا وهو الوجه عندي لأنه عضده بالوصف الجملي. أهـ المراد من نقله. وقد ضبطت الضاد بالشد. وأنت تعلم أن ناشر الطبعة الثانية من المصباح هو الأستاذ الشيخ حمزة فتح الله المفتش الأول للغة العربية بنظارة المعارف العمومية. ومتولي نشر المخصص هو من أعلم علماء اللغة محمد محمود الشنقيطي وكفى بهما حجة.
ملاحظة في الجملة الحالية
إلى الأستاذ العلامة الكرملي:
جاء في الجزء السابع والصفحة545 من مجلتكم الغراء في ردكم على رد الأستاذ العقاد مستدلين على أولوية جعل (صباحه) في بيته فاعلا ليدور.
قولكم (والدليل هو القاعدة المرعية وهي قول ابن الناظم في شرح ألفية أبيه (وان كانت الجملة الحالية اسمية فإن لكم تمن مؤكدة فالأكثر مجيئها بالواو مع الضمير أو دونه) فإذا لم نجعل صباحه فاعلا ليدور كان مبتدأ خبره متعاقبان وتكون الجملة حالا من فاعل يدور وهي غير مصدرة بالواو).
وأني أرى أن جملة صباحه ومساؤه حال مؤكدة لجملة يدور فلا بأس بالاكتفاء بالضمير رابطا. والقاعدة أن الحال إذا كانت جملة فهناك ثلاثة شروط يجب مراعاتها: الأول أن تكون خبرية والثاني أن تكون غير مصدرة بعلامة الاستقبال والثالث أن تشتمل على ربط وهو أما الواو فقط أو الضمير فقط أو(6/599)
هما معا وجملة (صباحه ومساؤه متعاقبان) تشتمل على ضمير يرجع إلى ذي الحال فلا مانع من جعلها حالا مؤكدة.
هذا ما لاح لي أبديه لمعرفتي حبكم للحق وإن كان عليكم.
جميل الزهاوي
(لغة العرب): نشكر للأستاذ تذكيرنا ما غفلنا عنه أما أولوية جعل (صباحه) فاعلا ليدور
في بيت الأستاذ العقاد فهي لأن الذي يدور هو الصباح والمساء لا الدهر.
تاريخيات
1 - أردت أن أتثبت بعض الأمور التاريخية التي تتعلق بتاريخ بغداد فذهبت إلى باريس وتصفحت المخطوطات الستة الموجودة في خزانتها وموضوعها تاريخ العراق وهي: مجلدان للخطيب البغدادي، ومجلد لابن النجار ومجلدان للدبيثي الواسطي ومجلد للبنداري، فلم أعثر فيها على ضالتي بل وجدت فيها بعض الأخبار التي تفيدني بعض الفائدة والخلاصة أني تصفحت ألوفا من الصفحات المخطوطة باليد وفي أغلب الأحيان سيئة الكتابة لا تكاد تقرأ للحصول على نتف لا تساوي التعب الذي يكابد لأجلها.
فهل لصديقكم يعقوب نعوم سركيس أن يذكر لنا أسماء الكتب المطبوعة والخطية التي صنفت في بغداد والعراق غير ما ذكرناه من التأليف ويكون جناها على طرف الثمام؟ فإني أشكر له يده البيضاء سلفا.
وأود أن يذكر بعض من قرائكم الأدباء من كلدان وسريان، كاثوليك أو غير كاثوليك، فيسرد لنا أسماء التواريخ التي صنفها أجدادهم عن أخبار العراق وأنحائه. فلا جرم إننا نعثر فيها على أشياء لم يذكرها غيرهم. فلقد جمعت من كتب مؤرخي الإسلام إفادات جمة تعرب عما قام به النساطرة في عهد العباسيين إذ لهم شأن عظيم في حضارة ذلك العهد.
2 - وبصدد الكتب المخطوطة وقراءة ما فيها لاحظت أنكم أصلحتم كلمة (مقار) بكلمة (مقام) الواردة في لغة العرب (6: 34) فأستأذنكم في أن أبدي رأيي وأقول: أن المقار (بتشديد الراء) جمع مقر وإبدالها بالمقام في غير محلها(6/600)
فقد كانوا يقولون: (مقار العز والإجلال) والمراد بذلك مقر الخلافة. كما كانوا يقولون أيضاً (مواقف الإمامة، والأبواب الشريفة).
ولللآبيوردي من رسالة كتبها إلى أمير المؤمنين المستظهر بالله: (وعاود الخادم المثابرة على الممادح الأمامية، مطنبا ومطيلا، إذ وجد إلى مطالعة مقار العز والعظمة ومواقف الإمامة المكرمة بها سبيلا) (راجع إرشاد الأريب 6: 349).
3 - وجدتكم تفضلون كلمة (رفيعة) على (تقرير) (لغة العرب 6: 60) والذي تعهده أن الرفيعة كثيرا ما وردت بمعنى الشكاية والسعايه، راجع مثلا كتاب الوزراء للجهشياري تره
يقول في ص 69: (كان رياح يضرب رزاما ويطالبه أن (يسعى) بصاحبه. . . فلما بلغ به ما بلغ أحضر رزام كتابا يوهمه أن فيه (رفائع) على محمد بن خالد. . . قال رزام: أيها الناس، أن الأمير امرني أن (أرفع) على محمد ابن خالد. . .) أهـ. ففعل (رفع) مع أداته (على) يدل صريحا على المعنى الذي يرمي إليه الكاتب، على أن (الرفيعة) بمعنى (التقرير) غير محظورة عند الأدباء.
4 - أما (المجراة) فالذي عندي إنها وردت بمعنى القوس ذات (النابض) ولم ترد بمعنى (النابض) نفسه.
5 - لا أتمالك من الضحك كل مرة تحملون (السلف الصالح) أمور هم براء منها ككتابة خمس مائة بكلمتين مثلا. وكثيرا ما تعيرون الأقدمين علمكم وأدبكم. على أني أؤكد لكم أنهم لم يكونوا بهذه الدرجة من التدقيق والإسفاف ولو طالعتم مثلي كتبا خطية قديمة بالمئات - وبعض تلك المصنفات خطها علماء أعلام - لغيرتم فكركم بخصوص تمسكهم بالرسوم والأشكال إذ ترون جماعة منهم لا يهمهم رسم أربع مائة أو أربعمائة، ثلاثمائة أو ثلث مائة. على أني أسألكم هل من كاتب لا يفرق بين خمس مائة بالفتح وبين خمس مائة بالضم؟ إذن ما معنى هذا التعصب لرسم دون آخر؟
6 - أتقدم الآن إلى التمييز بين كتابة مثل إيطاليا وبريطانيا وما شاكلهما فإن صاحب كتاب صفة جزيرة العرب يرسمها بالألف القائمة، ثم يقول: (وقد تسمى أكثر هذه الأسماء بالهاء فيقال غالاطية ويهمس فيه ويقول: غالطية وإيطالية وابولية) (ص 33) والحق يقال: لم تكن عندهم ضابطة مطردة(6/601)
وكتابة مثل تلك الأعلام بالهاء - وإن تكن احسن - إلا أني لا أجد من المفيد أن يشاد بذكر صورة واحدة حتى يجوز لكم أن تنقدوا من يخالفكم في رسم الحرف الأخير فتمسككم بمثل هذه التوافه ينزع القلوب من التحزب لكم، بينما كنا نود أن يكونوا من المشايعين لآرائكم.
7 - لا أوافقكم أيضاً على تغليط من يسمي خزانة الكتب: (مكتبة) مع أن قواعد العربية تسوغ لهم هذا الاستعمال. أتأذنون لي بأن أعيد إلى (المكتبة) شرف استعمالها؟ - لاشك في أن الواقف على تنقل الألفاظ يتمكن من أن ينشئ مقالة ليبين فيها الفرق بين اللفظين: خزانة ومكتبة، إذ لكلمة خزانة معان عدة، غير أني لا أنكر أن استعمال لفظة (المكتبة)
لخزانة الكتب هو دون الثانية فصاحة. لكني لا اندفع وراء من يعد ذلك غلطا.
8 - أنكر يعقوب أفندي نعوم سركيس كلمة ساق وأبدلها بسبق في هذه العبارة (5: 340): (فلما وصل إلى باب النوبي ساق فخر الدين. . . والحال أننا نعلم أن الوزراء وكبار أصحاب المناصب العالية والأغنياء المقتدرين كانوا يتنقلون من موضع إلى موضع راكبين ظهرا وكان هذا الظهر في الغالب بغلا إذن فالقول (سبق) لا غبار عليه.
افالون (فرنسا): حبيب الزيات
جوابنا
1 - نتوقع من حضرة صديقنا البحاثة المحقق يعقوب أفندي سركيس وضع مقالة في هذا المعنى تحقيقا لأمنيتكم. أما الأدباء الكلدان والسريان من كاثوليك وغير كاثوليك فلا نجد فيهم من يقوم بهذا الأمر ولعل هناك رجلا نجهله.
2 - تصحيحكم للمقام بالمقار في محله ونحن نشكركم عليه. ونقر بجهلنا وغلطنا.
3 - الرفيعة تحتمل معنيين معنى مكروها ومعنى محمودا فإن رفعت أمرك إلى كبير وأنت تضمر له السوء فرفيعتك مضرة ومكروهة. أما إذا كان ما ترفعه حسنا فرفيعتك حسنة ومقبولة. وهذا ما يرى في لفظة نفسها فأنها تدل على هذين المعنيين وكذلك لفظة التقرير؛ إلا أن الرفيعة أقدم عهدا واستعمالا بخلاف التقرير ثم أن التقرير في معناه اللغوي لا يفيد معنى الرفيعة ولهذا نأباها(6/602)
وإن كان غيرنا ينسبنا إلى المغالاة في اتخاذ الفصيح.
4 - معنى المجراة في أول وضعه كان يدل على المدفع (أي ما سماه الشيخ إبراهيم اليازجي النابض) ثم توسعوا فيه كما توسعوا في معنى المدفع حتى أنهم يطلقونه اليوم على هذه الآلة التي تقذف القنابر أو القنابل. قال في (مشارع الأشواق طبع بولاق ص 97 س 11: القوس المركبة المجراة فلو كانت المجراة القوس نفسها لما قال الكاتب أو الصانع هذا القول. ولنا دليل على أن المدفع والمجراة هما شيء واحد ما جاء في كتاب مخطوط في لننغراد ص 32 و33 ما هذا نصه: (باب الرمي بقوس الحسبان وهي الجراة (وضبطها بكسر الميم) التي صنفوها لما تقاتلوا مع التتر (أي في وسط المائة الثالثة عشرة للميلاد). كانوا كلما رمت عليهم العجم سهما ردوه عليهم. فصنفوا المجراة لهذه الغاية. فكان - كلما رمي على الترك سهم ولم يقدروا أن يردوه لقصره - يعمد أحدهم إلى قبضة من حديد -
وإن شاء من خشب - مجوفة مشقوقة في الوسط ويعمل فيها (مدفع) من حديد، ويعمل في وسطه شق يعبر فيه السهم، ويكون السهم طول شبر أو اقصر ويجذب ويرمي. فإن المدفع يسوق السهم ويخرج بسرعة ويسبق السهم العربي بطريق آخر. وإذا أصاب الغريم لم يره إلا من بعد أن ينغرز في لحمه، ولاسيما إذا كانت القوي قوية من كتف قوية. أهـ بخطاه. والعلماء الذي اهتموا بفنون الحرب وآلاته هكذا فهموا معني المجراة والمدفع وإن كان معناهما انتقل بعد ذلك إلى مدلول غير ما ذكرناه.
5 - إننا لا ننكر أن الأقدمين كانوا يكتبون مثل خمسمائة بكلمتين وبكلمة واحدة، إلا أن سرعة الانتباه إلى قراءة اللفظة على وجهها الأسد (يلزمنا) بأن نتبع أقوم الوجهين بلوغا للمطلوب وهذا لا نراه إلا في كتابة اللفظتين كلمة واحدة ونعتبر ما سواه (خطأ في الكتابة) لأنه يبعدنا عن سواء السبيل ويدفعنا إلى التوقف في القراءة. وكم وكم من الألفاظ التي كانت ترسم بوجوه مختلفة فيصدر الإسلام! تراها اليوم مهملة بل خطأ فإن الأقدمين كانوا يكتبون مثل رمى ومصلى ومعلى وصدقة ومؤمنات وقناة: رما ومصلا ومعلا وصدقت ومؤمناة وقنات إلى غيرها. أما الآن فيعد هذا الرسم خطأ.(6/603)
6 - وكذا القول في مثل إيطالية وبريطانية وإنطاكية فإن الأقدمين اختلفوا في كتابتها فالذين كانوا يعرفون الآرامية والعبرية أو كانوا ينقلون كتبهم عن مؤلفين آراميين أو عبريين كانوا يكتبونها بألف في الآخر ولا يخرجون عنها؛ أما (السلف الصالح) الذي لا ينقلون عن أحد فكانوا يكتبونها بالهاء. راجع مثلا في معاجم اللغة هذه الكلمات: سورية وإنطاكية وصقلية وارميني وأفريقية وغيرها وتعد بالمئات فانك لا تجد لها صورة أخرى غير الهاء في الآخر. وإما الهمداني أو ابن الحائك صاحب كتاب صفة جزيرة العرب فإنه لا يفرق بين الصورتين: بين الهاء في الآخر وبين الألف، إذن اتباع اللغويين أحسن من اتباع من لم يكونوا منهم. وهذا رأينا ولا نحيد عنه. ونرى كل وجه سواه من (خطأ الرسم في الكتابة) لأنه مخالف لرسم الفصحاء واللغويين.
7 - أما سبب تغليطنا من يسمي الخزانة مكتبة فهو قائم على اختيار أحسن الألفاظ لأبين المعاني وعلى الحرص الذي يجب أن نبديه في مقابلة كل لفظ دخيل بلفظ فصيح، فعندنا خزانة الكتب ودارها وبيتها لما سماه الإفرنج وعندنا مكتبة لما يسميه الإفرنج فإذا اعتبرنا
المكتبة هي الخزانة فماذا نسمي (اللبريري)؟ أي ماذا نسمي (المكتبة) التي هي الموضع الذي يباع فيه الكتب؟
8 - إبدال (ساق) ب (سبق) لم يكن من حضرة صديقنا يعقوب أفندي سركيس بل منا وكان قد ألح علينا كل الإلحاح لإبقاء الكلمة على وجهها. فلم نوافقه عليها؛ لكن الآن نرى خطأنا ونحن نشكر لكم حسن تأويلكم كما نعتذر إلى يعقوب أفندي سركيس من قيامنا عليه. ونحن إذا ما رأينا خطأنا أقررنا به صاغرين وشاكرين، لأن الجهل من مزيتنا وسادك بنا فهو ملازم لنا إلى حفرة القبر، كما نقدر علم الغير وفضلهم علينا.
ومما يجب أن ينسب إلينا إبدال الهنايسي الواردة في (6: 16) بالهرائسي (؟) والحال أن النسخة الخطية تذكره هو وغيره بالهنايسي إلا أننا لم نجد هذه النسبة لأحد فقرأناها الهرائسي. ولعل أحد الأدباء يذكر لنا وجود النسبة المذكورة مضبوطة في أحد الكتب.(6/604)
تأثير الأخطل على حياة الأمويين
اقتصاص لآثار الأستاذ الشايب عن الأخطل
مما يؤثر عن الأخطل إنه أثر شعره على بني أمية تأثيرا أشد من تأثير ديانتهم عليهم. فتأثروا بدعه جاعليها سنة من ازور عنها ساءت سمعته. ومن ذلك أن (صاحب اليمن أرسل جارية عبلة إلى (عبد الملك بن مروان) الملقب برشح الحجر، ولما أحضرت عنده وانفرد بها عن وليجته وعم بها. أعلمه الأذن أن رسول (الحجاج) بالباب فنحى الجارية وأذن له وكان معه كتاب من (عبد الرحمن بن الأشعث) وبعد قضاء حوجائه بأن يقلب الجارية ويقول: ما أفدت فائدة أحب إليّ منك. فتقول: ما بالك يا أمير المؤمنين وما يمنعك؟ فقال: يمنعني ما قاله (الأخطل) لأني أن خرجت منه كنت ألام العرب:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار
فما إليك سبيل حتى يحكم الله بيني وبين (عدو (كذا) الرحمن بن الأشعث) فلم يقربها حتى قتل عبد الرحمن وفي ذلك رأينا أن عبد الملك متأثر ما قاله الأخطل تأثرا عجيبا، ولو كان قول الشاعر تفها واضح التفه لأن الرجل المنتظر نتيجة حرب لا يلذ له الطعام فكيف الإلمام؟ هذا حال عبد الملك هنا ولكنك تجده في طور ثان (أول غادر في الإسلام) حينما أمن (عمر بن سعيد الأشدق) المستعصي في دمشق ثم اعتقله وقال له (امكرا وأنت في الحديد) ثم غدر به فبقي غدره (سبة) وإن الشعراء قد أثروا على من قبله مثل (يزيد بن معاوية المتمثل بقوله (ابن الزبعري).
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل. . . الخ
ثم اتبعه بقوله:
لعبت هاشم بالملك فلا ... نبأ جاع ولا وحي نزل
فانظر إلى تأثير الشعراء الذي باد.
الكاظمية: مصطفى جواد(6/605)
ملاحظات شتى
حضرة الفاضل الأب انستاس ماري الكرملي المحترم
سلاما وتحية: وبعد فقد عثرت في مجلتكم الزاهرة في العدد السادس في ص 432 على قول الأديب أحمد حامد أفندي الصراف أن التيغار ألف وألف وخمسمائة وأربعين كيلو غراما. وحيث أن مجلتكم كما ذكرت سابقا عمدة يرجع إليها الأدباء لا أود أن تحوي غير الحقائق لذا أقول أن الطغار أو التيغار كما يقولون هو ألف حقة آستانة للحطب لا غير وذلك يساوي 1280 كيلو ويساوي ألفا وخمسمائة وستين حقة آستانة للأطعمة كافة وللجص وذلك يساوي ألفى كيلو غرام. لا كما ذكر الأديب.
(ل. ع) استندنا في تقدير التيغار أو الطغار على المسيو كوينة الفرنسي الذي ألف كتابا جليلا عن تركية وكان رئيس حصر الدخان فيها وجميع ما يذكره مستند إلى أوراق رسمية. وقد ذكر موزون التيغار في كلامه عن ولاية بغداد ص 44 إذ يقول: التيغار يساوي 1200 اقة أو 1239 كيلو غراما. ولهذا فروايتنا أقرب إلى الحق من روايتكم.
وفي ص 433 ذكر المثل (ما دام كسرى كسرى ما تعمر ديار) والمشهور المعروف ما دام كسرى كسرى يا ويلها من الخراب لأن معرض الكلام توالي الخراب لا أمل العمران.
(ل. ع) قد يروي المثل على أوجه شتى. فرواية أحمد حامد أفندي تعني: ما دام كسرى (على عادته الأولى) فلا تعمر ديار. وهو اصح من روايتكم.
وذكرتم في هامش الصفحة 432 أن (المهد ليس بلغة العوام كاروك) والحال أن الكاروك هو المعلق تعليقا بأرجل قائمة والمهد ما كان أسلفه محدبا موضوعا على الأرض بلا تعليق. هذا هو المتعارف.
(ل. ع) هذا التمييز أو هذا الفرق غير شائع عند الجميع. والدليل أن الكاتب وهو أديب منور لم يعرف ذلك. والمهد لفظة عربية صحيحة تقع على كل ما يتخذ للطفل ولا عبرة في كلام العوام، والكاروك ارميه الأصل.
وذكر الأديب في ص 435 من كل شر عقرب والعبارة تقتضي من شر كل(6/606)
عقرب. الخ.
(ل. ع) هذا من باب القلب المكاني.
وذكر في ص 436 (فلان عقرب أصفر) والمثل (عكربه صفره) أي عقربة صفراء.
(ل. ع) الخطب هين أن شاء الله.
وفي ص 441 س 3 هذا القوم المحارب ولا أظن التعبير عربيا فهلا علقتم عليه.
(ل. ع) على الناقد أن يفتح عينيه على نفسه قبل أن يفتحها على أخيه. والمحارب موجودة في الكتب الصغيرة والكبيرة فلا حاجة إلى التعليق ولو أردنا أن نعلق على كل كلمة تجيء في المقالات لكانت الرقعة أكبر من الثوب!
وفي هامش ص 444 ذكرتم وصف الساجية وإن في مؤخرها سكانا ثم ذكرتم إنها أغلب ما تكون مقيرة وهي ساجة لا ساجية والساجية المعروفة لا تكون إلا مقيرة ولا سكان لها بل يجلس السائق في مؤخرها وبيده غرافة يستعملها ذات اليمين وذات الشمال حسبما يقتضي الحال وربما كان فيها راكبان.
(ل. ع) ما ذكرناه مأخوذ عن أهل البلاد الذين ينطقون بها وليس عن بغدادي. ولعل المعنى الذي تشيرون إليه معروف في بلد والذي ذكرناه معروف في بلد آخر.
وفي ص 147 (الأغاني الفراتية) برناتها الموسيقية والمذيبة للأحشاء أظن أن الواو لا محل لها.
(ل. ع) قد يعطف النعت على النعت بالواو وقد لا يعطف به.
وفي ص 459 وصفتم كتاب حياة القديس يوحنا بأنه كالدرة الغضة ولا أظن الدر إذا كان غضا يكون أحسن منه إذا مر عليه زمن فعسى أن تفيدنا عن ذلك.
(ل. ع) الدرة الغضة أغلى من الدرة العتيقة وما عليكم إلا أن تسألوا أصحاب الفناء عن هذه الحقيقة. وراجعوا معجم لاروس الوسط في سبعة مجلدات تروا أن ما قلناه هو الصحيح.
وفي ص 462 ذكرتم الأبساس للإبل هو دعوة فصيلها إليها وفي رسالة ابن زيدون الجدية حسبما يخطر لي قوله: (إنما أبسست لك لتدر) ويعرف شارحها(6/607)
الأبساس بقوله للناقة بس بس لتسكن عند الحلب ويحرك لها الحوار لتحن وهما من الرسالة المذكورة.
(ل. ع) الكلام ليس لنا بل لياقوت والذي ينقله عبد الله مخلص. ونظن أن ياقوت حجة أعظم من سواه.
وفي ص 463 الظلم الخيال أو الشيخ أو الطيف ولم أعثر عليه فهل لكم أن تشرحوا ذلك تنويرا للإفهام؟
(ل. ع) الظلم مشتق من المظلم. والكلمة آرمية الأصل استعملها السلف ولا يرى من هذه
المادة في معاجمنا إلا كلمة مظلم (كمعظم) وإما ظلم فمن باب الاشتقاق.
وفي ص 473 إلى أي قول قائل البيت ذكرتم العيشة وصوابه العشية على ما أظن.
(ل. ع) من غلط طبع وهو في الأصل صحيح.
وفي ص 477 قدمتم أحمد الشيخ داود على أحمد الراوي مع أن الترتيب على الحروف يستلزم العكس.
عبد اللطيف ثنيان
(ل. ع) لأن (داود) بالدال قبل (الراوي) بالراء. والدال على ما نظن إنها قبل الراء في حروف الهجاء العربية.
ونحن من الآن وصاعدا لا ندرج إلا المهم من الملاحظات التي فيها المنفعة للعموم.
روضة خوان أي قارئ روضة الشهداء
حضرة الصديق العلامة:
قلتم في هذه المجلة (6: 53): والمراد بالروضة في اصطلاح الأمامية ترجمة ولي من الأولياء ولاسيما ترجمة الحسين من باب التغليب. فأقول:
لما ألف الملا حسين بن علي الواعظ الكاشفي البيهقي (السبزواري) المتوفى سنة 910هـ كتاب (روضة الشهداء) أخذ مؤبنو آل البيت يتلونه على المنابر فاشتهر كل منهم بروضة خوان أي قارئ روضة الشهداء، ثم صار لقبا لكل من قام بهذا العمل (راجع ما كتبه الميرزا محمد باقر الخونساري في روضات الجنان ص 257 وما كتبه السيد هبة الدين الشهرستاني في مجلة المرشد 1: 306 وما(6/608)
كتبه صديقنا الحاج الملا علي الواعظ التبريزي في وقائع الأيام (مجلد المحرم ص 284).
ديانة ابن المقفع
وقلتم في (6: 151): أما الصحيح فإنه (أي ابن المقفع) كان زنديقا.
قلنا: أن آثار المرء ومؤلفاته كمرآة تنعكس فيها نفسية الكاتب وتتجلى فيها بأجلى مظاهرها وإذا أردنا أن نقف على آراء رجل وأفكاره نلقي نظرة إلى كتابه فذلك خير دليل إلى الاهتداء إليها فعبد الله بن المقفع ذو نفسية دينية خالصة من كل شائبة يشهد بذلك كتاباه
الأدب الكبير والأدب الصغير اللذان قد ثبت بالتواتر الموجب للقطع بأنهما له.
قال في كتابه الأدب الكبير ص 27 (من النسخة المطبوعة بمطبعة الاتحاد الأخوي بالحسين بمصر):
ليعلم الوالي (أي السلطان) أن من الناس حرصاء على زيه إلا من لا بال له فليكن للدين والبر والمروءة عند نفاق فيكسد بذلك الفجور والدناءة في آفاق الأرض.
وقال في كتابه الأدب الصغير ص 26 (من النسخة المطبوعة بمصر على نفقة المكتبة العباسية):
الدين أفضل المواهب التي وصلت من الله تعالى إلى خلقه وأعظمها منفعة وأحمدها في كل حكمة فقد بلغ فضل الدين والحكمة أن مدحا على السنة الجهال على جهالتهم بهما وعماهم عنهما.
وقال في ص 29: مما يدل على معرفة الله وسبب الإيمان أن وكل بالغيب لكل ظاهر من الدنيا صغير أو كبير عينا فهو يصرفه ويحركه فمن كان معتبرا بالجليل من ذلك فلينظر إلى السماء فيعلم أن لها ربا يجري فلكها ويدبر أمرها ومن اعتبر بالصغير فلينظر إلى حبة الخردل فيعرف أن لها مدبرا ينبتها ويزكيها ويقدر لها أقواتها من الأرض والماء يوقت لها زمان نباتها وزمان تهشمها وأمر النبوة والأحلام وما يحدث في انفس الناس من حيث لا يعلمون ثم يظهر منهم بالقول والفعل ثم اجتماع العلماء والجهال والمهتدين والضلال على ذكر الله تعالى وتعظيمه واجتماع من شك في الله تعالى وكذب به على الإقرار بأنهم أنشئوا(6/609)
حديثا ومعرفتهم لم يحدثوا أنفسهم. فكل ذلك يهدي إلى الله ويدل على الذي كانت منه هذه الأمور مع ما يزيد ذلك يقينا عند المؤمنين بأن الله حق كبير ولا يقدر أحد إنه باطل. انتهى
وبعد هذا كله يعلم علما يقينا أن ابن المقفع مؤمن موحد بريء من الزندقة براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) في كل ما أوردتموه ليس دليل على تدين الرجل، أننا فهمنا منه إنه يمدح الله والدين والتدين ومكارم الأخلاق، وهذا لا يثبت أن القائل بها مهتدين بل أن الرجل كان دينا مع الدينين وخبيثا مع الخبثاء وهذه صفة من صفات الزنادقة أشهر من أن تذكر امتاز بها
هؤلاء الناس.
وهل تنسون الآية: وإذا القوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: أنا معكم إنما نحن مستهزئون.
ثم أن ابن خلكان يذكر في كتابه (1: 150) من طبعة بولاق أمر (سفيان) بتنور فسجر، ثم أمر بابن المقفع فقطعت أطرافه عضوا عضوا وهو يلقيها في التنور وهو ينظر حتى أتى على جميع جسده ثم أطبق عليه التنور وقال: ليس علي في هذه المثلة بك حرج: لأنك (زنديق). أهـ. وشهادة الأقدمين في مثل هذه الأمور أحسن من الاستنتاجات العقيمة التي لا تؤخذ منها الحقيقة ككتب الزنادقة.
آثار هندية قديمة
اكتشفت في مقاطعة شتاجونج في الهند آثار تعتبر في غاية الشأن لتاريخ الفناء الهندسي فقد عثر مسلم من أهالي قرية (توري) أثناء حفر أساس منزل جديد على مجموعة كبيرة من القطع البرنزية في حالة جيدة من الحفظ، منها: قطعة تمثل معبدا كاملا وثلاثة وستين تمثالا للبد يبلغ ارتفاع الواحد منها من عقدتين إلى خمس عشرة. ويظهر من النموذج والنقود أن هذه الآثار ترجع إلى عصر يتراوح بين القرنين السابع والعاشر ويظن إنها تحف دينية نفيسة دفنها كهنة البد أيام الغزوات الإسلامية أو غزوات البرتغاليين الأولى وقد بادر ديوان الآثار إلى ضبط هذه التحف الأثرية والمحافظة عليها حتى يفحصها العلماء والخبراء.(6/610)
أسئلة وأجوبة
سكان قره تبه
س - الكاظمية - مصطفى جواد: ما أصل سكان (قره تبه) ولاسيما السرايليين (الصرحيين) فانهم يتكلمون بالتركية الجافية والعربية العامية ويدعون أن أحد ملوك الفرس لما دهم العراق تحصنوا بسراي ودافعوا جيشه عنهم فلقبوا ب (السرايليين) وإن أصلهم من (العبيد) عرب العراق المشهورين؟
ج - الذي عندنا أنهم طارئة من كركوك أو من أنحائها لأن لغتهم التركية واللهجة التي ينطقون بها تقارب لغة أهل كركوك ولهجتهم. ولا جرم إنه كان في (قره تبه) عرب حين قدم أولئك الأتراك فاتخذ بعضهم نساء من البعض الآخر وهكذا صار سكانها خليطا من ترك وعرب وإما تسميتهم بالسرايليين فلوجودهم قرب سراي (صرح) هناك.
دفين الأصفية
س - سبزوار (إيران) - محمد مهدي العلوي: قال سمينا الملقب ببحر العلوم الطباطبائي في رجاله في ترجمة الكليني:
وكانت وفاته (أي الكليني) في بغداد وصل عليه محمد بن جعفر الحسيني أبو قيراط ودفن بباب الكوفة في مقبرتها قال الشيخ قال ابن عبدون ورأيت قبره في صراط الطائي وعليه لوح مكتوب عليه اسمه واسم أبيه وقال النجاشي قال أبن عبدون كنت أعرف قبره وقد درس قلت ثم جدد وهو إلى الآن مزار معروف بباب الجسر وهو باب الكوفة وعليه قبة عظيمة. أهـ.
هذا وقد راجعت بعض الكتب الأخرى المهمة فوجدت أصحابها يعرفون قبره كما ذكر فهل باب الكوفة المذكور في التاريخ هو باب الجسر وعلى فرض الثبوت فهل مقبرتها (المذكورة آنفا) هي جامع الأصفية؟(6/611)
ج - جاء في روضات الجنات ص 553 بعد ذكر الجملة التي نقلتموها ما هذا نصه: (وأقول (أي صاحب روضات الجنات): والقبر المطهر الموصوف معروف في بغداد
الشرقية، مشهور، تزوره العامة والخاصة في (تكية المولوية) وعليه شباك من الخارج إلى يسار العابر من الجسر) أهـ. وهذا يصح على مقبرة جامع الأصفية لكنه لا يتفق وأقوال الأقدمين الذاهبين إلى أن الكليني دفن بباب الكوفة، كما نقلتموه عنهم، وكما نقله صاحب روضات الجنات نفسه. فالظاهر أن صاحب هذا السفر الأخير لم يكن من أصحاب نقد الآراء. فقد ذكر ياقوت الحموي (وياقوت حجة في هذا الموضوع) أن باب الكوفة كان في الجانب الغربي، وصاحب الروضات يظن إنه كان في الجانب الشرقي، فأين هذا من ذاك؟ أما أن ياقوت يذكر باب الكوفة في الجانب الغربي فظاهر من كلامه في معجم البلدان في مادة (سوق عبد الواحد). قال: (سوق عبد الواحد كان ببغداد بالجانب الغربي عند باب الكوفة قرب باب البصرة). فهذا نص صريح ينفي دفن الكليني في الأصفية وفي الجانب الشرقي كله.
وقد صرح بذلك أيضاً المرحوم أستاذنا الشيخ محمود شكري الالوسي إذ قال في كتابه (مساجد بغداد) ما هذا نصه قائلا عن نسختنا الخطية التي نقحها بيده بعد المقابلة بنسخته الأصلية ما هذا حرفه:
(وداخل هذا المسجد مشهد لبعض صلحاء الأمة، وهو عن شمال الداخل في الرواق. والمرقد في سرب من الأرض عقدت عليه قبة مساوية لأرض المسجد، وهو في غاية من الإتقان والرصانة. والصندوق على سطح القبة مسامت للقبر. وقد اشتهر بين الناس أن الدفين هو العالم الزاهد القدوة العارف بالله أبو الحرث المحاسبي، وكان بصري الأصل، ثم أقام في بغداد. توفي سنة ثلاث وأربعين ومائتين. رحمه الله تعالى.
ومن الشيعة من يقول. إنه الكليني من أكابر علماء الأمامية، ورواة حديثهم،(6/612)
وكلا القولين لم يصح، ولاسيما الثاني، فإنه بعيد جدا، على أن المحققين من الأمامية لم يعترفوا بذلك، بل الذي يفهم من كلام بعض المؤرخين إنه قبر أبي جعفر المستنصر بالله الخليفة العباسي. أهـ. قلنا وهذا أيضاً لا يصح راجع لغة العرب 6: 182.
فترون من هذا كله أن القول بأن دفين الأصفية هو الكليني غلط ظاهر.
قانون التجنيد الإجباري
س - ومنه: يظن الكثير أن مؤسس التجنيد الإجباري هو الدولة العثمانية بيد أننا لو راجعنا
التاريخ لوجدنا أن هذا القانون وضع في الدولة الألمانية قبل ذلك بمئات من السنين. راجع كتاب مرآة الأيام في ملخص التاريخ العام لخليل مطران (2: 7) تره يقول:
وفي سنة 926 (ميلادية) وضع (أي هنري دوق ساكس) القانون القاضي بالخدمة العسكرية على كل شاب تجاوز السادسة عشرة من العمر. أهـ.
فإن كان لكم اطلاع أكثر فأفيدونا.
ج - رأيكم هو لصواب الأرجح المسلم به عند أغلب الباحثين. والكتب المؤلفة في هذا الموضوع كثيرة عند الإفرنج فإن كنتم تحسنون الفرنسية فطالعوا ما كتب تحت عنوان وإن كنتم تتقنون الإنكليزي فراجعوا ما كتب بعنوان
دين غازان بن ارغون
س - بغداد - ب. م. م. ما كان دين غازان بن ارغون؟
ج - كان البدية وبنى بيوتا للبددة في مدينة (قوجان)، وقبيل أن يعتلي العرش في حين كان يخاصم (بايدو). أقنعه قائده نوروز بالإسلام فتشيع. (راجع معلمة الإسلام تجد فيها مجزأة).
كتاب الثورة العربية
س - بغداد - محب عبد المسيح وزيريان. ما رأيكم في كتاب لورنس المعروف بالثورة العربية، وما رأيكم في ترجمته إلى العربية؟
ج - لم نر هذا الكتاب في اللغة الإنكليزي لغلاء ثمنه وندرة نسخه؛ إذن لا يمكننا أن نقول عنه كلمة. أما الترجمة فلم نرها إذ لا وجود لها مطبوعة؛(6/613)
إنما طبع منها بعض صفحات لا غير. وهذه الصفحات لم نطالعها؛ لكننا قرأنا من هذا النقل صفحات أدرجت في مجلة الهلال (36: 973 إلى 976) فوجدنا فيها أغلاطا تدلنا على أن المترجم غير متمكن من لغتنا، ولاسيما في هذا النقل الذي يدل على أن العربية ليست لغة نشأته وإنما لغة مكتسبة اكتسبها على كبر فلم يمكنه أن ينزه قلمه من أغلاط تشين الترجمة وتسقطها من عيون الناس وتمنع كل عربي صحيح العروبة من مطالعتها لأنه يرى الأرجل والمناسم تطأ لغته الشريفة. والناطق بالضاد يأنف من رؤية مثل هذا الأمر.
وهنا نذكر جدول الأغلاط التي وجدناها! في المقالة المذكورة مع ما يجب أن يقال تصحيحا
لها:
ص 973 سير القوات البريطانية الزاحفة على القدس الشريف والصواب. الزاحفة إلى القدس، لأن السلف الفصيح يقول: زحف الصبي على أسته أو بطنه أو على الأرض. وزحف العدو إلينا.
فيها: كفاحا مستمرا، وسياق العبارة يطلب أن يكون هنا كفاحا متصلا. والاستمرار في لغتنا لم يأت بمعنى الاتصال: اللهم إلا أن يكون ذلك في اللغة الأرمنية لغة الرجل الناقل.
974 على خمسة أقدام، والصواب الذي أقره اللغويون: على خمس أقدام.
فيها: وكان يومئذ حديث العهد في تخرجه من جامعة اكسفورد. قلنا المشهور عند الفصحاء ما قاله ابن الأعرابي وهو خرجه: أدبه كما يخرج المعلم تلميذه. . . إذا دربه وعلمه وقد خرجه في الأدب فتخرج (لسان العرب) ولهذا كان عليه أن يقول: حديث العهد في خروجه من جامعة اكسفورد.
وفيها: ولم يكن في القاهرة إنكليزي واقف مثله على شؤون البادية والمدن العربية والإلمام بطبائع سكان تلك الأصقاع. قلنا: وهذا التعبير لا يجوز وكان يجب عليه أن يقول: واقف على شؤون البادية. . . وعلى بعض طبائع سكان. . . لأن عطف الإلمام (وهو مصدر) على واقف (وهو أسم فاعل) يشمئز منه (العربي الصميم).
وفيها: اغتنم الفرصة للعمل بين ظهرانيهم فاستفاد الاستفادة التامة. قلنا:(6/614)
الاستفادة قد تكون للخير، كما تكون للشر، ومنه في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1: 453) ثم دعيت إلى أن استفيد بها خطيئة ما فعلت. أهـ فكان عليه أن يقول: فاستفاد أحسن الاستفادة. ثم أن الاستفادة هنا في غير موقعها والأجدر أن يقال: فاستفاد أحسن فائدة. . .
وفيها فأخلص لورنس للعرب ولفيصل، ولم يذكر ما أخلصه والصواب فأخلص لورنس العمل للعرب ولفيصل. . .
وفي ص 975 في أعين الناس، قلنا: والصواب في عيون الناس كما هو معروف لأن المعنى هنا يدل على الكثرة لا على القلة.
