باب المشارفة والانتقاد
58 - جامع التصانيف الحديثة التي طبعت في البلاد الشرقية
والغربية والأميركية من سنة 1920 إلى سنة 1926
وفي آخره فهرست أبجدي لأسماء المؤلفين، عني بجمعه وترتيبه يوسف آليان سركيس الدمشقي طبع سنة 1927م.
المطبوعات في العالم كله تسير سيرا هائلا وللإفرنج مجلات وكتب خاصة لإطلاع أهل البحث على ما يطبع في مختلف المباحث. أما نحن الناطقين بالضاد فليس لنا من هذا الأمر إلاَّ الشيء النزر في بعض المجلات ولقد عني صديقنا يوسف آليان سركيس بوضع كتاب يفي بهذا الغرض و (جامعه) هذا يقع في 163 صفحة بقطع الثمن وقد أودعه جميع ما طبع في العالم من المصنفات العربية ما عدا الروايات فأنه تكلم عن المهم منها وأما سائر ما يصنف ويترجم وينقل إلى لغتنا فقد جنح عنه لعدم خطورته.
ومن جملة ما تعرض المذكرة مطبوعات العراق لكننا لا نراه قد ذكر عشر ما طبع في هذه المدة. فعسى أن يزين كتابه هذا بجميع ما صدر في ديارنا في طبعته الثانية. فالجامع على كل حال مما يحرص على اقتنائه كل أديب يرغب في إغناء خزانته بنفائس المصنفات.
59 - رواية فابيولا أو بيعة الدياميس
للكردنال نيقولاوس وسمن استخرجه إلى العربية من الفرنسية القس توما أيوب السرياني، طبعت طبعة ثانية منقحة بالطبعة السريانية في بغداد سنة 1925 في 871 ص
كلمة واحدة تعرّف هذا الكتاب: (رواية فابيولة هي أمتع رواية وضعت لتصوير حالة النصارى في القرون الأولى للمسيح فهي تتدفق شعورا رقيقا حساسا جليل الفائدة لكل من يطالعها ومغازيها من اشرف المغازي وفي كل صفحة لذة جديدة لما فيها من تسلسل الفوائد المعقودة بها)(4/614)
حسبنا مدحا لها أنها نقلت إلى جميع لغات الأمم المتمدنة وراجت اعظم رواج وطالعها ويطالعها جميع طبقات الناس على اختلاف أعمارهم وأجناسهم وارساسهم وقد قيض لنقلها
إلى العربية كاتب كفو وهو القس توما أيوب الحلبي فلقد صاغها في مبنى عربي متين لا غبار عليه سوى أنه اختار عويص الألفاظ لإفراغ تلك المعاني في القوالب العربية فلم تجيء العبارة متدفقة أو سلسة مع أن المشهور أن إنشاء الروايات يجب أن يكون خاليا من كل غريب في اللفظ والمبنى وأن يكون قريب المنال: ولهذا لا نوافق الكاتب على بعض التعابير كقوله في ص12 وتحت الرواق نشاهد شيئا كثيرا من الاساود والاشذاب الفاخرة. وهو يريد أن يقول: ونشاهد في الرواق شيئا كثيرا من الأدوات والأثاث الفاخرة. ومثل هذا التعقيد في كل صفحة. وتعديدها يطول. والكتاب لا يخلو من أغلاط الطبع أو لعلها من أغلاط النسخة الأولى أو من وهم المترجم نفسه كقوله في ص9 من السنة الاثنتين والثلاثمائة. والمشهور من السنة الثانية والثلاثمائة. وفيها: يبتغون التسلي والنزهة، والأحسن والتنزه لأنه معطوف على التفعل. وفيها ميدان مرس، والأشهر ميدان المريخ لأن مرس عندهم من آلهة الحرب وهو المريخ بالعربية أو أن يقال ميدان التدريب لأن الجيوش كانت تدرب فيه على المقارعة والطعان، وفي ص12 في فناء المنزل الأولى. وقد تكرر تأنيث الفناء مرارا عديدة في الصفحات التالية. وفناء مذكر لا مؤنث كما هو مشهور. وفي ص13 الميشولوجية والصواب الميثولوجية بثاء مثلثة. وفي ص14 بزجاج سميك، والزجاج لا يكون في مثل هذا المقام سميكا (أي مرتفعا) بل ثخينا والسميك بهذا المعنى شامية عامية لا يعرفها الفصحاء وفي ص15 ليس مرجعة لفائدتها. . . وكانت إبرتها. . . على المضدة. . . إنما هي حليها عدلت عن استعمالها. . . والصواب إلى فائدتها. . . على المنضدة. . . عدلت عن استعمالها. وأحسن منها: إنما هي حليها عدلت عن لبسها، لأن الحلي تلبس. وهكذا يتعثر القارئ في كل صفحة تقريبا بشيء من خطأ الطبع أو خطل الوضع أو بتعبير يحتاج إلى تدفق وتسلسل.
على إن هذا كله لا يمنع المطالع من تذوق ما في تلك الرواية من حسن الأسلوب وبراعة التخييل وبداعة التمثيل. فنحث القراء على الوقوف عليها.(4/615)
بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب
- 3 -
تكلمنا قبلا عن الجزءين الأول (299: 4و245) والثاني (في 363: 4) من هذا الكتاب
النفيس فلنقل الآن كلمتنا الأخيرة عن الجزء الثالث منه:
ذكر في الحاشية 1 من الصفحة 19 ما ورد فيه رواية أستاذه ورواية التاج وفي ص24 في الحاشية 1 عرف بحسن ذوقه صحة نسب الشعر فبين المولد منه وميزه عما هو أعلى منه سبكا ومعنى ومبنى. وفي ح1 من ص33 صحح رواية مخطوءا فيها جاءت في تهذيب الألفاظ المطبوع في بيروت. وفي ص34 ح2 ترى تحقيقا آخر سدد فيها رواية فاسدة وردت في علم من أعلام المدن الواردة في صحيح البخاري.
ومما يشكر عليه المحرر أنه أوضح مسألة الشهور العربية وطرز الوقوف على الأيام التي تبتدئ بها. ففيها فوائد لا تقف عليها إلاَّ بشق النفس في سائر المصنفات.
وإن أردت أن تتحقق ما للسيد محمد بهجة من الوقوف على أسرار المحو ودقائقه فعليك أن تراجع ح2 من ص87 فإنك تجد فيها ما تطيب به نفسا وتقر به عينا.
وتطلبه لتسلسل المعنى في كل ما ينشد للأقدمين مما يتتبعه بيتا بيتا ولذا تراه لا يرضى برواية أستاذه في ما رواه في ص96 في ح3 وراجع في ما يقارب هذا المطلب ما قاله في ص100 ح7 وفي ص104 ح3 تره يحفي في تحقيق الأعلام وهو أمر يتطلب دقة نظر وتوغل في حفظ الأعلام. ومثله قل في ص105 ح2 وص107 ح1 وقد لاحظنا في هذا الصدد أنه لا يذكر بلفظة تبجيل أو تعظيم أدباء النصارى وبخلاف ذلك إذا كانوا من المسلمين. ونحن نجله عن أنه يتقصد غاية من عمله هذا والذي نظنه فيه أنه من قبيل النسيان، فعسى أن يساوي بين حملة الأقلام وناشري ألوية الأدب من غير تعصب أو تحزب، فدولة العلم دولة تجمع على صعيدها أصحاب جميع الأديان وتعاملهم معاملة واحدة لأن التفقه(4/616)
رائدهم والحقيقة مرماهم، ليس إلاَّ. وقد كال للأب لويس معلوف صاحب المنجد كما كال للأب لويس شيخو (راجع ص119 ح4)
ومما ورد في تحقيقه للأعلام ما قاله في ص113 ح2 وفي ص119 ح4 وقد قال عن دجلة: اسم للنهر الذي يمر ببغداد، ولا تنصرف ولا يدخلها الألف واللام. وغلط صاحب المنجد، المعجم المدرسي فأدخلهما عليها كما غلط في مسائل كثيرة فيه فليحذر عنه اه كلام الناشر. أما نحن فلا نجسر على أن نخطئ صاحب المنجد هنا بل نقول إن الرواية الفصحى دجلة بدون أداة التعريف لكن يجوز الدجلة بأل. وقد ورد ذلك في نسخ قديمة من
مروج الذهب للمسعودي وجاءت بآلة التعريف في هذا الكتاب المطبوع في مصر على هامش تاريخ ابن الأثير في 144: 1 كما وردت بدون ال في الصفحة عينها. مما يدل على جواز استعمالها. وكذا نرى في المروج المطبوعة في باريس في 223: 1 وقد تكررت مرارا نقلا عن نسخة قديمة محفوظة في خزانة الأمة في باريس وكل مرة جاءت محلاة بأل التعريف. وفي محيط المحيط واقرب الموارد: دجلة. . . علم لا تنصرف وقد تدخلها أل فيقال الدجلة اه. وقولهما (قد تدخلهما) دلالة على الجواز الضعيف. إذا ليس من الغلط في شيء.
وعندنا نسخة خطية من مروج الذهب كتبت سنة 1049 أي قبل نحو ثلثمائة سنة وكل مرة وردت دجلة عرفها بأل ولم تأت مرة واحدة خالية من الأداة المذكورة. نعم ليست كتابة النساخ حجة لكن كتابتهم واتفاقها مع صورة الكلمة مطبوعة في كتب المحدثين من إفرنجية وشرقية ولا سيما إننا نعلم أن الإفرنج يحافظون على تصوير الكلم على الوجه الذي يرونه في النسخ، وكذلك قل عن اتفاقها وأصحاب محيط المحيط واقرب الموارد وأحكام باب الأعراب عن لغة الأعراب في مادة دجل ص447 وهذا نص عبارته (الدجلة بالكسر والفتح (كذا): أحد الأنهر الأربعة الخارجة من الفردوس) كل ذلك لا يبين أن الأب لويس معلوف صاحب المنجد هو أول وأهم ولا هو أول قائل بهذا القول وهؤلاء كلهم نقلوا كلام الاختري القائل في سنة 952هـ (الدجلة بالكسر نهر بغداد)
نعم نقول ونكرر القول فنعيد الكلام أن الأفصح بكسر دال (دجلة) ونزع(4/617)
آلة التعريف لكن الخلاف ليس خطأ بل هو من قبيل الضعيف من الرواية وبهذا القدر كفاية.
وفي حاشية تلك الصفحة: الحضر. . . بناها الساطرون بن اسطيرون الجرمقي) اه
وعبارة ياقوت في معجمه: ويقال إن الحضر بناها الساطرون بن اسطيرون الجرمقي. وبين الروايتين فرق. فإن ياقوت لا يجزم بصحة اسم الباني بل يضعف الرواية أو يجرحها بقوله (ويقال. . .) ولقد صدق، فإن الساطرون (وحقيقة اسمه سناطروق أو سنطروق) هو من ملوك الدولة الاشكانية أو الارشكية؛ وكان قد ملك بين سنة 77 و70 ق م. والحال إن الحضر كان موجودا قبله بعدة قرون حتى يقال إنه بني في عهد تكلت فلاسر في نحو منتصف المائة الثامنة قبل المسيح (راجع تاريخ سني الملك تكلت نينيب الثاني في ص34
للأب شيل الدمنكي).
ومن ثم يجب على من يكتب في عهدنا هذا أن لا يعول على أقوال الأقدمين من السلف بل أن يعرضه على رأي أصحاب المكشوفات العصرية المستندة إلى حقائق لا تنكر ثم يتكلم وإلاَّ عدت بضاعته من سقط المتاع وأزجيت وخيروا عليها مصنفات الأقدمين أنفسهم.
أفلكون غلط حضرة لصديق في تحقيقه هذا لنقله كلام ياقوت نقلا ونقلا غير صادق ومن غير أن يدقق النظر فيه يعتبر علمه وسائر تحقيقاته بلا جدوى؟ كلا! فقد يغلط هو، واغلط أنا، ويغلط غيرنا؛ لكن هذا كله لا يجرح في ما تثبته وتحققه من المسائل الأخرى. وهكذا القول عن أصحاب المعاجم النصرانية الثلاثة فهم كلهم عالة على الاختري، فإذا كان هناك ملام فالملام على الواهم الأول لا على ناقل الوهم والناقل يعتبر المنقول عنه إماما في اللغة.
وتحقيق الشيخ غير واف بل غير كاف في ما ذكره عن بني الأصفر. فالرأي الذي أشار إليه، رأي قديم قد نخر نخر قوامه حتى أنه لا يمكنه الوقوف بل لا يرضى به أبناء مدارسنا في هذا العهد. فإذا كان لقول بعض الأقدمين شيء من الصحة فيجب أن يحرر بهذه الصورة: ضفو (لا الأصفر وقرئ منذ الأزمان(4/618)
المتطاولة في القدم: صفر كزحل لكن لم يجيء أبدا بصورة الأصفر إلاَّ عند بعض ضعفة النقلة) بن رعويل (لا ابن روم المنقول عن رمويل تصحيف رعويل) بن عيسو (لا يعصو أو العيس أو غيرها من الروايات الفاسدة) هذه حقيقة الرواية وإلاَّ فنقله عن الأقدمين (ح6 ص119) (بنو الأصفر: الروم وقيل ملوك الروم أولاد الأصفر بن روم بن يعصو بن اسحق. وقيل: الأصفر لقب روم لا ابنه. وقال ابن الأثير: إنما سموا بذلك لأن أباهم الأول كان أصفر اللون وهو روم بن يعصو ويقال عيصون أو لغير ذلك) اه. هو من النقل الذي لم يبق له معنى ولا سيما يظهر من خلال هذه الأقاويل ريب في صحة النسب أما اليوم فأن الحقيقة بانت على ما ذكرناه وليس هناك أدنى توقف.
وهذه النواقص في التحقيق لا ينقص من اعتبارنا له شيئا لأن الكمال لله جل جلاله.
ومن تحقيقات صديقنا الودود ما ذكره في ص148 ح3 و4 في نسبة قائل هذا البيت:
اعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
وهو معن بن اوس وأن صحيح رواية اشتد (بالشين) استد (بالسين المهملة) وكذلك صحح نسب هذا البيت:
فأصبحت لا اسطيع ردا لما مضى ... كما لا يرد الدر في الضرع حالبه
إذ حقق أنه لعمير أخي معن بن اوس وليس لكعب بن جعيل كما ذهب إليه أستاذنا الالوسي.
ومما يستحق عليه كل ثناء ومديح ما علقه من الشروح على الأقوال الواردة بخصوص الانواء، ففي تلك السجعات من الكلام الغامض ما هو في حاجة إلى فتح مغلقه ولقد قام بهذه المهمة احسن قيام. وهو يمتد من ص246 إلى ص261 على أننا كنا نود أن يشير في بعض الشروح إلى ما في بعض الأقوال من الأوهام البينة أو الخرافات التي لا تعقل كقول المؤلف مثلا في ص284 عن لسان طريفة الكاهنة (رأيت جرذا يكثر بيديه في السد الحفر ويقلب برجليه من اجل الصخر) فلا جرم أن الكاهنة توخت السجعة لا الحقيقة إذ كيف الجرذ يقلب(4/619)
برجليه من أجل الصخر.
وفي تلك الصفحة ورد قول المؤلف ثلاث مناجد. . . (وهي دواب تشبه اليرابيع) والذي احفظه أن مناجذ تكتب بالمعجمة مفردها خلد بالمهملة أو جلذ بالمعجمة وكلاهما مذكر فكان الأحسن أن يقال ثلاثة مناجذ وإن كان يؤول بالتأنيث، وتشبيه المناجذ باليرابيع بعيد والأحسن بالجرذان أو بالفئران.
على إن هذه الخرافة تزداد شناعة في قول المؤلف في ص285 (فأنطلق عمرو فإذا الجرذ يقلب برجليه صخرة ما يقلها (أي يحملها ولعل الصواب ما يقلبها) خمسون رجلا) فهذه خرافة ما وراءها خرافة، فكان يحسن تضعيفها أو جرحها أو إسقاطها بتاتا. إذ لا تتفق وتحقيقات هذا العصر؛ أو لا أقل من أن يسندها إلى أول راو رواها لأني أجل عمرا عن تصديق هذه المزاعم التي تضحك ومما يشهد على وضع هذه الحكاية من أولها إلى آخرها سقم الأبيات الواردة فيها.
وذكر الشارح في ح1 ص337 ابن حذيم وقال عنه (سماه جرجي زيدان (هكذا ورد بدون أدنى صفة مدح مع أنه يكيل منها مكاييل ضخمة لمن دون جرجي زيدان فضلا وخدمة للعربية) في تاريخ أدب اللغة العربية (م1 ص177) ابن حزيم بالزاي وهو خطأ فاضح. .
) ونحن لا نراه كما يراه الكاتب صاحب التعاليق بل نحمله على لغة أهل الشام ومصر الذين يلفظون الذال زايا. وليس في لغتهم فصاحة وهي لغة معروفة عند العرب قبل الإسلام.
وللمحشي جلد عظيم لتتبع صحيح الروايات فلقد اظهر في ح1 ص341 شيئا من هذا القبيل ما لا ينكره ناكر ولا نكير، وكذلك قل عما حققه في ص386 و408 و409
وارهف سيفه في ح ص 419 وضرب به ضعفة المفسرين فقد قال عنهم:
(بضعفة المفسرين الذين أصيب الإسلام منهم بداهية دهياء وفاقرة عظمى ورزية كبرى حكايات خرافية وأقاصيص منحولة وأساطير مفتعلة في تصوير ارم ذات العماد يسود من ذكرها وجه القرطاس وتتلكأ اليراعة في الجري بها واللسان في تلاوتها. . .) قلنا: لكننا وجدناها في كتب أعاظم المفسرين الأقدمين. فكيف العمل؟(4/620)
والشارح لم يراع أحدا وربما انتصر لرأي ضعيف ليحمل على من يريد أن يؤذيه بقرصات لسانه ففي ص425 ضبط اسم القطامي الشاعر المشهور بفتح القاف ثم قال في الحاشية: (بفتح القاف وضمها كما نص عليه ابن الشجري في اماليه. والمجد في قاموسه. وعبد الرحيم العباسي في معاهده. وقول إبراهيم اليازجي في مجلة الضياء: إن الصواب الضم وهم من أوهامه الناشئة من غروره وهوسه وقلة تتبعه ودرسه!) اه
فكان يحسن بالأديب المتبحر أن يذكر لنا نص ابن الشجري والمجد وعبد الرحيم وإبراهيم اليازجي لنحكم الحكم الصادق، أما المجد فيقول: القطامي ويضم: الصقر. . . وشاعر كلبي. . . وآخر تغلبي. . . فالظاهر من هذا الكلام أن الفتح احسن من الضم إذ قدم الأول على الثاني لكن الزبيدي يقول في تاجه الفتح لقيس وسائر العرب يضمون: فهذا كلام يشعر أن قريش تضم وكذلك سائر العرب، وليس من يضم الأول إلاَّ قيس. والحال قيس دون قريش فصاحة وإن كانت من القبائل التي اخذ عنها اللسان العربي (راجع المزهر طبعة بولاق 104: 1) وقال ابن مكرم في مادة قطم: القطامي (وضبطها ضبط قلم بالضم) الصقر وبفتح. . . قيس يفتحون وسائر العرب يضمون اه. وعندنا كتب تاريخ وأدب وشعر ولغة مطبوعة بعناية المستشرقين في أوربة ومؤلفو تلك الأسفار من العرب الأقدمين، ولم نجد من ضبط اسم القطامي بالفتح لكنهم جميعهم ضبطوه بالضم ولم ينبهوا على الفتح أبدا. وكل
مرة ورد اسم هذا الشاعر في المعلمة الإسلامية ضبط بالضم ولم يضبط بالفتح مرة واحدة.
وصاحب المزهر (طبعة بولاق 214: 2) قال: القطامي (ولم يضبط حروفه) اسمه عمرو بن شتيم. فهذا هو الغلط الصريح لا غلط اليازجي والصواب أن اسمه عمير (كزبير) بن شييم (مصغر وبشين وياءين وميم)
وكنا نود أن نقف على عبارة اليازجي نفسها لنرى أخطأ الشيخ إبراهيم من قال بالفتح وعلى أي شيء اعتمد ليذهب إلى ماذهب؟ وعلى كل حال يظهر من كلام اللغويين أن الضم لغة العرب جميعهم إلاَّ قيسا والخطب هين لأن الجوهري اللغوي المدقق الكبير يقول في صحاحه: القطامي بالضم لقب شاعر من تغلب(4/621)
واسمه عمير بن شييم والقطامي الصقر بضم وبفتح. اه. فهذا نص واضح يوافق اليازجي ويضاد أديبنا الغيور. فما يقول في الجوهري، فهل يجوز أن يشتم كما شتم اليازجي لأنه سبقه إلى هذا القول إذ اليازجي مقلد لا مجتهد أفلا يستنتج من قول الصحاح أن اسم الشاعر بالضم فقط وأما إذا كان بمعنى الصقر فبالضم وبالفتح على السواء؟
على إننا لا نحمل تلك الألفاظ الثقيلة إلاَّ على غيرته على الأدب واللغة وحب القومية، بيد أن للأمور أبوابا، فدخولها منها آثر في الناس وأنجع لبلوغ المرام.
وللأديب تحقيقات كثيرة لا يمكننا أن نأتي على ذكرها كلها إذ هذا يطول غير أننا نقول إن تعليقاته على كتاب أستاذنا الكبير زادت عشاقه وقربته من الإفهام وجعلته على طرف الثمام.
ومما اوجه إليه الأنظار الملحق الذي جاء به في ص463 فأنه وقع من هذا السفر الجليل موقع الطراز من الثوب فأنه أودعه من التحقيقات ما لا يظفر به إلاَّ بعد الإمعان في تتبع الحقائق والبحث عنها في أمهات الكتب.
وفي الختام نشكر الصديق الوفي على ما أداه لتاريخ العرب ونستزيده في هذا الموضوع لينجلي منه مبهمه ويتبع أقومه. فيكون للناطقين بالضاد نصيبهم من شمس الأدب على ما هم أهل له وهو الميسر!
هدايا الأستاذ عيسى اسكندر المعلوف
60 - قصر آل العظم في دمشق
وهو وصف دقيق لأبنيته وآثاره ونقوشه وزخارفه وأشعاره بحواش تجلي بعض غوامض كلمه وقد استعمل الأستاذ النسابة بمعنى النسب (في حاشية ص4) فهل هي فصيحة؟ وفسر القمرية بالنافذة أو الطاقة (ص12) وهي كذلك في سورية والذي نراه هنا أي في وصف القصر أن المراد بالقمرية شرفة بارزة من البناء لكنها مسدودة الأطراف بمشربيات أو بكوى يتطلع منها إلى ما حواليها. أي من النوع المعروف بالجوسق وهذا اللفظ شائع بهذا المعنى عند الأتراك منذ نحو مائة سنة أو أكثر. والطوان (ص15) كلمة تركية بمعنى وجه السقف من جهة(4/622)
الحجرة. وفي ص16 الفسقية الحوض لاتينية، ونحن نظنها إيطالية إذ ليست في اللاتينية لفظة بهذا المبنى والمعنى ولعل الذي استدرج الأستاذ إلى هذا الوهم صاحب محيط المحيط. وهذا المعجم ركام أغلاط. وفي ص17 الفرنكة في عرف الدمشقيين: الغرفة العلوية للشتاء جمعها فرنكات. قلنا: والكلمة من أصل تركي من فرنكخانة وهي بناء كالخان يكون في الطبقة السفلى منه دكاكين ومخازن وفي الطبقة العليا حجر للسكنى ويرى مثل هذه الخانات أو الفرنكخانات في حلب وعكا والأستانة (في بك أو غلي المعروفة باسم بيرا عند الإفرنج) وقال في ص18 الدرابزين كلمة فارسية. والصواب أن الفرس لا يعرفونها وهي من أصل يوناني. وفي ص18 عراتيلي قال عنها في الحاشية لا نعلم معناها ولعلها عربيلي نسبة إلى بلدة عربيل قرب دمشق. ونحن نظن إنها الياسمين الجلناري اللون وهو اسمه عند الأتراك تصحيف اليونانية ارتريلي ومعناها الحمراء ويراد بها ما اسمها بالفرنسية وفي ص19
يا منزل البشرى ومغنى التهاني ... ماراك طرف البشر طلق العنان
فقال في الحاشية: كذا في الأصل ولعلها (جاراك) ونحوها. قلنا لعلها مقلوب (مرآك). وفي ص21 يدخل به إلى براني حمام. قال عن البراني إنها جمع برنية وهي إناء خزف. ونحن نظن أن البراني هنا هو عكس ما سماه بالصدريني أي هو الموضع الذي يكون في مدخل الحمام أي حجرته الأولى وهو اصطلاح عامي شائع. هذا ما بدا لنا في هذا الصدد ولعلنا نحن الواهمون.
61 - مخطوطات الخزانة المعلوفية في الجامعة الأميركية
في هذه الصفحات وصف مختصر لخمسمائة كتاب من نفائس كتب الخط العربية، وبينها بعض الكتب الفارسية والتركية والسريانية.
62 - الأخبار المروية في تاريخ الأسر الشرقية
وهو رسم التأليف الذي وضعه صديقنا المؤرخ المحقق ولا يعوزه لإخراجه إلى حيز الوجود إلاَّ مضافرته على طبعه قيض الله له من يساعده في هذا الأمر.
63 - تاريخ الطب
وهو القسم الأول من المحاضرتين اللتين كان قد ألقاهما صديقنا المعلوف(4/623)
وقد تكلمنا عن القسم الأول في (361: 4) والآن نقول كلمتنا عن الثانية:
ذكر حضرته في ص21 الترقين وقال عنه في الحاشية: (وفي بعض المطبوعات (الترفين) بالفاء وهو خطأ لأن الترقين محرف الترقيم أو لغة فيه وهو علامة لأهل ديوان الخراج تجعل على الرقاع. . .) إلى آخر ما قال ونحن لا نوافقه على هذا التأويل لأنه وصف الترفين في النص بقوله: بزل أغشية الدماغ. . . إلى آخره فهو صحيح بالفاء لا بالقاف بهذا المعنى والكلمة من اليونانية تروفانن أي مثقب وهي آلة يثقب بها الرأس حتى يوصل إلى أغشية الدماغ. واشتقوا منها فعلا فقالوا رفن (بتشديد الفاء) والمصدر ترفين أي وسماه العرب النقت والنقث والحج. وفي ص28 قال في الحاشية: (ومنها (من القاثاتير) عند العامة القسطر أي الأنبوب ويقولون القسطل أيضا) ويظن الصديق أنها يونانية، قلنا: نعم قاثاتير يونانية لكن القسطل وهي الرواية المشهورة (ويقول بعضهم فيها القسطر) هو من اللاتينية أي قصر الماء. والكلمة قديمة وذكرها ياقوت في معجمه إذ يقول: القسطل في لغة أهل الشام: الموضع الذي تفترق منه المياه اه. قلنا: وهكذا هو في اللاتينية ثم توسعوا في معناها فنقلوها إلى الأنبوب.
وقال في حاشية ص41 ولعل منها (من اسم الطب عند اليونانيين اياتريكي) كلمة (ترياق) دواء السم. قلنا إن الترياق مشهورة أنها من كلمة يونانية غير التي ذكرها وهي ومعناها (ضد السبع) أي الترياق.
وفي كل ذلك نبدي آراء من باب الإشارة لا من قبيل التصحيح ونحن نشكر الصديق على
هداياه هذه ونتمنى له أن يطبع كتابه الكبير في الأسر الشرقية.
64 - النشرة الأولى من منشورات لجنة الاصطلاحات العلمية
في بغداد
أصدرت هذه اللجنة نشرتها الأولى باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية وما استحسنته من الألفاظ التي يؤمل إدخالها في لغتنا العصرية. ولنا كلمة نقولها بهذا الصدد في جزء قادم.(4/624)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - متقن الزراعة
اهتمت مديرية الزراعة بأمر متقنها وقد أصلحت منهج التدريس ونظمته وعين خليل فيدو المتخرج في متقن زراعة كليفرنية ومحمد الشابندر معلمين فيه، وقررت جلب كتب التدريس في اللغة العربية من ديار مصر وغيرها من البلاد العربية اللسان؛ كما إنها طلبت من حكومة النيل أن توفد إلى العراق بعض معلمي الزراعة.
2 - وسام عراقي جديد
اقر مجلس النواب اللائحة القانونية التي تطلب أحداث وسام عراقي باسم (وسام الرافدين) بخمس درجات.
3 - سرب من الذئاب يفتك بأربعة مسافرين
حدث بين جبل سنجار (بقرب الموصل) ودير الزور فاجعة هائلة فلقد افترس الذئاب ركاب سيارة ولم يبق منهم أحد. وكانت السيارة ذاهبة من العراق إلى سورية. فلما وصلت قرب جبل سنجار في ليلة 20 شباط طرأ عليها عطل حال دون إتمام الطريق فأنحدر عليها سرب من الذئاب ولم يكن الركاب مسلحين فأفنتهم عن آخرهم وهم: الياس سامي، وآرام اوهانيس قره كوزيان عجمي، وامرأته لوسية. وآخر لم يعرف اسمه إلى الآن.
4 - ابتياع سرء الجراد (بيضه)
اشترت حكومة الموصل قدرا عظيما من سرء الجراد وقد جمع من قضاء الموصل، ودهوك، وزاخو، وشيخان، وتل أعفر. ومن ناحيتي الشورة وزمار.
5 - مؤتمر مكافحة الجراد
يعقد في شهر آذار مؤتمر مكافحة الجراد في دير الزور، ويذهب ضابط مكافحة الجراد في العراق ليحضر المؤتمر المذكور الذي تعقده سلطتا سورية والعراق.(4/625)
6 - تنظيم جديد بإرادة ملكية
صدرت الإرادة الملكية بفك ربط ناحية سلمان باك (هي ناحية سلمان الفارسي المعروفة في التاريخ باسم طيسفون وبالإفرنجية من لواء الكوت وإلحاقها بلواء بغداد مباشرة.
وبفك ربط إحدى وعشرين قرية مأهولة بطائفة (ميريوسفي) من ناحية شقلاوة وإلحاقها بقضاء كوي سنجق.
7 - جعفر باشا العسكري في مجلس النواب
انتخب في 1 آذار جعفر باشا العسكري نائبا في مجلس النواب في مكان ناجي باشا السويدي المستعفي.
8 - توحيد الساعات
باشرت مديرية البرق والبريد استعمال الساعات الكهربية في الدواوين الرسمية وفي المحلات الخاصة التي اشتركت في ذلك؛ فوضعت ساعة كبيرة ذات وجهين على باب دائرة البريد المركزية في الحاضرة لتنظيم أوقات الجمهور.
9 - لجنة حماية الأطفال
اثبت البحث الصادق أن نصف أطفال العراق يموتون لعدم العناية بصحتهم فأنشئت لجنة تعرف ب (لجنة حماية الأطفال) وعقدت ثلاث جلسات في ديوان مديرية الصحة واتخذت وسائل شتى أهمها:
1 - النظر في مناهج دروس الصحة في المدارس الأهلية والرسمية ووضعها في قالب يلائم ما يحتاج إليه العراق. ولا سيما تعليم تربية الطفل وإرضاعه ومداراته في مدارس البنات، وإيداع أمر تدريس حفظ الصحة في المدارس الثانوية إلى الأطباء.
2 - زيادة مراكز الأمومة ومداراة الأطفال في العاصمة وملحقاتها.
3 - الإسراع في تأسيس مشروع توزيع اللبن الحليب المعقم على الأهالي ولا سيما على الفقراء منهم بلا عوض.
4 - وضع لائحة قانونية تقضي بفحص الرجال قبل زواجهم.
إلى غير هذه الأمور الأساسية المهمة.(4/626)
10 - تنظيم خطوط البريد
تمكنت دائرة البرق والبريد العامة من تنظيم جميع طرق البريد ونقل المبعوثات على السيارات بدلا من الدواب التي كانت تستعمل إلى الآن لهذه الغاية في بعض أنحاء العراق.
11 - جسر الديوانية
أكملت وزارة الأشغال مد جسر حديد على مستنقعات لواء الديوانية وطوله مائة وأربعون قدما.
12 - المكاتبات الرسمية
أذاعت وزارة الداخلية منشورا وجهته إلى جميع الدواوين العائدة إليها في العاصمة وخارجها حظرت فيه اتخاذ عبارات التعظيم والتبجيل وكل ما يتعلق بالمجاملة والمصانعة والألقاب وأن يقتصر في المراسلات الرسمية على الغرض المقصود وترك ما درج عليه من تلك السبائك الزائفة، وعسى أن تجري على هذا الوجه سائر الوزارات.
13 - إصلاح في ترعتين
أنجزت دائرة الري الإصلاحات الضرورية في ترعتي (بني حسن) و (الجورجية) وفي الفروع المتشعبة منهما.
14 - أبنية جديدة
أنجزت وزارة الأشغال بناء دائرة البريد في اربل ومستشفاها وصرح عفك والكبائش (الجبايش) وصرح المشخاب.
15 - معاقل في قره داغ
أنشئت أربعة معاقل في منطقة قره داغ على احدث طرز صونا للأمن وسهرا على راحة العباد.
16 - ثكنة في الوشاش
كملت بناية ثكنة الوشاش (في جنوب غربي بغداد في ظاهر الحاضرة) طلبا لراحة الجيش.
17 - كري الغراف
تمكنت دائرة الري من كري نهر الغراف من (الشطرة) إلى حد (نهر إبراهيم) ومن هذا إلى البزائز.(4/627)
18 - سدة الحفار
كملت أشغال سدة الحفار فتمكن الاهلون من زرع التمن (الأرز) في لواء الناصرية الخصيب وكذلك في لواء الديوانية والآن توزع المياه على أصحاب الزروع بحيث يتمكنون من ارواء مزارعهم على أحسن وجه.
19 - طرق جديدة
تمهد طرق للرميثة والسماوة والمشخاب.
20 - مخفر في الرمادي
شرع في تأسيس مخفر لدائرة الجوازات في الرمادي على احدث طرز.
21 - بين الكوت والعمارة
شرع بفتح طريق بين لواء الكوت والعمارة.
22 - وزارة الري والزراعة
قررت الحكومة إنشاء وزارة تسمى (وزارة الري والزراعة) وينطوي غرها على دواوين الري والزراعة والمساحة والأملاك الأميرية. وتبقى البيطرة مرتبطة بوزارة الداخلية.
23 - الثلج في الرطبة وفي شمال العراق
أثلجت السماء في الرطبة فحال دون سير السيارات في وجهها إلى بغداد في قدومها من سورية وذلك في شهر شباط.
وسقط برد (حالوب) في بعض النواحي المجاورة للموصل وفي أصقاع أخرى كان المطر غزيرا ولا سيما في إرجاء الموصل بعد إن كان الغيث انقطع عنها مدة أربعة أسابيع وارتفعت أسعار الغلات والسمن فلما انفتحت قرب السماء هبطت وانتعشت آمال أرباب الزرع والمواشي.
24 - ارتفاع ماء دجلة
كانت نتيجة سقوط الأمطار بكثرة ارتفاع مياه دجلة في 14 شباط وقرس البرد في اليوم التالي حتى بلغ الدرجة 2 فوق الصفر في المكان المسقف المفتوح من الجهة الواحدة.
25 - عدد السيارات من بغداد إلى الخارج
بلغ عدد السيارات الخارجة من بغداد إلى ما يجاورها في السنة الماضية كما يأتي: (واغلبها من طرز هدسن ثم من طرز كدلك)(4/628)
440 إلى إيران و107 إلى حلب و1094 إلى بيروت و43 إلى الشام و45 إلى القدس المجموع 1729
وبلغ عدد الركاب إلى تلك الأنحاء 6594 رجلا وامرأة و417 طفلا و1667 سائق سيارة و414 معاون سائق والمجموع 9092
26 - شركة النفط الإنكليزية الفارسية تؤسس مدارس في
جنوبي إيران
خصصت هذه الشركة مشاهرة قدرها ثلثمائة ليرة إنكليزية لتأسيس مدارس في جنوبي ديار إيران. واعتمدت وزارة معارفها أن تفتح ثماني مدارس في المحمرة وعبادان ومسجد سليمان وسوف يدرس فيها من العلوم والفنون ما يؤهل طلابها لأن يوظفوا في تلك الشركة فيأكلوا خبزهم أكلا شريفا.
27 - عمال الشركة المذكورة
يبلغ عدد العمال الإيرانيين في الشركة المذكورة 8103 في مسجد سليمان و9927 في معمل التصفية في عبادان و334 في المحمرة و140 في مواطن مختلفة.
28 - عودة وفد الوقف
كانت الحكومة العراقية أوفدت إلى الأستانة الحاج حمدي الاعظمي وحميد الباجه جي لينسخا ويصورا ما تحتاج إليه من الأوراق والسندات المتعلقة بالوقف لكنهما عادا في أوائل ك2 بدون فائدة، بعد أن قضيا هناك ستة أشهر.
29 - لمن غلات العراق الآن؟
كانت غلات العراق تقسم في عهد الترك على المتوسط الآتي بالنسبة إلى المائة للفلاح 50 - للحكومة 20 - للملاك 30 - المجموع 100
فصارت بعد الاحتلال على الوجه الآتي:
لرئيس الفلاحين (السركار أو التانيء) 22 ونصفا - للملاك 7 ونصفا - للفلاح 50 - للحكومة 20 - المجموع 100
30 - مزاحم امين الباجه جي
صدرت الإرادة الملكية بتعيين مزاحم أمين الباجه جي ممثلا سياسيا للعراق في لندن.
31 - وصول لجنة تخطيط الحدود
وصل العاصمة في 12 آذار المسيو (بايشلين) السويسري رئيس لجنة تخطيط(4/629)
الحدود بين العراق وتركية. والكرنل (نولدر) ممثل حكومة ملك بريطانيا العظمى. وقد سافرا إلى الموصل ويكون العقيد علي رضا العسكري مندوبا عن الحكومة العراقية. أما أعضاء الوفد التركي فأعضاؤه: جمال ودري ومعهم خمسة ضباط لمسح الأراضي.
وتتجول اللجنة في زاخو والعمادية والزيبار وراوندوز ويقال إن الأشغال لا تتم إلاَّ بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من أول يوم الابتداء بها.
32 - دخل سكك الحديد
بلغ دخل سكك حديد العراق في الأسبوع المنتهي في 19 شباط سنة 1927 ما يساوي من نقودنا 187199 ربية يقابلها 163711 في مثل هذا الأسبوع من السنة الماضية.
33 - مساعي ديوان صحة العاصمة
تمكن ديوان صحة العاصمة من إنجاز التعليمات الآتية:
1 - المحافظة على مياه الأنهر من التلوث. 2 - نظافة الأكياس. 3 - منع إقلاق راحة المرضى. 4 - صيانة بعض المأكولات من الأصباغ. 5 - تعليمات تتعلق بتنظيف الفنادق والقهوات. 6 - تعليمات تخص تنظيف الحمامات 7 - تعليمات بشأن الاصطبلات 8 -
تعليمات تعود إلى المقابر.
34 - أفيد المزروعات للعراق
تمكنت مديرية الزراعة العامة من الوصول إلى معرفة أفيد الأصناف المستحب زرعها في أراضي الرافدين. وقد قرَّ رأيها على أن تكون القطن والحنطة والشعير والكتان.
35 - شركة نقليات مخزومي
توفقت إحدى الشركات التجارية وعنوانها (شركة نقليات ح. مخزومي) لأن تنقل الركاب مع بضائعهم أو بضائع التجار من سورية إلى العراق والى إيران وهي خطوة عظيمة لتسهيل السفر والنقل ولها في كل أسبوع عدة ركاب وكثير من البضائع. وقد أقامت لها خلا في بيروت في ساحة الشهداء خلف الصرح القديم (السراية العتيقة) وفي بغداد في الجادة. وهي أكبر شركة اليوم لهذه الغاية وأصحابها معروفون بحسن الأدب والتساهل.(4/630)
العدد 45 - بتاريخ: 01 - 05 - 1927
سنتنا الخامسة
بلغنا - والحمد لله - السنة الخامسة من عمر مجلتنا. مع ما بذل أصحاب الأغراض الخسيسة من الوسائل لخنقها وقتلها. وما تكلفنا من النفقات الطائلة التي يوازي طبع جزء منها في هذا العهد ما كان ينفق على أجزاء السنة كلها قبل الحرب.
ولقد رأى القراء الكرام أننا نتوخى العلم البحت والتحقيق القصي في تحبير المقالات إذ جميع أصحابها من أرباب الاختصاص والتدقيق.
ومما ظهر للعيان أن (لغة العرب) هي أول مجلة عربية تفرغت لنقد الكتب نقداً صادقاً لا محاباة فيه وهي تطيل النفس في ما تفليه ليقوم في ديارنا الشرقية المحبوبة من يتأثر أرباب البحث والتنقير من أهل الغرب ويعدل عن تلك الخطة البالية الهامدة. خطة إلقاء الكلام على عواهنه بدون تبصر وروية.
كنا نتوقع من أبناء الوطن إقبالاً على الاشتراك ومساعدة تذكر؛ إلاّ إننا لم نصادف كل ما كنا نتوقع منهم.
على أننا نخلص عبارات الشكر لجميع الذين آزرونا في وضع تلك المقالات من الناطقين بالضاد ومن محبيهم. طالبين من المولى الأعظم أن يمن عليهم بالعمر الهنيء ويمدهم بالعون الكريم ليتوخوا الحقيقة في كل ما يوشون وينمنمون. إذ غاية جميعنا خدمة اللغة والوطن بصدق وكفى بذلك شرفاً وفخراَ!(5/1)
تصاوير عربية وإسلامية
1 - توطئة
كل من وقف على التاريخ في عهد الجاهلية وبعدها. يعلم أن العرب سلفنا كان يعنى بالتصاوير والتماثيل والنقوش على اختلاف أنواعها، كما يتحقق ذلك من قرأ تاريخ الكعبة وما كان فيها من الأصنام والأوثان والصور والدمى.
وبعد ذلك جاء الإسلام فلم يمنع بتاتاً التصاوير بل حظر ذلك في المجسمات منها لئلا يغوى الناس بها؛ ثم جاء المتعصبون بعد العصور الأولى فمنعوا كل تمثيل مخلوق حي لسوء فهمهم بعض الأحاديث. وإلاَّ فان عهد العباسيين يشهد على أن المصورات كانت تزين قصورهم ولا سيما ما كان قد بني منها في سامراء (راجع مقالة في هذا الموضوع أدرجت في هذه المجلة 515: 2 - 520).
والمسلمون في إيران والهند وديار الصين بقوا محافظين على رسم التصاوير إلى عهدنا هذا. إذ لم يروا في الأحاديث (الصحيحة) ما ينفي اتخاذها. وقد عني أبناء الغرب بجمع كل ما يتعلق بالتصوير والتمثيل والنحت والرسم والنقش(5/2)
حتى أننا إذا أردنا أن نرى طائفة من هذه الأعمال مجموعة في مكان لاضطررنا إلى أن نذهب إلى ديارهم لنشاهد فيها ما يزين متاحفهم ودور الآثار عندهم.
ولقد سعى أحد الروس قبل الحرب إلى جمع نفائس عديدة من بدائع الفن العربي وزين بها قصره؛ إلاَّ أن الحرب المشؤومة جاءت ففرقت وبددت وحطمت وأتلفت شيئا كثيراً مما يدخل في هذا الباب، حتى أنه ليموت الأثري أسفا على ما يسمع أو يقرأ أن لم يكن قد شاهد بنفسه شيئا من تلك الفظائع الهائلة.
فلقد كان عندنا مثلا خزانة عامرة بالمصنفات من مخطوطة ومطبوعة من مصورة وغير مصورة. ولما سقطت بغداد عبث الجهلة بتلك الفرائد والنفائس فمزقوا شر ممزق كل كتاب مصور مهما كانت تلك الصور.
كان عندنا من جملة المخطوطات كتب نبات وحيوان وطب وكيمياء فيها رسوم بديعة منها ملونة ومنها غير ملونة فأتلفت كلها عن آخرها.
كان عندنا كتب فلك وهندسة وتاريخ وبلدان وحساب يزينها مختلف الرسوم فلم يبق منها السفلة ورقة بل أحرقوا كتاب حياة الحيوان الكبرى المطبوع في إيران وكان مصوراً، وأحرقوا معه كتاب الهندسة لاقليدس وكتاب عجائب المخلوقات وزيج الصابئ لأنه كان فيهما بعض الرسوم الهندسية أو بعض الأشكال العلمية.
هذا ما رأيناه بأعيننا وشاهدناه بنفسنا مع غيرنا وهو أمر لا يخفى على كل بغدادي. وقد وقع ذلك في ال 7 من آذار سنة 1917.
وليس مرادنا هنا أن ننكأ جرحا كاد يندمل مع الزمان. إلاَّ إننا أردنا أن نبين أن الناس على اختلاف طبقاتهم قد يكون فيهم جهلة؛ والغالب بينهم أناس يقدرون أعمال السلف. ولهذا أردنا أن نذكر هنا ما كان قد جمعه أحد الأفاضل من الروس من تراث المسلمين ووقفنا عليه في مجلة مجمع العلماء الروس في لننغراد وأهدانا إياها صديقنا أغناطيوس كراجكوفسكي والمقالة للسيدة ف. كراجكوفسكايا. وقد لخصا لنا صديقنا المحبوب الكرنل أو آ، فرتسكيو مترجما إياها من الروسية وهذه زبدتها:
2 - عروض فنية إسلامية ترى في دار التحف الفنية في
كبيف
طالعت في مذكرات لجنة المستشرقين المطبوعة في لننغراد، والتي نشرها(5/3)
محفى العلوم لاتحاد الجمهوريات الصوفييتية الاشتراكية. مقالة أدرجت في الجزء الذي برز شهر آب من سنة 1924 وهي تصف لنا عروضا فنية إسلامية مختلفة الأنواع. وموشية برود تلك المقالة السيدة ف. ا. كراجكوفسكايا وهذا ملخص ما وجدته فيها:
ألفيت صاحبة المقال مستشرقة بارعة، أنفذتها دار التحف الوطنية المعروفة بمتحفة المنسك في لننغراد لتبحث عن الفنيات في كييف، فوجدت فيها نفائس إسلامية كان صاحبها في سابق العهد رجل أسمه م. خاننكو وكان مستشرقا وجماّعة آثار. ثم نزعتها من أيديه الحكومة الروسية الحديثة مع الدار التي كان يسكنها، وجعلتها من ممتلكات دار التحف والفنيات في كييف.
تلاحظ الكاتبة أن تلك العروض غير منسقة تنسيقا علميا أو فنيا بل خلط بعضها ببعض
وفيها أشياء مختلفة الجنس وقد كومت تكويما في غرف صغيرة هي خزائن لها وواقعة على طول حيطان الدرج. ويظهر من حالتها الحاضرة إنها تأذت كثيراً في الدعوى التي أقيمت على صاحبها لتنزع من أيديه فتكون ملكاً للقوم الروسي.
أن السيدة كراجكوفسكايا تصف ثلاث طوائف من عروض الفن وهي:
1 - عروض من القلز أو النحاس.
2 - عروض من الفغفوري أو القاشاني.
3 - صور منمنمة (أي دقيقة الرسم والتصوير).
3 - وصف عروض القلز أو النحاس
تصف الكاتبة قراقير (جمع قرقار وجراراً وظسوتاً وقماقم وشماعد إلى غيرها وكلها من القلز (البرنز) أو النحاس. ومن الأسف أن تاريخ هذه الأدوات مجهول ولا يمكن أن يعرف على التحقيق سنة صنعها بل يمكن أن يتصورها تصوراً يحمله على أن يعرفها من باب التقريب. بمقابلتها على ما يرى من نوعها في دار تحف المنسك في لننغراد. وأغلب هذه الأدوات فارسية الأصل ومن طرفها جرة من قلز أو شَبَه يظن إنها من المائة الثامنة للميلاد وقد نقش عليها رسوم هندسية بارزة كل البروز.(5/4)
4 - وصف عروض من القاشاني
هذه الأدوات هي قراقير وجرار وطاسات وآجر إلى غيرها وكلها نماذج مختلفة الطرز والعصر. وبينها طوائف تتميز بعضها عن بعض كل التميز نذكر منها ما يأتي:
أ - (خزفيات من سمرقند) في هذه الطافة لا يرى إلا كسر من آنية وآجر وطلاؤها أصفر أو أخضر مع رسوم تقرأ لأنها حروف بديعة الخط والأشكال الهندسية.
ب - (خزفيات أندلسية مراكشية) في هذه الطائفة ترى أوعية مختلفة وصحون وقصاع وصراحيات إلى غيرها وقد صنعت في بلنسية (الأندلس) في المائة الخامسة عشرة.
ج - (خزفيات طاغستان) تحتوي على صحون وجرار وآجر وما شاكلها وطلاء أغلبها أصفر مع رسوم هندسية وسطور مختلفة التعاريج ودوائر محكمة الصنع وقسي متقنة النقش وذوات زوايا عديدة بديعة الوضع.
د - (خزفيات عصر الشاه عباس) جرار طويلة العنق وضيقتها، وطاسات وكسر آنية ذات طلاء لماع وتزيينات تمثل نقوشاً عربية وسعفاً ولونها في الغالب أزرق.
هـ - (بلاط ملون وملمع) في هذه الطائفة عدد عديد من البلاط المربع الملون الملمع وهي تعود إلى شعبتين مهمتين من معامل الخزف وهما.
معامل ري من المائة الثالثة عشرة للمسيح:
وتحتوي على بلاط مربع طلاؤه أسمر مع رسوم بيضاء تمثل حيوانات مختلفة مثل ثعالب وبنات آوى وغزلان وطيور.
وبين هذه البلاط ما عليه تاريخ صنعها فقد وجد على بعضها ما هذا نصه بحرفه:
(في صفر سنة أربع وعشرين وستمائة).
معامل سلطان آباد من المائة الرابعة عشرة:
بلاط مثمن الزوايا وطلاؤه أزرق فيروزجي ورسومها بيضاء في الغالب وتمثل طيوراً من جنس السيمرغ (العنقا) المذكورة في حكايات الجن عند الإيرانيين.(5/5)
و (خزفيات حاتم) هذه الطبقة من الخزفيات الفارسية تعرف بهذا الاسم منذ عهد مديد لأنه قد كتب على كل قطعة منها (حاتم) وفي هذه الطائفة نموذج هو طاسة وعلى ظهرها دائرة وكله بالطلاء الأصفر على قعر أزرق نيلي. وفي بطن الطاسة صورة ديك بين كومتين من الزهر مع أسم العامل وهو (حاتم) وقد كتب كتابة جلية، إلاَّ أنه لا يعرف تاريخ صنعها ولا محل صنعها.
ز - (خزف بميناء) أسم هذا الخزف مأخوذ من الألوان المتألقة التي يزهو بها والتي تعجب عين الناظر إليها. وكثير من هذه الأدوات موصوفة وصفاً حسناً دقيقاً. وأغلبها قد كسر ثم لئم، ومن هذه القصاع (الكاسات) ما هي حسنة التصوير والنقش كثيرة الألوان بين أسود حالك، وأبيض فاقع، ووردي جنبذي، وهي قصاع مطلية بطلاء أزرق فيروزجي وعليها تصاوير بديعة كثيرة الألوان تختلف بين أسود وأبيض وأسمر وبنفسجي وأحمر وأربد وأصفر ووردي إلى غيرها، وقد صور عليها رجال قعود قد تربعوا وهم تحت أشجار ضياء وأزهار غراء.
ح - (خزف سلطان آباد (من المائة الثالثة عشر) لهذه الطائفة من الخزف أمثلة مختلفة فيها
قصاع مستطيلة الشكل أو مخروطية مع قعور حلقية الشكل وطلاؤها أزرق لازوردي والنقش لا وردي فاتح وأحمر آجري على أشكال هندسية وخطوط ودوائر ومشتبكات وبعض الأحيان أزاهير خيالية. وبين تلك القصاع قصعة تاريخها بحروف عربية هكذا: (سنة 612).
ط - (خزف من عهد المماليك) هذا الخزف آت من حفريات في أخربة الفسطاط (مصر القاهرة). لم نجد في هذه المجموعة إلاَّ كسر قصاع وجرار، وهي كافية لتطلعنا على مزاياها الخاصة بها، دهانها أحمر ونقوشها بالأصفر والأزرق والأخضر وفيها خطوط عريضة ومشتبكات ونقوش عربية أشكال هندسية.(5/6)
5 - المجموعة الثالثة: الصور المنمنمة
ليس في متحفة كييف إلاَّ إحدى عشرة صور منمنمة إسلامية. والسيدة كراجوفسكايا تصفها أدق الوصف ودونك بعض هذه التفاصيل:
ي - ورقة منزوعة من ترجمة عربية: (في المادة الطبية) المنسوبة النص الأصلي إلى ديسقوريدس، وقد رسمت في سنة 619هـ وناقشها عبد الله أبن فاضل. وهذه الصفحة تبين لنا كيفية التقطير في محل أحد الأطباء. وقد مثل الطبيب ومساعده بأحسن صورة وكذا قل عن أداة التقطير فأنها بديعة الصورة وتحتها هذه الأسطر بالحرف العربي.
(شراب البونيون)
(خذ منه أثنين فدقهما فأجعلهما في ثلاثة أرطال عصير ثم أرفعه وهو موافق لوجع المعدة ولمن به إرجاف من ركض خيل أو دفع سفينة. هي.)
وقد لاحظت الكاتبة أن كلمة (هي) في أخر العبارة مقطوعة من انتهى وطرز المنمنمة هو من الطرز البغدادي في المائة الثالثة عشرة للميلاد.
ك - ورقة منزوعة من نسخة من الشاهنامة. والمنمنمة تبين قدوم رستم بزي بائع ملح في قصر سند. وفي الصورة ستة أشخاص وأربعة جمال وقلعة ومنظر ضاحية وهناك أزاهير وحشائش وكلها متقنة الصنع حسنة الألوان زاهيتها وطرزها طرز بخاري في المائة الخامسة عشرة للمسيح.
ل - ورقة منزوعة من نسخة من الشاهنامة وفيها منمنمة تصور حرب رستم للديو (للجني) الأبيض. يرى البطل الفارسي لابساً درعاً وعلى رأسه خوذة مريشة وهو يدخل خنجره في بطن الديو. وفي أسفل الصفحة أسم المصور وهو (بهزاد) (من بخاري في المائة 15م) والعبارة عربية هذه حروفها: (عمل بهزاد بلا شبه).
م - صورة منمنمة لأحد مصوري الفرس في المائة السادسة عشرة وموضوعها رجل وامرأة جالسان على وثاب في حوسق قائم في بستان ووراء(5/7)
هذين الشخصين أشجار سرو وبجانبها أشجار لوز مزهرة.
ن - صورة منمنمة بديعة الرسم ودقيقته تبين للناظر معراج النبي العربي راكباً البراق وحوله ثمانية من الملائكة (وفي الأصل الروسي لم تذكر كلمة ملائكة لأن هذا الاسم في هذا العهد ممنوع وقد وضع بدلها (جن بأجنحة) وقد أطرت الصورة بإطار من أزهار وكلها بماء الذهب والأزرق الغامق. والطرز طرز المصورين الفرس في المائة السادسة عشرة للميلاد ويظن أنها من صنع المصور ميرك.
س - صورة محكمة الرسم كثيرة التفاصيل ويرى فيها معسكر في موطن جبلي والإطار محكم ملون بخمسة ألوان مع نقوش عربية ذات أزاهير وورق. وهناك خمسة عشر شخصاً مع عدة حيوانات. وتفاصيل الثياب والخيم والطنافس إلى غيرها دقيقة الرسم. ونقاشها قد أحتذي مثال مصورين فارسيين شهيرين من أبناء المائة السادسة عشرة للميلاد وهما محمد ومير سعيد علي. ولعل النقش كان في أواخر المائة السادسة عشرة.
ع - صورة منمنمة تمثل شاباً قوياً ذا ثياب ثمينة وهو واقف وبيده اليمنى أداوة للشرب ووراءه منظر ضاحية فيها صفصاف وعمشق وزهر وفي أسفل الصورة هذه الكلمات: (رقم كمينة رضاء عباسي سنة 1037) ولهذا النقاش صور عديدة في متاحف مختلفة.
ف - صورة منمنمة تمثل أسداً مضطجعاً بجانب شاب جالس على الأرض وفي أسفل الصورة هذه الكتابة نذكرها بحرفها:
(هو رقم كمينة أفضل الحسيني بإتمام رصد سلخ جمادي الآخر سنة 1054) ولهذا المصور من أهل المائة السادسة عشرة للميلاد تصاوير عديدة في متاحف مختلفة.
ص - صورة منمنمة تبين شاباً من الشرفاء وقد لاقى أثنين من الدراويش الشيوخ في
ضاحية موشاة بالأزاهير. ووراء ذلك جبل صخري القوام وأشجار متنوعة. ويظن أن راسمها فارسي أسمه محمد علي من القرن السابع عشر للميلاد.
ق - منمنمة تصور لنا أحد كبار المغول في القرن السابع عشر وهو قائم في ضاحية منبسطة فيها أشجار وأزهار. ويرى من الوجه صفحته الواحدة وهو حسن الملامح واللحية سوداء طويلة. ويداه مستندتان إلى عصا طويلة سوداء والثياب ثمينة مزركشة بديعة الرسم. وقد كتب وراءها:
معز الدين محمد سنة 983
ومعز الدين هذا كان من المنمنمين القاشانيين في القرن السادس عشر.
هذا أهم ما في تلك المقالة للكاتبة المجيدة وعسى أن تستحث الهمم في بعض الكتاب لينشئوا كتاباً يفي بهذا الغرض.
الكرنل أ، آ. فرتسكيو(5/8)
صور وأنغام
أمتعت من الفجر (الربيع) الهامي ... قلبي المشوقَ لفتنة الإلهام
ورنوت للام (الطبيعة) بلسماً ... فإذا الحنو بثغرها البسام
رفعت نقاب الليل عنها وازدهت ... ببدائع النقاش والرسام
وبدت تغرد للخواطر والنهى ... بمنوع الفتان من أنغام
الطير كان مؤذناً بصلاتها ... ثم أستزاد هدى فكان إمامي!
فتلوت من قلبي القرير عبادتي ... وشربت باللحظ الأسير مدامي!
وختمت مقبول الصلاة بنظرة ... تهدي إلى طرف المروج سلامي!
ثم أستقل الصح في ملوكته ... بعواطف القلب الشجي الدامي
يأسو جراحات الفؤاد مجدداً ... نعما تزيل دفينة الآلام
فإذا الأشعة كالرجاء ليائس ... تختال في صور الجمال أمامي!
وإذا الندى فوق الأزاهر عابث ... بالنور لا يخشى أقل ملام!
ويذيب مهجته بغير تردد ... ما بين ثغر لثنات وجسام(5/9)
والنحل ترقص حوله في ملعب ... وتقص نجوى الحب والأحلام
أوحت لشعر (البحتري) جماله ... وشدا بما غنت (أبو تمام)
واستاف (ماترلنك) من أنغامها ... صفو الغناء العذب للإلهام
والجدول الجاري بلحن دائم ... يرعى الحقول رعاية الأيتام
ويبوح حينا بالغرام لزهره ... وهنيهة يأبى فصيح كلام
ومموج الزهر النضير مقبل ... في الماء صورة حسنه المترامي
ورقيقة النسمات تعبق بالهوى ... وتبث ما حمُلت إلى الأكمام
عطفت علّي كأنما شعرت بما ... يبدي وما يخفي أصيل غرامي
وكأن شعري عاد (بأبن خفاجة) ... أو (بأبن حمديس) فقام مقامي!
أو أن (رمني) قد أباح لخاطري ... في الوصف سحر الناقش الغلام
فحنت علّي وأكرمت بري بها ... ونضت عن الآيات كل لثتم
فإذا المشاهد فتنة لا تنتهي ... وبكل مسموع دليل هيامي
وتكاد أذني تدرك الهمس الذي ... تفضي به الأعشاب بين رغام
وعواطفا شتى وأن خفيت، فما ... تخفى أمام نوافذ الأحلام
في كل مشهود أراها حية ... حتى بمخضل من الآكام
وأنا الصغير وإنما حسي الذي ... ناجى وقفات الكابر المتعامي
فجميع ذرات (الطبيعة) ملجأ ... لهواي أو لحجاي أو لسلامي
فأبثها ظمأى وأنهل برها ... وأعد في إكرامها إكرامي!
أحمد زكي البوشادي(5/10)
الأمثال العامية البغدادية
تمهيد
الأمثال، على اختلاف قائليها وأقوامهم، تدل على حكمة بعيدة الغاية. كما أنها لسان حال القوم الذي أتخذها عدة له لمكافحة الأوهام. أو ما هو من قبيلها. ولقد اشتهرت أمم الشرق بأمثالها منذ أقدم العهد. وهذه أمثال سليمان الحكيم أشهر من أن تذكر في هذا المعنى: مع أن الرجل يذكر أن غيره سبقوه إلى النطق بها، أذن: الشرق مشهور بإنتاج هذا المعنى البديع الذي تجري عليه الأمم في بلادها أو ديار غيرها ممن أستحسنها.
وإذا كان الشرق مشهوراً بإبراز حلل المعاني وعرضها على الإفهام بصورة عبارة واحدة تعتبر مثلا. فالعراق ولا سيما بغداد، معروفة بهذه الميزة الفكرية. وقد يبنى المثل على حكاية أو واقعة أو دفعت به غريزة الحكيم إلى حسم مسألة طرأت في مجلس، فيأتي ذلك القول بمنزلة فصل الخطاب. ثم يذهب حجة بين الناس، فيتمسكون بأهدابه.
ولقد صنف كثيرون في أمثال بغداد، ونحن غير واقفين على كل ما كتب في هذا المعنى، إلاَّ أننا نتذكر أن صديقنا العلامة لويز ماسنيون نشر رسالة للقاضي أبي الحسن علي بن الفضل المؤيدي الطالقاني جمعها هذا في سنة 421هـ (أي في سنة 1030م) ووسمها برسالة الأمثال البغدادية وطبعها الجدن الوفي محل مطبعة رعمسيس بالفجالة في مصر ولم يذكر فيها سنة النشر. وقد أحصى أعدادها فإذا هي 613 مثلاً.
وقد ألف أستاذنا المرحوم الشيخ محمود شكري الألوسي رسالة في هذا الموضوع نفسه. وقد جمعنا نحن أيضاً من أمثال عوام النصارى واليهود والمسلمين في الموصل وبغداد والبصرة ما يبلغ عددها نحو الخمسة الألفا. ونشر صديقنا المتفنن يوسف رزق الله غنيمة في مجلة المشرق (297: 9 - 302) مقالا بعنوان: (الأمثال العامية في البلاد العراقية) أورد فيها 120 مثلاً وعلق عليها حواشي توضح معانيها وتفسر مفردات لغتها وتسرد بعض قواعد من اللغة العامية العراقية.(5/11)
على أن الذي فاق الكل بجمعها وترتيبها على حروف الهجاء. وعلق عليها حواشي وما يتصل بها من الحكايات، هو صديقنا صاحب البدائع والروائع الحاج عبد اللطيف ثنيان،
فقد جمع منها ما يزيد على خمسة آلاف مثل وذكرها بالألفاظ التي ينطق بها العوام مع ضبطها بالقلم بموجب أصواتها من مد حروف العلة وقصرها وضبط مالا يصور منها بحركاتنا المعهودة بل بحركات خاصة بالناطقين بها، وبعد أن صورها بما ينطق بها أرداها بصحة اللفظ الذي يقابلها عند الفصحاء وبعد ذلك علق عليها سبب ذكرها أن كان ثم سبب أو شرحها شرحاً يثبتها في الفكر حتى يستعملها الواقف عليها عند الحاجة إليها.
وقد جلبنا لهذه الغاية حركات وشكلات لضبط حروفنا: فاتخذنا الضمة المقلوبة هكذا (،) لتصوير الحرف الإفرنجي فتكتب (القول) على ما يتلفظ به العوام هكذا (القّوْل) - وأتخذنا الفتحة المقلوبة أي (َ) لتصوير الحرف الإفرنجي فتكتب (البيت) وتلفظ - على ما ينطق بها العوام، وأما الحركة المختلسة فجعلناها نصف سكون أو هلالاً صغيراً متجهاً قرناه إلى يمين القارئ أي هكذا (ْ) للإشارة إليه فنكتب (كافر) التي تلفظ فاؤها بحركة مبهمة غير صريحة هكذا (كافر) وتلفظ فالحركة المختلسة غير الصريحة تقابل إذا حرف في كلمة الفرنسية التي هي أداة التعريف للمذكر في اللغة المذكورة أو الحروف المزدوج الفرنسي القصير الصوت لا الطويلة.
وبعد أن وطأنا البحث بهذه الكلمات التي لابد منها، تذكر الأمثال العامية على ما جمعها حضرة الصديق وقد أختار هنا من كل حرف مثلاً واحداً هو المثل الذي أول حروفه حرف من حروف الهجاء العربي، ودونك هذا النموذج:
(لغة العرب)
-
تعريبه:
أبعد أُختي عني ... وخذ حملها مني
مثل يضرب عن لسان النخلة كأنها تقول للزارع عند غرسه إياها. والمراد(5/12)
منه أن النخل إن تباعد بعضه عن بعض حسن نموه وقوي في أرضه وغلظ جذعه وأزداد حمله وهو أمر مشاهد معروف، وأحسن ما يزرع من الفسيل ما يجعل بين الواحد والأخر ما لا يقل عن ثمانية أمتار. وإلاَّ فهناك من يريد تكثير العدد في تلك الفسحة فلا يحصل على نتيجة حسنة. فلو غرست في جريب من الأرض مائة نخلة وغرس آخر فيه مائتين لكان ثمر المائة أكثر
من ثمر المائتين والنخلة بغلظ نخلتين بل أكثر وهلم جرا.
بغلة القاضي
-
مثل يضرب للرجل الحقير يرفع قدره خوفا من سيده أو متبوعه أو غيرهما ولولا ذلك لأحتقر وأنزل إلى منزلته التي يستحقها. يقال أن قاضياً ماتت له بغلة فأمر بسحبها إلى محل بعيد دفعاً لجيفتها فكان خلفها من الناس الذين يخشون سطوته وجوره عدد عظيم. فسأل رجل أحدهم ما هذه فقال (بغلة القاضي).
تعاركت الخيل من كرد السايس
-
تعريبه:
تعاركت الخيل لشقاء السائس
مثل يضرب لكل عمل يكاد يتم حسب رغبة طالبه. ثم يحدث شجار أو منافسة بين من عنده تمام العمل في الأخر فيفسده أو يتأخر عن عمله لأن الخيل إذا وقع بينها عراك لا يتأذى غير سائسها.
ثور معمم
مثل مبني على حكاية يتداولونها وهي أن أميراً كلف أحد ندمائه بأن يأتيه بثور معمم. فأخذ ثوراً من الدواب وعصب رأسه بعمامة وبينما هو قاصداً الأمير إذ لقيه أحد أصحابه، فعجب من عصابة رأس الثور فسأله عن السبب فذكر له رغبة الأمير في ذلك. فقال ويحك إن ذهبت إليه بهذا علم جهلك وأقصاك قال فما وجه العمل؟ قال: تعال معي، فلقيا جاهلاً معمماً وليس فيه من العلم(5/13)
إلاَّ عمامته، فقال له سيدي إن الأمير يريد أن يحظى بلقياك فتعال إليه مع النديم. فذهب معه فلما رآه الأمير أخذ يختبره فإذا به أقل علما من ثور يحسن تدبير أمر معاشه. فشكر نديمه لكن النديم أبى أن يستأثر بالشكر فذكر له عمله وإرشاد صاحبه فطلب ذلك الصاحب وأتخذه نديماً له.
الجود من الماجود مهو من الجلود
-
تعريبه:
الجود يكون من الموجود لا من الجلود
مثل يجيب به من يعاب بعدم التأنق في طعامه أو لباسه، أو بعدم تبرعه بمال جزيل في سبيل أحد المشروعات الخيرية، فيعترف قائله أنه مقل وليس بغني. والجود يكون من وفرة المال. وليس من جلد الرجل ويعني بالجلد رأس المال القليل أو نفقة العيال.
جَلْب البِستان لا يأكُل ولا يخلي غيرَه يأكُلْ
-
تعريبه:
كلب البستان لا هو يأكل من ثمره ولا يدع غيره يأكل منه
مثل يضرب لمن يمنع غيره من الانتفاع من الشيء وهو لا ينتفع منه. لأنه لا يحسن التدبير كالكلب الذي يتخذ لحراسة الحدائق فأنه يمنع الناس من السطو عليها فلا يستطيعون الانتفاع من ثمارها، وهو لا يأكل منها لأنه من أكلة اللحوم فلا هو أذن يستفيد منها ولا غيره فهذا يشبه قولهم: (لا ينام ولا يخلي غيره ينام).
لحساب بالحمام
-
تعريبه:
الحساب يكون في الحمام
الحمام عند لاعبي الجوز هو حفيرة تحفر لي لحف جدار بقدر الكف ويقف اللاعب بعيداً عنها نحو المترين ثم يرمي بالجوز فأن كان الذي في الحفرة زوجاً أخذ مثله. وأن كان فرداً خسره وهو بالعربية (المزداة) يقال زدا الصبي(5/14)
الجوز زدوا لعب ورمى به في المزداة للحفيرة التي يرمي بها الجوز (تاج العروس) وهي الأدحية أيضاً، والدحي رمي اللاعب بالحجر والجوز وغيره، والحفرة أدحية (لسان العرب). فالرمي عند سؤال الواقف على
الحفرة كم عدد جوزك يجيبه (لحساب بالحمام) إذ على ذلك الحساب هو المعول لا على ما يرميه.
خاتم وصايحيله آمين
تعريبه:
ختم القرآن وصاحوا في الدعاء له آمين
كانت العادة إلى ما قبل عشرين سنة عند بعضهم. وقبل نحو ثلاثين سنة عند العموم أن الغلام يرسل إلى الكتاب فيعلمه المعلم قراءة القرآن وكان من قبيل الحرام أن يتناول قلماً للكتابة لأنها لا تجوز إلاَّ بعد أن يختم القرآن فإذا ختمه أقيم له شبه زفاف فيلبس خاتم القرآن أحسن الثياب أو يركب فرساً إن كان غنياً ويدار به في الأسواق والأزقة وخلفه أولاد مدرسته أجمع والمعلم يرأسهم وأمامه أحد التلامذة يقرأ بصوت جهوري دعاء خاصاً وعند كل فقرة ينادي الأولاد: آمين. فصارت مثلاً لمن يقال عنه أنه لا يعرف كذا فيجاب دفاعاً عنه: (خاتم وصايحيله آمين).
دكة بدكة ولو زدنا زاد السكة
-
تعريبه:
دقة بدقة ولو زدنا لزاد السقاء
مثل يقال أنه مبني على حكاية وهي أن رجلاً صائغاً من ذوي المروءات والشرف والعفة كان له زوجة تماثله في أخلاقه ولهما سقاء يأتيهما بالماء إلى بيتهما منذ أمد بعيد وهو حسن الأخلاق حيي أيضاً. فوقع يوماً أن جاءت الصائغ امرأة تريد أن يصوغ لها أساور فأخذ يدها ليأخذ قياسها فمالت إليها نفسه فعصرها متلذذاً. وعاد إلى بيته مساء فقالت له زوجته لقد مر بي اليوم أمر غريب وذلك أن سقاءنا فلاناً دخل اليوم وبعد أن أفرغ القربة جاء إلي وأمسك بعضدي وعصره ثم خرج. فذكر لها ما جرى له. فقالت: (دكة بدكة وإن زدنا زاد السكة).
عبد اللطيف ثنيان(5/15)
خواطر في اسم الآلة
1 - بسط وعذر
كتب حضرة الأستاذ الكبير صديقنا المغربي مقالة ممتعة في (مجلة المجمع العلمي العربي) وسمها باسم الآلة (7: 49 - 61) وأبدى فيها آراء كلها حقائق وكنا منذ أمد بعيد جمعنا مثلها لنبين أن قول النجاة في أن أسم الآلة يبنى من (الفصل الثلاثي المجرد المتعدي) تنقصه تدقيقات عديدة تخالف ما استنتجوه فكانت نتيجته كنتيجتنا أي أنه ذكر من أسماء الآلة المتخذة من (الجامد) أو (المزيد فيه) أو (اللازم) مالا يمكن أن ينكر.
وتسمية بعضهم لهذه الآلات (بأشباه أسماء الآلات) هو من باب التسلية والتمويه معاً. كما أسمى البعض اللديغ سليماً. والأعمى بصيراً. والدميم حسناً ونحن الشرقيين كثيراً ما نحب مثل هذه التسليات أو التعميات أو التشيات أو كل ما تريد أن تسميها أو تنعتها. إلاَّ أن المحاسن لا تنقلب مساوئ كما أن الحقائق لا تصبح أكاذيب أو بالعكس مهما نعتناها أو وصفناها.
على أن إقرارنا بفضل الأستاذ المغربي وصحة استقرائه لما أورد، لا يحدو بنا إلى قبول (المدناة) بمعنى التلسكوب و (المدفأة) بمعنى الصوبا (اللفظة التركية) وذلك لأسباب:
أولاً: لأن (المرقب) التي سبق الشيخ إبراهيم اليازجي إلى وضعها هي أوفى بالمقصود من المدناة لأنها مشتقة من رقب النجم بمعنى رصده. والغاية من وضع التلسكوب هو رصد الكواكب. قال لغويو الفرنسيين: (التلسكوب كلمة منحوتة من حرفين يونانيين وهما: (تلي) أي بعيد و (سكوبين) أي فحص أو رصد أو رقب، ومحصل معناها: ما يرصد به البعيد؛ وهي آلة فلكية تتخذ لرصد النجوم) آه
ونحن نرى في (رقب أو رصد) ما يؤدي المعنى المطلوب، فاشتقاق لفظة من هذه المادة تكفينا مؤونة البحث عن غيرها، والشيخ اليازجي لم يتخذ اسم آلة(5/16)
من رصد إلاَّ لكي لا يختلط أسم المرصد (للآلة وهو بكسر الميم) باسم المرصد (للمكان وهو بفتح الميم) وهناك أمر آخر وهو: إذا سبقنا أحد الأدباء إلى وضع لفظة وأدت ما في الخاطر من الأمنية أو من الوضع، فلا يحسن بنا أن نضع كلمة ثانية وثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له، فذلك ما
يؤدي إلى الفوضى؛ دع عنك أن في قولك (المدناة) مخالفة جمهور النحاة أو الصرفيين وأن لم تخالف ما نقله لنا اللغويون من أسماء الآلة؛ ولهذا أن جمعنا رأي النحاة إلى رأي اللغويين كانت الفائدة أجزل والنتيجة أحسن وأوثق. وعليه: لو قبلنا من باب الفرض كلمة مدناة فلا نقبلها إلاَّ بصورة (مدنية) (وزان محسنة) لأننا بصيغتنا هذه نرضي فريق اللغويين وفريق النحاة، وليس في ذلك أدنى تقييد أو تسجيل على اللغة بالقصاعة والقماءة والكدو أو الحجر أو مهما أردت أن تسميها؛ وسوف ترى أن تسمية الآلة بأسماء متخذة على صيغ أسم الفاعل أو من قبيل أسم الفاعل هو أوسع باب يمكننا أن نلجه لنبلغ غايتنا.
وما نقوله عن عدم استعمال (المدناة) نقوله في عدم اتخاذ (المدفأة) في معنى (المدفئة) واستعمالنا الصيغة الأخيرة أفضل من استعمالنا الصيغة الأولى لأن في(5/17)
اتخاذنا الأولى نخالف رأي الصرفيين أو النحويين وفي اتخاذنا الثانية نجمع بين أراء القبيلين كما تقدم الكلام فويق هذا.
2 - كثرة أوزان أسماء الآلات
ذكر الصرفيون من صيغ الآلة: مفعل ومفعال ومفعلة (بكسر الميم) وزاد بعضهم عليها فعالى كفراش وذكروا أن هناك ما يخالف هذه الأوزان ضبطاً أو صيغة ثم قالوا عنها أنها (أسماء آلات غير مشتقة) وفي كل ذلك من التكلف ما لا ينكر.
أما الحقيقة فهي أن أسماء الآلة تعد من قبيل الفاعل أو ما هو بمعنى الفاعل كصيغ المبالغة وصيغ الصفة المشبهة. وأفعل بوزن المفاضلة وإن لم يكن هناك مفاضلة، أما ورودها على صيغ الفاعل والمبالغة فلأن ما ينسب إلى الآلة هو على الحقيقة من أثر العامل فيها، فالمكنسة لا تكنس من ذاتها ما لم يعالج بها صاحبها الكنس.
وهكذا القول عن سائر الآلات إلاَّ أن للآلة عملاً خاصاً بها لا تراه في عمل الرجل نفسه، فالمنشار ينشر بيد العامل به، فإذا ألقى الرجل عنه الآلة لا يستطيع أن ينشر بيديه، إذن يحق أن ينسب إلى الآلة عملاً خاصاً بها. فإذا كان كذلك كانت هي أيضاً عاملة بهذا المعنى ولما كان عمل الآلة يتكرر وينسب إليها هذا العمل من باب التوسل والتذرع جاز أن ننسب إليها العمل نفسه وننسبه إليها. إذن جاز لنا أن نتخذ لها صيغاً منزوعة من صيغ المبالغة واسم الفاعل والصفة المشبهة ووزن أفعل الذي ليس للتفضيل بل لتحقيق وجود الأمر.
أما أنه يتخذ لها صيغ من المبالغة واسم الفاعل فمفهوم للوجه الذي ذكرناه وأما أنه يتخذ من صيغ الصفة المشبهة فما لا يفهم على أن العاقل إذا تدبر أن معاني صيغ الصفة المشبهة سريعة الزوال لتغيير يطرأ عليها اتضح له وجه التجوز فالحسن مثلاً قد يزول حسنه لمرض يقع فيه أو لتشويه تشوه به أعضاؤه فيزول عنه الحسن لوقت ولهذا لاق أن تكون تلك الصيغ منزوعة من أوزان الصفة المشبهة إذ قد يطرأ على الآلات من العيوب الوقتية ما يطرأ على سائر الصفات.
ومن ثم نرى كثيراً من الآلات جاءت على أوزان هي من صيغ اسم الفاعل أو المبالغة أو الصفة المشبهة.
ونحن نذكر لك هنا أمثلة مأخوذة من الصيغ المذكورة من فصيحة ومولدة(5/18)
فالمولدة تفيدل أن المولدين جروا على أساليب من تقدمهم من فصحاء العرب ولهذا يجوز لنا أن نتأثرهم: والفصيحة تفيدك أن الوضع قديم.
3 - أسماء آلات على أوزان المبالغة والصفة المشبهة واسم
الفاعل والفعل
1 - القدوم (وزان صبور) لآلة النجر والنحت، ومثلها الكتوم (للقوس التي ليس فيها شق).
2 - الأصم (وزان الأكبر) من أسماء الرمح، وكذلك الأظمى كما أن من أسمائه المطرد (وهذا كمنبر) وأنت تعلم إن الرمح من الآلات.
3 - الصوان (وزان لزاز. وفعال هنا بكسر الأول من صيغ المبالغة، يقال إنه للزاز خصومة وملز أي لازم لها موكل بها يقدر عليها) ومثله كتاب وركاب وحزام وإمام ولجام إلى غيرها.
4 - الفأس (وزان بر وشر وعذب وعدل وهي إن شئت جعلتها من صيغ المبالغة وإن شئت اعتبرتها من صيغ الصفة المشبهة) وفي لغتنا آلات عديدة جاءت بفتح الأول وإسكان الثاني مثل زند وسيف ودلو وسوط وسرج ورحل وقوس وعجس إلى غيرها.
5 - الرحى (وزان حسن بفتحتين من صيغ الصفة المشبهة) ومثل الرحى الرسن والقدح.
6 - السكين (وزان قديس وشرير) ومثله السجين.
7 - العسال (بمعنى الرمح مثل جبار وحداد) ومثله: العراث والعراص.
8 - الخاتم (وزان عامل) ومثله: الطابع والفاغر والضابس والرائل.
9 - البرادة (وزان علامة) ومثلها: القذافة والحرارة والطحانة والصفارة والرماثة والنشافة والقداحة والنفاطة والسجادة والفزاعة والدرارة والزمارة والزرافة وما ورد على هذا الوزن شئ كثار يكاد لا يحصى لكثرته.
10 - الوقيعة (كما قالوا رجل نصيحة وفعيلة هنا للمبالغة) قال في التاج الوقية: المطرقة، وهو شاذ لأنها آلة والآلة إنما تأتي على مفعل، اهـ. وقد رأيت إن من أسماء الآلة ما ليس على مفعل ومفعل ومفعلة؛ بل ربما ما وافق هذه الأوزان الثلاثة أقل بكثير مما جاء على الأوزان الدالة على الفاعلية، ومثل الوقيعة الوشيجة الوشيعة.(5/19)
11 - القاذفة (المنجنيق وهي مثل رجل راوية وطاغية) ومثلها: الجامعة وهي الغل.
12 - الأشفى (وهي بكسر الهمزة وفتح الفاء بمعنى المثقب والسراد يخرز به وهو للأساقي كالمخصف للنعال، وهو على مثال كيصي، يقال: رجل كيصي أي منفرد بطعامه).
13 - المحلتان (بضم الميم وكسر الحاء وفتح اللام المشدودة. مثنى المحلة) قال في اللسان: المحلتان: القدر والرحى، فإذا قلت المحلات: فهي القدر والرحى والدلو والقربة والجفنة والسكين والفأس والزند، لأن من كانت هذه معه حل حيث شاء، وإلاَّ فلا بد له من أن يجاور الناس يستعير منهم بعض هذه الأشياء اهـ. ومن ذلك الملعبة: قال في التاج (وفي نسخة الملعبة بالكسر) ثوب بلا كم (وفي نسخة لا كم له) يلعب فيه الصبي، ومثله في لسان العرب اهـ. أما أنه كيف يعتبر الثوب آلة فهو لأنه يتخذ أداة لدفع طوارئ الجو عن جسم صاحبه ومثال المحلة أو الملعبة: المقبلة للفأس وهي أيضاً الموسى (المخصص 11: 26).
14 - الحابول (مثل الفاروق) وكذلك الشاقول والطاحون والناقوس.
15 - أثاث (وزان جبان) ومثله: متاع.
16 - جهاز (مثل دلاص) ويشبه رهاط.
ولا نريد أن نستقصي جميع أوزان الآلات فهي كثير ولكل مها مثال يرى في الصيغ التي تدل على الفاعلية كما تقدم الكلام. واللغويون والنحويون لم يشيروا إلى هذا الأمر مع أن الوارد منها لا يحصى، والذي يكاد يكون قياسياً هو ما جاء من هذه الأسماء على وزن فعال
أو فعالة (بتشديد العين) وما جاء منها على مفعلة (بضم الأول وكسر الثالث) فحينئذ ينقل اللفظ من الوصفية إلى الموصوفية وهذا النقل يكاد يرى في كل مادة واسعة من مواد اللغة فهو إذا ما قيس جميع أبواب الآلة أو أوزانها، ولهذا نخير قول من يقول مدنية ومدفئة وما ضاهاهما على من يقول مدناة ومدفأة لأن هذا الوزن المتخذ من الأسماء اللازمة مسموعة غير مقيسة بخلاف نقل الوصفية إلى الموصوفية فهو أشهر من أن يذكر ولا حاجة إلى القول أنه آمن طريق من سواه، وليس ثم من مانع يمنعنا دون إتباعه بل(5/20)
يوافقنا عليه النحاة واللغويون فضلاً عن أننا نوسع الطريق لمن يريد أن يتخذ مهيعاً للوصول إلى بغيته.
4 - ورود أسماء آلات بصيغة المجهول
من المعلوم أن أسماء الآلة لا تتخذ إلاَّ مما يعالج كما نص عليه جمهور اللغويين والنحاة، وغني عن البيان أن المعالج لا يكون إلاَّ معلوماً، إذ من المحال أن يعالج ما هو مجهول، هذا ما يتضح لكل عاقل عند أدنى تأمل، ومع هذا كله ترى في لغتنا أسماء آلة مصوغة لما لم يسم فاعله. والظاهر أن هذا الأمر غير ممكن، إلاَّ أننا إذ أمعنا النظر فيها نجد أنها لم تسبك في قالب المجهول إلاَّ لصفة اتصفت بها الآلة لعارض عرض لها أو لحادث وقع فيها. وليس لمعالجة أمرها المجهول. إذ هذا أمر غير معقول، ومثل هذه الأسماء كثيرة أيضاً في لغاتنا وعلماء اللغة والنحو والاشتقاق لم ينبهوا عليها، كما لم يشر إليها قصداً حضرة صديقنا المحقق الأستاذ المغربي. بل ولا اعتناقاً. ودونك بعض الشواهد:
1 - المثقف: المقوم من الرماح
2 - المذكر: ما شفرته ذكر وسائره أني (الإسكافي)
3 - المربوع من الرماح بين القصير والطويل
4 - المرمولة: من أسماء الدرع
5 - المرهف: السيف المحدد المرقق الحد (اللغويون)
6 - المسفوحة من الدروع التي كأنها صبت صبا
7 - المشرجع: مطرق لا حروف فيه (الإسكافي)
8 - المضاعفة: من الدروع التي نسجت حلقتين حلقتين
9 - المعلب (كمكرم): الذي قد انكسر فشد بالعلباء
10 - المهلهلة: من أسماء الدروع (اللغويون)
11 - المهند: السيف المطبوع من حديد الهند
12 - الموشحة من الدروع: التي لها حلق صفر
13 - المؤمر: المحدد من الرماح وقيل المسلط
14 - وأغرب الأسماء التي من هذا القبيل هي الموسى وهي آلة الحلاقة،(5/21)
فقد ذهب بعضهم إلى أنها مشتقة من أوسى، فلو كان هذا الإدعاء صادقاً لقالوا الموسي (بكسر السين وبياء منقطة في الأخر أي بصيغة الفاعل) لأن معنى أوسى رأسه حلقه، لكن الموسى هي بصيغة اسم المفعول فيكون معناه المحلوق، والحال لا تكون الآلة محلوقة بل حالقة، إذ الرأس هو المحلوق. ولهذا صدق من قال أن وزن موسى فعلى لا مفعل أي أن موسى مشتقة من مادة الموس وهو الحلق فكأنك تقول الحلقى، كأنها مؤنث الأحلق وهي - وإن لم توجد - إلاَّ أنها تعني الآلة التي تحلق أو ذات الحلق، كما أن الصغرى مؤنث الأصغر أي ذات الصغر حين لا يكون فيها معنى التفضيل، فإذا ذهبت إلى هذا الرأي استقام بين يديك المبنى والمعنى.
فالأموي واليزيدي وأبو عمرو بن العلاء وابن السراج وغيرهم يذكرون اللفظة أي يشتقونها من الموسى: أما ابن السكيت والكسائي والفراء والأزهري والليث ومن تبعهم فأصح نقداً وأصوب نظراً لأنهم يذهبون إلى أن الموسى مؤنثة أي من الموس. وقد ذكروا لهذا الرأي شواهد جمة من كلام قدماء العرب. أما الذين قالوا بأنها مذكرة فلم يوردوا عليها شواهد جليلة قديمة وصحيحة كما جاء معارضوهم بما يدعم رأيهم.
فنحن نتبع من يقول برأي أن الموسى من الموس فهي مؤنثة كما أن فعلى مؤنث أفعل، وأفعل جاء بمعنى الفاعل كقولهم: الله أعلم، أي عالم: والله أكبر، أي كبير: وهذا الرجل الأقل، أي قليل بمعنى الفقير وفيه بقية: إلى غيرها مما جاء فيها أفعل بمعنى فاعل. فمعنى موسى إذن الآلة الحالقة لا المحلوقة إذ هذا يأباه كل عاقل، ولا مزكي له في الاشتقاق ولا في المعنى.
وهناك ألفاظ كثيرة عديدة، وإنما اجتزأنا بما ذكرنا تنبيها للأفكار لا غير ولعل خطأنا في ما ذهبنا إليه أكثر من صوابنا. وهو الهادي.
(الكرمل)
الكرمل اسم جبل قريب من حيفا (في فلسطين) والتوراة العربية المطبوعة في مطبعة الأباء اليسوعيين تضبط اللفظة وزان حرمل أي بفتح الأول والثالث والحل إن العرب لم تضبطه أبداً هذا الضبط والصواب بكسرهما كزبرج والذين في جوار الجبل المذكور من العرب (لا الأعاجم) لا يلفظونه إلاَّ بكسرها فأحفظه.(5/22)
مشيخة آل سعدون في المنتفق وسبب انحلالها
كانت حمولة آل شبيب القرشيين الهاشميين العلويين تتناوب أعضاؤها منذ أمد بعيد على إدارة شؤون ديرة المتفق المترامية الأطراف ثم نبغ في أحفاد شبيب سعدون المحمد المانع وأخوه عبد الله في منتصف القرن الثامن عشر وقد تخللت تلك الحقبة مشيخة منيخر (بالتصغير) من آل صقر وبندر من آل عزيز - ولعل غيرهما - في فترات قصيرة لا يعبأ بها وجميعهم من آل شبيب. ومن بعد سعدون وعبد الله كانت الحكومة العثمانية تسند المشيخة تارة إلى ثامر آل سعدون وطوراً إلى ثويني العبد الله ومن بعد ثامر إلى ثويني وحمود حسبما تدعوه إليها مصلحتها وجاء أن الحكومة أسندت المشيخة مرة إلى نجم أخي ثويني ولم يستقم فيها ولم تفتأ أخيراً الحكومة من إسناد المشيخة إلى أحفاد ثامر دون غيرهم.(5/23)
وكان الشيخ السعدوني - ولا سيما بعد انقراض ولاة العراق المماليك (الكوله من أو الكوله مند) - يتعهد للحكومة بتأدية بدل سنوي من النقود ويقال أنه في بعض الأوقات كان يضاف إليها الحصن الجياد عما يجبيه الشيخ من غلة الأرض عن خراجها الشرعي ومن الضرائب والرسوم والنكال وغير ذلك. وأما البدل فأنه كان يتقرر بذمة الشيخ في نتيجة مزايدة تدعو إليها الحكومة فتسند(5/24)
المشيخة إلى من تراه ملائماً لمصلحتها تبعاً للأحوال بغض النظر عن زيادة البدل وكان يسمى المتعهد بالمال (شيخا) بل (شيخ المشايخ) فهو شيخ لأنه من بيت الشيخ السالف و (شيخ المشايخ) لأنه في الزمن عينه شيخ إخوانه وشيخ مشايخ لثلاث المنتفق وهي:
1 - مشيخة ثلث بني مالك وما يلحق به. من ذلك مشيخة بني أسد (بفتح السين وتشديد الدال وهم بنو أسد) المربوطة أحياناً وفي بعض الشؤون مشيخة المنتفق مباشرة.
2 - مشيخة ثلث الأجود ويلحق به أيضاً مشيخة بني حكيم (تصغير حكم بفتح الحاء والكاف) في بعض الأحيان كرابطة مشيخة بني أسد بمشيخة بني مالك أو أقل من تلك الرابطة في شؤونها وأزمانها.
3 - مشيخة ثلث بني سعيد(5/25)
ولما كان قد زال حكم الولاة المماليك كما أسلفنا وذلك على يد لاز علي رضا باشا الذي دامت ولايته إلى سنة 1258هـ (1842م) أوفدت الحكومة خلفاً له ذلك العام محمد نجيب باشا فقدم إلى العراق (وهو ملتزم الخطة البغدادية مع البصرة وراوندوز مقطوعاً ببدل هو خمسون ألف كيس) ويظهر من هذا الإقطاع أنه لم ينبثق من تباشير الإصلاح الموعود به في الخط الهمايوني المقروء في كلخانه (بكاف فارسية مضمومة وإسكان اللام) في سنة 1255هـ (1839م) إلاَّ أنه جاء بعد ذلك (أن مسلك الرؤساء المرموقين (آل سعدون) وحركاتهم جلب نظر دقة وأهمية الباب العالي وبناء على هذا نصب نفس الاهتمام لاستخلاص المحال المزبورة من أيديهم تدريجاً) وفي شهر رمضان سنة 1265 هـ (1848م) (صدر الفرمان السلطاني بجلب نجيب باشا إلى الأستانة وأسندت ولاية ايالة بغداد إلى المشير صاحب الدولة عبدي باشا لما له من الإطلاع الواسع على أحوال هذه الأيالة وبتولية وال خاص بأيالة البصرة إذ أنها من الولايات التي يجب الاعتناء بها اعتناء تاماً لتمشية أمورها تمشية حسنة على أن تبقى نظارة والي بغداد عليها مع دوام ربط شؤونها الحسابية بأيالة بغداد، وعين للبصرة صاحب المطوفة راغب باشا) (ولسبب تحويل هذا الباشا إلى أيالة جزائر بحر الروم عين مكانه معشوق باشا من أصحاب رتبة مير ميران في شهر شوال سنة 1265هـ (1848م) (وأعزم إلى البصرة. والباشا المشار إليه وأن هو أجرى المتصرفية في البصرة كم سنة لكن كانت المحال التي أجرى فيها النفوذ والحكومة عبارة عن نفس البصرة والمناوي وكردلان (بكاف فارسية مفتوحة وسكون الراء وفتح الدال) وكان شغله كناية عن القوليات)
ومن الإصلاح الذي كان قد وعد به في خط كلخانة أنه صدرت الإرادة(5/26)
السنية الماضية بتأليف مجلس كبير في كثير من الأيالات. وفي رمضان سنة 1267هـ (1850م) صدرت الإرادة أيضاً بتأليف مثل هذا المجلس في بغداد ونصبت له رئيساً سالك أفندي دفتر طرابزون
وفي ذي القعدة سنة 1268هـ عين الكوزلكلي (ذي المنظرات) محمد رشيد باشا والياً على أيالة بغداد ومشيراً لفيلق الحجاز والعراق فاقتفى بالرأي القائل بالاستيلاء على مشيخة آل سعدون فوجه نظره شطر ديار المنتفق لتدير حكومته مباشرة. تلك الديار التي كثيراً ما
نهكت قوى الولاة أسلافه حينما كانت هذه الأنحاء في حالة تؤدي بهم إلى النزول على إرادة زعيم لا يرضيهم سلوكه.
حدق هذا الوالي نظره إلى ديار المنتفق فبلن له أنه من العسر المتعذر وضع يده عليها بأجمعها فوراً بخطوة واحدة دون تمهيد أداري وتوطئة فعلية وأن طال أمدها فسعى في إفراز ما يتسنى إفرازه أملاً أن تستمر الحكومة عله هذه الخطة في كل مزايدة حتى يتم لها الفوز. ولم يخفق الوالي في مسعاه لأنه أقنع الشيخ منصور (باشا) الراشد الثامر بإفراز السماوة بما يتبعها وبعشائرها لإلحاقها بلواء الحلة ففعل وأسند المشيخة إلى الشيخ منصور (باشا) على هذا الوجه ثم وقعت حوادث أسفرت عن استيلاء الجنود العثمانية على سوق الشيوخ فأضطر هذا الشيخ إلى الرضوح لإرادة الوالي ورضي بأن يفرز من ديرته. واضع أخر ونرى حسين باشا (من الأمراء العسكريين العثمانيين) قائم مقام سوق الشيوخ في 14 شعبان سنة 1272هـ (1855م) وللمنتفق شيخا أخاله الشيخ منصور (باشا) بنفسه، وفي تلك السنة أيضاً عينت الحكومة السيد داود أفندي السعي مدرساً(5/27)
ومفتيا في المنتفق مما يدل على أنها نوت تثبيت قدميها لتبقى نافذة الكلمة في تلك الديار.
ولما جاء بغداد الوالي عمر باشا السردار في 5 رجب سنة 1274هـ (1857م) طمع من جهة بشجاعته وقوة حكومته ومن جهة أخرى خاف على صحة الجنود المرابطة في سوق الشيوخ لرداءة هوائها ومائها ووخامتها فجرد تلك القصبة من الجنود فأعاد بذلك إلى آل سعدون ما كانوا يتمنون الرجوع إليه، ومع هذا فأنه بسعي الدفتر دار مخلص أفندي لم يعد إلى المنتفق المواضع المفروزة. ويبين لي أن هذا الوالي تحرى له مخرجاً ليبقي مسحة مما كان قد فعله سلفه فوجده في تسمية الشيخ منصور (باشا) قائم مقام المنتفق مع منح الحكومة إياه رتبة (مدير الأصطبل العامر مع لقب بك) وقد سجلت سالنامة (تقويم سنوي) الحكومة الصادرة في الأستانة لسنة 1276هـ (1859م) أن الشيخ منصور بك (باشا) هو قائم مقام للواء المنتفق وأنه من أصحاب هذه الرتبة وهذا اللقب وأن مركز اللواء هو سوق الشيوخ.
ويظهر لي أن المنتفق قد استاءوا من هذا التطور فأن قائلهم الحادي يقول:
يا أبو علي الموردة ... أميرنا صاير مدير
وإذا مثلنا بين أعيننا المنتفق فعرفنا أنهم جميعهم عشائر وعمائر هان علينا أن نسلم أنهم
كانوا يجهلون وجود إدارة تصلح لشؤونهم غير إدارة المشيخة التي(5/28)
ألفوها منذ نعومة الأظفار أرثا عن الآباء والأجداد وأنهم كانوا مستسلمين رضاء وطوعاً للبقاء على ما وضعه أسلافهم فلا يخامر بالهم تغيير ما أعتادوه وأن نقم بعضهم أو أغلبهم أحياناً على الشيخ في تصرفه في شؤونهم وحالتهم تنبئ باحتفاظهم بكثير من العوائد والأخلاق القديمة التي لم تفعل فيها الأيام شيئاً يذكر.
وفي سنة 1277هـ (1860م) في عهد الوالي توفيق باشا جرت المزايدة بين الراغبين في المشيخة الشيخ منصور بك (باشا) وبين الشيخ بندر الناصر الثامر فأسندت المشيخة إلى الأخير منهما في 20 شوال لمدة ثلاث سنوات ببدل سنوي قدره 4900 كيس مع إفراز جديد من تلك الديار. وذلك المفرز هو أبو الخصيب وباب سليمان في أنحاء البصرة وشطرة العمارة، وغادر الشيخ بندر بغداد في 28 من ذاك الشهر راكباً سفينة شراعية وطريقه على الكوت (كوت العماؤة ولا تقل كوت الأمارة) فالغراف ويظهر أن الشيخ بندر كان يسر بتسميته قائم مقام بدليل أن والدي كان كلما كاتبه عنون كتابه بما يلي:
(صاحب العزة قائم مقام المنتفق بندر بك)
ولما جاء محمد نامق باشا والياً للمرة الثانية ودخل بغداد في 3 شوال سنة 1278هـ (1861م) ارتأى أنه قد حان الوقت لإلغاء المشيخة فوافقه على ذلك الشيخ منصور بك (باشا) فأسند إليه الوالي وظيفة قائم مقام المنتفق على أن تدار شؤون اللواء أسوة ببقية الألوية وعين محاسباً للواء سليمان فائق بك فقد إليه. وكان تعيين قائم مقام يوم الخميس سلخ جمادي الأولى سنة 1280 (1863م) وهو يومئذ في بغداد ومعه أخوه (الشيخ) ناصر (باشا) والشيخ بندر الذي ترفي في اليوم التالي بالحمى فدفن في مقبرة الشيخ عمر السهروردي.
وبعد أن شخص قائم المقام منصور بك (باشا) إلى المنتفق عارض (الشيخ) ناصر (باشا) في الأمر في تلك الديار مما أدى بسليمان فائق بك إلى أن يغادرها فاراً(5/29)
منها وكان قد أقام في سوق الشيوخ نحو شهرين فصمم نامق باشا على أن يستولي على تلك الأنحاء عنوة غير أن برقية وافته من الأستانة تأمره بأن يجهز الفيلق وينتظر الأمر لمهمة. حالت دون تحقيق ما كان قد عزم عليه. فأضطر إلى التساهل فأسند المشيخة إلى الشيخ فهد (باشا)
العلي الثامر سنة 1280هـ (1863م) ودامت مشيخته إلى شعبان سنة 1283هـ (1866) فأسندت إلى الشيخ ناصر (باشا) بموجب شرطنامة باللغة العربية مؤرخة في أول أيلول سنة 1282 أيلولية (13 أيلول 1866م) مختومة بالختم الشخصي الخاص بدفتر دار أيالة بغداد(5/30)
(عبد النافع عفت) وفي وسطها الجملة التركية (موجبنجه دستور العمل طوتلمق) وهي مكتوبة بخط ديواني مؤرخة في 3 شعبان سنة 1283 (1866م) مع اشارة وتوقيع خاصين بالمشير نامق باشا والي بغداد. ومفاد الجملة: (لتتخذ (الشرطنامة) دستور للعمل) أي ليعمل بها.
ومضمون الشرطنامة أنه لما كانت مدة (التزام مقاطعات ديرة المنتفق) قد انتهت وجب وضعها في المزايدة بعد إفراز بعض المقاطعات المجاورة للبصرة فقرر المجلس الكبير بحضور حضرة المشيرية بإفراز المقاطعات المسماة: الفياضية (الفياضي) والعامية ويوسفان وكوت الفرنجي وكباس (الكباسي) الكبير وكباس (الكباسي) الصغير وجزيرة العين وريان وجبارات وكيبان (بكاف عربية) وباغات الصفارية مع توابعها ولواحقها بحدودها المعلومة) ووافق هذا(5/31)
المجلس على حط وتنزيل بدلاتها السنوية البالغة 615، 225 غرشاً من بدل السنة 1281 وهو 3166066 فوضعت مقاطعات ديرة المنتفق في المزايدة مع استثناء تلك المقاطعات التي شرط إفرازها وضم 1740825 غرشاً على الباقي من المطروح منه (شيخ مشايخ المنتفق صاحب (كذا) النجابة الشيخ ناصر (باشا) آل سعدون) وبعد انقطاع الرغبات أضيف على المجموع 47208 غروش وكسر عن رسم خرجباب والدلالية فبلغ البدل السنوي 4338875 غرشاً وبنتيجة الحساب بلغ بدل السنوات الثلاث التي تبتدئ من أول أيلول سنة 1282 أيلولية (1866م) وتنتهي في غاية آب سنة 1285 (1869م) 13016625 غرشاً وقد حول المبلغ في الشرطنامة أيضاً إلى أكياس فبلغ عددها 26033 كيساً و125 غرشاً وأحيلت (مقاطعات ديرة المنتفق) بالأكياس المذكورة إلى الشيخ ناصر (باشا) بكفالة راشد آل سعدون وظاهر آل سعدون على أن يدفع المبلغ إلى الخزينة في بغداد بتقاسيط معلومة وفوض الشيخ في التصرف في (جميع عائدات وواردات ورسومات عشائر المنتفق على المعتاد الجاري سابقاً. وشرط عليه أنه (إذا أحدث رسماً جديداً نضلة عن الرسوم المتعاملة الجارية) تسأله الحكومة إعادة ما أخذه
على هذه الصورة لأصحابه، وإذا تداخل بدل التزام سنة في سنة أخرى فالحكومة مخيرة في فسخ الالتزام أو في مقاضاة الفائض وفقاً للنظام، وأعطى الشيخ هذه الشرطنامة لقاء سند حوى تعهده بمال والشروط وبذيله كفالة الكفيلين وبعد وقوع هذا الالتزام بمدة وجيزة منحت الحكومة الشيخ ناصر (باشا) رتبة أمير الأمراء. وفي تلك الأثناء منحت أيضاً الشيخ فهد (باشا) مثل هذه الرتبة.
يعقوب نعوم سركيس(5/32)
كتب في خزائن إيران
في ديار إيران خزائن كتب عديدة منها ما هي للخواص ومنها ما هي للمدن وليس لهذه المصنفات الجليلة فهارس مطبوعة كما هو الأمر في ديار الإفرنج. وهو مما ينقص في بلادنا الشرقية؛ اللهم إلاَّ ربوع مصر فأن أهلها يضارعون الغربيين في جميع أعمالهم وقد وضعوا لخزائنهم العامة فهارس جليلة مطولة تطلع الغريب على ما في تلك الدور من الدفائن العلمية - وكذلك قل عن الترك وأن لم يصلوا في هذا الموضوع إلى درجة المصريين أو الغربيين.
أما الشرق الأدنى كسورية وفلسطين والعراق وديار إيران فأن الفهارس العامة لا وجود لها.
وقد طلبنا إلى صديقنا العلامة والشيخ المصلح أبي عبد الله الزنجاني أحد أعلام مدينة زنجان، أن يذكر للقراء بعض ما يعرف من أسماء كتب تلك الخزائن. فكتب إلينا المقال الآتي، ونشكره عليه ونستزيده منه ولا سيما(5/33)
نتلمس منه أن يذكر لنا ما يعرف من أسماء كتب التاريخ والشعر الجاهلي وكتب اللغة والبلدان والعلوم والرياضية، خدمة لأبناء العصر ونحن لا نشك في أجابته لطلبنا.
(لغة العرب)
أ - في دار الكتب الناصرية
1 - تاريخ مدينة قم. ترجم من العربية إلى الفارسية وهو موجود في خزانة كتبنا، ورأيت منه نسخة في قم.
2 - الآثار الباقية لأبي ريحان البيروني مجلد فيه ملحقات لم تطبع في أوربة.
3 - تذكرة هفت أقليم، لمحمد أمين الرازي في أحوال شعراء الفرس، نسخته عزيزة نادرة جداً.
4 - تذكرة نصرة في شعراء الفرس.
5 - تذكرة أنجمن للكروسي.
6 - تاريخ أكبر شاهي 4 مجلدات.
7 - تاج المآثر للبسطامي، في أحوال أيبك من خسروانية الهند.
8 - تهذيب اللغة 5 مجلدات.
9 - شرح قاضي زاده، بخط الشيخ بهاء الدين العاملي الشهير.
10 - تحرير المجسطي منه 5 نسخ خطية جليلة.
11 - ثمانية شروح لنهج البلاغة، منها أربعة غير مطبوعة.
12 - تفسير شاهي.
13 - جملة من تفسير الكلزري.
14 - تفسير الملا محمد باقر.
15 - تفسير الملا محمد رضا.
وفيها كثير من الكتب الرياضية الجليلة القديمة، والكتب الخطية، والرسائل المتفرقة.
ب - دار الكتب في المدرسة المرورية في طهران
1 - نسخة جيدة من مقاييس اللغة لأحمد بن فارس
2 - مجلد من قلائد العقيان للفتح بن خاقلن(5/34)
3 - سعد السعود لأبن طاوس، ومنه نسخة خطية في خزانة كتبي الشخصية ونشرت في وصف هذا الكتاب مقالة في الزهراء في سنتها الثالثة في جزئها الثاني من ص 125 إلى 136 وفي ضمنها ذكر عدة كتب من نفائس الآثار فات ذكر بعضها صاحب الفهرست (ابن الندين) وفيها فوائد فراجعوها ثم.
4 - رجال الشيخ ياسين.
5 - جملة من أحوال الدنابلة.
وفيها كثير من كتب الفقه وأصول الفقه ورسائل متفرقة.
ج - دار الكتب الملكية الشخصية
1 - مجموعة رشيدي لرشيد الدين الطبيب وهو أثر نفيس جليل بديع
2 - تاريخ رياض الجنة للزبزري في بلدة خوي
3 - ديوان أبي نواس بخط ياقوت
4 - تاريخ هراة
5 - تذكرة شعراء الفرس
6 - تذكرة الشيخ صفي لأبن البزار وهو أثر نفيس
7 - تاريخ الحافظ أيرو الشافعي
8 - مجلد من المحيط للصاحب بن عباد
9 - دستور الوزراء
10 - مرآة الأحوال
11 - نسخة من تاريخ هفت إقليم
12 - تذكرة الشعراء المعاصرين لفتحعليشاه (لفتح علي شاه) القاجاري
13 - تاريخ طلوع القاجارية
14 - تاريخ العضدي
15 - تذكرة دل كشا
16 - مجلد من معجم الأدباء لياقوت بخط قديم
17 - شرح حالات الأمام زاده عبد الله وأبيه
د - دار الكتب في مجلس النواب (البرلمان)
1 - أنوار الملكوت للعلامة الحلي بتاريخ 793 ومنه نسخة في خزانة كتبنا
2 - مصقل الصفا للسيد أحمد زين العابدين الأنصاري
3 - أنموذج إبراهيمي لميرزا إبراهيم الهمذاني
4 - تحفة الأئمة لملا فتح الله الشهر ستاني.
هـ - دار كتب مدرسة الصدر الأعظم
1 - الطراز للسيد علي خان وفيه زيادات على النسخ الموجودة في النجف والكاظمية.
زنجان (إيران): أبو عبد الله الزنجاني(5/35)
فَوائِد لُغَوِيَّةُ
الشعري غير السكروتة
كتب إلينا أحد الأفاضل في حيدر آباد (الهند) يقول: قرأت في مجلة المرشد البغدادية (1: 312) سؤالاً أجاب عليه أمام أئمة العلماء في الشرق السيد هبة الدين الشهر ستاني ما هذا نصهما:
(س55. هل السكروتة ما يسمونها (بالستكروزة) من الدودة أم من نبات، وهل يحرم لبسها كالحرير للرجال أم لا؟
بيروت: عبد الحفيظ إبراهيم اللاذقي
ج. أن القطعة المرسلة طي الكتاب باسم (الستكروزة) هي من جنس ما نسميه في العراق باسم (الشعري) بفتح الشين المعجمة بعدها عين مهملة ساكنة ثم راء مهملة مكسورة تليها الياء الساكنة. وقد ثبت عندنا بشهادة الثقات من أهل الخبرة أن هذا النسيج معلوم الحال وليس مشكوكاً، ومادته نباتية غير حيوانية أي ليست من مقولة الحرير ولا من دودة القز؛ وإنما هي ألياف شجر يسمى (الجلجل) ويسمى (الكنف) في جيلان بإيران، حيث يزرع بها ويصنع من جيده(5/36)
الملابس ومن رديه الحبال، وتكثر زراعته في الهند ويسمونه (السي) فبناء على ما ذكر لاباس على أحد في لبسه على الإطلاق. ويمتحن الشعري بإحراق شيء منه فأنه يختلف عن محروق الحرير في رائحته ورماده. آه)
فالان أحب أن أعرف: 1 - ما هذه اللفظة السكروزة التي سماها بعد ذلك ستكروزة 2 - وهل هما فصيحتان 3 - وفي أي معجم نراهما 4 - وهل هما عربيتان؟ 5 - وما هو الشعري 6 - وكيف تضبط اللفظة 7 - وهل الشعري والستكروزة هما شيء واحد؟ 8 - وما معنى قوله (من مقولة الحرير) 9 - وهل الشعري هو الجلجل المسمى ب (الكنف) في جيلان والمسمى (السي) في الهند؟
فالرجاء الجواب عن كل هذه الأسئلة. وأشكر لكم سلفاً.
قلنا: السكروتة تصحيف قبيح لكلمة الستكروتة (بكسر السين وفتح التاء وسكون الكاف وضم الراء يليها واو ساكنة ثم تاه مثناة من فوق وفي الآخر هاء) وهي كلمة أعجمية حديثة مصحفة تصحيفاً شنيعاً أيضاً وأول من مسخها بهذه الصورة القبيحة عوام المصريين وهي محولة عن الفرنجية وهي من الإيطالية ومعناهما الحرير غير المهيأ أو القز. والنسيج المذكور يتخذ من الحرير الفج (أي غير مشغول) وقد يكون من الحرير المشغول وهو لين المس ناعمة براق اللون وقد يقلد فيتخذ من غير الحرير، إلاَّ أن ظاهرة يبقى ناعم المس لماعاً صقيلاً. فهذا هو المسمى عند المصريين وعند الإفرنج بالستكروتة، ولما كانت هذه اللفظة من الأعجميات الحديثة الدخول في لغتنا فأنك لا تجدها في معجم من المعاجم المعروفة، بل لا تجدها في المعاجم الفرنجية الحديثة فمعناها إذا القز أو الحرير الفج.
أما الشعري فضبطها كما ذكر العلامة الشهرستاني إلاَّ أن الياء في الأخر مشددة والمراد بالشعري عندنا العراقيين نسيج يتخذ من دود القز غير المؤذي أو دود القز الوحشي ويسمى بالفرنسية وكان سلفنا يسميه (المصقول) لأنه صقيل وكانوا يلبسونه في عهد العباسيين في أيام الصيف كما نلبسه نحن في مثل ذاك الفصل، وعليه قول الشيخ الرئيس ابن سينا في أرجوزته الطبية:(5/37)
الحر في الحرير والأقطان ... والبرد في المصقول والكتان
فأنت ترى من هذا أن الستكروتة غير الشعري أن أردت التحقيق والتدقيق وهو كذلك أن أردت التساهل والتسامح في الكلمة الإفرنجية على ما ذكرناه لك.
وأما قول العلامة الشهرستاني (من مقولة الحرير) فمعناه من جنس الحرير لكننا نجد هذه اللفظة العربية بهذا المعنى في ما وصلت إليه أيدينا من الكتب على اختلاف ضروبها.
وأتضح لك بعد هذا أن الشعري ليس بالجلجل لأننا نفهم بهذه الكلمة في العراق ما يسميه علماء النبات باسم ولا صلة له بالشعري ولا بالحرير ولا بالستكروتة.
أما (الكنف) فهي مأخوذة عن الفرنجية المأخوذة من العربية (خنيف) (ل. ع 4: 47) للكتان الرديء الذي يسميه عوام العراقيين جنفاص وما جنفاص إلاَّ الكلمة العربية المتفرنجة فعادت إلينا بعد أن صفحت ويسميه الأقدمون سلفنا (الخيش). (ل. ع 47: 4)
بقي علينا لفظة (السي) الهندية فأننا بحثنا عنها في المعاجم الهندية التي في أيدينا فلم نجد
لها ذكراً، ولا نعلم مكانها من الصحة والضبط والمعنى. إلاَّ أننا نعلم أن الهنود يتخذون ثياباً لهم من مادة نبات اسمه عندهم جوتة (وزان فوطة) واسمه العلمي
أما من جهة تحريم لبسه وتحليله فراجع إلى علماء الدين الحنيف.
هذا الذي تحققناه ولعل الخطأ في كلامنا والصواب في مقال العلامة الشهرستاني الجليل الذي نقدر علمه كل قدر.
الصلص وتركيبه
طلب إلينا الأديب ر. ب. أن نعيد في هذهٍ المجلة ما نشر في المشرق (798: 24) وهو مما يتعلق بهذا البحث لنجيبه على ما عن له فيه وها نحن أولاً نلبي طلبه وهذا نص ما جاء في المجلة المذكورة.
(الصلص وتركيبه) لم نجد ذكراً للصلص في ما لدينا من المعاجم العربية(5/38)
وقد ورد ذكر الكلمة في طبقات الأطباء لأبن أبي اصيبعة (127: 2) ويظهر من وصفه لتركيبها (كذا) إنها ما يدعوه العامة بالصلصة من الإيطالية فدونك ما كتبه ابن أبي اصيبعة في ترجمة الطبيب النصراني رشيد الدين أبي حليقة قال يذكر بعض حكايات مع الملك الكامل ابن الملك العادل الأيوبي صاحب مصر:
(ومن حكاياته أنه طلب منه يوماً أن يركب له (صلصاً) يأكل به اليخني في الأسفار، واقترح عليه أن يكون مقوياً للمعدة منبهاً للشهوة وهو مع ذلك ملين للطبع؛ فركب له (صلصاً) هذه صفته: يؤخذ من المقدونس جزء ومن الريحان الترنجاني وقلوب الأترج الغضة المخلاة بالماء والملح أياما: ثم بالماء الحلو أخيراً من كل واحد نصف جزء يدق في جرن الفقاعي كل منهم بمفرده حتى يصير مثل المرهم. ثم يخلط الجميع في الجرن المذكور ويعصر عليه الليمون الأخضر المتقى ويذر عليه من الملح الأندراني مقدار ما يطببه ثم يرفع في مسللات صغار كل واحدة منها مقدار ما يقدم على المائدة لأنها إذا نفعت تكرجت وتختم تلك الأواني بالزيت الطيب وترفع. فلما استعمله السلطان حصلت له منه المقاصد المطلوبة وأثنى عليه ثناء كثيراً وكان مسافراً إلى بلاد الروم فقال للحكيم المذكور
هذا الصلص يدوم مدة طويلة؟ فقال له: لا. فقال: ما يقيم أشهراً فقال: نعم فقال: تعمل لي منه رائباً في كل شهر ما يكفيني في مدة ذلك الشهر وتسيره لي في رأس كل هلال. فلم يزل الحكيم المذكور يجدد ذلك الصلص في(5/39)
كل شهر ويسيره له إلى دربندات الروم وهو يلازم استعماله في الطريق وأثنى عليه ثناء كثيراً. آه
قال الأديب: كيف تضبط الصلص وقد جاءت في المشرق مضبوطة ثلاث مرات بفتح اللام 2 - أصحيح أنها لم ترد في كتب اللغة 3 - ألم ترد في كتب المولدين وكيف ضبطت فيها 4 - ما معنى المسللات 5 - هل في هذه النبذة ألفاظ مولدة غير ما أشير إليه في سؤالي؟
1 - الصلص كلمة أسبانية على ما قال دوزي. ودوزي في هذا البحث حجة أعظم من غيره، على أن الإيطالية لا تبين كثيراً عن الأسبانية. وعلى كل حال فهي بإسكان اللام، أن اعتبرنا أصلها إيطاليا أو أسبانيا؛ إذ هي ساكنة في كلتا اللغتين.
2 - وقد وردت في معجم دوزي وهو الملحق بالمعاجم العربية في مادة ساس قال ما معناه: ساسة كلمة أسبانية الأصل بمعنى وقد ذكرها الأب بطرس القلعي في معجمه بهذا المعنى. اهـ. قلنا وقد ضبطها سكون اللام.
3 - وقد وردت في كتب الولدين من أدبائنا: قال في مسالك الأبصار (1: 38) وقد جمعها على أصلاص:
وصبت من أطايب الأصلاص ... حقائبنا مسدودة العفاص
قال الناشر في الحاشية عن الأصلاص: جمع صلصة (معربة عن اللاتينية والطليانية وعند الفرنسيين
قلنا: لو كان المفرد صلصة لما جمعت على أصلاص بل على صلصات. لا جرم أن المفرد هو صلص كما جاء في عيون الأنباء ولذلك جمعوها على أصلاص مثل فرخ وأفراخ. ونظن أن (حقائباً) هنا في غير محلها لأن الحقائب جمع حقيبة والحقيبة خريطة يعلقها المسافر في الرحل للزاد ونحوه. والمراد هنا قوارير واسعة(5/40)
الرأس يوضع فيها الصلص ليؤخذ منها بسهولة كما هي العادة المألوفة في قوارير الأصلاص ومثل هذه الآنية تسمى في العربية (الحواجل) ولهذا نظن أن الأصل كان (حواجلاً مسدودة العفاص). قال في اللسان: الحوجلة ما كان من القوارير شبه قوارير الذريرة وما كان واسع الرأس من صغارها شبه
السكرجات ونحوها. وليس في اللاتينية فلا ندري كيف قال حضرة الصديق أنها من اللاتينية.
4 - المسللات الواردة في عيون الأنباء من خطأ الطبع على ما عندنا والصواب المسلكات جمع مسلكة بتشديد اللام المفتوحة يليها كاف مفتوحة وهي المصاية أي القارورة الصغيرة الدقيقة وهي مشتقة من قولهم رجل مسلك أي نحيف وكذلك الفرس (اللسان) وبالفرنسية
5 - في هذه النبذة عدة ألفاظ مفيدة جديرة بالتدوين منها قوله: (اليخني) فهي كلمة قديمة وقد قال عنها في محيط: اليخنة طعام للمولدين من الخضر واللحم وهي من لحنة بالتركية ومعناها ملفوف. آه
قلنا. في هذه العبارة عدة أغلاط: الأول أن يخني تكتب بياء مشددة في الأخر وليس بالهاء. ثانياً ليست الكلمة تركية بل فارسية وهي (يخني) معنى ومبنى ومستعملة بهذا اللفظ والمعنى في العراق إلى عهدنا هذا. وقد وهم دوزي في نقله الكلمة بالوجهين أي بالهاء والياء. وما ذكر الكلمة بالهاء إلاَّ لأنه أخذها من محيط المحيط المشحون أغلاطاً. وأما في سائر الكتب التي نقل عنها فذكرت كلها يخني أي بياء في الآخر واليخني بالفرنسية
6 - معنى قوله: (ملين للطبع): مسهل للبطن قليلاً وبالفرنسية
7 - (الريحان الترنجاني) هو المسمى بالعربية الفارسية الأصل بادرنجبوية ونحن أهل بغداد نسميه (بلنكو) وبالفرنسية مليس
8 - معنى (تكرجت) قطنت في لغتنا العامية البغدادية والتكرج يكون في الخبز كما يكون في غيره وبالفرنسية
9 - معنى (ترفع) تحفظ إلى حين الاحتياج إليها. والكلمة معروفة بهذا المعنى في لغتنا العراقية وبالفرنسية
10 - (الرائب) المذكور هنا لا يراد به اللبن الرائب بل السائل من الأشياء أي غير الجامد والخائر منها وبالفرنسية(5/41)
11 - (سيرة إلى فلان) معناه أرسل به إليه مع أحد.
هذا ما بدا لنا ولعلنا في كل ذلك مخطئون. وليت أحداً يظهر لنا مواطن الضعف والوهم!
كند وكنداكر
قال في محيط المحيط: الكند (وزان قفل) الشرس، الشديد. فارسي اهـ قلنا: ليس في الفارسية حرف بهذا المعنى. واللفظة لم يذكرها إلاَّ فريتغ في معجمه، وقال عنها وردت بمعنى أي شجاع قوي. ولم يقل شرس. والكلمة أندلسية الأصل (أي إسبانية) وهي ومعناها القومس أو الأمير أو كما نقول اليوم (الكونت) وبالفرنسية فكم من غلط في هذه اللفظة الواحدة! سوء معنى وسوء نقل وسوء أصل!
وقال صاحب محيط المحيط بعد ذلك بصفحة: الكنداكر (وضبطها بضم الكاف وإسكان النون بعدها دال مهملة يليها ألف يخلفها كاف وفي الآخر راء): الشجاع، الجسور، فارسية. آه
قلنا: وهذه أيضاً غير فارسية بل هي مركبة من الأسبانية كند أو الفرنسية ومن عكاء المعروفة عند الإفرنج باسم ومعنى الكلمتين قومس عكاء وبالفرنسية وهو لقب هنري الشاب أو وهو ملك القدس بعد ذلك وعرفه مؤرخو العرب بأسماء مختلفة منها: كنداكرا (بألف في الآخر لا كنداكر كما قال البستاني ولم ينسب قوله: فهو منقول عن فريتغ الذي قال عنها ما قال عن (كند) وفسره صاحب محيط المحيط تفسيرين مختلفين فخطأ بذلك نفسه بنفسه.
ومن أسمائه عند العرب الكندهري (راجع تاريخ أبي الفداء) ومها: الكندكري (أي أنهم صحفوا الهاء كافا كما في روايات نسخ أبي الفداء)(5/42)
إلى غير ذلك من الأسماء وذلك أن هذا الأمير أبلى بلاء حسناً في واقعة عكاء فلما انتهت لقب بأمير عكاء وبالفرنجية كنداكرا أو كنداكري وكان مثالاً للشجاعة والبسالة فنكر بعضهم اسمه حتى أطلقوها على كل من يشبه الكند هنري بصدق بلائه.
وقد ذكر دوزي أنه لم يعرف رجلاً باسم (اكرا) ولم يفهم منها المراد فإذا عرفت تعليلنا صححت رواية محيط المحيط وفريتغ ودوزي ومن نقل عنهم.
أما صاحب أقرب الموارد فأنه زاد الطين بلة إذ نقل عبارة محيط المحيط في الموضعين وقال في كل منهما: نقله فريتغ عن بعض كتب العرب. آه
فأنظر حرسك الله ما يفعل بنا بعض أصحاب كتب اللغة: وكيف يجب علينا أن نتقي شر سوء النقل. وهو الهادي.
موسيقي مذكر لا مؤنث وبآخره ياء لا ألف
يظن أغلب الكتاب أن الموسيقي لفظة مؤنثة ولهذا قال الكاتب أسعد خليل داغر في كتابه (تذكرة الكاتب) ما هذا نصه: (ويقولون: (نادي الموسيقى الشرقي) ومعلوم أن كلمة (الشرقي) في هذا التركيب ليست وصفاً للنادي بل للموسيقي وهي مؤنث. فالصواب إذا أن يقال: (نادي الموسيقى الشرقية) والرجاء إن حضرات رئيس هذا النادي الكريم وأعضائه يقبلون هذه الملاحظة المقدمة بملء الإخلاص ويبادرون إلى إصلاح هذا الخطأ) آه
قلنا: والخطأ من حضرة المخطئ نفسه، لأن آخر الكلمة ياء مشددة وليس الفاء مقصورة كما جاءت في محيط المحيط وكما ينطق بها العوام فهي مثل الأرثماطيقي قال في مفاتيح العلوم ص236 الموسيقي (معناه) (ولم يقل معناها) تأليف الألحان وفي تاريخ الحكماء لأبن القفطي ص84: والموسيقي (الذي هو) معرفة النغم وكذا في كشف الظنون.
أما إن آخره ياء فواضح من قول صاحب الأغاني في أبيات له مكسورة الآخر.
ناي دقيق ناعم قرنت به ... نغم مؤلفة من الموسيقي
(راجع الجزء الأول من الأغاني طبع دار الكتب المصرية ص27 من المصدر)
فأملنا في رئيس النادي أن يبقي القول الصحيح على صحته فيكون العنوان كما كان سابقاً أي (نادي الموسيقى الشرقي) وهي الرواية الفصحى.(5/43)
باب المُكاتبة والمذاكرة
نقد قصة مها
سيدي صاحب مجلة لغة العرب الغراء:
تحية واحتراماً. أما بعد فأشكر لكم تشريفي بالنظر في قصة (مها) ونقدها بواسع علمكم في مجلتكم اللغوية الفريدة التي تعد بحق من مفاخر النهضة اللغوية العصرية، كما أشكر لكم شجاعتكم الأدبية الشريفة الجديرة بأن يؤتم بها، ولا غرو ففضيلتكم أمام اللغة الأسبق في هذا العصر. والقليل الذي تعرفونه عني يغنيكم عن تأكيدي بأني من يرتاح إلى نقدكم أوفى ارتياح لأنه النقد المؤسس على النزاهة والغيرة اللغوية والرغبة في بلوغ الكمال المستطاع. وثقتي هذه برجاحة رأيكم وشرف قصدكم هي التي تدفعني وستدفعني للتعليق على كتاباتكم الحاضرة والمستقبلة لإغراض ثلاثة: أولها زيادة الاستفادة وتبادل الآراء وثانيها تبرير (؟) حسن ظنكم بشخصي الضعيف في المواقف التي يتبادر إلى ذهنكم فيها أني قصرت عن عجلة أو إهمال أو غير ذلك من موجبات التقصير، وثالثها تنشيط حركة النقد التي يتهارب منها معظم الأدباء حتى أصبح النقد الأدبي في العلم العربي أقرب إلى الهزل من الجد (؟) لجنوحه أما إلى المجاملة المرذولة وأما إلى التحامل البغيض مما لا يجدي الأدب أقل جدوى.
إن عنايتكم بنقد هذه القصة لمما يشجع مثلي الذي ينزع إلى خدمة القصص الشعري بغض النظر عن موضوع القصة ذاتها، وأملي أن تسمح الصحة والعمر بأداء بعض هذا الواجب الذي طال على شعراء العربية إغفاله. وما أشك في أن غيري من محبي الشعر القصصي الساعين لنهضته وإعزازه سيشاركونني في هذا التقديم لغيرتكم الأدبية السمحة.
أشرتم إلى أغلاط طبع كثيرة في ضبط الألفاظ وذكرتم مثلين لذلك،(5/44)
والواقع أن هذه ليست من أغلاط الطبع (لا سيما والقصة مطبوعة بعناية وافية) وإنما هي طريقة الشكل المصرية التي ترمي إلى مراعاة الأعراب أكثر من مراعاة النطق خصوصاً وهمزات الوصل مفروض عدم النطق بها، وأشرتم إلى خطئي في قولي (عادلة القوام) على اعتبار أن المعنى المقصود (معتدلة القوام)، ولكن هذا غير مقصود مني إلاَّ تلميحاً بينما المقصود
معنى شعري أدق، كثير الورود في الشعر الغنائي المصري: وهو أن قوامها بار بنظرات عاشقيها ولولا شيوع هذا التعبير في مصر لشرحته. وقد سبق إلى ذلك الشاعر ابن نباتة السعدي بقوله:
أمير جمال والملاح جنوده ... يجوز علينا قده وهو عادل
وتفضل يا سيدي الأستاذ بقبول احترامي الوافر لكم وإعجابي بفضلكم وشكراني لعطفكم.
الإسكندرية 22 فبرير 1927
المخلص: أحمد زكي أبو شادي
(لغة العرب) كل من وقف على قصائد نابغة الشعر العصري القصصي المدرجة في هذه المجلة وفي سائر ما نشر للأستاذ في كتب قائمة بنفسها أو في أشهر المجلات المصرية والسورية والعراقية وغيرها يشهد أن البرود التي توشيها أنامل صديقنا العبقري لا تعارض بشيء مما ينظمه الغير، دع عنك ما هناك من التدفق والسلاسة في التعبير عن الأفكار وتنسيق الصور بأبهى الألوان وأزهاها. إننا نستزيد شاعر العصر من هذه الحلل المتباينة الأصباغ ونشكره باسم جميع الأدباء والشعراء المنتشرين في الأصقاع العربية اللسان على اتخاذ هذا الطرز الجديد في تصوير المعاني إلاَّ أننا نطلب إليه أن لا يجنح إلى الضرائر الشعرية إلاَّ في الندرة وأن كان ما يلجأ إليه هو القليل النزر.
ولقد أفادنا الصديق عن أمر كنا نجهله وهو استعمال كلمة (العادل) بالمعنى الذي أشار إليه. وما علينا إلاَّ أن نحرص على تقييدها في كتبنا إذ كنا نجهل وجودها.
ونحن نشاركه في استعمال الألفاظ المولدة إذا شاعت بمعنى لم يكن يعرفه الأقدمون؛ ولا سيما لأن الاستعمال هو أحسن دليل ليملي على الشاعر ما يريد أن يبوح به.(5/45)
أسئلةٌ وأجوبةٌ
1 - كيف تصغر حيوان؟
2 - أيقال في تصغير ليفة (لويفة) (كحذيفة) أم (لييفة) بياءين يسبقهما لام مكسورة. وأيهما أصح؟ أو أيها أفضل؟ وهل كلاهما جائز؟
3 - ما ترجمة هذه الألفاظ الفرنسية:
أ - ب - ج - د - في مثل قولك هـ - و - ز - ح - ط - ي - ك - ل - م - ن - س -
دمشق: م. خ
والمنيا (مصر) س. أ
1 - يصغر على حييوين بضم الحاء (ويجوز كسرها على لغة) وفتح الياء الأولى وإسكان الثانية بعدها واو مكسورة يليها ياء ساكنة ثم نون ولا يجوز وجه ثالث إلاَّ على لغة قبيحة ذكرها الكوفيون (راجع شئ في تاج العروس)
2 - يقلل في تصغير ليفة: لييفة. على ما ذكرناه في تصغير حيوان ولا يجوز لويفة لأن اللام الثانية أصلية غير مقلوبة عن واو إلاَّ على لغة قبيحة ذكرها الكوفيون. ولييفة بضم الأول أفصح وأصح من لييفة بكسره وهذه أفصح من لويفة التي هي أقبح اللغات وأبعدها عن الفصاحة.
3 - أ - مبضوع وهو مشتق من بضع الشيء أي شقه. قلنا: ولا سيما إذا شقه بالمبضع وهو من أدوات الجراحين فيكون معنى المبضوع الذي أجرى الطبيب أو الجارح مبضعه على أعضائه وهو المعنى المطلوب.
ب - تقويم الأعضاء وهو التثقيف أيضاً وعند القرينة تحذف كلمة أعضاء(5/46)
ج - مقوم أو مثقف (الأعضاء)
د - جاء لها في العربية عدو ألفاظ مترادفة منها (الأرض) قال في التاج (وسبقه كثيرون من اللغويين إلى هذا التعبير): الخال برد معروف أرضه حمراء فيها خطوط سود. وقال المسعودي في مروج الذهب (2: 201 من طبعة باريس): والصورة منسوجة بالذهب
وأرض الثوب لازورد اهـ. والعراقيون يستعملون هذه اللفظة بهذا المعنى إلى يومنا هذا. وبعضهم يقول (أرضية) وهو غير قبيح وله وجه.
ويقال لأرض الثوب (بساطه) أيضاً. وقد نقلنا عن أحد كتب الأقدمين هذه العبارة ونسينا أن نذكر في آخرها مأخذها وهي هذه: بساط الثوب: لونه الأكبر الرئيسي الذي تقوم عليه سائر الألوان وهو الذي يسميه بعضهم (أرضه) والعوام (أرضيته) ويقال أيضاً (ظهر الثوب) تقول أزهار بيضاء منثورة على بساط أخضر أو ظهر أزرق) فالظهر من مرادفاته أيضاً.
ومن أسمائه (القرار) واللغة تؤيده وكذلك (الأصل) وكل هذه الألفاظ سائغة طيبة وهناك غيرها.
هـ - تفاوت اللون: وأن كان هناك قرينة فلا حاجة إلى ذكر اللون.
ويقال للإناث معجل (كمحسن) ومعجل (كمحدث) ومعجال (كمسفار) قال في اللسان بعد إيراد هذه الألفاظ من الإبل: التي تنتج قبل أن نستكمل الحول فيعيش ولدها، والولد معجل (كمصحف). قلنا: وقد يتوسع بها فتطلق على جميع الحيوانات.
أما إذا كان لغير الإنتاج فيقال أبكر ومنه أبكر على الشيء إليه: أتاه بكرة ويقال باكره وبكر عليه وإليه (بالمجرد) وبكر (بوزن التفعيل) وأبتكر: ويقال بمعناه أيضاً عجل (بشد الجيم).
وإذا كانت للنبات فيقال هرف (بتشديد الراء) قال في الأساس: هرفت النخلة عجلت أتاءها تهريفاً. ومنه قول أهل بغداد: (الهرف جرف) أي من جاء بالبواكير. جرف أموال الناس. اهـ قلت: وأهل بغداد يقولون إلى هذا العهد هرفت النخلة. والباكورة (هرفي) وهو أيضاً فصيح منسوب إلى الهرف:
ز - أبكار وتعجيل وتهريف وهرف بموجب ما يراد منها من المعاني.(5/47)
ح - رضاعة (بشديد الضاد) وأسماء الآلة الواردة على فعالة أكثر من سائر الأوزان. والعامة تعرفها بهذا اللفظ أيضاً.
ط - رسالة. وأسماء الكتب المصدرة بهذه اللفظة أكثر من أن تحصى وكلها تدل دلالة اللفظة الفرنسية.
ي - ملحمة (على الفاعلية من الحم) أي مادة من شأنها أن تلحم ما تسدى من أجزاء الليف. وهي بالتأنيث بتقدير مادة.
ك - مدمية وهي مادة تحول غيرها من المواد إلى دم.
ل - مضرعة. والكلمة الإفرنجية مركبة من (أبي) أي على و (ثيلي) أي الضرع ومحصلها على الضرع. ويراد بها نسيج ناشئ من خلايا متجمعة فتكون طبقة أو عدة طبقات تقوم صفائح تغشي ما برز من ظاهر الأجسام أو من باطنها فكأن هذه المادة تنشئ ضروعاً. ثم أن الكلمتين (ثيلي) اليونانية و (ضرع) العربية واحدة في الأصل، وذلك أن اليونانيين ليس في حروفهم الضاد فيحولونها حرف آخر.
وليس في لغتهم عين فيتلاعبون بها. وكلمة (رضع) العربية مبدلة من ضرع كأن معنى رضع مص الضرع فهي أذن ضرع في الأصل لا ر ضع.
م - فارشة. وهي مادة مضرعة متقومة من طبقة خلايا منبطحة وترى في الأوعية والمصليات.
وهذه الألفاظ العربية توقعك على المعاني وقوع العقاب على فريسته، فلا يختاط عليك معنى بمعنى. والإفرنج أنفسهم قد لا يهتدون إلى معرفة معنى كل لفظة من تلك الكلم أن لم يحسنوا اليونانية بخلاف هذه الحروف الضادية. فأنها تظفرك بالضالة نبها وبدون أن تنشدها. وهذا فضل لغتنا على سواها كما هو فضل التعريب الصادق على إدخال الأعجميات في لغتنا مع ما فيها من الضخامة والرطانة والغلظة والمنهجية.
ن - مرهن من رهن (وزان مجمع) ويراد به أسم مكان يقرض فيه دراهم بربى على رهن تودعه فيه.
س - فتين (كصغير) وقوفوي (وزن حباوي) وشبيثي (وزان بيري).(5/48)
بابُ المُشَارفَة والانتقَادِ
1 - الجامعة
مجلة علمية تاريخية فلسفية أدبية اجتماعية
تصدر في بغداد مرة في الشهر أو مرتين وبدل الاشتراك فيها عن 12 جزءاً 15 ربية عدا أجرة البريد
برز أول جزء من هذه المجلة في 15 آذار من سنة 1926 وفي 31 من شهر آذار أيضاً لكن من هذه السنة الحالية صدر الجزء الرابع ولا أرى سبب نعتها بالمجلة مع أنها مجموع محاضرات الأساتذة في الجامعة لا غير وكان يحسن بالواقفين على إخراجها للقوم أن يسموها بمحاضرات الجامعة أو أن شئت فقل الجامعة، ثم أنعتها بعد ذلك بقولك: مجموعة محاضرات علمية. . . إلى آخر ما تريد وكنا نؤمل أن تحسن عباراتها بعد ذلك الاحتجاب الطويل، إذ كنا نتوقع من الأساتذة أن يصقلوا عبارتهم قبل تلاوتها على آذان الطلبة، ولا سيما بعد أن خرج منها أولئك الأساتذة الذين كانوا يصوغون عباراتهم على الطرز البالي المتهرئ. أما اليوم والأساتذة جميعهم من النشء الجديد فكنا ننتظر صحة العبارة، ولا سيما لأن (الجامعة) هي لسان حال عليه علمائنا وكتابنا ومفكرينا أو لا أقل من أن يكون هذا مدعانا.
فقد قرأنا في ص 304 (فكلتا النظرتين تبينت أصابتهما في الأجزاء وظهر خطؤهما في النتائج) ولعل العبارة هي (فتبينت صحة كلتا النظريتين (أو الفكرتين) في الأجزاء وظهر خطأهما في النتائج) وفيها (لأن الكون لم يكن عبارة عن الأجرام وحدها بل أجرام ونظام عظيم) وأظن لو قيل في موضعها (لأن الكون لم يكن أجر أما فقط بل كان أجراماً ونظاماً عظيماً) لكان أجلى بياناً وفيها (التناسخ الحياتي) والسلف لا يعرف هذه النسبة بهذه الصيغة بل كأن يقول - وخلفه الفصح يتأثره أيضاً - (التناسخ الحيوي). وأغلب الأعلام(5/49)
جاءت بصورة شنيعة وأنا أذكر لك شاهداً لكي لا أدفعك إلى السأم مما تطالع فقد جاء اسم الإله المصري (هثور) بصورة (هاطحور) (ص325 و321 و330) مع أن الكلمة مصرية وعربية معاً منحوتة من الهاء التي هي أداة التعريف في القديم، ومن (ثور) بالمعنى
المشهور فيكون معناها (الثور) لأن هذا المعبود كان يصور بصورة إنسان إلاَّ أن رأسه بقرة (راجع معنى هذا اللفظ في ص330 من الجامعة نفسها) فأين هاطحور من هثور وكيف يمكن للباحث أن يحفظ معاني ألفاظ تلك الآلهة، مع أن أسماءها في الاشتقاق لا تختلف كثيراً عما يقابلها في مواد لغتنا العربية ثم أن بعض أراء تلك المحاضرات هي غير صحيحة.
فعسى أن تأتينا (الجامعة) بحلة أحسن من الحلة التي تزف بها الآن للقراء وليس ذلك بعسير على أساتذتها أصحاب الهمم البعيدة الشأو.
2 - الشيخ جمعة وأقاصيص أخرى
تأليف محمود تيمور
الطبعة الثانية منقحة ومزينة بالرسوم طبعت في المطبعة السلفية بمصر سنة 1927 في 170ص بقطع 12
أمران يصلحان ما أود من أخلاق العامة. إذا أتقن صنعهما: الأول مشاهدة تمثيل الروايات المصلحة، والثاني مطالعة احاسن الأقاصيص، وأطيب الأقاصيص التي وقفنا عليها هي في النظم (مها) التي نضد لآلئها أحمد زكي أبو شادي وفي النثر (الشيخ جمعة) التي وثق حبائكها محمود تيمور، فلقد أبدع في تصوير أخلاق العوام من المصريين بأدق تفصيل حتى أنه حبب الحسنات لمن يطالعها، كما أنه قبح السيئات في نظره وهو المنتظر من مثل هذه المؤلفات.
ومما زادها شأناً أنه وضع لكل أُقصوصة صورة أحيا لك فيها القصة حتى أنك أو لم تقرأ الأقصوصة لعرفت مآلها من النظر إلى الصورة، أو أن قرأتها قبل أن تنظر إلى الرسم لشعرت في نفسك بأنك لو أردت أن ترى صاحب الأحدوثة لما رأيته إلاَّ كما مثل لك في الرسم. فلله دره من كاتب فاتن يلعب بالقلوب والأفكار لعب المهرة من السحرة بأفئدة المفتونين.
على أننا كنا نود أن تطهر مثل هذه الأقاصيص من حيث اللغة والنحو حتى(5/50)
تتمكن الفضيلة في النفس وتعرف صحة التعبير في الوقت عينه، فقد قال الكاتب: (فلا أدري إذا كان نصيبي (ص4). والناس حريصون على أوقاتهم (ص6) وهو مساق بحكم بيئته (فيها). .
) إلى غيرها وهي كثيرة. ونظن أنه لو قال في مكانها: فلا أدري أكان نصيبي. . . والناس حرصاء أو حراص (ولا يقال حراص كرمان كما أثبته صاحب محيط المحيط فهذا الكتاب فلك مشحون أغلاطاً). . . وهو مسوق. . . لكان أوجه على أن الذي يشفع لأبن صديقنا هو أنه يكتب للعامة أكثر مما يكتب للخاصة.
3 - المنتخب من شعر أبي شادي
ني بنشره عبد الحميد فؤاد وعبد القادر عاشور، طبع في المطبعة السلفية في 120ص بقطع 16 والثمن 50 مليماً.
نهنئ عبد الحميد فؤاد خريج المعلمين العليا، وعبد القادر عاشور خريج الأزهر ودار العلوم، بطبع هذا المنتخب، فأنه حوى أنواع المعاني الشعرية التي أحسن نظمها الشاعر العصري الشهير، الدكتور أحمد زكي أبو شادي، ولا نخشى من أن نقول: إذا حسن أن يطلق نعت الشاعر العصري على رجل من باب التغليب فهو لا يصدق إلاَّ على أبي شادي، فأنه لم يوقف قلمه إلاَّ على ما يوشي به معاني لم يسبقه إليها الناطقون بالضاد في الزمن القديم، ولا في العهد الجديد. ولهذا نوصي أصحاب معاهد العلم والأدب بأن يقتنوه لأبنائهم. إذ أنه خير ذخر لأذهانهم وأغنى كنز لحافظتهم. وقد شب هذا النضيد ما أحاط بأوائله من تمهيد في (الشعر والشاعر والمقدمة) وبأواخره من (كلمة ختامية) فجاءت الفتنة الشعرية تتهادى بين يدي غاويتين ساحرتين سحراً حلالاً، فأكرم بها فتنة!
4 - الزراعة الحديثة
مجلة تصدر في حماة (سورية)
وصل إلينا الجزء الأول من هذه المجلة فوجدناها حاوية مواضيع مختلفة تتعلق كلها بالزراعة وفي مقالاتها ما هو معرب ومنها ما هو من المتخصصين من أبناء يعرب. وفي تلك المقالات بحث في جنة التوراة جرى فيها صاحبها على(5/51)
مصطلح الترك فقد سعى اللياط (البه تون) (ص3) وسمعت بعض أهل فلسطين يسمونه الباطون وهو بالفرنسية وسمى مدينة سامراء (السامرة) ولا نعلم كيف وهم الكاتب هذا الوهم، وبين سامراء والسامرة مثل ما بين السماء والسلماء، وفي تلك الصفحة أيضاً ذكر القرنة بصورة قرنة (بلا أداة
التعريف) والخطب أهون. وفي ص5: (أن يروا بأم أعينهم) بمعنى بعيون رؤوسهم لكن الاصطلاح قبيح فهو لا فصيح ولا عامي. وفيها (وتعوي في قصورها أبناء آوى) والمعروف (بنات آوى) نعم مفردها: ابن آوى، وأما جمعه فأنه لا يقال إلاَّ بنات آوى. وعسى أن يمحص الكتاب لغتهم ويخلصوها من مبتذل اللفظ فلا يكون الكلم وسيلة لفشو فساد اللغة!
5 - الآثار
مجلة عامة نصف شهرية امتيازاً وشهرية وقتياً، لمنشئها ومديرها عيسى إسكندر المعلوف.
تلقينا الجزء الأول من هذه المجلة النافعة التي تصدر في رحلة (لبنان) وحسبنا وصفاً لها أن نقول أن منشئها هو السيد عيسى إسكندر المعلوف الذي لا يجهله أحد من قراء العربية، فلقد اشتهر بما نشر من المقالات في جميع أبواب الأدب وأفانينه، وهو إذا عني ببحث أوفاه قسطه من التدقيق والتحقيق وهذه (آثاره) من أصدق الأدلة على ما نقول وهي في 48 صفحة كلها فوائد. ومما قرأناه فيها (ص36) (إن الأستاذ أحمد زكي باشا دفع دراهم إلى الأستاذ جورج الكفوري وقال له: اشتهر بهذه النقود إكليلاً من الشبه (البرنز) وضعه على تمثال العلامة المرحوم الشيخ إبراهيم اليازجي وإنقش عليه هذه العبارة:
(إلى أكبر خادم للغة العربية من أصغر خادم لمقومه)
(أحمد زكي)
فجذب الكفوري الإكليل وعليه العبارة المذكورة بخط جميل ووضعت عليه) فما قول بعض الحساد عن هذه المأثرة؟(5/52)
6 - الحياة في لبنان
يتضمن مباحث تاريخية واجتماعية وفلسفية وأدبية وأخلاقية، لمؤلفه توفيق حسن الشرتوني، طبع في المطبعة الأدبية في بيروت سنة 1927 في 232 ص بقطع الثمن.
سفر مفيد لمن يريد أن يقف بسرعة على أحوال لبنان ومدنه الكبيرة والمعيشة في قراه مع مقالات اجتماعية وسوانح ورحلة إلى فلسطين. والكتاب (بضاعة تاجر) حقيقة ومجازاً، لأن مصنفه من الأدباء فطرة إلاَّ أنه اتخذ التجارة حرفة له، فبقي أديباً وتاجراً معاً وهكذا جاء
تأليفه فهو صورة مخزن من مخازنه إذ فيه البضاعة الثمينة والبضاعة المزجاة. فأما الثمينة منها فأفكاره وأما المزجاة فعبارته. فقد قال مثلاً: (جذالة (ص3) والمتخلفون (ص6) ومصيفاته (ص7) وها أنا الآن. . . واهتمامك في. . . فقد قمت بواجبك نحو بنيك كأب. . . أقوم. . . كولد. . . أكون من الأبناء الأوفياء لا من العقوقين. . . (ص8). ولعل الصواب هو: (جزالة. . . والمقيمون. . . ومصايفه. . . وها أنا ذا الآن. . . واهتمامك ب. . . فقد قمت بواجبك نحو أبنائك قيام أب. . . أقوم. . . قيام ولد. . . أكون من الأبناء الأوفياء لا من العققة) أما العقوق فلفظة مؤنثة المعنى والمبنى ويراد بها الحامل من الخيل أو الحائل منها، فأين هذا من الناس، هذا فضلاً عن أن العقوق لا يجمع جمع سلامة بل يكسر. فكنا نود أن نرى الكتاب خالياً من هذه المشوهات.
7 - أنشودة الحب
للكاتب الروسي الشهير تورجينيف، وتليها رواية ربيب بطرس الأكبر العربي للكاتب الروسي الكبير بوشكين، تعريب سليم قبعين صاحب مجلة الإخاء.
لله در الكاتب سليم قبعين! تراه ينقل الروسية إلى العربية بألفاظ تشف عن براعة في البراعة ومهارة في تنسيق اللآلئ. فليس عندنا اليوم بين كتبة لساننا من ينقل إلى لغتنا هذا النقل إذا عرف الروسية لما بين اللسانين من بعد الهاوية فعسى أن يتحفنا دائماً ببدائع مآثر الروس!(5/53)
8 - كتاب السنة للعالم الإسلامي
وهو يحوي ما يتعلق بالإسلام ودياره من إحصاء وتاريخ واجتماع واقتصاد، تأليف لويس ماسنيون، الطبعة الثانية (سنة 1925) طبع في باريس على نفقة أرلست لرو.
إذا كتب العلامة لويس ماسنيون الفرنسي عن موضوع إسلامي قل: هذا فصل الخطاب. والسفر الذي أمامنا وقع في 400 صفحة من قطع الثمن الكبير وهو يبحث عن كل بلد
إسلامي موجود على وجه البسيطة حيثما كان، فيذكر موقعه من كرة الأرض ومساحته وما فيه من المسلمين ومدنه المشهورة ومتى دخله الإسلام واللغة التي يتكلم بها أهله وصورة الحكومة الجارية فيه والإدارة المعروفة فيه فيذكر المذاهب المشهورة والتعليم والمدارس وأجراء العدل والجيش ثم ينتقل إلى الأشغال التي يتعاطاها سكان ذلك الموطن وما فيه من الحركة الاقتصادية من تجارة خارجية وداخلية وموازين ونقود، ثم ينتقل إلى ذكر الحركة الفكرية من نشر كتب وصحف ومجلات وأسمائها. وفي الآخر يذكر عناوين المؤلفات التي أعتمد عليها في إنشاء مقالة عن الموضوع الذي فصل دقائقه.
وفي الصفحات المذكورة يمر أمام عينيك جميع هذه المباحث عن عربة (جزيرة بلاد العرب) والمغرب والنيل ولوبية وأفريقية الغربية وأفريقية الوسطى والجنوبية وأفريقية الشرقية وأوربة الشرقية والبلاد الروسية والصينية والماليسية والهندية والإيرانية والتركية وما تفرق منها في سائر البلاد المعمورة.
فأنت ترى من هذه الفذلكة أن الرجل لم يدع صغيرة أو كبيرة إلاَّ ذكرها وذكرها بعبارة موجزة، حتى لو أراد القارئ أن يمدها بشيء من فكره لوضع سفره هذا في عشرة أجزاء شبيهة بالجزء الذي بين أيدينا. وهل إلى حاجة بعد هذا أن نقول: أن هذا التأليف لا يستغني عنه كل باحث عن الإسلام مهما كان الموضوع الذي يعالجه.
إلاَّ إننا نأخذ عليه شيئين الأول أنه لم يصطلح على وضع حروف إفرنجية مقابلة للحروف العربية التي لا وجود لها عند أبناء الغرب فيكتب مثلاً مهرم وهسين وكازم وسفر ورمدان وفاتمه. وهو يريد المحرم والحسين والكاظم وصفر ورمضان وفاطمة ويكتب ما هو بالسين العربية مرة بحرف إفرنجي ومرة بحرف إفرنجي آخر فيكتب الحسن هكذا أما الحسين فيكتبه هكذا ومن أعياد الجعفرية أهمل كثيراً منها والظاهر أنه لم يطالع كتاب (الإيقاد) المطبوع في النجف سنة 1330 للسيد محمد علي الشاه عبد العظيمي ففي ص261 ذكر مواليد النبي والزهراء والأئمة ووفياتهم على اختلاف رواياتها.(5/54)
باب التقريظ
9 - طهارة أهل الكتاب
للشيخ أبي عبد الله الزنجاني
طبعت بمطبعة دار السلام في بغداد سنة 1345 في 26 ص بقطع الثمن الصغير
كثيرون هم الذين ينعتون بالمصلح الكبير، والعلامة الخطير، والمحقق الجليل، وإذا وقفت على ما فعلوا تقول في نفسك: وهل يقبل هؤلاء المنعوتون بمثل هذه الأوصاف وهي لهم من الألفاظ التي ألصقت بهم من باب التهكم والسخرية ليس إلاَّ، أما صاحب هذه الرسالة فأنه ممن يليق به أن ينعت بالأستاذ المصلح لأن رسالته تحوي نص المحاضرة الجليلة التي ألقاها سنة 1343هـ على جماعة من طلبة العلم ليبين لهم كيف أن بعض الفقهاء أفسدوا بين أبناء الوطن الواحد مدعين أن أهل الكتاب هم نجسون في حين أن كبار العلماء الأقدمين الراسخي القدم في العلم ذكروا أنهم أطهار بخلاف ما أكده بعض ضعفاء الفقهاء أصحاب الأغراض الشيطانية.
وقد أثبت (المصلح الكبير) هذه الحقيقة بأدلة انتقاها من عدة أدلة أخذها من الآيات القرآنية والتفاسير الجليلة ومن نصوص الأحاديث والخبر والأثر. بل من شرح اللغويين على اختلاف نحلهم.
نعم أن هذه الرسالة أثارت أفكار كثيرين من المتعصبين فحملوا على واضعها(5/55)
حملات دنيئة بأقاويل شنيعة، لكن ذلك كله يظهر ما للمصلح الشيخ المجتهد من الفضل البين على من ناوأه وسوف يظهر لنا الزن أن النصر معقود على جبينه في حين نرى على جباه الغير آثار المقت والكره التي وسمت بها بنار كاوية.
10 - الرحمة
مجلة دينية تاريخية أدبية لصاحبها ومحررها القس الياس غالي، وهي تطبع في المطبعة المارونية في حلب في 44 ص من قطع الثمن الصغير.
هذه المجلة على صغرها تحوي مقالات مفيدة دينية وتبعث في النفس محبة الإحسان إلى كل على أي دين كان من الأديان ولهذا ففائدتها عامة وبدل الاشتراك فيها دولار أو عشرون غرشاً مصرياً في خارج سورية ولبنان.
11 - أبيات للخليفة يزيد الأول
أي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أوردها جرجيو ليفي دلافيدا الأستاذ في جامعة رومة.
عثر الأستاذ دلافيدا الإيطالي على أبيات وردت في كتاب خطي في الخزانة الأنبروسية فنشرها في إحدى المجلات الإفرنجية وهي للخليفة الأموي الكبير يزيد بن معاوية، لكنه ضبطها ضبطاً كان يمكن أن يكون أقرب إلى الصحة فقد ضبط تضرم بضم التاء وشد الراء والأحسن هنا بفتح الأول فأنها مخففة عن (تتضرم). وضبط بظلمة بفتح الظاء والصواب هناك بضمها وقال (وان قرعت) (بصيغة المجهول من التفعيل) والصواب (جرعت) (بالوزن نفسه) ليتسق المعنى. وقال (لو أنها يتكلم) والصواب (تتكلم). وقال (أهنى) والصواب (أهنا) بالقصر لأنها مخففة (أهنأ) المهموز. ومع هذه الهنيات نشكر الصديق على علمه، فأن تلك الأبيات كانت مجهولة عند الغير.
12 - رواية نبية لبنان وملك فينيقيا الجديد
تأليف نقولا الحداد، طبعت في مصر سنة 1925 في 153 ص بقطع الثمن.
إذا كان للإفرنج كتاب روائيون يفيدون وطنييهم قلنا روائينا (نقولا(5/56)
الحداد) فأنه ما نشر قصة خيالية أو تاريخية إلاَّ حمل القارئ على تلاوتها من أولها إلى آخرها، ورجع فكره حافلاً بالفوائد التي جناها من تلك الشجرة الطيبة وآخر رواية وقفنا عليها للكاتب الضليع هذه المسماة بنبية لبنان فأنها تكشف لك عما يفعله الحب إذا ثار ثائره في النفس وهي رواية فتى مسيحي وفتاة درزية تحابا إلاَّ أن أهواء الغير حالت دون ما في نفسيهما من الأمنية وهي إنشاء دولة (فنيقية الجديدة).
وفي مطاوي هذه الرواية وصف عادات وأخلاق وتصوير رذائل وفضائل تكاد تجعلك تعيش مع أولئك المذكورين وتراهم وتسمعهم وتجالسهم والفضل في ذلك للكاتب الذي يحيي لك الأموات ويحاكم الرفات. ذلك هو مفعول القلم السيال العسال.
13 - الشرطي
مجلة فنية تهذيبية شهرية، تصدرها في بغداد مديرية الشرطة العامة في العراق لفائدة الشرطة.
صدر الجزء الأول من هذه المجلة الحسناء في أول شباط من هذه السنة فوجدناه حافلاً بأنفع المقالات ودونك عناوينها: أيها الشرطي، علم التحقيق الجنائي، جامعة الشرطي في لندن، البوليس والكهرباء، البوليس المدني، وظيفة الشرطي، ترويض أفكار الشرطي، وقائع محلية، في دوائر الشرطة.
والجزء مصدر برسم ملكنا المحبوب وفيه عدة صور أخرى ولا جرم أن نشر مجلة تعنى بالاختصاصيات لهو أحسن دليل على رقي البلاد فنتمنى لهذه المجلة الانتشار بين الناس جميعهم لما حوت من جليل العوائد.
14 - الضاد
صحيفة أسبوعية غير سياسية تصدر في بغداد لصاحب امتيازها محمد صالح سليم
صدر العدد الأول من (الضاد) بتاريخ 29 تموز سنة 1924 وبعد عددها ال 16 احتجبت عن الأنظار حتى هذه السنة 1927 فظهر عددها ال 17، وعسى أن لا نتوارى بعد هذا.(5/57)
15 - أعلام العراق
كتاب تاريخي أدبي انتقادي يتضمن سيرة الإمام الألوسي الكبير وتأبين العلماء والأدباء وتراجم نوابغ الألوسيين في 345 ص بقطع الثمن، طبع في المطبعة السلفة في مصر سنة 1345، تصنيف محمد بهجه الأثري.
الأثري من أوفى تلاميذ محمود شكري الألوسي فلقد رفع له هرماً أدبياً يطاول أهرام مصر؛ وفي مطاوي بحثه عن أستاذنا المرحوم تعرض لذكر سائر أبناء هذا البيت المشهور بعلمه. على أنه جرى في كل ما وشاه على الطريقة القدمى أي أن التلميذ الوفي لم ير في معلمه إلاَّ الحسنات وربما بالغ فيها وهو أمر طيب من جهة إكرام الموتى: إلاَّ أن التاريخ العصري يود أن تبين بشرية المرء في كل ما أتاه في حياته من الأعمال أدبية كانت أو علمية أو خلقية ليتمثل المترجم له تمثيلاً سوياً لمن يأتي بعدنا فيصدقون ما كتبه المعاصرون وإلاَّ عدوه مدحاً كيل كيلا جزافاً لا قيمة له فيضيع المصنف وتذهب الغاية من وضعه.
16 - شرح قانون تقسيم الأموال الغير المنقولة
تأليف الأستاذ العلامة علي حيدر صاحب شرح مجلة الأحكام الشرعية نقله إلى العربية مذيلاً بملاحظات المعرب الشخصية، محمد مكي الأورفه لي حاكم صلح بغداد، طبع بمطبعة دار السلام في بغداد سنة 1927 في 114 ص بقطع 12.
ألف البغداديون بعد خروج العراق من أيدي الترك كتباً كثيرة وإذا عدت جاوز عدد المطبوع منها في عشر سنوات ما طبع منها في الأربعة القرون التي مضت والقطر في أيدي التورانيين. على أننا نقول أن عربية تلك المصنفات هي أقرب إلى الهندية أو التركية أو الصينية منها إلى العربية، لأنك إذا قرأت منها صفحة لعنت للحال المؤلف والطابع والمطبوع، إلاَّ هذا الكتاب فأنه منقول بعبارة عربية صحيحة فصيحة. ولو زدت على ذلك أن المعرب لم ينقل إلاَّ أحسن كتاب يفيد أبناء الوطن ولم يعلق عليه إلاَّ أحسن الشرح لعرفت ميزته على غيره. ولا غرو بعد هذا من أننا سمعنا أن الناس تهافتوا على مطالعته تهافتهم على ما يغنيهم عن كل تأليف سواه.(5/58)
17 - ذكرى استقلال العراق
أو الجزء الثاني من ديوان الشاعر الاستقلالي عبد الرحمن البناء، طبع في مطبعة الفرات سنة 1927 في 192 ص بقطع الثمن الكبير.
خالف صديقنا البناء مألوف العادات القومية في تسمية كتابه، فأنه لم يعنونه بديوان البناء أو بمثله من العناوين المبتذلة التي إذا سمع باسمها الأديب ألقاها من يده وأن حوت أبدع القصائد، وما ذلك إلاَّ لأن أبناءنا اليوم غير أجدادنا بالأمس، فهم يريدون التجدد في كل شئ حتى في الأسامي والكنى والألقاب.
ولذا نرى بناءنا قد عدل عن القديم الهامد إلى الجديد البديع فصد القصائد العمرانية والمواضيع العصرية ولم ينظم إلاَّ كل ما يطيب ويلذ، بيد أن أغلاط الطبع تشوه الكتاب ففي ص1 جاء: (المذود. . . ضيوني. . . ألفا) والناظم يريد: (الممدود. . . ضيعوني. . . الغناء) وقال فاستقبلوه باليمين. . . كلس الطلى. . . ولم نفهم معناهما فكيف يستقبل المرء باليمين. . . ولعل الثانية هي الطلا. والله أعلم.
18 - الإرشادات الروحية
في معرفة عبادة قلب يسوع الأقدس العصرية، تأليف المنسنيور عبد الأحد جرجي لقلب يسوع الأقدس، الجزء الأول طبع طبعة ثانية بالمطبعة السريانية الكاثوليكية في بغداد سنة 1922 في 468 ص بقطع الثمن الصغير.
المنسنيور عبد الأحد جرجي معروف بنقاه وصدق تدينه. ولما كان كل إناء ينضح بما فيه، نرى هذا السفر النفيس من أدل الدلائل على ما يهوى قلبه. ونود أن يجاريه غيره في سمو الأفكار وتوخي مكارم الأخلاق. فهو يرشد كل سالك إليه تعالى إلى أن يتوخى أقرب الطرق إليه وما بين أعمال البر. فالكتاب من خير ما صنف في هذا المعنى ولا غرو من أننا نره طبع طبعة ثانية في مدة وجيزة لإقبال النفوس الطاهرة على ورود مناهله.(5/59)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - ميزانية العراق عن سنة 1927
كانت تخمينات الميزانية في السنوات الأربع الماضية وما صدق منها على الوجه الأتي:
السنةكانت فأنقلب الزيادة
1923448514 26
1924509527 26
1925533576 40
192670، 41350، 419 ل 9 أشهر50، 61
أما تخمينات هذه السنة من جهة النفقات فهي كما ترى:
28، 570. 785 ويظن أن الدخل يكون 57. 088. 000 فيفضل 9472 وهو مبلغ تافه ولهذا قام النائب يوسف غنيمة مقرر اللجنة فقال: هذه الفضلة مبلغ زهيد لا يعتد به فيخشى من العجز العظيم ولا سيما لأن بعض الدخل (الإيرادات أو المدخولات) غير مؤكد من ذلك ال 18 لكا التي تدفعها الحكومة البريطانية وال 420 ألف ربية التي هي بعنوان (الفائدة) دع عنك النفقات التي تتطلبها وزارة الري والزراعة الجديدة وهي أمامنا وكذلك نفقات المنشآت التي يفرضها قانون ضريبة الدخل. والمبالغ المضافة لإيفاء الديون وتوسيع التمثيل الخارجي إلى غيرها مما يتطلب نفقات جديدة لم تبين في الميزانية الحاضرة تلك الميزانية التي ليس فيها من (الفضلة) بازائها سوى 9472 ربية.
2 - نتيجة محاربة الجراد
بذلت حكومتنا كل ما في طاقتها لإتلاف الجراد قبل بلوغ أشده وهجومه على مزروعاتنا. فكانت النتيجة حسنة في ألوية الموصل وأربيل وسليمانية وكركوك وبغداد وديالى والكوت والدليم لكن في الوقت عينه أصيبت الماشية بأضرار لسوء استعمال الأطعمة المسمومة فقد مات منها بعض الخيل والسالمة لأن تلك المواد المقشوبة (المخلوطة بالسم) وضعت أكواماً بدلاً من أن تبذر على الأرض بذراً. بل سم بعض الزراع لأنهم سرقوا شيئاً من علب
الدبس المسموم(5/60)
لفقرهم وعوزهم فأكلوا منه خلسة ولما ظهرت فيهم أعراض السم نقلوا إلى المستشفيات فعولجوا فتعافوا.
3 - افتتاح مصفى الوند
مصفى الوند هو مصفى نفظ قائم على ضفة نهر الوند الجنوبية في الأراضي (المحولة) على بعد أربعة أميال من خانقين وكانت شركة النفط الإنكليزية الفارسية قد باشرت إنشاءه منذ سنة 1926 وكانت في سنة 1904 قد بدأت بالبحث والتنقيب من غير أن تبدي عملاً خطيراً. وقد تم بناء هذا المصفى وتجهيزه بجميع الآلات والأدوات اللازمة وأنشأت في محطة خانقين معامل ومستودعات عظيمة لنقل النتاج السائل المصفى.
وتاريخ أول حفر في تلك الأنحاء كان في شهر شباط من سنة 1904 وفي تموز حفر إلى عمق 1720 قدماً واستأنف العمل في شباط 1921 حتى حفر إلى عمق 2477 قدماً في البئر المرقومة بعدد 6 وتمكن الرجال من إجراء النفط من هذه البئر إلى مركز التصفية.
وفي مساء الأحد 1 أيار سار قطار من بغداد إلى المصفى وفيه أكثر من مائة راكب من المدعويين بينهم الوزير والعين والنائب والمستشار والقنصل ورئيس الدائرة والصحفي والتاجر والسري والوجيه. وفي نهار الاثنين كان الافتتاح بحضور ملكنا المحبوب.
4 - جلاء الجنود الإنكليزية من العراق
غادرت الجنود الإنكليزية العراق في الثلث الأول من آذار بعد احتلال دام عشر سنوات ولم يبق سوى سرية من الجنود الهندية وقوى الطيران.
5 - سجل على العراق أن لا ينهض
نسف المحفى
كانت الحكومة العراقية أرصدت في السنة الماضية عشرة آلاف ربية لإنعاش العلم في هذه الأديار، فأنشئ محفى يقوم أعضاؤه بوضع مصطلحات جديدة لما أحدث من الأمور والأدوات وحاجات العصر، فدأب أولئك النفر أحسن دأب، إلاَّ أنه نهض في الوقت عينه بعض الحساد وأخذوا يعملون في تحليل عراه فأدعى بعضهم أن الأعضاء غير أكفاء وذهب آخرون إلى نفض حجارته لأنهم لم ينتخبوا اركناً له، ومضى نفر منه راكباً رأسه ليهدم ما
بناه غيره لأنه لم يكن هو الباني. وما زال هؤلاء جميعا من وزير المعارف يقتلون في الذروة والغارب حتى أصدر وزيرها السيد(5/61)
عبد المهدي رسالة إلى كل عضو من الأعضاء ملتمساً منه أن يعمل للوطن والعلم بغير أجرة، مع أن تلك الأجرة لم تكن إلاَّ خمس عشرة ربية على كل جلسة وهي نفقة تصرف على شراء بعض الحاجيات لمن يكون عضواً في مثل هذه المجالس. فأنت ترى أن غاية تلك الرسالة كانت حمل أولئك العاملين على الاستعفاء بأصول لا يأباها الأدب. فخنق ذلك المحفى وهو بعد في القمط.
فتذكرنا أن هذه البلاد لا تنهض طالما ينقسم أبناؤها إلى قسمين: طائفة تبني وطائفة تهدم، وهكذا ذهبت ضياعأً العشرة آلاف ربية لأن ليس هناك من يفكر ولا من يناقش الحساب!
6 - إخفاق مشروع نهر الحيرة
كان يصل الحيرة بالنجف وبكسكر نهر عرف بنهر الحيرة. وكان السدير ما بين نهر الحيرة إلى النجف كما صرح بكل ذلك ابن الفقيه الهمذاني في كتابه (البلدان) ص187 وكان عبد المحسن شلاش في عهد الوزارة العسكرية قد توفق فجمع ثلاثة الكاك ربية لإحياء ذلك النهر الذي سماه عبد المحسن شلاش (ترعة السدير للخورنق أو ترعة سعد ابن أبي وقاص (؟ كذا. ولم نجد لهذه الأسماء ذكراً في التاريخ مع أن هذا النهر كان قبل فاتح المدائن بقرون) إلاَّ أن الوزارة الحالية أحبطت تحقيق ذلك المشروع لأسباب لم يبح بها وزير المالية حالاً يس الهاشمي. فبقي أهل النجف يتضورون عطشاً لأن ماء نهر بني حسن (وطوله الحالي 36 كيلومتر) لا يكفيهم.
7 - الفيصلية بدل السوارية
أبدلت الحكومة أسم (السوارية) (راجع ل. ع 4: 49 و 338 و458 و459) التابعة لأبي صخير باسم (الفيصلية)
8 - فتح نهر العمية
فتح صدر (العمية) وهو من جداول نهيرات المحاويل.
9 - الدول المعترفة بالعراق دولة
هي هذه مرتبة على حروف المعجم: ألمانية وإيطالية وتركية والسويد (أو أسوج) وفرنسة
ونروج واليونان.
10 - اجتماع لجنة الحدود العتيدة للمرة الثانية
بدأ عقد الاجتماع في الجزيرة (جزيرة ابن عمر) في الساعة 10 قبل الظهر نهار الأربعاء 20 نيسان من هذه السنة 1927 وطالت المذاكرات ثلاثة(5/62)
أيام ورجع المندوبون العراقيون إلى الموصل في 26 نيسان وكانوا قد غادروا الحدباء في 18 منه ووصلوا الجزيرة في اليوم الثاني وقد رحب بهم الجيران الأتراك أحسن ترحيب ذهاباً وإياباً بصورة رسمية ملكية وعسكرية.
11 - إطالة مدة دأب مجلس النواب
بعد أن تمت مدة عمل مجلس النواب القانوني، أفتتح نهار الثلاثاء 3 أيار افتتاحاً جديداً ليعقد اجتماعات غير مألوفة تدوم أسبوعين تبسط فيها مناقشة الميزانية وما يقوم عليها.
12 - الربى في العراق وضرورة إنشاء مصرف زراعي
ذكر حمدي الباجه جي في مجلس النواب: (أن الزراع العراقي يستقرض بالربى على حساب 30 أو 40 أو 50 أو مائة في المائة وإذا قلت أيضاً ألفاً في المائة فصدقوني، صدقوني!) آمين.
13 - مصير المدرسة الزراعية في بغداد
كانت الحكومة العراقية خصصت للمدرسة 84. 490 ربية ولم يكن في المدرسة سوى 13 طالباً بينهم واحد فقط من الثانوية والبقية من مدرسة أدنى منها. وكان قد أعلن أن الدروس تكون بالعربية فانقلبت إنكليزية والكثيرون يجهلونها. ولم تعش المدرسة إلاَّ ثلاثة أشهر ليس إلاَّ من بعد فتحها. ثم أعلمت إدارتها التلاميذ البغداديين أن يغادروها وأما الستة الآخرون فينتظرون عودة افتتاحها. وكان يصرف على كل تلميذ 7. 600 ربية ما عدا ما هناك من نفقات الأبنية والأدوات والأثاث بحيث أن نفقة كل تلميذ كانت تبلغ عشرة آلاف ربية.
14 - قدم الحضارة في العراق
عاد الأستاذ وولي إلى لندن بعد أن تولى الحفر في اور للسنة الخامسة فقال في حديث له: نعلم اليوم أن حضارة العراق كانت في درجة رفيعة حينما كان سكان مصر القدماء في حالة الهمجية.
15 - سقوط برد في بغداد
كان أقل حرارة نهار الجمعة 1 نيسان 19 درجة بالمقياس المئوي. فأرتفع فجأة نهار السبت إلى 22 فدل هذا الصعود الفجائي في الصباح انحدار برد. ولقد أثبت الواقع ما نبأ به تغير الجو فسقط في مساء 2 نيسان عند نحو الساعة العاشرة برد ضخم بحجم بيضة الحمام. ونبهت جلبة تساقطه من كان نائماً وأزعج من كان ساهراً في المسارح والمراقص وبعد(5/63)
ذلك سقطت الحرارة إلى مألوفها. وفي أيار عادت الحرارة إلى الارتفاع فجأة إلى 22 درجة وكانت النتيجة أن السماء فاجأتنا ببردها في نحو الساعة العاشرة ونصف مساء لكنه كان بحجم الحمص.
16 - وفاة الكنتس سيدي أصفر
في الساعة السادسة بعد الظهر من يوم الثلاثاء 5 نيسان انتقلت إلى جوار ربها الكنتس سيد أصفر من ضعف قلبها واشتداد التهاب الشعبتين والربو عليها وكانت قد تعمدت في 15 أيار من سنة 1846 فيكون عمرها نحو 81 سنة قضتها في المبرات ومكارم الأخلاق. وكانت من أكبر المنشطين لنشر هذه المجلة منذ أول بروزها إلى عهدنا هذا وهي أول ابنة عراقية تهذبت على الأصول العصرية أي أنها تعلمت القراءة والكتابة واللغة الفرنسية في المدرسة ثم ذهبت إلى بيروت مدة تنيف على سنة لتكمل دروسها وتتقن أشغال الإبرة والصنائع المتعلقة بالإناث وسوف نأتي على ترجمتها في أحد أجزاء المجلة رحمها الله رحمة واسعة!
17 - طرادة (سفينة صغيرة) تغرق في حمام علي
بينما كانت تسير طرادة في النهر اصطدمت بصخرة كانت هناك قرب حمام علي فدخل الماء من خرق كبير حدث فيها فغرقت في النهر والثلاثة الذين كانوا قد ركبوها وهم رجل وامرأة وابنتهما. وقد تمكن الناس من نشل المرأة أما الرجل وابنته فغرقا.
18 - أمطار مضرة
وقعت أمطار قصيرة المدة شديدة الدفعة في شهري نيسان وأيار فأضرت بالنخل إذ كان وقت افترار ثغر طلعه ولا جرم أنه يسقط شيئاً من حمله في هذه السنة أو يسبب له بعض الأمراض وعساها أن لا تكون وخيمة العاقبة.
19 - إلغاء مخصصات الدخن والقهوة
قرر مجلس وزرائنا إلغاء مخصصات الدخن (السكائر) والقهوة في جميع دواوين الحكومة ابتداء من أول السنة المالية الحالية بغية الاقتصاد.(5/64)
العدد 46 - بتاريخ: 01 - 06 - 1927
بسمى أو أدب
لا بسمايا أو مسماة أو بسماة
1 - تمهيد
معرفة أعلام المدن القديمة ودرس الألفاظ المعروفة بها في هذا المهد من الأمور الجليلة، وكثيراً ما يخطأ في تحقيقها علماء الآثار. وقد ذكر صديقنا العلامة الشيخ علي الشرقي أسم تل في هذه المجلة (383: 4) قال عنه ما نعيد حروف نصه: مسماة (وقد تبدل الميم الأولى بالباء فيقال بسماة. وهذه العبارة كانت محصورة بين عضاديتن لتدل على أنها للمجلة لا للكاتب اللوذعي إذا لم نود أن نمس كلامه بأذى) وهي تل جالس في سهل واسع كبير فيه جذور مزارع قديمة وآثار أنهار. اهـ
وقد ذكره حضرة العلامة المحقق في أرض البطائح مما يدل على أنها كانت في سابق العهد كما هي الآن من رقعتها وراجعة إليها في جميع أحكامها.
2 - ما كان اسمها في صدر الإسلام
(مسماة) وأحسن منها (بسماة) واضح من الاثنتين (بسما) بالألف(5/65)
المقصورة القائمة أو (بسمى) بالألف الجالسة أو الياء المهملة وكلها بفتح الأول وإسكان الثاني هي المعروفة عند العوام ب (بسماية) أو (بسمايا) ويجدر بنا أن نترك كل هذه الروايات المختلفة الناشئة من جهل اللفظة الأولى الحقيقية ونتمسك بالصحيحة (بسما) أو (بسمى) لأنها هكذا كان يعرفها الأقدمون من سلفنا.
نعم لم يذكرها ياقوت في معجمه ولا صاحب مراصد الإطلاع ولا معجم ما أستعجم، ولا تقويم البلدان ولا غيرهم من وصاف البلدان والقرى؛ إلاَّ أنها وردت في تاريخ الطبري وكفى به حجة. قال أبو جعفر في أحداث سنة 12هـ (633م) (لما صالح أهل الحيرة خالداً خرج صلوبا بن نسطونا صاحب قصر الناطف حتى دخل على خالد عسكره فصالحه على (بانقيا) و (بسما) وضمن له ما عليهما وعلى أرضيهما من شاطئ الفرات جميعاً وأعتقل لنفسه وأهله وقومه على عشرة آلاف دينار سوى الخرزة؛ خرزة كسرى؛ وكانت على كل
رأس أربعة دراهم وكتب لهم كتاباً فتموا وتم، ولم يتعلق عليه في حال غلبة فارس بغدر.
(وشاركهم المجالد في الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
(هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه:
(أني عاهدتكم على الجزية والمنعة على كل ذي يد بانقيا وبسما جميعاً على عشرة آلاف دينار؛ سوى الخرزة. القوي على قدر قوته، والمقل على قدر إقلاله في كل سنة، وأنك قد نقبت على قومك، وأن قومك قد رضوا بك؛ وقد قبلت ومن معي من المسلمين ورضيت ورضي قومك. فلك الذمة والمنعمة، فأن منعناكم فلنا الجزية؛ وإلاَّ فلا، حتى نمنعكم.
(شهد هشام بن الوليد، والقعقاع بن عمرو، وجرير بن عبد الله الحميري وحنظلة بن الربيع، وكتب سنة اثنتي عشرة في صفر) اهـ
قلنا: صفر من سنة 12 يوافق نيسان 633
وقال المذكور في حوادث سنة 14هـ: (أن أقواماً من أهل السواد ادعوا(5/66)
عهوداً. ولم يقم على عهد أهل الأيام لنا، ولم يف به أحد علمناه إلاَّ أهل (بانقيا) و (بسما) وأهل (أُليسْ) الآخرة) اه
وذكر أيضاً في حوادث سنة 268 ما هذا نصه: وفيها (أي في هذه السنة) كانت لأبي العباس (أي المعتضد بالله بن المتوكل) وقعة بقوم من الأعراب الذين كانوا يميرون الفاسق (أي قائد الزنج) اجتاحهم فيها. . . فوجه (مالك بن أُخت القلوص) إلى البطيحة رجلين من أهل قرية (بسمى) يعرف أحدهما بالريان والآخر الخليل كانا مقيمين بعسكر الخبيث، فنهض الخليل والريان وجمعا جماعة من أهل الطّف. وأتيا قرية (بسمى) فأقاما بها يحملان السمك من البطيحة أولاً أولا إلى عسكر الخبيث في الزوارق الصغار التي تسلك بها الأنهار الضيقة والأرخنجان التي لا تسلكها الشذا والسميريات، فكانت(5/67)
مواد سمك البطيحة متصلة إلى عسكر الخبيث بمقام هذين الرجلين بحيث ذكرنا واتصلت أيضاً مير الأعراب وما كانوا يأتون به من البادية فأتسع أهل عسكره إلى آخر الرواية وهي طويلة واجتزأنا بما ذكرنا للإشارة إلى وجود (بسمى) في ذلك العهد أي في سنة 268هـ الموافقة 881 م.
3 - تصحيفات هذه الكلمة
منيت هذه الكلمة بتصحيفات مختلفة، كأنه قدر لها أن تلوى حروفها مترقصة على الألسن، فلقد ذكرنا تصحيفاتها عند العوام بين بسماة، وبسمايا، ومسماة ومسمايا. وأما المؤرخون الأقدمون الذين تناقلوا الاسم فقد أوردوه بصورة غريبة، حتى أن الباحث ليتيه في تلك المجاهل.
وأول من ضل سواء سبيلها ياقوت، هذا العلامة الكبير. الواقف على مدن العراق أحسن وقوف، فضلاً عن لمعانه في تطلب الحقائق في مظانها والبحث عنها في معادنها، فأنه لم يذكر في معجمه الشهير كلمة عن (بسمى) مع أنه ذكر جارتها بانقيا. وما ذلك إلاَّ لأنه لم يهتد إلى قراءة الكلمة على وجهها الصحيح، فلقد ذكر في مادة بانقيا ما هذا بعضه: (أن خالد بن الوليد سار من الحيرة حتى نزل بصلوبا صاحب بانقيا وسميا على ألف درهم وزن ستة). . . ثم قال بعيد ذلك: (إنك آمن بأمان الله على حقن دمك في إعطاء الجزية عن نفسك وجيرتك وأهل قريتك بانقيا وسميا على ألف درهم جزية). . .
وقد ضبطت (سميا) كما تضبط (سمى) الماضي المضعف الميم الناقص الآخر في المثنى المذكر، كأنه توهم المؤلف أن خالداً اتفق وصلوبا على أن يسميا مبلغ الدراهم. وليس الأمر كذلك لأن تركيب العبارة لا يساعد على هذا، ولا جرم أن النساخ جاءوا فشوهوا العبارة تشويهاً جديداً بأن قالوا في العبارة الثانية(5/68)
(وأهل قريتك بانقيا وسميا) ولعل الأصل كان: (وأهل قريتيك بانقيا وبسما) أي بتثنية قرية. وأن كان يجوز القول الأول أي أهل قريتك بانقيا وقريتك بسما. إلاَّ أن النسخة المطبوعة في ديار الإفرنج جاءت على الصورة التي ذكرناها ولم تصلح النسخة المطبوعة في مصر شيئاً بل زادت طين الأولى بلة بأن جاءت بتصحيفات جديدة قبيحة مشوهة في مواطن جديدة غير مذكورة في نسخة الإفرنج.
أما تاريخ الطبري المطبوع في أوربة فقد ذكر ناشره في حاشية ص 2049 من القسم الأول اختلاف روايات الاسم على هذه الصورة: بسما (بفتح وضم) وبسما (بفتح وسكون) وبسما (بفتح تشديد السين الخالية من الحركة) وبسما (مثلها بفتح المشدد) وبسما (بفتح الباء وتشديد الميم المفتوحة) وبرسوما (والحرف السابق للراء سن حرف غير منقوط ويحتمل أن يقرأ باء أو نوناً أو ياء أو تاء مثناه أو ثاء مثلثة) وباروسما (وهذه مدينة أخرى لا رابط يربطها ببسما) وسميا (بضم السين وفتح الميم وتشديد الياء المثناة المفتوحة) وسميا (بفتح
وتشديد مفتوح) وسميا (بضم وفتح المشدد). اه
قلنا: ولو كان يمكن أن يقرأ رسم تلك الحروف قراءة أخرى لما مضى بها علينا النساخ المساخ.
وذكر لها من التصحيفات الأخرى في ص 2014 من القسم الثلث مما يأتي: بسمى وبسمى (بدون تنقيط) وسمى (بدون تنقيط أيضاً) فجملة هذه التصحيفات ثلاثة عشر، فإذا أضفنا إليها تصحيفات العوام في هذا العهد وعددها ثلاثة صارت ستة عشر ولا نظن أننا بلغنا الحد ولعل هناك غيرها لم نظفر بها، بل يعثر عليها غيرنا.
ومن الغريب في هذا الباب أن العلامة الكبير م. ج. دي خويه. من أعظم علماء البلدان بما يتعلق بالشرق، ولا نظن أن في بلادنا من جاراه أو يجاريه في هذا البحث. ومع ذلك تراه قد وهم وهو أيضاً في هذه القرية أو المدينة أو ما شئت أن تسميها، وذلك أنه فرز في فهرس الأعلام بسما عن بسمى فذكر للأولى أي (بسما) مواقع وجودها من تاريخ الطبري. وذكر الثانية بقوله: (بسمى بالبطيحة) وبين محل وجودها وورودها في التاريخ المذكور، مع أن الحقيقة هي أن الاسمين هما لمسمى واحد لا غير ولو أمعن في نظره لوجد أن ما ظنه قريتين إحداهما قريبة من بانقيا نفسها. ولم يهف علامتنا هذه الهفوة إلاَّ لأنه لم يعرف حدود البطائح أما الآن وقد اطلع القراء على ما ذكره صديقنا الدراك. فلا يغلط الواحد فيها.
4 - أدب أو بسمى في التاريخ القديم
ليس في كتب السلف ما يدلنا على حالة بسما أو بسمى في التاريخ القديم إلاَّ أن الأميركيين الذين نقبوا في تلك الأطلال وقعوا على أنباء تاريخية ممتعة جداً وهنا نترك الكلام لصديقنا البحاثة يوسف رزق الله غنيمة ليذكر لنا ما عثروا عليه في هذا الموضوع.(5/69)
مخطوطة في تراجم علماء الموصل
في القرن الثاني عشر للهجرة
تمهيد
من المجاميع التي وقفت عليها في دمشق مجموعة تاريخية ظهر لي من ملاحظات كثيرة أنها من خزانة المرحوم الشيخ أبي الفضل محمد خليل المرادي مؤلف تاريخ (سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر) المطبوع في أربعة أجزاء طبع الأول والثاني وأقل من نصف الثالث في الأستانة وطبع باقي الثالث والرابع في بولاق بمصر وذلك سنة 1291 و 1301هـ. وقد اعتمد المرادي على هذه المخطوطة في تراجم الموصليين كما اعتمد في تراجم الحلبيين على ابن ميرو ومسودة هذا عند الصديق المؤرخ الشيخ كامل الغزي في حلب والمبيضة بهذه المجموعة الحاوية كثيراً من الفوائد غير هاتين الرسالتين. أما المرادي فتوفي سنة 1206هـ.
فلهذا عارضت هذه المخطوطة الموصلية بما كتبه المرادي في (سلك درر) ووضعت هذه المقالة تعريفاً للمخطوط وإظهاراً لمصادر تاريخ المرادي:(5/70)
وصف المجموعة
هي رسالة في أربعين صفحة بقطع الربع وبخط نسخي ديواني عليه مسحة من الطلاوة وقد تغير الخط في بعض الصفحات بزيادة بعض التراجم كما سيجيء ولقد بحثت عن مؤلف هذه الرسالة الموصلية فلم أقف على حقيقة اسمه وقد جاء في صدرها هذه العبارة أنقلها بالحرف:
(هذه أوراق في ترجمة بعض العلماء والشعراء والأدباء الناشئين في بلدة موصل الخضراء (كذا) في تاريخ المائة الثانية عشر (كذا) من هجرة سيد البشر والذين هم (كذا) قبل المائة بسنين الخ)
وعند معارضة الرسالة بتراجم السلك قرأت في الجزء الرابع منه والصفحة ال 233 في ترجمة يحيى الموصلي نقل كلام الروض فيه وهو مناسب لما في الرسالة باختصار ولكن
سجعاته مطابقة بعضها بعضاً وبعد قوله (انتهى) أي كلام الوض قال ما نصه: (وله شعر لطيف منه قوله مقرظاً على الروض لعثمان أفندي الدفتري:
عقود وشحت صدر الطروس ... أم السكر المخامر للنفوس الخ)
وفي المخطوطة ما نصه: (فمن بعض شعره العربي قال محسناً (كذا) لكتاب أدب ألفه بعض الأدباء من الأحباب وهو هذا:
عقود وشحت صدر الطروس ... أم السكر المخامر في النفوس الخ)
فإذا كان قوله (وهو هذا) إشارة إلى الكتاب فيكون اسمه (الروض لعثمان أفندي الدفتري) وإذا كان قوله إشارة إلى النظم فهو شئ آخر.
وفي الرسالة أعاد هذا الكلام أكثر من مرة منه في ترجمة (محمد أمير بك ياسين زاده) بقوله ما نصه: وهذا نظمه تقريضاً (كذا) وتحسبنا لكتاب عثمان أفندي الآتي ذكره وهو هذا:
لله روض نضير جل عن شبه ... قد حاز منتخب الآداب والكتب الخ)
فقوله (الآتي ذكره) يشير إلى كتاب (الروض النضر في أسماء رجال العصر) لعثمان أفندي بن علي العمري الذي ترجمه بعد محمد أمين ياسين ومقابل كلامه الذي في الصفحة اليمنى والترجمة في اليسرى مع اسم الكتاب.
ولم أجد إشارة أخرى تدل على صاحب هذه الرسالة ولكن المرادي كلما نقل عنها يقول (وترجمه بعض فضلاء الموصل) و (قال بعض علماء الموصل) وأحياناً(5/71)
يقول (وترجمه صاحب الروض) وطوراً يقول: (وترجمه السيد أمين الموصلي).
وإذا جردنا التراجم وعارضناها بما نشره منها المرادي باختصار نراها كما يأتي مرتبة بحسب ما هي في المخطوط مبتدئاً بآل سيد فخري من السادات:
1 - السيد فخري أو فخر الدين ترجمه المرادي (4: 3) فقال: ترجمه بعض أفاضل الموصل الخ) ونقل نحو نصف ترجمة المخطوطة بسجعها فوقع فيها أغلاط منها (نجوم المعاني) والصواب (المعالي).
2 - نجله السيد يحيى المفتي ترجمه المرادي (4: 233) فصدر الترجمة بما قاله السيد محمد أمين الموصلي في حقه ثم انتقل إلى ترجمة الرسالة فقال: (وترجمه صاحب
الروض) وأورد بعض السجعات التي في المخطوطة (وذكر من شعره تقريظ الروض لعثمان أفندي الدفتري كما سبقت الإشارة في التمهيد.
3 - نجله الثاني السيد عبد الله كاتب إنشاء ديوان بغداد وهذا لم يترجمه المرادي وكانت وفاته سنة 1188هـ في بغداد وترجمته في المخطوط مع نخبة من نظمه في ثلاث صفحات.
4 - نجله الثالث السيد حامد أبو المحامد وهذا لم يترجمه المرادي أيضاً بل ترجمته المخطوطة في نصف صفحة ولد سنة 1122 وتوفي سنة 1291.
5 - نجله الرابع السيد عبيد الله وهذا لم يترجمه المرادي توفي سنة 1189 وترجمته في نصف صفحة أيضاً.
6 - السيد محمد أسعد أفندي نجل السيد عبد الله أفندي المار ذكره لم يترجمه المرادي ولد بالموصل سنة 1248 ونشأ ببغداد وتوفي سنة 1294.
7 - السيد خليل البصيري من أبناء عمهم ترجمه المرادي (2: 102) وتوفي سنة 1175 كما في المخطوطة وسنة 1176 كما في المرادي، وقال المرادي أن ولادته سنة 1112 فيكون عمره (46 سنة) والمخطوطة عينت عمره سبعين سنة والمرادي سماه (البصير) وترجمته له على غير نمط المخطوطة ونقل الأشعار التي فيها إلاَّ بيتين في الأخير. وزاد في المخطوطة أن له ديوانين بالتركية والفارسية مثل ديوانه بالعربية.(5/72)
8 - ابن أخيه السيد حسن أفندي المفتي اليوم في الموصل (أي بزمن المؤلف) لم يترجمه المرادي. وترجمته بالمخطوطة في نحو صفحة.
9 - ومنهم السيد علي أفندي العمري ترجمه المرادي (3: 231) وخالف المخطوطة بترجمته بلا سجع وأشعاره غير ما في الخط على أن المخطوطة أهملت ولادته ووفاته.
10 - أخوه السيد محمد لم يترجمه المرادي. قال في المخطوطة أن له أشعاراً بالتركية والفارسية والعربية توفي سنة 1187 وذكر بعض منظومه العربي وترجمته في نحو صفحة.
11 - السيد عبد الله نجل السيد خليل البصيري لم يترجمه المرادي وترجمته بالمخطوطة في نصف صفحة وقال أنه بلغ خمسة (كذا) وأربعين سنة عندما ترجمه وله أشعار بالتركية والفارسية ولم ينشر له شعراً عربياً.
