كانت ثلاثة أعشارها من ديار روسية والباقي من أميركة. أما الزيت الحجري الروسي وهو الأحسن فقد بيع الصندوق منه بقيمة 58 قرشاً صحيحاً، وفي كل صندوق تنكتان (التنكة أما الأميركي فقد بيع الصندوق منه بسعر 46 قرشاً صحيحاً - ومنذ يضع سنين شاع على ألسن الناس ذكر الزيت العجمي الذي ينبع في عبادان لكنه لم يظهر في أسواقنا إلا في أواخر هذه السنة وهو غير حسن ولهذا لم ينفق منه عندنا إلا قليلاً.
5 - الإصدار
الصوف العربي
كان اتاء الصوف العربي حسناً هذه السنة من جهة القدر والصنف وكان في أول الموسم يباع المن منه بقيمة 16 شلينا وفي آخره كان يباع بقيمة 20 شليناً والمن هو عبارة عن
34 ليرة إنكليزية والليرة الإنكليزية عبارة عن 453 غراماً و54 سنتغراماً (فيكون المن 15 كيلغراماً ونحو 650 غراما) والظاهر أن ارتفاع سعره فجأة نشأ من رغبة الإفرنج فيه فبيع كل ما كان مخزوناً ولم يبق منه شيء.
الصوف العواسي والكرادي
كانت أسواق أوربة وأميركة كثيرة هذه الأصواف ولهذا لم يبع منهما في أول الموسم إلا بقيمة 13 وتسع وفي آخر الموسم بيع المن منه بقيمة 24 للصنف الذي لم يغسل.
الكثيراء
كان موسم الكثيرآء متوسطاً من جهة القدر والصنف وكانت قيمة القنطار الإنكليزي (وهو الهندرويت - وهو عبارة عن 50 كيلو غراما و8 أعشار الكيلغرام) بين 6 و10 ليرات.
العفص
كان اتاء العفص متوسط القدر هذه السنة وأما صنفه فكان سيئاً ويأتينا العفص عن طريق الموصل بأكياس وفي كل كيس من العفص الأبيض أكثر مما فيه من الأخضر وكانت قيمته تختلف بين 11 ليرة عثمانية ونصف بزيادة ونقصان في كل قنطار والقنطار عبارة عن 640 ليرة إنكليزية (والليرة الإنكليزية هي 453 غراما و54 سنتغراما).
التمر
كان اتاء التمر متوسطا لكن غلاء العيشة في بغداد رفع أسعاره لا سيما لأنه طعام(3/488)
المتوسطي الحال ولهذا لم يرسل منه إلا نزراً إلى أوربة وديار الشام.
الأفيون
إصدار الأفيون كان متوسطا وكانت أسعاره أعلى من سابق وكان ثمن الصندوق الذي يزن 140 ليرة إنكليزية من 90 إلى 130 ليرة عثمانية وكان اغلب هذه السلعة إلى هنكنع وسنكابور.
الحبوب
كان اتاء الحبوب أدنى من المتوسط وارتفعت أسعاره ارتفاعاً محسوساً بحيث إن المعيشة
أصبحت صعبة لغلائها ومع ذلك فقد شحن من الحنطة والشعير إلى ديار الإفرنج قدر لا يسكت عنه وما بقي منهما في المدينة بأثمان باهظة.
هذا مجمل ما يقال عن البضائع المجلوبة والصادرة ودونك الآن بيان هذه البياعات بالتفصيل.
(له تلو)
البر كسبرخان
أسئلة وأجوبة
1 - أصل لفظة التمن بمعنى الأرز
سألنا كثيرون من العلماء والأدباء من عراقيين وشاميين ومصريين: من أين أتت لفظة التمن العراقية الواردة بمعنى الأرز الحب المشهور وهل هي قديمة في العراق. وما أصلها؟
قلنا: التمن (وتلفظ بضم التاء المثناة وتشديد الميم المفتوحة) كلمة عراقية قديمة بمعنى الأرز أو الرز. ولعلها من السريانية (تمز) بمعناها، قلبت الزاي نوناً وكثيراً ما تعاقب العرب بين هذين الحرفين أينما وقع إن في الأول أو في الوسط أو في الآخر فقد قالوا: مثلاً: نكأ فلان حقه وزكأه أي قضاه إياه وازدكأ منه حقه وانتكأه أي أخذ رفضه. ويقال: هو زكأة نكأة كهمزة فيهما أي يقضي ما عليه من الحق ولا يمطل رب الدين. ويقولون: اللجن واللجز وهو اللزج والضيأز والضيأنك الذي يتقحم في الأمور. ومثل هذا كثير في لغتنا العربية ولعله لغة من لغاتهم القديمة.
وعهد هذه اللفظة قديم لأن ابن بهلول يذكرها في معجمه الآرامي العربي(3/489)
وكان من بلاد شمالي العراق (من أوانا من طيرهان وهو من أهل منتصف القرن العاشر المسيحي أو من أهل منتصف القرن الرابع للهجرة مما يدل على أنها قديمة). أما إنها السريانية الأصل فلا نظن لأننا لم نجد في هذه اللغة مادة تثبت هذه اللفظة بمعنى من المعاني عندهم إلا أنه عندهم في السريانية الحديثة فعل (تمز) ومعناه: نظف وطهر (بتشديد عين الفعل في المثالين) ولم نجد غير ذلك. ولهذا نظن إن اللفظة عربية الأصل قديمة الوجود من (التمن) وهو نوع من الرز أو الأرز به رائحة خاصة تذكرك رائحة العطر الإفرنجي المعروف عند العلماء (بالتمن) وهو ضرب من الغارانيون كما أن (العنبر بوه) نوع آخر تذكرك رائحته رائحة العنبر ثم كثر رز التمن في العراق حتى سموا كل رز بالتمن من باب إطلاق المقيد. أما إن التمن ضرب من الغارانيون فقد ذكره ابن البيطار قال في هذه المادة: غارانيون (في الأصل المطبوع في مصر غارايتون وهو غلط فاحش لأنه تعريب ديسقوريدوس في الخامسة معناه عندهم (الغرنوقي) والنوع الأول منه يعرف بثغر الإسكندرية بالتمن وبالتمين أيضاً بالتصغير وسمعته من عرب برقة وهو بظاهر الإسكندرية من غربيها بالحمامات وغيرها. اهـ.
أو لعل التمن هو الرز الذي يكون لون قشره أحمر ثم توسعوا فيه فأطلقوه على(3/490)
كل رز والرز الذي قشره أحمر كثير في العراق وحمرته تشبه حمرة النبات المسمى بالفارسية تمنك (بكسر ففتح فسكون وكاف فارسية في الآخر) وتمك (بكسر الأولين وكاف فارسية) وتميك (وزان صغير وبكاف عربية) وتميك (بكسر الأولين) وهو نبت أحمر حامض المذاق - أو لعله من (تمن) الفارسية وهو الضباب لأن الرز يحب الجو الكثير الضباب أو الكثير الرطوبة. ويقال أيضاً في تمن: تزم وتثرم (وزان قلب) وتثرم (وزان بئر) ونزم ونثرم إلى آخر ما هناك.
وقد سمعت كثيرين أن التمن عربية الأصل مشتقة من اليمن وهو البركة لما في حبته الواحدة من التعدد بعد النبت كما اشتقوا تيمن الموضع المشهور من اليمن أيضاً فعلى القارئ أن يتبع ما شاء من هذه الآراء.
2 - من شاتان إلى ماتان
وسألنا ي ن س من حاضرتنا: إن البغداديين إذا أرادوا التعبير عن قولهم: فلان ينتقل من كلام إلى كلام بدون رابط يربط تسلسل حكايته يقولون: ينتقل من شاتان إلى ماتان أو باتان على حد ما يقول الإفرنج بهذا المعنى -
قلنا: أصل هذه العبارة: من شاتان إلى ماجان أو إلى ما حان كما يقولها بعضهم فصحفها العوام فقالوا من شاتان إلى ماتان أو باتان. وشاتان هي قلعة بديار بكر شهيرة في التاريخ كما ذكرها ياقوت الحموي. وماخان (إذا رويتها بالخاء) هي قرية من قرى مرو. وماجان (الجيم) نهر كان يشق مدينة مرو فيكون محصل معنى العبارة فلان ينتقل من كلامه عن ديار العراق إلى ديار العجم من دون رابط يربط كلامه.
3 - زلق الشادي ببيت المكادي
وسألنا المذكور: وما معنى هذا المثل العامي: زلق الشادي ببيت المكادي.
قلنا: معنى الشادي عند العراقيين القرد والكلمة فارسية مبنىً ومعنى لأن الشوادي (القرود) تأتيهم من بلاد الفرس والمكادي (وزان مفاعل) جمع المكدي (بدال مشددة) وهو المتسول المستعطي بلسان العراقيين فيكون المعنى نزل القرد في بيت الفقراء سهواً منه وذلك لأن
القرد لا ينزل إلا في الدور التي ينتفع مما يجد فيها من الطعام وهذا لا يجده في بيت المكدين. فمعنى المثل إذا قد يزل العالم أو قد يهفو الإنسان مهما كان عارفاً وحكيماً.(3/491)
4 - أصل الجلبة بمعنى الضوضاء
وسألنا من الموصل: هل الجلبة عربية الأصل بمعنى الضوضاء؟
الجلبة (ويقول بمعناها عوام بغداد: قلبالغ وقلبالق وأصلها من التركية قلابة لق تصحيف العربية (غلبة) مع الأداة التركية (لك) في الآخر أو (جبة) العربية و (لك) (التركية) من أصل فارسي وهو جلب (بالجيم الفارسية المثلثة) بمعناها.
5 - معاني ألفاظ إنكليزية
وسألنا سلامه أفندي موسى من مصر القاهرة: كيف تترجمون الكلمات الإنكليزية الآتية أو - وما هي أسماء (عروق ورق الشجر)
قلنا: يقابل - في العربية: القوقس والفوقس (راجع لغة العرب في حاشية ص 329 من السنة 3) وقد ورد في المعاجم الإنكليزية والعربية أو الفرنسية العربية صوف البحر، وقش البحر، وخث الماء، ونبات الماء، والعرب لم تعرف ولا تعرف هذه الألفاظ مرادفات للقوقس اليونانية الأصل. - ويقابل في العربية: بسعيرا (وهي ارمية الأصل) وبطارس (يونانيته) ورقعاء (وجاءت مصفحة رقعا ورقعة ورقعاء وكلها خطأ. وهي عربية) وسرخس وهي أشهر الألفاظ وفارسية الأصل. وشرد (لبنانية قديمة. وزان عنق) وبليخنون (وفي رواية فليخنون وتلك أصح وفي المفردات المطبوعة لأبن البيطار فلحون وهو تصحيف قبيح والكلمة فارسية) وكيلدارو وجيلدارو وهما فارسيتا الأصل. وهذه الألفاظ وردت كلها في مفردات ابن البيطار. فلتراجع وورد في بعض المعاجم الفرنسوية تفسيراً لكلمة العربية اللفظة (خنشار) التي قال عنها في محيط المحيط نبات. ونقلها في دائرة المعارف إلى لكن لم أجدها في دواوين اللغة العربية الفصيحة ولا في سائر الكتب المتقنة التأليف فلتحرر - وأما عروق ورق الشجر، فلم نعثر على اسم لها إنما يوجد (عير) الورقة وهو الخط الذي في وسطها أو العرق الأوسط الذي فيها. وإذا أريد الدلالة على البقية قيل لها (اشاجع) الورقة جمع (أشجع) وهي عروق ظاهر الكف. فيتوسع في معناها من باب
المجاز وهو واضح لا يحتاج إلى تأييد.
6 - الجمبارات أو الجربارات أو الجاقات ومرادفاتها
وسألنا أديب من البلدة: هل كانت الجمبارات أو الجربارات معروفة في عصر العباسيين وما كان أسمها عندهم؟ - وما يقال لها عند الإفرنج؟ ورأيا أناساً من(3/492)
نصارانا يسميها جربارات وجاقات والمسلمين جمبارات وجربارات وطناكير (بالكاف الفارسية) فمن أي اللغات هذه الألفاظ وما معناها على التحقيق وما اسم هذه الآلة آلة الطرب عند السوريين والمصريين؟
قلنا: لجربارات أو الجمبارات أو البربارات أو الشربارات هي تصحيف وقصر الفارسية جاربارات المخففة عن جهاربارات ومعناها: (القطع الأربع) لأن (جهار) تفيد الأربعة (وباره) القطعة. وهي آلة طرب مركبة من أربع قطع مجوفة تتخذ من الخشب أو العاج أو المعدن يجعل اللاهي اثنتين منها في إصبعي يده اليمنى والاثنتين الأخريين في إصبعي يده اليسرى ثم يضرب الواحدة بالأخرى ضرباً وهو يقصد الإيقاع جلباً للطرب. ويسميها بعض النصارى البغداديين الجاقات أخذا من الجاق ويريدون به كل فلقة من فلقتي نواة اللوزة أو المشمشة لأن تلك القطع الأربع على شكل هذه (الجاقات) والجاق من جاك الفارسية أيضاً (راجع لغة العرب 2: 186). - أما اسمها في عصر العباسيين فكان (الصفاقات) قال في الأغاني 5: 124) أخذت بيدي صفافتين وأقبلت اخطر واضرب الصفاقتين وأغني أهـ. وفي (5: 75) قوله: فلما اخذوا في الأهزاج دخلت وفي يدي صفاقتان وأنا أتغنى.) والكلمة لا توجد في دواوين اللغة واسمها بالفرنسوية أو وبالإنكليزية وباللاتينية أو وباليونانية وبالأرمية (صصلا).
وقد سماها بعضهم الصنوج مفردها الصنج وهذا غير الصفاقة والصنج هو بالفرنسوية وسماها آخرون: (الساجات) مفردها الساج وهي الخشب المنحوت والخشب مطلقاً وسماها بعضهم (جلبارة) كما ذكرها أصحاب بعض المعاجم الإفرنجية العربية وهذه تصحيف جهاربارة كما هو واضح. وسماها أهل سورية (فقيشات) مصغرة جمع فقيشة والفقيشة عندهم شق في ذيل الثوب على طول شبر ليتسع انفراجه وهو (الجاك) عند أهل العراق لما في الصفاقتين من الشق الغائر والأصح أنها تصحيف الشقيفات الآتية الذكر وسماها
آخرون صغانة كما جاءت هذه الألفاظ الأخيرة كلها في معجم بادجر الإنكليزي العربي والصغانة هي نوع من آلات الطرب كالقيثارة وليست بالصفاقة. وسماها ابن البيطار المسافق أو المصافق مفردها المسفقة والمصفقة من السفق أو الصفق وهو اللطم. - ومما جاء في هذا المعنى عند الفصحاء من أسمائها(3/493)
(الصحنان) مثنى الصحن قال في تاج العروس: الصحنان: طسيتان صغيران يضرب أحدهما على الآخر. قال الراجز:
سامرني أصوات صنج ملهيه ... وصوت صحنى قينة مغنيه
اهـ. وسماها أهل الشام شقيفات قال في محيط المحيط: الشقيفات مصغرة مجموعة عندهم صنوج من النحاس لها عرى يدخل الراقص واحدة منها في إبهامه ثم يصك الواحدة بأختها وهو يرقص فيخرج لها صوت موزون على طريقة مخصوصة.) أهـ وهي من الشقفة أي الكسرة والقطعة من الخزف ثم توسع فيها فأطلقوها على كل كسرة أو قطعة - وذكرها أحد كتاب مجلة الزهور (4: 358) باسم الصاجات وهي تصحيف الساجات بالسين المذكورة فويق هذا. قال: كان بعضهن يرقص بهيئة قبيحة وفي أيديهن الدفوف والصاجات.
فأنت ترى من هذا البحث أن الألفاظ بهذا المعنى كثيرة فلو كان الكتاب عرفوا اللفظتين الفصيحتين لم كثروا من اتخاذ غيرها بدون فائدة ولما ادخل العوام مفردات لا طائل فيها ولهذا نعيد القول: إننا نحتاج إلى ثلاثة معاجم معجم عامي يذكر فيه الفصيح بجانبه ليعرف. ومعجم عربي واسع يذكر فيه جميع الألفاظ العامية والمولدة إفرنجي يذكر فيه ما يقابل اللفظة الإفرنجية من الألفاظ العربية المترادفة الواردة في مؤلفات الفصحاء والمولدين وعوام البلاد العربية وعسى أن يتصدى لها جماعة من الرجال العظام فيخلد ذكرهم التاريخ على توالي الأعوام!
7 - الرواصير ومعناها ولغاتها وأصلها
وسألنا صديقنا الشيخ محمد السماوي: ما معنى الرواصير وأصلها ولغاتها الفصيحة؟
قلنا: الرواصير لا توجد في دواوين اللغة التي بأيدينا ولا في معجم دوزى الذي جمع ألفاظا عامية وأعجمية وغربية كثيرة لكنها وردت في كتب الطب في كلامهم عن الكواميخ فذكروا بينها الرواصير وصحفها البعض على مناحٍ مختلفة بين قبيحة ومليحة. فأما المليحة فهي الرواصيل وذلك لأنهم وجدوا مادة ر ص ل أخف من مادة ر ص ر فأبدلوها. وقد وردت
هذه اللغة في كتاب منافع الأغذية ودفع مضارها لأبي بكر الرازي. في ص 31 من نسخة المطبعة الخيرية قال: الفصل الحادي عشر في الكواميخ والرواصير. الغريبة التي وردت في الكتاب المذكور قال في ص 4 الرواصير: البقول التي تطبخ في المياه(3/494)
الحامضة مثل ماء الحصرم والرمان ونحوها.) اهـ. وقد نقل هذا الكلام من تذكرة داود ومفردات ابن البيطار والمنهج المنير، في أسماء العقاقير وغيرها كما نبه عليه في مستهل شرح الغامض، فالرواصير عند الأقدمين هو ما نسميه اليوم (ترشي أو طرشي) وهذه من تصحيف العوام للأولى وكلتا الكلمتين (رواصير وترشي) فارسيتا الأصل. فالرواصير جمع ريصار وهو الريجار تعريب الفارسية ريجار ذكر ذلك الخوارزمي في كتابه مفاتيح العلوم في ص 168 من الطبعة الإفرنجية والترشي لغة مشهورة معروفة وأما التصحيفات القبيحة أو المخطوءة أو المرغوب عنها فهي الرواضير (بالضاد المعجمة) كما وردت في بعض نسخ مفاتيح العلوم وكذلك الرواضين وجاء في مفردها ريضار وريضان وريحان وريحال إلى غيرها.
على إن (ريجار) بالفارسية لا تعني الترشي بل تعني المربى المتخذ من الأثمر المطبوخة ثم نقلوها إلى كل ما يطبخ بالحليب أو باللبن المخيض ثم توسع فيها العرب فأطلقوها على الترشي وهي بالإنكليزية وبالفرنسوية أما البغداديون في عصرنا هذا فيسمون (ريجار) والأشهر (رجل) (وزان سبب) ما كان يريد بها الفرس سابقا بزيادة معنى الحموضة لطبخ تلك الأثمار بالسكر وثمر آخر حامض كالبرتقال أو النارنج أو الليمون الحامض أي ونحن أخذنا اللفظة من الترك لأنهم يقولون رجل وهم نقلوها من الفرس على ما أومأنا إليه.
فوائد لغوية
1 - الشهية بمعنى المشتهى أو الشهوة عامية
من الألفاظ التي أولع بها كتابنا العصريون قولهم شهية الطعام. والكلمة عامية وفصيحتها المشتهى والشهوة والشاهية كما جاءت مصرحة في كتب اللغة. على أنه جاء في تاج العروس في مادة شهو: (الشاهية): الشهوة وهي مصدر كالعاقبة) فظن بعض العوام إن فاعلة وفعيلة مما يتعاقب فيهما الإبدال كما هو الحقيقة في بعض الأحيان لكن نسوا إن فاعلة وفعيلة لا تتعقبان في المصادر إلا في ما نقل عنهم.
2 - عصارى اليوم بمعنى عصره خطأ
ومما أكثر من ذكره الصحافيون استعمال العصارى بمعنى العصر وهو من(3/495)
الغرائب. ولا اعلم كيف استدرجوا إلى هذه الغلط الفاضح اللهم إلا أن يكونوا قد أبدلوها من (الأصيل) وذلك أنهم أبدلوا الألف المهموزة عيناً على لغة قيس وتميم وأسد وكلاب وقضاعة، فقالوا: العصيل) وأبدلوا اللام راء على لغة بعضهم فقالوا: العصير ولما كان العصير والعصارة بمعنى واحد قالوا فيها لعصارة ثم عاملوا الهاء في الآخر معاملة الألف كما في العرضنة والعرضني والرعامة والرعامي والقصيرة (مصغرة) والقصيري وقد فعلوا ذلك لأن الهاء والألف هما علما تأنيث جاز لهم أن يقولوا عصارى بمعنى الأصيل وهو الوقت بعد العصر إلى المغرب أو العشى لأنهم عرفوا العصر بالعشى إلى احمرار الشمس. وفي كل ذلك من التكلف ما لا يحتاج إلى الإشارة إليه. وهذا وإن كان له تأويل على هذا الوجه وهو جائز على لغة قبائل العرب إلا أنه لا يؤخذ إلا بالمسموع إلى الصحيح أو الفصيح لاستشراء داء الإبدال في عموم الكلم.
3 - استعمال (إذا) في محل (هل) وبالعكس في غير محليهما
من الألفاظ التي جاءتنا عن طريق لغة الإفرنج قول كتابنا المحدثين: اسأل فلاناً إذا يجئ أم لا، وأنت تعلم أن (إذا) ظرف يتضمن معنى الشرط فإن أدخلتها في عبارتك وجب أن تدخل بعدها جواب الشرط، والحال إن الشرط متحد بالجواب لأن الجواب يتوقف عليه أما ظاهراً وأما مقداراً فكيف يتحصل الجواب على الشرط في هذا التركيب المذكور ولهذا
يجب أن تضع أداة الاستفهام في موضع (إذا) وتقول أسأل فلانا هل يجئ أم لا فيصح التركيب والمعنى معا.
4 - لفظ نطقاً فصيحا بمعنى ألقى خطابا بليغا تعبير قبيح
ومن قبيح تعابيرهم قولهم: (لفظ نطقاً فصيحا) وفيها ثلاثة أغلاط: الأول: (لفظ) بمعنى (ألقى) وهو لم يأت إلا في اللغات الإفرنجية ولا يجوز في العربية إلا من باب التأويل البعيد كما إن النطق لم يأت في العربية بمعنى الخطاب أو الخطبة وإنما أتانا هذا الكلام من الترك الذين لا يفقهون العربية تمام الفقه وإنما يتصرفون فيها وفي ألفاظها وقواعدها تصرفاً يخطئون فيه مرة ومرة يصيبون ومن جملة ما اخطئوا في استعماله هذه الكلمة التي ادخلوها بمعنى الخطاب. وأما لفظة الفصيح فهي وإن كانت عربية محضة إلا إنهم لم يستعملوها هنا في موطنها وإنما الواجب في هذا الموطن إبدالها بالبليغ لأن الكلام قد يكون فصيحاً ولا يكون بليغاً وهو لا يكون بليغاً إن لم يك في الغالب(3/496)
فصيحاً. لأن البليغ ما (بلغ إلى القلب) فأثر فيه على ما يتوقع من تنسيق مبانيه ومعانيه (والفصيح ما أفصح عما في الذهن) فقد بدون أن يشرط فيه أن يكون بليغاً وعلى كل حال أن هذا التركيب السقيم هو تعريب حرفي للعبارة الإفرنجية والأولى أن يقال في العربية: ألقى خطابا بليغا.
5 - المواطن بمعنى الوطني غير معروف
ومما كثر ذكره على ألسنة الأقلام والأنام قولهم: فلان مواطني وأولئك مواطنوه وهم يريدون فلان وطني وأولئك وطنيوه. ولم يرد واطنه وزان شاركه. ومن الغريب أننا نرى كثيرين من الراسخي القدم في اللغة يستعملون هذه اللفظة بينما هم في مندوحة عنها الوجود لفظة مرادفة لها وردت في كلام الأقدمين والمحدثين من البلغاء فليحفظ.
6 - النجمة بمعنى النجم للكوكب ضعيف
ومن الألفاظ الفاشية بين فصحاء هذا العصر قولهم النجمة وهم يريدون النجم بمعنى الكوكب ويعتبرون النجم جمعاً مفردها النجمة من باب تمر وتمرة. وليس الأمر كذلك إنما النجم مفرد وجمعها النجوم: ولذا لم يصب صاحب الجمانة في الفصل الذي عقده في الكلام عن شبه الجمع: النجم يطلق على جماعة الأجرام الفلكية فإذا أريد الواحد منها ألحقت بها
التاء فيقال نجمة. اهـ. قلنا: وتصحيح العبارة هو: النجم يطلق على جماعة الأنبتة التي هي دون الشجر وهو ما نجم على ساق فإذا أريد الواحد منها ألحقت بها التاء فيقال نجمة.) - والظاهر أن هذا الوهم قديم لأنهم سموا: (نجمة الصبح) فرساً نجيباً وهو علم له. (راجع التاج في نجم) وقال في لسان العرب: (وقال أهل اللغة: النجم بمعنى النجوم والنجوم تجمع الكواكب كلها.) قلت فإذا كان الأمر كذلك لم يكن هناك غلط إذ يكون واحدها نجمة. وقد وردت كثيراً في أشعارهم المولدة.
7 - الوضاء لم ترد مؤنثة بل هي مذكرة ومؤنثها الوضاءة
ومن أغلاط الخواص الشائعة قولهم: قصيدة أو قصائد وضاء وهو خطأ. لأن وضاء مضمومة الأول لا مفتوحته وهي للمذكر لا للمؤنث والهمزة أصلية لا زائدة للتأنيث) ولهذا يجب أن يقال قصيدة أو قصائد وضاءة. إذا أريد استعمال هذه اللفظة وبيت أو شعر وضاء وزان رمان من الوضوء لا أوضأ إذ لا وجود لهذه اللفظة الأخيرة في العربية.(3/497)
باب المراجعة والمكاتبة
1 - كتاب الألفاظ الكتابية وكتاب ألفاظ الأشباه والنظائر
وكتاب الألفاظ
كتبنا في المقتبس مقالة أثبتنا فيها إن الكتاب المسمى بالألفاظ الكتابية أو كتاب ألفاظ الأشباه والنظائر يسمى على الحقيقة (كتاب الألفاظ) لا غير. وصاحبه هو عبد الرحمن بن عيسى بن حماد الهمداني (بالدال المهملة لا بالمعجمة) نسبة إلى همدان وهي قبيلة باليمن من حمير شهيرة برجالها العظام وليس الهمذاني نسبة إلى همذان وهي بلدة في ديار فارس. وكنا قد قلنا أيضاً إن النسخة التي نشرت في الأستانة باسم كتاب ألفاظ الأشباه والنظائر كان قد سعى في تعميم فوائدها بالطبع السيد نعمان الآلوسي. وقد اتضح لنا الآن ما يخالف هذا القول فأسرعنا إلى تصحيحه والحقيقة هي أن الطابع وهو أبو ضياء استعار النسخة الآلوسية من السيد المذكور لكي يطبعها على نفقته وهي نسخة قديمة الخط محفوظة إلى الآن في خزانة كتب جامع مرجان التي أوقفها السيد علي الجامع المذكور تعميماً لفوائد العلم على ما هو مشهور عن الأسرة الآلوسية وكان السيد المومأ إليه في ذلك الحين موجوداً في الأستانة فصحح الملزمة الأولى فقط من الكتاب ثم عاد إلى وطنه لأمور أوجبت رجوعه إلى مسقط رأسه. وبعد أن تم طبعها أرسلت إليه نسخة منها فلما رآها وجد الطابع نسب تصحيحها إليه ترويجاً لمقصده وهو بيعها بأقرب مدة فأسف لذلك. ثم بقي متردداً في نسخته بعد أن وقف على نسخة بيروت التي طبعت في وقت واحد أو تكاد، فلم يعلم أي النسختين أصح هذا ما تحققناه بعد كتابة ما أدرجناه قبل نحو سنتين فلنتبع الحقيقة وليعمل بها.
2 - أبو خزامة
هو المدفع الذي ارصدنا له مقالة طويلة حبرها مدير هذه المجلة المسؤول الشيخ كاظم أفندي الدجيلي. وفي اليوم الذي وردتنا مقالته جاءتنا مقالة ثانية في المعنى نفسه من صديقنا الشيخ سليمان أفندي الدخيل فقدمنا الأولى لما فيها من التفاصيل وأجلنا الثانية معتمدين على نشرها في هذا الجز لتكون بمنزلة تتمة للأولى إلا أن كثرة المواد حالت دون تحقيق الأمنية
في هذا العدد أيضاً ولعلنا نثبتها في الجزء القادم. وقد سمعنا من أحد الثقات إن حضرة أستاذنا الشهير والعلامة الكبير السيد محمود شكري أفندي الآلوسي صاحب التآليف الجليلة كان قد وضع في(3/498)
عهد مشيرية هدايت باشا رسالة سماها: (القول الأنفع، في الردع عن زيارة المدفع) وقد كان قدمها إليه ليمنع العوام مما هو عليه من الاعتقاد الفاسد في هذا المدفع المغاير لما جاءت به شريعة الإسلام، وبحث فيه عن تاريخه والمفاسد التي تنجم عن هذه المعاملة. والرسالة تقع في نحو عشر صحائف وترجمت إلى اللغة العثمانية وقد فقدها السيد الأستاذ منذ سنين فلا يعلم أين صارت. ولعلها توجد يوماً فتبشر بالطبع فيعم نفعها الكبير والصغير والله الميسر.
باب المشارفة والانتقاد
1 - فتاة لبنان
مجلة أدبية علمية روائية تصدر مرة في الشهر لمنشئها سليمة أبي راشد تصدر في بيروت بدل اشتراكها في الولايات ريالان.
منذ عشرين سنة أخذت ذوات الحجال بالتدخل في الصحافة فانشأن نحو 25 مجلة تشهد على أن كواتبها ممن يروق في أصابعهن اليراع كما تروق فيها أعمال الإبرة وأشغال المنزل. ولهذا نرحب بهذه الرصيفة الجديدة متمنين لها العمر الطويل والثبات في جادة الفضل والأدب وأن تكون الكاتبة (سليمة) في ذوقها (رشيدة) لبنت جنسها إلى كل ما به خير هذا الشق وترقيته.
2 - رسائل ومقالات باللغة الروسية
هي رسائل كلها غرر للعلامة المستشرق كراتشقوفسكي وقد أظهر فيها من دلائل الإمعان في طلب الحقائق العلمية والمواضيع العربية ما يشهد له أنه من الحائزين قصبات السبق في هذا الميدان الذي يظلع فيه الجواد وإن كان من العتاق المناسيب فنحن نتمنى له النجاح في كل ما ينمق ويوشى.
3 - كتاب لطائف السمر، في سكان الزهرة والقمر، أو الغاية،
في البداءة والنهاية.
وضعه الكاتب الضليع ميخائيل بن انطون الصقال. طبع بمطبعة النجاح بأول درب سعادة بمصر سنة 1907 وقيمته ريال مصري.
أهدانا هذه الهدية صديقنا عبد اللطيف أفندي ثنيان من قبل كاتبها وهي:
1 - رواية من احسن الروايات وضعها مؤلفها ليبين للقارئ بعبارة عربية حسنة(3/499)
السبك إن النفس خالدة وإن لا بد من عمل الصلاح لمن يريد السعادة الخالدة وإلا فإن في الآخرة (مدينة للتكفير) يعذب فيها من أتى النكرات. على أننا نأخذ على المؤلف أشياء: منها: أنه أدمج فيها فصولاً لغوية في غاية الإفادة لكنها في غير موضعها إذ من شروط الروايات أن تخلو من مثل هذه الفصول التي موطنها كتب اللغة.
2 - ذهب في تقرير بعض الحقائق على مذهب خاص به غير متبع فيها مذهبا من المذاهب الدينية المعروفة فالقارئ إذا وقف عليها أو أراد أن يستفيد منها لا يرى نفسه على دين من الأديان وهو عيب فاضح.
3 - استعمل في مطاوي كلامه ألفاظا غامضة في حين لا حاجة إليها. وإنما الكاتب يأتي بمثل تلك الكلم إذا اضطرته الضرورة وإلا فأي ضرورة إلى سرد تلك الألفاظ الغريبة التي هي أشبه شيء باللغة الهندية ثم يضطر إلى شرحها في الحاشية بألفاظ أفصح وأبلغ من مفردات المتن. إن هذا العيب شائع في بعض كتابنا وهو من العيوب التي يجب علينا أن نتخلص منها في أقرب وقت. اللهم إلا إذا ألجأتنا الضرورة إليه! أما في الروايات التي يقرأها الجاهل والعالم فيجب أن تكون سهلة العبارة.
4 - إن الكاتب وإن كان ضليعاً في تقويم الكلام إلا أنه فاته أود أو أمت في بعض المواطن كقوله مثلاً في ص 153 (فشبه الحيوان. . . بعد قوله: المائرات. . . والماصعات. . . والمتخلجات. . . الخ. فكان يجب أن يقول فأشباه الحيوانات حتى يجوز له أن يفسرها بقوله: وهي التي مرتبتها أدنى من الحيوان وقال في حاشية ص 156: ورزق الله حسون وجبرائيل الدلال الحلبيبن والأصح الحلبيان إلى غير إلا أن خلو الكتاب منها يزيده حسناً وإتقاناً.
وإلا فالكتاب لا يخلو من ابتكار، في الإنشاء والأفكار، وعسى أنم يوفق لتصحيحه على أساليب الروايات العصرية بمنه وكرمه.
4 - مقدمة السبرمان
تأليف سلامه موسى، طبع في مطبعة الهلال بالفجالة بمصر في 29 صفحة صغيرة
هذه رسالة غريبة الوضع، والعبارة، واللغة، والآراء، وحسبك إن تطلع على إن كاتبها يقول في آخرها: (فهذه الفلسفة الجديدة تحسن الإنسانية الآتية يمنع كل ما فينا من العناصر الرديئة من الوصول إلى نسلنا. وأهم هذه العوامل هو تحريرنا(3/500)
الاقتصادي بشكل يساوي بين فرصة العمل (؟) بين الأفراد؟ وهذه هي السوسيالية (كذا) وتحريرنا الأدبي بشكل ينقرض فيه الدنيء الذي يعيش الآن بسلطة الواجبات الأدبية ويبقى العالي الذي يرى في نفسه قانوناً لسلوكه.) أهـ.
قلنا: الإنسان في آدابه وفي مجتمعه كأعضائه المنتظمة فيه. فيها العالي والسافل، الرأس والرجل، العقل والحس. فإن توفق حضرته لأن يلاشى من أعضائه الرجل وما والاها ويبقى فيه الدماغ وما أودعه من القوى العاقلة يستطيع أيضاً أن يرى يوماً أن فلسفته تؤدي به إلى أن تبقى من الإنسان (العالي الذي يرى في نفسه قانوناً لسلوكه وينقرض الضعيف أو المريض). فمن لا يرى ضعف هذه الآراء التي هي أضغاث أحلام ليس إلا ونحن نرى أن السكوت عن مثل هذه الأقوال أصون لشرف الكاتب من التصريح بها وهذا الكاتب من أسوا ما كتب في اللغة العربية وأضرها للآداب والأديان وكفى.
5 - الاشتراكية
لسلامة موسى. طبع بالمطبعة المصرية الأهلية بشارع كلوت بك في 23 صفحة صغيرة
هذا الكتيب لا يبعد في أفكاره عن أخويه: (مقدمة السبرمان) و (نشوء فكرة الله) فإن صاحبه أنشأه لينور الرأي العام عن ماهية (حقيقة) الاشتراكية وذكر مآثرهم في التشريع وما وصلت إليه حالة العمال من الرفاهية بمساعديهم) (هذه عبارة الكاتب) وإذا وقف عليه القارئ يقول في نفسه وا أسفاه على الوقت الذي أضاعه صاحب هذه الصفحات! ولو استعمله في تصنيف كتيب آخر نافع للألفة لخدمها احسن خدمة هذا فضلاً عن أن هذه الكتب لا تفيد الشرق والشرقيين فائدة تذكر والتي تفيده: الفضل والأدب وحسن الأخلاق والدين والتآليف المفيدة لا غير.
6 - مجلة الكمال
بإدارة كمال عباس بدل الاشتراك فيها في بيروت والبلاد العثمانية مجيديان وفي مصر والبلاد الأجنبية نصف ليرة افرنسية تطبع في بيروت في المطبعة العثمانية بسوق التجار.
وهي مجلة شهرية سنتها عشرة أشهر تظهر في 48 صفحة يدور اغلب مباحثها على مواضيع أدبية ولولا شكلها واسمها لظنها القارئ أنها جريدة لا مجلة. وقد عقد فيها باب عنوانه (كنانة النحوي) يتعرض فيه صاحبه لما يرى من الأغلاط اللغوية والنحوية في الجرائد والمجلات. ولو أرصد هذا الناحي لتصحيح ما يرد في مجلة (كمال) لما ورد فيها (نقص) شائن كل الشين. ولا سيما لأن عنوانها يوجب هذه(3/501)
يوجب هذه المزية. وقد خبط
هذا النحوي في تخطئة بعض الكتاب خبطاً يدل على أنه هو المخطئ وأنه غير واقف على أسرار اللغة وأما أنه ورد في (الكمال) نقص فهو أكثر من أن يحصى منه ما يتعلق بالرسم ومنه ما يتعلق بالنحو ومنه ما يتعلق باللغة. أما ما يتعلق بالرسم فنذكر منها ما جاء في ص 38 في قوله: (نظم اللآل فيها ورد للعامية والفصيحة من الأمثال) والأفصح أن يقال (في ما) بكلمتين. وتكتب كذلك إذا كانت (ما) اسم موصول كما هي بهذا المعنى في العبارة المذكورة. وترسم كلمة واحدة مع (في) إذا كانت حرفاً. وقال: ورد للعامية والأفصح ورد في العامية ومن غلط الرسم: قوله في تلك الصفحة (ابتدأ بالبحث) والأصح (ابتدئ) برسم الهمزة على الياء لأنها للمتكلم لا للمفرد الغائب وأما أغلاطه النحوية فكقوله في تلك الصفحة (والقهاوي) وهذا من جمع العوام لهذه اللفظة. والأصح (القهوات) لأن فعله عند (النحاة) لا تجمع على فعائل إلا في ألفاظ معدودة قليلة ليست هذه منها. ومن ثبت هذا الوادي قوله في تلك الصفحة: وعلى كل فلا أستطيع أن أسجل على نفسي والأفصح بل الأصح: حذف الفاء هنا إذ لا معنى لها وإن وردت في كلام كثيرين من كتاب هذا العهد وأما أغلاطه اللغوية في تلك الصفحة عينها فكقوله: (لأنه يخاف على إمضائه) ولم يرد (الإمضاء) عند الفصحاء بالمعنى الذي يريده وإنما قالوا (التوقيع) وقال أيضاً (في تلك الصفحة دائماً) ولذا أصبت في حل من أمر الأمثال أثبتها أن وفى. وأمحوها إن أخلف. والأصح أن يقول: (ولذا أجاز لي أن أثبت هذه الأمثال إن وفى. وأن أهمل بابها أو أوصده أن اخلف). وإذا تدبر عبارته هنيهة بأن وجه الغلط حالاً.
هذا: وقولنا: (والأصح) يدل على أن كلامه وجها أن أراد أن يتلمسه لها. إذ لا يوجد غلط في العربية إلا وله باب يخرج منه على سنن أصولها القديمة لكن العبرة في مثل هذا المقام أن ينحو الكاتب منحى البلغاء وهذا الذي نلمح إليه في قولنا: (والأفصح) وفوق كل ذي علم عليم.
باب التقريظ
7 - ديوان البناء
طبع في مطبعة الرياض في بغداد سنة 1331 في 210 صفحات بقطع الثمن.
ناظم درر هذا الديوان هو صديقنا الأديب عبد الرحمن أفندي البناء وقد أجاد كل الإجادة في قصائده وأكثرها في مواضيع عصرية. ومما يعلي كعب شاعرنا إنه(3/502)
ينظم القصائد عن سليقة عربية محضة لا عن تعلم أو تلق فإنه لم يدرس اللغة والنحو على معلم قط بل يتدفق منه الكلام الموزون تدفقا عفواً بدون تكلف وهو أمر عجيب في عصر فسدت فيه اللغة. وكيف لا نعجب! والإنسان إذا ما أتقن الآداب العربية وعلومها ثم كتب فيها نبذة أو نظم أبياتاً غلبته سليقته العامية على تعلمه الأصول والضوابط إذ الطبع اغلب من التطبع. ومما يدل على قوة شاعريته أنه نظم قصائده في مواضيع عصرية كما فعل بعض نوابغ عراقنا في هذا اليوم كالرصافي والزهاوي والشبيبي والحبوبي ومن نحا نحوهم بخلاف بعض شعرائنا الظلع فإنهم لا يزالون يمشون وراء جميع الناظمين ليجمعوا من خلفهم نفاية القصائد في المدح والذم والرثاء والتهاني والغزل وبكاء الأطلال وغيرها مما أكل عليها الدهر وشرب. ويا ليتهم يحسنون نظم تلك الأبيات لكنهم يعمدون إلى بعض قصائد من تقدمهم فينتحلون معانيها ومبانيها ويمسخونها مسخاً أو يغيرون عليها إغارة عمياء أو يصالتونها مصالتة تشمئز منها الطباع وينفر منها كل ذي ذوق سليم ثم يفاخرون الناس بها ويدعون أنها لهم وهم أبرياء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب!
على أنه وقع بعض أغلاط طبع شوهت محاسن هذا الديوان كما جاء في حاشية ص 16 قال: الحلكوك: بفتح اللام الشديد السواد. والأصح أن يقال بضم اللام كما هو الغالب في هذا الوزن إلا أنه يوجد الحلكوك بفتح الحاء واللام فإذا فتحت الحرفين انكسر البيت ومهما يكن من هذه الأغلاط الطفيفة فإن هذا الديوان يبقى للشاعر ذكراً مخلداً.
8 - الحكمة
مجلة دينية أدبية تاريخية أخبارية تصدر مرتين في الشهر موقتاً في دير الكرسي الرسولي الأنطاكي المشهور بدير الزعفران، - مديرها المسؤول حنا القس ومحررها ميخائيل حكمت جقي وقيمة الاشتراك في ماردين ريال مجيدي وفي الممالك العثمانية ريال مجيدي
وربع وفي الممالك الأجنبية ثمانية فرنكات طبعت بالمطبعة السريانية في دير الزعفران (ماردين) في 16 صفحة.
اغلب مباحث هذه المجلة دينية أخبارية وعسى أن تحقق ما في صدرها من عناوين المباحث لتفيد البلاد والعباد. لا لكي تفشي العيث والفساد!
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - مبعوثو البصرة
الذين حازوا ثقة البصريين من المبعوثين هم: 1 - السيد طالب بك النقيب،(3/503)
السيد أحمد نعيم بك، عبد الله صائب أفندي، سليمان فيضي أفندي؛ الحاج عيسى أفندي عبد الرزاق أفندي النعمة، وقد استعفى السيد طالب بك من النيابة.
2 - ابن الرشيد وعنزة
اشتد الخلاف بين الأمير ابن رشيد وقبيلة عنزة ويخشى أن يقع بين المتعاديين ما لا تحمد عقباه. وقد أنضم إلى عنزة ابن مجلاد بعد أن كان موالياً لأبن رشيد.
3 - البدور وعجمي السعدون
نزلت عشائر البدور أعداء عجمي في رحاب (نبعة) قريبا من عشائر الزياد ولما علم بذلك عجمي نزل (الشقراء) ثم توجه نحو (أبي غار) وليس في نيته اللحاق بابن رشيد لما وقع في جيشه من المصائب والخسائر في هجومه الأخير على عشيرة (الغليظ) من عشائر شمر ثم وقع بينه وبين البدور محاربات كان النصر فيها حليف البدور فاستعان عجمي بالأمير سالم.
4 - جمعية الأخوان في الارطوية
بلغ عددهم فيها زهاء 300 عضوٍ وقد أقام عليهم الأمير عبد العزيز السعود أميراً من آل عبد الكريم من السعود وقاضيا من أهالي الرياض.
5 - القشعم وعجمي السعدون
انفصلت عشيرة القشعم من موالاة عجمي وانضمت إلى عشائر أمير الكويت وقد جاراها في عملها ابن ماجد ومن تبعه من عشيرة مطير.
6 - أعداء عجمي السعدون
كثر أعداء عجمي السعدون فمنهم الضفير والبدور والزياد والغليظ وغيرها. وقد هجم (حمدان الضويحي) أحد رؤساء الضفير على عشائر السعيد والفواز الذين هم من أقوى
أركان عجمي فأخذهم جميعاً ثم أعاد الكرة على لفيف من عشيرة مطير المحالفة لعجمي فأستاق منها أربعة قطعان من الإبل.
7 - سلطان مسقط والثوار
انتكث حبل الصلح بين سلطان مسقط وبين الثوار لأن السلطان طلب إليهم إخلاء وادي سمائم بأجمعه فأبوا فثارت نار الخلاف بينهم وبينه ولعل يداً غريبة تضرم النار هناك.
8 - إعانة الأسطول في البصرة
بلغت هذه الإعانة 5. 000 ليرة عثمانية بسعي السيد طالب بك النقيب.(3/504)
العدد 23
الباب الوسطاني
مرت عليك تصاريف وأهوال ... حتى خلوت فأنت اليوم أطلال
كم لي بجنبك أعوال ومنتحب ... لو كان ينفع في الآثار اعوال
ذكرتني عهد من شادوك فانهمرت ... مني دموع على الخدين تنئال
إن لم تجب سائلاً عن معشر درجوا ... فأنت كلك أخبار وأقوال
ظنوك تنقذهم مما يريبهم ... حتى جرت فيهم بالنحس أحوال
بنوك راجين أن تبقى جدودهم ... وهم لهم في مراقي العز إطلال
خالوا الليالي والأيام تسعفهم ... يوم الملمات لا ظنوا ولا خالوا
عليك آيات إجلال تبين لنا ... من المباني وفي التفصيل إجمال
وفي أعاليك ما تكفي دلائله ... على المعالي ولا قيل ولا قال
مضى الملوك وقد أبقوك شاهدهم ... أن المكانة مالت حيثما مالوا
نالوا من الدهر ما شاءوا فما انتبهوا ... حتى هووا فكأن القوم ما نالوا
كأنني بك والخيل الجياد لها ... من حول ركنيك أهزاج وأرمال(3/561)
وللرشيد لواء يستظل به ... تساق من خلفه جند وأبطال
وللسلاح صليل فوق هامهم ... وللغبار وراء القوم أذيال
كأنني بك والمأمون منقلب ... إليك والخيل ارعال فأرعال
والناس تنظر والأبصار شاخصة ... والجند تعرض والأثقال والمال
لي في فنائك شغل أن اعوج به ... من الأسى ولقلبي فيك أشغال
أطوف فيك وأستبكيك من جزع ... وللمدامع إرسال فإرسال
قد أخلقتك الليالي في تقلبها ... وغيرت منك أبكار وآصال
أأنت تخلب الباباً لنا ونهىً ... أم ذاك منا على الإجلال إجلال
يا أرسماً رصنت آثارها فهوت ... كما رمى بالجبال الشم زلزال
ما كنت اعلم في ما كنت اعهده ... أن المعاقل كالكثبان تنهال
الباب باق وبعض الباب دارسة ... منه الطلول ومن حوليه اهجال
أبت نواحيك بخلاً أن تكلمنا ... ونحن في دارس الأطلال سؤال
يبقى البناء ولا يبقى البناة كما ... يبقى من الشعب بعد الشعب أعمال
وللمعاقل آجال مقدرة ... أيامهن كما للناس آجال
نابتك نائبة هدت ذراك وقد ... غالت بنيك من الأعجام أغوال
جار العلوج على من شيدوك وقد ... مالت بهم لضياع العهد إذ حال
أرضاك إن جاءك الأعجام فاندثرت ... منك الأعالي وخابت منك آمال
أني لأشكر ما أوليت من نعم ... لما أتوا ولهم في السير إجفال
إذ كنت تحفظ دار الملك دونهم ... أن يستقل بدار الملك أنذال
ما سامك العجم خسفا غيروك به ... وفي رتاجك دون العجم أقفال
قد مارسوك فأعيتهم ممارسة ... أن يفتحوك وأن يفتك أشكال
حفظت عهد رجال أسسوك فما ... للعهد نكث ولا للحفظ إغفال
ثم اطمأنوا إلى من يمكرون بهم ... كما اطمأنت إلى الآساد أوعال
فاسترسلوا في أمور الملك فأنهدمت ... عروشهم فتولى الأمر أرذال(3/562)
ما كان أغنى عن (ابن العلقمي) ولا ... عن قومه أنه في الملك يحتال
جنى على نفسه (ابن العلقمي) ردى ... فراح يصحبه عار وإذلال
ذاق الخسار فلا مال ولا وطن ... ولا حياة ولا عز ولا آل
أن ينكث (الأعجمي) العهد من سفه ... فكم له في ذويه العجم أمثال
محمد الهاشمي
نبذة من تاريخ بغداد والبصرة والمنتفق
في أوائل القرن التاسع عشر من الميلاد.
اذكر قراء لغة العرب الغراء ما كنت قد دونته في جزها الحادي عشر من سنتها الثانية وهو قسم من ترجمة سعدون باشا وكنت قد علقت هناك حاشية بشأن حمود آل ناصر آل سعدون معربة عن كتاب التاريخ العثماني لأحمد راسم ومستندة على ثقات الرواة وقد جاء فيها أيضاً بوجه الاستطراد لمحة من تاريخ بغداد تعريبا عن الكتاب المذكور ولم اقف في غيره على تفاصيل وافية تشفي غليل مطالع التاريخ عن تلك الأزمنة؛ وربما لم تدون الوقائع بالإيضاح الكافي أو دونت ثم عبثت بها يد الدهر وها أنني قد عثرت على نبذة تاريخية بين أوراق حواها صندوق وجدته في دار الشاب الأديب الحسيب، الحلبي الاصل، والبغدادي المولد؛ واللاتيني الطقس لطف الله أفندي ابن نصر الله بن فتح الله بن نعمة الله بن المقدسي يوسف بن ديمتري الخوري عبود وهذا الصندوق طوله نحو متر واحد وعرضه نحو نصف متر وكذلك ارتفاعه وهو مملو رسائل كان قد بعث بها أجداد أسرته الكريمة بعضهم إلى بعض من حلب وبغداد والبصرة وأزمير وكلكثة وغيرها لقصد التجارة ودوام الوداد بين الأقارب وفيه الأوراق التجارية الواردة إليهم من سورية والعراق والهند وإيران وتواريخ أوراق هذا الصندوق تتعلق بأواخر القرن الثامن عشر للميلاد وأوائل القرن التاسع عشر وفيها شيء نزر من صكوك شرعية صادرة من قضاة حلب يرتقي تاريخها إلى أواسط القرن السابع عشر. وهذه الأوراق وإن كان اغلبها تجاريا فأنها لا تخلو من الفوائد التاريخية في غير بابها هذا أيضاً. إذ قد ذكر أصحابها في سياق كلامهم حوادث ووقائع بلدة سكنوها الأقارب وأصدقاء وتجار قطنوا في غيرها. وقد خصص أهلها شيئاً من هذه الأوراق للدين والتاريخ والأدب وغيره. وما هذه الدفينة إلا جزءاً ضعيفاً من أوراق التهمتها نار شبت في 7 رمضان 1326 (2ت1 سنة 1908) في خان الموما إليه لطف الله أفندي عبود فأحرقت جميع ما فيه ولم تكن هذه الأوراق المحترقة مهملة بل كان قد خصص لها فيه حجرة مبنية بالطاباق معقودة به كما نسق بناء الخان المذكور وليس في بنائها من المواد القابلة الاشتعال سوى أخشاب الباب والطاقات بحيث نفذت النار منها فأمست طعمة
لها ونصيباً. وهذه الأوراق المحترقة كان ينوف قدرها على نحو عشرين صندوقاً كصندوقنا المحكى عنه وقد حوت أعمالاً تجارية متسلسلة التواريخ حتى صدر القرن العشرين عائدة كلها إلى الأسرة المذكورة وفيها من الكتب المخطوطة وغيرها ما يندر وجوده وكان قد اهتم بحفظه الخلف عن السلف ومن هذه الأوراق ما هو مختص بأحدهم فتح الله عبود الذي عرفه كثير من معاصرينا وكان يعتني بالأوراق المنتقلة إليه اشد(3/563)
الاعتناء. منذ حداثة سنه وقد زادها ما اقتناه بذاته فكان يدون الوقائع في تقاويمه اليومية كما كان يفعل سلفه. هذا فضلاً عما حوته مفاوضاته التجارية والأهلية من الشؤون الجمة وكنت ترى عنده الجرائد نفسها عن السنين المتعددة الطويلة مجموعة مجلدة ومنها (الزورآء) منذ ابتداء انتشارها. ولحسن الحظ كان قد بقى من هذه الأوراق في دار السكنى الصندوق الذي ساقني إلى هذا المقال. ورب معترض يرمي إلى قلمي الزوغ عن الصدد إنما أوردت شيئاً عما يتعلق ببعض أحوال هذه الأسرة طلباً لتوثيق القارئ الكريم بها لما سيأتي من ذكر حوادث وأخبار ذات بالٍ في التاريخ فأني لاحظت بونا عظيما بين ما ذكرته (سالنامات) ولاية البصرة من أسماء (متسلميها) وسني نصبهم وبين ما أفادتنا به النبذة التي اكتب هذه الأسطر توطئة لها وقد أقرت سالنامة ولاية البصرة سنة 1309هـ بافتقارها إلى الأخبار وطلبت إلى الذين يعرفون مثل هذه الأمور أن يفيدوها بما عندهم. فزادني طلبها هذا نشاطا ولبيته إذ قد سنحت الفرصة بذلك وأما صاحب النبذة هو الحلبي أصلا، والرومي الملكي طقساً، الشماس ميخائيل بن المقدسي يوسف(3/564)
بن ديمتري الخوري عبود المتوفى في 18 آب سنة 1814 في كلكتة ونبذته هذه موجودة بخط يده ويظهر جلياً من نسق تحريرها ومن تقويم له وجد بين الأوراق انه كتبها في البصرة حيناً بعد حين على توالي حلول الوقائع والله أعلم فأنه علام الغيوب.
يعقوب نعمة الله سركيس
(لغة العرب)
كاتب هذه المقالة هو يعقوب أفندي بن نعمة الله (نعوم) بن آكوب جان بن سركيس بن آكوب جان بن مقصود. وهو ابن عمة لطف الله عبود الذي وجدت عنده هذه الأوراق التاريخية النفيسة.(3/565)
الذي حاصل لنا فهو بالحقيقة ولا أنكره ونحن من القديم إلى الآن خدام لسلفاكم ولكم وأما من طرف البيكاوات الموجودين عندي فما يمكن تسليمهم لأن مثل هؤلاء أناس أجواد جاءوا لعندي فيقتضي على أن الفيهم واسعد بك ابن أبوه الذي نحن خدامه ونذكر حسن فعائله معنا فعاد غير ممكن أن نسلمه ولا غيره كلمن يجي إلى حينا.
فاشتد غضب الكهية من هذا الجواب وبدا في ديوانه يتكلم على حمود بالذميمة ويقول ما أحد يقص رأسه غيري وصار يحرك غضب الوزير على البيك وحمود حتى أرضاه بمرامه وأمر بجمع عساكر وكان طلوعه من بغداد في شهر شوال سنة 1227هـ (1812م) على الحلة وصار مسيره بالشامية والعساكر تنتقل إليه من لاوند(3/567)
وكرادوترك من كركوك وارويل وعروبية العراق وعكيل وبراطلية وتفنجلية حتى صار جملة العسكر الحربي ينيف على ثلاثين ألف عليقة. للخيل والبغال عدا الجمال ومعه من الأطواب عدد 10 وقنبر عدد 3(3/568)
وزنبرك عدد. المراد أن ركبة هذا الوزير ملوكية ما اتفق مثلها في أيام سلفاه حين ركوبهم على العربان وطلب من البصرة ثمانية مراكب يتوجه بهم قبطان باشا إلى سوق الشيوخ وحالاً توجهت بذخائرها وبدا الوزير يقطع مراحل في المسير والناس تستعلم الأسباب التي قصدته على التقدم لمحاربة حمود والبيك ولكن أخيراً ظهر السبب وهو أن حسب العادة القديمة يقتضي في شهر شوال يأتي إلى الوزير فرمان التقرير من الدولة العلية وبهذه السنة وخروه عنه وصارت التاتارية تشتغل وتطلبوا عليه مبالغ لسبب أن اسعد بك كتب على الوزارة وله رجال تساعده في المحروسة ودارك الشتاء على العسكر وهو بالبرية ولا زال يقطع مراحل إلى أن دخل شهر محرم سنة 1228 (ك2 سنة 1813) حتى تقدم إلى قرب عشيرة المنتفق وركب الجسر وعبر إلى الجزيرة وفي أوائل شهر محرم وصل تاتار غاسي الوزير عبد الله باشا ومعه قبي جوقداري واشتهر عنهم أنهم جايبين المنصب من الدولة إلى عبد الله باشا وصار فرح في بغداد واتانا الخبر إلى البصرة صحبة ساعي الإنكليز وكان وصوله في 5 صفر سنة 1228 وأمنت وفرحت الناس بذلك (أملا بأنه قريباً تنتهي الأمور ويسلك الطريق الذي تعطل حيث جملة ماجوات قريب(3/569)
عدد 50 غالبهم شاحنين أموال وقهوة وسقوطات ومبتدأ تحميلهم من شهر شعبان وغالب قهوة الموسم تحملت بهم حتى يمشوا كار حسب المعتاد وظهرت هذه الأمور وتوخروا وأموال
الناس عدا تعطيلها عليهم بعضها عدم من الأمطار والنشل لأنه مال مهيت بين أيدي السكمانية وبعد أن كانوا في الشط أدخلوهم إلى العشار وإحدى الماجوات طبعت وأموال الناس تجركت المراد ترى التاجر في ضيقة خلق لا توصف والأموال نزلت أقيامها من جري عدم سلوك الطريق والكساد في بغداد ولا بد من بعض الاختلال والقرش ما يحصل حتى يرسلوا للبصرة ولذلك صار ضيقة على الناس والوعود الباطلة في عطاء الحق اكثر من بغداد وحلب). وفي يوم الثاني من شهر صفر سنة 1228 نهار الأربعاء تقدم الوزير بعساكره الوافرة وتقدم حمود بجنوده ومعه اسعد بك مع عسكر قليل عثمانلي محتوي عنده وصارت الواقعة للحرب ولم يعلم الوزير أن العسكر والاغاوات والكاركلية جميعهم خائنين عليه ويريدوا اسعد بك والمكاتبات متصلة لهم منه بأنه هو الوزير والمنصب جاي باسمه فحالما بدا الجنك وضربت الاطواب أول مرة تبدد عسكر المنتفق وكاد يعدم فلولا اللاوند خرجوا من العسكر(3/570)
ونكسوا بيارقهم وتبعهم الكرد مع باشاواتهم واغاواتهم ثم الكاركلية والعثمانلي اتباع الباشا بنفسه وأما العروبية جميعهم بدوا ينهبوا نقل الاورضي مع الجباخانة جميعها على الأجمال ساقوها وولوا ناكسين والعسكر جميعه صار في طرف اسعد بك وما بقي عند الباشا سوى العكيل والبرطلية والتفنكجية ونشأت أيديهم عندما شافوا الخيانة فرجع الباشا والكهية إلى الصيوان واتاهم بعض الشيوخ ومنهم راشد أخو حمودو. . . . قبل حمود وأتوا بهم إليه ودخلوهم لعنده مسوقين كالغنم وفي حال دخولهم اخبروه بما أنه كفيف ونفوه بتعذيرهم على فعلهم معه وأمر برفعهم إلى سوق الشيوخ وحالاً أخذوهم ومعهم قبجيلار كهيسي وناصر الشبلي شيخ العكيل وحبسوهم في سوق الشيوخ بأمر حمود شيخ المنتفق واسعد بك جلس في صيوانه وبدت المنتفق وعريان العشيرة ينهبوا اورضي الوزير حتى الخزنة تقاسموا الذهب بالشقابين الذي حسبوه من عدد أحماله قريب ستة لكوك ذهب سكة عدا سكة الفضة من قرش وريال وعدى طواقم الفضة التي توجد عند هكذا وزير المراد جميع ما وجد بالاورضي من كلي وجزئي حصل بيد عرب المنتفق وما اكتفوا بهذا بل بعد توزيعهم ذلك جميعه في بيوتهم بدوا يسلبوا العسكر ويأخذوا سلاحهم وهدومهم والذي ما يسلم بالحال يقتلوه والذي التجأ في صيوان البيك خلص من التشليح ولكن حصانه وسيسنته راحوا من يده وجميع القطرات وتقاسموا العربان وجميع ذلك العسكر منه براطلية
وتفنلكجية ولاوند بقيوا عرايا وكذلك بعض الأكراد والارولية والكركوكلية وآغنهم إبراهيم آغا الذي كان متسلم البصرة سابق تشلح وبقي عريان(3/571)
ودخل إلى عند البيك حالا أمر له بكسوة ولبسه زخرجي باشي وبعض من أغاوات وابن باشوات الكرد اخذوا أوادمهم وانهزموا راجعين وبعضهم بقيوا عند البيك وأما العرب اغتنوا من هذه الهيبة غناء لا يوصف وترى العربي لابس الكرك وزبون القطني وهو حفيان وكل يوم يأتوا بالخيل والبغال يبيعوها بالسوق وفي الجنك ما قتل أناس كثير سوى نجم ابن شيخ تويني أبن عم حمود الذي خان وراح عند الباشا وليس شيخ وبعض من جنوده ومن طرف حمود ابنه الكبير المسما برغش المشهور في صورته ومنظره العجيب وفروسيته ففي وقت الحرب تقدم إليه واحد من أبناء باشاوات الكرد وكلاهما مدرعين وطعنه برمح على الدرع الداوودي وهو قاطع ومزق الدرع وثنا عليه بالخشت وهو طارحه للأرض وتحاوطته جنوده وجابوا إلى عند أبيه ولازالت العرب يتنهب العسكر ولا أحد يقدر يكلمهم وأما اسعد بك حالاً لبس داود أفندي (الذي كان آخذ أخته بنت سليمان باشا وكان محبوب منه وهو صاحب تدبير ومعقول وكان عند عبد الله باشا دفتردار) كهية وكتب امربيور إلى والي البصرة باسم المتسلم حالاً وهو رستم اغا وأرسله بصحبة سلاح داره محمود آغا وأما أحوال البصرة بقيت بنوع ما مرتاحة إلى يوم السبت مساء 5 صفر سنة 28 وتواردت الأخبار(3/572)
بان اوردي الوزير انكسر واختلت البلدة وثاني يوم نهار الأحد وضعوا قلقات في القهاوي والأسواق وجميع الدكاكين تفرغت من الأموال وصار الخوف بقلوب الناس ويوم الثلثا وصلت المراكب مال البصرة (الذي كان طلبهم الوزير وسافر بهم قبطان باشا إلى قرب سوق الشيوخ ولكنه بعد وصوله أتاه تحريض من اسعد بك وما عاد ظهر منه أذية إلى العربان ولا عاد تقدم إلى السوق بل بقي متوخرا) ورموا المراسي بمكانهم قبل توجههم ويوم الثلثا صباحا وصل أيضاً السلاح دار ومعه البيرولدي وصار له الاي بدخوله إلى السراي والمتسلم استقبل الأمر من الدرج ودخلوا للديوان وتلى على سماع المتسلم بحضور قبطان باشا والأعيان والمشايخ يذكر فيه بأنه حضر له من الدولة منصب وزارة بغداد والعزل إلى عبد الله باشا وبأن يوم الأربعاء في 2 صفر الساعة 1 وقفوا للمحاربة والعسكر حالاً خان واتا إليه وقد استولى الأمر والخطاب إلى رستم اغا استلم بما أنه من اتباع وخدام
أبوه الصادقين بقيمه متسلم البصرة تقريراً ويحرضه مع بقية الأعيان على الحفظ والصيانة إلى البلد وشاع اسم أفندينا اسعد باشا وأمنت الناس وقد أمر المتسلم والأعيان والمشايخ جميعاً أن يتوجهوا إلى مواجهته وأن المتسلم يجيب له 90 ألف (غرش) من ثلاثة تجر بأسامهيم بموجب أمر منه وهم الحاج يوسف الزهير 40 ألف وسليمان بن الفداع 30 ألف وخالد بن رزق 20 ألف وحينما المستلم عرض عليهم الأمر اجتمعوا تجار الكبار وفصلوا مع المتسلم التسعين بستين ألف غرش عين وفرضوها على كافة التجار منها على اليهود 20 ألف وعلى الخواجة(3/573)
جبرا أصفر 20 ألف والبقية على التجار الإسلام جميعاً وطلعت المباشرية من طرف السلاح دار والمتسلم في تحصيل القرش الذي لا يوجد بهذه الأيام حتى أن بعض اليهود تدينوا في المائة ستة بالشهر ووفروا على ذواتهم الضرب والبهدلة من المباشرية لأنهم ضربوا بعضاً وهجموا على بيوت البعض من الرعية حتى اتصلوا إلى سحب الخناجر في البيوت مع السب والتشتيم حتى أنهم من يوم الأربعاء إلى يوم الجمعة مساءً ما بقي شيء من الطلب بل جميعه حصل بالسراي والمتسلم أعطى فيه أوراق إلى كل بقدر تسليمه على أنه دين على الكمرك.
له تلو
منارة سوق الغزل
-
أمئذنة الرشيد شمخت قدرا ... وطاولت الجبال الشم فخرا
أمئذنة النهى عمرت عمرا ... ولم يبرح بناؤك مشمخرا
عليك من البشاشة نور بشرٍ ... إذا ما الكون اصبح مكفهرا
تغيرت البلاد ومن عليها ... وأتت مقيمة دهراً فدهرا
كأنك آية ثبتت بصحفٍ ... فحير كنهها الأفكار طرا(3/574)
لهارون الرشيد عليك اثر ... فلا محت الزوابع منك أثرا
ولا الادهار أبلت منك رسماً ... ولا حكت يد الحدثان سطرا
ولا الإخطار حزت منك صدراً ... ولا ضاقت بك الأفلاك صدرا
أساسك في بطون الأرض راسٍ ... وجسمك في الفضاء غدا معرى
فوضعك لا تبعثره الليالي ... وإن لاقيت برداً ثم حرا
فكم قد لاطمتك يد العوادي ... وكم عثرت بك الهوجاء عثرا
وخفاق النسيم له حفيف ... لديك إذا النسيم عليك مرا
على التقوى بناؤك شيد حتى ... يخلد بعده بانيك ذكرا
ومن جعل التقى أساً لما قد ... بناه فذاك من قد حاز شكرا
وقوفك ينقل الأخبار عنا ... إلى من لم يحط بالعرب خبرا
كأنك تنقلين بما لدينا ... إلى أسلافنا خيراً وشرا
كأنك تبتغين لنا نجاحاً ... كأنك تنظرين الحكم شزرا
كأنك قد كشفت لنا اختراعاً ... فحرت به وقد أمعنت فكرا
فيا ذكرى بني العباس أمسى ... سميرك في المعالي طاق كسرى
فماذا قد دهاك وكنت قدماً ... عروساً بالهدى تختال فخرا
وكنت إلى التجلي طور قدسٍ ... فصرت إلى حمام الجو وكرا
وكنت إلى الأذان منار وحي ... عن الآذان قد زحزحت وقرا
وكنت الظلّ للعلما فأمسى ... يباع الغزل تحتك ثم يشرى
يصورك الخيال لنا عجوزاً ... تخدد خدها بالدمع قهرا
أتى من أهلها خبر مسيء ... فقلبها الأسى بطناً وظهرا(3/575)
وقد وقفت بوسط الدار تبكي ... على دار غدت بالبين قفرا
رأت أن الاعارب في خمودٍ ... يسومهمو العدى خسفاً وقسرا
ولم يبق الزمان لها نصوحا ... تشد به لردع الضيم أزرا
فأسبلت الذوائب ثم صاحت ... أنا الخنساء ابكي اليوم صخرا
لأهلي كان صدر الحكم لكن ... ذوو الأعجاز حازوا منه صدرا
فيا زمن العدالة والمعالي ... عليك تحية الأعراب تترى
عبد الرحمن البناء
نُبوةُ أديب
السيد علي خان ابن السيد احمد نظام الدين المدني الشيرازي المتوفى في سنة 1120 أديب بكل ما يريده متقدمو أهل الأدب من الكلمة، وتواليفه تشهد له بذاك ومنها أنوار الربيع، والسلافة، وشرح الصمدية، وجميعها مطبوع. وطراز اللغة، والدرجات الرفيعة، في طبقات الشيعة؛ وسلوة الغريب في رحلته إلى الهند وهذه الثلاثة مخطوطة. وكانت له خزانة كتب نفيسة تعرف بعض أثارها إلى اليوم وربما كان (عالم كتب) أيام كانت الكتب نادرة الوجود لا تعرف إلا مخطوطة فكان درسها ومقابلتها ومعرفة (أنسابها) وموضوعاتها وما كتب في شانها وعلق عليها فناً ذا شان أتقنه فريق من العلماء وأطلقوا عليه (علم الكتب) كما أنه بعينه اليوم فرع من (علم الآثار) وقد يقع خطاء للناس في شؤون الكتب وخاصة في نسبها لأن المؤلفين من الطبقات الأولى قلما سموا أنفسهم في تأليفهم فيكون الحكم القاطع في ردها إلى اصلها منوطاً بالحذاق من أهل هذا الشأن وقد عثرت على خطا عجيب للسيد علي خان صاحب السلافة المتقدم أحببت أن آتي عليه تذكيراً لنا بمزية هذا العلم وإن لم أكن من أهله.
واضح أن السلافة كتاب قصره مؤلفه على أدباء القرن الحادي عشر وممن أثبتت ترجمته فيها من أدباء هذا القرن (السيد حسين بن كمال الدين الابزر الحلي) وقال عنه في الوجه 546 ما نصه:
(هو في الأدب عمدة أربابه، ومنار لاحبه، ولجة عبابه، وقفت على رسالة في(3/576)
البديع سماها (درر الكلام، ويواقيت النظام) واثبت فيها من نثره في باب الملامعة قوله في من آلف الرسالة باسمه، مكي الحرم، برمكي الكرم، هاشمي الفصاحة، حاتمي السماحة، يوسفي الخلق، محمدي الخلق، خلد الله ملكه، وأجرى في بحار الاقتدار فلكه) اهـ.
فههنا خطاء خطير لم اهتد إلى سببه تماماً وهو أن هذا الكتاب الذي ذكره في البديع ونسبه لأبن الابزر وأورد نبذة من إنشائه فيه ليس له ولا هو مؤلفه وإنما صاحبه متقدم من أدباء القرن السابع فأين هو من القرن الحادي عشر؟ أما الحجة التي ندعم بها مدعانا وهو اشتباه صاحب السلافة في نسبة هذا الكتاب إلى غير مؤلفه فهي تتوقف على أن يكون الكتاب
الذي نعني هو بعينه ما عناه السيد علي خان لأنه يجوز أن يطلق اسم واحد على مسميات متعددة وهذا كثير في أسماء الكتب والأعلام الشخصية وغيرها غير أن صاحب السلافة نفسه كفانا هذا الأمر فأنه أورد من الكتاب نبذة في باب الملايمة نموذجاً من نثر المؤلف الذي زعمه، وهذه الجملة بنصها وفصها مثبتة في باب الملايمة من نسخة الكتاب التي عثرنا عليها. إذاً فالكتاب المعني واحد لا اثنان
إذا ثبت ذلك فليعلم أن زمن وضع هذا الكتاب اقدم مما ظن صاحب السلافة بكثير وإذا فرضنا أن ابن الابزر من معاصريه كما هو الواقع فيكون كتابه هذا قد آلف له قبل ولادته بثلاثة قرون ونصف قرن (سنة 684) وتكون نسختنا المخطوطة منه سنة 959 خطت قبل أن يولد مؤلفها بنحو قرن أيضاً. ولا ادري كيف اختلط الأمر على السيد علي خان وهو من مشاهير المؤلفين في الأدب القديم وخاصة في البديع موضوع هذا الكتاب وكذلك لا يعلم تحقيقاً من الذي دلس الكتاب الذي يلزمنا تعريفه والكلام عليه.
الدرر مختصر في البديع ذو 84 قائمة متوسطة منه نسخة عندنا مخطوطة خطاً مقبولا جاء في آخرها ما نصه:
انتهى مسطور النسخة المباركة على يد الفقير إلى الله أكبرهم جرما، وأصغرهم جرما، العبد ناصر بن عبد علي بن ناصر الحلاوي عفى عنهما وذلك يوم الأحد 3 ربيع الأول موافق 27 شباط الرومي تقريبا (كذا) من شهور سنة تسع وخمسين وتسعمائة هجرية في بلد الحلة السيفية حماها الله من كل بلية من أرض الكوفة بابل،
وعلى هذه النسخة تعاليق كثيرة مخطوطة خط الاصل؛ جلها استدراك(3/577)
ومؤاخذة ويظهر أن معلقها عالي المحل في نقد الشعر، قوي البضاعة في البديع؛ وهو متأخر عن المؤلف ولم نقف على اسمه ولكن يلوح لنا انه دمشقي الموطن أما المؤلف فهو من المائة السابعة ممن سمع الشيخين العالمين السكاكي صاحب مفتاح العلوم المتوفى سنة 606 والمطرزي صاحب شرح المقامات المتوفى سنة 610 وهو فارسي الأصل عربي الطبع أما أنه فارسي فلكثرة إيراده الشواهد من الفارسية ولإثباته بعض أنواع البديع التي لم يعرفها العرب ولم يصطلح عليها إلا أدباء الفرس على أنه قد اتخذ لها أسماء عربية مثل (الترجيع والمردف) وغيرهما وبأنه فارسي المحتد صرح صاحب التعليق وأما انه عربي الطبع فلسلامة إنشائه
ومتانة بنائه ولم نتحقق اسمه أيضاً إلا انه قد جاء في ختام النسخة التي نقلت عنها نسختنا ما هذا حرفه:
(واتفق الفراغ من نسخه بعون الله تع يوم السبت تاسع عشرين جمادى الآخر سنة أربع وثمانين كتبه العبد الفقير الراجي رحمة وغفرانه علي بن المهدي المرياني البغدادي واعتذر بهذه القطعة عن قلة الهدية.
عند سليمان على قدره ... هدية النملة مقبوله
لا يقصر المملوك عن نملة ... عبدك فالرحمة مأموله
فأنا يخامرني الريب في أن يكون هذا مؤلف الكتاب لأمرين: 1: بعد ما بين عصره وعصر السكاكي والمطرزي وهما أستاذا المؤلف اللذان شافهاه 2: انه لو كان هو لصرح بذلك وقال (كتبه مؤلفه) وعلى كل حال فأن صاحب الكتاب خدم بتأليفه خزانة (السلطان الملك الناصر داود بن عيسى) وكثيرا ما يورد شواهد مما جاء في مدح الملوك والأمراء تملقاً ومكابرة وربما تممها بشاهد من صناعته يمتدح به هذا الملك كما فعل في باب الملايمة فأن له تلك الجملة المنثورة التي أوردها صاحب السلافة في ترجمة (ابن الابزر) يزعم أنها مثل من كلامه ولقد ذكر المؤلف أنه قد دون في هذا الفن مجلدات إلا أن كتابه تميز منها بأربع مناقب: 1: ضبط ما بددوه 2: حذف ما رددوه 3: تفصيل ما أجملوه 4: إلحاق كثير من المحاسن قد أهمله ثم أتى فيه على 180 نوعا من أنواع البديع والبيان 160 منها تعد في محسنات الكلام و20 نوعا من مساوئه وعيوبه آخرها عيوب القافية والسلام
النجف:
محمد رضا الشبيبي(3/578)
أنا والدنيا
سحرتني بلحظها السحار ... حينما أسفرت كشمس النهار
فخلعت العذار بين يديها ... وتتيمت هاتكاً أستاري
ساهر الليل هائماً في هواها ... باسطاً دون لومي أعذاري
لم أجد للسلو عنها سبيلاً ... هي بمناي في الهوى ويساري
كلما رمت تركها جذبتني ... صبوتي نحوها بغير اختيار
فاعذراني لصبوتي في هواها ... إن حكم الصبا على المرء جاري
يا زمان الصبا عليك سلام ... فلقد شط عن هواها مزاري
أن دنياً أريتها لي حسناء ... رأتها قبيحة أنظاري
خدعتني بأنها ليس تجفو ... فجفتني إذ لاح شيب عذاري
أنا ما كنت قبل ذلك ادري ... ودها عن ثوب الحقيقة عاري
عشرة ثم عشرة ثم أخرى ... ألفتني ولم أنل أوطاري
لا تسلني من بعد عنها فأني ... عن هواها بمعزل ونفار
أتلومون نفرتي عن هواها ... بعد علمي بحالها واختباري
أن دنياي قد وجدت مناها ... وهواها عداوة الأحرار
أي حرٍ يا ليت شعري فيها ... قد نجا من صواعق الاكدار
فلعمري لو استطاعت لضنت ... لقبور الأحرار بالأحجار
لا تلمها فطبعها غير ميال ... إلى غير نكبة الأخبار
إبراهيم منيب الباجه جي
إمارة الرشيد
1 - مدخل البحث
بحثنا في مقالتنا الأولى عن نجد وما يراد به. وذكرنا هناك ما لزم ذكره من حدوده وأقسامه. وقلنا أن هنالك ثلاث إمارات تقتسم تلك الديار منذ زمان وهي:(3/579)
1: إمارة السعود وقد تقدم الكلام عنها،
2: إمارة الرشيد وهي التي نبحث عنها هنا،
3: إمارتا القصيم وهما اللتان سنعقد لهما فصلاً خاصاً بهما.
2 - موقع إمارة السعود
تبين مما تقدم إيضاحه أن مقام إمارة السعود هو في القسم الجنوبي من نجد وهي لا تزال كذلك، إلا أنه قد يتفق أن سنة تنازع البقاء تتسلط على تلك الربوع فتكون القوة تارة بجانبها - وحينئذٍ تتوفق لمد حكمها على نجد كلها بل تتناول أقسام الجزيرة الأخرى كعمان وهجر وتنتشر إلى اليمن والحجاز - وطوراً تنحصر في القسم الجنوبي وأطرافه وهذا في زمن الضعف والنحس.
3 - موقع إمارة الرشيد
ما يقال عن إمارة السعود يقال عن إمارة الرشيد فأن هذه الإمارة قد تتوفق في بعض الأحايين في غزواتها وزحفاتها حتى تضاهي أختها، وقد يأفل نجم سعدها فتنحصر سلطتها في الإمارة نفسها وعاصمتها حائل وما حولها. وهذا في زمن الضعف والنحس.
4 - مقام القصيم
أما القصيم فهي في حالة واحدة بدون زيادة ولا نقصان بدون طالع سعد أو نحس، بدون يسر أو عسر، فقد رضيت بنفسها وبقوتها ولا تخرج منها. وهي واقعة هدفاً لمنازعة تينك الإمارتين الكبيرتين فتكون دائماً نصيب الإمارة الغالبة. فإذا كان النصر حليف ابن السعود أصبحت في حوزته وإن خدم السعد ابن الرشيد كانت تحت حكمه. فهي من هذا القبيل
بمثابة اللسان من الميزان فأنه يميل دائماً إلى إحدى الكفتين الراجحة. فإمارتا ابن السعود وابن رشيد هما الكفتان والقصيم هي اللسان. - وبعبارة أخرى إن من انضمت إليه إمارة القصيم (أو إمارتا القصيم لأن لها إمارتين صغيرتين) رجحت كفته لأنها اكثر البلاد قوماً، وأعظمها تجارة، واشدها باساً، وقوة ومراسا.
5 - القصيم مطمح أنظار الأميرين
ومما يجر بنا ذكره هنا أن هذه الإمارة (إمارة القصيم) هي مطمح أنظار الأميرين. وغاية أمانيهما وسبب تنازعهما على الدوام. إذ كل منهما يريد أن تكون له إلى ابد الدهر وقد يتفق بعض الأحيان أن تكون إحدى إمارتي القصيم لإحدى الإمارتين الكبيرتين المتناوئتين فتكون مثلاً. (عنيزة) (وهي الإمارة الجنوبية من إمارتي القصيم) في حوزة ابن السعود وتكون (بريدة) (وهي الإمارة الشمالية من القصيم) حظ ابن رشيد. وحينما يقع مثل هذا الأمر يصبح الخصام بين السلطتين شديداً حتى يبلغ أقصاه. وفي الغالب لا تهدأ الفتن والثورات والقلاقل حتى تكون كلتا إمارتي القصيم لإحدى الإمارتين الكبيرتين. فترجع إحدى القوتين على الثانية وتخمد نار الفتن.
والخصام يقوم بين هاتين الإمارتين بدون أن يكون صلح أو هدنة بينهما البتة إلا أن في هذه الأيام الأخيرة وقع من الحوادث ما كان لهما بمنزلة عظات هدتهما إلى أن يتفقا على الصلح والسلم ومحافظة الحقوق وأن يقلعا عن الحرب. إذ رأيا من المحال أن تمحو الواحدة الأخرى. أو تتغلب عليها تمام التغلب، وقد اتضح لهما أن انتصار الواحد على الأخر هو إلى اجل مسمى ثم تجم قوى المغلوب حتى ينكفئ على الغالب منتصراً. ومن غريب الأمر أن إمارة القصيم لم تتوفق للاستقلال بنفسها وإن بذلت كل ما في وسعها لتحقيق هذه الأمنية والسبب هو أنها لما كانت معرضة دائماً لبطش الإمارتين الكبيرتين كانت توجه جل مسعاها إلى الذب عن حياضها والى عدم الوقوع في يد إحدى هاتين الإمارتين المتناوئتين، ولهذا يستحيل عليها استجماع قواها. ومما يزيد الطين بلة أن أميري القصيم نفسهما لا يتفقان بينهما في سياستيهما ولهذا تضعف قواهما فتكون إمارتاهما فريسة بل لقمة سائغة لأحد الجارين الكبيرين أو الأسدين الرابضين.
ومما زادهما نفوراً، وابتعادا الواحد من صاحبه انهما اتفقا ذات سنة ليكونا يداً واحدة على
خصميهما وكان الاتفاق مؤسساً على عهود متبادلة وصلة رحم؛ فتضررا اشد الضرر إذ اضطرا إلى أن يقيما على محاربة ابن رشيد محاربة طويلة أدت إلى خسائر جليلة ختمت بأن أحد أمراء الرشيد اسر أميري القصيم بعد أن غلبهما الغلبة العظمى. ومنذ ذاك الحين لم يعودا يتفقان بل فسد ذلك العهد الذي كانا قد عقداه بينهما إذ لم يظهر له اثر البتة في هذه الأيام الأخيرة كما سيأتي ذكره في موطنه. والذي شوهد كان بخلاف ما ينتظر، أي أن الأمر كاد يفضي بينهما إلى امتشاق الحسام وحرب طويلة على ما بدا من نواجذها. إلا أن الله تداركهما برحمته فبدد أسبابها وحسم ما ثار من فتنتها فأطفأت جذوتها وزال كل خلاف بين الإمارتين وانضمت الواحدة إلى أختها وإن كان ذلك رغما عنهما في بادئ الأمر إلا أن المصلحة العامة وفائدة سكان البلدين من حقن الدماء وحفظ الأموال دعتهما إلى أن يحافظا على الوفاق والوئام إلى ما يشاء الله.
6 - أسباب حيوية الإمارتين الكبيرتين وبقائهما.
إمارة السعود إمارة نشأت من الدين، ورضعت حليب الدين، وترعرعت بفضل الدين، وقويت بأمور الدين، وشربت وتشرب من ماء الدين، وتعيش لتقوية حقائق الدين، وبثه بين العالمين، فهي إذاً إمارة دينية اكثر منها سياسية. إذ كلمة الدين هي وحدها النافذة المرعية الشروط بين اتباعهما، وهي وحدها تقدم على ما سواها، كما أنها وحدها تسبق أمثالها بأشواط. ولذا ترى هذه الإمارة تجوز كل شيء في سبيل تعزيز الدين، وترى الدين قد أمدها بالبقاء والقوة والنشاط والحياة الطويلة. وكل عارض عرض لهدم قواها إنما أتاها عند ضعف هذه القوة قوة الدين في حكامها. فانقياد أهل هذه العمارة وخضوعهم وامتثالهم لأوامر سادتهم مبني على أن أمراءها ناصرون للدين، وعلى أن قوتهم لا تأتيهم إلا من يعد توطيد الدين في قلوبهم.
ولهذا السبب عينه يلقب أميرهم بلقب (الإمام) و (إمام المسلمين) ويدعى له على المنابر يوم الجمعة. وأهل الجنوب اشد تحمسا في الدين من أهل الشمال إذ ترى في هؤلاء من التساهل والتسامح ما لا تراه عند أهل الجنوب.
وأما إمارة الرشيد فمع كونها متمسكة بأهداب الدين المكين، إلا أن حفظ حياتها متوقف على عصبية أهلها. فهي إمارة ذات عشائر كثيرة كبيرة وافرة العدد والعدد. وتعصبهم بعضهم
لبعض أمر لا يصفه واصف وإن أطنب فيه. وإذا توفقت لأن تدخل بين ظهرانيهم يتضح لك أن كبيرهم يرى نفسه الأبية في داخل نفس أصغرهم واحقرهم؛ فهو يكرم أذل من معه كأنه أكبر القوم واجله لذا تراهم، قضهم وقضيضهم، كأنهم نفس واحدة، تعمل بعامل واحد، لغاية واحدة، وهمة رجل واحد هي همة أميرهم إذ نراهم ملتفين حوله متسابقين إلى التفاني في حب خدمته بدون مصانعة أو رياء. ويكفيك دليلاً على ما نقول أنه إذا أراد أن يغزو لا يحتاج إلى أن يبلغهم الخبر، كما يفعل سائر الأمراء في ديار جزيرة العرب، بل يكتفي بان يظهر رأيته إلى ظاهر البلد، فيراهم في ذلك اليوم متألبين حوله بدون انتظار. وأما سائر الأمراء فأنهم يرسلون إلى القبائل رسلا ويضربون لهم موعداً فيجتمعون فيه. والخلاصة أن سكان هذه الإمارة من أعجب السكان وإن الإمارة إمارة قومية وعصبية وإمارة ابن السعود إمارة دينية فليحفظ ولينظر إلى كل منهما بنظر الدقة والتدبر.
7 - أسماء إمارة الرشيد على توالي الزمان
وقبل أن نخوض عباب البحث عن هذه الإمارة الجليلة يحسن بنا أن نضع للقارئ أسماء ما كانت تعرف في سابق العهد وفي هذه الأيام. - فهي الآن تسمى (إمارة الرشيد) وبهذا الاسم عنونا هذه المقالة. والرشيد هو اسم الجد الأعلى للبيت الذي يحكم اليوم في هذه الديار.
ومن أسمائها أيضاً (إمارة حائل) نسبة إلى عاصمة هذه الإمارة وحائل في حضيض جبل طيئ. ويقال لها أيضاً (الجبل) و (إمارة الجبل) نسبة إلى جبل طيئ السابق الذكر. ومن أسمائها أيضاً (جبل شمر) و (إمارة شمر) إضافة إلى القوم المتسمين بهذا الاسم أو إضافة إلى اسم الجبل أيضاً لأن كلاً من القوم والجبل يعرف بشمر وأما في السابق فكان لهذه الإمارة (إمارة جبل طيئ) و (إمارة اجاوسلمى) نسبة إلى الجبل أو إلى الجبلين المعروفين سابقا بالاسم الأول أو بالاسمين التاليين. - أما اليوم فلا تعرف هذه الديار إلا بالأسماء الأولى. والدولة العلية إذا خاطبت أو كاتبت أمير هذه الإمارة مخاطبة معتمدة تسميه رئيس (العمارة)، أو أمير (عشائر شمر) وأحيانا أمير (الجبل).
8 - بيت الرشيد
الرشيد هم أهل بيت هذه الإمارة منذ قرن تقريباً. - ومن الجاري في ديار هذه الجزيرة منذ
القدم أن أهل بيت كل إمارة ينسب إلى البطن الذي منه هذه الإمارة والسبب هو أن البطون لا تتغير في أسمائها إلا إذا جاءها اسم رجل صاحبه يفوق بأعماله ومآثره من كان قبله وذلك إما بما يقع من الحوادث الكبرى والحروب العظمى التي تكون سبباً لتأسيس الدولة والإمارة وإما بمفاخر تكون له آية للسمو والتفوق على من قبله وعلى من سواه.
ولما كان جدا الأمير هو المؤسس لهذه الإمارة أضيفت إليه كما نسبت إمارة السعود إلى رئيس ذلك البيت أو تلك الإمارة.
واسم ابن رشيد الحالي هو سعود بن عبد العزيز بن متعب بن عبد الله بن رشيد(/)
وسيأتي تفصيل ذلك في موطنه
ومنذ أن تسنم بيت الرشيد عرش هذه الإمارة لم يستطع غيره أن يتربع فيه لا سيما أن عشيرة هذا البيت قديمة الوجود في ذلك الجبل ولم يقع طارئ تاريخي يبعدها عنه وإن اتفق أن خضعت هذه القبيلة لغير أهل هذا البيت فأن خضوعها لها كان بالاسم لا بالموقع.
9 - إمارات العرب وإمارة الرشيد
تختلف الإمارات العربية في هيئتها وحياتها بعض الاختلاف فمنها ما لا مطمح لها إلى الغزو والفتوحات وتكتفي بالمحافظة على حالتها. وهذا ما تراه في إمارات العراق غالباً، ولعل سببه أنها في مقام ضيق لا محل لها لتوسيعه. أو أنها محاطة بقبائل أو عمائر كبيرة لا يمكنها أن تتغلب عليهم لتمد أجنحة سطوتها عليها وعلى ما وراءها أو لتطلب لنفسها الإمارة الكبرى عليها. أو هنالك مراقبة البعض للبعض تحول دون تحقيق أمنيتها لتتسع وتكبر. هذا فضلاً عن أن في تلك الديار سبباً آخر وهو أن الإمارة لا تمتد إن لم تكن ذات عشيرة كبيرة تسخر غيرها لنفسها بالقوة أو بالدعوة الدينية أو بالمال الذي هو الواسطة العظيمة للترغيب والترهيب. على أن لإمارات العراق أسباباً أخرى تحول دون التوسع والتبسط وهي مراقبة من هي أعلى منها تدأب في أن تجزئ قواها لتبددها وتكون هي المالكة الكبرى وصاحبة السيطرة العظمى. وقد تحمي الدولة القبيلة الضعيفة فتقويها على مناوئتها فتبطش بها اشد البطش فتنهك قواها وتعركها عرك الأديم حتى أنها تشارف التلف والاضمحلال.
ومن الإمارات ما تجعل همها الفلاحة والزارعة ورعاية المواشي فتقصر عنايتها على هذه
الأمور فلا يطمح بصرها إلى غيرها فلا يشرئب عنقها إلى السطوة الخيالية ولهذا تبقى ساكنة وإذا أجبرت على الحرب دخلت حومتها مضطرة إليها.
ومنها ما جاورت المياه والأنهر وابتنت بعض القصور وأخلدت إلى الراحة وأسباب الترف والنعيم فيصعب عليها بعد ذلك النهوض إلى ما فيه شظف العيش وسفك الدماء فتقنع بما رزقت ولا تنظر إلى ما في أيدي الغير.
فينتج من هذا كله أن الإمارة البدوية التي تطمح إلى مد جناح سطوتها أو توسيع ملكها تحتاج إلى أن تتجرد من جميع ما أشرنا إليه من الموانع وتجد في أن تكسب حياتها بأفعالها. ولهذا يكون أول أمرها شن الغارات ثم الغزوات ثم تعبئة الجند (أي التجهيزات)(3/584)
وتدريبهم على أصول الحرب المتعارفة في عصرنا. فإذا تم لها ذلك أصبحت دولة مهيبة محترمة الجانب مسموعة الكلمة فتمد يدها إلى ما يجاورها فتكون لها كالأثمار الجنية وإذا أرادت البقاء في حالتها الرهيبة سعت إلى ثلاثة أمور وهي:
1: إيجاد المال وجمعه لتكثير جندها
2: تكثير جندها للدفاع والقراع
3: العلم لتنال به تحسين الأمرين المذكورين.
عليه نرى أن إمارة ابن الرشيد متهيئة لأن تكون كبيرة لما توفره لها من الأسباب المذكورة. وها أنها قد خرجت من سن الطفولية (وهو عهد شن الغارات) وأصبحت في سن الرشد (وهو عهد الغزوات) الذي تطلب فيه ما ليس في قبضتها الآن. وإذا وفقت للحصول على رجال أهل حزم ونظر في السياسة تتوفق ولا ريب لبلوغ القسم الثالث من تبسطها الذي بعده الاستقرار والتسمي بالدولة الكبير. - وإذ قد بينا منزلة هذه الإمارة بالنسبة إلى سائر ما جاورها من الإمارات نخطو إلى ما يعرفنا إياها تم المعرفة.
10 - موقع إمارة الرشيد وحدودها
موقع إمارة الرشيد في قلب جزيرة العرب ويحدها من الشمال بادية الشام ومن الجنوب بلاد القصيم العليا ومن الشرق الكويت والعراق ومن الغرب بادية الحجاز أو المدينة فهذه هي حدودها المتعارفة عند وصاف البلاد وهي حدودها الطبيعية في حين ضعفها.
وأما حدودها المتعارفة عند الأعراب فأنها تبتدئ شمالاً من النجف عند (الحجرة) أي من
(عين الحزل) فما فوق (الشقيق) أو (صامت) من جهة اليسار ثم تسير في (الربع الخالي) حتى تجيء جبل (قاف) فتنزل كأنك تريد (حائل) إلى (قراقر) ثم تمر ببلاد (كليب وغنم) و (النباج) الماء المعروف، فقارات (الجو) ثم تتصل بنفد وتنزل إلى (بني عطية)(3/585)
ومن هنا تأخذ في حدها الغربي مبتدئاً من (تبوك) وتسير حتى تجد جبال (حزوي) أو جبل (تهامة)، فالأخضر جبل معروف، فالحجر فالهدية وجبل (أولاد علي) وهم قسم من العرب ثم تأتي بني حرب قبيلة معروفة قرب المدينة قريباً من مسكة والغميس بعد ضرية وحصنها المعروف فتنزل إلى جهة الجنوب فما فوق ضرية مبتدئاً من جزوى إلى جبل صبيح (كزبير) جاعلاً النباج والرس عن عينيك وسميراء الجبل المعروف عن شمالك. وهنا تقف على الحد الجنوبي حيث (قصيباء) وهي بلدة ذات نخيل كثير وعيون جارية ونفوس عديدة من حاضرة وبادية. والبلدة قديمة. ثم تصعد إلى أن تنتهي فتقطع الدهناء. من (الخل) المعروف فتمر (بقبة أو قبا) وهو ماء معروف وتسلك في وادي الرمة إلى أن تصل الحفر المعروف فتدخل بلاد الضفير فتجعلها عن يمينك هي و (السماوة) وأنت تسير إلى الشمال حتى تنتهي إلى النجف، وتعود إلى من حيث خرجت.
فهذه الحدود وما ينحصر أو يقع تحت دائرتها عائد إلى هذه الإمارة ولهذا تعنى بتأديب قبائلها وغزوها وتأخذ منها الزكاة والرسوم وتضرب عليها الضرائب والمصطلح عليها منذ القدم إلى عصرنا هذا ولكن إذا امتدت أجنحة الإمارة وقع ظلها إلى ما وراء ذلك وقد تقدمت الإشارة إليه قبل هذه الأسطر فارجع إليه أن أحببت.
(لها تلو)
سليمان الدخيل صاحب جريدة الرياض
حالة التجارة في بغداد في سنة 1913
1913
1 - مدخل البحث
عرفت تجارة بغداد في سنة 1913 بكساد لا مثيل له في سابق العهد وما ذلك إلا من تراجع صدى حرب البلقان في هذه الديار فكان منها ما كان ولاسيما الأطعمة(3/586)
ومن بينها الخبز فقد تضاعفت أثمانه المثل مثلين عما يباع قبل نحو ثلاث سنوات.
الجلب
ظهر من الجلب في سنة 1913 أن التجارة ارتقت قليلا لكن البيع والشراء وأنواع المعاملات كانت في غاية السوء فلقد شاهدنا عسراً ماليا غربياً سبب انكسار (إفلاس) عدة تجار ولا سيما بين اليهود.
2 - سعر التحويل
كان سعر التحويل على هذا الوجه: 109 ليرات عثمانية تحويلاً على لندن بعد الاطلاع إلى 111 عن 100 ليرة إنكليزية.
التحويل على بمبي من نول سنة 1912 وكذلك نول النهر فأنه كان أدنى من السنة الماضية بكثير. وكان النول يتردد هكذا:
بين البصرة ولندن من 25 شيلنا إلى 30 عن كل طن
بين البصرة ومرسيلية بعد الاطلاع عن 72 ليرة إلى 74 لكل ألف ربية.
3 - سعر النول (الجعل)
نول البحر كان أدنى من 30 شيلنا إلى 35 عن كل طن
بين بغداد والبصرة من 3 إلى 17 شيلنا عن كل طن أو 800 حقة
4 - القطنيات
لما ارتفعت أثمان النقل من بغداد إلى ديار العجم هبطت أسعار القطنيات بالنسبة إلى ما كانت عليه في السابق. وهذا ما سبب خسائر كثيرة واضطر التجار إلى تقليل مبعوثاتهم
إلى تلك الأقطار.
5 - السكر
اصبح السكر بلجكة أهم سكر يجلب إلى ديارنا العراقية ويتلوه في النجاح سكر النمسة وكان سكر القوالب دون مقدار ما جلب منه في السنة المنصرمة وكان بيعه أيضاً اقل مما بيع في سائر الأعوام.
6 - السكر البلوري
يأتينا من بمبي(3/587)
7 - الثقاب (الشخاط)
الثقاب تأتينا من اسوج وقد أخذت تجارتها تزداد ويباع الصندوق الكبير عندنا من ثلاث ليرات إنكليزية و3 شلينات وأربع بنسات إلى 3 ليرات و7 شيلنات.
8 - الشاي
جميع ما يردنا من الشاي أو الشاهي هو من الهند وتختلف أثمانه على الوجه الآتي: من 2 ليرتين إنكليزيتين و3 شلينات قيمة الحقة التي هي عبارة عن ليرتين إنكليزيتين.
الإصدار
1 - الحبوب
كان حاصل الحبوب في السنة الماضية سيئاً لقلة أمطارها إذ جاءت في آخر الموسم.
2 - أفيون
كان ثمن الأفيون فاحشاً واصدر منه نحو 150 صندوقاً إلى لندن و280 صندوقا إلى هنكن و 40 إلى سنغابور. - وأثمانه في بغداد تتراوح بين 110 ليرات عثمانية إلى 150 ليرة لكل صندوق وزنه 140 ليرة
3 - صوف أعرابي
كان موسم الصوف في هذه السنة المنقضية دون موسم السنة التي قبلها بالمقدار والجودة.
وقد اختلف ثمنه بين 15 إلى 20 شليناً عن المر الواحد الذي وزنه 34 ليرة إنكليزية و375 جزءاً من الليرة وفي أول الموسم كان الثمن عاليا لكثرة ما طلب منه في مرسيلية ولندن. ثم هبط لقلته وسوء صنفه.
4 - صوف مواسي وكرادي
كان قدر هذين الصوفين وصفتهما على جانبهما وكان ثمن المن يتراوح بين 14 شلينا و6 بنسات وبين 16 شلينا للمن الواحد الذي وزنه 34 ليرة و385 جزءاً من الليرة.
5 - الكثيراء
كان موسم الصموغ دون صموغ السنة التي سبقتها ولم يصدر منها إلا شيئاً قليلا. وكان ثمنها يتردد بين ليرة إنكليزية و5 شلينات وبين 3 ليرات و10 شلينات عن المن الواحد الذي وزنه ليرة إنكليزية و375 بموجب الصنف وحسنه. وقد رغب الناس كثيراً في الصنف الفاخر لكن لم يلتفتوا إلى الصنف السافل.
6 - العفص
كان حاصل هذه البياعة قليلا جدا وكانت أسعاره تتراوح بين 10 ليرات إنكليزية وبين عشر ليرات و16 شلينا بموجب صنفه(3/588)
7 - الفرش
طلب الناس كثيراً فرش العجم ونفقت تجارته نفاقاً عظيماً والأثمان كانت حسنة - واغلبه جديداً كان أو عتيقاً - اصدر إلى الأستانة وبيروت والسويس وأميركة وكانت أثمانه أعلى من أثمان السنة التي قبلها 15 في المائة.
8 - الجلود والادم
كان هذا الحاصل قليلا هذه السنة. وقد جاء منه قليل من العجم فأرسل إلى ديار الإفرنج. وإثمان جلد المعز غير المدبوغ كانت هنا من شلين واحد و6 بنسات إلى شلينين عن الحقة الواحدة حقة الأستانة. وأما إثمان الأديم الحسن الدباغ فكان من 3 شلينات بني واحد إلى 3 شلينات و3 بنسات وإثمان أديم الخروف المدبوغ دباغاً حسنا شلين واحد وبني عن الجلد
الواحد.
هذه نظرة عامة في حالة التجارة في سنة 1913 وسوف أوافي القراء بالبيان السنوي في عدد قادم والله الموفق.
البر كسبرخان
اللسان
يا أيها الشهم الكريم نجاره ... والماجد الراقي إلى أوج العلى
لك في البيان بديع معنى زهره ... يجنى وأنجمه الزواهر تجتلى
الفت شمل الفضل وهو مبدد ... حتى غدا عقداً عليك مفصلا(3/589)
ولقد وصفت وأنت ابلغ واصفٍ ... أحد الحسامين المشيرف مجملا
ينضو به يوم الخصام عميده ... سيفاً يصيب إذا أستسل المقتلا
مر إذا أحفظته حلو إذا ... لاطفته شهداً يريك وحنظلا
تجنى لاهليه عذوبة لفظه ... ضرباً وقد يجنى لهم ضرب الطلى
تخشى الجوارح من غرار كلامه ... كلماً تعذر جرحه أن يدملا
ويبين كنه المرء فيه وأنه ... نعم الدليل على الفتى إن أشكلا
وعليه من صدق اللسان طلاوة ... تكسوه حسناً كاملا وتجملا
والصدق رونق حده وصقاله ... والسيف بهجة حسنه أن يصقلا
لسن إذا استنطقته ألفيته ... حسن البيان مفوها مترسلا
ويمده سيل الفصاحة والحجى ... فيفيض في روض الفضيلة جدولا
ما أن رأيت على امرئٍ من حليةٍ ... أزهى وأبهى من بيان قد حلا
فإذا سعدت به فعلق مضنةٍ ... رخصت به دور العقود وقد غلا
وإذا الفصاحة أقبلت لك فارتقبٍ ... فوزاً فقد لاقيت جداً مقبلا
ما ضر من أضحى به متحلياً ... إن عاد من حلى الثراء معطلا
يشقى ويسعد بالضلال وبالهدى ... فتراه يبدع هادياً ومضللا
يصف العقول وينشر العلم الذي ... تطوى الصدور مخافة أن يجهلا
نصف الفتى لكنه بيانه ... كل الفتى وبه يعود مفضلا
وإذا وراء القلب كان محله ... متروياً فهو المهذب مقولا
وإذا أمام القلب جاء مشمرا ... أودى العثار به وخر مجلا
وبهاؤه في صمته وسكوته ... ما لم يكن عي الكلام مغفلا
مفتاح أسرار القلوب يضمها ... طوراً ويفتح تارة ما اقفلا
هو بضعة لكنه بمضائه ... يفرى الحسام المشرفي الفيصلا
ينتاش من أيدي الحوادث ربه ... ويكون حصناً في الخطوب ومعقلا
وإذا استزلته الشقاوة عاثراً ... حم البلاء وكان خطبا معضلا
إن يستقم يسلم وإن لم يستقم ... يندم وكان به البلاء موكلا
كم حومة أورى واثقب نارها ... فذكت على الأبطال ناراً تصطلى
ولكم أسير عاد فيه مطلقا ... وطليق سرب عاد فيه مكبلا(3/590)
فقد العكوك باللسان لسانه ... وحوى أبو دلف الثناء إلا فضلا
وابن المقفع قطعت أوصاله ... بشبا لسان سل منه منصلا
ما أوقعت بالبشر إلا كلمة ... غبنٍ بها الجحاف جازى الاخطلا
كربلاء:
أبو المحاسن محمد حسن
الرطب والارطاب
1 - الارطاب
وإذا بدأ التمر بالارطاب وهم يقولون: نكت التمر أو نكد (من باب التفعيل) يأخذ الصاعود بالقط ما نكت منه ليبيعه في السوق. أما كيفية صعوده النخلة لجني تمرها فأنه يرقاها بالتبليا كما قلنا ويأخذ معه علاقة يشدها بحبل ويربطها بالمقبض ويصعد بالحبل إلى راس النخلة وهناك يلقط (أي ينتخب التمرة بعد التمرة) ما كان منكتاً. فإذا امتلأت العلاقة أنزلها بواسطة الحبل وتلقاها أحد الواقفين عند اسفل النخلة وأفرغها في طبق كبير ثم أعادها إلى اللاقط ويكرر ذلك حتى ينتهي العمل.
فإذا اجتمع عنده مقدار كاف من الرطب نقله إلى السوق في محل خاص يسمونه العلوة أو العلوى ويشترون القبونة (أي الطبق) الذي فيه التمر فيأخذه إلى دكانه ويبيعه وقد يشتريه أحد الباعة المتجولين في الطرق فيبيعه شيئاً فشيئاً في الأزقة والشوارع منادياً على الزهدي: (عال يا فضيخ عال) وإذا كان حاملاً خستاويا وبربناً يقول: (بربن وخستاوي) وهكذا ينادي على كل صنف من التمر باسمه مع صفة(3/591)
تعلي شانه. وإذا اشتد الحر ونضجت التمور كلها دفعة واحدة لم يسع الفلاح أو اللاقوط انتقاء الرطب أو لقطه كما قلنا فيعمد حينئذ إلى صرم العذوق كلها ليكبس ما عليها أو يبيعه للتجار وسنذكر ذلك في فصل خصوصي.
وإذا كثر الرطب ورخص ثمنه وهذا يكون في أبان إقباله يعمد الناس إلى استخراج عصيره المعروف باسم الدبس أو السيلان وسنذكر كيفية استخراجه في فصل خصوصي.
أما ثمن الرطب فيختلف باختلاف أصنافه وأوان بيعه فيباع كيلو تمر الزهدي عند اول ظهوره من 5 غروش صحيحة إلى 3. 4 وعند رخصه وكثرته كان يباع الكيلو قبل نحو 7 أو 8 سنوات ب 15 بارة إلى 20 بارة وأما في هذه السنة فكان يباع الكيلو بقرش صحيح أو 30 بارة.
أما ثمن كيلو الخستاوي فيباع عند أول ظهوره من 8 غروش صحيحة إلى ما دونها. وعند رخصه وكثره كان يباع الكيلو قبل نحو 7 و8 سنوات ب30 بارة أما الآن فيباع بقرش
صحيح أو بقرش وربع وربما بقرش ونصف وهكذا قل عن كل صنف من الأصناف المعروفة لا سيما في هذه السنوات الثلاث الأخيرة فأن أسعار الأطعمة ارتفعت ارتفاعا باهظا.
وأنواع بيعه تختلف باختلاف البلاد بدون ضابط. وإذ قد بلغنا البحث إلى الرطب يليق بنا أن نذكر ضروبه في العراق ليقف القارئ عليها وعلى أسمائها.
2 - ضروب الرطب أو التمر الموجود اليوم في العراق
1 إبراهيمي 2 اجرسي أو اشرسي 3 اخلاص أو خلاص 4 أزرق 5 أزرقاني 6 أشقر 7 إصبع العروس أو أصابع العروس 8 أصابع زينب 9 أصفر خوش 10 أم التبن 11 أم الرحيم 12 أم الصواني 13 أم الكبار 14 اسطا عمران وهو السائر 15 بادامي 16 بدرايي 17 بربن 18 برحي 19 بصراوي 20 برني 21 بريم 22 برين 23 بقلة 24 بنفشة 25 بهراب 26 بيز الواوي 27 تبرزل أو طبرزذ 28 جبجاب لفظ عامي لكبكاب(3/592)
29 جباني أو كباني 30 جعفري 31 جلبي 32 جمال الدين 33 جوزي 34 حساوي 35 حسن أفندي 36 حلحل دقنه 37 حلواني 38 حمراوي 39 حمرة نجدة 40 حلاوي وحلاوي أبو خشيم 41 حويزي أو حويزاوي 42 خدري 43 خستاوي 44 خصاوي البغل 45 خصب 46 خضراوي 47 خنيزي 48 خوشه كوته 49 دبيني 50 دقل أبو الدهن أو دقل أبو الودج 51 دقل بارة 52 دق العماد 53 دلة الخلف 54 دقلة 55 دقل عود 56 دقل هش 57 دبري وهو طيب الاسم 58 ربيثة 59 زهدي 60 سائر وهو اسطا عمران 61 سبع ذراع 62 سكر نبات 63 سكري 64 سلطاني 65 سماني 66 سويدان 67 شتوي 68 شكر 69 شلبي 70 شميعي 71 صعادة أو سعادة 72 طباشي 73 طيب الاسم وهو الديري 74 ظفير السلى 75 عجوة 76 عبدلي 77 عريان 78 علي موسى 79 عمامة القاضي 80 عنجاصية 81 عويدي 82 عوبنة أيوب 83 فرسي 84 فنك تاكلني 85 قنطار 86 كرسي وهو الزهدي 87 للوى (خلالة أصفر) 88 للوى البحر (خلالة أحمر) 89 مائع 90 مخ العصفور 91 مدني أو حلوة الجبال 92 مصيدفي 93 مكتوم 94 مكاوي 95 ميرحاج 96 نباتي 97 نرسي 98 هدل
وأما وصف كل ضرب من ضروب هذا التمر فنعقد له فصلاً آخر بعد ذلك، ونضبط كل
صادق وفتحي
كرة الأرض أرسلت نسرين ... لاستلام الجوزاء بالشفتين
فتجلى بديع نور محيا ... ها فخرا من دهشةٍ صعقين
إبراهيم منيب الباجه جي
مكتبات النجف
كان في مدينة النجف من العراق ولا يزال إلى الآن خزائن كتب حوت(3/593)
نفائسها ونوادرها وغرائب المصنفات وأمهاتها الممتعة التي يندر وجود مثلها في خزائن كتب العالم. وذلك لأن النجف دار هجرة لطلاب العلم من الشيعة منذ عدة قرون. وزد على ذلك ما لمجاوري مرقد الإمام علي عم في النجف من الأجر والثواب ما ليس لغيره من قطان الأمكنة والبقاع لما يروونه في أخبارهم المنقولة عن الأئمة الأثنى عشر عم. ولهذا الغرض عينه اخذ بعض الملوك والوزراء والأمراء من الإيرانيين والهنود والبحرانيين وغيرهم يهاجرون إلى النجف قصد الثواب وبعد أن يبقوا فيه مدة من الزمن يرجعون إلى بلادهم وقد يهجر بعضهم وطنه بتاتاً أو يترك بعض أولاده أو أحد أسرته مكانه أو يرسله نيابة عنه فيأتي أولئك المهاجرون من شرق البلاد وغربها زرافات ووحدانا بالكتب التي في بلادهم. أو الكتب التي ورثوها عن آبائهم قصد الانتفاع بها في الدرس والمطالعة. وإذا مات أحدهم أوقف كتبه لطلاب العلم ليعم نفعها. والتي لا يوقفها صاحبها لهذه الغاية تباع بعد موته في صحن النجف بأبخس الأثمان (إذ كان باعة الكتب قبل نحو عشر سنين في حجر الصحن) فتتفرق تلك الكتب عند العلماء وغيرهم، لكنها لا تخرج عن بلدة النجف أبداً.
بيد أن أصحابها لا يقدرون منها سوى كتب الكلام والفقه والأصول والحديث والرجال (اعني رواة الحديث منهم) ولا يرون مزية لغيرها من كتب التاريخ واللغة والأدب والشعر والبلدان والهيئة والهندسة والطب وتراجم الرجال. ولهذا السبب أهملها القوم ولم يلتفتوا إليها بل قل لا يصلحون حالها إذا أصابها سوء من تمزيق وحرق وما أشبه ولا يحفظونها من التراب والرطوبة والأرضة وما شاكل ذلك ولهذا تلف معظم الكتب التي صنفت في تلك العلوم (اعني القسم الثاني منها) ولم يتنبه لها عشاق الكتب والمتاجرون بها من النجفيين وغيرهم إلا منذ أربع سنوات على الأكثر فاخذوا حينئذ يغالون بكل مخطوط نالته أيديهم وظفر به أحدهم إذ تراهم قد قبضوا عليه بيدٍ من حديد وضنوا به على كل أحد حتى على أبناء معارفهم ولا ضن الشحيح بديناره وما ذلك إلا لما تصوره لهم المخيلة أن لهذا الكتاب شأنا عظيماً عند الإفرنج وسيباع بالمئات من الليرات بل الألوف بل الملايين ورسخ هذا
الفكر في أذهانهم ولا رسوخ الطود الأشم في الأرض ولشدة تيقنهم ذلك تسمع هناك المنادي يصرخ إذا نادى على كتاب مخطوط مهما كان موضوعه وعهد تاريخ وأراد أن يجلب رغبة المشتري إليه فيقول: (بابا عنتيكا لندن(3/594)
وباريسا) معناه يا أبتي (يعني به المشتري) هذا الكتاب من الاعلاق النفيسة التي لا يمكن تقدير ثمنه ويجدر بأن يكون في لندن وباريس. فيتهافت عليه الجاهلون أثمان الكتب ومقاديرها ولا تهافت الجياع على القصاع وقد شاهدت ذلك منهم مرات عديدة. وكم رجل منهم اشترى الكتب بالقيم الباهظة وكان يعلن نفسه انه الغالب وبعد أيام خاب ظنه وتحقق خسارته الجمة ولكن يا للأسف لم يتعظ به الآخرون لا بل لم يتعظ هو نفسه!
ولم تدر هذه الفكرة في خلد أحد منهم إلا منذ ثلاث سنوات إذ سافر من بغداد بعض المتاجرين بالكتب إلى ديار الإفرنج وبعض عشاقها وابتاعوا شيئاً منها بقيم فوق قيمتها بقليل فتابعهم متابعة عمياء ذوو الأطماع من النجفيين فكان عاقبة أمرهم خسراً.
وبهذه المناسبة نذكر مكتبات النجف قديمها وحديثها وما فيها من الكتب وما اتلف منها وما بقي متفرقاً بأيدي الناس أو محفوظاً في الخزائن. ذلك ليكون مصداقاً لما قدمناه من إهمال الكتب وتمزيقها وتشتيت شمل أوراقها. ولنبدأ أولاً بخزانة كتب أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عم إذ هي اقدم مكتبات النجف ويجب أن تقدم على ما سواها لأنها خزانة كتب الإمام عم.
2 - خزانة كتب الإمام علي
حدثنا جماعة من الفضلاء انه كان في خزانة كتب الإمام علي عم نحو 40 ألف كتاب وبالغ بعضهم فقال زهاء 400 ألف كتاب وقد جمعت هذه الخزانة نفائس الكتب وأمهاتها التي عز وجود مثلها في الدنيا كيف لا وهي مما يجب أن يهدى لحضرة الإمام عم ولكن قد تلف جل هذه الكتب بل قل كلها إذ لم يبق منها إلا عدد يسير لطلاب العلم والمطالعين من الناس على اختلاف طبقاتهم بدون شاذ. ولما كان ذلك بهذه الصورة صار الداخل إليها إذا خرج اخبأ تحت عباءته الكتب التي يريد سرقتها ويخرج بها بدون أن يفتشه أحد ولكثرة السراق ظهر النقص فيها ظهوراً لا يمكن إخفاؤه على ذي عينين إذ لم يبق منها إلا ما يناهز المائة وحينئذ أغلقت أبواب(3/595)
الخزانة ومنع الطلاب والمطالعون.
وكنا نشتاق إلى رؤية البقية الباقية من تلك الخزانة التي ضاع اكثر كتبها وفي زيارتنا النجف الأخيرة وكانت في 12 ربيع الأول سنة 1332هـ - 8 شباط سنة 1914م كنا نجالس في آخر النهار في إحدى حجر الصحن الشريف رجل العراق حزما وثراء وحسبا ونسبا الطائر الشهرة والصيت السيد محمد جواد أفندي الرفيعي قيم (كليدار) الروضة الحيدرية الحالي على مشرفها السلام وفي يوم من الأيام طلبنا إليه أن يطلعنا على خزانة كتب الأمير عم فأجاب طلبنا وأمر نائبه السيد داود أفندي بفتحها ففتحها وهي حجرة من حجر الصحن مما يلي شرقي القبلة وبقربه. وكان المساعد لنا في تقديم الكتب والمصاحف النائب الموما إليه ولم نكتف منها بزيارة واحدة بل بقينا نتردد إليها نحو أربعة أيام نصرف فيها من الوقت اكثر من ساعة واليك وصف ما فيها من الكتب النادرة والمصاحف النفيسة ولنبدأ أولا بالمصاحف لشرفها على سائر الكتب فنقول:
3 - وصف مصاحف خزانة كتب الإمام علي عم.
في خزانة كتب الإمام عم اكثر من 400 مصحف من احسن ما كتبه الكاتبون وأجود ما جلده المجلدون وذهبه المذهبون وزخرفه المزخرفون منها مصحف كتب في أواخر القرن العاشر مختلف الأسطر فهو يبتدئ من رأس الصفحة بالقلم النسخي وبعد ثلاثة اسطر بالقلم العريض يليه سطر أزرق وهو اعرض من السابق وهكذا إلى أن يختم القرآن وقد أوقفه رجل من إيران اسمه (ابا آقاي) يلقب بفروغ الدولة سنة 1251. طول صفحته 44 س في عرض 30 س وطول ما كتب فيه في عرض 22 س
ومنها مصحف أصغر منه حجماً واقدم تاريخاً مكتوب على النسق المذكور. ومنها مصحف كالأول حجما وأجود منه خطا أوقفه الشاه عباس الموسوي الحسيني سنة 1228 في أول شهر ذي الحجة وتاريخ كتابته سنة 999هـ ومنها قطعة من أول سورة مريم إلى آخر الصافات مكتوبة بالقلم العريض يتخلل السطور ذهب وتحت كل كلمة تفسير فارسي طول الورقة منها 38 س في عرض 25 س وطول الكتابة منها 31 س في عرض 16 س وفي كل صفحة 7 اسطر وجلدها مطلي بالذهب جاء في آخرها: (كتبه ابن عبد(3/596)
الله ياقوت المستعصي حامداً الله تعالى مصلياً. . . وقد أنجزت كتابة الربع الثالث من كلام الله العزيز مع ترجمته عشية يوم الأحد السابع عشر من ذي الحجة حجة ثلث وثنين وستمائة الهجرية)
وقد أوقفه رجل من إيران اسمه (كلب علي) في شهر ربيع المولود (كذا) من شهور سنة 1128 بتولية قيم (الكليدار) الملا عبد الله ومنها مصحف خطه أشبه بخط ياقوت وهو في الغاية من النفاسة والزخرف طول ورقته 47 س في عرض 30 س وطول الكتابة 30 س في عرض 17 س وضخمه 8 س ومكتوب على كل ورقة منه بالذهب كلمة (وقف) وفي أوله 3 أوراق مزخرفة بالميناء الدقيق الصناعة وآخره وجلده مطليان بالذهب وعليه آثار القدم وقد أوقفه رجل اسمه (صفي قل بيكا) في محرم سنة 1137هـ ومنها مصحف كأخيه السالف ضخامة وانفس خطاً وتزويقاً طوله 37 س في عرض 30 س وطول الكتابة 25 س في عرض 14 س وشكل كتابته مثل المصحف الأول غير أنها بالحبر الأسود وفي كل صفحة 12 سطراً وعلى اغلب حواشيه الميناء الملون المشجر الدقيق الصناعة وعرض الحاشية 7 س وقد أوقفه الشاه سلطان حسين الصفوي الموسوي الحسيني بهادر خان في جمادى الأول سنة 1112 هـ وفي أوله 4 أوراق مزخرفة بالميناء وفي آخره 5 أوراق مكتوب فيها بالحبر الأبيض دعاء القرآن ثم بعده 32 بيتاً من الشعر الفارسي في التفاؤل بكلام الله تعالى وجلده مغشي بالذهب وكاغده عسلي اللون. ومنها مصحف بخط الميرزا احمد النيربزي الخطاط الشهير وخطه أشبه بخط ياقوت وحجمه مثله مرة ونصفاً وهو في الغاية من الطلاء والزخرف والوشي بالميناء الملون. ومنها مصحف بالخط الكوفي بقطع الربع جاء في آخره: (كتبه أبو عبد الله محمد بن الحسيني المجاهدي يوم الخميس أول جمادى الآخر سنة إحدى وثلثماية) ومنها مصحف بالخط الكوفي أيضاً وهو بالقطع الكامل اقدم من أخيه خطا وفي أوله اختلاف الروايات المنقولة عن المحدثين والقراء. ومنها مصحف بقطع الكف مكتوب على خشب رقيق وقد سقط من آخره بضع أوراق ويؤخذ من طراز كتابته أنه كتب بعد الألف من الهجرة.
وفي الساعة الرابعة من ليلة الثلاثاء 26 ربيع الثاني فتح لنا حضرة السيد محمد(3/597)
حسن نجل السيد جواد الكليدار (القيم) باب شباك الضريح المقدس ودخلنا لزيارة المصحف المنسوب إلى الإمام علي عم والمصحف المنسوب إلى ابنه الحسن عم فتشرفنا بزيارتهما واليك وصفهما:
1 - مصحف الإمام علي عم - وهو مكتوب على الجلود المصقولة، لونها عسلي فاتح
ووضعه كالسفينة (أي يفتح مما يلي عرضه لا مما يلي طوله) وهو بالخط الكوفي الأول وقد سقط من أوله وآخره أوراق والباقي منه يبتدئ بسورة المعارج وينتهي بسورة انشقت وعدد أوراقه 127 طول كل منها 29 س في عرض 19 س وطول الكتابة 24 س في عرض 16 س وفي كل صفحة 11 سطراً وفي بعض الصفحات 6 اسطر وهو مكتوب بالقلم العريض والعناوين بالذهب والفواصل بالحبر الأحمر والأخضر (ولعلها محدثة) وجلد مطلي بالذهب مكتوب عليه بعض أحاديث النبي الحكيمة وليس هناك علامة تدل على انه بخط الإمام علي عم ولضيق الوقت واحتياجنا إلى شحذ الفكر في معرفة الخط الكوفي ولتزاحم الناس على تقبيل المصحف المذكور لم يسعنا أن ننظر ترتيب سوره التي هي على غير ترتيب سور المصحف الموجود اليوم بأيدي الناس وهو المنسوب إلى عثمان. وقد أشار إلى ذلك ابن النديم في فهرسته (وهو ساقط من النسخة المطبوعة) واليك ما ذكر اليعقوبي في الجزء الثاني من تاريخه ص 152 - 154 طبع لبسيك قال: (وروي بعضهم أن علي بن أبي طالب كان جمعه (يعني القرآن) لما قبض رسول الله صم واتى به يحمله على جمل فقال هذا القرآن قد جمعته وكان قد جزأه سبعة أجزاء فالجزء الأول البقرة وسورة يوسف والعنكبوت والروم ولقمان وحمّ السجدة والذاريات وهل أتى على إنسان وآلم تنزل السجدة والنازعات وإذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت وسبح اسم ربك الأعلى ولم يكن فذلك جزء البقرة. . . الجزء الثاني آل عمران وهود والحج والحجر والأحزاب والدخان والرحمان والحاقة وسأل سائل وعبس والشمس وضحاها وأنا أنزلناه وإذ زلزلت وويل لكل همزة وألم تر ولأيلاف قريش فذلك جزء آل عمران. . . الجزء الثالث النساء والنحل والمؤمنون ويس وحمعسق والواقعة وتبارك الملك ويا أيها المدثر وأرأيت وثبت وقل هو الله أحد والعصر والقارعة والسماء ذات البروج والتين والزيتون وطس النمل فذلك جزء النساء. . . الجزء الرابع المائدة ويونس ومريم وطسم والشعراء والزخرف(3/598)
والحجرات وق والقرآن المجيد واقتربت الساعة والممتحنة والسماء والطارق ولا اقسم بهذا البلد وألم نشرح لك والعاديات وانا أعطيناك الكوثر وقل يا أيها الكافرون فذلك جزء المائدة. . . الجزء الخامس الأنعام وسبحان واقتربت والفرقان وموسى وفرعون وحم المؤمن والمجادلة والحشر والجمعة والمنافقون والقلم وانا أرسلنا نوحاً وقل
أوحي إلى والمرسلات والضحى وألهاكم فذلك جزء الأنعام. . .