وفيها: مستكمل أسباب الرفاه، والرفاه لا وجود لها في العربية. إنما وردت في محيط المحيط للبستاني فنقلها عنه أقرب الموارد والمنجد والبستان وأصحاب سائر المعاجم
الحديثة.
وفيها: أن عضوية (أول صولز) تقتضي أن يتم في صاحبها ثلاثة شروط. قلنا: وهذا كلام أبتر. والصواب: أن تتوفر فيه أو أن تجتمع فيه أو أن تكون فيه أو نحوها. لأن قولنا: أن يتم في صاحبها ثلاثة شروط يدل على نقص الشروط وأنها تمت فيه. . .
وفيها: أما أنا فلبسي سقيم، قلنا: هذا كلام لا ينطق به أعجمي اغتم فكيف يرضى به عربي غيور على لغته. لكن الرجل بعيد عن الذوق العربي وأساليبه ولا يمكن أن يغلب التطبع الطبع، والصواب: أما أنا فلبسي خشن أو رث أو نحو ذلك.
وفيها: لم أذق بنت الدنان. قلنا، قال السلف: بنت الكرمة لأن الخمر عصيرها أما بنت الدنان فلم يقلها عربي، نعم ربما قاله (الأرمن) لكن العرب قوم والأرمن قوم آخرون.
وفيها: يتردد. . . بين الكلية وبين منزل صديق. . . قلنا: هذا تعبير غير عربي. أما السلف فقالوا: يتردد إلى الكلية والى منزل صديق. قال في التاج في مادة ردد: وهو يتردد بالغدوات إلى مجالس العلم ويختلف إليها. فأين هذا التعبير العربي المحض من ذاك الكلام التافه الذي لا يحلو في فم ناطق بالضاد؟(6/615)
وفيها: الملابس المبطنة بالفرو، وسلفنا قال (لأسلفه): الملابس المفراة.
وفيها: وللورنس ولع شديد بطبع الكتب بمطابع اليد، وهو مشغوف بالكتب الجميلة وعنده مكتبة ثمينة تحوي كتبا نادرة. قلنا: هذا كلام يدل على قلة بضاعة الرجل من لغتنا. ولو قال: وللورنس وله شديد بطبع الكتب. . . وهو مشغوف بالأسفار الجميلة وعنده خزانة ثمينة تحوي تصانيف نادرة لكان أحسن؟
وفيها: إلى مكتبة المتحف البريطاني، والصواب إلى خزانة دار التحف البريطانية أو المتحفة البريطانية.
وقال في ص 976: وهو متضلع من اللغة الإنكليزية نظرا إلى إلمامه بالأدب القديم، وهو تعبير سقيم ناشئ من جهله لغتنا العربية وأساليبها إذ وضع قوله نظرا إلى إلمامه في موضع لام التعليل وهو لم ينطق به الأجانب أنفسهم. والصواب أن يقول في هذا المقام: وهو متضلع من اللغة الإنكليزية لإلمامه بالأدب القديم.
وفيها: عقد وصديق له ميثاقا أكيدا. فهذا كلام يدل على جهل شنيع لكلام السلف. إذ كلنا
نعلم أن واو المعية تسبق المفعول معه. وليس هناك وجه آخر. وصديقنا - حفظه الله - رفع المفعول معه. فهل بعد هذا الجهل جهل؟ اللهم إلا أن يقول عقد هو وصديقه بوضع الضمير المنفصل فقد جاء في القرآن: اسكن أنت وزوجك الجنة.
وفيها: لم يتمكنا (لورنس والأمير فيصل) من حمل الفرنسيين على تعديل الخطة التي رسموها ولم يتح لهم (كذا) الحصول من فورهما على حكومة ذاتية مستقلة. قلنا: وهنا لم يفرق بين المثنى والجمع. وما ذلك إلا لأن اللغة التي نشا عليها (الأرمينية) لا تميز بين المثنى والجمع فقال ما قال والصواب: ولم يتح لهما. أما من فورهما فلا محل لها هنا. والصواب: حالا لأن قوله من فورهما لا تفيد هذا المعنى المطلوب هنا.
وفيها: ثم رجع (لورنس) إلى العزلة بين جنود بسطاء.
قلنا: وهذا تعبير لا يعرفه الناطقون بالضاد؛ بل هذا دليل على إنه لم يفهم(6/616)
الإنكليزية فقول البريطانيين يعني جنديا من عامة الجند لا من خاصتهم، وبعبارة ثانية أن ما سماه في لسانه جنودا بسطاء ننقله بلساننا: (بين عامة الجند). لا غير.
وفيها (وقد بقي للطيار (شو) سنتان ونصف سنة من مدة عقده العسكري في القوات الجوية (وهي سبع سنوات) والصواب (من مدة لعقده العسكري هي سبع سنوات) لأنه لا يجوز له أن يضيف مدة إلى (عقده) ما لم تكن معروفة عند القراء، وبقوله (وهي سبع سنوات) ظهر أنهم لم يعرفوها ولذلك وجب أن تكون (نكرة) والنكرة محتاجة إلى التفسير.
هذه نظرة مجملة في هذه الترجمة التي تشينها هذه الفظائع تلك التي تحط من قدر صاحبها وتبقى موصومة بوصمة البضائع المزجاة إلى ابد الدهر. فهل يأمل صديقنا أن يرى الناطقين بالضاد يطالعونها؟ - كلا. أن العربي الصميم لا يود أن يرى لغته توطأ بالأرجل والمناسم وتهوى إلى هذه الدركة السفلى التي لا دركة بعدها.
وإذا كانت وزارة الدفاع اتخذت الرجل ترجمانا لها في ديوانها فإنما فعلته يوم لم يكن بين العراقيين من يتقن الإنكليزية والعربية. أما اليوم فإن الوزارة قد يمكن أن تستغني عن ترجمان هذه بضاعته!
مخزق (البستان)
الغاية من دواوين اللغة الرجوع إليها إذا وقع الشك في النفس بخصوص معنى كلمة أو
مبناها؛ ولا تقتنى أبدا لزيادة الارتياب والإبهام. هذه كلمة المخزق إذا بحثت عنها في (البستان) تراه يقول: (المخزق كمنبر: عويد في طرفه مسمار محدد يكون عند بائع التمر يخدع باستعماله الصبيان) أهـ. فهل مثل لك هذا المعنى مثالا تتصوره؟ لا وعمرك؟ إنما الحقيقة هي هذه أن يزاد على ما بعد بائع التمر: (بالنوى، وله مخازق كثيرة فيأتيه الصبي بالنوى فيأخذه منه أو يشطر له كذا وكذا ضربة بالمخزق، فما انتظم من البسر فهو له قل أو كثر وإن اخطأ فلا شيء له. أهـ. عن التاج.(6/617)
باب المشارفة والانتقاد
69 - التقرير الرسمي المرفوع إلى عصبة الأمم عن أحوال
الإدارة العراقية في سنة 1926
تعريب عطا عوم: محرر في جريدة العالم العربي، طبع في دار الطباعة الحديثة ببغداد سنة 1928 في 190 ص بقطع الثمن الصغير.
لا نظن أن عراقيا يستغني عن هذه الرفيعة (التقرير) المفيدة، لأنه يفتقر إلى مطالعتها كل من يهمه الوقوف على مجرى السياسة في ديارنا العراقية.
وكنا نود أن تكون هذه الترجمة خالصة من أغلاط أسماء المدن فأنها تكتب اربل: اربيل والمنتفق: المنتفك (ص 70 وما يليها) كما إنه وقع فيها أغلاط طبع كثيرة مثل رفات (ص 76 و77) فأنها جاءت بصورة رفاة. وبذر الكتاب (88) والصواب بزر الكتان ومنه البزار والبزارة. وينقصها فهرس وللفهارس شأن خطير في عهدنا. وعلى كل حال فالهدية نفيسة.
70 - الهندسة المستوية
تأليف وينتوورث وسميث، نقله إلى العربية علي مدرس الرياضيات في الثانوية المركزية في بغداد، وجلال أمين زريق مدرس الرياضيات في دار المعلمين العليا والثانوية المركزية في بغداد، الجزء الثاني في 132 ص بقطع الثمن والجزء الثالث في 168 ص والجزء الثالث، مزين بفهرست عام للكتاب قوبل فيه كل لفظ اصطلاحي بلفظه الإنكليزي.
والجزءان مطبوعان في مطبعة دار السلام في بغداد سنة 1928 بقطع الثمن
اشتهر الأستاذان علي بك وجلال زريق أفندي بتفرغهما للهندسة والرياضيات وقد ذكرنا الجزء الأول من هذا الكتاب النفيس (في 5: 500 من مجلتنا) والآن بين يدينا الجزءان الثاني والثالث فإذا الثلاثة اخوة توائم. وقد طالعنا كثيرا من كتب هذا الموضوع فإذا هي في لغة قبيحة ينبو عنها الذوق السليم. أما هذه(6/618)
المجلدات الثلاثة فإنها ناصعة اللغة حسنة التبويب قريبة المنال، فهي إذن من أحسن المؤلفات المعربة. فنهيئ بها إدارة المعارف والمعربين معا.
اللباب
- 2 -
7 - الأخلاق
ومن شعره في الأخلاق قوله ص 213:
الخير أن تهوى الفتا ... ة فتى له حب شريف
والشر كل الشر أن ... يفتر بالذئب الخروف
زوجان ما أسمى مقا ... مهما العفيفة والعفيف
ما أحسن الثوب النظيف ... وراءه عرض نظيف
ومن قوله ص 223:
وأني رأيت الصدق أحسن خلة ... ولكن قليل من إذا قال يصدق
وقوله يذم الخمرة ص 252:
سيذم من طافوا على ... الحانات عاقبة الطواف
هل في النهى من فضلة؟ ... حتى تبذر بالسلاف
وقوله ص 127:
تضع الأخلاق في الأق ... وام حدا للمساءة
إنما الأخلاق في الأق ... وام مقياس الكفاءة
وقوله يذم العادات السيئة ص 194:
أنها العادات لا يخلعها ... غير ذاك المارق المنطلق
قد تلقاها تراثا سيئا ... أحمق عن أحمق عن أحمق
8 - الأوطان
قوله ص 95:
الدمع يشهد أن بالأوطان لي ... شغفا به لا تعلم الأوطان
وقوله في العلم وهي التي انشدها في سوق عكاظ:
عش هكذا في علو أيها ... فأننا بك بعد الله نعتصم(6/619)
عش للعروبة عش للهاتفين لها ... عش للآلي في العراق اليوم قد حكموا
عش للعراق لواء الحكم تكلأه ... عين العناية من شعب له ذمم
عش خافقا في الأعالي للبقاء وثق ... بأن تؤيدك الأحزاب كلهم
جاءت تحييك هذا اليوم معلنة ... أفراحها بك فأنظر هذه الأمم
أن احتقرت فإن الشعب محتقر ... أو احترمت فإن الشعب محترم
وان تعش سالما عاشت سعادته ... وإن تمت ماتت الآمال والهمم
هذا الهتاف الذي يعلو فتسمعه ... جميعه لك فأسلم أيها العلم
تتلى أمامك والجمهور مستمع ... قصيدة لفظها كالماء منسجم
لشاعر عربي غير ذي عوج ... على الفصاحة منه تشهد الكلم
وقوله ص 206:
بلد لبست به شبابي هاتفا ... ونزعته وإذا الهتاف نواح
وقوله ص 208:
يا حق مالك في سكو ... ن الليل مضطربا تلوب
أنا لا بعيد عنك يا ... وطني العزيز ولا قريب
وقوله ص 79:
يا قوم قد وعر الطريق أمامكم ... فإذا عزمتم تسهل الأوعار
لا يرفع الوطن العزيز سوى امرئ ... حر على الوطن العزيز يغار
أن هدم العربي حوض جدوده ... سخطت عليه يعرب ونزار
9 - الاستنهاض
ومن شعره في الاستنهاض قوله ص 11:
جعل الله كل قوم تحاشوا ... أن يثوروا في آخر الأقوام
وقوله ص 14:
لابد من فك ما قد شد من عقد ... كف الإسار بأيدينا بأيدينا
وقوله ص 78:
أشحذ سلاحك وأستعد ... به لمعترك الحياة
أشحذ سلاحك للذيا ... د ورد غارات الغزاة(6/620)
أشحذ سلاحك للبقا ... ء ودرء عادية العداة
أشحذ سلاحك للدفا ... ع عن الحقوق الواجبات
أشحذ سلاحك وهو ... علم تقتنيه بلا فوات
علم بإسرار الطبيعة ... والجماعة واللغات
وقوله ص93:
يعيش شعب إذا ما ضيم ينتفض ... من الهوان وإلا فهو ينقرض
وليس من قوة في الكون قاهرة ... تسطيع أن تقعد الأقوام أن نهضوا
وقوله ص 249:
لا يبتني استقلاله ... شعب له لم يستعدا
شعب يلم بشره ... وإذا ألم فلا مردا
شعب يظن الجد هز ... لا كله والهزل جدا
شعب يعرض للطا ... م بكل يوم منه خدا
شعب إلى بث الخلا ... ف له مراح ثم مغدى
شعب تعصب للحجا ... ب مشددا حتى تعدى
شعب بني بين النسا ... ء وبينه للجهل سدا
قد شل منه النصف حت ... ى كاد منه الكل يردى
يأتي الزواج بأربع ... ويخال ما يأتيه رشدا
ويرى هناك طلاق سل ... مى واجبا لينال سعدى
أني لأعجب كيف يل ... فى العيش ذو الأزواج رغدا
بل كيف يجمع واحد ... في منزل ضدا وضدا
10 - الدفاع عن المرأة
وللزهاوي مواقف كبيرة في الدفاع عن المرأة منها قوله ص 202:
وإما نساء القوم في كل بقعة ... فهن لهن الضيم منهم أو الوأد
يقولون أن الدين يجحد رشدها ... لقد كذبوا فالدين ليس به جحد
ولم ينف رشد المرأة الدين نفسه ... ولكن غلاة الدين ليس لهم رشد
وأفرط أقوام وفرط غيرهم ... وإن طريق المفلحين هو القصد(6/621)
وقصيدة (الحجاب والسفور) ص 335 بديعة منها قوله:
مزقي يا ابنة العراق الحجابا ... وأسفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيه وأحرقيه بلا ري ... ث فقد كان حارسا كذابا
مزقيه وبعد ذلك أيضاً ... مزقيه حتى يكون هبابا
وقوله منها ص 336:
أسرف الشيب في الحجاب فجاءت ... تبتغي منهم الشباب حسابا
أن هذا الحجاب أن كان يرضي ... الشيب فاليوم ليس يرضي الشبابا
قد أساء الشيوخ في المرأة الظ ... ن فسنوا لها الحجاب عقابا
أنهم شددوا النكير عليها ... أنهم ضيقوا عليها الرحابا
فتراهم عن الحجاب رضاة ... وتراهم على السفور غضابا
وأرى القوم في ضلال مبين ... وأرى القوم يخطئون الصوابا
سجنوا غير مشفقين العذارى ... في بيوت وغلقوا الأبوابا
سل إذا شئت بالحقيقة علما ... فهناك العيون تعطي الجوابا
ما لتلك العيون منكسرات ... يقرأ الناظرون فيها العتابا
لم تكن تبصر السعادة إلا ... مثلما تبصر العيون شهابا
وقوله منها ص 337:
زعموا أن في السفور سقوطا ... في المهاوي وإن فيه خرابا
وإذا ما طالبتم بدليل ... يثبت الدعوى أوسعوك سبابا
كذبوا فالسفور عنوان طهر ... ليس يلقى معرة وارتيابا
أن للقائمين دون الأماني ... رؤسا تضارع الأذنابا
وقوله منها:
هضموا حق الله في خلقه ... ثم ابتغوا منه رحمة وثوابا
أنا في دعوتي أروم هداهم ... ولقد عز ما أروم طلابا
إنما تقنع البراهين ناسا ... قد أقلت رؤوسهم البابا
وكأن الإناث كن نعاجا ... وكأن الذكور كانوا ذئابا(6/622)
وقوله منها ص 338:
أنني لو أتيح لي في عبادا ... تي لربي جعلتها محرابا
لم أكن في بث الحقيقة للنا ... س بنكس ولم أكن هيابا
وقوله ص 126:
إنما المرأة والمر ... ء سواء في الجدارة
علموا المرأة فالم ... رأة عنوان الحضارة
وقوله:
يرفع الشعب فريقا ... ن إناث وذكور
وهل الطائر إلا ... بجناحيه يطير
11 - الجد في الهزل
وللزهاوي جد في صورة الهزل كقوله ص 2:
إذا حيي الإنسان صادف منكرا ... وان مات لاقى منكرا ونكيرا
وقوله ص 39:
يا راميا نفسه من فوق شاهقة ... لقد بلغت المنى من أقصر السبل
وقوله ص 272:
وعدوني بعد الحمام نعيما ... ليت ذاك النعيم قبل الحمام
وقوله ص 330:
على بركات الشعر كل اعتمادهم ... ولكن شعري غير ذي بركات
له تلو
ديوان العقاد
- 5 -
وقال من قصيدة (خواطر الأرق) ص 116:
يا ليل لونك في اللواحظ اثمد ... إلا لدي فمن غبار يرمد
لا غرابة في تشبيه لون الليل بالأثمد فإنه أسود مثله ولكن الغرابة في الاستثناء وفي المعنى الذي يريده من هذا الاستثناء فهو كأنه يقول لونك اثمد للعيون إلا في عيني فإنه غبار يرمدها فلم يحسن الصوغ. وقال:
ها أنت بالرؤيا تضن لأنها ... سلواي حين تركتني لا أرقد(6/623)
وليس كل رؤيا هي سلوى العاشق فقد تكون مفزعة. ولما كان (حين تركتني) قد جاء وراء (سلواي) يفهم القارئ إنه ظرف لها فيفسد المعنى إذ يكون زمان السلوى التي يتطلبها هو الحين الذي لا يرقد فيه فما وجه لومه لليل الذي ضن بالرؤيا وإما أن كان ظرفا لتضن فإن هنالك الشطط إذ يكون المعنى أنت تضن الآن في الماضي كما يفهم من قوله (حين تركتني) ولا أدري كيف يجتمع الحال والماضي، وقال:
دل الظلام على المدامع خاطرا ... أعيى عليه مع الصباح المورد
أعيا على الخاطر في الصباح مورد المدامع وقد كان الليل يدل عليه بظلامه يريد إنه في الصباح ترك البكاء وهو خيال سخيف. وقال:
العقل شيخ والحياة فتية ... والعيش بينهما شقاق مجهد
والحقيقة أن العقل هو الفتي والحياة هي العجوز لأن الحياة قديمة في وجودها والعقل حادث قد اتصل بالحياة بعد ألوف من السنين. والعقل قد جاء لحفظ الحياة في الجهاد العام فكيف يكون العيش بينهما شقاء مجهدا على الإطلاق. وقال
أواه من عبث الحياة وسوء ما ... يجني الزمان وشر ما يتوعد
لا أشتكيه فقد أمر فساغ لي ... ما لا يسوغ وسرني ما يكمد
إذا ساغ له ما لا يسوغ وسره ما يكمد فلماذا يتأوه. وقال ص 117:
وجزعت حتى قيل جن من الأسى ... وصبرت حتى قيل صخر جلمد
وهو مثل قول أبي صخر الدؤلي:
هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى ... وزرتك حتى قيل ليس له صبر
وقال:
أبدي التجلد والتجلد في الأسى ... بعض الرياء وبعضه قد يحمد
فمن أي النوعين تجلده؟ وقال
والغصن تسقط إذ يميل ثماره ... ويزل عنه الزهر إذ يتأود
القصيدة كلها نصح وعتاب واستغناء وتزلف وشطط وقصيدة (دوائي ودائي) ص 118جيدة. وقال من قصيدة (سطوة الجمال) ص 119:
أن من أودع المحاسن فيها ... أودع الخوف رحمة في العيون(6/624)
وأودع يتعدى بنفسه إلى مفعولين فلا يصح قوله: (أودع فيها المحاسن وأودع الخوف في العيون). وقال:
أن عينا تعشو إلى ذلك الوجه ... لعين مصابة بالجنون
يريد إنه لشدة ضيائه يضرها فإذا عشت إليه كان ذلك دليلا على جنونها وهل هذا هو الأدب العصري الذي يدعو الأستاذ الناس إليه؟ وقال من أخرى ص 122.
يا صديقي وما علمتك إلا ... راضيا بالأسى رضاء الجليد
ولم يجيء الجليد من الجلادة بل الذي جاء هو الجلد. وقال:
أن تكن قد رزئت بنتا فسما ... قد تعوضت من بنات الخلود
و (مما) خبر متقدم ولا يصح الجار والمجرور - من بنات الخلود - أن يكون مبتدأ متأخرا فأين هو المبتدأ؟ وقال من قصيدة (كنت فصرت):
كأس الحياة أعليني على ظمأ ... وبللي بالحميا طين صلصالي
والصلصال هو الطين فكأنه يقول بللي طين طيني. وقال:
وفتشي في زوايا القلب فأقتدحي ... ظنا بظن وبلبالا ببلبال
وأقتدح لازم - يقال أقتدح بالزند ولا يقال أقتدح الزند وفي ص 124 بيتان باسم (مدح الناس) لا يفهم القارئ ماذا يريد بهما وهما:
ما عهدنا الأنام أجود بالمد ... ح لا علاهم ليدهم مكانا
إنما يظهر الأنام ضئيلا ... ليس يخيفهم إذا هو بانا
وقال من قصيدة (طلب صورة):
أأقاسي بعدين بعدا من اليأ ... س على قربكم وبعد الديار
اليأس يتعدى بمن لا بعلى وإن أراد بقوله (على قربكم) مع وجود قربكم فهذا ينافي بعد
الديار. وقال في قصيدة (بين محمد وعزوز) ص 126:
وهل على الحب يجازيك أم ... يريك بالضحك مدى اجره
هل لتصديق الحكم فلا يعادل (بأم). وقال:
وما ترى لو قد غدا شاعرا ... منافسا إياك في شعره
وقد جمع (لو) للامتناع إلى (قد) للتحقيق. وكذلك في البيت:(6/625)
وما ترى لو قد غدا فاتكا ... يستنزل الأعصم من وكره
وفي أبيات آخر بعدهما. وقال:
وما ترى لو قد غدا موسرا ... أشح من مادر في عسره
وما در منصرف فيقبح عدم صرفه وليس هذا كصرف ما لا ينصرف.
ثم نقدنا للجزء الأول من دواوينه وقد أغفلنا كثيرا مما عثرنا عليه من مغامز وأغلاط خوف الإطالة وليس يعذر الأستاذ كون هذا الجزء يحتوي على شعره في الشباب فإنه أعاد فيه النظر وصحح وقوم كما اعترف به في ختام الديوان.
وقال من قصيدة (هيكل ادفو) ص 139 من الجزء الثاني:
حرص الزمان عليك وهو موكل ... بالشامخات يحيلها أطلالا
وليس في معاني (أحال) ما يتعدى إلى مفعولين. وقال:
أبقاك في فك الزمان مصونة ... جيلان يبنيك الملوك وصالا
وقد شرح (وصالا) بمتواصلين ولم اظفر بوصال جمعا. وقال ص 141:
وستستقل فلا تقولوا إنها ... صمد الهوان بها فلا استقلالا
ومعاني (صمد) لا تناسب المقام وإذا كان يريد معنى قصد فهو حينئذ يتعدى بنفسه أو بالى أو باللام يقال صمده أو صمد إليه أوله بمعنى قصده.
وقال من قصيدة (بعد عام) ص 141
كان في الدنيا جمالا لا يعد ... ثم لحتا
فعددنا الحسن طرا فهو فرد ... وهو أنتا
وهو خلو من الجمال. وقال منها ص 142:
أين حسن كان يجلوه النهار ... هل لبسته
هل ورثت الصبح والصبح منار ... أم قتلته
وهو من تصورات الصبيان يمجه الذوق الأدبي الصحيح.
والقصيدة خليط من الجيد والرديء. وقال من (قصيدة الوقار المستعار) ص 143:
أتعبت نفسك بالوقار فاقصر ... والعب كما العب الصبا وتأطر
أيريد أن يكون مخاطبه دائرة كالإطار فيتدحرج في المشي. وقال ص 144:(6/626)
ظلما تحيل على معارف وجهه ... مسح التقبض فوق مسخ منكر
كلمة (تحيل) من أحال الماء عليه من الدلو بمعنى أفرغه وفي البيت معاتبة واحد وهجو آخر. وقال:
عجبا لمحسود الرشاقة حاسد ... صرعى الخطوب على رزانة موقر
ماذا يحسد محسود الرشاقة من صرعى الخطوب أهو رزانة الموقر؟ وقال من قصيدة (كاس على ذكرى).
خمرة تملأ قلبي ... بقديم الذاكرات
ولعل الصواب (الذكريات). وقال ص 145:
ودع التلميح وأجهر ... باسمه دون تقاة
وهو مثل قول أبي نؤاس:
وبح باسم من أهوى ودعني عن الكنى ... فلا خير في اللذات من دونها ستر
وقال:
صفه في عيني وما تع ... دو به وصف الإضاءة
وشرح الإضاءة فقال هي المرآة وفي المعاجم هي الغدير. وقال ص 146:
وإذا قلت شجاني ... من افديه بذاتي
يقال فداه بالتشديد بمعنى قال له جعلت فداك فلا وجه لقوله (بذاتي). والقصيدة كلها سخيفة وليس فيها وحدة فإذا غيرت أماكن كثير من أبياتها ما تغير المعنى. وقال (من قصيدة الشيب الباكر) ص 148:
يا شيب ضاقت بك الدنيا بأجمعها ... فانزل بلا ضائق بالشيب أو برم
ومن راجع القصيدة من أولها إلى آخرها يراها تبرما بالشيب بخلاف ما يدعيه.
وقال من قصيدة (شبان مصر) ص 153:
لو كان يفرقنا بعد الطلاب لما ... كنا كانوا سوى نجم وبوغاء(6/627)
والبوغاء هو الغبار والتراب وهو كلمة ميتة لم يستعملها بعد الجاهلية كاتب أو شاعر أما الأستاذ فولعه بالغريب آثارها من مرقدها: وقال:
يخاف بعضهم بعضا ويمنعهم ... دوني مغافر أقذار وافذاء
يريد أن شباب مصر يخاف بعضهم بعضا فتمنعهم عن إيصال الأذى إليه مغافر من الأقذار والافذاء. ولا أدري أيهجو الأستاذ الشباب أم يهجو نفسه. وقال ص 154:
وصوروا المجد في إخلادهم صورا ... شوهاء أغنتهم عن كل علياء
وإذا صور الشباب المجد في بالهم صورا شوهاء فهل تغني هذه الصور عن كل علياء؟ وقال:
خافوا وقالوا: لنا حزم وتجربة ... أن كان ذا الحزم، ما جبن الأخساء
لم يصدر جواب الشرط بالفاء وهو جملة اسمية، وقال:
تحركوا ثم قالوا لا جمود بنا ... أين التأوه من صمت الأصحاء
فبخ بخ لهذا الشعر، وقال:
تخايلوا في معاليهم وما علموا ... أن التورم لا ينمو بأخطاء
ولو قال (تورموا) مكان تخايلوا لكان أمكن. وقال:
آمالهم في المعالي تحت أرجلهم ... فما ينالونها إلا بإحناء
وهو معنى لطيف. وقال:
أستغفر الصدق بل لا يمدحون سوى ... ما يخلق الوجه من خزي وإغضاء
الإغضاء لا يخلق الوجه فحبذا لو قال (وأسوء مكان (وإغضاء) وقال:
لا يحفلون أعاشوا وهي ناجية ... أم أصبحوا طي أرماس وإحناء
الإحناء جمع حنو وهو الجانب وكل ما فيه عوجاج من البدن وغيره فما هي بالقافية المتمكنة. وقال:
قدوا ملابسكم عنكم فإن لكم ... في كل فعلة سوء ألف عوراء
والمعقول أن يكون للإنسان في كل فعلة سوء عوراء واحدة لا ألف وقال ص 155:
ينافق المرء منكم وهو يزعمه ... ظرفا يشيد به بين الإخلاء(6/628)
والضمير في (يزعمه) ليس بذي مرجع فيجب أن نقدره بقولنا (ما ينافق به)
وقال:
ويغدر المرء منكم وهو يحبس ... عفو البديهة من لؤم وإيذاء
(من لؤم وإيذاء) بيان لما يغدر به وقد حسبه الغادر عفو البديهة والقصيدة مملوءة من السب والقذاع وحبذا لو أجل الأستاذ نفسه عن أمثالها. وقال من قصيدة (الحرام والحلال) ص 156:
أما آن للحسن أن يعدلا ... وللقلب في الحب أن يعقلا
ومن الغرابة أن يطلب من القلب ما لا يملكه. وقال:
لقد وضح الحسن للمبصري ... ن فما لهوى الحسن قد أشكلا
وقد أشكل علي المعنى في الأول ثم فتح الله لي فعرفت إنه يريد أشكل على أمر هواي. وقال:
كأن مآقي ما ركبت ... إلا لترعاك أو تأفلا
ولا أدري كيف هو أقول المآقي، على أن البيت غير موزون ينقص الشطر الثاني حرف متحرك في أوله. وقال:
فما أعشق الحسن إلا علي ... ك وكالوحش بعدك ريم الفلا
ولا وجه لتشبيه ريم الفلا بالوحش وهو منه. وقال:
قبيح بعيني أن تنظرا ... ولكن لعينيك أن تقتلا
لا محل للاستدراك وكان عليه أن يقول (ولعينك) وقال:
ولا ضير إنك حلو المذا ... ق شهي العناق سري الحلى
ولا يخفى ما في وصف الحلي بالسري من الغرابة. وقال:
ولكن ضيرا بنا أن نذو ... ق وإن كان لابد أن نفعلا
و (ضيرا) يتعدى بنفسه فالأولى (ضيرا لنا) على أن تكون اللام للتقوية.
وقال:
ولا بدع أن تذهل الناظري ... ن ولكن من البدع أن نذهلا
إذا لم يكن من البدع إذهال الناظرين فليس من البدع ذهوله. وقال:
ولح أنت في صحراء الزما ... ن نهرا يهبج الصدى سلسلا
(والصحراء) لم تسمع متحركة الحاء. وقال ص 157:
لقد كان وجه الثرى جنة ... من القبح لو من جمال خلا(6/629)
أراد أن يقول (جحيما) فقال جنة. وقال من قصيدة (العام الجديد) ص 158:
سفاها لعمري عدنا الخطو بعده ... إذا كان لا يدنو بنا من مؤمل
(عدنا) مبتدأ من غير خبر وكان الصواب أن يقول (سفاه) بالرفع فيكون هو الخبر. وقال:
إذا ما انثنى الماضي وهيهات ينثني ... ألينا فبشرني بماضي وأجذل
إلى آخر ما هنالك من إطراء للماضي وهو الذي قال قبل أبيات من نفس القصيدة يذمه كقوله:
فبشر بعام زال عنا مذمما ... وإلا فما البشرى بعام مزمل
برمنا بما يمضي الغداة فبعده ... أحب إلينا من ملاقاة ما يلي
ومثل هذا التناقض كثير في شعره.
وقال في ص 159:
ومن لم يفده الصدق فالوهم أجمل ... وفي النفس منها مستجار وموئل
لا مرجع للضمير في (منها) إلا النفس والأحسن (والنفس) مكان (وفي النفس). وقال:
عشقناك إنسانا ونلقاك في المنى ... خيال سمادير يرام فيجفل
والسمادير هو الخيال الذي يتراءى للسكران ومن أشبهه وقوله (خيال سمادير) كالقول (خيال خيال).
وقال ص 160 (وأسديك في نجواي شكر لذاذة) والصواب أسدي.
وقال من قصيدة الصبابة المنشودة:
فقلت أرى جسما عرى من روائه ... وعهدي به من قبل أزهر كاسيا
ولم يجيء عرى بفتح الراء بل الذي جاء هو عري بكسر الراء. وقال:
وأنت لي جليت لي الأرض جلوة ... أسائل عنها الأرض وهي كما هيا(6/630)
وجلى عنه الأمر وجلاه الأمر بمعنى كشفه عنه وجلى الزوج عروسه وصيفة أعطاها في
وقت الزفاف والجلوة ما يعطي الزوج عروسه حين تعرض عليه وأنت ترى أن كل هذا لا يلتئم والبيت. وقال ص 161:
نعم أنت لولا ساتر من منية ... وحسبك سترا بالمنية ساجيا
وتركيب البيت يكلف القارئ، تأويلات. وقال:
إذن لتشوقنا الحمام اشتياقنا ... إلى النوم واشتقنا الحياة دواليا
و (تشوق) بمعنى اظهر الشوق متكلفا فلا يتعدى إلى المفعول. والدوالي عنب بالطائف أسود إلى الحمرة وقد شرح (دواليا) فقال بالتداول وهو خطأ وإما (دواليك) فهو بمعنى مداولة بعد مداولة فهو يراد به تأكيد المداولة.
وقال من أبيات (الهين الصعب) ص 161:
يا ليت أنفسنا صيغت كأنفسهم ... فلا يميلك عنا الصد والعجب
العجب بالسكون هو الزهو وقد حرك الجيم خطأ.
وقال من قصيدة (ليلة على موعد) ص 162:
لقيته! لم القه! قادم. . . ... بل معرض! غضبان بل مشفق
وكان الصواب (قادما بل معرضا غضبان بل مشفقات) على الحالية.
ولعله يعيد كلمات الواسطة المتقطعة فيكون (قادم) خبرا لمبتدأ محذوف تقديره (هو). وقال:
بالشمس أم شمس غد وحده ... مذخورة من اجله تخلق
كيما نرى الدنيا وما شأنها ... سربالها المبتذل المخلق
وفي البيتين غموض وظني أن الألفاظ قصرت عما يريده وتليهما أبيات لم تسلم من الغموض والركة. وقال من قصيدة (درج الحب) ص 163:
أبصرته فودت الزمه ... باللحظ في حل ومرتحل
والفصيح (فوددت أن الزمه).
وقال من قصيدة (الكون والحياة) ص 165:(6/631)
فحياة الأنام أهون من أن ... تتحرى لها الدنى مستقرا
لا تطلق الدنيا على البشر وحدهم فهي تشمل العالم كله وهذه لا تتحرى للحياة مستقرا. وقال:
وهي أدنى من أن تدير عليها ... فلكا عاليا وشمسا وبدرا
أتبع رأي بطليموس في الأرض والأفلاك فجعل الفلك والشمس والبدر كلا منها يدور حول الأرض أما القمر فدورانه حق وإما الشمس فدورانها ظاهري مسبب عن دوران الأرض على محورها وإما الفلك فالأرض تدور فيه وليس هو بجسم ليدور حول الأرض إلا على رأي فلكيي الزمان الأقدم. وقال:
ما جمال الأرضين تزخر بالذ ... ر وحسن النجوم في الأفق تترى
شرح (تترى) فقال تتوالى (؟!!!) حاسبا إنها فعل مضارع وهو أسم جامد من الوتر ومعناها بعد واحد.
وقال من قصيدة (الدنيا الميتة) ص 167:
وأنك تسبي الناظرين وأنني ... بأحباب سابي الناظرين جدير
والذي استخلصه من البيت هو أن الأستاذ يقول لحبيبه إنك تسبي الناظرين وأني بحبك جدير غير إنه لم يورد الحب وأتى بالأحباب - مصدر أحب - مكانه وهو مهجور ثم إنه لم يبين من أين أتته هذه الجدارة.
وقال ص 168:
ألا لا تدعنا نلحظ الحسن أو أجز ... لنا الحب فاللحظ اليسير يجور
وهل الحب يتوقف على إجازة ليقول لمن احبه اجز لنا الحب ثم لماذا حصر الجور في اللحظ اليسير، فهل اللحظ الكثير يعدل وإذا كان عادلا فلماذا قال لا تدعنا نلحظ الحسن على أن هذا النهي يشمل اللحظ اليسير ولكثير. وقال:
وما من سبيل أن تراه عيوننا ... وتغمض عنه انفس وصدور
يريد أن لا إمكان لرؤية الحسن وعدم الحب وهو معنى جميل وإن كان في دلالة اللفظ عليه بعض الغموض. وقال:
فأما وأعشاء النواظر مطلب ... عسير وقد يهوى الجمال ضرير
(أما) حرف تفصيل قد فصل بينه وبين جوابه وإن لم يكن الفاصل(6/632)
أحد الأمور الستة التي ذكرها النحويون وهي: (1) المبتدأ و (2) الخبر و (3) جملة الشرط و (4) الاسم المنصوب بالجواب و (5) الاسم المعمول المحذوف يفسره ما بعد الفاء و (6) الظرف
المعول لاما فإن الجملة الحالية مؤلفة من المبتدأ والخبر والفصل بها مثل الفصل بالمبتدأ وحده أو الخبر فلا خطأ. وقال:
وحاكيتهم ظنا فليتك مثلهم ... محيا فلا يأس عليك ضمير
أسى عليه بمعنى حزن عليه وعدم أشباه حبيبه بالناس في جماله ليس بضار له ليكون باعثا للأسى عليه بل عدم هذا الشبه قد أضر بالمحب فيجب أن يأسى على نفسه. وقال:
ويا عجبا منا نسائل انفسا ... إذا سئلت حارت وليس تحير
لا موقع لهذا البيت فهو غريب بين ما تقدمه وتأخر عنه ولعل الجناس الذي أولع به الأستاذ هو الباعث لنظمه - حارت وتحير - وقال (أتعشى مآقينا) والمآقي أطراف العين مما يلي الأنف وهذه ليس لها من الأبصار حصة لتعشي.
وقال:
ألا نتملى الحسن والحسن جمة ... مطالعه إلا وأنت سمير
لا يحتمل أن تكون (ألا) للعرض والتحضيض لما يمنعه من قوله في آخر البيت (ألا وأنت سمير) فهو إذن للاستفهام عن النفي وإذا كانت للاستفهام عن النفي لا تدخل إلا على الجملة الاسمية وتعمل عمل (لا) النافية للجنس كقول أحدهم (ألا اصطياد لسلمى أم لها جلد) وقال:
إذا الشمس غابت لا نبالي غيابها ... وان غبت آض العيش وهو كدور
وقد جاء الاكدر والكدر بكسر الدال وكدر بسكونها وكدير ولم يجيء (كدور) فهلا قال (كدير)؟ وقال:
لديك مقاليد السرور وديعة ... وما لمحب في سواك سرور
فإن تأذن الدنيا أباحت شوارها ... وغنت عصافير وفاح عبير
(يأذن) لا يتعدى بنفسه إلا إذا كان بمعنى أصاب أذنه وقد جاء (أذن به) بمعنى علم به وأذن له في الشيء بمعنى أباحه له واليه بمعنى استمع وإن جعلنا الدنيا فاعلا لتأذن لم يكن للبيت ربط بما قبله وفسد المعنى فإنه يريد أن السرور بيدك فإن أذنت للدنيا أباحت شوارها.(6/633)
ثم تأتي أبيات معانيها كالمعاني التي يفتكر بها الصبيان وأكثرها تفاهة قوله ص 169:
لك الحسن فأمنعه ولكن يغل ... من الناس دنياهم فذاك مغير
(لم يتم)
71 - خزائن كتب العرب في عهد العباسيين (في 29 ص بقطع الربع) باللغة الإيطالية تأليف الغا بنتو، طبع في فيزنزة (إيطالية) في مطبعة ليو اولسكي سنة 1928.