12 - السيد سليمان بك ابن السيد حامد أفندي الشهير بفخر بزاده (كذا) وهو على ورقة زيدت على الرسالة بخط آخر. ولد بالموصل سنة 1166 وله منظومات عجيبة بالتركية لا تحصى وأورد له مقطوعة عربية وهذا لم يترجمه المرادي. وترجمته بالمخطوطة في صفحة ونصف.
13 - السيد عبد الغني ابن السيد حامد من آل فخري ترجمته المخطوطة في ثلثي الصفحة وذكرت مولده سنة 1149 وأما المرادي فلم يترجمه.
14 - أخوه السيد محمد ابن السيد حامد ترجمته المخطوطة بنصف صفحة أو أكثر وذكرت أنه شاعر بالتركية والفارسية وأن له شيئاً من الشعر العربي منه بعض أبيات في تخميس الهمزية ذكرتها ولم تشر إلى ولادته والمرادي لم يترجمه.
15 - السيد أحمد ابن السيد حامد من آل فخري قال في صدر ترجمته بالمخطوطة ما نصه: (هذا هو المحرر لهذه الترجمة. لم يستأهل لينسب نفسه إلى الفضل والتكرمة. لجواز مدح الإنسان غيره فلذا ذكرنا خصال هؤلاء ذوي المآثر والكمال. ولكن لا يجوز أن يمدح نفسه لأن تزكية النفس لا تجوز قال عز وعلا: ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى. وينشأ من تزكية النفس الإعجاب(5/73)
بالرأي والتقليد وأتباع هوى النفس وقد أمرنا بمخالفتهما. قيل لحكيم: ما الصدق القبيح قال: ثناء المرء على نفسه، هذا إذا كان فيه ما يثنى عليه فكيف إذا لم يكن، وكان خالياً مثلي من الخصال الحميدة ولكن التحدث بنعمة الله مأمور به إذا لم يقصد التزكية لنفسه وقد أنعم الله تعالى على عبده الفقير بنصيب من القراءة والتحرير وشئ من الأشعار التركية والفارسية ومن العربي قليل لا كثير الخ) انتهى وذكر بعض شعره. وذكرت المخطوطة مولده سنة 1148 والترجمة في نحو صفحتين أما المرادي فلم يذكره.
16 - محمد أمين بك ياسين أفندي زاده وله نسبة قرابة لآل السيد فخري فهم أخواله الكرام ترجمته بالمخطوطة في أكثر من صفحة وذكرت أنه طبيب وشاعر بالعربية، وهو الذي قرظ (الروض النضر) كما سبق لعثمان أفندي العمري وقالت أن عمره قريب من ستين، وله نثر وشعر كثيران، أما المرادي فلم يترجمه.
17 - عثمان أفندي ابن علي أفندي العمري نسباً ترجمه المرادي (3: 164) ترجمة أطول
وأوسع مما في المخطوطة، وكتب سيرته الصديق الأستاذ كاظم الدجيلي في مجلة لغة العرب هذه (3: 22) وهو مؤلف (الروض النضر في أسماء رجال العصر).
18 - أمين أفندي ابن خير الله العمري هذا لم يترجمه المرادي. بل ترجمته المخطوطة فقالت فيه: (له آثار غريبة في فن لسان العرب قد ألف نسخاً مدونة في أنواع الشعر وأصناف الأدبيات ما لو نظر الناظر فيه لأذعن لمؤلفه وراويه) الخ. وذكرت له تاريخاً لوفاة السيد يحيى فخري المفتي سنة 1187 وترجمته في نحو صفحة.
19 - جرجيس أفندي الأربيلي (كذا بمعنى الأربلي) ترجمه المرادي (2: 9) بعبارة غير أسجاع المخطوطة وذكرت المخطوطة قطعة شعرية لم يذكرها المرادي وهي معارضة عثمان أفندي له.
20 - ملا موسى المدرس ابن جعفر الحداد مات سنة 1186 بالطاعون(5/74)
عن نحو سبعين سنة ترجمته في نحو صفحة ونصف وله أشعار ولكن المرادي لم يترجمه.
21 - الملا سليم الكردي هاجر إلى الموصل منذ أربعين سنة كما قال مؤلف الرسالة وترجمه في نحو ثلثي الصفحة وهو من الصالحين لم يذكره المرادي.
22 - مصطفى أفندي الغلامي مفتي الشافعية في الموصل سابقاً وله أشعار منها في مدح السيد عبد الباقي العمري عم السابقة ترجمته عثمان العمري لم يذكره المؤلف ولكنه قريب العهد به ولعله توفي نحو سنة 1130 أو فوق ذلك وأما المرادي فلم يذكره وترجمته بالمخطوطة في أكثر من صفحتين.
23 - ابنه المفتي الشيخ علي الغلامي المتوفي سنة 1191 عن سبعين سنة ترجمه المرادي (258: 3) باختصار دون تسجيع ولم يتحقق وفاته ولكن المخطوطة عينت ذلك كما سبق آنفا. وله بالمخطوطة قصيدة لأمية من بلاد الروم يتشوق بها إلى وطنه مطلعها:
برق تألق في الظلام المسدل ... فأثار في الأحشاء ذكر الموصل
وترجمته المخطوطة في صفحة ونصف.
24 - أخوه شيخ الأدباء ملا محمد الغلامي الشاعر ترجمته المخطوطة في نحو ثلاث صفحات. وترجمه المرادي (4: 124) بخمسة أسطر نقلاً عن محمد أمين الموصلي وقال: (له قريض لم أقف عليه وإنما سمعت به من بعض أولاده) على أن المخطوطة ذكرت له
بعض أشعاره واختلفت سنة وفاته بين الترجمتين فالمرادي جعلها سنة 1176 والمخطوطة سنة 1186 بالوباء.
25 - الحاج حسين أفندي الغلامي لم يترجمه المرادي وترجمته المخطوطة في نحو صفحة وذكرت له أشعاراً وكان حيا عند ترجمته.
26 - يونس أفندي الغلامي كاتب الإنشاء والديوان سابقاً لوزير أمين باشا لم يترجمه المرادي وترجمته المخطوطة في نحو صفحة ونصف وذكرت من نظمه تقريظ (الروض النضر) الذي ذكر غير مرة في هذه العجالة.
27 - ملا علي الوهبي الشهير بالجعفري لم يترجمه المرادي وترجمته المخطوطة في صفحتين ونصف وله أشعار نشرت بعضها.(5/75)
28 - عثمان آغا ابن عمر آغا الحاجي بكتاش زاده وترجمته المخطوطة في صفحتين ونصف ولم تذكر وفاته، أما المرادي (3: 162) فترجمه وقال أنه نقل عن ترجمة بعض فضلاء الموصل له وذلك هو ما في المخطوطة من الأسجاع وذكر وفاته في أواخر القرن الثاني عشر وله قصيدتان في كل شطر منها تاريخ هجري لسنة 1187 يدلان على براعته بالنظم.
29 - خليل أفندي ابن إبراهيم آغا بكتاش زاده وهذه الترجمة بخط آخر على ورقة ملصوقة بالكراس وهي بالخط الذي ترجمت فيه سيرة سليمان بك فخري أو قريبة منه في صفحتين ونصف وذكرت له بعض أبيات من بديعيته ألتزم فيها تسمية النوع بالتورية وأشعاراً أخرى. وأما المرادي فلم يترجمه وبها انتهت الرسالة.
الختام
أن هذه الرسالة مسجعة إلاَّ قليلاً على طريقة (نفحة الريحانة) ونحوها وفيها فوائد كثيرة لم يذكرها المرادي في ما ذكره منها وكذلك في ما فاته أو أهمله، وفيها أحياناً بعض عبارات تركية الصيغة على مثال ما كان يكتب المرادي في (سلك درره) غالباً.
فلعل في ما ذكرته منها الآن أدلة على معرفة واضعها بمعارضته ببعض كتب التراجم للموصليين ولا سيما (الروض النضر) وأما (روض الدفتري) فلعله من المخطوطات التي هي دفينة الخزائن، وذلك موكول إلى أدباء العراق بل أدباء الموصل. فعساهم يتوفقون إلى
معرفة المخطوطة ومؤلفها فتنجلي الحقيقة الغامضة عنها.
هذا ما رأيت الآن نشره عن هذه الرسالة ضناً بها أن تفقد فنخسر ما فيها من التراجم التي نحن في أمس حاجة إليها في هذا العصر الذي أهمل في أوائله وما قبلها تدوين التراجم وذكر مآثر العلماء والله الميسر.
زحلة (لبنان) في 30 ك2 سنة 1927
عيسى أسكندر المعلوف مؤلف تاريخ الأسر الشرقية العام(5/76)
الأمثال العامية البغدادية
2 - ذيل الجلب خلوه بالكصبة أربعين يوم ما تعدل
-
تعريبه:
وضع ذنب الكلب في قصبة أربعين يوماً فلم يعتدل
مثل يضرب للرجل المعاند الذي لا ينفع فيه كلام ولا تأديب ومهما علموه لا يتعلم بل يكون دائباً في جهله فاعلاً لما يريده غير ملتفت إلى أحد لا أدباً مع الغير ولا حياء من الناس.
ركصني فندح يا مستوره
تعريبه:
أرقصني عملك يا مستورة
مثل معروف مبني على حكاية تتناقلها الألسن، وهي: أن رجلاً أراد السفر إلى الحجاز فأودع القاضي ما يملكه، وبعد عودته طالبه به فأنكره عليه وطرده فخرج بأسوأ حال. فلقيته إحدى النساء العاقلات وهي تعرفه فسألته عما أصابه حتى ظهر اليأس على صفحات وجهه فقص عليها ما لقيه من سوء معاملة القاضي له، فأشارت عليه أن يحضر إلى القاضي في الغد حين دخولها عليه ويطالبه بماله، فلما كان الغد دخلت على القاضي وهي تحمل من المال أضعاف ما للرجل وقالت له: أيها القاضيان زوجتي عازم على السفر للحج ويريد مني أن أرافقه وهذا ما نملكه، ولم أجد من أودعه إياه غيرك لما عرفت فيك من الأمانة. فرأى القاضي أن المال ما عنده فأغتبط به وإذا بالرجل دخل عليه(5/77)
يطالبه بوديعته فقام للحال وسلمه ماله بختمه وعند خروجه دخلت مسرعة جارية المرأة وهي تقول: سيدتي تخبرك بأن سيدي بدا له أمر غير فكره فعدل عن السفر فجمعت المال وخرجت وهي تهلهل (تزغرد) فأخذت الجارية ترقص ومعها الرجل يرقص فرحاً بماله فخرج القاضي وأخذ يرقص معهم فسألته المرأة قائلة يا حضرة القاضي أن الرجل يرقص فرحاً بماله وأنا أرقص فرحاً بعدول زوجي عن السفر والجارية ترقص كذلك لبقائنا في محلنا فما الذي
أرقصك أنت؟ فقال: (رقصني فندح يا مستورة)
زَعَلِ بِلَّوَل ولا عَتَبٍ بِتّالِي
-
تعريبه:
الامتعاض في أول الأمر خير من العتب في آخره
يضرب لمن إذا كلف بعمل دقق نظره فيه وحاج وتحمل الاعتراضات قائلاً ولو أني أكاد أغضبك بأقوالي فذلك خير من أعمل قبل التحقيق وتأخذ بعتابي: لماذا فعلت كذا ولم تفعل كذا؟ بعد أن يكون الأمر قد نفذ ولا يمنك إعادته فالكدر في الأول خير من العتب في الآخر.
سب عِنَبِ الأسود
-
مثل يضرب لمن يغضب من قول لا صلة له به. وينقل في ذلك حكاية وهي أن رجلاً كان مع جماعة فجرى ذكر الحجاج بن يوسف الثقفي وفي زمانه فقال الرجل: اللهم سود وجهه وأقطع عنقه واسقنا من دمه. فبلغ الأمر الحجاج فجاء به وقال ماذا قلت عني لم أقل عنك شيئاً قال بلى، فقد بلغني أنك كنت في محل كذا وقلت كذا وكذا: قال نعم أيها الأمير قلت كذا ونحن تحت كرم عنب أسود وقد اشتهيت النبيذ وهو دم العنب ولا يكون إلاَّ إذا تم سواده ونضج وقطف، فتركه لحسن تخلصه.(5/78)
شِجْرِةٍ ما تِجَلْجلْ على أهَلَها كَصها أولى
-
تعريبه:
الشجرة التي لا تظلل أهلها قطعها أولى
مثل للرجل الذي لا يقوم بأود عياله وكفايتهم. فوجوده وعدمه سيان، بل ربما كان عدمه خير من وجوده، لأنهم يعولونه فضلاً عن أنه لا يعولهم ويقومون بما يلزمه فلو هلك لاستراحوا منه وكانت حالهم أحسن مما هم فيه.
صَوْفْتَه حَمْرَة
تعريبه: أن صوفته لحمراء
مثل يضرب لمن أشتهر بأمر ما من الأمور، كأن لو أشتهر بأنه سارق، فإذا سرق شيء من أحد يقال: أن السارق هو فلان لأنه مشهور بالسرقة فكما أن الكبش الأحمر الصوف لا يتغير لونه أبداً كذلك يبقى ذو الطمع على طبعه فلا يتغير ولا يزال معروفاً به.
ضارْبَه أبو اسمعيل
-
تعريبه: حَل به الفقر
أبو إسماعيل كنية الفقر عند العوام ويكنى به عن المفلس. والسلف منا يكني عن الإفلاس ب (أبي عمرة) قال شاعرهم: (أن أبا عمرة شر جاد)
(لسان العرب)
طبيعة بالبدَنْ ما يغيَرها غير الجفَن
-
تعريبه:
طبيعة بالبدن لا يغيرها غير الكفن
مثل يضرب لغلبة الطبع على التطبع والطبع لا يمكن تغييره ما دام الإنسان حياً(5/79)
إذ لا يمكن أن يغلبه التطبع فمهما حاول إخفاء ما يكنه ضميره ظهر من حركات أعضائه أو من فلتات لسانه ما ينم على داخله ولذا لا يترك ما هو عليه إلى أن يموت. ومنهم من يقوله (طبيعة بالرأس ما يبدلها ألف مداس) والمداس هو الحذاء، أي ولو ضرب ذو الطبع السيئ ألف نعل على رأسه فلا يمكن أن يترك طبعه أو ما جبل عليه.
ظَلَم بِسِوِيه عدلٍ بالرعبه
-
تعريبه:
ليكن الظلم على السواء في الرعية كما يعمهم العدل
مثل يضرب عند السماح بأمور إلى ناس دون أناس وعقاب أناس دون أناس فيتظلم المعاقب وينطق بهذا الكلام لأن من عمل عملاً مثل عَمُله ولم يلاق جزاء مثل ما لقيه هو حق له التذمر، أما إذا تساوى الأمر بين الكل فلا يشكو أحد لأن ليس من يشكو في زمن العدل.
عَيْنَك على مالَك دَوه
تعريبه:
نظرك على مالك دواء له
مثل يضرب لمن يوكل أحداً بأمره أو عمله متكلاً عليه فيفسد العمل، أما الذي يعمل بنفسه فيصلح، فيقال ذلك. ومن ذلك قولهم:
تعريبه: (قلت له يا مال إلى أين رائح (إذ رأيته سائباً) فقال صاحبي ليس معي اذهب إلى حيث أشاء.
الغَرْكانْ يِجَلّبْ بِذْيالَه
-
تعريبه:
الغريق يتعلق بأذيال ثيابه
يضرب لمن وقع في داهية فأخذ يستنجد وليس من منجد ويسأل ولا يعطى(5/80)
ويستميح وليس من كريم ويستنصر وليس من يدفع عنه الأذى، ظناً منه أن ذلك يجديه نفعاً كما أن الغريق يتشبث بما تقع عليه يده ظناً منه أنه ينجيه ولو كان ذيل أزاره أو ردائه ومنهم من يقول (الغركان يتشبث بالحشيش) أي أنه يتعلق ولو بحشيش طاف على وجه الماء.
فوك الحمل عْلاَوَه
-
تعريبه:
فوق الحمل يحملني علاوة
يقال عن لسان الدابة أي فوق الحمل الذي جعل عليها وهو فوق طاقتها وضعت علاوة. والعلاوة في اصطلاحهم سلة صغيرة تجعل فيها فاكهة ويؤتى بها إلى صاحب البستان أو لتهدى صديق، والكلمة العربية إذ العلاوة ما وضع بين العدلين ومن كل شيء ما زاد عليه (القاموس) ويضرب لكل من يكلف بأمر ثم يزاد عليه بطلب أمر آخر.
قنِع الآغا أو قنع حاج أحمد آغا
مثل مبني على حكاية يتناقلها البغداديون وهي أن امرأة عجوزاً جاءت إلى الحاج أحمد آغا (وكان طابور أغاسي على الجندرمة في بغداد) شاكية ابنها المعاق وأنه ضربها ضرباً مبرحاً، فأغتاظ الآغا غيظاً شديداً. وأمر أثنين من جلاوزته أن يذهبا معها ويأتيا بابنها، ويجراه جراً عنيفاً ولا يتأخر عن ضربه فخرجت معهما وقد أثر فيها الأمر الصادر على ولدها فأخذها الحنان بعد هذا: ثم رأت في طريقها غلاماً عدواً لأبنها فأشارت إلى الجلاوزة أن هذا أبني فتعلقا به وأهاناه وهو يعجب من الأمر ويستغيث وليس من مغيث حتى وصلا إلى الآغا. فسأله قائلاً أيها السفيه لماذا ضربت أمك، قال: مولاي أن أمي قد ماتت منذ عشر سنوات، وهذه ليست بأمي؛ فأحتدم الآغا غيظاً وأمر فانهالوا عليه بالضرب قائلاً هل تنكر أمك فوق ضربها؟ فلما رأى الغلام أن إنكاره يزيد في ضربه ولا يجاوبه نفعاً ولا مناص له من الاعتراف قال ماذا تأمر يا سيدي قال أن تحملها على ظهرك حتى توصلها إلى بيتها. فحملها ومعه أحد الجلاوزة فمر في طريقه بأخ له فسأله(5/81)
أخوه: ويحك ما هذه التي تحملها؟ قال: أمي. قال ويلك ألم تمت أمك قبل عشر سنوات؟ فأجابه: أن كنت رجلاً فأذهب و (قنع الآغا) فأني كلما قلت أنها ليست بأمي لم يقنع فذهبت كلمته مثلاً.
كل لشَّه معَلَّكَه من كراعها
تعريبه:
كل ذبيحة معلقة بكراعها
مثل ينظر إلى الآية الكريمة (ولا تزر وازرة وزر أخرى) إذ كل إنسان مأخوذ بعمله أن
خيراً فخير وأن شراً فشر، واللشة مأخوذة من لاش الفارسية وهي الحيوان الميت أو المذبوح على خلاف ما يوافق الشرع (ترجمان اللغات) ولعل ما يوافق الفارسية الكلمة العربية الجلف وهو بدن الشاة المسلوخة بلا رأس ولا بطن ولا قوام وقيل الجلف البدن الذي لا رأس عليه من أي نوع كان.
(لسان العرب)
لابِسِ البِيْت ومِطَلّع أِيْديْه مِنِ الرِوازِيْن
-
تعريبه:
ثوبه البيت وهو يخرج كميه من الرواشن
مثل يضرب للمفلس لا يملك شيئاً ومثله قول الشاعر (لبسوا البيوت وزوروا الأبوابا) والروازين جمع رازونة وهي تعريب روشن أو روزن الفارسية وهي كالمشكاة لأن المشكاة كل كوة غير نافذة، والسدة ما يبقى من الطلق المسدود (تاج العروس).
مِن صُوْفْها جَتِّفها
مثل يضرب لمن يطلب من آخر مالاً لإكمال عمل أو غيره ولمن يشكو تضعضع ملك يستغله، أي من أجرته عمره. وهو مأخوذ من ربط الشاة بحبل من صوفها.
نَصْبَه على كَصْبَه والكَصْبَه مُلْكِ الجِيْران
-
تعريبه:(5/82)
يأمر بعنف على قصبة مع أنها ليست له بل للجيران
النصبة عندهم الأمر بشدة وعنف فهو يقول لماذا تأمر بعنف على قصبة مع أنك لا تملكها بل هي ملك الجار فلو كانت لك فماذا كنت تفعل؟
وِيْن ما تِرْزَك اِلْزَك
تعريبه:
حيثما تجد رزقك أثبت
مثل يضرب لمن أتصل بشخص واستفاد منه فائدة مالية فواظب على البقاء معه فإذا سئل عن سبب ملازمته له أجاب هذا الجواب.
هَلْبابْ لِهَلْخَرابْ
-
تعريبه:
هذا الباب لهذه الخربة
مثل يقوله من يتخذ مؤونة رديئة لبيت قديم فيعترض عليه. أي لا يليق بهذا البيت الخرب سوى هذا الباب القديم المهشم إذ لا يليق به باب قوي جميل ويستعمل لكل شيء زري يتخذه رجل غير شريف أو لزواج عبد بجارية أو نحو ذلك.
يمدَحْنِي ما دامْ صُبْعِي بِحَلْكَه
تعريبه:
يمدحني طالما تكون إصبعي في فيه
يضرب لمن يمدح رجلاً ثم يترك ذلك فيسأل الممدوح عن السبب فيجيب أني كنت محسناً إليه فمدحني، فلما أنقطع عنه ما كان ينتفع منه ترك المدح. وهو ذم للمادح إذ لا يمدح إلاَّ طالما يكون مغموراً بالنعمة فهو لا يمدح ممدوحه لكرمه وحسن أخلاقه بل لأنه ينتفع منه، فالمدح لانتفاعه بالموجود لا لوفائه وقوله الحق.
عبد اللطيف ثنيان(5/83)
مشيخة آل سعدون في المنتفق وسبب انحلالها
- 2 -
لا ينكر أن ذلك التطور - وقد عقبه الارتكاس - لم يحدث شيئاً مهماً في هذه الأنحاء ولابد للمصنف أن يذهب إلى أن قلب هذه الإرادة ظاهري سهل لكنه عسر؛ فلم يكن الأمر من الهنات الهينات يوم كان جيش الحكومة جيشاً لا يعتد به منه ما يسمى بال (هايته) والموظفة تلك الفئة المعروفة بمساوئ(5/84)
الأخلاق وتشويش النظام ومن هم على هذه الشاكلة من الجنود، ولا وسائط للسفر وللنقل إذ ذاك لدى الحكومة إلاَّ ظهور الخيل والإبل والبغل والحمير والسفن الشراعية ولا وسائل لها لإيصال الأخبار من هذه الأنحاء النائية وإليها إلاَّ السعاة وهم يمرون في سيرهم بأرضين قطانها لا يقلون بداوة عن أهل الديار ويتفانون في حفظ ابتعادهم عن سيطرة الحكومة. فضلاً عن تلك الأحوال - وجميعها بجانب آل سعدون - هناك عامل آخر هو أن آل سعدون(5/85)
في ديارهم فموقفهم موقف مدافع يكافح عن نفسه كلما أختلف في الأمر وناوأتهم الحكومة. ولهذا كان آل سعدون أقوياء أشداء يصعب على الحكومة تذليلهم ورضخهم. ومع إقرارنا بذلك كله علينا ألا نسهو أن ديار المنتفق لم تكن إلاَّ مشيخة تعتمد على نفسها لا على غيرها فلا تستمد قوة من ناحية أخرى وأن نابهي آل سعدون كانوا يتزاحمون على مشيخها إذ كل منهم يرى في نفسه الكفاية لمسندها. ولقد زاد موقفهم حرجاً بعد أن بدأت الحكومة بإيفاد ولاتها من الأستانة إلى العراق وعدلت عن أقطاعه للولاة مقطوع مسمى، وبعد أن تعددت الدخانيات وهي تمخر الفرات ودجلة وأن كانت الدخانيات في عهد طفولتها بالعدد والحجم وهي تحرق الأحطاب النابتة على ضفاف الرافدين لبعد منال الفحم الحجري. وجاء آل سعدون شيء آخر لم يكن في الحسبان هو مد سلك البرق فكان يطير الأخبار فأصبح هذا العصر بدخول هذه الاختراعات في العراق عصر تجدد فعل في نفوس المنتفق وآل سعدون ما تفعله اليوم الاختراعات الحديثة في النفوس ولا سيما في نفوس الأعراب.
ولما أزفت ساعة فتح ترعة السويس (1869م - 1286هـ) التي كان ينظر المفكرون إلى ما ستحدثه في الشرق وفي اجتماعياته واقتصادياته جاء اتفاقاً نصب مدحت باشا المعروف
بمقدرته وحنكته والياً على العراق فدخل بغداد في 18 المحرم سنة 1286هـ (نيسان 1869م) وهو يجزم على تطبيق نظام الولاية وهي أصول حديثة وضعت سنة 1281هـ (1864م) وقد عهد إليه تطبيقها فأنصرف يسعى في انتقاء الأسباب التي توصله إلى الغاية التي يتوخاها في رفع مستوى القطر العراقي وانبرى يشوق الأهليين بهمة ونشاط للسير مع مدنية العصر. ولقد استرعى نظره اختراع البواخر والسلك البرقي فذكرهما في بحثه(5/86)
عن لزوم أتباع الرقي البصري في خطاب أورده في بغداد عقب قراءة فرمان توليته على العراق. ولعله أراد بذلك أن يشير من طرف خفي بما عند الحكومة من الوسائل الجديدة لاستمالة من كان يظن فيه المخالفة لآرائه.
ومما قام به هذا الوالي في باب إدارة العشائر أنه أستقدم إلى بغداد الشيخ ناصر باشا المتربع على مسند المشيخة يومئذ وكان قد بقي من مدة مشيخته مدة قليلة فقدم الشيخ ناصر باشا في 21 ربيع الأول سنة 1286 (1869م) فأبان له الوالي خطة التجدد التي يجب السير عليها فرغبة في قبول تحويل المشيخة إلى متصرفية بالفعل لا بالاسم مع بناء حاضرة في أرجاء المنتفق تسمى (الناصرية) وعدد له حسنات الاستقرار في موضع والعدول عن الحل والترحال والسعي وراء ترقية الزراعة. فتفرس الشيخ ناصر باشا في الأمر ففقهه وعلم أم وراء الأكمة ما وراءها من أن الحكومة قد صممت على ما ترتبه وأن وسائل المقاومة التي لديه لا تجديه نفعاً فلا ممكن من ردع الحكومة عن مبتغاها فأنصاع للأمر وعين متصرفاً وعين معاوناً له قائم مقام الهندية السابق صاحب الرفعة عبد الرحمن بك ونائباً عبد القادر أفندي الآلوسي ومحاسباً الحاج سعيد أفندي من موظفي محاسبة الولاية.
وفي 2 جمادي الأولى من تلك السنة ركب ناصر باشا الدخانية عائداً إلى المنتفق وفي 17 من الشهر شخص من بغداد إلى المنتفق المحاسب الحاج محمد سعيد أفندي ومعه رفقاؤه الكتبة ثم أسفرت الحالة عن أجراء الترتيبات والتنظيمات الإدارية أسوة ببقية الألوية طبقاً لنظام الولاية. وجاء في ذلك التطور بناء الناصرية وتفويض الأراضي الأميرية بسندات الطابو تبعه القانون.
مر بك في ما تقدم تطور المشيخة حتى صارت متصرفية ليست أذن المتصرفية بنت
الساعة - كما يظنها كثيرون وينسبها بعضهم إلى استسلام ناصر باشا -(5/87)
إنما هي بنت أعوام كثيرة بعيدة ولقد رأينا أن الكوزلكلي هيأ الأرض لهذه البذرة وجاء نامق باشا فزرعها وبعد بقائها في الأرض الوقت اللازم نبتت في موسم لاءمها إذ قد أودعت العناية بالعراق إلى يد مدحت باشا العاملة وهو ذاك الرجل الذي لا حاجة إلى الإفاضة في تعريف كفايته ومقدرته، فكانت الأحوال تقضي وقوع هذا الانقلاب لا محالة شاء آل سعدون أو أبواه، ومن حسن حظهم - وعلى رأسهم ناصر باشا - أنهم أدركوا المسألة فقبلوا هذا القلب والتغيير ولم يعارضه معارض منهم. ولولا هذا التفاهم والرضا لأضاعوا بصفقة واحدة المشيخة والتفوض في الأراضي والتصرف فيها على الوجه القانوني ولعادوا يجرون ذيول الخيبة واليأس.
أما قول القائل أن تفوض آل سعدون في الأرض وتصرفهم فيها في لواء المنتفق تبعاً لقانون الأراضي ونظام الطابو قد حدد حربتهم في التمسك المشيخة فصدهم عن استعمال ما يفرضه عليهم واجبها من الدفاع عنها فأدى بهم هذا التفوض في الأرض والارتباط بها إلى فقدان المشيخة. فهو قول لا أعده وجيهاً لأنهم قبل عهد مدحت باشا بل قبل عهد الكوزلكلي كانوا مرتبطين بالأرض أريد بهذه الأرض أملاكهم الواسعة المغروسة نخلاً باسقاً تلك الأملاك التي يعرفها من له أقل المام بأملاك البصرة التي تحيط بها على مسافات بعيدة. وعلي أن أعترف أن مشيخة المنتفق لم تكن مقصورة على لواء المنتفق الحالي بل كانت تمتد إلى آخر حدود الفاو من جهته الجنوبية ومع هذا فأن تملك آل سعدون على الأرض وارتباطهم بها لم يؤد بهم إلى التخلي عن المشيخة. ولا بد للمعترض أن يتخذ هذا الإقرار حجة يدعم بها رأيه القائل بأن ارتباطهم بالأرض في لواء المنتفق هوى بهم إلى النزوح إلى المشيخة. ولكني أخالفه في ما ترتئيه إذ أني أجد أن سبب تقلص ظل المشيخة هو غير هذا. وأني لأجده في انتباه الحكومة
- ولو انتباهاً خفيفاً - بانتهازها الفرص بعد اطمئنانها من طمع جارتها فارس بالبصرة وحدود العراق وإيقاعها بالوهابيين وما أكثر المرار التي كانت تستعين الحكومة بآل سعدون وتتذرع بهم لدفع هذه الغوائل والشدائد وكانت تعرف نفسها مضطرة إلى السكوت عن آل سعدون وترغب في استمالتهم.(5/88)
ولما صفا للحكومة الجو وغدت تنام ناعمة البال مطمئنة عن هاتين الطامتين ثم إزالة حكم المماليك وأرادت أن تبدي شيئاً من الإصلاح الموعود به أخيراً في خط كلخانه تخطت إلى المشيخة في أنحاء البصرة في الجنوب والسماوة في الشمال الغربي فلم يسع آل سعدون أن يصدوها عن أرادتها فتسامحوا معها عن هذه الأصقاع حفظاً للباقي وحذراً من مصادرتها تلك الأملاك العزيزة وبعد أن فازت الحكومة فوزاً بعد فوز - رأينا منه نبذاً في مطاوي المقال - وتم لها الأمر هناك أطعمها بالباقي هذا الفوز المتعقب خطة البتر والإفراز وهو لا شك كان يجر بالمشيخة إلى الاضمحلال فلا يمسي آل سعدون إلاَّ لا علاقة لهم بلواء المنتفق بصورة باتة.
لقد عرفنا أن في العهد الأخير كانت قد قلت عند الحكومة تلك الموانع التي كانت تلجئها إلى البقاء على الحالة السابقة فتمكنت من تضييق تلك الدائرة الوسيعة. ثم ولدت الليالي العوامل الجديدة التي ذكرتها وهي: تعدد البواخر وانتظام الجنود إلى درجة وفتح ترعة السويس ومد سلك البرق فغدا آل سعدون يخافون إمكان تسلط الحكومة عنوة على ديرة المنتفق كلها لتلحق القضاء على المشيخة بما كانت قد أزالته منها سابقاً في لواء البصرة والسماوة وربما أدى تدبير الحكومة بها إلى مصادرة أملاك آل سعدون الواقعة في لواء البصرة. وهو أمر يحذره جميعهم كما كان قد خلفه الشيخ منصور بك (باشا) وغيره مراراً.
وصفوة القول عندي أن انتباه الحكومة وما ملكته من الوسائل ذلك الانتباه الذي أزال آل سعدون عن أنحاء البصرة والسماوة هو نفسه غدا يسري على ما بقي من المشيخة فيفعل فعله بالتدريج، ولو لم يكن لآل سعدون أملاك في أنحاء البصرة لخرجوا من هناك صفر الأيدي ولأنتابهم الأمر على هذا الوجه في لواء المنتفق لو لم يرضوا بالتفوض في الأرض والتصرف فيها بالطابو ولامسوا في هذا اللواء ومعهم آل شبيب لا يملكون قيد شبر وباتوا فيه غرباء لا ناقة لهم فيه ولا جمل. فقبول آل سعدون بالتفويض في الأرض والتصرف(5/89)
فيها على الوجه القانوني جعلهم ذوي علاقة أكيدة في هذا اللواء مع خلو يدهم من الحكم وأن تدبيرهم لتدبير رشيد تركوا فيه جانباً الآمال في البرق الخلب وتمسكوا بالحقيقة على سبيل مالا يدرك كله لا يترك جله.
وليس هذا التطور خاصاً بآل سعدون وحدهم بل أن جميع المشايخ لكبار للعمائر المتمدرة
كالخزاعل وزبيد (بالتصغير) وكانوا ذوي بأس وصولة سجلها لهم التاريخ في صفحات عديدة لم يبقوا على ما كانوا عليه ولا سيما بعد تنظيمات مدحت باشا فقد ضئلت تلك المشايخ الكبار وضمرت ولقد فقدت الحكم في عشائرها وقعدت عنه شأن التمدر والحضارة. كما دالت الأيام على مشيخة (ابن قشعم) الملقب ب (شيخ العراقيين) الذي حطم الحدثان عزه البدوي الأثيل.
وفي هذا السبيل لنا مثال شبيه بذلك في الشمال هو أسرة بابان. حكام الأكراد ذوي الشأن العظيم، وقد ملأت وقائعهم قسماً مهماً من تاريخ العراق.
ويستنتج من ذلك كله أن لا مسوغ للقول أن مشيخة آل سعدون هوت وانحلت عراها بقبولهم بتفوضهم القانوني في الأرض لواء المنتفق وتصرفهم فيها على هذا الوجه.
هذا ما أرتئيه، ولكل رأيه والله أعلم.
بغداد في 24 شباط 1927
يعقوب نعوم سركيس(5/90)
كنوز أور الكلدان
من صنع الصاغة قبل 5500 سنة
ختمت لجنتا المتحفة الإنكليزية ومتحفة كلية بنسلفانية المشتركتان شغلهما في 19 شباط سنة 1927م وأجبرتنا خيبة الأمل لقلة رأس مالنا على أن نختم أشغالنا قبل الأوان: ولكن مع كل ذلك قد حصلنا على لقى مفيدة وثمينة جداً. وكنا قد ابتدأنا بالشغل في شهر شباط إلى أن ختمناه في حفر القبور التي كنت قد تكلمت عنها في تقريري الآخر (راجع لغة العرب 4: 567)
وكلما أوغلنا في حفر التل تبين لنا أولاً أننا على أثر قسم من المقبرة التي فيها لقى ثمينة ثانياً تبين لنا أننا على أثر ثلاثة عصور مختلفة ممثلة في أرض محفوظة أحسن مما كنا قد عثرنا عليه قبلاً.
وعلى الوجه الأعلى، قبور - لو لم تكن عديدة - لأرخناها إلى نحو سنة 2600 قبل المسيح. والدليل على هذا التاريخ أننا وجدنا في قبرين من هذه القبور ختوماً بشكل أسطوانات محفورة وعليها أسامي آل بِنَت (سرجون) الأكدي وكانت تعد كاهنة كبيرة للقمر الإله في أور، وكانت هذه المرأة قد أهدت إلى هيكل تِنْجل نقشاً على الهَيْصَميّ كنا قد استخرجناه السنة الماضية. وتحت هذه القبور وجدنا غيرها تشابهها. بل أقدم منها، وكانت الأموات في ذلك العصر توضع في تابوت محوك من الخوص أو توضع الجثث في حفر مغشاة صفحاتها بالبواري، فيكون الدفن أبسط مما ذكرنا. والأشياء التي عثرنا عليها في القبور السفلى تختلف عن الأشياء التي عثرنا عليها في القبور العليا.
وفي هذه الطبقة عثرنا على مستند تاريخي مهم هو في الدرجة الأولى وهذا المستند هو أسطوانة صغيرة من اللازورد كانت خاتم (نِنْ كُرْنِنْ) امرأة (مُسَتَبدَّا)(5/91)
مؤسس أول دولة في أور وكنا قد عثرنا قبل ثلاث سنين على رقم التأسيس والختم الذهبي الذي كان ل (آني بَدَّا) الملك الثاني من هذه السلسلة الملكية حينما كنا نحفر في تل العبيد، وهذه اللقية مكنتنا من أن نرد إلى التاريخ سلسلة ملكية كانت تعد غالباً خيالية واليوم في يدنا دليل حقيقي على أن أبا (آني بدا) وجد وجوداً لا شكك فيه. وفي هذه الطبقة نفسها تأكدنا اللقى التي عثرنا عليها
وهذه الأسطوانة تخص نهاية سلسلة هؤلاء الملوك. وتاريخ القبور يقع بين سنة 3200 وسنة 3100ق م.
طبقة ثمينة
وتحت هذه القبور طبقة فارغة ووراءها عدة قبور مختلفة أقدم من القبور السالفة. وأثمن منها: إذ وجدنا فيها رقماً من الطين عليها كتابة أقرب من الصور وختوماً محفورة عليها أسامي بعض ملوك غير معروفين في أي تاريخ كان وفي الفرق بين الطبقة الواحدة والطبقة الأخرى وتغيير الكتابة دليل على أن مدة طويلة من الزمن جرت بينهما. والقبور السفلى أقدم من القبور العليا ولذلك يمكننا أن نؤرخ القبور السفلى ب3500 ق م. وكفانا دليلاً على غناها أننا حفرنا مدة ثلاث أسابيع ولم يمض يوم منها إلاَّ وجدنا فيه عروضاً ذهبية.
واليوم كلما نتكلم عن قبور ثمينة يخطر ببالنا اللقى العجيبة التي وجدت في قبر (توت أنخ آمن) وليس ممكناً أن يستخرج من العراق قبور تحتوي أثاثاً كالأثاث الذي وجد في الغرف التي كشفت في طيوة وكلت من الجر وقد سلمت من عوادي الزمن، أو في القبور التي نعثر عليها في العراق فكانت جميع التقادم التي توضع مع الميت في قبره تلف بين باريتين مفروشتين ثم يكوم التراب عليها، والنتيجة التي لا مفر منها هي أن هذا العمل يتلف البواري. وقد فتت الفعل الكيماوي المتولد من الملح والرطوبة في مدة ألوف من السنين العروض الموضوعة الفضة والنحاس بل الحجر نفسه لم ينج دائماً من البلى. اللهم إلاَّ الذهب فأنه قاوم الفعل الكيماوي فسلم من الاضمحلال، وإذا قابلنا هذه القبور بقبور(5/92)
مصر نكون غير منصفين إلا أنه يجوز لنا أن نقول أننا وجدنا بين هذه البقايا بعض العروض لا تسبق كنوز (توت أنخ آمن) بألفي سنة بل تناظرها مهارة وحرفة وفناً.
وأهم ما عثرنا عليه قطعة مرصعة عليها ثماني قطع من الصدف: أربع منها مزخرفة برسوم مخططة والأربع الأخرى محفورة بكل دقة وعليها صور حيوانات والخطوط المحفورة محشوة ألواناً والحيوانات ملونة بالأسود وأرضها حمراء ويحيط بالصدف خط دقيق من حجر الكلس الأحمر وخط من حجر اللازورد ووجدنا أيضاً قطعة أخرى مشغولة أكثر إلاَّ أنها دون الأولى فناً. ويمكننا أن نعدها مائدة ملكية للقمار وعليها عشرون صدفة
ورسوم كلها خطوط والخطوط محشوة معجونا أحمر ولازورد ويحيط بالخطوط لازورد وعاج وصدف وقد استخرجنا هذه القطعة من أقدم القبور.
لقبة الموسم
عثرنا عن أثمن قبر في أواخر موسم شغلنا ولما أردنا أن نحفره اضطررنا إلى أن نبقي عشرة عملة بعد ما كنا قد صرفنا زملاءهم وعلى عمق ثماني عشرة قدماً عثرنا على كنز من مواد نحاسية وعلى أسلحة موضوعة بين خطين أبيضين رقيقين يدلاننا على أثر البواري، ووجدنا هناك طوائف (طقوما) كاملة من أقلام الحفر (أزاميل) وحزماً ثقيلة من نصول الرماح ومعها قلما حفر (ازميلان) ونصل رمح من الذهب الخالص.
فتتبعنا أثر البواري فوق فسحة أكبر مما كنا قد حفرنا إلى الآن فعثرنا في أثناء الحفر على مقدار كبير من الأسلحة النحاسية وأكثر فأكثر من الرماح ووجدنا من السهام ما يملأ كنائن ووجدنا أيضاً رؤوس رماح وصولجاناً ورؤوس فؤوس وقطعاً من القسي وغيرها من العروض التي لم نتمكن من تحقيقها. ثم وجدنا مبعثراً في الأرض خرزاً وقلائد من الحجر الكريم المصقول كالياقوت واللازورد وذهباً، وبعض هذه القلائد مصنوعة صنعاً فاخراً، ووجدنا أيضاً رباطاً من ذهب لربط القوس وقدوماً من ذهب مصمت يدها من خشب مطلية بجص أحمر ومربوطة بذهب رقيق. ووجدنا في آخر الأمر على حدة وشاحاً من فضة ومعلقة به علبة من ذهب للحلي والعلبة مزخرفة ومخرمة. ووجدنا فيها منتاشاً (ملقط شعر صغير) على حاله وملعقة وخنجراً صغيراً. وكل هذه العروض من ذهب معلقة بخاتم من الفضة، ووجدنا أيضاً خنجراً آخر وهو لقية الموسم، مقبضه قطعة من لازورد مشبع اللون، وهو مرصع بالذهب، ونصله من ذهب مصقول، وغمده من ذهب مصمت، وخلف الغمد ساذج أو قل فيه خطان من الخرز البسيط، ووجهه قطعة من نقش مشبك. وهذا الخنجر باق على حالته الأصلية ولما أخرجناه من مدفنه - وكنا نخرجه رويداً رويدا - كان ذلك أحسن مكافأة لنا في هذا الفصل من السنة ولما بذلنا من الجد والسعي، ولو استخرج هذا الخنجر في أي عصر كان، لتعجبنا من مهارة صناعته وصياغته فكيف لا نتعجب حين نعلم أنه صنع قبل 550 سنة؟ فهو بلا شك من أقدم نموذج من الصياغة.
سي لنرد وولي(5/93)
الفعل المهموز
في لغة عوام العراق
المهموز ما كان أحد حروفه الأصلية همزة. وهو أما مهموز الفاء نحو أخذ، أو مهموز العين نحو سأل، أو مهموز اللام نحو قرأ.
(مهموز الفاء)
لم أجد في كلام العامة من مهموز الفاء سوى ثلاثة أفعال وهي: أخذ وأكل وأمر.
فأما أخذ وأكل فأكثر ما يستعملونها بفتح الأول والثاني، وقلما يستعملونهما بكسر الأول وفتح الثاني. وأما أمر فالأكثر فيه أن يكون بضم الأول وفتح الثاني وقد يكسر أوله أيضاً.
وأما آخر الفعل المهموز الفاء فكآخر السالم في جميع أحواله التي ذكرناها.(5/94)
تصريف مهموز الفاء مع ضمائر الرفع
ساكن مفتوح مفتوح مفتوح مكسور ساكن ساكن ساكن مكسور ساكن
اَخَذْ اَخْذَوْا أَخْذَتْ أَخْذَنْ أَخَذِتْ أَخَذْتَو أَخَذْتِ أَخَذْتَنْ أَخَذِتْ أَخَذْنا
تصريف مهموز الفاء مع ضمائر النصب
مفتوح ساكن ساكن ساكن مفتوح ساكن مكسور ساكن ساكن ساكن
أَخَذَه أَخَذْهَمْ أَخَذْها أَخَذْهِنْ أَخَذَكْ أَخَذْكُم أَخَذج أَخَذْجنْ أَخَذْني أَخَذْنا
(تنبيه) إذا كان لام الفعل ذالاً أو دالاً أو ظاء واتصلت به تاء متحركة من ضمائر الرفع قلب تاء وأدغم في تاء الضمير المتحركة فيقال في: أخذتو أَخَتّو. وفي أٌخذت أَخْتِّ. وفي أخذتن اَخَتَّنْ. وكذلك يقال في: بعد وشرط وما شبههما.
(مهموز العين)
لم أجد من مهموز العين في كلامهم سوى سأل والشائع في استعماله أن يكون مكسور الأول مفتوح الثاني وقل من يفتح أوله أيضاً. وأما آخره كالسالم في جميع أحواله.
تصريف مهموز العين مع ضمائر الرفع
ساكن مفتوح مفتوح مفتوح مكسور ساكن ساكن ساكن مكسور ساكن
سِألَ سِألَوا سِأَلَتْ سِأَلَنْ سِأَلِتْ سِأَلتْو سِأَلْتِ سِأَلْتَنْ سِأَلِتْ سألْنَ(5/95)
(مهموز اللام)
ليس في كلام العامة من مهموز اللام سوى قرأ وجاء فأما قرأ فيجعلون همزته ألفا ويسقطونها من اللفظ لما ذكرنا سابقاً من أنهم يسقطون من اللفظ كل ألف واقفة في آخر الكلمة، وهم لا يستعملون هذا الفعل أعني (قرأ) إلاَّ مكسور الأول مفتوح الثاني. ولما آخره كان تصريفه مع ضمائر الرفع كتصريف الفعل الناقص أي أن ألفه تسقط من اللفظ فقط مع ضمير المفرد الغائب وتسقط من اللفظ والخط معاً مع ضمير جمع الغائب وضمير المفرد الغائبة وجمع الغائبة. وتقلب ياء مع غير ذلك من ضمائر الرفع هكذا:
قِرَا قِرَوا قِرَتْ قِرَن قِرَيْتْ قِرَيْتُو قِرَيْت قِرَيْتُنْ قِرَيْتُ قِرَيْنا
وإما عند اتصال ضمائر النصب به فتظهر ألفه ولا تسقط من اللفظ كما هو الشأن في الأفعال الناقصة.
وأما جاء فأنهم يحذفون الهمزة في آخره فيصبر (جا) وهذه الألف أي في (جا) يثبتونها في اللفظ مع ضمير المفرد الغائب وقد ذكره سبب ثبوتها في اللفظ فيما تقدم فأنظره ويحذفونها مع ضمير جمع الغائب والمفردة الغائبة وجمع الغائبة ويقلبونها ياء مع غير ذلك من ضمائر الرفع. فيكون تصريف جا مع ضمائر الرفع هكذا:
جا جَوْا جَتْ جَنْ جَيْتْ جَيْتُو جَيْت جَيْتَن جيْتْ جَيْنا
وربما كسروا الجيم مع الضمائر التي تقلب الألف معها ياء فقالوا:
جِيْتْ جِيْتُو جِيْتِ جِيتَنْ جِيْتُ جِيْنا
أما تصريف جا مع ضمائر النصب فهكذا:
جاه جاهم جاها جاهنْ جاكْ جاكم جاج جاجُنْ جاني جانا
معروف الرصافي(5/96)
فَوائِدْ لُغَوَيَةٌ
هل كلمة (موسيقي) عريقة في اليونانية؟
-
أن سألت علماء اللغة، من عرب وغربيين، عن أصل كلمة موسيقي، أتفق جميعهم على جواب واحد: (أنها يونانية أو إغريقية محضة. لا شبهة في ذلك).
على أن لي خاطراً عن لي قبل نحو 25 سنة ولابد من بسط مقدمة له هنا:
في أوائل شهر نيسان من سنة 1902 ذهبت لأتعهد بعض القرى المنبثة في شمالي بغداد، فزرت بهرز (وزان قنفذ) والهويدر (كأنها مصغر هادر) وبعقوبة وحديث (مصغرة) وهبهب (وزان زبرج). وبينما كنت في السمر في ليلة في بعقوبا عند صديق لي، سمعنا تغريد هزار حسن الصوت، فأردت أن أعرف أسمه عن أهل بعقوبا، فسألت الصديق عنه.
فقال: هذا المزقة (ولفظها كخبزة)
- لم أسمع حسناً. ما قلت؟
- مزقة (ولفظ الكلمة لفظاً بينا في مقطعين وتأتي في قطعهما)
- مزقة؟ (بضم الميم وسكون الزاي وفتح القاف ثم هاء)
- نعم مزقة.
- وما معنى هذه الكلمة؟
- أتسألني هذا السؤال، وأنت أخبر مني في هذا الموضوع؟
- لو كنت أخبر منك لما سألتك؟
- المزقة مأخوذ من المزق أو التمزيق لأنه يمزق في أغلب ساعات الليل.
- وهل التمزيق هو بالمعنى الشائع عند عوام بغداد أي الهزة والسخرية، أي أنه يهزأ من الناس ويسخر بهم؟(5/97)
- لا لكن بمعنى الغناء والتغريد.
- أني لا أعلم لفظة بالعربية تفيد هذا المعنى. فهل أهل بعقوبا يعرفون هذه الألفاظ بهذه
المعاني التي تذكرها؟
- أني نجدي الأصل. وأتيت هنا للتجارة. ولا أعلم ما يسمي البعقوبيون هذا الطائر كما لا أدري أيسمون المزقة بهذا اللفظ أو بلفظ آخر.
ثم لاحظت أن صاحبي ضاق ذرعاً من أسئلتي والحافي في الاستفسار، فطوينا بساط هذا الحديث، وانتقلنا إلى موضوع آخر بعد أن علقت في مذكرتي ما سمعته.
وفي اليوم الثاني سألت بعض الأهالي عما يعرفونه من أمر هذا الطويئر؟ فقالوا: أسمه عندنا (بلبل هزار، أو هزار) لكننا لا نعرف المزقة بهذا المعنى كما لا نعرف ل (مزق) سوى معنى واحد وهو قطع وشقق وخرق أو بما يقارب هذا المؤدي.
ولما عدت إلى بغداد أخذت أبحث عن كلمة (مزقة) في لسان العرب فوجدته يقول: (طائر وليس بثبت) ونقرت عنها في تاج العروس فألفيت فيه هذه العبارة (المزقة بالضم طائر صغير وليس بثبت) اهـ. أما سائر المعاجم اللغوية فلم تزد شيئاً على هذا القدر.
وأما فعل (مزق) المجرد فلم أجد له في ديوان معنى يدل على الغناء بل وجدت للمزيد فيه هذا المعنى. قال في لسان العرب في مادة: م ز ق: (قال ابن بري: وحكى المفضل الضبي عن أحمد اللغوي: أن الممزق العبدي سمي بذلك لقوله:
فمن مبلغ النعمان أن ابن أخته ... على العين يعتاد الصفا ويمزق
ومعنى يمزق: يغني، قال وهذا يقوي قول الجوهري في كسر الزاي في الممزق إلاَّ أن المعروف في هذا البيت (يمزق) بالراء والتمزيق بالراء: الغناء، فلا حجة فيه على هذا لأن الزاي فيه تصحيف) انتهى بحرفه.
فمن هذا الكلام نستنتج أن النجدي محق في ما قال: أي أن مزق عند العرب بمعنى غرد وغنى. ولا جرم أن الفعل مشتق من أسم الطائر المذكور أي أنهم عنوا بمزق: غنى؛ لأنه من عادة المزقة الغناء والتغريد. وهل من يشك في أن(5/98)
مزق المزيد هو أصل ثلاثي مجرد لم يذكره اللغويون لأنه ممات؟ كما لا نرتاب في أن غنى ممات بخلاف غنى المزيد فهو مشهور المعنى. وأشتق السلف معنى مزق من المزقة كما اشتقوا (العندلة) من العندليل أو العندليب، قال في اللسان: (العندليل: طائر يصوت ألواناً، والبلبل يعندل أي يصوت وعندل الهدهد: إذا صوت، عندلة) اهـ.
وعليه أننا نرى أن مرق بالراء تصحيف مزق بالزاي وليس العكس كما ذهب إليه علماؤنا الأقدمون لأن ليس لمادة مرق بالراء معنى يثبت له الغناء بخلاف مزق بالزاي فأن اشتقاقه من المزقة الطائر المغرد أي الهزار أو العندليب هو أمر لا ينكر. فقال أجدادنا (مزق) بالزاي كما يقول الإفرنج اليوم هذا فضلاً عن أن المزقة تقارب في مادتها مادة الزقزقة.
ومن غريب ما يجب إثباته أن عوام العراق (لاحظ قولي: عوام العراق، إذن لا خواصهم) يسمون الموسيقي: مزيقة (وزان حقيقة) والحرف الذي يلي الميم هو زاي لا سين؛ فهم أقرب الناس إلى السلف البعيد واضع اللفظ من الخواص البعيدين عنهم والقريبين من الإفرنج وهم يجمعونها على مزائق كحقيقة وحقائق فهي عندهم أسم مصدر مثل نصيحة ونصائح.
وأن سألت اليونانيين أو الإغريق: من أين أتيتم بكلمة (موسيقي)؟ أجابك لغويوهم للحال هي من وباللاتينية وهي معبودات العلوم الفتانة وهن تسع وكن يرأسن تلك العلوم والفنون ولا سيما الفصاحة والشعر. وأن ألحفت في السؤال وقلت لهم: ومن أين جاءتكم كلمة (موز) المذكورة وقفوا بين يديك مكتفي الأيدي واجمين أو قبلوا أنها مشتقة من مادة أو ومعناها فكر وعلم، قلنا: وهذه المادة أيضاً بهذا المعنى ندعيها لنا وهي من (مأن) (المهموز العين) أي علم وفكر (لسان العرب)
ولهذا نقول أنكم يا أبناء الغرب أخذتم كلمتكم من أجدادنا حينما كان سلفكم يساكن سلفنا متجاورين متحابين لأن وضع الألفاظ الثنائية المقطع هو من خواص اللغات السامية ولا سيما من مزايا اللغة العربية وأغلب الألفاظ(5/99)
اليونانية الوحيدة الهجاء أو الثنائية من أصل عربي ولنا أدلة على هذا الرأي وشواهد تسنده.
أما المولدون من أجدادنا فأنهم فعلوا ما يفعل اليوم بعض معاصرينا من العوام. أي أنهم يتلقون من الإفرنج ألفاظاً متفرنجة وهي في الأصل عربية، مثل كلمة مخزن فأن الإفرنج نطقوا بها مغزن أو مكازن أي واليوم يستعدونها بصورة (مغازة) جاهلين أن هذا الحرف عربي النجار والمحتد وليس للإفرنجية فيه حظ، وهناك مفردات كثيرة كلها من هذا القبيل.
فعندي أنه خير لنا أن نقول: مزق عوض دق على آلة موسيقي أو ضرب بآلة موسيقي أو عزف على آلة غناء أو غنى أو غيرها. وخير لنا أن نقول (مزيقة) من أن نقول (موسيقي)
فتلك من لساننا وهذه من محرف كلامنا. ويحق لنا أن نسمي المعبودات المعروفات بالموزات ممرقات أو ممزقات أي بالراء أو بالزاي بدون فرق أو أن نبقيها على حالتها أي الموزات، من بلب تغيير اللفظ لأحداث تغيير في المعنى.
وهنا لابد من أن نبحث عن نوع الغناء الذي خصه السلف باسم التمزيق أو التمريق وهو المرق أيضاً وأصح منه المزق (وأن لم يذكره اللغويون):
قال في لسان العرب: التمريق: الغناء. وقيل هو رفع الصوت به. قال:
ذهبت معد بالعلا ونهشل ... من بين تالي شهره وممرق
والمرق بالسكون (أي بسكون الثاني): غناء الإماء والسفلة. وهو أسم والممرق (كمفخم) أيضاً من الغناء: الذي تغنيه السفلة والإما. ويقال للمغني نفسه: الممرق (كمحدث) وقد مرق يمرق تمريقاً: إذا غنى. وحكى ابن الأعرابي: مرق بالغناء. وأنشد:(5/100)
أفي كل عام أنت مهدي قصيدة ... يمرق مذعور بها فالنهابل
فأن كنت فاتتك العلا يا ابن ديسق ... فدعها ولكن لا تفتك الأسافل
قال ابن بري: قال ابن خالويه: ليس أحد فسر التمريق إلاَّ أبو عمرو الزاهد قال: هو غناء السفلة والساسة. والنصب: غناء الركبان: وفي الحديث ذكر الممرق هو المغني) اهـ كلام ابن مكرم.
وقد أوردنا كل هذا الكلام ليعلم منه أن المراد بالتمريق أو المزق غناء الإماء والسفلة وأغلب هؤلاء الناس كانوا من غير العرب، لأنه كان يؤتى بالإماء من الديار المجاورة لديارهم. كما أن السفلة قوم يطرأون من بلد إلى بلد متنقلين في كل مصر وصقع، ولهذا كانوا يتغنون بأغاني الأجانب الذين كانوا يسمون هذا الغناء (المزق) (بالزاي) أي لا المرق أو التمريق، كما سرى الوهم إلى الكثيرين، إذن كان المزق ما يسميه اليوم المحدثون من الإفرنج وقد يكون في أغلب الأحيان (مخرجاً) أي تغني به جماعة، وكل واحد يذهب في غنائه مذهب صوت خاص به ومن مجموع هذه الأصوات يتقوم غناء لذيذ، أي أن هذا (المزق أو المرق المجنس أو المخرج) هو المعروف عند الفرنسيين باسم قال الزمخشري في أساسه: (مرقت السفلة والإماء تمريقاً إذا غنت، وفلان ممرق كأنه المخرج من جملة ألحان المغنين. قال:
من نوحها طوراً ومن تمريقها ... بقبقة الصالف من تطليقها. . .
ولعل معترضاً يقول: أن ورود المرق أو المزق على ألسنة الإماء أو السفلة دليل واضح على أنه غير خاص بالعرب، ولا سيما من بعد أن اطلعنا على أن النصب أو الحداء أو غيرهما خاص بهم، أما المزق فآت من غير بلادهم. وناقلوها هم هؤلاء الإماء والسفلة وفي ذلك من وضوح نسبه إلى الأعاجم ما لا يحتاج إلى دليل آخر بشهادة السلف أنفسهم.
قلنا: إننا لا ننكر دخول المزق في ديار الناطقين بالضاد من بلاد اليونان أو الناطقين بالرومية، إنما نقول أن لفظة (المزق) من أصل عربي ولعل في القدم فأحتفظ به الأجانب. ولما عاد هذا الغناء المخرج إلى واضعي الحرف نفسه حرفوه أو صحفوه جهلاً فالعود إليه أي إلى لفظ (المزق) حسن، وأما المذهب الجديد في إخراج هذا الضرب من الغناء فعائد إلى الأجانب، ولا سيما عائد إلى اليونان لأنهم اشتهروا به من عهد عهيد، ومن المعروفين به: أبلن وأرفي ولينس وأنفيون وأريون وبان
وفي كل ذلك من غرائب الأسرار ما يحير الأفكار، فسبحان من ينير وهو هو على ممر الإعصار!(5/101)
بابُ المكَاتَبَة والمذاكرة
نظرة في كتابين
سيدي الفاضل صاحب مجلة لغة العرب المحترم
ذكرتم في (ص: 136) من كتابكم الجليل (خلاصة تاريخ العراق):
(على أن الشيعة لم يحرموا التصوير والتمثيل لأنهم لم يروا في القرآن آية تدل على تحريمهما إلاَّ أنهم حرموا صنع التماثيل لقربها من هيئة الأصنام والأوثان) اه
قلنا: لا يخفى أن أدلة الشيعة وحججهم في استنباط فروع الدين والأحكام أربعة: القرآن والسنة (الأحاديث النبوية والأخبار الواردة عن آل البيت) والعقل وإجماع العلماء.
ولذلك لا نرى وجهاً لكلامكم: (لأنهم لم يروا في القرآن آية تدل على تحريمهما) أما صنع التماثيل فقد ورد تحريمه في أخبار آل البيت عليهم السلام فالصحيح أن يقال (على أن الشيعة لم يحرموا التصوير والتمثيل لأنهم لم يجدوا عندهم دليلاً على تحريمهما إلاَّ إنهم حرموا صنع التماثيل ولعله لقربها من هيئة الأصنام والأوثان)
(لغة العرب: نحن نشكر الشيخ العلوي على تنبيهه هذا)(5/102)
وذكرتم في ص: 195 من الكتاب المذكور (الشاه اسمعيل بن حيدر بن جنيد) والصواب (الشاه اسمعيل بن حيدر بن صفي بن جنيد)
(لغة العرب: لك الشكر ثانية)
وقلتم في (ص: 195) أيضاً (لكن لما مات الشاه اسمعيل وملك بعده أخوه محمد خدابنده. . .)
ولا يخفى أن الذي ملك بعد الشاه اسمعيل هو ولده الشاه طهماسب ثم ولده الشاه اسمعيل الثاني، وانتقل الأمر من بعده إلى أخيه محمد خدابنده. وربما يقال أن المؤلف قصد بالشاه اسمعيل: الثاني دون الأول.
قلنا: إن الذي دخل العراق وفتح كثيراً من البلاد هو الشاه اسمعيل الأول أما الشاه اسمعيل الثاني فقد كان ضعيف الرأي ليست له معرفة بشؤون المملكة ولا بالسياسة ولم يدخل العراق ولم يتيسر له فتح البلاد.
(لغة العرب: هنا نشكر الشيخ ثالثة)
وذكرتم في كتابكم الآخر الفوز بالمراد (ص: 19) ما نصه:
(وقد ذكر بعض المؤرخين من الفرس كلمة خربنده مصحفة بصورة خدابنده والأصح الرواية الأولى وإن تابعهم في غلطهم هذا البستاني في دائرة المعارف في مادة بغداد في (5: 515) وإنما صحفوها بصورة خدابنده تعصباً لا طلباً للحقيقة لأن معنى خربنده عبد الحمار أو خادم الحمار وأما خدابنده فمعناه عبد الله أو خادم الله راجع تاج العروس في مستدرك مادة خرد تره يقول: (وخربنده ملك العراق فارسية أي عبد الحمار) اهـ وأزيد على ذلك كلمة خربنده معروفة إلى يومنا هذا في بغداد ومنها بستان خربنده). اهـ نص ما في كتاب الفوز بالمراد
فأقول: إن مؤرخي الفرس قد أجمعوا على أن الكلمة (خدابنده) ووافقهم مؤرخو العرب في ذلك ولم يخالفهم سوى القليلين المعدودين على الأصابع.
أما التعصب الذي ذكرتموه فيندر وجوده بين المؤرخين (والنادر كالمعدوم) هذا الحسن بن يوسف بن المطهر العلامة الحلي المعاصر للملك خدابنده المغولي(5/103)
ألف رسالة في جواب سؤاله عن حكمة وقوع النسخ في الأحكام، وذكر فيها (وفي بعض رسائله) اسمه بصورة خدابنده.
أما شهرة هذه الكلمة في بغداد بصورة خربنده فلا ينافي كلامنا (فرب شهرة لا أصل لها). وهناك ألفاظ كثيرة قد اشتهرت بصورة قمتم بتصحيحها أداء للواجب وخدمة للغة.
هذا ما أردت التنبيه عليه ومن الله التوفيق.
سبزوار (إيران) في 3 أيار 1927
محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) ليس هنا محل إظهار ما بعض التأليف من الغايات الدالة على مكنونات الصدور، إلاَّ أن الذي يحب الوقوف عليها ليرجع إلى مصنفات الإفرنج الذين بينوا ما هناك من آيات التحزب والتعصب.
جواب عن استفسار
أشكر حضرة الكيماوي عبد الوهاب القنواتي على حُسن ظنه بي ولا سيما أشكره على تنبيهه إياي أن المرقشيثا غير المسماة بالفرنسية بل هي اليرموث (راجع مجلة المعهد الطبي العربي 4: 25)
قلنا: لما كتبنا ما نبهنا عليه في وقته من الخواطر كان اعتمادنا على ما هو شائع في اصطلاح الفرنسيين لأن صاحب المقالة كان قد قابل الألفاظ العربية بالألفاظ الفرنسية فقلنا: إذا كان الأمر على هذا الوجه فالمرقشيثا لا يقابلها في لغة أبناء الغاليين إلاَّ لا غير؛ وأما أن هذه اللفظة المنقولة عن العرب تبين غير ذلك في سائر اللغات فهذا محتمل ونحن لا نناقش أحداً فيه إذ لا مشاحة في الاصطلاح. وعليه فهذا جوابنا:
1 - ليست مرقشيثا (بالثاء المثلثة) عربية البتة وإن كان أبناء الغرب أخذوها عنا، وليس لها أدنى صلة بالألفاظ العربية، إنما مرقشيثا كلمة أرميه(5/104)
(كيفاقاشيثا) أي الحجر القاسي أو الصلب أو الصلد أو ما شابه هذه المعاني، ثم أقحمت الراء بين الميم والقاف لتسهيل النطق بها (والراء من أحرف الذلاقة) فصارت ما ترى، وقد ذكرها ابن البيطار في مفرداته قبل أن يخلق اغريقلا ونقلها الحكيم لكلير إلى الفرنسية باسم أو فالمرقشيثا ضرب من البوريطس أو الكبريتور.
2 - أما أن المحدثين نقلوها اليوم إلى معنى (البزموث) فهذا لا يعنينا، فأن المرقشيثا يبقى معناها عندنا العرب كما كانت وستبقى بمعناها إلى ما شاء الله ولا يهمنا تحريف أبناء الغرب لها وإخراجها عن مألوف معناها الذي وضع لها.
3 - أما قول حضرة الكيماوي أن كاشفه سماه في سنة 1539 فنظن أن هناك خطأ طبع لأن كشفه كان في سنة 1529.
4 - إن الإفرنج صرحوا بأنهم لا يعرفون أصل كلمة بزموث وعندنا أنها عربية منقولة عن (أثمد) المجرورة بالباء أي (باثمد) فقرءوها أي قرءوا الثاء المثلثة سينا كما قالوا في خبث وقلبوا الدال كما قالوا في العود واصلوا باء الجر لأنهم وجودها متحدة بها فاعتبروها كلمة واحدة فكان منها ذلك الوهم. هذا رأينا وإن كنا نحترم رأي الغير
ولكي ننفي عن حضرة المستفسر كل شك وريبة ويتأكد جد التأكد أن المرقشيثا هي البيريت نفسها أي نحيله على أن يلقي نظرة في مفردات ابن البيطار فقد قال في 127: 1 من
مفرداته طبعة مصر: بوريطش هو حجر المرقشيثا وقد ذكرته في حرف الميم اهـ. أي في مرقشيثا، فلقد قطعت جهيزة قول كل خطيب وليس لنا حاجة إلى أن نقول أن بوريطش هي قراءة كلمة على الطريقة اليونانية مع جعل السين شيئاً كما قال بعضهم أوغشطش وهو يريد أوغسطس، إلى غيرها. وقد جاءت أيضاً بمعنى كبريتور لأن المرقشيثا لا تخلو من كبريت فأحفظ كل ذلك تصب إن شاء الله.(5/105)
أسئلة وأجوبة
1 - ها هو ذا وتصريفها
ذكرت لغة العرب في 4: 297 أنه لا يقال ها هو ذا الناس بل هاهم أولاء الناس. والحال أننا وجدنا في التوراة العربية المطبوعة في مطبعة الأباء اليسوعيين في بيروت - وكان قد اعتنى الشيخ إبراهيم اليازجي اللغوي الشهير بتهذيب عبارتها - ما يخالف تصويبكم، فأين الحق؟ وهل لكم أن تنصوا على القاعدة المتبعة في مثل هذا الموطن؟
أما أن النسخة اليسوعية تخالف ما صرحتم به فظاهر من هذه الآيات: هو ذا بنو الملك مقبلون (2 سفر الملوك 13: 35) وفيه (أي في 3 سفر الملوك 1: 25) وهو ذا هم يأكلون وفي 4: 2: 16: وقالوا له هو ذا مع عبيدك خمسون رجلاً ذوو بأس يمضون ويفتشون على سيدك. . . وهناك غير هذه الآيات وكلها تخالف مدعاكم فما قولكم؟
بيروت
ج - قبل أن نجاوبكم نذكر لكم القاعدة المتبعة عند فصحاء العرب، فقد قال أهل العربية: أن (ها) الموضوعة للتنبيه لا تدخل على ضمير الرفع المنفصل(5/106)
الواقع مبتدأ إلاَّ إذا أخبر عنه باسم إشارة نحو: (ها أنتم أولاء، ها أنتم هؤلاء فأما إذا كان الخبر غير إشارة فلا. اهـ. إذا نقول ها هو ذا، هاهما ذان هاهم أولاء؛ هاهي ذه أو ذي، هاهما تان، هاهم أولاء؛ ها أنت ذا، ها أنتما ذان، ها أنتم أولاء؛ ها أنت ذي أو ذه، ها أنتما تان. ها أنتن أولاء: ها أنا ذا (للمذكر) ها أنا ذي (للمؤنث) ها نحن أولاء (لجمع المذكر المؤنث).
فإذا علمت هذه القاعدة تحققت أنه لا يقال: هو ذا بنو الملك مقبلون، بل هاهم أولاء بنو الملك. وكذلك لا يقال: هو ذا هم يأكلون، بل هاهم أولاء يأكلون، ولا يقال هو ذا مع عبيدك خمسون رجلاً، بل هاهم أولاء مع عبيدك خمسون رجلاً.
وقد تكرر هذا الخطأ مراراً عديدة في جميع أسفار التوراة المذكورة ونحن نذكر بعضها في سفر الملوك 2: 24 - 22 هو ذا البقر. والصواب ها هو ذا البقر أو ها هي ذي البقر. . . وفي سفر يشوع 7: 21 وها هي مدفونة والصواب وهاهي ذي أو ذه مدفونة، وفي سفر الملوك 2: 16 - 8 وها أنت واقع في شرك، والصواب وها أنت ذا. وفي 4: 10 - 4
فخافوا جداً جداً وقالوا: هو ذا ملكان لم يثبتا أمامه، وهذا غلط أعظم مما تقدم ذكره. . والصواب هاهما ذان ملكان لم يثبتا أمامه. . .
ونحن لا نريد أن نتتبع جميع الآيات التي جاء فيها هذا الغلط أو هذا الوهم فالظاهر أن الواقفين على نقل هذه الترجمة من التوراة لم يكونوا من الواقفين وقوفاً صحيحاً على هذه القاعدة لأن الوهم لم يقع فيها مرة أو مرتين أو عشر مرات أو عشرين مرة بل مئات فلتصلح جرياً على هذه القاعدة.
2 - خابرة
من - أيجوز أن تستعمل (خابرة) بمعنى فاتحة في الأمر. وذاكره فيه وفاوضه وأشترك وإياه في ذكر الخبر؟
البصرة: ي. ن.
لم يذكر أصحاب دواوين اللغة هذا الفعل بالمعنى الذي تشيرون إليه.(5/107)
ولهذا أنكر وجوده بعض متفصحي هذا العهد، إلاَّ أن هؤلاء جهلوا أن مفردات اللسان لم تدون جميعها في تلك المعاجم. أفمن الممكن أن تحصر هذه اللغة العدنانية - وهي ذيالك البحر اللجي - في أناء صغير يسمونه المعجم. أو الديوان، أو الكتاب، أو السفر أو نحو ذلك؟ أن هذا لمستحيل.
على أن لفظة (المخابرة) بالمعنى الذي تشيرون إليه وردت في قصيدة نظم لآلئها قدم (وزان زفر) بن قادم من أبناء المائة الخامسة للمسيح أي قبل الإسلام بنحو قرنين. والقصيدة في مائة وتسعة عشر بيتاً، وقد عني بطبعها السنيور غريفيني، من مستشرقي الإيطاليين. وهذا نص البيت الذي ورد فيه ذكر هذا الحرف:
سلي يا أبنة الأقيال عني فارساً ... ولا تسألني إلاَّ خبيراً مخابراً
على أننا لا نعتقد أن تلك القصيدة صحيحة النسب إلى قائلها. ولا هي من سبك ذيالك العصر لأسباب جمة لا محل لذكرها هنا، وكنا قد عددناها لناشر بردتها رحمه الله، فسلم لنا بصحتها، على أنها مع ذلك قديمة العهد بلا ريب، هذا من جهة ورود اللفظ في سابق الزمن.
بيد أن هنالك أمراً آخر يسوغ لنا استعمال ذلك الحرف بالصيغة أو بأوزن المذكور، وهو الاشتقاق لأن السلف إذا جاز له أن يشتق (خابر) من أسم مدينة (خيبر) تلك البلدة الشهيرة
في عربة لأن اليهود سكانها أشترط عليهم البقاء بشرط القبول بالمزارعة فرضوا (راجع كتاب الخراج لأبي يوسف في ص29 من طبعة بولاق وفي صفحات أخرى عديدة تتلوها) فكيف لا يجوز لنا أن نشتق مثل هذا الوزن من لفظة (الخبر) وعندنا من أوزانه الباب الأول والرابع والخامس والعاشر (أي خبر وأخبر وتخبر وأستخبر)؟
زد على ذلك أن المرادفات التي ذكروها لذلك الفعل ليست منها في شيء البتة، إذ ما يذكره المتفصحون المحدثون لا يفيد فائدة (خابر) فألفاظهم في واد، وكلمتنا في واد، ذلك ما ينطق به كل من له أدنى وقوف على اللغة ولا حاجة إلى التنبيه عليه.(5/108)
بابُ المُشَارفَةَ وَالانتَقاد
19 - جامع التصانيف الحديثة
(راجع لغة العرب 4: 614)
نظرت في كتاب (جامع التصانيف الحديثة) لمؤلفه الفاضل يوسف اليان سركيس الدمشقي فحمدت للأديب غيرته وحرصه على تسجيل آثار اللغة العربية في أيامنا، وقد بدت لي الملاحظات التالية في أثناء تصفحي هذا الكتاب.
1 - زعم المؤلف أن كتابه (جامع للتصانيف الحديثة التي طبعت في البلاد الشرقية والغربية والأمريكية من سنة 1920 إلى سنة 1926) مع أنه حوى طائفة من هذه التصانيف ولم يجمعها كلها وأكبر شاهد على ذلك خلوه من ذكر مئات من الكتب أو الرسائل المطبوعة في العراق وسورية وأوربة وأميركة وحتى مصر نفسها التي يقيم فيها المؤلف.
وفي ذكر (الأمريكية) بعد أن قال الغربية إيهام إذ تسد كلمة الغربية مسد الأمريكية لأنه لم يقل الأوربية ليذكر الأمريكية بعدها فهذه كلها بلاد يطلق عليها الكتبة العصريون (الغرب) أو البلاد الغربية.
2 - جرى في ذكر أسماء المؤلفين في فهرسته الأبجدي مبتدئاً بذكر أسم المؤلف فأسم أبيه ولقبه أو أسم أسرته. وهذا خلاف الأصول في مثل هذه الفهارس الأبجدية فقد جرت العادة أن يذكر أسم الأسرة أو الشهرة وبجانبه أسم الشخص، كما فعل المصنف نفسه في بعض الأعلام، فقال ص138.
ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن
ولكنه في الصفحة نفسها قال:
إبراهيم عبد القادر المازني - وكان يجب أن يقول:
المازني (إبراهيم عبد القادر)(5/109)
ذكر أسم مؤلف كتاب (أبو الطيب المتنبي) حلمي بك فقط (ص4) مع أن أسمه محمد كمال حلمي بك
- قال عن (أبطال الوطنية) (ص4) (أشترك في تأليفه نخبة من كتاب العصر) مع أنه تأليف محيي الدين رضا بمصر، ولكنه جمع فيه نخبة من مقالات كتاب العصر في الذين ترجمهم وصورهم.
- نسب جمع (الأدباء الخمس) (كذا) إلى إسماعيل عبد المجيد مع أنه لمحمد عبد المجيد.
- قال عن (أشهر الخطب ومشاهير الخطباء) نشره أميل زيدان وسلامه موسى. والحقيقة أنه تأليف سلامه موسى وقد نشرته مجلة الهلال لصاحبها أميل زيدان.
- قال عن كتابي (أمين الريحاني في العراق) ترجمة آثاره. أقوال المشاهير فيه. بينما هو يحوي ترجمته ووصف رحلته في البلدان العربية وحفلات تكريمه في العراق وما قيل فيها. كما أغفل ذكر جامعه (كاتب هذه السطور).
- ذكر عن (المختصر في تاريخ آداب اللغة العربية) لجرجي زيدان أن قد اختصره أنيس الخوري المقدسي (ص8) مع أن المقدسي نظر فيه أما اختصاره فقد كان بقلم مؤلف الكتاب المطول المرحوم زيدان نفسه. ولا تزال مجلة الهلال تعلن في كل جزء من أجزائها عن الكتاب وتنسبه إلى مؤلفه الحقيقي. ولكنه عاد فذكره على الوجه الصحيح (ص27) برقم آخر.
- أشار إلى صدور الجزء الأول فقط من (تاريخ الكويت) (ص11) وقد صدر منه جزءان.
- أغفل اسم واضع (تقرير صحة بغداد) للدكتور سامي ذاكراً اسم أسرته فقط.
- قدم وأخر في اسم مؤلف (جغرافية العراق) فسماه عيسى رزوق وهو رزوق عيسى.
- نسب (قضية فلسطين) إلى خلف شوقي الداودي (ص24) وهي مترجمة(5/110)
بقلمه عن صحيفة إنكليزية شهيرة.
- لم ينوه عند ما ذكره (مذكرات مسز إسكويث) بتعريب السيدة منيرة صبري أن أسعد خليل داغر ترجم هذه المذكرات بعنوان (مذكرات مدام إسكويث) ونشرتها مكتبة العرب بمصر قبل نشر تعريب السيدة المشار إليها.
- أخطأ في اسم أسرة مؤلف (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق) فقال يوسف رزق الله غنيم. وهو (غنيمة) كما وهم في اسم المطبعة التي طبع فيها فذكر مطبعة العراق وهي مطبعة الفرات، وقد سها عن ذكر كتاب (محاضرات في تاريخ مدن العراق) ليوسف رزق
الله غنيمه (ص136).
- جعل (أسباب النهضة العربية في القرن التاسع عشر) للنصولي كتابين الأول برقم 256 وقد أسماه (النهضة العربية الخ) والثاني برقم 295 مسمياً إياه على الوجه الصحيح.
- ذكر (أصول التدريس) تأليف ساطع الحصري (ص38) وجعل جزءوه الثاني كتاب الحصري الآخر (مبادئ القراءة الخلدونية) مع أنهما كتابان مختلفان الأول في فن التربية والتعليم صدر منه إلى الآن جزءان والثاني في تعليم التهجئة ومبادئ القراءة العربية. وقد طبع أولاً في البصرة ثم طبع مرات في المطبعة السلفية بمصر، والأغرب أنه جعل الكتاب الذي ألفه الحصري لإرشاد المدرسين إلى كيفية (تعليم الآلف باء) وتدريس كتابه مبادئ القراءة جزءاً ثالثاً لأصول التدريس! مع أنه كتاب مستقل للغرض الذي بيناه، وقد أخطأ في اسم ساطع في الفهرس (ص35 و 138) فقال (ابن خلدون ساطع الحصري) مع أنه أبو خلدون كناية باسم نجله خلدون.
- جعل (التهذيب أساس الحضارة) (ص41 و 62) كتابين من مطبوعات منتدى التهذيب في بغداد في حين أن هذه العبارة اتخذها المنتدى شعاراً أثبته في عنوان كل من الرسالتين اللتين نشرهما وهما:
(1) الحفلة السنوية الكبرى لسنة المنتدى الاولى، وصفها وما قيل فيها من الخطب والقصائد، مطبعة العراق ببغداد ص87.
(2) الحفلة التكريمية التي أقامها المنتدى للزهاوي في 10 حزيران 1923(5/111)
وصفها وما قيل فيها، مطبعة العراق بغداد ص87.
وليس للمنتدى كتاب بهذا الاسم ولم ينشر بعد تينك الرسالتين شيئاً.
ذكر أن (جواهر الأدب من خزائن العرب) لسليم صادر (بيروت) أربعة أجزاء وهو خمسة.
- نسب جمع رسالة (حفلة تكريم الزهاوي) (ص43) إلى محمود حلمي صاحب المكتبة العصرية في بغداد بينما الرجل كتبي وهو ناشرها أما جامعها فكاتب هذه السطور ولم أر أنها مما يجب أن أتبجح به ولا سيما لي فيها خطة طويلة ومقالات أخرى مما نشر في جرائد بغداد بتواقيع مستعارة أو بلا توقيع.
- قال عن رباعيات الزهاوي (45) من مختارات ما نظم في حين أنها رباعيات منظومة نظماً خاصاً بهذا الأسلوب والطريقة وليست هي مختارات لنظم الرجل، وقد سها فذكر في السطر الثاني أن قد طبع الثاني من هذه الرباعيات في بيروت سنة 1924، مع أن رباعيات الزهاوي هي جزء واحد طبعت في بيروت كما ذكر.
- قال عن مؤلف كتاب (الطريقة الاستقرائية في القواعد العربية) (ص48) (لصاحبها رفائيل المعروف بابو (كذا) إسحق) والصحيح أن أسم المؤلف رفائيل بابو اسحق ولفظ بابو ليست كنية بل هي حرف كلداني معناه الرئيس.
- ذكر أسم كتاب (العقد الثمين في تربية البنين) (ص48) ولم يزد على ذلك شيئاً. وهذا الكتاب تأليف خليل بيدس صاحب مجلة النفائس المصرية في القدس سابقاً. وهو من الآثار المطبوعة قبل الحرب العظمى ولا يدخل في الكتاب الذي نحن بصدده.
- إن (ميخائيل نعيمة) (ص48) مستشار جمعية الرابطة (القلمية) وليس العلمية كما ورد في الكتاب.
- (في عالم الأدب) و (في عالم الرؤيا) (ص50) ليسا من مؤلفات جبران خليل جبران وإن كانا يحويان مقالات له، إنما هي مجموعات نشرها أحد المصريين.
- كان يحسن بالمؤلف أن يشير عندما ذكر كتاب (أولادي) لبولي دوبر(5/112)
(ص51) أن قد ترجم هذا الكتاب إلى العربية ترجمة فصيحة الشهيد المرحوم عبد الغني العريسي الذي شنقه جمال السفاح في من شنق من أحرار العرب في خلال الحرب الكبرى وطبع في بيروت باسم (كتاب البنين).
- قصر (المثالث والمثاني) (ص53) على مجموعة من خطوط أدباء الوطن، مع أنها مجموعة شعرية نظم صاحبها حليم دموس وفيها مجموعة للخطوط.
- جعل (الشيخ مهدي البصير) بغدادياً ومن شعراء القرن الرابع عشر (ص74) يريد التاريخ الميلادي ظانا على ما نعتقد انه من القدماء في حين أن البصير حلي من الحلة ومن أبناء القرن الرابع عشر الهجري ولا يزال حيا يرزق.
- وهم في اسم مختارات الشيخ عبد القادر المغربي فسماها (البيان) (ص85) وهي (البينات).
- سمى مجلة أمين الغريب (الحارث) (ص105) وهي (الحارس).
- اخطأ في اسم كتاب الأستاذ إسماعيل مظهر في النشوء والارتقاء فسماه (ملتقى السبيل) (ص106) وهو (ملقى السبيل).
- لما ذكر (الاقتصاد السياسي) تأليف شارل جيد الاقتصادي الفرنسي الشهير (ص107) فاته أن يذكر إن ما عربه نجيب مكرينه هو جزء من كتاب (مبادئ الاقتصاد السياسي) للمؤلف المذكور الذي عربه كله تعريباً وافياً الأستاذ توفيق السويدي أستاذ هذا العلم في كلية الحقوق في بغداد وطبعه في مطبعة دار السلام ببغداد سنة 1924م.
- نسب رسالة (الامتيازات الأجنبية) لعبد الله مشنوق (ص108) وليس للمذكور رسالة بهذا الموضوع، إنما هذه الرسالة بقلم سعيد عمون.
هذا بعض ما عثرت عليه في أثناء تصفحي الكتاب تصفح عجلان. واكرر في الختام ثنائي على جهود المؤلف وغيرته على تخليد الآثار العربية.
رفائيل بطي
20 - حرية الفكر وأبطالها في التاريخ
تأليف سلامة موسى
عنيت بنشره إدارة الهلال بمصر في 200 ص بقطع 12
يقول قافة الإفرنج (جمع قائف) من المحدثين: في قحف الإنسان أو في(5/113)
رأسه عدة بروزات أو نتوءات تدل على ما فيه من الميل والاستعداد والتخصص. والظاهر أن في رأس صاحب هذا التصنيف نتوءاً أو بروزاً يريد الدين عفوا لكل حسن أو نجاح أو تقدم. لأنك لا تقرأ كتاباً أو مقالاً أو سطوراً إلاَّ تعرف أن صاحبها سلامة موسى، لما قد امتاز به من تصوره الغريب عن الدين.
وأن قلت بعبارة ثانية أن ليس في رأس (موسانا) بروز دين فلا نكون من المخطئين ومن رأى صورته في جزء مايو من هلال هذه السنة لم ينكر علينا هذا الأمر بل يقر به قبل أن يقرأ اسمه تحتها.
ونحن نعلم علم اليقين إن سلامة لا يكتب ما يكتب عن علم وتحقيق بل عن مرض مزمن
فيه. ولهذا نعذره على كل ما يدونه لأنه غير مسؤول عما يمليه عليه (نتوء دماغه اللاديني) بل نستغرب من صاحب الهلال نشره مثل هذه التصانيف الخرافية التي تزري به وتحط من قدره.
21 - ما تراه العيون
لمحمد تيمور. الطبعة الثانية في 152 ص بقطع 12
كل عضو من أعضاء آل تيمور نابغة عصر في ما يعالجه من المواضيع. والمرحوم محمد كان أول من حبب روح التمثيل في البلاد العربية اللسان ولا سيما في مصر وهو أول من وضع الأقاصيص العصرية في لغتنا. فأفاد جمهور القراء من خاصة وعامة وفاز فوزاً عظيماً في ما توخاه من إصلاح العلات وتقويم أنواع الاعوجاج.
وهذا الكتاب لا ينماز كثيرا عن شقيقه (الشيخ جمعة) (راجع لغة العرب 5: 50) فهما شقيقان في النسبين الدموي والأدبي. وهذا من أغرب الغرائب، على أننا نرى عبارة الشيخ جمعة أقوم وأسد وعسانا أن نكون مخطئين!
22 - طريقة سهلة للتكلم بالعربية العامية العراقية
طبع في مطبعة أمين هندية في القاهرة في 192 ص بقطع 16 في سنة 1918
لكل قطر من الأقطار التي تنطق بلغة الضاد لهجة خاصة بها ترتقي إلى عصور(5/114)
دخول العرب الفاتحين في الديار التي هجر أهاليها لغتهم الأصلية لينطقوا بالعربية لغة المتغلبين. ولقد طالعنا مؤلفات عديدة تدعي أنها تلقن العربية بسهولة وبسرعة ولما أنعمنا النظر فيها لم نجد كتاباً أوفى بالمقصود مثل كتاب يوسف نعيم بحوشي فأنه درس كثيرين من الإنكليز لغتنا فتلقوها بسهولة، ولما زاول هذه المهنة عدة سنوات وضع هذا الكتيب فإذا هو درة في جنسه. فنحض الأجانب على اقتنائه لما فيه من القواعد العامة والألفاظ الخاصة بلغة العراق ولهجته.
23 - السائح الممتاز
هذا الجزء من جريدة السائح الممتاز يدل على تبحر في العمران وإمعان في الحضارة العربية، إذ فيه قصائد ومقالات شائقة كلها درر ومطبوعة على كاغد فاخر لا تدانيه في شئ مجلة من مجلاتنا.
ومع كل إطرائنا لهذا الجزء الممتاز لا ننكر على أصحابه أنهم يتساهلون في اتخاذ ألفاظ أو تعابير مخالفة لمحكم لسان العرب الذي ينتسبون إليه ويكتبون فيه. فقد قرأنا اتفاقاً (صفحة من تاريخ الأندلس العربي) (ص93) وما يليها فوجدنا فيه: الثقاة. . . لم يدانيه. . . لا أدري لماذا أو بالحري. . . (ص93) فأبى الرجل الصالح من الجلوس (ص94) وكان الصميل أميا لا يقرأ. . . كان ملكاً بالفعل إن لم يكن بالاسم (ص95) إلى آخر ما هناك وهي كثيرة. ونظن أنه لو قال صاحب البراعة: الثقات. . . لم يدانه. . . . لا أدري السبب أو قل. . . فأبى الرجل الصالح الجلوس. . . وكان الصميل أميا لا يقرأ. . . كان ملكاً بالفعل إن لم يكن (أو ألم يكن) بالاسم. . . لكان أقرب إلى الفصيح!
24 - نبذة في حياة واستشهاد ثلثة طوباويين
من جمعية كهنة الرسالة المعروفين بالعازريين
بقلم الأب يوسف علوان اللعازري
كثيرون هم الكهنة الذين يؤلفون كتباً ويحبرون المقالات من دينية ودنيوية، إلاَّ أغلبهم قد ألفوا عبارات وتراكيب سقيمة تلقوها عن المرسلين الإفرنج الذين لم يتقنوا العربية فأنتقل هذا الداء العياء إلى من يتصفح كتبهم.(5/115)
وهذه المؤلفات الدينية المطبوعة في بيروت في دور مختلفة تدعم رأينا هذا. على أننا رأينا الأب يوسف علوان اللعازري يحاول تحطيم هذه القيود والتخلص من تلك السلاسل الصدئة. وهذه النبذة تثبت ما يقوله فأن هذا المرسل غيور على كل ما يقول ويفعل.
بيد أننا لا نريد أن نقول لا يخطأ في ما يكتب. بل أن قلمه أصح من سائر خدم الدين الذين يعالجون التحبير والتحرير، ومن أوهامه قوله: الكهربائية. . . وسعوف النخل الخضراء (ص1) أولاً افتخاراً به وإعجاباً ليس فقط لأنه أخونا. . . باتحادها مع الكنيسة. . . عن
أعين أخوته. . . في أن يكرساه للرب (ص2) لم يكونوا يعرفوا (ص3) إلى غيرها. ونظن أن الصواب هو الكهربية. . . والسعوف (والأحسن والشطب، لأنك أن قلت السعوف استغنيت عن قولك النخل الخضراء، إذ السعف لا يكون إلاَّ للنخل. كما أنك لا تقول حذاء الرجل ولا قلنسوة الرأس). ولا تتجاوز (ليس فقط) في عبارة بل يقال مثلاً لا لأنه أخونا فقط بل. . . باتحادها بالكنيسة. . . عن عيون أخوته في أن يحرراه للرب. . . لم يكونوا يعرفون. . .
ولعل هذه الأغلاط من صاحب المجلة التي أدرجت فيها أولاً هذه النبذة، لأننا نراها ترد كثيراً على أسلة قلمه. وربما نحن غير مصيبين فنلتمس حينئذ العذر والصفح!
25 - كتاب إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
للمعروف بمعجم الأدباء أو طبقات الأدباء لياقوت الرومي
وقد اعتنى بنسخه وتصحيحه: د. س. مرجليوث
الجزء السابع الطبعة الأولى مطبعة هندية بالموسكي بمصر سنة 1925
فضل العلامة مرجليوث مما لا ينكره أحد، فقد ألف عدة تأليف موضوعها الشرق ولغاته وتاريخه وتحقيقات عن مشاهيره. والعرب يشهدون له بما أحيا من الكتب القديمة التي كادت تفنى فبعثها من قبورها بنشرها بأحسن حلة وأبدع وشي، ومن جملة ما نفخ فيه نسمة الرجعة معجم الأدباء لياقوت. وكنا قد(5/116)
أسلفنا الكلام عن الطبعة الثانية من الجزء الأول (4: 95 - 101) والآن أمامنا الجزء السابع الذي أهدانا إياه صديقنا الوفي العلامة مرجليوث الذي يقر بعلمه العراقيون إذ لم ينسوا خطبه البديعة التي ألقاها في بغداد بعد الاحتلال.
ولما كنا نعلم أن صديقنا يحب أن ينبه على ما يرد في مطبوعاته من السهو الذي لا يخلو منه كتاب مطبوع، جئنا بهذه الملحوظات لعل فيها ما يصلح الطبعة الثانية.
وقبل كل شيء أننا لا نتعرض لما في كتابة بعض الألفاظ من الأوهام الصغيرة ككتابة (ابن) بالألف حينما يقول الأدباء بحذف الألف إذا وقعت بين علمين بين أسم الابن وأبيه. وقد نصوا أن اللقب والكنية غير داخلين في هذا الباب كما لا نتعرض لخطأ رسم الهمزة ولا لتخطئة ما أهمل تنقيطه من الحروف إلاَّ ما يسبب التباساً. وبعد هذا التمهيد نقول:
ص س
4 9 علي أبو الفتح، لعلها علي أبو الفتح
5 1 فقال مائة واثنتي عشرة سنة، لعلها وأثنتا بالرفع
9 2 بني فقعص صوابه بني فقعس
10 17 سلفت لنا أن لا نخون عهودنا، لعلها حلفت. . . تخون
11 12 وحكي الرماني، لعلها وحكى بالإهمال
15 بسعدي، لعلها بسعدي أسم امرأة
16 5 فدار على الخلق يوم الجمعة، ونظن أن الصحيح هو الحلق بإهمال الحاء
6 فبين نحن كذلك، ولعلها فبينا نحن كذلك
18 10 صحت فذاك إذا أتبعت فهو الهدى، والمشهور هو الهدى
20 10 توفى سنة 420، والصواب توفي بالياء المنقوطة
13 البنجديهي، صوابها البندجيهي
282 17 غصن بان من حيث أستوى، ولعل صوابه غصن بان كان من حيث. . .
23 9 قرهت عيني، صوابها قرحت
10 كبد حرا، صوابها حرى كما هو مشهور(5/117)
13 نمى حبك، وأحسن منها نما حبك
16 فاسقينها، صوابها فاسقنيها
24 5 وجفون، ولعلها وجفوني بياء المتكلم
28 9 كما ذكر أبو عمرو، والمطلوب في المعنى هناك أبو عمر بلا واو
30 7 الكلوذاني، لعلها الكلواذاني
9 تكافئوا عليه، لعلها تكافأوا عليه
31 5 أن لله يحاسبني، لعلها أن الله. . .
37 8 شفائق واقاح، والصواب شقائق. . .
10 تجديد راتب، صوابه راتبه
39 20 كان من العملاء الفضلاء، لعلها العلماء. . .
40 20 وجود الخط فبلغ في الغاية ولعلها فيه الغاية
44 10
ولم يعد ذاك بنفع علي ... صديقه لا كان من كان
والصواب:. . . بنفع على. . . من كانا (لما هناك من الروي)
46 11 يخرج رأسه من جربانة. . . انتهار الفرض، والصواب جريانه. . . الفرص
19 في سيرة الأسنيذان الفتح والظفر، والصواب الأسنيان
48 5 أن يذل، صوابه أن يذلا
49 7 شربت عقارا أنكرتني بريقه، صوابه أذكرتني
10 وشقه شجوه فأنا، صوابه وشفه
20 كل شفيعي إليك، صوابه كن شفيعي
51 12 كتاب الفرخ، لعلها الفرح بالمهملة
18 في الحمقا، لعلها في الحمقى أو
52 14 اقرأة يوماً سورة والنازعات، صوابه اقرأه
57 12 مستحبياً من امرأتي، صوابه مستحياً
60 1 في مقبرة باب البزو، وليس في بغداد مقبرة وباب بهذا الاسم(5/118)
والمعروف باب
أبرز بتقديم الراء المهملة على الزاي
61 10 فصيحاً يليغاً، صوابه بليغاً
64 17 كم عدد المكديين، والصواب المكدين بياء واحد
75 14 وكانت أطلب مسألة، والصواب وكنت أطلب
78 3 لأبي طيب المتنبي، والصواب لأبي الطيب (بال) المتنبي بدون همز في الآخر وقد تكرر الغلط مراراً
4 وأنحط نجحه عن مطلع، والصواب وأنحط نجمه
79 3 ولو نطق الزمان إذا هجانا، والمشهور: بنا هجانا
81 8 إلى حديث امرؤ القيس، والصواب امرئ القيس
83 12 أجيران جبرون، والصواب جيرون بالمثناة التحتية
9 ومن بردا حر قلبي والصواب بردى
89 12 إساري كسفن اليم نيطت بها الفلسا، والصواب القلسا بالقاف
95 10 ست بليت بها والمستعاذ بها، والصواب به (لأنه راجع إلى الله)
97 20 خلت الدسوت من الرخاخ ففرزنت فيها البيادق، والمشهور البيوت
105 8 أبو عمرو بن حيوة، والمشهور حيوت بالتاء المبسوطة
112 4 الورد بلطم خده، والصواب يلطم (بالمضارع)
113 5 بجرير وفرزدق، والصواب والفرزدق بال التعريف
114 5 هي النغر، صوابه هو الثغر
10 علا النهر لما كاثر الغضب القنا، والصواب القضب
13 فمن بارد الابرنز كان له الفخر، لعلها الابريز
115 17 وبات لا يحتمي عني مراشقه، والصواب مراشفه بالفاء
118 3 بموتن، صوابه بموتمن
122 8 جحنوا إلى قول، صوابه جنحوا
18 عن قلا، صوابه عن قلى
127 12 القائدي الخيل، والصواب حذف الياء آخر القائدي(5/119)
128 4 جنة عبقري، والصواب عبقر بدون ياء
132 19 منتزه، والأحسن متنزه
134 18 والناس يهنونه، والأحسن يهنئونه
136 8 لشهر أم ملك، والمشهور لششر أم مهراجاه الهند
140 16 الا نستحيي أن ينشد، والصواب إلا يستحيي أن ينشد
142 2 إذا كان كلمة، لعلها إذا كانت
7 ولم إذ ضم أوله، لعلها ولم إذا ضم
145 10 وتذهبوا بمذهبه، والأصوب وتمذهبوا
فقلت هو الدر الذي قد حشا به ... أبو مضر عيني تساقط من عيني
والصواب: قد حشا به أبو مضر أذني
147 18 كانت مسائلة الركبان تخبرني؛ لعلها مسابلة وهي جماعة المسابلين ويراد بهم
في لغة أهل نجد والعراق الذين يذهبون إلى المدن للأمتيار
148 16 مثلى كشافي، لعلها كشاف بكسر الآخر
150 8 مع الطير العناق: والصواب العتاق بالتاء المثناة
153 5 روبة ما أشقاه؛ ولعلها من أشقاه
6 من أدمع منهلة ما ترقى؛ صوابها ما ترقا لأنها في الأصل مهموزة
155 6 من ضنا؛ لعله من ضنى
12 ألا سمعت القول من فصيح: لعلها نصيح
156 6 بحق ماري مريم وبولس؛ لعلها ماري مرقس
8 ونينوى إذا قام يدعو ربه؛ لعلها ونينوى إذ قام
11 من بركات الخوص والزيتون، ويروى: من بركات النخل وهناك رواية ثالثة
من بركات السعف وهو أقربها إلى الحقيقة وما يفعله النصارى في العراق في
عيد السعانين الذي يجري الكلام عليه.
وعيد شعياء وبالهياكل ... والدخن لاقي بكف الحامل(5/120)
والبيت مكسور والمشهور هو: والدخن اللائى لوضع الحامل
156 18 بحق ثنتي عشرة من الأمم: والمشهور بحق الأثني عشر من الأمم والأمم هنا بضمتين جمع أمام وهو لم يرد في اللغة لكن يجوز للشاعر أن يعود إلى اتخاذ القياس إذا كانت هناك ضرورة شعرية والمراد بالأئمة هنا الأثنا عشر رسولا
20
بحق ما في محكم الإنجيل ... من محكم التحليل والتحريم
والصواب من محكم التحريم والتحليل لكي يزدوج الشطران
157 2
بحق مار عيد الشفيق الناصح ... بحق لوقا ذي الفعال الصالح
والصواب:
بحق مر عبداً التقي الناصح ... بحق لوقا. بالحكيم الراجح
كما ورد في ديوان صفي الدين الحلي المطبوع في بيروت في مطبعة الأدب لصاحبها أمين
الخوري سنة 1892 ص291 وما يليها. ومر عبداً أشهر من أن يذكر. وما قاله لصديق في الحشية: (في التزيين مرعيد لعله يريد مرقس) لا يمكن أن يكون لأن البيت يختل وزناً ثم أن لوقا معروف بطبه ولهذا قال بالحكيم الراجح.
157 3 بحق تمليخا الحكيم الراجح، قال الناشر في الحاشية: (في التزيين تليخاً يريد الراهب الذي أبطل ألعاب المقتتلين بالسيوف) قلنا: وهذا لا يمكن أن يكون لأن الشاعر هنا يستغيث بأولياء النصارى وشهدائهم، وقديسيهم. أما هنا فالمراد بتمايخاً: القديس ملخس من أصحاب الكهف والمسلمون عرفوه بهذا الاسم المصحف كما صحفوا أسماء جميع أصحاب الكهف فقد قالوا في ملخس: تمليخاً وأمليخاً ومليخاً ويمليخاً (راجع حياة الحيوان للدميري 2: 251 - 253.
وراجع الكهف في القاموس المطبوع في الهند تر كل هذه الروايات وغيرها).
وملخوس كان من الشهداء ولهذا قال الشاعر: والشهداء بالفلا الصحاصح.
157 4 والمذبح المشهور في النواحي، ولعله المشهود بالدال
10 شيخان كانا من شيوخ العلم، ولعل الصواب شيخين لأن اللفظ بدل من علمين مجرورين
14 ومار نقولا حين صلى وأبتهل، ولعل الصواب ومر نقولا. وفي ديوان الحلي: بحق لوقا حين صلى وأبتهل.
15 وبالسليح المرتضى وما فعل، وفي ديوان الحلي: وبالمسيح، وهو أصوب لأن السليح (وزان قديس) ومعناه الرسول وإذا شددت اللام أنكسر البيت. اللهم إلاَّ أن يكون من باب تخفيف المشدد للضرورة الشعرية فحينئذ يستقيم البيت.(5/121)
بابُ التَقْريظِ
26 - الجغرافية العسكرية
الجزء الأول
مباحث جيولوجية وائتؤغرافية، المصطلحات السوقية، العوارض الجغرافية والأوصاف الأرضية، وضع لتدريس الصف المتقدم في المدرسة العسكرية، تأليف الزعيم طه الهاشمي، مدرس الجغرافية العسكرية وتاريخ الحرب في المدرسة العسكرية، مطبعة دار السلام في بغداد سنة 1927 في 256 ص بقطع 1.
الزعيم طه الهاشمي من الرجال الذين يفتخر بهم الوطن، ولا هم له سوى العلم والتبحر فيه. وهذه تأليفه تشهد على ماله من القدم الراسخة في شعب العرفان والفنون، فجاء كتابه الجديد (الجغرافية العسكرية) دليلاً جديداً على أرصاد وقته للمنفعة العامة وقد ورد أربعة موارد عربية وثمانية فرنسية وستة إنكليزية لوضع هذا التصنيف، فجاء خلاصة تتباهى بها الطلبة وحق لهم أن يتباهوا بها إذ يغنيهم عن كتب عديدة وضعها أهل الغرب في هذا المبحث.(5/122)
تاريخُ وَقَائع الشَهرِ في العِرَاقِ وَما جَاوَرَهُ
1 - تسليم الشيخ محمود
سلم الشيخ محمود الكردي بجميع مطاليب الحكومة ورضي بشروطها وستطلق له الحرية التامة في أن يقيم في المنطقة التي يختارها، ما خلا المنطقة الكردية كما أنه ستعاد إليه أملاكه ويديرها وكيل يختاره والآن يقيم ولده في العاصمة ليدخل المدرسة العسكرية.
2 - نجاح روضة الأطفال في الحاضرة
أقامت (روضة الأطفال) حفلة حضرها مديرو المدارس وبعض المديرات والمعلمات وعرض على المحتفلين الأشغال اليدوية التي أتمتها مدارس البنات وقام تلاميذ روضة الأطفال بألعاب بديعة. دلت على عناية الآنسة (أمة) مديرة هذه الروضة ومعلمة الطبيعيات في دار المعلمات بتربية الأطفال على قواعد التربية العلمية الحديثة وتثقيفها عقول هؤلاء النابتة بما ينمي مداركهم وينشط في نفوسهم حب المعرفة والعلم العصري.
3 - وفاة السيد عبد الرحمن النقيب
توفي بعد عشاء الأحد 12 حزيران السيد عبد الرحمان النقيب شيخ الأسرة الكيلانية وكان قد ولد على ما يقال في سنة 1261هـ (1845م) وقد شيعت جنازته بكل أبهة ووقار وكان حاضراً في الموكب المندوب عن جلالة الملك والمعتمد السامي والوزارء وأعيان المجلس ونوابه والمستشارون البريطانيون وجم غفير من جميع الطبقات والأعمار على اختلاف جنسيتهم وكانت دفنته في الساعة التاسعة من نهار 13 حزيران في جامع القادرية.
4 - مؤتمر الرياض
اجتمعت وفود نجد وملحقاته في الرياض لإعلان ملكية نجد في أواخر رجب ثم انفض جمعهم لقرب رمضان وبعد عيد الفطر أرسل الملك إلى رؤساء عشائر نجد وأمراء الهجر فبلغ عدد الذين حضروا ثلاثة آلاف كان في مقدمتهم فيصل الدويش أمير الأرطوية وسلطان ابن بجاد أمير غطغط وجميع مشايخ(5/123)
عتيبة ومطير ورؤسائهم، وجميع رؤساء
قحطان، ورؤساء شمر، وحرب، والعجمان وآل مر، وعنزة المقيمين في نجد، وجميع رؤساء الدواسر، وسبيع، والسهول، وبني هاجر، وبني خالد، والعوارم وغيرهم من بدائد نجد من رؤساء وقرناء للرؤساء.
5 - الغارة على العراق واسترداد 250 بعيراً
هجمت (الحويطات) إحدى قبائل شرقي الأردن على السباع والفدعان من العشائر السورية التي كانت ترعى في العراق ثم نزلت القبيلة الهاجمة بوادي الفحيمي من سقي الفرات، أما هجومها على السباع فلم يفدها شيئاً بخلاف هجومها على الفدعان فأنها سلبتها غنماً وأباعر.
وحالما وصلت أخبار هذه الغارة إلى الحكومة العراقية أصدرت أوامر إلى القوتين الطيارة والسيارة لتهذيب أصحاب الغارة فسارت مدرعات وسيارات بريطانية في اليوم التالي من الحادثة واتجهت إلى الرطبة فكشفت السالبين في نقطة تبعد 15 ميلاً عن الجهة الشرقية من بئر (ملوسة) وفي صباح يوم الجمعة 10 حزيران تمكنت السيارات المدرعة من إيقاف المغيرين وصدهم عن التقدم.
وقد سلم المغيرون أنفسهم من غير مقاومة فقبض على مائتين وخمسة رجال منهم وكان معهم 250 بعيراً من البعران المنهوبة وقد أعتقل الآن زعيما هذه القوة وهما: ابن مطلق أبو تايه، وحائل ابن عبتان بن جازي. أما أتباعهما فنزعت أسلحتهم وأطلق سراحهم وأعيدت البعران إلى أصحابها الفدعان.
6 - عاديات في تل نمرود
عثرت دائرة الشرطة على عاديات في قراقوش في دار (عبو بن شيرو) وكان قد أستخرجها من (تل نمرود) وهي سبع قطع من الحلان متفاوتة الكبر، وعليها كتابة مسمارية، وعلى قطعتين منها أحد الكهنة يقدم إلى القرابين للقمر والنجوم آلهة الآثوريين.
7 - الجيش العراقي يحتل بنجوين
أحتل الجيش العراقي في أوائل أيار منطقتي (بنجوين) و (شاهبازار) من لواء السليمانية، وحكومتنا تنشئ فيها الآن مراكز للشرطة، ولا سيما في بعض مضايق الجبل توطيداً للآمن وتسهيلاً لسبل التجارة.(5/124)
8 - احترقت بسبب دجاجة
أخبرت شرطة الموصل أن (زرو ابنة الشماس بني) من ساكنات قرية (كرمليس) دخلت في متبن (أي مستودع تبن) لتبحث عن دجاجتها التائهة. فأضرمت ثقاباً في الظلمة فطارت للحال شرارة نار فأمتد اللهيب في التبن وأحرق ما هناك مع المرأة الحبلى حتى غدت فحمة هي وجنينها.
9 - سقوط برد في شمالي تل أعفر
تلبدت الغيوم في 25 أيار في قضاء (تل أعفر) وانهمرت المياه ثم عقبها سقوط برد كبير بحجم بيضة الحمامة دام خمس دقائق وذلك في أنحاء (أوكني) إلى (هارونة) و (أبو مارية) لكن الأضرار لم تكن جسيمة، وسقوط الرد في تلك الأنحاء وفي ذيالك الحين غريب نادر.
10 - استعفاء السيد عبد المهدي من وزارة المعارف
سأل أحد كتبة الصحف صاحب الفخامة جعفر باشا العسكري (هل في الحقيقة أن استقالة معالي السيد عبد المهدي من وزارة المعارف لم يكن سببها سوى مسألة تقديم لائحة قانون الدفاع إلى المجلس النيابي في جلسته الأخيرة؟)
فصرح له فخامة رئيس الوزراء بما يأتي: (لو كانت دعواه هذه صحيحة وحقة لكان يستقيل منذ إعلان المنهاج الوزاري أو على الأقل عند قراءة خطاب العرش أو الإرادة الملكية في افتتاح الاجتماع غير الاعتيادي!)
ثم أسندت وكالة هذه الوزارة إلى فخامة رئيس الوزارء الذي هو وزير الخارجية أيضاً وصدرت الإرادة الملكية بذلك.
11 - فض مجلس الأمة
بقي مجلس الأمة العراقية مجتمعاً أربعين يوماً فوق ميعاده وفي 8 حزيران أصدر جلالة ملكنا المحبوب إرادته الملكية في فضه فنفذ أمره العالي بلا إمهال.
12 - تعداد المواشي في لواء المنتفق
بلغ ما عد من المواشي إلى نهاية نيسان من سنة 1927 في لواء المنتفق 339. 809 من
الغنم و 30. 189 من المعزى و 5. 153 من الجاموس و 6. 617 من الإبل.
13 - تحضير في لواء المنتفق
عرضت متصرفية لواء المنتفق عرصات أميرية في الناصرية لبيعها على الفقراء من الآهلين ليبنوا عليها منازل(5/125)
لمأواهم كما أنها عرضت مثل هذه العرض في الشطرة.
14 - تعليق نوط الشجاعة
أنشأت دولتنا نوطاً تزين به صدر كل من يبلي بلاء حسناً في الأحداث. وقد عقدت حفلة جليلة في صباح 30 نيسان في ميدان السباق القديم على طريق (المعظم) فشرفها جلالة ملكنا فيصل ومعه أخوه الملك علي والمعتمد السامي والوزراء وبعض الشيوخ والنواب وجلة القوم وعلية الأجناب وقناصل الدول المتحابة وكان عدد (المنوطين) (أي الذين علقت الأنواط على صدورهم) اثنين وعشرين بين جندي وعريف وملازم ورئيس، وكبتن إنكليزي قتل في المعركة فتسلم المعتمد السامي نوطه ليوصله إلى ذوي قرباه، وبعد (التنويط) عرض الجيش على جلالته فسر الجميع بذلك المنظر.
15 - الخوة ومطلق الفرحان
الخوة (تخفيف الأخوة) ما يدفعه المسافر إذا مر بأرض غير أرض قبيلته أو ما يدفعه الشيخ الصغير وأصحابه إلى الشيخ الكبير الذي يدافع عنه وعن حقوقه؛ وهذه الضريبة يدفعها الرجل إذا وجد في أرض لا تحميها الحكومة بل يحميها الشيخ فيكون هو بمنزلة الآمر الناهي.
وقد أبلغ مدير ناحية (الموالي) شيخي عشيرة (الأسنان) النازلة في قرية (أبو مارية) وهما: (همز بن حديد) و (جاسم الأعوري) أن لا يدفعا خوة إلى أحد من الشيوخ، لأن قبائلهما نازلة في أرض متحضرة تحميها الحكومة وليس أحد من رؤساء الأعراب.
وقد بلغ الخبر أن (مطلق الفرحان) جاء بخيله ورجله وطلب إلى الشيخين تأدية الخوة فأمتنع (همز) ورضي (جاسم) بصورة خاصة لا من باب الإكراه وأدى خمس ليرات وأشار إلى باقي عشائره إلى أن يماثلوه. وبهذا خالف أوامر الحكومة التي كانت قد أخطرته بعدم الدفع، فعسى أن الحكومة تصلح هذه الأمور الجائرة.
16 - بين الحجاز وإنكلترة
وصل (جدة) السر جلبرت كلبتن مندوب بريطانية في أوائل نيسان ومعه كتومه وترجمانه جورج أفندي أنطونيوس ونزلا ضيفين على الحكومة وبعد ذلك بدأت المراجعات بخصوص عقد مفاوضة(5/126)
جديدة بين ابن سعود وبين بريطانية. فتمت على أحسن وجه برضى الطرفين.
17 - بين الحجاز واليمن
صلات الإمامين الودية متبادلة ولم تكن في وقت مثلما هي الآن. وقد صرح ابن سعود في مجلس ورد فيه ذكر اليمن بما هذا حرفه: (وليس بيننا وبين الإمام يحيى غير الطيب فهو يقول أنه يفدي بنفسه نجد أو أهل نجد، وأنا أقول أنني أفدي بنفسي اليمن وأهل اليمن).
18 - التجنيد الإجباري
تكون أسس قانون التجنيد الإجباري على الوجه الآتي:
البدل النقدي ستمائة ربية.
ومدة الخدمة العادية سنتان ومدة الخدمة المقصورة سنة واحدة.
ومن كان صاحب زوجة وعيال وليس في البيت معين يعفى من العسكرية لكونه معيناً.
ويؤجل قبول طلبة المدارس الأهلية والرسمية والدينية والصناعية والطلبة الدارسين في خارج العراق سواء كانوا على نفقتهم أم على نفقة الحكومة والمعلمين الذين اتخذوا التدريس مهنة لهم.
وقد أعفت من الخدمة المفتين والأئمة والخطباء وأصحاب (الجهات) والعلماء والمجتهدين والبطاركة والمطارنة والقسوس والحاخامين ورؤساء الحاخامين وجميع رؤساء الدين المعترف بهم.
وهناك تسهيلات خاصة للذين لهم أكثر من ولد واحد في الجيش، والذين يتوفى أولادهم في أثناء الخدمة أو بسببها.
والتجنيد لا يشمل من كان عمره فوق العشرين.
إن التجنيد في السنة الأولى مقصور على قرعتين فقط الواحدة لمن كانت سنه في السنة
التاسعة عشرة وفي السنة الثانية في سن العشرين.
19 - وزيران نجديان والدكتور شهبندر يطيرون إلى مصر
وصل بغداد الشيخ حافظ وهبه مستشار الملك ابن سعود آتيا من الأحساء على طريق البحرين فالبصرة ومعه الدكتور عبد الله الدملوجي وزير خارجية مملكة نجد قادماً من الكويت وكانا راكبين طيارة وصلا عليها إلى بغداد 7 أيار وبعد أن استراحا ركباها مع الدكتور شهبندر (عبد الرحمان) وذهبوا جميعاً إلى مصر.(5/127)
20 - الاحتفال بشوقي في العراق
عقد منتدى التهذيب جلسة في معهد (السينما الوطني) حفلة أدب عظيمة في اليوم 29 من شهر نيسان إكراماً لشاعر العرب الكبير شوقي فغص المجلس عن استيعاب أهله من رجال ونساء من جميع طبقات الأمة، وكان منهاج الحفلة على هذه الصورة:
1 - كلمة الافتتاح وترجمة شوقي لرفائيل بابو إسحق
2 - الشعراء لمراد ميكائيل
3 - أثر شوقي في أدب الجيل لرفائيل بطي
4 - شعر شوقي في جهاد الحياة لإبراهيم حلمي العمر
5 - تأثيرات الشاعر في النهضة القومية للشيخ أحمد
6 - شوقي ولا كشوقي (قصيدة) لمحمد الهاشمي
7 - في حفلة شوقي (قصيدة) لمعروف الرصافي
وتخلل الخطب والقصائد أناشيد وطنية تغنى بها طلبة دار المعلمين.
21 - مدرسة واحدة للذكور والإناث في أرفا
قرر المجلس العام لولاية أرفا التركية توحيد مدارس الذكور والإناث وأن يتلقى الجنسان العلوم في مدرسة واحدة من الآن وصاعداً.
22 - حملة لأخوان على بعض قبائل العراق
في نحو أوائل النصف الثاني من نيسان حمل الأخوان وقدروا بخمسين فارساً وأربعمائة هجان على بعض القبائل العراقية في موضع يسمى (الشبكة) وبعد أن أمعنوا في النهب
والسلب عادوا إلى ربوعهم فرحين.
23 - الإيرانيون والحج
أصدرت وزارة الداخلية أمراً إلى حكام ديارها المختلفة بمنع رعايا إيران من السفر إلى الحجاز للحج في هذا العام وقد أفاد قنصل إيران في بغداد جميع المنتمين إليه أن لا يحجوا في هذه السنة.
24 - دخل سكك الحديد في العراق
بلغ دخل إدارة سكك الحديد في ديارنا في الأسبوع المنتهي في 4 حزيران 163. 614 ربية يقابل 167. 565 ربية في مثل هذا الأسبوع من العام الماضي.(5/128)
العدد 47 - بتاريخ: 20 - 06 - 1927
الحركات العربية المجهولة
تمهيد
كل من درس اللغة العربية في كتب أصولها، (أي في مؤلفات الصرفيين والنحاة)، يظن أن ليس في لساننا من الحركات سوى ثلاث: الضمة والفتحة والكسرة، كما هو شائع في المدارس، ولم يكن أبداً لسلفنا حركات أخرى.
ويظن بعضهم أن الحركات المتوسطة بين هذه الثلاث نشأت بعد الإسلام من مخالطة أجدادنا للأجانب، بعد أن طال الاحتكاك بهم فكانت النتيجة أن اتخذوا حركاتهم على اختلاف أنواعها.
قلنا: وليس الأمر كما توهموه، فإن الحركات المتوسطة التي نسميها (الضعيفة أو الضئيلة) هي في لساننا قبل الإسلام بكثير بل منذ نشوء اللغة نفسها ودونك أدلتنا:
1 - من محاكاة الطبيعة
وأول هذه الأدلة: أن اللغة هي محاكاة أصوات الطبيعة والحال أن محاكاة هذه الأصوات متوفرة في بلادنا. فهبوب الرياح لا ينقطع، وأصوات المياه جلية وقصف الرعد شديد، وأبناؤنا يألفون الحيوان والطائر في كل ساعة بل كل(5/129)
وثيقة، فلماذا لا يكون عندنا ما يشبه نطقها، على حد ما يرى في سائر الديار من همجية وحضرية. إذن القول بوجود ما يحاكي أصوات الطبيعة في لساننا هو أمر قريب من العقل، بل القول بخلافه يكاد يكون محالا.
2 - من مقابلة اللغات الأخوات
اللغة العربية سامية النجار، فهي أخت للعبرية والأرمية والصابئية وغيرها ولهذه الألسنة حركات مختلفة غير الحركات الثلاث فيظهر أنه من المعقول أن يكون مثل تلك الحركات في كلام بني يعرب، قحطانيين كانوا أو عدنانيين، جنوبيين أو شماليين، شرقيين أو غربيين، أقدمين أو محدثين.
3 - من اللغات في الكلمة الواحدة
في لغتنا الضادية ألفاظ تكتب بصورتين أو أكثر. مما يدل على أن هناك ألفاظا كان ينطق بها بوجه وسط أو بوجهين وسطين أو مختلفين، فيجتمع في الحرف الواحد لغتان أو ثلاث، بل ربما أكثر، ولهذا حاول بعضهم تصويرها بهيئات مختلفة، وقد ورد هذا الأمر في النكرات كما في الإعلام. فقد قالوا مثلا: قار وقير، قرثاء وقريثاء، كاء وكيء، كائة وكيئة، ومثل هذه المفردات كثيرة في لغتنا.
أما في الإعلام فكقولهم: همانية وهيمنية (وهي من قرى بغداد في سابق العهد) وفارة (بتشديد الراء المفتوحة) وفيرة (بتشديد الراء المضمومة) وهم يريدون تصوير الكلمة الإسبانية أي حديد، وهو أسم رجل جد يوسف ابن محمد الأنصاري الأندلسي. وقال بعضهم: سلوقية وآخرون سليقية. إلى غيرها. وكل ذلك ناشئ من اختلاف التلفظ بالحركات، وهو كثير بكثرة الأعلام المبهمة الحركة، تلك الحركة التي هي بين بين، إن كانت قريبة إلى الفتح أو إلى الكسر أو إلى الضم.
4 - من تلقي أصول التجويد
تتضح هذه الحركات من تلقي أصول التجويد عن معلم خبير بالقراءة، فإن أساتذة هذا الفن يجيدون التلفظ بأنواع تلك الحركات وبدقائقها. فينجلي لك الأمر كل الجلاء وللجال يذهب عنك الوهم الذي وقع لك أي أن الحركات ثلاث لا غير.(5/130)
5 - نصوص بعض الأقدمين من الصرفيين والنحاة
قال في الأشباه والنظائر النحوية للسيوطي نقلا عن شيوخه وعن مؤلفات السلف. (قال ابن جني في باب كمية الحركات: أما ما في أيدي الناس في ظاهر الأمر، فثلاث، وهي: الضمة والكسرة والفتحة. ومحصولها على الحقيقة ست وذلك أن بين كل حركتين حركة.
(فالتي بين الفتحة والكسرة هي الفتحة قبل الألف الممالة نحو فتحة عين (عالم) و (كاتب)، كما أن الألف التي بعدها بين الألف والياء (قلنا نحن أي المقابلة الفرنسي).
(والتي بين الفتحة والضمة التي هي قبل ألف التفخيم نحو فتحة لام (الصلاة، والزكاة، والحياة) وكذلك قام وعاد (أي يقابل الحرف الفرنسي
(والتي بين الكسرة والضمة، فككسرة قاف (قيل) وسين (سير) (هذه يقابلها عند الفرنسيين
حرف فهذه الكسرة المسماة ضما، ومثلها الضمة المسماة كسرة. كنحو قاف (النقر) وضمة (مدعور ابن يور) فهذه ضمة أشربت كسرة (قلنا هي المقابلة حرف الخالي من كل حركة كالذي يتلفظ به في مثل وو الواقع في آخر هذه الكلمات الثلاث أو نحوها) كما أنها في (قيل وسير) كسرة أشربت ضماً، فهما لذلك كالصوت الواحد، لكن ليس في كلامهم ضمة مشربة فتحة ولا كسرة مشربة فتحة (قلنا: أي أن في لساننا مثل الحرف الفرنسي ممدودا ومقصورا ومثل الخالي من الحركة ويكون في لغتنا الأول وفي الوسط وفي الآخر بخلاف الفرنسية فليس فيها مثل هذا الحرف أو الحركة إلا في الآخر).
(ويدل على أن هذه الحركات معتدات امتداد سيبويه بألف الإمالة وألف التفخيم حرفين غير الألف المفتوح ما قبلها.(5/131)
(وقال صاحب البسيط: (جملة الحركات المتنوعة أربع عشرة حركة: ثلاث للإعراب، وثلاث للبناء، وثلاث متوسطة بين حركتين، إحداهما: بين الضمة والفتحة، وهي الحركة التي قبل الألف المفخمة في قراءة ورش، نحو الصلاة والزكاة والحياة. والثانية بين الكسرة والضمة، وهي حركة الإتمام في نحو قيل وغيض على قراءة الكسائي، والثالثة بين الفتحة والكسرة وهي الحركة التي قبل الألف الممالة، والعاشرة: حركة إعراب تشبه حركة البناء وهي فتحة مالا ينصرف في حال الجر على مذهب من جعلها حركة إعراب.
(والحادية عشرة حركة بناء تشبه حركة الإعراب. وهي ضمة المنادى وفتحة المبني على مذهب من جعلها حركة بناء.
(والثانية عشرة: حركة الإتباع.
(والثالثة عشرة: حركة التقاء الساكنين.
(والرابعة عشرة: حركة ما قبل ياء المتكلم على مذهب من جعله معربا فإنه جيء بها لتصح الياء وليست حركة إعراب، ولا حركة بناء، قال: وإنما لقيت الحركات بهذا اللقب لأنها تطلق الحروف نحو أصلها من حروف اللين فأشبهت بذلك انطلاق المتحرك بعد سكونه. وقال المهلبي في نظم الفرائد:
عددنا جملة الحركات ستا ... وستا بعدها ثم اثنين
فإعراب ثلاث أو بناء ... ثلاث أو ثلاث بين بين
وشبهتان والإتباع حاجة ... وأخرى لالتقاء الساكنين
وواحدة مذبذبة تردت ... لدى أخواتها في حيزين
(وقال بعضهم الحركات سبع حركة إعراب وحركة بناء وحركة حكاية وحركة اتباع وحركة نقل وحركة تخلص من سكونين وحركة المضاف إلى ياء المتكلم). انتهى كلام السيوطي من كتابه الأشباه والنظائر.
6 - من أقدم الشواهد في اللغة
ومن أدلة الإمالة منذ الزمن الواغل في القدم، اسم الفاعل الذي على وزن فعل في الأجوف وهو - ولا شك في ذلك - إمالة فاعل. فقد قالوا: سيد(5/132)
(بالتشديد) وأصله سيود، وأصل هذا على ما عندي ساود. لكن بإمالة الألف إلى الياء أي سايود بمعنى سائد. وكذلك القول في كل فيعل بتقديم الياء على العين والألفاظ كثيرة من هذا القبيل وكلها مشتقة من الفعل جونا كالكيس والعين والجيد والقيم والعيل والميت إلى غيرها وتعد بالمئات. وأنت تعلم أن وزن فيعل (المكسور العين) لا وجود له في الصحيح من كلامنا. وهذا ما يدلك على أن فيعل هو إمالة فاعل الأجوف لا غيره والإمالة تكثر في كل وزن فاعل كما لا يخفى عليك وكما تلقيته عن أساتذتك.
7 - شهادة اللغويين الواضحة
يؤخذ من عدة نصوص للصرفيين والنحاة واللغويين أن الإمالة على ضربين: إمالة محضة وإمالة بين بين، وسموا الإمالة المحضة (ثقيلة أو إضجاعا) والإمالة بين بين عرفوها باسم (الإمالة الخفيفة) أيضا - قال السيد مرتضى صاحب تاج العروس في مادة أف ف: أفي بغير إمالة (أي بالحرف الإفرنجي وافى بالإمالة المحضة (أي وقد قرأ به، وافى الإمالة بين بين (أي وقد قرأ به أيضا، والألف في الثلاثة للتأنيث) أه كلامه.
فهذا نص صريح للفظ قديم يدل أحسن دلالة على ما كان عند العرب منذ العهد العهيد على نوعي الإمالة وهو كلام نفيس يقدره العلماء حق قدره على صدق فكرتنا ورأينا.
وفي التاج أيضاً: قال ابن الأثير: قد أمالت العرب (لا) إمالة خفيفة والعوام يشبعون إمالتها فتصبر الفهايا، وهو خطأ. وهذه كلمة ترد في المحاورات كثيرا وقد جاءت في غير موضع
من الحديث، ومن ذلك في حديث بيع الثمر: (أما لا فلا تبايعوا، حتى يبدو صلاح الثمر). وفي حديث جابر: (رأى جملا نادا، فقال: لمن هذا الجمل؟ وفيه: فقال: أتبيعونه؟ قالوا: لا: بل هو لك فقال: أما لا: فأحسنوا لوليه حتى يأتي أجله؟) قال الأزهري: أراد أن لا تبيعونه فأحسنوا إليه: و (ما) صلة. والمعنى: ألا: فوكدت بما. و (أن) حرف جزاء هنا. قال أبو حاتم: العامة ربما قالوا في موضع (أفعل ذلك) (أما لا، أفعل ذلك، باري) وهو فارسي (أي كلمة باري. وهي تستعمل في بغداد إلى عهدنا هذا) مردود. والعامة تقول أيضا: (أمالي) فيضمون الألف وهو خطأ أيضا(5/133)
قل والصواب (أمالا) غير ممال لأن الأدوات لا تمال.
(قلت: وتبدل العامة أيضاً الهمزة بالهاء مع ضمها. وقال الليث: قولهم: (أما لا، فافعل كذا) إنما هي على معنى: (أن لا تفعل ذلك، فأفعل ذا) ولكنهم لما جمعوا هؤلاء الأحرف فصرن في مجرى اللفظ مثقلة فصار (لا) في آخرها كأنه عجز كلمة فيها ضمير ما ذكرت لك في كلام طلبت فيه شيئا؛ فرد عليك أمرك؛ فقلت: أما لا فأفعل ذا.
(وفي المصباح: الأصل في هذه الكلمة أن الرجل يلزمه أشياء ويطلب بها فيمتنع منها، فيقنع منه ببعضها ويقال له (أما لا فأفعل هذا) أي أن لا تفعل الجميع فأفعل هذا، ثم حذف الفعل لكثرة الاستعمال. وزيدت (ما) على أن توكيدا لمعناها. قال بعضهم: ولهذا تمال (لا) هنا لنيابتها عن الفعل كما أميلت (بلى) و (يا) في النداء. ومثله: (من أطاعك فأكرمه ومن لا فلا تعبأ به. وقيل الصواب عدم الإمالة لأن الحروف لا تمال) انتهى الكلام على ما في الناتج في مادة ما.
8 - شهادة علماء البلدان
قال ياقوت في معجم البلدان: حوارين (بضم أوله. ويكسر. وتخفيف الواو وكسر الراء وياء ساكنة ونون) بلدة بالبحرين افتتحها زياد. . . وقال الخوصي: حوارين. بلفظ التثنية وكسر أوله: والجيار: قريتان بالبحرين. . . واختلفوا في قول الحرث بن حلزة:
وهو الرب والشهيد على يو ... م الحوارين والبلاء بلاء
فروى ابن الإعرابي: الحوارين بلفظ التثنية وكسر الحاء؛ وروى غيره (الحيارين) بالياء يقال: هما بلدان، وقال آخرون (الحيارين) بكسر الحاء والراء وهو يوم من أيام العرب مشهور. أه.
وقال في خوارزم: أوله بين الضمة والفتحة والألف مسترقة مختلسة ليست بألف صحيحة. هكذا يتلفظون به. هكذا ينشد قول اللحام فيه:
ما أهل خوارزم سلالة آدم ... ما هم وحق الله غير بهائم. انتهى.
وقال السيد مرتضى في تفليس: تفليس بالفتح وقد تكسر فيكون على وزن فعليل؛ وتجعل التاء أصلية لأن الكلمة جرجية وإن وافقت أوزان العربية ومن(5/134)
فتح التاء جعل الكلمة عربية: ويكون عنده على وزن تفعيل. نقله الصاغامي وقد ذكره المصنف (أي الفيروز أبادي) رحمه الله أولا ونسب الكسر إلى العامة.
9 - شهادة المجودين
من أجلى الأدلة على أن للعرب حركات كحركات لغة العبريين والغربيين من الإفرنج نصوص المجودين الصريحة. فقد عرفوا كلا منها تعريفا لا يبقي الريب في صدر أحد. من ذلك:
1 - (الإشمام) قالوا هو الإشارة إلى الحركة من غير تصويت. وذلك بأن تضم الشفتان بعد الإسكان في المرفوع والمضموم للإشارة إلى الحركة من غير صوت. والفرق بينه وبين الروم أن هذا يختص بالضم وذلك لا يختص بحركة. وذاك يدركه الأعمى والبصير لأن فيه حظا للسمع وهذا لا يدركه إلا البصير إذ لاحظ للسمع فيه وإنما يتبين بحركة الشفة وهي لا تعد حركة لضعفها والحرف الذي يقع فيه الإشمام ساكن أو كالساكن. والإشمام مشتق من شم الحرف إذا أذاقه الضمة أو الكسرة بحيث لا يسمع.
2 - (الروم) هو النطق ببعض الحركة في الوقف أو عن حركة مختلسة مخفاة وهو أكثر من الإشمام لأنه يدرك بالسمع ويختص بغير المفتوح لأن الفتحة لا تقبل التبعيض في جميع الحركات.
3 - (الاختلاس) مصدر اختلس القارئ الحركة لم يبلغها ويقابله الإشباع.
4 - (الإشباع) مصدر أشبع الحركة إذا بلغها حتى تصير بلفظ حرف المد.
5 - (الإمالة أو البطح) هي أن تنجو بالألف نحو الياء وبالفتحة نحو الكسرة ولها أسباب ذكرها الصوفيون والنحاة (راجع باب الإمالة في الكتاب وفي مؤلفات أهل العربية).
6 - (الإضجاع) والإضجاع في باب الحركات كالإمالة والخفض والتسمية من باب المجاز.
يقال أضجع الحرف أي أماله إلى الكسر.
7 - (التسهيل) هو أن تقرأ الهمزة بين نفسها وبين حركتها أي بين الهمزة والواو إن كانت مضمومة وبين الألف إن كانت مفتوحة وبينها وبين الياء إن كانت مكسورة ويقال لها أيضا (بين بين).
8 - (التفخيم أو التفشي) هو، على رأي الحكمي، أن تقرأ القرآن(5/135)
قراءة الرجال؛ ولا يخضع الصوت فيه ككلام النساء؛ قال ولا يدخل في هذا كراهة الإمالة التي هي اختيار بعض القراء.
9 - (الترقيق) هو خلاف التفخيم.
10 - (الشوب) استعمل بعض النحويين الشوب في الحركات. فقال أما الفتحة المشوبة بالكسرة فالفتحة التي قبل الإمالة؛ نحو فتحة عين عابد وعارف قال: وذلك أن الإمالة إنما هي أن تنجو بالفتحة نحو الكسرة فتميل الألف نحو الياء لضرب من تجانس الصوت، فكما أن الحركة ليست بفتحة محضة كذلك الألف التي بعدها ليست ألفا محضة وهذا هو القياس لأن الألف تابعة للفتحة فكما أن الفتحة مشوبة فكذلك الألف اللاحقة لها.
10 - شهادة الشعراء
قال الفرزدق:
فما حل من جهل حيا حلمائنا ... ولا قائل المعروف فينا يعنف
أراد (حل) على ما لم يسم فاعله؛ فطرح كسرة اللام على الحاء - قال الأخفش سمعنا من ينشده كذا، قال وبعضهم لا يكسر الحاء ولكن يشمها الكسر كما يروم في (قيل) (وتلفظ على الوجه الفرنسي) الضم وكذلك لغتهم في المضعف مثل رد وشد (هذا الكلام من أول خزفه إلى آخره عن لسان العرب لابن مكرم)
وقال الراجز:
ليت! وهل تنفع شيئا ليت؟ ... ليت شبابا (بوغ) فاشتريت!
(راجع الأشموني على حاشية الصبان 43: 2) قال وتعزى هذه اللغة لبني فقمس وبني دير) أه. وفي ابن عقيل (ص115 من طبعة بيروت) وهما من نصحاء بني أسد. والإشمام هو الإتيان بحركة بين الضم والكسر ولا يظهر ذلك إلا في اللفظ ولا يظهر في الخط).
قلنا: ولا يظهر في الخط لأن العرب أجدادنا لم يضعوا له علامة: وإلا فالعبريون والغربيون قد اصطلحوا على وضع علامة تدل عليه.
وعندنا غير هذه الشواهد وهي كثيرة تكاد تقع في عشر صفحات من هذه المجلة فاكتفينا بما ذكرنا لكي لا نحرج الصدور على ما لا زيادة فائدة فيه.(5/136)
قشعم في التاريخ
يقول الأعراب (جشعم) بجيم كجعفر، وفي مختصر مطالع السعود (ص27) عن القاموس أن قشعم لقب ربيعة بن نزار. وفي هذا المختصر (أن المشهور بين العرب أنهم (آل قشعم) من بني ماء السماء يعني من قحطان) أه.
ويقال ابن قشعم لكل فرد من هذه الحمولة ولا سيما للشيخ منهم إذا أرادت الإعراب تعظيمه أو حكت عن أيام مجد بيتهم. فابن قشعم علم لكل منهم كما يقال ابن سعود وابن رشيد وابن هذال وابن سويط في مثل هذه الحال. وآل سويط هم شيوخ الضفير منذ ثلاثة قرون على أقل تقدير وكان شيخهم في سنة 1080هـ (1669م) وسنة 1069هـ (1684م) سلامة بن مرشد بن صويت (كذا) جاء ذلك في كتاب سمط النجوم الموالي في أنباء الأوائل والتوالي لعبد الملك بن حسين العصامي المتوفى سنة 1111هـ (1699م) وهذا الكتاب لا يزال مخطوطا رأيت نسخة من مجلد يبتدئ بالمقصد الرابع وهي للكتبي نعمان الأعظمي في بغداد وكان قد جاد علي بها للمطالعة. وذكر تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان (302: 3) نسخة من هذا المخطوط في الخزانة الخديوية ومنه نسخ منها تامة ومنها ناقصة في خزانة المتحفة البريطانية والخزانة الأهلية في باريس وخزانة اليسوعيين في بيروت وخزانة المكتبي بريل في لندن.
نعود إلى صددنا. وإذا قالت المنتفق العراك (بكلف فارسية) فهي تريد سقي الفرات الواقع بين منحدر الحلة من جهة للشمال ومنحدر السماوة من جهة الجنوب وفي ذلك لواء الديوانية كله ألم يكن موضوع البحث خاصا بالعراق برمته فتكون المنتفق قد تمسكت بمفرد كلمة العراقيين اللذين قال عنهما معجم البلدان (. . . والعراقان الكوفة والبصرة. . .) فما أحفظ الأعراب للإعلام ولا تستثنيهم عن شوارد اللغة!
وكان يراد وقتا بالعراقيين قطرنا العزيز وعراق فارس. ويظهر أن هذا الاسم بالتثنية بمعنى عراقنا وحده كان معروفا في فارس حتى العقد الرابع من(5/137)
القرن السابع عشر إذا صح ما قاله أورثاليوس في رحلته التي جاء فيها في ص360 (. . . والمتعارف أن (عراق أثور) يسمى (العراقيين). وجاء في (أوليا جلبي سياحة نامة سي) المطبوع في
الأستانة سنة 1215هـ المجلد 40704 ما قوله في الخطبة التي قرأت بين يدي السلطان مراد الرابع بعد فتحه بغداد سنة 1048 مولانا خادم الحرمين الشريفين ومولانا ملوك (كذا بمعنى ملك أو أن الأصل هو ملك ملوك فنسي المرتب الكلمة الأولى) العرب والعراقيين.
سألت الأعراب في المنتفق عما يقصدونه بالعراقيين الواردة في لقب ابن قشعم فجاء تعريفهم مطابقا لسقي الفرات الذي ذكرته وهو الذي يعرفونه بالعراك وعللوا التثنية باحتمال قسمة ذلك السقي إلى شمالي وجنوبي أو إلى شرقي وغربي ولكني لا أظن بصحة قولهم هذا وللأعراب أيضا حدس آخر هو أن العراقيين هما ذاك السقي وما فوقه إلى حد يجهلونه فلم يوقفونا على سبب التسمية وفاتتهم المعرفة بأن البصرة كانت أحد هذا العراقيين في عهد بعيد جدا.
ويمكن لبعضهم أن يعللوا سبب تلقيب ابن قشعم بشيخ العراقيين توسعا يوم كانت فارس مستولية على العراق. وعلى وجه آخر أنه أريد بهذا اللقب أنه شيخ برية الكوفة والبصرة لواقعة لعلها حدثت في أنحاء البصرة كان له فيها الظفر والغلبة؛ قلت لعلها لأني لا أقبل ما قاله في غاية المرام من أمر مانع وابنه محمد وسعدون ابن الأخير منهما الذين عرفهم بأنهم أمراء آل قشعم إذ أن الصحيح أنهم شيوخ المنتفق بلا شك ولا شبهة، أو أن غزية (بفتح الغين وكسر الزاي وتشديد الياء المفتوحة وفي الآخر هاء) وهم آل رفيع (بضم الراء وفتح الفاء) وآل حميد (بضم الحاء وفتح الميم) وساعدة (بكسر العين) وآل بعيج (بالتصفير) وغيرهم أطلقوا عليه ذلك اللقب الضخم لما كان لابن قشعم من السلطة والنفوذ ولا سيما على ضفتي الفرات وبالأخص على الغربية منهما حسبما روته كتب التاريخ العربية والتركية والفارسية.
ولقد بقي على الفرات لهذا البيت رسم من تلك الأيام الغابرة حفظته النسبة(5/138)
للأرض الزراعية المسماة (المهناوية) الواقعة في لواء الحلة وهي مربوطة بقضاء مركزه. وعنانة (كنسابة) الواقعة هنالك كانت لهم أيضا.
نسب لي عقلب ابن قشعم شيخهم الحالي نفسه وهو في أول الشيخوخة من العمر فقال: أنا عقاب بن صقر بن ثويني بن عبد العزيز بن حبيب بن صقر بن حمود بن كنعان بن ناصر بن مهنا بن سعد بن غزي (بكسر الغين كسرا غير واضح وزاي مشدودة مكسورة) الذي
نزح من نجد إلى ديار العراق، ويبين من عدد آبائه الذين ذكرهم إن قدوم حمولته إلى العراق كانت حوالي منتصف القرن السادس عشر. وأول ذكر عرفته عنهم لا يتعدى العقد الثاني من القرن الحادي عشر للهجرة (1602 - 1611م) كما روى لنا ذلك كشن خلفا بالتركية (مؤلفه نظمي زادة مرتضى أفندي من رجال القرن الثاني عشر للهجرة) وغيره من الكتب.
وإذ جرني الكلام إلى تدوين نسب عقاب فاسترسلت في الموضوع فلا بأس من إيراد كلام عن بعض أجداد عقاب.
إن لناصر المهنأ ذكر بينا في كتب التاريخ الثلاثة ولا سيما في كتاب عالم آراي عباسي لاسكندر بك تركمان من رجال القرن الحادي عشر وهو مطبوع في طهران سنة 1314 (1896م).
وذكره من الأوربيين تكسيرا فنعته (بملك عربي) في رحلته المترجمة إلى الإنكليزية في ص53. . 1992 فقال (إن هذه البلدة (مشهد الحسين أي كربلاء) ومشهد علي النجف الأشرف هما تابعتان لمير (الأمير) ناصر وهو ملك عربي رافد للأتراك يعيش في أعالي تلك الأراضي) أه.
وقال في ص72 بتاريخ 13 كانون الأول سنة 1604 (1013هـ) (وبعد أن سرنا فرسخا ونصف فرسخ حططنا لندفع الرسوم التي يجب دفعها إلى المير ناصر وهو ملك عربي من عشيرة ابن أمانة وهو حاكم مشهد علي ومشهد الحسين) وما أمانة إلا تشويه (مهنأ) إذ يصعب على سائح أن يضبط الإعلام وهي غريبة عنه.
وذكر ناصرا أيضا ديلا فالة في رحلته الشهيرة (1616 -(5/139)
1625) في عدة مواضع جاء فيها في سنة 1616م (فبتنا في بئر النص (أي بئر النصف بين بغداد والحلة). . . وبعد مرورنا بيومين نهبت قافلة هناك أو بمقربة من ذلك المكان. نهبتها جماعة قوية من الأعراب. أما أنا فلحسن حظي - فضلا عن أني لم أر أحدا من هؤلاء - لقيت أحد كبار قواد بغداد كان قدم إلى هنا قبلي بأمر من الباشا ومعه نيف ومائتا فارس ليستميل شيخا ويصحبه إلى بغداد وهذا الشيخ هو قائد من قواد الأعراب - وإن شئت نقل أميرا من أمرائهم وأني لأظنه أميرا لأنه من عداد الذين يهمون الأتراك في النفع. والغرض من طلب
مجيئه إلى بغداد هو حشد القوى فيها للشروع بعدئذ بمحاربة ملك فارس وقد أكثر قائد بغداد من فرسانه زيادة في تعظيم هذا الشيخ.
وكان يسمى هذا الشيخ أو الأمير ناصر بن مهنا لأنه ابن مهنا أو له من ذريته. . .) أه.
وذكر المؤرخ اسكندر بك وديلا فاله أن لناصر ابنا اسمه أبو طالب وقال ديلا فاله أنه كان قد قام مقام أبيه المتقدم في السن.
وقال روسو قنصل فرنسة في بغداد في رحلته 1808م من بغداد إلى حلب
1808 1809.
في ص136 ما تعريبه.
(فمررنا بجبة على الفرات. . . فرأينا على الضفة المقابلة جبل أردي وعلى منتهاه شيء كالقبة قيل لي أنه قبر ناصر المهنا بن جشعم ويعتقد الأعراب أنه من أصحاب الكرامات) أه. ولا تزال ذكرى ناصر على ألسنة الأعراب تاج بمدحه والثناء على أخلاقه ورفعة مقامه.
وذكر كنعان كتاب غاية المرام في تاريخ محاسن بغداد دار السلام (مخطوط) لياسين بن خير الله العمري وكانت ولادة المؤلف سنة 1158 (1714م) قال فيه (وفي سنة 1075هـ (1664م) عين السلطان لفتح مدينة الحسا (الإحساء) الأمير يمبي أغا وكنعان أمير قشعم فساروا (كذا أي فسارا) إلى اللحساء فقاتلوهم (كذا)(5/140)
بني (كذا) خالد ثم هرب أميرهم براق) أه (وأظنها براك بفتح الباء وتشديد الراء وكاف عربية في الآخر وهذا الاسم من أسماء الأعراب ولا أعرف لهم براق بقاف).
وجاء في هذا المخطوط ما قوله عن صقر الأول. والحرب سجال (وفي سنة خمسين (بعد المائة والألف) سار (الوالي أحمد باشا) من بغداد بالعساكر وحارب عرب قشعم فهرب أميرهم صقر وغنم عسكر بغداد وحما (كذا أي حمى) أحمد باشا بيت صقر من النبب ثم صالحه وعفى (كذا) عنه ومدح أحمد باشا أحد الفضلاء السيد عبد الله فخر (فخري) زادة بقصيدة طنانة منها قوله:
عقاب الوغى لما بدا طار صقرهم ... لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم
وردت هذه القصيدة وأبياتها ثلاثة وعشرون في حديقة الزوراء لشيخ عبد الرحمن بن
الشيخ عبد الله السويدي (مخطوط) أقول هذا عن مختصرها المخطوط أيضاً للأديب سليمان آل دخيل قائم مقام الجبايش في لواء المنتفق في وقتنا الحاضر وهذه النسخة موجودة في خزانة الأباء الكرمليين في بغداد، وقد نقل هذا المختصر ثلاث أبيات من القصيدة جاء منها البيتان الأولان في مجلة المشرق 16 (1913) 172 بوصفها ديوان الناظم (فخري زادة).
والصحيح أن هذه الواقعة كانت سنة 1152 هـ (1739م) على ما ضبطها الشيخ عبد الله السويدي في آخر بيت من قصيدة له امتدح بها الوالي أحمد باشا على ما جاء في مختصر حديقة الزوراء، قال الناظم أبو مؤلف الحديقة:
إن يضق رحب الصحارى أرخوا ... هل لصقر في صحارى الهول وكر
1152هـ
وما يؤيد صحة ورود هذه السنة رواية دوحة الوزراء وأظن أن مؤلفها قد نقل عن السويدي على ما يبين من عبارات ساقها المؤلف في مقدمة كتابه.
اتفق مختصر حديقة الزوراء ودوحة الزوراء على تعيين السنة لكنهما اختلفا على صقر اختلافا طفيفا إذ قال المختصر (صقر المسمى سمدا) وقالت الدوحة عن صقر (عم الشيخ) وأما غاية المرام فإنه اكتفى بقوله (صقر) ولم يزد ويمكن تعليل قول المختصر (صقر المسمى سمدا) بأحد الوجهين فإما لكون صقرا(5/141)
من أحفاد سعد بن غزي أو لأنهم أرادوا بذلك الكناية عن الصقر الذي يقال له (طير السعد).
ولم يهمل التاريخ عبد العزيز وشبيب ابني حبيب فإن علي باشا كتخذا والي بغداد غزا آل قشعم سنة 1214 هـ (1799م) وكان كل من عبد العزيز وشبيب شيخا على فريق منهم فلم ينل مرامه فاضطر إلى الاستمالة والبأس الخلع ثم عاد إلى بغداد.
هذا قليل من كثير مع ما توسعت في المقال، ونرى الآن آل قشعم عشيرة خاملة الذكر فيها العرب الأقحاح من جهة الوالدين وفيها أنسأل عبيدها المنفشحين ترعى أبلها في لواء المنتفق على الغالب ولم تبق عليها مسحة مما مضى ولقد مسختها العوادي مسخا.
يعقوب نعوم سركيس
أصل علامة الاستفهام عند الإفرنج
وعلامة الحذف عند الإسبانيين
الإفرنج يستعملون في آخر عبارتهم الدالة على الاستفهام هذه العلامة؟ فما أصلها؟
الذي عندنا أنها حرف (س) العربي منكوس الوضع، وهو مقطوع من كلمة (استفهام) كأنهم يشيرون إلى أن العبارة هي عبارة سؤال لا عبارة أخبار وكان كتاب العرب يتفننون في وضع علامات على الحروف أو تحتها أو بعدها للإشارة إلى ما يريدونه من الملاحظات التي تبدو لهم في أثناء المطالعة.
والأسبانيون يستعملون المدة أي أن هذه العلامة فيضعونها فوق بعض الحروف للإشارة إلى حذف هناك فيكتبون مثلا للإشارة إلى أنها مقطوعة من وهذه الإشارة هي في الأصل ميم عربية أي م وتعني (محذوف) إذا وضعت على غير الألف أما إذا وضعت على الألف فمعناها (ممدود) فهذه من مفعول مصطلحات كتابنا على كتابهم ونحن لا ندري ذلك كما هم لا يريدون أن يعرفوا هتين الحقيقتين!(5/142)
بعض مدن البطائح القديمة وقراها
(أحطنا بهلالين ما كان اسمهما معروفا إلى اليوم كما أن الحواشي للمجلة) الجازرة طهيثا باذورد سرطغان خزان جستخان (قطر) نهر الزط
(نهر الشافي) آجام البريد (تعرف(5/143)
اليوم بالبريدية) (الحصان) نهرابا بلاس (الجرارة) جرجين (نهر الجنب) (حبيبة) (الحدادية) دورفدة دوقرة الخيزرانة (الذنابة) (زواطا)(5/144)
سمرقند (النازور) الغاضري (الشوكة) (الشلوة) (العلة) (الصليق) (الشاهينية) (العمرانية) (صريفين) (الصباغية)
(نهر صالح) المحمدية الكوانين الحالة.
هذه هي محلات البطائح القديمة وكثير غيرها قد اندرست حتى اضمحلت أسماؤها أما قراها ومدنها الحديثة فكثيرة أشهرها المدينة، وسوق الشيوخ، والناصرية، والقرنة، وباغجة الحمار، والعمارة، وقلعة صالح.
علي الشرقي(5/145)
تسلط الفرس على الهند القديمة
قراءة رقيم لدارا
أرسل الأستاذ هرتسفلد المستشرق الشهير إلى دائرة الآثار القديمة الهندية في (سلمة) بمذكرة عن رقيمين كان قد حفرهما دارا الأول ملك الفرس، وقد استخرجا حديثا من همذان: أحدهما من ذهب والآخر من فضة. وقد نقش عليهما بثلاث لغات - بالفارسية القديمة والعيلمية والبابلية - ما هذا معناه:
(دارا الملك العظيم، ملك الملوك، ملك البلاد، ابن وشتاسيا الأخاميشي (كذا) (أو الكياني كما نقول العرب)، قال دارا الملك: هذه هي السلطنة التي يملكها من (سكا) التي هي وراء (الصغد) إلى (سفردا) التي وهبني إياها هرمزد، أعظم الآلهة. حفظني هرمزد وحفظ بيتي!)
500 سنة قبل المسيح
والأستاذ هرتسفلد يجلب نظرنا في مذكرته إلى ذكر الهند الوارد في الرقيمين، ويقول أن هذين الرقيمين كتبا قبل حملة دارا على البلقان في سنة 515 ق م، بل أن رقيم بهستون الشهير الذي حفر في سنة 519 ق م يذكر أمتين هنديتين فقط وهما: (جندرة) و (تهتغش) حينما كان دارا في مصر في سنة 518 - 517ق م. ومن ثم يستنتج أن دارا أضاف الهند إلى فتوحاته في سنة 516 ق م.
وقد اهتدى الأستاذ هرتسفلد إلى حقيقة الرسم الثالث المنقوش على قبر دارا والرسمين الآخرين اللذين يمثل أحدهما (جندرة) والثاني (تهتغش) ولكن الأستاذ يفهمنا بأنه لو لم يقف على هذا الرقيم الثالث المكتشف حديثا لما عرف حقيقة موطن هذا الجيل من الناس.
رقيما همذان
لما عرف الحرف (هـ) الفارسي يقابل الحرف (س) الهندي، فالظاهر أن الهند المذكورة في الرقيم ليست إلا (السند) بينما نرى (تهتغش) مكتوبة في الفارسية القديمة (ستغش) وفي البابلية (ستغو) وفي العليمية (ستغس).
ولا جرم أن هذه الكلمة نقلت إلى صورة إيرانية وأصلها في الهند (ستغف) ومعناها: (مالك مائة رأس من المواشي) وكما أن الهنود سكنوا في السند، والجندرة احتلوا وادي نهر كابل وسوات وما حول تكسلة، فيستنتج من ذلك أن التهتغش كانوا يسكنون البنجاب، حينما تغلب عليهم دارا، وكورش العظيم، وأضافاها إلى مملكة الفرس في منتصف القرن السادس بعد المسيح.
فالأستاذ هرتسفلد يبين خطورة الرقيم الذي استخرج من همذان لأنه يدلنا على أن موقع (سكا) كان وراء نهر (صغد). ولهذا ينبر البحث عن وطن العشائر العظيمة المنسوبة التي كانت تسكن البلاد الممتدة من الطونة (نهر الدانوب) إلى أسيا الوسطى، وهي أسست مملكة تمتد من (سجستان) في بلاد الفرس الشرقية إلى (ملوى) في الهند الوسطى التي تكاد تتصل بميناء بمبي وتسمى (سكستنة) في رقم مطرا العاصمة الكبرى.
الدكتور ارنست هرتسفلد
(معربة عن بغداد تايمس)(5/146)
الفعل المعتل في لغة عوام العراق
الفعل المعتل ما كان في أصوله حرف علة. وهو إما معتل الفاء نحو وعد ووهب ووجع، ويسمى المثال.
أو معتل العين نحو شاف وباع ونام، ويسمى الأجوف.
أو معتل اللام نحو رمى وغزا ورضي، ويسمى الناقص.
أو معتل الفاء واللام نحو وفى ووعى، ويسمى اللفيف المفرق.
أو معتل العين واللام نحو شوى وطوى وكوى، ويسمى اللفيف المفروق.(5/147)
(المثال)
أكثر ما يكون الفعل الماضي من المثال في كلام العامة مكسور الأول، مفتوح الثاني وأما أخره فكالسالم في جميع أحواله.
تصريف المثال مع الضمائر المرفوعة
ساكن مفتوح مفتوح مفتوح مكسور ساكن ساكن ساكن مكسور ساكن
وِعَدْ وِعْدَوْا وِعْدَتْ وِعْدَنْ وِعَدِتْ وِعَدْتُو وِعَدْت وِعَدْتَنْ وِعَدِتْ وِعَدْنا
تصريف المثال مع الضمائر المنصوبة
مفتوح ساكن ساكن ساكن مفتوح ساكن مكسور ساكن ساكن ساكن
وِعَدَه وِعَدْهم وِعَدْها وِعَدْهِنْ وِعَدَكْ وِعَدْكَم وِعَدحْ وِعَدْحَنْ وعدني وعدنا
(الأجوف)
الفعل الماضي الأجوف يكون مفتوح الأول إذا أسند إلى اسم ظاهر أو إلى ضمير غائب، مفردا كان أو جمعا مؤنثا أو مذكر. ومكسور الأول إذا أسند إلى ضمير مخاطب أو متكلم. وأما آخره فكالسالم في جميع أحواله إلا أنه تحذف عينه عند إسناده إلى ضمير مخاطب أو متكلم من الضمائر أي أن عينه تكون محذوفة إذا كان أوله مكسورا.
تصريف الأجوف مع الضمائر المرفوعة
ساكن مفتوح مفتوح مفتوح مكسور ساكن ساكن ساكن مكسور ساكن
شافْ شاَفْوا شافَتْ شافَنْ شِفِتْ شِفْتُو شِفْتِ شِفْتَنْ شِفِتْ شِفْنا(5/148)
تصريف الأجوف مع الضمائر المنصوبة
مفتوح ساكن ساكن ساكن مفتوح ساكن مكسور ساكن ساكن ساكن
شافَه شافْهُمْ شافْها شافْهِنْ شافَكْ شافْكُم شافِحُ شاْفُحُن شاْفني شاْفنا
(الناقص)
الفعل الماضي الناقص في كلام العامة مكسور الأول مفتوح الثاني أبدا. والألف التي في آخره ساقطة من اللفظ كما علمت مما تقدم فيبقى الفعل عبارة عن حرفين أولهما مكسور وثانيهما مفتوح. فرمى يلفظ هكذا (رَمَ) وجرى يلفظ (جَرَ) ثم أن الأفعال الناقصة كلها تعتبر يائية في كلام العامة وليس عندهم ناقص واوي أصلا ولذا نراهم يقولون في مضارع غزا يغزي وفي مضارع رجا يرجي أو يجعلون مضارعه مفتوح العين فيقلبون واوه ألفا كما يقولون في مضارع علا يعلا. وستعلم تفصيل ذلك مما سيأتي من الكلام على مضارع الأفعال الناقصة. ولذا أيضا أي لكون كل فعل ناقص نائبا عندهم تراهم يقلبون ألف كل فعل ناقص ياء عند إسناده إلى ضمير مخاطب أو متكلم كما سترى في تصريف الناقص مع ضمائر الرفع.
وأما آخر الفعل الناقص أي الألف التي في آخره فإنها تثبيت في الخط فقط دون اللفظ إذا أسند إلى اسم ظاهر أو إلى ضمير المفرد الغائب. وتحذف من الخط أيضا إذا أسند إلى ضمير جمع الغائب أو المفردة الغائبة أو جمع الغائبة وتقلب باء إذا أسند إلى ما سوى ذلك من ضمائر الرفع. وأما مع ضمائر النصب فإن ألفه تثبيت لفظا أو خطا.
تصريف الناقص مع ضمائر الرفع
رِمَى رِمَوْا رِمَتْ رِمَنْ رِمَيْتْ رمَيْتُو رِمَيْتِ رِمَيْتَنْ رِمَيْت رِمَيْنا(5/149)
تصريف الناقص مع ضمائر النصب
رِمَا رِماهم رِماها رِمِاهنْ رِماك رِماكُم رِمْاح رِماحُنْ رِماني رِمانا
(اللفيف)
إن كلا من اللفيف المفروق واللفيف المقرون ناقص أيضا لأنهما حرف علة وإنما يزيدان على الناقص بحرف علة آخر يكون فاء الفعل كما في اللفيف المفروق أو عين الفعل كما في اللفيف المقرون. وعليه فهما كالناقص في جميع ما ذكرنا له من الأحكام المتعلقة بأوله أو بآخره.
تصريف اللفيف المفروق مع ضمائر الرفع
وِفَى وِفَوا وِفَتْ وِفَنْ وِفَيْتْ وِفَيْتُو وِفَيْتِ وِفَيْتَنْ وِفَيْتْ وِفَيْنا
تصريف اللفيف المفروق مع ضمائر النصب
وِعاه وِعاهم وِعاهْا وِعاهِنْ وِعاكْ وِعاكُم وِعاجْ وِعاُحنْ وِعاني وِعانا
تصريف اللفيف المقرون مع ضمائر الرفع
شِوى شِوَوْا شِوَتْ شِوَنْ شِوَيْتْ شِوَيْتُو شِوَيْتِ شِوَيْتَنْ َشْوْيُت شِوْينا
تصريف اللفيف المقرون مع ضمائر النصب
شِواه شِواهم شِواها شِواهِن شِواك شِواكم شِواحْ شِواجُنْ شِواني شِوانا
معروف الرصافي(5/150)
الشيخ محمد رضا الخزاعي
-
1 - نسبه
هو ابن الشيخ إدريس بن محمد بن جفال بن خنجر بن محمد بن حمود الخزاعي نسبه إلى (خزاعة) القبيلة المعروفة الشهيرة المتفرعة منها بطون كثيرة وطرائف تقطن الفرات في أرض الشامية.
2 - نشأته
الخزاعي عالم فاضل وأديب شاعر وكاتب ناثر. كثير الورع شديد التقوى له شعر يروق ويروع، ونثر يضيء ويضوع، حلو المفاكهة لطيف الحاضرة حسن البديهة سيال القريحة، ولد في (النجف) دار العلم والعرفان سنة 1298 هـ ونشأ بها مشغوفا من صغره بحب العلوم العربية وآدابها. وقد ازدلف إلى فريق من أدباء آل طريح وتتلمذ على يدهم. وأخذ يستقي من بحر آدابهم العربية الصافية ويحضر نواديهم التي كانت تنعقد بين آونة وأخرى. لأجل المذكرات الأدبية، وبقي ملازما لتلك النوادي حتى نال بسببها من الأدب الحظ الأوفر، وصارت له مكانة سامية في عالمه.
وقد نظم في أكثر أبواب الشعر ومواضيعه، وساجل شعراء عصره وطارح أكثر أقرانه في هذا الفن. كالشيخ صالح حجي. والشيخ محمد زاهد والشيخ محمد حسين الحلي، والشيخ حسن الطريحي وغيرهم. وكان السابق عليهم في هذه الحلبة. ولم يجمع شعره في مجموعة خاصة شأن أكثر أدباء النجف. بل تركه مبعثرا في المجاميع الخطية، والدفاتر والأوراق.
توفي في النجف سنة 1331 هـ بعد داء عضل لازمه برهة من الزمن. ودفن فيها عن عمر يناهز الثلاثين. وقدرناه أكثر شعراء عصره ومحبيه بقصائد جمة لا محل لذكرها هنا.
3 - من شعره
ومن شعره الذي عثرنا عليه قوله من قصيدة يهنئ بها أحد أقرانه باقترانه:
ألا قد حلا نشر التهاني فغن لي ... بلحن طوى ذكرى القريض ابتكاره(5/151)
ونوه بذكر الخرد الغيد وأسقني ... مداما كريق الغانيات عقاره
يطوف به ظبي من الأنس أهيف ... يجول بمستن الوشاح أزاره
عزيز إذا يرنو فصارم لحظة ... يفل حدود الماضيات غراره
فقد غردت ورق المسرة بالهنا ... وأصبح روض الأنس غضا نواره
وهبت لنا من ذلك الروض نفحة ... تضوع منها شيحة وعرارة
وقوله من قصيدة يرثي بها الإمام الحسين (عليه السلام):
يا منزل الأحباب والمعهدا ... حياك وكاف الحيا مرعدا
وأنهل منك الروض عن ناظر ... إن ظل يبكي يضحك المعهدا
وأفتر ثغر الروض واسترجعت ... فيك ليالي الملتقى عودا
إني وسلمى قربت للنوى ... عيسا وللتوديع مدت يدا
ما بالها لا روعت روعت ... قلبي لدى المسرى برجع الحدا
بانت فما ألفيت في عهدها ... إلا فتيت المسك والمرودا
هلا رعت عهد الصبا وأرعوت ... كيلا تجوب البيد والفدفدا
صدت وظني أنها أنكرت ... مني بياض الشيب لما بدا
لم تدر أن الشيب في مفرقي ... قد بان مذ بانت بنو أحمدا
بانوا ولي قلب أقام الجوى ... فيه وجنبي جانب المرقدا
كم أعقبوا لي يوم ترحالهم ... وجدا بألوان الحشا موقدا
إن لم أمت حزنا فلي مدمع ... يحيي الثري أولم أكن مكمدا
وقوله منها يصف شجاعة الهاشميين وبسالتهم حين نزلوا الحرب وأشتبك القتال بين الطرفين:
قامت لدفع الضيم في موقف ... كادت الأبطال أن تقعدا
شبوا لظى الهيجاء في قضبهم ... لما تداعوا أصيدا أصيدا
يمشون في ظل القنا للوغى ... نبها متى طير الفنا غردا
من كل غطريف له نجدة ... يدعو بمن يلقاه لا منجدا
يختال نشوانا كأن القنا ... هيف تعاطيه الدما صرخدا
رهط حجازيون قد أعرقوا ... إذ غار كل منهم أنجدا(5/152)
سلوا الظبا بيضا وقد راودوا ... فيها المنايا السود لا الخردا
حتى قضوا نهب القنا والظبا ... ما بين كهل أو فتى أمرد
أفدي جسوما بالظبا وزعت ... تحكي نجوما في الثرى ركدا
أفديهم صرعى وأشلاءهم ... للبيض والسمر غدت مسجدا
فالسمر فيها تنحني ركعا ... والبيض تهوي فوقها سجدا
وأنصاع فرد الدين من بعدهم ... يسطو على جمع العدى مفردا
يستقبل الأقران في مرهف ... ماض بغير إلهام لن يغمدا
أضحت رجال الحرب من بعده ... تروي حديثا في الطلى مسندا
لا يرهب الأبطال في موكب ... كلا ولم يعبأ بصرف الردى
ما بارح الهيجاء حتى قضى ... فيها نقي الثوب غمر الردى
وقوله أيضا:
فؤادي تارة مغزى بحزوى ... وطورا مغرم في وادي طور
أخا العلياء لا تحزن عليه ... بقيت الدهر مجلاب السرور
وخذ من مقولي درا نضيدا ... حكى عقد الغواني في النحور
فلم أفخر به بل قلت حقا ... (فداني كل مختال فخور)
وقد حثه يوما إخوانه أن يكتب إلى صديقه السيد مرتضى سادن (الروضة المطهرة العباسية) في كربلاء عن لسان حال (النرقيلة) حيث وعد السيد الكليتدار السادن صاحب الترجمة (برأس نرقيلة) فأخلف فكتب إليه الخزاعي محمد رضا كتابا يعاتبه على ذلك، وقال آخر الكتاب ما نصه:
بينما أنا أوشح الكتاب، ببديع الخطاب، و (النرقيلة) في يدي وعليها رأس يزدي، إذ خالستني المقال، وأنشأت تقول ارتجال:
أبلغ سلامي مرتضى الجد ... من حل في دائرة المجد
وأكتب إليه أبتغي رأسها ... كيف ترخي منجز الوعد(5/153)
وجرى يوما بمحضره ذكر ابن المذلق المشهور والمبالغة في إفلاسه فقال ارتجالا:
يقولون أن ابن المذلق مفلس ... فقلت لهم إفلاسه عشر إفلاسي
على قدم يسعى إذا ما يزوره ... وإن زارني يسعى على العين والرأس
هذا ما وقفنا عليه من آثاره التي أثبتناها هنا ولعل له غيرها لم نتوفق للعثور عليها.
النجف: عبد المولى الطريحي
أصل الحرف الإفرنجي في الرياضيات
إذا أراد الإفرنج الإشارة إلى (المجهول) و (الكمية المجهولة) في الرياضيات، ولا سيما في علم الجبر والمقابلة، وضعوا حرفا اسمه (أكس) وهذه صورته - فما أصله؟
قلنا: إن المؤلفين الإيطاليين الأقدمين - عند تقل الكتب الرياضية إلى لغتهم - كانوا يسمون الكمية المجهولة من كميات المعادلة (شيئا) وبلغتهم، كوزا أو باللاتينية وكان كل منهما يكتب بجميع حروفه أو بحرفه الأول الذي يرمز إلى بقيته.
وكان الأسبانيون يستعملون اللفظة العربية نفسها وهي (شيء) ويكتبونها بلغتهم هكذا وتلفظ (شيء) ثم استغنوا هم أيضا بالحرف الأول والثاني: ثم جاء غيرهم بعدهم فاتخذوا ذلك الحرف وحده. وهكذا رجع الفضل في هذا الأمر أيضا إلى العرب. فلله درهم حتى في الصغائر!(5/154)
كتاب خط في الحماسة
كثير من الكتب موسومة (بالحماسة) والمراد بهذا العنوان كل سفر جمع نخبة أشعار في مختلف الأبواب. يبتدئ أولها بالحماسة. ومن ذلك اسم الكتاب من باب التعميم والإطلاق.
ومن أشهر هذه الكتب حماسة أبي تمام، حتى إذا قيل كتاب (الحماسة) لم يفهم أغلب الناس إلا هذا السفر الجليل ولهذا تداوله الناس وتكاتبوه ونسخة الخطية المتعددة تشهد بأنه مما كان يرغب فيه ويحرص كل أديب على ادخار نسخة منه في خزانته.
إن هناك عدة حماسات لا يستهان بها. نعم، إنها لم تجمع من رائق الأبيات ما جمعه أبو تمام، إلا أنه يبقى لها مزية خاصة بها، وكان في جملة ما أحرزناه ثلاث حماسات قديمة الخط: واحدة لابن الشجري وواحدة للشيخ أبي الحسن البصري وهي المعروفة بالحماسة البصرية والثالثة الحماسة العسكرية فذهبت مع ما ذهب فريسة الجهل والحسد والنار، غفر الله لمن كان سببا لهذا البلوى التي لا تعوض ولا يمكننا أن ننساها.
أما اليوم فقد كتب إلينا من طهران (إيران) أحد مشاهير الأدباء وهو السيد أحمد النجفي يصف لنا حماسة لم يعرف هو صاحبها كما لم نهتد نحن إليه فعسى أن يطلع على هذا الوصف أحد قراء هذه المجلة ويفيده عن اسم صاحبها ودونك هذا الوصف.
(لغة العرب)
عثرت في بعض المكتبات هنا على كتاب نفيس في الأشباه والطائر الشعرية لم يذكر أسمه، ولا اسم مؤلفه، وأكثر أشعاره للعرب القدماء، وقد عرفت في أثناء مطالعتي له أن المؤلف كان معاصرا للصولي، وابن دريد، وابن الأنباري وأمثالهم فإنه كثيرا ما يقول: حدثنا ابن الأنباري. حدثنا ابن دريد، حدثنا الصولي، وقد رجحت أن يكون كتاب حماسة الخالدين فكتبت(5/155)
صفحات منه إلى حضرة أحمد تيمور باشا وطلبت منه أن يقابلها على نسخة حماسة الخالديين الموجودة لديه، فأجابني أنه قابلها بتلك الحماسة من أولها إلى آخرها فلم يجد بينهما شبها ما، وأنه يرى أن هذا الكتاب نفيس جدا. فرأيت أن أنقل لكم بعض صفحات الكتاب أيضا واستطلع رأيكم في ذلك لأني عازم على طبعه:
أول الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
وتذعر البزل منه حين تبصره ... حتى يقطع في أعناقها الجرر
ومثله لبعض الرجاز:
تقطع الجرة في أعناقها ... من حذر المدية وائتلافها
فهي تسلي الخوف من طراقها ... تسلي الحرة من عشاقها
ابن الدمينة:
ألا لو كن يقبلن حبذا ... من الدهر أيام الشباب الصوالح
وحسن عيون كن يقتلننا بها ... ونحن على جد وهن موازح
وله أيضا:
هل تذكرين إذ الركاب مناخه ... برحالها لرواح أهل الموسم
إذ نحن نسترق الحديث وفوقنا ... مثل الظلام من الغبار الأقتم
ونظل نظهر بالحواجب بيننا ... ما في النفوس ونحن لم نتكلم
أما معنى هذا البيت الأخير فما نظن أحدا من قال الشعر قديما إلا ذكر منه شيئا. ولقد رأينا كتابا لبعض مصنفي الكتب قد جمع فيه بعض ما قيل فهو معنى واحد ومن أحسن ما نعرف فيه ما أنشدنا بعض الكتاب لنفسه:
ومنتظر رجع السلام بطرفة ... إذا ما انثنى يحكي لك الغصن اللدنا
إذا جعل اللحظ الخفي لسانه ... جعلت له عيني لتفهم أذنا
فلسنا على حمل الرسائل بيننا ... نريد سوانا مفهما حيثما كنا
كفتنا بلاغات العيون حديثنا ... فقمن بحاجات النفوس لنا عنا(5/156)
إعرابي:
ألا زعمت عرسي أميمة أنني ... جواد وأني أن نجلت مصيب
فللحق من مال امرئ الصدق نوبة ... وللدهر من مال الشحيح نصيب
ابن ميادة:
وما اختلجت عيناي إلا رأيتها ... على رغم وإليها وغيظ الكواشح
فيا ليت عيني طال منها اختلاجها ... فكم يوم لهولي بذلك صالح
هذا المعنى في اختلاج العين وخدر الرجل قليل في شعارهم ونحن نذكر منه ههنا شيئا إلى أن نستغرق جميعه في موضع واحد فمن ذلك قول الأقيشر:
أيا صاحبي أبشر برؤيتنا الحمى ... وأهل الحمى من مبغض وودود
قد اختلجت عيني فدل اختلاجها ... على حسن وصل بعد قبح صدود
ومثله في الاختلاج والخدر قول المجنون:
إذا خدرت رجلي أقول ذكرتني ... أو اختلجت عيني أقول التلاقيا
وقد تطير بعضهم باختلاج العين فقال:
إذا اختلجت عيني بكيت صبابة ... عليك وخوفا أن تراك سوى عيني
ومن المعنى الأول قول الشاعر:
وما خدرت رجلاي إلا ذكرتكم ... فيذهب عن رجلي ما تجدان
وما اختلجت عيناي إلا تبادرت ... دموعهما بالسح والهملان
سرورا بما جربته من لقائكم ... إذا اختلجت عيناي كل أوان
ومثله:
وغاب عن عيني حتى إذا ... لم أرج من غيبته أو به
اختلجت عيني فأبصرته ... كأن عيني تعلم الغيبا
ومثله لابن المعتز:
مرحبا باختلاج أجفان عين ... بشرت نفسها برؤية بشر
لك عندي أمن الدمع إن صح ... م الذي قلت لي ولو بعد دهر
ومثله:
أعتنيك الدهر وأرضاكا ... تبرعا فأشكر له ذاكا
إن الذي ترقبه بالمنى ... أعجله الشوق فلاقاكا(5/157)
ما اختلجت عيناك إلا له ... فبشرت قلبك عيناكا
ومثله:
ظللت تبشرني عيني إذا اختلجت ... بأن أراك وما زالت على حذر
فقلت للعين أن يأت الحبيب كما ... زعمت أني إذا من أسعد البشر
فما جزاؤك عندي لست أعرفه ... بلى جزاؤك أن إفرادك بالنظر
وأحجب المقلة الأخرى وأمنعها ... وجه الحبيب كما لم تأت بالخبر
إعرابي:
كان شميط الصبح في أخرياته ... سادة تجلى عن طيالسة خضر
تخال بقاياه التي أسر الدجى ... تمد وشيعا فوق أردية الفجر
الشعر. . في طلوع الفجر كثير جدا في أشعار المتقدمين والمحدثين وهو أيضا حسن لكثرة افتنانهم في تشبيهاته ونحن نذكر منه في هذا المورد صدرا صالحا فمن أجود ذلك قول ابن الزبير الأسدي
حتى تجرد للظلماء يطلبها ... ورد كأن على حافاته وهجا
كالسيف لوحه الأسوار معترضا ... ترى به من دم مستحدث ضرجا
قد استوفى في هذين البيتين المعنى وجوده وذاك أنه شبه الفجر بالسيف ثم ذكر حمرة الشمس فشبهها بدم في السيف وجعله. طريا وكلامه بعد ذلك من أفصح الكلام وأحسنه.
ولعلي بن جبلة:
وليل دفعنا جانبا من جنوبه ... عن الصبح حتى لاح وهو صريع
غدا يفرج الظلماء عنه كما فرى ... شميلته عن منكبيه خليع
مثله المسلم: أخذن السرى أخذ العنيف الخ.
مثله البحتري: وقاسين ليلا دون قاسان الخ.
ومثله لعلي بن الجهم: حتى تولى الليل ثاني عطفه الخ
ومثله لابن المعذل: فسريت الشرى الخ.
ومثله لابن المعتز؛ مثله للجلق: مثله لأشجع: مثله لذي الرمة، مثله لابن المعتز: مثله لحميد بن ثور؛ مثله للشمردل اليربوعي، ومنه أخذ ابن المعتز قوله: والصبح؛(5/158)
مثله لعلي بن جبلة؛ مثله لابن طباطبا، وله أيضا مثله؛ مثله لأبي نؤاس مثله البحتري؛ مثله لأعرابي؛ مثله لأشجع؛ مثله لأبن المعتز؛ مثله لابن طباطبا، ومثل هذا قول ابن المعتز:
والفجر يتلو المشتري فكأنه ... عريان يمشي في الدجى بسراج
إن تكلم متعنت في معنى هذا البيت فقال هذا العريان الذي ذكره يجوزان، يكون أسود فيفسد التشبيه، قلنا له إنما يحمل الشعر على ما يحتمل فمتى عدل به عن ذلك فسد عامته وسقط أكثره ولله در البحتري في قوله يصف الشعر:
والشعر لمح تكفي إشارته ... وليس بالهذر طولت خطبه
وإنما شبه ابن المعتز الصبح حين يبين ضوءه بالإنسان الأبيض ثم ذكر أن المشتري كالسراج في يده لأنه وقت طلوع الفجر أشد ائتلافا وأبين نورا من الصبح قبل تكامل ضوءه وهذا تشبيه صحيح حسن، ولابن المعتز في المعنى الأول:
أما الظلام فحيرة رق قميصه ... وأرى بياض الصبح كالسيف الصدي
قد أثبتنا قطعة صالحة من نظائر هذا المعنى وتركنا منها أشياء لعلتنا نذكرها في موضع آخر إن شاء الله.
النجاشي الحارثي:
أبلغ شهابا وخير القول أصدقه ... إن الكتائب لا يهزمن بالكتب
تهدي الوعيد بأعلى الرمل من أضم ... فإن أردت مضاع القوم فأقترب
وإن تغب في جمادي عن وقائعنا ... فسوف نلقاك في شعبان أو رجب
أما قوله: إن الكتائب لا يهزمن بالكتب، فهو معنى ما كنا نتوهم أن أحدا من الشعراء قديما أو محدثا أتى به غير أبي تمام في قوله:
السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
حتى رأينا قول هذا الشاعر فعلمنا أن أبا تمام مائل عليه وإليه أشار وفي هذا البيت على أنه قديم المعنى قويم وهو قوله أن الكتائب لا يهزمن بالكتب إلا أن بيت أبي تمام أتم شرحا وأحسن تلخيصا من القديم وعليه حذا أبو تمام وهو له تبع ومثل المعنى الأول قول أبي تمام: يبادروني كأني في أكفهم الخ ومثله لأخر؛ مثله الملوك بن عمر: مثله ليزيد بن أنس؛ مثله لعبد الله بن الزبير الأسدي.:(5/159)
والأصل في هذا المعنى قول عنترة:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لم ألقهما دمي
حدثنا الصولي عن أبي العيناء قال: قال أبو عمرو بن العلاء انصرفت يوما وقت الهاجرة من مجلسي في المسجد الجامع بالبصرة وكان يوما حارا نبينا أنا في بعض الشوارع إذ سمعت خلفي صرير نعل فألتفت فإذا عيار متشح بإزار أحمر فقبض علي واخرج من حجره سكينا فوضعها اتجاه قلبي ثم قال كيف تروي يا أبا عمرو بيتي عنترة: ولقد خشيت بأن أموت والبيت الآخر الذي يليه فأنشدته:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لقيتهما دمى
فقال إياك أن ترويهما هذه الرواية فما كان عنترة يستحذي هذا الاستخفاء فوالله لولا خلتان أحدهما أني لم أتقدم إليك بشيء والأخرى أن أفجع أهدى الأرض بك لمكنتها يعني السكين من قلبك. فقلت كيف أرويهما - جعلت فداك - قال أروهما:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي بما هو فيهما ... والناذرين إذا لم ألقيهما دمي
قال أبو العيناء فما رواهما أبو عمرو إلى أن مات إلا هذه الرواية.
منظور بن الربيع العامري: ألم تعلموا أني إذا رمت فتكة الخ؛ وقريب منه.
قول الشاعر الخ ومثله الخ.
وهكذا يذكر معنى البيت وما ورد له من الأشباه والنظائر. وإليكم أنموذجا آخر عن صفحات أخرى من الكتاب نذكرها على سبيل الإجمال.
زيد الخيل الطائي:
رأتني كأشلاء اللجام ولن ترى ... أخا الحرب إلا أشعث اللون أغبرا
أخا الحرب إن غضت به الحرب عضها ... وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
مثله له أيضا: وليس أخو الحرب العوان الخ، لهدية بن خشرم مثله: وليس أخو الحرب بمن إذا ما الخ. مثله: وليس أخو الحرب العظيمة بالذي الخ(5/160)
مثله لابن الأصلت؛ قد حصت البيضة رأسي فما الخ. ولما قال الخطيئة إذا هم بالأعداء لم يثن همه الخ. أخذه كثير فأجاد وأحسن بقوله الخ ابن عسلة الضبي
أبى لي الله أن أموت وفي ... صدري هم كأنه جبل
يمنعني لذة الشراب وإن ... كان رحيقا مزاجه عسل الخ
مثله لعمر بن مرة الشيباني اليوم حل لي الشراب وما كان الشراب يحل قبل الخ، مثله لضمرة بن ضمرة الخ. مثله لسعد بن أبي عمرو القيني حلت الخمرة إذ لاقيت سيدهم الخ، مثله للدعبس الكندي يمدح أمرؤ القيس بن حجر الخ، وأول من اخترع هذا المعنى أمرؤ القيس بن حجر الكندي لما قتلت بنو أسد أباه فإنه إلى أن لا يشرب خمرا الخ، فأما قول أبي نواس في مجلس منحل السرور به الخ. وكذا أيضا قول البحتري الخ. كعب بن مالك الأنصاري: ونحن أناس لا نرى القتل الخ، مثله للسموءل ونحن أناس الخ. مثله للراجز الخ، مثله لسعد بن مالك الشيباني الخ. مثله ملة الخزاعية الخ مثله لحكيم ابن قبيصة الخ، مثله للحرث بن أوس الطائي ومثله للأعرج القيني الخ).
ويقول في موضع آخر قال الحريش ابن هلال التميمي:
أعاذل ما وليت حتى تبددت ... رجالي وحتى لم أجد متقدما الخ
قد اعتذر جماعة من الفرسان من فرارهم لما عبروا به وكل احتج بحجة ونحن نذكر ههنا شيئا مما قالوا في ذلك، قال هبيرة بن أبي وهب وكان مع المشركين في يوم بدر فلما فر عير بذلك فقال لعمرك ما وليت ظهري محمدا الخ.
مثله لنبيه بن يقظان لا تعذلوني في الفرار فإنما الخ. مثله الخ ذكر هذا الشاعر أنه قاتل حتى خرقوا تربية بالطعن إلا أنه فر لما كثروا وقد ذكر قوم من الشعراء أن فرارهم كان بشهوتهم من غير قتال فمنهم القابل وكتيبة ليبينها بكتيبة الخ ومن أحسن مالا بي العمر في هذا المعنى قوله الخ وأبو الغمر بجود في هذا المعنى وأكثر شعره فيه ونحن نثبت له أشياء من جيد توله في مواضع من الكتاب، وقد ذكر جماعة منهم فرارهم على أرجلهم وعير آخرون بفرارهم على الخيل فمن فر على رجله واعتذر أبو فراش الهذلي بقوله فلو لإدراك الشيء باتت حليلة الخ، ومثله أيضا له الخ، مثله لأخر الخ، مثله للأعلم الهذلي الخ، مثله لعمر بن معدي الخ، مثله لتميمة بنت وهبان العبسية الخ، مثله للأخطل(5/161)
مثله لنعيم ابن سفيان التميمي ولما رأيت الخيل جاءت كأنها الخ.
وهكذا يجري على هذا النمط حتى ينتهي إلى آخر الكتاب وقلما يذكر للشعراء المولدين شيئا إلا ما رأيتموه في أول الكتاب فقد أكثر منه بالقياس إلى سائر الكتاب ويقول في آخر
الكتاب (هذا آخر الأبواب وخاتم الكتاب وانقطاع الخطاب) فيظهر أن الكتاب مرتب على أبواب وإن لم يذكرها مفصلة في أثنائه ولكنك ترى في أطراف بعض صفحاته هذه الأعداد وقد ذهب سكين الصحاف ببعضها (خامسة) (سابعة) (عاشرة) وهكذا فالرجاء من سيادتكم أن تبحثوا عن حقيقة هذا الكتاب في المظان التي تعرفونها حتى نقوم بإحياء هذا الأثر النفيس وتمثيله للطبع ولكم مني وافر الثناء وجزيل الشكر.
طهران: السيد أحمد النجفي
(ل. ع) لا يمكننا الاهتداء إلى هذه الحماسة فهل من أديب يهدينا إلى صاحبها؟
كتاب المقامات لابن الألوسي
بينما كنت أنقب (سنة 1339هـ) بين كتب أحد الكتيبين في الكاظمية وقع نظري على سفر صغير مطبوع في كربلاء سنة 1273هـ ومكتوب في صدره: (هذا مقامات ابن الألوسي عليه الرحمة)
وكلما رددت طرفي فيه لم أعثر على أسم مؤلفه
بيد أنه يظهر من الكتاب أن مؤلفه كان معاصرا لداود باشا (والي بغداد) وعبد الغني الجميل البغدادي والسيد محمود (نقيب شرف بغداد) وأنه قرأ مدة على الشيخ علي علاء الدين الموصلي فيظهر مما ذكر أن مؤلف هذا الكتاب الأدبي النافع هو السيد شهاب الدين محمود الألوسي.
محمد مهدي العلوي(5/162)
فوائد لغوية
أفصح كلام العرب
يتولى تحرير الصحف والمجلات كتاب متفاوتو الدرجات في البلاغة والفصاحة، ومن الغريب أن فصحاء المنشئين قد يخطئون في ما يخطئون جريا على ما يرون أو يسمعون من أولئك الكتبة الضعفة. فلهذا أردنا أن نعقد فصلا نشير فيه إلى تلك الأوهام لئلا تسري إلى سائر الخاصة أو إلى الكتب. إذ بين أولئك السفرة رجال يعدون من الطبقة الأولى بين الناطقين بالضاد.
وقد وسمنا هذا الفصل (بأفصح كلام العرب) لأننا لا نريد أن نخطئ أحدا إذ كل خطأ في العربية قد يوجه فيخرج من وصفه بنعت يحط من صحته. فعندنا أن قام خالد وخالدا وخالد (أي بالضم والنصب والجر) ليس من الخطأ، إذ كل واحدة من هذه الحالات قد توجه فيقال: رفع خالد في الأول على الفاعلية ونصب في الثاني على تقدير قام رجل يسمى خالدا. وجر في الثالثة على تقدير قام رجل يعرف بخالد. ولقد ترى مثل هذه التوجيهات شيئا كثارا في كتب القوم من تفسير. وحديث. وأدب ودواوين شعر. ونحو. وفقه. وأصول.
ولهذا لا ننكر على أحد توجيه كلامه الضيف وإنما نريد أن نبين هنا الأفصح مما نطق به أبناء عدنان وما جاء مخالفا له لا يعد من طبقته.
1 - محادثات مع. . .
رأينا أحد كبار الكتاب ينعت ما عربه من الفرنسية بقوله: (محادثات مع أناتول فرانس) فهذا التعبير وإن كان جائزا عند العوام ومن أخذ الطعم إلا أنه لا ينطق به فصيح: بل يقول: (محادثات أناتول فرانس) لأن المفاعلة لا تكون إلا مع ثان، فإنك لا تقول حادثت معه، بل حادثته، بيد أن قوله محادثات مع فلان هي بمعنى جرت معه، أو وقعت معه، على أن الأفصح هو ما أوردناه.(5/163)
قال في تاج العروس في مادة ج هـ د في كلامه عن المجاهدة: قال شيخنا: والإتيان بمع فيه.
كما نصوا عليه. اه.
وهكذا القول في كل ما جاء على المفاعلة فإنه لا يرادف بمع بخلاف التفاعل فإنك تقول تحادث معه وتشارك معه وتحارب معه.
2 - لم تأت (كذلك) بمعنى (أيضا) (ولا كذاك)
نشأت طبقة من الكتاب في هذه السنين الأخيرة وقد آلت على نفسها أن لا تستعمل في كلامها حرف (أيضا) اعتقادا منها أن الكلمة دخيلة في العربية أو أنها غير فصيحة. والحال أن الكلمة عربية صرفة وقد وردت في مصفاة أكابر اللغويين من أقدمين ومحدثين. ولا يجوز أبدا أن يستعمل في موطنها (كذلك) إذ معنى هذه اللفظة غير معنى تلك. فقولك (كذلك) كقولك (مثل ذلك) أو (مثل هذا) إلا إن هذا) للقريب و (ذلك) للبعيد.
ومنهم من لا يحب تكرير (كذلك) فيقول (كذاك) وهذه أقبح.
فاستمع ما يقول صاحب لسان العرب: (في حديث عمر: كذلك لا تذعروا علينا ابلنا، أي حسبكم، وتقديره: دع فعلك وأمرك كذاك، والكاف الأولى والآخرة زائدتان للتشبيه والخطاب. والاسم (إذا). واستعملوا الكلمة كلها استعمال الاسم الواحد في غير هذا المعنى، يقال: رجل كذلك أي خسيس. وأشتر لي غلاما ولا تشره كذلك. أي دنيئا. وقيل حقيقة كذاك أي مثل ذاك. ومعناه الزم ما أنت عليه ولا تتجاوزه. والكاف الأولى منصوبة الموضع بالفعل المضمر. وفي حديث بكر (رضه) يوم بدر: يا نبي الله كذاك، أي حسبك الدعاء، فإن الله منجز لك ما وعدك) اه كلام ابن مكرم.
وأما ورود (أيضا) في لسان العرب والقاموس والتاج والصحاح والصباح والمغرب وغيرها من كتب اللغة، فأكثر من أن يحصى. على إنا نسأل هؤلاء المتحذلقين أن يقولوا لنا كيف يسكبون هذه العبارة الواردة في لسان العرب عند محوهم للفظة (أيضا) وبدلهم أنا (بكذلك). ودونك العبارة منقولة عن مادة بيد، قال: (لان (أن) التي للإنكار مؤكدة موجبة. ونعم (أيضا كذلك) أو والتي بمعنى نعم (أيضا كذلك) اه. فكيف يفعلون وقد جعل المؤلف(5/164)
الكلمتين الواحدة منها بجانب الأخرى مبينا أن معنى أيضا غير معنى كذلك، فنحن نتحداهم في إبدال (أيضا) (بكذلك) في هذه العبارة.
أما لفظة (أيضا) هي من اللاتينية من المضحكات. نعم إن الكلمة الأجنبية تفيد هذا المعنى،
لكن كيف أنتنا وفي أي عصر وكيف عربت؟ هذا كله من قبيل الأسرار الغامضة وهل من المحتمل أن تكون من تلك اللغة الغربية؟ - فهذا زعم باطل لأن الذي نقل عن الرومان ألفاظ فقهية أو اجتماعية أو سياسية. وليست (أيضا) من هذا الوادي.
والذي نص عليه اللسان هو ما يأتي: (آض يئيض أيضا: سار (كذا في الأصل المطبوع ونظنه (صار) ليتفق وما بعده ولأن صاحب القاموس والتاج والصحاح ذكروا صار من معاني آض ولم يذكروا سار. فليحتفظ به لتصحيح ما ورد في اللسان) وعاد وآض إلى أهله: رجع إليهم. قال ابن دريد: وفعلت كذا وكذا أيضا. من هذا أي رجعت إليه وعدت. وتقول أفعل ذلك أيضا، وهو مصدر آض يئيض أيضا أي رجع. فإذا قيل لك فعلت ذاك أيضا قلت: أكثرت من ايض، ودعني من ايض) اه - ومثل هذا أو يكاد في الصحاح والمصباح.