الجزء السادس الأعراف وإبراهيم والكهف والنور وص والزمر والشريعة والذين كفروا والحديد والمزمل ولا اقسم بيوم القيامة وعم يتساءلون والغاشية والفجر والليل إذا يغشى وإذا جاء نصر الله فذلك جزء الأعراف. . . والجزء السابع الأنفال وبراءة وطه والملائكة والصافات والأحقاف والفتح والطور والنجم والصف والتغابن والطلاق والمطففين والمعوذتين فذلك جزء الأنفال.
2 - مصحف الحسن - وهو أيضاً بالخط الكوفي ومكتوب على الجلود المصقولة وخطه أجود من خط مصحف أبيه وانظم تسطيراً وكذلك عناوين السور مكتوبة بالذهب ووضعه كوضع مصحف أبيه (أي يفتح مما يلي عرضه) وقد سقط من أوله وآخره أوراق والباقي وينتهي بسورة الكوثر وعدد أوراقه 124 طول كل ورقة منها 22 س في عرض 16 س وطول الكتابة 17 س في عرض 11 س وفي كل صفحة 14 سطراً والكتابة في العرض لا في الطول كما يكتب اليوم وكذلك قل عن كتابة مصحف الإمام علي عم ويتخلل الآيات فواصل بالأحمر والأخضر وليس هناك علامة تدل على انه بخط الحسن بن علي عم سوى ما يتناقله الخلف عن السلف.
ولكل مصحف منهما غلاف منسوج من الابريسم وخيوط الفضة وهما في علبة (صندوق) صغير منزل فيها العاج من صناعة الفرس الدقيقة البديعة ومحلها عند باب الشباك مما يلي يسار الداخل إلى الضريح بين الصندوق (أي مصطبة قبر الإمام) والشباك وقد علمت من ترتيب سور مصحف الإمام كما مر وترتيب سور المصحفين من الأول والأخر وعدد أوراقهما وسطورهما أن هناك ما يحمل الظنون إلى صحة نسبة هذين المصحفين إلى الإمامين عليهما السلام.
ولنا عودة إلى ذكرهما متى ما تحققنا صحة النسبة أو عدمها وذلك بعدما نلاحظ(3/599)
مراعاة ترتيب السور في المصحفين وأشكال الخطوط المنسوبة إلى الإمام علي عم. وفوق الضريح مصحف بخط الشاه اسمعيل الصفوي وهو بغلاف من الحرير وخيوط الفضة ولما أخذنا بالاطلاع عليه بلغت الساعة السادسة من الليل فتركنا وصف مصحف الشاه اسمعيل وخرجنا وذلك لكثرة الناس وشدة تزاحمهم علينا وهم فريقان فريق تركم على تقبيل
المصحفين وفريق تهافت على اخذ التراب من أرض الضريح قصد التبرك به فلما تم ذلك اغلق شباك الضريح وخرج الجميع.
كاظم الدجيلي
باب المكاتبة والمذاكرة
1 - قصبة الصداع
قرأت في العدد التاسع من مجلتكم الزاهرة في ص453 كلمة حررها كاتبها في بحث خرافات عوام البغداديين ومن جملتها (قصبة الصداع) وقال انه لم يطلع على ما يحرر فيها فإظهاراً لما هو الواقع أردت تحرير الأمر كما هو نقلاً عمن يستعمله ويعتقد انه يشفي الشقيقة وهو الوجع الذي يستولي على شق واحد من الرأس فأقول:
تؤخذ قصبة يكون طولها على طول المصاب بالشقيقة من فرقه إلى قدمه وتشق نصفين ويحرر في باطن الشق على بعد نحو نصف شبر من كل من رأسيها اسم ملك من الملائكة المقربين فيحرر على نصف منها بطرف (جبرائيل) وبالطرف الثاني (عزرائيل) وعلى النصف الأخر بطرف (ميكائيل) وبالطرف الثاني (اسرافيل) ويوضع رأس المصاب بين الشقين المذكورين مستقبلاً القبلة ويقرأ الشيخ سورة الفاتحة ثلاث مرات وكذلك سورة الإخلاص ثلاثاً وسورة الفلق ثلاثا وسورة الناس ثلاثاً ويسأل المصاب عن عدد السنين التي يطلبها لكي لا يعاوده المرض فيها وعلى المريض الجواب بعدد وتر أي فرد مثل ثلاث أو إحدى وعشرين أو خمس وخمسين أو ما أشبه ذلك وبعد اخذ الشيخ للجواب يقرأ من سورة الطارق إلى قوله تعالى: (القادر) ثلاثا ويكرر لفظ (القادر) ثلاثا ومن سورة الرحمن إلى قوله تعالى (يلتقيان) ثم تطبق القصبة وتعاد كما كانت وتربط بخيط من الشعر يلف عليها ويحكم أطباقها(3/600)
كل الأحكام فيقابل داخل القصبة اسم جبرائيل لا اسم ميكائيل واسم اسرافيل لا اسم عزرائيل وتدفن القصبة في البرية أو توضع في محل لا تتحرك فيه
هذا هو سر القصبة ولا ينفع العمل إلا إذا أجيز العامل وقد أجازه شيخ وذلك بأن يقول له الشيخ أجزتك بهذا العمل وحينئذ يكون شيخاً وله أن يجيز غيره وهلم جراً وسنأتي في ما بعد على غيرها من الأعمال التي يعتبرها البعض خرافات مع انه قد تحقق نفعها الجم الغفير من الناس!!
ع. ن
2 - مستقبل أسعار الأرضيين في بغداد
سيدي الفاضل
لقد قرأت ما كتبه الأديب ع. ن في لغة العرب 467: 3 عن ارتفاع أسعار الارضين في بغداد وقد ذكر في مطاوي بحثه البساتين التي بيعت بمبالغ جسيمة وختم قوله بما يلي: (على أن الأعمار لم يقع والترقي لم يحدث والمدنية لم تنتشر والأمن لم يحط والحال لم يتغير فما القول أن توافد الغربيون زرافات ووحداناً على السكة؟ فهذا أمر نوجه إليه أنظار القراء الكرام).
فيظهر من كلامه هذا أن سعر الأراضي والأملاك سيزداد زيادة فاحشة ولما كنت اعتقد خلاف ذلك ولدي براهين مكينة تؤيد مقالي أقول:
أن جميع الديار التي تيممها الغربيون واخذوا ينشئون فيها السكك الحديدية والقداد (الترامواي) ونحوهما قد ارتفعت أسعار أراضيها ارتفاعاً لم يعهد مثله من قبل؛ أما بعد أن تمت تلك المشاريع العظيمة هبطت هبوطاً كلياً ولزيادة البيان أقول: إذا فرضنا أن قداد (ترامواي) بغداد الذي سيخرق المدينة ماراً من باب المعظم إلى باب الشرقي فالقرارة قد تم وأصبحت المواصلات سهلة فما ظنكم هل تبقى أسعار الأراضي مرتفعة كما هي الآن؟ فأجيب كلا، لأن بواسطة (الترامواي) تقرب المسافة ويمسي التنقل من جهة إلى أخرى هيناً لا يكلف الإنسان مشقة تذكر فحينئذٍ يستطيع كل من سكان الزوراء أن يقطن ضاحية المدينة بأميال عديدة حيث الهواء النقي والماء الصافي والمناظر الطبيعية الزاهية تنعش القوى. فإذا انصرفت إبكار الأهالي عن ابتياع الارضين في بغداد وقلت رغبتهم فيها تقف حينئذٍ أسعارها إن لم نقل تهبط. وشاهدنا ما حدث من قبل ما أوردناه في ديار الهند ومصر وأمير كابل وفي أوربا نفسها وقد عرفنا هذه المسألة الخطرة على بعض الأوربيين الخيرين فلم يخالف(3/601)
رأيهم رأينا بل أيدوه بشواهد عديدة في مدن مختلفة لا محل لذكرها هنا.
هذا والذي لا بد من ذكره في هذه العجالة هو أن ارتفاع أسعار الارضين لم يشمل كل بغداد بل قد انفرد خاصة في الجهة الجنوبية الشرقية منها أما في باب المعظم وباب الشيخ ومحلة الميدان وبني سعيد والفضل وقنبر علي وأبو سيفين وغيرها من المحلات البعيدة فلم يرتفع سعرها إلا شيئاً طفيفاً يكاد لا يعتد به ولا يحفل. هذا وإذا دققنا النظر نرى أن أسعار الأراضي لم تتغير بل باقية كما كانت قبل إعلان الدستور بيد أن النقود كثرت واصبح ثمنها بخسا كما نشاهد ذلك في جميع معاملاتنا حتى في قوتنا وألبستنا وأدواتنا المنزلية
وغيرها هذا ما عن للخاطر تدوينه ظهاراً للحقيقة.
رزوق عيسى
3 - رد اعتراض
قرأت في العدد 10 في الصحيفة 543 جواب كاتب عن أرض جبرائيل أصفر وأني اشكره من صميم القلب على تصحيحه الثمن والمساحة وليته ترك الأمر إلى هذا الحد ولكنه أضاف إليها إنكار الدعوى وذلك إنكار للبديهيات إذ الدعوى قائمة في المحكمة الشرعية ومن شاء فليراجعها وهي أن البائعة ادعت الوقف والله اعلم بالنتيجة. وصواب الأمر: إن أم المدعية أوقفت هذه الأرض وحكم بها حاكم الشرع ثم جاءت ابنتها وأنكرت الوقف وتسليمه فحكم القاضي أبو بكر حلمي أفندي بالملكية حكماً مخالفاً للشريعة. والعجب من تصديق المشيخة للأعلام وبعد تصديقه باعتها لأصفر والآن (لترقي السعر) ادعت الوقف منكرة نكولها السابق الذي هو تحت ختمها وطالبة سماع شهود التواتر إلى غير ذلك وسوف نرى النتيجة. فلو لم ينكر الكاتب هذا الأمر البديهي لعددت انتقاده انتقاداً أدبيا صرفا وربما تتبعت الحقائق التي أشار إليها لكن من ذلك ظهر غرضه من الجواب فاكتفيت بهذا الأسطر راجيا درجها على صفحات لغة العرب
ع. ن
4 - الذرعة
قرأت ما كتبه الأديب الذي لا اعرف شخصه في بحث الذرعة ولما لم يكن بد من التمحيص إظهاراً للحقائق جئتكم بعد أذن كاتبها بهذه الأسطر فعفواً ومعذرة. ذكر الكاتب في الصحيفة 420 أن الخراص المسمى بالعمدة ينظر الزرع ويقدر حسنه وقوله الفصل. نعم! ولكن فاته أنه ينظر الأرض لا الزرع من حيث أن الذرعة لا تكون والزرع موجود بل بعد حصاده. والسبب أن الزرع إن كان(3/602)
في محله فقبل أن يستحصد لا يمكن معرفته؛ وربما لحقته عاهة أو آفة وأبان الحصاد ضيق لا يسع لزارع العمل. فجرت العادة بأجراء الذرعة بعد حصاده والمخمن أو الخراص ينظر اثر الزرع ويستدل به على المؤثر وهو الإفراط في الذكاء والمعرفة والمقدرة. فما بال الكاتب غمط حقه وذهل عن هذا الأمر العظيم!
ورد على ذلك أنه يرى الأرض التي ذكرناها ويستدل من ريح ترابها أن الشلب الذي كان مزروعا فيها هو حويزاوي أو نعيمة أو عنبر فيقتضي الدقة لهذه النكتة الغريبة ومن الأسعار المذكورة في اسفل البحث يظهر حسن حاله أو ورداته.
ثم انه قسم الزروع إلى أعلى، وأوسط، وأدنى، وعديم. وذكر صورة الحساب والتجبير وكأنه ليس لديه علم حقيقي بالمعاملات الجارية أصلحه الله. ولذا أقول أن الأراضي يقسمها الخراص (العمدة) على عشرة أنواع: الأول، الأعلى، وهو الذي يترك منه سدسه. الثاني، الأوسط ويترك منه خمسه، الثالث الأدنى، ويترك منه ربعه، الرابع، أدنى الأدنى ويترك منه نصفه، الخامس، سدس عائد، ويحسب كل ست مشارات بمشارة واحدة. السادس شبع عائد، ويحسب كل سبع مشارات بواحدة السابع، ثمن عائد ويحسب كل ثماني مشارات بواحدة. الثامن، تسع عائد، يحسب كل 9 مشارات بواحدة. التاسع، عشر عائد يحسب كل عشر مشارات بواحدة العاشر، العديم، الذي لا يحسب وليس فيه محصول قط.
ثم أنه ذهل في التقسيم عن أمور أيضاً وإن كان قارب الواقع لكن الإيضاح لازم في هذا الباب لأنه قال في صدر مقالته أنه يريد إيضاح الأمر ليفهمه القاصي والداني. فأقول أن محصول المشارة هو 800 حقة آستانة من الشلب والقسمة تكون أولاً في الأراضي الأميرية فالشامية فالهندية وتأخذ الحكومة حق الأرض. والحصة الأميرية 320 حقة. وحصة التجهيزات العسكرية التي هي بالمائة ستة من الرسوم 19 حقة وخمس. وعن الضم الجديد الذي هو بالمائة واحد وربع أربع حقق. وعن المعارف الذي هو أيضاً بالمائة واحد وربع أربع حقق. فصار المجموع ثلاثمائة وسبعاً وأربعين حقة وخمساً ويأخذ السركال 160 أي خمس اصل الحاصلات والباقي من ذلك 292 حقة وأربعة أخماس هي للفلاح.
وأما في أراضى الجعارة فالقسمة لمحصول المشارة الذي هو 800 حقة(3/603)
تكون على هذا المنوال الآتي: تأخذ الحكومة أولاً خمس الحاصل أي 160 حقة وهو الحصة الأميرية وبعده حصة الطابو بالمائة ثلاثين أي 240 حقة وتعطى خمسها للسركال فيبقى لها 192 حقة ثم التجهيزات العسكرية بالمائة ستة عن الحصة الأميرية فقط أي تسع حقق وستة أعشار. وعن المعارف حقتين. وعن الضم الجديد حقتين فمجموع ما تأخذه الحكومة 365
حقة وستة أعشار ويأخذ السركال الخمس أي 160 حقة فالباقي 274 حقة وأربعة أعشار هي للفلاح. على أن ما نقول أن للفلاح كذا، هو بالاسم والحق أن السركال وهو الشيخ يأخذ ما يشاء ويترك ما تسمح به نفسه للفلاح وهذه حقيقة لا مراء فيها.
وأما ما ذكره من جهة المأمورين ومعاملاتهم والأسعار وحالاتها وما كان يؤخذ على الحساب والبيع سلفا (أي على الأخضر) فهو الواقع بتمامه إنما مسألة (على الحساب) ارتفعت ولله الحمد بعد إعلان الدستور وأما الباقي فأوافقه عليه تماما.
وأما أسعار هذه السنة فكانت حقة الشلب من العنبر 50 بارة والنعيمة 34 بارة والحويزاوي 27 بارة ومن شاء الحساب فليتعب قلمه.
هذا ما اقتضى تحريره الآن بهذا الخصوص خدمة للحقيقة
يحيى
5 - نظر في وقائع الشهر وتصحيح بعض أغلاط
حضرة الفاضل
بينما كنت أطالع الجزء الثامن من مجلتكم الزاهرة في وقائع الشهر إذ وقع نظري على الفقرة المعنونة (جاويد باشا والي بغداد ومن بصحبته) أما قولكم أن الحكومة أعطت لجاويد باشا هدايا وألطافا ليهديها إلى شيوخها فهو كلام لا معنى له إذ ليس له ظل من الحقيقة (ولو كان لبان) وذكرتم أن معه (فؤاد أفندي الدفتري مبعوث بغداد سابقا وقد عين مفتشا للأوقاف في ديار العراق بمشاهرة 70 ليرة) فتعجبت من هذه الفقرة إذ هي غلط في غلط في غلط واجل (يعلم الله) مجلتكم عن أن تأخذ هذه الحوادث التي تلوث التاريخ وتشوهه فضلا عن أنها لا تخدمه فأقول: إن الواصل مع حضرة الوالي هو جناب فؤاد أفندي مدير الأملاك الأميرية سابقاً في بغداد وليس هو بالدفتري لأن الدفتري فؤاد أفندي هو اليوم رئيس محكمة بداءة ولاية الشام وهو إي الدفتري كان مبعوثا ولكن عن كربلا لا عن بغداد وأما من ذكرتم وصوله فهو كان مبعوثا عن بغداد. ثانيا أن المفتش الموما إليه ليس بمشاهرة 70 ليرة. نعم أن المشاهرة هي 8500 غرش صاغ لكنها له ولمعاونه مصطفى شفيق أفندي(3/604)
والذي يخصه منها هو 5000 فقط والباقي 3500 لمعاونه ومتى كانت المشاهرات بحساب الليرات؟ فيلزم تصحيح الأمر خدمة للتاريخ وإيضاحا للحال وانصح لكم بأن لا تأخذوا
الحوادث عن جرائدنا المحلية على عواهنها بل بعد التروي والتدقيق لأني خاطبتكم شفاهاً بلزوم (تقصير الذنب) ولو وصل إلى أن يقال فيه ليس له ذنب ولذا جئتكم بهذه الأحرف ولكم الخيار بنشرها وعدمه
وجاء في آخر الصفحة 431 لفظ الأعاظم وتصحيحه الأعاجم
وفي الصفحة 432 بحث الرمح أبو الشلفة وأبو الشراشيب وقد فاتكم ذكر أن العرب متى أسرت حامل رمح من هذين النوعين قتلته فوراً لأنهم يقولون أنه متعمد للقتل لا للجرح فيجب قتله وحمله يكاد يكون ممنوعاً عندهم كمنع رصاص (دم دم) عند الدول المتمدنة.
وذكرتم في الصفحة 422 لفظ التغار وأوضحتموه نعم الإيضاح ولكن كما يقال من شدة الظهور الخفاء ولذا ذكرتم انه 1000 - 1540 كيلو غرام والحال أن المذكور في مقالة الكاتب المراد به 1600 حقة آستانة وكل حقة 400 درهم تقابل 512 غراماً والتغار المتعارف في بغداد هو 1000 حقة ولا يوزن به سوى الحطب لا غير وأما باقي الحبوب والذخائر والمأكولات والجص وما شابه ذلك فهي باعتباره 1560 حقة آستانة وذلك عبارة عن ألفى كيلو غرام بالضبط. وأما في بعض ملحقات الولاية مثل كربلا والهندية والحلة والشامية فهم يتوسعون فيه إلى 1600 حقة آستانة أي 2051 كيلو غراما وهو توسع ليس إلا. وبعض القرى عندهم التغار 1200 حقة آستانة مثل خراسان والخالص وما جاورها وعدم اتساق المعاملة هو دأبنا في اغلب الأعمال كالأوزان وأسعار النقود والمقاييس (الأذرع) إلى غير ذلك فلو كان شيء يجري على نسق واحد لطالبنا بأن تكون الموازين على نسقٍ واحد. ولكن يقال في لطائف العرب أن قد اعترض على الجمل في اعوجاج عنقه فأجاب: أي عضو وجد في جسدي غير معوج حتى اعترضتم على عنقي فلو كان سوياً لوجب الاعتراض.
وفي الصفحة 417 في بحث ما يبعث في البلاد الرقي والعمران خفي عليكم أمر كنت رأيته في ذلك المنام وهو ما لا يزال صداه في أذني وهو قوله (سادسا) وهو أهم الخمسة التي ذكرتها وذلك نشر لوائي الأمن والعدل بين الرعية وقمع الظالم ونصرة المظلوم فيقتضي التصحيح.
وذكرتم في الصفحة 447 بحثا حرره لكم (عبد اللطيف ثنيان) وهو أن(3/605)
في سنة 1305
هجرية 1888م حدثت ريح أغرقت عدداً وافراً من الناس في بحيرة النجف وقد ذكرتم في صفحة 317 أن بحيرة النجف جفت في سنة 1305
فأيهما الصحيح نرجوكم تمحيص ذلك خدمة للتاريخ
يحيى
(لغة العرب) الصحيح ما ذهب إليه حضرة الفاضل عبد اللطيف أفندي ثنيان.
فوائد لغوية
1 - (عجن) الموصلية و (كنه) و (هم) البغداديتان بمعنى
(أيضاً)
كثيراً ما يستعمل المواصلة لفظة عجن (وزان سبب بمعنى (أيضاً) المنصوبة على المفعولية المطلقة) وعندي أن الأولى تصحيف الثانية بإبدال حرفين وهما: الهمزة بالعين والضاد بالجيم وقد ورد في العربية ألفاظ كثيرة فيها أبدا الآن أو ثلاثة من ذلك: رغنك ولغنك في لعلك، والخدب والكذب، والسلطان والشلشان، والغطرب والعظرب، وهناك غيرها. وأما إبدال الهمزة بالعين فهي لغة معروفة عندهم يسمونها العنعنة وإبدال الضاد جيما لغة أخرى عندهم ومنها قولهم: وجح الطريق ووضح. واوضفه واوجفه، أي حمله على إسراع في المشي، وهضم عليهم وهجهم، وامرأة رضراضة ورجراجة، أي كثيرة اللحم وعليه قالوا: في (أيضا) (عجن) حاذفين منها الياء للتخفيف ولهذا تسمع سكان الموصل يقولون عجن جاء مع غيرهم أي جاء أيضاً مع غيرهم إلى غير هذا.
وأما أهل بغداد فيقولون في مثل هذا المعنى (كنه) بكاف فارسية مثلثة في الأول (وزان سبب وهي تركية المبنى والمعنى لكن الأتراك خففوا كافها فجعلوها ياء فيقولون ينه بخلاف البغاددة فأنهم ابقوا اللفظة على اصلها ولفظها. ولعل الحق أن يقال أن كنه تصحيف ينه والأصل تركي.
حنا ميخا الرسام
(لغة العرب) ويقول البغداديون أيضاً في معناها (هم) بفتح الهاء وسكون الميم. وقد استعملها قدماء العرب وربما قالوا أيضا: (همي) بفتح الهاء وكسر الميم المشددة وسكون الياء الخفيفة، أو (همين) بلفظ مثنى الهم المنصوبة. وهي فارسية الأصل من (هم) المذكورة في أول هذه اللغات. قال الأخفش لتلامذته: (جنبوني أن تقولوا (بس) وأن تقولوا (هم) وان تقولوا ليس لفلان (بخت) وقال الموفق البغدادي: قول العامة (هم) فعلت مكان: (أيضا) و (بس): مكان (حسب) وكذا (بخت) مكان (حظ)، كله مولد ليس من كلام العرب. (راجع شرح الطرة عن الغرة والمزهر 148: 1) قلت: وكل هذه الألفاظ إلى الآن معروفة
بهذا المعنى إلى يومنا في ديار العراق فلتدون.(3/606)
2 - ربط جواب أن الشرطية باللام خطأ.
يكثر في تعبير كثيرين من الكتاب قولهم: (وإن سألنا كثيرين من العلماء عن هذه الحالة (لقالوا) لنا أنها من المعضلات التي لا تحل.) أي أنهم يربطون جواب (أن) الشرطية باللام. وهذا من أوهامهم. والأصح وضع (لو) عوضا من (أن) ليستقيم التعبير أو حذف اللام من الجواب. نعم. - أننا لا نجهل أنه ورد في كلام الفصحاء مثل قولهم: (وإلا لكان كذا) لكن ليست هذه البضاعة من تلك السوق.
أسئلة وأجوبة
1 - البرطلي أو البراتلي
جرى البحث مع الفاضل صاحب مجلة العرب وسألني عن اصل معنى هذه الكلمة فأقول: تلفظ البرطلي بفتح الباء والراء. واسكان الطاء وكسر اللام يليها ياء مشددة واصلها من التركية براتلي بفتح الباء والراء. بعدها ألف يليها تاء ساكنة ثم ياء مكسورة بعدها ياء.
ولدى التحقيق عن اصلها ومصدرها ثبت لدى ما محصله: إن العساكر التي كانت قبل العساكر النظامية الموجودة إلى الآن في الحكومة العثمانية هي (اليكي جرية) (الانكشارية) آي العسكر الجديد. ومن البديهي أن هذا الاسم يدل على أنه كان قبلهم عسكر آخر وتحققنا انهم المعروفون وقتئذ (باللوند) وكان لهم محل في بغداد معروف باسمهم إلى الآن يسمى (خان اللوند) وكان هذا العسكر عبارة عن مجموع أفراد من أقوام وأجناس وعناصر مختلفة وكان مقدمهم يختار منهم ذوي الجسارة والهمة والإقدام والنجدة ومن يتوسم فيهم الذب والمدافعة عن حقوق الدولة ويبعث بأسمائهم إلى المرجع الأعلى في الأستانة لتسجل هناك في السجلات المخصوصة بأسماء أبطال العسكر فكانت ترد لكل منهم (براءة) تبقى بيده سنداً يثبت انه من العساكر الداخلة في السجل العمومي في الأستانة وكانت العادة في ذلك الوقت أن من يكون اسمه(3/607)
مسجلاً في دفاتر الأستانة لا يمكن عقابه ولا سجنه بل ولا عتابه إلا بأمر من المرجع العمومي (كما كانت الحال قبل بضع سنوات في أن المأمور (الموظف) المنصوب بالإرادة السنية لا يمكن أخذه تحت المحاكمة إلا بإرادة سنية مهما فعل) ومعلوم أن الفرق ظاهر بين هذا الزمن الأخير وبين الزمن الأول وبينهما نحو مائة سنة تقريباً لأن الوسائط كانت يومئذ منقطعة تقريباً بين الأستانة وبغداد حتى أن الترك يضربون المثل ببعد بغداد عنهم إذ من أمثالهم (عاشقه بغداد يقيندر) أي بغداد للعاشق قريبة وقولهم (ياكلش احساب بغداددن دونر) أي الحساب المغلوط يعود من بغداد فما كان يضرب المثل ببعده من البلاد ويعلم العسكر الحامل للبراءة أن مجازاته أو تكديره موقوف على ورود الأمر من ذلك المحل السحيق الشاسع كيف لا يفعل ما تسول له نفسه الأمارة بالسوء ويأتي أنواع الموبقات وقد قيل (من أمن العقوبة أساء الأدب) والغالب في العسكر وقتئذ قلة الحياء من الناس لأنهم يرون أن لهم الفضل عليهم بمحافظتهم من العدو حتى انهم كانوا
يغصبون النساء والأولاد رغماً عن أهلهم خصوصاً أن رأوا عروسا مزفوفة إلى زوجها أو امرأة خارجة من الحمام أو غير ذلك حتى جرت العادة لدى البغداديين عند جلب العروس من بيت أبيها إلى بيت زوجها أن يذهب معها جم غفير مدججاً بالسلاح الكامل من أقارب الزوج وأصحابه وممن يدعوه أهل العرس دعوة لهذا الغرض من ذوي البأس والنجدة والغيرة فإذا تم عددهم يذهبون بسلاحهم فتخرج العروس بين عدة أتراب لها من بيت أبيها محاطة بهؤلاء الرجال الأشداء وهم يلهجون ببعض الألفاظ الدالة على قوتهم وحزمهم وثباتهم بما يسميه العوام (هوسة) حتى يصلوا بها إلى بيت زوجها وربما أراد أحد العساكر اليكىجرية أو من قبلهم من اللوند اغتصاب تلك العروس فتقع بينهم الوقائع من القتل والقتال وتكون النهاية أما بفوز الأهالي واستخلاص العروس من الظالمين وأما بغلبة العسكر عليهم وأخذهم العروس منهم للفجور بها والسبب انهم كانوا عديمي الدين ولا نقول قليليه وكذلك قل عن الحياء إذ ما كانوا يخافون من الحاكم لأنهم يعلمون أنه لا يستطيع أن ينالهم بسوء إلا بأمر من المرجع الأعلى في الأستانة فإذا كان هذا حالهم فهل لا ينطبق عليهم قول الشاعر:
إذا لم تصن عرضاً ولم تخشى خالقا ... وتستح مخلوقا فما شئت فافعل
وقوله عليه السلام: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) لأن النفوس مجبولة على الشر(3/608)
خصوصا لمن صحب أهل الشر والطبع كما قيل مكتسب من كل مصحوب وكثيراً ما نسمع من الأسلاف أن العسكر اغتصبوا بنت فلان أو زوجة فلان أو ابن فلان وبعد عدة أيام يعاد المغصوبون إلى أهلهم بخزيهم فلا يلبث أهل المهانين أن يقتلوا أولئك المطلوبين تخلصاً من العار والاسم القبيح فالشكر كل الشكر لمن جعل الوازع وشدد النكير وغير العوائد السالفة.
هذا ما كنا نسمعه من الأسلاف وأما عادة ذهاب الرجال لأخذ العروس فلم تزل حتى يومنا هذا لكنهم غالبا بلا سلاح إنما هي عادة مستحكمة ونظن أن الكثير من الذاهبين لهذا الغرض لا يعلمون هم أنفسهم السبب لذهابهم إلا أنه عادة موروثة عن السلف. هذه عادة العسكر الحامل للبراءة ثم أطلقت لفظة (براتلي) (بالنسبة التركية لأنهم يقولون بغدادلي وشاملي وحلبلي) على كل من يعمل عملا لا يحسب لعواقبه حساباً ثم صحفت وحرفت
فقيل براطلي وبرطلي إلى غيرها. وبهذا القدر كفاية.
وهنا أتذكر لطيفة وهي:
كان في بيت رجل هر يؤذيه اشد الأذية ويسرق شيئاً من مأكله ويقضي حاجته على فراشه فضربه ضرباً مبرحاً وأخذه إلى مكان بعيد وأضله الطريق وما مضى ردح من الزمن إلا ورأى الرجل ذلك الهر في بيته وفي عنقه ورقة. فسأله عنها فقال: هذه براءة من السلطان وقد خولني امتيازاً وهو الإقامة في هذه الدار بدون معارض. فأجابه صاحبه: إذاً وجبت عليّ الهجرة من هذه الدار لأنك لما كنت بدون براءة كنت تفعل تلك الأفاعيل فكيف بك الآن وأنت (براتلي) لذا استودعك الله. أجابه الهر: إن أنت تركت هذه الدار اضطر إلى أن أرافقك لأنه لا يبقى فيها ما آكله. فحيثما تذهب اذهب قال له الرجل: هل في براءتك أن تلحقني إلى حيث امضي؟ وأنت قلت: أنها براءة تخولك امتياز الإقامة في الدار المذكورة. فقال: كلا، بل في البراءة السكنى معك في دارك. قال الرجل: حسناً تقول. فلنناد الكاتب العمومي ليقرأ ما في البراءة. قال الهر: ومن هو؟ قال الرجل: كلب جارنا فلان المعروف بضخامة جسمه وشراسة أخلاقه. قال الهر: إن وصل الأمر إلى المحاكمة فأنا دمث الأخلاق أسافر وحدي دون تحكيم الكاتب العمومي فكان ذلك آخر العهد بالهر.
ع. ن
2 - ذنبه طويل
سألنا أحد الأدباء ما معنى هتين الكلمتين الواردتين في 544: 3 من لغة(3/609)
العرب والى أي شيء تشيران. فكتب إلينا كاتبها ع. ن يقول ما نصه:
أن أحد المشايخ كان مبتلىً بالمبالغة في كل ما يتحدث به وما ينقله وكان له أحد الاخصاء المحبين فنبهه يوماً على ذلك وأفاده بأن مثل تلك المبالغات مما يزرى بقدره فأجابه الشيخ: لما كان لساني قد اعتاد مثل هذا الغلو لم يعد يمكنني عند الكلام تمييز المبالغ فيه من غيره فعليك أن تنبهني كلما اقتضت الحاجة. فقال نعم. والعلامة بيننا أن أتنحنح عندما تبدر منك بادرة وتم الأمر على ذلك. وبينما كان الشيخ يحدث جماعته يوماً إذ قال: خرجت مرة للصيد ومعي فلان. (يشير إلى المنبه المذكور) فرأيت ثعلباً غريباً حتى أن الخيل جفلت عند رؤيته إياه لغرابته وكان له ذنب طويل أخمنه بمائتي ذراع فتنحنح الرجل. فقال: لا
أظنه ينقص عن مائة وخمسين ذراعاً. فعاد إلى الإشارة. فنادى صاحبه وقال: يا فلان: ألم يكن مائة ذراع. فعاد إلى الإشارة. فنزل إلى الثمانين فالستين فالأربعين فالعشرين وكان صاحبه يتنحنح كل مرة يذكر الشيخ عدداً. فلما ضاق ذرعه صاح حنقا: أكان ابتر بلا ذنب؟ إذ لم يكن دون العشرين وهو يحسب أن العشرين هي دون الحقيقة فكيف يقنع بأن فيها المبالغة.
ع. ن.
باب التقريظ
1 - تحليل صرفي تأليف عبد اللطيف
هو كتاب تركي المتن فرنسوي القواعد وضعه مؤلفه لإرشاد الطلبة إلى معرفة تحليل أصول اللغة الفرنسوية وقد اعتمد صاحبه على كتب أئمة تلك اللغة فجاء كتاباً متقن الطبع حسن الأسلوب شائق السبك وقع في 116 صفحة من قطع الثمن الصغير وقيمته زهيدة وهي 5 غروش صحيحة فنحث أبناء اللغة التركية على اتخاذ هذا المصنف بمنزلة دستور لدروسهم.
2 - رسالة في فضل العرب للإمام الحافظ الشهير المتوفى
سنة 806
هي رسالة في 16 صفحة تنطق بشرف العرب وحبهم وشر بغضهم إلى غير هذه المعاني مما يحتاج إلى معرفته كل غريب عنهم.
3 - رقيعة عن رحلة
بحث فيها صاحبها موريس برنو عما رآه في الأستانة ومصر وبلاد الدولة العثمانية (من كانون 2 إلى آب من سنة 1912) طبع في باريس في مطبعة فرمن ديدو وشركائه في 338 صفحة من قطع الثمن الكبير(3/610)
توخى طابع هذه الرحلة ذكر ما رآه في البلاد الشرقية من نفوذ الفرنسويين فيها بما شيدوه من المعاهد وأتوه من الأعمال ونشروه من لغتهم، كل ذلك لتعرف (لجنة الدفاع عن حقوق الفرنسيين في الشرق) ما يمكنها من الذب عن حياض الذين يبذلون كل ما في وسعهم لتهذيب الشبيبة وبث نور التمدن والعرفان في ديار الشرق الأدنى
والظاهر أن كاتب هذا السفر الضخم لم يتثبت الأمور بنفسه خلاف ما يظنه القارئ عند وقوفه على مقدمة المؤلف. نقول هذا لما قرأناه عما كتبه عن مدارس بغداد فأنه لم يكد يصيب في كلامه واحد عن مدرسة واحدة فهكذا ترفع الرفائع لمثل هذا الأمر الخطير فعسى
أن تدون الحقائق على وجهها بدون أن يدفع الكاتب دافع العوامل النفسانية التي تشوه وجه الصدق وتنكره كل التنكير
4 - الهدية المستحسنة، للذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه
لمؤلفها شاكر بن محمود البغدادي. مطبعة الآداب في بغداد
هي رسالة في 20 صفحة موضوعها الحث على التمسك بأهداب الدين ونبذ البدع والخرافات وهي جديرة بان يطالعها المسلمون إذ لا تخلو من فوائد وتذكير والذكرى تنفع المؤمنين.
5 - كتاب التبصرة لمتولعي الخمرة
لإبراهيم منيب أفندي الباججي طبعت بمطبعة الشابندر
رسالة حسنة في تكريه الخمرة ومن علم صاحبها الفاضل ومنزلته من الأدب عرف ما فيها من البراهين السديدة والأقوال المفيدة في تقبيح أم المنكرات، وتشنيع أم الخبائث والموبقات.
باب المشارفة والانتقاد
6 - الرياحين (مجلة) بل وضيعة
ظهر العدد الأول من هذه المجلة بل الوضيعة في غرة جمادي الأول 1332 أي 27 آذار 1914 وهي أدبية تهذيبية أخلاقية فكاهية تصدر في الشهر مرة موقتا في بغداد محررها ومديرها المسؤول إبراهيم صالح شكر وصاحب المجلة(3/611)
إبراهيم منيب الباجه جي بدل الاشتراك لسنة في بغداد وفي بقية البلاد العثمانية مجيدي واحد وفي البلاد الأجنبية مجيديان. ومن عرف منزلة هذين الأديبين الشهيرين علم ما تحوي هذه الصفحات الست عشرة من الموضوعات الأدبية والأبيات الرقيقة والمباحث الشائقة. كيف لا وكلا الأديبين مسميان باسم إبراهيم وهذا وحده يكفيك لأن تعلم أن كل كلمة تطالعها تكون لصدرك الحران برداً وسلاماً. على أننا لا نخدع صديقينا الفاضلين أن مقالات هذه الوضيعة تحتاج إلى تصحيح عبارتها إذ فيها من اللحن ما لا يقبله ابن العرب أن يكون مسطراً في مثل هذه النشرة التي تطبع في بغداد دار العلم والتحقيق في سابق العهد. ففي الصفحة الأولى حيث لا يوجد إلا العناوين 5 أغلاط وفي الصفحة الأخيرة 17 غلطاً ما عاد ما فيها من الأوهام اللغوية فقد قال مثلاً: (فلم ير الشاب بداً من الذهاب) وهو يريد: فلم ير الشاب بداً من الامتناع عن (الذهاب) وما كتبه مخالف لما أراده. فيجب أن يكون سقطت كلمة في الطبع وهي (عدم) ومثل هذا كثير.
على أننا نعلم أن ظهور هذه الوضيعة كان في غياب صاحبها إبراهيم منيب أفندي إذا كان في الحلة ولهذا كثر فيها الغلط ونحن موقنون أن الأعداد التالية تكون اصح وأصوب متمنين لها النجاح ولا سيما الثبات لأن اغلب ما ظهر من صحفنا اصبح في خبر كان
7 - الميزان العادل، بين الحق والباطل
رسالة مكتبية في الفرق بين عقائد المسلمين والكتابيين لمؤلفها العلامة السيد رضا خلف حجة الإسلام السيد محمد الهندي ألفها إجابة لبعض العلماء الأعلام طبعت في مطبعة الولاية سنة 1331هـ في 49 صفحة بالقطع الصغير.
يظهر لمن يطالع هذه الصفحات بتدبر أن المؤلف لم يطلع على ما كتبه أدباء الكتابيين بخصوص الاعتراضات التي يثير غبارها. فكان يحسن به أن يقف عليها لكي لا يقال
عنه: (عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء.)
ثم أن مثل هذه الكتب التي تعلم طلبة العلم بغضة وطنييهم وتوغر صدورهم عليهم منذ نعومة أظفارهم وتفرق العناصر وتبددها كل مبدد من اضر الأمور للوطن وأبنائه ولهذا لا نستحسن نشر مثل هذه المؤلفات بين ظهرانينا.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - مبعوثو الديوانية
هم فواد أفندي آل الجيبه جي، خالد بك شقيق محمود شوكت باشا، مصطفى(3/612)
سامي بك، علي حيدر بك نجل مدحت باشا، وجميعهم من مرشحي جمعية الاتحاد والترقي.
2 - مبعوثو العمارة
ثم شكري أفندي راس كتاب مجلس إدارة ولاية بغداد سابقاً، وعبد الكريم بك السعدوني، وعبد المجيد بك الشاوي.
3 - مبعوثو بغداد
جميل صدقي أفندي الزهاوي، مراد بك ابن سليمان بك، فواد أفندي الدفتري، شوكت باشا ابن الحاج رفعت بك، توفيق بك مدير مكتب الجندرمة. ساسون أفندي مستشار نظارة التجارة والزارعة. وسافروا نهار الاثنين 10 جمادى الأول.
4 - زلزال في نواحي سنجار
وقع زلزال في نواحي سنجار ليلة 23 شباط غربي عند الساعة 8 ودام ثانيتين وقد اتجهت حركته من الشمال الشرقي إلى الجنوب.
5 - عجمي بك السعدون وعشائر البدور
نمى إلى الزهور أن عجمي بك السعدون حينما كان مقيماً في الموضع المسمى (لركي) الذي يبعد عن ناحية الزبير 10 ساعات تحالف مع بني مالك على الاتفاق والوئام حتى الموت. أما خصماؤه البدور والزياد والضفير فأن روساءهم طلبوا الصلح بتوسط حمود بك الصويط رئيس عشائر الضفير. فأجاب عجمي انه يلبي طلبه بشرط مواجهة شرشاب رئيس عشائر البدور، وعزارة رئيس عشائر الزياد، وعلي بن ضويحي أحد رؤساء عشائر الضفير وجميعهم وافقوا على ما طلبه عجمي ما خلا ابن ضويحي فأنه طلب عهوداً ومواثيق خشية أن يقتله الأمير لأنه من اشد أعدائه.
أما عشائر مطير الذين فارقوا عجمي بعد المعركة الأولى فأنهم عادوا إليه على بكرة أبيهم
وطلب إليهم أن يحضروا أهلهم وأموالهم ففعلوا ونزلوا مع الأمير عجمي.
6 - معركة بين عشيرتين في العمارة
في 23 آذار تعاركت عشائر الشيخ جوى مع عشائر الشيخ قنديل وكلاهما نازل بجوار قضاء (علي الغربي) ودامت المعركة 4 ساعات وانجلت عن قتل 12 رجلا وجرح خمسة من العشيرتين. وفي الغد اجتمعت القبائل على مداومة القتال فمنعهم قيم مقام القضاء وسبب المعركة زراعة الأراضي إذ كل عشيرة تستأثر بزراعة أرض دون أن تدع غيرها أن تضمنها من الحكومة.(3/613)
7 - سرقة من جنيبة راسية في مرفا البصرة
البصرة مشهورة بلصوصها وسراقها دون غيرها من مدن العراق لسهولة فرار السارقين إلى ديار العرب أو ديار العجم ولا تمضي سنة إلا ويجري فيها من النهب والسلب والسرقة ما يذهل القارئ. فقد سرق من إحدى الجنائب الراسية في مرفاها خمسة صناديق مملوءة منسوجات حرير قيمتها 700 ليرة عثمانية. ولما سئل القيم عنها قال: أنها كانت على حافة الجنيبة مما يلي نهر دجلة فجاءت في الساعة 7 من الليل عصابة لصوص حملت الصناديق وذهبت بها. ولما أردنا أن نمانعهم تهددتنا بالقتل. والجنيبة راجعة إلى الإدارة النهرية العثمانية والسرقة كانت في شهر آذار.
وفي ليلة 24 آذار اتفق أحد الجنود حافظ خزينة العسكري مع جندي آخر صديق له وكلاهما من قضاء النجف فكسرا باب الخزينة والصندوق وسرقا كل ما وجدا فيها من النقود وتقدر بثلثمائة ليرة عثمانية وفرا بأسلحتهما إلى محل غير معلوم.
8 - معركة في شطرة المنتفق
في اليوم 26 من آذار قدم متصرف لواء الناصرية مصطفى نادر بك ومعه عبد الله بك ابن فالح باشا ومعهما عشائر المنتفق فهجموا في ذلك اليوم وفي الساعة 5 على عشائر الخائن (خيون) وأطلقوا عليهما المدافع والبنادق فقتل منهم خلق كثير وأحرقت قلاعهم وفر الناجون إلى جهات مختلفة وتم هذا الفتك وهذا النصر في 5 ساعات.
وفي ذلك اليوم هجم العسكر على القلعة التي كان فيها (خيون) الخائن وحاصروها 5 دقائق
ثم فتحوها واحرقوا ما حولها من البيوت وفر خيون فلجأ إلى عشائر خفاجة. ولما عاد المتصرف إلى مركز قضائه أطلق من السجن جميع الأعراب المنتسبين إلى عشائر العبودة.
9 - صحن سامراء
جاء في الزهور ما حرفه: (انتهى إلينا أن المرقد الشريف المدفونين فيه آل البيت الطاهرين في قضاء سامرا لم يهتم الخدام بتنويره ليلا كما ينبغي ويراد. ونمى إلينا أيضاً انهم يعملون ما يخل بالآداب ولا يناسب شرف وحرمة آل البيت مثل فتح باب المرقد الشريف في دائم الأوقات من غير باعث وسبب.
10 - إمارة مسقط
هدأت نار الفتن في هذه الإمارة بوفاة مسعارها الشيخ عبد الله السالمي.(3/614)
11 - إحصاء المنكرات في سنتين في بغداد
دفعت إدارة الشحنة (البوليس) في بغداد إحصاء الموبقات التي اجترحت في مدة سنتين وهما سنة 1328 و1329 فكانت بهذا العدد:
في سنة 1328: 22 حادث قتل، 215 سرقة عادية، 32 سرقة مهمة، 572 حادث ضرب وجرح، 229 منكرة مختلفة. المجموع 1070.
في سنة 1329: 26 حادث قتل، 133 سرقة عادية، 19 سرقة مهمة، 437 حادث ضرب وجرح، 132 منكرة مختلفة. المجموع 749.
ومن هذا الإحصاء يرى القارئ أن بغداد تسير في صراط الحق والفضيلة! بخلاف ما يتصوره البعض!!!
12 - إعانة البصريين لبيتي الطيارين
بلغت إعانة البصريين لبيتي الفقيدين الشهيرين فتحي وصادق 500 ليرة عثمانية دفع خمسها السيد طالب بك النقيب.
13 - لجنة إحصاء في الكاظمية
أنشئ في الكاظمية لجنة لتسجيل ما في خزانة الكاظمين من التحف والألطاف. ولم يعلم إلى الآن سبب ذلك.
14 - اللآلئ في البحرين
يقدر ريع مدينة البحرين من تجارة اللآلئ 15 مليون ربية (أو 30 مليون فرنك) سنويا ويقال أنها ستخسر هذه السنة ثلثي ريعها لبخس أسعارها في الهند.
15 - منابع الزيت الحجري في العراق
ورد ذكر هذه المنابع في جرائد سورية ومصر وديار الإفرنج بصور مختلفة فأحببنا ذكرها بإمائها الصحيحة لتصلح عند الحاجة.
أشهر ينابيع زيت الحجر في العراق عشرة أعظمها ينابيع (القيارة) بجوار الموصل على شاطئ دجلة الأيمن. وتمتد من جوار (نمرود) شمالاً إلى ما وراء (قلعة شرقاط أو شهر قرد أو شهر جرد) جنوبا. وتمر سكة حديد بغداد بطرفها الغربي على مؤازاة دجلة. ومنابع (ابجاك) وهي إلى الشمال الشرقي من شرقاط، والجنوب الشرقي من الموصل. ومنابع (كركوك) وهي إلى الجنوب الشرقي من ابجاك. والى الجنوب الشرقي من كركوك والجنوب الغربي من سليمانية منابع (جمجمال) ويليها إلى الجنوب الغربي بقليل ينابيع (طوزخورماتي) ثم يليها منابع (كفري). وبجوار تخوم إيران قرب الحدود(3/615)
الفاصلة بين ولايتي بغداد والموصل منابع (قصر شيرين) والى جنوب خانقين وقزلرباط (أي خسرا آباذ أو خسر اباد) (مندلي) (وهي البندنجين) ومن المنابع الشهيرة تلك المنابع الموجودة على عدوة الفرات اليسرى غربي بغداد وعلى مسافة قريبة من عيون القير في (هيت).
16 - عيون القير
ومما صحفه الصحافيون أسماء عيون القير في العراق وهذه هي: عيون (هيت) وعيون (كفري) وعيون (آلتون كوبري) بجوار ينابيع كركوك وعيون (نمرود) بجوار منابع ابجاك.
17 - ابن الرشيد
عصت عشيرة الرؤلة على الحكومة فزحف عليها الأمير ابن الرشيد واخذ منها جميع ما نهبته من الأهالي والمسافرين في أنحاء الشام، وقطع دابر متلصصتهم وكان الأمير ضرب خيامه في (الحزول) ثم عاد إلى مقامه.
18 - سكان بغداد منذ 46 سنة
قالت الرياض: نرى في أحد أعداد السنة الأولى من جريدة الزوراء التي أصدرها مدحت باشا في بغداد أن عدد النفوس فيها ذكوراً 63. 273 منها 52. 689 مسلمون و10. 583 من الملل المختلفة غير الأجانب وفي تقويم ناظم باشا منذ سنتين عدد الذكور 67. 363 منهم 20. 736 من الملل المختلفة غير الأجانب وعليه تكون الزيادة في نفوس المسلمين في مدة 46 سنة 14. 974 وزيادة نفوس الملل المختلفة 10. 115 نفساً أي المثل مثلان تقريبا. ونظن أن سبب قلة نفوس المسلمين عن غيرهم هو: 1: الجندية، 2: عدم الاعتناء بالصحة والنظافة، 3: قلة الزواج.
19 - تحديد التخوم العثمانية الإيرانية
أتم المكلفون بتحديد التخوم العثمانية الإيرانية النظر في ما ندبوا إليه فقر رأيهم أن تبقى التخوم على حالتها الأولى في أنحاء البصرة والمحمرة وجعل نهر الخيبن الحد الفاصل بين الارضين العثمانية الإيرانية.
20 - طول نهر العشار
قيس طول نهر العشار في البصرة فبلغ 6. 000 متر
21 - أراضي للشركة الألمانية
ابتاع أحد تجار البصرة قطعة أرض بجوار المحطة الألمانية التي في كوت الإفرنجي بمبلغ 11 ألف ليرة ويقال أن تلك الأرض ابتيعت لحساب شركة سكة حديد بغداد الألمانية.
22 - بين زامل السبهان وابن عمه
وقع خلاف بين وكيل إمارة ابن الرشيد وهو زامل السبهان وبين ابن عمه سعود السبهان. فتنحى الأول عن مقامه وحل الثاني محله.(3/616)
العدد 34
منافع بيع البواخر
1 - باب البحث
نشأت هذه المسألة منذ أن شرعت الحكومة الحاضرة ببيع البواخر العثمانية التي تمخر مياه دجلة بين البصرة وبغداد وهي التي قام بتأسيسها المرحوم رشيد باشت والي بغداد السابق الشهير با (لكوز لكلي) نحو سنة 1273هـ (1856م) ثم زاد عليها المرحوم مدحت باشا ثم أخذت بالانحطاط إلى درجة أن بلغ بمدير البواخر المرحوم سري أفندي أن يبيع بعض الأدوات والأنقاض لإيفاء رواتب الموظفين (راجع لغة العرب 3: 561 في الحاشية) ثم بتبدل بعض المأمورين أخذت بالانتعاش حتى تولاها (آمر) قومندان بحرية البصرة الميرلوا (أمير اللواء) أمين باشا حوالي سنة 1309هـ (1891م) فتحسنت حالها وبلغت شاواً مهماً ووفر من وارداتها ما قدمه إلى الأستانة لشراء باخرتين تضافان إلى الموجودات وقتئذ فأخذت الأستانة المبلغ ولم تشتر بواخر حتى ضج العموم ولكن بلا جدوى؛ فاشترت الأملاك الخاصة بالسلطان السابق حضرة عبد الحميد خان هذه البواخر الأربع وهي الموصل والفرات والرصافة والبغدادي مع إدارتي البصرة وبغداد وحوض البصرة وما يتبع ذلك من آلات وأدوات في معمل البصرة بمبلغ هو (كما يخطر لي أقل من سبعة آلاف ليرة) وذلك حسب تخمين المخمنين من الملكية والعسكرية. فلما صارت للأملاك السنية توفرت وارداتها وأصبحت كما كانت في زمن أمين باشا فزادت عليها باخرتين وهما (حميدية وبرهانية) ثم أخريين (وهما البصرة وبغداد) فصارت ثمانياً حتى كانت أيام الانقلاب فعادت مع بقية أملاك المخلوع إلى(3/617)
المالية فأخذت الحكومة منها باخرتين وثلاثاً اتخذتها لنقل الأشياء العسكرية ولتأديب العشائر في أطراف المنتفق وبقيت خمس سائرة وقد حصل من ذلك ريع صافٍ سنة 1325 وسنة 1326 مالية نحو عشرة آلاف ليرة سنوياً وفي سنة 1227 تولى شؤونها جناب سيروب أفندي إسكندر فبلغ ريعها نحو 20 ألف ليرة وفي سنة 1328 تولاها جناب سويان بك المدير الحالي فبلغ الريع 23 ألف ليرة وأما في سنة 1329 فقد حصل تأخير في سيرها وتعطل بعضها فاقتضى صرف مبالغ لأعمارها ولذا كان الريع الصافي نحو 18
ألف ليرة. وهذه هي البواخر التي عليها مدار البحث وتذمر الصحف.
2 - تظاهرات الأهالي ضد بيعها
نزعت الحكومة الحاضرة قبل نحو ثلاث سنوات إلى بيع هذه البواخر: 1 - لأنها رأت ريعها قليلاً بالنسبة إلى رأس المال الذي يمكن الحصول عليه من بيعها: 2 - لأن الحكومة لا يمكنها القيام بالأعمال التجارية لعدم اعتمادها على عمالها أو لعدم وجود عمال أمناء يقومون بالأعمال كما يجب دون إزعاج الرعايا أو الضرر في المال (ولنا كلمة في هذا الباب نؤجلها إلى مقالة أخرى): 3 - لاسترضاء حكومتنا حكومة بريطانيا العظمى توصلاً إلى اتخاذ ذلك ذريعة للحصول على معاونتها (وإن ذلك من الآمال البعيدة) فقررت بيعها فلما بلغ الأمر مسامع الأهالي قامت القيامة وجرت المظاهرات العمومية في بغداد والبصرة والموصل وأرسلت برقيات الاحتجاج إلى المراجع العالية قائلين: إنهم مستعدون لشراء هذه البواخر بالثمن الذي تعطيه للحكومة الأجنبية أو الشركة حتى أن البعض كان يقول متحمساً: أما ندفع الثمن إعانة ونترك البواخر لحكومتنا المحبوبة ظناً منه أن القول يثمر أو يسمن أو يغني من جوع؛ غير عالم أن المبلغ باهظ. والحق معهم لأن التلفظ بالمليون أمر سهل ومن لم ير في عمره الألف ماذا عليه لو قال مليون؟ فتأخرت الحكومة عن البحث في ذلك ووردت البرقيات بترك الخوض في هذا البحث ظناً من الحكومة إن هذه الشرارة يتبعها الدخان فالنار وهذا الاحتجاج يتبعه التهديد، فشهر السلاح. فقال المتجمهرون: لله الحمد سكتوا فسكتنا غير مراجعين لضمائرهم الحرة الحية في إنهم غير مقتدرين على عقد شركة لذلك حسب قواعدهم المقررة المتعدد: التي لا تقبل سهواً أو غلطاً لأنهم لولا اعتقادهم بأن الشركات مضرة بالمال لعقدوها ولكنهم أن اقتنعوا بمنافعها يتنافسون على الرئاسة فيها وإداراتها حباً بالتصدر والشقشقة الفارغة. خذ لذلك بضعة أمثلة(3/618)
جرت في العراق دليلاً على قولنا هذا:
3 - شركة عربات (عجلات) بين حلب وبغداد
عقدت شركة لتسيير عربات (عجلات) بين حلب وبغداد تقطع المسافة بثمانية أيام والشركة مؤلفة من اثنين من أعيان الوطن وهما حضرة محمود أفندي شابندر زاده وعبد الجبار
أفندي خياط زاده وصرفا مبالغ على شراء عربات (عجلات) ودواب وبناء مواقع في الطريق وكان معهما مدير البريد الحالي جناب سعيد أفندي وتعهد الأخير بأعمال الشركة وذهب بنفسه إلى حلب مراراً وتكبد المشاق ولم تمض برهة لا تزيد على الشهرين حتى فسخت الشركة وأنحل عقد المجتمع ولا بد من أنهم تكبدوا أضراراً جسيمة ولا اعلم السبب لذلك وعندي أنه اسم الشركة لا غير.
ر4 - شركة تسيير السيارات بين كربلاء وبغداد
تألفت شركة سنة 1327 هجرية في زمن ولاية حضرة نجم الدين بك علي بغداد وكانت بتشويقه وكان عمادها حضرة محمود أفندي شابندر زاده لتسيير سيارات (أوتوموبيلات) بين بغداد وكربلاء إلى النجف وهي نافعة بدون شك وتهافت الناس عليها ووزعت أسهمها بأقرب مدة ووضع أصحاب الأسهم الدراهم في البنك (المصرف) العثماني حتى تخيل الوالي المشار إليه أن الأمر قد تم (وكنت معارضاً له أشد المعارضة لأني اعلم بأخلاق أبناء وطني) حتى اجتمع أرباب الأسهم اجتماعهم الأخير لانتخاب رئيس للشركة فحاز الأكثرية عبد الرزاق جلبي الحاج سعودي الصفار ومال البعض إلى جناب محمود أفندي الشابندر وحصل النزاع حتى قارب الأمر المهاترة فأنحل عقد الاجتماع وأسترد كل فرد ما سلم للبنك (المصرف) العثماني وطوى اسم الشركة.
5 - شركة تسهيل النقليات
تألفت شركة لتسيير بواخر صغيرة بين بغداد وضواحيها ووزعت الأسهم وجمعت الدراهم وكان كل من المؤسسين بأتم النشاط ولم تمض أيام حتى أخذ كل منهم يرمي صاحبه بالرخاوة وبقيت معلقة وقد قام بعض أصحاب الأسهم لإقامة الدعوى على من تسلم منهم الدراهم في إنهم خداعون خدعوه وأخذوا ماله دون عمل وستظهر الأيام الغاية.
6 - شركة بواخر في البصرة
لم يكن داء عدم الائتلاف خاصا ببغداد بل بأختها البصرة أيضاً فقد تألفت فيها شركة سنة 1306 هجرية رأس مالها عشرون ألف ليرة لتشتري باخرة بحرية كانت(3/619)
معروضة للبيع اسمها (اداوة) واجتمع المبلغ واتفق أرباب الأسهم على توديع الرئاسة للمرحوم الحاج أحمد
جلبي النعمة فطلب المومأ إليه أمراً غريباً وهو أن تكون الرئاسة في أولاده بعده إلى ما شاء الله ولما لم يوافقه أحد على هذا الشرط ترك الأمر فانفرط عقد الشركة أيضاً. ولو أردنا استقصاء الشركات التي قامت وماتت دون جدوى لضاق بنا المجال على أن الأمر لم يبق عند العراقيين بل شملت هذه المزية السامية إخواننا السوريين أيضاً.
7 - شركة معمل الزجاج في الشام
تألفت في دمشق الشام شركة قامت بأعباء إستحصال امتياز معمل للزجاج وصرفت المبالغ للحصول على هذه الأمنية التي حسدتها عليها البلاد العثمانية فبنت له بناء مهماً جسيماً عند الباب الشرقي وباشرت بالعمل فاحتاجت إلى رأس مال لإدارة المعمل فتوقف أصحاب الأسهم عن الدفع وبقى معطلاً وإذا دام الأمر فستضمحل الأدوات وتتلف الأسهم وتدخل في خبر كان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
8 - مزية العرب
فكأن عدم الاتفاق سجية عربية خاصة بهذا العنصر الشريف والسبب شدة الذكاء لأن كلا منهم يرى في نفسه الكفاءة لإدارة كل عمل يوسد إليه. ويخطر لي هنا اعتراض أحد الأكاسرة على وفود العرب وتقريعه إياهم بأن ليس لهم ملك يجمع كلمتهم ويضم شملهم ويقوي شكيمتهم فأجابه أحدهم ذلك لأن كلا منا يرى نفسه أحق بالملك شرفاً وأصلاً وكرماً. (ومن الغريب أن البعض يرون هذا الجواب من جوامع الكلم وأنه فخر للعرب)
9 - عود إلى بيع البواخر
ذكرنا في صدر هذه الأسطر احتجاج الأهالي على بيعها وإنهم أحق بها من غيرهم وإنهم أولو عزم على تأليف شركة لذلك وهم يتناسون ما وقع لهم من الأمور التي ذكرناها فلما سكتت الحكومة ظاهراً عن الأمر جاء الأمر وفق مراد الأهالي فسكتوا عنه وكأن لم يكن ثمة بحث فلا طالب للشركة ولا سائل عنها لأنهم يعلمون حق العلم إنهم لا يجتمعون على خير قط وظنوا إن إهمال الأمر قد تم ولم يعلموا أن تلك الشرارة التي تولى إيقادها الأجانب لمنافعهم لا يمكن أن تخمد ألبته وإنهم ينتهزون لها الفرص الملائمة لإشعال نارها إشعالاً لا تطفئه مياه دجلة والفرات. فلما حان الأمر المناسب قررت الحكومة إفراغ هذه البواخر
لشركة يكون نصفها للإنكليز(3/620)
ونصفها الثاني مناصفة بين العثمانيين والألمان وقد قضى الأمر وسد باب البحث فلما بلغ الأهالي طرف خبر هذا الأمر أرادوا أيضاً القيام على الساعين به غير عالمين أن (ما كل مرة تسلم الجرة) وظنوا أن الحكومة تنسى المثل (من جرب المجرب حلت به الندامة) ولذا لم تعرهم إذناً صاغية حتى ولم تنشر صورة المقاولة ليعلم كل من الأهالي ما ستؤول عليه حالته مع الشركة المذكورة بل تركت الأمر مكتوماً لعلمها الحقيقي إن ليس على ولي القاصر أن يخبره بكافة ما يجريه له من الأمور وما يخدم به أمواله حسبما يقتضيه الحال والزمان، وهي المحقة بلا ريب.
10 - سبب عقد الشركة
كل منا يعلم حال حكومتنا الحاضرة واضطرارها إلى المال وليس هنا من يجهل ما يلاقيه رجالها من التذلل والمسكنة والتمليق لاسترضاء البيوتات المالية في أوربا وما يلاقونه من عسف الأجانب ومنعهم عنهم الأموال التي هم في أشد الحاجة إليها لإيفاء بعض الديون وللمباشرة بالإصلاح الذي هم مضطرون إلى إجرائه وبدونه لن تعيش الدولة. هذا فضلاً عن أن استخراج كنوز الأراضي العثمانية التي لا تعد تفتقر إلى المال من كل الجهات سواء لتعدين المعادن أو لترقي الزراعة أو لاستعمال الآلات الحديثة لها. والمضطر لا جناح عليه مهما عمل شرعاً وعرفا دفعا للضرورة ومن منا لا يفدي عند اضطراره ما عز وهان للحصول على مراده ومن منا لا يصرف المبالغ للحصول على مال يسد به عوزه الضروري؟ أو يقوم به أود تجارته أو صناعته وخصوصاً بعد تأكده النفع من ذلك المشروع وإنه في زمن قريب يأمل أن يحصل من الفوائد ما يسد به المبلغ الذي سمح به وزيادة؟ أنصفونا أيها القراء.
11 - البيع
وعلى ما تقدم رأت الحكومة الحاضرة أن القرض الكبير لا يتم لها إلا باسترضاء الحكومة البريطانية على أن استرضاءها ليس هو للقرض وحده بل لطلب معاونتها أيضاً في ما لها من المصالح السياسية. كمسائل الجزر، وتحديد التخوم، ومسألة المضايق، والديون العمومية إلى غير ذلك. فقد رأت، ورأيها الصواب، إن المفاداة بأمر البواخر وامتياز النهرين أهون
بكثير مما تؤمله. فمن ذا يلومها في ذلك؟ بعد أن يكون قد علم الكل أنها لم تبع ذلك بيعاً بل أحالته على شركةٍ لها فيها الريع لتبقى لها قسماً من السيطرة.
12 - نتائج الشركة اقتصادياً(3/621)
يقول بعض من يرى الأمور على ظواهرها أن هذه الشركة ستكون الضربة القاضية على تجارة البلاد العراقية وتعليلهم هو:
أولاً. لأن الشركة أصبحت في إدارة الإنكليز (لأن لهم أكثر الأسهم) وشركة لنج إنكليزية فسيقع بين الشركتين اتفاق وتكون أجرة النقل حسبما يريدون ولو ضاعفوها أضعافا تتأخر التجارة. قلنا: لو دققوا في الأمر لعلموا إن الرقابة تكون بين الأخوة الأشقاء وبين الوالد وولده ولا مساس لأمر الجنسية في التجارة على أن الحكومة لا بد وأن تكون قررت الأجور فلا يمكن تعديها والشركة بل الشركتان تعلمان أن من الأموال ما لا يمكن إرساله على بواخرها ما لم تكن الأجرة رخيصة كالحبوب مثلاً والأشياء التافهة الثمن فأن زادت الأجرة لا يرسل أحد من تلك الأموال شيئاً فكما أن أصحاب الأموال يفوتهم ربح أموالهم يفوتهم هم أيضاً ربح أجورهم فهم مضطرون إلى تنزيل الأجور عند قلة الحمول كما تفعل الآن شركة لنج والإدارة النهرية فنراهما تتفقان أحيانا عند تراكم الأموال. وتصل أجرة نقل الطن من بغداد إلى البصرة إلى نحو 25 إلى 32 شليناً ولكن عند قلة البضائع ينزلونها إلى سبعة شلينات بل أقل كما هو في موسمنا هذا. على أن بواخر اغا جعفر نقلت الطن بأقل من ثلاثة شلينات ونصف من بغداد إلى البصرة وذلك عشر الأجرة في أيام كثرة الأموال في أيلول وتشرين الأول وهو موسم التمر. فهل يمكن أن يقال أن أيام الزيادة هي اتفاق من الشركتين ضد التجارة؟
13 - اضطرار الشركة إلى تكثير البواخر
على أن البواخر العثمانية التي تشتغل الآن في نهر دجلة هي خمس كما ذكرنا وثلاث لشركة لنج ونراها غير كافية لنقل الأموال الواردة من أوربا والهند إلى بغداد. ولذا نرى الأموال متراكمة اغلب الأوقات في البصرة حتى يضيق عنها نطاق الأماكن المعدة لحفظها ويبقى بعضها مدة ستة أشهر أو أكثر حتى يقل الوارد منها من ديار الأجانب فتأخذ بنقلها
وذلك مضر بالتجارة دون شك لأن التاجر الذي يتأخر ماله بالبصرة ستة أشهر ماذا يكون ربحه وخصوصاً إن وصله مال الصيف في الشتاء وبالعكس فيضطر إلى خزنه عنده ستة أشهر أخرى إن كان متمكناً وإلا يبقى عند (المصرف) البنك العثماني في الربى فما كسبه إذاً؟ والحكومة السابقة لم ترد زيادة بواخرها ولم تسمح لشركة(3/622)
لنج بتشغيل بواخر أخرى غير الثلاث ولا ترخص أحداً بتشغيل بواخر (وأما مراكب أغا جعفر فإن ولاية البصرة سمحت له موقتاً على أن يكون لبلديتها ربع صافي ريعها برخصة الامتياز) وفضلاً عن ضرر التجارة تضررت شركات الضمان التلف اغلب الأموال المعرضة للأمطار لوجودها تحتها فالشركة التي ترى النفع لا بد وان تزيد بواخرها للأموال الداخلة إلى بغداد وأما الصادرات فلا تعد بالنسبة إلى الواردات إذ هي المهمة جداً. فهل يظن أحد أن شركة تجارية ترى النفع ظاهراً وأن الوابور (الباخرة) الذي تشتريه تستخرج ثمنه في مدة سنة واحدة على الأكثر ولا تعمل عدة بواخر؟ وقد تشبث مدير الإدارة الحالي جناب سويان بك بعقد مقاولة مع شركة لنج على أن تسير باخرة رابعة يكون نصف ريعها للإدارة النهرية العثمانية فقبلت ذلك بكل ارتياح لكن الحكومة لم تقبل فترك البحث.
14 - أجور نقل الأموال الداخلة
أما أجرة نقل الأموال القادمة من البصرة إلى بغداد فهي 25 شليناً عن كل طن وهي الأجرة الاعتيادية لما يرد رأساً من أوربا والهند إلى بغداد. وأما ما يشحن من البصرة فلا بد من زيادة وربما بلغ 35 إلى 40 شليناً لأنه يتفق اضطرار التجار إلى جلب أموالهم فيدفعون ما تطلبه الشركات رغماً عنهم. على أن ذلك لا يوافق الشركات لأنهم يضطرون إلى تأخير المقاول عليه رأساً وذلك مضر بسمعتهم. وربما فعلوه طمعاً بالربح. فأجرة الأموال غالباً من البصرة إلى لندن 30 شليناً والمسافة لا تقل عن أربعين يوماً وهنا ربما وصلت إلى 40 والمسافة ثلاثة أيام إلى أربعةٍ. فما تزيد الشركة بواخرها أو ما يتهاجم عليها المساهمون الذين يعرفون قدر الشركات وفوائدها وإن زيدت - ولا بد من الزيادة - أفما تنتفع منها الولاية بل العراق كله انتفاعاً اقتصاديا؟
15 - نقل الركاب على البواخر
عدا ما ذكرناه من نقل الأموال بين البصرة وبغداد وما بينهما من المراكز العديدة وهناك أمر أهم من ذلك وهو أمر نقل الركاب الذي يزداد ريعه في بعض الأوقات حتى يفوق أجور الأموال المنقولة. والمسافرون يلاقون الأمرين أيام قلة المياه إذ تتأخر البواخر الموجودة وأخص منها العثمانية ولا سيما الكبيرة منها (بغداد) (والبصرة) فتقطع المسافة التي بين الولايتين في نحو عشرة(3/623)
أيام وربما كان أكثر لأنها تطلب مياهاً غزيرة. ولهذا أن بنيت بواخر جديدة فلا بد من أنها تكون موافقة للحال على ما هو أي أن تكون صغيرة الحجم وتطلب ماء قليلاً وتكون قوية وتجر جناب فلا تتأخر ويرتاح الركاب من ذلك.
ولا شك في أن الطريق إن سهلت يزداد التردد إلى الولايتين وإلى ما بينهما من المواقع وذلك من أقوى أسباب العمران.
16 - منافع الإدارة
ذكرنا إن ريع الإدارة في السنين الثلاث الأخيرة كان يتراوح بين 18 و23 ألف ليرة. وكان قبلها نحو عشرة آلاف. على أن هذا الريع لا يكاد يذكر بازاء الدخل المؤمل لو كانت البواخر حسنة وسريعة لأن السريعة يكون مصرفها من جهة الإحراق أقل بلا ريب والريع أكثر؛ إذ تكثر النقليات ويزداد المسافرون. والبواخر العثمانية مع حداثة أعمالها نزلت إلى دركة سيئة نسبة إلى شركة لنج والسبب هو أولاً لأن الذي اشتراها وهو الموفد لذلك من الأستانة لم يكن يعلم درجة نزول المياه في دجلة أيام الصيف ولذا أخذت تتأخر خلافاً لبواخر شركة لنج.
ثانياً. لأن عملة البواخر العثمانية لا يخافون جزاء ولا يأملون مكافأة بخلاف غيرهم. أما الجزاء فإن الآمر ليس له كلام نافذ ولا يمكنه إخراج أحد من عمله ما لم يراجع المحاسبة فالدفتر دار فنظارة المالية. وأنت تدري إن الموظف (المأمور) الذي يعلم أن ليس لأمره قدرة على إخراجه من عمله إن قصر في خدمته كيف لا يتكاسل في عمله بخلاف المستخدمين في الشركات فإن إبقاءهم منوط بحسن خدمتهم فإن أحسنوا الخدمة داموا وإلا أخرجوا من وظائفهم بأدنى تقرير يدفعه عنهم الربان أو المدير أو غيرهما. ولذا تراهم محافظين على خدماتهم ومن ذا الذي لا يميز بين نظافة وخدمة بواخر شركة لنج والبواخر
العثمانية فبتحويل البواخر إلى الشركة المذكورة لا بد من أن تتحسن أحوالها ويدقق في أعمالها فلا يأمر وكيل الربان الباخرة بالوقوف في أثناء الطريق ليأخذ من العرب خروفاً أو نصف حقة من السمن ولو تأخرت الباخرة ساعة أو ساعتين وأحرقت ما تحرقه من الفحم مجاناً. ولذا يزداد الريع لعدم التبذير. وعليه أقول أني متأكد بأن ربع ما يرجع إلى الحكومة سيقابل عموم وارداتها الحاضرة بلا شك ولا شبهة(3/624)
نسبة إلى زيادة الحمول والركاب. كما ذكرناه آنفاً.
17 - الوجهة السياسية
يقول المعترضون إن المشاغب والقلاقل لم تزل تظهر في أطراف المنتفق والعمارة وتحتاج الحكومة إلى سوق العساكر وإرسال ما يحتاج إليها فكيف تحمل البواخر الأجنبية الأدوات؟ وماذا يكون مصرفها؟ قلنا: أفيظن هؤلاء في أنفسهم أنهم أعقل ممن بيده زمام أمور الدولة؟ أفلا يخطر على باب أولئك الدهاة الصناديد والساسة المحنكين هذه الملاحظة البسيطة؟ على أني أقول: بينما نرى الآن تحت أمرها أربع بواخر ستكون بعد ذلك عشر بل أكثر. وبالطبع يستطيع مالك العشر من نقل ما يريده بأسرع من مالك الأربع. وأما الأجرة أفلا يعلم المعترضون إن العساكر والذخائر إن نقلت مجاناً على البواخر العثمانية يؤخر نقلها الأموال التي يؤخذ عنها أجرة ولولا هي لدخلت الأجرة الصندوق. فالأجرة هي مدفوعة على كل حال إما عيناً وأما بتحويل ضرر أو خسارة تقابلها. فما الفرق حينئذ؟ - قلنا الفرق هو تكثير البواخر وسرعة النقل. فإن كان ذلك عيباً - فلا نحير جواباً!
ع. ن
بيت النمنومي أو بيت جرجية
لا بد أن القراء يتذكرون ما كتبته سابقاً بشأن الحلبيين في بغداد إذ قلت: ولم يبق اليوم في بغداد والبصرة من هذه الأسر المستوطنة التي لا ريب في أصلها الحلبي سوى عشر أسر (راجع لغة العرب 3: 361)
فبيت النمنومي المعروف عندنا اليوم ببيت جرجي أو جرجية هو من هذه الأسر العشر الحلبية الأصل بل وأقدمها الآن الجد الأعلى لهذا البيت جاء بغداد قبل أوائل الربع الأخير من القرن الثامن عشر وكان اسمه عبد الله ابن القس فرج الله السرياني.
ومن الظاهر أنه كان يتعاطى البيع والشراء في الزوراء ونواحيها ولهذا كثيراً ما كان يتردد إلى قرية كبيرة في لواء الديوانية مشهورة في تاريخ باشوية بغداد قائمة على ضفة الفرات فوق السماوة على مسافة 15 فرسخاً منها اسمها لملوم(3/625)
وهي كانت يومئذ مركز العرب الخزاعل المعروفين بتحمسهم الديني وبسالتهم في القتال وبزراعة الحبوب والقطاني وبالخصوص الرز منها المشهور حتى اليوم بتمن الدغارة.
وقد شهد القنصل الفرنسي جاك روسو بخصوص أراضي الخزاعل وجودة أرزها وكثرته حتى أنه كان يكاد يكفي لكافة سكان باشوية بغداد الواسعة الأطراف (طالع كتابه المسمى المطبوع في باريس سنة 1809 ص (59، 60، 61) إذ يدعو القرية المذكورة نمنوم بخلاف نيبهر السائح الدانمركي الذي جال في العراق سنة 1766 فإنه سماها لملوم وهو اسمها الحقيقي (أنظر كتاب رحلته بالفرنسية المجلد الثاني صحيفة 201) وعليه ليست نمنوم إلا من تصحيف العامة لأسم لملوم كما قد صحفوا كلمة الليمون بصورة نومي الدارجة في كل العراق.
فعبد الله الذي نحن بصدده - لتردده الكثير إلى قرية لملوم أو نمنوم لغاية البيع فيها وربما للقيام بزراعة بعض الأراضي التي حولها كعادة قوم من نصارى بغداد في ذلك الوقت - لقب بلملومي (ويروي لملومني) أو نمنومي وقد ورد اسمه بهاتين الصورتين أيضاً غير أن الصورة الثانية أي النمنومي درجت وراجت في بغداد وغلبت عليه وعلى أولاده ولم اهتد إلى حل مشكل هذا اللقب إلا بعد الاستقصاء الطويل لأن قليلاً من نصارى بغداد من يعرف
أشياء عن أجداده وأحوالهم السالفة.
وتأهل عبد الله نمنومي في 22 نيسان سنة 1776 بسيدي ابنة بوغوص (بولس) سيواسلي الأرمني الكاثوليكي الوارد ذكر أسرته في بغداد لأول مرة سنة 1753 وكان اسم أمها هيلي (هيلاني) وسيدي هذه عمة فرنسيس والد لولو امرأة فتح الله نعمان. وتوفى عبد الله في 12 كانون 1 سنة 1798 وأعقب الأولاد التالية أسماؤهم:
يوسف
وجرجس الذي اعتمد في 21 شباط سنة 1781
وبولس حنا الذي ولد في 10 تشرين 1 سنة 1791 ولا نعرف شيئاً عنه
وهيلاني التي تزوجها التاجر الاسطنبولي المدعو مارتينو (مارتينوس) سيمونيان الأرمني الكاثوليكي واسم أمه اسكوهي ورزق في 2 كانون 1 سنة 1798 ابنة سماها سيسيليا وتوفيت في شرخ شبابها في 20 كانون 2 سنة 1820 وأما هو فكان قد قضى(3/626)
نحبه في 9 تموز سنة 1816 بعد أن نالته النوائب وخسر كل ماله في التجارة وذاق مرارة شدة العوز والاحتياج مع إنه كان في وسع والدته التي في الأستانة أن تنشله من هذه المعسرة بما لديها من المال ولكنها أبت أن تصغي إلى توسلات وتحسرات ابنها المنكود الحظ.
2 - يوسف نمنومي وأولاده
أن يوسف بن عبد الله نمنومي كان من صغار التجار وحسن الخط في العربية وقد اقترن في 17 تشرين 2 سنة 1799 بمروشي (مريم) المعتمدة في 20 أيار سنة 1779) ابنة اندريا جوخجي بن عبد الله الأرمني الكاثوليكي واسم أمها شمعوني (المولودة في 5 تشرين 2 سنة 1751) ابنة بانوس (اسطيفانوس) الأرمني الكاثوليكي أيضاً من جلفا التي توفيت في 2 تشرين 2 سنة 1823 وأما ابنتها مروشي فتوفاها الله في 20 كانون الثاني سنة 1814 وذلك بعد مرض طويل احتملته بصبر وشجاعة وقد تركت ابنتين وهما:
كترينة التي ولدت في 18 آب سنة 1805 وهي امرأة بحوش (عبد الأحد) بن توماس قسطنطين الكلداني وتريزيا سيسليا لوسيا جرترودة التي ولدت في 1 آذار سنة 1812 وتوفيت في 8 كانون 2 سنة 1824
فتزوج يوسف ثانية في 8 آذار سنة 1815 بكلارة (المعروفة بجدة قبرة) ابنة ميخائيل
راجي الطبيب الحلبي الماروني وهي أرملة رجل كلداني اسمه يوسف (أنظر العرب 3: 88) ومات يوسف نمنومي في 21 أيار سنة 1825 عن ابنين من الزواج الثاني وهما:
توما ريشا الذي ولد في 21 كانون 1 سنة 1815 ولا نعرف ما جرى له
توما فيجين الذي ولد في 17 شباط سنة 1818 والأرجح إنه نزل إلى الهند ونجهل مصيره هنالك.
3 - جرجس نمنومي ونسله
وكان هذا رجلاً صالحاً يتعاطى البيع والشراء بالمأكولات البخسة الثمن وقد تزوج أولاً بانيسة (أغنيس) ابنة عسكر الكلداني (لعله من الموصل) وكان لأنيسة أختان وهما سيدي وصوفيا التي تزوجها الياس بن عبد الرحيم الكلداني وأخ اسمه عيسى المعروف بعيسى بلانجي وهو زوج كترينة بنت عيسى الخياط والد(3/627)
عبد الجبار أفندي) غير أن أسرة عسكر قد اندثرت من عندنا والأرجح أن أول ذكر اسمها في بغداد كان في 17 أيلول 1767 وهو اليوم الذي توفيت فيه مريم امرأة عسكر المعتمدة في 27 حزيران سنة 1745 وهي ابنة كوركيس الموصلي الكلداني واسم أمها حسينة بنت داود الموصلي ويبين أن عسكراً تزوج مرة ثانية بامرأة نجهل اسمها وهي والدة أنيسة قرينة جرجي نمنومي الذي رزق عدة بنات لم يعش منهن سوى اثنتين وهما:
كترينة (كتة) التي ولدت في 23 كانون 1 سنة 1822 وتوفيت في 11 آذار سنة 1899 وكان زوجها الأول رجلاً يونانياً اسمه انطون كربك أو كريكو(3/628)
وزوجها الثاني كارلوس رينكوس من اسوج الذي كان نجاراً في مركب كمت الإنكليزي ويقال إن والده كان والياً في إحدى مدن أسوج ولم يزل كارلوس في بغداد.
مريم (مري) التي اعتمدت في 24 آب سنة 1828 وتوفيت في 25 نيسان سنة 1894 وكان زوجها إيطالياً اسمه جاكومي أي يعقوب وكان طباخاً في مركب كمت المذكور.
وأما أنيسة أم هاتين الابنتين فتوفيت في الطاعون المشهور بالكبير سنة 1831 فتأهل جرجي ثانية بكترينة (كنو) المولودة في شهر كانون 2 سنة 1812 وهي ابنة عمانوئيل مسيح الكلداني واسم أمها سيدي ابنة ارزوقي فرج أي خالة اوانيس مغاك المعروف بحنا باش وكان لكترينة أخت اسمها انجلة وهي امرأة بدروس الدلال الأرمني الكاثوليكي.
وأعقب جرجي من الزواج الثاني بنتا وثلاثة بنين الذين سمو باسم أبيهم المصحف بصورة جرجي أو جرجية وهذا هو لقبهم الشائع والمعروف اليوم في بغداد والبصرة. وأما أولاده فهم:
الياس
1 - تريزية (توزة) التي تزوجها رجل ألماني اسمه جون نلسن الذي كان نوتياً في مركب كمت وبعده صار ثنياناً لربانه ولم يزل من نسله 5 إناث في الوجود وتوفيت توزة في 24 تشرين 2 سنة 1904
2 - يوسف
3 - رزوق الذي أعتمد في 31 كانون 1 سنة 1844
4 - الياس ويوسف ورزق الله أولاد جرجي
لما كان هؤلاء من المعاصرين لنا ويعرفهم الجميع رأيت أن أورد ذكرهم بوجيز الكلام ولكن يجدر بي أن أقول بالإجمال إنهم قاموا بتربية أولادهم(3/629)
احسن قيام وهم اليوم من أفضل البيوت المسيحية في العراق ورعا وتديناً وقد نالوا أيضاً بكدهم وجهدهم شيئا من الثروة والمنزلة ونبغ منهم كاهنان فاضلان هما من نخبة الأكليرس السرياني وسيأتي ترجمة كل منهما.
5 - إلياس جرحي
إن الياس اقترن في أوائل سنة 1859 بكترينة صابات (المولودة في شهر آب سنة 1835) ابنة اوغسطين بن الياس جبران الكلداني واسم أمها مرثا بنت رحماني الموصلي الكلداني. وأولاده الذين عاشوا هم: مينا ويوسف (الذي تزوج في شهر أيلول سنة 1896 بتاكوهي ابنة يوسف بن عبد الله جموعة الموصلي السرياني ورزق أولاداً) ونعوم واليزة وجونيت (وهذه تزوجها يوسف بن ميخائل بن يوسف ماريني أعني به شقيق صاحب هذه المجلة وهي ابنة خالته وفرج وهو الآن راهب في دير جبل الكرمل.
6 - ترجمة حياة حضرة الخوري عبد الأحد بن الياس جرجي
اعتمد المومأ إليه باسم نعوم (نعمة الله) في 15 تموز سنة 1870 وسافر في 14 أيلول سنة
1883 إلى الموصل ودخل المدرسة الأكلريكية القائم بإدارتها الأباء الدومنيكيون ورقاه إلى درجة الكهنوت سيادة المطران بهنام بنى إذ كان نائباً رسولياً وذلك في كنيسة الطاهرة الكاتدرائية في 14 أيار سنة 1893 ودعى عبد الأحد ولما عاد إلى وطنه بغداد أخذ يدير بجدارة مدرسة الأبرشية وعلم فيها اللغة الفرنسية مدة عشر سنوات حتة سنة 1903 وقد سافر فيها راعي الابرشية سيادة المطران اغناطيوس نوري تلبية لدعوة غبطة البطريرك افرام رحماني فأقامه حينئذٍ سيادة المطران المذكور نائباً عنه في ابرشيته التي ساسها مدة ثماني سنوات وفي 23 تشرين الأول سنة 1910 رقاه غبطة السيد افرام رحماني إلى رتبة الخوري الأسقفي وذلك في أثناء زيارته زيارة راعٍ لأبرشية بغداد وفي شهر أيار سنة 1911 سافر من بغداد وطاف سورية وبعض بلاد أوربا ترويحاً للنفس. وبعد ذلك أتخذه السيد افرام رحماني كاتماً لأسراره وأقامه(3/630)
خوريا لسريان بيروت ثم عاد إلى بغداد في 14 تموز سنة 1913.
ومن أعماله انه شيد مذبحين جميلين داخل كنيسة بغداد وهما المذبح الكبير ومذبح قلب يسوع واعتنى بتأسيس ونشر عبادة هذا القلب الأقدس في مدينة بغداد وترجم وصنف عدة كتب روحية. وإليك أسماء الكتب التي ترجمها من الفرنسية:
1 - المنتخبات الكنبيسية، في الحياة القدسية، وهي خمسة مجلدات طبعت في مطبعة الأباء الدومنيكيين في الموصل سنة 1898 إلى سنة 1903.
2 - كتاب الحرب الروحية 1900.
3 - سيرة امرأة فاضلة فرنسية وهي السيدة ايونس دكوت نشرت تباعاً في النشرة المسماة (إكليل الورود) التي كانت تطبع في الموصل سنة 1909.
أسماء الكتب التي صنفها
1 - كتاب التعبد لقلب يسوع الأقدس طبع في الوصل سنة 1902 ثم أعيد طبعه مصححاً سنة 1909.
2 - اثنتان وثلاثون مقالة روحيو نشرت في النشرة المار ذكرها.
3 - كتاب المسلك الحميد، من مريم العذراء إلى يسوع المجيد، طبع في بيروت سنة 1912 في مطبعة الاتحاد.
أسماء الكتب المصنفة والمعدة للطبع
1 - كتاب الإرشادات الروحية في عبادة قلب يسوع الأقدس.
2 - كتاب علم الإخلاص.
3 - تاريخ ابرشية بغداد السريانية.
7 - يوسف بن جرجي
اقترن يوسف في 11 نيسان سنة 1861 بلولو (المعتمدة في 1 تشرين 1 سنة 1849) ابنة داود بن ججو فطر الكلداني الموصلي واسم أمها سارة ابنة إبراهيم الأعرج السرياني الموصلي وسارة هذه تكون عمة المرحوم الياس ججو. وتوفى يوسف في 2 تموز سنة 1884 وأولاده هم:
مدولة المتوفاة قبل بضع سنين (وكانت امرأة جبوري بن فتوحي الحلو) ومريم (امرأة يوسف بن فتوحي الحلو المتوفى) ويعقوب وريجينا (امرأة بجوجو ابنة يوسف نلسن) وجورج المتوفى في البصرة سنة 1908.(3/631)
8 - ترجمة حضرة الخوري يوسف بن يوسف جرجي
اعتمد المذكور باسم يعقوب في 4 تشرين 1 سنة 1868 وسافر إلى الموصل مع ابن عمه نعوم (الخوري عبد الأحد) للغاية عينها ورسم كاهنا معه باسم يوسف في يوم واحد وبعد رجوعه إلى بغداد سافر ثانية إلى الموصل في شهر حزيران سنة 1897 وذلك تلبية لدعوة غبطة البطريرك بهنان بني ولما عاد إلى الزوراء عينه سيادة المطران اغناطيوس نوري لخدمة جماعة البصرة السريانية فسافر إليها في شهر كانون الثاني سنة 1898 وسعى هناك بتشييد ثلاثة معابد للسريان والواحد في البصرة والثاني في العشار على نفقة الخواجا يوسف مارين والثالث في العمارة اللاحقة بالبصرة واهتم أيضاً بفتح مدرسة للطائفة السريانية وهو الآن ساعٍ وراء ترقيتها وتحسين أمور جماعته بهمة ونشاط. وكان قد رقاه في مدينة البصرة إلى رتبة الخوري الأسقفي السيد اغناطيوس نوري وذلك عند عودته من الهند في شهر أيار سنة 1900 وقد ترجم من الفرنسية إلى العربية كتاب ظهور سلطانة لورد وطبعه في الموصل وسافر إلى أوربا سنة 1913 وجلب معه من هناك جملة أشياء
لزينة المعابد التي أقامها في ولاية البصرة.
9 - رزق الله جرجي
تزوج هذا الفاضل في سنة 1874 بمدولة ابنة بشوري (بشارة) بن قرنسيس بطرس نيسى الكلداني واسم أمها لوسي ابنة بتراك (بطرس) بن يغيا (ايليا) الأرمني الكاثوليكي ورزق له أولاداً وهم:
جميلة وهي امرأة رزق الله بن داود (المدعو بيو بن عمانوئيل بن إسحاق السرياني) وفضل الله المتزوج برزوة ابنة جاني لورنس في 26 نيسان من هذه السنة) وميري (امرأة نعوم بن موسى توما الكلداني) ويوسف ومنيرة (وهذه هي امرأة سليم بن الياس بن موسى الطويل الكلداني) وجوجو (جوزفينة المخطوبة لجرجس بن سلومي ابن الشماس جرجس الحلوة السرياني). فنعم الجد ونعم الذرية!
الحيدرية
1 - لمعة عامة في أهل هذا البيت
في الزوراء بيت شريف المحتد، عريق النسب، كثير العلماء، شهير بالفضلاء(3/632)
والأدباء، اسمه (بيت الحيدرية) وأول من نبه منهم الجد الأعلى الشريف (أحمد الإعرابي) وكان من بادية الحجاز فتحضر في المدينة فأصبح من أكابرها المعدودين وممن يشار إليه بالبنان. ويتصل نسبه بموسى الكاظم.
وقد هاجر بعض من سلالته إلى العراق، والبعض الآخر إلى بلاد ما وراء النهر فالذين احتلوا العراق جاءوه أيضاً من بلاد وراء النهر، وكان أول نزولهم في البصرة الفيحاء، فأقاموا فيها معززين، وما ابطئوا أن غدوا من ساداتها العظام، ورؤسائها الفخام، يأخذون جزية اليهود والنصارى والصابئة، الذين كانوا يومئذ في البصرة. ثم أبدلت الجزية بدراهم معينة في عهد السيد عبد الغفور الحيدري مفتي الشافعية في بغداد. وكان يتقاضاها من خزينة البصرة وكان لهؤلاء السادة عدة قرى في جوار بغداد مثل شهربان وهبهب وشروين وغيرها. ونحو ثلاثين قرية في نواحي شهرزور وذلك من عهد السلطان سليمان خان (الذي ملك من سنة 1520 - 1566م) إلى أيام السلطان عبد المجيد (1839 - 1861م) وأما اليوم فإن السادة الحيدرية وإن كانوا أغنياء ولهم أراضٍ كثيرة واسعة؛ بيد أنهم لا يضارعون أجدادهم بوفرة حطام الدنيا.
وكان إفتاء الحنفية والشافعية في دار السلام منحصراً في السلالة الحيدرية قبل وقوع طاعون بغداد الجارف (الذي اجتاح المدينة سنة 1247هـ) 1831م) ثم انحصر بهم إفتاء الشافعية فقط. وجميع إجازات علماء العراق تنتهي إلى الحيدرية وتنتهي إليهم؛ بل وبعض إجازات بلاد الروم (بر الأناضول أو آسية الصغرى) تنتمي إلى أحمد بن حيدر صاحب المحاكمات الشهير.
وأما الذين ظعنوا إلى ديار ما وراء النهر. فإنهم أصبحوا هناك أيضاً من أمرائها العظام. وفضلائها الكرام بل نشأت منهم الدولة الصفوية، في الديار الفارسية. واتصال هذه الدولة بالحيدرية يرتقي إلى الشيخ صدر الدين ابن القطب الشيخ صفي الدين أبي الفتح إسحاق.
وكان الصفوية على مذهب أجدادهم مذهب السنة والجماعة، ثم تشيعوا، وأول من عدل منهم عن سنة آبائه وزاغ عنها إسماعيل شاه الصفوي وذلك إن واحداً من أصحاب هذا المذهب نفث في صدره أنه إذا تشيع هو وعسكره يقهر عدوه السني السلطان سليم خان ويورده حياض الخاسرين الخاسئين، ففعل، إلا أن الواقع لم يحقق ما كان في النفس من الأمنية.
قال السيد إبراهيم فصيح بن صبغة الله الحيدري، وهو الذي أخذنا عنه معظم(3/633)
أنبائنا وإفاداتنا: (إن الشيخ صفي الدين رأى في المنام أن قد خرج من يده اليمنى نور امتد إلى عنان السماء ومن يده اليسرى كلب. فلما أفاق قص رؤياه على أحد المعبرين فأول النور بأنه سيكون له ولد يتناسل منه العلماء إلى انقراض الدنيا وأما الكلب فإنه سيولد له ولد يتناسل منه أناس رفضة خوارج عن جادة الكتاب والسنة والجماعة وقد وقع ذلك. لأن الحيدرية من لدن صفي الدين إلى يومنا هذا، ولله الحمد، لم تنقطع العلماء منهم. بل ورثوا العلم عن أب وجد ولا فخر. وأسال الله تعالى أن يمد ذلك إلى قيام الساعة كما أول ذلك. والملوك الصفوية ارتدوا على أعقابهم وترفضوا وتركوا مذاهب آبائهم أهل السنة والجماعة. فنعم الجدود؛ ولكن بئس ما خلفوا!) (انتهى كلامه بحرفه وكنا نود أن لا يعبر المؤلف مثل هذا التعبير لخروجه عن جادة الآداب العصرية).
هذا كله من جهة النسب إلى الأب الأعلى. أما من جهة الأم فإن السلطان حسن الايلخاني المعروف بسلطان حسن الطويل أو الشيخ حسن الكبير الذي ملك بغداد وأمد (ديار بكر) وخراسان ونواحيها كان فارغاً من هذه الدوحة العريقة في الشرف وقد توفى الأمير المذكور سنة 757هـ 1456م)
2 - اسعد صدر الدين
إذا وعيت ما قرأت ثبت لديك أن هذا البيت بل الأولى هذه الدوحة كثيرة الفروع والأفنان وشيجة العروق منشعبة الأغصان، والإحاطة بمن نبغ من رجالها من الصعب العسر الحصول عليه. إلا إننا نذكر بعض من اشتهر ذكره في العراق وامتد صيته إلى أبعد الأفاق، فمنهم اسعد صدر الدين مفتي الحنفية ببغداد وهو ابن العلامة عبد الله الحيدري البغدادي وكان من الرجال الدهاة. وكبار الرواة. ذا هيبة ووقار، وجاه كبار، نال من القبول
والكلمة النافذة بين العباد، ما جعله بين أول مستشاري ولاة بغداد. ودرس العلوم العقلية والنقلية أربعين سنة متوالية وعاش حتى ناهز عمره الثمانين من الأعوام، وأخذ عنه العلم عدة علماء أعلام. منهم: العلامة الكبير، والوزير الخطير، والي بغداد الشهير، داود باشا فإنه لازمه قبل الوزارة سبع عشرة سنة وقر عليه المعقول والمنقول حتى فاق أقرانه ومما يؤسف له أننا لم نستطع أن نتوق للعثور على تاريخ ولادته ولا على سنة وفاته.
3 - تآليفه
أما تآليفه فمها: 1 - حاشية على تحفة المحتاج للشيخ العلامة ابن حجر الهيتمي(3/634)
المكي. حاكم فيها بين المحشين على التحفة. جمع فيها وحقق وأوعى 2 - حاشية على المحقق عبد الحكيم الهندي على الخيالي 3 - حواشيه على حاشية العلامة اللقاني المصري على شرح الغزي للتفتازاني في علم الاشتقاق 4 - حواشيه على حاشية القرباغي في المنطق 5 - حواشيه على حاشية العلامة الطحطاوي على الدر المختار 6 - شرحه على اللغز البهائي المشتمل على علوم شتى وغيرها من التعاليق والحواشي والشروح المفيدة المختلفة. ولكن لم نقف على شعر له منظوم ولا على كتب تاريخية ولا على مصنفات رياضية، ولا على وصف بلدان أو قبائل أو نحو هذه الأبحاث الرائقة من عقلية وأدبية ولغوية.
4 - صبغة الله الحيدري وولداه
ولد صبغة الله بن إبراهيم الحيدري في قرية (ماوران) ورحل إلى بغداد في صباه فاستوطنها. وهو شيخ مشايخ علماء بغداد في عصره وقد أخذ عنه العلم معاصريه في الموصل وبغداد وما بينهما. وكانت وفاته في بغداد في طاعون سنة 1187هـ (1773م).
وممن نبغ من أولاده الملا عيسى، فإنه كان فاضلاً أديباً تلقى العلوم عن أبيه صبغة الله فبرع فيها ولما جاء بغداد أمين العمري قرأ عليه أيضاً واستفاد منه شيئاً كثيراً. وتوفى قبل أبيه. - ونبغ أيضاً ابنه الآخر حيدر مفتي بغداد وعالمها. أخذ العلم عن أبيه ففاق أقرانه وذويه. أقام بالإفتاء مدة طويلة في حياة والده إلى أن توفى بطاعون بغداد سنة 1187هـ (1773م).
وممن أخذ عنه علمي المعقول والمنقول: أمين العمري ومن قبله شيخه السيد موسى
الحدادي الموصلي، والعلامة الملا جرجس الاربلي، والملا حمد الجميلي، وخير الله العمري، وغيرهم.
5 - تأليفه
له تآليف عديدة منها: 1 - حاشيته على البيضاوي 2 - حواشيه على حواشي المدقق عصام الدين على شرح الكافية للجامي 3 - حواشيه على الحاشية المسماة بالمحاكمات على العقائد الدوانية لجده العلامة أحمد بن حيدر 4 - حواشيه على الكتب الحكمية الصعبة المأخذ إلى غيرها.(3/635)
وقفة تجاه السن
أنا أبكي إذا رأيت الرسوما ... باكياتٍ ترثى علاها القديما
لهف نفسي على ربوع كرامٍ ... تنظر العين ركنها مهدوما
فأنا دائماً كدجلة أجري ... دونها دمع عيني المسجوما
ومن الحق أن أنوح عليها ... فرسوم الكرام تبكي الكريما
أيها اللائم المعنف نوحي ... أنت أنكرت حقها المعلوما
فلهذي الرسوم شأن عظيم ... وبكائي لشأنها تعظيما
لا تقل أنها غدت بالياتٍ ... أن فيها للمجد ذكراً مقيما
أيها (السن) إن مجدك باقٍ ... وإن العظم منك راح رميما
ليس تفني الأيام رسماً لقومٍ ... لم يزل ذكر مجدهم مرسوما
كنت قصراً لآل (برمك) يا س ... ن يضاهي منك العلاء النجوما
كنت للبائسين مأوىً وملجأً ... كنت للمعدمين ملكاً عظيما
كنت للخائفين حصناً حصيناً ... كنت للائذين ركناً قويما
كنت للفضل والمكارم ربعاً ... كنت للجود كعبة وحطيما
هدك الدهر لا لذنبٍ ولكن ... خلق الدهر للكرام خصيما
إبراهيم منيب الباجه جي(3/636)
الأسطول الطيار
خذ أماناً من حادثات الزمان ... وتيقظ لطارق الحدثان
وتأهب إلى الحوادث ما أسطع ... ت ولا تغترر بصفو الزمان
وإذا ما دعاك للسلم يوماً ... لا تكن من حروبه في أمان
أو ترى قد صفا به لك عيشٍ ... فاخش إن الزمان ذو ألوان
ما رأينا مثل الليالي نذيراً ... غير أنا في غفلة وتوان
فإذا ما أصبت منها برزء ... فاخش أن لا تصاب منها بثان
سر لما شئت لا مناص من الحت ... ف ولو كنت في ذرى كيوان
إن من ينظر العواقب يمسي ... في أمان من الأذى وضمان
لا تظن الزمان يصفو لحر ... خلق الدهر فتنة الإنسان
نحن إذ نطلب المعونة منه ... ثم يرجو منه حصول الأمان
نبتغي البرء من سموم لأفاعي ... ونروم الأمان من ثعبان
لم ينلنا من سلمه غير أشيا ... ء تراءت لملة الوسنان
إن من حاول العلى بالأماني ... قابلته الأيام بالحرمان
ورجاء الأمان من حادث الده ... ر كراجي الندى من النيران
وإذا سلطت صروف الليالي ... قطعت سيف عنتر ببنان
أو تنسى بجانب الغرب ملكاً ... كيف ضحى مزعزع الأركان
قوضت ركنه الليالي وقد ... دارت عليه دوائر الدوران
كان كهفاً عالي الذرى مشمخراً ... مطمئناً بالأمن والأيمان
نسفته حوادث الدهر نسفا ... مثل نسف الرياح للكثبان
شمله عاد نثرةً بعد ما قد ... كان يعنو لنظمه الفرقدان
أقفرت من تلك العراص ربوع ... وتخلت مواطن ومغان
حلها البوس وهي بالأمس كانت ... جنة ذوات روضة أفنان
عاد فيها روض السرور هشيما ... باكرته عواصف الأشجان
كان ديباجه الأقاليم يزهو ... فيه روض للحسن والإحسان
أصبح اليوم معقلاً للأعادي ... ومقاماً للظلم والطغيان(3/637)
فترى كل ضيغم بين أيديه ... م يقاسي طعم الردى والهوان
يشتهي منهم الأمان وقد حيل ... أسى بين العير والنزوان
قد أبانوا عداوة أضمروها ... من قديم الأيام والأزمان
هتكوا حرمة الهدى وأضاعوا ... فيه عهد المهيمن الديار
غصص تصدع الجبال خطوبا ... كاد يهوي لها ذرى ثهلان
أوشكت تطبق السماء على الأر ... ض فلولا لطافة الرحمن
غير أني أرى بغمد المساعي ... قد تجلى للنصر سيف يمان
فببأس الأسطول لا شك أن نر ... قي ونحظى بشاردات الأماني
هو حصن عالي العماد زعيم ... في أمان البلاد والأوطان
لم يزل حارساً بعينيه يرعى الم ... لك طراً بطرفه اليقظان
ساحباً في علوه ذيل فخر ... فوق هام الجوزاء والسرطان
يخجل البرق سرعةً وسناءً ... مشرق الومض دائم الخفقان
زاحم النجم رفعة وعلواً ... فاق نسر السماء بالطيران
سابق الريح فهي أمست لديه ... تشتكي السبق خلفه في الرهان
يصبح الشرق عند مسراة غربا ... فتساوى بسيره الخافقان
وإذا الدهر قد تأبط شراً ... رده ناكساً إلى الأذقان
حامل للهياج آساد غيل ... شاكيات السلاح للعدوان
إن دعتها العداة للحرب يوماً ... جاوبتهم بالسن النيران
إن بدا منه للمنية رعد ... يمطر الحتف من سماء دخان
وغدا يمطر القنابل من سح ... ب المنايا كالعارض الهتان
قام في منبر المنية يتلو ... قائلاً كل من عليها فان
ويقيني أني أرى اليوم قومي ... ساوموه بالمال والأبدان
إن دعاهم داع إلى الرشد لبوا ... بفؤاد المتيم الولهان
يا لقومي هذا سبيل المعالي ... لاح كالشمس واضح البرهان
فاطلبوه ودافعوا لضد عنكم ... قبل ما أن نحل دار الهوان
وأسمعوا القول وانظروا غاية الأ ... مر فقد طال حادث الشنآن
وخذوا أهبة القتال وسنوا ... صارم العزم من فرند الجنان(3/638)
إنما المرء بالعزائم يرقى ... هل حسام يدمي بغير بنان
واتقوا الله واسمعوا وأطيعوا ... ما استطعتم بالسر والإعلان
وخذوا حذركم فقد بلغ السي ... ل الروابي وعم كل المغاني
أولم تنظروا العدو بكم حا ... ط وأنتم برقدة الوسنان
فاعدوا إليهم ما استطعتم ... من سيوف بيض وسمر لدان
ضاق منا الخناق واتسع الخر ... ق ودارت دوائر الحدثان
واجمعوا أمركم إليه وكونوا ... باتحاد القلوب كالبنيان
لا تردوا زند العزائم صلداً ... خالياً من أشعة النيران
وانبذوا الحرص والجهالة عنكم ... إنما بالجهل والعصيان
كتب الله للأنام فروضاً ... ومن الفرض طاعة السلطان
مثل بن ناصر الحلي
نبذة من تاريخ بغداد والبصرة والمنتفق
تابع لما قبله
وفي هذه الأيام اهتموا الأعيان والمشايخ في صف بقج هدايا إلى أسعد باشا(3/639)
ليصحبوها معهم ويواجهوه حتى أنهم اشروا مبالغ من مال صورتي وكجرتي وأكثره تمام زر ونيم زر نقج لائقه لوزير ابن وزير وكان توجههم نهار الأحد 12 صفر (1228هـ) (1813م) وكان الحاج يوسف الزهير شد هدية مفتخرة من قماش وتفاريق وتمام زر
وشوش جوزه ومسابح لولو وأرسلها مع ابنه حاج عيسى قبل توجه ليتسلم والأعيان وما بقي بالبلد سوى ديوان أفنديسي سابقا وضع قايم مقام وهو حمور رستم غا وعنده كم واحد من أوادم الباب وبما أن الشيخ العكيل ناصر الشبلي ممسوك ومحبوس وفي البصرة نسيبه شيخ مبارك شيخ العكيل حالاً. شرد إلى الزبير ولبسوا عوضه مخرج بن دهام الذي أخوه عند شيخ حمود ولهذه الأسباب وفراغ البلد من الحكام لا زالت الناس يتحسبون من الشر والفساد والأسواق ليس مستأمنة وفي يوم 14 صفر سنة 1228(3/640)
وصل خبر من عند حمود من الواردين بأنه يوم الخميس 10 ص مات برغش ابن حمود من عظم الصوابات التي اصابته (0) وحالاً مضى راشد أخو حمود إلى سوق الشيوخ وقتل عبد الله باشا وكهيته طاهر اغا وقيوجيلا كهيسي وفنوهم وأما ناصر الشبلي أشترى دمه بخمسين ألف غرش عين وجابوه من السوق إلى عند حمود وبقي مقيد وحين وصل الخبر إلى أسعد باشا طلب روس المقتولين فقيل إنه نبشوهم من قبورهم وقطعوا روسهم وأتو بهم لكي يرسلهم إلى بغداد لأنه حين وصل خبر انكسار الأوضي صار ببغداد فترا واغات الينيجرية حاصر بالقلعة وأختبطت البلد وأما عرب المنتفق لازالوا يتجاسروا على اختلاس خيل وحوايج العسكر الضعيف لأن. . . . لباس القاووق حصل في بهدله واحتقار لا يوصف من العرب إلى أن ضاقت بهم واشتكوا إلى اسعد باشا وحالاً رحل من قرب حمود وبعد عنه كنحو ثلاثة ساعات وتنبه بالأوضى أن ينطروا دوابهم بالليل من الحرامية ومضى الشيخ حمود لمواجهة سعادته وسؤال خاطره فأمر له أن يعطي من البصرة 30 ألف عين نقدي ودفتر تفاصيل وشال وشكر وقهوة يبلغ مقدار 20 ألف وأتى بها بير ولدى إلى المتسلم في
أعطاها وكان وصول ذلك يوم الثلاثاء 15 ص وكان المتسلم (قد) توجه (و) وصل الأمر بيد القايم مقام وجمع التجار وأعطوه جواب عن النقدي(3/641)
ما يخصنا بل يبقى إلى وقت حضور المتسلم وأما التفاصيل والشال وغيره نتوازعه وكل يقدم من عنده ما يحصل إلى ن يصير حاضر إلى وقت مجيء المتسلم على أن يسلموه إلى السيد على ابن سيد حسين وكيل حمود.
وفي 16 ص نهار الأربعاء ويوم الخميس دخل إلى البصرة جملة عربان من المنتفق وغيرهم واختلت البلد لأن البعض منهم مضوا إلى السوق وبلصوا لدكنجيه بشيء يساوي 5 رومي أعطوا 3 رومي ولذلك خافوا الناس وسكرت الأسواق ويوم الجمعة ما عاد يوجد أحد بالدروب وانتصبت القلقات في القهاوي والأسواق ففي يوم السبت 19 ص وصل جوقدار راجعاً من عند المتسلم قبل وصوله إلى الأرضي ذو وصل له كرك ثاني للمتسلميه من قبل أسعد باشا وحيث هو متوجه لمواجهته سار بطريقه وأرسل أحد جوقداريته بالمجدة للبصرة وصار شنك بالصراي واستقرت البلد نوعا بوصول المجدة (0) ويوم 24 ص وصل الحاج(3/642)
عيسى زهير إلى البصرة راجعاً من مواجهة اسعد باشا وقد قبل الهدية منه وانعم عليه وأمر بفرس جيدة مرختة أن تعطى له لأجل والده الحاج يوسف مع بير ولدي بخصوص الكمرك أن يعطي 3 في ال 100 حسبما كان يعطى في أيام عبد الله باشا ومعه تواردت الأخبار عن عزل المتسلم وقبطان باشا وغالب الدائرة وفي يوم الأحد 27 ص وصلوا الأعيان والمشايخ ويوم الاثنين 28 ص دخل المتسلم سليمان بك فخري زاده الذي هو موصلي الأصل وكان دخوله بالالاى وقرأ فرمان متسلميته من اسعد باشا وجخل معه رستم اغا متسلم البصرة سابقا لكي يحاسبه وحضر معه كمركجي نعمان اغا وقبطان باشا عمر اغا سهر إبراهيم اغا واستقرت البلد وامنت الناس وحال المتسلم طالع دلال على الحنطة لا أحد يأخذها إلى برات البلد ولمن أهل البحر تنبيه صارم لأنها كانت المن في 7 والرز الجات في 8 والبصري في 5 وإذا ما خرج من ذلك شيء إلى خارج البصرة يتناسب أثمانه من غير تنبيه. ثم في أوايل شهر ربيع الأول رحل اسعد باشا وسار معه شيخ المنتفك حمود ومعه مقدار ألفين خيال برفق الباشا يوصل معه إلى بغداد ويمروا على العربان والعشاير الذين على طريقهم (وأما ما كان من الأمر الوارد من اسعد باشا بثلاثين
ألف غرش كما تقدم القول وكان رستم غا توجه من البصرة فقد ترك وما سلموه إلى وكيل حمود ولكن لزم للوزير خاير واشتراها من آل سوق الشيوش بمبلغ 30. 000 رومي(3/643)
ثلاثين ألف عين وكان هناك بالودي حاج عيسى الزهير فأمر الوزير في بيورلدى إلى الحاج يوسف بمبلغ 20 ألف وإلى ابن رزق بألف 6 وشيخ سالم ألف 4 بأنهم يدفعوا ذلك وبعده يحولهم على الكمرك في البصرة والحاج عيسى تكفل إلى أصحاب الطلب بالمبلغ وفي أوائل شهر ربيع الأول أنطلب ذلك المبلغ وأما هم أي التجار المذكورين فرضوا منه على التجار الباقين من الإسلام وخصصوا إلى اليهود مبلغ ألف 5 وللخواجة جبرا 700 رومي وقبضوها إلى أهل سوق الشيوخ قيمة الذخائر وبعده أيضاً انطلب من الباب دراهم واخذوا من التجار) وسار الوزير في طريقه ومعه الشيخ حمود ووصل إلى بغداد وكان دخوله إلى بغداد نهار الربعه 15 (ربيع الأول) سنة 1228هـ (1813م) بالفرح والسرور من آل البلد جميعاً وقبل دخوله طلع لملاقاته السيد عليوي ينيجر اغاسي ولبسه وأمنه وبعد دخوله أيضاً لبسه ولبس درويش اغا القائمقام على وظيفته لأن داود أفندي ما قبل أن يلبس كهيه وابن الشاوي جاسم بك لبس باب عرب وتمكن بالشغل وأما من جهة حمود فأقام برات البلد بعد دخول الوزير بأيام 5 ودخل بإكرام من قبل الوزير ونزل في حوش سليمان باشا وصار له تعيين من الباب ومعه أولاده عدد 2 فيصل وطلال وإخوانه منصور وعبد الله وبراك ابن أخيه وبعض(3/644)
الاتباع من أوادمه وبقية عسكره وزعوه على بيوت الاغاوات وأقام في وهو بالصداقة والمودة مع اسعد باشا وقيل إن الباشا يروح يزوره في بعض الأيام وما يخرج من البيت بما إنه كفيف واستقرت البلد ولكن صار بها غلا الحنطه صارت الوزنة في 14 والرز في. . . وهلم جرا بقية وفي أواخر شهر ربيع الثاني سنة 1228 (1813م) حضر إلى البصرة عليوي مقيداً مساق بأمر الباشا وضعوه بالسراي محبوساً وقيل أنه عليه بقتلة ولكنهم مهلوه بالبصرة إذ أن مستر ريج باليوز الإنكليز صد وبينهم صداقة كلية ويوملوا بخلاصه وإذ قد حضر أمر بالعفو عنه ولكنه محبوس وفي 11 جا (أي جمادي الأولى) سنة 1228 (1813م) حضر عبد الرزاق اغا باشا جاوش الإنكليز من بغداد ومعه بيورلدى من الباشا في إطلاق سيد عليوي من الحبس وإنه يجلس في بيت الإنكليز ويتعين له في الشهر ماية عين لمصروفه وحالاً مضى عبد الرزاق اغا وأخرجه
من السراي وأتى به إلى الفكترى واعطوه أوضتين وقد قبله مستر كوهين بكل كرامة لائقة وبعده في 18 جا توجه مركب مناريس وأرسلوه صحبته إلى بوشهر وأما ما كان من طرف سليمان بك متسلم البصرة فإنه كما تقدم القول يوم وصوله نبه على الحنطة لا تخرج من البلد وقد استقام التنبيه كم يوم قليلة وراحت إليه الناس وتكلموا معه وقبل الرشوة وصاروا يشحنوا بتاتيل إلى البحر وصارت الحنطة قليلة وثمنها من 7 إلى 8 والتمن كذلك غلا(3/645)
ما تسنهاب المتسلم لأنه افيونجي وكل ساعة عقله في رأي نظير الجهال العديمين المعرفة وعدا ذلك صدر منه شفاعات كلية والدائرة غالبهم صاروا يشربوا عرق وشراب وسكر وهو دائماً مكيف من الأفيون ويحكم حكومات بغير استقامة وصارت الناس تنفر منه والتجار كذلك غالبهم تخاربوا معه ومنهم الحاج يوسف الزهير وطلع للزبير وبقي هناك ومستر كوهين باليوز الإنكليز كذلك احتصر منه وقيل إنه كتب في حقه وقبله موسيو رايمند باليوز فرنسا كان متزاعل معه واقتضى له التوجه لبغداد لسبب وفاة موسيو اندريا كورنسه وتوجه من البصرة وهو زعلان من المتسلم ولا عاد بوجد في البصرة أحد راضي منه وفي غرة جا وصل لبغداد ناتارية بمجدة الطواخ إلى اسعد باشا وصار شنك وفرح وافي الخبر إلى البصرة في 11 ج (جمادي الأولى) وصار شنك وبعد ذلك في نصف جا نهار السبت طلع الشيخ حمود من بغداد بعز وإكرام(3/646)
جزيل من الباشا وقد نال من الباشا والدائرة أموال غزيرة لا تحصى ولا تعد عدا حوايل التي صارت له على البصرة من إيرادها المراد أن حمود بهذه المادة حصل على لكوك (ليس آلاف) لا يتصدق بها.
ولما كان الباشا في السوق عندهم أوهب إلى أخوة حمود غالب كويات البصرة مثل حمدان ومهيكران والسراجه وغيرهم بأن يكون إيرادهم لهم وأما حمود حين راي كل ذاك الإكرام والإيراد عدا خزنه عبد الله باشا بما أنه عاقل مدبر راي أن ما وهب إلى أخوته أولد له اسم كبير وثنياً ليس له بل لأخوته الذي يرغب أن لا يتقووا ويصير لهم إيراد وافر فأخذ من أخوته الأوامر وردها على اسعد باشا بقوله أنا لا أرغب يصير لك خصاره أنت عليك مصاريف وعساكر وهذا شيء لا يناسب أخذه منك وثانيا حين وهبته ما كنت ولي الأمر والآن أنا أرجعه عليك فقبل كلامه واخذ أوامره التي كان أعطاها ويعلم الله كم من العطايا نال عوضها وأدخلها لخزنته وحرم أخوته منها.
وفي 20 جا وصل إلى سوق الشيوخ وهو بنفس وزير وصاحب الأمر والتدبير وثبل طلوعه عزل لمن أراد ونصب لمن أراد وبما أن سليمان بك متسلم البصرة من صدقانه ما أراد عزله وبقي في البصرة إلى أن في تاريخ غرة ج (جمادي الثانية) سنة 1228هـ (1813م) من زيادة ظلمه صار من الحنطة في 9 عين مع أنه وقت موسمها والرز الجات في 10 والبصري في 7 وهلم جراً بقية الأشياء وأما من جهة حمود فإنه من جملة الإكرام الذي حازه من الوزير حصل على بلد حمدان التي هي ما لكانه إلى اسعد بيك من أيام أبيه ولها إيراد بالسنه 20 ألف عين فهذهقدمها إلى حمود صباحية دخوله على بنت(3/647)
آل جشعم التي تزوجها في بغداد وبقية البلاد التي على شط العرب منها كان ضابطها هو وإخوانه من سابق والباقي منها حصلت بيده المراد جميع النخيل الذي على شط العرب ويصير منه إيراد للباشا حصل بيد حمود وبيد أخوته وإن شآؤا يسلموا ميريه لأنهم مصرفين بالأمر ويحكموا ولا يحكم عليهم والصغير من عرب المنتفك بالبصرة يتكلم بنفس عالي لا يرد ولا أحد يقدر يجاوبه والمتسلم سليمان بك مقيماً بالبصرة بقوة حمود والبلد آلت للخراب من كثرة الظلم وعدم الإلتفاتة إلى معاش الفقرا والجور من طرفه ومن طرف الدائرة على كافة أرباب البضائع لأن كافة لوازمهم بلا قيمة ويلتزم كل منهم أن يبيع بزايد حتى يطالع الفرق وحيث لا يوجد من يمانعه اتصلوا على بيع وقية الباذنجان والقرع والبامية المايه التفاح وهلم جرا بقية الأشياء كافة شي لا يوصف ولا يتصدق حصوله بالبصرة والجور على التجار في طلب القرض لأن المبالغ الذي كانوا يطلبوها قطعوا منها جانب وافر من كمرك اموال بنكاله والمتسلم مديون مسبوق والهدايا منه متصله للباب وإلى حمود ويكلف التجار إلى قرض والحاج يوسف طلع للزبير من شهر ربيع الثاني وبقي في الزبير والشيخ سالم توجه للكويت وبقية التجار تعادين أيضاً معه وبقي في الميدان الخواجا جبرا أصفر كل كم يوم يطلبوا منه قرضه وبالجهد حتى يخلص منهم مع أن له عندهم قلم دراهم ولولا نظر مستر كوهين باليوز الإنكليز عليه كانوا أخذوا منه كثير.
ومن بعد وصول الشيخ حمود لمكانه توجهت له الهدية من سليمان بك المتسلم(3/648)
وتوجهوا الأعيان جميعاً لمواجهته حتى بيبي خدوج بنت شيخ قاسم بنفسها ورجلها شيخ قاسم ومن بعد توجههم بكم يوم جاء للبصرة عثمان البريريسي (كذا) الذي كان قبطان ماجوة لا بس
شيخ على العكيل وقد انعزل ابن دهام ووقف عثمان عوضه فكان إلى العرب علوفة 7 أشهر بيرق عدد 25 في 25 زلمة تبلغ علوفة 7 أشهر 21 ألف عين والسبب ضيقة الحاصلة عند الباب كانوا يوعدوهم من جمعة إلى جمعة فقاموا بيوم 20 ج (جمادي الأخرى) وطلبوا حقهم وأرادوا يعلموا فرد فذلكة وكان يومئذ الشيخ عبد المحسن ابن رزق مجاورهم تكلم مع كبراءهم وراح للمتسلم توسطه بينهم على أنه بعد 3 أيام يسلمهم فمضى خمسة ولم يكن منه شي فتجمعوا بأسلحتهم نهار الخميس 25 ج وتوجهوا إلى السراي مانعوهم وتوجه شيخهم لعند المتسلم أوعده فأتى ليقنعهم ما أمكن هجموا على السراي وضربوا المتسلم أول بالصخر وبعضهم هجم عليه ليقتله فتحاوطوه الحاضرين وفر بنفسه إلى الحرم فضربوا بعض الاتباع واخذوا من اوضهم بعض الشي وضربوا كم تفك بالسراي وفتحوا الحبس اطلعوا من فيه من ربعهم الحرامية فحالاً لحق إلى السراي الشيخ عبد المحسن رزق ورجعهم واخذ كلام من المتسلم أن يتدارك لهم بعلا يفهم وحالاً المتسلم كتب إلى الشيخ حمود وقوع الأمر وتجاسر العسكر عليه فأرسل له أحد أولاده يقيم في البصرة حتى لا يصير خلاف من أحد لأن الهيبة والخوف صار إلى حكام العرب وأما. . . ما عاد أحد يخاف منه وبهذه الأيام توجهت عربان من المنتفق على قبيلة بني كعب أي بني عامر وداسوا أراضيهم ونهبوا قيعانهم وحرقوا بيوتهم قصدهم ضبط القيعان وحصل تعدي زائد على بني كعب وراحت الشكوجية إلى حمود وبعض من المشايخ حتى إنهم ارتدوا عنهم(3/649)
بنوعٍ ما ولهذه الخربطات انربط درب الحويزة ودسبول وششتر وبهبهان وما عاد طريق للقواغل التي دائماً يأتي وتجيب أرزاق ومغل إلى البصرة ونأخذ عوض ذلك مال وسقوطات حتى أن الذهب المسمى (اليلديز) كان 5 ل 6 عين نزل إلى سعر 6 من سبب ارتباط الطريق لأن بهذه الأيام يأتي من حويزة مغل من حنطة وشلب بمبالغ وافرة وجميع قيمة ذلك يأخذوه ذهب يلدز إلى الشاه زاده الذي بالحويزة والحنطة من قلتها تساوي رومي 7 إلى 7. فنرجع إلى ما تقدم من توجه الأعيان فإنهم قاموا مدةً إلى أن صار لهم رخصة من حمود بالمواجهة ومنهم البيبي بنت الشيخ درويش صار بينها وبينه كلام وقامت من عنده مغبرة الخاطر وحضرت للبصرة مع زوجها في 12 رجب سنة 1228 (1813) وبقية الأعيان بقيوا هناك إلى بعد كم يوم حضروا للبصرة وقيل إن حمود مراده يأتي إلى
نهر عمر.
وأما ما كان في بغداد يوم الاثنين في 29 ج سنة 1228 (1813م) دخل القابجي من المحروسة ومعه الطواخ إلى سعادة أفندينا ولي النعم اسعد باشا وصار بدخوله الأي محتفل وحصل الفرح والسرور والقايم بمقام الكهية أرسل مكتوب للمتسلم مع ساعي بالبشارة في وصول الطواخ لأن سعادته معتمد على عزل سليمان بك وكانوا المتقدمين إلى طلب المتسلمية أربعة أولهم إبراهيم اغا الذي كان حكم مرتين بالبصرة وجار على الناس وثانيهم رستم غا الذي كان قبل سليمان بك وثالثهم بكر آغا ورابعهم مصطفى آغا ابن صاري محمد آغا وسبب عاقة إعطاء المتسلمية لأحدهم حتى تصل الهدية التي موعد بها سليمان بك وأما هو كان مؤخرها لنه محتسب إلى العزل وفي 25 ب (رجب)(3/650)
نهار الجمعة وصل للبصرة بيرقدار اسعد باشا ومعه صورة فرمان الدولة العلية وجخل في هلاي وتلي الفرمان باسم محمد سعيد باشا والي بغداد وبصرة وشهر زور وبعده بيورلدى من سعادته بتقرير المتسلمية لسليمان بك وبعده قروا فرمان من الدولة بخصوص انتصار محمد علي باشا والي مصر على الوهابي وبعده بيورلدى بهذا الخصوص وإنه يصير دعا للسلطان محمود خان وصار شنك في الصراي. ومن البلدة والمراكب رموا أطواب وسليمان (بك) أمر على الشنك سبعة أيام الصبح والعصر فيوم الخامس من الشنك نهار الثلثا ضج الخبر في البلد بأن سليمان بك معزول ونصب غيره متسلم ومقبل للبصرة وحالما بلغ إليه الخبر أرسل أخرج الهدية من الماجوة (لأن كان حملها ليرسلها مع الخزندار وخفاها ووزع غير أشياء من عنده.