هذه أطروحة أنشأها السينور الغابنتو لينال بها العلامية (الدكتوراية أو الدكتوراة) وأهداها إلى أستاذيه ميكيل انجلو غويدي وجورجيو ليفي دلافيدا. وأدرجت في المجلد 30 من السنة 30 من مجلة (ببليوفيليا) التي يديرها ناشر الكتب ليو س. اولسكي وقد قدم على هذا البحث الجليل مقدمة جزيلة الفائدة ثم قسمها إلى خمسة أقسام: الأول في الخزائن الخاصة - الثاني في الخزائن العامة - الثالث في إقامة الخزائن العامة وأجزائها - الرابع في أتلاف الخزائن - الخامس في انبعاث الدروس والخزائن العصرية.
وقد راجع المؤلف في وضع هذه الأطروحة النفسية كتبا عديدة من عربية وألمانية وفرنسية وإنكليزية ولاتينية وإيطالية بين مخطوطة ومطبوعة وذلك تأييدا لأقواله والرسالة من انفس ما يقتنى في هذا الموضوع فنهنئ (الدكتور) الجدي باللقب الذي حازه عن جدارة وبالحجر الصلد الذي جاء به لإقامة (صرح الأدب العربي)
72 - خزائن الكتب في دمشق وضواحيها
في أربعة أجزاء: دمشق، صيدنايا، معلولا، ويبرود بقلم حبيب الزيات، طبع في مطبعة المعارف بأول شارع الفجالة بمصر سنة 1902 في 246 ص بقطع الثمن حبيب الزيات ليس من الكتاب الذين يودون تصنيف مؤلفات كثيرة(6/634)
لكنه من الذين إذا كتبوا سطوا نفعوا به القارئ أكثر مما لو طالع أسفارا عديدة في ذلك الموضوع.
ليس في هذا التأليف البديع أسماء دواوين ومجلدات فقط بل هناك من المنافع والأنباء والفوائد التاريخية ما لا تجده في أي كتاب اخترته لنفسك في الموضوع الذي انتقيته.
إذا وجد الزيات كتابا مخطوطا غير معروف، اقتبس منه ما لا يعرفه الناس وأطلعك على ما فيه من الغرائب وعرفك بمؤلفه بحيث تستغني عن اقتناء الكتاب نفسه، لأنه (عصر ما
فيه من السلافة) وقدمها إليك. ولو اتسع لنا المقام لذكرنا بعض الشواهد لكي يتعلم كتابنا كيف توصف المخطوطات.
فقد ذكر مثلا في ص 53 نسمات الأسحار في نبذ من كرامات الأولياء والأخيار لعطية بن حسن الملقب بعلوان الحمودي. قال: (ورد في آخره في صفة الأعراس التي كانت جارية في أيامه (أيام مؤلف المخطوط) في أوائل القرن العاشر للهجرة الفصل الآني) ثم نقل الفصل وهو من المواضيع التي يستطيبها كل قارئ.
وهكذا جرى في كتابه فأصبح (خزانة لخزائن الكتب) ولهذا اقتناه الأدباء والفضلاء وحرصت على شرائه جميع خزائن كتب أوربة وديار الشرق لما يتبين من أسماء كتب والوقوف على أمور لا ترى في التصانيف المألوفة المسماة بمثل هذا الاسم.
73 - كتاب مخطوطات الموصل
وفيه بحث عن مدارسها الدينية ومدارس ملحقاتها، تأليف الدكتور داود الجلبي الموصلي، طبع في مطبعة الفرات في بغداد سنة 1927 في 389 ص بقطع الربع، وثمنه أربع ربيات ونصف ويباع في المكتبة العربية لصاحبها نعمان الاعظمي في بغداد والموصل والبصرة.
إلى اليوم كان الناس يجهلون ما في الموصل الحدباء من خزائن كتب ومؤلفات فجاء صديقنا الدكتور داود الجلبي وسد هذه الثلمة العظيمة بكتابه هذا النفيس(6/635)
الذي لا تستغني عنه خزانة عربية بل غربية إذا أرادت أن تعرف ما في الموصل من كنوز عقول الأولين.
وفي القسم الأول من هذا السفر الجليل ذكر المدارس الدينية التي وجدت في الموصل ثم أسماء الشيوخ الذين درسوا فيها.
وفي القسم الثاني ذكر مدارس الموصل الحالية ومدارس ملحقات لواء الموصل مع ذكر ما حوته من الكتب.
وفي القسم الثالث بيان ما عند الأسر المعروفة في الموصل من الكتب الخطية المهمة وذكر منها 33 أسرة.
ثم شفع ذلك كله بثلاثة فهارس. ذكر في الفهرس الأول أقسام الكتاب ومواضيعه.
وفي الثاني أسماء الكتب التي وردت في الديوان المذكور مرتبة احسن ترتيب على حروف
الهجاء.
وفي الثالث ذكر أسماء الأعلام الواردة فيه أصحاب مؤلفات كانوا لم يكونوا.
فقد رأيت من هذا البيان الموجز أن هذا الكتاب لا يستغني عنه صاحب خزانة أو عاشق، بل كل أديب مغرم بمصنفات السلف.
74 - المهذب
جريدة أسبوعية سياسية أدبية اجتماعية، لصاحبها ورئيس تحريرها جورج فرج وتصدر في الإسكندرية.
وصلتنا الأعداد التي هي بعد المائة من هذه الجريدة التي انتشرت كل الانتشار مع حداثة عهدها إذ مضى عليها ثلاثة أعوام فقط وسر هذا النجاح حسن اختيار كتابها إذ فيها أحمد الشايب والدكتور أبو شادي والأستاذ م. س. أ. وابن يحيى وغيرهم من حضنة العلم والتحقيق. هذا فضلا عن قلم المحرر نفسه فانه يتدفق سلاسة وسهولة. فعسى أن يطالعها كل من لم يعرفها إلى الآن ويساعد في نشرها لفوائدها الجمة.(6/636)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - نصرة (لغة العرب)
نشرت زميلتنا (الأخلاق) الغراء فصلا لأحد الأفاضل الآباء نوه فيه بالجهد الذي تبذله (لغة العرب) لخدمة الضاد وآدابها مع قلة مواردها المادية وأهاب بوزارة المعارف العراقية إلى أن تسعف المجلة عن طريق الاشتراك الكافي بأعدادها وتوزيعه على مكاتب المعاهد الدراسية لينتفع الأساتذة والطلبة بمباحثها وفوائدها. ونحن نشكر للكاتب الفاضل حسن ظنه وتشجيعه وتقديره ونصرح بأننا لا نعتبر هذه المجلة صحيفة شخصية، بل مجلة العالم العربي بأسره وكل جهودها موقوفة على رفع مقام اللغة العدناينة الشريفة. ومن أجل ذلك نرحب بهذه الرغبة في المؤازرة الصادقة التي تضمن للمجلة استمرار حياتها ونفعها للغة والأدب، وللثقافة العربية عامة. ولا يسعنا بهذه المناسبة إلا تكرار شكرنا لزملائنا الصحفيين الأفاضل - في مختلف الأقطار العربي - الذين نوهوا مرارا بهذه المجلة حثوا على معاضدتها. وبهذا الاعتبار العام نشكر الأدباء الكرام الذين اهتموا بالتفكير في الاحتفاء بيوبيل محرر المجلة في شهر أيلول المقبل واخذوا يدعون إلى ذلك في الأقطار العربية وبين الأساتذة المستشرقين وما ترددنا في قبول ذلك سابقا إلا خشية انصراف الحفاوة إلى شخصنا وما قدرنا هذه المكرمة حق قدرها أخيراً إلا بعد أن علمنا أن القصد الحقيقي من هذا السعي هو نصرة (لغة العرب).
2 - وزارة المعارف والبعثة العلمية
عن هذه السنة (بحرفها الرسمي)
1 - ستوفد وزارة المعارف عشرين طالبا للتخصص بالعوم المذكورة أدناه إلى جامعات إنكلترة وأميركة والجامعة الأميركية في بيروت.
(التربية، العلوم، الهندسة، الزراعة)
2 - ستنتخب الوزارة مباشرة ستة طلاب بالنظر لنتائج امتحانات التخرج من ثانويتي بغداد والموصل وكلية الحقوق ومدرسة الهندسة.(6/637)
3 - ستنتخب الوزارة مباشرة مدرسين من بين مدرستها نظرا لاختباراتها في السنين الدراسية الماضية وترسلهما للتخصص بالتدريس.
4 - سينتخب من بين المراجعين العدد المقتضى لإكمال البعثة بمسابقة خاصة بموجب الشروط الآتية:
1 - يجب أن يكون الطالب قد حصل على شهادة الدراسة الثانوية.
2 - أن يكون قد أتقن اللغة الإنكليزية.
3 - يرجح الطلاب الذين هم أكثر تقدما في الدراسة نظرا لدرجة الشهادة التي يحملونها.
4 - يجري فحص مسابقة بين الذين يتساوون في الدرجة.
5 - عند تساوي الشروط الواردة في الفقرات السالفة يرجح الطلاب الذين يتعهدون بالقيام بنصف النفقات.
6 - عند وقع طلب من التلاميذ الذين يدرسون في الخارج على نفقتهم ستفسر أحوالهم ودرجة معلوماتهم والمدة اللازمة لإكمال دراستهم من مديري المدارس ورؤساء الطلبات والجامعات التي يدرسون فيها وتحقق مقدرة عائلتهم المالية في العراق.
7 - سيدخل في البعثة طالبات لإكمال الدراسة في كلية البنات الأميركية في بيروت على أن تجري الشروط الآتية:
1 - يجب أن تكون متخرجة من دار المعلمات في بغداد أو في الموصل.
2 - يجب أن تعرف اللغة الإنكليزية.
3 - يجب أن تتعهد بالخدمة في وزارة المعارف بعد إكمالها الدراسة وفق المواد المدرجة في ورقة التعهد.
8 - سيدخل في البعثة طلاب للتخصص باللغة العربية في مدرسة دار العلوم في مصر على أن يجوز الشروط الآتية:
1 - يجب أن يكون قد اكمل الثانوية أو تخرج من الشعبة العالية الدينية.
2 - يجب أن يكون عالما بالغة العربية.
3 - يجب أن يكون يعرف إحدى اللغات الغربية.
9 - ستجري المعاملات الاحضارية المتعلقة بالبعثة والتحقيقات المقتضية لها قبل اليوم
العشرين من شهر تموز الحالي ويتم مر الانتخاب في أوائل شهر آب من قبل اللجنة تؤلف برئاسة معالي وزير المعارف ومن كبار موظفي الوزارة.(6/638)
3 - عباس محمود العقاد في نظر المصريين كتبت جريدة الأخبار المصرية نبذة عنه في عددها الصادر في 16 تموز من هذه السنة ولقبته بعبد البلاء. وهذه نصها:
(كتبت كثيرا عن هذا العبد الذليل، لا اعتناء به، وتقديرا لمقامه فهو أهون علينا من البعوضة على قرن ثور، ولكننا نعتبره كلسان (مبتور) لهؤلاء الغلابة المساكين.
وما كنا نظن أن هذا العبد شاعرا ينظم الحصى والطوب ليشدخ به رؤوس القراء لولا أن خبيثا ألقى بين أيدينا عدا من البلاغ الأسبوعي فيه قصيدة لهذا العبد الطويل يتغزل فيها بمغن اسمه. . . بخيت! يقول فيه:
شدوا وأعزفهم على أوتاد ... صوت سيبلغ لا محالة في غد
أقصى المدى من شهره وقرار أما أن تسألني من (بخيت) هذا، وما حظه في الفن والجهور لا يعرفه؟ فهذا ما لا أدريه. أو ما هذا الشعر السخيف الركيك، فأبلغ رد على ما نشر لصديقي الأستاذ مصطفى كامل الشناوي من النقدات يعترض فيه على الطعن في شعرية هذا العبد السخيف!!!
ولعله حينما يقرأ هذين البيتين يفيدنا برأيه في تغزل (عبد) أبله، (بعبد) يشدو على الأوتاد!!!) أهـ
4 - تبادل الثقافة
أذاعت الجمعية المصرية في بيروت أن الطلبة المصريين المذكورة أسماؤهم فيما يلي نجحوا في الامتحان النهائي للطب والصيدلة ببيروت، وهم:
الدكتور الياس أيوب، والدكتور حسين بديع، والدكتور هراوي ربنية في الصيدلة، وميشيل شقرا وجورج كساب. ونحن نشارك الجمعية المصرية في تهنئتها لهم، ونلفت نظر وزارة معارفنا العراقية إلى واجب التعاون الفكري والتعليمي بين العراق ومصر، كما هو واقع الآن بين القطرين المصري والسوري، وليس التفكير في الوسائل المؤدية إلى ذلك بعزيز على رجال وزارتنا تحقيقا للإخاء العلمي والفكري بين المملكتين الشقيقتين.
5 - النقود (العملة) الفلسطينية في مصر
طلبت الحكومة الفلسطينية إلى الحكومة المصرية تحديد سعر للنقود (العملة) الفلسطينية وقبولها أثناء صرف التذاكر بمحطة شرق القنطرة ولا تزال المخابرات جارية. وهذه(6/639)
مشكلة من المشاكل الاقتصادية الصغيرة التي كانت تنشأ لو أن لوحدة العملة الدولية وجدوا.
ولعل هذا الجيل سيشهد تحقيق هذه الأمنية مثيلاتها بنفوذ (جمعية الأمم) وسعيها المتواصل في بث الروح الإنسانية العامة.
6 - الوفد العراقي
سافر في صباح 22 تموز الوفد العراقي راكبا طيارة تأخذه إلى مصر ومنها إلى جدة ويتألف الوفد من معالي وزير المعارف توفيق بك السويدي رئيسا وبهاء الدين بك نوري عضوا وأحدهم حامد أفندي الصراف كتوما (سكرتيرا)
7 - غارات الأخوان
بينما كانت ابل (عنزة) وهي من فرقة (الدهامشة) و (السويلمات) سارحة في مراع قريبة من (السلمان) إذ داهمتهم عصابة من الأخوان من اتباع (الدراويش) من مطير والبرزا النازلين في الرخيمية ونهبت من راعيين ابلهما وولت الأدبار.
8 - تعطيل صدى الكرخ
عطلت مديرية المطبوعات جريدة صدى الكرخ الأسبوعية بحجة أن هذه الجريدة قد خرجت عن الخطة المعنية لها.
9 - الدكتور علي رامز
فقدت مصر في الشهر المنصرم أحد نوابغ جراحيها الأعلام الأستاذ الدكتور علي رامز مسموما من جرح أصابه أثناء قيامه ببضع خطير (بعملية خطيرة) فنجا المريض وذهب الجراح الماهر ضحية إنسانيته ونبله:
والطب تضحية فإن هو لم يكن ... لم يرتفع شرفا وكان مهيضا
وهو ابن المرحوم الطبيب الذكر الدكتور إبراهيم باشا حسن مدير كلية الطب المصرية سابقا وله أخ مشهور بطبه الاختصاصي في جامعة (فينا) وهما شقيقان وأمهما ألمانية.
وكان الفقيد العظيم بارعا أيضاً في علم النبات والموسيقى فجمع بذكائه ومواهبه بين العلم والفن وهكذا كانت خسارته فادحة.
10 - تربية النحل في مصر
تعنى الحكومة المصرية في العهد الأخير عناية جدية بتربية المحل (وكذلك بدود القز) وآخر ما فكرت فيه من هذا القبيل نشر هذه التربية في لوحات خدمية لسكانها الفقراء.
وهي تجلب النحل الإيطالي المشهور بدماثته وكذلك النحل القبرصي المعروف بنشاطه بجانب العناية بالنحل المصري الأيل. فلعل رجال الزراعة عندنا يقتدون بهذا السعي المفيد!(6/640)
العدد 63 - بتاريخ: 01 - 09 - 1928
ذو الكفل ومدفنه
1 - ذو الكفل
من ذوالكفل، أو الكفل (على رواية العوام)؟ - سؤال يسأله كل أديب يريد أن يرى الحقائق على ما هي، لا على ما يصورها بعض ضعفاء الباحثين. قلنا:
ذو الكفل (ومن باب حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه): الكفل على ما قاله الطبري في تاريخه: (إن عمر أيوب كان ثلاثا وتسعين سنة، وانه أوصى عند موته إلى ابنه (حومل) وإن الله عز وجل بعث بعده ابنه (بشر بن أيوب) نبيا، وسماه ذا الكفل وأمره بالدعاء إلى توحيده، وانه كان مقيما بالشام عمره حتى مات وكان عمره خمساً وسبعين سنة، وإن (بشرا) أوصى إلى ابنه عبدان. . .) أهـ المراد من نقله (1: 364 من طبعة الإفرنج).
وقال المطهر بن طاهر المقدسي في كتابه: البدء والتاريخ، المنسوب خطأ إلى أبي زيد أحمد بن سهل البلخي 3: 99) (كان ابن اسحق يقول: الياس هو الياس بن يس من ولد هرون بن عمران يقال له: الياس، والياسين، واذر(6/641)
ياسين، ويقال: هو ذو الكفل بعينه، بعثه الله بعد حزقيل إلى ملك ببعلبك يقال له آحب وله امرأة يقال لها ازبيل. .). ثم قال عن اليسع بن اخطوب (ص100) يقال أن اليسع هو ذو الكفل. وقيل هو الخضر، وقيل هو ابن العجوز والله اعلم. وفي كتاب أبي حذيفة: أن ذا الكفل هو اليسع بن اخطوب تلميذ الياس وليس هو اليسع الذي ذكره الله في القرآن. يرويه عن أبي سمعان. فإن كان هذا حقا فهما اليسعان والله اعلم. وأما ذو الكفل فمختلف فيه اختلافا كثيرا تجده في كتاب المعاني إن شاء الله تعالى. أهـ.
وقال في ص96: قيل أن يوشع هو ذو الكفل ابن أخت موسى وتلميذه الذي سار معه في طلب الخضر الذي افتتح بلقاء مدينة الجبارين بعد موسى. . . أهـ.
وقال محمد بن أحمد بن اياس الحنفي في كتابه بدائع الزهور ص 109 قال: قال كعب الأحبار: لما قبض الله تعالى ايوب، عليه السلام، تغلب على أولاده الملك لام بن دعام، فأرسل هذا الملك إلى أولاد أيوب ليزوجوه بأختهم، بنت أيوب، فأرسلوا إليه وقالوا: ليس في ديننا أن نزوجك وأنت من الكفر، فإن أحببت فادخل في ديننا، فنزوجك اياها، فلما سمع
ذلك الملك هددهم وعزم على قتالهم، فبلغ ذلك أولاد أيوب فمنهم من أشار بقتاله، ومنهم من أشار بمداراته المواعيد. فعند ذلك قال حوميل بن أيوب: لابد من قتاله وحربه.
فلما جمع الملك جنوده وبرز للقتال، برز أولاد أيوب بمن معهم من المؤمنين والتقى الجيشان، واقتتلا قتالا شديدا، فوقعت الهزيمة في جيش حوميل بن أيوب، واحتوى لام على جميع أموالهم وأملاكهم واسر من قومهم ناسا كثيرين وفيهم بشير بن أيوب.
فهم الملك بصلبه، ثم أمهله وأمر بحبسه يريد الفدية، فأراد أخوه حوميل أن يرسل له الفدية، فرأى في منامه قائلا يقول: (يا حوميل لا ترسل الفدية ولا تخف على أخيك، وإن هذا الملك سيؤمن وتكون عاقبته إلى خير، فقص الرؤيا على من كان عنده ورجع عن إعطائه الفدية.
فبلغ الملك لام هذا الكلام فغضب غضبا شديدا فأمر أن يتخذ خندق ويجعل(6/642)
فيه النار ليحرق بشير بن أيوب. فعند ذلك أحضر الجنود النار وأوقدوها واحتملوا بشيرا والقوه فيها فلم تحرقه النار. فتعجب الملك لام من ذلك، وقال: إن هذا لسحر عظيم. فقال له بشير: أيها الملك لسنا بساحرين وقد كان لنا جد يقال له إبراهيم الخليل، ففعل به النمرود كذلك فلم تحرقه النار وجعلها الله عليه بردا وسلاما. وكذلك يفعل الله بأولاده فعند ذلك رق قلب الملك وعلم الحق فأسلم وآمن واجتمعوا على الإسلام (كذا). فزوجوه بأختهم. وسمى الملك بشيرا (ذا الكفل)، لأنه لما أراد الملك الفدية، تكفل بشير بإيصال الفدية إليه من اخوته.
ثم أن حوميل أرسل أخاه ذا الكفل رسولا إلى جميع أهل الشام بأذن الله تعالى. وكان الملك لام بين يديه يقاتل الكفار، فلم يزالوا على ذلك حتى مات حوميل ثم مات بشير ذو الكفل، ثم مات بعدهما الملك لام بن دعام فتغلب على أهل الشام العمالقة إلى أن بعث الله شعيبا. انتهى على سبيل الاختصار.
وقال الثعلبي في قصص الأنبياء 199: (قال الله تعالى: (واسمعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين) قال مجاهد: لما كبر اليسع قال: لو أني استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل. فجمع الناس ثم قال: من يتكفل لي بثلاث، استخلفته: يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب فقام إليه رجل شاب تزدريه العيون. فقال: أنا. فرده ذلك اليوم.
وقال مثلها في اليوم الثاني فسكت الناس. فقام ذلك الرجل وقال: أنا اعمل ذلك. فاستخلفه. قال: فلما رأى إبليس ذلك جعل يقول للشياطين: عليكم بفلان، فأعياهم. فقال: دعوني وإياه فاتاه في صورة شيخ كبير فقير حين أخذ مضجعه للقائلة. وكان لا ينام بالليل والنهار إلا تلك النومة.
فدق إبليس الباب، فقال: من هذا؟ فقال: شيخ كبير مظلوم، ففتح الباب فجعل يقص عليه القصة ويقول: إن بيني وبين قومي خصومة وانهم ظلموني وفعلوا. . . وفعلوا. . . وجعل يطول عليه حتى حضر وقت الرواح. وذهبت القائلة. فقال له: إذا رحت فإني آخذ لك بحقك فانطلق وراح إلى مجلسه. فلما جلس جعل ينظر ليرى الشيخ فلم يره وقام يتتبعه.(6/643)
فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلم يره، فلما رجع إلى القائلة واخذ مضجعه، أتاه، فدق الباب، فقال: من هذا؟ فقال: أنا الشيخ المظلوم. ففتح له وقال: ألم أقل لك، إذا قعدت فأتني؟ فقال: أنهم اخبث قوم، إذا عرفوا إنك قاعد يقولون: نحن نعطيك حقك. وإذا قمت جحدوني. قال: فانطلق. فإذا رحت فأتني، وفاتته القائلة، فراح، واقبل، وجعل ينظره فلا يراه. فشق عليه النعاس. فقال لبعض أهله: لا تدعن أحدا يقرب هذا الباب حتى أقوم فإنه قد شق علي عدم النوم.
فلما كانت تلك الساعة جاءه فلم يأذن له أحد. فلما أعياه نظر فإذا كوة في البيت، فتسور منها فإذا هو في البيت، وإذا به يدق الباب من داخل. فاستيقظ الرجل وقال: يا فلان ألم آمرك أن لا تأذن لأحد علي. فقال: أما من قبلي فما أتيت. فانظر من قبل من أتيت؟ فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه وإذا الشيخ معه في البيت. فقال له: إننا والخصوم ببابك، فعرفه فقال له: يا عدو الله ما ألجأك على هذه الفعال! فقال له: أعييتني في كل شيء أردت بك ففعلت معك ما ترى لأغضبك فعصمك الله مني. فسمي ذا الكفل، لأنه تكفل بأمر فوفى به.
اخبرنا ابن فتحويه، قال: حدثنا عمر بن الفضل عن أبي هاشم: اخبرنا ابن الفضل قال: اخبرنا الأعمش عن عبد الله بن عبيد الله الداري عن سعيد عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث حديثا لو لم اسمعه إلا مرة أو مرتين لم أحدث به. سمعت منه أكثر من سبع مرات يقول: كان في بني إسرائيل رجل يقال له ذو الكفل لا ينزع عن ذنب
عمله. فاتبع امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن تعطيه نفسها. فلما قعد منها مقعد الرجل من المرأة ارتعدت وبكت فقال لها: ما يبكيك؟ فقالت: من هذا الفعل، ما فعلته قط. فقال لها: أأكرهتك؟ قالت: لا، ولكن حملتني عليه الحاجة. فقال لها: اذهبي فهي لك.
ثم إنه قال: والله، لا اعصي الله بعد هذا قط أبدا. فمات من ليلته. فقيل: مات ذو الكفل. فوجدوا على باب داره مكتوباً أن الله تعالى قد غفر لذي الكفل.
وقال أبو موسى الاشعري: أن ذا الكفل لم يكن نبياً، وإنما كان عبدا(6/644)
صالحا تكفل بعمل رجل صالح وكان يصلي لله تعالى في كل يوم مائة صلاة. فاحسن الله عليه الثناء. قيل: هو الياس. وقيل هو زكريا. والله أعلم بالصواب انتهى كلام الثعلبي.
وفي تاج العروس في مادة ك ف ل: ذو الكفل: نبي من أنبياء بني إسرائيل. وقيل هو من ذرية إبراهيم، صلوات الله عليهما، وقيل هو الياس، وقيل هو زكرياء، أقوال ذكرها الفاسي في شرح الدلائل. قيل بعث إلى ملك اسمه كنعان، فدعاه إلى الإيمان وكفل له بالجنة وكتب له بالكفالة. وقال الثعالبي في المضاف والمنسوب: اختلف المفسرون في اسمه، فقيل: هو بشير بن أيوب، بعثه الله رسولا بعد أيوب وكان مقامه بالشام. وقبره في قرية كفل حارس من أعمال نابلس ذكره الملك المؤيد صاحب حماة. وقيل كان عبدا صالحا ذكر مع الأنبياء لأن علمه كعلمهم والأكثر على نبوته. وقيل: اسمه الياس، وقيل: يوشع، وقيل: زكريا. وقيل: حزقيل لأنه تكفل سبعين نبيا. حكاه في معالم التنزيل عن الحسن ومقاتل، انتهى، وقيل سمي به لأنه كفل بمائة ركعة كل يوم فوفى بما كفل. وقيل: لأنه كان يلبس كساه كالكفل. وقال الزجاج لأنه تكفل بأمر نبي في أمته فقام بما يجب فيهم. وقيل: تكفل بعمل رجل صالح فقام به. وقال الفاسي في شرح الدلائل: ومعناه ذو الحظ من الله تعالى. وقيل لتكفله لليسع بصيام النهار وقيام الليل وأن لا يغضب. أهـ كلام صاحب التاج.
ولو أردنا أن نأتي على كل ما قيل عن ذي الكفل وسبب تسميته لملأنا مجلدات. وكل كاتب يذهب إلى رأي ينتحله للغير أو يريده بحديث يرفعه إلى أقدم المحدثين. وكل ذلك من الموضوعات البينة إذ لو كانت صحيحة لاتفقت كل الاتفاق؛ لكن هذا شأن الاختلاق إنه لا يأتي على وجه واحد.
ونتائج ما تقدم ذكره هي: عدم اتفاق علماء الإسلام على حقيقة ذي الكفل إذ يذهب قوم إلى
نبي ويقول آخرون بأنه رجل خاطئ تاب، أو عبد صالح خالط الأنبياء.
لم يعرف أسم الرجل المذكور على حقيقته فمنهم من قال إنه الياس. ومنهم(6/645)
اليسع وجماعة إنه زكريا وآخرون حزقيال وفريق يوشع.
ومنهم من قال أن الاسم الحقيقي هو بشر أو بشير بن أيوب إلى غير ذلك من الأسماء التي توضع كل يوم لتأييد رأي من الآراء يمر في المخيلة. أما الحقيقة على ما نرى فهي أن ذا الكفل هو النبي حزقيال، باتفاق المسلمين والنصارى واليهود العراقيين منذ ألوف من السنين. وسبب تلقيبه بذلك هو إنه كفل يهوذا وإسرائيل باضطجاعه على الأرض نومة مدة 190 يوما على الجانب الأيسر و40 يوما على الجانب الأيمن طالبا إلى الله أن ينجي هاتين المملكتين من عقبى آثامهما. ففاز بأمنيته.
(لم تتم)
مصطفى جواد
شاب مشغوف بلغة العرب معروف بميله إلى الأدب ولد في (محلة القشل بغداد) سنة (1904م) المقابلة (1322) بعد الهجرة. وكان والده (جواد) خياطا في بغداد ولما كف بصره بمرض فجائي نقل أسرته إلى بليدة (دلتاوة) أحد أعمال لواء ديالى. وكان عمر المترجم إذ ذاك شبع سنين فأرسله والده إلى امرأة مدرسة في دلتاوة نفسها ليتعلم القرآن قراءة فقط. والمدرسة في ذلكم الزمان تدرس الأولاد بنات وصبيانا. وبعد أن حذق قراءة القرآن ضمه والده إلى مدرسة دلتاوة الحكومية الابتدائية وبقي مواظبا على الدراسة حتى أول دقيقة دخل فيها جيش الإنكليز دلتاوة. ولكن والده جوادا توفي سنة (1333) هـ فتولى أمره أخوه الوحيد الكبير جدا (كاظم) الذي برع في العلوم العربية وصار تلاميذه علماء الآن. وبعد ذلك رجع مصطفى إلى مسقط رأسه بغداد ولما لم يحسن أخوه المعاملة له، انفصل وانضم إلى أقربائه الأدنين ثم رجع إلى دلتاوة لأن له خلاقا مما تركه والده من البساتين فاشتغل بها ثم دخل المدرسة الحكومية فلم يستفد فائدة لأن أعلى صف فيها هو (الرابع) ولذلك عول على الاجتهاد الذاتي في العطلة فاجتهد ثم دخل (دار المعلمين) قبل تكون الحكومة الوطنية الملكية سنة (1921) م وبقي فيها ثلاث سنين خرج بعدها (معلما) وقد نال الدرجة الثالثة في صفه عند التخرج. عينته الحكومة مدرسا في (الناصرية)
فالبصرة فدلتاوة ثم الكاظمية وهو فيها للان. نظم الشعر نظما طبيعيا من دون دراسة ولا إرشاد من غيره وله (ديوان شعر) غير مطبوع سماه (الشعور المنسجم).(6/646)
ترجمة ابن الفوطي
عن الدرر الكامنة لابن حجر
-
(لغة العرب) (من غريب حظ بعض المؤلفين المشاهير أن يخمل اسمهم وينبه أسم من هم دونهم. ومن جملة هؤلاء المشاهير الجدراء بالذكر ابن الفوطي. فلقد أهمل ذكره البستاني في دائرة معارفه، ومعلمة الإسلام، وجرجي زيدان، وكليمان هوار، وبروكلمن وغيرهم، مع أن تآليفه من أحسن ما جاء في الموضوع الذي تحراه. وقد نقل بعض الكتاب شيئا ليس بقليل عن الأخبار التي ذكرها لكنهم لم يعرفوا صاحبها. وأول من ذكر اسمه وتأليفه مجلة العرفان ثم أشاد باسمه عيسى اسكندر المعلوف في تلك المجلة بصدد نسخة من التصنيف الذي ذكر فيها وهو نسخة في الخزانة الظاهرية في دمشق؛ لكن الذي نوه باسمه وبفضله كل التنويه هو أحد مؤازرينا في هذه المجلة البحاثة المدقق يعقوب أفندي نعوم سركيس فقد اظهر لنا أن الكتاب الذي نقل عنه الأدباء جرجس صفا والأب لويس شيخو واحمد تيمور في المشرق والزهراء هو الحوادث الجامعة لصاحبه ابن الفوطي. (لغة العرب 5: 223 ما يليها) وكان قد ذكر حضرة الصديق يعقوب أفندي إنه يتوقع وجود ترجمته في الدرر الكامنة (ل. ع 5: 223) فلما وقف على هذا النبأ صديقنا الآخر فريتس كرنكو الألماني الذي يطوي بساط أيامه في انكلترة، بعث إلينا بنسخة من تلك الترجمة الواردة في الدرر الكامنة وما أعظم ما كان عجبنا عند وقوفنا على هذه الترجمة وعلى خلوها من ذكر أسم كتاب الحوادث الجامعة، مع أن صاحب كشف الظنون يذكره صريحا في باب الحاء. وممن ترجم ابن الفوطي صاحب فوات الوفيات 1: 272 والترجمة لا تحوي إلا بعض ما جاء في ما كتبه ابن حجر العسقلاني وذكره صاحب فوات الوفيات باسم ابن الفوطي بالغين المعجمة وهو خطأ واضح. ودونك الآن هذه الترجمة):
عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن أبي المعالي محمد بن محمود بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي المفضل بن عباس بن عبد الله بن معن بن زائدة الشيباني(6/647)
الصابوني المعروف بابن الفوطي (وهو جده لامه) كمال الدين أبو الفضل المروزي الأصل البغدادي. كان يقول إنه من ذرية معن بن زائدة. ولد في المحرم سنة 242 واسر في كائنة
بغداد، فاتصل بالنصير الطوسي فخدمه واشتغل عليه وسمع من محيي الدين ابن الجوزي، وباشر كتب خزانة الرصد بمراغة وهو على ما نقل أربعمائة ألف مصنف أو مجلد واطلع على نفائس الكتب فعمل تاريخا حافلا جدا. ثم اختصره في آخر سماه مجمع الآداب. ومعجم الأسماء على الألقاب في خمسين مجلدا. وله درر الأصداف في بحور الأوصاف. وله الدرر الناصعة في شعراء المائة السابعة. وولي كتب المستنصرية إلى أن مات. ومني بالحديث وقرأ بنفسه وكتب بخطه المليح كثيرا جدا. وذكر إنه سمع من محيي الدين ابن الجوزي ومبارك ابن المستعصم في آخرين. قال: أنهم يبلغون خمسمائة إنسانا. وكان له نظم حسن وخط بديع جدا. قلت: ملكت بخطه خريدة القصر للعماد الكاتب في أربع مجلدات في قطع الكبير قدمتها لصاحب اليمن فأثابني عليها ثوابا جزيلا جدا. وكان له نظر في علوم الأوائل وكان مع حسن خطه يكتب في اليوم أربع كراريس. قال الصفدي: أخبرني من رآه ينام ويضع ظهره إلى الأرض ويكتب ويده إلى جهة السقف.(6/648)
وقال الذهبي: كانت له يد بيضاء في النظم، وترصيع التراجم، وله ذهن سيال وقلم سريع، وخط بديع، وبصر بالمنطق والحكمة. ويقال إنه كان يتناول المسكر ثم تاب وصلح حاله في الآخر. وكان روضة معارف وبحر أخبار. قد ذكر في بعض تواليفه: إنه طالع تواريخ الإسلام فسردها، فمن المستغرب:
1 - تاريخ خوارزم.
2 - تاريخ اصبهان لحمزة.
3 - ولابن مردويه.
4 - ولابن مندة.
5 - تاريخ قزوين للرافعي.
6 - تاريخ الري للابي.
7 - تاريخ مراغة.
8 - تاريخ أران.
9 - تاريخ البصرة لابن دهجان.
10 - تاريخ الكوفة لابن مجالد.
11 - تاريخ واسط للدبيثي.
12 - تاريخ سامرا.
13 - تاريخ تكريت.
14 - تاريخ الموصل.
15 - تاريخ ميا فارقين.
16 - تاريخ العماد ابن القلانسي.
17 - تاريخ صقلية.
18 - تاريخ اليمن.
سرد شيئا كثيرا جدا. قال ابن رجب: تكلم في عقيدته وعدالته. سمعت من شيوخنا ببغداد شيئا من ذلك. روى عنه ولده ببغداد وسمع منه محمود بن خليفة. مات في المحرم سنة 723 هـ (1323 م) (أذن عمر 79 سنة شمسية أو 81 سنة قمرية).
بكنهام (انكلترة): فريتس كرنكو(6/649)
مفتاح القلوب.
عن الجزء الثامن المخطوط من ديوان الشاعر المصري الشهير الأستاذ عبد الرحمن شكري:
هل عندكَ الخُبرُ والخَبَر ... عن مُعلِنِ السِرِّ يا قَدَر؟
فَهَبه لي أتق الأعادي ... وأعرف الصادقَ الأبَر!
مِنْ قَبلِ أن أنقَم العوادي ... وألعقَ الصَّابَ والصَّبِر
فأعرف الحافزاتِ طُرّا ... إلى الموداتِ والسِّيَر
يا طالما غرَّني ابتسامُ ... كم باسمٍ قَلْبُهُ كَشَرْ!
قد حِرْتُ دَهْرَا وحار مني ... قومٌ نهابُ الذي استسرْ!
هل عندكَ الخُبْرُ والخَبَرْ ... عن مُعْلِنِ السِرِّ يا قَدَرْ؟
ليقرأَ العاذلون غَيْبي ... ويأمَن الحِبُّ إنْ نَفَرْ!
وا حَرَّ قلبي إذا تناَءى ... وخالني الغادرَ المَكِرْ!
فيعرف الخلّ أنَّ قلبي ... أصفَى من العَذْبِ في الغُدُر
قد أخفق الحُبّ في بيان ... وأخفقَ الَّلحظ والبَصَرْ
وأخفق العيشُ وهو سِفْرُ ... يُتْلَى على الحازمِ الحَذْر!
هل عندكَ الخُبْرُ والخَبَرْ ... عن مُعلن السرّ يا قَدَرّ؟(6/650)
كتاب الجدول الصفي
من البحر الوفي لهبة الله محمد الديري
عود صاحب هذه المجلة أن يرحب بنقد الكتبة إياه إذا كان نقدهم نزيها يرمون به إلى الحقيقة وعودها أن تؤمن على أقوالهم وآرائهم الصحيحة دفعا للغلط الذي لا يخلو منه أحد. وهاءنذا متصد لشيء من ذلك مستميحا الأب عذرا لائقا به.