وفي اللغات الساميات ألفاظ مشتقة كلها من مثل معنى هذا الفعل فمنها من ثاب يثوب. ومنها من عاد يعود إلى غيرهما. فيقول الأرميون: (ثوبا) أو (عود) بمعنى العربية (أيضا). فكيف ينكرون عربية لفظتنا. وما هي أدلتهم؟ سامحهم الله!
3 - خطأهم في المنسوب
ويكاد جميع الكتاب يخطئون في المنسوب المزيد على ثلاثة أحرف المنتهي بألف أو هاء. فيقولون مثلا فرنساوي وحباروي وجمادوي ومراموي في النسبة إلى فرنسة (أو فرنسا) وخباري وجمادى ومرامى وقد منع العرب ذلك وفصحاؤهم يقولون فرنسي وحباري وجمادي ومرامي فإن الألف أو الهاء تسقط إذا نسبت إلى مثل هذا الأسماء سواء كانت الألف أصلية أو زائدة للتأنيث أو غير التأنيث (راجع كتاب سيبويه طبع مصر 78: 2 وما على حاشيته لأبي سعيد في الصفحة المذكورة ولغة العرب 482: 4 وما يليها).(5/165)
4 - ليس فقط بل و. . .
ومما كثر فساده. وجل وروده في كلام المعاصرين من أرباب القلم قولهم (ليس فقط لم أرهم منافقين بل وأغلبهم. من مشاهير اللصوص.
فقولهم ليس فقط من سقيم النقل عن لغة الأعاجم:
وزادوا هذه الركة سقما إن زادوا وراء (بل) حرف العطف فقالوا (بل و. . .) وكل هذا التركيب تنفر منه نفس العربي الحر. والمشهور في مثل هذا الموطن قولهم: (لم أرهم منافقين فقط بل كذلك لصوصا وأغلبهم من مشاهير اللصوص) ومثل هذا الكلام ما جاء في كلام الجاحظ في البيان (9: 2 من مطبعة الخطيب) (ولم أرهم يذمون المتكلف للبلاغة فقط، بل كذلك يذمون المتظرف والمتكلف للغناء. . .)
وللعرب صيغة أخرى لمثل هذه الفكرة. وهي قولهم: رأيت أغلبهم من مشاهير اللصوص، فضلا عن أني رأيت أغلبهم من المنافقين: وهذا التركيب دور على ألسنتهم وهو أرشق قواما من الأول وإن لم يكن فيه قوة تلك العبارة.
قال في نشوار المحاضرة (62: 1): (وكان يتبعض عليها بالماء. فضلا عما سواه). وفي كتاب العمدة لابن رشيق (ص21): (وتناول (الأخطل) من أعراض المسلمين أشرفهم. ما لا ينجو مع مثله علوي. فضلا عن نصراني).
فقد رأيت من هذا أن الجمع بين ليس وفقط متجاورتين لم يرد في كلام أحد فصحائهم، وكذلك الجمع بين (بل والواو) متجاورتين.
تصحيح
نبهنا حضرة صديقنا عبد اللطيف ثنيان أن ما ذكرناه في ص119 سطر 14 (خلت البيوت) هو دون (خلت الرقاع) شهرة وإن كان ما وجهنا إليه النظر صحيح لا غبار عليه. وما ذهبنا إليه ص120 س11 بقولنا (بمسابلة الركبان) هو (بمساءلة الركبان) فنمحضه الشكر ونقر بضعفنا وخطأنا
(ل. ع.)(5/166)
باب المكاتبة والمذاكرة
كلمة أبي طالب في جميع الحالات
أطلعت على السؤال المدرج في (287: 4 - 288) من مجلة لغة العرب الزاهرة فأقول:
قال السيد الجليل والعالم النبيل أحمد بن علي بن الحسين الداودي الحسني المتوفى سنة 828هـ في (ص5 و 6) من كتابه عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب المطبوع بلكنهو (الهند):
أما المقدمة ففي اسم أبي طالب ونسبة، أما أسمه فقيل أنه عمران وهي رواية ضعيفة رواها أبو بكر محمد بن عبد الله العبسي الطرسوسي النسابة وقيل أسمه كنيته ويروي ذلك عن أبي علي محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن جعفر الأعرج ابن عبد الله بن جعفر قتيل الحرة ابن أبي القاسم محمد بن علي بن أبي طالب النسابة وله مبسوط في علم النسب وزعم انه رأى خط حضرة أمير المؤمنين علي عليه السلام في آخره وكتب علي بن أبي طالب. وقد كان بالمشهد الشريف الغروي مصحف في ثلاث مجلدات بخط حضرة أمير المؤمنين عليه السلام احترق حين احترق المشهد سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة يقال أنه كان في آخره وكتب علي ابن أبي طالب ولكن حدثني السيد النقيب السعيد تاج أبو عبيد الله محمد بن القاسم بن معية الحسني النسابة وجدي لأمي المولى الشيخ العلامة فخر الدين أبو جعفر محمد بن الحسيني بن حديد الأسدي ره أن الذي كان في آخر ذلك المصحف علي بن أبي طالب ولكن الياء مشتبهة بالواو في الخط الكوفي الذي كان يكتبه علي عليه السلام، وقد رأيت أنا مصحفا في مشهد عبيد الله بن علي بخط حضرة أمير المؤمنين عليه السلام في مجلد واحد وفي آخره بعد تمام كتابة القرآن بسم الله الرحمن الرخيم كتبه علي بن أبي طالب. ولكن الواو وتشبيه بالياء(5/167)
في ذلك الخط كما حكياه لي عن المصحف الذي بالمشهد الغروي وأتصل بي بعد ذلك أن مشهد عبيد الله احترق واحترق المصحف الذي فيه.
هذا ما أردت إيراده لازدياد الاطلاع وفوق كل ذي علم عليم.
سبزوار (إيران)
محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) وصلتنا هذه الرسالة قبل سبعة أشهر ولم يتسع المكان لإدراجها إلا الآن
المشيمة أم السخد
-
كان حضرة النطاسي الحكيم حنا خياط استفتانا في عدة ألفاظ طيبة (راجع لغة العرب 215: 4 وما يليها) فكتبنا ما عن لنا بعد أن تتبعنا تحقيقه نقلا عن أهل اللغة والفن (لغة العرب 226: 4 وما يليها) فجاءتنا رسائل من مصر وفلسطين وسورية والهند بل من ديار الإفرنج نفسها تصوب ما ذهبنا إليه ولا فضل لنا في ذلك إذ بسطنا رأي السلف منا لا غير.
وقد قام اليوم أحد الفضلاء وهو الطبيب عبد الرحمن الكيالي وكتب في مجلة المعهد الطبي العربي مقالة في أربع صفحات (301: 4 - 305) يبين فسلون ما ارتأينا، فطلبت حينئذ المجلة أن تقول كلامنا الأخير. كما طلبت إلى سائر بنية الأدباء والعلماء واللغويين رأيهم حسما للنزاع وإثباتا للحق وتوضيحا للمعنى بحيث ينفي الشك نفيا بتاتا. فكتبنا هذه السطور بأخصر عبارة ممكنة فتكون هي الأخيرة في ما نخطه في هذا الشأن، وإن كان يشق علينا أن نعود إلى بحث قد أصبح واضح من الشمس في رائعة النهار. على أننا لا نكره كاتبنا على اتباع رأينا، فكل منا حر في ما يذهب إليه، إلا أننا نكتب لمن يود الوقوف على الحق ولا يريد المماحكة أو المجادلة ليقال عنه أنه عالم بحاثة.
ودونك الآن نص ما شاركنا به حضرة صاحب مجلة المعهد الطبي العربي:
1 - ذكر حضرة الطبيب عبد الرحمن الكيالي أن المشيمة هي المسماة الفرنسية بلا سنته. واستشهد لذلك بنصوص من كلام الأقدمين كقولهم أن اللواء الفلاني يخرج المشيمة وطبيخ النبات الفلاني يدفعها إلى الخارج إلى غير ذلك. وفي جميعها لم نجد سوى أن المشيمة هي الغرس على شرحها صاحب تاج العروس:(5/168)
أي كل ما يخرج مع الولد من الأقذار وهي: السخد وحبل السرة والسلى ولم ينص أحد على أنها البلاسنتة وحدها أي السغد فأين وجد حضرته أن المشيمة في ما ذكره من النصوص هي البلاسنتة وحدها دون غير.
2 - للسخد عدة معان نقلناها عن السلف. وكذلك للمشيمة عدة معان لكننا نرى بين معاني السخد شيئا لم يذكره اللغويون لسائر الألفاظ التي تعود إلى الموضوع: وهذا الشيء هو المسمى عند الإفرنج بالبلاسنتة، فهل وجد مثل هذا المعنى للمشيمة؟ ولهذا يحسن بالمدقق أن يخصص معنى دون آخر إذا لم تتيسر له ألفاظ تفيد مفاد ما يريد فيفرز الفظة مع معناها الجديد عن غيرها فيتسع له المجال في موضوع ويهتدي سريعا إلى الضالة المنشودة في موضوع آخر، فهل وجد حضرة المعترض مثل هذا الأمر في المشيمة؟
3 - لم يصرح أحد بأن المشيمة هي كعكة كما قال. بل أظهر السيد مرتضى في تاجه أنها الغرس وفسر الغرس بما نصه: (الغرس بالكسر ما يخرج مع الولد كأنه مخاط. وقيل ما يخرج على الوجه. وقال الأزهري: الغرس جلدة رقيقة تخرج مع الولد إذا خرج من بطن أمه. وقال ابن الإعرابي: الغرس المشيمة، أو الغرس جليدة رقيقة تخرج على وجه الفصيل ساعة يولد، فإن تركت عليه قتلته. . . اه ولم نجد أنه قال: الغرس أو المشيمة كعكة. . .!!!
4 - الدليل القاطع بل القاتل هو ما ذكرناه في تعريب الخوريون (وليس الكوريون كما قال حضرته) أما إن حضرته يشتق الخوريون فلا نوافقه عليه بل الكلمة يونانية ومعناها الجلد أو الجليدة لا الكعك أو الكعكة أو الكعيكة ويقابل اليونانية اللاتينية بالمعنى المذكور.
5 - قول حضرته: (إن المشيمة لم يرد لفظها مقابلا للطبقة الثانية من العين بل وردت مشيمية بالنسبة) يخالفه دوزي الذي يستشهد بكلام أحد الأقدمين فليراجع هنا في ما ننقله عنه في الرقم 7.
6 - إن خالف الكاتب رأي صاحب الجوهر فهذا لا ينقض شيئا من حقيقة المشيمة فهذه غير البلاسنتة كما أن هذه غير تلك.
7 - أزيد على ما تقدم أن لا معنى لهذه المحاولة الفارغة. فإن المحققين قد مرغوا من هذا الأمر ولا فائدة في العودة إلى إعادة النظر فيه. قبل دوزي في ملحقه بالمعاجم العربية ما هذا حرفه في باب مشيم:
- 17
8 - إن الذي لا يبقى شكا في أن السخد هو البلاستنة أن (السخد) محولة عن (الشهد) على
لغة من يجعل الهاء خاء (راجع المزهر طبع بولاق 225: 1) وأما قلب الشين سينا مهملا فأشهر من أن يذكر وأنت تعلم أن الشهد هو القرص الذي يتخذه النحل في خليته أي حلوى طبيعية بينما أن البلاسنتة حلوى مصنوعة.
وبعد هذا التحقيق إذا أراد أحد أن يصر على رأيه فهو مخير: لكن الحق أحق أن يتبع؛ والسلام على من رأى طريق الهدى فاهتدى.(5/169)
أسئلة وأجوبة
التبشر لا التبس
س - سدني (أسترالية) أ. س. ن. - وجدت في محيط المحيط هذه الكلمة التبس وشرحها هكذا: طائر يعرف بالصفارية. اه. ثم نقبت عنها في كتب اللغة المطولة فلم أعثر عليها. فمن أين أتى بها المؤلف؟
ج - قلنا مرارا إن صاحب المحيط خاطب ليل فهو ينقل عن هذا وذاك بدون أدنى نقد. هذه الكلمة ضبطها البستاني وزان سكر (أي بضم الأول وشد الثاني المفتوح) وقد نقلها عن فريتغ من معجمه العربي اللاتيني إلا أن هذا المستشرق ذكرها بشين معجمة في الآخر. وهذه أيضا غلط لأن الرجل كثيرا(5/170)
ما كان يستل الألفاظ من الكتب الخطية، ولما لم يكن يحسن القراءة فكان يشوه الألفاظ تشويها قبيحا فلقد قرأ هذا البيت الآتي على حد ما قرأه غوليوس:
علمت بأن أموت وإن موتي ... بأوهد أو بأهون أو جبار. . .
فقرأ (بأهون) التي هي على وزن أكبر: بأهون أي على وزن ناقوس، ثم كتب في معجمه في مادة ب اه ون ما هذا معناه بالعربية: بأهون (وضبطها كناقوس) يوم الاثنين. نقلا عن غوليوس عن الفرغاني. أفرأيت كيف مزج الباء الجارة بكلمة أهون فصيرها كلمة واحدة وقرأها (بأهون) وأدخلها في اللغة العربية؟
وعلى هذا المثال كان نصيب اسم الطائر المعروف بالتبشير فهو يضم التاء والباء (وقد تفتح) وبسكر الشين المعجمة المشددة وبراء في الآخر: فغوليوس قرأها شينا وقد اعتبر الراء الأخيرة بطنا للشين نقرأها التبش، وزان سكر فأخطأ أيضا في الضبط ثم جاء فريتغ فأثبته في غلطه ثم جاء بستانينا فحذف نقط الشين فصارت الكلمة (تبس) مبقيا الوزن على حاله، لأنه وزن طيب لذيذ، إذ هو وزن السكر. فأنظر كيف أن محيط المحيط هو بحر ظلمات لا يهتدي فيه إلا وبيده حقة المغناطيس لكي لا يتيه عن سواء السبيل!
وأمثال هذه اللفظة المصحفة شيء كثير في هذا المعجم وكنا قد ألفنا كتابا ضخما في إظهار تلك الأوهام إلا أنه أتلف في الحرب العامة مع ما أتلف من كتبنا.
الألقاب الكنيسية
س - سبزوار (إيران) ع. ي. على من تطلق الألقاب الآتية: الأب الخوري، القس، البطريرك. وأمثال ذلك؟
ج - للنصارى رؤساء شتى أعلاهم مقاما:
1 - (البابا) وهو عندنا نائب يسوع المسيح على الأرض وخليفة بطرس الرسول وحبر الكنيسة الأعظم وأبو جميع المسيحيين وأسقف رومة وسماه العرب الباب أيضا: ثم يأتي بعده على التوالي:
2 - (الكردنال والقطب) وهو أحد الشيوخ السبعين الذين يتقوم منهم (الجماعة المقدسة) وعلى أيديهم يتم انتخاب البابا إذا توفي وهم أعوانه ومستشاروه بعد(5/171)
الانتخاب وأخطأ من قال كردينال بالياء وجمعها على كرادلة بل صحيح جمعها كرادنة.
3 - (البطريك أو البطرك أو البطريك) وبعضهم يقول البطريق وهذا غير صحيح، هو من له أول كرسي بين الأساقفة المنبثين في القطر، هذا في القديم، أما اليوم فيطلق في الشرق على رئيس الطائفة الأكبر وتحت يده الأساقفة والمطارين ويجمع البطريرك على بطاركة. أما البطريق فهو الشريف من الرومان.
4 - (الأسقف) هو الراعي الأكبر لرعية عدة مدن تنقاد لأمره وتعرف هذه البلاد باسم (الأبريشة) وهي تقابل الولاية عند أهل السياسة. فالأسقف في الدين كالوالي في الدنيا ويجمع الأسقف على أساقف وأساقفة.
5 - (المطران أو رئيس الأساقفة) هو من ينقاد لأمره عدة أساقفة ويجمع المطران على مطارين ومطارنة، وكان نصارى العرب الأقدمون يسمونه أيضا (الجعفلين) (بفتح الجيم وإسكان العين وفتح الفاء وكسر اللام وإسكان الياء وفي الأخر نون).
6 - (الحبر) الخادم الأعلى للدين ومنه الحبر الأعظم أو الحبر الروماني أو حبر الأحبار أو حبر رومية وهو البابا.
7 - (السيد) هو كل ذي رتبة عالية في الكنيسة. فالأسقف سيد لأنه رفيع المقام.
8 - (العاقب) الذي يخلف السيد.
9 - (الخوري) خادم أو راعي رعية صغيرة وهو كالمتصرف في السياسة الدنيوية.
10 - (القس أو الكاهن) خادم النصرانية ولا يكون إلا من بعد أن يعنيه الأسقف لهذه الغاية.
11 - (الأب) هو الكاهن الراهب، وقد تجوز بعضهم في التسمية فأطلقه على كل من قلد وظيفة دينية كالكهنوت أو ما كان أدنى منها وهو إطلاق من حيث الوضع مرغوب منه وفي غير محله وبعضهم سمي الأب (أنبا) وهو أقبح.
12 - (الأبيل) هو كل من انتسب إلى خدمة الدين كالكاهن ومن كان أدنى منه.(5/172)
13 - (الراهب) من انضوى إلى طريقة وتقيد بقوانينها، وله في العربية أسماء كثيرة.
14 - (الناسك) من انفرد عن الناس ليخدم ربه، وله في العربية أسماء عديدة أيضا.
15 - (الشماس) من يساعد الكاهن في وظيفته الدينية ويكون:
16 - (شماسا انجيليا) ويعرف بالدياقون
و17 - (شماسا رسائليا) ويعرف بالشدياق ومنه اسم أسرة أحمد فارس الشدياق وهناك مراتب أدنى من مرتبة الشماس وهي مرتبة: 18 - (الناصف أو الشمعداني) 19 - (المعزم) 20 - (القارئ) 21 - (البواب). وأما الذي يخدم الكنيسة فيعرف 22 - ب (الساعور أو القندلفت أو الوافة)
وهناك ألقاب أخرى ك: (البرديوط) 24 - (الزائر) 25 - (القاصد) 26 - (الوافد) 27 - (الجائليق) 28 - (البريم) إلى غيرها.
ودونك ما يقابلها في الفرنسية:
- 15.
- 16.
- 17. -
- 18.
- 19. -
- 20.
- 21.
- 22.
- 23.
- 24.
- 25.
- 26.
- 27.
- 28. - 1.
- 2.
- 3.
- 4.
- 5.
- 6.
- 7.
- 8.
- 9.
- 10.
- 11.
- 12.
- 13.
- 14. وأدور هذه الألفاظ الأخيرة على الألسن هي (الجائليق) فلقد ذكره السلف في كتبهم والمراد به الرئيس الأكبر من رؤساء طوائف الشرق فللأرمن جائليق وللساطرة جاثليق إلى غيرهما. والكلمة يونانية الأصل معناها (الرئيس الجامع) أو (العام).(5/173)
باب المشارقة والانتقاد
27 - أسامي مؤلفات ابن المعتز
-
في 14 ص بقطع الثمن لأغناطيوس كراتشوفسكي
أغناطيوس كراتشوفسكي من مستشرقي الروس؛ وله اطلاع واسع على لغتنا العربية وتاريخ السلف وكل ما يتعلق بمن نطقوا بالضاد؛ وله تأليف ومقالات مختلفة في الموضوع تشهد على ما له من طول الباع في ما ننسبه إليه؛ ومع اطلاعه على لساننا له وقوف عجيب على لغات أهل ديار الغرب. وقد وضع الآن باللغة الفرنسية مقالة بديعة تحوي أسماء المؤلفات التي تعزى إلى ابن المعتز (عبد الله) الخليفة العباسي عن يوم واحد.
الذين ذكروا تصانيف ذلك الخليفة اليومي هم كثيرون، إلا أن الذين عددوا طائفة منها يعدون على الأصابع ومع ذلك لم يوصلوا إلى المجموع الذي حققه صديقنا كراتشكوفسكي: فلقد وقف على دواوين عديدة من خطية ومطبوعة حتى جاء بذياك القدر ذاكرا اسم المصنف مع اسم الكتاب الذي وجده فيه معزوا إلى الخليفة المظلوم. ونحن نذكر هنا ما يعزى إلى ابن المعتز على الترتيب الذي نسقه صديقنا حتى إذا ظفر أحدنا بما يزيد هذه الأسماء تصنيفا واحدا ذكرناه بعد ذلك خدمة للأب: ودونك الآن عناوين تلك التأليف:
1 - كتاب الآداب 2 - كتاب أرجوزة في ذم الصبوح 3 - كتاب أشعار الملوك 4 - كتاب البديع 5 - كتاب الجامع في الغناء 6 - كتاب الجوارح والصيد 7 - كتاب حلي الأخبار 8 - كتاب الزهر والرياض 9 - كتاب السرقات 10 - طبقات الشعراء 11 - مكاتبات الأخوان بالشعر 12 - كتاب إلى شرية 13 - كتاب إلى عريب.(5/174)
28 - كتاب الريح لابن خالويه
نشره أغناطيوس كراتشكوفسكي
قد جاء اسم (الكتاب) عند أقدمينا بمعنى (رسالة صغيرة) ومن الجملة هذا الكتاب فأنه عبارة عن أربع صفحات بحجم هذه المجلة. وقد عني صديقنا بنشره أحسن عناية. على أننا وجدنا
فيها بعض ألفاظ نشك في صحة ورودها في الأصل من ذلك في ص28 من الأصل: (كمثل ريح فيها صر أي البرد) ونحن نظن أن الأصل هو: (أي برد) بدون تعريف لأن المفسر يكون من جنس المفسر منه وفيها: (منقلبة من واو) ولعل الأصل عن واو. وفيها: (من لبس الشفوف) وضبط الشين والفاء بالضم والصواب بفتح الشين وضم الفاء لأنه مفرد هنا وليس جمعا. وما هذه إلا هفوات لا تعد ولعل الخطأ في كلامنا.
29 - كتاب الحماسة لابن الشجري
عني بنسخه وتصحيحه وتحريره وتنقيحه فريتس كرنكو الألماني، طبع في مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية في حيدر أباد الدكن في سنة 1345 في 326 صفحة يقطع الثمن.
فريتس كرنكو من المستشرقين الألمان وقد عرفه الناطقون بالضاد بما نشره من مصنفات أدبائنا الأقدمين؛ وله ذوق طيب في اختيار ما يريد إحياءه من مدفوناتهم والآن أمامنا كتاب الحماسة لابن الشجري وهو من الآثار الجليلة: لأن مقام ابن الشجري رفيع جدا في اللغة والأدب والنحو وفي كل ما يتعلق بتراث الأجداد.
ولا ينكر أحد ما لهذه المجموعة الشعرية من المزايا إلا أننا كنا نود أن يعقد الناشر في آخرها مفتاحا للألفاظ المغلقة التي ورد شرحها في مطاوي الصفحات ولا سيما تلك المفردات التي شرحها المؤلف نفسه.
وكنا نود أيضا أن يكون للفصول حروف تمتاز عن حروف المتن لكيلا(5/175)
تتعب العين في طلب تلك العناوين أو إن شئت فقل: لكي تستريح العين من النظر إلى حرف واحد لا يختلف البتة بعضه عن بعض في جميع الصفحات.
وفي الحواشي بعض الشروح أو الفوائد منها للمستشرق الألماني وقد رمز إليها بحرف (ك) ومنها لمصحح المطبعة وهو السيد زين العابدين الموسوي وقد رمز إليه بحرف (ح) وفي ص4 قد علق حضرة المصحح على هذا البيت:
أقادت بنو مروان قيسا دماؤنا ... وفي الله إن لم ينصفوا حكم عادل
يقوله: كذا في الأصول. ولعله: ولله بلام التأكيد. آه قلنا: هذه الحاشية في غير محلها، وما أشار إليه المصحح لا يفيد المعنى الذي توخاه الشاعر.
وفي ص5 وحولي من نبي أسد والصواب من بني أسد بتقديم الباء على النون.
وفي ص6 تفادوا فقالوا يالعامر أصبحو. والصواب اصبحوا بألف بعد الواو. ومثل هذه الإغلاظ الزهيدة كثيرة وهي وإن كانت لا تشوه المعنى إلا أنها تمنع القارئ من أن يذهب سراعا في مطالعته.
وفي ص6:
صدمناهم حتى إذا الخيل عردت ... فرارا منحناهم بصم القنا بخسا
قال المصحح في الحاشية: كذا في الأصول، ولعله نخسا بالنون اه. قلنا: والصواب بجسا بتقديم الباء الموحدة التحتية على الجيم ومعناه الشق والشتم.
وفي ص7 ذكر بيت لعامر بن الطفيل العامري وهو هذا:
وقد علم المزنوق أني أكره ... على جمعهم كر المنيح المشهر
فقال المصحح يشرح المزنوق: صفة الفرس وهو المربوط بالزناق وهو رباط في جلد تحت الحنك الأسفل اه قلنا: نعم المزنوق بوجه الإجمال هذا معناه أما هنا فيراد به اسم فرس الشاعر، ولو فتح المصحح لسان العرب لوقع على هذا البيت نفسه ولرأى أن المزنوق هنا علم لفرسه.
ومما يؤلمنا في مطالعة هذا الديوان أننا نرى المصحح يخطئ كلما أراد أن يجلي معنى لفظة والمصحح ينتسب إلى أبناء عدنان: بينما نرى الأديب كرنكو يصيب في ما يعلق وهو غريب عن لغتنا. فعسى أن لا نكون في أخريات الأقوام في عقر دارنا؛ بل في لغتنا نفسها!(5/176)
30 - مختصر نهضة الحسين
تأليف خادم العلم والدين هبة الدين الحسني، طبع في مطبعة دار السلام في بغداد سنة 1345 هـ في 116 صفحة بقطع الثمن. .
السيد هبة الدين الشهرستاني أو هيبة الدين الحسني من علماء الدين المشهورين وهو إذا كتب في موضوع ألبسه حلته العصرية وشهاه للعامة والخاصة. وله عدة تآليف ومن جملة ما ظهر منها الآن (مختصر نهضة الحسين) الذي وصفه هو بنفسه قائلا بعد العنوان المذكور: (سلسلة حوادث تاريخية حول فاجعة الإمام سيدنا الحسين بن علي عليهما السلام مأخوذة من أوثق المصادر، وبطرز أخلاقي جديد يحلل ويعلل الوقائع على أسلوب فلسفي
فريد في بابه) وقد أقام لهذا البناء الفكري 45 بابا أدخل في كل باب لباب ما قيل في من الحوادث، فهو أحسن كتاب عربي قرأناه في هذا الموضوع.
على أننا كنا نود أن يكون فيه شيئان: الأول ما قاله المستشرقون أو المستعربون عن الحسين إذ كتبوا عنه شيئا كثيرا بعد أن درسوا مسألة الشيعة والسنة رجال القبيلين وما وشاه كل حزب لفريقه، وفي هذا التصنيف لا نرى أثرا لذلك وهو نقص ظاهر في مثل هذا العهد ولو كان السيد طلب إلى أحد تلاميذه أن يعرب له عن الإنكليزية ما جاء في هذا الصدد لأفادنا كثيرا.
2 - كان يحسن بالمؤلف أن يذكر في ذيل الصفحة - ولو بعض الأحيان - اسم الكتاب الذي ينقل عنه ليطمئن بال القارئ في ما يطالعه.
والكتاب لا تخلو صفحة منه من التساهل في التعبير من ذلك ما جاء في ص3 غفلة أكثر الأجانب من تاريخ الحركة صوابه عن تاريخ، وفيها جمع النظريات النفسية مع النظرات صوابه إلى النظرات وفي ص5: فوقتا الخليل ونمرود وحينا محمد وأبو سفيان. ولو قال نمرود والخليل لكان أصح لأن نمرود أقدم زمنا من إبراهيم وفي حاشية تلك الصفحة: مهما ثارة النفوس والجيوش ضده. والأفصح عليه. وفيها: وأصبح أعور. . . وأصبح أعمى، ولو قال عور. . . وعمي. لكان أفصح وكثيرا ما جاءت الضاد في مكان الظاء كما في ص114: عشائرها الضاعنة عنها. . . وصحبه من حضيرة الحائر. والمشهور الظاعنة وحظيرة الحائر. وجاء في ص66: أن(5/177)
كربلاء منحوتة من كلمة (كور بابل) العربية بمعنى مجموعة قرى بابلية. والذي نتذكره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين أن كربلاء منحوتة من كلمتين من (كرب) و (ال) أي حرم الله، أو مقدس الإله. وأما ما ذهب إليه حضرته فلا نخال أنه يسلم به من علماء اللغات القديمة.
وهذا كله لا ينقص شيئا من الكتاب فإن مواضيعه أخبارية يحتاج إلى الوقوف عليها كل محب لأنباء هذه الديار وأبنائها.
31 - العصور القديمة
وهو تمهيد لدرس التاريخ القديم وأعمال الإنسان الأول، تأليف الدكتور جايمس هنري بواستد، أستاذ تاريخ المشرق ورئيس دائرة اللغات والعلوم الشرقية في جامعة شيكاغو
وعضو أكاديمية العلوم في برلين، نقله إلى العربية داود تربان أحد أساتذة جامعة بيروت الأميركية، طبع في المطبعة الأميركانية (؟) في بيروت سنة 1927 في 484 صفحة بقطع الثمن الكبير.
نحن العرب في حاجة إلى مصنفات صحيحة التأليف والتنسيق سهلة العبارة واضحة التبويب. والأسفار التي هذه صفاتها قليلة، بينما تراها متوفرة في سائر اللغات لا سيما في الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية.
و (العصور القديمة) هو أحد هذه التآليف النافعة للمدارس. بل لكل من يطالعها ونحن لم نجد مثله كتابا في لغتنا فهو جدير بأن يوضع في جميع الصفوف.
على أننا نستأذن المعرب في إبداء بعض الخواطر ونرجوه أن لا يحملها إلا محمل الإخلاص في إبراز مكنونات الصدور.
1 - الكتاب يحتاج إلى فهرس للأعلام. نعم أن هذا التأليف وضع للمدارس وما كان لهذه الغاية. لا يعني بوضع تلك الفوائد في آخره - قلنا: هذا كان في العهد السابق، أما الآن فكتب التاريخ والبلدان التي تؤضع المدارس تزين بتلك الغرر لما يتركب عليها من الفوائد وسهولة المراجعة عند الحاجة.
2 - تحتاج بعض الأعلام إلى تصحيح، ونحن نرى أن تروى الأعلام الشرقية كما ينطق بها الشرقيون، والأعلام الإفرنجية تروى على ما يتلفظ بها أصحابها.(5/178)
فنقول: خليج فارس، لا خليج العجم (ص76 مرارا عديدة) وأهل ثغور فارس لا يقولون إلا ما أشرنا إليه، وكتب العرب لا تذكر إلا ما نوهنا له. أما كتب بيروت المطبوعة فتقول: خليج العجم وهي تسمية يستاء منها الإيرانيون إذ يكنون بالعجم ولهذه اللفظة معنيان: معنى تحقير مشهور عند عوام هذه البلاد ومعنى وجيه لا بأس به. إلا أن المتبادر إلى الذهن هو التحقير فضلا عن فساد التسمية.
وكل مرة جاء ذكر أقسام الأرض قال: قارة آسيا وقارة أوربا وقارة أفريقيا إلى غيرها، ونحن لا نرضى بذكر القارة فإنها كلمة محدثة تركية. أما العرب فكانت تذكر تلك الأقسام بقولها: آسية وأفريقية ليس إلا.
ويقول بحر قزبين وكتب المطبعة الأمريكية وما يدرس في جامعتها لا تذكر قزوين إلا
قزبين وهي تسمية لا يعرفها العرب ولا الفرس والمشهور بحر قزوين ومشاهير من القزوينيين كثار.
وذكر شمر (كزفر) مرة سومر (راجع الخريطة الملصقة بازاء ص81) ومرة سومير (حاشية ص81) ولعله ذكر لغات أخرى لم نعثر عليها، والصواب ما ذكرنا ولا نريد أن نتتبع كل هذه الأعلام الشرقية فإنها كثيرة وكلها على غير الوجه المألوف عندنا أو عند سلفنا الصالح.
وقال تراجان (ص428) مع أن الرجل روماني وحق اسمه أن يلفظ كما يلفظه الرومانيون أي ترايانس. لأن مجرد هذه الصيغة تطلعنا على أصله. نعم إن الفرنسيين خالفوا هذه القاعدة وفرنسوا أو إنكلزوا الإعلام لكن ذلك لا يهمنا. ومثل هذا أيضا كثير في كتابه. ولا نود أن نتأثره في كل ما أورده من هذا القبيل.
وجدنا بعض تعابير لا توافق اللغة الفصحى التي يتوخاها والمعرب معروف بل مشهور بها فقد قال مؤرخ أميركاني في (ص أ) في أميركي. ويحدوهم (فيها) في يحدو بهم. أسس الهيئة الاجتماعية (ص ب) في أسس المجتمع الإنساني أو البشري. وإمبراطورة (ص ب) في انبراطورية أو انبراطرة، والفرنساوي (ص ب) والعربية لا تجيزه بل تقول الفرنسي. وفيها: وللمحرر أمل كبير، في: ويأمل المحرر كل الأمل. وفيها: وإذا كان قد تسرب في أثناء ذلك شيء، والأوجه(5/179)
أن يقال هنا: وإن كان. . . وكثيرا ما يستعمل المترجم تكرم (مرتين في ص ج) بمعنى أجاد أو أحسن. وفي هذه الصفحة: إن روح المؤلف الطيبة الغيورة والمشهور الطيبة الغيور.
وقد يحيد المعرب عن سواء السبيل في تعيين معاني الألفاظ فقد قال مثلا في ص81 وعليهم نقب (تنورات) من الصوف الخشن اه. وقد ضبط كلمة نقب بضم الأول والثاني. مع أن المعنى الذي يريده هو جمع نقبة كغرفة وأما النقب بضمتين فهو جمع النقاب وهو غير ما ذكر. وذكر في ص86 بجانب الشكل 49 ما هذا نصه: ترميم بيت من بيوت البابليين الأولين اه. مع أن المراد هنا إعادة بناء أو إعادة شكل بناء لا ترميم البناء. وذكر في ص14 حظار المنزل بمعنى الدابزين. مع أن الحظار هو الحائط وما يعمل للإبل من شجر ليقيها البرد والريح. وفي ص434 ذكر البرازيق بمعنى المماشي عن جانبي الشارع
مع أن البرازيق معروفة بمعنى الطرق المصطفة حول الطريق الأعظم، فأين هذا من ذاك؟
وقد استعمل دائما كلمة (تاريخ) بمعنى الإنكليزية أو وهذا وهم شائع في جميع الكتب وفي جميع المعاجم الإفرنجية العربية أو العربية الإفرنجية مع أن العرب استعملوا الأخبار بهذا المعنى وقالوا الأخباري بمعنى وأما التاريخ فلم يجيء عند فصحاء العرب إلا بمعنى
واستعمل جملا كنا نود أن يعدل عنها إلى غيرها أفصح منها، فقد قال مثلا في ص15 عن الحصان البري ولم يدر في خلدهم أن يربوه ويروضوه ليصير داجنا صالحا للخدمة. وعندنا لو قال: ويروضوه ليدجن ويصلح للخدمة لكان أمتن عبارة. وفي ص85 كانت بيوت السوميريين مبنية من الطوب المجفف بالشمس على آكام اصطناعية حول سور الهيكل. وعندنا لو قال: كانت بيوت الشمريين تبنى باللبن على آكام يتخذونها حول سور الهيكل. . . لكان أوجه وفي ص265: وعراكها مع بوسيديون. والمعروف أن وزن فاعل لا يقترن بمع. فيقال: وعراكها بوسيديون أو عراكها لبوسيديون.
والكتاب يبقى مع كل هذه الهنات وما يشبهها سفرا بديعا جديرا بالاقتناء والمطالعة وبأن يتخذ سميرا للطلبة بل مرشدا لهم لأن ما ألف في هذا الموضوع لا يقاربه صحة في العبارة ولا سيما لا يقاربه في التبويب وجمع حقائق الأخبار.(5/180)
32 - الزمان
جريدة يومية أدبية سياسية اجتماعية انتقادية تصدر في مساء الاثنين والجمعة من كل أسبوع مؤقتا، لصاحبها ورئيس تحريرها إبراهيم صالح شكر ومديرها المسؤول المحامي شاكر الغصبية، صدر العدد الأول منها نهار الاثنين في 11 محرم سنة 1346 الموافق 11 تموز 1927.
لا حاجة لنا إلى أن نعرف صديقنا (إبراهيم صالح شكر) فخلو اسمه من النعوت هو أحسن علم له؛ ولو قلنا أنه الكاتب البارع والنقاد الموجع. والوصاف البديع التصوير لما قلنا عنه شيئا، إذ شهرته بذلك لا تزيد القارئ علما أو خبرة، ولو وقف الغريب عن هذه الديار على مستهل كلامه في جريدته لعرف مزاياه وعجائبه وغرائبه فقد قال في أول السطور ما هذا حرفه بعنوان (مني والي) تصدر هذه الجريدة. وليست وجهتها خدمة (الوطن) أو (الأمة) أو (القضية) أو (الاستقلال) أو (العلم) أو (الفن)؛ وإنما وجهتها (خدمتي أنا)
فهذه الكلمات وحدها تدلك على ما امتاز به من الخلال كاتبنا البارع فعسى أن تطول حياة جريدته مدى حياته لينتفع بها القاصي والداني.
23 - مختصر تاريخ الحرب
تطور فن الحرب - بحث مجمل في الحروب المشهورة، (وضع لتدريس الصف المتقدم في المدرسة العسكرية)، تأليف الزعيم طه الهاشمي، مدرس الجغرافية العسكرية وتاريخ الحروب في المدرسة العسكرية، طبع في مطبعة دار السلام في بغداد في 314 صفحة سنة 1927.
لم نجد إلى الآن بين الناشئة العراقية من ألف تأليف بهذا العدد وهو في غض الإهاب. فلصديقنا الزعيم 12 كتابا طبع منها تسعة وبقي منها ثلاثة وهي تسير سير أخوتها للظهور الواحد تلو الآخر. وأغلب ما صنفه هو في موضوع الحرب أو ما يتصل به.
وهذا الكتاب يحوي 17 شكلا و12 خريطة و16 مخططا وهو يبحث في تطور فن الحرب منذ أبعد زمن في القدم إلى يومنا هذا فهو لا يستغني عنه الأدباء(5/181)
مهما كان تخصصهم، فكيف بمن وقفوا حياتهم على الدرس والمطالعة ولا سيما على تلقي فن الحرب ومكافحة العدو، على أننا نقول أكثر من هذا: إن أبناء العرب في مختلف البلدان هم في حاجة إلى مطالعته إذ يوقفهم على خفايا غامضة لا ينتبه إليها إلا من كان بعيد مدى البصر ودقيقة، وهي الصفة التي امتاز بها صديقنا المحبوب، وأننا لنعجب من شيء وهو أن التصاوير المختلفة كلفت صاحبها مبالغ زهيدة. فلا نفهم كيف يوافقه أن يجعل كتابه بقيمة بخسة هي أربع ربيات. فهل بعد هذا من لا يشتريه؟
34 - المجلة العسكرية
مجلة فنية عسكرية تصدرها القيادة العامة (العراقية)، أربع مرات في السنة في 164 صفحة بقطع الثمن.
أهدانا حضرة الزعيم الكبير طه بك الهاشمي الجزء الثالث من السنة الرابعة من هذه المجلة الصادر في 1 تموز، فوجدناه قد تقدم تقدما محسوسا عن صنوه الأول الذي صدر في 1 كانون الثاني من سنة 1924 إذ قد وجدنا فيه 15 مقالة في أنواع فنون الحرب وكلها لأبناء
وطننا أو عربوها عن الإنكليزية وهذا الجزء مزدان بخرائط ورسوم تجلي النظريات المذكورة أحسن جلاء فتمنى لها الرقي الدائم والانتشار الذي يحق لها.
35 - القربان
مجلة شهرية علمية أدبية أخلاقية تصدر في حلب، صاحبها ومحررها القس أغناطيوس سعد.
وصل إلينا الجزء الأول والثالث من السنة الثانية من هذه المجلة وفي كل جزء 40 صفحة بقطع مجلتنا هذه. والمقالات حسنة شائقة، على أننا كنا نود أن يتولى صاحبها تصحيح بعض عبارات الكتبة فقد جاء في ص10 (فأصبحت في العصر السادس للمسيح) وهو يريد القرن السادس أو المائة السادسة للمسيح والعصر لم يرد بالمعنى الذي يشير إليه، وكتبت كلمة بحرف بدل في الأول وهو خطأ، وفي تلك الصفحة (والتزود ببركة زعيمهم) والأحسن حذف الباء كما في لسان العرب إذ يقول: زودت فلانا الزاد تزويدا فتزوده تزودا -(5/182)
وفيها: (وحملوا عنهم إلى بلادهم تماثيل العذراء من خشب الأرز كان النساك ينقشونها) والمراد هنا أنهم كانوا ينحتونها أو يحفرونها. وكنا نود أن تكون العبارة كسبيكة الذهب، إذ المشهور عن أدباء حلب حسن التأدية وحسن التعبير في مواضع الأدب.
كتاب إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
تتمة
ص س
بحق يوم الذبح ذي الإشراق ... وليلة الميلاد والتلاقي
والصواب بحق يوم الذبح وهو اسم لعيد ظهور المسيح للمجوس المعروف بالفرنسية باسم والدنح معروف عندنا إلى عهدنا هذا ولا يعرف اسما آخر لهذا العيد الجليل.
والذبح وردت مصحفه بهذا الوجه في جميع كتب المسلمين الذين ذكروا أعياد النصارى إن كانوا محدثين وإن كانوا أقدمين وليس لنا عيد يعرف باسم الذبح. وقوله وليلة الميلاد والتلاقي صوابه والسلاق بتشديد الياء وهو عيد الصعود ويعرف عند أجدادنا باسم السلاج والسملاج أيضا والسملاج كسجلاط.
3 وقربوا يوم الخميس الناسي والصواب التاسي وهو تخفيف التأسي مصدر تأسي ويراد به خميس الآلام وتقدير الكلام: وقربوا يوم الخميس خميس التأسي فحذفوا. ولهذا الخميس أسماء عديدة منها خميس الفصح كما يسميه العراقيون إلى عهدنا هذا. وخميس الحاش وهو اسمه عند نصارى الموصل والكلمة معناها خميس الآلام بالأرمية وخميس العدس عند المصريين النصارى وخميس الأسرار وخميس العهد وعند الإفرنج - وقد عرفه بعضهم بخميس الناسي اسم فاعل من نسي وذلك لما كان هذا اليوم يعرف بخميس العهد سموه بما يخالفه في المعنى كما قالوا: في الأعمى البصير وفي اللديغ سليما وسمو الأعوز: الكريم العين إلى غيرها لكن النصارى يقبحونه.(5/183)
ص س
159 14 أربع مجلات، صوابها أربعة مجلدات
160 4 فكان تستفاد بركته، لعلها كانت تستفاد
162 6 المعافاة والأحسن كتابتها المعافى ليطرد هذا الباب وقد تكرر هذا الوهم
163 17 يوم الاثنين، صوابها الاثنين
166 11 سور القطا خف إلى اليمام. والصواب سور القطامي. لأن القطا لا يخف إلى اليمام بل القطامي ليصطاده ويأكله.
وعلمه ونزاهته وبذله. والصواب ونزاهته
175 1 الرعاية في تجويد القرآن. وفي الحاشية (لعله القراءة) قلنا لا يكون كذلك والصواب ما في المتن لأن القرآن يجود على ما هو مشهور
قاتل الصيد في الحرم خطأ. والصواب خطأ
12 محمد. صوابه محمد بالإهمال
10 لا رضاء نفسي ناكبة. والصواب لا رضاء نفس بغير الإضافة إلى ياء المتكلم.
هذا ما يكون. والمعنى يقتضي هذا ما لا يكون
الأسد الضارئ. والصواب الضاري
185 9 أصله من رأس العين. والفصحاء لا يجوزون رأس العين بالتعريف إلا في الشعر للضرورة أما في النثر فلا يجوزونه، على ما صرحوا به
11 وإنك دون كل الناس شخصه. وضبطت الكلمة الأخيرة بضم الصاد وإسكان الهاء على ما يقتضيه الإعراب، إلا أن الروي يوجب فتح الصاد وهو جائز في النثر لازدواج السجعة لا يجوز في الشعر
6 وعيش الفتى طعمان مر وعلقم. وفي الحاشية: لعله شهد. قلنا: وكلاهما غير صحيح والصواب مز بزاي في الآخر والمز والخمر اللذيذة الطعم.
ومالك غير تقوى الله زاده ... إذا جعلت إلى اللهوات ترقى
ولعلها إلى الصلوات ترقى ليتسق المعنى(5/184)
194 3 وذلك أهنى. والصواب أهنا بالقصر لأنه مخفف المهموز
12 التكملة فيهما يلحن فيها العامة، لعلها فيما يلحن فيه العامة
207 2 يهنونه صوابه يهنئونه
4 توفى يوم الثلاثاء، صوابه توفي بالياء المنقوطة وبصيغة ما لم يسم فاعله
210 12 والمرجوع إليها، والصواب إليه.
18 شعبة بن الحجاج: صوابها الحجاج
3 واستحالت ولا كفاح كفاها؛ والصواب ولا كفاها كفاح
1 هشام بن عسان، لعله هشام بن عمار إذ لم نجد ذكرا لابن عسان في كتب التابعين أو صغارهم
ضافت عليه الأبواب؛ صحيحها ضاقت
6 أضاعوك وأي فتى أضاعوا، والمشهور: أضاعوني. . .
قبح الله ما لا أدب له: لعلها من لا أدب له
12 هاك أدخلن ذاك ذاك وأعطني سلمي؛ وفي الأغاني: أدخلن ذا إذا محاسني التي أدل بها - والمشهور اللائى
8 غلائل برس. والصواب نرس بالنون لأن في العراق بلدتين يقرب اسم الواحدة من الأخرى الواحدة بالباء والثانية بالنون فأنتي اشتهرت بصنع الثياب الفاخرة والغلائل النفيسة هي نرس بالنون لأبرس بالباء
12 متضلعا بالعربية؛ لعلها متضلعا من العربية أو مضطلعا بالعربية
251 19 مات الزهيري؛ صوابه الزهري
255 19 أن رجلا اتصل عطلته، لعلها اتصلت عطلته
17 مؤودة: لعلها موؤودة (لثحمل على وزن مفعولة)
10 الأولى، لعلها الألى بلا واو
14 أبو الرحمن الطائي، لعلها أبو عبد الرحمن الطائي
4 جاؤا. لعلها جاءوا (لتحمل على وزن قالوا)
7 عن كل خمسة أوراق ولعلها خمس أوراق لأن أحدها ورقة الورقة(5/185)
مؤنثة، وكذلك في ص278 س2 كل عشرة أوراق والأحسن عشر أوراق
1 المعافا بن عمران لعلها المعافى
4 نفسي بما أوتيت قد قنعت. . . والبيت مكسور، ولعلها نفسي بما قد أوتيت. . .
4 قال عند الكون في الجدث، والمشهور قال عند الموت
14 حذرا منه بأن لا يفطعا، والصوب لا يقطفا ليتفق مع مرهفا
4 كتاب المقصور والممدود. ولعلها والممدود
2 ممتعا بودودة. ولعل الصواب بوداده ليتفق مع (بفواده)
16 فقال ذلك أسوء، ولعلها أسوأ بهمزة على الألف حتى تتميز من الفعل ما ساء بسوء
وقال لا نساكنني وضبط النون الأولى بالضم والصواب لا تساكني بنون مشدودة مكسورة وبكسر الكاف التي قبلها
8 ممازق. لعلها مماذق
رهينن. لعلها رهينا
وفي هذا الجزء كما في سائر أجزاء هذا الكتاب أبيات في منتهى القذارة والنتانة والفحش وسوء الأخلاق ولو عرضت على إبليس لندى جبينه منها فكيف إذا طالعها أبناء هذا العصر. فكنا نود أن تنفي منه بلا رحمة ولا شفقة إذ ليس في فقدها خسارة. نعم بعض العلماء يريدون أن يطلوا على أخلاق العصور الخالية وما كان يقال فيها وينشد. فلهؤلاء الناس يفرد للكتاب صفحات ليطلعوا عليها. أما سواد الناس فليس لهم حاجة إلى هذه المخزيات المفسدات.
وما عدا ما أشرنا إليه من بعض الأمور التي نراها مساوئ. فالكتاب درة من أفخر الدرر ويحق لأبناء العصر أن يفتخروا بها وأن ينسجوا على منوالها.
فإن الناشر حفظه الله جعل للكتاب فهرسين: فهرسا لأسماء الرجال وفهرسا لأسماء الكتب، ثم علم كل ترجمة من تراجم العلماء والأدباء برقم يدل على ترتيب وروده في الكتاب، وقد زاده حسنا بما زينه من الحواشي النفسية وجعل أمام(5/186)
كل خمسة سطر رقما وفي الصفحة الواحدة عشرون سطرا.
على أن هذا السفر لا يتم ويكون فذا إلا بتزيينه بفهرسين آخرين فهرس لإعلام المدن وفهرس آخر للألفاظ الواردة في هذا التصنيف وليس لها وجود في دواوين اللغة لأنها من المولد الذي نحتاج إليه في هذا العصر.
ويا ليت يتعلم السوريون والمصريون من أسلوب الإفرنج في طبع كتب أسلافهم على هذا النمط البديع أي أنهم يعلقون بعض الحواشي على كتب الأقدمين التي يتولون إبرازها إلى عالم النشور ويضعون لها عدة فهارس: فهرس لأعلام الرجال والنساء، وفهرس لإعلام المدن، وفهرس لأسماء المؤلفات الوارد ذكرها في مطاويها، وفهرس خاص بالألفاظ العربية المفسرة أو غير المفسرة فتفسر التي ترى في تلك الأسفار.
فإذا فعلنا ذلك خدمنا السلف والوطن وأنفسنا وروجنا بيع الكتاب لأن تلك الوسائل هي خير الأمور لنشر الكتاب والتطبيل بفوائده ومزاياه والتزمير بحسناته وتفوقه على أشباهه.
36 - سلوقية وطيسفون
للدكتور مكسيمليان ستريك، طبع في لبسيك في 64 صفحة بقطع الثمن الصغير.
عرفنا هذا الأستاذ في ربيع هذه السنة إذ جاء إلى العراق وتجول في أنحائه للمرة الأولى، وفي أثناء إقامته بين ظهر أنينا رأيناه كأنه من أهل هذه الديار نفسها، إذ كان يتنقل من مكان إلى مكان بسهولة عظيمة عارف كل موطن حق المعرفة وما ذلك إلا لأنه كان قد أتقن البحث عن جميع هذه الربوع قبل أن يهبط إليها وقد وجدنا هذا التأليف من أحسن ما صنف في المدائن (سلوقية وطيسفون) إذ جمع فيه من بين أنباء اليونانيين والرومان والعرب
والفرس فجاء معينا يرده كل من يعطش إليه. ولأجرم أن الأستاذ لعلامة يزيده في بعض المواطن جلاء ووضوحا في الطبعة الثانية إذ تعهد بنفسه تلك الأصقاع. فهو إذن أحسن ذخر يذخره أبناؤنا لمعرفة البلاد التي هم فيها إذ نحن في حاجة ماسة إلى ما يكتب عن وطننا لنكون أدرى الناس بما في بيتنا. فعسى أن يلاقي نداؤنا صدى.(5/187)
تاريخ وقائع الشهر في العراق ولما جاوره
1 - الفرار من العراق بسبب قانون منع الغزو
أقر المجلس النيابي في جلسته المنعقدة في 25 نيسان من سنة 1927 قانونا يعتبر غزو العشائر العراقية لعشائر الدولة المسالمة للعراق جرما يستحق العقوبة الشديدة.
فكانت النتيجة أن القبائل القلقة حولت أنظارها إلى أراضي نجد فأوفدت عشيرتا (الضفير) و (الدهامشة) رجالا إلى سلطان نجد لإطلاعه على أنهما تنحازان إليه.
وقد أقيل أن (عجمي السويط) شيخ الضفير قابل سلطان نجد في الرياض قبل أن يغادرها إلى الحجاز فعاد إلى عشيرته مثقلا بالهدايا ثم نقل إعرابه إلى (أم رضمة) حذاء حدود العراق وكان معه جماعة من علماء الأخوان فأوقفوهم على مذهبهم.
وكما عومل عجمي السويط عومل هزاع بن مجلاد شيخ قبيلة الدهامشة، وجرت قبيلته على آثار الضفير. والأمر المهم في هذا الصدد أن العشيرتين المذكورتين تضاعفان إعرابهما بما ينضم إليهم من أعراب عشيرة (العمارات) الراجعة إلى فهد بك الهذال الذين انضموا إلى أولاد عمومهم الدهامشة. ويشاع أن (شمر) الجزيرة تحاول حذو العشيرتين المذكورتين.
2 - آخر يوم عاشوراء في الكاظمية وما وقع فيه
العادة الجارية في العراق منذ قديم الزمن، أن أبناء الشيعة يمثلون مدة الأيام العشرة الأولى من شهر المحرم (السبايا) وهي تمثيل ما وقع لصريع الطف قبل أن يقتل عطشا. ويجري ذلك ليلا من الساعة التاسعة إلى الحادية عشرة. ولكل محلة سبايا يضرب فيها الجعفرية أنفسهم على ما ذكر في لغة(5/188)
العرب 231: 2 وما يليها.
مضت الأيام التسعة الأولى من عاشوراء بدون اضطراب وفي اليوم العاشر وهو اليوم الأخير المعروف عندهم (بالطبق) اجتمع خلق عظيم في الكاظمية لختم المأساة. وهناك وقع سوء فهم بين جماعة وجماعة أدت إلى النزاع والقتال فأسفر تحقيق الحكومة عما يأتي وهذا نصه بحرفه:
1 - حصلت الحادثة المؤسفة على أثر شجار قام بين صبي وامرأة من المتفرجين منبعث
من زعمها أنه حال بينها وبين رؤية الموكب فأدى ذلك إلى تدخل بعض الأولاد واعتدائهم على الصبي ما سبب الضوضاء في الطابق الأوسط (كذا أي في الطبقة الوسطى) بين النساء وإسراع بعض الجنود وموظفي الأمن لتسكينها.
2 - إن الجنود كانوا من الذين جرت العادة أن يحضروا الاحتفال عزلا من السلاح تحت إمرة ضباطهم للاشتراك بالمأتم.
3 - إن الغوغاء توسعت على أثر الصراخ الحاصل في الطابق الأعلى حيث أدى إلى مضاربات مؤسفة بين الرعاع والشرطة والجنود غير المسلحة.
4 - لقد أحصيت حتى الآن (11 المحرم) حوادث وفاة منها: واحدة من الجند وثلاث من الأهالي وأربعون حادثة جرح وكسر ورض من الجند وواحدة من الشرطة وسبع من الأهالي
أعيدت السكينة بواسطة الشرطة حوالي الساعة الثامنة ونصف زوالية من صباح يوم الحادثة والتحقيق مستمر.
(مدير المطبوعات)
على أن الشائع بين الأهالي أن عدد الجرحى والقتلى أكثر من هذا.
3 - افتتاح معرض الأشغال اليدوية في بغداد
همة مدير المعارف العام لا تعرف الملال كما تجهل الكلال فهو يسعى ليل نهار لتعميم المعارف وتنشيط الفنون وبث الصنائع على اختلاف أنواعها وبجميع الوسائل التي توصله إلى هذه الغاية، فلقد عرفت أن المراد به سعادة ساطع بك الحصري وإن لم أسمه لك إذ هو الذي سعى في فتح معرض للأشغال اليدوية لترقية أنواع الصنائع والفنون العراقية فكان الافتتاح في 11 تموز إذ أم جلالة ملكنا المحبوب المدرسة المأمونية التي(5/189)
يقام فيها المعرض، وقد حف به الوزراء والأعيان وفتحه فتحا رسميا ثم طاف ردهاته فسر بما رأى من التقدم المحسوس في جميع الأعمال التي قام بها أبناؤه وبناته العراقيون وفيه من الأشغال ما أتى به من جميع مدارس العراق، فنهنئ الأستاذ الحصري بسعيه المحمود ونطلب إليه أن يعيد مثل هذا المعرض في كل مدة إن لم يكن في كل سنة.
4 - المتقن الطبي العراقي
شرعت مديرية الصحة العامة بجلب الآلات والعدد اللازمة للمتقن الطبي العراقي الذي يؤمل فتحه في أوائل ت1 من هذه السنة، والمديرية مشغولة بوضع نظام المتقن ومنهاج التدريس اللذين سننشرهما في نحو أواخر شهر تموز من هذه السنة.
5 - جسر الفلوجة الحديدي
رأت الحكومة فائدة الجسر المبني من الحديد الذي في الخر فعقدت النية على مد جسر من هذا المعدن على الفلوجة وقد وصل العاصمة في نهاية حزيران متخصص من المهندسين من شركة السرجون جاكصن للشروع بتهيئة أعمال التمهيد تحقيقا لهذه الأمنية. وسيشرع بتملك الأرض اللازمة الواقعة على ضفتي النهر.
6 - بناية المدرسة العسكرية
انتقلت المدرسة العسكرية من محلها في باب المعظم إلى بناية أخرى في الكرادة أما البناية الأخرى فتبقى للفرسان والمدفعيين التابعين للجيش. كان هذا الانتقال في أواخر حزيران.
7 - تحليف اليمين لتلاميذ المدرسة العسكرية
في نحو الساعة 9 من نهار الثلاثاء 28 حزيران جرت حفلة جليلة هي الأولى من نوعها في بغداد، وذلك أن تلاميذ الصف المتقدم من المدرسة العسكرية الملكية حلفوا اليمين في نهاية سنة دراستهم الحالية، فكانت هذه الحفلة من المشاهد المؤثرة في القبيلين أي في الطلبة والحاضرين معا فقد حلف كل من التلاميذ الخارجين ضباطا جددا بأنه يخدم مليكه ووطنه مضحيا بنفسه لهذه الغاية.
وكان يتقدم إلى منصة اليمين أربعة أربعة من الضباط الجدد فيضع كل اثنين يديهما الواحدة إلى جنب الأخرى على المصحف الموضوع على المنصة ويقسمان اليمين وهذه عبارتها:(5/190)
(أقسم بالله وبكتابه هذا وبشرفي بأني أخدم قائدي العام جلالة ملكي المعظم ووطني بكل صدق وإخلاص في البر والبحر والهواء وأشهد الله على ذلك).
وهذا النص هو النص الرسمي لوزارة الدفاع وسيحلفه جميع الضباط الحاليين في الجيش يوم الحفلة التي تقام لذكرى تتويج جلالة ملكنا المحبوب ويتم تحليف الأعوان في ذلك اليوم في جميع طوائف الجيش المبثوثين في القطر.
وقد صدرت الإرادة الملوكية بمنح كل منهم رتبة ملازم ابتداء من غرة تموز سنة 1937.
8 - منشور للعشائر الذين على التخوم السورية العراقية
أصدر متصرف لواء دير الزور منشورا مذيلا باسم السيد جميل الدهان والليوتتان كولونل وومير المندوب المعاون للمعتمد السامي في لواء دير الزور، والمنشور مكتوب بالعربية والفرنسية والإنكليزية، وهذا نصه العربي:
(إلى الأهالي والعشائر الساكنين والمخيمين بجوار حدود سورية والعراق) (تعلمكم الحكومتان السورية والعراقية بأنهما اتخذتا بعد التفاهم المتبادل والاتفاق المشترك القرار الآتي:
(ممنوع الغزو والسوسكة (كذا وردت هذه الكلمة في جريدة العراق 4 تموز 1827) والسرقة. وممنوع أيضا إرسال جماعة من الرجال المسلحة إلى ما وراء الحدود، وعند مخالفة هذا القرار تتخذ كل من الحكومتين التدابير لأجل معاقبة المذنبين الموجودين في أراضيها).
9 - حريق يبادر كرمليس
كرمليس قرية من أقدم قرى الموصل أسمها القديم في التاريخ جو جمالا أو جو جميلا وهي واقعة في شمال غربي أريل ويعنون أهلها بالزراعة. وقد وقعت النار في 29 حزيران في بيادرهم فأفنتها على آخرها ويقدر ثمنها على ما يقال ب 500000 ربية فأصبح أهلها - وبيوتهم أكثر من 150 - أفقر الناس في متصرفية الحدباء.
10 - إسعاف منكوبي كرمليس
رأف أصحاب الحل والعقد بمنكوبي كرمليس فأنشئت لجنة باسم (إسعاف منكوبي كرمليس) وأعضاؤها:(5/191)
جعفر باشا العسكري رئيس الوزراء رئيسا لها.
رشيد عالي الكيلاني وزير الداخلية نائب رئيس.
أمين عالي باش أعيان وزير الأوقاف.
المستر سوان وكيل مستشار المالية.
يس الخضيري
عبد الحسين جلبي
يوسف غنيمة معتمدا لها
عزرا مناحيم دانيال
وتؤلف لجان فرعية في بقية الألوية فعسى أن يسعف المنكوبون أحسن إسعاف.
11 - تسليم دروز لبنان
خضع دروز لبنان ولم يبق منهم سوى سلطان باشا الأطرش فإنه أبى الخضوع وغادر لبنان نازحا إلى (قريات الملح) الواقعة في ديار نجد قريبا من شرقي الأردن.
12 - معاهدة بين بريطانية
ونجد في العشرين من شهر أيار أمضى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل السعود حاكم مكة العام والسر جلبرت كلايتن معاهدة صداقة بين حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانية وصاحب الجلالة ملك الحجاز ونجد وتوابعهما. وكان ذلك بعد سفر ملك الحجاز بيوم واحد إلى مكة للإشراف بنفسه على شؤون المائة ألف حاج اجتمعوا في عاصمة الإسلام لتأدية فريضة الحج في هذا العام.
13 - الشيخ محمود كاكا أحمد
وصل بغداد في 5 تموز الزعيم الكردي محمود كاكا أحمد الذي سلم نفسه للحكومة وانتهت أعماله وعصاباته وعم الآمن والسلم والأصقاع الكردية ولم يبق في هذا ما يسمى المسألة الكردية في العراق.
وكان ابنه (بابا علي شيخ) قد سبقه إليها ليتلقى دروسا خاصة على نفقة الحكومة وقد ابتدأ بدروسه منذ 17 حزيران.
14 - معلمون ومعلمات جدد
أخرجت دار المعلمين في بغداد في هذه السنة سنة الدراسة مائة معلم أحرز 37 منهم شهادة معلمية المدارس الابتدائية و32 شهادة معلمية المدارس الأولية و31 شهادة معلمية مدارس
القرى.
ونجح من دار المعلمات في بغداد أربع، فنهنئ الجميع بما فازوا.
15 - خريجو الحقوق
بلغ عدد المتخرجين من متقن الحقوق ستة وأربعين فسقيا لنجاحهم.(5/192)
العدد 48
علم القوميات العراقية
عند علماء العرب اليوم فرع من العريقيات (الاركيولوجية) اسمه علم القوميات يبحث عن آداب الأقوام وما ثوراتهم وأوابدهم وخرافاتهم ومعتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم وأغانيهم إلى ما جارى هذا المجرى.
وأول مرة جاء ذكر (علم القوميات) كان سنة 1836 في المجمع الإنكليزي المسمى (اثينيوم) إلا أن حقيقة هذا العلم اقدم من اسمه بكثير ثم في أواخر المائة الثامنة عشرة للمسيح نشر ما كفر سن الإنكليزي كتاباً سماه (مقاطيع من الشعر القديم) ثم جاء علماء سائر الأمم الإفرنجية ونشروا ما يدخل تحت هذا الباب وزادوا عليه ووسعوه.
وبعد سنة 188. نشأت في ديار الإفرنج جمعيات وشركات عديدة غايتها البحث عن أغاني العوام وتقاليدها ومأثوراتها وأمثالها وأوهامها وألعابها وخزعبلاتها ومضحكاتها ومبكياتها. وبكلمة واحدة، عن كل ما يتعلق بالعامة بأي وجه كان.(5/193)
واليوم نرى في ديارهم مجلات وجرائد تنشر مثل هذه المباحث، فضلاً عن الأسفار التي توضع لمثل هذه الغاية، فيقبل على مطالعتها الناس أي إقبال
أما الغرض من الوقوف على هذه الأنباء فهو معرفة البيئة الفكرية بل الجو الفكري الذي يستنشقه القوم الفلاني ليكون الباحث على بينة مما كان عليه ذاك القوم من حالة العلم والحضارة وتتبع لغاته التي توصله بالأقوام أو القبائل أو الأجيال التي نطقت بها. فيقف على أصلهم ووطنهم الأول. ويعرف كيف أن القوي أبتلع ويهضمه فيتمثله. وبأي شيء أو بأي أثر فيه كما يقف على حقيقة ضعف القوم الذي أنحط إلى غير ذلك من الحقائق التي لا تأتينا أبداً عن لسان الفصحاء من الكتاب بل عن عوامهم، لأن الفصحاء قد ألفوا إنشاء بل صناعة كتابة هي غير ما ينطقون به أو يسمعونه، بل يدونون ما يوافق أهواءهم وأهواء من يميلون إليه وينسون ما يفيدون به الأجيال الآتية التي تود الإطلاع على دخائل الأمور التي ساقتهم إلى ما آتوه مهما كان ذاك العمل.
أما الديار العربية اللسان فليس لها من هذا القبيل شيء يذكر وما دون منه أغلبه للأجانب. وكنا نحن قد جمعنا الأمثال العامية. وحكايات للعوام من السنة اليهود والنصارى والمسلمين
فذهب أكثرها فريسة غائلة الحرب وبقي عندنا منها شيء نزر. وكأن غيرنا قد شرع بنشر أمور مختلفة في هذه المجلة لملء هذا الفراغ ثم أنقطع البحث باحتجاب المجلة وعبث الحرب المشؤومة بكل أثر من آثار الأدب والتاريخ والعلم والصناعة.
وها نحن أولاء نعود الآن إلى ما شرعنا به سابقاً، وقد أودعنا الأمر إلى أحد شبابنا النوابغ في هذا العراق الغض هو الصديق الودود أحمد حامد من آل الصراف، ولا نضن أن أحداً ينكر عليه هذا التخصص القومي، ومن يطالع هذه المقالة وما يتلوها يشهد له بطول الباع وسعة الإطلاع.
(لغة العرب)(5/194)
1 - أول سماعي للخرافات
نم! (فقد جاء الطنطل، جاء الغول، جاءت السعلوة)
بهذه الكلمات وأمثالها كانت تخيفني (جدتي) بغية أن أضطجع في فراشي وأن أقلع عن الهرج الذي كنت أحدثه ليلاً، وبهذه الكلمات كانت تخيف جدتي أخي الصغير. وكان بهذه الكلمات وقع شديد في فؤادي بل كانت تقع على رأسي وقوع الصاعقة أو الداهية، فكان يعتريني الذعر والفزع، وكنت أحس بقشعريرة في جسدي وأشعر بأن يدا تريد أن تخطف قلبي من بين أضلعي. وكم ليلة بت فيها ساهراً خائفاً لم أذق فيها طعم الكرى من هول تلك الكلمات وما كانت تتلفظ به جدتي أي (الطنطل أو الغول أو السعلوة) حتى كنت تراني خامداً جامداً كمن إصابته زمانه أو شلل فكنت لا ابدي حراكا وكانت تتمثل أمام عيني أشباح تقذف الرعب في قلبي.
ولئن زارني الكرى في الليل فكنت أخاف غمرات أحلام مزعجة ورؤى هائلة وكنت مع شدة خوفي من هذه الألفاظ ألج لجاجة الطفل، ألح إلحاحا كثيراً على جدتي أن تقص علي نبأ (الطنطل) وحديث (الغول) و (السعلوة) وكانت جدتي من العجائز اللائى لم يرزقن علماً ولم ينلن تهذيباً وكانت أمية تجهل القراءة والكتابة وقد عاشت في وسط جاهل وبيئة خرافية وكانت تعتقد بالجن والطلاسم والأحاجي والسحر على نمط عجائز هذا اليوم.
2 - الطنطل
وقد وصفت لي الطنطل وأنا يومئذ لم ابلغ السابعة أو الثامنة من العمر وقالت: (الطنطل يشبه الرجل إلا أنه عظيم الجثة كبير الرأس وهو اضخم من الجاموس أو الفيل وهو يأوي إلى الخرائب ويقف ليلاً تحت الطيقان وهو جبار يخطف العقول ويصرع الناس صرعة لا نهضة بعدها. وإذا أراد الإنسان أن يتخلص منه اخذ معه مخيطاً (أي مسلة أو إبرة ضخمة) وغرزها في مذاكيره فأنه ينقلب للحال حماراً أو حيواناً آخر يركبه الإنسان).(5/195)
3 - الغول
وصورت لي (الغول) بصورة رجل يشد على رأسه عقالاً وكوفية ويأخذ معه سلاحاً على الغالب وهو يسكن المغاور والكهوف ويتنقل في البيد بسرعة البرق مفتشاً عن إنسان، حتى إذا صادف واحداً من بني آدم حدثه بأعذب الكلام والطف العبارات وجره إلى مغارته أو كهفه حيث يلاقي حتفه فيكون شواء لذيذاً وطعاماً سائغاً، وقالت عن وجهه: أنه يشبه وجه الكلب ولهذا يسدل عليه برقعاً فيه وصواصان (والوصواص خرق في البرقع بمقدار عين تنظر فيه) أما أرجله فكأرجل الإنسان استقامة إلا أن ظلفين يقومان مقام القدمين. والغول يخاف (المسحاة) فإذا عرفه الرجل وصاح بأعلى صوته (أين المسحاة؟) فّر الغول هرباً ولم يلتفت إلى ورائه.
4 - السعلوة (السعلاة)
وصورت لي (السعلوة) بصورة امرأة طويلة سوداء ذات شعر كثيف طرطبة أي ذات ثديين عظيمين كل واحد منهما أكبر من الزق بل كالدن الكبير والسعلوة تسكن تحت الماء وهي تحوم حول الأجراف لتخطف رجلاً تتخذه لها بعلاً أما إذا عثرت على امرأة فأنها تمزقها وتأكلها، وقد ذكرت لي أخباراً لتقنعني بوجودها، فقد قالت لي أن إحدى النساء حدثتها عن خروج (السعلوة) في (بروانة) وقد اشتركت في اللطم والنواح على رجل كريم من أهل (بروانة) و (بروانة) بليدة واقعة على الفرات في أنحاء هيت وعانة واّلوس. قالت وقد وقفت (السعلوة) تنوح وتنشد:
تبكي الحديثة وعانة ... على القرم ابن بروانة
على الذي عيش (السعلوة) ... ومن بعده ما كانا(5/196)
وقالت أيضاً: أن سعلوة جلست ذات يوم على جرف نهر دجلة وجلست على الجرف الآخر سعلوة أخرى فخاطبت الواحدة الأخرى طالبة منها (سفوفا) لابنها:
فقالت لها: (خيي خواتي) - أي يا أختاه.
فأجابتها الأخرى: (عزي وحياتي)
فقالت لها: (عندج علايج للصلايج أمسى يعالج من أفاده) - أي أعندك علاج للصلايج (وهو ابنها) فقد أمسى يقاسي (يعالج) آلاماً أصابت فؤاده.
فقالت لها الأخرى: حالفة بأبنائها الخمسة: لا اثر للعلاج لدي. وهذه عبارتها:
(وحق زيدح. زمديدح. مكة. والحبش. والطير. ما عندي غبارة) أي لا أملك شيئاً ولو بقدر ذرة الغبار.
5 - خرافات أخرى
اجل: بهذه العجائب كانت تحدثني جدتي. وقد فتحت عيني متتبعاً لبعض العوائد من ذلك أن أهلي كانوا لا يخيطون لي ثوباً يوم الثلاثاء.
ولا يرحلون بي إلى بلد آخر يوم الجمعة.
وكانوا لا يعطون الجار (ملحاً) إذا اجنح العصر أو قارب المساء.
وإذا صرخ بي أستاذي أو ضربني أبي قالوا (اخترع) أي فزع فجاءوا (بالحرمل) واحرقوه بالنار وأداروه على رأسي ثلاثا.
وكانت التمائم والحروز والطلاسم لا تفارق صدري.
وكنت اشتركت مع الرجال والنساء عند قيامهم بتمثيل دور (حمير الشيجي) الذي سأحدثك عنه قريباً.
وبالجملة فقد كنت في الصغر صبياً خرافياً اعتقد بكل ما كانوا حدثوني به بيد أني نشأت وفي نزعة شديدة إلى معرفة هذه الأمور الخفية والأسرار الغامضة.
6 - انقشاع سحب الخرافات عن فكري
فلما بلغت العاشرة جيء بي إلى بغداد فولجت أبواب المدارس ونلت من العلم(5/197)
والتهذيب ما كان كافياً لإزالة ادرأن الخرافات وأوساخ الأساطير من رأسي.
وبقيت عدة أعوام أتلقى علومي في المدارس حتى عام 1918 فعينت مديراً لمدرسة كربلاء هذه العوائد فعن لي إذ ذاك أن ادرس هذه العوائد والأوابد وأن أتتثبت حقيقتها، فكنت أغشى الأعراس والمآتم وأسائل هذا وذاك بلوغاً إلى أمنيتي.
ثم تجولت في اغلب مدن الفرات ودونت تلك العوائد العجيبة حتى حلول سنة 1927 فكتبت ما يقرب من نيف وألف أسطورة وبوبتها باحثاً عن علة كل منها فاستطعت أن ألم بكثير من أسبابها وكان بودي أن ارجع كل خرافة إلى اصلها الأصيل وموطنها الأول إلا أني أحجمت عنها أخيراً الآن معرفة منشأ الأساطير العراقية يحتاج إلى درس أوابد الأمم الآسيوية كافة وهذا يحتاج إلى عمر أطول من عمر نوح إذ أن دراسة مثل هذه الأوابد تتوقف على دراسة التاريخ بصورة عامة مع معرفة العوائد والعقليات السابقة
واعتقد أن دراسة هذه الأساطير من اصعب الأبحاث وأعوصها - هذا إذا أردنا إرجاعها إلى اصلها - لأن العراق قد أمته أقوام عديدة وسكنته قبائل وشعوب كثيرة كالاكديين والشمريين والكلدان والآشوريين والفرس واليهود والإغريق والرومان والفرس والعرب والترك. فقد جاءت هذه الأقوام ومعها عوائدها وأساطيرها وخرافاتها فاختلطت بعضها ببعض والأمم تلقح بعضها بعضا أفكارها وعوائدها، والشعوب تقلد من كان اعظم منها ما يطيب لها. لذلك تراني لا اعتقد بعراقية الأساطير التي دونتها في رسالتي هذه أظن كل الظن أنها بقايا عوائد قديمة لأمم قديمه كأننا يعتقدون بصحتها وصوابها فهي إذن مزيج الخرافات التي جاءت بها الشعوب الفاتحة.
وأكبر برهان على ما أقول هو ما شاهدته وما أشاهده اليوم بعيني من عادة جديدة جاءتنا حديثاً من بلاد الإنكليز إلى العراق وهذه العادة هي أن الإنكليز لا يضرمون ثقاباً (كبريتاً) لثلاث دخينات (سجائر) معتق(5/198)
من عوائد المنحطين.
أضرب لك مثلاً وهو كراهية الإنكليز للعدد 13 وتشاؤمهم الشديد منه فإذا أموا مأدبة أو جلسوا على مائدة الطعام عدوا الأشخاص فإذا كانوا 13 قام أحدهم على الفور وغادر المحل.
أما سبب نشأة الأساطير فقد يكون بدافع غريزة الخوف والوهم كما يدّعيه بعض المؤرخين أو سببه الجهل وعدم معرفة أسرار الطبيعة أو جهل حقائقها كما يدعيه الآخرون. أما نشأة
الأساطير إلى الخوف المتمكن من الإنسان والجهل وعدم الإلمام بشؤون الطبيعة معاً واعتقد كل الاعتقاد أن الأمم كلما تقدمت تقدماً أدبيا وعلمياً ونال أفرادها تهذيبا صحيحاً انقرضت أساطيرها ورحلت عن بلادها شيئاً فشيئاً لأن سبب الخوف هو جهل الطبيعة فإذا عرف الإنسان أسرارها زال ما كان قائماً على فؤاده من الذعر والوساوس مثال ذلك:
أنني كنت اعتقد وأنا طفل بأن سبب خسوف القمر هو أن (الحوت) يبلعه وكأن إذا حدث خسوف فزع الناس كلهم وأنا منهم سواء كان في بغداد أو في مدن العراق الأخرى ولاسيما النساء والأطفال والعوام الذين لم ينالوا قسطاً وافراً من التهذيب فسهروا ليلتهم وضربوا الطبول وقرعوا الأواني من النحاس وربما واصلوا هذه الحالة حتى طلوع الشمس. ولما درست أسباب كسوف الشمس وخسوف القمر اتضحت لي الحقيقة وزال عني ذلك الوهم وتلك الوساوس. وأصبحت إذا خسف القمر اقهقة ضاحكاً من عقول الآخرين فيفهم من هذا أن جهل الطبيعة هو السبب الأول لنشأة الأساطير.
وصفوة القول أني مقدم بين يديك أيها القارئ ما دونته في ظرف خمس سنوات من الخرافات والعوائد والأساطير بعد الجهد الجهيد والتعب العظيم وأني مستعد في كل وقت أن أحاج من ينكر علي صحة وجودها اليوم في العراق مستدلاً بالوقائع واتياً بالبراهين على ذلك ما قصدت بذلك سوى خدمة التاريخ العراقي وحسبي فخراً.
أحمد جامد آل الضراف(5/199)
بدر القرن العشرين
أيها البدر رعتك الأعين ... وقرى عرشك منها الوسن
وعلى تاجك حامت أنفس ... مذ بها طار إليك الشجن
أنفس لم يبق منها نفس ... رب ميت جسمه لا يدفن
وقلوب لك أضحت مسكنا ... فمتى يا بدر فيها تسكن
لك في الأفق جمال مفرد ... دون روح مل منها البدن
إنما الأفق كبحر زخر ... ونجوم الليل فيه سفن
أنت ملك سائر في جنده ... لك في البحر جلال بين
حامل عرشك فيه مركب ... ماخر في لجة مستبطن
أيها المشرق في عليائه ... ليرى ما لا تراه الأعين
اغضض الطرف عن الكيد الذي ... هو في الإنسان داء مزمن
أنت أدرى بالجنايات التي ... تحت أقدام الدياجي تدفن
كن لدى الحق عليها شاهداً ... وطني سامه مستوطن
أيها الطالع بالسعد على ... مدن تبكي عليها مدن
احسن الغرب إلى الشرق فقل ... أي إقليم لحر احسن
أنت سر غامض لا صخرة ... أنت نور ساطع لا معدن
ملك في عالم النجم له ... قدرة منها يخاف الزمن
لم تزل تسعى إلى نيل المنى ... باجتهاد عزمه لا يوهن
أنت حر النفس في عالمه ... أن يرى حراً مضيماً يحزن
لك في حرية الفكر هدى ... خمدت بالعدل منها الفتن
راق منك العيش في حرية ... صافحت باريس فيها لندن
أنت لم يخدعك يا بدر الدجى ... زخرف قد هام فيه الأرعن
لذة كانت بسم مزجت ... أي زهر قد جناه المدفن(5/200)
رب قصر لصديق يزدهي ... وعدو في ذراه مكمن
هذه النبذة ما أخشنها ... بلذيذ العيش لا تستهجن
هي لا تغنيك من جوع كما ... هي لا تغني إذا لا تسمن
ناقل المكروه لا تحفل به ... والذي خان فلا يستأمن
وطني يدّعي إذ طالما ... عافه لما دعاه الوطن
خذ بضبعي أيها البدر إلى ... سطحك الأعلى فجسمي موهن
وابن لي صرحاً من النور عسى ... أن فؤادي فوقه يستوطن
وارض بي خلاً وفياً صادقاً ... حيث لي أنت الأمين الأيمن
فإذا ما غبت ترعى حرمتي ... من أناس شرهم لا يؤمن
كل يوم لهم مستمسك ... عسل طوراً وطوراً لبن
وعليهم هان توزيع الحمى ... حيث أن الموت منه أهون
كيف أرجوهم إلى الجلى وهم ... منهم داء الونى مستمكن
يا حماة العرب أني شاعر ... في بلاد ضاع فيها المحسن
كلما احتل فؤادي كارث ... قلت صبراً أيها الممتحن
أنت في عصر جديد عهده ... علّه ساء وقد يستحسن
فعلى النفس اعتمادي لا على ... راتب فيه يضام الوطن
البناء
راوندوز
هي من مدن كردستان العراقية وكان قد أخربها الجيش الروسي في الحرب العظمى حتى جعل أعلاها سافلها: ثم ازدادت خراباً بتخليه الترك لها. فأصلحت بعد ذلك شيئاً فشيئاً، واخذ الأهالي بتعميرها مضطرين بواقعة الحال أما الصعوبة الوحيدة هناك فهي وعورة الطريق التي يصلها باربيل، فإذا تم طريق شقلاوة في السنة المقبلة - وقد بوشر العمل - يسهل الاتصال بعد ذلك بها وباربل، - وأنحاء راوندوز من احسن المصايف لأبناء العراق فهي تغنيهم عن بذل النفقات إلى الخارج.
وتلفظ راوندوز بفتح الراء بعدها ألف يليها وأو مفتوحة ثم نون ساكنة فدال مضمومة يعقبها وأو ساكنة وفي الآخر زاي.(5/201)
حضوضى
1 - تعريف حضوضي عن السلف
يقول الزمخشري في كتاب الجبال والأمكنة والمياه: حضوضى موضع وقيل جبل في البحر
ويقول ياقوت في معجمه الجغرافي: حضوضى جبل فيالغرب كانت العرب في الجاهلية تنفي إليه خلعاءها. وقال الحازمي: حضوض بغير ألف جزيرة في البحر، ويقول أيضاً الحضوض نهر كان بين الحيرة والقادسية
وفي القاموس للفيروز ابادي: حضوضى وحضوض جبل في البحر كانت العرب تنفي إليه خلعاءها. والحضيض القرار في الأرض. والحضوضى: البعد والنار. والحضوضاة:
الضوضاة
وفي الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني قصة نفي أبي محجن الثقفي إلى جزيرة في البحر. يقال لها: حضوضى بحراسة ابن جهراء وهربه منه على ساحل البحر ثم التحاقه بجيش سعد ابن أبي وقاص في حرب القادسية. وسجنه بأمر الخليفة عمر بن الخطاب (رض) الذي كان نفاه لإدمانه شرب الخمر على رواية، ولمحاولته التطلع إلى امرأة من الأنصار يقال لها شموس كان هويها على رواية أخرى. وقد احتال أبو محجن وهو في حبسه حتى خرج إلى الجيش المحارب يوم ارماث وهو أول يوم من أيام القادسية. وبعد أن أبلى بلاءً حسناً عاد إلى سجنه ووضع القيد في رجله. وقد نقل لنا الأصبهاني هذه الأبيات التي قالها حين تمكن من الهرب من ابن جهراء وهي:
الحمد لله نجاني وخلصني ... من ابن جهراء والبوصي قد حبسا(5/202)
من يجشم البحر والبوصي مركبه ... إلى حضوضى فبئس المركب التمسا
ابلغ لديك أبا حفص مغلغلةً ... عبد الإله إذا ما غار أو جلسا
أني اكر على الأول إذا فزعوا ... يوماً واحبس تحت الراية الفرسا
أغشى الهياج وتغشاني مضاعفةً ... من الحديد إذا ما بعضهم خنسا
2 - تحقيق حضوضى في نظرنا
وفي تخوم البادية بالقرب من الطريق الذاهب من الحجاز إلى العراق بين الأزرق والقريات موضع يعرف إلى اليوم بحضوضي وهو يقع على بعد خمس عشرة ساعة بالسيارة من عمان عاصمة حكومة الشرق العربي ويوصل إليه عن طريق الأزرق في شرقي عمان ثم من الأزرق يسير القاصد إليه بتعريج إلى الشمال فيلقى في وسط سهل أفيح بحيرة صغيره مستديرة أو كالمستديرة يعلو وجهها طبقه بيضاء كالشيد المروب، يظن الذين تمكنوا من الدنو منها أن هذه الطبقة هي مما تكون من ذلك الماء الآسن الذي لا يعرف من أين ينبع فهي من هذا القبيل بطيحة من البطائح اكثر منها بحيرة من البحيرات.
وفي وسط هذه البحيرة بناء قائم إلى الآن أشبه شي بالمباني والقلاع الرومانيه التي تكثر في تخوم البادية مثل قصر زيزاء. وقصر الزرقاء. وهذا البناء مغمور من جميع جوانبه بماء البحيرة التي لا يجرؤ على الدنو منها أحد لاعتقاد البدو بأنها تبتلعهم أو تلحق بهم الأذى ويقدر أحد الذين وصلوا إلى هذه البحيرة أن مساحتها لا تزيد على أربعة آلاف متر مربع، ويقول أن حول شاطئها عظاماً ورفاتاً هي عظام أو رفات بعض الحيوانات مثل الظباء والوعول وما ماثلهما مما يدلنا على أن هذه الحيوانات قد هلكت بسبب شربها من ذلك الماء الآسن في تلك الصحراء القاحلة التي لا كلأ فيها ولا ماء، أو أن ما ينتشر حولها من(5/203)
الروائح الكريهة والجراثيم القاتلة هي التي أودت بهذه الحيوانات فأوردتها موارد الهلكه.
ويؤكدون أنه لا يخيم بالقرب منها أو بجوارها البعيد قبيلة ما لاستيلاء الرعب على الناس من مضارها وهي عندهم مضرب المثل.
يدلك على ذلك ما قاله شاعر هم النمر بن عدوان شيخ قبيلة العدوان المعروفة يصف بها حالة نفسه عند وفاة قرينته قبل ثلاثة أرباع القرن:
طير إلينا بمخلبه كين شغر بي ... وبين الثريا والكواكب رقابي
وبمثل سلك العنكبوت أنحدر بي ... وبقاعة حضوضى يا وديدي هوى بي
وأنت ترى أن هذا الشعر البدوي غاية في الرقة والانسجام، لا تنقص قيمته الشعرية عما أتى به أمير الشعراء شوقي بك في قصيدته أنس الوجود إذ يقول:
فتراها ما بين صخر وبحر ... ملكةً في السجون فوق حضوضى
3 - توافق الخواطر في ضرر الحضوضين
بقي علينا أن ننظر هل هذه هي حضوضى التي عناها العرب وكانت منفى خلعائهم؟ أن نفرة الناس من حضوضى اليوم كنفرتهم منها بالأمس وتخوفهم منها اكثر من تخوف أبي محجن الثقفي فهذه الحقيقة تمهد لنا سبيل الظن بأنها هي المعنية وقد مر بنا أن أبا محجن هرب منها إلى القادسية في العراق وهي على ما علمت في الجادة السابلة إليه من الحجاز وقد تكون إذ ذاك ذات بوصي يمخر في مائها ويصل إلى البناء القائم في وسطها.
ولاستغربن أبدا تسمية العرب لمثل هذه البحيرة الصغيرة بالبحر وللبناء القائم في وسطها بالجزيرة فمثل هذا الماء في وسط جزيرة العرب يستحق أن يدعى بحراً وكل ما قام في وسطه من اليابسة حري بأن يسمى جزيرة، فأننا نراهم يسمون الأنهار بحاراً ويستوحشون من رؤية البحار وركوبها بله يحاذرون الدنو من الأنهار الكبيرة كما كان يفعل الخليفة عمر بن الخطاب وقصته مع عامليه عمرو بن العاص في مصر وسعد بن أبي وقاص في المدائن لما كتب أليهما (أن لا تجعلوا بيني وبين المسلمين ماء) قصة مشهورة.(5/204)
وسنبقى على الاعتقاد بأن حضوضى هذه هي التي عناها العرب إلى أن يقوم من الأدلة والبراهين ما يثبت وجود غيرها والله اعلم.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
رأينا في حضوضى
كنا في سابق العهد درسنا هذه المسألة وعالجناها وبحثنا عن موادها فكانت النتيجة ما يأتي بعض تحقيقه.
قول الزمخشري: موضع وقيل جبل في البحر كلام جلي واضح لا يحتاج إلى شرح وتأويل.
وأما قول ياقوت: (جبل في الغرب كانت العرب في الجاهلية تنفي إليه خلعائها) ففيه بعض الأشكال، لكن إذا عرفت أن المراد بالغرب هنا الشام ولا سيما ما كان منها في الجنوب الغربي زال عنك كل أشكال. أما أن الغرب هو الشام فقد نص عليه في النهاية. قال في مادة غرب: لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق. قيل: أراد بهم أهل الشام لأنهم غرب
الحجاز اهـ. قلنا: ليست الشام في غرب الحجاز بل في شمال غربيها لكنهم يتجوزون في مثل هذا التعبير ومثله كثير عندهم. ولعل الصواب لأن الشام في غرب مساكن العرب لا في غرب الحجاز وعلى كل حال: كان العرب يسمون الشام غرباً وأن اختلفت أسباب هذه التسمية
إذن معنى كلام ياقوت جبل في الغرب: جبل في الشام والشام تطلق عند العرب على سورية وفلسطين معاً، فتكون حضوضى في أرض الشام.
وقوله: كانت العرب تنفي إليه خلعاءها. فهذا يعني أنه غير بعيد عن بلادهم بل داخل في أرضهم، وكيف يجوز لهم أن ينفوا رجلاً إلى بلاد ليست في حكمهم؟
على أن الذي في معيار اللغة: تنفي إليه خلفائها (بالفاء) وهو خطأ ظاهر إذا لم يكن خلفاء في الجاهلية كما أننا لم نسمع بخليفة نفي إليه بعد الإسلام فالتصحيف ظاهر لا شبه فيه.
وأما قول ياقوت نقلاً عن الحازمي: حضوض بغير ألف جزيرة في البحر فليس فيه ما يضاد قولهم جبل في البحر، إذ ما من جزيرة في البحر إلا هي(5/205)
جبل أو سلسلة جبال إذا كانت الجزيرة كبيرة أو سلسلة جزر.
وأما قول الفيروز آبادي: حضوضى وحضوض: جبل في البحر. . . والحضوضى البعد والنار. ففيه ما يهدينا إلى معرفة حقيقة حضوضى.
لا جرم أن حضوضى لغة في حضوض وزيادة الألف في الآخر معروفة أشهر من أن تذكر. وقوله: البعد والنار. يذكرنا بما يقابله عند اليونانيون بالحضس أو الحضو ولا سيما لأنه ورد في إحدى نسخ القاموس الموجودة عندنا إذ تنص على ما يأتي (البعد في باطن الأرض والنار)
وهو عند اليونانيون ويريدون به بلوطن الإله الروماني وهو اله ما تحت الأرض وباطنها أو بعبارة أخرى اله وادي الجحيم أو اله مقر الموتى. وكان يكرم في عدة مدن مثل تريزينس وتريفيلية وأوبنتس وفي عدة بلدان من فلسطين وتخوم البادية التي بين العراق والحجاز. وبالأخص في المواطن الغمقة التي تتصاعد منها الروائح الخبيثة. فكان ينفى إليها كبار الأئمة والخونة وأعداء المدن أو أعداء الوطن وكأن يحتفل بعيده في 12 من قلنداس تموز أي في ما يوافق العشرين من حزيران الغربي الحالي.
وقد توسع اليونانيون في معنى كلمة حضوض حتى أطلقوها على كل موطن يكون مهلكة لمن يذهب إليه. وهذا كله يقوي رأي حضرة صديقنا الطالب عبد الله مخلص ولا سيما إذا عرفنا أن مادة (ح ض ض) تقارب مادة (ح ض و) أو (ح ض أ) من جهة، ومادة (خ ض ض) من جهة أخرى، فإذا اعتمدنا على ما ورد في معنى هذه المواد عرفنا أن الموطن المسمى بحضوض أو حضوضى هو مكان يوصل إليه (خوضاً في مائه) الضحضاح، وهواؤه حار كأنه (يحضو حضوا) تتصاعد منه الأبخرة المتعفنة فينشأ عنها ما يسمى (بالنار التائهة) عند بعض المحدثين وهو (الأرقان) عند الأقدمين من أجدادنا
فلقد صدق إذن الكاتب لأن الحضوض هو اسم الإله الذي قد وكل بالنار وبكل مكان يكون مهلكة الرجل. وحضوضى التي بين الأزرق والقريات هي المطلوبة. فلله در محققنا:
ومما يزيدنا تمسكاً برأي صاحبنا العزيز، واعتقاداً بصحة ما ذهب إليه،(5/206)
أن عندنا نسخه قديمة من قاموس المجد الفيروز آبادي خطت في سنة 941 هـ وقد فتحنا فيها مادة ح ض ض لنرى ما جاء فيها من الاختلاف عن سائر النسخ المطبوعة أو المخطوطة فرأيناه يقول (حضوضي: جبل في البحر أو جزيرة في السند. وعلم للنار) اهـ.
قلنا: السند هنا وزان سبب وهو في لسان أهل بادية الشام المعاصرين كل ما حاذى ضفة الفرات اليمنى ممعناً في جزيرة العرب ومتصلاً بسوريا وفلسطين.
فإذا كان هذا هو المعنى المراد هنا من (السند) الواردة في النسخة من القاموس، كان تأويل (مخلصنا) من احسن ما جاء موافقاً لهذا التعبير، ونحن لم نجد أحدا من ذهب إلى هذا الرأي الناطق بالحق، من الأقدمين ولا من المعاصرين، ولابد من أن بتأثره كل من يحاول أن يكتب في هذا الموضوع ويتوخى صدق الرواية ودقة التحقيق.
ومن غريب الاتفاق أن ملوك العراق في عهد لجاهلية - وكانوا يومئذ فرسا - إذا أرادوا نفي واحد من العراق نفوه إلى مدينة في البطائح غمقة سيئة الهواء كثيرة الرطوبة شديدة الحميات كأنها نسخة ثانية من حضوضى وكأن اسمها (الهفة) والطبري يذكرها باسم طرنايا. أما النبط فكانوا يسمونها (هفاطرنايا) ودونك ما قيل عنها:
الهفة أو طرنايا
قال ياقوت في معجمه: (الهفة (وزان شدة) مدينة قديمة كانت في طرف السواد، بناها
سابور ذو الأكتاف، واسكنها أياداً لما قتل من قتل منهم في مدينة شالها لما عصوا عليه. ونقل من بقي منهم إلى هذه المدينة وجعلها محبساً لهم ونهى الرعية عن مخالطتهم، وأمر أن لا تدخل العرب داخل الحصن. فمن دخل بغير إذنه قتل، وكان كل من سخطت عليه ملوك فارس نفته إلى (الهفة) ووسمها بالنفي واللعن. وكان النبط يسمونها (هفا طرنايا) وأثار سورها بينة لم تندرس) اهـ كلام ياقوت
قلنا: ويؤخذ من كلام الطبري في تأريخه أنها كانت في أرض جرجرايا في رقعة البطائح وأغلب بلدان البطائح - حتى عهدنا هذا - من أسوأ البلاد مقاماً(5/207)
وهواء. ومعنى (هفا) بالنبطية - والنبطية هي اللغة الصابئية التي هي فرع من اللغة الارمية وأصحابها يفرون من حروف الحلق إذ ليس في لسانهم حاء ولا عين بل هاء وهمزة - المحتجبة (عن الأنظار لكثرة ما فيها من الشجر والدغل) ومعنى طرنايا الرطبة فيكون محصل مجموعها: المدينة المحتجبة بالدغل الرطبة الهواء. قلنا وما كان كذلك من البلاد والمدن لا يكون إلا مهلكة لسكانها.
ومن غريب الأمر أن بعض البغداديين في عصرنا هذا إذا أرادوا أن يدعوا على أحد من باب المدح أو القدح قالوا. (يا مال الهفا) أي من أنت جدير لأن تكون من أهل الهفة.
أما موقع الهفة اليوم فلا نعرفه فلعل أحد أدباء البطائح يفيدنا عنه بشيء.
وإذ قد وقع الحديث عن منفيين للعرب في عهد الجاهلية فلا بأس من ذكر منفاهم في أيام احتلال الإنكليز للعراق فأنهم كانوا ينفون الوطني الحر المدافع عن دياره إلى هنكام.
(هنكام)
والمعاصرون يقولون أيضاً هنجام هي حقيقة باب جهنم على ما وصوفها من نفي إليها. وقد قال ياقوت عنها: هنكام بالفتح اسم لجزيرة في بحر فارس قريبة من كيش ولم يزد على هذا القدر.
مع أنها حارة صيف شتاء شديدة الحرارة رطبتها. كثيرة الدويبات والهوام ولا سيما السامة منها، قليلة الخيرات وافرة النقمات واللعنات إلى آخر ما تريد أن تصفها بمثل هذا المعنى: فالمنفي إليها العائد منها مولود ثانية في العالم، والعائش فيها يهون عليه بعد هذا أن يعيش في نار جهنم، وكفى لها وصفاً.
(أيقال زحف الجيش على العدو)
لا تطالع سطوراً تذكر الزحف إلا تسمع صاحبها يقول: وزحف الجيش (على) العدو. ولا تكاد ترى كاتباً فصيحاً سورياً أو مصرياً أو عراقياً يخرج عن دائرة هذا الخطأ، مع أن الصواب هو زحف (إلى) العدو ونص اللغويين صريح: قال في اللسان: الزحف: الجماعة يزحفون (إلى) العدو بمرة أما زحف الولد فيكون (على) اليدين أو الرجلين قال الأزهري: أصل الزحف للصبي هو أن يزحف (على) أسته اهـ. وبهذا القدر كفاية.(5/208)
أهم خزائن كتب إيران
من قديمة وحديثة
نهض في أواخر المائة التاسعة عشرة كتبة شرقيون وغربيون ووصفوا بعض خزائن الكتب الشرقية. وذكروا بعض ما تحوي من الدفائن أن في ديار االغرب وأن في ديار العرب. وقد وضع أبناء الإفرنج فهارس مبوبة لما حوت بلادهم من نفائس المخطوطات ولا سيما ما كان منها في روما وباريس ولندن ولننغراد والاسكوريال وليدن وفينة وغيرها من الحواضر، أما أبناء العرب الأغنياء بمثل تلك الاعلاق فأنهم لم يفهرسوا منها إلا بعض الشيء فبقيت مؤلفات السلف في غيابات النسيان.
أما خزائن فارس أو إيران فلم يتعرض لها أحج من الغربيين أو الشرقيين اللهم إلا ما كتبه حضرة صديقنا الشيخ أبي عبد الله الزنجاني ونشرناه في هذه المجلة (5: 33 وما يليها) والآن قد بعث إلينا حضرة الشيخ عبد العزيز صاحب الجواهر النجفي بمقالة تذكر ما لم يرد في مقالة الشيخ أبي عبد الله الزنجاني فجاءت المقالتان تتكاملان واليك مقالة الجواهري:
(لغة العرب)
تمهيد
كانت في إيران مكتبات مهمة حوت نفائس الكتب الثمينة وقد تبعثرت في زوايا الخمول بواسطة التغييرات الكونية والانقلابات السياسية ولم يعرفنا التاريخ اليوم سوى أسمائها، منها خزانة الوزير الصاحب بن عباد في أصبهان، قال من كلام له في وصف كتاب الأغاني:
(وقد اشتملت خزانتي على مائة ألف وسبعة عشر ألف مجلد ما فيها سميري غيري) آه
ومنها الخزانة التي أوقفها أبو نصر سابور بن اردشير بن بهاء الدولة واحترقت (ذكرها ياقوت في صفحة 343 من الجزء 2 من معجم البلدان)(5/209)
ومنها الخزانة التي كانت في همذان في عصر ابن سينا الفيلسوف وقد حوت اعلاق الكتب
في غرر العلوم غير أنها احترقت ونسب إحراقها إلى ابن سينا نفسه كي لا يقف على علومها غيره.
ومنها الخزانة الفريدة في هراة وقد تعرض لوصفها ياقوت وذكر أنه اقتبس منها غالب فوائد كتابه معجم البلدان.
(في عصر الصفوية)
أنشئت عدة خزائن في مراكز علوم الشيعة الإمامية في إيران: كقم، وخراسان، ونيسابور، وقزوين، وأصبهان، وشيراز. وكانت قد اشتملت على نوادر الكتب في أنواع العلوم ومن مهماتها:
خزانة السيد محمد باقر المجلسي
كما هو ظاهر من مصادر كتابة بحار الأنوار المذكورة في مقدمته وكان السلطان شاه حسين الصفوي عضده في تحصيل نوادرها بالمال والجاه. قال السيد محمد ابن نور الدين الجزائري في كتاب إجازاته: (لما تأهب المجلسي لتأليف بحار الأنوار وكأن يفحص عن الكتب القديمة ويسعى في تحصيلها، بلغه أن كتاب مدينة العلم للصدوق المعروف بابن بأبويه القمي يوجد في بعض بلاد اليمن فأنهى ذلك إلى سلطان العصر (أراد به الشاه حسين الصفوي) فوجه السلطان أميرا من أركان الدولة سفيرا إلى ملك اليمن بهدايا وتحف كثيرة طالباً منه كتاب (مدينة العلم) المذكور) آه
وقد تلفت كتب هذه الخزانة وبقيت متفرقات منها في خزانة السيد محمد باقر الخونساري
مؤلف كتاب (روضات الجنات) المتوفى في أوائل القرن الرابع عشر ومنها:
خزانة الرضا ثامن الأئمة الأثني عشر من آل محمد (ع)
عند الشيعة في خراسان وهي موقوفة على عامة القراء منذ عهد الملوك الصفوية حوت آثاراً باقية أكثرها للإمامة وأول من أمر بجمعها الشاه عباس الكبير بمساعدة الشيخ بهاء الدين العاملي المعروف وأضاف إليها نادر شاه افشار عدداً وافراً وقد تشتت قسم منها على يد الازبك والافاغنة عند استيلائهم على خراسان(5/210)
والباقي اليوم مجموع في قماطر في غرفة شرقي القبة الرضوية تفتح في كل أسبوع يومين ولها موظفون وخدم تجري عليهم الأرزاق
من مصادر وقفية معينة لها وكانت غير مفهرسة أكلت الأرضة والعث جملة من محاسنها وأخر فهرس وضع لها سنة 1312 وكان إحصاء مجلداتها فيه كما ياتي:
113من تفاسير الشيعة 3. من الرجال والأنساب
131من تفاسير أهل السنة 47 من الأخلاق
168 من أخبار الشيعة49 من المعاني والبيان
60 من أخبار الشيعة بضميمة المقاتل 88 من المنطق
والمرائي
3. من أخبار أهل السنة97 من الطب
345 من فقه الشيعة1. 6 من التاريخ
67 من فقه العامة2. 3 من الأدب
118 من أصول الفقه37 من القراءة
291 من الحكمة الإلهية وأصول232 من النحو والصرف
الدين
68 من اللغة
80 من الرياضيات213 من الأدعية
عدا الخطوط والمرقعات القديمة (المصورات).
وفيها محل خاص بالنسخ المخطوطة النادرة من القرآن المجيد والأدعية المأثورة بالقلم الكوفي والقرآني وبينها عدد يسير تنسب خطوطها إلى أقلام بعض الأئمة الاثني عشر من آل محمد بتصديق في أواخرها من أكابر العلماء على ذلك وقد رأينا بين هاتيك الصحف المكرمة مصحفاً مخروم الأول والآخر بالقلم الكوفي القديم ذكر في آخره أن كاتبه الإمام على بن أبي طالب وصدق ذلك العلامة بهاء الدين العاملي بخطه وتوقيعه في ظهر صفحاته وخط المصحف وورقه يشعران(5/211)
بذلك أيضاً ومصحفاً آخر بديع الورق والتصاوير عجيب الصنعة جليل الخط مرسومة في خلال سطوره وحواشيه تفاسير ثلاثة. وجميع ورقه من الرق من القطع الكبير أوقفه على هذه الخزانة أمير محمد نصير خان والي ممالك حيدر آباد في 20 رمضان سنة 1258 وكان الفراغ من تحريره وتذهيبه سنة 1245 بقلم
محمد علي البروجردي.
(من محاسن نسخها المخطوطة النادرة) التي رأيناها فيها: كتاب لباب الأنساب في بيان تحقيق الألقاب والإعقاب من أحفاد أولاد الأئمة من ذرية رسول الله (ص) وبيان قبائلهم وأسماء نقباء البلاد من الربع المسكون من مؤلفات السيد النسابة أبي جعفر محمد بن هارون الموسوي النيشابوري وضعه باسم أبي الحسن علي ابن محمد بن يحيى العلوي وكان ابتداء تأليفه سنة 558 رأيت منه المجلد الأول وهو ينطوي على ديباجة في شرف آل محمد ومقدمة في ذكر المؤلفين في علم الأنساب وتحديده وشرفه وعدة فصول أولها في بيان الأنساب والألقاب بترتيب حروف التهجي.
فأول من ذكر الاشج. قال: الاشج لقب هودة محمد بن احمد بن الحسن بن إبراهيم له عقب. وثانيها في ذكر السادة الذين خرجوا وتبعهم الناس وادعوا الأمامية قال وهم أئمة الزيدية. وثالثها في تفضيل بني هاشم على سائر قريش.
ثم ذكر طبقات أولاد الأئمة وأعقابهم وجدولاً بديعاً في مقاتل الطالبين وقاتليهم وتاريخ أعمارهم ومواضع قبورهم، وعقبه بذكر نسب السيد أبي الحسن علي بن محمد بن يحيى الذي وضع الكتاب باسمه.
وذكر في الفصل الحادي عشر أولاد الإمام علي بن أبي طالب وباقي أولاد الأئمة وأنساب أمراء مكة والمدينة ونقباء البلاد وأسماء النسابين من آل رسول الله (ص).
وفصل منه في مدائن مائة نفر من الافاطسة من أولاد علي بن علي الافطس.
وفصل في أنساب السادة المذكورين في تاريخ نيسابور.(5/212)
وفصل في آداب النقابة وشرائطها وعلومها.
وفي آخر باب في ذكر من حلق من النقباء رؤوسهم من نواحي غزنة وخوارزم ونيشابور وأبان أن الغرض من ذلك معرفة هؤلاء حتى لا ينسب إليهم أحد.
والنسخة بقطع الربع فيها زهاء ستة عشر ألف بيت بخط قديم، وذكر في ختامها أنه فرغ من تأليف المجلد الأول من هذا الكتاب في رمضان سنة 558 وذكر في مطاوي هذا المجلد أن له مؤلفات آخر منها كتاب وشاح دمية القصر للباخرزي وكتاب أزاهر الرياض الربعية.
(نوادر كتبها في التفسير) كتاب (تأويل القرآن) في مجلد ضخم لبهاء الدين العاملي المعروف تاريخ تحريره سنة 1014 و (كتاب تفسير) المولى محمود المعروف بسر برهنة صدر الدين بن أسد الله الطباطبائي وهو تفسير جليل رأيت منه مجلداً من أول الفاتحة إلى قوله وزادهم الله مرضاً (الآية). وكتاب (جلاء الأذهان) للشيخ أبي المحاسن الحسن بن الحسين الجرجاني رأيت منه المجلد الأول من أول القرآن إلى آخر سورة موسى وفيها المجلد الثاني أيضا. وكتاب (حقائق التأويل) المعروف بتفسير السيد الرضي الشاعر الكبير أخي السيد المرتضى. و (تفسير السيد علي بن الحسن الزواري) المعروف بترجمة الخواص. و (تفسير سورة هل أتى) للمولى قطبشاه. وكتاب (معاني الأخبار) بخط محمد بن الحسن الحر العاملي مؤلف كتاب الوسائل وأمل الأمل وغيرهما. وكتاب (حقائق الحقائق) وكتاب (بهجة الحدائق) وهما شرحان لعلي بن كلستانة على كتاب نهج البلاغة.
(نوادر كتبها في المحكمة وأصول الدين) كتاب (أنوار الملكوت في شرح كتاب الياقوت) للعلامة الحسن بن مظاهر الحلي من مظاهر العلم في القرن السابع للهجرة. وكتاب (شرح الباب الحادي عشر لمحمد بن احمد المعروف بخواجكي. (في معرفة الروح) وكتاب (العروة الوثقى) لعلاء الدولة السمناني. و (رسالة عين الحكمة) للسيد مير قوام الدين (ورسالة في النفس والهيولي) لميرغاث الدين وكتاب (نور العين في شرح حكمة العين) لمحمد بن احمد الحميري. وكتاب (شرح نهج المسترشدين) للعلامة خضر بن محمد بن علي الرازي صاحب كتاب التوضيح(5/213)
الأنور في رد شبهات الأعور.
(نوادر كتبها في الرياضيات) كتاب (شرح تذكرة البيرجندي) وكتاب (الزيج الايلخاني) وكتاب (كشف الحقائق) الذي هو شرح على الزيج الايلخاني و (الرسالة المجسطية) لغياث الدين جمشيد وكتاب (جوامع الحساب) للخواجة نصير الدين الطوسي وكتاب (شرح تذكرة النظام) النيشابوري وكتاب (زيج الغ بيك) وكتاب (خلاصة الحساب) للخواجة قطب الدين وكتاب (تكملة المجسطي) لمؤلفه مير غياث الدين منصور وكتاب (شرح أعمال الهندسة) وعلى ظهره خط البهائي ومحل خاتمه وكتاب (أبنية إسكندرية وجام جم) لحسين الكاشفي الصوفي المعروف في القرن العاشر.
ونوادرها في كتب الفقه والحديث والأصوليين على مذهب الشيعة اكثر من غيرها.
خزانة الشيخ صفي الدين جد الملوك الصفوية في اردبيل
وكان الشاه عباس الكبير الصفوي قد عني بجمعها وتنظيمها وبقيت مورد استفادة القراء إلى سنة 1828 مسيحية وفيها احتلت جنود الدولة الروسية اردبيل وكان معهم المستشرق سنكوسكي فاطلع على المكتبة المذكورة ووقف على نفائسها فنقلها إلى خزنة بطرسبرج (هي لننغراد اليوم) وهي اليوم موجودة في الخزانة العمومية. وقد صرح بما ذكرناه أيضاً كتاب تاريخ الروابط العلمية بين روسية والشرق وأوربة المؤلف باللغة الروسية المطبوع في لننغراد.
وتوجد اليوم في مخازن مقبرة الشيخ صفي الدين في اردبيل متفرقات من هذه الكتب توازي أربعين أو خمسين مجلد في علوم مختلفة ومن نوادرها ترجمة تفسير محمد بن جرير الطبري إلى الفارسية في ستة مجلدات تاريخ تحرير بعضها أوائل القرن السابع للهجرة ونقل لنا بعض زملائنا أنه رأى هذه المجلدات من ترجمة تفسير الطبري عند السيد الخلخالي في طهران وكان قد حصل عليها من تلك الخزانة ولم تسنح لنا الفرصة للوقوف عليها.
خزانة السادات الجزائرية
وقد كان في خوزستان وتفرقة بعد وفاة مشاهيرهم في أواخر القرن الثاني عشر للهجرة.(5/214)
انحطاط العلم بعد الدولة الصفوية
وبعد انقراض الدولة الصفوية وظهور الدولة الافشارية فالزندية لم تنشأ خزانة مهمة في إيران لانحطاط درجة العلم والعلماء في ذينك العصرين ولا سيما في عصر نادر شاه فأن سياسته اقتضت سلب السطوة والأبهة التي كانت لعلماء الشيعة في عصر الصفوية في عامة البلاد الفارسية وانتزاع جميع مصادر البر والوجوه الحسبية من أيديهم ومنع تلقيب زعمائهم بصدر الصدور أو شيخ الإسلام وغير ذلك، واستمر ذلك التقهقر إلى ظهور الدولة القاجارية فحصلت نهضة علمية جديدة في بعض بلاد إيران ولا سيما في عصر السلطان فتح علي شاه قاجار فأنه كان ديناً يقدس المذهب الجعفري ويقرب علماءه.
ومن أعاظم الخزائن التي أنشئت في إيران أوائل عصر الدولة القاجارية ودامت إلى
عصرنا هذا. ما سنتكلم عنها في جزء آت.
عبد العزيز الجواهري
العمادية
العمادية بكسر العين. والأهالي يقولون عمادية بدون آل وبفتح العين، والفلاحون يقولون عميدية بإمالة الألف إلى الياء؛ على أن المشهور عند الأدباء هو العمادية كما قلنا وكما ذكرها ياقوت في معجمه.
من مدن العراق الكردية على بعد 18 ساعة من شمالي الموصل وهي قائمة على هضبة ويشرف عليها قلعة جالسة على صخرة لا ترام ويشرب أهاليها من صهاريج محفورة في الصخر.
ومن غريب هذه البلدة أنها مرتفعة إلا أن هواءها سيئ حتى أنه يضرب المثل بجوها الوخم الحار في الصيف وأهاليها كثيراً ما يغادرونها ليوغلوا صعداً في أعالي الجبال على بعد ساعتين أو ساعتين ونصف منها.
ووادي العمادية يتصل بوادي راوندوز لموقع أرضه في منقسم المياه بين سقي الخابور وسقي الزاب الأكبر، ولقد بقيت العمادية بلدة سوقاً يتردد إليها أكراد الجبال ليبيعوا غلاتهم إلى أبناء العراق أو الجزيرة أو ليبادلوهم بضائعهم.(5/215)
ابن الجوزي
مؤلف كتاب مناقب بغداد
ذكر المؤلف في كتاب الحوادث الجامعة، والتجارب النافعة، في المائة السابعة.
لابن الفوطي
-
ارتاب بعض الارتياب الكاتب البارع محمد بهجة الأثري في صحة إسناده كتاب مناقب بغداد إلى أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد البكري الحنبلي الملقب جمال الدين الشهير بابن الجوزي المتوفى في سنة 597هـ (1200م) وذلك في المقدمة التي صدر بها الكاتب الذي طبعه في بغداد في سنة 1342هـ (1923م) وجاء بعده الفاضل البحاثة يوسف غنيمة في هذه المجلة (274: 4) فكشف اللثام عن هذا الغزو المرتاب فيه فأبان لنا بدليل واضح استخرجه من الكتاب نفسه بأن مؤلفه كان حياً يرزق في سنة (1256م) ثم نسب غنيمة تأليف الكتاب إلى (الشيخ أبي محمد يوسف بن أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المقتول في فتنة التتار في بغداد سنة 656هـ (1256م) وهو أيضاً مؤلف كتاب (الإيضاح لقوانين الاصطلاح). فكأنه أراد أن يقول أن المؤلف هو ابن لأبن الجوزي المتوفى في سنة 597هـ.
عرفنا من مقدمة الأثرى أن ما أدى به إلى ذهابه إلى هذا الرأي هو اتفاق اسم المصنف وكنيته ولقبه الواردة في صدر المخطوط مع اسم وكنية ولقب المتوفى في 597 هجرية وأن ما حمل غنيمة على رأيه هو وقوفه على أن (الشيخ أبا محمد يوسف بن أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي) كان في قيد الحياة في سنة 654 هجرية لكن غنيمة لم يصب كبد الحقيقة. وقد نشأ ذلك من عدم اطلاعه على الكتب التي تحتاج إليها هذه المواضيع لندرتها وقد أتاح لي الحظ الوقوف على المؤلف على ما يظهر لي.
لو كان مرجعي لتعريف مؤلفنا إلى كتاب مطبوع أو مخطوط مبذول(5/216)
لا لمعت إليه إذ الإشارة إليه تكفينا مؤونة الإطالة إلا أن هذا الكتاب لا يزال مخطوط لا تعرف له نسخه
ثانية على ما علمته من فهارس المخطوطات التي بيدي ومن غير ذلك. ولهذا لابد من التوسع في الموضوع لأنه لا يخلو من فائدة أخرى أخالها جزيلة فيكون هذا التبسط نموذجاً جديداً من الكتاب إضافة إلى ما نقل عنه كما سيجيء وهو يتكلم عن أربعة رجال من بيت ابن الجوزي وهم: محيي الدين أبو محمد وأبنائه جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن وشرف الدين عبد الله وتاج الدين عبد الكريم.
أن الكتاب الذي يرشدنا إلى معرفة المؤلف هو نسخة من مخطوط في التاريخ والتراجم وهو اليوم في الخزانة التيمورية في مصر استنسخها العلم الجواد احمد تيمور باشا فأهداها الأب صاحب هذه المجلة.
ويبتدئ الكتاب الذي نحن بصدده بقسم من سنة 626هـ (1228م) وينتهي في سنة 700هـ (1300م) فهو عزيز جداً لندره ما وصلنا من ذلك العصر الذي أنصرف القلم عن التحبير والكتابة في أكثره ولضياع ما كانت الأقلام قد أبرزته.
وفي كتابنا هذا في عدة مواضع ذكر لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي المقتول في سنة 656هـ ويتفق اسمه ولقبه وكنيته كل الاتفاق واسم ابن الجوزي المتوفى سنة 597هـ وكنيته ولقبه، فيجدر بي - ألم يتحتم علي - أن ارتأى أن جمال الدين أبا الفرج عبد الرحمن الذي ذكره كتاب التاريخ هو مؤلف المناقب ولو أنه اغفل ذكر مؤلفاته. ومن ثمة ما جاء في صدد الأصل من كتاب المناقب عن اسم المؤلف ولقبه وكنيته صحيح لا غلط فيه، والذي عرفه غنيمة هو والد المؤلف. ويبين من كشف الظنون (مادة كتاب الإيضاح) القائل أن مؤلفه هو ابن أبي الفرج عبد الرحمن أنه يريد به أبا الفرج المتوفى سنة 597هـ. هذا ألم يكن غيره كما أوهم الاتفاق الأثرى على ما رأينا. وعلى هذا الاعتبار يضحي الحفيد مسمى باسم جده مع اتخاذ لقبه وكنيته.
ذكرت الكتاب الغفل وهو يتكلم عن أربعة رجال من بيت ابن الجوزي(5/217)
ويحسن بي أن أنقل وصفه عمن وصفه مع الإشارة إلى الذين نقلوا عنه للتعريف به:
كنت قرأت في المشرق (5 (1902): 164 - 167) مقالة للقانوني جرجس صفا عنوانها (كتبي المخطوطة) تطرق فيها إلى ذكر المستنصرية ووصف ساعتها العجيبة بخصوص بحث عن مؤلف لابن الساعاتي إلا أنه سكت عن مآخذه فأبقى في النفس شوقاً يشعر به
المولعون بمثل هذه الآثار العزيزة.
ثم مرت بضع سنوات فنقل الأستاذ الأب شيخو (المشرق 10 (1907): 80) عن (كتاب قديم) مخطوط غفل عن اسم مؤلفه تكامل بناء الإيوان الذي أنشئ مقابل المدرسة المستنصرية في سنة 633هـ (1235م) وقال أنه يظنه (كتاب مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي المتوفى في سنة 656هـ (1257م) وكان ابن ابنة أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (المتوفى في سنة 597هـ) وأنه يدعى ابن كيزوغلي) (قز أوغلي - سبط) وفات الأب أن صفى كان قد سبقه إلى هذا النقل.
ساد السكوت أعواما عن هذا الكتاب ثم شفع صفا مقالته بمقالة أخرى سماها (تعريف بعض مخطوطات مكتبتي) فوصف فيها كتاباً في التاريخ (المشرق 16 (1913): 442 وهذا نص ما كتبه عنه أورده بعينه لإيقاف من يصعب عليه الرجوع إلى المشرق على ثمن هذا الكتاب الفريد.
(تاريخ خط) جميل قديم، قطع كامل نحو مائة ورقة مخروم مناوله ومؤلفة مجهول وقد قابلت هذا الكتاب على عدة كتب تاريخية فلم أجد أنه(5/218)
واحد منها، وظاهر منه أنه بخط مؤلفه بدليل الضرب على بعض اسطر منه وكتابة بدلها بالخط نفسه وإلصاق بعض أوراق على ما كان وترك بعض الصفحات أو فسحة بياضاً مما يؤكد أن الكتاب مسودة المؤلف نفسه.
(كانت هذه النسخة للملك الظاهر بيبرس بن أبيك فأنه كتب عليها ما يأتي:
(طالع فيه العبد الفقير بيبرس بن أيبك الصالحي) وقبل هذه الكتابة وبعدها الفاض تعسر قراءتها بسبب قدمها وإصابة الورقة شيء من العفن.
(أما لغة الكتاب فحسنة متينة وأسلوب التعبير فيه رشيق. وهو يبتدئ من قبل سنة 628 هـ وينتهي في سنة 698هـ (1231 - 1299) ومما جاء فيه: خلافة المستعصم بالله. . .) اهـ وقد أوردها فاستوعبت نحو صحيفة بحروف دقيقة وأورد جزع العوام من امرأة من الجن تكنى أم عنقود وإنكار العقلاء والأكابر ذلك. ثم قال واصفاً لنا ما جاء في آخر كتابه:
(وفي آخر الكتاب نبذه قال المؤلف أنه نقلها من كتاب مناقب بغداد والذي ألفه الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن الجوزي. وهي 14 ورقه يذكر فيها بناء بغداد و. . .) اهـ
قلت لا حاجة إلى تكرار محتوياتها وقد طبع الكتاب.
ولما عاد الشرق إلى الصدور بعد احتجابه بست سنوات نشر الأب شيخو إحدى عشرة صحيفة (18 (1920): 596) بعنوان (شذرات تاريخية من صحائف منسية) قال أنه نقلها من تاريخ قديم كان قد وصفه صفا بين مخطوطاته(5/219)
وروي أن الكتاب في يد المفضال احمد تيمور باشا.
وفي افتتاح سنة 1922 اخبرني الأب أنستاس أن سعادة الباشا أهداه - كما ذكرت - نسخه من مخطوط في التاريخ تحفظه خزانته العامرة وأوقفني عليها فتصفحتها قليلا فقلت: ضالة أنشدها. ثم قابلت بينها وبين ما نشره المشرق فإذا الكتاب هو. وبعد ذلك استأذنت الأب بنسخه فإذن لي ففعلت شاكراً.
وجاء في خاتمة النسخة المهداة ما يلي لناسخها:
(هذا آخر الكتاب، ثم في الصحيفة التالية كتاب مناقب بغداد والذي آلفه جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن الجوزي. وهو يدخل في ثلاثين صفحه وفيه: (هنا تعداد محتوياته اضرب عنها صفحاً وقد عرفناها من المطبوع). كتابته كلها غير منقطة وقراءتها صعبة جداً) آه
ويفهم مما كتب عن كتاب المناقب - المؤيد بصورته الفوتوغرافية التي سيأتي ذكرها - أن هذه الصحائف ليست بخط كاتب الكتاب الغفل خلافاً لكلام صفا الذي تراءى له أن خط الكتاب والصحائف لواحد إذ قال: (قال المؤلف أنه نقلها (نقل النبذة) من كتاب مناقب بغداد. . .) وإذ ليس بيدنا صورة فوتوغرافية من الكتاب الغفل فلا يمكننا أن نقارن بينه وبين النبذة لتبرز الحقيقة بجلاء ووضوح ويمكن للمعترض أن يرد استشهادنا بقول الناسخ الذي استكتبه تيمور باشا أنه لم ينقل النبذة تكاسلا فرماها برداءة الخط لكن الأثري يشكو أيضاً من رداءته وغموضه في مقدمة المطبوع وهو قول أشاركه فيه إذ قد رأيت الصورة، فالأرجح أن الغفل بخط والنبذة بخط آخر.
ويجدر بي أن اذكر أن الصورة الفوتوغرافية التي نوهت بها هي إحدى الصورتين اللتين أرسل بهما الباشا إلى الأب انستاس وعلى إحداهما نشر الأثري الكتاب وهو عمل يستحق عليه الشكر والثناء.
انتهينا من بحث المناقب الذي استرقنا إليه الكلام ونزيد على الكتاب الغفل أن الأب شيخو استفاد منه مرة أخرى بنقله عنه مقاطع من قصائد لابن زطينا(5/220)
(المشرق 24 (1926): 736) ومرة غيرها بإجابته لأحدهم عن زمن ظهور الأوراق المالية (25 (1927): 400) وهي التي كانت تسمى (الجاو) بالجيم المثلثة بالفارسية.
وجاء في مجلة الزهراء (3: (1345 - 1926) 254 وما يليها) أن سعادة احمد تيمور باشا ادخل في كتابه (التصوير عند العرب) - الذي لم يطبع بعد - وصف الساعة التي وضعها أمير المؤمنين (المستنصر بالله) وذلك عن جزء قديم من كتاب مجهول الاسم والمؤلف من مخطوطات خزانته التيمورية بالقاهرة (كتب التاريخ)
وقفنا على أن في الكتاب الغفل نقصاً في أوله ولم يسعني أن اهتدي إلى مقداره لكن ما جاء في مطاوي كلامه يبين لي أن المفقود منه لا يقل عن عدة سنين بدليل ما ذكره في سنة 640 هـ (1242م) في خبر وفاة أبي المظفر تاتكين (كذا ولعلها تاتكين) بن عبد الله الرومي الناصري وكان مملوكاً لعائشة ابنة المستنجد بالله المعروفة بالفيروزجية وهذا ما كتبه عنه:
(. . . وله (لأبي المظفر تاتكين) نظم حسن منه ما قاله حين قتل بنوا معروف بتل المقير في بطائح واسط وكان حاضراً الواقعة وقد تقدم ذكرها:
يا وقعة شفت النفوس وغادرت ... تل المقير ما به من غابر
وسقت بني المجهول كاسا مرة ... تركت مواردهم بغير مصادر
جحدوا أيادا (كذا) للخليفة جمة ... فأراهم عقبى الجحود الكافر(5/221)
وتوهموا أن المقير معقل ... متمنع من كل ليث خادر
فرماهم القدر المتاح بأسهم ... تركت ربوعهم كرسم دائر
وإذا راجعنا ابن الأثير (147: 12) وجدنا هذه الواقعة في سنة 616هـ (1219م) فالنقص عشر سنوات على اقل تقدير، أكل الدهر على تفاصيل أخبارها هنيئاً وشرب مريئاً وجعل الكتاب كذيل لابن الأثير وبنوع خاص لحوادث العراق التي لا يخرج عنها مخطوطنا إلا نادراً وهو يأتي في آخر كل سنة بوفياتها مع ترجمة وجيزة.
ومما رأيناه أن صفا ذكر المستنصرية في مقالته الأولى وقد بأن لي من المقابلة بين وصفه إياها وبين المخطوط الذي بيدنا نسخته أن ما جاء به الواصف هو نقل من هذا الكتاب لكنه
طوى فقرات وجملاً في تضاعيف الكلام كانت زائدة في غرضه المقصود وتصرف في الكتابة لربط الكلام تصرفاً قليلاً لا يذكر.
ويظهر لي من مجلة اليقين البغدادية (1 (1344هـ): 488) أن المرحوم الشيخ الأستاذ شكري الآلوسي قد نقل عن المستنصرية ما جاء به صفاً. وما يذهب بي إلى هذا القول اتفاق كلاميهما بالحرف الواحد وسكوت الآلوسي عن مأخذه لأن صفا لم يصرح به فتابعه وتابع أيضاً حاشيته التي قالت أن شارح نهج البلاغة هو العدل أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد وسها أن يخطئ صفا بقوله أن الشارح هو عز الدين عبد الحميد بن هبة الله بن أبي الحديد جل من لا يسهو:
لما كانت سنو الكتاب الذي هو موضوع بحثنا تمتد إلى سنة 700هـ فليس هو إذن بكتاب مرآة الزمان للسبط ابن الجوزي على ما أظنه الأب شيخو وحسبي وفاة السبط في سنة 656هـ. وما قاله صفا عن سنة ابتدائه وانتهائه هو من باب التقريب فقط وحقيقته كما أشرت إليه.
مر ربع قرن على الاقتباس الأول من هذا الكتاب وكبار الكتبة يقتطفون منه النبذ النادرة خلال هذه السنين وهم يجهلون اسمه ومؤلفه. وكنت من عداد(5/222)
جاهليه وبيدي نسخه منه منذ أربعة أعوام وأنا أفتش عن صاحبه بغير جدوى وكنت أتوقع معرفته في الكتب التالية:
1 - مؤلفات ابن الفوطي (المتوفى سنة 723هـ - 1323م) التي ذكرها فوات الوفيات (348: 1) وتاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان (199: 3)
2 - مؤلفات الذهبي (المتوفى في سنة 748هـ - 1347م)
3 - الوافي في الوفيات لصلاح الدين الصفدي (المتوفى سنة 764هـ - 1362م)
4 - ذيل الوافي المسمى الصافي والمستوفي بعد الوافي لأبي المحاسن بن تغري بردي (المتوفى سنة 874هـ - 1469م)
5 - لدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني (المتوفى سنة 852هـ - 1448م)
وفي ما هو على هذه الشاكلة من الكتب العزيزة وفيها المفقود حتى أن الموجود منها لا يزال - باستثناء بعض مجلدات الذهبي - مخطوطاً نادراً غير مطبوع.
كانت هذه الكتب في نظري كأشباح لا حقيقة لها فكن أملي ضئيلا في ما أنا سائر إليه ولم ادري أن الأيام ستتيح لي العثور على معرفة هذه الضالة على بعد بعيد من تلك المخطوطات المبعثرة في خزائن مدن عديدة.
قبل بضعة أعوام - وقبل أن يهدي الباشا الأب أنستاس نسخته - اجتمعت في (مكتبة السلام) (في بغداد) بالأستاذ الشيخ محمد رضا الشبيبي بعد عودته من الشام، وكان يطرأ مجلداً حوى شيئاً جماً من الأشعار والتاريخ والتراجم(5/223)
وفيه شيء ليس بيسير عن العراق قال أنه طالعه في الخزانة الظاهرية في دمشق فهزني الشوق إليه، وفي هذه السنة دار البحث أيضاً بيني وبين الشيخ حول كتاب الظاهرية وجزيل فوائده وأفادني أنه مجلد من كتاب مجمع الآداب أو من تلخيصه وكلاهما لابن الفوطي وأن الأستاذ عيسى اسكندر المعلوف نمق فيه مقالة أدرجتها مجلة العرفان في أعداد السنة الماضية فطاب لي هذا التقرب من النظر إلى الأثر بدلا من العين فشكرت شيخنا على صنيعه بهذا التعريف النافع اللذيذ.
ارتحت لهذا الخبر وجل غايتي في هذه اللقية الازدياد من معرفة تفاصيل كتاب ابن الفوطي أملاً أنه يرشدني أيضاً - أن وفقت لرؤيته أو رأيه نسخة تكتب عليه - إلى الغاية التي أسعى إليها. ولم يدر في خلدي أن البحث نفسه عن تأليف ابن الفوطي سيهديني إلى ما أنا ناشده عن أمر الكتاب الغفل المجهول إذ ليس في فوات الوفيات وتاريخ آداب اللغة العربية ذكر كتاب لابن الفوطي يمكن حمل عنوانه على كتابنا هذا. وكأن قد فاتني ما ورد في كشف الظنون وليس في يدي طبعة فلوجل التي تهدي الساري.
اقتنيت العرفان فطالعتها فقرات فيها (11 (1345هـ 1926م): 625) في قول المعلوف:
(الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة)
للشيخ كمال الدين عبد الرزاق المعروف بابن الفوطي
وهو عنوان وقرن ينطبقان كل الانطباق على المخطوط الذي بقي غفلاً حتى الآن والذي اصطلح عليه غنيمة مضطراً إلى تسميته ب (تاريخ العراق في عهد المغول بمؤلف مجهول) في كتابه (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق) (ص 139 في الحاشية) إذ
استفاد منه في ما يختص بموضوع مؤلفه. وما مخالفه المخطوط في ما رأيناه عن العنوان إلا نقصه الطارئ في أوله، وقد لا تخلو كتب المتأخرين ولا سيما المخطوطة التي ذكرتها - من اقتباسها شئ منه وأتمنى يتحفنا الواقف بما يجده بهذا الشأن لدفع الريب فيما ارتأيته.
وكنت أتمنى أن اقف على النص 263 من المجلد التاسع من العرفان الذي قال عنه المعلوف أنه وصف فيه كتاب مجمع الآداب لعلي كنت استخرج شيئاً مما جاء فيه من كتابات مالكيه وغير ذلك التي كثيراً ما نراها على الكتب.
يعقوب نعوم سركيس(5/224)
ثأر الموت
رثاء العلامة الدكتور صروف
(يا خصيمَ (الحياة) بَدَّدْتَ نُوَرَا ... أَمَتعَ (الفكْرَ) لَذةً وحُبُوراً
يا عَدُوَّ (النُّبوغ) يا إلفَ حِقِدْ ... أيُّ وَقْدٍ أثَرْتَهُ أيُّ وَقْدِ؟!
في زمان يَشُذُّ فينا العظيم ... كيف يوفي الرثاَء دمَعُ نَظيمُ؟
ليسِ شِعْرِي سوى عواطِف نَفْسي ... وهو قدخانَ جازعاً وَصْفَ حِسِّي
وله العُذْرُ أيها (الموتُ) حَقَّا ... عُذْرُ مَنْ صَارَ بالتأمُّل يَشْقَى
أيُّ عُذْر لديكَ أنتَ لِتَجْنِي ... عابثاً بالذَّكاء؟!. . . فِيمَ التَّجَنّيِ؟!)
قال لي (الموتُ) هامساً في خشوع: ... (بعضَ هذا فما الحِجى للُّدُموعِ!
لست والخالقِ (الطبيعةَ) إلا ... مُخْلِصاً للحِجى، وللحمدِ أَهْلاً!
إنَّ ثَأْرِي من الحياةِ انتقالي ... بالأعَزِّ النفيسِ شَطْرَ الجَلاَلِ
فهي مهما أفَادها لنْ تؤّدي ... حَقَّه الفَخْمَ مِنْ جَلاَل ومَجْدِ
كُلُّ ذنب الوفاءُ (للعبقرَّيةْ) ... وانتقالُ (الذَّكاء) و (الألمعَّيةْ)
أَنْشُرُ (الفكرَ) في (العَواِلم) شَتَّى ... بعدَ عُمْرٍ فيبعثُ (الفِكْرُ) مَوْتَى
فَدَع اللَّومَ! إنَّ لَوْمكَ جَهْلُ ... إنَّ لُغْزَ (الوُجُود) صَعْبُ وسَهْلُ
وجديرُ بكَ الصَّموُتُ طويلاَ ... منْ مَلاَم أراهُ جَهْلاً وَبيلاً(5/225)
أو وُثُوقُ بَغْيَرتي للصَّلاحِ ... وانتهاجِ الحياة سُبْلَ النَّجَاحِ
فتأمَّل مدقّقاً وتأمَّلْ! ... كم وراَء الحياةِ في الخُلْدِ مَأْمَلْ
هكذا قال. . . وهو قولُ عجيبُ! ... ليتَ شِعِرْي بما يجُيبُ الطبيبُ؟!
وأنا الحائرُ الذي ضاع رُشْدِي ... بين فِكْرِ وبين جُهْدٍ وجُهْدِ!
فَقْدِيَ الَيْوَم مثلَ (صرّوف) يؤدِي ... باصطباري على صُرُوفِ الوُجُودِ
فأنا الثائرُ الذي لا يُبَالي ... بعد هذا بما تشاءُ اللَّيالي!
أَوَ لَسْنَا ضَحِيَّة للخِصَامِ ... بين (عَيْش) وبين جاني (الحِمَاِم)؟!
يا فقيدَ العُلُومِ والحِذْقِ خَطْبِي ... في مَعَاِليكَ خَطْبُ فِكْرِي ولُبِي
هَدَّني هكذا نَعُّيكَ هداَّ ... فمضتْ مُهجْتِي تُمَجِدُ لَحْدَا
وَمَضى هكذا وفائي بِشِعْرِي ... نَاشِرَ العَرْفِ مِثْلَ باقةِ زَهْرِ
وَضِعَتُ فوق نَعْشِكَ البَسَّامِ ... لِنُواَحِ الوَرَىَ ودَمْعِ الأنِام
وغدتْ رَمْزَ غضبْتي ثم حُزْني ... لضياعِ (الإنسانِ) في كُلَّ قَرْنِ
وخفاءِ (الحقيقةِ) الأزَلَّيةْ ... وجهالات هذه (البشرَّيةْ)
ليتني ما خُلِقْتُ في الناسِ حتَىَّ ... لا أرى غايةَ العظائمِ مَوْتَا!
و (الجَنانَ) الذي تَأْلَّقَ وَحْيَا ... بَعْدَ عُمْرٍ مُقَيَّدٍ ليس يَحْيَا!(5/226)
و (البنانَ) الذي يُنّضد دُرَّاً ... زينة (الفكْر) ليس يُشْغلُ فكْرَا!
و (الحكيمَ) الذي يُناضلُ جيلاً ... ناصَر (العقل) قد تَرَدَّى قَتيلا!
قَتَلْته (الأيامُ) رغَم انتباه ... رغمَ طب ورغَم مالٍ وجاهِ
وتُركْنا نرى (الحياةَ) السَّخَافَةَ ... ونرى (الموتَ) بَعْدَها كالُخرَاَفةْ!
اصفح اليومَ عن ضياع (التفاؤُلْ)! ... كيف تُرْضَى المُنى ويبقى التَّساؤَلْ؟!
حين أرثيكَ لستُ أرثيكَ فَرْدَاً ... بل (ذكاَء الإنسان) مَعْنىٍ وَعَّداً
ونُوَاحي عليكَ برّ بِنَفسي ... فيكَ مرُآةُ كُلّ ما شَاقَ حِسِي
وأُعَزّي أهليكَ بَيْنَا الُمَعزَّى ... قَبْلَهُم شاعرُ أَبَى أن يُعَزَّى!
الإسكندرية 10 يوليو 1927
أحمد زكي أبو شادي
سر عمادية
بين عمادية وسر عمادية مسافة ساعة على ظهر الدواب. ووادي العمادية من اجمل الأودية. وفي سر عمادية الثلج إلى أوائل تموز وربما تمطر السماء في أيار وحزيران وهو أمر قلما يرى في بغداد لا سيما مطر حزيران والهواء طيب عليل والمناظر الطبيعية لا تعد ومن أبدع ما خلق الله. والأثمار والفواكه مبتذلة ولكثرتها لا يتمكن الأهالي من نقلها فيبقى الكثير منها في محله فالصيف فيها لا يعرف فهو ربيع دائم من أطيب ما يتمناه المرء إلا أن الناس لا يذهبون إليها إلا من بعد أن تتوفر فيها وسائل الراحة والطمأنينة وتبنى فيها البيوت أو الدور أو الفنادق القوية البنيان الجالبة الراحة لساكنيها.
وسر عمادية اليوم تحسب من مدن العراق أو اقل من ديار مملكة العراق ولسان أهلها الكردي وفيهم من يتكلم العربية أو التركية.
والكلمة مركبة من سر (بكسر السين وإسكان الراء) وعمادية بكسر العين وفتح الميم يليها ألف بعدها دال مكسورة ثم ياء مشددة وفي الآخر هاء. ومنهم من يلفظ عمادية بفتح العين ومنهم من يقول عميدية أي.(5/227)
فوائد لغوية
لا خلاف بين العلماء واللغويين في اشتراك الفقير والمسكين في اتصافهما بالعدم، عدم القيام بكسب مؤو نته ومؤونة العيال لكنهم اختلفوا في أيهما هو الذي لا مال له أو في أيهما أسوأ حالا فاختالوا على ثلاثة أقوال:
1 - أن المسكين أسوأ حالا من الفقير لأن الفقير هو الذي له بلغة من العيش والمسكين الذي لاشيء له، وهو قول الفراء وثعلب وابن السكيت وابن دريد ويونس وابن قتيبة وأبي عبيدة وأبي زيد وغيرهم، وبه قال أبو حنيفة، ووافقهم من علماء الشيعة ابن الجنيد وسلار الديلمي والشييخ الطوسي في كتابه النهاية
واستدلوا بالآية الشريفة (أو مسكيناً ذا متربة) وهو المطروح على التراب لشدة الاحتياج. ولأن الشاعر قد اثبت مالا للفقير في قوله:
أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد
وأجابوا عن آية السفينة بأنها كانت مشتركة بين جماعة ولكل واحد منهم الشيء اليسير، وأيضاً يجوز أن يكون سماهم مساكين على وجه الرحمة(5/228)
كما جاء في الحديث: (مساكين أهل النار) وقال الشاعر:
مساكين أهل الحب حتى قبورهم ... عليها تراب الذل بين المقابر
وقيل أنهم كانوا يعملون عليها إجارة فأضيفت إليهم.
ومن الذين وافقوا على هذا القول: الشيخ بهاء الدين العاملي صاحب الكشكول واستدل بما رواه الشيخ الطوسي في كتاب التهذيب عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام (يريد به الإمام جعفر الصادق): قول الله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين؛ قال: الفقير الذي لا يسأل الناس والمسكين اجهد منه والبائس أجهدهم.
2 - أن الفقير هو الذي لاشيء له، والمسكين الذي بلغة من العيش لا يكفيه. واليه ذهب الشافعي وابن الأنباري والاصمعي والثعالبي ووافقهم من علماء الشيعة ابن إدريس الحلي والشيخ الطوسي في المبسوط والخلاف.
واحتجوا بقوله تعالى (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) ولأن الله تعالى بدأ
بالفقير في آية الزكاة (إنما الصدقات للفقراء) الآية. وهو يدل على الاهتمام بشأنه في الحاجة ولاستعاذة النبي من الفقر مع قوله (اللهم أحيني مسكينا وامتني مسكينا واحشرني مع المساكين) ولأن الفقير مشتق من فقار فكأن الحاجة قد كسرت فقار ظهره.
قالوا: واثبات الشاعر المال للفقير لا يوجب كونه احسن حلا من المسكين فقد اثبت الله عز وجل للمساكين مالا في أية السفينة.
3 - أنهما صنف واحد وإنما ذكرت الصفتان في آية: (إنما الصدقات الخ) تأكيداً للأمر، وهو قول أبي علي الجبائي، وإليه ذهب أبو يوسف ومحمد فقالا في من قال ثلث مالي للفقراء والمساكين وفلان، أن لفلان نصف الثلث ونصفه الآخر للفقراء والمساكين، ووافقهم على هذا القول ابن الإعرابي فأنه(5/229)
قال (كما نقل عنه في الصححاح): الفقير الذي لاشيء له والمسكين مثله.
هذا والراجح في نظري القاصر هو القول الأول، ومن ينعم النظر في هذه الأقوال يظهر له صحة قولنا ومن الله التوفيق.
سبزوار إيران: محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) الذي عندنا أن الفقير من أنتابه العدم فهاجت أهواؤه عليه حتى يكاد لا يعي شيئاً وهو مشتق من مادة (ف ق ر) المماتة في العربية الحية في اللغات السامية ومعناها كلن وجن وهاج. - أما المسكين فهو من استطاع أن يملك أهواء نفسه في حالة عدمه ولهذا كانت حركة نفسه الإمارة بالسوء ساكنة. هذا هو الفرق على ما وضع كل منهما في وقته؛ لكن لما جاء التساهل والتسامح ونسي أصل الوضع وسببه تجوز الناس في استعمال الواحد في موطن آخر.
وعلى كل حال فالمسكين افضل معنى من الفقير في الماديات والأدبيات والدينيات.
تصحيح السوسكة
نبهنا صديقنا الدكتور داود الجلبي على أن السوسكة الواردة في لغة العرب (191: 5) نقلا عن العراق هي من غلط الطبع والصواب الوسكة (بكاف فارسية) المصحفة عن (الوسقة) ويريد بها العرب (مصادرة صاحب الدين مصادرة إكراه ما يقوم مقام طلبه، ولا عبرة في أن يكون الصادر من قرابة الغريم (المدين) أم لم يكن فيأخذ منه مثلا بعيره أو فرسه أو ما
يسوقه من المال). فنشكر الصديق على تنبيهه(5/230)
باب المذاكرة والكتابة
نهضة الأدب العصري
سيدي صاحب مجلة (لغة العرب) الغراء:
تحيةً وإجلالاً. أما بعد فأهنئ نفسي ومحبي الأدب جميعا حين أهنئكم باجتياز (لغة العرب) مرحلة أخرى من حياتها المباركة وفي الحق يجدر بالمملكة العراقية أن تباهي بمجلتكم غيرها من الممالك والأقطار العربية فأنها فريدة في تحقيقها اللغوي كما أن (المقتطف) فريد في تحقيقه العلمي العام بين المجلات العربية، وسيبقى اسما (الكرملي) و (صروف) مقرونين دائما بكل تبجيل وإعزاز حيثما بقيت للأدب والعلم والتضحية واستقلال الرأي مكانه في نفوس النابهين، وإذا لم يخطئني الظن فاعظم أنصار مجلتكم الغراء وزارة المعارف العراقية مشتركة في توزيعها على المدارس والمعاهد. فضلا عن نصرة الجمعيات والأندية الأدبية ورجال العلم والأدب على اختلاف مذاهبهم وجنسياتهم ونزعاتهم طالما جمعهم اللسان العربي المبين:
فالعلم ليس له حدود ممالك ... لا يرتجي داراً ولا ديارا
كالدين حرمته، ولكن حظه ... أغنى وأوفر نعمة ويسارا
خضعت له الأمم الكبار وسودت ... أمم به كانت تعد صغارا
لا ألون أو خلف العقيدة همه ... كلا، ولا أن يرقب إلا ذكارا!
لكنه أمل البرية كلها ... جعل الإخاء شريعة وذمارا
فإذا العليم إلى العليم مقرب ... ويرى المقيم به المغرب جارا
ورأيي أن من أقوى العوامل الدافعة إلى نهضة الأدب العصري أن يقترن حب الابتداع بالدراسة النقدية لأدب الماضي والحاضر معا، وهذا ما تقوم به (لغة العرب) خير قيام فكانت مدرسة عالية للأدباء المفكرين وموضع الاحترام لدى(5/231)
كل أديب يحترم نفسه ويفهم معنى النقد الأدبي وحاجتنا أليه.
ولا غرور بعد ذلك إذا سمعت الأستاذ محمد لطفي جمعة الأديب المصري الشهير يقربان مجلتكم عنوان النهضة الأدبية السليمة في العراق، ومفخرة جديرة بحرص العراقيين عليها،
كما سمعت مثل هذا التقدير من أخطاء (رابطة الأدب الحديد) بالإسكندرية وفي الواقع يعوزنا نحن المصريين انتشار مجلة أدبية مستقلة النزعة نزيهة الفكر مثل (لغة العرب) بيننا، وما احسب الأقطار العربية الأخرى كسورية ولبنان وفلسطين والهند والحجاز ونجد واليمن وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش وغيرها بأقل حاجة منا إليها، وأنها الأمانة في عنق كل غيور على اللغة والأدب في هذه الممالك والأقطار أن يسعى لينشرها بين اقرأنه، وبذلك نضمن لها الحياة القوية المنجبة ونتعاون على تهذيب اللغة والثقافة العربية ونخدم نهضة الأدب العصري خدمة صادقة.
وبودي أن لا ينسيني الاغتباط بنهضة مجلتكم الزاهرة أن اشكر لكم تشجيعكم السخي لحركة التجديد الأدبي واستعمال الألفاظ المولدة الشائعة والتعابير العصرية المهذبة التي تزيد ثروة اللغة نمواً كما تعبر عن ذوق العصر، ومن هذا القبيل كلمة (تبرير) التي أشرتم إليها، فأنها في اصلها اللغوي بمعنى النسبة إلى البر، ولكنها في استعمالها العصري الشائع بمصر على أقلام مشاهير الأدباء تؤدي ترجمة كلمة وترادف بعض المرادفة كلمة (تزكية) أو كلمة (تأييد) ومن هذا القبيل أيضاً قولنا: (هذا اقرب إلى الهزل من الجد) فأنه أقوى من التعبير المألوف (هذا اقرب إلى الهزل منه إلى الجد) لأن التعبير الأول إنما يشير إلى الهزل بعينه، فقديماً قال لنا المثل الفلسفي (خلق الهزل والجد توأمين) أي أن الجد قد يظهر في مظهر الهزل أو قد يجاوره، وإذا كان هذا كذلك، كان مغزى ذلك التعبير الأول الإشارة إلى الهزل بعينه إشارة المبالغة القوية ولكنه في الواقع ليست هناك مبالغة في إعلاننا أن النقد الأدبي في العالم العربي ما يزال بوجه الأجمال هزلاً في هزل وعبثاً وسخرية، ولو لم يكن لمجلة (لغة العرب) من مهمة سوى خلق الشجاعة الأدبية وخدمة النقد الأدبي بإخلاص(5/232)
وجرأة لكفاها ذلك فخراً، ولكفأنا سبباً لإعزازها وتمجيدها ونصرتها بغيرة صادقة.
وأختم بتكرار تحياتي واحترامي وتهنئتي القلبية، داعياً لكم بطول العمر والعافية والتوفيق في جهادكم المبرور.
الإسكندرية 8 يوليو 1927
المخلص: أحمد زكي أبو شادي
نظرة في مقالة وردت في مجلة المسرة
وردت في مجلة المسرة الغراء مقالة عنوانها: (اثر مسيحي في أحد معابد الشيعيين في مجد من بلاد العجم)
ثم وصف الأثر وكيف بلغ إليه الواصف ونقلت المجلة تلك الصورة، فإذا هي (صورة الدينونة في معبد الإمام ريزا في مجد من أعمال العجم).
قلنا: ليس في بلاد إيران أو ديار فارس مدينة تعرف باسم (مجد) بل (مشهد) وتسمية الكاتب بلاد إيران أو فارس ببلاد العجم ينكرها الإيرانيون ولا يرضون بها لأنها تسمية تحط من قدرهم، فضلاً عن أنهم يجهلونها كما لا يعرفها سلفنا المحقق. فهي من اختراع بعض المعادين للفرس. وقول الكاتب: (الإمام ريزا) قول لا صحة له، والصواب الإمام الرضا - وجاء في المقالة كلمة (مرزخان) والصواب ميرزاخان)
وليست الصورة من ريشة مصور نصراني كما توهم كل من الواصف والناقل، بل هو تصوير أحد الجعفريين نقلاً عن صورة رسمها أحد المسيحيين وأدلتنا على ذلك أن أحد مصوري الشيعة رسم مثل هذه الصورة في كنيستنا في بغداد سنة 1900 بعد أن كبرها. ثانياً. في صورة يوم الدين (ومجلة المسرة تسميها صورة الدينونة والدينونة كلمة غير فصيحة) مثال البراق (وهي فرس برأس إنسان) عليها ملك من الملائكة، والنصارى لا تعرف شيئاً من هذا القبيل ثالثاً: شكل الجمم التي تر على بعض الرؤوس هي جمم رجال فرس لا جمم نصارى
هذا ما بدا لنا وعلمه فوق كل ذي علم.(5/233)
حول مخطوطة دمشق
في تراجم علماء الموصل في القرن الثاني عشر الهجري
وصف الفاضل عيسى أسكندر المعلوف في هذه المجلة في جزئها الثاني مخطوطة وجدها في دمشق في تراجم علماء الموصل في القرن الثاني عشر الهجري وغرضه الاهتداء إلى واضع هذه الرسالة لأن النسخة لم تذكره. ولما كنت قد بحثت عن جميع مخطوطات جوامع الموصل ومدارسها واطلعت على ما عند الأسر في الموصل من المخطوطات والفت كتاباً بذلك سميته (مخطوطات الموصل) يطبع الآن في بغداد كان لي اطلاع على مؤلفي الموصل وتأليفهم فأحببت أن لا يكون ما كتبه الباحث الفاضل نفخة في رماد فأقول:
أن الذين كتبوا في التاريخ والتراجم من علماء الموصل في القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر هم أربعة: عثمان الدفتري، وأمين الخطيب ابن خير الله الخطيب العمري، وأخوه يس، ومحمد بن مصطفى الغلامي، ولم يطلعني تتبعي على غير هؤلاء في هذه الحقبة ولا أتوقع وجود غيرهم.
أما الأول فله (الروض النضر في تراجم رجال العصر)
وأما الثاني فله تأليف عدة في مواضيع شتى يهمنا منها هنا (مراتع الإحداق) في التراجم، و (منهل الأولياء. ومورد الأصفياء، في سادات الموصل الحدباء) يبحث عن المراقد التي تزار في الموصل وعن تراجم المدفونين فيها وفيه فصل في مشاهير الموصل قديماً وحديثاً، وذكر له كتاب في التراجم اسمه (الكشف والبيان عن مشاهير هذا الزمان).
والغلامي له (شمامة العنبر، والزهر المعنبر).
أما ياس بن خير الله العمري فقد ذكر تأليفه في مقدمة كتاب له سماه (منهج الثقات في تراجم القضاة) منه نسخة خطية في مدرسة الخياط في الموصل وفيها يقول (وبعد فيقول أفقر العباد. . . ياسين العمري بن خير الله الخطيب العمري ابن محمود الخطيب العمري بن موسى الخطيب العمري الحنفي الموصلي. . . كنت(5/234)
قد جمعت كتابا في تاريخ السنين ابتدأت به من سنة الهجرة إلى زمني هذا، وسميته (الدر المكنون في مآثر الماضية من القرون) ثم جمعت كتاباً آخر في ذكر ملوك الإسلام وقبائلهم ومدة ملكهم وسميته (عنوان الأعيان في ذكر ملوك الزمان) ثم جمعت كتاباً آخر وذكرت فيه ملوك الأمصار ورتبته
على حروف الهجاء. وذكرت فيه القضاة وشيوخ الإسلام والأمراء وسميته (الروض الزاهر، في تواريخ الملوك الأوائل والأواخر) ثم جمعت كتابا آخر أو ذكرت فيه العلماء المعاصرين والشعراء المتفننين وسميته (الدر المنتثر. في تراجم فضلاء القرن الثاني عشر) ثم جمعت كتاب آخر مختصا بتواريخ النساء الصالحات والطالحات وسميته (الروضة الفيحاء في تواريخ النساء) وجمعت كتابا في الأدب وسميته (روضة المشتاق ونزهة العشاق) ومثله (روض الأدب) وآخر (عيون الآداب) وآخر في الأدعية وسميته (السيوف الساطعة) وآخر في الطب سميته (الخريدة العمرية) و (منظومة في التعبير)، فأحببت أن اجمع كتابا آخر في ذكر قضاة الإسلام فجمعته من كتب عديدة من تاريخ اليافعي، وابن الوردي، وابن خلكان، وابن الأثير، والدر المكنون، وتاريخ اليميني، والهميان. وغيرهم من كتب التواريخ. . . ذكرت فيه من له ذكر واقتصرت على من له شعر ورتبته على مقدمة في العلم والقضاء وترجمتهم على حروف الهجاء وجعلت الخاتمة في النوادر وسميته منهج الثقاة. . . ولما تم جمعه أهديته إلى حضرة. . . السيد الأمجد السيد عبيد الله أفندي بن السيد خليل البصيري الموصلي. .) وجاء في آخره: (أنتهي ما أردنا جمعه. . . سنة ألف ومائتين وإحدى عشر ة من الهجرة. . .)
ولياسين العمري كتب أخرى غير ما ذكره هو اطلعت عليها وهي: (الآثار الجلية، في الحوادث الأرضية) وهو تاريخ الإسلام مرتب على السنين و (السيف المهند من سمي أحمد) و (قرة العينين الحسن والحسين) ذكر في الأول من سمي أحمد من المشاهير وفي الثاني من سمي الحسن والحسين وعليا وجميع تأليفه ليست ذات أهمية إلا في ما يختص بزمانه وما قبله بقليل وأما الباقي فقد جمعه من الكتب المعروفة جمعا مشوها مكسرا.(5/235)
ولأذكر كتاب (نزهة الدنيا في مدح الوزير يحيى) لعبد الباقي الفوري العمري الشاعر صاحب الديوان، ترجمة فيه الشعراء الذين لهم قصائد وأبيات في مدح والي الموصل إذ ذاك يحيى باشا الجليلي، على أن عبد الباقي أحدث عهدا من أولئك، وإنما ذكرته لئلا يظن أني سهوت عنه.
والآن لنرجع إلى المخطوطة الدمشقية موضوع البحث ونرى أيا هي من هذه الكتب الوارد ذكرها أنفا:
أني أظن ظنا غالبا أنها (الدر المنتثر في تراجم فضلاء القرن الثاني عشر) وذلك للأسباب آلاتية:
1 - هي ليست الروض النضر، وقد عارضها عيسى اسكندر المعلوف فلم تكن مطابقة له. إلى أني لم اعثر على نسخة من الروض النضر لحد الآن.
(ل. ع. منها نسخة في جامع مرجان في بغداد).
2 - ليست (مراتع الإحداق) ولا (الكشف والبيان) لامين بن خير الله الخطيب لأن (أمينا) من فحول العلماء وهو أديب شاعر نحوي فقيه ذو إنشاء جيد جدا كتبه تشهد له بذلك فلا يمكن أن يكون مؤلف هذه المخطوطة التي ذكر المعلوف عنها أن فيها أغلاطا فظيعة وعبارات على نمط الترك، وأني آسف لكوني لم اطلع على نسخة من مراتع الإحداق لحد الآن.
3 - ليست (مناهل الأولياء) ولدي نسخة منه لا تشبه المخطوطة الدمشقية في شيء.
4 - أنها ليست (شمامة العنبر) ومن الشمامة نسخ عدة في الموصل اطلعت عليها وهي ذات حجم كبير، ولم يقتصر فيها الغلامي على مشاهير الموصل بل تعداهم إلى مشاهير حلب وبغداد وحشاها بالقصائد حتى ليتوهمها الناظر إليها ديوانا لأول وهلة.
5 - أنها ليست (نزهة الدنيا) فأن الشاعر عبد الباقي العمري جمع في النزهة(5/236)
تراجم الذين مدحوا يحيى باشا الجليلي، إذن الذين عاصره وعاصرا الباشا المذكور لا غير وكان ذلك في القرن الثالث عشر.
6 - أنها اقرب من أن تكون (الدر المنتثر) لأن النسخة الباقية من بعض تأليف يس بن خير الله الخطيب وقد اطلعت عليها فهي كثيرة الغلط من حيث اللغة والإنشاء والنحو مثل مخطوطة دمشق المبحوث عنها ولأن اسمها يؤدي تماما معنى ما كتب في صدر المخطوطة ونقله عيسى المعلوف.
وخير معيار للتثبت من نسبة الرسالة المبحوث عنها الياسين العمري هو النظر في ترجمة أخيه أمين فأن ذكر أنه أخوه فهي له وألا فلا.
والآن لابد لي من التعليق على بعض عبارات وردت في مقالة المعلوف: قوله في ص72 عن وفاة السيد حامد أنها في سنة 1291 غلط أظنه مطبعياً ويلزم أن يكون صحيحه
1191 إذا نظرنا إلى كون ولادته سنة 1122 فلا يمكن أن يكون قد عاش 169 عاما.
قوله في ص75 أنه أختلف في تاريخ الملا محمد الغلامي فجعله المرادي سنة 1176 وجعلته المخطوطة سنة 1186 بالوباء. أقول يقتضي أن يكون هذا الوباء الطاعون الذي مات فيه السيد موسى الحداد وكأن في سنة 1186 فقول المخطوطة ارجح من قول المرادي.
قوله في اسفل ص75 ملا علي الشهير بالجعفري أقول صحيحة (الجفعتري) وهذا مشهور ومعروف في الكتب الخطية الموصلية.
وقوله في ص76 (لاسيما (الروض النضر) وأما (روض الدفتري) فلعله من المخطوطات التي هي دفينة الخزائن)، يوهم أن الروض النضر وروض الدفتري كتابان مستقلان، والحال أن الروض النضر هو تأليف عثمان الدفتري.
كان يمكنني ذكر سني وفاة بعض الإعلام الواردة في مقالتي هذه ولكني أكتب وأنا في بغداد وكتبي في الموصل فمعذرة من القراء.
بغداد 15 تموز 1927
الدكتور داود الحلبي الموصلي(5/237)
أسئلة وأجوبة
صحة ما يتوهمون
بغداد - ب. م. - أيقال: عاشورا للأيام العشرة الأولى من المحرم، وهل جاء في كلام فصيح (آخر) بمعنى (النهاية) و (بدون) بمعنى (بغير) (والملوكي) بمعنى (الملكي) و (غرة) شهر تموز بمعنى (أول تموز)
ج - عاشورا لم ترد عند الفصحاء لا بمعنى اليوم العاشر أو اليوم التاسع من المحرم، واستعملناها نحن للأيام العشرة من الشهر المذكور جريا على عادة العوام، وسوف نجري على هذه التسمية لأن ليس لنا لفظة تقوم مقامها وفي مثل هذه الحالة يصبح استعمال اللفظ العامي من الواجبات ولا سيما لأن له وجها فصيحا صحيحا وهو تسمية الكل باسم الجزء.
آخر الشيء بمعنى منتهاه وخلاف أوله: أشهر من قفا نبك، ويعرفه العوام فضلا عن اللغويين، إذ ذكروه جميعا في معاجمهم.
(بدون بمعنى (بغير) أشهر من كفر إبليس، قال أبن سيدة الأخفش (وهو من كبار النحاة) أدخل الباء على (دون) فقال في كتابه في القوافي (من ليس بدونه) اهـ. وكفى بالأخفش حجة، فهو على كل حال (عربي قح) لا (ارمني متبجح).
النسبة إلى ملك (بكسر اللام) ملكي (بفتحها) لكن هذا يلتبس بما ينسب إلى الملك (الروح طاهر غير متحد بجسد) وكنا نقول سابقا الملكي في النسبة إلى كل من الاسمين ثم رأينا ابن جني يخير الملوكي على الملكي في النسبة إلى الملك (المكسورة اللام) فأخذنا نتبعه ونجاريه وأبقينا (الملكي) للمنسوب إلى الملك (بفتح اللام). أما أن ابن جني فضل الملوكي على الملكي فظاهر من اسم كتابه (التصريف الملوكي) وهو أشهر من أن يذكر، هذا فضلا عن أن النسبة(5/238)
إلى الجمع المكسر اكثر من أن يحصى، أن في الجاهلية وأن في صدر الإسلام، فكيف بنا ونحن في مثل هذه الأيام؟
معنى (الغرة) أول كل شيء على ما أثبته جميع اللغويين، فيقال إذن لأول الشهر القمري كما يقال لأول الشهر الشمسي وأن أنكر ذلك بعض جهلة اللغة الذين لا يعرفون منها إلا قشورها قال الجوهري: غرة كل شيء أوله.
وسألنا من بغداد - ع. و.:
1 - أيقال: (لم يكن أبدا لسلفنا كذا) أم (لم يكن قط)؟
2 - وما الأحسن قولهم (مخالطة أجدادنا للأجانب) أم (مخالطة أجدادنا للأجانب)؟
3 - أو يقال: (ليس الأمر كما توهموه) أم (وليس الأمر على ما توهموه)؟
4 - أو يقال (أن اللغة هي محاكاة) أم (أن اللغة محاكاة)؟
5 - أو يقال (أصوات المياه جلية) أم (أصوات المياه مسموعة كل السمع)؟
6 - أو لا يقال (قصيف الرعد الشديد) أم يكتفي بقولهم (قصيف الرعد) إذ في القصيف معنى الشدة؟
7 - (وهو السؤال الأخير) يقال (أبناؤنا يألفون الحيوان والطائر في كل ساعة بل كل دقيقة) أم (ويألف أبناؤنا البهيمة والطائر في كل ساعة لا بل في كل دقيقة)؟
ج - من أسئلتكم هذه نستدل على أنكم أجانب عن لغتنا كما هو الأمر وإلا فقولكم:
1 - لم يكن قط، خطأ ظاهر لأن قط، تأتي بعد الماضي لا بعد المضارع أي المستقبل.
2 - قولكم مخالطة أجدادنا الأجانب يستدل أن أجدادنا كانوا أجانب وليس الأمر كما قال لكم أحد جهلة لغتنا إنما الصواب ما كتبناه.
3 - وقولهم ليس للأمر على ما توهموه هو غير قولنا كما توهموه، وبين المعنيين كما بين الثرى والثريا.
4 - وقولنا اللغة هي محاكاة، كقولهم اللغة محاكاة، والخبر في الأول هو (هي)
5 - قولك يا سمير الوزير: (وأصوات المياه مسموعة كل السمع) قد لا تكون جلية، فالأصوات الجلية غير الأصوات المسموعة كل السمع.(5/239)
6 - إذا كان قصيف الرعد شديدا فلا يكتفي بقولهم قصيف الرعد بل قصيف الرعد الشديد.
7 - أما سؤالكم الأخير فقد لا يشبه سؤال رجل يعقل فالحيوان يشمل البهيمة وحرف الجر قد يستغني عنه إذا دلت عليه القرينة؛ ولا سيما إذا كان هناك حرف إضراب
البرداء من البعوض
لجنة (خليج فارس) - ن. م. المازندراني - هل عرف العرب في سابق العهد أن البرداء (حمى الملاريا) هي من البعوض وهل لكم شاهد على ذلك؟
ج - عرف بعضهم هذا السبب. فقد جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي في مادة حضوة:. . . (عفوة) فسماها النبي (ص) حضوة.
وفي الحديث: شكا قوم من أهل حضوة إلى عمر ابن الخطاب (ر ض) وباء أرضهم فقال: لو تركتموها! - فقالوا: معاشنا ومعاش ابلنا ووطننا. فقال عمر للحرث بن كلدة: ما عندك في هذا؟ - فقال الحرث: البلاد الو بيئة ذات الأدغال والبعوض، وهو عش الوباء، ولكن ليخرج أهلها إلى ما بقاربها من الأرض العدية إلى تربيع النجم، وليأكل البصل والكراث، ويباكروا السمن العربي فليشربوه وليمسكوا عن الطيب ولا يمشوا حفاة ولا يناموا بالنهار فأني أرجو أن يسلموا، فأمرهم عمر بذلك. آه
الهينو ثيئسم
لنجة (خليج فارس). لاهور (الهند) - ما احسن كلمة تقابل الفرنسية:
ج - الكلمة الفرنسية منحوتة من (ايس) وفي الجر (اينس) ومعناها الواحد أو الفرد وثئوس أي اله، ويراد بها ديانة للأقدمين كان يعتبر فيها كل معبود من المعبودات العديدة مستقلا بنفسه ويعبد بغض النظر عن بقية الآلهة فهو إذن نوع من التوحيد. ولهذا يحسن بنا أن نسميه ب (التفريد) ليكون بازاء (التوحيد) كما أن (المفرد) يقابل (الموحد) فالمفرد القائل بالمعبود والموحد القائل بوحدة الإله.(5/240)
باب المشارفة والانتقاد
37 - رواية الحب المكتوم
إنكليزية الأصل بقلم بولس لستر فورد الأميركي، تعريب أمين الغريب صاحب مجلة الحارس، طبعة ثانية مصححة ومطبقة على الأصل في 88ص بقطع الثمن، طبعت في مطابع قوزما في بيروت سنة 1927.
هذه رسائل حب أنفذ بها دونال إلى حبيبته ماري وهي كلها رقيقة الديباجة دقيقة الأسلوب مفرغة في قالب عصري عفيف التعبير والمغزى.
والكاتب المعرب يتحرى اصح العبارة في ما يكتب لكنه يعتمد في انتقاء الألفاظ على محيط المحيط أو على من نقل عنه فيخطئ الغرض ففي ص3 (غير كفء للإخلاص) وفي ص4 (تراءى لي الملاك) وفي ص5 (الولد الشفوق) وفي ص6 (أدون سطورا) وفي ص7 (أكان ذلك عزيزة طبيعية فيك) وفي ص8 (لولا القسم المتعلق بوالدتي منها) إلى غيرها. أتظن أنه لو قال: غير كفو للإخلاص. تراءى لي الملك. الوالد الشفيق. اخط سطورا. كان ذلك عزيزة (بدون زيادة طبيعية لا تكون إلا كذلك) لولا ما يتعلق بوالدتي منها. . . لكان ابلغ عبارة واصح تركيبا.
38 - غادة الكاميليا
تأليف اسكندر ديماس الصغير. وترجمة نيقولا بسترس، تقدمه مجلة مينرفا (بيروت) لمشتركيها عن سنتها الرابعة، طبعت في مطابع قوزما في بيروت في 128ص بقطع الثمن. .
وضع في صدر هذه الرواية نقد لعبد القادر المازني بين فيه (خلاصة الرواية - بحث في موضوعها)، فكانت نتيجة ما قال ما ننقله منه بحرفه (حسن أن نكون رحماء وأن نغتفر الزلات، ولكن لمن؟ - لمن تستحق ذلك. لا لمن تريد(5/241)
أن تعيش عيالا على المجتمع، وحميلة على الخلق، وأن تجر أذيال الغنى وتقضي أيامها في ظل البذخ والترف بغير حق، وعلى حساب الشريفات المحصنات - وإذا كان هؤلاء لا يطقن أن يغالبن المؤثرات وأن
يفزن على المغريات فهن ضعيفات قد يدرك الفرد العطف عليهن ولكن الحياة لا ترحم ولا ترثي لأحد وليس في الطبيعة محل للضعيف)
ونظن أن هذا النقد القاتل كان كافيا لكي لا يقدم المترجم على تعريب الرواية لكن حاول أن ينظر فيه نظرة ليرد هذا الحط من الرواية، فكأن أخيب من القابض على الماء، وبجوابه الضعيف غير المقنع اظهر أن الحق مع المازني وأن مثل هذه الروايات حظها التقبيح، وذم مؤلفها ومعربها.
وقد وجدنا ركة عظيمة في اختيار الألفاظ. فقد قال في ص6 (وأن يحبها حب والد حنون) (اعتمادا على محيط المحيط) وفيها (أمست اليوم مدينة بخمسين ألف فرنك) وفي ص7 (اذهبي اعدي العشاء فقد دعوت أولمب. . . لتناول الطعام) وفي ص8 (عن آذان تسمع لك) وفيها (ماذا أوقع لك؟ - أنت حر) إلى غيرها
قلنا: الحنون صفة للإناث من حيوان وإنسان، وأما للذكور فيقال: شفبق ورؤوف. ويقال: فإذا اليوم هي مدينة خمسين، واحسن منها: وعليها اليوم دين قدره خمسون ألف فرنك. ويقال: اذهبي اعدي العشاء فقد دعوت أولمب يؤاكلني أو يتعشى معي أو غيرهما أما تناول الطعام فتعبير في منتهى القبح والركة. ويقال: عن آذان تسمعك. ويقال: ما تحب، أو ما تشاء، أو ما طاب لك، فقوله: أنت حر، فالحرية هنا في غير موقعها وأن كانت تعني في الإفرنجية ما تريد التعبير عنه في العربية بما أشرنا إليه.
ونختم الكلام أن ليس في هذه الرواية من مشوق من جهة المغزى ولا من جهة حسن الإنشاء، بل نستغفر الله لقد غلطنا: إذ من الحسن أن تفرغ هذه الرواية وأمثالها في نظير هذا القالب العربي السقيم لكي تشمئز النفس من باطنه ومن خارجه.(5/242)
39 - كتاب الأغاني
تأليف أبي الفرج الأصفهاني، الجزء الأول في 535ص من قطع الثمن الكبير، الطبعة الأولى - مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة 1345هـ 1927م.
كنا في صغرنا إذا رأينا كتابا يسيء الطبع يقول لنا الأصدقاء (هذا طبع مصر) لأنهم كانوا قد تأكدوا أن ديار النيل لا تتولى نشر تصنيف من تصانيف السلف إلا لتبرزه بأشنع حلة من كثرة الأغلاط وسوء الضبط وشناعة الكتابة بخلاف مطبوعات بيروت مثلا، فأنها كانت
حسنة يأنس إليها القارئ. أما اليوم فقد أنقلب الأمر: أننا نرى التأليف التي تصدر من دار الكتب المصرية رافلة ببرود تزري بالدمقس والسندس وتتحدى كل مطبعة في مجاراتها.
والآن أمامنا كتاب الأغاني فقد تجلى بأحسن حلية من حلى المطبوعات وقد زاد في جماله ما على هامشه من مقالة النسخ ومعارضتها بغيرها وشرح الكلم الغامضة والإشارة إلى سيئ الروايات وأحسنها، وهي خدمة عظيمة لو كنتم تعلمون. نعم أننا نهنئ البلاد الضادية اللسان بحصولها على مثل هذه الدرة النفيسة.
على أن أعمال البشر مهما كانت حسنة تبقى بشرية أي تحتاج إلى تحسن اعظم فاعظم، ونحن نأخذ على الواقفين على طبع هذا التصنيف البديع ما بدا لنا من غير أن نضمر لهم أدنى نية سيئة:
1 - كان يجدر بناشري الكتاب أن يهدوا منه نسخة إلى أصحاب الجرائد والمجلات لينقدوه أو لا اقل من أم يبشروا العالم العربي بظهور مثل هذه النسخة البديعة الصنع الجميلة الحروف المضبوطة بالحركات كلما مست الحاجة إليها، الكثيرة الفهارس التي هي زينة المطبوعات العصرية ومرغبة الأدباء في اقتنائها لسهولة البحث فيها عن الموضوع الذي يراد الوقوف عليه.
2 - في هذه الطبعة ثلاثة عشر فهرسا ومع ذلك ينقصه فهرسان مهمان(5/243)
الأول: في الألفاظ التي شرحها المؤلف نفسه في متن كتابه كقوله في ص9 وفيه دور كثير أي صنعة كثيرة.
والثاني: للكلم والعبارات الخاصة بالمؤلف أو التي جاء ذكرها في صلب سفره وليس لها وجود في دواوين اللغة مثل المشوشة الوارد ذكرها في ص10 ومثل قوله في ص28 الاطام وشرحها شرحا يختلف عما في دواوين اللغة وكذلك قوله: (ذي أو أش) فلقد ذكر لكل هذه الألفاظ ولغيرها معاني لم يصرح بها اللغويون في معاجمهم، فهذا يفيد أهل البحث كثيرا لأنه يوقفهم على معان كانت معروفة عند قوم من العرب ومجهولة عند قوم آخرين
3 - ذكر متولو طبع هذه النسخة أنهم لم يدخلوا في الفهارس ما جاء في (التصدير) الذي وقع في 56 ص وهي ليست بقليلة. ولعل هناك سرا أو حكمة نجهله أو نجهلها دفعهم إلى اجتناب هذا المحذور
4 - كنا نعلم أن في الجامعة الأمريكية نسخا من أجزاء الأغاني، فأن كانت هناك إلى الآن
فكان يحسن بأصحاب هذه الطبعة أن يقتنوا تصاويرها ليعارضوها على أخواتها التي كانت بأيديهم.
5 - الإفرنج إذا تولوا طبع كتاب نفيس قديم عربي وضعوا أرقاما بجانب كل خمسة اسطر وإذا وضعوا الفهارس ذكروا موطن وجود الكلمة من الصفحة وذكروا السطر أيضا. وعليه أوضحوا ذلك بالأرقام. وكل ذلك لكي يسرع الباحث في السقوط على ضالته بدون أن يخسر شيئا من وقته الثمين، ولهذا يرغب الأدباء في اقتناء ما يتولى طبعه أبناء الغرب، ولو كانت تلك المطبوعات غالية.
6 - من غريب أمر هذه الفهارس أن العلم الواحد إذا ذكر مرارا في الجزء لم يشر إليه إلا مرة واحدة فيها وهذا عيب أو نقص أو خلل لا يمكن السكوت عنه فأن الماجشون مثلا ورد مرارا عديدة في هذا الجزء أي في ص 66و 97 و100 وفي غيرها. والحال لم يذكر في فهرس رجال السند إلا مرة واحدة (راجع ص432).
7 - استشهد لشرح بعض الكلمات باللغويين المحدثين وهذا لا يجوز لمن(5/244)
يتمكن من أن يستشهد بكلام الأقدمين. والسبب هو أن المحدثين كثيرا ما حادوا عن نهج الأقدمين وساءوا فهم عباراتهم. ولهذا يحسن بنا أن نورد كلام الأقدمين أن استطعنا وأن شئنا بعد هذا إيضاحه بكلام المحدثين فلا باس من الاستشهاد بما أولوه. والاعتماد على اقرب الموارد أو محيط المحيط من اضعف الأمور فقد جاء في هذا الجزء في ص83 ما هذا حرفه عن السنبوسج:
(السنبوسج - ورد بالقاف والكاف بدل الجيم -: ما يحشى بقدر (بقطع) اللحم والجوز ونحوه من الرقاق المعجون بالسمن أو الشيرج) اهـ (اقرب الموارد) اهـ
قلنا في هذا الكلام أوهام، منها: أن النص المنقول عن اقرب الموارد لم يورد بلفظه فالذي جاء هناك هذا حرفه: (السنبوسق، المشهور بالكاف ما يحشى بقدر اللحم والجوز ونحوه من رقاق العجين المعجون بالسمن والشيرج. فارسيتها سنبوسة. الواحدة (سنبوسقة) آه
وهذه العبارة منقولة عن محيط المحيط إذ يقول: السنبوسق - والمشهور السنبوسك بالكاف: فطائر مثلثة تعمل من رقاق العجين المعجون بالسمن أو الشيرج تحشى بقطع اللحم والجوز ونحوه. فارسيتها سنبوسة - الواحدة سنبوسقة. آه
فأنت ترى من هذين النصين أن صاحب اقرب الموارد حاول أن يفرغ العبارة في قالب امتن من قالب البستاني فقال: ما يحشى بقدر اللحم. وهنا ظهر العيب لأن القدر في العربية لا تجيء إلا بمعنى القطع الكبار من اللحم. لا بمعنى القطع الصغار وهذا وأن لم يصرح به اللغويون هذا التصريح البين إلا أنهم لم يستعملوه إلا بالمعنى الذي نشير إليه. ومن راجع الأمهات اللغوية ونظر إلى مواقع اللفظة من استعمال الفصحاء لها يتحقق هذا الأمر ونحن لا نريد أن نأتي بالبينات على مذهبنا هذا خشية التبسط في الكلام على غير جدوى.
بيد أن داود البصير افصح عن كيفية اتخاذ السنبوسك احسن إفصاح وكان الحق أن تسند إليه الرواية لأنه ابن بجدتها قال في تذكرته (165: 1). (سنبوسك باليونانية (كذا): بزماورد وهو عجين يحكم عجنه بالأذهان كالشيرج(5/245)
والسمن ثم يرق ويحشى بلحم قد نعم قطعه (قلنا: إذن لا يحشى قدرا) وفوهة وبزر ممزوجا بالبصل والشيرج ويطوى عليه ويقلى في الدهن أو يخبز، وأجوده ما حمض بنحو الليمون وكان لحمه صغيرا (قلنا: وهذا نص ثان واضح على منع القدر) أو عمل من الدجاج) اهـ.
فهذا احسن تفصيل لعمل السنبوسج ولا يمكن أن نستغني عنه ليتخذ نص المحدثين الذي لا يفيد فائدة تذكر. نعم أن هناك خطأ في قوله باليونانية وقوله بزماورد إلا أن هذا الخطب يسير بجانب تلك الفوائد الجليلة.
وذكر لمعنى اللوزينج في تلك الصفحة شرحا منقولا عن اقرب الموارد أيضاً ولو نقل نص اللسان في مادة لوز لكان أوثق وأن كان النصان يكادان يتشابهان؛ إلا أن الركون إلى كبار اللغويين احسن.
وجاء في تلك الصفحة لشرح النقانق الواردة في المتن ما هذا حرفه (جاء في شفاه الغليل: لقانق (باللام بدل النون الأولى): اسم لأحد الأمعاء وبه سمي معي الغنم المحشو المقلي اهـ - قلنا النقانق لغة في اللقانق وهذه كلمة رومية (أي لاتينية) أي وهو ما يسميه الأقدمون بالخلع أو البطخة أو ما يشابههما وبالإفرنجية أما أن في لغتنا أمعاء تسمى لقانق فلا وجود لهذا الاسم. والصواب اللفائف بفاءين وبهمزة قبل الفاء الأخيرة؛ ولهذا لا يوافق الحقيقة نص شفاء الغليل.
وفي تلك الصفحة شرحت لفظة (مطرف بالخردل) بقوله (لعل المراد أنه محسن بالخردل
يوضع عليه) والذي عندنا معناه؛ فيه شيء أو طرف من الخردل.
وشرح الخردل بأنه (حب شجر معروف. . . وهو المعروف الآن باسم مع أنه ليس من الشجرة في شيء بل هو من النباتات الشبيهة بالبقول. ثم أن قول صاحب الحاشية هو المعروف الآن باسم (الموتارد) وهو غريب فلو قال هو المعروف الآن عند الفرنسيين باسم (موتارد) لهان الخطب، لكن إطلاق قوله على الوجه المذكور غير مستحب
8 - في بعض المواطن استنجد الشارح بكلام الأغراب ليبين معنى ألفاظ(5/246)
الأعراب وهذا ما كنا نتوقعه منه ولا سيما لشرح ألفاظ مثل هذا السفر الجليل الذي يجب أن لا يتضمن إلا عبارات السلف أو ما يقارنها أو ما يقابلها متانة. فقد جاء في ص 10: أطعمكما مشوشة وقليلة. وضبط مشوشة بفتح الميم وضم الشين وإسكان الواو وفتح الشين الثانية وفي الأخر هاء وشرحها في الحاشية بقوله (زيت يضرب مع بياض البيض فيصنع منه طعام دسم اهـ عن قاموس ستينجاس المطبوع في لندن) اهـ
قلنا: أن الذي ذكره ستينجاس هو مشوش لا مشوشة. ثم ذكر المشوش بضم الشين والميم متوهما أنها فارسية الأصل. وأما مشوشة بفتح الأول فقد ذكرها كوسغارتن في النسخة التي طبعها من الأغاني. وعلى كل حال أن صواب الرواية هو مشوش أو مشمشة (أي من باب التفعيل بصيغة اسم المفعول كمعظم) قال في شمس اللغات: مشوش كمعظم ومشوشة بالتأنيث طعام يتخذ من الزيت يلبك بالاح وهو أيضاً ضرب من الحلواء اهـ - والكلمة عندنا عربية من شوش الشيء (من باب التفعيل) خلطه أو عند أهل شمالي العراق كأهالي جزيرة ابن عمر والموصل وسعرد وما يجاورها: المشوشة كمعظمة يتخذ من دقيق العدس أو من جريشه وقال دوزي (المشوش والمشوشة (بضم الميم وفتح الواو المشددة) طعام كالشاشية وعرف هذا الطعام ناقلا كلام أحد أدباء العرب الأقدمين واسمه شكوري: هي الفرطون من الأطعمة المستلذة وهو لحم مطبوخ يعقد ببيض مضربة بتابل في زيت محمي ويأتي حسن المنظر طيب الطعم) اهـ
ولم يفسر دوزي في معجمه الفرطون والكلمة لاتينية الأصل أي ومعناه كل طعام يتخذ مطبوخا على النار ولا سيما المحمس منه.
وجاء في أول التصدير أن هو المسهك ففسر هذه اللفظة بقوله: ممر الريح. قلنا والذي
نراه في كتب اللغة لا يوافق هذا المعنى. نعم قال صاحب اللسان: المسهك ممر الريح لكننا نراه يقول بعد ذلك سهكت الريح أي مرت مر شديدا والمسهكة ممرها. وليس هذا المطلوب من الكلمة الإفرنجية (كوران دير) فقد يكون المراد بهذه اللفظة مجرى الريح وأن كان خفيفا(5/247)
ويكون فيه أعلى واسفل. فأعلى المجرى سماه العرب: علاوة الريح وأسفله سفالة الريح، وإلا فالمسك بالفرنسية
وفي ص8 من التصدير في الحاشية ما هذا نصه: (يراد بالابخاش الثقوب ولم نجد مادة (بخش) في كتب اللغة فلعلها مولدة). انتهى. لو قال المحشي: لم نجد مادة بخش في أمهات كتب اللغة أو في كتب اللغة للأقدمين لعذرناه أما تعميم الإطلاق فنؤاخذه عليه لأن مادة بخش وردة في محيط المحيط وفي دوزي. ودوزي ذكر عدة كتب جاءت فيها هذه اللفظة. وقال عنها صاحب محيط المحيط أنها عامية وليس كذلك إنما هي ارمية الأصل (أي سريانية) والبخش في هذه اللغة (بحش) بالحاء المهملة. والحاء المهملة كثيرا ما تنقل إلى العربية بالخاء المنقوطة ثم أن كلام بخش و (بحث) من أصل واحد ويفيد الحفر والنبش والنكث لطلب شيء أو حقيقة.
وفي ص 13 من التصدير: واتخذت آلات الرقص في الملبس والقضبان والأشعار التي يترنم بها عليه. قلنا والخطأ ظاهر إذ لا يترنم على القطبان بل على القصبات جمع قصبة وهي المزمار كما نص عليه اللغويون.
وفي ص20 من التصدير فسر كاملة حالق الواردة في هذا البيت:
أبعين مفتقر إليك رأيتني ... بعد الغنى بي من حالق
بقوله: الحالق: الجبل المرتفع. نعم هذا صحيح في اللغة بوجه العموم ولكن المعنى المطلوب في البيت المذكور هو: المكان المرتفع من غير أن يخصص بالجبل. ومثله يقال جاء من حالق أي من مكان مشرف (اللسان في حلق) ويدخل في وصف المكان بالمشرف الجبل وغيره
9 - كثيرا ما يرى المحشي آراء لا توافق الحقيقة كل الموافقة فقد قال مثلا في حاشية ص 27 من التصدير: الناي من آلات اللهو. أعجمي معرب. وعربيته زمخر ومزمار اهـ. قلنا
لكل من هذه الملاهي معنى غير معنى صاحبيه فالني يقابل بالفرنسية والزمخر: المزمار الكبير الأسود (التاج) والمزمار ولهذا لا نسلم بما قاله صاحب الحاشية.
10 - من عادة الواقفين على هذه الطبعة ضبط الكلمة بأوجهها المختلفة إذا(5/248)
كان لها عدة وجوه. وهو عمل في غاية الحسن، إلا أنه عدل عن هذه الحالة إلى غيرها مستحسنة ففي ص 27 من التصدير ضبط بلورة كتنور بزيادة هاء في الأخر وهي لغة لم يصرح بها إلا صاحب القاموس. أما صاحب اللسان فذكرها كسنورة وهي اللغة المتعارفة. وذكر لغة أخري وهي كسبطرة.
11 - كثيرا ما نرى في هذه الطبعة ألفاظا مكتوبة على غير الوجه المألوف (فهرون) مثلا لم ترد مكتوبة في هذه الطبعة إلا وزان ناقوس. بينما نرى السلف يكرهون هذه الصورة ويميلون إلى وزن فعول فيها. وسبب ذلك أن قدماءنا ينظرون إلى وزن فاعول نظرهم إلى وزن أعجمي وهارون عبرية إذن أعجمية فيلوون وجههم عنه ويولونه شطر وزن فعول العربي. أما إذا نسبوا إليه فلا يكتبونها إلا على وزن فاعول فيكتبون هارون الرشيد، لا هارون الرشيد وهارون أخو موسى لا هارون أخو موسى. ويقولون الهاروني ولا يقولون البتة الهروني، (راجع في هذه المادة القاموس والتاج ولسان العرب والمطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية لنصر الهوريني ص181) وكذلك نرى (الحرث) مكتوبة الحارث في جميع المواطن والسلف ميزوا بين (الحرث) علما فيكتبونه بلا ألف وبين الحارث اسم فاعل لحرث يعني فالح الأرض وزارعها. ومخالفة الكتابة المعهودة المألوفة كثيرة المثل في هذه الطبعة وفي موارد وألفاظ شتى لا نريد أن نستقصيها.
على أن الذي نكرهه اشد الكراهية عدم تنقيط الياء في آخر الكلمة اعتمادا في ذلك على فهم القارئ: لكن نسي ناشرو هذه الطبعة أن المطالع مهما كان متوغلا في اللغة وواقفا على أسرارها وغوامضها قد تفوته معرفة تنقيط الياء أو إهمالها. أما إذا نقطت الياء انتفى كل إبهام. - جاء في حاشية ص 144 يقال: علا يعلو كسما يسمو وعلى يعلى كرضى يرضى اهـ فلو قال: وعلى يعلى كرضي يرضى. أما كان احسن ليعلم القارئ أن كلا من علي ورضي هو كعلم يعلم لكن ما القول. والمرء ينقاد إلى عادات قديمة سقيمة يرى عدم نفعها بل ضررها وهو يتمسك بأذيالها لأنه نشأ عليها. وكم أضرت هذه القاعدة باللغويين أنفسهم
لعدم تنقيطهم الياء الأخيرة حين الحاجة إليه. والشواهد في دواوين(5/249)
اللغة اكثر من أن تحصى. ولنجتزئ بذكر واحد لا غير.
قال في لسان العرب في مادة لارن (ابن سيدة الهرنوي: نبت قال لا أعرف هذه الكلمة لم أرها في النبات وأنكرها جماعة من أهل اللغة. قال ولست ادري الهرنوي مقصور، أم الهرنوي على لفظ النسب) اهـ
فأنت ترى من هذا اعتراف ابن سيدة بجهلة لفظ هذا الحرف، وما ذلك إلا لإهمال تنقيط الياء فلو كانوا قد اعتادوا تنقيطها لعرفوا أنها بياء النسبة لكن أهملوا التنقيط في كلتا الحالتين فلم يهتدوا إلى سواء السبيل. وكم من الألفاظ التي تعود إلى هذا السبيل. وكم من الذين يخطئون في القراءة ويلحنون في الكلم لهذه العلة نفسها. لقد حان الوقت أن نتمسك بكل ما يأتينا من السلف حسنا وننبذ كل سيئ أتانا أو يأتينا منهم. - أن صاحب اللسان بعد أن وردة كلام ابن سيدة لم ينطق بنص يؤيد القص أو التشديد في الهرنوي، فانظر بعد هذا إلى قول من يدعى أننا في غنى عن تنقيط الياء اعتمادا على علم القارئ. فليفتنا هذا القائل عن هذه الياء منقوطة هي أم مهملة، وليذكر لنا شاهدا أو سببا لترجيح رأي على رأي.
أما نحن فأننا نرى رأي التاج أي أن الهرنري (المقصورة) كالهرنوة المختومة بالتاء. وكثيرا ما تتعاقب الألف والهاء في الآخر مثل العرضنة والعرضنى، الرخامي والرخامة، والرعامي والرعمة، القصيري والقصيرة. وهي في لساننا كثيرة. فإذا ثبت هذا وعلمنا أن الهرنوة لغة في القرنوة وهذا الإبدال كثير أيضاً في لغتنا عند سلفنا مثل وهف النصراني ووقف. الهرطمان والقرطمان، راس هنادل وقنادل. أنهار انهيار وانقار انقيارا. هرهر الرجل وقرقر. والشواهد كثيرة فنستنتج من هذا كله أن من قال الهرنوي بالياء المشدودة هو خطأ والصواب الهرنوي بالقصر لأنها لغة في الهرنوة وهي القرنوة. فأنظر بعد هذا إلى ما فعل إهمال تنقيط الياء أو تنقيطها.
12 - وجدنا في هذا السفر الجليل بعض تعابير لا تصلح لأن تكون في جانب تعابير الأغاني. تلك التعابير السلسة المتدفقة رطوبة وعذوبة، قال أحدهم في التصدير في ص51 (ووضعن الزيادات التي استحسنا وضعها عن إحدى(5/250)
نسخ الأغاني أو عن كتاب آخر بين قوسين مربعين هكذا []) اهـ. وقد تكرر مثل هذا الكلام مرارا في الحواشي كقوله في حاشية
ص163: الجملة الموضوعة بين هذين القوسين المربعين. . .) قلنا ما كنا نتصور أن أحد من أهل هذا القصر يقول مثل هذا القول: (قوس مربع) لأن الخط أن كان قوسا فليس بمربع. وأن كان مربع فكيف يكون قوسا. وهذا يشبه من يقول دائرة مربعة أو مربع مستدير. كل ذلك من المحاليات والعلامة التي يشير إليها تسمى (العضادتان) لأنها على شكل عضادتين.
وقد يأتي أصحاب الحاشية بآراء هي اقرب إلى آراء الأطفال منها إلى آراء الرجال. فقد قالوا مثلا في حاشية ص 55 في أصل البريد: أنه عربي. . . وذهب آخرون إلى أنه فارسي معرب. . . وأن اصله (بريده دم) ومعناه مقصوص الذنب. . . إلى آخر ما نقوله عن ابن الأثير.
قلنا: يا سادتي أن مثل هذه الآراء المضحكة لم يبقى لها محل اليوم والبريد على رأي المشاهير في عهدنا معرب الرومية ويراد به (فرس الحمل أو حصان النقل). إذ ينقل عليه أثقال البريد. والكلمة مركبة عندهم من حرفين معناهما (جار عجلة الحمل) - لأن الرومان كانوا ينقلون بريدهم - إذا كثرت منقولاته - على عجل تجرها الخيل فأين هذا من ذلك.