وثاني يوم نهار الأربعاء في غرة شعبان توجه كعادته إلى الكمرك وفيما هو جالس وصل باش جوقدار متسلم الجديد الذي هو مصطفى اغا ابن صاري محمد اغا ودخل عليه للكمرك ورفعه إلى الصراي وقيل إنه صاح فيه وأقامه بنفس عالي ووضعه في الخزنة وعليه بيرقين براطلية ينطروه وحبس الخزندار ومحرم بك والجبه خانجي في قناق التفنكجي باشي بالحديد وأظهر بيورلدى إلى سليمان أفندي الدفتر دار بأن يكون قايم مقام إلى حضور مصطفى آغا وفرحت الناس في ارتفاع سليمان بك الذي حرق قلوب الفقراء وحالاً ثاني يوم الحنطة أنوجدت بالسيف (وتهاود) ثمنها إلى حد رومي 5 وبعد كم يوم صار الأخبار
تتوارد من الناس بأن مصطفى اغا ظالم وجرى. وحاله ابلغ من سليمان بك وأزداد التواتر عنه ثم ظهر خبر بأنه عزل وأعطوا المتسلمية(3/651)
إلى رستم اغا وانقطعت الأخبار عن بغداد مدة إلى يوم 18 شعبان وصل ماجوة من بغداد وأخبرت بهمة حضور مصطفى اغا ويوم 21 شعبان نهار الثلاثاء وصل إلى المناوي وثاني يوم الأربعاء صباحاً 22 شعبان دخل للبلد والأعيان والالاي ما لحق عليه لأنه أسرع بالركوب وجاء ودخل الصراي من باب الشرقي الذي عند باب المطبخ على العشار ليس من باب الكبير حسب العادة وطلع للديوان واجتمعت الأعيان وقرى البيورلدى وصار الشنك وثاني يوم حالاً ابتدأ في تحصيل الطلب الذي عند سليمان بك لأن باقي عليه قلم وافر للباب عدا دين التجار على الكمرك ومنهم (لهم) عليه خاصةً وجميع الوهم الذي كان ملتحق بالناس من جهته ما ظهر له أثر ولا تفاضل في شيء يضر البلد كلياً.
وأما ما حدث بهذه اليام على أهل البلد عموماً أن العادة بالبصرة في أيام قص العتق (العذق) الذي هو في شهر أيلول وتشرين يصير أمراض حميات وأما بهذه السنة أبتدت الحميات من شهر تموز وتزايدت في شهر آب ومع الحميات حدث نزول نقطة الذي يسموه ضمله كثيرين أنام في حال الحمى ينزل عليهم النزول وسريعاً يموتون حتى أن أناس من المسلمين ومن جملتهم السيد شعبان أحد أعيان البلد مساء كان طيب ما فيه مرض وفي الليل نزل عليه النزول وحالاً مات ومن المسيحيين توفى الخواجه يوسف أصفر وكان مبدأ مرضه في 24 تموز شرقي (1813م) حمى وكان قبلاً بكم يوم يخرج دم. فمن عظم الحمى انقطع عنه الدم يوم الخميس في 31 تموز (1813م) كنا عنده ونتكلم معه رأينا تغيرت أحواله وصار جسمه ملطع مثل لون المعلاق وتشخصت عيونه ولا عاد ينظر ولا يسمع حالاً احضروا الحكيم أعطاه روح يشمه فما كان منه فائدة واستكت سنونه وسلم الروح وكان وقت(3/652)
العصر تغمده الله برحمته وعندنا بالكنيسة كان واحد ورتبيت اسمه بدروس ورتبيت كاتسياني (كذا) من بلد اقسقه كان مرسل من قبل المجمع المقدس إلى كابول وكابول في قرب كشمير لأن بها جملة مسيحيين بغير راعٍ فأرسل هذا الأب الذي هو من أبناء المدرسة بوظيفة قاصد رسولي لتلك الأقطار وأقام هناك نحو ثمانية سنين من حين طلوعه من البصرة إلى حين رجوعه وعمد بتلك الأطراف من كبار وصغار ونساء
ورجال. . . عدد 1800 وينيف ودخل للبصرة متوخم من البحر لأنه استقام ستة أشهر من بنكالة للبصرة بمركب عرب وزاد فيه المرض وهو نزيل عند البادرية وتوفى في يوم 20 تموز غربي (183م) (أي في) 8 تموز شرقي بوفاة صالحة وكان معه ولد نجيب فريد في كل معنى أصحبه معه كل ذلك المدة ومرض في المركب ودفنه عل حافة الشط قبل وصوله للبصرة وهذا الذي زاد مرضه وأحزن قلبه لأنه ابن شقيقته.
وكان عندنا خادم اسمه كيورك أرمني من اسبهان وكثير ولد خدوم عاقل فقد توخم من رائحة المرحوم الورتبيت ومرض ثمانية أيام ويوم الثامن نهار السبت في 26 تموز شرقي أصبح بنشاط وفيما هو كذلك نزل عليه نقطة وغاب عن الوعي وحيث لا يوجد حكيم يفتهم ولا هذا شيء يعرفوه أن يلزم في ذلك الوقت فصادة فما التحق بشيء وفي ظرف ساعة خرج الدم من خشمه وخرجت روحه من جسمه وبقي دمه يجري إلى ثاني يوم لوقت دفنه لأنه ولد دموي وذو قوة ونشاط وفي شهر آب ازدادت الحميات حتى ما بقي بيت خالٍ من مريض أو اثنين ومات من الإسلام كثيرين من جرى النزول وكثيرين من جرى قلة الحكماء أو حكمة الحكيم العجمي الذي يداوي بالبرودات وهذا شيء ضد هواء البصرة الذي يوافق(3/653)
فيه الحرورات لأن هواها رطب واتصل ذلك إلى شهر أيلول.
وفي 15 منه حساب شرقي انتقلت إلى سعادة الأبدية ابنة الخواجا جبرايل أصفر اسمها تروز وكان لها من العمر أربعة سنين بمرض حمى متصلة من غير انقطاع.
وكان حضر للبصرة بيت من بغداد. الرجل اسمه بطرس خنبش خياط وعنده امرأته وثلاث بنات وابنين صغار وله ابن مستسلم حضر معهم فاولاً مرض الرجل خنبش المذكور ومات ولده الصغير الذي يرضع ومات ولد لأبنته كان يرضع وبعده في 19 أيلول شرقي توفت الإمرأة بقي منهم ابنته الكبيرة وابنة صغيرة وابن صغير بسن سبعة سنين فالتزم البادري أن يفرقهم على الجماعة كل واحدة في بيت لأنهم حاصلين في حال الفقر الكلي واغلق البيت.
فالذي رأيناه من الغم والحصر وحالة الناس وخاصة المسيحيين الذين هم قليلين جداً شيء يوعب القلب غماً وحزناً ولا عاد حكاية ولا خبرية مفرحة بل مكدرة ومع هذه الأحوال كساد لا يوصف على كافة السلع والقرش قليل والأموال كثيرة وكل شيء يؤخذ (كذا) من
البصرة بعدكم يوم ينزل ثمنه).
ونرجع لما كنا بصدده من طرف الحكم فقد حكم مصطفى اغا في البصرة بغير أن يتعدى على أحد ولا قيل عنه ظلم أحداً وفي بغداد الحكم مختل بسبب عدم وجود راس لأن الوزير اسعد باشا حدث السن وأخوته لهم كلام وقاسم بيك أخذ ميدان (0) كبير وداود أفندي الذي هو مدبر وصاحب رأى سديد ما قبل أن يصير كهية بسبب كثرة الروس ووجود قاسم بيك وتخربط الطرقات بسببه لأن له عداوة عظيمة من عرب آل جربة وشيخهم فارس ولسبب عداوتهم قطعوا طرقات الجزيرة واتصلوا إلى طريق الموصل وسلبوا كراوين وناتارية وحصل ضرر عظيم للتجار ثم منهم في الشامية وقطعوا الدرب وكروان حلب التزم أن يجي على الخابور بسببهم فبهذه الأيام الوزير أرسل إلى عبد الله اغا الذي كان سابقاً حكم في البصرة جملة سنين بأيام حكم سليمان باشا وهو الشهير فالرأي السديد والتدبير الرشيد ذو العقل الفريد ودعاه لكي يحضر لبغداد لأنه مقيماً في بندر بوشهر من مدة ثمانية سنين ومتجنب حكومة العثماني على ما جرى به بأيام علي باشا (وسابقاً سليمان باشا الصغير وبعده(3/654)
عبد الله باشا دعوه للإمارة وما رضي يجي) فأولاً إكراماً إلى اسعد باشا الذي هو ابن أبوه الشهير سليمان باشا وثانياً صداقته مع حكام العجم والشاه تغيرت نوعاً فعزم على الخروج من بوشهر وحضر غفلةً يوم الخميس في 17 ذي الحجة وبات في المناوي عند قبطان باشا وثاني يوم صباحاً قبل الشمس جاء للبصرة ودخل السراي وبقي إلى قبل صلوة الظهر وكانت الماجورة حاضرة حالاً ركب وتوجه إلى سوق الشيوخ (حيث إن أفندينا ولي النعم اسعد باشا خرج في أوايل شهر ذي الحجة من بغداد وتوجه على الخزاعل لأنهم كانوا عاصيبن وغير قابلين الشيخ الذي لبسه عليهم وكتب إلى الشيخ حمود أن يركب من مكانه مع عساكره ويتقدم على الخزاعل والمذكور حسب طباعه وعوايده إذا قال باكر يركب انجق بعد شهر يتحرك فاستقام الوزير قريب الحلة مدة شهرين يقطع مراحل وحمود رحل مرحلتين ووافى الخبر للوزير بأن عبد الله حضر وحصل (كذا) عند حمود وإن حمود استقبل عبد الله اغا بالإكرام وريضه حتى يسافروا إلى مواجهة الوزير جملة على أنه باكر وبعد باكر يرحل مضت مدة مع أوايل شهر صفر الوزير لحظ بأن حمود ما هو راغب المواجهة وفي مدة قريب ثلاثة أشهر رحل مرحلتين أردف إليه التحارير بأنه ما عاد يلزم
حضورك ارجع إلى مكانك وأرسل عبد الله اغا يحضر إلينا وحالاً احضر شيوخ الخزاعل ولبس لهم شيخ من أرادوه وعاد راجعاً إلى بغداد فهذا ما كان من الوزير.
وأما ما كان من عبد الله اغا فإنه فارق الشيخ وجاء راجعاً إلى سوق الشيوخ أقام كم يوم يستنظر حرمه المقبل من بندر بوشهر وكان الحرم متعوق في الحضور للبصرة وكان توجه الحرم من البصرة في 26 صفر والمشار إليه بهذا التاريخ ركب من سوق الشيوخ وتوجه إلى بغداد لمواجهة الوزير الذي كان قريباً سيدخل إلى بغداد.
وترجع إلى ما يخص مصطفى أغا متسلم البصرة فقد أقام بالحكومة من غير ظلم ولا تعدي على أحد وجميع الكلام الذي قيل عنه ما ظهر منه شيء.(3/655)
وكان عند بيت الشيخ درويش باش أعيان البصرة والموجود الآن الشيخ قاسم (زوج بيبي خدوج بنت شيخ درويش وهي صاحبة الأمر والنهي) وأحد نزيل عندهم اسمه ملا أحمد بن ملا عبود بغدادي محسوب عليهم من أيام أباه فقد حصل منه تعدي على واحد وذاك الإنسان محسوب على التفنكجي باشي واتصلت الحكاية للمتسلم فأرسل في طلبه من بيت الشيخ ما سلموه ارسل ثاني مرة كذلك ما سلموه فقام بنفسه تبديل ومعه التفنكجي باشي وكافة اوادمه وراح إلى بيت الشيخ هاجماً ليأخذ الولد وذاك لما شاف الأمر دخل للحرم. وأوادم بيت الشيخ وقفوا لمقاومة المتسلم وصارت ملاطشة بينهم وطلع الشيخ قاسم وتقاول مع المتسلم وتشاتموا والمتسلم هجم على شيخ قاسم وقامت أهل المشراق جميعهم فالشيخ أمر على المتسلم ورفعه في مكان بالديوانية واشتغلت الفتنة وتكاثرت الناس على أوادم المتسلم وصار الضرب بينهم وانجرح جملة من الناس من الطرفين وواحد كردي كان جاي قريباً من بغداد قد كان تفنكجي باشي عند باشة الكرد تصوب برصاص وبعده مات ومحمد اغا بن كنعان تفنكجي باشي البصرة طرمخوه من الضرب بالعصى وبعض من الجوقدارية تجرحوا.
وكان إلى مصطفى اغا أخوين لواحد حسين اغا وهو خزينه داره أمر بسحب أطواب ومضى بهم على بيت الشيخ وأخيراً لحقوا الأعيان وتواسطوا المادة وكفوا الناس وسهلوا الطريق للمتسلم حتى جاء للسراي وكان ذلك يوم الأربعاء في 26 كانون الثاني غربي (1814م) في 4 صفر (1229هـ) وحالاً ركب ساعي من طرف بيت الشيخ وأرسلوه
للوزير والمتسلم عمل عرض وختم فيه الأعيان وغيرهم وقصد تبرير نفسه وكان لما وصل للوزير من الطرفين وهو قرب الحلة قبل أن يدخل إلى بغداد تخلق على المتسلم(3/656)
ولا رضي بما فعل لأن بنت الشيخ مقامها كبير وخاطرها عزيز عنده أولاً لأسمها الشهير بالشيخ درويش والدولة الواسعة والأملاك المتسعة في البصرة ولكونها تصير بنت عمته لأن سليمان باشا كان خالها فإكراما لخاطرها حالاُ أمر بعزل مصطفى اغا وركب جوقدار من طرفه اسمه عبد الله اغا حضر للبصرة يوم الجمعة في 6 ربيع الأول سنة 1229 (1814م) ومعه مكاتيب إلى صالح أفندي خزنة كاتبي الذي هو الناظر على الكمرك في البصرة حالاً وأخبره سرا وسلمه الموامر ومعه مكتوب للمتسلم ما فيه شيء من هذا الخصوص ليطمئن ومضى من هناك إلى عند بنت الشيخ دخل عندها وسلمها مكتوب من الوزير وبشرها بأن الأمر طبق مرامها وحالاً أمرت له بثلاثة جوار بخشيش.
وأما ما كان من المتسلم فإنه تخوس من مجي الجوقدار ولا عنده أثر خبر فدعا صالح أفندي مستخبراً عن مكاتيب التي أتت إليه فطيب خاطره وأمنه وأنكر عليه المر وقال له نروح إلى المناوي لنعد قبطان باشا ونشوف غيش عنده (لأنه يخاف أن يخبره فيعصي أو يشرد وتصير فتنة) فمضوا إلى المناوي وكان قبطان باشا اسمه عبدي اغا الذي كان اغات الاحتساب سابقاً وصالح أفندي أغتنم فرصة وأخبر قبطان باشا ودبروا الأمر بأن يرجعوا جملة بالماجوة وإن الباشا معزوم عند صالح أفندي. فلما وصلوا إلى عند السراي طلعوا كالعادة من قناق التفنكجي باشي وعند الباب قالوا للمتسلم عليك أمر من أفندينا أنت مرفوع وأمروا بمسكه فمسكهوه اوادم الباشا وأما هو أجاب فرمان افندمزندر وما خالف أبدا حالاً أدخلوه في اوضة في قناق التفنكجي باشي ووضعوا في رجليه الحديد وصبوا فيه الرصاص وعلى الباب عشرين تفنكجي ينطروا وطلع صالح أفندي جلس بالديوان وأحضر جميع الأعيان وقرا عليهم بيورلدى ولي النعم في عزل مصطفى اغا ووكالة صالح أفندي وجملة أناس بل أقول اغلب التاي تأسفوا على رفع مصطفى اغا لأنه كما تقدم القول ما صار منه أذية إلى أحد ويخافوا لئلا يتعوضوا بواحد ردي ظالم.
وأما ما كان من طرف الوزير فإنه دخل إلى بغداد يوم الأحد 23 من شهر صفر(3/657)
(1229هـ) (1814م) وذاك اليوم ما لبس إبراهيم اغا متسلم على البصرة (وهذا إبراهيم اغا كان حكم
في البصرة على فرمان سليمان باشا الصغير وظلم وأبدع مظالم أخيراً عزلوه وحكم ثاني مرة في البصرة في أيام عبد الله باشا وجار على الناس وأخيراً الفقير والتاجر ما عاد فيه احتمال وتقدمت عروضات بحقه ثم تعادى مع بنت الشيخ وتوجهت إلى بغداد في سنة 1227 (1812م) وطلبت عزله والباشا عزله ونصب مكانه رستم اغا وكما تقدم في هذا التاريخ وقت الذي انتصر اسعد باشا وكان عند المنتفك لبس سليمان بك المقدم ذكره وبعده صار مصطفى اغا فيكون في مضية ثلاثة سنين خمسة متسلمين حكموا بالبصرة) والمذكور حالا لبس الكرك أرسل باش جوقداره إلى البصرة يخبر بحكومته وحرر إلى صالح أفندي أن يكون نائبا عنه إلى حين مجيئه فوقع الغم على الفقراء بالبصرة حيث أن في أيام مصطفى اغا صار بنوع ما رخص فالحنطة البحرية الطبية نزلت إلى سعر 4 وغيرها وقس على ذلك سائر الأشياء تهاودت عن أيام سليمان بك.
وأما ما كان من طرف عبد الله اغا فإنه وصل إلى بغداد يوم الأربعاء 3 ربيع الأول 1229هـ و 1814م) ونزل في قناقه والناس إلا اقلهم فرحوا بقدومه وحصل عندهم السرور على أنه حالا يلبس كهية ويعطي نظام البلد ويدبر الأمور ورابع يوم نهار السبت مضى لمواجهة الوزير وما لبس وما أحد عرف السبب وبعد كم يوم أواسط شهر ربيع الأول الوزير اسعد باشا رسم على داود أفندي الذي هو سهره زوج أخته بنت سليمان باشا بأن ما يخرج من بيته مع أن هذا الرجل احسن ما يوجد بدائرته من الكاركلية وكان بوظيفة دفتر دار أفندي ومحبوب منه.
وكان بهذه الأيام صار طلب من الوزير إلى الشيخ حمود شيخ المنتفق وحرك الركاب من شهر ربيع الأول وفي شهر جمادي الأول حتى وصل بغداد وواجه الوزير بكل كرامة والقول إنه أعطاه المقاطعات عن هذه السنة أيضاً أي عن سنة 1229 (هـ) وبهذه السنة توجه من قبل الدولة العثمانية وزير يسمى بابا باشا رجل مدبر عاقل عالم بالأمور فريد عصره في ملك آل عثمان من(3/658)
إسلامبول مخصوص بموجب خط شريف لنظام وترتيب كافة بلاد العثمانلي ومشى بقوة من العساكر وهو مصرف ومفوض في العزل والنصب ولذلك جميع الدراباكية الذين في طريق إسلامبول منهم من قتلهم ومنهم عزلهم ومنهم من ثبتهم وربح تلك الأقطار من الحكام الجائرين على الرعاية حتى انتهى إلى أورقة وأعطى
نظامها بقتل جملة من سخطها - كذا) المتضربنين (كذا) وفي أوائل شهر ج (جمادي الأخرى) سنة 1229 جانا خبر للبصرة أنه وصل قريب الموصل والقول عنه أنه قاصد عرب المنتفق الذي وصلت أخبارهم إلى الدولة في عظم دولتهم وبهتهم مال هبد الله باشا ومن هنا ينتج بأن اسعد باشا استدعى حمود لأملا ما والله اعلم.
تمت:
نشرها يعقوب نعمة الله سركيس
باب المذاكرة والمكاتبة
1 - ملاحظات
سيدي الأستاذ الفاضل:
طالعت الجزء الحادي عشر من مجلتكم الزاهرة فوقعت العين على بعض كلمات أحب إيضاحها خدمة للمجلة وقرائها الأفاضل فأقول:
جاء في ص 561 أن السور المحيط ببغداد بقي إلى عهد سري باشا سنة 1305هـ فأمر حينئذٍ أن يهدم السور وأن يدفع أجره بدلا من مشاهرات الموظفين وجميع طالبي الأموال من خزينة الولاية فما مضت سنة إلا وهدم السور عن آخر طاباقة فيه الخ. والحال أن السور منذ أن نشأ، أعني منذ نحو سنة 1290هـ تهدم بعضه وبقي البعض وهو الأقل. وسبب هدمه أن المرحوم مدحت باشا والي بغداد أمر في سنة 1287 بهدم ذلك من الجهة الغربية قاصداً تحسين هواء الولاية مع العزم على إجراء الماء في خندقه وغرس بعض الأشجار على جوانبه فتهافت الفقراء على قلعه والانتفاع بأجره وبقيت الجهة الشرقية متأخرة حتى وصلت إليها الأيدي وليس للمرحوم سري باشا يد فيه قط كما ترون إذ بين هدمه ومجيء المشار إليه نحو من 17 سنة ثم ما معنى أنه أعطى منه مشاهرات(3/659)
المأمورين وجميع طالبي الأموال مع أن ثمن الآجر لا يقوم باجرة الهدم والنقل. وذكرتم أن على الباب الوسطاني كتابة فليس ثمة شيء منها إنما ذلك على الباب الجنوبي المعروف بالطلسم (لأن على بابه الخارجي رسم ثعابين وأسدين هي سبب طلسمة هذا الباب على رواية العوام) والمتخذ الآن موضعا لخزن البارود والكتابة واضحة وكان الأمر بتشييده أحمد الناصر لدين الله العباسي في سنة عشرة وستمائة.
وجاء في ص 588 سعر صندوق الثقاب الكبير كذا. . . وكان اللازم ذكر مقداره وإنه 720 (دوزينة) والدوزينة 12 علبة.
وورد أيضاً فيها في بحث الصموغ أن سعر الكثيراء كذا. . . عن المن الواحد الذي وزنه ليرة و375 والظاهر أنه سقط العدد 35 لأن المن هو 12 حقة استانة ونصف عن 35 ليرة إنكليزية و71 جزءاً من مائة منها.
وذكرتم فيها أيضاً سعر العفص ولم تذكروا وزنه وهو يباع بالقنطار الذي هو عبارة عن
223 حقة استانة أي 637 ليرة و15 جزءاً من مائة منها.
وذكرتم في ص 591 أن الصاعود يأخذ معه علاقة فيلقط التمر ويضعه فيها والحال أن ما يصحبه الصاعود معه هو (الملقط) وهو مدور كالسفرة؛ وسط قطره نحو 70 سانتيمتراً يلف على دائرته عود يخاط بالدائرة لئلا تجتمع أطرافه بعضها إلى بعض لأن الرطب إن وضع في العلاقة يتلف ولذا اتخذوا له هذه الهنة.
وذكر الكاتب الأديب ع. ن في الصفحة 608 أن محاكمة المأمور المنصوب بإدارة سنية لا تكون إلا بمثلها في الدور الماضي فأقول: قد ورد في هذا الشهر قانون مخصوص لمحاكمات المأمورين كافة سواء كانوا منصوبين بإدارة سنية أو لا وخلاصته أن المأمور إن عمل عملاً يوجب التبعة (المسؤولية) سواء كان من وظيفته (مأموريته) كاختلاس وسوء استعمال أو في أثناء وظيفته كأن خاصم أحداً كان يراجعه في وظيفته فإن أكبر مأمور في الولاية وهو الوالي يأخذ الأمر بالتحقيق ويحرر رأيه في هل ما تحقق لديه يوجب تبعة (مسؤولية) المأمور أو لا ثم يبدي رأيه لمجلس الإدارة بشرط أن ينعقد بغير حضور الوالي والمجلس يدقق في ما أرتاه الوالي فأما أن يوافقه على وقوع المسؤولية فيحول الأوراق للعدلية لمحاكمته وأما يرد رأي الوالي فتترك الأوراق مهملة. وقد ذكرت ذلك إظهاراً لما فيه من الفائدة.(3/660)
وذكرتم في الصفحة 613 أسماء المبعوثين والحقتم ذلك بأنهم سافروا نهار الاثنين 10 جمادي الأولى فالذي سافر منهم بذلك التاريخ جميل صدقي أفندي وتوفيق بك فقط وأما مراد بك فهو متأخر إلى اليوم لأشغال له خصوصية وفؤاد أفندي كان في الشام منفصلاً عن رئاسة محكمة الجزاء الثانية الملغاة ومنها توجه إلى الأستانة وشوكت باشا سافر نهار السبت 7 جمادي الآخرة وساسون أفندي هو في الأستانة مستشار نظارة التجارة والزراعة.
وفي الصفحة 616 نقلتم عن الرياض بحث تعداد النفوس في الولاية وإن الإحصاء في زمن مدحت باشا كان للمسلمين 52689 ولغيرهم 10583 وأن المجموع 63273 فلو كان في الحساب سهو بواحد فلا بأس وقال في إحصاء زمن ناظم باشا كان 67263 منهم 20736 غير المسلمين فالباقي من الحساب للمسلمين 46627 فيكون عدد المسلمين نقص في 46 سنة 6062 والمحرر عندكم أن عددهم زاد 14974 فما هذا الفرق وكيف انقلب
النقص زيادة الكاتب لما علم أن فيهم زيادة استقلها لنسبته زيادة غير المسلمين وأخذ بتعليلها فماذا عساه ن يقول بعد أن يعلم سهوه وأنهم نقصوا لا زادوا والأصح أن التعداد لدى حكومتنا لا معول عليه قط ولا يلتفت إلى زيادته ولا إلى نقصه لأنه تخميني لا حقيقي.
يحيى
2 - الشص والفالة
سيدي الفاضل صاحب مجلة لغة العرب
بعد التحية والإكرام قرأت المقالة التي كتبتموها عن صيد السمك في العراق في 3: 519 فألفيتها مقالة جمعت فوعت وقد عن لي في أثناء مطالعتها ملاحظتان فأحببت عرضها عليكم لكي تتدبروا صحتها:
1 - ذكرتهم أن لفظة (شص) هي من الفارسية (شست) وقلتهم لم يصرح بعجمتها أحد من اللغويين مع وضوحها فاسمحوا لي أن أذكركم أنه قد سبقكم إلى هذا القول بعض اللغويين ومنهم السيد أدي شير رئيس أساقفة سعرد الكلداني إذ قال في كتابه (الألفاظ الفارسية المعربة) ما نصه (الشص حديدة عقفاء يصاد بها السمك تعريب شست اهـ.)
2 - ذكرتم الفالة وقلتم عنها لا يدري أصلها ولا مأخذها. قلت لعل هذه اللفظة(3/661)
محرفة عن (كال) الفارسية وهي آلة معوجة كالصنارة تهدم بها الحصون وقد وجدتها مثبتة في محيط المحيط في مادة ك ي ل وفي كتاب الألفاظ الفارسية المعربة الآنف الذكر.
هذا ما قصدت عرضه في ساحة علمكم الواسع والسلام.
رزوق عيسى
(لغة العرب) يحتمل أن تكون الفال أو الفالة لغة في الكال. والكلمة فارسية معناها المعقف أو المنحني أو المنعطف كالصنارة. وإبدال الكاف فاء معروف في العربية فقد قالوا: في صدره على حسيفة وحسيكة أي غل وعداوة. والحسافل والحساكل (الصغار) (راجع المزهر 1: 225) ويقال أنها لغة تميم فإنهم يقولون النكة في النفة وهي الإبل التي ذهبت أصواتها من الضعف. وفي كتب اللغة: السلف: السلك وهو الحجل. والأنثى سلفة وسلكة والجمع سلفان وسلكان.
فوائد لغوية
(غير وسوى) بمعنى (إلا) عاميان مبتذلان
نقرأ في بعض الجرائد والمجلات مثل قولهم: ما أخاف (غير) من الحاكم. ولا أتكلم (سوى) مع أصدقائي. وهذا من التصرف القبيح بالألفاظ لأنهم ينزلون غير وسوى منزلة (إلا) وهذا لم يسمع إلا في كلام العوام. لأنهم يعتبرونهما حرفين والمنقول عن العرب أنهما اسمان يأتيان مضافين غالباً ولا يمكن أن يفصلا عن المضافين إليهما المستثنيين بهما بحرف جر. ولهذا لا يقر التركيب في كلامهم بخلاف إذا وضعت الألفاظ في مواطنها. وعليه أما أن نقول: ما أخاف إلا من الحاكم ولا أتكلم إلا مع أصدقائي. وأما لأن نقول: ما أخاف من غير الحاكم ولا أتكلم مع سوى أصدقائي. والأول أشهر. فتدبر
أسئلة وأجوبة
سبب إفراد الفعل مع وجود فاعله المجموع
سألنا غير واحد من المستشرقين: لماذا يبقى الفعل في العربية مفرداً إذا تلاه فاعله المجموع بخلاف سائر اللغات؟
قلنا: إذا قدم الفعل على الفاعل عد في العربية كالكلمة الواحدة صدرها الفعل وعجزها الاسم. ولهذا افردوا الفعل وجمعوا الاسم. لأن الكلمة الواحدة لا تجمع مرتين. أما إذا أخروا الفعل عن الاسم فإن كلاً منهما يصبح في العربية قائما بنفسه(3/662)
بائناً عن صاحبه ولم يبق هناك فعل وفاعل بل مبتدأ وخبر ولما كان من حق الخبر متابعة المبتدأ تابعه في الجمع كما أنه يتابعه في جميع الأحوال أن في التأنيث وإن في التذكير فهذا هو سر إفراد الفعل مع وجود فاعله المجموع.
باب المشارفة والانتقاد
1 - المباحث
(مجلة علمية أدبية فكاهية لمنشئيها جرجي وصموئيل ينى. السنة السادسة. قيمة الاشتراك عن سنة 15 فرنكاً في طرابلس وفي سائر الأماكن يضاف فرنكان على أجرة البريد) وهي شهرية تصدر في طرابلس الشام في 104 صفحات بحجم المجلات الكبيرة
ما من أحد يطالع هذه المجلة إلا ويشهد لصاحبيها الفاضلين العالمين بحسن النظر في اختيار المواضيع التي تلذ للمطالع. أما عبارتها فإنها مفرغة في قالب يروق الفكر والسمع وهو مما يندر في صحفنا ومجلاتنا. ولهذا نطلب لصاحبيها المتفننين النجاح والفلاح والعمر الطويل خدمة لأبناء هذه اللغة الشريفة.
2 - صحيفة الوراثة
مجلة شهرية أصدرت لتربية الأنبتة والحيوانات وتحسين تولدها.
هذه المجلة تعلي كعب أصحابها من جميع الوجوه فإن اللجنة القائمة بها تعني عناء خاصاً بتحسين نتاج النبات والحيوان وقد بلغ أصحابها في سعيهم هذا شأواً بعيداً وادهشوا الناس بنتائج ما أتوا. وهم ينشرون هذه المجلة لتعميم فوائد ما يحصلون عليه ونفعاً للألفة ومجلتهم هذه تنشر في واشنطون من ديار أميركة وهي بديعة الطبع والتصوير والكاغد وآية في المحاسن. وفي مثلها ليتنافس المتنافسون.
3 - الوضيعة الشهرية للجنة البستنة
هذه وضيعة أميركية أيضاً غايتها العناية بأمور البساتين وتحسين ما يزرع فيها وإصلاح ما يقع فيها وفي أنبتتها مما يحتاج إلى ترقية وهي كأختها السابقة في حسن اختيار الأبحاث النافعة لأبناء الزراعة والحراثة كثيرة التصاوير المتقنة والتحقيقات المثبتة ينشرها صديقنا بول بوينوي في بلدة سكرامنتو من أعمال كالبيفرنية. فعسى الذين يسعون في ديارنا بترقية الزراعة أن يشتركوا في مثل هذه المجلات والوضائع(3/663)
ليطلعوا على تقدم الزراعة في
الأقطار النائية لكي لا نكون في أخريات أبناء هذا الزمان.
4 - الجزء الثاني من كتاب المطالعات والمراجعات والنقود
والردود لمؤلفه محمد الحسين كاشف الغطاء النجفي.
طبع في مطبعة العرفان بصيدا سنة 1331
هذا الكتاب عبارة عن قسمين: قسم مدح وقسم قدح، فالمدح يرجع إلى المؤلف نفسه وإلى من يريد أن يذر الرماد في عينيه. والقدح يعود إلى من ناوأه إذ هو سلاح العاجز. ومن مجلة من سبهم وشتمهم أصحاب المقتطف والهلال وهذه المجلة فنحن لا نجيبه لكي يكون هو الغالب في هذا الميدان وكفى ذلك شرفاً له، فليهنأ عيشاً وليطيب خاطراً!!!
5 - قرار اللجنة المارونية الرئيسية
لتنسيق حفلات يوبيل غبطة السيد الجليل مارالياس بطرس الحويك بطريك إنطاكية وسائر المشرق.
6 - كتاب الإتقان في صرف لغة السريان
للمطران يوسف دريان مطران طرسوس شرفاً والنائب البطريكي الماروني وظيفة. طبع بالمطبعة العلمية ليوسف صادر في بيروت سنة 1913.
وصلنا هذا الكتاب منذ خمسة أشهر واعددنا له نقداً يبين محاسنه وبعض مساوئه إلا أن تكاثر الهدايا وازدحام المجلة بمقالات الأدباء والمؤازرين حالت إلى الآن دون درجه. وكما أن هذا الجزء هو العدد الأخير من السنة لم نرد تأخير مشارفتنا له. فنقول بالجملة إن إعادة طبعه يدل على ما نال هذا السفر من الحظوى عند دارسي اللغة السريانية وهذا احسن وأشرف تقريظ له لكن ورد فيه جملة قواعد توافق ما صرح به علماء اللغة السريانية في كتبهم. فإن (رحيا) مثلا تجمع جمعين (رحوتا ورحيا) ولم يذكر الثانية (راجع ص 95) وفي تلك الصفحة في الحاشية كلام عن (ليلوتا وكريا) وهو مخالف لما جاء في كتاب اللمعة للمطران يوسف داود 1: 365 وقال في ص 109 (صديوتا: العطش) ولم نجدها في سفر من الأسفار بهذا المعنى ولعل سيادته تذكر مشابهتها في العربية وهي الصدى أي العطش فاختلط عليه الحابل بالنابل. والمشهور في معناها الخراب والدمار. ومثل هذه الأوهام كثير
وهناك أغلاط طبع في العربية والسريانية فلخلو مطابعنا منها لا نتعرض لها وأما الأغلاط العربية فكقوله: (يجلبه التقاء ثلاث سواكن أي الحرفان الساكن في المفرد والحرف الذي قبل واو الصيغة). والأصوب أن يقال: ثلاثة سواكن أي الحرفين الساكنين. . وفي ص 2 في آخر سطر: النظرية والعلمية. والأصح: والعلمية
على أننا نقول إن هذه الشامات لا نشوه محاسن هذا الكتاب بل ربما حسنته على مذهب من برى الشام محسنات في الوجوه لا مشوهات لها.(3/664)
7 - كتاب وصايا ملوك العرب في الجاهلية
تأليف الإمام الشهير الكاتب الأديب اللغوي يحيى بن الوشاء طبع بمطبعة الشابندر في بغداد سنة 1332 الجزء الأول في 40 صفحة
كتاب وصايا الملوك من أجل الكتب إذ قد حوى منها ما يزري باجمان، وبقلائد العقيان، وقد ذكر في هذا الجزء الأول وصايا هود وقحطان ويعرب ويشجب وعبد شمس وسبا إلى سيف ذي يزن. وقد نسبها واضعها إلى ملوك العرب الأقدمين. ولا حاجة إلى القول أنها من وضعه لأن الناطقين بالضاد لم يكونوا قد وصلوا بعد إلى التكلم بالعربية الفصحى على الوجه الذي صارت إليه في القرن السابع للميلاد. على أن تلك الوصايا تبقى آية في البلاغة وحسن النصح ولهذا يجدر بكل أديب أن يطالعها ويجمعها كتاباً يرجع غليه عند النائبات. وأما ترجمة المؤلف فسنذكرها في موضع آخر.
8 - كتاب في الوهابية
رسالة تبحث عن مذهب الوهابية نشرتها جريدة الرياض ببغداد لصاحبها سليمان الدخيل طبعت بمطبعة الشابندر في بغداد سنة 1332 في 16 صفحة
جل مدارها عن محمد بن عبد الوهاب واعتقاد أهل نجد في الأولياء وزيارة القبور وأقوالهم في الخرافات. وهي بمنزلة تتمة لمن يريد الوقوف على معتقد أهل نجد الحاليين فنوصي أهل الأدب باقتنائه.
9 - فهارس الشواهد الشعرية الواردة في كتاب أمالي القالي.
المستشرقون لا يستطيعون أن يروا كتاب تاريخ أو أدب أو لغة بدون فهارس ولهذا إن رأوا
كتاباً جليلاً خالياً من هذا المفتاح عمدوا إلى وضعه كما فعلوا لكتاب الأغاني. وهاهم الآن قد انشئوا فهارس لكتاب أمالي القالي المطبوع في بولاق في سنة 1324 وهي تحوي أسماء الشعراء المذكورين في التصنيف المذكور وقوافي الأبيات الواردة فيه وهي من وضع ف. كرنكوف وأ. أ. بفان. وكفى بذلك تعريفاً لهذه الفهارس وللحاجة إليها. وهي مطبوعة في ليدن في مطبعة بريل
10 - نهاية الأرب، في معرفة أنساب العرب
لأبي العباس الشيخ شهاب الدين أحمد القلقشندي طبعه سليمان الدخيل صاحب جريدة الرياض ببغداد سنة 1332
صديقنا سليمان أفندي الدخيل لا يطبع من الكتب إلا ما يرى أنها تفي بغرض من الأغراض وتحسن على أبناء العربية بما يسهل لهم طريق السعي وراء ضالتهم وهاهو ذا قد طبع الآن هذا الكتاب النفيس على نسخة خزانتنا تعميماً لفوائده. واحسن طريقة لمعرفة محتوياته ذكر فهرس فصوله وهي:(3/665)
المقدمة في ذكر أمور يحتاج إليها في علم الأنساب ومعرفة القبائل وفيه خمسة فصول.
الفصل 1: في علم الأنساب وفائدته ومسيس الحاجة إليه.
الفصل 2: في بيان من يقع عليه اسم العرب وذكر أنواعهم وما ينخرط في سلك ذلك
الفصل 3: في معرفة طبقات الأنساب وما يلحق بذلك.
الفصل 4: في ذكر مساكن العرب القديمة التي منها درجوا إلى سائر الأقطار.
الفصل 5: في ذكر أمور يحتاج إليها الناظر في علم الأنساب
المقصد في معرفة تفاصيل أنساب قبائل العرب وفيه فصلان.
الفصل الأول في ذكر عمود النسب النبوي وما يتفرع عنه من الأنساب.
الفصل 2 في ذكر تفاصيل القبائل مرتبة مقفاة على حروف المعجم وما يتهيأ ذكره من مساكنهم الآن.
الخاتمة: في ذكر أمور تتعلق بأحوال العرب وفيه 5 فصول:
الفصل 1: في معرفة ديانات العرب قبل الإسلام.
الفصل 2: في ذكر أمور من المفاخرات الواقعة بين قبائلهم وما ينجر إلى ذلك.
الفصل 3: في ذكر الحروب الواقعة بين العرب في الجاهلية ومبادئ الإسلام.
الفصل 4: في ذكر نيران العرب في الجاهلية.
الفصل 5: في ذكر أسواق العرب المعروفة قبل الإسلام.
وكفلا بهذا الفهرس تعريفاً للكتاب واحتياج الناس إليه. وهو مطبوع في مطبعة الرياض
11 - مجلة المنتدى الأدبي
هي السنة الثانية من (لسان العرب) وبدل هذا الاسم بذاك إصداراً للشيء باسم مصدره. أما خطة المجلة فقد بقيت على اصلها. وكذلك عبارتها وكنا نود أن تكون منقحة خالية من أغلاط النحو واللغة قليلة أغلاط الطبع لكن الحالة تشهد بخلاف ذلك فنتمنى لرصيفتنا الرقي والنجاح خدمة للوطن واللغة.
12 - ديوان الطباطبائي
(وهو ديوان السيد إبراهيم الطباطبائي شاعر العراق الشهير المتوفى سنة 1319هـ. أذن بنشره وتمثيله للطبع ولداه الفاضلان السيد حسن والسيد محمد. طبع على نفقة شركة عراقية وحقوق الطبع محفوظة لها ومسجلة باسمها رسمياً طبع بمطبعة العرفان في صيدا سنة 1332هـ. وقيمته بشلكات.)
هذا الديوان مصدر بترجمة السيد الناظم مع تعريف أسرته وهي من قلم(3/666)
الأديب علي أفندي الشرقي واغلب القصائد في الغزل والنسيب والرثاء والمديح من الأبواب المطروقة والموارد المشروعة وفيها شيء من أبيات الحماسة (ص 151 و241) ومن قصائد المكاتبة والمراسلة وفي بعض أغراض له وليس فيها من المواضيع العصرية سوى قصيدة دالية في قداد الكاظمية ص 71 وأخرى يائية في وصف سد للفرات (ص 275) وفي الأخر بيتان قال عنهما الطابع: نسى المرتب في حرف القاف قوله في السماور. . . . الخ والذي نعلمه أنهما للشيخ محمد نصار اللملومي الشهير بالنعى كما أخبرنا بذلك صديقنا الشاعر الكبير الشيخ محمد السماوي وكان قد رواهما له السيد الطباطبائي نفسه ناسياً إياهما إلى الشيخ محمد نصار المذكور - والكتاب حسن الطبع والكاغد والتبويب إلا أننا نستأذن زميلنا أحمد عارف أفندي الزين شارح غامض الأبيات والواقف على طبعه بالتنبيه على أنه فاته بعض
أغلاط في الطبع وفي الشرح.
أما أغلاط الطبع فقليلة كقوله في ص 144 عصينا الله في ضم والصواب في صنم.
وكقوله في تلك الصفحة رشاً قد عقد الوصل. وقد ضبط القاف بالشد والصواب بدون تشديد إلى غير ذلك.
وأما أغلاط الشرح فهي أكثر كقوله في هذا البيت:
هيكل نهد القصيري شيظم ... سابح ينفح بالخيل احتضارا
فقال في الحاشية: الهيكل: الضخم من كل الحيوان (والأصح الضخم من كل شيء.) وقال القصيري: تصغير القصر (ونحن لم نجد في كتاب أن القصر تصغر على قصيري وإنما القصيري هنا أسفل الأضلاع أو آخر ضلع في الجنب وأصل العنق. فيحتمل أن يكون أحد هذه المعاني لكن لا يحتمل في هذا البيت المعنى الذي أشار إليه إلا بتكلف)
عظيم - وقال في شرح هذا البيت:
فعسى يعود على المحب بعطفه ... عود على مر الليالي عاسي
فقال في الحاشية: قال أبو عبيد: العاسي: شمراخ النخل (قلنا: ولا محل لمعنى الشمراخ هنا وإن كان من معاني العاسي هذا الذي يشير إليه وإنما يوتى في الشرح بالمعنى الذي يوافق القرينة في المتن ثم قال: وعس (وشدد السين) النبات غلط وصلب ولعل عس من أغلاط الطبع التي لم تصحح والصواب(3/667)
عسا أو عسى النبات بالمعنى الذي أشار إليه. وفي ص 150 في شرح هذا العجز: (ضحضاح ماء لا يواري الدعمصا) قال: الدعموص: دودة لها رأسان تنظر في الماء إذا قل. وهذا التعريف غريب لا يرضي به أبناء عصرنا إذ لا يوافق أنباء العلم الصحيح. وليس في اللغة كلمة الدعمص كما في شرح هذا البيت:
يا بنفسي بالرياض الحو ذا ... غيد يستن والروض مريع
استن الرجل استاك (نعم هذا صحيح لكن لا يرتد هذا المعنى في هذا المقام) وبه الهوى حيث أراد أي ذهب به كل مذهب. (نعم وهذا أيضاً صحيح لكن ليس هذا محله. وإنما معنى استن هنا: عدا إقبالاً وأدباراً من نشاط وزعل لا غير). - وقال في ص 80 في تفسير العيرانة ما نصه: العيرانة من الإبل التي تشبه بالعير لسرعتها ونشاطها. (قلنا: ولو قال (في) سرعتها ونشاطها لكان أصح وأصوب - وهذا أيضاً ليس بقوي والأحسن أن
يقال: سميت لكثرة تطوافها وحركتها اشتقاقاًُ من العير المصدر لا من العير الحمار كما قاله بعض ضعفاء اللغويين) راجع التاج - وفي الديوان أبيات كثيرة تحتاج إلى أن يفسر غامضها ولعل كثرة أشغال رصيفنا حالت دون أمنيته.
ثم إننا نرى الناشر قد حذف أسماء من نظمت له القصيدة فلو ذكرها لزادت حسناً ولبقيت المنظومة تاريخاً للرجال أو للحادثة أو للموضوع الذي رمى الشاعر فقد جاء مثلاً في ص 18 هذا العنوان: (وقال أيضاً رحمه الله تعالى متغزلاً) فلو قال (وقال أيضاً رحمه الله في ولد اسمه متعب) لكان أوفق للمقصود. ثم لا نرى سبب تغيير متعب (بعاتب) في قوله في تلك القصيدة:
ولقد شكوت عليك عندك (عاتبا) ... لو كان للعشاق عندك معتب
وقال في ص 16: (مقرظا أشعار بعض زملائه) ولو سماه باسمه وهو الشيخ جواد أفندي شبيب الشاعر الشهير لكان أوفى بالمرام. ومثل هذا كثير.
ومما فات الناشر ذكره في المقدمة حذف اسم صاحب الجوهر (وهو الشيخ محمد حسن المتوفى سنة 1266). ومما لم ينتبه إليه الناشر تعديد الأسر الطباطبائية في العراق أمناً للبس إذ بينها أسرة بحر العلوم التي منها صاحب هذا الديوان. وآل السيد (مير علي) صاحب كتاب الرياض وهذا البيت مقيم في كربلاء. وآل الطباطبائي في البصرة وهؤلاء من السنة ومن أجدادهم السيد(3/668)
عبد الجليل الطباطبائي صاحب الديوان المطبوع في الهند. ومن الطباطبائيين: السيد كاظم اليزدي نزيل النجف وهو من أكبر علماء الشيعة الحاليين ويتصل أجداد هذا السيد بأجداد آل بحر العلوم بعد عدة أصلاب. وأما سائر من يسمى بالطباطبائيين فليس بينهم قرابة رحم ولا صلة نسب. فهم طباطبائيون في اللفظ لا غير
ومن هفوات الناشر قوله ص 4: (وكان ذو) والصحيح ذا. وقال في ص 6: (ومنهم الشيخ محمد السماوي. . . والشيخ عبد الحسين الخياط. . . وسوى هؤلاء) وقد عطفهم على تلامذته الأولين الذي فصلهم عن الآخرين جملة معترضة لا تقل عن 17 سطراً!
أما أغلاط الشاعر فمنها جمعه في ص 11 فقاعة على فقاقع والصحيح فقاقيع وإن أراد إقامة الوزن فليقل فواقع جمع فاقعة هرباً من الضرورة الشعرية الشنيعة التي لا محل لها في عصرنا هذا. وإن جوزها ضعفاء الشعراء الذين يعدون بالمئات. وجاء في ص 10
ضنائي وفي ص 12 بمنائي وكلاهما (من الضرائر الشعرية القبيحة) ومن مثل هذه الجوازات المذمومة قول صاحب الديوان في ص 31 (شاب وأشيب يستهل بوجهه) ولم يرد في كلامهم شاب بتخفيف الباء. وورد في ص 32 (الآن أضيع رجا الطالب) وفيها جوازان: تلبين همزة الآن الممدودة وحذف همزة الرجاء. ومن الجوازات المنبوذة تحريك الساكن في مثل رطب (ص 37) أي ندى. ومن الأغلاط الواردة في الديوان ما جاء في ص 20: (اكفف يا بفيك الأثلب) والصحيح اكفف بفيك الاثلب ولعل الزيادة من المنضد. ومما يخرج عن الوزن ما ورد في ص 35: (إذا انبعثت تستشيط غضابا.) - وقال في ص 35: (غريبا أرى غريب الديار) وهذا الشطر لمهيار من قصيدته الفائية في رثاء الحسين.
وهذا كله لا يزري بحسن الديوان فإنه مما يخلد اسم ناظمه ويبقى له الشهرة الطيبة بين شعراء العراق.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - قتل في إمارة ابن الرشيد
نقلت صدى الدستور البصرية والزهور البغدادية خبراً محصله أن ابن الرشيد(3/669)
أمر بقتل خاله زامل السبهان وهو الذي سعى السعي الصادق في توطيد أسس الإمارة في حين كانت قد أوشكت أن تنتقض؛ وهو الذي كان يدافع حق الدفاع عن الإمارة كل مرة حاول بعض الأعداء مسها بضر، وهو الذي أصلح ذات البين بين الأمير ابن السعود والأمير ابن الرشيد فطأطأت قبائل شمر رؤوسها لأميرها وهو الذي كفل تربية الأمير الجالس على عرش الإمارة منذ أن كان في المهد إلى أن أجلسه على أريكة الملك بعد أن زحزح عنها أولاد وأحفاد عبيد الرشيد الذين ورثوا الملك بعد قتلهم أخوته. - وسبب قتله على ما يقال هو إباؤه موافقة أوامر الأمير لأن زاملاً لا يحب مقاطعة الأمير ابن السعود. وكان يقولك لا حاجة لنا أن نتدخل في مسألة البصرة وسياسة الدولة ولهذا اتفق الأمير سعود الصالح السبهان (وهو ابن عم زامل من فخذ السلامة) على قتله (وهو من فخذ العلي وكلاهما أي القاتل والمقتول من آل سبهان) وقتل أربعة معه وهم: سبهان عم زامل، واثنان آخران من أبناء عم زامل. وأرسل الأمير ابن الرشيد سرية إلى بلدة حائل لقتل إبراهيم السبهان المقيم فيها وأودع إدارة الأمور التي كانت بيد زامل إلى القاتل سعود المذكور.
وفي مناسبة هذا القتل السياسي عددت صدى الدستور قتلى الرشيد وأبناء عمهم آل سبهان في السنوات العشر الأخير فقالت: سالم ومهنا الرشيد اللذان قتلا في حرب الطرفية الشهيرة التي وقعت بين الأمير عبد العزيز الرشيد وبين أمير الكويت وماجد وعبيد الرشيد وفهد السبهان الذين قتلوا في حرب القصيم في محاربتهم الأمير عبد العزيز السعود وعبد العزيز الرشيد الذي قتل في محاربته الأمير عبد العزيز السعود.
أما الذين قتلوا في الفتن التي ثارت بينهم من أجل الإمارة فهم: متعب ومشعل وطلال ومحمد وكلهم من آل الرشيد قتلهم أبناء عمهم سعود وسلطان وفيصل. وعبد الله وسلمان وحمداً وكلهم من بيت الرشيد.
والذين بقوا من بيت الرشيد خمسة وهم: الأمير الحالي وعمره 17 سنة وولداه الصغيران وهؤلاء هم من بيت عبد الله الرشيد. واثنان من عبيد الرشيد الدخلاء عند الأمير عبد
العزيز السعود وهما: فيصل وضاري آل الرشيد.
2 - الأمير الشيخ سالم الصباح
نزل بعشائره على سفوان ولعل هناك غاية خفية.(3/670)
3 - الأمير ابن الرشيد
نزل على لقيط وخرج لمقابلته سالم الخيون مع جملة من رجاله. والظاهر أنه ينهض من هناك إلى (الطوال) التي يقيم فيها عشائر شمر ومنها يتوجه إلى حائل مقر إقامته.
4 - الجراد بين الزبير وسفوان
كثر الدبى بين الزبير وسفوان وقد رعى شيئاً جماً من نبات ذلك الصقع فاقلق خواطر البادية.
5 - الإنكليز في البصرة
وضعت إنكلترة في البصرة سفينة كبيرة فيها دقل عالٍ وفي قمنه قنديل ينار ليلاً لإضاءة مدخل البصرة الخطر على البواخر القادمة من أسفل الخليج الفارسي.
6 - حالة مسقط
لا زالت نيران الفتن مضطرمة في إمارة مسقط والذين يسعرونها الثوار الذين - وإن مات زعيمهم - لم تمت منهم نياتهم السيئة إذ احتلوا بلد (نخل) وهم في عصيان ظاهر.
أما سلطان مسقط وأخوه نادر فإنهما ذهبا إلى (بركة) يستعدان فيها للحرب؛ لكن ظهر من طلائع جيشهما من الضعف عند محاولة الهجوم على (نخل) ما أيد للعدو ما يعتقده في جندهما فتقدم إلى (بركة) فتسور دار الوالي سليمان في خارج البلد فاتخذها لنفسه مقراً ثم أخذ يحارب حصون (بركة) من أعالي تلك الدار فقابلته الحصون بالمثل زمناً أظهر فيه السيد نادر من الشجاعة والبسالة والحماسة ما اعجب الناظرين. ودامت الحرب يومين. - وكان في ميناء بركة بارجة إنكليزية تنتظر إشارة من السلطان لتمطر على الأعداء وابل الويل ونصب عليهم المصائب فلما آن الوقت أطلقت البارجة مدافعها على المتحصنين في الدار المذكورة فنسفتها نسفاً وبددت شمل العدو فولى الأدبار بعد أن قتل منه عدد عظيم.
وكانت تساعدها في الفتك باخرة السلطان (نور البحر) وبعد ذلك انقطع خبر الأعداء لتستجم قواهم الخائرة.
7 - محاصرة قريات
حاصرت عشيرة بني بطاش بلدة (قريات) وعاثت في أطرافها فساداً وقد تضرر منها سكان البلدة ولا سيما البلوص منهم وقد ابلوا بلاء حسناً في مقاتلة العشيرة.(3/671)
ولما طال الحصار عليها وعيل صبر سكانها تركوها للعشيرة المحاصرة بعد أن حملوا منها ما خف حمله وغلا سعره. وفي اليوم الثاني دخلها العدو ظافراً.
ولما وقف السلطان على هذا الخبر وكان في (بركة) زحف على العدو في باخرته تصحبه البارجة الإنكليزية ولما قرب منها أطلقت البارجة قنابلها على (قريات) فحولها قاعاً صفصفاً وانهزم العدو بعد أن مات منه عدد جم. متجهاً نحو (بركة) ليهجم عليها من جهة لا تصله قنابل البارجة. ولهذا ترى الحرب هناك سجالاً ولم تنطفئ جذوتها إلى الآن.
8 - الأمير ابن السعود
وصل هذا الأمير إلى قرب الكويت ونزل على قرية (الصبيحية) بجيشه وهذه القرية تبعد عن الزبير 3 أيام وعن الكويت 6 ساعات. ويقال أن مجيئه إلى تلك القرية لأمور سياسية جليلة.
9 - سرية الأمير ابن الرشيد
وصلت سرية الأمير ابن الرشيد إلى (حائل) بعد أن بلغ خبر سبب قدومها إليها أي للفتك بأسرة السبهان الموجودة هناك. وكانت هذه السرية لا تعرف بأن من يراد قتلهم قد وقفوا على الغاية التي قدمت لها. فلما أرادت الدخول في البلدة خرج عليها إبراهيم بن سبهان مع جماعة من رجاله وقابلها بإطلاق البنادق عليها فأدبرت فارة. وأما ابن سبهان فإنه لا يزال مقيما في حائل ولعله يستولي على كل ما يعود إلى الأمير ابن الرشيد.
10 - عشيرة الذرعان
هجمت هذه العشيرة وهي فخذ من الضفير على عشيرة من عشائر شمر فنهبتها.
11 - القشعم ووطبان الدويش
لحق القشعم أحد زعماء مطير بجيش الأمير سالم الصباح وسيتبعه عن قريب الزعيم الأكبر لتلك العشيرة وهو (وطبان الدويش)
12 - الشبلان
نزلت عشيرة الشبلان على كويبدة وهي موضع على مسافة ساعتين من الزبير
13 - مبعوثو المنتفق
حاز معظم الآراء معروف أفندي الرصافي وعبد المحسن بك آل السعدون وقريش أفندي. فنهنئهم بهذا الفوز.(3/672)
إصلاح بعض الأغلاط واستدراكها
صفحة 10 سطر 15 أنها ورثت صوابها أنهن ورثن. - ص 27 س 7 ووهو: وهو. - ص 29 س 3 الصحيفة: الصفيحة. - ص 29 س 10 العبلى: الصبلى - فيها س 17 كاوب: كلوب - فيها س 18 - 19 وفتح الفاء المهملة وفتح الحاء المهملة. - ص 31 س 14 واقفة: واقعة. - ص 32 س 27 من الأعراب: من الأصحاب. - ص 33 س 29 العطيش: العطيشي. - ص 34 س 19 مدة فيه فلم: مدة فلم. - ص 31 س 23 (باسم النعى): باسم (النعي). - ص 39 س 11 لما فصلت البصرة عن ولاية بغداد: إن ولاية البصرة انفصلت للمرة الأولى عن ولاية بغداد في سنة 1292هـ (1875م) فعين لها والياً الوزير ناصر باشا كما روته (سالنامة البصرة) الصادرة في سنة 1320هـ ولم يكن ابنه مزيد باشا في سنة 1320. متصرفاً للأحساء؛ بل كان يومئذ في أنحاء الشامية وذلك بعد الواقعة المشهورة ب (واقعة الرئيس). - ص 42: السطر الأخير: حنبص: حنفص ص 47 س 13 يتجول به: يتجول تارةٍ. - ص 52 س 20 من ترجمتهم: من ترجمته. ص 57 ص 60 س 11 صفاى: صغاى ص 61 الحاشية 2 صحيحها: نهر سمرة الذي ذكره ياقوت هو غير النهر الذي ذكرناه نحن (هذا التصحيح من الكاتب الأديب) إذ أن في الأول قبر العزيز عم وهو واقع على نهر دجلة شمالي القرنة. وأما النهر الذي ذكرناه نحن فهو واقع على نهر شط العرب في جنوبي القرنة وداخل في ناحية الهارثة في شمالي مدينة البصرة. ص 61 س 4 الخرنينة: الخزينة - فيه الحاشية 2: الصواب: إن هذا النهر داخل أرض كان صاحبها سابقاً رجلاً من أهل خربوط فنسب النهر إلى الأرض ونسبت الأرض إلى مالكها الخربوطي لأن البصريين إذا أرادوا أن ينسبوا أرضاً أو شيئاً مؤنثاً إلى شخص أضافوا إليه الهاء إشارة إلى شهرة الشخص. مثلاً إذا أرادوا أن ينسبوا أرضاً إلى شخص بغدادي سموها: (البغدادية) أو إلى شخص موصلي قالوا (الموصلية) إلى ما ضاهاهما. وليس مرادهم تأنيث المالك كما توهمتم ونقول مثل هذا القول عن أنهر المقدسية والششترية والشيرازية المذكورة في ص 63 (كانت المقالة) ص 63 حاشية 2: قلناه نهر الخورة ليس تابعاً لنهر المناوي البتة. وهو أوسع من نهر المناوي طولاً وعرضاً. وأما نهر المويلح (تصغير المالح).(3/673)
العدد 35 - بتاريخ: 01 - 07 - 1926
سنتنا الرابعة
1: مجلتنا في السابق
كنا قد أصدرنا مجلتنا في سنة 1911 فبرز منها ثلاثة مجلدات عن ثلاثة أعوام ولما جاءت الحرب العظمى بأهوالها، كنا قد أصدرنا من سنتها الرابعة جزأين فقط. حينئذ نفينا ظلماً إلى قيصرية كباودكية (المعروفة عند الأتراك بقيصري) فانقطعنا عن إخراجها للقوم إلى أن كان الصلح.
فأصدرنا (دار السلام) مدة تزيد على ثلاث سنوات، ثم سافرنا إلى أوربة لمشتري آلات طباعة فتم الأمر في منتصف سنة 1921. ثم عاندتنا الأحداث بأنواعها. إلى أن ذللناها في هذه الأيام، وعلماء البلاد العربية اللسان يلحون علينا بإصدارها لما قامت به من خدمة للعراق وتعريف أبنائه ودياره وتسويق تاريخه في سابق العهد وحديثه، حتى كادت النفس تمل من كثرة ما سمعت.
2: إلحاح المستشرقين علينا
دع عنك أكابر المستشرقين من جميع الأمم فأنهم يعيدون علينا الالتماس لإصدارها حتى لم يبق في النفس منزع. وها نحن أولاء نزفها إلى محبي العراق والمتشوقين إلى الوقوف على أحواله.(4/1)
3: خطتنا
أما خطتنا فتبقى كما كانت في السابق أي أنها تتحرى ما يتعلق بالعراق وما جاوره من البلاد على اختلاف المباحث التي تمسها وتتجنب كل ما يشتت الآراء ويلقي الفتن بين أبناء العراق أو بين محبي العرب.
4: المقالات
وكل مقالة يبعث بها إلينا خارجة عن نهج المجلة لا تدرج ولا تعاد إلى أصحابها وكل ما يوافق خطتنا تصلح أغلاطه أو يحذف ما فيه من غريب الآراء المخالفة لمنهاجنا ثم يدرج.
5: النقد
ولا بد من النقد الأدبي أو العلمي أو التاريخي ولا ندعي أننا نصيب في كل ما نكتب أو ننتقد، إذ لابد من الخطأ. أما الكمال فلله وحده على أننا لا نتعرض للرد على أحد أن أصبنا أم لم نصب إذ في ذلك خسارة وقت وكتابة وإنشاء حقد وضغينة على غير طائل ولا نتيجة حسنة. فالسكوت احسن جواب لمن لا يقنع بالحق.
6: العنوان الأولان القديمان من السنة الرابعة
وكان بودنا أن نجعل هذا الجزء الجزء الثالث من السنة الرابعة. لكننا نعلم أن ما كان منهما عند الأدباء العراقيين اتلف. وكذلك ما كان منهما عندنا لأن الحكومة العثمانية أبادت مع مجلدات المجلة كل ما كان في خزائننا من كتب خطية ومطبوعة ولم تبق منها شيئا ولم تذر، حتى اضطررنا إلى أن نشتري أو نجلب كتباً جديدة لنعيد الخزانة إلى سابق كنزها.
7: العدد الأول الجديد من السنة الرابعة
ولهذا جعلنا هذا الجزء الجزء الأول مع نية أن نعيد درج المقالات التي نشرت في الجزءين السابقين شيئا بعد شيء لغايات منها 1: الحرص على ما نشر منها. - 2: إصلاح ما يحتاج إلى إصلاحه فيهما. 3: إتمام السنة مستقلة وتامة عند الجميع لأن إعادة طبع ما مضى يكلفنا مبلغا عظيما نحب أن نرصده لهذه السنة.
8: الاشتراك في المجلة وثمن الجزء الواحد منها
قد جعلنا الاشتراك في المجلة عن اثني عشر جزءاً اثنتي عشرة ربية على حساب(4/2)
الربية سبعة غروش مصرية ونصف غرش. وذلك في بغداد وأما في خارج بغداد فخمس عشرة ربية. والجزء منها بربية ونصف.
9: مبادلات المجلة
نبادل مجلتنا أصحاب سائر المجلات، بل الجرائد العربية اليومية التي تظهر في البلاد الضادية اللسان ولا نقبل مبادلة الجرائد الإفرنجية.
10: لهذه المجلة إدارتان: الواحدة للتحرير والثانية للإدارة
فكل ما يتعلق بدرج المقالات وإهداء الكتب وتوجيه الجرائد
والمجلات يكون باسم (محرر مجلة لغة العرب) وكل ما يتعلق
باشتراك أو شراء أجزاء أو مجلدات منها يعنون باسم (مدير
مجلة لغة العرب) وكلتا الإدارتين في كنيسة اللاتين في بغداد.
ولا ترسل المجلة إلا لمن يطلبها ويبعث ببدل الاشتراك مع طلبه ومن يخالف هذا الأمر لا يلتفت إلى رغائبه.
قرطاجنة
قرطاجة. قرية جونا أو دونا قرية حدشة. قرث حدشث
أستأذنكم وأستأذن أخي وصديقي وتلميذي المحبوب أمين بك كسباني في نقل ساحة هذا البحث من سورية إلى العراق ومن بيروت إلى بغداد ومن الكلية إلى الحرية فأقول:
1: بعض التمهيد
تأسست قرطاجنة سنة 869 قبل المسيح في حين لم تكن رومية بعد في حيز(4/3)
الوجود وفي حين أيضا لم يكن بعد لغة لاتينية معروفة ولا أقول في موريتانية أو نوميدية أو البلاد التونسية فقط بل في إيطاليا نفسها. واسمها مؤلف من لفظين أولهما (قرية) بمعنى مدينة وهو لفظ سامي بحت فهل يعقل أن يكون الثاني من اصل لاتيني أو يوناني؟ كلا لا يعقل وفقا لما اعتقد ولما اعلم من طبع العمران الغالب.
2: بماذا كانوا يسمون المدن
كانوا يسمون المدن باسم الأمير الذي أمر ببنيانها أو باسم رئيس الجالية التي قطنتها أو باسم القبيلة نفسها أو باسم إله من آلهتها سواء ظهر ذلك الإله للأمر بالبناء في حلم أو في يقظة تخيل ووهم أو لم يظهر. ومن أسماء الفينيقيين وأسماء آلهتهم أيضاً جونو أو جونه ويونو أو يونه وادونو أو ادونه ودون أو دونه وتون أو تونه. والجيم والدال والتاء والثاء والسين وحروف العلة تتبدل بعضها من بعض كما يقول بذلك علماء الفيلولوجيا وأهل البحث والثقة في مخارج الحروف وتبدلاتها.
3: جونه أخت (بعن عليون) أو ديدو
لا اعلم كيف وصلتني رواية (جونه أو دونه محرفة عن جونه أو مستقلة عنها.(4/4)
هكذا كنت وجدتها في ذاكرتي ولذلك فحالما يتبين لي ما يترجح معه عدم صحة الرواية فليس ثم ما يحملني على التمسك بها وبكل طيبة نفس اطرح عني عبء المحافظة على ما بدر مني من الرأي فيها ولكني لا أزال (معربطا) اشد عربطة أن جون وجونه ودون
ودونه) وسائر الأسماء التي ذكرناها أعلاه هي سامية الأصل وكان يسمى بها المدن والآلهة والناس. ولا أزال أيضا اعتقد أن (قرية حدشة) لم تكن اسما للمدينة التي بنتها المستعمرة الصورية سنة 869 قبل المسيح بل هي اسم لقرطاجة (أي المدينة الجديدة) التي بناها هؤلاء في أسبانيا أو لقرطاجة الأفريقية (المدينة الجديدة) التي جدد بناءها يوليوس قيصر كما أظن على موقع المدينة القديمة وعلى غاية القرب منه. والأرجح أن قطعة النقد التي يقول تلميذي العزيز أن أمامه صورة منها وأنه مكتوب على جانبها الواحد بالحرف الفينيقي (قرث حدشة) وعلى الأخر (تحنة) هي من ضرب قرطاجة الأسبانية أو من ضرب (قرث حدشة) الأفريقية التي جدد بناؤها موخرا كما ذكرنا. على أني ارجح أنها من ضرب قرطاجة الأفريقية بدليل ما هو مكتوب على جانبها الأخر اعني لفظة (تحنة) كما سأذكره فيما يأتي:
عزيزي أمين. أنت تعلم أن المبادئ الفيلولوجية وعلم مخارج الحروف وانقلاباتها لا تجوز لنا أن نحول (قرث حدشة) إلى قرطاجنة ولا أن نرد (قرطاجنة) إلى (قرث حدشة) ((إلا بصعوبة كلية لا نعدل إليها إلا مضطرين) ولكنها تجوز(4/5)
في قرطاجنة أن تحول إلى كرشيدون أو كرخيدون) وقرشيدون وكرخيدون هما الاسمان المتعارفان في اللاتينية واليونانية عند أكابر فصحاء وعلماء هاتين الأمتين. ومن الصعب الصعب أن يعدل عما اختاره بلغاء أمة وعلماؤها واشتهر عنهم بضع مئات من السنين وفي عشرات بل في مئات من المؤلفات إلى ما أفسدته العامة باستعمالها.
خطر لي بعد أن فكرت طويلا فيما ذكرته من المكتوب على الوجه الآخر من قطعة النقود تعليل لا بأس فيه ولعله يحل مشكل قطعة النقود التي أشرت إليها وهو الآتي: أن الاسم الأصلي هو (قرية جونه أو دونه) وقد ورد في مؤلفات اليونان والرومان بلفظ كرخيدون وكرشيدون وليس شيء من الصعوبة في تحول الصيغة السامية إلى الصورتين اليونانية واللاتينية ولا في ردهما إلى الأصل المحولتين عنه. وقرية هنا بمعنى مدينة والتركيب تركيب إضافي كما نقول مدينة مكة أو مدينة صنعاء.
هذه المدينة خربها الرومان سنة 146 قبل المسيح ويقول العلامة بولي في تاريخه العام أن النار استمرت فيها لظى سبعة عشر يوما بلياليها فلم تبق عن شيء في المدينة إلا التهمته.
ثم جدد بناؤها حيث مدينة تونس الآن. وارجح أن هذه المدينة الجديدة هي التي كتب على القطعة من نقودها (قرث حدشة) على أحد جانبيها و (تحنة) على الجانب الأخر. والفيلولوجي لا يصعب عليه أن يرى (تحنث).(4/6)
نظرة في إصلاح الفاسد من لغة الجرائد
بحث لغوي انتقادي
الشيخ إبراهيم بن ناصيف اليازجي باحث منقب ولغوي ضليع. خدم اللغة العربية بقدر ما أوتي من العلم خدمة لا تنكر. بل تذكر له فيشكر. على ممر الدهر.(4/7)
ولولا خلتين - هما الغرور والتسرع - تغلبت عليه تغلب القوي على الضعيف لكان يعد في الرعيل الأول بين علماء اللغة المحققين.
كان اليازجي من الغرور بنفسه بحيث لا يرى أحد من الغابرين والحاضرين أعلم منه باللغة. ومن التترع إلى النقد بحيث ينكر الشيء وهو ظاهر ظهور الشمس في رائعة النهار. كما يظهر ذلك لمن ينظر في رسالته (لغة الجرائد) نظر ناقد بصير
ورسالته هذه عبارة عن مقالات كان ينشرها في مجلة الضياء ينتقد فيها كلمات وتعابير الكتاب غير جارية على أصول اللغة ومناحي العرب في أساليبهم. وربما ادمج فيها كلمات سبقه إلى انتقادها أمثال الحريري والخفاجي وغيرهما من أئمة اللغة من غير إشارة إلى ذلك. ثم جمعت بشكل رسالة جاءت في 124 صفحة بقطع الربع.
وقد اتفق أن اطلع عليها أخيرا الأستاذ محمد سليم الجندي من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق، فرأى فيها من الأوهام ما لا يصح السكوت عنه. فكتب مقالة أخذ على اليازجي فيها نحو أربعين غلطة. منها كلمات غير جارية على السنن الصحيح. وأخرى عدها من الغلط وهي من الفصيح: ونشر مقالته في إحدى(4/8)
صحف الشام، فكبر ذلك على الأديب قسطاكي الحمصي، أحد عشاق الشيخ اليازجي، فانبرى للرد عليه. ولكن بأسلوب هو إلى المهاترة، أقرب منه إلى آداب البحث والمناظرة، فكان في دفاعه عن شيخه (كالغريق يتشبث بالغرفط طلبا للنجاة) كما وصفه الجندي. فلم يسع الجندي إذ ذاك إلا أن يناقشه فكتب سلسلة مقالات نشرت في إحدى جرائد دمشق. ثم عاد فجمعها في كتاب بلغ نحو (153) صفحة وسماه (إصلاح الفاسد من لغة الجرائد).
ليس الجندي هو أول من تعرض لأوهام اليازجي بل سبقه إلى ذلك من الفضلاء فيما سمعت. وأعرف منهم صديقنا الأديب الفحل الأستاذ الشيخ عبد الرحمن سلام البيروتي، فقد رد عليه برسالة سماها (دفع الأوهام) وطبعت سنة 1317 هـ في المطبعة الأدبية ببيروت.
وقد التزم فيها الدفاع عمن غلطهم اليازجي من الشعراء الجاهليين، والبلغاء الإسلاميين: كالحرث بن حلزة اليشكري، وعنترة العبسي، وعدي بن زيد العبادي من الفريق الأول. وكالبديع، والحريري،(4/9)
ولسان الدين الخطيب وأمثالهم من الفريق الثاني. وجملة ما أخذه على اليازجي نحو أربعين كلمة أيضاً لم يتعرض لها الجندي إلا في كلمات منها مثل تأنيث اليشكري كلمة (ضوضاء) في قوله:
أجمعوا أمرهم عشاء فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
واستعمال لسان الدين الخطيب فعل (أنف) متعديا في قوله:
قالوا لخدمته دعاك محمد ... فأنفتها وزهدت في التنويه
وتذكير عبد الصمد الصفار كلمة (الشقائق) في قوله:
وشقائق شق القلوب كأنه ... خد مليح ضم صدغا اسودا
وقولهم (تعرف على فلان) إذ أحدث به معرفة.
على أن كلاً من هذين الفاضلين لم يستقص جميع أوهام اليازجي. بل اغفلا أشياء كثيرة أذكر منها على سبيل المثال: إنكاره استعمال (النوادي) مع كونه القياس في جمع (النادي). وهذه دعوى لا تسلم له ولا لمن هو اكثر منه إحاطة بكلام العرب. كيف وقد استعمل هذا الجمع قديما ولم ينكر وروده أحد سواه:
قال معاذ بن صرم الخزاعي فارس خزاعة:
ولست برعديد إذا راع معضل ... ولا في نوادي القوم بالضيق المسك
وقال مجد الدين الفيروزابادي في مقدمة القاموس المحيط:(4/10)
(محمد غير من حضر النوادي) وأقره عليه الشراح، ولم يأخذه عليه أحد من النقاد الفصاح.
ودعواه آن استعمل (التحرير) بمعنى الإنشاء علمي. وقد فاته أن الحر من كل شيء خياره وان التحرير في الكتاب أن يراعي فيه خيار الكلام والمعاني. وأن المتقدمين كانوا يستعملون التحرير في تجويد الخط ثم توسعوا فيه فأطلقوه على الإنشاء.
قال الأستاذ المتبحر العبقري، الشيخ عبد القادر المغربي، في نقد (تذكرة الكاتب) التي تابع صاحبها اليازجي في كثير من المسائل: وهذا (يعني التحرير) عينه وقع في كلمة (الكتابة) فإن اصل معناها الخط باليد، والكاتب هو الذي يخط الكلام لا الذي ينشؤه ويهيؤه في نفسه،
(كذا وردت الهمزتان مكتوبتين على الواو. ل. ع) ثم توسعوا في الكتابة فأطلقوها على الإنشاء وأطلقوا الكاتب على المنشئ. راجع مجلة المجمع العلمي العربي م 4 ص 261.
- وقوله أن العدو اللدود بمعنى الشديد العداوة هو خلاف المعروف في استعمال العرب لأن اللدود عندهم بمعنى الذي يغلب في الخصومة. ولا أدري أيخلو عدو من خصومة حتى يأتينا(4/11)
اليازجي بهذه الفلسفة المبتكرة؟
- وقوله إن (القهاوي) في جمع القهوة متابعة للعامة.
وهو هنا يرشدنا إلى تصحيح الجمع قبل تصحيح مفرده وقد فاته أن القهوة للمكان عامية وأن الصواب أن يقال (المقهى).
ونحو هذا مما أغفله ذانك الفاضلان كثير جدا في كلام اليازجي ولعلنا نفرد له مقالة إذا وفق الله.
ونقد الأستاذ الجندي نقد عالم بصير. وناقد خبير. لا ترى فيه إلا السلوك على المحجة. وقرع الحجة بالحجة. اللهم إلا في الندرى مما هو ناشئ عن تشدد فيه. لرأي يرتئيه. تجاوز فيما احسب. حد التعصب. وما كان ينبغي له أن (يحجر علينا من اللغة واسعا. ويحرمنا من شهي أثمارها يانعا) مما لو رجع إلى نفسه وكلفها ما يكلفنا من الجمود على (ورد ولم يرد) وعدم التسامح في التوليد والاشتقاق، والتوسع في الاستعمال والاطلاق، لما وسعه إلاَّ أن يتهم اللغة بالعقم أو يخرج على نظامها غير حاسب لأحد حسابا، وهذا ما عيذه منه.
ولقد هالني تشدده في منع (مشاهير) في جمع (مشهور)(4/12)
بدعوى أنه لم يرد في كلام العرب. ولا ادري مما يضر اللغة لو قسناه - وباب القياس في لغتنا أوسع ولا شك من سم الخياط! - على الجموع التي يدعي شذوذها؟
نحن لا نريد أن نقتسر الأستاذ على النزول عن رأيه لأن ذلك لا يعنينا وليس بنافعه أيضاً إذ من المحال، أن يهجر هذا الاستعمال، وينزل عند رأي هذا المفضال، ولكننا نورد نكتة يتبين منها مبلغ تعصبه لما يذهب إليه وأن كان غير سديد.
كنت يوما في مجلس شيخنا علامة العراق الأكبر الإمام الالوسي رحمه الله فورده كتاب من صديقنا الأستاذ اللغوي. الأب أنستاس الكرملي، يذكر فيه أنه رد على أحد أدباء دمشق (يعني الأستاذ الجندي) مبينا فساد قول من يذهب إلى أن جمع مفعول لا يكسر على مفاعيل
سوى في ألفاظ معدودة: ويطلب إليه أن يذكر (أي الاثنين مصيب في كلامه). فأملى الإمام - على عادته - علي كلاما جاء غاية الغايات في التحقيق. ثم قدر الله سبحانه أن نفقد الإمام ويكتب الأب الكرملي تأبينا يستدل فيه بهذه الفتوى على إمامته في العلوم اللسانية، وأن يسمعها الفاضل الجندي ويطلبها مني فأبعث بها إليه.
ولكن ماذا كان من أمره؟(4/13)
كان من أمره إن أبى إلا الوقوف عند رأي نفسه. والتلذذ بنغمة جرسه! ونحن نورد فتوى شيخنا على طولها لتكون حجة بيد المجيرين، على المانعين، استغفر الله! بل على المانع. إذ ليس هناك غير الأديب الجندي. قال رحمه الله:
(. . . نظرت فيما كتبته على لفظ (المشاهير) راداً به على من أنكر هذه اللفظة من أدباء دمشق حيث حكم أنه لا يقال مشاهير. . . فرأيتك قد وفيت له الكيل صاعا بصاع وألجمته بلجام الإسكات والإفحام غير إن خصمك لا يذعن للحق إما لجهل وإما لتجاهل. فان لفظ مشاهير أشهر من نار على علم: واستعمال البلغاء لها قديما وحديثا لا يحيط به نطاق الحصر ولا سيما وجموع لغة العرب لا تدخل تحت قاعدة من القواعد وما ذكروه في هذا الباب إنما هو تقريب لا تحقيق: فقولهم (كل ما جرى على الفعل من اسمي الفاعل والمفعول وأوله ميم فبابه التصحيح) فأعلم أن هذه القاعدة منقوضة بمئات من الكلمات. منها ملعون ومشؤوم وميمون ومسلوخ ومكسور وميسور ومفطر ومنكر ومطفل ومرضع ومجنون ومملوك ومجذوب وموقوت وموعود ومصروع ومخدوم ومضمون ومقدور ومعذول ومخنث ومسند ومسانيد ومرسل ومراسيل ومجموع ومجاميع ومكتوب ومكاتيب إلى غير(4/14)
ذلك مما لا يقوم به الاحصاء؛ فهل يجوز الحكم على جميع ذلك بالشذوذ وهي تجمع على مفاعيل ويستعمل هذا الجمع فصحاء الأمة العربية صيانة لما ذكره بعض الأعاجم من القاعدة التي ما انزل الله بها من سلطان؟
على أنه لو سلمنا إن هذه اللفظة من الشواذ عن قاعدتهم فلا يجوز الحكم بإنكارها وقد وردت في الحديث النبوي لفظة (المشابيب) فقول خصمكم أنه ورد الحديث برواية أخرى وأن الدليل إذا طرقه الاحتمال: بطل به الاستدلال؛ مما يدل على مبلغ علمه في هذا المقام.
فقد ذكر الأئمة أن غلبة الظن في هذا الباب تكفي. فكيف وقد وردت روايات متعددة في
غالب ما اشتهروا به من الشعر العربي ولم يقل أحد من أئمة العربية أنه لا يصح التمسك، بمثل ذلك: لأن الدليل إذا طرقه الاحتمال: بطل به الاستدلال.
وكل من ذكر هذه القاعدة استثنى ألفاظا كثيرة منها. فانظر إلى البغية للسيوطي وما استثناه وهو كتاب ألفه على الكافية والشافية والألفية والشذور. فأنه تعقب كثيرا من قواعدها وما أهمله أصحابها. وهكذا شراح التسهيل استثنوا كثيرا من الكلمات من هذه القاعدة: أفيقال إن كل ذلك شاذ مع أن(4/15)
الشاذ ينحصر في كلمة أو كلمتين أو اكثر. ثم أن الشاذ أقسام قسم منه موافق للاستعمال لا يعاب مستعمله فلو سلم أن لفظة المشاهير شاذة فلتكن من هذا القسم. ثم أن منهم من يقول إن لفظة المشاهير هي جمع شهير: وشهير لا يجمع جمع السلامة لما في كتب الصرف: أن فعيلا بمعنى مفعول لا يجمع جمع الصحيح فلا يقال جريمون ولا جريمات ليتميز عن فعيل بمعنى فاعل: وقالوا إن لم يكن متضمنا للآفات والمكاره التي يصاب بها الحي كالقتل وغيره لا يجمع على فعلى كجريح وجرحى وقتيل وقتلى: فالشهير ليس متضمنا للمكاره فحينئذ لا محذور إذا قلنا إنها تجمع على مشاهير. وكذلك فأي منكر يلحق المستعمل لذلك بهذا المعنى. وكذا إذا قلنا إن المشاهير جمع لكلمة مشتهر وهذا الجمع لهذا المفرد مما صرحوا به مع حذف بعض الزوائد: فكيف ينكر استعمال لفظة المشاهير إذا ادعى إنها جمع مشتهر؟ فهل وقف أحد على أنهم جمعوا المشتهر جمع سلامته فقالوا (مشتهرون)؟
ما سمعنا ذلك من أحد قط. فتبين مما ذكرناه أن قد حكم على من أنكر استعمل هذه اللفظة قدح صحيح: وأن المخالف لكم فيه الحاكم بإنكار هذه الكلمة ليس وجه وجيه.
انتهى كلام الأستاذ الإمام وهو من التحقيق وبعد الغور بحيث(4/16)
لا يسع الجندي أن ينكره؛ وإذا بقي مصراً على رأيه وقال (أن العرب لم تستعمل المشاهير فلا يجوز لنا استعمالها مطلقا) فإنا نطالب بإثبات استعمال العرب بكلمة (الواقع) في قوله ص 59 (ما لم يصدقه به الواقع) ونحوها في كلامه مما لو طالبناه بإثباته عن العرب لضاق ذرعه: فلم يبق له بعد هذا إلاَّ أن يهجر مذهبه ويقول باطراد القياس الذي هو أحد الأدلة الجليلة على فضل لغتنا وقبولها للنمو ووسعها كل شيء من أسباب الحضارة.
وقد مررت بكتاب الأستاذ الجندي على غلطات وتعابير فرأيت أن أذاكره بها تلبية لدعواه
الجفلى في أول الكتاب وآخره لتدارك ما فيه من الخلل والخطأ عسى أن يجد فيما أزجيه بين يديه بغيته.
قال في ص 38 (وإِلاَّ لما اعترض) وفي ص 58 (والالجاز). وإدخال اللام في جواب أن الشرطية المقرونة بلا النافية ممنوع عند الجمهور على ما اذكر منذ زمان طلبي للنحو؛ فماذا يقول الأستاذ؟
وقال في ص 23 (فأتى في أضعاف سطوره من القول البذيء بما يندي الجبين ويضحك الحزين) وأنا اعلم يقينا أن القول البذيء يندي جبين صاحب الحياء. ولكن هل يضحك الحزين؟ أنا هنا مستفيد!(4/17)
وقال في ص 66 (وصفوة القول أننا قلنا) وكسر همزة إن: الذي اعلمه أن التي تقع بعد لفظ القول غير محكية كما في عبارته هذه لا تكسر بل تفتح.
وقال في ص 136 (لم نقل أن اليازجي) وفتح الهمزة وحقها الكسر لأنها هنا محكية بخلاف الأولى وفي ص 72 (والجواب إن) والصواب فتح الهمزة. ولعل هذا من أغلاط الطبع؛ لا من وهام الطبع.
وقال في ص 76 (سواء كان مع الدراهم أو غيرها) والصواب وضع (أم) موضع (أو) وقد وقع هذا الغلط لخصمه أيضاً فلم ينتبه إليه فيأخذه عليه كما أخذ عليه استعمال (تفقيه) وقال إنه سيضيفها فيما بعد إلى الكلمات التي استعملها وهي مخالفة لقواعد العلم أو غير مذكورة في كتبه. ولعله لم يشأ أن يشير هنا إلى كل غلط يقع فيه خصمه ولو شاء لأنكر عليه أيضاً قوله ص 82 (ومما شرحناه يتضح للناقد المنصف أن تفيقه وحذلقة بعض الكتاب. . .) حيث عطف على المضاف كلمة حذلقة قبل أن يأتي بالمضاف إليه. وهذا شائع في مقالات الكتاب فلينتبه إليه.
وكتب في ص 2 (الصلوة) هكذا بالواو. وهي كذلك عند الأقدمين ولكنني رأيته غير جار على مذهبهم حيث كتب (الحرث)(4/18)
في عدة مواضع هكذا (الحارث) وهم يحذفون منه الألف ما لم يتجرد منه الألف واللام.
وفي ص 2 س 14 (للخواجة) الصواب حذف النقطتين من الهاء وفي ص 17 (احمد بن فارس) وص 110 (نعمان ابن المنذر) وص 140 (زياد ابن عدي) والصواب حذف همزة
(ابن) من كل ذلك. وقد حذفها حيث يجب إثباتها كما جاء في ص 141 (وانشد بن دريد). وفي ص 12 و127 و133 و134 (وجائني) وفي ص 24 (البذائة) وفي 25 (يسترون ورائها) وفي 58 (الملائة) وفي 81 و152 (مؤنة) وفي 94 (وسئلت) وفي 95 (ما ورائها) وفي 115 (وجائت) وفي 118 (قرائتها - بقرائه) وفي 132 (الجزئين) وفي 138 (جائه) وفي 151 (بذائته) وفي 152 (بادئ بدئ) وفي 153 (لنرجوا) - والصواب: (وجاءني) (البذاءة) (وراءها) (الملاءة) (مؤونة) (وسألت) (وما وراءها) (وجاءت) (قراءتها - بقراءة) (الجزءين) (جاءه) (بذاءته) و (بادئ بدء) (لنرجو).
وفي ص 24 (أن يطغي) والصواب حذف التحتانيتين. وفي 28 (جاحظ) الصواب (الجاحظ) وفي 78 وهو من كلام قسطاكي (فيقال لك قوم من جلدتنا أي ملتصقين بعشيرتنا) والصواب(4/19)
(ملتصقون) وفي ص 136 وهو من كلام قسطاكي أيضاً (فلينظر أولي الألباب) والصواب (أولو الألباب) وفي ص 127 و131 (الاشموني) كذا بفتح الهمزة وإنما هي مضمومة
بغداد في 10 حزيران سنة 1926:
محمد بهجة الأثري
أخوان الأدب
شكري الفضلي
(1882م 1926م)
أصيب عالم الأدب العراقي في أول الشهر الماضي بفقد أديب فاضل وكاتب مجيد، قضي شبابه باحثا دارسا، وكاتبا في الصحف ومؤلفا. نريد به شكري الفضلي الذي انتقل إلى دار البقاء في غرة حزيران 1926 فعزت وفاته على عارفي فضله. ورأينا من واجبنا أن نخلد له ذكرا على صفحات (لغة العرب) وقد كان رحمه الله من مكاتبيها وأنصارها الغيارى.
الثقافات الثلاث:
وجدت في العراق بعد منتصف القرن الماضي ثلاث ثقافات للنشء: ثقافة شرقية عربية بعيدة عن أساليب التعليم الغربي، ولا اثر للغات الأجنبية فيها إنما هي علوم الدين والعلوم العربية(4/20)
يتعلمها الناشئون في المساجد أو الكتاتيب أو المدارس الأهلية. وثقافة رسمية عليها صبغة الأساليب الغربية وللغة التركية فيها المقام الأول لأنها لغة الدولة، ترافقها مبادئ اللغة الفارسية التي يفرض الإلمام بها على من يشدو شيئا من الأدب التركي، ويحوي منهاجها شيئا من مبادئ العلوم الحديثة مع علوم الدين ودروسا عربية ضئيلة واضال منها اللغات الأجنبية. تلك هي المدارس الأميرية العثمانية. وثقافة أجنبية قائمة في مدارس البعثات الدينية الغربية بين فرنسية وإنكليزية وأميركية وألمانية، للغات الأجنبية فيها الحظ الأوفر من العناية. وبلغة الضاد اهتمام ليس باليسير مع مسحة خفيفة من لغة الحكومة: أما مبادئ العلوم الحديثة فتدرس فيها بهمة وباللغات الأوربية وفي الكتب المؤلفة المطبوعة في الغرب. كما أن نمط التربية نمط المدارس الحديثة في البلاد الغربية مع مراعاة مقتضيات الزمان والمكان. ولا سيما القائمون بأمر البعثات يجهدون في محاسنة الآهلين على اختلاف طبقاتهم توسلا لجذبهم واستمالتهم.
هذه هي الثقافات الثلاث التي كانت سائدة في العراق في العهد الأخير، وعلى غرارها ينطبع الناشئون فيكتسب كل منهم ما يقدم إليه منها في مسجده أو كتابه أو مدرسته. وإذا
درسنا شخصية(4/21)
كثيرين من المستنيرين في هذا البلد نرى اثر إحدى هذه الثقافات فيه وقد يجمع بعضهم بين طريقتين فيكتسب الاثنتين في تكوين عقليته ونفسه.
وقد جمع المرحوم شكري الفضلي بين ثقافتين أهلية ورسمية، فتسنى له الوقوف على علوم الدين والعلوم العربية وبرع في اللغة التركية - لغة الحكم في ذلك العهد - فكانت له كوة اطل منها على الحضارة الغربية، في الكتب التركية المترجمة غالبا والمؤلفة نادرا في هذا الباب، كما أن رسه الكردي دفعه إلى العناية بتعلم الكردية إلى حد الإتقان بل قد أعلمني في حياته أنه نظم الشعر بهذه اللغة.
موجز ترجمته:
ينتمي شكري الفضلي إلى أسرة كردية إلاَّ أنه قبل أن تنتعش القضية الكردية ويظهر لها شخصية في هذه الأيام كان قد استعرب حتى أنني لما سألته أن يسطر لي بوجيز الكلام ترجمة حياته الأولى كتب أنه عربي بغدادي ومنها علمت أنه ولد في بغداد سنة 1298 رومية (1882م) وتعلم في الكتاتيب والمدارس الأميرية.
ولا اعلم بالتفصيل تربيته الأولى إلاَّ أنني عرفت منه أنه بعد أن حصل ما حصل في التعليم النظامي في المدارس الأهلية(4/22)
والحكومية تفرغ فترة من شبابه للتوسع في العلوم والفنون التي تلقى مبادئها في دراسة الحداثة ولا سيما الآداب الغربية والعلوم الحديثة وقد استعان في دراسة الأولى بجماعة من جلة المدرسين من الشيوخ المعروفين في عهده، وأعانه فهمه اللسان العثماني على التثقف بالعلوم الحديثة في الكتب التركية المؤلفة والمترجمة، ولم يزل يكد ويسهر الليالي في الدرس والتعليم حتى احسن اللغات الثلاث التركية والفارسية والكردية، وأمعن النظر في آداب هذه اللغات فضلا عن دراسته لغة القرآن وآدابها.
اخذ يزاول الكتابة والنظم بالعربية والتركية فكتب مقالات سياسية واجتماعية يومية ونظم القصائد ناشرا آثاره في جريدتي (التعاون والزهور) البغداديتين.
ولما لم يكن للأدب سوق في هذه الديار، يصعب على الكاتب أو الأديب أن ينقطع للأدب والكتابة إذ لا يدر أن عليه إخلاف الرزق ولا يكسبانه معيشته، فيضطر الأديب المتطلب المعيشة إلى أن يتعاطى عملا آخر أو صناعة أو يستخدم في وظائف الحكومة ليستعين
براتبه منها على حاجياته المعاشية. وهكذا تقدم المترجم عنه إلى دواوين الحكومة للتوظف فيها. كما أنه امتهن التعليم في المدارس بضع سنين. وقد علم في مدرسة القديس(4/23)
يوسف العالية في بغداد من سنة 1908 إلى سنة 1911، ولم تكن أشغاله اليومية لتحول بينه وبين القلم والكتاب فثابر على المطالعة والكتابة في الجرائد والمجلات، باللغتين العربية والتركية ونظم القصائد في اللغات الأربع التي يحسنها وقد نشر في (لغة العرب) جملة مقالات نفيسة عن الأكراد وبلادهم وأحوالهم حتى كانت الحرب العالمية فأضطهد مع من اضطهد من المفكرين والأحرار.
وقد توظف بعد احتلال الإنكليز بغداد سنة 1917 رئيسا لكتاب محكمة الصلح فنظم أوراق المحاكمات باللغة العربية، ثم انتدب للتحرير في ثلاث جرائد أصدرتها السلطة العسكرية في بغداد (العرب) العربية و (إيران وظفر عراق) الفارسيتان و (تي كه يشتن راستي) الكردية. كما حرر بعد أن أوقفت هذه الجرائد في جديدة (الشرق) التي أصدرها في مدينة المنصور السيد حسين أفنان سنة 1921 مدة قصيرة وكاتب جريدة (العراق) بمقالات سياسية نحو عام. وعين عضوا في لجنة ترجمة القوانين العثمانية التي الفت في نظارة العدلية على عهد ناظرها السر بونهام كارتر في حكومة الاحتلال. وبعد أن تقلص ظل الحكم(4/24)
العسكري وتألفت الحكومة النقيبية الموقتة سنة 1921 أسندت إليه وظيفة رئيس كتاب في ديوان مجلس الوزراء وظل في هذه الوظيفة إلى أن قامت عليه نوادبه. وكان قد انتدب قبل بضعة أشهر ليكون عضوا في لجنة الترجمة الكردية التي تشرف عليها وزارة المعارف لترجمة القوانين والكتابات الرسمية ووضع الكتب الدراسية باللغة الكردية.
وأصيب أخيرا بضعف شديد وزعم الطبيب الذي عالجه أنه كان مبتلى بداء السل فثقلت وطأته عليه فجأة وأودى بحياته وا أسفاه عليه!
(لها تلو)
رفائيل بطي
دجلة
كأنما دجلة والبدر قد ... أرسل نورا فوقها كاللجين
قضيب بلور صفا ماؤه ... أو صارم نزه عن كل رين
أو خد عذراء إذا أسفرت ... عن شنب أخجلت النيرين
محمد بهجة الأثري(4/25)
المعاهدة العراقية الإنكليزية التركية
المنعقدة في أنقرة في 5 حزيران سنة 1126
-
كتاب فخامة رئيس الوزراء إلى معالي رئيس مجلس النواب الموقر في 12 حزيران سنة 1926
صاحب المعالي حضرة رئيس مجلس النواب:
بعد التحية: اقدم إلى معاليكم في طيه المعاهدة العراقة الإنكليزية التركية المنعقدة في أنقرة في 5 حزيران سنة 1926 راجيا رفعها إلى مجلس النواب الموقر.
لا يخفى أن مجلس عصبة الأمم كان قد اصدر قراره المعلوم ببقاء ولاية الموصل للعراق وجعل خط بروكسل الحد الفاصل بين العراق وتركية وأن الحكومة التركية لم تعترف بهذا القرار وعدته مجحف بحقوقها ولما كان العراق راغبا شديد الرغبة في مصافاة جيرانه وتأمين الصلات الودية ومناسبات حسن الجوار معهم بدأت المفاوضات مع تركية للتفاهم معها على حسم مسألة الحدود حسما نهائيا وحملها على الاعتراف بقرار مجلس عصبة الأمم وأخيرا تم الاتفاق على عقد هذه المعاهدة التي هي عبارة عن تثبيت الحالة الراهنة بتمامها سوى نقطتين اثنتين وهما:
الأولى. ترك طريق اشوثا - الامون داخل الأراضي التركية. والثانية. إعطاء تركية عشرة في المائة من حصة الحكومة من شركة النفط التركية(4/26)
لمدة 2 سنة. أما النقطة الأولى فليست بذات أهمية لأن الأراضي التي ستضم إلى تركية من جراء إعطائها هذا الطريق هي عبارة عن بضعة أميال مربعة فقط وأما النقطة الثانية فلم تر الحكومة بدا من الموافقة عليها بغية تأمين السلم مع تركية وتأسيس العلاقات الودية معها. والحكومة تعتقد أن عقد هذه المعاهدة صفقة رابحة وإبرامها في مصلحة البلاد ومنفعتها لأن العراق قد حصل فيها على فوائد جزيلة منها اعتراف تركية بالعراق كدولة مستقلة وتأمين استقرار الأحوال في المنطقة الشمالية وذلك بتأليف لجنة الحدود الدائمة المنصوص عليها في المادة 11.
لقد ابرم المجلس الوطني التركي المعاهدة بصورة مستعجلة في اليوم السابع من هذا الشهر وفي اليوم الثامن منه بحث عنها وزير الخارجية البريطانية في مجلس عصبة الأمم وطلب
موافقته على التعديل الطفيف الذي طرأ على خط بروكسل فوافق المجلس على ذلك.
أن مصلحة البلاد تتطلب التعجيل في إبرامها لا سيما وأن المجلس الوطني التركي قد فعل ذلك قبلا وعليه ترجو الحكومة أن يتذاكر فيها المجلس العالي بصورة مستعجلة.
اقبلوا فائق الاحترام
رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون
نص المعاهدة
صاحب الجلالة ملك العراق:
وصاحب الجلالة ملك المملكة المتحدة بريطانيا العظمى وارلندة والممتلكات البريطانية في ما وراء البحار وانبراطور الهند
من جهة وصاحب الفخامة رئيس الجمهورية التركية من جهة أخرى
لما كانوا قد اخذوا بعين الاعتبار ما يختص بتعيين الحدود ما بين تركية والعراق من مواد المعاهدة الممضاة في لوزان في 24 تموز 1923
ولما كانوا قد اعترفوا بالعراق دولة مستقلة وبالصلات الخصوصية الناشئة(4/27)
من المعاهدات ما بين العراق وبريطانية العظمى المعقودة في 10 تشرين الأول 1922 وفي 13 كانون الثاني 1926
ولما كانوا راغبين في اجتناب كل حادث في منطقة الحدود يخشى منه تعكير صفو الوفاق وحسن التفاهم ما بينهم: قرروا عقد معاهدة لأجل هذا الغرض وعينوا مفوضين عنهم:
صاحب الجلالة ملك العراق:
الزعيم نوري السعيد سي. أم. جي. دي. اس. او. وكيل وزير الدفاع الوطني في العراق.
صاحب الجلالة ملك المملكة المتحدة بريطانية العظمى وارلاندة والممتلكات البريطانية في ما وراء البحار وانبراطور الهند:
الريت هونورابل السر رونلد تشارلس لندسي كه. سي. ام. جي. - سي. بي. سي. في. او - سفير صاحب الجلالة ملك بريطانية العظمى فوق العادة ومفوضه لدى الجمهورية التركية.
وصاحب الفخامة رئيس الجمهورية التركية:
صاحب العطوفة الدكتور توفيق رشدي بك وزير الأمور الخارجية في الجمهورية التركية ونائب أزمير.
وهؤلاء بعد أن اطلع كل منهم على أوراق اعتماد الآخرين ووجدها طبق الأصول الصحيحة المرعية اتفقوا على المواد الآتية:
الفصل الأول - الحدود ما بين تركية والعراق
المادة الأولى - أن خط الحدود ما بين تركية والعراق قد تعين نهائيا حسب التخطيط الذي اقره مجلس جمعية الأمم في جلسته في 29 تشرين الأول 1924 والمبين فيما يلي:
وصف خط بروكسل ملحق بهذا
ومع ذلك فالخط المشار إليه فيما تقدم قد عدل جنوبي الامون واشوثا بحيث(4/28)
يجعل ذلك القسم من الطريق المخترق الأرض العراقية بين هذين المكانين داخلا ضمن الحدود التركية.
المادة الثانية - أن خط الحدود المبين في المادة المذكورة مع مراعاة الفقرة الأخيرة من المادة الأولى هو الحد ما بين تركية والعراق، وحسبما مرسوم على الخريطة الملحقة بهذه المعاهدة بمقياس 250000م وإذا وقع اختلاف بين النص والخريطة يعول على النص.
المادة الثالثة - أن الحدود المبينة في المادة الأولى يعهد برسمها على الأرض إلى لجنة التخطيط. وهذه اللجنة تؤلف من ممثلين اثنين تعينهما الحكومة التركية ومن ممثلين آخرين تعينها الحكومتان البريطانية والعراقية بالاشتراك معا ومن رئيس يعينه رئيس الاتحاد السويسري إذا تفضل بقبول ذلك من الرعايا السويسريين.
تجتمع هذه اللجنة في اقرب ما يمكن من الزمان على أن يكون ذلك مهما كانت الأحوال في خلال الأشهر الستة التي تلي وضع هذه المعاهدة موضع التنفيذ.
تتخذ قرارات هذه اللجنة بأكثرية الآراء ويتحتم امتثالها على جميع المتعاقدين السامين وتبذل لجنة التخطيط جهدها في كل الأحوال في اتباع التعاريف الواردة في هذه المعاهدة بكل دقة.
تقسم نفقات اللجنة بالسوية ما بين تركية والعراق.
تتعهد الدول ذوات المصلحة بتقديم المساعدة للجنة التخطيط أما مباشرة أو بواسطة
السلطات المحلية في كلما يختص بإقامتهم وما يحتاجون إليه من الأيدي العاملة والمواد (من أعلام وأنصاب) اللازمة للقيام بمهمتها.
ويتعهدون علاوة على ذلك بالمحافظة على علامات المساحة والأعلام أو أنصاب الحدود التي تقيمها اللجنة:
تنصب الأعلام على أبعاد تمكن رؤية الواحد من الآخر وترقم وتثبت مواقعها وأرقامها في خريطة رسمية.
يحرر محضر التخطيط النهائي والخرائط والوثائق الملحقة عن ثلاث نسخ أصلية ترسل اثنتان منها إلى الدول المتاخمة والثالثة إلى حكومة الجمهورية الافرنسية(4/29)
لأجل تسليم نسخ صحيحة منها إلى الدول الموقعة في معاهدة لوزان:
المادة الرابعة - أن جنسية سكان الأراضي المتروكة للعراق بموجب أحكام المادة الأولى تعين بمواد 30 - 36 من معاهدة لوزان ويوافق المتعاقدون السامون على استمرار حق الخيار الوارد في المواد 31 - 32 - 34 من المعاهدة المذكورة مدة اثني عشر شهرا ابتداء من دخول هذه المعاهدة في حيز التنفيذ ومع ذلك تحتفظ تركية بحرية العمل في الاعتراف بخيار من يختار الجنسية التركية من الأهالي المشار إليهم أعلاه؛
المادة الخامسة - يقبل كل من المتعاقدين السامين بخط الحدود المعين في المادة الأولى خط نهائيا للحدود مصونا من كل تعرض ويتعهد باجتناب كل محاولة لتبديله.
الفصل الثاني - حسن الجوار
المادة السادسة - يتعهد المتعاقدون السامون تعهدا متبادلا بان يقلوا بكلما في استطاعتهم من الوسائل استعدادات شخص مسلح أو أشخاص مسلحين يقصد بها ارتكاب أعمال النهب والشقاوة (قطع الطرق) في المنطقة المجاورة للحدود وبأن يمنعوهم من اجتياز الحدود.
المادة السابعة - عندما يبلغ السلطات ذوات الاختصاص المعينة في المادة الحادية عشرة أن هناك استعدادات يقوم بها شخص مسلح أو أشخاص مسلحون بقصد ارتكاب أعمال النهب والشقاوة في المنطقة المجاورة للحدود يجب أن تنذر تلك السلطات بعضها بعضا بدون تأخير.
المادة الثامنة - تتبادل السلطات ذوات الاختصاص المذكورة في المادة 11 جميع ما يحدث
من أعمال النهب والشقاوة في أراضيها بأسرع ما يمكن وعلى السلطات المبلغة أن تسعى بكل ما لديها من الوسائل في منع مرتكبي تلك الأعمال من اجتياز الحدود.
المادة التاسعة - إذا تمكن شخص مسلح أو أشخاص مسلحون وقد ارتكبوا جناية أو جنحة في منطقة الحدود المجاورة من الالتجاء إلى منطقة الحدود الأخرى فعلى سلطات هذه المنطقة الأخيرة توقيف هؤلاء الأشخاص لوضعهم(4/30)
وفقا للقانون هم وغنائمهم وأسلحتهم تحت تصرف سلطات الفريق الأخر الذين هم من رعاياه.
المادة العاشرة - أن منطقة الحدود التي ينفذ فيها هذا الفصل من المعاهدة هي كل الحدود الفاصلة ما بين تركية والعراق؛ كذلك منطقة تمتد من جانبي الحدود إلى مسافة 75 كيلو مترا داخلا.
المادة الحادية عشرة - أن السلطات ذوات الاختصاص المكلفة بتطبيق هذا الفصل من المعاهدة هي:
لتنظيم التعاون العام ومسؤولية القيام بالتدابير الواجب اتخاذها:
من الجانب التركي - آمر الحدود العسكري
من الجانب العراقي - متصرفا الموصل وأربيل
ولتبادل المعلومات المحلية والتبليغات المستعجلة:
من الجانب التركي - السلطات المعينة بموافقة الولاة
من الجانب العراقي - قائمقامو زاخو والعمادية والزيبار وراوندوز
وللحكومتين التركية والعراقية لأسباب إدارية تعديل قائمة سلطاتهم ذات الاختصاص على أن يعين ذلك أما بواسطة لجنة الحدود الدائمة المنصوص عليها في المادة 13 أو بالطريقة الدبلوماسية.
المادة الثانية عشرة - على السلطات التركية والسلطات العراقية أن تمتنع من كل مخابرة ذات صبغة رسمية أو سياسية مع رؤساء العشائر أو شيوخها أو غيرهم من أفرادها من رعايا الدولة الأخرى الموجودين فعلا في أراضيها وعليها أن لا تجيز في منطقة الحدود تشكيلات للدعاية ولا اجتماعات موجهة ضد أي الدولتين.
المادة الثالثة عشرة - تسهيلا لتنفيذ أحكام هذا الفصل من هذه المعاهدة بوجه عام؛ حفظا
لصلات حسن الجوار على الحدود؛ تؤلف لجنة حدود دائمة من عدد متساو من موظفين يعينون من وقت إلى آخر لهذه الغاية من قبل الحكومتين التركية والعراقية وتجتمع هذه اللجنة على الأقل في كل ستة أشهر مرة واحدة أو اكثر إذا اقتضت الحاجة. ومن واجب هذه اللجنة التي تجتمع مناوبة في(4/31)
تركية والعراق أن تبذل جهدها في تسوية كل المسائل المتعلقة بتنفيذ أحكام هذا الفصل من المعاهدة تسوية ودية وكل مسائل الحدود الأخرى التي لا يمكن التوصل إلى الاتفاق على حلها بين موظفي مناطق الحدود المختصين بها.
تجتمع اللجنة للمرة الأولى في زاخو خلال شهرين بعد دخول هذه المعاهدة في حيز التنفيذ.
الفصل الثالث - أحكام عامة
المادة الرابعة عشرة - بقصد توسيع نطاق المصالح المشتركة بين البلادين تدفع الحكومة العراقية إلى الحكومة التركية لمدة 25 سنة ابتداء من دخول هذه المعاهدة في حيز التنفيذ. عشرة من المئة من كل عائداتها:
(أ) شركة النفط التركية عملا بالمادة العاشرة من امتيازها المؤرخ ب 14 آذار 1925
(ب) الشركات أو الأشخاص الذين قد يستغلون النفط عملا بأحكام المادة السادسة من الامتياز المتقدم ذكره
(ج) الشركات الفرعية التي تؤلف عملا بأحكام المادة 33 من الامتياز المتقدم ذكره
المادة الخامسة عشرة - توافق حكومة تركية وحكومة العراق على الدخول في المفاوضات بأسرع ما يمكن لعقد معاهدة تسليم المجرمين وفقا للعادات المألوفة بين الدول المتحابة.
المادة السادسة عشرة - تتعهد حكومة العراق بعدم إزعاج أو إيذاء الأشخاص المقيمين في أراضيها بسبب ما أبدوه من الآراء وسلكوه من المسالك السياسية في مصلحة تركية حتى التوقيع في هذه المعاهدة وبمنحهم عفوا تاما شاملا وتلغى جميع الأحكام الصادرة من هذا القبيل وتوقف جميع التعقيبات الجارية.
المادة السابعة عشرة - تدخل هذه المعاهدة في حيز التنفيذ عند تبادل وثائق الإبرام.
يبقى الفصل الثاني من هذه المعاهدة معمولا به لمدة عشر سنوات ابتداء من وضع هذه المعاهدة موضع التنفيذ.
لكل من المتعاقدين الحق بعد مرور سنتين على وضع هذه المعاهدة موضع التنفيذ في فسخ
هذا الفصل في كل ما يختص به منه ولا يصبح الفسخ نافذا إلا بعد مرور سنة على الإعلام بذلك.
المادة الثامنة عشرة - يجب إبرام هذه المعاهدة من قبل كل من المتعاقدين السامين وتبادل وثائق الإبرام في أنقرة بأسرع ما يمكن.
ترسل نسخ من هذه المعاهدة إلى كل من الدول الموقعة في معاهدة لوزان وشهادة على ذلك وقع المفوضون المذكورون أعلاه في هذه المعاهدة واثبتوا أختامهم فيها.
وكتب في أنقرة في 5 حزيران 1926 من ثلاث نسخ
توقيع توقيع توقيع
(ت رشدي) (آر. سي. لندسي) (نوري السعيد)
(لها تلو)(4/32)
حروف الكسع في الألفاظ العربية والمعربات
المراد بحروف الكسع، ما يزاد منها في آخر الكلام للدلالة على معنى جديد يزيد اللفظة الأولى، قال الأزهري: العندليب: رباعي اصله العندل ثم مد بياء، وكسعت بلام مكررة، ثم قلبت ياء.
ويقال أيضاً لهذه الحروف حروف الإلحاق ومنه قول النحاة يلحق بآخر الفعل المضارع نون مشددة مفتوحة أو نون ساكنة(4/33)
يقال لها نون التوكيد. وتسمى أيضاً الحروف المذيلة، لأنها تزاد في أواخر الكلم وهي بالإنكليزية
واللغة العربية من اللغات القديمة التي كسعت بعض الألفاظ الثلاثية فصيرتها رباعية. لأحداث معنى لم يكن في الأصل الثلاثي. ومن الكواسع المطردة في لغتنا تاء التأنيث اللاحقة في أواخر الأسماء والصفات المذكورة فيقولون في عم وخال وأخ: عمة وخالة وأخت (وكتبت الهاء تاء مبسوطة لأن الخاء ساكنة والكلمة ثلاثية، وألا ما جاز ذلك). هذا في الأسماء وقالوا في الصفات حسنة وحلوة وعربية في تأنيث حسن وحلو وعربي. وأما في الأفعال فأنهم بسطوا التاء للإشارة إلى الفعلية فقالوا: نجحت وسمعت وانقادت لتأنيث نجح وسمع وانقاد. وجعلوا هذه التاء في الأول للإشارة إلى المضارعية فقالوا: تنجح وتسمع وتنقاد في مؤنث ينجح ويسمع وينقاد.
وأصل هذه التاء أو الهاء مقطوع من تاء (أنثى) التي هي في اصل الوضع تاء مثناة لا تاء مثلثة. وتثليثها حديث وقد وقع بعد التثنية بكثير. يشهد وجودها بالمثناة في سائر اللغات السامية. فإنها منقطعة بثنتين في بعض اللغات وتلفظ بثنتين. ومنها منقطة بثنتين أيضاً لكنها تلفظ بثلاث. ومنها تنقط بثلاث وتلفظ بثلاث. لكن وجود(4/34)
المؤنثات العربية منقطة بثنتين في أواخرها تدلنا على أن اصل تلك التاء كانت منقطة بثنتين.
ومن الكواسع المطردة في العربية: ألف التثنية في الرفع وياء التثنية في النصب والجر فيقولون في تثنية رجل وامرأة وحسن وحسنة: رجلان وامرأتان وحسنان وحسنتان. وهذه الألف مقطوعة من لفظة (اثنان) التي يقال فيها في حالتي النصب والجر اثنين وعليه انهم لما استثقلوا قولهم رجل اثنان وامرأة اثنتان قالوا: رجلان وامرأتان. فأفادوا في كلمة ما
كانوا يريدون أن يدلوا عليه بكلمتين.
ومن الأدوات المذيلة واو الجماعة في جمع المذكر السالم المرفوع وتقلب ياء في النصب والجر. فيقولون الكاتبون والكاتبين والأصل فيهما الواو. وهي مقطوعة من (كوم) فقولهم الكاتبون اصله (كاتب كوم) أي جماعة من الكتاب، فاكتفوا بالواو من الكوم للإشارة إلى ما يريدون. وأما الياء فهي مبدلة من الواو للدلالة على حالة النصب ويحتمل أن يكون اصل القوم أو الجوم (الكوم) فميزوا لفظة عن لفظة تمييز العاقل وهو قوم أو جوم من غير العاقل وهو كوم.
وأما تاء جمع السالم من المؤنث كما في مومنات جمع مومنة(4/35)
فان التاء فيها مقطوعة من كلمة (فئة) فقولهم مومنات معناه فئة من المومنة. وهكذا استغنوا بحرف من الكلمة للدلالة على معنى الكلمة كلها. وأما الألف الزائدة قبل تاء الجمع فإما أن تكون مقلوبة عن همزة فئة. وأما أنها زيدت تمييزا لها من المؤنثة المفردة أي من قولهم مؤمنة. ومن هذا القبيل ياء النسب إلى الأعلام من رجال ومدن.
وما وقع في اللغات العربية والسامية وقع مثله في اللغات التي ليست من أخواتها. ونكتفي بهذا القدر من الشواهد لان ما بقي منها هو على هذا المنحى وكذلك القول في لغات الأجانب.
ولما كان عصر انحطاط العربية في القرون المتوسطة اتخذ العرب ألفاظا جمة من لغة الفرس وجروا فيها جري الأجانب في لغتهم، فقالوا: أستاذ دار وديوان خانه وطرازدان وتركستان وبيرقدار، لأستاذ الدار والمضيف وغلاف الميزان وديار الترك وحامل البيرق، فلم يذيلوا الألفاظ كما فعل السلف الفصيح اللسان. بل جاروا في أسلوبهم الفرس قصورا منهم وعجزا.
أما اليوم وقد اختلطنا بالأجانب الإفرنج وأخذنا في نقل علومهم العصرية إلى لغتنا. نرانا في حاجة إلى العودة إلى مناحي السلف في ضربنا الألفاظ على مضاربهم ووشيبا على طرازهم.(4/36)
فمن ذلك ألفاظ كثيرة طبيعية وطبية وكيموية تنتهي أواخرها بأدوات هي كواسع لها، فتكون كواسع في لغتنا أيضاً من ذلك قولهم كبريتاة وخلاة وليموناة وهي في لغة على أن الجميع يكتبونها كبريتت وخلات (أو آسيتت وهذه في منتهى القبح) وليمونات
(ومنهم من يقول سترات وهي من المضحكات المبكيات).
أما أنه يجب علينا اتخاذ هذا المصطلح فواضح مما قدمناه من أعمال السلف قبل الإسلام بمئات من السنين في وضع المذيلات وهناك سبب آخر وهو: ليس لنا مبنى نعبر به عن الفكر الحديث وأن وجدنا منه ما يقاربه فأنه لا يقوم مقامه ولا يفيد مفاده، فمن الواجب التمسك به لعدم استغنائنا عنه. والسبب الثالث هو أن هذا المصطلح دخل في لغة العلم مهما كان أهلها فلقد دخل في اللغات الحامية والآرية (أو اليافثية) فلم يبق علينا إلا إدخالها في لغتنا السامية (وقد دخلت في العبرية الحديثة).
وكتابة تلك التاء بصورة هاء في الآخر من الواجب للدلالة على أفرادها، فإن العرب جعلوا الألف والتاء المبسوطة (هكذا ات) للألفاظ المجموعة، ولذلك لا تراها في لفظة مفردة، مصدرا كانت أو اسما أو نعتا. وحروفها تزيد على الأربعة. إلا رأيتها(4/37)
مكتوبة على الوجه الذي نوجهك إليه فقد قالوا: ملاشاة ومباهاة ومساعاة في المصادر، وموماة وسعلاة وسلحفاة في الأسماء وعقاب عقنباة وعبنقاة وبعنقاة في الصفات. ولا ترى كلمة واحدة في بحر اللغة كلها وفيها المفردة منتهية بألف وتاء؛ بل بألف وهاء، ليس إلا. وإنما فعلوا ذلك ليسهل الجمع عليهم ويتميز عن المفرد فقالوا في جمع تلك الكلم: ملاشيات ومباهيات ومساعيات وموميات (في الجمع السالم وموام في الجمع المكسر وهو المشهور) وسعليات (وفي المكسر سعال وهو المشهور) وسلحفيات (وسلاحف في المكسر وهو المشهور) وعقبان عقنبيات وعبنقيات وبعنقيات.
أما الذين قالوا في جمع الألفاظ المذكورة في لسانهم كبريتاتات وخلاتات أو آسيتاتات وليموناتات فقد نطقوا بالهندية أو الكردية أو بالصينية أو بلغة لا نعرف نعتها. هذا فضلاً عن أن العربي الصميم إذا سمع الكبريتات والخلات والسترات تصور أنه يسمع ألفاظا مجموعة، مفرداتها كبريتة وخلة وسترة وهناك البلاء وصريف الأسنان. فالكبريتة القطعة من الكبريت على ما هو معهود في لغتنا من أن الهاء (أو التاء) اللاحقة بعض الأسماء المحتملة التجزئة تفيد الكسرة أو القطعة أو الطائفة منها. أما الخلة فللطائفة من(4/38)
الخل، وابن المخاض، وابنة المخاض، والثقبة الصغيرة. أو عام والرملة الفردة، والخمر والحامضة منها أو المتغيرة بلا حموضة والمراة الخفيفة ومكانة الإنسان الخالية بعد موته والحاجة والفقر
والخصاصة والخصلة إلى غيرها من المعاني: فانظر بعد هذا إلى ما يستهدف له الكاتب إذا أصر على كتابة تلك الألفاظ بتاء مبسوطة.
والفضيحة تظهر في سترات لمن لا يقول ليموناة. فأنه يجمع سترة والسترة في كلامنا الفصيح: ما يستر به. وقد غلبت على ما ينصه المصلي قدامه من سوط أو عكازة أو غير ذلك سواء ستر جسمه بتمامه أم لا. وسترة السطح: ما يبنى حوله. والسترة في لغتنا العامية العصرية: ما يستر به الرجل أعلاه إلى عورته. فأي المعنى يريد من يقول السترات أفليس خير له أن يقول ليموناة لأن سترات مشتقة من (سترون) الإفرنجية وسترون معناه الليمون فتكون ستراة ليموناة لا غير؟
ومن هذا القبيل الألفاظ الإفرنجية العلمية المنتهية بياء ونون فيقولون بنين (لا كافئين أو قهوئين كما نطق بها بعض جهلة المعربين) وجبنين (وبعضهم قال كاسئين أو كازئين ولو قالوا كاسين أو كازين لكانا دون الأولين شناعة وقباحة) وحيوين(4/39)
(وبعضهم يقول فيتامين) فان حرفي هذا الكسع (أي الياء والنون) يدلان على خلاصة تستخلص من المادة التي تكسع بها. فالبنين أو القهوين شبه قلوي ينزع أو يجرد من البن (الذي يسميه البعض قهوة وهو سائغ جائز) وهو مقو للقلب ومنبه له ويتخذ في الطب كثيرا. - والجبنين مادة تقوم اغلب ما في اللبن من الأحين أو جوهر الاح والحيوين جوهر لم يحل تحلية كيمية لكنه يدخل في الأعضاء على يد الأطعمة فيسهل تمثيلها في البدن.
ومثل هذه الكلم المنتهية بهذا التذييل كثيرة ولا يمكن الاهتداء إلى معناها ما لم تعد اللفظة إلى الأصل الراجعة إليه ويفرد في آخرها هذا الكسع المركب من حرفين الناطق بالضاد إذا عرف موطن هذا الكسع والغاية منه، ورآه في آخر كلمة عربية انجلى له معناه بخلاف ما إذا سمع كافئين وكاسئين أو فيتامين.
وهناك ألفاظ تنتهي بواو وزاي (والبعض ينطق بها بواو وعين والأول احسن لما نبينه) للدلالة على سكر يكون في المادة التي تكسع به مثل غلوكوز وسكروز ولكتوز فيقال في تعريبها دبسوز وصقروز ولبنوز. لأن غلوكوز مركبة من غلوكوس باليونانية ومعناه الحلو أو الدبس فإذا كسعت الكلمة. كسعت أصولها أي غلوك فإذا علمت أن غلوك هو الدبس قلت دبسوز ولا(4/40)
يجوز أن تكسعها بالسين لان السين من علامات الأعراب عندهم فحينئذ يظن
القارئ أن دبسوس هي كلمة يونانية اصلية لم تذيل بشيء يغير جوهر معناها. اما سكروز فيجب أن يقال صقروز لأن العرب عرفت ضربا من السكر منذ العهد القديم وهو سكر التمر المعروف بالصقر. فسكروز وهو صقروز ويراد به سكر الابلوج (قصب السكر) المشابه له في أجزائه. كما أن الدبسوز سكر العنب والنشويات وأما اللبنوز فهو سكر اللبن. وهنا يظهر الخطأ في قولك لكتوس إذا استعملت الكلمة الإفرنجية وكسعتها بالسين لا بالزاي، أي إذا قلت لكتوس لا لكتوز فانك توهم أن الكلمة أصلية لا كسع فيها. ولهذا وجب التمييز بين كسع وكسع فضلا عن أن العود إلى الكلمة العربية وكسعها بالواو والزاي اصبح من اللازم اللازب عليك.
ومن هذا القبيل ما يكسع بحرفي (يت) فيقال في من: منيت فلا تقل مانيت لأن الكلمة الإفرنجية سامية الأصل من (من) والمراد بالمنيت سكر يكون في المن وفي بعض الفطر والكرفس إلى غيرها. - ويقال حلويت في ما يسمى بالإفرنجية دلسيت وهي مادة سكرية تكون في ذنيب الثعلب (هو اسم نبات يعرف عند الإفرنج باسم وعند العراقيين باسم ذنيب(4/41)
الواوي (أي ابن آوى) وذنيب الثعلب. لأن سنبله يشبه ذنب أحد هذين الحيوانين) - ويقال غبيريت وهو من المواد السكرية ويكون في الغبيراء. - والعضليت (اينوزيت) وهو سكر يكون في العضلات أي في لحمها ولحم الرئة والكلية والكبد والطحال والمعثكلة (البنكرياس) والدماغ. - ومثلها الصنوبريت (البينيت والبلوطيت (اي كرسيت وسي الحلويت (أي اليسودولسيت وذلك أن الكلمة (يس) اليونانية مقلوبة السي العربية ومعناها المساوي والمثل والمشابه والمماثل في كلتا اللغتين ويجوز لك أن تقول: سيحلويت أو سحلويت من باب النحت وهو هنا بين وحسن، لأن معناه (مشابه الحلويت) أو (مساوي الحلويت) فركب من المضاف والمضاف إليه وهذا ما يرى مثاله في قول الأقدمين عبشمس في عبد شمس، ومرقسي في المنسوب إلى امرئ القيس والشفعنتي في المنسوب إلى الشافعي مع أبي حنيفة.
على أننا لا نوافق بعضهم في قولهم الحامض الكبريتيك والحامض الكبريتوس وذلك لأن الكواسع في الكبريتيك والكبريتوس موصوفية النزعة لا وصفيتها. ولهذا نخير عليها: الحامض الكبريتي في الأول والحويمض (مصغرة) الكبريتي في(4/42)
الثاني وهاتان الصيغتان
أدل على المطلوب من الإفرنجيتين. ففي قولنا الحويمض إشارة إلى أن الحامض فيه قليل بخلاف الثاني أي الحامض فأنه غير مصغر فتدل صيغته على كثرته.
أما المنتهيات ب (ور) مثل كبريتور (سلفور) وفحمور (كربور) وسيانور فيبقى على حاله لخلو لغتنا من نظير يؤدي معناه.
أوضاع عصرية
في عهد الحضارة العباسية دفع الناطقون بالضاد حضارتهم إلى أعلى مستوى كان يعرف في ذلك العهد؛ ولما عربوا كتب الأجانب وضعوا ألفاظا لم تكن معروفة قبل زمنهم؛ وقد ألجأتهم الضرورة إلى وضعها ليعبروا عن حاجاتهم.