كتب حضرة الأب في المشرق فصولا شائقة عن العراق وآثاره وغير ذلك منها مقالة (مدارس الزوراء في عهد الخلفاء (المشرق 10 (1907): 375) واتى فيها بذكر المدرسة البلطاسية (ص 397) وقال إنه نقل ما وجده في كلشن خلفا، لنظمي زاده وهو:
(وهذه النقول عن مباني بغداد وتاريخها نقلتها من التاريخ الصغير للمؤرخ الشهير بالخطيب. أما تاريخه الكبير ففيه من تراجم الرجال والكتب وأسمائها ورواة الحديث وكتبهم ما لم يسمع به. فمما يضيق عنه نطاق الحصر من ذلك المدرسة البلطاسية فيها من الكتب ما يبلغ فهرسها 360 مجلدا أما عدد خزانها فيبلغ 50 شخصا والمدرسة المذكورة تشتمل على أربعة آلاف حجرة وراتبها في اليوم عشرون ألف رغيف وعشر بقرات ومائة كبش. وراتب مدرسها - وهو الشيخ قوام الدين - مائة رغيف وكبش واحد وخمسون درهما في اليوم) انتهى على ما ذكر في الخطيب البغدادي وذلك في عهد المتوكل (ص 14 من نسختنا الخطية) على إننا قد بحثنا في ما عندنا من الكتب وما وصلت يدنا إليه منها فلم نعثر على ذكر هذه المدرسة فلعل النظر في تاريخ الخطيب هبة الدين الديري البغدادي يزيل الشبهة عما في هذا الكلام من المبالغة أو ما يقرب منها. هذا وإننا لا نعرف إلى أي أسم نسبت هذه المدرسة ولا من هو هذا بلطاس(6/651)
فهل من باحث يفيدنا عما نحن فيه من أمر هذه المدرسة ومنشئها؟) انتهى كلام الأب.
وجاء في الحاشية لصاحب المقال أيضاً عن الخطيب: (عن صاحب كلشن خلفا يريد هنا (بالخطيب) الخطيب هبة الدين الديري البغدادي (كذا) كما يتضح من بقية كلامه ونحن لم نعثر على هذا الاسم في ما لدينا من الكتب والمشهور من كتبة تاريخ بغداد باسم الخطيب البغدادي هو: أبو بكر الخطيب الحافظ أحمد. . . البغدادي فلا يبعد أن يكون هذا هو المطلوب هنا فذكره صاحب كلشن بلقبه هبة الدين وذكره غيره بلقب الخطيب. وإما الديري البغدادي فيكون نسبة إلى دير كان في بغداد أو بجوار بغداد. . . فلا جرم أن الخطيب
نسب إلى دير من ديرة بغداد فصح عليه نسبه إلى دير والى بغداد معا.) انتهت الحاشية.
ليس اطلاعي على مقالة الأب بابن اليوم بل إنه كان قبل نحو عقد ونصف عقد من السنين فاستوقفت المقالة نظري فرجعت إلى كلشن خلفا لأرى نصه التركي فوجدت أن المعرب الذي اعتمد عليه الأب لم يحسن الترجمة فعلق الأمر ببالي. والذي يحدو بي إلى ما اكتبه الآن وهو صدور (كتاب مخطوطات الموصل)، وما يأتي هو الصحيح تعريبه نقلا عن الأصل التركي الوارد في ظهر الورقة 7 من كلشن خلفا المطبوع ونحو تلك الصحيفة من مخطوطي:
(وعلى ما قاله الخطيب إن في زمن المتوكل كان في دار الخلافة أربعة آلاف فراش وإن أماكنها العديدة وإصطبلاتها المتفرقة وحواليها وحواشيها مثل مدينة شيراز. وهذه النقول هي من التاريخ الصغير للمؤرخ المذكور. أما تاريخه الكبير ففيه من أسماء الرجال والعلماء ورواة الحديث الشريف ما لا يسع القلم أن يكتبه وهو يخرج عن حد الحصر وفيه من أسماء الكتب ما لم يقف عليه أحد. وفي الجملة أن المدرسة البلطاسية فيها 360 مجلدا تحوي فهارس الكتب وخمسون خادما متأهبا لخزائن الكتب وفي المدرسة أربعة آلاف حجرة(6/652)
وراتبها اليومي عشرون ألف رغيف وعشر بقرات منتخبات ومائة كبش مسمن ولمدرسها قوام الدين راتب قدره كل يوم مائة رغيف وكبش وخمسون درهما. هذا ما كتبه الخطيب على وجه الاختصار (هنا بيت من الشعر) وما رواه هبة الله الديري عن الخطيب البغدادي عن وفرة المال عند الخلفاء العباسيين وعن قوة سلطنتهم وهو يستغفر عن المبالغة والنقصان والاختصار. وأنا (أي مؤلف كلشن) استغفر أيضاً عن المبالغة والغلو وعن إملائي بالاختصار طالبا المعذرة) انتهى كلام كلشن. ولاشك أني من الذين يأخذون على الخطيب هذا قوله المغالى فيه وهو شبيه بالقول عن عدد حمامات بغداد إنها ستون ألفا وهو عدد يرده العقل السليم.
وأول ما الفت النظر إليه إنه جاء في المقالة: (هبة الدين) وفي الأصول جميعها: (هبة الله) وقد رأينا أن هبة الله الديري هو غير الخطيب البغدادي فهما رجلان وليسا بواحد وتعريب المعرب الذي لم يميز فيه ذلك أدى بصاحب المقالة إلى وضع ما في الحاشية من تأويل وتوفيق. ولو لفت الناقل نظره إلى قبل ما عربه ببضعة وجوه لاتضح له أن أسم هبة الله
الديري هو محمد فلا يمكن أن يكون هذا الديري الخطيب البغدادي الذي اسمه احمد - وقد مر بنا أيضا - ونعرف أسم تأليف الديري المذكور وهو (الجدول الصفي من البحر الوفي) ولما طرأ هناك سبب لهذا التشويش طمست الحقائق، وانك لتجد تعريب ما استندت إليه (ص 5 من المطبوع) في ما يلي:
(وبعد أن عرفنا هبة الله محمد الديري في تاريخه الجدول الصفي من البحر الوفي أن كتاب الخطيب البغدادي المسمى ضبط عالم (إضافة تركية عن الفارسية). . .) أهـ
ونظرا لما تقدم لا مشاحة أن هبة الله محمد الديري متأخر عن الخطيب البغدادي فقد نقل عنه. واسم كتاب الديري يدل على إنه مختصر من كتاب مطول وهل أوضح من هذا الاسم: جدول من بحر؟ وما البحر على الظاهر إلا تاريخ الخطيب البغدادي.
كان وقوفي على أسم هبة الله محمد الديري واسم كتابه في تلك السنة التي أشرت(6/653)
إليها وأنا أتحرى من ذاك الحين مظنة أجد فيها نسخة من الكتاب ولم أر اسمه في كشف الظنون ولقد فتشت في كثير من فهارس دور الكتب الأوربية وفي غيرها فلم أجده حتى أتحفنا الفاضل، الغيور على الأدب والعلوم والتاريخ، الدكتور داود الجلبي بكتابه (مخطوطات الموصل) وفيه (ص 173) في جملة مخطوطات المدرسة المحمدية في جامع الزيواني نسخة من (الجدول الصفي من البحر الوفي) لكنه لم يصفها، الأمر الذي كنا نتمناه ولعل عذره في ذلك قوله: (أن عيون حافظي الكتب في المدارس ترمقني بلحاظ تدل على السآمة ولسان حالهم يقول: رحم الله من زال.) أهـ
طلب الأب في مقالته المذكورة أن يفيده أحد عن أسم من نسبت إليه المدرسة البلطاسية وعلى بلطاس وعلى منشئها وكنت أود أن أعثر على جواب هذا السؤال الذي بقي علي أيضاً غامضا ولكن بوسعي أن أقول شيئا عن هذا هو أن النسخة المطبوعة تذكر هذه المدرسة بهذا الاسم ومخطوطي يذكرها باسم المدرسة البرطاسية وبرطاس قوم عرفهم التاريخ وذكرتهم المعاجم المتخصصة لمثل هذه المباحث كمعجم البلدان ودائرة المعارف للبستاني والمعلمة الإسلامية الإفرنجية التي أوردت المصادر العربية القديمة التي اعتمدت عليها ومن الغريب إنها لم تذكر كتاب آثار البلاد للقزويني (ص 390 من طبعة الإفرنج) وقاموس الأعلام الذي ذكرهم بصورة برطاش (بشين منقوطة). ومن الكتب التي كثر
ذكرهم فيها كتاب تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبلغار وملوك التتار تأليف م. م. الرمزي المطبوع في اورنبورغ في سنة 1908
ذكرت تلك المقالة عن المدرسة البلطاسية إنها من مدارس بغداد وإذ لا ذكر في كلشن عن المدينة التي كانت فيها وجل ما جاء ذكرها في بحث ثروة الخلفاء ومقدرتهم في المال فيجوز إنها كانت في بغداد أو غيرها من المدن وأظن لو إنها كانت في بغداد - وهي من أمهات المدارس كما يفهم من ذلك الوصف - لما أغفلت ذكرها مقدمة الخطيب وهي مطبوعة تتعاورها الأيدي ولما غض النظر عن ذكرها كتاب مناقب بغداد. ومن العجب السكوت العميق عنها في كتب التاريخ والتراجم التي وقعت بيدي وهي طائفة ليست بيسيرة. ولو كانت كما(6/654)
ذكرت لجاءت كلمة عنها ولو في سياق الكلام كما تذكر النظامية والمستنصرية ولعلنا نقف على المدينة التي كانت فيها وغير ذلك إذا تسنى لنا الاطلاع على نسخة من الجدول الصفي الذي قلنا أن نسخة منه في الموصل، والأمل أن خزانة الأوقاف العامة تحقق الحصول على نسخة منه بالوقت القريب وليس ذلك عليها بعزيز.
يعقوب نعوم سركيس
أين السميع نصيحة؟
حول قصيدة (ما الشيخ في عين الفتاة) للشاعر الفيلسوف الزهاوي:
ما بين دجلة والفرات ... قد مات إصلاح الفتاة
قل للزهاوي الذي ... لا زال ينفر من قساة
قد جئت تنبئ قصة ... فيها شقاء للبنات
(ليلى) أتيت بنعيها ... كانت مثال المحصنات
ليست لعمرك وحدها ... قاست تعاذيب الطغاة
ألان لو فتشت في ... أسر العراق المحزنات
لوجدت آلافا فقل ... ويل لأشياخ بغاة
أن كنت تبكيها فمن ... يا شيخ يبكي الباقيات؟
ولئن ذكرت شهيدة ... فارحم جميع البائسات
لا تجزعن لمصابها ... فلقد قضت بالمائجات
قصدت إراحة نفسها ... وتخلصت من سجن عاتي
أن كنت تملك دمعة ... فارحم بها من في الحياة
كم غادة هيفاء را ... سفة بأعباء العصاة(6/655)
ترى الانتحار نجاتها ... لكنا في المسلمات
لو لم يحرم ديننا ... أمثال تلك الشائنات
لرأيت دجلة حاملا ... جثث النجوم الهامدات
فيصير فينا موصلا ... ينهى الحياة إلى الممات
يكفي الشيوخ شراسة ... حفظ الوداد بالافتئات
ومن الفظاظة أنهم ... هاموا بحب الكاعبات
فهم مصايد عنفوا ... ن للبنات الطاهرات
بل مهاو للشبا ... ب وغيلة للغافلات
أن جئت تنصحهم فلن ... يصغوا لقول منك آتي
أفلا يرون نصيحة ... منهم لهم بعد السبات؟
حتى يكفوا عن زوا ... ج اليافعات المزهرات
(ليلى) ضحية والد ... لم يدر معنى للحياة
هو تاجر قد غره ... ربح رديء العاقبات
قد باع بنتا للممات ... فهاج شيخ القافيات
يا شيخ شعرك عله ... يضحي شذا ذاك الرفات
ما قلت إلا رأفة ... بالمرمضات المرهقات
قد لمت شيخا طاعنا ... نهما تزوج من فتاة
وتركت والدها فلم ... تذكر سوى أخذ الهبات
أن الغشمشم والد ... باع الفتاة بلا أناة
ويل له فبفعله ... قد جاز أفعال العتاة
لا ينتهي عن غيهم ... آباء أولاء البنات
ما لم يرد شماسهم ... بالقافيات الرادعات
أين السميع نصيحة؟ ... فيكون من عزة الدعاة
أنا بحاجة مصلح ... نهج الحياة بلا فوات
إصلاحنا أحوالنا ... يحيي منانا الميتات
الكاظمية: مصطفى جواد(6/656)
قرى لواء الحلة
تحيط بأقضية اللواء لاسيما بقضائي النيل والجربوعية قرى عديدة تتراوح كل منها بين مائة ومائتي دار. وهذه الدور مبنية بعضها باللبن والبعض الآخر بالآجر ومعظمها بلاد تاريخية معروفة بعظمتها وسعة أراضيها، غير أن الدهر الخؤون حمل على أممها حملة أنزلتها من قمم المجد والسعادة إلى مهاوي الخراب والدمار فأصبحت أثرا بعد عين لا ترى لها غير الطلول والأنقاض ونحن ذاكرون فيما يلي أسماء هذه القرى بالتفصيل عسى أن تكون في ذلك فائدة تذكر.
قرى قضاء النيل في الجهة اليسرى:
البو مصطفى. خنفارة بتة وهبي بتة رؤوف الأمين. قلعة النائب المحاويل. الصباغية المفتية الإمام. السورة برنون. كويرش. جمجمة جرف الوردية. كريطعة. عتايج دولاب. قنهرة كويخات جميعات السادة. بارمانا. الحصين الرواشد.
(وفي الجهة اليمنى من القضاء): عنانة سنجار، النخيلة جرف الكراد والطهمازية.
(وفي قضاء الجربوعية في الجهة اليسرى): ياسية، مزيدية، أمام حمزة البو سعبر شرفة علاك خيكان الكبير وخيكان الصغير.
(وفي الجهة اليمنى): الغليس، معيميرة، سعيدية، رشيدية.(6/657)
حويش السيد، دبلة، بصيرة (تصغير بصرة) حدة، جناجة، جديدة العفينات (أي مستجدة) جديدة الحاج عبيد، إمام القاسم، شرفة (غير الشرفة التي في الجهة اليسرى) زرفية.
(قرى قضاء الهندية): جناجة (غير جناجة قضاء الجربوعية) والرجيبة.
(قرى قضاء المسيب): قرية الإسكندرية، قرية السدة.
مي اللواء
كان الفرات حتى عام 1208 هجرية (1793م) يمر بالحلة فقط ولم يكن يومئذ لشط الهندية الحالي أسم يذكر واتفق أن مثريا هنديا اسمه (عاصف الدولة) (كذا بمعنى آصف الدولة أي وزيرها الأكبر) جد (إقبال الدولة) وهو من مهراجات الهند زار العتبات المقدسة في العراق ورأى من واجبه الديني أن يقوم بمشروع إسالة المياه إلى النجف (البلدة التي كتب عليها
نكد الطالع أن تكون فوق ربوة مرتفعة لا يمكن أن يصلها الماء) فأخذ على نفسه تحقيق هذا المشروع الخطير وانفق مبلغا طائلا على حفر جدول ضيق كان في طاقة الرجل أن يعبره وثبا وهو يخرج من شط الحلة إلى نواحي النجف المنخفضة عن المدينة. وقد سمي هذا الجدول باسم (الهندية) إشارة إلى اصله وأرخ هذا العمل بعبارة (صدقة جارية) أي عام 1208 هـ.
ثم إن عوامل الدهر وانخفاض سطح هذا الجدول عن الأراضي الواقعة على ضفتيه أثرت في توسيعه أعظم تأثير حتى أصبح هذا الجدول الضيق نهرا كبيرا إندفق فيه شط الحلة دفعة واحدة لانخفاض الأراضي التي يسيل عليها وكانت المزارع المبثوثة على عدوتيه تغرق بسبب فيضانه وتموت عطشا أيام هبوطه فآن للحكومة العثمانية أن تقوم بمشروع سد الهندية الذي سبق أن أفردنا له بحثا في الجزء 3 من المجلد السادس من مجلة لغة العرب.
وفي عام 1918 قامت الحكومة الإحتلالية بحفر جدولين كبيرين على ضفتي هذا النهر سمت الأول منهما ب (جدول الجرجية) (إشارة إلى الملك جورج البريطاني) وهو يسقي أراضي شعبة (أبو غرق) وأراضي ناحية الكفل ثم تنتهي مياهه في بزائز يقال لها (المويهي) الداخلة في لواء الديوانية وسمت(6/658)
الثاني ب (جدول بني حسن) إشارة إلى قبائل بني حسن الرابضة على ضفتيه وهو يسقي أراضي ناحية جدول الغربي وينتهي في بزائز تقابل ناحية الكفل. وكانت أراضي ضفاف هذين الجدولين قبل فتحهما تستقي مياهها من شط الهندية مباشرة على الوجه المذكور.
وشط الحلة الذي نحن بصدده الآن يتفرع من صدر سدة الهندية ثم ينساب إلى الحلة ويذهب إلى صدر الدغارة حيث يتفرع إلى فرعين كبيرين سبقت الإشارة إليهما في بحثنا عن لواء الديوانية (6: 443) وتتفرع من عدوتيه جداول عديدة تسقي المقاطعات والمزارع الكثيرة التابعة للواء وتنتهي مياهها في البساتين والبزائز.
فالجداول التي تتفرع من ضفة نهر الحلة اليمنى هي: المهناوية، الخواص، عنانة، إبراهيمية، طهمازية، يهودية، تاجية، عامود نهر الشاه، هور الشوك، دورة، همينية، أبو ضباع، عامود علاج، عتاب، نهر الجربوعية، الزرفية، الحسينية، الابيخر (ثم يأتي صدر الدغارة).
والجداول التي تتفرع من ضفة النهر اليسرى هي: حصن البيكات، المحاويل، خنفارة، بتة، خاتونية، فندية، النيل، الجدول، الوردية، بنشة، دولاب، غنية، أبو حسان، فنهرة، بيرمانة، مشيمش، (بالتصغير) نهر السيد حجاب، روبيانة، باشية، كدس، البزل، عوادل، زبار، عثمانية، شوملي، ظلمية، وابو جماغ (ثم يأتي صدر الدغارة).
وهذه الجداول كما أسلفنا تسقي مقاطعات جسيمة وعليها مدار معيشة سكان اللواء وحياته.
عشائر اللواء
في لواء الحلة كما في غيره من الألوية العراقية جماعات كبيرة من العشائر نذكر أسماء قبائلها وأسماء الاقضية التي تقطنها كما يلي:
(في قضاء النيل) - الجحيش، المعامرة، العزة، العمار، قسم من البو سلطان، اليسار، الدواغنة، الغران، بني عجيل، البو علوان (وهم قسم من الدليم)، كريعات، الزوامل.
(في قضاء الجربوعية) - الجبور، البو سلطان، خفاجة.(6/659)
(في قضاء الهندية) - آل فتلة، كريط، طفيل (بالتصغير)، بني حسن، الدعوم.
(في قضاء المسيب) - الجنابيين، الجدي، الجراونة (وهم من شمر) (بتشديد الميم) قسم من المعامرة.
وهذه العشائر التي تقدر نفوسها ب (180. 000) نسمة مشابهة في العادات والأخلاق والمأكل والملابس وغيرها لسائر العشائر العراقية وتسود الأمية في صفوفها كما تسود بين سائر العشائر العراقية. وقد سبقنا وبينا أن لا سبيل إلى تهذيب هذه الجماعات وتثقيفها إلا بإنشاء مدارس سيارة يتنقل أساتذتها بين المضايف والمنازل لإحلال العلم والعرفان محل الجهل والأمية.
دخل اللواء وخرجه
يجلب لواء الحلة ما تجلبه بقية الألوية من سكر وشاي وسائر أنواع الأقمشة (الثياب) وجميع التوابل والمشروبات الروحية. ويصدر ما تصدره بعض الألوية جلود وسمن وغنم وأنواع المواشي وبعض المنسوجات الصوفية والطيور والبيض ومعجون الطماطة. ويقدر دخل الحكومة من الحاصلات الطبيعية من هذا اللواء بنحو مليون و435 ألف ربية بموجب
إحصاء سنة 1928 المالية موزعة كما يلي:
450 ألف ربية من قضاء الجربوعية و350 ألف ربية من قضاء النيل و320 ألف ربية من قضاء الهندية و265 ألف ربية من قضاء المسيب وهناك دخل لا يستهان به من (الكودة) والضرائب والمعابر وغيرها.
المعارف في اللواء
يتخيل قارئ هذه الفوائد أن المعارف في لواء الحلة يجب أن تكون في حالة أوسع مما هي في بقية الألوية لمكان ماضي الحلة الزاهر وبيئته الصالحة. ولكن الحقيقة خلاف ما تقدم لأن الأمية تسود في معظم المدن العراقية رغم ماضيها الزاهر ومجدها المندثر. وقد يكون العلم في الحلة أحسن مما هو في بقية المدن لأنها لا تزال آهلة ببقايا العلماء السابقين. فإذا أكثرت الحكومة عدد المدارس في تلك الربوع واتخذت الوسائل الفعالة لنشر التهذيب الصحيح، أمكننا(6/660)
أن نتفاءل لها بمستقبل زاه. أما إذا كان الجهل ينخر عظام أبنائها فلا أمل في مستقبلها.
وفي الحلة اليوم مدرسة ثانوية وأخرى ابتدائية وثالثة أولية ورابعة للبنات وخامسة أهلية لليهود وفي كل من المسيب والهندية والكفل مدرسة للحكومة. تلك هي مدارس اللواء كلها فتأمل يا رعاك الله.
بغداد: السيد عبد الرزاق الحسني
كل فرصاد توت وليس كل توت فرصادا
جاء في مختار الصحاح (التوت الفرصاد) فأقول إذا كان هذا صوابا فلم قال في ف ر ص د: (الفرصاد بالكسر: التوت الأحمر خاصة) ألم يعلم أن الجزء لا يشمل الكل؟ فالصواب (كل فرصاد توت وليس كل توت فرصادا) كما تقول: (كل طفل إنسان وليس كل إنسان طفلا) فختام نرى هذه التناقضات ومتى نزيلها؟
الكاظمية: مصطفى جواد
النحويون والمنادى
أني لأعجب من جعل النحويين (المنادى المعرفة) والنكرة المقصودة (مبنيا على علامة
رفعه في محل نصب لأنهم مخطئون في ما ذهبوا إليه ونحن (غلف القلوب) إذا ما أجبناهم إلى مذهبهم. فإن احتجوا بأن هذا المنادى (مبني) قلنا: إن البناء يحذف التنوين فقط ولا يقلب الفتحة ضمة كما في المنادي المذكور. أو لم يرو إلى أسم (لا) النافية للجنس فإنه عند بنائه لم يمتنع ظهور علامة النصب عليه. وإن احتجوا بأنهم يستكرهون أن يكون المنادى مرفوعا في محل، ومنصوبا في اخر، فإن ذلك غير مقبول لكونهم لم يستكرهوا الكثير من التجاويز في الأعراب ومنها (المستثنى بالا الذي يجوز نصبه واتباعه المستثنى منه على البدلية. فالصواب (أن نرفع المنادى العلم مثل (يا علي) ونرفع المنادى المعرفة مثل (يا أيتها النفس المطمئنة) ونرفع المنادى النكرة المقصودة مثل (يا جوابان) ولنترك التعامي عن الصواب يا غيارى على لغة العرب.
الكاظمية: مصطفى جواد(6/661)
خراسان وخزانتها
من المدن المشهورة في إيران، مدينة خراسان، وفيها قبر الإمام علي بن موسى الرضا، عليه السلام، وعلى قبره أبنية فخمة وحوله جوامع ومقامات كبيرة. وأقدم بناء شيد فيها بناء المأمون الخليفة على قبر أبيه الرشيد العباسي ولكن أصيبت تلك الأبنية الجليلة والآثار الجميلة بنكبات وحوادث تاريخية عظيمة فهدمتها ثلاث مرات، وجددت عمارتها ثلاث مرات.
في المرة الأولى كان الهدم بيد الأمير سبكتكين بعصبية دينية ثم بعد سنين عمرها يمين الدولة السلطان محمود.
وأخربها في المرة الثانية الغزنيون (الغزنويون) ثم عمرها شرف الدين أبو طاهر القمي في عهد السلطان سنجر السلجوقي.
وفي الثالثة اتجهت نحو خراسان ونيسابور عاصفة الفتنة المغولية، فهجم عليها تولي خان بن جنكيز خان الطاغية فقوض بيده تلك الأبنية الجميلة ثم جددها للمرة الثالثة اتباع (اولجايتوخان بهادر) وأركان دولته. وأصول هذا البناء موجود في هذا العصر. وزار شمس الدين بن بطوطة الرحالة مدينة خراسان سنة 734 هـ (1333 - 1334م).
وفي سنة 997 هـ (1588م) حاصر عبد المؤمن خان عبد الله خان اوزبك هذه المدينة سبعة أشهر ثم فتحها ونهب كتب الخزانة الرضوية وهذه السيئة منه هي التي يؤسف لها لما فيها من جناية عظيمة على العلم ومن جملة ما نهب قطعة الماس حجمها كبيضة الدجاج كان وقفها قطب شاه الدكيني على قبر الإمام عليه السلام. ويظهر من جملة كتب التراجم والتاريخ (كروضات الجنات) (وأمل الآمل) إن جماعة من كبار علماء الشيعة ومشهوريهم كابن أبي جمهور الاحسائي والشيخ الطبرسي والشيخ حر العاملي والشيخ بهاء الدين العاملي وعدة من تلاميذهم اشتغلوا مدة بالتدريس في أروقة وجوامع هذه الأبنية.(6/662)
وفي ضمن دائرة هذه الأبنية عدة مؤسسات مهمة كدار الآثار العتيقة المحتوية على نفائس الآثار وخزانة الكتب الموجودة في هذا الزمان التي نحن بصدد بيان مختصر تاريخها وذكر فهرست بعض ما احتوت عليه من المصنفات النفيسة الثمينة الأثرية ويظهر من بعض
تآليف الخزانة الموجود فيها إن دار الكتب كانت عامرة في سنة 861 (1456م) وفيها من أنفس الأسفار في اغلب العلوم. كتب الشيخ جلال الدين أبو سعيد على ظهر تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي المسمى بروض الجنان ما معناه: إنه لما كانت دار الكتب الرضوية حاوية لجميع الكتب غير تصانيف التفسير وقفت هذا الكتاب عليها.
وهذا الكلام يدل على أن الخزانة الرضوية كانت مقتبس نور العلم للطالبين والقراء ولم نقف على فهرست كتبها في التاريخ المذكور.
وفتنة عبد المؤمن خان وقعت بعد هذا التاريخ كما أشرنا إليه والعجب أن اغلب التصانيف الموجودة في هذا العهد هي عين التآليف المنهوبة التي أعيدت إلى مكانها من أماكن بعيدة كالهند وغيرها بعد مدة طويلة.
وبعد هذا التاريخ زار الشاه عباس الصفوي قبر الإمام سنة 1009 (1600م) ووقف عليه أجزاء مصحف بخط بعض أئمة الشيعة وعلى ظهرها خط الشيخ العلامة بهاء الدين العاملي كتب شهادته على كون الخط لبعض أئمة أهل البيت عليهم السلام ووقف الشيخ بهاء الدين نفسه عدة كتب على كتب على الخزانة في التاريخ المذكور.
أقدم فهرست ظهر بعد النهب هو ما وضعه ميرزا سعيد خان مؤتمن الملك الذي فوضت إليه الحكومة الفارسية شؤون المؤسسة الرضوية في سنة 1296 (1879م) وفي سنة 1342 عنيت لجنة من أهل العلم والقلم على وضع فهرست عام مبسوط لها فبلغ عدد الكتب 3344 عدا المصاحف.
واليك أسماء بعض الكتب المخطوطة النفيسة الموجودة فيها في الحكمة الإلهية (اللاهوت) بأقسامها والكلام والتصوف والمنطق والأخبار والسيرة والتراجم والأنساب واللغة والفلك والرياضة والنجوم والطب اقتطفناها من فهرسين أحدهما الفهرست الجديد الذي وضعه الفاضل (اوكتائي) مدير دار الكتب سنة 1345 هـ بإشارة من جلالة الشاه (بهلوي) وهو فهرست عام(6/663)
مبسوط يشتمل على ذكر الكتب ومؤلفيها وأوصافها وترتيبها وأسماء واقفيها ولكنه مقصور على ذكر كتب اللاهوت والكلام والمنطق والتفسير والأخبار فقط ولعله يكمله بعد ذلك والثاني فهرست قديم مقصور على ذكر أسماء الكتب جميعها ومؤلفيها مع ما فيه من الاشتباه وغلط الطبع وسقم العبارة وهو في ضمن كتاب (مرآة البلدان).
كتب التفسير
1 - أسئلة القرآن وأجوبتها للشيخ زين الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القاهر الرازي الحنفي القادري المتوفى سنة 660 هـ تاريخ النسخة 969 هـ
2 - بحر الحقائق والمعاني تأليف نجم الدين بن داية المتوفى سنة 654 الموجود منه مجلد واحد وبآخره: (وقد تم المجلد الثاني من كتاب بحر الحقائق والمعاني في. . . سنة 710هـ على يدي محمد بن بهلوان بن محمد.
3 - عرائس البيان تأليف الشيخ محمد روزبهان بن أبي نصر البقلي المتوفى سنة 606 كتبه على طريقة الصوفيين وتأويلاتهم تاريخ النسخة 1060
4 - كشف الحقائق ليوسف الكواشي الشيباني الموصلي المتوفى سنة 680 هـ تاريخ النسخة سنة 797 وهي ناقصة.
5 - معالم التنزيل لحسين بن مسعود الفراء البغوي المتوفى سنة 505 هـ والنسخة قديمة على ظهر الورقة الأولى منها أسم مالكه هذا التفسير ملك أبي طالب علي أبن عمر بن أبي طالب في تاريخ محرم 619
6 - مدارج السالكين المفسر علاء الدولة أحمد بن محمد السمناني العارف الشهير والنسخة قديمة ليس بها تاريخ الكتابة وبها تاريخ الوقف.
7 - معارج السؤول ومدارج المأمول لمحمد الحسن بن محمد بن الحسن الحنفي تفسير لآيات الأحكام وبآخر النسخة تاريخ التصنيف) وكان إتمام هذه النعمة سنة 891 على يد الحسن بن محمد بن الحسن النجفي تاريخ كتابتها على يد كاتبه محمد بن شاه مرتضى في سنة 988 كتبه الخواجة شير أحمد بن عميد الملك التوني الواقف لهذا الكتاب مع جملة كتب أخرى للخزانة الرضوية وعلى ظهر النسخة بخط الخواجة شير أحمد المذكور أن مؤلفه مدفون في بلدة تون من بلاد خراسان.
8 - مشكل أعراب القرآن لمكي بن أبي طالب القيسي القيرواني المتوفى(6/664)
سنة 427هـ تاريخ النسخة سنة 670 هـ
9 - معاني القرآن لأبي الحسن سعد بن مسعدة البلخي المعروف بالأخفش تاريخ كتابة النسخة سنة 511 هـ.
10 - (النهر الماد من البحر) لأبي حيان الأندلسي المعروف. نسخة قديمة تاريخ الوقف 1037 هـ
(لها تلو)
زنجان (إيران): عبد الله الزنجاني
حذف الخبر بعد (حيث)
إن السلف يحذفون الخبر بعد (حيث) استخفافا للتلفظ. فقد قال مؤلف (جمهرة أشعار العرب في الصفحة 96 من طبعة الاتحاد (بأمثل: أي بأهون علي (من حيث الوجد) لان الليل الخ.) وجاء في المجلد الرابع من شرح نهج البلاغة في ال ص 538 من طبعة مصر (وان دخل من حيث العدل والصلاح فاقبلها منه) أقول: كل من (الوجد) في القول الأول ومن (العدل) في القول الثاني: مبتدأ خبره محذوف جوازا تقديره حسب المعنى ففي الأول (مؤثر) فتكون الجملة (من حيث الوجد مؤثر) وفي الثاني (مقصودان) فتكون الجملة (من حيث العدل والصلاح مقصودان). وهلم اطرادا. وقد ذكرنا ذلك تنبيها لمن يضيفون (حيث) إلى الاسم الذي يليها واستدراكا على النحويين في باب جواز حذف الخبر.
الكاظمية: مصطفى جواد
الإقحام
الإقحام: إدخال كلمة أو أكثر منها بين كلمتين متصلتين بحذف غير الملائم، كإدخال المعطوف على المضاف إليه (بين المضاف والمضاف إليه بعد حذف الضمير المختص بالمضاف إليه. مثل (كتاب وقلم العالم) والأصل (كتاب العالم وقلمه) وقد كنت استكره هذا التركيب ولكنني وجدته فصيحا. قالت: (جليحة القيسية) في باب العين من كتاب (جمهرة الأمثال) وذلك لما أتيت بثياب عشيقها القتيل: (عطر وريح عمرو) بحذف الضمير للإقحام. فالأصل (عطر عمرو وريحه).
الكاظمية: مصطفى جواد(6/665)
صفحة من النقد
رد على رد العقاد الثاني
ما أسهل السب والثلب لو كانا يغنيان عن الحجة! كما فعل الأستاذ العقاد في عدد 20 يولية من البلاغ الأسبوعي. بعد أن عجز عن قرع حججي بالحجج ولو أردت لأشبعته سبا، كما يفعل ولكني لا أجاريه في سفهه، بل أمر بلغوه كريما، وأقول سلاما!
وهل من العلم أن يشتم الإنسان مناظره مفحشا، كلما (أعوزته الحجة) ولو اعترف العقاد بخطئه لكان جهله للقواعد العربية واللغة بسيطا، ولكنه أصر على الخطأ، ثم أصر وشتم فكان جهله مركبا! وهو لا يدري أن شتائمه تنقص قدره أكثر من جهله للقواعد العربية واللغة. وما كان يجدر بالأستاذ أن يطيل لسانه حتى لو كان مصيبا في رده فكيف وهو مخطئ!؟
وكأن الأستاذ قد تعود المشاتمة والمهاترة، وقد تكسرت النصال على النصال، فهو لا يبالي بسب الناس له جزاء على سبه إياهم كالشتائم التي توجهها إليه بعض جرائد مصر الكبرى على حين إنه إذا سمع تخطئة له في العربية جن جنونه فاخذ يلعن ويشتم خوفا على سمعته، وهو بفعله هذا يزيد سمعته سوءا على سوء ويضر نفسه من حيث لا يشعر! ولو عرف الأستاذ الخجل، لخجل من المقالات التي كتبت عنه في الصحف المصرية بأقلام الأساتذة الكبار: أحمد خيري سعيد، وزكريا جزارين، وجورج طنوس، وسعيد عبده، وسلامة موسى، وغيرهم.
ومن مراوغاته: إنه إذا ألفى الحجج التي تظهر جهله كثيرة، لزم الصمت عن القسم الذي يراه قويا وحاول الرد على ما يعتقد فيه الضعف فكان عليه شرا من الأول، كما فعل في رده الأول على ما جاء في الجزء الرابع من مجلتنا لغة العرب، ورده الثاني على ما جاء في الجزء السادس، وقد ضرب صفحا عما جاء في الجزء(6/666)
الخامس من النقد المر لديوانه، لأنه لم يجد الرد عليه هينا، أما أنا فلا أحيد عن خطتي في نقد ديوانه، وهي الاستمرار على ذكر سيئاته وحسناته معا كما فعلت سابقا، وليواظب هو على قذعه وسبه، ما شاء له الجهل والغرور
ونحن لم نخدم العلم كل هذه السنين الطويلة، إلا للعلم. فلا يضيرنا انتقاص الأستاذ جهدنا الطويل، فلسنا نطلب منه أو من غيره شهادة أو تعظيما ولا ندين مثله بالفردية - في اقبح صورها - فهو يجحد حسنات جميع معاصريه من كتاب وشعراء وعلماء ولا يعرف غير نفسه تلك النفس الجاهلة السبابة الآثمة، وغير أولئك الصبيان أدعياء الأدب الحافين من حوله والمتملقين له ممن لا يعتبرهم بمنزلة المنافسين له.
وهل قام العلم في كل أدواره على السب والقذع ليكون لهما في القرن العشرين بفضل الأستاذ العقاد رواج؟ ولكن هو الشرق المتأخر لم يزل في كثير من أنحائه يروج ما لا يجوز أن يروج فأنا لله وإنا إليه راجعون!
وقد سرّنا من الأستاذ أعادته لبعض مآخذنا المعنوية، فإن أعادتها قد تدعو قارئيها إلى إنعام النظر فيها ولكن مآخذنا المعنوية أكثر من مآخذنا اللفظية فلماذا اكتفى بإعادة النزر القليل منها؟ وقد وعد في رده الأول تفنيدها فما الذي ثبطه عنه؟
أما مآخذنا اللغوية، فقد قال فيصدر الرد على بعضها يوجه قوله: (خياشيمه القيظ يبضضن بالدم) بقوله: (إن أبا حيان يقول في هذا الحذف (حذف النون من (من) إنه حسن وكثير فهو إذن ليس بذميم ولا قليل). وقد قلنا في ردنا الأول: إن الأغلاط العربية لا تعدم تعليلا ولكن الفصيح غير النادر الشاذ والضرائر القبيحة. ولا ادري لماذا أخذ الأستاذ برأي أبي حيان وحده مرجحا إياه على آراء أئمة العربية كافة وليأتنا إذا كان صادقا في ادعائه كثرة حذف النون من (من) بآية من القرآن شاهدة على ما يدعيه؛ وإذا كان واحد أو أكثر من الجاهليين قد حذفوها فهل ذلك دليل على حسنه؟ وإذا كان حذفها حسنا فلماذا لم يحذفها فحول الشعراء من جاهليين ومخضرمين وإسلاميين؟ كامرئ القيس والنابغة والأعشى وزهير ابن أبي سلمى وحسان(6/667)
والحطيئة وعمر بن أبي ربيعة والفرزدق وجرير والاخطل وبشار وأبي نؤاس وأبي تمام والبحتري وابن الرومي وأبي العلاء والمتنبي وغيرهم؟
وقال يوجه قوله: (فقلت حياء ما أرى أم تغاضيا) بنصب حياء وتغاضيا ويرد على قولنا فينقده: (إن مقول القول لا يكون إلا جملة) بقوله: (حياء منصوبة هنا لأنها مفعول له والمعنى - كما يفهم كل قارئ - هو: هل للحياء تفعل ما أرى أو للتغاضي) وليس في البيت (تفعل) إنما هناك (ما أرى)
والمفعول له: أسم يذكر لبيان سبب الفعل نحو: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) وشرطه: أن يكون مفيدا للتعليل متحدا بالمعلل به في الوقت، وفي الفاعل فإذا لم يتحد في الفاعل، وجب جره بحرف الجر كقول أبي صخر الهذلي: (وأني لتعروني لذكراك هزة) وقوله في الآية: (أقم الصلاة لدلوك الشمس) والفاعل في قوله (ما أرى) هو ضمير المتكلم وفي الحياء والتغاضي هو حبيبه الذي كان لا يثني عن البدر طرفه، فكيف نصبهما؟ ثم أين الجملة التي تصلح أن تكون مقول القول؟
ولو سكت الأستاذ عن نقدنا هذا. كما سكت عن غيره، لما فضح نفسه، فهل أنا الجاهل؟ وقال يوجه قوله: (فأمسى آخر الليل شاديا) بقوله: (ولكن العرب الذين لا يفهم لغتهم صاحب (لغة العرب) يقولون: لا أكلمك آخر الزمان! ويعنون: إلى آخر الزمان). وأقول على رسلك، أيها الأستاذ! فإن (آخر) قد أتت بعد (أمسى) لا بعد (شاديا) ونحن نريد من الشاعر العصري أن يتجنب التعقيد والغموض فلا يأتي إلا بالفصيح وهذا هو الفرق بين الشاعر الفحل وغيره، كما بينا في ردنا الأول.