40 - النهضة العراقية
جريدة يومية سياسية لسان حال حزب النهضة العراقية، تصدر موقتا في أيام الأربعاء والجمعة والاثنين (كذا بتأخير الاثنين) في بغداد، بدل اشتراكها في بغداد 20 ربية وفي الخارج 28 ربية.
ظهر العدد الأول من هذه الصفحة نهار الأربعاء 10 آب من هذه السنة الموافق ل11 صفر من سنة 1326 - وأول مقالة وردت فيها عنوانها (العهد الجديد) ولم نجد فيها ما يعرفنا بخطتها ومنهجها ومحور أبحاثها. ومقالاتها الأولى كتبت بقلم غط في مداد من نار لأمن حبر وهي حسنة العبارات محكمة الرصف، ولسانها لسان حزب النهضة العراقية أي حزب الشيعة الإمامية. والظاهر من نسق إصلاحها أنها تريده بأقوى الوسائل. فعسى أن يكون رائدها الحلم وقائدها الحكمة لتبلغ إلى مرماها بلوغا أمينا(5/251)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - لجنة إصلاح المراسلات الرسمية
أنشئ عندنا في أواسط تموز لجنة سميت (لجنة إصلاح المراسلات الرسمية) غايتها النظر في الألقاب ووضع نظام لها حينما يوجه فيها الخطاب إلى الموظف نفسه لا إلى وظيفته فقر الرأي على أن يكون اللقب الذي يوجه:
إلى حضرة الملكية: صاحب الجلالة الملك.
وإلى ولي العهد: صاحب السمو الملكي
وإلى رئيس الوزراء: صاحب الفخامة
وإلى كل من الوزراء: صاحب المعالي
وإلى رئيس مجلس الأمة: صاحب الدولة (؟ كذا)
وإلى كل من المتصرفين والمديرين العامين ورؤساء المحاكم المدنية وأعضاء محكمة مجلس الاستئناف وإلى أمين الجامعة وإلى كل من رؤساء الكليات: صاحب السعادة (؟ كذا)
وإلى كل من سائر الموظفين من قوام المقامات وما دونهم: حضرة
2 - سفر ملكنا المحبوب
زايل العاصمة ملكنا المحبوب صباح السبت 6 آب في الساعة التاسعة والنصف راكباً الطيارة (القاهرة) ومعه كتومه الخاص رستم بك حيدر ومرافقه تحسين بك قدري. وقد شيعه الكبار والصغار.
3 - الرافد في غباب مليكنا
في الساعة الحادية عشر ونصف من صباح السبت 6 آب حلف جلالة الملك علي اليمين في البلاط الملكي ليكون رافد (نائب الملك) في غياب أخيه وكأن ذلك بحضور أصحاب المعالي الوزراء ورئيس مجلس الأعيان ونائب رئيس مجلس النواب.
4 - الأمير ولي العهد
في نحو الساعة الثانية بعد الظهر 4 آب وصل العاصمة الأمير (غاز) ولي العهد قادما من لندن إلى فرنسة إلى الإسكندرية على الباخرة ومن مصر القاهرة إلى بغداد على الطيارة ومعه الشيخ كاظم الدجيلي(5/252)
5 - الوزراء الجدد
صدرت الإرادة (الملوكية) بتعيين السيد علوان الياسري وزير للأشغال والمواصلات، وعبد الحسين جلبي وزير للري والزراعة، وأمين زكي وزير للمعارف، بعد أن كان إلى الآن وزير للأشغال والمواصلات.
6 - الأمير زيد
ذهب الأمير زيد لزيارة جلالة والده في قبرص في نحو أواخر تموز.
7 - الأمير طلال
الأمير طلال نجل الأمير عبد الله غادرة إنكلترا إلى مصر إلى عمان ليزور والده في هذه العاصمة.
8 - ابن السعود يضرب نقودا جديدة
ضرب السلطان ابن السعود نقودا من ذهب وفضة ومعدن باسمه، وعلى ظهر كل واحدة قيمته وعلى جانبه الآخر: (ملك الحجاز وسلطان نجد عبد العزيز السعود 1344)
9 - المفاوضات بين الحجاز واليمن
ابتدأت المفاوضات بين الإمام يحيى حميد الدين وبين مندوبي الحجاز فحضر الإمام الاجتماع التمهيدي الأول بنفسه ثم اعتذر عن حضور سائر الاجتماعات بسبب كثرة مشاغله.
10 - الاحتفال بفتح مجلس الشورى للحجاز
احتفل في 14 تموز في مكة بفتح مجلس الشورى الجديد في ردهة الديوان (الملوكي) فتلا حضرة الشيخ حافظ وهبة الخطبة بحضور جلالة الملك وقد أعرب عن ارتياحه إلى شروع
المجلس في عمله وقال أنه رفع التبعة عن نفسه ووضعها في أعناق أعضاء المجلس وأن الحكومة جادة في أعمال الإصلاح والمشاريع النافعة، وأنها الفت لجنة التفتيش والإصلاح وعهدت إليها تفقد دواوين الحكومة والنظر في الاقتراحات لإصلاحها وأن اللجنة أنجزت جانبا من عملها ولا يزال أمامها عمل شاق.
قال: وستعرض عليكم ميزانيات دواوين الحكومة ومشاريع لحفر أبار ارتوازية لشدة الحاجة إلى الماء وتمهيد الطريق بين مكة وجدة وتوسيع شوارع مكة وإصلاح إدارة البريد والبرق ولا سيما بعد أن أنضمت المملكة إلى اتحاد البريد الدولي.
11 - المتقن الطبي العراقي
أعلنت إدارة الصحة أن من يرغب في دخول هذا المتقن الوشيك الانفتاح عليه أن يقدم طلبه إلى مديرية الصحة العامة قبل نهاية آب الحالي وبيده شهادة(5/253)
من مدرسة ثانوية أو مما يعادلها وأن يكون عارفا للغتين العربية والإنكليزية وكل من يتعهد بخدمة الحكومة مدة أربع سنين يدفع خمسين ربية فقط سنويا عن تلقيه الطب وخمسمائة ربية سنويا لمن لا يتعهد بالخدمة.
12 - الإسرائيليون في تركية
يبدي الإسرائيليون في تركية ولا سيما الشبان منهم ميلا عظيما إلى إدخال روح التجديد في تقاليدهم الدينية وقد طلبوا إلى كبير الحاخامين في الأستانة أن يسمح لهم بإدخال (الأرغن) في الكنيس لأداء الصلوات والعبادات على ما يفعل النصارى في بيعهم ويرون وجوب تعليم بناتهم تلحين الأدعية والزبور على ذيالك المثال اشتراكا في التمجيد والتبريك مع الشبان. وقد اظهر الربانيون أباء لهذه الأفكار، فأدى هذا الخلاف إلى إقفال الكنيس في حيدر باشا. ولا يزال النزاع شديدا بين القبيلين بين أهل الجديد وأهل القديم.
13 - المعتمد السامي في العراق
في صباح 7 تموز ركب الطيارة السر هنري دبس من دون أن يعلم بسفره أحدا قبل اليوم المعين، فكأن إذن طيرانه فجأة مما أثار في الصدور التأويل الغريبة وبعد أن وصل القاهرة ركب في الإسكندرية الباخرة. . .
وقد ذكر رويتر أنه (ذهب إلى لندن لمقابلة وزير المستعمرات البريطانية ومحادثته في شؤون العراق الداخلية. فأن وجدت آراء المستر أمري موافقة لآراء السر هنري دبس فلا بد من استقالة الوزارة العراقية الحالية وإلا فلا.
وأما سبب الخلاف بين الوزارة والمعتمد فيعود إلى أمرين الأول قانون التجنيد الإجباري. والثاني مقدار ظهور المعتمد السامي في التدخل في شؤون الإدارة الداخلية في العراق. ومن رأي الوزارة أن تنفذ قانون التجنيد الإجباري أن قبلته الندوة (البرلمان) وأن من الواجب عليها أن تظهر أمام القوم العراقي بمظهر استقلال يليق بمقام الحكومات المستقلة. ولكن المعتمد السامي لا يرى هذا الرأي في هذين الأمرين.) اهـ كلام رويتر في 9 تموز
14 - وفاة الدكتور صروف
عندنا إن أكبر عالم شرقي أخرجته البلاد اللسان هو الدكتور يعقوب صروف منشئ المقتطف فأنه جمع في صدره علوم الغرب وفنونه فضلا عن معارف الشرق فكأن أضوء نجم(5/254)
سطع في ديارنا بعد قرون عديدة. وقد كان مقتطفة فلكل نقل به خزائن أفكار الغربيين إلى ربوع أبناء يعرب ولهذا تبقى مجلته شرعة يرددها كل كاتب عربي في أي فن أو علم أو صناعة أراد أن ينشئ. وكانت أخلاقه من أطيب ما يكون فبوفاته خسر الشرق أقوى عماد كان له. ولد في الحدث (لبنان) في 18 تموز 1852 وتوفي في القاهرة في 9 تموز من سنتنا هذه فيكون عمره 75 سنة وتكاد تكون كاملة.
15 - محاولة اغتيال في جزيرة العرب
كتب في العراق أن دبرت في الرياض مؤامرة
وذلك أن الأمير خالد ابن الأمير محمد السعود، شقيق ملك نجد والحجاز عقد خفية عصابة من اتباعه وعبيده لاغتيال أمير الرياض (سعود بن عبد العزيز السعود نجل ملك نجد والحجاز الكبير وولي عهده الشرعي)، ولإعلان عصيانه على صاحب الديار. ولما كان يدري أن الأمر لا يتيسر له - وأن تم له اغتيال الأمير سعود - ما لم يقتل في الوقت نفسه أمير الاحساء، عبد الله ابن جلوى، عمد إلى طائفة من عصابته إلى الاحساء لقتل أميرها المذكور. فضرب لها موعداً - وهو اليوم الذي قرر فيه قتل الأمير سعود ولي العهد.
ولما عقد النية وجاءت الساعة المحتومة أنقلب عليه الدهر وذهبت مساعيه أدراج الرياح أن في الإحساء وأن في الرياض لأنه لما كان يتسلق ليلا جدار دار الأمير هو وأعوانه على سلالم اتخذها لهذه الغاية شعر بهم الحرس فاصلوهم نارا حامية أكرهتهم على الفرار ولا فرار جرادة العيار بعد أن قتل من المهاجمين ثلاثة هذا في الرياض.
وأما في الإحساء فقد تمكن أميرها عبد الله بن جلوى من معرفة أبناء العصابة وما نووا فاعتقلهم
وقد قبض في الرياض على رئيس العصابة وهو الأمير (خالد السعود) فاعتقل، وعلى (نائف أبو الكلاب) أحد رو ساء العجمان المعتقلين في الرياض حينما كان يحاول الهرب. وقد تبين أنه أحد المتآمرين، فأمر الأمير بقتله فقتل رميا بالرصاص.
أما الأمير خالد رئيس العصابة فهو شاب عمره 24 سنة وهو نجل الأمير محمد بن عبد الرحمن شقيق جلالة ملك نجد وزوجته كريمة جلالة الملك(5/255)
وحينما وقع الأمر كان والده الأمير محمد يتصيد. والمظنون أنه هو المدبر الحقيقي لهذه المؤامرة وأن لم يثبت ذلك ثبات واضحا
والظاهر أن للمتآمرين أنصار كثيرون ليسوا في الرياض، بل في خارجها. ويقال أن في مقدمة المشجعين لهذه المساوئ الزعيم ابن حميد (بالتصغير). وربما كان للدويش أصبح فيها.
وفي الشتاء الماضي كان الأمير محمد سعود، شقيق جلالة عبد العزيز سعود متهما بممالأة حركة الإخوان، وبأن له اتصالا بالزعيم ابن حميد، فربما كان سموه الأكبر والحقيقي لحركة نجله الأمير خالد. إلا أن الأيام ستكشف الحقائق. فلننتظرها
16 - استعفاء القائد ديلي
استعفى القائد ديلي مستشار وزارة الدفاع ومفتش الجيش العراقي العام من منصبه لأن أفكاره في التجنيد الإجباري للعراقيين لم يتفق ورأي المعتمد السامي الذي قاوم ويقاوم هذه الفكرة.
17 - بعثة طلبة
تبعث وزارة المعارف هذه السنة إلى المدارس الكبرى في الخارج خمسة وعشرين طالبا لتلقي العلوم العالية وفنون التخصص وصنائعه.
18 - عدد أطباء العراق كله
نشرت مديرية صحة العاصمة قائمة تحوي أسماء الأطباء في العراق كله لتوزع على الصيادلة، فكأن نتيجة إحصائهم كما يأتي:
اسم البلد موظف غير موظف المجموع
بغداد 18 3553
البصرة 5 1419
الموصل 9 817
العمارة 2 24
اربيل 2 02
ديالى 2 13
الدليم 3 03
الديوانية 2 02
الحلة 2 35
كركوك 2 02
المنتفق 1 01
السليمانية 101
الأطباء البريطانيون 19 019
الهنود 15 015
الجيش العراقي 200 20
المرتزقة 3 03
أطباء للأسنان 10010
البياطرة 10 010
المجموع189(5/256)
العدد 49
أسرة ترزي باشي
1 - تمهيد
كنا قد نعينا القراء الكنتس سيدي أصفر (64: 5) ووعدناهم أن نوافيهم بترجمتها وترجمة أسرتها وإلى هذا الحين لم يتسع لنا المجال لإدراج المقال. فجئنا اليوم بهذه السطور إنجازا لما وعدنا به.
تعريف بيت ترزي باشي
في نحو أوائل الربع الأخير من القرن الثامن عشر للميلاد، أقبل من ديار بكر (أمد القديمة) خياط أرمني غير كاثوليكي صناع اليد أسمه: (إلياس آغا ترزي باشي وما كاد يلقي عصاه حتى أقبل عليه أغلب كبار القوم ليخيطوا عنده كل ما يلبسونه من الثياب.
واتفق إن كان في بغداد يومئذ البطريرك يوحنا هرمز أسقف الموصل(5/257)
النسطوري سابقا، والبطريرك الكلداني بعد ذلك، وكان قد سامه عمه البطريرك ايليا النسطوري مطرانا سنة 1776 ليكون خليفته بعد موته بحق الإرث، على مألوف عادة النساطرة إلى هذا العهد. ولما كان مات عمه ايليا المذكور سنة 1780 انتصب على السدة البطريركية وجحد النسطورية وصبأ إلى الكاثوليكية؟ ولكن بقي ردحا من الزمن معدودا مطرانا فقط للموصل حتى أثبت بطريركيته البابا بيوس الثامن سنة 1810 وكان الحبر الأعظم لاون الثاني عشر أزال في سنة 1828 تمييز بطريرك ديار بكر (آمد) عن بطريرك الموصل، وحصر البطريركية في واحد يلقب ببطريرك بابل ويجلس في الموصل.
إذن كان البطريرك حنا هرمز في بغداد سنة 1838، فأقنع الياس آغا ترزي باشي بأن ينكر مذهبه ويأخذ بمذهب الكاثوليك ففعل. ولما لم يكن يومئذ للأرمن الكاثوليك كاهن خاص بطائفتهم، انضم إلى الكلدان.
وتزوج الياس آغا ورزق ابنين وابنتين. اسم الابن الواحد (عبوش) (وهو تصغير عبد الله من باب التحبيب) واشتهر بالخياطة كأبيه فلقب هو أيضاً بترزي باشي عند الوالي وأصحاب الأمر وفي مقامه هذا أدى خدما لا تحصى لنصارى بغداد، ولاسيما نجاهم من
مظالم عديدة كانت تحل بهم كل يوم ألوانا - واسم الابن الثاني (خضر) والعامة ترقق الضاد وتقول خدر. - واسم الابنة الواحدة (مروشي) (أي مريم من باب التحبيب) واسم الآخرة (سارة)
ولما شب خضر رسمه البطريرك حنا هرمز شماسا فاشتهر بعد ذلك بالشماس خضر. وتزوج ابنة اسمها مريم فولدت له ولدين وهما الياس وحنا.(5/258)
فتزوج الياس مرومة بنت انطون نعيم فرزق منها أربع بنات وابنا.
أما الابن يوسف فذهب إلى إيران للتجارة وأقام في جلفا قرب اصفهان وهناك توفي من غير أن يخلف عقبا. وأما البنات فهن لوسي وكترينة وأشموني وسيدي ريجينة.
فلوسي تزوجت رفائيل بن عبد المسيح المارديني.
وكترينة تأهلت بتوماس بحوش الذي توفي بعد حين فتزوجها واسيلاكي الصيدلي الرومي.
وأشموني تزوجت حنا بن بهنام النقار الذي اشتهر بعد ذلك باسم حنا النقار وهو موصلي الأصل.
أما سيدي ريجينة التي من أجلها قدمنا كل هذه المقدمة فدونك ما نعرف عنها منذ صغرنا.
3 - الكنتس سيدي أصفر
سيدي ريجينة بنت الياس ابن الشماس خضر بن الياس آغا ترزي باشي الديار بكري (أو الآمدي)، عمدت في 15 أيار سنة 1846، عمدها القس اندراوس هندي الكلداني وكانت عرابتها هلوش؛ ولما ترعرعت، أظهرت من الذكاء والتقى والعبادة ما ميزها عن جميع أترابها، وقد تلقت آدابها الأولى عن الراهبات الوطنيات اللواتي كن يومئذ في بغداد، وكن يعرفن باسم (عابدات الله)؛ ولما ظهر لها ما في الدنيا من المخاطر، أرادت أن تنتسب إلى الدرجة الثالثة من رهبانية الكرمل، فطلبت إلى رئيس المبعث (وكان يومئذ الأب مارية يوسف ليسوع) أن يعنى بأمرها. فبعثها مع رفيقاتها إلى دير راهبات المحبة في بيروت سنة 1868 لتتعلم ما يجب تلقيه قبل أن تنخرط في السلك الذي تتوق إليه.
وفي سنة 1869 ذهب الأب مارية يوسف إلى رومة، وفي عودته من رومة مر ببيروت في كنيسة راهبات المحبة نذر الابنة سيدي ريجينة مع سائر(5/259)
رفيقاتها تا كوهي وسميت بريجيتة وهي ابنة حنا (أبو الرماح) ابن الشماس خضر بن الياس آغا ترزي باشا وماري
راندكويست.
وبعد ذلك بقليل عادت إلى بغداد بعد أن تعلمت أشغال الإبرة وأصول اللغة العربية والفرنسية.
ولما جاءت إلى بغداد رأت رفيقاتها أنها إذ كاهن وأتقاهن فعينها رئيسة لهن بعد أن فتح لهن دير هو دير المنسوبات إلى الدرجة الثالثة المذكورة.
وكن جميعا عشرا مع الأمل أنهن يزددن مع الزمن، ليساعدن بعد ذلك المرسلين الكرمليين في مهنتهم أي أن الرهبان يعنون بتهذيب البنين والثالثيات والكرمليات بتهذيب البنات.
بقي هذا الدير للراهبات يسير سيرا حسنا، إلا أن القاصد ماري لويس ليون الدمنكي - وكان سابقا رئيس مبعث الدمنكيين في الموصل الذي رسم في 17 نيسان 1874 قاصدا لما بين النهرين - زار الدير زيارة قانونية فتعجب من تقوى أولئك الثالثيات ومن فقرهن ومن تفانيهن في سبيل حب القريب ونفعه من غير أن يكون لهن وسائل مالية يواصلن بها أعمالهن، ورأى من الواجب أن يطلق الحرية لهن وإن كن قد رضين بحالتهن تلك. وهكذا فرقهن وأباح لهن أن يرجعن إلى بيوتهن أو يذهبن إلى ديارات تغزر فيها وسائل المعيشة، كما أكد لهن أن لا مانع من زواجهن لأنهن لم ينذرن إلا نذر المنسوبات الثالثيات وهذا النذر لا يمنع أصحابه (ذكورا كانوا أو إناثا) من التزوج والعناية بالأولاد. فمن هذه الشواب جماعة ذهبت إلى سائر الديرة وبعضهن أقمن في البيت وأخريات تزوجن.
ولما كان وجود راهبات ضروريا لتهذيب نصرانيات العراق جلب القاصد(5/260)
المذكور راهبات تقدمه العذراء الدمنكيات الفرنسيات لهذه الغاية، فجئن في سنة 1880 من تور (فرنسة).
أما سيدي فذهبت إلى بيت أهلها محافظة على تقواها وأشغالها داعية الكل بأمثالها إلى حب الفضيلة وتوخي مكارم الأخلاق. فخطبها جبرائيل بن حنوش أصفر وهو شاب مهذب يتعاطى يومئذ التجارة في البصرة وكان معروفا هو أيضاً بكبريات الأعمال وجلائل المبرات. فرضيت به زوجا بعد أن كانت قد رفضت أيدي شبان عديدين لم يكونوا أكفاء لها، بل كانت قد رفضت يد الفاضل جبرائيل نفسه مرارا، إلا أنها لما تحققت أنه يلح في طلبها، رأت في هذا الإلحاح أمرا آتيا من السماء لتنشئ لها بيتا مبنيا على أسس الفضيلة وأعمال البر، إذن تزوجت سيدي في البصرة في 10 نيسان سنة 1883.
ما كادت سيدي تقترن بالشاب أصفر إلا نظمت البيت على أحسن وجه وعنيت بجميع الموظفين الذين يشتغلون في محل زوجها، كما قامت بالفرائض التي كتبت عليها لتسير طرق التقى والعبادة وحسن السلوك على جميع الخدام الذين كانوا يستخدمون في داخل البيت وكانوا عشرات. وما كانت تفرق بين نصراني وغير نصراني، إذ الجميع كانوا في نظرها أخوة لها لا خدما أو مستأجرين، ولهذا كنت ترى جميع المستخدمين عندها يعزونها ويكرمونها إكرام الأولاد لأمهم، وكان المسلمون في دارها أكثر من النصارى واليهود لما رأوا فيها من عنايتها بهم ذلك الأمر الذي لم يروه في سائر المحلات التي خدموا فيها.
رزقت عدة بنين وابنة واحدة، أما البنون فلم يعش منهم إلا (البر) والابنة الوحيدة التي رزقها الله هي (جوزفين) فربت الولدين بعناية لا توصف إذ جلبت لهما معلمين في بيتها لتقوم هي ببقية ما قد انتدبت له من أمر التهذيب والتأديب.
ومع كل غناها وحسن حالها، ما كنت تراها تلبس الثياب الغنية ولا الحلى وكرائم الحجارة، بل كانت تكتفي بثياب نظيفة لائقة بمقامها، وكانت تكره السهرات والمراقص والولائم والحفلات الكبير، إذ كانت قد تحققت ما تحت ظواهر هذه المواسم من السموم التي لا تبقى ولا تذر
وكان لها ولزوجها صلات بأكابر من وطنين وأجانب ولا يخلو البيت(5/261)
من ضيوف ليل نهار، فكانت تقوم بواجبهم بينما كان زوجها معتنيا بأمور التجارة.
وفي سنة 1906 منح الحبر الأعظم جبرائيل أصفر لقب (كنت) أو كما يقول سلفنا (كند أو قند وهذا الترفيع لم يغير شيئا في حال الكندة أو الكنتس؛ إذ من كان مقامه من الفضل في مناط العيوق، لا يزيده علوا إذا ما أقر به الغير.
وذهب أهل البيت كله إلى لندن لأشغال التجارة فلم يكن ذلك مما سبب لأصحابه حياة جديدة غير الحياة التي ألفوها في البصرة، والذي انتفعوا منه هو أن الأبوين أدخلا ولديهما في مدرسة عالية في لندن ليتلقيا فيها اللغة الإنكليزية وآدابها ريثما يتم للأسرة انتظام أمورها التجارية فجاءت الإقامة في عاصمة الإنكليز ذات فائدتين: فائدة علمية أدبية وفائدة تجارية.
رجع الجميع من ديار الغرب والمنتسبون إلى هذا البيت الكريم على أتم مثال للفضل والفضيلة وكان كل واحد من أعضائه في رأس عمل بر أو شركة أو جمعية. وكانت
المساعدات التي تبذلها الكندة على الفقراء والمعوزين فوق كل تصوير. وكانت اليد اليسرى تجهل ما تأتيه اليد اليمنى؛ دع عنك أشغال البيت التي كانت تقوم بها خير قيام، فلقد كانت السيدة الكندة مثالا حيا للنشاط والمهمة والسعي إذ لا تدخل بيتها إلا تراها مشتغلة بأمور مختلفة، ولو كان عندها من الخدم والحشم فوق ما يرى في سائر البيوت والدور. وكلما كان الموظفون يرونها على هذا الوجه من الكد والجهد، كانوا ينشطون في العمل ويتعلمون منها تدبير الشؤون في الداخل.
والخلاصة أنه صح فيها كلام سفر الأمثال القائل: لباسها العز والبهاء وهي تفرح في اليوم الأخير. تفتح فاها بالحكمة. وفي لسانها سنة الرحمة. تلاحظ طرق بيتها ولا تأكل خبز الكسل. يقوم بنوها فيغبطونها ورجلها فيمدحها. إن بنات كثيرات أقمن لأنفسهن فضلا، أما أنت ففقتهن جميعا. الظرف غرور والجمال باطل، والمرأة المتقية للرب هي التي تمدح. أعطوها من ثمر يديها ولتمدحها في الأبواب أعمالها.(5/262)
السحر الحلال
خلقت وفيا لا أميل إلى الغد ... ومن شيمي أن لا أقر على القهر
وتكره نفسي أن أقول مخادعا ... لأكسب بعض الخير من جانب الشر
ولا أرتضي عيشا وذلا يشوبه ... وأرضا يسود العبد فيها على الحر
وأسدي لمن أسدي الجميل نظيره ... وأجزي الذي أولاني الشكر بالشكر
وأرحل عن أرض إذا الضيم ما بدا ... بساحتها والجور قد جد في أثري
وأصدى ولا أبدي إلى الماء حاجة ... ودجلة حولي ماؤها أبدا يجري
ولست أود المرء ما لم يودني ... ولا خائن عهد الصديق مدى العمر
ولم أصطحب إلا كريما سميدعا ... أشد إذا ما عن خطب به أزري
فإن أنا يوما قد عثرت أقالني ... وقاسمني الأحزان في حالة الضر
أجوب البوادي الجرد في طلب العلا ... فأنجد في نجد وأغور في غور
وأقتحم الأهوال غير محاذر ... وإني لا أرضى من المجد بالنزر
أخو همة في كل أمر أريده ... وللعزم مني يترك الماء كالجمر
وما استصعبت نفسي الصعاب وأنها ... تساوي لديها للسهل والصعب في السير
بذا قد كسبت الحمد من كل موضع ... وخلدت ذكرا باقيا أبد الدهر
تريد الليالي أن تفل عزائمي ... وتبغي لي الأيام كسرا على كسري
بلوت الليالي ليلة بعد ليلة ... فلم أر فيها ما يسر سوى القهر
صبرت على ما حاق بي من مصائب ... كما يصبر الظمآن في زمن الحر
متى أترك الشكوى وأطرح الأسى ... وترقا دموعي بعدما أخذت تجري
يحاربني دهري كأني خصمه ... وحملني مما ينوء به ظهري
كلانا له بأس ولكن بأسه ... شديد وقلب الدهر قد من الصخر
مصائب لا تنفك تترى ولم تزل ... تهاجمني أيان ما سرت أو أسري(5/263)
ولكن نفسي الحر ليس يخيفها ... مصائب دهر شأنه الفتك بالحر
مرادي من الدنيا صديق يودني ... ويحفظ مني الغيب في السر والجهر
ولكن ما حاولت صعبا مناله ... ولا صاحب إلا ويجنح للغدر
وإني لفي قوم قليل خيارهم ... يقولون ما لا يفعلون من الأمر
يعدون إحساني إليهم إساءة ... وحلمي جبنا والسكوت من الذعر
أقابلهم بالرفق واللطف تارة ... وأحمل أخرى بالوعيد وبالزجر
يكيد لي الحساد ما الله دافع ... وترمقني الأعداء بالنظر الشزر
يغيظهم أني فتى ذو محامد ... وذو منطق إن قلت على الفور
يغيظهم أني إلى الفضل منتم ... وقد زدت بالآداب فخرا على فخر
أيحتقر الأعداء شئنا وأنني ... لذو أدب يسمو على الأنجم الزهر
يروم أناس نقد شعري جهالة ... وذلك مما لا يقل به قدري
يقولون خل الشعر لست تجيده ... وما أنت من أبناءه السادة الغر
فهذا الذي أذكى بقلبي جذوة ... وهذا الذي مما يضيق به صدري
أيوصف بالجهل الفتى وهو عالم ... وينعت بالبخل الفتى حالة الفقر
ويدعى بذي يسر وليس بموسر ... ويتهم بالإقلال في موقف العسر
أليس القوافي سلمتني قيادها ... وقالت تحكم كيفما شئت في أمري
وما أنا إلا شاعر راق لفظه ... وما الشعر إلا ما نطقت من الشعر
فأبدع إن أنشدت شعري ساحرا ... وكم أنا قد أبدعت في الشعر والنثر
فما النجم مثل البدر عند تمامه ... ولا البدر كالشمس المنيرة في الظهر
ألا فليمت حسادي اليوم أنني ... بشعري ورب الشعر قد جئت بالسحر
وطاولت بالمجد الرواسي وهكذا ... بعزمي بلغت القصد من مسلك وعر
فكم شاعر أعياه شعري ومنطقي ... وجئت بما لم يستطع مثله غيري
ويا رب شعر قاله خير شاعر ... فضل سبيل الشعر من حيث لا يدري
هو الشعر والقوافي سفينة ... وأني ربان السفائن في البحر(5/264)
أغوص على الدر الذي في قراره ... وما أحد قد غاص قبلي على الدر
وأنظم منه للحسان قلائدا ... يشع سناها في الترائب والنحر
بغداد: كمال نصرت
(لغة العرب) في هذه القصيدة الحماسية غلو وإغراق واضحان، وكنا نود أن لا يكونا فيها على هذا الوجه المفرط، إذ عصرنا هذا عصر وصف وتحقيق، لا عصر تفاخر وتعاظم؛ ونحن لا نرى مثل هذه الأبيات في قصائد الإفرنج الحماسية لأنها تدل على الأثرة ولا تفيد المجتمع الآدمي شيئا.
بنجوين
بنجوين من قرى العراق الكردية وهي حسنة الموقع والهواء والأرض.
وقد كانت مقر الشيخ محمود. أما الآن فهي مركز مديرية الناحية وفيها يقيم المدير وفوج من جيش العراق. فإذا تم تمهيد الطريق الوعر الذي يصلها بالسليمانية.
ولم يبق منه إلا نحو عشرة أميال، تصبح بنجوين من أحسن مصايف العراق وأطيبها مقاما لمن يعنى بصحته. دع عنك غزارة عيونها وتدفق مياهها وانحدارها على مهاو مختلفة مما يجعل النظر إليها من أبدع المناظر، وهناك الغابات الغضة والأشجار الجبلية التي لا يرى منها في سهول الرافدين؛ أما إثمار الأشجار الطيبة المآكل فحدث عنها ولا حرج، فإنها دانية القطوف. ومما يأنس إليه الغرباء أو الصائفون الثلج ومناظره فإنه يبقى طول أيام الصيف فيجتمع الضدان الأسود (الأخضر) والأبيض في بقعة واحدة وذلك من المشاهد التي لا ترى إلا في ديار الجبال.
وقد فتحت فيها مدرسة ابتدائية وتبرع فخامة جعفر باشا العسكري بالمال اللازم للمعلم وشراء الكتب للأطفال، فاقتحمت المدرسة فدخلها حالا ثلاثون ولدا.(5/265)
أوابد الولادة
بعد أن تلد الحبلى تحمي القابلة (الجدة) قدرا بدرجة تحتمل حرارتها ثم تكفأ القدر فتجلس النفساء عليها.
وبعد مرور ثلاثة أيام على الولادة تأتي القابلة (الجدة) وتأخذ المولود وتضع على وجهه كسفة قطن (قطعة من القماش القطني) مهلهل النسج فتذهب به أولا إلى الجوامع ثم إلى محل السجناء ثم إلى المدبغة (المحل الذي تدبغ فيه الجلود) ثم إلى الثكنة العسكرية ثم إلى الصباغ فتنقده شيئا من الدراهم وقليلا من السكر فيضع الصباغ من جميع ما لديه من الألوان على تلك الكسفة (القطعة القطنية) ثم يؤتى به إلى البيت والنساء يقمن بهذه الأمور لكي لا (ينجبس) (أي لا يكبس أي لا يصاب بما يعاكس نموه أو يؤذيه أو يسبب مرضه).
وإذا حل اليوم العاشر من ولادة المولود وضع الطفل في كفن من ميزان كبير ووضع في الكفة الأخرى طين أحمر (من النوع الذي تستعمله العراقيات لغسل الرأس) وبعد أن يعادل به يرمى الطين في البئر. وهن يعتقدن أن ذلك يورث سمنا للطفل وهو مما يرغب فيه له.
وفي اليوم العشرين يعادل الطفل بالأرز (التمن) ثم يتصدق به على الفقراء وفي اليوم السابع أو العاشر تقصد النفساء الحمام فتكسر في كل عتبة من عتبات أبواب الحمام الثلاث ثلاث بيضات وتوقد الشموع ثم يلطخ وجهها بشيء أحمر يسمى (دم الأخوين) حتى يصبح وجهها أحمر قانئا والنساء يعتقدن أن دم الأخوين يطرد عن النفساء شر الجنية المسماة (أم الآل) (ومعناها أم الأحمر) ومن دأب هذه الجنية أنها تنهب قلب النفساء الذي هو أحمر.
وفي اليوم الأربعين تقصد النفساء الحمام أيضاً فتسكب أربعين طاسا من الماء الحار: عشرون منها على رأسها والعشرتان الباقيتان على كتفيها اليمنى واليسرى ويحظر على النفساء أن تدخل على نفساء أخرى في الحمام لئلا(5/266)
(تنجبس) أي تكبس.
وإذا قررت النفساء أن تذهب إلى الحمام في اليوم السابع أو العاشر تحتم على أهلها أن يأخذوا سفودا (سيخا) من الحديد يضعون فيه سبع بصلات أو عشرا وفي كل يوم ترمي النفساء بصلة في الطريق.
والقابلة (الجدة) تغسل المولود بالماء الدافئ وتأخذ سحيق الملح وتدلكه به ثم تأخذ الماء
الذي غسل به المولود في طشت ويوضع فيه حذاء خلق ويترك في السطح وذلك لكي لا يحصل للمولود ضرر من صراخ (ألبوم) ثم تأخذ القابلة (الجدة) سيفا وتخط به دائرة حول النفساء فتقول لها مساعدتها في تلك الأثناء (ماذا تخطين)؟ فتجيبها الجدة: (خطة سليمان بن داود) فتسألها: لمن؟ فتجيب الجدة: (لمريم). وكل نفساء تسمى (مريم) ويقصد بها مريم القديسة الطاهرة أم مولانا المسيح عليهما الصلاة والسلام.
ثم تترك المدية التي تقطع بها الجدة (حبل السرة) أربعين يوما تحت وسادة المولود.
أما السرة التي تقع فترمى في (الجامع) أو في (المدرسة) أو في (دار الحكومة). وتلك السرة هي القطعة البارزة من السرة التي تربط بعد قطعها. فتسقط بعد ثلاثة أيام رمزا إلى نشوء الولد متدينا أو عالما أو من رجال الحكومة.
ويحرم على النفساء أن ترمي من رأسها عصابة حمراء حتى يبلغ المولود الأربعين يوما وذلك خوفا من (أم الآل) وهي الجنية التي تخطف قلوب النفساء التي أشرنا إليها قبيل هذا.
وفي اليوم السابع من ولادة الطفل يسهر الأقارب كافة ولا ينامون حتى مطلع الفجر.
المرأة التي لا يعيش لها مولود
تأخذ المرأة التي لا يعيش لها مولود سبعة مسامير من سبعة جسور في البلاد فتصوغ منها حجلا تضعه في رجلها اليمنى مدة عمر الولد الذي مات لها قبل هذا أو أزيد، أياما كانت أو شهرا، وتلبس في يدها اليسرى خرزا من الخزف الأزرق.(5/267)
ومنهن من تأخذ سرطان نهر ويسمى في العراق (أبو جنيب) فتقتله وبعد أن يخف يوضع في وسادة المولود مع سبع أبر وسبعة خيوط من الدمقس مختلفة الألوان.
ومنهن من (تشهره) والتشهير يكون بفتح ثقب صغير في أذنيه صغير في أذنيه أو أنفه. ومنهن من تستجدي له ثيابا وأسمالا - وأن كانت غنية - فتلبسه إياها.
ومن عاداتهن أن منهن من تستجدي دراهم من أربعين شخصا على أن تكون أسماؤهم لا تخرج عن (محمد أو محمود أو أحمد) ثم تصوغ له بها حلية تسمى (محمدية) وهي من الفضة الخالصة مربعة الشكل ينقش أو يحفر عليها أربعين مرة اسم (محمد).
ومنهن من تلقي المولود على القمامة (المزبلة) على قارعة الطريق فيجيء أحد الناس ويحمله إلى الأم قائلا لها، (أين وجدت هذا الطفل) فتجيبه الأم: هذا (ابني) فينكرون عليها
ذلك فتشتريه بثمن بخس أو وافر ذلك بالنظر إلى ما يملكه الوالدان وبهذا الثمن يشتري طعام ويوزع على المساكين.
ومنهن من تأتي بابنها إلى الأماكن المقدسة والمزارات الشريفة كمزار علي (كرم الله وجهه) وابنه الحسين وسيدنا موسى الكاظم فتسلمه إلى السدنة والخدمة فيتخاطفونه ويتزايدون عليه كالسلعة في السوق ثم تشتريه أمه أو أبوه بدراهم تعطى للسادة عطاء حسنا.
سعال الطفل - حمير الشيجي
إذا أصاب الطفل سعال يجتمع النساء والرجال في حارتهم فيأخذون جريدا من النخل فيلبسون واحدة منها ثياب رجل ويضعون له وجها يتخذونه من الثياب (القماش) على نحو اللعبة (اللعابة) التي تصنع للأطفال ويلبسون جريدة أخرى ثوب امرأة على مثال جريدة الرجل ويمشون بهما في الطرقات ويضربون على (الدنبك)(5/268)
(هو الدربكة بلسان الشاميين والدريج عند الفصحاء) فتحمل كل متزوجة ابنها الذي أصابه سعال ويقفون في منتصف الطريق حتى تجتمع الناس ثم يمشون ويترنمون بهذه الأنشودة:
يا حمير الشيجي حش وتعال ... إحنا قتلنا الشيجي راح السعال
وهذا لفظه بالحرف الإفرنجي:
-
-
أي يا أيها المسبب الموت الشديد بالسعال أسرع وتعال، نحن قتلنا مسبب الموت الشديد حتى زال وانقطع السعال.
ويحمل أحد الرجال خنجرا فيصول بين آونة وأخرى على الجريدتين ثم ترمى الجريدتان على الأرض فيمزقهما الرجل بخنجره وعند إياب هذا الجمع إلى موطنه يترنم النساء بهذه الأنشودة:
رحنا بيهم جينا بلياهم ... بنهر العلقمي إحنا قتلناهم
ولفظه بالحرف الإفرنجي:
-
ومعناه: ذهبنا بمسببات السعال وعدنا الآن بدونها، فلقد رميناها في نهر العلقمي فقتلناها فيه. (ونهر العلقمي من أنهر كربلا القديمة).
وهذه العادة جارية في (كربلا) وقد شاهدتها مرارا بنفسي.
المتزوجة التي لا تحبل
تستصحب المتزوجة التي لا تحبل فتاة غير متزوجة أو متزوجة قد انقطع منها قرأها وتذهب بها إلى القبور، وتأخذ سبع تمرات فتقف الفتاة وراءها وتقف المتزوجة على سبعة قبور فتأكل على كل قبر تمرة: ثم ترمي النواة وراءها فتلتقطها الفتاة مع قليل من التراب، ثم تذهب المرأة إلى المدبغة (المحل الذي تدبغ فيه الجلود) وتنظر في البئر ثم تأخذ منه قليلا من الماء فتذهب إلى الحمام وتقف تلك الفتاة وتسكب على رأسها ذلك الماء بعد أن تضع فيه النواة(5/269)
والتراب وتصبه ثلاث مرات وفي كل مرة تسأل المتزوجة: (ما أسمك) فيجيبها (اسمي حبسة)، فتقول لها: (انفلت الجبسة) أي الكبسة ثم تسألها: (ما أسمك) فتجيبها اسمي (ناقة)، فتقول لها: (انفلت العاقة) ثم تسألها: (ما اسمك) فتقول لها: (عروس) فتجيبها انفلت (جبسة العروس).
فإن لم تحبل المرأة بعد هذه الأمور ينظر فيما إذا كان قد زارها أحد فإذا كانت امرأة وكانت نفساء تأخذ المتزوجة قليلا من (بولها) وتصبه على رأسها في الحمام.
وهناك طريقة أخرى وهي أن تذهب المرأة التي لم تحبل إلى بيت النفساء التي دخلت عليها فتبول في عتبة الدار وتكسر على العتبة بصلا وتطلب من النفساء قليلا من الملح وقليلا من العجين.
وإذا لم تحبل المرأة بعد هذه السخافات تنتظر هرة في بيتها حتى تحبل الهرة وتلد فإذا ولدت الهرة - ومن عادتها أن تأكل مشيمتها (المعروفة بالجارة عند العراقيين) تسرع إلى أن تأخذ منها تلك الجارة وتضعها في الماء وتسكب منه على رأس المتزوجة.
ماذا تفعل الفتاة التي لم تتزوج حتى تحصل على بعل لها
تقصد الفتاة التي تبغي بعلا أحد المساجد ومعها امرأة أو فتاة فتقصد الفتاة طالبة البعل
المنارة وتبقى الآخرة تحت المنارة فترمي الفتاة عباءتها أعلى المنارة إلى صاحبتها ثم ينظر إلى سقوطها فإذا انفتحت العباءة عند هبوطها قيل لها أنها ستتزوج وإلا ترجع نادمة يائسة إلى أهلها.
وفي بغداد تقصد الفتاة مرقد الشيخ عبد القادر الجيلي (الكيلاني) وتأخذ معها قفلا ومفتاحا فتربط ثوبها بالقفل ثم تضع بجانبها شيئا قليلا من السكر وتحبس في فناء المرقد فيجيء أحد الرجال ويفتح القفل بالمفتاح ثم يأخذهما مع ما لديها من السكر فيكون ذلك علامة لزوال الموانع التي تحول دون الحصول على بعل فتسر بقرب الفرج.
أحمد حامد الصراف(5/270)
تاريخ الطباعة العراقية
المطبعة الكلدانية
تابع مطابع الموصل
راجع لغة العرب
أسس المطبعة الكلدانية (الشماس رفائيل مازجي الأمدي بنفقته الخاصة على عهد البطريرك يوسف أودو الكلداني الشهير سنة 1863 وجلب أدواتها ولوازمها من باريس مع حروف عربية وكلدانية وفرنسية ومسابك.(5/271)
وكان الشماس رفائيل قد قصد بنفسه إلى فرنسة فابتاع كل ما يلزم، وجهزها بحبر وورق بمقادير كبيرة تكفي لطبع كتب كثيرة ولا تزال من ذلك الحبر والورق بقية باقية إلى هذا اليوم فضلا عما سرق وبيع منها واستأجر لها بيتا خاصا نصبها فيه.
أما أعمالها فكان أكثرهم ممن تعلموا هذه الصناعة في مطبعة الآباء الدمنكيين فخدموا هذه المطبعة ببراعتهم في تنضيد الحروف وطبعت كتبا قليلة ثم فجعت بموت مؤسسها نفسه في سنة 1865 فأصيبت المطبعة بموته بضربة(5/272)
وأغلقت وهجرت سنين ولا سيما على عهد القلاقل التي منيت بها الطائفة الكلدانية في الموصل وهو العهد الذي انشطرت فيه الطائفة إلى شطرين سميا: (بلة وبردى) ومنهم من سماها (ندي ويابس).
وبعد نزاعات ومعالجات طويلة أذعن البطريرك يوسف قبل موته لمراسيم السدة الرسولية وأظهر أدلة صادقة على تمسكه بعروة التعلق برئيس الأحبار.
ومن أعماله في فطركته عقده مجمعا لطائفته رسمت فيه بعض القوانين. وبهمته بني الأب اليشماع، أحد خلفاء الأب جبرائيل رمبو المذكور، في لحف الجبل المبني عليه دير الربان هرمزد، ديرا آخر سماه (دير السيدة) سنة 1858 وهو الآن عامر بالرهبان.
ومن مآثره الكبيرة مساعدته الشماس رفائيل بطرس مازجي الأمدي الكلداني في إنشاء مدرسة أكليريكية في الموصل. واهتمامه بنجاحها وإرساله بعض التلامذة إلى مدرسة البروبغندة ومدرسة الآباء اليسوعيين في غزير ليتخرجوا في العلوم الدينية. من جملتهم غبطة مار عمانوئيل يوسف بطريرك الكلدان الحالي.
وتوفي البطريرك يوسف في 14 آذار سنة 1878 بعد أن رأس الكرسي البطريركي ستا وعشرين سنة ونصف سنة ودفن في دير السيدة في القوش.
الكاتب(5/273)
ثم استأنف العمل فيها سنة 1878 على عهد البطريرك ايليا عبو اليونان الكلداني وكان حاذقا فن الطباعة وفي تلك الأثناء اهتم المطران عبد يشوع خياط بطبع جملة كتب مدرسية فيها من عربية وكلدانية وفرنسية وبوفاة البطريرك عبد يشوع تعطلتا لمطبعة ثانية سنة 1898 وبيعت بعض أدواتها لمطبعة الحكومة في الموصل.
وعاد فبعثها إلى حياة العمل غبطة البطريرك عمانوئيل يوسف الكلداني(5/274)
الحالي سنة 1904 فواصلت خدمتها بطبع الكتب المدرسية والطقسية وقد نقلت إلى المدرسة الكلدانية ثم جاءت الحرب العالمية العظمى سنة 1914م فأوقفتها للمرة الثالثة. غير أن غبطة البطريرك اهتم بإحيائها بعد الحرب فأبتاع آلة طباعة صغيرة أضافها إلى آلاتها العتيقة السابقة فأخذت تشتغل بطبع بعض الكتب الكلدانية المدرسية والطقسية.
ولم تطبع هذه المطبعة كتبا كثيرة ويمكننا أنحصي أهم ما طبعت:
(1) (كتاب سنة 1865 ص300 - 7 الزبور الإلهي) بالكلدانية على ترتيب الفرض بحرفين أسود وأحمر.
(2) (كتاب دقذام ودوثار) أي (قبل وبعد) كتاب يحوي الصلوات القانونية اليومية الأسبوعية التي تقال مساء وصباحا ما عدا الصيام الكبير. فالتي تقال مساء مقسومة إلى قسمين (الأول) و (الآخر) فإذا كانت الصلوة في يوم الأحد بالمحراب (بالخورس) الأول فذلك الأسبوع كله يسمى (الأول) فيتلى فيه القسم الأول وإذا كان ابتداء الصلوة في المحراب الثاني ويسمى أيضاً بالمحراب الأسفل فذلك الأسبوع يسمى (الآخر) فيقال فيه القسم الآخر. وتختم صلاة المسيح والمساء بتلاوة (قال من قالات الشهداء) وهي أغاني تسبيحية لتكريم الشهداء تأليف القديس ماروثا أسقف ميافارقين. (سنة 1865 ص344 - 7).
(3) (كتاب روضة الصبي الأديب في أصول القراءة والتهذيب) باللغتين العربية والفرنسية محلى بفقرات من تواريخ العرب. تأليف المطران جرجس عبد يشوع الكلداني الموصلي
(سنة 1869 ص266 - 7)
(4) بعض رسالات رعائية.
(5) كتاب التهجئة باللغة العربية.
(6) كتاب مبادئ القراءة باللغة العربية.
(7) كتاب التهجئة باللغة الكلدانية.
(8) كتاب مبادئ القراءة الكلدانية.
(9) (دليل الطلاب) مختصر في تعليم القواعد الكلدانية تأليف القس(5/275)
بولس بدارو الكلداني أستاذ اللغة الكلدانية في المدرسة الكلدانية في المدرسة الأكليريكية الكلدانية بالموصل طبع سنة 1923 ص80.
(10) طقس الخدمة الكنيسة للأيام العادية من كتاب (دقدام ودوثار) باللغة الكلدانية في مجلد ضخم طبع سنة 1925 ص366.
رفائيل بطي
أصل علامة الفصل عند الغربيين
الغربيون إذا أرادوا فصل جملة أو عبارة عن أختها، اتخذوا لها علامة بصورة الضمة يعلوها نقطة، ويسمون هذا الشكل (نقطة وفاصلة) فهل فكرت في أصله؟ -
في كتب التجويد القديمة، تسمى هذه العلامة (فاصلة) وكانوا يستغنون عن ذكر اللفظة كلها بأول حرف منها أي (ف) ثم أهملوا تنقيطها كما هي العادة في صدر الإسلام وبعده، بقي من الكلمة رأس الفاء بدون نقطة أي (ُ)، وبقي اسمها (فاصلة) وقد بقي السلف محافظا على هذه العلامة وعلى اسمها إلى يومنا هذا فانتقل إلينا في الحساب المعروف بالعشري، وفي تقسيم الأرقام الكثيرة يفصل بعضها عن بعض ثلاثة ثلاثة، وعليه فاسم (الفركول) بلغتنا هو الفاصلة، وإذا علته النقطة قلنا: فاصلة ونقطة.
وكان الأقدمون من اليونانيين وغيرهم، إذا أرادوا فصل عبارة دخيلة عن عبارة أصلية أقحمت بين سابقها ولاحقها وضعوا لها خطا قائما في أولها وآخرها ليشيروا به إلى إقحامها. ويسمونه وبالفرنسية ومعناها (سفود) لأن شكلها يشبه السفود في زعمهم. ونحن نقول أن الكلمة الدخيلة (أبل) من أصل عربي هو (حبل) لأنها على شكله.
أما (الفاصلة) فإن الإفرنج لم يبحثوا في كتبهم عن أصلها وعمن تلقوها: ونحن لا نرتاب فيه وإن كان اسمها عندهم مشتقا من لفظة صغروها معناها (العصية) كما أن هيئتها تشبه الصولجان بعض الشبه لا العصا أو العصية.(5/276)
صروف
تأمين عميد (المقتطف)
نظمت هذه القصيدة الجامعة تلبية لدعوى لجنة التأبين العامة في القاهرة لتنشد في حفلة الذكرى الكبرى:
كونت البابا وسست عقولا ... فتلق أنت وفاءها المعقولا
ودرست فلسفة (الحياة) وزدتها ... شرحا، فحي بيانها المأهولا
في العيش مثل الموت عمرك هكذا ... عمر يزيد على التألق طولا
إن أنس لا انس الوداع وحرقة ... في النفس أورثت الجنان ذهولا
فسخطت من غدر (الطبيعة) ناسيا ... سنن (الطبيعة) والحياة الأولى
صفحا، فقدرك في مقام تجلتي ... أبدا، ولن يلقى لدي أفولا
وأنا الذي ناجاك طول حياته ... وقد انتقلت ولم أزل مشغولا
بالأمس حيرني الفراق وهدني ... واليوم تلهمني الصواب حلولا
فأراك في هذا الوجود أشعة ... وعقيدة ومآثرا وميولا
صور تبين لباحث متبصر ... وتعاف من خذل الحياة جهولا
(صروف) والدنيا حديث ضيافة ... قد كنت للبذل العظيم رسولا
منح من الآداب والعلم الذي ... ترك الوجود مهذبا مصقولا
دعني أحدث عن خلالك أولا ... فالمرء كان يخلقه مكفولا
لا خير في أدب لمن لم يتخذ ... من طبعه طبعا ومنه أصولا
وحييت أنت بنهج خلقك مؤمنا ... وعرفت للقول السديد فعولا
فسكنت في برج الجلال مؤهلا ... ورقيت إيمانا، وجزت فحولا
خلق ينم عن الأزاهر للنهى ... عزما، ولكن لا يصيب ذبولا
يفتر بالإخلاص في إحسانه ... فندوم نعشق حسنه المبذولا
جم التواضع في كرامة عالم ... تخذ التواضع ستره المقبولا(5/277)
مبتسم لجليسه في هزة ... تسقى الحديث مرنقا معسولا
شم الخلال وديعة وكريمة ... مثل الجبال إذا انحدرن سهولا!
مثل الطبيعة في تبسط لطفها ... نشرت على بسط المروج غسولا
وحبت مجملة الثمار شهية ... عرضا ولم تترك لنا مأمولا
كان المحدث لا يمل إطالة ... وعصمت من طبع يعد ملولا
كالنبع جياشا بمتعة عاشق ... لحديثه، أو كالبواسق طولا
تحنو على النظار عند تأمل ... وتجيب ما بقي السؤال سؤولا
لم ينسك المال الذي أحرزته ... بالفضل حقا للورى مجهولا
فوضعت مالك جنب علمك نفحة ... للناس في صحف وقين نحولا
وجعلتها مثل الزكاة سخية ... تحيي مواتا أو تعيد طلولا
ما كنت في هذي الحياة ممثلا ... بل كنت من وضع الفخار فصولا
خمسون عاما بل أجل بذلتها ... بذل الكواكب نورها المسؤولا
ما بين معركة وبين سكينة ... تركت بشتاتك العدو خجولا
وكسبت بالإخلاص كل مكرم ... شيم الرجال عقيدة وميولا
درر من الأخلاق كانت ثروة ... كبرى ولم تسب الورى لتحولا!
(صروف) ما فينا المعزي: كلنا ... فقد العزاء ودمعه المطلولا
عشت (المسيح) لنا، وكنا كلنا ... رسلا، ودمت على الهدى مجبولا
وشكرتنا قبل الوداع، ولم يكن ... شكر الوداع بظننا (اليوبيلا)
هذي صحائفك اليتيمة لم تجد ... شرفا تخص بها وكنت بخيلا
عصمتك أحكام العلوم من الهدى ... وحبتك من حسب الجنان أثيلا
نقبت في الأجيال عن أسرارها ... ونشرتها جيلا لديك فجيلا
لا (آدم) المأثور صدك عن هدى ... بحثا، ولا أغني اليقين فتيلا
من كل (مقتطف) تنوع بحثه ... وتوحدت أبحاثه تنزيلا
من كل سفر حجة بفنونه ... ما فيه فن قد يراك دخيلا
ما كان منطقك الحكيم مسخرا ... للوهم مهما سامنا تقتيلا(5/278)
هيهات يذعن للمظاهر وحدها ... ولكم أقام على الدليل دليلا!
علم وفلسفة وفن سائغ ... حولتها لنعيمنا تحويلا
بعبارة خلابة غلابة ... تروي المدارك كوثرا وشمولا
وتبحر يعيا الجريء بجهده ... ما فات للبحث الجريء سبيلا
في دورة الأفلاك أو بطن الثرى ... أو عالم الأحلام كان نزيلا
لا شيء يحسبه الحقير وإنما ... وجد الوجود بما حواه جليلا
فيرتل الآيات ملء بلاغة ... تستأهل الإصغاء والترتيلا
داع إلى أقصى التأمل مثلما ... جعل التفاؤل للحياة دليلا
وإذا الحياة كبت فذاك لأنها ... فقدت قبيل عثورها التأميلا
عشرات آلاف الصحائف قد شدت ... بحجاك واستبقت حجاك زميلا
آراء جبار وحكمة كاهن ... وكتاب إعجاز يشع مديلا
نظرت له (الأحقاب) من أسفارها ... في حيرة مما وصفن رحيلا
فكأنما قد كنت مصاحبا ... أسفارها فرسمتها تحليلا!
ومفاخر (الآثار) وهي شهيدة ... فخرت بعلمك موئلا ومقيلا
ومظاهر (العمران) وهي كثيرة ... في (الشرق) لم تعدم لديك خليلا
و (الفكر) وهو لنا قوام حضارة ... بجلته حتى استعز نبيلا
لم تلقه عرضا، ولم تأنس به ... طمعا، ولم تبذل له تطفيلا
بل كنت ملجأه الحصين ومبعثا ... للنور في بلد أسيء طويلا
تغذوه بالذهن البصير مصارحا ... للحق لا تتصيد التهليلا
متتبعا نهج الصواب، مجافيا ... نهج الغلو، وإن أصبت قليلا
حتى تركت مني (الحقيقة) وحدها ... تهدي لرأسك شكرها إكليلا
ما ضر مثلك أن يخص بحبها ... لو فات من حب الأنام قبيلا
لكن ظفرت بحبها وبحبنا ... وعدمت في القدر الأعز مثيلا
من عهد (إسماعيل) في إجلاله ... مسعاك زدت بشبل (إسماعيلا)
وطويت عمرك دون من أو منى ... إلا الوفاء لما غرست ظليلا!(5/279)
يا ابن (الصحافة) ثم شيخ قضاتها ... والمحسن التبيين والتدليلا
ومعلما بشبابه ومشيبه ... تسمو بسيرته الأيادي الطولى
(لبنان) (كالحدث) الذي ولدت به ... هذي الشمائل لا يباهي (النيلا)
كلا ولا (بردى) ولا (الدنيا) التي ... أمتعتها مما منحت جزيلا
إن أنت إلا عالمي: مهده ... كل (الوجود) فلم يعش مغلولا
بل كان أهلا للبرية كلها ... لا يعرف الإيثار والتفضيلا
إلا الرعاية للفقير المجتبي ... جدواه، لا يبقى بها مخذولا
كم أمة هذبتها ووهبتها ... محض الشهاد وزدتها تأهيلا
فإذا انتسبت فما انتسبت حقيقة ... إلا لفضل لم يكن مجهولا
أما الممالك والعباد فإنهم ... عرفوك - جمعا - فاتحا ورسولا
كل يراك زعيمه وصديقه ... ومواطنا وسلاحه المسلولا
وأرى خيالك ما يزال عزيزهم ... يأبى عن النهج القويم مميلا
متمثلا في همهم وشؤونهم ... فيحل معضلة ويصلح قيلا
وبريق عينيه يشف كعزمه ... عن حد ذهن لن يموت قليلا
وجبينه الوقاد مطلع نورهم ... وجلالة حفظوا لها التكليلا
أعددت ثورات وقدت كتائبا ... للرأي ثم نصرتها موصولا
ما خانك الإقدام يوما والالى ... عشقوك إن خان الزمان ذليلا
فبلغت مجدك بالمواهب وحدها ... تقتاد شبانا بها وكهولا
أين الذين يتابعونك حاملا ... علم الشباب فيزدهي محمولا؟!
ما كنت تغفل جهدنا وحقوقه ... بل كنت ترعى حرمة وأصولا
وتشجع البطل الصغير ليعتلي ... وتصغر الرجل الحسود مهولا
لك في دمي حق الوفاء فخلني ... أحيي كما يرضى الوفاء جميلا
كرمت لي أدبا كأنك موجدي ... أو عشت للأدب الجديد كفيلا
في جم إخلاص وجم صراحة ... لا تقبل التغرير والتمثيلا
ولكم تحكم جاهل أو عابث ... ومن المصائب أن نطيع كليلا
و (الجهل) في دست الزعامة نكبة ... لن تنمحي عذرا ولا تأويلا
تخذ (الصحافة) للمهازل مهنة ... فأثار داء في النفوس وبيلا(5/280)
فمحرما طورا زهور مؤلف ... ومحاربا همم الشباب عجولا
ومرتلا آنا مديح نقائص ... لولا المدائح لم تكن لتجولا
قد كنت عونا (للنبوغ) وطالما ... أردى (النبوغ) الحاسدوه قتيلا
أبكيت في شعري، وفي نثري، وفي ... فكري، كما أبكي الرياض حيولا
وأكفكف العبرات، لكن شأنها ... باق، فدمعي لن يزال همولا
ومن المدامع ظاهر ومحجب ... ما كل وجه نائح مبلولا!
تجري الدموع الخافيات بخاطري ... وبكل إحساسي هوى مبذولا
وتفيض من قلمي فأنظم هكذا ... هذا النظيم عواطفا متبولا
وأؤبن (الفضل) الذي لإبائه ... لا فاضلا نلقى ولا مفضولا!
والآن هل تكفي شؤون يراعتي؟ ... حبس العواطف قد يكون قتولا!
هيهات تكفي!. . فالنظيم وحرقتي ... يتبادلان مناحة وعويلا
أرثي فأرثي فبك أنفس ما ارتقي ... ذهني وأحلامي له تبجيلا
من بهجة (الإنسان) في استعلائه ... خلقا وفكرا مسعفا وجميلا
ومن انتهاء (العبقرية) و (الحجى) ... لنهاية تستوجب التنزيلا!
ومن (التسامح) في الحياة وقلما ... عرف (التسامح) في الحياة خليلا
أسفي على هذا الفراق وإن يعد ... هذا (النبوغ) مجددا تشكيلا
وأقلب الطرف الحزين فما أرى ... إلا الورى والموت والترميلا
يا جنة (الفيوم) كيف، جزيتنا ... نارا وجزنا فادحا وثقيلا؟!
قد راح يلتمس الشفاء فخنته ... كم كان روضك مليلا
أسفي! أجل أسفي يدوم فلا تطل ... عتبا علي فلم تكن لتطيلا
ما فاتني قبل (التفاؤل) هكذا ... أو كنت أشعر بالحياة ذليلا
ولقد بدأت إلى (العلى) مستغفرا ... ثم انتهيت إلى الشجون عليلا(5/281)
عبثا أحاول أن أهدي لوعتي ... هيهات أشفي للدموع غليلا
سخطي على (الدنيا) وأقبح هزلها ... سخط يثير تأججا وصليلا
وأنا الذي يا طالما غازلتها ... طربا، وكنت لها كذاك وصولا
مرت شرابا بعد حلو مذاقها ... وجنت على أشهى الثمار أصيلا
لم أشك قبلك من يقيني هكذا ... وكأنما صار (اليقين) مهيلا
وكأنما هذا (الوجود) بأنسه ... أمسى بداجية المصاب محيلا!
لم لا أنوح في رثائك حسرة ... أرثي لها نفسي وأرثي الجيلا؟!
ما كنت أجزع (للممات) وإن قسا ... حتى رحلت فسامني تذليلا
أرثي العصامي العظيم المبتني ... مثل (الثبات) لمن يهون ملولا
أرثي (الخلود). . . وما (الخلود) بدائم ... في صورة، بل يتبع التعديلا
ما بين إيمان به وبضده ... كم نتعب التفسير والتعليلا
رثي وأبكي والأنام جميعهم ... كالنبت يهضمه الزمان أكولا
الفيلسوف كجاهل، وكلاهما ... يفني، وما أعرف الممات ذهولا
وقليل ثأري أن مثلك فقده ... جعل (القضاء) المستعز خجولا!
وعظيم صبري أن وحيك ملهمي ... صبرا، وعلمك لم يزل منقولا
(سقراط) قبلك (والمسيح) كلاهما ... ضحكا من (الموت) الخؤون مهولا
وضحكت أنت من الأساة معزيا ... همما تناجيك المدى وعقولا!
الإسكندرية: 28 يوليو سنة 1927م
أحمد زكي أبو شادي
(لغة العرب) من وقف على هذه القصيدة العامرة الأبيات، البديعة المعاني الأخذة بالألباب، يتصور أن لآلئها رصفت في عدة أشهر. والذي أعلمنا به أحد الثقات أن صاحبها ابتدعها في ساعات مرت بين 27 و28 تموز (يوليو) في جلستين أو فكرتين لا غير.
ومما يجب أن تنتبه له هو أنك لا ترى في جميع أبياتها خيالا كاذبا، أو تصويرا وهميا، بل تلقى الحقيقة مبثوثة في ثنايا كلمها بثا عجيبا، وإن قيل لنا أن في وادي النيل شعراء ينظمون الشعر نظما رقيقا؛ قلنا لهم: ليس في ذلك النظيم إحساس كما في هذه الأبيات. ولا تحبس أوتار القلب كما يجسها أبو شادي، فلقد ثقل طبه للأجسام إلى عالم طب الأرواح فنبغ في الطبين النفسي والبدني. ولهذا لا نعجب من لطفي بك جمعة الأستاذ الكبير(5/282)
وهو
كتوم (سكرتير) لجنة التأبين حين يكتب إلى ناسج البردة ما هذا نصه:
(أهنك بتلك القصيدة العصماء التي وصلتني في رثاء الدكتور صروف: وأنها لمن آيات الشعر العربي الحديث، وفريدة فريدة، بل هي بيت القصيد إن كان الشعر كله قصيدة، فنعم الخيال والحقيقة، ونعمت البدعة والموسيقى في الإيقاع، ونعمت الدقة والإبداع وسيكون لها في الاحتفال أعظم مكانة إن شاء الله) اه.
على أننا نقول: لو كنا من أهل المراهنة لراهنا على أنها لن تلقى في الجنة القادمة إلا الأعراض عنها، لأننا نعلم حق العلم أن فؤاد أفندي صوف هو صاحب شوقي وشوقي لا يريد أن يقوم بجانبه مناوئ، ولا سيما إذا كان ذلك المناوئ ممن أقر بفضله وشعره القاصي والداني والرائح والغادي مثل الحكيم أحمد زكي أبي شادي.
اتقاء البيضة
نشرت إدارة الصحة في البصرة بيانا فيه ذكر الوسائل التي تتخذ لمكافحة الهيضة ودونك نصها (بحرفها):
1 - منشأ دار الهيضة (الكولرة) من مكروب يخرج مع براز المصاب بها.
2 - إن الماء واللبن (الحليب) والأطباق تبعث على انتشار المرض.
3 - فيلزم غلي الماء واللبن قبل استعمالهما.
4 - الاحتراس الشديد من الذباب، فإنه من أهم الوسائط لنقل الجراثيم.
5 - الاعتناء بنظافة البيت وإزالة جميع الفضلات منه.
6 - الاجتناب عن أكل السمك الفاسد والأثمار غير الناضجة، فإن هذين النوعين من الطعام يسببان الإطلاق (الإسهال) الذي ربما أدى في الأخير إلى الإصابة بالهيضة.
8 - عند الإصابة بالإطلاق (بالدايريا) أثناء انتشار الهيضة يلتزم مراجعة الطبيب واستشارته فورا.
9 - يلزم غسل الأيدي قبل تناول الطعام.
10 - على كل شخص أن يخبره (المختار) عندما يسمع بوفاة أحد ما.
11 - يلزم التطعيم ضد الهيضة.(5/283)
غادة بابل
رواية تاريخية أخلاقية تصف الحياة في بابل
خرجت شميرام من قصرها في بابل تلك المدينة المطلة على الفرات. وكان هذا الصرح الشامخ في الجانب المعروف ب (خديميرا) أي باب الله. فوقفت على ضفة النهر وشرعت تنظر إلى الجانب الآخر نظرة متعجب دهش، لما ظهر لها من الأبنية المنسقة، والقصور الباذخة. والآثار الشاخصة في جانب (دنتبرا) أي محل شجرة الحياة. فأطربتها روية أشجار الصفصاف المتدلية الأغصان الوارفة الظل ومنظر النخل الباسق الذي ينطح كبد السماء ثم حان لها التفاتة إلى الجواري والوصائف اللواتي كن معها فقالت لهن: انصرفن جميعكن إلى البيت ولا يبق معي هنا إلا (نتو) نجيتي. إذ لي نذر أريد أن أقوم به في هيكل الآلهة (أنو وبل وأيا). وربما يطول مكثي فيه فتنتظركن والدتي وتستبطئكن.
ما كان منهن إلا أن رجعن على أعقابهن. تلبية لأمر سيدتهن، بعد أن قبلن يديها، وقمن بأداء فرائض الاحترام والعبودية.
انفردت شميرام بنتو نجيتها وساد السكوت بينهما. وكانت شميرام مطرقة ذاهلة كأن في خاطرها فكرا يجول وتريد أن تكتشفه لنتو. وتستطلعها على أسرار ضميرها. ولكن عاملا سريا كان يعقد لسانها.
شاهدت نتو حالة سيدتها وعرفت شيئا من اضطرابها وحيرتها غير أنها لم تجسر على أن تبادرها بالكلام أو تلقي عليها سؤالا. وما كان منهما حتى بلغتا برجا شاهقا عليه آثار الأبهة، والعظمة بادية عليه، وعلائم المجد والوقار ظاهرة فيه وهو ذو سبع طبقات كل طبقة منها مصبوغة بلون فضلا عن النقوش البديعة المتقنة التي ترى عليها مما يأخذ بمجامع القلوب ويفتن الأنظار.
كانت الطبقة الأولى مصبوغة بالأبيض والثانية بالأسود والثالثة بالقرمزي(5/284)
والرابعة بالأزرق والخامسة بالأحمر والسادسة محلاة بالفضة والسابعة بالذهب. وفي قمة الطبقة السابعة تمثال من ذهب علوه عشرون قدما للإله (بل) وفي جانب هذه الزقورة مائدة من النضار. وكانت شمس بابل وأنوارها شمس بابل وأنوارها المتألقة الصافية تضرب على
تمثال الذهب فيتلألأ كأنه شعلة يملأ ضياؤه العيون وكأن الهيكل عالم الفناء يناجي عالم البقاء. وكان هذا البرج هيكلا أقيم لعبادة الآلهة السبعة.
مرت شميرام بهذا المعهد الديني ولم تحفل به. وغفلت عن القيام بفروض الخضوع والاحترام لارتباك أفكارها، والهواجس الكثيرة التي كانت تنتابها فانتهزت نتو هذه الفرصة لتقطع السكوت الذي كان سائدا بينهما وقالت لها: سيدتي اسمحي لي أن أقول لك إننا بازاء الزقورة وحضرتك المبجلة قد غفلت عن القيام بشعائر الدين وواجبات الاحترام وهذا مما ينزل عليك غضب الآلهة ويجلب إليك انتقامها منك.
فانتهرتها شميرام قائلة: دعيني يا نتو فإن الهموم قد ساورتني وغشت على بصري وبصيرتي. فأين هي الزقورة يا أمة السوء؟ فإنني لم أشاهدها ولا علم لي بمرورنا بها.
نتو - سيدتي أنى تساورك الأحزان وعلام يد الأشجان قد ضربت على أوتار قلبك بريشة اليأس حتى أن صدى الهموم يمازج نبرات صوتك فتبدو على محياك الوسيم ظواهر الغم والأسى. ويفعل الجوى في نفسك فعلا ينسيك أقدس الواجبات حتى أنه لم يفسح لك مجالا لتتقدسي بمشاهدة مهبط نعم الآلهة عند اجتيازنا بالزقورة.
شميرام - أواه! وا حسرتاه! لو أصاب ما في نفسي جبل كردو لدكه دكا وبسطه بسطا. ولو كانت نار حزني في عهد أبينا (ستنبشتم) لنشفت مياه الطوفان وأقفر العالم. اه! أيها الإله (بل) إنك حنقت على الإنسان في عهد ذلك البار وعزمت على أن تمحوه وتلاشي نسله بمياه الطوفان ولكن توسلات البار (ستنبشتم) هدأت غضبك ونالت نصيبا من عفوك ورضوانك. فقلبي الصغير معذب اليوم باعذبة مبرحة(5/285)
وغارق في سيل مرمرم ما لم تنجه رحمتك وتفرج عني بعض الفرج.
أفلا تعطف على شرخ شبابي وريعان عمري؟
نتو - ماذا داهمك اليوم حتى ألقاك في هذا اليم من الحزن والكآبة لا بل قلب فرحك حزنا ورجاءك يأسا؟ عهدي بك الغنج والدلال والفرح والمرح؟ فما سر هذا الانقلاب فيك؟
شميرام - وأي رجاء لي؟ إن المنية لا حلى لي من حياة كلها مرائر. والقبر عندي أفسح فضاء وأسعد مثوى من قصور الملوك.
نتو - سيدتي العزيزة! لقد اتخذت تبرمك حتى الآن بين الجد والهزل إذ لم أجد داعيا يثير
كوامن شجاك فالآلهة قد غمرتك بنعم كثيرة ودرت عليك إخلاف إحسانها وعوارفها. انبتتك في بيت تحسده عليك البيوت إذ له مجد مؤثل، وشرف موروث وشهرة بعيدة وثروة طائلة. وقد تك من أديم الحسن والجمال والبهجة والنضارة وزينتك بكل بديع رائع.
وأنت في بيت والدتك ربة الأمر والنهي. ولا تكادين تنبسين ببنت شفة حتى تتحقق رغباتك فما تبرمك إلا بطرا، وما حزنك إلا وليد أوهام وأشباح.
كانت شميرام تسمع هذا الكلام ساخرة. هازة رأسها هزة الاستخفاف بكل هذه النعم: ولما انتهت نتو من خطابها، أجابتها بصوت يقاطعه اليأس والأسف: وهل تجهلين يا نتو أن النعمة قد تكون حينا نقمة. ويكون الشرف الرفيع عائلا على هوى القلب. وما الغنى والحب والنسب والجمال والشبيبة إلا عوامل تقيد الإنسان إن لم تخدم رغائب النفس. فللنفس سلطان شديد الشكيمة إن لم يطع يمت الجسم نحيلا.
نتو - سيدتي: خففي عنك جزعك ففي عباراتك أحاجي وألغاز يعسر على الكهنة فك غوامضها، فأنى لي كشف أسرارها فبوحي لي بما يكنه صدرك لعلي أرشدك إلى ما يسري عنك الهم، هذا وأنا رهينة إشارتك وأطوع إليك من أناملك وأفدي حياتي لسرورك وكل ما عز علي يهون لي في سبيل رضائك.(5/286)
في هذه التضاعيف بلغت شميرام ونتو الهيكل فانقطع الكلام بينهما.
الهيكل بناء فخم واسع الأرجاء ثابت الأركان محكم البنيان متقن الهندسة تفنن أرباب الصناعات في إفراغه في قالب الإتقان فأتى طرفة بديعة في آثاره البابلية إذ ترى جدرانه التصاوير الناتئة وهي تمثل الحيوانات والأشجار المتضاربة الأنواع المصبوغة بالألوان الزاهية الزاهرة مما يسر النظر ويطرب الخاطر. وفي الهيكل أصنام الآلهة المختلفة وقد نحتت نحتا في الحجر والصخر وقد أجاد صانعوها كل الإجادة حتى أنهم حاكوا الطبيعة في مقوماتها وتشخيص أعضائها وتمثيل أدق أجزائها. وكان تمثال الإله (أنو) على شكل إنسان ذي لحية طويلة له ذنب كذنب النسر ورأسه رأس سمكة تسقط على كتفه وظهره وتمثال الإله (بل) بهيئة ملك جالس على عرش عظيم وللإله (ايا) أربعة أجنحة مبسوطة. وهناك غير هذه التماثيل.
كان هيكل غاصا بالزوار والمتعبدين. وفي طرف منه مذبح تقدم عليه الضحايا والقرابين.
هناك توقد النيران في مواقدها ويحرق البخور في مجامره فتندلع ألسنة نارية من الأولى تلقي هيبة وجلالا في المعهد الديني ويعطر دخان البخور بأريجه فضاء الهيكل وتتصاعد منه سحابة كأنها تريد أن تجمع بين الأرض والسماء فيؤثر هذا المشهد الفتان تأثيرا سريا في النفوس. ويزيد الكهنة المنظر بهاء بنبراتهم الدينية. فتراهم يقومون بسدانة الهيكل ويطوفون بتمثال الإله وينشدون الأناشيد بصوت رخيم وبين آونة وأخرى يتمتعون بألفاظ لا تفهم، عليها مسحة السحر وعلى محياهم علائم الرياء بادية إذ اتخذوا المين والخداع من أجل الوسائل للاستبداد بالشعب والتبسط في السلطة واحتكروا العلم والعرفان وتذرعوا بهما ليضيقوا الخناق على الشعب الجاهل ويستنزفوا ثروته.
تقدمت شميرام في الهيكل وقد ضاقت بالأحزان ذرعا. وأخذت تناجي الآلهة بلقب متلهف ولوعة محترقة واغرورقت عيناها بالدموع وهي لا تعي أفي الدنيا هي أم في عالم الأرواح وهجست في نفسها أن عاملا سريا يدفعها إلى مراقي الألوهية فقالت: أيها الإله (أنو) أبا الآلهة ورب العالم الأسفل ورب(5/287)
الظلمات والكنوز الخفية المستترة يا من القدرة طوع أرادتك، والسلطان مسخر في خدمتك والكون لك مقدس والعالم لك معبد. ويا أيها الإله (بل) يا رب العالم يا من بيده مفاتيح الأقاليم ومقاليد الأصقاع والبلاد والممالك، يا من تخضع له الأرواح صاغرة، يا من يلتجئ إلى ربو بيتك العبيد والضعفاء، ويا أيها الإله (ايا) يا رب العقول ومرشد الإفهام يا رب العالم المنظور وسيد الكائنات، وينبوع العلوم ومعدن الشرف، وأصل الحياة، نستمد من أنوارك الإلهية الرشد والعون والأيد، أيتها الآلهة الثلاثة انظروا عطفا على جبلتكم وصنعة أيديكم التي ترزح تحت البلايا والمصائب ارحموها رحمة واسعة.
بينما كانت شميرام تقوم بالصلاة كان (بيروس) الكاهن الكلداني يرمقها بنظره ويحاول أن يكشف ما في نفسها ويقف على ما في ضميرها. وزاد رغبة في ذلك حين رأى عليها ملامح الحسن والجمال فصبت إليها نفسه وخفق قلبه شوقا وغراما. فأخذ يفكر طويلا في العامل الذي حمل تلك الفتاة على التنهدات والزفرات وأنت تعلم أن الكاهن الكلداني فطن لبق في استمالة الشعب وله مقدرة فريدة على إغواء القوم وقراءة مخبئات صدورهم. وكان موقف شميرام أم يدل على شيء مما في نفسها إذ كانت في الهيكل أشبه شيء بالحمامة
الساجعة على فنن الشجرة تغرد مستعطفة أليفها. فحف إليها مترنما طريا وقد أسكرته الخمرة التي شربها منذ الصباح وعبقت فيه أنفاس الحميا فمر بين الجمهور يميد ويتمايل وهو يسارق النظر إلى الغادات فتثير في قلبه ثائرات الشعور. فتقدم من شميرام وقال لها: أيتها الفتاة عدي الإله (بل) وعدا صادقا بأن تخصصي نفسك له ليلة تقضينها في هيكله في التهجد والعبادة فيزورك ويقدسك وهو يرأف بلا مرية بشيبتك وينيلك رغبات قلبك فهو شفيق رحيم ولا سيما يعطف على عبداته اللواتي يخلصن له النية. وعديني بالقرابين والضحايا وأنا ألقنك صلاة الآلهة (إشتر) إلاهة اللذات والتناسل فتشفق عليك وعلى شعورك وغرامك فتظفري بموضوع حبك.
وكانت ظواهر البشر تلوح على وجه شميرام وكل لفظة من لسان ذلك الدجال كانت تبعث وميض الرجاء في نفسها وتحيي ميت آمالها فارتاحت إلى(5/288)
أقاويله وعقدت بها حبل أمانيها ولا سيما نجيتها نتو فإنها مهدت لها الطرق ووافقت على نصائح بيروس قائلة: أن الكهنة يناجون الآلهة فتوحي إليهم كل ما هو صالح للبشر، فثقي بقوله ووطدي رجاءك وأعملي بما يوصيك به. فأخذهما أنئذ بيروس ووقف بهما بين يدي تمثال الآلهة أشتر وهي معبودة عريضة الوجه واضعة يديها على صدرها ثم لقنهما صلاة تلتاها بعبادة.
ولما انتهت الصلاة غادرتا الهيكل. وتبع بيروس خطواتها. وفي مجاز الهيكل همس في أذن نتو كلاما لم تشعر به شميرام لانشغال بالها.
قالت نتو لشميرام: عسى أن الآلهة تقبل أدعيتنا وتستجيب صلواتنا لا سيما بيروس سيقدم إليها الضحايا والقرابين. وهل فكرت جيدا أيتها السيدة كيف أنه أحلك مقاما رفيعا. فتقدم إلينا لمن بين أقرانه الكهنة ووازرنا في بغيتنا. الحق يقال أن أريحيته عن كرم عنصره.
شميرام - تلك فريضة عليه وعلى فرقته الكلدان.
نتو - بينك وبين بيروس بون شاسع وبين القلبين فج عميق.
شميرام - ماذا تعنين بكلامك وإلى م تومئين؟
نتو - إن الآلهة عطفت عليك وتيمت قلبا في حبك.
شميرام - ومن ذا؟
نتو - بيروس الكاهن.
شميرام - أنا بواد والآلهة بواد. فلم تألب الكون وآلهته، والطبيعة وأربابها على اغتصاب قلبي، لا وايلو! لا اتخذ قرينا إلا شمشو، شمس الزمان وبدر الشبان. ألا تعلمين يا نتو أن بيروس متزوج بامرأتين فكيف ترضين به زوجا لي فأكون ثالثتهما.
نتو - أنى تحبين شمشو؟ وماذا يهمك زواج بيروس أنه يتخذك أعلاهما مقاما وتكونين عنده ربة الحل والعقد.
شميرام - أني لا أصبو إلى غير شمشو نجل عمتي فهو بغيتي الوحيدة.
نتو - أولا تعلمين أن شمشو مفتون بحب غيرك؟
شميرام - ألعلك تريدين أن تقولي أنه يحب حترا بنت أجيبي الصراف؟(5/289)
نتو - نعم. أما بيروس فمشغوف بهواك. ويفدي كل عزيز غال في سبيل حبك.
شميرام - أن شمشو وإن كان يهوى غيري إلا أني أهواه، ومن أحق من بنت الخال بابن عمتها وسأبذل جهدي في أسر قلبه بحب غير حب ابن العمة لابنة خاله. وسيساعدني الزمان على ذلك. ومن ذا الذي يقدر أن يمحو حبه من فؤادي فلا أطمع في حب غيره. ولا مرية في أن مجرى الحب سيتصل بفؤادي ويتخذ له من القلب إلى القلب سبيلا.
نتو - لا أرى داعيا لتعلقك وهيامك بشمشو وهو مشغول عنك بعشيقته.
فخير لك أن تحبي من يهواك وتدفعي عنك عناء أنت في غنى عنه.
شميرام - اضربي صفحا عن ذكر بيروس فهذا أمر يعد تحقيقه من رابع المستحيلات ولا أمالئك عليه ولا يطاوعني قلبي أن أحبه. وهبي أني تعلقت به فدون ذلك عقبات جمة. ووالدي يقف عشرة في سبيل هذا الزواج ولا يعطيني لكاهن لما بين طبقة الإشراف والكهنة من التنافر والخصام في بابل.
نتو - مالك إلا أن تلقي زمام الموافقة في حب بيروس وهو يدبر الأمر مع والدك.
لما رأت شميرام هذا الإلحاح قطبت حاجبيها وقالت يكفيك يا عبدة السوء أن تحاولي السيادة على قلبي ولا أرضى أن تفاتحيني مرة أخرى بهذه المزعجات المكدرات.
فانزعجت نتو من هذا اللوم وانقبض صدرها من توبيخ سيدتها ولكنها كظمت الغيظ. وأنى لها أن تظهره وهي من الجواري وفي عنقها قطعة من الحديد مكتوب عليها أنها ملك شلمان كرادو (أي أبي شميرام) ولكنها أضمرت لها سوءا وفكرت في تدبير حيلة تصطادها بها.
وكانت شميرام تسرح نظرها في طرق بابل الواسعة المستقيمة وتشاهد البيوت الفخمة وقصور الملوك وتقر عينا برؤية الجنان والبساتين المحاذية البيوت وتسر بمشاهدة المروج الملاصقة قصور الأمراء والأشراف والمثرين المرصدة لزراعة البقول وشاهدت في الطريق الخيل والحمير والحمالين ينقلون أشياء(5/290)
كثيرة. فالتفتت إلى نتو وقالت: ماذا يحمل هؤلاء الحمالون؟ فأجابتها: يحملون القار والزفت.
شميرام - من أين يأتون به ولأي شيء يصلح؟
نتو - يأتون به من مدينة هيت التي تبعد ثمانية أيام عن حاضرتنا. فإنه ينبجس من الأرض ويتدفق في نهر هيت فيجمع ويتخذ للبناء والتبليط.
شميرام - انظري يا نتو كيف أن النساء في الدكاكين والمخازن سافرات الوجه يقضين أوقاتهن ذهابا وإيابا في الأزقة ويحملن أولادهن على ظهورن.
نتو - نعم يا سيدتي. تلك النساء العامة أما الشريفات مثلك فإنهن سجينات البيوت لا يخرجن إلى الهيكل إلا نادرا أو لزيارة أصدقائهن محتاطات بالجواري والعبيد كأن الرجال يريدون اختطافهن وهن يتبخترن في الطريق تيها ودلالا.
شميرام - أني لا أحب هذه الفخفخة وأفضل عليها البساطة ولهذا لا أود أن يحف بي العبيد والجواري وأحب شيء إلي من ذلك كله أن أقضي أوقاتي بمسامرتك.
نتو - سيدتي أني أتشرف بمرافقتك وبعطفك علي وأتلقى كل كلمة تفوهين بها بالترحاب وإن كانت زجرا وتأنيبا. لأني أنا التي عنيت بك وقد حملتك طفلة على ذراعي. ثم حاولت نتو أن نذكرها بانتفاضها من حديثها عن بيروس غير أن سيدتها خفت مهرولة ودخلت البيت.
لبيت شميرام أو بيت شلمان كرادو كما يعرفه البابليون شهرة بعيدة لعظمته وبنائه. لأن صاحبه من الأشراف المثرين في المدينة. في مدخل هذه الدار مجاز طويل مظلم معقود بالآجر يفضي إلى ساحة واسعة الفناء مطلقة الهواء تشرق عليها الشمس فتبهجها. وحوالي هذه العرصة تقوم الأبنية. وأمام الغرف رواق مسقف ووجه البناء على هيئة طاق تسنده أعمدة. والبناء طبقة واحدة والغرف ضيقة مستطيلة الشكل. وسقوف بعضها معقودة بالآجر وغيرها مسقفة تسقيفا مسطحا بجذوع النخل. وبعض هذه الغرف مخصص بالسكنى
وبعضها بالمؤن. ولها سطح واحد يصعدون إليه بدرج مبني بالآجر والبيوت تطل بعضها على بعض.(5/291)
وفي البيت سرداب لا ينفذ إليه إلا نور ضئيل يقضي فيه سكانه هاجرة الحر.
ويقسم البيت إلى ثلاثة أقسام. قسم للرجال وقسم للحريم والقسم الثالث للمطبخ والعبيد والجواري. والمطبخ مشيد باللبن. ووراء البيت جنينة وحقل للزرع. وكان الأثاث كراسي مختلفة الأشكال وحصرانا منسوجة من الخوص وخابي وأوعية وحبابا مشوية بالنار ومطلية بالألوان. وفي غرفة شلمان كرادو وامرأته سريران من خشب قوائمهما على شكل أرجل أسد وفوق كل سرير فراش وثير ولحافان. وكذا قل عن سرير شميرام. وفي غرفة شميرام أم سجادة بديعة قد نسجتها بيديها في وقت الفراغ. وهناك أوعية صغيرة للكحل والحمرة وأصباغ الوجه والشعر وغيرها من أدوات الزينة. وفي المطبخ رحى وتنور وقدور كبيرة. وفي الدار صواني ومائدة وملاعق وشوكات للأكل. كان العبيد والجواري يقومون بأشغال البيت من طحن وعجن وخبز وطبخ وغسل ثياب وغيرها.
كانت تجتمع أسرة (عائلة) شلمان كرادو يوميا للأكل معا إلا أن النساء يعتزلن الرجال في المآدب.
شبت شميرام في ذلك البيت أليفة الدلال وحليفة الشرف تقضي معظم أوقاتها في البطالة ومحادثة جاراتها من السطح وما كانت تترك السطح إلا إذا اشتدت حرارة الشمس وتعود إليه عند الشمس إلى المغيب وكانت تزور أحيانا صديقاتها في بيوتهن أو تذهب إلى التنزه أو إلى الهيكل للصلاة وقلما تعاني مشقة أشغال البيت مثل بنات الأوساط أو الفقراء. وعندما يضيمها الضجر ويلحقها السأم تعمد إلى الخياطة والتطريز وكانت حياتها على هذا الطرز من الفقر والكسل شأن كل بنات بابل المترفهات الناعمات.
لما صارت شميرام في فناء الدار رفعت نقابها وعمدت إلى كوز (تنكة) كانت معلقة بجسر الممشى وارتشفت الخمرة التي كانت فيها حتى ثمالتها واتجهت توا إلى غرفتها ومدت الحصير على الأرض واستندت إلى الوسائد الناعمة ثم أطلقت نفسها للهواجس.
يوسف غنيمة(5/292)
فوائد لغوية
النسبة إلى تربية: تربي أو تربوي
نرى في المجلات والجرائد من ينسب إلى كلمة تربية: تربيوي، وبعضهم يقول: تربيؤيي وآخرين: تربئيوي. وكلها شناعة في شناعة؛ ولو عرفوا قواعد لغتهم لقالوا: تربى (بفتح التاء وسكون الراء وكسر الباء وفي الآخر ياء النسبة)، ويجوز في لغة: تربوي (بفتح التاء وسكون وفتح الباء وكسر الواو وفي الآخر ياء النسبة).
وهذا ما يتضح من الألفية، إذ يقول ناظمها:
(والحذف في اليا رابعا أحق من ... قلب وحتم قلب ثالث يعن)
قال أبنه: فيقال في النسب إلى. . . . . مرمى: مرمي وقد يقال: مرموي: تفرقة بين الأصل والزائد. وقال أيضا: وإن كانت (الياء) رابعة حذفت، كقاض وقاض، وقد تقلب واو ويفتح ما قبلها فيقال قاضوي. اهـ
إلا إن سيبويه صرح في كتابه (في 2: 71 من طبعة بولاق) إن حذف الياء أفصح وإن كان يجوز قبلها واوا وزيادة ياء النسبة في الآخر. قال: (وتقول إذا أضفت إلى رجل أسمه يرمي: (وزان الفعل رمى يرمي) يرمي (بتشديد الياء). . . ثم قال الخليل من قال في يثرب: يثربي (بكسر الراء في الأول وبفتحها في النسب) وفي تغلب (بكسر اللام): تغلبي (بفتحها) ففتح مغيرا فانه إن غير مثل يرمي (بالتخفيف) على ذا الحد، قال يرموي كأنه أضاف إلى يرمي. اهـ. وبهذه الإشارة كفاية.
الحوط
قال في القاموس (حاط الحمار عانته حفظها).
أقول إن (حاط) هنا بمعنى صان وحفظ والحمار يطلق على الأهلي والوحشي(5/293)
والعانة كما تطلق على المحل المعلوم تطلق على القطيع من الحمر الوحشية كما يستفاد ذلك من القاموس عند تفسير الكلمات الثلاث فيكون معنى هذا التركيب (أن الحمار حفظ قطيعه) وذلك أن لكل قطيع فحلا يتغلب عليه ويقوم بحمايته من الطوارئ الخارجية.
إلا أن مترجم القاموس التركي ترجم هذه العبارة بما يضحك الثكلى إذ قال (ومركب وسائر حيوان صار قمش آلتني أيجر وجكمك معناسنه مستعملدر يقال حاط الحمار عانته إذا جمها) اه.
وقال مترجم الجوهري (ويحوط خر ذكريني أيجرى جكسه دخي ديرلر تقول الحمار يحوط عانته أي يجمعها) وهي هفوة عجيبة! ولكن ألا يحق لنا أن نبحث عن منشأ هذه الهفوة أهو قصور من المترجمين أم أن لهم مآخذ من الكتب العربية؟
أما شارح القاموس فلم يمط اللثام في هذا المقام بل اكتفى بأن زاد على عبارة المتن قوله - جمعها - فتأمل!
محمود الملاح
(لغة العرب) غوليوس وفريتغ اللذان أوضحا ما في القاموس من مبهم الكلام اعتمدا في شرحهما على الاوقيانوس لعاصم أفندي ووان قلي ناقل الجوهري إلى التركية فوهما وهم هذين الناقلين. وجاء غيرهما من الإفرنج فوقعوا في تلك المهاوي. فلينتبه القارئ.
المفترجات
جاء في مجلة المجمع العلمي العربي (354: 7) شرحا لكلام أحد الأدباء صاحب (رحلة إلى حلب والشام) ما هذا حرفه: (ثم بعد اجتماعي بهؤلاء السادات، فرغت نفسي للتفرج على المفترجات، التي طار ذكرها في الأقطار، ومدحتها الأدباء في النظام والنثار).
فقال حضرة صديقنا العلامة المغربي تعليقا على هذه العبارة: (ثم أخذ يسرد ما قاله الشعراء في وصف دمشق، والظاهر من كلمة المفترجات أنه(5/294)
يريد بها الأماكن التي تصلح للفرجة عليها، ونسميها اليوم منتزهات أو متنزهات. أما (المفترجات) فلا نعرفها، بل لم نسمعها، وهي مشتقة من مادة (الفرجة وتفرج ولا نعلم إن كان هو الذي اخترع تلك الكلمة أو كان يستعملها أهل زمانه فتابعهم عليها؛ لكنه مع الأسف لم يذكر تلك (المفترجات) التي زارها ولا اعتنى بوصفها لنا). انتهى المطلوب من إيراده.
قلنا: (المفترجات) كلمة وردت في كتب المولدين قبل صاحب (رحلة إلى حلب والشام) بمئات من السنين؛ وذكروها بمعنيين: أحدهما حسن وهو الأول في موضعه بمعنى المتنزهات التي يفرج برويتها عن الغم والهم. - والثاني قبيح بمعنى الماخور أو دار الفجور: لأن بعض أهل المفاسد لا يفرجون همهم إلا في مثل تلك البيوت، ونحن نذكر على ذلك شواهد:
قال الغياثي في تاريخه المسمى (التاريخ الغياثي) وكان المؤلف عائشا في سنة 883 هـ (1478م) في ص277 من مخطوط خزانتنا: كان (الخليفة الناصر) كثير الولع بجمع الذهب وخباءه، لكن جميع ما دفنه استخرجه ولده المستنصر وله قصة طويلة وأخرجه على العمارات والمفترجات وأبواب البر، انتهى. فهذا نص صريح على أن المفترجات وردت بمعنى المتنزه أو المنتزه.
وقال ابن اياس (المتوفى في القرن التاسع للهجرة أو الخامس عشر للميلاد) في تاريخه: (وكانوا يتجاهرون في ذلك اليوم (يوم النيروز في القاهرة) بشرب الخمر وكثرة الفسوق في أماكن المفترجات حتى يخرجوا في (ذلك) اليوم عن الحد. . . فلما تسلطن الظاهر برقوق أمر بإبطال ما كان يعمل في ذلك اليوم. . . وانكفوا عما كانوا يفعلونه. . . في أماكن
المفترجات ونحو ذلك. وهذه الواقعة ذكرها المقريزي من حوادث سنة 787). اهـ فهذا نص آخر واضح لكنه بالمعنى القبيح.
أما اشتقاق اللفظة فلا ينافي وضع الأقدمين وذلك لأن فرج ورد في لغتنا بمعنى فتح فقد قالوا فرج بين الشيئين أي فتح بينهما وكما قالوا افتتح الباب بمعنى فتحة قالوا: افترج الهم بمعنى فرجه أي كشفه وأذهبه. فالمفترجات إذن كاشفات الهم والغم ومذهباته عن صاحبه؛ إذن هي المتنزهات لما فيها من(5/295)
المناظر البديعة.
وهنا يحسن بنا أن نقول: إن دوزي وهم أشد الوهم بذهابه إلى أن المفترجات هن المومسات. وقد ذكر ذلك في معجمه (الملحق بالمعاجم العربية). وفي كتابه (ثياب العرب) فأصلحه أصلحنا الله وإياك.
أبرطيلات ليس من أصنام العرب
جاء في مجلة الجامعة (البغدادية) (570: 1) بين أصنام سلفنا ابرطيلات. والحال أن هذا الصنم لا وجود له. وإنما ذكره جرجي زيدان في هلاله نقلا عن بعض ضعفاء الكتاب الذين صحفوا (رضاء واللات) وهما من أصنام الجاهلية بتلك الصورة الشنيعة. وكنا قد نبهنا جرجي زيدان على ذلك الوهم فشكر لنا تصحيحنا لروايته.
وممن روى هذه الرواية الفاسدة السمعاني من علماء الموارنة صاحب الخزانة الشرقية في المجلد الثالث في القسم الثاني ص482 فقد ذكره بحروف إفرنجية هكذا أو ولعل قراءتها العربية القديمة كانت: الرضا أو رضى (بدون أل بل بالهمزة وهي أداة التعريف العربية القديمة التي يقابلها هاء التعريف عند العبريين) واللات، فقرأتا كلمة واحدة (أرضا اللات) ثم صحفها المعربون العصريون ابروطيلات. وصحفها مدرس الجامعة بصورة ابرطيلات.
الهيرغليف
جاء في مجلة الجامعة المذكورة (550: 1) في فصل (العناصر المتولدة من العرب) ما هذا نصه: (استوطن العرب الأقطار السالفة فيما تقدم من الأحقاب وتفرعت منهم أمم كثيرة منها: السريان والكلدان والهيروغليفيون (؟ كذا) والرعاة. . .
قلنا: جعل الأستاذ الشيخ عبد العزيز الثعالبي الهيروغليفيين أمة من سلفنا(5/296)
العرب، وجعل الأستاذ عبد اللطيف الفلاحي الهيروغليف لغة (؟ كذا). وهذا كلامه في كتاب (دروس التاريخ للصف الخامس. الجزء الأول ص12). إذ يقول: (عثر أحد علماء الفرنسيس (كذا أي الفرنسيين) وهو شمبوليون على حجر عليه كتابة بثلاث لغات: الأولى وهي العليا بالهيروغليف، والثانية وهي الوسطى العامية، والثالثة وهي السفلى اليونانية. . .).
قلنا: الهيروغليف ليست أمة أو قوما، ولا لغة، إنما هي كتابة بحروف مصورة تمثل أنواع الحيوان من طائر وداب وزاحف وسابح. ولا يحسن بنا أن نغلط مثل هذه الأغلاط التي تضحك منا الغرباء حتى أطفالهم. والذين يغلطون فينا هذه الأغلاط مدرسون وأساتذة وعلماء!!!.
وسبب سوء فهم الألفاظ الإفرنجية إننا نتخذها ولا نفهم معناها فلو كنا اتخذنا بدلا منها: الخط المصور أو (البرباوي) كما سماه السلف لما وهم بعضهم هذا الوهم الشنيع.
وفق له
تصفح كل ما يكتبه أدباء العصر على اختلاف طبقاتهم ترهم يقولون: وفقه الله إلى سواء السبيل مثلا، ولا يخرجون عن هذا التعبير. أو تر فريقا منهم يقول: وفقه الله سواء السبيل بحذف أداة الوصل. والأفصح أن يقال وفقه الله لسواء السبيل.
نعم إن قولهم (إلى) سبيل الحق مثلا يؤول بأن (إلى) تأتي بمعنى اللام.
وإن قولهم (سبيل الحق) بحذف الأداة هو من باب حذف الأداة ووصل الفعل بمفعوله. كل هذا سائغ فصيح لكنه ليس بالأفصح. قال في القاموس في مادة (م ن ي): (مني لكذا (بالمجهول) وفق.) ظهر من هذا الكلام أن وفق ومني يتعديان بحرف واحد هو (اللام) لا بغيره. فاحفظه تصب أن شاء الله تعالى.(5/297)
باب المكاتبة والمذاكرة
الموسيقى والمزيقة
سيدي الأستاذ العلامة صاحب (لغة العرب)
لمناسبة الفوائد اللغوية التي ظهرت حديثا في مجلتكم الغراء عن أصل كلمة (موسيقي) أتشرف بلفت نظر فضيلتكم إلى ذيل الصحيفة السادسة والستين من قصة (إحسان) حيث ذكرت هذه الملاحظات: (اقتبس العرب اسم (الموسيقي) - بكسر القاف - أو (فن الألحان) من الاسم اليوناني (موزيكي - بكسر الكاف). ولكن أدباء القرن الماضي اختاروا فتح القاف تعريبا للكلمة من اللفظ اللاتيني (موزيكا) وبينهم من عربها (موسيقى) بفتح القاف. ولا نرى مانعا من استعمال الكلمات الثلاث وإن كان لفظ (الموسيقى) - بفتح القاف - أخف على السمع وقد اصبح مألوفا مستحبا في عصرنا، وهو يمنع الالتباس أحيانا بكلمة (الموسيقي بتشديد الياء. . .) الخ.
وقد قرأت بإعجاب ولذة وفائدة بحثكم القيم. فأهنئكم بهذا الجلد العظيم في البحث وبالتعمق في التنقيب والتأمل الطويل، وإن كان من بعض اللغو أن أشير إلى ذلك، فلولا هذه الصفات العلمية الجليلة لما كان (الكرملي) ما نعرف من إكبار ومنزلة وثقة عظمى ببحثه ورأيه وحكمه. ومن الفائدة الكبرى لكل محب للأدب أن يطلع على هذه المباحث النفسية من قبيل العلم، فالعلم غذاء الذهن، ولم يستغن الأديب كيفما كانت نزعته عن مثل هذا الإطلاع المفيد.
وأما عن كلمة (المزيقة) فبودي أن أذكر لفضيلتكم أن نظيرتها العامية الشائعة في مصر منذ أجيال هي (المزيكة)، وغير خاف عنكم الذوق المصري الكثير الميل إلى تخفيف النطق، بحيث أنه كثيرا ما يبدل القاف بكاف،(5/298)
وكثيرا ما يشدد حرفا أو يهمل التشديد تبعا للنغم الموسيقي في النطق. ولعل هذا هو سر الاختلاف بين الكلمتين العاميتين. العراقية والمصرية. وربما كانت الكلمة العامية المصرية تعريبا أوليا لإحدى الكلمات الإفرنجية العصرية، بينما الكلمة العامية العراقية محرفة من أصل عربي.
ولفضيلتكم في الختام أخلص تحياتي وأجل احترامي.
الإسكندرية: 28 يوليو سنة 1927م
أحمد زكي أبو شادي
(لغة العرب) نشكر للكاتب اللغوي والشاعر العصري حسن ظنه بمجلتنا ونقدر ملاحظاته أعظم تقدير ونقول أن المويسيقي بالتصغير وردت في التاج في عدة مواطن، منها مادة (هـ وز) ومادة (زرب) وقد كتبت في هذه المادة الأخيرة بألف قائمة وأما الموسيقى بفتح القاف وألف مقصورة فهي أخف من الموسيقي المشددة الياء، إلا أنها لم ترد في كلام فصيح إنما وردت في كتب العصريين، ولا بأس من استعمالها، إذ تكون معربة من اللاتينية لا من اليونانية. والمعنى واحد.
إن كتاب شرح العوامل الذي ألفه الشيخ عبد القاهر الجرجاني من الكتب النفيسة.
وبينما أنا أطالعه عثرت فيه على بعض الهنات التي لا بأس بالتنبيه عليها وهي:
قال رحمه الله: وهلم بمعنى تعال نحو هلم زيدا أي تعاله. ولا يخفى أن تعال اسم فعل لازم فإذا تعدى يفسر باحضرة قال الله تعالى: وهلم شهداءكم أي أحضروه، فالصحيح أن يقال: هلم زيدا أي أحضره.
وقال: أما العامل في المبتدأ والخبر فهو معنى الابتداء أعني تجرده عن العوامل اللفظية نحو زيد ضارب والفاعل مرفوع لمشابهة الفعل بأنه مسند إليه كما أن الفاعل كذلك. وهذه العبارة غامضة فكان أولى أن يقول: أما العامل في المبتدأ والخبر فهو معنى الابتداء أعني تجرده عن العوامل اللفظية نحو زيد ضارب أو مشابهة للفاعل في كونه مسندا إليه.
محمد مهدي العلوي(5/299)
رخامة طور سينا
قرأت في العدد (34) من البلاغ الأسبوعي الأغر النبذة المقتطفة مما كتبه أحمد شفيق باشا حول (دير طور سينا) ومما جاء فيها قوله:
(وعلى باب الدير لوحة من الرخام نقش عليها اسم باني الدير وتاريخ بنائه بالعربية وهذا نص النقش: (أنشأ دير طور سينا وكنيسة جبل المناجاة الفقير لله الراجي عفو مولاه الملك المهذب الرومي المذهب يوستنيانوس تذكارا له ولزوجته تاوضورة على مرور الزمان حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. وتم بناؤه بعد ثلاثين سنة من ملكه جرى
ذلك 6021 لآدم الموافق لتاريخ السيد المسيح سنة 527. اه).
فهذه العبارات توضح تاريخ البناء والباني ولكن لا يفهم منها تاريخ نقش العبارات والموعز بنقشها؟ لأن ملامح هذه الأساليب تدل على أنها من صوغ القرون المتأخرة عن عصر النبوة المحمدية لأن ولادة النبي كانت سنة 575 مسيحية والدليل على أنها متأخرة هذه الجملة الإسلامية (حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين) مع أن القارئ ربما توهم لأول وهلة أنها نقشت في تاريخ البناء والموضوع جدير بالتأمل.
ثم قال (وبعد انتهاء الصلاة طفنا بالكنيسة ودخلنا هيكلها وفي جنبيه صور الأنبياء والرسل قبل سيدنا موسى وبعده وهم ايليا وصالح وهود وشعيب وداود وسليمان ويعقوب ومار يوسف ويوشع. . .).
مع إنا لا نكاد نشك في أن أهل الكتاب من يهود ونصارى لا يعتدون بغير أنبياء التوراة وشعيب وصالح وهود ليسوا منهم لأن شعيبا من (مدين) وصالحا من (ثمود) وهودا من (عاد) كما في القرآن (وإلى مدين أخاهم شعيبا) (وإلى ثمود أخاهم صالحا) (وإلى عاد أخاهم هودا) فمن أين ساغ لأصحاب الهيكل وهم مسيحيون أن يرسموا صور هؤلاء الأنبياء؟!
محمود الملاح
أمونة
في كتاب (مختارات سلامة موسى): (أن الفلاحين في النيل يهزجون في(5/300)
غدواتهم وروحاتهم بقولهم (أمونه، أمونه) واستدل بذلك على أن القوم يندبون الإله المصري (آمون) ذهابا منه إلى أنهم ورثوا ذلك عن أجدادهم من قبل الإسلام!
مع أن كلمة (أمونه) غير محصورة في مصر بل مستعملة في العراق، والعراق لم يخضع لأمون فكيف تخطى هذا الاسم إليه؟
والحقيقة أن الناس عندنا يحرفون كثيرا من الكلمات عن مواضعها ويفرغونها في صيغ أخرى مألوفة لديهم فيقولون في (فاطمة): فطومة وفي (آمنة): أمونة ولهم أغاني على ذلك.
لكن سلامة موسى أعجبته هذه النغمة الصادرة من أفواه الملاحين المصريين فرقص على إيقاعها!!!
محمود الملاح
بد وبوذا
في الصفحة 975 من مجلة الهلال للسنة الحالية عند الكلام على أخذ العرب كلمة (بد) من (بوذا) قال الكاتب: (ولفظة أمة التي تعني الجارية صينية أيضاً لأن معظم الجواري كن يجلبن إلى بغداد من الصين).
وظاهرة العبارة يدل على اعتقاد الكاتب أن الكلمة مولدة طارئة على اللغة العربية في العصر العباسي والحق أنها أصيلة في كلام العرب ففي القرآن (والصالحين من عبادكم وإمائكم) وهي أنثى العبد من غير لفظه ولا يخفى أن كلمة (أمية) تصغير (أمة) أصلها (أميوه) ثم وقع الإعلال والإدغام على القاعدة المعروفة.
محمود الملاح
الثياب الإفرنجية في العراق
لبس الرجال للثياب الإفرنجية لم يدخل بغداد إلا في أواسط القرن التاسع عشر للميلاد. فليحفظ التاريخ.
ديرنرسيس صائغيان(5/301)
أسئلة وأجوبة
الكندي فيلسوف العرب
من بغداد. ر. ب. هل الكندي المشهور بفيلسوف العرب مسلم أم نصراني؟ فالذي قرأناه في مجاني الأدب أنه نصراني (307: 4) والذي نسمعه من المسلمين أنه مسلم حنيف، فأين الحق؟
ج - قبل تحقيق الأمر يحسن بنا أن نذكر نص مجاني الأدب وهو:
(الكندي (246هـ (860م). هو يعقوب بن إسحاق الكندي (النصراني) وكان شريف الأصل بصريا وكان أبوه إسحاق أميرا على الكوفة للمهدي والرشيد. (ويعقوب هذا أوحد عصره في فنون الآداب، وشهرته تغني عن الإطناب). وكان (له اليد الطولى بعلوم اليونان والهند والعجم متفننا) عالما بالطب والمنطق وتأليف اللحون والهندسة والهيئة والفلسفة. وله في أكثر هذه العلوم تأليف مشهورة. ولم يكن في (العرب) من اشتهر عند الناس بمعاناة علم الفلسفة حتى سموه فيلسوف غير يعقوب. وكان معاصرا لقسطا بن لوقا الفيلسوف البعلبكي النصراني واستوطن بغداد وأخذ عن أبي معشر البلخي. (ومن انسباء يعقوب هذا عبد المسيح بن اسحاق الكندي وله رسالة مشتهرة فند فيها اعتراضات ابن إسماعيل الهاشمي على النصرانية. ذكرها أبو ريحان في تاريخه) لأبي الفرج). انتهى بحرفه.
قلنا: يظهر هذا الكلام أن الأب لويس شيخو اليسوعي العلامة نقل كلامه هذا عن أبي الفرج. والحال أننا قابلنا هذا النص بنص أبي الفرج المطبوع في مطبعة الآباء اليسوعيين فوجدنا بينهما فرقا. فما وضعنا نحن بين عضادتين هو من زيادة الأب شيخو ودسه في نص ابن العبري. وهذا يظهر(5/302)
أيضاً عباراته فإنها غير محكمة الوضع فقوله: له اليد الطولى بعلوم اليونان والهند والعجم لا ينطق به ابن العبري، ولا العربي الفصيح بل يقول: له اليد الطولى (في) علوم (اليونانيين) و (الهنود) و (الفرس). . وأما دسه: (لم يكن في العرب) فالذي في الأصل: (لم يكن في الإسلام).
ثم لا نفهم كيف يكون أبو يعقوب أميرا على الكوفة لو كان نصرانيا. وأهل الكوفة منذ صدر الإسلام كانوا متمسكين بدينهم الحنيف فكيف يقبلون عليهم أميرا نصرانيا؟
هذا من جهة نقد الترجمة التي أتحفنا بها حضرة الأب المحترم. وأما تصريح ابن العبري بإسلامية الكندي فصريح من قوله: لم يكن في الإسلام من اشتهر. . . فحذفها حضرة الأب وأبدلها بقوله: (لم يكن في العرب) وبين الكلامين فرق لا يخفى على المطالع.
ويظهر من نص بعض الكتبة أن جماعة من بني كندة أسلمت منذ فجر الإسلام. فقد ذكر ابن القفطي (في ص367 من طبعة الإفرنج) ما هذا حرفه: كان أبو إسحق بن الصباح أميرا على الكوفة للمهدي والرشيد وكان جده الأشعث ابن قيس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان قبل ذلك ملكا على جميع كندة. . اهـ.
وكان الكندي فيلسوفا معتزليا على ما صرحت به معلمة الإسلام في مادة الكندي (1078: 2 من الترجمة) وكذلك صرح به الأستاذ العبقري محمد لطفي جمعة في كتابه (تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب) في ص10 ولم نجد أحدا صرح بنصرانيته سوى حضرة الأب لويس شيخو اليسوعي الجزيل الحرمة.
محل وجود هنرنانة
بغداد: ي. ن. س. هل تعرفون محل وجود نسخة من كتاب هنرنانة (أي كتاب الشرف) الذي ذكره صاحب كشف الظنون الذي قال عنه: (هنرنانة (وفي النسخة المطبوعة هزنامة وهو خطأ) علي باشا: تركي لنيازي ألفه في غزواته من بغداد وكان واليا بها إلى سجاد مشعشع في سنة 992(5/303)
وهو كتاب مختصر في مجلد سماه ظفرنامة)
ج لا نعرف عن محل وجوده كما لا نعرف عنه شيئا. فإن كان بين القراء من يعرف بمحل وجوده فليذكره لنا. وله الفضل والمنة.
كركميش أو جرابلس الحالية
بغداد: ي. خ. ما هي كركميش وهل هي جرابلس الحالية؟
ج - جرابلس مدينة صغيرة واقعة على الضفة اليمنى للفرات. ولم تشتهر اليوم إلا لأنها وقعت على خط سكة الحديد الذي يربط سورية بتركية ثم بالعراق إذا تم الخط المذكور.
وقد جاء ذكر كركميش في كتب التاريخ القديمة غير العربية. وبقي العلماء يبحثون عن اسمها الحالي وموقعها فلم يتوفقوا للعثور على الحقيقة إلا في أواخر القرن التاسع عشر
وكان العلماء قبل ذلك يترددون بين أن تكون قرقيسياء ومنبج ما بوج (عند الأرميين) أو هيرابلس عند الأقدمين
إلا أن كشوف) سكين وهندرسن (في سنة 1874) أزالت كل شك وأصبح اليوم من المؤكد أنها جرابلس الحديثة الواقعة على منعرج الفرات بعد خروجك من مضايق جبل (أي الطورس). وما جرابلس إلا تصحيف هرابلس التي معناها (المدينة المقدسة) وكركميش واقعة بين البيرة شمالا (بيرة جك) وبين منبج جنوبا. ولما كانت جرابلس (كركميش) قريبة من هيرابلس (منبج) وكان اسم كركميش قد نسي سميت منبج هرابلس أو جرابلس كما يحدث ذلك كثيرا إذ تسمى البلاد الحديثة بأسماء قديمة كانت مجاورة لها.
وأخرجه جرابلس أوضحت أنها قائمة على أنقاض كركميش (وكتبت هذه على الرقم بصورة كر كميش أي بكلمتين ولعل الأصل كرخ كموش وهو من آلهة الموابين. أصله حتى فيكون معنى اللفظة المدينة المسورة المرصدة للإله كموش أو مدينة كموش) وأصل الكاف فيها كاف فيها كاف فارسية أي أنها(5/304)
تلفظ وموقعها من أحسن المواقع في زمن الحرب ومشهورة بتجارتها المهمة وبأنها مدينة مقدسة وملجأ لمن يريد الهرب من بين يدي أرباب العدل والحكم ولهذا كانت تعتبر مقدسة.
وكان لها هيكل شهير يجذب إليه الناس من كل حدب وصوب. وقد جاء ذكرها في تواريخ تحوتمس الثالث (في المائة 16 ق م).
وخرجت من أيدي المصريين في عهد ملوك الدولة العشرين. وفل (تكلت إبل أسر) الصوخيين قريبا من أسوارها (في نحو سنة 1100؟) إلا أن أحد خلفائه وهو (أشور نب أمر) (في سنة 1060) قهر في ذلك الموضع عينه إذ سحقه الحتيون المتحالفون فاستقل ذلك الصقع. ثم بعد ذلك بزمن طويل اعترف ملوك كركميش بسيادة أشور ابل أسر الثاني (في المائة 9 ق م) وبسيادة سلمن أسر الثالث و (تكلت ابل أسر الثاني) في نحو سنة 740 ق م) وفي عهد سرجون حاولت المدينة أن تتخلص من أيدي الآشوريين إلا أنها أخذلت وخلع ملكها (فسيرس) (717 ق م) وكان تسلط السرجونيين على تلك الحاضرة من أشأم الطوالع عليها؛ لأنها فقدت شيئا كثيرا من خطورتها التجارية والسياسية. ثم عاد المصريون إليها في عهد نخو الثاني فرعونهم إلا أن نبو (كدر أسر) أمعن في ضربهم (سنة 606)
فوقعت الحاضرة في أيدي أبناء بابل وبعد هذه الواقعة الشهيرة التي خسر فيها المصريون نفوذهم في آسية لم يظهر اسم كركميش في التاريخ بل تبعت حظ سائر مدن آسية الصغرى وفي الآخر حكم عليها الفرس.
وقد ذكر ج. ماسبرو بين أسمائها: جرامس (في خريطته) وجرجميش وكرخميس ومابوج (أو مابوق) وبنبوك وهيرابلس ومنبج (وهذه كلها في كتابه التاريخ القديم في أمم الشرق) واختلاف هذه الأسماء ناشئ من جهل أبناء القرون الوسطى موقع تلك الحاضرة؛ أما اليوم فلا تعرف إلا باسم جرابلس.
وعلى بعد 18 كيلو مترا جنوبا منها: تل اسمه (التل الأحمر) وقد وجد فيه هذه السنة العلامة الأثري الفرنسي ثورو دانجين - تمثالا من الحجر الأسود المانع هو صورة سلمان أسر (الذي يسميه سلفنا سلمان الأعشر وبعضهم سماه سلمان الأعسر) أحد ملوك أشور وقد جلس عند قدميه رجل على رأسه خوذة وقد نقش على التمثال رسوم آلهة ممتطين حيوانات غريبة الشكل وعلى كل جانب من جوانب التمثال رسوم أكابر رجال المملكة.
ووجد حفارون آخرون قبل نحو عشرين سنة عاديات كثيرة في كركميش نفسها مما يدل على حضارتها العريقة في القدم.(5/305)
باب المشارفة والانتقاد
41 - كتاب مندايي أو الصابئة الأقدمين
تأليف عبد الحميد أفندي بن بكر أفندي عبادة، الطبعة الأولى. حقوق الطبع والترجمة تعود للمؤلف (كذا)، طبع في مطبعة الفرات بغداد في سنة 1927 في 66 ص بقطع 16
في العراق فرقة دينية قديمة اسمها (مندايا) والعامة تسميها (الصبة) (وزان قبة) والفصحاء يسمونها الصابئة وكان يسميها السلف (صابئة البطائح) وقد جمع حضرة الأديب عبد الحميد أفندي عبادة كل ما سمعه من أحد شيوخ هذه الفرقة وهو الشيخ دخيل ودونه بدون نقد وبدون أن يطالع ما كتبه من تقدمه في هذا البحث، وهذه الصفحات تحوي كل ما قاله الشيخ دخيل، وأنت تعلم إن من مصالح الفرق الخفية الدينية أن تخفي ما تؤمن به من الأسرار وتجهر بما يحسنها في نظر الذين يحيطون بأصحابها، فهذا الكتاب من هذا القبيل مما يحرص عليه لأنه لسان حال الزاعمين لا لسان حال ما هم عليه من صحة ما يعتقدون.(5/306)
42 - فوائد الاختبار أو ديوان التويجي
من نظم ملا خميس آل التويج، طبع بمطبعة الفرات في بغداد سنة 1346 في 71 صفحة بقطع الثمن الصغير
كنا لا نرى في دواوين الأقدمين سوى المدح والهجاء والرثاء والتهنئة وما خرج عن هذه القيود لا أثر فيها. وقد طالعنا هذا الديوان فوجدنا فيه بيوتا عامرة بالحكمة والآراء السديدة ووجدنا للقصائد عناوين جديدة غير العناوين المبتذلة فأكبرنا همة الناظم ودعونا له بالنجاح والفلاح.
على أننا وجدنا في كل صفحة أغلاط طبع تشوه بعض ما فيه من المحاسن ففي ص2: فخذ ألا يا سعد. . . ولو قال الناظم: ألا فخذ يا سعد. لأن ل (ألا) صدر الكلام لكان أجود. - وفيها أودعي. والأحسن ما دعا. - وفيها: أن به يلاقونك. وفي هذه الكلمة الأخيرة جواز شعر لا يستحب - وفيها غير هذه الأوهام. فعسى أن تنفي من هذه النسخة في الطبعة الثانية!
43 - نهضة اليابان وتأثير روح الأمة في النهضة
تأليف العقيد (وهو اليوم الزعيم) طه (بك) الهاشمي، طبع بمطبعة دار السلام في بغداد سنة 1925 في 196ص بقطع الثمن.
عجيب أمر طه بك الهاشمي في حمل وطنييه على حب وطنهم العراق وترغيبهم في مسايرة رقي العصر ومما شاة الإفرنج في مكشوفاتهم وتحقيقاتهم وإمعانهم في الحضارة. فلقد وضع كتابا في نهضة اليابان ليعرض مثالا حيا للعراقيين ولهذا صدر تصنيفه بجزء جعله الجزء الأول أدار قطب بحثه على (المقدمة)، وآراء الاجتماعي أدمون ديمولان، ونظريات الروحي الشهير جوستاف لوبون، والسجايا العربية ونبذة من تاريخ العرب، وتكون السجايا العربية، ومقدرة العرب على الحضارة، وبطرس الكبير والإصلاحات التي قام بها، والانقلاب الروسي الأخير (البلشفيزم) والإصلاحات التركية والخاتمة). . - ثم وضع الجزء الثاني وخصه بنهضة اليابان. وبلغت صفحات الجزء الأول 84 وبلغت صفحات الجزء الثاني 98 وما بقي خصه بالفهرس وبخلافه. هكذا جعل نصيب التمثيل(5/307)
والتشجيع بقدر نصيب المثال وأتباعه. ولا حاجة بعد هذا إلى أن نقول أن الكاتب حرسه الله ألف ما صنفه على وجه شوق القارئ إلى مطالعته بلذة وفائدة معا، وهو سر لا يتمكن من إيداعه المصنفات إلا من بلغ من دهاء العلم والفن أقصى الدرج. وقد سمعنا برواج هذا التأليف ما يضمن لصاحبه طيب الأحدوثة والصعود الدائم في سلم الفلاح.
44 - كتاب الإرشادات الروحية في العمل
بعبادة قلب يسوع الأقدس العصرية
(الجزء الثاني)
تأليف المنسنيور الخوري عبد الأحد جرجي لقلب يسوع الأقدس
طبع بالمطبعة السريانية الكاثوليكية في بغداد سنة 1927 في 550 صفحة بقطع الثمن الصغير
ذكرنا الجزء الأول من هذا الكتاب النفيس في 59: 5. وقد أهدانا اليوم حضرة ابن خالتنا الجزء الثاني منه فإذا هو مما يقتنيه كل مسيحي؛ لأن المطبوعات الدينية التي تنشر في
سورية وفلسطين ومصر مغلوطة العبارة في أغلب الأحيان، وربما يجد فيها القارئ ما يخالف المعتقد القيم، وإن لم يكن ذلك في نية المؤلف؛ لكن الأمر لا ينكر لسوء التعبير أو لجهل الكتبة أصول اللغة.
أما هذا الكتاب فإنه حسن العبارة، متينها، قوي البرهان، يحمل القارئ على التقوى الصادقة وتوخي القربات من أقرب طريق، وأنجع الوسائل، فنوصي به جميع أهل التقى والبر.
هدايا الأستاذ اغناطيوس كراتشوفسكي بالروسية
45 - أسامي الكتب الخطية العربية التي وردت من جبهة
الحرب القافية (القوقاسية) سنة 1917
ودخلت المتحفة الروسية الاسوية العائدة إلى محفى العلوم في 36 صفحة بقطع الثمن، رتبها الأستاذ على حروف المعجم، وكتبها بحروف عربية ليتمكن ابن العرب من الوقوف عليها بسرعة. . . ويغلب فيها كتب الدين الإسلامي والأدب والنحو والفقه.
46 - أسماء الكتب الخطية التي كان اقتناها البارون فكتور
دي روزن
الرولي مولدا، والبطرسبرجي مسكنا في 28 صفحة بقطع الثمن، أغلب هذه الأسفار مكتوبة بالحرف الروسي، وفيها كتب نفسية من(5/308)
أدبية وتاريخية ولغوية. وقد بوبها الكاتب بموجب محتوياتها.
47 - ترجمة أ. ك. بتروف المستعرب وأشغاله. وهي في 8 صفحات بقطع الثمن
تذكر ما لهذا العلامة الروسي من الفضل في تعلم لغتنا وما نقله منها إلى لغته.
48 - وصف نسخة من المجلد الخامس من تاريخ مسكويه في
8 صفحات بقطع الثمن
ذكر فضل هذه النسخة ومزاياها وبين في هذا الوصف بعض أوجه الاختلافات بين ما طبع وبين ما في يديه.
49 - وصف كتاب مخطوط من ديوان ذي الرمة
محفوظ في بتروغراد (واليوم لننغراد) في 8 صفحات بقطع الثمن، بين في هذه المقالة فائدة هذه النسخة وما فيها من الروايات التي تختلف عن النص المطبوع من هذا الديوان.
50 - خطبة الآنسة ب. ب. روزن أمام محفي العلوم في سنة
1884
في 14 صفحة بقطع الثمن، بين ما فيها من الفضل والعلم وطول الباع في العلوم واللغات الشرقية.
51 - كتاب العين للخليل بن أحمد في 6 صفحات بقطع الثمن
وهي مقالة تحوي وصف هذا الكتاب الجليل، الذي كنا طبعنا منه 144 صفحة قبل الحرب، وتركناه على حاله إلى أن يقيض الله من يطبعه على نفقته. وفي المقالة ذكر ترجمة الخليل نقلا عن معجم الأدباء لياقوت.
52 - مستند تاريخي في مؤلفات ابن الراوندي في 4 صفحات
بقطع الثمن
يصف ما عثر عليه الكاتب من الأنباء التي لم يظفر بها غيره وهي توقفنا على ما للراوندي من المؤلفات التي أتلفت لزعم بعضهم أنه كان من الملاحدة (أو من الملحدين كما يقول الفصحاء).
53 - وصف كتاب حكايات عن مكر النساء. وهو في 4
صفحات بقطع الثمن
صاحب الوصف يذكر حكاية تدل على ما للنساء من المكر وقد رواها بعبارتها العربية العامية المصرية وشرح ما فيها من الألفاظ العامية التي لا ترى في المعاجم الفصيحة.(5/309)
54 - الكلستان وترجماته إلى العربية في 4 صفحات بقطع
الثمن
يذكر الكاتب في هذه المقالة ما عثر عليه من الترجمات العربية لكلستان ويصفها أحسن وصف مما يدل على وقوف الكاتب أحسن وقوف على ما وضع في هذا المعنى.
55 - خبران (أي حكايتان) عربيتان من الناصرة في 14
صفحة بقطع الثمن الصغير
أورد الكاتب نص حكايتين باللغة العامية التي رويتا فيها ونقلهما إلى اللغة الروسية وعلق عليهما شروحا مفيدة وهذه اللغة العامية هي لغة أهل الناصرة في فلسطين. وفيها خصائص ومزايا لا ترى في غيرها.
56 - أنباء عن رزق الله حسون، معرب أناشيد كريلوف
الروسية
في 11 صفحة بقطع الثمن الصغير، ذا أحسن ما كتب عن الكاتب الشهير رزق الله حسون فقد حوت هذه المقالة ترجمة وافية عن حياته ومؤلفاته ومنقولاته.
57 - أنباء عن الأب انستاس ماري الكرملي في صفحة 1
بقطع الثمن الكبير
كتب الصديق العلامة هذه الأنباء في سنة 1915 ليذكر للعلماء الروس أن الفاضل بندلي صليبا الجوزي اشترى عددا من المقطم وهو الذي صدر في 14 - 8 آب وقد ذكر فيه أن الأب انستاس رئي في حلب حيا مسجونا في سجن المنفيين مع بعض البغداديين الذين نفوا بأمر الحكومة العثمانية إلى ديار الأناضول.
58 - لذكرى ج. كزمين في 6 صفحات بقطع الثمن الكبير
مقالة ذكر فيها صديقنا كراتشكوفسكي مالكزمين من الفضل على الأدباء، وما له من الأيادي على علماء عصره.
وكل ما ذكرناه من المقالات مكتوب بعبارة سلسة روسية على ما ذكره لنا أحد علماء الروس. كما أنها تشهد له بعلو الكعب في التحقيق والتدقيق فنشكره أصدق الشكر على
هداياه هذه ولا سيما نشكره على عنايته بآداب لغتنا العربية وتاريخ أجدادنا. بارك الله في حياته!(5/310)
59 - مباحث في التعبية: كتاب السلاح وهو يتضمن جزأين
الجزء الأول: الخيالة، الدراجات، الهندسة، المشاة، الرشاشات، الدخان في 116 صفحة بقطع 16
الجزء الثاني: المدفعية، الغازات السامة في 109 ص بقطع 16
الكتاب الثاني: التعبية الأساسية مزين بست لوحات في 223 صفحة بقطع 16
الكتاب الثالث: الخدمة السفرية في 245 صفحة بقطع الثمن
وكلها من تأليف العقيد طه الهاشمي وجميع هذه الكتب مطبوعة في مطبعة دار السلام في بغداد
الثلاثة الأولى في سنة 1925 والأخير في سنة 1926
هذه أربعة كتب أخرى من تأليف حضرة صديقنا طه بك الهاشمي الذي رقي إلى رتبة (زعيم) لما ظهر من تبحره في أفانين الحرب وتوغله في التأليف والتصنيف وخدمته للوطن خدمة لا تشوبها شائبة، ثم عين في أواخر تموز من هذه السنة مديرا للمعارف لشهادة الجميع بأن أحسن خلف يكون لذاك السلف العالم العامل (الساطع) الضياء هو الزعيم طه بك. وهذه الكتب الأربعة تظهر أحسن إظهار أن صديقنا من أثبت العراقيين قدما في مختلف العلوم وأقدرهم على دفع أبنائنا إلى انتجاع المعارف العصرية.
وفي أخر كل هذه الكتب ذكر المصادر التي أخذ منها. وفيها المؤلفات الإنكليزية والفرنسية والألمانية والعربية، مما يدل على وقوفه على أوثق المعلومات وأحدثها في جميع الألسنة التي يعنى أصحابها بالفنون الحربية. وكفى بذلك شاهدا على علمه واعتماد الناس على مصنفاته ونبوغه العجيب بين أبناء وطننا العزيز.
60 - مرقاة المترجم للصفوف العالية في اللغتين الفرنسية
والعربية
تأليف الأب يوسف علوان اللعازري
المواضيع الدبية والخطابية: الجزءان الثالث والرابع (كتاب التلميذ)
طبع في المطبعة الكاثوليكية في بيروت سنة 1927 في 176 ص بقطع 16
ذكرنا هذا الكتيب النفيس في مجلتنا في عدة مواطن منها (24: 4، 295، 363، 364) والآن (أهدانا) المؤلف الجزأين الثالث والرابع اللذين يكونان في يد التلميذ فوجدناهما حافلين بكل نافع ومفيد للتلميذ وقد عني بجمع تلك الفوائد(5/311)
بل تلك الفوائد من مؤلفات مختلفة من أحسن ما جاء في موضوعه. حتى أننا رأيناه اقتطف شيئا غير نزر من أقوال الكتبة والخطباء العصريين الفصحاء في كلتا اللغتين فجاء هذا التصنيف غرة في جبين أشباهه.
وقد وجدنا فيه بعض إغلاظ طفيفة كقوله في ص30 هو أعلم من هجرس والصواب أغلم بالغين المعجمة، ونحن لا نرى حاجة إلى ذكر هذا المثل في كتاب يوضع في أيدي الطلبة وكقوله في ص12 وهو واري الزند في الاقتراح. والصواب في الاقتداح - وكقوله في ص14 كيف استثمر امثولاتك. والمراد هنا عظاتك - وفي ص20: (جاءوا سلفة سلفة متسامين الخيل) فلم نفهم معناها. وهذا كله لا ينقص شيئا من نفاسة الكتاب ولا يحط من قدره.
61 - الحب والزواج
- فلسفة وسنة -
تأليف نقولا حداد
المطبعة العصرية لصاحبها الياس انطون الياس في 240 ص بقطع الثمن
بحث الكاتب في هذا الكتاب بحثا عقليا في هذا الموضوع، حلل فيه الحب تحليلا فلسفيا. وقد بذل جهده في تفسير هذا الشعور الداخلي وشرحه تشريحا يقلبه العقل، وقد أمعن في بعض الفصول إمعانا أدى به الكلام عن حب الحيوانات نفسها وجمالها. وقد أوضح جميع أفكاره بصور مختلفة زادتها جلاء وتبيانا.
ذكر في ص226 عن (الحشمة في الحركات والكلام) ما يحسن بأن يطالعه كل متزوج ليعرف مقدار نفسه ومنزلته من البيت.
على أنه تكلم في ص191 و192 عن (عقبات التبتل) أشياء تصدق في بعض الناس. لكنها لا تصدق في الجميع، ولهذا لا نوافقه على ما قال ونجده يتعدى على رجال ونساء يكذبونه
في كل ساعة وزمن ويردونه في زعمه أخيب من القابض على الماء، رضي أم أبى، ولهذا نراه يقاوم الحق على وجه يكرهه كل كريم النفس، وإن لم تكن نيته ظلم الناس وسلبهم مكارم أخلاقهم، فحسن النية هنا لا يشفع له.(5/312)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - وفاة سعد زغلول
في 23 أب انهد ركن ديار النيل العظيم. وملك جميع القلوب المصرية بل العربية بوفاة سعد زغلول باشا السياسي المحنك والداهية الذي لم تر تلك البلاد نظيرا له من عمر لم يتجاوز السابعة والسبعين وسوف نترجمه في جزء قادم مع قصيدة من أبدع القصائد لمقدم شعراء مصر أحمد زكي أبي شادي.
2 - قانون رابطة الأدب الجديد في الإسكندرية
المادة 1 - تألفت في مدينة الإسكندرية جمعية باسم (رابطة الأدب الجديد) لنصرة الأدب العصري الناهض وخدمة الثقافة الحديثة بكل الوسائل التهذيبية المشروعة.
المادة 2 - تتكون الجمعية من أعضاء ومنتسبين. وأعضاء الجمعية لا يزيدون عن العشرين ولا يقلون عن العشرة وهم الأعضاء المؤسسون وكل من يرشحه اثنان من الأعضاء من بين المنتسبين ليحل محل عضو مستقيل أو متوفى أو في حكم المستقيل - لتغيبه عن مركز الجمعية (مدينة الإسكندرية) بصفة دائمة أو شبه دائمة - ويوافق مجلس الإدارة على قبوله عضوا. والمنتسبون للجمعية من يقبلهم مجلس الإدارة بهذه الصفة بشرط أن يرشح كلا منهم من أعضاء (الرابطة). ومفروض على مجلس الإدارة المحافظة على التكوين القانوني لأعضاء الجمعية.
المادة 3 - يدير أعمال الجمعية مجلس إدارتها المكون من أعضائها كما هو مبين في المادة الثانية. ويعقد مرة في الشهر على الأقل بناء على دعوة من سكرتير (الرابطة) قبل الاجتماع بأسبوع. ويكون الاجتماع صحيحا إذا حضرة أكثر من نصف الأعضاء. وفي عدم وجود العدد القانوني يصح الاجتماع التالي من تلقاء ذاته بع أسبوع دون اعتبار لعدد الحاضرين.
المادة 4 - للجمعية سكرتير وأمين صندوق ولا يتصرفان في مالية الجمعية بأي صورة من الصور إلا بقرار من(5/313)
مجلس الإدارة الذي ينظم ذلك والسكرتير مسؤول عن ختم الجمعية
ودفاترها الإدارية وأمين الصندوق مسؤول عن دفاتر الإيصال والحساب.
المادة 5 - تتكون مالية الجمعية من الاشتراك (البدل الشهري خمسون مليما للأعضاء وللمنتسبين على السواء) ومن التبرعات ومن وجوه الاستثمار. ولا يجوز الإقدام على أي عمل من شأنه استدانة الجمعية.
المادة 6 - يعتبر مستقيلا من العضوية أو الانتساب من يتأخر عن دفع بدل الاشتراك 3 شهور متوالية (بدون الحاجة إلى تنبيهه) ومن يغادر مركز الجمعية من الأعضاء ومن يثبت عليه ارتكاب جريمة مزرية بشرفه.
المادة 7 - طبيعة الجمعية الاستمرار في العمل بحيث أنه إذا استقال معظم الأعضاء أو أغلبيتهم العظمى وجب على الباقين انتخاب من يحلون محلهم وأن يديروا الجمعية في حدود هذا القانون.
صدر في 30 أبريل سنة 1927
3 - توجيه نقابة الإشراف
صدرت الإرادة السنية (الملوكية) بتوجيه نقابة إشراف بغداد ومشيخة الطريقة القادرية، والتولية والنظارة على الأوقاف القادرية إلى صاحب السماحة محمود أفندي الجيلي (الكيلاني)، على أن تكون محاسبة الأوقاف المذكورة تابعة لمشارفة وزارة الأوقاف، ومستثناة من الخرج.
4 - مقتل آل الرشيد
أمر الأمير سعود بن عبد العزيز السعود. النائب عن أبيه في نجد بإتلاف الأمير محمد بن طلال، وأرث إمارة آل الرشيد، وعشرين آخرين من ذويه وأقاربه، بسبب ما نسب إليهم وهو تدبير مؤامرة لاغتيال الأمير سعود.
5 - مقتل شنيع
في العقد الثاني من آب وجد مقتولا الشيخ سلمان، شيخ عشيرة الشعار، النازلة في أراضي (أبو غريب التابعة لقضاء الكاظمية، مع أولاده الثلاثة. وقد قتلوا بعد أن أطلق عليهم رصاصات وهم في عقر دارهم، وكانت تلك الرصاصات موجهة إلى رؤوسهم إلا واحدا
منهم فإنه ضرب بقلبه. ولم تهتد الشرطة إلى القاتل حتى اليوم؛ بيد أن هناك ظنونا تحوم حول أحد أقارب القتلى ومن المشتغلين عندهم.
6 - وفاة فهد بك الهذال
توفي فهد بك الهذال، شيخ(5/314)
مشايخ عنزة عن عمر يناهز الثمانين وهو من أكثر شيوخ العراق نفوذا وثروة.
7 - حريق في خان العدلية
شبت النار في نحو الساعة الخامسة بعد ظهر 14 آب في خان العدلية وكان فيه من الأموال والبضائع خشب وصوف وجلود وتيزاب وغيرها. فاندلعت ألسنة النار بسرعة عظيمة فخفت مطافئ أمانة العاصمة إلى قطع تلك الألسن وعاونتها مطافئ القوات البريطانية. وبقي الجميع يقاومون تلك النيران مدة ثلاث ساعات.
والنار لم تلتهم جميع ما كان في الخان ويقدر ثمنه بستة الكاك ربية وهو لعشرين تاجرا بل فقد ما يقارب نصفه فيكون المحروق ثلاثة الكاك.
وقد ظهر بعد التحقيق أن أحد التجار أضرم النار في بضائعه المؤمن عليها بمبلغ باهظ حصولا على بدل التأمين.
8 - مار شمعون
مار شمعون لقب كل بطريرك نسطوري، وقد قدم من إنكلترا إلى بغداد في العقد الثاني من آب. وقدمت عمته (سرمة) خاتون من الموصل ونزلا في فندق مود وبعد أن استراحا بضعة أيام ذهبا إلى الحدباء.
9 - جدول الشيشبار
سيقوم هذا الجدول مقام جدول المحمودية ويروي عشرين ألف عقار (والعقار هو ما صحفه الإفرنج بصورة أكر وهو يساوي مزرع مشارة ونصف من الدبار العراقية) فيكون سقيه ضعف ما كانت تسقيه المحمودية.
ويحتاج إلى حفر ثلاثمائة وخمسين ألف متر مكعب. وهذه الأراضي بيد عشيرة الغرير التي كانت تروي مزارعها من نهر المحمودية.
10 - دخل حكومتنا وخرجها في أيار
بلغ مجموع دخل الحكومة في شهر أيار من هذه السنة 4606340 ربية، وبلغ مجموع نفقاتها 4455872 ربية. والمبلغان المهمان من الدخل كانا من رسوم ريع الأراضي ودخل الأملاك الأميرية ومبلغها 1120112 ربية ومن المكوس ومبلغها 2179522 ربية.
11 - تبرعات لإسعاف منكوبي كرمليس
بلغ مجموع المبالغ المقبوضة إلى 22 آب 6378 ربية و 5 آنات لتوزع في الحال على منكوبي كرمليس وقد أعلنت اللجنة أنها تمدد أعمالها حتى نهاية أيلول من هذه السنة.(5/315)
12 - حريق في البزارة
شبت النار في البزارة الواقعة في محلة القشل في نحو الساعة الحادية عشرة من ليلة الأحد 21 آب وأحرقت عدة بيوت ثم تمكن الشرطة من إخماد أنفاسها وبعد ذلك جاء رجال الإطفاء فلاشوها عن أخرها ولم تضر الأنفس بشيء.
13 - تمكن الإنكليز من ثغور خليج فارس
جاء (دبي) قنصل (أبو شهر) البريطاني واجتمع بكبارها، وقدم إليها وكيل قنصل بريطانية في (الشارقة) الشيخ عيسى بن عبد اللطيف وقدم بعدهما قنصل إنكلترا في (البحرين) وقنصل (مسقط) فاجتمع المذكورون وطلبوا إلى أمراء ساحل (عمان) قطعة أرض في كل ثغر من ثغور الساحل، لاتخاذ محطات فيها للطيارات. فلبى الجميع طلب القناصل البريطانيين.
ثم ذهب كل من الاجرياء الثلاثة ومعهم الشيخ عيسى من (المنور) إلى (رأس الخيمة)، ومنها إلى (أم القوي، وهم يمرون بالثغور الواحد بعد الآخر للغاية التي ذكرناها فانجلت عن أعظم فوز لأبناء بريطانية. أي أن الإنكليز حصلوا على قطعة أرض في كل ثغر من ثغور عمان لتكون محطة للطيارات. ثم عاد كل من الأجرياء إلى مقره كما عاد الشيخ عيسى بن عبد اللطيف إلى منصبه في (الشارقة).
14 - عزم وزارة الدفاع في العراق
تقبل المدرسة العسكرية طائفة من الطلبة من أبناء المدن وعشرة من رؤساء العشائر في سنة 1927. وبشرط على أبناء المدن أن يكون بيدهم شهادة ثانوية من الصف الرابع أو ما يساويها وتكون مدة تدريسهم سنتين.
وأما أبناء الشيوخ فيجب عليهم أن يكونوا قد أكملوا على الأقل من ست سنوات في إحدى المدارس الابتدائية وبيدهم شهادات تؤهلهم للدخول في المدارس الثانوية. وتكون مدة تدريسهم في المدرسة خمس سنوات أو أقل منها إلى ثلاث سنوات، يتم فيها الطالب التحصيل الثانوي.
15 - اختلال الأمن في جهة من إيران
اختل الأمن في الديار المتاخمة لحدود لواء العمارة وقد شاع أن عشيرة الزيود وفرقا أخرى من كنانة أغارت على عدة عشائر مجاورة لها ونهبت المواشي وقتلت أنفسا.
16 - مدارس في لواء العمارة
قرر مجلس المعارف في لواء العمارة(5/316)
فتح ثلاث مدارس ابتدائية وتخصيص اثنتين منها بأبناء العشائر.
17 - الزرع الصيفي في المنتفق
غلة الصيفي في لواء المنتفق قليلة بالنسبة إلى العام الماضي بعلة قلة المياه في هذا الصيف.
18 - مدارس ابتدائية جديدة
عزمت وزارة الأوقاف على فتح مدارس جديدة ابتدائية في السنة المقبلة ذات ست صفوف وذلك في ألوية بغداد والبصرة والموصل وكركوك.
19 - مدرسة الأعظمية والرحمانية
وافقت وزارة المعارف على اعتبار الأعظمية والرحمانية بدرجة المدارس الثانوية الرسمية على شرط أن تطبقا منهاج المعارف وتراقبهما وزارة المعارف نفسها وتشارفهما.
20 - أطفال العاصمة
يموت في كل سنة 2811 طفلا في داخل العاصمة ممن لا يتجاوز عمره خمس سنوات و1561 طفلا ممن لا يتجاوز السنة الواحدة.
فيموت 30 منهم بالمائة هزالا وسوء غذاء، و23 بالمائة إسهالا و16 بالمائة لولادتهم قبل الأوان، و14 بالمائة بأمراض عفنة و12 بالمائة بذات الرئة أو بالتهاب الشعب.
ويزداد الهزال وسوء الغذاء والإسهال في الصيف كما يحدث مثلها في الشتاء. وجهل الأمهات من أعظم المسببات.
21 - تعمير جوامع
تبذل وزارة الأوقاف أقصى العناية لترميم الجوامع أو تعميرها. فقد رممت مواطن عدة في جامع مرجان، والقبلانية، وجديد حسن باشا، وجامع العدلية الكبير وبدئ بتعمير جامع الخضر الياس، وجامع حنون وسيشرع قريبا بتعمير جامع الإمام الأعظم، والفضل وهذه كلها في بغداد.
وجامع المقام، وأبي منارتين والقطانة في البصرة.
وجامع الإمام باهر، والمتعافي والحلال في الموصل.
وجوامع أخرى في كركوك والسليمانية وسائر ألوية العراق.
22 - جامع الخاصكي
لجامع الخاصكي قيمة عظيمة، ولهذا بذلت وزارة الأوقاف همتها القصوى على تعميره مع المحافظة على طرز بناءه القديم وسينقل قريبا محرابه التاريخي من دار النجف ليوضع في موطنه الأصلي.(5/317)
23 - المستنصرية
تمكنت وزارة الأوقاف من استحصال حكم (محكمة الشرعية في بغداد بوقفية المستنصرية).، وقد عقدت النية على تعمير الأجزاء المهمة منها وجعلها مدرسة كما أنها تفتح فيها خزانة عامة. وأما الأجزاء الباقية في ناحية السوق فتعمر مخازن ودكاكين لإدارة المدرسة والخزانة العامة.
24 - دفن مستنقعات
تعنى مديرية صحة العاصمة بدفن المستنقعات منذ ثلاث سنوات بهمة لا تعرف الكلل، وقد توفقت لدفن ثلاثين ألف متر مكعب في الجهة الشرقية من العاصمة ويشرع بعد هذا بدفن سائر الأراضي المنخفضة في الأنحاء الأخرى.
25 - لمكافحة الجراد
عين عدة رجال مفتشين لمكافحة الجراد في الكويرة والطارمية وقرة تو (قريتو) ومندلي (البندنيجين) وقزل رباط (قزراباط) وخان بني سعد.
26 - سد ديالى
كانت مياه ديالى توزع توزيعا غير عادل في أيام القيظ، فضلا على أنه لم يكن منتظما، لأنه ليس ثم سد ثابت على الأصول المتبعة في هذا العصر.
ولهذا شرع بإعداد سد ثابت لحفظ المياه في فصل الصيف وتوزيعها على براز الروز (بلد روز) وشهرابان وخريسان والخالص والهارونية. وتكون أبواب هذا السد من حديد متقنة الصنع لتوزيع المياه توزيعا منظما وعادلا.
27 - تحكيم الرصيف
شرعت أمانة العاصمة بتحكيم رصيف الشارع العام بالجيار (الأسمنت) وسيكون عرضه في الشارع العام في الرحبة التي يجتمع فيها الميدان بباب المعظم أربع عشر قدما، ومن الميدان بباب الشرقي عشر أقدام.
28 - تبليط الشوارع الفرعية
عبد شارع دائرة البريد وشارع النادي العسكري والشارع الموصل ساحة الميدان إلى البلاط الملكي.
29 - أملاك الأمانة
بدأت هندسة بإعداد تقرير مطول عن أملاك الأمانة المحتاجة إلى تعميرات مهمة.
30 - أحوال الزراعة في العراق
أتلف الجراد البواكر (الحاصلات الهرفية) وجميع الخضراوات في شمالي لواء ديالى وأنحائه. إلا أن زراعة (التمن) والحبوب الأخرى في اللواء المذكور سائر تسير احسنا ويومل(5/318)
منها حاصلات مباركة.
أما لواء الحلة، فقد توسعت فيه زراعة القطن ويقدر المزروع منه بنحو 900 مشارة (دبره)
ويؤخذ من زراعة الرز والصيفي في لواء العمارة على إن الاتاء يكون وافر في هذا الفصل.
ويتوقع أن تكون غلة التمر في البصرة هذه السنة وافرة جدا وبحالة طيبة.
وموسم الزراعة على طول الفرات في ما وراء الناصرية أفضل من المألوف في كل سنة.
31 - رسوم السمك
بلغت رسوم السمك في بغداد والأعظمية والكاظمية عن سنة 1927 - 1928 نحو 22000 ربية. وكانت قد بلغت في السنة الماضية 41500 فيكون النقص 19500 ربية.
32 - بين بريطانيا وأبن السعود
يؤخذ من سياق المعاهدة التي عقدها الملك عبد العزيز سعود مع بريطانية في الأيام الأخيرة أن له حق التمثيل السياسي في العواصم الأوربية، وأن بريطانية تنازلت عن منطقتي العقبة ومعان اللتين تعدان من أهم المواقع في الأعمال الحربية إذا ما استمرت نار الحرب بين مصر والحجاز وشرقي الأردن وتنص المعاهدة أيضاً على عدم وجود الامتيازات الأجنبية في الحجاز بأي شكل كانت وعلى الاعتراف بأن سكة الحديد الحجازية ملك الحكومة.
33 - بين اليمانين وقبائل تهامة
أخضعت قوات الأمام يحي المحشودة بجوار حرض وميدي قبائل بني مروان وعيسى وأسلم، وهي من قبائل تهامة المشهورة إخضاعا تاما بعد أن كبدتها خسائر فادحة.
34 - الهيضة في خليج فارس
أصيب 32 شخصا بالهيضة في عبادان وتوفي منهم 19 ومنها انتقلت إلى البصرة فأصيب فيها سبعة توفي منهم خمسة ولم يقع أكثر من هذا في ما عدا هاتين البلدتين.
وفي الأوقات العراقية (البصرة) بخصوص الهيضة: في 26 تموز حدثت إصابات أخرى قليلة في البصرة. . .
أما في عبادان فأن عدد الإصابات أخذ يزداد انتشاره بمعدل 6 في 100.
وكان سير الهيضة على هذا الوجه:
إصابة وفاة
في 26 تموز في البصرة 1 1
في عبادان (خليج فارس) في 25 تموز 28 26(5/319)
في المحمرة 5 0
26 تموز في عبادان 23 21
27 21 21
البصرة 6 5
28 عبادان 16 12
البصرة 2 2
في المحمرة (خليج فارس) 23 17
29 عبادان 16 14
البصرة 4 3
اآب عبادان 6 5
البصرة 5 3
2 عبادان 0
البصرة 4 4
3 عبادان 9 8
البصرة 0
4 عبادان 8 7
البصرة 9 8
قرمة علي (بلواء البصرة) 2 2
5 البصرة 4 5 كذا
قرمة علي 1 1
وفي تاريخ 4 آب كتبت (الأوقات العراقية) ما هذا حرفه:
(لا مشاحة في أن النشاط والهمة التي بذلتها وتبذلها (كذا) مصلحة الصحة في البصرة في مكافحة هذا الوباء الفتاك. وإقبال الأهالي على التطعيم بصورة لم يسبق لها مثيل، حتى بلغ عدد الذين تطعموا لغاية أمس ما يربو على الثلاثين ألف نسمة قد خفف من وطأته كثيرا.
ومما يستوجب العناية والاهتمام هو أن معظم الإصابات والوفيات التي حدثت كانت بين طبقة الفقراء والمساكين؛ كما أخبرنا به أحد أصدقائنا الأطباء، ولم يصب أحد ما من أرباب الثراء والطبقة الوسطى. وهذا ما يحملنا على الإلحاف في مطالبة دائرة البلدية للإسراع في حل مسألة الماء وإباحته لهؤلاء الفقراء وإنقاذهم من ماء نهر العشار الملوثة (كذا) بأنواع الجراثيم القاتلة. وإلا فما فائدة من هذه التدابير الصحية التي تتخذها مصلحة الصحة، والسواد الأعظم من سكان المدينة يعاني الأمرين من هذا الماء وإذا كان ليس في وسع البلدية في الوقت الحاضر أن تعيد فتح الحنفيات في الساحة العمومية فعلى الأقل أن تسمح لهم باستقاء من البيوت المجهزة بالحنفيات مدة وجود الكوليرة (الهيضة) في المدينة. اه).
وبعد هذا التاريخ سارت هذه الوافدة سيرا بطيئا حتى كادت تكون أثرا بعد عين في أواخر آب.(5/320)
العدد 50 - بتاريخ: 01 - 09 - 1927
سعد زغلول
بعث مصر الحديثة من رقدتها التي خمدت فيها حياتها مع أمم الشرق الأدنى رجلان: محمد علي وسعد زغلول. وضع الأول الحجر الأساسي في استقلال مصر، وبنى الثاني صرح الجهاد القومي، فكانت مصر الوثابة وان لم تتحرر بعد.
مات الخديوي منذ عشرات السنين وذكره حي خالد. وفي هذه الأيام فاضت روح الزعيم المحبوب، فكان لنعيه رنة عظيمة في أرجاء الشرق والغرب، وأجمعت الكلمة على أنه رجل مصر الأوحد. خمدت أنفاسه ولم ينطفئ سراج مبادئه الوطنية، فحق علينا ومصر شقيقتنا بلغة الضاد وبكثير من العادات والأخلاق والتقاليد أن نسجل له هذه الصفحة إعجاباً بعبقريته وتقديراً لتلك المساعي المتمثلة في شخصية سعد العظيمة.
ولد سعد زغلول في ناحية (أبيانا) من أعمال مركز فوه عام (1860) م ودخل في السابعة من عمره كتاب القرية وظل فيه خمسة أعوام ثم شخص إلى(5/321)
دسوق حيث جود القرآن.
وقصد بعدها إلى القاهرة ودخل جامعة الأزهر وليث يتلقى فيها العلوم خمس سنوات. وفي القاهرة تعرف إلى السيد جمال الدين الأفغاني والى تلاميذه أمثال محمد عبده والهلباوي والباجوري وعبد الكريم السلمان.
ودرس بعد ذلك القانون فصار محامياً وأحرز في المحاماة شهرة وبعد صيت حتى أضحى مضرب المثل في نبوغه القانوني في سوح المرافعة وعلى كرسي الاستشارة في محكمة الاستئناف.
وتعلم اللغة الفرنسية وهو يكاد يناهز الأربعين من سنه ولم يلبث أن حذقها وأدى بها امتحان علم الحقوق وهو قاضٍ في الاستئناف ونال بذلك شهادة اللسانسية، وتعلم اللغة الألمانية في أثناء اعتكافه في بيته في الحرب الكبرى وتعلم الإنكليزية في منافيه في عدن وسيشل وجبل طارق.
بدأ زغلول حياة عمله بتعينه محرراً في الوقائع المصرية، وكان على رأس تحريرها الشيخ عبده فأقام في هذا العمل سنة وبضعة أشهر يكتب باسمه مقالات في الاستبداد والشورى والأخلاق. ويقول (عباس حافظ) الكاتب المصري: (كانت مقالات المترجم عنه في (الوقائع
المصرية)، والبرهان من مهيئات الثورة ومضرماتها). وكان وهو محرر في الوقائع يصحح أغلاط المقالات الواردة على الجريدة ويقوم اعوجاج أسلوبها أو يقوي ركة تعابيرها. وبذلك خدم اللغة العربية خدمة جليلة، وكانت طريقته أن ينشر الرسالة بنصها ويردفها بما هو أصح منها لغة وأفصح سياقاً، وهكذا صحت لغة الدواوين من علتها وحدثت نهضة مباركة في دوائر الحكومة بحيث هرع سواد الموظفين إلى المدارس الليلية ليطلبوا اللغة العربية الفصحى.
ثم انتقل سنة 1882 إلى وظيفة معاون في الداخلية فإلى ناظر لقلم قضايا الجيزة. واضطلع بأهم الأعباء عندما اضطرم لهيب الثورة العرابية حتى انتهى به الأمر إلى أن زج بأعماق السجون وهو يافع لم يبلغ التاسع عشر ربيعاً بتهمة الاندماج في جمعية إرهابية سميت (جمعية الانتقام) وظل سجيناً 98 يوماً. ثم(5/322)
مال إلى الاشتغال بالمحاماة فكان أول من قيد أسمه في محكمة مصر محامياً عام 1884.
وقد رفع شأن المحاماة في مدة عمله فيها حتى اختارته محكمة الاستئناف نائب قاض وبذلك كان أول محام في مصر رُفّع قاضياً وقد ابتهج لهذا التعيين زملاءه المحامون فاحتفلوا بتكريمه وتهنئته في 18 تموز سنة 1892 في فندق حديقة الأزبكية فخطب في الحفلة خيار المحامين والمشرعين. وقد قالت فيه صحيفة (الاجبت) تصفه قاضياً: هو من فريق القضاة العصريين الذين يعتقدون أن القانون لا يعاقب رغبة في الانتقام ويرون أن من الواجب الأخذ بالرفق في تنفيذ القانون. وأبدى في القضاء مهارة واستقامة رقتاه إلى وظيفة مستشار في محكمة الاستئناف سنة 1892 وانتقل من محكمة الاستئناف إلى وزارة المعارف سنة 1907 في الوزارة الفهمية، (مصطفى فهمي باشا) فخدم معارف مصر وكافح العجمة وعزز اللغة العربية وحتم تعميمها في المدارس الثانوية والعالية، وأنشأ ديواناً للترجمة والنشر، وأصلح مناهج التعليم.
ووسد سعد باشا عام 1910 وزارة الحقانية في الوزارة السعيدية (سعيد باشا) وبقس في هذا المنصب إلى عام 1913.
وبعد أن قضى مدة قصيرة في عزلته بعيداً عن السياسة انتخب عضواً في الجمعية التشريعية وبقي في الجمعية يدافع عن حقوق المصريين حتى حلت الجمعية في شهر
تشرين الثاني سنة 1914 فعاد إلى عزلته ودروسه الخاصة.
وعلى أثر إعلان الهدنة ترك العزلة وطفق يجمع المذكرات ويلم حوله الأنصار والأصحاب نظير لطفي بك السيد والوزير إسماعيل صدقي باشا وعلي شعراوي باشا وحمد باشا الباسل ومحمد باشا محمود وطائفة من عيون الأمة. وقرر جميعهم حضور مؤتمر السلام في فرساي لتمثيل الأمة المصرية وعرض مطالبها وقد قصد سعد وعبد العزيز فهمي وشعراوي إلى دار الحماية البريطانية يطلبون استقلال البلاد.
وفي 8 آذار سنة 1919 اعتقلت السلطات البريطانية الزعماء الكبار سعد ورفاقه الثلاثة إسماعيل صدقي وحمد الباسل ومحمد محمود ونفتهم إلى مالطة فثار(5/323)
الشعب المصري ثورته الوطنية المعلومة فلم تر السلطة بداً من الإفراج عن هؤلاء الأقطاب في 7 نيسان سنة 1919 وأجيز لهم فوق ذلك السفر إلى المؤتمر فركبوا البحر قاصدين باريس في 12 نيسان سنة 1919.
وفي هذه الأثناء أرسلت الحكومة البريطانية لجنة اللورد ملنر إلى مصر للتفاهم مع المصريين فقاطعتها الأمة، فعادت إلى لندن ودعا الإنكليز سعد ورفاقه الذين كانوا في أوربة مؤلف الوفد المصري المطالب بحقوق مثر إلى العاصمة البريطانية وعرض هناك اللورد ملنر مشرعه على سعد فرفضه وعاد إلى بلاده سنة 1920 فاستقبل استقبالاً عظيماً لم تشهد أرض النيل مثله.
وقبل أن يعلن الإنكليز تصريح 28 شباط 1922 اعتقلوا سعد وأبعدوه إلى جزيرة سيشل ونقل منها إلى جبل طارق.
وظل الشعب المصري يلح في مطالبه الوطنية حتى وضع الدستور ودعي زغلول باشا بعد عودته من منفاه - جبل طارق - إلى رئاسة الوزارة فكانت الوزارة السعيدية الوزارة الدستورية الأولى، فأدار سعد سكان سياسة البلاد المصرية إلى أن وقعت حادثة مقتل السردار السر لي ستاك فسقطت وزارته وتألفت الوزارة الزيورية وتعرضت البلاد المصرية إلى خطر الاستبداد وإلغاء الدستور لولا أن تداركها عقلاء الساسة وفي مقدمتهم سعد زغلول باتفاق الأحزاب السياسية سنة 1925 فوقفت في وجه الطاغية المستبد وأضطر الإنكليز إلى الرضوخ لصوت الأمة المتحدة فأعيدت انتخابات البرلمان المصري
ففازت سياسة سعد فوزاً مبيناً ثانياً.
ومن مآثره أهن شكا اختلال الأوقاف إلى اللورد كتشنر.
ولقد سعد الفقيد بزوج قامت في خلال نفيه بإعماله فكانت في ذلك الوقت عاملا سياسياً يعتد به.
ومن المشروعات التي اشتغل سعد بها لتعزيز الثقافة في مصر تأسيس الجامعة المصرية التي تطورت الآن بشكل ضخم بحيث أصبحت تعد من مفاخر الشرق العلمية.(5/324)
كان سعد خطيباً يفتن الجماعات ببلاغته فتندفع معه إلى حيث يقودها (وهو شجي الصوت تمتزج فيه العذوبة بالمضاء وتشترك الجوارح والأرواح بالعكوف عليه والاصغاء).
وهنا أترك وصف بلاغة زغلول بمثابة كاتب وخطيب لمن عرفه حق المعرفة عن كثب وعاشره، رئيس تحرير جريدته التي تنطلق بمبادئه السياسية الأستاذ عبد القادر حمزة صاحب جريدة (البلاغ) قال: ومن الفضول على ما أظن أن أحاول تصوير سعد باشا كاتباً وخطيباً فان خطبه وبياناته تملأ أسماع مصر والشرق ولناطقين بالضاد جميعاً والغربيون الذين لا يقرأون هذه الخطب والبيانات إلا المنقولة إلى لغاتهم بعد أن تكون قد فقدت أسلوبها وبلاغتها يشهدون
لصاحبها بأنه يملك زمام قارئيه وسامعيه ولكني أحب أن أقول هنا شيئاً يقوله سعد باشا نفسه وهو إنه لا يقول إذا قال ولا يكتب إذا كتب إلا بدافع من عقيدته ووجدانه فهذا هو على ما أظن سبب كبير من أسباب نجاحه في كل خطبه وكتاباته.
(وأكثر ميله حين يكتب إلى الإملاء أما حين يخطب فإنه لا يحب إلا الارتجال).
وقد يلجأ إلى الإلقاء حينما تقيده المواقف السياسية بقيود الألفاظ ولكن ذلك يكون حينئذ عبأ على نفسه حتى أنه ليهجر الورق بعد قليل ويطلق لسانه من غله الثقيل.
(وطريقته هي أنه يعني بالمعنى قبل كل شيء فيهتم أن يكون قوياً وجليلاً فإذا استوى له أخرجه في لفظ قوي جليل حريصاً دائما على أن يكون السياق منطقياً غير زائد عن المعنى ولا ناقص، كذلك هو في كتابته أو خطابته أو حديثه فإذا أنت قرأته أو سمعته خلت أنه ينهض بك إلى مستوى رفيع.
(وإذا كان ذهنه متجهاً دائماً إلى قوة المعنى ورقة التعبير، فكثيراً ما يجد له حتى في خطبه
الارتجالية وخاصة حينما يكون منفعلاً كلمات تنطبع في ذهنك فتتمثل في ذلك صوراً حية، تشعر بأنك تراها بعينك وتلمسها بيدك. مثال ذلك قوله في مشروع ملنر حينما أختلف الناس (هل هو حماية أو استقلال)(5/325)
(إنه حماية بالثلث) ثم قوله في إحدى المفاوضات (جورج الخامس يفاوض جورج الخامس).
تجسمت في سعد فكرة في عصره بكل قوة الإيمان الوطني لذلك آمن الشعب به وقدس آماله في شخصه، لذلك لم يمت سعد لأنه فكرة هذه الآمال المتجددة وفي نفس الشعب، وسعد حري بهذه المكانة التي بوأه الشعب إياها فقد كان عظيماً منذ نشأ عظيماً حتى مات).
(كان زعيما بفطرته، يساير الشعب ثم يملك زمامه ويستولي على قياده ويسير به إلى حيث يشاء فلا ينبو الشعب في كفه، أيسع غير قوة جبارة أن تطوي كل قوة أخرى وأن تثور بها الأعاصير من كل ناحية فتثبت وتصلب وتجمع في نفسها على الرغم من كل شيء قوة الحكمة وقوة الشعب وقوة (البرلمان) حتى لقد كان يسعه أن يقول انه مصر.
و (أن التأريخ سيعتبر (سعد زغلول) بلا ريب أعظم شخصية أنجبتها مصر الحديثة (فلقد كان للمترجم عنه نفوذ مغناطيسي على المصريين وكانت مواهبه تبدو في نداءاته للرأي العام أكثر مما تبدو في المفاوضات (الدبلوماسية) الدقيقة ويمكن أن نصف حياته السياسية بأنها تقدم من المحافظة إلى التطرف وقد وصفه (اللورد كرزن) ذات مرة بأنه (زعيم غير مسؤول للهياج).
وحسبك أن تقرأ قول جريدة التايمس فيه عام 1906 فتعرف من خسرت مصر اليوم (زغلول من شيعة محمد عبده الذين امتازوا بالارتقاء والتهذيب وهم الذين سماهم اللورد كرومر (فريق الجيروند) في النهضة الوطنية المصرية، وهو مصري عريق في وطنيته أجمع الناس على إكرامه والإعجاب به لما اشتهر عن من الاستقامة والاستقلال).
وأحسن شهادة في الرجل قول (اللورد كرومر) العميد البريطاني في مصر(5/326)
في خطبته التي ودع بها البلاد المصرية:
(وإني لأذكر أيها السادة اسم رجل قد علمتني معاشرتي القصيرة له أن أحترمه احترماً عظيماً، وإذا أصاب ظني ولم يخطئ يكون أمام ناظر المعارف الجديد سعد زغلول باشا مستقبل عظيم في سبيل خدمة هذه البلاد ومنفعتها لأنه حائز لجميع الصفات اللازمة لخدمة
بلاده، فهو رجل صادق كفو مستقيم مقتدر، بل هو رجل شجاع فيما هو مقتنع به).
كان سعد زغلول رجلا اجتمعت فيه صفات جليلة قومت تلك الشخصية الكبيرة، منها: الجلادة والقوة الأدبية مع جد ونشاط في الشباب والشيخوخة إذ كان في شيخوخته أنشط من كثير من الشبان مع ملكات ومواهب نادرة ممتازة كالذكاء وسرعة الخاطر وحدة الذهن وحضور الجواب وفصاحة متدفقة ومنطق خلاب مع شيء من الصلابة والقوة والعنف (أفاده في ظروف حياته كما جنى عليه في بعض ظروفها).
وكان محدثاً عذب الحديث، فكان حاضر النكته رقيق المعاشرة.
ومن براعته في الجدل انه كان لبقاً شديد المراس تعرض عليه الحجة محاولاً نقض رأيه فما يلبث أن يعدل بحجتك حتى يتخذها سنداً لرأيه وقد نوه بخلال سعد السرية (قاسم أمين) لما أهدى إليه كتابه (المرأة الجديدة) فقال في كلمة الإهداء: (أن السعادة كل السعادة في حوار من كان له عاطفة سعد وتفكيره وقلبه).
ومن أقواله المأثورة:
كل أمر يقف في طريق حريتنا لا يصح أن نقبله مطلقاً مهما كان مصدره عالياً ومهما كان الأمر به.
كل تقييد للمصريين لابد أن يكون له مبرر من قواعد الحرية نفسها وإلا كان ظلماً.
قد عاهدت الله منذ أن نشأت على أن أًرح بما في ضميري وهذه هي لذتي في حياتي.(5/327)
الصحافة حرة في حدود القانون ما تشاء وتنتقد ما تريد، فليسمن الرأي أن نسألها لِم تنتقدنا بل الواجب أن نسأل أنفسنا لم نفعل ما تنتقدنا عليه.
نحن نحب الحرية ولكننا نحب أكثر منها أن تستعمل في موضعها.
جميل جداً أن يقال لا تحجروا على الناس ولا تقيدوا حريتهم وإنها لنغمة لذيذة يحسن وقعها في الأسماع والقلوب. ولكنا لا نريد الحجر على الناس ولا تقييد حريتهم بل نريد حماية الحق وصيانته من أن يتمتع به غير صاحبه من حيث يحرم منه صاحبه.
ومن خلقه الكريم شدة وفائه لأنصاره وحبه الخالص لأصدقائه (ولم يفهم سعد إلا من خاصمه سياسياً وخاصمه للمصلحة العامة دون سواها. كان سعد رجلاً وكفى إنه كان كذلك).
حقاً (إن زغلول باشا هو المصري بين جميع المصريين الذين كان نادر الفطنة والشرف السياسي، وكان يقصد ما يقول، وينفذ ما يعد، تلك صفات سببت نفيه ثلاث مرات ولم يستطع الإنكليز إغراءه بان يقبل لمصر ظل الحرية مع اختصاصه هو بنفوذ حقيقي وظهور عظيم لشخصيته).
ومن صفاته الباهرة بل ومن أسرار عظمته تسامحه الديني، فقد ولد مسلماً وكل ما بدا منه طول عمره دل على شدة العقيدة، وطالما أفتخر بانتسابه إلى الأزهر؛ ولكنه كان مع ذلك آية في التسامح الديني يعالج داء عضالاً في المجتمع الشرقي وقد عمل جهده في مدة زعامته في مكافحة هذا الداء بالقول والعمل فلم يميز بين المسلم والنصراني واليهودي في خدمة البلاد والحقوق والواجبات، ولا سيما عندما كان رئيساً للوزارة المصرية، فقد زاره جماعة من السوريين المتمصرين على أثر انتقاء أخطاء مجلس الشيوخ المصري وشكروه على تعيين ثلاثة من النصارى منهم أخطاء في المجلس المذكور، فأجابهم: (إني لا أعرفهم بهذا الوصف بل أعرفهم مواطنين مصريين وعليهم أن ينهضوا بعبء العمل كما ينهض إخوانهم.)(5/328)
لم يؤلف سعد تأليفاً خاصاً لانصرافه إلى الأشغال السياسية وما تقتضيه من الكتابة والخطابة، وقد ذكر انه لخص في صبح شبابه كتاب (ابن مسكويه) وطبع منه أغلبه. ولكنه كتب مقالات كثيرة في جرائد (مصر) و (البرهان) و (المحروسة) وغيرها وكلها ترمي إلى التحرر والانعتاق من أغلال الأجنبي، جمع من خطبه كتب عديدة ولا يزال بعضها منثوراً في الصحف والمجلات.
وأول ما اعتراه في أواخر حياته كان بمصيفه في (مسجد وصيف) يوم الاثنين ال 15 من آب سنة 1927 إذ أصابته (الحمرة) فارتفعت حرارة جسمه، فعاده الأطباء وأسعفوه ثم قرروا نقله إلى القاهرة فرجع إليها على الباخرة النيلية (محاسن) واطمأن في داره. وظهر التحسن في صحته، ولكنه أصبح يوم الاثنين تعباً وعادت حرارته إلى فارتفعت وفي صبح الثلاثاء تهامس أطباؤه بأن حياته في خطر، وشعر هو بدنو أجله، وكان آخر ما قاله لزوجته النبيلة (إني انتهيت). وظل طول ذلك اليوم محتبس اللسان حتى فاضت روحه الساعة العاشرة مساء (الثلاثاء 23 آب 1927) فأصدر مجلس الوزراء المصري بلاغاً
رسمياً بالفاجعة، كما نشرت إدارة الأمن العام نظام تشييع الجنازة وقد شيع جثمانه إلى مرقده الأخير بموكب فخم لم يشهد المصريون تشييعاً مثله لعظيم من عظمائهم في القرن الأخير، وطفحت الصحف المصرية، وكذلك الصحف العربية والإفرنجية، بالبحث عنه ووصف عظم الرز فيه واتشحت بالحداد عليه ثلاثة أيام وبكته الأقلام ورثاه الشعراء.
وقرر مجلس الوزراء تخليداً لهذا الرجل العامل:
1 - أن يقام تمثال في القاهرة وآخر في الإسكندرية ينصبان في أهم الميادين العامة في المدينتين.
2 - أن تشتري الحكومة بيته المسمى بيت الأمة وتضمه إلى الأملاك العمومية المخصصة بالمنافع العامة، على أن يبقى حق السكنى فيه لحرم الفقيد مدى الحياة.
3 - أن ينشأ في مستشفى أو ملجأ في القاهرة يطلق عليه اسم (سعد زغلول).(5/329)
4 - أن تشتري الحكومة البيت الذي ولد فيه ببلدة (أبيانة) بمركز (فوه) بمديرية الغربية وتضمه إلى الأملاك العامة المخصصة بنفع الجمهور.
ومما يروى عن مترجمنا في مواقف غيرته وعنفه أن ساقه الحديث يوماً وهو وزير للحقانية أمام الخديوي عباس حلمي الثاني فاندفع برغم حجته بالبراهين ثم دق بيده على المنضدة دافعاً حجة أمير مصر قائلاً (أنا الوزير المسؤول فلا بد من إقرار مشروعي) شأنه في ذلك أمام منضدة المحكمة حينما كان يدفع حجة زميله المحامي.
ووفد عليه في أحد الأيام جمهور من الفلاحين فغصت بهم ساحة بيته، فخرج إليهم وجلس على الأرض معهم وهو يقول (أنا فلاح مثلكم) لذلك قالت فيه جريدة (أفننك استندر) (كان له دهاء الفلاحين يشبه الرئيس كروكر فقد كان كلاهما وطنيين مخلصين متفانين في إخلاصهما لكن زغلول أقل فظاظة من كروكر.) وشبهته لمصر جريدة (شفيلد ديلي تلغراف) (بدفاليرا) لارلندة وقالت أن غريزته السياسية أعظم من غريزة (دفاليرا).
رفائيل بطي
بعيجة لا بيجي
دجلة في انحدارها من الموصل إلى بغداد تمر بموطن ضيق يظهر للرائي كأن دجلة تبعج المكان، فترى السماء بين الحالقين أو الجبلين فسمى الأهلون ذلك الموطن (بعيجة) (بالتصغير) ولما كان الإنكليز لا يستطيعون أن يلفظوا العين لفظاً صحيحاً فقالوا (بيجة) ثم أن أهالي تلك الأنحاء يميلون بلفظ الهاء إلى الياء فقالوا بيجي واليوم لا تسمع من أفواه الأهالي أنفسهم إلا (بيجي) أي بفتح الباء وإسكان الياء وكسر الجيم وبياء ساكنة في الآخر ومنهم من يشدها. فإذا مر قرن على مسخ هذه اللفظة، فمن ذا الذي يعرف أصلها؟ - ذلك من أثر القوي في الضعيف.(5/330)
مأتم أمة
رثاء سعد زغلول
سامح شجي مدامعي ونواحي ... طاحت بموتك دولة الإصلاح!
يا ذاهباً وفي كل نفسٍ بضعة ... من روحه خلدت في الأرواح!
من كان يبلغ ما بلغت إذا نأى ... يبكي كما يبكي الغروب الضاحي
والشمس تضحك للدموع ونورها ... يهتز بين تعاتب وتلاح
نحن الذين نخاف عند مغيبها ... من عالم الأوهام والأشباح
وهي التي تبقى متوجة السنا ... والأرض دائرة دوار فلاح
قسماً بقدرك ما رحلت مودعاً ... لكن ذهبت إلى جديد صباح!
ستعيش في شتى المظاهر واهباً ... للنور والإلهام والإفصاح
فإذا بكيت فما بكيتك جوهراً ... لكن بدمع للتخاذل ماح
وإذا توهمت الفضائل يتمها ... عذراً، فجسمك هيكل الصلاح
ماذا؟. . . أتنعى أنت يا علماً له ... علم على الحق المسيطر ضاح؟!
أتظن ميتاً والعقول شهيدة ... بوجودك المتألق الوضاح
ما مات من أحيا كرامة أمة ... وأعز دولتها بغير سلاح
الواحد الجبار عند رسوخه ... للحق يطرد جيشه ويلاحي
والدائم النظرات في تعليمه ... وكأنه سور من (الإصحاح)!
سير يدبجها (الخلود) مناحه ... وتخط بين جنازة الرواح!(5/331)
آمال أمتك الحزينة مثلت ... بصنوف أهليها وبالفلاح
فكل طائفة عرفت مواسياً ... ودموعها وافتك غير شحاح
في موكب وجم (الزمان) حياله ... فمضى بحقبته كعصف رياح!
لم يدر فيه الخلق كيف تصرفت ... ويلاته فمضوا إلى الشراح
يمشون في نسق المنظم سيره ... وهو العثور برزئه الفداح
وتنكس الأعلام حولك من أسى ... وهي في حيتك في الأفراح
والناس تلجأ إلى الصموت ولم تكن ... وترضى بغير تهافت وصياح
وسماع صوتك يا خطيباً عمره ... خطب سمون بأشرف الأوضاح!
سكتوا، ومن بين الجوانح ناطق ... سكرى، وفي كل وفائك صاح!
صرعى المصاب، وما تملك حسهم ... عسف وأسرى في انطلاق سراح
والجند مثل الشعب ليس لصبرهم ... حكم على شجن لهم مجتاح
تجري الفجيعة في خطوط وجوههم ... جري الدموع على خدود ملاح
وينوء أبطال دعوك فلم تجب ... بعظيمة الآلام والأتراح
يمشون كالأسد المكبل صاغراً ... في ذل أوجاع وعز وكفاح!
لله هذا اليوم!. . . كيف يهزني ... هزاً، ويسقيني أمر الراح
بتعاسة المحروم من أحلامه ... وشقاوة المسموم بالأقداح
في موقف المنصور خلف رئيسه ... والطائر المأسور دون جناح
والشعر يجري في دموع يراعتي ... جري السواد على ربى وبطاح
ليس عليك اليوم (مصر) حدادها ... من بطن تربتها إلى الادواح
وأبت شراب (النيل) وهو بحمرة ... فيها دلالة حزنه السحاح(5/332)
وأرى الأزهار في ذبول سماتها ... مثل الوفاء لدى ذهاب سماح
وأرى الجداول في دوام خريرها ... ترثي البخيل بدرها المسماح
وأرى الطيور على طويل أنينها ... حيرى لغيبة ربها الصداح
وأرى جميع الطيبات (بطيبة) ... في مأتم صدفت عن النصاح
أو لست أنت مجمعاً أشتاتها ... مسترجعاً عهداً كعهد (فتاح)؟!
وأباً لحرياتها وحياتها ... فنداك محفوظ على الألواح؟!
صبغت به حمر الورود وضرجت ... بدم بذلت مدامع لاقاح
وتشبعت بجميل حبك غضة ... فتجاوبت بأريجها الفياح
وطن خصصت به حنانك كله ... فسرى مشاعاً فيه دون جماح
فعليه مسحة ما أفضت من الهوى ... ولنا يعود الشوق عود مباح!
تمضي وقد مضت المعارك نصرة ... للشعب بين تحايل ونطاح
مستسلما للموت لا عن رهبة ... لكن بحس المنقذ الفتاح
كالقائد الغلاب يضمن يومه ... لغد فيرقد بعد جهد طماح
والسيد الربان يبلغ شطه ... فينام نوم الظافر الملاح
يغفي فيحسده دعي لم ينم ... والنوم رمز تغلب الطماح
تتحدث الأنباء عنه، وليس ما ... ظنته بعد جلاله بمتاح!
صفحا لمرثاة الوفاء صريعة ... شعر الوفاء كفجرك المنصاح
خطأ أسميه (الغروب) فانه ... مبدأ لآمال بزغن صحاح
وكذلك شعري في الرثاء مروعاً ... مسفوك أحلام وبعض أضاح(5/333)
إن كنت تجزيه البقاء فهل ترى ... يبقى الندى في غيبة النفاح؟!
عش رغم الدهر أي مقدس ... والبث (كجودانيس) والمصباح!
متلمسين على الظلام شعاعه ... نحو الحقيقة خبئت بصفاح!
نحو المآثر والمفاخر كلها ... نحو العوارف من رضى المناح
قد كنت تكرم مستعز عواطفي ... وتسر من أدبي الشريف الساح
ولو استطعت اليوم نشر كريمه ... براً لجاء طهورة الأرواح
لكن مثلك في صفات خلوده ... بات الغني غني عن الامداح
(فرعون) أنت بعزمه ومهابة ... وبجرأة وتسامح (كصلاح)
حتى بموتك فالعيون غضيضة ... لحجاك مقتولاً بغير جراح
مثل (المسيح) قضى شهيد محبة ... ليعيش فوق تناول السفاح
وكذاك أنت قضى الزمان قضاءه ... في الجسم، فأستعلي الجنان الصاحي!
وينازع التاريخ فيك (عظامه) ... العارفون تناسخ الأرواح!
من كل مفخرة قبست جواهرا ... فزهت بتاج ذكائك اللماح
وحفظت (للنيل) الفخور مكانة ... تبقى برغم تتابع النزاح
عشت السخي بكل تضحية له ... وتموت في الأحياء أي إباحي!
الإسكندرية في 24 أغسطس سنة 1927
أحمد زكي أبو شادي
أسماء مطابع بغداد مرتبة على حروف المعجم
1 - الاستقلال. 2 - الأوقات البغدادية. 3 - أيتام اللاتين. 4 - الحديثة. 5 - الحكومة. 6 - دار السلام. 7 - دنكور. 8 - السريان. 9 - الصناعة. 10 - العراق. 11 - العسكرية. 12 - الفرات. 13 - الفلاح. 14 - كباي. 15 - النجاح. 16 - الوطنية.(5/334)
اصل بيت لحم
لا غرابة في أن تكثر على العائد أي الوطن أسئلة المحادثين في شأن الأصقاع القادم هو منها، ولا سيما إذا كانت البلاد الشهيرة وكانت منزلتها في نظرهم منزلة عالية مثل بلاد فلسطين وفي رأسها عاصمتها القدس الشريف وما جاورها من المدن ذات الشأن.
فمن جملة ما وقع الحديث في صدده في أحد المجالس هو أصل اسم (بيت لحم) التي طبق صيتها الخافقين منذ ولد فيها السيد المسيح.
وعليه أحببت أن آتي قراء هذه المجلة الزاهرة بكلمة عن هذا الموضوع إذ بذلك يتسنى لي عرض مثال حسي لما قد طالما وددت كما يود ذوو الشأن والاختصاص أن يقف على حقيقته أبناء اللغة العربية ولا سيما أهل هذه الديار وهو أن أنجع الوسائل للتوصل إلى استطلاع خصائص العربية وكل واحدة من أخواتها السامية هو مقارنة أصول هذه الألسن وخواص بعضها ببعض مما قد نشأ عنه علم قائم بذاته سماه الفرنج واضعوه:
أي علم مقابلة الألسن السامية أو بالاختصار: (الألسنية السامية).
(بيت لحم) اسم لمدينة صغيرة جميلة في فلسطين واقعة في غربي القدس تبعد عنها نحو 10 كيلومترات. وأول مرة جاء ذكر هذا الاسم قديماً كان في أعتق سفر من أسفار التوراة وهو سفر التكوين وذلك عند سرد قصة عودة يعقوب أبي الأسباط من ربوع بين النهرين وولادة راحيل امرأته وموتها ودفنه لها في موضع قريب من (بيت لحم) أقيم فيه مزار لليهود حتى اليوم.
بيت لحم اسم عبري مركب من كلمتين وهما بيت ولحم. ومعناهما الظاهري بيت الخبز. ولهذين اللفظيين وجود في غير العبرية من اللغات السامية أي في(5/335)
الارمية والعربية. أما بيت فمدلوله واحد في الألسن الثلاثة. وأما لحم فالعبريون يلفظون حاءه خاء أي (لخم). وأما العرب والارميون فقد أبقوا لفظها حاء. والعبرية والارمية متفقتان في ما ضمنتاه في لفظه من المعنى أي (الخبز) أما العربية فتخالفهما في تلك الدلالة ذا أن كلمة لحم لا يراد بها الخبز بل هذه المادة المرنة الداخلة في تكوين أجسام الحيوانات الصالح أكثرها لأكل
البشر. إلا إننا إذا تقصينا في معنى هذين الحرفين في عريق الأزمان اطلعنا على موادهما الأصلي وعرفنا تطوره وكيف نشأ اختلافه في هذه اللغات.
أما البيت فهو اسم مشتق من فعل (بات يبيت) المشترك في جميع الألسن السامية ودلالته: قضى الليل في موطن من المواطن. وإذا كان الساميون في عصر بداوتهم يبيتون تحت الخيم سميت الخيمة (بيتاً) وأطلقوا اسم البيت بعد تحضرهم على المنزل سواء أكان من مدر أو حجر. على إن الناس كانوا ولا يزالون يسكنون معاً لفطرتهم الاجتماعية ولذلك شمل اسم البيت كل طائفة من المنازل أو كل قرية أو ناحية نزل فيها حي من الأحياء أو قبيلة من القبائل ولنا على ذلك في اللسان الارمي وفي البلاد الفلسطينية واللبنانية والعراقية وهي من المواطن المألوفة للساميين أمثلة كثيرة منها: في فلسطين: بيت فاجي، بيت جالا، بيت جبرين. وفي لبنان: بكفيا، برمانا، بيت الدين. وفي العراق: باجرمي، بحشيقا، بحزاني. (والباء في هذه الأسماء مقطوعة من بيت) واسم بغداد عينه. فانه - كما حققه الأستاذ غنيمة وطنينا المدقق - مركب من لفظين وهما: (بيت كدادا) ومعناهما في الارمية: بيت الضان أو حظيرة الغنم.
أما (لحم) وإن دلت على الخبز في العبرية والارمية وعلى اللحم في العربية إلا إنه يسهل علينا التوفيق بين المعنيين ورفع الشبهات إذا عرفنا أن كلمة (لحم) في العبرية لا تدل على الخبز إلا من باب التقييد وأما معناها المطلق أي القديم فهو الطعام أو القوت. وهو هذا المدلول عينه في اللغة السامية أم هذه الأخوات، أما بعد تفرق الشعوب السامية فقد تطور مدلوله - وإذ كان الخبز واللحم المادتين الشائع استعمالهم للعيشة بين البشر وكان اللحم أوفر عند العرب(5/336)
في غالب الأحيان لميلهم إلى عيشة البداوة ورعاية الغنم والمواشي ورغبتهم عن مزاولة الزراعة، عرفوا اللحم أكثر من الخبز وقيدت عندهم كلمة اللحم السامية في المعنى المشهور. وإذ كان العبريون والارميون يزاولون بوجه عام الزراعة واستغلال الأرض كثرت عندهم الحبوب وفي مقدمتها الحنطة والشعير فقيد لفظ اللحم بمدلول الخبز. وحيث تزيد الزروع والمواشي يتضاعف مقدار اللحم والخبز فينجم عنه وفرة القوت. والأرض التي يتوفر فيها القوت هي الأرض المخصبة وهي التي يتردد إليها القوم ويفضلونها على غيرها فتطير شهرتها وتزيد خطورتها.
فمعنى (بيت لحم) ليس إذا بيت الخبز وحسب، بل معناه (أرض القوت) أو (الأرض المخصبة) وهذا كان واقع الحال قديما وحديثاً فإن أرض بيت لحم تفوق ما يجاورها من الأراضي خصباً وغلة وموقعاً ومجالاً. ومما يزيد في مبلغ هذا البرهان قوة هو إن بيت لحم مرادفاً يذكر في الكتاب المقدس عند ذكر اسمها وهو كلمة (أفراثة) وموادها في العبرية الخصبة وهذا نص الكتاب بحرفه: (وماتت راحيل ودفنت في طريق أفراثة وهي بيت لحم. ونصب يعقوب نصباً على قبرها وهو نصب قبر راحيل إلى اليوم) (سفر الخلق 35: 19و20).
الأب أ. س. مرمرجي الدمنكي
أحد أساتذة المعهد الكتابي والأثري الفرنسي في القدس
الشريف
لغة العرب: - الذي عندنا أن كلمة (لحم) بمعنى خبز انتقلت بصورة (لقم) العربية ولما كان الخبز يكثر في طعام جميع الناس سموا كل ما يدخل الفم (لقما) من باب التوسع، قال اللسان: لقمت الطعام ألقمته. . . واللقمة ما تهيئه للفم. اهـ. وأنت تعلم أن الطعام أكثر ما ورد معناه لما نسميه الحبوب، ولا سيما الحنطة. وهذا المعنى معروف إلى يومنا هذا في العراق. قال في لسان العرب: وأهل الحجاز (وعن بعضهم أخذ لسان العرب) إذا أطلقوا اللفظ بالطعام عنو به البر خاصة. وفي حديث أبي سعيد: كنا نخرج صدقة الفطر على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صاعا من طعام أو صاعاً من شعير. قيل أراد به البر وقيل التمر وهو أشبه لأن البر كان عندهم قليلاً لا يتسع لإخراج زكاة الفطر. وقال الخليل. العالي في كلام العرب أن الطعام هو البر خاصة. أه.
وعلى كل حال فاللحم واللقم من باب واحد وإن أختلف الحرفان فاختلافهما من لغتهم فقد قالوا الفقي والحفي قرش وحرش، تبقر في العلم وتبحر. القفاوة والحفاوة. القابول والحابول. إلى غيرها.(5/337)
القلم
الشعر الخالد هو الشعر المتين المعاني القائم على صرح منبع
الكلم التي تذب عنه عوادي الزمن والمحن. وهذا ما تراه في
نظم الشاعر العصري احمد محرم.
لغة العرب
عتاد الكاتبين لكل خطب ... يطيش لهوله البطل الثبيت
أعيذك أن تبيت لكل عاد ... كذي السلب الموزع إذ يبيت
أتجزع للأذى جزعي وتشقى ... بدعوى الصائحين كما شقيت
رويدك إنني بك مستعين ... فكن لي في النضال إذا رميت
إذ لم يبق حولك ذو وفاء ... أقمت على الوفاء وإن فنيت
رأيت الخانين وكيف تنسى ... فما خنت الذمام ولا نسيت
أعادي فيك كل فتى دعي ... وأمنع من ذمارك ما وليت
وإني حين ترتكض المنايا ... إذا فزع الحماة لمستميت
إذا أنا لم أمت شهوات نفسي ... أريد لك الحياة فلا حييت
أردت الملك مضطرب النواحي ... فما ضاق البيان ولا عييت
وأحببت الخلود فكان تاجا ... كسيت به الجلال كمل كسيت
فليس كجاهك الأزلي جاه ... ولي كصيتك الأبدي صيت
ملكت فلم أجد في الدهر حكما ... كحكمك حين تحيي أو تميت
لعلك منصفي إذا هان قوم ... فما اخترت الهوان ولا رضيت
أما يرضيك إني عشت حراً ... وإني ما أمرت ولا نهيت
بلادي إذ أحب وإذ أعادي ... وربي إن رجوت وأن خشيت
أأعبث بالأمانة وهي ذخري ... وأجتنب السبيل وما عميت
لئن غز الجزاء على أناس ... فحسبي من توالك ما جزيت
لعمر القائلين أما نراه ... يصيب غنى الحياة قد غنيت
جعلت لك الشباب حمى فلما ... لقيت الشيب زانك ما لقيت
دمنهور (مصر): أحمد محرم(5/338)
الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة التاسعة
للشيخ كمال الدين عبد الرزاق المعروف بالفوطي
يعد التمهيد الذي مهدته في الجزء الرابع من هذه السنة (لغة العرب 5: 216 وما يليها). حان لي أن أعرف ابن الجوزي مؤلف كتاب مناقب بغداد بنقلي ما ورد في كتاب الحوادث الجامعة على أنباء ابن الجوزي ولعل تراجمهم المطولة وردت في كتاب بقات الحنابلة لأبن رجب المتوفى سنة 795 الوارد في مصادر خطط الشام لمحمد كرد علي في ص11.
وسيؤيد نقلي أن المصنف هو غير ابن الجوزي الذي ظنه الأثري وانه غير الذي عرفه غنيمة وأما ما جاء عن أصحاب هذا البيت في مرآة الجنان لليافعي المتوفى في سنة 798هـ (1395 - 1396م) المطبوع في حيدر آباد الدكن في سنة 1339هـ (4: 147) فإنه لا يروي الغليل قال الكاتب: وفيها (وفي سنة 656هـ) توفي سفير الخلافة محي الدين يوسف ابن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن المعروف بابن الجوزي كان أستاذ دار المعتصم) (أي المستعصم) كثير المحافظة قوي المشاركة في العلوم وافر الحشمة، ضربت عنقه هو وأولاده) اهـ.