نعم أننا لا ننكر انهم قد ادخلوا ألفاظا جمة من السنة الأغراب ريثما يتسنى لهم وضع ما يقابلها في لغتهم أو يقبض الله لهم لغويين يرأبون الصدع. وأن أنكرت علي هذه الحقيقة أتيت إليك بكلام أحد شهود ذيالك العصر مثبتا لنا هذه الحقيقة:
قال في طبقات الأطباء (47: 2)
(ابن جلجل هو أبو داود سليمان بن حسان يعرف بابن جلجل كان طبيعيا فاضلا خبيرا بالمعالجات جيد التصرف في صناعة الطب وكان في أيام هشام المؤيد بالله وخدمه بالطب وله بصيرة واعتناء بقوى الأدوية المفردة وقد فسر أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس العين زربي وافصح عن مكنونها وأوضح(4/43)
مستغلق مضمونها وهو يقول في أول كتابه هذا: أن كتاب ديسقوريدس ترجم بمدينة السلام في الدولة العباسية في أيام جعفر المتوكل وكان المترجم له اصطفن بن بسيل الترجمان من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وتصفح ذلك حنين بن إسحاق المترجم فصحح الترجمة وأجازها فلما علم اصطفن من تلك الأسماء اليونانية في وقته له اسما في اللسان العربي فسره بالعربية وما لم يعلم له في اللسان العربي اسما تركه في الكتاب على اسمه اليوناني (اتكالا منه على أن يبعث الله بعده من يعرف ذلك ويفسره باللسان العربي إذ التسمية لا تكون إلا بالتواطؤ من أهل كل بلد على أعيان الأدوية بما رأوا وأن يسموا ذلك أما باشتقاق وأما بغير ذلك بتواطئهم على التسمية) فاتكل اصطفن على شخوص يأتون بعده ممن يعرف أعيان الأدوية التي لم يعرف هو لها اسما في وقته ويسميها على قدر ما سمع في ذلك الوقت. فيخرج إلى المعرفة).
ثم قال ابن أبي اصيبعة في كتابه المذكور طبقات الأطباء (48: 2) قال ابن جلجل: وفي صدر دولته (أي دولة المستنصر الحكم) مات نقولا الراهب الذي بعثه الملك ارمانيوس ملك القسطنطينية في سنة 337هـ فصحح ببحث هؤلاء النفر الباحثين عن أسماء عقاقير كتاب
ديسقوريدس تصحيح الوقوف على(4/44)
أشخاصها بمدينة قرطبة خاصة، بناحية الأندلس ما أزال الشك فيها عن القلوب وأوجه المعرفة بها بالوقوف على اشخاصها، وتصحيح النطق بأسمائها بلا تصحيف إلاَّ القليل منها. الذي لا بال به ولا خطر له؛ وذلك يكون في مثل عشرة أدوية).
فهذا كلام يدل على أن العرب توصلوا في الأخر إلى وضع ألفاظ عربية صرفة لما كان معروفا عند الإغريقيين. فلينتبه له.
ونحن نقتص اثر هؤلاء الأعلام ونقول: ما من كلمة أعجمية إلا ويمكن أن يوضع لها في العربية ما يؤدي معناها احسن تأدية، بل ربما كانت الكلمة العدنانية أو في بالمقصود من الأعجمية التي لم تبلغ مؤدى المطلوب إلا تواطؤا وصقل الألسنة لها والاجتماع على قبول ذلك اللفظ لما يعقده بناصية أولئك الواضعون له.
من الألفاظ التي نحتاج إلى أن نعرف مقابلها عندنا كلمة الإنكليزية أو الفرنسية. والمراد به مجموع عظام الإنسان على تركيبها الطبيعي فان السوريين قالوا في هذا المعنى: (هيكل عظام) والكلمة الإفرنجية يونانية الوضع معناها الضامر، الضعيف، اليابس، أو المنهضم الخاصرتين ثم توسعوا فيها فأطلقوها على مجموع عظام الإنسان بوضعها الطبيعي. والحال إننا إذا حذفنا من اليونانية علامة الإعراب أي يبقى عندنا أي سقل ويقل لفظة عربية معناها معنى اليونانية ومبناها مبنى اليونانية. فلا ندري أنقل اليونان عن العرب لفظتهم أم عرب الناطقون بالضاد كلمتهم عن الإغريقيين والذي أرجحه أنا هو الأول. قال في تاج العروس: السقل ككتف: الرجل أنهضهم السقلين أي الخاصرتين، وهو من الخيل القليل لحم المتنين خاصة. اه. فهذا كلام واضح أن الواديين من عين واحدة.
وفيها لغة أخرى الصقل بالصاد. قال في التاج أيضا: الصقل القليل اللحم من الخيل طال صقله أو قصر وقلما طالت صقلة فرس إلاّ قصر جنباه. وذلك عيب ويقال: فرس صقل بين الصقل: إذا كان طويل الصقلين وقال أبو عبيدة: فرس صقل: إذا طالت صقلته وقصر جنباه وأنشد: (ليس بأسفي ولا أقنى ولا صقل)(4/45)
ورواه غيره ولا سغل. والأنثى صقلة والجمع صقال. اه
وعلى هذا لنا لغة ثالثة وهي سغل. قال في التاج أيضا: السغل ككتف الصغير الجثة الدقيق
القوائم الضعيف. عن الليث. . . أو السغل المضطرب الأعضاء. أو السيئ الخلق والغذاء من الصبيان كالوغل. يقال صبي سغل بين السغل، أو السغل المتخدد المهزول من الخيل. وسغل الفرس سغلا تخدد لحمه وهزل. قال سلامة ابن جندل يصف فرسا:
ليس باسغي ولا اقني ولا سغل ... يسقي دواء ففي السكن مربوب
وقد سغل كفرح في الكل قال الصاغاني: وهي المعاني الثلاثة والسغل بالسكون الذي صدر به في هذه المعاني عن بعضهم. ومما يستدرك عليه. الاسغال الأغذية الرديئة كالاسغان ذكره الأزهري في تركيب سغن وهو يقول ابن الأعرابي. أهـ
وقال في مادة وغ ل: الوغل من الرجال: الضعيف النذل الساقط المقصر في الأشياء جمعه أوغال. . . والوغل السيئ الغذاء كالوغل ككتف وهذه عن سيبويه. وذكر في مادة سفن: الآسفان أهمله الجوهري. وهو هكذا بالفاء في النسخ والصواب الآسفان بالغين المعجمة. قال ابن العربي (كذا ولعله ابن الأعرابي اللغوي الشهير) هي الأغذية الرديئة ويقال باللام أيضاً كما في التهذيب. أهـ
ومما جاء في هذا المعنى والمبنى ما ذكره السيد مرتضى في مادة سقن قال: الاسقان: الخواصر الضامرة. أورده الأزهري في التهذيب خاصة عنه.
فهذه المواد كلها مع مشتقاتها راجعة إلى معنى واحد اصلي هو: الضعيف الضامر من الناس وغيرهم ثم توسعوا فيه وأطلقوه على مجموع العظام. فما علينا إلا أن نسلك في الطريق التي سلكوا فيها ونكتفي بالكلمة الواحدة عن عدة كلمات لا تقوم مقامها.(4/46)
ومن جملة الأدلة التي تقنعنا باتخاذ الصقل ككتف بمعنى اللفظة الإفرنجية أن أبناء الغرب يقولون أن كلمتهم تفيد معنى الشخص المهزول كل الهزل الضامر الخواصر وهي كذلك في العربية فإذا قالوا فمعناه هذا صقل ولهذا لا نحتاج إلى أن ننطق بغير هذا التعبير المؤدي للمعنى كل التأدية. ويريد الإفرنج بكلمتهم المذكورة معنى الفكرة المجملة لما يريدون أن ينشئوه من الموضوع فيقولون أي مجمل فكرة المأساة. وأنت تتمكن من أن تقول في لغتك: صقل المأساة من باب المجاز كان للمأساة صقالا وصقالها مجموع فكرها غير حال بحلي الكلام على أنواعها وقد يطلق عندهم الصقل على مجموع خشب السفينة أو نحوها إذ يعتبرون عيدانها بمنزلة الخواصر للحيوان فإذا قالوا: هذا صقل السفينة فإنهم
يفهمون مجموع خشبانها. وكذا يصح هذا التعبير في العربية من باب المجاز.
فانظر إلى لغتنا هذه وغناها وكيف إنها تقوم بما تنتدب إليه بحيث إنها تناوئ أرقى لغة على وجه البسيطة بل تتحداها!
ومن ألفاظ وعند الإنكليز وهو نسيج خشن مهلهل يتخذ من قنب وقد يكون من غيره يستعمل لنوع من البسط ونسيج آخر يتخذ لأشرعة السفن. وأصحاب المعاجم الإفرنجية العربية قالوا: خيش وجنفاص وعندي أن الكلمة الإفرنجية (إنكليزية كانت أو افرنسية أو إيطالية وهي في هذه من أصل عربي وهو خنيف وهو أردا الكتان، لكن كتبة العرب العصريين جهلوا اللفظة العربية الأصلية فعربوا الإفرنجية بصورة جنفاص. وهكذا يتفق لنا أن نأخذ كلمتنا العربية عن أهل الغرب وهي عربية في نظر الإفرنج أنفسهم ككلمة الكحل فان الكلمة عربية فنقلها الإفرنج إلى صورة أو فقال فيها بعض ضعفاء الكتاب الكؤول والكحول والكول إلى غير هذه الروايات مع إنها عربية محضة ومعناها في الأصل الشيء الدقيق القوام، مهما كان ذلك الشيء سائلا أو جامدا.(4/47)
جميل صدقي الزهاوي والآنسة مي
في نظر مجلة العالم الإسلامي الفرنسية
من مشاهير صحف الفرنسيين نشرة اسمها (مجلة العالم الإسلامي) وقد صدر الجزء ال 72 منها عن الثلاثة الأشهر الأخيرة من سنة 1925 فوجدنا في ص 209 منها ما هذا تعريبه:
ديوان الزهاوي
يعرف قراء مجلة العالم الإسلامي الابتكار الشاذ الفلسفي الذي عرف به الشاعر البغدادي، ذلك الشاعر الذي أقام له المصريون حفلات شائقة ناظرين إليه نظرهم إلى رجل مشهور من مشاهير هذه الساعة (راجع مجلة العالم الإسلامي في جزئها ال 13 ص 305، 465، 566 إلى 570 وغيرها)
في هذا الديوان فهرسان: أحدهما لعناوين القصائد والثاني للقوافي ويقسم هذا الديوان إلى 15 قسما. . . .
يستطيب المطالع قسم هواجس النفس وقسم المرأة ففيهما ما اشتهر به الزهاوي من الآراء الفلسفية وما يتعلق بالعمران والاجتماع. وإذا انتقلت منهما إلى باب (المشاهدات) وجدت فيه من الأناقة والظرف ما يعز وجود مثلهما في غير كتابه. وإذا وقفت على خاتمة أبوابه بلغت الرباعيات: وصاحبها يحاول إعادتها بين العرب بصورة دوبيت والفرس يعرفونها بالرباعية.
وقالت المجلة المذكورة عن (مجمل مما أرى) وهو للزهاوي أيضا.
هذه المجموعة هي عصارة نظريات غريبة جديدة بعبارة محكمة الأسر تتعلق بالجذب والدفع وما إليهما. وبعلم النفس والمجتمع والأنثوية أي (البحث عن تحسين حالة المرأة) والسلم.
وفي الصفحة التالية ذكرت المجلة تأليفا لمي (لمريم زيادة) اسمه الصحائف(4/48)
فقالت عن هذا الكتاب ما هذا تعريبه: (مي هو اسم الآنسة ماري زيادة وهي - والحق يقال - إحدى الكواتب الممتازة بأحسن المواهب من العربيات الساعيات للحركة الجديدة.
وقد رأى أحد النقادين الإيطاليين أن يحتفل حديثا (بعبقريتها) وهذا الأمر لا يميز تمييزا حسنا حالة مي من جهة مبتكراتها لأن مي (وصافة) مبدعة يقظة موقظة كالكاتبة الإنكليزية الروائية (ويدا) فهي إذا (ويدا) العرب، تتلقف بسرعة ما تراه في الناس من التفاوت في العقول وأميال ذوي الإفهام في هذا العهد فتخرجه على احسن طراز من الدقة. - ولهذا لا تطلب منها مقدرة الزهاوي في بناء الأفكار، ولا مذهب الارتياب البالغ اوجه في سلامة موسى. فالأمالي أو الأوصاف الواحد والعشرين المدرجة فيها الصحائف تبحث عن مواضيع عصرية متدفقة سلاسة ودقة وشعورا لطيفا أنيقا. اه
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
في شهر حزيران 1926:
قانون غرف التجارة
صدرت الإرادة الملكية بقانون غرف التجارة العراقية. وقد نشر نص القانون في جريدة (الوقائع العراقية) الرسمية.
نهر الفرات
لم يزل نهر الفرات في هبوط وارتفاع وقد جرف الماء الخرم (ناحية الغماس وناحية السوارية وأماكن أخرى.
وفاة شكري الفضلي
توفي في 1 منه الكاتب الأديب شكري أفندي الفضلي (وقد نشرنا بعض ترجمته في هذا الجزء)(4/49)
وفاة الشيخ جعفر آل راضي
توفي في النجف حجة الإسلام الشيخ جعفر آل الشيخ راضي ليلة الجمعة منتصف ذي القعدة سنة 1344 عن عمر يناهز 73 سنة.
أحوال اليزيديين
الأمن ضارب إطنابه في سنجار وقد نمت الزراعة فيه نموا كبيرا بخلاف أقصية الشيخان ودهوك وزاخو وناحية القوش فقد اتلف الجراد المزروعات حتى اضطر كثير من اليزيديين إلى الفرار إلى الجبل طلبا للرزق وانتجاعا للمرعى.
وقد روى إسماعيل بك اليزيدي أحد رؤسائهم الدينيين: أن اليزيديين في العراق ثلاثون ألفا لهم في جبل سنجار (60) قرية و (45) قرية في الشيخان ودهوك وزاخو، ونصف اليزيديين يسكنون جبل سنجار ومعظمهم من الأميين والأهالي يتكلمون الكردية وليس بينهم من يتقن العربية كتابة وقراءة وتكلما في الوقت الحاضر في العراق.
ورئيس اليزيديين في جهات الشيخان ودهوك وزاخو هو سعيد بك ويقال أن وارداته
السنوية تربو على (60) ألف ربية.
وعدد اليزيديين التابعين لحكومة إروان الأرمنية في جهات اروان وكمري (الكسندروبول) (5) آلاف بيت أي (25) ألف نسمة على وجه التقريب. وقد فتحت لهم الحكومة هناك 11 مكتبا ابتدائيا.
الطاعون في بغداد
في بغداد بعض إصابات بالطاعون في كل يوم في هذا الشهر منها ما يشفى ومنها من يموت بها.
بين الضفير وعنزة
روت (الأوقات العراقية) في البصرة أنه نظرا إلى وقوع الشقاق والخلاف بين قبيلتي عنزة والضفير ينتظر وقوع معارك دموية وغارات متبادلة بين الطرفين(4/50)
وتفيد الأخبار الواردة في هذا الحين أنه شوهد نحو 400 هجان من عنزة شمالي أبي غار يتحينون الفرص للإغارة على الضفير.
موظفوا الإدارة في العراق
صدرت الإرادة الملكية بتعيين محمد ياسين أفندي قائم مقام لقضاء عانه
وعبد الرحمن بك لقضاء خانقين
وخليل عزمي أفندي لقضاء دلتاوة
المعاهدة العراقية التركية الإنكليزية
وقع في منتصف ليلة 6 حزيران 1926 على المعاهدة العراقية التركية البريطانية في أنقرة ووثقها (وأبرمها) المجلس الوطني التركي الكبير في أنقرة في اليوم 7 منه.
وصدقها مجلس الأمة العراقي في اليوم 14 منه. (المنشورة في هذا الجزء)
أمراض نخل هذه السنة
أصاب نخلنا هذه السنة عدة أمراض وأول داء حمل عليها كان في أول عهد تفتق طلعها، فانه ما كاد يضحك عن نضيده إلاَّ وأمطر السماء مدرارا، فذهب عن الفحال لقاحه، فلم
يؤثر فعله في طلع الأنثى، فشيص كثير منه. وهذا هو الداء الأول.
أما الداء الثاني فهو أنه لما كان إتاؤه صغيرا أي حينما كان سداء (خلالا ناعما) انتفض أكثره لرطوبة الهواء المفرطة يومئذ. وهذا الداء يعرف عند قدمائنا بالقشام.
وبينما كان سداء أيضاً تسلطت عليه آفة ثالثة وهي الحميراء (مصغرة) وهو الداء المعروف عند السلف بالمغر (وزان سبب) وهو مرض يحمره ويوبسه فيتناثر على الأرض متساقطا.
وكان قد سبق هذه العاهات آفة منعت النخل من الحمل هذه السنة لأسباب مجهولة الآن ولعل بين هذه الأسباب أن حمله كان كثيرا في السنة الماضية. وهذه الآفة عرفت عند السلف باسم الطق (وزان سبب).(4/51)
إنكليزيان في اسر الشيخ محمود الكردي
الشيخ محمود الكردي شق عصا الطاعة على الحكومة في ما وراء السليمانية وقد نقلت جريدة (الأوقات البغدادية) البغداد تايمس في قسمها العربي أنه بينما كان سرب من الطيارات البريطانية الحربية قائما مؤدبا الشيخ محمود الكردي وهو حفيد كاكا احمد طرأ خلل على محرك طيارة من تلك الطيارات فاضطرت إلى النزول إلى الأرض وسرعان ما اقبل عليها رجال الشيخ محمود فاسروا الضابط دني (السائق) والضابط هيرست (الراكب)
انفضاض الدورة الأولى
لمجلس الأمة
انفض مجلس الأمة العراقي لدورته الأولى في 14 حزيران 1926 وكان قد مدد مرتين.
غرفة الآثار البابلية
احتفل جلالة الملك فيصل المعظم بافتتاح غرفة الآثار البابلية لدار الآثار العراقية المنتقلة إلى بنايتها الجديدة في مطبعة الحكومة في الدنكجية في بغداد في اليوم 14 من حزيران 1926 ومديرة الآثار الشرقية هي المس كرتروديل الكتوم الشرقية لدار الاعتماد البريطاني في بغداد.
وقد نقلت إلى هذه الدار بعد أن كانت في أبنية دار الحكومة (السراي) كما نقلت إدارتها من
وزارة الأشغال والمواصلات إلى وزارة المعارف.
وزير الداخلية الجديد
قام فخامة عبد المحسن بك السعدون رئيس وزراء حكومة العراق ووزير خارجيتها بوزارة الداخلية بالوكالة بعد أن ترك هذه الوزارة معالي حكمت بك سليمان (شقيق محمود شوكت باشا وزير الحربية في السلطنة العثمانية الذي اغتيل سنة 1913) على اثر انتخابه رئيسا لمجلس النواب العراقي.
وقد أسندت وزارة الداخلية إلى معالي عبد العزيز بك القصاب متصرف لواء الموصل في 20 حزيران 1926(4/52)
تمثال ملك آشوري في المتحفة التركية
في آذنة
ما برحت المتحفة التركية في مدينة (آذنة) تتسع وتزداد قيمتها بما يضاف إليها من الآثار المهمة. وآخر ما دخل فيها تمثال مهم للملك الآشوري (اسرحدون) الذي عثر عليه الترك على ضفاف الفرات عند جرابلس. وقد دخل هذه المتحفة كذلك عجلة (عربية) صيد آشورية وتماثيل متعددة من آثار الحثيين.
قضاء رانية
حولت ناحية رانية التابعة للواء ارل إلى قضاء وعين مديرها عبد الكريم أفندي قائم مقامها بالوكالة
وفاة الشيخ محمد حسن أبو المحاسن
توفي في (جناجة) من قضاء طويريج في 24 حزيران 1926 العالم الأديب الشيخ محمد حسن أبو المحاسن الذي كان وزيرا لمعارف العراق مدة ودفن جثمانه في الصحن في النجف.
أمراض النخيل في العراق
أصيب نخيل العراق بمرض اسقط حمله وهو خلال. وريع النخل قدرت ضرائبه عن هذه
السنة باثنين وعشرين لكا. لكن هيهات أن يحصل منها على الثلث. لان أهل الخبرة قدروا إن معدل التمر لا يزيد على 35 أو 40 في المائة من الاتاء المألوف في سني الحمل الحسنة. وضرر نخل الديار الواقعة على دجلة والفرات هو اعظم مما هو في نخيل البصرة فمعدل ما في البصرة لا يتجاوز الأربعين أو الخمسة والأربعين من المائة أما في الفراتين فلا يربو على الثلاثين أو اكثر.
المجالس الاستشارية في الحجاز
قررت الحكومة الحجازية تأليف مجلس استشاري في كل من مكة والمدينة(4/53)
وجدة وينبع والطائف ينتخب أعضاؤها مباشرة وتنظر في المسائل المحلية المهمة.
السيل في الحجاز
هطلت أمطار في مكة بشدة فكان منها سيل عظيم كما عمت السيول جهات المدينة ورابغ، وقيل أن الحالة كذلك في نجد.
السيارات في الحجاز
أحضرت شركة السيارات 25 سيارة كبيرة تسع كل منها 14 راكبا وجاء معها سواقها والمهندسين وشرع السير بها بين جدة ومكة بانتظام.
فتنة الجوف في اليمن
تنازع رجال قبيلة (ذوو محمد) في الجوف فتقاتلوا فسير سيادة الأمير قوة من 500 جندي بقيادة وزيره السيد عبد الله وسلحها بمدفعين فلما وصلت إلى منزل القبيلة كفت عن الخصام والنزاع واستقبلت الوزير بالترحاب
فدعا رؤساء القبيلة وبحث عن أسباب النزاع بينهم وأعاد المياه إلى مجاريها وعاد إلى صنعاء ومعه رؤساء القبيلة لمحاكمتهم.
مؤتمر مكة للخلافة ومستقبل البلاد الحجازية
احتفل في 8 حزيران 1926 بافتتاح ابن سعود سلطان نجد مؤتمر مكة فنظر في مسألة الخلافة ومستقبل البلاد الحجازية
ملكة الحجاز
قدمت عاصمة العراق بغداد مساء الجمعة في 11 حزيران صاحبة الجلالة ملكة الحجاز وزوج الملك علي ملك الحجاز سابقا المقيم الآن في بغداد وقد استقبلت استقبالا جديرا بمقامها.
بين الإمام يحيى والإمام ابن سعود
كان الأخوان قد فتكوا بألفي حاج يماني ولهذا أوغر صدر الإمام يحيى حميد الدين وتوقع الناس أن تنشب الحرب بين الطرفين ولا سيما أن مذهبهم يختلف عن مذهب خصومهم.(4/54)
العدد 36 - بتاريخ: 01 - 08 - 1926
أأوضاع خالدة؟
الناطقون بالضاد من أرباب العلم والقلم هم اليوم على ثلاثة أقسام: قسم يريد اتخاذ الألفاظ الأعجمية الجديدة وأساليب سبكها وإدخالها في لغتنا. وأصحاب هذا الرأي هم المهاجرون من العرب النازلون في أميركة وأوربة وترى منهم بين المصريين جماعة غير قليلة. وعذرهم أن الحياة هي في التغير والتبدل وان هذه الزيادة غنى وثروة للغة.
وقسم لا يريد شيئا من ثروة الأعاجم ولو كان زهيدا. وهم حملة الأقلام في سورية وفلسطين والعراق وبعض مصر. وحجتهم أن الغنى لا يتوقف على ما يعيق حركة جسم اللغة، بل ما يعينها ويمثل دمها وأعضائها فتكون لها قوة جديدة وعونا لها وثروة. وإلا فما كان مخالفا لأوضاع العرب ولغتهم فإنه لا يتحد بها بل يشينها ويمرضها، لا بل ربما أودى بحياتها، فجسم الإنسان إذا تجاوز سمنة القدر اللازم له عد مريضا لا صحيحا.
وقسم يقول بان خير الأمور أوساطها. فعلينا أن نأخذ من لغة الأجانب ما لا يمكن أن نحققه في لغتنا ولا نجد فيها ما يؤدي معناه؛ أو أن ما يقابله في(4/55)
اللغة الضادية هو اليوم مجهول. فيتخذ المعرب من كلام الأغراب ريثما نعرف ما يعوض عنه في لغتنا وأرباب هذا الرأي منتشرون في جميع الديار العربية اللسان.
فأصحاب الرأي الأول يقلون إذ يرون أن الغنى على غير وجه مشروع سرقة والثروة غير مرغوب فيها أن أضرت صاحبها. أما رأي القسم الثالث فأنه رأي حسن وهو رأي أغلب المعتدلين في الوصول إلى تحقيق الأماني. أما رأي القسم الثاني فهو في نظرنا من أحسن المذاهب. أن وفق له رجال واقفون على لغة من اللغات الإفرنجية ومطلعون على أسرار اللغة المبينة العدنانية. ومن أصحاب هذا الرأي في بغداد العربي الصميم الأديب أبو قيس عز الدين علم الدين التنوخي وكاتب هذه السطور صديقه المعجب به.
أنتدب أبو قيس لنقل كتاب الطبيعيات لمؤلفه الفرنسي فرنان ماير إلى العربية فأفرغه في قالب يكاد يرضي جميع أبناء يعرب: إلا إنه غالي في وضع الألفاظ حتى أضطر إلى مخالفة أصول القواعد المعهودة التي أقرها جميع النحاة من أصحاب سيبويه ومن معارضيه.
ولهذا نستأذن صديقنا في إبداء رأينا في هذا الصدد:
وأول كل شيء نأخذه عليه انه عرب كلمة بقوله (فيزياء) حملا لها على كيمياء. لكن كيمياء هي كذلك في اليونانية بخلاف فيزياء. فكان يحسن أن يقال فيها فوسيقي وزن موسيقي. لأن الكلمة اليونانية فوس (بعد تجريد علامة الإعراب منها وهي س) ومعناها الطبيعة مكسوعة بأداة النسبة أو الصفة وهي عندهم (قي) إذن كان يجب أن يقال فيها (فوسيقي) كما قال السلف موسيقي وارثماطيقي وافودقطيقي وطوبيقي وسوسفطيقي وريطوريقي وبيوطيقي (راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص141 وما يليها من طبعة بويل في ليدن).
هذا إذا أردنا التعريب على أساليب السلف. بيد إننا ندعي أن كلمة (فوس) اليونانية أو الإغريقية هي كلمة عربية الأصل. أخذها اليونانيون عن العرب حينما كان يجمعهم صعبد واحد مختلطين بعضهم ببعض. (وفوس) بالعربية (توس)(4/56)
معنى ومبنى. فقلب الإغريقيون التاء فاء كما قلبوها في ألفاظ غيرها. وقد يحتمل أن بعض العرب كان يتلفظ بها بالفاء وهو غير بعيد، لأن اللغويين لم يذكروا لنا اختلاف جميع القبائل ولغاتهم للفظة الواحدة بل ذكروا منها بعضا ليذكروا بها القوم ويملوا ما كان من هذا الغرار على ذلك المنحى. أما ورود التاء والفاء متبادلة على لغة بعض القبائل فظاهر من هذه الألفاظ: المحتد المحفد. سحت وسحق بمعنى قشر. تش سقاءه وفشه. النكات والنكاف وهناك غيرها وهي كثيرة. وعليه لو قال صديقنا (التوسيات) بدلا من (الفيزياء) لما لامه أحد، بل لوافقه عليها كثيرون والعالم للتوسيات: توسي لكنه خالف الصراط السوي في الوضع الأول والثاني فلا أرى من يتبعه في وضعه هذا غير أفراد قلائل.
على إننا وأن كنا نرى أن التوسيات من المعرب الحسن أو من الوضع العربي الصميم. إلا أننا لا نستحسنه لأن السلف سبقونا إلى وضع لفظ لهذا العلم وسموه علم الطبيعة وهي الشائعة في كتب علمائنا الأقدمين. قال في كشف الظنون علم الطبيعة علم يبحث فيه عن أحوال الأجسام الطبيعية وموضوعة الجسم. أهـ ويقال فيه علم الطبيعي (أي علم الجسم الطبيعي) وعلم الطبائع والعالم به طبيعي أو طبائعي. قال في صبح الأعشى (248: 13) نقلا عن كتاب التعريف بالمصطلح الشريف: (الدروز. . . ينكرون المعاد من حيث هو،
ويقولون نحو قول الطبائعية: إن الطبائع هي المولدة والموت بفناء الحرارة الغريزية كانطفاء السراج بفناء الزيت إلا من اعتبط) أهـ. وقد ذكر دوزي المستشرق في معجم (الملحق بالمعاجم العربية في 23) أن الطبيعي وعلم الطبائع وردتا عند العرب بمعنى (أي التوسيات أو الفيزياء كما يقول صديقنا) والعالم بعلم الطبيعي: طبيعي وطبائعي: وقد اثبت ذلك بشواهد نقلها عن كتب العرب؛ غير الشواهد التي أتينا بها.
وقد يعترض علينا الصديق التنوخي قائلا (ص ج): إنا أن ترجمنا فيزيك بالطبيعة لم تتخصص الترجمة: أو قلنا الحكمة الطبيعية عبرنا عن كلمة بكلمتين وصعبت النسبة. وإذا نسبنا إلى الموصوف وقلنا طرشلي الحكمي ظنه القارئ حكيما فيلسوفا: أو إلى الصفة وقلنا الطبيعي ظنه باحثا عن المواليد(4/57)
الثلاثة كأرسطو وبلينيوس القديم وبوفون. أهـ
قلنا: اتضح مما قدمناه قبيل هذا أن الفيزيك هي علم الطبيعة أو علم الطبيعي وعلم الطبائع وأن العالم به هو الطبيعي أو الطبائعي فهو من المترجم إلى العربية كلمة بكلمة منذ القدم. فإذا وصفنا طرشلي قلنا عنه: الطبائعي ولا حاجة إلى ذكر الحكمة فإن الحكمة الطبيعية غير معروفة عند العرب بل عند الأتراك. وقولك الطبائعي يميزه عن (المواليدي) وهو العالم بعلم المواليد وعلم المواليد هو وأما الناتور والست بغير هذا المعنى فهو الدهري (بضم الدال) عند العرب.
نتيجة هذا البحث إننا لا نرى حاجة إلى إدخال كلمة جديدة في لغتنا تغلق علينا باب المعرفة أو توصد في وجهنا إدراك كتب السلف في حين أننا في منوحة عنها وغنى: فضلا عن أن المعرب لا يقابله عند الإفرنج شيء فهو من المعرب الموهوم والخطأ.
وسمى أديبنا الفاضل كتابه (مبادئ الفيزياء) فنحن لا نوافقه على كلمة مبادئ هنا جريا على ما في معاجم لغة الأجانب فمعنى أو هو مجموع معارف أولية تسير بك إلى مطلوبك من علم أو فن أو صناعة (راجع معجم لاروس) من غير أن تطلعك على كامله الذي تسعى إليه. وسمت العرب هذا الطرف من العلم غير الكامل: (ذروا) قال ابن مكرم في مادة ذرو: (وفي حديث سليمان بن صرد قال لعلي كرم الله وجهه: بأني عن أمير المؤمنين ذرو من قول تشذرلي فيه بالوعيد فسرت إليه جوادا.) ذرو من قول أي طرف منه ولم يتكامل. قال ابن الأثير: الذرو من الحديث ما ارتفع إليك وترامى من حواشيه وأطرافه من قولهم ذرا
فلان أي ارتفع وقصد. . . والذرو لغة في الذرء. انتهى
ونحن إن قلنا: نفضل (ذرو من الطبيعيات أو من الطبائع) على قوله: (مبادئ الفيزياء) لا نريد أن نخطئ كلام العربي الغيور. بل نفضله عليه من باب إتقان نقل المعنى الموجود في الافرنسية إلى العربية فالذرو والذرء من واد واحد كما أن هو من هذا الوادي عينه.(4/58)
هذا واعتراضنا على صاحبنا الودود غير متوقف على هاتين الكلمتين. بل على طريقته التي جرى عليها في وضع ألفاظ كثيرة ننكرها عليه وعلى كل من يتخذها لأنها مخالفة لأوضاع العرب البتة وهي هذه محرار (ثرمومتر) محلاب (لكتومتر) محماض (آسيديمتر مدفأة (بوال ثم قال في شرحها: (آلة الدفء وهي من أوضاع الشيخ عبد القادر المغربي.) أما نحن فنقول: لا يمكن أن تكون اللفظة مدفأة وزان مكنسة. بل مدفئة كمطفئة أي بضم الميم فسكون الدال فكسر الفاء يليها همزة مفتوحة وفي الأخر هاء من فعل أدفأ. لأن اسم الآلة لا يصاغ من اللازم كما سنذكره. مرضخة (كاس نوازيت - مرطاب (هغرومتر مروآح (آنيمومتر مرواز (بارومتر مزجة (سير مسعار (كالوريمتر مضرام (بيرومتر مضغاط (مانومتر معبرة (اكلوز مضغطة (ماشين دي كومبرسيون مغوصة (اسكافاندر مقدرة (مترونوم مقواة (دينامومتر مكثاف (دانسيمتر مكحال (الكوومتر ممطار (بلوفيومتر مملاح (بيزسيل - ملطاس (مارتوبيلون - منزحة (بومب دي مهبط (افال الميزاب (المحز العميق
فأغلب هذه الألفاظ مشتقة من الفعل اللازم وهو مما لم يرد في لفظ واحد من كلام العرب على كثرة أسماء الآلات. ولهذا لا يجوز أن يقال البتة: محرار ومحماض ومرطاب ومرواح ومضرام ومقواة ومكثاف وممطار ومملاح فكلها تقاوم المزية العربية اشد المقاومة وتأباها. وأن كان لا بد من وضع لفظ عربي لكل هذه الأدوات فيجب أن يشتق لها من المزيد وأن يكون المعنى: آلة يتحقق بها الأمر الفلاني مثلا آلة يتحقق بها درجة الحر. ولمثل هذا المعنى يتخذ له استفعل لأنه يأتي بمعنى وجد الشيء أو تحققه أو أصابه. قال ابن قتيبة في أدب الكاتب: (وتأتي استفعلت بمعنى وجدته كذلك تقول: استحدثه أي(4/59)
أصبته (بمعنى وجدته) جيدا وأستكرمته واستعظمته وأستسمنته واستخففته واستثقلته: إذا أصبته كذلك. أهـ
فإذا علمنا ذلك سهل علينا وضع ألفاظ كثيرة نصوغها صيغة اسم الفاعل فنتخذها أسماء للآلة لأنهم اعتبروا أسماء الأدوات من قبيل الفاعل، فلما قالوا مكنسة تصوروا فيها أنها هي الكانسة وكذلك القول في المبرد والمرقم والمزبر ونحوها. وعليه إذا أردنا أن نسمي آلة بأنها تصيب الحر أي تجده أو تتحقق من وجوده قلنا: مستحِر بكسر الحاء للثرمومتر. ومستحمض للاسيديمتر. ومسترطب للهغرومتر. ومستروح للانيمومتر ومستضرم للبيرومتر ومستقواة للدينامومتر ومستكثف للدنسيمتر ومستكحل للالكوومتر ومستمطر للبلوفيومتر ومستملح لمقياس الملح. وإذا أردت جمعها فلك الخيار بين وجهين فإما أن تقول مستحرات ومستحمضات إلى آخرها جريا على القياس في جمع المؤنث السالم للأسماء غير المعقولة. وأما أن تكسرها على محار (بتشديد الراء) ومحاميض ومراطيب ومراويح ومضاريم إلى آخرها. على غرار ما قال السلف في جمع مكسر مقعس مقاعيس (التاج واللسان في قعس) وفي مستنكر مناكير (عن سيبويه وراجع اللسان والتاج في نكر) وفي جمع منقطع مقاطيع (التاج في صفد) إلى غيرها وهي كثيرة عندهم.
ومما يستحب التنبيه عليه هنا هو أن لبعض الألفاظ التي اتخذها صديقنا المحبوب معنى سابقا غير المعنى الذي أشار إليه فالمرضخة عند السلف: حجر يرضخ به النوى كالمرضاخ - والمرواح: نوع من العنب كثير الماء كبير النوى - والمسعار كالمسعر هو ما تسعر به النار أي تضرم به - والمكحال: الملمول يكتحل به كالمكحل والملطاس: معول غليظ تكسر به الحجارة وحجر يدق به النوى - والمنزحة الدلو وشبهها مما تنزح به البئر. إلى غير ما ذكرناه. أفلا يخشى أن تختلط المعاني الحديثة بالمعاني القديمة. إذا ما التجأ العربي إلى التنقير عنها في دواوين اللغة؟ لكن قد ينقدنا الأخ هذا النقد عينه للكلم التي وضعناها - فجوابنا إن لمصطلحاتنا في الكتب معاني معقودة بنواصي المعقولات. لا باعنة مالا يعقل أي(4/60)
بالآلات. والبون بين الاثنين بين لكل ذي عينين. أما مصطلحات الأخ الحبيب فإنها تختلط بالآلات القديمة كما ترى.
وفي بعض الحروف التي وضعها المعرب طائفة لا توافق المؤدي المطلوب وهي تلك الأسماء المشتقة من فعل متعد. فالمحلاب مثلا يصح أن تسمى به الآلة التي يحلب بها لا الآلة التي تكشف لنا ما في اللبن الحليب من صفاته التي يتميز بها. والمسعار الآلة التي
يضرم بها النار لا الآلة التي يقاس بها قدار الحرارة التي تخرج من الجسم بأي تأثير كان. وهكذا نقول عن المضغاط والمضغطة إلى أمثالها.
ونستحسن المرواز للبارومتر. فإنه اشتقاق صحيح وكذلك المكثفة لإناء التكثيف والمغوصة للآلة التي يتخذها الغائص في بلوغه إلى قعر البحر ليرى ما فيه ونخير المبدغة على المرضخة. لأن هذه لكسر النوى بخلاف المبدغة فإنها مشتقة من بدغ الجوز واللوز أي كسره وهذا ما يريده الإفرنج من قولهم - ونستحسن الملطاس بالمعنى الجديد الذي يريده ومن هذا القبيل أيضاً المنزحة بمعناها الحديث.
والمزجة تصح على الموضع الذي يكثر فيه الزجاج لا للمكن بتشديد النون وهو بيت من الزجاج تكن فيه النباتات من الأذى أما المضغاط فلا يؤدي المعنى المطلوب من المانومتر. لأن المانومتر آلة تتخذ ليعرف بها مبلغ توتر البخار والغاز أي آلة تدل على أن البخار أو الغاز بلغ أقصاه من الامتلاء وفي لساننا المبين لفظة بديعة تؤيد هذا المعنى وهو حظرب يقال حظرب الوتر والحبل: أجاد فتله وشد توتيره وضرع محظرب: ضيق الإخلاف فاسم هذه الآلة يكون المحظرية وهي من أبدع الكلم التي تصور لنا أن هذه الآلة تدلنا على أن البخار والغاز ملأ الموضع فحظر به.
وأما المعبرة أو حوض المرور فكلاهما لا يؤيد معنى الفرنسية لأن معنى هذه الكلمة عندهم خشب يوضع في مجرى الماء يسد ويفتح على هوى صاحبه ليتمكن من إجرائه وإمساكه. وهذا ما سماه العرب بالصناعة وزان جبارة فلا حاجة إلى إدخال كلمة في لغتنا نحن في غنى عنها. قال في القاموس: الصناعة(4/61)
مشدودة وكسحاب (كذا والصواب وكسحابة): خشب يتخذ في الماء ليحبس به الماء ويمسكه حينا. أهـ
والعراقيون يقولون في معنى مهبط النهر المنحدر وهو احسن لأنه عربي فصيح ويقولون: فلان انحدر في سباحته إذا اندفع مع مجرى الماء وأما الميزاب فمعروف عند العرب أنه يقابل عند الإفرنج أي المرزاب أو المرزيب عند العراقيين. وأما المحز العميق فيوافق في العربية المسلك والمزلق والمزلج والمزل والطريقة وياما أكثرها ولنبق المئزاب لمؤداه الحقيقي.
فيتحصل مما تقدم بسطه حتى الان، ومما أوضحناه من الاطراد على القياس أن ما لم
يجيء على هذا المنحى لا يرضى به فصيح ولا يتخذه في كلامه. ويجدر بنا هنا أن نتذكر قول ابن جني في كتابه الخصائص (132: 1) ضعف الشيء في القياس. وقلته في الاستعمال. مرذول مطرح. أهـ وقال في 362: 1 ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب. ألا ترى انك لم تسمع أنت ولا غيرك اسم كل فاعل ولا مفعول وإنما سمعت البعض فقست عليه غيره أهـ. وقال في ص367: ألا ترى أنه ليس كل ما يجوز في القياس يخرج به سماع فإذا حذا إنسان على مثلهم وآم مذهبهم لم يجب عليه أن يورد في ذلك سماعا ولا أن يرويه رواية. أهـ
فهذه الأقوال كلها جديرة بأن تكتب بماء الذهب. وهي كلها تعمد ما ذكرناه من الجري على أساليب اللغة المبينة وتضعف عمل من خالفه كما يتضح لأدنى تأمل.
هذا ونحن لم نتعرض هنا لكل لفظة وضعها العربي الصميم. بل وضعنا لك منه ومن غيره من أغراض كلامهم ما يستدل به ويستغنى ببعضه من كله بإذنه تعالى وطوله.
والآن نتقدم إلى ذكر بعض التعابير الإفرنجية النزعة التي اتخذها الكاتب البارع والتي لا نوافقه عليها ونفضل عليها تعابيرنا العربية الصحى والفصحى. قال حرسه الله في ص195: تنفتح الحنفيات انفتاحا تلقائيا (ثم شرح في الحاشية(4/62)
هذا التعبير لتأكده من عجمته فقال: أي من تلقاء نفسه. وأظن أن الفصحاء يقولون في مثل هذا الموطن تنفتح الحنفيات عفواً.
وقال في تلك الصفحة بسطة البخار ثم شرحها في الحاشية بقوله أي انبساط البخار بعد انضغاطه. وأظن أن السلف يقول في مثل هذا المعنى: انفشاش البخار. وحينئذ لا حاجة إلى الشرح إذ العراقيون يعرفون هذا المعنى ويتلفظون به وهو من فصيح كلام البلغاء.
وقال في ص197 فيدير بدورانه محورا فلزيا أفقيا يسمى (شجرة) الآلة. وافضل عليها هذا التعبير: فيدير بدورانه محور فلز معترضا يسمى (سرنا) بفتح السين وسكون الراء يليها نون. أما قولنا محور فلز لا محورا فلزيا، فهو لأن الفصحاء اجتنبوا بقدر ما أمكنهم استعمال الألفاظ المنسوبة كلما تيسر لهم. نعم قول الصديق محورا فلزيا لا غبار عليه. لكنه اثقل من قولك محور فلز. وذوق كل كاتب دليله في مثل تفضيل سبك عبارة على سبك عبارة أخرى. وأما قولهم أفقيا بمعنى قائم في عرض الشيء. فإن المعربين وقروا أسماعنا
بها. وهو من المعرب الحرفي عن الأجناب. أما كتبة العرب الفصحاء فقد قالوا ويقولون محور فلز معترضا. وأما الشجرة فليست معروفة في لغتنا بالمعنى الذي يشير إليه والمعروف في كتب أهل الفن هو السرن. قال فينلون في كتاب الحيل الروحانية ص60 اتخذ سرنا فيه دوارة ذات أسنان يدير هذه البكرة. ويكون طرف السرن خارجا من الطشت عليه حلقة. . .) وذكر السرن مراراً عديدة وفسر بشجرة الآلة بالإفرنجية كما قال صديقنا، لكن الشجرة غير معروفة عند الأقدمين بالمعنى المذكور بل عند الأغراب لا غير.
وفي تلك الصفحة: النقطتان المبتتان وأظن أنه لو قال النقطتان الساكنتان لفهمهما العربي.
وفي ص199 وعمل هذه الآلة لا ترفقه بسطة البخار. وأظن أن المراد من قوله هذه هو: ولا ينفش البخار مع عمل هذه الآلة.
وذكر روح لقمان في ص201 بمعنى الأثير وهو غير معروف عند العرب بل عند الترك. بخلاف الأثير فقد عرفوه قال القزويني: انظر إلى حكمة(4/63)
البارئ كيف جعل كرة الأثير دون فلك القمر كيما ما يحترق بحرارتها الأدخنة الغليظة الصاعدة وتلطف البخارات العفنة ليكون الجو أبدا شفافا. أهـ
وقال في تلك الصفحة: إذا التبخر مصحوب بامتصاص الحرارة؛ وأظنه يريد أن يقول: إذا مع التبخر امتصاص الحرارة.
وقال في آخر ص302 وما يليها (ونرى حينئذ فقاقيع صغيرة تنفصل من جدران الدورق) وقد اكثر المعربون العصريون من ذكر جدران الإناء والحوض والطريق وغيرها والعرب الفصحاء لم ينطقوا بمثل هذا الكلام بل قالوا أعضاد جمع عضد. قال ابن مكرم في تفسير الجرموز: حوض متخذ في قاع أو روضة مرتفع لأعضاد فيسيل منه الماء ثم يفرغ بعد ذلك. وقال الفيروزابادي في تفسير المجنب: شبح كالمشط بلا أسنان يرفع به التراب على الأعضاء والفلجان ومثله في لسان العرب وتاج العروس. أما الجدر وجمعه الجدران فخاض بالحائط باعتبار الارتفاع ومثله الجدار والجمع جدر. والحال ليس في الآنية والحوض والدورق وقحف الرأس والأعضاء كلها ما يصح تسميته بالجدران بل بالاعضاد كما رأيت من كلام مشاهير اللغويين.
ومن تساهله في التعريب قوله في ص208: وتكثيف هذا البخار يعطينا ماء نقيا. قلنا:
واحسن منه: يخلف لنا ماء نقيا. أو ينعقد ماء نقيا - ثم قال: ويجنى الماء المقطر في دورق. وهو معرب التعبير وأظن احسن منه قولنا ويتلقى الماء المقطر في. . . .
وفي ص260 تشغل المياه على سطح الكرة مساحة. . . وأظن الفصحاء يقولون للمياه على سطح الكرة مساحة. . . وفيها يتغشى ظاهرها بضبابة وأظن انه لو يقول ظاهرها صبابة. لكان اقرب إلى الفصحى.
ونحن لا نريد أن نتتبع المؤلف في جميع ما تساهل فيه من التعبير لكننا نقول أنه تسامح فيه كثيرا. ولعله فعل ذلك لشيوع مثل هذه الصيغ في كلام تلامذته. ومع ذلك كله إننا لا نحمل تلك التجوزات على الغلط، بل نقول إن السبك العربي أوزن في النفس من سبك الأعاجم (لأن واضع اللغة على ما قال ابن جني: لما أراد صوغها وترتيب أحوالها هجم بفكره على جميعها. ورأى بعين(4/64)
تصوره وجوه جملها وتفاصيلها، وعلم أنه لا بد من رفض ما شنع تآلفه منها فنفا عن نفسه ولم يمرره بشيء من لفظه وعلم أيضاً أن ما طال وأمل بكثرة حروفه لا يمكن فيه من التصرف ما أمكن في اعدل الأصول وأخفها.) أهـ
وقد وقع في الكتاب أغلاط طبع لم تنقح في الأخر من ذلك في صفحة أوعلى أن يجدوا فيها تطبيق الحادثات الطبيعية التي درسوها، فيعدلون بذلك عن الاعتقاد. . . والصواب فيعدلوا. وقد جاءت الهمزة الواقعة في الأخر والمكسور ما قبلها مكتوبة على الياء المنقوطة مثل طوارئ (في ص أ) والقارئ (في ص ج) ومثلهما كثير في الكتاب والصواب إهمال الياء. وفي ص د: التصرف بلغتنا بدلا من في لغتنا. وفي ص1 فإنا نحتاج لحني القضيب لبذل قوة اليدين واثني القضيب الثاني لاستعمال المطرقة والصواب: إلى بذل - إلى استعمال. وفي ص2. تؤثر عليه عوضا عن تؤثر فيه. وفي ص3 فحينما تكون قوتا القبيلين متماثلتين تحصل بينهما الموازنة، ولعلها: تقع بينهما الموازنة. وفي ص4 ميال لاسترداد شكله الأول. ولعلها إلى استرداد شكله الأول. وفي ص5 كل ما هو قابل للزيادة. لعلها كل ما يقبل الزيادة وفي ص5: فإذا جاءت قوة ثانية أحدثت وحدها الامتداد عينه في النابض، فنقول. . . ولعلها نقول فزاد عليها المنضد فاء. وأحسن منها: قلنا. وفي تلك الصفحة ولكنه إذا أحدثت القوة ق وحدها الامتداد عينه. . . فنقول. . . والمنضد قلب العبارة ولعلها: ولكنه إذا مددت القوة ذلك الامتداد عينه. . . قلنا. وفي ص 6 تسقط إلى
الأرض. ولعلها على الأرض. وفي تلك الصفحة والصواب وفي ص7 سقطت نحو الأرض، ولعلها على الأرض وفي تلك الصفحة إلاَّ إذا كان له اتجاه الشاقول، ولعلها إلاَّ إذا اتجه اتجاه الشاقول. وفي تلك الصفحة السطح الأفقي ولعله السطح المعترض. وكل مرة جاءت كلمة عمود جاء الجار بعدها (على) ولعلها بدل من اللام ففي ص7 كل سطح يقع عموديا على الشاقول وفي ص8 هو خط عمودي على، وفيها أن سطح الماء عمودي على اتجاه الخيط، ولا جرم أن الأصل هو عمودي ل. . . لأن العمود مشتق من عمد، وعمد يتعدى بنفسه وحيث لا يمكن الوصل يعدى بالحرف أي(4/65)
باللام. وفي ص9 يبلغ 40000 كيلومترا، عوضا عن كيلو متر بالجر. وفي ص10 وكذلك إذا علقت اللوحة من أية نقطة أخرى، بدلا من القول بأية نقطة أخرى.
وهكذا يعثر القارئ في كل صفحة من صفحات الكتاب بغلط طبع لمصحح عن تقويمه في موطنه وفي جدول التصحيحات فأملنا في طبعته الثانية خلوها منها.
على أننا لا ننكر على صديقنا الكاتب المجيد تلك المحاسن التي جلا كتابه بها على قراء العربية. فكما أنه جاء ببعض ألفاظ مخالفة لمحكم كلام العرب. جاء أيضاً بألفاظ عربية صرفة لم يستعملها قبله أحد. أو هجم على عبارات وفق لها كل التوفيق وبز بها على أقرانه ووصفائه.
فمن الألفاظ التي استصوبناها سعرة بمعنى وكتيم ومرونز ومسقطة ومضغطة ومغوصة وموقتة (غير مهموزة الواو وقد وردت خطأ بالهمزة في الكتاب) ونقالة إلى غيرها.
ومن حسن تعريبه لكلام الأعاجم قوله في ص3 عن الموازنة: لنلاحظ ما يجري في لعبة (جر الحبل) هنالك حبل يتجاذبه قبيلان قوامهما عشرون طالبا كل قبيل عشرة فحينما تكون قوتا القبيلين متماثلتين تحصل بينهما الموازنة ويبقى الحبل في محله ولكنه حينما تزيد قوة أحدهما على الأخر تختل تلك الموازنة فينجر القبيل الضعيف المغلوب إلى القبيل القوي الغالب. أهـ
وقال في ص27 عن المسقطة: إذا هب الهواء على رجل بيده مظلة فمالت قليلا بيده حتى عارضت المهب بجوفها شعر حاملها بشيء يقاوم المظلة وقد تفلت من يده جارية مجرى
الهواء ولا يقوى على ضبطها إلاَّ إذا ضم خيمتها والطائر إذا أراد السقوط كسر جناحيه وضمهما لتضعف مقاومة الهواء فيسرع سقوطه وأما إذا نشرهما اتسع سطح المقاومة لأن الهواء وأن سكن يقاوم منشور الجناحين بالنظر إلى سقوطه كما يقاوم المظلة وهو في هبوبه ومن أجل ذلك يبطيء سقوطه كالمسقطة (براشوت) التي تقي الطائر شر السقوط فإنها تنشر(4/66)
بسقوطه كالخيمة فيقاومها الهواء مقاومة تهبط بها إلى الأرض رويدا كما لو امسك المرء يد مظلة كبيرة قوية وهبط بها من مرتفع فإنها تقيه شر سقوطه بفضل مقاومة الهواء لسطحها الوسيع.) أهـ
والكتاب كله على هذا الطراز من السبك المحكم والعبارة السلسة السائغة ولهذا نوصي به جميع أبناء المدارس: لأن سائر المؤلفات في هذا الموضوع ساقطة العبارة، شائكة الكلم لا تكاد تقف على سطر منها إلاَّ وتطوي الكتاب الذي بيدك أو ترميه في إحدى زوايا خزانتك. أما هذا فهو درة نفيسة تغالي بها عند الحاجة وبهذا القدر مجزأة.
المعاهدة العراقية الإنكليزية التركية
المنعقدة في أنقرة في 5 حزيران 1926 -
(2)
(3) نصوص المواد 30 إلى 36 من معاهدة لوزان المواد 30 و31 و32 و33 و34 و35 و36
من معاهدة لوزان: التابعية
المادة 30 - إن تبعية الترك الساكنين في البلاد التي انفصلت عن تركية يكونون بمقتضى أحكام هذه المعاهدة من تبعة الدولة التي انتقلت إليها تلك البلاد وفق الشروط الموضوعة لذلك في القوانين المحلية.(4/67)
المادة 31 - كل من تجاوز الثامنة عشرة من العمر من الذين فقدوا التابعية التركية واكتسبوا تابعية جديدة بمقتضى المادة الثلاثين فإنه يكون له الخيار في اختيار التابعية التركية لمدة سنتين اعتبارا من وضع هذه المعاهدة في موضع العمل.
المادة 32 - أن الأشخاص المتجاوزين الثامنة عشرة في العمر من الذين هم ساكنون في قسم من البلاد المنفصلة عن تركيا وفقا لهذه المعاهدة والذين هم يغايرون في الجنسية أكثرية الأهالي الكائنين في البلاد المذكورة لهم أن يختاروا تابعية دولة من الدول التي تكون أكثرية أهاليها من جنسيتهم بشرط موافقة الدولة المذكورة على ذلك ويكون هذا الخيار لهم مدة سنتين اعتبارا من وضع هذه المعاهدة موضع العمل.
المادة 33 - إن الأشخاص الذين استعملوا ما لهم من حق الخيار المنصوص عليه في المادتين الواحدة والثلاثين والثانية والثلاثين يتحتم عليهم بعد ذلك في مدة اثني عشر شهرا أن ينقلوا محل إقامتهم إلى بلاد الدولة التي اختاروا تابعيتها.
غير أن هؤلاء يكونون أحرارا في محافظة ما يملكون من أموالهم غير المنقولة الكائنة في بلاد الدولة التي كانوا مقيمين فيها قبل استعمالهم حق الخيار المذكور.(4/68)
أن لهؤلاء الأشخاص أن ينقلوا معهم جميع مالهم من الأموال المنقولة ولا يؤخذ منهم عند نقلها شيء من الرسوم لا عند إخراجها ولا عند إدخالها.
المادة 34 - إن من كان قد تجاوز الثامنة عشرة من عمره من تبعة الترك وهو في الأصل
من أهل بلد من البلاد التي انفصلت عن تركية وكان عند وضع هذه المعاهدة موضع الإجراء مقيما في إحدى الممالك الأجنبية يكون مخيرا في اكتساب التابعية المرعية في البلاد التي هو في الأصل من أهلها ولكنه في هذا الخيار يكون مقيدا بالقيد الاحترازي الذي يتكون مما يقع من الائتلافات التي تنعقد بين حكومات البلاد المنفصلة عن تركيا وبين حكومات البلاد التي يقيم فيها ولا يشترط في خياره هذا إلا أن تكون جنسيته موافقة لجنسية الأكثرية من أهالي البلاد التي يختارها وإلاَّ أن توافق على ذلك حكومة تلك البلاد أيضاً أن حق هذا الخيار يجب استعماله في خلال سنتين اعتبارا من تاريخ وضع هذه المعاهدة موضع العمل.
المادة 35 - إن الدول المتعاقدة تتعهد بأنها لا تمنع بوجه من الوجوه استعمال حق الخيار الذي يمنح أصحابه إحراز أية تابعية أخرى ممكنة لهم والذي جاء بيانه في هذه المعاهدة أو في(4/69)
معاهدات الصلح المنعقدة مع ألمانيا وأوستريا والبلغار والمجر أو في المعاهدات المنعقدة بين الدول التعاقدة المذكورة من غير تركية أو بين إحداها وروسية.
المادة 36 - أن النساء ذوات الأزواج تابعات لأزواجهن والأولاد الذين هم دون الثامنة عشرة تابعون لآبائهم في جميع الأمور المتعلقة بتطبيق الأحكام الكائنة في هذا الفصل.
وصف خط بروكسل
من ملتقى دجلة والخابور متبعا وسط مجرى الخابور إلى ملتقاه مع الهيزل ثم يسير مع وسط مجرى الهيزل إلى نقطة واقعة على بعد ثلاثة كيلومترات فوق ملتقى ذلك النهر بالجدول الجانبي الذي يمر من (سيرنز) ومن هناك يسير على خط مستقيم نحو الشرق إلى القمة الشمالية لحوض الجدول الجانبي الذي يمر من (سيرنز) ثم يتبع قمة هذا الحوض الشمالية إلى جبل (بيلاكيش) ومن هناك يسير على خط مستقيم إلى منبع رافد (بيجو) في (رابوزاق) ومن هناك يتبع هذا الرافد إلى ملتقاه في جنوب (رابوزاق) مع نهر آت من نقطة 6834 في شرق جنوب شرقي (رابوزاق). ثم يتبع خطا مستقيما إلى التل الواقع إلى شمال شمال شرقي نقطة 6834 ثم من وسط مجرى نهر صغير آت من الجهة الشرقية لهذا التل إلى ملتقاه بالخابور ومن هناك يسير مع الخابور نازلا(4/70)
مسافة نحو كيلو متر ونصف إلى ملتقاه بنهر قادم من منطقة (آروش) و (جراموس) وعلى طول هذا النهر
(تاركا إلى الشمال النهر القادم من قاشورا) إلى ملتقى الرافدين الكبيرين الآتيين الأول من (جراموس) والثاني من (آروش) ومن هذا الملتقى يسير على طول قعر الوادي المقابل من جهة الشرق لنقطة 6571 على خط تقسيم المياه الواقع بين الرافدين المذكورين. ثم يتبع خط تقسيم المياه الآنف الذكر إلى نقطة 9063 شرقي نقطة 6571 ومن هناك يسير على قمة حوض الرافدين الذي يمر من (جراموس) إلى نقطة ملتقاه بالقمة التي على الجانب الجنوبي من نهر (ليزان) ومن هذه القمة الأخيرة يسير على القمة الواقعة إلى شمال حوض رافد نهر الزاب الآتي من (اورا) ثم إلى نقطة في غربي شمال غربي (دوسكية) وعلى بعد كيلومترين ونصف من ذلك المكان ثم على خط مستقيم من تلك النقطة إلى منبع رافد الزاب في شمال شرقي (دوسكية) وبالقرب منها ومن هناك يتبع مجرى هذا الرافد إلى نهر الزاب. ثم يسير مع الزاب إلى اسفل إلى نقطة على بعد كيلومتر واحد في جنوب (بيشوكة) وعلى خط مستقيم نحو الشرق إلى شمال قمة واقعة جنوب حوض النهر الذي يمر من جنوب (بيهي) وشمال (شال) ومن هناك على طول القمة(4/71)
الجنوبية لوادي رافد الزاب الذي يمر من (به ريجان) إلى اقرب نقطة من منبع (أفه ماره ك) في غرب جنوب غربي (شيلوك) ثم يتجه إلى هذا المنبع على خط مستقيم ومنه على طول الفرع الغربي ل (أفه ماره ك) ابتداء من هذا المنبع إلى ملتقاه بنهر صغير آت من التل الواقع بين (قازه ريك) و (نرويك) ثم على طول هذا النهر الصغير إلى منبعه. ويتبع خطا مستقيما من هذا المنبع إلى رافد الفرع الشرقي ل (أفه ماره ك) الذي يصب في شمال (نرويك) ثم على طول هذا الرافد إلى مصبه ومن هنا على خط مستقيم إلى خط تقسيم مياه (أفه ماره ك) و (ردبريشين) الذي يصب في ذلك النهر في شمال (شيخ مومار) تماما ثم على خط مستقيم إلى منبع ذلك النهر. (أن الرافد المتقدم ذكره هو ردبريشين الذي يسير نازلا إلى مصب النهر في جنوب ده قليلا) ثم على طول هذا النهر إلى منبعه. وعلى خط مستقيم من منبع ذلك النهر إلى خط تقسيم مياه (ردبريشين) ورافد (شمسدينان صو) الذي يمر من شرق (حركي) تماما ومن هناك على خط مستقيم إلى اقرب جدول جانبي من هذا الرافد وعلى طول الجدول الجانبي ثم على طول الرافد المذكورين إلى (شمسدينان صو) ومن ملتقى هذين الجدولين يسير على خط مستقيم إلى القمة الجنوبية لحوض (شمسدينان صو) ويسير
على طول هذه القمة إلى نقطة ملتقاها بخط تقسيم المياه الواقع بين حوضي نهر (حاجي بك) ورافده الذي يمر من شرقي (أوبا) تماما وبعد أن يتبع خط تقسيم المياه المذكور يسير رأسا إلى نهر (حاجي بك) ثم يسير مع نهر (حاجي بك) معاكسا الجريان إلى الحدود الإيرانية.(4/72)
إخوان الأدب
شكري الفضلي
(2)
شخصيته الأدبية ومبادئه:
إن نشأة الفضلي الأدبية وشغفه بالقراءة والكتابة سهلا له الاطلاع على كثير من الكتب والرسائل التي ألفها المفكرون الأحرار من الترك والعرب وضمنوها صرخات أليمة من الظلم والاستبداد. كما أن اشتغاله بالصحافة وصله بالحركة الفكرية في الآستانة والقاهرة وبيروت. فتأثر بهذه البيئة واكتسب نزعة حرة حميدة جعلته من المنظورين إليهم بعيون مرتابة من صنائع السلطان عبد الحميد وأعوان الظلم، حتى اتهم قبل ما يزيد على(4/73)
العشرين سنة بأنه يذيع المبادئ الحرة وينقد أعمال السلطات الملكية والعسكرية فسجنه الفريق رفيق باشا في كركوك ولدى محاكمته في ديوان خاص مدة شهرين برئت ساحته.
وسجن بعد سقوط السلطان عبد الحميد الثاني واعتلاء محمد رشاد الخامس عرش السلطنة العثمانية يوما واحدا في دائرة الشرطة بتهمة تمهيده سبيل الفرار لأحد الأحرار من معارضي حزب الاتحاد والترقي. وأطلق سراحه بجهد عظيم. ثم اتهمه في عهد الدستور جمال بك والي بغداد المشهور بعسفه وطغيانه بجريمة سياسية مع لفيف من الرجال المعروفين في مدينة السلام المخالفين لحزبه الاتحادي وطلب إرسالهم جميعاً إلى فروق لمحاكمتهم في (الديوان العرفي) فتوسط في الأمر المرحوم محمد فاضل باشا الداغستاني ففك عقاله والمتهمين معه.
والباعث على أن تحوم حول فقيدنا شكري هذه التهم. سعيه في إنشاء فرع لحزب (الحرية والائتلاف) في بغداد وهو الحزب المعارض لحزب (الاتحاد والترقي) وتشنيعه بمآتي الاتحاديين وقد سيق مرات إلى المحاكم وحوكم لما يظهر في مقالاته المنشورة في الصحف العراقية من نقد السياسة الاتحادية الخرقاء حتى شاع في خلال الحرب العظمى أنه قد شنق مع من شنق من أحرار(4/74)
العراقيين في باب (المعظم) وذكر ذلك فائز بك الغصين في كتابه (المظالم في سورية والعراق والحجاز) المطبوع سنة 1918 صحيفة (86).
أما بعد الحرب العالمية فلم تبد منه أية نقمة على السلطة بل بعكس ذلك له مقالات عديدة يشعر منها أنه كان من محبذي الوضع السياسي الراهن في البلاد.
وإذا نظرنا إلى شخصيته الأدبية وأسلوبه نجده بطبيعة نشأته وثقافته أميل إلى المذهب القديم منه إلى الجديد فقد كانت عنايته باللفظ دون العناية بالمعنى. وطالما قرأت له سطورا عديدة فيها فكرة واحدة يمكن إبرازها في جملة واحدة لا غير. إلا انه كان ممن يحبذون النقد وما اجتمعت به مرة إلا وتطرق إلى النقد الأدبي وذكر كستاف فلوبر و (تين) وغيرهما من أعلام النقاد الفرنسيين وقد عرفهم في ما ترجم لهم أو عنهم إلى اللغة التركية.
وقد عالج الأديب الفضلي النظم بالعربية والتركية والفارسية والكردية. وأقول عن نظمه العربي فقط أني لم المس فيه شاعرية إنما هي جمل موزونة ومقفاة قد يحسن حبكها في الأحايين. مع(4/75)
أن له في النثر كتابة فصيحة تحوي مادة. ومادة غزيرة في بعض مقالاته وأبحاثه.
ومبدأه الاجتماعي أشبه بمبدأه الأدبي. وسط بين المحافظين والمتجددين فهو يمتدح السفور ويفضله على الحجاب ولكنه لو تزوج لما رضي أن تسفر زوجته.
وبتأثير ثقافته في كتب العرب العتيقة تلبس الدعوى بان العرب هم أصل المدنية البشرية وان آدابهم لا تعلوها آداب وانه ليس هناك علم ولا فن إلا لم يغادر فيه الأسلاف لمن أتى بعدهم من متردم. إلى غيرها مما أدرك النقدة الراسخون من العرب أنفسهم في هذا الزمان أنها من الدعاوي الباطلة التي تعد سبة في نظر أهل التحقيق العلمي.
وكان شكري الفضلي يتبرم من الغرب وسطوته المادية ويتحرق أن لا يكون للشرق قوة تتمكن من أن تصد هجمات الغرب عليه إلا أنه لم يكن يعتقد بان العواطف والتهور يغنيان الشرقيين أو العرب عن تطلب القوة من أبوابها والسلوك إلى المجد في طرقه كما أن لأحلام (الجامعة الإسلامية) و (العصبة الشرقية) و (الوحدة العربية) حيزا كبيرا في دماغه ولهذا رأينا خيالاتها(4/76)
مرسومة في كثير من مقالاته اليومية في الجرائد.
أما أخلاق المترجم عنه فقد عرفت فيه هدوءا ولطف معشر رضيا وجلدا وضبط نفس، وكم تمنيت لو تجافى عن الأبعاد بين فكره ولسانه أحيانا، فكثيرا ما زرته في أيام اشتداد النضال القلمي بين رجال القديم وأنصار الجديد فلم يكن يبدي أي تأثر من المطاعن الموجهة إلى
صديقه. ولما كنت ألح عليه في إبداء الرأي كان يتنهد ويقول: لا يمكنني أن أصرح بالحقيقة التي أراها وإلاَّ انقلبت صداقتي للجماعة إلى خصومة.
وكان ربعة يميل إلى الطول، حنطي اللون عظيم الهامة، عرف بإطالة التفكير وقلة الكلام كما عرف بشدة تمسكه بمعتقداته وآرائه مع اعتداد بالنفس. وقد ولع رحمه الله بالدخان - وغير الدخان - مما يتمحل متعاطوهما عذر طرد الهم ولكنهما أضرا بصحته ونهكا قوى جسمه فعجلا في منيته في 1 حزيران 1926 فحرمت أمته خدماته المفيدة.
آثاره
لقد اشتغل فقيد الأدب العراقي شكري الفضلي بكتابة المقالات كثيرا ونظم القصائد نادرا ولم يتفرغ لتأليف كتاب برأسه إلاَّ(4/77)
تاريخه الذي صرف له قسما كبيرا من جهده وأدركه الحمام قبل أن ينشر على الناس شيئا منه. لهذا اعد له (تاريخ العراق قديما وحديثا) مع (ذيل في جغرافية العراق التاريخية) أثرا خطيرا واطلب إلى ذريته أن يبحثوا عما خطه من هذا الكتاب لطبعه وأن لم يكمله لأنه قد اعتمد على جملة مؤلفات غالية في اللغات الفارسية والتركية والعربية ونقب في بعض المخطوطات وجعل جل همه أن يكتب تاريخ فترة غامضة من تاريخ هذه البلاد من سقوط بغداد بيد التتر إلى أواخر العهد العثماني وكانت غاية أمنيته أن ينجز هذا الأثر الثمين.
وله مؤلف علمي باسم (مكتبة الفضلي) ينكسر على بضعة أقسام في (طبقات الأرض) و (الحكمة الطبيعية) و (الكيمياء) و (الفلك) و (علم النفس) و (الهندسة) وقد استمد اكثر نظرياته فيه من الكتب التركية الحديثة المترجمة عن الآثار الأجنبية مع بعض الشيء عن كتب العرب القديمة.
ويمكن أن يتكون من منظومة ديوان شعري نسميه (ديوان الفضلي).
وإذا جمعنا مقالاته المتفرقة في السياسة والاجتماع في مجموعة تألف منها مجلدان كبيران وكان يحدثني يوما عن هذه المجموعة(4/78)
وهو يتردد في تسميتها فاقترحت عليه أن يسميها (نظرات سياسية واجتماعية) فأجابني: (ليكن لها العنوان الذي تراه.
وقد أقام له (منتدى التهذيب) في بغداد عصر يوم 25 حزيران 1926 حفلة تأبين خطب فيها بعض الأدباء وألقى فيها كاتب هذه السطور ترجمة الفقيد هذه وختمها بقوله:
هذا هو الأديب الفضلي الذي اجتمعنا اليوم لنحيي ذكراه وأني لأقدر خدمة منتدى التهذيب للأدب في أحياء هذه الحفلة فهي مفخرة للمنتدى وإشادة بذكر الفقيد الذي لم يذق في حياته لذة يصدق عليها وصفها بالطيبة وذلك جزاء لجهوده، فلا أقل من أن يعرف له أبناء أمته فضله وعسى أن أجد فيكم من تأخذه الحمية على الأدب والأدباء فيتبرع بطبع كتاب يضم ما قيل فيه مع نخبة صالحة من آثاره.
في ذمة التاريخ أيها الصديق الراحل!
رفائيل بطي(4/79)
معنى اسم بغداد
سألنا أحد الأدباء أن نفيده عن معنى اسم بغداد فنقول:
قد بحثنا عن هذا الموضوع في مجلتنا هذه لغة العرب من ذلك في 387: 1 - 392 وفي 549: 2 و574 وفي سنتها الثالثة أيضاً في 40 - 41 وفي هذه السطور الأخيرة رأي الدكتور هرتسفلد الشهير.
وقد طلبنا إلى صديقنا الأديب يوسف غنيمة أن يوقفنا على ما وصل تحقيقه في هذا الموضوع فكتب إلينا ما هذا نصه:
جاء في المعلمة البريطانية عن قدم بغداد ما انقله إلى العربية وان كان بعضه قد ورد في مقالات لغة العرب في سنواتها الثلاث التي مضت. قالت المعلمة:
(بين حدود المدينة نفسها وعلى عدوة دجلة الغربية بقايا متراس لاحظها السر هنري رولنصون لأول مرة سنة 1840 عند هبوط المياه وكانت مشيدة بالأجر وملاطها من القار وفيها كتابة من عهد نبوكدراصر ملك بابل.
كانت بغداد مدينة بابلية يرتقي تاريخها إلى ألفي سنة قبل الميلاد على ما يحتمل. وجاء اسمها في القوائم المكتشفة في خزانة آشور بنيبل وورد أيضاً ذكرها في صخرة ميشو التي وجدت على دجلة قرب موضع المدينة الحالية ويرجع تاريخها إلى عهد تفلت فلاشر الأول (1100ق م).
لهذا وضح متراس نبوكدراصر المذكور أمرا وهو أن مدينة (بغدادو) القديمة كان موضعها في موقع بغداد الغربية أو بغداد العتيقة.
أن مآخذ التلموذ اليهودي تبين أن المدينة كانت باقية في بدء التاريخ الميلادي وبعده أما إذا اعتمدنا على كلام مؤرخي العرب فالظاهر منه أنه لم يبق في ذلك الموضع إلاَّ دير قديم حينما أسس الخليفة المنصور المدينة الغربية. على أن الإنسان قد يشك في صحة هذه الرواية الحرفية إذ أن من الواضح أن اسم الموضع كان(4/80)
لا يزال ثابتا فورثته المدينة الجديدة. (انتهى كلام المعلمة البريطانية في مادة بغداد).
وجاء في كتاب بدج المعنون بالنيل والفرات 1 - 187) ما هذا معناه بالعربية:
(أن اسم بغداد البسيط نال مدة أحد عشر قرنا ونصف قرن مجدا وسطوة وبهاء ورونقا في الشرق والغرب وهناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنه كان في موضعها أو في ما يلحق بجوارها سوق تجارية غنية خطيرة دامت بضعة ألوف من السنين وأمر بناء البابليين لبكداد - أو ربما كان بناتها من الشمريين، وأمر بناء اليونان لسلوقية، والبرثيين لطيسفون، والساسانيين للمدائن، وكلها في نطاق بضعة أميال قليلة من مدينة بغداد العربية العظيمة، مما يثبت حاجة الآهلين من شمريين أو ساميين أو يونان أو فرس إلى وجود مدينة عظيمة مع سوق أم في موضع بغداد أو بقربه.
في نحو سنة 1780م حصل أحد الأطباء الأوربيين المقيم في بغداد على حجر بابلي لحسود عثر عليه أحدهم قرب أطلال طيسفون وكان في القسم الأعلى من هذا الحجر نقش صور آلهة. وفي القسم الأسفل منه كتابة تبحث عن دسكرة كانت بقرب مدينة بكداد - وكانت مدينة بكدادا المشار إليها هنا في موضع بغداد الحالية أو بالقرب منها. وإذ كانت هذه الكتابة قد نقشت في القرن الثاني عشر قبل الميلاد. فالمدينة إذا كانت موجودة قبل ولادة النبي الحنيف بألف وثمانمائة سنة، ووجد اسم بكدادو - في قائمة عثر عليها في نينوى وقد كتبت في القرن السابع قبل الميلاد. ومن المحتمل كل الاحتمال إنها نسخة من قائمة سبقتها بزمن بعيد. وفي صيهود سنة 1848 أي في زمن كانت مياه دجلة قد هبطت هبوطا عظيما وجد رولنصون بعض آجرات كتب عليها اسم نبوكدنصر الثاني مع ألقابه (605 - 558 ق م) في متراس وجد على الضفة الغربية. وقد استنتج البعض من هذا أن نبوكدنصر الثاني بنى أو رمم متراس مدينة عظيمة وجدت في الموضع الذي بنى العرب عليه قسم مدينتهم(4/81)
القديم في النصف الثاني من القرن الثامن أو أن لم يك ذلك الموضع بعينه فلا جرم انه كان في جواره، أو أن المتراس جدد بعد عهد نبوكدنصر بكثير وقد أتى بالأجر إلى بغداد من خرائب مدينة سلوقية التي عمرت هي أيضاً بآجر جيء به من مدينة نبوكدنصر أي بابل على ما هو مشهور ومتعارف عند الجميع ومدينة سلوقية واقفة على هذه الضفة عينها على بعد بضعة أميال من منحدر النهر.
كان أصل اسم بغداد ومعناه موضوع جدل ومناقشة عظيمة وقد اعتقد البعض انه تصحيف عربي للكلمة المسمارية بك دادا - أو بكدادو - ولكن هذا غير محتمل لأن اسم
بغداد وأن كان يجانسه بعض المجانسة إلا أنه منحوت من كلمتين فارسيتين من (بغ) ومعناها (اله) وداد ومعناها (وضع أو أعطى) ومحصل معناهما موضع أسسه الإله أو المدينة التي أعطاها الإله وهذا كان الاسم الخاص بالمدينة التي هي على دجلة والتي فازت بالغنى والعظمة مدة قرون عديدة والتي سبقتها إلى ذلك الاختصاص مدينة باب الإله (باب ايلو) أو بابل العظيمة. ويظن تافرنيه أن اسم بغداد يعني (البستان المهدى) انتهى كلام بدج الإنكليزي.
مجمل القول من كل ما نقلته: أن محلا أو سوقا أو مدينة وجدت قبل الإسلام بهذا الاسم في موضع يكاد يكون موضع بغداد نفسه، أو في جواره وقد المع إلى ذلك كتبة العرب وقد نقلت كلامهم عنهم في كتابي تجارة العراق ص45 واليكه: (وكانت بغداد قبل أن مصرها المنصور قرية تقوم فيها سوق عظيمة في كل شهر مرة فيأتيها تجار فارس والأهواز وسائر البلاد.)
أن معنى بغداد على ما جاء في تأليف بدج يوافق بعض الموافقة ما جاء في لغة العرب عن هرتسفيلد (41: 3) من فارسية أصلها.
أما ما جاء في كتاب الظريفي تاريخ بغداد ص3 عن معنى اسم بغداد فغريب في بابه والأغرب في ذلك انه يقطع في الأمر ويخطئ من قال بفارسية الاسم ولا يحق له ذلك وأن كان قد أخذ ما قاله عن بعض المؤلفين لأن العلماء الأعلام كدلج وهرتسفيلد وبدج يقولون بفارسيته فكيف يحق له هذا القطع والأمر موضوع على بساط الجدل والمناقشة.(4/82)
ولي رأي خاص في معنى اسم بغداد ولقد عن لي في تضاعيف بحثي منذ زمن ولم انشره حتى اليوم فأذكره بكل تحفظ وتوق. الذي عندي أن اسم بغداد أرمى مبنى ومعنى وهو مؤلف من كلمتين من (ب) المقتضبة من كلمة (بيت) عندهم وكثيرا ما تقع في أوائل أسماء المدن مثل بعقوبا وباقوفا وبطنايا وباعشيقا وباعلرا وباجرمي وغيرها. واللفظة الثانية (كدادا) بمعنى غنم وضان (راجع ص91 من معجم دليل الراغبين في لغة الآراميين العمود الثاني الكلمة الثانية المعنى الثاني) فيكون مفاد بكداد مدينة أو دار أو بيت الغنم أو الضأن وإذا كانت هناك سوق فمن المحتمل أنهم كانوا يبيعون فيها الغنم والضأن في أول الأمر. ومن المشهور أن الارميين كانوا فلاحين في هذه الديار ويربون المواشي وبقوا كذلك قرونا
عديدة بعد استيلاء العرب المسلمين على العراق. وأني افضل هذا الرأي على التأويل الفارسي ولا سيما قد ورد اسم بغداد في الآثار القديمة البابلية قبل احتلال الفرس لهذه الربوع.
فأرجو أن تبدوا رأيكم في هذا التأويل لأنه إذا وافق العلماء عليه يكون أول من قال به عراقي بغدادي.
يوسف غنيمة
(ل. ع) إننا وإن كنا نقدر علم أهل البحث من الغربيين كل التقدير إلا أننا لا نسلم لهم في أصل كلمة بغداد على ما يرتؤون.
وقبل كل شيء على المحقق أن يقضي عنه بعيدا قول من يذهب إلى أن الكلمة فارسية الأصل إذ كيف تكون كذلك والفرس لم يدخلوا العراق إلا في عهد كورش (في المائة الرابعة قبل الميلاد) وبغداد معروفة بهذا الاسم قبل الفرس بمئات من السنين.
لا جرم أن البلاد السامية السكان لا تسمى إلا باسم سامي أي باسم من الآشورية أو البابلية أو الارمية أو العربية. والحال أننا نعلم أن الارميين (وهم من أصل سامي كالعرب) قديمو الوجود في ديار العراق. فإذا كان الأمر على هذا الوجه فلابد من أن تكون اللفظة ارمية الوضع. ولهذا نخير رأي صديقنا البحاثة يوسف غنيمة على كل رأي سواه.
أما ما ذكره علي ظريف في كتابه تاريخ بغداد فلا حقيقة له فقوله اسمها (بل دودو) ومعناه مدينة الإله في لغة السريانيين الكلدان لا تؤيده مفردات لغة هؤلاء القوم. ولو كان يلم بشيء من هذه اللغة لما قال هذا القول الذي لا حقيقة له سوى التوهم.(4/83)
اللغة العامية
لم يضع الأقدمون مؤلفا في اللغة العامية العربية، بل أشاروا إلى وجودها من طرف خفي. في تضاعيف كلامهم عن لغات العرب وقبائلهم، وحسنا فعلوا أنهم لم يدونوا شيئا عظيما في هذا الموضوع ولو كانوا فعلوا لما استطاعوا أن ينشروا لغة قريش ويجعلوها لغة واحدة لجميع القبائل وفي جميع الديار العربية.
وما فعله العرب قبيل الإسلام فعله الإفرنج على اختلاف قومياتهم في صدر حضارتهم. هؤلاء الفرنسيون والاسبانيون والإيطاليون والإنكليز والألمان إلى غيرهم. كان لهم لغيات ولهجات: إلا أنه نبغ فيهم رجل كتب كتابا جليلا بلهجته الخاصة به فاتبعه قومه. ثم حظروا اتخاذ لهجة أخرى فتوحدت اللغات وفي الوقت عينه توحدت القومية والأفكار والخواطر ونشطت العلوم والفنون والصنائع وكثرت المصنفات على تنوع مواضيعها.
ولما تمكنت تلك اللغة القومية من أعضاء الأمة، أجاز أولو الأمر بعد ذلك رجوع كل قبيل أو كل جيل من أجيال الأمة العظمى إلى لهجتها، وهكذا نرى اليوم في فرنسة من يكتب بلغة بروفنسة وبريطانية الصغرى، وكذا نرى في أسبانية من يعيد درس الباسكية وتقويتها. وهكذا قل عما يجري في إيطالية وألمانية وانكلترة. إذ كل جيل من أجيال تلك الأمم الكبرى يحاول إعادة درس لغة قومه أو لغة قبيلته أو لهجة صقعه.
وعليه اصبح اليوم من اللازم درس كل قوم لهجة وطنه، إذ لا خطر اليوم على اللغة الفصحى بعد أن تمكنت في جميع البلاد، واصبح درسها من أول(4/84)
الواجبات، لأن اللغة إذا فقدت، فقدت القومية، وتناثر أوصالها، وتبددت أشلاؤها.
وللشاعر العصري معروف الرصافي كتاب في هذا الموضوع كسره على ثلاثة غرور: ضمن الغر الأول: أصول اللغة العراقية وقواعدها وأحكامها: وجعل الثاني مجموع مشاهير أقوالهم من مثل سائر وقول عائر، وبيت عامر. وأبقى مفردات الألفاظ مضمون الغر الثالث، ومن كل ذلك قد اكتفى باللباب، وترك التوسع في كل من هذه المضامين الثلاثة لمن يريد الإمعان فيها والاستزادة منها.
ودونك الآن مقدمة هذا التأليف:
(ل. ع)
دفع المراق في كلام أهل العراق
بسم الله الرحمن الرحيم
إن لله في خلقه عاملين دائبين يخضع لحكمهما كل حادث في جميع أحواله وأطواره، ونشوءه واندثاره. وهذان العاملان هما الزمان والمكان، فلا شيء إلا وهو ربيب في حجريهما. ورضيع من ثدييهما، يشب بما غذياه، ويشيب بما رمياه، ومن ذلك لغات البشر: فإنها من اكثر الأشياء خضوعا لحكم هذين العاملين في الرقي والانحطاط، وما اختلاف لغات الأمم إلا نتيجة من نتائج هذين المؤثرين.
ولقد تعاورت اللغة العربية أزمنة وأمكنة أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم من اللهجة المعلومة التي تلوكها أفواه العامة لوكا مختلفا باختلاف الأصقاع، كلهجة أهل العراق، وسورية، والحجاز، ومصر، والمغرب وغير ذلك من البلاد المأهولة بالمتكلمين بالعربية.
على أن تأثير الزمان والمكان لم ينحصر من اللغة العربية في تغيير لهجتها فقط، بل قد عم مفرداتها أيضا. فأن من مفرداتها ما قد اندثر ولم يبق له في(4/85)
كلام العامة من اثر، ومنها ما قد تغير لفظه أو معناه أو كلاهما تغيرا مختلفا باختلاف الأماكن والأزمان؛ كما قد تكونت فيها من المفردات ما لم يكن من قبل موجودا في متنها؛ ولما كانت هذه المفردات متكونة بحكم الزمان والمكان كانت مختلفة أيضاً باختلافهما. ففي كلام العراقي منها ما ليس في كلام السوري، وفي كلام السوري ما ليس في كلام المصري؛ وهكذا.
غير أننا نجد لهذين المؤثرين في اللغة العربية أثرا واحدا قد عم جميع المتكلمين بها في جميع الأنحاء وهو سقوط الأعراب منها. فهذا الأثر وحده هو الذي نجده عاما في كلام العراقي والسوري والحجازي والمصري وغيرهم.
وأن قال قائل: هل يعد هذا التغيير الحاصل في اللغة العربية انحطاطا، أو يعد اصطفاء وارتقاء؟
قلنا: إن الجواب على هذا السؤال لا يكون إلا بعد طول نظر وأعمال فكر وليس من غرضنا في هذا الكتاب أن نخوض في مثل هذه المسألة العويصة سوى أننا نقول: لا يجوز الحكم بأن كل ما حصل في اللغة من التغير هو انحطاط وتقهقر إلى الوراء. كما لا يجوز الحكم بأن جميع ذلك هو اصطفاء وارتقاء لأننا أن قلنا بالأول كذبنا قانون بقاء الأنسب؛ وأن قلنا بالثاني كذبتنا البداهة ومن ذا الذي يستطيع أن يدعي بان سقوط الأعراب من اللغة
العربية مخالف لقانون بقاء الأنسب، وأنه ضروري لا بد منه للمتكلم بالعربية، مع أننا نرى العامة تتفاهم تمام التفاهم بكلامها الخالي من حركات الأعراب فالأولى إذا هو أن نترك الإفراط والتفريط فنقول بأن هذا التغير الحادث في اللغة منه ما يعد انحطاطا ومنه ما يعد ارتقاء.
ومما لا مرية فيه أن للغة العامية اليوم مزية لا تنكر. وذلك أنها على علاتها نراها جارية مع الزمان في مفرداتها فهي تنمو كل يوم بالأخذ من غيرها بخلاف العربية الفصحى فان جمودنا فيها واقتصارنا منها على ما نراه في معاجم اللغة قد رماها بالتوقف عن النمو حتى أصبحت متأخرة عن لغات الأمم الحاضرة على رغم ما اختصت به من المزايا التي خلت منها تلك اللغات.
ومهما كان فليس هذا البحث من موضوعنا هنا فلنضرب عنه صفحا، وإنما(4/86)
غرضنا في هذا الكتاب هو أن نضبط لغة العامة بما يلزم من الضوابط الصرفية والنحوية لأسباب:
الأول أن يكون ذلك كمقدمة لمن أراد أن يبحث بحثا تاريخيا عن اللغة العربية وما طرأ عليها من الطوارئ التي أثرت فيها وتصنيف ما حدث فيها من التغييرات المختلفة باختلاف الأزمنة والأمكنة، والمقايسة بين حاضرها وغابرها ليعلم هل تلك التغيرات هي انحطاط في اللغة أو هي ارتقاء فيها.
الثاني: تسهيل التفاهم بين أهل البلاد المختلفة فيسهل على السوري مثلا فهم كلام العراقي، وعلى العراقي فهم كلام السوري والحجازي، لكني لم أتكلم هنا إلا عن لغة أهل العراق فقط. وعسى أن يكتب بعض السوريين ما يسهل به على العراقي فهم كلام السوري، على أن لغة أهل العراق لا تخالف لغة أهل نجد والحجاز إلا قليلا ومخالفتها للغة السوريين اظهر من مخالفتها للغة الحجازيين وقد اجتمعت مرة في حلب الشهباء برجال من أعيانها في مجلس حاشد فكان أحدهم إذا وجه إليَّ الكلام غير لهجته وكلمني بما يقرب من العربية الفصحى؛ فأفهم كلامه ولكنه عندما يكلم غيري من الحلبيين بلهجتهم الخاصة لم اكن افهم منه تمام الفهم: فكنت استعيد منه بعض الكلام لأفهمه. وذهبت مرة في حلب أيضاً إلى السوق ولما أردت العود إلى محلي تشابهت عليَّ الطرق؛ فسألت بعض المارين: من أين الطريق إلى محل كذا فقال لي (سوي) فلم افهم ما أراد وكرهت أن أقول له: أني لم افهم
معنى (سوي).
الثالث: تنبيه الأفكار إلى أدبيات العوام: فإن الأدبيات الخاصة بالعوام موجودة عند جميع الأمم، وتختص أدبيات العامة بأنها هي الواسطة الوحيدة لمعرفة ما للسواد الأعظم من الأفكار والعادات؛ فإذا أردت أن تعرف ما هي عواطف السواد الأعظم من كل أمة؛ وما هي عاداتهم التي جروا عليها وأفكارهم التي يفتكرون فيها وأميالهم التي يميلون إليها فأنظر في كلام طغامها وأدبيات عوامها.
على أن في أدبيات العامة ما لا يستخف به من الكلام ففي قول قائلهم:(4/87)
لو سقيت الشوك عنبر ... قط ما يحمل ورد
من المعنى مالا يقصر عن أمثال المتنبي وحكمياته؛ حتى أن ألفاظه أيضاً تعد من أول طبقة بالنسبة إلى اللغة العامية. وعندي أن أقول النائحة:
ياهلله هالشهر ماقشر لياليه ... محمد بأوله وعمشا بتاليه
لا يقصر في باب الرثاء عن قول أبي تمام: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر الخ
ولما كان هذا الكتاب خاصا بلغة العامة من أهل العراق؛ وسمته باسم من كلام العامة فسميته (دفع المراق؛ في كلام أهل العراق). والمراق كلمة عامية تقع في كلامهم بمعنى الافتكار في الشيء لأجل الخوف منه أو لأجل معرفته وحب الاطلاع عليه. وهي بالمعنى المذكور دخيلة في كلامهم؛ ولها أصل في العربية وهي جمع مرق (بتشديد القاف). يقال: مراق البطن (بتشديد القاف)؛ لما رق ولأن منه. ومنها اخذ الأطباء لفظ المراقية (بتشديد القاف) التي هي عندهم تطلق على نوع من الماليخوليا التي معناها الخلط الأسود منسوبة إلى مراق البطن؛ إلا أنهم يخففون ياءها فيقولون: مراقية (بتشديد القاف) ويطلقونها على طرف من الجنون كالهوس. وقد اخذ الأتراك هذه الكلمة فحزفوا معناها ومنهم أخذتها العامة فاستعملوها بالمعنى المذكور آنفا وإنما تعمدت استعمال هذه الكلمة في اسم الكتاب ليكون الاسم مطابقا لمسماه، ونسأله تعالى أن يجعله نافعا. آمين
في 12 جمادي الآخرة سنة 1337 الموافق ل 4 شباط 1919
معروف الرصافي(4/88)
باب المشارفة والانتقاد
1 - تاريخ الكويت
الجزء الأول من القسم الأول لمؤلفه عبد العزيز الرشيد طبع في المطبعة العصرية في بغداد سنة 1926
أول من كتب عن الكويت فصولا مشبعة، هو صاحب هذه المجلة وكان قد نشرها في إحدى مجلات بيروت سنة 1904 ثم نشرنا شيئا آخر في هذه المجلة في سنة 1913 ثم جاء أحد المنتسبين إلى العلم وسطا على كل ما أذعناه فأبرزه في المقطم والمقتطف سنة 1916 و1917 وانتحله ومسخه وشوهه بأغلاط فظيعة كشف شيئا منها الشيخ كاظم الدجيلي في المقتطف سنة 1917 في المجلد 50 ص 481 - 488: وكأن الكاتب لم يرعو بهذه العظة. فنشر مقالة في اليقين مجلته ونقحها على ما أشار إليه الشيخ الدجيلي. وعلى هذه الصورة عرفت الكويت وكان قد نشر محمد وجدي في دائرته ما كتبه المنتحل ولم يسنده إلينا كما هو عادة الأدباء المنتحلين.
واليوم جاءنا أحد أبناء الكويت وألف مصنفا في 230 صفحة سماه تاريخا وقد أودعه إفادات شتى هي اقرب إلى الأدب منها إلى التاريخ لأن غالب ما فيه الموضوع الأول دون الثاني.
ولهذا نستأذن الكاتب في إبداء رأينا في كتابه:
1 - أول شيء كان يليق بالمؤلف أن يذكر موقع الكويت من هذه الكرة الأرضية فلقد تكلم عن هذه الإمارة ولم يقل لنا أين هي واقعة من الطول والعرض، وهذا أمر جوهري لكتاب مثل مصنفه.
2 - كان يحسن به أن يذكر ما يقابل السنين الهجرية من السنين الميلادية(4/89)
لكي لا يحتاج المطالع إلى البحث عن السنين التي اتخذها العالم كله مبدأ تاريخ للأحداث العالمية.
3 - كان يجدر به أن ينقل كلام الإفرنج في ما قالوا عن الكويت فلقد كتبوا عن تلك الديار في جرائدهم ومجلاتهم وكتبهم اكثر مما كتبه أبناء عدنان أنفسهم. نعم أن صاحبنا لا يعرف لغات الأجانب لكن لو طلب إلى إخوانه من عارفي اللغتين مثل هذه الخدمة لما ضنوا بها عليه.
4 - في كتب التاريخ لا يدرج شيء من الشعر ولا سيما قصائد التهاني والمعايدات والأنس والمتنزهات ونحوها: فهذه كلها خارجة عن الموضوع وإنما يفرد لها فصل في أدب الكويت لا في تاريخه.
5 - ضبط أعلام المدن فإنها كلها مجهولة، ولم تضبط بالشكل ولا بالكلام. وكتاب التاريخ إذا خلا من مثل هذا الأمر قلت فائدته.
6 - أغلاط الطبع كثيرة لا تخلو صفحة منها ففي الصفحة الأولى منها قوله: الماه ية صوابها المادية. من الرسميات صوابها من المنشورات الرسمية. بمكافأة مالية كبرى صوابها كبيرة. وخمسميا صوابها وخمسمائة. وبية صوابها ربية. وذكرت لفظة (اسم) مضبوطة بهمزة القطع وهي بهمزة الوصل وفي تلك الصفحة: ولم وقد شئت. وصوابها: ولا سيما قد شئت. وفيها: فجزاك لله وصوابها فجزاك الله.
فهذه تسعة أغلاط في الصفحة الأولى التي يعنى بها كل العناية فما قولك في الصفحات التالية.
7 - الكتاب غير متقن الطبع وكنا نود أن يكون أول تاريخ يتكلم عن تلك الخطة أن يكون حسن الطبع والترتيب.
على أن في هذا المصنف أبحاثا طلية منها كلامه عن جزر الكويت وقراها ولا سيما عن خطورة غوص اللؤلؤ فيها. وكذلك كل ما يتعلق بأخلاق الكويتيين وألعابهم وأعيادهم وأطعمتهم فكل ذلك مفيد وعسى أن تكون الطبعة الثانية احسن من هذه.(4/90)
2 - الطريقة الاستقرائية في دروس قواعد العربية
الجزء الثالث لصاحبها: رفائيل بابو اسحق طبع في المطبعة العصرية بغداد سنة 1925
هو احسن مختصر وجدناه للقواعد العربية فيكاد الكتاب يكون كله حسنات: حسن الكاغد، مضبوط الألفاظ بالشكل الكامل لكي لا يزيغ الخريج عن جادة النطق الصحيح بالألفاظ منذ أول عهده بالتعلم، واضح التبويب، يتبع كل فصل تمرين يتدرب عليه المتعلم؛ إلا أن هذه المطبعة لا تتقن ما يعهد إليها فمن اسطر منحدرة إلى اسفل سافلين، إلى اسطر تذهب صعدا إلى أعلى عليين. وهناك حروف مكسورة غير بينة أو حروف غير منقوطة.
وفي أثناء مطالعتنا بعض صفحات الكتاب وجدنا المؤلف يقول:
(يكون المعرب بالحذف في موضعين: في الأفعال الخمسة وفي الأفعال المعتلة الأخر) ولو قال: علامات الحذف في الأفعال تكون في الأفعال الخمسة وفي الأفعال المعتلة الأخر. لكان أوضح.
3 - المختصر في التاريخ
مقرر السنة الثانية الابتدائية طبقا لمنهج إدارة المعارف العامة بفلسطين
تأليف حسين روحي المفتش في إدارة معارف فلسطين
الجزء الأول: في سير عظماء الرجال
الطبعة الثانية في القدس سنة 1922
مختصر مفيد في نحو 95 صفحة، وهو حسن بوجه عام، لكن في الحواشي تكثر الأوهام. فقد قال المؤلف ما نصه: (اور معناها نار أو نور، من مدن كلدية، واختلف المحققون في موقعها وأشهر الآراء: (1) أنها مدينة (أورفا) على أمد 20 ميلا شمالي حاران. (2) (ورقا). (3) (المغاور) أو (أم قير) على ضفة (الفرات) الغربية قرب ملتقاه بدجلة وهي الأصح على الأرجح. أهـ(4/91)
قلنا: القول إن اور هي ارفا أو ركآء هو من أقوال الأقدمين. أما اليوم فقد اجمع علماء الآثار على اختلاف الألسنة والقوميات أنها المقير (وزان مقدم أي بتشديد الياء المفتوحة)؛ وكتب المؤلف أورفا بواو بين الهمزة والراء. وهو من كتابة الترك لهذه البلدة والصواب ارفا - والعرب لم يقولوا حاران بل حران بتشديد الرآء - وأما ورقاء فلا وجود لها في العراق والصواب الوركاء بالكاف وزان البيضاء. وليس في العراق اسم المغاور، وإنما هي المقير لا أم قير. وقال وهي الأصح والصواب الصحي وزان الكبرى.
هذا ما وجدناه في الحاشية الأولى من الصفحة الأولى التي هي في هذا الكتاب الصفحة السابعة. ثم قلبنا هذا المختصر فوجدنا لمثل الوجه الأول مثلا عديدة فعسى أن يعنى كل العناية بالمختصرات التي تقع في أيدي الأحداث لكي لا ترسخ في أذهانهم الأغلاط والأوهام فيتعذر بعد ذلك محوها من أذهانهم!
4 - تاريخ حيفا
تأليف جميل البحري صاحب المكتبة الوطنية ومجلة الزهرة في حيفا
هو كتاب في تاريخ هذه المدينة الحديثة عدد صفحاته 52 وهو حسن التبويب إذا تصفحه القارئ وقف حالا على محتوياته: إلا انه يحتاج إلى إصلاح عباراته في بعض صفحاته، فقوله في المقدمة: (ولما كان لا يوجد لها تاريخ) هو كلام طويل يصاغ صيغة أخرى أخصر منها. كقولنا: (لما لم يكن لها تاريخ) وأملنا أن المؤلف يصلح هفواته في طبعته الثانية.
5 - مختصر تاريخ بغداد القديم والحديث
أو بغداد في (4000) سنة (كذا) لمؤلفه علي ظريف الأعظمي طبع في مطبعة الفرات. بغداد
ما وقع نظرنا على هذا الكتاب إلا واستبشرنا به لاعتقادنا إننا في حاجة إلى مثل هذا المصنف؛ ثم قلنا في نفسنا: لا جرم أن صفحات هذا التاريخ(4/92)
تكون مستندا بيد الإفرنج ليطلعوا على حاضرتنا منذ أوغل عهدها في القدم إلى هذا العهد الفيصلي. لكن ما كان شديد عجبنا لما وقفنا على هذه الحقيقة وهي: أن تاريخ بغداد قبل العصر العباسي وقع في صفحتين: وفي هاتين الصفحتين لا تجد إلا أصل كلمة بغداد في منسلخ الأجيال! وأما بعد هذين الوجهين فإنك تقف على أحداث بغداد منذ تأسيسها على يد الخليفة العباسي إلى يومنا هذا. ووقائع الحاضرة مسرودة فيه سردا بدون رابط يربطها فالكتاب عبارة عن جدول وقائع لا غير؛ وحيثما جاءت تفاصيل طويلة؛ تراها خالية من روح النقد. ولا يسع هذه المجلة ذكر ما هناك من غرائب تلك الأقوال: إلا إننا نجتزئ بذكر شاهد على ما نقول ليكون القارئ على بينة مما يطالع ولا يركن إلى كل ما يذكره المؤلف.
فقد قال مثلا في ص14: (وامتدت القصور والمعاهد العلمية على ضفتي دجلة وكثرت القصور (كذا بعد أن قال عنها أنها امتدت) الفخمة والمنتزهات (كذا) والحدائق والمصانع: وانقسمت بغداد يوم ذاك إلى أربع وعشرين محلة (كذا) لكل محلة شارع ومسجد وحمام، وكان فيها أربعة آلاف معمل للزجاج وأربعمائة طاحونة مركبة على الماء، وثلاثون ألف معمل للكوز (كذا) وخمسة جسور اثنان عند باب الشماسية. . . .) ثم قال في ص15: (فقد
كان أهلها نحو المليونين نسمة. . . .) (أي في عهد الرشيد)
قلنا: لم يكن في سابق العهد مدن كبار فيها مليونان. ولو فرضنا أنها وجدت فلا يمكننا أن نتصور انه كان فيها (24000) محلة وكان لكل محلة شارع ومسجد وحمام إذ يصيب كل محلة 84 نسمة. والعاقل لا يصدق ذلك. نعم: إن الأقدمين كانوا لا يتورعون من ذكر الأرقام فعند بعضهم كما عند بعض المعاصرين الخمسة والخمسون والخمسمائة وخمسة الآلاف وخمسة الملايين شيء واحد إذ المهم عندهم هو الخمسة لا ما وراءها من الأصفار.
وكان لكل سبعين نسمة معمل كيزان. وهذا أيضاً من الخرافات والأقوال الخالية من كل نقد. إننا لا ننكر أن بعض المؤرخين ذكروا تلك الأرقام الهائلة(4/93)
أما الآن فإننا في عصر التمحيص والتمخيض لا نرضى بهذه الرطازات التي يأباها كل ذي عقل سليم.
أما أغلاط الطبع فقد لا تخلو الصفحة الواحدة عن اقل من ستة أو سبعة فقد جاء في ص9: (وبعد أن تم بناؤها مد إليها قناتين أحدهما. . . والأخر. . . فكانا يدخلان المدينة وينفدان في القصور والشوارع والأسواق والارباض (المروج والساحات المنظمة) ويجريان صيفا وشتاء. أهـ
ففي هذه العبارة وحدها سبعة أغلاط من الأغلاط التي سميناها خطأ الطبع والصواب: وبعد أن. . إحداهما. . والأخرة (أو الأخرى) فكانتا تدخلان وتنفذان في القصور. . . أما الآن الارباض هي على ما فسرها: المروج والساحات المنظمة: فلا نراه مصيبا. نعم للربض معان كثيرة مختلفة لكن إذا نطقوا بها في كلامهم عن المدن فمعناها ما حول المدينة (اللسان في ربض) وقيل هو الفضاء حول المدينة من بيوت ومساكن وحريم المسجد إلى غيرها من المعاني؛ بيد إننا لم نجدها بالمعنى الذي ذكره المؤلف. فإننا نخشى أن يعلمنا لغة أو معاني تمنعنا عن فهم كلام السلف. فعسى أن تكون الطبعة الثانية خيرا من هذه الأولى.
على إننا لا ننكر أن في الكتاب محاسن ومن الجملة ما دونه في الأعوام الأخيرة فان أغلب تلك الوقائع غير مدونة في كتاب معروف. ولهذا فإنه احسن في ذكرها وفي تنسيقها: وأن كنا نود أن يكون ذلك النظام على وجه يأخذ الحوادث بعضها برقاب بعض حتى لا يتبدد نظامها فتذهب ضياعا على ما فعل. والله الميسر.
تنبيه للمؤلفين الذين اهدونا كتبهم.
منذ أن احتجبت مجلتنا إلى هذا العهد: وصلنا اكثر من خمسمائة كتاب أو رسالة أو مقالة؛ والجميع يريدون أن ننقدها بخلاف أهل العراق؛ فانهم يريدون أن نقرظ ما صنفوه. وسوف نأتي على ذكر كل من هذه الهدايا ونعطي لكل ذي حق حقه. فنطلب إليهم التريث؛ إذ لا بد من مطالعتها قبل التكلم عنها وكل آت قريب.(4/94)
باب الانتقاد
6 - كتاب إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
المعروف بمعجم الأدباء أو طبقات الأدباء لياقوت الرومي وقد اعتنى بنسخه وتصحيحه د. س. مرجليوث
الجزء الأول. الطبعة الثانية مطبعة هندية بالموسكي بمصر سنة 1923
ما من أحد يجهل منزلة ياقوت الرومي من اللغة العربية، فلقد خدمها بعدة تآليف جليلة وأعظمها نفعا معجم البلدان ومعجم الأدباء. ولقد عني الإفرنج بطبع الأول منذ سنة 1866 في ستة أجزاء صخمة، ثم طبعه أحد المصريين فشوه محاسنه وأزال رونقه. لأنه اتخذه سلعة تجارة. لا أداة علم ونفع وخدمة للعرب.
واليوم أمامنا الجزء الأول من معجم الأدباء لياقوت المذكور وقد أعيد طبعه ثانية بعد نفاد طبعته الأولى وقد عني بتصحيحه صديقنا الكريم د. س. مرجليوث الذي يعرفه جميع العراقيين. وقد استحسنا هذه الطبعة لما بذل لها من العناية. إلا أننا نستأذن الخل الوفي في إبداء رأينا في بعض الألفاظ التي نظنها من خطأ الطبع ونحن نذكر بعضها:
ص6 س9 ودلنا عنايتهم ولعلها ودلتنا عنايتهم
ص22 س18 قال كنت عند ابن هبيرة الأكبر، قال فجرى. ولعل الصواب حذف قال التي قبل فجرى
ص28 س8 ولا ابد نفعا. ولعل الصواب ولا ابدي نفعا.(4/95)
ص31 س14 تغلي علينا الأسعار أني وما، ولعل الصواب إهمال نقطتي أنى
ص35 س10 يجعله كتابا واحدا وهي ما اختلفوا فيه، ولعل الصواب وهو
ص48 س7 فكان ذلك سبب غنائي، والمعنى يتطلب غناي بلا همز
ص50 س14 ونسجه إبليس، ولعل الصواب ونخسه إبليس
ص89 س13 كان يتخبر لابن الفرات، ولعلها يتحيز.
ص92 س6 وقيل إن الناس سلموا عليه بالقبا، وفي الحاشية؛ عوضا عن القضاء. قلنا: لا غبار على المتن لأن أهل القضاء كانوا يلبسون القباء
ص96 س15 واختص بالدهخداه أبي سعيد وفي ص106 س14 أبي سعد
ص110 س1 قتلت المراد واحمدت المراد، ولعل الصواب في الثاني: المزاد بالزاي
ص116 س7 مالك في الحرى تقود الجملا، ولعل الصواب ما لك في الخزي
ص117 س5 إذا الأهل أهل والبلاد بلاد، ولعل الصواب إذ الأهل
ص127 س4 كتاب الرد على لفذة، والمشهور لغدة بالمهملة. راجع القاموس والتاج في مادة ل غ د بالمهملة
ص129 س6 وعلى عزيمة إلا اكتب إلا ما اشتيته. لعلها اشتهيه
ص133 س9 جلست في منزلي غضبانا مسكرا. لعلها غضبان مفكرا أو غضبا مفكرا.
ص148 س14 فلا انساب بينكم يومئذ. والذي احفظه أن الآية هي: فلا انساب بينهم يومئذ.
ص150 س17 ثم قال يا أبا بكر، والمطلوب هناك يا أبا زيد
ص151 س5 ثم قال: بقي شيء لم أصلحه، وأظن إعادة همزة الاستفهام هنا احسن أي أبقي
ص151 س7 س فقد جاء نوبة غيركم، ولعل الاصوب جاءت نوبة
ص158 س19 ونحبت قلوبهم ولعل الصواب ونخبت قلوبهم(4/96)
ص168 س13 في الزلزلة كانت بحماة، ولعل الصواب في الزلزلة التي كانت بحماة
ص171 س11 سيرت ذكرا، ولعل الصواب ذكرك
ص172 س17 يلعب بالشطرنج والزند، ولعل الصواب والنرد
ص173 س19 ثم أعاد على اللفظة بعينه، ولعل الصواب ثم أعاد علي (بضمير المتكلم).
ص174 س6 لغيري زكوة من جمال وأن تكن، ولعل الصواب لغيري زكاة. . . فأن
ص176 س11 وعما اجبتيه فقالت، ولعل الصواب حذف الياء من اجبتيه
ص176 س14 فيا دارها بالحزن، ولعل الصواب بالخيف
ص196 س15 وبوجوده وجوده. وبقوة في الحيوان حساسة ما استولى على الانتفاع بالنبات ولعل حذف (ما) احسن هنا وأوفى للمعنى.
ص198 س5 مما عاياه ولعلها مما عاناه
ص203 س4 وطلبته حجة على الضعفاء، ولعل الصواب وطلبه حجة
ص204 س15 وأنه يحسبها ساكتة في بعض السوام، ولعل الصواب ساكنة
ص209 س16 غثا وثمينا، ولعل الصواب وسمينا بالسين
ص215 س12 وطاب إيراده، والمشهور وطاب ابراده وكذلك في ص216 س9
ص217 س2 ومجلس ليس لعمر به، ولعل الصواب لغمر به بالغين المعجمة
ص232 س3 بخير على أن النوى مطمئنة، بليلي وأن العين باد معينها، ولعل الصواب حذف النقطتين من الياء الثانية من بليلي
ص236 س2 ولم ادر من ألقى عليه رداءه، ولعل الصواب علي (للمتكلم)
ص244 س17 اعز له، ولعل الصواب أغر
ص244 س19 وكان السبب في الإخراج عما اخذ منه، ولعل الصواب الإفراج
ص251 س9 فمال (عليه) أصحابنا، وفي الحاشية لعله (عنه). ونحن لا نرى رأي حضرته(4/97)
ص263 س10 أما والله لو آمنت ودك، ولعل الصواب حذف المد وجعل الفعل من الباب الأول
ص265 س18 ولما نات، ولعل الأحسن فلما نأت
ص276 س2 دساترهم، لعلها دساتيرهم جمع دستور
ص276 س14 برطازة وهي مضبوطة بضم الرآء والمشهور بفتحها
ص285 س11 ينحلانها نحلا فيخرجانها حرفا حرفا، ولعل الصواب ينخلانها نخلا بالخاء المعجمة من فوق
ص289 س2 للشمس ما سترت عنا معاجرها، ولعل المعنى يطلب أن يكون هنا للشم بدلا من الشمس.
ص289 س11 إذا ما رعاها نصت الجيد نحوه، ولعل الصواب نضت بالضاد المشددة
ص291 س18 فلا يبعدنك الله مينا بفقره، ولعل الصواب ميتا بقفره
ص302 س1 وتفرقت بعادتهما. لعلها بعادتها. وفيها س7 فهو ولهم وبهذا يستوجب كل لغة أن يسمى ابنه، ولعل الصواب: فهو وليهم (بالياء المشددة) وبهذا يستوجب في كل لغة
ص311 س3 كفى بالهوى بلوى وبالحب محنة؛ وبالهم تعذيبا وبالعزل مغرما ولعل الصواب؛ وبالعذل مغرما (أي بالذال المعجمة
ص311 س19 يروي النحاة أبيات ابن دريد في هجو نفطويه النحوي هكذا:
لو أوحي النحو إلى نفطويه ... ما كان هذا النحو يعزى إليه
وشاعر يدعى بنصف اسمه ... مستأهل للصفع في اخدعيه
احرقه الله بنصف اسمه ... وجعل الباقي صراخا عليه أهـ
ص312 س11
أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم ... وليس لي أمر آخر منهم وطر. ولعل الصواب: وليس
لي في أمر آخر منهم وطر.
ص314 س1 مان علي الحقيقة ولعل الصواب مات على الحقيقة
ص314 س15 معاذ الله أن نلقي غضابا؛ سوى ذاك المطاع على المطيع. ولا معنى لذاك هنا. ولعل الصواب سوى دل المطاع(4/98)
ص317 س1 وهذا كلام على طلاوة. لعله عليه طلاوة
ص318 س19 له معرفة حسنة بالنحو واللغة والأدب وحظ من الشعر جيد من مثله؛ وفي الحاشية: ولعله ندر مثله. ونحن نرى أن لا غبار على المتن فهو أوضح من الشمس في رائعة النهار
ص322 س8 وقد نثر على المنتصر؛ وفي الحاشية: لعله المحضر ونحن لا نرى رأيه لأن المنتصر هنا هو ابن المتوكل الخليفة العباسي. وقد كان ذلك النثار على المنتصر لا على المحضر
ص338 س12 أشلاء مني منهوكة وعظاما مبرية، ولعل الصواب وعظاما جمع عظم
ص341 س6 وأن اظهروا برد الودود وطله؛ ولعل الأصلح هنا بر الوداد وظله
ص342 س2 واظهر بعضهم التعالل (بفك الإدغام)؛ والصواب: التعال (بالإدغام)
ص343 س3 هنا كتاب حسن. ولعل الموطن يطلب أن يكون هذا كتاب
ص344 س19 اعطتيني ولعل الصواب أعطيتني
ص348 س4 سرت له البرقع من وجهها لعل الصواب: سلت باللام
ص349 س1 عليها الليالي لعل الصواب: عليه الليالي
ص364 س7 وممن حال بلدان العراق. والصواب جال بجيم
ص365 س14 فاستدعا والأحسن فاستدعى
ص368 س2 فقال ابن حمدون: الطلاق لي لازم أن كان قال هذا؛ ولعل الصواب: الطلاق له لازم
ص371 س16 بمن ابلغ الغيات، ولعل الصواب الغايات
ص376 س11 حسن التصنف لعلها التصنيف
ص387 س2 فقلت لا تعجبني مني ومن زمن؛ انخى عليَّ بتضييق وتقتير. ولعلها أنحى(4/99)
ص388 س17 ومسمه لم يخنها الصواب؛ وزامرة أيما زامرة. ولعلها ومسمعة أي مغنية
ص389 س10 وقائل قال لي من أنت قلت له؛ مقال ذي حكمة وأنت له الحكم ولعل الصواب: أنت له الحكم بدون عطف ليستقيم الوزن
ص390 س10 فيلقي من يعاشر منه جهدا. ولعل الصواب حذف النقطتين من ياء يلقى الأخيرة
ص395 س12 فقال: أفت لبنات وردان ما يأكلون فقد رحمتهم من الجوع. ولعل الصواب ما تأكل فقد رحمتها
ص398 س7 فقدم الطعام فما كان في فضل أشمه. هو صحيح. والحاشية: لعله اشتهاء في غير محلها
ص399 س8 لكيما اربح عليك الكثير ولعل الصواب الكسر لأن الكلام على ما يكسر في كل دينار من الدراهم
ص401 س13 فلما رأى أبو جعفر ولعل الصواب فلما رآني أبو جعفر ليستقيم المعنى
ص408 س11 خصب قبل موته لسنة خضابا ولعل الصواب خضب (بالضاد المعجمة) قبل موته بسنة (بالباء) خضابا
ص413 س1 قرآ ولعل الصواب قرأا لأنه للمثنى
ص419 س1 فقلنا له: ما بطأ بك. ولعل الصواب ما أبطأ بك
ص419 س4 صبيحة الوجه، وضيعة المنظر، حسانة الخلق، ولعل الصواب وضيئة
المنظر
ص421 س5 هم في الحشا أن اعرفوا أو أشأموا، أو ايمنوا أو انجدوا أو اتهموا. ولعل الصواب أو اعرقوا بالقاف أي اتوا العراق
ص423 س2 ثم ذكرت ما كان بينه وبين والدي رحمه الله من المحبة المشتبكة اشتباك الرحم الجارية في عروقها، ولعل الصواب في عروقهما لأن الكلام عن عروق رجلين
ص444 عريب المغينة صوابها المغنية(4/100)
هذا ما بدا لنا في مطالعة هذه الطبعة مطالعة عجلان. ويزينها فهرسان الأول للأعلام الواردة في الجزء الأول والثاني لأسماء الكتب الواردة فيه، وهذا ما يعلي كعب هذا السفر الجليل. ويا ليت يجاريه طابعو الكتب القديمة وناشروها فإن ما يطبع منها في الديار المصرية بعناية حكومتها أو علمائها كصبح الأعشى خال من الفهارس والملاحظات وفتح المغلق من الألفاظ الواردة فيه، ولاسيما جاء في صبح الأعشى ألفاظ غير موجودة في معاجمنا وهي جديرة بالحفظ وقد ورد ذكرها في تضاعيف مجلدات ذاك السفر الجليل، الذي شحنه ناشره أغلاطا تخجل الجهلة فضلا عن الأدباء.
ولهذا نقدر كل التقدير ما ينشره المستشرقون لأن ما يعنون به من كتب السلف أوفى بالمراد مما ينشره أبناء اللغة العربية وحملة ألويتها فللأستاذ مرجليوث أعظم الشكر على ما قلدنا من قلائد الفضل والإحسان وعسى أن تصلح الطبعة الثانية مما ظنناه خطأ وهو الموفق.
7 - كتاب يفعول
تأليف الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني عني بنشره وتصحيحه والتعليق عليه خادم العلم حسن حسني عبد الوهاب - بمطبعة الآداب بتونس
للسيد حسن حسني عبد الوهاب، مدرس التاريخ الإسلامي بالخلدونية وبالمدرسة العليا للآداب والفقه العربية بتونس فضل على اللغة العربية لأنه يعنى ببث علم الأقدمين الصحيح بين ظهرانينا، ومن جملة ما اهتم بنشره هذا الكتاب الصغير فأن صاحبه الصاغاني اللغوي الشهير جمع ما ورد في العربية على يفعول من الألفاظ فكانت 42 فشرحها ثم علق عليها صديقنا حسن حسني تعاليق جليلة فزادت الفائدة ولم يكشف بذلك بل
أضاف إليها أربع عشرة كلمة أتى بها من وقوفه على اللغة وأسرارها وفرائدها فبلغت 56 ومع ذلك فقد فات الصاغاني وعبد الوهاب مفردات وردت في أسماء بلادهم ورجالهم ولغتهم منها:(4/101)
1 - ياروق؛ اسم رجل من أمراء التركمان وإليه تنسب المحلة الياروقية في حلب
2 - اليارور، وهو اسم موضع في بلاد العرب ذكره ابن الأثير في كامله
3 - ياغوز، اسم موضع في بلاد إيران جاء ذكره في التاريخ.
4 - الياقوت؛ وهو حجر كريم مشهور ومن العجب أن يغفل عنه الصاغاني وصديقنا.
5 - يامون؛ اسم موضع ذكره الهمداني في صفة جزيرة العرب
6 - اليخضود؛ كل ما قطع من عود رطب أو تكسر من شجر.
7 - اليرقود، الذي يرقد كثير.
8 - اليعموم؛ الطويل من النبت. ويعموم اسم موضع في ديار العرب ذكره الهمداني.
9 - يعمون اسم موضع في اليمن.
10 - اليهكوك الأحمق وفيه بقية.
فبلغ المجموع ستا وستين لفظة وردت على هذا الوزن.
ومما يؤخذ على الناشر انه ذكر اليبرون وقال هو الكهرباء في اصطلاح الحجازيين. ولعله دخيل من اليونانية (راجع كتاب المصابيح السنية في طب البرية لشهاب الدين القليوبي - خط) قلنا: إن كان خطأ يصعب علينا مطالعته على أن أصل اللفظة يوناني وهو (انبرون) فحذفت الهمزة ولم تنقط الكلمة فقرئت يبرون. واليونانيون أخذوها عن العربية عنبر ثم زادوا في أخرها علامة الإعراب ولم يكن عندهم العين فصارت انبرون. فانظر كيف تعود إلينا ألفاظنا مشوهة.
وقال عن اليخمور (ص35): نوع من الذباب يعرض للخيل بلعسه (كذا أي بلسعه) عن كك اللغتين العربية والفرنسية تأليف كزيمرسكي طبع مصر 1875 ج4 ص980) ولا ادري مصدره.
قلنا: إن كتاب قزميرسكي هو ترجمة كتاب فريتغ المكتوب في اللاتينية واغلب ما جاء من غريب الألفاظ في فريتغ منقول عن غوليوس وهذا عن(4/102)
كتاب مرآة اللغة وهو معجم عربي
تركي حوى ثلاثين ألف كلمة والذي ذكر فيه أن اليخمور ذباب الخيل ولم يزد على هذا القدر.
وقال في تلك الصفحة: يعبور اسم موضع لم يرد في المعاجم الجغرافية وذكره الجاحظ في قول مومان:
قد كنت صعدت عن يعبور مغتربا ... حتى لقيت بها حلف الندى حكما
(راجع كتاب الحيوان ج7 ص53) أهـ
قلنا: الذي في حفظنا أن هذا البيت يروي: (قد كنت صعدت عن بغشور مغترما. . . لا يعبور. وكتاب الجاحظ المطبوع في مصر مشوه أشنع تشويه ولا يعتمد على تلك النسخة فقد لا تخلو صفحة من تصحيف أو تصحيفين وإذا سلمت صفحة من هذا العيب وجدت في التالية لها ما فاتك في الأولى.
وقال في ص36: يمرور نبات من نوع القنطوريون. . . عن كزيمرسكي ج4 ص994 ولم يذكر مستنده ولم نقف عليه في غيره. أهـ. وقد وجدناه في فريتغ الذي نقل عنه كتابه. وفريتغ وجدها في فورسكال في كتابه عن الزهر.
وفي تلك الصفحة ذكر الينتون ووصفه وذكر أيضاً النيتون ثم قال: ولعل هذا النبات (أي الينتون) هو الوارد في المعاجم اللغوية باسم النيتون ولا يخفى ما في اللفظين من المشابهة القوية أهـ. قلنا: وليس الأمر كذلك فان الينتون هو المسمى ثافسيا كما قال بخلاف النيتون فأنه خبيث الرائحة ويعرف عند النباتيين باسم:
وقد ورد في هذا الكتاب من خطأ الطبع شيء كثير من ذلك ما يأتي:
ص3 س9 يقرأ عيله صوابه عليه
ص4 س5 كتبا كثرة صوابه كثيرة
ص6 س14 الحديت صوابه الحديث
ص11 س2 العيسوب صوابه اليعسوب
ص11 س6 ليكون اوضاحا صوابه وضاحا
ص12 س4 أبو وجزة السعيدي صوابه السعدي
وفي ص13 س11 قال الدينوري: اليبروح أصل الفو وهو اللفاح البري أهـ قلنا: وفي
الكلمات تصحيف والصواب: اليبروح أصل الموريون وهو اللفاح البري. وأما الفو فهو المعروف بالفالريانة ولا صلة له بالسابق. وهناك غير هذه الأغلاط والأوهام إلا أننا اجتزأنا بما ذكرنا.(4/103)
أسئلة وأجوبة
مذهب السلف لا مذهب سلفه
سألنا أحد البيروتيين ما هو المذهب السلفي الذي كتب عنه المسيو لويس ماسنيون المستشرق الفرنسي في بعض مصنفاته: إن معظم أهل الشام منتمون إليه. أفليس هو مذهب صدر الدين أبي طاهر احمد بن محمد سلفه الاصفهاني المتوفى في الإسكندرية في 5 ربيع الأخر سنة 576 وأصله من اصفهان؟
ج - ليس لهذا الرجل مذهب خاص به ينسب إليه. ومراد العلامة لويس ماسنيون بمذهب السلف أو المذهب السلفي مذهب أصحاب الحديث أو أصحاب الأثر الذي سماه المتأخرون مذهب السلفيين أو الأثريين. وهو مذهب كثير من أهل الشام ونجد وبعض أهل العراق النجديي الأصل. فقد قال عن هذا المذهب أبو حاتم الرازي في كتابه (الزينة) ما هذا حرفه:
(أصحاب الحديث: سموا بذلك لأنهم أنكروا الرأي والقياس. وقالوا: علينا أن نتبع ما روي لنا عن رسول الله (ص) وعن الصحابة والتابعين، وما جاء عنهم من الحديث في الفقه والحلال والحرام، ولا يجوز لنا أن نقيس بآرائنا فقيل لهم أصحاب الحديث وأصحاب الأثر. وهم مجتمعون على أن الإيمان قول وعمل؛ والقرآن غير مخلوق. وكفروا من قال بخلق القرآن. أهـ كلام الرازي.
وأما كلمتا: السلفيين والأثريين فهما قياسا على النسب إلى مذهب السلف أو أصحاب الأثر فمن هذا يرى أن قول المسيو لويس ماسنيون هو الصواب عينه ومن تجرأ فخطأه ركب متن الضلال.
أيقال المجمع العلمي بمعنى الاكادمية
وسألنا ج. م. من الحلة: أيقال المجمع العلمي بمعنى الأكادمية؟(4/104)
قلنا: يجوز من باب التوسع في المعنى ولا يجوز من باب التحقيق؛ لأن النعت يصف الاسم (أو أن شئت فقل يصبغ الاسم صبغة) بخلاف الإضافة فإن المضاف إليه يتخصص بالمضاف. فإن قلت مثلا: كتاب الملك فإنك تريد كتابا خاصا بالملك لا يشركه فيه أحد: أما
إذا قلت (كتاب ملكي) فقد وصفته بشيء يتعلق بالملك. مثلا أن يكون من نسخة أو من تعليق له عليه، أو من تصحيفه الجليل أو بوصف من الأوصاف لا تكون إلاَّ في الملوك. فإذا علمت هذا عرفت أن قولهم مجمع علمي لا يؤدي معنى الاكادمية فهذه هي (مجمع علماء) لا غير وأن شئت لفظة واحدة فقل: (المشيخة) وهي جمع شيخ لأنه لا يكون في ذلك المجمع إلاَّ شيوخ العلم وأساتذته ومشاهيره وهذا المراد من قولهم: الاكادمية.