ولو كان الأستاذ واثقا من توجيهه لما تشبث بتوجيه ثان وهو قوله: (وهبنا قلنا أمسى فلان مغنيا فنحن على هذا نريد إنه قضى المساء كله في الغناء، فأي خطأ في ذلك)؟ والجواب أن قولك: (أمسى آخر الليل شاديا) غير قولك قضى المساء كله في الغناء! اللهم إلا إذا صح قولهم (المعنى في بطن الشاعر).
وقال يوجه قوله: (وأشكوه ما يجني فينفر غاضبا) بقوله: و (ما)(6/668)
هنا ليست مفعولا ثانيا، وإنما هي بدل اشتمال في محل نصب على البدلية عن مفعول أشكو؛ ومع هذا لو أننا عدينا: (أشكو إلى مفعولين لما كان ذلك خطأ كما سيرد بيانه). وإذا كان (ما يجني) بدلا من الهاء في (أشكوه) فإلى من يشكو الأستاذ ما يجني حبيبه؟ إلى القاضي؟ والظاهر أن في قلب الأستاذ ريبا في توجيهه هذا، ولذلك راغ عنه إلى توجيه آخر فقال (ومع هذا لو عدينا أشكو إلى مفعولين لما كان ذلك خطأ كما سيرد بيانه) فلنتربص إلى أن يأتينا ببيانه.
وقال يوجه قوله: (أشكوه ما يجني) مكان أشكو إليه ما يجني وقوله (وأسلمت كفي كفه) مكان أسلمت إلى كفه كفي وقوله: (نؤجله الحساب إلى غد) مكان نؤجل الحساب إلى غد بقوله: أتراه قرأ باب الحذف والإيصال في تعدية (الأفعال) إلى آخر ما هنالك وخلاصة ما
قاله هي: أن أبن الناظم شارح الألفية قال: يحذف حرف الجر وينصب مجروره توسعا في الفعل وأجراء له مجرى المتعدي؛ فلا خطأ في قولنا أشكوه ما يجني، ولا في قولنا وأسلمت كفي كفه، ولا في قولنا نؤجله الحساب؛ وإنما الخطأ والجهل في تخطئة هذا الصواب المجمع عليه وهو قاعدة من القواعد المحفوظة المدونة في أمهات الكتب النحوية.
على رسلك أيضاً أيها الأستاذ! إنك أخطأت فهم قول أبن الناظم وأخذت شيئا وتركت شيئا فإن عبارة أبن الناظم هي ما يأتي: وقد يحذف حرف الجر وينصب مجروره توسعا في الفعل وإجراء له مجرى المتعدي وهذا الحذف نوعان مقصور على السماع ومطرد في القياس. والمقصور على السماع منه وارد في السعة ومنه مخصوص بالضرورة. فالأول نحو شكرت له وشكرته ونصحت له ونصحته. . . وإما الحذف المطرد ففي التعدية إلى (أن) (وأن) بشرط أمن اللبس.) فترى أن ما ورد من حذف حرف الجر ونصب المجرور سماعي لا يقاس عليه إلا في أن (المخففة) وأن (المشددة) وهذا صاحب التوضيح وصاحب التصريح يقولان في باب التعدي واللزوم: قد يحذف حرف الجر وينصب الاسم وراءه وهذا سماعي في الشعر فليس لك أن تقيس عليه مستثنين(6/669)
من ذلك حذف الجار على أن (بالسكون) وأن (بالتشديد) ومصرحين بأن حذفه منهما قياسي.
وهذا شرح الاشموني ينقل لنا بيتي الناظم ابن مالك وهما:
(وعد لازما بحرف جر ... وإن حذف فالنصب للمنجر
نقلا وفي إن وأن يطرد ... مع أمن لبس كعجبت أن يدوا)
وزاد الشارح بعد قول الناظم (نقلا) لا قياسا مطردا وبعد (يطرد) قياسا.
وهذا تهذيب التوضيح يقول في قسم التصريف ص 35 (أو سقط معه الجار توسعا كقول جرير: (تمرون الديار ولم تعوجوا) أي تمرون بالديار ولا يطرد حذفه إلا مع أن وان).
ولو كان الأمر قياسا، لجاز للأستاذ أن يقول: فزعته مكان فزعت اليه، وقنعته مكان قنعت به، وسمحته مكان سمحت له، وسعيته مكان سعيت اليه، وهلعته مكان هلعت منه، وطرت زيدا مكان طرت اليه، وصغوته مكان صغوت اليه، وجلسته مكان جلست اليه، وخرجت بغداد مكان خرجت منها، وعطشت الماء مكان عطشت إليه إلى غير ذلك وإذا جاز له كل هذا فعلى العربية السلام! فهل عرفت يا أستاذ الحق؟ وهل أنا الجاهل؟
وقال يوجه قوله:
أنت عين من زجاج موقها ... يجذب الأنوار من كل مكان
بقوله: (ولكن العرب يطلقون الجفن ويريدون العين، ويذكرون الجزء ويريدون الكل)
نعم قد يفعلون ذلك مجازا إذا كانت هناك قرينة ولكنهم لا يفسرون الموق بالحدق كما فعل الأستاذ في شرحه الموق.
وقال: (ما للاماني يستضحكن لي غررا) بقوله أن في اللغة شيئا يسمى المفعول لأجله. فاعلم يا هذا أن (غررا) هنا مفعول لأجله) والظاهر أن الأستاذ يريد (غررا) بفتح الغين ليكون مصدرا بمعنى التعريض للهلكة وهو في الحقيقة أسم مصدر والمفعول له لا يكون (إلا مصدرا).(6/670)
وقال يوجه قوله: (فاحتلن لاستدراجي الحيلا) بقوله: (ونحن لا ندري ما التكلف هنا وليس المفعول المطلق كما يعلم التلميذ الصغير إلا المصدر المنصوب توكيدا لعامله أو بيانا لنوعه. هبه أراد أن يجيء المفعول المطلق في هذه الجملة بغير تكلف، فكيف تراه كان يجيء به؟) والجواب: كنت أجيء به بلفظ (احتيالا) فالقاعدة أن المفعول المطلق إذا كان للتأكيد لا يجمع. قال ابن مالك: (وما لتوكيد فوحد أبدا) وعالمه شارح ألفيته الاشموني بقوله (لأنه بمنزلة تكرير الفعل والفعل لا يثنى ولا يجمع. وأما وجه التكلف فهو جعل الحيلا مفعولا مطلقا للعدد وهذا يجوز جمعه وإن لم يذكر الأستاذ هذا النوع من المفعول المطلق عند تعداده لأقسامه على أن في قلبي من اللام على المفعول المطلق للعدد شيئا. وقال يوجه قوله:
ما طب جالينوس قيس ... بطبه إلا غرور
رادا على قولي في نقدي إياه: (وإذا وقع الماضي حالا وجب تصديره بالواو أو بقد أو الواو وحدها. نعم ورد مثل (كما انتفض العصفور بلله القطر) ولكن هذا لا يقاس عليه بقوله: (لا يا جاهل يقاس عليه، ويقاس ويقاس) ثم أورد شاهدا من القرآن وهو: (وجاءوكم حصرت صدورهم) وبضع شواهد أخر من الشعر. وكل ما أورده دليل على الورود لا على القياس؛ ولو كان دليلا على القياس لما كان للقاعدة السابقة وجه فإن أكثر النحويين اتفقوا على تقدير (قد) في الآية وفي الأبيات التي استشهد بها توفيقا بين القاعدة وما ورد بخلافها.
قال صاحب همع الهوامع على جمع الجوامع (ويجب في الماضي المثبت المتصرف غير التالي (إلا) والمتلو (بأو) العاري من الضمير (قد) مع الواو فإن لم تكن (قد) ظاهرة قدرت. غير أن الاشموني قال: (والمختار وفاقا للكوفيين والأخفش لزومها مع المرتبط بالضمير وحده أو بهما معا إذ الأصل عدم التقدير وجعل صور مجيئها مراتب أربعا في الكثرة وجعل حذف (قد) في المرتبة الرابعة الضعيفة.
وقال يوجه قوله:(6/671)
أبدا تحوط به ودا ... ئعها بسور خلف سور
قائلا: جعلنا ودائعها مفعولا له (لتحوط به). أما الفاعل فهو الضمير عائدا إلى الطبيعة التي تقدم ذكرها في بيت سابق وهو:
بلد تجود له الطبيعة ... بالصغير وبالكبير
فأقول أيها الأستاذ ما زهد الناس في شعرك إلا هذا الغموض فمن أين يعرف القارئ إنك ترجع الضمير إلى الطبيعة قبل ثلاثة أبيات كلها في وصف البلد وفيها كثير من الضمائر مذكرة ومؤنثة لا يرجع منها واحد إلى الطبيعة.
وقال يوجه قوله:
ما كان أول مغرب ... شهدت علي مر العصور
بقوله (من واجب هذا الدعي (يعنيني) أن يعقل قبل أن ينقد فإن التأنيث هنا للشمس التي يعود إليها الكلام كله في الأبيات السابقة وأولها:
والشمس شاخصة تكا ... د تنوء من جهد المسير
والأستاذ كما قال الشاعر: (يريد أن يعربه فيعجمه) فهو يرجع ضمير (شهدت) إلى الشمس قبل خمسة أبيات ويقول قبل البيت. أولهما:
وعلى الروابي والهيا ... كل مسحة الشفق الأخير
وفيه دلالة على أن الشمس كانت ساعتئذ غاربة وكانت مسحة شفقها الأخير على الروابي والهياكل. فكيف شهدت حينئذ والظاهر أن الأستاذ أحس بضعف توجيهه هذا فالتمس غيره بقوله: (على أن المغرب تؤنث. وتذكر مؤنثة في كتب الفقه واللغة) أما في كتب اللغة فلم أعثر على ما ادعاه وأما في كتب الفقه فلعلهم ذكروا (صلاة المغرب) وارجعوا إليها ضمير
المؤنث على أن تأنيثهم للمغرب (إن صح) لا يصح أن يكون مأخذا لمثل الأستاذ وهو ذلك الشاعر الذي دعواه في الفصاحة طويلة عريضة!!!
وقال يوجه قوله: (أيها أبا النور أطربنا) رادا على قولنا (أيها) للإسكات بقوله: (أخطأت وجهلت يا علامة راجع لسان العرب تعلم أن (أيها) ترد بمعنى التصديق والرضى بالشيء كما ترد بمعنى الإسكات).
ونحن نورد نص ما جاء في لسان العرب قال: (وإذا قلت (أيها) بالغضب(6/672)
فإنما تأمره بالسكوت و (أيها) تأتي للزجر بمعنى حسبك عن أين سيده. و (أيها) كف. أما الأغراء فيقال فيه: (ويها) وإذا تعجبت من طيب شيء قلت: (واها ما أطيبه) وقال: (قال ابن الأثير وقد ترد المنصوبة بمعنى التصديق والرضى ومنه حديث ابن الزبير لما قيل له يا ابن ذات النطاقين فقال: أيها والله أي صدقت ورضيت بذلك ويروى: (إيه) بالكسر أي زدني من هذه المنقبة) أهـ. وأنت ترى أن الرواية عن ابن الأثير وحده على إنها تختلف فيها فهناك رواية ثانية هي إيه بالكسر. وقال يوجه قوله:
أراك تغوينني بوحي ... إلى السماوات يزدهيني
بقوله نعم ولكن يقال بوحي إلى السماوات فأقول هذا من حيث اللفظ جيد ولكن ما علاقة الوحي إلى السماوات بإغوائه ولعله أراد (بالسماوات الأرض). لأن الأرض سابحة فيها.
وقال يوجه قوله:
يا طالما تخدع الدراري ... لواحظ الشاعر الحزين
رادا على قولنا في نقده: (وتخدع مضارع فهو للحال أو المستقبل. والمستقبل لم يجيء بعد والحال اقصر من أن يطول فضلا عن كونه لم يطل في الماضي. نعم يجوز أن تقول طالما خدعت ولكن لا يجوز طالما تخدع). بقوله (هكذا يعلل العربية هذا العلامة. ولو كان يتهجى النحو لعلم أن (ما) المصدرية تدخل على المضارع أكثر من دخولها على الماضي. أهـ. فأقول: رويدك أيها الأستاذ المغرور إنك لا تدري ما تقول. إنك لم تدخل (ما) في بيتك على المضارع لتؤيد هذا الإدخال بأقوالك الفارغة هذه بل ألحقتها بطال فقلت (طالما) وهو فعل ماض ثم أن (ما) في طالما ليست مصدرية كما زعمت بل هي زائدة كافة تمنع الفعل من طلب الفاعل كما صرح بذلك أئمة العربية. قال ابن هشام في مغني اللبيب: (الوجه الثاني
أن تكون (ما) زائدة وهي نوعان: كافة وغير كافة. والكافة ثلاثة أنواع: أحدها الكافة عن عمل الرفع ولا تتصل إلا بثلاثة أفعال: قل، وكثر، وطال) إلى آخر ما هنالك. وقال (ابن هشام) في تقسيم آخر: والثاني أن تكون مصدرية. وهي نوعان: زمانية وغيرها فغير(6/673)
الزمانية نحو: عزيز عليهم ما عنتم. ودوا ما عنتم. ضاقت عليهم الأرض بما رحبت. فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم. لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب. ليجزيك اجر ما سقيت لنا. والزمانية نحو: ما دمت حيا) وعسى أن يعلم الأستاذ من هذه الشواهد إن (ما) المصدرية تدخل على الماضي في الأكثر.
وقال: (وان المضارع يكون للاستمرار ولا يجوز هنا أن تقول طالما خدعتنا الدراري لأنها تخدعنا ولا تزال تخدعنا في كل حين فلا ينقطع الخداع بانقطاع زمن مضى كما يتصور هذا اللغوي العجيب) فأقول: ليس النزاع في استمرار خداع الدراري بل في عدم جواز أن يجعل الشاعر ما يكون في الحال قد وقع في الماضي بقوله طالما تخدعنا فإن (طال) ماض و (تخدع) مضارع.
وقال يوجه قوله (كفاكم نومة المنون) ردا على قولنا في نقده (يريد تكفيكم فانهم لم يموتوا بعد) بقوله (ولو أن هذا الأعجمي يقيم فهم الجمل العربية كما يفهمها السوقة والصبيان على الأقل لفهم أن العرب تقول: (هداك الله وعلمك العربية، وكفاك شر الادعاء) والأستاذ هو الذي لا يقيم فهم الجمل العربية فإن الأمثلة التي أوردها خاصة بالدعاء والعرب تأتي فيه على الأكثر بصيغة الماضي وأما قوله كفاكم نومة المنون فليس من قبيل الدعاء بل هو للأخبار فقد أورده دليلا على ما نهاهم عنه في الشطر الأول وهو قوله (لا تنقصوا ليله بنوم) فهو يريد لا تنقصوا بالنوم ليلكم فإن نومة المنون في المستقبل تكفيكم فهل يناسب الدعاء هذا المقام؟
وقال يوجه قوله (يمن الله سعيه من رسول) بقوله يتعدى يمن بنفسه ولهذا يجيء منه أسم المفعول على ميمون) فأقول لم يصب الأستاذ في كل ما جاء في ردوده إلا في هذه فإني اعترف إنه على صواب وأنا على خطأ والسبب أني عندما قرأت الكلمة (يمن) قرأتها بالتشديد لا بالتخفيف بناء على أن التام من تفاعيل البحر الخفيف هو فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن.
وقال يوجه قوله (أذكرتني بك الكواكب) ردا على نقدي الذي قلت فيه (والصواب أذكرتني إياك فإن اذكر يتعدى بنفسه إلى مفعولين) بقوله: (أن الذكر مجردا ومزيدا يتعدى بالباء وكما جاء في القرآن الحكيم: (ولقد أرسلنا إلى(6/674)
موسى أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله). ولو كان الأستاذ صادقا لأتانا بشاهد لتعدية (اذكر) بالباء من آية أو بيت شعر أو قول إمام لغوي ولكنه أتى بمثال لتعدية ذكر من باب التفعيل وليس النزاع في تعديته بالباء.
ثم قال (أن الباء لا تكون للتعدية وحدها ولكنها تأتي لاثني عشر معنى وتدخل في بعض هذه المعاني على الاسم الذي يتبع الفعل المتعدي) وأورد شواهد منها قول الراعي في بيت له (لا يقرأن بالسور) وقول امرئ القيس (هصرت بغصن) وقول الأعشى (ضمنت برزق عيالنا ارماحنا) وقول القرآن العظيم: (ولا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) وقوله (وهزي إليك بجذع النخلة) أهـ إلى غير لك. ومن العجيب أن الأستاذ لم يذكر معنى الباء هذه التي تدخل على الاسم الذي يتبع الفعل المتعدي في الشواهد التي استشهد بها. . . وإذا كانت هذه الباء التي قال الأستاذ إنها تدخل على الاسم الذي يتبع الفعل المتعدي ذات معنى فلا غرابة في أمرها ومن ذا ينكر دخول الباء الجارة على الاسم الذي يتبع الفعل المتعدي ولعله يريد إنها الزائدة للتوكيد وهذه ليست بذات معنى وتزداد في ستة مواضع. قال ابن هشام والثاني (من الستة) المفعول كقوله (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وقوله (وهزي إليك بجذع النخلة) وقوله (فليمدد بسبب إلى السماء) وقول الشاعر:
نضرب بالسيف ... ونرجو بالفرج
وفي شرح مغني اللبيب أن الزيادة في المفعول غير مطردة. وأظن أن في هذا الدرس كفاية للأستاذ.
في (قواعد اللغة العربية)
جاء في هذا الكتاب (ومن اللفظ ما يدل على الجماعة ولا واحد له من لفظه ويقال له (اسم جمع) (كركب) أهـ. فأقول ليس الركب لا واحد له من لفظه لأنه ومفرده (راكب) وبذلك يخرج عن كونه (اسم جمع) ونظائره كثيرة مثل (صاحب وصحب وناصر ونصر وقائل وقيل وسائق وسوق) وربما لم يذكر النحويون هذا الوزن مع أوزان جمع التكسير.
الكاظمية: مصطفى جواد(6/675)
جناية الرواة على الشعر.
بقلم الأديب الناقد البصير الأستاذ عبد القادر عاشور من كبار أساتذة الإسكندرية
بمصر
إذا كان الشعر عند الغربيين مظهرا من مظاهر الصراع بين الحق والباطل فإنه عند العرب أعم وأوسع، إلا أن الذكر الحكيم كفى شعراء العربية مؤونة التعرض لكثير من الأغراض كأخبار الأولين والحث على اتباع ما كمل من العادة والأخلاق، وكأن الشعراء عندما بهرتهم بلاغة القرآن سقطوا في أيديهم ونسوا الحرية والصراحة اللتين هما أساس نمو الشاعرية وتلهب الوجدان، وأجبل منهم من أجبل، حتى أن لبيد بن ربيعة هجر الشعر ولم يرو له في الإسلام غير بيت واحد، وهو - على بعض الروايات:
ما عاتب الحر الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح
وكان إذا سئل عما قال من الشعر بعد الإسلام يتلو بعض آيات من القرآن! وأيقن كثير من الشعراء بعد ذلك أنهم لن يتمكنوا من الظهور كشعراء إلا بعد أن يتخذوا لهم إماما من شعر السابقين يحتجون به إذا اعترضهم معترض ومن شذ منهم عن هذه القاعدة وركب متن الحرية سلم من التقليد وقصر العاطفة وجاء شعره كله إبداعا في إبداع كابن ربيعة وابن أذينة والعرجي.
وفي بدء عصر بني أمية ظهر الرواة الذين أفسدوا الشعر وانتحلوه وأجبروا الشعراء على ارتكاب ما سود صحيفته ونزل به إلى الحضيض وأملوا عليهم رغباتهم واضطروهم إلى الشطط في الصناعة والتكلف واصطياد الغريب والحوشي ومكانتهم السامية لدى الملوك والأمراء وكلمتهم النافذة في الحكم على الشعراء أخذت بلب كثير من محترفي الشعر فأصبحوا ولا هم لهم غير إرضاء الرواة والتزلف إليهم أو معارضتهم والظهور عليهم كما كان يفعل الطرماح بن حكيم فإنه كان يسأل الأعراب عن الغريب ويضعه في شعره ليتحدى به علماء الشعر ونقدته وبهذا سمت منزلته عندهم حتى أن أبا عبيدة والاصمعي فضلاه على غيره من الشعراء وزعما إنه أشعر الخلق في بيتيه:(6/676)
مجتاب حلة برجد لسراته ... قددا واخلف ما سواه البرجد
يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسيل ويغمد
وكلنا يعلم أن في هذا الاستحسان من الخطل ما فيه! غير أننا بازاء هذا الاختيار نعذر الشعراء ونضع اللوم كله على عاتق ما نصبوا أنفسهم للتقدير والحكم وكيف لا نلوم الأصمعي على استحسانه الاستحسان كله قصيدة المرقش:
هل بالديار أن تجيب صمم ... لو أن حيا ناطقا كلم
مع إنك لو جست خلالها لوجدتها معقدة اللفظ رديئة السبك خاملة الخيال مختلة الوزن؟!! ولا أدري كيف استحسن قول الشاعر:
ولو أرسلت من حب ... ك مهبوتا من الصين
لوافيتك قبل الصب ... ح أو حين تصلين؟!
ومن الرواة من كان يستحسن الفج الغليظ من الشعر ويستملح ما كان على شاكلة قول ذي الرمة:
رمتني مي بالهوى رمي ممضغ ... من الوحش لوط لم تعقه الاوالس
بعينين نجلاوين لم يجر فيهما ... ضمان وحيد حلي الدر شامس
ولم يحفل بشعر ابن أبي ربيعة وقصيدته التي ابتدأها بقوله:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أم رائح فمهجر
على ما فيها من إبداع وطول نفس! وأنها لتحمل قارئها على السير فيها بشوق ولذة. ولما سمع المخزومي قول عروة بن أذينة:
ولهن بالبيت العتيق لبانة ... والبيت يعرفهن لو يتكلم!
لو كان حيا قبلهن ظعائنا ... حيا الحطيم وجوههن وزمزم!
إلى آخر الأبيات قال: إنه اهجر واخطل!! ويعلم الله أي الرجلين اهجر واخطل. . . وزعم العتبي أن قول جرير:
أن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا!
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن اضعف خلق الله أركانا!
ليس له كبير معنى!. . مع أن معناه - كما قال أبو هلال العسكري - غاية الحسن والجودة.(6/677)
ولما شاهد الرواة روج التجديد تكتسح القديم وتطرده من ربوعها قابلوا ذلك بازدراء الحديث وإنكار فضله، وبالتشهير بكل من يعرفون فيه بعض التمرد على القديم، من ذلك أن إبن الأعرابي كان يأمر أن يكتب جميع ما يجري في مجلسه فانشده رجل يوما أرجوزة أبي تمام في وصف السحاب على إنها لبعض العرب:
سارية لم تكتحل بغمض ... كدراء ذات هطلان محض
موقرة من خلة وحمض ... تمضي وتبقي نعما لا تمضي
قضت بها السماء حق الأرض
فقال ابن الأعرابي: اكتبوها! فلما كتبوها قيل له إنها لحبيب بن اوس فقال: خرق خرق لا جرم أن أثر الصنعة فيها بين!! فأنت ترى أن أبا تمام أغرب فيها الأغراب كله وتتبع آثار من سلفوا من الرجاز كابي النجم ورؤية حتى أشكلت على ابن الأعرابي ولكن ذلك كله لم يشفع له بل خرقت تخريقا!! لا لأن أثر الصنعة فيها بين بل لأنها شعر حديث! ومن أين يأكل ابن الأعرابي وأمثاله إذا حل الحديث محل القديم؟! على أن كثيرا من الشعراء اشتد حرصهم على إرضاء الرواة وتغالوا في أن يكون لكل بيت من قصيدهم معنى يستقل به عن سابقه ولاحقه مع تحميل بعضها ما لا يطاق من لفظ غريب وقواعد شاذة ليسير سير المثل وليتداوله الرواة في مجالسهم وعلماء النحو والغريب في حلقات الدرس!! وكان الفرزدق شيخ الشعراء الذين نحوا هذا المنحى واتبعوا هذه الطريقة شهد له بذلك ابن سلام في قوله: (كان الفرزدق أكثرهم بيتا مقلدا) والمقلد البيت المستغني بنفسه المشهور وذلك كقوله:
ولو خير السيدي بين غواية ... ورشد أتى السيدي ما كان غاويا
ومن الذي كان يعجب النحويين هذا البيت:
وما مثله في الناس إلا مملكا ... أبو أمه حي أبوه يقاربه!
ومن الذي كان يعجب النحويين هذا البيت:
وما مثله في الناس إلا مملكا أبو أمه حي أبوه يقاربه!
وكذلك:
ألستم عائجين بنا لعنا ... نرى العرصات أو أثر الخيام؟
فقالوا:
إن فعلت فاغن عنا ... دموعا غير راقئة السجام
هذه الأشياء كلها مجتمعة جوزت للشعراء ما لا يجوز وأباحت لهم الانتحال والسرقة والغصب وحصرت الشعر في دائرة ضيقة! وكم من شعر نسب إلى(6/678)
غير شاعره وشعراء لم يأنفوا من اغتصاب ثمرة مجهود غيرهم الفرزدق يغتصب قول جميل:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس
وجرير ينتحل قول العملوط السعدي:
أن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا!
غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا؟!
وينتحل أيضاً قول طفيل الغنوي:
ولما التقى الجمعان ألقيت العصا ... ومات الهوى لما أصيبت مقاتله!
وكان أبو نواس يبني أكثر شعره على معاني غيره: يدل ذلك على ما جاء في (الأغاني) من أن اسحق الموصلي انشد شعرا لأبي الهندي في صفة الخمر فاستحسنه وقرظه فذكر عنده أبو نواس فقال: ومن أين أخذ أبو نواس معانيه إلا من هذه الطبقة وجعل ينشد بيتا بيتا من شعر أبي الهندي ثم يستخرج المعنى والموضع الذي سرق الحسن فيه حتى أتى على الأبيات كلها واستخرجها من شعره. وذكر صاحب (الأغاني) أيضاً أن قول أبي نواس: (وداوها بالتي كانت هي الداء) مأخوذ من قول الأعشى: (وأخرى تداويت منها بها) وإن قوله: (أن الشباب مطية الجهل) مأخوذ من قول النابغة الجعدي: (فأن مطية الجهل الشباب) ولكنه أبو نواس شاعر الخلفاء والمشهود له بالفضل بين جمهرة العلماء. . .!! وهكذا ظلت هذه العيوب لاصقة بالشعر حتى يومنا هذا ولم يجرؤ أحد من شعراء نهضتنا الحالية على مناوأتها والقضاء عليها غير نفر قليل وعندما حبب إلى (أمير الشعراء) شوقي) التجديد نهاه عن ذلك (آفة اللغة الجامدون) وأغروه بأماني أسرت لبه وصادفت هوى في نفسه فرجع إلى القديم من الشعر يتوكأ عليه ويحتذيه والى الغريب من اللفظ يفسد به شعره والى الحكم المعادة والأمثال البائدة (يحشرها) في كل قصيدة من قصائده ليكون حافظ اللغة وحجتها ولو علم لترك شاعريته تنمو وبيانه ينطق بما يعتقد ولم يسمع لهؤلاء الذين أخمدوا قريحته
وحادوا به عن الجادة ولكن ما الحيلة والله لم يرد إلا أن يكون كذلك؟!(6/679)
اللغة الكردية
لم ينبغ شاعر من الشعراء البارزين حتى عهد الأديب المعروف بمحمد الفقيه التيراني من أفراد عشيوة (مكري) الهكارية وكان أديبا مشهورا. وله عدة تآليف معروفة في القرن التاسع. ويعقبه الملا أحمد من عشيرة (باتا) من الهكارية أيضا. اشتهر هذا بتأليفه كتاب (المولد النبوي) وهو كتاب لا يزال يتلى في المحافل والأندية الدينية. وانتشرت العشيرة الهكارية بعد عهد هذين الشاعرين حتى منطقة (بايزيد) حيث رسخت أقدامهم.
وفي هذه البقعة نشأ شاعر من أشهر شعراء الكرد وأكثرهم تأليفا. وإنتاجا في الأدب والشعر، اسمه (احمد خان) الهكاري ولا تزال كتبه في العلوم والمعارف والآداب أحسن مما كتب في اللغة الكردية. وانشأ هذا الأديب مدرسة في (بايزيد) وشيد بجانبها مسجدا للمصلين ومن تآليفه معجمه (نوبهار) وهو من اللغة العربية إلى الكردية ولا يزال محفوظا حتى يومنا هذا في دار التحف البريطانية.
ويتلوه تلميذه (إسماعيل) وهو وإن كان دونه شهرة إلا أن مقامه في عالم الأدب غير مجهول. وشاهد ذلك العصر أكبر كاتب من كتاب الكرد وهو (شريف خان) الهكاري الذي ألف تاريخ الأكراد المسمى (شرفنامه) وهذا الكتاب هو التصنيف الوحيد المعول عليه حتى اليوم في مراجعة تاريخ الأكراد. وله عدا ذلك تآليف جمة في اللغة الكردية ودواوين شعر عديدة.
والفاضل الثاني الذي تثبته الكتب الأدبية بعد شريف خان (مراد خان) الهكاري المولود في (بايزيد) ولكنه لم يكن واسع الشهرة. وتوفي في عام 1784م.
هؤلاء معظم مشاهير شعراء الأكراد المشهورين في كردستان الشمالية. أما في كردستان الجنوبية فقد نبغ عدد كبير من الشعراء ولاسيما في ديار عشيرة (كوران خان) الاردلانية في (سنا) إلا أن معظم ما كتبه(6/680)
هؤلاء كان منحصرا في شعر وقصص عشيرتهم التي ينتمون أليها. ولم يظهر في كردستان الجنوبية شعراء عظام حتى أواخر القرن الثامن عشر. ولكن بعد ذلك أصبحت مدينتا (السليمانية) و (كركوك) موطني عدد جسيم من الكتاب الكبار والصغار يضيق بنا المجال عن ذكرهم هنا.
وتعد عشيرة (الملي) أكبر عشيرة بين العشائر الكردية في يومنا هذا، وموطنها في غربي كردستان الغربية.
وعشيرة (حسنانلو) التي تقطن سهلا من سهول أرمينية:
وعشائر (الهكاريين ومن معهم الذين تقع مواطنهم بين (وان) و (بتليس) وشرقي حدود فارس، ووادي الزاب الأعلى، وجزيرة ابن عمر، حتى تصل إلى حدود اربيل.
و (عشائر راوندوز) من الجنوب ومن معهم من العشائر القاطنة في غربي السليمانية وشماليها. كل هذه العشائر هي من (كرمانج) ومن ثم هي هكارية.
وتمتد منطقتهم نحو الجنوب إلى مدى بعيد حتى تصل إلى (قزل رباط) وطريق بغداد والى كرمنشاه، حيث عشيرة (الجاف) وهي عشيرة كبيرة لا تقل بيوتها عن عشرة آلاف خيمة كلها من الرحل ولغة هذه القبيلة هي الكردية الاصلية، ولكنها أصبحت اليوم مزيجا من لغات أخرى إذ لا تخلو من اصطلاحات وكلمات خاصة بقبيلة اللور.
ولغة (المكري) الذين تقع أراضيهم في جنوبي ارمية من حدود فارس ربما كانت افصح لغة كردية موجودة في يومنا هذا. وإذا قسنا عدد الأدباء المشهورين من أدباء الأكراد بهذا العدد الواسع من العشائر المعروفة نجده ضئيلا لا يكاد يذكر ولكن يجب أن لا ننسى أن عدم الدراسة والتنقيب في تاريخ هذه اللغة هما من الأسباب التي تطلعنا على سر هذه القلة أو الضآلة فالمستشرقون من علماء اللغات والآثار لم يهتموا بالتنقيب عن هذه اللغة ولا عنوا بدراستها عنايتهم بغيرها من اللغات وإذا فتشنا في بطون الكتب عن الذين تفرغوا لهذا البحث نجد الأمة الإنكليزية أقل الأمم اعتناء بها. وليس من الخطأ القول إننا لم نسمع بأن مستشرقا إنكليزيا في عصرنا هذا كتب شيئا أو ألف كتابا عن(6/681)
اللغة الكردية اللهم إلا المستر صون الحاكم السياسي في السليمانية. وهذا الفاضل لم يأت إلى كردستان باحثا أو دارسا، إنما جاء بمهمة سياسية قضت عليه أن يبقى بين العشائر الكردية أعواما قبيل الحرب وبذلك تمكن من الوقوف على أسرار هذه اللغة فألف كتابين مهمين لا يستغني عنهما الطالب.
وأهم الكتب التي ألفت باللغات الغربية عن اللغة الكردية يعود تاريخها إلى عام 1850 إلى 1890 ويعود القسم الأعظم من هذه المؤلفات إلى مصنفين روس أذكر في مقدمتهم
الموظفين منهم وأشهرهم جابا المستشرق الروسي الذي كان موظفا في السفارة فإنه نشر عام 1860 كتابه المسمى بما معناه (مجموعة فوائد وحكايات كردية) طبع في بترسبورغ (اليوم لنينغراد) وهو مجموعة قصص أدبية، وقصائد شعرية باللغة الكرمانجية. ترجمت إلى اللغة الافرنسية ولكن بغير تعليق أو ملاحظة وهذا الكتاب مصدر بمقدمة بقلم المستشرق مؤلف كتاب أي أبحاث في الأمور الكردية والإيرانية وهو مطبوع في عام 1857 وهو كتاب جامع ومفيد بحث في صاحبه عن لغتي كرمانج وزازا وأطال القياس وضرب الأمثلة بينهما وبين اللغة الفارسية ولم ينس ترجمة قصص وقصائد من القصص والقصائد الكردية المشهورة ونشر سوسين وبريم ومجموعة أسمياها منتخبات كردية طبع بترسبورغ عام 1887 وهي مجموعة تضم مختارات وقصائد جمعها صاحباها أثناء سياحتهما في ديار التيارية والهكارية ولكنهما لم يبحثا عن القواعد الكردية وإن أضافا إليه في الآخر معجما مختصرا للكلمات العويصة الواردة في مطاويه. فهذا التأليف وإن كان مفيدا لمن يحسن اللغة الكردية لكنه لا يفيد شيئا من يجهل القواعد الكردية ولا المبتدئين. وكأني بجستي يشعر بهذا النقص فيسده في كتابه (غراماطيق كردي) (بترسبورغ 1880) والشيء الذي يؤخذ عليه إنه ارصد 105 صفحات من أصل صفحات الكتاب البالغة 250 للبحث عن الحروف الصوتية وغير الصوتية الأمر الذي ما كان يقع في أكثر من عشرين صفحة لو راعى الغرض دون الإطالة كما أن أبحاثه عن القواعد وإن جاءت وافية بالمرام إلا إنها لم تكن مرتبة ترتيبا يرتاح له القارئ.
خلف شوقي أمين الداودي(6/682)
اسم الفاعل في لغة عوام أهل العراق
أسم الفاعل هو ما دل على ما وقع منه لفعل. ويبنى من الثلاثي وزن فاعل نحو ضارب وكاتل. ومن غير الثلاثي على وزن المضارع بأن يحذف حرف المضارعة ويؤتى في مكانه بميم مكسورة ثم يكسر ما قبل آخر الفعل نحو مجتهد ومتعارك ومكربس.
تصريف أسم الفاعل من السالم
أسم الفاعل أما مذكر أو مؤنث وكل منهما أما مفرد أو جمع إذ لا يستعملون فيه التثنية فتكون له أربع صيغ وجمع أسم الفاعل المذكر لا يكون إلا بالياء والنون في جميع الأحوال فيكون تصريفه هكذا:
ضارب ضاربين ضاربة ضاربات
تصريف اسم الفاعل من المضاعف
لا يفك إدغامه إلا في لغة قليلة فيقال في ماد مادد وفي شاد شادد لكن الأكثر فيه الإدغام هكذا:
ماد مادين مادة مادات
تصريف أسم الفاعل من مهموز الفاء
قد علمت إنه لا يوجد في كلام العامة من مهموز الفاء سوى أخذ وأكل وأمر وهم يشذون في بناء أسم الفاعل من هذه الأفعال الثلاثة فيبدلون فاءه التي هي الهمزة ميما فيقولون في آخذ مآخذ وفي آكل مآكل وفي آمر مامر إلا أنهم في هذا الأخير قد يقولون آمر أيضاً على الأصل. فتصريفه هكذا:
ماخذ ماخذين ماخذة ماخذات
تصريف أسم الفاعل من مهموز العين
قد يبدلون الهمزة منه ياء وذلك في المفرد المذكر منه فقط والأكثر إبقاؤه هكذا:(6/683)
سائل سائلين سائلة سائلات
تصريف أسم الفاعل من مهموز اللام
قد علمت إنه لا يوجد في كلام العامة من مهموز اللام سوى قرأ وجاء فأما قرأ فقد علمت
أنهم يجعلون همزته ألفا ويصرفونه تصريف الفعل الناقص فيكون أسم الفاعل منه أيضاً كاسم الفاعل من الناقص هكذا:
قاري قارين قارية قاريات
وإما جاء فقد علمت أنهم يحذفون اللام أي الهمزة منه غير أنهم إذا بنو منه أسم الفاعل حذفوا عينه وقلبوا لامه اعني الهمزة ياء ساكنة فيقولون جاي واصله جايئ حذفت عينه وهي الياء وقلبت لامه وهي الهمزة ياء. هذا في المذكر وإما في المؤنث فلا يحذفون عينه بل يكتفون بقلب لامه ياء ويدغمون العين في اللام فيقولون جاية واصلها جايئة قلبت اللام ياء وأدغمت الياء في الياء. فيكون تصريفه هكذا:
جاي جايين جاية جايات
تنبيه - إن أسم الفاعل المفرد المذكر من جاء قد يستعمل في كلامهم استعمال الظرف المكاني بمعنى قريب كما أن أسم الفاعل المفرد المذكر أيضاً من غدا يستعمل في كلامهم كالظرف المكاني بمعنى بعيد كقولهم (تعال جاي) أي تعال قريبا أو إلى مكان قريب وكقولهم (روح غادي) أي روح بعيدا أو إلى مكان بعيد. ولاشك أن (جاي) و (غادي) هنا قد خرجا عن كونهما أسمى فاعل وصارا في المعنى من قبيل الظروف المكانية. ويكون حاصل المعنى في قولهم (تعال جاي): تقرب. وحاصل المعنى في قولهم (روح غادي): تبعد.