سنة 626 (1228م) وفيها عزل (محي الدين يوسف ابن الجوزي) عن النظر بخزانة الغلات بباب المراتب ورتب عوضه كمال الدين عبد الرحيم بن ياسين ثم عزل أيضاً عن ديوان الجوالي ورتب عوضه محي الدين بن فضلان.
سنة 628 (1320م) في المحرم وصل إلى بغداد مظفر الدين أبو سعيد كوكبري بن زين العابدين علي كوجك صاحب أربل ولم يكن قدم بغداد قبل ذلك وكان معه (محي الدين يوسف بن الجوزي) وسعد الدين حسن ابن الحاجب علي وكانا قد توجها إليه في السنة الخالية فخرج إلى لقائه فخر الدين أحمد بن مؤيد الدين القمي نائب الوزارة والأمراء كافة والقضاة والمدرسون وجميع أرباب(5/339)
المناصب فلقوه نحو فرسخ ولقيه فخر الدين ابن القمي بظاهر السور واعتنقا راكبين ثم نزلا. فقال فخر الدين:
لما انتهى إلى مقار (كذا ولعلها مقام. ل. ع) العز والجلال ومعدن الرحمة والكرم والأفضال - لا زالت الأبواب الشريفة ملجأ القاصدين والأعتاب المنيفة منهلاً للواردين! وصولك يا
مظفر الدين! أعلى الله المراسم الشريفة واسماها وأنفذ أوامرها مشارق الأرض ومغاربها وأمضاها! قصدك وتلقيك وأحماد مساعيك إكراماً لك واحتراماً لجانبك. فليقابل ما شملك من الأنغام بتقبيل الرغام، والدعاء الصالح الوافر الأقسام، المفترض على كافة الاقسام، المفترض على كافة الأنام والله ولي أمير المؤمنين.
فقبل الأرض حينئذ مراراً ثم دخلوا جميعاً إلى البلد، فلما وصل إلى باب النوبي ساق (كذا ولعلها سبق) فخر الدين وسبقها مظفر الدين وقبل العتبة وعضده الأجل نور الدين أبو الفضل بن الناقد أحد حجاب المناطق بالديوان ثم ركب وقصد دار الوزارة فلقي مؤيد الدين القمي وجلس هناك وركب نائب الوزارة وولده وجميع أرباب الدولة والأمراء وتوجهوا نحو دار الخلافة.
فأما مؤيد الدين وولده وخواصه فدخلوا من (الباب القائمي) باب المشرعة وأما الولاة والأمراء فدخلوا من (باب عليان) و (باب المحرم) وانتهى الجميع إلى تحت (التاج) على شاطئ دجلة. ووقفوا على (الدار الشاطية) (كذا) ذات الشبابيك ثم استدعي مظفر الدين من دار الوزارة بالأمير عز الدين البقرا الظاهري وبأحد خدم الخليفة فحضر فرفعت الستارة فقبل الجميع الأرض وكان قد نصب تحت الشباك الأوسط كرسي ذو درج فرقي عليه نائب الوزارة وأستاذ الدار وابن الناقد ومظفر الدين. وسلم مظفر الدين مشيراً بيده إلى الشباك تالياً(5/340)
قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) فرد الخليفة عليه السلام فقبل الأرض مراراً ثم شكر الخليفة سعيه فأكثر من تقبيل الأرض والدعاء فأسبلت الستارة وعدل بمظفر الدين إلى حجرة فخلع عليه فيها وقلد سيفين وقدم له فرس بمركب ذهباً ومشدة ورفع وراءه سنجقان مذهبان وخرج من الباب القائمي المعروف باب التمر بالمشرعة وبه كان قد دخل. وبقي في خدمته إلى حيث أنزل بدار شمس الدين بن سنقر.
ذكر فتح المستنصرية
سنة 631 (1233م) في جمادي الآخرة تكامل بناء المدرسة المستنصرية التي أمر بإنشائها الخليفة المستنصر بالله - وكان الشروع فيها سنة خمس وعشرين وستمائة وأنفق عليها أموال كثيرة - فركب نصير الدين بن الناقد نائب الوزارة في يوم الاثنين خامس عشر جمادي الآخرة وقصد دار الخلافة واجتاز بها إلى دجلة ونزل في شبارة من باب البشرى
مصعداً إلى الدار المستجدة المجاورة لهذه المدرسة وصعد إليها وقبَّل عتبتها ودخلها وطاف بها ودعا لمالكها وكان معه أستاذ الدار مؤيد الدين أبو طالب محمد بن العلقمي وهو الذي تولى عمارتها ثم عاد متوجهاً إلى داره في الطريق التي جاء بها وخلع على أستاذ الدار وعلى أخيه أبي جعفر وعلى حاجبيه عبد الله بن جمهور وعلى المعمار والفراشين المرتبين في الدار المذكورة المستجدة وعلى مقدمي الصناع.
ونقل في هذا اليوم إلى المدرسة من الربعات الشريفة والكتب النفيسة المحتوية على العلوم الدينية والأدبية ما حمله مائة وستون حمالاً وجعلت في خزانة الكتب. وتقدم إلى الشيخ عبد العزيز شيخ رباط الحريم بالحضور بالمدرسة واثبات الكتب واعتبارها والي ولده العدل ضياء الدين أحمد الخازن بخزانة كتب الخليفة التي في داره أيضاً فحضر وأعتبرها ورتبها أحسن ترتيب مفصلاً(5/341)
لفنونها ليسهل تناولها ولا يتعب مناولها.
وفي بعض هذه الأيام حضر الخليفة هناك وحضر الشيخ عبد العزيز بين يديه وسلم عليه وعقب دعاءه بأن تلا قوله تعالى: (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً). فبدأ خشوع الخليفة وتقاطرت دموعه.
وفي يوم الخميس خامس رجب حضر نصير الدين نائب الوزارة وسائر الولاة والحجاب والقضاة والمدرسون والفقهاء ومشايخ الربط والصوفية والوعاظ والقراء والشعراء وجماعة من أعيان التجار الغرباء إلى المدرسة وقد تخير لكل مذهب من المدارس وغيرها اثنان وستون نفساً. ورتب لها مدرسان ونائبا تدريس. أما المدرسان فمحي الدين أبو عبد الله محمد بن يحيى بن فضلان الشافعي ورشيد الدين أبو حفص عمر بن محمد الفرغاني الحنفي. وخلع على كل واحد منهما جبة سوداء وطرحة كحلية وأعطي بغلة بمركب وعدة كاملة. وأما النائبان (فجمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن يوسف الجوزي الحنبلي) نيابة عن (والده) لأنه كان مسافراً في بعض مهام الديوان. والآخر أبو الحسن علي المغربي المالكي وخلع على كل واحد منهما قميص مصمت وعمامة قصب ثم خلع على جميع المعيدين - وهم لكل مذهب أربعة - خلعاً بالحكاية. ثم خلع على جميع الفقهاء المثبتين بها قمصان دمياطي وبقاقير قصب. ثم خلع على المتوالين للعمارة والصناع والحاشية وعلى المعينين للخدمة بخزانة الكتب. وهم الشمس علي بن الكتبي والخازن والعماد علي بن
الدباس المشرف والجمال إبراهيم بن حذيفة المناول.
ثم مد سماط في صحن المدرسة أجمع فكان عليه من الأشربة والحلواء وأنواع الأطعمة ما يجاوز حد الكثرة فتناوله الحاضرون تعبية وتكويراً ثم أفيضت الخلع على الحاضرين من المدرسين ومشايخ الربط والمعيدين بالمدارس(5/342)
والشعراء والتجار الغرباء ثم أنشد الشعراء المدائح فيها وفي مُنشئها.
فممن أورد العدل أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني الفقيه الشافعي:
ما مثل الفلك العظيم لمبصر ... في الأرض قبل ايالة المستنصر
تلخيص شروط المدرسة. . . (استغني عن النقل بإحالتي القارئ على المشرق (5 (1902): 166) وعلى اليقين (3 (1344هـ): 489 - 490) وما حذفه النقل هو: (البرز والفرش والتعهد) بعد كلمة الصابون).
وفي شهر رمضان وصل (محي الدين يوسف بن الجوزي) من مصر وخلع عليه بدار الوزارة خلعة التدريس على الحنابلة بالمدرسة المستنصرية وحضر المدرسة بالخلعة ومعه جميع الولاة والحجاب فجلس على السدة وخطب وذكر دروساً. . .
سنة 633 (1235م) وفي ثامن عشر شعبان تقد إلى (أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي) بالجلوس في الرباط المجاور لمعروف الكرخي المقابل لتربة واقفته وحضر ناصر الدين ولما أنفض المجلس مد سماط عظيم ثم خلع عليه في حادي عشرية في دار الوزارة وقدم له فرس عربي بمركب ذهباً(5/343)
ومشدة وأعطي علم بمشاد وجعنايين وخلع على جميع أصحابه وأتباعه ومماليكه وأعطي عدة أرؤس من الخيل وثياب كثيرة وخمسة وعشرون ألف دينار وخمسون جملاً وكراعاً كثيراً وآلات ومفارش وغير ذلك. وتوجه إلى مستقره وقد أصلحت الحال بينه وبين عميه الكامل والأشرف.
وفيهما تكامل بناء الإيوان الذي أنشئ مقابل المدرسة المستنصرية (للاختصار أحيل القارئ على المشرق (10) (5 (1902): 166 - 167) واليقين (10) (3 (1344): 490 - 491) والزهراء المجلة المصرية (3 (1345هـ 1926م): 254).
سنة 634 (1236م) وفي هذه السنة قصد ملك الروم مدينة آمد وحصرها وضيق على أهلها وجرى بين العسكريين قتال. وقتل من الفريقين خلق كثير وقلت الأقوات وتعذرت
على أهل البلد فأرسل صاحبها إلى الخليفة يعرفه ذلك ويسأله مراسلة ملك الروم في الكف عنه، فأمر الخليفة بإنقاذ (أبي محمد يوسف ابن الجوزي) فتوجه نحوه قال: لما وصلت إليه وجدت عساكره قد أحاطت بمدينة آمد وأهل البلد في ضرٍ عظيم فعرضت عليه مكتوب الديوان، فذكر أن أولئك الذين ابتدءوا وقتلوا أصحابه. قال؛ فأخرجت خط الخليفة بقلمه وتلوت قوله تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) وقبلته وسلمته إليه فقام ووضعه على عينيه ورأسه وقرأه وأمر بالحال بالكف عن القتال والرحيل عن البلد.(5/344)
سنة 635 (1237م) وفي ربيع الآخر تقد إلى المدرسين والفقهاء ومشايخ الربط والصوفية وأرباب الدولة من الصدور والأمراء بحضور جامع القصر لأجل الصلة على أبنه بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل زوجة الأمير علاء الدين الطبرسي الدويدار الكبير وصلي عليها في القبلة وشيع الكل جنازتها إلى المشهد الكاظمي ودفنت إلى جانب ولدها في الإيوان المقابل للداخل إلى مصف الحضرة المقدسة في ضريح مفرد، قيل أنها كانت نفساء عن نيف وعشرين سنة. ومدة مقامها في بغداد عشر سنين وعمل العزاء في دار الأمير علاء الدين وحضر النقيب الطاهر الحسين بن الأقساسي وموكب الديوان وأقامه من العزاء. ونفذ المحتسب (أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي) إلى بدر الدين لؤلؤ ليقيمه من العزاء.
سنة 636 (1238م) في هذه السنة ملك الملك الصالح أيوب. . . مدينة دمشق. . . ثم إن الملك الصالح أيوب صاحب سنجار راسل الملك الجواد وطلب منه دمشق على أن يعوضه عنها سنجار فأجابه إلى ذلك وسلمها إليه وانتقل منها إلى سنجار فلما استقر الملك الصالح في دمشق وملكها حدَّث نفسه بأخذ مصر من أخيه العادل محمد. . . فبلغ أخاه العادل فأرسل إلى الخليفة يعرفه ذلك ويسأله التقدم إلى أخيه بالكف عما عزم عليه من قصده. فأمر الخليفة بإنفاذ (أبي محمد يوسف بن الجوزي) في المضي، فتوجه إليه وقرر معه القناعة بدمشق وتوفير مصر على أخيه فأشترط أشياء من جملتها حصته في تركة أبيه فأجابه أخوه إلى ذلك واصطلحا وعاد الملك الصالح إلى دمشق.
سنة 637 (1339م) وفيها حضر الأمير سلمان بن نظام الملك متولي المدرسة النظامية
مجلس (أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي) بباب بدر فطاب (كذا ولعله فتاب) وتواجد وخرق ثيابه وكشف رأسه وقام وأشهد الواعظ والجماعة أنه أعتق جميع ما يملكه من رقيق ووقف أملاكه، وخرج عن جميع ما يملكه فكتب إليه النقيب الطاهر أبو عبد الله الحسين بن الأقساسي أبياتاً طويلة يقول فيها:
يا ابن نظام الملك يا خير من ... تاب ومن لاق به الزهد(5/345)
وفيها تقدم بقطع الوعظ من باب بدر وكان الواعظ المحتسب (عبد الرحمن ابن الجوزي).
سنة 638 (1240) وفيها قدم (جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي) من شيراز. وحكى أنه شاهد في قرية من قرى فارس تدعى ساوور صبياً عمره اثنتا عشرة سنة طوله خمسة أذرع وأخطاءه تناسب خلقه. قال وحضر أبواه عندي وهما كالرجال في العادة.
سنة 640 (1242م) (في هاتين الصحيفتين خلافة المعتصم وقد جاءت في المشرق على ما نوهت به عن صفا)
يعقوب نعوم سركيس
(أربل)
أربل (وبعض الأهالي يقولون أرويل والبعض الآخر أربيل) مدينة واغلة في القدم معنى لفظها (مدينة الأربعة الآلهة) وهي اليوم أم البلاد الكردية وبؤرة تجارتها.
وهي تقسم إلى ثلاثة أقسام: الوترك (لا الكورتك كما جاء في بعض المقالات من جرائد العراق) والقلعة والخانقاه.
وأهاليها كلهم أكراد نسباً وحسباً. بينهم من ينتمي إلى عشيرة (بالك) الراوندوزية الأصل. وبينهم من ينتمي إلى عشيرة (الجاف) المبثوثين في لواء السليمانية، وبينهم من عشائر (سورجي) و (كردي) و (ماموندي) و (ديتريلي).
ولسان الجميع الكردية والتركمانية. وأكثرهم نبذ التركية.
ويزعم أن في (القلعة) بيتين أو ثلاثة من التتار الأقدمين.
وللشرفاء والأغوات الثروة الطائلة ولهم جنان عظيمة في صدر (القلعة) ويمتازون
بشهامتهم وإباء نفسهم وسمو أخلاقهم وحسن التفاتهم إلى الضيف وإكرامهم إياه.
وكانت أربل في جميع الأزمان ميداناً لحروب عديدة بين مختلف الأمم، بين الإيرانيين واليونانيين، بين ماذية ولوذية، بين العباسيين والأتراك، بين العباسيين والأمويين، بين الأمير محمد باشا (كور باشا) الراوندوزي وعلي باشا ورشيد باشا الكبير الصدر الأعظم التركي، دع عنك حروب الأقدمين بين الآشوريين والآريين، بين الكلدانيين أو البابليين والمصريين إلى غيرهم.(5/346)
المضارع في لغة العوام
قد أنهينا الكلام عن الماضي من الثلاثي المجرد ولنتكلم هنا عن المضارع فنقول: الفعل المضارع هو ما دل على حدث مقترن بزمان الحال أو الاستقبال.
ويصاغ المضارع من الماضي وذلك بان يزاد في أول الماضي أحد حروف (أتين) المسماة بحروف المضارعة لأن الماضي بها يصير مضارعاً فإذا زدت في أول (ضرب) مثلاً ياء أو تاء أو نونا أو ألفاً صار يضرب وتضرب ونضرب وأضرب وهو المضارع.
والياء من أحرف المضارعة إنما تكون في أول المضارع المسند إلى الغائب والتاء تكون في أول المضارع المسند إلى المخاطب أو الغائبة. والألف تكون في أول المضارع المسند إلى المتكلم، والنون في أول المضارع المسند إلى جمع المتكلم.
حركة حروف المضارعة
الألف مفتوحة في أول كل مضارع ثلاثياً كان أو رباعياً. مجرداً أو مزيداً، أما بقية أحرف المضارعة وهي الياء والتاء والنون في مكسورة مطلقاً أي في كل مضارع ثلاثي كان أو رباعياً مجرداً أو مزيداً، إلا أن كسرتها تكون ضئيلة في بعض المواضع وذلك إذا وليها حرف متحرك كما في الأجوف نحو يشوف والمضاعف نحو يمد والرباعي المجرد نحو يكرس فإن حرف المضارعة في هذه الأفعال مكسور كسرة ضئيلة.
قلنا في الألف من أحرف المضارعة إنها مفتوحة مطلقاً وفي غيرها من الحروف الأخرى إنها مكسورة مطلقاً، وهذا هو الأصل الشائع في كلامهم وما خالف ذلك عدد من النادر القليل كما يضم بعضهم حرف المضارعة من المضارع الثلاثي المضموم العين فيقول يكفر ونكنس.
تنبيه - المراد بالمضارع المضموم العين هو المضموم العين في كلام العامة فيجوز ضم حرف المضارعة من يصبر لأنه مضموم العين في كلامهم ولا يجوز ضمه من يكتب(5/347)
لأنه مكسور العين في كلامهم. وربما استعملوا بعض الأفعال مضموم العين ومكسورها كما في يضرب فإن أهل البادية يكسرون عينه وأهل الأمصار يضمونها فيجوز على لغة ضم العين أن يقال يضرب بضم حرف المضارعة.
عين المضارع
إن عين المضارع الثلاثي في كلام العامة لا تخلو من أن تكون مضمومة كينصر أو مفتوحة كيركب أو مكسورة كيحسب، وهذه الحركة أعني حركة عين المضارع إنما تعرف بالسماع.
وقد علمت مما سبق أن الفعل الماضي لا يكون في كلام العامة إلا مفتوح العين لا غير فالأبواب الستة التي تتحصل للثلاثي المجرد من كل اختلاف الحركات في عيني الماضي والمضارع معدومة في كلام العامة وإنما يوجد منها في كلامهم ثلاثة أبواب باختلاف الحركة في عين المضارع فقط.
الباب الأول ما كان مفتوح العين في الماضي ومضمومها في المضارع نِصَرْ يِنْصُرْ.
الباب الثاني ما كان مفتوح العين فيهما نحو رِكَبْ يِرْكَبْ.
الباب الثالث ما كان مفتوح العين ومكسورها في المضارع نحو حِسَبْ يحْسِبْ.
آخر المضارع
لما كان الإعراب معدوما في كلام العامة كان المضارع أيضاً كالماضي غير معرب، والأصل في آخره هو السكون.
ويلحق آخر المضارع من الضمائر المرفوعة ضمير المفرد الغائب نحو يضرب وضمير المفردة الغائبة نحو تضرب، وضمير المفرد المخاطب نحو تضرب، وضمير المتكلم نحو اضرب، وضمير جمع المتكلم نحو نضرب، وهذه الضمائر الخمسة لا تكون إلا مستترة وتقديرها (هو) في الغائب و (هي) في الغائبة(5/348)
و (أِنتَ) في المخاطب و (أنا) في المتكلم و (أحْنَ) في جمع المتكلم.
وأما الضمائر البارزة التي تلحق آخره فهي (1) ضمير جمع الغائب. (2) ضمير جمع المخاطب وهذان الضميران عبارة عن واو بعدها نون ساكنة نحو (يِضِرْبوُن) لجمع الغائب و (تِضْرُبون) لجمع المخاطب وآخر الفعل مع هذين الضميرين يكون مضموماً. (3) ضمير جمع الغائبة. (4) ضمير جمع المخاطبة وهما عبارة عن نون ساكنة نحو (يِضِرْبَنْ) لجمع الغائبة و (تِضِرْبَن) لجمع المخاطبة. وآخر الفعل مع هذين الضميرين يكون مفتوحاً.
(5) ضمير المفردة المخاطبة وهو عبارة عن ياء بعدها نون ساكنة نحو (تِضرْبِين) وآخر المضارع مع هذا الضمير يكون مكسوراً أما عين المضارع فتكون ساكنة مع جميع الضمائر البارزة.
الأفعال الثلاثة
إن ما ذكره النحويون من الأفعال الخمسة في اللغة الفصحى لا يوجد منها في كلام العامة إلا ثلاثة أفعال وهي يفعلون وتفعلون وتفعلين. وذلك لأنه ليس للاثنين ضمير في كلامهم بل هم يعتبرون ما زاد على الواحد جمعاً فيستعملون ضمير الجمع في مقام ضمير الاثنين أيضاً كما تقدم بيانه في بحث الضمائر ولذا سقط في كلامهم من الأفعال الخمسة فعلان وهما يفعلان وتفعلان وبقي ثلاثة أفعال وهي يفعلون وتفعلون وتفعلين.
وهذه النون التي في آخر الأفعال الثلاثة ليست من علامات الإعراب لأن الإعراب معدوم في كلامهم وليست هي جزءاً من الضمير لأنها لو كانت جزءاً منه لما جاز حذفها مع أنهم يحذفونها أحيانا.
وحذفها يقع في كلامهم على وجهين واجب وجائز. أما وجوب حذفها فإذا أتصل بالفعل من الضمائر المنصوبة ضمير المتكلم مفرداً كان أو جمعاً نحو يضربوني ويضربونا وتضربيني وتضربينا. وأما جواز حذفها فإذا أتصل به من(5/349)
الضمائر المنصوبة ما سوى ضمير المتكلم نحو يضربوه ويضربونه ويضربوك ويضربونك الخ. . .
وتثبت هذه النون فيما عدا هذين الموضعين حتى النهي فإنهم يثبتون النون فيه فيقولون (لا تْضِرْبوُنْ ولاَ تْضِرْبِيْنْ).
والفعل المضارع مع فاعله قد يقع في كلامهم موقع المصدر فاعلاً أو مفعولاً بدون حرف مصدري لأن الحروف المصدرية معدومة في كلامهم فمن وقوعه فاعلاً قولهم (مَا يْجوز لَكْ تِعْمَلْ هَا الْعمل) أي ما يجوز لك أن تعمل هذا العمل. ومن وقوعه مفعولاً قولهم (أَرِيد أروح إلى فلان) أي أريد أن أروح إلى فلان.
ولنذكر لك تصريف الفعل المضارع من الثلاثي المجرد من الأقسام السبعة التي مر ذكرها في تصريف الفعل الماضي.
معروف الرصافي
فنجر عينيه
من لغة عوام الشام ومصر قولهم: فلان فنجر عينيه أي حملق. وفي محيط المحيط حملق بهما. وهو خطأ لأنه لا يقال: حملق بعينيه بل حملق فقط. وفنجر، مشتقة من بنجرة الفارسية (وهي بباء مثلثة فارسية تقلب فاء عند التعريب) ومعناها النافذة، كأنه فتحهما كالنافذة بعد أن كانتا مطبقتين أو كالطبقتين.
وذكر البستاني في المادة المذكورة: الفناجرة: الخيالة الحاذقون في ركوب الخيل. ولم يذكرها بهذا المعنى سوى فريتغ نقلاً عن كتاب المستفيد في مدينة زبيد في عدة مواطن منه. ونقلها عن البستاني الشرتوني في معجمه ولم يعزها.(5/350)
غادة بابل
2 - انفردت شميرام في مخدعها وهي أشبه شيء بنجم الصباح المتلألئ في الأفق: ربعة القوام، عبلة الساعدين، رخصة الجسد، لدنة المعاطف، جميلة الأنف كبنات جنسها الساميات، حوراء البشرة، دعجاء، وطفاء، شعرها أسود حالك جثل، قد ضفرته ضفيرتين، وعقصته حول رأسها على شكل العقال، وقد لوحتها شمس بابل، وتدفقت الخمرة على شربتها في دمها حتى سرت في عروق خديها الاسيلين، وصبغتهما صبغاً لطيفاً يخجل الورد منه، وأثر فيهما تزاحم شعرها وهاجرة النهار، فعلتهما لآلئ من العرق حتى ليظن الناظر إليها أنها حورية من حور الجنان. ثم أخذت تناجي نفسها بما يشبه هذه الأقوال:
مالك يا قلبي خافق في صدري؟ ومالك يا مخيلتي تتعبيني بالأشباح والأخيلة؟، كنت قبل اليوم لا أعرف للهم منبتاً، ولا للحزن موطناً! فما أنت أيها الحب حتى سطوت فقسوت وحكمت فبغيت؟ كنت أحب شمشو حباً هادئاً حب بنت الخال لأبن عمتها، أو حب الشقيقة لشقيقها. فأستمر ذلك الحب حتى استولى الغرام على قلب خال فاستحكم. وتكيف حب العشيرة فأصبح لواعج هوى، وأضحت كل جارحة مؤلمة، آه! أنا بنت أشرف أشراف بابل، أنا بنت الدلال والترف، من ذا الذي ينقذني من هذا المأزق؟ إذ لا قدرة لي على احتمال ذا الضيم، ولا طاقة لي على ركوب هذا المركب الخشن! فقد أربد الكون في عيني، وانسدل عليهما سجف من الظلام فلا تبصران الشمس ولا تتمتعان بالنظر إلى القمر والكواكب وهل في سماء الشبيبة شمس غير شمس شمشو. وهل في أفق بابل قمر غير حبيبي، وأنا للكواكب أن تبقى في ريع السماع ولا تتواري خجلاً من سنائه!. . أنت أنت يا شمشو علة شقائي. . . ما أسعد الشقاء في سبيل حبك. وما أسعدني لو عدمت الحياة فداء لك. ولكن بئست(5/351)
السعادة التي يقضى نعيمها في البعد عنك. ما الحيلة في الاستيلاء على قلبك؟ وكيف يهون عليك أن تتركني العوبة بيد الأحزان.
وهب إن شمشو يوافقني في الحب والزواج.: لكن هناك حبيبتة حتراء فإنها تقف عقبة كؤودا في وجهنا. كيف أتخلص من مراقبتها وأدفع عني شرها؟.
ولما أتت على ذكر حتراء رقيبتها في الحب شعرت بانقباض شديد لم تتمالك من أن تتنهد وتنفس الصعداء ثم استخرطت في البكاء فتساقطت دموعها تساقط الطل على الورد وتناثرت تناثر اللآلئ على الأرجوان فكفكفت دموعها بإصبعها وسمحت خديها بقطعة من نسيج كانت بيدها تريد خياطتها. فدخلت في هذه المطاوي والدتها ريماة ولمحت آثار البكاء عليها فاستغربت منها هذه الحال وقالت لها: بنيتي ما الذي يبكيك؟
شيمرام - رأيت حلماً في الليل الماضي فأزعجني وكدرني كل الكدر فتشاءمت منه. ريماة - وما هو حلمك؟ فإن كان داعياً للقلق عمدنا إلى الكهنة والسحرة والمنجمين واتخذنا التعاويذ والطلاسم والرقى واتقينا شر الأرواح الشريرة وإلا فلا تكترثي له.
شيمرام - رأيت كلباً أسود داخل الهيكل وقلب تمثال الإله (مردوخ) وحطمه ورأيت في غرفتي هذه طفلاً بلا حنك أدخلته علي نتو.
ريماة - أن دخول الكلب الأسود في الهيكل يدل على أن أسس ذلك الهيكل غير مكينة تتداعى؛ أما سقوط التمثال وتحطمه فيشير إلى تدهور المملكة وزوال مجده؛ ويشير الطفل الذي لا حنك له إلى أن حياة الملك طويلة إلا أن البيت الذي ولد فيه ينقض حجراً حجراً. غير أني أسألك يا شيمرام: هل كان الطفل ناقص الحنكين أو أحدهما. فإذا كان حنكه الأسفل فقط ناقصاً فيدل على أن غلات هذه السنة لا تقل.
شميران - لا يا أماه أنه ناقص الحنكين. ولكن كيف تعللين وجود نتو في هذه الأمور وتوسطها في إدخال الطفل في غرفتي؟(5/352)
ريماة - إن الصور التي تراءت لك في الحلم والأشباح التي ظهر تلك في النوم لو رأيتها في اليقظة، لدلت على ما فسرته لك، ولا بد من أن التفسير يختلف على ما أعتقد ما بين الحلم واليقظة، وبين الحالين فرق بين لا وسع لي على فك مغلقة. فالكهنة المنجمون الكلدان متضلعون من هذه الأسرار وتفاسيرها. فما علينا إلا الذهاب إلى بيروس الكاهن فيوقفنا على حقيقة الأمر.
ثقل وقع بيروس على مسامع شيمرام. وشعرت بضغط جديد على قلبها ولكنها تجلدت وأجابت والدتها قائلة: إني لا أركن إلى أقاويل بيروس، لا بل أنفر منه نفور الظباء من بين يدي الصياد.
ريماة - يا بنيتي، لا تستخفي بالكهنة، ولا تشكي في علمهم، وقدرتهم على معرفة الأسرار وتفسير الأحلام أشهر من أن تذكر لأن بينهم وبين الأرواح صلات مجدولة القوى وثيقة العرى. إنهم ينفعون ويضرون؛ يقيمون ويقعدون؛ يصلحون ويفسدون.
شيمرام - لا أقول شيئاً عن الكهنة وقدرتهم، ولكن لا أثق في بيروس وقد زاد الطين بلة في هذا الصباح، حتى حين كنت في الهيكل، فإنه تذرع بكل الوسائل ليسود على قلبي، لا بل طاردني مطاردة العشاق لكني وقفت في وجهه كالطود الشامخ، وإذ لم يظفر مني بأمنيته تزلف من نتو وجعلها صلة له في حاجته فأرجعتها بخفي حنين.
ريماة - لولا المخافة من حدوث شر مستطير لأبلغت الخبر إلى والدك، إذ يعز علينا نحن أشراف بابل أن نرى رجلاً يخاطب بناتنا ونسائنا بهذا المعنى، وما جزاؤه إلا القتل. غير إني أضرب صفحاً عن ذكر هذا الخبر لوالدك حقناً للدماء.
شيمرام - دعي يا والدتي اسم بيروس الدجال نسياً منسياً، فإن ابنتك عفيفة الجانب تتنزه عن المعايب ولا تشغل بالها إلا بما يرضيك.
ريماة - بنيتي! إن النصيب الذي أذخرته لك يفوق كل نصيب فأنت خطيبة شمشو ابن عمتك.(5/353)
شيمرام - أنا أطوع إليك من بنانك ولكن شمشو. . . واغرورقت عيناها بالدموع ثم غصت.
ريماة - سكني من روعك واهدئي وألقي حملك علي وأنا أدبر الأمر. إن شمشو لا يحيد عن أمري وأمر أبيك لما هو عليه من الارتباك في أحواله وفي أسباب عيشه. . .
ولم تزد على هذا الكلام بل أرادت أن تلهي شيمرام عن اضطرابها وروعها واشتغالها بموضوع يعذب فكرها. فقالت لها بنيتي يجب علينا اليوم أن نعد كل شيء لأن نهار الغد هو يوم راحة للنفس (أي سبتو) فيجب أن نطبخ الطبيخ ونغير الثياب. إذ يحضر علينا القيام بمثل هذه الأمور في يوم الراحة الذي يأتينا خمساً في كل شهر، في اليوم السابع والرابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين والثامن والعشرين، كما أنه يحضر تقديم القرابين ويمنع على الملك مخاطبة الشعب وركوب المركبات أو القيام بأي عمل مدنياً كان أو عسكرياً، حتى الاستشفاء بالأدوية.
شميرام - مالنا وذكر يوم الراحة، فكل أيامنا (سبتو) فلسنا نحن الذين نطبخ في البيت ولسنا ملوكاً لنكلم الشعب أو نركب العجلات (العربات). أما ثيابي فقد غيرتها هذا الصباح. وإني قلقة البال غير مرتاحة لأن أغيرها مرة ثانية وأتزين بألبستي الجميلة. فأعد الشهور وأحصي الأيام، لأن الحياة كلها تعب، وها إننا في الشهر الثاني عشر من السنة ولم أذق لماظة من السعادة في نيسانو شهر الإلهين أنو وبل، ولا في آيارو المخصص ب (أيا) ولم يكن (سوانو) والآلهة (سن) أسعد لي منهما. ولما جاء شهر دوزو، قلت أن الآلهة آذار سيقشع هذه الغمامة عن قلبي ولكن خابت آمالي وأخذت أعلل النفس بزوال الهموم في شهر آبو وعقدت حبل رجائي بملكة القوس وهكذا توالت الشهور الولو وتسرينو وأرخ سمنا وكسليمو ولم تشفع بي آلهتها إشتر وشمش ومردوخ ونرجل وعقبها طيبتو وشباتو وهذا أدارو ولم تكن آلهتها بابسكال وريمونو الآلهة السبعة العظيمة أرفق بي من سواهم فلا(5/354)
أدري أي الأيام يوم سعد لي، ولا أدري كيف يقول المنجمون إن في السنة أيام سعد وأيام نحس، فهل سنتي كلها، يا ترى، سداها بؤس ولحمتها شقاء؟ وهل كان يوم ولادتي يوم نحس وتعس؟. . .
فقاطعتها والدتها ساخرة من أقوالها وندبها حالها وقالت لها ضاحكة: إن سعادتك في شهر (أراخو مخرو) وهو الشهر الكبيس الذي يضاف كل ست سنوات إلى الإثني عشر شهراً. وسيأتي بعد السنة التالية. وأعلمي، يا شميرام، أن الفأل يختلف باختلاف العوامل التي تفعل في الحظوظ. فمن الأحلام ما هو من دواعي الهناء ومن ما هو من بواعث الشقاء، وللحيوانات والطيور والأشكال الهندسية مؤثرات في حظوظ البشر، ولا يعلم ذلك إلا الآلهة والكهنة والمنجمون الراسخون في العلم. وأزيدك علماً إنني قد استشرت السحرة والمنجمين عن طالعك وعزموا الأرواح على هذه النية فطمأنوني وقالوا إن مستقبلك سعيد وإن شمشو يكون نصيبك مهما فتلته فاتلات الحب والغرام عن غيرك. فثقي بي. وسآخذك بعد ظهر هذا اليوم إلى التنزه لترويح النفس فكوني على أهبة.
أخذت ريماة ابنتها شميرام ومعهما ثلة من العبيد والجواري إلى التنزه إلا نتو فإنها تمارضت وبقيت في البيت. سارت ريماة وشميرام وأتباعهما في طرق بابل حتى وصلوا أسوار المدينة الداخلية ومروا من باب المدينة تحت طاق معقود وما عتموا أن اجتازوا
أسوارها الخارجية وجلسوا هناك على شاطئ الفرات وكان نسيم الصبا يلعب بالنفوس فيطربها ومما كان يزيد المشهد بهجة وسحراً أغاني السفافين وأصواتهم الرخيمة فمنهم من كان ينحدر في النهر بالمقاذيف ومنهم من كان يصعده بنشر الشرع أو بالجر بالحبال. وكان العركيون يصطادون البز والشبوط والبني وهم فرحون بمسرات الحياة الشظفة كان فيهم من يصيد بالشرك ومنهم بالصنارة. . . تشاهد هناك القفف وهي سفن مدورة مصنوعة من أغصان الشجر والخوص مطلية بالقار. و (الاكلاك) وهي سفن مؤلفة من قرب أو (أجواد) منفوخة يربط بعضها ببعض بحبال من ألياف النخل وفوقها خشب وهي تحمل البضاعات والغلات والفواكه اليابسة والرخام والصخر من(5/355)
نتاج بلاد الشام وفي كل كلك رجلان أو ثلاثة أو أربعة هم أصحاب ذلك المركب. وإذا نظر المرء إلى البر رأى قوافل التجار آتية من بلاد الفنيقيين حاملة العاج وأواني الخزف والأصباغ والتحف والنفائس والأثواب (والأقمشة) الغالية الأثمان.
لم تنبسط نفس شميرام برؤية هذه المشاهد، ولمة ترمقها بنظرها إلا كرها أو استخفافا. ومهما حاولت والدتها ريماة أن تلهيها أو تطربها ازدادت انقباظاً وتأوهاً وتفكرا في شمشو. فعجزت والدتها عن إفراج الهم عنها فهمت راجعة بها إلى البيت. وإذا بجلبة عظيمة وأصوات وقع حوافر خيل وبغال وقعقعة دواليب عجلات وبمناد ينادي: أفسحوا الطريق لملك الملوك، لسيد الأقوام، لسلطان الاقاليم، قفوا تعظيماً وإجلالاً لملك الرقاب، للقابض على مقدرات الشعوب، لصديق الآلهة وحبيب الأرباب.
فكان الناس يخففون السير ويلجئون إلى إحدى زوايا الجادة أو الطرق المتشبعة منها والذي لا يقوون على أحد الآمرين كانوا يصطفون صفوفاً منظمة على جانبي الطريق أو يخرون سجداً إلى الأذقان. وكان الفلاحون يتركون حقولهم ويركضون لمشاهدة الموكب الملوكي.
مر الموكب بوقار وأبهة بين تهليل وتصدية الجمهور احتفاء بالملك الراجع من القنص والصيد رجوع منتصر ظافر بعد أن غاب عن عاصمته خمسة عشر يوماً لهذه الغاية وكان أعد العدد وهيأ الأسباب لهذه الحملة أو الرحلة إلى الفرات الأوسط.
جاءت طليعة الجيش الجرار وعقبها الملك جالساً في مركبه وفوق رأسه مظلة من نسيج مطرز بالأحمر والأزرق والسائق في الجانب الأيمن يقود الجياد ويمنعها العثار وهناك
خصيان في طرفي المركبة بأيدهما مذبات لطرد الذباب وكانت مركبات الأمراء تتلو مركبة الملك فمركبات الوزراء فرهط من الخيالة حاملين القنا، فالمشاة، فالكلابون (فمربو الكلاب)، فالخدم، فالبغال وهي حاملة الأثقال والمعدات والخيام والصيد. وكان بين غنائم الصيد ثلاثة أسود وعدد من الغزلان وبعض الدببة وفرأ واحد ونعامة. وشيء كثير من الطيور كالحباري ومالك(5/356)
الحزين (البلشون) وغيرها.
وبين الأسود الثلاثة أسد كبير الجثة، حي يزأر زئيراً يردد صداه فضاء بابل الواسع، وقد صاده الملك برمية قوس هدت شيئاً من قوته ثم صارعه صراعاً عظيماً، عرضت حياة الملك للخطر: فأتى إلى نجدته نفر من حاملي الرماح إلا أنه أنتهرهم شجاعة وأخذ من يد أحدهم الرمح وغرز نصل في قفا الأسد حتى شكه شكاً في الأرض وصرع الليث ثم أذن للجنود بالتقدم فأخذوا الأسد ووثقوه وقادوه إلى المعسكر وهم فرحون ببسالة ملكهم العظيم.
وعلى أثر هذا الفوز المبين والنصر الباهر قدم الملك تقدمة شكر إلى الآلهة، فوقف أمامه كاهنان وبيد كل منهما كنارة وهما متهيئان ليوقعا عليهما ترنيمة الشكر؛ ثم أتي بالأسد ووقف الملك مع حاشيته وبيده القوس فقدم إليه وزيره كأساً مترعة خمر مقدسة فذاقها ثم أفرغها على الصيد وللحال صدحت الموسيقى بترنيمة الشكر.
وكان هذا الفوز أحدوثة جميع الناس في المدن والقرى والدساكر والاندية،
مرت تلك الجموع فزحمت الطريق فضاقت بريماة فعطفت على طريق ثانية تخلصاً من هذا الازدحام. وبينما كانت سائرة أستوقف أنظارها وأنظار جماعتها السوق القائمة في أحد ميادين المدينة كانت تعرض فيها البنات للزواج؛ والسمسار يصيح بصوت جهوري واصفاً جمال هذه، وحسن تلك، ومعدداً حسنات الأخرى وأخلاقها وآدابها وتفننا في بيان مقومات الكياسة ما شاءت الفصاحة والبلاغة، فتارة يطرئ الجمال ومؤثراته في الحياة وسيادته على القلوب وما يولده فيها من الفرح والسرور وطوراً يفضل عليه الأخلاق الحميدة وجمال الآداب وما تورثه من السعادة في البيت بعد الزواج حسب البنت المعروضة في تلك السوق. ومن وقت لآخر كان ينادي معرفاً ثمن السياق (المهر) الذي يجب أ، يدفعه الشاب الراغب في تلك الابنة الجميلة أو البائنة التي تدفع عن الأخرى الدميمة الصورة للشاب الراغب في زواجها. وهناك رجل آخر يقبض مهر الجميلات ويدفع منه بائنة عن الدميمات
وقد اكتظت ساحة الميدان بالشبان الراغبين بالزواج وبالمتفرجين من جميع الطبقات وكان الشبان يطوفون على البنات وينظرون(5/357)
إليهن نظرات طويلة، لا بل يتقدمون منهن ويفحصونهن فحصاً دقيقاً من قمة الرأس حتى أخمص القدم كأنهم يشترون السائمة أو الخيل.
وكانت الابنة التي تميل إلى أحد الشبان تشير إليه بغمزاتها الفتانة سراً، وتومئ إليه خلسة معربة عما يكنه فؤادها من الحب والهوى. فالجميلات منهن كن يتبخترن ويتباهين ويغازلن الرجال تائهات دلالاً وساحبات أذيال العجب آتيات سحراً حلالاً، وكانت الدميمات يخفين بلباقة خاصة بالإناث ما يذهب بتلك الدمامة فيزين وجوههن بوسائل صناعة التحسين أي بالدهن والصبغ والطلاء والكحل والخضاب، ويبتسمن ابتسامات زائفة، وحركات وسكنات كاذبة، لا تخفى على عيون الشبان الناقدين، والرجال الباصرين، حتى إنهم كانوا يسمعونهن بعض قوارص الكلام فتثور الثائرة داخلهن وتنقبض نفوسهن ألماً وجزعا من هذا الاستخفاف والاستهزاء لاعنات الطبيعة الجائرة التي حرمتهن مظاهر الجمال.
فتثاقلت شميرام في السير وهي تنظر إلى تلك السوق نظرة آسف متألم وخاطبت أمها قائلة: يؤلمني وأيم الحق حال هذه البنات اللواتي يبعن ويشترين في السوق العامة كأنهن أسيرات أو إماء (عبدات). ولا ذنب لهن سوى أنهن ولدن في طبقة العامة المعدمة، فلو كن من الطبقات العليا لما عرضن عرض السلع.
فأجابتها والدتها: ما هذه الحال فيك يا بنيتي فإنك تتبرمين من كل شيء وتنقدين المعتقدات والعادات وتنظرين إلى الدنيا وما فيها نظرة شؤم، فهل في هذا المشهد ما يؤلم أو يؤسف؟ والذي أراه أنا هو نظر كله فرح وحبور وحب وزواج وفيه تتحقق رغبات البنات والشبان وأكبر ملذات الحياة فيجب أن نضحك ونمرح في هذه السوق.
فلم تحر شميرام جواباً ولكنها لم توافق والدتها في قولها.
لندع شميرام وأمها في طريقهما ونرجع إلى بيتهما ونرى ما جرى فيه من التدابير والمؤامرات في غيابهما.
غر شيطان الطمع نتو، الخادمة الوفية والنجية المخلصة حتى اليوم فحدثتها نفسها بسوء، مدفوعة بمواعيد بيروس الخلابة. وصممت على أن تتذرع بكل(5/358)
الوسائل لتحمل سيدتها
الفتاة على الاقتران بالكاهن الكلداني. فوقفت على باب الدار منتظرة مروره من هناك لتفاوضه في الطرق الموصلة إلى غايتهما. جاءها بيروس فأفضت إليه بالحديث الذي جرى بينهما وبين شميرام وأطلعته على سر الحب المستحكم في قلب سيدتها، وشغفها بابن عمتها وإعراضها عن الاقتران بكاهن له زوج غيرها وأوقفته على انشغال شمشو بحب حتراء بنت أجيبي الصراف ولكن ضيق يده عقبة كؤود تحول دون خطبته لها. وهو أبي النفس عزيز الأخلاق لا يجنح إلى مفاتحة أبيها بالأمر لئلا يسمع كلمة الرفض فتمس كرامته.
واقترحت على بيروس أن يمد شركاً يصطاد به ذلك الفتى ويبعده عن الديار إلى بلاد نازحة بأمل الربح والتجارة ويتآمر على اغتياله في الأقطار الغريبة أو يضع عقبات في سبيل رجوعه إلى الوطن وينشر أخباراً كاذبة تنعيه فإذا تقادم العهد على سفره ويئست شميرام من عودته تداعى بنيان الحب في قلبها فيسهل آنئذ إقامة صرح آخر في هذا القلب يكون بيروس الآمر الناهي فيه والسائد عليه.
كان لهذه الألفاظ وقع عظيم في نفس الكاهن الكلداني الأمارة بالسوء فودع نتو وذهب مهرولاً إلى الهيكل وهو مفكر في حل هذه المعضلة ومد شرك الهلاك لشمشو.
انقضى ذلك الليل وثلاث أرواح تتصادم في الفضاء الأوسع في نزاع وجدال وهي روح شميرام العاشقة، وروح شمشو التائهة المضطربة، وروح بيروس الظالمة العاتية.
يوسف غنيمة
القثار والقيثارة
أنكر بعضهم ورود هذين اللفظيين في كلام الأقدمين من السلف، قلنا: نعم. لكنهما جاءا في كلام مولدينا فقد ذكر القثار الشقندي (راجع مجلة المقتبس 1: 298 و 437) وذكر القيثارة المسعودي في مروج الذهب (8: 91 من طبعة باريس)، قال عنها: (لها اثنا عشر وتراً) اهـ.(5/359)
فوائد لغوية
صميم لا تؤنث ولا تثنى ولا تجمع
قرأنا لكتبة معروفين بحسن الإنشاء وسبك العبارة وتقويم الكلم ما هذا نصه:
(نهدي إليك تهانئنا الصميمة، - وهذان الرجلان صميمان في العروبة - وهؤلاء الرجال صميمون في العروبة). وهم يريدون في هذا التعبير: نهدي إليك تهانئنا الصميم أو الخالصة. وهذان رجلان صميم في العروبة أو خالصاً العروبة - وهؤلاء الرجال صميم في العروبة أو خلص العروبة، إلى ما ضاهى هذا التركيب، أما صميم فلا تثنى ولا تؤنث ولا تجمع، قال في اللسان: رجل صميم: محض. وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث.
على إن بعضهم يهرب من القول الفصيح والتركيب الصحيح فيقول: تهانئنا الصميمة ورجلان صميمان ورجال صميمون، وهو تركيب ضعيف له نظائر في العربية المولدة، لكن صميم الفصحاء لم يستعملوه.
سلم نفسه لا سلم حال
كنا كتبنا في (192: 5) أن الشيخ محمود كاكا أحمد سم نفسه للحكومة، فكتب أحد السذج في جريدة بغدادية انه لا يقال: سم نفسه بل (سلم حاله) ثم جاء كثيرون بعده فكتبوا (فلان سلم حاله، وفلان قتل حاله، وفلان تكلم عن حاله) هرباً من استعمال (نفسه) ولم يدروا أن حاله لم ترد في العربية بهذا المعنى، فهي من لغة عوام سورية وفلسطين وبعض (الأرمن الذين في نواحي ماردين وديار بكر.
أما حجتهم في نفي القول (سلم نفسه) فهي لأن المرء إذا سلم نفسه مات وهل يمكنه أن يسلمه نفسه، والنفس ليست بمادة؟ - أما حجتنا فهي أن النفس هنا تقع على الإنسان بأجمعه، نفسه وجسده، فمعنى سلم نفسه، وقتل(5/360)
نفسه، ودافع عن نفسه، هو ما ذكرناه وحجتنا الثانية أن هذا هو الوارد عن العرب، ولم يسمع عنهم سواه ومنه في سورة البقرة: إنكم ظلمتم أنفسكم. . . فاقتلوا أنفسكم، ذلكم خير لكم، - وفي سورة النساء: ولا تقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيماً، والآيات كثيرة - وفي كتب اللغة: انتحر الرجل: قتل نفسه
- وعند المعترض إن هذا كله لا يقال، فمرحى! مرحى!
الاسكندر أحسن من قيد البريد
في دواوين البريد (أي في مكاتب البوسطات) مدرج (أي دفتر كبير، أو سجل، أو قيد) يكتب فيه عدد الخرائط (الأكياس) والكتب الواردة والنافذة وأسامي أربابها، يسميها العصريون: قيد البريد، أو سجل البوسطة أو دفتر القيد، أو ما أشبه هذه الأسماء المختلفة، أما في عصر العباسيين فكان سلفنا يسميه الاسكدار وبالإفرنجية قال في مفاتيح العلوم (ص 64 من طبعة الإفرنج): (الاسكدار: لفظة فارسية وتفسيره: از كو داري، أي من أين تمسك، وهو مدرج يكتب فيه عدد الخرائط الواردة والنافذة وأسامي أربابها.)
عجنت الرجل وخبزته
تقول عجائز بغداد إذا اختبرن الرجل: (عجنا الرجل وخبزناه) من العجن والخبز. وفي العبارة مجاز غريب يظهر أثر الزمان على وجوه تلك العجائز بالغضون والأخاديد التي ترى عليها؛ ولا عجب من ذلك، إنما العجب من أولئك بعض مفسدي اللغة الذين يدعون أنهم يتوخون الصحيح الفصيح في كلامهم وهو يستعملون مثل هذه العبارات في كتاباتهم ويتباهون بها ولو علموا أن الرجل إذا عجن وخبز أصبح أثر بعدين لمّا نطقوا بتلك العبارة. أما الفصحاء فلا يقولون إلا مثل هذا: (عجمت عود فلان) ومنه قول الشاعر:
أبي عودك المعجوم إلا صلابة ... وكفاك إلا نائلا حين تسأل(5/361)
فأين هذا المجاز الصحيح من هذا المجاز المكسر، المهشم، المحطم، السافل؟
ولك غير هذا التعبير كقولك: غمزت قناته، واختبرت كنهه، واحتسبت ما عنده، وسبرت ما عنده، إلى غيرها وهي كثيرة في لغتنا، فلا حاجة لنا إلى إدخال مصطلحات العجائز والأرمن المتعربين الذين يرون في ماردين وديار بكر ونواحيهما فتأمل.
القنطرة أو آلتون كبري
-
أصل ألتون كبري (أي جسر الذهب): (ألتونص كبري) أي جسر نهر الذهب وهو أسم الشعبة العليا من الزاب الأصغر ثم قالوا اختصارا (آلتون كبري) ونحن العراقيون نسميها
(القنطرة) من باب التعريب، لأن هناك جسرين من حجر قائمين على طيقان وهما يصلان المدينة بالبر فنشأ من ذلك أسمها باللغتين التركية والضادية، أما بالكردية فاسمها (برد) بباء مثلثة فارسية.
ويروى أن باني القنطرتين السلطان مراد الرابع العثماني ولما رجع الأتراك القهقري في الحرب العظمى الأخيرة أطلقوا عليهما القنابل فهدموا منهما شيئاً غير قليل إلا أن حكومتنا العراقية رممت ما تهدم.
والقنطرة ميناء الأكراد، لأن القسم الأعلى من (آلتون صو) ينفسح عند دنوه من (كوي سنجق) في محل يسمى (طقطق) فيكون مكلأ للأطواف (للأكلاك) التي تنقل من لواءي اربل إلى القنطرة التتن (الدخان) والصوف والعفص والكثيراء والجلود وغيرها من مواد الاستصناع. ومن مكلأ القنطرة تنحدر البضائع إلى بغداد.
وأهلها يتكلمون الرتكمانية والكردية والعربية وهذا يدلك على أن أهلها خليط من هذه الأقوام الثلاثة ولعل التركمان كانوا في سابق العهد أكثر سكانها من غيرهم، أما الآن فإن الاكراد الأكثرية ويأتي بعدهم الأتراك فالعرب.(5/362)
باب المكاتبة والمذاكرة
نقد كتاب أعلام العراق
حضرة الأب أنستاس ماري الكرملي صاحب مجلة (لغة العرب) المحترم.
نشر صاحبنا الأثري كتابه (أعلام العراق) فاقتنيت منه نسخة فتصفحتها تصفحاً مجملاً عثر في أثنائه ناظري بهنوات جلى ولأني لم أحب أن أزعج صديقي وزميلي، تغافلت عن الكتابة راجياً أن يكفيني المؤونة غيري من أرباب الأقلام.
ومع مضي هذه المدة الطويلة لم أظفر بشيء مما كنت أريد أن يكتب اللهم إلا بضعة أسطر وجدتها منشورة في مجلتكم الغراء وإلا بضعة عشر سطراً نشرت في مجلة (المجمع العلمي) الموقر وكلا الانتقادين مجمل غير مفصل إذ قد تركا الإفصاح عن كثير من الخبايا التي فيها الجناية على التاريخ والافتئات على الحقيقة والاستخفاف بالقراء!
أما حضرتكم فعسى أن يكون لكم بعض العذر لالتزامكم خطة المسالمة وأما المجمع العلمي فلعله معذور أيضاً لأن الكتاب قدم إليه كهدية ومن شأن الهدية أن تقبل على علاتها!
على أن السطور التي نشرت في مجلة المجمع ضمنت مزاعم هي أحق بانتقاد وإن كان المجمع معذوراً من هذه الجهة أيضاً لبعد الدار الذي هو أكبر باعث على الاطمئنان إلى السماع وأكبر عائق على الإلمام بالحقائق.
ونحن نحاشي المجمع المبجل أن يكون سوقاً تعرض فيه السلع البالية وأن يكون، مسمعا بفتح ساحته لكل إذاعة، لا سيما أن الكلمات التي يكتبها المجمع في شأن شخص بمنزلة شهادة يتقبلها كثير من الغافلين عن العلم بأصول الجرح والتعديل فجدير بالمجمع أن يزن كلماته بدقة واعتناء كما توزن حبات الجواهر واليواقيت.(5/363)
إن للانتقاد فوائد جمة منها ما يعود إلى المنتقد (بالفتح) ولا سيما المبتدئ فيتخذ من الانتقادات التي تنهال عليه حروزاً وتعاويذ تنفعه عند الدخول في بيداء تأليف آخر، ومنها ما يعود إلى القراء ولا سيما تلاميذ المدارس! إذ يغسل أدمغتهم مما علق بها من أوضار الخرافات والشعوذة.
فأرجو من حضرة الأب أن يفسح في مجلته لنشر ما كتبته من هذه العجالة ليستحق شكر
الحقيقة لا شكري.
محمود الملاح
كنت أود أن يكون انتقادي على طريقة التصفح للكتابة صفحة صفحة ولكن خفت أن يضيق صدر الوقت عن استيعاب ما ينجم عن هذه الطريقة لذلك عدلت إلى وضعه على هيئة مواد متسلسلة الأرقام ذكر في كل مادة نموذجاً لمدلول عنوانها.
وتحريت أن انصف المؤلف لينجلي الانتقاد بصفاء ونقاوة كيلا تضيع الحقيقة بين ثنيات الشخصيات والخروج عن الموضوع ولكيلا ينفتح باب التنابز والتراشق على مصراعيه ومن الله العون:
1 - احتكار العنوان
إذا صح تشبيه عنوان الكتاب بنقطة مركزية تتوجه إليها جميع الخطوط فإنه ينبغي أن نوجه إلى عنوان كتاب (أعلام العراق) سهاماً نارية من الانتقاد بقدر تلك الخطوط! فإن كل مخلوق مستوي القامة سمع شيئاً عن العراق، يعلم أنه قطر واسع يشتمل على عدة مدن وأن هذه المدن تشتمل على عدة طوائف وأن كل طائفة تشتمل على أسر ممتازة وكل أسرة فيها رجال بارزون أما في العلم وأما في السياسة وأما في الثروة وأما في السلوك الحسن وهؤلاء الرجال كلهم جدير أن يستظل بلواء هذا العنوان فما بالهم أقصوا (وأقعدوا في الشمس) إلا الأسرة الآلوسية؟ وهكذا استأثر الأثري بثروة العنوان الجزيلة ووزعها على أحبابه ولكن سوف تظهر جناياته عليهم!
2 - تحكيم العواطف في التاريخ
جدير بمن يعالج موضوعاً تاريخياً أن ينزع عواطفه ويلقيها جانباً فإذا فرغ من شأنه أمكنه استعادتها وارتداءها من جديد أي أن المؤرخ لا يؤرخ لنفسه بل(5/364)
يؤرخ للناس فيجب أن يقف موقف الحياد ما دام القلم في يده لتخرج صحيفته نقية لا يشوبها شيء من ألوان العواطف ولا سيما العواطف التي تنغمر فيها الحقائق كالغلو والإغراق فيحتاج متتبع الحقيقة في ذلك الكتاب أن يكشط طبقة ثخينة من حراشف المبالغات حتى يتوصل إلى اللباب ولا يكاد.
قد يكون الأثري معذوراً في حشر الألقاب الضخمة إلى ساحة أستاذه لأن ثروة الميت إذا نمت زادت ثروة الوارث! ولكن - كما يقول المثل العراقي - (ما ها الثخن)!. .
نشارك الأثري في تعظيم أستاذه ولا نبخسه حقه ولكن لساننا يتلجلج بالبيت الذي خاطب به أستاذه في مرثيته ص208 وهو:
وأنت أنت الذي دانت لهيبته ... قبائل العرب إذواء واقيالا
على منوال قول الشاعر:
وأنت أنت الذي حطت له قدم ... في موضع يده الرحمن قد وضعا
ومعنى الإذواء والاقيال ملوك اليمن القدماء الذين انقرضوا قبل الإسلام ولم يبق في اليمن منهم باقية فهذا البيت لو لم ننظر إليه بعين العصر الحديث بل نظرنا إليه بعين العصور العريقة في الخرافات لما سلم من الانتقاد وذلك من خمسة وجوه:
(1) - كيف سلم لي شيخه صولجان هذه الهيبة الخارقة؟
(2) - هبه كان مالكاً لهذا الصولجان المذهب ولكن كيف تأتي أن يهابه أناس لم يعاصروه بل خلقوا قبله بخمسة عشر قرناً؟!
(3) - أي نكته في تخصيصه قبائل العرب دون غيرهم وما علاقة ذلك في البلاغة؟
(4) - أي نكته في تخصيصه الإذواء والاقيال الذين هم ملوك جزء من العرب دون غيرهم وما علاقة ذلك بالبلاغة؟
(5) - كيف استساغ احتكار هذه الهيبة الخارقة في شيخه؟ كما يشعر بذلك تكرار (أنت) كما يقول بعضنا لبعض: أنت أنت الذي فعلت ذلك أي لا غيرك وأنا أنا الذي فعلت ذلك أي لا غيري.
ولو صح الاعتذار لاعتذرت عن الشاعر بأن حضرته ممن تتصرف فيهم(5/365)
القافية أكثر مما يتصرفون هم فيها والدليل على ذلك استعماله ألفاظا مهجورة يمجها الذوق السليم كقوله (احطالاً) و (جئلالاً) و (أهبالاً) و (أهضالاً).
ولينظر القارئ ماذا ترك الشاعر لمحمد بن عبد الله وعمر بن الخطاب بعد مخاطبته شيخه بقوله هذا البيت؟:
وأنت أنت الذي بأسه ارتعدت ... فرائض الكفر تشكو الدهر أوجالاً
وقبله:
وأنت أنت الذي قد كان (منتظراً) ... فكم هديت إلى الإسلام ضلالاً
هكذا واضعاً كلمة (منتظر) بين قوسين!!! فهل في وسع المؤلف أن يذكر لنا كافراً واحداً اهتدى إلى الإسلام على يد شيخه؟
3 - سوء الاختيار
لا يخفى أن المؤلف قصد من تأليفه الكتاب إلى التنويه بشأن هذه الأسرة المشهورة بالفضل وإن كان وراء هذا الغرض غرض آخر! - وهذه الأسرة لشهرتها لا تكاد تحتاج إلى مثل هذا الكتاب! ولكن لا أريد أن أناقشه من جهة ذوقه! أو ليس من أراد التنويه بشأن رجل عمد إلى أحسن ما يؤثر عنه؟.
ولكن صاحبنا الأثري لمّا أراد الإشارة بعلو كعب المرحوم السيد عبد الله الآلوسي في صناعة الإنشاء أختار له القطعة الآتية وهي قطعة نمقها في وصف مطر غزير وقع في بغداد وفيضان هائل في دجلة، ويغلب على الظن أن هذه القطعة حبرها السيد المذكور في مفتتح اشتغاله في الكتابة وذلك لما فيها من سذاجة في الذوق والاضطراب في التركيب كقوله في ص48 - 49:
(وشرع جنّي الليل يخوف صبي النهار) ومنها (وشرعت جواميس القفف تسبح شرعاً في اللجج وتنطح بقرون مغاريفها الأمواج) ومنها (وذهبت إلى دجلة ليشرب فم سمعي الخبر) وليس كل ما أمكن تنزيله على قواعد المجاز والاستعارة كان مقبولاً إذ لا يخفى أن هناك مناسبات واعتبارات ذوقية لا يجحدها من كان له بصر في هذه الصناعة.
وكقوله: (وبعد سويعة انتصرت لهم الغزالة ففتحت عينها بين أجفان السحاب) وهذه العبارة جميلة جداً لو لم يعطف عليها قوله: (وصرعتهم(5/366)
بقرونها فمزقتهم كل ممزق) فكيف يأتلف انتصارها لهم وصرعها إياهم؟!! وفي وسع القارئ أن ينظر بقية العبارات هذا ما يقال من جهة الذوق والتركيب. أما ما يقال من جهة تطبيق المآل على الواقع فإنه إنما ذهب إلى دجلة ليشاهد بعينه لا ليسمع بإذنه كما يفهم من قوله (فرأيتها قد اغرورقت عينها من الفرح) فكيف قال (ليشرب فم سمعي الخبر) بل كان عليه أن يقول: (ليشرب فم عيني)
يتبع
محمود الملاح
نظرة في الجزء الثالث من المجلد الخامس من لغة العرب
في حاشية صفحة 153:
النرقيلة كلمة فارسية بمعنى الغرشة (الكاتب) والمشهور نارجيلة (ل. ع).
قلنا: النارجيلة كلمة مولدة وردت في لسان الأعراب المتأخرين وذكرها السيد محمد سعيد الحبوبي في مطلع أبيات له في وصفها وهو:
ونارجيلة تهدي بكف رشا ... حلو الدلال رشيق القد مياس
ولم نر في كتب العرب المتأخرين وكتاباتهم كلمة نرقيلة (المصحفة)، ولعل الكاتب أخذها من أفواه العامة المعبرين عنها بالنركيلة.
وهذه الكلمة ليست فارسية (كما زعمه الكاتب) ولا يعرفها أحد من الفرس والفرس تقول (في التعبير عن النارجيلة) (قليان) ولعلو تصحيف غليان لأن له صوت يشبه غليان القدر.
وقال في السطر الثاني:
الكليتدار كلمة فارسية معربة. قلنا: إن الكلمة تكتب هكذا: كليددار لأن المفتاح عند الفرس كليد (بالدال) لا كليت.
وفي ص174 س: 23: مكاتبات الأخوان بالشعر.
قلت إن صاحب روضات الجنات كتب اسم هذا الكاتب (نقلاً عن وفيات الأعيان لأبن خلكان): مخاطبات الأخوان بالشعر.
وفي ص177 س2 هبة الدين الحسني. والصواب الحسيني لأن نسبه ينتهي إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام. وتكرر هذا الاشتباه في السطر الرابع من الصفحة المذكورة.
محمد مهدي العلوي
(ل. ع) جوابنا على هذا النقد يكون في الجزء القادم لضيق المقام.(5/367)
أسئلة وأجوبة
النصيرية في العراق
اسكندرونة - س، ي - هل للنصيرية وجود في العراق؟
ج - كنا نتصور أن لا وجود للنصيرية خارجاً عن سورية، وقد علمنا أن جماعة منهم في العراق في مدينة عانة، أو عانات، ولو لم نسمع ذلك من رجل ثقة لما صدقناه.
قال لنا إن في (محلة السراي) من عانة وهي المحلة المعروفة باسم (محلة حقون) (وزان قدوس) قوماً يعرفون بالنصيرية، يبلغ عدد رجالهم 600 ولهم اتصال شديد بنصيرية سورية.
ويروي أهل عانة عن أولئك النصيرية أن لهم عيداً واحداً في السنة يجتمع في ليلته الرجال والنساء معاً. بعد أن يكونوا قد اشتروا سيرجاً يضيئون به قناديلهم في تلك الحفلة الليلية ثم يطفئونها على حين غرة. ويذهب بعضهم إلى الجامع للصلاة متاقاة في كل جمعة، أما في محلتهم فلا ترى مسجداً، والمسموع عنهم أنهم لا يصومون ولا يحجون ولا يعمرون.
ومن الأعمال الشائعة في عانة أنهم يأتون بجدي وينتفون شعره ولا تعرف الغاية من هذه القربة وهم لا يسمحون لأحد أن يقف على أسرارهم أو شعائرهم أو يطالع كتبهم الدينية، وإن علموا أن فلاناً أطلع على شيء من هذا القبيل اغتالوه.
ويروى أن أحد أجداد الشيخ إبراهيم الراوي مر ذات نهار من أيام شهر رمضان بمحلة النصيرية فرآهم مفطرين، فدعوه إلى مجالستهم. ثم قدموا إليه قهوة وأجبروه على شربها، فشرب. ثم أحس بأنهم يحاولون قتله، فركب فرسه وهرب؛ فتأثروه إلا أنهم لم يدركوه لأنه عبر الفرات ولم يكن بينهم من(5/368)
يتأثره فعادوا أدراجهم، وإلى اليوم يروي الناس هذه الحكاية ويقولون أن اسم الرجل كان الشيخ أحمد الرواي.
والمسموع في عانات أن مسلميها لا يتزوجون منهم بنتاً.
وفي أعلى محلتهم جبل مشرف عليها، وقد رأى أحد الأصدقاء الثقات أنه شاهد بناء بكبر حجرة في وسط سفح الجبل، فسأل عنه، فقيل له: أن هذا البناء قد أقيم إكراماً لمرور الأمير (علي بن أبي طالب) بذلك الموضع، فأقامه له بنوه ذكرى له، وترى كثيرين يوقدون فيه
الشموع ليلاً ونهاراً ويتبركون بجدرانه.
ومن سنتهم أنهم ينهضون باكراً ليكرموا الشمس الشارقة عند بزوغها.
وفي عانة محلتان لليهود إحداهما في (الشريعة) والثانية في (السدة) (وزان مدة) وهذه المحلة مجاورة لآخر محلة النصيرية. ويزعم يهود عانات أنهم أقدم يهود العراق وأنهم احتلوا المدينة منذ أقدم عهد ويشهدون على أن النصيرية حديثو العهد فيها.
قلنا: إذا كانت هذه الرواية صادقة فنظن أن نصيرية عانات هم من صلب أولئك الذين ذهبوا من أنحاء العراق الفارسية فارين إلى سورية فوقف جمع منهم في عانات لوجود الملاجئ في الجبال المجاورة لها.
أما عادات اليهود والنصيرية في المجتمع فلا تختلف عن عوائد المسلمين، وليس للنصارى فيها وجود مع أنها كانت مشهورة بهم وبالخمر التي كانوا يصنعونها.
وقد ذكر لي غير واحد إن في هيت أيضاً جماعة من النصيرية، لكنهم لم يقطعوا بالأمر قطعاً باتاً، بل حكموا على وجودهم من بعض ظواهر الأمور التي لا تتفق وظواهر الغير، والله أعلم.
العضل والجلهم
بغداد - ب. ي. خ: ما يقابل في العربية من الألفاظ هذين اللفظيين اللاتينيين
وج - موس رتس هو الجرذ الأسود أو الجرذ الأليف وأسمه في العربية(5/369)
(العضل) (كسبب) وبالفرنسية و - والثاني هو الجلهم (كقنفد) وبالفرنسية
العبرة
باريس - ج. م: ما أحسن لفظة عربية تقابل الإفرنجية أوبره
ج - المقرر عند الإفرنج أن الأوبرة كلمة مجموعة للفظة وهو العمل.
فالأوبرة تعني الأعمال وفي الاصطلاح يراد بها رواية تمثيلية ملحنة غنائية ليس فيها نثر البتة وقد يكون فيها رقص؛ لأن الرقص من الفنون الفتانة كما أن الشعر والنغم من الفنون المذكورة. والذي عندنا أن كلمة أوبرة من أصل عربي لاتيني وكلامنا هذا يقيم الإفرنج علينا قومة واحدة، بل العرب المتفرنجون أنفسهم، لكن دعونا نبين سبب قولنا هذا:
1 - الفرنسيون إذا أرادوا جمع لفظة ألحقوا بآخرها حرف الجمع أو أداته وهي عندهم، فلو كانت الكلمة لاتينية أي رومية لما وضعوا لها علامة الجمع، لأن ما كان مجموعاً عندهم لا يجمع ثانية، فليس عندهم جمع الجمع كما عندنا.
2 - كنت أرى في بغداد مجاناً رقاصاً ينغم أبياتاً منظومة نظماً عامياً ويدق على صفيحة (تنكة) ويضحك الناس ويعيش بهذه الوسيلة وأسمه (عباس كينة).
وأمره مشهور وكان يمر بجميع الطرق والمحلات. وكثيراً ما كان يقف تحت غرفتي فيلهي الناس على ما أشرت إليه. وكان يتفنن ليضحك من حوله. فذات يوم وجد في الأرض خرقة خضراء فشدها على رأسه وكان يهزج ويغني. فأجتمع حوله الأولاد بل كبار وصغار من رجال ونساء وهم يصفقون له ويصدون ويقولون: (عباس يابو الخضر، أنت أبو العبر) فسألت واحداً دعوته لزيارتي وقلت له ما يقولون؟
قال: عباس. . .
وما معناها؟
عباس أسم هذا المجان، يابو أي يا أبا. الخضر (ولفظها كسبب) أي أخضر فيكون معنى العبارة: عباس، يا لابس الأخضر برأسه. - ومعنى أنت(5/370)
أبو العبر (ولفظها كسبب أيضاً) أي أنت صاحب العبرات جمع عبرة، (كقصة) وهي الحكاية التي تضحكك أو تبكيك وفيها شعر ورقص ونغم.
قلت: ومن قال لك أن هذا هو معنى عبرة وجمعها عبر أو عبرات؟
قال: هذا الذي أسمعه من الناس، ولا شك أنها من اصطلاح العوام.
قلت في نفسي: إن أبناء وطني بغداد لا يقولون شيئاً إلا فيه أصل في تأريخ البلاد، أفترى أجد الكلمة عبر أو عبرة في كتبنا. ثم بحثت عن الكلمة في معجم دوزي، فلم أر أثراً لها، ثم فتحت محيط المحيط فوجدته يقول: (أي كقصبة) الهازل الخليع، قلت: لقد ظفرت بالضالة فهذا المعنى هو المطلوب؛ لكن هل نراها في القاموس وتاج العروس؟ فنقرت عنها في تاج العروس، فوجدته يقول:
(أبو عبرة أو أبو العبر) بالتحريك فيهما؛ وعلى الثاني أقتصر الصاغاني والحافظ، وقال الأخير: كذا ضبطه الأمير، وفي حفظي إنه بكسر العين، وأسمه أحمد بن محمد بن عبد الله
بن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي (هازل خليع). قال الصاغاني: كان يكتسب المجون أو الخلاعة، وقال الحافظ: وهو صاحب النوادر، أحد الشعراء المجان) اهـ. - فاتضح لي خطأ صاحب محيط المحيط، فكان يجب عليه أن يقول: أبو عبرة هازل خليع، لا الهازل الخليع. وبين التعبيرين فرق عظيم كما لا يخفى على البصير. - واتضح أيضاً أن العبرة تأتي بما يقابله عند الإفرنج لفظ أوبرة.
أما وجه دخول (عبرة) في لغة الجانب بهذا المعنى، فكان على طريق الإيطاليين، فان سلفنا العرب كانوا احتلوا جنوبي ديار إيطالية وتكلموا لغتهم فيها، فدخل في لغة الإيطاليين ألفاظ جمة من لساننا كما دخل منه شيء كثير في الأسبانية والفرنسية. - وأما تعليل الإفرنج لتسمية تلك الرواية التمثيلية بهذا اللفظ فهو تعليل لا يخلو من تعسف وتكلف. ولو ذهبوا إلى ما نذهب لما بقي في توجيههم أشكال ولا غموض. - إنهم يقولون سميت الاوبرة بهذه التسمية أي (أعمال) لأن هذه الرواية تتطلب أعمال فكرة وبذل جد لجمع الشعر إلى النظم، إلى تنسيق المعنى وربط بعضه ببعض لتستقيم لك تلك(5/371)
الرواية التمثيلية، ففي نسج بردتها (أعمال) كثيرة، ولهذا سميت (أعمالاً) أي اوبرة. - فقل لي بحياتك أي توجيه أقرب إلى العقل؟ أمّا يقولون أم ما نقول؟ - ذلك ما نحكمك فيه.
أعلام علامات الأعراب
لنجة (خليج فارس) - أ. م: ذكرتم في لغة العرب (163: 5) (فعندنا أن قام خالد، وخالداً، وخالدٍ (أي بالضم وبالنصب وبالجر) ليس من الخطأ).
وقد اعترض عليكم أحد الأدباء في جريدة بغدادية فقال: (نصحح للأب غلطته في قوله المحصور بين هلالين (بالضم وبالنصب وبالجر). والصحيح أن يقول بالرفع. . . الخ لأن الضم ليس حالة من حالات الإعراب بل الرفع هو تلك الحالة، فهل لحضرة الملفان العلامة؟ أن يعرف هذا؟ أو إن باب التأويل أوسع من غلطته هذه!) اهـ.
فلماذا لم تجيبوه؟
ج - جوابنا هو أن كبار اللغويين والنحاة استعملوا اللفظة الواحدة بدل الأخرى، قال في اللسان في مادة حفر: الحَفر والحُفر، جزم وفتح: لغتان. قلنا: ومعنى قوله: جزم أي إسكان الفاء. ومعنى فتح: فتح الباء. مع إنك تعلم أن المعاصرين يستعملون الجزم للإعراب
والسكون للبناء وأبن مكرم لم يخف اعتراض جهلة القوم عليه. وقال الخليل بن أحمد: الضم: ما وقع في إعجاز الكلم غير منون نحو (ضمة اللام من) يفعل. اهـ. مع إننا نعلم أن المعاصرين يقولون: يفعل (مرفوع) وعلامة رفعه الضمة ظاهرة في آخره. (راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص44 من طبعة أوربة).
فمن هذا كله ترى أن من سمى نفسه (مغربل) لا يحسن التصرف في الغربال، بل يجهل أصول الغربلة وعليه صدق فيه قول المثل: (من غربل الناس نخلوه).
نجر
دير القمر - م. ق - عند الفرنسيين لفظة معناها أن تضم من كفك(5/372)
برجمة الإصبع الوسطى ثم تضرب بها رأس أحد أو أنف أحد وهي في لسانهم وقد بحثت عنها في كتب اللغة الفرنسية العربية فلم أجد لها مقابلاً في العربية ووجدت الأب بلو اليسوعي يقول في معجمه الفرنسي العربي: ضرب في طرف السبابة (نقفة)، ولم يذكرها يوسف يعقوب حبيش في كتابه الفوائد الأدبية في اللغتين الفرنساوية (كذا) والعربية، أفليس في لغتنا لفظة تؤدي هذا المعنى؟
ج - قلنا مراراً أن الدواوين اللغوية الإفرنجية التي تترجم الألفاظ إلى لغتنا غير وافية بالمراد وهي ناقصة وربما كانت مضرة بالموضوع إذ لا تنقل عن لساننا الألفاظ الصحيحة، ومن ذلك هذا الحرف فإن الإفرنجي يعني نجرة والفعل نجر (بالنون والجيم والراء) وقد رواه بعض اللغويين بصورة نحز (بالنون والحاء والزاي) وكلاهما وارد في كلامهم الفصيح القديم.
نحر
ومنه - هل عندنا لفظة تقابل أي عرف الجهات الأربع في الموطن الذي هو فيه؟
ج - نعم، والسلف قال: نحر (بالنون والحاء والراء) كأنه مشتق من النحر وهو الصدر فيكون معناه: وجه صدره نحو القبلة. وهي الجهة التي يعرفها أو يجب أن يعرفها كل عربي فإذا عرف جهة الجنوب عرف سائر الجهات.
اليمنيات الثلاث
سيزوار (إيران) - م. م. ع - ماذا تفهمون من هذا البيت الذي هو للسيد جعفر الحلي، في مدح السيد اسمعيل الصدر، العالم الفقيه:
ويمين (اسمعيل) ثلثها الورى ... فكأنها هي حجر اسمعيل
إذا لم نفهم من (ثلثها) معنى مقبولاً ولو قال: يمين اسمعيل قدسها الورى. . . لكان صريحاً في البيان؟
ج - المراد بثلثها: تثليث اليد اليمنى، وهي يمين إسماعيل بن إبراهيم الخليل، ويمنى اسمعيل بنم جعفر الصادق، ويمنى الممدوح السيد اسمعيل الصدر. ولو قال (قدسها) لكان المعنى غير المعنى الأول، وبينهما فرق ظاهر.(5/373)
باب المشارفة والانتقاد
62 - تأريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب
تأليف محمد لطفي جمعة
يطلب من ملتزم طبعه ونشره نجيب متري
صاحب مطبعة المعارف ومكتبتها بمصر سنة 1927
نشكر الله على أن بين ظهرانينا كتبة يعرضون عن الأساليب القديمة في التأليف والتصنيف ليتبعوا الخطة العصرية التي تمكننا من الوقوف على أسرار العلوم والإمعان فيها. ولقد نهضت ديار النيل نهضة أدهشت العالم العربي فأمل فيها كل خير، هذا (تأريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب) يطلعنا على (الكندي، والفارابي، وابن سيناء، والغزالي، وابن باجة، وابن طفيل، وابن رشد، وابن خلدون، وأخوان الصفاء، وابن الهيثم، ومحي الدين بن العربي وابن مسكويه (كذا والصواب مسكويه).) وعلى ما وضعوا من الآراء والمذاهب والمصنفات فشرحها وأظهر ما فيها من المحاسن والمساوئ حضرة الأستاذ محمد لطفي جمعة.
وفي كل ما بينه لم يجر على الأسلوب القديم، بل على طريقة أهل العصر من أبناء الغرب، وكيف لا يجري هذا الجري وقد تلقى علومه العالية على أساتذة مهرة في ديار الإفرنج؟ على إننا نستأذن الأستاذ لإبداء بعض آراء لنا وإن كانت لا تعد ذات شأن في هذا الموضوع.
1 - إن الباحث لم يذكر لنا المناهل الذي أختلف إليها في إيراد آراء هؤلاء الفلاسفة. ويظهر من عباراته أنه أعتمد في ما نقل عن الفرنسيين فقط ولم يلتفت إلى النصوص العربية، بل لم يلتفت إلى عناوين الكتب التي وضعها أصحابها. ومن العادة أن يوضع في الحاشية الأسانيد التي أعتمد عليها فلم يفعل.
2 - لم يضع فهارس للإعلام في الآخر، وهل يمكن في عصرنا هذا أن(5/374)
يضع كاتب كتاباً بهذه الدرجة من الخطورة ولا ينظم في الآخر فهارس؟
3 - لم يتول المؤلف نفسه تصحيح مسودات مصنفة ففيه أغلاط طبع لا تنكر وهي لم
تُصَوب في الآخر. مثال ذلك في ص (ج): وهكذا برز إلى عالم البعث والنشوء أثني عشر فيلسوفاً. ولا جرم أن الكاتب لم يكتب في الأصل إلا اثنا عشر بالرفع. - وكقوله فيها: وقد تدثر كل بالقباء أو المرقعة أو المسوح أو الدراعة أو الجبة. . . والأصل على ما نظن هو أو المسح. - وفي تلك الصفحة: وسوف تقع أسماءكم والمشهور أسمائكم، - على أن مثل هذه الهفوات لا شأن لها في مثل هذا الموضوع، إلا أن الأعلام لا بد أن تراعى، فقد جاء في ص1 قوله: (ومعظم أجداد الكندي ملوك بالمشعر واليمامة والبحرين). ونحن لا نعرف دياراً في عربة باسم المشعر بل المشقَّر (بباء مشددة مفتوحة) - وفي ص253 عند ذكر أسماء أخوان الصفاء جاء اسم (أبو سليمان محمد بن مشعر البستي) قلنا: والذي نعرفه هو محمد بن شير (راجع لغة العرب 320: 4) - وفيها ذكر اسم (أبو أحمد المهرجاني) والمشهور: محمد بن أحمد النهرجاري (لغة العرب 320: 4) - وسرد أسماء مصنفات هؤلاء الفلاسفة على غير الوجه الذي ذكره كتابنا من السلف والظاهر أنها منقولة عن الفرنسية ولهذا سهل تصحيفها عليه.
4 - نحن لا نعتبر ابن العربي من الفلاسفة بالمعنى المشهور إنما أبن العربي من المتصوفة ولعل حضرته أراد أن يوصل أسماء حكمائنا إلى اثني عشر فاضطر إلى إدخال الصوفي الشهير بينهم.
5 - لم ينتفع حضرته بما كتب الإفرنج عن فلاسفتنا في هذه السنين الأخيرة ويظهر من مطالعة هذا التصنيف الحسن أن المؤلف وقف على ما كتب عنهم باحثو الإفرنج قبل نحو عشرين سنة أو أكثر، وأما ما ألف بعد هذه المدة فلم يقف عليه، ولا سيما لم يطلع على ما لاحظه الألمانيون عن فلاسفتنا فإن الألمانيين بحثوا عنهم أكثر من سائر أبناء الغرب، ولهم كتب ممتعة ولا يمكن أن يستغني عنها أحد إذا أراد التوغل في هذا الموضوع كما فعل حضرة أستاذنا.(5/375)
على إننا نقول: لا يمكن لأحد من أبناء عصرنا أن لا يفتقر إلى هذا الكتاب الجليل، فأن البحوث الواردة فيه على الطرز الفلسفي الجديد، وكتابنا في حاجة ماسة إلى معرفة ما قيل عن مشاهير فلاسفتنا ليأتموا بهم ويجروا ورائهم حثيثاً.
وبخصوص الأستاذ وتأليفه نقول: إننا كنا قد ذكرنا أن (أول من وضع الأقاصيص
العصرية في لغتنا) هو المرحوم محمد تيمور، والذي اتضح لنا بعد كتابة تلك الكلم أن حضرة الأستاذ محمد لطفي جمعة كان قد سبق الجميع إلى هذا الموضوع، وله مؤلفات فيه وشى برودها منذ نيف وعشرين سنة من ذلك كتاباه (في بيوت الناس) و (ليالي الروح الحائرة) ولهذا وجب علينا التنبيه صيانة لحقوق الناس وإنزالاً للصدق في مقره.
63 - مملكة الظلام
أو حياة الأرضة (في 149 ص بقطع 16)
تأليف مترلنك، تعريب الدكتور نقولا فياض
عنيت بنشره إدارة الهلال بمصر سنة 1927
هذا الكتاب من أحسن ما يهدي إلى القراء لأن الوقوف على محتوياته يفيدهم كل الإفادة، ويلتذون بمطالعته، ويطالعون كلاماً حسن السبك والتعبير، هذا مجمل ما يقال في هذا التصنيف وليس معنى هذا الكلام أن الكتاب خال من كل عيب، إذ الكمال لله وحده.
أما الأوهام التي وجدناها فهي من قبيل إتقان العبارة فقد قال المعرب مثلاً في ص12: الأرض أو النمل الأعمى ليكون المفسر من جنس المفسر. - وفي ص16: الغشائية الأجنحة وبالإفرنجية وضع اللفظة بالمفرد، والأصح بالجمع وكذلك قل عن اللفظتين الأخريين المستقيمة الأجنحة والقارضة. أما الخراطة فهي لا تصلح بدلا من القارضة - وفي صفحة أخرى: ولا سبيل له إلى الدفاع عن نفسه ضد هجمات الطيور، وهو تعبير إفرنجي لا يسيغه ابن عدنان والأحسن: إلى دفع هجمات الطير عن نفسه وفي ص21:(5/376)
(ويقال أنه يوجد على الأرض ألف وخمسمائة نوع من الأرض.) وهو من التركيب الإفرنجي. وعندي لو قال (يقال: أن على الأرض ألف. . . لكان أمتن وأخصر وأوفى بالمطلوب. - وربما غفرنا له كل هذه الهنات، أما الهنة التي لا نغفرها له فهو قوله في حاشية 85: البوائض جمع بيوض بالفتح أي كثيرة البيض اهـ. فأين وجد حضرته أن فعولا يجمع على فواعل، فالغلط ظاهر لكل ذي عينين، فبوائض جمع فاعل أو فاعلة للمؤنث لا جمع بيوض وأما بيوض فتجمع على بيض بضم الأول والثاني أو بيض بكسر الأول، وربما قال بعضهم بوض بضم الأول.
وهناك غير هذه الأغلاط مما يطول ذكره، إلا إننا اكتفينا بما ذكرناه، وهذا لا ينقص شيئاً
من حسن الكتاب، لأن المحاسن لا تظهر إلا إذا كان هناك ما يسميه المصورون (بالظلال) (جمع ظل) وهو هنا هذا (الضلال) في قلم الدكتور العسال!
64 - مجلة الحديث
تبحث في الآداب والتأريخ والعلوم الاجتماعية
المحرر والمدير المسؤول: سامي الكيالي
وصلنا من هذه المجلة الشهرية الحلبية التي تطبع بمطبعة الشهباء الأجزاء التالية السابع والثامن والتاسع عن أشهر تموز وآب وأيلول فوجدناها كثيرة الفصول العمرانية والاجتماعية والفلسفية لمشاهير المصنفين من سوريين ومصريين، لكنا وجدنا مطالعتها صعبة لسقم الطبع من جهة ولكثرة أغلاط ذلك الطبع الذي يشوه محاسن المقالات من جهة أخرى من ذلك ما ورد في ص520: (بل نريد أن نتوسع قليلاً) والأحسن أن يقال: أن نتوسع فيه قليلاً. - وفيها: (أن نبدأ بالتقليد. . . الملائكة المعصومين. . . الأولاد الصغار الذينهم. . . وهكذا فنحن لا نرى للطفل إرادة. . . هذا ما لا نريد أن نعرص إليه لأن الطفل الصغير المحروم من قوة التمييز والإدراك. . . ولا جرم أن الكاتب كان قد كتب في مسودته: أن (نبدأ. . . الملائكة (البررة). . . الذين هم. . . وهكذا (نحن) لا نرى. . . أن نتعرض له. . . المحروم قوة التمييز. . .)(5/377)
على أن المطبوعات كلها على هذه الشاكلة، لا يخلو منها كتاب أو رسالة أو جريدة أو مجلة، وهو أمر نراه بأعيننا في مجلتنا هذه مع سهرنا على ضبط ألفاظها.
65 - المعزية الإلهية
زيارات صغيرة للعذراء الفائقة القداسة
تأليف أحد المرسلين الرسوليين نقلها إلى اللسان العربي القس الطونيوس شبلي اللبناني
بمطبعة القديس بولس في حريصا (لبنان) سنة 1927 في 348 ص بقطع 16 الصغير.
كتيب حسن المعنى، بديع الطبع، نفيس الكاغد، مفرغ في قالب عربي متقن، يليق بأن يكون في أيدي جميع الأتقياء، ومن جميع طبقات الناس. - على إننا كنا نود: 1 - أن يذكر المعرب اسم المؤلف في صدر كتيبه، أو في مقدمته.
2 - أن يتحاشى استعمال الغريب من اللفظ كقوله في ص3: لأنها تكشح. . . ضباب الهموم، فما ضره لو قال لأنها تبدد. . . وقال فيها: وتمزق عن أفئدتهم إدلهمام القلوب، والإدلهمام لا يمزق ولو قال في مكانها: مظلمات الخطوب لكان أجلى. - وقال في مواطن عديدة السلام (عليك) يا مريم، كما ينطق به أهل سورية وفلسطين، ونحن نعد هذا إهانة للعذراء. فقولنا السلام عليك! نتمنى لها السلام وأن يكون فيها دائماً من باب الدعاء. وأما مريم فإنها كانت دائماً في حالة سلام، فلا نتمنى لها شيئاً ولا ندعو لها بخير ما بل نجد فيها أمراً ونذكره لها وهو أن السلام لها أي خاص بها وملكها وهو لا يقال إلا لمريم. إذا نحن نحتج كل الاحتجاج على من يقول لمريم (السلام عليك). وفي ص16 تعاستي وفي ص150 نجمة البحر والصواب: تعسي، ونجم البحر، إذ ما نطق به المعرب هو من الأمور التي لا يسلم منها أكبر الأدباء.
66 - محاورات لاهور
(بين أبن السلطان دارا شكوه والزاهد الهندكي بابا لعل داس)
نشرها كليمان هوار ولويس ماسنيون
طبعت في باريس في المطبعة الأهلية سنة 1926 في 50 بقطع الثمن الصغير
عجيب أمر المستشرقين في كل ما يطبعونه!(5/378)
هذا كتاب صغير هو محاورات؛ لكن قبل أن يذكر الناشران نصه عرفا للناس سبب وضعه ومحل المحاورة وكلا من المتحاورين وحينئذ انتقلا إلى درج النص بحرفه الفارسي ثم إلى ترجمته إلى الفرنسية، ولم يكتفيا بذلك، بل زادا عليه معنى كل لفظة غريبة وردت في الكتاب مع ذكر أصلها، وترتيبها على حروف الهجاء الفرنسية، فجاء كلمة محاسن في محاسن.
على إننا نأخذ على الناقلين عدم تدقيق نظرهما في تحقيق معاني بعض الألفاظ فقد ذكرا في ص288 من طبعة صفحات المجلة (نادر النكات) بقولهما وهذا لا يوافق الصواب، والصحيح أن تنقل إلى الفرنسية هكذا: وذكر في ص328 السمندر بمعنى طائر يأكل النار والذي أدى بنا التحقيق وأدرجناه في مجلة بيروتية أن السمندر هو والكلمة معربة مصحفة وهو ليس بالفقنس كما قال أحد المؤلفين وهو كليمان هوار في الحاشية ويقال فيها
أيضاً السمندل.
ومثل هذه الأوهام قليلة في هذه الفريدة البديعة، ولا سيما لأنها صادرة من أدباء أجانب، بينما نرى من المنتمين إلى اللسان والوطن أناساً يرتكبون أغلاطاً شنيعة لا تكون هذه بجنبها إلا كالفارة بجنب القارة.
67 - رواية وداعاً أيها الشرق
الترك يتركون الخلافة للعرب، والشرق لأهله، ويبتغون الاندماج بالغرب، بقلم نقولا حداد، مصر سنة 1926 في 92ص بقطع الثمن.
كل مرة أخذ الكاتب الجهبذ قلمه ليدون ما يمليه عليه فكره المنتاج، صبه في قالب جذب إليه الأنظار، وأمال إليه الخواطر، فرواية (وداعاً أيها الشرق) من أحسن ما كتب في تأريخ انفصال الترك عن العرب وعن الشرق، ومن شك فليطالعها.
على أن المؤلف يتساهل في التعبير وكنا نود أن يخلص عبارته من شوائب اللحن والركة.(5/379)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - أعمال لجنة تخطيط الحدود العراقية التركية
أنهت لجنة تخطيط الحدود أشغال التخطيط وركزت أنصاب الحدود بين تركية والعراق، ويجتاز النصف الشرقي من الحدود المخططة نهر (أورامار)، بالقرب من (خيارته). ثم تمتد الحدود على طول مجاري الأنهر التالية: (صاط) و (ده) و (شيفاهركي). ومن هناك تمتد هذه الحدود على طول حافة القسم الغربي من سفح جبل (كافاندا) وعلى طول الحدود التي ترى بين عشيرة (شيروان) وقد أصبحت بأجمعها للعراق وعشيرة (كردي) وقد أصبحت كلها تقريباً لتركية. ومن هناك تواصل الحدود سيرها صاعدة مجرى نهر اسمه (حاجي بك) أو (نهر كردي) إلى أن تقف الحدود في ينبوعه المتفجر من جبل (دلمبر) الواقع على الحدود الإيرانية وارتفاعه نحو 11410 أقدام.
يقع جبل دلمبر على مسافة 16 ميلاً من الشرق الغربي من (شنو) وعلى مسافة 30 ميلاً من الجنوب الغربي من مدينة (أرمية). ومن قمة جبل (دلمبر) تمكن مشاهدة سلسلة جبال أراراط (أغري) الواقعة قريباً من (بيازيد) ويمكن أيضاً مشاهدة منظر (بحيرة أرمية الرائق).
2 - بلاغ رسمي في تعديل المعاهدة الإنكليزية العراقية
انتهت المكاتبات التي كانت دائرة بين(5/380)
الحليفتين منذ زمن غير يسير على أساس المذاكرة لتعديل المعاهدة الإنكليزية العراقية والاتفاقيات الملحقة بها وقد سافر رئيس الوزراء إلى أوربة مزوداً من الحكومة العراقية السلطة التامة للقيام بهذه المهمة. وتعرب الحكومة العراقية عن ثقتها بأن المفاوضات ستسفر عن نتائج مرضية للشعب العراقي بالنظر إلى ما أبدته الحليفة من التساهل للبر بالوعود المقطوعة والعطف العميم الذي ما زالت تبديه في سبيل تحقيق أماني الشعب المشروعة. وتنتهز الحكومة هذه الفرصة فتشير إلى العبارات الصريحة الواردة في منهاج الوزارة المتعلقة بمسألة التعديلات وتعتبرها القاعدة التي ستجري عليها هذه المفاوضات والله ولي التوفيق.
بغداد: مدير المطبوعات
3 - قيود الأملاك
أخذت مديرية تقييد الأملاك في العراق (مديرية الطابو) تصاوير القيود الموجودة في الأستانة الخاصة بأراضي العراق وأملاكه والمفقودة سجلاتها الأصلية في عهد الحرب العظمى.
4 - الموظفون في متقن الحقوق
قررت الحكومة أن لا يقبل بعد الآن وصاعداً أحد من موظفيها في متقن الحقوق ابتداء من السنة الدراسية الجديدة.
5 - ناحيتان جديدتان في الزيبار
قرر مجلس الوزراء إحداث ناحيتين جديدتين في قضاء الزيبار التابع للواء الموصل باسم شيروان وبير اكبير.
6 - لجنة التوزيع لمنكوبي الحريق في الموصل
أوفدت لجنة التوزيع إلى منكوبي الحريق في الموصل إلى قرية كرمليس أربعة من أعضائها وهم حضرات ناظم أفندي العمري ومحمود أفندي النائب ورؤوف أفندي شماس اللوس نائب الموصل، ومعتمد اللجنة برئاسة فبطة بطريك الكلدان، لتوزيع التبرعات التي وصلت من بغداد لإسعاف أهالي كرمليس، وتوزيع قسم من تبرعات الموصل؛ ولدى القيام بالتحقيقات الدقيقة وزعت اللجنة ما يقارب تسعة آلاف ربية على المنكوبين فجاءت الإعانات بنسبة أنة واحدة إلى كل ربية واحدة من الخسائر والأضرار التي حلت بأولئك الفلاحين. وقامت اللجنة بأعمال التوزيع يومي الخميس والجمعة 8 و9 أيلول.(5/381)
وبلغت الإكتتابات لمساعدة منكوبي كرمليس إلى 5 تشرين الأول من هذه السنة 1927 ما قدره 14. 161 ربية و6 أنات.
7 - النزاع بين آل السعدون وآل المياح
هبطت برقيات عديدة من المقامات العالية من لوائي المنتفق والكوت يفصح فيها مرسلوها
عن اعتداءات آل المياح على آل السعدون ويطلبون أن تتدخل الحكومة في الأمر لحسم هذه المنازعات التي يخشى أن يتفاقم أمرها بما يبعث بالحقوق ويمنع كل فرد من أن يكون مطمئناً على أملاكه وأراضيه.
8 - معاهدة في شرقي الأردن
نشرت الجرائد نص مشروع المعاهدة التي يراد عقدها بين بريطانية وشرقي الأردن، خلاصتها أن بريطانية تعترف باستقلال شرقي الأردن وبإمارة الأمير عبد الله ويكون الأمير صاحب السلطات التشريعية والتنفيذية والعسكرية العليا وتقدم بريطانية إلى شرقي الأردن المستشارين الفنيين.
9 - تقدم الحجاز
أقام المستر سنت جون فلبي في الحجاز سنة، ثم ذهب إلى لندن فقابله مراسل رويتر واستطلعه رأيه في أحوال الحجاز ونجد، فأكد له المستر فلبي أن النجاح هناك قائم على قدم وساق لأن ابن السعود رجل داهية وسياسي محنك يعرف كيف يدير البلاد. وقال: إن حج هذه السنة (1927) كان حجاً مشهوداً لم يسبق له مثيل في التأريخ؛ فقد أم الحجاز مائة وثلاثون ألف حاج لأداء الفريضة وذهب كثيرون منهم بالسيارات إلى مكة والمدينة، وعدد هذه السيارات يزداد شيئاً فشيئاً ويوماً بعد يوم. وابن السعود عاهل عربي مقدام لا يمل من الدؤوب ولا يتعبه التنقل من موطن إلى موطن ومن بلد إلى بلد، فقد يخرج من مكة بعد الغداء إلى بلدة أخرى ويعود إلى مقره عند العشاء.
وقال: إن الكهربية ومصانع الثلج ظهرت في مكة فشاع استعمالها وسيكون تعميم اللاسلكي خطوة أخرى في سبيل تحول ديار الحجاز واندفاعها في طرق المدينة الحديثة. وولاة الأمور يعنون جد العناية بمسألة مد سكة حديد بين مكة والمدينة.
10 - التقرير السنوي لوزارة المعارف
أصدرت وزارة المعارف تقريرها(5/382)
السنوي عن سنة 1926 - 1927 الدراسية. ويتحصل منه أن عدد المدارس الابتدائية بلغ هذه السنة 249 للبنين فيها 24. 170 تلميذاً و 35 للبنات فيها 4. 443 تلميذة.
وأما المدارس الثانوية فكان عددها 8 فيها 729 طالباً ودار المعلمين فيها 294 دارساً، أفلح بينهم 138 معلماً فأخذوا شهاداتهم. ودار المعلمات في بغداد فيها 22 طالبة.
وللمعلمات دار في الموصل فيها 64 طالبة، وللمعلمين دار عالية، ومدرسة صناعة وكلتاهما في بغداد وفيهما متعلمون من جميع ألوية العراق.
وكان عدد متلقي الحقوق في متقنها 92 خرج منهم 46 وبأيديهم الشهادات. ويبلغ مجموع الذين نبغوا من هذا المتقن بعد العهد العثماني أو بعد الحرب العظمى 214 خريجاً.
وكان عدد المبعوثين لتحصيل العلوم في خارج بغداد في هذه السنة 25 طالباً.
وذكر هذا التقرير أن عدد المدارس الأهلية هو 61 مدرسة فيها 14. 704 تلاميذ، ويبلغ عدد مدارس الأميين والتدريس العشائي 38 مدرسة فيها 1646 طالباً وطالبة، وعدد طلائع الكشافة في العراق كله 927 وعدد الكشافة أنفسهم 9887.
وقد بحث التقرير المذكور عن الخزانة العامة وذكر عدد الكتب فيها فإذا به قد زاد هذه السنة حتى بلغ 7626 مصنفاً في مختلف اللغات، وعنيت وزارة المعارف بهذه الخزانة أشد العناية في هذه السنة فخصصت لها في ميزانيتها 4000 ربية، تصرف على شراء الكتب اللازمة لها. وهي عازمة على توسيع نطاقها.
11 - أخطاء لجنة الحدود العراقية
وصل القطار من كركوك إلى بغداد في الساعة السابعة ونصف مساء 30 أيلول وفيه أخطاء لجنة تخطيط الحدود العراقية التركية. وبينهم أخطاء الوفد التركي وكلهم بالثياب الإفرنجية وعلى رؤوسهم الشفقات أو القبعات (البرانيط). ونزل رئيس الوفد التركي ونائبه في فندق كارلتن ومعهما مرافق رئيس الوزراء. وأما الباقون فنزلوا في فندق مود المجاور للأول. وبعد وصول الوفد بقليل أقبل متصرف اللواء وأمين العاصمة إلى مقر المذكورين للتسليم عليهم إذ هم ضيوف الحكومة الكرام وكان على جانبي الجادة جماعات من الأهالي لمشاهدة هذا المنظر.(5/383)
12 - عبد المجيد بك أو مجيد بك الشاوي
توفي في 16 أيلول في بيروت مجيد بك الشاوي، وكان في الأشهر الأخيرة قد عين عينا
في مجلس الأعيان العراقي، وذهب إلى بيروت للاستشفاء من سرطان المعدة، وكان راوية للشعر القديم، خفيف الروح، كثير النكات، محبوباً عند الجميع، وقد جاوز الخامسة والستين من عمره على ما يقال.
13 - من لسعة زنبور
لسع زنبور سويان بك من علبائه وكان سابقاً مديراً لإدارة حصر التبغ ثم رئيساً لإدارة المراكب العثمانية في بغداد وكان في هذه الأيام الأخيرة أحد كتومي وزارة المالية العراقية، ولم يعش زمناً طويلاً بعد اللسع وكان كل ذلك في 2 تشرين أول ودفن في 3 من الشهر المذكور.(5/384)
العدد 51 - بتاريخ: 20 - 09 - 1927
نيرب ومكشوفاتها
تمهيد
في شهر نيسان من العام المنصرم (1926) في أثناء المؤتمر الأثري الأممي، المنعقدة جلسات دوره الفلسطيني في معهدنا الكتابي والأثري الفرنسي في القدس الشريف، كان المحفي الفرنسي للرقم والفنون الفتانة قد أعرب عن رغبته بلسان العلامة المسيو دوسو ممثلة في المؤتمر، في أن يرسل أرباب شؤون المعهد بعثة إلى نيرب لتقوم فيها بأعمال حفرية فنية، فنزولا على متمني هذا المحفى الجليل وبرعايته العالية، شرع في هذا التنقيب في المحل المذكور من 24 أيلول إلى 5 تشرين الثاني من سنة 926 على يد بعثة أوفدت من هذا المعهد الدومنكي كان رئيسها ومعاونه أبوين من الرهبانية وهما حضرة الأب كاريير أحد الأساتذة الماهرين في مثل هذه المشاريع وحضرة الأب باروا المتفرغ للأثريات. وكان معهما بعض المؤازرين.
وقد نشرت الصحف حين ذاك أخبار هذا التنقيب وشفعتها بكلمة موجزة(5/385)
على ما وجد فيه من اللقى - ثم صدرت في ذا الشان مقالة في مجلتنا الكتابية بقلم الأب باروا، كما أن حضرة الأب كايير ألقى في ذا الموضوع محاضرة ثمينة كانت حلقة من سلسلة محاضرات هذا العام التي ألقيت في معهدنا.
على أن هذا الحفر الحديث لم يكن الوحيد الذي أسفر عن آثار عتيقة بل كان قد اكتشف شيء سابقا غير هذا بطريق المصادفة اقتنته متحفة اللوفر، في باريس وبحث عنه بحثا مدققا الأثري الشهير كليرمون كانو.
وإذا كانت أشباه هذه المواضيع خطيرة ممتعة فضلا عما فيها من اللذة العقلية، أحببنا بعد استطلاع مصادر البحث أن نطلع ببعض التفاصيل على هذه المكشوفات أبناء لغتنا وعساهم أن يرغبوا في مثل هذه العلوم والفنون المختصة ببلادهم اكثر من غيرها بها.
نيرب الحالية
إذا خرج المسافر من حلب، وقبلته الجهة الجنوبية الشرقية، لا يعتم - بعد سيره مسافة لا
تزيد على 7 كيلومترات - أن يصادف، غير بعيد عن الطريق المؤدية إلى مسكنة والفرات، قرية غريبة المنظر لشكل بيوتها الظاهرة للعيان كأنها كوائر جسيمة مقلوبة على فمها؛ ودور هذه الضيعة قد التفت أو تكاد تلتف بتل قديم يتراوح علوه بين 10و11 مترا. وقمته المسطحة تشرف على كل السهل المجاور لها أما طرفه الجنوبي فمتهدم وجهتاه الشمالية والشمالية الشرقية فقد أنزلهما السكان إلى مستوى السهل بأخذهم منهما التراب لصنع الطين اللازم لبناء دورهم.
ورود أسماء في الآثار القديمة
اسم نيرب عريق في القدم. جاء ذكره في لائحة الكرنك في جملة المدن السورية التي افتتحها تحوتمس الثالث فرعون مصر وذلك بصورة (نيروب ونيريب ونيرب) وورد أيضاً في إحدى رسائل تل العمارنة، إذ يقرأ فيها بجانب اسم ملك حتى اسم ملك (نيريبا) نجده كذلك في رقيم كبير (لأشور نصير أبال) بصورة (نيربي أو نيريبي أو نيريبو) وأما المؤرخ اسطيفانس البوزنطي فقد دعاها (نيريبوس) نقلا عن نقولا الدمشقي. ولهذا الاسم ذكر(5/386)
في (الدر المنتخب في تاريخ حلب) لابن شحنة، بعبارة (باب النيرب) وهو أحد أبواب حلب سمي بذلك لان الناس تخرج منه للذهاب إلى هذه القرية ثم في كتاب كمال الدين المدرج في المجموعة العربية للحروب الصليبية بهذه التسمية (ارض النيرب وجبرين) أخيرا تراه في كتاب المشترك لياقوت الحموي، ودونك نص ما يهمنا منه: (النيرب قرية بغوطة دمشق في وسط بساتينها. . . والنيرب قرية من قرى حلب بينهما فرسخ. والنيرب قرية من قرى حلب أيضاً قرب سرمين).
اصل اسمها واشتقاقه
نيرب كلمة آشورية معناها على الرأي الأعم والأصح (المدخل والمجاز) وهي مركبة من النون بمنزلة متوجة ومن (يرب) وسبب التسمية هذه هو إما لأنها كانت ولا تزال الطريق المؤدية إلى سورية للمقبل من بين النهرين والعراق عابرا نهر الفرات. وأما لأنها بمثابة مدخل للمدينة التي هي في جوارها، وهذا ما يستدل عليه من أل التعريف الداخلة عليها في النصوص العربية الواردة آنفا وتعدد القرى المسماة بها كما ذكرها ياقوت. إلا أن هذا
التأويل الثاني قد لا يصح على نيرب في الأعصر القديمة.
لمادة نيرب وجود في جميع اللغات السامية وبعض فروعها مع شيء من التفاوت في المدلول الائل كله إلى أصل واحد معناه الدخول - وهذه المادة مع كونها ثلاثية يسوغ ردها إلى مادة ثنائية وهي (ع ب) الدالة على شيء من هذا المعنى. لك دليل على ذلك كلمة (عب) العربية ومؤداها: شرب الماء وكرعه أي ادخله دون نفس. وفي (عب) السريانية ومعناها الدخل. وكذلك (عب) السريانية بمعنى الغابة. سميت بذلك لتداخل أشجارها وفي (عابا) العبرية ويراد بها الكشف أي المتداخل بعضه ببعض. وكذا الشان في اللفظة الحبشية (عبي) ومفهومها العبل أي الضخم أو المتداخل العضلات. ومنها أيضاً كلمة (غاب) العربية المراد بها: بعد محتجبا أي داخلا.
وإنما أقحمت الراء في هذه المادة الثنائية لمبالغة في معنى الدخول عملا بالمبدأ اللغوي القائل: (الزيادة في المبنى زيادة في المعنى) وفي اللغة العربية تجد(5/387)
أثر المادة الثلاثية في لفظة (غرب) التي اشتقت منها الغرب والغروب وهو نزول الشمس إلى الأفق أي دخولها فيه مما يظهر غاية الظهور في البحر إذ ترى الشمس داخلة فيه حين غروبها. ومن هذه الكلمة جاء اسم أوربة أي بلاد الغرب أو الغروب. وفي الارمية القديمة والسريانية كلمة (عرب) وهي بمعنى (غرب) العربية. ومن عرب اشتق (معربا) أي مغرب أو غروب اعني دخول الشمس وراء الأفق. ومن ذلك حرف (عروبتا) التي عربت بلفظة (عروبة) وهي اسم ليوم الجمعة إذ تدل على الغروب ومن ثم على المساء وعلى ليلة السبت - وفي السبإية (معربم) أي مغرب - والميم (للتمييم) بدل نون التنوين العربي الشمالي. وفي رقيم زنجيرلي (معرب) مغرب. وفي الحبشية (عريب) أي نزول. وهو مستعمل خاصة للدلالة على سقوط الأجرام الجوية كالنيازك. وفي العبرية (عرب) الغروب أو المساء.
قلنا أن الكلمة على لفظها الحالي آشورية أو قل أكدية ونعني بالاكدية الفرع الشمالي الشرقي من اللغات السامية وهو قسم ينطوي على لهجتين وهما الآشورية والبابلية وقد دعيت أكدية نسبة إلى (أكد) الشهيرة عاصمة المنطقة البابلية الشمالية المقابلة للربوع البابلية الجنوبية أي الشمرية. فاللفظة إذا أكدية وذلك ليس لأنها وجدت في نصوصها المسمارية فحسب، بل لان فيها قد جرت التطورات الخاصة بهذا اللسان. فهي آتية من فعل
أربو ومعناه في هذه اللغة كما سبق التباين (دخل أو جاز) والأمثلة على ذلك كثيرة منها ما هذا نقله بالحرف الإفرنجي وتعريبه:
- في البيت الذي دخل ليس نار (أو النار مبعدة) حين تدخل بيت أحد الناس (أو إنسان ما) - ومن ذلك أيضا: أي دخول الشمس وهو غروبها.
وقد رأيت من الأمثلة المتقدمة أن اللفظ مبتدئ بحرف حلقي، سواء أكان عينا أم عينا في كل اللغات السامية ما خلا الاكدية. ولا يأخذك(5/388)
العجب إذا عرفت أن الاكدية - وعلى شاكلتها طائفة من اللغات السامية، كالجعزية (الحبشية القديمة) والامحرية (الحبشية الحالية) والمندائية (لغة الصبة) والسورث (الكلدانية العامية) - قد سقطت منها الحلقيات بكثرة أو قلة واستحالت همزة.
فالفعل إذا هو (عرب أو غرب) وفي الاكدية بحذف الحرف والاستعاضة عنه بالهمزة - إلا أن سقوط الحلقيات في الاكدية لا يخلو من التأثير في الحركات الخاصة بها أو المجاورة لها. وعليه فكل كلمة حذفت منها الحاء أو العين أو الغين وقامت مقامها الهمزة فحركة الحلقي وحركة ما يتبعه. إذا كانت فتحة أو كسرة. تتحول إلى حركة إمالة.
مثال أول - (حدشو) ومعناه جديد ويقابله في العربية: حدث. وفي السريانية (حادث) وفي العبرية (خادش) وفي الحبشية (هدس) حذفت منه الحاء وقامت مقامها الهمزة فصار (أدشو) ثم طبقت عليه قاعدة الحركات فانقلبت الفتحتان امالتين فأصبح (ادشو)
مثال ثان - (عربو) وهي الكلمة الدائر البحث عليها وقد رأيت ما يقابلها في بقية الألسن السامية. أسقطت منها العين فعوض عنها بالهمزة فأضحت (أربو) ثم تحولت الفتحتان إلى امالتين فأصبحت (اريبو)
وهذا التأثير سقوط الحلقيات لا يشمل الحركات الخاصة بها فقط بل يتصل بحركات المقاطع القريبة منها نفسها مثاله:
(سمع) عوض (زرع) بدل (أعمال) عوض
وأما النون المتوجة لكلمة نيرب فاصلها ميم كما هو الشان في جميع اللغات السامية التي يقال فيها مثلا: مغرب - ومعربا ومعرب الخ. وإنما قلبت الميم نونا طبقا لقاعدة أخرى مطردة أو كالمطردة في الاكدية - ولا تخلو العربية من اثر لها - وهي مشهورة بين أهل
النحو الاكدي بقاعدة (بارت) وهو المستشرق الألماني الذي كان سبق الجميع في تحقيقها وتدوينها - والقاعدة ها هي ذي: أن الميم الداخلة على الأسماء المستعملة غالبا للدلالة على المكان(5/389)
أو الزمان أو الآلة تقلب نونا كلما توجت ألفاظا أحد أصولها حرف من الحروف الشفهية كالميم والياء (والباء المثلثة الفارسية). مثال ذلك:
(مركبة) و (ملك) و (عامة الأشياء) عوض
وووأنت ترى من هذه المقابلة الألسنية السامية ما كان أصل نيرب وكيفية وصولها إلى لفظها الحالي وقد علمت أن معنييها المطلق والمحصور وهما الدخول وغياب الشمس قد ثبتا في الاكدية وحدها ولم يبق إلا المدلول المحصور في بقية اللغات السامية الأخوات.
أول مكشوفاتها
قلنا في سياق كلامنا عن نيرب الحالية أن أهل القرية قد انزلوا إلى الحضيض قسما من التل القديم وانهم لا يزالون يرفعون التراب من ثم لبناء دورهم.
هذا واعلم أن هناك قد حدث أمر غالب الوقوع في باب الأثريات. إلا وهو اكتشاف لقي قديمة بطريق المصادفة على يد قوم ليسوا من أرباب الفن
ففي سنة 1891 كان الفلاحون يحفرون في التل على عادتهم لأخذ التراب، فإذا بهم قد وجدوا نصبين عليهما نقوش وكتابة بالخط الارمي. كما انهم قبل ذاك الأوان بسنتين كانوا قد وقعوا في المحل عينه على ناووس حاو صقلين (هيكلين) بشريين وعلى اسطوانة مطوقة بالذهب. فالناووس لم يزل في موضعه وأما الاسطوانة فبعد أن جردها من الذهب الذي ظفر بها باعها في الأستانة. وقد وقفوا هناك أيضاً قرب هذه الحجارة على تمثال متعدد الأشخاص مصنوع من نحاس والظاهر انه يمثل آله الفينيقيين وآلهتهم. أما النصبان فقد وجدا منتصبين مطمورين في التراب في نحو الجهة الشمالية من الناووس وهما منحوتان نحتا متقنا بخلاف الناووس فانه خشن النحت وغطاؤه من حجر ابيض خال من كل نقش أو كتابة. وأما تمثال النحاس فخشونة صنعته دليل واضح على قدمه.
وإذ كان النصبان من أهم اللقى القديمة، فلا باس من أن نشبع الكلام عن وصفهما مخلصين ما جاء عنهما في كتاب كليرمون كانوا.(5/390)
النصب - أ
هذا النصب مصنوع من حجر اسود وصلب منحوت وهو من جنس الحجر البركاني. على وجهه منقوشة نقشا ناتئا صورة رجل منتصب متجه الوجه نحو اليمين ومتشح بثوب طويل ينحدر إلى عقبه ورجلاه محتذيتان وركبتاه راكبة الواحدة على الأخرى وفي ثوبه طيات كطيات الرداء الذي فوقه على الزي الآشوري البابلي وعمرته ذات شكل خاص لشبهها بعرقية دائرة نصف دائرة وهي تغطي رأسه كله مسترسلة إلى اسفل الرقبة ساترة الأذنين ومنوط بها من الوراء شرائط قصيرة ودقيقة وذراع الشخص اليمنى مرتفعة ويده اليمنى مبسوطة للضراعة والعبادة ويده اليسرى متصلة بمرفق اليمنى ووجهه ضخم خلو من الشعر أو محلوقه وظواهره ظواهر الشباب وعليه ملامح الجنس السامي المعروف. وفي المحل المجاور لهذه الصورة يرى رقيم ذو 14 سطرا شكل حروفه فنيقي قديم والكتابة مقسومة إلى قسمين القسم الأول في أعلى الصورة وهو مؤلف من 8 اسطر مكتوبة على طرفي الرأس والقسم الثاني في أدناه وقوامه 6 اسطر عابرة على الجزء التحتاني من القميص.
النصب - ب
هذا النصب مصنوع من الحجر الأول نفسه وهو مثله منقوش من فوق ومكتنف بكفاف من تحت. في قسميه الأعلى رقيم ذو 10 اسطر حروفه كحروف رقيم (النصب أ) وأما كتابته فلا إطار حولها وهي منتشرة على كل الوجه دون فاصل وفي جزأه الأدنى صورة رجل أمرد أو محلوق اللحية ثيابه وعمرته كثياب وعمرة الشخص الأول وهو جالس على كرسي أو عرش لا متكأ له ووجه الرجل متجه نحو اليمين ورجلاه المكشوفتان موضوعتان على موطئ ذراعه اليسرى مبسوطة ويده مفتوحة وأما ذراعه اليمنى فمرتفعة وفي يده أناء شبه الكاس أو الطاسة قد أدناه من فيه. بين يدي الرجل مذبح على شكل مائدة تماثل دعائمه دعائم العرش وعلى المائدة (الطاولة) العليا مصورة ضروب من التقادم ومن وراء المذبح مقابل الرجل الجالس يرى شخص آخر قائم ووجهه نحو اليسار وقامته أصغر من قامة الأول ولباسه قميص مربوط(5/391)
بمنطقة ومنحدر إلى الركبة.
أما رأسه فان لم يكن مكشوفا فهو مغطى بعرقية بسيطة وإذناه مطلقتان وشعره مجزوز
وركبتاه ورجلاه مكشوفات.
يتبادر إلى الذهن لدى رؤية هذا المشهد انه مشهد حفلة مأتم مصري إلا أن الثياب وهيئة الأشخاص وطرز الأشياء الأخرى تظهر عليها الخصائص الآشورية، فضلا عن أن الرقيم الذي يدلنا على أن هذه الحفلات هي من حفلات الموتى. والبائن أن الشخصين المصورين في هذين النصبين كانا من فئة الأحبار والفرق بين الاثنين أن هيئة الأول هيئة شاب وسمت الثاني يدل على الشيخوخة ويؤيده نص الرقيم عينه. هذا وان كانت المشابهة للآشوريات ظاهرة غاية الظهور إلا أن كليرمون كانوا يرى أن العهد الذي يمكن أن يرقى إليه بالنصبين هو العهد الاشوري، أي القرن السادس (ق. م) الذي فيه دالت دولة السلالة السرجونية. ولنا في منطوق الرقيم ما يؤيد التحقيق الأثري، فان أسماء الآلهة المدرجة فيه هي من مصاف آلهة الزون الآشوري. ويضيف العلامة المذكورة إلى قوله انه إذا أردنا الزيادة في التخصيص لاق بنا إبداء الرأي بان النصبين من العهد البابلي الثاني أو الحديث. وهو الفترة الواقعة بين سقوط السرجونيين وظهور كورش أي من سنة 625 إلى سنة 538 ق. م وبنوع أخص في زمن آخر ملوك بابل وهو نبونيد الذي عاش بين 555 و 535 ق. م.
الأب أ. س مرمرجي الدمنكي
أحد أساتذة المعهد الكتابي والأثري الفرنسي في القدس الشريف دخل حكومة العراق ونفقاتها
بلغ دخل حكومة العراق في تموز الماضي 4. 400. 668 ربية، وبلغت نفقاتها في ذلك الشهر 3. 956. 415 ربية، وبلغ مجموع الدخل منذ ابتداء السنة المالية إلى آخر تموز 16. 890. 469 ربية، وبلغ مجموع النفقات في هذه المدة 15. 966. 456 ربية.(5/392)
(صورة)
من ينظر إلى هذه الصورة. يتحقق أن صاحبها، هو صاحب الشعر المبتكر، البديع المعاني، الطريف الأسلوب، ناقل أفكار الغرب، إلى ديار العرب: الدكتور احمد زكي أبو شادي وهو في الخامسة والثلاثين من عمره.
من رسم الأستاذ الفنان عنايت الله إبراهيم النقاش المصري الشهير في مصر القاهرة.(5/393)
الحب الضرير
إذا هب نسيم الربيع، طاب الهواء، وانبتت الأرض فابتسم
ثغرها عن أزاهير شتى، وفاح عطرها وانبث في جنباتها. تلك
هي صورة شعر أبي شادي؛ فانك لا تسمع كلماته إلا تحس
بنسيم شعره يدب في فكرك، فيجول في خفاياه أو زواياه
ويحيي كل دفين فيها. فلله دره من شاعر مفلق، وساحر فاتن!
(ل. ع)
سلام عليك زمان (الشباب) ... على أمل (الحب) والملتقى!
نكبت بعمر الجوى والفراق ... فلما التقينا حرمت اللقا!
كأن لم تكن فترة للوصول ... نسيت بها الخطر المحدقا!
عناء جديد، وقلب وحيد ... يقطعه الدهر ما فرقا
وصفو تولى كموت (الربيع) ... وقد شوق الروح ما شوقا
فيا جزعي للفؤاد العميد ... يعود إلى نفيه مرهقا
ويفضي بآلامه للنظيم ... فيجري به دمه مهرقا!
ويحسده في الشقاء الخلي ... ويحسبه الشاعر المفلقا!
نشأت على (الحب) منذ الصبا ... ودمت وإن شيب المفرقا
وأوذيت من اجله في الحياة ... وما زلت أرعى له الموثقا
أدين له بمعاني (الجمال) ... وكم ألهم الأمل الريقا
وكنت أراه الشفاء الأكيد ... لروحي فأصبح لي مغرقا
وكنت أراه الهدى والندى ... فضل وعشت به مخفقا!
فؤادي الحزين العصي المنى ... تشجع! وعش في الأسى مشرقا!(5/394)
لئن خانك (الحظ) طول الشباب ... كما خانك (الحب) مستغرقا
فلا تنس أنك ملك الجمال ... وقد ملأ (العالم) المطلقا
فنح أن تشأ من هموم (الغرام) ... فكم كان في ظلمه محرقا
وذب أن تشأ (للوفاء) المضاع ... فلن يستعاد ولن يشفقا
ولم ما استطعت فلن تنتهي ... بلومك (للحظ) في مرتقى
إذا كنت ألف (الغرام) الضرير ... فماذا تفيد المنى والرقى؟!
تشجع فؤادي! تشجع! فكم ... تذوقت عمرا صنوف الشقا
وقد سامك (الدهر) شتى العذاب ... فكنت به الساخر المشفقا!
فلا تلق حزمك يوم الأسى ... وقد خذل (الحب) فيك (التقى)
تناس المنى والوصال القصير ... وعهدا يظل لك المقلقا
وخل الهوى وبنات الهوى ... ولذ (بالطبيعة) مستوثقا
حياتك (للكون) وهو الأمين ... فناج السنا الشائق الشيقا
خفوقك نبض بشعر (الجمال) ... وكم رف مبتسما رائقا
فعش (للجمال) الشريف العزيز ... فما الكون في حسنه ضيقا
تسمع خرير المياه الشجي ... يغني أغاني الهوى والبقا
وحصباءها وهي تصغي إليه ... ببشر وتوشك أن تنطقا!
وراقب تودد (زهر) نضير ... إليك و (طيرا) له زقزقا
وراقصة (النحل) بين الاشع ... ة، و (الروض) من أنسها صفقا
وحالية من جموع (النخيل) ... تعاف الهموم فلن تطرقا!
ولا تنس موجا لبحر دؤوب ... يحاكي المفكر والأحمقا!
فيمضي بعسكره في هجوم ... ويرجع في خيبة محنقا!
ويلبث طورا يناغي الرمال ... فيغنم منها الذي نسقا!
ويصفو فيحظى بشكر (الحسان) ... و (بالحسن) يكسبه رونقا!(5/395)
وكم من جمال عزيز طروب ... يراه البصير الذي حققا
وملك (السماء) بآياته ... حياة حوت سرنا الأعمقا
إذا شئت مزقت هذا الستار ... فشمت بعقلك ما مزقا
وإن عشت طوع الهوى والشجون ... فأنت الضرير الذي ما ارتقى
جمال (الحياة) حياة (الجمال) ... وفي الكون ما يشبع المنطقا
فودع هموم (الغرام) الضرير ... وناج (السنا) الباسم المونقا
حياتك أولى بحسن (الخلود) ... أضاء (الوجود) ولن يخلقا
وخفقك أجدى لبث (الصلاح) ... فلا كنت أن لم تمت موبقا!
ولا تبتئس لخداع (الحياة) ... ونل أنت ناموسها الأصدقا
وكن للضحية قبل الغني ... مة كالنجم ضحى متى أشرقا!
وحسبك غنما بان (الممات) ... يساوي المتوج والمملقا!
وأنك بعض لهذا (الوجود) ... وفي مجده مجدك المنتقى!
وداعا إذا يا دموع (الشباب) ... ويا من فتنت بها مغرقا
جدير بقلبي العظيم الهوى ... بحب العظائم أن يخفقا
تجشمت منك ضروب العذاب ... وآن لعزمي أن يشرقا
وقد عشت عبدا حزين الفؤاد ... وها آن للعبد أن يعتقا!
الإسكندرية: أحمد زكي أبو شادي
القفتان
من غريب أغلاط تاج العروس انه صحف كلمة قفتان المشهورة بصورة قفنان بنون بعد الفاء. وليس ذلك من خطأ الطبع لأنه ذكرها في مادة ق ف ن. قال: القفنان؛ ما يخلفه الملك على خلاص وزرائه من التشاريف. رومية، وفي هذا الكلام وهم آخر وهو قوله رومية وهي فارسية الأصل من خفتان.(5/396)
الخرز ومعتقداته
الخرز اصلها - الخرز العراقية - أسطورتها - فحصها - الدعاء لها - أسماء الخرز العراقية
كان العربي الوثني ينحت من الصخور والأحجار تماثيل على شكل إنسان حينا، وحينا على هيئة حيوان، فيتخذها آلهة له، ويسجد لها، ويقدم إليها القرابين والنذور خشية بأسها، وبغية ترضيها. ظل على هذا الدأب دهرا طويلا فاختمرت هذه الفكرة في الرجل، وتغلغلت هذه العقيدة الوثنية في المرأة العربية حتى خيل إليها أن في هذه الأحجار والصخور والحصى والخرز قوة تقيها الشرور والآلام والأوجاع وان فيها نفعا يدر عليها وعلى آلها إخلاف البركات والخيرات. وان منها ما تؤثر في قلب الرجل حتى تجعل المرأة حبيبة في عين بعلها.
فهناك بين ثغور المغاور والكهوف وسفوح الجبال وثنايا الأودية أنواع من الخرز قد اثر فيها وهج الشمس فاكتست ألوانا وأصباغا تضاهي ألوان الزهر وأصباغ الورد، وقد القي في روع المرأة الجاهلية أن فيها ما يضمن لها حياتها وحب زوجها فالتقطتها من الأرض وثقبتها وعلقتها في عنقها أو جملتها على أضلاعها وتحت طيات ثيابها معمولة على سرها الكمين ومعتمدة على قوتها الفائقة.
ولما ظهر الإسلام نال العربي والعربية تهذيبا وتفقها وتنورا فارتفعت تلك الأوهام التي ربضت في دماغ العربي أحقابا طوالا وزالت أدران الخرافات من الرؤوس واعتقدت العربية بان الضرر والنفع والألم والمسرة والثروة والفقر وكل شيء بيد الله القدير المهيمن على الكون وما التماثيل والهياكل والصخور والخرز إلا تراب جامد لا نفع فيه ولا ضرر فضربت ما كان عليها من الخرز(5/397)
عرض الحائط وظهر الأرض إلا أن ضعيفات التقوى والأيمان منهن ظللن عاكفات على حملها دائبات على اقتنائها والاعتقاد بالشيء أن لم يكن أيمانا بالفعل فأيمانا باطمئنان العاطفة. ومن الصعب سلب الأيمان من الصدور.
الخرز التي تستعملها النسوة في العراق
والنساء العراقيات - حتى المهذبات منهن - قويات الاعتقاد شديدات التمسك بالخرز يبذلن
الذهب الوهاج في اقتنائها ويتهالكن على الحصول عليها. وفي العراق سماسرة من المشعوذين الدجالين من النساء والرجال يتاجرون في الخرز ولا سيما القابلات واللواتي يقرأن منقبة المولد النبوي ويتلون فاجعة الحسين وينحن في المآتم والمناحات فهؤلاء قد اثرين وحصل لديهن المال الوفير ولهن مهارة وحذق خاص في التسلط على عقول النساء وإقناعهن بفوائد الخرز واعرف في بغداد امرأة غنية سليلة بيت أرستقراطي قد ابتاعت خرزة بعشرة جنيهات وكانت فرحة جذلة بها.
والمتزوجة تحملها لتبقي حب زوجها لها وأما البكر فلتكون جميلة في أعين الناس وليسرع أمر زواجها والعزباء لتقتنص لها بعلا جديدا وليس الاعتقاد بالخرز مقصورا على النساء وحسب ففي العراق رجال كثيرون يحذون حذو النساء.
وقد حدثني أستاذي الشاعر الفيلسوف جميل صدقي أفندي الزهاوي حفظه الله عن رجل جاء إليه ذات يوم - وكان من كبار رجال الجيش في العهد العثماني - وكلمه بلهجة المتوسل قائلا:
(علمت يا مولاي أن لكم سلطانا على الجان أفلا تسألون الجان الذين هم طوع إشارتكم والمؤتمرون بأمركم عن هذه الخرزة؟ وأنكم بفعلكم هذا تطوقونني بإحسانكم)
قال الأستاذ: فاعتراني الدهش فأخذت أقنعه بان هذا سخف وجهل وحذار أن يسمع (القومندان) بطلبك هذا فتنال إهانة وسخطا من أمرائك ولما لم استطع أن أقنعه تركني غضبان مدمدما وكانت شهرة هذا الأحمق في بغداد (بونجوقلي اشك) أي (الحمار المعتقد بالخرز).(5/398)
أسطورة أصل الخرزة
وأسطورة الخرزة هي أن النساء يعتقدن أن الذئب يأكل التراب ثلاثة أشهر ويشرب الماء ثلاثة أشهر ويبلع الهواء ثلاثة أشهر والأشهر الثلاثة الأخيرة لتمام كمال السنة يأكل فيها بنات الجان والذئب يعدو في الفيافي باحثا عن بنات الجان فإذا صادفنه انقلبن في الحال خرزة فلا يبقى في وسعه أن ياكلهن ولا يبقى في وسعهن أن ينقلبن بنات كما كن. والمرأة إذا حملت الخرزة في الوقت الكروه قذفت الحب في قلب زوجها مستعينة بآلها، ذلك فضلا عن سلطانها.
فحص الخرز
والخرزة تابعة للفحص وكيفية فحصها هي أن تعطى إلى بكر تضعها تحت وسادتها في ليلتي الجمعة والاثنين فتقص في الصباح ما رأته في ليلتها من الرؤى والأحلام فإذا شاهدت بنتا علم إنها تصلح للبنات وإذا شاهدت امرأة علم إنها تصلح للمتزوجات إلى غير ذلك.
الدعاء للخرز لتبقى محافظة على قوتها
يتحتم على كل من تملك الخرز أن تستعد في الليلة السابعة والعشرين من شهر رجب في كل سنة فتغتسل وتتطيب ثم تأخذ ورق السذاب وورق الحناء وتضع الكل في إناء تسكب عليه ماء الورد ثم تتلو عليه (ياسين المغربي) وياسين المغربي دعاء فيه سورة ياسين وبعد الفراغ من هذا الدعاء تصلي ركعتين لوجه الله ثم تترك الخرز تحت بطون الكواكب (أي تحت السماء) حتى مطلع الفجر والتي لا تقوم بهذه المهمة تخسر خرزاتها إذ إنها تفقد قوتها.
أسماء الخرز العراقية
مثلها: أم الدولة خابت وأم الخرز ما خابت أو أم الدولة بارت وأم الخرز ما بارت
السلطانية: هي خرزة طويلة مستطيلة تكون ذات لون أحمر أو أصفر والتي تحملها تكون ذات سيطرة على زوجها كما يفهم من اسمها.
السلوة: تكون سوداء وتستعملها المرأة لتنزع من قلب زوجها محبة ضرتها أما استعمالها فيكون بان تحكها المرأة بالماء وتلطخ به رأس زوجها.(5/399)
الدامغة: على شكلين بيضاء وحمراء تقتني المرأة البيضاء منهما إذا كانت بشرة زوجها بيضاء والحمراء الغامقة إذا كانت بشرته سمراء وتستعمل لأجل (دفع الرجل) أي أن الزوجة تصبح مطلقة الأمر تفعل في البيت ما تشاء لا أمر يأمر عليها ولا ناهي ينهيها.
الحمارية: يعتقد الناس إنها تطلع (كالدمل) في رقبة حمير (اصفهان).
الطحانات: (بشد الحاء) خرزتان لونهما اسود وهما بشكل رحى صغيرة وفي كل واحدة ثقب تشد بها المرأة خيطا فتحملها على نفسها.
الدملج: (وازن زبرج) تكون حمراء رقطاء وشكلها يشبه حجر العقيق والمتزوجات يحملنها ورقيتها (يخطب ما يملج) أي (يخطب ولا يتزوج).
الصيني: خضراء غامقة ورقيتها؛ (كل وكت يحاجيني) أي (كل وقت يكلمني).
السليماني: سوداء وفيها خط أصفر أو رمادي والتي تحملها تسلم من العاهات والآلام.
الشكل: (بكاف فارسية) كبيرة لونها ابيض وذات دوائر متعددة والتي تحملها تكون أمينة من زوجها.
البهكة: (بكاف فارسية)، حمراء وفيها نقط بيضاء تحميها من أصابها (برص). والبرص تسميه العامة (بهك) أي بهق.
المخفاية: حمراء وبيضاء كبيرة صقيلة تستعمل إذا ظهرت (عقدة) في إبط الرجل أو المرأة أو في بطنهما أو في عنقهما فتحك بها العقدة أو تدلك فتزيلها.
الكور: (بكاف فارسية) مضمومة طويلة بطول البنان بيضاء ممزوجة بحمرة رقيتها: (الكور للي تشيلها متبور) أي من تحمل الكور لا تبور.
اسمع وطيع: تلتقط من سواحل الإبحار بيضاء حلزونية والتي تحملها تعتقد أن زوجها يسمعها ويطيعها.
أحمد حامد آل الصراف
لغة العرب: - كنا نود أن نعرف أصول بعض تلك الألفاظ لنهتدي إلى الأمة التي أدخلتها في العراق، لكننا لم نتوفق. أما أصل البعض الآخر فعربي صريح لاشك فيه.(5/400)
مقتطفات من كتاب الحوادث الجامعة لابن الفوطي
تتمة
ذكر نقل المستنصر بالله من مدفنه بدار الخلافة إلى الترب بالرصافة
في ليلة جمعة حادي عشر شعبان أرادوا نقله فهبت ريح منعت من ذلك. فقال جمال الدين أبو الحسن المخرمي ارتجالا:
تحركت الرياح الهوج لما ... أريد بكعبة الجود ارتحالا؟
وقالت من يعلمني سخاء ... أهب به ويغمركم نوالا
فقلت لها: خليفة المرجى ... إمام العصر فانقلبت شمالا
فنقل في ليلة السبت ثاني عشريه إلى موضع كان قد أعده لنفسه مدفنا وبنى عليه قبة. وكانت صورة نقله أن تقدم إلى كافة الزعماء ما عدا أصحاب المشاد والى المماليك وكافة مشايخ الربط والصوفية والفقهاء والمدرسين ما عدا مدرسي المستنصرية والنظامية بالتوجه على طريقة مشرعة الرصافة وتقدم إلى من عداهم أن يقصدوا دار الخلافة بغير الطريق وان يرفع القضاة والمدرسون الطرحات والعدول الطيالسة وأرباب العز عزرهم وأصحاب المشاد مشادهم ويركب الزعماء بالأقبية البيض والسرابيش وأرباب الدولة كل واحد منهم بقميص ابيض وبقيار ابيض مسكن وغاشية قند (؟) فركبوا وقصدوا دار الوزارة ما عدا مجاهد الدين الدويدار الصغير وعلاء الدين الدويدار الكبير وأستاذ الدار مؤيد الدين محمد بن العلقمي. فلما تكمل من عدا هؤلاء في دار الوزارة تقدم إليهم يقصد دار الخلافة والدخول بباب عليان إلى صحر (صحن؟) السلام فمضوا هناك قبل غروب الشمس. وأما الوزير ابن الناقد فانه خرج في محفة ودخل من باب البانمي(5/401)
(؟) (لعلها القائمي) ثم قصد هؤلاء كلهم دجلة فخرج الصندوق الذي فيه الخليفة فلما عاينوه قبلوا الأرض وأعلنوا بالبكاء. ثم حط في شبارة طويلة يجذف فيها خمسة عشر ملاحا في صدرها قبة مجللة بسجاف أطلس اسود ونزل فيها الشرابي وأستاذ الدار وابن درة المعمار فوقفوا بين الصندوق ولم ينزل الوزير لعجزه عن القيام. ونزل جميع أرباب الدولة والأمراء في سفن قياما بين أيديهم شموع كبيرة. فلما وصلوا مشرعة الرصافة رفع الصندوق على الرؤوس
وامتد الناس كلهم بين يديه إلى التربة فدفن رحمه الله في الموضع الذي أعده ثم فرقت الربعة الشريفة وقرأت. . . (هذه النقاط في الأصل المهدى) وأهديت له وانصرف الناس قبيل نصف الليل ثم ترددوا إلى الترب يوم الأحد ويوم الاثنين (و) في كل يوم تقرأ الختمة ويتكلم (جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي) ويدعو العدل شمس الدين علي بن النسابة ونقيب النقباء ونائبه.
في شعبان تقدم إلى (جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي) أن يجلس بالوعظ بباب بدر ورتب العدل شمس الدين علي بن النيار شيخا لرباط الحريم.
سنة 641 (1243 م) فيها تقدم الخليفة إلى (جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي) المحتسب. . .
وفيها نفذ (محيي الدين يوسف بن الجوزي) رسولا إلى ملك الروم كيخسرو بن كيقباذ فاجتمع به في إنطاكية فلما عاد حكى أشياء غريبة منها أن النساء يتعممن كالرجال والرجال يلبسون السراقوجات. . .
سنة 642 (1244 م) في هذه السنة سير الملك الصالح أيوب. . . عسكرا إلى مدينة دمشق فنزلوا عليها. . . وكان الملك الصالح إسماعيل. . . صاحب دمشق فيها فضج. . . فراسل ابن عمه الملك الصالح أيوب. . . فأسفرت القاعدة على أن يتفرد الملك الصالح إسماعيل بملك باعلبك (بعلبك) ويمضي بأهله إليها فأجاب إلى ذلك وخرج ليلا وأرسل الملك الصالح أيوب إلى الخليفة عبد الرحمن ابن عصرون يخبره بذلك فأرسل الخليفة إليه التقليد والخلع مع (جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي) الواعظ مدرس الحنابلة بالمدرسة المستنصرية فتوجه ابن(5/402)
عصرون صحبته.
سنة 644 (1246 م) وفيها وقع الشروع في عمارة مسناة دار على شاطئ دجلة في بستان الصراة المنتقل إلى الخليفة من البهلوان ابن الأمير فلك الدين محمد بن سنقر وتولى العمل في ذلك أستاذ الدار (محيي الدين يوسف بن الجوزي) فسأل في بعض الأيام المشاهر عن اسمه فقال: (خالد) فقال:
نظرت إلى الخلد الشريف بفكرتي ... فبشرني أن الخليفة خالد
إذ الاسم معناه الخلود حقيقة ... وأكده اسم المشاهر خالد
سنة 645 (1247 م) فيها احضر مدرسو المستنصرية إلى دار الوزير وتقدم إليهم أن لا يذكروا شيئا من تصانيفهم ولا يلزموا الفقهاء بحفظ شيء منها بل يذكروا كلام المشايخ تأدبا معهم وتبركا بهم وأجاب (جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي) مدرس الحنابلة بالسمع والطاعة. . .
سنة 653 (1255 م) ذكر ولاية (ابن الجوزي) أستاذ الدار. في تاسع ربيع الأول مضى صلاح الدين عمر بن جلدك إلى (محيي الدين يوسف بن الجوزي) وهو في منزله بباب الازج فاستدعاه فركب - وقد رفع الطرحة - إلى الدار المقبلة لباب الفردوس المرسومة بسكنى الأستاذ دارية وأجلسه في المنصب من غير أن يخلع عليه وشافهه بالولاية ودخل الناس إليه مهنئين له وركب من الغد في جمع عظيم إلى دار الوزير فجلس عند مؤيد الدين نائب الوزارة ساعة ثم عاد إلى داره.
وفيها رتب (جمال الدين عبد الرحمن الجوزي) مدرسا لطائفة الحنابلة بالمدرسة المستنصرية وخلع عليه وأعطي بغلة وتقدم إلى صاحب الديوان فخر الدين بن المخرمي وجميع أرباب المناصب بالحضور إلى المدرسة فحضروا ورتب (أخوه شرف الدين عبد الله) محتسبا عليه. وخلع عليه من غير أن يشهد عند القاضي. ولم يعلم أن محتسبا تولى غير شاهد سواه.
وقد نظم عز الدين أبو الحسن علي ابن إسامة العلوي قصيدة يهنئ بها أستاذ الدار مما تجدد لولديه. يقول فيها:
مولاي (محيي الدين) يا مولى به ... كل البرية في الحقيقة يقتدي(5/403)
أنت المهنا بالذي قد خول ... (ولداك) أم نفس العلى والسؤدد
وهل البشارة للمراتب والذي ... ولياه أم لك يا كريم المحتد
قد قلت حين رأيت كلا منكما ... كالبدر في جنح الظلام الأسود
هذان ما خطبا المراتب إنما ... خطبتهما المناقب لم تجحد (؟)
وهما من القوم الالى خدماتهم ... شرفا تصير لسيد عن سيد
ولانت مولانا المليك من الورى ... وهما أحق بمسند ومسند
انتم لدين محمد شيدتم ... علما به وكذاك مذهب احمد
فالله يجزي الخير كلا منكم ... عن احمد وعن النبي محمد
وكذاك يرعاكم بعين عناية ... ويمدكم منه بعمر سرمد
سنة 653 (1255 م) وفيها فتحت المدرسة البشيرية بالجانب الغربي من بغداد وتجاه قطفتا التي أمرت ببنائها حظية الخليفة المستعصم أم ولده أبي نصر المعروفة بباب بشير وجعلتها وقفا على المذاهب الأربعة على قاعدة المدرسة المستنصرية ووقفت عليها وقوفا كثيرة قبل فراغها. وكان فتحها يوم الخميس ثالث عشري جمادى الآخرة وحضر الخليفة وأولاده فجلسوا في وسطها وحضر الوزير وأرباب المناصب ومشايخ الربط والمدرسون وكان المدرس بها سراج الدين النهرقلي أقضي القضاة (وشرف الدين عبد الله بن أستاذ الدار محيي الدين بن الجوزي) ونور الدين محمد بن العربي الخوارزمي الحنفي وعلم الدين احمد بن الشرمساحي المالكي. وعملت وظيفة عظيمة وخلع على المدرسين المذكورين وعلى الناظر بها ونواب العمارة والفراشين وخدم القبة وأنشدت الأشعار وكان يوما مشهودا. وكانت وفاة البشرية في السنة الماضية على ما ذكرنا.
سنة 656 (1258 م). . . ثم عين على بعض الأمراء فدخل (هولاكو) بغداد ومعه جماعة ونائب أستاذ الدار (ابن الجوزي) وجاءوا إلى أعمام الخليفة وأنسابه الذين كانوا في دار الصخر (؟) ودار الشجرة فكانوا يطلبون واحدا بعد آخر فيخرج بأولاده وجواريه فيحمل إلى مقبرة الخلال التي تجاه المنظرة فيقتل(5/404)
فقتلوا جميعهم عن أخرهم. ثم قتل مجاهد الدين ايبك الدويدار الصغير وأمير الحاج فلك الدين محمد بن علاء الدين الطبرسي الدويدار الكبير وشهاب الدين سليمان شاه بن برجم وفلك الدين محمد بن قيران الظاهري وقطب الدين سنجر البكلكي - الذي كان شحنة بغداد وحج بالناس عدة سنين - وعز الدين ابقرا شحنة بغداد أيضاً (ومحيي الدين ابن الجوزي أستاذ الدار وولده جمال الدين عبد الرحمن وأخوه شرف الدين عبد الله وأخوه تاج الدين عبد الكريم) وشيخ الشيوخ صدر الدين علي بن النيار وشرف الدين عبد الله ابن أخيه وبهاء الدين داود ابن المختار والنقيب الطاهر شمس الدين علي بن المختار وشرف الدين محمد بن طاووس وتقي الدين عبد الرحمن ابن الطبال وكيل الخليفة.
وأمر بحمل راس الدويدار وابن الدويدار الكبير وسليمان شاه إلى الموصل فحملت وعلقت
بظاهر سور البلد ووضع السيف في أهل بغداد يوم الاثنين خامس صفر وما زالوا في قتل ونهب واسر وتعذيب الناس بأنواع العذاب واستخراج الأموال منهم باليم العقاب مدة أربعين يوما فقتلوا الرجال والنساء والصبيان والأطفال. فلم يبق من أهل البلد ومن التجأ إليهم من أهل السواد إلا القليل ما عدا النصارى فانهم عين لهم شحاني حرسوا بيوتهم والتجأ إليهم خلق كثير من المسلمين فسلموا عندهم. وكان ببغداد جماعة من التجار الذين يسافرون إلى خراسان وغيرها قد تعلقوا من قبل على أمراء المغول وكتب لهم فرامين فلما فتحت بغداد خرجوا إلى الأمراء وعادوا (و) معهم من يحرس بيوتهم. والتجأ أيضاً إليهم جماعة من جيرانهم وغيرهم فسلموا وكذلك دار الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي - فانه سلم بها خلق كثير - ودار صاحب الديوان ابن الدامغاني(5/405)
ودار صاحب الباب ابن الدوامي. وما عدا هذه الأماكن فانه لم يسلم فيه أحد إلا من كان في الآبار والقنوات. واحرق معظم البلد وجامع الخليفة وما يجاوره. واستولى الخراب على البلد وكانت القتلى في الدروب والأسواق كالتلول ووقعت الأمطار عليهم ووطأتهم الخيول فاستحالت صورتهم وصاروا عبرة لمن يرى.
ثم نودي بالأمان فخرج من تخلف وقد تغيرت ألوانهم وذهلت عقولهم لما شاهدوا من الأهوال التي لا يعبر عنها بلسان وهم كالموتى إذا خرجوا من القبور يوم النشور من الخوف والجوع والبرد.
وأما أهل الحلة والكوفة فانهم انتزحوا إلى البطائح بأولادهم وما قدروا عليه من أموالهم وحضر أكابرهم من العلويين والفقهاء مع مجد الدين ابن طاووس العلوي إلى حضرة السلطان وسألوا حقن دمائهم فأجاب سؤالهم وعين لهم شحنة فعادوا إلى بلادهم وأرسلوا إلى من في البطائح من الناس يعرفونهم ذلك فحضروا بأهلهم وأموالهم وجمعوا مالا عظيما وحملوه إلى السلطان فتصدق عليهم بنفوسهم. اه
نتيجة بحثي
ويبين لنا مما ذكر أن مؤلف كتاب مناقب بغداد هو - على الأرجح - أبو الفرج، عبد الرحمن، جمال الدين بن محيي الدين، يوسف، أبي محمد بن أبي الفرج عبد الرحمن، جمال الدين، ابن الجوزي وقد قتل المؤلف في بغداد على ما رأينا.
إن الشواهد التي أتيت بها بقصد تعريف ابن الجوزي مصنف المناقب وما أتيت بغير ذلك جاءت نموذجا من الكتاب الذي ارتأى عنه الأثري في نقده (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق) لغنيمة ما قوله بحرفه:
(ومما يؤخذ عليه (على غنيمة) أيضاً انه نقل في مواضيع عديدة حكايات مزخرفة بادية عليها أمارات الوضع عن كتاب مخطوط لمؤلف مجهول واسمه (تاريخ العراق في عهد المغول) ولا نعرف كيف جاز له الاعتماد عليه وهو لا يعرف مؤلفه). اهـ (مجلة الحرية البغدادية 2 (1925): 288)
وبعد أن شك الأثري في أن المناقب لغير ابن الجوزي المتوفي في سنة 597هـ وجاء في تضاعيف الكتاب ما لا يقبله العقل من أمر عدد الحمامات فليسمح لي(5/406)
أن أقول: أني لا أظن أن هناك مانعا من الاعتماد على هذا المخطوط الفذ وقد نقل عنه من رآه من الكتاب وفيهم احمد تيمور باشا. وقد أكون مخطئا في ظني فلأهل التدقيق والتمحيص البت في منزلة الكتاب بعد وقوفهم على المنشور منه هنا وفي المجلات التي ذكرتها ولا سيما بعد أن بان انه لابن الفوطي على الأرجح وقد قال صاحب فوات الوفيات عنه (الشيخ الإمام المحث المؤرخ. . .) وفي الكلمة التي يقولها المتتبعون يخدمون التاريخ والحقيقة وهما الغاية المتوخاة.
بغداد: 25 أيار سنة 1927
يعقوب نعوم سركيس
الوفاء الحي
من نظم الدكتور أبي شادي
مرئية تلحينية لساكن الجنان سعد باشا نظمت لتنشدها المطربة ملك:
مجد (سعد) ما تناهت ... في ممسات دولته
عاش في خلد وعاشت ... في وفاء أمته
(سعد) روح سوف يبقى ... في العصور الأبدية
ينشر الحب ويرقى ... بالنفوس البشرية
كلنا نشدو به ... كلنا نبكي عليه
العلى من دأبه ... والندى من راحتيه
كلنا تكوين (سعد) ... في ثبات وأمل
أي مجد غير مجد ... يلهم الناس العمل؟!
عاش نبراسا عظيما ... ومثالا للأبوة
كان بالروح كريما ... كان في خلق النبوة!
في سبيل (النيل) ضحى ... في سبيل الحق عانى
واهبا (للنيل) سمحا ... عمره المحسود شانا
اندبيه يا معالي ... قدسيه يا (فنون)
كل محمود وغال ... حين ينساه يهون
وهو حي ليس ينسى!(5/407)
تحقيق مواقع بعض المواضع القديمة
في كتب تقديم البلدان، مواضع وأماكن كثيرة، نظن أنها قد درست وأمحت آثارها، لبعدها عن العمران، وصعوبة الوصول إليها، ومن هذه المواضع، اذرح، والجرباء، والحميمة، وهي من البلاد التي حدثت بها حوادث ذات شأن في التاريخ الإسلامي.
وقد أتيح لي أن أعلم بعض أمرها اليوم، وهي واقفة في إمارة الشرق العربي التي أنشئت في شرقي عبر الاردن، فرأيت أن أشرك القراء في ذلك فأقول:
اذرح
يقول ياقوت في معجمه: (اذرح اسم بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة، ثم من نواحي البلقاء وعمان (وزان جبار) مجاورة لأرض الحجاز). قال ابن الوضاح: هي من فلسطين وهو غلط منه. وإنما هي قبلي فلسطين من ناحية الشراة. وفي كتاب مسلم بن الحجاج: بين اذرح وجرباء ثلاثة أيام. وحدثني الأمير شرف الدين يعقوب بن الحسن الهذباني،(5/408)
قبيل من الأكراد، ينزلون في نواحي الموصل قال: رأيت اذرح والجرباء غير مرة وبينهما ميل واحد واقل لان الواقف في هذه ينظر هذه.
قال ياقوت وبأذرح إلى الجرباء كان أمر الحكمين بين عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري وقيل بدومة الجندل والصحيح (اذرح والجرباء واستشهد على ذلك بأبيات شعر لذي الرمة والأسود بن الهيثم في مدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الاشعري وكعب بن جعيل في مدح عمرو بن العاص وختم كلامه بقوله: وفتحت اذرح والجرباء في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سنة تسع وصولح أهل اذرح على مائة دينار جزية.
هذا ملخص ما قاله ياقوت عن اذرح وفي كتب السيرة النبوية نسخة الكتاب الذي أعطاه الرسول إلى أهلها وأهل جرباء وكانوا يهودا وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمد النبي لأهل اذرح وجرباء انهم آمنون بأمان الله وأمان محمد وان عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة والله كفيل بالنصح والإحسان للمسلمين).
قلنا وقد ذكر اذرح الاخطل في قصيدته التي مدح بها عبد الله بن معاوية إذ يقول:
وأبوك صاحب يوم اذرح إذ أبى ... الحكمان غير تهايب وضرار(5/409)
لما تبحثت الضغائن بينهم ... أفضى وسار بجحفل جرار
وأهل إذ غنظ العدو بفيلق ... تحت الاشاء عريضة الآثار
حتى رأوه بجنب مسكن معلما ... والخيل جاذبة على الإقتار
واذرح اليوم من الطلول الدوارس ولكن أبنيتها لا تزال قائمة الجدران مترامية الأطراف على بعد خمس ساعات من الشوبك إلى الجنوب وأربع ساعات ونصف ساعة من معان إلى الشمال وثلاث ساعات من وادي موسى إلى الشرق ونصف ساعة من الجرباء إلى الغرب يملكها حمد بن جازي شيخ مشايخ قبيلة الحويطات، ومياهها متدفقة بغزارة وتزرع فيها الزروع المختلفة وفيها خفير وقد اتخذها (السيد مصطفى وهبي التل) حاكم الشوبك ووادي موسى التابعة لإمارة الشرق العربي مربعا لموظفي الحكومة ربيع سنة 1345هـ 1926م.
حيفا: عبد الله مخلص
قضاء الكوير
صدرت الإرادة الملوكية بتحويل ناحية الكوير قضاء. واعلم أن مركز هذا القضاء مهم لأنه واقع على ملتقى خطوط المتصلات الرئيسية بين الموصل واربل وكركوك.
وقصبة الكوير نفسها قائمة على نهر الزاب الأكبر؛ يحيط بها قبائل عربية وكردية، يعنى اغلبهم بالزراعة ورعاية السوائم.(5/410)
غادة بابل
3 - هب بيروس من رقاده وهو يكد الفكرة في إيجاد الحيل واختراع سبل الخدع للإيقاع بشمشو تخلصا منه وفقا للخطط التي وضعتها له نتو أمة السوء والخيانة الظاهرة. فمر بالهيكل ودخل القسم المخصص بتسجيل العقود فرأى التجار والزراع والصيارفة والملاكين والرعاة والسماسرة متألبين جماعات جماعات أمام الكهنة الكتبة لتسجيل عقود البيع والشراء والرهن والكفالة والقرض والإيجار والمرابحة وغيرها. وكان الكتبة يدونون هذه العقود على رقم من طين يخطونها عليها بقلم من حديد بالخط المسماري يوقع عليها المتعاقدون أو يختمونها بختوم ويشهد عليهم شهود وبين المتعاقدين رجال ونساء.
فهناك من كان يسلف الدراهم على الحصاد المقبل على الحنطة والشعير والذرة والسمسم والقطن والتمر والصوف بربا يتراوح بين عشرين بالمائة وثلاثة وثلاثين وثلث بالمائة. أما ربا قروض الدراهم فيتراوح بين خمسة ونصف بالمائة وخمسة وعشرين بالمائة. وبين الناس من كان يعقد الشركات للقيام بالتجارة مع بلاد أشور ونائري وماذي وعيلام وفنيقية ومصر. ومن كان يؤجر داره ومخزنه ومحراثه وثوره وحقله ومرجه. ومن كان يبيع أموالا منقولة وغير منقولة أو يبيع العبيد والأسرى بل حتى الأولاد.
وكان الوسطاء والسماسرة يتفننون في إقناع المتعاقدين ويبذلون جهودهم لتسوية كل الاختلافات التي قد تحول دون إتمام بعض العقود. فتقوم أحيانا ضجة عظيمة بين البائع والشاري أو الراهن والمرتهن أو المؤجر والمستأجر ويتدخل في أمرهم الحاضرون لحسم النزاع وكثير ما يخرج الاختلاف عن نطاق المفاوضة إلى العياط والتنابذ في الكلام والسب والشتم. ويحاول كل(5/411)
واحد أن يقص على السامعين أحاديث طويلة عريضة ليقنعهم انه محق وان خصمه مجحف بحقوقه يريد ظلمه.
وكان بين المتعاقدين أجيبي الصراف الشهير بثروته وعقوده العظيمة فتقدم إلى الكاهن المسجل ومعه رجل آخر واخذ يملي على الكاهن شروط عقد عظيم يتضمن مواد عديدة:
1 - قرض عشرين جورا من الحنطة بفائدة تسعين (كا) على كل (جور).
2 - قرض أحد عشر (جورا) من التمر بفائدة اعتيادية على كل (جور).
3 - مبياع عشرة (جانات) من أرض الزراعة بقيمة خمسة وعشرين شاقلا فضة.
4 - قرض (منا) من الفضة بفائدة شاقل واحد عن كل خمسة شاقلات.
فهنا حدث اختلاف بين الصراف والتاجر المعاقد على بعض شروط هذا العقد ومهما حاول بعض الحاضرين إزالة ذات البين منهما بقيت الحالة متوترة وفتق الخصومة لم يرتق بل زاد اتساعا. فتقدم بيروس وتظاهر بأنه رسول اله الصلح والسلام ومرهم لتضميد جروح النزاع والخصام. اخذ أجيبي على جانب وخاطبه بصوت خافت وهو يحرك يديه ويقطب حاجبيه ويغمز بعينيه فهز أجيبي رأسه وحناه قانعا بما أوحاه إليه الكاهن بيروس. ثم تقدم بيروس من التاجر الآخر وهامس في أذنيه ببعض الألفاظ. والجمع ينظر إلى النتيجة وإذا بالطرفين قد رضيا بفسخ العقد وإلغائه عن طيب خاطر. فدهش الناظرون من الكاهن للباقته وقوة تأثيره في الخصمين وتحدث بذلك أهل المدينة.
دار الكلام بين بيروس وبين أجيبي عن قرض دراهم لشمشو وعقد شركة(5/412)
معه للتجارة والمقايضة بين بابل وأشور وبلاد نائري. فسخر بيروس بلاغته وبيانه وعلمه وثقافته وأفانين خدعه وأساليب مينه لإقناع أجيبي صاحبه وحمله على هذا فكان تارة يطري مقدرة شمشو الشاب وأمانته ونزاهته وطورا يفيض كلاما في وصف الربح المنتظر من هذه التجارة ويسرد أمثالا عديدة ويعدد أسماء تجار بدءوا بأسفارهم إلى البلاد الغريبة برؤوس أموال قليلة فوافقتهم ريح الحظوظ وكسبوا مكاسب طائلة وهم اليوم من أصحاب الثروات العظيمة والأملاك الواسعة والعقارات المترامية الأطراف. ثم يرجع مرة فيكلمه عن الضمان الذي يأخذه عن شمشو عن المال الذي يقرضه وعن الربا الذي يتقاضاه منه عن الدين ألم تنجح التجارة. وقصارى الكلام زين له العمل وأظهره رابحا من جميع الوجوه.
ولما توسم فيه أمارات التردد زاد كلامه قائلا: (أن حدثتك نفسك بخوف يا أجيبي وخشيت عواقب عملك فما لك إلا أن تدخل الهيكل الآن وتستشير الإله. فدخل كلاهما واخذ بيروس قنينة فيها زيت مقدس وبعد أن قام بفرائض الدين صب بعض قطرات من ذلك الزيت في حوض ماء واخذ ينظر في الأشكال التي أحدثتها تلك القطرات وصور انتشارها على وجه الماء فتحقق حسن العاقبة فأفضى به إلى أجيبي وهداه عن حسن المآل. فما كان من صرافنا
إلا النزول على إرادة الكاهن الكلداني.
فسر بيروس كل السرور لقطعه الخطوط الأولى من سبيل تدبيره الشيطاني وذهب لساعته إلى شمشو واظهر له من عواطف الحب والإخلاص ما حمله على الاعتقاد أن الرجل يبذل مساعيه ويسخر ما لديه من الحول والقوة لتشييد صرح مستقبله على أسس مكينة. وبعد أن ساد السكوت بينهما هنيهة قال بيروس: لماذا لا تتعاطى التجارة؟
شمشو - أنت تعلم إنني خسرت خسارة عظيمة بفقداني غلات أراضي في سنة الغرق إذ فاض الفرات وسالت المياه في المزارع والحقول وجرف السيل كل ما كان في طريقه من نبات وحيوان وإنسان وخرب الجداول والترع وطماها بالغريل. ولم تقف نكبتي عند هذا الحد بل أن الفرات خرج(5/413)
من عقيقه وغير مجراه فأصبح اليوم بعيدا عن الأراضي التي ورثتها من أبي وبعد أن كانت مشهورة بخصبها وسهولة ريها غنية بغلاتها صارت قاعا بلقعا وخرابا يبابا ينعق فيها البوم والغراب. فلا مال لي لأحياء تلك الأراضي وجر المياه إليها. ولا عندي منه ما يكفيني لاستعين به على التجارة.
بيروس - لقد فاوضت بهذا الأمر أجيبي الصراف وحسنت له عواقبه. فتردد عن قرضك المال اللازم لتجارتك. بيد أني أقنعه بان تعقد شركة بينكما بشروط تقررانها. فتذهب ببضائع وتجارة إلى بلاد أشور ونائري.
شمشو - إلى بلاد نائري؟ هذه شقة بعيدة وأسفار محفوفة بالمخاطر والأهوال فلست من المجازفين بالحياة. إنما أوافق على المتاجرة بين بابل وأشور فقط فهل يرضى أجيبي بذلك؟
بيروس - لست سمسارا وما توسطي بهذا الأمر إلا لخيرك. فما الذي يوقفك عن السفر إلى بلاد نائري. هذه طريق تجارية يسير فيها تجار بلاد أشور فتدر عليهم بالخيرات والأرباح. فإذا قمت برحلتين بين بابل ونائري اربح مالا وافرا يغنيك عن الشركة مع أجيبي. (وقف قليلا عن الكلام وهو مطرق، ثم استأنف حديثه قائلا): وماذا تفكر فيك حتراء بنت ذلك الصراف إذ ترى شابا في مقتبل العمر قوي البنية يخشى السفر إلى بلاد نائري إلا تقول فيك انه جبان رعديد؟
شمشو - ومن أين تعلم ذلك حتراء؟ وما لفظ اسم حتراء إلا اضطربت شفتاه مرتعشتين كأنهما وتران تحت ريشة المطرب.
بيروس - كانت تسمع حديثي مع أبيها. وإذا رجعت إليه بهذا الجواب صغرت في عينيها فتحدث بالموضوع بنات المدينة وهو أمر لا أرضاه لك ويثقل علي شيوعه بين القوم.
شمشو - فشكر شمشو عناية الكاهن به الأبوية ورضي باقتراحه ووعده بملاقاة الصراف في القريب العاجل لتدوين العقد. وتوادعا على هذه الغاية وكل(5/414)
منهما فرح بهذه الصفقة التي يظنها رابحة له: بيروس يعلل النفس بالأماني الطيبة للتخلص من حبيب حبيبته وشمشو يعتقد أن هذا التدبير يقربه من حتراء وبيتها ويمهد له العقبات للزواج منها.
كان اليوم التالي موعد الملاقاة بين أجيبي وشمشو فتم الاتفاق بينهما وتوجها إلى الهيكل لتسجيل العقد أمام (المشيكم وهذا نصه:
شمشو بن نجبو قبض عشرين منا فضة بفائدة شاقل واحد عن سبعة شواقل من أجيبي الصراف للتجارة مع بلاد أشور ونائري والربح مناصفة بين المتاقدين.
سن اربام بن جزنشاك؛ ننار ميدو بن اروماكل؛ ازاك أنينا بن لول ننشبور.
شهود.
أمام المشكيم شراني بن سابو.
في اليوم الخامس والعشرين من شهراداررو وهي السنة الأولى للملك شمش موجين.
وختم هذا كل من المتعاقدين والشهود بختوم، أحدها من العقيق على شكل اسطوانة مثقوبة من الطرف الواحد إلى الطرف الآخر وقد نظمت في خيط. والثاني من اللازورد والآخر من اليشب والآخر من حجر دم الأخوين أما ازاك لول ننشبور فلم يكن عنده خاتم فأتى ووضع علامة راس ظفر إصبعه في صفحة العقد عوضا عن الختم.
وكان على خاتم العقيق اسم أجيبي وعليه صورتا الاهين متقابلين الواحدة بازاء الأخرى وقد مد كل منهما يدا لتقبض على أنبوب يمص به شرابا من قدح وضع على مائدة مرتفعة. وكانت هاتان الصورتان صورة اله القمر (سن) ورفيقته ننجل. وكانت صورة الإله شمش مع اتباعه الإلهة منقوشة على خاتم شمشو مع اسمه واسم أبيه. وكانت صورة البطل جلجمش يصارع أسدا محفورة على خاتم أحد الشهود وصورة خلائق مجنحة أمام شجرة الحياة على خاتم الشاهد الثاني.(5/415)
شاع خبر هذا العقد وتحدث به الناس في الأندية والبيوت واتت الجارات وأخبرت ريماة
وابنتها شميرام بقرب سفر شمشو الدمكار فبقيت شميرام بين مصدقة ومكذبة هذا النبأ الذي ثقل وقعه على إذنيها وقلبها وحسبت له ألف حساب وكانت تنتظر بصبر جميل قدوم ابن عمتها لتقف على جلية الأمر ولما استبطأته دعت نجيتها نتو وقالت لها اذهبي إلى بيت عمتي وأتيني بالخبر اليقين عن سفر شمشو إلى بلاد أشور ونائري، وإذا رأيت ابن عمتي ادعيه ألي. فذهبت نتو وعرجت في طريقها على بيت بيروس فلاقاها الكاهن وهو مستبشر بنجاح الدسيسة وأكد لها حقيقة الأمر وأوصاها بكتمان السر ووعدها بالهيل والهيلمان وأعطاها نباتا تجله وقال لها: دسي هذا النبات المقدس السحري خلسة في الزاد الذي تعده سيدتك لابن عمتها. ففي هذا النبات قوة سحرية تقصي قلب شمشو عن حب شميرام إلى الأبد لا بل تولد فيه بغضا يفوق التصور فينظر إليها نظرة عداء وحقد. ولكن تتلاشى هذه القوة إذا ما اطلع أحد غيرك على الأمر وتحنق الإلهة والأرواح عليك آنئذ لإفشاء هذا السر العظيم فتبطش بك وتنتقم منك. ويكون انتقامها لهذه الخطيئة عظيما لا تنفعك فيه الأدعية والتعاويذ والصلوات والتقاسيم والبكاء والنحيب والضحايا والقرابين لان الإلهة بأجمعها تغتاظ منك: يغتاظ منك الثالوث الأعظم (انو) و (بل) و (ايا). والثالوث الثاني (شمش) و (سن) و (ادد)، وكذلك مردخ واشتر ونرجل ونبو وتشميت ونسكو وكل الإلهة المعروفة وغير المعروفة وتتفق الأرواح المؤذية على صب جامات الغضب الآلام والشرور عليك وتحل عليك(5/416)
الأمراض والأوصاب وتعذبك الشياطين أشكو وتيعو واخازو ولباسو ونمتار والو وشيدو وجالو والأرواح السبعة، ويفزعك ليلو وليلتو بظهورهما لك في الليل.
فلما سمعت نتو هذا الوعيد ارتعدت فرائصها وجمد الدم في عروقها فقالت للكاهن مالي وهذا المركب الخشن. ولم اقدم على أمر فيه من المخاطر والأهوال ما يسحقني سحقا فخذ نباتك ودعني وشأني، وخلصني من تبعة هذا العمل.
وكان قصد بيروس من هذا التهويل أن يحمل نتو على كتمان السر ليس إلا، ولما انس منها هذا الخوف والذعر خفف من لهجته واخذ يصف لها الخيرات التي تنالها إذا ما نجحت في مهمتها، ووعدها بالتحرير من ربقة الرق وبتزويجها وبالأموال الطائلة واستمطار بركات الإلهة والالاهات وبالصحة والعمر الطويل فرضخت لطلبه وهرولت مسرعة إلى بيت شمشو وسألته عن سفره متجاهلة كل ما عرفته من بيروس وأوقفته على رغبة بنت خاله
وقالت له: أن شميرام بانتظارك ورجعت إلى سيدتها تحقق لها صحة ما سمعته من جاراتها عن أمر سفر شمشو.
أخذت شميرام تملخ في الهواجس وتفكر في مصير هذا الاتفاق الجديد بين ابن عمتها ووالد حتراء رقيبتها في الحب وحارت في التكهن بما خبأته لها الليالي من العجائب والغرائب سواء ربح شمشو أو خسر في تجارته، لأنه أن رجع إلى بابل رابحا طمع بمصاهرته أجيبي لا محالة وتذللت العقبات القائمة في سبيل(5/417)
زواجه بحتراء. وان رجع يتعثر بأذيال الخيبة وبقيت أموال الصراف في ذمته فيكون الأمر على شقين آنئذ فأما يغضب منه أجيبي ويستحكم التنابذ بينهما وأما يرضخ لتزويجه من ابنته ليستعين به على الأشغال والتجارة مع البلاد النائية!! وعلى كل ففي هذا العقد الجديد نظر لأنه فتح بابا لتوثيق عرى الوصل بين القلبين. ووضع أساسا لبناء هيكل الحب يضحي عليه بقلبي!!
ولكن أما لي سبيل إلى أن أشوش على شمشو هذا العقد وامنعه من التعامل مع أجيبي فاحمل والدي على أن يدفع إليه مبلغا من المال يستعين به على قضاء وطر تجارته في بابل ويشتغل بين ظهرانينا ويكون في غنى عن تجشم مخاطر السفر وهجراني إلى الأبد وان لم أتوصل إلى ذلك كله آمالي طريقة أخرى اضرب بها هذا العقد بيد سرية أو قل بآيات سحرية. اليد السرية! الآيات السحرية! أوهام وشعوذة!. . أوابد وخرافات.! وجر مغانم للكهنة والسحرة والمنجمين!! إلا إني أجربها فان نجحت كون رمية من غير رام وان أخفقت فإني لست معتقدة بها والغريق يتشبث بحبال القمر. . .
دخل في هذه المطاوي شلمان كرادو على ابنته شميرام فنظرت إليه فرأته باسما فاستبشرت خيرا وقالت له: أما سمعت يا والدي بسفر ابن عمتي وتجارته الجديدة واتفاقه مع أجيبي الصراف.
فأجابها نعم! وهذا الشاب يعرض بنفسه للأخطار ولا يشاورني.
شميرام - لعل له عذرا. لأنه شاب وقد سدت في وجهه أبواب الرزق. ولكن علينا أن نعاونه إكراما لعمتي التي ماتت وتركت ابنها في عهدتك يا أبتي.
الوالد - لو طلب مني مالا لما توقفت من إعطائه له من غير منة ولكنه متكبر يحسب في الطلب مني ذلا. ومع امتعاضي منه تريني حاضرا لإسعافه بان الغي العقد مع أجيبي.
شميرام شميرام - هل توافق أن أقول له ذلك أن جاء لزيارتنا اليوم؟
الوالد - نعم.
وبعد هنيهة جاء شمشو فرحبت به شميرام وإمها وجلستا تحدثانه عن سفره وأعربتا عن أسفهما لنوى الفراق. ثم قالت شميرام أن والدي لا يرتاح(5/418)
إلى هذا السفر فلو عدلت عنه أمدك بالمال اللازم للتجارة بين شمالي بابل وجنوبيها أو لتعمير أراضي آبائك وفتح الترع والجداول فيها واتخاذ الزراعة مهنة لك. هل أنت فاعل يا شمشو؟ فلم يحر جوابا بل اطرق واجما كأن على رأسه الطير. فكررت السؤال عليه. فأجابها: ما كتب كتب والرجل لا يرجع القهقرى بعد أن صمم على أمر من الأمور وإلا كان صبيا لا يعتد به وبأقواله.
فغصت شميرام بريقها. وعلت وجهها صفرة الامتعاض. وسكتت طويلا ثم التفتت إلى والدتها وقالت لها أن والدي اعلم الناس بطبع ابن أخته. . وتركت شمشو وذهبت متشاغلة في أطراف البيت. وهي تقول مالي إلا طريقة واحدة لإرجاع ابن عمتي عن رأيه ما لي إلا السحر. ليظهر السحر علمهم. ولتظهر الآلهة قدرتها. وقد علمت أن الساحرة (زخنتم) قديرة على أسر قلوب الشباب بطلاسم ولها مواد فتانة وأدعية نافذة التأثير وقطع من الصوف أو الثياب تدس بين ثياب الشاب فتغويه وتسلط عليه جنة الشغف والحب. سأزور هذه العابدة في محبسها الملاصق للهيكل وأتذرع بعلمها ووساتطها لاسود على قلب شمشو العنيد. . .
لله در من قال: (مصائب قوم عند قوم فوائد.) فما اصدق هذا الكلام على العقد الذي تم بين شمشو وأجيبي وبينما كانت شميرام تنظر إليه نظرة متشائم وتوجس منه شرا كانت حتراء تعلن به أطيب الآمال وتلوح لها منه تباشير خير وبوادر فرج. إذ تعتقد انه توطئة نجاح لزواج. ورسخ في ذهنها هذا الاعتقاد بعد أن استشارت المنجمين ومفسري الأحلام. فأكدوا لها تحقيق غايتها. ولا سيما إنها واقفة على شغف شمشو بها واتت كل الأحوال ملائمة لرغائب قلبها.
بيد أن أحد السحرة الذين استشارتهم حتراء أفزعها بنبوءاته وتكهناته عن الأهوال والبلايا التي يصادفها حبيبها في سفره هذا وأوصاها بان تزوده بالطلاسم والرقى والتعاويذ.
فأخذت طلسما وهو تمثال من الشبه (البرنز) جسمه جسم كلب، ورجلاه(5/419)
رجلا عقاب، وذراعاه مسلحتان بمخالب أسد، وذنبه ذنب عقرب، ورأسه جمجمة صقل (هيكل عظام)
وله قرنا عنزة وعلى ظهره أربعة أجنحة كبيرة مبسوطة تلك هي صورة شيطان ريح الجنوب الغربي. التي تقي الإنسان من الأرواح الخبيثة إذا ما علقت على باب البيت أو نوافذه.
وأخذت له بعض الأحجار المختلفة الألوان المعروفة بقوتها السحرية في بابل والتي تحفظ من النوائب والبلايا. إذا ما نظمت في خيط ولبست في العنق.
وأرسلت هذه التعاويذ إلى حبيبها خلسة وأوصته بالاحتفاظ بها وباتخاذها طلسما. فاحتفى بها لأنه رأى فيها ذخر قوة السحر والوقاية وذخر قوة الحب وذكرى الحبيبة.
يوسف غنيمة
إلى سعد
من نظم شوقي بك
مرئية تلحينية لينشدها المطرب محمد عبد الوهاب، (وهى إلى العامية اقرب منها إلى اللغة الفصحى):
أنا انتهيْت انتو ابتدو ... يالله الهِمَمْ يالله العمل
أتعلموا واتوحدوا ... تبلغوا روحي الأمل
يا (سعد) فين نور جبينك ... وفين فصاحة لسانك
الحزن مالي عرينك ... والشرق قومه عشانك
آه من الموت آه ... سل الأسد من عرينه
العدل كان في حماه ... والحق كان في يمينه
قل لِلْعَدُو في وصفنا ... إحْنَا الشَّبُولْ بعد الأسد
الائتلاف في صفنا ... ما فيش خلاف ما فيش حسد
لغة العرب: - ناسف على أن قريحة شوقي بك قذفت بمثل هذه الأبيات المسبوكة سبكا عاميا فإنها تصم اسمه وصمة لا يزيلها مر الدهور. وهو بخلاف ما ينظمه احمد زكي بك أبو شادي فانه يفر من العامية هربه من البرص والجرب.(5/420)
فوائد لغوية
1 - الضاد والظاء
الضاد والظاء حرفا هجاء للعرب خاصة. ويعدهما علماء التجويد من حروف الاستعلاء والإخفاء.
والضاد حرف مستطيل مخرجه من طرف اللسان إلى ما يلي الأضراس ومخرجه من الجانب الأيسر اكثر من الأيمن وهي منفردة بهذا المخرج لا يشاركها فيه حرف ما.
والظاء من الحروف اللثوية التي مخرجها طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا ويشاركها بهذا المخرج الثاء والذال.
وقد نقل عن أبي عمرو بن العلاء والشيخ بهاء الدين العاملي صاحب الكشكول القول باتحاد مخرجهما.
وكان ابن الإعرابي يقول: جائز في كلام العرب أن يعاقب بين الضاد والظاء فلا يخطأ من جعل هذه في موضع هذه.
2 - الكتب المؤلفة في الضاد والظاء
1 - كتاب الغيبة في الضاد والظاء لناصر الدين سعيد بن مبارك المعروف بابن الدهان النحوي.
2 - كتاب الضاد والظاء لأبي الحسن علي بن يوسف القفطي.
3 - كتاب الاعتضاد في الظاء والضاد لمحمد بن عبد الله المشتهر بابن مالك(5/421)
صاحب الألفية المنظومة في النحو.
4 - كتاب الفرق بين الضاد والظاء لمحمد بن علي الحلي المعروف بابن حميدة النحوي.
5 - كتاب الضاد والظاء لمحمد بن جعفر القزاز القيرواني التميمي.
6 - رسالة الارتضاء في الضاد والظاء لمحمد بن يوسف الجياني الأندلسي المكتني بابي حيان النحوي.
7 - رسالة زينة الفضلاء في الفرق بين الضاد والظاء لعبد الرحمن بن محمد المعروف بابن الانباري.
8 - رسالة المواد في كيفية النطق بالضاد لعيسى بن عبد العزيز اللخمي الإسكندري.
9 - رسالة لأبي الفتح احمد بن مطرف بن اسحق المصري.
10 - رسالة للشيخ علي المنصوري.
11 - رسالة للشيخ علي المقدسي.
وقد جمع فريق من الكتبة المواد الظائية وذكروها استطرادا في مؤلفاتهم كالقلقشندي في صبح الأعشى وغيره.
وللشيخ طه الراوي البغدادي مقالة نافعة رتبها على ترتيب حروف المعجم وذكر فيها ما يهم ذكره من المواد ذوات الظاء أدرجت في مجلة دار المعلمين البغدادية (1: 128 إلى 134).
وللحريري منظومة موجزة أوردها في المقامة السادسة والأربعين المعروفة بالحمصية فيها كثير من الكلم الظائية نستغني عن ذكرها لشهرتها. فلتراجع في محلها.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي
الأفصح من كلام العرب
السراة من الألفاظ الرحالة
نسمي الألفاظ المتنقلة من لغة إلى لغة، ومن بلد إلى بلد، (الألفاظ(5/422)
الرحالة). وهذه الألفاظ كثيرة تكاد لا تحصى؛ ومما نريد أن نذكره اليوم (السراة) من مادة س رو. قال ياقوت في معجم البلدان: السراة. . . عند (سيبويه): اسم مفرد موضوع للجمع كنفر ورهط وليس بجمع مكسر (لسري). وسراة الفرس وغيره: أعلى متنه والجمع سروات. وكذا يجمع هذا الجبل بما يتصل به. . . وقال الأصمعي: الطود جبل مشرف على عرفة ينقاد إلى صنعاء يقال له السراة، وإنما سمي بذلك لعلوه. . . وهو الجبل الذي فيه طرف الطائف إلى بلاد أرمينية. وفي كتاب الحازمي: السراة: الجبال والأرض الحاجزة بين تهامة واليمن ولها سعة وهي باليمن أخص. اهـ. فيؤخذ من هذه النصوص: أن السراة هي ما نسميها اليوم بسلسلة الجبال؛ بما أن السراة عند السلف هي جبال تمتد من الطائف إلى أرمينية.
ولما دخل العرب بلاد الأندلس سموا كل سلسلة جبال بالسراة. فنقلها الاسبانيون إلى لسانهم بصورة ومعناها: سلسلة جبال؛ إلا انهم يقولون: أن سيارة معناها المنشار او أسنانه. ولما كانت سلسلة الجبال تشبه المنشار الكبير صح التعبير عنها بسيارة أي بالمنشار.
ثم جاء خلف سلفنا الأولين فنقلوا السراة عن الأسبانيين وهذا داب الخلف في كثير من الأمور فانه يخلف (أي يرد إلى الوراء) ما جاء به أجدادهم. فقالوا (شارة) في سيارة المحولة عن السراة. ثم قالوا في سراة وادي الرامة ما لفظه بالأسبانية: والخلف قال: (شارة وادي الرامة) (راجع دائرة المعارف في مادة أسبانية: جبالها) وقالوا في سراة الثلج: (جبل الشارات) (دائرة المعارف في المحل المذكور).
ومما زاد الطين بلة والطنبور نغمة، أن خلف الخلف صحف كلمة (شارة) التي لم يفهم معناها بصورة (بشارة) فقال: (جبل البشارة والفتح) وهو يريد (سراة الفتح) أو كما يقول بعضهم: شارة الفتح وبالأسبانية قال شمس الدين الدمشقي في كتابه نخبة الدهر، في عجائب البر والبحر، (في ص 23 من طبعة بطرسبرج) ثم يتلوه (يتلو جبل الدرن) في الامتداد: جبل البشارة (كذا) والفتح، الفارق بين غرب جزيرة(5/423)
الأندلس وبين مشرقها من أول الجزيرة إلى آخرها، ومنه شعبة تتصل بالبحر الشمالي إلى بحر ورنك والصقالبة
والكلابية.) اه
فانظر بعد هذا كيف تتبدل الألفاظ وتنتقل من صورة إلى صورة على حد ما يرى مثل هذا التحول في كل موجود على الأرض.
ونقلت السراة عندنا بلغة الشراة بالشين المعجمة وهي صقع مشهور بجباله يسميه الإفرنج وهناك غير هذه التصحيفات والروايات واللغات ولعلنا نعود إليها يوما.
غلط في الجمع عام في المعاجم الحديثة
يجري مؤلفو معاجم اللغة العربية الحديثة على آثار محيط المحيط فيتدهورون في مهاوية ويدهورون الغير فيها. ومن أشنعها قول البستاني يقال: رجل صنيع اليدين أي حاذق في الصنعة. وقوم صنعي (وضبطها كحبلى) الأيدي وصنعي الأيدي (كمعزى) وصنعي الأيدي (بضمتين ففتح) وصنعي الأيدي (بفتح الحروف الثلاثة الأولى) وأصناع الايدي، أي حذاق في الصنعة. اهـ.
- والصواب هو كما جاء في القاموس: رجل صنع اليد (بالتحريك) وصناع اليد (كثمان)، من قوم صنعي الأيدي بضمة وبضمتين وبفتحتين وبكسرة، وأصناع الأيدي، وحكى: رجال ونسوة صنع بضمتين. اهـ.
وأول من كبا هذه الكبوة فريتغ فعثر وراءه البستاني لأنه يتأثره في جميع حسناته وسيئاته، ثم جاء الشرتوني فاقر هذا الغلط. وبعد ذلك جاء صاحب معجم الطالب، والمنجد، والمعتمد، إلى غيرهم. وجميعهم يجرون جري الأول. فصدق فيهم قول السلف: نزو الفرار استجهل الفرارا)
وقد قلنا مرارا: أن صاحب محيط المحيط جعل كتابه فلكا شحنه أغلاطا فجاء بعده كل من ألف في اللغة ولم يكن مهيأ للتصنيف فنقل الغلط عمن تقدمه من غير أن يتحقق بنفسه تلك الهفوات فكانت الطامة الكبرى على اللغة وعلى من يتلقاها من تصانيفهم المشؤومة.
ولهذا قلنا مرارا إننا في حاجة إلى مراجعة الأمهات ووضع ديوان لغة يعتمد فيه عليها وان ينبه على مزالق اللغويين العصريين التي لا تزال تتسع وتفسد تراث أجدادنا عوضا عن أن تدفعنا إلى أن نحرص عليه ونذود عن حياضه لنكون احسن خلف لأطيب سلف.(5/424)
باب المكاتبة والمذاكرة
لمحة في (نظرة العلوي)
- جواب على ما جاء في 5: 367 من مجلتنا -
قال العلوي: (ليس النارجيلة فارسية). مع إنها أشهر من كفر إبليس بأنها فارسية. وقد ذكرها صاحب برهان قاطع وفرهنك. وفيها لغة أخرى وهي ناركيل وباذنج وجوز هندي ورانج. وقد ذكر فرنسيس جونصن في معجمه الكبير الفارسي العربي الإنكليزي المطبوع في سنة 1852 في لندن ما هذا معناه: (النارجيلة أنبوبة فارسية تتخذ لشرب الدخان مارا بالماء.) فالظاهر أن حضرة العلوي ليس واقفا على جميع ما في المعاجم الفارسية، أو لعل المعجم الذي بيده صغير، أو لعل الديوان الذي بيده لا يفسر الألفاظ التي كانت معروفة قبل نحو مائة سنة.
وأما (القليان) التي ذكرها فهي تركية الأصل ويقال فيها (غليان) بفتح الأول وقليون (كليمون وهكذا يتلفظ بها العراقيون) بفتح الأول وإسكان الثاني، كما ذكرها فرهنك. أما قليون بكسر الأول فهو في اصلها التركي وقد وردت هذه الحروف في برهان قاطع وبهار عجم وفرهنك. والشاميون يسمونه غليون ويريدون به ما يسميه العراقيون بالسبيل وبالإفرنجية وأما الترك والهنود والإيرانيون فيريدون بالقليون النارجيلة أو ما كان منها صغيرا لطيف الحجم والشكل وبالإنكليزية -
والكليد بفتح الكاف وكسرها هو بالفارسية المفتاح، وهو من أصل يوناني من وعربه سلفنا بصورة اقليد والعامة إذا ضمت كلمة كليد إلى دار قالت كليتدار والفصحاء يقولون كليددار أو كليدار.
وقول المعترض: (إن صاحب روضات الجنات كتب اسم هذا الكتاب(5/425)
نقلا عن (وفيات الأعيان لابن خلكان): مخاطبات الإخوان بالشعر) فيه نظر. أن صاحب روضات الجنات ذكر اسم المخاطبات في ص 447، لكن لا نظن أن نقله صحيح، لأننا راجعنا وفيات الأعيان لابن خلكان (1: 258) فوجدناه يقول: (كتاب مكاتبات الإخوان) لا مخاطبات. وعندنا من هذا السفر الجليل نسختان خطيتان قديمتان وكلتاهما تذكر (مكاتبات). فلا جرم
أن الميرزا محمد باقر الموسوي الخونساري واهم في كتابه روضات الجنات. ولا سيما لأنك تجد الخطأ باديا في جميع التراجم: خطأ كتابة الاعلام، وكتابة الألفاظ، ورسم الألفاظ إلى غير ذلك. أو ليس هو القائل في ترجمة ابن المعتز انه (دفن في جراب بازاء داره) والصواب في خراب (بالخاء المنقوطة لا بالجيم)، فأين الواحد من الآخر. والخونساري كتب ابن الواقعة بين اسم الأب وابنه بألف والصواب بغير ألف وكتب في ترجمة ابن المعتز أهل البيت هكذا: (اهلبيت) إلى غير هذه الأوهام. فليس بحجة يعتمد عليه ولا سيما لأننا نراه يسب ابن المعتز في مطلع كلامه عنه. والمسبة لا تجدي فتيلا في مثل هذه المواطن ولا سيما لأنه جاء بعده بمئات من السنين فشتمه له لا يهديه أن كان ضالا، ولا يدنيه من الصواب أن كان مخطئا في ما ادعى به من الحق.
نقد كتاب أعلام العراق
تتمة
4 - ضعف المحاكمة
جاء في الصفحة 122 قول المؤلف في معرض مناظرة جرت بينه وبين ملحد: (سألت ذات يوم أحدهم: ما دليلك على نفي الصانع؟). ولا يخفى على كل من له المام بآداب المناظرة أن طلب الدليل إنما يوجه إلى المثبت لا إلى النافي. والظاهر أن الأثري خلا بملحد غبي فناظره إذ لو كان للملحد بصيص من الفهم لرد عليه سؤاله وقال له ما دليلك أنت على وجوده؟!
5 - التمويه
قال في ص 46: (وكان السيد عبد الله الالوسي شافعي المذهب، فلما تقلد القضاء قلد مذهب أبي حنيفة) ثم قال: (وله بذلك أسوة بمن تقدمه من(5/426)
أكابر العلماء) وعلى ذلك علق في الحاشية أسماء طائفة من العلماء تحولوا عن مذاهبهم لباعث اجتهادي لا لباعث منصبي، فكيف تم القياس؟ أفمن الإنصاف أن يقرن المجمع العلمي الدمشقي مثل هذا المؤلف بالإمام (ابن القيم)؟!! راجع مجلة المجمع العلمي العربي (7: 282).
6 - قلة الانتباه
قال في ص 141 (. . . ومن وافق الإمام ابن تيمية والمصلح الشيخ محمد ابن عبد الوهاب، كالمفسر الالوسي. . .) فادعى هنا سلفية المفسر: ولا أريد أن احكم هنا بسلب ولا ايجاب، لكني انقل عبارة صاحب التعليم والإرشاد في وصف التفسير، ثم أفوض الحكم إلى من يعرفون معنى المذهب السلفي معرفة صحيحة وتلخيص عبارة التعليم والإرشاد المنقولة في الأعلام ص 29: (اخذ الالوسي تفسيره من الرازي وأضاف إليه شيئا من أقوال سلف المفسرين دون تمييز بين ما قوى سنده وما وهى - وليس هذا من شأن السلفيين الحقيقيين - وأضاف إليه جملة كبيرة من تفاسير المتصوفة التي صرفوا بها القرآن عن ظاهره - وهذه أشنع من الأولى - فجمع بين الطرق الثلاثة - انظر ما غرضه من ذلك؟. . .)
وأضيف أنا إلى عبارة التعليم والإرشاد: أن المفسر شد الرحال إلى الآستانة لتقديم تفسيره إلى أعداء السلفيين وخصومهم الألداء فتأمل!!!
7 - التمحل
قال في ص 99: (استمر السيد شكري على الطريقة العوجاء مدة من الزمن حتى برقت له بارقة اليقين. . .) ثم قال: (ولكنه ووا أسفاه لم يستطع يومئذ أن يجاهر بآرائه بل اضطر إلى المجاملة وتستر تحت ستار التقية) فوصف شيخه بالتقية مع أن التقية والمذهب السلفي لا يجتمعان! ثم قال (ومن آيات ذلك شرحه منظومة ركيكة للصيادي في مدح الرفاعي وقدمه إلى عبد الحميد. . .) اهـ. ملخصا.
أقول: أن المرحوم شكريا لا يخلو أما أن شرح القصيدة قبل انتباهه لمذهب السلف أو بعده فان كان قبل انتباهه فهو معذور وعفا الله عما سلف إذن على م اعتذر بالتقية؟ وان كان بعد انتباهه فهناك الويل والثبور! إذ كيف ساغ له مصادمة(5/427)
مذهب السلف وهو متلبس به؟ فانظر ما رأى أهل المذهب في ذلك؟!
وما اكتفى الأثري بهذه الجناية التي جناها على أستاذه حتى قال في حاشية الكتاب: (نهج الأستاذ في كتابه شرح القصيدة الرفاعية نهجا أدبيا - مع انه وصفها آنفا بالركاكة! - وليس فيه من أمارات التقنية إلا كونه شرحا على منظومة الصيادي وإلا كونه مقدما إلى عبد الحميد) فما معنى الاستثناء ههنا؟ وهل بقي شيء حتى يستثنى؟ وما وراء عبادان
قرية! ثم قال في الحاشية أيضا: (وفي الكتاب تأييد قصة مد اليد وهي من زيادات الصيادي وليست من الأستاذ كما ذكر لي هو. . .) اهـ المقصود ملخصا.
وههنا أفوض الحكم إلى الناقد البصير! افبعد مثل هذا الخبط يسوغ للمجمع أن يقول في الأثري: (وهو مع كونه ابن لبون استطاع أن يبذ البزل المصاولين)؟!
8 - عدم التحاشي عما يمس العواطف
جاء في ص 99: (تلك القصة الخرافية التي يعدها الرفاعيون (الحمقى) من خوارق الكرامات) وما ادري كيف طوعت للأثري نفسه أن يصف الرفاعيين بالحمقى مع أن هذه الطريقة لم تسلم منها الأسرة الالوسية ونسي انه في معرض شرح أستاذه للقصيدة الرفاعية! فأي جناية جنى الأثري على أساتذته! وأي شعوذة روج على بعض المغفلين؟! وقد كان في وسعه أن يطوي كلمة (الحمقى) تأدبا لأنه سلاطة اللسان لا تؤدي إلى خير. . .!؟
ومن ذلك قوله عند ذكر القصائد التي ألقيت في حفلة التأبين ص109: (وتشاعر آخر شيعي لا يستحق أن اذكر اسمه لأنه جاء بشعره متسولا) فانظر هل ثم ضرورة إلى ذكر حادثة المتسول الشيعي؟ وهل لها قيمة تاريخية؟ ولكن بعد كل هذا نجد المجمع العلمي يقول (ولم نجد في كل ما كتبه المؤلف أثرا لغلواء الشباب. . .) مع أن أمثال هذه المناكير لا تصدر عن فكرة شابة!