ولهذا قالوا مشيخة الإسلام لأنها عبارة عن جماعة امتازوا بعلمهم وفقههم والتضلع من الشرائع الإسلامية. فهي إذا حقيقة جماعة من شيوخ الدين الإسلامي.
حرف العطف في الأخر
وسألنا أ. هـ. من البصرة: هل ورد في شعر العرب معطوفات متوالية بلا حرف عطف. ثم وضع عطف واحد قبل المعطوف الأخير كما يقول الإفرنج مثلا:
ومعنى العبارة: يوسف، يحيى، بولس وبطرس قدموا. أو: قدم يوسف، يحيى، بولس وبطرس: لأننا رأينا كثيرين من المتفرنجين يصيغون عباراتهم على مثال الإفرنج.
لم يخترع أبناء الغرب هذا النمط من التعبير فإن أبناء العرب سبقوهم إليه حتى في شعرهم. قال الراجز (راجع كتاب البيان للجاحظ 62: 1)
إذا غدت سعد على شبيبها ... على فتاها، وعلى خطيبها
من مطلع الشمس إلى مغيبها ... عجبت من كثرتها وطيبها
فأنت تراه قال. على شبيبها؛ على فتاها، وعلى خطيبها، جاعلا أداة العطف في الأخر على حد ما يفعله الإفرنج في عهدنا هذا.(4/105)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - الوفد المالي العراقي إلى لندن
سافر يوم 28 حزيران 1926 صبيح بك نشأت وزير المالية في حكومة العراق والمستر فرنن مستشار وزارة المالية قاصدين لندن للبحث عن شؤون مالية مع حكومتها التي منها تسوية الاتفاقية المالية المعقودة بين الدولتين وإيجاد نقود عراقية وفتح مصرف زراعي عراقي.
2 - رحلة جلالة ملك العراق
سافر صاحب الجلالة ملك العراق فيصل الأول يوم 30 حزيران قاصدا حمامات فيشي للاستشفاء فيها ثم يقصد لندن للاستراحة ورافق جلالته رستم بك حيدر رئيس الديوان الملكي وكتوم جلالة الملك الخاص.
وصل في 3 تموز الركاب الملكي إلى عمان عاصمة شرقي الأردن (الشرق العربي) وقد أبحر من (بورت سعيد) يوم 5 تموز فبلغ فيشي في 11 منه.
3 - رافد العراق أي نائب الملك فيه
أقيم صاحب الجلالة الملك علي صاحب الحجاز السابق وضيف(4/106)
العراق اليوم رافدا أي نائبا عن جلالة الملك فيصل الأول صاحب العراق في أثناء تغيبه في أوربة مستشفيا، وقد أدى الرافد يمين الإخلاص في البلاط الملكي بحضور الوزراء ورئيسي الأعيان والنواب لعطلة مجلس الأمة في هذه المدة.
4 - المعاهدة العراقية التركية البريطانية
صدق جلالة الملك جورج الخامس ملك بريطانية وانبراطور الهند المعاهدة العراقية التركية البريطانية.
5 - بين عنزة والضفير
كتبت الأوقات العراقية (البصرية) انه قبيل عيد الأضحى أغارت قوة كبيرة من عنزة على الضفير القاطنين في الرميلة التي تبعد عن البصرة مسافة 40 ميلا وجرت بين القبيلين
معركة دموية قتل في خلالها كثير من الرجال وهلك معهم كثير من الخيل والجمال. وقد اتضح أخيرا أن الحرب كانت سجالا بين الفريقين.
وبلغنا أن الكبتن كلوب ضابط الاستخبارات (عون في الفثا) في لواء المنتفق المعروف الآن عند عشائر العراق ونجد كلها أخذ يسعى الآن لدى ولاة الأمور لإعادة النظر في الآمر المذكور ولضرورة منع الغارات والغزوات في الأراضي العراقية وبين عشائرها.(4/107)
6 - إسالة الماء إلى الزبير
عني عبد اللطيف باشا المنديل بجر الماء من شط العرب إلى بلدة الزبير.
7 - العفو العام عن المجرمين السياسيين في العراق
صدرت إرادة ملكية بتاريخ 29 حزيران 1926 بالعفو العام عن المجرمين السياسيين وذلك حسب الاتفاق الوارد في المعاهدة الثلاثية الأخيرة.
8 - فخامة السر عبد المحسن بك السعدون
أنعم صاحب الجلالة جورج الخامس ملك بريطانية وانبراطور الهند بوسام عال مع لقب (سر) على فخامة عبد المحسن بك السعدون رئيس وزراء حكومة العراق ووزير خارجيتها.
9 - وفاة عبد الوهاب النائب
توفي يوم 8 تموز عبد الوهاب النائب من كبار علماء الدين المعروفين في العراق ودفن مساء ذلك اليوم بموكب حافل.
10 - وفاة المس كرترودلثيان بل
توفيت في بغداد يوم 12 تموز العالمة المستشرقة والسياسية الشهيرة المس كرترودلثيان بل الكتوم الشرقية لدار الاعتماد البريطاني في بغداد ومديرة دار الآثار العراقية الفخرية. ودفنت بحفلة رائقة مساء ذلك اليوم في المقبرة البريطانية في الباب الشرقي.(4/108)
11 - وفد الجزيرة
تألف في مصر وفد مختلط من سوريين ومصريين وقرر السفر إلى صنعاء اليمن لمقابلة
الإمام يحيى حميد الدين سلطان اليمن للاتفاق بينه وبين السلطان ابن السعود صاحب نجد والمستولي على الحجاز الآن. ومن أعضائه نبيه بك العظمة والأستاذ أحمد زكي باشا كتوم مجلس النظار سابقا.
12 - المهاجرون الاثوريون في العراق
نشرت جريدة (البغداد تايمس) في قسمها الإنكليزي يوم 13 تموز ملخص التقرير الذي تلقاه في لندن الكتوم العام للجنة الاثوريين المهاجرين في العراق التي يرأسها رئيس أساقفة كنتربري من ممثلها في العراق ومما جاء فيه:
تحسنت صحة المهاجرين وسد رمقهم ويستطيع السواد الأعظم منهم الآن اكتساب رزقهم بعرق جبينهم.
وقد نال أحد عشر ألف مهاجر من النساطرة في العراق أراضي يأوون إليها فيكونون فيها عمالا ومزارعين في قرى يستملكونها لبضعة أعوام. ويقوم قسم منهم بالخدمات المنزلية. ومجموع ما لجأ منهم إلى الحدود العراقية في العام الماضي ثمانية آلاف نسمة وقد تسجل آلفان منهم للخدمة في جيش المرتزقة (الليفي) آخذين معهم أسرهم في المعسكرات والثكنات المخصصة بجنود المرتزقة(4/109)
واحترف عدد منهم الصنائع من حياكة ونحوها.
ويسكن الآن من الآثوريين الكلدان ثلاثة آلاف في مخيمات المهاجرين الواقعة في زاخو وبرسيفي. وفي مدينة الموصل نفسها ألف منهم. ويقيم في العمادية نحو 6 آلاف وقسم كبير في قضاء (دشت حرير).
13 - لجنة الحدود الدائمة في العراق
أنشئت لجنة تسمى لجنة الحدود الدائمة طبقا لنصوص المعاهدة الثلاثية، وقد عينت حكومة العراق العقيد (الكولونل) مصطفى بك كامل مندوبا عنها في اللجنة وعينت الحكومة البريطانية الكولونل (العقيد) نولدر مندوبا عنها فيها.
14 - سفير الحجاز ونجد في باريس
عين نقولا بك سرسق الموجود في باريس سفيرا لمملكة الحجاز وسلطنة نجد لدى الحكومة الفرنسية وعين الدكتور أميل عرب كتوما لهذه السفارة.
15 - الطيار بوكهام
وصل بغداد الطيار الإنكليزي الشهير المستر بوكهام الذي يقوم برحلة جوية في 4 تموز، وقد أصيب رفيقه الميكانيكي المستر ايليوت برصاصة في أثناء طيرانهما فوق (هور الحمار). ثم نقل إلى المستشفى في البصرة وتوفي فيها، وقد سافر هذا الطيار من(4/110)
البصرة فوصل اباشهر في 13 تموز وقال في برقية؛ (أني أطير على الخليج الفارسي متوجها إلى بندر عباس التي هي أحر منطقة في العالم وفي هذا السفر أكبر خبرة للمحركات المجهزة بآلة مبردة للهواء).
16 - عدد الحجاج في هذا العام
ذكرت جريدة (الأردن) أن عدد الحجاج الذين وصلوا الحجاز عن طريق جدة بلغ 676، 55 حتى مساء 6 تموز 1926 ويقدرون حجاج هذا العام بمائة وثلاثين ألفا.
17 - حادثة دموية بين أسرتين موصليتين
جرت يوم 15 تموز في الموصل حادثة نزاع بين أسرتي توحلة وقاسم الحميدي قتل فيها رجلان وجرح آخر مع امرأة.
18 - نائب القنصل الإيراني العام
قدم بغداد الميرزا حسن دلباك النائب الأول لقنصل إيران العام (الجنرال) في بغداد وتسلم مهام وظيفته.
19 - خسائر الجراد
علم من مصدر رسمي أن خسائر الزراع في كارثة الجراد في مناطق الرمادي والكاظمية واليوسفية بلغت نحو خمسمائة ألف ربية أما انتشاره فكان كثيرا في الموصل وكركوك وكفري وغيرها.(4/111)
20 - الحر في بغداد
بلغت درجة الحرارة بين منتهى حزيران ومبتدأ تموز 102 فارنهيت أو 39 مئوية.
21 - مدرسة البنات المركزية في بغداد ودار المعلمات
أقامت في بغداد إدارة المدرسة المركزية ودار المعلمات للحكومة حفلتها السنوية يوم 3 تموز وقد نبغ من دار المعلمات 17 معلمة.
22 - قائد الطيران البريطاني في العراق
عين ردف مشير الطيران (الاير فيس مارشال) السر جون هيكنس القائد العام للقوة الجوية في العراق عضوا في مجلس التموين والمباحث في وزارة الطيران البريطانية في لندن، وعين خلفا له في العراق ردف مشير الطيران السرادوارد ايلنكدون.
23 - لإعانة المصابين بالغرق
بلغت إعانة العراقيين وغيرهم للمنكوبين بالغرق 039، 26 ربية و15 آنة وذلك إلى 25 تموز والليرة الإنكليزية تساوي يومئذ 13 ربية و42 جزءا من المائة.
24 - التجارة بين العراق وإيران
بلغ عدد السيارات التي سافرت من العراق إلى إيران في شهر حزيران 122 وجاء إلى العراق 117 والسيارات القادمة إلى العراق 147 والذاهبة إليها 138.(4/112)
25 - متمر مكة وأعماله
افتتح مؤتمر مكة بخطاب عظمة السلطان ابن السعود الذي فرض على أعضائه اجتناب المناقشة في الشؤون السياسية الدولية وتناقش أعضاؤه في ما يجب اتخاذه للحالة الصحية في الحجاز، وبحثوا في السكة الحديدية الحجازية. وقرروا مطالبة الحكومة الحجازية باسترداد معان والعقبة إلى الحجاز وكانتا قد ألحقتا بشرقي الأردن. وانتخبوا الأمير شكيب ارسلان الكاتب الشهير كتوما عاما للمؤتمر، وقرروا انتخاب 6 أعضاء من الفنيين في الأقطار الإسلامية ليكونوا أعضاء في اللجنة التنفيذية وانفض المؤتمر يوم 5 تموز.
26 - هدية الحكومة البريطانية إلى الجيش العراقي
تسلمت وزارة الدفاع العراقية يوم 14 تموز خمسة مدافع من العيار الثقيل المعروف بالهاون (أوبوس) وخمسة مدافع من مدافع الصحراء و20 مدفعا جبليا وهي هدية من الحكومة البريطانية إلى الجيش العراقي.
27 - ماء دجلة في حزيران
كانت النهايتان القصويان العظمى والصغرى من ارتفاع الماء في دجلة في غضون الشهر 32. 88 و 31. 37 يقابل ذلك في مثل هذا(4/113)
الشهر من السنة الماضية 49، 30 و46، 29 مترا.
وكان معدل جريان الماء في اليوم 000، 62 قدم مكعبة في الثانية أي بنقصان 600 قدم مكعبة في الثانية عن مثلها في السنة المنصرمة.
28 - ماء الفرات
كانت حالة الماء في الفرات هادئة في أثناء الشهر. والنهايتان القصويان العظمى والصغرى بالنظر إلى المقياس المقام في الرمادي 18، 49 و20، 48 مترا في اليومين الأول والأخير من الشهر حيث كانت النهايتان في هذا الشهر من السنة الفائتة تنقصان 64، 0 و10، 1 متر.
29 - ماء ديالى
كانت النهايتان القصويان العظمى والصغرى من ارتفاع الماء في النهر في أول الشهر وآخره 90، 65 و68، 65 مترا أي بزيادة أربعين سنتيمترا عن مثلها في مثل هذا الشهر من السنة المنقضية.
وكان معدل جريان الماء في النهر في اليوم الأخير من الشهر 3. 72 قدما مكعبة في الثانية يقابلها 1337 قدما مكعبة في مثل هذا الشهر من السنة الفائتة.
30 - ماء اليوسفية
كان الماء يجري في اليوسفية بمعدل 500 قدم مكعبة في الثانية(4/114)
منذ 6 حزيران 1926. أما ماء الصقلاوية فكان جاريا فيها طول الشهر.
وكانت المزروعات تأخذ حصتها من ماء الترعة، ثم انقطع الأخذ منه لهجوم الجراد على تلك المزروعات الصيفية وأهلاكها لها في منطقة المجر.
31 - ترع ديالى
في النصف الأول من حزيران كان يؤخذ الماء من نهري ديالى والخالص بقدر عظيم. ولما تناقص الماء في الأسبوعين الأخيرين من الشهر، انقص توزيع المياه فاتخذت التدابير الوقتية لأخذ المقدار الكافي من الماء وأقيمت سداد من أغصان الأشجار والعيدان في النهر وكانت الترع كلها تأخذ المقدار الكافي لها من الماء ما عدا الهارونية فان ماءها كان قليلا.
أما الترع الواقعة في منطقة العمارة فكانت على احسن حال ولم ينقطع العمل فيها في مطاوي الشهر كله لتوفر الماء في دجلة.
32 - الحالة الصحية في البصرة
بلغ عدد الوصفات التي وصفها أطباء البصرة في شهري أيار وحزيران 500، 10 كان ثلثاها للمصابين بالبردآء (الملاريا).
وبلغ مقدار الكينة التي استعملت إلى 20 تموز ما وزنه ألف لبرة. دع عنك علب (الايزينوفيلس) التي بلغ مجموعها ألفين (عن الأوقات العراقية)(4/115)
33 - حالة اليمن اليوم
قال مكاتب (الأهرام) - الصحيفة المصرية الشهيرة - في عدن:
عدت من رحلة إلى صنعاء وقضيت في عاصمة اليمن نحو أسبوعين وقفت في خلالهما على التطور الجديد في ذلك القطر بعد ما انجلى الترك عنه ولم تعد إدارته مقيدة بشيء من طراز الإدارة التركية بل زالت جميع الروابط التي كانت تربطه بالترك وسياستهم فأخذ يتجه اتجاها جديدا ويتحول رويدا رويدا إلى اكتساب كيان خاص مستقل.
ولما كان عظمة الإمام يحيى حميد الدين هو الحاكم المستقل المطلق في اليمن فان الحركة الجديدة البادية في تطور الحالة في اليمن هي من صنعه.
وقد ظلت المفاوضات دائرة بين الإمام يحيى والسر كلبرت كلايتون طول مدة وجود هذا في اليمن حول عقد المعاهدة بينه وبين الإنكليز، فأتفقا على نقط لكن الاختلاف الشديد كان على النواحي التسع التي يطالب الإمام بإعادتها إلى اليمن وهي الآن بحماية الإنكليز وهو يطلب أن يعترف الإنكليز بسيادته على عدن. فلم يسلم السر كلبرت كلايتون بهذه المطالب وعاد إلى(4/116)
لندن يحمل إلى حكومته القواعد التي تم الاتفاق عليها ومطالب الإمام يحيى في
المسائل المختلف فيها.
والإمام يهتم بتعزيز جيشه وتدريبه على فنون الحرب الحديثة فالمعروف عن اليمني انه جندي وفي صنعاء الآن مدرسة حربية لتعليم الفنون العسكرية المختلفة وتدريب الجنود المجندون في الجيش النظامي تدريبا عصريا، وقد أسس في هذه الآونة في صنعاء معمل لصنع الخراطيش وإصلاح كثير من أنواع الأسلحة وابتاع الإمام بعض الطيارات من إيطالية، وقد أوصى بسفن مسلحة لخفر السواحل.
واليوم يرتقي اليمن رقيا علميا مشهودا ففيه الآن مدارس عديدة ويزداد عددها عاما فعاما ومن جملة المدارس كلية داخلية لتعليم العلوم الدينية والآداب العربية ومدرسة ثانوية ويقبل أهالي اليمن إقبالا عظيما على التعليم وازدادت صحف مصر وكتبها رواجا بينهم.
واليمن قطر زراعي يعيش أهله من الزراعة ويساعدهم على ذلك استتباب الأمن في البلاد وعدم وجود ضرائب تزيد على العشر الشرعي.
أما التجارة فقد تحسنت تحسنا كبيرا في اليمن بعد ضم الحديدة إليه واتصاله بالعالم الخارجي من مينائه الطبيعي.(4/117)
34 - الطاعون في بغداد
وقع 52 حادث طاعون في بغداد في شهر حزيران؛ وكان عدد الإصابات في أيار 136؛ وفي نيسان 59؛ وفي آذار 32؛ وفي شباط 44؛ وفي كانون الثاني 16؛ وفي كانون الأول من سنة 1925 كان عددها 5، فيكون المجموع 344 حادثا.
ولقح في حزيران 22. 377 شخصا: وفي أيار 44. 122: وفي نيسان 15. 757؛ وفي آذار 22. 368؛ وفي شباط 29. 580 وفي كانون الثاني 5. 785؛ وفي كانون الأول من السنة الماضية 1. 225 فيكون المجموع 141. 214 ملقحا وهو أعظم عدد بلغه الملقحون بالطاعون منذ 7 سنوات ونصف: إذ بلغ مجموع عددهم في تلك الأعوام المذكورة 442. 545؛ ولهذا يؤمل المعتنون بصحة الأهالي أن هذا الوباء ينقطع بتاتا بعد قليل من الزمن.
35 - نقود قديمة عباسية
عثر أحدهم على مجموعة من النقود الفضية في البلدة القديمة المجاورة لناحية تكريت.
والظاهر أن تلك النقود من مسكوكات (المعتصم) العباسي فأرسل بها إلى متصرف العاصمة.(4/118)
العدد 37 - بتاريخ: 01 - 09 - 1926
بعد القطيعة
أتى طيف ليلى وهو منسدل الشعر ... يواصلني بعد القطيعة والهجر
لقاء له عيني بكت من سرورها ... وخف فؤادي منه يرقص في صدري
دنا وهو يعطو رأسه في دنوه ... كليلى ويرنو مثلها باسم الثغر
حكاها فلو لم تختبره بلمسها ... يدي قلت ليلى نفسها قد أتت تسري
فعانقته من شدة الوجد باكياً ... وقبلته عشرا واكثر من عشر
وكنت أبث الطيف عتبي تارة ... واعذره أخرى فيبسم للعذر
وقلت على غير انتظار أتيتني ... فهل لك من نهي وهل لك من أمر
فقال مجيبا جئت من عدوة الرضى ... أسليك عما حاق بالشعر من شر
ولم أر بين الناقدين كثلة ... يخالون أن النقد يكبر بالهجر
وأن قوام الشعر لفظ منظم ... وأن كان ذلك اللفظ خلوا من الفكر
لقد كذبوا فالشعر ليس بشاعر ... إذا لم يكن معناه وحيا من الحجر(4/119)
وهل يتساوى شاعران مكانة ... وذا شاعر الماضي وذا شاعر العصر
أبى لا يريد الشعر من أحد حبى ... ولا أنه يطرى ولا أنه يطري
وما كل شعر تنشر الصحف زيفه ... يهيج دفين الشجو في النفس أو يغري
وما الشعر إلاَّ بالشعور الذي به ... ومعنى له في طي ألفاظه بكر
فذلك يستهوي الآلي يسمعونه ... بما فيه من حسن وما فيه من سحر
وهل كان ما يأتي من الكذب ناقد ... غرورا سوى وزر واعظم من وزر
يريدون أن يقضوا على الشعر غيلة ... وأن يدفنوه بعد ذلك في قبر
ولما رأيت الشعر قد عبثت به ... يد الجهل من ناس بكيت على الشعر
فقلت له لا يرهب الشعر نقدهم ... فلا تعبأن بالقدح منهم وبالهذر
وما الأمر لو تدري قريض ونقده ... ولكن قلى الغربان للبلبل الحر
رأى الروض غضا قد تفتح زهره ... فصفق من شوق يغرد للزهر
فخفت له الغربان من كل جانب ... تريد به الإيقاع من حسد مر
يطير ربيط الجأش من فرع دوحة ... إلى فرع أخرى وهي من خلفه تجري
ولما مضى جنح من الليل آخر ... قطعنا حديث الشعر والنقد والنثر
وبتنا على وجد ضجيعين وحدنا ... فوجه إلى وجه ونحر إلى نحر
وددت لو أن الطيف ظل بجانبي ... مقيما وأن الليل كان بلا فجر
علي لليلي منة وكرامة ... وأن أرسلت لي طيفها وهي لا تدري
وبارح طرفي الطيف في الصبح راجعا ... فلم يبق منه اليوم عندي سوى الذكر
كأن الجديدين اللذين تتابعا ... جوادان سباقان في حلبة الدهر
كأن الفضاء الرحب بحر وما به ... من النجم مبثوثا فقاقيع في البحر
وما أنا غر يحسب الجو روضة ... على طولها تجري المجرة كالنهر
وأن النجوم الزهر يلمعن حولها ... ركاما أكاليل ضفرن من الزهر
جميل الزهاوي(4/120)
عقوبات جاهلية العرب
وحدود المعاصي التي يرتكبها بعضهم
ليس بين علماء المسلمين في البلاد العربية اللسان. من كان مطلعا على أحوال جاهلية العرب كالأستاذ الكبير السيد محمود شكري الالوسي. وكنا طلبنا إليه في سنة 1914 أن يضع لنا مقالة في عقوبات جاهلية العرب، فكتب لمجلتنا المقالة التي تراها هنا. وهي من أحسن ما كتب في هذا الموضوع. ولما كانت مجلتنا قد اختفت مدة 12 سنة لم يكن من الممكن إدراجها في مجلة أخرى، ولا سيما لأن المؤلف آبى أن يراها في غير (لغة العرب) ولهذا نزين بها جيدها. ونفتخر بها كل الافتخار.
(لغة العرب)
قد حصر بعض العلماء ما قيل بوجوب الحد به في سبعة عشر شيئا: قسم متفق عليه. وقسم مختلف فيه. فمن المتفق عليه الردة والحرابة ما لم يتب قبل القدرة، والزنى، والقذف به، وشرب الخمر سواء اسكر أم لا، والسرقة.
ومن المختلف فيه جحد العارية، وشرب ما يسكر كثيره من غير الخمر، والقذف يعني بالزنى، والتعريض بالقذف، واللواط ولو بمن يحل نكاحها وإتيان البهيمة، والسحاق، وتمكين المرأة القرد وغيره من الدواب من وطئها، والسحر وترك الصلاة تكاسلا، والفطر في رمضان، وهذا كله خارج عما تشرع فيه المقاتلة كما لو ترك قوم الزكاة، ونصبوا لذلك الحرب.
واصل الحد ما يحجز بين الشيئين فيمنع اختلاطهما، وحد الدار ما يميزها وحد الشيء وصفه المحيط به المميز له عن غيره، وسميت عقوبة الزاني ونحوه حدا لكونها تمنعه المعاودة ولكونها مقدرة من الشارع. وتطلق الحدود ويراد بها نفس المعاصي كقوله تعالى: تلك حدود الله فلا تقربوها. وعلى فعل فيه شيء مقدر: ومنه ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه. وكأنها لما فصلت بين الحلال(4/121)
والحرام سميت حدودا فمنها ما زجر عن فعله، ومنها ما زجر من الزيادة عليه والنقصان منه.
والمقصود هنا بيان ما كان من العقوبات عند العرب أيام الجاهلية والمقصود من العرب
عرب الحجاز ونجد وإضرابهم لا عرب جميع أنحاء الجزيرة فقد كان عرب اليمن منهم يهود ومنهم نصارى ومنهم غير ذلك وكذلك عرب الشام والعراق كانوا على نحل شتى. وعرب الحجاز ونجد وإضرابهم كانت لديهم أحكام كثيرة لم ينسخها الإسلام. كما ذكر ذلك الدهلوي في كتابه حجة الله البالغة ولأبن هشام الكلبي كتاب في ذلك سماه كتاب ما كانت الجاهلية تفعله ووافق حكم الإسلام. وهو كتاب لم اظفر به.
ومن العقوبات التي كانت عندهم قطع يد السارق فقد كان ذلك معلوما عند العرب قبل الإسلام ونزل القرآن بقطع السارق فأستمر الحال فيه.
وقد نقل العسقلاني في شرح البخاري أن أبن الكلبي عقد بابا لمن قطع في الجاهلية بسبب السرقة في كتاب المثالب وذكر قصة الذين سرقوا غزال الكعبة فقطعوا في عهد عبد المطلب جد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. وذكر من قطع في السرقة عوف بن عبد بن عمرو بن مخزوم. ومقيس بن قيس بن عدي بن سعد أبن سهم وغيرهما وأن عوفا السابق لذلك. ومخزوم هذا أبن يقظة (بفتح التحتانية والقاف بعدها ظاء مشالة) بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. ومخزوم أخو كلاب بن مرة الذي نسب إليه بنو عبد مناف.
أقول ذكر في شفاء الغرام أن عبد المطلب علق الغزالين في الكعبة فكان أول من علق المعاليق بالكعبة ثم أن الغزالين سرقا وابتيعا من قوم تجار قدموا مكة بخمر وغيرها فاشتروا بثمنها خمرا. وقد ذكر أن أبا لهب مع جماعته نفذت خمرهم في بعض الأيام وأقبلت قافلة من الشام معهم خمر فسرقوا الغزال واشتروا بها خمرا. وطلبها قريش وكان أشدهم طلبا لها عبد الله بن جدعان. فعلموا بهم فقطعوا بعضهم وهرب بعضهم وكان فيمن هرب أبو لهب هرب إلى أخواله من خزاعة فمنعوا عنه قريشا. ومن ثم كان يقال لأبي لهب سارق غزال الكعبة. أهـ(4/122)
وفي كتاب تاريخ مكة للأزرقي بعد أن ذكر حفر عبد المطلب بئر زمزم وما وجده مدفونا فيها من السيوف والغزالين وغير ذلك قال ضرب عبد المطلب الأسياف على باب الكعبة وضرب فوقه أحد الغزالين من الذهب فكان ذلك أول ذهب حليته الكعبة وجعل الغزال الآخر في بطن الكعبة في الجب الذي كان فيها يجعل فيه ما يهدى إلى الكعبة.
وكان هبل صنم قريش في بطن الكعبة على الجب فلم يزل الغزال في الكعبة حتى أخذه
النفر الذين كان من أمرهم ما كان. قال وهو مكتوب أخذه وقصته في غير هذا الموضع. أهـ
ومنه يعلم أن المسروق غزال واحد لا كما ذكر في شفاء الغرام وتفصيل هذه القصة في التاريخ وكتب السير.
ومن عقوباتهم وحدودهم قتل الزاني - والزنى كان عندهم من اعظم المنكرات وافظع المعاصي وأشنعها فلذلك جعلوا عقوبته إزهاق الروح والقتل الذي هو اعظم الحدود ومن شواهد ذلك ما كان من النعمان بن المنذر من قتل المتجردة والمنخل العبدي لما اطلع على ما كان من أمرهما وأراد قتل النابغة الذبياني لما تعرض في قصيدته الدالية المشهورة لوصف حرمه ثم اعتذر منه بعدة قصائد قعفا عنه، وقصة صخر الشاعر الشهير لما توسم في زوجته الميل إلى غيره وكان مريضا وهي مشهورة، وذوات الرايات لم يكن من العرب بل كن إماء وكان مذهبهم في الإماء غير مذهبهم في الحرائر. ولما أخذ الشارع البيعة عليهن شرط عليهن أن لا يزنين فقالت هند بنت أبي سفيان متعجبة وهل تزني الحرة؟ وكان النكاح في الجاهلية على عشرة أنحاء.
ولأبن الكلبي كتاب في مناكح أزواج العرب ولو كان الزنى عندهم مباحا لم يكن عقد النكاح عندهم مشروعا والشعر المشتمل على حد الزنى بالقتل كثير لو تتبعناه واستقريناه لم يسعه المقام.
ومن عقوباتهم القصاص - وهو من أحكام الجاهلية التي وافقت حكم الإسلام على تفصيل لم يكن في الجاهلية كالقتل العمد وشبه العمد والخطأ وشبه الخطأ ولكل حكم مذكور في كتب الفقه والحديث والتفسير. ومن شواهد(4/123)
القصاص عندهم قولهم المشهور الذي هو ابلغ كلام عندهم وأوجزه وهو القتل أنفى للقتل، غير أن القصاص عندهم لم يكن كما ورد في الشريعة النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص بل ربما قتلوا بالواحد جمعا ومن شواهد ذلك قصة كليب المشهورة والهامة عندهم طائر يتولد من روح المقتول يكون على قبره ولم يزل يصيح اسقوني اسقوني حتى يؤخذ بثاره.
ومن عقوباتهم إعطاء دية القتيل - وهي مائة من الإبل وكانوا يأنفون من أخذها ويعيرون من يرضى بها وفي ذلك شعر كثير منه قول مرة بن عدآء الفقعسي:
رأيت موالي الآلي يخذلونني ... على حدثان الدهر إذ يتقلب
فهلا أعدوني لمثلي تفاقدوا ... إذا الخصم انبرى مائل الراس انكب
وهلا أعدوني لمثلي تفاقدوا ... وفي الأرض مبثوث شجاع وعقرب
فلا تأخذوا عقلا من القوم أنني ... أرى العار يبقى والمعاقل تذهب
المعاقل من عقلت المقتول إذا أعطيت ديته وحكى الأصمعي صار دمه معقلة على قومه أي صاروا يدونه وكان أخذ الدية عندهم من اشد العار كما سبق. قال قائلهم:
إذا صب ما في الوطب فأعلم بأنه ... دم الشيخ فأشرب من دم الشيخ أودعا
يقول أن الذي تشربونه من لبن الإبل التي أخذتموها في دية شيخكم إنما هو دمه تشربونه.
وقال آخر لرجل أخذ الدية تمرا:
فظل يضون التمر والتمر منقع ... بورد كلون الأرجوان سبائبه
كأنك لم تسبق من الدهر ليلة ... إذا أنت أدركت الذي كنت تطلبه
يقول من أدرك ما طلبه من الثار فكأنه لم يصب ولم يوتر وهذا بعث على طلب الدم ومثله غير أنه بعث على طلب المال:
كان الفتى لم يعر يوما إذا اكتسى ... ولم يك في بؤس إذا ما تمولا
وقال آخر في التنفير عن أخذ الدية:
فلو أن حيا يقبل المال فدية ... لسقنا لهم سيلا من المال مفعما(4/124)
ولكن أبى قوم أصيب أخوهم ... رضا العار فاختاروا على اللبن الدما
معنى البيت الأول لو كانت معاملتنا مع حي يرى قبول المال فداء لأرضيناه بالمال الكثير. ومعنى البيت الثاني امتنع قوم أصبنا صاحبهم من الرضا بالدنية وآثروا طلب الدم على قبول الدية. وجعل اللبن كناية عن الإبل التي تؤدي عقلا لأنه منها؛ أي أبوا أن يرضوا العار خطة لأنفسهم.
وقالت كبشة أخت عمرو بن معد يكرب:
أرسل عبد الله إذ حان يومه ... إلى قومه لا تعقلوا لهم دمي
ولا تأخذوا منهم أفالا وأبكرا ... واترك في بيت بصعدة مظلم
ودع عنك عمرا أن عمرا مسالم ... وهل بطن عمرو غير بشر لمطعم
فان انتم لم تثأروا واتديتم ... فمشوا بآذان النعام المصلم
ولا تردوا إلاَّ فضول نسائكم ... إذا ارتملت أعقابهن من الدم
قولها أرسل عبد الله الخ - إنما تكلمت به على أنه أخبار عما فعله عبد الله وهو أخو عمرو وغرضها تحضيضهم على إدراك الثأر ويقال عقلت فلانا إذا أعطيت ديته وجعل هذا المعقول الدم لأن المراد مفهوم كأنه قال لا تأخذوا بدل دمي عقلا.
وقولها ودع عنك عمرا - أي خالف عمرا أن هو مال إلى الصلح ورغب في أخذ الدية.
وقولها ولا تأخذوا الخ. الافال جمع أفيل وهو الذي أتت عليه سبعة أشهر أو ثمانية من أولاد الإبل.
فإن قيل لم ذكرت الافال والابكر وما يؤدى في الديات لا يكون منهما قلت أرادت تحقير الديات كما يقول الرجل إذا أراد تحقير أمر خلعة فاز بها إنسان: إنما أعطي خرقا وفلوسا. وأن كانت الثياب المعطاة كسوة فاخرة والمال المحقر جائزة سنية.
وقولها وهل بطن عمرو غير بشر لمطعم - تزهيد في الدية كما ورد في الخبر: هل بطن أبن آدم إلاَّ شبر في شبر لما أريد تزهيده في الدنيا.
وقولها واترك في بيت بصعدة مظلم - صعدة مخلاف من مخاليف اليمن(4/125)
ويسميها غيرهم المزالف وهم أهل الحجاز؛ ويسميها أهل نجد المذارع شبهوها بمذارع الأديم وهي كرعانه وواحدة المذارع مذرعة وواحدة المزالف مزلفة وإنما جعل قبره مظلما لأنهم كانوا يزعمون أن المقتول إذا ثأروا به أضاء قبره فان أهدر دمه أو قبلت ديته يبقى قبره مظلما.
وقولها واتديتم - معناه قبلتم الدية يقال وديته فاتدى كما يقال وهبته فاتهب أي قبل الهبة. وفي الحديث اسممت أن لا أتهب إلاَّ من قرشي أو أنصاري: ومثله قضيت الدين فاقتضاه أي قبله وتوفره.
وقولها فمشوا بآذان الخ. أي امشوا وضعف الفعل للتكثير ومن روى فمشوا بضم الميم فمعناه امسحوا ويقال للمنديل المشوش والمعنى أن لم تقتلوا قاتلي وقبلتم ديتي فامشوا أذلاء بآذان مجدعة كآذان النعام. ووصف النعام بالمصلم تصغيرا لها وأن كانت خلقة. يقول كأنكم مما تعيرون ليست لكم آذان تسمعون بها فامشوا بغير آذان أي صمنا عما يتكلم الناس به من عيبكم. واختلف في النعام فقيل أنها كلها صلم وقيل أنها صم لا تسمع شيئا وليس لها
آذان. وإنما تعرف ما تحتاج إليه بالشم.
وقولها ولا تردوا إلاَّ فضول نسائكم الخ. قال أبو رياش تقول إذا قبلتم الدية فلا تأنفوا بعدها من شيء كما تأنف العرب واغشوا نساءكم وهن حيض فقد كان من عادتهم إذا وردوا المياه أن يتقدم الرجال ثم العضاريط والرعاء ثم النساء إذا صدرت كل فرقة عنه فكن يغسلن أنفسهن وثيابهن ويتطهرن آمنات مما يزعجهن فمن تأخر عن الماء حتى تصدر النساء فهو الغاية في الذل: وجعل النساء مرتملات بدم الحيض تفظيعا للشأن وأرتمل إذا تلطخ بالدم والفضول ههنا بقايا الحيض وسمي الغشيان وردا مجاز؛ وقال أبو محمد الإعرابي معناه لا تردوا المواسم بعد أخذ الدية إلاَّ وأعراضكم دنسة من العار كأنكم نساء حيض، وهذا كما قال جرير لا تذكروا حال الملوك فأنكم بعد الزبير كحائض لم تغسل.
وقال جميل العذري من أبيات:
يقولون لي أهلا وسهلا ومرحبا ... ولو ظفروا بي ساعة قتلوني(4/126)
وكيف ولا توفى دماؤهم دمي ... ولا مالهم ذو ندهة فيدوني
الندهة كثرة المال. وقال قوم الندهة العشرون من الإبل والمائة من الضأن والألف من الصامت ويقال وداه يديه وديا ودية.
وقوله ولا توفى دماؤهم دمي - أي دماؤهم كلهم لا تفي بدمي يقال أوفى به ووفى وأوفاه يوفيه إيفاء إذا قضى دينه على الوفاء.
وقال زيادة الحارثي من أبيات:
يقول رجال ما أصيب لهم أب ... ولا من أخ اقبل على المال تعقل
يقول يشيرون علي بأخذ الدية ولم يصبهم ما أصابني ولعلهم لو أصيبوا بما أصبت به لم تقنعهم الدية؛ ومحوه المثل السائر ويل للشجي من الخلي أي لا يساعده على شجاه ويلومه.
وقال الحكم بن زهرة:
قوم إذا ما جنى جانيهم آمنوا ... من لؤم احسابهم أن يقبلوا قودا
يقول هم قوم إذا جر واحد منهم جريرة آمن جميعهم لدقة أصولهم ولؤم احسابهم أن يؤاخذ كلهم بها. فكيف الواحد منهم كأنهم لا يعدون بوآء بقتيل والقود أن يقتل القاتل بالقتيل فيقال اقدته به. وإذا أتى الرجل صاحبه بمكروهة فانتقم منه بمثلها قيل استقادها منه.
وفي كتاب أعلام الموقعين لأبن القيم أن الجناية على النفوس والأخطاء تدخل من الغيظ والحنق والعداوة على المجني عليه وأوليائه مالا تدخله جناية المال ويدخل عليهم من الغضاضة والعار واحتمال الضيم والحمية والتحرق لأخذ الثار مالا يجبره المال أبدا حتى أن أولادهم وأعقابهم ليعيرون بذلك، ولأولياء القتيل من القصد في القصاص وإذاقة الجاني وأوليائه ما أذاقه للمجني عليه وأوليائه ما ليس لمن حرق ثوبه أو عقرت فرسه؛ والمجني عليه موتور هو وأولياؤه فان لم يوتر الجاني وأولياؤه ويجرعون من الألم والغيظ ما يجرعه الأول لم يكن عدلا. قال وقد كانت العرب في جاهليتها تعيب على من يأخذ الدية ويرضى بها من درك ثاره وشفاء غيظه كقول قائلهم يهجو من أخذ الدية من الإبل:
وأن الذي أصبحتم تحلبونه ... دم غير أن اللون ليس بأشقرا
وقال جرير يعير من أخذ الدية فأشترى بها نخلا:
أن ابلغ بني حجر بن وهب ... بأن التمر حلو في الشتاء
ومثل قول جرير قول الفرزدق:
أكلت دما أن لم ادعك بضرة ... بعيدة مهوى القرط طيبة النشر
يريد بالدم الدية.
وقال آخر:
خليلان مختلف شكلنا ... أريد العلاء ويبغي السمن
أريد دماء بني مالك ... وراي المعلى بياض اللبن
وهذا وأن كانت الشريعة قد أطلته وجاءت بما هو خير منه واصلح في المعاش والمعاد من تخيير الأولياء بين إدراك الثار ونيل التشفي وبين أخذ الدية فأن القصد به أن العرب لم تكن تعير من أخذ بدل ماله ولم تعده ضعفا ولا عجزا البتة بخلاف من أخذ بدل دم وليه فما سوى الله بين الأمرين في طبع ولا عقل ولا شرع. أهـ(4/127)
الآنسة جرترود لثيان بل
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع ... وتبقى الجبال بعدنا والمصانع
(لبيد بن ربيعة)
يجدر بي أن اصدر ترجمة فقيدة العلم والسياسة بهذا البيت للبيد بن أبي ربيعة لأن صديقتنا الراحلة كانت مولعة به وقد حلت به جيد كتابها الإنكليزي المعنون (من مراد إلى مراد). اجل لقد ماتت الآنسة بل ويليت. ولكن أعمالها نجوم طوالع في سماء(4/128)
العلم وآثار همتها جبال راسية تكافح عوادي الدهر ومصانعها في السياسة تحدث بها الأجيال المقبلة وهذا كله خالد لا يبلى يرويه الخلف عن السلف.
عرفتها عالمة ورحالة وسياسية. عرفت نفسيتها في مظاهر روح الإنسان المختلفة. أخذت ترجمتها عنها ونشرتها في مجلة المقتطف (نوفمبر 1922) فصداقتنا الوثيقة العرى ووقوفي على ما انطوت عليه تلك النابغة من الهبات. يؤهلاني لكتابة ترجمتها وتحليل نفسيتها.
ولدت الآنسة جرترود لثيان بل في 14 تموز سنة 1868 من أسرة عريقة في الحسب، كثيرة النشب، موطنها شمالي بلاد الإنكليز في تخوم اسكتلندة وقد كان جدها الأعلى أول من سعى في تأسيس المعامل الكبرى لتعدين الفحم والحديد. إذ ارتقت الصناعة ارتقاءها العظيم في الثلث الأول من القرن الماضي، ولا يزال والدها السر هيو بل حيا يرزق، وقد زار العراق سنة 1920 وهو شيخ قد اشتعل رأسه شيبا.
إن البيئة التي ولدت فيها جرترود بل بيئة سعادة ورفاهية؛ بيئة غنى وشرف باذخ. كانت تغنيها عن مكابدة الأتعاب والمشاق، وتجشم المخاطر والأهوال، ولكن نفسها العظيمة التواقة إلى(4/129)
السمو والمعالي رفعتها عن مواطن الراحة التي تخلد إليها الغواني والسيدات الموسرات وأنزلتها حلبة الجهاد العلمي والاجتماعي والسياسي ساخرة بالطارف والتليد، مغرمة بالرفعة العقلية، متلذذة بطيب أثمار المساعي الذاتية.
توفرت الأسباب للراحلة الكريمة لترفعها إلى مصاف العظماء والعظيمات. ولكن قامت بوجهها عراقيل وعقبات كافية لتثبيط همم الرجال فضلا عن همم الآنسات: أما هي فقد
عرفت كيف تستفيد من الأولى، وكيف تذلل الثانية. فخرجت من المعترك حاملة لواء النصر على قمم الدهور وخلدت لها اسما عظيما في التاريخ.
جاهدت الجهاد الحسن في كل أدوار حياتها منذ كانت تلميذة في مدرسة (كوينس كوليج) ثم طالبة علم في كلية (ليدي مرغريت) في اوكسفورد حيث بزت رفقاءها ورفيقاتها ونالت الشهادة العليا وبقيت كذلك حتى دعاها داعي الحمام على ما يأتي.
مدارك سامية، علو همة، إرادة فولاذية، هي أركان ثلاثة قامت عليها شهرتها. نعم إن مداركها لسامية بكل معنى الكلمة؛ تشهد بذلك مؤلفاتها الكثيرة. وكتاباتها وخطاباتها وأحاديثها الطيبة المملوءة حكمة وفائدة؛ كلها دلائل واضحة على فكرة وقادة(4/130)
ودماغ جوال، وحافظة حافلة بما حسن وطاب، وذاكرة سريعة، ومحاكمة صحيحة. سريعة الكتابة تسير بقلمها سير الفارس بجواده وقلما تعصيها كلمة، أو تتمرد عليها عبارة، أو تخونها ذاكرتها في أيراد اسم شخص أو محل. كأن دماغها ينبوع فياض يتدفق منه الماء عفوا.
إن هذه المزايا والهبات أهلتها لتعلم لغات عديدة وعلوم شتى فإنها كانت تعرف ما عدا لغتها الإنكليزية، الفرنسية والألمانية والعربية والفارسية. وقد امتازت بالتاريخ، وعلم الآثار، والأنساب.
أما همتها: (فحدث عن البحر ولا حرج) بنت دلال وترف. غادة دواوين لندن، خريجة اوكسفورد، نحيفة البنية؛ تمتطي الأهوال، تقطع الفيافي والبراري مع نفر قليل على ظهور الخيل والإبل، تجول البحار، وترتقي الجبال، وتركب متن الهواء غير هيابة ولا وجلة؛ تخوض غمارات الحرب، وتقطع أشواطا كبيرة في السياسة. أليس هذه الأعمال من مشاهد الهمة البعيدة؟ همة لا تعرف الكلل ولا يعتورها الملل. تصل الليل بالنهار في الكتابة والعمل والمقابلة، وتنتقل من موضوع إلى آخر وهي على نشاط من عزمها لا تتبرم ولا تمل. وهي على كثرة أعمالها كانت(4/131)
شديدة الشغف بالمحافظة على الوقت؛ وعلى نظام المواعيد لا تتقدم دقيقة ولا تتأخر.
إرادتها - ما اعظم الإرادة التي كانت تتغلغل بين ثنايا ذلك الجسم النحيف والقد الأهيف؛ أن أرادت أمرا اندفعت إليه وأن اعتقدت بصلاحه أنجزته؛ فلا تنكل عن خطة ولا تثبطها عقلة. لاقت الأمرين من بعض المعارضين لفكرتها من رجالات البريطانيين في السياسة
التي وجب على بريطانية العظمى اتباعها في العراق؛ إلاَّ أنها قاومتهم مقاومة الأبطال بمعاونة الرجال الذين كانوا على فكرتها فكان النجاح في جانب حزبها فقام في العراق دولة عربية عزيزة الجانب يرأسها ملك عربي من البيت الهاشمي الرفيع المجد. وقصارى القول أن أعمالها اليومية كانت على هذا الغرار من قوة الإرادة ومضاء العزيمة. ولا غرو أن التي تتخذ رائدها الإرادة وشعارها الهمة القعساء. تكون صريحة في أقوالها صراحة يستصعبها بعضهم ويشجبها الآخرون، ولا سيما أولئك الذين لم يتعودوا الجرأة الأدبية ولم يأنسوا مظاهر التربية الاستقلالية التي تكاد تكون ميزة أبناء التيمز وبناته.
مع تلك المنزلة العالية. والإرادة الفولاذية، والصراحة الاستقلالية؛ لم تكن متصلبة في آرائها، مكابرة في أفكارها مغالية(4/132)
في مناحيها، بل كانت ترجع عن رأي يفند ببرهان وتعدل عن فكر يظهر لها خطأه وتميل عن مناح تجد اصلح منها. كل هذا مما يشف عن عظمة في نفسها ونبوغ في دماغها.
أما عاطفتها - فقلبها أشبه شيء بالكنارة ذات الأوتار يحفظ نظامها عقلها السليم؛ فتسكت أنغام تلك الأوتار أن عالجت صعاب الأمور أو تعاطت أعمالا مع الساسة وأعاظم الرجال؛ وتسمعك أنغاما شجية وإيقاعا محزنا أن كان موضوعها مؤاساة لبشرية المتألمة، أو الأخذ بساعد بعض البؤساء ومسح دموع المنكوبين والمبتلين. وخلاصة القول تذرعت بإرادة الرجال، ولم تفقد عاطفة الإناث.
الرحالة والمؤلفة
نشأت المس بل شديدة الشغف بالرحلات والتأليف: نضرب هنا صفحا عن أسفارها العديدة في الأقطار الأوربية ونخص بحثنا برحلاتها في الشرق ذلك الشرق الذي أحبته حبا جما حتى قضت نحبها فيه وضم جثمانها.
رحلت إلى الشرق لأول مرة سنة 1899 مع زوج خالها المستر سفرنك لسلس سفير بريطانية العظمى في طهران آنئذ؛ وولعت هناك بدراسة اللغة الفارسية حتى اقتبست جانبا منها وترجمت قسما(4/133)
من قصائد حافظ الشاعر الفارسي الشهير إلى الإنكليزية. وفي السنة التالية 1900 زارت سورية وطافت في جبل الدروز وأطراف البادية؛ وكان غرضها من هذا السفر تعلم لغة الضاد فظفرت بغيتها؛ إلا أن حبها للعرب ولسانهم دفعها مرة ثانية سنة
1903 إلى زيارة سورية وثابرت هناك على الدرس والمطالعة فاتسع لها المجال للوقوف على أسرار العربية وضبط شواردها؛ ومنذ ذلك الحين أخذت ترحل كل سنتين رحلة إلى بلاد الشرق، وكانت تدوم كل رحلة ستة أشهر. فسافرت سنة 1905 إلى الأناضول وفي سنة 1907 نقبت في أطلال قرب قونية.
وأول مرة نزلت العراق كانت سنة 1909، وفي سنة 1911 سافرت مع أخيها إلى الهند واليابان ثم جاءت وحدها إلى العراق وفي سنة 1913 سافرت من الشام إلى حائل ونزلت ضيفا على أبن الرشيد؛ وفي ربيع سنة 1914 أي قبل الحرب العامة جاءت إلى بغداد ومنها ذهبت إلى الأستانة. فواجهت فيها غير واحد من وزراء المملكة العثمانية كجمال باشا وغيره.
ولما نشبت الحرب العامة انتظمت في جمعية الصليب الأحمر وقضت سنة في لندن؛ ثم سافرت إلى فرنسة. وفي شتاء 1915 هبطت مصر وانضوت إلى إدارة السياسة. وبقيت هناك حتى(4/134)
أواخر شباط 1916 فانتقلت إلى البصرة؛ وفي سنة 1917 انتقلت إلى بغداد بصحبة السربرسي كوكس.
إن حبها للعلوم ورحلاتها العديدة وتقلبها في المناصب السياسية بعثت فيها رغبة التأليف والكتابة فزاولتها ونجحت فيها نجاحا اكسبها شهرة بعيدة بين علماء الشرق والغرب؛ وقد ساعدتها معرفتها اللغات على الإجادة فيما كتبته؛ وقد خلفت من الكتب ما يأتي: (1) الغامر والعامر (2) من مراد إلى مراد هذا الكتاب وصفت رحلتها من حلب إلى بغداد إلى قونية سنة 1909 وصدرتها بمقدمة إلى اللورد كرومر؛ مع مصور للبلدان؛ فيه خطوط تدل على الطرق التي قطعتها. (3) ألف بيعة وبيعة كتبت هذا الكتاب باشتراك المستر رمزي (4) الأخيضر وهو بحث مطول عن تاريخ قصر ترى أطلاله في العراق (5) تركية آسية كتبته في إبان الحرب في البصرة (6) بيان عن الإدارة الملكية في العراق
إن آثارها المذكورة تظهر نفسية الكاتبة فإنها تدقق النظر في رواية الأخبار وتنقلها بأمانة وإخلاص إلاَّ إذا التاث عليها الأمر(4/135)
في بعض المواضيع شأن كل الرحالين الإفرنج؛ يصدق هذا الكلام على بعض مرويات في كتابها من (مراد إلى مراد) أما من حيث مجموعها فأنها
آثار خالدة ولا سيما كتابتها عن قصر الاخيضر وعن آثار سامرآء وأطلالها؛ وكل ما كتبته بعد الحرب العامة. وتمتاز كتابتها بدقة الوصف فان قلمها هناك بمثابة ريشة المصور أو النقاش تمثل لك الأشياء والوقائع تمثيلا رائقا كأنك أمام صورة أو أمام المشاهد أو الحوادث عينها. ولا تتعمد في تأليفاتها الخيال إلاَّ ما ندر. بل أنها تغوص على الحقيقة وبعد أن تظفر بها تخرجها وتعرضها على قرائها كما يعرض الغواص الدرة اليتيمة إذا عثر عليها.
السياسة
مهما بلغت من الشأو البعيد في الرحلات والتأليف فإنها لم تنل شهرة طبقت الخافقين عند الخاصة والعامة، إلاَّ بعد أن انخرطت في سلك السياسة. ولم تكد تأتي مصر سنة 1915 على ما مر بنا حتى أخذت شهرتها تسبقها إلى البلاد الشرقية؛ ثم زادت شهرة عند نزولها البصرة سنة 1916 واشتغالها بإدارة الحاكم الملكي؛ وعظمت منزلتها في بغداد بعد أن احتلتها جيوش البريطانيين؛ وبقيت تلك المنزلة في قمة المجد حتى يوم موتها. وقد كان لها(4/136)
الكلمة الراجحة والرأي النافذ في جميع تطورات السياسة في العراق وكانت في دار الاعتماد (الكتوم الشرقية)؛ ثم تولت مديرية المتحفة العراقية فخرا. وتولت أيضاً مديرية خزانة السلام؛ وقامت بتشييد مستشفى للسيدات الموسرات جمعت قسما من نفقاته من العراقيين.
أما الخطة التي انتهجتها في سياستها في العراق فهي أنها سعت السعي المتواصل للتوفيق بين السيادة القومية العراقية واستقلال البلاد وبين مصالح بريطانية العظمى في هذا القطر. فهي بريطانية مخلصة لبلادها وصديق حميم للعرب والعراقيين. وكانت عليمة بتطورات القضية العربية منذ يوم نشأتها؛ إذ كانت تراقب سيرها قبل الحرب عن كثب وتجتمع بزعمائها عند مرورها بسورية وتحادثهم بقضيتهم التي كان يدور محورها يومئذ على الحكومة اللامركزية. وقد قالت لي يوما: (إن لم يدر في خلدها آنئذ أن الأتراك ينكرون على العرب طلبهم حتى يتسع الخرق على الراقع وتخرج البلاد من حكمهم).
ولقد اعترضتها عراقيل كثيرة في نهجها السياسي من غلاة ساسة البريطانيين الذين اختلفوا في الرأي عنها في أوضاع إدارة العراق وسياسته إلا أنها انتصرت عليهم. ولما تقرر مصير العراق(4/137)
بتبوؤ جلالة الملك فيصل الأول عرشه وعقدت المعاهدة العراقية البريطانية
في عهد الوزارة النقيبية واصدر جلالة الملك فيصل ذلك البلاغ التاريخي في 13 أوكتوبر 1922 فاستبشرت به كل الاستبشار وأعربت عن سرورها في إحدى رسائلها الخالدة: فقالت ما تعريبه: (إن هذا اليوم خير! أليس كذلك؟ فأني اذهب إلى أن بلاغ جلالته هو من أبدع ما ينادي به ملك شعبه وأعظمه تأثيرا فيهما)
وكانت شديدة الإعجاب بجلالة الملك فيصل إذ ترى فيه البطل المغوار الذي أعده الدهر وزينه بأصالة الرأي ليتولى عرش العراق وكانت ترى في شبان العراقيين عنصرا عليه قوام هذه المملكة الحديثة وهم رواد مستقبلها الباهر.
إن منزلتها العلمية والسياسية ووظيفتها في ديوان الحاكم الملكي العام؛ ثم في ديوان المعتمد السامي ونفوذها الأدبي والسياسي اكسبها شهرة بعيدة وأصدقاء كثيرين من جميع الطبقات. ولذا تسمع الأعراب والبدو يدعونها (كوكسة) ظنا منهم أن كوكس اسم وظيفة وكوكسة مؤنثها و (الحاكمة) أما لقب (الخاتون) فكاد يحل محل اسمها؛ وكان يقصدها العراقيون من كل الطبقات لقضاء حاجات لهم أو الأخذ برأيها في صعاب الأمور وحل المشكلات.(4/138)
وقد بذلت أقصى الجهد في تأسيس المتحفة العراقية وتنظيمها وكانت حتى آخر يوم من حياتها قد صرفت معظم وقتها في ترتيب العاديات والآثار القديمة في دارها الجديدة.
وفي أبان همتها داهمتها المنية غيلة فأصبحت يوم الاثنين 12 تموز 1926 جثة هامدة؛ ونعتها مديرية المطبوعات بإذاعة رسمية جاء فيها: (إن هذه المديرية تذيع هذا النبأ المحزن بمنتهى الأسف نظرا لما للمس المرحومة من الأعمال الباهرة والمساعدات الثمينة في سبيل خدمة العراق؛ ولقد فقد هذا القطر بموتها يدا كبيرة عاملة وصديقة له) وبمثل ذلك نعتها كتومية (سكرتيرية) رئاسة الوزراء
وكان موكب دفنها فخما اشترك فيه ممثلو الملوك والأمراء والوزراء ونواب الأمة وأعيانها؛ حتى ردد بعضهم ببيت المتنبي القائل:
مشى الأمراء حوليها حفاة ... كأن المرو من زف الرئال
ولا عجب أن جاء في كتاب المعتمد السامي إلى رئيس وزراء الحكومة العراقية ما يأتي: (أني متأكد أن المس بل لو تمكنت من رؤية ما كان البارحة من مظاهر الحزن والحنو عليها لشعرت بذاتها أنها كوفئت مكافأة تامة على ما قامت به طيلة السنوات العشر التي
قضتها في العراق في الجهاد والتجرد للعمل ونكران(4/139)
اللكنة العامية
إذا تحول لسان المتكلم من حرف إلى حرف آخر، وكان ذلك لعارض خلقي فيه سمي (لثغ) وقيل به (لثغة) كالذي يتحول لسانه من السين إلى الثاء. ومن الراء إلى الغين أو غير ذلك؛ وإذا لم يكن ذلك فيه لعارض خلقي بل كان لكونه أعجميا أو لكونه كثر اختلاطه بالعجم سمي (الكن) وقيل به (لكنة).
وتنسب لكنة الالكن إلى القوم الذين هو منهم، أو إلى القوم الذين حصلت
الذات. . . وأن نسعى ما أمكن إلى الغاية التي كانت دائما نصب عينيها إلا وهي أيجاد أمة قوية منورة مفلحة في العراق.)
وكان جواب رئيس الوزراء على هذا الكتاب اصدق صورة لما يعتقده فيها العراقيون الخلص الذين اطلعوا على سرائر سياستها في العراق وما كانت تبتغيه له من الرقي والنجاح وما بذلته من الجهود لاستتباب وضعه السياسي.
وأكبر شاهد على منزلتها ما جاء في كتاب التعزية الذي بعث به جلالة ملك بريطانية وملكتها إلى والدة الفقيدة إذ جاء فيه: (أن الأمة البريطانية ستلبس الحداد وتحزن على فقدها سيدة قامت بفضل قواها العقلية ومواهب إدراكها وقوة أخلاقها العالية وشجاعتها الأدبية بخدمات مهمة نافعة لبلادها نفعا يأمل أن يبقى أثره خالدا في بلادها والبلاد التي اشتغلت فيها بمنتهى الإخلاص والتضحية) أهـ
ي. غنيمة(4/140)
فيه اللكنة بمخالطتهم، فيقال هو يرتضخ لكنة فارسية. أو يرتضخ لكنة رومية أو غير ذلك، والعامة في العراق اليوم يرتضخون لكنة فارسية، لكثرة اختلاطهم بالفرس؛ بسبب القرب والمجاورة. ولكنتهم تقع في حرفي: القاف والكاف، أما القاف فيتحول فيه لسانهم إلى ثلاثة حروف: الكاف الفارسية والكاف والجيم وأما الكاف فيتحول فيه لسانهم إلى الجيم الفارسية فقط. ولنذكر لك من المظان التي تتحول فيها ألسنتهم من القاف إلى الحروف الثلاثة المذكورة
(استطراد) قد اصطلحت هنا أن اكتب القاف المتحولة إلى الكاف الفارسية ق
هكذا (كك) والمتحولة إلى الكاف هكذا (ك) والمتحولة إلى الجيم هكذا (ج) بأن أضع فوق الحرف المتحولة إليه قافا صغيرة، لتدل على أن أصل الحرف هو القاف؛ وكذلك افعل في الكاف التي يتحول فيها لسانهم إلى الجيم الفارسية فأكتبها هكذا (ج) بأن أضع فوقها شكل همزة لتدل على أن اصلها هو الكاف(4/141)
اعلم أن تحولهم من القاف إلى الحروف المذكورة غير مطرد ولا مقيس في كلامهم؛ وليس لنا من قاعدة نرجع إليها في تحول القاف إلى أحد الحروف المذكورة بل العمدة في ذلك على السماع منهم، فإننا نسمعهم ينطقون بالقاف كافا فارسية في نحو قام، ويقوم، وقائم، وفي قعد، ويقعد، وقعود، وقاعد، وفي قدر، ويقدر؛ دون المصدر واسم الفاعل، فلا يقولون فيهما كدرة بل قدرة؛ ولا يقولون كادر بل قادر، وفي قلب، ويقلب، وقلب، وقالب (بالكسر) وأما القالب بفتح اللام فلا يقولون فيه كالب بل يقولونه بالقاف الصريحة ويقولون في جمعه قوالب ولم يقولوا كوالب. وفي قشر ويقشر وتقشر ومقشر وفي قصع القملة، يقصعها
قصعا، فهو قاصع والقملة مقصوعة؛ وفي قرب يقرب، قربا، وقرابة، فهو قريب؛ وفي قلى (المشددة) اللحم يقليه تقلية فهو مقلي واللحم مقلى، وفي قمر، يقمر، قمرا، فهو قامر، وفي قطع، يقطع، قطعا؛ فهو قاطع؛ وذاك مقطوع؛ وكذلك انقطع، ينقطع؛ فهو منقطع، وفي قمطت الأم الصبي، تقمطه؛ فهو مقمط في القماط. وفي قمط الديك الدجاجة، يقمطها، قمطا؛ فهو قامط وهي مقموطة، وفي قضى، يقضي، فهو قاضي؛ وانقضى، ينقضي، فهو منقضي، وفي قبض، يقبض، قبض؛ فهو قابض وذلك مقبوض. وفي قضب (مقلوب قبض وهو مستعمل في كلامهم) يقضب، قضبا، وقضبة؛ فهو قاضب وذاك مقبوض. وفي قبل، يقبل؛ فهو قابل، ومقبول؛ وكذلك اقبل، يقبل؛ فهو مقبل، وفي قبن (بالتشديد) الشيء بالقبان يقبنه؛ فهو مقبن (بالكسر) وذاك مقبن (بالشد المفتوح). وفي قحم؛ يقحم؛ فهو قاحم. وفي قرض، يقرض، قرضا؛ فهو قارض وذاك مقروض، وقال، يقول، قولا؛ فهو قائل. وقصد، يقصد، قصدا فهو قاصد وذاك مقصود. وفي قرطف الشعر (أي أخذ منه بالمقص) يقرطفه فهو مقرطف(4/142)
(بالكسر) والشعر مقرطف (بالفتح). إلى غير ذلك من الأفعال، والأسماء التي تتحول فيها ألسنتهم من القاف إلى الكاف الفارسية
وهناك أفعال وأسماء لا حولون قافها كافا فارسية نحو قشبه يقشبه قشبا (أي أصابه بالمكروه من القول) وقل الشيء يقل فهو قليل إلا انهم إذا صغروا كلمة قليل حولوا قافها إلى الكاف الفارسية فقالوا كليل وأما مصدر هذا(4/143)
الفعل اعني القلة فيحولون قافها جيما كما سيأتي، وقنع يقنع قناعة فهو قانع، وقنعه (بالتشديد) يقنعه تقنيعا فهو مقنع وقهره يقهره قهرا فهو قاهر وذاك مقهور. وقرقر بطنه يقرقر قرقرة. فهذه الأفعال مما نسمعهم يبقون فيها القاف على حالها ولا يبدلونها كافا فارسية.
ومن الأسماء التي ينطقون فيها بالقاف من غير تبديل؛ القندرة والقنديل والقبقاب والقلم والقديم والقرآن والقرش (وربما حولوا قاف هذا إلى الجيم) والقش والقسيس والقسم (بمعنى اليمين) والقند (بمعنى السكر) والقانون (لآلة الطرب) والقولنج والقطايف والقلم والقزاز.
وأما تحويلهم القاف إلى الكاف العربية فذلك في فعلين واسم واحد ولم أجد لها رابعا. أما الفعلان فهما قتل وقفخ بمعنى صفع. فيقولون: في قتل: كتل وفي يقتل؛ يكتل. وفي قاتل: كاتل. وفي مقتول: مكتول. وكذلك في قفخ: كفخ يكفخ فهو كافخ وذاك مكفوخ. وأما الاسم
فهو الوقت. فيقولون: الوكت وفي جمعه أوكات
وأما تحويلهم القاف إلى الجيم فذلك في مادة فيقولون جسم وفي يقسم؛ يجسم. القسمة؛ الجسمة. وفي قاسم وقسام، جاسم وجسام. وفي المقسوم: مجسوم. ومنه قول شاعرهم في شعرهم المسمى عندهم بالزهيري:
(يا جارة الدهر ما أنصف تعالي ... نخلط همومنا ونجسم سوية)
وكذلك في قدم (المشددة) يقولون؛ جدم. وفي يقوم؛ يجوم. وفي تقديم: تجديم. وفي مقدم؛ مجدم. وكذلك في قنى المال يقنيه؛
جناه يجنيه. وفي القنبة؛ الجنبة. هذا من الأفعال، وأما من الأسماء فيقولون في المقباس(4/144)
المجباس وربما قالوا مكباس أيضا. وفي قدح جدح. وفي قدر وقدور جدر وجدور. وفي قدام جدام. وفي قدم جدم وهذه خاصة بأهل البادية. وفي قرية جرية. وفي قريب جريب. وربما قالوا كريب أيضا. وفي القارح جارح. وفي القسب (بمعنى التمر اليابس) الجسب وفي قاسم جاسم. وفي صديق صديج وربما قالوا صديك أيضاً وفي قليل جليل بكسر الجيم ومنه قولهم: (لا جليل) يريدون لا قليل. وفي قلة جلة ومنه قولهم (من جلة التتن وقول شاعرهم:
(من جلة الخيل شدو ... على الجلاب سروج)
وفي قنب جنب، وفي قناع جناع. وفي مقنعة مجنعة. وفي عاقل عاجل.
ومنه قول شاعرتهم:
(واش زهفج يا عاجلة ... شيطان لو سحر كوي)
وأما حرف الكاف فتتحول فيه ألسنتهم إلى الجيم الفارسية المثلثة كقولهم في كان جان دون المضارع فلا يقولون يجون بل يكون. وفي كب الماء جب وفي يكب يجب وفي كاب جاب وفي مكبوب مجبوب وفي كتفه يكتفه تكتيفا فهو مكتف وذاك مكتف. وفي كثر يكثر تكثيرا (دون الثلاثي المجرد منه) وفي كذب يكذب كذبا فهو كاذب وكذاب وكذلك كذب يكذب تكذيبا فهو مكذب. وفي كرع في الماء يكرع تكريعا (دون الثلاثي المجرد منه) وفي كسب يكسب فهو كاسب وكذلك كسب (المشدد) فهو مكسب وفي كشف (المشدد) يكشف فهو مكشف. وفي انكلب فهو منكلب (يستعملون هذا الفعل بمعنى كلب) ومنه قولهم: (ما عضني
جلب إلاَّ انجلب) وفي كل يكل فهو كال. وفي(4/145)
كال يكيل كيلا فهو كايل. ففي هذا كله يتحول لسانهم من الكاف إلى الجيم الفارسية المثلثة النقط
وتحويلهم الكاف إلى الجيم المذكورة اكثر وقوعا في الأسماء ولا حاجة إلى التطويل بذكر جملة من تلك الأسماء هنا بل نذكر لك جملة مما لا تجري فيه لكنتهم ولا يحولون كافه إلى الجيم الفارسية ومن الأسماء: فمن ذلك كتاب وكتب وكذلك الكبة لضرب من الطعام يعملونه. والكبابة للغزل الملفوف والكبر (وزان صرد) لهذا الشجر المعروف. والكرب والكربة لأصول سعف النخل. والكروش جمع كرش. والكحل والمكحلة. والكراث لهذه البقلة المعروفة. والكرد والأكراد والكردي. والكرسي والكراسي. والبكار لأنبوب التارجيلة والكروة والكر والكرة لهذا الجحش الصغير. والكارة للحزمة من الحطب وغيره التي تحمل على الظهر أو على الرأس. والكشمش لضرب من الزبيب. والكافر والكفار. والكلة لهذا الستر الرقيق، والكلام وأن قالوا في الكلمة جلمة بالجيم الفارسية. والكنز والكنوز، والمكنسة، والكون، بمعنى الحرب والفتنة. والكيف بمعنى المسرة وإذا استعملوا اسم استفهام قالوا جيف (بالجيم الفارسية).
واعلم أن جميع ما ذكرناه في هذا الباب من الأفعال والأسماء إنما أوردناها على طريق المثال وما أكثرنا من ذكرها وتعدادها إلاَّ لمزيد الإيضاح لأن لكنة العامة في حرفي القاف والكاف لا تقع تحت ضابط يضبطها وإنما العمدة في معرفة مواقعها على السماع.
معروف الرصافي(4/146)
تاريخ الطباعة العراقية
مطابع العراق وثمراتها (من سنة 1856 إلى سنة 1926)
1 - تمهيد اختراع الطباعة
من العجائب في الحضارة الخالية أن يتسع نطاق العلم، وتنتشر المعارف في القرون الواغلة في القدم يوم لم يكن لدى البشر قرطاس يسطرون عليه خواطرهم، ولا ملكت إيمانهم رقوقا يدونون على صفحاتها معارفهم.
إن تخطينا القرون الأولى إلى القرون الوسطى، حينما اشرق للحضارة شمس منيرة، ولا سيما في هذه الربوع المباركة، حيث ارتفع(4/147)
منار التمدن العربي؛ وجدنا تلك الحضارة العباسية على ضخامتها وبما فيها من معاهد العلم الزاهرة ودور الفنون والصناعات وخزائن الكتب والأسفار، تستعين بأقلام الخطاطين في رقم التآليف والدواوين. ومع أن صناعة الخط قد ارتقت ارتقاء عظيما. فلم يكن في طاقة الخطاطين أن يسدوا حاجة الدارسين من الكتب والرسائل؛ لذلك كانت العلوم والآداب مقصورة على طبقات من رجال الدين والحكام ومن بأيديهم زمام الرئاسة وما يتبع الرئاسة من الثراء. ولكن أبت همة المرء - وهو يتوقل مراقي الحضارة - أن تظل معرفته محصورة في نطاق ضيق ومقصورة على جماعة من أبنائه دون جماعة، ويحتكرها قوم دون آخرين: ففتقت الحاجة قريحة عبقري نادر. توصل بثاقب فكره إلى اختراع آلة الطبع وأعانه رفيق فاستنبط صنع الحروف. وهكذا ولدت الطباعة بالحروف في أواسط العقد الثالث من القرن الخامس عشر.
طيب الله ثرى يوحنا غوتنبرغ الألماني (المولود سنة 1400م) الذي اخترع آلة الطبع عام 1436م ورضي الرحمن عن بطرس فوشر مخترع الحروف من الخشب فالرصاص؛ وفي سنة 1450 انشأ غوتنبرغ أول مطبعة في المعمورة، وأول كتاب طبع فيها التوراة باللغة اللاتينية.(4/148)
هذا تاريخ الطباعة بالحروف، أما المطابع الحجرية فقد ابتدعها في صدر القرن الثامن عشر رجل بفاري اسمه لويس سنفلدر الذي أجازته الحكومة عام 1799م بالاستئثار
باختراعه في الطبع والكسب.
2 - الطباعة في الشرق
عمت الطباعة في الشرق بالحروف أنحاء أوربة. ولم يفت الشرق نصيب من فيض هذا الاختراع، فما اشتهر الطبع بالحروف المنتقلة حتى اصطنع منها قوالب للغات الشرقية.
فسعى قداسة البابا يوليوس الثاني لإنشاء مطبعة في عاصمة الكثلكة طبع فيها أول كتاب كان للصلوات سنة 1514 وفي جنوة بإيطالية طبع الزبور سنة 1516م بالعربية والعبرانية والكلدانية واليونانية، وما عتمت أن انتشرت المطابع للغات الشرقية في أطراف العالم الغربي في البندقية وسويسرة وفرنسة وألمانية.
وبعد حين انتقلت الطباعة إلى المشرق. فأسس عالم إسرائيلي سنة 1490م مطبعة في القسطنطينية للغة العبرية أولا، وفيها طبعت التوراة باللغة العربية سنة 1551 معربة بقلم سعيد الفيومي.
ومن فروق دخلت الطباعة إلى البلاد العربية وكان للشام فضل السبق في الأخذ بهذه الأداة النافعة فأنشأ الرهبان اللبنانيون في أوائل القرن السابع عشر مطبعة في دير قزحيا بلبنان وأول كتاب عربي(4/149)
طبعته هو الزبور وذلك في عام 1585 وكانت حروفها سريانية ومنطوقها عربيا وهو ما يعرف عندهم بالكرشوني ثم استعملت الحروف العربية.
وفي حلب ظهرت المطبوعات بالحرف العربي بادئ ذي بدء؛ مما اصطنعه أحد أساقفة الروم الملكيين في أوائل القرن الثامن عشر.
ودخلت الطباعة القدس في فلسطين على يد الأباء الفرنسيسيين بإنشائهم سنة 1846م (مطبعة الأرض المقدسة).
أما مصر فأول مطبعة قامت أركانها فيها سنة 1798م كانت على يد نابوليون بونابرت في حملته الشهيرة على أرض الفراعنة.
3 - الطباعة في العراق
ولم يحرم العراق الاستفادة من اختراع الطبع الثمين وأن جاءت استفادته متأخرة. إلا أن ما يلفت الأنظار هو أن الطباعة دخلت العراق على يد الأجانب أيضا؛ نظير معظم البلاد
الشرقية مما يؤصل في الأذهان إننا مدينون للغربيين في حياتنا الجديدة. فأول مطبعة فتحت في العراق كان بفضل مبعث الأباء المنتمين إلى القديس عبد الأحد المعروفين (بالدومنكيين) في الموصل سنة 1856م: وفي هذه السنة عينها جلب إلى كربلاء أحد أكابر الفرس مطبعة حجرية لا يذكر الناس من نتاجها إلاَّ سفرا بقي بكرا وحيدا.(4/150)
وهانحن أولاء نثبت ما عنينا بتدوينه من تاريخ موجز للطباعة العراقية نأتي فيه على ملخص تاريخ المطابع المؤسسة في ديار العراق ونذكر ما وصل إلى علمنا من ثمرات تلك المطابع من الكتب والرسائل على اختلافها؛ ولا ندعي العصمة في ما نكتب؛ إلا أن غايتنا الخالصة هي إظهار صفحة من حضارة العراق الحديثة تشفع لنا في الأوهام التي تبدو منا سهوا: ويسرنا أن يحظى عملنا بالقبول من لدن الأدباء المحققين؛ فينتقدوا لنا مقالاتنا هذه ويرشدونا إلى مواضع الخطأ فيها ويكملوا النواقص التي يفوتنا ذكرها فنشكر لهم فضلهم بعد أن يكونوا قد أدوا لأمانة العلم حقها المحتوم.
4 - مطابع الموصل
1 - (مطبعة الأباء الدومنكيين)
إلى الأباء المحترمين المنتمين إلى رهبانية القديس عبد الأحد (سن دومنك) يعزى الفضل الأعظم في إدخال الطباعة إلى العراق فقد حل هؤلاء الأجناد - أجناد العلم والدين - الموصل الحدباء عام 1856م وكانت المطبعة أول مشروع وجهوا إليه أنظارهم؛ فباشروا الطبع على الحجر أولا فطبعوا بضعة كراريس ولم يفلحوا فشمروا عن ساعد الجد وأسسوا سنة 1859 مطبعة كبيرة بجميع لوازمها مرصدين لها المبالغ الطائلة.
وفي سنة 1860 طلب السيد هنري امانتون القاصد الرسولي(4/151)
لما بين النهرين في أثناء وجوده في باريس إلى جمعية مدارس الشرق أن ترصد لمشروع المطبعة الموصلية الأولى مبلغا وافرا فاستجابت طلبه ونفحته ب 6000 فرنك أنفقها في جلب مطبعة وحروف عربية وسريانية وفرنسية من دار الطباعة العامة في عاصمة فرنسة وجلب لها حروفا كلدانية من مطبعة المرسلين الانكليكيين في اورمية من أعمال فارس. ونقلت كل الآلات والأدوات والحروف إلى الموصل.
وتولى الأب كيرلس دوفال إدارة المطبعة الجديدة يعاونه الراهب يوسف الديار بكري المنتمي إلى الرهبانية الفرنسيسية. وقد تعلم فن الطباعة في القدس فأتى به إلى الموصل واشرف على تأسيس المطبعة وقام بتعليم أحداث الموصل وشبانها فن تنضيد الحروف.
والمطبعة الموصلية هذه جهزها الأباء الدومنكيون بفرع هو مسبك الحروف لم يوجد له نظير في العراق إلى هذا اليوم (1926) وقد اشتغل الراهب الفرنسيسي المذكور بتعليم صناعة سبك الحروف أيضاً وطبعها بدقة وجلاء.
(لها تلو)
رفائيل بطي(4/152)
فوائد لغوية
الأوضاع العصرية
كنا في مجلس حافل، وكان اغلب الحاضرين من المنتسبين إلى الأدب وطائفة من هؤلاء الأدباء يشدون شيئا من اللغات الإفرنجية؛ وجرى الحديث على الألفاظ الكثيرة الموجودة في هذه الألسنة التي لا يطمع أبناء عدنان في وضع ما يقابلها في لغتهم المبينة. وكنت ساكتا حتى سئلت. فقلت: أنه من الممكن رأب هذا الصدع، لأن لغتنا من أوسع اللغات، وفيها باب الاشتقاق الذي لا وجود مثيل له في أي لغة من لغات الأرض. نعم، هم عندهم النحت، لكنه لا يضارع الاشتقاق الذي يوقعك على معنى اللفظ، وأن أنت لم تسمع به، أو لم يبينه لك أحد قبل ظفرك به.
فاعترضني واحد - وكان من أبناء العرب - فقال: وهل في لغتك (كأنها ليست لغته أيضا) لفظة تقابل الفرنسية الإنكليزية.
قلت: نعم. وهو كتاب دبير أو دبير وحده لا حاجة إلى ذكر الكتاب.
قال: أني فتشت عن معنى الإفرنجية في جميع المعاجم ولم أر من صرح بوجودها في أي لغة شرقية.
إن أصحاب المعاجم قد يصيبون وقد يخطئون. وقد يقعون على اللفظ العربي، كما قد لا يقعون عليه. وذلك كل على حسب مقدرته من امتلاك ناصيتي اللغتين. ثم قال آخر: أما أنا فلا افهم العربية، فكيف ما يقابلها عند الإفرنج؟
قلت: كلمة بوستوم معناها: كل من يولد بعد وفاة أبيه، ثم يتوسعون فيه فيطلقونه على كل ما ينشر من المطبوعات بعد وفاة صاحبها وبهذا المعنى جاء في اللغة: دبر الحديث عن فلان (وزان نصر ينصر) دبورا: حدثه عنه بعد موته ولما كان الكتاب حديث الرجل لنفسه أو لغيره كان الدبير ما ينشر بعد وفاة الرجل ويجوز لك أن تسميه أيضاً بمصدره أي يجوز لك أن تقول كتاب دبر ودبر وزان صبر. وأما الولد فيسمى (وليد يتيم).(4/153)
قال اغلبهم: سلمنا لك بهذا الوضع. فما تقول الآن في ما يقابل كلمة الإفرنجية.
فقام واحد من الحاضرين وقال: يحسن بمن يذكر كلمة إفرنجية أن يشرحها ليسهل علينا فهمها. أو ليسهل علينا إيجاد ما يرادفها عندنا إذ ربما كان بيننا من يعرفها؛ فلا حاجة إلى
أن نوجه الكلام عبثا إلى غيرنا.
قال المعترض: كلمة الفرنسية يقابلها في أو وتعني ما لم يطبع من الكتب أو لم يشهر ولم ينشر منها. يقال:
أي قصيدة لم تنشر أو لم تعرف بعد (راجعوا معجم لاروس في المادة المذكورة تجدوا هذه الإفادة وبهذا الشاهد).
قلت: فإذا كان الأمر كذلك يسر علينا وجود لفظة عربية فصيحة. لأن صحف العرب يومئذ كانت دواوين أشعارهم: وصحفيوها كانوا الشعراء والحال انهم قالوا في هذا المعنى غميس. ومنها قولهم قصيدة غميس أي لم تعرف بعد. فالكتاب الغميس إذن هو ذلك الذي لم يظهر بعد للناس؛ أو لم يعرف بعد. فهل بينكم من ينكر مطابقة هذه العربية لتلك الأعجمية. قال جميعهم: نوفقك كلنا على هذا الوضع فإنه واف بالمقصود ويؤدي المعنى أحسن تأدية.
ثم قام واحد منهم وقال: إنك نصراني وتحب الثالوث؛ أفلا تثلث لنا الجواب فنسألك سؤالا ثالثا؟ قلت: قل ما بدا لك. قال: عند الإنكليز والفرنسيين كلمة يسمون بها القوة التي يكتسبها المرء من مداومته على الشيء أو من كثرة مزاولته إياه فيفعل أموره عفوا لا عن فكرة أو درس وهذه الكلمة هي فهل عرف العرب لها مرادفا؟
قلت: وكيف لا؟ وهذه الكلمة هي الضراوة. قال في كتاب البيان للجاحظ (107: 1 من طبعة محب الدين الخطيب): ومن حصل كلامه وميزه؛ وحاسب نفسه وخاف الإثم والذم؛ أشفق من الضراوة وسوء العادة وخاف ثمرة العجب وهجنة القبح وما في حب السمعة من الفتنة وما في الرياء من مجانبة الإخلاص) أهـ فما أشرت إليه من معنى (روتين) الفرنجية هي (الضراوة) بعينها كما سمعتها عن الجاحظ.
قال الجميع: كفى اليوم بهذا القدر والله محب المحسنين. فتناثر عقد النادي.(4/154)
أسئلة وأجوبة
صادق وصدق عليه
سألنا أحد أدباء البلدة أيجوز أن يقال: صادق فلان على المعاهدة؟ وأن كان لا يقال فما هو الأفصح؟
قلنا: لم يرد صادق فلان على المعاهدة في كلام فصيح بمعنى اقرها وأثبتها ووافق عليها؛ بل صادقها فقد جاء في الإتقان للسيوطي (122: 1) إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله؛ فتفسرها لنا؛ وتأتينا بمصادقة من كلام العرب. أهـ
وبعضهم حاول إبدال صادقها بصدق عليها طلبا للأفصح من الكلام. وهذا أيضا لم يرد. والمنقول عنهم: صدقها بحذف الجار في هذا الفعل الثاني كما في الأول. قال في نهج البلاغة (طبع بيروت 92: 2): (ومن أعطى الاستغفار لم يحرم المغفرة ومن أعطى الشكر لم يحرم الزيادة؛ وتصديق ذلك كتاب الله. قال الله في الدعاء: أدعوني استجب لكم) أهـ. ولم يقل والتصديق على ذلك كتاب الله.
وفي معجم البلدان لياقوت الحموي (من طبع الإفرنج 22: 1) وحكي عن بعض اليونان أن الأرض كانت في الابتداء تكفأ لصغرها وعلى طول الزمان تكاثفت وثبتت. وهذا القول يصدقه القرآن؛ لو أنه زاد فيها أنها ثبتت بالجبال. أهـ
ومن ثم لم يصح كلام الكاتب المجيد أسعد خليل داغر في كتابه تذكرة الكاتب في ص35 في قوله: (ويقولون: صادقت الوزارة على تعيين فلان) و (صدق الملك على الحكم) واصلح بعضهم هذا الخطأ بخطأ آخر وهو (صدقه) (أي من باب التفعيل) وكلها غلط. أهـ(4/155)
فنحن نقول له: يا طبيب داو نفسك لأن صدقه (من باب التفعيل) صحيح لا غبار عليه على ما أثبتناه من النصوص وكذلك صادقه والذي لم تنطق به العرب هو صادق عليه وصدق عليه أي عقد الفعل بالجار وإلزامه به. على أنه قد يجوز هذا أيضاً من باب التضمين فمعنى صادقه وافقه عليه؛ ولكون هذا يتصل إلى مفعوله بأداة الجر لجاز عندهم وصل صادقه بالحرف المذكور. وكذلك القول في صدقه فانه يتضمن المعنى المشار إليه. على أن الأفصح يبقى صادقه وصدقه (من باب التفعيل). وأما قول اليازجي وداغر ومن لف لفهما
أن الصواب هو: أجاز المعاهدة أو أمضاها أو اقرها أو وافق عليها فكلها من المرادفات؛ لكن هيهات أنها تؤدي مؤداها. ولكل من هذه الأفعال معنى يقابله في اللغات الإفرنجية وهي كلها من المرادفات لكنها ليست بالمطلوبة هنا.
رمز
وسألنا المذكور: كثيرا ما اقرأ في مجلات مصر وسورية وفلسطين ومؤلفات أهاليها: هو رمز كذا. أفهذا صحيح؟
قلنا: الصحيح شيء والفصيح شيء آخر أما أنه صحيح فله وجه في العربية إذ ليس من غلط في لغتنا على ما ندعي. وأما أنه فصيح فليس بصحيح. فان فعل رمز يعدى إلى مفعوله بالى قالوا: رمز إليه. ولهذا لا يجوز أن يقال هذا رمز الشيء الفلاني بل: رمز إلى الشيء الفلاني. وعليه ترى جميع الفصحاء ينطقون بمثل هذا الكلام أما ضعفاء الكتاب فيخالفونه لما هناك من باب التأويل والتضمين الواسع المدخل. والمعول عليه هو رمز إلى وهو الفصيح.
كرس
وسألنا أيضاً عن فعل كرس (مضعف العين) وعن معناه. قال قرأت في المقتطف (645: 68): وقد كرس (والفعل بصيغة ما لم يسم فاعله وبكسر الراء المشددة. والكلام عن تمثال لتيتي شيري) لاوزيرس اله ابيدوس. فما معنى كرس وهل جاءت في كلام الفصحاء؟
قلنا: كلمة كرس هنا معناها خصص وارصد (بالمجهول) وهي كلمة نصرانية لا معنى لاستعمالها في العربية لأن لغتنا مستغنية عنها وهي قديمة الدخول في لساننا نقلها عرب الأندلس المسيحيون في المائة الثالثة عشرة للميلاد أو في المائة السابعة للهجرة عن اليونانية على رأي دوزي المستشرق الهولندي. وعندنا أنها من اليونانية بمعناها. وأما الأولى فمعناها زيت التقديس يمسح به ما يراد ارصاده بالله أو بالقدسيات.
على أن فصحاء العرب كرهوا اتخاذ هذه الكلمة لما في معناها من الحقارة ففي لسان العرب؛ التكريس ضم الشيء بعضه إلى بعض ويجوز أن يكون من كرس المنة (بكسر الكاف) حيث تقف الدواب. . . وابوال الإبل والغنم وأبعارها يتلبد بعضها على بعض في
الدار. أهـ ولهذا نرانا في مندوحة عن استعمالها معتاضين عنها بألفاظ عربية صرفة. مثل: خصص وارصد وسبل (بتضعيف الباء) وقدس (بالتضعيف) إلى أمثالها وهي كثيرة.
على إننا قد بحثنا عن وجودها في مؤلفات العرب غير النصارى فلم نجد لها أثرا. فنبذها إذا خير من الاحتفاظ بها على غير طائل.(4/156)
باب المشارفة والانتقاد
8 - الربيعيات
رفائيل بطي
الربيعيات (؟!) والصواب ربعيات اسم طيب على الاذان، لا تكاد تسمع به أنت إلاَّ وتتصور بين يديك أزهار الربيع بأنواعها وألوانها واختلاف روائحها على انك قد تجد في أكمة تلك الازاهير الربعية خنافس دقيقة أو هوام متنوعة أو زنابير لاسعة. وعلى هذا المثال وجدنا ربعيات رفائيل، ففيها كل ما أشرنا إليه من محاسن ومساوئ.
أما محاسن تلك الازاهير، فهي تلك العبارات الأنيقة، المحكمة الوضع،(4/157)
البديعة الرصف، المختارة الألفاظ، الرشيقة المعاني، وفي اغلبها من الرقة والسلاسة ما لا تجدها في أكبر كتبة هذا العصر. ولا بدع في ذلك فان الكاتب وهب حظا وافرا من الصنعة الساحرة. ومن ينكرها عليه فقد أنكر على الشمس ضياءها في رائعة النهار.
على أن في تلك الازاهير خنافس سوداء. تدأب في سلبها روائحها وأطايبها وأول هذه الخنافس أنه يكتب شيئا ويريد شيئا آخر. قال في أول كلمة نقشتها أنامله في صدر كتيبه (الواقع في 100 صفحة من قطع 16): (يا أماه، هذه كلمات تعبر عن خوالج نفس آثارها الحس والشعور. فكان حسها داعي لذاتها، وشعورها علة المها. لهذا اهديها إليك.
فحاولنا أن نفهم ما قال. فذهب عناؤنا في الأول عبثا. ثم فكرنا بعد ذلك مليا، فاتضح لنا أنه يريد بالخوالج؛ الخواطر والهواجس أو المختلجات؛ أما الخوالج فجمع خالجة وهذه من خلجه أي جذبه وسلبه ونزعه وحركه. ثم أن العرب تخص وقوع المختلجات بالصدر لا بالنفس - وقوله أثارها الحس لا معنى له: ولعله يريد الإحساس مصدر أحس بالشيء أي ظنه ووجده وأبصره وعلمه. وإما الحس فهو الحركة وأن يمر بك قريبا فتسمعه ولا تراه، والصوت، ووجع يأخذ النفساء بعد الولادة. وبرد يحرق الكلأ، وقد حسه: احرقه فهل أراد شيئا من هذا أو هذا كله؟. - وقوله: كان حسها (أي حس الخوالج) داعي لذتها. كلام مغلق يحتاج إلى أن يطلب القارئ مفتاحه إلى من تولى إغلاقه، ولعل مراده: فكان الإحساس بها داعيا إلى التلذذ بها، وحينئذ تبدو لك في سماء المعنى سحابة ماطرة. وقوله: (وشعورها) لا
ينطق بها عربي. بل يقول: والشعور بها. وأما قوله وشعورها علة المها. فهو قد لا يكون كذلك إذ قد يشعر المرء بشيء فيتألم منه. وقد يشعر به فيستلذ به.
هذه الخنافس وجدناها في أول برعومة انفتحت لنا. فما قوله بخنافس سائر البراعيم.
وأما الصفحة الثانية التي وسمها (بصريح القول) فإننا نرى أنه لم يعنونها كما يجب. فلو جلاها بقوله: (بمغلق القول) لكان أوفق للموضوع. فلقد(4/158)
أعملنا الفكرة في تفهم تلك الأسطر الستة فلم نوفق له، فعسى أن يهتدي غيرنا إلى ما يريده الكاتب.
والخلاصة فهمنا من هاتين الصفحتين أن الناطق بتلك المفردات الفريدة لا يريد أن يجمع من تنسيقها معنى حقائق وصورا بينة، بل يريد فيها دندنة وطنطنة وطقطقة وشقشقة وبقبقة. ولهذا لا نريد أن نتبعه في جميع ما جاء به على هذا الحذو المبارك!
تعال الآن ننظر ما فيه من صغار الزنابير اللاسعة. فالظاهر أن الرجل عصبي في غاية العصبية، فهو يمجد بعض المتهوسين ويلقب بعض الرجال الهادمين لأركان الراحة والسلام بألقاب ضخمة لا تصلح لهم إلاَّ من قبيل الهزء والسخرية. فقد قال مثلا في ص10: (سمعت نداء المصلحين والمبشرين من عهد (بوذا) (وكنفوشيوس) إلى يوم (كارل ماركس) و (تولستوي)، فعلمت أن هذه التعاليم، مع كل ما حوته من الحكمة (؟) والسداد (؟) ليست بكافية لتغيير سبيل الحياة الذي سار عليه البشر) لا اعلم ما يريد بالمصلحين والمبشرين؛ كما لا اعلم كيف جعل بوذا وكنفوشيوس وكارل ماركس وتولستوي من طبقة واحدة؟ وهل في تعاليم هؤلاء الأربعة حكمة وسداد؟ فإن كانتا فيها، فلم بقي الآخذون بها على غير سبيل الحياة الذي سار عليه البشر؟ - وفي الفصل الذي عنوانه (النابغة) (ص66 إلى ص71) ما لا ينطوي فحواه على غر الريحاني معبوده بل عليه نفسه. وكله كلام لو قاله غيره لوصمه بالمعتوه والمجنون. لكن الظاهر من كلام رفائيل أنه يجوز له أن يمدح نفسه بل يؤلهها، ولا يجيز لغيره أن يتنفس هواء الجو الذي يستنشقه وذلك لأنه قال (في ص71) (وسوف يعرفني رفاقي (لعلها رفقائي) متى رفعوا الغشاوة عن أعينهم (لعلها عن عيونهم. وذلك لأن على عيون جميع لدات الكاتب غشاوة إلاَّ هو فإنه يبصر. أفيجوز له أن يمدح نفسه على هذا الطراز البديع؟) فيعلمون أنني وإياهم في الجوهر (أي جوهر؟) متفقون وأن اختلفنا في الأعراض (أي أعراض تريد؟ افصح لنا لنؤاخيك ونتخذك أستاذنا وأمامنا.)
لسعات رفائيل مسمومة! لا نريد أن نستزيد منها، فلابد من أنها تحدث ورما. فلننتقل إلى الهوام التي في تلك الزهرات الربقية.(4/159)
ونريد بالهوام الأغلاط الصرفية والنحوية واللغوية. وأول هذه الكلمات، أول لفظة في هذا الكتيب، فقد عنونه بالربيعيات، وليس للكلمة وجود في العربية ولعله يريد (الربعيات) بكسر الراء نسبة إلى الربيع. والفصحاء لم ينطقوا بغير الربعي والجمع ربعيات - وقال في ص5: فإذا رأى فيها بعض القراء. . . والصواب فان رأى:
في ص9 س8 من ثور تلك الإعصار الهائلة والصواب ذلك الإعصار الهائل لأن الإعصار (بكسر الهمزة) مفرد. والجمع أعاصير وليس بجمع البتة كما توهمه.
ص4 فيثور على الوجوه والمقدمين الانويين. لا اعلم ما يريد بالانويين، فلعله يريد بهم ما سماهم الآخرون بالأنانيين ويريدون بهم المستأثرين. فعسى أن يصح حدسي.
ص16 عيناها الزرقاوان يشعان نورا وينفذان بسحرهما. . . لعله يريد تشعان نورا وتنفذان بسحرهما.
في تلك الصفحة: ثغرها الوردي. . . وهذه أول مرة نرى الثغر يوصف بالوردي: والمعروف عند العرب أن الثغر هو الأسنان أو مقدمها أو ما دامت في منابتها وتوصف بالبياض الناصع.
وفي ص19: (تغسل أمواج الأمل قدميك العاجيتين في نهر الحياة. كلما عبثنا برمال الشاطئ. باحثة عن (خاتم البخت) مستفهمة من أكوامها واحافيرها نبأ مستقبلك) - قلنا: إلى من يعود تأنيث باحثة ومستفهمة وأي معنى هناك ولعله يريد: باحثين (نحن الذين نعبث برمال الشاطئ) عن خاتم البخت مستفهمين. . .
في ص22: في تلك المغارة؛ التي لا يسمع فيها: إلاَّ حفيف الأغصان الجرداء. . . لا يا حبيبي رفائيل ليس في المغاور أغصان خضراء ولا جرداء فكيف يسمع فيها حفيفها.
في ص23 مولود عجيب يدعى (يسوع) في حضانة والدة. . . لا افهم الحضانة هنا. فماذا تريد بها؟(4/160)
وفيها: وتراكضت الأمهات لتهنئ الوالدة الجديدة بميلادها الغريب. . . يا له من تعبير يخالف ما في التفكير. الأمهات يهنئن الوالدة بولادتها الولد العجيب لا بميلادها أي وقت
ولادتها. والولادة هنا عجيبة لا غريبة. فكيف يجمع بين أشياء مخالفة للحقيقة؟
وفي ص25 - القياصرة العاتين. أيجمع عات على عاتين أم يكسر على عتاة وعتي؟
وفيها - قليلون هم الذين فهموا سر الحياة لهذا الطفل العظيم؛ تعبير ركيك واحسن منه: سر الحياة حياة هذا الطفل العظيم.
وفي ص26: عيشة الحكماء والمشرعين. . . والصواب والشارعين أو المشترعين.
وفي ص27: ولم يخاطب جيله الحاضر؛ واحسن منه: المعاصر
وفيها: الأجيال القابلة بمعنى المقبلة وهي غريبة جدا
ولا نريد أن نتتبع الكاتب في جميع هناته؛ وقد اكتفينا بما ذكرنا.
ونود أن لا يتعرض للمباحث التي هي خارجة عن نطاق علمه من دينية وفلسفية وما يماثلها. وذلك اضمن لراحته واسلم له من العثار.
9 - محاضرات في تاريخ مدن العراق
(في 136 صفحة بقطع 12)
ألقاها يوسف رزق الله غنيمة في مدرسة دار المعلمين العليا ببغداد سنة 1922 - 1924، طبع بنفقة المكتبة العصرية في بغداد لصاحبها محمود حلمي
عدد الرجال الذين يقبلون أن ننتقد كتبهم لا يكاد يكون له وجود؛ فإنهم قليلون في بلادنا هذه الشرقية. ولا سيما في العراق؛ أما في سورية والديار المصرية فقد فهم الناس أن لا بد للنقد لإصلاح ما في مؤلفاتنا من الأوهام والأغلاط وسوء المذهب في المباحث العلمية: إذ يغلب فيها الجهل العلم.
أما صاحب هذا الكتاب فعجيب في جميع ما يكتب ويتكلم ويرتئي. إذ(4/161)
قلما نرى من يصارعه في هذه الأمور الثلاثة؛ لأنه أن كتب ابتدع وأن تكلم أفحم وأن ارتأى رأيا بز فيه من تقدمه - نقول هذا لأن صاحبه كتب إلينا حين أهدانا تصنيفه: (اطلب إليكم أن تنتقدوه ولا تقرضوه أو تشارفوه فقط لأن في النقد فائدة للقراء ولي ولكل من يروم الوقوف على الحقيقة)
فإجابة لطلبه نقول: أن الكتاب على ما هو درة من الدرر، لأننا لم نر إلى الآن من تعرض للمباحث التي طرقها الكاتب المحقق، فإنه جعل موضوع ما كتب الكلام عن مدن العراق
المندثرة. وإنما لم تذكر هذه الكلمة لإنما أراد وضع تأليفه على قسمين: قسم يخصه بالمدن المندثرة، وقسم بالمدن الحاضرة، ولكن أشغاله منعته دون تحقيق أمنيته كلها، فخص هذا القسم بالمدن المندثرة؛
والباحث الأجنبي إذا أراد الوقوف على ما كان في ديار العراق من المدن العتيقة وجد في لغته الإنكليزية أو الفرنسية أو الإيطالية أو الألمانية أو الأسبانية مؤلفات كثيرة تفي بالمطلوب؛ أما العرب سكان هذه الديار المباركة فإنهم لا يعثرون على شيء من هذا القبيل فيضطر إلى أن يسأل هذا وذاك للوقوف على ما كانت دياره في سابق العهد. ولذا سد هذا الكتاب ثغرة؛ بل فجوة واسعة في تاريخنا.
جميع ما تطالعه في هذه الصفحات منقول عن عدة لغات وعن أصحاب القدم الراسخة في مايصنفون، ولذا يحق للقارئ أن يعتمد كل الاعتماد على ما تخطه يراعة صاحب (الغنائم).
على إننا لا ننكر أن هناك بعض الأوهام تحتاج إلى تصحيح في الطبعة الثانية وتقسم هذه الأوهام إلى ثلاثة: أوهام الطبع، وأوهام أعلام؛ وأوهام نحو أو لغة.
فمن أوهام الطبع التي تصلح في باب التصويب ما هذا بعضه:
ص س ك
4 13 6 إلا آمال صوابها الآمال
5 11 10 ولم يكونا هذان النهران؛ ولم يكن هذان
6 3 5 أخذ طمآ دجلة والفرات والعظيم؛ وعظيم بدون ال وهو الذي كان(4/162)
يعرف في عهد العباسيين باسم نهر باعيناثا
8 3 4 نبذ النوات؛ نبذ النواة
10 15 10 تقولون بأني نسيت؛ تقولون أني نسيت
ولا نريد أن نزيد على هذا القدر، لأنه كثير.
وأما أوهام الأعلام فان حضرته جرى على تسمية بعض الأعلام القديمة بمد حروف العلة وهي في الأصل مقصورة، ولا جرم أنه جرى مجرى بعض العصريين الذين يأخذون تلك الأعلام عن أبناء الغرب، ولا يحققون بأنفسهم الأصل الذي أخذ عنه. فقد قال مثلا في ص5: نار ماراتو والصواب نر مراتو واحسن منها: نر مرات. بضم التاء المبسوطة، لأنها
كذلك في اللغة الآشورية وليست بحرف فكأنك تقول النهر المسمى مرات، وهو الفرات - وقال في ص9 هيرودوت وأخيل وارستوفان وارسطاطاليس، والصواب أن هذه الأسماء هي يونانية ولما كانت كذلك فيحسن بنا أن نبقي عليها ثوبها اليوناني حتى ينتبه القارئ إلى تلك المزية، ولهذا قال الأقدمون من السلف؛ هيرودوتس وأخيلس وارستوفانس وارسططاليس ونقول أسكندر المكدوني لا المقدوني كما قال في تلك الصفحة - وقال في ص12 رولنصون ورولونصون ونحن نخير عليهما اللفظ الإنكليزي الحقيقي وهو رولنصن - وكتب سبار وشماش (ص18) ونحن نخير الكتابة الأصلية السامية سبر (بتشديد الباء المثلثة الفارسية) أو سفر (لأن الباء المثلثة تنقل إلى فاء) وشمش - وكتب ص19 نبور ونرجال وشربورلا ولاكاش واوروك واشتار. ونحن نفضل عليها الرواية السامية: نبر (أو نفر) ونرجل وشربولا ولجش وارك واشتر. إلى ما ضاهى هذه الأعلام.
وأما أوهام النحو واللغة فكقوله في صفحة العنوان: في مدرسة دار المعلمين فبدار غنى عن ذكر المدرسة - وفي ص2 لما دعتني وزارة المعارف الجليلة لألقي والصواب إلى أن القي - وكقوله: عظم سروري إذ كان السامعون طائفة؛ والمعنى يتطلب أن يكون؛ وعظم سروري حينما رأيت السامعين - وذكر في ص3: مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع للسيوطي، ونحن لا نعلم(4/163)
مؤلفا للسيوطي بهذا الوسم. أما مراصد الاطلاع المشهور فهو لتقي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق (راجع مخطوطات خزانة الكتب الأهلية في باريس ص392) ويروى: عبد المؤمن صفي الدين أبن عبد الحق والرواية الصحيحة هي الواردة في كتاب الرد الوافر في ترجمة صفي الدين أبي الفضائل عبد المؤمن بن عبد الحق بن عبد الله بن علي بن سعود البغدادي الحنبلي المولود في جمادي الآخرة سنة 658هـ 1260م) إذ يقول المؤلف: وله كتاب مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع وهو مختصر معجم البلدان. توفي صفي الدين في صفر سنة 738 هـ (1338م). - وقد طبع هذا الكتاب في ليدن طبعا متقنا في سنة 1850م ثم طبع مرتين في بلاد إيران، وهو أحسن طبعة تتخذ لطرد الشياطين فإن الأغلاط الواردة فيها تعد بالمئات وكلها من قبيل (الضبغطري) تفزع بها الأرواح النجسة وتقصيهم إلى حيث لا يسمعون تلك الكلم المشوهة.
أما مراصد الاطلاع للسيوطي فإنه لم يتمه ولم يطبع.
ومن أغلاط المخالفة للأصول العربية قوله في ص5: يجدر بنا - قبل أن نبحث عن مدن العراق القديمة واحدة فواحدة - ننظر نظرا عاما. والصواب أن ننظر - وقال في ص6 هضاب الرمال. وفي آخر الصفحة تلولا من الرمال والصواب أن العرب لا تقول في مثل هذا المعنى إلاَّ حبال الرمال (بالحاء المهملة) في كلا التعبيرين - وفي ص7 وفلوات رملية جدباء، ولو اكتفى بالكلمة الأولى لكان احسن. لأن الفلوات لا تكون إلاَّ كما وصفها - وفي ص13 بينها صفائح الآجر المشوي، والطين المجفف في الشمس. ولو قال: بينها صفائح الآجر واللبن؛ لاستغنى عن بقية الألفاظ لأن الآجر لا يكون إلا مشويا واللبن لا يكون إلا مجففا في الشمس - وقال الاسطوانات. والعراقيون يسمون هذا الشكل من العاديات بالشمامات وهو اسم على مسمى. أحسن من قول الإفرنج: الاسطوانات، لأنها تشبه الشمام كل الشبه.
وهناك غير هذه الهنات وهي كلها تحسن منظر الكتاب لأنها كالشامة في وجه الحسناء كما يصفها بعضهم. إذ لا يخلو كتاب من مثلها بل اكثر منها.(4/164)
10 - كتاب مرشد الطلاب إلى قواعد لغة الأعراب
لرزوق عيسى - الجزء الأول في الصرف طبع في المطبعة السريانية الكاثوليكية في بغداد سنة 1922، في 112 صفحة بقطع الثمن الصغير
كتب الصرف والنحو اكثر من أن تحصى. ابتلانا بها الأقدمون ولا يزال المحدثون يزيدوننا بلاء بتصانيفهم الجديدة. هذا ما يقال بوجه عام عن هذا الصنف من العلم؛ ولو اجتهد الناس بدرس العلوم المفيدة من طبيعيات ومواليد وكيمويات ورياضيات إلى نظائرها لأفادونا اكثر واستفادوا هم أيضا على حد ما يفعل أبناء الغرب.
على أن كتاب مرشد الطلاب مفيد من عدة وجوه: أولا لأنه سهل العبارة واضحها قد لا يحتاج المتعلم إلى تلقي معناها عن معلم - ثانيا لأنه حسن التبويب؛ تتسق فصوله اتساقا يأخذ بعضها برقاب بعض - ثالثا لأن في تمارينه وشواهده أقوالا حكيمة ونصائح مفيدة. فالطالب يرضع ألبان الأخلاق الطيبة مع مبادئ القواعد العربية - رابعا: لأن في آخر كل درس خلاصة تحوي لباب ما تعلمه التلميذ في سطور عديدة.
هذا من جهة الحسنات التي قلما تشاهد في كتاب صغير من مثله. ولما كان كل تصنيف لا
يخلو من عيب ولو كان طفيفا. ففي هذا المرشد شيء من هذا القبيل. فقد يجيء ببعض عبارات غير كافية لتأدية المعنى المطلوب. - قال مثلا في ص4؛ الكلمة لفظ يدل على معنى مفرد؛ ولو قال على معنى قائم بنفسه لكان أوفى بالمقصود - وفي ص9 وحيث لا حركة فهناك السكون؛ والصواب وحيث لا حركة فسكون وقد تكررت هذه الغلطة في ص14
وفي بعض النصائح ما لا تحمد عاقبته كقوله في ص13: اهجر النوم ولو قال: اهجر كثرة النوم لكان هو المطلوب - وفي ص25 (إذا اجتمعت بمن هو ارفع منك فكن أديبا) فكأنه يقول: وإذا اجتمعت بمن هو أدنى منك فلا تكن أديبا. وهو قبيح كما ترى؛ ولعله يريد أن يقول فكن خافض الحواس مثلا؛ بدلا من (أديبا) - وقال في ص28 جر العربية (بياء مثناة قبل الهاء).(4/165)
ولعله يريد العربة أي العجلة. (والعربة تركية أي أربة وأما العجلة فعربية) ثم ماذا يريد بقوله: جر العربة؛ أفهذه من النصائح التي يحسن بالمرء أن يتبعها. - وفي ص29: (رأيت رجلا طلع الصباح في رأسه وخيم الظلام في قلبه) ولعله يريد طلع الضياء في رأسه. - وفي ص31 من شاب عذاره لم تقبل أعذاره. وهو كلام أحدهم وفساده ظاهر؛ لأن الأعذار تقبل ولا سيما إذا كان المعتذر رجلا كبير السن - وفي ص41: اكرم من علمك ولو حرفا واحدا فهذا معناه اكرم ولو حرفا واحدا من علمك، وكان الأحسن أن يقال لا من البس؛ اكرم من علمك ولو علمك حرفا واحدا - وفي ص52:
اعتزل ذكر الغواني والغزل ... وقل الفصل وجانب من هزل
ولو قال: وقل (الحق) لكان أبين لما في النفس - وقال في ص82
أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر ... أنا جامع أنا ضائع أنا عاري
ولو قال: أنا جائع لكانت الكلمة المطلوبة في هذا البيت؛ وأما جامع فلا معنى لها هنا.
وقد وقع في الكتاب أغلاط طبع كما وقعت في سائر الكتب وكان يجب أن يعتني كل الاعتناء بكتب الطلبة ليبعد عنها كل غلط مطبعة من ذلك:
صس
6 7 البنات تخيطن والصواب يخيطن
15 4 وهو حامل كيس ملح والصواب وعليه كيس ملح
15 7 وتذكرة وصوابه تذكرة
20 13 الق خبزك على الماء فنجده بعد أيام والصواب فتجده. وهذه العبارة لا معنى لها.
22 8 باالعمل - بالعمل
26 8 إلى 12 ذكر أبواب الفعل الثلاثي ولم يحرك عين الفعل في الماضي ولا في المضارع وهو عيب لا يغتفر في هذا المقام. وكان عليه أن يذكرها بالترتيب اللازم وبالتعبير الصريح. كما كان يجب أن يقدم باب ضرب على بقية الأبواب الخمسة بعد باب نصر ثم يذكر باب فتح. فباب فضل إلى آخر ما هناك من النظام المعقول الذي أثبته العلماء.
27 15 أفعال على وزن حس؛ تبع، نعم. ولو ذكر فعلا ثالثا لجاز له أن يقول (أفعال) أما وقد ذكر فعلين فقط فكان الأجدر به أن يقول؛ فعلان.
29 6 لا نسأل المرء عما في ضمائره. والصواب في دخائله
21 1 العصا لمن عصا، والصواب لمن عصى
32 11 انعم به، خطأ ظاهر؛ والصواب؛ نعم كبئس
35 10 فالضمير البارز هو الذي يظهر في اللفظ كأنا والتاء في نحو فهمت وشعرت. وهو كلام واضح الغلط والصواب: كنا والتاء في نحو فهمنا وشعرت.
وهناك غير هذه الهفوات. ولله وحده الكمال.(4/166)
باب التقريظ
تنبيه
نضع في كل باب ما يطلبه المهدي إلينا كتابه، فالذي يحب أن ننتقد كتابه ننتقده بكل أنصاف ولا نراعي فيه إلاَّ ما تطلبه الحقيقة وقولنا هذا لا يدل على أننا نصيب ما نقول، إذ ربما كان خطأنا اكثر من صوابنا في نظر الغير إلا أننا نكتب ما نخاله الصواب.
والذي يود أن نشارف كتابه أي ننظر ما فيه من المساوئ والمحاسن فإننا نفعل بما يشيره علينا المهدي، إذا كتب على كتابه (للمشارفة والانتقاد)
وأما الذين يرغبون في أن نقرظ لهم مؤلفاتهم فنضعها في باب التقريظ من غير أن نتعرض لنقدها البتة. فهذا الباب هو على الحقيقة باب إعلان ليس إلاَّ.
وكل من لا يكتب شيئا على هديته، فهذا معناه أننا مخيرون في وضعه في الباب الذي نراه لائقا بالمصنف. على أننا نقول أن الكتاب الواحد قد يختلف في نظرنا باختلاف الأبواب التي ندخله فيها. فربما قرظنا كتابا وهو في نظرنا ساقط، فالسيد عبد الرزاق الحسني صاحب جريدة الفضيلة، أراد أن نقرظ كتابه.
11 - رحلة في العراق أو خاطرات الحسني
الطبعة الثانية وهي بقطع الثمن في 156 صفحة طبع في المطبعة العصرية في بغداد سنة 1925
يرى الواقف على هذا الكتاب كل ما طاب ولذ (من تاريخ العراق بصورة مختصرة) فإن صاحبه تتبع أحوال العشائر المألوفة. مع ضروب معاشهم وأنواع أخلاقهم وفيه فصل عن الآثار العتيقة التي ترى في الصحارى والقفار كما تطالع فيه ما يتعلق بأحوال العراق السياسية والاقتصادية والزراعية والعلمية، فجاء الكتاب كما قال صاحبه: (جامعا مهام المسائل الاقتصادية) فنتمنى له كل التوفيق.(4/167)
باب المكاتبة والمذاكرة
نحن والمجلة الشهرية في مصر
كان حضرة محرر (المجلة الشهرية) التي تصدر في مصر طلب إلينا رأينا في مجلته فكتبنا إليه رسالة خاصة نشرها في الجزء السادس من السنة الثانية في ص563 إلى ص566. ثم علق عليها ما رآه مناسبا، وطلب إلينا ثانية أن نجاوبه فنقول:
قال حضرته: (اعتمد في قولي أن (تدخل في) مماته على أنها لم ترد في(4/168)
كلام فصيح. أما كون دخل (المشددة العين) حية على السنة العراقيين فأنت اعلم به. ولا دخل له في موضوعنا. ولا كلام العراقيين بالحجة التي يسكت عليها) أهـ
قلنا: إنكار الزميل حياة الكلمة ومماتها لا يغير شيئا منها. وهل يتصوران الفصيح يستعمل جميع الألفاظ الفصيحة الموجودة في اللسان الواحد، فإننا لا نوافقه - وأما أنها لم ترد في كلام فصيح؛ فهذا مما ننكره عليه. فهل يتصور حضرته أنه واقف على كلام جميع فصحاء العرب، أو هل يظن أن كلام جميع الفصحاء دون تدوينا، فإننا لا نرى رأيه - ثم من قال له أنه لم يرد في كلام فصيح، فصاحب لسان العرب يعد من فصحاء اللغويين، وعلى كل حال نعده نحن ويعده هو. افصح من حضرته. وقد قال في مادة د خ ل: فلان دخيل في بني فلان؛ إذا كان من غيرهم فتدخل فيهم - وقال في آخر تلك الصفحة (أي ص257) (الدخل والدخلل والدخلل؛ طائر متدخل أصغر من العصفور. . .) وهو نص كلام أبن سيدة على ما ذكره صاحب التاج. وقال السيد مرتضى: في العياب: (وأظن صاحبه من الفصحاء اللهم إلاَّ أن لا يوافق على هذا الرأي حضرة النجيب) تدخل الشيء؛ دخل قليلا قليلا، ومن ادخل كافتعل قوله تعالى: أو مدخلا اصله متدخل. أهـ وفي القاموس: دخل دخولا ومدخلا؛ وتدخل وأندخل وادخل كأفتعل نقيض خرج أهـ. فان كان كلام هؤلاء اللغويين لا يرضيه فعليه السلام ورحمة الله وبركاته. طالبين إليه أن يضع لنا معجما يذكر فيه حي المفردات من مماتها لنكون على بصيرة مما ننطق به أو نكتبه.
ثم أن تدخل مطاوع دخل، ودخل موجودة في جميع الكتب والمعاجم فضلا عن وجودها في لغة العراقيين ولا سيما البغداديين منهم. ولغتهم وأن لم تكن بالحجة في حد نفسها. إلا أنها
إذا وافقها كلام الفصحاء أصبحت حجة منيعة؛ وأن كان حضرته يحتقرها، فاحتقاره لها لا يغير من أمرها شيئا. وهو بعلمه هذا يخالف ما كان يفعله الأقدمون من إجلالهم للبغداديين والاعتداد بأقوالهم وآرائهم. فقد قال أبن جني في كتاب الخصائص (205: 1):
(سمعت الشجري: أبا عبد الله غير دفعة يفتح الحرف الحلقي في نحو: (يعدو وهو محموم) ولم اسمعها من غيره من عقيل؛ فقد كان يرد علينا منهم من(4/169)
يونس به ولا يبعد عن الآخذ بلغته. وما أظن الشجري إلا استهواه كثرة ما جاء عنهم من تحريك حرف الحلق بالفتح إذا انفتح ما قبله في الاسم على مذهب البغداديين. . .) ثم ذكر بيت شعر لكثير وآخر لأبي النجم. ثم قال: وهذا ما قد قاسه الكوفيون وأن كنا نحن لا نراه قياسا.
وقال في ص452 من ذلك الجزء: وتابع أبو بكر البغداديين في أن الحاء الثانية في حثحث بدل من ثاء. وأن اصله حثثت. وكذلك قال في نحو ثرة وثرثارة. أن الأصل فيها ثرارة فأبدل الراء الثانية ثاء فقال ثرثارة، وكذلك طرد هذا الطرد.) إلى آخر ما ذكره هناك. وكثير ما ترى اللغويين والنحاة من السلف يستشهدون بكلام البغداديين، فمنهم من يقره ومنهم من ينفيه متبعين في أقوالهم كلام من تقدمهم من فصحاء أهل اللسان، ولهذا لا نستحسن كلام النجيب واستخفافه بكلام العراقيين مع ما لهم من رسوخ القدم في اللغة المبينة.
نتقدم الآن إلى قوله: (عادة لم تجمع من عوائد في كلام فصيح يحتج به)
قلنا: جاء في كتاب العين (وصاحبه من أهل المائة الثامنة للهجرة): العادة الدربة في الشيء، وهو أن يتمادى في الأمر حتى يصير له سجية، والجمع عاد وعادات وعوائد، أهـ وفي المصباح: العادة. معروفة. والجمع عاد وعادات وعوائد؛ سميت بذلك لأن صاحبها يعاودها أي يرجع إليها من بعد أخرى.) وفي تاج العروس: ومن مجموع العادة عوائد؛ ذكره في المصباح وغيره. وهو نظير حوائج في جمع حاجة؛ نقله شيخنا، قلت الذي صرح به الزمخشري وغيره أن العوائد جمع عائدة لا عادة. أهـ وهذا مبني على أن فعلة المثلثة الفاء لا تجمع على فعائل أو فواعل. إلا أننا نرى ذلك من الأوهام التي يجب التغضي منها وعنها ودونك ما كتبناه يوما في هذا المعنى:
ورود جمع فعلة على فعائل أو فواعل
صرح الصرفيون والنحويون واللغويون أن فعلة المثلثة الأول الساكنة العين صفة كانت أو موصوفا لا تجمع على فعائل ولا على فواعل، بل على فعال أو فعلات أو فعول أو غير ذلك.(4/170)
على أننا إذا نظرنا إلى هذا الوزن نراه في اغلب الأحيان محولا عن فاعلة أو فعيلة. ولما كانت الأولى تجمع على فواعل والثانية تجمع على فعائل وجدت ألفاظ مجموعة على أحد هذين الوزنين. ونحن نبين ذلك وأن كنا نخالف أصحاب تلك القواعد أو الضوابط الموهومة.
من ذلك ما جاء من هذا الوزن وهو من المضعف فانه يكسر على فعائل اطرادا قال الأزهري في التهذيب في مادة ك ن ن: (كل فعلة أو فعلة أو فعلة (أي بالفتح والكسر والضم) من باب التضعيف فأنها تجمع على فعائل؛ لأن الفعلة (المثلثة الأول الساكنة الوسط) إذا كانت نعتا صارت بين الفاعلة والتفعيل المؤنث من هذا النعت إلى ذلك الأصل. وانشد:
يقلن كنا مرة شبائبا
قصر (شابة) فجعلها (شبة) ثم جمعها على الشبائب. أهـ
ومثل شبة وشبائب؛ حقة وحقائق؛ غرة وغرائر؛ ضرة وضرائر؛ حرة وحرائر؛ كنة وكنائن؛ شجرة مرة ومرائر؛ شدة وشدائد؛ همة وهمائم (بمعنى الشيخ الفاني والعجوز الفانية)؛ شقة وشقائق؛ لصة ولصائص. وبخصوص هذه الكلمة قال في المخصص (78: 3) هذا نادر لأن فعلة لا تكسر على فعائل أهـ ولقد رأيت من الأمثال التي أوردناها لك، وكلها منقولة عن لسان العرب وتاج العروس والمصباح والتهذيب والصحاح أن جمع فعلة على فعائل في المضاعف ليس نادرا كما توهموه بل كثيرا لأن العدد جاوز العشرة. وما كان بهذا القدر لا يعد نادرا. فاحفظ في صدرك خطأ أبن سيده فهو لا يخرج عن تقليد الأقدمين من غير أعمال الفكرة والروية في كلامهم.
والآن نورد لك جمع فعلة على فعائل أو فواعل من غير المضاعف من ذلك قولهم ليلة طلقة وليال طوالق. قال أبن دريد: ربما سميت الليلة القمراء (طلقة) وقيل: ليلة طلقة وطالقة أي ساكنة مضيئة. وليال طوالق؛ طيبة لا حر فيها ولا برد. قال كثير:
يرشح نبتا ناضرا ويزينه ... ندى وليال بعد ذاك طوالق
قال أبو حنيفة: إن واحدة الطوالق طلقة. إلا أن السيد مرتضى رد عليه قائلا(4/171)
قد غلط لأن فعلة لا تكسر على فواعل؛ إلاَّ أن يشذ شيء أهـ.
قلنا: لا شاذ في هذا الكلام بل هو من الجاري على قاعدة جمع فعلة على فواعل إذا كانت فعلة محولة عن فاعلة: أما إذا كانت محولة عن فعيلة فتجمع على فعائل كما رأيت. هذا فضلا عن أن أبن حنيفة الدينوري اثبت قدما في اللغة من صاحب تاج العروس واقدم منه عهد.
واجمعوا إليه على الأيام وليلة على ليال (واصلها ليائل) وأهلا (بتقدير أهله) على أهال (واصلها أهائل) ورضا (بتقدير أرضه) على أراض (واصلها أرائض). والوة (مثلثة لأول بمعنى اليمين) على الأيام (واصلها آلائي عن اللسان) وكيكة (أي بيضة) على كياك (واصلها كيائك) وحافة على حوائف (التاج). وحاجة على حوائج وعادة على عوائد (عن المصباح والتاج) ورخصة على رخائص وكلاة (مضمومة الأول) على كوالي (واصلها كلائي) ورجبة (مضمومة الأول) على رواجب ودوحة على دوائح.
فهذه أربع عشرة لفظة مخافة لقولهم فعلة تجمع على فعائل أو فواعل وورودها على خلاف ما ادعوه دليل واضح فساد ما وضعوه من الأحكام والضوابط. وأن كنا لا ندعي أننا أتينا على جميع ما وجد في لسانهم أو في معاجمهم؛ إنما ذكرنا ما عثرنا عليه في بعض المطالعات وكلها ألفاظ قديمة سبقت عهد الإسلام وليست بمولدة أبدا كما ادعى بعضهم.
أما أن بعضهم أولها بأنها جمع فاعلة لا فعلة فهو لا يقدح بصحة ما نقول: إذ أن الأولين أنكروا جمعها على فواعل؛ فهي على كل حال مخالفة لأحكامهم. ونحن قد قلنا أن فعلة قد تجمع على فعائل أو فواعل بموجب التقدير الذي يقدر لها في الأصل؛ على ما تقدمت الإشارة إليه في صدر هذا الكلام.
فهل يرجع صاحب المجلة الشهرية عن كلامه الأول، أو كما يقول هل (يسحب) كلامه. فالأمر أمره رجع عنه أم لم يرجع، فأن الحقيقة لا تزيد بفعله، ولا تنقص، بل تبقى على ما هي:
أما سؤال الرصيف: فهل يجمع الأستاذ ساحة وراحة وغادة وبارة وناقة وغابة على سوائح
وروائح وعوائد نوائر ونوائب وغوائب!!؟(4/172)
قلنا: لا، لأن الجمع المكسر من السماعي لا من القياسي، وإذا عدم السماع لجأ المتكلم إلى القياس. فكيف يسألنا هذا السؤال وهو عالم بذلك وقد قرره العلماء في كتبهم؟
وقال: (قد أكون أصبت في قولي أن (تمدن) أشهر من تمدين ولكن لا لأنها (وردت في مقدمة أبن خلدون مرارا) كما قال الأستاذ إذا لماذا لم يقل لنا سبب هذه الشهرة. إلا يعلم حفظه الله أن الناس يتلقون الألفاظ عن شيوخهم وإذا نقل واحد من المولدين لفظة. فلانه سمعها عن شيوخه. إذن كيف تشتهر اللفظة وتمدين لم ترد في كتاب رجل من الأقدمين أو المولدين. اللهم إلاَّ في القاموس وتاج العروس بمعنى تنعم لا بمعنى تمدن. أما تمدن فقد ذكرها المقري في نفح الطيب فضلا عن أبن خلدون، إذن وجود تمدن في كلام المولدين خير من عدم وجود تمدين بهذا المعنى في أي كاتب كان. أفليس هذا من الأمور المعقولة؟
وقال عنا: (قلتم أن كون القبرية من أنواع الأفعى مصحفة عن الكوبرا غير صحيح وأن الصحيح الفترية وأنها غلطة قديمة. وهذا ما لا علم لي به)
قلنا: فإن كان لا علم لك به، فلماذا نطقت به؟
وأما قوله: (انتقدتم لي قولي: أن جواريهم لها أذناب وهن تلتف بشعورهن وتغني. . . الخ والصواب: لهن أذناب وهن يلتففن بشعورهن ويغنين. . الخ فدفاعه عن غلطه هذا الصريح بقوله: والكلام عن مخلوقات وهميات نصفهن إنسيات (كذا، ولعل هناك غلط طبع والصواب نصفهن انسي أو أنصافهن إنسيات) والنصف جنيات (كذا) وقد رأيت أن الذوق يقضي بان تعطي هذه المخلوقات ضمير العاقلات طورا وغير العاقلات تارة للدلالة على أصلهن.) هو جواب ملجم (بالبناء للمجهول من الجم) لا جواب مفحم (بالبناء للفاعل من أفحم).