تصريف أسم الفاعل من المثال
واعد واعدين واعدة واعدات
تجعل عينه ياء سواء كان واويا أو يائيا فيقال من قال كايل ومن قام كايم ومن باع بايع ومن خاف خايف وتصريفه هكذا:
شايف شايفين شايفة شايفات(6/684)
تصريف أسم الفاعل من الناقص
رامي رامين رامية راميات
تصريف أسم الفاعل من اللفيف
اللفيف المفروق
وافي وافين وافية وافيات
اللفيف المقرون
شاوي شاوين شاوية شاويات
اسم المفعول
اسم المفعول هو ما دل على ما وقع عليه الفعل. ويبنى من الثلاثي على وزن مفعول نحو مضروب وممدود. ومن غير الثلاثي يبنى من المضارع بأن يحذف حرف المضارعة ويؤتى بدله بميم مكسورة كسرة ضئيلة ثم يفتح ما قبل آخر الفعل نحو مكربس ومجرح ومكاسر.
تصريف أسم المفعول من السالم
مضروب مضروبين مضروبة مضروبات
تصريف أسم المفعول من المضاعف
مشدود مشدودين مشدودة مشدودات
تصريف أسم المفعول من المهموز
مهموز الفاء
تجعل فاءه وهي الهمزة ألفا لينة هكذا:
مأخوذ مأخوذين مأخوذة مأخوذات
مسئول مسئولين مسئولة مسئولات
مهموز اللام
يصرف كاسم المفعول من الناقص اليائي وتخفف ياؤه في المفرد المذكر فقط.
مقري مقريين مقرية مقريات
تصريف أسم المفعول من المثال
موعود موعودين موعودة موعودات(6/685)
تصريف أسم المفعول من الأجوف
تجعل عينه ياء سواء كان واويا أو يائيا ويبقى على حاله بلا إعلال ولا حذف فيقال من قال مكيول ومن باع مبيوع ومن دان مديون ومن عاب معيوب فيكون تصريفه هكذا:
مبيوع مبيوعين مبيوعة مبيوعات
تصريف أسم المفعول من الناقص
قد علمت إنه ليس في كلامهم ناقص واوي بل إن كان فعل ناقص يائي عندهم وان كان في الأصل واويا فاسم المفعول من الناقص تقلب واوه الزائدة ياء وتدغم في الياء الأصلية إلا في المفرد المذكر فانهم يخففونه أي يحذفون إحدى الياءين فيكون تصريفه هكذا:
مرمي مرميين مرمية مرميات
مغزي مغزيين مغزية مغزيات
تصريف أسم المفعول من اللفيف
اللفيف المفروق
موفي موفيين موفية موفيات
اللفيف المقرون
مشوي مشويين مشوية مشويات
الفعل المنحوت
إن (جاء) في اللغة الفصحى فعل لازم يتعدى بالباء فيقال جاء به والعامة قد أخذت هذا الفعل ومزجته بحرف التعدية بعد حذف الهمزة من آخره فصار (جاب) واستعملته فعلا متعديا بنفسه بمعنى جاء به في اللغة الفصحى وصرفوه كفعل أجوف يائي فقالوا جاب كذا ويجيب كذا ومصدره الجيب والجيبة وقالوا في أسم الفاعل منه جايب وفي أسم المفعول مجيوب. وقد يستعملونه بمعنى الولادة فيقولون جابت المرأة أي ولدت ومصدر هذا الجيبوبة. وتركيب هذا الفعل في كلامهم من كلمتين اجدر أن يعد من قبيل النحت فلذا سميناه بالفعل المنحوت. ويوجد في كلامهم أيضاً أفعال قد أخرجوها عن اصلها بزيادة أو نقص أو تغيير وسنعقد لها فصلا نذكرها فيه إن شاء الله تعالى.(6/686)
الصفة الثابتة وهي الصفة المشبهة
بين الصفة المشبهة وبين أسم الفاعل فرق من وجوه أحدها إنها لا تكون على وزن فاعل من الثلاثي إلا نادرا. الثاني إنها لا تصاغ إلا من الفعل اللازم. الثالث إنها تدل على الثبوت بخلاف أسم الفاعل فإنه يدل على التجدد والحدوث أي إنها تدل على صفة قائمة
بالموصوف بدون اعتبار الزمان بخلاف أسم الفاعل فإنه يعتبر في معناه الزمان. وسميت بالصفة المشبهة تشبيها لها باسم الفاعل في إنها تعمل عمل الفعل مثله فترفع الفاعل. ولما كان الإعراب معدوما في كلام العامة لم يبق لتشبيهها باسم الفاعل من سبب فوجب أن تسمى في كلام العامة بالصفة الثابتة لأنها تفارق أسم الفاعل في دلالتها على الثبوت دونه.
الصفة الثابتة تبنى من الثلاثي على أوزان مختلفة سماعية نحو حسن وكريم وشجاع وغير ذلك إلا إذا دل على لون أو عيب فتبنى الصفة الثابتة منه حينئذ على وزن افعل نحو أحمر واسمر واملح وادغم واعرج واشرح واعور واثول وغير ذلك.
ومن غير الثلاثي تبنى على وزن المضارع كاسم الفاعل نحو مستقيم.
اسم التفضيل
هو بمعنى أسم الفاعل إلا إنه يصاغ على وزن افعل من الفعل الثلاثي مقصودا به تفضيل شخص أو شيء على غيره نحو عباس اعقل من جاسم وهذا الثوب أحسن من ذاك. فالمقصود هو تفضيل عباس في العقل على جاسم وتفضيل هذا الثوب في الحسن على ذاك. ولا يبنى أسم التفضيل إلا من الثلاثي فقط وقد أجازت العامة بناءه من الأفعال الدالة على لون أو عيب وذلك غير جائز في اللغة الفصحى فأحمر واعرج وما أشبههما من الصفات الثابتة تستعمل في كلام العامة أسم تفضيل أيضاً يقولون هذا أحمر من ذاك أي أشد حمرة منه وهذا اعرج من هذا أي أكثر عرجا منه.
ويستعمل أسم التفضيل في كلامهم على وجهين أحدهما أن يكون مضافا غير مقترن بمن نحو اعقل الناس والثاني أن يقترن بمن كالأمثلة السابقة. وهو في كليهما يستوي فيه المذكر والمؤنث تقول زينب أحسن النسوان وجاسم(6/687)
اعقل الناس وإما مؤنث أسم التفضيل فلا وجود له في كلامهم أصلا.
أمثلة المبالغة
هي أوزان يقصد بها الدلالة على كثرة اتصاف الموصوف بها وتأتي في كلام العامة على أربعة أوزان (1) فعال (بتشديد العين) نحو ضراب وجذاب. ومنه المثل العامي: (كتال الكملة بالسيف) يضرب لمن يستهزأ بشجاعته. (2) فعول قولهم (فرس عزوم) للفرس الجموح التي لا يرد رأسها والفرس في كلام العامة لا تطلق إلا على الأنثى وإما الذكر
فيقال له حصان. (3) مفعيل نحو مسكين ومعميل. (4) فعل (بكسر العين) نحو نحر (نكر). ولا تبنى أوزان المبالغة إلا من الثلاثي.
اسم المكان والزمان
اسم المكان ما دل على موضع وقوع الفعل واسم الزمان ما دل على وقت وقوع الفعل. ولهما صيغة واحدة وهي من الثلاثي على وزن (مفعل) بكسر الميم وقد تفتح. وبفتح العين إذا كانت عين مضارعه مضمومة أو مفتوحة نحو مطبخ ومذبح ومنه قولهم وهو من هوساتهم (هاي نكرة الدم وهاي مذبحتهم) وشذ المغرب بكسر الميم والراء لوقت الغروب والمسجد بكسر الجيم لأن عين مضارعهما مضمومة. وإما إذا كانت عين مضارعه مكسور فلا يكون إلا بكسر العين نحو مجلس. وكذلك إذا كان من المثال نحو موجب (موكب). وأما من غير الثلاثي فلم أجده واقعا في كلامهم.
(تنبيه) إذا كثر الشيء في المكان فلاسم المكان وزن مفعلة نحو مملحة ومصبغة ومدرسة ومكبرة ومذبحة.
ومما شذوا فيه قولهم للمجرة (مسحال الجبش) أي مجر الكبش فإن مسحال هنا أسم مكان للسحل المستعمل في كلامهم بمعنى الجر يقال سحله إذا جره على الأرض. والقياس يقتضي أن يقال مسحل لا مسحال.
بغداد: معروف الرصافي(6/688)
أحمد لطفي السيد
وزير المعارف المصرية كما عرفته -
بقلم الأديب المعروف الأستاذ نجيب شاهين المحرر في صحيفة (السياسة) المصرية
جمعني وبعض الأصدقاء مجمع عرض فيه ذكر المقال الذي حشاه صديقي عباس محمود العقاد طعنا في رجل من خير رجالات مصر وهو أحمد لطفي السيد وزير المعارف الحالي. فقال أحد الحاضرين وهو محام مصري طويل الباع في الأدب (أنا لا أعرف العقاد ولم أر له صورة وجه ولكني استدل من كتابته على إنه شديد الذكاء وإن لم ينل قسطا وافرا من التربية الحديثة فقد تحامل على شوقي مثلا وهو شاعرنا الأوحد ويخيل إلى غير الأديب الحق وهو يقرأ انتقاده لشوقي أن شوقي ليس بناظم فضلا عن أن يكون شاعرا فذا منقطع النظير. ولا أذكر إنه مدح أحدا مختارا أو إنه تطوع لبيان فضائل فاضل وهذا شر ما يصاب به (أديب).
والغريب أن يكون هذا شأن كاتب مشهود له بالذكاء والأدب الكتابي كأن يكون الأدب الكتابي والأدب الخلقي نقيضان فيه لا يجتمعان. والأصل واحد والاشتقاق واحد ورحم الله القائل:
كذاك أدبت حتى صار من خلقي ... أني وجدت ملاك الشيمة الأدب
وفي الحق أن الأدب الخلقي الذي أراده الشاعر إنما هو سيد الأخلاق ولا يحسب الكاتب الأديب أديبا ما لم يكن على خلق عظيم.
تناول صديقي العقاد أستاذي أحمد لطفي السيد في مقاله ونال منه كل منال ولج في خصومته ولد في عداوته ولم يترك مكانا للصلح - فعل هذا كله متطوعا مختارا - إذ لا يعقل أن مثل هذا السباب البذيء يكلفه إياه أحد حتى ولو كان من حثالة خصومه السياسيين. وهكذا ترى إنه أديب يتطوع للشر ويقترح عليه الخير فلا يلبس إلا مكرها. وهذه أدنى دركة ينزل إليها الأديب، وهذا ما يحملنا على الظن أن المقال لم يعرض على صاحب البلاغ ورئيس تحريره عبد(6/689)
القادر حمزة. فقد زاملناه في أواخر أيام (الجريدة) وكان الأستاذ لطفي السيد رئيسا لنا فجعل عبد القادر يده اليمنى في التحرير حتى حين وأحاطه برعايته وكان يلقنه ما يريد أن يقول وبقي ذلك شأنه حولا أو أكثر حتى انتدب لتحرير
(الأهالي) في حديث ليس هذا مجاله. فما نظن الأستاذ عبد القادر كان يسمح بنشر ذلك المقال لو اطلع عليه وكان ممن يعرف الجميل ويذكر المعروف.
أراد الأستاذ العقاد أن ينتقص فضل رجل لو كان في مصر عشرات مثله لكانت ذات استقلال تام من تلقاء نفسها ومن غير أن يحتاج في ذلك إلى السياسة ووسائلها. أراد أن ينتقص فضائله (فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل) ولست أدري لم يغضب الأستاذ العقاد من أن يسمى أحمد لطفي السيد أستاذا وكل محام أستاذ وكل طبيب أستاذ وكل معلم أستاذ. أتراه يسلم بأستاذية هؤلاء جميعا إلا أستاذية أحمد لطفي السيد؟
وبالطبع أن من ينكر على رجل كونه أستاذا أحر به أن ينكر عليه كونه فيلسوفا. ولكن هل كلف أحمد لطفي السيد أحدا يلقبه بالفيلسوف أو أوعز إلى أحد بذلك. وإن كانت السياسة هي أول من أشاع هذا اللقب فهل هي التي أوعزت إلى غيرها أن يحذو حذوها. لا يهولنك يا صديقي العقاد أن يلقب أحمد لطفي السيد بالفيلسوف لأنه إذا كان فيلسوفا فلست تقف أنت عقبة في سبيل هذا اللقب وإن لم يكن فيلسوفا فلسوف يزول هذا اللقب عنه من نفسه يوم يقوم في البلاد رجال أكثر استحقاقا لهذا اللقب منه.
ونحسب أن خلو كتاب الأخلاق الذي ترجمه من مقدمة له دليل على ذوقه السليم وانه يقدر الأشياء قدرها فاكتفى بالمقدمة الفرنسية لوفائها بالغرض وفي هذا أعظم دليل على البعد عن الدعوى الذي يلصقه العقاد.
ولست أدري لم تكون معرفة نيتشه أو تولستوي هي مقياس الفلسفة ولا يكون مقياسها معرفة أرسطو أو أفلاطون أو سقراط أو ابن رشد أو الغزالي أو ديكارت أو هيجل أو سبنسر. ثم أن فلسفة نيتشه ليست مجهولة كل الجهل عندنا فقد رأينا مقالات كثيرة عنها لكثير من كتابنا في كثير من مجلاتنا أفلا يجوز أن يكون أحمد لطفي السيد قد أطلع على إحداها ليدرك ماهية فلسفة نيتشه!!(6/690)
صدقني يا صاحبي العقاد إن مقالك كله هزل ليس فيه جد وهو من نوع الهزل الذي يسميه الإنجليز لا من النوع الذي يسمونه والفرق بينهما أن الأول يكتب بروح الانتقاد والثاني يكتب بقلم بريء خال منها كلها فصاحبه ظريف حقا. فإن شئت يا صاحبي أن تعرف من هو أحمد لطفي السيد فاعلم:
إنه في مقدمة الذين سعوا في إنشاء حزب الأمة و (جريدته) وهو الذي وضع برنامجه وخطب الخطب الكثيرة ودبج المقالات العديدة في تأييد سلطة الأمة ولقي الاضطهاد الكثير مع (جريدته) في سبيل فصل شخصية الأمة المصرية عن الشخصيات الأخرى ورأى ذلك مقدمة لازمة للاستقلال المنشود فعارضه (المؤيد) صنيعة الخديوي السابق وعارضه (اللواء) القائل بالتعلق بالأهداب العثمانية وعارضته الصحف الأخرى القائلة بممالأة هذه الدولة الأجنبية أو تلك. ولما ظهرت (الجريدة) دعانا نحن محرريها وكان فيهم الأستاذ المرحوم عبد الحميد الزهراوي شهيد الحرية فقال أن الذين ينتمون إلى الدولة العثمانية منكم قد يريدون أن يعلموا خطة هذه الجريدة. فخطتها هي هذه: تناول قلما وقرطاسا ورسم دوائر خارجا بعضها عن بعض فكتب في دائرة مصر وفي الدوائر الأخرى تركية وغير تركية وقال هذه خطتنا السياسية إننا مع اتصالنا بالبلاد الإسلامية دينا، لا صلة سياسية لنا بها البتة.
واحمد لطفي السيد في مقدمة الذين سعوا في إنشاء حزب الأحرار الدستوريين وجريدة (السياسة) لسان حالهم. وهو الذي قضى ثماني سنوات يكتب المقالات الافتتاحية في (الجريدة) بيانا لسلطة الأمة وتعليقا على مناقشات الجمعية التشريعية ومجلس الشورى وغيرها من مقالات التشريع والأخلاق أيام كان بعض الكتاب يقضون الساعات الطوال بين بشار وأبي نواس وصريع الغواني وابن الشمقمق!!
ولم يشك أحد من العقلاء في وطنيته المصرية يوما. غاب عنا أياما ونحن في (الجريدة) لمرض اعتراه وكان منزله في دار الجريدة فدعاني صبيحة ذات يوم إليه يسألني عن التحرير فرأيته كاسف البال فجلست فسمعته يتأوه فظننت ذلك من(6/691)
شدة وطأة الداء عليه وما أبطأ أن قال (ضاع البلد من أيدينا)!
كان ذلك على ما اذكر عند إعلان سياسة الوفاق في عهد السر الدون غورست وعلى أثر مشادة سياسية لا اذكرها تماما علم منها أهل الرأي في البلد حقيقة سياسة إنجلترة المصرية.
أما أخلاقه فإلى القارئ مثلا عليها: أقلت من (الجريدة) في السنة الأخيرة من سنيها طلبا للتوفير فلم يشأ أحمد لطفي السيدان يبلغني خبر الإقالة فعهد في ذلك إلى المرحوم حسن باشا عبد الرازق شهيد حادث شارع المبتديان وبينا كنت أقرأ مسودات الجريدة في ذلك
اليوم رأيها بها خبرا عن إقالتي (فشطبته) فسأل المدير عنه فقيل له أني حذفته فدعاني إليه وشدد النكير علي بحضور المرحوم إسماعيل بك ذهني حسبان أن في ذلك اعتداء على حقوقه. وفي اليوم التالي جاءني من يقول أن إسماعيل بك ذهني قال أن لطفي بك (ادالك جامد) وقد كان اجمد ما قاله لي (هل تعتدي على حقوقي)؟
ومضت الأيام فلقيته ذات يوم في إدارة المقتطف يزور المرحوم الدكتور صروف فسلم علي هاشا باشا ولمحت في وجهه نور الاطمئنان علي في عملي. وفي سنة 1922 قصدت الشام للتصييف ولما عدت قصدت دار الكتب فاخبرني صديقي حافظ إبراهيم أني عينت محررا في (السياسة) براتب حسن وكان ذلك أول ما علمت عن ذلك التعيين وإن لطفي بك هو الذي عينني.
هذا شيء عن علم رجل من رجالات مصر ووطنيته الصحيحة وأخلاقه العالية. أفي رجل مثل هذا تكال مقالات الطعن البذيء جزافا؟ أرأيت يا صديقي العقاد إن كان معالي وزير المعارف الحالي وفديا أو عضوا في وزارة ائتلافية هل كنت تقول فيه ما قلت في مقالك هذا؟ لقد بلغنا السن التي ينتظر قراؤنا منا فيها أن نكون أكثر تأنيا وإنصافا في إصدار أحكامنا على الناس واعلم أن مقالات الكاتب منا أكثر دلالة عليه منها على من يتناولهم فيها واصدق حكما علينا منها عليهم. وإني أدعو إلى الله ألا يكون حظي منك مقالة مثل هذه المقالات!!(6/692)
فوائد لغوية.
الأوهام الشائعة
أردت بالأوهام الشائعة: الغلطات العظيمة الذائعة، كقول العقاد في البلاغ الأسبوعي ال 52 (فيصدق تصديق البلهاء) لأنه جمع (أبله) على (بلهاء) والصواب (بله) على وزن (خضر) جمع أخضر وخضراء. ولسهولة تتبعها جعلتها معددة بأعداد متوالية:
1 - قال أحد المدعين: (القضيتان الأشد ضيقا) وقوله غلط لأن أسم التفضيل تجب مطابقته للموصوف وصفا حقيقيا إن كان مصدرا بال والمطابقة تكون في الأفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث. فالصواب (القضيتان الشديان ضيقا) أو على ما هو مشهور القضيتان اللتان هما أشد ضيقا أو القضيتان الأشد ضيقهما.
2 - وقال أحد المختبرين: (وأي طريقة من (الطرائق الأربعة) المذكورة يمكنك تطبيقها على كل فرض من فروضك الكتابية؟) والصواب (الطرائق الأربع) بتذكير الاسم الثاني لأن مفرد الأول مؤنث وهو (طريقة) قال تعالى: (وليال عشر).
3 - وقال أحدهم: (حادثته أمس الأول) وليس في العربية (أمس أول) ولا ثان ولا ثالث و. . . لأن كلمة (أمس) مختصة باليوم السابق ليومك الذي أنت فيه. والصواب (حادثته أول من أمس) أي اليوم الذي قبل أمس. أو كما قال بعض الفصحاء قبل أمس بيوم. أو قبل البارحة بليلة.
4 - وقال أحد المتفقهين: (ولعشر فروض يتأنى الطالب في إنشائها خير من مائة فرض يكتبها مستعجلا) وهو مخطئ والصواب ولعشرة فروض الخ. .) لأن المعدود (فرض) وهو مذكر يجب تأنيث العدد معه من الثلاثة إلى العشرة غير مركبة.
5 - وقال أحد الأدباء: (خصوما وأنت مجتهد) ووضع الواو بعد المصدر(6/693)
العامل (خصوصا) غلط صريح والصواب حذفها. وتبديل الجملة بقولنا: (خصوصا أنك مجتهد) لنجعل (أن واسمها وخبرها) في تأويل مصدر مفعول به ل (خصوصا).
6 - وقالت الناس: (فعمله رغما من المصاعب). والفصيح (على رغم المصاعب). قال الخليفة العباسي للشريف الرضي: (على رغم أنف الشريف). وذلك بعد قول الشريف. (إلا
الخلافة ميزتك) الخ. . . لأن قولهم (رغما) يجعل (رغما) مفعولا من اجله أي سببا للفعل السابق والحقيقة غير ذلك ولهذا لا يجوز ذاك التعبير القبيح أبدا.
7 - وقال واحد: (لا حاجة بنا لإسداء الوصية والتنبيه) وهو الذي نقل قول ابن الأثير في المثل السائر (فلا حاجة إلى ما ذكر من تلك الخصائص) فالصواب أن يقول: (لا حاجة بنا إلى إسداء. . .) بوضع (إلى) موضع اللام.
8 - ومنهم من قال: (يجب أن يحذر من الوقوع في عبارات الانفعال) والصواب (يحذر الوقوع) لأن الفعل متعد بنفسه.
9 - وقال حامل يراعة مرضوضة: (جبل مجلل بأجمعه بالمنازل المحاطة بمزارعها) وهو مخطئ في قوله (المحاطة) لأن الكلمة أسم مفعول من فعل متعد بالباء هو (أحاط) ولا يجوز أن تظهر فيه علامة التأنيث. فالصواب: (بالمنازل المحوطة بمزارعها) أو (بالمنازل المحاط بها بمزارعها).
10 - ومنهم من قال: (ورتبة المفعول تالية للفاعل. . . وكذلك المفعول المطلق) ولكنه خالف ما قال بقوله (كثيرا ما نعتقد أكنا متكلمين أم كاتبين) وقوله (ولغة العامة فضلا عن لغة الكتابة تشتمل على كثير من المجاز والتشبيه) وقوله (وفضلا عن ذلك نرى أن مطالع الكتب. . .). وقد قدم المفعول المطلق فما هذا التناقض في أقواله مضافا إلى أن دعواه باطلة؟
11 - وقال واحد في مقدمة كتابه: (مستشهدا بهذه المختارات في مواطنها والفصيح الشهير أن يعدي (مستشهدا) بنفسه فيقال (مستشهدا هذه المختارات في مواطنها) واسم الفاعل كفعله إذا عمل. قال صفي الدين الحلي: (واستشهد البيض هل خاب الرجا فينا).(6/694)
12 - ومنهم من قال: (وعليه أن يتثبت صحة معانيه) فجعل (يتثبت متعديا بنفسه) وما هو إلا متعد ب (في) والصواب (وعليه أن يتثبت في صحة معانيه).
13 - وقال واحد من المتبجحين: (إذا فليسكن روع الجبناء الذين لا يستجرؤون على تبيين مرامهم) ولم يعلم أن هؤلاء الذين نعتهم بالجبناء (شجعان) عند الناس لأنهم (يجرءون على تبيين مرامهم لا يستجرئون) والمستجرئ هو الذي يتكلف الجرأة. فكيف يذمهم هذا القائل لكونهم لا يتكلفون الجراءة؟ ولعله (أصلحه الله) أراد (الذين لا يجرؤون. . .)
15 - وقال هو نفسه (وهذا كله. وإن كان لا يخلو من النقص إلا إنه سائر في سبيله) وهو مخطئ كما اخطأ الذين من قبله لأنه أفحم (إلا انه) بين المبتدأ وخبره فافسد المعنى والمبنى فالصواب (وهذا كله وإن كان لا يخلو من النقص: سائر في سبيله) فهذا مبتدأ و (سائر) خبره. واصل الكلام (وهذا كله سائر وإن كان لا يخلو من النقص).
16 - وقال كاتب: (بقصد ومهارة ويا للأسف) وهو مخطئ كغيره فالأسف إذا فتحت فيه لام الجر (صار مستغاثا به) والكاتب لا يستغيث الأسف كما ظهر للقارئ وإذا كسرت صار (مستغاثا له) وهو لا يستغيث للأسف. وإن قصد الكاتب (لام التعجب) كقولهم: يا للعجب فإنه ذكر الأسف بدلا من العجب. فالصواب أن يقول (يا أسفاه) وإن اتصل كلامه بما بعده قال (يا أسفاه) وقد قال يا أسفا على يوسف. وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم).
17 - وله أيضا: (ولا يزال الشيء الكثير من القديم (باق) على قدمه) والصواب (باقيا) لأن هذا الاسم (خبر) يزال.
18 - وقال أحد الناس: (وأما (هل) فلا يطلب بها إلا التصديق وحده ولذلك لا يذكر معها معادل. . . وهذا هو السبب الذي من اجله يمتنع أن نقول: (هل جميل نجح أم خليل) ولكنه سحق إرشاده بقوله: (هل ينتبه بالقرائن أم لا؟ وقال أيضاً (هل الفقرات كافية أم لا؟ وقال غير ما ذكرنا لأن أغيارنا(6/695)
بسطوه قبلنا. ونقله تلك القاعدة البالية ورضاه بها من الجمود العصري لأن المولدين قالوا ذلك كثيرا. قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في المجلد الأول من طبعة مصر في الصفحة 23: (هل يحسن تقديم خلق الجماد على الحيوان أم لا؟) ونحن لم نورد كلامه إلا لنظهر ما فيه من التناقض.
19 - وقال أحدهم: (فيجب على ذلك أن نهجر: الصفات الحشوية التي يفيد حذفها نحو (سخرية مرة) فأقول إذا كانت كلمة (مرة) صفة حشوية عند الكويتيب المذكور فكل الصفات التي وصف بها أسلافنا العرب (حشوية) عنده والقرآن العظيم مشحون بما كرهه من أوله إلى آخره. ولكنه لم يخجل من قوله (منشئ أحد الفروض يؤكد أن الضعف يؤدي إلى ارتكاب (القبائح السافلة)؟ فهل في القبائح (سافلة وغير سافلة)؟ هذا يدل على فكر سقيم وجهل عظيم.
20 - وقال واحد: (والأفكار الناضجة المنيرة. لأن الإنشاء يمتاز لا محالة بمزايا صاحبه)
وليس من الذوق الحسن أن يصف الأفكار بالناضجة وبالمنيرة معا لأن الإنارة بعيدة عن النضج فالصواب أن يقول (الناضجة الطرية) أو (المحكمة المنيرة) وإذا كان ذوق الكاتب فاسدا فما يكون ذوق المستمع المسترشد له؟
21 - وقال أحد أدعياء الأدب العربي: (كان زهير سيدا موسرا حليما ورعا مؤمنا بالله (وعمر ومات قبل البعثة بسنة) فجعل الظرف متعلقا بالفعلين (عمر ومات) وبذلك يفهم أن زهيرا (عمر قبل البعثة بسنة ومات قبلها بسنة فيكون عمره (صفرا) والعياذ هو الله. فالصواب (عمر قبل البعثة ومات قبل وقوعها بسنة) ليكون الفعلان منفصلين بظرف زمان.
22 - وقال من قال (عن الترقي الذي ترقيناه) وهذا مضحك كقول من قال (عن الصعود الذي صعدناه) لأن الترقي لا يترقى إليه والصعود لا يصعد عليه. والصواب عن (ترقينا) وهو أبلغ وأوجز من ذلك القول الواهن. أو (عن المرتبة التي ترقينا أليها).
23 - وقال واحد (فيضطر بالطبع، للبحث عن معانيها) والصواب أن(6/696)
يعدي الفعل (اضطر) إلى مفعوله الثاني ب (إلى) وكذلك يبقى إذا بني للمجهول فالصواب (فيضطر بالطبع إلى البحث. . .) ويجوز على قول المولدين الفصحاء (على البحث عن معانيها).
24 - وتفيهق أحدهم فقال: (وسأل نفسه قائلا: لماذا كانت عبارات القطعة المتحداة أبلغ (من عباراته التي أنشأها) والصواب (ابلغ من عباراتي التي أنشأتها) لأنه يخاطب نفسه على طريقة السؤال.
25 - وقال ثرثار خباط (يتمرن بها طالب الإنشاء على زوائد الحروف الداخلة على الأفعال المجردة كحروف المضارعة والاستقبال) فأقول: لم يعلم لهذا الخباط أن (حروف المضارعة والاستقبال تدخل على الأفعال المجردة والمزيدة ولجهله اختصها بالمجردة. وللعلم درجات وللجهل دركات.
26 - وقال مدع: (وعلى الزوائد المقلوبة نحو اضطلع واتزن) فقوله (اتزن) ليس فيه زوائد مقلوبة ويدرك ذلك كل مطلع ولو قليلا حتى غلف القلوب وإنما فيه (اصل) مقلوب هو الواو لأن أصل الفعل (اوتزن) فقلبت الواو تاء وأدغمت في التي بعدها فصار الفعل (اتزن) مثل (اتجه وأتضع واتفق واتأد واتقد) وغيرها كثير.
27 - وقال مدع (الخبز: هو غذاء من دقيق معجون بعجينة محمضة لتخميره ثم أنضجته الحرارة) وقد أراد به تعريفا عجز عنه الأولون والآخرون ولكنه مضحك للعقلاء لدى الحقيقة لأمور أولها (انه معجون بالأيدي أو ما ينوب عنها) وثانيها (انه اختار (عجينة محمضة) مريدا (الخمير أو الخميرة) وما أبعد قوله عن الصواب!) وثالثها قوله (أنضجته الحرارة) وما أنضجه إلا الجراثيم كما اثبت العلماء الغربيون. فالتعريف الصحيح هو (الخبز: غذاء من دقيق معجون مخمور أنضجته الجراثيم وشوته النار مباشرة أو انتقالا).
28 - وقال واحد (ولكني أشاهد مع ذلك قلبه وعقله - واليد التي عربت مثل (كليلة ودمنة) قد بليت والمعروف أن العقول هي التي تعرب لا الأيدي كما قال الكويتب. وقد يجوز أن يكتب بعض المعربين ما يعربون ولكن لا ينسب الفضل(6/697)
إلى أيديهم بل إلى عقولهم.
29 - وقال أحدهم (بالشرير المتظاهر بصالح العمل) والمتظاهر هو المستعين أو المتعاون فكيف يكون المستعين بالعمل الصالح شريرا؟ هذا غريب من المعاني العجيبة. والأفصح (بالشرير المرائي) ولو جاء (المظاهر) دالا على التصنع لتركناه خشية الالتباس فعندنا (الرياء والتصنع والتكلف) وغيرها.
30 - وقال ناصح غيره مهمل نفسه (لان أقل سهو يحدث للمطالع يكفي (لإنقاص) إفادته وإمتاعه) والإنقاص لغة رديئة لا يستعملها الفصحاء لأن (النقص) متعد بنفسه إلى مفعول واحد والى مفعولين عند الحاجة. كقولنا: نقصك خالدا حقه ظلم ظاهر. فالفصيح أن يقول (يكفي لنقص إفادته). وبالنقص لقب يزيد الناقص لأنه نقص أعطية الجند.
مصطفى جواد
المدرس اللغوي
يا من على النشء والأخلاق يؤتمن ... وتستقيم به الأديان والسنن
بينا نهذب نشأ كي نثقفه ... دبت بخلقك في أخلاقه الفتن
لا در درك من غاو لامته ... منه تشعبت الأهواء والمحن
كنا نعدك تبني ركن صالحة ... حتى رأينا بك الأخلاق تمتهن
والشعب جسم وروح الشعب في خلق ... فان وهي الخلق يوما يوهن البدن
أنت المؤسس والباني لامته ... وفي يديك علاء الشعب مرتهن
أكرم بمنزلة التعليم من شرف ... يسمو به في الشعوب المصلح الفطن
ماذا تفيد دروس صرت تنشرها ... إذا غدوت لسوء الخلق تختزن؟!
هب أنت أعلم من إبليس مرتبة ... كل المصائب من إبليس والمحن!
بالله دع مهنة التعليم طاهرة ... واطرق سواها وإن ضاقت بك المهن!
رفقا بأخلاقنا رفقا بأمتنا ... فما لأخلاقنا يا مجرما ثمن
بكيت منك وأفرى مهجتي أسف ... ولج بين ضلوعي الحزن والشجن
الإسكندرية (مصر): محمد صالح إسماعيل(6/698)
باب المكاتبة والمذاكرة
العقاد يكذب العقاد
مثال لشهوة الحقد والتقلب والخداع
قالت زميلتنا (السياسة) الغراء اطلع الذين يقرءون (البلاغ على ذلك السر الذي تناول به أحد محرريه عباس أفندي العقاد أعضاء الوزارة الحاضرة، إشباعا لشهوة الذين يعمل حضرته لحسابهم، ناسيا إنه هو نفسه قال في كثيرين، أعضاء هذه الوزارة نقيض ما يقوله اليوم. على إننا لا نود أن نناقش كاتبا يصل به التدهور في المروءة إلى أن يعيب إنسانا بأنه أجريت له عملية جراحية فالرجل الذي لا يقدر ما في هذا التصرف من نقص في الخلق حرام أن يناقش أو يعاتب! ولكننا نود - وقد كان مما تناوله العقاد أدب الأستاذ لطفي السيد وترجمته لكتاب (الأخلاق) - نود أن ننشر للقراء رأي العقاد نفسه في هذه الترجمة، وهو الرأي الذي نشره في عدد (البلاغ) رقم 677 الصادر بتاريخ 3يونيه سنة 1925. ضمن مقال في كتاب (الأخلاق)، مع العلم بأن العقاد أشد الناس حقدا على الناس. والحقد في نفسه طبيعة ليس من السهل التخلص منها فنحن لا نأخذه بما طبع عليه ولكننا نخاطب غير العقاد ممن لم تملأ السخيمة نفوسهم وهذه شهادته التي أشرنا إليها:
(عرفت اللغة العربية أرسطو قبل عدة قرون وأخذت بنصيب من هذا العقل الشائع كما أخذت بنصيب من المدنية والتاريخ ولكنها لم تحفظ لنا أثرا من آثاره الكاملة ولم تبق لنا من قضاياه وآرائه إلا ما تفرق في أثناء الكتب من نبذ مبتورة تنسب إليه تارة وتغفل من النسبة تارات. فلا نخطئ إذا قلنا أن اكمل آثاره في اللغة العربية هو هذا الكتاب الذي بين أيدينا الآن وهو كتاب (علم الأخلاق) الذي نقله عن الفرنسية الأستاذ الفاضل أحمد لطفي(6/699)
السيد وأتم طبعه في العام الماضي، فبر به لغته اصدق البر ورد إليها حقا وافيا من حقوقها بين اللغات في المعلم الأول، وجاءنا بدليل جديد على أن هذه اللغة اصلح في عصرنا حالا وأوفر قسما من العلم والأدب مما كانت في أبان المدنية العربية والدولة الإسلامية. لأننا نقابل بين ترجمة كتاب (الأخلاق) وبين ما اطلعنا عليه من بقايا ارسطو في الكتب المتفرقة
فنجد التفاوت واضحا بين الترجمتين ونرى مواضع كثيرة يبز فيها الأستاذ لطفي من تقدموه في الدقة والفهم وصفاء العبارة، وقل أن نرى موضعا ينعكس فيه هذا الحكم ويظهر فيه فضل للمتقدمين على الأستاذ في هذه الأمور).
بقي افتراء العقاد أن الأستاذ لطفي السيد لم يضع مقدمة لتعريبه كتاب (الأخلاق)، ويكفي في تكذيب حضرته أن يرجع القارئ إلى كتاب (الأخلاق) ليقرأ في أوله ذلك (التصدير) البليغ الذي صدر به الأستاذ الكتاب والذي استغرق 55 صفحة كاملة. وليحكم بعد ذلك على مبلغ أمانة (عبقري) البلاغ وصدقه. أهـ.
(لغة العرب) نأسف جد الأسف على هذا التدهور الخلقي والأدبي معا عند أديب مصري معروف يتشدق بنزاهة النقد ويتطلع إلى القيادة والإرشاد!
الكلمات تموت بعد استعمالها
قالت الأخبار: إن في اللغة الإنجليزية 20. 000 كلمة غير وهناك مستعملة دعوة حارة لإحيائها باستعمالها.
فماذا نقول نحن ومعظم كلمات اللغة العربية غير مستعملة. إلا أن الوقت قد حان للتزود من المادة اللغوية فإن من العار أن نهمل لغتنا إلى هذا الحد المزري. والذي جعل اللغة العربية تكاد تكون من اللغات الميتة أو التي يصعب استخدامها لنقل العلوم والمعارف والآداب وما هي كذلك وإنما كل لغة بأصحابها فإن نشطوا وبدت عليهم إمارات الحياة نشطت لغتهم ونمت وترعرعت.
وقد لفتنا نظر الأدباء والمشتغلين بنقل العلوم إلى العربية إلى ذلك.
ونهيب بهم مرة أخرى أن يفزعوا إلى المعاجم وأن ينقبوا في الكتب القديمة المهملة ويحيوا قدر ما يستطيعون في الكلمات والتعابير والاصطلاحات). أهـ.(6/700)
أسئلة وأجوبة
إيضاح
إلى حضرة عبد المسيح أفندي وزيريان المحترم:
ذكرت في العدد 1347 من العراق الصادر في 7 آب (أغسطس) إنك لم تقل في ترجمتك للثورة العربية (على خمسة أقدام بل خمس أقدام) (ص 8 س 3 من الثورة) ولم تقل: (عقد وصديق له ميثاقا أكيدا) بل: (عقد وصديقا ميثاقا (ص 17 س 13) وانك لم تقل: (لم يتمكنا (لورنس والأمير فيصل) من حمل الفرنسيين على تعديل الخطة التي رسموها ولم يتح لهم الحصول على حكومة ذاتية مستقلة) بل: (الخطة التي رسموها ولم يتح لهما). ونسيت إننا قلنا أننا اعتمدنا في كلامنا هذا على ما جاء في مجلة (الهلال) (36: 973 إلى 976 راجع لغة العرب 6: 614) أما أن النسخة المطبوعة على حدة هي غير المقالة المطبوعة في المجلة المذكورة. فنصدق ونستعيد كلامنا وتغليطنا المختصين بهذه الغلطات الثلاث لكن هناك 19 غلطة أخرى فما قولك فيها؟ وعلى كل حال إننا مستعدون أن نرجع عنها إذا أظهرت لك عذرا ولها وجها.