9 - لهجة القرون البائدة
جدير بالمؤلف العصري أن لا يدرج في تأليفه ما يبعث الحزازات من(5/428)
مكامنها ويوقد نار الضغينة بين الطوائف الساعية إلى التآلف والتآخي وجدير بتلك المبادئ السقيمة أن تهدم بأطراف اليراع إذا لم يمكن هدمها بالفؤوس والمعاول.
فقد جاء في ص128: (ثم زحف إلى النصرانية والمجوسية فدك عروشهما) وكان في وسعه أن يقول: زحف إلى الروم وفارس. . .
وفي ص 142 عند تعداد مؤلفات الشيخ: (السادس - صب العذاب على من سب الأصحاب رد على الشيعة) وحالتنا الراهنة في غنى عن كشف النقاب عن هذه الذكريات المؤلمة.
10 - التعصب الذميم
ومما يأخذ بيد ما سبق قوله في ص135: (عرضت على الأستاذ يوما رسالة عنوانها (لغة الجرائد) من وضع رجل نصراني يدعى إبراهيم اليازجي) فانظر ما فحوى قوله (من وضع رجل نصراني يدعى إبراهيم اليازجي)؟ وهو ممن خدم اللغة العربية فله بذلك فضل خدمته، ولا يحط من منزلته كونه مسيحيا لان العربية غير مقصورة على المسلمين بل هي مشاع بين العرب أجمعين.
وجاء في ص147: (. . . بين فيه سرقات اليازجي وركاكة أسلوبه الذي يفوقه كثير من النصارى على أسلوب الحريري).
11 - أهانته لأهل وطنه
قال في ص185: (إن الشيخ لم يجد في بغداد طلابا مستعدين وصار في أواخر أيامه لا يدرس أحدا ولا يجتبي تلميذا ما لم يسبر غوره! إلى أن قال: (ونحن نشكر لحضرة الأستاذ حسن ظنه بنا - هكذا بضمير الجمع -) اهـ المقصود.
والظاهر أن الأثري كان يراسل السيد رشيد رضا بهذا النقص إذ جاء في رسالته المدرجة في ص185: (ولعل عذر الشيخ انه لم يجد في بغداد طلابا مستعدين ولذلك لم ير له غير تلميذ واحد يرجى أن يكون خلفا صالحا له. . .) وهي مطابقة لعبارة الأثري المنقولة آنفا لفظا ومعنى وذلك لعمري من الخزي الفاضح!!!(5/429)
12 - السذاجة التاريخية
اعني بها كون المؤرخ خاطب ليل غير مختمر الروية يطمئن إلى كل ما يصادفه في الأوراق المبعثرة! وما يدور على السنة الدهماء دون غربلة ولا تمحيص غير حاسب للقراء حسابا كقوله في ص22 ملخصا: (حفظ صاحب التفسير الآجرومية وألفية ابن مالك وقرأ غاية الاختصار في فقه الشافعية وحفظ في علم الفرائض المنظومة الرحبية كل ذلك عند والده وقبل أن يبلغ السابعة من عمره ثم لم يزل يقرأ عنده حتى استوفى الغرض من علم العربية وحصل طرفا جليلا من فقهي الحنفية والشافعية وأحاط خبرا ببعض المسائل المنطقية والكتب الحديثية ولما بلغ العاشرة من عمره أذن له بالأخذ عن غيره) فهل سمع
القارئ نبأ اعجب من هذا؟
13 - عدم التنزه عن البذاءة
جدير بكتاب عصري تحمل تلاميذ بعض المدارس الرسمية على اقتنائه! وتتبع المظان الأدبية فيه! أن يكون منزها عن البذاءة وما يدنس أدمغتهم الغضة وان النفس لتتقزز من نقل العبارة المدرجة في (أعلام العراق) ص37 س10 وهي منقولة من مقامات الالوسي فراجعها أن شئت.
14 - الجور في الحكم
قال في ص43: (ونسب إليه - أي صاحب التفسير - بعضهم - يعني إبراهيم حلمي العمر - هذه الأبيات الأربعة:
ارض إذا مرت بها ريح الصبا الخ مع إنها من قصيدة لابن عنين في مدح الملك العادل) ثم قال: (ومن الغريب أن أبا الثناء تمثل بهذه الأبيات وأضاف إليها أبياتا أخرى من عنده في مدح السلطان عبد المجيد ولم ينبه عليها) ثم قال (فجاء هذا الكتاب - يعني إبراهيم حلمي - فظنها له فنحله إياها إلى آخر ما قال في حق الكاتب الموما إليه).
أنا لا احب التدخل في هذه القضية بمنزلة راد أو حكم لان صاحب المقالة غير عاجز عن الرد على الأثري وان اختار السكوت! بل احب أن أتدخل بمنزلة مستفت - ولا حرج على المستفتي - فأقول موجها خطابي إلى الأدباء المنصفين: - صورة الاستفتاء -(5/430)
(زيد حبر مقالة في ترجمة أحد العلماء النابغين وتعرض في مقالته لذكر ما ينسب إلى المترجم (بالفتح) من الشعر فنقل من بعض مؤلفاته نبذة من قصيدة عزاها المؤلف إلى نفسه إلا إنها كانت تتضمن بضعة أبيات لغيره ولم يشعر زيد أن للأبيات صاحبا آخر لان صاحب القصيدة لم ينبه عليها فحول أي الرجلين تحوم الشبهة؟! ثم أن التضمين أمحدود بشطر أو بيت أم ليس له حد؟ فيجوز للشاعر أن يضمن قصيدته نصف قصيدة لشاعر آخر دون التنبيه عليها! أفتونا مأجورين!) فما أغنى أصحابنا الالوسيين المحترمين عن تأليف مثل هذا الكتاب في عصر الكهربية وأشعة رونتجن!
15 - التناقض
قال في ترجمة المرحوم السيد عبد الله الالوسي ص44 (اخذ عن أبيه وما زال عاكفا على المطالعة حتى أصبح علما من (أعلام العراق) يركن إليه في حل المشكلات. . .) ثم عقب ذلك بقوله (وبعد وفاة والده احب أن يعزز مادته ويضطلع في الفنون التي لم يدرسها فركن إلى أحد المشاهير فلم يجد عنده ما يشفي فاعرض عنه) وعقب هذه العبارة بقوله (ثم جلس للتدريس فقصده رواد العلم وعشاق الأدب واستفادوا من علمه الجم وأدبه الغض) اهـ. ملخصا.
فادعى في الفقرة الأولى انه أصبح علما من (أعلام العراق) وفي الثانية انه احتاج إلى تكميل علومه على بعض المشاهير فاعرض عنه وفي الثالثة انه جلس للتدريس واستفاد من علمه الجم كثيرون فهل رأيتم مثل هذا اللون من التناقض؟
وأدهى من ذلك انه قال فيما بعد: (إن الموما إليه أصابته الفاقة فشد الرحل قاصدا الآستانة ولكن قطع عليه الطريق وسلب فرجع إلى بغداد) ثم قال (وبقي في حيرة من أمره إذ كان يمقت التزلف إلى الحكام والتربع في مناصب الحكومة) إذن كيف شد الرحل إلى الآستانة؟ وعلى م شده؟
وقال في أول صفحة 46 (إن الموما إليه عرض عليه القضاء مرارا فاعرض عنه ورعا وزهدا) وفي آخر الصفحة قال (كان الموما إليه في عنفوان شبابه شافعي المذهب فلما تقلد القضاء قلد مذهب أبي حنيفة) وقد مر بك آنفا ما مر فتدبر!(5/431)
16 - الولوع بالتبجح
كثيرا ما يرتاح الأثري إلى تلقيب شيخه ب (الأستاذ الإمام) أسوة بالسيد (رشيد رضا)!! استغلالا لهذا اللقب الضخم ولعل ذلك الغاية القصوى من تأليف الكتاب! - والى التعبير عن نفسه بضمير الجمع لغير ما داع كقوله (خزانتنا الأثرية) يعني خزانته الخاصة! وكقوله (سمينا الشيخ بهجة البيطار) تلذذا باسمه! ولو كان في تشابه الأسماء منفعة لنفعتني مشابهة اسمي لاسم شيخه وجد شيخه! - ولكن على رسلك أيها القارئ فان الأمور لابد أن ترجع إلى حقائقها! وقد سئم القلم الجري قبل أن يقضي لبانته إذ كان ما طوى اكثر مما نشر!
محمود الملاح
النصيرية في العراق
ذكر لنا أحد الثقات أن في (تل أعفر) الواقعة بين سنجار والموصل نصيرية، فهم إذن معروفون في العراق، إذ وجدنا لهم ذكرا في عانة أيضاً (راجع مجلتنا 5: 368 و369) ومن الغريب أن الذين بحثوا عن أصحاب الأديان والنحل في ديارنا هذه لم يذكروا النصيرية فيها ولا أشاروا إلى وجودهم ولو من طرف خفي.
وبهذا الصدد نذكر ما قال لنا الثقة المذكورة عن
مصير سليمان الأذني
احسن كتاب وضع في النصيرية فكان منهلا اختلف إليه المحققون هو المسمى (الباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة النصيرية) تأليف سليمان أفندي الاذني طبع في بيروت في المطبعة الوطنية إلا انه لم يذكر فيه اسم المطبعة ولا تاريخ الطبع فيها خوفا من أن تتلفها النصيرية بغضة وانتقاما.
وقد قال لنا الثقة أن الرجل المذكور ولد نصيريا في مدينة إنطاكية ثم اسلم فتهود، وفي الآخر تنصر فألف كتابه المذكور. على انه صبأ في الآخر إلى مذهبه الذي ولد فيه، فظن إخوانه انه يفعل هذا الفعل دهاء منه ليتوصل إلى ما لم يتوصل إليه في سنيه الأولى، فنصبوا له أحبولة أسقطوه فيها ثم اغتالوه ولم يذكر لي تاريخ الاغتيال.(5/432)
أسئلة واجوبة
السلطان واللاعب بالإبر
الموصل - م. م. س - قرأت في جريدة الزمان البغدادية في عددها ال 19 البارز في 4 ت1 من هذه السنة 1927، هذه الحكاية:
(جيء يوما برجل إلى أحد السلاطين ليقوم أمامه بعمل مدهش وكان بيده مقدار كبير من الإبر، فألقى إبرة إلى الأرض بمهارة وهو واقف على قدميه (كذا)، فأنخرزت (كذا بحرفه) الإبرة في الأرض قائمة، ثم ألقى إبرة ثانية فدخل رأسها في خرم الإبرة الأول وهي قائمة (كذا). وهكذا (بحرفه) حتى نصب عمودا طويلا من الإبر (بحرفه). فتعجب السلطان من دقته ومهارته (بحرفه)، وأراد أن يكافئه (كذا) فأمر بان يجلد عشرين جلدة على قفاه (كذا). فاستغرب الحاضرون (كذا) وسألوه عن سبب هذه المكافأة (كذا) الغريبة. فقال: لأنه صرف ذكاءه فيما لا يفيد ولا ينفع. انتهى.)
فهل يمكنكم أن تذكروا لنا اسم هذا السلطان وفي أي عصر كان وفي أي بلد وجد. ثم ما كان اسم ذيالك الرجل الماهر ومن لي بلد كان، والى أي قوم ينتسب؟ ولكم الشطر سلفا.
ج - نعجب من سؤالكم هذا، وكان الأجدر بكم أن تسألوه من صاحب (الزمان) أو ممن سمى نفسه (كشاف) أو (مغربل) أو (طحان). والذي نعلمه أن هذه الحكاية ملفقة من أولها إلى آخرها وكذبها يرشح من كل كلمة من كلمها. لأسباب منها:
1 - عدم ذكر أسماء السلطان والرجل الماهر والبلاد التي وقعت فيها الحكاية والقومية التي ينتسب إليها كل من الملك والصانع الماهر.
2 - محالية وقوع الأمر. وهل يمكنكم أن تتصوروا وقوع إبرة في خرم إبرة أخرى وتقف قائمة عليها ولا تقع وقوعا أفقيا؟ وهل يمكن أن يتصور(5/433)
حاكي الحكاية ما كتبه، وما نطق به. وهل يستطيع هو أو غيره أن يعمل هذا العمل وان تعمده تعمدا وادخل بيديه الإبرة الواحدة في خرم الإبرة الأخرى؟
3 - تركيب العبارة سقيم وسقمها ظاهر مما أوردتموه. ووضعتم بعد بعض الكلم كلمة (كذا) أو (بحرفه) فهذا الإنشاء الركيك يدل على أن صاحبه ليس بعربي. وقد سألنا عنه فقيل لنا
انه (ارمني من ماردين) شدا العربية وبعض الإنكليزية ولهذا لم يتقن معرفة بعض الألفاظ فكان يجب عليه أن يقول في موضع انخرزت: انغرزت، وأن يكتفي بقوله (وهو واقف) لان وقوف الرجل لا يكون إلا على رجليه. ولا نفهم كيف تدخل إبرة في خرم إبرة وتكون مع ذلك قائمة. ولا نتصور هذا الأمر ولا يمكن تصوره. وان يزيد على قوله: (وهكذا): وهكذا جرى في عمله. وقوله: (نصب عمودا طويلا) لا معنى له. والصواب خطا من الإبر معرجا قائم الوزايا إذ العمود لا يكون إلا شيئا قائما قياما مستقيما ولبس هناك ما يشبه العمود. - وقوله: من دقته ومهارته. صوابه من دقة عمله ومهارته. - وقوله: يكافئه هي في غير موطنها والصواب (يعاقبه) لان ما فعل به الملك هو عقاب لا مكافأة؛ إذ عاقبه على إضاعة وقته سدى. - وقوله: (فأمر بان يجلد عشرين جلدة على قفاه.) هو من الأمور المضحكة. وذلك أن عوام (ماردين من الأرمن) يريدون بالقفا خلف الإنسان أو مؤخره. أما فصحاء لغتنا وعوام بغداد فيريدون بالقفا مؤخر العنق. فهل تتصور أنت يا أيها السائل أن يجلد المرء بالمقرعة على قفاه أي على مؤخرة عنقه. فان كنت تتصور ذلك فنحن لا نتمكن منه. - وقوله: (فاستغرب الحاضرون) ناقص، وكان عليه أن يقول: فاستغرب الحاضرون هذه المعاملة أو هذا العقاب.
4 - لو فرضنا (محالا) أن هذه الواقعة حدثت، فهل يمكن للعاقل (ولا أتعرض هنا للمجنون أو للمعتوه) أن يتصور وجود ملك وصلت به الحماقة إلى هذه الدرجة حتى انه عاقب رجلا اتفق جميع الحاضرين على الإعجاب بعمله. وكيف يمكن أن يقال أن فلانا أضاع عمره سدى في حين انه حقق (أمرا محالا) أفلا تدل مهارته على انه عرف سنن الموازنة والثقل وقوتي الدفع والجذب، وسائر فروع الطبيعيات والرياضيات؟ حتى فعل مالا يمكن أن يقع البتة - أفلا(5/434)
يرى من سرد هذه الحكاية أن الذي أوردها مصاب بسهولة التصديق. وتصديق أمر لا يمكن أن يقع أبدا ولهذا ما سمعنا بأحد قرأ تلك الحكاية الباردة إلا اخذ يقول في نفسه: ما عسى أن تكون حال عقل قاصها؟ وإذا وجد في التاريخ مثل ذلك الملك أفلا يكون جنونه جنونا مطبقا. أو لكونه كان ملكا واتى أمرا منكرا عد عاقلا. فالمجنون كل المجنون هو ذلك الملك لا سواه.
أوضاع جديدة
العمارة - السيد م. ن. ك - قرأت في جريدة الزمان البغدادية في عددها التاسع عشر أنكم وضعتم ألفاظا بمعان جديدة ذكرها من سمى نفسه: (كشاف). فهل هي حقيقة لكم؟ ودونكم إياها على ما جاءت في الجريدة المذكورة:
تقن يعني أستاذ
متبقر - مجمع علمي
محفى - جمعية
متقن - مدرسة
كتوم - سكرتير أو كاتب سر
فيزياء - علم الطبيعة
فسقى - خريج
هلك - جيولوجيا الخ
مزقة - موسيقى
فسلجة - فيزيولوجيا
ج - نحن نستغرب سؤالكم منا وكان الأجدر أن توجهوه إلى كاتب المقالة وتسألوه أين ذكرنا تلك الألفاظ بالمعاني التي يشير إليها. وحينئذ تستغنون عنا. ومع ذلك نقول: وضعنا (تقن) بمعنى مدرس أحد العلوم التي تدرس في المتقن، وأردنا بالمتقن فرعا من فروع الجامعة يدرس فيها بحيث يتقن المتعلم الفرع الذي يتفرغ له. كمتقن الطب والحقوق والهندسة إلى غيرها. ووضعناها لان ليس لنا لفظة تدل على هذا الاصطلاح الجديد. طالعوا في هذا المعنى ما كتبناه في مجلتنا (4: 233 وما يليها)(5/435)
ومتبقر ليست لنا. والمحفى هو المجمع العلمي وقد كتبنا في مجلتنا ما لا حاجة إلى إعادته (لغة العرب 4: 306). - والكتوم من وضع اللغويين في معاجمهم القديمة والحديثة فحولنا إليها الأنظار في سؤال وجواب أدرجناهما في جريدة العالم العربي. - والفيزياء من وضع العربي الصميم السيد عز الدين علم الدين ونحن خالفناه في استعمالها (لغة العرب 4: 506 وما يليها). - وفسقى من وضع رجل اسمه عبد المسيح وزيريان (من أرمن ماردين) وقد تصور إنها لنا لأننا قلنا في كلام لنا ورد في لغة العرب (5: 192) وهو من سيئ الوضع
ومن عدم تفهم الرجل كلامنا وهو معذور لأنه غريب اللغة. - أما الهلك فهو علم الهلك وهو واضح من استعمال اللفظة بالمعنى الذي هو أشهر من غيره أي علم طبقات الأرض وهو أوفى من قولهم (علم الجيولوجية أو علم طبقات الأرض). - ولم نقل مزقة بمعنى موسيقى بل مزيقة. فلتراجع (لغة العرب 5: 97). وفسلجة ليست من وضعنا بل من وضع صديقنا السيد عز الدين علم الدين. ونحن لم نوافقه عليها. ووضعنا بازاء الفسيولوجية علم الخلقة (لغة العرب 4: 480).
فترون من هذا كله أن المفتئت مدفوع بعامل نجهل نعته، إذ كل النعوت - مهما كانت - تعظمه. ولهذا ندعه ينعت نفسه بما يشاء وننتظره أن يلقب نفسه بما يهوى لنتابعه فيه.
مصطلحات (قانون تسجيل النفوس)
بغداد - السيد م. خ - قرأت في (قانون تسجيل النفوس) العراقي في ص26 أن الاوطراقجي كلمة تركية معناها الهدومي أفهذا صحيح؟ وماذا يقال لهما باللغات الثلاثة التركية والعربية والفرنسية؟
ج - لا يعرف الأتراك كلمة (اوطراقجي) في لغتهم إذ لم نجدها في أكبر معاجمهم، والذي نعرفه أن الاوطراقجي من وضع أهل بغداد ويراد به بائع الكراسي والمقاعد وحقائب السفر وأنواع أثاث البيت كالكؤوس والفؤوس(5/436)
والقدور وبكلمة واحدة: هو بائع خرثي البيت أي أثاث البيت غير الثمين، والكلمة من التركية (اوطراق) أو (اوتوراق) أي المقام والمقعد وأناء البول والبراز، فحول معناها البغداديون إلى كل أداة تتخذ لراحة أهل البيت كما ذكرنا. ثم كسعوها ب (جي) فصارت تركية الصورة بغدادية الوضع والمعنى.
وأما الهدومي فمعناها (بائع الثياب الرثة) وهو مما يؤخذ بالقياس حينما نحتاج إلى مثل هذا الوضع؛ لكن العوام والخواص واللغويين يجهلونها. هذا فضلا عن إنها لا تقابل كلمة (الاوتراقجي) الذي لا يبيع الثياب الرثة فقط، بل يبيع معها الأدوات التي يعتمل بها وأنواع الخرثي غير الثمين الذي يستعمل في البيوت.
والذي عندنا أن (الاوتراقجي أو الاطراقجي أو الاوطراقجي) يقابلها في لساننا الفصيح السقاط (كشداد). قال في لسان العرب: (قال الليث: جمع سقط البيت إسقاط نحو الإبرة والفاس والقدر ونحوها. . . وبائعة السقاط) وذكر صاحب تاج العروس بهذا المعنى
السقطي (كحلبي) قال: ومنه (سري بن المغلس السقطي يكنى أبا الحسن)
والاوطراقجي يسمى بالتركية جرجيجي (والجيمان الأوليان فارسيتان منقوطتان بثلاث من تحت) وبالفارسية -
ذكر كل ذلك شمس الدين سامي في كتابه (رسملى قاموس فرانسوي. فرانسزجه دن تركجه يه لغت كتابي) في الطبعة الثالثة ص336. وترى من هذا كله أن واضع (قانون تسجيل النفوس العراقي) مخطئ في ما فصل ونقل.
المذمر
مصر - ن. ق - للإفرنج لفظة تدل على صورة الإنسان إلى كاهله أو إلى عنقه وما حولها إلى الذفرى. ويسمون ذلك فهل تعرفون كلمة تقابلها كل المقابلة؟
ج - هي المذمر (كمعظم) قال الأصمعي: المذمر هو الكاهل والعنق وما حوله إلى الذفري. اهـ. وبعض العصريين سماه (صورة نصفية) وهي في كلمتين لا يمكن أن ينسب إليهما. وارتأى آخر أن يقال سماوة وهي غير موافقة للإفرنجية.(5/437)
باب المشارفة والانتقاد
68 - دروس في صناعة الإنشاء
الجزء الأول: تصنيف أبي قيس عز الدين آل علم الدين التنوخي
مطبعة الفرات. بغداد سنة 1927 في 168 ص بقطع الثمن
قررت وزارة المعارف تدريسه في دار المعلمين والمدارس الثانوية
لا يعرف نفع هذا التأليف إلا من وقف عليه. وهو وان وضع لأبناء المدارس، إلا أن الكتبة على أنواعهم يحتاجون إليه، لأنه يطلعهم على صورة التعبير عن أفكارهم بأسلوب يفيد القراء ويمكنهم من أن يكتبوا عن طريقة الأقدمين ليتخذوا طريقة العصريين الطافحة بالفوائد الجمة.
قد يختلف الطلبة إلى المدارس مدة سنين ليدرسوا علوم اللسان، وان أريد منهم إنشاء اسطر أو عبارة من فكرهم ظهر عجزهم وافتضح جهلهم أما متدبر هذا التأليف فلا يأتي عليه إلا يعرف كيف تدون الأفكار وتعرض على أبناء اللغة.
وقد رأينا فيه بعض هفوات مخالفة للغة كما إننا لمحنا فيه ألفاظا حققنا نحن جوهرها وكاشفنا المؤلف بها، فلم ينسبها إلينا ولعل ذلك وقع من باب الذهول من ذلك حقيقة الكسع حاشية صفحة 33 والشبث ح ص34 والصفرد ح ص45 والتعليقات ح ص50 والبسط ح ص55 إلى غيرها.
وذكر اللونيات بمعنى وهذه الكلمة لا توافق اللفظ الفرنجي والسلف عرفها باسم تفاوت اللون، على انهم كانوا يستغنون عن المضاف اليه، حين يكون هناك دليل فيقولون: (التفاوت) - ونقل إلى قوله رتيب ومؤنثها رتيبة. وفسرها في الحاشية بقوله: الأمور الرتيبية ما جاءت على وتيرة واحدة مع أن اللفظة الافرنسية تعني: (ذا نغم واحد) أو (لحن واحد) أو أن شئت فقل: ما لا تطريب فيه ولا لحن ثم توسعوا فيه فأطلقوه على كل ما لا تغير فيه من كل شيء ويكون على نسق واحد ويقابله عندنا السمع ومصدره السماحة(5/438)
والسموحة إلا أن المصدر الأخير أوفق لنا لان الأول اشتهر بمعنى الجود والكرم. أما أن السمح هو هذا الذي نريده فواضح من كلام عمر بن عبد العزيز للمؤذن: (أذن أذانا سمحا)
أي من غير تطريب ولا لحن (عن المغرب) وعود سمح لا عقدة فيه.
وفي الكتاب مصطلحات حديثة لا نوافقه عليها وصيغ عربية غير فصيحة، كما أن فيه أغلاط طبع جمة لم تصلح في الآخر، أن في الفرنسية وان في العربية. ومثل هذه التصانيف التي توضع في أيدي الطلبة تفلية احسن تفلية لكي لا يبقى فيها مثل هذه الهفوات. ولعلنا نعود إلى البحث أو نعهد به إلى نقادة خبير.
69 - مرقاة المترجم
للصفوف العالية في اللغتين الفرنسية والعربية، تأليف الأب يوسف علوان اللعازري، المواضيع الأدبية والخطابية، الجزء الثالث والرابع في 192 ص بقطع 16، كتاب المعلم طبع في المطبعة الكاثوليكية في بيروت سنة 1927.
نشاط الأب الأستاذ يوسف علوان اللعازري من اعجب ما شاهدناه. ففي مدة وجيزة أتم كتابه الفذ الذي تكلمنا عنه مرارا في مجلتنا (4: 24 و295 و363 و364 و5: 311) والآن أتحفنا حضرته الجزأين الثالث والرابع المخصصين بالمعلم فوجدناهما كالتاج الذي يزين مفرق الأجزاء كلها. وإننا لنعجب من سبك عباراته أن عربية وان فرنسية فإنها جامعة بين السلس من الألفاظ وبين أرطبها جدة وطلاوة. فلا جرم أن أجزاء هذا الكتاب كله هي من احسن المصنفات التي الفت في هذا الموضوع، ولابد من أن يقبل على اتخاذه جميع المدارس التي تعنى بتلقين اللغتين العربية والفرنسية، فإنها لا تجد اليوم بين أيديها ما يدلها على أقوم طريق وأخصره لتلقي تينك اللغتين. ومن فوائده انه جمع اقرب الطرق إلى أقصرها إلى أسهلها إلى أوثقها. وكفى بذلك شهادة على حسنه وتفوقه على سائر ما صنف في هذا البحث.
على إننا لا ننكر انه وقع فيه بعض أغلاط لم تصحح في الآخر فقد جاء في(5/439)
ص12 قوله: الذكر الحنون. ولم يجئ الحنون في لغتنا إلا وصفا مؤنثا للناس والبهائم. والأحسن أن يقال هنا: الذكر المحبوب - وفيها: أن القديس لويس وهنريكس. . . ونحن نفضل أن تروى الأعلام على ما يرويها أهل البلاد وان يقال هنري. أما لو كان المسمى رومانيا فكنا نستحسن أن يقال: هنريكس - وفي ص15: لأبدي لك خالص تعلقي. . ونسي الطابع كلمة (بك) بعد تعلقي. - وفيها:. . وأنت متمتع بنضارة الصحة ودوام الرغد. قلنا: ودوام الرغد
من الألفاظ المبتذلة التي لا تصح أبدا. والأحسن أن يقال: وطول الرغد. - وترى في هذه الأمثلة أن هذه الهفوات هي مما تفتفر، بل لا تعد شيئا بالنسبة إلى ما تضمن هذا الكتاب الصغير من الفوائد الجليلة، ولا سيما ما تضمنه من روائع الامثال، وبدائع الأقوال، وأحاسن المواضيع، أن نثرا وان شعرا.
70 - سعد
لأحمد زكي أبي شادي
طبع في المطبعة السلفية في مصر القاهرة في 31 ص بقطع 12
قصيدتان إحداهما عنوانها (مأتم أمة) وقد أدرجناها في مجلتنا (5: 331) فاعجب بها كل من وقف عليها. والثانية (التراث الخالد) وقد نظمت لذكرى الأربعين من وفاة زعيم الأمة المصرية وهي لا تقل عن أختها حنا ومبنى. وكلتاهما من القصائد الخالدة التي تذكر كلما ذكر شعر العصر وبدائعه.
71 - تاريخ مدينة زحلة
تأليف عيسى إسكندر المعلوف في 298 ص بقطع الثمن الصغير، طبع بمطبعة (زحلة الفتاة) في زحلة (لبنان) سنة 1911.
صديقنا السيد عيسى أشهر من أن يذكر. واختصاصه بالتاريخيات لا يحتاج إلى تعريف. فتأليفه ومقالاته العديدة تشهد بما له من القدح المعلى في هذا الموضوع. بل نقول: أن طلب إلينا أبناء الغرب رجلا عربي اللغة متضلعا من التاريخ ذكرنا له من جماعة مشاهيرنا صاحب تاريخ مدينة زحلة. والواقف على ما بين دفتي هذا التصنيف الحسن يشهد له بالسبق في هذا الميدان كما نعترف له به.(5/440)
72 - العصور
مجلة انتقادية في الأدب والعلم والسياسة، محررها وصاحب امتيازها: إسماعيل مظهر، إدارة المجلة بشارع الخليج المصري (ميدان غمرة) رقم 670 بمصر.
بينما نرى الإفرنج يسعون في البحث عن الروح وخلود النفس ويغيرون أفكارهم بخصوص ماهيتها نشاهد اليوم عندنا ما يخالف هذا السعي. يقوم إسماعيل مظهر في مصر
لينزع الثمالة الباقية في صدور الشرقيين ثمالة الاعتقاد بالأديان، والدفاع عنها وعن محاسنها ومكارمها فيقول لنا في صدر مجلته بمنزلة آية سعيه: (حرر فكرك من كل التقاليد والأساطير الموروثة (ولا جرم انه يريد بذلك تقاليد الدين وما يسميه أساطير) حتى لا تجد صعوبة ما، في رفض رأي من الآراء. أو مذهب من المذاهب، اطمأنت إليه نفسك، وسكن إليه عقلك، إذا انكشف لك من الحقائق ما يناقضه) وقد عمل صاحب (العصور) بما صدر به مجلته ونشر مقالات هو وأعوانه لهدم كل معتقد ومذهب ودين.
لكن مهلا يا صاح! أن الهدم ميسور، أما البناء فشاق. افتعلم بما أشبهك؟ - أشبهك برجل غني قد ابتنى له قصرا آوى إليه هو والمنتمون إليه وهم فيه آمنون على نفوسهم مطمئنون إلى ما ورثوه من أجدادهم من هذا الصرح المنيع وما فيه من المرافق: وبينما هم كذلك جاءهم واحد وقال لهم: إنكم في بناء متداع وان كانت عيونكم تشاهد الخلاف. ثم قال لهم: والأحسن أن اهدمه لتسكنوا في صرح ممرد. قالوا: أين لنا ما تعدنا به؟ إننا لا نهجر قصرنا ما لم نره بعيوننا. فلم يقنع بما سمع واخذ ينسف ذلك القصر حتى لم يبق فيه حجرا على حجر، وأصبح سكانه المساكين يقاسون طوارئ الجو وتقلبات الهواء من برد إلى حر ومن مطر مدرار إلى صحو شمسه تلفح الأجسام حتى مات أكثرهم، فعلم الفيلسوف حينئذ انه اخطأ في ما توهمه.
فيا أيها الأديب الفاضل: جئنا بدين أو مذهب تطمئن إليه نفوسنا ثم تعال واهدم ما نحن عليه من معتقد آبائنا وتقاليدهم وما تسميه أنت أساطيرهم. أن الآراء التي تبسطها في جزأك الأول البارز في أول سبتمبر يقوض كل بناء(5/441)
وينسف كل معتقد وهل يمكننا أن نبقى بلا رأي ولا مذهب ريثما (ينكشف لنا من الحقائق ما يناقضه) ومن يقول لنا: أن ما تأتي به هو الحقيقة، وقد تلونت هذه الحقيقة في نظر العلماء والحكماء والفلاسفة على ممر الدهور؟
وكاتبه الأستاذ محمد خليل اظهر في مقالته (الأمير جم وقصته) من ضعف البصر في التاريخ ما يخجل طلبة المدارس. أفكان يصعب عليه أن يطالع في (معلمة الإسلام) التي يعنى بنشر مقالاتها علماء كبار راسخو القدم في تاريخ الشرق وإخباره، ليقف على الحقيقة وعلى وجه تصوير الحقائق وسردها؟ إلى متى إذن نرسف بقيودنا الوهمية ولا نضارع
علماء الغرب في تحقيق الوقائع وإيرادها على ما وقعت من غير أن نحشوها سما وتعصبا، رياء وخبثا، طعنا ولوما؟
هذا من جهة جوهر المقالات بوجه عام، وأما تعريب بعض الألفاظ الأجنبية وسبك العبارة العربية فيحتاجان إلى إصلاح كبير. فانك لا تطالع صفحة من تلك المقالات إلا تتعثر بما فيها من الغلط الكثير وخطأ الطبع المتكرر ووطء لسان العرب بالمنسم والخف.
على إننا نقول: أن لرأي الكاتب ورفاقه مستحسنين ومهوسين؛ ولا جرم انهم يصادفون من يزمر لهم ويطبل، لان التحرر من الأديان، ومكارم الأخلاق، وطيب الأدب، وحسن المعاملة، هي كلها من قبيل المواءمة (الموضة) في هذا العصر ولهذا لا نستغرب نجاح هذه المجلة عند قوم دون قوم.
73 - دواني القطوف في تاريخ بني المعلوف
تأليف عيسى المعلوف، طبع في بعبدا (لبنان) سنة 1908 في 749 ص بقطع الثمن.
عنوان هذا الكتاب يوهم القارئ، لأنه يظن انه يطالع سفرا لا يفيد إلا أسرة المعلوف الكبرى المنتشرة في بلاد الله الواسعة، ولهذا لا يقتنيه؛ إلا أن الأمر على خلاف ما يتوهمه. أن هذا التأليف هو (كتاب تاريخي اجتماعي عمومي يحتوي على وصف الوقائع والعادات والأخلاق والشؤون العمرانية وأصول الأسر الشرقية وفروعها ومشاهيرها ومواطنها ومباحث علمية وجغرافية وإحصائية مذيل بخمسة فهارس) الأول - للمواد والفصول. والثاني - لأهم(5/442)
المباحث في المتن والحواشي. والثالث - لأهم حوادث المعلوفين ووقائعهم. والرابع - للأسر التي ذكرت في هوامش واستدراكات الدواني على حروف المعجم. الخامس - للأعلام المكانية.
فأنت ترى من هذا الوصف نفاسة هذا السفر الجليل، وكان المؤلف - حرسه الله - أهدانا منه نسخة في يوم إبرازه للناس، ولما علم إنها سرقت مع ما سرق من خزانتنا يوم سقوط بغداد (في 7 آذار سنة 1917) أتحفنا هذه النسخة الثانية مع تاريخ زحلة ونحن نشكر له هذه اليد البيضاء ونتمنى أن يوفق الله له أحد الاجواد يأخذ على نفسه طبع كتاب (الأسر الشرقية) فان أبناء العصر في حاجة ماسة إليه لما حوى من الفوائد التاريخية التي لا ترى في مصنف سواه. والكتاب (دواني القطوف) يدل دلالة صريحة أن المؤلف ابن بجدتها،
ويجدر بكل شرقي أن يقتنيه لما فيه من المباحث المتنوعة المتعلقة بالألفة والعمران والاجتماع لا يتخيل الإنسان انه يراها فيه.
74 - نصيحة ملكة
(لا ذكر لمحل طبعها)
ثلاث رسائل، يقال إنها لماري ملكة رومانية في مدح البهائية. والظاهر من كاتبتها إنها لم تطلع إلا على ظواهر هذا المذهب، لان صاحبه كان يدعي انه جاء لتوحيد الأديان. والذي يحاول تحقيق هذه الدعوى الحدد كالجامع بين النور والظلمة.
75 - البرهان
جريدة أسبوعية اجتماعية فكاهية مصورة، صاحب امتيازها محمد ناجي صالح؛ ومديرها المسؤول مكي جميل المحامي ومدير إدارتها محمد سعيد.
صدرت (البرهان) لتسد مسد (مرآة العراق) التي كانت قد برزت في السنة الماضية فخرج من إعدادها 30 ثم احتجبت وفي 23 تموز من هذه السنة صدر العدد الأول من البرهان وفيها مقالات أدبية شائقة تدل على وقوف كتابها وقوفا(5/443)
مكينا على الحركة الفكرية العراقية، بل على الحركة الفكرية العربية وقد طالعنا فيها عدة مقالات نقد. فوجدنا صاحبها ممن يحسن التصرف في القلم (ويضع الهناء موضع النقب) وكفى بهذه المعرفة مقاما عليا لهذه الصحيفة الوضاءة.
76 - الحياة المصورة
جريدة جامعة مصورة تظهر في دمشق (سورية)، صاحب امتيازها ورئيسها كاظم الشمعة. مديرها المسؤول محمد شريف الاسطه.
وافانا العدد 2 من هذه الجريدة فيها 7 تصاوير وعدة نبذ متفرقة وورقها ورق جيد صقيل يسبب أغلاطا جمة لان صلابته تكسر ما في الحرف الرصاصي من الرخاوة فقد جاء فيها: المرأة بين الشد والجزر، فللمرأة وحدها لها الحق، ولبعضهن رجاحة في العقل ولا نستأثر. . . في الآراء، وزائدا عن حياضك ونظن أن الصواب هو: بين المد والجزر، فللمرأة وحدها الحق، ولبعضهن رجاحة، ولا نستأثر. . . بالآراء، وذائدا عن حياضك. وعسى أن
يحكم طبعها بعد هذا العدد لكي لا يعثر القارئ في كل صفحة من صفحاتها.
77 - سليمان البستاني لاغناطيوس كراتشقوفسكي
رسالة لطيفة روسية العبارة وضعها صديقنا كراتشقوفسكي للإشادة بذكر أحد كتاب العرب في ديارنا وهو العلامة سليمان البستاني فلقد احسن ترجمته التي وقعت في 14 صفحة بقطع الثمن الكبير ونال استحسان الجميع بصنعه هذا.
78 - وصف محراب تكية مزخرفة الزجاج والثريات
للمؤلف المذكور
يتتبع صديقنا الروسي كل بحث يعلي شان الناطقين بالضاد في عيون أبناء الغرب. وهذه الرسالة في 15 صفحة بقطع الثمن الصغير مع صورة زجاجية بديعة مخطوطة ومزخرفة وقد بحث عن صاحبها فأجاد في التحقيق والتدقيق ورفع لواء جديدا للصناعة العربية. عامله الله بالحسنى!.(5/444)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - مجلس الأمة في دورته الثالثة
في غرة تشرين الثاني فتح مجلس الأمة دورته الثالثة، فاجتمع الأعيان والنواب في قاعة النيابة وكان عددهم 94 عضوا.
وحضر الاجتماع قائد القوات الجوية البريطانية متولي أعمال المعتمد السامي وكالة ومعه كبار الموظفين البريطانيين وقنصل أميركة وألمانية وتركية وكبار دواوين الحكومة وأرباب الصحافة إلى غيرهم. وفي الساعة العاشرة ونصف دخل جلالة الملك علي رافد مليك العراق بزي الأشراف (بعمامة بيضاء حجازية وجبة سوداء وخنجر في المنطقة) وحوله الوزراء والحاشية الملكية وسائر كبار الموظفين وبعد السلام قرء خطاب العرش. وفيه نظرة عامة في الأمور المهمة التي طرأت بعد الاجتماع الأخير من تعديل المعاهدة والاتفاقيات وتحديد تخوم العراق الشمالية من جهة الجمهورية التركية وصلات ديارنا بالممالك الخارجية والديون العامة والأمور الداخلية إلى غيرها من الإفادات الجمة.
واجتمع الأعيان وكانوا ستة عشر فانتخبوا لهم زعيما رئيسهم السابق يوسف السويدي إذ نال اثني عشر نخبة (أي صوتا). واجتمع النواب في مجلسهم فنال عبد المحسن السعدون إحدى وخمسين نخبة وكان أيضاً رئيسهم في الدورة الأخيرة.
وحالما تم الانتخاب انتصب رشيد عالي الكيلاني وكيل رئيس الوزراء وتلا الإرادة الملوكية الصادرة بتأجيل مجلس الأمة مدة 45 يوما ابتداء من 2 تشرين الثاني من هذه السنة 1927 وكذلك قرأ الهاشمي وزير المالية في مجلس الأعيان تلك الإرادة الملوكية لمثل هذه الغاية ثم انتثر العقد المجتمع
2 - قنصل تركية
وصل إلى العاصمة في 22 تشرين أول من هذه السنة (1927) حضرة طلعت قايا بك قنصل الجمهورية التركية العام.(5/445)
3 - سجون جديدة في العراق
فتح في أول تشرين الأول من هذه السنة 927 سجن في الرمادي، وفتح آخر في 15 منه في الديوانية، وفي أول تشرين الثاني فتح ثالث في كربلاء.
4 - مكائن حياكة في السجن
خصصت مديرية سجون العراق العامة 76. 500 ربية بجلب مكائن حياكة للسجون.
5 - تسجيل النفوس
شرعت دائرة تسجيل النفوس بالتقييد منذ غرة تشرين الأول. وقد أنشئ لهذه الغاية نحو سبعين لجنة انبثت في أنحاء شتى وأعضاؤها دئبون في عملهم لإنجاز عد النفوس عدا عاما بالسرعة والضبط اللازمين وعلى الأسلوب العصري الحديث.
6 - ناظم القنطرة البيضاء
تعنى دائرة الري بإقامة ناظم في القنطرة البيضاء على نهر الحسينية (كربلا) ويزعم المهندسون أن هذا الناظم - إذا تم على الطريقة الفنية المقررة - تؤثر في المستنقعات فيعمل في إزالتها. وبعد ذلك تتوزع المياه على الحقول والزروع بصورة منتظمة غاية الانتظام.
7 - إحصاء الماشية في الحلة
بلغ ما أحصي من المواشي في لواء الحلة من غرة شباط إلى غاية حزيران 315. 170 رأسا من الضان و 44. 710 رأسا من المعزى، و 4140 بعيرا و 2721 جاموسا
8 - دخل سكك الحديد العراقية
بلغ ريع سكك حديد العراق في الأسبوع المنتهي في 16 تموز من هذه السنة 1927 نحو 141. 442 ربية يقابلها 138. 971 ربية في مثل هذا الأسبوع من السنة الماضية.
وبلغ دخل سكك الحديد العراقية في الأسبوع المنتهي في 10 أيلول سنة 1927 نحو 175. 869 ربية يقابلها في مثل هذا الأسبوع من السنة الفائتة 186. 996 ربية.
9 - عشيرة إسماعيل غريري
غادرت عشيرة إسماعيل غريري ديارها انتجاعا للكلا في فصل الصيف فنزلت أراضي إيران. ولما حاولت العودة إلى لواء السليمانية وطنها الأصلي، طلبت منها الحكومة الإيرانية أداء الضرائب. ولما أبت العشيرة أن تدفع ما أجبرت عليه، وقعت مناوشة بينها وبين جنود إيران انجلت عن جرح بعض الجنود وبعض رجال العشيرة.(5/446)
10 - المجازون من المدرسة الثانوية
احتفلت المدرسة الثانوية في بغداد في 31 آب بإعطاء الشهادات للذين أتموا تحصيلهم فيها. وقد ألقى مدير المدرسة خطبة ذكر فيها تاريخ تحسن التعليم فيها فقال ما هذا بعضه:
كان عدد الطلبة في السنة الأولى (1919 - 1920) ثمانية طلاب، فبلغ في السنة الثانية خمسين، وزاد في السنة الثالثة حتى بلغ أربعة وستين، وبلغوا في السنة الرابعة مائة واثنين وأربعين. أما في سنة (1925 - 1926) وهي السنة الخامسة فقد بلغ المجموع ثلاثمائة وسبعة وتسعين طالبا. وبلغ السنة السادسة وهي السنة الأخيرة (1926 - 1927) أربعمائة واثنين وثمانين. أما المجازون فقد بلغ عددهم في السنة الأولى ثمانية، وفي السنة الثانية ثلاثة عشر، وفي الثالثة ثلاثين. وفي الرابعة ثلاثة وثلاثين، منهم ستة عشر طالبا من القسم الأدبي وسبعة عشر من القسم العلمي.
11 - عودة الأمير غازي إلى لندن
بارحنا سمو الأمير غازي صباح 12 أيلول عائدا إلى لندن ليتم دروسه وقد صحبه الشيخ كاظم الدجيلي.
12 - العراق يكافح أمراض الحيوانات
في باريس عاصمة فرنسية ديوان يعنى بمكافحة أمراض الحيوانات. ومن الدول التي اشتركت في هذه الدائرة العراق وقد سنت حكومتنا لائحة قانونية بذلك صدقها مجلس الوزراء.
13 - الشقاق في الإسرائيليين البغداديين
في حاضرتنا نهضة إسرائيلية جليلة لا تنكر، وللطائفة مجلسان يسمى الواحد بالمجلس
الروحاني والآخر بالجسماني (كذا، أي الدنيوي) وكلا المجلسين يدير بالاتفاق هذه النهضة. وللموسويين مدارس للذكور والإناث، يتردد إليها ألوف من الطلاب منها: مدرسة الاتحاد الإسرائيلي والتعاون والوطنية والمدراش إلى غيرها من الكتاتيب. وكلها بيد هذه الجمعية وهي تجري في عملها على نظام قديم منحته ولها حقوق نالتها بعد السعي العظيم وهي وتخولها وضع ضرائب على أبناء الطائفة لتنفقها في سبيل إنجاح مشاريعها الخيرية.
وفي الأيام الواقعة بين أيام آب وأيلول نشأ خلاف بين ما يسمونه الحاخام باشي (أي كبير الربانيين) وبين المجلسين الديني والدنيوي أي الجسماني والروحاني. يدعي الصير (وهو اسم الحاخام باشي(5/447)
عند فصحاء سلفنا) بان انتخاب أخطاء: هذين المجلسين لم يتم على أصول النظام الداخلي ولهذا يعدهم غير شرعيين، ويدعم دعواه هذه بأدلة وبراهين ينقضها الأخطاء المقاومون له الذين نجحوا في خلعه وإبداله بآخر.
14 - ديوان وزارة العدلية
تم بناء ديوان وزارة العدلية على طرز بديع وشرع في إنشاء بناية فرعية له في الجهة المناوحة لدجلة.
15 - ناحيتان جديدتان
صدرت الإرادة الملكية بإنشاء ناحيتين جديدتين في قضاء الزيبار، التابع للواء الموصل، باسم (الشيروان) و (بيره كبيرة).
16 - انقطاع الهيضة
لم تحدث إصابة في البصرة منذ 9 أيلول ومن أدل دلائل عناية إدارة الصحة بالنفوس أن الهيضة وصلت بغداد ثم أزيلت وأوشك ظلها يتقلص من ربوعنا بفضل التدابير الصحية التي اتخذتها للوقاية منها.
17 - بين القاهرة والبصرة وبغداد
تتبدل أوقات الأسفار الجوية بين القاهرة والبصرة منذ 15 تشرين الأول من هذه السنة 1927 فتنهض الطيارات من مصر الجديدة (هليوبوليس) صباح كل خميس، فتصل بغداد مساء، بعد أن كانت تطير منها عصر الأربعاء وتصل بغداد عصر الخميس. وتغادر
الطيارات بغداد صباح الأحد عوضا عن السبت، فتصل مصر الجديدة مساء الأحد، أي أن السفر بين بغداد والقاهرة يكون في نهار واحد لا غير.
18 - إيران تحشد قواها في لورستان
من أنباء إيران في شهر أيلول أن حكومتها تقيم على حشد الجند في لرستان أو (لورستان). والشائع أن في نيتها مهاجمة عشائر اللر الذين يسلبون وينهبون في جوار خرم آباد وبروجرد منذ عدة أشهر. وغاية إيران أن تقضي قضاء حاسما على العصاة الذين عاثوا في الديار الإيرانية فسادا. وقد سار جلالة شاه إيران إلى أذربيجان ليطلع بنفسه على الأحوال العسكرية هناك وكذلك في كردستان الإيرانية وقد عبأت فيها جنودا كثيرة لقمع الثورة التي كانت قد نشبت فيها.
19 - المحاكم الشرعية في الحجاز
اصدر جلالة ابن سعود مرسوما بشان المحاكم الشرعية يقضي بعدم التقييد بمجلة الأحكام (الحنفية) في إبراز الأحكام، وبان تكون هذه الأحكام موافقة لجميع المذاهب من غير أن تقيد بمذهب جلالته وهو المذهب الحنبلي.(5/448)
العدد 52 - بتاريخ: 10 - 10 - 1927
حريم دار الخلافة وباب التمر في التاريخ
وعدت في (341: 5 ح) بعقد كلام (عن باب التمر بالمشروعة) في الجانب الشرقي من بغداد والآن ابر في وعدي.
لا يبعد أن يذهب القارئ الكريم إلى ضياع هذا الاسم التاريخي لعفو تلك الآثار واندراسها لكني أظن انه بقي ذكر لذلك الاسم. ولتعريف هذا الموضوع لابد من البحث عن دار الخلافة وحريمها قبل الدخول في الموضوع. قال معجم البلدان:
(الحريم. . . وبذلك سمي دار الخلافة ببغداد ويكون بمقدار ثلث بغداد وهو في وسطها ودور العامة محيطة به. وله سور يتحيز به ابتداؤه من دجلة وانتهاؤه إلى دجلة كهيئة نصف دائرة وله عدة أبواب:
1 - أولها من جهة الغرب (باب الغربة) وهو قرب دجلة جدا.(5/449)
2 - ثم (باب سوق التمر) وهو شاهق البناء واغلق في أول أيام الناصر لدين الله بن المستضيئ واستمر غلقه إلى الآن.
3 - ثم باب البدرية.
4 - ثم باب النوبي وعنده باب العتبة التي تقبلها الرسل والملوك إذا قدموا بغداد.
5 - ثم باب العامة وهو باب عمومية.
6 - ثم يمتد قرابة ميل ليس فيه باب إلا باب بستان قرب المنظرة التي تنحر تحتها الضحايا.
7 - ثم باب المراتب. بينه وبين دجلة نحو غلوتي سهم في شرقي الحريم. وجميع ما يشتمل عليه السور من دور العامة ومحالها و (جامع القصر) - وهو الذي تقام فيه الجمعة ببغداد - يسمى الحريم. وبين هذا الحريم المشتمل على منازل الرعية وخاص دار الخلافة التي لا يشركه فيه أحد. سور آخر يشتمل على دور الخلافة وبساتين ومنازل نحو مدينة كبيرة) اهـ.
وفي المشترك قوله: (حريم دار الخلافة ببغداد وهو مقدار ثلث مدينة السلام بغداد وعليه سور (ابتداؤه) من دجلة (وانتهاؤه) إلى دجلة كهيئة الهلال أو نصف دائرة وله أبواب:
1 - أولها باب الغربة على دجلة.(5/450)
2 - ثم باب سوق التمر باب شاهق البناء واغلق في أول أيام الناصر (أبي احمد العباس) واستمر غلقه إلى الآن.
3 - ثم باب البدرية.
4 - ثم باب النوبي وفيه العتبة التي تقبلها الرسل والملوك (وغيرهم) إذا قدموا بغداد (وهي قطعة من عمود رخام ابيض مطروحة أمام هذا الباب طولا).
5 - ثم باب العامة ويقال له باب عمورية (بين هذين البابين محال يسكنها عامة الناس بينهم وبين دار الخلافة سور آخر فيه عدة أبواب منها:
باب الدوامات، وباب عليان، وباب الحرم وغير ذلك)
6 - ثم يمتد (السور من باب العامة) نحو ميل لا باب فيه إلا باب بستان (في آخر المأمونية) تحت المنظرة التي تنحر تحتها الضحايا في الأعياد.
7 - ثم باب المراتب بينه وبين دجلة (من جهة باب الازج) نحو رميتي سهم (وهو من ناحية الشرق) وجميع ما يشتمل عليه السور يسمى (حريم دار الخلافة. فيه محال وأسواق (وخانقاهات) ودور كثيرة للرعية كأكبر مدينة. وبين منازل الرعية وبين دجلة سور آخر دونه دور الخلافة لا يشركه(5/451)
فيه شي من منازل غيره) اه.
وفي مراصد الاطلاع. (الحريم. . . فمنه حريم دار الخلافة ببغداد وهو في وسطها عليه سور دائر يتحيز به يبتدئ من دجلة وينتهي إليها ثلاثة أضالع ورابعها دجلة وله أبواب وفي بعضه مساكن للناس يقطع بينه وبين دار الخلافة حائط ممتد يفصل ما بينهما) اه.
وجاء في رحلة ابن جبير وكان في بغداد في سنة 580هـ (1184 م) ما قوله في ص 220 من طبعة ليدن:
(ثم شاهدنا. . . مجلس. . . الإمام الأوحد جمال الدين أبي الفضائل بن علي الجوزي بازاء داره على الشط بالجانب الشرقي وفي آخره على اتصال من قصور الخليفة وبمقربة من باب البصلية آخر أبواب الجانب الشرقي. . .)
وفي ص 226 (. . . ودور الخليفة مع آخرها (آخر الشرقية) وهي تقع في نحو الربع أو أزيد لان جميع العباسيين في تلك الديار معتقلين (كذا). . . وللخليفة من تلك الديار جزء
كبير قد اتخذ فيها المناظر المشرفة والقصور الرائقة والبساتين الأنيقة. . .)
وفي ص 228 (والشرقية حفيلة بالأسواق. . . وبها من الجوامع ثلاثة كل يجمع فيها: جامع الخليفة متصل بداره وهو جامع كبير. . . وجامع السلطان. . . وهو خارج البلد. . . وجامع الرصافة بينه وبين جامع السلطان المذكور مسافة نحو الميل.)
وفي ص 229: (وللشرقية (وللجانب الشرقي) أربعة أبواب. فأولها وهو في أعلى الشط باب السلطان ثم باب الظفرية ثم يليه باب الحلبة ثم باب البصيلة. هذه الأبواب التي في السور المحيط بها من أتعلى الشط إلى أسفله. هو ينعطف عليها كنصف دائرة مستطيلة) اه.
وجاء في معجم البلدان في مادة بأقداري: (. . . أبا زرعة ابن المقدسي وكان خياطا يسكن القرية بدار الخلافة) وفيه في مادة القرية إنها محلة في حريم(5/452)
دار الخلافة وهي كبيرة فيها مال وسوق. وفي المشترك في هذه المادة أيضاً أن القرية في حريم دار الخلافة وان مؤلفة سكنها. وفي مراصد الاطلاع القرية تصغير قرية محلتان ببغداد أحدهما في حريم دار الخلافة وهي كبيرة فيها محال وأسواق.
وفي تاريخ أبي الفداء (3: 170) في حوادث سنة 640هـ (1242 م) ما قوله في وفاة المستنصر: (وهو الذي بنى المدرسة المسماة بالمستنصرية على شط دجلة من الجانب الشرقي مما يلي دار الخلافة) اه.
باب الغربة هي شريعة المصبغة الحالية
وإذا عرفنا من آبي الفداء أن المستنصرية مما يلي دار الخلافة، ومن ياقوت والمراصد أن القرية في حريم دار الخلافة، وان أول أبواب الحريم من جهة الغرب باب الغربة وانه قرب دجلة جدا يمكنني القول عن القرية أنها سوق راس القرية ومحلة راس القرية الحاليتين. وتعليل إدخال رأس على القرية انه كان يطلق على رأسها ثم أتطلق عليها أو على جزء كبير منها من باب تسمية الكل باسم الجزء ونستنتج من ذلك كله - والمستنصرية قائمة إلى يومنا - أن باب الغربة هو في المشرعة التي نسميها اليوم بشريعة المصبغة وان عندها يبدأ حريم دار الخلافة.(5/453)
ولما كان حريم دار الخلافة على شكل نصف دائرة بمقدار ثلث بغداد وان فيه جامع القصر وهو اليوم جامع سوق الغزل وحواليه فلا بد من وصول رأس نصف الدائرة المستطيل
الأسفل عند دجلة في نحو شريعة المربعة الحالية أو فيها.
ويزيدنا ثقة بهذا الرأي وهو انتهاء حريم دار الخلافة في نحو شريعة المربعة أو نحوها ما عرفناه من ابن جبير بقوله أن دار ابن الجوزي (المتوفي في سنة 597هـ) على اتصال من قصور الخليفة وبمقربة من باب البصيلة آخر(5/454)
الأبواب. وسبب تعييني شريعة المربعة - والمسافة بينها وبين شريعة المصبغة نحو كيلومتر - لما مر بنا من اتساع حريم دار الخلافة ودور الخليفة وغير ذلك. ولما جاء عن مرقد ابن الجوزي الذي قالت عنه سالنامة ولاية بغداد لسنة 1318هـ (1900م) ص371 انه رواية في بستان اكربوزي وعلى(5/455)
رواية أخرى في مقبرة الإمام احمد بن حنبل. ولعل ارجح الروايتين الأولى لأنه لا يبعد أن البستان كان دار ابن الجوزي فدفن فيها. ورأيت مجلدا من كتاب صفوة الصفوة لابن الجوزي كتب في سنة 603هـ (1206 - 1207م) أي بعد وفاته بست سنوات وفي آخره بقلم متأخر لكنه قديم أيضاً أن قبر المؤلف (. . . الواقعة على شاطئ دجلة) وقد أكلت الأرضة مكان كلمتين في الكتاب المخطوط وقد استعضت عنهما بالنقط ولعل إحدى الكلمتين كانت (داره).
شريعة خان التمر
حكيت عن الماضي البعيد توطئة لما بعده وإلى الحال الحاضرة.
في جانبنا الشرقي مشرعة تسمى اليوم (شريعة خان التمر) ويطلق عليها بعضهم شريعة مناحيم دانييل أو بيت دانييل لان لهم على جانبها الجنوبي دارا عامرة بنوها قبل نحو نصف قرن على طراز إفرنجي وهي ذات مسناة على دجلة.
وعلى هذه الشريعة على جانبها الشمالي عرصة تباع فيها أعواد القواق (الحور) لسقف الدور ولغير ذلك يتصل بها خان متداع معروف بخان الدفتردار. والعرصة والخان تحدهما دجلة وللعرصة باب عليها وليس للخان باب عليها. وكان نصف الخان وقفا وفي نحو سنة 1920 اشترت الأوقاف النصف الثاني فهو اليوم كله وقف تستغله وزارة الأوقاف (بنت الأوقاف منذ عهد قريب دكاكين في جبهته المستجدة الواقعة بين السوق الذي كان فيه بابه وبين دجلة فالدكاكين تمتد من الشرق إلى الغرب) وكان الخان المذكور متصلا بخان آخر يذخر فيه التمر في عهدنا وبابه في شريعة المصبغة يبعد عن دجلة نحو ثلاثين مترا. ولم
يهمل ذكره جيمس فيلكس جونس في تقرير رفعه إلى(5/456)
حكومته عن ولاية بغداد بتاريخ 9 نيسان سنة 1855 (ص318 من مجموعة تقاريره)
وتلاصق خان التمر المذكور أيضاً قهوة ذات مسناة لها طبقتان وتعرف القهوة اليوم بقهوة المصبغة أو قهوة الشط فهي محدودة بدجلة من جهة الغرب ومن جهة الشمال بشريعة المصبغة التي قلنا انه كان عندها باب الغربة في العصر العباس.
هذا ما كان من أمر الخان والقهوة حتى الربع الاول من سنة 1916 ثم فتحت الجادة العامة التي تشق المدينة من الجنوب إلى الشمال بتوسيع طرق وأسواق وبخرق دور ووسع السوق الضيق في عرضه ذو المنعطفات وهو الأتي من الركن الشمالي الغربي لجامع مرجان إلى السوق الذي فيه خان الدفتردار وذلك لإيصال الجادة العامة بدجلة على خط مستقيم في عرض وسيع. فمر هذا الفرع المتشعب من الجادة وهو يحاد من جهة الجنوب خان الاورتمة وبابه الجنوبي دون أن يمسهما بأذى ويحاد من جهة الجنوب خان بكر المعروف(5/457)
أيضاً بخان الخضيري بعد أن اخذ منه ما استوجبه أمر التوسيع - حتى وصل هذا الفرع إلى خاني الباشا الواقعين في شماله فاخذ منهما ما أريد. وابقي في جنوبه خان البرزللي على حاله ثم وصل (هذا الفرع) باب خان الدفتردار فقطعه وخرق الخان وما هو متصل به من جهته الشمالية فبرزت دجلة أمامه فاستجدت مشرعة واجتمع في طول نحو سبعين مترا ثلاث مشرعات: شريعة المصبغة في الشمال وشريعة خان التمر في الجنوب وبينهما الشريعة التي استجدت.
ومما جاء عما نبحث فيه ما قاله اوليا جلبي في رحلته (4: 420) في تعداده الخانات: (خورمالي خان) (خورما: تمر) بقرب محكمة القاضي. ومن البديهي انه يريد بها ما نعرفه اليوم بالمحكمة الشرعية. وقد ذكرها الشيخ عبد الله السويدي في موضعها الحالي في كتابه النفحة المسكية في الرحلة المكية (1157هـ - 1158 - 1744م - 1745) قال: كنت بالمدرسة الاصفهانية المسماة اليوم المدرسة الاحسائية وهي على شاطئ دجلة الشرقي على يسار محكمة القاضي.) اهـ(5/458)
ولما كان تعريف أوليا جلبي لموضع الخان يوافق كل الموافقة لتلك الأنحاء التي ذكرناها ولا تبعد شريعة خان التمر الحالية ما يزيد على ستين مترا عن شمال باب المحكمة فوجود
خان التمر في عهد أوليا جلبي وبقاؤه باسمه إلى عهدنا في موضعه أمر صريح ولا يبعد أن بقي اسم (باب التمر) التاريخي في الشريعة الحالية حتى عهد أوليا جلبي كما حفظ هذا الاسم منذ عهد الرحالة حتى يومنا هذا.
وإذا يقال أن تسمية هذه الشريعة بشريعة خان التمر هي من باب المصادفة والاتفاق قلنا لو صح قولهم فانه نعم المصادفة في هذا الاسم الحلو ولا سيما انه من أهم محصولاتنا الأرضية وأشهاها.
بغداد 12 تشرين الاول سنة 1927
يعقوب نعوم سركيس
في سجن الثورة
أبيات قالها السيد محمد رضا الصافي النجفي في سجن الحلة عقب الثورة، وخمسها أخوه السيد أحمد الصافي النجفي:
إننا في سوى العلى ما رغبنا ... نملا الكون رهبة أن غضبنا
ما جزعنا للسجن يوم غلبنا ... إن من رام مثل ما قد طلبنا
لا يبالي أن سبق للسجن سوقا
نحن قوم عن العلى ما قعدنا ... حيثما دار كوكب العز درنا
وإذا جار حادث الدهر جرنا ... رخصت عندنا النفوس فثرنا
بطلب العز لا لانا لنبقى
قد خلقنا دون الورى أحرارا ... وامتلكنا التيجان والأمصار
وجعلنا لنا المعالي شعارا ... ولقد سامنا العدو اختبارا
فرآنا نستسبق الموت سبقا
إن ذلي موتي وعزي حياتي ... ما انثنت للعدو يوما قناتي
أنا فرع من دوحة المكرمات ... أنا من أسرة كرام أباة
لا يرون الحياة في الذل أبقى
أنا لما أسرت لم ابد ضعفا ... لا ولم ارج من عدوي عطفا
ولقد قلت والردى بي حفا ... شرع أن يكون موتي حتفا
أو أراني يكون موتي شنقا(5/459)
أخبار ملوك قدماء العرب
من بني هود
كنت في شهر أيلول من سنة 1927 في باريس ترويحا للنفس وارتيادا للأدب. فتسنى لي أن أذهب إلى خزانتها الكبرى. المعروفة (بخزانة الأمة) فرأيت فيها كتابا مخطوطا قديما مرسوما ب (أخبار ملوك قدماء العرب من بني هود) المنسوب إلى الأصمعي. وقد رسم حروفه اللغوي الذائع الشهرة أبو يوسف يعقوب بن السكيت وأتم نسخه في 6 صفر سنة 243هـ أي قبل وفاته بسنة وكان قد أمر بقتله الخليفة المتوكل.
قلم الكتاب كوفي وقد زيدت الحركات بعد أن خط وهو مع ذلك سهل القراءة. والنسخة محفوظة احسن حفظ وهي مكتوبة على الرق ويبدو لمن ينعم النظر في سطورها، أن بعض المواطن قد حكت لتقويم الكتابة وإخراجها على احسن وجه. وقطع النسخة كبير كما أن الحروف كبيرة.
وبين جملة الأخبار المسرودة في هذا السفر الجليل، قصة بلقيس وهي في 52 صفحة. والوجه الاول الأخير من الكتاب أبيضان. وقد جاء في آخره: (يتلوه كتاب الخيل) إلا أن هذا الكتاب لا يرى في النسخة المذكورة ولعله نزع منها. وصاحب هذه النسخة كان المسيو هنري بونيون قنصل فرنسة في بغداد وهو الذي أهداه إلى الخزانة المذكورة.
6 تشرين الاول سنة 1927
بكنهام (إنكلترا): ف. كرنكو
(لغة العرب): - نتوقع أن يتولى الصديق نفسه طبع الكتاب المذكور فانه عظيم الفائدة لمقام مؤلفه وناسخه ولا سيما لما حواه من الفوائد التاريخية.
زلزلة في البصرة
شعر البصريون في نحو الساعة السادسة من مساء الثاني عشر من تشرين الثاني من هذه السنة 1927 بزلزلة خفيفة لم تدم إلا هنيهة من الزمن ولم تحدث أضرارا(5/460)
السفن والمراكب في بغداد
في عهد العباسيين
منذ قامت بغداد في جوار الفرات، وتوسدت ضفتي دجلة بعد أن نازعت دمشق أعنة السلطة واستقلت دونها بعرش الخلافة وسرير الملك، تعددت فيها السفن والمراكب وتنوعت في شطوطها الزوارق والقوارب، لاحتياج السكان إليها في الجانبين الشرقي والغربي للعبور من جهة إلى أخرى؛ فضلا عن الخروج للتفرج والتنزه، وارتياد أماكن القصف واللهو. فاتخذها كل ذي سعة وتنافس القوم في اقتنائها على اختلاف في أشكالها وضروبها. وتباين في أوضاعها ورسومها، قال البشاري: (والناس ببغداد يذهبون ويجيئون ويعبرون في السفن وترى لهم جلبة وضوضاء وثلثا طيب بغداد في ذلك الشط) (احسن التقاسيم ص124).
ولذلك اقبل المرتزقون على الملاحة وتزاحموا عليها حتى اصبحوا أمة لوحدهم بقضهم وقضيضهم. ولما اعرس المأمون ببوران قال الشابشتي (كان يجري في جملة الجرايات في كل يوم على نيف وثلاثين ألف ملاح) (برلين كتاب الديارات ع8321 ص68) وكفى بهذا القول دليلا على ما بلغت إليه الملاحة في ذلك العصر.
ولما استفحل الملك وتدفقت سيول الثروة على بغداد فأصبحت (أم الدنيا وسيدة البلاد) (مراصد الاطلاع 1: 163) عمد أهل الترف والبذخ إلى هذه السفن فتفننوا في بنائها وإتقانها وأبدعوا ما شاءت أبهة السلطان وبطر الغني في تطويرها وتزيينها فأخرجوها على صور شتى وحاكوا بها خلقة الحيوان والطير كالليث والفيل والعقاب والغراب والجراد والدلفين. وقد حفظ لنا أبو نواس بعض هذه الأسماء فقال يمدح الأمين:
ألا ترى ما أعطي الأمين ... أعطي ما لم تره العيون(5/461)
ولم تكن تظنه الظنون ... الليث والعقاب والدلفين
ولكن لشؤم الطالع الذي تولى تاريخ الصناعات في الشرق العربي لم ينته إلينا في ما بأيدينا من كتب الأدب والتاريخ شيء من صنعة هذه المراكب وتفصيل عمارتها مع ما كان لها وقتئذ من الخطورة وجلالة الخطب وتعدد دور الصناعة لها في الإبلة ومصر وعكا وصور.
فلابد لنا من الاكتفاء ببعض الإشارات التي نلمحها في الشعر لذلك العهد وان كانت لا تدل على كبير أمر. وقد وجدت لجانب منها ذكرا لا يخلو من بعض الفائدة في شعر أبي نؤاس مرآة البيئة العباسية وهو قوله يمدح الأمين وصف به حراقتي الليث والعقاب:
سخر الله للامين مطايا ... لم تسخر لصاحب المحراب
فإذا ما ركابه سار برا ... سار في الماء راكبا ليث غاب
أتسد باسط ذراعيه يعدو ... أهرت الشدق كالح الأنياب
لا يعانيه باللجام ولا السوط (م) ... ولا غمز رجله في الركاب
عجب الناس إذ رأوك على صو ... رة ليث يمر مر السحاب
سبحوا إذ رأوك سرت عليه ... كيف لو أبصروك فوق العقاب
ذات زور ومنسر وجناحي ... ن تشق العباب بعد العباب
تسبق الطير في السماء إذا ما (م) ... استعجلوها لجيئة وذهاب
وقال يمدحه أيضاً:
قد ركب الدلفين بدر الدجى ... مقتحما في الماء قد لججا
لم تر عيني مثله مركبا ... احسن أن سار وان عرجا
إذا استحثته مجاذيفه ... أعنق فوق الماء أو هملجا
قال الاصبهاني راوي الديوان قال أبو هفان (اتخذ محمد (الأمين) الدلفين والغرابية والجرادية والكوثرية) (ص671 - 771)
ومما يزيد في نكاية هذا الداء، داء سكوت الكتبة والمؤرخين عن كل ما يتعلق بالمهن والصناعات والحرف والتجارات، أنه لم يتصد أحد من المشتغلين باللغة لأفراد رسالة أو مقالة يستوعب فيها كل أسماء المراكب والسفن وأدواتها(5/462)
المتخذة في الإسلام مع شدة الافتقار إلى مثلها اليوم لتفهم بعض المتون والأخبار. ولو شاء بعض رواد الآثار العربية تتبع ألفاظها المحدثة حتى في مظانها من المعاجم وكتب الدخيل والمعرب والمولد لفاته منها جانب غير يسير يراه مذكورا في بعض كتب التواريخ والبلدان والأدب على غير صحة ولا ضبط. وقد سرد منها البشاري وحده نيفا وثلاثين اسما غلب التحريف والخفاء على أكثرها ولكنه لم ينص على موضع استعمال كل منها (احسن التقاسيم ص31 - 32)
فلا بأس إذن أن انقل هنا ما يحضرني منها مما مر بي أثناء مطالعتي مقتصرا فيه على ما كان في بغداد وحدها في ما عدا ما تقدم ذكره منها وهي:
الحراقة، والطيار، والشذاة، والشذاءة، والشذاوة، والزبزب، والسميرية والسمارية، والزلال، والشبارة، والحديدي.
ومما يدل تسميها على عراقيتها (الواسطية) نسبة إلى واسط ذكرها البشاري ولاشك إنها كانت ترد أحيانا بغداد. ويلحق بها المراكب الخيطية كانت تعمل بالابلة ويركب فيها إلى الصين (كتاب البلدان لليعقوبي ص360). وهنالك أسماء آخر لم أتثبتها أو لم تتصل بنا. وكل هذا الذي نقلته منها صحيح اللفظ مضبوطه ولدي شواهد عليه لا أرى حاجة إلى إيرادها لعدم الخلاف فيها ما خلا (الحديدي) نبه عليه صاحب السعادة احمد باشا تيمور في مقالته الممتعة في تفسير الألفاظ العباسية. قال وهو نوع من السفن ولم اقف على وصفه ولا اعلم أن كان صحيح اللفظ أو محرفا (مجلة المجمع العربي 246: 1923) فاستدركه عليه حضرة الأب انستاس قال وأظن الصحيح هو الجدي (المجلة المذكورة ص382) ولذلك استميح حضرة الأب عفوا في نقل بعض الشواهد على صحة لفظ الحديدي كما حكاه التنوخي في نشوار المحاضرة (ص206)
قال محمد بن عبد الملك الهمداني في الجزء الاول من تكملة تاريخ الطبري (نسخة خزانة باريس ع 1469)
لما صار ابن رائق بالمدائن أمره الراضي بالانحدار إلى واسط وأضافها إلى أعماله من البصرة وغيرها فكان ابن ياقوت برامهرمز. عازما على التوجه إلى اصبهان(5/463)
(فكوتب بالاصعاد فالتقى ابن ياقوت في طيارة وابن رائق في حديدية فسلم كل واحد منهما على صاحبه إيماء من غير قيام) (ص56)
وقال بعد ذلك:
(ودخل البريدي بغداد. . . لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة 329. . . وكان معه من الزبازب، والطيارات، والحديديات، والشذاءات ما لا يحصى) (ص79)
وقال أيضاً في حوادث سنة 364:
(وراسل عضد الدولة الطائع لله بابي محمد بن معروف حتى استعاده ودخل إلى بغداد في
حديدي جلس على سطحه وخرج عضد الدولة في طياره فتلقاه قريبا من قطيعه أم جعفر وصعد الحديدي وقبل البساط ويد الطائع لله) (143)
وممن ذكر الحديدي أيضاً غير مرة ابن الفوطي في تاريخه المحفوظ في الخزانة التيمورية ومن العبث الإطالة بنقله. فيكون قد توارد ثلاثة من العلماء والمؤرخين على استعمال هذا اللفظ: التنوخي، والهمداني، وابن الفوطي. ومثل هذا الإجماع كاف في مقام الاستشهاد. ولعل الحديدي سمي كذلك لدخول الحديد في بنائه.
وقد يسبق إلى الظن أن اتخاذ السفن في بغداد كان مباحا وطلقا لمن شاء كيف شاء ولم تكن قط حسبة عليه كسائر الصناعات والحرف. ولكن يؤخذ من شهادة الشابشتي أن بناء المراكب كان مقيدا محصورا ليس في جملته فقط بل في تحديد طوله وعرضه. وهو قوله:
(اشتهى بعض ولد الرشيد التفرج والتنزه في الماء فأراد أن يبني زلالا يجلس فيه فمنعه اسحق (ابن إبراهيم الطاهري خليفة السلطان ببغداد) وقال هذا شيء لا نحب أن نعمل مثله إلا بأمر أمير المؤمنين وإذنه فكتب إلى المعتصم يستأذنه في ذلك فخرج الأمر إلى اسحق بإطلاقه له. فكتب اسحق: (ورد علي كتاب من أمير المؤمنين بإطلاق بناء زلال لم يحد لي طوله ولا عرضه فوقفت أمره إلى أن استطلع الرأي في ذلك (فكتب إليه يحمده على احتياطه ويحد له ذرع الزلال) (الديارات ص 14 - 15)(5/464)
وهذا من أدل الدلائل على ما كانت عليه رسوم الولاية ونظام المعيشة والصناعات في الصدر الاول من العصر العباسي من الاحتياط والضبط وقلة الفوضى في أوقات الدعة والسكون وهو ما يبعث على التحسر والأسف أن لا يكون تعرض أحد من السلف لتدوين خصائص هذه الحضارة الباهرة التي تفردت بها على ضفافي دجلة والنيل الدولتان العباسية في بغداد والفاطمية في مصر.
افالون (فرنسة): حبيب الزيات
(لغة العرب): - من يطلع على هذه المقالة يقدر علم الكاتب. وهو من الراسخي القدم في التحقيق والتدقيق. ونحن نشكره على هذه المقالة البديعة ونستزيده في هذا الموضوع وأشباهه. أما المركب المسمى (الحديدي) فلقد أصاب حضرته المحن. وكنا نحن قد وجدنا (الجدي) في كتاب خطي كان عندنا يقول صاحبه ما هذا حرفة. قال أبو القاسم يحتاج أن
تعرف ألوان المراكب من السفن، والسميريات، والمراكب العماليات، والزبازب، والطيارات، والشذوات، والبرمات، والحراقات، والزلالات، والمالست (كذا)، والكمندوريات، والبالوع، والطبطاب، والخيطيات، والجدي، والجاسوس، والورحيات، والقوارب، والشلملي، والزو. اه
وكنا قد ظننا أن (الجدي) هي من الروايات الصحيحة، لمشابهة هذا الاسم لاسم الحيوان المعروف، لكننا نرى الآن أن الحديدي هو الصحيح ولم يبقى شك في هذه التسمية بعد أن ذكر لنا الكاتب المحقق الشهادات العديدة التي أورد نصها.
(استدراك بخصوص آل قشعم)
قلت في هذه المجلة (139: 5) أن أول ذكر عرفته عن آل قشعم في العراق لا يتعدى العقد الثاني من القرن الحادي عشر وفاتني أن كلشن خلفا الذي نقلت عنه الخبر كان قد ذكرهم قبل ذلك. وهذا تعريب ما فيه:
ولما دخلت سنة 953 (1546م) سار الوالي الوزير (اياس باشا والي بغداد قاصدا البصرة) فزار بطريقه الروضة الرضية لفاتح خيبر (علي بن أبي طالب) لاستحصال الاستعداد للفتح والظفر ثم حرك الوالي ركابه إلى البصرة بعد أن اتلف شيخ آل قشعم الذي كان قد سلك طريق الطغيان مؤذيا الناس في تلك الأنحاء. . .) اهـ
يعقوب نعوم سركيس(5/465)
الأيام في المعتقدات
طبع الإنسان على (الحاجة) وهي وسيلة البقاء وعلة الحياة والحاجة رهينة وقت وزمن؛ لذلك اضطر الإنسان منذ القديم أن يحدد زمنه، فسمى الوقت الذي يجري من طلوع الشمس حتى غروبها يوما، وسمى ذلك اليوم باسم خاص ثم توسعت أعماله وكثرت شؤونه وتوفرت حاجاته فاتخذ السنة رأسا ومبدأ لأعماله وأشغاله، وبها قاس الأعمار وكتب التواريخ، ودون الوثائق.
ثم قسم السنة إلى اثني عشر شهرا وسمى كل شهر باسم خاص وقسم الأشهر إلى أسابيع ثم إلى أيام وهذه إلى ساعات فدقائق. . .
وقد جاء في التوراة وفي سفر الخلق - أن الله جل وعلا خلق العالم في ستة أيام واستراح يوم السبت (الشباث) من عناء العمل. وقد أيد القرآن الكريم التوراة في ذلك فقد جاء فيه انه خلق الأرض والسموات في ستة أيام إلا انه لم يذكر انه استراح يوم السبت. وأسماء الأيام كانت معروفة لدى الشمريين والاكديين ثم لدى الارميين ثم اقتبس اليهود أسماء الأيام والأشهر من هؤلاء وورد ذكرها في شريعتهم.
والتشاؤم من الأيام والشهور قديم جدا ويظهر أن التشاؤم من بعض الأيام والشهور كان شائعا بين عرب الجاهلية. نفهم ذلك من حديثين نقلا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الاول (لا تعادوا الأيام فتعاديكم) والثاني (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولاصفر) ومن المحتمل أن قد جاءهم هذا التشاؤم والاعتقاد بكثير من الخرافات والأساطير من الأمم التي جاورتهم كالرومان والفرس والأقباط والأحباش وعلى الأخص من اليهود الذين انتشروا في الجزيرة واختلطوا بالعرب وهم اكثر الأمم أساطير واعتقادا بالخرافات و (التلمود) وهو من اكبر كتبهم الدينية حجما مشحون عجائب وغرائب.(5/466)
أما أسماء الأيام والشهور الشائعة والمتداولة بين المسلمين قاطبة فإنها حدثت أخيرا وذلك بعد صدر الإسلام وأسماء الأيام والأشهر في الجاهلية هي كما يلي:
الأحد. الاثنين. الثلاثاء. الأربعاء. الخميس. الجمعة. السبت
اوهد. أهون. جبار. دبار. مونس. عروبه. شيار
وقد جمعها الشاعر ببيتين:
علمت بان أموت وان موتي ... باوهد أو باهون أو جبار
أو التالي دبار أو يوافي ... بمؤنس أو عروبة أو شيار
الأشهر:
المحرم. صفر. ربيع الاول. ربيع الثاني. جمادى الأولى. جمادي الآخرة. مؤتمر. ناجر. جوان. وبصان. ربى. ايدة
رجب. شعبان. رمضان. شوال. ذو القعدة. ذو الحجة
الأصم. عادل. ناتق. واغل. ورنة. برك
والعوام من العراقيين رجالا كانوا أو نساء يتشاءمون من بعض الأيام فيحجمون عن إتيان عمل في بعضها جلبا للخير فتراهم يرغبون في السفر يوم الاثنين ويأخذون الدم (الحجامة) يوم الثلاثاء ويقضون حوائجهم يوم الخميس إلى غير ذلك وحجتهم فيما يزعمون أبيات ينسبونها لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وهي شائعة على أفواه العامة:
لنعم اليوم يوم السبت حقا ... لصيد أن أدت بلا امتراء
وفي الأحد البناء لان فيه ... تبدى الله في خلق السماء
وفي الاثنين أن سافرت فيه ... ستظفر بالنجاح وبالثراء
ومن يرد الحجامة فالثلاثا ... ففي ساعاته سفك الدماء
وان شرب امرؤ يوم دواء ... فنعم اليوم يوم الأربعاء
وفي يوم الخميس قضاء حاج ... ففيه الله يأذن بالدعاء
وفي الجمعات تزويج وعرس ... ولذات الرجال مع النساء
وهذا العلم لم يعلمه إلا ... نبي أو وصي الأنبياء(5/467)
واعرف كثيرين من الناس لا يتعممون وهم قعود ولا يلبسون سراويلهم وهم قيام ولا يأكلون السمك يوم السبت ويعزون ذلك إلى قول ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو:
(ما تسبتسمكت قط ولا تعمقددت قط ولا تسرولقمت قط فمن أين جاءني هذا البلاء.
ومن نظر نظرة لبيب إلى هذه الأبيات الركيكة المتفسخة وهذه الألفاظ المنحوتة من حجر
صم الجبال علم أن عليا وهو إمام الفصاحة لأجل من أن يكلف نفسه نظم أبيات مشلولة المعنى والتركيب مثل التي ذكرناها. وأما الألفاظ فلا اشك إنها من دس الإعجام فإنهم رأوا باب النحت في كتب الأدب فنحتوا وما كفاهم ذلك حتى نسبوها إلى أبلغ وأفصح الناطقين بالعربية بلا مدافع.
السبت
لا يؤكل السمك فيه خشية الفقر والعوز:
والنساء يتشاءمن من الذهاب إلى الحمام فيه إلا (الثيب) فإنها تكون (نفاق) أي انه لا بد وان تتزوج والتي هي ذات (بعل) تكون (طلاق) أي انه لا بد من يطلقها زوجها و (البكر) تكون (عواق) أي أنها لا تحصل على بعل. والصيد فيه محمود.
الأحد
النساء لا يغزلن ليلة الاحد، والمثل السائر على أفواه النساء في منع الغزل ليلة الأحد هو (يا غازلات الأحد ما نهاجن أحد) أي أيتها الغازلات في ليلة الأحد أما نهاكن أحد؟
لا تخاط الأثواب يوم الأحد ومن تجرأ على ذلك أصابه مرض عضال.
يستحسن السفر في مساء الأحد والبناء والتعمير.
الاثنين
يستحسن تقليم الأظافير فيه وقص الشعر وحلق الأذقان وشراء الأثواب(5/468)
وخياطتها والذهاب إلى الحمام واخذ (الخيرة) أي - الاستخارة - وتكون على شكلين أما بالسبحة أو بفتح المصحف الشريف. ويستحسن فيه الذهاب إلى الطبيب وخطبة العروس والحجامة - أي اخذ الدم والسفر أيضاً.
الثلاثاء
لا يجوز خياطة الأثواب والسراويل وغيرها فيه ومن اقدم على ذلك إصابته إحدى الدواهي الثلاث (حريق أو غريق أو موت) ويستحسن فيه اخذ الدم من الجسد وهو المعروف (بالحجامة)
الأربعاء
لا يعاد المريض يوم الأربعاء في صباحه ولا في مساء اليوم الذي قبله أي مساء الثلاثاء ويعتقدون انهم إذا عادوه يوم الأربعاء ثم مات طالبهم بدمه.
يستحسن أكل السمك يوم الأربعاء ومن واظب على أكله أربعين مرة في كل يوم أربعاء هطلت عليه سحاب النعم وتفتحت في وجهه أبواب الرزق والبركة.
ولا يذهب النساء إلى الحمام يوم الأربعاء كما لا يذهبن يوم السبت ويعتقدن أن التي تذهب إلى الحمام يوم الأربعاء لابد وان تصاب بنزلة في الرأس.
ويستحسن فيه شرب الدواء.
الخميس
لا يستحسن السفر يوم الخميس مساء ولا في صباح الجمعة والحكمة في ذلك هي لئلا تفوت صلاة الجمعة وهي صلاة مقدسة كغيرها وذلك اتباعا للآية الشريفة (وإذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله. . . . الآية. . .) وإذا حل ضيف في بيت أحدهم وأراد السفر ليلة الجمعة يمنعه الذين أضافوه لأنهم يعتقدون أن (الرزق) يأتي من الله في ليلة من ليالي الجمع وربما كانت تلك الليلة هي التي يسافر فيها الضيف فيكون قد اخذ الرزق معه ويستحسن فيه قضاء الحوائج وشراء الأشياء.
الجمعة
السفر مكروه يوم الجمعة لئلا تفوت صلاة الجمعة ويستحب فيه الذهاب إلى الحمام وقص الشعر وتقليم الأظافير وزيارة الأصدقاء والأحبة وقضاء الدين والتزويج وعقد خطبة النكاح وإقامة أفراح العرس.(5/469)
الأشهر
الأشهر المحترمة والمقدسة عند العوام من المسلمين هي الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان والثالث معظم ومبجل اكثر من كل الشهور لان فيه انزل القرآن الكريم (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن. . . الآية) ولان الله فرض فيه الصوم كله على المسلمين. ومن المسلمين المتقشفين من يصوم هذه الأشهر الثلاثة ويلي شهر رمضان حرمة، شهر ذي الحجة (شهر عيد الأضحى) وقد فرض الله فيه على المسلمين المستطيعين الحج إلى بيته
واشام الشهور وانحسها شهر (صفر) ولتشاؤم العرب منه أضافوه إلى الخير فقالوا صفر الخير ليرتفع التطير منه ويعتقد العوام ولاسيما النساء منهم أن كسرت سن النبي فيه وعلله البعض بأنه أول شهر الحل وفيه يرتفع الحرم وقد جرت العادة أن يتصدق العوام على الفقراء في أول يوم من صفر.
المحرم
وهو شهر حزن ومأتم عند المسلمين كافة وفي اليوم العاشر منه حدثت فاجعة الحسين وآله وذويه وفي اليوم السابع عشر منه جرح الإمام علي أمير المؤمنين ويصوم بعض المسلمين في الأيام العشرة الأولى منه.
صفر
هو انحس الشهور في الجاهلية والإسلام والعوام يعتقدون أن الأمراض والعاهات والآلام تنزل فيه وان لابد أن يحدث فيه حادث جلل أو مصاب كبير لذلك تراهم يتسارعون في التصدق على الفقراء في أول يوم منه.
اليوم الثالث عشر من صفر
تعتبر العامة هذا اليوم من الأيام النحسة فيخرج النساء والأطفال وكثير من الرجال إلى الارباض والحدائق والجنان المحيطة بالمدينة ويقضون ذلك اليوم كله في سرور وطرب وهذه العادة جارية في (كربلا) واغلب مدن الفرات.
(جنبرسوري) آخر أربعاء في صفر
جنبر سوري كلمتان فارسيتان اصلهما (جهار شنبة سوء) أي يوم أربعاء السوء وهو آخر أربعاء من شهر صفر وهو يوم شؤم ونحس عند جميع عامة العراق فإذا اصبح الناس في ذلك اليوم خرجوا جميعا إلى البساتين والحدائق رجالا(5/470)
ونساء وأطفالا وقضوا يومهم بالأنس والحبور ومثله السائر على أفواه النساء (جنبر سوري اخذي ازارج ودوري) أي (جنبر سوري خذي إزارك ودوري)
ليلة أول يوم من ربيع الاول
يودع العوام في هذه الليلة شهر (صفر) المشؤوم وفي مساء تلك الليلة تتطيب النساء ويتزين ويأخذ كل بيت جرة ماء صغيرة (تنكة) فيضعون فيها ملحا وفلسا نحاسيا وقليلا من الماء فيخرج واد من البيت إلى أعلى السطح ويرمي الجرة على قارعة الطريق أو الزقاق وعندما تقع على الأرض وتتحطم يقف النساء والأطفال في البيت ويصفقون قائلين (طلع صفر خش ربيع يا محمد يا شفيع) أي (خرج صفر ودخل ربيع يا محمد يا شفيع) وفي الصباح تهنئ النساء بعضهن بعضا لخروجهن هن وبعولتهن وآلهن من صفر آمنين سالمين. والعرب المجاورون للمدائن يشعلون سعف النخيل ويدورون ويدخلون في الأكواخ في البيوت الحقيرة من الطين ويزعمون انهم بذلك يطردون شهر صفر!
أحمد حامد الصراف
(لغة العرب): - أن لهذا البحث أصولا قديمة عند البابليين تلذ للقراء مقابلتها ببعض هذه الأوابد التي هي لا قوام بائدين من العراق.
البليج
بليج السفينة (والبليج وزان سكين) على ما في محيط المحيط للبستاني: (عود طويل تدفع به. معرب بيله بالفارسية) اهـ. قلنا: لم نجد في ديوان من دواوين اللغة العربية هذا المعنى. أما الكلمة الفارسية التي ذكرها فتعني مقذاف السفينة ولا يمكن أن تنقل بصورة بليج بل بصورة (بيلج) والسلف لم ينطق بها.
أما البليج فقد ذكرها صاحب (عجائب الهند) بمعنى الغرفة في السفينة ومؤلف كتاب عجائب الهند من أبناء المائة العاشرة للميلاد. والكلمة من اللغة الماليزية من (بيلق) (وزان زبرج) بمعنى غرفة أو مسكن أو خيمة. فانظر كيف أن صاحب محيط المحيط يؤول الألفاظ وكيف تنتقل إلى سائر الدواوين اللغوية اعتمادا عليه وعلى هذا الوجه تفسد لغتنا الحسناء. وما ذلك إلا لأنه ينقل عن فريتغ بلا روية.(5/471)
تحقيق بعض أعلام مدن قديمة
- تتمة -
الجرباء
يقول ياقوت الجرباء موضع من أعمال عمان بالبلقاء من ارض الشام قرب جبال الشراة من ناحية الحجاز وهي قرية من اذرح وبينهما كان أمر الحكمين بين عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري وروي جربى بالقصر ثم قال:
جربى
من بلاد الشام كان أهلها يهودا كتب لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما قدم يحنة بن روبة صاحب ايلة بقوم منهم من أهل اذرح يطلبون الأمان كتابا على أن يؤدوا الجزية وقد روي بالمد وقد تقدم.
والجرباء اليوم ماءه على يسار اذرح وبجانبها تل ربما كان أنقاض بنايات قديمة ويرى الواقف على هذا التل اذرح أمامه وبجانب التل آثار بناء ربما كانت قلعة أو مخفر.
الحميمة (بالتصغير)
يقول ياقوت الحميمة بلد من ارض السراة من أعمال عمان في أطراف الشام كان منزل بني العباس ويقولون في مادة الشراة ومن بعض نواحيه القرية المعروفة بالحميمة التي كان يسكنها ولد علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب في أيام بني مروان. ويقول الاصبهاني في ترجمة عيسى بن موسى(5/472)
الهاشمي انه ولد ونشأ بالحميمة وكان من فحول أهله وشجعانهم وذوي النجدة والرأي والبأس والسؤدد منهم ثم قال:
(استدعى عيسى بن موسى مولاه عبد الرحمن بن مالك ليلا من داره وهو بالحيرة وقال له سمعت الليلة في داري شيئا ما دخل سمعي قط إلا ليلة بالحميمة والليلة فانظر ما هو فدخلت استقري الصوت فوجدته في المطبخ فإذا الطباخون قد اجتمعوا وعندهم رجل من أهل الحيرة يغنيهم بالعود فكسرت العود وأخرجت الرجل وعدت إليه فأخبرته فحلف لي انه ما سمعه قط إلا تلك الليلة بالحميمة وليلته هذه).
والحميمة اليوم أنقاض قرية كبيرة تشابه في مبانيها وأشكالها اذرح كل المشابهة وفيها مياه خربت مجاريها وقنيها فاستحالت إلى مستنقعات وبطائح ويوصل إليها من طريق معان إلى العقبة بعد أن تجتاز بئر أبي الأسل بساعة يأتي رأس النقب وهو منتهى الشراة (7) ومن هناك تأخذ بالانحدار إلى مضيق سلسلة جبال العقبة وفي هذه النزلة عن يسارك على بعد قليل تبدو لك الحميمة ملاصقة لحدود حسمى وتمتد حسمى من تبوك إلى أول التيه ومن العقبة إلى رأس النقب.
ولا يسكن الحميمة اليوم ساكن ويملكها صياح أبو نوير من الحويطات هذا ما علمته من أمر هذه المواضع الثلاثة التاريخية وفوق كل ذي علم عليم.
حيفا: عبد الله مخلص(5/473)
السليفانية
-
زارني في اليوم 17 من شهر آذار من سنة 1918 رجل غريب الصورة واللباس وجرى لي معه حديث يفيد من يحب الوقوف على أحوال الناس وأخلاقهم وأجيالهم. وأنا اكتب هنا ما دار بيني وبينه من الكلام:
الغريب: جئت لا تعرف بك لأني سمعت باسمك فاشتقت إلى مجالستك.
هل يمكنني أن اعرف اسمك ومقدمك وقومك؟
غ - اسمي جتو بن حمو، كردي من السليفانية وقد قدمت إلى هذه الديار للبيع والشراء. وأجبرني الشرطي على مواجهة المس بل وهي التي أرسلتني إليك من بعد أن كلمتني نحو ساعة وسألتني أسئلة مختلفة لتقف على كنهي وسبب وجودي هنا؛ ثم قالت لي اذهب إلى الأب انستاس مع هذا الرجل وهكذا اهتديت إليك وإلى مقرك.
أن كنت كرديا فكيف تتكلم العربية؟
غ - معاطاتي لأشغال البيع والشراء أدت بي إلى الذهاب إلى الموصل وأنحائها وتعلمت بعض العربية وبعض التلكيفية.
أين موقع بلادكم؟
غ - نحن في سهل محاط بالجبال وهذا السهل يمتد من السميل (وزان قبيط) إلى بيشابور، أو أن شئت فقل: من (ثم الكلي) - (وهو مبدأ الطريق من زاخو أو الجزيرة (جزيرة عمر) إلى الموصل). و (ثم الكلي) واد واسع اتخذ طريقا لأصحاب القوافل.
- كم عدد قراكم ونفوسكم؟
غ - تبلغ قرانا اكثر من مائة. وعدد أهل القرية الواحدة يختلف بين 20 إلى 40 إلى 60 نسمة فيكون مجمل نفوسنا يتراوح بين خمسة آلاف وستة آلاف نسمة.(5/474)
- ما لغتكم؟
غ - الكردية. وكثير منا يعرف العربية وربما وجد بيننا من يعرف قليلا من السريانية العامية.
- ما ديانتكم؟
غ - الإسلام وجميعنا سنيون على مذهب أبي حنيفة.
- ما صناعتكم؟
غ - الزراعة ورعاية المواشي. ونزرع الحنطة والشعير والرز والسمسم والدخن والماش والعدس إلى غيرها.
- هل انتم من اصل كردي صميم؟
غ - أني سمعت أقوالا متضاربة في أصلنا. فقد سمعت جدي يقول انه سمع من والده ووالده نقل عما سمع عن شيوخ كثيرين: أن أصلنا نصارى ولسنا من أهالي هذه البلاد، بل جئنا إليها من أنحاء ديار الشام ولهذا ترى في دم بعضنا الدم العربي وفي آخرين الدم الإفرنجي وفي كثيرين الدم الكردي وفي جماعة الدم الكلداني. فنحن خليط من عناصر شتى كنا في الأصل نصارى ثم اهتدينا إلى الإسلام قبل نحو ثلاثمائة أو أربعمائة سنة حين تسلط الأتراك على هذه الديار.
هل بينكم نصارى؟
غ - من يقل (سليفاني) ينف عن نفسه أي دين كان والحمد لله إلا انك ترى في جوارنا نصارى عديدين لكنهم لا يسكنون قرانا. فأهل بيشابور نصارى كلدان وكذلك ترى نصارى كثيرين في زاخو والجزيرة وهم يترددون إلينا ثم يرجعون إلى مواطنهم.
أرى ملبوسكم لا يشبه ملبوس سائر الناس. فما أسماء ملابسكم هذه؟
غ - ملبوسنا يسمى الشل والشبك. أما الشل فهو هذا الذي نلبسه على قسم جسدنا الأعلى. وهو يشبه الستري ينحدر من الكتفين إلى الحقوين. وأما الشبك (وتلفظ بشين مثلثة مفتوحة وباء مثلثة تحتية أو باء فارسية مشدودة مضمومة وفي الآخر كاف) فهو نوع من السروال الواسع عريض الأسفل من جهة الرجلين وكل من الشل والشبك متخذ من(5/475)
الصوف الخالص ومن عمل ايدينا؛ لاننا لا نشتري شيئا غريبا يدخل في لباسنا ولابد من الصوف لان بلادنا باردة - ونلبس في راسنا الطاقية وهي كما تراها (راجع وصفها في مجلتنا 2: 282 وما يليها) ونلف عليها اليشماغ (راجع مجلتنا 2: 508 وما يليها).
أما كبارنا فيشدون العقل برؤوسهم (واحدها عقال) وبأرجلهم يلبسون الأحذية. ومنهم من يحتذي الجاروخ (راجع لغة العرب 3: 237) ويسميه بعضهم كالك أما الحذاء فاسمه
عندنا بيلاف ونساؤنا يلبسن ثياب سائر الكرديات.
- هل عندكم من يتعاطى قطع الطرق أو ما كان من هذا القبيل؟
غ - الأشرار موجودون في كل بلد وأمة. فقد قتل واحد منا عدة رجال في ليلة عرس قبل نحو خمس سنوات.
- هل عندكم من يحسن القراءة والكتابة؟
غ - ربما وجد واحد أو اثنان في القرية الواحدة. والآن تهتم الحكومة بفتح المدارس لتعميم العلم في القرى الكبيرة.
هذا معظم ما استفدته من جتو بن حمو. وفي هذه الأيام تعرفت بنصراني كان يتعاطى البيع والشراء مع هذا الجيل فسألته مثل هذه الأسئلة لأرى موقعها من الصحة فلم أر فرقا بين ما سمعت من السليفاني وبين ما سمعت من النصراني ثم ذكر لي هذا الأخير أن السليفانية قد يقطعون الطرق إذا ضاقت بهم الحال. فقد قتلوا قصابين نصرانيين صبيا وأباه سنة 1919 ليأخذوا ما عليهما من الدراهم وكانت شيئا كثيرا إذ ذهبا إلى ديار السليفانية ليشتريا بقرا وغنما.
وهم كثيرا ما يتعرضون للذين يترددون بين زاخو والسميل في مكان يعرف باسم (مروني) فقد سلبوا قافلة نصرانية من تلكيف. وكان اسم السارق الكبير أو اسم العقيد (عبوش بن عبدي غزالة) وكان اسم رئيس القافلة (كرومي جبو) فشكاهم وحصل ماله كله. وهجم عسكر الحكومة العراقية على بيت عبوش فهرب هذا بعيدا عن دياره مدة خمس سنوات وبيعت جميع عروضه في أسواق زاخو.(5/476)
وفي سنة 1925 قتلوا مسيحيا بين (قرقورة) وبين (بات القوس) - لان النصراني أبى أن يبيع ثيابا (أقمشة) بالدين. ويسمون هذا النوع من الثياب بروك
رأينا في أصلهم
قول جتو أن اصل جيله خليط من نصارى عرب ومن دخلاء الإفرنج قول يؤيده معنى كلمة سليفانية. فهي عندنا منسوبة إلى سليفانا وهي تصحيف صليفانا ومعناها في اللغة الارمية الصليبي لان الباء تلفظ في لسان الكرد قاء مثلثة كالحرف الإفرنجي ولهذا نعتقد بصحة قول الرجل أي أن اصل جيله من النصارى أو انهم طائفة من (الصليب) وهم بقايا
من عرب سورية كانوا نصارى في الأصل ثم نكبوا نكبات شتى فأقاموا في البادية وانضم إليهم إفناء بعض القبائل الأخرى أو بعض نفايات الإفرنج فصاروا إلى ما هم عليه اليوم، فاسمهم يدل علمانهم كانوا نصارى في القديم.
الابلة
الابلة: (بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى، في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة. وهي اقدم من البصرة، لان البصرة مصرت في أيام عمر بن الخطاب (رض) وكانت الابلة حينئذ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى وقائد) (ياقوت)
والاسم قديم كان معروفا في المائة الرابعة قبل المسيح، وقد ذكره نيارخس الرحالة بصورة ابلجس وقد ذكر عن هذه المدينة أنها مستودع بياعات خليج فارس: وقد وهم ارتليوس في ظنه أنها (تردن أو تردم أو تدمر) أي البصرة في هذا العهد.(5/477)
غادة بابل
4 - شقت الشمس أهاب الظلام وأرسلت أشعتها على قصور بابل وهياكلها زجنات الفرات ومزارع دجلة فهب البابليون من النوم للعبادة والأعمال من تجارة وزراعة وصناعة وتثقيف العقول في المدارس إلا شميرام فإنها تأخرت في فراشها ذلك اليوم لأنها قضت ليلها حتى الهزيع الأخير منه بين الهواجس والآلام والأشباح: فكانت تارة (تستلقي على فراشها الوثير وتسند رأسها إلى ذراعها المزينة بأساور الذهب مفكرة بشمشو، وطورا تضيق نفسها فتترك غرفة النوم وتناجي النجوم وتسامر الكواكب وترقب حركاتها في أفلاكها وترصد الأبراج والأجرام السماوية وتتذكر ما قرأته عن مفاعيلها في الألواح (وحي بل) المدونة منذ عهد شركسنشاري ملك أجد. ولم يزر الكرى أجفانها إلا بعد عناء شديد نهك قواها وأذاقها مضض السهاد والأرق وكان نومها أشبه شيء بإنخطاف الروح أو بغيبوبة عن الشعور.
أتت أمها وأيقظتها فانتبهت مذعورة وكأن لسان حالها ينشد:
كليني لهم يا اميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
ثم ذهبت إلى الهيكل لاستشارة العرافة الشهيرة (زخنتم) الواقفة على علم الغيب والقادرة على اسر القلوب بسلاسل الحب وبكتابة الرقي. فتوجهت توا إلى دار العابدات الحبيسات الملاصقة للهيكل فرأتهن عاكفات على أعمالهن. وهن خمس فرق. لكل فرقة منهن منزلة وعمل. ولهن أنظمة خاصة بهن وتباح لهن التجارة ولا مانع لهن من عقد العقود. وهذه هي فرقهن (انتو) الأخت المقدسة، (اشيباتو) الكاهنة، (زيكرو) السرية المقدسة، (قدشتو) المرأة المنذورة، (زرمشيتو) عذراء الهيكل.(5/478)
بعد أن سلمت عليهن أخذتها إحداهن إلى (الانتو) زخنتم وهي امرأة عجوز أرعشها الكبر وتقوست قناتها واشتعل رأسها شيبا درداء متغضنة الجلد قحلته. فأخذت شميرام تقص عليها حديث لشمشو وإعراضه عنها وتعلقه بغيرها من بنات بابل وطلبت منها أن تسخر علمها فتسأل الآلهة أن تأسر قلبه بحبها وتقصيه عن عشيقته الأخرى.
فأطرقت زخنتم طويلا وأخذت تتمتم ألفاظا سحرية كأنها تناجي الأرواح أو الإله ثم سألتها عن اسمها واسم عشيقها ويومي ولادتهما ورجعت إلى رقيم أخذته من رقم كانت بجانبها ورأت فيه بعض الخطوط وحساب ولادة القمر وقرانات النجوم والبروج وسمت الشمس ثم التفتت إلى شميرام وقالت لها:
حبيبك رجل عنيد، شديد المراس، ولكنه صريع العشق قد ساد حب غيرك على قلبه وليس من الهين نزع هذا الحب المستحكم في كل جوارحه. وسيلاقي من جرائك الأمرين وتلتف حواليه البلايا من يد سحرية قوية إلا انه لا يتوصل إلى الزواج من حبيبته، بل تموت كمدا والما ويبقى هو بلا زواج عهدا طويلا ثم يأخذك مسيرا بالأقدار غير مخير وتعيشين معه آمنة مطمئنة سعيدة حتى الموت.
صمتت زخنتم وأخذتها رعشة وغارت عيناها وهي تنفث وتزفر وقد زبد شدقها وانتفخت أوداجها ثم همدت تلك الوقدة منها وقبعت في جلدها وظلت شاخصة بنظرها كأنها تقرأ كتابة سحرية تخطها يد سحرية على لوح الأقدار ثم استأنفت تكهنها قائلة دون رغباتك بنيتي أسرار وعقبات وأهوال. ألم تشفع بك الآلهة وترأف بك تهدم آمالك ويضوي شبابك وتقصف أيامك. فاسترضي الآلهة بالنذر والقرابين. ثم اعزم لك واكتب رقية تعالي غدا تجديها مجهزة لأني اليوم قلقة البال حزينة للفاجعة التي نزلت بإحدى الحبيسات اللواتي ساقتها الأرواح الخبيثة إلى حانة فشربت مسكرا متخذا من عصير التمر مسكرا وآخر من الشعير ودفعت الثمن فضة عوضا عن أن تدفعه شعيرا فأنقصت البائعة سعر المسكر فحكم العدل على الحبيسة أن تحرق حية قصاصا لها على اجترائها على الدخول إلى الحانة وحكمت على البائعة، لقبولها الفضة عوض الشعير ولإنقاصها ثمن المسكر، بإلقائها(5/479)
في الماء. على ما جاء في شرائع ملكنا حموربي العظيم. وقد ألقيت الأخت المقدسة في الأتون واحترقت. وقد اثر فينا هذا القصاص كل التأثير وألقى الرعب في قلوبنا.
فهمت شميرام بالانصراف إلا أن العرافة زخنتم أوقفتها وقالت لها لا تنسي النذر فاذهبي الآن به إلى مخزن القرابين في الهيكل. وها انك ترين على الباب إحدى السراري المقدسة (زيكرو) فتأخذك إلى ذلك المخزن. فأخذتها السرية المقدسة وسارتا جنبا إلى جنب في تلك الدار فوصلتا إلى باب غرفة فتثاقلت عنده السرية وقالت لشميرام ألا تتوقعين إلى مشاهد
الخدر الإلهي حيث ينحدر الإله ليلا فيقدس العذراء التي يختارها من بنات بابل. وكانت شميرام تتلظى شوقا إلى زيارة ذلك الخدر الإلهي الذي تتحدث به الألسنة في بابل. فدخلتاه ودهشت شميرام لما رأت فيه من الأثاث الفخم والرياش الزاهر الزاهي. هناك أريكة من الفضة المرصعة بالعاج تمثل صيد الخنازير في مستنقعات الفرات الأدنى وأرجلها تمثل اسود جاثمة ومسرجة من الفلز وفيها قطع متدليات من اللازورد والعقيق. وجام من الذهب الإبريز قد نقش عليه صورة عقاب ناتئة تنقض على طائر تفترسه. وقارورة من الصلبي القاتم متقن الصنع مصورة فيه أشكال هندسية. وسرير من خشب الأرز المجلوب من لبنان وعليه فراش وثير كبير من حرير ملون ألوانا زاهرة وعليه وسادات ونمارق من صنع (صور) مزخرفة مرقشة. وإلى جانب السرير خوان من ذهب).
وكانت السرية المقدسة تحدث شميرام عن العرائس الإلهية أو السراري المقدسة بالتلميح والتلويح لما كان يخامرها من الشك والارتياب من أمر زيارة الآلهة ولما كانت قد اطلعت عليه من تدليس الكهان وحيلهم وقالت لها أريد أن آخذك إلى الهيكل ذهاب من النفق السري فالدهليز الخفي الذي يفضي إلى المقدس. ورفعت طنفسة من تحت السرير فنزلتا سلما ذات ثلاث مراق في ظلام حالك وبعد أن سارتا قليلا لم تشاهد شميرام نفسها إلا في المقدس فعرجتا على دار المؤن والقرابين.(5/480)
وما أدراك ما دار القرابين؟ هي دار يتجمع فيها من الصقع كله البر والشعير والذرة والسمسم والمواشي والأنعام والدجاج وأنواع الطير من حمام ويمام وغيرهما بل هناك العسل والزبد والخمر والدبس والتمر والفواكه والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة والأنسجة الغالية ومن هذا الدخل ما يأتي من عقارات الهيكل ومنه من الزكاة ومنه من النذور. فيرتع الكهان ورجال الدين في بحبوحة هذا النعيم باسم الآلهة وعلى حساب الأرواح. ويستغلون بهذه الحال تعب الفلاح وربح التاجر وجهود الملاك ودموع البائس وتنهدات الأرملة فلم ترتح شميرام إلى مظاهر الوثنية وفريات الكهان وشعوذتهم وحدثتها نفسها الثائرة بان تقلع عن الشغف بشمشو وتدع المقادير تجري في أعنتها كأن شعلة نور اتقدت في ذهنها وروح إيمان جديد هبط على قلبها فتملصت من السرية المقدسة بدهاء موطنة النفس على أن لا تعود إلى جنون الهوى واسر الجوى وقيود العرافين ومهازئ السحرة.
لندع شميرام في وحدتها هادئة البال بعد أن ألقت عنها هموم العشق ومؤثرات السحر ونعد إلى شمشو فانه بعد أن اقترض المال من أجيبي نزل أسواق بابل واخذ يبتاع البضاعات والتجارات ويوصي النساجين بأنسجة تروج في بلاد أشور ونائري. ومن التجارات التمر والقصب من بابل والعطور والتوابل والجواهر التي كان يحملها التجار الفنيقيون من بلاد العرب والهند والأنسجة الأرجوانية التي تأتي من صور وأنسجة بابل من القطن والكتان والصوف وكانت أرضها حمراء عليها نقوش زرقاء أو أرضها زرقاء عليها نقوش حمراء منها مسيحة (مقلمة) ومنها محققة ومنها مربعة. ومنها منثور عليها شبه حب الحمص أو أقراص متجمعة حول قلب الدائرة. وبعض التحف النادرة التي ابتاعها من بعض التجار القادمين من مصر. وحزم جماله واعد العدة للسفر. وشد الرحال وكرى دواب السفر من صاحب القافلة فمكان دأبه الترحال بالبغال والجمال والحمير بين بابل وأشور وأرسل إليه الأهل والأصدقاء بزاد السفر هدية. وفي مقدمة المهدين خالد سلمان كرادو. وتمكنت الأمة نتو من دس الحشيش الذي أعطاها إياه الكاهن بيروس في الحلوى المتخذة من الدقيق والتمر ولم يطلع على هذه الفعلة الشنعاء أحد(5/481)
من أهل البيت لا ريماة ولا ابنتها شميرام.
قبيل اليوم المضروب للسفر جاء بيروس لزيارة شمشو مودعا إياه وقال له في مطاوي الكلام: لي ابن دعي قد تبنيته. ولم يكن له أب ولا أم ولم يعرف له والدا ولا والدة و (لم يكن له ذكر إلا في البئر. وقد دخل العالم في الطرق) وقد اختطفته من أفواه الكلاب وأنقذته من مناقير الغربان وعلمته في اخمصيه بخاتم الشاهد وعهدت به إلى مرضعة وتعهدت لها مدة ثلاثة أعوام بالدقيق والزيت والثياب وبعد انتهاء عهد الرضاع تبنيته وربيته ليكون لي ابنا فسجلته كذلك.
وقد بلغ اليوم سن المراهقة وارغب في أن تأخذه معك في السفر ليتدرب على أعمال التجارة ويحسن خدمتك ولا أظنك إلا فاعلا.
فلبى شمشو طلبه وأعرب عن سروره لتمكنه من القيام بمثل هذه الخدمة ووعده بأنه يدرب ابنه على أعمال التجارة احسن تدريب.
وكأن بيروس لم يثق من نجاح مساعيه في إهلاك شمشو بالحشيش السام الذي حمل نتو على دسه في الزاد فزاد في الطين بلة بأن أوصى ابنه إذا مات شمشو في الطريق بان
يستولي على أمواله. وإذا سلم من المخاطر وترك تخوم بلاد أثور حيا أن يغتاله ليلا في الطريق بدعوى أن شذاذا هجموا عليه وقتلوه شر قتلة.
في مساء ذلك اليوم علم شمشو أن سفر القافلة تأخر إلى بضعة أيام للقيام بشعائر الدين والاحتفال بعيد رأس السنة (اكيتو) الذي يبتدئ في اليوم الاول من شهر نيسانو ويمتد عشرة أيام. وهو من الأعياد الكبرى عند القوم لا بل يفوق جميعها عظمة وبهاء مثل عيد الحصاد المحتفل به في الشهر السابع من السنة وغيرهما.
وكان البابليون في تلك السنة قد أعدو العدد ليكون الاحتفال بهذا العيد شائقا تتجلى فيه مظاهر الفرح والسرور بأتم مظاهرها وأسنى غررها لأنهم تنفسوا الصعداء بملكهم الجديد شمشو موجين بن اسرحدون ملك أثور والذي أمه(5/482)
نكعة البابلية. لما انسوا فيه من حب الاستقلال والجنوح إلى تحرير بابل من قيود عبودية أثور وميله إلى بسط أجنحة العمران على مدن بابل وسهولها وفرحوا بانتهاء إعادة بناء بابل بعد أن خربها جده سنحاريب ملك أثور لأنه كان قد استأصل المدينة والهياكل وخربها واحرقها بالنار ودمر الجدران والأسوار ومعابد الآلهة والزقورات المبنية بالأجر وباللبن وملأ قضاة ارحتا من أنقاضها) وكان من دواعي ابتهاجهم في تلك السنة إعادة تمثال الإله مردوخ من بلاد أشور قبل بضعة اشهر وكان قد احتفظ به الآشوريون منذ أن سلبه من بابل سنحاريب وانقطعت الملوكية منها وتعطلت الشعائر القائمة على أن يتقدم الملك من هذا الإله ويأخذ يده ويستمد العون منه في مثل هذا اليوم وقصارى القول كانت قد تضافرت كل الأسباب ليكون عيد (اكيتو) في هذه السنة مستجمع شروط الآبهة المسرات.
خرج الملك شمشو موجن في صباح العيد لابسا لباس مجده ومزينا بالحلي والجواهر. وكان قوام حلته: ثوب طويل متدل إلى أخمص القدمين من كتان رفيع نسج في معامل بورسيبا مطرز تطريزا متقنا وفيه حواش وأهداب قد حبس عند الخصر بمنطقة تتدلى خيوطها حتى القدمين وفي آخر تلك الخيوط عثاكيل (شرابات) كبيرة وفوق هذا الثوب دثار من الصوف يكاد يكون بطول الاول مفتوح المقدم وموشى ومصبوغ أصباغا براقة وفيه صور بشر وحيوانات وأزهار ورسوم أخرى ولا سيما على الصدر فانك كنت تشاهد رسوم جماعات من البشر أو الحيوانات. وفي الثوب حواش وعثاكيل (بساكيل) متدليات.
وكان على رأسه تاج مخروط الشكل مزين بالأزهار ومرصع بالحجارة الكريمة على بساط من حرير والتاج مطوي ثلاث طيات أو متخذ من ثلاث قطع تتلى منه ذؤابتان على ظهره تكادان تصلان إلى قدميه.
وكان جيده وذراعاه عارية حتى المرفق. وفي جيده اكثر من قلادة واحدة ذات أشكال لطيفة وفي ذراعيه سواعد. وفي معصميه اسورة جميعها متقنة(5/483)
الصنع تدل على ذوق عال وجمال رائع وكان خشل السواعد والاسورة على صور رؤوس اسود ومنها أعلى صور رؤوس حيوانات أخرى وفي أواسط بعض الاسورة نجوم وفي أواسط غيرها صور ورد منزلة فيها حجارة كريمة. وفي أذنيه قرطان ثمينان. وكان متقلدا سيفا وخنجرين ومتكئا على قوس وفي إحدى يديه سهمان وفي رجليه خفان نعلاهما من جلد يغشيهما من فوق غشاء يغطي العقب وطرفي القدم ويبقى عسيبها وأصابعها مكشوفة وفي هذا الغطاء سفائف تتصل بها ابازيم. والسفائف ملفوفة لفين على العسيب تشتبك في أعلى القدم وتلتف حول الإبهام ثم بينه وبين السبابة. وألوان الجلد تختلف في الخف. فالجلد الذي يغطي العقب احمر أما معظم الخف فاسود بحواشي حمراء والسفائف سوداء.
وكانت لحيته طويلة معفوة عفوا فنيا (أي مسرحة تسريحا فنيا) وقد نظمت اللآلئ في شعرها فأكسبت الوجه جلالا وهيبة. ويخيل إلى من يراها وهي على ذلك التنسيق العجيب إنها غير طبيعية بل من عمل مهرة الصناع في بابل.
فتقدم بموكبه الحافل إلى الهيكل. وعلى مركبته وفوق رأسه المظلة وحاشيته من الخصيان والأمراء والوزراء ووراء موكبه الجماهير الغفيرة من رعيته للاشتراك معه بشعائر الدين. فدخلوا هيكل (اسجيلا) المرصد للإله مردوخ وانضم إليهم الكهنة والكاهنات من كل الطبقات. وبين طبقات الكهنة (شنجو مخو) (أو راس الكهنة) و (الزمرو) أي (المزمرون) و (البشيشو) (المدهون بالزيت المقدس. و (الشئيلو) (مفسرو الأحلام) والمعزمون. و (الكالو (والللارو والنارو)) وهم (الموسيقيون) و (البارو) (العرافون) وغيرهم ومن طبقات الكاهنات التي تضاهي بعض وظائفهن وظائف الرجال المار ذكرهم وبينهن المنشدات لمراثي الندامة.
في هذا المهرجان العظيم تقدم الملك من تمثال الإله مردوخ بعد أن لبس قلادة مقدسة رمزية
قدمها إليه رئيس الكهنة وهي من قطع تمثل الشمس والقمر والكواكب، وعمرة مقرنة وقهوبة (أي خطافا ذا ثلاث شوكات) وبسط ذراعيه(5/484)
إلى الإله مردوخ بكل جلال واحترام ثم وضع يده في يد الإله واستمد منه الأيد الإلهي وتلا صلاة خشوعية أودعها نفسه وشعبه في حماية مردوخ. وابتهل إليه أن يبارك غلات الزرع وينصره على الأعداء ويمنح البابليين الظفر ويدفع عنهم البلايا والأمراض والقحط فاخذ المرتلون ينشدون ترنيمة مردوخ وبينهم النساء فعلت الأصوات الرخيمة عنان السماء وعزفت الآلات الموسيقية وحمل تمثال الإله ورفيقته (سربنيت) وشرع الجمع يطوف بهما في جادة الطواف (ايبور شابو)
ثم التقى الجمع بفرقة من الكهنة والمتعبدين حاملين تمثال الإله (نبو) الذي آتى به من بور سيبا لزيارة أبيه الإله مردوخ في (اسجيلا) بمناسبة راس السنة. فبلغت الحماسة اشدها عند ملاقاة الأسرة الإلهية وفاض بحر العاطفة الدينية عند القوم حتى بلغ سيلها الزبى.
وبعد أن انتهى الجمع من الطواف عادوا إلى هيكل (اسجيلا) ونحروا الضحايا والقرابين هدية لزواج الإله مردوخ وقرينته سربنيت ذلك الزواج الإلهي الذي يعتقد البابليون انه يتم في مثل هذا اليوم. وكانت الضحايا كثيرة حتى فاضت دماؤها وجرت انهارا.
وما عتم أن أعلن الملك شمشو موجين اسم السنة الجديدة بموجب عادة البلاد. فكانت تسمى تارة باسم نصر أحرزه الملك وطورا باسم ترعة فتحها ومرة باسم رئيس كهنة أقامه إلى غيرها. وما كاد يفوه الملك باسم السنة الجديدة حتى سار رجال البريد إلى أطراف المملكة وضربوا في مناكب الأرض ينقلون اسم السنة إليها.
وفي هذه الأيام أيام الأعياد العشرة كنت ترى الهياكل غاصة بالمتعبدين النادمين على خطاياهم وآثامهم يطلبون الغفران من الآلهة بتوسط الكهنة وبأدعية مؤثرة في القلوب حتى فاض بحر النحاس بماء الإراقة. وما بحر النحاس إلا جرن أو حوض كبير من النحاس يحفظ فيه ماء الإراقة لكي يستعطفوا أولئك الآلهة ويستجلبوا رضاهم عليهم. حتى إذا ما عقدوا اجتماعهم في هذا العيد في (ندوة الأقدار المقدسة) برئاسة مردوخ ونبو كتوم الندوة يكون حكم الآلهة(5/485)
الذي لا مرد لقضائه لسعادة النادمين ورفاه عيشهم وتمتعهم بالصحة والهناء ولاستمطار الخيرات والبركات عليهم.
وكان مسك الختام لهذا العيد حفلة أقيمت في اليوم العاشر اشترك فيها جميع البابليين
فافتتحوه بالشعائر الدينية والطواف المقدس وقضوه بالأفراح والمسرات والزيارات.
وكانت أيام العيد العشرة فرصة سانحة لالتقاء الشبان بالشابات في الهياكل أو مفترق الطرق أو الزيارات شأن كل الاجتماعات العامة في العالم. فمر شمشو في اليوم العاشر أمام هيكل الآلهة اشتر ورأى حشدا من الناس قد اجتمعوا ينظرون إلى النساء اللواتي كن جالسات في دار ذلك الهيكل مكللات بتيجان من فتيل الغزل وهناك طرقات مقسمة بحبال ممدودة على الأرض فيتمشى فيها الرجال الغرباء لينتخبوا لنفوسهم ما احبوا من النساء وإذا دخلت المرأة هذا المحل لا تعود إلى بيتها قبل أن يعطيها أحد الغرباء دراهم ويأخذها خارج الهيكل ليقضي منها مأربا وحينما يضع الدراهم على ركبتيها يقول لها (بجاه الآلهة مليتا (أي اشتر)). وكانت تلك العادة سنة عند البابليين إذ تفرض على كل امرأة ولدت في بلادهم أن تذهب مرة في حياتها إلى هيكل اشتر لتسلم نفسها إلى رجل غريب. والنساء المتكبرات اللواتي يأنفن من الاختلاط بغيرهن كن يحملن إلى الهيكل على مركبات مغطاة وهناك يجلسن وحولهن خدمهن. والمرأة التي تلقى لها الدراهم لا تجيز لها الشريعة أن تتمنع من الذهاب مع الرجل الذي ألقى لها الدراهم مهما كانت منزلة ذلك الرجل. وكانت الجميلات الرشيقات القد يجدن سريعا من يلقي لهن الدراهم ويأخذهن معه فيلتفتن إلى الدميمات ويعيرنهن. وقد يحدث للمرأة الدميمة أن تبقى في الهيكل ثلاث أو أربع سنوات بلا جدوى صابرة على هذه البلوى. وبعد أن يقضي من المرأة مأرب بموجب تلك السنة تعود إلى بيتها ولا يتمكن الرجل الغريب التقرب منها ثانية ولو فدى كل ماله في سبيل الحصول عليها.
تقدم شمشو فرأى شميرام وحتراء واقفتين فاستغرب اجتماع الضدين فاقترب منهما وسمع شميرام تنتقد تلك العادة الشائنة وتستهجن تلك السنة(5/486)
المعيبة لها: ديدنك يا بنت الخال الخروج على الدين والاستياء من جميع التقاليد والسنن فلم لا تكونين مثل حتراء حليمة وديعة مسالمة؟
شميرام - تثور نفسي من كل معوج لا يتفق والعقل السليم والآداب الصحيحة. فالحلم في غير موطنه ضعف، والوداعة في غير محلها خطل والمسالمة في غير وقتها جبن. ثم تبسمت وقالت له: ما ألومك، يا شمشو، لأن الهوى يعمي ويصم. ثم تفرقا.
يوسف غنيمة
كوريش
كوريش هو اسم بابل الحالي، وبابل هو الاسم القديم. وإنما سميت كوريش باسم كورش الملك الفارسي مصغرا للدلالة على التكبير أو التحبيب. وهو الذي ثل عرش إشتياج ملك ماذية في سنة 550 ق. م. وهدم مملكة الكلدانيين في سنة 539 ق. م، فدخل بابل في شهر تشرين الاول من تلك السنة، ومن ذيالك الحين عرفت بابل بكويرش (مصغرة إلى يومنا هذا).
كيل
موضع واقع في شمالي جمجمال (بجيمين فارسيتين)، وهو غزير النفط واسع النطاق، ونفطه من احسن الأصناف ونقي كل النقاء حتى انك لا تجد ما يشبهه في الصفاء. ويؤكد أصحاب الخبرة انه افضل من النفط الروسي في الاحتراق مع أن أهالي ذلك الصقع يصفونه على طريقتهم القدمى، فكيف لو صفي على الأسلوب الروسي الحديث؟
نمرود
شهرة نفط هذا الموطن دون شهرة نفط سائر الأنحاء ولونه اسود أو يكاد. وينز في ارض طول ميدانها 800 متر، ثم يتحدر في دجلة.(5/487)
فوائد لغوية
لا تقل البحر الأبيض بل بحر الروم أو بحر الشام
كثر ذكر البحر الأبيض في جرائدنا العراقية ومنها ما زادت على (الأبيض) قولها: المتوسط، فصار البحر الأبيض المتوسط. وكل ذلك غير معروف عند سلفنا. والذي عرفوه هو (بحر الروم) أو (البحر الرومي) أو بحر الشام على أن المترجمين في أوائل القرن الماضي، نقلوا عن الإفرنجية معناها فقالوا البحر المتوسط لأنه يتوسط العالم القديم أي آسية وأفريقية وأوربة. فرضينا بذلك لان الأقدمين من آبائنا نقلوا معاني بعض الكلم الأجنبية إلى لغتنا نقلا معنويا.
أما (البحر الأبيض) فليس له ذكر في كتب مؤلفينا الأقدمين. طالع ياقوت وأبا الفداء والمسعودي واليعقوبي وابن خلدون وغيرهم، فانك لا تجد للبحر الأبيض ذكرا.
نعم للإفرنج (بحر ابيض) يتخلج من الاقيانوس الجامد الشمالي في شمالي روسية. وقد عرفه المعاصرون باللفظيين اللذين ذكرناهما. لكن لم يريدوا به البحر الرومي، كما يظنه بعض المغفلين.
أما من أين أتانا هذا الوهم، فهو من ناقلي مصنفات الترك إلى لغتنا. فان جيراننا المذكورين يسمون بحر الروم (بحر سفيد) أو (آق دكيز) وكلاهما يعني (البحر الأبيض) الاول مركب من (بحر) العربية و (سفيد) الفارسية بمعنى الأبيض والثانية من (آق) أي ابيض و (دكيز) أي بحر وكلاهما في التركية. وقد بحثنا عن سبب هذه التسمية في قاموس الأعلام لشمس الدين سامي فراشري فلم نجد لها شرحا كما لا يعرفها سائر الأقوام المنبتة على سواحله. افنجد بين القراء من يذكر لنا ذلك معتمدا في كلامه على مصنفات الأولين وان كانوا أجانب؟
أما رأينا الخاص فهو أن الأتراك سموا بحر الروم بالبحر الأبيض من باب(5/488)
تسمية الكل باسم الجزء. فانهم سموا في الاول بحر الجزائر اليونانية بالبحر الأبيض وهو المعروف ببحر (ايجي) وسبب هذه التسمية أن هناك جزرا عديدة كلسية المادة جرداء تبدو بيضاء للعين بعد ظهور الشمس؛ ثم توسعوا بعد ذلك في التسمية فأطلقوها على البحر كله.
أما ما ذكره الأب بلو اليسوعي في معجمه الفرنسي العربي من أسمائه عند العرب هو البحر الأبيض فخطأ صريح ومثله وهم يوسف حبيش والنجاري وغيرهم من أصحاب المعاجم الإفرنجية العربية أو العربية الإفرنجية.
أغلاط المعاجم في جمع مسناة
المسناة شائعة عندنا ومعروفة عند الكبار والصغار بمعنى كما أن جمعها مشهور عند الجميع وهو مسنيات؛ لكن إذا بحثت عم هذا الجمع في محيط المحيط ذكره لك بصورة مسنوات (كذا) ثم زاد على هذا الوهم قوله: (وهو شاذ والقياس مسنيات) فرسخ في أذهان الكتاب انه مسنوات. وقد وصل هذا الوهم إلى البستاني من فريتغ. ثم سرى من محيط المحيط إلى جميع المعاجم اللغوية الحديثة. وفي مقدمتهم اقرب الموارد فانه ذكر في مادة س ن وما هذا حرفه: المسناة العرم، وهو ما يبنى في وجه السيل والجمع مسنوات. وهو شاذ والقياس: مسنيات. وفي الأساس: (عقدوا مسناة ومسنيات لحبس الماء) اه.
فهل رأيت بعد هذا الجهل جهلا ادهى؟ فقد نقل عن صاحب الأساس أن جمع مسناة مسنيات ومع ذلك يقول: جمعه مسنوات وهو شاذ. والحال انك لو بحثت عن هذا الجمع في جميع الكتب العربية فانك لا ترى له أثرا. فأصحاب القاموس والتاج ولسان العرب لم يذكروه لأنه مقيس؛ اما الذي ذكره فهو الزمخشري في كتابيه الأساس ومقدمة الأدب.
وجاء بعد الشرتوني الأب بلو اليسوعي في معجمه العربي الفرنسي والأب حواء اليسوعي في معجمه العربي الإنكليزي والأب لويس معلوف اليسوعي في منجده وجرجي شاهين عطية في معتمده، وياله من معتمد! - ولو تتبعنا جميع من وقع في هذه الهاوية البعيدة القعر برأينا غيرهم.
وبهذا القدر مجزأة لمن يريد أن يحقق جهل لغويينا المتأخرين وخلوهم من معرفة أوائل قواعد الصرف والنحو!(5/489)
باب المكاتبة والمذاكرة
الشعر في مصر
لقد جاء نقدكم لفوضى الأدب في مصر بمناسبة تعليقكم على رثاء أبي شادي للفقيد الجليل الدكتور يعقوب صروف (راجع ص283 ج5 س5) - من اسطع الأدلة على حاجة الأدباء في العالم العربي إلى مجلتكم القيمة، لان هذه الشجاعة الأدبية العظيمة المحمودة التي تضيء بها سبيل المهتدين من اندر النوادر في هذا العالم العربي المنكوب (بالمحسوبية) والمحاباة والمجاملة إلى درجة مزرية بالأخلاق والشرف.
وبين الأدباء في مصر من يدهشهم تعالي أدباء العراق عنهم، ناسين أن هذا لا يرجع إلى كبرياء وغطرسة في الطبع، ولا إلى غرور ممقوت، وإنما يرجع إلى سبب خلقي معقول: فان الكثير من الصحف والمجلات المصرية تستهويه المجاملات، ويدين في باب الأدب عامة والشعر خاصة إلى نفوذ شوقي بك. وهو من نعلم جميعا في غناه غير المكتسب، وهو من أصبحنا ندرك أن حظه الأدبي في هذه الدنيا الطنطنة باسمه على حساب غيره، لا ليقال انه شاعر العالم العربي فقط بل شاعر العالم اجمع، وإلى هذه الغاية تتجه جميع حركاته وسكناته وروحاته وغدواته، وهكذا جعل أساطين الأدب ولا سيما المستشرقين يضحكون منه ومنا!!. .
يترفع إذن أدباء العراق بحق عن المشاركة في هذه السخافات ويؤلمهم أن يروا رجال الشعر في مصر من طائفة المحافظين عقبة كأداء في طريق المجددين المخلصين وان يروا نفرا ممن ينتسبون إلى التجديد يحسدون ويحاربون من هم على شاكلتهم ومن هم أولى بتعضيدهم ومؤازرتهم! وكل هذه الأحوال الشاذة الغريبة التي لا مثيل لها بهذه الدرجة في قطر عربي آخر مما يؤدي إلى(5/490)
هذا التنافر، وإلى السخرية أحيانا من حالة الشعر والشعراء في مصر، ويشارك العراقيين في هذه السخرية من أحوال الديار المصرية أدباء المهجر على الأخص.
لنترك الحكيم زكي أبا شادي جانبا ولننظر إلى حالة غيره من الأدباء المجددين النابهين في مصر، لأنه إذا كان لأبي شادي من ثقته بعقيدته الأدبية ومن إيمانه بفكره ومبادئه ورسالته
الإصلاحية ما يزجيه إلى الإنتاج المفيد والإنجاب المتواصل رغم ما يلاقيه من مقاومة، فهناك كثيرون من الأدباء الناشئين الصالحين يقتل مواهبهم اليأس وجمود الجمهور وتخرب الصحف التي تقفل أنهارها في وجوههم، وهكذا يخسر الأدب العصري خسارة كبيرة من ضياع إنتاجهم، ولا تغنينا فتيلا الطنطنة بذكر شوقي وحافظ والكاشف وإضرابهم من الشعراء المحافظين. . . فالدفاع عن مواهب هؤلاء الناشئين الالباء فرض واجب على (لغة العرب) وعلى غيرها من المجلات الإصلاحية النزيهة.
ومن عجائب القدر - على ذكر كتابتكم عن أبي شادي - أن وفاة زعيم النيل الكبير سعد زغلول باشا أنطقت في مصر جميع الشعراء المطبوعين والصانعين والمقلدين والناظمين العاثرين، فكان المجددون من الشعراء المصريين اسبق إلى أداء هذا الواجب القومي الأدبي من غيرهم، وكانوا أوفر عاطفة واصدق إحساسا واغرز مادة كما دلت على ذلك قصائدهم التي نشرتها الصحف المصرية فلما جاءت حفلات الأربعين لم تنشر هذه الصحف لكبار الشعراء المحافظين شيئا باهرا على الإطلاق. . . وقد نظم أبو شادي وحده طائفة من الأناشيد التلحينية والقصيد في رثاء سعد وبينها مرثيته الحائية المتناقلة التي نظمها يوم الوفاة متأججة بالعاطفة القوية وكذلك قصيدة ذكرى الأربعين، فلم يجيء شوقي بك بمعنى يبرز به معاني أبي شادي في منظوماته بل لم يتعفف كما لم يتعفف أمثاله عن الاقتباس الكثير من معانيها ومراميها، ورغم هذا لم تخجل صحيفة (الأهرام) - أحد السنة شوقي بك المعروفة - من تصديرها بمقدمة كلها شعوذة وتهريج. . . ولا شك في أن شوقي بك - في أقصى ضميره - يعلم عجزه هذا، لأنه أولا لم يرث سعدا باخلاص، وثانيا قد حاول انه يستر ضعفه هذا بستار من اللغة كأنما نود أن نقرأ في شعره منظومة (مقامات الحريري) لا صورة فنية خالدة(5/491)
للعاطفة الوطنية الحية والحسرة البالغة والألم الصادق، وبدأ - عافاه الله - قصيدته بهذا البيت العجيب:
شيعوا الشمس ومالوا بضحاها ... وانحنى الشرق عليها فبكاها!
وليس هذا من براعة الاستهلال في شيء بل العكس، وما يظن فيه مراعاة للنظير إنما هو مراعاة للسخف، لان هذا البيت في مستهل القصيدة لا يناسب مجاهدا مثل سعد زغلول ولا يدرك سامعه انه رثاء لسعد بل قد يحسبه رثاء لإحدى النساء العظيمات أو لإحدى الملكات
المحسنات، وكان الأولى به أن يترك هذا الوصف المؤنث إلى موقف آخر في القصيدة يكون انسب من هذا، ولكن ذهنه الكليل أدركه الكبر كما أفسده جنون الشهرة، فعثر في أول النظم. . . وخير ما في مقدمة قصيدته بعد ذلك المطلع المخجل منظور فيه إلى قول أبي شادي:
صبغت به حمر الورود وضرجت ... بدم بذلت مدامع لاقاح!
وتشبعت بجميل حبك غضة ... فتجاذبت بأريجها الفياح!
والقصيدة في جملتها خالية من كل جديد ولم تبلغ حتى منزلة قصيدة حافظ بك إبراهيم بين المحافظين دع عنك قصيدة عباس محمود العقاد أو قصيدة محمود عماد بين المجددين، وبعد هذا ينتقد شوقي شعر العقاد بأنه جاف كثير الثرثرة لا حياة فيه ولا حلاوة له، ويعطف على شعر الجارم الذي جاءت مرثيته في ذكرى الأربعين خالية من كل طريف مقصورة على ألفاظ مرصوفة وعلى جملة من المعاني القديمة، وإذ شاء التجديد النسبي اقتبسه من نظم غيره مثل قوله:
وعقيدة لو هزت الاجبال من ... ذعر لما اهتزت مع الاجبال!
فانه مأخوذ من قول أبي شادي منذ سنين:
تخر الراسيات ولا سبيل ... إلى هدم الكريم من اعتقاد!
وبعد كل هذا يعجب أولئك السادة المحافظون لتجنب معظم أدباء العرب - وفي مقدمتهم أدباء العراق - الاشتراك في المهازل الشوقية والمجاملات الفارغة(5/492)
التي لم يربح منها الأدب الصحيح أية غنيمة، بل كانت عاملا من عوامل التأخر الفكري وإساءة إلى نهضة الشعر في مصر وإلى كرامته. . .
وقد تعمد بعضهم أن يرد على مثل هذا النقد بتصغير فضل شعراء العراق زورا وبهتانا، ويكفي في مقام الرد البليغ أن نقول: أن لأولئك الشعراء العراقيين (ذاتية) عظيمة ومبادئ محمودة وإيثار شريفا وغيره أدبية صادقة يخدمون بها الأدب للأدب لا للشهرة ولا للمجد الشخصي الزائف، وحسبهم ذلك منزلة واعتبار. وليس في هذه الكلمة الصريحة الخالصة ما يؤلم اللبيب البصير فصديق المرء من صدقه لا من صدقه كما قال حكيم العرب، وسلام على من اتبع الهدى فعرف قدر نفسه.
مصر: جهينة
بين القديم والحديث
ما يزال حديث بعض الأدباء المحافظين - المرضى بالرغبة الدائمة في هدم كل جديد - المقارنة السخيفة بين نظيم شوقي ومن على شاكلته وبين شعر الطبقة الناشئة المجددة من شعراء العربية كايليا أبي ماضي وبشارة الخوري واحمد زكي أبي شادي ومحمود عماد وعباس محمود العقاد وجبران خليل جبران وامثالهم، محاولين دائما الحط من منزلة الأخيرين دون ما خجل رغم آثارهم الحية الغنية عن التنويه بها.
ومن اعجب غرائبهم ادعاؤهم - حبا في الإيقاع والإساءة - أن هؤلاء الذين ينتسبون إلى التجديد مفلسون، ينقل بعضهم عن كتابة البعض الآخر بغير اعتراف ولا استحياء، وان من شواهد ذلك قصيدة العقاد في سعد باشا التي عارض بها قصيدة أبي شادي في (ذكرى الأربعين) بحرا ووزنا فقد شاركه في معان بل في ألفاظ كثيرة، ولم يتعفف العقاد عن الاقتباس من مقدمة أبي شادي النثرية لرسالته الموسومة (سعد)، وان من يتصرف هذا التصرف أولى به أن لا ينقد غيره، وان كلتا القصيدتين (قصيدة أبي شادي وقصيدة العقاد) لا قيمة لها من الوجهة الأدبية بصفة عامة، ولا من الوجهة الشعرية بصفة خاصة، إلى آخر هذا الهراء. . .
ويكفي ردا على مثل هذا اللفظ - الذي هو من قبيل التخلص والدفاع(5/493)
العاثر عن طريق الإحالة - أن نقول: دعونا أيها الإخوان الأفاضل، بل أيها الإخوان الأفاضل، بل أيها السادة الجهابذة، من المقارنات ما بين المجددين أنفسهم، فلن يشق على القراء أن يطلعوا ويحكموا، وتذكروا أن هذا ليس موضوع الخلاف ما بيننا. وإنما الخلاف محصور في إنكم تريدون أن يبنى الأدب على التهليل والدجل والتحزب والتضليل والمناداة بألقاب توزعونها على الشعراء والأدباء المحافظين المغرورين محتكرين لهم تقريبا وسائل النشر، ونحن نريد أن يبنى الأدب على الإنتاج المفيد والإخلاص والغيرة المثمرة والنظرات الصائبة دون مراعاة جنس أو سن أو دين أو اسم، وان تحترم حرية النشر حتى يستفيد الأدب من وراء هذه الحرية.
فهل تصرون بعد هذا على أنكم أهل الإصابة وإننا نحن الواهمون المخطئون؟!
مصر الجديدة: جهيزة
التفاوت في اللون والامت
كتب إلينا أحد أدباء البصرة يقول: استحسنت وضع كلمة التفاوت (في اللون) للإفرنجية لكن للأوربيين معنى آخر معقود بناصية تلك اللفظة نفسها وهو: الاختلاف في الشيء الواحد. فيقولون مثلا: ولهم مثل هذا المعنى أي الاختلاف الدقيق في سير الأصوات والنغمات. فما اللفظ الموافق حينئذ؟
قلنا: كما أن الإفرنج استعملوا كلمتهم للدلالة على ما أشرتم إليه، كذلك يكون استعمالنا للفظة التي ذكرناها، فنتخذ التفاوت لجميع تلك المعاني. على انه كان للسلف لفظة أخرى تؤدي احسن التأدية لما تشيرون إليه وهي (الامت) (بفتح فسكون). قال في القاموس: الامت الاختلاف في الشيء. والجمع أمات (بالكسر) وأموت (بضمتين) وكذا قال صاحب لسان العرب وأصحاب سائر الدواوين اللغوية من أقدمين ومحدثين. وأما اللوين (مصغر اللون) فليس له أدنى صلة بالكلمة الإفرنجية التي يجري الكلام عليها. واللغويون الغربيون الذين نقلوا الألفاظ العربية إلى لغاتهم ذكروا الامت في لغتهم بلفظ يؤدي الحرف العربي وان لم يذكروه بالكلمة المعهودة التي أشرنا إليها، غير انهم أصابوا المرمى. وكذا ذكرها شمس الدين سامي إلا أنها وردت مصحفة بالنون أي ذكرت بصورة (أنات) والصواب (أمات).(5/494)
أسئلة وأجوبة
الملوكية. مهم. متصلات. رئيسية. الكوير نفسها
س - نخشيوان (ارمينية الروسية) ث. ج - قرأت في مجلتكم (5: 410) هذه الكلمات وهي: الإرادة الملوكية، هذا القضاء مهم، خطوط المتصلات الرئيسية، قصبة الكوير نفسها، وهي في نظري أغلاط لا تغتفر، وكان يجب أن يقال: الإرادة الملكية، هذا القضاء ذو شأن، خطوط المواصلات الأصلية، قصبة الكوير عينها، لان نفسها في هذا الباب تستعمل للعاقل فقط، أما لغير العاقل فتستعمل (عين). فما عذركم؟
ج - راجع بخصوص الملوكي نسبة إلى الملك لغتنا (5: 238) ومهم يؤنث فيقال مهمة ذكرها صاحب تاج العروس في أول مستدركه على مادة هـ م م - والمتصل اسم مكان يؤخذ قياسا من اتصل وإذا قلت (مواصلة) لم يكن فيه المعنى المطلوب هنا - والرئيسي نسبة إلى الرئيس وقد وردت في كلام الأقدمين والمحدثين. ومن يبدلها بكلمة (الأصلي) كمن يبدل رأسه برجله - وقولنا (قصبة الكوير نفسها) كقولك قصبة الكوير عينها، لا فرق في ذلك: قال ابن مالك في الفيته:
بالنفس أو بالعين الاسم أكدا ... مع ضمير طابق المؤكدا
قال ابنه يشرح هذا البيت:
(اعلم أن التوكيد نوعان: لفظي ومعنوي. فأما اللفظي فسيأتي ذكره وأما المعنوي فهو التابع الرافع احتمال تقدير إضافة إلى المتبوع أو إرادة الخصوص بما ظاهره العموم. ويجيء في الغرض الاول بلفظ النفس أو العين مضامين إلى ضمير المؤكد مطابقا له في الأفراد والتذكير وفروعهما. تقول: جاء زيد نفسه فترفع بذكر النفس احتمال كون الجائي رسول زيد أو خبره أو نحو ذلك، ويصير(5/495)
به الكلام نصا على ما هو الظاهر منه. وكذا إذا قلت: لقيت زيدا عينه. اهـ المقصود من إيراده.
فيتضح من هذا أن سبب جهلك أسرار اللغة العربية هو أخذك لغتنا عن رجل روسي ولسانه المألوف هو الأرمني فمثل هذا الرجل لا يستطيع أن يفيدك فائدة نحوي من أبناء لغتنا. فلا تسرع في تغليط الناس، بل اتئد في الحكم.
تحية واحتراما. انعم النظر وأمعن النظر. أمر مستحيل وأمر
محال.
أما بعد أن. . . أما بعد فان. . .
بغداد: جريدة البرهان العدد 8
1 - يستعمل الكتاب في الدوائر الرسمية: (تحية واحتراما) في أول الرسالة فما وجه هذا النصب؟
2 - أيهما اصح: (انعم النظر أو أمعن النظر)؟
3 - أيقال (أمر مستحيل أم أمر محال)؟
4 - أيقال (أما بعد أن. . . أم أما بعد فان. . .)؟
ج - 1 - تنصب تحية واحتراما على تقدير محذوف أي أحييك تحية واحترمك احترما.
2 - انعم النظر أدور على أقلام الكتاب من أمعن النظر. قال في التاج في مادة ن ع م: ومنه (أي من انعم بمعنى زاد) قولهم: انعم النظر في الشيء: إذا أطال الفكرة فيه. قال شيخنا: وقيل هو مقلوب أمعن. اه
3 - المستحيل كالمحال لا فرق في معناهما.
يجب أن يقال: أما بعد فان. . . لان (أما) هنا حرف تفصيل وإذا كانت كذلك يتلقى مفصلها بالفاء كما هو مذكور في كتب أهل هذه الصناعة.
الظلم والمظلم
باريس - ي. م. م - كيف نسمي بالعربية وكيف يقال
ج - معنى (فريسك) الفرنسية صورة منقوشة على حائط حديث الطلاء وتلك النقوش محلولة في ماء الكلس وهذا ما سمى (بالظلم) في لغتنا (وزان حرب) والحائط المزوق بهذه الصفة يسمى (مظلما). وقد وجد كثير من هذه (الظلوم) في قصور سامراء ووصفها الشعراء. واللغويون لم يشيروا إلى هذا المعنى إلا من طرف خفي. قال في اللسان بيت مظلم، كمعظم،: مزوق، كأن النصارى وضعت فيه أشياء في غير مواضعها (كذا) اهـ. ولم يذكروا الظلم إلا أن هذا يؤخذ بالقياس، إذا عدم السماع.(5/496)
باب المشارفة والانتقاد
دروس في صناعة الإنشاء
كنا قد ذكرنا في مجلتنا (5: 439) أننا ربما نعود إلى البحث عن صناعة الإنشاء ونعهد به إلى نقادة خبير، ولما وجدنا أن هذا الكتاب يوضع في أيدي الطلبة وان فيه بعض الأوهام لابد من إصلاحها في طبعة ثانية، طلبنا إلى صديقنا النقادة السيد محمود الملاح أن يلقي نظرة عليه، ولا سيما أن القراء رأوا في حضرته إصابة المرمى في نقده مع نزاهته؛ فلبى الموما إليه طلبنا، وجاد علينا بنظراته الصائبة، وها نحن أولاء ندرج هنا مقدمة ما كتبه إلينا، وفي جزء قادم نوافي القراء بتتمة الموضوع. قال حرسه الله:
مقدمة
حياة المجتمع قائمة على أركان شتى رأسها الأدب وبقاء هذه الحياة منوط بسلامة تلك الأركان من الأدواء ولا سلامة لها إذا لم تعاهد بالإصلاح والمعالجة.
الانتقاد افضل علاج فهو من عزائم الأمور واوجب ما يكون في الأمة الضعيفة فمتى وجدنا شعل النقد مشبوبة في آكام أمة فلنوقن بأنها متعلقة من الحياة بسبب ومتى وجدنا مواقده خامدة فيها فلننفض أيدينا من نجاحها نفض الأنامل من تراب الميت.
كل شيء في مجتمعنا مريض فهو محتاج إلى علاج وما علاجه سوى الانتقاد حتى أن الانتقاد نفسه محتاج إلى نفسه! فان طريقته عندنا لم تزل سقيمة واهنة إذ لا يكاد تجد نقدا خاليا من الشوائب كأنها أمر فطري لا نستطيع أن نتملص منه وان بذلنا الجهد في مقاومته.
اجمل انتقاد نصادفه بين أظهرنا ما كان سالم الأديم من ندوب الشتم الصريح والسبب في أن انتقاداتنا غير سالمة خصال مشطورة بين الناقد والمنقود:(5/497)
كأن يكون الأثر المنقود مشتملا على تبجح وأنانية وخدع للجمهور وغش للحقيقة وركوب للصعب والذلول في سبيل الفخفخة فيضطر الناقد أن يدجج قلمه بشيء من خصائص الفؤوس والمعاول ليسخره في تحطيم بعض الهياكل الفارغة التي بنيت في الهواء ولم تشتمل إلا على هواء.
أو أن يكون الناقد شرس الطبع لا يريد وجه الحقيقة بل هدفه الأقصى تبكيت خصمه وإفحامه والتشهير به على أي وجه كان وهو فيما بين ذلك يحاول اقتناص صيت مزور وان لطم جبين الحق ووطئ بأظلاف الباطل وهي لعمري خطة شنعاء يمقتها ذوو النفوس الشريفة التي لا يهنأ لها عيش والباطل نصب أعينها.
قلت آنفا أن الانتقاد افضل علاج ولا يفوتنا أن نقول انه تشخيص في وقت واحد وإذ كان منطويا على هاتين الخصلتين الكريمتين فخليق به أن يكون صريحا ونزيها فإذا كانت الصراحة ناقصة كان التشخيص ناقصا وإذا كانت النزاهة مفقودة كان الدواء مشوبا بمواد تعوق عقاقيره عن النجوع.
إن من الظلم السكوت على ما لا يصح السكوت عليه! وان النجاح منا لفي مناط العيوق إذا اتخذنا المداهنة دينا والمحاباة ديدنا والتبصبص شعارا وحب الذات كعبة تطوف بها حجيج آمالنا واخلق بأمة هذا منهاج رجالها وأدبائها ومربيها أن يكون نصيبها الفشل في المواقف التي لا يثبت فيها إلا الجد والحقيقة.
ومن أمراضنا الجبن والخور وضعف النفس فترى بعضنا إذا اخرج للناس كتابا مثلا أهداه إلى من يخشى صولته مضمنا عبارة الإهداء ضربا من التملق وطأطأة الرأس ليكف عن نفسه عاديته.
وإذا بلغه أن نقادة يحاول الكتابة حول أثره سقط في يده وعاذ بكل معاذ! تفاديا من الحملات المتوقعة وفي ظني أن اكثر من يقلق النقد طيور أفئدتهم قصار الباع وعبيد الشهرة الذين يبنون صروح شهرتهم على جروف هائرة. أما أهل الجد والحقيقة فانهم يتقبلون النقد بصدور رحبة لأنه أما أن يكون سديدا فيقبلون على خططهم فيصلحونها وأما أن يكون طائشا فهم اقدر على رده إلى نحر صاحبه.(5/498)
إن من الأوهام السائدة اعتبار معاهد التخرج ميزانا والاصطلاحات الرسمية مقياسا والتغافل عن أن بين المنابت تفاوتا في الطيب والزكاء (والبلد الطيب يخرج نباته بأذن ربه) الآية. . .
ومن نقص التربية مناصبة أرباب النقد النزيه العداء وإيقاد نيران الدعايات الزائفة عليهم والتشبث بكل سفساف! وأولى بمثل هؤلاء قرع الحجة بالحجة ومقابلة السلاح بمثله لم يكن
ثمة حجة مكافئة ولا سلاح مماثل كان التسليم أشبه بالمروءة ولا غضاضة في التسليم للحق والخضوع بين يدي الحجج الدامغة.
أي ذنب للناقد؟ والمنقود هو الجاني! بمجازفته وتغريره وركوبه للشطط. أما أن للحق سورة لذاعة فالذنب معطوف على طبيعة الحق - أن صحت نسبة الذنب إليه - ولا تثريب على الناقد إلا من حيث أعمال قلمه في إنعاش الحق العاثر.
إلا ليقولوا ما شاءوا! وليدعوا أني احمل بين جوانحي حزازات وإنما أنا اثأر وانتقم! فالحزازات لم تزل محمولة والثأر لم يزل مشروعا ولكن العدل والعدوان هما المعيار وهما (مركز الثقل) في الأحكام فمن ثأر وهو عادل فحر انتصر لنفسه ومن جار عن غير حقد وحزازة كان ظالما وجاهلا في وقت واحد.
إن الانتقاد إذا توفرت شروطه كان خدمة جلى تستحق مناصرة العقلاء لها وقدروها حق قدرها وما كان على هذه السنة فليس من الأنصاف معاكسته ووضع العقبات في طريقه.
وعلى هذه الشريطة صممت على نقد كتاب صناعة الإنشاء (للأستاذ أبي قيس عز الدين آل علم الدين التنوخي أحد أعضاء المجمع العلمي العربي في دمشق وعضو المجمع اللغوي في العراق) والموكول إليه تهذيب الإنشاء في ثانوية العاصمة.
محمود الملاح
79 - العناية بالنخيل في مصر والسودان
منذ أن اخذ الأميركيون يعنون بالنخيل، نشروا كتبا شتى عن النخل وغرسه حتى أنها لو جمعت لأربت على ما آلفه سلفنا في هذا الموضوع عشرات(5/499)
بل مئات. وما ذلك إلا لان الغربيين لا يتصدون لأمر إلا يوفونه حقه من التحقيق.
بين يدينا رسالة في 72 صفحة بقطع الثمن الصغير ألفها سيلس سي. ماسن البستاني وقد استوفى البحث عن نخيل مصر والسودان وطرز غرسها والعناية بها مع عدة تصاوير تمثل الرجال الذين تفرغوا لهذا الفن من فنون الزراعة مع أشكال أنواع التمر إلى غير ذلك
من الفوائد.
80 - الهندسة المستوية
تأليف جورج وينتوورث ودافيد اوجين سميث نقله إلى العربية (علي)
مدرس الرياضيات في ثانوية بغداد
الجزء الاول طبع في 196ص بقطع الثمن الصغير في مطبعة دار السلام في بغداد
هذا من اجل الكتب الهندسية التي يعتمد عليها في المدارس الثانوية الأمريكية. نقل هذا الجزء إلى لغتنا حضرة (علي بك) أحد أساتذة الرياضيات في ثانوية العاصمة بناء على تقرير وزارة المعارف الجلية الاستفادة منه في مدارسها. وقد عني بملاحظة عبارته (الأستاذ محمود الملاح) وكفى السفر تنويها أن يتولى تصحيحه هذا الأستاذ ليترقرق فيه ماء الفصاحة ويطمئن إليه الطلبة من كل جهة.
وقد أجلنا فيه نظرة مجملة فألفينا بينه وبين سائر المطبوعات التي لم تعرض على مصحح بارع تقن بونا بعيدا. فنحن نشكر للمعرب وللمصحح يدهما البيضاء في ضمن شكرنا لوزارة المعارف الجليلة وعنايتها وتنشيطها أملين أن يقوم الموما أليهما بتعريب الجزء الثاني لتعم الفائدة المتوخاة وهو ولي التوفيق.
81 - الحكمة
مجلة دينية تاريخية أخبارية، يصدرها دير مار مرقس للسريان الأرثوذكس باورشليم مرة في الشهر، صاحب امتياز ومديرها المسؤول فورلس المطران ميخائيل انطون ومحررها فؤاد جقي.
وصل إلينا الجزء الاول من السنة الثانية من هذه المجلة التي كان قد صدر منها الجزء الاول قبل الحرب وهي تصدر في 48 صفحة إلا أن هذا الجزء عد ممتازا(5/500)
فصدر في 64ص فعسى أن صاحبها لا يحرمنا فوائد تاريخ طائفته وما يتعلق بها ليكون لها فائدة التخصص بباب من الأبواب لا يرى في سائر المجلات.
82 - إيران
مجلة يصدرها محفى العلوم في دولة اتحاد الجمهور السوفييتية الاشتراكية في لننغراد، في
260ص بقطع الثمن الصغير.
من يطالع الصحف السياسية ويقف على ما يجري في الجمهوريات الروسية يتصور أن لا عناية هناك للعلوم والفنون والمعارف العصرية. على أن ذلك وهم فظيع لان هذه الجمهوريات محافظة على خططها العلمية التي خطتها لنفسها قبل الحرب. والدليل على ذلك ما ينشر من الصحف والكتب في تلك الديار. وهذه المجلة شاهد جديد على سير العلوم وتقدمها فيها؛ إذ نجد فيها 14 مقالة هي حقيقة 14 رسالة في مباحث شتى تتعلق كلها ببلاد إيران. فهل في جارتنا مجلة تضاهيها علما وتحقيقا وتدقيقا؟ - ذلك ما نود أن يكون لها.
83 - التعليم المسيحي الكبير
84 - مختصر التعليم المسيحي 85 - التعليم المسيحي الصغير للمدارس الشرقية، بقلم الأب يوسف علوان اللعازري، طبعت طبعة ثانية منقحة في المطبعة الكاثوليكية في بيروت في سنة 1927
الأب يوسف علوان اللعازري شعلة نار متقدة لا يعرف السكون ولا الراحة. فهذا تأليف أخرى من قلمه وضعها في معرفة أصول الدين المسيحي. قسم الاول منها إلى قسمين: ووضع في القسم الواحد النص العربي وفي القسم الآخر النص الفرنسي والأول في 123 صفحة في كل لغة أي انه كله في 246 صفحة بقطع 16 وقع في 525 سؤالا وجوابا. ومن عرف جميع هذه المزايا عرف انه من الكتب الواجب اتخاذها في مدارس المسيحيين لما فيه من الفائدة المزدوجة.
واختصر هذا الكتاب بنصيه في 51 بالمقطع المذكور واختصر هذا الأخير في 104ص بقطع 24 وليس فيه إلا النص العربي وعبارة جميع هذه الكتب(5/501)
سهلة سمحة لا عقد فيها ولا أمت ولهذا نوصي بها جميع المدارس المسيحية فهي من الكتب التي لا غنى لها عنها.
86 - مجلة المباحث الإسلامية
يصدرها المستشرق الشهير لويس ماسنيون
جميع البغداديين يعرفون العلامة المستشرق لويس ماسنيون فانه كان في بغداد في سنة
1907 - 1908 وكتب عن بعثته إلى العراق سفرا جليلا سماه (بعثة في العراق) وهو في مجلدين ضخمين وأفاد العلماء بما دونه عن بلادنا قبل عشرين سنة. واليوم اخذ يصدر مجلة فرنسية موضوعها الإسلام وما يتعلق به من علوم ومعارف وفنون وصنائع. وهي اجل مجلة نعرفها حتى اليوم في هذا البحث. ومن أراد الاشتراك فيها فليراجع الطابع وهو:
وكل ما يتعلق بالكتابة والمقالات يعنون باسم صاحبها:
12.
ومن أهم أبواب هذه المجلة أنها تذكر جميع الكتب التي تطبع في العالم كله وموضوعها الإسلام أو العرب؛ وربما ذكرت أهم المقالات الواردة في المجلات الشهيرة فلقد نوهت (ص42) بمقالة المطبوعات في العراق لرفائيل بطي الواردة في مجلتنا (أيلول 1926) وأشارت في (ص11) إلى مقالة الألفاظ الارمية في اللغة العراقية العامية التي سبك دررها يوسف غنيمة (لغة العرب 1926 - 1927) ومدحت مقالة الرصافي التي وسمها بدفع المراق، في كلام أهل العراق (4: 85 وما يلها)
ومن الكتب التي نقدتها لغة العرب وذكرتها هذه المجلة البديعة، ما قالته (في ص11) عن كتاب العين الذي كنا بدأنا بنشره وذكرناه في أحد جزئي المجلة اللذين ظهرا قبيل الحرب و (في ص19) إرشاد الغريب لياقوت الحموي و (في ص26) طهارة أهل الكتاب للشيخ أبي عبد الله الزنجاني. وفي(5/502)
ص32 و34) تاريخ نجد للالوسي و (في ص39) تاريخ الكويت للشيخ عبد العزيز الرشيد.
وكل ذلك يدل على أن المستشرقين يطالعون بروية ما يدرج في مجلتنا من المقالات والانتقادات ولا يفوتهم حرف مما يكتب فيها. ومن هذا البسط الوجيز الذي عرضناه لأنظار القراء يتحقق المطالع أن مجلة المباحث الإسلامية هي من أرقى ما ورد في هذا المعنى. وهي تنشر أربع مرات في السنة. أي كراسة في كل مرة. والكراسة في 150 صفحة بقطع
الربع (أي 22. 5 في 18. 5) وبدل الاشتراك في فرنسة 80 فرنكا و100 فرنك في الخارج. فنحن نتمنى أن تعرف في ديارنا لما تحوي من جم الفوائد.
87 - وصف جند العرب لاغناطيوس كراتشكوفسكي
هي مقالة في 5 صفحات روسية العبارة يذكر فيها واصفها شهادات الإفرنج في وصف بسالة العرب وجراءتهم وذلك تفنيدا لمن قال أن العرب متهورون في حروبهم فاظهر بمقالته هذه ما يزيف آراء الأعداء، وأبان أن عرب اليوم هم أبناء عرب أمس لم يفسد دمهم البتة. وفي اسفل كل صفحة المستندات التي اعتمد عليها المؤلف لتحقيق ما ذهب إليه.
88 - تاريخ مساجد بغداد وآثارها
تأليف محمود شكري الالوسي وتهذيب تلميذه (؟!) محمد بهجة الأثري، طبع بنفقة صاحب المعالي أمين عالي بك العباسي وزير الأوقاف، في 160ص بقطع الثمن الصغير في مطبعة دار السلام في بغداد سنة 1346.
تصفحنا هذا الكتاب فوجدناه مفيدا في الجملة، إذا كان القارئ على بصيرة من أمره حين المطالعة؛ إلا أنا استأنا لمعاملة الأثري أستاذه معاملة لا يليق صدورها من تلميذ بر، إذ كتب اسمه على ظهر الكتاب موازيا لاسم أستاذه تحت كلمة (تهذيب)، وقد فسر لنا هذه الكلمة في مقدمته، إذ قال: (فلم أر من اللائق أن انشره دون أن أجيل فيه لم الإصلاح والتهذيب)! ثم عقب(5/503)
هذه العبارة - متبجحا - بقوله: (الذي كان ينبسط له حينما كنت أنتسخ مؤلفاته وأتصرف فيها حسبما أرى)!!! (ص3).
كما إننا أسفنا لاعتماده إطالة اللسان متخذا في ذلك تعليقاته وحواشيه وسيلة إلى غايته غير ناظر إلى موقف العراق الحاضر. راجع متلا ما قال في حاشية ص41 عند كلامه عن السيد سلطان علي: (وبعض الكذابين يدعون انه أبو احمد الرفاعي. وقد تعددت الأقوال والغاية واحدة غير انه لم يفز بها إلا المدعون بأنه أبو الرفاعي! فاتخذوا المسجد رباطا ومروابه ضرع الرزق وما زالوا يعيشون متنعمين على حساب هذا الأب المزعوم!) اهـ. وهو خلاف شريعة الإسلام: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).
ومن هذا القبيل قوله في بحث التكية القادرية ص144: (وهي مأوى متصوفة الأكراد
القادرية. يقيمون فيها ظهر كل جمعة (حلقة ذكر) (كذا). . . حتى إذا جن جنونهم وأصابهم (الحال) عربدوا وأزبدوا وهجموا على الحيطان ينطحونها برؤوسهم فتكاد تنفلق ولا تنفلق جماجمهم. . .) اه
وقد طلبنا إلى صديقنا النقادة الفذ في العراق السيد محمود الملاح أن يبدي نظره في هذا الكتاب. فكتب إلينا هذه السطور الدالة على صحة ما ذهبنا إليه، وعلى أن رأيه يوافق رأينا وهو فكر اغلب من تصفحه.
والآن ندع الكلام لحضرة الأستاذ الملاح ريثما يتيسر لنا العود إلى ذكر ما فيه من الأوهام التاريخية والآراء الغريبة الزائفة.
(لغة العرب)
إن ضيق الوقت وعدم ملاءمة الظروف لعقبة كأداء في سبيل تصفح هذا الكتاب واروائه من ماء النقد الغالي، لذلك اكتفيت بنقد صحيفة واحدة منه لتكون نموذجا لما ينطوي عليه هذا السفر.
قال في الصفحة 85: (أنشأها (أي المستنصرية) أبو جعفر المستنصر بالله الخليفة العباسي رحمه الله تعالى دل على ذلك ما كتب على جدرانها مما هو باق إلى اليوم! منها ما كتب فوق طاق الباب الجنوبي (كذا) وهذا نصه):(5/504)
ونقل هذا النص لا يتعلق بشأننا لكني الفت نظر القارئ إلى قوله (الباب الجنوبي)! أما علمي بالمسألة فإني قبل سنتين وجدت على جهة الباب الذي يلي السوق كتابة من هذا النوع لا احفظ نصها ثم رأيت طائفة من الهدامين يهدمون جبهة الباب المرسومة عليها تلك العبارات بتؤدة وعناية لإنزالها إلى الأرض سالمة فتألمت لذلك وما دريت من كان الموعز بالهدم؟
وكيفما كان، فان الكتابة لا وجود لها قبل نشر الكتاب بمدة أفما كان من المناسب ذكر ذلك؟ وما معنى قوله باق إلى اليوم؟ فتدبر!.
ثم قال: (ومنها ما كتب على الجدار المطل على دجلة من الخارج وهو مما بقي أيضاً إلى اليوم وهذا نصه:(5/505)
بسم الله الرحمن الرحيم. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكر وأولئك هم المفلحون. هذا ما أمر بعمله أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين الذي طبق البلاد إحسانه وعدله وغمر العباد بره وفضله أبو جعفر المنصور المستنصر بالله قرن الله تعالى أوامره الشريفة بالنجح واليسر وجنوده بالتأييد والنصر وجعل لأيامه المخلدة جدا لا يكبو جواده ولآرائه الممجدة سعدا لا يخبو زناده في عز تخضع له الأقدار! فيطيعه عواصيها! وملك تخشع له الملوك فيملك نواصيها وذلك في سنة ثلاثين وستمائة وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين وعترته وسلم تسليما)
مع أن من يجشم نفسه المصير إلى إطلال المستنصرية التي تبعد عن جامع الحيدر خانة) (مدرسة المؤلف) بضع خطوات يرى على الجدار المذكور سطرا مرسوما بالقلم الكبير يكاد العابر على الجسر أو الواقف على شاطئ الكرخ يدرك حروفه إذا لم يكن في بصره خلل. ونصه الحاضر:
ما شاء الله كان بسم الله الرحمن الرحيم ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. وقد كان إنشاء هذا البناء في زمن خلافة عبد الله أبي جعفر المستنصر بالله العباسي في سنة ثلاثين وستمائة وقد تجدد تعميره في زمن خلافة ظل الله الأعظم الممدود ظل رأفته على مفارق الأمم مجدد قوانين أجداده العظام سلاطين آل عثمان مجدد جهات العدل والإحسان السلطان بن السلطان حضرة السلطان عبد العزيز خان ابن السلطان الغازي محمود خان لازالت البلاد بعدالته مغمورة ولا برحت العباد بفيض إحسانه مغمورة. آمين. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى(5/506)
آله وصحبه أجمعين وذلك في سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف. كتبه المذنب بكر صدقي عفى عنه) اهـ. فانظر الفرق بين النصين!!
ثم قال المؤلف: (وقد احدث إمام هذه الكتابة بعض الأبنية فبقيت خلفها والله المستعان) فأقول أنا أيضاً (والله المستعان على ما تصفون)! أن السطر المذكور بارز للعيان حيث يقبل حمالو المكوس ويدبرون ولعاب الشمس يسيل عليه طول النهار وليس إمام الجدار بناء بل فسحة تستطيع الخيل أن تخب فيها وقد رأيت بعيني في القهوة الضئيلة الملاصقة لدائرة المكوس كتابة قديمة تدل على إنها من أجزاء المدرسة ويقال أن في حوانيت باعة (الكاهي) آثار أخرى.
أفما كان جديرا بالمؤرخ العصري أن يدرج هذه النقاط ذات البال في تاريخه مع سهولة الوصول إلى محلها وتحقيقها؟!!
وإذا فتشنا عن الباعث على هذا التضارب وجدنا أن الله تعالى انعم على المؤلف (رح) بكثرة الكتب - كما انعم على المهذب (بالكسر) بكثرة الأسفار!!! وكانت الكتب إذ ذاك عزيزة المنال فكان المرحوم ينقل ويستنسخ دون تطبيق على الواقع وعلى ما يطرأ على الواقع كأن يجد في بعض الكتب العريقة في القدم أن الأمر الفلاني صفته كذا فينقله بعينه دون تنبيه إلى ما طرأ - ويأتي تلميذه (!) الأثري فيزيد في الطين بلة. ويضيف إلى القفة سلة، فإذا سمعت بكتاب له نشر في العصر الحاضر فلا تنتظرن منه إلا كتابا نشر في القرون الوسطى، ولكن أي كتاب!
فنحن نوجه سؤالنا إلى الأثري: إذا فرضنا أن مستشرقا سقط إليه هذا التأليف وكان عنده علم كامل بشأن المستنصرية وما طرأ على السطر المطل على دجلة أو قدرنا أن مستشرقا زار بلادنا ودار على هذه الإطلال مستنيرا بكتاب (مساجد بغداد) ورأى هذا التباين الفاحش فبماذا يحكم على الإمام يا ترى؟!!
محمود الملاح
كسوة الكعبة
أمر جلالة الملك ابن السعود بجلب نساجين من الهند لحياكة كسوة للكعبة وتعليم الحجازيين هذه الصناعة للاستغناء عن الغير.(5/507)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - مصير إعانة الثورة السورية
نشر السيد عبد الغني الكرمي من كبار كتبة سورية مقالة في جريدة فلسطينية هي صورة الحديث الذي دار بينه وبين الزعيم الثائر سعيد بك العاص بخصوص مصير الأموال والإعانات التي جمعت فقال ما ملخصه:
يقدر المجموع بمائة ألف جنيه مصري جاءت إلى لجنة الإعانة بالصورة الآتية:
10. 000 جمعتها لجنة القاهرة
40. 000 من الولايات المتحدة
4. 000 - العراق
17. 000 - البرازيل
15. 000 - ابن السعود
2. 000 - نظام حيدر آباد
12. 000 - تبرعات وصلت إلى لجنة القدس مع الأموال التي جمعت لإعانة الريف
100. 000
ولم يذكر هنا ما تبرع به جلالة ملكنا المحبوب فيصل الاول.
أما المال الذي انفق على المجاهدين فلم يزد على 32 ألف جنيه مصري على رواية عادل العظيمة، إلا أن الحقيقة هي دون ذلك المبلغ. والباقي من تلك المبالغ الباهضة تلاعبت به رجال اللجنة ولهذا تراهم يهربون من الحساب. والمسؤولون عن هذا التلاعب أعضاء لجنة القدس، وفرعها في عمان، ووكالتها في جبل الدروز فكأنهم كانوا أعضاء شركة تضامن.
قال الكاتب: (على الأمة الآن أن تحاسب اللجنة المركزية (في القدس) عما فعلته بتلك الأموال، وان تعلم أنها هي التي كانت الوحيدة في خنق الثورة وحركتها. ومن المؤسف جدا أن يترك أناس باعوا أرواحهم رخيصة في سبيل الوطن والاستقلال والحرية يموتون جوعا، وهنالك رجال قليلون نعرف ماضيهم ونعرف انهم لم يكونوا أصحاب ثروة قد اصبحوا اليوم في عداد الأغنياء الموسرين وفي جملتهم عادل بك العظمة. . .)(5/508)
2 - حفلة تأبين سعد زغلول
احتفل البغداديون في 7 ت2 من هذه السنة 1927 بتأبين فقيد الشرق عامة وفقيد مصر خاصة. سعد زغلول فتليت الخطب وأنشدت القصائد تنويها بفضل من تزداد شهرته كلما تقادم رفاته.
3 - الهيضة في الكوفة
ابتلي الكوفيون في سنة 1926 بالبرداء على اثر فيضان مياه الفرات وانتشارها في الأراضي المحيطة بها. وفي هذه السنة هجمت عليهم الهيضة ودونك إحصاء الإصابات والوفيات في الأيام الستة الأولى من وفودها.
إصاباتوفيات تاريخ
186 بين 27 و 28 أيلول
64 29 منه
33 30 منه
74 1 ت1
03 2 منه
52 3 منه
فاهتمت البلدية بهذا الأمر ولم تطمئن إلا من بعد أن ناهضت تلك الوافدة حتى لاشتها أو كادت.
4 - مدرسة الزراعة
فتحت مدرسة الزراعة في بغداد في شهر ت1 سنة 1927 وفيها من الطلبة 34 ووضع لها منهاج يوافق البلاد والمتعلمين.
5 - هجوم الأخوان على مخفر البصية
البصية ارض واقعة في أنحاء ناصرية المنتفق، وهي من العراق على حدود نجد وفيها مورد ماء. وان كنت تعرف الرخيمية، - وهي من آخر ارض العراق - فهي لا تبعد عنها. وقد بنت حكومتنا فيها مخفرا (نقطة) تأمينا للسابلة.
وقد حدث فيها واقعة جرت في الخامس من شهر تشرين الثاني من هذه السنة 1927 وهي: أن جماعة من أعراب (المطير) من (الأخوان) هجمت على المخفر في مساء ذلك اليوم وذبحت خمسة من رجال الشرطة وجرحت السادس جروحا بليغة إلا انه تمكن من الهرب. وذبحت اثنتي عشر عاملا عراقيا ولم يسلم إلا واحد من الثلاثة عشر الذين كانوا هناك للشغل؛ غير أن هذا أيضاً جرح جروحا عظيمة وهرب. وكان مع أحد العملة امرأته فذبحت هي أيضاً وابقوا الطفلة التي كانت معها.
وحينما بلغ الخبر إلى أصحاب الحل والعقد أرسلت متصرفية الناصرية جماعة من الشرطة إلى مكان الواقعة فوجدت جثث القتلى وقد مثل بها الأخوان افظع تمثيل؛ ثم طارت الطيارات الإنكليزية من (الشعيبة) لتؤدب أولئك القساة فأحسنت تأديبهم وكلفتهم خسائر.(5/509)
6 - مظاهرة في الكاظمية
بلغ الكاظميين خبر من سامراء أن السيد (هادي شبر) ضرب نهار الجمعة في 11 ت2 سنة 1927 وقد ضربه الرعاع بحجة انه كان يصرخ كثيرا في أثناء الزيارة والصلاة، فحكمت عليه محكمة سامراء بغرامة قدرها 20 ربية
فاستاء الكاظميون من هذا الأمر واحتجوا عليه واقفل كثيرون دكاكينهم نهار الاثنين 14 ت2 ولم يحدث ما يعكر ماء السلام.
7 - الهيضة في الألوية الجنوبية
قضي عل الهيضة في الألوية الجنوبية وأزيلت الاحتياطات الصحية التي كانت قد اتخذت هناك لمكافحتها. ولم يبق منها إلا الشيء النزر في ألوية بغداد والدليم والحلة. والأمل انه يقضي عليها في هذه الألوية أيضاً وفي القريب العاجل.
8 - زوال الهيضة من البصرة
أذاعت لجنة التجارة البريطانية منشورا قالت فيه: أن الهيضة زالت من ميناء البصرة ولم يبق لها اثر.
9 - بناء فخم للمتقن الطبي العراقي
أدخلت مديرية الصحة العامة مائتي ألف ربية في ميزانيتها للسنة المقبلة وذلك لتأسيس دار
فخمة تليق بمتقن الطب العراقي.
10 - وفاة جدة ملكنا
في صباح 22 ت2 سنة (1927) انتقلت إلى دار البقاء جدة جلالة ملكنا (أم والدته)، بعد أن شبعت اياما، فنقلت جنازتها في زورق بخاري من قصر جلالة الملك علي إلى البلاط الملكي ومنه إلى مقبرة جامعة آل البيت وذلك في نحو الساعة الثالثة ونصف بعد ظهر اليوم المذكور. رحمها الله رحمة واسعة.
11 - مزاحم أمين بك الباجه جي
صدرت الإرادة الملوكية بتفويض مزاحم أمين بك الباجه جي، الممثل السياسي للحكومة العراقية في لندن، بتوقيع الاتفاق مع الشركة العثمانية المساهمة للقداد (للتراموي) والتنوير والقوة الكهربية لمدينة بغداد وذلك باسم الحكومة العراقية.
12 - مدرسة المفوضين
فتحت مدرسة المفوضين أبوابها في العاشر من تشرين الاول في بناء مدرسة الشرطة العامة، وفي النية توسيع نطاق هذه المدرسة منهاجا وموطنا.
13 - دار علوم في كركوك
فتحت (الكلية العلمية) أبوابها للطلبة وفيها سبعة صفوف. ومخصصاتها لهذه السنة 10. 000 ربية.(5/510)
14 - فتح مضيق زربتة
أخذت دائرة الأشغال الهندسية بفتح مضيق قرية زربتة لتوصلها بالموصل والعمادية.
15 - تعبيد مضيق زاخو
استأذنت دائرة الأشغال الهندسية بصرف مبلغ لابتياع أربعين طنا من الزفت من معدن القيارة لتعبيد مضيق زاخو ليتيسر النقل في تلك الأرجاء.
16 - قنطرة كمش تبة
انتهى بناء قنطرة (كمش تبة) وهي بقرب ناحية القوير وسقفت بالحديد وفرشت أرضه باللياط (الأسمنت أو الجمنتو).
17 - قنطرة وادي القصب
قاربت النهاية أشغال هذه القنطرة وسوف تسقف بالحديد وتفرش باللياط على مثال ما عمل بقنطرة كمش تبة.
18 - إحصاء مغارز الجراد
أحصيت مغارز الجراد في العراق فإذا هي تبلغ (168. 010) دونمات إلى شهر آب 1927، منها:
75546 دونما في لواء بغداد
33123 الدليم
17449 دونما في لوائي ديالى والكوت
41942 لواء الموصل
دع عنك ما في سائر الألوية من المغارز التي لم يبحث عنها بحثا دقيقا. وقد اطلعت مديرية الزراعة على المغارز المذكورة وكشفتها وهي جارية في عملها على أصول الفن الحديث واستعدت لمكافحتها والقضاء عليها وهي في مواطنها.
19 - إغلاق كتاتيب جوامع
الفت المعارف لجنة للبحث عن الكتاتيب التي يرأسها (الملالي) في الموصل فكان أعضاؤها مفتش المعارف ومهندس البلدية وطبيبها وكانت نتيجة التفتيشات أن رفعت للجنة إلى مقام المتصرفية تقريرا أثبتت فيه أن تلك الكتاتيب مضرة بصحة صغار التلاميذ من ذلك: كتاب جامع سوق الحنطة القديم فان الملا ياسين كان يدرس في غرفة صغيرة يطبخ فيها ويأكل وينام وقد وجد أثاث كل ذلك في تلك الغرفة. وأغلقت اللجنة مع هذا الكتاب كتابا آخر في جامع احمد باشا القريب من سوق الحنطة الجديد والملا فيه عبد الرحمن. وأغلقت(5/511)
المدرسة التي هي في داخل جامع الخاتون الواقع في شارع نينوى. وكان يدرس فيها الملا محمد. وأغلقت مدرسة جامع الجويجاتي الواقعة في باب العراق وكان يدرس فيها
السيد توفيق. وأغلقت مدرسة واقعة في جامع مجول الواقعة في محلة الإمام عون الدين، وكان يدرس فيها الملا محمد. وأغلقت مدرسة للإناث كانت تدرس فيها الملاة (الملاية) غزالة والملاة امونة وحسنا عملت في كل ذلك.
20 - الحاخام عزرا أفندي دنكور
صدرت الإرادة الملوكية بإلغاء الإرادة المرقمة بالعدد 475 والمؤرخة في 6 ت1 سنة 1923 وهي لا تبقي عزرا أفندي دنكور أي سلطة كانت للقيام بأعباء رئاسة الحاخامين بالوكالة.
21 - حماية الحجاج
اصدر جلالة الملك ابن السعود مرسوما بحماية الحجاج دفعا لاستبداد الخدم والمشعوذين.
23 - أطباء ومهندسين مصريون في الحجاز
استقدم جلالته من مصر أطباء ومهندسين، ليهتم الفريق الأول بصحة أسرته وسائر الآهلين، وليعنى الفريق الآخر بحفر الآبار الارتوازية وتمهيد الطرق وتعبيدها.
اعتذار ووعد
نعتذر إلى الكتبة العديدين الذين اهدوا ألينا مقالات مختلفة الموضوع. وجميعها تنطوي على غر هذه المجلة. وعندنا منها ما وصل إلينا منذ صدور المجلة أي قبل الحرب، وبينها ما جاءتنا منذ عودتها إلى الظهور. وقد أطرفنا بها أدباء وعلماء من أنحاء شتى: من العراق وسورية وفلسطين ومصر وإيران والهند وجاوة وفرنسة وإيطالية وإنكلترا وألمانية وأميركة وغيرها.
دع عنك ما أنشأناه نحن. فلدينا إذن الآن ما يكفي لأربع سنوات أن لم يصلنا شيء جديد بعد ذلك.
ولما رأينا هذه الحالة مما يزيد تراكم المقالات، عزمنا على إضافة 16 صفحة على الجزء الواحد وذلك منذ سنتها السادسة، فيكون في كل جزء 80 صفحة. وسيصدر دائما الجزءان الأخيران وهما الحادي عشر والثاني عشر للفهارس ولهذا يتأخر بروزهما في كل سنة. ونفرغ كل وسعنا لنصدر الجزء الاول في شهر كانون الثاني من سنة 1928 من غير أن
نعين يوم ظهوره؛ ثم بعد ذلك يطرد صدور كل جزء في الشهر الخاص به. والله ولي التوفيق.(5/512)
العدد 53 - بتاريخ: 01 - 11 - 1927
الشعر العامي وأنواعه
تمهيد
أثبتنا في إحدى المجلات المصرية، قبل نحو عشرين سنة، أن اللغة العالمية العامية توأمة اللغة الفصيحة. نشأتا معاً ولم تتخلف إحداهما عن الأخرى نكونا ولا نشوءاً فهما شقيقتان غير متفارقتين. بيد أن الفصحاء، لما دونوا كلام الأقدمين من نثر وشعر، لم يبالوا بما لم يكن معدودا من اللغة العالمية. خوفاً من أن يتسع الفتق عليهم: فأهملوا كل ما كان خارجاً عن موضوعهم. فدونوا أذن من شعر الأقدمين ونثرهم ما وافق لغتهم، وأهملوا ما خالفها وخالف ذوقهم.
على أن العوام ظلوا ينظمون في لسانهم غير ملتفتين إلى ما حرمه الفصحاء أو احلوه. وقد اختلفت أساليب النظم باختلاف البلاد والأقطار: وكذلك أسماء تلك المنظومات. والغالب في تلك القصائد إغفال أغلب أواخر الكلم والحركات، واستعمال ألفاظ تنكرها الخاصة. ولا تشمئز منها العامة. واقدم هذا النوع من النظم ما عرف بعد ذلك باسم (المواليا) (بياء في الأخر مشددة يليها ألف قائمة) ف (الزجل) (كسبب) ف (الكان كان) ف (القوما) (يضم القاف وإسكان(5/513)
الواو وميم مفتوحة وفي الأخر ألف)، ف (الزهيري) (بالتصغير والنسبة) ف (البوذية) إلى غيرها وهي كثيرة لا تحصى.
وقد جمعنا من مختلف هذه المنظومات العامية شيئا كثيرا منذ سنة 1894 مع أسمائها وضروب تراكيبها، ولعلنا نأتي على ذكرها إذا اتسع لنا المكان.
وربما أتينا على ذكر كل نوع من هذه الأنواع وإيراد شواهد عليها: أما اليوم فنريد حصر الموضوع في دائرة (أبو ذية) والكلمة مركبة من (أبو) بمعنى (ذو) وهي لا تعرف هنا لأنها من كلام العامة؛ ومن (ذية) وهي (بكسر الذال المعجمة وتشديد الياء المفتوحة وفي الأخر تاء منقوطة)، وهي تخفيف (أذية) لان ناظم تلك الأبيات ينطق بها بعد أن يصاب بأذية خارجة كانت أم باطنة، عقلية أم جسدية، أدبية أم حسية، أو أنه يحاول التأثير في نفوس الغير بما يوذيها.
وقد يصحف بعض العوام كلمة (أبو ذية) بكلمة (عبودية) فيشكل على السامع نسبة تلك
المنظومات إلى هذا الاسم الغريب. والصواب ما أوردناه.
والأبوية ذية يتركب من ثلاثة اشطر ينتهي كل شطر بكلمة تتكرر ثلاث مرات بلفظ واحد، إلا أن معناها يختلف في كل مرة. والشطر الرابع ينتهي بكلمة تختم بهاء ولهذا ظن بعضهم أن اصل التسمية مصحف عن (أبو هية) وهية تصغير الهاء عند العوام، كأنهم يريدون أن يقولوا: الأبيات التي ينتهي آخر شطر منها بهاء صغيرة، أي بهاء غير منقوطة؛ على أن الأصل الأول هو المشهور.
وقد طلبنا إلى أحد أدبائنا النجفيين أن يكتب مقالا في هذا الموضوع فانشأ لنا المقالة الآتية البديعة:
(لغة العرب)
الأبوذية في اللغة العامية
إن للعامة في جميع الأقطار العربية في كلامها أدبا وشعرا، موزونا مقفى كما للخاصة عند جميع الأمم: ولما كانت العربية الدارجة في العراق أمس واليوم، تختلف اختلافا كليا عن اللغة العربية الفصحى، وتفترق عنها افتراقا بينا، وتمتاز عنها امتيازا ظاهراً، من وجوه كثيرة، وجهات شتى أصبحت مسافة الفرق بين الشعر العامي والشعر الفصيح بعيدة جداً. فالعامي يغاير الفصيح(5/514)
بالألحان الخاصة، والاشتقاق، والتواقيع، والحذف، الإضافة، والزيادة، والنقص، على غير العادة الجارية باللغة العربية الفصحى، وخلاف القواعد المقررة لها، والنطق بها من غير المخارج الطبيعية والإبدال، والقلب، وغير ذلك من أنواع المغايرات، والخصوصيات الشائعة في أدب العامة المنتشرة، والمتفشية فيه، وهذا البعد بين اللغتين العامية والفصحى، لم يكن إلا من جهة اللفظ فقط. أما المعاني العشرية فهي واحدة في كلتا اللغتين الفصحى والعامية من دون فرق ولا اختلاف.
ومن مزايا أدب العامة وخواصه أن شعرهم هو الواسطة الوحيدة التوخاة لمعرفة ما للسواد الأعظم من الأفكار والعادات. فإذا أردت أن تعرف عواطف السواد الأعظم من كل أمة، ومقدار تأثرها في نفوسهم، وعاداتهم التي ألفوها منذ اجيال، والمنازع التي ينزعون إليها، فانظر في أدب عوامها فأنها هي التي تمثل لك حالتهم الاجتماعية تمثيلا صحيحا لا غبار عليه.
فمن هذه الوجهة يكون (الأدب العامي) هو (الشعر الصحيح) إذ هو كالمرآة تنعكس فيها حالة السواد الأعظم، ظاهرة للعيان، بما يتضمن من ضروب أمثالهم، وعاداتهم، وأخلاقهم.
و (الشعر العامي) كشقيقة الفصيح يهز العواطف، ويدمع الجفون، ويفعل في القلوب، ويشرح الخواطر، ويطرب النفوس. مع ما فيه من الركاكة، وبلبلة اللغات في نظر الفصيح.
وقد انتشر هذا (الشعر العامي في أرجاء العراق، وعلى الأخص في الفرات منذ القرن عشر للهجرة على ما يقص الشيوخ وتحدث الشيخات. ولم نقف على مستند تاريخي لهذا القول. كما أننا لم نقف على أول من نظم في (الشعر العامي) مع كثرة بحثنا وسؤالنا من الناظمين فيه كثيرا ومن الأعراب أهل البوادي وغيرهم.
وللشعر العامي أساليب جمة، وطرق عديدة، وأوزان شتى. وأسام كثيرة. يسمى بعض
(ميمر) وآخر (موال) وثالث (عتابة)(5/515)
ورابع (ركباني) وخامس (الابو ذية) وهذا القسم اكثر استعمالاً من غيره عند الاعراب، إذ قلما يخلو منه مهرجان من المهرجانات التي يقيمونها لا فراحهم وأحزانهم وانسهم وطربهم وأيام بؤسهم وسرورهم فينطقون بتلك اللهجة التي يصفقون لها، ويطربون على نغمات موقعها وما تبعثه في النفوس من البهجة والانشراح. ويأتي كل بيت من (الابو ذية) أو دور من أدوارها على أربعة اشطر ثلاثة في قافية واحدة والرابع قافيته برأسه وان كان الكل على وزن واحد. ولما كنت قد جمعت أبياتا كثيرة من هذا القسم (الابو ذية) في مجموعة خاصة. وضبطنا بعض ما تيسر لنا ضبطه منها رغبت في نشر نموذج منها على صفحات (لغة الغرب الغراء) التي هي جديرة بهذه الأبحاث. واليك نموذجاً من تلك الأبيات:
أهلن يا نسيم الريح يا الماس ... على اللي شبهوا خده الورد بالماس
إلورد يذبل يصاحب حين يلماس ... وذا مهما تقبله احتمر ميه
كأن الشاعر العامي أخذ المعنى واللفظ من الشاعر الفصيح القائل:
وظبي شبهوا خديه وردا ... لقد أثموا بما قد شبهوه
لان الورد يذبل عند لمس ... وذا يحمر مهما قبلوه
فالمراد (بالماس) الأول في الشطر الأول (الذي يمس) والثاني (الألماس) الذي هو أحد الجواهر. والثالث (اللمس) وهو أحد الحواس الخمس. والرابع (احتمر ميه) أي صار مائه أحمر بالتقبيل.
روحي بيش اسليها كتلها ... عليك وسألن أدموعي كتلها
شبه العيس بالبيدا كتلها ... الظما ودومن تحمل ماي هيه
كأن الشاعر العامي أخذ اللفظ والمعنى من قول الشاعر المبين:
وأمر ما لاقيت من ألم الهوى ... قرب الحبيب وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما ... والماء فوق ظهورها محمول
فالمراد من (كتلها) الأولى (قتلها العشق). ومن الثانية (الكتلة أي القطعة من الدموع السائدة مرة واحدة). والثالثة (قتل الظما للعيس مع قرب الماء). وقال:(5/516)
بعض دموعي رقى (يذبل) وعالي ... يون النايم بقبره وعالي
بدت بالوصل وأنا ازفر وعالي ... الوصل شيفيد من تدنى المنيه
كأنه ينظر إلى قول الشاعر العدناني:
ولما رأتني في السياق تعطفت ... علي وعندي من تعطفها شغل
آتت وحياض الموت بيني وبينها ... وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل
فالمراد من (عالي) الأولى اسم فاعل من العلو كأن الشاعر يقول أن دمعي لكثرته قد فاض حتى وصل إلى (يذبل) اسم جبل، ومن الثانية (الاستماع) يقول:
أئن أنت شديدة ولشدتها اسمع بها حتى النائم في القبر. ومن الثالثة (أعالج) على لغة من يجعل الجيم ياء وذلك لأنها وصلت في وقت لا ينفع فيه الوصل. وانشد آخر:
يا حلو الطول والمبسم والجعود ... خطا منك تصل غيري ولي عود
أخذ كأس المدام أول ولي عود ... لذيذ العيش نتشارك سويه
كأنه نقول قول الشاعر العربي:
فأسقيني كأسا وخذ كأسا إليك ... فلذيذ العيش أن يشتركا
سؤال وجواب السؤال:
شنهو الينذكر بالكتب ما انشاف ... وشنهو اليقطع الجفين ما انشاف
وشنهو الدمعها للشيب ما انشاف ... وشنهو بغير دم روحه عذيه
الجواب:
الباري الينذكر بالكتب ما انشاف ... الموت اليقطع الجفين ما انشاف
وشنهو الدمعها للشيب ما انشاف ... (ألبان) بغير دم روحه عذيه
والعامة تعتبر (ألبان) الذي هو شجر معروف اسم حيوان و (عذية) أي مستقيم حي. وشنهو منحوت من (أي شئ هو) أي ما هو. ومعنى انشاف: رئي. والجفين مثنى الجف بجيم مثلثة أي الكف.