وأما إصراره على إنكار ورود الحوصلة لغير الحيوان فليس مما يغير شيئا من معاني الألفاظ المدونة في الكتب ولا يمنع الغير من اتخاذها في ما ينطقون به فما هي منزلة حضرته من مقام أولئك الذين اثبتوا المفردات بكل حرص وسعي؟ أفليس الأجدر به أن يتصاغر ويقر بغلطه أو بوهمه أو بسهوه إذا ما رآه(4/173)
الغير بينا لكل ذي عينين. أن الاعتراف بالخطأ مما ينقصنا نحن الشرقيين ويعز علينا اتباع الغربيين فيه. ولو تأهل
العاقل في مناحي الحقيقة لتأكد أن عدم ادعائه للحق لا يبطل الحق. بل يزيده إثباتا ويهوي بمن يخالفه إلى أدنى الدركات.
وأما إنكاره ورود المسؤولية والأهمية والأفضلية والفاعلية والمفعولية والأقلية والأكثرية - وبعبارة أخرى: النسبة إلى اسم الفاعل واسم المفعول وافعل التفضيل - ليست من العربية في شيء ولذلك لا تجدها في المعاجم إلاَّ عرضا ولا تجدها في كلام العرب. . . إلى آخر ما قال: فنحن نجله عن النطق بمثل هذا القطع البات والحكم بأنه ليس من كلام العرب، فجوابنا عليه أن يطالع ما كتبناه في مجلة المجمع العلمي العربي في سنتها الرابعة في ص176 إلى ص178 فإن كان حضرته يستطيع أن يجاوب عنها فليفعل، ونحن نرجع عن كلامنا ولا نقول مثله (نسحب كلامنا) ونحن لا بد من نشر تلك المقالة في لغتنا هذه في جزء قادم ليطلع عليها من ليس له تلك المجلة.
وفي جوابه إلينا أوهام غير ما ذكرناه، نعود إلى ردها في جزء آخر كما أننا سوف نجيبه على قوله لنا: (أيتيني بشاهد واحد من كلام فصيح على جمع اسم المفعول المستعمل استعمال الاسم مثل هذا الجمع وأنا (اسحب) كلامي)
قلنا له راجع ما جاء في هذا البحث في الجزء الأول من مجلتنا هذه في جزءها الأول من هذه السنة ريثما نأتيك ببراهين أخرى تزيدك يقينا وثباتا.
أما قوله: (أما ما ورد في كلامهم مثل مضامين وملاقيح فهما جمعا مضمونة وملقوحة قلنا: قد أصبت في ملقوحة أنها تجمع على ملاقيح وكان يجب أن تجمع على رأي الصرفيين جمعا سالما أي ملقوحات لا ملاقيح فتكسيرها على مفاعيل مخالف لقاعدتهم التي وضعوها. أما مضامين فهي جمع مضمون. قال في التاج في مادة ض م ن: وأما المضامين فان أبا عبيد قال: هي ما في أصلاب الفحول جمع مضمون. وانشد غيره:
إن المضامين التي في الصلب ... ماء الفحول في الظهور الحدب. أهـ
ونكتفي اليوم بهذا القدر وما بقي من جوابنا إليه نرجئه إلى سجزء قادم.(4/174)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - بين عنزة والضفير
اسم الضفير مشتق من معنى التضافر وليس من الظفر بمعنى الغلبة. واسم القبائل المتخذة أسماؤها من معنى التجمهر والتساعد والتضافر كثيرة في عربة (أو جزيرة العرب).
ومن هذا القبيل الضفير. أما أصل ديارهم فنجد، قال ثابت أفندي في كتيبه المطبوع في الأستانة وأمين بن حسن حلواني مختصر تاريخ الشيخ عثمان بن سند البصري ما هذا بعضه: (آل الضفير قبيلة جليلة من قبائل نجد غادرت ديارها متوجهة إلى العراق، لكي لا تدفع ضريبة إلى الوهابيين ولا تضافرهم في غزواتهم فرحب بنو المنتفق بهم قائلين لأرباب الحل والعقد من موظفي الحكومة العثمانية أن وجود الضفير في ديار العراق مما يقوي عضد آل عثمان ويدفع عن أملاكها الوهابيين ومن لف لفهم. أما الحقيقة فكانت الاعتداد بعددهم والاعتزاز بقوتهم حتى إذا ناوأوا الترك وجدوا في هؤلاء الأعراب عونا ونجدة. وكان بنو المنتفق يفتخرون بهم ويثنون عليهم عند الحكومة وغايتهم الحقيقية تقوية العرب على الترك، ولهذا رأى هؤلاء من أولئك الأعراب الجدد ما فت في عضدهم مرارا لا تحصى. وكان دخولهم في العراق في سنة 1224 هـ (1809م).
ومن أول ما أتوه انهم احتلوا جوار أرفا (الرها) ولما تمكنت أقدامهم فيها اخذوا يشنون الغارات على من جاورهم متفقين مع اليزيدية على هذه الغاية. فلما سمع باشا بغداد سليمان القنيل بمساوئ الضفير واليزيدية حمل على هؤلاء العصاة بجيش عرمرم ولم ينل الغاية من زحفته إليهم فان اليزيدية امتنعوا في إحدى ثنايا سنجار، وأما الضفير فقاوموه اشد المقاومة ولم يستطيع أن يؤذيهم وكان يومئذ مع الضفير فخذ من عنزة كبيرها الدريعي (بالتصغير والنسبة)(4/175)
لكن الوئام لم يطل بين عنزة والضفير، فكثيرا ما أنفتقت الفتن بين القبيلتين على ما هو مثبت في كتب الأخبار، والآن عاد الخلاف بينهما والحكومة العراقية تحاول إيقاف رحى البلايا حقنا للدماء.
ويستخلص مما ذكرته جريدة (الأوقات العراقية) التي تصدر في البصرة أن مجرى الحوادث الأخيرة اثبت أن جماعة من غزاة الضفير توجهوا إلى الجنوب أي إلى (كويبدآء) الواقعة بجوار (سفدان) في منتصف الطريق بين البصرة والكويت.
ويرجع الخلاف المستحكم بين القبيلتين إلى عهد بعيد في كثير من الحوادث الغريبة يروى أن عشيرة الضفير لما قامت بغزو قبيلة عنزة منذ اقل من شهر لم تقتصر على حركة غزوها مستعيدة ما سرق منها من إبل وأباعر بل أخذت شخصين من رجال عنزة بمثابة (رهينتين) وكان أحدهما نجل شقيق الشيخ فهد بك الهذال ويقال أن الضفير قتلوا الرهينتين شر قتلة، وهو أمر قلما يقع بين القبائل العريقة في عروبتها. ولذا لم تبق المسألة مسألة غزو أو نهب بل أضحت مشكلة (ثار) وقل مسألة (دم).
ثم قالت الجريدة المذكورة ما نذكره بحرفه المغلوط؛
(إن قبيلة الضفير المشتبكة اليوم بنزاع مع عنزة هي من القبائل المهمة التي تقطن الأراضي الممتدة من جنوب شط العرب فالفرات بالقرب من الزبير إلى السماوة ومن هناك تمتد إلى الحفر في الباطن. وكانت رحى الحرب دائرة دائما بينها وبين شمر ومطير (جيرانها من جهة الشرق) وقد اعتاد رجال الضفير أن يهاجموا رجال شمر في كل سنة عند نزوح هؤلاء إلى أراضي المرعى في فصول الربيع. أما رئيس مشايخ الضفير فهو الشيخ حمود الصويط المشهور وكانت العلاقات بينه وبين أبن الرشيد ودية للغاية ولكنه مع ذلك أبى أن ينظم إليه وأبى أن يقدم بمساعدة عجمي السعدون الذي ألقى بنفسه في أحضان الأتراك منذ أيام الحرب الكونية.(4/176)
والظاهر أن رجال الضفير أعلنوا حربا أبديا على عنزة وقد اشتهر عنهم انهم كانوا يبتدرون عنزة العداء في جميع حروبهم معهم. ويجدر بنا أن نشير هنا إلى أن الشيخ حمود كان ذا قوة وبأس عندما أبى الانضمام عام 1915 إلى عجمي باشا السعدون فكلفه حياده هذا انفصال بضعة فرق من عشيرته لا يعتد بها وتنقسم قبيلة الضفير إلى فرقتين رئيسيتين هما البتون والصامد وأكبرهما الأولى. وجميع رجالها عرب رحل لا يتعاطون التجارة. وعلاوة على ما عندهم من الإبل الكثيرة فانهم يملكون عددا عظيما من الأغنام وفي ديارهم عدد كاف من الآبار. وهم مسلحون بالبنادق الجيدة الحديثة الطراز. ويسابل رجال الضفير الكويت عادة. وعدد مضاربهم أربعة آلاف مضرب. ويقال أن عائلة الصويط (والصواب في كتابتها السويط تصغير سوط ل. ع) تنتمي إلى إشراف الحجاز.
أما قبيلة عنزة فتعد من وجهة قواها المادية اعظم قبيلة بين القبائل البدوية العربية. والبلاد
التي تقطنها وتسمى باسمها فواسعة جدا وتمتد من حلب إلى دير الزور فالخابور. أما سبب تسمية هذه القبيلة (بعنزة) فحسب ما يقال أنه نسبة إلى عنز أبن أسد الذي ينتمي إلى ربيعة، بطن من بطون نزار. ويدعى أن الجد الأول لهذه القبيلة كان وائل ربيعة الذي ينتمي إلى الفرع الأصغر من أسد. ويقولون أن عنزا هو مؤسس عشيرته. ولا يبرح من البال أن قبيلة عنزة لا تجتمع تحت لوآء زعيم واحد لأنها منقسمة إلى بطون وأفخاذ ومن تقاليدها مراعاة الواحد جانب الآخر.
ومع ذلك فيحدث في بعض الأحيان أن يشتبك شيوخ هاتيك الأفخاذ بعراك فيما بينهم على أن ألد أعداء عنزة هم قبيلة شمر الشهيرة. وهذا تاريخ القبائل العربية مملوء بوصف وقائعها الحربية وضغائنها وثاراتها المتأصلة بينهما.
ويحق لعنزة أن تتباهى بما تملك من جياد الخيول وأصائلها وكثرة ابلها وقد أبت هذه القبيلة أن تتسرب إليها روح المدنية فبقت على حالتها الطبيعية الغريزية التي كانت عليها منذ ما بزغ فجر التاريخ ولم تتشبث هذه القبيلة لامتلاك الأراضي الواسعة فاكتفت ببضعة بساتين نخيل قليلة وبنت لها منازل صغيرة بالقرب من دمشق الشام وامتلكت مزارع قليلة واقعة على نهر الخابور(4/177)
وكانت هذه القبيلة قبل ذلك التاريخ شوكة في جنب الإدارة التركية،
ولا يوجد إحصاء دقيق لعدد نفوس هذه القبيلة ولكن الثقات يقدرون مضاربها بعشرين ألف مضرب. ومن أهم شيوخ هذه القبيلة فهد بك الهذال رئيس عشيرة العمارات الذي أساء الترك معاملته وسجنوه. وقد انتخب سنة 1924 مندوبا عن قبيلته في المجلس التأسيسي. وهناك قول بان أبن السعود ينتمي إلى قبيلة عنزة. انتهى كلام الأوقات العراقية
2 - المعاهدة العراقية التركية البريطانية
تبودلت نسخ المعاهدة العراقية التركية البريطانية في أنقرة في 18 تموز 1926.
3 - في البحرين
حصل الميجر هولمز على امتياز لاستخراج النفط في البحرين.
وقد حصل على امتياز بحفر آبار متفجرة (ارتوازية) فحفر عشر آبار منها هناك.
4 - جمعية الدفاع عن الحجاز
نشرت جمعية الدفاع عن الحجاز نداء إلى المسلمين حملا على الوهابيين وحكمهم الحجاز الآن.
5 - البعثة العلمية العراقية
أوفدت وزارة المعارف في العراق هذه السنة عشرين طالبا للتخصص في العلوم والفنون في جامعة بيروت الأميركية وجامعات لندن وكولونبية في أميركة.
6 - الآثار العراقية في ألمانية
وردت برقية من برلين تفيد أن الحكومة الألمانية تلقت نبأ رسميا من لشبونة تنبئ بأن حكومة البرتغال مستعدة لتعيد في الحال الآثار الاثورية التي حجزتها وكانت في باخرة ألمانية في أثناء الحرب العظمى.
7 - جلالة ملكة العراق
قصدت صاحبة الجلالة ملكة العراق مدينة الموصل للاصطياف فيها.(4/178)
8 - الولادات والوفيات في بغداد
بلغ عدد الولادات في بغداد في شهر حزيران 1926 (238)، منهم (129) ذكرا بينما كانت الولادات (427) في شهر أيار الذي قبله وكان عدد مواليد حزيران من السنة الماضية (439).
وبلغ عدد الوفيات (693) منهم 349 ذكرا بينما كانت الوفيات 680 في شهر أيار الذي قبله وكان عدد وفيات حزيران من السنة الماضية 606
9 - مؤامرة لاغتيال أبن السعود
وافت الأخبار باكتشاف مؤامرة لاغتيال السلطان عبد العزيز آل سعود صاحب نجد والمستولي على الحجاز الآن وقد دبرت من اقرب المقربين إليه.
10 - أحداث قضاء وتأسيس ناحية
صدرت إرادة ملكية بتاريخ 7 آب 1926 بأحداث قضاء في الفلوجة وتأسيس ناحية في
القرمة (التي يكتبها الكتاب خطأ: الكرمة)
11 - جلالة ملك العراق
وردت الأنباء بمغادرة جلالة الملك فيصل الأول ملك العراق فيشي من أعمال فرنسة قاصدا لندن.
12 - جرح رئيس الوزراء في صرح الإمارة (السراي)
بينما كان صاحب الفخامة السر عبد المحسن بك السعدون رئيس الوزراء صاعدا درج ديوان مجلس الوزراء في الساعة 10 زوالية من يوم الثلاثاء (10 آب 1926) فاجأه شخص يدعى عبد الله حلمي فجرحه بموسى حلاقة في صدغه فركله فخامة الرئيس فوقع المعتدي على الأرض إلا أنه نهض قائما وجرح الرئيس ثانية في مقدم عضده اليمنى.
أما المعتدي فهو من دير الزور وقد كان موظفا في الممكس (الكمرك) ثم نحي (رفت) منه.
13 - حالة العراق ودخوله عصبة الأمم
صدر في 11 آب التقرير الذي قدمته الحكومة البريطانية إلى عصبة الأمم عن إدارة العراق وقد جاء فيه ما يلي:
قد مر 18 شهرا على تجربة الحكومة الدستورية التي نص على تأسيسها القانون الأساسي. وقد برهن مجلس الأمة الأول على اقتداره في معالجة المسائل(4/179)
المعروضة عليه بكل حكمة وإدراك ولن يمر زمن طويل على العراق حتى يصبح في حالة يبرهن بها لعصبة الأمم على أهليته ليكون عضوا فيها.
وذكر التقرير أن صادرات العراق ووارداته أخذت تتزايد باطراد والصادرات هي اكثر، على أن قيمة الواردات لا تزال تزيد على قيمة الصادرات فقد بلغت هذه الزيادة 492 لكا من الربيات سنة 1925.
14 - أوصلت الحكومة الماء إلى النجف في 7 آب 1926
فابتهج الناس بذلك أيما ابتهاج.
15 - الاعتداء على المعتمد البريطاني في البحرين
ثار جندي بلوجي من جنود شيخ البحرين فجرح جنديين هنديين وأصاب الميجر ديلي المعتمد السياسي في البحرين بجروح طفيفة.
16 - في متصرفية الموصل في نهاية حزيران
شرعت الحكومة إنشاء صرح إمارة (سراي) في زاخو، وأوشك بناء دائرة البرق والبريد أن ينتهي في أربل (وتكتب خطأ أربيل)
تتخذ المعدات لبناء غرفة للعيادة، وحمام، ومحلات للممرضات في المستشفى الملكي في مدينة الموصل.
كملت الإصطبلات الجديدة لخيالة الشرطة في كركوك.
وثرت الطريق الجديدة بين زاخو والشيخان مسافة 5 أميال واتخذت مجار على جانبي طريق الموصل وزاخو وبغداد مع تحسينات عامة.
شرع بناء جسر جديد على جدول قرة تبه.
17 - في لوآء السليمانية في نهاية حزيران
بدئ بتسليم المعدات لإنشاء صرح (سراي) في قره داغ وقارب اتخاذ معقل كلازاروة النهاية.
بوشر إنشاء اصطبلات جديدة للشرطة في لوآء السليمانية وحلبجة.
تداوم الحكومة على إصلاح طريق جمجمال إلى السليمانية.(4/180)
18 - في متصرفية بغداد في نهاية حزيران
تم ما بدئ به من مخفر الرطبة. ورمم ما كان محتاجا إلى الإصلاح في ما يأتي أساميه من المحلات:
في العاصمة: المحكمة الشرعية - المستشفى الملكي - دار الآثار العراقية - دائرة البرق الأم (المركزية) - دوائر الأشغال العمومية والبرق والبريد في الصرح (السراي)،
وشرعت الأعمال الآتية للجيش العراقي:
غرفة الحرس في ثكنة الباب الشمالي - ترميمات للاصطبلات والدوائر العسكرية ومظلات السيارات في القاعة - أعمال شتى في مضرب الوشاش - مد جسر جديد من فولاذ على
جدول الخالص - تتقدم أعمال حفظ الطرق العامة وإصلاحاتها في ألوية بغداد وديالى والدليم.
19 - في متصرفية البصرة في نهاية حزيران
كمل مغسل مستشفى مود التذكاري في البصرة، وشرع تركيب أنابيب المياه فيه.
أنجزت إصلاحات مختلفة في عدة طرق ومبان في اللوآء
تم تسقيف 12 غرفة في الصرح الجديد في الكبائش (الجبايش) والعمل سائر سيرا حسنا.
والأعمال تجري بنشاط لتسوية طريق الشطرة.
20 - لوآء الحلة والديوانية في نهاية حزيران
كملت أسس الغرف لإنشاء صرح عفك.
تمت أسس مستشفى الحلة.
تم تخطيط الطريق بين الرميثة والإمام حمزة.
شرع إصلاح الجسور المصابة بالأضرار وترميم الجسور الأخرى التي ترى في طريق الديوانية إلى الشامية ومن الشامية إلى أبي صخير.
21 - تلقيح الجدري في بغداد
لقح الجدري في جميع المناطق والمراكز الصحية وبلغ مجموع الملقحين(4/181)
680 وجرى فحص 504 منهم فتبين أن 374 تلقيحا منها نجح و130 لم تنجح.
22 - تقارير المستشفيات
دخل مستشفى أمراض العدوى في غضون الشهر 63 مريضا. وتوفي فيه 19 سبعة منهم بالطاعون و8 بالسل.
ودخل مستشفى مير الياس 113 مريضا وتوفي فيه 4 فقط وعولج من هؤلاء 211 مجانا.
ودخل مستشفى ريمة خضوري لأمراض العين 19 مريضا بينهم 15 مصابا بالحبب (وزان سبب وهو التراخومة) وعولج فيه من المرضى الخارجين 601 بينهم 302 عولجوا مجانا.
وعولج في مستوصف مبعث الكرمليين 208 مرضى، بينهم 153 بالأجرة
23 - صحة الميناء
فحصت 12 باخرة خارجة من بغداد كان فيها 1335 مسافرا فوجد بينهم إصابة واحدة بالحصبة لا غير.
وفحصت 9 بواخر قادمة إلى الزوراء كان فيها 1623 مسافرا فلم يكن بينهم مريض.
24 - التطهيرات
طهرت 197 غرفة و1711 قطعة أشياء مختلفة و74 عجلة قداد (ترام)
25 - الجنائز
نقلت 52 جنازة إلى النجف.
26 - صيد الجرذان
وضع في العاصمة 30100 طعم لإبادة الجرذان فنجح منها 11973 وكان عدد المنازل التي وضع فيها المصايد 3999 ونصبت 8210 مصايد واصطيد 98 جرذا وورد من الخارج 42 وفحص 140 جرذا وأرسل ب 35 للفحص وتبين إصابة تسعة منها بالطاعون.
27 - فحص الإجازات
فحصت 691 إجازة منها 241 ووجد منها 430 صحيحة و20 مزورة فغرم أصحابها.(4/182)
العدد 38 - بتاريخ: 01 - 10 - 1926
القارعة
أهب بالشيب واذكر الشبابا ... فهذا لا يطيب وذاك طابا
وما كان الشباب هناك إلاَّ ... كنجم قد تألق ثم غابا
إذا قلبي تذكره بصدري ... تنزى خافقا فيه ولابا
مضى صحبي وأخرني زماني ... كأن له على شخصي حسابا
أرى الأيام مذ ولى شبابي ... علي تمر حانقة غضابا
وأني للشبيبة في أدكاري ... كأني ناظر منها شهابا
كتبت الوكة أدعو المنايا ... وأني اليوم انتظر الجوابا
وكنت هبطت مصر قبل حين ... فلم اه دأ وفضلت الإيابا
ذكرت مواطني وذكرت أهلي ... وليلى والصبابة والشبابا
وقلت لقد نأت بغداد عني ... فليت الدهر يمنحني اقترابا
ولو أني رجعت إلى بلادي ... لقبلت المنازل والترابا
شربت من النوى لشقاء نفسي ... شرابا ثم لم اسغ الشرابا(4/183)
ومن يشرب على ظمأ حميما ... فليس بناقع منه اللهابا
فراق لا أعاتب فيه ليلى ... فليلى ليس تحتمل العتابا
وقلت سأحمل الأعباء وحدي ... ولا أشكو شقائي والعذابا
ولكني شكوت هموم نفسي ... ليلى حين أكبرت المصابا
وكانت لا تزال هناك ليلى ... فتاة مثلما كانت كعابا
وأنت مصدقي لو أن ليلى ... أماطت عن محياها النقابا
وأني كلما ليلى أرادت ... بعادا زدت من ليلى اقترابا
لقد سألتا فآلمها جوابي ... وأن لكل سائلة جوابا
أطالب بالحقوق وكل حر ... قمين أن يطيل بها الطلابا
وهل تخشى يد كتبت بصدق ... دفاعا عن كرامتها تبابا
ويممت المواطن نائيات ... حثحث من مسارعتي الركابا
ولم يك مركبي إلاَّ قطارا ... جرى للأرض ينتهب القبابا
رأيت النار وهي لها ازيز ... بمرجله تشق به اليبابا
سرى والليل معتكر بهيم ... يجر وراءه غرفا رحابا
وأسرع لامسا صدر الفيافي ... يجوب السهل منها والهضابا
يمر على البقاع وهن عفر ... وليس يثير في المر الترابا
يشق بصدره البيداء شقا ... كما صدعت بك الفلك العبابا
على خطين مدا من حديد ... متين لا ترى لهما انقضابا
وكم من شقة بعدت طواها ... وكم من بقعة قصواء جابا
فأوصلني القطار إلى دمشق ... بيوم واحد للنفس طابا
وسرنا نبتغي بغداد منها ... على سيارة مرقت ذهابا
فجئناها كذلك بعد يوم ... سوي لم نلاق به الصعابا
فكنت كطائر ألفى بعش ... بناه حية فمضى وثابا(4/184)
بهاجرة لديها كان يجري، ... لعاب الشمس أن لها لعابا
فودت أنها قبل انفلات ... له لو أمسكت منه الذنابي
واخلق بالحياة وكل شيء ... إليها عائد أن لا يشابا
ولما عدت بعد نوى شطون ... إلى بلدي وجدت الشهد صابا
رأيت معاهد الآداب فيه ... كما تقلى معطلة خرابا
ذهبت إلى الرياض فساءني أن ... أرى عوض الهزار بها الغرابا
وأني في منابتها اعتياضا ... عن التغريد استمع النعابا
رأيت السعد يخفي منه وجها ... رأيت النحس يبدي منه نابا
وألفيت الذناب يذم رأسا ... وذاك الرأس يمتدح الذنابا
وأعجب مشهد لاقيت فيه ... خراف بعدي انقلبت ذئابا
وكنت مؤملا في غير هذا ... من الأحوال أن القي انقلابا
وكم لي في المواطن من عدو ... رمى سهما إليَّ فما أصابا
أقول لهم خذوا في السهل سيرا ... وخلوا لي الوعورة والهضابا
فما لكم لدى الادلاج حول ... على أن تسلكوا الطرق الصعابا
أتوني يطلبون الشعر مني ... فلما لم أنل ذهبوا غضابا
وراحوا ينشرون الكذب عني ... ومن سفه يكيلون السبابا
ولم يأبه بما قالوه إلاَّ ... غبي أو سفيه قد تغابى
رأى الأعداء شيخا أقعدته ... سنوه أن يحاسبهم حسابا
رأوه عن الركوب اليوم يعيا ... وقد ركب المسومة العرابا
فقالوا أنه شيخ كسيح ... فلا نخشى له ظفرا وتابا
فشنوا منهم الغارات تترى ... علي فلم ألن لهم جنابا(4/185)
يريدون الوقيعة بي عداء ... وأن يقضوا على أدبي اغتصابا
ولكن لا يزال الشيخ هذا ... يقاوي بالنهي الصم الصلابا
لقد هابتك يا قلمي الأعادي ... وأنت فثق جدير أن تهابا
وما نظر العدى إلاَّ بعين ... أبت أن تبصر الحق الصوابا
كذاك الحقد يسدل بين ناس ... وبين الحق مؤتلفا حجابا
وحرب قد أثاروها عوانا ... على حزب التجدد إذ أهابا
فخاضوها وما اتخذوا سلاحا ... لهم إلاَّ الشتيمة والسبابا
وإلاَّ القول يعوزه دليل ... وإلاَّ الزور منهم والكذابا
رموا بسهامهم أدبي وشعري ... إلى أن افرغوا منها الجعابا
أشادوا بالقريض وهم أناس ... له جهلوا وكان الجهل عابا
وابدوا في الجديد لهم ظنونا ... ولكن اخطئوا منه الصوابا
لقد ظنوا سراب القاع ماء ... وظنوا الماء بعدئذ سرابا
ولم احفل بهم حتى تمادوا ... على سفه يسيئون الخطابا
فعندئذ رفعت الكف مني ... أذود بها عن الأدب الذبابا
واربأ أن اجرد من يراعي ... حساما ثم اجعله عقابا
وفي كفي اليراعة ذات حد ... تبذ به القواضب والحرابا
ولي شعر كحد السيف ماض ... أغالب فيه من يبغي الغلابا
رفعت مقامه بالجد مني ... وكان الجد في الإنسان دابا
فقمت به وكنت له زعيما ... أعيد إليه في شيبي الشبابا
إلى أن ذاع في الأقطار صيتي ... فكان لحاسدي أدبي مصابا
وليس قريضهم في الذوق إلاَّ ... عجوز غيروا منها الثيابا
وليس يغيظني أحد كغر ... يرى في نفسه أدبا لبابا
تحفز يبتغي نقدا لشعري ... ومنه الحقد قد ملأ الاهابا(4/186)
إذا ركض اليراع يريد نقدي ... رأيت هنالك العجب العجابا
رأيت جهالة ورأيت سخفا ... ورأيا لم يكن يوما صوابا
تبجح وهو لم يبلغ نصابا ... فكيف يكون لو بلغ النصابا
طفا في عيلمي بعد انتفاخ ... له فحسبته فيه حبابا
وبعد هنيهة مرت عليه ... تضاءل في الغطمطم ثم ذابا
عراه يوم لاقاني ارتجاف ... فكان كرخمة لاقت عقابا
تجرع يا حسود الماء صردا ... فأنت اليوم تلتهب التهابا
ولم تسكت أخيرا عن رشاد ... ولكن قد أصابك ما أصابا
تقول لذا وذاك أنا بنقدي ... وأن أخطأت في كلمي الصواب
أحاول شهرة في الأرض لاسمي ... وأرجو بعد ذلك لي ثوابا
ولا تدري بأن الجهل داء ... فلا يؤتي الفتى إلاَّ عذابا
وأن أهلك فلا تفرح لهلكي ... سيملأ فاك أنصاري ترابا
ورب منافق في الوجه أطري ... فلما غاب اقرفني وعابا
وليس صديقك المطري وجاها ... ولكن من يصون لك الغيابا
وقد أقصيته عني فوافى ... يعفر خده وبكى وتابا
ولكن الذئاب الطلس مهما ... أرتك وداعة تبقى ذئابا
قرضت الشعر بالشعر افتتانا ... ولم اطلب به المنن الرغابا
ولو شاهدت في مصر اصطدامي ... بمن قد جاء يصدمني غلابا
جرى وجريت في بحر خضم ... وكان البحر يضطرب اضطرابا
لراعك منه يومئذ عباب ... أتى متدفقا يلقي عبابا
وفي بيروت قبلا إذ أقاموا ... لي الحفلات تنصب انصبابا
جلا من أهله الإعزاز همي ... فلذ العيش لي فيه وطابا
جميل صدقي الزهاوي(4/187)
حقائق عن تاريخ العراق
يوشي بعض الكتبة، برود مقالات نفيسة عن تاريخ أرض شنعار. أو بلاد آثور؛ ويترجم فريق نبذا جليلة عن الغربيين. في مثل هذه الأبحاث إلى اللغة العربية؛ ثم تضيع مزايا تلك المقالات أو ينقص شيء من روعة تلك النبذ لقلة تدقيق النظر في الحوادث. أو لما يأتيه الكتبة والمترجمون من التصحيف في أسماء الأمكنة والبقاع والأشخاص، فيتيه القارئ في مفاوز تلك الخطيئات ولا يعرف المقصود من ذلك البحث.
ومما قرأته من هذا القبيل؛ مقال ظهر في مجلة المقتطف الغراء في جزء يوليو 1926؛ بعنوان: (في جنوب بلاد العرب مهد العمران) ص41 - 46
جاء في مطلع تلك المقالة: (اشترك المتحف البريطاني ومتحف جامعة فيلادلفيا في إرسال بعثة أثرية إلى العراق برآسة المستر ولي فحصرت هذه البعثة أعمالها أولا في تل الأبيض، اور الكلدانيين، الواقعة على ضفة الفرات الجنوبية تبعد نحو 100 ميل عن البصرة.) أهـ
فإذا بحث الإنسان عن تل الأبيض (؟) في اور، أو جوار(4/188)
اور، لا يعثر عليه ولا يقف على اثر له؛ وان أفنى العمر في سبيل السؤال عنه من الأعراب النازلين في تلك الديار. وبعد أن يرجع خائبا يتضح له أن في نقل الاسم خطأ لا يعرفه إلاَّ من له اطلاع واسع على تاريخ العراق وعلى أسماء تلوله. فالتل الذي أراده صاحب المقال هو (تل العبيد) (وزان زبير) لا (تل الأبيض) وحدث هذا الخطأ من نقل الحروف اللاتينية؛ إلى العربية.
وتل العبيد هذا ليس أور الكلدانيين. كما يفهم من مقال المقتطف، بل هو تل صغير منفرد على خط ترعة قديمة على بعد نحو أربعة أميال من غربي المقير. بميلة إلى الشمال الغربي؛ والمقير هي (اور الكلدانيين).
أن البعثة لم تحصر عملها أولا في (تل العبيد) كما جاء في المقتطف؛ بل أنها حفرت أولا في المقير، اور الكلدانيين؛ وذلك في سنة 1922 ولم تحفر في تل العبيد إلاَّ في السنة التالية 1923. وقد نشر المستر ولي في المجلة المسماة في جزءها الصادر في أكتوبر 1923 نتائج نبش البعثة في اور؛ وفي الجزء الصادر في أكتوبر 1924 خلاصة أعمالها في (تل العبيد).(4/189)
وأول من كشف تل العبيد الدكتور هول سنة 1919 إذ كان ينبش لحساب أمناء المتحفة
البريطانية؛ ونشر نتائج أعماله في المجلات الآتية:
سنة 1919 ص22 المجلد التاسع الجزء الثالث سنة 1922 وفي في المجلد الثامن الجزء الثالث والرابع سنة 1922.
أما قوله: (الواقعة على ضفة الفرات الجنوبية) فلا معنى فيه؛ إذ يجري الفرات من الشمال إلى الجنوب فتكون إحدى ضفتيه شرقية والأخرى غربية وليس هناك ضفة شمالية وضفة جنوبية. وأني أحدس أن كاتب المقال قال في الإنكليزية: أو ما يضارع هذه العبارة ومفادها في القسم الجنوبي من الفرات أو كما يقول العرب: في سقي الفرات الجنوبي. فأن سقي الفرات الشمالي ومثله دجلة في أرض شنعار يطلق عليه (أكد) (وزان شمر) وفيه من المدن القديمة (أجادوا) و (كيش) (وهي الاحيمر). و (بورسيبا) (اي برس نمرود). و (سبر) و (بابل) و (كوثي) (أي تل إبراهيم). ويطلق على سقيهما الجنوبي بلاد شمر (وزان(4/190)
زفر) وفيه من المدن أدب (أي بسمايا) وأما (بضم الأولى وتشديد الثاني المفتوح) (وهي أطلال جوخي) واريدو (وهي أطلال أبو شهرين) وكيسورة (وهي أطلال أبو حطب) و (اور الكلدانيين) وتعرف إطلالها (بالمقير).
وجاء في مقالة المقتطف ما يأتي (نعثرت (أي البعثة) في شتاء سنة 1925 على اقدم آثار العمران في العراق؛ ومنها كتابة معاصرة لملك كان يحسب خرافيا وقطعة من النقش النفيس لم ينتظر العثور عليها هناك. أما الكتابة فتدور على الملك (أني بادا) بن (مس أني بادا) وهي اقدم وثيقة تاريخية مؤرخة الخ. . .
قلنا إن المستر ولي عثر على هذه النفائس الأثرية التاريخية في أواخر سنة 1923 وأكبر دليل على ذلك ما جاء في كتابنا محاضرات في مدن العراق، تلك المحاضرات التي ألقيناها على طلبة دار المعلمين العليا، في السنة المدرسية 1923 - 1924 والمطبوعة في بغداد سنة 1924؛ حيث ورد في ص115 ما إليك بعضه؛ وقد حفرت في تل اسمه (العبيد) في شمالي (اور) يشتمل على دكان هيكل الآهة الحياة والخصب وظفر الحفارون بثلاثة رقم ومائدتين وجعلان من ذهب؛ يستدل منها إلى إنها من عمل (أي أني بادا) بن (مس أني بادا) أول ملك من سلالة اور(4/191)
عاش 4600 ق م. إلاَّ أن البروفسر لنكدن يقول انه عاش 4200 ق م ولم يكن يعرف اسم ابنه حتى الآن ونظرا إلى هذا التاريخ أن (أي أني بادا)
كان قبل سلالة مصر الأولى. . . إلى آخر ما هناك من وصف الآثار التي وجدت في تل العبيد)
قد اثبت المقتطف كلمة (سمر) بالسين المهملة ونحن لا نوافقه على ذلك والأصح شمر بالشين المعجمة وكذلك شمريون وآثار شمرية. ولا يقال سمريون وآثار سمرية. لأن الأصل هو بالشين المعجمة ولا داعي لنا إلى إبدال الأعلام بل يجب أن تروى بحروفها أن أمكن.
ومما قرأناه من الأبحاث النفيسة عن بلاد آثور. مقال ممتع نشره العلامة، صاحب الغبطة السيد اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك السريان الانطاكي في مجلته (الآثار الشرقية). بعنوان (مملكة آثور) إلا أننا وجدنا فيها من التصحيفات مثل ما وجدناه في المقالة التي وردت في المقتطف ونحن نشير إليها طلبا للحقيقة التي هي ضالة النفوس الكبيرة.
جاء في ص82 من المجلة: (عولوا أن يشيدوا صرحا من اللبن في بابل (تك 11: 4 و9) في محل يسمى (الحله) كذا وصحيحه الحلة بهاء منقوطة.(4/192)
أن برج بابل ليس في المحل المسمى اليوم الحلة، فلو قال غبطته: (بالقرب من الحلة) لأصاب بعض المرمى، ولا سيما بعد أن درس علماء الاثار، مسئلة البرج درسا علميا، فهل يريد غبطته ببرج بابل، برج بورسيبا (أي برس نمرود) وهو برج الإله نبو، أم برج أتيمن انكي - وكان في هيكل (بل) المسمى اساكيلا في مدينة بابل. وقد جمع بين هذين الإلهين اشعيا النبي (1: 46) إذ قال، قدجثا (بل) انحنى (نبو) وقد اجمع العلماء الأثريون اليوم على أن برج بابل هو الأخير؛ ويعلم القراء أن البعد بين برس نمرود واخربة بابل نحو ثمانية أميال وكلاهما ليس في الحلة بل بجوارها.
وقال في ص84 وتسقي أراضى آثور؛ ما عدا نهري الدجلة والفرات؛ عدة انهار أخصها نهر البليخ والخابور ويسمى القرنيب والادهم. . .
قلنا الأفصح أن يثبت اسم (دجلة) بدون ال التعريف على ما جاء في كتب العرب الأقدمين والمحدثين؛ والصحيح في القرنيب أن يقول الكرنيب؛ أما نهر الأدهم فهو وهم واضح إذ ليس هناك نهر بهذا الاسم يسقي أراضى آثور؛ وصحيحه نهر العظيم (بضم العين وفتح الظاء كزبير) وقد حدث هذا(4/193)
الوهم من نقل الحروف اللاتينية أو إلى العربية. وكان
يعرف هذا النهر عند الأقدمين بنهر رادانو وعند السريان الشرقيين، وهم الكلدان الحاليون رادان وكان على ضفته اليسرى مدينة باسمه. وقال المستوفي(4/194)
انه القسم الأسفل من نهر دقوا الذي ينحدر من جبال كردستان.
وفي هذا الموقف أود أن المع إلى ما جاء في مجلة لغة العرب في هذه السنة في جزءها الثالث ص162 - 163 عند نقد كتابي: (محاضرات في مدن العراق) إذ قال كاتب النقد؛ وعظيم بدون ال؛ وهو الذي كان يعرف في عهد العباسيين باسم نهر باعيناثا)
فأجيب على هذا القول: إن العظيم وارد بال التعريف كما ينطق به أعراب تلك الديار ويؤيد ذلك صديقي عبد المجيد الشاوي الذي أسرته من رؤساء عشيرة العبيد النازلة في تلك الأصقاع. ثم أن نهر باعيناثا ليس بالعظيم: وأظن أن حضرة المنتقد ذهب إلى هذا الاستنتاج من فقرة وردت في معجم البلدان؛ وفي مراصد الاطلاع في مادة دجلة إذ جاء هناك؛ ثم ينصب إليها (أي إلى دجلة) نهر عظيم يعرف بنهر باعيناثا. فظن أن (عظيم) اسم علم لنهر مع أنه وصف كما يفهم من العبارة التي قبلها القائلة: (فينصب إليها نهر عظيم يعرف بيرني يخرج من دون أرمينية.
ثم أن نهر باعيناثا واقع في الشمال وليس في موقع نهر العظيم، الذي يصب في دجلة، قرب مدينة سامراء كما يستفاد من مادة باعيناثا في معجم البلدان، إذ قال: (قرية كبيرة كالمدينة فوق جزيرة ابن عمر لها نهر كبير يصب في دجلة.) أهـ(4/195)
وقد سماه ابن سرابيون باسنفا كما قال لسترنج
لنعد الآن إلى مجلة الآثار الشرقية، فلقد جاء في ص86؛ يسمى خورصباد (دور شروقين) فلا نعرف من أين أتت القاف في شروقين ولا سيما قد قال غبطته في حاشية ص128 أن معنى دور شروقين دار سرجون. فالصحيح أن تكتب دور شروكين أو شروجين لان اسم الملك يكتب سرجون أو شركون. ويكتب الغربيون اسم هذه المدينة - وقد قال ماسبرو أن لفظة شروكين هي القراءة الصحيحة لاسم سرجون.
وجاء في ص88 و89 اسم انطون رسام ونسب إليه كشف الأبواب النحاسية المعروفة بأبواب بلوات. وكلنا نعرف أن اسمه هرمزد رسام والرجل معروف بحفرياته الأثرية ومؤلفاته فلا يحتمل وقوع غلط في اسمه.
وقال ص91 وقد اتخذ الاثوريون (أشور) الاها وص 132 يستنجد حزقيا على الاثوريين.
وقد كتب العرب الآثوريين بالمد والآشوريين بالهمزة. هذا ما أردت أن انبه عليه والسلام.
ي. غنيمة(4/196)
تاريخ الطباعة العراقية
مطابع العراق وثمراتها (من سنة 1856 إلى سنة 1926)
2 - تابع مطابع الموصل
وأسس الآباء الدومنكيون فرعا في مطبعتهم الموصلية جعلوها معملا لتجليد الكتب وتذهيبها على الطراز الإفرنجي الحديث وقد كان الموصليون قبل وجودها يجلدون كتبهم على الطريقة العتيقة.
وأول كتاب طبع فيها (رياضة درب الصليب) سنة 1860.
ومن الذين تولوا فيها الخدمة الكبرى بالتأليف والترجمة والطبع والتصحيح مدة طويلة المثلث الرحمة السيد اقليميس يوسف داود السرياني الموصلي مطران دمشق اشتغل فيها نحو عشرين عاما ولو بقي في الموصل يتعهدها بعلمه(4/197)
واجتهاده لأدت خدمات عظيمة أكبر مما أدته ولضارعت ثمرات المطبعة الكاثوليكية في بيروت التي يديرها الأباء اليسوعيون.(4/198)
واشتغل فيها مدة طويلة المرحوم المعلم نعوم فتح الله سحار وأعقبه المعلم سليم حسون الأستاذ في مدرسة الأباء الدومنكيين في ذلك العهد (ومدير جريدة العالم العربي ورئيس تحريرها في بغداد اليوم).
ولما أعلنت الحرب الكبرى في صيف سنة 1914 كان قد شرع في فتح جادة في الموصل واحتيج إلى هدم بناء المدرسة للأباء الدومنكيين والمطبعة الملاصقة لها في إنشاء هذه الجادة فهدمت بنايتها وصودرت أدواتها وأجهزتها بتهمة أنها تابعة لإدارة أجانب من الفرنسيين ونقلت بعض أدواتها وحروفها إلى مطبعة الحكومة في الموصل حيث استعملت في طبع الجريدة الرسمية (الموصل) وظلت مستعملة إلى هذا اليوم مع تغير الزمان والحكام وزوال الحكم العثماني وحلول الحكم الوطني. وكان والي الموصل العثماني في زمن إعلان الحرب الكبرى سليمان نظيف بك الكاتب التركي الشهير.
ومع أن المبعث الدومنكي قد عاد إلى بعض نظامه في الموصل وأعيد تأسيس مدرسة الأباء وتشييد بنايتها بالمبالغ التي أعطتها حكومة الاحتلال الإنكليزية كتعويضات إلى المبعث تعويضا عما أخذ من بناية المدرسة وعمارة المطبعة للجادة فالمطبعة ما زالت مبعثرة وقد
استردوا الموجود من أدواتها وآلاتها غير ما نهب وشتت. ولما يعد تنظيمها وفتحها للشغل فخسرت بخرابها البلاد أداة نافعة في النهضة والعمران.
مطبوعاتها:
أولا - (الكتب المقدسة والدينية والتقوية وسير القديسين ونحوها)
1 - (الكتاب المقدس) في أربعة أجزاء تعريب السيد اقليمس يوسف(4/199)
داود السرياني مطران دمشق بقطع الربع (سنة 1871 - 1877 صفحاته 2507)
2 - (الكتاب المقدس) طبعة أخرى في مجلدات (1874 - 1877 ص3806)
3 - (العهد الجديد) طبعة متقنة مع تصاوير (ص744)
4 - (مزامير داود) (1892 ص313)
5 - (الأناجيل المقدسة الأربعة) بقطع صغير (1892 ص518)
6 - (قصص الرسل) (1893 ص166)
7 - رسائل مار بولس الرسول) (1899 ص567)
8 - (الدرة النفيسة في بيان حقيقة الكنيسة) للبطريرك اغناطيوس بهنام الثاني السرياني (1867 ص322)(4/200)
9 - (رسالة المقدمة والنتيجة في حقيقة عقد الخطبة والزيجة) للمطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1874 ص76)
10 - (مختصر صغير في التعليم المسيحي) طبع طبعات متعددة بقطع صغير ص48)
11 - (مختصر التعليم المسيحي) (طبع 6 مرات ص191)
12 - (خلاصة التعليم المسيحي) - التعليم المنسوب إلى السيد امانتون - عربه المطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1863 ص23 و254)
13 - (التراجم السنية للأعياد المارانية) لايليا الثالث البطريرك النسطوري المعروف بابي الحليم الحديثي عني بطبعه وشرحه المطران ميخائيل نعمو الكلداني (بقطع الثمن 1873 ص313) وقد طبع بعد ذلك طبعة جديدة.
14 - (الخطب الباهرة والمواعظ الزاجرة) للأب بولس سنيري اليسوعي تعريب قديم للمطران السيد اقلميس يوسف داود السرياني (1870 ص907 وطبع ثانية 1881
ص913)
15 - (المواعظ السديدة الأدبية في تثقيف المسيحي في طريقته الدينية)(4/201)
للأب سنيري اليسوعي (جزءان 1893 ص475 و456)
16 - (نبذة من القوانين منقولة من المجامع المقدسة) لفائدة الاكليروس السرياني الموصلي (1872 ص49 وطبع مجددا ص32)
17 - (كلندار السنة الأبرشية الموصل السريانية) تأليف البطريرك اغناطيوس بهنام الثاني السرياني (1877 ص254)
18 - (كلندار حسب طقس الكنيسة السريانية الانطاكية (1887 ص144)
19 - (سيرة القديسين) للمطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1873 و1890 جزءان ص1650).
20 - (سيرة أشهر شهداء المشرق) (1900 ص452)
21 - (سيرة مار فرنسيس لاسيسي السرافي عربه عن الإيطالية أحد الأباء الكبوشيين (1864 ص400)
22 - (سيرة مار عبد الأحد منشئ رهبانية الواعظين) للأب لافي الدومنكي (1866 ص282)
23 - (الزهرات المقدسة المقطوفة من جنة مار عبد الأحد) (1867 ص452)
24 - (سيرة القديسة تريزة) (1867 ص620)
25 - (سيرة مار افرام) جمعها أحد الأباء السريان الكاثوليك (1883 ص118)
26 - (اسطاخيوس القائد الروماني) (1900 ص234)
27 - (تحفة الزهور الذكية للنفوس العابدة المسيحية (عن طبعة رومية 1861 ص522)
28 - (زوادة النفس التقية في طريق الحياة المسيحية) (طبع رابعة 1887 ص362)
29 - (الحرب الروحية) تعريب الأب بطرس فروماج اليسوعي (1868 ص1408)
30 - (تأملات يومية للقديس الفولس ليكوري) ترجمة جديدة للمطران(4/202)
السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1860 ص240)
31 - (الواسطة العظيمة للخلاص) للقديس ليكوري (عدا الطبعة الرومانية 1870
ص352)
32 - (المنتخبات الكنبيسية في السيرة القدسية) تعريب الخوري عبد الأحد جرجي (1898 - 1900 في 3 أجزاء ص1160 وطبع المجلدان ال 4 و5 في 1902 - 1903 ص 269 و339)
33 - (مجموع تساعيات لأفضل أعياد السنة) لأحد الآباء الكبوشيين (1869 ص380)
34 - (الكينارة الصهيونية لتسبيح العزة الالاهية) جمعه ونقحه المطران يوسف داود (1864 ص425 ثم 1891 ص372)
35 - (شرح مختصر في الرهبنة الثالثة الدومنكية) (ص16)
36 - (ملخص أخبار الرهبنة الثالثة) (1900 ص260)
37 - (رياضة درب الصليب) (1811 ص48)
38 - (مختصر رياضة درب الصليب) (ص32)
39 - تروض في آلام يسوع المسيح لكل جمعة من الصوم الكبير (1863 - ص19)
40 - (زيارة القربان الأقدس وزيارة مريم العذراء) للقديس ليغوري تعريب جديد للمطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1869 - 1876 ص320)
41 - (شهر قلب يسوع الأقدس) (طبعة ثانية 1883 ص462)
42 - (فرض مريم العذراء الصغير بحسب الطقس الدومنكي (1864 ص168 ثم 1889 ص207)
43 - (فرض السيدة الصغير بحسب الطقس الروماني (ص165)
44 - (المتعبد لمريم) للأب بولس سنيري اليسوعي عربه الأب بطرس فروماج ونقحه المطران يوسف داود (1870 ص261 ثم 1896)
45 - (الشهر المريمي) (1892 ص251)(4/203)
46 - (النزهة في الورود) يمثل ظهور السيدة في لورد عربه عن الفرنسية القس يوسف جرجس السرياني (1893 ص260) وهو اليوم مطران حارستا
47 - (مصحف الوردية المقدسة) (1867 ص352)
48 - (شرح مختصر في أخوية الوردية) (طبعة ثانية 1883 ص48)
49 - (عبادة الوردية المؤبدة) (1880 ص84)
50 - (طريقة سهلة للتأمل في أسرار الوردية المقدسة) (طبعة ثانية 1885 ص64)
51 - (دستور الوردية المقدسة) (1900 ص61)
52 - (ثوب سيدتنا ذات الكرمل) (1881 ص 30 ثم كرر طبعه)
53 - (ثلاثة ينابيع نعم للأنفس المسيحية) (1880 ص96)
54 - (إكليل البتول الطاهرة مريم) للمطران السيد أدي شير ابرهينا الكلداني (1904 ص57)(4/204)
55 - (كتاب المتعبدين لقلب يسوع الأقدس) (1906 ص396)
56 - (كلندار الأعياد والتذكارات والصيامات حسب الطقس الكلداني) (ص16)
57 - (مجموع صلوات اعتيادية) (ص175)
58 - (فرض الموتى حسب الطقس اللاتيني) (ص52)
59 - (تأملات لكل أيام الشهر) للأب موزاريلي اليسوعي (ص250)
60 - (مجموع تسعيات) ترجمة لأحد الأباء الكبوشيين من ماردين (ص377)
61 - (أخوية اسم الله واسم يسوع) (ص22)
62 - (أخوية الوردية المقدسة) (ص48)
63 - (طريقة جيدة للتأمل في أسرار الوردية المقدسة (ص 40)
64 - (أخوية زنار مار توما الاكويني) (ص16)
65 - (خمسة مزامير القديس بوناونتورا إكراما لمريم العذراء) (ص16)
66 - (ملخص أخبار الرهبنة الثالثة التوبئية) (ص260)
67 - (الدليل الأمين للمشتركين بأخوية سيدتنا لقلب يسوع الأقدس(4/205)
(ص80)
68 - (قوانين أخوية الحبل بلا دنس) (ص 160)
69 - (قرارات ورسائل وأناجيل حسب الطقس الكلداني (3 أجزاء ص116 و108 و120)
70 - (ثلاث وأربعون ترنيمة تقوية مأخوذة من الكينارة الصهيونية) (ص74)
71 - (سيرة بعض الطوباويين والأتقياء الدومنكيين (ص123)
72 - (استشهاد مار ترسيسيوس) (ص119)
رفائيل بطي
استدراك
طلب كاتب المقالة في تمهيده لبحثه أن ينتقد الأدباء المحققون مقالاته ويرشدوه إلى مواضع الخطأ فيها ويكملوا النواقص التي يفوته ذكرها، وها قد بعث رزوق عيسى بعد اطلاعه على القسم الأول من المقالة المنشورة في الجزء الماضي بهذا الاستدراك:
سيدي صاحب مجلة لغة العرب المحترم
طالعت ما كتبه الأديب رفائيل أفندي بطي في الجزء الثالث من مجلة لغة العرب بعنوان (تاريخ الطباعة العراقية) والذي لفت نظري قول الكاتب:
(وفي هذه السنة عينها (1856) جلب إلى كربلاء أحد أكابر الفرس مطبعة حجرية لا يذكر الناس من نتاجها إلاَّ سفرا بقي بكرا وحيدا) وقد فاته ذكر أول مطبعة حجرية تأسست في الكاظمية وطبع فيها (دوحة الوزراء في تاريخ وقائع الزورآء) تأليف الشيخ رسول أفندي الكركوكي وقد تولى طبع هذا الكتاب مرزا محمد باقر التفليسي بخطه عام 1237هـ 1821م فمن هنا يظهر أن أول مطبعة حجرية نصبت في الكاظمية كانت قبل اكثر من مئة سنة.
رزوق عيسى(4/206)
مشاهير العراق
في القرن الثالث عشر ونصف القرن الرابع عشر
كان القرن الثالث عشر ثم هذا القرن الذي نحن فيه من احفل القرون التي مرت على العراق بعد سقوط الدولة العباسية بنوابغ الأدباء، وأكابر العلماء، وأمثال النبلاء؛ وقد مضى ردح من الزمن ولم أر من عني بتأليف كتاب يتكفل بشرح سيرهم ويوفيهم حقهم على اختلاف صنوفهم ومشاربهم - فحملني الكلف باجتلاء عرائس المأثور من المنظوم والمنثور. وسير العظماء والمشاهير على تأليف كتاب جامع مانع يضم بين دفتيه تراجم من نبغ في هذين القرنين في العراق من مشاهير العلماء، ومجيدي الشعراء، وأخبار الأعيان والأمراء، وعظماء التجار والأغنياء، ومبرزي القراء والمغنين الظرفاء. . . الخ وظللت زمنا أتسقط أخبارهم من مختلف المصادر، واسأل عنهم من لقيت من الشيوخ الثقات حتى توفر لدي منها (رقائق تحسد رقتها أنفاس النسيم، وقلائد تروع حالية العذارى فتلمس جانب العقد النظيم).
وقد احب حضرة الأستاذ الكرملي أن انشر في كل جزء من (لغة العرب) نموذجا من ذلك يكون تحفة لقرائها، ومرجعا للباحثين عن تاريخ العراق. وهاأنا ذا محقق بغيته:
نموذج من تراجم الظرفاء
الملا طعمة بن عبد الوهاب
1 - كان في بغداد من نوادر الإعصار يذكرك إذا سمعت أخباره أبا نواس في نوادره وغرائبه.
وهو ربيب الشيخ محمد سعيد الطبقجلي مفتي بغداد وجده صبيا يبكي عند(4/207)
باب جامع الحيدرية ضالا فسأله عن اسمه فقال: (طعمة) وعن أبيه فقال: (عبد الوهاب) فأخذه إلى داره وعني بتربيته وتهذيبه ووكل به من علمه القرآن الكريم فحفظه حفظا متقنا، وتعلم الخط فجوده، ودرس اللغة العربية وشدا الأدب، وأتقن صناعة التجليد، وحذق ضروب الغناء والضرب على الكمنجة حتى اصبح في فنونه أعجوبة الدهر.
وكان مفرط الذكاء مجيدا في تقليد الحركات والحكايات والأصوات منقطع النظير في السباحة؛ يتصرف فيها تصرفا عجيبا ويأتي فيها ضروبا لا يكاد يقدر عليها إنسان فكان تارة يعوم على سطح الماء منتصبا حتى لكأنه جالس على كرسي أو فراش وثير ويضع على فخذه نارجيلة يدخن بها ذاهبا آئبا يمينا وشمالا. وتارة يقطع دجلة منكسا رأسه لا يبين منه سوى عجزه خارجا إلى غير ذلك مما يفتن الألباب من عجائب الألعاب.
ومن نوادره قصة مشهورة يذكرها الشيوخ فيما يذكرون في مجالسهم من النوادر والغرائب، وذلك أنه قبل أن يبقل عذاره ويطر شاربه صنع من الصوف لحية وشاربا ووضعهما في موضعهما من وجهه ولبس عمامة هندية كأنها العش، وهيأ له من حمل أمامه الفانوس (المصباح) وقت العشاء في الصيف فأستأذن على مربيه المفتي وكان مجلسه غاصا بأصحابه الفضلاء والأعيان قائلا: أنه من حكماء الهند وأطبائها فأذن له فلما دخل نهض المفتي واستقبله وجذبه إلى الصدر ورحب به وقد خفي عليه أمره فأخذ طعمة يتكلم بلهجة هندي تعلم العربية واظهر أن له اليد الطولى في الطب والحكمة، وكان في المفتي وفي كثير من جلسائه أمراض لا تخفى عليه لكثرة خدمته لهم ووقوفه على خافيهم وباديهم، فصار كل واحد منهم يتقدم إليه فيجس نبضه ويفحصه فحص الطبيب الحاذق فيخبره بما فيه ويصف له ما يناسبه من العقاقير حتى بهرهم وأخذتهم الدهشة من حذقه ومعرفته. فلما أستأذن للوداع شيعه المفتي وجماعته معجبين به راغبين إليه في الاجتماع به كثيرا حتى
إذا بلغ السلم انحدر مسرعا كالبرق فضحك الخدام ضحكا عاليا سمعه المفتي وأصحابه في السطح فسألوا عن السبب فأخبروهم بالأمر فاستغرقوا في الضحك واعجبوا بنكتته.(4/208)
وقد بدل اسمه أخيرا باسم (ناجح) فقال فيه الأديب محمد فهمي العمري على سبيل الممازحة:
هنئت يا (ناجح) في هذا اللقب ... اسما سما جميع أسماء العرب
يا لك من اسم إذا سمعته ... يهزني من حسن لفظه الطرب
لازلت يا (ناجح) تسمو في الورى ... باسمك هذا رتبا فوق رتب
تفاؤلا بالخير في نجاحكم ... به دعاك الناس يا أبا العجب
لم تر عيني كاتبا بين الورى ... كناجح أن خط يوما أو كتب
وأن تغنى اسكت ابن معبد ... وأخجل الحبر أبن هاني أن خطب
أجارك الله من اسم قد غدا ... في قبحه كأنه داء الجرب
لا بارك الله بطعمة بلى ... بارك عز شأنه في ذا اللقب
وجن طعمة في آخر عمره وتوفي سنة 1315هـ في بيت آل جابر أفندي في الحلة، وقد بلغني أن لديهم مجموعة من شعره ولم يصلني منه إلاَّ شيء قليل أوردته هنا؛
قال وقد سرقوا حذاءه وتركوا له عوضا عنه حذاء طويلا يفضل عن قدمه:
قطع الله يمينا ... سرقت مني حذائي
عوضتني بحذاء ... نصفه يمشي ورائي
ويروى (عوضتني فلك جسر. . . الخ). وقال يهجو بيتا من بيوتات بغداد:
بسوء الفعل يا أبناء دلّة ... تركتم كل قلب فيه علة
فما فيكم فتى يرعى ذماما ... ولا حر يرى حق الاخلة
ترديتم ثياب اللؤم طبعا ... وصرتم في البرايا شر ملة
فما شهد الزمان لكم بفضل ... ولا ذكرت لكم في الخير خصلة
إذا طرق الضيوف لكم فناء ... طلبتم من نساء الحي بوله
لتطفوا نار موقدكم سريعا ... مخافة أن يحوم الضيف حوله(4/209)
متى ترحم قلوبكم فقيرا ... متى تسمح كفكم ببصلة
متى جدتم على عاف بشيء ... يساوي قدره في الناس نملة
فمن يرجو شرابا من سراب ... كمن يرجو ندى من آل دلّة
فقبح حيكم من حي قوم ... متى ما حرك النباح ذيله
لكم في السؤ أخبار تجلت ... كعين الشمس لم تحتج أدله
جراحات السنان لكم طباع ... لها لسع أباد الجسم كله
فصور شخصهم قبرا بأرض ... بها الأموات أضحت مضمحلة
ولا تأسف على قوم لئام ... تبين لؤمهم عند الاجله
ولا تغتظ من الاردا ودعه ... ودع في. . . . ستين جزله
وقال يمدح السيد عارف حكمة ابن العلامة السيد عبد الله الالوسي يوم كان (مدير المال) في السماوة، وقد وجدته بخط شيخنا العالم الجليل السيد علي علاء الدين الالوسي عليه رحمة الله:
زان السماوة عارف بوجوده ... فحكت به روضا زها بورده
أو ما ترى أرجاءها بأريجه ... طابت وأزهر روضها بوجوده
بوفوده أنحاؤها قد أشرقت ... قد أشرقت أنحاؤها بوفوده
شهم سما الأقران فضلا ياله ... فضل يحار العقل في تقليده
ما خاب من وافاه يطلب نيله ... كم معدم أحياه وابل جوده
ورث المكارم كابرا عن كابر ... والفضل عن آبائه وجدوده
لما مضى أسلافه خلق الندى ... فسعى وايم الله في تجديده
وكذا الوفا لما وهت أركانه ... أضحى شديد العزم في تشييده
اكرم به من أريحي دأبه ... بذل الندى لعدوه وودوده
لازال في فلك السعادة كوكب ... يبدي السنا لقريبه وبعيده
محمد بهجة الأثري(4/210)
دفع المراق في كلام أهل العراق
لهجتهم في الأسماء الثلاثية:
كل ما كان من الأسماء الثلاثية ساكن الوسط، ولم يكن مضافا إلى ضمير المفرد متكلما كان أو مخاطبا أو غائبا، جعلوا وسطه متحركا في كلامهم، غير أن هذه الحركة تختلف باختلاف حركة الحرف الأول من الأسماء فأن كان الحرف الأول مضموما جعلوا الحرف الثاني مضموما أيضا، كقولهم في قفل قفل، وفي شغل شغل، وفي خبز خبز، وفي حكم حكم وفي جرم جرم، وفي شكر شكر وفي كفر كفر، وفي مهر مهر. هذا هو الغالب في كلامهم. وأما قولهم في حسن بكسرتين وكذلك في جبن جبن وفي دهن دهن فشاذ أو هو على توهمهم أن أصله فعل بكسر فسكون.
وأن كان الحرف الأول من الاسم مكسورا، جعلوا ثانيه مكسورا أيضا، كقولهم في حمل حمل، وفي حبر حبر، وفي حلم حلم، وفي فكر فكر، وفي ذكر ذكر، وفي كذب جذب، وفي شبر شبر، وفي تبن تبن.
وإن كان الحرف الأول من الاسم مفتوحا، جروا في حركة ثانية على ثلاثة وجوه: الاول أن يجعلوه مفتوحا أيضاً كقولهم في بحر بحر، وفي دهر دهر، وفي مهر مهر الثاني أن يجعلوه مضموما؛ كقولهم: في تمر تمر، وفي خمر خمر، وفي جمر جمر، وفي قلب كلب، وفي قبر كبر، وفي حرف حرف، وفي صبر صبر، الثالث أن يجعلوه مكسورا كقولهم في نجم نجم،(4/211)
وفي كلب جلب، وفي أرض أرض، وفي كرد جرد، وفي فرد فرد، وفي برد برد، وفي شمع شمع، وفي دمع دمع.
ويتحصل من هذا: أن الاسم الثلاثي الساكن الوسط، إن كان مضموم الأول ضموا ثانيه، وإن كان مكسور الأول كسروا ثانيه، وكانت هذه الحركة من قبيل حركة الاتباع؛ وإن كان مفتوح الأول جروا في حركة ثانيه على ثلاثة وجوه؛ الضم والفتح والكسر؛ وإن هذا أعنى تحريكهم الحرف الثاني إذا كان الاسم غير مضاف إلى ضمير المفرد، سواء كان متكلما أو غائبا أو مخاطبا. وأما إذا كان مضافا إلى أحد هذه الضمائر فإنهم يبقون ثانيه ساكنا ولا يحركونه بخلاف ما إذا كان مضافا إلى ضمير الجمع من المتكلم والمخاطب والغائب فانهم
حينئذ يحركونه أيضاً على الوجه الذي ذكرناه.
وأما إذا كان الاسم الثلاثي متحرك الوسط وكان مفتوح الاول والثاني فانهم يجرون فيه على ثلاثة اوجه: الأول أن يبقوه على حاله بلا تحريف ولا تغيير كالخبر والطرب والكرب والذهب والحطب والعجب والشعر وغير ذلك؛ الثاني: أن يحرفوه بجعل فتحته الأولى ضمة كقولهم في القمر كمر، وفي الكبر كبر (لهذا الشجر المعروف). وفي الطبر طبر، وفي صفر صفر، وفي ثفر ثفر وفي هذا الأخير تحريفان: إبدالهم الثاء المثلثة تاء مثناة وجعلهم فتحته الأولى ضمة، الثالث أن يحرفوه بجعل فتحته الأولى كسرة كقولهم في الجمل جمل، وفي الخشب خشب، وفي الكفن جفن، وفي الشجر شجر، وفي القدح جدح
لهجتهم في فعيل وفعيلة
كل ما كان على فعيل وفعيلة من الأسماء والصفات جرت ألسنتهم في الأعم(4/212)
الأغلب بكسر أوله كقولهم طويل وطويلة وجريم وجريمة وشعير وشعيرة وسمين وسمينة وكصيف وكصيفة وربيع وربيعة وجريب وجريبة. وكقولهم عبد المجيد؛ وعبد الرحيم؛ والشيخ سعيد؛ وهذا المال صار نهيبة؛ وبيت أم كصيبة؛ وعندها من الغزل وشيعة؛ وجاب الماي من الشريعة؛ وفلان نسيب فلان (أي صهره)؛ وعساهم بالكطيعة؛ ونام على السرير؛ وفلان ركب البعير؛ وفلان يخاف من الصفير؛ وهذا جبير وهي جبيرة؛ وصغير وصغيرة؛ ونخلت الطحين؛ إلى غير ذلك. وهذا هو الشائع في كلامهم. وهناك من الكلمات التي هي على وزن فعيل مالا تجري ألسنتهم بكسر أوله بل بالفتح كعريض وغريق وحبيب وغير ذلك. والعمدة في هذا الباب على السماع.
لهجتهم في فعال
كل ما كان من الأسماء والصفات على فعال بالضم؛ أو على فعال بالفتح؛ أو على فعال بالكسر؛ جرت ألسنتهم في الحرف الاول منه بكسرة غير محسوسة بحيث يظن السامع أن أول الكلمة ساكن غير متحرك. وقد سمينا هذه الحركة ب (الحركة الضئيلة) ولولا أن الابتداء بالساكن متعذر في اللهجة العربية لحكمت على أول هذه الكلمات بالسكون؛ إلا أنه في الحقيقة غير ساكن بالمرة كما يظهر للمتأمل عندما يسمع كلامهم؛ فإنه يلوح له عند
نطقهم بمثل هذه الكلمات جزء ضئيل من حركة الكسر يصح أن يعد عشر الكسرة وذلك(4/213)
في مثل؛ غراب وكتاب وعذار وحساب وغبار وتراب وجراب وعليه قولهم وهو من أمثالهم: (غراب يكول الغراب وجهك اسود).
وهذا إذا لم تقع هذه الأسماء في أثناء الكلام ولم تدخل عليها الألف واللام؛ أما إذا دخلت عليها الألف واللام فان الحرف الأول منها يكون حينئذ ساكنا سكونا ظاهرا بنقل الكسرة منه إلى ما قبله اعني اللام من أداة التعريف كقولهم وهو من أمثالهم أيضا: (ضرط وزانها وضاع الحساب) بكسر لام التعريف وسكون الحاء من حساب؛ وكذلك إذا وقعت الكلمات المذكورة في أثناء الكلام فإنها حينئذ يظهر سكون أوائلها بنقل الكسرة الضئيلة منها إلى ما قبلها كقولهم للفرسين يجريان في السباق وقد تقدم أحدهما شيئا قليلاً؛ (جن إذن وعذار) بكسر واو العطف وسكون العين من عذار. وكقولهم وهو من أمثالهم أيضا: (جوز معدود بجراب مشدود).
وهذه الكسرة الضئيلة تقع في أوائل الجموع التي هي على فعال أو فعول كرجال وجبال ونعاج وحمول وخيول وهموم وغير ذلك. وإذا وقعت هذه الجموع في أثناء الكلام ظهر السكون في أولها بنقل الكسرة منه إلى ما قبله وعليه قول شاعرهم صاحب العتابة: (أبات الليل وهمومي علي) بكسر واو العطف وسكون الهاء من همومي، وكقول الآخر في عتابته أيضا؛ (خدودك شمس وعيوني حربها)؛ أما الخاء من خدود فمكسورة كسرة ضئيلة تشبه السكون لأن كلمة خدود واقعة في ابتداء الكلام لا في أثنائه؛ وأما العين من عيوني فساكنة سكونا ظاهرا؛ لكونها واقعة في أثناء الكلام فنقلت كسرتها الضئيلة إلى الواو التي قبلها.
وكذلك إذا دخلت الألف واللام على هذه الجموع ظهر السكون في أولها بنقل الكسرة منه إلى اللام. كقولهم وهو من اغانيهم؛ (خليتني يا شوك كركي بالجبال) بكسر لام التعريف وسكون الجيم من جبال.
معروف الرصافي(4/214)
استفتاء
ما رأي صاحب لغة العرب في الألفاظ العربية التالية وفي ما يقابلها في الفرنسية:
1 - السلى (وزان فتى)
2 - الفاقياء (وزان قاصعاء)
3 - السابيآء.
4 - الحولاء (كنفساء وعنبآء)
5 - الصاءة أو الصاة (كالساحة أو السحاة)
6 - السخد (كقفل)
7 - المشيمة (ككريمة)
عثرت في أثناء مطالعتي في بعض المجلات والكتب الطبية العربية الحديثة على الفقرات التالية حول النفاس: (ربما كانت الحامل مصابة بارتكاز المشيمة (؟) المعيب. . . فقبل إتمام مدة الحبل (؟). . . وفي آخر دورته الثالثة (؟). . . فتح الفقاء. . . وسال المائع الامنيوسي (؟). . . وبعد وفاتها والكشف على الميت (؟) شوهد في الوريد الفخذي آثار صمامة (؟). . . وما دون ذلك. . .)
فان اعترف الرأي العام من باب البديهيات أن اللغة العربية المدونة في المعاجم ليست واحدة بل هي مجموع لغات باد معظمها وربما لم يبق من المتكلمين بها اليوم إلاَّ النزر القليل؛ فرأيي الشخصي هو أن لابد للرأي العام نفسه أن يقرر تقريرا خاليا من كل تردد وتلكؤ فيخصص بكل معنى لفظا واحدا؛ ولا يتخذ الألفاظ المترادفة في المصطلحات العلمية إلاَّ من بعد أن تتوفر لديه الكلم اللازمة لكل معنى ولو كان دقيقا. تلك قاعدة مطلقة لابد من الجري عليها في كل لغة لحسن التفاهم؛ مهما تعاقبت العصور واختلفت الأمم وتفرعت القبائل.
أن جهل هذه الفروق في عهدنا هذا؛ أو قل؛ إهمال الوقوف على هذه(4/215)
الفروق في اغلب كتب اللغة وعدم اهتمام بعض الكتبة بها؛ كان من أهم الدواعي إلى وضع الألفاظ العربية الفنية؛ ولاسيما الطبية منها. وهذا ما حدا بالأطباء إلى أن يستعملوا مثلا السخد (وزان
قفل). والمشيمة، والسلى، والحولاء بمعنى واحد. أو يكاد. وعندهم الفاقئاه والسابياه شيء واحد. والصاءة والحولاء بمعنى واحد.
ولو أعملنا الفكرة في كل من هذه الكلم ودققنا النظر في الأحوال التي وردت أو في تلك الأحوال التي شوهد فيها الجنين والرحم وملحقاته عند الولادة؛ ونقبنا عن أولئك الذين دونوا هذه الحالات الخلقية (الفسيولوجية) من حيث مقدرتهم وسلطتهم في العلم واللغة حين وقوفهم عليها أو تحريهم إياها واتصالها بهم. ودرس كيفية ذلك الاتصال؛ لرأينا بدون شك انهم كانوا على غير ما نقلت عنهم المعاجم؛ أو قل؛ لما رأينا في تلك الدواوين الغوامض والألغاز والشبهات على ما نشاهدها اليوم. ذلك أمر دفع أطباء هذا العهد إلى التردد في قبول ما نقله الأقدمون، وبذل الجهد لسد الثلمة التي كانوا في غنى عنها لوضع مصطلحاتهم لو كان في تلك المصنفات أحكام الوضع، وإتقان النقل، وإيضاح المبهمات. إذن عملهم اليوم هو نتيجة انحراف المدونين عن صراط التلقي والتصحيح والتقليد والاجتهاد.
لا جرم. أن كلا من كتبة العصر لم يضع لفظا إلاَّ واستند إلى أحد كتب اللغة أو إلى أحد الأطباء الأقدمين أو الباحثين في العلوم الطبية؛ توصلا إلى سد تلك الفجوة؛ فجوة الحاجة. - وعليه أني لا أتصدى للغويين في موقفي هذا إلا بالتي هي احسن لأني أراني ممن لم يؤتوا السلطة للإقدام على هذا العمل ولكن ذلك لا يمنعني من القول أنى لا أجد في معاجمهم ما احتاج إليه من الثقة والضمان لأعول عليه في ما يعود إلى الفروع الفنية؛ ولا سيما إلى ما يعود إلى الفروع الطبية منها؛ لأنني لم اعهد فيهم ذوي إلمام باللغة والفن معا للركون إلى آرائهم وأحكامهم.
هذا من جهة؛ وأما من الجهة الأخرى فإني كثيرا ما وجدت وشاهدت(4/216)
تناقضا غريبا في تفسيرهم لبعض المصطلحات والاوضاع؛ وهم كلهم لم يزالوا في نظر القوم من الثقات وذوي الكلمة المسموعة في اللغة.
يقول أحد أقطاب اللغة مثلا؛ أن الصاة أو الصاءة هي الماء يكون في المشيمة وقال آخر عن السخد هو ماء يخرج مع الولد أي أن الصاءة والسخد بمعنى واحد لكن الاول يقول عن المشيمة أنها غشاء ولد الإنسان؛ والثاني يعتبر السابياء مشيمة مع شيء من التردد؛ ولذا يزيد على قوله الأول؛ ولعلها جليدة رقيقة على انف الطفل أن لم تكشف عند الولادة مات.
أما اللغويون المحدثون فلم يزيدوا كلام الأقدمين جلاء ولذا كان كلام هؤلاء وأولئك على وجه واحد من الإبهام والاعجام.
ثم أرى المحدثين لم يتفقوا على وضع الألفاظ اتفاقا مجمعا عليه. أرى بعضهم يسمي ال بال (إبعاد أو الجر عن المركز) وقرأت لآخر إنها (الإدارة) ثم جاءنا الكرملي وقال: هي (الانتباذ) ولعله اصاب؛ لكن أي ن هو الاتفاق. أما رأيي الخاص فهو أني لا أرى مانعا من أن اسميها: (الطحر) (بطاء مفتوحة يليها حاء وفي الأخر راء) لا بل ارجح هذا المصطلح على سواه لما بينه وبين مدلول الكلمة الفرنجية من العلاقات الشديدة معنى ومبنى وسيأتي عنها في مقال غير هذا.
إذن ما هذا التبلبل؛ بل ما هذا التذبذب؛ لا بل قل؛ كل هذا جهل للشيء المقصود جهلا لا ينكر؛ أو لا اقل من انه اختلاف وتشاق في وضع الألفاظ لما يعرفونه حق المعرفة أو يدعون معرفته على هذه الصورة فكيف بهم لو أرادوا وضع ألفاظ لما لا يعرفون جد المعرفة حقيقته الأصلية من الأشياء التي ليست في بلادهم ولم يروها؟
أما الأطباء الأقدمون ومنهم الشيخ الرئيس ابن سينا الزعيم الأكبر لأبناء اسكولاب والإمام الرازي والجراح الشهير ابن القف النصراني والزهراوي وبختيشوع ويبريل إلى غيرهم. فمع إعجابي بهم؛ فإنهم تفردوا كما تفرد أطباؤنا
اليوم بوضع المصطلحات الطبية؛ أو قل باتخاذها من غير أن يتواطؤوا على وضعها ويوحدوها. ولم يبرهن أحدهم على رجحان أوضاعه على أوضاع(4/217)
صاحبه؛ فقال أحدهم مثلا: أسقطت المرأة؛ وقال الثاني: أجهضت؛ فجاء الثالث فقال: لا بل طرحت؛ ثم زاد الرابع مرادفا آخر وقال: دحقت. وهم كلهم أبناء عصر واحد أو يكادون من حيث الطب العربي. فأين وجه التعليل يا قوم؟ وإلى أين المفر يا أبناء عدنان وقحطان؟ افنلهو بجمع الألفاظ ونحن نتعلم الطب؟ أم نقضي الأعمار في تعلم مفردات اللغة؟ ثم هل نعترف بمعنى واحد لهذه الألفاظ التي افرغوا سيلها علينا؛ أم نقول أنها حروف وردت في لغة قوم دون قوم؛ أو في لغة قبيلة دون أخرى ولكل قوم وقبيل ألفاظ خاصة بها. أو نتخذها ألفاظا مختلفة لها معان خاصة بها ولكن غابت دقائق معانيها وفروق تراكيبها عن أصحاب المعاجم. ثم لما جهلوا ما فيها من دقائق تلك الفروق أفرغوها في قالب معنى واحد فقالوا ما
قالوا؟ - تلك أسئلة قد يعسر الجواب عنها جوابا شافيا. وأن كان بعضهم تمحلوا لها حلا سلوا به أنفسهم.
وهناك من الشطط الذي لا يغتفر، وهو ما ورد بعكس الحالة المذكورة أي تعبيرهم بكلمة واحدة عن أشياء مختلفة لا علاقة لها بعضها ببعض، حينما تعد اللغة العربية من أغنى اللغات السامية. مثال ذلك أن الكعب عند معظمهم العظم الناشز فوق القدم؛ وهو عند آخر: العظمان الناشزان من جانبيها. وهناك ثالث يخالف الأولين ويقول: كل مفصل للعظام هو كعب. . . إلى غر ما جاء في دواوينهم. ولا تظن أن للكعب هذه المزية من وروده بجميع المعاني أو بمعان عديدة بل هناك غيره. دونك الكعبرة مثلا فإنها تعني الكوع. وتعني الورك الضخم، وتعني اصل الرأس (انظر كيف انتقلنا من الورك إلى الرأس مع أن الواحد واقع في شمالي الجسم والأخر في جنوبيه) فما اعظم هذه الفروق وما ابعد الواحد عن الآخر في معناه ومبناه وسكناه!
ومما زاد اللغة العربية عجمة مخلوطة بغرابة ظاهرة تصرف الأتراك فيها فكانت نهضتهم العلمية والقومية بلية علينا فوق بلايانا فلقد شيدوا على دعائم آدابنا ولغتنا، معاجمهم ومؤلفاتهم ومدوناتهم، واستنبطوا من لساننا مفردات علمية وضعوها على غير وجوهها غير ملتفتين إلى قاعدة معقولة إذ (تركوها)(4/218)
أي صبغوها بصبغ تركي متبعين أهواءهم ومقاصدهم، ومتأثرين الإفرنج لا العرب في ما فعلوه في هذا المعنى. فجاءت كلمهم مستهجنة لا تمت إلى لغة بنسب فهي أن قلت: إنها عربية أو افرنسية أو إنكليزية أو لاتينية أو يونانية فأنت غير واهم، ففيها شيء من هذه اللغات كلها. فجاز لك أن تسميها بما تشاء.
وأنت تعلم أن أبناء الغرب نحتوا ألفاظهم من اللاتينية أو اليونانية فهم يجرون على صراط سوي في نظرهم. والترك يدعون هذا المدعى عينه في نظرهم. إذن هم والإفرنج في رقي في مصطلحاتهم لأنها وإن كانت غريبة عن لسانهم ومشوهة الوضع. إلاَّ انهم ادمجوها بلغتهم كل الإدماج وادخلوها في آدابهم وفنونهم؛ وأصبحت اليوم تركية، كما أصبحت مصطلحات الفرنسيين فرنسية وأوضاع الإيطاليين إيطالية إلى غيرهم. ولهذا ترى كتب هؤلاء الأقوام مشحونة مفردات جديدة لم تكن في لسانهم قبل تبحرهم في العمران.
ولكن هل إمعان الترك في حضارتهم وتصرفهم في لغات العرب وضوابطهم وآدابهم يزكي
عمل المحدثين من كتاب العرب في أخذهم تلك المصطلحات عنهم وإدخالهم في كلامهم وهي على ما هي عليه من التشويه الشنيع والتضليل الفظيع بحجة شيوعها وتداولها بين الناس؟ - ذلك عذر اقبح من ذنب ولا اقبله لنفوسهم.
آتي الآن إلى الموضوع الذي ارصدت له هذا المقال:
1 - السلى
من الألفاظ التي اختلف الكتبة في وضعها تعبيرهم بلفظ واحد عن اغشية البيضة المسماة عند الافرنسيين
أن هذه الأغشية هي عبارة عن ثلاث طبقات وهي: داخلية ومتوسطة وخارجية وهي متصلة بعضها ببعض بأنسجة ليفية وحشوية فالخارجية منها لاصقة بعضد الرحم الداخلي (أي بجدارها كما يقول بعضهم) حتى ساعة الولادة، فحينئذ تنفصل عنها وتغادرها بعد خروج الوليد منها ومعها مجموع الأغشية وسيأتي ذكرها عند البحث عن الطبقة الداخلية بعيد هذا.(4/219)
والراجح عندي أن يطلق اسم (السلى) على هذه الأغشية الثلاثة. كل مرة أريد بها غشاء من أغشيتها من غير أن يفرق بين دور ودور من أدوار الحبل الثلاثة أعني الإبط والضبن والحضن. ولاسيما طالما تكون تلك الأغشية في الرحم.
يؤيد هذه التسمية ما ورد عنها في بعض كتب اللغة إن السلى إذا انقطع في البطن هلكت الأم وهلك الولد. والمبادئ الطبية الحديثة تؤيد هذه الفكرة (النظرية) إذ قد ثبت أن السلى حينما ينخزع قبل أوانه أو في أوانه ويسيل المائع الامنيوسي منه، تأخذ العضلة الرحمية في التقلص والانقباض فيستحيل على الجنين البقاء في داخل الرحم لأنه يكون بعد ذلك أشبه شيء بجسم غريب في الموضع المذكور؛ فلابد للرحم حينئذ من أن تنبذه عاجلا أو آجلا.
وفي مادة (سلى) اللغوية صلة معنوية بفعل (سلا) ومنه قولهم سلا الجذع أي نزع سلاءه وهو شوكه. وأنت تعلم أن وظيفة السلى للجنين ليست سوى المحافظة عليه من الخطر الذي يأتيه من خارج بما أعطي من الوسائط الآتية: (مرونة الأنسجة) أو الحيوية (إفراز المائع الامنيوسي) فكأني به ينزع سلاء العضلة الرحمية (بالانقباض والتقلص) أو يدفع
الشدائد والصدمات الخارجية من رضوض وغيرها. تلك التي يحتمل وقوعها على البطن فتلقي الجنين منها.
وهناك رابطة معنوية أخرى لا يستهان بها تربط المعنى العلمي بالمعنى اللغوي: أن السلى في اللغة مصدر سلي عنه أي طابت نفسه به. فمن ينكر كم تطيب غريزة الجنين حينما يكون في داخل سلاه مصونا من كل أذى في الداخل وفي الخارج. وكذلك قل عن الأم فلابد من أنها تسلو حينما تشعر بأن جنينها في مأمن حصين من كل أذى مرض أو تعرض وما ذاك المأمن سوى هذا السكن.
2 - الفاقئآء
أما الكلمة الثانية فهي الفاقئآء: فقد جاء عنها في أحد المعاجم اللغوية أنها السابياء التي تنفقئ عن رأس الجنين عند الولادة. وقد قيل عنها أيضاً أنها جليدة رقيقة على أنفه أن لم تكشف عنه مات.(4/220)
قلنا: أننا في حاجة كبيرة إلى مثل هذا اللفظ الثمين؛ لكن ليس بالمعنى المزدوج الذي ورد في المعجم، إذ في ذلك من الإبهام ما يخرجنا عن تتبع الحقائق بوجوهها العلمية. أننا الآن في الطب في مندوحة عن المرادفات بل حاجتنا إلى معنى مستقل بنفسه غير موجود في لفظ آخر؛ والحال انك تعلم أن السلى في الدور الأخير من الحبل ينبسط انبساطا صريحا عند مستوى عنق الرحم متأثرا من عامل الضغط الشديد الآتي من قبل رأس الجنين أو ينبسط عند قسمها القائم على العنق فيظهر قسم السلى بوضعه هذا بشكل جراب مستطيل في العنق ويتخلل أحيانا المهبل إذ هو النذير بحلول موعد الوضع؛ فينفقئ من شدة الضغط الحاصل في الداخل؛ وأحيانا يضطر الطبيب إلى بزله أو قل إلى فقئه حينما لا يتغلب الضغط من الداخل على صلابة السلى.
ولهذا أرى من الأرجح أن تطلق لفظة (فاقئاه) على القسم الأسفل من السلى وذلك القسم الذي لا يرى إلا في الأيام أو الساعات الأخيرة من دور الحبل أو أن شئت فقل في قسم السلى المعد للفقء الخلقي (بكسر الخاء أي الفسيولوجي) أو الجراحي. يقابله في اصطلاح أطباء الفرنسيين ما معناه جراب المياه:
3 - السابيآء
جئنا الآن إلى ما يسميه الإفرنج امنيوس وهو إحدى طبقات السلى وهي طبقته الثالثة من الداخل التي فيها الجنين. وعندي أنها لو تسمى في لساننا بالسابيآء لوفت بالمطلوب.
ذهب بعضهم إلى أن السابيآء هي المشيمة التي تخرج مع الولد، فلا محل لهذه الفكرة (النظرية)؛ لأن هذا التعريف مبهم إبهام المشيمة الذي تقدم تفسيره؛ إذ لا السابيآء ولا المشيمة ولا أي عضو آخر من الأعضاء الوقتية من أعضاء الرحم يبقى فيها بعد الوضع؛ بل يغادرها جميعها حين مغادرة الجنين للرحم أو بعد مغادرته لها حالا.
وقال آخرون: (السابيآء جليدة رقيقة تكون على أنف الجنين فإن لم تكشف عند الولادة مات) لعل أصحاب هذا القول قد أصابوا ظاهر الحقيقة حينما كانوا(4/221)
يرمون إلى كبدها. أما نحن فلا نوافقهم عليه لأننا قلنا عن السلى لأنه مجموع الأغشية الثلاثة، أغشية البيضة؛ فحينما ينخزع السلى لسبب ما طبيعيا كان أم عرضيا؛ يتم ذلك بهيئة شق أو شقوق متعددة ولكن من غير أن تنفصل أجزاؤه بعضها عن بعض. وهذا ما يقع غالبا؛ كما أنه قد ينخرع وتنفصل جذمة (قطعة) من الجذل لا غير، فيخرج الوليد وعلى وجهه تلك الجذمة التي ينبغي رفعها حالا عن وجهه لئلا تكون له مانعا تمنع عنه الهواء الذي يحتاج إليه للتنفس حالما يسر أو قبل أن يسر. ولما كانت الجليدات الرقيقة التي ترى أحيانا على وجه الوليد وهي في موضوعنا هذا جذمة السلى غير معروفة المصدر إذ قد تكون جذمة من المشيمة أو جذمة من الطبقة الوسطى أو جذمة من الطبقة الداخلية أو جذمة من الطبقات الثلاث معا أي الجذمة السلوية فقط؛ نرى أنه من الأرجح أن لا تطلق كلمة (سابياء) إلاَّ على الغشاء الداخلي بأسره لا على جذمة من الجذم. وحينئذ تقابل كلمة الفرنسية. أما إذا ثبت أن الجذمة كانت قطعة من قطع أحد الأغشية الثلاثة فقط فتنعت حينئذ (بالجذمة السابياوية) أو (المشيمية) أو (الوسطى) إلى أن يتاح لنا وضع لفظ خاص بهذا الغشاء الأخير أو بكل غشاء من هذه الأغشية الثلاثة.
ومما يحملنا على اتخاذ هذه الكلمة للمعنى الذي نريده هو اصل المادة اللغوية نفسها. فالسابياء مشتقة من مادة (سبى يسبي سباء) وهلا يكون الجنين في أثناء حياته في الرحم إلاَّ كالسبي في السابياء لأنها اقرب الطبقات الثلاث السلوية إليه ولا يقيه في سبيه إلاَّ هي وذلك بواسطة المائع السابياوي أو الامنيوسي الذي تفرزه ذلك السائل الذي سماه بعضهم
السخد مع أن السخد هو غير هذا السائل كما سترى.
على أن بعض المحدثين قلد جماعة من الأتراك في التسمية فنعتوه بالمائع (الرهلي) أو (الرهل) (بالتحريك) مع أن هذا مردود وان كان في الحرف ما يدل على الاسترخاء وعدم الصلابة لأن الجسم المائع لا يعني الرخو أو عديم الصلابة والفرق بين المائع والرخو ظاهر لكل ذي عينين.
ومنهم من قال إن الرهل هنا موافق لهذا السائل لأن الرهل في اللغة السحاب(4/222)
الرقيق الذي يشبه الندى.
قلنا: ولعل هؤلاء كانوا اقرب إلى الصواب من غيرهم إليها لولا أن كلمة (الحولاء) موجودة في لساننا وهي عندنا اصلح من غيرها للدلالة على ما نريد به، لأسباب لغوية وخلقية وتشريحية وموضعية، ودونك موجزها:
4 - الحولاء
1 - قال اللغويون: حال حولا: تم. وبغير هذا المائع لا يتيسر للجنين أن يتم نموه وتطوره في الرحم بدرجة صحيحة)
2 - وقالوا: حال المشي حولا: تغير من الاستواء إلى العوج. وفي هذا المائع (أي الحولاء) يتغير سير الجنين من حالة الاستواء التي كان عليها في الأشهر الخمسة الأولى إلى حالة العوج وهي وضع الجنين في الرحم في الأشهر الأربعة الأخيرة.
3 - وقالوا: حال حولا إلى مكان آخر: انقلب. وبغير هذا المائع لا يتيسر للجنين أن ينقلب في داخل الرحم، ولاسيما في الشهر الأخير، إذ يستقر الرأس عند عنق الرحم بعد أن كان قبيل ذلك العهد بجوار قعر الرحم أو في أحد جانبيه.
4 - وقالوا: تحول: تحرك. قلنا ولا تتاح الحركة للجنين بدون المائع والجنين لا يجس أو يشعر به بدونه.
5 - وقالوا: حال حولا: حجز حجزا ومنه الحول وهو الحاجز. قلنا: وهذا السائل هو الحاجز أو الوسيط المنيع بين الجنين والسلى لتخفيف الصدمة من الخارج، أو لحجزها عنه كل الحجز مهما كان مصدرها.
6 - وقالوا: الحائل: المتغير اللون. قلنا: ولون هذا المائع يتغير بتغير المواد الممزوجة به
من بول وغيره. تلك المواد التي يبرزها الجنين وهو في بطن أمه.
هذا ما نراه وإذا صح إطلاق هذا اللفظ على المائع الامنيوسي فلابد من التأمل في مصير كلمة:(4/223)
5 - الصآة أو الصاءة
فالصآة أو الصاءة على ما ورد في كتب اللغة هي الماء الذي في المشيمة والمرجح أن المراد بالصاءة مقدار المائع الامنيوسي الموجود في الفاقئآء وحدها وعلى هذا الوجه نكون قد عينا بصورة واضحة ووافية معنى السلى وما فيه من مائع وهو السابياء وعرفنا ما هي الفاقئاء وما تحويه من الصاءة وهو قسم من السابياء لا غير.
6 - السخد
وعلى سبيل القياس ترجم الأتراك - وفي مقدمتهم الدكتور يوسف رامي اللبناني أستاذ فن التشريح في الآستانة وواضع اغلب مصطلحات الطب عندهم - كلمة (بالمشيمة) وذهب مذهبه اغلب الأطباء المحدثين من طلاب الجامعة التركية أو من المغرمين بآثار الأستاذ المشار إليه؛ غير أنني لا أوافقهم على هذا اللفظ عند البحث عنها في لغة الضاد.
الذي أراه أن المشيمة (وهي عندي اسم وقد تحتمل أن تكون مؤنث مشيم المشتقة مادتها من اصل كلمة شامة فيكون معنى المشيمة التي عليها شامات) أحرى بان تقابل كلمة الإفرنجية، أي الطبقة الثالثة الخارجية التي يتركب منها السلى. والدليل على ذلك إننا لو تأملنا تأمل مشرح في وجه هذه الطبقة الخارجي لرأينا عليها حليمات دقيقة ناتئة، وربما كانت ذات زغب، ولما لم يكن في وسع السلف الأقدمين أن يميزوه آنئذ برؤية العين بين الشامات وبين النتوءات نعتوها بالمشيمة. وهذا ليس بالأمر الغريب، فان بعض العرب المولدين بل العرب الأقدمين أيضاً لم يزالوا يستعملون حتى هذا العهد كلمة (شامة) في مكان (الخال) - ويا ليتهم أطلقوا كلمة (خالية) على المشيمة، أي على هذه الطبقة الثالثة الخارجية، لكانوا اقرب إلى الصواب، لان (الخالة) هي شامة ناتئة على سطح الجلد؛ وأما الشامة فلا تتعدى مستواه السطحي.(4/224)
7 - المشيمة
بقي علينا قول الغويين أن المشيمة هي (غشاء ولد الإنسان يخرج معه عند الولادة) فهو قول لا يخلو من بعض الحقيقة، فانهم اكتفوا بالتعبير عن مجموع الأغشية (بالمشيمة) وهي إحدى طبقات أغشية البيضة لا غير. وذلك لأنها الطبقة السطحية التي تقع تحت البصر دون غيرها عند خروجها مع الطفل وقد يحتمل أن العرب لم يكونوا واقفين في ذلك العهد على أقسام أغشية البيضة كلها، كما عرفنا إياها اليوم علماء التشريح.
وعليه يجدر بنا أن نضع للبلاسنتة اسما غير المشيمة ولعل اسم (السخد) هو الموافق لها كل الموافقة، أنني لا اجهل أن بعض رصفائي سموا (سخدا) السائل الذي في أغشية البيضة استنادا إلى ما ورد في بعض المعاجم القائلة: (السخد ماء أصفر غليظ يخرج مع الولد). بيد أننا نقول: لا يخرج الماء كله مع الولد على ما هو مقرر عند أصحاب الفن. إنما يخرج بعض منه قبله وهو (الفاقئاء) وقد مر بك ذكره، وبعض منه يخرج معه والبعض الآخر بعده وهو الصاءة، وقد يبطيء الولد أحيانا ساعات عديدة في داخل الرحم بعد خزع الأغشية وخروج الماء بكليته ونفاده.
وقال آخرون: بل السخد هنة كالكبد والطحال مجتمعة تكون في السلى، وربما لعب بها الصبيان.
قلنا: هذا القول هو اقرب إلى الصحة من غيره إليها، لان السخد أي البلاسنتة تشبه في خارجها كتلة ثخينة رخوة وتكاد تكون مستديرة وهي معلقة من وسطها بحبل أجوف (وهو الحبل السري) ويجوز بل يصح، بعد أن يسر الوليد وتلقى مع الحبل، أن تكون ألعوبة لصبيان ذلك العهد المبارك!
وجاء في كتب متن اللغة قولهم: المسخد (وزان مقدم) وهو المسفر والثقيل والمورم. والحال أن من ينظر إلى هذا العضو بعد أن ينفصل من الرحم ويفقد جانبا عظيما من الدم المتشبع منه، يره أشبه شيء بقطعة رخوة مورمة وثقيلة ومصفرة إذن لا يستغرب إطلاق كلمة (سخد) عليها حتى قبل فقدها(4/225)
ذلك الدم المعد لارواء الطفل وتغذيته حين قيامها بمهمتها المعلومة في بطن الرحم.
ويرى بعضهم أن كلمة (السخد) لا تخلو من بعض العلاقة (بالسختة) التي معناها الشديد والصلب، بل لعل السخد تصحيف السخت. والحق يقال أن السخد هو اصلب أنسجة
أعضاء الرحم الوقتية التي تتطور في أثناء الحبل وتزول بزواله.
فالآن ما رأي صاحب لغة العرب في هذه الألفاظ وله الشكر منا سلفا.
المخلص الدكتور حنا الخياط
جواب الاستفتاء
1 - السلى: لم نجد في الدواوين اللغوية العربية كلمة تقابل غشاء البيضة أي تقابل ما يسميه الإفرنج أما السلى فليس به على ما تتبعناه. والذي ذكرناه في معجمنا العربي الإفرنجي والفرنجي العربي الخطيين أن السلى هو ما يسميه الفرنسيون أو - وبالإنكليزية وباللاتينية وباليونانية أو وهو اسم لما يبقى في الرحم من مشيمة وسخد وسابياء وغشاء ساقط بعد خروج الولد، ثم يطرح بعده - والمادة مشتقة من اصل ممات في لغة الضاد وحي في اللغة الأخت الارمية، من سلى يسلي أي نبذ ونفى، فيكون معناه: الرذالة والنفاية وهو ما يوافق المعنى المطلوب.
أما ما ذهب إليه الدكتور الصديق من الاشتقاق فخياليا اكثر منه حقيقيا أو لغويا. على أنه قد يصح أن يطلق السلى على ما يسمى بغشاء البيضة لأن صاحب لسان العرب يقول في مادة ح ول: الحولاء. . . وقيل: جلدة تأتي بعد الولد في السلى الاول أهـ. فهذا كلام يشير إلى أن هناك غير سلى واحد. فإذا(4/226)
كان ثان وثالث اتضح أن الكلام عن طبقات السلى، وحينئذ لا يكون هذا إلاَّ غشاء البيضة على ما قاله الطبيب البحاثة.
2 - الفاقياء (ولا تقل الفاقئاء كما في بعض كتب اللغة الحديثة، لأن الفاقئاء هي الأصل والفاقياء هي ما صارت إليه بعد القلب)، ويقال لها الفقء يوافق لما سماه الإفرنج والإنكليز واللاتين قالوا: هي قطعة من غشاء الجنين يدفعها الوليد أمامه وتكون على وجهه حين خروجه، وذلك إذا كانت شديدة القواء.
ومن مرادفاتها عند العرب القضاة (وهي كجمع قاض إلا أنها مفردة من مادة قضى) والمسكة والماسكة والفقأة. قال ابن الأعرابي: الفقأة جلدة رقيقة تكون على الأنف، فإن لم تكشفها مات الولد أهـ. وأما ما يوافق جراب الماء عند العرب فهو في رأينا الحولاء كما سترى.
3 - السابياء. هي التي وصلنا إليها نحن أيضاً في تحقيقنا عن هذه اللفظة قبل عدة سنوات، واتبعناه في معجمينا المذكورين. أما ما في كتب اللغة الفرنسية العربية وبالعكس؛ أو ما في الكتب الإنكليزية وبالعكس؛ أو ما في كتب الطب المترجمة إلى العربية فهو غلط ظاهر. - والكلمة مشتقة من اصل حي في الارمية ممات في العربية، معناه الوسخة والقذرة والودكة والدسمة (وكلها بكسر العين). أما ما ذهب إليه الصديق الطبيب النطاسي
من الاشتقاق فلا نوافقه عليه البتة، فهو من الخياليات الشعرية، لا من الحقائق المثبتة.
4 - الحولاء: ذهب الخدن البحاثة إلى أن الحولاء هو السائل الامنيوسي ونحن لا نرى رأيه؛ لأن اللغويين ذكروا بصريح العبارة إنها جلدة (أي جراب) فيها ماء بل قال في اللسان: (الحولاء غلاف أخضر (أي غض أو رخو: لا أخضر اللون كما يتوهمه بعضهم) كأنه دلو عظيمة مملوءة ماء وتنفقئ حين تقع إلى الأرض، ثم يخرج السلى فيه القرنتان ثم يخرج بعد ذلك بيوم أو يومين الصاة. . . ونزلوا في مثل حولاء الناقة. وفي(4/227)
مثل: حولاء السلى. يريدون بذلك الخصب والماء، لأن الحولاء ملأى ماء ريا) أهـ
فهذا كلام كثر ما يوافقه (جراب المياه) المعروف عند الإفرنج هذا فضلا عن أن الحولاء تقارب الارمية (حولا) ومعناها الكهف والغار، وما الجراب إلاَّ كهفا وغارا إذا ما وجد في داخل ظرف كبير كالبطن مثلا.
أما الاشتقاق الذي ذكره البحاثة فنعتبره خياليا وشعريا لا نصيب له من الحقيقة إلاَّ المشابهة في الحروف. وأما ما يوافق السائل الامنيوسي فهو النخط (كقفل) قال في اللسان: يقال للسخد وهو الماء الذي في المشيمة النخط فإذا أصفر فهو الصفق والصفر (وكلاهما كسبب) والصفار. أهـ
5 - الصاءة أو الصآة: هي حقيقة ما يقابلها عند أطباء الفرنسيين ما معناه:
6 - أكثر ورود السخد في كتب العرب بمعنى الماء الذي يكون على رأس الولد. هذا هو معناه المشهور كلما ذكروه. على أن بعضهم أورد له معنى لم يذكر لأي لفظة وهو قولهم: السخد هنة كالكبد أو الطحال مجتمعة تكون في السلى وربما لعب بها الصبيان (اللسان بحرفه) فهذا الكلام لا يوافق إلاَّ لما يسميه الإفرنج وقد سماها الإفرنج بهذا الاسم ومعناه (الحلوى) لان للبلاسنتة هيئة مستديرة كهيئة الحلوى التي يصنعونها في بلادهم وهي إسفنجية القوام. وليس للعرب لفظة أخرى لها هذا المعنى أو مثله. وأما أن الاكثرين قالوا إنها المشيمة، فالغلط ظاهر لا يحتاج إلى أن يشار إليه؛ إذ لم يذكر لها العرب معنى كالذي ذكروا للسخد. ولهذا يحسن بنا أن نخصص لفظة السخد للبلاسنتة كما احسن انتقاءها الدكتور البحاثة. ونبقي غيرها لغيرها.
ومن العجب أن المعربين الأقدمين الفصحاء عربوا كلمة بالمشيمة أو المشيمية ومعناها (شبه المشيمة) تكون في العين وهي الطبقة الموجودة بين الصلبة والشبكة. والحال أن اللفظة الإفرنجية مركبة من اليونانية التي من الواجب علينا أن نسميها (مشيمة) ومعناها الأصلي الغشاء. ومن(4/228)
ومعناها شبه أو مماثل. إذن كيف قالوا في الكلمة الواحدة مشيمة وذلك للعين، وكيف خالفوها مرة ثانية فسموا البلاسنتة مشيمة وهي غير الأولى؟ فالخطأ واضح صريح. والجري على اصطلاح الأقدمين هو الصحيح ومخالفة المحدثين لهم مذموم على كل حال.
أما اشتقاق المشيمة فهو من شام الشيء في الشيء أي ادخله وخبأه فيه ومنه الشيام للكناش. وقد ذكرنا مثل هذا للحولاء وأنها سميت كذلك لأنها تدل على الكهف والغار فهي إذن من هذا القبيل. وعليه يكون معنى الألفاظ المطلوبة هكذا:
1 - السلى -
2 - الفاقياء
3 - السابياء
4 - الحولاء
5 - الصاءة أو الصاة
6 - السخد (كقفل)
7 - المشيمة
8 - النخط (كقفل)
9 - غشاء البيضة(4/229)
فوائد لغوية
عره وحزه!
عند الإنكليز كلمتان يتلفظون بهما في أفراحهم وعرض جنودهم، حربيين كانوا أو بحريين، وإذا سألتهم عنهما لا يعرفون من حقيقتهما شيئا. ودونك تاريخهما:
العرب كانت إذا اجتمعت في معاركهم والتفت الساق بالساق تسمع فيهم من يقول: عره، حزه! (ويلفظون عره بضم العين وتشديد الراء المفتوحة وضم الهاء الأخيرة إلا أنهم يسكنونها غالبا في الوقف كان يأمر الواحد أخاه بالعر وهو إصابة العدو بالضرر) ثم يقول للحال: حزه (وتضبط ضبط الأولى، ومعناها بقطع الرأس لأن حزه قطعه) ومحصل الكلمتين؛ عر عدوك (أي أصبه بشر، لا بل اقطع رأسه وهو الأهون لنا.
هذا ما كان يجري في معاركهم الدامية، بل ما يجري في عهدنا هذا في(4/230)
بعض أنحاء العراق، وكنا قد حضرنا بعضها.
ثم انتقلت هذه الألفاظ من العرب إلى الترك. ولما كان السلطان يحضر عرض جنوده ولاسيما المماليك منهم (أي الينكشرية) كانوا يصرخون في آخر العرض: عره. حزه! كأنهم يتصورون انهم يؤمرون بعد قليل بذبح العدو فيشجع وأحدهم صاحبه على أي قاع الضرر بالعدو أو على قطع رأسه. ولما كان الترك مجاورين للروس تعلم هؤلاء منهم هذا الصراخ في الحرب ثم تلقاه عن الروس مجاوروهم الألمان سنة 1813 وعنهم الفرنسيون فالإنكليز؛ واليوم اكثر الناس استعمالا للكلمتين؛ عره! حزه! أبناء بريطانية الكبرى.
ومن الغريب أن الملوك ورجال السياسة يهتفون بأحد هذين اللفظين أو بكليهما عند شرب النخب وهم يريدون بذلك أن (يحيى) الذي يهتفون له، غير عالمين أنهم يدعون عليه بالضرر والقتل.
وقت استعمال هذين اللفظين
يتلفظ بهما أو بأحدهما بكل ما أوتي الجندي من الشدة في الصوت عند الهجوم على العدو بألواح السلاح أي بالسلاح غير الناري.
ويصرخ به أيضاً البحريون في بعض الحفلات عند زيارة رئيس الدولة لهم فيكون ذلك الهتاف بمنزلة شهادة على حبهم له. أو عند زيارة رئيس أسطول غريب صديق لدولتهم. واليوم تستعمل هذه اللفظة أو هاتان اللفظتان في جميع الأفراح والأعراس بل عند اجتماع الأصدقاء للشرب. فتكون من قبيل الدعاء بالشر عند العرب والمراد به الدعاء بالخير ومثله قول العامة؛ يخرب بيتك! وهم يطلبون من الله أن يعمر بيته!
أما أن مثل هذا التعبير وارد في كلام الأقدمين فهو أشهر من أن يذكر فقد قال ابن الأعرابي؛ إذا قيل: قتله الله! لا يكون إلاَّ شتما، وإذا قيل: قاتله الله يكون تعجبا، ومثله ما لا عد له لكثرته، كقولهم: تربت يداه! وثكلته أمه! وهوت أمه! كل ذلك يستعمل على طريق التعجب واستعظام القول فيه) أهـ ولهذا قال بعض الشعراء:
اسب إذا أجدت القول ظلما ... كذاك يقال للرجل المجيد
قلنا: فقولهم: عره! وحزه! هو من هذا الباب. ومن أراد التوسع في هذا الموضوع فعليه بمراجعة مادة ت وب في التاج ففيه مجزأة.(4/231)
أسئلة وأجوبة
الضراوة
سألنا أحد الأدباء من بغداد قال: ذكرت لغة العرب في جزءها الأخير (154: 4) أن الضراوة هي العادة المكتسبة من المداومة على الشيء أو من كثرة مزاولته إياه ونحن لا نوافقها عليه إذ هي ليست بمعنى الفرنسية بل هي بمعنى (العدوة ولزوم الشر) على حد ما جاء في (كتاب كليلة ودمنة المطبوع طبعة جديدة مدرسية مبنية على قدم نسخة مخطوطة مؤرخة وقد أبرزتها بحلتها البديعة مطبعة الأباء اليسوعيين في بيروت في الباب الثالث وهو باب البوم والغربان إذ جاء في ص174 منه: (واشد من ذلك كله في نفسي ضراوتهن ثم علمهن بمكانكن وجرأتهن عليكم مثل الذي ذقتم منهن. . .)
فقد جاء في آخر الكتاب أي في معجم الألفاظ في ص303 ما نصه: (ضراه: أغراه وهيجه. - الضراوة العداوة ولزوم الشر.) أهـ وهذا كله يفسد رأي ما ذهب إليه صاحب لغة العرب. فكيف الجمع بين هذين القولين؟
قلنا: شارح اللفظة واهم ووهمه بين لكل ذي عينين، إذ ليس في كتب اللغة ما يؤيد رأيه، بل ولا في كتب الأدب كلها جمعاء. قال في لسان العرب في مادة ضري؛ ضري به ضرا وضراوة؛ نهج به. وقد ضريت بهذا الأمر(4/232)
ضراوة. . . وقد ضراه (بالتفعيل) بذلك الأمر. . . وأصله من الضراوة وهي الدربة والعادة. . . يقال ضري الشي بالشيء: إذا اعتاده فلا يكاد يصبر عنه. أهـ ولم نجد لها في أي كتاب كان معنى العداوة أو الشر أو لزومه وفي الحديث: أن للإسلام ضراوة أي عادة ولهجا به لا يصبر عنه، على ما جاء في النهاية لابن الأثير ونقله عنه صاحب اللسان والتاج وغيرهما.
فالضراوة الواردة في كليلة ودمنة معناها: الدربة والعادة كما فسرناها في أول كلامنا. ومن له نص يخالف هذه النصوص فليأتنا به ونحن أول من يذعن للحق إذا ما ظهر.
المتقن
وسألنا آخر قال: للإفرنج لفظة يريدون بها جماعة الأساتذة التي تعلم في المدرسة الجامعة
دروسا تعود إلى موضوع واحد عام ويسمونها فاكلتة فيقولون: فاكلتة الطب وفاكلتة الحقوق وفاكلتة الآداب وفاكلتة العلوم. أو إن شئت فقل: ما يسمى فرع الجامعة الذي يعنى بتدريس شعبة خاصة من شعبها. فلقد رأينا كل بلد عربي اللسان يدخل هذا الفرع من التدريس يسميها باسم جديد فما رأيكم فيها؟
قلنا: سمت الجامعة الأميركية هذه الشعبة بالفرع فقالت: فرع الطب وفرع الفلسفة واللاهوت إلى غيرها. وسمت الكلية اليسوعية هذه الشعبة بالمكتب فقالت: مكتب الطب ومكتب الحقوق ومكتب التجارة. أما أهل دمشق فسموها بالمعهد. فقالوا: معهد الطب ومعهد الحقوق. والبغداديون سموها بالكلية فقالوا: كلية الحقوق وكلية الزراعة وكلية الطب. وسماها الأمير شكيب ارسلان بالدار فقال دار الآداب إلى غيرها. وفي كل هذا من الخبط والخلط ما يوقع سوء الفهم للألفاظ. فالكلية لفظة حديثة يقابلها بالفرنسية والجامعة يقابلها كجامعة مصر والجامعة الأميركية وجامعة كنبرج وجامعة اكسفرد. والمكتب والكتاب: موضع تعليم الكتاب وبالإفرنجية فلا يصحان لكلمة والمدرسة العالية هي بالإنكليزية وبالفرنسية(4/233)
والمعهد وضع لما يسميه الفرنسيون وإن كان يأتي بمعان أخرى.
فلم يبق لنا إلاَّ أن نضع اسما جديدا لكلمة فاكلتة واحسن ما يؤدي هذا المعنى (متقن) كمصحف (أي بضم الميم وإسكان التاء وفتح القاف وفي الآخر نون) ويجمع على متاقن كمصاحف ومخادع جمع مصحف ومخدع. ومتقن اسم مكان من أتقن الشيء إذا احكمه. والمتعلم لا يدخل تلك المدارس إلاَّ ليحكم درس العلم الذي يتفرغ له. وجماعة معلمي المتقن هم (التقنون) جمع تقن (بكسر الاول أو بفتح فكسر) وكل منهم تقن. قال في اللسان: رجل تقن وتقن: متقن للأشياء حاذق. ورجل تقن (بكسر الأول) هو الحاضر المنطق والجواب. أهـ. ومعلمو المتاقن هم كذلك.
الكهربا والكهربية لا الكهرباء والكهربائية
جاء في جريدة الفضيلة في صحيفتها 55 في الصفحة 2 ما هذا نصه:
ما قول. . . الأب أنستاس ماري الكرملي في كلمة الكهرباء، هل هي مذكرة أم مؤنثة. وهل يجوز أن يقال (الكهربائية) للدلالة على القوة الكهربائية الخفية التي نستعملها في دفع الترام وسائر المحركات. وإذا كانت هذه الكلمة مذكرة فما هو الفرق بينها وبين كلمة
الكهرباء المستعملة للدلالة على الحجر الأصفر الثمين وهل كلمة الكهرباء عربية الأصل؟
الكهرباء والصواب كهربا (بدون مد) ولا عبرة بعلامة التأنيث هنا؛ (فهي كزكريآء وعاديآء وارميآء وكلها أسماء رجال). وكذلك خليفة وراوية (لمن يروي الشعر) وعلامة فهي كلم مذكرة أيضا. لأنها وضعت للذكور. وأما الكهربائية والصواب الكهربية فهي غير الكهرباء، فالكهربية: خاصية تكون في بعض الأجسام تجذب إليها في بعض الأحوال الأجسام الخفيفة التي تقرب منها وينقدح من الاحتكاك بها شرارة وإذا قويت أحدثت هزة عصب في الحيوانات. فقولك الكهربية معناها الخاصية الكهربائية فاستغنوا عن الموصوف بالصفة ثم اعتبروها اسما على ما هو معروف في مثل هذه المعاني كالوطنية والقومية والشعوبية بمعنى محبة الوطن وروح القوم ومحبة الشعوب (مع كراهية للعرب) على ما هو مشهور في معاني هذه الألفاظ.
والكلمة كهربية مشتقة من الكهربا وهو صمغ متحجر (لا حجر) صلب(4/234)
متكسر شبيه بالشفاف أو يكاد يكون شفافا يختلف لونه بين الأصفر الفاقع والأحمر الياقوتي. والمشهور في العراق الأصفر الفاقع. وفي هذا الصمغ المتحجر خاصية جذب الأجسام اللطيفة ولهذا سميت تلك الخاصية الكهربية نسبة إليه كما أن الكلمة الإفرنجية (الكتريسيتية) مشتقة من (إلكترون) ومعناها الكهربا، فالاشتقاق واحد في اللغتين.
والكهربا يكتب بدون مد ويقال في النسبة إليه كهربية بحذف الألف على ما هو معروف ومقرر في كتب النحاة لان ما آخره بألف مقصورة ينسب إليه بحذف الألف فيقال في النسبة إلى مصطفى (بالقصر) مصطفي بتشديد الياء. أما أن. أن الكهربا مقصور لا ممدود فظاهر من كلام صاحب التاج. قال في مستدرك مادة كهكب: (ومما يستدرك عليه: الكهرب، ويقال الكهربا مقصورا لهذا الأصفر المعروف. ذكره ابن الكتبي والحكيم داود. وله منافع وخواص وهي فارسية واصلها (كاه ربا) أي جاذب التبن. قال شيخنا: وتركه المصنف تقصيرا، مع ذكره لما ليس من كلام العرب) أهـ
أما كيف سرى هذا الغلط (أي كهربائية لا كهربية إلى لغتنا). فهو لأن الذين ترجموا كتب الأجانب إلى لغتنا في مستهل القرن التاسع عشر كانوا أغرابا أو أعرابا لم يحكموا درس القواعد العربية. ولهذا يحسن بنا أن نعود إلى الفصيح ونقول كهربية لا كهربائية. فإن
الأولى أخف وارشق واصح قياسا.
وعليه لا يجوز ان يستعمل الكاتب الكهربية في موضع الكهرب أو الكهربا والذين استعملوها هم من أحداث كتبة العراق الذين لا يميزون بين الحمل والجمل وكيف يكون الكهربا أو الكهرب (وهو الصمغ المتحجر) كهربية وهي خاصية تكون في ذلك الصمغ؛ والخاصية غير الجوهر كما لا يخفى.
وفي الكهرب والكهربا أو الكهربان لغات منها: ما ذكرها صاحب التاج في مستدرك مادة كهم، قال: ومما يستدرك عليه، الكهرم كجعفر. والكهرمان هو الكهرب والكهربان لهذا الأصفر المعروف. أهـ ومنها ما ذكرها غيره؛ من ذلك: الكهروا (أي بفتح الكاف وإسكان الهاء وضم الراء وفتح الواو يليها ألف مقصورة) وقد ذكرها صاحب معجم أوصاف بلدان العرب العلامة دي خوي الهولندي الشهير نقلا عن السلف.(4/235)
باب المشارفة والانتقاد
12 - الإصابة
مجلة أدبية علمية انتقادية تصدر في كل أسبوع مرة، يرأس تحريرها صاحبها جميل صدقي الزهاوي، بدل الاشتراك خمس ربيات وللخارج ثماني ربيات صدر جزءها الاول في 8 صفحات بحجم هذه المجلة يوم الجمعة في 10 أيلول 1926.
وقد قال صديقنا في سبب إصدارها: (إنا قد ألفينا العربية في العراق لا تستغني في حالها الحاضر عمن يقوم أودها بالتنبيه على ما يقع من الخطأ في كثير من القصيد والمقالات مما ينشر في صحفه. ولا ينحصر هذا الخطأ في اللفظ بل يتجاوزه إلى المعنى الذي هو كل المراد من اللفظ). على أننا نتمنى ان تخلو تلك الصفحات من أغلاط الطبع ونتمنى لها العمر الطويل الهنيء ليستفيد منها القريب والبعيد وينتصر الأدب الحديث على الطراز القديم البالي. وهو لا يكون إلاَّ مكبوة!
13 - الخليقة ونظامها
بقلم أمين الغريب صاحب مجلة الحارس البيروتية في 119 صفحة
قلم الغريب سلس منقاد، لا يطالع القارئ ما يخطه إلاَّ ويرجع عنه حافل الوطاب. وقد وقفنا على ها المصنف فوجدناه من احسن ما لذ وطاب؛ على أننا نأخذ عليه تساهله في مجاراة العوام في بعض الألفاظ كقوله الفرنسوي (ص6) وأشهرها (فيها)؛ وتل بالحري (فيها) واكتشف السيارات الأربع (ص7) والصحيح؛ الفرنسي، وشهرها (بلا ألف)، بل قل، وكشف السيارات الأربعة، لأن مفردها السيار بلا هاء بمعنى الجرم السماوي. - وأوهامه في المصطلحات العلمية اكثر؛ فالرخمة ليست بالشوحة. والشوحة هي الحدأة (ص(4/236)
81) واللقلق هو اسمه المعروف اليوم في العراق وكان يسمى سابقا أبا حديج وأصله أبو حويج؛ لأنهم يتصورون أنه يذهب للحج. وأبو صوي غير اللقلق (ص82) على خلاف ما ذكره. والشبوط من السمك هو غير الطنز والمورينة ليست بالمشبح الذي هو المورو والجري هو السلور وليس بالحنكليس الذي هو الجريث وعند العراقيين المرمريج أو المارماهيج أي
السمك الحية، إلى غير ذلك من المصطلحات. والكهربا مقصور لا ممدود والنسبة إليه الكهربية لا الكهربائية على ما هو شائع على الأقلام. وعسى أن تصلح في الطبعة الثانية.
14 - في سبيل الشرف
مأساة أدبية تاريخية ذات خمسة فصول في 76 صفحة بقلم جميل البحري طبعت بمطبعة الزهرة في حيفا
لصديقنا الشاب الهمام جميل البحري فضل على تحسين الروايات، روايات التمثيل فلقد نشر منها: سجين القصر، وقاتل أخيه، وأبو مسلم الخراساني، والخائن، وزهيرة، ووفاء العرب، وهذه روايته السابعة (في سبيل الشرف) كأخواتها حسنة المبنى والمعنى. ترمي إلى أسمى الأخلاق. ويمكن ان يمثلها أبناء المدارس على اختلاف مذاهبهم وأجناسهم، فأنها تعلمهم تعود المكارم والابتعاد عن الدنايا؛ ولهذا نوصي بها كل من يريد ان يهذب أخلاق الناشئة.
15 - تاريخ الكويت
الجزء الثاني من القسم الأول لمؤلفه عبد العزيز الرشيد (في 263 صفحة)
بهذا الجزء الثاني تم تاريخ الكويت. وفي هذا المجلد تراجم كثيرين من حكامه ما لا يرى مدونا في كتاب. وفيه أيضاً تفصيل عدة أحداث ووقائع. وقد ألفينا هذا الجزء أحسن من صنوه الأول. وللمؤلف فضل عظيم على أبناء يعرب لأننا لم نجد من دون شيئا في القرون الأخيرة عن تلك الديار، فهي وإن كانت قريبة منا إلا أننا لا نعرف ما يجري فيها. لأن ليس فيها من يفيدنا عنها أدنى فائدة. ولو كان أهل كل كورة منها يفعل ما فعل الشيخ عبد العزيز الرشيد لأفادونا وأفادوا أنفسهم.(4/237)
على أننا نؤمل من حضرة مؤلف تاريخ الكويت أن يتابع مباحثه في سائر ما يجاوره من جزيرة العرب ليكون له الفخر العظيم بأنه فتح طريقا للمؤرخين الآتين ومهد للشبان عقبة كانت كؤود إلى هذا العهد.
بيد إننا نلح على حضرة الصديق الكاتب أن يختار لنفسه مطبعة حسنة حتى لا يمسخ الكتاب ذاك المسخ الشنيع. إذ لا تخلو صفحة من صفحاته من عدة أغلاط لا تقل عن عشرة
في اقل تقدير. وهذا ما يضيع الفائدة من مطالعته ويحرم قراءه عوائد جمة.
16 - المدرسة والكشاف العراقي
(مجلتان بغداديتان في جزء واحد)
مجلة نافعة لأبناء المدارس وهي بالحقيقة مجلتان مدمجتان معا وهما مقسومتان قسمين: الاول للمدرسة والثاني للكشاف العراقي - مدير شؤونها محمود نديم وقد وصلنا الجزء الثاني من السنة الأولى من المدرسة ومن السنة الثانية من الكشاف العراقي وهي حسنة التنسيق والتبويب؛ إلا أن الظاهر من كتابها ليسوا من أرباب الفن؛ مع أن المعهود في مثل هذه المجلات أن ينشئ مقالاتها الاحفياء؛ فإن مقالة العناكب والعقارب لا تخلو من غريب الرأي. فقد قال صاحبها: (أعلم أن العناكب ليست حشرات. . . وهي تقوم بعمل مهم في عالم الحشرات). فيظهر من هذا الكلام بعض التناقض. فلو قال مثلا: في عالم الدويبات لكان أحسن. أو لقال في عالم الهوام كما يسميها أجدادنا وكما سترى من كلام الدميري لكان اصدق.
وقال: والناس على الغالب لا يحبون جدا العناكب وما اكثر الأشخاص الكبار والصغار الذين يسمونها (المخلوقات المخوفة) فالظاهر من هذا الكلام أن صاحبه عربه عن الإفرنج لأن هذا من تعبيرهم. ويقابله عندنا: والناس على الغالب لا يأنسون بالعناكب وما اكثر الذين يسمونها (المخلوقات المخوفة) وقال: (ولكنها لا تلحق (أي العناكب) أدنى ضرر بالإنسان) ولو قال: ولكنها لا تقتل الإنسان لكان اصح؛ أما لا تضر به أبدا فغير صحيح. فأبو صوفة(4/238)
يلسع كالعقرب. قال الدميري: (أبو صوفة نوع من الرتيلاء يكون غالبا في الأرياف ويضرب لونه إلى الحمرة وله زغب، ومنه اسمه عند أهل مصر؛ وله في رأسه أربع ابر ينهش بها ونهشته تقرب من لسع العقرب وهو لا ينسج بل يحفر بيته في الأرض ويخرج بالليل كسائر الهوام) أهـ. والرتيلاء أيضاً مخطرة النهش وأن لم تقتل.
وفي المجلة أغلاط كثيرة لا نعرف إلى من ننسبها: أللمطبعة أم للكاتب. فتحنا الصورة الأولى في ص31 فوجدنا المحامات. وفي ص32 كتخريج الضباط وفي ص33 وبين 27 طالب. وفي 34 ثلاثة دور. وفيها استلمت الحكومة وفيها قسما ثالثا ذو صف. وفيها سيتخرج وسيتخرجون. و: فمنهجه أوطأ وفي ص35 ومكتبة. وفيها في بداية تكونها.