أما أن اللغة التي نشأت عليها هي العربية لأنها اللغة التي رضعتها مع حليب أمك (وهي أيضاً لغة والدك ووالدتك وآبائك وأجدادك) وانك بعيد عن أرمنية. . .) فنصدقك على كلامك وكذلك لا نكذبك في قولك: إن الحكومة التي تستخدمك تقر لك بطول الباع في الترجمة واللغة العربية. وأنها (لا تستغني عنك) فنهنئك بالثقة التي حزتها (ونخبرك بأننا عتيدون أن نرجع حالا عن كل وهم تنبه عليه إذا كان (سهوا) حقيقيا) كما صرحنا به مرارا. والسلام على كل من اتبع الهدى.
ابن خلكان
س - اربل - س. ك: كيف تضبط كلمة خلكان في قولك ابن خلكان،(6/701)
فإننا لم نر ضبط هذا العلم في الكتب التي في أيدينا، حتى في كتاب المؤلف نفسه؟
ج - (اختلف في ضبط لفظ خلكان ووجه شهرته بابن خلكان فنقل عبد القادر العيدروس
في النور السافر في أخبار القرن العاشر عن قطب الدين المكي إنه قال أن لفظ خلكان ضبط على صورة الفعلين (خل) أمر من (خلى) أي ترك و (كان) ناقصة وسبب تسميته بذلك إنه كان كثيرا يقول: كان والدي كذا. كان والدي كذا، فقيل: (خل كان) ورأيت من ضبط بسكون اللام الباقي على حاله) انتهى من التعليقات السنية على الفوائد البهية في تراجم الحنفية للعلامة عبد الحي اللكنوي طبعة مطبعة السعادة بمصر ص 12.
الهيطلية أم الحيطلية
س - بغداد - ب. م. م: قرأت في مجلة القربان التي تصدر في جلب في سنتها 3 في ص 175 ما هذا نصه: (الحيطلية هي مرطب شهي يطبخ من النشاء والحليب ثم يقطع أجزاء تلقى في الدبس المذوب المبرد أو الماء المسكر ويدلك اصلها السرياني وهو (حيا) ومعناها الحياة و (طليا) ومعناها الأطفال أي طعام الأطفال على إنها (كذا) مرطب سائغ يبرد الفؤاد ويؤكل هنيئا مريئا في الصيف وقد أولع به الأطفال لخفته وحلاوة مذاقه. . .) فهل قوله الحيطلية صحيح؟
ج - المشهور في فلسطين الهيطلية بالهاء والصحيح بالحاء كما جاء في القربان وقد ذكرها دوزي في ملحقه بالمعاجم العربية نقلا عن كتابين فليراجعا.
باب التقريظ
(75 - معجم المطبوعات العربية والمعربة - الجزء الثاني)
ذكرنا هذا الكتاب سابقا (6: 301 إلى 303) وصل ألينا الجزء الثاني منه وصفحاته تمتد من 185 إلى 376يبتدئ باسم كتاب التنوير في إسقاط التدبير إلى شرح منظومة الدردير لأحمد بن حامد الصاوي. وذكرنا أن طبع هذا السفر الجليل وترتيبه وتبويبه من أحسن ما يتمناه المطالع وقد وجدنا فيه فوائد ونفائس لا يمكن القارئ أن يجدها مجموعة مدونة في تصنيف واحد كما ترى فيه. فنحن نقضي أن يطيل الله عمر مؤلفه ليأتي عليه إلى آخره.(6/702)
باب المشارفة والانتقاد
76 - تاريخ الموصل
الجزء الثاني
اقتنيت في هذا اليوم، نسخة من الجزء الثاني من كتاب تاريخ الموصل، الذي ظهر في عالم النشر حديثا، لحضرة القس الفاضل سليمان الصائغ فاغتنمت من اويقاتي خلسة، تصفحت فيها مباحثه عن العصر التركي تصفحا مجملا، فوجدت في غضونه طفرات، فلاح لي أن اكتب حوله ما يأتي:
أني اشكر لحضرة صديقي المؤلف عنايته بتاريخ مسقط رأسي الذي كان بناء هيكلي من ترابه، لكني لا أحجم عن التصريح بحقيقة قد تكون مرة المذاق؛ غير أني أتوقع من القس الفاضل أن يتلقاها من صديقه حلوة، بالنظر إلى ما أعهده فيه محبة الحقيقة.
إن في التأليف نواقص جمة، ولاسيما ما يتعلق بالتراجم، وأخص أسباب هذه النواقص، أن أقارب أصحاب التراجم قبضوا أيديهم عن إمداده بما يعينه على كشف اللثم، أما ميلا إلى الخمول، أو كسلا، أو عدم تقدير لتخليد ذكر الرجال، وإما لدواع أخرى لا محل لسردها. وقد رأيت لحفدة أرباب التراجم واقاربهم، عذرا ممهدا، بعد أن رأيت جباة صفحات الكتاب من رقم 138 إلى رقم 176 مرسوما عليها هذه العبارة (علماء الآرامية) مع أن هذه الصفحات مشحونة بتراجم علماء المسلمين وأدبائهم، وليس فيها من تراجم الآراميين ما يملأ أكثر من صحيفتين فليت شعري على أي سنة جرى في إدماج الكثير في القليل؟ لا جرم أن أرباب التراجم خافوا على تراجمهم أن تقع في غير مواقعها، ولابد أن الذين أسعفوه وقدموا إليه شيئا منها ندموا على ما فعلوه فليته تدارك الفارط واعتذر بأن هذا خطأ مطبعي!(6/703)
وقال في ص145 (عبد الباقي بن مراد العمري. . . وهو أخو علي أبي الفضائل السابق الترجمة) مع أن الترجمة التي عناها وردت فيما بعد في ص 152 هكذا (علي المفتي أبو الفضائل بن مراد العمري).
وفي ص 135 (وفي مبادئ القرن الثالث عشر الهجري كان للعلم في هذه البلاد قدم راسخ
(كذا) بفضل المدرسة التي أسسها داود باشا الكرجي في بغداد، وكان الطلاب يؤمونها من أنحاء العراق فأكمل الكثيرون من فضلاء الموصل تحصيلهم فيها).
أقول: أفكانت مدرسة داود باشا النظامية أو المستنصرية أم كانت مدرسة مألوفة كباقي المدارس؟ ثم من أين استقى كون كثير من فضلاء الموصل اكملوا تحصيلهم فيها؟ هلا ذكر لنا أسماء قليل منهم!
وفي ص 218 أورد ترجمة للشيخ علاء الدين الموصلي، بصورة جافة ولم ينوه بما وقع له في حياته من الأمور البارزة: فإنه مثلا استوطن بغداد وكان ممن قرأ عليه فيها حتى أجازه، أبو الثناء الالوسي صاحب التفسير الشهير، فهذه منقبة كبيرة لصاحب الترجمة لا يحسن إسقاطها من ترجمته.
وفي ص 140 ترجمة تحت عنوان (الملا جرجيس بن درويش 1140) وترجمته المدرجة في الكتاب لا توقف القارئ على كنهه: والمعروف بين علمائنا (الشيخ جرجيس أفندي الاربلي الرشادي الذي تنتهي إليه إجازات علماء الموصل قاطبة - فيما يغلب على ظني - تناول العلم من طائفة الحيدرية المشهورة في اربل، واجاز من الموصليين يوسف أفندي ابن رمضان وهو جد يوسف أفندي الذي كان أمينا للفتوى؛ وذلك أجاز علي أفندي الشهير بابن محضر باشي وهو أجاز عبد الله أفندي العمري رئيس العلماء، وهو أجاز صالح أفندي الخطيب، وهو أجاز الشيخ محسن الورع الحاج محمد أفندي ابن رضوان متع الله به وهو أجاز كثيرا من الفضلاء منهم الشيخ الفاضل عثمان أفندي قاضي الموصل الآن وأستاذي الشيخ عبد الله أفندي آل نعمة، والأستاذ رشيد أفندي الخطيب ابن صالح أفندي الآنف الذكر. فبهذا الاعتبار يكون للشيخ جرجيس أفندي الاربلي فضل كبير على أهل الموصل إن كان المترجم إياه.(6/704)
وفي ص 158 (علي بن الحاج يونس الجليلي) أقول لدي كتاب مخطوط في نظم قواعد الإعراب لابن هشام وشرحه كلاهما لصاحب الترجمة إذ يقول في أوله: وبعد فيقول العبد الفقير الذليل علي ابن الحاجي (كذا) يونس بن عبد الجليل. . .) ومطلع المتن:
يقول راجي عفو ربه العلي ... علي بن يونس الجليلي الموصلي
الحمد لله معين الضعفا ... والشكر قلبا ولسانا وكفى
وهي منظومة ركيكة لم تسلم من بوائق اللحن مشحونة بالحشو وأفانين من العيوب الشعرية ومنها قوله:
اعلم بأن اللفظ (ذو) الإفادة ... سمى كلاما ذا بعرف القادة
وجملة أيضاً ونعني بالمفيد ... إن لا يكون عن كلامنا بعيد
وهو الذي (ما) يحسن السكوت ... عليه والقول به (مثبوت)
والجملة المذكورة (!) اعم ... من الكلام وهو الأهم
وفي أواخر المنظومة:
إن المحققين قالوا (المهملا) لا يقع (!) في قول من جل علا.
أما الذي في قول ربي فبما ... رحمة إنه كلام عظما
يمكن أن يكون للتعجب ... مستفهما جيء به لا تعجب
تقدير هذا فبأي رحمة ... أخي تأدب لا تقع في زلة
وهذه الأبيات سخيفة علاوة على أن المذهب الذي اشتملت عليه سخيف لأنه اعتبر (ما) قائمة مقام (أي) فتكون على زعمه مضافة وهو شيء تنبو عنه العربية وفي نظري أن مثل هذا لا يستحق الترجمة لخلوه من الفائدة التاريخية.
وفي ص 279 ترجم (نجيب جلبي الجميران). فأرخ وفاته بتاريخ ميلادي هكذا (1917) ثم قال: (نبت في تربة الفضل وازدهر في روضة الأدب حمل محامد المزايا وأثمر (كذا) مكارم السجايا) حتى قال: (فصار واسطة عقد الأدباء) ولم يشرح لنا حقيقة تلك التربة التي أنبتته حتى أهلته لأن يكون واسطة عقد الأدباء.
وفي ص 247: (قاسم حمدي أفندي السعدي المكتوبي) والمشهور عند(6/705)
أهل الموصل (ديوان افنديسي) وهو في القديم منصب يرادف منصب المكتوبي في الأخير. وكان عليه أن يذكر مهنته بلفظها الأصلي حرصا على الألقاب التاريخية. كما كان عليه أن يدرج في الترجمة خبر قتل صاحبها كما هو مدرج في الجزء الأول في الفصل الذي عقده في أخبار (محمد باشا اينجه بيرقدار. ومن ظريف الإنفاق أني راجعت هذا الفصل فانتهت بي المطالعة إلى ذكر عناية الوالي المذكور بتشييد الثكنات وسبك المدافع إذ قال في ص 313: (فعمل ما ينيف على الثمانين مدفعا واليوم يرى منها مدفعان عظيمان أمام الثكنة العسكرية. . .)
والحال أن أحد المدفعين ليس من عمله بل هو من عمل الإفرنج بدليل أن على ظهره تاريخا ميلاديا مرسوما بأرقام إفرنجية لا أتذكرها والفرق بين المدفعين مع نساويهما في المقدار أن المدفع الإفرنجي أنبوبة واحدة والذي عمله الباشا مركب من أنبوبين كأن العامل عجز عن تقليد الإفرنجي وإن في الجانب السفلي من فوهة المدفع الإفرنجي كله أثر قنبلة أصابته وأطارت شظية منه وكل من المدفعين أفخم من المدفع الموضوع في باب القلعة في بغداد واحكم صنعا بخلاف ما اشتهر به عندنا في الموصل.
هذا ما لاح لي أن أعقب به بعض فصول الكتاب غير منكلا ما للمؤلف من خدمة للأدب.
تتمة: لي ملاحظة حول الاشتباه الواقع في اسمي قاسم أفندي آل السعدي وقاسم أفندي آل محضر باشي حسبما جاء في الملحق المدرج في ص 291 وسوف أوافى المجلة بها بعد الفراغ من تحقيق الحقيقة.
بغداد: محمود الملاح
77 - كل شيء
مجلة أسبوعية مصورة تصدرها (دار الهلال) بالقاهرة
هذه مجلة جامعة إلى الفائدة العامة الأدب والتسلية. تنفق عليها إدارة (الهلال) بسخاء لتضمن جودة طبعها وحسن مظهرها وأناقتها. ومجلة (كل شيء) غنية عن التعريف بها لانتشارها بيننا وإنما نريد أن نعرف بمقالاتها الافتتاحية التي كثيرا ما أعجبتنا بطلاوة أسلوبها وسمو أبحاثها الفكرية والأدبية وقد عرفنا(6/706)
أخيرا عن ثقة إنها من قلم الأستاذ سلامة موسى، فحيرنا ذلك الاكتشاف وسرنا معا، لأننا رأينا الأستاذ المذكور في هذه المقالات النفيسة يعلو علوا كبيرا بأسلوبه وتفكيره ونظراته، على كثير من مباحثه الأخرى التي انتقدناها مرارا بشدة حرصا على كرامة لغتنا العدنانية الشريفة، ودفعا لتهوره الذي لا نرضى به عن كاتب شهير يتصدر قيادة الجماهير. ونحن - الذين لا ننتفع من شق القلم أدنى انتفاع ونبذل مع ذلك مجهودنا بذلا خالصا لوجه العلم والأدب - لا يسعنا إلا تهنئة الأستاذ بهذا التوفيق الأدبي، ونتمنى اصدق التمني أن يواظب على هذا النهج القويم فنكون في طليعة الذين يستحسنون اسلوبه، بل من يشيدون بفضله بدلا من السخط عليه. فنوجه أنظار الأدباء إلى هذه المقالات الأسبوعية الممتعة الجزيلة الفوائد في شؤون شتى من
الأدب والحياة، مما يتناول الخاصة والدهماء والرجال والسيدات على السواء ونرجو أن يوفق الأستاذ لجمع هذه المقالات الطلية في كتاب يدخر. فيسرنا حينئذ نقده والتنويه به.
78 - كتاب فوائد منزلية
جمعه أمين الغريب صاحب مجلة الحارس في بيروت، طبع بمطابع قوزما في بيروت سنة 1928 في ص64 بقطع الثمن
كتاب مفيد لجميع ربات البيت وعبارته سهلة وفوائده لا تنكر.
79 - الرجل الذي لا يعرفه أحد
بقلم بروس برتون، ترجمه بتصرف قليل الارشمندريت انطونيوس بشير، عني بنشرة الشيخ يوسف توما البستاني، طبع في مصر سنة 1928 في 204 صفحات بقطع 12.
كتاب يستطيب قراءته طبقات العوام ولا يستحسن ما جاء فيه طبقات الخاصة المنورة لما فيه من الآراء الغريبة المبتذلة التي لا توافق أن تقال عن المسيح. وفي العبارة أغلاط كثيرة لعلها من سقطات الطبع كقوله: التساؤل (ص 3) ثلاثة سنوات (4) والعب صوته في ظهور الصيارفة (6) منحدرون من إحدى التلال (8) لم ينبث ببت شفة (11) وهو يريد: التساؤل وثلاث سنوات(6/707)
والعب سوطه واحد التلال (لان واحدها تل لا تلة وتل مذكر) ولم ينبس ببنت شفة إلى غيرها.
80 - الأمة
سياسية علمية اقتصادية أسبوعية
وصل إلينا العدد الثاني من السنة الأولى من هذه الجريدة وهو الصادر في أول أغسطس من هذه السنة مطبوعا في مطبعة جريدة الصباح بمصر فوجدناه حاملا ببحوث تفيد قراء العراق وجميع الديار العربية فنتمنى لها الانتشار وكثرة القراء.
اللباب
- 3 -
12 - الحكمة
وفي كثير من شعر الزهاوي الحكمة كقوله ص 40:
تناسيت يا إنسان إنك ميت ... وأنت من الأموات ترفع أبياتا
وتمشي على الأموات في كل خطوة ... وتأكل أمواتا وتلبس أمواتا
وقوله ص 41:
نزلت بيتا من القبر ضيقا بذويه
فنمت فوق أبيك الذي اعز بنيه
كما أبوك به قبل نام فوق أبيه
وقوله ص 53:
ظنوا الهدى في الذي جاءوه من عمل ... وقد يكون ضلالا ما يظن هدى
من لم يهذبه علم في شبيبته ... فانه لا يلاقي بعدها رشدا
وقوله: لو قدروا الأمر ما ثارت عجاجتها ... ولا شكت عينهم من خوضها الرمدا
هذا جزاء امرئ قد كان في سعة ... من المعيشة إلا إنه كندا
واسعد الناس من قد كان معتزلا ... يلازم الظل في اليوم الذي صخدا
قد افلح المتروي في عزيمته ... وكل قصد إذا زال الضلال هدى
وقوله ص 203:
ومن حاد عن نهج الحقيقة لم يعش ... ومن لم يدار الدهر ناصبه الدهر(6/708)
وقوله ص 204:
لا تأمن الذئب مهما كان ذا دعة ... فالذئب إن يلق يوما فرصة يثب
وقوله ص 364:
ليس ما تبصر العيون بأبقى ... روعة مما تسمع الآذان
وقوله ص 185:
أرى الناس فوق الأرض إلا اقلهم ... قد اختلفوا عقلا ورأيا وإحساسا
ومن قاس هذا فيما يرونه ... على نفسه يوما فقد جهل الناسا
وقوله:
وما الأرض بين الكائنات سوابحا ... سوى ذرة مقذوفة صغرت حجما
وأنت على الأرض الحقيرة ذرة ... تحاول جهلا أن تحيط بها علما
وقوله:
تدوم حياة المرء والمرء أحمق ... فليس للب المرء في تلك من دخل
إلى الناس جاء العقل آخر آخر ... وقد عاش قبل الناس خلق بلا عقل
وقوله ص 188:
ابل الرجال على اختلاف أولا ... ثم انتخب منهم على استحقاق
عاشر أناسا بالذكاء تميزوا ... واختر صديقك من ذوي الأخلاق
وقوله ص 189:
العقل بحاث يطالب أهله ... بدلائل والدين غير مطالب
العقل جاء مقررا لحقائق ... والدين جاء ممثلا لرغائب
وقوله ص 190:
أني أرى الناس بالأخلاق قد سبقوا ... وتلك باقية فيهم إلى حين
ولا ثبات لأخلاق بلا سند ... من العواطف والمعقول والدين
وقوله ص 191:
قد اوهموا أنهم في كل ما فعلوا ... يدافعون عن الأوطان والدين
وفي السياسة للألفاظ مقدرة ... ليست على سامعيها للبراهين
وقوله:(6/709)
لقد علمت لو أن العلم ينفعني ... من طول ما جئت قبلا ادرس الناسا
إن الجماعة دون الفرد معرفة ... وفوقه بصروف الدهر إحساسا
وقوله ص 192:
ما زال للمرء لذات عيشته ... رضى وللمرء من آلامه برم
لم يعرف المرء في كل الحياة سوى ... حقيقتين هما اللذات والألم
وقوله:
من اطمأن بدين كان يرضعه ... فليس يسمع تأنيب البراهين
وليس يقبل في دين معارضة ... إلا الذي هو في شك من الدين
13 - الفلسفة
وليس بين الشعراء الأقدمين والمحدثين من كثرت الفلسفة فيشعره كثرتها في شعر الزهاوي ونحن نكتفي بهذه النماذج فمنها قوله ص 52:
وحدة في الوجود بالرغم عما ... وضعوه من كثرة الأسماء
ليس يفنى فيما علمت من الأشياء ... إلا ظواهر الأشياء
وقوله:
ربما تظهر الحقيقة بيضا ... ء لنا من تصادم الآراء
وقوله:
أن أرضا تمشي عليها وئيدا ... كرة قد تدحرجت في السماء
وقوله:
ولقد جئت بالحقائق أشدو ... وتركت الخيال للشعراء
وقوله ص 112:
الشمس اجمل شيء ... شاهدته في الطبيعة
تجر وما غير دفع ... من الأثير ذريعة
والأرض للشمس في سع ... يها الحثيث تبيعه
وما المجرة إلا ... من الوجود وشيعه
وما الكواكب فيها ... إلا شموس رفيعة
تجري حثيثا من ال ... دفع في سماء وسيعة
وأنها حين تجري ... بطيئة وسريعة
وقد تصادم شمس ... أخرى فيا للفجيعة
(لم يتم)(6/710)
ديوان العقاد
- 6 -
وقال من قصيدة (تبسم) ص 170:
تبسم فإن القلب يسعد بالذي ... سعدت به واضحك وغرد وخاطر
(خاطر) أمر من خاطر بنفسه بمعنى أشفاها على خطر فيه هلك اونيل ملك وهو لا يناسب قوله (واضحك وغرد).
ومن العجيب أن الأستاذ يوصي الشعراء بالوحدة في القصيدة وهو لا يلتزمها في البيت الواحد. وقال ص 171:
ويعجبنا أنا نرى فيك معجبا ... مدلا على الأيام إدلال ظافر
يعجب الأستاذ رؤيته حبيبه معجبا فهو بنفسه. وقال:
فيا قرب ما بيني وبينك في الهوى ... ويا بعد شقي دارنا في الخواطر
نعرف مكان هذا القرب والبعد في البيتين قبله وهما:
وتضحك والأتراح حولك جمة ... تخافك خوف الجن رجم الزواهر
وتبكي وأفراح الحياة كثيرة ... يحاذرننا من حولنا كالطوائر
أما القرب فلا قرب بين من يضحك والأتراح حوله جمة ومن يبكي والأفراح تتطاير حوله من الحذر. وإما البعد فنعم ولكن لا في الخواطر لانا نستبعد أن لا يمر بخاطر الأستاذ من يتكلف نظم هذه القصيدة فيه وقال:
طوى الحب ما بيني وبينك من مدى ... فنحن قرينا موطن متجاور
ولا يقول هذا البيت من يتذكر ما قاله قبله (ويا بعد شقي دارنا في الخواطر) وقال:
أيا من رأى صبحا وليلا تلاقيا ... وألفين من صفو وشجو مخامر
إن كل صبح هو وقت تلاقي الليل والنهار وهذا يراه كل أحد كل يوم فما سؤاله؟ (أيا من رأى صبحا وليلا تلافيا) ونسكت عن الألفين من صفو وشجو لئلا نفتح بابا للجدل في جواز اجتماعهما وعدمه. وقال:
لئن تخش مني الليل صعبا مراسه ... لقد بت أخشى منك شمس الهجائر
تكون هذه الخشية في الليل وفي النهار وإما في الصبح والمساء فلا ليل صعب(6/711)
المراس ولا شمس الهجير فلينعما بهذين الوقتين. وقال:
فيا لي من ليل بحبك موثق ... وثاق الضواري في كناس الجاذر
إذا كان حبيبه يعرف أن الليل منه يوثق وثاق الضواري فلا وجه لخشيته إياه ولاسيما إذا
كان على الصفة التي يصف نفسه بها في قوله:
تطالع منه الهول سهلا مقاده ... رخاء غواشيه شجي الزماجر
وقد لا يرى الحبيب في هذا الضاري غير البلبل المغرد وقال:
ويا رب مرهوب السطا وهو مطلق ... إذا كف أضحى متعة للنواظر
ولم يجيء السطا جمع سطوة وقد ذكرنا ذلك من قبل و (كف مبنيا للمجهول - كما شكله - بمعنى جمع وضم ودفع فكأنه يقول كثير الضواري مثلي فهي المرهوبة السطوات عندما تكون مطلقة فإذا منعت عن الأضرار يسجنها في الأقفاص كانت متعة للناظرين. ونحن لا يسعنا في هذا المقام غير القول إنه أعرف بنفسه وقال:
أنا الليل فأطرقني على غير خشية ... ولج باب أحلامي وجل في حظائري
ولا احسب أن حبيبه ينخدع فيطرقه وهو ذلك الليل الموثق وثاق الضواري. ألا يحتمل أن يقطع وثاقه فيكون مطلقا مرهوب السطو فيا رب سلم.
وقال ص 172:
وسر حيث يخشى غيهب الليل نفسه ... وتعثر بالظلماء ظلماء كافر
يريد من حبيبه أن يطرق الليل منه على غير خشية فيسير حيث يخشى غيهب الليل نفسه وحيث الحبيب بالظلماء. أيظن الأستاذ حبيبه عنترة العبسي حتى لا يخشى كل هذا؟ وقال:
لتعلم ما الدنيا إذا غال غولها ... وأنت أمين من طروق الدوائر
وتعلم أن الشمس تكذب قومها ... إذا حدثتهم عن خفي وظاهر
فكم بين لآلاء الضحى من مناظر ... طوتها يد الأحداث عن كل ناظر
يقول إذا طرقتني وأنا الليل الموثق المرهوب السطوة كالضاري المكفوف ضرره علمت ما هي الدنيا وعلمت أن الشمس لا تظهر كل شيء فكم بين لآلاء الضحى من مناظر دموية أخفتها يد الأحداث عن الأنظار وكان الأحرى أن يخشى النهار وهو أنت أيها الحبيب أكثر من الليل وهو أنا. وقال:(6/712)
أنا الليل والسحر القدير أخو الدجى ... قديما فعاهدني ألست بساحر
(قوله والسحر القدير أخو الدجى) استئناف وقال مؤيدا ما عند حبيبه من سحر:
ألست ترينا حسن وجهك مفردا ... على حين إشراق الوجوه السوافر
فهذا هو السحر!!! وقال:
ألست ترينا القفر جنات رحمة ... إذا شئت والجنات شبه المقابر
وهذا السحر أيضا!!! وقال بعد بيت:
ويا ساحر ما السحر إلا ابتسامة ... تشب بها روحي وتطفئ ثائري
وإذا كانت الابتسامة وحدها السحر كما يفهم من الحصر فأين ما نسبه إلى ساحره من السحر قبل هذا البيت؟!! ولما كانت الابتسامة هي السحر فلا بدع في جمعها المتناقضين (تشب بها روحي وتطفئ ثائري!!!). وقال:
تبسم ألا يرضيك أن ابتسامة ... بثغرك أمضى من صروف المقادر
بلى وربك يرضيه رضا فاحشا وأنت لا تراه بعد هذا إلا مبتسما!!! وقال:
وان السماوات العلى لا تنير لي ... طريقا ولكن أنت تهدي ضمائري
ليست السماوات العلى بما فيها من شمس وقمر وكواكب هي التي تنير طريق الأستاذ العاشق ولكن الذي يهدي ضميره الذي هو بمثابة ضمائر هو جبين حبيبه وليس هذا من ساحر ببدع ثم تأتي أبيات على نمطه. وقال:
وأنت إلى لهو الطفولة مرجعي ... ولن يستطيع الدهر إرجاع غابر
يريد فأنت أقدر من الدهر وهذا من السحر أيضا!!! وليس حصره السحر قبل أبيات في الابتسامة منافيا لفحوى هذا البيت!!! فلعل الحبيب مرجعه إلى عهد الطفولة بالابتسامة نفسها! وأنا اصدق الأستاذ في إرجاع حبيبه إياه إلى عهد الطفولة فإن مثل هذه الأفكار لا تصدر إلا من طفل. وقال:
فلا تبتعد عني فانك راجع ... متى تبتعد عني بصفقة خاسر
لا يحذف جواب الشرط في الفصيح إلا إذا كان الشرط ماضيا فكان الأولى أن يقول (متى ابتعدت عني). وقال:
إذا شاركوني في هواك فما لهم ... سروري بما أصفيتهم وتباشري(6/713)
أتراه يريد إنه مسرور بما أصفى حبيبه شركاءه في هواه من مودة.
وقال ص 173:
تبسم وقل أني أنا الرائش الذي ... أصاب الأسى في حصنه المتعاسر
يريد أن تبسمك كالسهم يصيب الأسى في صدره الذي هو كالحصن العسير ولاشك في أن مثل هذا السهم إذا أصاب الأسى - والإصابة مضمونة - قتله في حصنه! ولكن كيف يوفق الأستاذ بين بيته هذا وبين ما تقدم له في القصيدة نفسها من قوله:
تبسم ألا يرضيك أن الابتسامة ... بثغرك أمضى من صروف المقادر
أليست الابتسامة التي هي أمضى من صروف المقادر تبعث الأسى وهو الذي زعم إنها تقتله؟ وقال:
وإلا فإن أبلغ من الشقوة المدى ... أمنت فلا شيء على الأرض ضائري
يريد وإن لم تبسم فتقتل الأسى في صدري بلغت غاية الشقوة وإذا بلغت غاية الشقوة أمنت من كل أسى فلا شيء على الأرض ضائري فان اليأس إحدى الراحتين. وقال:
ألف على قلبي المهيض غيابة ... أوائلها معقودة بالأواخر
أودع الأستاذ بيته هذا صنعة حسن الختام فأتى بكلمة (الأواخر) في آخر كلمة من آخر بيت من القصيدة وسر بما روح ابن حجة في قبره!
وقصيدته (حسبي) ص 173 من اجمل الشعر لولا البيت:
ومن تسر الفؤاد رؤيته ... إذا اتقى معجبا ومحتقرا
وقال من قصيدة (المغنم المجهول) ص 175:
وجرى غرامك في دمي فتوهجت ... قطراته فهو الحميم الفائر
وأنا أعلم أن الحيوانات اللبونة كلها من ذوات الدم الحار سواء جرى الغرام في دمها أم لم يجر. وقال:
وشغلتني عما يحب كأنما ... هذا الوجود على جمالك دائر
في الوجود ما يحب وما يكره فهل يدور ما يكره أيضاً على جمال حبيبه.
وقال:
ونسيت فيك الخلق فهو كأنه ... لما يصوره الآلة الفاطر(6/714)
يدعي الشاعر إنه نسي في حبيبه الخلق كأن الله لم يصوره إلى الزمن الذي نظم فيه القصيدة وهو يتكلم فيها عن أشياء تدل على إنه لم ينس الخلق كالدمية والقريض والنجم والزهر والليل واللب والنيران والنور والعاشقين والعنقاء إلى غير ذلك. وقال:
لازمتني في غفوتي وتسهدي ... طيف يساور أو سواد عابر
وكان عليه أن يقول طيفا يساور أو سوادا عابرا على الحالية ولكن القافية مرفوعة فاضطرته أن يحيد عن سنة الفصاحة. وقال ص 176:
أمسي واصبح ما بقلبي جانب ... مني وفيه لك الجناب العامر
إذا كان الجناب العامر من قلبه لحبيبه ولم يكن من قلبه جانب له فلمن هذا الجانب غير العامر؟ وقال:
فإذا صحوت فأنت أول خاطر ... وإذا غفا جفني فأنت الآخر
كان الأولى أن يقول (وإذا غفوت فأنت أنت الآخر) ليناسب قوله في الشطر الأول (فإذا صحوت). وقال:
أو يعبد الإنسان واعجبا له ... حبا وما هو بالعبارة شاعر
كالدمية الحسناء تعبدها وس ... يان المسبح عندها والكاسر
قوله (واعجبا له) حشو وفي تشبهه حبيبه بالدمية التي يتساوى عندها المسبح باسمها والكاسر لها ما يحط من كرامة هذا الحبيب فهو جامد لا يستحق الحب. وقال:
لحسبت لو أني كلفت بدمية ... كلفي به لدرت بما أنا ساتر
والانكى بكلفه كما يزعم بخلاف الحبيب فإنه يجهر له بحبه وهو لا يفهم فما أبلده! وقال:
ولرب فيها والحياة من الهوى ... روح وانطقها القريض الفاخر
ولكن قد لا يكون القريض فاخرا فلا ينطقها.
(له بقية)(6/715)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - ملكنا المزارع
أقام صاحب الجلالة ملكنا المحبوب في مساء الأربعاء 1 آب (أغسطس) في الحارثية (مزرعته الملكية) حفلة زراعية زادت حبه في قلوب أمته واتباعه فقد دعا إليها جمهورا من المزارعين واعيان الحاضرة وفي مقدمتهم جلالة أخيه ملك الحجاز علي وفخامة رئيس الوزراء والمعتمد السامي وأصحاب المعالي الوزراء وبعض المستشارين والغاية من ذلك تأليف جمعية زراعية على الأصول العصرية لإحياء الزراعة في العراق وتحسين نتاجها والإرسال به إلى أسواق العالم.
وخطب في هذه الحفلة صاحب الجلالة نفسه خطبة بديعة وفي الموضوع حقه وتلاه معالي رشيد عالي بك الكيلاني ومعالي حمدي بك الباجه جي. ثم نهض جلالة ملكنا المحبوب واخذ سجلا وقال: (اطلب إلى الحاضرين الكرام أن يسجلوا أنفسهم في هذا السجل إذا كانوا موافقين على أن نكون وإياهم مؤسسين لجمعية الزراعة التي تكلمنا عنها. ويشهد علينا هنا أخي وفخامة المعتمد السامي فإذا فشلنا لم يبق لنا حق في الادعاء بكيان زراعي وإذا اجتهدنا وسعينا ونجحنا نكون قد خدمنا البلاد أعظم خدمة، وعملنا على إسعادها. ثم أخذ جلالته السجل ووقع عليه ما هذا نصه: أريد أن أسجل نفسي هنا كأحد أفراد الجمعية وسنجتمع يوما آخر لدرس القضية ومداولة الأفكار وإقامة الهيئات المنفذة. وهذا الاجتماع يكون في البلاط في الساعة الثامنة من نهار الاثنين المقبل (6 أغسطس) ثم انفض هذا الجمع الحفل.
2 - الجمعية الزراعية في البلاط الملكي
دعا صاحب الجلالة الملك المعظم لفيفا من كبار المزارعين إلى بلاطه العامر في الساعة الثامنة ونصف زوالية من صباح 6 آب (أي أغسطس) وقد حضر الدعوة جلالة الملك علي وفخامة رئيس الوزراء وأصحاب المعالي الوزراء وكانت الغاية من هذه الدعوة إحياء(6/716)
الجمعية الزراعية وجعلها صالحة لخدمة البلاد خدمة صادقة. وقد خطب في أهمية هذه
الجمعية وما يجب أن يقوم به من إحياء زراعة البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك نفسه وفخامة رئيس الوزراء ومعالي وزير المالية. وأقيمت عمدة لإدارة الجمعية الزراعية من الأفاضل الآتية أسمائهم:
المعتمد: معالي رشيد عالي بك الكيلاني. المحاسب لطائف أفندي معاون مدير البنك العثماني. الأعضاء: معالي حكمت بك سليمان وفخامة ياسين باشا الهاشمي وحضرة عزرا مناحيم أفندي وحضرة عبد الهادي ابن السيد عبد الحسين جلبي وحضرة يعقوب أفندي نعوم سركيس.
وقد تقرر أن يكون رسم الانتماء إلى هذه الجمعية 50 ربية. أما التبرعات لهذه الجمعية فقد جعلت حرة. وقد تبرع صاحب الجلالة الملك لهذه الجمعية ب 1450 ربية وتبرع جلالة الملك علي لهذه الجمعية ب 450 ربية.
كذلك تقرر أن تنظر عمدة الإدارة المذكورة في أمر تعديل نظام الجمعية الزراعية السابق.
3 - فتح خزانة الأوقاف
في عصر الجمعة 27 من تموز (يوليو) هذه السنة فتح جلالة ملكنا المعظم خزانة الكتب التي جمعتها وزارة الأوقاف من بعض جوامع بغداد وتشتمل على ثماني خزائن وهي خزانة جامع مرجان وجامع الكهية والتكية الخالدية ونائلة خاتون والرواس والباجه جي والسليمانية. فاغلب هذه المصنفات من مخطوطة ومطبوعة (وعددها زهاء 5000 ونحو ثلثيها مخطوط) في موضوع الدين والفقه والنحو وشيء من اللغة. وانشد في هذه الحفلة قصيدتان إحداهما للأستاذ الرصافي والثانية للأستاذ البناء وارتجل حضرة صديقنا عبد اللطيف جلبي آل ثنيان خطبة صغيرة كلها فوائد ونكت ووخزات دقيقة نافذة إلى أقصى النفوس ومن جملة ما قال فيها: (اذكر نبذتين عن شاهدي عيان:
الأولى إن الكتب الخطية بيعت في السوق بعد الطاعون الأكبر أي قبل مائة سنة تامة كل شكبان بشاميين أي بربيتين ونصف.
والثانية كان في جامع الحيدر خانة صحاح الجوهري بخط امرأة وكان الخط جميلا. تقول كاتبته مريم بنت عبد(6/717)
القادر في أواخر القرن السادس للهجرة: أرجو من وجد فيه سهوا أن يغفر لي خطاي لأني كنت بينما اخط بيميني، كنت أهز مهد ولدي بشمالي وقد اغتيل هذا
أيضاً.
(وبقي الأمر مهملا طول مدة حكم العثمانيين ولا لوم عليهم لأن الأتراك لم يكونوا يعلمون عن بغداد إلا إنها بعيدة عنهم. . .
(وبعد أن تسنم سيدنا الملك المفدى عرش العراق فكر أحد وزراء الأوقاف وهو عبد اللطيف باشا المنديل بإنشاء خزانة يجمع فيها شتات المصنفات المبعثرة في الجوامع وإضافة ما يمكن أضافته إليها وبادر للعمل وباشر تشييد هذه البناية (في باب الاغا) التي نحن فيها فانحلت الوزارة قبل إتمامها. . . وبقيت العمارة غير كاملة للقيام بالمطلوب.
حتى قيض الله لهذه الوزارة معالي الوزير الحالي (الشيخ أحمد الشيخ داود) فوعد بإنجازها وأنجز ما وعد لأن الوعد على الحر دين.
(وقد قامت بوجهها عقبات فلم يعبأ بها وهو عازم على إتمام الفكرة القديمة يجلب ما يلزمها من التآليف النافعة المفيدة في ظل حامي العلم جلالة الملك فيصل الأول).