سؤال وجواب السؤال:
شنهو اللي يون دايم بلا روح ... وشنهو الفاتح اطيابه بلا روح
وشنهو المرهب الدنيا بلا روح ... وشنهو بغير دم روحه عذيه
الجواب:(5/517)
الهوى يا للي يون دايم بلا روح ... المسبح الفاحت اطيابه بلا روح
(الصراط) المرهب الدنيا بلا روح ... (البان) بغير دم روحه عذيه
المسبح بجيم مثلثة المسك. والدنيا: الخلق. وقال:
ها شخص اليودك دوم درب ... ها سهمك بلب احشاي ورب
ها حامي لعند احماك والرب ... ها تجفي وتشمت اعداي بيه
فالمراد من (ورب) الأولى الحاجة ومن الثانية (قطع) أحشائي وجعلها أربا أربا ومن الثالثة (القسم بالله. والراءات كلها مشدودة.) وقال:
حجت والدر ينشف من شفتها ... يخوتي شاب راسي من شفتها
لا هي نار لا هي ذهبة بالكور ... لا هي درة البجور لا هي شيشة البلور
لا هي صقر فوق وكور
لا هي لبسوها من شفتها ... غرير وتاهت اوصافج عليه
فالمراد في الشطر الأول من (حجت) حكت أي تكلمت ومن (شفتها) لماها. ومن الثانية (الرؤية) أي حين رآها وشاهدها. والمراد (بذهبة بالكور) أي بقطعة ذهب بالكور جمع كورة وهي التي يحرق فيها (الكلس) وغيره من مواد البناء والنار لاجتماعها في الكورة وتقاربها تتراءى للناظر كأنها ذهبة حمراء. والمراد ب (شفتها الثالثة): لبست اشفافها أو ألبستها الشفافة. وقال شاعرهم:
تجلى والدجى يا ضي من اسناه ... تبسم واخجل الكوكب من اسناه
رماني بسهم فتاك من اسناه ... نفذ بحشاي واثر سقم بيه
فالمراد في الشطر من (ياضي) الوضوح أي واضح من السناء والثاني (الشعاع) والثالث من اسناه أي من أسنانه. وانشد أحدهم:
أبات الليل أرد سني بهاماي ... شبيه القاطع البيدا بهاماي
عبالي الناس كلها بهاماي ... آثاري كل ضلع تحته شجيه
فالمراد في الشطر من (بهاماي) أي إبهامي أعضه بسني أو بنو اجذي لشدة الألم. ومن الثاني (بهاماي) أي بلا ماء كالقاطع البيداء من دون ماء كيف يكون حاله. ومن الثالث (بهاماي) أي بهمي كأنه كان يظن أن الناس كلها مهتمة بهمه. وفي الرابع قد انكشف له أن
كل إنسان مهموم وهمه كهمه. وقال آخر:(5/518)
تعال الجبدتي وانظر أشفتها ... على الريمه التي بعيني شفتها
وحق جدك عقيق أحمر شفتها ... آلة تريك خدها وسطع ضيه
فالمراد في الشطر الأول من (أشفتها) (ما الذي فتت) كبدي. وفي الثاني (الظبية التي رآها بعينه) وفي الثالث شبه شفتها بالعقيق الأحمر. واقسم على ذلك. وفي الرابع أن خدها كآلة (التريك) أي الالكتريك الساطع ضياؤها ونورها. ومن شعرهم:
انحلت ما بعد اشيل الجدم واخطه ... جثير الذنوب مني شلت واخطه
حبيبي ما رماني بسهم واخطه ... أظن من (حرملة) عنده سجيه
المراد (باخطه) الأولى الخطا جمع خطوة أي أن جسمي قد نحل حتى أني لا أستطيع نقل القدم وأخطو خطوة. وبالثانية الخطايا أي لأني كثير الذنوب والأثام وبالثالثة عدم الإصابة أي أن حبيبي رماني بسهم واخطاني. وبالرابع أن سجيته بالرمي كحرملة الذي رمى الإمام الحسين عليه السلام في واقعة الطف. ومن هذا القبيل قول الأخر:
القنا الخطي لنا والسيف ينضام ... نديمه اللي قصدنا عيب ينضام
يسيد كالبدر شعاع ينضام ... بدر نزهة السما قبل الثرية
وعلى كل حال فترى الشعر العامي يغاير الشعر الفصيح بجميع شؤونه وأطواره وخصوصياته ومزاياه وقد أوردنا هذه الكلمة حول (الشعر العامي) على سبيل العجالة لنبين للقراء أن معانيه ليست بأدنى من معاني الشعر الفصيح.
النجف: عبد المولى الطريحي
السميدع (بالدال المهملة لا بالمعجمة)
في محيط المحيط: السميذع (بالذال المعجمة): السيد الكريم. . . ج سماذع. ولا يقال السميدع بالدال المهملة. ولا تضم السين. اهـ وقد خالف هذه المرة نص فريتغ الذي يذكر السميذع بالمعجمة بل بالمهملة. ولما كان لغويو العصر عالة على محيط المحيط نقل هذه العبارة عينها صاحب اقرب الموارد وعنه اليسوعيون الثلاثة: بلو وحواء ومعلوف، ثم جاء صاحب المعتمد (؟!) فوافق جميعهم على هذه الكتابة مع أن صاحب لسان العرب يقول في باب سمدع (المهملة) (ولا تقل السميدع بضم السين) ولم يذكر أحد من اللغويين الثقات
السميذع بالذال المعجمة، بل صرح صاحب التاج أن كتابتها بالذال المعجمة خطأ. فاحفظ هذا يحفظك الله.(5/519)
خزائن إيران
التي أنشئت في أوائل عصر الدولة القاجارية
الخزانة الشاهانية في طهران
كان (فتح علي شاه) أول من أمر بجمع الخزائن وأضاف إليها حفيده ناصر الدين شاه قسما كبيرا من نفائس المخطوطات المصورة وغير المصورة وهي اليوم من مختصات البلاط الشاهاني ولها خدم وموظفون برواتب معينة من ميزانية المملكة ولا يسوغ لأحد الدخول إليها إلا بإجازة من الشاه ووزير البلاط وكنا ممن نال الإجازة المذكورة ووقفنا على تاريخها وبعض نفائسها الحاضرة وخلاصة ذلك أن هذه الخزانة تحوي 12239 مجلدة منها 7432 مطبوعة و 4807 مخطوطة وبعض مخطوطاتها منمقة بأقلام مشاهير مصوري الهند والصين وإيران ومجلدة بإبداع المنسوجات.
وفي أواخر عصر مظفر الدين شاه قاجار اختلس قسم من نفائسها وبيع في أوربة بمواضعة من خازنها مع رجل ارمني يعرف ب (ارشاك خان كريانس) إزاء ثمن بخس. ومنذ عشرين سنة تقريباً إلى هذا اليوم تتطلب الحكومة الفارسية بوساطة سفراء الدول الأجنبية في طهران الكتب المذكورة وما عثرت الأعلى النزر اليسير منها ومنذ ذاك الحين منعت منعا باتا خروج الكتب المخطوطة بأنواعها من حدود مملكتها(5/520)
ومن تلك النفائس المفقودة كتاب مرقع (أي مصور) كلستان لمؤلفه سعد الدين الشيرازي الشاعر الفارسي السهير وكان موشحا بل موشحونا بتصوير القلم البديعة وكتاب (جامع التواريخ) أو (تاريخ رشيدي) لمؤلفه رشيد الدين وزير غازان خان المغولي وهو في 98 صفحة بقطع كبير وخط بديع فيه رسوم غريبة بديعة قدر بعضهم ثمنه بما يوازي عشرة آلاف ليرة وقد عثرت عليه الحكومة في دار أمين الخزانة. و (تاريخ أكبر شاه الهندي) وهو من نفائس الكتب في 332 صفحة فيها 12 مجلسا مصورا وصورة عجيبة وقد نسخ قسما منه الخطاط المعروف بمير علي، إلى غير ذلك.
ومن نوادرها التي وقفنا عليها
(مرقع كلشن) وهو مصور بأقلام مصوري الهند والصين. اغتنمه نادر شاه آفشار من خزانة السلطان محمد شاه الهندي في 176 صفحة مصورة تمثل طيور الهند وحيواناتها وهي من رسم مير علي وسلطان علي وفي الصفحة السابعة منه كتابة بخط وتوقيع جهانكير بن أكبر شاه العازي بتاريخ سنة 1017 وهذا نصه: (أن الأستاذ بهزاد صنع هذا الرقع بأمري) وبهزاد هذا هو المصور الاصبهاني البارع الشهير الذي صور في بلاط ملك الهند صور صينية بديعة ذاعت شهرتها في أنحاء العالم وقدر بعضهم ثمن هذا المرقع بخمسين ألف ليرة ذهب والله اعلم. ونقل لنا أن مرقع كلستان المختلس كان أعلى قدرا من هذا المرقع ومنها:
(مجموعة رشيد الدين) فضل الله بن أبي الخير بن عالي الطبيب وهي في مجلد ضخم بخط جيد حرر في سنة 708 عصر المؤلف وقد اشتملت على أربعة كتب يحوي كل منها عدة رسائل متنوعة فيها جملة فوائد. ففي الكتاب الأول التوضيحات وفيه 19 رسالة في تفسير بعض الآيات والأحاديث ومعارضة الغزالي وفضيلة العلم والعقل وعدد الحكماء. . . وفي الكتاب الثاني مفتاح التفاسير وفيه اصل وذيل يشتملان على ديباجة في التوحيد وشرح أعمال النصف و 9 رسائل في بيان إعجاز القران وأقسام المفسرين والخير والشر والأعمال الحسنة وطول العمر وقصره والجبر والقدر وإبطال التناسخ. . . وفي الكتاب الثالث السلطانية وفيه أيضاً اصل وذيل مع جملة فوائد في السلطان وفضائله وغير ذلك. . . وفي الكتاب(5/521)
الرابع لطائف الحق وفيه 14 رسالة في التفسير والكلام والعرفان وما ناسب ذلك. . . ومنها:
كتاب (صفوة الصفا أو المواهب السنية في المناقب الصفوية) للمتوكل بن إسماعيل البزاز وقد وضعه على 12 بابا ذات فصول عديدة جميعها في شرح حالات الشيخ صفي الدين الاردبيلي جد الملوك الصفوية وكراماته والنسخة في زهاء 800 صفحة بقطع متوسط وخط حسن بتاريخ سنة 958 ونسخة هذا الكتاب نادرة وصفها المستشرق الإنجليزي ادورد براون في مقدمة كتابه تاريخ أدبيات إيران وهو في أربع مجلدات وقد طبع بعضها في لندن.
كتاب (تذكرة دلكشا) لعلي أكبر الشيرازي المتخلص ببسمل وضعها في أحوال شعراء
الفرس وبدأها بترجمة سعد الدين الشيرازي وختمها بترجمة نفسه ومنها نسخة جليلة من التاريخ الفارسي المعروف ب (تاريخ حافظ ابرو) و (تذكرة هفت إقليم) لامين احمد الرازي في تراجم الشعراء والأدباء والأمراء وقد ورد ذكرها مفصلا في كتاب الظنون للجلبي. . . وتاريخ (مرآة الأدوار) و (تاريخ هراة) و (تاريخ كلستان ارم) وفيها:
نبذة من (تفسير التبيان) للشيخ الطوسي أستاذ السيد المرتضى علم الهدى و (تفسير محمد شاهي) و 16 رسالة لبابا افضل العارف المشهور (رسالة في علم الشطرنج) و (رسالة في علم الحرب) و (شرح ديوان أبي فراس) لابن خالوية و (شرح ديوان الخواجة حافظ الشيرازي) وعدة شروح (لنهج البلاغة).
وغالب النسخ الخطية غير الصورة التي في هذه الخزانة نادرة من حيث محاسنها لا من حيث وجودها وأكثرها باللغة الفارسية وهي غير مفهرسة ولا منظمة وقد تراكم عليها ولا ينتفع بها عالم أو أديب لتخصصها بالشاه والتحاقها بمخزوناته. . .
وفي عصر ناصر الدين شاه قاجار كانت في طيران خرانة نفيسة للبرنس (اعتضاد السلطنة علي قلي ميرزا) وزير العلوم وخزانة جيدة للبرنس معتمد الدولة(5/522)
فردها ميرزا وقد تفرقت كتبهما بعد وفاة جامعيهما. ومن الخزائن المهمة التي أنشئت في طهران في عصر ناصر الدين شاه من آل قاجار وبقيت إلى اليوم:
خزانة المدرسة الناصرية
باني هذه المدرسة هو ميزار حسين خان سفهسالار في عصر ناصر الدين شاه وهي من اعظم الدارس الحالية في إيران وكان اتباع لها كتبا ثمينة أوقفها على طلبتها بنوع خاص ومن جملة ما اتباع لها قسم من خزانة اعتضاد السلطنة علي خان المراغي وزير المعارف في عهده والقسم الرياضي منها أوفر من غيره. ومن محاسن كتبها التي وقفنا عليها:
مجلد من الترجمة الفارسية لتاريخ قم العربي وكان مؤلفه بالعربية حسن ابن محمد بن حسن بن ثابت الشيباني بأمر من الصاحب بن عباد وزير فخر الدولة البويهي سنة 335 ومترجمة إلى الفارسية حسن بن علي بن حسن بن عبد الملك القمي بأمر الخواجة عماد الدولة محمود بن الخواجة شمس الدولة محمد علي بن صفي في شهور سنة 805.
وقد نص على هذا التاريخ في أول ترجمته المرموقة وذكر المستوفي في نزهة القلوب أن
الترجمة كانت سنة 865. . . والمجلد الذكور حوى خمسة أبواب من عشرين بابا، بها تم الكتاب وقد بدأه المؤلف أو لا بنبذة من مناقب الوزير ابن عباد والأساليب الباعثة على تأليفه ثم ذكر الأبواب على سبيل الفهرس وهي:
الباب الأول في وجه تسميتها بقم وتاريخ فتحها وجغرافيتها وذكر دار الضرب ودور الأمراء والولادة وعدد الأرجاء والضياع والرساتيق فيها وبعض الطلسمات وبيوت النار وغير ذلك.
2 - في خراجها ونجومها ورسومها إلى سنة 380 وفيه خمسة فصول.
3 - في نزول الطالبيين في قم وفضائلهم وأحوال أولاد الأئمة.
4 - في نزول العرب الاشعريين فيها وسبب قتل الحجاج يوسف محمد بن السائب الاشعري.
5 - في أخبار رجال الاشعرية وإسلامهم ومهاجرتهم ووقائعهم في الجاهلية.
6 - في انساب العرب.(5/523)
7 - في نتف من أخبار العرب المتوطنين بمدينة قم وذكر رؤسائهم وزعمائهم.
8 - في حوادثهم ووقائعهم.
9 - في أحكام قم وكتاب الديوان بها من العرب والعجم.
10 - في ظهور الإسلام بقم وذكر الفرس النازلين بها قديما وحديثا.
11 - في سنن جبايتها وخراجها وأخبار ولاتها من سنة 189 إلى سنة 378 وهم مائتا رجل ورجل.
12 - في أسماء قضاتها.
13 - في سنن الخلفاء والوزراء والحوادث التاريخية وجملة من بلاد الإسلام الحادثة بعد (آبه) وأخبارها من البعث إلى الهجرة إلى آخر سنة 378.
14 - في الضياع ومستغلات السلطان بقم وآبه أو أوه القديمة والحديثة وغير ذلك.
15 - في عدد الضياع الموقوفة بقم ومبلغ خراجها وأسماء أربعين رجلا من متوليها الخ.
16 - في شرح حال 260 من أسماء الشيعة و 14 من علماء أهل السنة فيها.
17 - في أسماء الأدباء والكتاب والفلاسفة والمنجمين والوراقين مع نتف من أخبارهم
ورسائلهم ومصنفاتهم.
18 - في شرح حل أربعين رجلا من الشعراء المادحين القميين ممن يحفظ شعرهم و 30 من شعراء العرب والعجم الظاهرين بقم مع ذكر نبذة من أشعارهم.
19 - في اليهود والمجوس الذين بقم وعلة نزولهم فيها والرسوم التي كانت عليهم.
20 - في خواص قم وعجائبها وجملة من سنن العرب وآدابهم وأحكامهم ومناقبهم وأسماء تواريخ أيام العرب والعجم وبعض أخبار تلائم من آدم إلى الهجرة وغير ذلك.
ومنها: نسختان من كتاب (تذكرة هفت إقليم) لامين احمد الرازي المؤلف سنة 1010 ذكرة في كشف الظنون وقال رتبة على الأقاليم السبعة وذكر إقليم كل بلدة وما في كل بلدة من أعيانها قديما وحديثا ولم يقتصر على أوصاف البلاد أو طائفة دون أخرى بل أيضاً الملوك والسلاطين والعلماء والمشايخ والشعراء مع أشعارهم وأثارهم. اهـ. حوت إحدى النسختين المذكورتين ذكر ثلثة(5/524)
أقاليم على الترتيب المزبور وفي أخرها ذكر ملوك مصر بتاريخ 15 شعبان سنة 1021 وثانيتهما مخرومة الأول والأخر في 648 صفحة بقطع كبير أولها في أحوال مشاهير قم وأخرها في أحوال دكن. . . وكتاب (شرح القاضي زاده) بخط الشيخ بهاء الدين العاملي وكتاب (تجريد بن ميثم) وكتاب (صور عبد الرحمن) و (شرح تذكرة النيشابوري) و (شرح تذكرة البيرجندي) وكتاب (لطائف الكرام) في النجوم و (والزيج الجديد) لالغ بيك و (زيج عبد الرحمن) وكتاب (في النيرنجات والطلسمات) وغير ذلك مما لا يسع المقام شرحه. وهذه الخزانة كسائر الخزائن الموجودة اليوم في طهران لا ينتفع بها إلا النزر اليسير من الأدباء. وعدة مجلداتها توازي 5000 أكثرها نادرة من حيث الخطو والورق.
خزانة المدرسة المروية
لمؤسس المدرسة وبانيها ميرزا محمد حسين خان الروي وقد وقفها على تلاميذ المدرسة وفيها كثير من كتب الشيعة في العلوم الشرعية وقلما ترى بينها كتبا في أنواع العلوم الرياضية والأدبية. واحسن آثارها في ذلك كتاب مقاييس اللغة للشيخ أبي حسين احمد بن فارس اللغوي الشهير وهو في زهاء 650 صفحة بقطع كبير أوله: الحمد لله وبه نستعين وصلى الله على محمد واله أجمعين حمدا. أقول وبالله التوفيق: أن للغة العرب مقاييس
صحيحة واصولاً تتفرع منها فروع وقد ألف الناس في جوامع اللغة ما ألفوا ولم يعربوا في شيء من ذلك عن مقاييس من تلك المقاييس، ولا أصلا من تلك الأصول، والذي أومأنا إليه باب من العلم جليل، وله خطر عظيم، وقد صدرنا كل فصل بأصلة الذي تتفرع منه مسائله، حتى تكون الجملة الموجزة شاملة للتفصيل. ويكون المجيب ما ذكرناه على كتب عالية تحوي اكثر اللغة. وأشرفها كتاب أبي عبد الرحمن الخليل بن احمد المسمى كتاب العين اخبرنا به علي بن إبراهيم القطان فيما قرأت عليه الخ.
وقد اعتمد على ما نقل في الديباجة على خمسة كتب: كتاب العين المتقدم ذكره وكتاب أبي عبيده في غريب الحديث ومصنف الغريب وكتاب المنطق(5/525)
لابن السكيت وكتاب الجمهرة لأبي بكر بن در يد قال فأول ذلك كتاب الهمزة. باب الهمزة. في الذي يقال له المضاعف. اعلم أن للهمزة والمضاعف في الأب اصلين أحدهما المرعي والأخر القصد والتهيؤ فأما الأول فقول الله عز وجل: وفاكهة وأبا. قال أبو زيد الأنصاري لم اسمع للأب ذكرا ألا في القرآن قال الثاني فقال الخليل وابن در يد الأب مصدر أب فلان إلى سيفه إذا رد يده ليستله الخ.
وطريقته في ترتيبه ذكر اللغات بترتيب حروف الهجاء ثم يردفها بالأول فالأول منها والنسخة في 650 صفحة تقريبا بالقطع الكبير بخط جيد جلي غير أنها مغلوطة مخرومة في بعض مواضيع منها في عدة صفحات ونحن نتذكر هنا أن من كتاب المقاييس نسخة قديمة أكلت الأرضة قسما كبيرا منها عند الشيخ علي آل كاشف الغطاء في النجف.
ومن الخزائن المنشأة في إيران في عصر الدولة القاجارية:
خزانة الشيخ عبد الحسين في مشهد الرضا في خرسان
وهي خزانة نفيسة فيها عدد وافر من نوادر المخطوطات والمطبوعات وجامعها الذكور هو شيخ جليل ذو علم وصلاح أجاز لنا الوقوف على شواردها مع شوق منه إلى ذلك ومن محاسن نسخها كتاب (الدر المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء والخلفاء والملوك) بخط مؤلفة احمد بن الحسن الحر العاملي من علماء أواخر القرن الثاني عشر للهجرة وعنوانه يعرب عن موضوعه فلا حاجة إلى بسطة. قال في ديباجة بعد الحمدلة: وجعلته مبينا على
مقدمة وثمانية أركان وخاتمة الخ. ومنه نسخة ناقصة عند الشيخ علي آل كاشف الغطاء في النجف ونسخة كاملة عند السيد حسن الصدر في الكاظمية. . . وكتاب (تفسير نور الأنوار ومصباح الأسرار) لمؤلفه السيد محمد بن محمد تقي المدعو برضي الدين الحسني كما صرح بذلك في ديباجة وهو من جوامع التفسير التي لا يستغني عنها. رأيت منه مجلدين ضخمين الأول في تفسير سورة البقرة. والثاني في تفسير سورة الكهف إلى(5/526)
آخر سورة فاطر. والمؤلف من عيون علماء أوائل القرن الثاني عشر للهجرة له عدة مؤلفات ذكرناها في ترجمة. وفيها جملة من كتب الشيعة في الفقه والأصوليين والحديث بخطوط مؤلفيها وقد بلغنا أن جامعها توفي قبل زمن قصير نور الله رمسه.
خزانة إمام الجمعة في كرمانشاهان أو كرمانشاه
كان محل إقامتنا أيام كنا في كرمانشاه دار إمام الجمعة وله فيها خزانة تشتمل على اكثر من ألف مجلد في فنون العلوم وفيها جملة مخطوطات نادرة الوجود من كتب الشيعة أكثرها في الفقه والحديث والأخبار والأصوليين لا يسع المقام ذكرها. ومما رأينا فيها الجزء التاسع عشر من كتاب (الوافي بالوفيات) تأليف صلاح الدين احمد بن أبي الصفا خليل بن أبيك الصفدي أوله ترجمة علي بن الحسين بن هند وأبي الفرج الكاتب الشاعر وآخره ترجمة علي بن محمد بن عبد العزيز تاج الدين المعروف بابن الدرهم وخط النسخة وورقها ظاهر، عليهما آثار القدم وعلى ظهرها مرقوم: ملكة أفقر الخلق إلى رحمة ربه أبو الوفا بن عمر العرضي في عاشر رمضان سنة 1066 مع الجزء الأخير.
ومن الخزائن المشهورة في عصرنا هذا في طهران:
خزانة حسين آقا
الملقب بملك التجار، فيها عدة كتب نادرة غير أن جامعها ضنين بإجازة الوقوف عليها
خزانة آقا ضياء الدين النوري
هو ابن الشيخ فضل الله النوري العالم المشنوق بطهران في أوائل الانقلاب الفارسي السياسي وقد سمح لنا بالاطلاع على نفائسها والاستفادة منها. ومن تلك الخزائن:
خزانة مجلس النواب
وهي حديثة التأسيس أتلفت طائفة من نوادرها عند تسلط جنود الشاه(5/527)
المخلوع على المجلس أيام الثورة الدستورية وفيها اليوم زهاء ألف مجلد بين مطبوع ومخطوط وقد عني النواب بتشييدها من جديد. ومن محاسنها التي وقف عليها كتاب (أنوار الملكوت) للعلامة الحسن بن مطهر الحلي في (شرح كتاب الياقوت) في علم الكلام وتاريخ النسخة 793 وكتاب (مصقل الصفا في أحوال الخلفا) للسيد احمد زين العابدين الأنصاري بتاريخ سنة 1032
خزانة نصر الله الأخوي
من أعضاء مجلس التمييز في عدلية إيران وصاحبها من المولعين بجمع الكتب وتنظيمها.
خزانة المعارف
خزانة أنشأتها وزارة المعارف لتنوير الأفكار وتشحيذها وهي تحوي زهاء ألف مجلد أكثرها في العلوم الحديثة ولا تزال ساعية في تكميلها.
المكتبات المعدة لبيع الكتب
كان في طهران إلى سنة 1338 نحو 25 مكتبة معدة لبيع الكتب القديمة والحديثة والفارسية والافرنسية والإنجليزية و 6 مكتبات في شيراز و 11 في اصبهان و 20 في خرسان و 2 في قزوين و 5 في همذان و 8 في تبريز وأكثرها مخصصة ببيع الكتب القديمة.
ملك أبال عبد العزيز الجواهري (نزيل طهران)
(كفري)
كفري (وزان كرسي) اسم للصلاحية في الخالص من ديار العراق، وسميت (كفريا) لوجود الكفر فيها وهو نوع من القير قال ابن شميل: القير ثلاثة اضرب: الكفر والقير والزفت، فالكفر يذاب ثم يطلى به السفن، وهو الإسفلت عند الإفرنج والزفت يطلى به الزقاق. اهـ.
وما عدا الكفر يتبع فيها نفط في غاية الجودة ويمتد ميدانه إلى مسافة شاسعة. وقد رسب
الكفر فيها رسوبا يبلغ ثخنه ست أقدام وهو من افخر نوعية جميعا.(5/528)
تاريخ مطبعة الحكومة في الموصل
أسست مطبعة الحكومة في الموصل - وكانت تسمى مطبعة الولاية في العهد العثماني - سنة 1875 م (1292هـ) في زمن والي الموصل تحسين باشا الذي جلب أدواتها وآلاتها من الأستانة، وقد ساعد الأباء الدمنكيون على ترويج أشغالها فأنيطت أدارتها بموظفي دائرة الولاية المركزية كالمكتوبجي وكتاب المجالس الإدارية ومن الذين تولوا أدارتها رؤوف أفندي الشربتي وعلي بك كاتب مجلس الإدارة ورؤوف أفندي ابن محمد أفندي والمكتوبجي طاهر بك واحمد أفندي رئيس كتاب المحاسبة الخصوصية ونظمي بك وحسن فائق بك رئيس بلدية الموصل السابق. وعلي بك وخير الدين أفندي العمري نائب الموصل في المجلس النيابي الآن وارسلان بك.
وقد اشتغلت الطبعة الرسمية من يوم تأسيسها بطبع الأوراق الرسمية والأشغال التجارية ودفاتر دواوين الحكومة والتقاويم السنوية باللغة التركية المسماة (موصل سالنامة سي) وفيها طبعت جريدة (موصل) الرسمية وهي جريدة أسبوعية أخلاقية أخبارية ظهرت سنة 1879م (1297هـ) وقد كانت في أول صدورها تنشر باللغتين العربية والتركية ثم اقتصرت على اللغة التركية وأعيد القسم العربي إليها في أخر عهد العثماني بالموصل.
فلما دخل البريطانيون الموصل في اليوم الثاني عقيب إعلان الهدنة سنة 1918م (1337هـ) استأنف الكولونل لجمن الحاكم العسكري للموصل إصدار الجريدة الرسمية اللغة العربية فقط فكانت تصدر مرتين في الأسبوع وعهد بإنشائها في أول الأمر إلى القس سليمان الصائغ الكلداني الموصلي مؤلف (تاريخ الموصل) ثم تسلم إنشاءها الأستاذ أنيس الصيداوي الصحفي البيروتي ورئيس الثانوية في يافا (فلسطين) ألان. وأعقبه في القيام بشؤون هذه الجريدة التحريرية يونان عبو اليونان من كتاب الموصل الذي تركها أخيرا وانخرط في سلك طلاب متقن الطب المؤسس حديثا في بغداد. وأخذت تصدر بعد ذلك أربع مرات في الأسبوع.(5/529)
وفي مطبعة الولاية هذه طبعت حينا جريدة (نينوى) لسان حال الاتحاديين العثمانيين باللغتين العربية والتركية. وجريدة (نجاح) لسان حال حزب الائتلاف باللغتين العربية
والتركية أيضاً وجريدة (جكه باز) الهزلية باللغة التركية فقط.
ولما صودرت أموال الأجانب في الحرب الكونية العظمى وكانت مطبعة الأباء الدمنكيين في جملة ما صودر نقل إلى مطبعة الحكومة كثير من أدوات وآلات وحروف بعض ما حفظ في المطبعة. فلما احتل الإنكليز الموصل أدوا إلى دير الدمنكيين ومبعثهم بعض ما حفظ في الطبعة الرسمية من منهوبات مطبعتهم ولم تمتد إليه يد السرقة أو التلف.
وفي السنة الماضية جدد في هذه المطبعة قسم مهم من حروفها وآلاتها كما أعيد إلى المبعث المنكي بعض ما فضل فيها من آثار مطبعتهم بلا استعارة.
من مطبوعاتها:
1 - أبهى القلائد في تلخيص انفس الفوائد) تأليف السيد احمد فائز ابن السيد محمود أفندي البرزنجي سنة 1315هـ (1897م) ص 226 وهو في(5/530)
العقائد الإسلامية والكلام وقد طبع برخصة نظارة المعارف في الأستانة المرقمة 117 وبتاريخ ذي القعدة سنة 1314هـ (1896م) في عهد ولاية زهدي بك الوالي العثماني على الموصل.(5/531)
2 - سالنامات لسنوات متعددة باللغة التركية
3 - منهج التعليم الابتدائي سنة 1919 ص 64
4 - نظام بلدية الموصل (موقت) ص 24 سنة 1920
5 - إيضاحات في تدريس اللغة العربية في المدارس سنة 1921 ص 10
6 - منهج لتعليم اللغة العربية للطلاب الذين لسانهم غير العربي ص 13 سنة 1921
وقد طبع في هذه المطبعة بعض الكتب المدرسية باللغة التركية.
مطبعة نينوى أو سرسم أو آثور أو عيسى محفوظ في
الموصل
تغير اسم هذه المطبعة مرارا فكانت في أول تأسيسها مطبعة نينوى ومطبعة سرسم أحيانا فمطبعة آثور فمطبعة عيسى محفوظ وهو اسمها الحالي وكان مؤسسها عيسى محفوظ الموصلي بشركة فتح الله سرسم وذلك في سنة 1910م (1327هـ) وجلب آلاتها وأدواتها من باريس وحروفا عربية ولاتينية. وفيها صدرت جريدة (نينوى) باللغتين العربية
والتركية وجريدة (جكه باز) الهزلية.
وفي أبان الحرب العظمى صادرتها الحكومة العثمانية مدة عشرة أشهر وأخذت تطبع فيها جريدة حقه طوغرو (دعوة الحق) لبث دعوتها باللغات الأربع التركية والعربية والفارسية والكردية. فلما كان الاحتلال البريطاني أعيدت المطبعة إلى صاحبها وهي اليوم تصدر جريدة (صدى الجمهور) العربية مرتين في الأسبوع. واشتغلت مدة بطبع الأوراق التجارية وأغلفة أوراق (السيكارة) وصاحبها متفنن في حفر الألواح المنقوشة وطبعها فيها.
وفي هذه المطبعة طبعن مجلة (النادي العلمي) التي كان يصدرها النادي المذكور(5/532)
في الموصل عقيب الاحتلال البريطاني.
من مطبوعاتها:
1 - (عنوان البيان وبستان الأذهان) كتاب لأحد المؤلفين القدماء في الحكم والآداب في جزأين صغيرين سنة 1914.
2 - التحفة السنية في الهدية السنوية لعلي الجميل الموصلي سنة 1895
3 - بدائع الأفكار ياخوذ الحكمة والأدب للترك والعرب تأليف فاضل الصيدلي الموصلي وهي شذرات عربية أدبية مشروحة باللغة التركية ص 32 سنة 1330هـ (1911م).
4 - خطبة نادي المشرق - كتاب سياسي عمراني خاطب به مؤلفة الأستاذ السيد محمد حبيب العبيدي، مفتي الموصل الان، أمم الشرق ودعاها إلى النهوض وقد أوحت إليه بهذه المعاني الحرب العثمانية البلقانية كتب على الرسالة (ينفق ريعها في سبيل تعزيز مبدأها) ص 88 سنة 1331هـ (1912م).
5 - (الأناشيد الموصلية) ألفه محمد سعيد الجليلي الكاتب في سكرتارية المجلس النيابي في بغداد الآن في 24 ص سنة 1332هـ (1914م) ولهذا الكاتب حكاية لا بد من إثباتها هنا للتاريخ:
كان مؤلف هذا الكتاب سنة 1332هـ (1914م) مدرسا في مدرسة (دار العرفان) الرسمية وقد اسند إليه تدريس الأناشيد وهو التعليم المدخل حديثا في منهج الكتاتيب الابتدائية والذي قصد به تدريس أناشيد (الحماسة التركية) لخدمة القومية التركية في نفوس النشء العربي؛ فلم ير المدرس وهو من الشبان العرب المتحمسين لقوميتهم العربية أن يكون وسيلة إلى
نفث الروح التركي في نفوس النشء الغض وإماتة الحس القومي العربي وقد كان يومئذ منحصرا في أفراد قلال يعدون على الأصابع وذلك لشدة ضغط الاتحاديين فعزم على تدريس الأناشيد باللغة العربية فلم يجد بين الأيدي كتابا يحس تداوله لهذا الغرض فطلب إلى بعض الأدباء الموصليين أن يضعوا أناشيد ليعلمها للأحداث فلبى طلبه جماعة منه: قاسم الشعار قاضي محكمة(5/533)
بعقوبة الشرعية حالا وداود الملاح الذي قصفته المنون في سني الحرب الكبرى والأستاذ محمود الملاح الذي كان متبرعا بإلقاء دروس التاريخ والجغرافية في المدرسة المذكورة وهو الآن مدرس اللغة العربية في دار المعلمين في بغداد ونظموا بضع أناشيد تتضمن التغني بمجد العرب التاريخي وإذكاء نار الحماسة في أفئدة النشء العربي فجمعها المدرس الذكور وطبعها في رسالة مع مقدمة له وشرح بعض الألفاظ والأعلام التي وردت فيها.
6 - تنوير الأذهان في بعض حقائق تاريخ الكلدان - نبذة مختصرة رتبها حنا نرسي الموصلي الكلداني ص 67 سنة 1926م
7 - برنامج الجمعية الخيرية السريانية الكاثوليكية ص 35 سنة 1927م
8 - التقرير السنوي الأول لجمعية الإحسان للسريان الارثودكس في الموصل لسنة 1926 - 1927م
رفائيل بطي
البلخش ليس نباتا
في محيط المحيط: البلخش ضرب من النبات اهـ. ولم نجدها في معجم لغوي، إنما نقل البستان الكلمة عن فريتغ وهذا ذكر أن البلخش ضرب من الياقوت لكن كلمة ياقوت اللاتينية تعني أيضاً من النبات. وجر معه في وهدة الأوهام كل من نقل عنه. ولم يقم أحد من اللغويين العصريين من ينبه على هذا الغلط، ولا كيف استدرج إليه صاحب محيط المحيط. فالبلخش على ما ذكره التيفاشي (حجر صلب شفاف كالياقوت في جميع أحواله ومنافعه) وفي المستظرف انه يقارب الياقوت في جميع أوصافه ودونه في الثمن وهو ألوان: (أحمر وأخضر وأصفر) اهـ.
وهناك غلط فإن ضبط بلخش كجعفر وهو عند الفصحاء بتحريك الأول والثاني وإسكان
الثالث. فاحفظه.(5/534)
أشهر مدن البطائح الحالية
المدينة
ليست بمدينة وإنما قرية كبيرة على بز الفرات الأسفل، بين القرنة وسوق الشيوخ تكتنفها البطائح وفي ظهرها بادية العراق جدت قبل القرن الحادي عشر. وهي حاضرة الجزائر سابقا وفيها مقر الأمارة على ربيعة البطائح والجزائر ولا يزال الأمارة متوطنا إياها وضواحيها ولكن شأنها اليوم شان أمرائها إذ انتقلت الزعامة إلى بيت الأسدي، بيت خيون وأصبحت القرنة حاضرة البطائح.
وقبائل المدينة من ربيعة وهم بنو منصور ويجاورهم سعد.
القرنة
مر عليك طرف من ذكرها في ترجمة آل فراسياب. وإنها قلعة اسمها القرنة ثم صار اسمها العلية ثم استرجعت اسمها القرنة نعم نشأت قرية وصارت مدينة على بز الفرات وفي قريب منها يقترن بز دجلة ببز الفرات ويلتقي الأخوان بعد أن كانا تفارقا من جبال أرمينية فسميت القرنة ولم يكن لها، - وهي قرية أو مدينة -، مؤسس معروف فقد كانت قلعة تصد الهاجمين على البصرة من جهة بغداد وحولها رهط من الجزائريين المتهيئين للدفاع ثم نشأت قرية على مفرق الطريقين ولا اعرف زمن تأسيسها وقد ربلت حتى صارت مدينة صغيرة من مدن العراق وقبيلتها بنو سعد من ربيعة البطائح وقد ذكرها بعض الرحالين قرية حقيرة في أواخر القرن الحادي عشر.
العمارة
بلد نزة ومدينة من مدن العراق الزاهية ناهضة على وادي دجلة في الجانب الأيسر، في آخر دجلة البصرة، حاضرة عامرة وهي من(5/535)
المدن الجديدة في العراق وموقعها من طفوف سابقا يوم كانت دجلة تستقيم من الدار الذي هو قريب من موقعها وكذلك كانت ناحية من نواحي البطائح سابقا عند ما امتدت دجلة بين واسط والمدار، وهذه المدينة الحديثة نشأت في القرن الثالث عشر معسكرا للحامية التي ترد من بغداد لحفظ الأمن في تلك الجهات، وجباية الأموال الأميرية وقد اختارت الجنود النظامية التكوف في هذا الموقع لنشوفة أرضه، وعذوبة هواءه، فأطلق الناس على ذلك المكان اسم (الاوردي) وهي لفظة تركية مهنا المعسكر وما زالت إلى اليوم تعرف عند المنتفق باسم (الاوردي) ثم اطمئنان إليها الناس وأرباب الكسب والتجارة من البغاددة والبصريين فانشئوا هناك عمارة ضخمة وأطلق عليها اسم العمارة.
قلعة صالح
-
صالح هذا زعيم من زعماء أل أبي محمد، القاطنين في تلك الأنحاء من بطائح دجلة ومن حواليها تمتد إلى ناحية الحويزة والأهواز وقد إنشاء هذه القلعة لتكون حامية لمزرعة وقبيلة كما هو شأن الكثير من الزعماء العراقيين وقد جاورها كثير من الأغراب فأصبحت بلدة عامرة وهي قائمة على أنقاض بلد المذار الشهيرة وموقعها اليوم بين العمارة والعزير (بالتصغير) وهو بلدة ميسان الشهيرة ودجلتها دجلة البصرة أم البطائح. وقلعة صالح في متوسط البطائح وقد كانت هذه الأنحاء إلى آخر القرن الثاني للهجرة تابعة لملكة المنتفق وتخضع لأمارة آل سعدون ولكن في القرن الثالث عشر تنازل أحد مشايخ آل سعدون لحكومة بغداد عن تلك الأنحاء وأتذكر الآن انه الشيخ عقيل.
سوق الشيوخ
-
من مدن البطائح الحديثة على ضفة الفرات اليمنى. وفي جنوب الناصرية تحده الصحراء
المعروفة بالشامية من الغرب والجنوب، ويحده الفرات شرقا وشمالا، وحوله الاهوار والبطائح التي أفسدت هواءه وجعلته في وخامة ووبالة، كثرت فيه حميات البطائح الفاتكة.(5/536)
وموقعه تحت الناصرية بمسافة 4 ساعات وفوق البصرة ب 28 ساعة.
والشيوخ هم الزعماء من آل سعدون أمراء المنتفق والذي أقامه منهم الشيخ ثويني بن عبد الله بن محمد بن مانع، وهو من كبار ذلك البيت واليه انتهت الزعامة وتاريخ حياته صفحة مهمة في تاريخ آل سعدون وكان زمن تأسيسه حسبما يعيه الواعون من الطاعنين في العمر سنة 1175 في زهرة أيام الشيخ ثويني.
وكان يعرف بسوق النواشئ في أول نشؤه. والنواشئ هم فخذ من بني أسد ولما نزل عليه آل سعدون وكانت أكثر شيوخ المنتفق تمتاز منه عرف بسوق الشيوخ واغل ذكر النواشئ ولم ينزله شيوخ المنتفق من آل سعدون حتى الشيخ ثويني لان آل سعدون كغيرهم من أمراء الجزيرة معودون سكنى انف البرية وجمال البادية ولا يتقيدون بجدران الحضر وثانيا للشيخ حاشية وركاب ومواكب اكثر من ألف بيت تقريباً فهذا الحي الكبير كيف تسعى المدينة مع خيله وركابه ولكن جرت عادة شيوخ السعدون في سوق الشيوخ وفي الناصرية وفي الشطرة بل في البصرة نفسها إذا أرادوا نزول البلد ينزلون في باديتها وقريبا منها.
وعند مارث أمر شيوخ المنتفق وانقلبت بهم الأيام قيدت الحكومة العثمانية سوق الشيوخ في أملاكها الإدارية في العراق وجعلته قضاء وذلك سنة 1288.
وليس في هذا القضاء إلا ناحية واحدة وسفل أمر سوق الشيوخ أخيرا بعد أن كان نقيا طيبا يتمتع الساكن فيه بخفوق الريح. فقد كان الشيخ ثويني بذل الوسع والطاقة في تجفيف تربته ومنع وصول سيب الفرات إليه فكان في اجمل موقع بين النهر والبادية؛ أما اليوم وقد ماتت خطورته وانحط رقيه فقد أصبح كما قيل بمنزلة المثانة من الجسد لا يصل إليه الماء إلا بعد أن يفسد ويتغير وهواؤه ثقيل ملوث بوخامة أرضه وليس كل بيوته بناء وعمارة بل فيه كثير من بيوت القصب والخصائص.
وعدد سكانه زهاء 5000 ينقسمون إلى (نجادة) وهم النجديون أصلا و (حضر) وهم العراقيون الذين تجمعوا من هنا وهناك وكان يحيط بالبلدة سور وقد تداعى اليوم واكثر
أقسام ذلك السور كان مبنياً بالطين (بالطوف) كما يسمه العراقيون وجهة واحدة مبنية باللبن وهو الطابق غير المشوي وكان(5/537)
للسور أربعة أبواب.
وفي البلدة ثلاثة مساجد وحوام وأربعة كتاتيب وفيه بيت من بيوتات العلم الشهيرة في العراق وهو بيت (آل حيدر) وكان النابه في هذا البيت على عهدنا الشيخ باقر أبن الشيخ علي وأبوه هذا كان في عداد مجتهدي الأمامية وله مصنفات عديدة في فنون شتى وكان الشيخ باقر مجتهدا في فنون العلم والأدب وقد تعاطى صناعة الشعر وجاد فيها وقد كان الدور الأخير من حياته دور نهضة وجهاد سياسي وذلك على اثر الحوادث الأخيرة في بلاد المنتفق ودخول الإنكليز العراق وتوفي صارخا ناهضا بين إطناب المتطوعين الذين كان يريد بهم غزو البصرة وذلك سنة 1333 وآل حيدر هم بقية بني وثال زعماء آل أجود حلفاء المنتفق سابقا والثلث الكبير من قبائل المنتفق أخيرا المعروفة بالأثلاث ولبني وثال أثار كبيرة ولكنها مندوسة وسوق الشيوخ مطوق بقبائل المنتفق وربيعه البطائح.
الناصرية
هي من أهم مدن الفرات المعروفة اليوم، وهي جالسة على ضفة الفرات اليسرى، وهي من العمارة الجديدة في العاق لان موقعها هذا وهو (ذنائب) الفرات الأسفل كان في القديم بطائح. وهي مركز أمارة المنتفق في الأيام الأخيرة وذلك بعد انتقالها من سوق الشيوخ كما أن العثمانيون اتخذوها مركزا لحركاتهم الإدارية يوم تسلموا تلك البلاد من جراء اصبح أشهر أسمائها (المركز).
والى اليوم لم تجف بطائحها جفافا صادقا ولا يؤمن خطرها فلا تزال في مياهها وبالة محسوسة وفي ضفتها وخامة ووحول ولا تزال تهددها بالخطر وبالغرق بطيحة في ظهر البلد تسمى (هور أبي قداحة) تلك البطيحة الهائلة وقد أغرقت البلد في أوائل هذا القرن على عهد فالح باشا وأغرقتها ثانية عام الهزاز العراقية سنة 1333 هجرية.
ويظهر أن سطح هذه البطيحة يرتفع فوق قاع البلدة أربعة أمتار.
ومؤسس الناصرية هو ناصر باشا السعدون وقد احضر لتخطيطها المهندس(5/538)
البلجكي
(المسيو جول تلي وذلك في عهد ولاية مدحت باشا في العراق والحجر الأول الذي وضع فيها كان لدار الحكومة وذلك سنة 1286 هجرية فجاءت من احسن مدن العراق تخطيطا وصارت قاعدة بلاد المنتفق وقد حكم فيها من آل سعدون ناصر باشا ثم ولده فالح باشا ثم فهد باشا والد صاحب الفخامة رئيس مجلس نواب العراقي اليوم عبد المحسن بك وأخيرا في أول إنشاء الحكومة العراقية كان متصرف الناصرية الزعيم إبراهيم بك ابن مزعل باشا السعدون.
هذه جملة من مدن البطائح الجديدة وبقي شئ منها في الغراف نأتي على ذكره في البحث عن الغراف وبما أن المدن الثلاثة البصرة والحويزة وواسط هي أمهات البطائح وقواعد شؤونها وحوادثها أرجأنا الكلام عنها إلى جزء آت.
النجف: علي الشرقي
اعتراف
(عن ديوان (الشفق الباكي) للدكتور أبي شادي):
مازلت معترفا بجهلي دائبا ... في دفع أخطائي ورفع يقيني
فإذا ضحكت من الذين تهافتوا ... زمرا على نقدي وبخس ثميني
فالحق يعلم ليس ذاك ترفعا ... مني عن التصحيح والتبيين
لكنه انف المبجل جهده ... عن سخر أطفال ولهو ظنين
أدبي وان هو لم ينل أمنيتي ... ما زال لي تاجا يزين جبيني
من صدق إحساس وكل جوارحي ... وتطلعي السامي نظمت حنيني
وإذا فكيف أسومه نقد الهوى ... للخاملين الحاسدين رنيني؟!
وبرغمهم أن يستعز لغاية ... في الخلد لم تمنح لغير أمين!
الشهرة الكبرى لمثلى لم تكن ... قصدا، ولكن منبر التلقين!
من عاش عاش لغيره، وارى الذي ... يحيا لشهرته بموت مهين!(5/539)
كتب على وشك الظهور
قربت أيام ظهور (الجمهرة) وقد تم طبع القسم الأعظم منعا في حيدر أباء الدكن بعد أن عنيت اشد العناية بتصحيح ما أفسده النساخ بقلمهم المشؤوم.
أرسلت ب 120 صفحة مصورة من (كتاب التيجان) إلى الهند لكي يطبع. والقارئ يعلم أن السفر المذكور هو لعبد الملك بن هشام صاحب السيرة النبوية رواه عن وهب بن منبه. وهو مجموع قصص مأثورة شاعت في صدر الإسلام ونقلها المفسرون عنهم إلى من يجيء بعدهم. والإنشاء متقن وممتع والظاهر أن الروايات الذكورة راجعة إلى الأمة العربية التي طوت بساط أيامها في جنوبي ديار العرب. والأشعار الواردة فيها هي من صنع أبناء المائة الثانية للهجرة.
وكنت قد عنيت بنسخ (جمهرة الأنساب) لابن الكليني الموجودة نسخة منه في دار تحف لندن؛ ألا أن المتشرف الإيطالي جورجيو ليفي دلا فيدا كتب ألي من رومة انه يعني بنشرة وهو في مجلدين. فوقفت عن الإمعان في العمل بعد أن نسخت منه بيدي 120 ورقة وأظن أن إبرازه موشى بحلة الطبع لا يتم في مدة قصيرة لان المطبعتين الإيطاليتين اللتين تتمكنان من إخراج الكتب مضبوطة بالشكل الكامل قد توقفتا عن العمل. ولعل هناك عقبات غير ما ذكرناها وهو أن الدوق الذي كان قد اخذ على نفسه نشر الكتاب المذكور سافر إلى ديار كنده في أميركة فلا يعلم بعد هذا كيف يحقق ما في النية من العزم.
بكنهام (انكلترة): ف. كرنكو
(نفطا)
وعوام الناس تتبع لفظ كراد فتقول: نفتا وهي قريبة من الفرات إلى الجهة الجنوبية من هيت. وفي جوارها مناضح نفط كثيرة غزيرة المادة. ونوع نفطها متوسط لكنها لا تماثل نفط الأصقاع التي هي من الدرجة الأولى فنفطها أذن دون ما في القيارة وطوز خرماتى.(5/540)
تصريف المضارع السالم
في لغة عوام العراق
يِضْرِبْ يِضْرَبِون تِضْرِبْ يِضِرْبَنْ تِضْرِبْ تِضِرْبُون تِضِرْبْين تِضِرْبَنْ اَضْرِبْ نِضْرِب.
تصريف المضاعف
يِمِدِ (بسكون الدال) يِمَّدْون نِمْد يِمَّدْن تِمْد تِمَّدوْن تِمِدّيْنُ تِمدَّنْ أَمِدْ نِمِدّ.
تصريف مهموز الفاء
قلنا فيما سبق انه ليس في كلام العامة من مهموز الفاء سوى ثلاثة أفعال وهي أخذ وأكل وأمر. فالهمزة في مضارع هذه الأفعال تقلب ألفا فيقال يأخذ ويأكل ويأمر وهذا القلب واجب عندهم إلا في مضارع (أمر) فانه جائز فيجوز أن يقال يأمر وان يقال يومر بضم حرف المضارعة لما ذكرنا من انهم يضمون حرف المضارعة من المضارع الذي عينه مضمومة فيكون تصريف مهموز الفاء هكذا:
يأخُذْ يأْخُذون تأخُذْ يأخْذَنْ تأُخْذ تأخْذُوْن تأخْذِيْنْ تأْخَذْن آخُذْ نأُخْذ.
تصريف مهموز العين
يِسْاْل يِسِأْلُون تسْأْل يِسْئَلْن تِسأْلْ تِسِأْلًون تِسِئْلِين تِسِئْلَنْ أسْأَلْ نِسْأَلْ.
تصريف مهموز اللام
قد ذكرنا في تصريف الماضي انه لا يوجد في كلام العامة من مهموز اللام سوى قرا وجاء وقلنا انهم يجعلون همزة قرا ألفا ويحذفون همزة جاء.
وأما مضارع هذين الفعلين فانهم يقولون في مضارع قِرَا يِقْرَا ويصرفون(5/541)
هذا الفعل تصريف المضارع الناقص المفتوح العين نحو يْرَضى أي انهم يسقطون الألف من اللفظ فقط في الفرد الغائب نحو يْقَرا والمفردة الغائبة نحو تْقَرا والمرد المخاطب نحو تقْرا والفرد المتكلم وجمع المتكلم نحو أقْرَا ونِقرْا ويحذفونها فيما عدا ذلك من الضمائر هكذا:
يِقْرَا يِقْرَوْن تِقْرَا يِقَرْنَ تِقْرَا تِقْرَون تِقْرَيْن تِقْرَنْ أَقْرا نِقْرَا.
وأما جا فانهم يجعلون الهمزة المحذوفة من أحره نسيا منسيا فيكون كأنه فعل ناقص مركب من حرفين ويصرفون مضارعة تصريف الناقص المكسور العين نحو يرمي فيقلبون آلفه ياء في المفرد الغائب نحو يجي والمفردة الغائبة نحو تجي والمفرد المخاطب نحو تجي والمفرد التكلم وجمع المتكلم نحو أجي ونجي ويحذفونها فيما عدا ذلك من الضمائر. هكذا:
يجي يِجَوْن تجي يِجَنْ تجي تِجُون تِجيْن تجَنْ اجي نِجي.
تصريف المثال
اقتضت قواعد العربية الفصحى حذف الواو في مضارع المثال الواوي فيقال في مضارع وعد يعد وفي مضارع وهب يهب أما العامة فلا يحذفون الواو بل يقولون في مضارع وعد يوعد وفي المضارع وهب يوهب فيثبتون الواو في تصريفه مع جميع الضمائر هكذا:
يَوعْد يُوْعَدن توعْد يْوْعَدْن تُوعدْ تَوْعُدون تُوعْدَيْن تْوَعْدن أَوعدْ نُوعَد.
تصريف الأجوف
المضارع الأجوف، سواء كان واويا أو يائيا لا يحذف منه شيء عند تصريفه بل يبقى على حاله فيصرف كالسالم مع جميع الضمائر هكذا:
يشوف يشوفون تشوف يشوفن تشوف تشوفون تشوفين تشوفن أشوف نشوف.(5/542)
وكذلك يقال في تصريف يبيع ويخاف ونحوهما.
تصريف الناقص
تقلب ألف الماضي ياء في المضارع سواء كان المضارع مكسور العين نحو يرمي أو مضموم العين نحو يغزى فان (يغزى) اصله يغزو أي هو واوي مضموم العين إلا أن العامة تعله مكسور العين فتقلب ألف ماضية ياء في مضارعه لما ذكرنا سابقا من انه ليس في كلامهم ناقص واوي.
والياء في المضارع الناقص تثبت في المفرد الغائب نحو يرمي والمفرد الغائبة نحو ترمي والمفرد المخاطب نحو ترمي والمفرد المتكلم وجمع المتكلم نحو ارمي ونرمي وتحذف فيما سوى ذلك. هكذا:
يِرْمِي يِرْمُوْن تِرْمِي يِرْمَنْ نْرِمِي تُرَموْن تِرْمِينْ تِرْمِنْ اَرْمي نِرْمي.
وأما المضارع المفتوح العين فان ألفه تثبت في الخط فقط فيما تثبت فيه الياء من مكسور العين وتحذف فيما سوى ذلك. هكذا:
يِرْضَى يرْضُوْن تِرْضَى يرْضَنْ تِرْضَى تِرْضُون تِرْضِين تِرْضِنْ أرْضَي نْرَضى.
تصريف اللفيف المفروق
أن اللفيف المفروق له حكم المثال من جهة فائه لكون فائه واوا فتثبت واوه في المضارع ولا تحذف فيقال في مضارع وفى يوفي. ومنه قول شاعرهم: (أهل ألوفا ما وفو، جيف النغل يوفي) وله حكم الناقص من جهة لامه لكون لامه ألفا فتقلب ياء في المضارع ويصرف كالمضارع الناقص هكذا:
يْوفي يْوفوُنْ تُوفي يْوَفنْ تْوفي تْوُفون تْوفين تْوفَن أوفي نْوفي.
(لغة العرب) الضمة المقلوبة الواردة في هذه المقالة تقابل الحركة المبهمة القصيرة هي التي بالفرنسية حرف الخالية من الحركة.
معروف الرصافي(5/543)
غادة بابل
5 - بعد انقضاء أيام العيد، غادر شمشو بابل في قافلة فيها رجال ونساء ومعهم أثقال وبضائع محملة على حمير وبغال وجمال. وبينها خيام تضرب وقت حط الرحال فيلجأ إليها المسافرون إذ لا منازل أو خانات مشيدة هناك. واخذ المسافرون معهم زادا وأدوات طبخ. وكان السفر مؤنسا مطربا لاعتدال الهواء وانتعاش الطبيعة بقدوم الربيع الزاهر ووشيه الأرض بحلل سندسية وأزهار ورياحين تعطر الفضاء بشذاها.
مرت القافلة بجنان نضرة كانت في ضواحي المدينة تتخللها فسحات لزراعة البقول. وكانت تسقى تلك الزروعات من ترعة تتشعب من الفرات، إلا أن الماء لا يبلغ إلى المرتفعات من أراضي تلك الجنات عفوا بل ترفعه آلة وهي سلة مخروطة الشكل تتخذ من خوص النخل وتطلى بالقار ومربوطة بحبل يتصل طرفاه بعتلة مرتكزة على قائمة منتصفة على ضفة الترعة فتهبط السلة في الماء ثم يرفعها الرجل الساقي ويفرغها بيده في ساقية تصرف الماء إلى المزارع.
سأل شمشو أحد فلاحي تلك الديار: لمن هذه الجنينة؟
فأجابه الفلاح: أن الأرض ملك نبو صر ابني وقد أخذها منه بالمغارسة (نبوبل شماة) لمدة أربع سنوات وفي السنة الخامسة تقسم مناصفة بين الملاك والمغارس وهذه هي السنة الأخيرة من ذلك العقد.
شمشو - ولماذا ترك قسم مهم منها بورا ألا يعلم نبو بل شماة أن القسم البور يقع في حصته عند القسمة.(5/544)
الفلاح - يعلم ذاك (نبوبل شماة) كل العلم ولكنه ماذا يعمل فان الفلاح الذي كان عنده قبل سنتين، فتح في إبان الفيض سدة الري فغرق بإهماله هذا مزارع الجيران فاضطر إلى أن يدفع إليهم قمحا بمقدار يناسب غلات الزارع في هذه المنطقة فكلفه ذلك ما لا مما أعلقه عن القيام بغرس هذه الأرض.
بلغت القافلة عند الهاجرة محلا وارف الظل، فاقترح شمشو على المكام (رئيس القافلة) أن يوقفها هناك هنيهة للآكل والاستراحة، فخلدوا إلى ظل شجر توت كان يغطى آلة سقي
تختلف عن تلك التي شاهدوها في الجنان القريبة.
تقوم تلك الآلة على مرتفع من الأرض لا يبلغه الماء حتى في أبان الفيضان وقد حفرة هناك بئر أو حفرة يدخلها الماء من النهر أو ينبع فيها نبعا وعلى حافة هذه البئر زرانيق أو إسناد من جذوع النخل بعدد البكرات التي تتخذ للسقي وتجمع هذه الزرانيق من أعلاها بنعامات وهي عوارض من الجذوع أيضاً تشد بحبال من ألياف النخل. وبين زرنوق وزرنوق تركب محالة أي بكرة على قبين وألقب الثقب يجري فيه المحور ويعبر على كل بكرة حبل يشد طرفه بالعرقوتين (وهما خشبتان تعرضان على الدلو كالصليب) وتتخذ الدلو من جلد مدبوغ والطرف الأخر من الرشاء يشد بثور أو ببرذون ويربط مؤخر الدلو - وهو ضيق كفوهة القربة - بسير ويمر هذا السير على نحو مغزل أو قل بكرة مرتفعة بضعة سنتيمترات عن الأرض. وينتهي إلى الثور فيرتبط به ويختلف عدد الثيران أو البراذين بعدد البكرات والدلاء. ولكل حيوان من هذه الحيوانات فلاح يداريه فينزل الفلاح مع الحيوان في حفرة منحدرة من الأرض حيال البئر فإذا بلغ منتهاها يفرغ الماء الذي في الدلو في حوض ويتسرب من هناك إلى المزارع. ثم يصعد الرجل بالحيوان إلى راس تلك الحفرة فينحدر آنئذ الدلو في البئر وتمتلئ ماء وهكذا دواليك.(5/545)
وبعد أن اغتسلوا مما لحقهم من غبار الطريق وأكلوا هنيئا وشربوا مريئا استأنفوا السير فلاقوا في طريقهم قطعنا من الغنم والمعزى والبقر تسرح في المروج والحقول وشاهدوا مساكن الرعاة وهي خيام من شعر المعزى فكانوا يضربونها حيث يستريحون لانتجاع المراعي ويطوونها ويحملونها حين الظعن. ورأوا مساكن الفلاحين وهي من مدر. فنزل القفل على مقربة من تلك الجماعة وهي الرحلة الأولى من السفر.
وكان الرعاة يراقبون عن كثب قطعانهم ويزمرون لها.
كانت عيشة تلك الجماعة البدوية من الفلاحين والرعاة مشهدا من مشاهد الحياة الطبيعية الساذجة التي يصبو إليها سكان المدن من حين لأخر. فافتتن بها شمشو وتذكر أيام كانت أراضيه عامرة فشرع يجول في الحي ليسري عنه ما ألم به من الذكرى الموجعة وما اوجع ذكرى أيام الرخاء في الضيق!
فكان يلهي نفسه تارة بمشهد الحلابين والحلابات الذين يحلبون البقر والغنم وهم جاثمون
وراء تلك الحيوانات على الطريقة المألوفة عندهم يومئذ وطورا يقف عند الفلاحين الذين يخبزون أقراص الحنطة والشعير والذرة في تنور ويعدون طعام المساء في قدر كبيرة.
وبينما هو يجول قامت مشاجرة بين راع من الرعاة واحد الزراع لان الراعي ادخل قطيعه في المزرعة فاتلف شيئا غير يسير من القمح. فتسابا وتشاتما وتلا كما وتدخل في الأمر أصحاب المتخاصمين فكان فريق ينتصر لصاحبه وكادت فجوة الشر تتسع أولم يتوسط في إطفاء نار الفتنة بعض العقلاء والطاعنين في السن واتفقوا على أن يعقدوا لجنة تحكيم يرأسها شمشو الذي كان معروفا عندهم.
فاجتمعت تلك اللجنة حالا وحكم شمشو بان يعطي الراعي للزارع عشرين (جوار) من القمح لكل (جان) من الأرض ترعى غنمه فيها.
لها تلو
يوسف غنيمة(5/546)
فوائد لغوية
حوائج جمع حاجة
قال الحريري في درة الغواص: ويقولون في جمع حاجة حوائج فيوهمون فيه كما وهو بعض المحدثين في قوله:
إذا ما دخلت الدار يوما ورفعت ... ستورك لي فانظر بما أنا خارج
فسيان بيت العنكبوت وجوسق ... رفيع إذا لم تقض فيه الحوائج اهـ
وقال أبن الجوزي في تقويم السان: حاجات وحاج جمع حاجة وحوائج غلطاه.
أقول: أن حاجة تجمع على حوائج ولكن على غير قياس. قال الجوهري
في الصباح: الحاجة معروفة والجمع حاج وحاجات وحوج وحوائج على غير قياس كأنهم جمعوا حائجة وكان الأصمعي ينكره ويقول هو مولد وإنما أنكره لخروجه عن القياس وإلا فهو كثير في الكلام العرب وينشد:
نهار المرء امثل حين يقضي ... حوائجه من الليل الطويل. اه
وورد ذلك على لسان أئمة آل البيت عليهم السلام كما في الأحاديث المأثورة عنهم. منها: في حديث الأمام جعفر الصادق (ع): ثم أيت قبر النبي بعد ما تفرغ من حوائجك (رواه الكلينى في كتاب الكافي. وفي حديث الأمام جعفر الصادق أيضا: يقول الله تعالى أما يعلم عبدي أني أنا الله الذي أقضي الحوائج (رواه في الكافي أيضا). وفي الزيارة المعروفة بالجامعة المروية عن الأمام علي الهادي عليه السلام: ومقدمكم أمام طلبتي وحوائجي (رواها في من لا يحضره الفقية))
وغير ذلك من الأحاديث التي لا تعد ولا تحصى.
محمد مهدي العلوي(5/547)
(لغة العرب) قال النحاة: جمعت حاجة على حوائج على غير قياس وعندنا انهم لم يستقروا جميع الألفاظ الواردة بصيغة فعلة مجموعة على فغائل، فإن ما جاء من هذا القبيل كثير. راجع ما كتبناه في هذه المجلة (4: 170 إلى 171).
تشرب من. . . وريا
قال أحد العلماء العلام المعاصرين في أحد مؤلفاته المطبوعة حديثا:
وكانت أنفسهم الشريفة متشربة من كأس التضحية وريانة من معين التفادي.
ولا يخفى أن المؤنث من ريان ريا (لا ريانة).
قال الجوهري في الصحاح: الريان ضد العطشان والمرأة ريا. ولم تبدل من الياء واو لأنها صفة وإنما يبدلون الياء في فعلى إذا كانت اسما والياء موضع اللام كقولك شروى هذا الثوب وإنما هي من شريت وتقوى وإنما هي من التقية وان كانت صفة تركوها على اصلها اهـ.
ثم ما معنى قوله: متشربة من كأس التضحية حينما يقابلها بقوله وريانة من معين التفادي. فلا جرم انه كان يريد أن يقول ومتشبعة من التضحية وريا من معين التفادي، ليكون التقابل معقولا.
محمد مهدي العلوي
تابعت أو بايعت
ورد في زيارة عاشوراء المروية عن الإمام محمد الباقر عليه السلام: اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين عليه السلام وشايعت وبايعت وتابعت على قتله.
وكلمة تابعت سمعناها من المشايخ والأساتذة بالباء الموحدة. غير أنني أظن أن هذه الكلمة مصحفة والأصل: تابعت بالياء المثناة؛ لأن التتابع: التهافت في الشر والتتابع: التهافت في الخير. ونقل ذلك عن جماعة من كبار اللغويين وقال أبو عبيدة (كما نقل عنه): لم نسمع التتابع في الشر وإنما سمعناه في الخير، وقال الحريري في درة الغواص: التتابع يكون في الصلاح والتتابع يختص بالمنكر(5/548)
والشر كما جاء في الخبر: ما يحملكم على أن تتابعوا في الكذب كما تتابع الفراش في النار وكما روي انه لما شرب الخمر على عهد عمر جمع الصحابة وقال إني أرى الناس قد تتابعوا في شرب الخمر واستهانوا بحدها الخ. وفي الدعاء: (نعوذ بك أن تتابع بنا أهواؤنا دون الهدى الذي جاء من عندك).
وأول من نبه إلى تخطئة القراءة بالبا هو السيد الجليل والحبر النبيل السيد محمد باقر
الداماد فأنه قال في مبحث من المصحف من كتابه الرواشح السماوية بعد كلام له في هذا الشأن: وجماهير القاصرين من أصحاب العصر يصحفونها ويقولون: تابعت (بالتاء المثناة من فوق والباء الموحدة). لكن العلامة الحاج الميرزا أبا الفضل الطهراني خالف السيد الداماد وقال في ختام كلامه في هذا الباب ما تعربيه: نعم لو احتاط الإنسان وجمع بينهما على احتمال أن لفظ الرواية بالياء وعلى الأقل للخروج من خلاف هذا المحقق الذي يدعوه جماعة بأستاذ البشر وطائفة بالمعلم الثالث كان الأقرب للصواب والأوفق لطلب الثواب والله اعلم.
هذا وقد أحببت أن افهم رأيكم في هذه الكلمة.
محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) أن كلام اللغويين صريح التتابع (بالمثناة التحتية) في الشر والتتابع (بالموحدة التحتية) في الخير. وهو عندنا مأخوذ من التيع وهو القيء وهو لا يمون ألا عن داء أو فساد في المعدة، فيكون التنايع التهافت في الشر واللجاج من باب المجاز وه ظاهر الصحة والاستعمال.
معنى تبرز
جاء في محيط المحيط: تبزر: تنسب إلى الابزاريين وهم جماعة من المحدثين. اهـ. قلنا: وهذا غير معروف. والمشهور على ما أورده الأزهري أن: (البزرى) (بالتحريك) لقلب لبني بكر بن كلاب. وتبزر الرجل: إذا انتمى إليهم. وقال القتال الكلابي:
إذا ما تجعفرتم علينا فأننا بنو البزري من عزة نتبزر اهـ نقلا عن اللسان: وفيه دليل على أننا نستطيع أن نشتق من الأعلام أفعالا مثلا تبلشف إلى غيرها.(5/549)
باب المكاتبة والمذاكرة
استدراك في المؤلفات التي وضعت في الضاد والظاء
ذكر الأستاذ محمد مهدي العلوي في مجلتكم (5: 421) أسماء بعض الكتب والرسائل المؤلفة في الضاد والظاء مما تفيد معرفته ولعل اكثر هذه الكتب قد أتت عليه صروف الحدثان.
وقد كنت نشرت أرجوزة في الضاد والظاء عن الأصل المخطوط المحفوظ في خزانة الكتب الخالدية في بيت المقدس في مجلة المجمع العلمي العربي (4: 161) دون أن اعرف اسم ناظمها الذي هداني إليه صديقي العلامة الجليل الأستاذ احمد تيمور باشا وقال عنه انه الشيخ محمد الخزرجي بالاستناد إلى نسخ خطية ثلاث في خزانة كتبه العامرة التي قل ما يماثلها في خزائن الكتب الخاصة بفضل ما ينفقه عليها من المال وما يصرفه في سبيلها من العناية ويستنسخه لها من خزائن الشرق والغرب من نوادر ونفائس الآثار: فأشرت إلى ذلك في مجلة المجمع المذكورة (4: 416).
وعرضت عند نشر الأرجوزة بمنظومة الحريري التي أوردها بمقامته السادسة والأربعين الحلبية التي يقول عنها الأستاذ العلوي الحمصية وقد يكون على حق فيما يقول لان الحريري افتتحها بنزوع الشوق إلى حلب ثم انتقل إلى حمص للاصطياف ببقعتها ولكن نسختي المطبوعة على الحجر تقول (الحلبية)
وكان الأستاذ الكبير تيمور باشا بعث ألي بقائمة في أسماء الكتب والرسائل التي في خزانته من هذا النوع فأحببت أن أضيفها إلى ما ذكره الأستاذ العلوي وان جاء بينها البعض مما ذكره فان الفائدة من ذلك هو معرفة أماكن وجود تلك الرسائل اللغوية واليك القائمة التيمورية كما كتبها صاحبها الكريم اعز الله(5/550)
به دولة الأدب:
المخطوط
1 - (كتاب ما يقرأ بالضاد) ليحيى بن سلامة الحصكفي المتوفى سنة 553هـ (1158م) وهو شرح له على منظومته التي أولها:
خد من الضاد ما تداوله النا ... س وما لا يكون عنه اعتياض
2 - (كتاب ما يكتب بالضاد والظاء) لأبي القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني.
3 - (أرجوزة في الضاد والظاء) منسوبة للأمام ابن مالك النحوي المتوفى سنة 672هـ (1273م) أولها: أقول حامدا إلها حمدا.
4 - (كتاب الفرق بين الضاد والظاء) ليحيى بن عمر بن محمد بن فهد الهاشمي المكي (نسختان).
5 - (أرجوزة في الفرق بين الضاد والظاء) لأبي نصر محمد بن احمد بن الحسين الفروخي الكاتب أولها: أفضل ما فاه به اللسان (ثلاث نسخ).
6 - (الاعتضاد فيما يقال بالظاء والضاد) منظومة ظائية للأمام ابن مالك النحوي المتقدم ذكره أولها:
بسبق شين أو الجيم استنابه ظا ... أو كاف أو لام كالمظ متملظا
مع شرح عليها للناظم (نسختان إحداهما بها خروم)
7 - (الارتضاء في الفرق بين الضاد والظاء) للأمام أثير الدين أبي حيان النحوي المتوفى سنة 745هـ (1344م) لخصه من الاعتضاد المتقدم ذكره لابن مالك.
المطبوع
1 - (فصل القضاء في الفرق بين الضاد والظاء) للسيد احمد عزت مميز قلم التحريات بولاية بغداد رتب ألفاظه العربية على حروف المعجم ثم ذكر معها ما يقابلها في التركية والفارسية طبع في بغداد سنة 1328هـ (1910م).
2 - (نبذة فيما يكتب بالظاء) أوردها القلقشندي المتوفى 821هـ (1418م) في صبح الأعشى في صناعة الانشا (ج3 ص 223 - 226).
3 - (قصيدة ظائية أي فيما يكتب بالظاء) في ص 130 من معالم الكتابة(5/551)
ومغانم الإصابة لعبد الرحيم بن علي بن شيث القرشي المطبوع في بيروت سنة 1331هـ (1913م) وهي عينية من نظم المؤلف أولها:
آيا طالب الظاءات مستشفيا بها ... وقعت على الشا في فخذها تبرعا
انتهت القائمة التيمورية القيمة. وقد ذكر المرحوم جرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة
العربية أن في مكتبة باريس الأهلية نسخة من قصيدة نحوية للتفريق بين الضاد والظاء في اللفظ لابن جابر الأندلسي الهواري المتوفي سنة 780 هـ (1378) إلا أنني لما بعثت أسال السيد بلوشي مدير القسم الشرقي في المكتبة الذكورة عن هذه القصيدة أجابني بقوله:
إن القصيدة النحوية في الكتبة لمحمد بن علي جابر الهواري هي في التفريق بين القصور والممدود ورقمها 4452 وعدد صفحاتها 135 وتبتدئ بهذا البيت:
حمد الإله اجل ما يتكلم ... بدأ به فله الثناء الأدوم
وتنتهي بهذا البيت:
هذي ضوابط أن تقل فإنها ... كثرت فوائدها لمن يتفهم
ولم تذكر في فهرست مخطوطاتنا العربية القصيدة التي تبحث في التفريق بين الضاد والظاء إلا أنني اذكر عثوري مرة على قصيدة من هذا النوع في بعض كتبنا فلم آبه لها ولم يعلق في ذهني رقم الكتاب الذي يحتوي عليها.)
وقد افرد الأمام جلال الدين السيوطي المتوفي سنة 911هـ (1505 م) في كتابه المزهر فصلا في الفرق بين الضاد والظاء نقل إليه أقواله ابن مالك في كتابه الاعتضاد في الفرق بين الظاء والضاد.
وللشيخ نصيف اليازجي التوفي سنة 1288 هـ (1871 م في كتابه مجمع البحرين قصيدة من هذا النوع أولها:
يدعى نقيض البطن باسم الظهر ... وصخرة في جبل بالضهر
وقد نقلها صديقنا الأستاذ الشيخ سعيد الكرمي إلى مقالته اللغة والدخيل(5/552)
فيها التي نشرها في مجلة المجمع العلمي العربي عندما كان نائب رئيسه في دمشق دون أن يشير إلى إنها لليازجي ولكنه انقص منها بعض أبيات وزاد عليها أخرى (1: 130).
هذا ما أردنا إيراده وتعلقيه على مقال الأستاذ العلوي ولعل فيما أوردناه بلغة لمن يعنون بأمر هذه اللغة الشريفة.
. . . أما بحث الهذباني فقد طالعته في العدد السابع الذي وصلني حديثا وراجعت المظان التي ذكرتموها فوجدت فيها بعض التباس فقد قلتم (الجزء الثاني من كتاب الأمم الذي عني بنشرة الأستاذ مرغليوث سنة 1925) والمذكور على عنوان الكتاب الجزء السادس وناشره
هـ. ف. آمدروز سنة 1915. وراجعت اصل الكتاب الذي جاءني من لندن مطبوعا نقلا عن المخطوط ومصورا بالزنكغراف فإذا هو أيضاً الجزء السادس وهو يؤيد ما ذكرتموه. ويقول عن الأكراد (الهدابانية) ص 237.
والاختلاف في رواية الهذبانيين كثير فأنا نجد طاش كبري زاده في مفتاح السعادة ومصباح السيادة ج 1ص 164 يذكر يعقوب الهذباني وابن تغري بردي في كتابه (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة) ج 6ص 117 يقول (الهيدباني) عند ذكره الأمير شرف الدين موسى الهيدباني في حوادث سنة 807هـ 1404م وفي ص8 الأمير جمال الدين يوسف الهيدباني في حوادث سنة 801هـ 1398م وفي ص90 الأمير عمر بن الهيدباني في سنة 803هـ 1400م وفي ص161 الأمير سيف الدين آقبغا الجمالي الظاهري المعروف بالاطروش والهيدباني في سنة 806هـ 1403م في حين أن هذه النسبة جاءت في رقيم ملصق بحائط الرواق الغربي من أروقة المسجد الأقصى (الهذباني) وذكر فيها اسم الأمير شرف الدين موسى وتاريخ هذا الرقيم سنة 713هـ 1313م وأنا استبعد أن يكون الأمير شرف الدين موسى المذكور في حوادث سنة 807هـ 1404م هو هذا الأمير المذكور في الرقيم المؤرخ في سنة 713هـ 1313م.
يتضح مما تقدم انه لا خلاف في اسم القبيلة الكردية الهذبانية ولكن الخلاف في أن تكون بفتح الذال أو بإسكانها كما شكلها القطب الشيرازي المتوفى(5/553)
سنة 710هـ 1310م وهو من خيرة العلماء الذين يصح التعويل على أقوالهم وآرائهم كما لا يخفى على سدي الأستاذ.
اذكر أن اكثر أسماء القبائل ساكنة الحرف الثاني مثل همدان، ونبهان، وسمعان وغيرها أفلا يجوز أن تكون هذبان من هذا النوع؟ أو يعذر القطب الشيرازي إذا شكلها على هذا الوجه؟ هذا ما احب أن اعرفه وأرجو أن يهتم بمعرفته! وهل هذا القبيل انقرض اليوم ولم يبقى أثره في جهات الموصل؟.
حيفا: عبد الله مخلص
(لغة العرب) - قلنا: وقد جاء في كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان (2: 382 من نسخة المطبعة الميمنية سنة 1310): (قطب الدين خسرو ابن بليل وهو ابن أخي الهيجاء الهذباني الذي كان صاحب أربل) ولا جرم أن الخطأ واضح والصواب الهذباني بباء موحدة
الألف لا بالمثناة التحتية.
فيؤخذ من معارضة هذه النسخ وهذه الروايات المختلفة أن الرواية القديمة هي الهداباني (بدال مهملة وألف بعد الدال) ولما كان بعض الفضلاء الأقدمين يختلفون في رسم تلك الإمالة إذ بينهم من يخطها بالياء كما قالوا (شيث) وهي في الحقيقة (شاث) (بإمالة الألف)، ومنهم من يرسمها بالألف ويميل بها في اللفظ إلى لياء كما قالوا سام ويلفظونها بالامالة، اخذ البعض يكتب تارة تلك الإمالة بألف وطورا بالياء. ومنهم من جمع بين الرسمين مثل (افرام)، فيكتبونها (افريم) أيضاً.
ومثل هذا للأمر في (الهدابان) فكتبها جماعة (الهيدبان وطائفة (الهدابان). أما حذف الياء فنشا من تخفيفها. فقد كانوا يلفظونها أولا بإسكان الياء والدال ثم استثقلوا مجاورة الساكنين فحذفوا العليل منها. فقالوا (الهدبان) بإسكان الدال. والذين يحركون دالها يشيرون بها إلى الألف المحذوفة لا غير.
أذن يجوز في الكلمة المذكورة إسكان الدال وهي الرواية الفضلى ويجوز تحريكها. وهي دونها فصاحة.
وإعجام الدال وإهمالها ناشئ من أن اللفظة دخيلة في العربية إذ هي من اصل كردي أو فارسي وما كان من هذا الأصل تكتب داله بالوجهين المذكورين(5/554)
إذا عقبها حرف عليل ظاهر أو محذوف.
وقبيلة هذبان ليست معروفة اليوم في ديار الكرد على ما سمعناه من أحد الإثبات. وان كانت توجد فإنها لا تعرف بهذا الاسم.
ونسخة الكتاب (أي كتاب مسكويه التي اعتمدنا عليها) هي غير النسختين اللتين أشار أليهما الصديق وهما عندنا أيضاً، بل هي النسخة التي نشرت في مصر القاهرة. في مطبعة شركة التمدن الصناعية بمصر في سني 1914 و 1915 و 1916.
ملاحظات
جاء في لغة العرب 5: 426س 9 رسالة المواد والصواب المراد.
وفي ص 456س 11 وهو يحاد من جهة الجنوب خان الاورتمة. قلت: والمعروف: (من جهة الشمال).
وورد في حاشية ص 458 عن خان بكار (قلت والمشهور خان بكر) ما معناه انه كان للحاج عبد الرزاق الخضيري والمشهور انه نصفه الواحد للخضيري ونصفه الأخر وقف لبيت دانيل.
وجاء فيها أيضاً أن أهل بيت البرزلي يكتبون اسمهم (برزة لي) والذي شاهدته إلى الآن انهم يكتبون البرزلي بلا هاء (أي بفتح الباء والراء والزاي وتشديد اللام المكسورة وفي الأخر ياء مشددة). ولآل البرزلي خانان؛ صغير وكبير. فالصغير من بناء عبد اللطيف البرزلي والكبير من بناء ابنه محمد صالح. فاشترى الصغير شاول معلم حسقيل قبل نحو عشرين سنة، واشترى الكبير المصرف للإيراني على ما ذكر في لغة العرب.
ووقع غلط في ص 459س 18 بطلب والصواب نطلب وفي ص 468س 4 ولا تعمقددت والصواب ولا تعمقعددت. وفيها س 17 لابد من يطلقها والصواب لابد من أن يطلقها. وفي ص 469س 11 ومن واظب على أكله أربعين مرة. في كل يوم أربعاء. والصواب على أكله أربعين أربعاء وفي كل أربعاء مرة. ويظهر من وصف ياقوت للأبله ص 477 إنها هي المسماة اليوم بالعشار (وزان شداد).
بغداد 19ك1:
عبد اللطيف ثنيان(5/555)
أسئلة وأجوبة
ألفاظ طبية
س - دمشق م. ح - ما هي الألفاظ العربية القابلة للكلم الفرنسية الطبية الآتية هي:
1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 -
17 - وكيف يجمع نحو خناق وزكام ورعاف وفيء؟
18 - هل تستصوبون تعريب دفتيريا أم تجدون كلمة أخرى مناسبة للدلالة عليها، وان كنتم تحبذون تعريبها أتقولون في النسبة إليها دفتيري أم دفتيريائي وأيهما الأفضل؟
ج - 1 - هي عندنا (الخذل) فقد ورد في التاج: رجل خذول الرجل، تخذله رجله من ضعف أو (عاهة) أو سكر. قلنا: ولا يمكنهم أن يعبروا عن هذه العاهة احسن من هذا التعبير ليدلوا به على المطلوب. ووزن فعل المحرك يدل على العلة والعاهة والمرض كالشلل والعمى والعرج.
2 - كان الدكتور صروف يستعمل دائما كلمة (كساح) للفظ (راشيتسم) فجرى بيني وبينه جدال وأنا اقبح له سوء استعمال (الكساح) للراشيتسم. وفي الأخر قنع برأيي وهو أن يقال (الخلرع) (كسبب) على انه صرح بأنه لا يبدل الكلمة التي ألفها منذ حداثته وسمعها من أساتذته بكلمة لم تشع وان كانت صحيحة وتؤدي المعنى المطلوب. - قلنا: أفهذا دليل أو برهان مقبول؟
3 - (الارجاج) من أرجت الفرس فهي: إذا أقربت (قرب ولادها) وارتج صلاها. فهي تصلح للمرأة من جهة مطابقة لفظة السلف وتصلح لغير(5/556)
المرأة أو الأنثى من الحيوان من باب التوسع ولأن في مادة رج ج معنى يوافق غير الإناث.
4 - هو (التقفع) وعوام بغداد يقولون بهذا المعنى التقرفع. وابن المقفع أشهر من أن يذكر.
5 - يوافقه (التكزز) لان الكزاز معروف وإذا اشتققنا منه فعلا وزان تفعل على التقطع والتجزؤ ومنه التمزع والتمزق والتوزع والتقسم إلى مئات نظيرها. وصيغة التفعل تدل على المعنى المطلوب وان لم يشرحه أحد للقارئ أو للسامع.
6 - هي (العرة) (وزان بقة) وهي مذكورة في جميع كتب اللغة.
7 - (حكاية الصوت) وقد شهرها وعمم استعمالها اللغويون والنحاة والصرفيون.
8 - (الاستحرار) وهي مصدر استحر القتل إذا اشتد، كأنهم يعبرون عن انتقال الحرارة من الجيش الواحد إلى الجيش الآخر وهو تعبير عجيب لتأدية معنى الإفرنجية. والصفة من الاستحرار. المستحر.
9 - (الهرع) فانهم عرفوا المهروع (الهستيريك) احسن تعريف قالوا هو المصروع من الجهد.
10 - (الخور) (بفتح الواو) وما أحسنها وأقومها لتصوير معنى الإفرنجية في فكر السامع، من غير أن تشرح له. وهي شائعة بهذا المعنى بين الناس كلهم.
11 - (الحوجلة) عرفها كيمويو العرب وهي وعاء من زجاج طويل العنق واسع البطن.
12 - (الخناق) (كغراب).
13 - (الذبحة) (كغرفة وعنبة وهمزة وكسرة).
14 - (الذباح) (كغراب وكتاب) أن السلف لم يبين بين الذبحة والذباح إلا أن صيغ الوزنين تكشف لنا سر المعنى فالذي قرره علماء لغتنا أن معنى الفعلة دون معنى الفعال. فالكسار مثلا ما تكسر من الشيء أما الكسرة فهي:(5/557)
القطعة من الشيء المكسور. وعليه يكون مرض الذباح اشد وطأة على صاحبه من وطأة الذبحة على المصاب بها.
وهذا ما أتثبته العلم في الأزمان الأخيرة أما في سابق العهد فلم يميز بينهما أطباء الشرق والغرب. وهذا التمييز بين لفظ ولفظ بالنظر إلى دقق سر اللفظيين من أبدع الأمور للوقوف على حقائق الأمراض حتى لا يتطرق إليك الوهم بأي صورة كان.
ولا مانع من متابعة بعض المتهوسين للغات الإفرنج في تعريب اللفظة؛ لكن لتعريب بصورة (دفترية) لان الكلمة اليونانية تدل على لفظتنا المستعملة في لغتنا وهي (دفتر) أي مجموع أو أوراق ثم زيدت على آخره أداة النسب والتأنيث عندهم. وعندنا يجوز التشديد على النسب والتخفيف متابعة للأصل الذي ننقل عنه وطلبا للخفة. ولا تقولن (دفتيريا) بزيادة ياء بين التاء والراء لان الحرف اليوناني الموجود في اللفظة هو حرف مقصور لا ممدود (أي انه حركة لا حرف علة. ويقابله عندنا الفتح أو الكسر).
والأقدمون منا قالوا بطرس وبولس وقيصر والكسندر ولم يقولوا باتروس وباولوس وكيسار واليكساندرا لما في هذه الحروف من الطول والعرض. من الارتفاع والامتداد. من الغرابة والشناعة من التسفل والتعلي.
أما أخر (دفترية) فنخير أن يكتب بالهاء لا بالألف، لأسباب: منها أن اللغويين أجازوا كتابة ما ينتهي بالألف بالهاء ولم يجيزوا العكس. - ثانيا كتابتها بالهاء تسهل علينا تثنيتها وجمعها والنسبة إليها فنقول دفتريتان ودفتريات ودفتري، أما إذا كتبتها بألف في الأخر فتقول: دفتيرياوان ودفتيرياوات ودفتيريائي أو دفتيياوي أو غير ذلك وهذا ثقيل وقبيح.
15 - (العاذور) أو العذرة.
16 - (اكناف).
17 - الخناق والزكام والرعاف وما شابهها مصادر ومنها ما هي أشباه مصادر. وما كانت كذلك لا تجمع لان المصدر يدل على المفرد والجمع معا. على أن بعضهم أجازوا جمع المصدر إذا نقل إلى الاسمية فقد جمعوا جواباً وسؤالا(5/558)
وفكرا وعلما فقالوا: أجوبة وأسئلة وأفكار وعلوم. وقد سمع عنهم انهم جمعوا مخاطا على امخطة ولم يسمع عنهم غير هذا التكسير (التاج في المستدرك) وقالوا في جمع فواق افوقة وافقة وافيقة وافواقات، إذ يكثر في جمع فعال افعله.
وقال الزبيدي في تاجه في مادة ح ل ل. . . . وهناك طائفة (من النحاة) يجوزون القياس (مطلقا) وان سمع غيره. اهـ. قلنا: وهذا رأي جميع الكوفيين على اختلاف طبقاتهم، كما ذكره صاحب التاج نفسه في مادة أذى وكما ذكره السيوطي في الاقتراح. - وعليه يجوز لنا أن نقول الاخنقة والازكمة والارعفة إلى غيرها جمعا لخناق وزكام ورعاف جريا على القاعدة ولو لم يسمع بجموعها.
ونزيد هنا ما جاء في الصحاح في مادة ب ر ر: والبر (بالضم) جمع برة من القمح. ومنع سيبويه أن يجمع على إبرار، وجوزة المبرد قياسا. اهـ. قلنا: وتبع الجوهري في جمعة واتخاذ القياس جميع اللغوي وفي مقدمتهم صاحب القاموس. فليحفظ للرد على من ينكر اتخاذ القياس إذا كان هناك حاجة إليه.
18 - قد اجبنا عن هذا السؤال في كلامنا عن الذباح.
النواغض
س - بغداد - م. م - ما هي الكلمة التي وضعتموها للإفرنجية
ج - هي التواغض (وهنا نتهجاها لمن في عينيه عمى، وفي أذنيه وقر وفي لسانه عقدة وعجمة ولكنه تدفعه إلى لفظ الذال زايا، والظاء زايا مفخمة. والغين المعجمة عينا مهملة، والضاد الحرف الخاص بنا ظاء معجمة كما نتهجاها أيضاً لمن في عقله جمود وتحجر) فنقول:
النواغض (بنون وواو مفتوحتين وبعد الواو ألف ثم غين معجمة وفي الأخر ضاد معجمة) كلمة مجموعة مشتقة من نغض. قال في اللسان: نغض الشيء. . . تحرك واضطرب. . . ونغض السحاب: إذا كشف ثم مخض تراه يتحرك بعض في(5/559)
بعض ولا يسير. اهـ. قلنا: وهذا وصف حركة ما يسميها الإفرنج بالأميب وليس في مداول لفظ الأغراب ما في لفظ الأعراب من المعنى الدقيق لان كلمتهم مشتقة من اسم يوناني هو ومعناه التغير فأين هذا من معنى العربية التي تصف حركة (النواغض) وصفا يغنيك عن كل شرح؟
ازندا (؟)
س - القدس. ر. ي - أتعرفون أسقفية باسم ايزندا كانت في بلاد العجم في سابق الزمن أسقفية للارثودكس وينسب إليها في هذا العهد السيد شبتال أحد مطارنة فرنسية؟
2 - أو ترون إنها زندانة العجمية التي تكرر ذكرها في الكتب الفارسية وصحفت كما ذكرناه؟ ج - كنا قد نبهنا أن من يسمي بلاد إيران أو فارس ببلاد العجم يخطئ إذ ذلك من الأقوال الفاسدة، فلا يحسن بكم أن تستعملوه في ما تكتبون أو تنطقون به.
2 - قولكم (زندانة) من المدن التي تكرر ذكرها في الكتب الفارسية هو قول لا سند له، إذ ليس في إيران أو فارس مدينة باسم زندانة بل زنجان ولم نجد كتابا فارسيا ذكر زندانة. فمن قال لكم ذلك؟ وكيف تخدعون بكل ما ينقل لكم؟
3 - الأسقفية التي تشيرون إليها هي يزد عند الإيرانيين. وكان يسميها النصارى (يزدين) والارميون (يزدينا) ومنها الإفرنجية لا أو أو وكانت أسقفية للنساطرة فقد جاء في (تقويم الكنيسة الكلدانية النسطورية) الذي وقف على طبعة وعلق حواشيه الخوري بطرس
عزيز نائب بطريك الكلدان في حلب) وطبع في (بيروت في المطبعة الكاثوليكية للأباء اليسوعيين سنة 1909) في ص 21 ما هذا نصه: (ثم مدينة يزدين كان يوجد فيها أسقف واحد اسمه مار يوسف. جنسه من اصبهان وكان تحت يده قسوس وشمامسة قد الكفاية. وكان لها ثلاث كنائس. وعدد المؤمنين ثلاثة آلاف ومائتا، وهم نساطرة) اهـ.(5/560)
س - اجميازين (الروسية) ث. و. ر - قرأت في الجزء 7 ص 445 من هذه السنة من مجلتكم هذه الكلمات:
في غرة تشرين الثاني في مكان (في أول ت 2) لان غرة لا تستعمل إلا للأشهر القمرية. - وقلتم: وكان عددهم 94 عضوا ولعلكم تريدون أن تقولوا: وكان عددهم 94 بحذف عضوا. لان ليس في لغة من اللغات عدد يسمى 94 عضوا. - وهناك هذا الغلط وهو (متولي أعمال المعتمد السامي) في مكان وكيل المعتمد السامي. - وفيها: (وكبار دواوين الحكومة) لان الدواوين لم تحضر مجلس النواب يوم افتتاحه بل ظلت في أماكنها - وذكر تم: دخل جلالة الملك علي رافد مليك العراق والصواب نائب جلالة ملك العراف. - وهناك هذه العبارة: بعد السلام قرأ خطاب العرش والصواب تليت خطبة العرش. - وقلتم تعديل الاتفاقيات والصواب الايفاقات. - وفيها: فانتخبوا لهم زعيما رئيسهم السابق والصواب رئيسا وهو رئيسهم السابق. - وقلتم: (الدورة الأخيرة) وهنا ناقضتم نفسكم بنفسكم إذ إنكم خطأتم استعمال (الدورة) بدلا من (الاجتماع) والظاهر أن أحدهم نبهكم على خطاكم فأصلحتموه هذه المرة. - وكثيراً ما تستعملون: الإدارة الملوكية والصواب الملكية لان قد أصدرها ملك واحد وليس في العراق اكثر من ملك واحد. - فما جوابكم؟
ج - قلنا: أسئلتكم تشبه الأسئلة التي وردتنا من نخشيوان. وما كنا نود أن نجيب عليها لبرودتها من جهة وقلة اطلاعكم على ما في مؤلفات السلف من جهة أخرى. وعلى كل حال نجيب هذه المرة أيضاً لنبين لكم انه لا يحسن بكم أن تتسرعوا في الحكم ولا تشبهوا النخشيواني.
أما قولنا فكان عددهم 94 عضوا فمعناه ظاهر لكل من له ذرو من العربية وهل بلغت بكم السذاجة إلى أن تتصورا أن في لغة من اللغات عددا اسمه 94 عضوا؟
أما متولي الأعمال فغير الوكيل فقد يكون الواحد غير الأخر. فلماذا لا تعودون إلى تلقي
العربية عن ناطق بالضاد حتى لا يبلغ بكم العلم (؟!) إلى(5/561)
هذه الدرجة!
وكبار دواوين الحكومة معناها كبار رجالها. ثم أن الدواوين ظرف وقد يراد به من فيه كما في قولهم: (واسأل القرية) فليس معناها اسأل حجارة القرية وحيطانها بل أهلها.
ورافد الملك على ما في كتب اللغة هو الذي يلي الملك ويقوم مقامه إذا غاب (لسان العرب وتاج العروس وابن بري في حواشيه) وهو المطلوب هنا. ولو كان عنكم معجم واحد عربي لكفيتمونا مؤونة النقل ولما اعترضتم هذه الاعتراضات الباردة الفجة (الاجميازينية النخشيوانية)!!!
وتلي الخطاب مثل قرأ لا فرق. وإذا كان الكلام بصورة حوار فهو خطاب لا خطبة.
والاتفاقيات كل ما انسب إلى الاتفاق من الأمور وهي غير الاتفاقات التي هي مجموع الاتفاق وهذا كقولك الأخوانيات والأخوان فالواحدة غير الأخرى.
أما الزعيم فهو الرئيس ولا نرى وجها لتغليطكم. فلماذا تصرون على اقتناء الكتب الأرمنية الروسية ولا تشترون كتابا واحدا عربيا تأليف عربي. وإلا تبقون على ذلك الجمود الذي عهدناه فيكم يوم كنتم تزوروننا في ديواننا.
وكنا قد وضعنا (نال اثنتي صوتا (أي نخبة) فصار في ترتيب الكلم تقديم وتأخير ولو جاريناكم في مدعاكم لما كان ثم غلط لان النحاة نصوا: أن الكلمة إذا كانت تؤول بلفظ من غير جنسها جاز تذكيرها وتأنيثها. فقد ورد في أمثلتهم: جاءتني كتابك) لأنها هنا بمعنى رسالتك. فالنخبة هي الكلمة الفصيحة للصوت أما هذه اللفظة فهي من سوء الوضع للإفرنجية أو والصواب النخبة.
ونحن لم نقل يوما أن (الدورة) هي الاجتماع والواحدة غير الأخرى. فأين قرأتم هذا؟ ولماذا تجمعون إلى جهل أصول العربية البهتان والافتئات؟
أما الملوكي ويراد به الملكي فهو لتمييز منسوب من منسوب ومنعا للالتباس. فقد سمى ابن جني كتابا له: التعريف الملوكي. ولابن الكلبي كتاب سماه الملوكي، فأنت ترى من هذا انهما لم يقبولا الملكي وما ذلك إلا(5/562)
لنفي الالتباس من المنسوب إلى الملك الذي هو من الأرواح المعروفة. ثم أننا قد اجبنا مرارا على هذا السؤال وكان قد سأله أحد الأجانب ايضا، فلماذا تنسون بسرعة ما تطالعونه وهل نحن مكلفون بإصلاح ذاكرتكم؟
وعسى أن لا تعودوا إلى مثل هذه الأسئلة فأنكم وان كنتم تصدرونها من مدن مختلفة وبأسماء شتى فلقد عرف القراء أن السائل هو هولان جهل الأحكام العربية تأتي على وجه واحد وتكاد تكون في موضوع واحد.
الخيزران ومن هي؟
جاء في مجلة العرفان (14: 44) (الخيزران زوج السفاح (كذا) وأم الهادي والرشيد) اهـ.
قلنا: الذي تعلمناه في صغرنا أن الهادي والرشيد هما ابنا المهدي وان أمهما هي الخيزران التي هي زوج المهدي لا زوج السفاح. قال الطبري (في 3: 466 من طبعة الإفرنج): وفيها (أي في سنة 159هـ) أعتق المهدي أم ولدة الخيزران وتزوجها. اهـ
ربع أملاكها
وفي الصفحة المذكورة من المجلة المشار إليها: كانت ثروة الخيزران تعادل نصف ريع المملكة كلها (كذا). . . حتى بلغ ربع أملاكها 16. 000. 000 درهم) قلنا: لم نجد مؤرخا ثقة ذكر ذلك. فعلى من اعتمد صاحب العرفان؟
تصحيح
قلت في مقالتي (الأيام في المعتقدات) (لغة العرب 5: 470) أن أمير المؤمنين على بن أبي طالب (ع) جرح في الليلة السابعة عشرة من المحرم الحرام والحقيقة انه جرح في الليلة السابعة عشرة أو التاسعة عشرة (على رواية ثانية) من رمضان المبارك. فليصحح.
أحمد حامد الصراف
الجشن في محيط المحيط
في محيط المحيط في مادة ح ر ق: الحرق مصدر حرق والجشن يلقح به النخل. والصواب الجش. بجيم وشين معجمة مشدودة.(5/563)
باب المشارفة والانتقاد
89 - الرواد
وهو الجزء الثاني من كتاب أعلام المقتطف
بقطع الثمن الكبير في 318ص طبع بمطبعة المقتطف والمقطم بمصر سنة 1927
من أمتع مصنفات العصر، مستل كله من شيخة المجلات العربية وهو (يشتمل على اكثر ما نشر في مجلدات المقتطف السابقة عن تقدم علم الجغرافية وتخطيط البلدان وكشف المجاهل وارتياد القطبين وتمهيد سبل المواصلات في البر والبحر والهواء وسير أشهر الرواد. وفيه فصل حافل خاص بجغرافيي الإسلام).
هذا السفر الجليل مع كثرة صفحاته وما جاء فيه من أعلام المدن والرجال يشينه أمران: الأول أن الأعلام الغربية لم تصور بحرف الأجانب. وهذا الأمر يعد نقصا في عهدنا هذا لأن حروف لغتنا لا تؤدي ما يرام أداؤه من حروف لغاتهم. - والثاني أن الفهرس الملحق بآخر الكتاب هو فهرس ضئيل غير كاف للباحث فيه عما ورد من الأعلام التي ذكرت في مطاوي تلك المباحث الشائقة، فعسى أن تردم هذه الفجوة في طبعته الثانية.
90 - مجلة دار المعلمين
مجلة مدرسية جامعة تصدرها إدارة دار المعلمين في بغداد خمس مرات موقتا في السنة
مديرها المسئول (كذا) عبد الحميد الدبوني، مدير دار المعلمين بدل اشتراكها عن سنة واحدة في العراق ربيتان للتلميذ وثلاث ربيات لغيره وثلاث ربيات عدا أجرة البريد في خارج العراق - ثمن النسخة عشر أنات صدر الجزء الأول منها في 1 كانون الأول سنة 1927 في 70ص بقطع الثمن ليست هذه المرة الأولى نرى في حاضرتنا مجلة باسم (دار المعلمين) فلقد(5/564)
كان ظهر فيها مجلة بهذا الاسم نفسه في أول تشرين الثاني سنة 1921. وهذا نص ما كان قد كتب على صدرها: (مجلة دار المعلمين تبحث في العلم والأدب والتاريخ والتربية وطرق التدريس الحديثة خاصة. - تصدرها نظارة المعارف في بغداد مرة في الشهر (في 16 صفحة) يقوم بتحريرها معلمو دار المعلمين وطلابها. - مديرها
المسؤول محمد السيد خليل - رئيس التحرير معروف الرصافي - نائب المدير المسؤول يوسف عز الدين الناصري - نائب رئيس التحرير طه الراوي - العدد 1 السنة الأولى - 1 تشرين الأول سنة 1921 الموافق 28 محرم سنة 1340 - بدل الاشتراك عن سنة كاملة 4 ربيات داخل القطر ومن نصف السنة ربيتان ونصف وفي خارج القطر 5 ربيات (عن سنة) وثلاث ربيات (عن نصف سنة). - عنوان المراسلات (مجلة دار المعلمين في بغداد) - لا تعاد الرسائل أصحابها أدرجت أو لم تدرج - طبعت بمطبعة العراق بغداد.
وكان كاغدها من أسوء الورق. وفي الجزء الثاني الذي ظهر في 1ت2 سنة 1921 حذفت أسماء المدير ونائبه واسم رئيس التحرير ونائبه - وفي الجزء 3 منها ارتفعت بدلات الاشتراك فصارت عن سنة 6 ربيات داخل القطر و7 ربيات خارج القطر - وفي الجزء 6 ارتفعت بدلات الاشتراك درجة أخرى فصارت 8 ربيات خارج عن سنة داخل القطر و 12 ربية ونصف خارج القطر. وبعد هذه المهزأة (ولا تقل المهزلة كما ينطق بها كثيرون) انقطعنا عن تتبع ذلك الارتفاع الذاهب صعدا في جو الغلاء. تم احتجبت عن الأنظار.
وفي سنة 1924 ظهرت في تلك المدرسة مجلة اتسمت بعنوان (مجلة المعلمين) وأمامنا الجزء الأول منها. ودونك ما كتب على صدره (مجلة علمية أدبية شهرية لصاحبها هاشم السعدي - العدد الأول السنة الأولى - 15 شباط سنة 924 - 10 رجب سنة 342 - محتويات العدد. . . طبعت في مطبعة دار السلام بغداد) - وقد وجدنا في الصفحة الثانية من الغلاف ما هذا نصه (مجلة المعلمين خاصة بالمعلمين والمتعلمين: تبحث في أصول التربية والتدريس نظريا وعلميا وفي جميع ما يجب ويحدث من نظريات الفنون - ولها صفحة للتلاميذ وصفحة للكشافة. تقبل مع الشكر جميع المقالات التي يتحفها بها المعلمون(5/565)
والمتعلمون ومحبو المعارف (على أن تكون موافقة لمسلك المجلة العلمي) - الاشتراك السنوي ويدفع سلفا 9 ربيات في بغداد - 10 ربيات خارج بغداد - 8 ربيات لطلاب الدارس في بغداد وخارجها - المراسلات باسم صاحب المجلة: بغداد مدرسة المعلمين - ثم احتجبت بعد نحو سنتين على ما يخطر ببالنا.
والآن ظهرت هذه المجلة وفي صدرها ما ذكرناه فويق هذا من دون أن تشير بكلمة إلى أختيها السابقتين ثم رأينا في مفتتح الصفحة الأولى ما هذا نصه: مجلة المعلمين مجلة
تربيوية (كذا بحرفها) عملية أدبية أخلاقية - بغداد 1 كانون أول (كذا) 1927 و 6 جمادي (كذا) الثاني (كذا) 1346) اهـ. فعسى أن يعتني بإصلاح مباينها ومعانيها في أجزائها التالية.
91 - جبل قاف
تأليف سماحة العلامة حجة الإسلام السيد هبة الدين، نشرته إدارة مجلة (المرشد) هدية للمشتركين، طبع في مطبعة النجاح - بغداد. سنة 1927 في 42 ص.
السيد هبة الدين الحسيني لا يطرق إلا المواضيع التي لا يعالجها غيره. فهو صاحب المبتكرات في كل ما يكتب ويدون. وهذا الكتاب من جملة الأدلة التي تثبت ما نقوله. فانه وضعه ليبين للقراء أن جبل (قاف) الشهير - الوارد ذكره في مصنفات الأقدمين والمحدثين - (على فرض صحته (أي انه جبل قوقاس) لا يكفل شرح المأثورات الإسلامية. . . ولا ينطق على هذا شيء من تلك الصفات. . . إلا بعض تلك المأثورات. . .) ص 11.
ولهذا لا يقبل سماحته هذا الرأي، بل يعرض على أرباب الرأي رأيا آخر وهو أن الجبل المذكور ليس إلا (صورة كرة الأرض مع ظلها الحادث من استتار الشمس خلفها) (كذا) (ص11). ولا نظن أن أحدا يوافقه على هذا التأويل إلا إذا سلم حضرته بان لجبل (قاف) معنيين حقيقي تاريخي وهو الجبل الذي صحف اسمه الغربيون بصورة قفقاس أو قوقاس. ومعنى مجازي ديني وهو الرأي الذي يراه حضرته. وإلا فالتسليم بما يذهب إليه يخالف إجماع علماء(5/566)
العقل والنقل من العرب وأهل الغرب. ولو اطلع على ما كتبه المستشرقون في معلمة الإسلام لنقض بعض رأيه كله عن أخره.
ونلاحظ هنا أن في الكتاب أغلاط طبع غير قليلة ففي ص 11: بحيرة خزر - في جنوب روسيا - ويؤيد هذا الزعم بان كلمة - قوقاس منحولة من لفظ قوه قاف - واضح منها: بحر الخزر - في جنوبي روسية - ويؤيد هذا الزعم أن كلمة - قوقاس منحوتة. وعسى أن تكون الطبعة الثانية اصح من هذه!
تاريخ طوس أو المشهد الرضوي
بقلم الفقير إلى الله خادم العلم محمد مهدي العلوي، نشرته إدارية (المرشد) هدية للمشتركين،
مطبعة النجاح في بغداد سنة 1927 في 28 ص.
هذه الرسالة حسنة العبارة والتأليف إلا أننا نأخذ على المؤلف عدم موافقة العنوان للموضوع له. فالمشهور عند العلماء أن (طوسا أو طوس) مدينة قديمة لم يبق منها إلا بعض الأنقاض والمشهور على الألسنة أن طوس الجديدة تسمى (الشهد) أو (مشهد رضا) فكان يحسن بالمنصف أن يتخذ الاسم المشهور ويترك الاسم المهجور.
ومما كنا نحب أن نراه في هذه الرسالة وصف تصاوير داخل الحرم فأنها مما يفتخر بها ويود أصحاب الفنون الفاتنة أن يقفوا على بدائعها (راجع لغة العرب 5: 233). وقد أهمل وصف خزانة الكتب التي ترى فيها فأنها من اجل الخزائن (راجع بعض وصفها للشيخ العلامة عبد العزيز الجواهري 5: 210).
ولا جرم أن هذه النواقص تصلح في الطبعة الثانية.
93 - الضعفاء
كتاب يحتوي على 7 قصص اجتماعية مؤثرة في 156 ص بقطع 16، بقلم يوسف هرمز. طبع في المطبعة الوطنية (عشار) البصرة.
أسفا على طبع هذا الكتيب وأمثاله إذ تذهب سدى نفقات طبعه وليس فيه أدنى منفعة لا من جهة المبنى ولا المعنى ولا تأدية الفكر. والرجل لا يكاد يعرف(5/567)
مبادئ اللغة العربية فقد جاء مثلا في ص4 مما طبعه مثل هذا التركيب: كان في بغداد رجل سليمان تاجر صغير. . . وكلما ارتفع الإنسان بعظمة هكذا يكون سقوطه عظيما. . . وصلت حالة سلمان إلى أوج كمالهما. وهو يريد أن يقول: تاجرا صغيرا أو تويجرا. . . وكلما ارتفع. . . كان سقوطه عظيما. . . إلى أوج كمالهما (بالمفرد) فهذا في صفحة واحدة فكيف في ما بقي من الكتيب؟
فأمثال هذه الكتب تدفع إلى مصحح ضليع قبل أن تطبع لتفيد القارئ ويستفيد المؤلف من ريعها: وإلا لا يلتفت إليها وتعد من سقط المتاع بل من مفسدات المملكة العربية في المرء إذ تعوده الخطأ والخطل.
94 - تاريخ الدول الفارسية في العراق
بقلم علي ظريف الأعظمي، طبع في مطبعة الفرات. بغداد. سنة 1927 في 124 ص.
لو كان عندنا طائفة من الشبان همتهم كهمة مؤلف هذا الكتاب لرأينا في البلاد رقيا عجيبا؛ لكن - ويا للأسف! - لا نرى منهم إلا عددا نزرا!
علي ظريف أفندي ألف كتاب تاريخ ملوك الحيرة - وتاريخ الدولة اليونانية في العراق - وتاريخ البصرة - وتاريخ بغداد. أذن فتاريخ الدول الفارسية في العراق هو الخامس في رتبة اخوته. وهو يفيد كل من ليس تحت يده مصنفات الإفرنج في هذا البحث؛ فهو ولا شك من انفع المؤلفات لطلبة المدارس ليقفوا على حقيقة تاريخ عراقنا المحبوب أيام كان في حكم أبناء إيران.
بيد أننا نرى حضرة الكاتب يروي بعض الأعلام نقلا عن التركية بدلا من أن تروى نقلا عن اصلها، فاوروق وشوشن (العاصمة) ونانا (المعبودة) وأسور بنيبال (ص5) صوابها أرك (كعنق) والسوس (أما الشوشن فهي العمل) وننا (بكسر الأول وفتح الثاني) وأشور بنبيل.
وهناك أغلاط طبع لا تنكر لو جمعت لعدت بالعشرات بل بالمئات من ذلك قوله في ص3: مادي وديوس بوليس (؟) والصواب ماذي أو ماذية (بذال معجمة) وفرسيبولس. لان ديوس بوليس لا وجود لها اسما ولا حقيقة. وجاء في(5/568)
الحاشية أن السوس هي تسثر (كذا) والحق أن السوس غير تستر (وكلتا التاءين مثناة) (معجم ياقوت الحموي في السوس).
هذا فضلا عن أن المؤلف لم ينتفع من كتب الإفرنج العصرية - على أننا لا ننكر أن له يدا بيضاء على آداب البلاد وتاريخها إذ وضع سفرا لم يكن له مثيل في لغتنا. فنشكر على هديته هذه وعلى تصنيفه باسم عراقنا كله وعلمائه وأهاليه.
95 - كتاب دولة الشجرة الملعونة (كذا)
أو دور ظلم بني أمية على (؟ كذا) العلوية، لمصنفه حجة الإسلام. مروج شريعة جدد سيد الأنام، العلامة العامل السيد محمد مهدي، خلف المرحوم السيد صالح القزويني الكاظمي الموسوي متع الله المسلمين، بطول حياته أمين، مطبعة دار السلام في بغداد سنة 1346 هـ.
أهدى أحد الأصدقاء الطيبين هذا الكتاب وهو في 160 صفحة بقطع الثمن الصغير. ومن عنوانه انه يعرف ما في باطنه من سب وقذف وطعن. كما يرى من النص الذي ذكرناه عن انه يصعب على القارئ مطالعة صفحاته لما فيها من أغلاط الطبع المتدفقة تدفق السيل
الجحاف. (مع انك إذا وقفت على نعوت مؤلفه كما تراها تحت العنوان يخيل إليك انك أمام بحر علم عجاج متلاطم بالأمواج وإذا حققت الأمر بنفسك: جعجعة بلا طحن. إذ الأجدر بالمرء أن لا يكبر نفسه بنفسه.
دروس في صناعة الإنشاء
كنا نشرنا في الجزء السابق مقدمة فيها نقد الجهبذ محمود الملاح لهذا الكتاب ووعدنا بإدراج تتمته في الأجزاء التالية. وبينما كنا ننتظر شروق شمسه علينا بأشعتها الذهبية الصافية. إذ وافانا حضرته باعتذار ما كنا ننتظره منه إذ لنا شفاها أن شؤونه المدرسية (!) وقفت عقبة في طريقه. فأسفنا كل الأسف! فحولنا نظرنا إلى ناقد بصير آخر ليس دون الأول علما ووقوفا على دقائق العربية(5/569)
ولا دونه إصابة وتحقيقا ونزاهة، وها ننشره للقراء، حرصا على وعدنا أن تعروه شائبة خلف. وان لم نزل مترددين في قبول عذر الأستاذ الملاح (!).
وقد آثر صاحب النقد أن يطوي التصريح باسمه. واليك ما أتحفنا به ذلك الفاضل:
(لغة العرب)
تالله لو كان الكتاب موضوعا في غير هذه الصناعة كالفيزياء! لما كلفت نفسي عناء انتقاده لان مذهبي التسامح في لغة تدوين الفنون بالنظر إلى وضع اللغة الراهن في مدارسنا.
لكن الكتاب موضوع لغاية تهذيب الملكة الإنشائية في التلاميذ وتدريب أقلامهم على الكتابة باللغة الفصحى وتنزيهها عما يصم محاسنها ويلوث ساحتها فتفاقم البلاء وتضاعفت المصيبة.
إن المؤلف مع تهجسة في مسالك التعبير واعتياده الدبيب الخفي إلى مقاصده بحيث يظن انه كان يعد كلماته عدا لم يسلم قلمه من استهواء الركاكة له ولا تعابيره من معرة التعقيد حتى كتابه ناشزا على الفصاحة التي هي من أخص مزايا لغتنا ولعل المؤلف لا توغر صدره كلمة أريد أن ارضي بها سلطان الحقيقة وهي: أني لعلي شبهة من إتقان اللغة العربية مع إتقان لما سماه الفيزياء (!) وعسى أن يكون إتقان علمين متباينين مما يؤيده علم النفس! إذ (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. . .) الآية
وتعريب كتاب في علم لا يدل على ضلاعة المعرب فيه.
وقبل أن تدور رحى الانتقاد دورتها احب أن اعجل للقارئ لهوة من الكتاب المنقود لتكون لما سأقوم به من النقد إذ لا أود أن استقل بميزان من عندي كيلا اتهم بالبخس أو التطفيف أي أريد أن أكيله بمكياله حتى إذا عاتب وندد قلت له قبانك. وهذه ارطالك. ولم ادخل في قضيتك ألا إصبعين أو ثلاثا للقبض على عذبة الميزان.(5/570)
فلينظر القارئ إلى ما قاله في ص 52: (وعلى الطالب أن يتجنب مطالعة الكتب الركيكة مباينها والسخيفة معانيها فان سوء صنعتها وفساد سبكها مما يضعف ملكة الإنشاء ويفسد ذوق مطالعها والمعنى الحقير - كما يقول الجاحظ - يعشش في القلب ثم يبيض ثم يفرخ ثم يستفحل الفساد لان اللفظ الهجين الرديء اعلق باللسان وآلف للسمع واشد التحاما بالقلب).
فارجوا من المطالع أن يشد يده على هذا الإرشاد الثمين يصحبني في هذه السياحة الجميلة لأطلعه على ما في مطاوي هذا الكتاب من ناقضاته وهادماته إلى أساسه. وسأتخذ في نقدي هذا الخطة التي اتخذها الأستاذ الملاح في نقده (أعلام العراق) أي على هيئة مواد متسلسلة كيلا ينتشر البحث بيني وبين المؤلف ولتكون سبل النقد سالمة من الوعث. وهذا أوان الشروع في المطلوب:
1 - جهل لغة البلاد
لقد تحول أبو قيس من جنسيته السورية إلى الجنسية العراقية ولا نلومه على اتخاذه آهلين ولكن نلومه على تسرعه في الحكم وظنه انه بمجرد تجنسه بالعراقية يتم له للعراقي الصحيح من الخوض في لغة أهل العراق فكان من ذلك أن عزا إليهم إدخال (أل) على المضاف والمضاف إليه في نحو (اشتريت السبعة الأقلام) ص 140 وهو افتراء محض بل هم يدخلونها على المضاف فقط كالسوريين وما اكتفى بذلك حتى طرق بابا خطيرا من أبواب اللغة حيث قال ص144: (في العامية كثير من الكلمات الفصيحة فيجب استعمالها نحو حزر وزار وخمن) وما كنا لننازعه في رأيه لولا عطفه على ذلك قوله (وطمس أي غاص) مع أن الطمس هو ذهاب الأثر أو إذهابه يقال (طمست عينه) و (طمس عينه) وكل ذلك لا يفيد معنى الغوص وأي حاجة إلى هذا الاستهتار في أمر العربية؟ ومادتا الغوص
والغطس فاشتيان.(5/571)
2 - الخبط في النقل
ومن الأمور البديهية أن المؤلف في علم إذا لم يكن ضليعا فيه خبط في النقل لا محالة فمن ذلك قوله في ص 149: (إن لم لنفي الماضي مطلقا ولما لنفية ممتدا إلى ما بعد زمن التكلم ولن لنفي الاستقبال) نعم ولكن ما باله أضاف إلى هذه العبارة قوله (ويختص بالموقع) فلينظر الأدباء والنحاة وأهل البصر بالعربية هل عثروا على نص في أن (لن) تختص بالمتوقع!؟ أم أن ذلك من خصائص لما!!!
فهذا نموذج من خبطة في قواعد اللغة وأما خبطه في علم البلاغة فكقوله في ص 125: (إن الجاز إذا أطلق لا ينصرف إلى اللغوي) مع أن المعروف أن المجاز إذا أطلق ينصرف إلى اللغوي فتدبر واحكم. . .؟!
3 - الطامة الكبرى؟!
من المصائب العظمى تحرش المؤلف بأمور خطيرة حشوها (الديناميت) الناسف كقوله في ص 133 (ومن الأصوات المكروهة المثنيات المتتابعة ومثلها جموع المذكر السالمة) وفاته أن القرآن المجيد مزدان بما كرهه سمعه! كقوله تعال في سورة التوبة (التائبون العابدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين).
فيا سماء اسقطي كسفا! أن تلك البدائع التي تفككت عنها أزرار الحقيقة الأزلية. وكان الروح الأمين يصدح بها عند طية معارج ذات الحبك، والتي كان افصح من نطق بالضاد يترنم بها في حضن جبرائيل. ويتلوها على صناديد قريش فتخفض أجنحتها مهابة وإجلالا، يمجها صماخ عز الدين ويعافها ذوقه! على ما يظهر من كلامه!
ومما أكد المصيبة تصدي متعمم لتأييد الكتاب بشهادته الزائفة مرتكبا اليمين الغموس تعصبا للمؤلف حيث قال: (والله لو وجدت فيه ما لا يصح السكوت عنه لما حالت الصداقة (!) دون نقده). فتدبر!؟
تأتي البقية
(أ. د)(5/572)
تاريخ وقائع الشهر في العراق والمجاورة
1 - عودة مليكنا المحبوب
في الساعة الرابعة ظهر الخميس 15ك 1 سنة 1927 أطلقت المدافع إعلانا لعودة مليكنا المحبوب إلى عاصمته بعد أن غاب عنها أربعة أشهر قضاها في أوربة للدفاع عن حقوق الوطن ورقية. وقد جاءت الوفود من جميع ديار العراق وأقيمت في الجادة العظمى أقواس النصر البديعة التي لم يشاهد في سابق العهد.
2 - عودة المعتمد السامي
عاد المعتمد السامي مع قريبته في 15ك 1 سنة 1927 في الساعة ال 5 بعد الظهر وقد اقبلا من حلب الشهباء راكبين طيارة.
3 - لويس ماسنيون
زارنا في اليوم الثاني 14ك 1 العلامة المستشرق لويس ماسنيون قادما من باريس على طريق سورية ليشاهد ما استحدث من الإصلاحات بعد سنة 1908 وهي سنة خروجه من دار السلام في المرة الأخيرة.
4 - الدكتور ارنست هرتسفلد
وزارنا في اليوم 13 من شهر ك1 سنة 1927 صديقنا الحميم الدكتور ارنست هرتسفلد قادما من ألمانية وذاهبا إلى طهران (إيران) وقد ركب طيارة من القاهرة إلى بغداد مع مسافرين آخرين إلى إيران في اليوم الثاني من زيارته إيانا.
5 - وفاة الحاج عبد السلام
انتقل إلى دار البقاء الشيخ الجليل الحاج عبد السلام مساء الأحد 11ك1 سنة 1927 وهو في العقد الثاني من عمره وكان إمام الجامع شيخ سراج الدين وخطيبه ودفن في الغرفة الخاصة به من الجامع المذكور وقد خلف ابنين أديبين وهما الشيخ مصطفى أمام جامع العدلية الكبير والوجيه الملا إسماعيل احسن الله عزاءهما.
6 - وفاة الأب لويس شيخو اليسوعي
انتقل هذا الأب العلامة إلى دار النعيم في 8ك1 سنة 1927 في بيروت وقد أبقى له من الآثار في لغتنا العربية ما(5/573)
يخلد له الذكرى رحمه الله رحمة واسعة وكان عمره 69 سنة.
7 - دماء نفسك في الديوانية
علي آل حسين الحمزة جان شهير في لواء الديوانية ومتهم بنفسك دماء عديدة. وكانت حكومة اللواء جادة في القبض عليه وتخليص العباد منه.
فخرج مأمور مركز شرطة مسلحة وذلك في صباح 23 تشرين الثاني من سنة 1927 طالبا الجاني فذهب المتعقبون له إلى عشيرته وهي (البو نائل) وتأثروا السفاح بجرأة وحزم حتى وجده في كوخه مع والدته.
فطلب إليه مأمور المركز أن يسلم نفسه للحكومة فكان جوابه إطلاق عيار نار أصاب شرطيا فأطلق حينئذ مأمور المركز عيارا من مسدسه فأخطاه وللحال صوب الجاني بندقيته إليه فخر مأمور المركز صريعا يتخبط في دمه.
فلما رأت والدة الجاني ذلك المصرع هلهلت (زغردت) متبعة في ذلك عادة عند الإعراب وهي أن النساء يهلهن ليثرن التحمس في صدور الرجال. فأطلق السفاح عيارا ثالثا أصاب به شرطيا آخر.
فلما رأت الشرطة هذه الحال هجمت عليه وأردته قتيلا وقتلت أيضاً والدته: ثم عنيت بدفن الموتى.
8 - ابن الدويش وابن السعود
ابن الدويش هو القائد الوهابي الشهير وهو فيصل بن سلطان الدويش. زعيم قبيلة (مطير) القبيلة المعروفة التي يتفرع منها بطون (دويش) و (ميمون) و (بني عبد الله) وأبناؤها منبثون في شرق المدينة شمالا إلى نجد إلى الارطوية (لغة العرب 2: 277 و54 وجنوبا إلى الصفينة. وابن الدويش هو الذي كان صاحب الدعوة إلى عقد مؤتمر الإخوان الذي عقد في الارطوية في العام الماضي (لغة العرب 4: 437) وهو الذي يقلق اليوم ابن السعود ويكاد يعرض للبوار حكمه في ربوع نجد.(5/574)
أما سبب هذا الشقاق القائم بين ابن الدويش وبين ابن السعود فهو أن عشيرة المريخات (وهي فخذ من أفخاذ مطير) نفرت من زعيمها الدويش لخلاف طفيف وقع بينهما وبين زعيمها والمريخات كانت خاضعة له ومقيمة في الارطوية مقر إمارته. فلما سمع بالخلاف ابن السعود فرح به وحاول أن يوسعه ليستفيد منه فحقق أمنيته وكبر الخرق على الراتق وهو ابن الدويش حتى انه لم يتمكن من إيقافه في حالته. وفي الأخر طلب كبير (المريخات) إلى ابن السعود أن يسمح له ببناء بليده تصلح لسكني الفخذ فتهاجر إليها. فأذن له وأعانه بمبلغ كاف لتحقيق أمنيته ودله على ماء واقع في غربي الارطوية إلى الجنوب اسمه (جراب) وهو لا يبعد عنها سوى سير يوم واحد على ظهور الجمال. فشرع المريخي في بناء الموضع واقبل عليه أبناء فخذه، فأشفق الدويش من نتيجة هذا الأمر لأنه عليه القرية ويناله من ذلك الأمران وتنقسم مطير قسمين قسم مع ابن الدويش وقسم مع ابن السعود فيضرب هذا بالقسم المخالف القسم ويقضي على أحلام ابن الدويش وآماله. فهب من ساعته لإقناع (المريخات) بأن يرجعوا عن فكرتهم فلم يتوفق. فرجع إلى السيف وفيه تحقق المثل - وهو آخر الدواء الكي - فهدم ما شيد في (جراب) من الأبنية وساواها بالأرض ففر أهل البليدة إلى (الرياض) ليرفعوا أمرهم إلى تلك الأمام.
والآن انتهى الأمر إلى هنا. ولا بد من أن تنفجر الضغائن بين رجلي نجد العظيمين وتظهر النتائج.
9 - اعتداء الأخوان على العراق والكويت
كان يظن أن الاعتداء الذي قام به الأخوان على العشائر العراقية (لغة العرب 5: 509) من أعمال فيصل الدويش؛ إلا أن جريدة (الأوقات البصرية) قد بلغها أن الهجوم كان بقيادة فيصل المذكور ومعه ولده عبد العزيز. وقد بلغ عدد القتلى من عشائر العراق - على ما يقال - نحو سبعين رجلا عدا ما سلبه الأخوان من أموال ومواش وجمال.
وشاع أن فيصل الدويش أعاد إلى نفر من عشيرة الضفير الذين كانوا نازلين مع عشيرتي (الزياد) و (البدور)(5/575)
ما نهبه منهم الإخوان في أثناء غاراتهم، بحجة أن المذكورين كانوا ولا يزالون يدفعون الزكاة إلى الإمام ابن السعود. فإذا صح هذا الخبر كان دليلا قاطعا على بطلان الإشاعات القائلة عن تمرد الأخوان وخروجهم عن طاعة حكومة نجد؛ إذ ليس من
المعقول أن يعصي الدويش أوامر حكومته وينبذ طاعتها ثم يعمد إلى الاعتداء على حدود العراق والكويت ويبقى في مكانه محصورا بين ثلاث نيران. والشائع الآن أن الدويش مخيم مع جموع الأخوان على (الحفر) منتظرا الفرص لإعادة الكرة. وجاء في أخبار الكويت أن عشيرة العجمان - وهي من العشائر القوية في ديار جزيرة العرب - تتحفز للوثوب على الكويت فتأخذ هذه عدتها لمقاومتها.
وأفادت مديرية المطبوعات في 3ك2 سنة 1928 أن الأخوان اتباع الدويش قاموا بهجوم على الرعاة العراقيين وبعض أعراب شمر نجد الضاربة قرب الجوخة (كذا. وليس في ديارنا موضع بهذا الاسم والمعروف في تاريخ بلادنا هو جوخا أو جوخى وكانت مدينة عظيمة في السابق وهي اليوم أرض بلقع) والظاهر أن الهجوم كان عنيفا تضررت منه الأعراب كل التضرر.
10 - القلاقل على تخوم الترك
بينما كان ضابط تركي من فرقة مارديان آتيا من ديار بكر في أوائل أيلول من سنة 1927 وعليه 25 ألف ليرة ذهب خرج عليه في الطريق الشيخ أمين بن ربحان رئيس عشيرة الغرزان ووقف السيارة فقتله وأخذ المبلغ. فأرسلت الحكومة التركية طابورا من فرقة ديار بكر فأفنى جنده عن أخرهم (على ما يروى) فصدرت الأوامر بلزوم سوق فرقة من الجيش ال 17 الذي مركزه في ديار بكر للتمثيل بالشيخ المذكور وبعشيرته. ومثل هذه الأوامر صدرت إلى فرقة ماردين المنتسبة إلى الجيش عينه. وقد سارت هاتان الفرقتان على طريق مديات ولم يعرف إلى اليوم خبر النتيجة.
11 - دخل حكومتنا في لواء بغداد
بلغ دخل الحكومة في لواء بغداد في شهري أيلول وتشرين الأول من سنة (1927) 390. 138 ربية منها 31. 646 ربية من بقايا السنين الماضية وما بقي من السنة الحالية.(5/576)
العدد 54 - بتاريخ: 01 - 12 - 1927
إلى القراء
رواية التمثيل النثرية الشعرية غير معروفة عندنا في العراق، ولما كان ملكنا المحبوب المفدى مطبوعاً على ترقية هذه الديار العريقة في المدينة وساعياً لرفعها إلى المستوى سائر ربوع الحضارة أقترح على الشاعر العصري الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي، أن يؤلف رواية وطنية المغزى، تدفع الأدب العربي إلى الالتحاق بسائر الأقوام الحية، فنهض الصديق للحال وألف هذه الرواية البديعة التي تبقي له الأثر الطيب، إذ تكون الأولى في ما يؤلف بعد ذلك. ويكون للزهاوي القدم الفاتحة لهذه الدولة الجديدة من الأدب العصري. وكيف لا يكون له السبق في هذا المضمار وهو الذي كان المجلي في عدة مباحث لم يكن لغيره نصيب سوى الاقتداء به دون الالتحاق به؟
وقعت حوادث هذه الرواية قبل الدستور العثماني بسنتين أو ثلاث. يقف القارئ في مطاويها على (روحية) الشعب يومئذ. ويتحقق ما كان للولاة من الاستبداد والظلم، ويشاهد الماس على اختلاف طبقاتهم كيف كانوا يتزلفون إلى السلطان الجبار (عبد الحميد) فيقصون عليه أو على ممثليه الأحلام الغربية، ويتوسلون إلى بلوغ أمانيهم بالتجسس والوشايات. ولذلك كنت ترى الفظائع والفجائع في كل موطن من الديار الخاضعة لصولجان (الجبار العنيد). ومن الجملة هذه الفاجعة التي تنقشها ريشة مصور الفكر الماهر، وطنينا الزهاوي، فدونها بلوحتها الزاهية الألوان البديعة التمثيل:
(لغة العرب)(5/577)
رواية ليلى وسمير
وضعها لتمثل جميل صدقي الزهاوي
وجعلها تقدمة إلى جلالة الملك المعظم فيصل الأول
لا زال الأدب ريان ناشئاً برعايته الملكية
(بغداد: 10 تموز سنة 1927)(5/578)
أسماء الممثلين
ليلى - حبيبة سمير
سمير - محب ليلى
زينب - أم ليلى
حبوبة - حاضنة ليلى
عائشة - أم سمير
مجيد بك - والي بغداد
راسم بك - رئيس الشرطة
سالم بك - أبو سمير
عبد الله - شيخ رفاعي عاشق ليلى
رجب - عدو سمير في الباطن وصديقه في الظاهر
عبد السلام - صديق سمير
صلوحة - أم الشيخ
عمشا - أخت الشيخ
أبو خزامة - مدفع قديم يطوف به السذج والجاهلون في بغداد ويقدمون له النذور ويطلبون منه قضاء الحوائج ويدخلون رؤوس أطفالهم المولودين جديداً في فوهة ليعيش.(5/579)
ليلى وسمير
الفصل الأول - المشهد الأول -
زينب في جنب مهد أبنتها (ليلى) تغني لها أغنية النوم عندما ليلى كانت طفلة
نعست بعد الرضاع ... وللنعاس دواعي
تغضين فوق ذراعي ... والآن في المهد نامي
لأنت بنت الأماني ... منزوعة من جناني
جم عليك حناني ... نامي بجنبي نامي
قد كنت ليلة عرسي ... حلماً لذيذاً لنفسي
واليوم يا ابنة أنسي ... أنت الحقيقة نامي
لسوف تنمين جسما ... حتى تكوني أتما
وبعد ذلك أما ... ترعى بنيها فنامي
عليك يا ابنة حبي ... روحي يرف وقلبي
نامي هنيئاً بجنبي ... نامي من الوقت نامي
حسبي من الدهر بنتي ... أما لجيل سيأتي
أنت السعادة أنت ... نامي بمهدك نامي
لك الهناء موفر ... في الليل والليل أقمر
أني عليك لأسهر ... إلى الصباح فنامي
أما حياتي فتخزى ... ما لم أجد فيك عزا
أهز مهدك هزا ... حتى تنامي فنامي
الليل فأبغي المناما ... يهدي إليك السلاما
فلا تزيدي ابتساما ... نامي فديتك نامي
هيا إلى النوم هيا ... فالوقت أمسى عشياً
نامي مناما ... نامي إلى الغد نامي(5/580)
المشهد الثاني
بعد ثماني عشرة سنة مضين على طفولية ليلى - سمير يحدث نفسه
أحببتها يوم مرت وهي سافرة ... إلي تختلس الأنظار في خجل
سمراء في مقلتيها السحر مستتر ... والسحر أن كان حقاً فهو في المقل
نعم أحببتها حباً جماً، وأحسب أنها تشعر نحوي بما أنا أشعر به نحوها من هوى. أليس الحب هو المغناطيس الذي يجذب القلب إلى القلب، كما أن المقت يدفعه عنه؟ وأي دليل على حبها أكبر من أنها كانت تختلس إلي الأنظار خفرة كلما مرت بي، أو مررت بها، وهي راجعة من تنزهها على شاطئ دجلة إلى دارها؟ سواء كنت وحدي أو في صحبة رفيقي في القلم (رجب)؟
أن الصدق الظن فأنا السعيد! اخبرني رجب أنها ابنة القائد العربي صادق بك، الذي قتل قبل عشر سنوات في حادثة بالناصرية، وأنها تحسن الموسيقى وتغني بالشعر، فإذا غنت أخذ ما تشدو به يحدث هزة في سامعيه كأنه تيار من الكهرباء، وأنها ليست بالغنية ولا الفقيرة. كما
أنا كذلك، وأن لها ولأمها راتباً قدره ثمانية جنيهات في الشهر وهما تعيشان مقتصدتين، فلا تقتير ولا إسراف، وقد تشربت المبادئ الحرة، ونزعت إلى السفور، في أدب ونزاهة وقد كانت الأولى في الصف المنتهي لمدرسة الإناث الثانوية عندما أحرزت الشهادة. وأي ضير على إذا راسلتها وبثثت لها غرامي وطلبت إليها مقابلة في الليلة القادمة على شاطئ دجلة تحت أضواء القمر في كتاب أحرره باسمها؟ ألم تعتد الجلوس على شاطئ دجلة في أصيل كل يوم؟ فإذا أجابت عليه، عرفت ما يحس به قلبها نحوي. أنا مثلها وحيد أمي وقد مات أبي سالم بك قبل خمس سنين بعد أكملت دروسي في المدرسة الملكية بالأستانة ورجعت إلى الأوطان.
المشهد الثالث
ليلى في غرفتها تحدث نفسها
لا تكذبني عيني فأن الإمضاء لسمير ذلك الشاب الجميل الذي يقف لي على الطريق كل يوم وأشاهده محدقاً إلي: وهو ذلك الشاعر الكبير الذي بعد صيته وذاع نبوغه وأسمع أن له في صحف مصر مقالات ملؤها الحماسة، والدفاع الحار(5/581)
عن الأوطان، ومكافحة الاستبداد والذب عن السفور، يكتبها باسم مستعار، فهو نصير المرأة في العراق يحذو حذو قاسم أمين
في مصر.
أني لما قرأت إمضاءه أحسست بقلبي يخفق. ما أرق عباراته وأجملها! يطلب إلي أن أنبئه بالصراحة التي هي من إيحاء الثقافة العصرية بما أحس به نحوه. ويؤكد أن حبه لي طاهر قد ملك فؤاده، فهو لا يتفكر إلاَّ بي، ويبسط أمنيته في أن تسهل الظروف أمر زواجه بي في القريب، إذا كنت أهواه كما هو يهواني، فنعيش معاً في ظل الحب الوارف سعيدين لا يفرق
بيننا إلاَّ الموت، وأن أوافيه الليلة إلى شاطئ دجلة لنمهد معاً أسباب القران.
أن أمنيتي يا سمير هي نفس أمنيتك، وغرامي بك أكثر من غرامك بي، فأنا أعاهد في غيابك نفسي أن لا أرضى لي غيرك بعلا، مهما حالت الحوادث، وسأوافيك الليلة إلى الشاطئ كما دعوت مستصحبة حاضنتي الأمنية (حبوبة) وأن كانت زيارتي هذه تثلم من سمعتي إذا بلغ خبرها سمع أولئك الأشرار الذين يرون سعادتهم في شقاء الآخرين.
المشهد الرابع
سمير وليلى على شاطئ دجلة في ليلة قمراء
سمير - كانت نفسي تطمئنني أنك يا ليلى تجيئيني، فقد وعدتني في كتابك المجيء؛ ولعلك لست واجدة علي لدعوتي إياك إلى هذا الشاطئ المنعزل، وأني لأرى انعزاله هذا أفضل ما
فيه، فنحن هنا في ذمة الهوى مخفيان عن أعين الرقباء، لا ترانا إلاَّ عين هذا القمر الذي
تفيض أنواره البيضاء جميلة وهو لا ينم علينا.
ليلى - كذبك الظن يا سمير، فأن لنا ثالثاً عدا القمر، ثالثاً من اللحم والدم، من البشر مثلنا. أنظر إلى ذلك الظل الصغير على بعد سبعين قدما فهو حاضنتي (حبوبة) وهي مثل هذا القمر الصامت لا تنم ولا تخون. وأعلم أنها تعرف كل ما هو بيننا من حب بريء وغرام صادق،
فلا يريبنك منها شيء.
سمير - أن من لا يريبك لا يريبني أنا أيضاً وأن غايتي يا ليلى من اجتماعنا هذا أن أقول لك أني لا أستطيع صبراً على حياتنا الانفرادية، وأني(5/582)
وأن لم أخاطبك وجهاً لوجه إلاَّ هذه المرة، كنت يا ليلى أراسلك بالأنظار، فاقرأ الجواب في أعينك فأريد أن نبت في أمر قراننا
فهل
تحسين أن أمك زينب ترد أمي عائشة خائبة إذا هي جاءتها خاطبة إياك لي.
ليلى - كلا يا سمير، ثم كلا، فأن أمي لا تبت في أمر يتعلق بي ما لم تطلع على رأيي فيه، فلا تخش من قبلها معارضة وقد أصبحت أمك الفاضلة صديقة لها فهي تزورنا الآونة بعد الأخرى، وأمي تجلك الإجلال كله، لأنها سمعت مراراً مني تفضيلك على بقية الشباب. وأني يا سمير لك، سواء عجلنا الزواج أو أخرناه وستسمع من أمك كيف أن أمي راضية بزواجنا فهي قد سألت عنك الكثيرين فما سمعت إلاَّ ثناء عليك عاطراً، وإطراء لعبقريتك واعترافاً بصدق طويتك وأدبك الجم وهاك يا سمير يدي عربوناً لزواجنا الذي أرجو أن يكون سعيداً!
(يقبض سمير على يد ليلى ويشمها ثلاثاً ويقبلها ثلاثاً ثم يتعانقان ويقبل كل منهما الآخر في
فمه ويفترقان).
المشهد الخامس
رجب يدخل على الشيخ عبد الله في مجلسه ويقبل يديه ويجلس في مقعد يشير إليه الشيخ في جنبه.
الشيخ - كيف أنت يا رجب؟ لم أرك منذ أشهر فهل أنت بخير؟
رجب - أنا ذلك الخادم الأمين لسيدي الجليل ولا أزال بخير ما بقيت بركات سيدي تشملني
وأني بعد كل صلاة أبتهل إلى الله أن يطيل عمرك للإرشاد كوكباً وقادا يهتدي بضيائه الناس في طريق حياتهم المظلمة.
الشيخ - ما أنقى ضميرك يا ولدي وأقربك إلى الرشد والصلاح! وأني لواجد فيك خير خليفة
لي إذا انتهت أيامي ودعاني الله تعالى إلى ملوكته. أخبرني يا ولدي ماذا وراءك وأي نبأ في البلد؟
رجب - لا نبأ يا سيدي إلاَّ ما يسوء الدين والمروءة والصداقة لخليفة الله في أرضه، فأن (سميراً) ذلك الشاب الغر الطائش، السفيه في القول،(5/583)
الجريء على نقد أمير المؤمنين في مقالات ينشرها في صحف مصر بإمضاء مستعار قد أغوى بذلاقة لسانه وخدعه فتاة من
أحسن فتيات العرب في الحاضرة هي ليلى ابنة القائد المرحوم صادق بك وغر أمها زينب حتى رضيت أن يكون لأبنتها بعلا في القريب العاجل فهي على وشك أن تقيم حفلة العقد له عليها وهذه نكبة على بغداد؛ فأن هذا المارق من الدين الخائن لسلطانه سيعقب من هذه اليتيمة الحسناء نسلاً شريراً مثله يملأ العراق فتنة وفساداً! وما أجدر ليلى أن تكون تحت رعاية سيدي زوجاً له صالحة تلد أولاداً صلحاء يخدمون الطريقة الجليلة الرفاعية ويملئون الأرض إرشاداً وقسطاً، وأني لا أجهل أنك يا سيدي في حاجة إلى زوج جديدة مكان تلك التي طلقتها قبل سنة وهذه التي طلقتها قبل شهر، فحبذا لو أرسلت أمك الصالحة وأختك الزاهدة إلى أم ليلى زينب تخطبان منها ابنتها لك قبل أن يظفر بها هذا الشاب الطائش (سمير) فأني لا أظن أن أم ليلى الجميلة تجسر على رد الخطبة وهي تعلم ما لك من الحظوة عند والي بغداد مجيد بك والجاه عند السلطان؛ وأن امتنعت - لا سمح الله - فلا يصعب عليك يا سيدي أن تفضي إلى الوالي بما عليه سمير من الخروج عن طاعة السلطان، فتنفيه الحكومة إلى قصي من بلاد الأناضول. وحينئذ لا تبقى للعجوز مندوحة من الخضوع لأرادتك وتقديم ابنتها عروساً لك وهي صاغرة.
الشيخ - حسن ما تقوله يا ولدي وأني علم الله كما ذكرت في أشد الحاجة إلى زوجة صالحة فأني قد عزمت على تطليق زوجتي الثالثة لأنها تتراخى في أداة صلوة المغرب بحجة أنها تطعم أطفالها منعاً لهم من البكاء؛ كما طلقت الأولى لكونها كانت تتكاسل بالصيام في رمضان من غير عذر شرعي فقد رأيتها بعيني رأسي تشرب الماء البارد معتذرة بأنها لا تستطيع الصبر على الظمأ في تموز؛ وكما طلقت الثانية لأنها لم تأخذ طفلها المولود جديداً إلى المدفع (أبو خزامة) لتدخل رأسه في فوهته حفظاً له من كوارث الأزمان.(5/584)
وسأرسل يا رجب أمي وأختي إلى زينب أم ليلى يخطبانها لي منها ويحذرانها من إدخال ذلك الشاب المارق بيتها وليس عليك يا ولدي غير أن تخالط سميراً فتقف على دخائله وتأتيني بالخبر اليقين، والله لا يضيع أجر المحسنين!
رجب - سمعاً وطاعة أيها السيد السند، وستعلم أني لك من المخلصين، وأرى أن يمنع سيدي قبل كل شيء بواسطة الوالي سميراً من دخول بيت زينب حتى لا تجسر على عقد الخطبة له في العاجل.
الشيخ - لا يعنيك هذا فهو واجبي وستسمع ما يكون فتقر عينك أيها الشاب الرشيد.
(ثم يقبل رجب يد الشيخ عبد الله ويخرج من حضرته).
الفصل الثاني - المشهد الأول -
صلوحة وعمشا في دار زينب
(تدخل أم الشيخ صلوحة وأخته عمشة دار زينب، فترحب هذه بهما، وتأخذ ليلى ملاءتهما وتأتي لهما بالقهوة، ثم تأخذ الفناجين الفارغة وتخرج ذاهبة إلى غرفتها الخاصة وتشير عمشا إلى أمها مفهمة إياها إعجابها بحسن ليلى الرائع)
صلوحة - أتيناك أيتها السيدة زينب خاطبتين ابنتك الجميلة ليلى لأبني الوحيد الشيخ عبد الله، ولا بد من أنك قد سمعت بمكانته عند الوالي فهو لا يقدم أحداً عليه ولا يرد له سؤالاً، شيخ ولا كالشيوخ فقد تواترت كراماته، ولم يراجعه ذو حاجة إلاَّ قضاها بولايته. وكم مرة شوهد حاجاً بيت الله الحرام، وهو لم يبرح بغداد! وكفاه فخراً أنه رئيس مجلس الأربعين الإبدال، أولئك الذين يديرون أمر العباد مجتمعين فوق جبل قاف، في كل ليلة جمعة، وسيكون لابنتك عنده الحظوة التي لم تحلم بها زوجة أحد، ثم المقام الأرفع في عليين من جنات الله يوم القيامة، وهو مالا يناله إلاَّ قليل من المؤمنين والمؤمنات!
ولا تفتكري في أزواجه، فقد طلق الكبرى قبل سنة، لإفطارها في(5/585)
شهر رمضان، والثانية، لإهمالها الطواف بطفلها المولود حول المدفع (أبو خزامة)، وأشعال شمعة له، وسيطلق الثالثة لأنها تتراخى في أداء صلوة المغرب، بحجة إطعام أطفالها، وستكون ابنتك يا زينب الزوجة الوحيدة لشيخ جليل، إذا رضي عن أحد رفعه إلى أعلى الدرجات، أو سخط عليه ألقاه في اسفل الدركات.
وهو أن كان قد تزوج ثلاث مرات، لم يزل كهلاً، لا يتجاوز سنة الشريف الخمس والأربعين سنة، وهو بكر أولادي، وقد حملته متوضئة ووضعته كذلك متوضئة، فلا غرو إذا كان طاهر الجسد والروح، قطبا تخر له الأقطاب لولايته العامة!
زينب - ليس لي أيتها السيدة كلام في مشيخة ابنك عبد الله، ولا في جاهه، وقطبيته، وكراماته! ولكني أقول لك آسفة إن ابنتي ليلى مخطوبة لفتى موظف في أقلام الحكومة، اسمه سمير وقد تم الوفاق على العقد له عليها بعد أسبوع إن شاء الله!
عمشا - (وهي تنتفض من الحرد) - لقد أفهمتك أمي إن أخي الشيخ من أهل الكشف، لا يعزب عن علمه في هذا البلد وفي غيره شئ فهو يقرأ الحوادث قبل وقوعها، بعين ولايته، وقد علم ما اتفقتم عليه من أمر العقد، وعلم كذلك أن هذا الأمر لا يتم ولن يتم في يوم من الأيام فقد يحدث، يا زينب، ما لا يخطر لك بالبال، ألم تسمعي أن سميراً هذا الذي تريدين تزويج ابنتك منه، متهم بالتفوه على جلالة السلطان المعظم فلا يبعد أن ينفى إلى بلد قاص، قبل أن يشهد عرسه فيجر الوبال عليك وعلى ابنتك! خير لك، يا زينب، أن لا تورطي نفسك وابنتك في ورطة لا مخرج منها! تمهلي في الأمر وافتكري ملياً، قبل أن يأتي ما لا يحمد عقباه! فأن السلطان، أصبح لا يرد ما يعرضه عليه أخي الشيخ، لوثوقه بصدقه من يوم عرض عليه في برقية أنه قابل سيدنا الخضر عليه السلام، وأخذ الوعد منه بإطالة عمره وتوفيقه في جميع سني سلطنته؛ وقد صدرت إرادة مولانا السلطان بتخصيص(5/586)
عشرة جنيهات من الخزينة الخاصة لأخي جزاء أخذه ذلك الوعد من سيدنا الخضر.
زينب - لا مشاحة في مقابلة أخيك الجليل لسيدنا الخضر وحظوته عند السلطان المعظم، وأني مفتكرة في الأمر قبل أن أبت فيه، وأرجو أن لا يكون إلاَّ ما فيه الخير والصلاح، (تقوم صلوحة وعمشا وتقدم لهما زينب ملاءتهما وتخرجان).
المشهد الثاني
تدخل ليلى على أمها زينب ووراءها سمير
زينب - لم أسمع في كل عمري بمثل ما كانت تهذي به هاتان المرأتان! أعرفتما لماذا جاءت هاتان السعلاتان؟ إنهما تخطبان ليلى مني للشيخ عبد الله متهددتين لي إذا امتنعت. تباً للدهر الذي جعلني مهددة من أمثال هاتين الوقحتين! تقول أمه قد شوهد الشيخ يحج بيت الله، وهو لم يبرح بغداد، وأن ابنها الشيخ، رئيس مجلس الأربعين الإبدال، ينظر في شؤون العباد، كل ليلة جمعة، في اجتماع يعقدونه فوق جبل قاف، بمثل هذه الخرافات جاءتا تخطبانك، يا ليلى، مني فما أشد حمقهما وأغرب من كل هذرهما، إنهما تعترفان بأن الشيخ كثير الطلاق لأزواجه، فهو بعد أن يشبع شهوته من امرأته، يطلقها بحجة تراخيها في الصلوة، أو إفطارها في رمضان أو عدم طوافها بطفلها المولود حول المدفع، وإشعال شمعة له، فتباً لهما وللشيخ وللمدفع! لا تضطربي يا ليلى ولا تحسبي لهذرهما ووعيدهما حساباً
فأني قد عقدت العزم على تزويجك من سمير، ولا أؤخر هذا التزويج، لتهديد مثل هاتين المرأتين النذلتين! ولن تقعي في أحضان هذا الغول الدجال - الشيخ عبد الله - ما بقي في عرق ينبض!
سمير - قد سمعنا أنا وليلى كل ما فاهت به هاتان المرأتان فقد جئت زائراً ليلى فأخذتني إلى الغرفة المجاورة، وسمعنا من شق الباب ما كان يدور بينك وبينهما من الحوار، وقد تصديت للخروج إليهما لطردهما(5/587)
من الدار لولا أن ليلى منعتني، ولا ضير يا أماه من تهديدهما! فأن الشيخ لن يتمكن من إيصال الأذى بنا إلى درجة أن يسخر من الشرع وحرية الزواج مهما بلغت فيه الشرة أو كان الوالي يحتفي به لمعرفته أنه من جواسيس (المابين) كما أنبأني به صديقي الحميم (رجب) وأني - إذا تدخل الوالي في أمر زواجي بليلى - لأبرق إلى ذات السلطان باسطاً له ما يجري في هذه الولاية من الحيف أيدي أحد ولاته الذين يوفدهم مصرحاً بأن مثل أعمال هؤلاء الولاة هو الذي يرسل الألسنة في التبرم من الحكومة ويجعل القلوب مرفضة من حول عرشه!
يقول لي رجب: أن الشيخ عبد الله هذا جد شرير فهو لا يقف دون إشباع شهوته من ارتكاب كل شنعة ولا بد من أن يحدث شئ. ولكن نفسي تحدثني بفشل الشيخ وأنه سيرجع عن تشبثاته خاسئاً مدحوراً فأن الوالي عقل من أن يتدخل فيما لا يعنيه ولو فرضنا تدخله فأتى ما يخالف الشريعة والقانون فما أحسب أن الشعب يسكت ولعل البركان ينفجر من شدة الضغط!
ليلى - إني أعاهدك يا سمير على أني أبقى عانساً إلى أن أموت، إذا منع الوالي زواجنا بما لديه من سلطان.
سمير - لا أخال يا ليلى أن الأمر سينتهي إلى هذه النتيجة العوراء مهما كانت الحكومة مستبدة ومع ذلك يجب أن نبقى على حذر.
(ثم يقبل يد زينب ويخرج)
الفصل الثالث - المشهد الأول -
رجب في حضرة الشيخ
(يدخل رجب على الشيخ في غرفته ويقبل يده ويجلس في مقعده)
الشيخ - ما وراءك يا رجب!
رجب - قابلت سميراً فأفضى إلي كعادته بكل ما حدث وفهمت منه: أنهم مصممون على السفر جميعاً إلى خارج الولاية ليتموا العقد والزفاف(5/588)
بعيدين عما يعرقل ما يبتغونه في هذا البلد.
الشيخ - (وهو يضحك) إنهم يا رجب في قبضة ولايتي هذه أينما حلوا فدعهم يصممون فيما شاءوا فأني بحوله تعالى وقوته سأحول بدون تحقق أمانيهم الباطلة وستسمع كيف أن سميراً سينال جزاء طيشه وكيف ليلى ستكون لي دون غيري بالرغم عن تمردها وتمرد أمها والشمطاء.
رجب - أنا يا سيدي الجليل واثق بكل ما تقوله وسأخدمك بكل ما أوتيت من حول وحيلة ولا أطلب جزاء لخدمتي غير كلمة عند الوالي ليرفعني في القلم المكتوبي إلى الوظيفة التي يشغلها سمير إذا عزل أو نفي فأن راتبي اليوم لا يقوم بحاجاتي وأنت سندي الذي أعول عليه بعد الله تعالى عليه في أمور دنياي وديني.
الشيخ - ستبلغ يا وليد بحوله تعالى وقوته كل ما أمنيتك فأنك من الذين يخلصون لي وأنا لا أنسى جزاء المخلصين فأذهب مطمئن البال وأرجع بما تقف عليه من أخبار ذلك الشاب سمير الخائن لسلطانه.
المشهد الثاني
الشيخ عبد الله يدخل ديوان الوالي بلحيته العريضة الطويلة وعمامته المكورة فيستقبله الوالي إلى الباب ويجلسه على مقعد في جنبه
الوالي - أتشرف بزيارتك إياي أيها الشيخ المحترم وهل من حاجة فأقضيها لك؟
الشيخ - (بصوت عال) لقد بلغ الأمر يا دولة الوالي ووكيل جلالة السلطان في هذه الولاية ببعض الشبان الطائشين أن يتعدوا حدودهم ويتطاولوا على عرش أمير المؤمنين الذي نعيش في ظله الوارف فيجسروا على الطعن فيه والثلب؛ يريدون أن يثلوه وما ذلك إلاَّ لما عهدوه فيك يا حضرة الوالي من حلم وأناة. ورئيس هؤلاء هو أحد من استخدمته الحكومة في القلم المكتوبي فمكنته بذلك من الإطلاع على أسرار الدولة في هذه الولاية ذات الشأن.
الوالي - من هو هذا الشاب الذي استخدمته الحكومة وهو يجرؤ كما تقول على(5/589)
الطعن في
عرش جلالة السلطان؟
الشيخ - هو سمير ابن المرحوم سالم بك، فأنه ألف جمعية من الشبان لبث الفساد وأخذوا ينشرون المقالات تلو المقالات في صحف مصر مملوءة انتقاداً مراً للسلطنة السنية. إنهم يا دولة الوالي يبتغون أن يكون التعليم والمحاكمات في قطرهم باللغة العربية جاعلين مطالبهم هذه مقدمة لتأسيس حكومة عربية لا صلة لها بالسلطنة العثمانية وأني لولا صداقتي لحضرتك ومراعاتي لجانبك لرفعت بنفسي تقريراً بما يأتيه هؤلاء إلى المابين الهمايوني لتصدر بتنكيلهم إرادة قاطعة فيكونوا عبرة للآخرين.
الوالي - هون عليك أيها الشيخ المحترم فأني سآمر رئيس الشرطة راسم بك أن يبذل مجهوده في تحقيق جريمة سمير فإذا ثبتت عليه نفيته إلى قاص من البلدان.
الشيخ - هل تعتقد أيها الوالي أني أقول ما ليس لي به علم؟ كلا فما أطلعتك إلاَّ على ما هو الواقع.
الوالي - معاذ الله أن أرتاب في صدقك ولكن الأوامر التي تأتيني تحظر إيقاع الجزاء على أحد إلاَّ بعد التحقيق فلا مناص منه.
الشيخ - إن هذا الشاب لم يكتف بما ينشره في مصر على الحكومة بل أخذ يتوسع في الفساد، وبث السموم حتى أدخلها في حريم العائلات وإشراك الفتيات في إثارة الخواطر. فقد أغوى فتاة في أكرم البيوتات تسمى (ليلى) وهي ابنة القائد صادق بك حتى سمعت أنه على وشك التزوج منها وإذا تم هذا القران المنحوس - لا سمح الله - كانت هذه الزوجة داعية مخوفة إلى نشر فكرة سمير الجهنمية في العائلات جمعاء ولا يعلم إلاَّ الله درجة وخامة العاقبة.
الوالي - سنتحقق هذه الجهة أيضاً وأيقن بأن مثل هذا القران لن يتم وسيلقى سمير جزاء جرأته من عزل ونفي.
الشيخ - بارك الله فيك وأخذ الله بيدك وأبقاك سيفاً قاطعاً لدأب المفسدين في أرضه.
(ثم يصافح الوالي ويخرج مشيعاً من قبله إلى الباب)(5/590)
المشهد الثالث
الوالي ورئيس الشرطة راسم بك
الوالي - قد حدث يا راسم بك أمر جلل فأن أحد الكتاب في القلم المكتوبي وهو سمير بن سالم بك، ينشر في صحف مصر بإمضاء مستعار مقالات على الحكومة السنية وعلى شخص السلطان المعظم؛ وقد ألف جمعية لبث الفساد، فيجب أن تحقق الأمر تحقيقاً دقيقاً. وأعلم أن سميراً هذا على وشك الزواج من فتاة اسمها ليلى هي ابنة المرحوم صادق بك، فقد أغواها متذرعاً بها إلى نشر أفكاره السامة بين العائلات. فضع قبل كل شئ خفراً من البوليس على دار أرملة صادق بك منعاً لدخول سمير فيها وحذر المرأة من تزويج فتاتها بهذا الفتى الطائش وأنذرها عن لساني أنها إذا زوجتها منه كان هذا الزواج شؤماً على ابنتها ووبالاً عليها.
رئيس الشرطة - سمعاً وطاعة سيدي.
(ثم يؤدي السلام الرسمي ويخرج)
المشهد الرابع
رئيس الشرطة في دار زينب يخاطبها
رئيس الشرطة - أنا يا سيدتي موفد إليك من قبل دولة الوالي، وثقيل على أن أبلغك أوامره الصارمة، وإن كانت لخيرك وخير ابنتك.
زينب - إني يا سيدي لا أفهم مغزى ما تقول فصرح لي بهذه الأوامر.
رئيس الشرطة - هي يا سيدتي أن تمتنعي بتاتاً من تزويج ابنتك بهذا الشاب الذي يسمى سميراً وأن تمنعيه من دخول دارك وقد وضعت الحكومة خفراً على الباب حتى إذا رأوه يتردد إلى بيتك أخذوه أخذ عزيز مقتدر فألقوه مكبلاً بالقيود في غيابة السجن. هذا يا سيدتي ما جئت به مبلغاً إياك من قبل آمري وهو دولة والي بغداد مجيد بك.
زينب - ما علاقة الوالي يا سيدي بآمر زواج ابنتي ممن تشاء وهل في هذا الزواج ما يمس سياسة الحكومة حتى يتدخل الوالي في أمره.
رئيس الشرطة - الآمر يا سيدتي أكبر مما تظنين؛ فأنا أنصح لك أن تمتثلي(5/591)
ما يأمر به دولة الوالي فذلك خير لك ولأبنتك وإلاَّ أصابكما ما لا تحمدانه.
(ثم يودعها ويخرج)
المشهد الخامس
ليلى وأمها زينب
ليلى - (تبكي وتخاطب أمها زينب) - أنا يا أماه لا أبكي لمنع الحكومة زواجي من سمير ولكني خائفة من إيصال الأذى إليه وأن الشيخ يا أماه هو الذي كاد لسمير هذه المكيدة فأرسلي إلى سمير حاضنتي (حبوبة) تخبره بالأمر وتحذره من المجيء إلينا ريثما تزول العسرة مخافة أن يقبض عليه فيزج في السجن.
الأم - هذا هو الرأي ولا تيئسي يا ليلى فأن الحياة لا تخلو من مثل هذه الحوادث المزعجة وعسى أن لا يصيب سميراً ما نخشاه.
المشهد السادس
حبوبة وسمير
حبوبة - أرسلتني إليك أم ليلى ترجو أن تنقطع برهة من الزمن عن زيارة بيتها خشية أن ينالك - لا سمح الله - من الحكومة سوء فأن الوالي أرسل رئيس الشرطة يمنعها متهدداً من تزويج ليلى بك وقد وضعوا على باب الدار خفراً من البوليس للقبض عليك إذا شاهدوك تتردد إلى الدار وترى سيدتي أن كل هذا من كيد الشيخ عبد الله ذلك الطامح في زواج ليلى فأصبر يا سمير على مضض الفراق حتى تنفرج الأزمة.
(ثم يبكي سمير وتبكي حبوبة وتخرج)
الفصل الرابع - المشهد الأول
سمير في حديقة البلدية
إلاَّ أنا وحدي
روض وبستان ... ورد وريحان
بلابل تشجو ... منهن ألحان(5/592)
تمشي زرافات ... حور وولدان
الكل مرتاح ... الكل جذلان
الناس في رغد
إلاَّ أنا وحدي
تزداد آلامي ... عاماً على عام
أهكذا أشقى ... في كل أيامي
فأين آمالي ... وأين أحلامي
إذا دنا حتفي ... تزول آلامي
فليس لي شئ
سوى الردى يجدي
للقوم أحقاد ... علي تزداد
كم كاد لي كيداً ... للؤم أضداد
كأن قومي عن ... نهج الهدى حادوا
إني وأن جارت ... علي بغداد
أهدي لها حبي
هذا الذي عندي
بنايتي انهارت ... تجارتي بارت
سعادتي ولت ... تعاستي زارت
جسارتي قلت ... جلادتي خارت
عصفورتي فرت ... حمامتي طارت
لقد أتى نحسي
وقد مضى سعدي
ما كنت في الماضي ... أشقى بإعراض
أبلى بإخفاق ... أمنى بانفاض
بل كنت في عهد ... للعيش فضفاض
أفديه من عهد ... عنه أنا راضي
يا حبذا الذكرى
لذلك العهد(5/593)
المشهد الثاني
رجب وسمير
رجب - فهمت يا سمير من ذلك الشيخ المنحوس الدجال عبد الله، أنه هو الذي وشى بك وأن الحكومة تتحراك في كل مكان لتقبض عليك وتنفيك من العراق. وأني أشير عليك بدافع الصداقة أن تهجر البلاد إلى مدة من الزمن، لتنجو بنفسك من ظلم الظالمين، فربما تغيرت الأمور بعد حين، فعدت إلى بلدك مطمئناً واقترنت بخطيبتك ليلى.
سمير - أخشى يا صديقي الحميم أن الوالي يضطر أم ليلى إلى تزويجها من الشيخ وحينئذ لا يبقى لي غير الانتحار.
رجب - هذا لن يكون فأن أم ليلى صلبة وهي تحب ابنتها فلا ترضى أن تزوجها من هذا الغول وهي تعرف غرامها بك ولا أحسب أن الوالي ينزل إلى هذه الدرجة من الوحشية والضلال فيجبر أماً على تزويج فتاتها ممن لا تهواه وأنت تستطيع في خارج العراق أن تكافح الوالي والشيخ بما تنشره في جرائد مصر. أما إذا سجنت أو نفيت فأنت المقيد المكموم الفم لا تقدر على الدفاع عن نفسك أو رفع ظلامتك إلى الأعتاب السلطانية ثم إلى متى تبقى أنت متشرداً تنام ليلة هنا وأخرى في غير هذا المكان بعيداً عن أمك التعسة وخطيبتك ليلى لا تعرف متى تهتدي إليك الشرطة فتقبض عليك وتلقيك في مظلم من السجون؟
سمير - إن ما تشير به علي أيها الصديق لهو الصواب وسأفعل طبقه فأن الحزم فيما تقوله.
(ثم يتصافحان ويفترقان)
المشهد الثالث
سمير على شاطئ دجلة
ظفرت بالمنى ... في ليلة هنا
في ليلة بدت ... بيضاء بالسنى
كانت سعادة ... فلم تدم لنا!
إذ كان ساكباً ... لنوره القمر
وكان تحته ... يحلو لنا السمر!(5/594)
ليلى تنيلني ... أو أجتني أنا
أجني لذاذة ... ما أطيب الجنى
فيضحك الرضى ... وتبسم المنى!
يا لهفتي على ... عيشي الذي غبر!
وحسرتي على ... أوقاته الغرر!
إذ كنت عائشاً ... في دولة الغنى
أروح رافلاً ... في مطرف الهنا
لا أشتكي الأذى ... لا أعرف الونى
قد بدل الزما ... ن الأنس بالفجر
والوصل بالنوى ... والصفو بالكدر
قد كنت واثقاً ... بالعهد بيننا
من ذا أضاعه ... أأنت أم أنا
أم الذي رعى ... هو الذي جنى
هذا الذي جرى ... ما كان ينتظر
لا عتب لي على ... الأيام والقدر
آه من الأسى ... أوه من الضنى
البين راعني ... كالغول إذ رنا
من ذا يرده ... من بعد ما دنا
للدهر لا تلم ... فالدهر ما غدر
حظي هو الذي ... من العمى عثر
المشهد الرابع
عائشا تدخل على زينب وليلى
عائشة - بربك يا زينب اسمحي لليلى أن تزور بصحبتي ولدي سميراً في فراشه فهو مريض ينتفض من الحمى وينام في بيت صاحبه (عبد السلام) وأني يا زينب خائفة أن
يموت أسى وأحسب أن سبب مرضه هو اليأس الذي استحوذ عليه أخيراً؛ وقد أتينا سراً بطبيب يداويه ويخيل إلي أن خير دواء(5/595)
لشفائه هو لقاء ليلى التي لا يفتأ يذكر اسمها وهو في سورة الحمى.
ليلى - اسمحي لي يا أماه، أن أعوده، صحبة عمتي السيدة عائشا فأن قلبي يكاد ينفطر لخبر مرضه.
زينب - اذهبي يا إبنتي، وليكلأك الله بعينه.
(ثم تخرج عائشا وليلى بعباءتين كما هو العادة في بغداد)
المشهد الخامس
تدخل ليلى الغرفة التي ينام فيها سمير فيجلس سمير في فراشه، ويمد يده إلى ليلى منشداً.
ليلى سليني
رأسي مصدوع! ... عظمي مخلوع!
قلبي مكسور! ... روحي ملذوع!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
أيامي جارت! ... آمالي انهارت!
أفراحي غاضت! ... أحزاني فارت!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
قد ألقى يأسي ... ناراً في نفسي!
أعدائي دسوا ... سما في كأسي!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
أشقائي دهري ... في شرخ العمر!
لي هم جم ... يغلي في صدري!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
قلبي ما قلبي ... يهفو في جنبي!
إني من أحزا ... ني قاض نحبي!
ليلى سليني!
ليلى سليني!(5/596)
ماذا أدلاجي ... في ليلي الداجي!
إني يا ليلى ... لم أبلغ حاجي!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
هدوا أركاني ... يا للحرمان!
ليلى ما أشقا ... ني ما أشقاني!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
ويلا يا ويلا ... ما أقوى السيلا!
إني مفجوع! ... سليني ليلى!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
(تبكي ليلى ثم تمسح عينيها وتخاطب سميراً)
ليلى - إن حاجتي إلى أن تسليني ليست دون حاجتك إلي لا سليك فلا تفرط يا سمير في اليأس فأنه قاتل! وهل عندك ريب في إني لا أتزوج من غيرك! وأن قطعوا لحمي وخلعوا عظامي وإذا كان جسمي بعيداً عنك فأن روحي تحوم حولك كما تحوم الفراشة حول الزهرة اليانعة! وأصبر فأن الأيام تنقلب وإلى اللقاء يا سمير.
(ثم يتعانقان وتخرج ليلى)
المشهد السادس
حبوبة تدخل على زينب وليلى
حبوبة - لقد تماثل سمير بعد عيادة ليلى له في دار صاحبه عبد السلام وقد لاقاني اليوم في طريقي إلى الدار متنكراً وأعلمني إن قد صحت عزيمته على مغادرة العراق ليبرق في خارجه إلى السلطان شاكياً إليه ما حاق به من الحيف وهو مؤمل أن ينال من وراء ذلك حريته فيعود ويتزوج برغم أعدائه ثم أنه يرجو لقاء سيدتي ليلى مرة أخرى في دار صاحبه عبد السلام قبل سفره فأنها بمعزل عن أنظار الشرطة.(5/597)
ليلى - يعز علي يا أماه أن يسافر سمير ولا أذهب لوداعه فرخصيني أن أذهب إليه الليلة مع حاضنتي حبوبة.
زينب - أذهبي يا ابنتي ولا تبطئي العودة فأني أخشى عليك من أن يلحظ أحد الشرطة دخولك بيت عبد السلام أو خروجك منه فيقبض على سمير.
الفصل الخامس - المشهد الأول
ليلى وسمير
سمير - (يخاطب ليلى)
عانقيني فبعد هذا الفراق ... ما أرى يا ليلى لنا من تلاق!
عانقيني فليس من بعد صدع ... الدهر بالبين شملنا من عناق!
عانقيني فلست أحسب أنا ... نتلاقى من بعد هذا الفراق
عانقيني فقد دنا البين منا ... عانقيني فالبين مر المذاق
عانقيني فلست أعلم ماذا ... في طريقي إذا رحلت ألاقي
(يتعانقان ويبكيان بكاء يمثل ما بقلبيهما من لوعة وأسى)
ليلى - سر يا سمير الطائر الميمون وأعلم بأني سأنتظرك في الأرض فأن بخلت الأرض علي بك انتظرتك في السماء ولا أخال السماء تضن بك علي سر أيها الحبيب وعد إلي بعد قليل وإلى اللقاء اللقاء.
(ثم تخرج من عنده ليلى وهي باكية)
المشهد الثاني
يدخل عبد السلام على سمير
عبد السلام - الليل يا سمير مظلم والفرس معدة لك فسر على بركة الله وإذا احتاجت إلي أمك أو أم خطيبتك فأني مستعد لكل خدمة ولكن قل لي يا سمير كيف كانت مقابلتك لليلى؟
سمير:
لا تسل عني حين مدت يداً تر ... جف ليلى والدمع ملء المآقي
إذ تعانقنا ساعة وبقلبي ... حذر البين مثل نار حراق
فيد للوداع في جيد ليلى ... ويد فوق قلبي الخفاق(5/598)
بقيت أيدينا ونحن حيال ... البين مشبوكة على الأعناق
ولقد أجهشنا كما تجهش الأط ... فال ما أن شبوا عن الأطواق
وكأن النجوم لما بكينا ... كن يبكيننا من الإشفاق
وتعاطينا قبلة هي منها ... كل زادي في رحلتي وانطلاقي
وافترقنا فيا لها ساعة تأ ... ثيرها في نفسي إلى الموت باقي
(ثم يودع سمير عبد السلام ويخرج)
المشهد الثالث
الوالي ورئيس الشرطة
الوالي - قد وردتني برقية رمزية من رئيس الكتاب في المابين الهمايوني يبلغني فيها إرادة مولاي السلطان أن أكف عن تعقب سمير ولا أمانع من تزويجه بخطيبته والظاهر أنه أبرق من خارج العراق يشكوني إلى السدة السنية وليس لي الآن إلاَّ الخضوع، ولكني سوف أنتقم من سمير وسأجد وسيلة للبطش به فضعه تحت مراقبة شديدة فإذا بدا منه ما يريبني قبضت عليه وكتبت إلى المابين الملكي أنه لم يرجع إلى طريق الصواب مع ما عفي عنه.
رئيس الشرطة - الأمر لسيدي وسأنبه أفراد الشرطة أن لا يتعرضوا له إذا رجع.
(ثم يؤدي السلام ويخرج)
المشهد الرابع
لقاء سمير وليلى
يتعانقان ويبكيان من الفرح ثم يتعانقان ويبكيان
ليلى - أحمد الله على رده إياك إلي سالماً.
سمير - حبك يا ليلى هو الذي منحني القوة فغلبت أعدائي وفزت بك بعد أن كدت أقضي من اليأس.
(تدخل عائشا أم سمير، وزينب أم ليلى، وتهنئان سمير وليلى)
عائشا - لقد اجتمع والحمد لله شملنا وأرى أن نتم السرور بتسريع العقد لسمير على ليلى في غد ففي التأخير آفات.
زينب - وأنا أيضاً أرى رأيك.(5/599)
سمير - إن والدتي قد تكلمت تعبر عن فؤادي فيا حبذا ما اقترحته ويا حبذا غد!
زينب - غداً نعم غداً ولنستعد للأمر ونوزع أوراق الدعوة.
المشهد الخامس
رجب وسمير
رجب - أهنئك يا صديقي على ما نلته من الفوز بخطيبتك بالرغم عن الوالي وذلك الشيخ المنحوس فقد صدرت الإرادة السلطانية بالعفو عنك واقترنت بليلى الجميلة فأنت السعيد.
سمير - ما كان ما تهنئني به إلاَّ نتيجة البرقية التي رفعتها في حلب إلى السلطان عبد الحميد أشكو فيها الوالي والشيخ الذي كان طامعاً في خطيبتي وأنا اليوم كما تقول يا رجب سعيد كل السعادة في جنب زوجتي ليلى وقد تم العقد بسهولة فلا الوالي عارض ولا الشيخ أزعج.
(ثم يتفارقان)
المشهد السادس
رجب والشيخ
يدخل رجب على الشيخ ويجلس إليه بعد تقبيل يده
الشيخ - ما أثمرت يا رجب كل مساعينا إلى الحصول على ليلى فأن شيطان سمير كان قوياً يمده حتى أحرز تلك الدرة الثمينة التي كنت أريدها لنفسي وأعلم بأني منتقم من سمير في يوم وسيكون انتقامي شديداً.
رجب - لا أشك في مقدرتك يا سيدي وأني لا أستطيع أن أخدم انتقامك العادل منه فقد مهرت في تقليد خط سمير مهارة فائقة إلى درجة أن يشتبه هو نفسه فيه! ولا أسهل من أن أحرر نشرة بخطه أحض فيها الشباب على الثورة باسم الحرية فإذا ثبت لدى التحقيق أن الخط خطه - وأنا واثق - كان ذلك برهاناً على جريمته ولما كان الوالي مثل سيدي ظمآن إلى الانتقام منه لا يتأخر عن عرض جريمته هذه الأخيرة على السدة السنية واستحصال إرادة قاطعة في نفيه وسيكون ما أتهم به قبلاً من مؤيدات تجريمه هذا.
الشيخ - بورك فيك وما فكرتك هذه أيها الولد الصالح إلاَّ إلهام من الله تعالى ولما كانت الغاية تبرر الواسطة فلا تثريب عليك فيما تفعله وسأكافئك على خدمتك هذه مكأفاة لا تحلم بها!(5/600)
رجب - غداً ستسمع أن الناس يقرءون على باب جامع السراي نشرة فيها إثارة للشعب على الحكومة ونيل من كرامة السلطان الأعظم مكتوبة بخط سمير.
الشيخ - اذهب يا ولدي وأعمل كما افتكرت وأنت الموفق.
(يقبل رجب يد الشيخ ويخرج)
المشهد السابع
الوالي ورئيس الشرطة
رئيس الشرطة - قد أسفر يا مولاي التحقيق عن كون خط النشرة الشريرة هو خط سمير فما أكفر هذا الشاب بالنعمة! لقد عفا جلالة السلطان عنه قبل شهرين فما زاده العفو إلاَّ غروراً واسترسالاً في العداء لسلطنته السنية!
الوالي - اقبض عليه يا بك وأسجنه في هذه الليلة وسأبرق إلى المابين الملكي وأستحصل بعد غد الإرادة بنفيه إلى سيواس.
رئيس الشرطة - سيتم الليلة ما تأمر به يا سيدي.
(ثم يؤدي السلام ويخرج)
المشهد الثامن
ليلى بعد نفي سمير
لقد أخذوا ليلاً سميري من جنبي ... ولم يسألوا قلبي ولم يرحموا المحبي
وأقصوه عني قطع الله قلبهم ... كما قطعوا من غير أن يشفقوا قلبي
يحف لدى أقصائه بحرابهم ... كما حفت العين البصيرة بالهدب
كأن النوى لا بارك الله في النوى ... شواظ من النيران يكوى به جنبي
وأن الهوى في البعد إن كان صادقاً ... كمثل الهوى يا أم يلذع في القرب
سلام على سيواس أن هي أنزلت ... حبيبي سميراً يوم وافى على الرحب
فيا نجم سيواس على أفقي التمع ... ويا ريح سيواس على كبدي هبي
وأكرم بسيواس إذا هي أرجعت ... إلي سميراً وهو يهتز كالعضب
وأن سميراً - رده الله - حاجتي ... وأن سميراً - لا فجعت به - أربي
بدا في ربيع من حياتي كأنه ... وقدر اقني زهر بطل على العشب(5/601)
سباني لما بان لي بجماله ... وأي جميل مثله لم يكن يسبي
فلهفي عليه، ثم لهفي قد ثوى ... بسيواس منزوعاً من الأهل والصحب!
ولو كان في حوزي جناح يقلني ... لطرت إلى سيواس في غفلة السرب
فكنت لسيواس بيومي هابطاً ... وليس بلوغ الطير سيواس بالصعب
وللناس يا أماه في كل بقعة ... خطوب، ولكن تلك أهون من خطبي!
ترين جليا ما أقاسيه من أسى ... أذوب به يا أم في دمعي السكب!
لعل البكى إن ظل يسعفني البكى ... يبرد من نار تأجج في قلبي!
أرى كل جرح سوف يرأب فتقه ... وليس لجرح في أنهر من رأب!
وهل تجمع الأيام بيني وبينه ... فحسبي الذي قاسيته في النوى حسبي!
ولولا رجائي عودة بسلامة ... لكنت من الأحزان قاضية نحبي!
وإن حالت الأيام دون لقائنا ... يطول عليها ثم لا ينقضي عتبي!
لقد كانت الأقدار قبل قسائها ... يسالمنني واليوم يلححن في حربي!
ذهبي إلى الوالي أبث ظلامتي ... فكان فؤاد الشيخ كالحجر الصلب
وما الذنب ذنب المستبد بحكمه ... ولكنه ذنب الرجال من الشعب
فلو لم ينم عن حقه الشعب مغضيا ... لما كان ذو السلطان يسرف في الغصب
عبادك يا رباه في الأرض قد قسوا ... وانك ذو لطف ففرج به كربي
المشهد التاسع
الطبيب في غرفة ليلى
زينب - أترى الخطر كبيرا يا دكتور، فان إغماءها قد طال وخير لي أن تصرح بما يهديك إليه الفن فإن العلم بمصير ابنتي يعين لي مصيري.
الدكتور - أجل يا سيدتي، أخشى أن يكون الخطر كبيرا، فان الولادة كانت عسيرة وقد نزف منها دم كثير زادها ضعفا على ضعفها من جراء حزنها الطويل على نفي زوجها سمير، وهي الآن مغمى عليها، والحمى شديدة وستفيق من غيبوبتها بعد نصف ساعة ولا تنسي أن تسقيها من الدواء الذي رتبته ملعقة في كل نصف ساعة.
زينب - ويلي ثم ويلي! قل بربك يا دكتور ماذا اصنع إذا لم تفق من غيبتها.(5/602)
الدكتور - لابد من أن تفيق وسأعودها بعد ساعة فربما بان لنا أمل فالله قادر.
(يخرج الطبيب وتفيق ليلى بعد ربع ساعة)
الفصل السادس - المشهد الأول
ليلى ساعة موتها وهي مسندة في فراشها ظهرها إلى أمها
لقد كنت أرجو:
لقد كنت أرجو أنني يا سمير في ... جوارك أحيا ثم أنك مطلق
وقد كنت أرجو أن نكون من الردى ... بعيدين يرعانا الغرام الموفق
نعيش معاً في ذمة الحب بيننا ... سعيدين لا نأسى ولا نتفرق
وقد كنت أرجو أن تكون بجانبي ... إذا أخذت نفسي من الجسم تزهق
وقد كنت أرجو أن أرى ابني بأعيني ... يشب ومنه الخد ريان مشرق
وقد كنت أرجو أن أغني باسمه ... فيبتسم لي طورا وآخر يرمق
وقد كنت أرجو أن أشاهد خوطه ... على رقبة مني يطول ويسمق
وقد كنت أرجو أن أراه فتى له ... من العلم ما يسمو به ويحلق
ولولا بقايا من رجاء يطوف بي ... لما كان عندي بالحياة تعلق
ولكنما قد حان حتفي لشقوتي ... فإني أراه من قريب يحملق
فيا أن هاتي ابني فأني أريد أن ... أقبله من قبل حتفي يسبق
علي به أماه كيما أضمه ... إلى الصدر والقلب الذي فيه يخفق
إذا عاد يا أماه بعد منيتي ... سمير فعزيه على الرزء يرهق
وقولي له كانت برغم عذابها ... بذكرك ليلى ساعة الموت تنطق
غداة غد يا لهف نفسي على غد ... سأودع قبرا شق والقبر ضيق
(ثم تأتي أمها بابنها فتقبله ليلى وتفيض نفسها ويسقط رأسها)
المشهد الثاني
زينب - على قبر ابنتها
نبتت مثل زهرة الأقحوان ... في ربيع الهوى بروض الأماني
نبتت فيه وهي ذات ابتسام ... فسقيت ابتسامها بحناني
كلما طال خوطها بشرت قلبي ... بقرب أتساقه العينان(5/603)
كم ضممت ابنتي إلى الصدر مني ... أبتغي أن أردها لجناني
وشممت السوالف الغر منها ... أتسلى بها من الأشجان
ثم أبعدتها لأنظر فيها ... ثم أدنيتها إلى أحضاني
ثم أجلستها إلى الجنب مني ... ثم قلبت شعرها ببناني
ثم كلمتها فردت كلامي ... بابتسام تلوح فيه المعاني
ثم قبلتها بملء شفاهي ... ثم غذيتها بمحض لباني
ابنتي زهرتي فيا ربي أحفظ ... زهرتي من كوارث الأزمان
يا ابنتي أنت سلوتي ورجائي ... وسراجي في ليلة الأحزان
حلمي أنت في منامي وذكري ... حين أدنو من يقظتي في لساني
ابنتي قد ترعرت فهي تلعب ... كطلى في جنبي وتأتي وتذهب
تتنزى من النشاط أمامي ... فهي تحكي حمامة تتقلب
وهي مثل الغزال تشدو ورائي ... ببغام له فؤادي يطرب
خفة تطرب النفوس وصوت ... يستبي حسنه القلوب وينهب
وعيون ترنو العيون إليها ... شاخصات ووجنة تتلهب
وراء في الخد منها جميل ... فهو ماء مصفق ليس ينضب
تلع الجيد فوق قد رشيق ... زانه الشعر مرسلا يتذبذب
وإذا ما مشت معي في طريق ... سألتني عن كل شيء ومطلب
ابنتي هذه خلاصة نفسي ... فهي مني مثل الحياة وأطيب
رب صنها حتى تكون فتاة ... ثم أما ترعى ابنها ليهذب
ابنتي قد شبت مع الأيام ... فهي اليوم مثل بدر التمام
أنجزت من دروسها ما به أمتا ... زت على الكل من بنات الكرام
وفشا صيت حسنها يتمشى ... مع ذكر العفاف بين الأنام
خصها الله في الورى بمزايا ... أكبرتها فراسة الأقوام
عفة سرت الوقار وطهر ... ذكر الناس أمره باحترام(5/604)
خلق البارئ المصور للخل ... ق ابنتي من وداعة وسلام
ابنتي زهرتي التي أنا ألهو ... عن كروبي بها وعن آلامي
ثم زفت إلى كريم عروسا ... ما بها من غميزة أو ذام
وبدا حملها فقلنا جميعا ... أثمر الغصن فهو ذو أكمام
وحمدنا على المسرات دهرا ... كان قبلا لنا الد الخصام
ثم أنا قد انتظرنا فجاءت ... بعد تعداد أشهر بغلام
وضعته وبعد أن وضعته ... أغمضت عينها كما في المنام
رقدة قد طالت وطال انتظاري ... لانتهاء يأتي لها وختام
يا ابنتي الشمس أذنت بالشروق ... فأيقظي من هذا الرقاد العميق
يا ابنتي يا ابنتي صديقتك ... الشمس استفاقت من نومها فاستفيقي
والعصافير يا ابنتي تتغنى ... للضحى فوق كل غصن رشيق
والأزاهير للعصافير ترنو ... باسمات عن لؤلؤ وعقيق
ومياه العيون تمشي الهوينا ... فوق ظل تحت الغصون رقيق
وعلى الماء يا ابنتي ورقات ... هي ما بين عائم وغريق
ليس في الروض غير قلب خفوق ... لأمانيه ووجه طليق
يا ابنة القبر أمك القبر تأتي ... ما ينافي محبة الأمهات
أمك القبر لا تصون كما أر ... جو ملاحات تلكم الوجنات
يا ابنة القبر أنت من بعد حين ... يا ابنة القبر في بعض الرفات
لهف نفسي عليك من وحشة الق ... بر ومما في القبر من ظلمات
غرفة تحت حفرة الأرض لا يد ... خلها النور من جميع الجهات
غرفة حالت الصفائح فيها ... بين وجه الإنسان والنسمات
أن نفسي عليك يا أنس نفسي ... ذهبت أي وربها حسرات
أيها القبر هل علمت بأني ... قبل موتي دفنت فيك حياتي
عبراتي عليك تهمي ولكن ... أنت لا تستفيد من عبراتي(5/605)
المشهد الثالث
زينب - (تحدث نفسها) مضى على نفي سمير سنتان، وقد أعلن الدستور وسمعت أنه عائد إلى بغداد فماذا يكون حاله إذا رأى أن الدار خالية من حبيبته ليلى؟
المشهد الرابع
(يدخل بغتة سمير فيرى زينب تداعب طفلاً جميلاً ويقلق لعدم رؤيته ليلى)
زينب
ماتت عروسك يا سمير ... فاليوم يحضنها الحفير
ماتت فمات من الأسى ... في نفسي الأمل الكبير
ما كان في فمها سوى أس ... مك وهي نازعة يدور
أني أنا الثكلى وأنت ... الأرمل الكلف الحسير
قد غادرتني لليالي ... السود ليس بهن نور
ولقد بكيت شبابها ... مفجوعة وبكى العشير
ولقد تقصف حين أز ... هر ذلك الخوط النضير
ماتت وأبقت بعدها ... طفلا ملامحه تنير
ولقد يلاقي جبره ... يوما به القلب الكسير
ومشى وراء النعش عن ... د مسيره الجم الغفير
ومضى يشيعه رجال ... الحي والدمع الغزير
وركضت أتبع نعشها ... والنعش مرتفع يسير
فسقطت بعد خطي على ... وجهي وزايلني الشعور
ما زارني من بعد ... ليلى قط في بيتي السرور
كلا ولا طابت لي ... الأرواح والماء النمير
يقبل سمير ابنه باكياً ثم يخرج)
المشهد الخامس
سمير على قبر ليلى
هل ما أراه قبر ليل ... ى ماثلا يبدو أمامي
كذبوا فإنك في ظلا ... م القبر يوما لم تنامي
بل أنت مثل البرق ها ... جعة بأحشاء الغمام(5/606)
بل أنت في النجم المض ... يء وأنت في البدر التمام
في الصبح في زهر الر ... بيع إذا تفتح للغرام
ولعلهم صدقوا فإن ... الناس أجمع للحمام
أني أتيتك زائرا ... فعليك يا ليلى سلامي
هل تسمعين إذا بثث ... تك ما أكابده كلامي
لهفي عليك حبيبتي ... متروكة تحت الرغام
قد كنت تقلين الظلا ... م فما رقادك في الظلام
ليلى لعلك قد برم ... ت على البسيطة بالزحام
فتخذت تحت الأرض مث ... وى فيه نمت مع النيام
أن الأسى ليدب بي ... ن اللحم مني والعظام
ما كنت أحسب أن تحو ... زك غيلة أيدي الحمام
في القلب أحزان تكا ... د تشق قلبي كالسهام
آه فقد صار الذي ... كنا نشيد إلى انهدام
لم يبق لي إلاَّ خيا ... لك من أبث له غرامي
ما زال طيفك ماثلا ... لي وهو ينظر في ابتسام
سيظل طرفي هاميا ... يسقي ثراك على الدوام
ويظل قلبي خافقا ... مما يقاسي وهو دامي
(تمت الرواية)
بغداد في 10 تموز سنة 1927
يغنى في الختام بالنشيد الآتي:
يا بلادي
أسفر الصبح جميلا ... وتجلى وتنفس
ولقد جن طويلا ... قبله الليل وعسعس
يا بلادي يا بلادي ... حبذا أنت بلادا
لك أخلصت ودادي ... فأقبلي مني الودادا(5/607)
أنت أن ثارت شجوني ... لي بسلوان كفيله
أنت أن أغفت عيوني ... مهد أحلامي الجميلة
لك نخل وظلال ... فيك أرواح الجنان
لك البحر اتصال ... فيك يجري الرافدان
منك لحمي وعظامي ... ودم يسقي عروقي
بك قد نلت مرامي ... فيك قد صنت حقوقي
بك عزي فيك أنسي ... منك حولي في جدالي
وسأفديك بنفسي ... وبأهلي وبمالي
فيك أجداث جدودي ... تتراءى نخرات
منك أحرزت وجودي ... بك قد نلت حياتي
كنت لولاك شريدا ... ليس لي في الأرض مأوى
لم أزل فيك سعيدا ... أشرب العذب وأروى
أنا نجل بك بر ... أنت لي أم حنون
أنا حر أنا حر ... لك أرعى وأصون
أسعدي أنت فأني ... لك أرض بشقائي
بك أشدو وأغني ... في صباحي ومسائي
حبذا ليلك تبدي ... زهرها فيه السماء
حبذا يومك تهدي ... ضوءها فيه ذكاء
لك يا أرض بلادي ... بعد ربي الملكوت
لك أدعو وأنادي ... لك أحيا وأموت
لك يا منبت غرسي ... نزعاتي رغباتي
لك يا مسقط رأسي ... بدواتي عدواتي
ملك للشعب فيصل ... ساس بالرأي الحصيف
فعلى التاج المعول ... وعلى العرش المنيف
يا أبا الشعب سلام ... يا أبا الشعب عليكا
إنما الشعب حسام ... ذو مضاء في يديكا(5/608)
كتب تطبع
أني أشكر الله على أني تركت في العام المنصرم أمور التجارة لا تفرغ كل التفرغ للعلم والأدب. وحالما ودعتها أخذت بإتمام ما كنت قد شرعت فيه من ديواني الطفيل والطرماح. ولقد طبع المتن والشرح قبل الحرب فلا يمكنني اليوم أن أصحح فيهما ما عن لي بعد ذلك وما حققته بعد الإطلاع على عدة كتب وقعت بيدي.