وتكرر قوله المرشحين إلى التحصيل في ص36 مرتين. وفي ص37 ليكونوا مدراء. وفي ص38 سبعة أغلاط وفي ص39 ثلاثة أغلاط وفي ص40 ومغطات. وفي ص41 وفي أقدام العنكبوت. . . وفيها على هندامهما. . . وفيها وتستعمل هذه المخالب كذلك. . . وفيها رفيعة الرأس ومدببته. . . وفيها وتستعمل العنكبوت مشعراها. وفيها ثم تتحول إلى شرنقة. . . إلى غير هذه الأوهام والصفحة لا تخلو منها. والأحسن في ما عددناه من التساهل ان يقال: المحاماة. وكإخراج أو تهذيب الضباط. وبين 27 طالبا. وثلاث دور. وتسلمت الحكومة. وقسما ثالثا ذا صف. سيخرج وسيخرجون. فمنهجه أوطأ. وخزانة كتب. وفي بداءة. والمرشحين للتحصيل. ليكونوا مديرين. ومغطاة. وفي أرجل العنكبوت. وعلى هندامها. وتستعمل هذه المخالب أيضا. أي دقيقة الرأس وحادته. أما مدببة فكلمة شامية عامية لا يفهمها العراقيون وليست في المعاجم الفصيحة. وتستعمل مشعريها. وأما قول الكاتب (فبدلا من أن تكون أولا (اسروعا) أو (سرفة) (دودة) ثم تتحول إلى شرنقة. . . فغير راجع إلى جميع الحشرات بل إلى دود الابريسم فقط أو دود القز. ولعله بكلامه هذا يشير إلى ذلك الدود؟
على أن مزية المجلة تبقى مما يتباهى به لأنها كثيرة الصور، والطلبة(4/239)
يحبون مشاهدة الصور في كتبهم وجرائدهم ومجلاتهم. ولهذا نتمنى لهذه المجلة المزدوجة نجاحا مزدوجا، سرعة الانتشار بين الطلبة والإقبال على الاشتراك بها من كل حدب وصوب.
17 - مرقاة المترجم للصفوف العالية في اللغتين الفرنسية
والعربية
تأليف الأب يوسف علوان اللعازري، الجزء الاول بقطع 16 كتاب التلميذ وثمنه أربعة غروش ذهب
هذا من الكتب التي يحسن إدخالها في المدارس التي تعلم فيها اللغتان العربية والفرنسية لأن المؤلفات في هذا الصنف قلما تكون وافية بالمقصود فأما أن يكون صاحبها يحسن التعليم ويجهل أصول التأليف وأما أن يكون بالعكس. فالذين يحسنون النظر والعمل قليلون والأب يوسف علوان هو من هذه الطبقة.
على إننا كنا نود أن يتقن العبارة العربية كما أتقن العبارة الفرنسية فقد جاء في ص12 من يتكل على الله لا يخيب. والأفصح لا يخب بحذف الياء. وفيها كشر على أنيابك كل الناس تستهابك. والمشهور هو كشر عن أنيابك كل الناس تهابك. وفي ص17 ليس ألذ للنفس من الصديق الوخي. والمعروف المؤاخي أما الوخي فلا معنى لها هنا. وفي ص23 وها أنا واصف لكم. وهو وهم يركب متنه كل كاتب: وارجح منه وها أنا ذا واصف لكم. وفي ص27 كتاب نعي في موت والده. والمشهور كتاب نعي والد؛ لأن النعي لا يكون إلاَّ في الموت. وفي ص32 (والله اسأل في الختام شفاءك بوقت قريب ودوامك مديدا) وكلمة دوام عامية بمعنى طول العمر لا يعرفها الفصحاء لأن الإنسان لا يدوم على الأرض. وفيها المرجو التكرم بالجواب صحبة ناقله. وهو من تعبير العوام المرذول وأحسن منه مع ناقله.
على أن هذه الهفوات لا تحرم الناس منفعة الكتاب لأن الغاية منه تعلم الفرنسية لا إتقان العربية؛ إذ يظن الكاتب أن المتعلمين قد احكموا قواعدها قبل تعلم لغة الأجانب. فأصاب.(4/240)
18 - حول سرير الإمبراطور
ألفه الدكتور كابانيس. نقله بتصرف الدكتور نقولا فياض
عنيت بنشره إدارة الهلال وحقوق الطبع محفوظة لها 1926 بقطع 12
هذا من احسن هدايا الهلال في هذه السنة لأن الكتاب يبحث عن أكبر ذهنية أنتجه آخر سني القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر وهو نابوليون بونابرت. إلا أن هذا التصنيف يدرس الرجل الفذ من جهة حالة مرضه التي أثرت فيه وأنشأت في خلقه بعض المعايب وراثة عن أبويه.
وقد وجدنا فيه ولعا بعبارات لهج بها العصريون ولم يكن الأقدمون يستعملونها أو كانوا يتخذونها في الندرة. فقد جاء في الصفحة الأولى منه وهي الثامنة من المطبوع؛ أن هذا البحث خلو من الفائدة العلمية. أن يغفل تاريخه الصحي. تتجاوز فائدته الطبية. الوراثة المرضية. هذا المزاج الذي يسمونه الارتريتيكي. إلى حد أنه وهو على سرير الموت كان شغله الشاغل. وهذا التعبير وأن كان جائزا إلا أنه دون ما يأتي في نظر الفصحاء. فالبلغاء يقولون خلو من فائدة العلم. تاريخ صحته. من فائدة الطب. من وراثة المرض. المزاج الحرض (بفتح وكسر والاسم الحرض وزان سبب). إلى حد أنه كان شغله الشاغل وهو
على سرير الموت. ومثل هذا التعبير والركة كثير في هذا الكتاب.
19 - المعارف
صحيفة أسبوعية علمية أدبية تصدر في الكاظمية بقرب بغداد
صدر العدد الاول من هذه الجريدة في 3 أيلول من هذه السنة لصاحبها سلمان الصفواني ووصلنا منها العدد الثالث فوجدنا فيه مقالة في حديث الأسبوع. وأخرى عنوانها (الزهاوي في الميزان) ونبذا في مواضيع مختلفة. فنتمنى لها طول العمر والرواج بين الناس.
عذر من القراء
لدينا مقالات عديدة كنا نود أن ندرجها في هذا العدد إلا أن تراكم المواد حال دون تحقيق أمنيتنا وكذلك أهدانا بعض المؤلفين كتبهم. فموعدنا في الجزء القادم.(4/241)
باب المكاتبة والمذاكرة
اسم بغداد
طالعت ما جاء في لغة العرب (80: 4) عن معنى (بغداد) لاسم مدينة السلام فأني لا اشك في أن الكلمة مأخوذة من الفارسية وأنها مركبة من لفظين (بغ) بمعنى اله و (داذ) بالذال المعجمة كما كان يكتب قديما بمعنى معطى (اسم مفعول من أعطى) ومن المشهور أن في اللغات الآرية الشرقية ولاسيما في الصقلبية بغ وبك أو بالكاف الفارسية اسم اله؛ ولم أر أن الغين تبدل من الكاف العربية في شيء من الألفاظ العربية.
ف. كرنكو
(لغة العرب) أن كانت بغداد من اصل فارسي فلا نرى وجه وجودها قبل احتلال الفرس لهذه الديار إذ ترى في الرقم الآشورية منذ العهد القديم على ما أثبته الكاتب في موطنه.
أما أن الغين لا تبدل من الكاف العربية فنحن لا نوافق عليه حضرة صديقنا العزيز ففي لغتنا نجد بمعنى واحد اغبن من تربك واكبن: كربلت الحنطة وغربلتها التكوير والتغوير؛ كفر وغفر (بمعنى غطى)؛ دكن يومنا ودغن ودجن؛ غنطة وكنظة (أي شق عليه)؛ لاعه ولاكه؛ إلى غيرها وهي كثيرة.
الألفاظ الداخلة في اللغة العربية
أما الألفاظ الداخلة في اللغة العربية؛ فقد وجدت في تهذيب كتاب المناظر لابن الهيثم أنه ترجم بالذهن السعيد الألفاظ الخاصة بالعلم من اليونانية وفي كثير منها أثبت المعنى أصوب مما جاء في اليوناني؛ فأنه قال مثلا الجليدية لما يسميه الإفرنج والعنكبوتية لشبكة العصيات التي في داخل العين والتي فيها القوة الباصرة. وكذلك القول في اكثر من مائة كلمة ولو كان لي في الوقت متسع لأطلت الكلام في هذا الشأن.
ف. كرنكو
(لغة العرب) نشكر العلامة صديقنا على هذه الافادة؛ وياليت أطال البحث واكثر من الشواهد في هذا الموضوع.(4/242)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - سدة الحفار
تم إنشاء سدة الحفار في لواء الناصرية إنشاء حسنا.
2 - المدارس الجديدة في العراق
أنشئت في مفتتح سنة الدراسة الجديدة المبتدئة في 15 أيلول 1926 ثلاث مدارس جديدة في لواء اربل: في باتاس وفي مخمور وفي بروست. وأسست مدرسة أولية في تل أعفر.
وأنشئت مدرسة بنات أولية في قضاء دهوك في أول سنة الدراسة.
3 - ولي عهد السلطان ابن السعود
زار مصر الأمير سعود ولي عهد السلطان عبد العزيز ابن السعود سلطان نجد وملك الحجاز. وقد تبرع تبرعات كبيرة ولهجت الصحف بمدحه.
4 - مفاوضات بين فرنسة وابن السعود
وصل مندوب فرنسي إلى الحجاز لمواصلة مفاوضة السلطان ابن السعود الملك في الحجاز.
5 - باخرة بريطانية ترفع فوقها العلم العراقي
رفعت البارجة الحربية البريطانية (لورنس) لأول مرة العلم العراقي يوم عيد جلوس جلالة الملك فيصل الاول في 23 آب 1926 وقد اشتركت في الأفراح بإطلاقها 21 طلقة من مدفعها.
6 - سفينة حربية بريطانية تزور العقبة
زارت السفينة الحربية البريطانية (كورنفلاور) ميناء العقبة وهي زيارة بدأ بها ويكهام قائد السفينة المذكورة منذ عدة سنوات.
7 - عودة الوفد المالي
عاد من لندن إلى بغداد معالي صبيح بك نشأت وزير المالية أوفد إليها مع مستشار وزارة المالية المستر فرنن في وفد مالي لمهمات اقتصادية ومالية مهمة.(4/243)
8 - جلالة ملكة العراق
عادت جلالة ملكة العراق من رحلتها إلى الموصل وحمام علي (العليل) وبعض الجهات هناك وقد أثنت على طقس الموصل وموقعها.
9 - إنهاء خلاف بين عشيرتين
وقعت مشادة بين عشيرتي (عشيرة) و (قمر) أدت إلى تعدد الغارات بينهما فجمعت الحكومة بين زعيمي القبيلتين فهد بك الهذال وعقيل بك الياور وألزمتهما بالإقلاع عن الخصومة والغزوات.
10 - هدية ابن السعود إلى مصطفى كمال
أهدى السلطان عبد العزيز ابن السعود إلى مصطفى كمال باشا رئيس الجمهورية التركية سيفا مرصعا يرجع تاريخه إلى عهد بعيد.
11 - المدرسة الحربية الملكية
في عاصمة العراق مدرسة حربية اسمها (المدرسة الحربية الملكية) يتخرج فيها ضباط للجيش العراقي أساتذتها عراقيون وبريطانيون نابغون في الفنون العسكرية. قبل في هذه المدرسة هذه السنة 50 طالبا عشرة منهم من أبناء شيوخ العشائر العراقية.
12 - طابع تذكار مؤتمر مكة
طبعت وكالة المالية في حكومة الحجاز قدرا معينا من طوابع البريد باسم (تذكار مؤتمر العالم الإسلامي) في مكة وقد نفد اكثر هذه الطوابع المطبوع عليها الختم المذكور.
13 - حريق في البصرة
شبت النار ليلا من موقد إحدى القهوات في محلة الخندق فالتهمت النيران القهوة ثم اندلعت ألسنتها إلى الحوانيت المجاورة لها فأحرقت ثلاثة منها وفي الآخر تمكن رجال الإطفاء من
إخماد أنفاسها.
14 - أسعار التمور
عقد أصحاب الغيطان والتجار مجلسا في دار هلس أخوان فقرروا فيه أسعار التمر كما يأتي:
كارة الحلاوي الكبيرة بسبعمائة وعشرين ربية (والكارة الكبيرة أربعون منا) أما بقية أنواع التمور فلم يبت في أسعارها. وقد شاع أن أصحاب(4/244)
البساتين طلبوا أن يكون سعر الخضراوي خمسمائة ربية والسائر أربعمائة ربية عن الكارة الواحدة الكبيرة.
15 - العنزة والضفير
هدأت الحالة بين العشيرتين عنزة والضفير بسعي الحكومة، وقد خرجت الضفير من ضواحي الزبير إلى صفوان وكابدة وكويبداء وشاع أن حمود السويط (مصغر السوط وهو ما يضرب به من جلد مضفور أو نحوه. ويخطئ من يكتب هذا الاسم بصورة الصويط وحمود السويط أحد زعماء الضفير) عقد النية على المجيء إلى بغداد لشؤون له مع الحكومة.
16 - مهارشة على تخوم العراق
وقعت مهارشة بين الشرطة العراقية وبين ذعار الخسرج المنتمين إلى دولة إيران وكانوا قد طرأوا على أراضينا الجزرية لغزو بعض إعرابها وإيقاع الضرر بها فدرت بهم الشرطة ففاجأتهم ودحرتهم فرجعوا القهقري وقد أصيب شرطيان بجروح طفيفة.
17 - لجنة التخوم العتيدة
كان قد قرر في المعاهدة العراقية البريطانية التركية أن تكون في البلاد لجنة تخوم عتيدة تعقد مرة في كل ستة أشهر ويكون أعضاؤها من الدولتين المتجاورتين العراقية والتركية في موطن معين للنظر في ما حدث أو(4/245)
يحدث من تعديات الناس والرجال بعضهم على بعض في جانبي خط التخوم. وقد عقدت اللجنة نيتها على الاجتماع لأول مرة في زاخو لهذه المدة الأولى ويحتشد الأعضاء في هذا الشهر.
والأعضاء هم متصرف الموصل ومفتش الإدارة عن العراق؛ ووكيل قائد التخوم ووالي
الهكارية عن تركية. وبعد انفضاض عقد الاجتماع يقرر الأعضاء محل اجتماعهم المقبل بعد الستة الأشهر التي تنقضي.
18 - مركز لاسلكي في الرطبة
فتحت حكومتنا في 11 أيلول مركز برق لاسلكي وديوان بريد في الرطبة (الواقعة على بعد 300 ميل من غربي بغداد) تسهيلا لمصالح المسافرين بين سورية والعراق.(4/246)
العدد 39
الدرع الداودية
القصيدة التي نظمها داود باشا حينما تخلى عنه أعوانه ومريدوه ونبذوه نبذ النواة فاستاء من سلوكهم هذا الذي لم يكن يتوقعه منهم بعد أن احسن إليهم ورفعهم إلى أعلى المناصب.
أما أن للأحباب أن ينصفوا معنا ... فزاغوا وما زغنا وحالوا وما حلنا
نعم هجروا واستبدلوا الوصل بالجفا ... وخانوا عهودا ماضيات وما خنا
رعينا حقوقا لا علينا نعم لنا ... عليهم حقوق سالفات ولا منا
وفينا ولم نغدر فكان جزاؤنا ... جزا أم عمرو فافهم اللفظ والمعنى
وأنا لقوم نحفظ الود غيرة ... ونرعى ذماما أن حضرنا وأن غبنا
وأن جيشوا جيشا من الصد والجفا ... بنينا من الصبر الجميل لهم حصنا
هم زعموا أن كل برق يخيفنا ... فخابوا بما قالوا وقلنا وما خبنا
إذا ضيعوا حقي فهم يعرفونني ... إذا هبت النكباء كنت لهم ركنا
وأني أبي أن ألم بريبة ... واستعطف الحب اللئيم أو الأدنى(4/247)
وما كان عيبي عندهم غير أنني ... إذا بيعت الأرواح لا ادعي الغبنا
وأن قام سوق الحرب أني أشدهم ... لأعدائهم بأسا وأكثرهم طعنا
وأثبتهم جأشا وأطولهم يدا ... وأوفاهم عهدا وأكبرهم سنا
واحكمهم عقدا وامنعهم حمى ... واصدقهم قولا وأوسعهم مغنى
أجامل أقواما ولاء لا مهابة ... فيزعم قوم أننا منهم خفنا
واسكت إيفاء لود علمته ... وعندي مقال يحطم الظهر والبطنا
ولو وقفوا يوم الرهان مواقفي ... لأهديتهم روحي ومالي وما يقنى
فيا أسفي ضيعت عصر شبيبتي ... بكل خفيف القدر لا يعرف الوزنا
فإن وصلوا حبلي وصلت حبالهم ... وأن قرعوا سني جدعت لهم أذنا
إذا هم في إسعادنا لملمة ... ألمت بنا قد أسعفونا فلا عشنا
وظنوا بان الآل يشفي من الصدى ... فخاضوا به للورد جهلا وما خضنا
وقد بدلوا الغالي الذي تعرفونه ... بصفقة غبن لا نقيس بها غبنا
ولو علموا ما يعقب الغبن في غد ... وقيل لهم تبت يداكم وما أغنى
صحائف عندي غيرة قد طويتها ... ولو نشرت يوما لقصوا لها ذقنا
أجول بطرفي في العراق فلا أرى ... من الناس إلاَّ مظهر البغض والشحنا
فخيرهم للأجنبي وقبحهم ... على بعضهم بعض يعدونه حسنا
وشبانهم شابوا المودة بالجفا ... وشبنا وما للصفو في كدر شبنا
حضرنا متى غابوا بموقف حربهم ... وأن حضروا في موقف للخنا غبنا
سمرنا مع السمر العوالي لياليا ... وهم سمروا في ذكر سعدى وفي لبنى
جفوا فوصلنا حبلهم بعد قطعه ... فدع منهم يبدو الجفاء ولا منا
إلا نخوة منهم فيصغون للذي ... أيادي سبا قد لاعبت ذلك المغنى
إلا حازم للرشد شد حزامه ... لداهية ينسى بها الطائر الوكنا
إلا مرشد منهم عن الغي قومه ... فيوقفهم منه على السنن الاسنى
إلا دافع عن قومه بغي ظالم ... إذا فقدوا في الحرب من ينطح القرنا
وكان إذا أبدى التشاجر نابه ... يفرون مثل الجمر عنه وما كنا
ومن كل ناموس وبأس تخلصوا ... كما نحن من غل وغش تخلصنا(4/248)
لقد حملوا ما يثقل الظهر من خنى ... كأنهم من ماله حملوا سفنا
متى تعتذر أيامنا من ذنوبها ... وهيهات من عذر لمومسة لخنا
فكم طحنت قوما بجؤجوء صدرها ... وما أصلحت يوما دقيقا ولا طحنا
وعصبة لؤم قد تناجوا لحربنا ... فيا ويحهم ماذا يلاقونه منا
تراموا وحاشا المجد أن يتقدموا ... علينا وهاموا بالأماني وما همنا
وطاشوا ببرق خلب لا أبا لهم ... وسلوا علينا المرهفات وما خفنا
فقل لي بماذا يفخرون على الورى ... إذا عدت الأباء أو ذكر الأبنا
فهبهم على المجد الأثيل تسنموا ... ألا يعلمون المجد بالقول لا يبنى
إلا غيرة تدعو الصريخ إذا دعا ... ليوم عبوس شره يوقظ الوسنى
طوينا عن الزوراء لا در درها ... بساطا متى ينشر نعد به طعنا
وأني وأن كنت أبنها ورضيعها ... فقد أنكرتني لا سقاها الحيا مزنا
إلى الله أشكو من زمان تخاذلت ... خيار الورى فيه وساؤوا بنا ظنا
وباع بفلس كل خل خليله ... وصار الكريم الحر يسترفد القنا
إلا مبلغ عني سراة بني الوغى ... وإقبال عرب كيف صبرهم عنا
أهم بأمر الحزم في حومة الوغى ... ومن ناهز السبعين أنى له أنى
إذا كفي اليسرى أشارت لناقص ... قطعت لها زندا وألحقتها اليمنى
وأنا إذا صاح الصريخ لحادث ... اجبنا ولبينا لمن فيه أنبأنا
على الكرخ في الزوراء مني تحية ... وألف سلام ما بها ساجع غنى
صحبتهم طفلا على السخط والرضى ... وشبت فلا سيفي أفاد ولا أغنى
رواها رزوق عيسى عن الكونت فيليب دي طرازي
النفوس الخاملة
تعود ذم الدهر قوم خطاهم ... قصار عن الحسنى طوال إلى النكر
ولو انصفوا ما ذم منهم امرؤ ... وذموا نفوسا قد قعدن عن الخير
محمد بهجة الأثري(4/249)
المحامل العربية
1 - توتير
لله درك، أيتها اللغة العربية! كلما شاخت اللغات، وهرمت، وولت، تألق نور شبابك، وغض اهابك، وتجلى وئامك لرقي معارف أبناء العصر! وكلما قدمت تلك الألسنة، وعتقت، وبليت، زدت جدة، ورخوصة، وبضوضة!
كنا نظن انك تقصرين في تأدية النطق ببعض الألفاظ التي لم يتصور إنك تجدين لها مقابلا في كنزك اللغوي، لأن تلك الأمور أو تلك المعاني أو تلك الأوضاع لم تكن تخطر على بال المنتمين إليك، وإذا بك تؤدين تلك المصطلحات احسن تأدية، وتوفينها حقها من الضبط والأحكام والإتقان، حتى لنظن أن لمصطلحك خير من مصطلحهم.
عند الإفرنج كلمة (انكنابل ويراد بها كتاب برز إلى عالم الوجود في أول عهد الناس بالطباعة. والكلمة الإفرنجية مشتقة من اللاتينية ومعناها المهد، كأن الكتاب وجد في زمن كانت الطباعة في مهدها.
وكنا نظن أننا لا نلقي لها ما يقابلها في لغتنا الضادية. والحال أننا وجدنا في المخصص لأبن سيده، قوله في باب الكتاب وآلاته (4: 13)؛ المحمل (أي وزان مجلس): الكتاب الأول. وهو وصف يوافق لما نريده كل الموافقة.
فالكتب المطبوعة يوم كانت صناعتها في مهدها، هي الكتب الأولى، بالنسبة إلى ما جاء من بعدها، ولهذا صح أن نقابل بها ما يسميها الإفرنج (انكنابل)، ولا سيما لأن في أصل مادة ح م ل ما يساعد على اتخاذ هذا اللفظ؛ فكأن النسخ الجديدة المطبوعة بعد هذه النسخ القديمة الآمات تعتمد عليها في وقوفها أو في انتظامها اعتماد الجديد الضعيف على القديم القويم الراسخ القدم، إذ من معاني المحمل المعتمد. والمحمل أيضا موضع تحميل الحوائج وهو(4/250)
كذلك. إذ عليه تقر وتقوم جميع المطبوعات كما يقوم أعلى البناء على الأساس الذي هو موضع قوام البناء.
ومن معاني المحمل أيضا: الهودج (وهو في هذا المعنى يأتي على وزن منبر ومجلس) وهو يوافق أيضا للمعنى الذي ننشده هنا. ولا سيما لأنه يكاد يلائم الحرف الإفرنجي في
الوضع، فكما أن الإفرنج سموا مسماهم باسم متخذ من المهد، كذلك يجوز لنا أن نسميه بما سموه هم، أي بلفظ يكاد يعني المهد لأن الطفل يحمل فيه. والهودج يتخذ له أو لكل ضعيف مثله لا يقوى على السير البعيد الشاق.
وعليه سمي الكتاب الأول بالمحمل (أي بالهودج) لأنه كان يومئذ كأنه يوضع في هودج لحداثة وجوده أو لطفولته أو لضعفه. وكل ذلك من باب المجاز الواسع المدخل.
فأنت ترى أن هذه الكلمة كيفما قلبتها، انقلبت بين يديك على احسن وجه لما تريده، كأنها تقول لك في كل وجهة وجهتها: أنا المعنية بقولك: انكنابل.
2 - المحامل الإفرنجية
يعتبر (محملا) عند الإفرنج، كل كتاب طبع قبل سنة 1500م
والمحامل عندهم على قسمين؛ محامل خشب، أو نقر، ومحامل حروف.
فمحامل النقر، أو محامل الخشب، ما طبع منها في ذلك العهد، وكانت حروفها منقورة أو محفورة على ألواح من خشب.
ومحامل الحروف هي ما صفت حروف كلمها، متخذة من مواد متحركة كانت من خشب في أول الأمر، ثم من مواد معدن كالرصاص وغيره بعد ذلك.
فمن محامل الخشب ما عرفوه باسم: (توراة الفقراء) و (الدوناتس) (وهو كتاب في نحو اللغة اللاتينية) لمؤلفه اليوس دوناتس من نحاة المائة الرابعة للميلاد، وكان تصنيفه معروفا في جميع المدارس كالاجرومية في الديار العربية اللسان. (ومرآة الخلاص) وهو باللاتينية أيضا، وهذه التآليف سابقة لسنة 1440.
ومحامل الحروف كثيرة، إلا أننا نجتزئ بذكر أقدمها وهي توراة(4/251)
مازارين وقد طبعت بين سنة 1450 و1455، وتوراة شيشرن وهي من سنة 1461 على اقل ما يقال عنها، واغلب الباحثين يظنون أنها لغوتنبرغ نفسه - ومرصوصة (أو براءة بابوية) الغفران لنقولا الخامس (سنة 1454) وزبور سنة 1457 وزينة الفروض الإلهية لدوران (سنة 1459).
واغلب هذه المحامل النادرة لا توجد اليوم إلاَّ في خزائن الكتب العامة منذ عهد بعيد.
المحامل العربية
المحامل العربية هي التي طبعت في سنة 1514 في رومة إلى سنة 1551 في فروق وما جاء بعد هذه السنة لا يعد محملا. وأن كان مما يحتفظ به (راجع لغة العرب 149: 4)
وقد رأينا عند صديقنا البغدادي الدكتور ناجي بك الأصيل كتابا مطبوعا في اللغتين العربية واللاتينية غير معروف عند الوراقين أو صرعى الكتب القديمة ودونك وصفه:
في الصفحة الأخيرة من هذا الكتاب وهي الصفحة الأولى على طريقة الإفرنج مكتوب في رأس الوجه وهي كلمة لاتينية معناها (في هيدلبرغ) أي طبع في هيدلبرغ وهي مدينة في دوقية بادن (ألمانية) وفي اسفل الوجه هذه الكلمات - ومعناها طبعة يعقوب مليوس سنة 1583 وبين هذين السطرين اللذين في رأس الصفحة وأسفلها نقش ختم كبير يمسكه اثنان من الملائكة وفيه صورة قد رسم فيها يد قابضة على إكليل متخذ من أنواع الأزهار مضفورة على ظهر حية وقد كتب حول هذا كله هذه الكلمات باللاتينية:
65.
ومعناها: (يعقوب مليوس. تكلل ألسنة بكرمك. المزمور 65) فالظاهر من هذا الكلام أن الطابع نشر الكتاب المذكور في أوائل سنة 1583 ويطلب إلى الله أن يباركه فيها ويجعلها ميمونة عليه. وقد وجد في المزمور الخامس والستين (وهو على الحقيقة الرابع والستون) آية توافق هذا الدعاء وهي الآية الثانية عشرة منه ونصها: بارك إكليل ألسنة بكرمك. وفي ظهر هذه الورقة حروف(4/252)
الهجاء باللغات العبرية واللاتينية والعربية، ويظهر أن الطابع كان يجهل كل الجهل صور الحروف العربية لأنه ابتدأ برسم حروف الهجاء العربية مبتدئا بالياء وخاتما إياها بالألف. مع أنه وضع بازائها الحروف العبرية واللاتينية بوضعها المألوف كما في العربية. فالبائن أن الطابع قلب عمود الحروف العربية فجاء ما كان في الأول آخرا وما كان في الآخر أولا. أي أن الذنب أصبح رأسا والرأس ذنبا بخلاف حروف اللغتين العبرية واللاتينية فأن الترتيب فيهما على احسن ما يرام.
وبعد هذه الحروف ذكر في الصفحة التالية هذه الكلمات العربية مع ترجمتها اللاتينية وهي: أربعة رحال (بمعنى أربعة رجال)، ثلثة عسر رجلا (أي ثلاثة عشر رجلا) ثلثة ماءية رجل (أي ثلثمائة رجل) وفي الصفحات التالية ذكر الأرقام بموجب ترتيبها أي أول ثان (وكتبها ثاني) ثالث. . . ثم بموجب العد أي أحد اثنان ثلاثة. . . وهكذا سار في طريقه من
ذكر حروف العطف والجر والظرف إلى ذكر ألفاظ مختلفة.
أما إذا فتحت الكتب من أوله على الطريقة العربية فانك ترى في مستهله: (بسم الأب والابن والروح القدس اله واحد)
(رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية.) ثم ذكر ترجمة هذه الألفاظ إلى اللاتينية.
وبعد ذلك قال في تلك الصفحة باللاتينية ما معناه: وفيها أيضا (أي في الرسالة المطبوعة: ستة فصول الديانة المسيحية وهي الفصول الأولى باللغة العربية. وقد أضيف إليها في الآخر خلاصة النحو العربي لمؤلفها رثغرس سبي.
وفي تلك الصفحة الأولى آية من كتاب دانيال النبي من الإصحاح السابع بالحرف العبراني ثم آية من القديس بولس إلى أهل فيلبي مأخوذة من الإصحاح الثاني مدرجة بحرفها اليوناني.
وفي الصفحة التي تلي هذه الورقة الأولى مقدمة طويلة عريضة يوجهها المؤلف إلى صاحب السمو والشهرة البدء (أي البرنس) لويس (أو لودوفيكس) دوق بفارية يذكر له فيها سبب تأليف هذا الكتيب وهو أن اللغة العربية هي من اللغات القديمة ويجب تعلمها لأنها توصلنا إلى إتقان اللغة العبرية التي هي أول(4/253)
اللغات وأقدمهن. وأن أصحاب اللغات الشرقية بقوا مجاورين بعضهم لبعض بعد الطوفان، ولهذا تتشابه لغاتهم، بخلاف أصحاب سائر اللغات فانهم تفرقوا في أنحاء المعمورة منذ أول عهد البشر بالمهاجرة والظعن، فاختلفت لغاتهم، وتباينت لهجاتهم إلى يومنا هذا. ثم يقول: يحسن بنا أن نتقن لغات الشرق لنشر الديانة المسيحية بين أولئك الذين يجهلونها، أو لا يعرفون محاسنها، وعلى هذا الوجه نستفيد ونفيد. فموضوع المقدمة إذن ديني لغوي تاريخي.
والمقدمة طويلة في 14 صفحة ثم يليها صفحة ونصف وفيها كلام عنونه (إلى القارئ) وبعد ذلك آيات بالعبرية والعربية مكتوبة في وجهين وبعد ذلك يبتدئ كتابه بقوله: (رسالة إلى أهل غلاطية. وهي من العدد الرابعة (كذا) ثم ينتقل إلى ذكر تلك الرسالة على صفحتين: صفحة عربية وصفحة لاتينية. وهو ينقل باللاتينية المكتوبة على الصفحة اليسرى من القابض على الكتاب ما جاء في النص العربي سطرا بسطر. وخط النص العربي قبيح المنظر كتبه أحد الإفرنج بقلم سيئ البري، أو بريشة إفرنجية القط. والكلمات
كلها منقورة في الخشب وليست مركبة من حروف متقطعة، وهذا ما يتبين لك إذا ما أنعمت النظر في تركيب الكلم واتصال حروفها بعضها ببعض.
وعدد أوراق الكتاب كله 42 أي ما يساوي 84 صفحة وطول الصفحة 19 سنتيمترا في عرض 15 سنتيمترا. وهو مغلف غلاف اربد (رمادي اللون) أحمر الأطراف. اشتراه صاحبه في ألمانية لغرابته وندرته.
ومن العجيب أن العلامة كرستيانس فريدريكس دي شنوزر الألماني صاحب كتاب خزانة الكتب العربية الذي ذكر فيه أنواع الكتب العربية المطبوعة في العالم منذ أول عهد الطباعة لم يذكر هذا المصنف في باب كتب النحو ولا في باب النصرانيات ولا في أي باب كان. وهذا مما يحملنا على الظن أن هذا الكتيب لم يطبع منه نسخ كثيرة أو لم يذع في أوربة مما يجعله ذا ثمن عند الأدباء الوراقين، وكذلك لم يذكر هذا الكتاب كل من بحث عن تاريخ المطبوعات العربية في أول عهدها كجرجي زيدان وغيره. ولهذا أشبعنا الكلام في وصفه.(4/254)
علم العقود
1 - تعريفه وموضوعه وفائدته
هو حساب يتم عمله على عقود أصابع اليدين. للإشارة إلى العدد المنوي ذكره بين اثنين في المذاكرة.
وموضوعه: عقود الأصابع.
وفائدته: ضبط الأعداد من أول مرتبة الآحاد إلى عشرة الآلاف، مع الزيادة والنقصان بدون آلة خارجية، وفهم بعض الأحاديث التي فيها إشارة إلى هذا العلم.
وهذا العلم كثير النفع للتجار وغيرهم، ولا سيما عند استعجام كل من المتبايعين، وعند فقد آلات الكتابة والحساب.
ويقال لحساب العقود (حساب الجمل) أيضا لأجماله من بين المحاسبات أو لكونه من أجملها وأحسنها لعدم وقوع الالتباس فيها على من يحذقها، ومن أسمائه: حساب اليد.
2 - تاريخ انتشار هذا العلم
كان هذا العلم حساب العرب في أيام جاهليتهم، فانهم اجتنبوا ما يحتاج إلى آلة، ورأوا أن ما قلت آلته، وانفرد الإنسان فيه بآلة من جسمه، كان اسهل وانسب لغرضهم.
3 - الكتب المؤلفة في هذا العلم
اذكر للقراء الكرام أسماء بعض المؤلفات التي عثرنا عليها أو سمعنا بها وهي:
1 - رسالة للشيخ حسين الكيلاني
2 - رسالة للسيد محمود الرشتي
3 - رسالة لشرف الدين اليزدي
4 - رسالة للميرزا محمد علي الجهاردهي الكيلاني
5 - رسالة للشيخ يوسف بن محمد الكيلاني. وهذا التأليف الأخير أوجز من بقية المؤلفات وانفع.(4/255)
ونظم في هذا العلم أراجيز كثيرة منها:
1 - أرجوزة لابن حرب
2 - أرجوزة لشمس الدين محمد بن احمد الموصلي
3 - أرجوزة لأبي الحسن علي المعروف بابن المغربي، وقد شرحها عبد القادر بن علي بن شعبان العوفي.
وهناك كتب ذكر فيها هذا العلم استطرادا: كشرح الجلي للشيخ احمد أفندي البربير. ومجمع البحرين لفخر الدين الطريحي، ومجمع البيان لأبي علي الطبرسي، ولسان الخواص للمولى محمد القزويني، وأربعين المجلسي، وأربعين الشيخ إبراهيم الخوئي، وكفاية الحساب لنجم الملك الميرزا عبد الغفار، وبلوغ الأرب في أحوال العرب، وشرح القاموس بالتركي، وغياث اللغات وفرهنك، وللأب انستاس ماري الكرملي صاحب هذه المجلة مقالة طويلة أدرجت في مجلة المشرق 119: 3 إلى 123 و169 إلى 171 وشرح أرجوزة شمس الدين محمد بن احمد الموصلي الحنبلي في المجلة المذكورة 171: 3 إلى 174
4 - بيان هذا العلم
لا يخفى أن القدماء وضعوا (38) صورة للأصابع الخمس اليمنى والخمس اليسرى من اليد لضبط الأعداد من الواحد إلى العشرة الآلاف. وضابطه إجمالا انهم جعلوا صورة منها للأصابع الخمس اليمنى لضبط العدد من الواحد إلى 99 و19 ص
ورة أخرى للأصابع الخمس اليسرى لضبط العدد من 100 إلى 10000 لأنهم جعلوا الخنصر والبنصر والوسطى من اليد اليمنى، لعقود الآحاد، أي للواحد إلى التسعة، وجعلوا عقد السبابة والإبهام منه لعقود العشرات، أي للعشرة إلى التسعين، وجعلوا الخنصر والبنصر والوسطى من اليد الشمال، لعقود المائة أي للمائة إلى 900 وعقد السبابة والإبهام منه لعقود الآلاف. أي للألف إلى 9000
فصور عقود الواحد إلى التسعة وصور عقود المائة إلى 900 سيان وكذا صور عقود العشرات والألوف، فالتفرقة والاعتبار يكونان باليمين واليسار(4/256)
لأشكال متحدة الصور؛ مثلا: ضم الوسطى مع الخنصر والبنصر وطوق العقدة السفلى، بحيث تمتد الأنملة حتى تصل إلى الرسغ، (وهو هنا مفصل ما بين الساعد والكف) دال على التسعة في اليمين وعلى 900 في اليسار وكذا وضع رأس ظفر السبابة، على مفصل العقدة الثانية من الإبهام في
اليمين، دال على التسعين، وفي اليسار على 9000. فلا فرق بين صورة اليمنى واليسرى بالكيفيات والهيئات فالتمييز في هذا الأمر يكون باليسار واليمين لا غير.
ومن المعلوم أن الأصابع التي للآحاد تضيق عنها لأنها ثلاث والآحاد تسعة فلا يمكن ذلك إلاَّ بتبديل وتغيير وكذا أصابع العشرات والمئات والألوف، فطريق كيفية عقود الأنامل تفصيلا هو انهم عينوا من أوضاع أصابع اليمنى، لعقد الواحد فقط وضع رأس الخنصر فقط على الكف بحيث يكون رأسه قريبا؛ وللاثنين وضع البنصر أيضا معقودة معه كذلك؛ وللثلاثة وضع الوسطى معهما أيضا كذلك، كما هو المتعارف بين الناس عند عد هذه الأعداد، بحيث يوضع رؤوس الأنامل قريبة من أصولها من دون أن يوصل إلى الكف؛ وللأربعة رفع الخنصر مع وضع الباقية بحال المثناة؛ وللخمسة رفع الخنصر والبنصر مع وضع الوسطى؛ وللستة وضع رأس البنصر فقط على وسط الكف منبسطا مائلا إلى جهة الرسغ؛ وللسبعة وضع الخنصر فقط عليه كذلك مع رفع البنصر؛ وللثمانية ضم البنصر إليه في هذا الوضع؛ وللتسعة ضم الوسطى إليهما كذلك.
فالمشروط في هذه الثلاثة الأخيرة. أي من السبعة إلى التسعة بسط الأصابع إلى الكف كما أشير إليه مائلة أناملها إلى جهة الرسغ، وهذا الشرط هو لعدم الالتباس بالثلاثة الأول أي من الواحد إلى الثلاثة؛ فهذا تمام الكلام في تعريف الآحاد.
وأما للعشرة فيوضع رأس ظفر السبابة على العقدة الفوقانية من الإبهام لتصير الإصبعان معا كحلقة مدورة.
وللعشرين يوضع ظهر ظفر الإبهام تحت طرف العقدة التحتانية من السبابة على وجه ترى أنملة الإبهام مأخوذة بين أصلي السبابة والوسطى: بحيث يتصل شيء من ظفر الإبهام بذلك الجانب؛ ويظهر بعض أنملتها العليا بين أصلي المسبحة (وهي الإصبع التي تلي الإبهام) والوسطى: متصلة بالوسطى؛ أو غير متصلة لأن الوسطى؛ لا دخل لها في عقود العشرات؛ وإنما أوضاعها إلحاد؛ كما عرفت.(4/257)
وللثلاثين يوضع رأس أنملة السبابة على طرف ظفر الإبهام الذي يليها؛ مع انتصاب الإبهام على وجه يشبه وضعها وضع القوس والوتر؛ وقيل حينئذ يجوز أن يعرض للإبهام انحناء أيضا.
وللأربعين يوضع باطن أنملة الإبهام على ظهر العقدة التحتانية من السبابة؛ على وجه لا يبقى بينهما فرجة أصلا.
وللخمسين يوضع الإبهام على الكف محاذيا للسبابة مع انتصابها.
وللستين يوضع باطن العقدة التحتانية من السبابة على ظهر الإبهام مع انحنائه كما يفعله الرماة عند الرمي.
وللسبعين توضع أنملة السبابة أو عقدتها على أصل ظفر الإبهام مع انتصابه بحيث يبقى تمام ظفره مكشوفا.
وللثمانين يوضع طرف أنملة السبابة على ظهر العقدة الفوقانية من الإبهام مع انتصابه.
وللتسعين يوضع رأس ظفر السبابة على العقدة التحتانية من الإبهام كما كان يوضع على مفصلها الأعلى في عقد العشرة.
فهذا آخر الكلام في بيان العشرات الموضوعة في عقود السبابة والإبهام من اليد اليمنى، فيعد بها مع انضمام عقود الخنصر والبنصر والوسطى من الواحد إلى تسعة وتسعين.
وأما المائة فقد تقدم أن عقد المائة في اليد اليسرى كعقد الآحاد في اليد اليمنى وذلك في ثلاث أصابع أي أن كل وضع دال من اليمنى على عقد من الآحاد يدل في اليسرى على المائة؛ والحاصل أن كل عقد يدل في اليمنى على العشرات يدل في اليسرى على الألوف.
فبهذه الأوضاع الستة والثلاثين تعرف عقود الواحد إلى تسعة آلاف وتسعمائة وتسعة وتسعين وللعشرة الآلاف يوضع طرف أنملة الإبهام على طرف السبابة بحيث يصير ظفراهما متحاذيين متساويين؛ والظاهر عدم اختصاص اليمنى أو اليسرى بذلك في أصل الوضع.
هذا ما أردت ذكره عن علم العقود والله الموفق.
محمد مهدي العلوي(4/258)
2 - نموذج من تراجم القراء
الحافظ عثمان الموصلي
يمر الناظر في كتب التاريخ وسير النوابغ على غرائب وعجائب من الأنباء والحكايات والنوادر؛ يقف العقل دونها مبهوتا. ويتردد في قبولها ورفضها متحيرا، بل يكاد يجزم بوضعها ويعتقد بطلانها اعتقادا لا مجال للامتراء فيه لو لم تتواتر وينقلها الإثبات؛ ثم تؤيدها آثارهم ونتائج قرائحهم؛ ويشاهد أناسا من نوعهم جمع الله العالم كله فيهم. كأنهم خلقوا ليكونوا تذكرة لمن مضى وحجة على من جحد الآيات.
ومن شاهد الحافظ عثمان الموصلي آمن قلبه بتلك الأنباء إيمان شعر أمية ابن أبي الصلت بالله رب العالمين. وأذعن لكل ما يرويه المؤرخون من الأنباء الغريبة في سير العالمين.
ولد الحافظ عثمان في الموصل سنة 1271هـ في حجر أبيه الحاج عبد الله بن الحاج فتحي بن عليوي المنسوب إلى بيت الطحان. وفقد بصره صغيرا. وتوفي أبوه وهو في نحو السابعة من عمره، فبقي يتيما؛ فرآه السري الفاضل محمود أفندي العمري؛ وتفرس أن يكون أهلا للتربية والتثقيف؛ فأخذه إلى بيته وخصص له من يحفظه القرآن الكريم فحفظه حفظا متقنا وحفظ السيرة النبوية وطرفا من الأحاديث الصحيحة وجانبا كبيرا من الشعر. ثم رتب له من يدربه على اللحن والإيقاع ويعلمه الموسيقى حيث أنه رزق صوتا معبديا ينعش الأرواح، من كبوات الاتراح، وجرسا غريضيا يخرس الأطيار في أعالي الأشجار - فلم يزل يعاني الصنعة حتى جاءت منه آية نسخت آية إبراهيم بن ميمون الموصلي؛ فحلق طائر صيته في سماء العراق، وأصبح حديث المحافل والنوادي في الأصقاع والآفاق. فلما توفي مربيه العمري قصد بغداد:
وقبل كانت له بغداد عاشقة ... تقضي بذكراه أوقاتا وأزمانا
على السماع به باتت متيمة ... (والأذن تعشق قبل العين أحيانا)(4/259)
وكان إذ ذاك فيها ابنه الشاعر الأديب احمد عزت باشا العمري فحل ضيفا في بيته فألتف حوله الأكابر وحفت به عيون الأعيان؛ وأصبح في مغاني الزوراء فاكهة الأدباء؛ ونقل الظرفاء؛ وشمامة النبلاء: تتهاداه الأكف من مجلس إلى مجلس ومن ناد إلى ناد والناس يخفون إليه سراعا من كل حدب لسماع قراءته (المولد النبوي) يحيون الليلة بعد الليلة مفضلين التلذذ بأنغامه على لذة المنام. ولا ريب أن البغداديين من ارق الناس طباعا واشدها اهتزازا للأصوات الرقيقة والألحان الشجية كما هو مشهور في التاريخ ومشاهد اليوم؛ فلا
بدع إذا ما تعشقوا صوت الشيخ عثمان ولازموا مجلسه ملازمة الظل لصاحبه.
وبعد أن قضى زمنا في بغداد عزم على السياحة في العالم الإسلامي فشد الرحال إلى الحجاز لأداء فريضة الحج المقدسة. وذكر لي بعض الفضلاء أنه رأى في رحلة لكاتب تركي أنه كان في مكة يخطب في المحافل ويدعو الحجاج إلى الانقياد للعثمانيين وشد أزر الخلافة؛ فسألته عن اسم الرحلة وصاحبها لا تحقق جلية الأمر فلم يكد يتذكر. فإذا صح هذا فذهابه إلى الحجاز كان سياسيا بإيعاز من الحكومة.
ثم قفل إلى الموصل؛ وقرأ القراءات السبع على الشيخ محمد ابن الحاج حسن ثم قصد القسطنطينية وسلك لأمر من الأمور في الطريقة القادرية والمولوية. وحصل على مقام كبير.
ثم سافر إلى سورية ومنها إلى مصر للاجتماع بمغنيها الطائر الصيت عبده الحمولي فلازمه واستفاد من طريقته الحديثة التي وفق فيها بين المزاجين المزاج العربي والمزاج التركي؛ وقد رأيته كثير الإعجاب به حتى إذا ذكره زفر وبكى عليه. وقد اخذ في مصر القراءات العشر عن كبار القراء وأساتذة التجويد كما اعجب به المصريون وتتلمذ عليه كثيرون في الموسيقى التركي؛ كما جاء في كتاب الموسيقي الشرقي لمحمد كامل الخلعي وغيره. واصدر فيها مجلة لم تمتد حياتها حيث أوفده السلطان عبد الحميد إلى طرابلس الغرب لعجم عود الإمام السنوسي وسبر أغوار مقاصده السياسية فأحس السنوسي بالغرض من مجيء(4/260)
الشيخ عثمان فاكرم مثواه واحسن إليه ثم جهزه فعاد أدراجه إلى الأستانة ثم إلى بغداد فاتفق أن دعا على رؤوس الأشهاد في جمع كثيف لسلطان العجم فنفاه تقي الدين باشا والي بغداد إلى سيواس. وبعد منفاه ذهب إلى الأستانة فعين أستاذا للموسيقي في إحدى مدارسها. وتزوج فيها، وبقي فيها زمنا طويلا في نعيم مقيم وإجلال وتعظيم إلى قبيل الحرب الكبرى فبعثه الحنين إلى سكنى العراق فجاء دار السلام ونزل ضيفا في (بيت خيوكه) أمام دارنا القديمة في الرصافة فهرعت إليه الناس وتجاذبته أيدي الكبراء وأمسى عند كل ذي عين، جلدة ما بين الأنف والعين. وعاد الناس إلى سيرتهم الأولى معه من إحياء الليالي بقراءة (المولد النبوي) ونصب في أخرته شيخا للقراء؛ وقرأت عليه قبل نصبه سورة لقمان على السبع، وفجعت مدينة السلام بوفاته في اليوم الخامس عشر من
جمادي الآخرة سنة 1341هـ وكان يوما شديد المطر كثير الرعد والبرق فلم يسمع كثير من الناس بموته إلاَّ بعد دفنه رحمه الله.
كان عثمان آية الزمان
كان هذا الرجل آية الزمان في سعة أدبه وعلمه وفرط ذكائه وفطنته ورقة شعوره وإحساسه. وبراعته في فن الموسيقي وتفننه في قراءة القرآن المجيد.
كان إذا قرأ القرآن تخيلت (اببا) يترنم بصوته الرخيم. يقرأ القراءات العشر بتفريع وتنقل يدهش السامعين فكان بعض الناس يتوهمون أنه غلط أو حرف فيردون عليه فيصرخ: (اسكت! ليس بشغلك!). ومما كان يزيد حسن صوته الرخيم الذي يملأ النفوس ويستفز الشعور تجويده للقراءة وأداؤه المعاني حقها كأن يهول حيث يجب التهويل؛ ويتلطف حيث يجب التلطف ونحو ذلك مما لا يعقله إلاَّ العالمون بمعاني التنزيل ومواقع الكلام.
أما (المولد النبوي) فبعد أن كان القراء أو قل (المغنون) خاملين في الصنعة لا يعرفون سوى الاسترسال في نغمة واحدة من البداءة إلى النهاية حتى تكاد تزهق من سماعهم الأرواح. وبعد أن بار سوق الغناء في دار السلام ولم(4/261)
تبق له اقل قيمة واعتبار عند الناس - أصبح بما وصل إليه الشيخ من الابتداع والاختراع الذي لم يعرفه العراقيون من قبل، من ضروريات الحياة في نظر الناس. فما كانوا يسمعون به يقرأ في بيت إلاَّ وانسلوا إليه من كل حدب وضاق المكان بالشيب والشبان فكان (كما قال سيد الشعراء احمد شوقي المصري في مغن):
يخرج المالكين من حشمة المل ... ك وينسي الوقور ذكر وقاره
رب ليل أغار فيه القماري ... وآثار الحسان من أقماره
بصبا يذكر الرياض صباه ... وحجاز ارق من أسحاره
وغناء يدار لحنا فلحنا ... كحديث النديم أو كعقاره
وأنين لو أنه من مشوق ... عرف السامعون موضع ناره
يتمنى أخو الهوى منه آها ... حين يلحى تكون من أعذاره
زفرات كأنها بث قيس ... في معاني الهوى وفي أخباره
لا يجاريه في تفننه العو ... د ولا يشتكي إذا لم يجاره
يسمع الليل منه في الفجر يالي ... ل! ليصغي مستمهلا في فراره
ذكاؤه وفطنته
وما ذكاؤه وفطنته فحدث عن البحر ولا حرج. وكأني بمن لم يزل يتردد في تصديق ما اذكره من غرائبه ونوادره؛ كان مع شيخوخته إذا سمع صوت إنسان عرف أوصافه من حسن ودمامة وطول وقصر وعرف كم سنه. وإذا لمس يد رجل فارقه مدة من الزمن عرفه في الحال. واغرب من هذا وذاك أنه كان يعرف الرجل من قرع نعليه.
وكان يجيد الضرب أيما إجادة على العود والعزف بآلات الطرب بأنواعها واللعب بالدمة (أي بالدامة) والشطرنج وسائر الألعاب العجيبة. ومر يوما في طريق من طرق بغداد فسمع من أحد البيوت صوت عود غير منتظم فعرف حالا أن وترا من أوتاره لم يحكم شده فوقف وطرق الباب وقال: يا ضارب العود احكم الوتر الفلاني وسماه باسمه! فقال الرجل: أنا أردت ذلك بارك الله فيك!
ونوادره أوسع من أن يحيط بها نطاق الحصر.(4/262)
وأما حافظته فقد كان أمره فيها عجبا. حفظ ما شاء الله أن يحفظ من الشعر والقصص والنوادر، واستظهر في بغداد صحيح الإمام البخاري برمته. وذكر لي شيخنا علامة العراق الإمام السيد محمود شكري الالوسي رحمه الله أنه حاول أن يأخذ عنه العربية. قال: فاشترطت عليه حفظ كل ما القيه عليه وادرسه إياه عن ظهر غيب؛ فتبسم وقال: شرط عظيم! قال الأستاذ: فكان لا يمر على الدرس مرة واحدة إلاَّ ويحفظه بلفظه من غير أن ينقص منه أو يزيد عليه. . . ولقد رأيته يرتجل في المجالس الشعر ولا سيما (التواريخ) ارتجالا فيأتي سهلا لا كلفة فيه ولا يكاد يخطئ في التاريخ.
أخلاقه
كان رحمه الله طيب الحديث لسنا فصيحا لا يمله الجليس حلو العشرة وربما كانت تعتريه الحدة في بعض الأحايين فيتكلم بما يضحك الثكلى، ويذهب بثقل الحبلى، ولكن الغالب على طباعه سلامة الصدر وطيب السريرة وكثرة الوفاء والسخاء وعزة النفس والأباء إلى غير ذلك من الصفات الحميدة التي حرمها اكثر العمي.
وكان صادقا في لهجته غيورا على مصالح أمته. ومواقفه الوطنية في الثورة العراقية أشهر من أن تذكر فقد كان الناس بحجة قراءة (المولد النبوي) يحيون الليالي في المظاهرة على الحكومة المحتلة ويتناشدون الأشعار الحماسية ويلقون الخطب الوطنية كأنها الشرر. فيأتون بالشيخ عثمان رئيس القراء فيفرع المنبر ويأخذ في ارتجال الشعر والخطب المحرضة حتى يترك الناس على اشد من الجمر ويدعهم يتلهفون للطعن والضرب في ساحة الوغى!
لباسه وخلقه
كان يلبس سروالا وجبة وبرأسه طربوشا أصفر طويلا كالذي تلبسه المولوية في فروق والشام ثم استبدل منه قبل وفاته بثلاث سنوات (الكشبدة) وهي عمامة فيها وشي.
وكان قوي البنية كبير الجسم ممتلئة ربع القامة اسمر اللون أشقر الشعر جهير الصوت بطيء السير يقوده أحد تلاميذه غالبا وكثير من الناس. وإذا(4/263)
ترك وحده سرقوا كيسه أو سبحته أو عصاه أو حذاءه، فتثور ثائرته ويخرج به الأمر إلى سب نفسه والعربدة على الله. . .! ثم يثوب إليه رشده فيستغفر ويتوب!
تآليفه
خدم رحمه الله العلم والأدب خدمة جليلة بنشر بعض آثار كبار العلماء والأدباء فنشر ديوان عبد الباقي العمري الشاعر الشهير، وكتاب الطراز المذهب. وكتاب الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية: وكلاهما من تآليف شيخ مشايخنا الإمام المفسر الخطير أبي الثناء شهاب الدين محمود الالوسي. ونشر كتاب التوجع الأكبر بحادثة الأزهر. وخواتم الحكم في التصوف ولم اطلع عليهما.
وله شعر كثير من جملته تخميس بائية عبد الباقي العمري في رثاء الحسين رضي الله عنه، وتخميس لامية البوصيري المفتوحة وتخميس قصيدة الشيخ مصطفى البكري، وتشطير قصيدة لابن المقري الشهير يزعمون إنها تقرأ على عشرة ملايين من الأوجه!! وقد ذكرها الخزرجي في طبقاته وشرحها في مجلد لطيف. وقد جمع كل ذلك بمجموعة في 50 صفحة دعاها (الأبكار الحسان في مدح سيد الأكوان) وطبعت خمس مرات.
وانشأ في مصر مجلة باسم (المعارف). قالت فيها مجلة (البيان) للشيخ إبراهيم اليازجي:
المعارف - ورد علينا العدد الأول من مجلة معنونة بهذا الاسم لصاحبها ومحررها الفاضل منلا عثمان أفندي الموصلي وهي علمية سياسية تاريخية أدبية أخبارية، وفيما نعهده في حضرة محررها المشار إليه من غزارة الأدب والبراعة في صناعة الإنشاء ما يضمن لها التقدم بين الصحف العربية.
محمد بهجة الأثري(4/264)
الألفاظ الارمية
في اللغة العراقية العربية
اللغة الارمية من اللغات السامية، كالعربية، والعبرية، والفينيقية، والحبشية، وهن بنات أم واحدة مفقودة؛ وتطلق اللغة الارمية على السريانية. والكلدانية، والفلسطينية، والمندائية، وما تفرع منها من اللغات كالتي يتكلمها اليوم الاثوريون، والكلدان المسيحيون في إيران وكردستان وفي قرى الموصل والنازحون منها إلى بغداد والبصرة ويهود زاخو وقصر شيرين وكرند، وعدد من السوريين كالساكنين في معلولة ونجعة وجب عدين.
ولقد كانت الارمية في أيام عزها ومجدها، اللغة السائدة في رقعة واسعة من الكرة الأرضية تحدها شرقا بلاد فارس وغربا البحر المتوسط وشمالا بلاد الأرمن واليونان في آسية الوسطى وجنوبا جزيرة العرب.
وبقيت هذه اللغة من القرن السادس قبل الميلاد حتى القرن السابع بعده اللغة السامية الوحيدة - إن استثنينا اللغة العربية - ترجمانا للأعراب عن آراء الساميين والتعبير عن أفكارهم في غضون اثني عشر قرنا.
وبعد استيلاء الفرس على بابل بقيت اللغة الارمية لغة رسمية وكان ملوكهم يصدرون مراسيمهم بها (راجع سفر عزرا 7: 4) وتعلم اليهود هذه اللغة في منفاهم في أرض بابل وكتبوا بها كتاباتهم الدينية والأدبية. وكانت إحدى اللغات الثلاث في بلاط الاكاسرة.
هذا فضلا عن إنها إلى هذا العهد اللغة الدينية للنساطرة، والكلدان، واليعاقبة، والسريان، والموارنة، وبعض نصارى ملبار في الهند، وبها بشر الكلدان بالدين المسيحي في بلاد الصين، وبواسطتها ازدهرت العلوم عند العرب في عهد العباسيين، وبعد الفتح الإسلامي أخذ يتقلص ظل هذه اللغة رويدا رويدا وحلت محلها اللغة العربية.
إلاَّ أن الارمية خلفت طائفة من الألفاظ يستعملها العراقيون في كلامهم(4/265)
العربي السوادي ولا يعرفون أصلها فآثرنا أن نجمع عددا منها للإشارة إلى وجودها فيه.
ثم اعلم أن في اللغة العامية العراقية ألفاظا عربية فصيحة وألفاظا فارسية وتركية وارمية وكلما من اللغات الأوربية وقد دخلتها هذه حديثا.
ونحن لا نتعرض هنا للألفاظ الارمية الأصل التي دخلت في اللغة العربية الفصحى منذ القدم كشماس وكهنوت وعماد وبرنساء وما شاكلها. ولا للمفردات التي دخلت الارمية والعربية من الفارسية أمثال: رشتة، كلك، كمر، بربارة، تنورة، كستج (كوستك) الخ. ولا للحروف اليونانية التي من هذا القبيل مثل: لكن أو لقن (للوعاء المعروف) وتليس بمعنى كيس، ويريد به تجار العراق ما يغطي أثواب الأقمشة. كما لا نذكر الألفاظ التي ينطق بها اليهود مثل: كنب بمعنى سرق. وشوخار بمعنى سكر، ومشكنته أي رهن، وبكن أي رطن، وشيقر بمعنى كذب؛ فلهذه جميعها أصول ارمية كما يعلم الواقفون على هذه اللغة.
إنما نقصر مقالنا على الألفاظ الارمية البحتة التي يستعملها العراقيون بمعانيها الأصلية ولا يعرفون حقيقتها إذ لا يتمكنون من الوقوف عليها في المعاجم العربية لخلوها منها.
ومما يؤسف له أن ليس لمطبعة (لغة العرب) الحديثة الوجود حروف ارمية ولهذا اضطررنا إلى أن نكتب أصول تلك الكلمات بحروف عربية منفصلة فحيث وجدتها اعلم أنها تلمع إلى أصل ارمي وأن لم نذكر ذلك.
حروف الأبجدية الارمية اثنان وعشرون على ترتيب حروف الجمل العربية إلاَّ أن في لغتنا سبعة حروف لا مقابل لها في اللغة الارمية وهي: ج (لأن جيم (أبجد) عندهم تلفظ كافا فارسية) ث، خ، ذ، ض، ظ، غ. وهذه الحروف يعتاض عنها في الارمية بوضع نقط على ما يقابلها من حروفهم.
نسير في بحثنا على ترتيب الحروف الأبجدية نظرا إلى أصلها الارمي ليسهل التنقيب على الذين يريدون الاطلاع على المفردات في المعاجم الارمية:(4/266)
(ابزار) آلة حياكة: من (اب ز ر ا) آلة حياكة تتخلل فيها خيوط السدى
(اشكارة) وهي قطعة من الأرض تزرع وفي الارمية (اش ك ر) أو (اش ك ر ا) بالمعنى نفسه وهي الدبرة في لغتنا.
(بزاغة) معمل الشيرج من (ب ز ر ا) وهو الشيرج بذاته بإبدال الراء الثالثة غينا. ومنها البزار: بياع بزر الكتان وزيته بلغة البغادة في عصر العباسيين وإبدال الراء غينا خاص بلغة نصارى الموصل وبغداد وغيرها.
(بطانية) من (ب ي ط وا ن) وهي البردة والجبة.
(برم الخبز) بمعنى أكله. من (ب ر م) أي قرض، أرض، أكل
(بيتونة) وهي بيت صغير في السطح لحفظ الفراش من الشمس والمطر ويقال له عند بعضهم بيب الفراش؛ وهذه اللفظة مؤلفة من كلمتين بيت أو (بيتا) الارمية ومن (ون ا) وهي أداة تزاد في الآخر للدلالة على التصغير في الارمية؛ ومثل ذلك دربونة أي درب صغير أو دريب على الصيغة العربية ويطلقه العراقيون على الطريق الخاص؛ و (قبونة) (وزان حسون بزيادة الهاء) يقال قبونة تمر بمعنى سلة تمر لأن شكلها بشكل قبة أو قب وبزونة: للبسة الصغيرة إلى غير ذلك من الألفاظ.
(جهجه النهار) من (ج هـ) أو (ج هـ ج هـ) وفي الكلمتين تلفظ الجيم جيما مصرية ومعناها أضاء الصبح، انفلق الفجر (ولم اسمع بهذا الفعل إلاَّ من المسيحيين)
(غوغى الطفل) ابتدأ بالنغم من (ج وج ي) الجيمان فيها مصريتان بالمعنى نفسه. وإبدال الجيم غينا معروف في العربية.
(جومة) آلة الحياكة وهي المنسج ونول الحائك من (ج وم ت ا) بمعنى(4/267)
الحفرة وذلك لأن المناسج في العراق تنصب في محل يتخذ لها فيه حفرة والحائك يدلي رجليه فيها وقت الحياكة.
(كيش) الضحضاح من الماء. هذا اللفظ مأخوذ أما من (ج وش ا) والجيم فيها مصرية ومفاده: الغور وعمق البئر أو النهر والمخاضة والرق والماء الرقيق. وأما من فعل (ج ش) والجيم مصرية بمعنى جس ولمس وسبر وقاس الماء وصدم وجنح ونشب المركب في الأرض لقلة الماء.
(كاطرة) من (ج ط ر ا) بالجيم المصرية وهي الزوبعة والعاصفة.
(كندر وتكندر) بمعنى دحرج وتدحرج ومنه المثل تكندر الدست لقي (وجد) قبغه (غطاءه) من (ج ن د ر) و (ات ج ن د ر) الجيمان مصريتان بالمعنى نفسه.
(كنكورة) من (ج ن د ور ا) بالجيم المصرية وهي الدحروجة والكرة.
(كردش العظم) ومنه المثل: كردش العظام على شأن العظام من (ج ر د ش) بالجيم المصرية بمعنى عرق العظم وجرده. وفي لغتنا الفصحى: كدش واكتدش منه شيئا أي أصاب منه شيئا.
(الكرص) ومنه كلام شتم (مال الكرص) من (ج ر س) بالجيم المصرية والسين في الآخر بمعنى هلك وباد؛ ومما يؤيد هذا المعنى انهم يقولون: مال الموت، مال الكرص؛ على الترادف. وإبدال السين صادا كثير في العربية ومنه يقال رجل عكص وعكس سيئ الخلق؛ ورصعت عين الرجل ورسعت إذا فسدت والصقر والسقر الخ.
(دكدك) بمعنى دغدغ من (د ج د ج) والجيمان مصريتان واللفظة من الارمية مبنى ومعنى. وهي تضاهي (دغدغ) العربية.
(اطرش دكي) لفظة ذكي هنا مرادفة لكلمة اطرش وهي من الارمية (د وج ا) بالجيم المصرية أو (د ج ا) بالجيم المصرية أي اطرش واخرس.
(داكور) تطلق هذه الكلمة على خشبة يسند بها الجدار وقد يراد بها من باب المجاز الشخص الذي يكون مانعا أو حجر عثرة للغير ويقال دكر يدكر أي منع وقاوم؛ فأن الداكور (د اج ور ا) بالجيم المصرية، ودكر من (د ج ر)(4/268)
بالجيم المصرية فالأول بمعنى الطارق، والناخز، والزاجر والثائي بمعنى انتهر، وزجر، ودفع.
(دادا) تنادي نساء الأعراب عند وقوع بلاء أو حدوث مصيبة (وا يا دادا) وهذا كثير ما يسمع من البدو ويقوله أيضا من يحمل ولدا صغيرا ويلاقي ولد آخر صغيرا فيقول للولد الذي يحمله (هذا دادا) ويظن بعضهم أن لفظ دادا مشتقة من الفارسية (داد) أي الانتقام والعدل والخلاص والتنهد ومنه كلام العوام من سكن المدن: أصيح داد وفرياد؛ وكلمة فرياد معناها الغوث. وهناك من يقول إنها من كلمة (دادا) الفارسية ومعناها المرضعة ومنها الداية والكلمة مهموزة معروفة منذ عهد العباسيين وعوامنا يستعملونها غير مهموزة ونقلت بصورة الظاعية عند الفصحاء.
أما نحن فنذهب إلى أن كلمة (وا يا دادا!) التي يستغيث بها نساء البادية أصلها ارمي (ددا) بفتح الدالين ومعناها حبيب وصديق وعم وخال ومؤنثها (ددت ا) فكأن العراقية عند ما تستغيث وتقول (وا يا دادا) كأنها تقول: يا حبيباه! يا صديقاه! يا عماه! يا خالاه!
(دحرة) يقال دحرة على كلبك (قلبك) ودحرة بعينك: للشتم. والكلمة مشتقة من (د ح ر ا) ومعناها في الارمية حجر الرحى. ومما يؤيد هذا التعليل قولهم (طاق رحية) بهذا المعنى لحجر الرحى.
(دكلة) جنس من النخل ينبت عفوا من النوى وهو من اردأ أجناس النخل مشتقة من (د ق ل ا) وهي بالارمية النخلة بعينها؛ وقد عرفها العرب بهذا المعنى منذ زمن تقادم عهده؛ جاء في المخصص (132: 11) قال أبو حنيفة كل ما لا يعرف أسمه من التمر فهو دقل.
(دريخ) وهي الحنطة بتبنها بعد الدرس وهي من (د ر ي ك ا) بمعنى الدائس والواطئ أبدلت فيها الكاف خاء.
(درخ) درختني الهموم بمعنى سحقتني من (درك) بمعنى داس ووطئ (بالهون) وأن كان الهون هنا يفسر بالهوينا، أي على رسلك إلاَّ أني أرى أنها من الارمية (هـ ون) أي العقل ولا سيما لأنها تأتي على ألسنة العراقيين(4/269)
مرادفة للعقل فيقولون (بالعقل؛ بالهون) ولا تخلو لغة القوم من مثل هذه المترادفات.
(هيلة وهيلة عليك) بمعنى زه للاستهزاء من الارمية (هـ ي ل و: هـ ي ل هـ) بهذا المعنى.
(ورور النار) اتقد من (ورورا) بمعنى شرارة النار؛ وقد جاء فعل ورور في العربية كقولهم ورور في الكلام أي أسرع وما كلامه إلاَّ ورورة إذا كان يستعجل فيه؛ وللعامة العراقيين مثل هذا الكلام يقولون: (يورور) وهو (وروري) بياء النسبة وربما اشتق العوام (ورور النار) من فعل ورت النار وريا وورية أي اتقدت.
(زنقطة) بمعنى بثرة أو دملة من (ز ن ط ا) وهي الخراجة الخبيثة.
(زياح) يستعملها المسيحيون بمعنى طواف (دورة) من (ز ي ح) بمعنى حرك وحمل شيئا وطاف به بأبهة وجلالة.
(حويجة أو حويكة) قطعة من الأرض فيها شجر من (ح وي ج ت ا) بالجيم المصرية وهي الغابة والغيضة والكلمة مشتقة من فعل (ح ج) بالجيم المصرية بمعنى الحوط والسور والسياج.
(حياصة) وهي الحزام؛ هذه الكلمة وأن دخلت في العربية الفصحى إلاَّ أنها ارمية مبنى ومعنى من (ح ي ص ا) أي النطاق والحزام والوثاق والكلمة مشتقة من فعل (ح ي ص) أي قمط وزنر وستر. وجاء في المخصص 187: 6 في كلامه عن أدوات الخيل: الحياصة سير في الحزام.
(حيفة) بكسر الحاء وسكون الياء وفتح الفاء: الرجل الداهية من (ح اب ا) بكسر الحاء
وباء مثلثة تحتية: وهو العزوم والشديد القوى.
(حنن الخبز أو الجبن) أي فسد ونتن من (ح ون ا) وهي النتانة والسهوكة والعفونة.
(حمحيم) مرض في الجلد من أعراضه الحكة وظهور البثور أو القشرة والشعور بالتهاب (ح م ي م ا) بمعنى الحميم والهائج والمنتن والفاسد والمسموم.
(حربق) شبك ارميتها (ح ر ب ق) بمعناها أي عقل وشبك وربك. وأظن(4/270)
أن هذا اللفظ لا يستعمله إلاَّ المسيحيون العراقيون.
(حركش وحركيشة) أي تحجج واحتال ارميتها (ح ر ك ش) بمعنى بصبص وخادع.
(أصفر خروع) و (خروع وزان عبود) تقوله العامة بمعنى أصفر فاقع أي شديد الصفرة ولفظة خروع من (ح ر وع ا) أي أصفر.
(خشل) الخشل - الحلي من ذهب وفضة وحجارة كريمة للزينة والفعل من الارمية (ح ش ل) أي صاغ وسكب. و (ح ش ل ا) المصوغ والمسبوك و (ح ش ل ا) الصائغ.
وقد جاء في العربية الفصحى خشلة أي رذله وحلاه فهو مخشل أي محلى وهو تفعيل يكون للسكب تارة وللوضع أخرى والخشلة الاسورة والخلاخيل كما في اللسان لا رؤوسها. وأنت ترى أن اللفظة ارمية. لوجود الاسم والمصدر واسم الفاعل فيها. وقد جاء عن ابن الأعرابي: امرأة متخشلة - متزينة المخصص 54: 4
(تكز) بمعنى رتب من (ط ك س) أي رتب ونظم وصف ولعلها يونانية.
(لطش) وهو قلب طلش بمعنى العمل غير المنظم من (ط ل ش) أي لزج ودبق ووسخ ودنس.
(طعطع - مطعطع) بمعنى غير ثابت أو غير مستقيم من فعل (ط ع ا) أي ضاع وتاه وباد وهلك وأهمل وأضل.
(طبش في الوحل وطبش في أعماله) من (ط ب ش) بباء مثلثة فارسية أي طفس وقذر ودنس وغلط وحمق وجهل.
(طره بالحجارة) أي ضربه بها من فعل (ط ر ا) بهذا المعنى. وفي العربية الفصحى فعل (طر) ولكنه لا يفيد هذا المعنى. وأقربها إلى هذا المؤدى طر فلانا لطمه وطر الماشية ساقها ولا يتعدى هذا الفعل بالباء كما في الارمية.
(طرطور) بمعنى الرجل المنحط السافر وجاء في العربية الفصحى الطرطور بمعنى الوغد الضعيف. وجاء في الارمية (ط ر ط ر) أي ضرط والطرطور عند العراقيين الضراط ويقولون طرطرت بطنه أي قرقر بطنه. فإنك ترى أن لهذا اللفظ وجهين عربيا وارميا فربما هو من الأوضاع السامية المتشابهة.(4/271)
(طرن) يقال للرجل الجاهل الغبي. وهو عندنا مشتق من (ط ر ن ا) وهو الظر والصوان للحجر المعروف ومما يؤيد قولنا هذا أن هذه اللفظة تأتي على ألسنة العوام مردوفة بكلمة صخرة فيقولون لا نعلم ما هذا الرجل طرن صخرة؟
(كع) يقول (كعه عني) أي أبعده فأرى أنه من الحرف (ك اا) بمعنى انتهر وزجر بإبدال الألفين عينا وربما يعترض معترض كيف يكون ذلك؟ فأقول أن إبدال الألف أو الهمزة عينا كثير المثال في لغة العرب فيقولون كثأ اللبن وكثع وهي الكثأة والكثعة وهي أن يعلو دسمه وخثورته رأسه؛ وتقول العامة في العراق في مثل هذا قطع اللبن وقطع الحليب ومنه السأف والسعف؛ والآسن (بقية الدسم) والعسن الخ. وفي لغتنا الفصحى جاء كع بمعنى جبن وضعف واكعه جبنه وخوفه وكعكعه حبسه عن وجهه.
(كباش) يقول العراقيون وقع الرجل كباش على الأكل أي أكل أكل جشع وهذه الكلمة ارمية من (ك ب ش) بمعنى دح ودش وحزق أو سحق ومما يؤيد هذا الاشتقاق قولهم بمثل هذا المعنى (دح بطنه) و (سحق).
(كبش) (دولاب الغزل) من (ك ب ش ا) فلكة المغزل.
(كوش كوش) لفظة تستعمل للدلالة على الكلب بلسان الأطفال وأظن أنها من (ك وش و - ك وش و) لفظة يدعى بها الكلب. وفي العربية الفصحى قوش قوش زجر للكلب.
(كمش - كمشة) الكاف مفخمة كالجيم المصرية أي قبض قبضة أصلها إنها من (ك م ش) وتفيد المعنى نفسه، قال صاحب دليل الراغبين في لغة الآراميين سوادية.
(كرخ الماء وكرخ الشيء) بمعنى ساقه برجله جاء في لسان العرب أنها سوادية. وعليه فأن أصلها ارمي من (ك ر ك).
(الكتر - كتره) تريد العامة بالكتر الجانب وكتره (من باب التفعيل) أخره أو تركه جانبا إلى أن تأتي نوبته. أظنها من الارمية (ك ت ر) ومعناها مكث وانتظر وتأخر وترقب
ويظن بعضهم أن الكتر بمعنى القطر بطريق إبدال القاف كافا والطاء تاء. ولهذا الرأي وجه أيضا. ولا سيما قد جاء فعل قطر أو قتر بمعنى جعله في قطر.(4/272)
(تكش يتكش) يريدون بها اشتغل شغلا بجهد. من (ك ت ش) أي صارع وقاتل وكافح وجاهد وحارب على سبيل القلب بتقديم التاء على الكاف وهذا كثير في العربية الفصحى ومنها قولهم جذب وجيذ. تسكع وتكسع. سفيط وفسيط، للشيء الذي لا قدر له الخ.
(جاث) بالجيم المثلثة الفارسية من (ك ث ا) ما نبت من ذاته بعد الحصاد وقد ورد في العربية الفصيحة الكاث وجاء في تعريفه: ما ينبت مما يتناثر من الحصيد، والتعريف الارمي اكثر انطباقا على ما يريده العراقيون بلفظة (جاث) بالجيم المثلثة. ومما يحملنا على الذهاب إلى أن هذه اللفظة ارمية الأصل أمران: أولهما أن الزراعة والفلاحة كانتا بأيدي الارميين حتى بعد الفتح الإسلامي بزمن غير يسير ومعلوم أن ألفاظ الزراعة ومصطلحاتها من وضعهم، وثانيهما أن في اللسان الارمي فعل (ق ت) بمعنى نشب وانتشب وتعلق وتسمر ودس في الأرض فكأن أصول الزرع تبقى مخزونة في الأرض بعد الحصاد ثم تنبت.
(لبيخة) تطلق أولا على الضماد ومن باب المجاز تطلق على الأمر المعقد واشتقوا منها فعلا فقالوا لبخ أي ضمد ووضع لبيخة. ولم نر في العربية لفعل (لبخ) الفصيح ومشتقاته هذه المعاني. إلاَّ أن فعل (لبك) الشيء والأمر لبكا، بمعنى خلطه كربكه يقارب معنى لبخ العامي، تقول: لبك لباب البر بالشهاد ولبك القوم بين الشاء خلطوا واللبكة المرة والشيء المخلوط وأمر لبك أي ملتبس مختلط. على أن الحرف الارمي (ل ب ك) وأن كان من أصل واحد كالفعل العربي، إلاَّ أنه اقرب إلى ما يقصده العراقيون ب (لبخ ولبيخة) فهو عند الارميين بمعنى تلاءم وتلاحم وتلاصق ومنه أطلقت على الضماد لتلاحم أجزائه. وحرف (ل ب ي ك ا) (والكاف في هذا اللفظ تقرأ خاء) يفيد عندهم الأمر المعقد المبهم و (ات ل ب ك) (والكاف تلفظ فيه خاء) معناه تكاثف وتلبد وتلاحم وقصارى القول أن هذا اللفظ من الأوضاع السامية المتشابهة.
(تلبش به لبشة - بلش به بلشة) أي تحرش وتعلق به. من فعل (ل ب ش) أي شمل وغشى واعترى واحاق؛ ويقولون بلسانهم: (لبش نورا لزبلن) علقت النار بكذا. و (لبش
شدا لبلن) اعترى الشيطان فلانا. ولا يخفى أن فعل لبش الارمي هو مثل فعل لبس العربي معنى ومبنى. ويقول العراقيون (لبني(4/273)
فلان جبة وقميص) أي لازمني ولم يترك لي راحة. أما بلش فهو من فعل (ب ل ش) أي تحرش وتشبث ذكرها بهذا المعنى الأخير صاحب دليل الراغبين وقال أنها سوادية وعندهم لفظ (ب ل ش ي ا) يفيد معنى جيل من الناس مشهور بالبطش والفتك ويراد به اللصوص والسراق ويعرفهم العرب باسم البلوص على ما ذكرهم ياقوت.
(شله المركب) أي جنح وأظن أنها مشتقة من فعل (ش ل هـ ي) ومؤداه أقفر وأخلى واخوي وافرغ كأن النهر فرغ من الماء. أو أن مأخذها من فعل (ش ل ي) بمعنى سلا وسكن وفتر وسكت وهدأ وبطل وكف كأن المركب بجنوحه قتر عن الحركة وكف عن السير وكثيرون من العوام يقولون: شهل المركب وشهلت السفينة. والكلمة من (ش هـ ل) بمعنى كف وامتنع و (ش هـ ل ا) الوحل والطين وكل مادة سيالة كالرمل فيكون معنى شهل المركب: نشب في الرمل أو في الطين ومنه الساحل في العربية، وربما رقق الآراميون الحرفين السين والحاء فقالوا شهل لأن الساحل من النهر مكان كثير الرمل أو جم الوحل.
يوسف غنيمة
مؤلف مناقب بغداد
نشر محمد بهجة الأثري رسالة اسمها (مناقب بغداد) وطبعها في مطبعة دار السلام ببغداد سنة 1342هـ وقد نقلها عن صورة أخذت من الخزانة التيمورية. ونسب تأليفها إلى جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الشهير بابن الجوزي المتوفى سنة 597هـ.
وقد شك الناشر في المقدمة التي صدرها بها في صحة نسبها إلى المؤلف المذكور. إلاَّ أنه بني شكه على عدم ذكر هذه الرسالة بين مؤلفات ابن الجوزي ولم يزد بيد أن هناك سببا آخر يقف عقبة كأداء في نسبها إلى جمال الدين أبي الفرج وهو ما جاء في ص34 من الرسالة المطبوعة نفسها عند ذكر غرق بغداد في السنوات 614 و646 و654 فيستنتج من هذا أن المؤلف الحقيقي لم يعمر كثير بعد هذا التاريخ وانه من المسمين بابن الجوزي. فنظرا إلى ما تقدم أرى أن مؤلف الرسالة هو الشيخ أبو محمد يوسف بن أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المقتول في فتنة التتار في بغداد سنة 656هـ وهو أيضا مؤلف كتاب
الإيضاح لقوانين الاصطلاح ولابد من الوقوف على نص صريح يؤيد هذا الرأي لمن يبحث في هذه المسئلة.
يوسف غنيمة(4/274)
الزهر القتيل
وصف الزهر الذابل طي كتاب الحبيبة
أجريت للزهر القتيل دموعي ... وأثرت من قلبي وفي ولوعي
قبلته وشممته وضممته ... وحنينه مثلي حنين رجوع
أرسلته طي الكتاب فمات في ... كنف الجمال الحاكم المتبوع!
أودى الفراق به، وقد كفنته ... برسالة الحب المثير نزوعي
فوددت لو أني القتيل مكانه ... بيديك. . . لا أرضى رجاء شفيع!
لم يبق منه سوى تحيتك التي ... فاحت كما فاحت جنان ربيع!
وكأنما هي فيه روح دائم ... رغم الذبول فمات غير جزوع!
واعتز في الظرف العزيز كأنه ... ملك بتابوت السنا المطبوع!
وكأنما الأحلام قد زفته لي ... من سالف الإعصار لا الأسبوع؛
شكرا معذبتي وألف ضراعة ... لجمالك الجاني الضمين خضوعي!
من صفو وجداني ونبع عواطفي ... من كل إحساس ومن مجموعي
أنسيتني بالإنس حولك وافرا ... من منظر ضاح ومن مسموع
وأنا أئن بغربتي في حسرة ... وكريهة المحروم والمفجوع
حتى ذكرت شقاوتي فبعثت لي ... هذا العزاء لقلبي المصدوع!
من ذا الذي جعل الضحية سلوة ... إِلاَّك، والإرضاء نثر دموعي؟!
أحمد زكي أبو شادي(4/275)
تاريخ الطباعة العراقية
مطابع العراق وثمراتها (من سنة 1856 إلى سنة 1926)
3 - تابع مطابع الموصل
2 - الكتب المدرسية والعلمية والأدبية وغيرها
73 - (جداول كبيرة للقراءة العربية)
74 - (مبادئ التهجئة لتدريس الصبيان) (1862 ص23 طبع عاشر 1891)
75 - (التهجئة ومبادئ القراءة)
76 - (أمثال لقمان الحكيم الأدبية وطرف من لطائف العرب الإنسية) جمعها وضبطها بالشكل المطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1871 ص160)
77 - (تعليم القراءة) (طبع سادسا 1892 ص72)
78 - (جني الأثمار من لطائف الأخبار) (1876 ص178 طبعته الرابعة 1890)
79 - (كراريس التصاريف العربية وتعرف أيضا بكراريس الاشتقاق) للمطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1882 ص94)
80 - (التمرنة في الاصول النحوية) للمؤلف نفسه (1869 ص225 ثم طبع ثانية سنة 1875 في جزءين وفيهما مقدمتان في أصول الكتابة والقراءة مجموع صفحاتهما 410)
81 - (التمرين على كتاب التمرنة) للمؤلف نفسه (1877 ص244)
82 - (تدريب الطلاب في أصول التصريف والأعراب) الكتاب السابق مع بعض تغيير (ص260)
83 - (تعليم الطلاب أصول التصريف والأعراب) لسليم حسون (1895 ص158)(4/276)
84 - (تنزيه الألباب في حدائق الآداب) لجامعه المطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1863 ص174)
85 - (بديع الإنشاء والصفات في المكاتبات والمراسلات) للشيخ مرعي 1866 ص146)
86 - (كليلة ودمنة) عني بطبعه وتنقيحه المطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1869 ص286 ثم كرر طبعه 1876 و1883 ص230)
87 - (فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء لابن عربشاه) وقف على طبعه المطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1869 ص520)
88 - (الرموز ومفتاح الكنوز) عني بطبعه المطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1870 ص132)
89 - (رواية لطيف وخوشابا) عربها نعوم فتح الله سحار (1891 ص83)(4/277)
90 - (احسن الأساليب لإنشاء الصكوك والمكاتيب) لنعوم فتح الله سحار (1878 ص240)(4/278)
91 - (مختصر في التواريخ المقدسة) (1863 طبعة رابعة 1883 وطبع خامسة ص76)
92 - (مختصر في التواريخ المقدسة على سبيل السؤال والجواب) ألفه البطريرك اغناطيوس افرام الثاني الرحماني بطريرك السريان الكاثوليك (طبع ثالثة 1883 ص229 ورابعة 1891 ص237)
93 - (الفصول الإنسية في التواريخ القدسية) للمعلم بيليز عربة البطريرك جرجس عبد يشوع خياط الكلداني (1868 ص464 ثم 1876 ص321)(4/279)
94 - (مختصر تاريخ الكنيسة) للمعلم لومون عربة المطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1873 ص756)
95 - (مختصر المختصر في تواريخ الكنيسة) للمطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1877 ص210)
96 - (مختصر في التواريخ القديمة) تأليف القس لويس رحماني وهو البطريرك اغناطيوس افرام الثاني الرحماني (1876 ص383)
97 - (مختصر في تواريخ القرون المتوسطة) له (1777 ص208)
98 - (مدخل الطلاب وتعلة الرغاب في أصول علم الحساب) للمطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1865 ثم 1870 ص180 طبعته الرابعة 1900)
99 - (ترويض الطلاب في أصول علم الحساب) له (1865 ص308)
100 - (مختصر صغير في الجغرافية) تعريب السيد المذكور (1861 ص82 ثم 1871 ص180)
رفائيل بطي(4/280)
باب المكاتبة والمذاكرة
معنى كلمة بغداد
سيدي الفاضل صاحب مجلة لغة العرب المحترم
تناولت الجزء الثاني من مجلتكم الغراء الصادر في أب فطالعته من أوله إلى آخره، فأشكركم على العناية التي تبذلونها في اختيار المواضيع المفيدة لأبناء العراق عامة.
لقد لفت نظري مقال الأديب يوسف أفندي غنيمة في معنى كلمة بغداد إذ ذهب حضرته إلى أن اسم بغداد ارمي المبنى والمعنى ويفيد مدينة الغنم أو الضأن ولما كنت أحد الكتاب الذين نقبوا عن معنى هذه المفردة في كتب الأقدمين والمحدثين ونشروا بعض آرائهم في مجلة لغة العرب في سنتها الأولى والثانية فلا أرى رأي الكاتب الفاضل. نعم. أني كنت قد نشرت في لغة العرب (390: 1) رأيا يكاد يكون كرأي الأديب المشار إليه إذ قلت أن كلمة بغداد مقتضبة من (بيت كداد) ومعناها مدينة الغزل أو الحياكة غير أني اليوم لا أرى ذلك الرأي.
وعندي أن بغداد مصحفة عن بل دودو أو بل دادا ومعناها مدينة الإله المحبوب، لأن (بل) تفيد معنى البعل أي الإله عند الأقدمين، ودودو أو دادا جاءت في معجم دليل الراغبين في لغة الارميين بمعنى الحبيب والمحبوب والعم والخال الخ. وكنت قد نشرت رأيي هذا على صفحات مرآة العراق فقط من ذلك المقال لفظة محبوب فجاء المعنى مبتورا ناقصا وقد نقل ذلك علي أفندي الظريفي وأثبته في كتابه مختصر تاريخ بغداد القديم والحديث ولم يشر إلى مصدره.
(ل، ع) بين بغداد و (بل دودو) أو (بل دادا) فرق في اللفظ بخلاف(4/281)
ما إذا قلنا: بيت كدادا فأن الاكتفاء بالباء للدلالة على البيت أي المكان أو المدينة أشهر من أن يذكر. وكدادا بكاف فارسية فتنحت حينئذ الكلمتان بصورة بغداد فتكون الكلمة أوضح من الأول. لأن الكاف الفارسية تنقل إلى الغين في اغلب الأحيان وأما الألف الأخيرة فخاصة باللغة الارمية أما في العربية فتحذف. فانتقال بيت كدادا إلى بغداد واضح فضلا عما فيه من المعنى المثبت للمطلوب.
أما بل دودو أو بل دادا فإذا أردنا نحتها قلنا: بلداد، لكن هناك إبدال اللام بالغين وهو أمر لم نعهد له مثيلا كما لا نرى فيه سببا. ولو فرضنا أن الإبدال وقع لعلة نجهلها فيبقى علينا المعنى. فقولنا معنى بغداد (البعل المحبوب) لا يتحصل منها مدينة البعل المحبوب، إذ ليس في التركيب كلمة أو حرف يدل على البيت أو الدار بمعنى المدينة. ولهذا نرى في هذا التحليل تكلفا ظاهرا بخلاف تحليل الكاتب المفكر يوسف غنيمة.
معنى كلمة عراق
وبهذه المناسبة أقول أن كلمة عراق معناها بين النهرين وإليك البيان:
ورد في الآثار المكتشفة حديثا أن ديار العراق كانت تعرف قبل اكثر من ستة آلاف سنة باسم اورو، اورا، أو اوري وجاء في تاريخ شمر وأكد لمؤلفه الأستاذ كنك ص14 أن هذه البلاد كانت تعرف قديما في عهد الشمريين باسم (كي اوري) أو (كي اورا). بقي علينا أن نعرف كيف تصحفت كلمة اورو فصارت عراقا، قال لسترانج: يطلق المؤرخون على النصف الشمالي من بين النهرين اسم الجزيرة وعلى النصف الجنوبي العراق ومعناه الساحل وأصل معنى هذه المفردة مشكوك في صحته ولعله يمثل لنا اسما قديما مفقودا.
وقال الأب انستاس ماري الكرملي: وأما الرأي الأصح المتبوع فهو أن العراق تعريب أيراه الفارسية بمعنى الساحل لأنه على ساحل خليج فارس أو(4/282)
ساحل شط العرب. وأنت تعلم أن كل كلمة فارسية تنتهي بهاء تعرب بجيم أو كاف أو قاف على ما هو مشهور مثل: رندج ودرمك ودلق، والأصل فيها رنده ودرمه ودله. وأما قلب الهمزة التي في أول الكلمة عينا فأشهر من أن يذكر وهي لغة قائمة برأسها تعرف بالعنعنة كالآسن والعسن والائتساف والاعتساف والاقر والعفر. ثم حذفت الياء من عيراق بعد التعريب لتحمل على وزن عربي واتفق أن مصيرها بهذه الصورة يفيد معنى عربيا فتأول العرب تلك التآويل التي يبدو تكلفها لأول وهلة لمن يتأمل أدنى تأمل) أهـ.
ومن المحتمل أن الفرس القدماء نقلوا إلى لسانهم معنى كلمة اورو التي تفيد بين النهرين، فقالوا: أيراه وأرادوا بها شاطئ البحر لأن اور معناها ديار أو بلاد و (أو) أو (أر) تفيد النهر في لغة الاكديين والاشكوزيين، راجع كتاب المتون الآشورية لمؤلفه ارنست ا. بدج ص39 المطبوع عام 1880م وأيضا معلمة التوراة ص44 - 77 ومنهم من ذهب إلى أن
العراق تصحيف (اور ايكو) فأور معناها ديار وايكو مجرى الماء
وعليه ظهر مما تقدم بيانه أن كلمة اورو أو اوري كانت شائعة الاستعمال في ديار العراق قبل شيوع كلمتي شمر وشنعار وقد ذهب الأستاذ موريس جسترو في تاريخه حضارة بابل وآشور الطبعة الثانية ص3 في الحاشية إلى أن كلمة شنعار هي شمر بعينها وتفيد معنى أرض وجاء في معلمة التوراة ص44 أن لفظ (شنعار) مركب من حرفين عبريين (شنا) ومعناه اثنان و (آر) أو (نهر) وأن الحرف آر من أصل اشكوزي أو كوشي بابلي وقد أطلق اليونان على هذه الديار لفظة (ميسوبوتامية) أي بين النهرين ووردت في التوراة(4/283)
باسم ارام النهرين (تك 10: 24) ومعناها أراضي النهرين العالية وكان المصريون يسمون الطرف الشمالي من العراق نهرينا (بتحريك الحروف الثلاثة الأولى) والآشوريون يسمونه نهري (بتحريك الثلاثة الأولى) ويريدون بذلك الأراضي الواقعة بين الفرات ودجلة.
فالمطالع يرى كيف أن معظم المفردات التي أطلقت على هذه البلاد جاءت بمعنى (بين النهرين) فمن المحقق أن كلمة عراق المصحفة عن اورو معناها بين النهرين أيضا ومن أراد التوسع في ذلك فليراجع تاريخ شمر وأكد ص13 - 15 لصاحبه الأستاذ المحقق لونارد و. كنك الطبعة الثانية 1916م
رزوق عيسى
(ل. ع) لا يجمل بالكاتب أن يقول: (من المحقق) حينما يعرض آراء ويذهب إلى أحد منها. فلو قال: (فمن الظاهر) أو ما هو بمعناه لكان أليق به.
أما رأينا اليوم فهو أن العراق تعني البلاد المعرضة للغرق أو الديار المنخفضة وذلك أن وزن فعال المكسور الأول يفيد أحيانا معنى المفعول أو ما هو بمعنى المفعول أي المعرض لأن يكون مفعولا. من ذلك: الكتاب والبساط والفراش واللباس فمعناها: المكتوب، والمبسوط أو المصنوع لأن يبسط، والمفروش أو المعد للفرش، والملبوس أو المهيأ أو العتيد للبس. ومنه العراق. ولا جرم أن عرق بالمهملة وغرق بالمعجمة من واد واحد. ولهذا لا نرى نحن صلة بين الألفاظ التي ذكرها المؤلف نقلا عن الغير، وبين كلمة العراق.
وللعلامة الألماني الأثري ارنست هرتسفلد رأي في هذا المعنى بعث به إلينا قبل نحو أربع سنوات. فإذا ظفرنا به عرضناه للقراء. وقد رأينا أن القول: (الديار المعرضة للغرق) هو
اقرب للعقل، لأن الأسماء تطلق غالبا على ما يوافق الطبيعة لا ما تخترعه الأوهام.(4/284)
أسماء الرافدين عند الأقدمين
حضارة بابل وأشور نشأت على ضفاف دجلة والفرات. فسهول بابل الغربية الخصبة كانت ولم تزل هبة هذين النهرين العظيمين؛ وكان كل منهما يجري رأسا فيصب في خليج فارس.
دجلة
كانت دجلة تعرف عند الشمريين باسم (ادجنا أو ادجلا) ثم زاد على اللفظة الأخيرة البابليون الساميون علامة تاء التأنيث فقالوا (إدجلت) وقد اختصروها على توالي الأيام فأصبحت (دجلة) وقد صحف الفرس الماذيون هذه اللفظة فقالوا (تغرا) ومعناها في لسانهم السهم، لشدة جريان هذا النهر؛ غير أن العبرانيين اقتبسوا كلمة ادجلا الشمرية وتصرفوا فيها فقالوا: حداقل (راجع سفر التكوين 14: 2) كما أبدلوا كلمة شمر بشنعار التي تفيد معنى النهرين.
وقد أطلق اليونان على دجلة اسم (تجرويس) ولا تزال معروفة عند الأوربيين بهذا الاسم إلى اليوم، وأما العرب فقالوا: دجلة وقد ورد هذا الاسم في سفر دانيال (4: 10)
الفرات
كان يعرف نهر الفرات عند الشمريين أولا باسم (فرانون) أي الماء أو النهر العظيم وكثيرا ما كانوا يطلقون عليه لفظة (فرا) فقط أي النهر وقد جاء ذكره في التوراة باسم النهر الكبير (تك 18: 15 وتث 7: 1) وجاء أيضا مرارا عديدة باسم النهر بدون زيادة اسم آخر عليه.
ثم أن البابليين ألحقوا بلفظة (فرا) تاء التأنيث فقالوا (فرات) وعنهم نقلها العبرانيون إلى لغتهم فقالوا فرات وفسروها بمعنى الغزير وجاءت عند الاكديين بمعنى النهر المتعرج غير أن الفرس الماذيين تصرفوا فيها قليلا فقالوا (فراتو) وأرادوا بها الماء العذب وقد أخذ اليونان هذه اللفظة عن الفرس فقالوا افراتس وأما العرب فقالوا فيه الفرات ومعناه العذب أيضا.
رزوق عيسى(4/285)
تعريب مثل إفرنجي
سيدي الفاضل
أني أشكركم غاية الشكر على نقدكم كتابي (مرشد الطلاب إلى قواعد لغة الإعراب) فقد أظهرتم ما فيه من الحسنات والسيئات غير إنكم ذهبتم إلى أن عبارة (الق خبزك على الماء فتجده بعد أيام) لا معنى لها. والحقيقة أن هذه العبارة مترجمة عن الإنكليزية وتفيد معنى عمل المعروف مع جميع البشر. ولعوام العراق مثل مشهور يؤدي ذلك المعنى وهو قولهم: (سوي زين وذب بالشط).
وقال الشاعر العربي:
ازرع جميلا ولو في غير موضعه ... فلا يضيع جميل أينما زرع
وقال آخر:
من يعمل الخير لم يعدم جوائزه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
هذا ما قصدت بيانه وحفظكم الله منارا للحقيقة سيدي.
رزوق عيسى
(ل. ع) الأمثال التي ذكرتها لها معنى لأنها مسبوكة سبكا عربيا. أما المثل المعرب عن الإنكليزية، فلا يؤدي معنى بتلك العبارة فكان يجب أن يقال مثلا: ألق خبزك على الماء، تر فعله بعد أيام. أو نحو ذلك.
الفارع والعون بمعنى الضابط
شاعت كلمة الضابط بمعنى العون أو الفارع وهي كلمة تركية الوضع عربية الأصل، قلقة الأحكام. لم يعرفها العرب البتة. وإنما أشاعها الترك قبل نحو 150 سنة لا أزيد. وهي من الألفاظ التي يجب قتلها لأن العرب كانت تعرف حرفا آخر اصح من هذا وضعا وأحكاما وهو العون والفارع. قال في لسان العرب: الفارع عون السلطان وجمعه فرعة. أهـ. وهذا هو تعريف الضابط فإنه عون لذي السلطة والسلطان، وأما الضابط فلا وجه له في العربية.(4/286)
أسئلة وأجوبة
الرافد أو نائب الملك
سألنا من بغداد: ي. م: هل عرف العرب لفظة تدل على نائب الملك حين يغيب صاحب البلاد عنها فيلي الملك من يقوم مقامه بمعنى
نعم، وهو الرافد. قال في التاج: الرافد هو الذي يلي الملك ويقوم مقامه إذا غاب. أورده ابن بري في حواشيه. وانشد قول دكين:
خير امرئ جاء من معده ... من قبله أو رافدا من بعده أهـ
ومثل ذلك ورد في لسان العرب لابن مكرم. وهو من تحقيق صديقنا يوسف غنيمة.
الشعوبية
وسألنا آخر قال: فتشت في معاجم اللغة العربية الإفرنجية (أي في الدواوين التي تنقل الكلم العربية إلى الإنكليزية أو إلى الافرنسية أو الإيطالية أو اللاتينية) لا نقر عن اللفظة الإفرنجية التي تقابل كلمة الشعوبية التي معناها: الذين يحتقرون أمر العرب أو يكرهونهم فلم أجد. أفليس للغربيين كلمة يداون بها على هؤلاء القوم؟
نعم. وهي والكلمة حديثة الوضع.
علي بن أبو طالب
من زنجان (بلاد إيران) الشيخ م. ع. ز:
ذكرت مجلة المرشد في جزءها التاسع من هذه السنة: أن الخزينة الملكية في إيران تتضمن نسخة دعاء بخط علي (عم) ومكتوب في آخرها: (كتبه علي ابن (أبو طالب). . . الخ بالواو على خلاف القاعدة المشهورة فيعتري الباحث(4/287)
شك في نسبة الكتاب إلى الإمام، ولكن هناك أمرا يزيل هذا الشك بعض الإزالة وهو أن ابن فضل الله العمري في كتاب مسالك الأبصار يذكر نسخة كتاب الرسول الذي كتبه لتميم الداري واخوته في سنة تسع من الهجرة بعد منصرفه من غزوة تبوك في قطعة أدم من خف الأمير وبخطه يقول في آخره ما هذا نصه بحرفه (راجع كتاب المسالك 174: 1)
(شهد عتيق بن أبو قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وكتب علي بن بو طالب وشهد).
قال صاحب المسالك: و (أبو قحافة) ألف وباء وواو - ثم (قحافة) و (بو طالب) باء وواو - ثم (طالب). وليس في (بو) ألف. بين ذلك ليعرف. و (كتب) في ذكر علي رضي الله عنه مقدمة، و (شهد) مؤخرة. بين ذلك أيضا ليعرف. أهـ
وأورد صاحب صبح الأعشى كلاما في شأن هذا الكتاب في الجزء 13 ص118 إلى 122 من طبعة مصر، فهل ينطبق استعمال كلمة (أبو) بالواو في موضع (أبي) بالياء أم لا. وهل يجوز حذف الهمزة من (أبو) في بعض الأحيان؟
قلنا: كان بعض الأقدمين يعتبرون الكنية متمما للعلم، أو أن شئت فقل: كانوا يعتبرونها جزءا من أصل الكلمة لا ينفك عنه، فهو في نظرهم كلمة واحدة لا غير، فيكون الجزءان جزءا واحدا لا جزءين. وهذا لأن المسمى بلفظ يشبه الكنية هو ليس بكنية على الحقيقة بل علم رجل. ومنه في الحديث: (إلى المهاجر بن أبو أمية) لاشتهاره بالكنية أي باسم صورته صورة الكنية لكنه ليس بها، إذ لم يكن له اسم آخر معروف ولهذا لم يجر. وكذلك القول: علي بن أبو طالب. (راجع تاج العروس في نحو آخر مستدرك مادة أبو) والنهاية لابن الأثير، وعليه يكون قولنا علي بن أبو طالب افصح من قولهم علي بن أبي طالب لأنها الرواية القدمى والفصحى.
وهناك رأي آخر وهو أن من العرب أناسا كانوا لا يعربون لفظ (أبو) فمنهم من يبقيه بصورة الرفع أبدا. ومن ذلك رواية إلى المهاجر بن أبو أمية(4/288)
وعلي بن أبو طالب، ومنهم من كان يبقيه على حالة النصب أبدا ومنه القول المأثور عن أبي حنيفة: (ولو قتله بابا قبيس) بالنصب وذلك على لغة من يعرب الأسماء الخمسة بالألف في الأصول الثلاثة وانشدوا على ذلك:
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
وهي لغة الكوفيين، وأبو حنيفة من أهل الكوفة.
ومنهم من كان يعرب الأسماء الخمسة بالحركات لا بالحروف. فقد قالوا: هذا ابك، بضم الباء. قال الشاعر:
سوى ابك الأدنى وأن محمدا ... على كل عال بابن عم محمد
وعلى هذا تكون تثنيته أبان لا أبوان وجمعه أبوان جمعا سالما.
وثم رأي ثالث أن قولك أبو طالب هو على سبيل الحكاية. والأعلام والكنى تحكى على ما تروى أو على ما يتلفظ بها. وعليه قول ابن الانباري في باب الحكاية ص154 من طبعة ليدن: (هل يجوز الحكاية في غير الاسم العلم والكنية؟ - قيل اختلفت العرب في ذلك، فمن العرب من يجيز الحكاية في المعارف كلها دون النكرات. قال الشاعر:
سمعت الناس ينتجعون غيثا ... فقلت لصيدح انتجعي بلالا
فقال: الناس، بالرفع، كأنه يسمع قائلا يقول: الناس ينتجعون غيثا، فحكى الاسم مرفوعا، كما سمع. ومن العرب من يجيز الحكاية في المعرفة والنكرة. ومن ذلك قول بعضهم، وقد قيل له: (عندي تمرتان). فقال. (دعني من تمرتان). وأما أهل الحجاز فيخصونها بالاسم العلم والكنية. . . انتهى المقصود من إيراده.
فأنت ترى من هذا البسط أن قولهم: (علي بن أبو طالب) صحيح لا غبار عليه. وربما كان افصح من غيره.
أما حذف الهمزة من أول كلمة (أبو) فهو معروف أيضا عند بعضهم على لغة كانت لهم، ولا تزال على ألسنة بعضهم إلى عهدنا هذا. وهي: انهم كانوا يتجنبون الهمز حيثما كان. في صدر الكلمة أو قلبها أو عجزها. فقد جاء في الحديث: قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا نبي الله! فقال: لا تنبر باسمي؛ أي لا(4/289)
تهمز. وفي رواية؛ فقال: (أنا معشر قريش لا ننبر). والنبر: همز الحرف ولم تكن قريش تهمز في كلامها. ولما حج المهدي. قدم الكسائي يصلي بالمدينة فهمز. فأنكر أهل المدينة عليه، وقالوا: تنبر في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن. (هذا النص مأخوذ بحرفه عن لسان العرب في مادة نبر)
فقريش لا تهمز وقد قالت في الأيكة ليكة وفي الأحمر الحمر أو حمر بحذف الهمزتين همزة أل التعريف وهمزة افعل. وهو عجيب، بل لا عجب لأنها لغة قوم كما رأيت. فهم يحذفون الهمزة أينما وقعت فقد حذفوها في الصدر إذ قالوا ما قالوا على ما نقلناه لك هنا. وقالوا يلمعي في المعي ويلملم في الملم ورمح يزني في ازني ويرقان في أرقان. وعدو يلد في ألد، إلى مالا عد له. وكل ذلك ليهربوا من النطق بالهمزة. هذا في صدر الكلمة. وأما في
حشو الكلمة فقد قالوا في القرءة القرة على حذف الهمزة المتحركة وإلقائها على الساكن الذي قبلها وهو نوع من القياس. فأما أعراب أبي عبيد وظنه إياها لغة فخطأ. كذا في لسان العرب والتاج) - وأما حذف الهمزة في الآخر فهو أيضا معروف عندهم على اللغة المذكورة. فقد قالوا: الضوضى في الضوضاء للجلبة. والهردى في الهرداء لنبت وفي طلمساءة طلمساية إلى غيرها. وكلها تدل على أن بني قريش كانوا يفرون من الهمز فرارهم من الأسد أو من الأجذم.
إذن لا غبار على كلام من يقول: بو قحافة في أبو قحافة وبو طالب في أبو طالب. فكل ذلك أشهر من أن يذكر.
كتة برجه أو (كوتا برجة) أو صمغ جاوة أو صومطرة
سألنا مستفيد من مرسيلية (فرنسة) قال: عثرت في إحدى المجلات العربية على لفظة (كوتابرخا) وقد عنى بها الكاتب إناء يماثل (القارورة) لكنه لم يتعرض لشرحها ومأتاها، فهل لكم أن توقفوني على شيء من ذلك؟
ج - كوتابرخا وبالإفرنجية مادة صمغية راتينجية تسيل من شجر يكثر في جزائر بحر الهند واسم الشجرة بلسان العلماء. ايسونندرا(4/290)
برخا ولم تدخل في صنائع ديار الإفرنج إلاَّ منذ نحو سبعين سنة، والكلمة من الماليزية (كته فرج) ومعنى كته (وتلفظ بكاف فارسية مفتوحة وتاء مثناة مفتوحة وفي الآخر هاء. وهكذا كان يجب أن تكتب لا (كوتا) المنقولة عن الإنكليزية) الصمغ. و (فرج) (وتلفظ بالباء المثلثة الفارسية وتكتب عندهم بالفاء المثلثة وإسكان الراء وجيم مثلثة فارسية) هو اسم الجزيرة التي نسميها صومطرة كما هو اسم الشجرة نفسها التي يخرج منها هذا الصمغ. وبهذا المعنى يكتب أهالي ماليزية هذه الكلمة بهاء في الاخر، ولهذا يحسن بنا نحن العرب أن ننقلها عن أصلها أي أن نقول (كته برجه) لا (كوتا برخا) المنقولة عن الإنكليزية كما ذكرنا. أو غوتا بركا. وطبرخى كما قال أحد المتحذلقين. كما يجوز لنا أن نقول صمغ صومطرة أو صمغ جاوة أو صمغ زابج لأن هذين اللفظين وردا عند العرب تارة بمعنى جزيرة جاوة المشهورة بهذا الاسم في عهدنا هذا أي وطورا بمعنى جزيرة صومطرة أو سومترة المجاورة لها.
ويتخذ أبناء الغرب من صمغ جاوة (كته برجة) مادة فرز في الطبيعيات مثلا لفرز حبال
البحر للبرقيات، وفرز أسلاك البرق، ويتخذ منه أدوات الجراحة ونعال للأحذية، وسيور لإيصال حركة البخار إلى ما يجاورها، ومبازل (جمع مبزل وهو الحنفية عند عوام سورية، والمزنبلة أو المزملة عند العراقيين) وأنواع مختلفة من الآنية والأقماع ولوالب حبر في المطابع إلى غير هذه. فيحتمل إذا أن ما أشرتم إليه كان إناء كقارورة كما يحتمل أن يكون إناء آخر، لكنه متخذ من صمغ جاوة أو كته برجة، حتى جاز للكاتب أن يقول ما قال.
ملا
ذهب جماعة من اللغويين إلى أن كلمة (ملا) مصحفة عن مولى؛ وقال آخرون أنها مشتقة من التركية (منلا) وارتأى بعضهم أنها لفظة ارمية من (ملالا) ومعناها المتكلم والخطيب فصحفت وأصبحت بلام واحدة وعوض عن اللام الأخرى بشدة فصارت ملا. فما رأيكم في ذلك؟
بغداد: ر. ع
ج - ملا. ويلفظها بعضهم بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة. وآخرون(4/291)
بفتح الميم وتشديد اللام المفتوحة. هي عندنا قصر كلمة (مولى) بمعنى السيد ثم أقحمت النون منعا للتضعيف وهو ما يكرهه بعضهم، عربا كانوا أو أعاجم؛ فصارت منلا. ومثل هذا الإقحام: حنظ في حظ؛ وانجاص في أجاص؛ وإنجاز في أجاز؛ واترنج في أترج، إلى غيرها.
أما القائل بان أصلها (ملالا) فصاحبه جاهل لا يعرف سنن النقل والأخذ وذلك لأسباب:
1 - لأن اللفظة لا تؤخذ إلاَّ بمعناها في أول الأمر ثم تنقل إلى معان أخرى والحال ليس للارمية (ملالا) معنى السيد.
2 - لم يأخذ العرب ألقاب تعظيم عن الارميين حتى تكون هذه منها.
3 - لما يأخذ العرب عن الارميين لفظا لا يصحفونه تصحيفا كالتصحيف الذي ذكر هنا بل يحول قليلا، فأن (ملالا) تنقل إلى (ملال) لأن كل ما كان على ذلك الوزن (أي وزان سحابا) بالألف يعرب (وزان سحاب) بدون ألف كما هو معروف.
4 - حتى تعرب أو تنقل الكلمة إلى العربية يجب أن تشيع على ألسنة الناس. والحال (ملالا) ليست شائعة فكيف يأخذها العرب؛ اللهم إلاَّ عن كتب الارميين؛ وهذا بعيد لأن
الناطقين بالضاد لا يطلبون تأدية المعاني الجديدة بالبحث عما في كتب الأجانب، بل يتلقونها عن ألسنتهم أن كانوا ينطقون بها.
ولهذه الأسباب وغيرها نقول: أن الملا عربية الأصل لا تركية ولا ارمية.
الفحص
بيروت س. م. ل. رأيت في القاموس للفيروزابادي: الفحص: كل موضع يسكن ومواضع بالغرب منها فحص طليطلة. . . فما معنى هذه الكلمة ومن أين أتت؟
قلنا: قال ياقوت في معجم البلدان: بالمغرب من أرض الأندلس مواضع عدة تسمى الفحص. وسألت بعض أهل الأندلس ما تعنون به؟ فقال: كل موضع يسكن سهلا كان أو جبلا بشرط أن يزرع نسميه فحصا. ثم صار علما لعدة مواضع. فأما في لغة العرب فالفحص شدة الطلب خلال كل شيء اه. وعلى ذلك يكون الفحص بالمعنى الأول تعريب الرومية (أي اللاتينية) وليست عربية ويقابلها عند الافرنسيين أو.(4/292)
باب المشارفة والانتقاد
2 - الأدب العصري
الجزء الأول - قسم المنظوم بقلم: رفائيل بطي
كان الأديب رفائيا بطي أهدى إلينا في 5 أب 1923 الجزء الأول من كتابه (الأدب العصري) وطلب إلينا أن نكتب إليه رأينا فيه، فوجهنا إليه الوكة في اليوم الثاني (6 آب) وقد رجانا الآن أن ندرجها بحروفها في هذه المجلة فدونك نصها بحرفها:
إلى حضرة رفائيل بطي المحترم
سيدي الأكرم:
أشكرك على هديتك: (الأدب العصري - الجزء الأول من قسم المنظوم) فوجدته عصري الوضع والتنسيق والتبويب. على الطراز الذي يضعه الفرنجة في عهدنا هذا. وبعلمك هذا خلدت اسمك واسامي الشعراء نوابغ العراق؛ إذ بينهم من هم في الطبقة الأولى من قالة القريض في عهدنا هذا.
على أني لا اخفي عليك أمرا، وهو: إنك صرخت في صدر عنوان كتابك بأن سفرك هو كتاب تاريخي، أدبي، انتقادي.
أما كونه أدبيا، فمما لا أناضلك فيه؛ وأما كونه تاريخيا انتقاديا، فمما اطالبك به اشد المطالبة.
فأين التاريخ من كل ترجمة وقد جعلتها نغمة طنبور واحدة تعلي بها كعب الرجل. ولا تحدثنا عن تاريخ أيامه الشعرية؛ من علو وسفل؛ من حطة ورفعة من ذكر حقائق ونظم شقاشق؛ من جمع آراء غثة في جنب مذاهب سديدة. من أخلاق فيه رصينة وطباع فيه ممقوتة. فكأني بك فعلت فعل المصور الذي(4/293)
نقح صورة الرجل تنقيحا لم يبق للناظر إليها أثرا من المصور، حتى جاء على غير ما هو من ظواهر خلقه.
فلهذا قلما ينتفع بوصفك من يريد أن يقف على دخيلة الشاعر، فكأنك فعلت ذلك خوفا من انتقاض الناس عليك. فإذا صح هذا الظن؛ فكان يجب أن يراعى الحق في وضع الألفاظ في غرة الكتاب.
هذا من جهة التاريخ، وأما من الوجه الانتقادي؛ فأني لم أر في كتابك أدنى اثر لهذا الأمر الجلل. فإذا كان الانتقاد هو مجرد المدح من غير إظهار ما في المنتقد من روائع المحاسن؛ ودقائق المعاني؛ ومختار المباني؛ وما يعكس من هذا كله؛ فلا يحق للقائل أن يدعي أن في كتابه نقدا. اللهم إلاَّ أن يجعل التاريخ والنقد والأدب والعلم إحراق البخور أمام أصنام الهوى والأغراض والغايات؛ فذلك أمر لا أتعرض لذكره.
بقي علينا أن ننظر إلى عبارته؛ فإني أراها حسنة السبك مفرغة في قالب الظرف والرشاقة؛ قد لا يصل إليها كل حامل يراعة؛ وهو مما يبشرنا بمستقبل زاهر لقلمك العسال؛ على أن هناك أغلاطا ما كنت أود أن أراها في مثل كتابك هذا. كقولك في صفحة (كلمة):
وقد تطورت (بطور). . . والصواب تطورت تطورا أو طوراً
وقلت (عسى) بدون رابط. وهنا الرابط واجب؛ والصواب: فعسى
وكتبت: (حينذاك) كلمة واحدة. وهو مما نبه الكتاب على منعه. والصواب (حين ذاك) وهو ليس من قبيل (حينئذ) الذي صرح الكتاب بكتابتها كلمة واحدة.
وقلت ص5: قوافي؛ والصواب قواف (بلا ياء في حالة الرفع)
وفي ص6: وقد نكب؛ والصواب في العبارة أن توضع الفاء السببية أي فنكب.
وفيها: تعديل الجاذبية والصواب تعليل الجاذبية.
وفيها: لا يحسن لغة أجنبية؛ ثم قلت أنه يحسن الفارسية والتركية(4/294)
والكردية. فكان يجب أن يقال لا يحسن لغة إفرنجية أو أوربية؛ لتصدق في قولك الثاني.
وفيها: كتبت كرمنشاه؛ كما يكتبها الغفل؛ إنما هي كرمانشاه.
وقلت: عندما يسير من محل إلى آخر (ص7) والعرب لا تقوله؛ إنما تقول: حينما يسير.
وقلت في تلك الصفحة: برغم معالجة نطس الأطباء له. وفصحاء العرب لا تعرف هذا التعبير القبيح. إنما تقول مع ما بذل له من معالجة نطس الأطباء.
وفي تلك الصفحة: يترددون عليه. صوابه إليه.
وفي ص8؛ وهذا كتب بها. والصواب عنها.
وفي ص9؛ في هذا الحين؛ والصواب في ذلك الحين أو ذاك الحين.
وقلت فيها؛ ثم انتخب نائبا عن المنتفق؛ فذهب إلى الأستانة؛ واقفل المجلس بعد أشهر. وهو أمر مضحك لا يليق بأن يقال عن الزهاوي. وأن كان هو كاتب العبارة. وكان الأجدر به أن يقول: فذهب إلى الأستانة، واتفق أنه اقفل المجلس بعد أشهر، حتى لا يبقى في فكر القارئ أن الزهاوي كان طائر شؤم لذلك المجلس، فأقفل بعد نزوله الأستانة.
ومثل هذه الأغلاط اللغوية أو المعنوية كثير، وكان يحسن بك أن تريه أحد أصدقائك، ليكون خالصا من هذه الشوائب التي تشوه محاسنه العصرية؛ والله الهادي.
21 - مرقاة المترجم للصفوف العالية في اللغتين الفرنسية
والعربية
تأليف الأب يوسف علوان اللعازري (في بيروت. شارع سورية)، طبع في المطبعة الكاثوليكية في بيروت 1925، الجزء الأول في 91ص (كتاب المعلم) وقيمته 6 غروش ذهبا وقيمة كتاب التلميذ 4 غروش ذهبا؛ وقيمة الاثنين معا مجلدين 9 غروش ذهب.
وجهنا الأنظار إلى هذا الكتيب النفيس لمن يريد أن يتقن الفرنسية من المنتمين إلى الناطقين بالضاد. وهذا الجزء خاص بالمعلم. فأن صاحبه قد أتقن(4/295)
وضعه، حتى جعله على طرف الثمام. ومن المشهور أن مثل هذه المصنفات تأتي خداجا في إحدى اللغتين، فإما أن تتقن عبارتها الإفرنجية، وإما أن تتقن عربيتها أما هذا الكتاب فإنه مفرغ في قالب الأحكام والتدقيق، احسن من جميع تآليف هذا النوع. ولا نريد أن نقول أنه خال من الغلط، إذ لابد منه ليدل على أن صاحبه من البشر، ولا سيما من الغلط الذي يعير في منشورات العصر كقوله في ص57: للقيام بأمري رغما عن كل ما أتوخى من وسائل الاقتصاد واحسن منها: مع كل ما أتوخى. وفيها: وكن متأكدا. وهي سبكة إفرنجية كأختها السابقة والعرب لا تقول إلاَّ: وتأكد. وفيها: لا اصرفها إلاَّ في ما لا مندوخة منه والصواب إلاَّ في مندوحة لي عنه. إلا أن هذه الهنيات ومثلها هي كالكلفة في وجه الشمس أو كالشامة في جبين القمر.
22 - إلى شبان الجيل العشرين
كيف تصير رجلا
تأليف: أ. ب. بورسو تعريب: الاباتي افرام حنين الديراني، المدبر الحلبي اللبناني طبع في
بيروت سنة 1926 بمطبعة الاجتهاد أول سوق سرسق في 319 صفحة
نحن في عصر نحتاج فيه إلى تعريب كتب الأجانب لنطلع على ما فيها من الوسائل التي تأخذ بيدنا وترفعنا إلى رقي حقيقي إلاَّ أن بعض معاصرينا اولعوا بنقل المؤلفات الفاسدة. فأضروا مجتمعنا اشد الضرر. أما المصنفات المفيدة الطيبة فلم يمل إلى استخراجها إلاَّ علية الكتاب وأكابرهم.
و (كيف تصير رجلا) هو من الأسفار المفيدة لشبان هذا العصر؛ فأن واضعه من احسن مؤلفي الفرنسيين وهو أ. ب. بورسو - بنى أسس مصنفه على (الإرادة، والمعرفة، والاعتقاد، والعمل، والمحبة، وقهر النفس، والعافية) وقد عقد لكل من هذه العناوين بابا بسط فيه وجه السعي وراء كل حالة من هذه الأحوال ليكون ابن العصر رجلا كل الرجال.
وقد طالعنا هذا الكتاب فوجدناه من احسن ما جاء في هذا المعنى؛ ونحن ننصح شبان العصر من البلاد العربية أن يقتنوه؛ فإنه دليل الحيارى، ومرشد(4/296)
السكارى، سكارى الهوى والفساد.
وعبارته العربية طلية سلسة تتدفق عذوبة ورطوبة؛ على أننا وجدنا فيه بعض ألفاظ تمكنت من نفس معربه عند مطالعة منشورات هذا العهد التي تنغش فيها الأوهام نغشانا كقوله: إلى شبان الجيل العشرين. فالجيل بمعنى القرن أو المائة من السنين مولد غير فصيح؛ - وكقوله في ص14 لأن التاجر والصناعي والزراعي لم يعودوا يملكون العيش معتزلين؛ واحسن من ذلك: لأن التاجر والصانع والزارع لا يمكنهم أن يعيشوا معتزلين - وكقوله في تلك الصفحة عينها: وهو ذا الناس يقومون بأعمال خطيرة؛ فهذا خطأ قد ألفه اغلب كتاب سورية وهو وهم شنيع؛ فالناس حرف مجموع؛ وهو ذا حرف للمفرد الغائب المذكر؛ والصواب أن يقال: هاهم أولاء الناس يقومون بأعمال خطيرة. أو ها الناس يقومون بأعمال خطيرة؛ كما صرح بهذا التركيب علماء اللسان من أهل النحو واللغة. لكن كل هذه التعابير لا تمنع القارئ من فهم مطلب المؤلف لأنها من الأغلاط التي اعتادها محررو الصحف السقيمة والمجلات التي يتولى تحريرها شبان لا عهد لهم بالكتابة والتمحيص. فانسلت إلى كبارنا من غير علم منهم فسبحان من لا عيب فيه.
23 - النخلة في ديار المغرب الأقصى
بول بوبنوي من أبناء العالم الجديد؛ هبط ديار العراق قبل نحو عشرين سنة واشترى تالا كثيرا من أنواع الألوان المختلفة ونقلها إلى كليفرنية وغرسها هناك ونجح فيها كل النجاح حتى أنه كتب إليَّ مرة يقول: (يكون يوم يأتي فيه العراقيون إلى ديار العالم الجديد ليتعلموا غرس النخل والعناية به إذا أرادوا النجاح والفلاح)
وقد ألف الصديق الأميركي عدة كتب مطولة في موضوع النخل ووشى المقالات المتنوعة في البحث عن التمر؛ وقد أتقن اللغة العربية ليتحقق بنفسه ما يقوله العرب عن (عمتهم النخلة)(4/297)
وقد أهدانا الآن مقالة له أنشأها بالفرنسية وكتبها في (مجلة علم النبات المعمول به والحراثة في المستعمرات) وعنونها بالنخلة في ديار المغرب الأقصى فأجاد فيها كل الإجادة: وقد ذكر تعداد النخيل في العالم فهو كما يأتي:
بلاد الهند البريطانية 5000000 نجد 250000
بلوجستان 1500000 ديار مصر 11000000
فارس 10000000 السودان المصري الإنكليزي 1262000
العراق30000000 لوبية9000000
الاحساء 3125000 ديار تونس 9000000
البحرين 500000 ديار الجزائر 7210968
عمان 4000000 ديار مراكش 1000000
حضرموت 200000 أفريقية الغربية الفرنسية 500000
اليمن 100000 أسبانية115000
الحجاز 500000 أميركة الشمالية 250000
جبل شمر 250000
القصيم 100000 المجموع 88000968
ولا جرم أن هذا العدد هو من باب التقريب لا من باب الدقة: ولو فرضنا أن في العالم كله تسعين مليونا فللعراق ثلاثون مليونا أي ثلث النخل في العراق ومما يدلنا على أن العراق هو أحسن الأرضين لهذه الشجرة المباركة.
ثم ذكر الباحث الفاضل أسماء التمور في ديار مراكش (أو المغرب الأقصى) وفسرها بالفرنسية، لكنه توهم في نقل معنى (أبو) في قولهم (أبو اسمر وأبو فقوس وأبو غار وأبو حفص وأبو حراث وأبو جلود وأبو علي خنان وأبو ساق) بمعنى الوالد. وليس الأمر كما قال. فأبو في لغة العوام في جميع الديار العربية اللسان تعني صاحب الشيء أو ذا الشيء. وفي بعض الأحيان البائع. فإذا قالوا أبو اسمر وأبو فقوس وأبو غار فكأننا نقول: الأسمر أو ذو السمرة وذو الفقوس أي الشبيه شكله بالفقوس وذو غار أي فيه نقرة. وإذا قال العراقيون أبو لبن وأبو خس فمعناه بائعهما وإذا قالوا أبو زبون وأبو منظرات فمعناهما لابسهما. ولهذا لا يصح أبدا نقل كلمة (أبو) إلى الإفرنجية بما معناه (والد) بل ينظر في وجوه الاستعمال ثم ينقل إليها بما يفيد تلك الفائدة وفي ما عدا ذلك فأن الباحث النباتي قد أجاد في ما خبر ووشى.(4/298)
بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب
تأليف السيد محمود شكري الالوسي البغدادي عني بشرحه
وتصحيحه وضبطه محمد بهجة الأثري
الطبعة الثانية في ثلاثة أجزاء طبعت في المطبعة الرحمانية بمصر سنة 1342هـ 1924م يحوي الجزء الأول 422 صفحة والثاني 395 والثالث 472 فالمجموع 1289 صفحة بقطع الثمن الكبير
-
لكل أمة تاريخ يذكر فيه أصل القوم. ونشوءه، وتقدمه في الحضارة، مع ذكر من اشتهر منهم في كل فرع من فروع العلم، والصناعة، والزراعة، والتجارة.