4 - من آثار دار التحف في بغداد
كتب عبد القادر أفندي أمين المتحفة العراقية مقالا في جريدة (العالم العربي) بين فيه ما دخلها في هذه السنة من العاديات. وهذا بعض ما قال ندرجه بحرفه:
(إن من جملة هذا الآثار ما هو على شكل أوراق شجر وشريط وأقراط وحلقات وخرز وأقداح مكتوبة ذهبية وراس أسد فضي، وراس ثور نحاسي من أبدع ما يكون، وقارب فضي طوله تقريبا ثمانون سنتميترا، وخرز ذهبية ولازوردية وعقيقية وغيرها.
وقد شوهد على بعض الجماجم البالية المستحيلة ترابا قسم من هذه الأوراق والخرز والحلقات والشرائط الذهبية، وعلى ذلك تخيل بعض العلماء وضع تاجا مركبا من أشكال هذه الآثار وركب هذا التاج على رأس صورة امرأة صناعية تشبه نساء ذلك العهد فأخذت المجلات المصورة في لندن وغيرها من الممالك صورة هذا التاج الخيالي الموضوع على الرأس الاصطناعي وطبعته في صحائفها. على أن في المتحف العراقي من هذه الآثار ما يركب منه تيجان كثيرة، لا تاج واحد.(6/718)
نعم وجد في هذه المقبرة الملوكية تاج من ذهب على شكل الخوذة من أبدع ما يكون من نفاسة الصنعة وهذا أيضاً من جملة ما أخذه المتحف العراقي. وهذا التاج هو مخصوص
للأمير السومري (مس كلام دوك) كان يستعمله ويضعه على رأسه عندما كان يدخل المعبد للصلاة. . .) أهـ.
5 - الشورى في الحجاز
نشرت صحيفة (أم القرى) في عدد قريب أمرا ملكيا بتنظيم (مجلس الشورى) في الحجاز، ومهمة هذا المجلس النظر في ما يأتي:
(1) ميزانيات دوائر الحكومة والبلدية وعين زبيدة (2) الرخص للشروع في حل مشروعات اقتصادية (3) الامتيازات والمشروعات المالية والاقتصادية (4) نزع الملكية للمنافع العمومية (5) الزيادات التي تضاف إلى ميزانيات الدوائر الحكومية في بحر السنة (6) النفقات التي تعرض لدوائر الحكومة في بحر السنة إذا زادت عن مائة جنيه (7) قرارات استخدام الموظفين الأجانب (8) العقود مع الشركات أو التجار لمشترى أو مبيع لوازم دوائر الحكومة إذا زاد المبلغ عن مائتي جنيه.
6 - موسم السياح في مصر
تقول صحيفة (البلاغ) المصرية أن الأخبار الواردة من الخارج على لجنة تنشيط السياحة في مصر تدل على أن موسم السياح القادم سيكون عظيما جدا وأطول مدة من كل المواسم السابقة وقد يطول إلى شهر آب (أغسطس) من العام المقبل، إذ سيمر بمصر في أوائل يوليو (تموز) عام 1929 أعضاء وفود البلاد المختلفة في طريقهم إلى بريتورية عاصمة الترنسفال لحضور المؤتمر الجغرافي الذي سيعقد هناك ابتداء من 29 يوليو سنة 1929م.
7 - ما بين الأفغان وروسية
وذكرت (البلاغ) أيضاً أن المعلومات الواردة من مصادر بريطانية تفيد أن الحكومة الأفغانية أرسلت أخيرا إلى روسية رسميا تخبرها بأنها عدلت عن مشروع مد طريق من كابل إلى الحدود الروسية، كما قررت أن تهمل مشروع تأسيس خدمة جوية بين كابل وطاشقند ودعيت الحكومة الروسية إلى استرجاع خبرائها ومهندسيها الذين كانت قد أرسلتهم إلى عاصمة الأفغان لهذا الغرض. وقيل أن هذا التصرف أحدث في موسكو تأثيرا شديدا، وقد عزوه إلى ضغط الحكومة البريطانية على الملك الأفغاني ودعوته إلى فعل ما
فعل.(6/719)
8 - وفاة محمد سعيد باشا
ومن نال هذا الموت من بعد سيرة
تطيب طوال الدهر فهو سعيد نعت أنباء مصر أحد ساستها العظام المغفور له صاحب الدولة محمد سعيد باشا في يوم الجمعة العشرين من يوليو (تموز) سنة 1928 بثغر الإسكندرية وقد كان لموته رنة أسف عظيم لأنه كان معدودا من أقطاب رجال الشعب ومن أخلص أنصار حريته وإن تنحى عن السياسة في السنتين الأخيرتين. واليه يرجع الفضل الأول في ثبات (جمعية العروة الوثقى) التي تؤدي خدمات علمية وصحية وتهذيبية جليلة للشعب المصري. وقد عد سعيد باشا مثالا للنبوغ المصري النادر في جميع وظائف الحكومة التي تقلب فيها ما بين نيابة وقضاء ووزارة، وعاش ومات مهوب الجانب يضرب المثل به في رجاحته وكفايته وإبائه. رحمه الله رحمة واسعة، وعوض لإخواننا المصريين عنه خيرا، وإن تكن خسارتهم فادحة.
9 - مطر في الموصل
اشتد الحر في الموصل كما في سائر مدن العراق وفي 31 تموز (يوليو) تكاتفت الغيوم وأمطرت السماء مدة ساعة أو أكثر فاعتدلت حالة الجو. وانحدار الغيث في مثل هذا اليوم أمر غريب في ديار العراق.
10 - مات من الريح السموم
غادر أحد المسافرين الموصل في صحة تامة وبينما كان ينحدر إلى الحاضرة هبت ريح سموم أودت بحياته. فمات عند وصوله إليها في المستشفى ولم تفد المعالجة.
11 - تعداد أغنام شمر والحديديين
قضى حضرة قائم مقام لواء الموصل أربعة أيام ابتداء من 21 شباط في مقر قبائل شمر والحديديين وجال بين عشائر (نجمة) و (خنزيرات) و (شرقاط) و (حاوي شوبش) و (فتحة). وأراضي (الزبيدي) مراقبا شؤون تعداد غنم هذه العشائر مساعدة للوائي الدليم وبغداد في أمر التعداد ومنع تهريب الغنم من لواء إلى لواء.
12 - مخمور لا الكوير
صدرت الإرادة الملوكية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء الذي قضى بأن يبدل أسم قضاء (الكوير) التابع للواء اربل باسم قضاء (مخمور)، ومخمور أسم ناحية من نواحي القضاء المذكور.(6/720)
العدد 64 - بتاريخ: 01 - 10 - 1928
سامرا في التاريخ
لا جرم أن الذي أسس سامرا وبناها هو الخليفة العباسي المعتصم بالله (المولد سنة 180 في العاشر من شعبان الذي يوافق 18 تشرين الأول من سنة 796م والمتوفى في 17 ربيع الأول سنة 227هـ الموافق 7 من كانون الثاني سنة 841م) كما أوضحه المؤرخون واتفق عليه الرواة.
أما أسم المدينة فليس من وضع المعتصم نفسه، بل هو قديم في التاريخ فقد ذكره المؤرخ الروماني اميانس مرقلينس الشهير (الذي ولد في سنة 320م وتوفي في سنة 390م) بصورة (سومرا ونوه به أيضاً زوسيمس المؤرخ اليوناني (من أبناء المائة الخامسة للمسيح) صاحب (التاريخ الروماني) بصورة (سوما ويظن أهل النقد من أبناء هذا العصر أن سقط من آخر الاسم حرفان والأصل سومرا وورد في مصنفات السريان (شومرا) بالشين المنقوطة. وعرفها إبن العبري باسم السامرة (كذا) وهذه عبارته: (فلما جدوا (أي الناس في زمن بناء برج بابل) في ذلك بأرض شنعار وهي السامرة. . . قلت (نمرود بن كوش) راصفي الصرح بصيدة. . . (راجع كتابه(6/721)
مختصر الدول ص 19 من طبعة اليسوعيين في بيروت) والغلط ظاهر). أهـ. إذ ليست (السامرة) في بلادنا بل في فلسطين لكن مجانسة اللفظ الواحد للآخر خدعته فقال ما قال. مع أن ابن العبري من أبناء العراق. وما كان يحسن به أن يركب متن هذا اللفظ؛ ولهذا لا تنسبه أليه، بل إلى الناسخ، ولاشك في أن الأصل كان كما نقول.
أما الكلمة فليست بعربية صرفة وإن ذهب إلى هذا الرأي كثيرون من المؤرخين والكتبة واللغويين؛ وذلك لعتقها على ما أوضحناه وهي عندنا من أصل سامي قديم ويختلف معناها باختلاف تقدير اللفظة المصحفة عنه. فإذا قلنا أن اصلها (شامريا) فمعناها الله يحرس (المدينة) أو بعبارة أخرى (المحروسة). وإن قدرنا اصلها (شامورا) بإمالة الألف الأخيرة فمعناها (الحرس) أي منزل الحرس، أو موطن الحفظة بتقدير حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه وهو كثير الورود في جميع اللغات السامية. وعليه نعتبر قولهم أن سامرا تخفيف (سر من رأى أو ساء من رأى) من قبيل الوضع ولهذا لم يقبل أحد من المستشرقين
هذا الرأي وعدوه في منتهى السخف.
أما كاتب مقالة سامرا في معلمة الإسلام فيذهب إلى إنها من أصل إيراني. والظاهر إنه لا يعرف شيئا من اللغة الإيرانية أو العبرية أو الارمية أو العربية حتى قال هذا القول.
ثم إن صاحب المقالة المذكورة لم يبحث عن هذا الموضع في كتب الأقدمين من رومان ويونان وسريان. مع انهم احتلوه وذكروه في مصنفاتهم. فلا جرم أن المقالة المذكورة في معلمة الإسلام ناقصة نقصا لا ينكر وغير صالحة لأن تكون في ذلك الموضع. وكنا نود أن يكتب تلك المقالة العلامة هرتسفلد لأنه درس تلك المدينة، أحسن درس، لكن الوقت لم يسمح له يومئذ بكتابتها. إذ وضع لها أربعة كتب، ألف الأول منها في سنة 1907، والثاني في عام 1914، والثالث في ربيع 1921، والرابع في صيف 1922 مما دل على مقام الرجل الفذ من التحقيق والتدقيق في المسائل التاريخية والأثرية. ومن أراد الوقوف عليها فليطلب أسماءها في معلمة الإسلام.(6/722)
الشيخ فخر الدين الطريحي
تمهيد في أسرته
آل طريح بيت علم وفضل وأدب وتقى في النجف، ومن أقدم أسرها وأشهرها وأعرقها في المجد والسؤدد، إذا عد رجال العلم والإصلاح حتى الآن لا يعرف بيت في النجف اعرق منه في المجد والفضل والشرف. ينتهي نسب هذه الطائفة إلى حبيب بن مظهر الأسدي الذي استشهد مع الإمام الحسين (ع) في واقعة كربلا المشؤومة. وسموا بجدهم (طريح النجفي).
قطنت أسرة آل طريح العريقة في الشرف من عهد القرن السادس الهجري في النجف الأشرف وكانت لهم سدانة المشهد العلوي والولاية العامة في النجف في القرن الثامن الهجري، كما نصت على ذلك كتب آثار علمائهم ومؤرخيهم وغيرها. ولديهم صكوك وسجلات مطلاة بماء الذهب، فيها تواقيع الملوك الصفوية وغيرهم من أمراء العراق في ذلك العهد. وأول من هبط النجف من أجدادهم على عهد (الدولة المزيدية) التي قامت في القرن الخامس الهجري بضواحي (الحلة الفيحاء) بعد أن انتقل من الفرات الأوسط (الشيخ داود الاسدي) وحينما هبط الشيخ(6/723)
داود النجف خطط هو وأقرباؤه ساحة كبيرة اتخذوها مسكنا لهم في الجهة الشرقية من مشهد الإمام علي بمحلة تسمى اليوم البراق على مقربة من (جبل النور) واختار منها جامعا وهو الجامع المعروف حتى الآن (بجامع الطريحي). وقد نبغ من هذه الأسرة فريق كبير من العلماء والأدباء والشعراء ما لا يحصون عدا لكثرتهم. وقد طبقت شهرتهم الآفاق. وخدموا العلوم والفنون والآداب العربية خدمات جليلة تذكر فتشكر. كما تشهد بذلك آثارهم الموجودة في أيدينا على اختلاف مواضيعها وأساليبها. وقد استمر فيهم العلم حتى القرن الرابع عشر الهجري. وأشهر من نبغ من أساطين علماء هذه الطائفة في القرن الحادي عشر الهجري الإمام العلامة الشهير الشيخ فخر الدين الطريحي.
نسبه
هو فخر الدين ابن الشيخ محمد علي ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ علي ابن الشيخ أحمد ابن
الشيخ طريح ابن الشيخ خفاجي ابن الشيخ فياض ابن الشيخ حيمة ابن الشيخ خميس ابن الشيخ جمعة ابن الشيخ سليمان ابن الشيخ داود ابن الشيخ جابر ابن الشيخ يعقوب المسلمي العزيزي المنتهي نسبه إلى حبيب بن مظهر (وزان مقدم) الاسدي صاحب الإمام الحسين عليه السلام.
مولده
ولد الشيخ فخر الدين في النجف سنة 979هـ في حجر والديه ذوي الفضائل وفيها نشأ مثال النزاهة والكمال ونال ما نال من العلوم العربية والأخلاقية والدينية والرياضية وغيرها. ومن مزاياه الخاصة إنه ما تناول فنا إلا أحرز فيه ملكة وبحث فيه وكتب وألف وصنف وأبدع.
مجمل أحواله
كان الشيخ فخر الدين أمام المصنفين. وجهبذا من جهابذة الحكماء واللغويين سار ذكره سير المثل. وضربت له آباط الإبل. وهو العالم المحقق، والمحدث(6/724)
المدقق، واللغوي الشهير، والفقيه الذائع الصيت، والأصولي المعتبر، والكاتب المتضلع، والشاعر الحي الشعور، اتفق على فضله وغزارة علمه جميع العلماء على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم ونحلهم.
أخلاقه
لا تستطيع براعة الكاتب أن تترجم أخلاقه الحسنة. وصفاته المستحسنة وسجاياه الحميدة، ومزاياه المجيدة أكثر مما ترجمت عن أخلاقه ومحاسنه الكتب المنشورة لأساطين العلماء ممن عاصره وتأخر عن عصره.
زهده وورعه وتقواه
كان جليل القدر عظيم الشأن على جانب عظيم من حسن الخلق ورزانة العقل وكرم الطباع وشرف النفس ولين الجانب. اعبد أهل زمانه وأورعهم ويكفيك شاهدا على ذلك ما ذكره عنه معاصره صاحب (رياض العلماء) الميرزا عبد الله أفندي المتوفى سنة 113هـ وغيره من المترجمين لأحواله ممن عاصروه قال في رياض العلماء انه: (كان قدس سره اعبد أهل زمانه وأورعهم واتقاهم. ومن تقواه إنه ما كان يلبس الثياب التي خيطت بالابريسم.
بل كان لباسه القطن) إلى أن قال: (وكان هو وأولاد أخيه الشيخ جمال الدين وبني عمومته وأقربائه كلهم علماء صلحاء أتقياء زهادا أبرارا.
قراءته الدرس
قرأ الدرس على عمه العلامة الشيخ محمد حسين وعلى من كان معاصرا لعمه من العلماء الفحول.
روايته وسماعه الحديث
إن للشيخ فخر الدين الرواية عن الشيخ العلامة محمد بن جابر النجفي عن الشيخ محمد بن حسام الدين الجزائري عن الشيخ البهائي.(6/725)
من اخذ عنه
أخذ عنه الشيخ الشهير محمد باقر العلامة المجلسي صاحب البحار. والسيد هاشم بن سليمان المعروف بالعلامة والحر العاملي صاحب الوسائل(6/726)
وابن أخيه الشيخ حسام الدين صاحب كتاب) جامع الشتات في فروق اللغات والتمييز بين مفاد الكلمات) وغيرهم مما لا يسع المقام ذكرهم.
مغادرته العراق
غادر العراق إلى مكة المشرفة سنة 1062هـ وقد ألف عدة كتب في أثناء سفره إلى الحجاز وقد عرج من الحجاز على فارس لينتجع العلم. وطاف فيها تطواف المعتبر المستفيد وأقام في عاصمتها آنئذ اصفهان برهة من الزمن وكانت له اليد الطولى في نشر اللغة العربية وآدابها في ديار إيران وذلك بما بحث وكتب وألف وصنف.
مؤلفاته
وللعلامة الشيخ فخر الدين تآليف نفيسة عديدة، ومصنفات جليلة مفيدة، يقصر ابرع كاتب، وابلغ يراعة عن وصفها حقيقة. وكان يجري مترسلا في مؤلفاته لدى اغمض المباحث وأعضل المسائل. وكل مصنفاته تشهد له بعلو كعبه وتضلعه من العلوم والمعارف منها: كتاب (مجمع البحرين ومطلع النيرين) في اللغة الغربية والحديث وهو من أحسن ما كتب
على نهج ابن الأثير وقد ألفه في أوان توجهه إلى بلاد فارس وهو مجلد ضخم طبع في فارس غير مرة وعليه مدار العلماء والمؤرخين وأهل الأدب واليه ترجع في معضلات المسائل. وقد كتب عليه هو نفسه حواشي كثيرة وكذلك ولده العلامة الشيخ صفي الدين وسماه (مستدرك المجمع) وكتاب (غريب الحديث) وكتاب (المنتخب في جمع المرائي والخطب) مرتبا ترتيبا حسنا على مجالس وكل مجلس فيه أبواب وقد طبع الجزء الأول منه والثاني في الهند غير مرة وعليه مدار الخطباء والذاكرين للإمام الحسين (ع) حتى اليوم. وكتاب (الضياء اللامع في شرح مختصر الشرائع). وكتاب (حاشية على المعتبر للمحقق الحلي)(6/727)
وكتاب (جامعة الفوائد) في الرد على المولى محمد أمين الاسترابادي القائل ببطلان الاجتهاد والتقليد وكتاب (كنز الفوائد في تلخيص الشواهد) وهو مختصر من معاهد التنصيص ويوجد الآن بخط مؤلفه في خزانة العلامة المرحوم الشيخ نعمة الطريحي وقد سقط من آخره أوراق يسيرة ورسالة في (ضبط أسماء الرجال) على نهج (إيضاح) العلامة الحسن بن مطهر الحلي وكتاب (إيضاح الأحباب في شرح خلاصة الحساب) فرغ من تأليفه باصفهان سنة 1071هـ ومنه نسخة بخطه في الخزانة المذكورة. وكتاب في الرجال (في تمييز المعطوفات) منه نسخة أيضاً سقط من أولها ورقتان. وكتاب (جامع المقال في ما يتعلق بالحديث والدراية والرجال) وهو كتاب شريف جامع لجميع ما يحتاج إليه علم الحديث في معرفة اصطلاحات المحدثين وعلمي الدراية والرجال. وما يتعلق بتمييز المشتركات من الرجال الذي هو في غاية الصعوبة والأشكال. وهو أول من ابتدأ من أصحاب الأمامية بالتصنيف فيه فعقد له في هذا الكتاب أبوابا وسهل منها صعابا. كما إنه أول من صنف في غريب أحاديث الأمامية كتابا وجمع بينه وبين غريب القرآن فسماه (بمجمع البحرين ومطلع النيرين) فاشتهر في المشرقين وعلا قدره في الخافقين. وبالجملة جامع المقال هو كتاب جامع مانع نافع لم يعمل مثله في ما يحتاج إليه المحدث. وليس له في فنه نظير. ولا ينبئك مثل خبير ومنه أيضاً نسخة في الخزانة المذكورة وكتاب (شفاء السائل في مستطرقات المسائل) في علم مواقيت الصلاة وكتاب (مستطرقات نهج البلاغة) وكتاب (اللمع في شرح الجمع) وكتاب (اثني عشرية الأصول وفوائد الأصول) وكتاب (شرح مبادئ العلامة) وكتاب (الاحتجاج في(6/728)
مسائل الاحتياج) وكتاب (الكنز المذكور في
عمل الساعات والليالي والشهور) وكتاب (كشف غوامض القرآن) وكتاب (تحفة الوارد وعقال الشارد) في اللغة. وكتاب (النكتة اللطيفة في شرح الصحيفة) وهي موجودة بخط العلامة الشيخ شمس الدين الطريحي في النجف في الخزانة الحسينية الموقوفة على عامة طلاب العلم. وكتاب (مجمع الشتات في النوادر والمتفرقات) وكتاب (مرائي الحسين كبيرة ووسطى وصغيرة) وكتاب (النكتة الفخرية في شرح الرسالة الإثنا عشرية) وكتاب (غريب القرآن) وهو مرتب ترتيبا حسنا كترتيب المجمع إلا إنه أوجز منه وأخصر. وهو الآن في الخزانة المذكورة إلى غير ذلك من تصانيفه التي أوردها نجله الشيخ صفي الدين والشيخ محيي الدين وغيرهما ممن تخرج على يده.
شعره
وللشيخ فخر الدين شعر جيد قد ضمن أكثره في (المنتخب في جمع المرائي والخطب) وكأنه اقتصر على المراثي والمديح فقط لانا لم نعثر له على نظم سوى ما نظمه في هذين البابين وأكثره قيل في الإمام الحسين عليه السلام.
وفاته
وكانت وفاة العلامة الشيخ فخر الدين سنة 1085هـ في الرماحية على(6/729)
مقربة من النجف واليها نقل ودفن في ظهر الغري وكان يوم وفاته يوما مشهودا لم ير يوم أعظم منه لكثرة الصلاة عليه من المخالف والمؤالف وقد شيعه من الرماحية إلى النجف سبعون ألف نسمة (كذا) وقبره الآن مشهور في داره التي يقطنها حفدة العلامة الشيخ نعمة الطريحي قرب مسجدهم الذي صلى الله عليه وسلم فيه زمنا طويلا.
نجفي خبير
خزانة الفاتيكان
عهد معهد كارنيجي إلى جمعية علمية بالقيام بوضع وترتيب فهارس لخزانة الفاتيكان. والعمل خطير من أعمال الاستكشاف والارتياد الأدبي وسيسفر عن مئات من الكتب والمخطوطات النادرة المثال والتي ستترك بلا شك أثرا كبيرا وتحدث ضجة في الأندية العلمية فإن هناك من التحف والنفائس ما لا يزال بعيدا عن متناول العالم وما لم تمتد إليه
يد بتاتا.
ونحن نعلم أن في هذه المكتبة كثيرا من المترجمات عن اللغة العربية وكثيرا من المخطوطات العربية التي نقلها إليها علماء المشرقيات.(6/730)
خراسان وخزانتها
- تتمة -
كتب الفلسفة والمنطق
11 - الفصول النصيرية لنصير الدين الطوسي الشهير. تاريخ النسخة 881 هـ
12 - تحقيق البيان للراغب الأصفهاني تاريخ النسخة 679هـ
13 - لطائف الحكمة للقاضي سراج الدين محمود بن أبي بكر الارموي ألفه حين اتصل بالسلطان عز الدين كيكاوس بن كيخسرو السلجوقي سنة 655هـ ورتبه على قسمين الأول العلم والمعرفة والثاني الحكم والمعدلة. تاريخ النسخة 771هـ
14 - مصارع المصارع لنصير الدين المحقق الطوسي. رد به على كتاب المصارعات للشهرستاني صاحب الملل والنحل. تاريخ النسخة 1021هـ عن نسخة كتبت سنة 707هـ
15 - تذكرة الشيخ صفي الدين الاردبيلي جد الملوك الصفويين المتوفى سنة 735هـ باللغة التركية في بعض مسائل في العرفان وقفها نادر شاه سنة 1145
16 - الحكمة الشرقية لابن سينا الفيلسوف. نسخة نفيسة وقفها نادر شاه في سنة 1145هـ
17 - الحكمة العلائية للشيخ الرئيس ابن سينا بالفارسية وقفها رجل اسمه محمد قاضي سنة 1293هـ
18 - رسالة لابن مسكويه أحمد بن محمد بن يعقوب الرازي في جواب سؤال علي بن محمد بن أبي حيان الصوفي من أوقاف ابن خاتون العاملي في سنة 1067هـ
19 - شرح عيون الحكمة. المتن لابن سينا والشرح للإمام فخر الدين الرازي وهذا الجزء من الكتاب شرح لمنطق عيون الحكمة ولم يطبع المنطق من الكتاب المذكور. تاريخ الوقف سنة 1067هـ
20 - العروة الوثقى في الرد على مسألة وحدة الوجود للشيخ ركن الدين(6/731)
أحمد بن محمد السمناني الشهير بعلاء الدولة ليس فيها تاريخ.
21 - الشطحيات للشيخ روزبهان بن أبي نصر البقلي الشيرازي الشهير بالشطاح. نسخة نفيسة مذهبة وقفها نادر شاه سنة 1145 هـ
22 - السماه والعالم لأرسطو ترجمة مهران بن منصور بن مهران المسيحي تاريخ الترجمة 553هـ. أول النسخة (قال الحكيم إذا جعل المعرفة بالطبيعة (أهـ) آخرها (تمت المقالة الرابعة من كتاب ارسطو في السماء والعالم وبتمامها تم الكتاب) والنسخة وقفها نادر شاه الفاتح الشهير سنة 1145هـ
23 - منطق ارسطو مجلد يتضمن نسختين تشتمل الأولى على شرح خمسة كتب (1) ايساغوجي (2) قاطيقورياس (3) باري ارمينياس (4) انولوطيقا (5) البرهان. وأخر النسخة. (تم الكتاب المعروف بالبرهان وبانقضائه تمت الكتب الخمسة المنطقية في سنة 1048 والنسخة الثانية تشتمل على شرح أربعة كتب ايساغوجي. قطوغوريوس، باريرميناس، انولوطيقا. وبآخره تمت كتب المنطق الثلاثة من ترجمة محمد بن عبد الله بن المقفع وهو وهم من الناسخ فإن المترجم هو عبد الله بن المقفع المشهور (راجع ابن القفطي ص 149 طبع مصر وطبقات الأمم للأندلسي طبع مصر ص 77) أول النسخة بعد البسملة افتتح المصنف كتابه بأن قيل لكل صناعة متاعا. وآخرها: وقد أتممنا كتاب انولوطيقا وليس بعده من هذه الكتب إلا كتاب افودقطيقي إلا أنا قد قدمنا من صدر الكتاب جماعا رأيناه كافيا عن التفسير مستغنيا عنه إن شاء الله تعالى. تاريخ كتابة النسخة أيضاً 1048
24 - ترجمة منطق ارسطو أيضاً لابن رشد الأندلسي الفيلسوف الشهير تحتوي على:
أ - كتاب المقولات قاطيقورياس.
ب - كتاب العبارات باريرمينياس.
ج - كتاب القياس انالوطيقا الأولى.
د - كتاب البرهان انالوطيقا الثانية أو (افوذوطيقي). أول النسخة كتاب المقولات للفيلسوف الأعظم الخ. وفي آخرها أسم الناسخ محمد بن شفيع بن ملا درويش(6/732)
من أوقاف نادر شاه في سنة 1145)
25 - مجموعة تحتوي على ثلاث عشرة رسالة:
أ - رسالة الحدود لابن سينا.
ب - رسالة أقسام الحكمة. له.
ج - ثلاث رسائل في تفسير سور التوحيد والفلق والناس. له.
د - رسالة في الأفعال والانفعالات. له.
هـ - مقالة في تحقيق الزاوية للخفري.
ورسالة في ترجمة الشيخ الرئيس ابن سينا لتلميذه أبي عبيد الجرجاني صدرها بمقال للشيخ الرئيس شرح فيه حال نفسه ثم أتى أبو عبيد في خلالها على ذكر أحوال الرئيس وأخلاقه وعاداته وعدد مؤلفاته وذكر أسمائها.
ز - تفسير سورة الأعلى لفخر الدين الرازي.
ح - تفسير سورة التوحيد لجلال الدين الدواني كتبه باسم أحد أمراء عصره.
ط - رسالة في حقيقة الموت وأحوال الروح لفخر الدين الرازي فارسية وضعها في جواب كتاب تعزية ورد إليه من سلطان عصره حين توفي ولد للإمام المذكور.
ي - رسالة في نفي الحيز والجهة للإمام المذكور.
ك - رسالة في العدالة الفارسية للجلال الدواني كتبها لأحد أمراء الهند اسمه عادل خان.
ل - رسالة في العدالة أيضاً تأليف الدواني باسم السلطان يعقوب البايندري فارسية.
م - رسالة الجبر والاختيار للدواني والنسخة من أوقاف ابن خاتون في سنة 1068هـ
26 - أساس الاقتباس لنصير الدين الطوسي بالفارسية تاريخ تحرير النسخة سنة 1090هـ
27 - تنزيل الأفكار في تعديل الأسرار لأثير الدين الابهري ومعه في المجلد تعديل المعيار في نقد تنزيل الأفكار لمؤلف غير معلوم تاريخ النسخة 1107هـ(6/733)
28 - (جمل في المنطق) لفضل الدين محمد بن نام آور بن عبد الملك الخوانجي الشافعي تاريخ النسخة 742هـ
29 - منطق العين لنجم الدين دبيران الكاتبي وفي المجلد نفسه حكمة العين. وكاتب حكمة العين اسعد بن حيدر أبي المعالي في 9 رجب سنة (687) هـ وكاتب منطق العين أبو الغنائم الحسين بن أحمد أبي الفضائل بن محمد في 27 ذي القعدة سنة (688 هـ).
السير والأخبار والتراجم
30 - الاكتفاء في مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله والثلاثة الخلفاء للحافظ أبي الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاغي البلنسي والنسخة هو السفر الثاني من الكتاب.
تاريخ الكتابة والمقابلة في مكة المعظمة سنة 732 هـ
31 - الإبانة. للقاضي أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن قاسم الشرمازي البلخي الحنفي تاريخ النسخة 996 هـ
32 - آفة أصحاب الحديث للحافظ ابن الجوزي.
33 - نثر الدرر لأبي سعيد منصور بن الحسين الأيوبي الوزير والنسخة من أوقاف ابن خاتون.
34 - روضة الأحباب في سيرة النبي والآل والأصحاب لجلال الدين عطاء الله بن فضل الله الشيرازي النيسابوري من أوقاف نادرشاه.
35 - محاسن المجالس لأبي العباس أحمد بن محمد الصنهاجي الأندلسي الشهير بابن العريف من أوقاف ابن خاتون.
36 - طليعة العلوم لمؤلف مجهول وفي كشف الظنون إنه لأبي الخير محمد ابن محمد الفارسي من أوقاف ابن خاتون.
37 - المرصع لم يظهر أسم المؤلف وفي كشف الظنون انه لابن الأثير. من أوقاف ابن خاتون.
38 - تذكرة الشعراء بالتركية لم يذكر أسم مؤلفه من أوقاف نادر شاه.
39 - دستور الشعراء نسخة نفيسة مذهبة من أوقاف نادر شاه.
40 - ترجمة الشاه عباس الصفوي نسخة نفيسة من أوقاف نادر شاه.(6/734)
41 - وصايا نظام الملك الطوسي أسم واقف النسخة همشيرة خان.
42 - تاريخ الحكماء لم يذكر أسم المؤلف الفهرست الذي وصل إلينا والمظنون إنه للشهرزوري واقف النسخة ابن خاتون.
43 - نسخة ثانية من تاريخ الحكماء المذكور. وهو من أوقاف خواجه شير احمد.
44 - أحوال البلدان المسمى بالمسالك والممالك نسخة عتيقة نفيسة ذكر الكتاب في الفهرست الواصل إلينا باسم أحوال البلدان المسمى بمسالك وممالك (الواقف غير معلوم) في السنة الماضية طلبت حكومة المجر بتوسط سفير إيران في رومة عاصمة إيطالية من الحكومة الفارسية أن تنقل نسخة هذا الكتاب بالتصوير الشمسي وترسل بها إلى المجر لأن
للكتاب المذكور أهمية تاريخية ذات علاقة بتاريخ بلادهم فأجابت الحكومة الفارسية طلبها وقررت وزارة المعارف والأوقاف نقل الكتاب بالتصوير الشمسي والإرسال به إلى المجر وأظن أن القائم بهذا الأمر كان الدكتور هرتسفلد المستشرق الألماني الموجود اليوم في إيران.
كتب اللغة
45 - ضياء العلوم وهو مختصر شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم وهو في اللغة لنشوان بن سعيد الحميري من أوقاف ابن خاتون.
46 - عين الأفاضل لم يذكر في الفهرست أسم مؤلفه ولعله كتاب العين للخليل وهو من أوقاف نادر شاه سنة 1145هـ
47 - مصادر اللغة من أوقاف نادر شاه لم يذكر الفهرست أسم مصنفه وذكر في كشف الظنون بهذا العنوان جماعة صنفوا وفي الخزانة منه نسختان إحداهما ناقصة والأخرى تامة والأخيرة من أوقاف نادر شاه.
48 - بصائر لم يذكر الفهرست وكشف الظنون أسم المؤلف.
49 - قانون ليس في الفهرست ذكر لمؤلفه ويظن إنه المذكور في كشف الظنون بعنوان قانون الأدب للشيخ الأديب أبي الفضل حبيش بن إبراهيم التفليسي وقال إنه كتاب نفيس لا نظير له في بابه.(6/735)
كتب الأنساب والتراجم
49 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ جمال الدين يوسف بن زكي المزي يرى من هذا الكتاب المجلدات ال (1) (2) (6) (7) وكلها من أوقاف ابن خاتون.
50 - كشف المتعال لم يظهر أسم المؤلف والكتاب وهو من أوقاف نادر شاه.
51 - انساب السمعاني من أوقاف نادر شاه.
52 - اللباب في الأنساب من أوقاف نادر شاه.
كتب النجوم والرياضيات
53 - كفاية التعليم للإمام ظهير الدين أبي المحامد الغزنوي.
54 - أشجار وأثمار لمحمد بن قاسم الخوارزمي الشهير بالعلاء المنجم.
55 - تكملة المجسطي لم يذكر أسم مؤلفه من أوقاف نادر شاه.
56 - شرح الزيج الايلخاني لنصير الدين المحقق الطوسي.
57 - مدخل أبي معشر من أوقاف نادر شاه 1145 هـ
58 - لوائح القمر لم يذكر أسم المؤلف من أوقاف نادر شاه.
كتب الطب
59 - تقويم الأبدان لابن جزلة.
60 - شرح كليات قانون ابن سينا للإمام فخر الدين الرازي من أوقاف نادر شاه
61 - اختيارات بديعي للشيخ علي بن حسين الأنصاري من أهل القرن السابع من أوقاف نادر شاه.
62 - ذخيرة خوارزم شاهي لزين الدين إسماعيل بن حسين الجرجاني من أهل القرن السادس.
63 - كامل الصناعة لعلي بن عباس المجوسي صنفه لعضد الدولة.
زنجان (إيران): أبو عبد الله الزنجاني
زهرو
موضع في جزيرة قائمة في نهر الخابور. ونفطها حسن وهو يجري في نحو ثلاثين جدولا صغيرا من ناحية ينبع فيها وهي على بعد ثمانية أميال من شاطئ النهر ثم تدفع جميع هذه الجداول في النهر.(6/736)
البحرين والزبارة
من مآخذ التاريخ ما تركه السلف من الأوراق التي لم يكتبها لغاية النشر وهي مع ذلك لا تخلو أحيانا من كشف اللثام عن الماضي أكثر من الكتب التي وضعت لمثل هذا الغرض وتزداد الحاجة في أحوال عديدة إلى أشباه هذه المتروكات التي كان قد حفظها أصحابها أولاً لقصد مادي أو معنوي ثم صانها المتأخرون كأثر لأسلافهم، أو أهملها هؤلاء في الزوايا منسية فعاشت هنيئة مطمئنة. ويتفق أن تقع هذه الوثائق تحت نظر من يجلها ويحلها محلها. وتكون أحيانا المرجع الوحيد للتاريخ، وتفيده أيما إفادة إذا كانت المدونات قليلة. وكم تأتي بخبر ذي بال لم تعره المطولات آذانها أما لأنها فاتتها أو أنها اعتبرتها تافهة لا قدر لها.
ومن الأوراق التي يمكن أن تفيد التاريخ المكتوب الذي قدمت عليه هذه السطور فهو يبحث عن أحد الأقطار العربية التي قل من كتب عن وقائعها في القرن الماضي. أريد بهذا القطر جزيرة البحرين وما جاورها. وكانت الاضطرابات تتقاذفها إذ ذاك ويسمع فيها صراخ المقاتلين ودوي آلات الحرب كما تلاطمها أمواج البحر الواقعة عليه.
اصدر الشيخ محمد النبهاني كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية مطبوعا طبعة ثانية بمصر سنة 1342 هـ (1923م) فتصفحته في هذه الأيام فذكرني بمكتوب بيدي يبحث عن البحرين والزبارة وعن مسعود من آل سعود وبني عتبة وغير ذلك. والمكتوب للسيد عبد الجليل ابن السيد ياسين(6/737)
(الطباطبائي) كتبه في البحرين إلى نعمة الله يوسف عبود في حلب وقبل أن أنقل المكتوب أقول عن المتخاطبين:
للسيد عبد الجليل ديوان طبع في مطبع نبات المصري وليس فيه سنة طبعه ولا المدينة التي طبع فيها. وقد تخللت قصائده نبذ كثيرة طويلة فيها الأسباب التي دعته إلى إيراد تلك القصائد. وكانت ولادة صاحب الديوان بالبصرة في سنة 1190 هـ (1776 م) ووفاته في الكويت في سنة 1270 هـ (1853 م) على ما جاء في ترجمته الواردة في أول ديوانه. وكان تاجرا ولاسيما كان يتجر باللؤلؤ كما يبين من مكاتيبه العديدة إلى نعمة الله عبود المذكور. ومن بيت الطباطبائي أفاضل يقيمون اليوم في البصرة أو الزبير أو في كلاهما.
وكان للتاجر الشاعر مع آل عبود أواصر صداقة وصلات منها تجارية ومنها أدبية تربط بعضهم ببعض. فقد جاء في ديوانه (ص 20) قوله: (وقد ورد عليه (على عبد الجليل) كتاب من نعمة الله بن يوسف (عبود) النصراني الحلبي وفي طيه ورقة في تخميس وتشطير البيت المشهور. لبعض أهل حلب وقد اقترح عليه أن يخمسه ويشطره كما صنعا (كذا) وهذا تخميس نصر الله ابن فتح الله (الطرابلسي) الحلبي. . . .) أهـ.
وجاء في ديوانه (ص 135 وما بعدها) تهنئة نثرا ونظما رفعها إلى السلطان عبد المجيد بظفر واستعطفه في إسقاط الميري عن نخل له عدوه أربعة آلاف وهو متفرق في انهار البصرة وعن دكان جزار له في إحدى أسواق البصرة لأن الميري - على ما قال - قد استحوذ على الغلة والأجرة. وبعث بتهنئته هذه في ربيع الأول سنة 1257هـ (1841 م) ضمن كتاب إلى أحد كبار النصارى(6/738)