ولقد انتهيت من مراجعة نص كتاب (التيجان) وهو أقدم (كتاب) عربي وصل إلينا في هذا العهد. والذي أراه أن هذه الصحف من وضع وهب بن منبه المتوفي سنة 110هـ (728م) وقد حرره عبد الملك بن هشام (راجع لغة العرب 5: 540). ويسوءني أن أقول أن المخطوطات الثلاثة التي وجدتها واعتمدت عليها هي في حالة يرثى لها من التصحيف والتحريف الواقعين من أقلام النساخ المساخ ولا سيما ما وقع في أبيات الشعر الواردة في ذلك السفر النفيس، وهي أبيات طويلة عريضة موضوعة في الغالب ثم جاء ابن هشام فزاد عليها من عنده أبياتاً أخرى فآضت تلك الكلم مبهمة فوقها ظلمات، وتحتها ظلمات، وتحف بها ظلمات، فهي ظلمات، في ظلمات، في ظلمات.
على أن هذا الكتاب يبقى دائماً رفيع المقام عند كل أديب مهما كانت منزلته وبأي فرع من فروع العلم أشتغل وذلك لأنه كان المنبع الأول الذي استقى منه المفسرون لتأويل بعض آي القرآن. ولهذا ترى الهمداني قد نقل في إكليله جميع (القبوريات) الواردة فيه عن أفيال اليمن دون تفلية أو نقد. - وقد نقلت إلى الإنكليزية مختصر تلك القصص وسوف تنشر في المجلة المعنونة (بمجلة الإسلاميات) الإنكليزية التي تصدر في حيدر أباد.
وبعد أن أتم ما ذكرته هنا، أعني بإتمام (الدرر الكامنة) الذي كنت قد تركته موقتاً لختم إصلاح كتاب التيجان. والجزء الأول من كتاب الدرر يحوي نحو 2. 500 ترجمة وقد عارضتها بثلاث نسخ منها اثنتان حسنتان. وقد انتهيت من مسح القلم من الجزء الأول للذكور وأنا على وشك أن أرسل به إلى ديار الهند حيث يطبع.
بكنهام (إنكلترة): ف. كرنكو(5/609)
أسماء البصرة
للبصرة أسماء كثيرة في التاريخ. والذين يعرفونها قلل منها:
(تردن) أو (تردم) (بتاء مفتوحة وراء مهملة مفتوحة يليها دال غير منقوطة وفي الآخر نون) وقد وردت في بعض اللغات بميم في الآخر وهي باللاتينية، وباليونانية. وقالوا عنها أنها مدينة من مدن بابل (أي العراق) ذكرها ديونسيوس الراشد الكرخي من اليونانيين (وهو مؤرخ فرغمي المحتد، كرخي الإقامة، والمراد بالكرخ هنا مدينة قديمة تقوم على أنقاضها اليوم المحمرة وذكرها أيضاً أليان السوفسطي وهو من أبناء القرن الثالث بعد المسيح وذكر هذه المدينة في كتابه الموسوم (بطبيعة الحيوانات) في موطنين أي في (5: 14 و 17: 1).
وذكرها من كتاب اللاتين بلينيوس. والسلف منا عرفها باسم (تدمر) وهو قلب (تردم) كما أن أحد الغربيين قلب تردون بصورة دردوتس إذ من أسماء البلاد ما هي عرضة للقلب والإبدال والتصحيف. ومثل هذا في لغتنا أكثر من أن يحصى وكذلك في أعلام الرجال.
ولم نجد في كتب البلدان العربية من ذكر (تردم) أو مقلوبها (تدمر) بمعنى (البصرة). إلاَّ أننا وجدنا صاحب تاج العروس يقول في مادة بصر: (البصرة بلد معروف، وكانت تسمى في القديم (تدمر) و (المؤتفكة) لأنها ائتفكت بأهلها أي انقلبت في أول الدهر، قاله ابن قرقول في المطالع ويقال لها (البصيرة) بالتصغير. وقال السمعاني: يقال للبصرة: (قبة لإسلام)(5/610)
و (خزانة العرب) اه.
قلت: ومن أسمائها (الرعناء) لاختلاف هوائها في النهار الواحد وهي مؤنث الأرعن أي وعقل الأرعن يختلف باختلاف الحالات والساعات.
ومن أسمائها (الخريبة) بالتصغير - (والكلاء) (وزان جبار) وكان اسمها عند الفرس الأقدمين (وهشتاباذ أردشير) كما ذكر ذلك ياقوت في مادة خريبة.
(طوز خرماتى)
-
صقع طوز خرماتى، أغنى أصقاع العراق بنفطه الفاخر وهو ينز من الأرض في فسحة يزيد طولها على ميل ممتدة على الضفة اليمنى من النهر. وقد رسبت فيه طبقات من الكفر (الإسفلت) في عدة مواطن وتختلف ثخانة هذه الطبقات من 12 إلى 15 قدماً. والأحوال في هذا الصقع ملائمة لثقب الأرض أو حفرها ولكن المقادير المستخرجة من النفط كانت مقصورة على طاقة الأهالي؛ وذلك لما هناك من حالة الهواء ووسائل النقل التي هي في غاية السذاجة. أتعلم بأي شئ كانوا ينقلون تلك المادة السائلة النفيسة؟ - كانوا يضعونها في الزقاق ثم ينقلونها على ظهر الدواب ولم يجدوا لهم وسيلة أخرى آمن منها ولا أقل نفقة. فكأن أهالي تلك الربوع لا يعيشون في صدر القرن العشرين.!
(نفط هيت والرمادي)
في هيت والرمادي عدة منابع للقير وقد نشأ منه في أحد الأماكن بحيرة يبلغ محيطها نحو ميلين وهذا القير مشهور في التاريخ منذ عهد الشمريين والبابليين.(5/611)
فَوائِد لُغَويَةُ
البستان للبستاني
-
البستان وما أدراك ما البستان؟ البستان: معجم (لغوي) تأليف الشيخ عبد الله البستاني اللبناني، طبع بالمطبعة الأميركية في بيروت وظهر جزأه الأول في أواخر سنة 1927. وعدد صفحاته 1381 بقطع الربع وكل صفحة في عمودين. وكلمة كل مادة جديدة مكتوبة بحرف مشبع حبراً يتقدمها نجم وما تفرغ من تلك المادة مكتوب بذلك الحرف وموضوع في رأس السطر. والشرح متأخر عن الكلمة بشيء ليظهر الفرق بينها وبينه والورق والطبع والحبر من أجود ما يكون. هذه مزاياه الخاصة به دون غيره.
وهل هو أحسن مما ألف في هذا الموضوع؟ - ذلك سؤال لا نريد أن نجيب عنه إلاَّ بكل إخلاص فنقول:
تصفحنا هذا السفر الضخم بسرعة البرق لأن أحد الأدباء أعارنا إياه ومع تصفحنا إياه بهذه السرعة وجدنا صاحبه لم يأتنا إلاَّ بنسخة ثالثة من محيط المحيط للمعلم بطرس البستاني (لأن النسخة الثانية هي أقرب الموارد للشيخ سعيد الشرتوني) لكنها نسخة متوسطة الحجم وأحسن طبعاً من النسخة الأم. وقلنا: نسخة ثالثة من محيط المحيط لأن أغلاط هذا المعجم موجودة، أو أغلبها موجود في نسخة (البستان) وقد نزع منها بعض الأوهام، لكنه سقط في أوهام أخرى. إذن لا يجد أرباب البحث شيئاً طريفاً في المعجم الجديد، مع كل ما سمعنا عنه تزميراً وتطبيلاً، فقد جاءت الحقيقة نازعة كل أمل من الصدور، ونحن نذكر هنا ما بدا لنا أنه يخالف العلوم وما أثبتته. ولو ذكرنا كل ما عثرنا عليه من الأوهام في بضع ساعات لوجب علينا أن نضع كتاباً ضخماً ككتابه لإثبات ما رأيناه منها، لكننا نجتزئ بما ينطوي على غر هذه المجلة. فنقول:(5/612)
1 - مخالفته لأصول الصرف
ذكر في مادة زرف: الزرافة وجمعها على زرافي (كبراري) أو زرافى (كسكارى) (بإهمال
الياء) وزرافات وزرائف. قلنا: وقد تبع في ذلك كله صاحب محيط المحيط الذي تأثر في هذا الجمع الغريب فريتغ في معجمه، وفعالة لا تجمع على فعالي بتشديد الياء أو بإهمالها. إلاَّ أنها وردت في كتاب عن تاريخ الحبشة ألفه أحد العوام فعثر عليه فريتغ فقرأها بالصورتين اللتين ذكرناهما أما الزرافات والزرائف فمن المقيسات وصاحب محيط المحيط كان يؤمن إيماناً أعمى بما كان يكتبه فريتغ فهفا هفواته وجاء شيخنا عبد الله فلم يصلح ما أفسده نسيبه.
وذكر في س ن و: المسناة ج مسنوات وهو شاذ والقياس مسنيات. قلنا: ما قال أحد هذا القول سوى البستاني نسيبه وهو غلط ظاهر والصواب مسنيات كما هو مشهور وفي الأسفار مذكور.
وقال في مادة صنع: قوم صنعي الأيدي (كسكرى) وصنعي الأيدي (كمعزى) وصنعي الأيدي (بضمتين) وصنعي الأيدي (بفتحتين) وأصناع الأيدي (كأحمال) أي حذاق في الصنيعة ثم فسر الصنيعة بالإحسان. ولم يذكر مفرد الجموع الخمسة المذكورة. - قلنا كل ذلك منقول بحرفه وغلطه وسقمه عن محيط المحيط ثم زاد من عنده غلطاً جديداً لم يكن في الأصل الذي نقل عنه وهو قوله: في الصنيعة والصواب في الصنعة أي الصناعة لا الإحسان ولا معنى للحذق في الإحسان. وأما تصحيح العبارة فيجب أن يكون هكذا: (رجل صنع اليدين بالكسر وبالتحريك وصنيع اليدين وصنعهما: حاذق في الصنعة من قوم صنعي الأيدي، بضمة، وبضمتين، وبفتحتين، وبكسرة، وأصناع الأيدي) (عن الفيروزابادي وابن مكرم والسيد مرتضى في التاج). ونحن لا نريد أن نتسع في هذا المجال لأن لا تخلو صفحة من مثل هذه الأوهام التي يؤسف على وجودها في مثل هذا السفر.
2 - زيادته أغلاطاً على أغلاط نسيبه
لم يكتف حضرته بأغلاط محيط المحيط فجاءنا بأغلاط جديدة لا تخلو صفحة من كتابه. فقد ذكر البستاني الكبير البرنجاسف (بالسين) فقال هو(5/613)
برنجاشف بالشين المعجمة. وبفتح الأول والثاني وما ذلك إلاَّ لأنه رآها في تاج العروس حيث وردت بالشين المعجمة حقيقة. لكن وردت هناك من باب الخطأ في الطبع. والدليل إن صاحب التاج يقول بعد مادة برنف: برنجاسف بالكسر ويقال باللام بدل الراء: ضرب من القيصوم. . . وقد ذكره المصنف في
ح ب ق. اهـ. وفي مادة حبق يقول؛ حبق الراعي: البرنجاسف. وضبطها بالقلم بفتح الأول والثاني وإسكان الثالث وبكسر السين المهملة. وكذا وردت في جميع النسخ المخطوطة والمطبوعة من القاموس. ولذا تراه غلط ثلاث غلطات في كلمة واحدة الأولى إيراد الكلمة بالشين المعجمة وهي بالسين المهملة. الثانية: ذكرها بفتح الأول والصواب بكسره - الثالثة: ضبطه السين بالفتح والصواب بكسرها، نعم أن بعض نسخ القاموس ذكرت البرنجاسف بفتح الأول لكن نص صاحب التاج يفسد تلك الرواية لأنه ضبطها بالكلام لا بالقلم وضبط الكلام أوثق من ضبط القلم، ومما يجب أن يلاحظ هنا أن بطرس البستاني ذكرها بالسين فلم يتبعه هذه المرة بل اتبع الشرتوني الذي ذكر اللفظة في ذيل معجمه بالشين وقال إنه نقلها عن التاج فتبعه في هذا النقل شيخنا عبد الله، فكأنه يريد أن يجمع في معجمه معايب جميع كتب اللغة - وهذا الباب واسع وقد عددنا له نحو مائتي (غلط من هذا الضرب).
3 - إتباعه أغلاط نسيبه إتباعاً أعمى
قال البستاني: البزرك (وضبطها كقنفذ) أي العظيم. . . والبزرك (وضبطها كجعفر) ضرب من الألحان. . . اهـ. وكل ذلك من أغلاط البستاني القديم. والصواب ما جاء في القاموس. قال بزرك: بضم الباء والزاي. أعجمية. . . اهـ. قلنا: وكذا يجب ضبط الكلمة الثالثة ولو جاءت بمعنى آخر لأن المغنين ضبطوها أيضاً في كتبهم.
وقال في بزر: تبزر: أنتسب إلى الأبزاريين وهم جماعة من المحدثين وهي عبارة نسيبه. والصواب: أنتسب إلى بني بزري وهم بنو بكر بن كلاب. كذا قال جميع أصحاب الدواوين. - وهذا الباب واسع لأننا عددنا له مثل هذا الغلط نحو خمسمائة وفي جميعها يقلد نسيبه فكيف لو تتبعناه مادة مادة وكلمة كلمة.(5/614)
4 - حذفه معاني الألفاظ
هذا لا نتعرض له لأنه أكثر من أن يحصر ولعله فعل ذلك توخيا للاختصار لكننا نراه يدون أشياء غير معروفة ولا حاجة لطلبة المدارس إلى أن يعرفوها. كذكره في مادة ز ب ب: زب القاضي فقال في شرحه: (من عيوب المبيع فسره الفقهاء بما يقع ثمره سريعاً) -
ونحن كنا نود أن يسكت عنها إذ يجهلها أغلب فقهاء هذا العصر.
5 - جهله المعرب من الألفاظ
ذكر الأسطوانة في مادة أس ط. . . ولم يذكر أنها معربة مع أنها أشهر من أن تذكر - وقال في مادة أس ف ن ط: الأسفنط: ضرب من الأشربة فارسي معرب والصواب أنه يوناني معرب. ومثل هذا الجهل مئات!
6 - روايته معاني لا حقيقة لها
قال في مادة أوش ن: الأوشن الذي يزين الرجل ويقعد معه على مائدته يأكل طعامه. . . ذكر هذا الحرف هنا سهواً وموضعه في باب الواو. اه.
قلنا: هذا كلام ذكره جميع اللغويين لكنه في غير محله. فالأوشن يجب أن يذكر هنا لا في وشن كما فعل بعضهم. ثم ما معنى قوله أنه ذكر سهواً هنا أفما كان يجب حذفه من هذا المحل وإثباته في الموطن الذي يشير إليه، أو لا أقل من أن يقول مثلاً: أثبت بعضهم هذه اللفظة هنا والصواب إثباتها في وشن. وعلى كل حال إن الكلمة مصحفة تصحيفاً قبيحاً عن الأبش (كأجش بشد الأخير) وهي تعريب اليونانية هذا هو الأصل. وقد ذكر اللغويون الأبش في موطنها وذكروها بصورة آبش أيضاً أي كفاعل. ومن الغريب أنهم قرءوا الباء واواً كما هو الأمر في اللغة اليونانية وكما ترد مثله في لغتنا وزادوا على ذلك أنهم قرءوا بطن الشين نوناً فصارت أوشن. وأمثال قراءة بطن السين والشين والصاد والضاد نوناً كثيرة في العربية كالغس (بتشديد السين المهملة) فأنهم قرءوها الغسن بنون في الآخر وأثبتوها في دواوينهم بالوجهين المذكورين - ومن غريب ما وقع لكلمة الأبش إن بعضهم عربها بصورة الأحبش جرياً على أصلها اليوناني ولم يتذكروا أن غيرهم عربها بصور أخرى واختلفوا في معانيها.(5/615)
والصواب إن معنى الأبش والآبش والأوشن والأحبش: ما يزين به فناء الرجل ودار طعامه وشرابه، وهو ضرب من الزليج (أي الأجر العريض المربع الملون بألوان مختلفة وهو المعروف اليوم في بغداد بالكاشي وعند السوريين بالقاشاني) تزين بها صدور المنازل ولا سيما دار طعام الرجل. فلم يفهم بعضهم هذا المعنى فذهبوا فيه مذاهب لا يقبلها العقل ولا تأتلف والحقيقة. ثم جاء حضرة الشيخ عبد الله ونقل
كل ذلك بقلب مطمئن ونفس سمحة، كأنه يكتب لقوم من القرون الأولى للميلاد أو للهجرة ونسي نفسه أننا في عصر التدقيق والتحقيق.
فكتب في مادة آب ش. الآبش: الذي يزين فناء الرجل وباب داره بطعامه وشرابه. والصواب: ما يزين به فناء الرجل وباب داره وطعامه وشرابه أي باب داره وغرفة طعامه وشرابه كما نقول اليوم. وأعاد مثل هذا التعبير في مادة ب ش ش. وقال في مادة ح ب ش: الاحبش بفتح الهمزة والباء الذي يأكل طعام الرجل ويجلس على مائدته ويزينه. وقد ذكرنا لك ما قال عن الاوشن. على أن اللغويين قالوا أن حروف الكلم المعربة كلها أصول، فكان يجب على جميع اللغويين أن يذكروا كل هذه الألفاظ في المواضع المناسبة لها من غير أن يعتبروا والابش (المشددة الآخر) في أب ش ش، والأوشن في أوش ن، كما فعله حضرة الشيخ الجليل، وما كان يحسن به أن يقول ما قال، على أن اللغويين جميعهم خالفوا هذه القاعدة بل لم يفهم أغلبهم معناها على ما هي، ومن ثم نشأ الخبط والخلط فأحفظه.
7 - زيادة أغلاط من عنده على أغلاط محيط المحيط وأقرب
الموارد
حضرة الشيخ عبد الله بحث عن جميع ما ورد من الهفوات في محيط المحيط وأقرب الموارد، أو قل: كأنه بحث عنها فيهما ودونها في سفره البديع، ثم زاد عليها أوهاماً جديدة، فأجتمع عندنا ثلاثة أجبل من الخطأ: جبل بني في محيط المحيط وجبل بني في أقرب الموارد إلينا، وجبل وضع في أزهى بستان لنا.
ذكر هذه الأغلاط - ونسميها أغلاط طبع، وأن لم يكن في آخر الديوان تصويب لما وقع فيه - يطول سردها لكثرتها ووقوعها في كل صفحة من الصفحات،(5/616)
إنما نذكر بعض الأمثلة منها لكي لا نرمي بالبهتان والافتئات:
قال حرسه الله في الربيز هو (الكبير في فنه، والصواب الكثير في فنه، كما نص عليها جميع اللغويين. - وقال الرباح: دويبة كالسنور وهي قطعة الزباد لأنه يحتلب منها، والصواب قطة الزباد وأصح منها سمور الزباد. وعد بين الرياح الصائبة (كذا) وقال عنها
هي: (بين الجنوب والدبور). اهـ ولم يذكر هذا المعنى للصائبة في صبأ ولا في صبو ولا في صبي ولا في صبب ولا في أي مادة كانت؛ لكنه وجدها بهذه الصورة في محيط المحيط وأقرب الموارد فتابعهما في هذا الغلط والصواب الصابية من مادة ص ب و - وقال عن الجلفاط: ساد دروز السفن الجدد (وضبطها ضبط قلم بضم ففتح) والصواب الجدد (بضمتين) - وقال الجوالق، وضبطها مثلثة الأول أي بضمه وكسره وفتحه: وضبط الجيم بالفتح غلط صريح للمفرد، إنما هو جمع ما كان بضم الأول وكسره ونسي أن ليس في كلام السلف مفرد على فعالل بتحريك الأولين. - وقال عن الجليق:. . . له في رؤوسه. وضبط الهمزة الجالسة على رأس الواو بضمة والصواب برؤوسه أي بواوين على الأولى منهما الهمز والثانية ساكنة، لأن رؤوس على وزن فعول وفي فعول أربعة حروف لا ثلاثة. - ونحن لا نريد أن نتتبع المؤلف في جميع سطور كتابه ففيها الغلط الجم والضبط السيئ.
8 - جهله للأقوام
ذكر في مادة س ب ج: السابجة. فقال عنهم: قوم من السند. . . والتاء فيه للنسب. قال يزيد بن مفرغ الحميري:
وطماطيم من سوابج خزر، ... يلبسوني مع الصباح القيودا.
قلنا: وفي هذا الكلام الوجيز عدة أغلاط: الأول، أنه ذكر السابجة بباء واحدة وهذه اللفظة لم ترد في ديوان من دواوين اللغة والذي ذكروه هو السبابجة بباءين الأولى بعد السين والثانية قبل الجيم. هذه رواية جميع اللغويين. والذي حققناه من تصانيف السلف من المؤرخين هو السيابجة بياء مثناة بعد السين وبباء موحدة قبل الجيم وليس هنا محل ذكر التحقيق لطول شرحه أو بسطه. - أما الغلط الثاني فهو قوله: والتاء فيه للنسب. والصواب أن يقول: والتاء فيه للعجمة والنسب لأنه يكون الاسم منسوباً ولا تكون فيه الهاء في الآخر علامة جمع. أما إذا اجتمعت العجمة والنسب لحقت الهاء آخر الجمع على ما صرح به جماعة(5/617)
اللغويين. والغلط الثالث أنه قال: يزيد بن مفرغ والصواب المفرغ بال. - وقال - وهذا هو الغلط الرابع -: قال يزيد بن مفرغ وهو يذكر شاهداً. والمنتظر أن يكون ذاك الشاهد ما يثبت قوله أن السابجة (والأصح السيابجة) هي بالهاء والحال أنه جاءنا بشاهد ينقضه
وليس له أدنى اتصال بما ذكره من الكلام، إذ لم يصرح بوجود السوابج عندهم، فإذن ما معنى هذا الشاهد، ولتقوية أي جمع أورده في كتابه؟ والغلط الخامس أنه ذكر السوابج وهي كلمة لم ينطق بها أحد من اللغويين الثقات، لا صاحب لسان العرب ولا صاحب التاج ولا ولا ولا؛ إنما ذكرها صاحب محيط المحيط وحده وهو البحر المحيط بجميع الأغلاط. أما صاحب أقرب الموارد (كلا. بل أبعد الموارد) فقد ذكرها بصورة سبابج والصواب سيابيج بياء مثناة تحتية قبل الجيم.
فأنظر بعد هذا، أيليق بنا أن نتصفح مثل هذا المعجم؟ فكيف إذا قيل لنا هذا الديوان هو (من أجل ما قام به الشيخ عبد الله حديثاً من الخدم النافعة (؟ كذا) لأبناء بلاده، معجمه الموسوم بالبستان! (مجلة الكلية 14: 151) أهكذا يخدع أناس أناساً؟ أن هذا لأثم لا يغتفر. فيا كتبة أرفقوا بالناطقين بالضاد ولا تخدعوهم هذا الخداع الذي فيه الغبن ظاهر لكل ذي عين، فكيف لذي عينين؟
9 - جهله لعلم النبات
عرف البلبوس بما هذا حرفه: البلبوس بالفتح بصل الرند، يشبه ورقه ورق السذاب. اهـ وهي عبارة أقرب الموارد بحرفها نقلاً عن التاج ونسي كلاهما أن في التاج أغلاط طبع غير قليلة. ومن جملتها هذه. لأن الرند - على ما ذكره في البستان (زاد الله أزاهيره): شجر بالبادية طيب الرائحة يستاك به وليس بالكبير وله حب يسمى الغار واحدته رندة، وربما سموا العود الذي يتبخر به رندا. اهـ فأين هذا البلبوس وهو البصل. وليس للبصل رائحة طيبة، وليس له عروق تصلح لأن تكون سواكاً؟ وليس له حب. والصواب: بصل الزير بزاي وياء وراء، وهو المعروف أيضاً ببصل الفار؛ لكن حضرته لم يعرف الزير في موضع البلبوس ولا في موضعه الحقيقي أي في مادة ز ي ر، بل عرف الزير بزايين بهذا المعنى. وهذا خطأ صريح، إذ يقول في مادة ز ي ز:(5/618)
الزيز: بصل الفار و - دويبة تطير وتقف طويلاً على الشجرة. اهـ. والصواب أن بصل الفار هو الزير براء مهملة في الآخر والدويبة التي يشير إليها هي بزايين والزيز لهذه الدويبة من كلام عوام الشام لا من ألفاظ الفصحاء. وفي كل ذلك قد جارى صاحب محيط المحيط. أما صاحب أقرب الموارد فقد ذكر الزيز بمعنى بصل الفار فقط والمعنى الثاني لم يذكره وقد ذكر بصل الفار في مادة
س ق ل فقال: السيقل (كزبرج) والسيقل (بتشديد اللام) بصل الفار وهو المعروف بالعنصل وقال أيضاً: الاسقال والاسقيل بالكسر في كليهما: العنصل. قلنا أما الاسقال والاسقيل فهما العنصل حقيقة أي بصل الفار أو بصل الزير؛ وأما السيقل (كزبرج) والسيقل (كزبرج وبتشديد الآخر) فلا وجود لهما بالعربية، وقد ذكرهما فريتغ عن نسخة سقيمة مغلوطة من كتاب ديسقوريدس فنقلها عنه محيط المحيط وعن هذا أقرب الموارد ثم جاء شيخنا فأثبت هذين الحرفين في كتابه من دون أن يراجع الأمهات الكبرى. أفهذا هو التحقيق؟
10 - جهله للجغرافية وأسماء البلدان
قال في ب ل خ ش: البلخش كجعفر: جوهر يجلب من بلخشان وهي بلد بأرض الترك. اهـ. وهي عبارة ذيل أقرب الموارد الذي ختمها بذكر الكتاب الذي نقل عنه إذ وضع بين هلالين قوله: (شفاء الغليل) وقد راجعنا هذا الكتاب فرأيناه يقول ما حرفه: بلخش (ولم يضبطها بخلاف قول الناقل والمنقول عنه إنها وزان جعفر) جوهر يجلب من بلخشان، والعجم تقول بذخشان بذال معجمة وهي من بلاد الترك. اه.
قلنا هذا هو الكلام الصحيح، أي أن بلخشان غير معروفة عند فصحاء العرب بل عند عوامهم. وأما الفصحاء فلا يقولون إلاَّ كما ينطق به أهل إيران والترك أي بذخشان. وهذتتا ما صرح به ياقوت في معجمه فأنه لم يذكر بلخشان بل بذخشان، وأما بلخشان فمن تصحيف العوام فكان عليه أن يعرف ذلك.
وأما ضبط بلخش وبذخشان وبلخشان فبفتح الأول والثاني وإسكان الثالث كما ذكرها ياقوت في معجمه (1: 528 من طبعة الإفرنج) فلتراجع وراجع معجم دوزي ولغة العرب 5: 534.(5/619)
بابُ المُكَاتَبَة والمذاكرَة
أدب العراق
سيدي العلامة صاحب (لغة العرب):
لمثلي العاجز تقدير وإجلال لأدباء العراق يشاركني فيه كثيرون من أدباء مصر، ولذلك أشتاق إلى الإطلاع على نفثات أقلامهم في مجلتكم الزهراء ومنذ قرضي الشعر في حداثتي أو منذ نيف وعشرين سنة وأنا أذكر أسمي الرصافي والزهاوي اللذين كثيراً ما أنتفع الأدب والأدباء بقصائدهما الشهيرة التي نشرت في مصر وغيرها من الأقطار العربية والآن أرى بجانبهما طائفة من خيار الشعراء والكتاب العراقيين الذين يفخر بهم وتزدان الصحف والمجلات بروائع بيانهم، ولعلهم لا يضنون بنشر طرائف من أدبهم في (لغة العرب) التي يقرؤها خاصة الأدباء في مصر ويحرصون عليها حرصاً عظيماً.
وقد أسفت لسوء تفسير بعض الأدباء للمناظرة التي بين الأستاذين الزهاوي والعقاد عن (العقل والعاطفة)، إذ هي مناظرة أدبية مفيدة لا تمس احترام أحدهما للآخر، ومن هذا القبيل دعوى بعض المحافظين عن رثائي ورثاء الأستاذ العقاد لسعد باشا، فليس البحر والقافية ملكاً لأحد، كما قد تتوارد الخواطر، هذا وللأستاذ العقاد احترام خاص عندي، وليست مواهب شوقي بك منكورة عند مثلي كيفما كانت طباعه وتصرفه أخيراً، ولا فخر لمن يبني شهرته على حساب غيره. وهذا هو المبدأ الذي تتشبث به (رابطة الأدب الجديد) التي لي شرف الانتماء إليها، فنحن ننظر إلى الأعمال أولاً لا إلى الأشخاص، ونرى أن جعل الشهرة غاية عيب بينما لا يعاب اتخاذها وسيلة إلى غرض أسمي.
وأخيراً أتمنى أن تسعدنا (لغة العرب) في أجزائها التالية بنفحات جديدة من أدب العراق الوسيم، وأن لا نحرم صور أدبائه الأفاضل، وأن تدوم هكذا واسطة لوحدة أدبية متينة في العالم العربي أساسها الإخاء والتعاون الصادق والتقدير المتبادل.(5/620)
وتفضلوا بقبول احترامي وأطيب تمنياتي.
الإسكندرية في 28 ديسمبر سنة 1928
أحمد زكي أبو شادي
رسالة السواك
للمرحوم الشيخ شكري الآلوسي
بينما كنت أقلب كتبي وأوراقي للتفتيش عن كتاب (الضرائر)! عثرت على الجزء الأول من مجلة (الحرية) - المحتجة - لسنتها الأولى، فألقي في روعي أن أتصفح أوراقها، فأنتهي بي التصفح إلى الصفحة 67، فوقع ناظري على مقالة عنوانها (السواك) بقلم الثلث وتحته هذه العبارة (بحث للأمام المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي) ومن تحت (عني بنشره محمد بهجت الأثرى).
فأخذت على نفسي أن أقرأ صفحة من المقالة دون أن أجاوزها إلى غيرها لأني كنت مستعجلاً وفي غير هذا الصدد، فإذا في أخريات الصفحة قول صاحب المقالة: (وفي الحديث الصحيح المسواك مطهرة للفم بالكسر أي يطهر الفم كقولهم الولد مجبنة مجهلة مبخلة) فلم أدر أي الكلمتين أراد ضبطها بالكسر؟ أكلمة (مسواك) أم كلمة (مطهرة) لأنه أن أراد تقييد المطهرة فكيف صح أن يناظرها بمجبنة ومجهلة ومبخلة المفتوحة الميمات وأن أراد تقييد ميم مسواك كان تقييداً عبثاً إذ لا حاجة إلى تقييده بالكسر كما لا حاجة إلى تقييد ميم (مفتاح) به لأنها صيغة قياسية.
وقد بعثني هذا الارتياب على التفتيش عن الحديث في مظانه فوجدته فيما ظفرت به من الكتب بضبط (المطهرة) بالفتح و (السواك) بالكسر من غير ميم فتأمل!
ومما يستلفت نظر المدقق قوله فيما بعد: (والسواك كالمسواك والجمع سوك) وأنت ترى أن ظاهر العبارة يقتضي الإضمار مكان الإظهار بأن يقول: (وهو كالمسواك) فما باله عدل عن مقتضى الظاهر؟ أليس في هذا ما يدل على أنه كان يلفق بين عبارات المؤلفين دون أحكام اللحمة بينها؟! ثم قال (والجمع سوك وأخرجه الشاعر على الأصل فقال عبد الرحمن بن حسان:
أغر الثنايا أحم اللثا ... ت تمنحه سوك الأسحل(5/621)
ولم يوضح معنى (أخرجه الشاعر على الأصل) إذ ليس كل أحد يفهم ذلك!
هذا مع قطع النظر عن اضطراب التعبير في قوله (وأخرجه الشاعر على الأصل فقال عبد الرحمن) فتدبر!
وكيفما كان فأن في البحث خبطاً وخطلاً ناشئين عن قلة التدبر وضعف الاختصاص فعسى أن يتئد الأثري ويدع شيخه المرحوم يستريح في مرقده.
محمود الملاح
أغلاط مجلة لغة العرب
سيدي الفاضل:
إني من المغرمين بمطالعة مجلتك المفيدة، بل أقول إني من صرعاها. وقد طالعت التعليقات اللغوية التي وردت في الجزء السابع من هذه السنة (5: 424) وأنا لا أوافقك في جميع ما ذكرته بخصوص (صناع) وذلك لأني لم أجد في كتب الأدب القديمة ورود اللفظة المذكورة للمذكر بل للمؤنث فقط. وأما في المذكر فيقال (صنع) (بالتحريك) وصانع (كفاعل) ودونك الشواهد التي أثبت بها رأيي. وهي بعض أبيات من أبيات كثيرة عثرت عليها في مطالعاتي وقد بعثت بها إلى الأستاذ فيشر الذي يعني بوضع معجم كبير للألفاظ العربية القديمة الفصحى التي لم تذكر في دواوين اللغة المألوفة الشائعة بين الناس.
ورود الصناع في كلام الأقدمين والصناع هي المرأة الحاذقة. قال القطامي:
ولكن الأديم إذا تفرى ... بلى وتعينا غلب (الصناعا)
وقال الشماخ:
كدلو (الصناع) ... ردها مستعيرها
وأنشد أبو شهاب المازني:
(صناع بإشفاها حصان بشكرها ... جواد بقوت البطن والعرق زاخر
ولعلقمة بن عبدة هذا البيت وهو:
بعين كمرآة (الصنا) تديرها ... لمحجرها من النصيف المنقب
وقال ربيعة بن مقروم:
فاض محملجا كالكر لمت ... تفاوته شامية (صناع)
وقال الحطيئة:
صنعوا لجارهم وليست ... يد الخرقاء مثل يد (الصناع)
أما في المذكر فقد جاء في قول أبي دهبل الجمحي ما حرفه:(5/622)
لقيتني عن الحجون فنحت ... في طلاب الهوى لساناً (صناعا)
وقال أبو نؤاس في صفة كلب:
فري (الصناع) سابراً وقبطا
وفي تعليقاتي الخاصة بي شواهد عديدة لكلمة (صنع) (كسبب) وبيت الطرماح في (صنع) اليد (بكسر الأول) الذي أستشهد به ابن السكيت وذكره الزمخشري في أساسه هو أشهر من أن يذكر. ولقد وجدت صاحب القاموس كثير الزلق في ما يأتي به من الألفاظ ومعانيها وهو كثير الوهم في التدقيق، أما لسان العرب فأحسن منه ووجدت الجمهرة لأبن دريد تفوق صحة سائر كتب اللغة. فما هو رأيك؟
ف. كرنكو
جوابنا
ورود صناع وحدها للمذكر لم ينقل عن أحد. والذي ذكرناه نحن للمذكر هو (صناع اليد) بالإضافة ولا يفرد للمذكر؛ فإذا أفرد كان للمؤنث لا محالة وهذا ما صرح به اللغويون. (راجع التاج واللسان تر فيهما ما يكفيك) فلا نرى نفسنا مخطئين إذا تبعنا إثبات اللغويين.
وأما سائر ما ذهب إليه حضرة الناقد المحترم فهو مما يؤيد رأينا.
جئنا الآن إلى البيتين اللذين لأبي دهبل وأبي نؤاس فنقول: إن (اللسان) في بيت دهبل لم يعتبر مذكراً بل مؤنثاً لأنه مما يؤنث ويذكر وأن كان الغالب عليه التذكير، ولهذا قال: (لساناً صناعا). وأما الصناع في بيت أبي نؤاس فمؤنث لا شبهة فيه وعائد في معناه إلى المرأة فكأن أبا نؤاس يقول: أن الكلب الذي يتكلم عنه يفري صيده كما تفري (المرأة) الصناع الثوب السابري والقبطي.
إذن، إذا استعملت (صناع) وحدها دلت على المؤنث لا محالة. أما إذا أردت أن تستعملها للمذكر فيجب أن تضيفها إلى اليد فتقول: صناع اليد.
أما أن صاحب القاموس كثير الزلق فمما لا شبهة فيه فقد تصدى له جماعة من اللغويين وخطأه وبينوا معايبه لكن ذلك لا ينفي وجود محاسن في سفره الجليل فأنه يبقى حجة وأن أخطأ في بعض الأحيان. ومن ذا الذي لم يخطئ فلا صحاب اللسان والأساس والمصباح والصحاح أغلاط أيضاً ومع ذلك نعتبرهم حججاً في كثير من الألفاظ ولا سيما إذا أتفق
جميع اللغويين على تعيين ضبط الكلمة وتدقيق النظر في معانيها.(5/623)
أسَئلةٌ وَأجْوبةٌ
إلى السائلين
تأتينا أسئلة كثيرة من بغداد ومن الخارج، بيد أننا لا نجيب إلاَّ عن الأسئلة الواردة من المشتركين. أما لغيرهم فلا جواب عندنا. ولما كانت الأسئلة التي عندنا هي المئات، فالمرجو من السائلين أن يتريثوا ولا يعجلوا علينا بتكرار ما يطلبون لأن المجلة لا تدرج إلاَّ ما يتيسر لها وتبقي التتمة إلى الأجزاء المقبلة.
الموسيقى أو الموسيقي
س - أبو شهر (إيران) م. ن - كان حضرة الدكتور أبي شادي الشاعر العصري المشهور ذكر في لغة العرب (5: 298) أن الموسيقى (بالألف) أخف من الموسيقي (بالياء المشددة) وبين أن أدباء القرن الماضي اختاروا فتح القاف تعريباً للكلمة من اللاتينية لا من اليونانية فهل وجدتم لذلك أثراً في كتبنا؟
ج - جاء في القاموس في مادة ر ب ب: (وممدود بن عبد الله الواسطي الربابي يضرب به المثل في معرفة الموسيقي (والياء مضبوطة بالشد والكسر) بالرباب. اهـ فعلق على هذا الكلام نصر الهوريني (وهو من أدباء مصر ولغوييهم. توفي سنة 1291هـ - 1874م) ما هذا حرفه: (قوله الموسيقي) هكذا في النسخ بسكر القاف، وهو اشتباه سببه رسم الكلمة بالياء وصوابه فتح القاف كما هو في اللغة الرومية والعامل بتلك الآلة يقال له موسيقار وبزيادة راء في الآخر كأن هذه الزيادة عندهم كالنسب في جمال وحمار. اه
قلنا في كلام الهوريني عدة أغلاط منها:
1 - إن نسخ القاموس المطبوعة في الهند وإيران ومصر من قديمة وحديثة تروي الموسيقي بكسر القاف وتشديد الياء المثناة المكسورة، بحيث لا يمكن أن يقال الخلاف.(5/624)
2 - عندنا ثلاث نسخ خطية قديمة من القاموس وكلها تروي الموسيقي بالضبط المذكور بلا أدنى شبهة.
3 - إن الكلمة الدخيلة قد تروي في اللغة الأجنبية بوجه وتعرب بوجه آخر فوجودها
بصورة في لغة الإعراب لا يوجب على العرب أن يتخذوها بتلك الصورة الدخيلة والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى.
4 - قد ذكرنا للقراء أن صحيح ضبط الكلمة هو بكسر القاف لا بفتحها (5: 43) وقد استشهدنا ببيت من الشهر للأقدمين فلم يبق ريب في هذا الضبط والواهم هو المخطئ نفسه.
أما الموسيقى في الرومية فأن أراد بالرومية اللاتينية فكلامه صحيح فهي عندهم بالألف في الآخر، وأما إذا أراد بالرومية اللغة اليونانية فالرجل مخطئ لأنها في لسانهم بالأمانة والإمالة الكبرى بحيث ترى أكثرهم يلفظها بالياء إلى عهدنا هذا.
6 - الحقيقة أننا لم نفهم ما أراده بالرومية فأنه يقول أن العامل بتلك الآلة (وهو لم يذكر الآلة إذ الموسيقي هو فن لا آلة وهذا وهم شنيع وليس الكلام هنا عن الرباب الآلة المذكورة بل عن الموسيقي الذي هو فن، لكن تأثر العوام في مصطلحهم وهم يسمون آلة اللهو موسيقى فقال ما قال.) يسمى موسيقار، فموسيقار لفظة ليست لاتينية ولا يونانية ولا إفرنجية فكيف قال إن العامل بالموسيقى (أو الأصح عارف الموسيقي) يقال له الموسيقار؟ فهذا وهم على وهم.
7 - الصحيح إن الموسيقار ليست رومية بل أرميه وهي مركبة من موسيقى اللاتينية ومن (كار) الفارسية أي مهنة. ومحصل معناها، من مهنته الموسيقي. قلنا، ولما نحتها الآرميون ركبوها من موسيق (المحذوفة الآخر) ومن كار ليتيسر النحت وليس من موسيقى بالآلف في الآخر.
8 - تأويل الزيادة المذيلة لموسيقار لا يوافق رأي الآرميين. فأنظر كم غلطاً في كلام نصر الهوريني وهو لغوي القرن الماضي.
هذا من جهة عبارة نصر الهوريني وأما عبارة الفيروز أبادي فهي لا تخلوا أيضاً من غرابة، فقد قال (في معرفة الموسيقي بالرباب)، فلو قال مثلاً: (في معرفة(5/625)
موسيقي الرباب) لفهمنا: أما الموسيقي بالرباب، فمن التعبير الذي يأنف منه ذوق العربي الصميم. - وهذه العبارة الغريبة موجودة في جميع النسخ الخطية والمطبوعة فليست مدسوسة فيها كما قد يتوهم القارئ بل هي من الأصل الصميم. - ولا تعجب من ذلك ففي القاموس من
التراكيب والألفاظ ما يدل على أن المجد قد غلط في كلامه كما غلط غيره، وأغلط أنا، وتغلط أنت؛ لأن العصمة لله وحده.
بابُ التَقريظ
مجلة التربية والتعليم
مؤسسها أبو خلدون ساطع الحصري
إذا لفظنا اسم الأستاذ ساطع بك، فهم الناس حالاً أنهم أمام رجل متخصص في (التربية والتعليم) وكنا نتمنى منذ زمن مديد رؤية مجلة تسدد أقدام الطلبة والمعلمين في طرق العلم والعرفان، وإذا حضرة الأستاذ الكبير يحقق ما في صدرنا من الأمنية. فقد أصدر مجلة برز منها الجزء الأول في 1 ك2 من سنة 1928، وسمها مجلة (التربية والتعليم) وحشاها فوائد وعوائد وهي في 88 ص بقطع مجلتنا. وفي هذا الجزء الأول ثلاثة ألواح حسنة الرسم، علاوة على ما ذكرناه من الوجوه. ومن مقالاتها: تيارات التربية والتعليم - دستور أخلاقي للأطفال (معربة) - التربية والتعليم في الأرياف الإنكليزية - تحليل وانتقاد كتاب روح التربية - منشور حقوق الطفل - تأبين بستالوتزي - حديقة الأطفال في الهواء الطلق - مدرسة المعلولين - المصارف في أستونية - التعليم الزراعي في بلغارية. . . ويلي المقالات ملحقان: ملحق عملي وفيه: المدرسة - خطط دروس. . . وملحق أدبي وفيه دروس في تاريخ آداب اللغة العربية. وفي كل ما ذكرناه من المنافع الجمة ما لا يتحققها إلاَّ من يطالعها. فنتمنى لها النجاح والانتشار في جميع الديار.(5/626)
بابُ المُشَارفَةَ والانتقاد
دروس في صناعة الإنشاء
تتمة
4 - تعمية الحقيقة
إن الكتاب مشتمل على آراء مختلفة منها الصحيح ومنها السقيم ومنها الناهض ومنها الساقط وبعضها للمؤلف نفسه وبعضها للكاتب الفرنسي وبعضها مستنسخ من الكتب العربية بعد مسخه! ولم يعز كل شئ إلى مصدره مع إنا نعلق على معرفة المصادر أهمية كبرى إذا نحن حاولنا تقدير قيمة الكتاب وقيمة تعب المؤلف والمنة التي حملها عاتق الأدب العربي أو - بعبارة أوضح - عاتق العراق!!!
كما يتوقف على ذلك وضع سعر لكل نوع من تلك الآراء الملفقة التي يقودها عدم الاختصاص ويزعها ضعف الملكة في العربية وآدابها.
لكن شاء عز الدين أن يطمس الحقيقة لأمر في نفسه ولم يعز لنا إلاَّ النادر. وإليك نموذجاً مما ترجم عن نيقول مثلاً ص27 (رجل لم يرع حرمة لرجل آخر: (إنه. قال بعضهم لمتكبر سفيه) ولربما ذلك لنسيان طرأ عليه وقد يدل على الخجل أو التأمل كما قد يدل على العي أو البلاهة أحياناً) هذا نص عبارته بعجرها وبجرها. فانظروا بالله عليكم أيعز على عامتنا - بله خاصتنا - أن يأتوا بصورة من مثله؟
ومنه ما جاء في ص17 قال (بوالو) صاحب صناعة الشعر ما تعريبه نثراً (يتأثر البيت من الشعر بسفالات القلب دائماً) كأن هذا التركيب الركيك لا مثيل له أو أحسن منه وفي أمثالنا (الكلام صفة المتكلم) مع ظهور وجازة هذا ومتانته وحشو ذاك وفجاجته وأحسن من عبارة (بوالو) أن يقال(5/627)
(إن الشعر ليشرف بشرف القلب ويخس بخسته) فأن كلمات هذه الجملة مساوية لكلمات الجملة الأولى مع مضاعفة المعنى وبهاء التركيب وهذا مما يشجعنا على أن لا نقلد الغربيين تقليداً أعمى.
5 - قيمته الإدراكية
إدراك الكاتب ينبوع لآثاره الصادرة عن قلمه فلا غرو أن تكون معرفة قيمة ذلك الإدراك سبيلاً إلى معرفة قيمة تلك الآثار لذلك أود أن أزن أدارك المؤلف لتكون هذه المادة نبراساً يستضاء به في ممارسة بقية المواد في ص39:
(ويكون مثله مثل ذلك الرجل الذي. . . بدا له طريقان فسلك أشدهما ظلمة وترك أوضحهما نوراً. . .)
وههنا أشكال وهو أنه: هل يجوز أن يقال (زيد أسخى من عمرو وعمرو أبخل من زيد) لأن الجملة الأولى تقتضي إسناد شديد إلى زيد وإشراك عمرو فيه فإذا قيل على أثرها (عمرو أبخل من زيد) كان إسناداً لبخل شديد إلى عمرو الذي وصفناه بالسخاء آنفاً وإشراكاً لزيد في البخل بعد وصفه بالسخاء الشديد ولا يخفى ما في ذلك من تناقض. وأن استطاع التملص من هذا لم يستطع التملص مما يأتي فقد قال في ص43 (ولنقابل بين مطالعتنا وتجاربنا. - ولماذا لا نلتذ أحياناً بمطالعة كتب بعيدة الشهرة؟ إنها لم تمتعنا إلاَّ لأنا لم نهتد للفائدة العامة منها) فيكون مآل العبارة: إنها أمتعتنا لعدم اهتدائنا للفائدة! ومعيار ذلك أن النفي إذا نقض بإلا، كان إثباتاً فإذا قلت (لم أكرمك إلاَّ لأنك لم تكذب) كان المعنى: إني أكرمتك لعدم كذبك فإذا وضعنا (لم تصدق) مكان (لم تكذب) كان المعنى: إني أكرمتك لعدم صدقك ولا يخفى ما فيه!
6 - التلفيق دون تبصر
من ذلك قوله في ص13 (ومن السليقية أن لا يميل الكاتب الحضري إلى التقعر واستعمال الغريب) فيقال: ما الغرض من التقييد بالحضري؟ وليس عندنا بدوي فيحترز منه الظاهر أنه نقل هذه العبارة من كتاب ألف أبان(5/628)
دخول العرب في طور الحضارة فكان مجددو ذلك العصر ينهون الكتاب عن استعمال ما علق بأذهانهم من الغريب لقرب عهدهم بالبداوة فنقلها المؤلف على علاتها ذاهلاً عن كونه يؤلف في العصر الحاضر. فما أجدره أن يبدل بكلمة (الحضري) كلمة (العصري)!
ومن ذلك قوله في ص20 (ولا ريب في أن أحرار التلاميذ الالباء لا يرضون أن يكون لهم منطق العبيد والإماء) وأدراج هذه العبارة على النسق المشهود الذي لا يلائم ذوق العصر
الجديد لا بد أن يكون ناشئاً عن السبب الذي قدمناه.
ومما له علاقة بالمادة قوله في ص59 (ومنها إلغاء خبر لوثقة بفهم المخاطب كما جاء في القرآن (ولو أن قرأنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتى، بل لله الأمر جميعا) فالخبر هنا مضمر) ومراده جواب الشرط وهو اصطلاح قديم غريب بالنسبة إلى التلاميذ غرابة الاصطلاحات الفيزيائية!!!
7 - التقليد الأعمى
وهو مما لا يناسب مقام أستاذ في مدرسة راقية في عاصمة ذات شأن وليس غرضي منع التقليد فيما لا مجال للرأي فيه بل في الأمور التي للروية فيها مجال مثال ذلك أنه نبه في ص116 على نبذة من عثرات الأقلام ناقلاً إياها - بالطبع - عن بعض الباحثين المحدثين ومنها (لا يقال رضخ لأمر معلمه بل يقال خضع أو ائتمر بأمر معلمه) وصواب العبارة خضع للأمر معلمه أو ائتمر به لكنه نقلها كما وجدها على ما يظهر من سياق تعبيره.
ومنها: (لا يقال مما يؤسف له أن. . . بل يقال مما يؤسف عليه. . .)
ولم يشعر بأن المقلد (بالفتح) نفسه كان مخطئاً لأن الأسف إنما يتعدى بعلى إلى الأمر المحبوب الذي جرى عليه أمر مكروه أما الأمر المكروه فينبغي أن يقرن باللام. فتأمل.
8 - سوء هضمه للعربية
إذا قيل أن الأستاذ عز الدين قد هضم العربية فليس معنى ذلك أنه أغتذى بها بل. . . وأن خامرك الشك فالصق ركابك بركابي في هذه الحملة المباركة(5/629)
التي يراد بها إعلاء كلمة الأدب وإنقاذه من براثن التصنع! وقف معي على هضبة الصفحة 144 - 145 حيث تشرف على قوله (للاستفهام لفظتان الهمزة وهل. أما الهمزة فيستفهم بها عن التصور و. . . حكمها أن يليها المستفهم عنه مطلقاً. . . ولك أن تذكر معها معادلاً. . . وأما هل فلا يطلب بها إلاَّ التصديق وحده ولذلك لا يذكر معها معادل. . . فيمتنع أن تقول هل جميل نجح أم خليل. . . لأن المراد تعيين أحد الأمرين. . . والجمع بينهما بأم يؤدي إلى التناقض) اهـ. المقصود ملخصاً وأن شئت مزيد إيضاح فراجع الأصل.
ثم قف معي على ص14 و54 و83 تجد المؤلف نفسه يقول في الأولى: (هل التأني في
الكتابة أنفع أم الاستعجال؟) ويقول في الثانية: (هل هي حق أم تشبه الحق؟) ويقول في الثالثة: (أهو بين أهله أم مكفول في أسرة أخرى؟) مع أن السؤال عن الظرف. فهل يحتاج الباحث بعد هذا إلى شاهد أخر على ما تقاسيه العربية في مهدها؟ فكيف لو علم أن الأستاذ! ينتصب لامتحان بعض المرشحين للتدريس الثانوي؟!!!
9 - قيمته الأدبية
قال في ص13 قال أحد شعرائنا المطبوعين على الشعر:
ولست بنحوي يلوك لسانه ... ولكن سليقي أقول فأعرب
فأقول هذا البيت يشرح نفسه بنفسه لوضوحه، ويترجم عن صاحبه إنه إنما أراد الانطباع على الإعراب لا على الشعر كما يدل عليه قوله (بنحوي) وقوله (فأعرب) ولم يقل (عروضياً) ولا فأوزن).
10 - قيمته اللغوية
جاء في ص5 قوله (مما يمليه في رسالته) والإملاء الإلقاء على أخر للكتابة وهو يقتضي وجود شخصين متغايرين ملق وملقى عليه. أما المؤلف فأستعمل الإملاء استعمال ساذجي كتاب الدواوين إذ يقول أحدهم أمليت الدفتر وذلك بحكم وراثة الاصطلاحات التركية.
وفي ص12 قوله (استقرى) بالنقص بمعنى أستقرأ المهموز ذهاباً منه إلى أن الهمزة في الاستقراء منقلبة عن حرف علة كالاستخذاء مثلاً.(5/630)
وفي ص142 (بسبب الضعف المنهك) بالزيادة والصواب التجريد لأن الإنهاك بمعنى المبالغة في العقوبة.
وفي ص155 (متأملين أن تهديهم) بمعنى مؤملين وهو من استعمال عوام الكتاب! ومن المضحكات؛ ولكنه ضحك كالبكا. . . و. . . قوله في ص115 (وعلى الطالب أن يضيف إلى الجدول التالي ما يؤشر عليه معلمه) ك (يقشر).
وشرح ذلك أن (أشر) لا مادة لها في العربية إلاَّ إذا كانت من (الأشر) أي البطر أما (أشار) فلو جاز أن يقال منها (أشر) لجاز أن يقال (أرد) من (راد) و (أقم) من (أقام) و (أعد) من (أعاد) و (أفد) من (أفاد) الخ.
بتشديد الحروف الثانية من الجميع.
وإذا وزنا (أشر) وجب أن تكون (أفل) بالتشديد لأن الهمزة زائدة والشين فاء الكلمة والعين محذوفة ولا يخفى ما فيه! فاللهم تدارك لغة كتابك كما تتدارك أفلاذ أكباد الأمة.
وتالله أن الأغلاط الشائنة لفاشية في الكتاب فاقتصرنا منها على ما تيسر.
11 - قيمته النحوية
جاء في ص3 قوله (جمة تكاد لا تحصى) ولم يرد في القرآن وهو الأمام في مثل هذا الشأن إلاَّ تقديم حرف النفي على كثرة الورود كقوله تعالى (إذا أخرج يده لم يكد يراها) وقوله (ولا يكاد يبين) وقوله (لا يكادون يفقهون قولاً) وقوله (لا يكادون يفقهون حديثاً).
وفي ص39 (قال الفضل بن سهل للمأمون وهو بدمشق مشرف على غوطتها والصواب (مشرفاً).
وفي ص49 (والطلاب الذي يريدون) بأفراد أسم الموصول! وفي ص140 (وأن كان العدد مضافاً أدخلت أداة التعريف على التمييز المضاف) فلعل حضرته يظن حتى اليوم أن المضاف هو الكلمة الثانية على الطريقة التركية أو الإنكليزية!
وقال في ص150 (والعطف لا يجتمع مع الاستثناء) ومفاد كلامه أنه لا يصح أن يقال (خرج التلاميذ إلاَّ علياً وجميلاً) فتأمل.
فإذا تغلغلت هذه الأغلاط المخزية في أذهان تلاميذ الصف المنتهي فأين - ليت شعري - يغسلون عنها الأدران بعد تخرجهم؟
حاشية: وههنا أسأل أهل الأنصاف: أيجوز لمن لا يفرق بين المقصور والمنقوص أن(5/631)
يتعرض لشؤون العربية وآدابها، بل يتصدى لامتحان معلمي الثانوية، وهو الذي يقول في مقالة منشورة في الجزء الأول من مجلة الحرية المحتجبة ص77: (من تلك الشوائب إهمال تنقيط المقصور للتفريق بين أمثال الاسم علي والحرف على (ومراده بالمقصور المنقوص ولم يكتف بهذه المأساة حتى مثل بالاسم (علي) الذي ليس منقوصاً ولا مقصوراً. أن هذا لما تنشق له مرائر الأحرار!
وفي ص102 (ويعربوا فقط عن إحساسهم) بتقديم فقط مع اقترانها بالفاء المقتضية للترتيب وهذا من محاك دعوى التضلع من علم النحو. . .
وفي ص70 وأن غمض عليك ما هو سبب الغموض. دون ربط الجواب وأمثال ذلك كثير.
12 - قيمته الصرفية
إذا أردت أن تعرف طول باع عز الدين في الصرف فعليك أن تراجع ص120 و 103 لتجد حضرته يصوغ من (سر) أسم فاعل على (مسر) حيث جاء في الأولى قوله (فقد تكون كما رأيناها مسرة) وجاء في الثانية قوله (وهي مسرة جداً) فلتسكب عينك العبرات يا أيها القارئ الشهم.
13 - التحريف
التحريف قبيح وأقبحه ما كان في القرآن كنقله قوله تعالى (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) بإسقاط الظرف.
وكنقله قوله تعالى (ص146) (وأن قيل لكم أرجعوا فأرجعوا) بإسقاط الفاء الرابطة لجواب الشرط وأنكى من ذلك وضع ما يسمونه بالإفرنجية (الوركول) أي الفاصلة مكانها فيالله للمسلمين.
مع إنا لو عرضنا الآية. على رجل غير مسلم وكان عنده المام بسيط بالعربية لشعر بالفراغ الحاصل من حذف الفاء.
14 - درجته في البلاغة
يتبين ذلك من خبطه في الأمثلة كقوله في ص123 في بحث المجاز المرسل: (وهذه العلاقات كثيرة منها السببية من قولك لك عندي يد بيضاء أي نعمة لأن سبب(5/632)
النعمة هي اليد) وليته اكتفى بذلك بل عطف عليه قوله (ومثله: (على العربي في العراق ومصر أن يلبس القطن الذي يزرعه). ولعل أساتذة الفلسفة لا تقر له هذا التمثيل لأن القطن مادة الملبوس فهل يجوز أن يكون السبب داخلاً في قوام المسبب؟ وليس من غرضي التعرض لصحة التعبير.
15 - قيمته الإملائية
جاء في ص39 (باليل) بلام واحدة وفي ص3 (المنشئ) والصواب المنشئ وفي ص4 أن (ينشئي) والصواب أن ينشئ. وفي حاشية ص5 (آثارها للزراعة) والصواب أثارها
بالهمزة لا بالمد في ص70 (بني المجد بيتاً فاستقرت عماده علينا فأعيى الناس أن يتحولا) والصواب فأعيا بالألف لاجتماع ياءين وفي ص58 (الكلاء) بتأخير الهمزة عن الألف والصواب أجلاسها عليه وعكس ذلك ما في ص133 (جأني) بإجلاس الهمزة على الألف مع أنه قال في ص111 (ومما نشدد أيضاً به تجنب أغلاط الرسم التي ترتكب أحياناً) فتأمل يا أيها الرجل. . .
16 - قيمته التاريخية
ما أدري ماذا قصد عز الدين من دس بعض نكات دقيقة في كتبه التي يؤلفها لأجل العراق! كقوله في حاشية ص19 (ولم يحفظ القرآن من الخلفاء سوى عثمان بن عفان والمأمون) فحصر حفظ القرآن في خليفتين وما أدري كيف أستقرأ أحوال الخلفاء واحداً واحداً حتى قطع بهذا الحكم وأقدم على هذا الحصر فأما أن يكون مقلداً تقليداً أعمى وأما أن يكون له في ذلك مآرب أخرى!
17 - درجته في البيان
يمكنك أن نفهم درجة المؤلف في البيان من نحو قوله في ص69 في قسم التمارين (وكان الذي عصر الخمر طويل النجاد) ولا مناسبة بين عصر الخمر وطول النجاد ومثل هذه الدقائق مما لا ينبغي أن يذهل عنها أو يجهلها معلمو الإنشاء.
ومما يؤكد دعوانا ما أورده للقارئ مستطرداً - من مقالة للمؤلف منشورة في الجزء الأول من مجلة الحرية المحتجبة وهو قوله (بأسلوب عذب مذاقه(5/633)
مطرد سياقه تدفأ بمثله القلوب الشيمة) فقوله (تدفأ بمثله القلوب الشيمة) كناية عن الارتياح والاطمئنان وهو مما ينافي الذوق العربي لأن العرب يكنون عن الارتياح والاطمئنان بقولهم (ثلج صدره)
18 - تفخيم الكتاب بمسائل ابتدائية
لا يكاد الطفل يجتاز الصف الرابع الابتدائي إلاَّ وهو واقف على أن (أن) تضمر في خمسة مواضع وجوباً وموضع واحد جوازاً وذلك بعد لام الجحود وحتى واو وفاء السببية وواو المعية ولام التعليل على التفصيل المعروف في محله أما الأستاذ المؤلف فأنه ظن هذه البسائط من الأمور القصية المنال فتكلف التنبيه عليها لغير طائل راجع ص141.
19 - خاتمة
قد هديت بحمد الله تعالى إلى فلي الكتاب والتقاط ما أنبث فيه من الجراثيم الفاتكة بلغتنا العزيزة وآدابها، بملقط دقيق، بأنامل رفيقة، واقتصرت من ذلك على ما تسنى للقلم الكسير حصره ورده إلى إحدى المواد السابقة. أما ما لم يمكن حصره من الحشو وسوء السبك ومخالفة الفصيح الأمور المفسدة للذوق المخلة باللهجة فأعرضت عنه لأن هذا الجزء خاتمة المجلة والوقت أضيق وأغلى ثمناً من أن أؤلف كتاباً ثانياً في تفنيد هذا التصنيف وتزييفه وأني لأرجو أن يكون ما هيئ لي كافياً لأن يتخذ معياراً - في تقويم الكتاب ووضعه في منزلته اللائقة به! وكيفما كان فأن كتاباً يرمى به إلى تثقيف أذهان التلاميذ وإسباغ حلة قشيبة على رشيق البيان لا يستغنى عن تفويضه إلى رجل ذي بصر في العربية ليقوم بتنقيحه وتشذيبه وإلاً كان وبالا على الأقلام وأرباب الأقلام من النشء العزيز. بصر الله أولياء الأمور طريق واجب البلاد وسدد خطاهم في توسيد شؤون العربية إلى أربابها قبل أن تقوم ساعتها.
أ. د(5/634)
تاريخُ وَقائِعِ الشَهرِ في العِرَاقِ وَما جَاوَرَهُ
1 - الوزارة السعدونية
انحلت عرى الوزارة العسكرية في الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني من سنة 1928 وأنشئت الوزارة السعدونية خلفاً لها فأصدر جلالة ملكنا المحبوب في 14 من الشهر المذكور مرسوماً لذلك يؤيد الوزارة الجديدة ودونك أعضاءها:
عبد المحسن السعدون: وزير الخارجية ووزير الدفاع وكالة
عبد العزيز القصاب: وزير الداخلية
يوسف غنيمة: وزير المالية
حكمت سليمان: وزير العدلية
سلمان البراك: وزير الري والزراعة
عبد المحسن شلاش: وزير المواصلات والأشغال
توفيق السويدي: وزير المعارف
الشيخ أحمد الداود: وزير الأوقاف.
2 - ممثل العراق في تركية
عين صبيح نشأت بك ممثلاً لدولتنا في تركية فذهب إلى أنقرة في 19 ك2 من سنة 1928 ومعه كتومه الأول وفؤاد خياط وكتومه الثاني محمد حمدي.
3 - حل مجلس النواب
في 19 من ك2 سنة 1928 أجتمع مجلس النواب وفي صده داود الحيدري نائب الرئيس فتليت الإرادة الملوكية بحل المجلس لعدم وجود الموازنة في الأحزاب في وقت يجب أن تطلع الحكومة على رأي الشعب للمصالح الحيوية التي تبدو له في أفق المستقبل - كالمعاهدة العراقية، الإنكليزية - والاتفاقيتين المالية والعسكرية، ومشكلة الدفاع عن الوطن، فحل المجلس بلا أدنى حركة بدت من أي كان.
4 - دفائن أور
وجد في منتقثات أور الكلدان دفائن وآثار عديدة عهدها منذ 3500 سنة قبل المسيح ومن جملتها عدة للخيل، وعجلة (عربة) من الذهب الأبريز، وطائفة (طاقم) من أدوات الزينة والتبرج مرصعة حلاها باللآلئ والحجارة الكريمة، وآنية كثيرة من الفضة والذهب.
ومما يسوء العراقيين أن أخبار(5/635)
دفائنهم يتلقونها عن جرائد لندن وأوربة ولا يتلقون أدنى خبر من أصحاب الحفر في بلادهم، وهي إهانة تصغر بين يديها سائر الإهانات! وكان يجدر بمتولي البحث مواصلة أصحاب الصحف في العراق ولو كان ذلك بوجه الإجمال، مبقين التفاصيل المطولة لصحفهم الإفرنجية.
5 - أعمال دائرة الري في الرمادي
دونك بيان المشروعات التي قامت بها دائرة الري في أنحاء الصقلاوية في شهر كانون الأول من سنة 1927:
1 - إقامة قناطر فوق البزل.
2 - بناء خزان في صدر نهر أبي غريب وجعل مثاعب فيه.
3 - مسح أراضي المكائن.
4 - إكمال كري (حفر) شاخة (قناة أو فرع نهر) ألبو عيسى.
5 - تطهير جدول علي الخنفر.
6 - إكمال تطهير روف بنات الحسن.
7 - تهيئة أراض لزراعة الشتوي في الأراضي المسنحة قرب مزرعة الشلب.
8 - تطهير بعض جداول أم الواوية.
6 - دخل سكك الحديد العراقية
بلغ دخل هذه السكك في الأسبوع المنتهي في اليوم 10 من كانون الأول من سنة 1927، 199. 620 ربية يقابله في مثل هذا اليوم من السنة الماضية 194. 202 ربية.
7 - الاضطراب في عربستان (أي خوزستان)
تفيد الأنباء الواردة من جنوبي إيران أن الحالة مضطربة في ولاية خوزستان القديمة المعروفة اليوم بعربستان وقد أخذت الفتنة تتجسم حتى يخاف اليوم من نتائجها المشؤومة.
والظاهر أن هذا كله ناشئ من امتناع الفلاحين - وجلهم من العرب - عن دفع ضرائب تسير سيراً متصاعداً في الثقل والعظم يجبيها رجال أقسى قلباً من صم الجلاميد.
فحاولت الحكومة الإيرانية في أول الأمر خنق الفتنة وهي طفلة في مهدها بالعنف فقبضت على رؤساء العشائر وساقت أناساً إلى الأهواز وآخرين إلى خرماباذ (لا خورماباد كما جاء في الجرائد المختلفة من محلية وغير محلية) فاعتقلتهم فيها. فلما رأى العربي ما حل به من الضيم وما أحاق به من الظلم وهو أبي النفس، ثار سكان القصبة - وهي قرية واقعة بازاء الفاو - على رجال الحكومة وطردت الموظفين الإيرانيين واستولت على الدوائر، فأسرعت السلطة العسكرية في خوزستان إلى(5/636)
إرسال حملة عسكرية من 150 رجلاً إلى (القصبة) لإجبار الفلاحين على دفع الضريبة فأبى المظلومون فنشبت بين القبيلين معركة حامية دامية أسفرت - على ما يقال - عن وقوع ستين قتيلاً من رجال العشائر وهو عدد غير قليل.
عند هذه النتيجة ثارت حفائظ العرب فأندلع لسان الثورة كالنار في الهشيم وامتدت إلى جميع أنحاء الولاية. فعزمت الآن الدولة الإيرانية على حصر هذه النار في محلها وخنقها بإرسال عدد من الجند أوفر من السابق يأتون من الأهواز وسوف نرى ما تكلفها هذه الزحفة من النفقات وزيادة الحفائظ في القلوب.
8 - هجوم الأخوان على ضواحي الكويت
في 4 من ك1 سنة 1927 هجمت قوة من الغزاة الأخوان وعددهم خمسمائة مقاتل على قرية بجوار (الجهرة) الواقعة في داخل حدود إمارة الكويت ويحتمل أن تكون هذه القوة قسماً من الحملة الكبيرة التي على رأسها الشيخ فيصل الدويش وقد وقعت معركة بين الغزاة والقرويين فنهب الأولون الآخرين أباعر وغنماً، ثم تقهقر الغزاة بسرعة نحو الجنوب.
9 - عود سيمكو إلى النهب
عاد سيمكو إلى السلب والنهب وهو اليوم على رأس عصابة أعضاؤها ثلاثون وديدنها النهب والسلب وقطع الطريق وإنزال الرعب في قلوب سكان منطقة (سيدكان) فأضطر أهالي خمس قرى من تلك الأرجاء إلى الفرار من قراهم فأستاقوا مواشيهم أمامهم وحملوا
أثقالهم ولجئوا إلى مواطن أمينة. ويقال. أن الحكومة عرضت عليه أن يسكن هو وأشياعه في (هور) هناك إلاَّ أنه أبى ويخشى أن ينضم سيمكو إلى الشيخ أحمد برزان المغرم بالثورات فتزداد قوته ويتفاقم الشر بيد أن الحكومة ساهرة على مصالح رعاياها وهي تعرف كيف تؤدب أولئك البغاة ليخلدوا إلى الأمن والسكينة ويعلموا أن الأيام القديمة قد زالت وأصبح الخروج على الحكومة حديث خرافة!.
10 - إخلاء (أم الجمال)
تقول برقية واردة من عمان في 5 ك1 إن الفرنسيين أخلوا موطن أم الجمال الواقع عند ملتقى الحدود العراقية والسورية بحدود شرقي الأردن: وذلك أثر المفاوضات التي دارت بين سلطات شرقي الأردن وبين السلطات في القدس.(5/637)
11 - بين الترك والكرد
أرسلت الجمهورية التركية في شهر ك1 من السنة المنصرمة ثلاث طيارات مع قوة كبيرة كانت في ديار بكر للتنكيل بالأكراد التابعين للشيخ سعيد الكردي المشهور بفتكاته والساكنين في قضاءي (حيني) (والترك تفسد الكلمة فتقول هيني) و (ليجة) من ملحقات ديار بكر. فمثلت تلك القوة بأهالي القضاءين وقتلت من وجوههم وأماثلهم نحو اثني عشر ثم جالت في تلك القرى وقتلت زهاء 300 من السكان، وقبضت على كثير منهم وأفرغت نحو 80 قرية من سكانها وأحرقتها بعد أن سلبتها مواشيها وأرسلتها إلى ديار بكر فبيعت فيها.
وفي تلك الأثناء هرب أخو الشيخ سعيد ومعه نحو 200 رجل وقراب 40 امرأة من عشائره. فلجئوا إلى أراضي سورية، وكانت الطيارات في أثرهم تتعقبهم وتقذف قنابلها عليهم. فقابلها الكرد الفارون بالرصاص فأنزلوا واحدة منها بقرب جبل (قره جواغ)؛ ولم تزل بقية الطيارات تتقفاهم حتى رأس العين فلاذوا حينئذ بحكومة سورية وأنقطع تأثر الترك لهم، إذ قبلت (دخالتهم) وأسكنتهم الحسكة
12 - نفوس قضاء الموصل
بلغ عدد نفوس سكان مدينة الموصل بموجب الإحصاء الذي بدئ به في غرة ت1 إلى غاية 14 ك1 في سنة 1927 (78. 397) ما عدا الأجانب والجند المرتزقة إذ لم يعمل تعدادهم
ثم ذهب أعضاء لجنة الإحصاء إلى نواحي القضاء أي الشورة والشرقاط وقرقوش وحميدات وتلكيف للغاية نفسها.
13 - نفوس علي الغربي وقلعة صالح
بلغ عدد نفوس قضاء علي الغربي(5/638)
5002 منها 2484 من الذكور و 2524 من الإناث وبلغ عدد نفوس قلعة صالح 3032 منها 1448 من الذكور 1584 من الإناث.
14 - إنشاء مخافر في بابا كركر
لما انفجرت عين النفط في بابا كركر في ليلة 14 ت1 من سنة 1927 انفجاراً شديداً هائلاً أقامت فيها حكومتنا خمسة مخافر على طول مجرى النفط الممتد إلى مسافة 17 ميلاً، وذلك لمنع الآهلين من الدنو من المنطقة المذكورة. وفي ليلة 20 من الشهر المذكور أخليت قريتا (حسين آغا) و (قزليان) المجاورتان لها خشية وقوع ضرر يلحق بأصحابهما. وقد تقاطر العمال من كل جهة للقيام بالأعمال المهمة في سد البئر التي انفجرت فيها العين.
15 - الأمن في لواء بغداد
بلغ عدد الجرائم الكبرى التي وقعت في جميع أنحاء لواء بغداد خلال شهر أيلول 192 وعدد الجرائم الصغرى 1396 وفي شهر تشرين الأول 139 و1224 وكل ذلك في سنة 1927.
17 - كرى نهر المشرح
كرت الحكومة نهر المشرح (في لواء العمارة) وسيكون له الأثر الحميد في الزراعة.
18 - ابن الرشيد في منفاه ومصيره وأيامه الأخيرة
كتب أحد الأدباء في العدد 1068 من العراق مقالاً هذا بعض ما فيه:
كان الأمير محمد بن طلال من آل الرشيد سقط أسيراً في يد ابن السعود سنة (1340هـ) (1921م) بعد احتلال (حائل) وتسفيره وأقاربه إلى (الرياض).
ولما وصل إلى حاضرة نجد وضع في سجن هو قصر من قصور ابن السعود ووضع لحراسته ما يزيد على عشرين عبداً من عبيد صاحب نجد الذين يتكل عليهم في أهم شؤونه
وأمرهم بأن لا يفارقوه قيد شعرة. وكانوا أمروا بأن يصحبوه حيثما يذهب حتى إلى بيت الخلاء لكي لا يتيسر له الهرب بأي وجه كان. وكان قد حظر عليه أن يجتمع بأهله إلاَّ مرة في الأربع والعشرين ساعة ويكون محاطاً بالحرس إحاطة السوار بالمعصم.
وكان له غرفة خاصة به للنوم لا تسع أكثر من عشرة رجال. وكان ينام حوله فيها خمسة عشر عبدا من أولئك الصناديد العثاة وكان رأس أحدهم تحت رجل التالي أو فوقها، حتى إذا قام ليلاً لا يجد محلاً يضع فيه قدمه سوى(5/639)
عضو رجل مدجج بالسلاح.
وإذا خرج الأمير محمد بن طلال إلى المسجد أو إلى السوق تفرق أولئك العبيد ذات اليمين وذات الشمال يراقبون الماشيين حتى إذا رأوا رجلاً يديم النظر إليه، أوجعوه ضرباً. وحظر عليه مسك السلاح حتى السكين ولا يؤذن له بركوب الخيل إلاَّ إذا عن لأبن السعود أن يركب أسراه من مشايخ العرب ويعدون بالمئات فيخرج بهم إلى الضاحية فيأمر الخيالة بالمسابقة والمطاردة أمامه ويلتفت إلى أحد الأسرى ويقول: كان فلان يوم كذا، يظن أنه يتمكن من مطاردتنا وها هو ذا اليوم ينقاد لأمر عبيدنا؟ وكان يرى محمد بن رشيد على فرس من أخس الخيل يحيط به عشرون خيالاً وعليهم أسلحتهم.
كان الأمير محمد يفكر بالهرب ولم يجد وسيلة للفرار إلاَّ هذه الحيلة: أغتنم الأمير فرصة دخول خادمة عليه وبيدها الطعام حين دخوله على أهله فلبس ثيابها وخرج بها متحجباً كالمرأة. فما كاد يصل إلى خارج القصر حتى أدركه العبدان وأخذوه إلى ابن السعود بتلك الثياب. فلما سأله عن سبب خروجه بذلك الزي قال الأمير: لم أر عمتي فأحببت أن أذهب إليها بهذه الحالة لكي لا يشعر بي أحد أما أنت ففسر هذه الأمر كما تحب وتريد. ومنذ ذاك الحين أضمر له ابن السعود الانتقام، فكان يتطلب فرصة للفتك به، فأنتهز فرصة ما شاع من أمر المؤامرة على اغتياله لعزو هذا الغدر إليه. فأمر ابن السعود بقتله تخلصاً منه فقتل مع أن المتآمر على اغتيال صاحب الحجاز هو محمد أخو عبد العزيز، والذي أراد أن يقوم بتحقيق الفكرة هو ابنه خالد. وهكذا كان آخر أيام ابن الرشيد.
وحينما علم ابن السعود بحقيقة الأمر أتلف قتلاً عشرين من عبيد محمد أخيه وحبس خالداً. وأما محمد نفسه فبرئت ساحته لأنه حلف بأنه لم يعلم بهذه المؤامرة ويقال: إن عدد المتهمين بها عدد جم من أعاظم رجال نجد وفي نيتهم أن يحققوها بالفعل مهما كلفهم الأمر
من ركوب الصعاب.
19 - الودي في عشائر شمر سورية
يروى أن الشيخ دهام الهادي والشيخ مشعل الفارس انتهيا من جباية الودي (ضريبة الآباعر) من عشائر شمر المحتلة ديار سورية فاستوفى الشيخ دهام ودي عشيرة (الخرصة) وجبى الشيخ مشعل الفارس ودي (الثابت) و (والفداعة) من عشيرة (سنجارة) مع ودي عشيرة (العمود).(5/640)
العدد 55
سنتنا السادسة
نعاني من الخسائر في إصدار هذه المجلة ما لا يمكن أن ينكر. ومع ذلك نثابر على متابعة وإبراز هذه الخزانة لعلمنا أن أوائل الأمور هي من أصعب ما يكافحه المرء إذا أراد النجاح في ما يتوخاه: وسوف نداوم على ما عقدنا عليه النية، مهما قام في وجهنا من العقبات وقاومتنا الشدائد.
وكنا قد وعدنا القراء بأننا نريد صفحات كل جزء 16 صفحة، لتظهر في الثمانين وها نحن أولاء نبر في وعدنا. ومما قصدنا إدخاله في هذه السنة، أننا ننشر تراجم كتبة هذه المجلة من الأحياء ليكون القارئ، على بينة مما يطالع، ويعرف قدر صاحب المقال. ولا ننشر في الجزء الواحد إلا ترجمة واحدة لا غير، ونتحاشى عن ذكر المبالغات، إذ بحث المرء نفسه يكشف مزايا صاحبه ومنزله من العلم والعرفان.
ونحن نشكر القراء، والمشتركين، وأصحاب المقالات، على ما يؤازروننا به، كما نشكر لأعضاء لجنة النشر لمساعدتهم لنا في كل ما يوافقون على نشره ولا ننسى ملاحظاتهم على ما نكتبه نحن أو يكتبه غيرنا في هذه الصفحات.(6/1)
منارة جامع سوق الغزل
-
لم يكتب أحد عن منارة سوق الغزل قبل نحو ثلاثة قرون سوى الإفرنج أما البغداديون أو غيرهم من العراقيين أو سواهم فلم يرصدوا لها نبذة ولا مقالا بل لم يذكروها ذكرا.
ولما أحتل البريطانيون بغداد، ذهب مهندسوهم إلى رؤية المئذنة وفحصوا ما حواليها، فخافوا سقوطها وأتلافها البيوت التي في جوارها إذا هوت فتدفن حينئذ أصحابها تحت الردم، فعزموا على هدمها حقناً لدماء الخلق فأوعزت السلطة المحتلة إلى أحد الأدباء المشاهير أن يكتب مقالا ينشر في جريدة العرب (في سنة 1918) ليهيئ الأفكار لقبول هذا الخاطر الذي اقلق أرباب السلطة المحتلة. فذهب صاحب الجريدة المذكورة يومئذ إلى السر برسي كوكس وافهمه أن لا خطر على هويها لأنها أصبحت كالصخرة الواحدة وقد مضت عليها السنون وهي في تلك الحالة التي يظن أنها خطرة وليست بها. فلم يقنع الحاكم المذكور بما قيل له لأنه آلى على نفسه أن ينسفها بالبارود كما نسفت مدخنة (العباخانة) تلك المدخنة التاريخية التي بنت في نحو 1869 وكانت آية في البناء والمتانة والجمال.
فلما رأى مدير الصحيفة المذكورة أن صاحب الزمام لا يرجع عن عزمه، أسرع فاخبر بالأمر المرحوم السيد محمود شكري الالوسي ليذهب ويقنع برسي كوكس بأن يعدل عن تحقيق ما دار في خلده؛ فذهب الالوسي مع مدير جريدة العرب - وهو صاحب هذا المقال - وحملا الحاكم على أن يترك هذه المسألة الآن. إلى وقت آخر، ألم يرد أن يعدل عن رأيه، فقنع. وبعد سنتين كلف مهندس البلدية وهو المسيو شاقانيس الفرنسي بأن يقوي كرسي المئذنة بما عنده من الوسائل ففعل، وهي اليوم قائمة على ساقها كما كانت سابقا وتضحك من كل من حاول أن ينظر إليها نظرة إلى شيخة متغضنة.
أما مسألة بانيها أو معيد بناءها فبقيت غامضة اشد الغموض الغموض، وكل من كتب عنها من الإفرنج منذ نيبهر إلى يومنا هذا، وكذلك قل عن كتبتنا في(6/2)
هذا العصر، فأنهم جميعهم لم يتفقوا في أقوالهم عن بانيها أو معيد بنائها؛ أما الآن وقد أخذ صديقنا المحقق البحاثة يعقوب نعوم سركيس ينشد عن صاحبها في كتب التاريخ، فلم يبق ريب في معرفة صاحب هذه المئذنة التي هي زينة الحاضرة ومفخرتها على تعاقب الأيام وهانحن أولاء نزف هذه
العروس، عروس الفكر، إلى محبي التاريخ والتطلع إلى الحقائق الراهنة.
(لغة العرب)
(صورة) منارة جامع سوق الغزل وفي جانبها على يدك اليسرى قبة كنيسة الآتين.(6/3)
في نحو وسط جانبنا الشرقي من بغداد، في محلة سوق الغزل اليوم منارة منفردة لجامع قديم باسم المحلة، كانت في رحبة من الأرض مستطيلة قليلا تكسيرها نحو خمسمائة متر. وفي ثلاث من جهاتها أبواب لدور حقيرة. ثم منذ نحو ثلاث سنوات أحيطت الرحبة بجدار ارتفاعه نحو مترين ونصف. وفي هذه العرصة تباع الغنم صباح كل يوم. والمنارة في نحو وسط هذه الرحبة وهي شاهقة البناء تشرف على المدينة وأنحائها من علو لا يماثله علة عندنا. وهي كذلك الشيخ الفرد النادر الذي شوهت وجهه تجعدات العتي لكنه لا يزال منتصب القامة متجلدا صابرا على حلو الأيام ومرها. وصبر المنارة على عوامل الطبيعة دليل باهر على تقدم فن الريازة في ذلك الزمن وعلى انتقاء الرزاة مواد البناء من احسن أنواعها وإتقانهم صنع الأجر وغير ذلك.
وبمقربة من المنارة في غربيها الجنوبي على بضع عشرات من الأمتار مسجد جامع بغير منارة معروف على الألسنة بجامع سوق الغزل. وإذا استقصينا الخبر من الماضي عن الجامع التاريخي القديم الذي بنيت له المنارة أجابتنا صحائف الأخبار أنه كان يسمى جامع الخلفاء قبل نيف وثلاثين قرون على أقل تقدير كما سيجيء. وبإيغالنا في تاريخه في ما قبل ذلك نجد أنه كان يسمى في القرن السابع للهجرة وما قبله (جامع الخليفة) أو (جامع القصر).
جامع سوق الغزل غير جامع الرصافة
نشرت جريدة (العرب) البغدادية - في عددها الصادر في 14 أيلول سنة 1917 والمرقم 38 - مقالة بغير توقيع عن جامع سوق الغزل أنه مع الرصافة وأن المنارة التاريخية منارته وشتان بين قولها وبين الحقيقة؛ ثم نقلت مجلة مرآة العراق تلك المقالة (1327هـ - 1919): ص من 8 إلى 9 من عددها الثاني.
ومن الغريب أن كاتب المقالة بعد أن استشهد بابن الأثير عن بناء جامع(6/4)
الرصافة في 159هـ (575م) شهادة لا علاقة لها بجامع الخليفة أو القصر أورد عن الرصافة وجامعها كلام معجم البلدان وهو ما يؤيد أن محلة الرصافة على مقربة من مرقد الإمام الأعظم أبي حنيفة. وهو المرقد الذي لا يجهله أحد في بغداد وموقعه في شمالها يبعد عنها نحو ثلاثة كيلو مترات في ما نسميه (الأعظمية) أو (المعظم) على اصطلاح آخر. وذهب أيضاً مختصر تاريخ بغداد القديم والحديث (ص 12 ح) إلى جامع سوق الغزل هو جامع الرصافة وأنه في محلة راس القرية. والصحيح أنه اليوم في محلة سوق الغزل.
أن ما قاله الكاتبان لا يفوت الكثيرين لكني رأيت الأجدر أن أنبه على ذلك ولا سيما أن البحث عن جامع الرصافة وجامع الخليفة أو القصر متداخل بعضه ببعض أحياناً. ولهذا أورد شيئا مما كتب عن ذلك متبعا اتساق الكلام غير نلاحظ لتواريخ تأليف الكتب إذ غرضي البحث عن جامع الخليفة ومنارته وبنائها بعد بياني أن كلا من هذين الجامعين هو غير الآخر. قال في معجم البلدان:
(رصافة بغداد، بالجانب الشرقي. لما بنى المنصور مدينته بالجانب الغربي واستنم بناءها، أمر ابنه المهدي أن يعسكر في الجانب الشرقي وأن يبني له فيه دورا وجعلها معسكر له فالتحق بها الناس وعمروها فصارت مقدار مدينة المنصور. وعمل المهدي بها جامعا أكبر من جامع المنصور واحسن وخربت تلك النواحي كلها ولم يبق ألا الجامع وبلصقه مقابر الخلفاء لبني العباس وعليهم وقوف وفراشون برسم الخدمة ولولا ذلك لخربت وبلصقها محلة أبي حنيفة الإمام وبها قبره. . .) اهـ.
فلا أدري كيف تسنى لصاحب مقالة جريدة (العرب) والمرآة أن يوفق بين ما قرأه أن المهدي بنى جامعا بالرصافة وبلصقه مقابر الخلفاء. . . وبلصقها محلة أبي حنيفة وبها قبره، وبين ما يراه بعينه أن جامع سوق الغزل يبعد عن مرقد أبي حنيفة ما يزيد عن ساعة
للراجل.(6/5)
وجاء في مراصد الإطلاع ما في معنى ما ذكره ياقوت ثم قال: (وقد كانت وانقطعت العمارة عنها (عن الرصافة) فبنى المستنصر سورا حسنا بالآجر)
وفي كتب مناقب بغداد ص 33 ما قوله: (قال هلال بن المحسن: عبرت إلى الجانب الشرقي من مدينة السلام بعد الأحداث الطارئة فرأيت ما بين سوق السلاح والرصافة وسوق العطش ومربعة الخرسي والزاهر وما في دواخل ذلك ورواصفه وقد خرب خرابا فاحشا حتى لم يترك النقض جدار قائما ولا مسجدا باقيا. وأما بين باب البصرة. . . من الجانب الغربي فقد أندرس. . . وصار الجامعان بالمدينة (مدينة المنصور) والرصافة في الصحراء أو بعد أن كانا في وسط العمارة.) أهـ
وكان ابن جبير نزيل بغداد في سنة 580هـ (1184م) وهذا ما جاء في رحلته ص 226 من الطبعة الإفرنجية: (. . . وبأعلى الشرقية (الجانب الشرقي) خارج البلد محلة كبيرة بازاء محلة الرصافة كان باب الطاق المشهور على الشط. وفي تلك مشهد حفيل البنيان له قبة بيضاء سامية في الهواء فيه قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وبه تعرف الملحة.)
وورد ما يلي في المخطوط الذي عرفناه (بالحوادث الجامعة) قال:
(وفيها (وفي سنة 653هـ - 1255 م) وقع بين أهل محلة الرصافة ومحلة أبي حنيفة والخضريين فتنة أفضت إلى محاربة شديدة استظهر به أهل محلة أبي حنيفة والخضرين على أهل الرصافة وطردوهم إلى باب المحلة وركهم السيف فدفعهم الليل فازدحموا للدخول فمات منهم جماعة نحو ثلاثين نفرا وحصروهم ومنعوا أن يدخل إليهم شئ حتى الماء من دجلة فاضر بهم ذلك فنفذ شحنة بغداد(6/6)
من زجر أهل محلة أبي حنيفة وكفهم عن الشر ثم أنهم اقتلوا بعد أيام وخرج بين الفريقين خلق كبير وقتل جماعة واستظهر أهل محلة أي حنيفة) والخضرين على (أهل الرصافة) وباتوا تلك الليلة واستعدوا للقتال وعزموا على إحراق محلة أبي حنيفة وعبر من أهل باب البصرة لمساعدة أهل الرصافة خلق كبير. . .)
ولا بأس من إيراد ما جاء في هذا المخطوط بهذا الشأن أيضاً غير مجتزئ بالنقاط الخاصة بالبحث لما فيه من الفائدة. وهذا قوله:
(وفي هذه السنة (653) اتفقت أمور عجيبة وحوادث غريبة قد ذكرناها، منها: الغرق العام
الذي اخرب أكثر بغداد لا سيما دار الخليفة والدور الشطانية من الجانبين وانتقال الناس من دورهم وتضاعف أجرة المساكن الشعبية في أطراف البلد. وغلبت الأسعار وتعذرت الأقوات وغرقت نواحي دجيل ونهر عيسى ونهر ملك (نهر الملك) والأعمال الفراتية: عانة والحديثة وهيت والأنبار والحلة والكوفة وقوسان. وذهبت الزروع وتلفت الأشجار وتهدمت الجوامع والمساجد كجامع المنصور وهو أول جامع وضع ببغداد ورباط الزوزني المجاور له والقبة الخضراء و (جامع المهدي بالرصافة) ومشهد عبيد الله والرباط المنسوب إليه وجامع السلطان و (جامع القصر) ورباط دار الذهب بعقد المصطنع. وبعض مسجد قمرية بالجانب الغربي. وحائط رواق المدرسة النظامية وعدة مساجد. وقيل أن رجلا ثقة تصدى لإثبات ما تهدم من الدور في الجانبين كان مبلغها اثني عشر الفئات دار وثلاثمائة ونيفا وسبعين دارا.) أهـ
واخبرنا ابن بطوطة في رحلته وهو في بغداد في رجب سنة 727 هـ (1326 م) بقوله: (. . . وبقرب الرصافة قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه) أهـ.
وهذا كاف لبيان موضع الرصافة وجامعها ومن ثم لرد قول جريدة العرب ومجلة المرآة وكتاب مختصر تاريخ بغداد القديم والحديث. وسيجيء في سياق الكلام ما يؤيد هذه الحقيقة.(6/7)
ومما روته لنا مقدمة الخطيب ما ذكرته عن جامعي الرصافة والخليفة. قالت في ص 61 بعد كلامها عن جامع المدينة، مدينة المنصور بالجانب الغربي:
(وأما المسجد الجامع بالرصافة فأن المهدي بناه في أول خلافته. اخبرنا بذلك محمد. . . قال سنة 159 (775) فيها بنى المهدي المسجد الذي بالرصافة فلم تكن صلاة الجمعة تقام بمدينة السلام إلا في (مسجدي المدينة والرصافة) إلى وقت خلافة المعتضد فلما استخلف أمر بعمارة القصر المعروف بالحسنى على دجلة سنة 280 (893م) وأنفق عليه ما لا عظيما رسمها وأمر ببناء مطامير في قصر رسمها هو للصناع فبنيت. . . وجعلها حابس للأعداء وكان الناس يصلون الجمعة في الدار. وليس هناك رسم المسجد إنما يؤذن للناس الدخول وقت الصلاة ويخرجون عند انقضائها. فلما استخلف المكتفي في سنة 289 (901م) نزل القصر وأمر بهدم المطامير التي كان المعتضد بناها وأمر أن يجعل موضعها
(مسجد جامع في داره) يصلي فيه الناس فعمل ذلك. وصار الناس يبكرون إلى (المسجد الجامع في الدار) يوم الجمعة فلا يمنعون من دخوله ويقيمون فيه إلى آخر النهار وحصل ذلك رسما ثانيا إلى الآن. واستقرت صلاة الجمعة ببغداد في المساجد الثلاثة التي ذكرناها إلى وقت خلافة المتقي). اهـ
ويلوح لي أن ابن الجوزي في كتابه مناقب نقل عن مقدمة الخطيب لما يبين لي من تشابه الجمل والكلام. قال ابن الجوزي في ص 21: (جامع الرصافة) بناه المهدي في أول خلافته إلى أن ولي المعتضد وعمر القصر الحسني في سنة 280 فكان يأذن للناس في الدخول يوم الجمعة للصلاة وليس قد رسم مسجدا. فلما استخلف المكتفي في سنة 289 أمر بهدم مطامير كان قد عملها(6/8)
المعتضد وأمر أن يعمل مكانها (مسجد جامع) فعمل هذا الذي هو الآن. وأقيمت الصلاة في الجوامع الثلاثة. . .) حتى قال: (وما زالت الجمع تقام في جامع المدينة و (جامع الرصافة) و (جامع القصر) ومسجد براثا. . .) ثم قال أيضا: (وكان في زمن عضد الدولة يقف الإنسان عند الباب الحديد (كذا) من شارع الرصافة والصفوف ممتدة من (المسجد الجامع بالرصافة) إلى هذا الموضوع (الموضع) ومسافة ما بينهما كمسافة ما بين المسجد الجامع بالمدينة ودجلة. . . ثم أمر السلطان ملكشاه بن محمد بن الب ارسلان بعمارة جامع بالمخرم وهو الجامع المسمى بجامع السلطان. . .) اهـ
وقال ابن جبير في ص 228: والشرقية (الجانب الشرقي حفيلة الأسواق عظيمة الترتيب. . . وبها من الجوامع ثلاثة كل يجمع فيها:
(جامع الخليفة) متصل بداره وهو جامع كبير فيه سقايات عظيمة ومرافق كثيرة كاملة، مرافق للوضوء والطهور.
و (جامع السلطان) وهو خارج البلد، ويتصل به قصور تنسب للسلطان أيضاً المعروف بشاه شاه وكان مدبر أجداد الخليفة. . .
و (جامع الرصافة) وهو على الجانب الشرقي المذكور وبين جامع السلطان المذكور مسافة ميل. وبالرصافة تربة الخليفة العباسيين رحمهم الله. . .) أهـ
واخبرنا ابن بطوطة الذي يبين لنا أنه نقل تنفا عن ابن جبير كما فعل ابن الجوزي بنقله عن الخطيب. قال (ابن بطوطة) في ص 142:
(وبهذه الجهة الشرقية من المساجد التي تقام فيها الجمعة ثلاثة أحدها: (جامع الخليفة) وهو المتصل بقصور الخلفاء ودورهم وهو جامع كبير فيه سقايات ومطاهر كثيرة للوضوء الغسل. . .
والجامع الثاني (جامع السلطان) وهو خارج البلد وتتصل به قصور تنسب للسلطان.
والجامع الثالث (جامع الرصافة) وبينه وبين جامع السلطان نحو الميل) أهـ(6/9)
مر بنا أن الجامع الذي نحن بصدده يسميه بعضهم (جامع القصر) وبعضهم (جامع الخليفة). والآن يحن بي أن ألخص ما قالوه ليتضح أنه واحد. قالت مقدمة الخطيب أن المكتفي أمر بهدم المطامير التي كان المعتضد بناها بالقصر الحسني وأنه القصر المرسوم بدار الخلافة وأنه أمر بجعل موضعها (مسجدا جامعا) ويضاف إلى ذلك ما ذكره كتاب المناقب بروايته لنا بناء هذا الجامع أنه (جامع القصر). ويلحق بما جاء ذكره ابن جبير وابن بطوطة لجامع الخليفة) وسكوتهما عن (جامع القصر) وقد عدا جوامع الجانب الشرقي جميعها ولو كان جامع الخليفة غير جامع القصر لذكراه باسمه. فجامع الخليفة وجامع القصر واحد. وقد اقر ذلك نفر من مشاهير المستشرقين منهم لسترنج في كتابه: بغداد في عصر الخلافة العباسية وماسنيون في كتابه بعثة ما بين النهرين وهرتسفلد في كتابه عن بغداد.
ومن الذين ذكروا جامع القصر ابن الأثير في الكامل دفعات عديدة ويظهر لي لم يذكر الخليفة ولا ارجح أنه مرت قرون ولم يحدث مرة واحدة أمر يوجب ذكر جامع الخليفة وأني لأرجح أنه وافق على اصطلاح الناس عليه بجامع القصر. ومما جاء في ابن الأثير عن (منارة جامع القصر) قوله (54: 11) في حوادث سنة 479 هـ (1086م):
(وفيها في ربيع الآخر فرغت المنارة بجامع القصر وأذن فيها) أهـ
فنظر لما أتى به ابن الأثير لا أرى مجالا لمخاطبة (البناء) للمنارة الشاخصة للأبصار بمئذنة الرشيد في قصيدته التي نشرت في هذه المجلة (3 (1914): 574) إلا إذا أراد الشاعر المجاز وإذا صح له ذلك. أما قول حاشية تلك الصحيفة أن المئذنة كانت في عهد الخلفاء العباسين لكن بانيها لا يعرف على التحقيق وأن منهم من يرى أنها من عصر الرشيد وأنه هو بانيها في وسط المسجد الجامع فأني اقسم جوابي عليه إلى قسمين: الأول أريد به أنها كانت في زمن الخلافة العباسية وهذا لا غبار عليه فأن ابن الأثير روى لنا
بناءها في العصر العباسي. الثاني أنه من بناء الرشيد لا يصح إذ أن الجامع الذي ينسب بناء المنارة إليه هو جامع القصر - وعلى اصطلاح ثان جامع الخليفة - وقد أحدثه المكتفي كما رأينا(6/10)
وهو ابن المعتضد بن الموفق طلحة بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد. فلا يمكن أن تكون المنارة من بناء الرشيد ولم يكن رسم لجامع في هذه البقعة قبل المكتفي ولم نر لها ذكرا حتى نوه ابن الأثير بسنة بنائها. فكان الواجب يقضي بالا يهمل القول الصريح لابن الأثير وهو المعول عليه يومئذ. أما الآن وقد عثرنا على كتاب الحوادث الجامعة فأني سأروي ما أطلعنا عليه من أثر بناء المنارة القائمة حتى هذا اليوم وهو ما كان بعد زمن ابن الأثير بنحو خمسين سنة.
ومن الذين ذكروا جامع القصر وأنه في حريم دار الخلافة ياقوت في مادة الحريم كما مر بنا في هذه المجلة (450: 5) (فجامع القصر) أو الخليفة هو ما سمي بعده (بجامع الخلفاء) الواقع اليوم في محلة سوق الغزل ثم عرف الجامع الذي شيده سليمان باشا على ما سيأتي (بجامع سوق الغزل).
ذكر جامع الخليفة
أو القصر في الحوادث الجامعة
يستند جل ما ورد في المقال عن الموضوع الذي تناولته عن كتب معروفة والآن استل كل ما جاء في الحوادث الجامعة عن الجامع ومنارته تعميما للفائدة. وأن كان بعض ذلك خارج موضوع البناء.
ابتدأت نسخة الكتاب الناقصة في أولها بذكر جامع القصر في سنة 627 هـ (1229م) فقالت:
(وفيها عاد الأمير مجير الدين جعفر بن أبي فراس الحلي إلى بغداد وكان مقيما بمصر عند ولده. . . وعاد إلى بغداد في غرة رجب وأقام بداره فأدركته المنية في آخر ذي الحجة فصلي عليه في جامع القصر. . .)
وسبق لي في هذه المجلة (339: 5 وما بعدها) تفصيل مظفر الدين أبي سعيد كوكبرى إلى بغداد في سنة 628 نقلا عن الحوادث وقد أهمل المراتب شيئا من ذلك أضيفه هنا لعلاقته بهذا البحث وبابن الجوزي معا. وهو بعد قولك (سنقر) (ص 341 س 6):
بدرب فراشا وأنزل جماعة من الأمراء الواصلين معه في دور في عدة محال وباقي عسكره في المخيم ظاهر البلد. وأقيمت له ولأصحابه الإقامات الوافرة.
ثم سأل زيارة المشاهد والربط ببغداد فعمل له في كل مكان وليمة. وصلى(6/11)
في (جامع القصر) جمعتين داخل الرواق إلى جانب المنبر.
ثم حضر في منتصف صفر مؤيد الدين القمي نائب الوزارة وولده والجماعة الذين حضروا يوم دخوله وجرت الحال على ما تقدم شرحه. وخاطبه الخليفة بما طابت به نفسه فقبل الأرض وابتهل بالدعاء وتلا قوله تعالى: (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين.) ثم أسبلت الستارة وخلع عليه في تلك الحجرة أعطي كوسات وأعلام وخمسون الفئات دينار برسم نفقة الطريق وبرسم حاشيته وأصحابه عشرة آلاف دينار وخرج من هناك إلى دار الوزارة وحضر جميع أصحابه فخلع عليهم بحضوره.
وأقام بعد ذلك أياما ثم خرج إلى مخيمه ظاهر سور السلطان وتوجه إلى بلده. وكانت مدة مقامه ببغداد عشرين يوما. ومضى معه (محيي الدين ابن الجوزي) وسعد الدين حسن ابن
الحاجب علي وعادا في ربيع الأول واخبرا أن مظفر الدين حلف أمراءه واعيان أهل بلده على طاعة الخليفة وتسليم البلد عند وفاته) اهـ.
وجاء أيضاً في حوادث سنة 635 (1237م) ذكر جامع القصر (راجع لغة العرب 345: 5).
وفي المخطوط أيضاً قوله: (وفي آخر شعبان (635هـ) انتهى (كذا) عمارة (باب جامع القصر) مما يلي الرحبة وفتح. وفتحت المزملة التي عملت(6/12)
وفي أخبار السنة المذكورة أيضاً ما موجزه: وفيها أمر خطيب (جامع القصر) أبو طالب بن المهتدي بأن يحرص في خطبته على الجهاد في المغول وقد وصلوا دقوق (دقوقا) وانبثوا في أعمال بغداد.
وورد فيه في حوادث سنة 637 (1239) قولة: وفيها توفي عز الدين أبو زكريا يحيى بن المبارك بن علي بن الحسين بن بندار المخرمي. . . وصلي عليه في جامع القصر. . .).
وفي حوادث سنة 640 (1242) قوله بعد مبايعة المستعصم: (. . . يوم الجمعة سابع عشر جمادي الآخرة تقدم إلى كافة أرباب المناصب والولايات والأمراء الكبار بالركوب إلى (جامع القصر) فحضروا دار الوزير أولا ثم توجهوا إلى الجامع وصلوا داخل الحطيم وأعفى والوزير من الحضور لعجزه. وخطب نقيب النقباء بهاء الدين الحسين بن المهتدي ونثر عند ذكر اسم الخليفة ألف دينار ألف درهم عليها اسمه. تولي نثار ذلك بشير التستري؟) وصعد معه علم الدين أبو جعفر بن العلقمي أخو أستاذ الدار ونفذ إلى جامع المنصور وجامع المهدي بالرصافة وجامع السلطان وجامع فخر الدولة بن المطلب وجامع بهليقا فذهب ودراهم. نثر ذلك عند ذكر اسم الخليفة. وكان مبلغ ما يعد إلى كل موضع خمسمائة دينار وخمسمائة درهم. وذكر الخطباء الأمر بالحج ورغبوا فيه وعرفوا الناس أنه قد وقع الشروع في أسبابه.
سنة 648 (1250) (وفيها حضر كالأمير سيف الدين علي بن قيران عند الوزير وأستاذ الدار وأنهى أليهما أنه شاهد العدل شمس الدين علي بن النسابة خطيب جامع القصر في بستان يعرف بالديلجي (؟). . .)
سنة 653 (1255) (وفيها توفي نقيب النقباء بهاء الدين أبو طالب الحسين بن أحمد بن المهتدي بالله. كان خطيبا (بجامع الخيلفة) ناظرا في وقوف ترب(6/13)
الرصافة ثم ولي نقابة
العباسيين واقر الخطابة فمرض يوما واحد ومات. ولم يعرض له في مدة خطابته ما يقطعه عنها، وكان مولده سنة سبع وسبعين وخمسمائة.)
وفي هذه السنة وقع الفرق الذي جاء نقل وصفه في الصحائف المتقدمة في هذه المقالة وفيه ذكر (جامع القصر).
وفيها توفي شرف الدين إقبال الشرابي. . . في ثامن عشرية (أي من شهر شوال) وصلي عليه في (جامع القصر) ودفن في تربة أم الخليفة المستعصم بباب القبة على يمين الداخل)
سنة 655 (1257) وفي شوال ندب العدل نجم الدين عبد الله بن البادراي إلى القضاء وهو مريض فاستعفى فلم يعف واستدعي إلى دار الوزير فحضر بين غلمانه وهو ضعيف عن الحركة والكلام فخلع عليه وشرفه بالقضاء فركب إلى (جامع الخليفة) وجلس في القبلة (القبة؟) وقرء تقليده على المنبر ثم خرج وجلس في منصب القضاء وحكم وسمع البينة وكتب الأنباء ولم يجلس بعد ذلك وأنقطع في بيته تسعة عشر يوما وتوفي. . .)
سنة 656 (1258) وفيها دخل هولاكو بغداد واستولى عليها. ومما قاله المخطوط:(6/14)
(. . . واحرق معظم البلد (وجامع الخليفة) وما يجاوره. . .) ثم قال: (ووصل الأمير مراعا (قرابوقا) بعد ذلك إلى بغداد وعين عماد الدين عمر بن محمد القزويني نائبا عنه فكان يحضر الديون مع الجماعة. وكان ذا دين ومروءة عين على شهاب الدين بن عبد الله صدرا في الوقوف وتقديم إليه (بعمارة جامع الخليفة) وكان قد احرق كما ذكرنا. ثم فتح المدارس والربط واثبت الفقهاء والصوفية وادر عليهم الأخبار والمشاهرات وسلمت مفاتيح دار الخليفة إلى مجد الدين محمد بن الأثير وجعل أمر الفراشين والبوابين إليه.)
سنة 650 (1271) وفيها أمر علاء الدين (الجويني) صاحب الديوان بتجديد عمارة (منارة جامع الخليفة) وكان صدر الوقوف يومئذ شهاب الدين ابن عبد الله فشرع في ذلك وأنجزت في آخر شعبان ثم سقطت في شهر رمضان بعد فراغ الناس من صلاة التراويح ولم يتأذ أحد ممن كان هناك.)
سنة 678 (1279) (وفيها تمت عمارة (منارة جامع الخليفة) وكانت قد سقطت في شهر رمضان سنة سبعين. وتمت عمارة مسجد الشيخ معروف (الكرخي) قدس الله روحه بالجانب الغربي من بغداد على شاطئ دجلة. أمر بعمارته شمس الدين محمد بن الجويني
صاحب ديوان الممالك. وكان قد خرب لما غرقت بغداد سنة ثلاث وخمسين وستمائة.)
سنة 681 (1282) (. . . ثم توجه علاء الدين (الجويني) نحو العراق فلما وصل إلى اشنى بلغه أن ارغون سار من خراسان لما بلغه وفاة أبيه السلطان(6/15)
اباقا خان يريد العراق فأقام في اشنى وأنفد الكرزدهي (؟) والجلال بخشي (بخشي؟) ونجم الدين الأصغر ومجد الدين بن الأثير وجماعة من أصحابه ومعهم رأس مجد الملك وكتب معهم مكتوبا صورته: (يطول أمر نقله ويخرجنا عن الموضوع). وكان وصولهم بغداد في رجب. وقرء هذا الخط في جامع الخليفة. . .)
(وفيها توفي الشيخ جلال الدين عبد الجبار بن عكبر الواعظ مدرس الحنابلة بالمدرسة المستنصرية ودفن في المسجد المجاور لداره. وكان عالما فاضلا ورعا زاهدا جلس للوعظ بباب بدر في زمن الخليفة. وبقي على ذلك إلى واقعة بغداد ثم جلس في جامع (الخليفة) واستمر إلى أن مات وكان له قبول عند العالم.)
سنة 684 (1285) (وفيها توفي موفق الدين أبو الفتح بن أبي فراس الهنايسي (الهرائسي؟) أخو قاضي القضاة. وكان رجلا صالحا خطب (بجامع الخليفة) إلى أن اضر فاستناب ولده مكانه.)(6/16)
سنة 690 (1291) هناك ذكر لباب (جامع الخليفة).
وفي هذه السنة أحبست (كذا) الغيوث حتى انقضاء بعض شباط فاجتمع الناس عند قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني ثم خرجوا إلى مقبرة معروف (الكرخي) رحمه الله يوم الخميس سابع عشرين صفر واجتمعوا في باب المدرسة البشيرية ونصب هناك كرسي خطب عليه العدل شمس الدين ابن الهنايسي خطيب (جامع الخليفة) ثم تضرعوا (كذا) الناس وسألوا الله عز وجل أن يعمهم برحمته واكثروا من البكاء والاستغفار وعادوا.
ثم خرجوا يوم الجمعة إلى ظاهر سور بغداد يتقدمهم شيخ المشايخ نظام الدين محمود راجلا مستكينا وكذلك قاضي القضاة واجتمعوا وراء جامع السلطان وخطب الخطيب المذكور ثم تلاه الشيخ شهاب الدين عبد المحمود بن السهروردي فأرخت السماء عزاليها وتواترت الغيوم فدخلوا بغداد وقد توحلت الطرق ودام نزول الغيث ثلاثة أيام ثم سكن. وزادت دجلة بعد ذلك وأنتفع العالم بما عمهم من لطف الله ورحمته.)
وفي الحاشية ما قوله: فصام اليهود ببغداد ثلاثة أيام متواليات واكثروا من الدعاء والصلاة
وخرجوا في اليوم الثالث وهم صيام فاستسقوا فلم يسقوا)
سنة 697 (1297) (وفيها قتل (بجامع الخليفة) ببغداد في يوم جمعة رجل انتهى ما أرادت نقله من الحوادث الجامعة.
الجامع في كتاب جامع التواريخ وبعده
وجاء في التاريخ الفارسي المسمى جامع التورايخ لرشيد في ص 302 - 303 ما تعريبه:
(واحرق (المغول حينما استولى هولاكو على بغداد) القسم الأعظم من المواضيع الشريفة كجامع
الخليفة ومشهد موسى الجواد عليه الرحمة وترب الخلفاء. . .)(6/17)
وفي ص 308 - 309 ما تعريبه أيضا:
(وعمر عماد الدين عمر القزويني الذي كان نصبه الأمير قرتاي نائبا عنه في جامع الخليفة ومشهد موسى الجواد. . .)
ولم اطلع في ما لدي من الكتب على ذكر (جامع الخليفة) خلال بعض مئات من السنين حتى ذكره تكسيرا في أواخر سنة 1604م (1013هـ) فقال ما تعريبه عن ترجمته الإنكليزية ص 64:
وتشاهد العين هنا (في بغداد) خرائب للعمارات البديعة من العهد الفارسي كجامع الخلفاء. . .
وقال اولياجلبي في رحلته (419: 4) ما تعريبه وقد قدم إلى بغداد في 12 ربيع الأول سنة 1066 (1655):
(جوامع قلعة بغداد. تبلغ محاريب بغداد ستمائة وخمسة وستين محرابا. ومن جملة جوامع سلاطين السلف جامع الخلفاء المعبد القديم ذو المنارة والقبة الواقع في رأس جورجه وقد ورد في رحلة الأب لياندرو الكرملي المرسل(6/18)
في بغداد في الربع الثاني من القرن الثامن عشر ذكر أمام جامع الخلفاء.
وجاء بعده الرحالة نيبهر وقد أم الشرق في منتصف ذلك القرن أيضاً فحكى عن المستنصرية وعن بناء المستنصر لهذا الجامع فقال ما تعريبه ونصه:
وبنى المستنصر بعد ثلاث سنوات جامعا بديعا في محلة (سوق الغزل). لم يبق منه إلا
المنارة والجدار الداخلي ومدخلان وهناك اليوم قهوة.
وفوق هذا المدخل كتابة تفصح عن اسم الباني. والكتابة هي: (أمر بعمله سيدنا ومولانا الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين أعلى الله تعالى معالم الإسلام بهمته العالية وأزهى دعائم الإيمان بناء بآياته وذلك في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.) والظاهر أنه يريد بذلك بناء الباب الذي ذكره كتاب الحوادث الجامعة والترميم الذي ذكره لسترنج وهذا الكلام ينزع الشك الذي وقع في صدر لويس ماسنيون إذ ذهب إلى أن ما قرء للرحالة نيبهر وكان مكتوبا على الباب ليس أكيدا (راجع عن شك ماسنيون 41: 2)
ثم أهملت الأقلام ذكر الجامع التاريخي حتى أتانا مؤلف دوحة الوزراء فذكر في حوادث سنة 1217هـ (1802م) في خبر وفاة سليمان باشا والي بغداد قيامه بتشييد الأبنية منها أنه (لما رأى أن الجامع الشهير بجامع الخلفاء الواقع(6/19)
في بناء (شورجة) قد تهدم وهجر ولم يبق له إلا أثر قليل ورسم جزئي هدمه من أساسه فأنشأ جامعا أنيقا).
وقال المرحوم الشيخ العلامة شكري الالوسي في كتاب مساجد بغداد أن (بالقرب من جامع الخلفاء المعروف بجامع سوق الغزل سقاية أنشأها الشيخ صبغة الله وقد حرر على جدارها هذه الأبيات وفيها التاريخ.) فأوردها الالوسي برمتها أما أنا فاكتفي ببيت التاريخ خوف الإطالة:
أن جئت ظمآن قلب يا مؤرخها ... اشرب هنيئا مريئا بارد الراح
سنة (1260هـ) (1844م)
وقالت جريدة (العرب) و (مرآة العراق): قال بعض المؤرخين أنه أدرك من باب هذا المسجد
ميلين شامخين في الهواء كانا على جانبي باب الجامع وأن سليمان باشا الكبير والي بغداد في سنة 1193هـ (1779م) هدمها وبنى بأنقاضها مسجدا صغيرا بقرب المنارة وهو المشتهر اليوم بجامع الخلفاء وكان الباب الذي على جنبيه الميلان، عند السوق التي يباع فيها اليوم الغنم وغير ذلك ولم يبق من الجامع القديم سوى مئذنته الشهيرة اليوم بمنارة سوق الغزل. . . اهـ)
وهناك قصيدة لمنشد لم يسمه الكاتب خاطب بها الجامع والمارة باسم جامع الرصافة وهو
غلط ظاهر كما رأينا.(6/20)
وقالت جريدة (العرب) والمرآة أيضا: لما احتل الجيش البريطاني دار السلام بغداد. . . أرسلوا لها (كذا) (أي إلى المنارة) عارفين من المهندسين ومشاهير المعمارين فكشفوا عليها. . . ثم باشروا في إصلاح خللها. . . وقد وجدوا كرسيها على الأساس الأول واخذوا يصلحون البدن كله. . . غير أن شرفتها فما فوق قد وهنت. . . حتى أشرفت على السقوط. . . فعسر إصلاحها على هذه الحالة فاقتضى فل ما وهن منه وأعادته كما كان بحجارته وأنقاضه. . .) اهـ
هذا ما أوقفتنا عليه الجريدة والمجلة المذكورتان أما ما نراه اليوم فهو أنهم رمموا قاعدتها نحو مترين فوق سطح الأرض ولا تزال المنارة باقية على حالها بغير إصلاح ويا ليت وزارة الأوقاف تهتم بترميمها من غير أن تهدم منها شيئا.
وشاهد الأستاذ المستشرق ماسنيون هذه المنارة وصورها في كتابه (بعثة العراق) وبحث عنها فقال أنه يظن أن تاريخ بنائها يتقدم على السنة 633هـ (1235م) التي جاءت في الكتاب التي نيبهر وذهب إلى أن بناءها يرتقي إلى قبل ذلك التاريخ نظر إلى طراز البناء والى أثر الكتابة الكوفية التي تمنطقها كما نراها وكما صورت هنا وفي بعض كتب الإفرنج التي ذكرناها.
أسماء الجامع وعمر المنارة
يستنتج من مقالتي أن الجامع الذي بحث عنه عدة أسماء وهي: جامع القصر ثم أطلق عليه اسمان معا وهما الأول المذكور والثاني جامع الخليفة. ثم عرف بجامع الخلفاء وبعد أن بني سليمان باشا قريبا من المنارة جامعا اشتهر أيضاً الجامع بجامع سوق الغزل. وإذا عدنا إلى كتاب الحوادث الجامعة وجدنا - والعهدة عليه - أن عمر المنارة اليوم 669 سنة قمرية أي 649سنة شمسية. وما بقي من عمرها عند علام الغيوب.
بغداد 24 ت 1 سنة 1927:
يعقوب نعوم سركيس(6/21)
منطق المنطق
هذا بحث طريف لعلي لم اسبق إليه، وموضوعه المعاني التي اشتركت فيها الأمم على اختلاف بيئاتها. وتباين لهجاتها. فوضعت من دون تواطؤ بل يوحي الغريزة إزاء كل منها لفظا يدل عليه.
وهذا البحث لخطورته جدير بمن يطرقه، أن يكون ثابت القد في لغات مختلفة؛ غير أني طرقته وليس في حقيبتي سوى لغتين: العربية والتركية متوكئا في سيري على اللغة العامية التي تكاد تكون لغة قائمة بنفسها، مع شئ يسير لا يستحق الذكر من بعض اللغات المجاورة للغتنا دارا أو استعمالا.
ومع قلة بضاعتي في علم الألسن، بل فاقتي فيه، أقدمت على الكتابة في هذا الموضوع لأنه شاقني، وعسى أن يشوق غيري من لهم ولوع بمثله.
وسوف احرص على اتخاذ الحيطة والاكتفاء بالحد الأدنى دون إرخاء العنان نظرا لفقري الآنف الذكر. وأملي أن ينسج على منوالي - ليكمل مشروعي - من كانوا في اللغات أعلى كعبا، وأطول باعا. ليقوموا بإشباع الموضوع واتراع كأسه أذاهم استطرفوا ما خضت فيه.
وسيكون بحثي مشتملا على مباحث مختلفة منها عامة ومنها ما يتعلق بمفردات اللغة ومنها ما يتعلق بمواد الصرف والنحو ومنها ما يتعلق بعلم البلاغة.
وربما استطردت فأتيت بسوانح لطيفة لم تسخ النفس بإفلاتها بعد اقتناص شواردها. هذا وليعلم القارئ أني لا أستطيع من الآن تحديد الفصول التي سوف اكتب تحت ظلال عناوينها إذ لا أدري ماذا سيعن لي في هذه البيداء المترامية الأطراف، والشعاب الملتوية التي قدر لي سلوكها.
كما ينبغي أن يعلم أني لا اقطع بالإصابة في جميع ما ستجود به البراعة لأني قدمت بين يدي عذرا. وكيف اقطع بالإصابة؟ وأنا حديث الدخول إلى مجاهل لم تجل فيها يراعة كاتب.
لذلك أقول بكل صراحة أن جميع ما سأنشره من الفصول أن هي إلا مسودات(6/22)
تحتمل الرجوع فيها وتسخر البنان في تنقيحها وتهذيبها وأن نشرت وأذاعت في البلاد.
1 - لابد لكل أمة من الأمم من ألفاظ موضوعة إزاء المعاني الأولى كل أمة مجتمعة لها لسان تتفاهم به، لا بد أن تضع، بحكم الغريزة إزاء كل ما يقع تحت حسها من الأشياء وما يعرض لها من الحركات والأوضاع الضرورية وما اشعر به شعورا قويا، ألفاظا تدل عليها. وما لم يقع تحت حسها أو لم تشعر به فإنما تضع له عند وقوعه أو شعورها به أي عند تقربه من المحسوسات وذلك اللفظ أما من ثروتها وأما مستعار من غيرها منزل على حكم لغتها.
فالأرض والسماء والهواء والحيوان والنبات لا مندوحة من وضع أسماء تدل عليها عند جميع الأمم وأن كانت في أحط المنازل من الإدراك البشري لأنها المواد الأولى لحياتها فلا يعقل أن تفترش الأرض. وتسير عليها، وتشرب الماء، وتركب الحيوان. وتأكل النبات، وتقي العواصف، وهي عارية عن الأسماء التي تدل عليها عند تحريها والالتماس لها والإشارة إليها.
ومن هذا القبيل الحركات والأوضاع التي لا مناص من طروءها كالقيام والقعود والاضطجاع والمسير والأخذ والعطاء وكذلك ما يقوي شعورها به كالجوع والعطش.
وإذا تقدمت الأمة وطرأ عليها أمر زائد على ما ذكرنا كالكوز لحفظ الماء والصفحة لوضع الطعام والمنشار لقطع الشجر، اضطرت إلى إحداث أسماء لهذه الحاجيات المستجدة.
ومن هذا القبيل الحركات المتفرعة عن الحركات الابتدائية كالهرب هو فرع من الذهاب والعدو من المشي والغناء الذي هو فرع من الصوت، وكذلك ما يفيض به الخيال عند اتساع نطاقه كالحياء والوفاء والبخل والسخاء والرياء والنفاق من المعاني التي لا يعقل وضع ألفاظ إزاءها في الابتداء.
وعلى هذا النسق تنمو شجرة اللغة وتنجب اغصانها وتزكو ثمراتها. كل لغة على حسب مرتبة أهلها من الثقافة وممارستها لمعترك الحياة.
دعني الآن اضرب لك مثلا: امتنا قبل مائة سنة فأنها لم تضع كلمة (قطار) ولا (طيارة) ولا (سيارة) بالمعاني المعروفة اليوم حتى طرقت مسمياتها بلادنا(6/23)
ووقعت تحت أبصارنا فاضطررنا إلى تمهيد لهؤلاء الضيوف الكرام في لغتنا فنقلنا المذكورة على وجه التوسع من مواضعها الأصلية - دون قطع الصلة بها - وألزمناها معاني طارئة ما كانت ببال واضعي
اللغة القدماء.
فأن كانت اللغة غنية ذات ثروة طائلة أخرجت من وفرها ما تستعين به على قرى ضيوفها وإلا فزعت إلى الاستعارة والاستدانة.
ولا يكاد يكون للتطفل على لغة أخرى مبرر صحيح إلا في شأن اللغات الطفلة التي لم تبلغ اشدها.
أما اللغة الواسعة، العظيمة الثراء، كلغتنا المحبوبة، فاخلق بها أن يكون التطفل على غيرها سمة شائنة في جبينها، فضلا عما في طروء الغرباء والدخلاء على مسكن، من القضاء على أهله أشخاصا كانوا أم ألفاظا.
من هو الأولى بوضع الأسماء؟
أهل البيئة التي يظهر فيها المسمى، أولى بوضع اسم إزاءه ف (النخلة) على تقدير نشأتها في بلاد العرب، لا مناص من وضع العرب اسما لها أو من هم في حكم العرب من أخواتهم الساميين، فإذا قدر للنخلة أن تسيح في بلاد أخرى غير عربية، جاز أن تحتفظ باسمها في ديار الغربة، كما يحتفظ الكريم بزيه وشعاره، وجاز أن ترتدي ثوبا آخر وتطمس صبغة أخرى.
ومن النوع الأول اسم (الجمل) فأنه ظل محتفظا باسمه بعد بلوغه بلاد الإنكليز مثلا، لكن بتحريف بسيط لم يطمس حقيقته.
على أنا لا نستطيع أن نجزم بأن الإنكليز اخذوا لفظة الجمل عن العرب بل من المحتمل أنهم اخذوا من بقية اللغات بحكم تدينهم بدين الساميين ودراستهم كتبهم المقدسة، وما لم يقدر له أن يجوب بلادا غير بلاده لم يكد يحظى باسم جديد في البلاد التي يطأها؛ لكن لا يبعد أن يطأها اسمه فقط بنقل السائحين أو الكتب أو الصحف أو تجلب ثمرته فتحظى الثمرة بتسمية جديدة كالثمرة المسمى عندنا بالتمر الهندي المجلوب من الهند.
وربما وقع ذلك في لغة واحدة إذا اختلفت الأقطار وكان ثمة داع كما جرى للبطيخ الأخضر فأنه يسمى في العراق (رقي) نسبة إلى (رقة) ويظهر أنه جلب من جهتها كما سمي أهل الموصل القثاء بال (ترعوزي) نسبة إلى(6/24)
(ترع عوز) فيما يظهر.
استحالة الإحاطة بمناحي لغة واحدة
مهما كانت ضيقة النطاق
إذا لم يكن المنقب عن اللغات من أهلها الناشئين في أحضانها، المغتذين بها مع لبن الرضاع، كان من المستحيل سلامته من الخطأ، بل أستطيع التصريح بها مع لبن الرضاع، كان من المستحيل سلامته من الخطأ، بل أستطيع التصريح بذلك في لغة مدينة واحدة لأن المدينة قد تشتمل على إحياء متباينة اللهجة فتكون له الخبرة التامة في لغة الحي الذي ينشأ فيه دون الآخر.
وإذا قدرنا إحاطة الوطني بلهجات جميع الأحياء فربما فاتته معرفة اصطلاحات الصناع في صناعاتهم، والعمال في أعمالهم، من دباغين، وحاكة وبنائين، ونقاشين، وأطباء، وصيادلة، وأرباب سفن ومن لف لفهم.
وإذا فرضنا أن غريبا أقام بين ظهراني أهل بلد سنين طوالا فتمرس بهم في أسواقهم واختلف إلى مجتمعاتهم فأنه يغادر البلد، وقد فاته شئ كثير مما لا يصل إلى الأسواق والمجامع من اصطلاحات النساء في بيوتهن، والصبيان في ألعابهم.
وأن شئت قصصت عليك قصة ذلك الأجنبي الذي كان مقيما في الموصل وكان ملما بلغتها، فأنه كان يلتبس عليه أمر (الراء) التي يقلبها أهل الموصل أحيانا (غينا) فكان إذا أراد النطق بكلمة (شغل) قال: (شرل) ذهابا منه إلى أن الأصل (ر) حتى أن الموصلي إذا كان ساذجا وخاطب بعض البغداديين مثلا قال له (برداد) أي (بغداد).
ومن هذا الضرب أني رأيت بعض السوريين يكتب (اثباب) أي (أسباب) ظنا منه أن الأصل (ث) وكان ساذجا فنبهته عليها. وربما عثرنا في بعض الكتب أو الصحف على كلمة (غث وثمين) أي (غث وسمين) وقد جرت بيني وبين بعض فضلاء السوريين مناقشة طويلة إذ ظن أن الثاء هي الأصل وربما عثرنا على تعبير (نذر يسير) أي (نزر يسير).
ودخل بعض الغرباء إلى بغداد فوجد أهلها يقلبون القاف كافا فارسية فظن ذلك أمرا مطردا فوقف على دكان فاكهي وقال له: (بكم البورتكال؟) فضحكوا منه وسيأتيك في فصل الغرائب ما يحملك على الإذعان لهذا.
محمود الملاح(6/25)
الخط الخصوصي
لا يمكن للإنسان - مهما حاول تقدير مقام من أوجد الخط - إلا يرى نفسه عاجزا عن ذلك لأنه بدونه لا يمكن التفاهم بين المتباعدين، ولولاه لما عرف الأواخر شيئا من علوم الأوائل. وذلك شامل طبعا جميع أنواع الخطوط من جميع لغات العالم.
وقد رأيت بعض الأميين الذين اضطرتهم أعمالهم إلى الكتابة التي يجهلونها يتخذون الوسائل للتفاهم وأن لم يكونوا يحسنون الكتابة فقد فتقت لهم أذهانهم أن يجعلوا لهم حركات وإشارات تقوم لهم مقام الخط فأحببت ذكر هذا الأمر على صفحات لغة العرب التي لم تترك نادرة تخص العلم إلا نصبت لاقتناصها ما عز وهان. فأقول:
كنت أعرف قبل نحو أربعين سنة أو أكثر رجلا يسمى درويش علي التحميصي لأنه كان يلتزم من الحكومة رسوم تحميص البن وما كان يؤذن يومئذ لأحد تحميصه خارج ذلك المحل وهو رسم دام إلى إعلان الدستور العثماني.
وكان يشتري البن من التجار ويحمصه ثم يوزعه على المشترين من أصحاب المقاهي دافعا إلى كل منهم مقدر ما يصرفه. فيضطر إلى قيد ما اشتراه وممن اشتراه ليحاسبه على طلبه ووفائه لأن المعاملة كلها تقريبا كانت نسيئة وكان مضطرا إلى قيد اسم كل صاحب مقهى ومحلته ومقدار ما يأخذه منه وثمنه وما يأخذه منه من الدراهم وأرباب المقاهي في بغداد لا يقلون عن مائتي شخص وكانت حالته ضيقة لا تمكنه من استخدام كاتب فاخترع بنفسه لنفسه خطا يقيد به شارده ووارده ويحاسب عملاءه من تجار مشترين لكن أرقامه كانت الأرقام الهندية المألوفة.
وبقي على حالته هذه حتى مات فمات معه دفتره وذهب ماله عند الناس.(6/26)
ولست أدري ما كان عليه للتجار.
والثاني رجل من أهالي الاعظمية وهو حي يرزق اسمه (عماد) كان يأخذ من البابوججية ما يصنعه كل منهم وهم عشرات الصناع فيأتي بها إلى بغداد فيفرقها بأن يجعل كل أستاذ على حدة ثم يقدم جميعها للخفافين ويقيد ذلك طبعا في دفتره ليحاسب أصحابها ثم يقوم بشراء ما يلزم لصناعتها من جلد للنعل وللوجه ومن أشراس وخيوط وشمع عسل وغير ذلك وهو
مضطر إلى قيد هذه الأشياء لبائعيها وعلى حساب من أخذت لهم وهو أمي ففتق له ذهنه اختراع خط خاص به وكان يدير أعماله حسب اللازم مدة من السنين حتى ترك هذا العمل حسبما أظن ورقمه خاص به دون غيره كخطه.
واغرب منهما رجل كان خفافا وهو المرحوم الحاج عبد الكريم الدركزلي كان إذا باع لأحد حذاء قيده باسمه في دفتره على ثمنه ليطالبه به ولكنه كان يكتب خطا لا يعرفه ولا يتمكن هو بنفسه أن يقرأه مع أنه هو الذي كتبه بل كان يعرفه أخوه الأكبر المرحوم الحاج محمد جابر وكان يأتي غالبا إلى حانوت أخيه عبد الكريم فتراه يطلب منه الدفتر ويسأله: هذا اسم من وما الذي عليه؟ ثم توفي الأخ الأكبر فبقي البائع الكاتب لكن دفتره مات مع أخيه ولم ينتفع هو به بعده ولله في خلقه شؤون.
عبد اللطيف ثنيان
الاشفى
في محيط في مادة اش ف؛ الاشفى (وضبطها بكسر الأول وفتح ما قبل الأخر) الاسكاف. وهو غلط ظاهر والصواب مثقب للاسكاف ومعناه الأصلي السلاءة كما في الآرامية.(6/27)
أوابد الشهود
1 ربيع الأول
تهتم كل امرأة، ولا سيما الفراتية بكنس بيتها وغسله جلبا للخير.
9ربيع الأول
يبتهج الفراتيون وبعض سكان مدن العراق ابتهاجا عظيما في هذا اليوم ويعدونه من الأعياد فيتزينون فيه. ويتطيبون ويلبسون افخر ملبوسهم ويسميه عوام الشيعة (عيد الزهراء) والسبب تسميته هو أنهم يعتقدون أن في مثل هذا اليوم مات الخبيث عمر بن سعد بن أبي وقاص الذي دبر الهجوم ظلما على الحسين الشهيد (ع)، وهو قاتل ابنها فعزي هذا العيد إليها وسمي باسمها ويفعل الصبيان في هذا اليوم أمورا عجيبة غريبة.
ترى الواحد منهم يأخذ (كبيرة). والكبيرة في عرفهم كتله قطع صغيرة من الثياب الخلق، تجمع وتخاط فتكون على شكل كرة. ويقف الفتية في قارعة الطريق ينتظرون المارين. فإذا كان المار (معمما) أنهال عليه الصبيان يضربونه (بالكبيرة) صارخين مترنمين: (يا شيخنة لا تزعل عيد الزهرة كبيرة) أي يا شيخنا لا تغضب من ضربنا إياك فأن عيد الزهراء عظيم.
ومنهم من يضع الأصباغ المختلفة الألوان في اللبن ويمزجها مزجا نعما فإذا تم عملهم هذا لطخوا به اوجه المارين.
ويفعلون أمور أخرى خارجة عن الحد المعقول. والعقلاء منهم لا يرضون بهذه المنكرات ويتألمون لوقوعها، ويمحضون النصح للفتيان ليتركوا هذه الخزعبلات لكن الرعاع قلما يعملون بهذه النصائح والإيرانيون يعتنون بهذا اليوم اعتناء عظيما. ويعتبرونه من الأعياد الكبيرة ويقيمون فيه المهرجانات والأفراح والمسرات والسافلون من العوام يخرجون عن حدود الشرع والعقل، وهم أكثر الناس فرحا وابتهاجا به وهذه العادة من مبتدعات الإيرانيين وقد جاءوا بها إلى العراق.(6/28)
سبت البنات
كل سبت في شهر رجب يسمى (سبت البنات) تلبس فيه كل فتاة احسن ثيابها وتذهب إلى زيارة المزارات المقدسة حيث يجتمع جم غفير من الكواعب فيجلسن في الفناء الملتصق بالمرقد الشريف ليتحدثن عن أمورهن وهذه العادة جارية في أكثر المدن الموجودة فيها مزارات مقدسة خصوصا في المدن الكبرى.
صوم اليتيمة
هو صوم خاص بالفتيات اللائى (يطلبن) المراد (المراد ما يطلب من الأماني أن يتحقق) ويكون في آخر ثلاثاء من رجب. فتطبخ التي تريد (مرادا) (جريشة) ويكون في آخر ثلاثاء من رجب. فتطبخ التي تريد (مرادا) (جريشة) في مكان خفي (والجريشة الحنطة المجروشة) ولهذا العادة قصة غريبة وهي: يقال أن فتاة كانت قد شبت في العز والدلال في أحضان أمها وأبيها فاختطف الموت ذات يوم روح أمها العزيزة فاضطر والدها إلى أن يتزوج امرأة أخرى. فكانت الزوجة الجديدة تجور على تلك البنت جورا عظيما، فكانت تؤلمها بالكلام البذيء وتؤذيها بقلة ما
تعطيها من الطعام، إلى أن هزلت وأصابها نحول ومرض وكانت تقضي أيامها بالبكاء والدعاء طالبة من الله أن ينقذها من مخالب زوجة أبيها.
وفي يوم كان آخر ثلاثاء من رجب صامت لوجه الله ونذرت أن أنقذها الله من البلية التي هي فيها فأنها تصوم في ذلك اليوم من كل سنة. فطبخت مساء (الجريشة) المار ذكرها في مكان لا تصل إليه عين زوجة أبيها ثم فطرت فصلت وأكثرت من الدعاء. ثم مرت أيام كثيرة وإذا زوجة السلطان تفتش عن كاعب حسناء تتخذها زوجة لابنها الوحيد؛ فوقع نظرها ذات يوم على تلك الصبية وراقها حسنها وجمالها وأدبها وكمالها فخطبتها من أبيها فزفت الفتاة عزيزة إلى بيت السلطان وعاشت في سعادة وهناء. اهـ
هذه قصة اليتيمة وأسباب صيامها وأظن كل الظن أن هذه القصة من مبتدعات مخيلات العجائز الخرافية.
27 رجب
هو من الأيام المعتبرة لدى الطائفة الجعفرية وفي هذا اليوم تكتب الأدعية(6/29)
والطلاسم والتمائم
والحروز وتنقش الخواتم بدعاء خاص بهذا اليوم.
شابريون أواخر أربعاء من رجب
شابريون كلمة فارسية، منحوتة من كلمتين وهما (شاه) أي ملك وبريان أي ملائكة أو حور والعامة تعتقد أن (البري) هو جنس من الآدميين من نوع الجن الطيار هم اجمل خلق الله. ويسكنون جبال واق واق وجزائر الكافور وقد ورد ذكر هذه الخرافة في قصة (حسن البصري).
أما قصة شابريون الواردة في هذا الشهر فهي أنه يزعم أن حطابا فقيرا خرج ذات يوم على عادته إلى الفلاة لاقتلاع بعض الشوك وبعد أن اقتلع مقدارا منه شعر بالتعب فتوسد الأرض تحت شجرة وما عتم أن رأى ثلاثة طيور بيضاء وقفت على غصن تلك الشجرة، وهم: (شاهبريون، وماهبريون، واسمابريون) فقال أحدهما للآخرين لو أن هذا الحطاب المسكين يصوم لوجه الله أربعاء من رجب ويفطر مساء ويأكل قليلا من خبز الشعير والسمسم والسكر ويوقد شمعة، ويضع أناء من الماء أمامه ويصلي لرزقه الله رزقا واسعا فقام الحطاب بعد أن سمع هذا الحديث وطارت الطيور تحلق في الفضاء وقصد بيته وصام في ذلك اليوم هو وامرأته وفطرا مساء كما ذكرناه قبلا فرزقه الله ولدا بعد أن كانت امرأته عاقرا مدة طويلة ثم اتفق أن أخذت المرأة إلى بيت (الملك) مرضعا لابنه واخذ الرجل بستانيا لحديقة الملك فانغمسا في اللذات طول تلك السنة ولما حل الأربعاء الأخير من رجب نسي الرجل والمرأة صوم (شابريون) فذهبت ابنة الملك يوم مع مرضعتها (زوجة الحطاب) إلى الحديقة للنزهة ثم أحبت ابنة الملك أن تسبح في الحوض فنزعت أثوابها وقلادتها وكلها جواهر ثمينة وإذا طائر هوى والتقط القلادة وهرب بها - ويظن أن الطير هو شابريون جاء ليذكر امرأة الحطاب بالنذر الذي عليها وهو الصوم - فلما خرجت ابنة الملك من الحوض وأرادت قلادتها لم تجدها؛ فاتهمت البستاني - وهو الحطاب - وامرأته بسرقة القلادة. ثم أخبرت البنت والدها الملك بما وقع لها فأمر بزج الحطاب وامرأته بغيابة السجن فظلا حولا كاملا في السجن حتى حل شهر رجب فتذكر الحطاب وامرأته صوم شابريون(6/30)
فصام كلاهما في اليوم المعين وقعد الحطاب في الكوة التي تطل على الشارع وبينما هو كذلك شاهد رجلا يركض ركضا سريعا فناداه وسأله عن سبب عدوه فقال: لي
مريض يحتضر فأنا ذاهب لاشتري له (زهاب) فقال له الحطاب: اذهب واشتر لي إبريقا ورغيفا من خبز الشعير وسمسم وشمعة يشف الله مريضك فذهب الرجل واشترى ما أوصاه به الحطاب وأوصله إليه بحبل رماه إليه الحطاب من الكوة ففطر الحطاب وامرأته ولما رجع صاحب المريض إلى بيته وجد مريضه في صحة وعافية ولما أتم الحطاب ما عليه هو وامرأته جاء ذلك الطير حاملا في منقاره ورماها في بيت الملك فاعتقد الملك وأهل بيته ببراءة الحطاب فأطلق سراحهما وبقيا في بحبوحة العز ولم ينسيا صوم شابريون حتى ماتا.
والنساء في العراق يصمن آخر أربعاء من رجب إلى الظهر معتقدات أن في صيامه مجلبة للرزق والبركة فيشترين خبز الشعير والسمسم والسكر ويوقدون الشموع فإذا حل الظهر اجتمع أهل البيت حول (الصينية) الحاوية هذه الأشياء فتقص عليهم الصائمة ما تعتقده عن حديث الشابريون وهو حديث الحطاب وزوجته ثم يأكل الحاضرون. والتي تريد أن تنذر صوم آخر أربعاء من رجب تأكل ما موجود وبعضهن يأكلن منه (لنيل المراد).
7 شعبان
يصوم في هذا اليوم النساء المسلمات على اختلاف مذاهبهن ويسمى (صوم زكريا).
في صباح ذلك اليوم يؤتى بصينية ويضع فيها قطعة من السمك النيئ وقليل من اللبن والخضراوات والسمسم والسكر وأكواز صغار وتوقد شموع من الكافور الصناعي ويوقد منها أفراد أهل البيت وفي المساء تقرأ الصائمة سورا من القرآن الكريم ثم تفطر وبعد ذلك يتناول أبناء البيت مما على تلك الصينية.
وبعض النساء ذوات بنين يصمن في هذا اليوم معتقدات أن صومهن يطيل(6/31)
عمر بنينهن وبناتهن.
15 شعبان
هو يوم ابتهاج وسرور عند الطائفة الجعفرية وفي مثل هذا اليوم ولد الخلف الحجة القائم بأمر الله الملقب بصاحب الزمان عليه السلام سنة 255هـ ونظرا للأخبار المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتقد كثيرون من أهل السنة والجماعة بما يعتقد الجعفريون ويقولون بغيبة الإمام في هذا اليوم يؤم الجعفريون العتبات المقدسة. وقد جرت العادة أن يؤموا قبر المشهد
الحسين عليه السلام وإذا ذكر صاحب الزمان يقوم الناس على أقدامهم ويقولون (عجل بالظهور يا صاحب الزمان).
أحمد حامد الصراف
محمد مهدي العلوي
هو محمد بن إبراهيم بن معصوم، ينتهي نسبه إلى علي العريضي (بالتصغير والنسبة) ابن الإمام جعفر الصادق (ع) ولد في يوم الثلاثاء 18 شعبان سنة 1326هـ في سبزوار من أعمال فأخذه والده في سنة 1327هـ أي بعد سنة من ولادته إلى العراق فنشأ المترجم في الكاظمية ودرس اللغة العربية والمنطق والعلوم العصرية على جماعة من كبار الأساتذة والعلماء ثم هاجر إلى كربلاء وبقي فيها مدة يطلب علمي الفقه والأصول، ومن مشاهير أساتذته في هذين العلمين: الشيخ الميروا محمد حسين اللنكراني والشيخ علي الشاهرودي وهما من العلماء والفقهاء.
وفي 12 ذي الحجة سنة 1343هـ ارتحل المترجم من كربلاء إلى الكاظمية عازما عل مغادرة وطنه العراق إلى إيران وذلك بإشارة من والده، فادر الكاظمية في 19 محرم سنة 1344هـ مهاجرا إلى إيران فنزل بسبزوار حيث والده وأقرباؤه وما زال متتلمذا على الفقهاء والعلماء حتى قبل أخيراً كمنتسب إلى العلم وخادم للدين الحنيف.
يحسن من اللغات العربية فالفارسية فالإنكليزية وللمترجم مؤلفات لم تبرز منها عالم المطبوعات سوى تاريخ طوس أو المشهد الرضوي (راجع لغة العرب 567: 5) وعدة مقالات نشرت في مجلتنا هذه.(6/32)
مخطوط قديم في غريب الحديث
اقتنيت مؤخرا مخطوطا عربيا نفسيا قديما جدا كتب في أول ورقة منه: (كتاب مختصر غريب الحديث) صنفه الشيخ أبي علي الحسين بن أحمد الاسترابادي رحمه الله. لأبى محمد عبد الله بن علي محمد المروزي. وكتب في آخر ورقة منه: تم الكتاب بحمد الله ومنه والصلوة على رسوله محمد وآله أجمعين. واتفق للفراغ (كذا) لأبي محمد عبد الله بن علي محمد المروزي، اصلح الله باله وحقق آماله في صفر سنة أربع وستين وأربعمائة.
شرعت في البحث عن ترجمة المؤلف والناسخ لأنه تحقق لدي بعد الاستقراء أن مؤلفه المتوفى قبل سنة 464 هجرية هو أبو علي الحسين بن أحمد الاسترابادي وناسخة ومرتبة الذي حشي الكتاب وعلق عليه تعاليق وفوائد جمة هو أبو محمد عبد الله بن محمد المروزي ولم يتيسر لي الوقوف على ترجمة أحدهما ولذا أرجو من الخبراء ولا سيما من أهل العراق وفارس أن يبحثوا عنهما في كتب تراجم أدباء إيران ويفيدوني عما تصل إليه معرفتهم بأحد منهما فاكون لهم من الشاكرين.
ويمتاز هذا الكتاب عن غيره من كتب غريب الحديث بأشياء منها أولا: أنه كتب في القرن الخامس للهجرة وقلما تجد مخطوطات عربية من هذا التاريخ. واكثر الكتب المخطوطة القديمة الموجودة في الخزائن المشهورة منسوخ في القرن السادس والسابع للهجرة فصاعدا وأن يكن مؤلفوها قد وجدوا قبل القرن الخامس. ثانيا لأنه اختصار كتاب غريب لحديث الذي ألفه أبو عبيد القاسم ابن سلام المتوفى سنة 223هـ وقد أفنى فيه عمره إذ قال: (أني جمعت كتابي هذا في أربعين سنة وربما كنت استفيد الفائدة من الأفواه فأضعها في موضعها فكان خلاصة عمري) وقد حفظ لنا الدهر هذا الكتاب الجليل إذ اقتنته دار الكتب(6/33)
المصرية بالفوتوغراف عن نسخة كتبت سنة 596 محفوظة في خزانة كتب كوبريلي بالأستانة.
قال ابن الأثير في مقدمة كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر: (أن أبا عبيد بن سلام احتاج إلى تتبع أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - على كثرتها وآثار الصحابة التابعين على تفرقها وتعدوها حتى اجتمع منها إلى بيانه بطرق أسانيدها وحفظ رواتها وهذا فن عزيز شريف لا يوفق له إلا السعداء. وظن رحمه الله على كثرة تعبه وطول أنه قد أتى على معظم غريب
الحديث واكثر الآثار وما علم أن الشوط بطين والمنهل معين. وبقي ذلك على كتابه في أيدي الناس يرجعون إليه ويعتمدون في غريب الحديث عليه إلى عصر أبي محمد غريب الحديث والآثار حذا فيه حذوا أبي عبيد ولم يودعه شيئا من الأحاديث المودعة في كتاب أبي عبيد إلا ما دعت إليه الحاجة من زيادة شرح وبيان أو استدراك أو اعتراض فجاء كتابه مثل كتاب أبي عبيد أو أكبر منه) انتهى كلام ابن الأثير.
وصنف الناس غير من ذكر في هذا الفن تصانيف كثيرة منهم شمر بن حمدويه وأبو العباس أحمد بن يحيي اللغوي المعروف بثعلب وأبو العباس محمد بن يزيد الازدي البصري المعروف بالمبرد وأبو بكر بن القاسم الأنباري وغير هؤلاء من أئمة اللغة والنحو والفقه والحديث.
ولما كان زمن أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي القاشاني المتوفى سنة 401 صاحب الإمام أبي منصور الأزهري اللغوي صنف كتابة المشهور السائر في الجمع بين غريبي القران والحديث ورتبه على حروف المعجم على نمط لم يسبقه إليه أحد في غريب القران والحديث فاستخرج الكلمات اللغوية الغريبة من كنها وأثبتها في حروفها معانيها إذ كان المقصد من هذا التصنيف معرفة الكلمة الغريبة لغة وأعرابا ومعنى لا معرفة متون الأحاديث والآثار وطرق(6/34)
أسانيدها وأسماء رواتها فأن ذلك علم مستقل بنفسه مشهور بين أهله.
وما زال الناس يتبعون أثر أبي عبيد الهروي إلى عهد أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري فصنف سنة 516هـ (الفائق) في غريب الحديث ورتبه على حروف المعجم وهو كتاب جليل جم الفوائد طبع في حيدر آباد الدكن سنة 1334 هجرية وكذا قريبا من عهده صنف أبو الفرج عبد الرحمن بن جوزي كتابا في غريب الحديث نهج فيه طريق الهروي مجردا عن غريب القران.
ثم اتبعه الشيخ الإمام أبو السعادات المعروف بابن الأثير الجزري المتوفى سنة 606 بكتاب سماه: النهاية في غريب الحديث والأثر أخذه من الغربيين الهروي وأبى موسى الاصبهاني وهو أيضاً مرتب على حروف الهجاء وأوسع من الفائق للزمخشري.
قلت: أن كتاب مختصر غريب الحديث للاسترابادي يمتاز عن غيره بكونه أولا نسخة قيمة
العهد ولعلها الوحيدة في خزائن الكتب وثانيا بكونه مختصرا لكتاب أبي عبيد سلام وهو نادر الوجود وذكرنا ما يعرف من نسخة المخطوطة ومن ميزته أيضاً كون كلمات الأحاديث مؤيدة بما ورد من أشعار العرب الموثوق بهم في لغتهم كالأعشى والاخطل وامرئ القيس وذي الرمة وغيرهم كثيرين.
ومعلوم أن علم غريب الحديث يعني الغريب من الكلام وهو الغامض البعيد من الفهم أن الغريب من الناس هو البعيد ع الوطن المنقطع عن الأهل. والغريب من الكلام يعني وجهين أحدهما هو أن يراد به أنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن ومعاناة فكر والوجه الآخر هو أن يراد به كلام من بعدت به الدار من شواذ قبائل العرب (راجع كشف الظنون).(6/35)
وقال ابن الأثير في مقدمة النهاية: وقد عرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان افصح العرب لسانا واوضحهم بيأنا وأعذبهم نطقا وأمدهم لفظا وأبينهم لهجة واقومهم حجة واعرفهم بمواقع الخطأ حتى لقد قال له علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وسمعه يخاطب وفد بني نهديا رسول الله نحن بنو أب واحد ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره فقال أدبني ربي واحسن تأديبي وربيت في بني سعد فكان - صلى الله عليه وسلم - يخاطب العرب على اختلاف شعوبهم وقبائلهم وتباين بطونهم وأفخاذهم وفصائلهم كلا منهم بما يفهمون. . . اهـ
وكان أصحابه يعرفون أكثر ما يقوله وما جهلوه سألوه عنه فيوضحه لهم. ولا يتناول علم غريب الحديث أحاديث النبي فقط بل أحاديث الصحابة والتابعين أيضا. والمخطوط الذي يبتدئ أولا بحديث النبي ثم يتبعه أحاديث أبي بكر ثم أحاديث الخطاب ثم أحاديث عثمان بن عفان وعلى بن أبي طالب وحديث الزبير بن العوام وطلحة بن عبد الله وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم كثيرين.
مصر القاهرة
يوسف اليان سركيس
اليمن وتقدمها
جلبت حكومة الإمام يحيي في الأيام الأخيرة بعض ضباط الألمان إلى صنعاء واستخدمت بعضهم في مصانع الأسلحة والمؤن الحربية؛ وبعضهم في قسم الطيران ونالوا استحسان الإمام وأركان الدولة لما اظهروا من النشاط والمهارة في تحسين الأشغال الموكلة إلى عنايتهم، ورفعت الحكومة رواتبهم اعترافا باجتهادهم وتقديرا لعلومهم وتشجيعا لهم على المثابرة في العمل. وقد ساء بعض المستخدمين الإيطاليين اعتناء الحكومة بالألمان، فثارت في صدورهم عوامل الحسد والغيرة فأندفع اثنان منهم إلى تخريب آلات إحدى الطيارات المنوط أمرها بطيار ألماني وأنكشف سر المسألة فصدر أمر من سيادة الإمام بقطع علاقات الإيطاليين وإخراجهم من البلاد فلم يبق منهم فيها أحد.
وكثير من طلبة المدرسة الحربية قد أتقنوا فن الطيارات سواء في سوقها أو في رصد الطريق التي تسير فيها.(6/36)
غادة بابل
- 6 -
نام أهل الحي وأصحاب القافلة نوما هنيئا. أما شمشو فلم يغمض جفنا على جفن بل أخذ يسامر الكواكب والبدر المنير في سماء صافية الأديم وكان يرى في البدر وجه حبيبته حتراء وفي النجوم عينيها اللامعتين ويتخيل في تمايل السنابل عند مر النسيم البليل قدها المياس تيها ودلالا. وإذا سمع خرير الماء في الجداول والترع يصغي إليه كأنه أنشودة حب سرية.
وبين فينة وفينة يذكر بنت خاله شميرام بخير ويعطف عليها ويأسف لبواعث الأسى التي تختلج في صدرها بسبب حبها له وهو تحت سلطان غرام غيرها فلا قدرة له على كبح جماح الهوى وتحكمه فيه ولا سبيل له لإرضائها. وبينما كانت يد الهواجس تداعب مخيلته وأنامل الشوق تلاعب شعوره إذا بعض الرعاة الذين يتناوبون يصيحون بالويل والثبور ويستغيثون لدفع شر أسد أنسل بين القطعان يريد افتراس الغنم فهجموا عليه بفؤوسهم تعاونهم الكلاب الجريئة الكبيرة الجثث فانقضت على الأسد انقضاضها على فرائس الصيد. وبعد عراك هائل تمكن القوم من طر الأسد وقد خذل أي خذل لأنه لم يأخذ فريسته.
وفي الصباح استأنفت القافلة السير وكان أصحابها يمرون على المزارع فمنها ما كان يزرعها الملاكون مباشرة وقد أقاموا عليها الوكلاء واستأجروا لها الفلاحين من الأحرار أو العبيد بعقود مسجلة، وبين الفلاحين من تقضي عليه شروط عقده أن يخدم خدمة العبيد ويكون ملكا لمالك الأرض حتى ينتهي الأجل المضروب ومن الأراضي ما كان مؤجرا أو (ملتزما) ويدفع الفلاحون إلى مالكيها حصة مقطوعة أو نسبية من نتاج الأرض.
كان بلاتو دعي بيروس يسير إلى جانب شمشو في الطريق ويتحادثان في مواضيع مختلفة فتناولا البحث في ملكية الأراضي في بابل وقوانينها فقال شمشو:
الأرض ملك الإله في الأصل يولونها لمن شاءوا من الملوك والسلاطين(6/37)
وهؤلاء وهبوا منها ولا يزالون يهبون قطعا لمن شاءوا من المخلصين لهم أو المقربين منهم حتى إذا معظم الأراضي بيد الشرفاء ورجال الدولة والجيش ومختلف طبقات الناس من العامة. لأن من
نال هبة الملك من تلك الأراضي له أن يتصرف فيها حسبما شاء وأراد أيجار وبيع واستغلال وتقسيم بين ورثته أو بين أصدقائه بعد أن يدفع ضريبة الدولة ورسوم الهيكل المقررة مهما كانت ثقيلة الوطأة وليس لأي كان أن يتدخل في شؤون هذا المالك أو يضيق حريته.
وملكية الأراضي مثبتة في رقم من طين مدونة فيها تقسيم كل أرض وحدودها واسم صاحبها وما فيها من المنخفضات والمرتفعات والترع والجداول ومساحتها وإذا وجد بعض المبهمات تخطط صورة أو خريطة مختصرة تلحق بالرقيم زيادة للإيضاح.
وعلى هذا المسح العام للأراضي (الكادسترو) تجبى الضرائب والرسوم وتفرض على قاعدة ثابتة. لا يحتمل وقوع إجحاف كبير بالمزارعين. ويرجع من حين إلى آخر إلى مسح الأراضي التي يشك في صحة مساحتها.
بلاتو - أني لم أتعاط الزراعة ولا وقوف لي على هذه المعاملات ولكن إلا تظن أن الضرائب والرسوم التي تجنى على مساحة الأراضي لا تكون عادلة لأن بعض الأراضي مخصبة كل الخصب وبعضها دون ذلك وبعضها قليلة الإنتاج.
شمشو - الحق معك. إلا أن الشرائع المرعية قد نظرت في هذا الأمر وجعلت تقدير حاصل كل وحدة قياسية يختلف عن حاصل وحدة قياسية أخرى نظرا إلى جودة الأرض وموقعها.
وهكذا كانت تقطع القافلة مرحلة بعد مرحلة بأطيب الأحاديث وافكه النوادر والخوض في مواضيع شتى. وبلغت في اليوم الخامس اوبي الشهيرة(6/38)
بتجارتها الواقعة عند مصب نهر فسقس وعلى ضفة دجلة الغربية. فرغب رجال القافلة في أن يقضوا يوما في تلك المدينة للتفرج وقضاء بعض الحاجات فوافقهم رئيس القافلة.
تركت القافلة اوبي وسارت في طريقها إلى بلاد آشور وبعد أن قطعت ثماني ساعات أنزلت الأحمال والأثقال للاستراحة والمبيت بموجب العادة.
وهنا حدث أمر ذو بال وهو أن (بلاتو) دعي بيروس أصبح جثة هامدة وفي جسمه آثار السم بادية والى جانبه كلبه ميت أيضاً وفيه مثل تلك الإمارات وبعد البحث عن السبب تحقق شمشو أنهما أكلا من الزاد الذي بعثت به إليه شميرام ولكي يقف على ما في هذا
الزاد من القوة السامة ألقى منه شيئا لكلب آخر فمات لساعته. فلم يبق لديه في الأمر فطرح ذلك الزاد في دجلة ولم يحتفظ إلا بشيء زهيد منه شهادة ما فيه، حتى إذا ما رجع إلى بابل يبحث عن الجاني.
وكان هذا الأمر الخطير من بواعث القلق والاضطراب لشمشو واخذ يفكر في اليد الأثيمة التي تجرأت على دس الدسيسة وهذه الفعلة الشنعاء التي كادت تودي بحياته لو لم يضح على هيكلها (بلاتو) الذي دفعه جشعه إلى حياض الموت وجذبته شراهته إلى ذلك المورد الرنق.
فبقي شمشو ألعوبة بيد عوامل كثيرة. فكان تارة يتهم شميرام ويذهب إلى أنها التجأت إلى هذه الدسيسة انتقاما منه لأعراضه عن زواجها وحبه حترآء(6/39)
وطور يطرد هذه الأوهام والوساوس والأباطيل ويبرئ ساحتها من هذا المنكر الفظيع لما يعهده فيها من الأخلاق الحميدة والحب الخالص له. . . في الأمر سرا. . . فمن أتى إذا هذا المنكر؟ فلم يهتك البحث ستار هذا السر الغامض ولا أزاح التنقيب الإبهام الذي يحف بهذا الحادث المهيب.
وكان يرجع حينا إلى ذكر (بلاتو) الذي بعثه معه بيروس المخلص على ما يعتقده وكيف مات بلا ذنب ولا حرج وهلك ضحية تلك المؤامرة السرية فيتخيل كأنه أمام الكاهن يؤنبه على موت البار. . . وهو لا يحير جوابا ولا يتمكن من تحمل الأعذار.
وكان في الطريق كله مشتت الأفكار قلق البال. ولا تفارق أشباح ذلك الحادث مخيلته، فكان يكرر أقوالا متقطعة. . شميرام. . السم في الزاد. . . بلاتو البار. . . موت ظلم وعدوان. . بيروس المحسن. . . غموض في إبهام. . . في أسرار تكتنفها الظلمات ولم يجد تسلية إلا في ذكرى حتراء. . حتراء الحبيبة.
بعد أربعة عشر يوما من مغادرة بابل وصلت القافلة إلى نينوى.
رأينا شميرام قد عدلت عن الاستسلام لسلطان الهوى ورأت في الغرام ذلا تأنف النفس الأبية من الرضوخ لقضائه فحكمت العقل على القلب واستولت على الشعور بسمو المدارك. فوجدت راحة وهناء وسلاما في نفسها وأخذت تطالع الرقم وتلتقط منها شوارد الحكمة وآيات الرشد.
وكان لها ولع خاص برقيم مدونة فيه حكم السلوك فكثيرا ما كانت تردد في فكرها ما تعلمته
منها فتقول: لا تغيب. تكلم بما ينزهك. لا تقذع. تكلم باللطف. من يغتب ويقذع يزره شمس على رأسه - لا تتبجح، احفظ شفتيك - أن غضبت لا ترفع صوتك - التكلم في ساعة الغضب يورث الندم - وبالسكوت دار حزنك - تعلم الحكمة من الرقم (الألواح) - مخافة الإله تولي نعمة -(6/40)
الصلاة تجلب غفران الخطيئة - أطعم الناس وأشربهم خمرا. ابحث عن الحق واجتنب الباطل - لا تتكلم شرا عن صديقك ورفيقك - أن وعدت أنجز ما وعدت - لا تتكلم كثيرا بل احسن التكلم - من يخف الآلهة لا يصرخ عبثا
وكانت تنشد في بعض الأوقات أناشيد دينية مؤثرة تدور حول ندامة الإنسان على خطيئة وطلب المغفرة عما يترتب عليه من القصاص والعقاب من جرائها. وإنشاء تلك الأناشيد بليغ وفيه معان شعرية عالية تنفذ إلى القلوب قبل ولوجها الآذان وتحرك العواطف بلا استئذان. وكثيرا ما كانت تنزل الحديقة في الليل وتترنم بتلك الأناشيد.
وكانت نجيتها نتو تراقب حركاتها وسكناتها عن كثب وتبلغ بيروس الكاهن كل ما تقوله وتفعله سيدتها. وقالت له يوما أني آنس في شميرام أعراضا عن حب شمشو فلا تذكره ذكر الحبيبة لحبيبها بل ذكر بنت الخال لابن عمتها وكأني بأدعيتك قد استجابتها الآلهة. وهي تنزل كل ليلة إلى الحديقة بعد العشاء وتتمشى فيها حتى تبلغ آخرها فكان هذا الخبر مدعاة لتدبير حيلة أخرى حاول بها بيروس السيطرة على أفكار (غادة بابل).
خيم الظلام على ربوع بابل فتردي بيروس ثياب الآلهة اشتر بعد أن أنتزعها من تمثالها وتوجه توا إلى حديقة شميرام وتسلق نخلة وبقى كامنا هناك وبعد هنيئة سمع سوت شميرام الرخيم وهي تنشد أنشودة اشتر الآهة الحب والتناسل.
واخذ يتقرب صوتها شيئا فشيئا حتى بدا له خياله عند الازاهير تقتطف منها ما طابت رائحته وعبق شذاه وطورا تستأنف السير متبخترة ولما صارت على مقربة منه خاطبها بصوت سحري ذي جلال قائلا لها:
يا عذراء بابل؟ يا بنت الآلهة! قفي في محلك متهيبة لأن الروح الذي يخاطبك(6/41)
روح الآلهة اشتر أنبئك أن دموع ندامتك صعدت ألي كعطر بخورذكي وأرضتني فوجدت عندي نعمة وقضت الآلهة في ندوتها أن تحيي سعيدة وسجل (نبو) في لوح الأقدار سعدك. فنجيت من آلام الغرام وها أن ذلك القاسي الذي لم يمالئك في حبك له يموت عاجلا، فما لك إلا أن
تقرني حياتك بحياة كاهن فيعقد لك تاج السعد.)
فجمد الدم في عروق شميرام وهلع قلبها رعبا ثم خارت قواها فسقطت مغشيا عليها بعد أن صرخت صوتا سمعه من كان في دارها. ففر بيروس هاربا. وجاء أهلها وخدمهم وعبيدهم فحملوها إلى غرفة نومها وعالجوا إنعاش قواها الخائرة ولما ثاب إليها رشدها قصت عليهم ما رأته وسمعته وما أوحاه إليها روح اشتر من موت شمشو.
إلا أن ذلك المشهد وذلك المسمع وذلك النبأ موت شمشو كل هذا لم يؤثر في اعتقادها بل كانت تحملها على خزعبلات وعلى دسيسة أثيمة يكشف المستقبل مخبأها ويظن بواطن أسرارها حتى أن أمها أخذت عليها من غضب الآلهة التي لا تكترث لهم وبقواتهم وقدرتهم.
يوسف غنيمة
الشيخ علي سالم الصباح
في اليوم الأول من شهر ك 2 من هذه السنة 1928 توفي الشيخ علي سالم الصباح أثر ما أصابه من الجروح العظيمة في وقعة الأخوان، فشمل الحزن الكويتيين جميعهم واتشحت المدينة بالحداد وتعطلت الأعمال وأقفلت الأسواق وأقيمت للمتوفى مناحات في الطرق وفي الدور.
وكان المرحوم ثاني أنجال الشيخ سالم الصباح وابن عم حاكمها الآن وكان في مقتبل العمر ومن الشبان المتنورين واشتهر بالشهامة والإقدام والبسالة والجرأة وكان في الحادثة التي جرح فيها يقود حملة اركبها 17 سيارة فقابل الهاجمين بقلب قد من الجلمود المانع وقاتلهم قتال الأبطال المستميتين حتى سقط قبل أن تلحق به القوة التي انضمت إليه بعد جرحه الذي قضى عليه بعد أن عاش خمسة أيام يقاسي فيها اشد الآلام.(6/42)
فوائد لغوية
الحجون خلال القرون
1 - تمهيد
أواصل البحث منذ سنين طويلة في اللغتين اليونانية والعربية عن الصلة التي تجمع بينهما. فأنتج لي بحثي خلاف ما أنتجه لعلماء الغرب، أي أن بين اللغتين صلات وثيقة لا تنكر. وفي اغلب الأحيان لا يفسر الألفاظ اليونانية إلا الوقوف على أسرار اللغة العربية. هذا إذا كانت الألفاظ اليونانية قديمة وكانت تلك الألفاظ نفسها عريقة في لغتنا أيضا. نقول ذلك عن الحروف الثنائية الهجاء في اللغتين أو عن التي ترد بعناء إلى مقطعين إذا أنعم الباحث نظره في الصلة الجامعة بين اللسانين. وقد يعكس الأمر إذا كانت الكلم العربية مولدة أو علمية أو كثيرة الاهجية (المقاطع) ففي اغلب الأحيان تكون دخيلة أو منحوتة أو مزيدا فيها حرف أو حرفان أو ثلاثة تفيد فائدة جديدة لا ترى لو بقيت تلك الكلمة على حروفها الأولى.
ومما هو غريب في هذا الباب أن السلف قد حفظ ألفاظا لم يبق لها معنى اليوم وكان لها معنى أو معان في السابق، ولا يعرف إلا من مقابلة اللغات ففي الألفاظ السامية الوضع، ينظر إلى معانيها في اللغات الأخوات، وفي الألفاظ الفارسية الأصل ينظر إليها في اللغات الآرية ولا سيما في الفارسية، وفي ما عدا ذلك تقابل بالألفاظ اليونانية.
وقد كشف لي هذه المقابلة أسرار عجيبة، وأنا اذكر هنا مثالا من أمثلة محفوظة عندي بالمئات لا بالعشرات. من ذلك الحجون:
2 - الحجون عند السلف
(الحجون جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها. وقال السكري: مكان من(6/43)
البيت على ميل ونصف. وقال السهيلي: على فرسخ وثلث، عليه سقيفة آل زياد ابن عبد الله الحارثي وكان عاملا على مكة في أيام السفاح وبعض أيام المنصور وقال الأصمعي: الحجون هو الجبل
الشريف الذي بحذاء مسجد البيعة على شعب الجزارين. (بحرفه عن معجم ياقوت).
وإذا سألنا اللغويين عن سبب هذه التسمية قالوا لنا: الحجون مشتقة من الحجن وهو الاعوجاج، ومنه غزوة حجون التي يظهر فيها الغازي الغزو إلى موضع ثم يخالف إلى غيره وقيل هي البعيدة، قال ابن الأثير: الحجون. الجبل المشرف مما يلي شعب الجزارين بمكة، وقيل هو موضع بمكة فيه اعوجاج، قال: والمشهور الأول، فقوله والمشهور الأول يعني أن هذا التأويل هو في غير محله إذ هناك من الأسباب ما نجهل تأويله. فالقول إذن أن الحجون مأخوذ من معنى الاعوجاج لا صحة له.
وعندنا أن الرأي الصحيح هو أن الحجون مأخوذ من الحجنة والحجنة على ما نقله لنا اللغويون هو اسم مصدر لاحتجن واحتجان الشيء جمعه وضمه إليك (راجع اللسان والقاموس والتاج والأساس وابن فارس في المقاييس والليث في العين) فيكون للحجون معنيان: معنى يتعلق به وبطبيعته أي أنه سمي حجون لاجتماع مواده بعضها إلى بعض. ومعنى يتعلق بمن يصير إليه أي أن عند هذا الجبل يجتمع الناس ومثل مادة ح ج ن م فهي تدل على الاجتماع والانضمام. ولما كان رأينا أن أصل مادة كل فعل ثلاثي الحروف ثنائي الحروف كان أصل ح ج ن: ح ج (باصطلاح اللغويين أو الصرفيين ح ج ج) ومنه الحج أي الاجتماع لغاية دينية. وليس كما يقال بعض المستشرقين أن الحج مشتق من اليونانية ومعناه القديس والمنزه عن الدنايا والصالح البار، إنما هو من الحج كما قلنا أي من معنى الاجتماع.
أما أن معنى الحجون هو الجبل الذي يجتمع عليه الناس، أو ينضم عنده الناس إلى بعض فتره محفوظا صريحا في الكتب اليونانية؛ إلا أن هذا المعنى لم يجئ عندهم إلا بعد أن تنقلت اللفظة من حالة إلى حالة فتبعتها المعاني وتدرجت معها كلما أوغلت الأمة في الحضارة، وما من لغة تدلنا على هذا الإمعان(6/44)
في المعاني مثل هذه اللغة الهلنية (اليونانية) التي حفظت لنا هذا التدرج أو التخطي فيه ونحن نذكر للقارئ كل ذلك حسب وروده في القدم إلى أن أنتقل المعنى إلى القرار الأخير فوقف عنه، ونقابل كل معنى جديد بما يؤول في لغتنا الضادية فتكون هذه المعارضة مثالا لمئات من الكلمات أتت على هذا الوجه. ويمكننا أن نخرجها على هذا الأسلوب اللغوي.
3 - أول معان الحجون
أول ما جاء عندهم لفظ الحجون كان بمعنى المجتمع والمحتشد وهذا يناسبه عندنا اللفظ العربي نفسه كما أوضحناه في صدر هذا المقال؛ ثم نقله الهلنيون إلى معنى مجتمع الآلهة أو المجتمع تماثيل الآلهة، فيكون معناه في الوقت عينه موطن يجتمع فيه الشعب للدعاء والصلاة ويكون ذلك أمام هيكل الإله؛ ثم توسعوا في معناه، وأرادوا به المجتمع أيا كان، أي محل اجتماع الناس لأي غاية كانت، فصدق عندهم على عليين أي محل في الالنبس تجتمع فيه الآلهة وصدق أيضاً على المكلا (وزان المعظم) وهو المحل الذي تقف فيه السفن.
أما لغتنا فأننا لم نجد السلف ذكروا للحجون هذا المعنى لأسباب: منها لأنهم أزالوا عن اللغة كل لفظ أو معنى يدل على تحبيب الوثنية، لكننا نرى أن هذا المعنى كان معروفا عندهم وأن يصرحوا به تصريحا بينا وذلك من سماعنا إياهم يقولون أن عند الحجون كانت مدافن المكيين في سابق العهد. وأنت خبير أن المدافن كانت منذ اقدم الناس بالحضارة في المواطن المقدسة، بل نشاهد هذا الأمر إلى عهدنا هذا؛ ولم يبطل في بعض المدن إلا في العهد الحديث خوفا على صحة الناس، إذ قد يمكن أن تظهر بعض الأمراض الوافدة من كشف المقابر وانتشار الجراثيم المضرة الموجودة في بقايا الأموات بين الأحياء من الخلق.
إذن أننا نرى في الحجون معبدا لآلهة وثني العرب ومحل اجتماعاتهم ثم بعد ذلك أصبح مدفنا لموتاهم، وهذا أمر معقول لا ينافي معتقد أي دين كان.
4 - المعنى الثاني للحجون
ما ذكرناه من معنى اللفظة (لفظة الحجون) عند اليونان هو معناه الأول مع عدة فروع تفرعت منه؛ ثم وقع معنى ثان آخر مع فروع أخرى، وهو أن لحجون يفيد عندهم معنى المجتمع للألعاب العامة. وهذا المعنى غير خفي عن(6/45)
الأذهان، لأن الناس إذا اجتمعوا للأمور الدينية في موطن، لا يمكنهم أن يبقوا طويلا في الدعاء والصلاة والابتهال بل يستريحون من وقت إلى وقت وفي استراحتهم يندفعون إلى الملاهي والألعاب وشؤون الأنس، وهذا ما يقع في جميع البلاد وفي جميع الأديان. إلا نعلم أن كثيرا من الملاهي اصلها من المجتمعات الدينية؟ أو ليس أصحاب الفساد ينتهزون فرص النتديات
والمحتشدات ليلهوا أنفسهم بما يحضره الدين؟ وما يقع اليوم وسوف يقع إلى آخر الدنيا، كان يقع في سابق العهد. وهذه سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
ومن المعنى المذكور نشأ فرع وهو: محل لهذه الألعاب أو الميدان: والميدان عندهم محل واسع مفروش بالرمل وحوله مقاعد للناظرين فينزل في ساحته المصارعون والمتروضون واللاعبون أنواع الألعاب. ولم يسم ميدانا إلا لما فيه من الرمل فكان أرض تلك المساحة تمتد بمن عليها في أثناء اللعب. - وهانحن أولاء بين يدي معنى جديد هو الميدان وألعاب الميدان، وهذه الألعاب كانت كثيرة العدد منها: الملاكمة والمصارعة وفيها الهجوم والدفاع، والكر والفر، الفتك والصد. ولقد بقي في لغتنا هذا المعنى وهو قولنا: حجن فلان فلانا عن كذا: إذا صده وصرفه. وحجن الشيء: جذبه بالمحجن إلى نفسه. والمحجن هو العصا المنعطفة الرأس كالصولجان وكل معطوف معوج. ولعب المحجن معروف عندنا الآن ويعرف بلعب الدرك (مثل السكر) وكان معروفا عند الهلنيين ويلعبون في ذلك الميدان الذي أشرنا أليه.
إذن من معاني الحجون عندهم وعندنا الميدان وألعاب الميدان بأنواعها، إلا أن هذا المعنى مات عندنا واضمحل وبقي منه آثار في معنى الحجن والمحجن ولعب المحجن.
5 - المعنى الثالث للحجون
لم يقف المعنى عند الميدان وألعابه، بل أنتقل إلى معنى ثالث هو المصارعة أو المحاربة أو الغزو أن بالأسلحة وأن بالكلام أو بإقامة الدعاوى. ولقد نرى أثر هذا المعنى أيضاً في لغتنا إذ من معاني الحجون فيها: كل غزوة تظهر غيرها ثم تخالف إلى غير ذلك الموضع ويقصد أليها. فهذه حقيقة من(6/46)
بدائع هذه اللغة التي يفوق جمالها جمال سائر اللغات. إذ قد احتفظت بأدق المعاني واجلها. - ومن تعابير اليونانيين في هذا الصدد قولهم: الحجون للبقاء وهو كما نقول اليوم: تنازع البقاء. لكن في قولهم وقولنا (الحجون للبقاء) من دقة المعنى وتصوير الاحتيال على الغير للفوز بالأمنية مالا يرى في قولك: (تنازع البقاء)
ومن فروع هذا المعنى الثالث ورود الحجون عندهم بمعنى الغاية المقصودة من المصارعة أو الغزوة والخطر الناشئ، من تلك المصارعة والغزوة: إذن جاء الحجون عندهم بمعنى التهلكة مهما كانت وأن لم يكن هناك مصارعة أو غزوة. ومن فروع ذلك المعنى أيضاً
الساعة الخطرة التي يفصل فيها نتاج الأمر وختامه وهناك فرع سابع وأخير للمعنى الثالث هو ورود اللفظة بمعنى الخوف والقلق لأن المرء إذا جهل نتاج أمر بقي في اضطراب لما يتوقعه.
هذه المعاني هي المشهورة وطرز تفرعها الأفنان والأغصان من جذع الشجرة.
6 - معنى آخر للحجون
ومن معاني الحجون التي لم نذكرها معنى: الإله الذي يحامي عن الألعاب العامة.
أنك تعلم أن الوثنيين أقاموا لهم آلهة ومعبودين يوافقونهم على جميع أهوائهم ويصانعونهم فيها. ومن جملتنا هذا الإله الغريب الذي لا عمل له سوى الدفاع عن الألعاب العامة وحث الشعب على إقامتها والانتفاع بمحاسنها. ولا جرم أن هذا الإله لم يتخذ إلا بعد اختراع تلك الألعاب؛ على أن المعترفين بوجوده قبل الألعاب نفسها، بيد أن الناس لم يعرفوه إلا بعد عهد الألعاب. وعلى كل حال فأن مقامه بين تفرع المعاني غير معين فجعلناه هنا مع التنبيه إلى قلق مكانه من المعاني المذكورة.
7 - من أين جاءت الحجون عندهم وعندنا
الحجون عند اليونانيين مشتقة من فعل الذي له عدة معان ومن جملتها ساق ودفع إلى مجتمع ثم تفرعت سائر المعاني من باب التوسع؛ على ما بيناه في صدر المقال. وكذلك القول عن مادة ح ج ن العربية، فأنها ناشئة من مادة ح ج ا(6/47)
(أي ح ج و). قال لغويونا. حجت الريح السفينة: ساقتها. ومن السلف وقبائلهم من كان يجعل الجيم دالا وبالعكس فقالوا في حجا: حدا ومنه قولهم: حدا فلان الإبل: وحدا بها زجرها وساقها. وحدت الريح السحاب ساقته كحجته وهكذا لو أردنا أن نتتبع هذه المادة وفروعها لكشف لنا أسرارا هي غامضة في نظر البعض. إلا أنها جلية واضحة في نظر اللغوي متقفي الخبايا في الزوايا.
ولو كتبنا عن هذه المادة خمسين صفحة لما كفتنا لقتل الموضوع بحثا إلا أننا أردنا أن نشير إلى ما في ثناياها من الأسرار والغموض لقياس عليها مئات من الألفاظ يسار بها هذا السير من التحقيق والتدقيق، فتتلاقى فيه اللغتان اليونانية والعربية وتتصافحان لتعرفا بأن الواحدة هي أخت الأخرى وليس كما يظن أبناء الغرب أنهما عدوان لا يتلاقيان في شئ من
الألفاظ أبد الدهر!
اعتراض
ورب معترض يقول: أن الحرف الأول في اليونانية هو حرف رقيق (أي همزة أما العربية فهو حرف ضخم مفخم فالكلمتان غير متشابهتين؟
قلنا: من شأن لغات الغربيين أن يخففوا الحروف الحلقية تيسيرا للتلفظ بها. فهم يقولون مثلا هوا ونوء واساك وياكوب. أما نحن العرب مع جميع الساميين فنبقي الحروف الحلقية على حالها ونقول: حواء، ونوح، وإسحاق ويعقوب وأمثال هذا التعبير لا يعد بالعشرات أو بالمئات بل بالألوف، فهو أشهر من أن يذكر.
الختام
وفي الختام نصرح للقراء أننا جميعا مثل هذه الكلم شيئا كثارا لا يحصى ونزيد على ذلك: أن بعض الألفاظ اليونانية أو الرومية لا تنجلي معانيها إلا بمراجعة العربية التي فيها، وفيها وحدها جميع المغلقات. ولا بد من أننا نبين شيئا من هذه الغوامض كلما اتسع لنا المجال أو وافقتنا الأحوال، ونحن لا نرتاب أبدا في صحة قولنا، وأن خالفنا به أبناء الغرب من المستشرقين بل خالفنا به أبناء هذه اللغة الأغرار الذين يدعون العلم ومعرفة أصول اللغة وهم بعداء عنها بعد الثريا عن الثرى. فلينصفوا أنفسهم وأمتهم ولغتهم ووطنهم.(6/48)
باب المكاتبة والمذاكرة
باكسايا
1 - مقدمة
كتب إلينا من علي الغربي أحد العلماء يقول:
(من متممات هذا القضاء: أرض تسمى (بكساية) في لغة العامة، وتسمى في الرسميات (باغشاهي)، وأنا اجزم أنها (باكسايا). أخت (بادرايا) التي اليوم (بدرة)، وهي متصلة بها. فأرجو من مولاي أن يتفضل ويكتب فصلا عن تاريخ باكسايا وعن معنى هذا اللفظ، وعن لغته أي نسبته ويتحفنا به وسلفا اقدم الفئات شكر وامتنان لسيدي المبجل). اهـ
2 - لفظ الكلمة ومعناها
الذي يؤلمنا حين ينظر إلى أعلام بلادنا التي يستعملها رجالنا أصحاب الدواوين، وهو أنها تروى بأقبح صورة وأشنع تصحيف، فيقولون مثلا: ماركيل وهي كلمة من تصحيف الإنكليز لكلمة معقل (كمجلس) ويقولون: أربيل وهي اربل (كزبرج) عند السلف؛ وهذه باكسايا يقولون فيها (باغشاهي) كأنهم يرون فيها لفظا منحوتا من (باغ) و (شاهي) أي جنة الملك بالفارسية، مع أن لا وجود لهذه الكلمة الممسوخة في كتب أقدمينا.
أما (بكساية) فتصحيف ظاهر ل (باكسايا) بضم الكاف، وهي في نظرنا منحوتة من (با) الآرامية أي بيت أو دار بمعنى مدينة. و (كسايا) أي كساء أو ثوب ومحصل معناها (مدينة الحاكة، حاكة الأكسية والثياب) يؤيد ذلك ما جاء في معجم ياقوت قال:
باكسايا، بضم الكاف وبين الألفين ياء: بلدة قرب البندنيجين (تسمى اليوم(6/49)
مندلي) وبادرايا (وتعرف اليوم باسم بدرة). بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي في أقصى النهروان. قالوا: لما عمر قباذ بلاده نقل الناس، وكان من نقله إلى بادرايا وباكسايا الحاكة والحجامين) أهـ.
على أن الأستاذ البفاري م. شتريك يقول في معلمة الإسلام في مادة باكسايا أن الكلمة منحوتة من بيت أي دار و (كسايا) أي (الكشيين) المذكورين في الرقم المسمارية وهو يتفق كل الاتفاق وموقع باكسايا المجاورة لزجرس موطن الكشيين الأقدمين، أهـ. وكلا التأويلين محتمل إلا أننا نخبر الأول لأنه يوافق ما ذكره ياقوت.
3 - ذكرها في التاريخ
كثر ذكر باكسايا في التاريخ ومن جملة ما جاء. ما ذكره الطبري في تاريخه الكبير وهذا حرفه:
(وواتر (كسرى) الكتب إلى يخطيانوس في أنصاف المنذر (ملك العرب). فلم يحفل بها فاستعد كسرى فغزا بلاد يخطيانوس في بضعة وتسعين الفئات مقاتل فاخذ مدينة دارا، ومدينة الرهاء. ومدينة منبج، ومدينة قنسرين، ومدينة حلب. ومدينة إنطاكية. وكانت أفضل مدينة بالشام، ومدينة فامية ومدينة حمص؛ ومدنا كثيرة متاخمة لهذه المدائن عنوة: واحتوى على ما كان فيها من الأموال والعروض، وسبى أهل مدينة إنطاكية ونقلهم إلى أرض السواد: وأمر فبنيت لهم إلى جنب مدينة طيسفون على بناء إنطاكية على ما قد ذكرت قبل، وأسكنهم إياها وهي التي تسمى (الرومية) وكور لها مورة وجعل لها خمسة طساسيج: نهروان الأعلى، وطسوج نهروان الأوسط وطسوج نهروان الأسفل، وطسوج بادرايا، وطسوج باكسايا. وأجرى على السبي الذين نقلهم من إنطاكية إلى زاوية إلى الرومية الأزرق، وولى القيام بأمورهم رجلا من نصارى أهل الأهواز كان ولاه الرئاسة على أصحاب صناعاته يقال له (براز)، رقة منه لذلك السبي، إرادة أن يستأنسوا ببراز، لحال ملته ويسكنوا إليه. اهـ.(6/50)
وقال في أحداث سنة 251هـ (865م) (وفي يوم السبت لثمان بقين من رجب من هذه السنة، كانت وقعة بين محمد بن رجاء وإسماعيل بن فراشة وبين جعلان التركي بناحية بادرايا وباكسايا، فهزم ابن رجاء وابن فراشة جعلان وقتلا من أصحابه واسر جماعة. اهـ.
وقال مسكويه في كتابه تجارب الأمم (77: 2) في أحداث سنة 333هـ (944م) (واضطر الديلم إلى أن يستأمنوا إلى توزون (بن حمدان)، لأنهم رحالة، فاستأمن أكثرهم إلى توزون، واخذ الأمير على طريق بادرايا وباكسايا إلى الأهواز، وقد كانت الميرة أيضاً ضاقت على
الأمير أبي الحسين حتى اضطر في الليلة التي أنصرف فيها من غد إلى أن ذبح خمسين جملا من جماله وفرق لحمها على أصحابه واخذ له بقر فذبحها ونهب في وقت هزيمته نهبا عظيما) انتهى المقصود من إيراده.
ولا نريد أن نتتبع كل ما جاء في كتب التاريخ عن هذه المدينة إذ هذا يطول فاجتزأنا بما ذكرنا، إلا أنه يجدر بنا أن نقول. أن نصارى تلك المدينة كانوا من اشد الناس تمسكا بدينهم وكان المجوس قد اضطهدوا وطنييهم اشد اضطهاد وقتلوا منهم عددا لا يحصى ومن الجملة أنهم قتلوا رجلا من باكسايا ترك المجوسية وتنصر فضيقوا عليه في سنة 545 (أي قبل الإسلام بنحو سبع وسبعين سنة) وكان اسمه (عاودا) (أي عابد) فحكم عليه بالموت فقتل. واظهر من الثبات في العزم وقبول الموت بصدر رحب ما حمل جلاديه على جدع أنفه وصلم أذنيه من غير أن يؤذوه أكثر من ذلك قبل موته.
وقد ذكر ياقوت في معجمه واحدا من أئمة الحديث اصله من باكسايا فقال: واليها (أي والي باكسايا) ينسب أبو محمد عباس بن الله بن أبي عيسى الباكسائي ويعرف بالترقفي أحد أئمة الحديث، توفي سنة 268هـ (881م)
والظاهر أن عمران باكسايا اضمحل في القرن الثالث للهجرة، إذ لم نجد له ما يجذب إليه الأنظار بعد ذلك الحين. ولعلنا واهمون.
(تنبيه) عندنا رسائل عديدة في باب المكاتبة هذا، لكننا نعتذر إلى المراسلين بأن يمهلونا ريثما يتسع لنا المجال لنتمكن من إدراج مقالاتهم.(6/51)
أسئلة وأجوبة
الملامية والملامتية
س - بغداد - أحمد حامد الصراف: أيقال ملامية أم ملامتية؟
ج - الملامية غير الملامتية نسبة إلى الملام. (وهم الذين لم يظهروا مما في بواطنهم على ظواهرهم، وهم يجتهدون في تحقيق كمال الإخلاص، ويضعون الأمور مواضعها حسبما تقرر في عرصه الغيب، فلا يخالف إرادتهم وعلمهم إرادة الحق تعالى وعلمه ولا ينفون الأسباب إلا في محل يقتضي نفيها ولا يثبتونها إلا في محل يقتضي ثبوتها: فأن من رفع السبب من موضع اثبت واضعه فقد سفه وجهل قدره ومن اعتمد عليه في موضع نفاه فقد أشرك والحد. وهؤلاء هم الذين جاء في حقهم أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري (عن التعريفات للسيد الشريف الجرجاني) قال محيي الدين عربي: الملامة هم الذين لم يظهر على ظواهرهم مما في بواطنهم أثر ألبته، وهم أعلى الطائفة وتلامذتهم وينقلبون في أطوار الرجولية أهـ.
وأما الملامتية فقد قال عنهم المقريزي في خططه ما هذا حرفه:
القلندرية طائفة تنتمي إلى الصوفي وقد تسمي أنفسها ملامتيه. وحقيقة القلندرية أنهم قوم طرحوا التقيد بآداب المجالسات والمخاطبات وقلت أعمالهم من الصوم والصلاة إلا الفرائض، ولم يبالوا بتناول شئ من اللذات المباحة، واختصروا على رعاية الرخصة، ولم يطلبوا على حقائق العزيمة والتزموا أن لا يدخروا شيئا وتركوا الجمع والاستكثار من الدنيا، ولم يتقشفوا ولا زهدوا ولا تعبدوا وزعموا أنهم قد قنعوا بطيبة قلوبهم مع الله تعالى واقتصروا على ذلك وليس عندهم تطلع إلى طلب مزيد سوى ما هم عليه من طيبة القلوب. والفرق بين الملامتي والقلندري أن الملامتي يعمل في كتم العبادات، والقلندري يعمل في تخريب العبادات. والملامتي يتمسك بكل أبواب البر والخير والفضل فيه، إلا أنه يخفي(6/52)
أحواله وأعماله ويوقف نفسه موقف العوام في هيئته وملبوسه سترا للحال حتى لا يفطن له وهو مع ذلك متطلع إلى طلب المزيد من العبادات. والقلندري لا يتقيد بهيئة ولا بما يعرف من حاله وما يعرف ولا ينعطف إلا على طيبة القلوب وهي رأس ماله. أهـ.
قلنا: والملامتية نسبة عامية غير صحيحة إلى الملامة. لكنهم لم يقولوا ملامتيه إلا لكي يميزوهم عن الملامية وهم طائفة أخرى كما رأيت.
روضة خوان
س - سبزوار. م. م. ع. أن قارئ مأتم الحسين بن علي عليهما السلام على المنبر يدعى عند العامة (روضة خوان) وهذا اسم فارسي منحوت من كلمتين. فماذا تستحسنون أن نسميه بالعربية؟
ج - معنى روضة خوان: قارئ الروضة. والمراد بالروضة في اصطلاح الأمامية ولي من الأولياء ولا سيما ترجمة الحسين من باب التغليب. وترجمة الرجل بعد وفاته لا تكون في الغالب إلا تعديد حسناته والثناء على حميد خصاله واقتفاء آثاره. والناطقون بالضاد يسمون هذا الفعل تأبينا. فالقارئ هو المؤبن لا غير. بيد أن المؤبن لفظة مطلقة المغنى لا تعنى لا تقع على الروضة خوان. ولهذا لا نرى مستحسنا أن تبدل كلمة شاعت بين بكلمة جديدة يصعب أن تحل محل الأولى. هذا فضلا عن أن واضعي هذه العادة هم الأمامية الفرس وإلا لو كان واضعوها العرب أنفسهم لنطوا بكلمة من لسانهم تدل على المطلوب. كالمؤبن مثلا أو الروضي نسبة إلى الروضة. وعندنا أن هذه اللفظة هي التي تقوم مقام روضة خوان معنى وأداء فليحتفظ بها.
الشفع
بغداد. ب م. تدعون في مجالساتكم للناس، وفي كتاباتكم المختلفة، أن ما من لفظة إفرنجية - حديثة أو قديمة - إلا يمكن أن يوضع لها مقابل في العربية، أن لم يكن لها مرادف فيها منذ قديم العهد. وقد سألت كثيرين عن مقابل للكلمة الفرنسية الطبية وهو اضطر في النظر يرى صاحبه الشيء شيئين، وقد اجمعوا على أن ليس لها في العربية مقابل، فهل يمكنكم أن تطلعونا(6/53)
على اللفظ الذي نعبر فيه عن المعنى المذكور؟
ج - جاء في تاج العروس في مادة (ش ف ع) عين شافعة: تنظر نظرين (أي تنظر الشيء شيئين) وأنشد ابن الإعرابي:
ما كان أبصرني بغراب الصبا ... فاليوم قد شفعت لي الأشباح
(شفعت) بالضم، أي أرى الشخص شخصين لضعف بصري وانتشاره وأنشد ثعلب:
لنفسي حديث دون صحبي وأصبحت ... تزيد لعيني الشخوص الشوافع
ولم يفسره. وهو عندي مثل الذي تقدم. انتهى كلام التاج.
إذن يسمى ضعف البصر الذي يريك الشيء شيئين الشفع وزن سبب لأنه من الأداء والفعل منه شفع بالمجهول كما ذكره جميع اللغويين فلا يحق لك بعد هذا أن تنعى لغتنا أو قصورا أو عجزا أو مهما شئت أن تنعته.
المونسون
الموصل. م. م. م. رأينا في جرائد قطرنا المحبوب كلمة المونسون أو المنسن قبل نحو خمسة أشهر، فما معناها؟
ج - المنسن كلمة إنكليزية وهي بالفرنسية وكلتاهما من لغتنا العزيزة أي (الموسم) ويراد بها أرياح الموسم وهي أرياح في بحر الهند تهب مدة مواسم معلومة. ونحن العراقيين نسميها (البرصاة) والبعض يقولون البرصات (وزان قصبات) وهو مطر حميم يقع في ذلك الأوان فيسمى موسم تلك الأرياح برساة أيضا. وهي من الهندية (برشكال) قال البيروني: (وارض الهند تمطر مطر الحميم في الصيف ويسمونه برشكال وكلما كانت البقعة اشد إمعانا في الشمال وغير محجوبة بجبل فهذا المطر فيها اغزر ومدته أطول واكثر) (ص 96 و103 من طبعة الإفرنج) - أما الفصحاء فكانوا يسمونه البسارة. قال في التاج البسارة بالكسر مطر يدوم على أهل السند والهند - وفي بعض النسخ الاقتصار على أحدهما - في الصيف لا يقلع ساعة. قال الصغاني: وبالشين تصحيف. قلت: وهم يسمونه البرساة كما هو مشور على ألسنتهم. فتلك أيام البسار. وفي المحكم: البسار مطر يوم في الصيف يدوم على البياسرة ولا يقلع اهـ.(6/54)