والعرب مع كثرة تآليفها وتصانيفها المتنوعة، لم تفرد سفرا لهذه الغاية فما معنى ذلك؟ - أكان عن قصورهم في هذا المدى؛ أو عن جهل لتاريخ السلف؟ - قلنا: لا هذا ولا ذاك، إنما الناطقون بالضاد سكتوا في هذا المعنى، لعلمهم اليقين أن قومهم من اشرف الأقوام، وأن منزلتهم عالية، شرفهم معروف، وانهم اعرق شعب في المدونات؛ ولما عرفوا منزلتهم هذه، استغنوا عن كل تاريخ بدون هذه الحقائق الشهيرة.
وأنت إذا تصفحت الكتب المختلفة على تنوع معانيها ومبانيها ترى ما كان للعرب من القدم الراسخة في العلوم الفطرية وما لهم من شرف النسب وطيب(4/299)
الأعراق ومكارم الأخلاق، بحيث انك لو بحثت عن نظيرها عند سائر الأقوام لرجعت عن مسعاك أخيب من حنين.
لكن هذا الأمر لا يتسنى لكل امرئ، إذ أصبح الوقت اثمن من سابق لما ينتاب المرء من أمور تنازع البقاء. فصار الوقوف على مجد السلف في اقصر مدة من الأمور الواجبة على كل ناطق بالضاد. وكيف يتيسر الأمر للمطالع والبحث مشتت في أسفار عديدة ضخمة؟ ومع كل هذه الحاجة إلى مصنف جامع لهذا الموضوع لم نر من افرد له كتابا، حتى عرض أحد ملوك الإفرنجة جائزة لمن يضع سفرا يوفي هذا المبحث حقه، وذلك في أواخر الشطر الثاني من المائة التاسعة عشرة للميلاد. حينئذ تنبهت الأفكار إلى وضع كتب تجزأ الناس به عن تلك الأكداس من مصنفات السلف.
فتقدم فريق من المصنفين وعرضوا ما نسجوا برده على الجماعة الموكلة بفحص تلك
الشؤون، فلم يبرع فيها سوى أستاذنا محمود شكري الالوسي، السيد الشريف والكاتب الضليع. والشيخ إبراهيم اليازجي المعروف بوقوفه على أخبار السلف وآثارهم. فكوفئ كلاهما مكافأة حسنة.
وكل ما دونه الأستاذ مأخوذ من مئات من الكتب، ومما يؤسف عليه أنه لم يذكر أسماء المآخذ التي نقل عنها. ولو فعل لكان ارفع مقاما في عيون المحققين. لكثرة ما وقف عليه من المصنفات الجليلة. ولكان أوثق حجة وأوفى بالمرام.
على أن الحق يقال: أن هذا السفر الممتع وأن كان رحب الأكتاف إلاَّ أنه دون ما نتمناه اليوم من تقدم العلم والتاريخ. ففي الكتاب أمور جمة ينكرها المتثبتون وتردها مكشوفات العصر. بيد أنه لا بد من معرفتها على وجهها الذي ذكره الأستاذ لأنه ينطق بلسان السلف في مختلف عصورهم وكان ذلك منتهى علمهم وتحقيقهم. ولا يكلف الله نفسا إلاَّ وسعها.
هذا مجمل ما يقال في هذا التصنيف الفذ. أما طبعته هذه فتفوق الطبعة الأولى بكثير. وسنقول كلمتنا عنها في الجزء القادم.(4/300)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - قدوم ملكنا المحبوب
عاد مولانا المحبوب صاحب الجلالة الملك فيصل الأول المفدى ودخل عاصمته مساء نهار الأحد 17 تشرين الأول بعد أن طالت غيبته ثلاثة أشهر في فرنسة وانكلترة. وكانت إمارات الصحة التامة بادية على محياه.
وقد ظهرت العاصمة بأبهى زينتها استقبالا لجلالته وكانت الرايات والأعلام تخفق على الدور والمباني واصطف في الشوارع عدد غفير من الكشافة يقدر بستة آلاف. والمسموع أن جلالته قطع البادية راكبا مع مرافقيه سياراته الخاصة به من سواحل سورية. وفي منتصف طريقه في البادية رحبت به وبركبه الجليل المدرعات البريطانية وعددها ستة فسارت في خفارته إلى العاصمة.
2 - الحكم على المعتدي على رئيس الوزراء
حكمت محكمة الجزاء الكبرى نهار السبت 2 تشرين الأول على المجرم عبد الله حلمي بن الملا إبراهيم الديري الأصل (من دير الزور) الذي كان قد جرح جروحا بليغة صاحب الفخامة عبد المحسن السعدون رئيس الوزراء بالحبس الشديد مدة سنتين ونصف. وذلك منذ بدء القبض عليه أي في اليوم 10 أب من هذه السنة لثبوت شروعه في قتل المحسن إليه.
3 - قتل أمير دبي
بينما كان سلطان بن زائد أمير دبي (بضم ففتح فتشديد لا أمير أبي ضبي كما كتبها بعضهم. راجع لغة العرب 275: 3) يتعشى ومعه أصغر أنجاله وبعض رجاله فاجأه أحد اخوته واسمه (صقر) ورماه برصاصة ثم أخذ يوالي إطلاق الرصاص عليه حتى أرداه قتيلا. أما نجله فنهض يريد الفرار إلاَّ أن ذلك النمر عاجله بضربة خنجر فصرعه قتيلا. والذي مكن الأثيم من ركوب هول هذا الأمر الفظيع تغيب أنجال (سلطان) الثلاثة الكبار إذ كان أحدهم قد ذهب(4/301)
إلى جزيرة (دلماء) القريبة من دبي والتابعة لإدارتها واثنان كانا بالعريم (راجع لغة العرب 275: 3) وبعد أن قتل الأخ أخاه اعتلى صهوة الإمارة في مكانه
وهكذا تحقق قول القائل: (الملك عقيم).
ولا بدع في ذلك فأن المقتول (سلطان) كان قد قتل هو أيضا شقيقه (حمدان) قبل أربع سنين في مثل الوقت الذي قتل فيه هو. ولم يكن (حمدان) يرتكب أمرا يقتل عليه. إنما طمعا في الإمارة لا غير.
4 - غزوات ابن عجل للكويت
أغار يوم الثلاثاء 5 ت 1 نحو الساعة الواحدة زوالية الشيخ عبد الله بن عجل أحد شيوخ عشيرة شمر من عشائر نجد من فخذ عبدة ومعه مائة وخمسون ذلولا على أعراب الكويت المخيمين في قرية الجهرة وقد كانت إبلهم عازبة في (كويبدة)
الواقعة في ضواحي الكويت واستاق منها ما يقرب من ألف بعير (ونحن نشك في هذا العدد ونظن أنه مبالغ فيه) من أباعر الكويتين وصاحب الكويت.
وقد اخبر حاكم الكويت ذوي الشأن في البصرة وأطلعهم على جلية الأمر وفي الوقت عينه أرسل رجلا من قبله إلى العاصمة مستنجدا بالحكومة العراقية لرد المنهوبات ودفع عادية الغزاة. وابن عجل يقطن أراضي في داخل التخوم السورية
أما أصل هذه العبارة فيرجع إلى ما تقدم من الأحداث وهذا ملخصها:
كان ابن سعود أمر قائده فيصل الدويش بالهجوم على الجهرة فأنقاد لأمر مولاه وحقق أمنيته في صباح الأحد 26 المحرم من سنة 1339هـ (11 تشرين الأول 1920م) وكان على رأس أربعة آلاف من الأخوان (المعروفين عند العامة بالوهابيين) ولم يكن في الجهرة يومئذ إلاَّ نحو 1500 مقاتل. فنكب الأخوان(4/302)
نكبة شديدة إذ سقط أكثرهم في حومة الوغى واشتبكوا مع الكويتيين في ملاحم دارت عليهم فيها الدوائر. وكاد يقضي عليهم لولا نفاد ذخيرة أهل الكويت الذين اضطروا إلى الفرار مغادرين محرزهم فدخله الأخوان.
فأهتم سالم حاكم الكويت الذي كان في (القصر الأحمر) وأخذ يستنجد بالكويتيين الذين كانوا في الكويت نفسها. فأقبلت سفن شراعية. فلما رآها النجديون ولوا فارين مذعورين، وأرسلوا مطلق بن سعود إلى الشيخ سالم ليعرض عليه الصلح، فأجابه الحاكم إلى طلبه، ثم اقبل على الكويتيين الذين كانوا محتشدين في قصر الأمير منديل بن غنيمان، أحد أقارب الدويش نائبا عنه فأخبر الأمير بأن الدويش يريد المسالمة (وهو يدعوكم إلى الإسلام، وترك
المنكرات، وشرب الدخان، وتكفير الترك) فإن أذعنتم لمطاليبه، فيها ونعمت وأسلمكم في قصركم وفي ماله؛ وإلاَّ أباح عقركم للإخوان.
قال سالم: أما الإسلام فنحن عليه ولم نجحده يوما، لأن أركانه خمسة ونحن متمسكون بها. وبعد أن عاد رسول الدويش وقعت مناوشات على شاطئ البحر هجموا فيها على الكويتيين من أهل السفن. ثم ثار الإخوان ليلا على القصر الأحمر فردوا على أعقابهم ونكبوا بتشتيت شملهم. واثخن الكويتيون المستبسلون فيهم الجراح، فكرَّ عليهم الدويش مثنى ومثلث، ثم وفد على الكويتيين في اليوم الثاني عثمان بن سليمان، من علماء الإخوان وتذاكر مع الشيخ سالم والشيخ عبد العزيز الرشيد عالم الكويت في شؤون الصلح وأمور مذهبية واتفقوا على أن يتم الصلح على القصر والجهرة؛ ثم عاد إلى فيصل الدويش قائد الإخوان ورجع بعد بضع دقائق. فزعم أن الدويش رضي. وأنه يرحل بعد الظهر من ذلك اليوم وانتهز الإخوان فرصة الهدنة وهجموا على سفينة كانت راسية في شاطئ البحر وكانت مشحونة أطعمة. فبلغ قتلى الإخوان نحو 1500 هذا عدا الجرحى ثم رحلوا إلى الصبيحية وكان قتلى الكويتيين نحو 300.
أقام الإخوان المهاجمون في الصبيحة أو الصبيحية أياما وهناك صرح وفد من الإخوان لقنصل انكلترة في الكويت أن ابن السعود هو الذي أمر بالهجوم وزودهم بالسلاح والعتاد والذخيرة.(4/303)
وشاع بعد ذلك أن ابن سعود بعث قوات جديدة لتنظم إلى الدويش ليقوموا بهجوم آخر على الكويت؛ فأستنجد سالم حاكم الكويت بالحكومة الإنكليزية طالبا معونتها، فلبت طلبه وأرسلت إلى أنحاء الكويت باخرتين مدفعيتين (لورنس) و (اسبيكل) وطيارتين من العراق قادمتين من الشعيبة بجوار البصرة فحلقت إحداهما على الإخوان ورمت عليهم منشورا تحذرهم من سوء العقبى أن هجموا على الكويت؛ وكان المنشور بتوقيع الوكيل السياسي البريطاني في الكويت (الميجر مور) وتنذرهم بالضرب أن أعادوا الكرة على الكويت، ولهذا أشارت عليهم بالتخلي عنها.
فأرتحل الإخوان من الصبيحة وانتهت بذلك حادثة الجهرة الأولى.
أما الحادثة الثانية التي جرت في شهر تشرين الأول من هذه السنة فأن الحكومة العراقية
اتفقت مع المندوب السامي على استرجاع المنهوبات وأناطت هذه المهمة بفرقة طيران الشعيبة فأرسلت هذه نحو عشر طيارات مجهزة بالعتاد والجند وتعقبت السارقين فأدركت طائفة منهم بقرب (سفوان) والطائفة الأخرى بقرب (عين سليمان) فأمطرتهم وابلا من القنابل ورصاصا من الرشاشات. ثم أنزلت بعض الطيارات جنودا للإحاطة بهم وجمع الإبل وسوقها إلى اقرب نقطة واقعة على تخوم العراق مع من بقي من المعتدين. وقد قتل عدد منهم وجرح عدد آخر.
5 - مراسيم التعزية في عاشوراء
اصدر المجتهد الكبير، حضرة العلامة محمد حسين القزويني النائيتي في هذه السنة فتوى وجهها إلى أهالي البصرة وما والاها. دونك خلاصتها:
1 - جواز خروج مواكب العزاء في أيام عاشوراء ونحوها إلى الشوارع مع وجوب تنزيه هذا الشعار من الغناء واتخاذ آلات اللهو واجتناب التدافع والتزاحم.
2 - جواز اللطم بالأيدي على الخدود والصدور، والضرب بالسلاسل على الأكتاف إلى حد الاحمرار والاسوداد بل إلى خروج دم يسير.
3 - جواز اتخاذ التشبيهات والتمثيلات التي جرت عليها العادة عند الشيعة(4/304)
الأمامية في حين أقامتها العزاء والبكاء منذ قرون وجواز (ارتداء الرجال لباس النساء) لمدة من الزمن أثناء التمثيل.
4 - جواز اتخاذ الدمام (وهو ضرب من الطبل الكبير) في المواكب المذكورة لإقامة العزاء أن لم يقصد منه اللهو والسرور.
6 - غرفة التجارة
دعا وزير المالية لفيفا من تجار العاصمة فعقد مجتمعا نهار الثلاثاء 28 أيلول لتأسيس غرفة تجارة، وكان حضر المجلس أرباب الصحف. فأسفر الانتخاب عن الآتية أسماؤهم:
1 - الحاج محمود الاطرقجي (إيراني مسلم) 45 صوتاً
2 - المستر رايت (إنكليزي) 43 صوتاً
3 - قاسم الخضيري (عراقي مسلم) 40 صوتاً
4 - المستر ياتي (إنكليزي) 37 صوتاً
5 - يعقوب يوسف عاني (عراقي يهودي) 32 صوتاً
6 - يهوذا زلوف (عراقي يهودي) 30 صوتاً
7 - نوري فتاح (عراقي مسلم) 29 صوتاً
8 - عبد المجيد حمودي (عراقي مسلم) 29 صوتاً
9 - خضوري شماش (عراقي يهودي) 28 صوتاً
10 - ميرزا فرج (عراقي مسلم) 28 صوتاً
11 - المستر وتيل داود ساسون (إنكليزي يهودي) 27 صوتاً
12 - صيون عبودي (عراقي يهودي) 26 صوتاً
13 - كرجي عبودي مكمل (عراقي يهودي) 25 صوتاً
14 - الياهو عاني (عراقي يهودي) 24 صوتاً
15 - محمد الحاج خالد (عراقي مسلم) 24 صوتاً
وعقدت اجتماعها الأول بعد إنشائها في 4 تشرين الأول في ديوان وزارة المالية حيث جرى انتخاب الأخطاء فكان:
الرئيس الأول: المستر رايت مدير البنك الشاهي (13 صوتا)(4/305)
الرئيس الثاني: قاسم باشا الخضيري (13 صوتا)
الكتوم: الخواجا الياهو العاني (12 صوتا)
7 - إنشاء محفى (مجمع علماء)
نريد بالمحفى الأكاديمية وهي اسم مكان من حفي عن الشيء: إذا سأل عنه مستقصيا. لأن من بالغ في السؤال عن الشيء والفحص عنه استحكم علمه به ومنه الحفي للعالم يتعلم الشيء باستقصاء والجمع فحواء. ومن المفرد ما جاء في سورة الأعراف: يسألونك كأنك حفي عنها. أي عالم به (راجع الكشاف في سورة الأعراف).
وقد أنشأت وزارة المعارف في العراق محفى عقد أول مجتمعاته في 29 أيلول وقد سمي موقتا: (لجنة الاصطلاحات العلمية، أو المجمع اللغوي، أو المجمع العلمي) ريثما ينتقى اسم موافق له. وسوف نذكر عنه شيئا في جزء قادم.
8 - تعبيد الجادة
فرغت أمانة العاصمة من تعبيد (وهو غير التبليط) القسم الممتد من مدخل شارع (رأس الكنيسة) إلى رأس (شارع الإطفائية) من الجادة. ويبلغ طوله نحو ثلثمائة يرد. وأول سيارة سارت عليه كانت سيارة جلالة الملك عند أوبته من أوربة. وأخذت الآن أمانة العاصمة بتعبيد شارع الإطفائية والقسم الممتد إلى محلة الحيدرخانة من الجادة.
9 - الشيخ مهودر
كان الشيخ مهودر من عشائر خوزستان ورئيس عشيرة العياشة قد فر في أوائل هذا الصيف لأن اتباعه قتلوا فارعين (ضابطين) من الإيرانيين، حينما كانا يتجولان بين العشائر لجباية الأموال الأميرية، ففتكت السلطة الإيرانية بولديه وأحرقت الغلة العائدة إلى أبيهما وصادرت جميع مواشيه.
فالتجأ إلى العراق طلبا للحماية البريطانية إلاَّ أن الحكومة العراقية قبضت عليه وزج بالسجن وربما دفعته حكومتنا إلى الدولة الإيرانية لتذيقه مر ثمرة أعماله لكن الشيخ يدعي أنه من رعايا العراق.
10 - شارة فارعي الشرطة (أي ضباطها)
اتخذت الشرطة شارة لها فلمديرها شارة من فضة متقومة من سعفتين(4/306)
متقاطعتين على رقعة بيضاء يعلوهما تاج عربي وفي الوسط نجم الشرطة المسبع مكتوب عليه (الشرطة العراقية).
11 - زلزلة في الموصل
حدثت في الموصل زلزلة في ليلة الأحد الواقعة بين 9 و10 تشرين الأول في نحو الساعة الرابعة بعد غروب الشمس ودامت بضع ثوان في وجهة عمودية حتى ظهرت الكوى والأبواب كأنها قد حادت عن وضعتها. ومن غريب الأمر أن أقلام بعض الكتاب سقطت من أصابعهم بينما كانوا يكتبون في تلك الساعة ولما عمدوا لمغادرة غرفهم ليهبطوا إلى أفنية دورهم انقطع الزلزال ولم يحدث أدنى ضرر.
وشعر أهل تلكيف (من قرى شمالي الموصل) بزلزلة عنيفة دامت ست أو سبع ثوان بمشهد
الجم الغفير من أهل القرية.
12 - الحسبة (أو اللجنة الأخلاقية)
رؤساؤنا لا يحسنون لغتنا، فهم يلتجئون إلى عبارات سقيمة لتأدية معاني كان يعرفها السلف فقد سموا الحسبة (لجنة أخلاقية) ولو رجعوا إلى كتبهم لعلموا أن أجدادنا كانوا يسمونها (الحسبة)؛ قال ابن خلدون في مقدمته:
(الحسبة وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين؛ يعين لذلك من يراه أهلا له، فيتعين فرضه عليه، ويتخذ الأعوان على ذلك ويبحث عن المنكرات ويعزز ويؤدب على قدرها ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة، مثل: المنع من المضايقة في الطرقات ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل، والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها، وإزالة ما يتوقع من ضررها على السابلة والضرب على أيدي المعلمين في المكاتب وغيرها في الإبلاغ في ضربهم للصبيان والمتعلمين. ولا يتوقف حكمه على تنازع أو استعداه بل له النظر والحكم في ما يصل إلى علمه من ذلك، ويرفع إليه، وليس له إمضاء الحكم في الدعاوى مطلقا، بل فيما يتعلق بالغش والتدليس في المعايش وغيرها. وفي المكاييل والموازين. . . إلى آخر ما قال.(4/307)
والغاية من هذه اللمعة أن وزارة الداخلية أمرت بإنشاء الحسبة تأثرا للسلف الصالح. ودونك أعضاءها:
1 - مدير الشرطة العام
2 - متصرف لواء بغداد
3 - أمين العاصمة
4 - مفتش لواء بغداد الإداري
5 - مفتش الشرطة العام (أو من ينوب عنه)
6 - عضو من مجلس إدارة اللواء
7 - عضو من مجلس أمانة العاصمة (وهذان الأخيران ينتخبان انتخابا)
وهذه اللجنة تكون برئاسة مدير الشرطة العام. ومن أهم ما تقوم به: وضع لائحة لتنظيم
أنواع الملاهي والحانات والمواخير (دور البغايا) وما إليها تحديدا لشرها وقمعها وصيانة للأخلاق العامة ومنعا للإسراف غير المعقول. وتجتمع هذه اللجنة لا أقل من مرتين في الأسبوع في ديوان متصرف العاصمة.
والأقدمون وضعوا عدة كتب في الحسبة وكلها نفيسة تفيد المشتغلين بهذه الشؤون. ولا بد من أن رؤساءنا يعنون بنشرها تعميما للفائدة.
13 - تمثال روماني وجد في الحضر
الحضر مدينة قديمة على وادي الثرثار بجوار الموصل. وقد عثر فيها بعض الأعراب على تمثال كبير من المرمر المانع مع أربع قطع من الصخر عليها رسوم ونقوش وحيوانات، فقبضت الحكومة على الذين كانوا يحاولون تهريبها وعلى ما كان بأيديهم من هذه الدفائن، وأرسل بجميعها إلى متحفة العراق في بغداد.
والظاهر أن التمثال يدل على أنه من قياصرة الروم لأن ساعديه عاريان وعلى رأسه إكليلا من الغار وإصبع يده اليمنى متجه إلى قلبه. وقد شوهت الأمطار والشمس محاسن وجهه. فأن تقاطيعه وتلاميحه غير واضحة وأن كانت بينة وقد زاد الأعراب تشويه تلك المحاسن بما فعلوه بمعاولهم ضربا على وجهه إزالة لصورته البشرية.(4/308)
14 - قتل الجراد سما
ذكر المستر روك فارع (ضابط) مكافحة الجراد في منطقة العراق الشمالية أن إحدى الوسائل التي اتخذها لمحاربة الجراد كانت إلقاء السم ممزوجا بنخالة ودبس بقرب مجتمعات الجراد. فأهلكت شيئا كثيرا منها. ولو كان عنده من السم غير الطنين اللذين كانا بيده لكانت النتيجة اعظم. والسم الذي استعمله لهذه الغاية هو زرنيخاة الصوديوم. وقد أوصى الفارع المذكور بجلب مائتين وخمسة وعشرين طنا من هذا السم لقتل الجراد في ربيع السنة المقبلة. واتخذ الوسائل اللازمة لتوزيع تلك المقادير على المناطق الزراعية في شمالي العراق.
15 - مصادرة دخان مهرب
قبضت شرطة باب جسر الموصل حين تجوالها في (القوسيات) قرب (الرشيدية) على
كردي حامل بندقية ومعه ثلاثة أفراد (بالات) دخان محاولا تهريبها. وقد دفعت الشرطة تلك الأحمال إلى دائرة الكمرك السعيدة الحظ!
16 - انتشار البرداء في الكوفة
انتشرت مياه فيضان الفرات فتدفقت في كل موطن حول الكوفة فكانت تلك المواطن مراتع للبعوض المسبب للبرداء ولقد انتشرت هذه الحمى في الكوفة حتى وقفت الأشغال وكثرت الوفيات وتركت في كل بيت نادبا ونائحة. والحكومة تبذل سعيها لإيقاف هذه الحمى المتلفة.
17 - الأسيران البريطانيان
كنا ذكرنا في (52: 4) وقوع الطيارين البريطانيين دني (السائق) والفارع (أي الضابط) هيرست وكان راكبا تلك الطيارة. في أسر الشيخ محمود الكردي وقد افرج عنهما وسلمهما إلى السلطة في (حلبجة) نهار الجمعة 8 ت 1 وقد احسن معاملتهما أثناء أقامتهما عنده.
18 - انقطاع الطاعون
كان الطاعون قد اعتاد (كأنه يعرف العادة) أن يظهر في الخريف أن لم يظهر في الربيع فيكمن للأحياء إلى وقت مضروب. أما هذه السنة فقد زال بتاتا لأن إدارة الصحة لقحت ما يربو على 141000 شخص في خلال الصيف الماضي.
19 - ضحايا سرقة البطيخ
نزل نفر من اللصوص ليلا على مبقلة (خضرة) لأحد الأهالي الواقعة بجوار هيت فشعر بهم أصحاب المبقلة وأطلقوا عليهم الرصاص فبادلهم إياه اللصوص وأسفرت النتيجة عن قتل أحد هؤلاء الذعار وقتل أحد أصحاب المبقلة. وقد تعقبت الشرطة أولئك العماريط فقبضت عليهم وأودعتهم السجن.
وفي تلك الليلة عينها سطا سراق آخرون على مبقلة أخرى بجوار الرمادي فجرى تبادل النار بين السلابين وبين أصحاب الزرع فقتل أحد اللصوص وفر الآخرون. وكم وكم من هذه الأحداث تجري ليليا في هذه البلاد!
20 - الترك يتلفون زعماء الأكراد وكبار الثوار
توالي (محكمة الاستقلال الشرقية) مجالسها في (معمورة العزيز) لمتابعة النظر في قضايا المتهمين بالاشتراك مع الشيخ سعيد الكردي بإضرام نار الثورة الكردية. وقد حاكمت قبل تشرين الأول كلا من محمود بن درويش؛ وداود رئيس عشيرة شكوتان الكردية، وشيخ اليزيدية. فحكمت عليهم بالإتلاف (بالإعدام) وتدل البرقيات الواردة إلى العراق أن حكم الإتلاف قد نفذ فيهم في الساحة العامة.
ونظرت محكمة الاستقلال في أنقرة في قضية أخرى تتعلق بعصابة اعتدت على الفارع يعقوب أفندي وقد وقع الاعتداء على الحدود السورية التركية فحكمت بإتلاف رئيس العصابة (فريد علي) وبسجن رفيقين آخرين كانا معه ومدة الحبس 15 سنة. وقد تم حكم الإتلاف في المذكور.
21 - محاربة سوء الآداب
حكم على المغنية الراقصة (جليلة) بالحبس مدة ثمانية أيام وعلى اسمعيل أمين المغني 10 أيام وعلى جميل بن عبد الغني المغني 15 يوما، لأنهم غنوا في أحد الملاهي أغنية مخالفة للآداب.
وغرم مائة ربية كل من داود عزرا حكاك وحسن إبراهيم درسة مدير شركة بيضافون لبيعهما قرص (قوان) الأغنية المذكورة. وصودرت 240 قرصا للأغنية عينها. فالعراقيون يشكرون حكومتهم على سعيها هذا المحمود لتطهير الآداب العامة مما يشوهها.(4/309)
العدد 40
أوروكاجينا
وقف الجلال على بناء محكم ... هرم الزمان ووضعه لم يهرم
بات السكون على رباه مخيما ... ورباه من سكناه غير مخيم
منحته أحكام الطبيعة هيبة ... في ظل ردم للسوافي معلم
ردمت جوانبه الحقوب بمزها ... فغدا ينوء بطمره المتردم
فأبانه للسعي الإلهي الذي ... قد علم الإنسان ما لم يعلم
صرحا من الأثر القديم تراصفت ... أحجار برزخ سوره المستحكم
هو (اورو) (ذوقار) الذي آثاره ... دلت على سلطان ملك كيخم
هجم القضاء على الأولى قد شيدوا ... أركانه وعليه لما يهجم
فكأن أرواح العصور تجسمت ... من فوق برج علائه المتجسم
قرنته بالأيام كف الشمس إذ ... جعلت أشعتها له كالمرزم
فكأنما الأيام ضئر أبنائه ... تغذوه وهو على المدى لم يفطم(4/310)
وكأن ذكرى اوروكاجينا على ... عليائه قد عشعشت كالقشعم
يا واقفا طول الحياة بوعظه ... يروي أحاديث الزمان الأقدم
ويعارك الأخطار وهو كأنه ... جبل فلا يبلى ولم يتهدم
ولدتك أرض الرافدين وبعدها ... عقمت وكنت تظنها لم تعقم
نهنهت من كبر فجعدت الثرى ... تجعيد وجه بالأسى متجهم
شمخت أنوف مؤسسيك تجلة ... ولرب أنف شامخ لم يخطم
قد أودع الباني رموز حياته ... في طي معنى كتبك المتطلسم
فلذاك ظن الناس تحنك مغنما ... وكنوز ابريز فلم تتقسم
والمرء يبغي أن يحقق ظنه ... ولو أن ذلك في مناط الأنجم
كشفتك عمال الحياة لعلمها ... أن الأولى شادوك أهل تقدم
وأبان منك الحفر طيات الخفى ... حتى (عرفت الدار بعد توهم)
وغدوت من بعد الخفايا بارزا ... في الأرض تحكي ناب شدق الأهتم
كم من محل نقشته بحزمها ... فئة فلم تسأم ولم تتندم
لهف العراق على مآثر مجده ... أضحت لآثار المتاحف تنتمي
فكنوز (آثور وبابل) قد غدت ... من قبل ذلك نهب كف المجرم
ارض العراق غنية بكنوزها ... وفقيرة برجالها في المغنم
آمت ولم تنبت رجال صناعة ... والنسل قط لا يرتجي من ايم
البناء(4/312)
المحفى العراقي الجديد
والمحافي العراقية في التاريخ
1 - تمهيد
اثبت مكس نوردو المجري من أقطاب العصر في علمي الاجتماع والنفس المتوفى قبل ثلاث سنوات في كتابه (روح القومية): (إنه لا يحدد القومية في الحقيقة إلاَّ اللغة، فباللغة وحدها يعتبر الإنسان عضوا في جسم الأمة، وهي وحدها تخوله حق القومية، كما أنها أعظم رابطة بين البلاد والأقوام.)
ولما كانت اللغة العربية لسان الشعب العراقي واللغة الرسمية لدولة العراق فقد أصبح العراقيون بأجمعهم مكلفين بحماية ذمار لغة الضاد والعمل على ما فيه حياتها ونماؤها. والحكومة مسؤولة عن هذا قبل غيرها لأن البلاد في طور اجتماعي يجعل الحكومة المرجع الأول في العمران والإصلاح.
ولا يكفي لإعزاز لغة شعب أن تكون اللغة الرسمية للحكومة وتكون قبل ذلك لغة الجمهور إذ بالحكومة تكون اللغة لسان الدواوين فيتعلمها الناشئون ويتقنونها وتجري معاملات الأفراد باللغة المذكورة عينها كما هي حال اللغة العربية في العراق اليوم، إنما يجب على من بأيديهم الحل والعقد أن يبذلوا الجهد في ما ينمي اللغة ويرقيها ويجعلها لغة العلوم والفنون بحيث تضاهي أرقى اللغات العصرية لا عرق الأمم في الحضارة.
ولا تحظى اللغة بهذه النعمة إلاَّ إذا كان هناك محفى (مجمع علماء) يضم نخبة المتبحرين في اللغة ولهم معرفة بالعلوم والفنون الحديثة فيتعهدون لغة الأمة بالعناية ويتمشون بها مع تدرج الحياة العصرية جنبا إلى جنب.
وقد شعرت حكومة العراق بهذا الواجب فقامت لتؤديه في فجر الحياة المستقلة. فألفت المحفى العراقي الجديد في هذه الأيام.(4/313)
2 - محافي العراق في العصور الخوالي
ظهر من البحث أن الحمربيين هم أول من أسس المجامع العلمية والمحافي اللغوية في العراق أن لم نقل في العالم كله. وورث العرب عن أوائلهم الحمربيين إقامة الأسواق
ومجتمعات العلم والتجارة والمنافرة والمماجدة، فكانت أشبه شيء بمجامع العلماء ثم انتقلت من الحياة الجاهلية إلى الحياة الإسلامية.
فمن أسواق العرب الأدبية القديمة (سوق الحيرة) كان العرب يجتمعون إليها كل سنة للمماجدة. وقد جعل النعمان بن المنذر اللخمي لبني لأم الطائيين ريع الطريق طعمة لهم لمصاهرته إياهم بتزوجه منهم.
أما (المربد) في البصرة فهو أول معرض عراقي ومجمع علمي عظيم في الدولة الأموية حتى انهم نعتوه ب (عكاظ المسلمين) أقاموا فيه سوقا للآداب نظير أسواقهم في الجاهلية فتألفت فيه حلقات المناشدة والمفاخرة ومجالس العلم والآداب فكان الشعراء يؤمونه ومعهم رواتهم وكان لفحولهم حلقات خاصة أشهرها حلقة الفرزدق والراعي وكان الأشراف يخرجون إلى المربد لمثل تلك الغاية. وجرت فيه مناظرات البصريين والكوفيين ومماجداتهم. وقد زاره ياقوت الحموي في القرن السادس للهجرة وكتب عليه في سفره: (معجم البلدان) ما ملخصه:
(هو من أشهر محال البصرة، وكان يكون سوق الإبل فيه قديما ثم صار محلة عظيمة يسكنها الناس وبه كانت مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء وهو الآن بائن عن البصرة بينهما نحو ثلاثة أميال وكان ما بين ذلك كله غامرا وهو الآن خراب فصار المربد كالبلدة المفردة في وسط البرية. . .
(وينسب إليها جماعة من الرواة منهم سماك بن عطية المربدي البصري. . .(4/314)
وأبو الفضل عباس بن عبد الله بن الربيع بن راشد مولى بني هاشم المربدي حدث عن عباس بن محمد وعبد الله بن محمد بن شاكر حدث عنه ابن المقري وذكر أنه سمع منه بمربد البصرة. والقاضي أبو عمرو القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي البصري. قال السلفي: كان ينزل المربد)
وكما كان للبصريين مربدهم، فقد كان للكوفيين سوقهم يخرج إليها إشرافهم في ضواحي الكوفة فتجري فيها المناشدة الشعرية والمحاكمة الأدبية ونحوهما ولئن كان للبصرة فضل اللغة والأدب فللكوفة فخارها بشعرها. وقف المختار ابن أبي عبيد في أثناء حروبه بالعراق على أشعار مدفونة في (القصر الأبيض) بالكوفة مما يدل على عناية الكوفيين بالشعر لكن
أكثره مصنوع ومنسوب إلى من لم يقله
ثم جاء الخلفاء العباسيون فعنوا بترقية العلوم والآداب عناية تضاءلت بجانبها عناية من سبقهم. فأنشأوا المجالس العلمية للعلماء والأدباء، ومشاهير الخلفاء الذين يقرن اسمهم بالنهضة العلمية في العصر العباسي السفاح والمنصور والمهدي والرشيد والمأمون والمستنصر. أسسوا مجامع للترجمة في علوم النجوم والطب والهندسة وعقد هرون الرشيد ووزراؤه البرامكة مجالس ومجامع وسعوا بها نطاق المعارف وأنشأوا دواوين الترجمة والمباحثات حتى في بيوتهم.
ويمكن أن تقسم نهضة الترجمة في العصر العباسي إلى طورين متميزين:
الطور الأول
من نشوء الدولة العباسية إلى جلوس المأمون بن الرشيد على أريكة الخلافة أي من سنة 132هـ (749م) إلى سنة 198هـ (813م).
وقد انتج هذا الطور كتبا مترجمة كثيرة نقلها كتاب ومترجمون نالوا الحضوة عند الخلفاء وكان كل منهم مستقلا بنفسه وأكثرهم من المسيحيين والإسرائيليين.
ومن أوائل المترجمين أن لم يكن أولهم عبد الله بن المقفع المتوفى سنة 132(4/315)
أو 143هـ (760م) وأشهر مخلفاته المترجمة كتاب (كليلة ودمنة) وكان يدعي في البهلوية والسنسكريتية القديمة (أساطير الحكيم بيدبا).
يقول المسعودي أن الخليفة المنصور توفرت عليه الترجمة والإنتاج الأدبي فنقل في عهده عدة مقالات لارسطوطاليس وكتاب المجسطي لبطليموس في الفلك وكتاب اقليدس في الهندسة وغيرها نقلت عن اليونانية والرومية والسريانية والفارسية. ويقول بعض المحققين أن الكتب المنقولة عن الفارسية والسريانية هي في اصلها ترجمات عن اليونانية.
وعلى عهد المنصور أسس أطباؤه (جرجس بن بختيشوع) وتلامذته وأقاربه المدرسة الطبية في بغداد وفيها ألف عيسى بن صهاربخت (تلميذ جرجيس) كتابه (فن تحضير الأدوية) (الاقراباذين) من أوائل الكتب الطبية العلمية في العربية.
ومن مشاهير ذلك العهد (ثابت بن قرة الحكيم الحراني) كان صيرفيا في حران ثم انتقل إلى بغداد فاشتغل بالعلم والطب والفلسفة وعمل مع المنجمين بإشراف الخليفة المنصور، وله
أولاد وأحفاد اشتهروا بالفضل ونبغوا في الرياضيات والفلك.
الطور الثاني
هو أزهر عصور النهضة العلمية العربية، بدئ بتولي المأمون بن هرون الرشيد عرش الخلافة سنة 198هـ (813 م) وانتهى بانطواء بساط بني العباس في أواسط القرن السابع الهجري وأوائل القرن العاشر الميلادي.
فالخليفة المأمون العباسي هو المؤسس لمجمع العلماء (الأكاديمي) في بغداد جمع فيه طائفة صالحة من المشتغلين بالعلم والفلسفة والترجمة وكان أكبر همهم أن يصيغوا الكتب التي ينقلونها أو التي نقلت في قالب يستطيع به طلاب العلم من العرب الوقوف على أسرار العلم والحكمة.
وهو الذي حث (محمد بن موسى) على أن يؤلف مقالته المشهورة في الجبر وهي أول كتاب ألف في العربية في علم الجبر منها نسخة خطية في خزانة بودلي(4/316)
بجامعة اكسفورد مكتوب عليها أنها نسخت سنة 1342م وقد ترجمت إلى اللاتينية في عصر الانبعاث العلمي ولكنها فقدت الآن.
وقد أسس الخليفة المأمون مدرسة بغداد سنة 217هـ (832 م) على نسق المدارس النسطورية والزرادشتية التي كانت مؤسسة قبلا ووسمها ب (بيت الحكمة) وجعل منهاجها نقل المتون اليونانية في الفلسفة والعلوم الأخرى إلى العربية، وأوكل أمرها إلى (الطبيب يحيى بن ماسويه) المتوفى سنة 243هـ (857 م) وهو أبو زكريا. كان أبوه صيدليا في جنديسابور وثقفه في بغداد جبريل بن بختيشوع وعاصر ثلاثة خلفاء المأمون والواثق والمتوكل، وخلف مؤلفات كثيرة في الطب باللغتين السريانية والعربية ومقالته في (الحميات) كانت العمدة في موضوعها بوقتها ونقلت إلى العربية واللاتينية.
وقد كتب الخليفة العالم إلى ملك الروم يسأله الإذن في إنفاذ ما يختار من العلوم القديمة المدخرة في بلده فأجابه إلى ذلك بعد امتناع فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجاج بن مطر وابن البطريق وسليمان صاحب (بيت الحكمة) وغيرهم فأخذوا مما وجدوا ما اختاروا، فلما حملوه إليه أمرهم بنقله فنقل.
ولكلف المأمون بالعلم والترجمة كثيرا ما كان يعقد شروط الصلح مع بعض ملوك الروم
الذين يحاربهم على دفع الغرامة كتبا توضع بين أيدي العرب وتترجم إلى لسانهم.
وكان ندي اليدين على التراجمة يعطيهم زنة ما يترجمونه له من الكتب ذهبا، واشتهر بوسمه الكتب المترجمة له بسمة خاصة تتميز بها عن غيرها، ووضع الفهارس لخزائن الكتب على طريقة عصرية. وذكر غريغوريوس ابن العبري الملطي مؤلف (مختصر تاريخ الدول) أن المأمون كان يحرض الناس على قراءة تلك الترجمات ويرغبهم في تعلمها. لذلك كثر لديه المترجمون عن الفارسية والسريانية والسنسكريتية والنبطية والكلدانية واليونانية واللاتينية والمؤلفون في جميع الفنون العربية والدخيلة.(4/317)
هذه هي الجادة التي سلكها اعلم الخلفاء في خلق نهضة علمية سطع نورها في المشرق والمغرب ولم يبرز لها نظير إلاَّ في حركة الانبعاث (الرنيسانس) في إيطالية بعد سقوط القسطنطينية على يد محمد الفاتح في أواخر القرون الوسطى.
ويدون التاريخ أسماء جماعة هم أساتذة بيت الحكمة وأصحاب الجهود العلمية في عصرهم وكلهم تلامذة يحيى وتابعوه نخص بالذكر منهم:
(حنين بن إسحاق العبادي) النسطوري درس في بغداد والإسكندرية وفي الأخيرة أتقن اليونانية، اشتغل بالترجمة زمنا من اليونانية إلى السريانية. ومن أشغاله العلمية: الايساغوجي لفرفريوس وارمانوطيقا لارسطوطاليس وجزءا من الاناليطيقا ومقالة ارسطوطاليس في الروح وجزءا من الميثافيزيقا وتلخيصات نيقولاوس الدمشقي وتعليقات الاسكندر الافروديسي والجزء الأعظم من مؤلفات جالينوس وديوسقورس وبولس الاجانيطي وابقراط وجزءا من منطق ارسطوطاليس الاورغانون وترجم أصول اقليدس إلى العربية و (جمهورية أفلاطون) وكتاب (ثيماوس) لأفلاطون وكتاب ارسطوطاليس (في المعارف) وقد توفي سنة 263هـ (876م). وابنه (اسحق بن حنين العبادي) الذي ترجم إلى العربية كثيرا من الكتب منها (السفسطة) لأفلاطون ومقالة ارسطوطاليس (في الروح).
ويقول البحاثة إسماعيل بك مظهر في مقالته (تاريخ تطور الفكر العربي) (كان القرن الرابع الهجري العصر الذهبي لتاريخ الترجمة يرجع فضله إلى فئة من المسيحيين كانوا يتكلمون السريانية واحتذوا الترجمات التي درسوها في لغتهم).
وقد نقلت عن اليونانية مباشرة كثير من الآثار ومن أشهر مهرة المترجمين:
(أبو بشر متي بن يونس) المتوفى سنة 328هـ (939م) وقد ترجم إلى العربية اناليطيقا الثانية والبويطيقا (الشعر) لارسطوطاليس(4/318)
وغيرها نقلها عن السريانية وله مؤلفات مبتكرة في التعليق على قاطيغورياس أي المقولات لارسطوطاليس والايساغوجي لفرفوريوس.
و (أبو زكريا يحيى بن عدي التكريتي) المتوفى سنة 364هـ (974م) ترجم كتبا كثيرة عن ارسطوطاليس وكتاب القوانين لأفلاطون. وكان ملازما للنسخ يكتب خطا قاعدا بينا في اليوم والليلة مئة ورقة واكثر.
و (أبو علي عيسى بن زارة) الذي ترجم كتاب (قاطيفورياس) عن ارسطوطاليس والتاريخ الطبيعي وكتاب الحيوانات مع تعليقات يوحنافيلوبونس.
وقد نقل (أبو بكر أحمد بن لي بن قيس الكلداني) المعروف ب (ابن وحشية) الذي عاش سنة 291هـ (903م) كتاب (الفلاحة النبطية) عن الكلدانية في خمسة أجزاء منه نسخ خطية في برلين وليدن واكسفورد ودار الآثار البريطانية وباريس ودار الكتب المصرية. وقد ظهر للعلماء المحدثين أن الكتاب المذكور هو من وضعه وليس بترجمة من أصل. (راجع ما ذكره الإيطالي كرلونلينو في كتابه علم الفلك تاريخه عند العرب في القرون الوسطى ص205 إلى 210).
ونقل (قسطا بن لوقا) كتاب (الفلاحة اليونانية) عن السريانية.
وبهذه الوسيلة لم يبق ضرب من العلوم والصنائع والفنون إلاَّ نقلت كتبه إلى العربية وتعلمها العرب ثم علموها. ولم يفتهم من الفنون سوى الجراحة في الطب والنحاتة والتصوير من الآداب الفتانة. لأنها من الأمور المحرمة في الشرع الإسلامي، وهكذا اجتمع عند العرب خلاصة علوم الأقدمين من يونان وروم وسريان وفرس وهنود وكلدان وأنباط ومصريين وغيرهم ممن درج قبلهم وعنوا بها مدة من الدهر، وعنهم اقتبسها الإفرنج حين تنبهت فطنتهم وثابت هممهم من سباتها فيما يسمونه عصر الانبعاث)
ويجب أن لا يفوتنا ذكر جمعية وهي وأن لم تكن لغوية أدبية إلاَّ أنه كان لها أثر في النهضة العلمية الفلسفية وهي جمعية (أخوان الصفا) التي أسست في البصرة في أواسط القرن الرابع الهجري (المائة العاشرة للمسيح) ذكروا من أعضائها(4/319)
خمسة هم: أبو سليمان
محمد بن مشير السبتي ويعرف بالمقدسي، وأبو الحسن علي بن هرون الزنجاني، ومحمد بن أحمد النهرجاري، والعوفي، وزيد بن رفاعة.
وكانوا يجتمعون سرا تسترا عن الذين يخالفونهم ويضادونهم فقرروا في جلساتهم المتعددة خلاصة الفلسفة الإسلامية بعد أن وقفوا بين أبحاث الفلاسفة المسلمين والآراء اليونانية والهندية والفارسية، فتوصلوا إلى مذهب خاص أساسه أن الشريعة الإسلامية تدنست بالجهالات واختلطت بالضلالات ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلاَّ بالفلسفة لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية وانه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال.
ودونوا فلسفتهم في خمسين رسالة سميت (رسائل أخوان الصفا) وقد ضمنوها كل علم طبيعي أو رياضي أو فلسفي أو إلهي أو عقلي وهي تمثل الفلسفة الإسلامية على ما كانت عليه في إبان نضجها. ويظهر من دراستها أن مؤلفيها دونوها بعد البحث العميق والروية الطويلة. وفيها بحث من نوع فلسفة النشوء والارتقاء. وفي ذيلها فصل في كيفية عشرة أخوان الصفا وتعاونهم بصدق المودة والشفقة والغرض منها التعاضد في الدين وشروط قبول الأخوان فيها. وقد أغفل المؤلفون أسماءهم من هذا الكتاب بسبب أن الفلاسفة كانوا متهمين بالكفر في هذا العصر وكان الانتساب إلى الفلسفة مرادفا للانتساب إلى التعطيل حتى شاعت النقمة على المأمون نفسه لأنه كان السبب في نقل الفلسفة إلى اللغة العربية حتى قال ابن تيمية بعد ذلك: (ما أظن الله يغفل عن المأمون ولابد أن يعاقبه بما أدخله على هذه الأمة).
وطبعت هذه الرسائل في أوربة والهند ومصر، وأتقنها طبعة ديتريشي في ليبسك سنة 1883.
ثم دب دبيب الفساد في جسم الحكومة العباسية في أواسط القرن السابع الهجري وأواخر القرن العاشر الميلادي فأنتقض حبل دولتها واستولى على البلاد المغول وأعقبهم العثمانيون بعد ذلك بنحو ثلاثة قرون فتدهورت اللغة العربية ودرست معالم معاهدها وامحت آثار محافيها.(4/320)
3 - تعريف الدول عند العلماء
الدول حيوانات هلامية القوام رجلية الرأس ذوات محاجم من ردف رتبة الأخطبوط.
وجنسها قائم بنفسها وهو أصل لفصيلة الأخطبوط وهذا الجنس يشمل أنواعا عديدة منبثة في جميع البحار وقد يبلغ قدها مبلغا عظيما. والدول الموجود في خليج فارس فهم شديد الأذية حتى أنه ليتعرض للغواص؛ وهو يتلف شيئا كثارا من الاربيان والسرطان وصغار السمك إذ يقبض عليها بجراميزه المسلحة بالمحاجم فإذا قبض على فريسته، أثبتها في مكانها ومزقها شر ممزق بأنفه المعقوف.
وقد تدفعه سليقته إلى أن يكتسي بأشلاء فريسته التي يقيمها بين يديه بمحاجمه وبهذه الصورة يتقدم إلى افتراس خلق آخر من سكان البحر التي يستطيبها.
ولقد شوهد بعض من هذا الدول محتالا على المحار الكبار بأنواع الحيل ومن جملتها أنه يدخل حجرا بين صدفتي المحار لكي لا تنطبق على نفسها وبهذه الوسيلة يستخرج جمحلها
4 - خبر دول ضخمة
ذكر الأدباء في أزمان مختلفة حكايات عن دول ضخمة هائلة العظم لا نسبة لها إلى ما يرى منها في خليج فارس أو في البحر المتوسط.
روى فريق من علماء المواليد عن بعض هذه الدول حتى أنهم شبهوها بأعظم ما يرى من البال. من ذلك أن بلينيوس يتكلم عن وحش ألف التردد إلى كسترية على ساحل الأندلس ليتلف ما في الغدران من المخلوقات الحية إذ كان يسترط كل ما يراه في طريقه من السمك وكانت زنة هذا الخلق الغريب 350 كيلو غراما وكان طول كل جرموز من جراميزه عشرة أمتار وكان رأسه بضخم البرميل وكان(4/337)
يسع عشر جرار فأرسل به إلى الهيباط ل. لوتلس الذي كان في عهده.
وذكر أولاوس ماغنس الأعمال التي صدرت من دول كبير جبار وكان طوله لا يقل عن ميل وإذا ظهر على وجه الماء ظن جزيرة لا حيوانا، فعرفه الناس باسم (كراكن)
ووجد اسقف نيدروس دولا ضخما كان مضطجعا على الساحل يتشمس فظنه صخرة عظيمة؛ فأقام مذبحا عليه وأتم المراسم الدينية فوقه فبقي ذلك الوحش البحري ساكنا طول مدة الصلوات وما كاد الأسقف يذهب إلى الساحل إلا ونهض ذلك الكراكن وألقى نفسه في البحر ذارقا فيه ولما انتشر ذرقه في الماء وكانت رائحته طيبة ركضت السمك من كل صوب لتغتذي به فهجم عليها هذا الغازي المحتال وابتلع كل من تقدم منه. وقد قال
بنتوبيدان أسقف برجن أن هذا الكراكن وجد حقيقة ويظن أن سرية من الجند تتمكن من أن تتدرب على ظهره بكل سهولة.
قلنا: كل هذه الحكايات من المبالغات الخرافية؛ على أنه لا ينكر وجود وحوش بحرية عظيمة في المحيط مهما كان وفي البحر المتوسط. لكن ليست بالقدر المذكور المبالغ فيه إذ خرافته ظاهرة.
السوارية
قل من يعرف شيئا عن هذه البليدة الحديثة:
السوارية واقعة على ضفة الفرات اليمنى في أراضي آل فتلة. وقد تقدمت في السنتين الأخيرتين تقدما عجيبا فقد أنشئ فيها سوق كبيرة لا يقل جمالها عن جمال أسواق العاصمة؛ وأسست فيها مطاعم للغرباء؛ إلى غير ذلك من وسائل الراحة.
والآن تسعى الحكومة في بناء صرح (سراي) لها لتتخذ من هذه البليدة الحديثة (ناحية).
ويقال إن في النية تأسيس شعبة في (أم بردية) في أراضي آل إبراهيم؛ كما أن الهمة مبذولة لتسوية طريق تمر عليه السيارات ويمتد من (أبو صخير) إلى السوارية تسهيلا للصلات.
(عن جريدة المعارف)(4/338)
الألفاظ الارمية
في اللغة العامية العراقية
(المليطي أو المليطة) من اصطلاح أهل السفن في العراق ويطلق على معاون الناخذاه (جاء في لغة العرب 84: 3 نقلا عن مجلة المقتبس 7: 111 - 118) عن هذه الكلمة أنها مشتقة من المتملطة وهي محل الاشتيام أو الاستيام أي رئيس الملاحين أو رئيس ركاب السفن. أما عندنا فهي مشتقة من اللفظ الارمي (م ل ي ط ا) بمعنى الحاذق والماهر والدرب والخبير والعارف.
(موش يموش) بمعنى بحث باللمس من (م وش) أي مس وفحص.
(الماشة) آلة لالتقاط الجمر والأوساخ وهي مشهورة في العراق. مشتقة من (م ش ا) بمعنى ضم جمع لم. وجاء لفظ (م ش ي ا) بمعنى النفاية والرذالة والكناسة.
(مرازة) آلة الفلاح أظنها من (مرزا) وهي الحد والتخم والدبرة والفعل (مرز - م ورزا) ومعناه تلم وجر خطا قويما. وهذا الحرف فارسي الأصل وأن دخل الارمية ومنه كلمة مرزبان الفارسية بمعنى حافظ الحدود أو الحاكم يقابله عند الإفرنج المشتقة من اللاتينية المولدة ومعناها المرز أي
(النابور) وهو البقلة قال ابن السكيت ابقلت الأرض وبقلت وقد بقل الرمث وابقل وهو باقل؛ وقيل إذا خرج في أعراض الشجر كأظفار الطير واعين الجراد قبل أن يستبين ورقه فذلك الابقال. اه عن المخصص 212: 10 وهذا ما يقصده العراقيون بالنابور اشتقوه من الارمية (ن ب ور ا) وهو المخلب والظفر والمنقار. وهذا الاشتقاق يوافق كل الموافقة تعريف ابن السكيت للابقال إذ قال كأظفار الطير.
(نبص) ظهر وبرز ولاح وهي ارمية مبنى ومعنى من فعل (نبص) ولفعل نبص في العربية غير هذا المعنى والوارد في معنى لفظ النبص هو القليل(4/339)
من البقل إذا طلع. فانه يدل دلالة استنتاج على معنى الظهور والبروز. ومن قال لك أن النبض للبقل لم يؤخذ من الارمية نفسها في زمن تقادم عهده ولا سيما أن كثيرا من ألفاظ الفلاحة مأخوذة عنهم.
(النوار) الرباط الذي يتخذه الحمالون لربط الحمول ويتخذ من الشعر أو الصوف أو الغزل
وأظنه مأخوذ من (ن ب ر ا) تلفظ الباء هنا واوا على طريقتهم وضبط اللفظ عندهم (نوارا) بإسكان النون وفتح الواو والراء. بمعنى الليف والخوص والاسل والحبل من خوص أو شعر.
(نيح) لفظ يستعمله المسيحيون خاصة وقد يستعمله بعض الكتبة المحدثين في سورية فيقولون نيح الله روح المتوفى والفقيد من (ن ي ح) سكن وهدأ وأراح. وعند الارميين (نيحا) بمعنى المتوفى والمرحوم والسعيد. وإن حرف (نياحة) الذي يستعمله العراقيون للدلالة على الماء الراكد أو الفاتر الانحدار في النهر مشتق من (ن ح - ن وح ا - ن ي ح ا) بمعنى سكن وهدأ واستراح وخف وكف. والنياحة تفيد السكون والهدوء والكف أي أن الماء يسكن ويهدأ ويكف عن الجري في ذلك المكان.
(النوف) للريح التي تهب من جهات مختلفة وهي من اصطلاح أهل السفن في العراق (راجع لغة العرب 127: 3) فهذا اللفظ ارمي الأصل من (ن ب - ن وب ا) والباء مثلثة تحتانية فيهما بمعنى التوى التواء وتمايل تمايلا واهتز اهتزازا كأن الريح تلتوي وتتمايل
(نطر - ينطر - ناطور) دخل هذا اللفظ منذ عهد بعيد من الارمية إلى اللغة العربية ودون في المعاجم وهو بمعنى حرس يحرس فهو حارس ويستعمله العراقيون بهذا المعنى وهو من فعل (ن ط ر) ولم نذكره هنا خلافا للمنهج الذي انتهجناه في إغفال الألفاظ القديمة الدخول إلى العربية إلاَّ للالماع إلى أصلها.(4/340)
(شبخ شبخة - وتشنبخ) يريد العراقيون بالأول سار أو وثب فاتحا ساقيه. والشبخة عندهم المسافة بين الرجلين إذا فرج الإنسان بين ساقيه فيقال كم شبخة من هنا إلى هناك وتشنبخ بمعنى تسلق وهو فاتح ساقيه ويديه. وفي الارمية فعل (س ب ك) وهو يتعدى ب (ب) و (عل) أي على و (ل) وله كل المعاني التي يقصدها العراقيون منه مثل شبك وعلق ونشب ولصق وتجرأ ووثب وتطاول وتسلق وصعد وارتقى. ويقولون في المجهول والمطاوع (ات ش س ب ك) وأما إبدال السين شينا والكاف خاء فأشهر من أن يذكر وهو كثير الورود في العربية فضلا عما في المعربات. على أننا لا نجهل أن في العربية فعل (شبح) بالحاء المهملة فيقال شبح الداعي أي مد يده للدعاء وشبح الجلد ونحوه مده بين ارتاد وشبح بضم الباء الرجل كان شبح الذراعين أي عريضهما قال في النهاية في صفة الرسول (كان
مشبوح الذراعين) أي طويلهما وعريضهما وفي رواية (شبح الذراعين) وإبدال الحاء خاء معروف في العربية. فيقولون رجل خنظيان وحنظيان أي فحاش وحنظي وخنظي به أي ندد به واسمعه المكروه.
ومع ذلك لا نبت في أصل هذا اللفظ أهو من الارمية من فعل (س ب ك) أو من العربية (شبح) بل نترك ذلك إلى رأي القراء فللوجهين تعليل مقبول واللغتان أختان شقيقتان.
(سابل) جوالق اغلب ما يصنع من الخوص يوضع على ظهر الدابة للنقل وفي الارمية فعل (س ب ل) بمعنى حمل رفع نقل السنبل خاصة واسم الفاعل منه (س ب ل ا) والباء هنا تلفظ واوا على طريقتهم. ويجدر بنا هنا أن نوجه الأنظار إلى أن في الألفاظ المعربة من الارمية ما فيها الباء تلفظ تارة باء في العربية وإن كانت في أصلها تقرأ واوا وتارة تقلب واوا على الطريقة الارمية واللفظ (س ب ل ا) يفيد أيضا البارية والحصيرة من قصب والزنبيل والقفة ويقول صاحب معجم دليل الراغبين: والسواديون يطلقونها على آلة من خشب تجعل على ظهر الدابة لنقل الحجارة خاصة.
(زعطوط) يطلق هذا الحرف على الولد الصغير وعلى الجاهل من الناس(4/341)
وهو مشتق إما من (ز وط ا) بمعنى الصغير نقيض الكبير والصبي والطفل وإما من (س ط وط ا) ومؤداه الولد الصغير والخفيف العقل.
(سطره سطرة) صفع وصفق من (س ط ر) بالمعنى نفسه وعندهم (س ط ر ا) أي صفعه وصفقه.
(سيان) للوحل المنتن والحمأة من (س ي ن ا) بالمعنى نفسه.
(شكخ) أي شك وغرز والشكاخة ما يشك به من (س ك ك ا - س وك ك ا) الكاف الثانية تلفظ خاء بالمعنى نفسه وربما تكون هذه الكلمة العراقية لغة في شك العربية الفصيحة ولكن عليها مسحة ارمية.
(سبس) الباء مثلثة عمل عملا خسيسا ومنه السباسيب (الباءان مثلثتان) خسائس الأعمال. وفي الارمية (س ب س) (الباء مثلثة) و (اس ب س) بمعنى انتن وأبلى وافسد و (س ب ي س ا) أي خائس وبال ومفسود ومتغير. وفي جميعها الباء مثلثة. وربما هي تصحيف سفساف العربية بمعنى الرديء من كل شيء.
(سكم وسقم وتسقام) عند أهل الزراعة اعد العدة لفلاحة الأرض وزراعتها ويستعمل هذا الحرف في دواوين حكومة العراق واشتقاقه من (س ق م) بمعنى رتب ونظم وقوم وعدل ومسح وحدد.
ويقول العراقيون: بكم تسكم عليك الشيء الفلاني؟ أي ما كانت كلفته عليك فيجيب المسؤول تسكم عليَّ بمبلغ كذا، أي كلفني مبلغ كذا. وكل ذلك من الفعل الارمي المذكور فكأن السائل يقول كم ترتب عليك أن تدفع ثمن الشيء الفلاني؟ فيجيب المسؤول ترتب عليَّ أن ادفع كذا.
(نعوص الولد) بمعنى بكى، أظن أن أرميتها (ع وص) بمعنى بكى الطفل وصرخ جرو الكلب.
يوسف غنيمة
(ل. ع.) أن وزن (نفعل الرباعي المجرد لم يذكره أحد من علماء التصريف وهو موجود في لغتنا فقد جاء عندنا نبذر بمعنى بذر: ونخرب القادح الشجرة مثل خربها أي نقبها وهناك أفعال أخرى كثيرة مثل نعظل ونعثل ونقثل ونهبل ونهتر ونهرج ونهشل ونودل ونقحش ونهمس ونفرج إلى غيرها.(4/342)
نموذج من تراجم العلماء
السيد نعمان خير الدين الالوسي
1 - ولادته وحداثته
ولد رحمه الله في بغداد (12 المحرم سنة 1252 هـ) في أرض التعصب الأعمى والجمود الذميم، تحت سماء الجور والاعتساف ولكنه نشأ بفطرته حي الضمير نير البصيرة وربي على الآداب الإسلامية الفاضلة فشب مسلما عاقلا فاضلا غيورا على مصالح الأمة والوطن والدين. ولولا أن يتيح الله له من ينمي فيه قوة الاستعداد ويربي في الجملة ملكة الاستقلال (وهو أبوه الإمام أبو الثناء، وتلميذه العالم السلفي السيد أمين الواعظ) لغلبه جمود البيئة، واستحوذ عليه الخمول وفسد فيه ما وهبه الله من فطرة سليمة وضمير حر، وضعف ملكة استقلاله ووهن منه الحزم والعزم ضرورة. على أنه مع اجتنابه ذوي العاهات السارية الفتاكة لم يسلم من العدوى تماما. بل سرى إليه أثرها فظهر في بعض مؤلفاته: (غالية المواعظ، والإصابة في منع النساء من الكتابة) ولكن حسب من نشأ في هذه البلاد في تلك الأيام الحالكة فخرا - أن يكون مثل السيد نعمان في استقلاله واعتداله وجرأته على الدعوة ومجاهدة فريق الجمود والتقليد.
2 - مناصبه
تولى في شبابه بفضله ونبله في بلاد متعددة وسار فيه سيرة مرضية فحمدت أفعاله وحبب إلى القلوب. وفيه يقول بعض أدباء (الحلة) يوم تولى قضاءها:
لتصف الشريعة للواردين ... فقد جاءها اليوم (نعمانها)
وقد كان مطروفة عينها ... فنال الشفا فيه إنسانها
ثم ترك المناصب خشية أن تشغله عما هو آخذ بإتمامه من تأليف ونشر وفي سنة 1295هـ قصد مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، فمر بطريقه إليها على مصر القاهرة لطبع (روح المعاني) تفسير أبيه الإمام فوقف على الحركة العلمية(4/343)
هناك. . . فأتفق له أن اطلع على (فتح البيان) تفسير الإمام المصلح الكبير وناشر ألوية العلم السيد حسن صديق خان ملك
بهوبال - وقد طبع في مصر - فراقه وأعجبته آراء صاحبه العلمية والإصلاحية وتمنى أن يتصل به ولو مكاتبة.
فلما وصل مكة طفق يسأل عن الرجل ويبحث عن مؤلفاته فأتيح له رجل خبير بأحواله (وهو الفاضل الشيخ أحمد بن عيسى النجدي) فزوده بما زاد في إكباره له وإعجابه به واشتياقه إليه. وعند قفوله كتب إليه كتابا يستجيزه فيه ويذكر له تعلق قلبه به لقيامه بالدعوة إلى مذهب الحق فما كان منه إلاَّ أن أجاب ملتمسه ثم اتصلت بينهما المراسلة إلى أن قطع حبالها الحمام.
3 - تآليفه
وفي هذه الأثناء كان السيد خير الدين يؤلف كتابه الجليل: (جلاء العينين في محاكمة الاحمدين) فلما أتمه (في شهر ربيع الآخر سنة 1297 هـ) قدمه إلى خزانته ورغب إليه في نشره فحقق له أمنيته واصدر أمره بطبعه في دار الطباعة بمصر. ولم يقتصر بتلك الصداقة المتينة على هذه الاستفادة وحدها منه فحسب بل استفاد أيضا ما قوي به على نشر مذهب السلف الصالح في العراق، وخدمة الأدب والعلم بطبع مؤلفاته ومؤلفات أبيه ومؤاساة الفقراء والمساكين كما يؤخذ من كتابه المنشور في مقدمة الجلاء. وفي سنة 1300 قصد الأستانة لإعادة ما اغتصبته يد الجور من حقوقه إلى نصابه، فمر على سورية وبلاد الأناضول واجتمع بعلماء هاتيك الديار فملك إعجابهم وأجاز وأجيز حسب العادة المألوفة
فلما وصلها وألقى فيها عصا التسيار واجتمع بأولي الأمر عرفوا له فضله واحلوه رحيبا وبالغوا في تكريمه. وانعم عليه السلطان عبد الحميد الثاني بمراتب عالية، واصدر أمره بإعادة مدرسة مرجان إليه. فآب إلى بغداد - بعد أن قضى في الأستانة سنتين - وتصدر للتدريس بعنوان (رئيس المدرسين) ونشر مطوي الفضائل ومكنون العلوم وحصر أوقاته في التدريس والتصنيف فكان يذهب إلى المدرسة صباحا ولا يعود إلى بيته إلاَّ مساء وقد هنأته الشعراء بالعود وأرخت توجيه المدرسة إليه بقصائد عديدة. منها قول السيد شهاب الموصلي من قصيدة:(4/344)
وافى وعرفانه والعلم عرفه ... إلى رجال ذوي علم وعرفان
موظفا قد أتى لكن (بمدرسة) ... قديمة العهد من إنشاء (مرجان)
وظيفة قبله كانت لوالده ... بموجب الشرط شرط الواقف علي
واليوم قد عاد مقبول الجناب إلى ... بغداد باليمن مشمولا بإحسان
وفي صكوك العلى والعلم أرخه ... سجل تدريس مرجان لنعمان
1302
4 - خطابته ووعظه
وقد كان رحمه الله جوزي زمانه في الوعظ وقد بلغ في حسن التذكير والإرشاد النهاية فكان في كل سنة يجلس في شهر رمضان للوعظ في أحد المساجد الواسعة فيقصد من أطراف البلد حتى يغص المكان بالمستمعين - فأتفق له في شهر رمضان سنة 1305هـ أن استطرد في أحد مجالسه - والحديث ذو شجون - بحث سماع الموتى فذكر ما قاله علماء الحنفية في كتبهم الفقهية من عدم سماع الموتى كلام الأحياء وأن من حلف لا يكلم زيدا مثلا فكلمه وهو ميت لا يحنث وعليه فتوى العلماء وهو المرجح لدى المحققين - فقام حشوية بغداد وقعدوا لها وأنكروا عليه هذا العزو وأثاروا أفراد جهلة العوام والمرجفين في مدينة السلام، وكادت تقع فتنة تسود وجه التاريخ ولكنه بدهائه وحلمه سكن ثائرتهم فجمع في اليوم الثاني كل ما لديه من كتب فقهاء المذاهب الأربعة وصعد كرسي الوعظ - وقد احتشدت الجموع - فأعاد البحث وصدع بالبيان ثم اخذ يتناول كتابا كتابا فيتلو نصوص العلماء ثم يرمي بها إلى المستمعين ويصرخ: هؤلاء هم علماؤكم فإن كنتم في ريب منهم فدونكموهم وناقشوهم الحساب؛ حتى إذا فرغ نهض واخترق الجموع الثائرة غير وجل ولا هياب فأقبلوا عليه يقبلون يديه ويعتذرون إليه من قيامهم بتحريك المرجفين من فريق المقلدة والجامدين.
ثم ألف رسالة لطيفة جمع فيها ما زبره الفقهاء في هذا الباب واسماها:
(الآيات البينات في عدم سماع الأموات).(4/345)
وكان منذ صباه شغوفا بالمطالعة وميالا إلى جمع الكتب النادرة فوفق لتأليف خزانة حافلة تعد اليوم من أغنى خزائن كتب بغداد واحفلها بالمخطوطات النادرة ثم وقفها على مدرسته وعين لها محافظا يتعهدها رجاء المنفعة بها ابد الدهر وحبا بالذكر الجميل وهو تحت رجام القبر.
وهكذا أمضى عمره؛ أمضاه بالدرس والتدريس. بالوعظ والإرشاد بالتأليف والنشر.
بمجاهدة الباطل وفرق الابتداع بجمع الكتب ووقفها في سبيل العلم.
نعم أمضاه صابرا ومحتسبا اجره على الله. حتى أتاه اليقين صبيحة يوم الأربعاء السابع من المحرم سنة 1317هـ ودفن في مدرسته في جوار مرقد مرجان تحت القبة مقابل الباب. فرزئ الإصلاح برجله الفذ في العراق وفقد العلم ركن نهضته العظيم. وكان نبأ وفاته شديد الوطأة على أهل الإسلام في الأقطار رحمه الله.
محمد بهجة الأثري
دفع أوهام
1 - توهم بعض البسطاء السذج أن في صدور مجلتنا (عن) شهر كذا أنها (لشهر كذا) والحال (عن) لا تفيد معنى ما توهموه. فمجلتنا تبرز في أول الشهر المذكور اسمه بجانب (عن).
2 - وتصور بعض المغفلين أن (أخبار الشهر) تحوي أخبار الشهر الذي اسمه في صدر المجلة. وليس الأمر كذلك؛ فهي تحوي ما وقع في أحد شهور السنة مهما كان ذلك الشهر بدون قيد إذ لم نقيد نفسنا به؛ وكل مرة رأينا خطورة الخبر أو الواقع ومكانه من التاريخ قيدنا يوم الشهر بجانبه.
3 - وخطر لبعض البلداء - ولعل اصله من الأعاجم والعرق دساس - أننا بذكرنا المرادفات نتوخى إيراد غرائب اللغة. ولو كان في دماغه ذرة عقل لوجد أن تكرير اللفظة الواحدة بالمعنى الواحد مما تأباه الغريزة العربية وتفضل عليه التنقل من لفظ حسن إلى حرف أنيق تنقل المفردات من فنن إلى فنن إنعاشا للنفس. لكن أين لذلك العلج معرفة المفردات الفصحى وهو عنها في موضع قصي!(4/346)
فوائد لغوية
الكلم الرحالة
هل خطر على بالك أن الكلم ترحل؟ أي أنها ترحل من بلد إلى بلد. ومن قوم إلى قوم، فتتزيا بأزياء الأمم التي تندمج فيها، كما أن الرحالة يتكلم بألسنة أهل الديار التي يرحل إليها ليقضي لباناته؟
فإن كان قد عن على بالك هذا الأمر؛ فلقد طاب لك هذا البحث مرارا إذ رأيت العجب من هذه الأسفار التي يدهش لها المفكر، وإن لم يمر بخاطرك فأنا اعرض عليك كلمة تكون مثالا لتلك الأسفار التي تقوم بها أمثلة تلك المفردات.
فهذه كلمة (الفتى) ومؤنثها (الفتاة) تراها جاست خلال البلاد، وانتقلت إلى ألسنة كثير من العباد. فإن الفرنسيين والأسبانيين البرتوغاليين يسمون الفتاة والفتى والإيطاليون وكلهم اتخذوها بمعنى الفتاة العربية اللفظ. أي الصبية، ثم بمعناها العربي الثاني أي الأمة ولما كانت الأمة معرضة لخطر الفساد لكثرة ما تخدم من أنواع الناس في جميع الطبقات، صارت بمعنى البغي كما انتقلت كلمة (فتاة) نفسها وأمة مرادفتها إلى هذا المعنى.
فالفتيات على ما هو مشهور الامآء. وقد وردت الأمة بمعنى البغي، كما أشار إليه ابن الأعرابي إذ قال: يقال للامة فرتنى. وكذلك فعل الفرنسيون فإنهم سموا البغي وكان أصل معناها الفتاة بالمعنى الحسن، ثم حل بمعناها ما حل بمرادفتيها العربيتين. ولا يتلفظ أديب منهم بهذه الكلمة بل يشار إليها بحرفها الأول أن تكلما وأن كتابة.
فهل أخذ العرب لفظتهم الفتى ومؤنثها الفتاة عن الغربيين أم الغربيون أخذوها عن العرب؟ فالذي أراه أنا أن الإفرنج أخذوها عن العرب على ما يظهر لي.
قال لتره في معجمه الفرنسي الكبير: تاريخ اللفظة يرتقي (ورودها(4/347)
في الفرنسية) إلى القرن الثاني عشر (ثم ذكر عدة شواهد من كلام قدماء كتبتهم من قرن إلى قرن، ثم قال: واصلها كأصل ثم ذكر وجودها في سائر اللغات فقال: باللغة البروفنسية والأسبانية وبالإيطالية وباللاتينية ومعناها الفتاة، كما أن هو الفتى أي الشاب إلى آخر ما قال. ولم يذكر أبدا أن اصلها عربي أو سامي.
على أني بحثت عما يقابل هذه اللفظة في اليونانية فوجدت وإذا أضيفت قالوا وفي هذه الكلمة اليونانية لغات عديدة بموجب قبائل اليونانيين الأقدمين، على ما يرى نظيره في لساننا، أي أن الكلمة يتلفظ بها باختلاف وجيز يعرف باللغة أو باللغية. ونحن لا نتعرض لمختلفات الغيات اليونانية إذ كلها ترجع إلى هذا الأصل الفصيح.
وأنت تعلم أن لغويي الإفرنج يقولون أن اللغة اليونانية فرع من الهندية القديمة الفصحى ويسمونها السنسكريتية، فهذه هي الأم وتلك البنت والحق يقال أن الفتى بالهندية القدمى - ومعناها الفتي من الحيوان وبالزندية: فئرة وبالفارسية القديمة: فثرة، ويلفظ بالراء لفظا مختلسا لا يكاد يشعر به، ومعناها الابن والولد، وإذا تتبعت على هذا الوجه جميع اللغات الأوربية المتولدة من اليونانية أو الهندية الفصحى، لما خرجت عن حيز هذه المادة إلاَّ بحروف العلة وهي مما لا يعتد به عند علماء اللغة.
وإذا سألت بعض المتعصبين الغربيين ولو كانوا من أبناء العرب، عن أصل الفتى أمن أصل سامي أم من أصل آري؟ أو بعبارة أخرى: هل العرب أخذوا لفظتهم عن الآريين، أم الآريون (وهم أجداد الهنود والفرس والإفرنج) أخذوا لفظتهم عن العرب؟ - قالوا لك حالا: العرب أخذوا لفظتهم عن الآريين ولا حاجة إلى إلقاء هذا السؤال عينه على أبناء الغرب الآريين، فإنهم يقنعونك أن العرب تلقوا لفظتهم عن اجدادهم، ولا يجوز الذهاب إلى رأي آخر.
أما نحن فنخالف الجميع، وإن أقمنا أهل السماء والأرض علينا. أننا نقول أن الآريين أخذوا لفظتهم عن العرب أو الساميين. لأسباب منها:
1 - إن الفتى العربية تتصل بمواد أخرى عربية كثيرة. ولا سيما بمادة ف ت (وما الشد في الأخر أو تكرير الحرف الأخير إلاَّ من باب إظهار الحرف(4/348)
الأخير وتحقيقه بالتاء لئلا يمتزج بحرف آخر كالثاء أو الطاء أو الدال أو بغيرها - وكذلك القول عن الناقص أي زيادة الألف في الآخر هو من هذا القبيل أيضا أي هو من باب تحقيق الحرف الأخير) فالفتى على الحقيقة وحيد الهجاء أو المقطع فهو (فت) لا غير. والعربية في ألفاظها الواحدة المقطع على هذا الوجه كثيرة؛ اكثر مما يرى في سائر الألفاظ. إذن العربية اقدم سائر اللغات المعروفة.
2 - أن لمادة (فت) معاني تؤيد مشتقات الفتى. فألفت: دق الأشياء وكسرها بالأصابع. وما يفتت لا يكون إلاَّ صغيرا.
وهناك فرع آخر هو فتأ الشيء (بالهزة في الآخر) ومعناه كسره أيضا؛ ثم هذه الهمزة تفخم فتصير حاء فتقول فتح. ومنها: فتح القناة فجرها ليجري الماء فيسقي الأرض؛ وما يفجر يصغر.
وقد تزاد الراء على آخر (فت) فتصير (فتر) يقال: فتر الشيء، سكن بعد حدة وفلان فتر عن العمل: انكسرت حدته ولأن بعد شدته. والحر انكسر. والماء: سكن حره. وفتر جسمه: لانت مفاصله وضعف. وترى في كل هذه المعاني اللين والانكسار وهو يرجع إلى الصغر والتجزؤ أيضا.
ثم انتقل إلى ما يلحق مادة (فت) من حروف تكسعها بها. فيكون عندك فتغ الشيء؛ أي وطئه حتى ينشدخ - وفتق الشيء شقه وخلاف رتقه - وفتك الرجل: ركب ما هم من الأمور ودعت إليه النفس؛ كما أنه صيّر تلك الأمور صغيرة لما به من شديد الهمة وأسرها.
فهذه الفروع على تشعبها وتفننها تدلك على أن مادة (فت) عربية الوضع وليس لسائر اللغات ما يضاهيها. فلكون اللفظة وحيدة الهجاء هو احسن دليل على قدمها. فهل يستطيع الغير أن يأتونا بمثل هذا البرهان القاطع؟
أما كيف أخذ اليونان أو الآريون من هنود وغيرهم هذه اللفظة عن العرب؟ أو عن الساميين؟ قلنا: هذا كان في العصور الواغلة في ظلمات القدم؛ حينما كانت تلك الأمم متجاورة مختلط حابلها بنابلها.
وعندنا من هذه الألفاظ شيء كثير؛ تثبت قدم اللغة العربية أو اللغات السامية وتفوقها عليها جميعها: تلك اللغة الضادية التي ضاهت بوضعها محاكاة الطبيعة على تشعب ما يسمع فيها من الأصوات المتعددة.
نعم أن رأينا لا يوافق كثيرين من أبناء الغرب وجما غفيرا من الشعوبية لكننا نقيم من أدلتنا المتعددة، ومن أكوام الألفاظ المنيعة ما يقوم بوجههم جبلا لا يمكن هدمه أو نسفه؛ بل إزالته عن موضعه ولو قيد شعرة!(4/349)
أصل علامات التأنيث في العربية
في لغتنا ثلاث علامات للتأنيث: الهاء أو التاء كما في أديب لمؤنث أديب وبنت لتأنيث الأبن، والهمزة مثل صفراء لمؤنث أصفر. والألف كقولك الكبرى وأنت تريد مؤنث الأكبر. فمن أين أتتنا هذه الحروف؟
لا جرم أن الحروف الموجودة في لغتنا هي أثر كلم كانت تقوم مقامها ثم استغني عنها استغناء من يكتفي بالأثر عن الأصل وبالصورة عن المثال. والذي بلغ إليه بحثنا أن هذه الحروف مقطوعة من كلمة واحدة هي (أنثى) وهي تكتب بالارمية (أنتى) بتاء مثناة وتلفظ (أتى) بإسقاط النون. فهي في رأينا أصل الحروف المستعملة عندنا في التأنيث. فقولك أديبة أصلها أديب أنثى، فاستغنوا بالتاء أو بالهاء عن بقية اللفظ. والأنثى لفظ يقع على من يعقل ممن ليس من الذكور، وعلى ما لا يعقل. ولهذا صح أن يقدر هذا اللفظ لا غيره. وقولنا (صفراء) فمعناه (أصفر أنثى) قالوا في أول الأمر: (أصفرآء) ثم كرهوا أن تكون همزتان في اللفظة الواحدة فحذفوا الأولى وابقوا الثانية التي في الآخر لتقابل الهاء أو التاء في سائر الألفاظ وكذا القول في (الكبرى) فإن اصلها (الأكبرا) ثم تصرفوا فيها تصرفهم في الصفراء مثلا. ولنرجع إلى لفظة أنثى واصلها:
إن كنت واقفا على بعض أصول اللغات السامية تذكر أن ما كان يلفظ به العرب بالثاء اصله في اغلب الأحيان شين بالعبرية مثلا، والأنثى يقابلها في هذه اللغة (أشى) التي هي تخفيف (أنشى) وأنشى هي مؤنث (أنش) الذي معناه الإنسان أو الأنس والنسوة في لساننا جمع انس المحولة عن أنشى، إلاَّ أن نحاتنا لما جهلوا الأصل قالوا أن النسوة وكذا النساء هما جمع مرأة والعاقل يأنف من أن يصدق هذه الخرافة والحق ما ذكرناه أي أن النساء والنسوة جمع كلمة مماتة عندنا وهي (آنسة) ومعناها الأنثى وهي محفوظة في قولهم إنسانة مؤنث إنسان على ما روي عن بعضهم بل محفوظة في كلمة (أنثى) التي اصلها (أنسى أو أنشى) على ما تقدم التصريح به.(4/350)
باب المكاتبة والمذاكرة
على يفعول
قرأت ما دبجته يراعة الصديق العلامة الأب انستاس ماري الكرملي في مجلته لغة العرب (م4 ص101) عن كتاب يفعول الذي عني بنشره صديقنا الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب التونسي فجئت بهذه الكلمات لأفصل بها ما أجمله الثاني عن بعض المواضع التي زادها علي الصغاني مؤلف الكتاب والأول على مؤلفه وناشره لأن هذه المواضع لا تزال معروفة عندنا في فلسطين وكذلك لأضيف إليها بعض القرى والدساكر الموجودة بفلسطين والواردة على وزن يفعول فأقول:
المواضع التي زادها عبد الوهاب
يبرود: قال الأستاذ عبد الوهاب ناشر الكتاب عنها أنها من قرى البيت المقدس ذكرها ياقوت في معجم البلدان ونقول نحن أن هذه القرية من عمل بيت المقدس ولا تزال آهلة وعدد سكانها اليوم (199) نسمة.
عين يبرود: قال عنها قرية أخرى من قرى البيت المقدس ونقول أنها لا تزال آهلة بالسكان وعددهم (576) نسمة.
المواضع التي زادها الكرملي
يأزور: قال حضرة الأب العالم (اليازور اسم موضع في بلاد العرب ذكره ابن الأثير في كامله. اه) ومع أن ابن الأثير قد ذكر ذلك الموضع في كتابه كامل التواريخ فإن ابن منجب الصيرفي وهو متقدم على ابن الأثير في المدة قد ذكره قبله في كتابه الإشارة إلى من نال الوزارة (ص40) كما أن ياقوت الحموي المعاصر لأبن الأثير قد افرد له مادة كتب فيها(4/351)
ما عرفه عنه ويغلب على الظن أن ابن الأثير قد نقل ذلك عمن تقدمه.
أما يأزور فلا تزال قرية آهلة وهي في ضاحية يافا بينها وبين الرملة وعدد سكانها اليوم (1284) نسمة.
يأمون: قال الأب: (يأمون اسم موضع ذكره الهمداني في صفة جزيرة الرب) ونقول نحن
أن ما جاء عنها في هذا الكتاب عند ذكر المؤلف مساكن من تشاءم من العرب (ص129) (وأما جذام فهي بين مدين إلى تبوك فإلى اذرح ومنها فخذ مما يلي طبرية من أرض الأردن إلى اللجون واليامون إلى ناحية عكا. اه) ويأمون هذه قرية من القرى الآهلة وهي من عمل جينين وجينين بين نابلس والناصرة وعدد سكانها اليوم (1486) نسمة.
المواضع المذكورة في أصل الكتاب
ويجدر بنا بعد أن ذكرنا ما تقدم أن نعود إلى أصل الكتاب فنوضح بعض ما فيه مما له علاقة بفلسطين قال المؤلف:
اليأجور: الأجر ولم يزد. ونقول نحن أن في ضاحية حيفا قرية اسمها اليأجور كانت ملك بعض أعيانها فتسربت في العهد الأخير إلى أيدي اليهود الصهيونيين وكان عدد سكان هذه القرية زهاء (200) نسمة من الوطنيين فلما اتصلت باليهود أنشأوا فيها مصنعا هائلا للأسمنت أنفقوا عليه أموالا طائلة وهم يستثمرونه اليوم ويتناولون التراب اللازم للأسمنت من تراب الجبل المحاذي للقرية فيحرقونه في الأفران الأوربية ثم يعرضونه للبيع في الأسواق التجارية وقد أثبتت الاختبارات الفنية التي قام بها بعض المتخصصين أن هذه المادة تفضل سواها من الأسمنت الذي يستورد للبلاد من مصانع الغرب وقد اخذ استعمالها يعم في المباني الكثيرة التي تنشأ لحساب الوطن القومي اليهودي في هذه الأرض المقدسة. فهل حرف العرب خاصية هذه التربة قديما فسموها باليأجور نسبة إلى الأجر؟ وأجوده ما يصنع من هذه المادة الترابية التي تتحجر(4/352)
عاجلا وتستخدم في البناء بدلا من الحجارة أو أن هذه التسمية جاءت عفوا وهو ما نستبعده؟
قلنا إننا نستبعد أن يكون العرب قد جهلوا حقيقة هذه التربة بالاعتماد إلى تسمية موضعها باليأجور وقد ظهر أثناء نقل التراب إلى المصنع بعض مغاور قديمة فيها نواويس فخارية وفي هذه النواويس عظام بشرية يظن بعض العارفين أنها فنيقية مما يدل على رسوخ قدم هذا الموضع في القدم.
أما المصنع الذي أنشأه اليهود فيعمل فيه اليوم ما يربي على الأربعمائة عامل ويستخرج منه في اليوم ما يضاهي مائة وخمسين طنا من الأسمنت.
يأسوف: (قرية قرب نابلس من فلسطين) هذا ما قاله المؤلف عنها وقد ذكرها ياقوت في
معجمه وهي قرية صغيرة من عمل نابلس. عدد سكانها اليوم (172) نسمة.
وبعد فان عندنا في فلسطين عدة قرى على وزن يفعول لم ترد في أصل الكتاب ولا في الحواشي التي كتبت عليه ولم تذكر في معاجم تقويم البلدان رأينا أن نذكرها هنا إتماما للفائدة.
المواضع الموجودة في فلسطين والتي يجوز إضافتها إلى
يفعول
يأسور: اسم قرية من عمل المجدل في مقاطعة غزة عدد سكانها اليوم (456) نسمة.
يأقوق: اسم قرية من عمل طبرية يقال لها يأقوق ومواسي عدد سكانها اليوم (494) نسمة ومواسي المعطوفة عليها اسم لقبيلة بدوية لها بقية في نواحي طبرية وصفد.
يأنوح: اسم قرية من عمل عكاء عدد سكانها اليوم 214 نسمة.
يأنون: اسم قرية صغيرة من عمل نابلس عدد سكانها اليوم 71 نسمة.
هذا ما أردنا إيراده في هذه العجالة وفوق كل ذي علم عليم.
حيفا: عبد الله مخلص(4/353)
الملا عثمان الموصلي
طالعت ما جاء في الجزء الخامس عن الملا عثمان فتذكرت بعض أمور عنه ويطيب لي أن أرويها لقراء لغة العرب:
اذكر روايتي عن المرحوم عثمان أفندي أنه فقد بصره وهو في مهده بصورة مدهشة، وذلك أن جارة لهم كانت تعادي أمه فجاءت يوما فرأته في المهد وليس ثم أحد فقلعت عينيه وذهبت. وأن أمه خبأت العينين حتى شب وسلمته إياهما ظانة أنه يجد من يعيدهما إلى موضعهما. وهذه الحادثة كان لا يزال يذكرها.
وإذ ذكر الكاتب ترجمته يجب ذكر جانب من ذكائه المفرط، وهو معرفته لأصحابه من لمس أيديهم مهما طال أمد الفرقة بينهم. فمنها أنه دخل بيروت وكان فيها المرحوم صالح أفندي السويدي فتقدم إليه وصافحه دون أن ينبس بكلمة واحدة فأخذ يده وبقي يتلمسها هنيهة وهو لا يعلم بوجود صاحبه في بيروت وإذا به يقول: (سويدي ما الذي جاء بك إلى هنا؟)
وذكر لي المرحوم رؤوف أفندي أبن حسن أفندي الشربتجي الموصلي أنه دخل جامعا في الأستانة فوجد الشيخ عثمان جالسا للوعظ. قال فجلست في ناحية قريبا منه، ففطن بأن الجالس ليس من المستمعين على العادة. قال فتطال إلي وسألني (بك أفندي بكم الساعة) فاجتهدت بتغيير صوتي وقلت بالتركية (العاشرة ونصف) ثم ختم درسه بعد لحظة وأخذ في الدعاء قائلا: (اللهم صل وسلم على رسولك الرؤوف الحسن) وبعد تمامه قال هل تحتاج بعدها إلى التكتم عني؟
ورأيته مرارا وهو يقدر سن من يسمع صوته فلا يخطئ إلا قليلا في الكهول وأما في سواهم أي في من كان في الطفولة إلى المراهقة فقلما يخطئ.
ومررت معه ليلة في سوق. وبينما نحن نسير ونتحدث إذ ضربت بعصاي باب حانوت وقلت له: (هذا حانوت صاحبك فلان) فقال كلا بل حانوته الحانوت الآخر الذي بلصقه.
وكنا ليلة عند المرحوم السيد محمد صالح الكيلاني، وكان هناك أحد المولوية وهو يقرأ ويمد رأسه تارة ويقلبه يمينا ويسارا تارة أخرى ولم يسكت فضجر(4/354)
الشيخ عثمان وصاح بالغلام هات (دنبكا) (والدنبك عند بالعراقيين هو المسمى بالدربكة عند أهل الشام) فأتاه به ونحن نظن أنه يريد الضرب عليه وإذا به ضربه فخرق الجلد وجعله على رأسه يقلد به قلنسوة المولوية وأخذ يقرأ ويتواجد مقلدا الرجل أعظم تقليد حتى مللنا من الضحك وهو
يقول ما هذه الليلة الباردة
هذا ما خطر لي الآن إذ له أمور كثيرة. وكان رحمه الله سحابة لا يدخل الدرهم يده إلا مارا بها، ولو جمع مما حصله من الأستانة لبلغ الألوف من الذهب إنما كان له صاحب هناك يسمى بالملا يونس فكان يعطيه ما يأخذه حتى أن أحد الأفاضل كان يقول اللهم يسر لي من يكون لي مثل عثمان ليونس. وفتح مع شريك حانوتا في الأستانة للوراقة؛ فما جاءه أحد يطلب كتابا بغياب شريكه إلا ومد يده وسلمه إياه بصورة يعجز ذوو الأبصار عن مثلها.
وله شعر كثير من ذلك تخميس الهمزية والبردة. وكان في نظم التاريخ أمة وحده فلا يعجزه التاريخ بل متى أخذ السبحة بيده فلا يمضي ربع ساعة حتى يستخرج التاريخ نظما. نعم أن شعره ليس بالعالي الجزل بل يجمع الجزل والركيك.
عبد اللطيف ثنيان
معنى كلمة عراق
سيدي صاحب لغة العرب المحترم.
وقفت على تعليقكم على معنى كلمة عراق وقد ذهبتم إلى أهنها بمعنى معروق التي معناها المعرض للغرق. وهذا يدعم رأيي القائل أن العراق معناه بين النهرين أي بلاد الماء ولزيادة الإيضاح أقول عثرت مؤخرا في (تاريخ شمروا كد) لمؤلفه الأستاذ كنك ص 14 ج1 و2 على أن أول أسم أطلق على العراق كان لفظة قلم (على وزن سبب) ومعناها (الأرض) ثم أبدلت على توالي الأزمان بكلمة قنجي (وزان عبدي) التي معناها أرض الترع والقصب.
ويظهر أن جميع الألفاظ التي أطلقت على ديارنا هذه كانت بمعنى واحد وهو بين النهرين وأن اختلفت باختلاف الأزمان والأقوام والألسنة.
رزوق عيسى(4/355)
ملاحظات
وقفت على ما جاء في الجزء الخامس من لغة العرب فبدا لي بعض أمور في أثناء المطالعة وها أنا ذا أبوح بها لعل فيها فائدة:
1 - ذكر صاحب مقالة الحافظ أو الملا عثمان في ص262 أنه كان يعرف لعبي الدمة (الدامة) والشطرنج. والحال أن المرحوم كان يجهلهما بتاتا. واللعب الذي كان يحسنه هو (الدومنو) ولعل تقارب أحرف الدمة والدومنو كان سبب هذا الوهم.
2 - في يوم وفاته انتقل إلى دار الخلود رجلان آخران شهيران وهما محمد سعيد الدوري من افقه أهل زمانه في العراق وآخر اسمه داود.
3 - جاء في مقالة الألفاظ الارمية (ص267) في كلام الكاتب عن البزاغة (من بزرا. . . بإبدال الراء الثالثة غينا، مع أنه ليس هناك راء أولى ولا ثانية ولعل الكاتب أراد أن يقول بإبدال الراء - وهي الحرف الثالث - غينا.
وفي ص269 ذكر الدحرة فقال يقال دحره على قلبك ودحرة بعينك والمشهور طحرة ومعناها في لساننا الشيء مهما كان. قال في اللسان يقال: ما في النحي طحرة أي شيء. وما على العريان طحرة أي ثوب. وقال الجوهري: وما على فلان طحرة، إذا كان عاريا.
اه
وذكر الحويجة (ص270) بمعنى قطعة من الأرض فيها شجر. والمشهور في معناها عندنا نحن العراقيين: الحويجة الجزيرة (أو الجزرة) فيها أشجار.
4 - قرأت في ص290 (إن بني قريش كانوا يفرون من الهمز) والذي احفظه أنه لا يقال بنو قريش أبدا بل قريش لأن قريش اسم قبيلة لا اسم رجل حتى يكون له أولاد.
مترقب
(لغة العرب) نشكر المترقب على ملاحظاته. أما أنه لا يقال بنو قريش فلا نوافقه. فلقد صرح بذلك القلقشندي في نهاية الأرب في معرفة انساب العرب المطبوع في بغداد في مطبعة الرياض إذ عقد المؤلف فصلا للقبائل التي يصدر اسمها ببني فقال في ص321 بنو قريش: قبيلة من كنانة غلب عليهم اسم أبيهم فقيل لهم قريش على ما ذهب إليه جمهور النسابين. إلى آخر ما قال.
وجاء في لسان العرب في مادة قريش: وقيل سميت بقريش بن مخلد بن غالب بن فهر. اه. إذن يقال بنو قريش ولا غبار عليه.(4/356)
أسئلة وأجوبة
هل فرثية هي طبرية؟
س - قرأت في كتاب (دروس التاريخ للصف الخامس الابتدائي) الباحث عن القرون الأولى والوسطى لمؤلفه الفلاحي وقد وضع وفقا لمنهج وزارة المعارف وتقرر تدريسه في المدارس الابتدائية طبع سنة 1925 في ص30 ما هذا نصه:
(فأنتهز الفرصة رجل من أهالي برثيا (طبرية) وألف جموعا كثيرة من الفرس وتمكن من تأسيس دولة إيرانية جديدة سميت بدولة (البرثيين) وأخذ يحارب السلوقيين وانتصر عليهم في اكثر الوقائع) اه فما اسم المؤسس لهذه الدولة وهل عرفها العرب بهذا الاسم؟ وهل فرثية (التي يسميها المؤلف برثيا) هي طبرية؟
(شطرة المنتفق. ر. ش.)
إننا لنعجب من وزارة المعارف لتقريرها مثل هذا الكتاب الطافح بالأغلاط وإثباته بين كتب التدريس. لا نعلم كيف جعل المؤلف فرثية طبرية؟ فطبرية في فلسطين وفرثية في العراق وفارس ولا تصل تخومها إلى فلسطين. ولعل المؤلف أراد بطبرية طبرستان؟ فهذا أيضا خطأ واضح لأن طبرستان بلاد أو قطر أو كورة واسعة داخلة في جزء من أجزاء فرثية القديمة لكنها ليست بها؛ والمؤرخ لا يسمي بلادا باسم لم تكن معروفة به في ذيالك الأوان. فطبرستان كلمة حديثة بالنسبة إلى فرثية.
أما مؤسس هذه الدولة فهو ارشك على ما جاء في كتب العرب أو أشك راجع الكامل لأبن الأثير (1: 208 - 210 من طبعة الإفرنج) وسمى السلف هذه الدولة بالاشغانية أو الاشعانية أو الاشكانية أو الارشكية أو الفرثية (بفتح الفاء إلاَّ أن بعضهم قرأ الثاء المثلثة سينا فقال الفرسية بيد أنه أبقى الفاء مفتوحة فضمها بعض الجهلة وقالوا فرسية) والحال أن الفرس بالفتح هم غير الفرس بالضم فالأولون يعرفهم الإفرنج باسم والآخرون هم(4/357)
باب المشارفة والانتقاد
24 - الإرشاد
جريدة علمية أدبية إرشادية يصدرها في بغداد نادي الإرشاد في الأسبوع مرة واحدة مديرها: المعتمد العام الأول لنادي الإرشاد عبد الجليل آل جميل، بدل الاشتراك عن كل سنة كاملة 5 ربيات وعن ستة أشهر 3 ربيات، صدر العدد الأول منها في 5 تشرين الثاني سنة 1926 الموافق 28 ربيع الثاني سنة 1345
جاء في هذه الصحيفة الأسبوعية بعد الافتتاحية مقالة تحوي نظام الإرشاد يليها مقررات النادي فالكسب في نظر الدين الإسلامي فالمباشرة بالوعظ كذا) والإرشاد وبهذا المقال ختمت الجريدة صفحاتها الأربع فبقي هناك رقعة بيضاء بمنزلة متنزه تتمتع الأبصار ببياضها الناصع وترتاح من سواد الحبر الذي يتعب البصر.
وكنا نود أن يعتني بعبارتها. ولا سيما لأن كتابها من العلماء الأفاضل. واحسن مقال ورد فيها وعني به هو - على ما يظهر لنا - مقررات النادي ودونك مستهله:
(أجمعت الهيئتان - المؤسسة والإدارية - معا في 14 ربيع الثاني سنة 345 المصادف 22 تشرين الأول سنة 926 وبعد شكرهم لحسن إدارة الحكومة البريطانية العظمى إدارة الوقف إلى زمن تشكل الحكومة العربية عقدوا الجلسة وحروف برثية أو برطبة هي الحروف التي تكتب بها طبرية لكن ليس للحروف هنا اعتبار في قلب الكلمة
فأنظر إلى الأغلاط العديدة الموجودة في العبارة الواحدة فما قولك في الكتاب كله والأطفال إذا تعودوا حفظ الأغلاط في التاريخ قبل أن يعرفوا صحيحها يتعذر عليهم العود إلى الصحيح منها. فانا لله وانا إليه راجعون! ............(4/358)
برئاسة صاحب السماحة السيد إبراهيم أفندي الحيدري فتذاكروا في شأن إلغاء وزارة الأوقاف جهة التدريس من بعض المدارس الدينية وجهة الإرشاد من التكية الخالدية. . .) إلى آخر ما ورد.
فنحن لم نفهم معنى (أجمعت) في قوله أجمعت الهيئتان، فإذا كان هناك غلط طبع أي أن الأصل كان (اجتمعت الهيئتان)، فلا نر وجها لقول النادي بعد ذلك (معا) وهل يكون اجتماع بغير أن يكون معناه (معا)؟ إذن (معا) زائدة وأما أن لم يكن هناك غلط طبع فكان يحسن أن يوصل معنى (اجمع) بالجار (على) أي أن يقال مثلا: أجمعت الهيئتان. . . على شكرهما. . . وعلى كل حال في الكلام غموض. ثم أن الهيئة لم ترد بمعنى اللجنة في العربية بل بالتركية فقط.
وقال الهيئتان المؤسسة والإدارية. ولو قال المؤسسة والمديرة أو التأسيسية والإدارية لكان ............
المعطوف من جنس المعطوف عليه وهو من حسن التعبير عن الفكر في مكان فصيح معهود - وقوله في 14 ربيع الثاني سنة 345 المصادف 22 تشرين الأول. . . قلنا لا معنى للمصادف هنا إذ ليس ثم مصادفة إنما هناك (موافقة) فكان من المستحسن أن يقال الموافق 22 تشرين الأول كما ينطق به المصريون والسوريون وكل فصيح.
وقوله: وبعد شكرهم لحسن إدارة الحكومة. . . ولا نعلم كيف يعود ضمير الجمع إلى اسم مثنى. فالكلام كان عن الهيئتين (أي اللجنتين) فكان من اللائق أن يقال: وبعد شكرهما لحسن إدارة. . . ومع ذلك لا يرتبط الكلام ارتباطا بينا بقوله في الأول: أجمعت الهيئتان. . . فكان يحسن أن يقال مثلا كما قلنا في بدء كلامنا: أجمعت اللجنتان. . . على شكرهما لحسن إدارة الحكومة البريطانية تدبير أمور الوقف، لكنه قال: لحسن إدارة الحكومة البريطانية إدارة الوقف. . . وفي هذا التعبير من التعسف ما لا يخفى على القارئ.
وربط تلك العبارة بقوله: إلى زمن (تشكل) الحكومة، وهذا أيضا من التعبير العثماني أو التركي أو المغولي أو انعته بما تشاء لكن لا تقل أنه عربي فالتشكل في لساننا مصدر تشكل الشيء أي تصور وتشكل العنب أي اينع بعضه(4/359)
أو اسود واخذ في النضج، فأين هذا مما يريده؟ - ولو قال: إلى زمن (تألف) الحكومة لفهمنا مراده.
ولم ندرك ما عناه بقوله بعد ذلك: إلغاء وزارة الأوقاف (جهة) التدريس من بعض المدارس. فلجهة في العربية الجانب والناحية وكل موضع استقبلته وتوجهت إليه. وهذه المعاني كلها لا تتسق مع الألفاظ السابقة ولا يتحصل منها ما يربط الكلم بعضها ببعض. ولعل المراد هو إلغاء (منصب) التدريس من بعض المدارس. لكن بقي معنى الكلام في قلب الشاعر.
ولا نريد أن نتتبع النادي، نادي الإرشاد، في كل ما قال وحبر من الكلام إذ كله على هذا النسق. وكنا نود أن تكون العبارة محكمة (رشيدة) حتى لا يعترض عليها (الضالون) فيمتنعوا من مطالعتها. وعلى كل حال أننا نتمنى للإرشاد أن يكون دليلا وهاديا لأن غايته على ما قال في مقال الاستهلال: (صلاح حال الأمة المسلمة التي أصبح الكثير منها بسبب الجهل وفشو البدع والخرافات وانحطاط الأخلاق بحالة غير محمودة حتى وصل الأمر إلى درجة أن الأب لا يعطف على بنيه ولا يلتفت الأخ لأخيه) غفر الله لنا وهدانا إلى الصراط
المستقيم.
25 - مختصر تاريخ الطبري
عن السنين الهجرية 65 - 99 الموافقة لسني 684، 685 - 716، 717، لأغناطيوس غويدي، طبع في رومة 1935
اغناطيوس غويدي من كبار المستشرقين، لا يتعرض لأمر يتعلق بالعرب لا بل بالشرقيين، إلاَّ يوفيه قسطه من التحقيق والتدقيق. وهذه الخلاصة جاءت شاهدة على تضلعه من العربية وتاريخ بني عدنان وعلى أن شيخوخته المباركة لا تقعده عن العمل. فلقد صدق فيه قول لغويي العرب أنه (الراتي الرباني) أي (العالم العامل المعلم).(4/360)
26 - تاريخ الطب عند العرب
محاضرة بقلم الأستاذ عيسى اسكندر المعلوف، طبع بنفقة الدكتور مصطفى الخالدي أستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت
لا يطالع القارئ مجلة من كبار مجلاتنا العربية إلاَّ يرى فيها مقالة للأستاذ عيسى المعلوف. فمباحثه دقيقة وتحقيقاته بالغة أقصى التحفي. وقد أهدى إلينا الصديق المحاضرة الثانية (ولم تصلنا الأولى) وهي تتناول البحث عن اتصال الطب بالعرب منذ نشوءه إلى عهدنا هذا. وهي محاضرة نفيسة تدل على اطلاع واسع ووقوف عجيب على تاريخ العرب وتقدمهم في الطب.
على أننا كنا نود أن يتولى الأستاذ بنفسه طبع مسودات هذه الرسالة فقد جاء في الصفحة الأولى منها (وهي ص3 من البحث) قوله: فاشتهروا به وتفوقوا ولعل الناشر حذف (على من سواهم) بعد قوله وتفوقوا ولعل الكلمة كانت مثل (وأجادوا فيه) فأبدلت ب (وتفوقوا) فلم تحسن العبارة.
وذكر في سبب دخول الطب بلاد الفرس: (أن ملكهم سابور تزوج ابنة أولينوس قيصر فبنى لها مدينة (جنديسابور) وفسح لأطباء اليونان (الذين رافقوها حسب تلك الأيام) محلا لبناء مدرسة ومستشفى فنقل الطب من الإسكندرية إلى تلك البلاد الشرقية بهذه الواسطة واتصل بالعرب. . .)
ونحن نجل الأستاذ عن نقل مثل هذه الرواية التي ذكرها بعض الخرافيين هذا فضلا عن أننا لا نعلم أن عند الرومان قيصرا يسمى أولينوس. والذي كان في عهد سابور كان اسمه غرديانس وخلفه فيلبس العربي ثم أذينة بن السميدع ولما كان بعضهم يجهل صحة هذا الاسم العربي نقله بصورة (اودينوس) لا (أولينوس) كما جاء في هذه المحاضرة. وكنا نود أن نعلم السند الذي نقل عنه حضرة صديقنا الفاضل لنتثبت صحة الرواية.
وقال في تلك الصفحة: فالطب العربي مقتبس من طب هؤلاء الأقوام، ولا سيما (اليونان) ولو قال ولا سيما من طب اليونان أو من اليونان لكان افصح.
ثم قال: ولكنه (أي الطب) اتصل بالعرب فلم يهملوه. . . بل زادوه تبسطا في الأبحاث وتوسعا في العلاج ومهارة في الجراحة والتشريح وخبرة في(4/361)
العقاقير. . . قلنا كان الأجدر أن يقال: بل زادوه بسطا. . . وسعة. . . فتصدق بقية المصادر المعطوفة على هذين الأولين وكلها تدل على معنى التعدي. أما التوسع والتبسط فيدلان على معنى اللزوم - وقد علمنا من تتبع تاريخ الطب أن العرب لم يمهروا في الجراحة (والصواب علم الجراحة لأن الجراحة اسم الضربة أو الطعنة وجمع الجرح أيضا لكن لم ترد عند الفصحاء بمعنى علم الجراحة) والتشريح لأن الدين يحضر مس الموتى؛ هذا فضلا عن أنه لم يشتهر عندنا بهتين الصناعتين من يعتمد عليه.
وفي ص4 ورد ذكر مدينة الشوش ومرة ثانية شوش وكلتهاهما غلط والصواب السوس بالمهملتين. وفيها ذكر اسم مدينة (كرخ بيت لافاط) وعرفها العرب باسم بيلاب (راجع معجم ياقوت) وقال هناك. . . كرخ بيت لافاط وهو اسم جنديسابور التي دعتها العرب (الأهواز) قلنا: بيت لافاط (التي هي بيلاب عند العرب) عرفت باسم جندي سابور لكنها ليست بالأهواز لأن هذه واقعة في جنوبيها وبعيدة عنها. والأهواز كانت تعرف ببيت هوزايا ومعناها مدينة الخوزيين وسماها الفرس هرمزد اردشير، وهرمشير - وفي تلك الصفحة (باتانوس الامدي) والمذكور في الكتب (اطنوس) بالطاء لا يردفها ألف - وذكر كتاب (الفن الطبي وخواص العناصر) والمشهور أن اسم الكتاب (الفن الطبي وخواص الأطعمة) - وذكر المتحف البريطاني والأصح المتحفة أي محل تكثر فيه التحف - وذكر رئيس المكتبة الملكية. ولم تأت المكتبة عند العرب بمعنى خزانة الكتب أو دارها أو بيتها.
أما المكتبة فهي محل تكثر فيه لتعرض على المشترين فهي والخزانة
وفي ص5 جاء أسم يحيى أو يحنى أو يوحنا بن سرافيون مصحفا بصورة سراجيون الذي لا وجود له. ولو تتبعنا كل الصفحات لوجدنا في كل منها عثرة من العثرات. وما كنا نود أن نرى مثل هذه الهنات في هذه الرسالة الوضاءة الحسنة الورق والطبع. ولهذا نشير على الصديق أن لا يؤذن لأحد أن يطبع مؤلفاته ما لم تعرض عليه مسوداته لكي لا تتشوه فتضيع الفائدة من مطالعتها وتذهب محاسنها إدراج الرياح.(4/362)
27 - مرقاة المعلم للصفوف العالية في اللغتين الفرنسية
والعربية
تأليف الأب يوسف علوان اللعازري، المراسلات التجارية والمسائل القضائية، الجزء الثاني كتاب التلميذ في 239 صفحة، الجزء الثاني كتاب المعلم في 168 صفحة، كلاهما طبع في المطبعة الكاثوليكية في بيروت سنة 1926
تكلمنا عن الجزء الأول للتلميذ في 240: 4 وعن جزء الخاص بالمعلم في 295: 4 وقد تلقينا الآن الجزء الثاني للتلميذ والمعلم. فوجدناهما أخوين مشابهين لأخويهما السابقين. وكلما طالعنا في هذه الأجزاء الأربعة نقول: وهل يمكن أن نرى كتبا في هذا الموضوع تشابهها أو تقاربها؟ فيكون الجواب: إلى الآن لم نجد، فلعل الزمان يفاجئنا بما يدانيها، لكن لا يمكن أن نرى ما يفوقها. وكفى بهذه الشهادة على حسن أسلوب هذه الأجزاء فكأنها أسنان المشط في المساواة والمؤاخاة والمشابهة والإجادة، فهي حقيقة درجات مرقاة توصلك إلى الإجادة في فن الترجمة.
كسر المؤلف كتابه المفيد على أربعة غرور متكافئة وطوى كل ثني منها على فوائد في الترجمة تميز العربية من الفرنسية وتبين لك الأسرار الموجودة في كل من هاتين اللغتين الضرورتين في بلادنا.
فالجزء الأول يحتوي على المراسلة المألوفة في جميع الأساليب على ما رأيت.
والجزء الثاني يطلعك على خفايا الترسل التجاري ومسائل القضاء وهو الذي اهدي إلينا في هذه الآونة بقسميه الخاص أحدهما بالتلميذ والثاني بالمعلم.
أما الجزء الثالث فيدور محوره على مواضيع تتعلق بالفصاحة والبيان ويكون دائما كسائر الأجزاء في قسمين: قسم للتلميذ وقسم للمعلم.
ويختم الكتاب بالجزء الرابع الذي يقوم موضوعه على مواد الخطابة بفرعيها الديني والدنيوي وأقسام الجزءين الأخيرين جار طبعها وتبرز وشيكا.
والكتاب صغير الخلق في حجم 16 حسن الكاغد والطبع متقن التبويب(4/363)
والأسلوب فلا ينتقل الطالب من موضوع إلى موضوع إلاَّ يرى في نفسه تقدما يعده للارتفاع إلى أعلى.
وإطراؤنا لهذا الكتاب هو من باب الحق والإنصاف. لكننا لا نريد أن نقول أنه خال من كل عيب، إذ هذه الصفة خاصة بأعمال الله عز وجل. أما صنع البشر فلا يخلو من مغمز. ومعايب هذا التصنيف أن المؤلف لا يتحاشى عن اتخاذ ألفاظ العوام وتعابير التجار المغلوطة المستعملة في العربية. وأما عبارته الفرنسية فإنها خالصة كالأبريز. وكنا نود أن يعامل لغتنا معاملته لغة الأجانب.
ففي ص65 من جزء التلميذ (بالمزايا التي تؤهلني لالتفاتكم، وخير منها تؤهلني لالتفاتكم إلي. وفيها: فلي أمل إذن إنكم تتنازلون. . وهو تعبير قبيح سرى إلى بعض الكتاب عن طريق الأجانب والصواب: فآمل إذن. . . وفيها أتشرف فأسألكم أن تكرموا علي؛ واحسن منها: أتشرف بأن أسألكم أن تتكرموا (بتاءين) علي. ثم أن تكرم على فلان غير فصيح فهو كتفضل عليه من هذا القبيل. والذي ورد عند الفصحاء بمعناهما: احسن إليه وجاد عليه. فتصبح العبارة إذا قلت: أتشرف بأن أسألكم أن تجودوا علي. هذا فضلا عن أن تفعل اثقل من افعل وفعل. ومثل هذا التسامح والتساهل في التعبير لا تخلو منه صفحة على أننا لا نراه يجري على هذا الوجه في العبارات الافرنسية، وهذا ليس من باب النصفة.
وما نقوله عن جزء المتعلم نعيده على جزء المعلم ونزيد على ما تقدم أن المؤلف يفضل العبارة الطويلة لتأدية المعنى على كلمة عربية واحدة. فقد وضع في ص47 من جزء التلميذ بازاء بالغ في التدقيق ولو وضع بجانبها أسف (بتشديد الفاء) لاستغنينا عن الكلمات الثلاث. ووضع بازاء قام بمعاش فلان ولو قال بدل ذلك عاله أو مأنه لكان اخصر وأوفى بالمطلوب. ووضع مقابلا لكلمة دفع ما كان باقيا عليه، ولو قال: دفع الروية (وزان الشقية) لأنقذنا من العبارة الطويلة العريضة. ووضع في معنى إشارة إلى كلمة والتعبير
العربي لا يؤدي معنى الكلمة الفرنسية فهي قاصرة عنه بل ولا تفيدنا شيئا والصواب (ميز الكلمة بخط) أو يكتفي بقولك: ميز الكلمة. ووضع(4/364)
وقع (بالتثقيل) ولكلمة وقع كتابه، وأنا لا أرى فرقا بين التعبيرين العربيين مع أن الكلمتين الفرنسيتين لا تفيدان معنى واحدا. فمعنى امضي وهي وإن كانت مولدة؛ إلا أن (وقع) لا تقوم مقامها. ولما كانت الرسائل لا يبعث بها إلى المعنون إليهم إلا بعد أن يكتب صاحبها اسمه عليها قالوا (أمضاها) أي أنفذها أو أجاز إنفاذها إلى المعنون إليهم واحسن منها ختم لأن الإنفاذ المذكور يكون بوضع الختم عليه بخلاف فإنها بمعنى ذيل الرسالة باسمه ويكتفي بذيل فقط إذا كان هناك دليل. وأما بمعنى الزم نفسه بدفع مبلغ فإن المعاصرين وضعوا لها لفظة واحدة وهي (اكتتب) وهي مع ذلك ليست لهم بل للمولدين إذ وردت في كتاب البيان المغرب لأبن العذاري المراكشي في الجزء 1ص171 س5 و7.
هذا ولو أردنا أن نتتبعه في جميع أوضاعه لمللنا وامللنا. وقد رأيناه في اغلب الأحيان يتتبع مصطلحات المعجم الفرنسي العربي للأب بلو اليسوعي المطبوع في جزءين في بيروت ولو لم يفعل لكان احسن له لأن صاحب الكتاب المذكور أعجمي ولم يكن يحسن العربية بل اكتفى بان نقل الألفاظ الواردة في معجمه الآخر العربي الفرنسي إلى معجمه الثاني الفرنسي العربي فغر وعر. عامله الله بالحسنى!
28 - التقرير الصحي السنوي
لمديرية الصحة العامة خلال 25 - 1924 و24 - 1923 طبع في دار الطباعة الحديثة في بغداد سنة 1926 في 238 صفحة بقطع الربع.
نشرت مديرية الصحة عدة رفائع منذ زوال حكم الاتراك، ولكننا لم نقف على شيء حسن التبويب: واضح الجداول، واف بالمقصود مثل هذا التقرير والرسالة التي فتح بها مدير الصحة العام الحكيم اليقظ حنا خياط رفيعته هذه هي من احسن ما جاء في هذا المعنى فإنها تطلعنا بلمح البصر على وجوب زيادة المبلغ المرصد للصحة لتعميم الوسائل محاربة للأمراض. ولقد أفادت المستوصفات المحدثة في هذه السنة مع تكثير عدد الأطباء الذين لا يزالون دون المطلوب، إذ يبلغون اليوم 464 والمرغوب فيهم لا يقلون عن 2831 ولهذا استنتج المدير(4/365)
العام إنشاء متقن طب للبلاد حتى يقوم بما يطلب منه.
ومما يطيب ذكره هنا أن الحكومة أنشأت عدة مستشفيات منذ تولي حكم الأتراك وهي في كل سنة دائبة في بناء أمثالها لحاجة البلاد إليها حاجة أهلها إلى الطعام والشراب.
والكتاب مزين بصور مختلفة تزيد في حسنه.
والواقف على كلامه يرى فرقا عظيما بين ما كان يكتب من نوعه في السنين الأولى وبين ما يكتب الآن، فإن عبارته اقرب اليوم إلى اللغة الفصيحة منها بالأمس؛ على أنها لا تزال في حاجة إلى التحرير لكن الذي يعلم أن في هذه المديرية من الموظفين ما عدد ألسنتهم يبلغ الاثنين والثلاثين يتعجب من أن العبارة تحكم هذه الأحكام.
على أننا لا نغفر لهذه الإدارة سوء ضبط أعلام مدننا، فلقد تكرر اسم اربيل عشرات وعشرات. والصواب اربل (بلا ياء) وكذلك المنتفك وصوابها المنتفق. وغلط كتابة بعقوبا بصورة بعقوبة أمر هين؛ لكننا لا نغفر له أن يكتب الاسم الواحد بصورتين مشوهتين فقد ذكر كوي سنجق وتل أعفر مرة بصورة كويسنجاق وتللعفر (ص78) ومرة كويسنجق (ص139) وتلعفر (ص77) وكلها غلط والصواب ما أوردناه. وأشنع من هذه التصحيفات قوله مرارا عديدة في نهر معقل أو معقل (وزان مجلس) ماركيل (ص77) وهذا التصحيف المشوه القبيح الشقيح الشنيع منقول عن الإنكليز وهو أثم لا يغتفر، وهل يمكن أن نأخذ أسماء بلادنا عن الأجانب؟
ومن غريب ما رأينا في هذا التقرير أن لم يحدث ولادة ولا وفاة في كربلا سنة 1924 - 1925 في أشهر كانون الثاني وشباط وآذار ونيسان (ص121) فلا جرم أن هناك ما يدل على أن بعض مدننا في تأخر عظيم من جهة ضبط الوفيات والولادات.
وقد ختم المؤلف هذا التقرير بقانون الأمراض العفنة وبتعليمات لمراقبة دور البغايا وبتعليمات حول أجور الكشوف السريرية الخصوصية إلى غيرها مما يعز وجودها في هذا التقرير النفيس الذي يخلد اسم مؤلفه النشيط صديقنا الدكتور حنا خياط.(4/366)
29 - على عهد الأمير
سلسلة روايات تاريخية تصور الحياة اللبنانية القديمة لفؤاد افرام البستاني، المطبعة الكاثوليكية في بيروت 1926 في 160 صفحة بقطع 16.
بديعة هي توطئة هذا الكتاب اللذيذ القراءة. وما كدنا نتمها إلاَّ خيل إلينا أن صاحبها من
الآباء المرسلين المنتمين إلى رفقة يسوع، لكننا لم نرها مذيلة باسم أحدهم.
ثم دفعنا هذه القصص إلى أحد أصدقائنا الصميم ليطالعها ويفاتحنا بفكره ولم نزد على هذا القدر من الكلام كما أننا لم نشر بكلمة إلى ما خطر في خلدنا وإذا به يقول في رسالته إلينا: (اقسم أن كاتبه غير كاتب المقدمة) فتعجبت من هذا الاتفاق في الحكم على التوطئة وعلى بقية ما خلفها من الكلام.
ومهما يكن من الأمر فإن المقدمة من احسن ما يقال في الأقاصيص المعربة عن الغربيين: فإن اغلبها مفسدة للآداب والعقول واللغة الفصحى؛ لأن الذين يتولون تعريبها هم أناس همهم الربح وعنونة المعربات بأسماء مشاهير كتاب الإفرنج ليسهل عليهم ترويجها.
والقصص المذكورة في هذا الكتاب هي كلها من الروايات التي وقعت وهي كلها تبقي في النفس احسن الأثر وتحمل القارئ على تأثر جلائل الأعمال ومكارم الأخلاق. والعبارة رشيقة أنيقة حسنة التركيب، لكنا لا نقول أنها خالية من الغلط. وهي دون عبارة التوطئة أحكاما ورطوبة.
فقد جاء في ص6. . . والتلاعبات السياسية الخرقاء التي اشغلت بلادنا في الربع الأخير. . . وهو من التعبير الركيك. ولعل العربي الفصيح يقول في مكانها: التي همت البلاد أو أقلقتها أو نحو ذلك. وفيها مترقبين غفلة يثبون بها ولعله يريد أن يقول يثبون لها. وفيها ويثقلون على العباد بالضرائب؛ وأظن أنه لو قال: ويثقلون العباد بالضرائب لكان هو المراد هنا لأن لقوله ويثقلون على العباد معنى آخر ليس هو المطلوب في هذا السياق. وفي ص7 لا تنفك ترسل إليَّ محتوياتها. والصواب بمحتوياتها على ما صرح به المحققون. وفيها(4/367)
وتضحية كل شيء في سبيل الوصول إلى المطلب. والأحسن أن يقال والتضحية بكل شيء، لأن لتضحية الشيء معنى غير التضحية به. ونحن نتعجب من أن الكاتب يغفل عن مثل هذه الأمور وفي قوله (مرات عديدة) وهم آخر والصواب مرارا عديدة لأن المرات للقلة والمرار للكثرة. فبقوله عديدة يشعر بأنها كانت كثيرة وإلاَّ فلو كانت قليلة تلك المرات لكان اكتفى بقوله (مرات) بدون ذكر عديدة.
ومثل هذه الدقائق المعنوية كثيرة في هذه الأقاصيص إلا َّأنها لا تشوه معناها. فنتمنى لها الرواج لما فيها من حسن العقبى وطيب المغزى.
30 - المجلة العلمية الطبية (البيروتية)
هذه من المجلات التي تجري جريا حثيثا في التحسن، فلقد جاءنا الجزء الأول من سنتها الرابعة فوجدناه حافلا بالمباحث الطبية، واغلبها مما يلذ الوقوف عليه حتى من ليس له اطلاع على الطب. زد على ما تقدم أنها شهرية مصورة وسنتها اثنا عشر شهرا. فنتمنى لها الاطراد في الرقي.
31 - المباحث
مجلة علمية أدبية فكاهية شهرية تصدر في طرابلس الشام لصاحبها ومنشئها جرجي يني.
صاحب هذه المجلة مشهور بأدبه الجم وعلمه الدقيق لا يتناول بحثا إلاَّ يقتله علما. ونحن لا نطالع هذه المجلة إلاَّ يحفل فكرنا بما يلذ ويطيب ويفيد ويبقي فيه ذكرا بعيد المدى. ومن لم يسمع بجرجي يني؟ أفليس اسمه جذابا للوقوف على ما يكتبه ويحبره ويحرره. والحق يقال أننا كثيرا ما كنا نحفظ في مجموعاتنا الأبحاث التي كان يعالجها في المقتطف وغيره إذ ما يكتبه في المواضيع التاريخية لا يكاد يجاريه فيها أحد. فنحن نحث كل أديب على الاقتباس من أنوار هذه الشمس وبدل الاشتراك فيها 125 قرشا مصريا.
32 - الحارس
مجلة شهرية لصاحبها ومحررها أمين الغريب تصدر في بيروت، اغلب مباحث هذه المجلة عمرانية وعلمية وتاريخية ونسوية مع شذرات مختلفة وخواطر منتخبة من احسن المجلات العصرية والأجنبية. لا يطالعها القارئ إلاَّ ويحفل دماغه بفوائد جمة وفرائد جليلة. وقد بلغت سنتها الرابعة سائرة بجد ونشاط فعسى أن تبقى جادة في سبيل خدمة الوطن واللغة.
33 - سياج الشرق
مجلة علمية أدبية فكاهية أخلاقية اجتماعية انتقادية طبية صناعية زراعية روائية صاحبها ومديرها جورج يوسف سياج وهي تصدر في مصر القاهرة مرتين في الشهر فنتمنى لها الرواج والانتشار.(4/368)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - استقالة الوزارة السعدونية وقيام الوزارة العسكرية
استعفى عبد المحسن السعدون من رئاسة الوزارة في 1 ت2 فقبل الملك استعفاءه ثم اتجهت الأنظار إلى جعفر العسكري الموجود في لندن فأبرق إليه ليستطلع رأيه فرضي بقبول ما عهد إليه وفي 18 ت2 وصل إلى بغداد للقبض على زمام الوزارة وفي 21 منه ألف وزارته على الوجه الآتي؛ وصدرت بها الإرادة الملكية:
جعفر العسكري رئيس الوزارة ووزير الخارجية
رشيد عالي الكيلاني وزير الداخلية
ياسين الهاشمي وزير المالية
رؤوف الجادرجي وزير العدلية
نوري السعيد وزير الدفاع (على أن تبقى بعهدته وكالة القيادة العامة)
محمد أمين زكي وزير الأشغال والمواصلات
السيد عبد المهدي وزير المعارف
أمين عالي باش أعيان وزير الأوقاف(4/369)
2 - الأمطار في بغداد وسائر أنحاء العراق
انهمرت مياه السماء في مساء 7 ت2 ولم تنقطع إلاَّ في مساء 11 منه ثم عادت إلى السقوط في 16 إلى 21 منه بأوقات متفاوتة وبمقادير مختلفة وهو أمر لم يشاهد مثله وبهذا الوفر في شهر تشرين الثاني من السنين المارة. فقد هطل في هذه الأيام ما جاوز خمس عقد (انجات) ودونك مقابله ما هطل منه في الأيام الماضية بما تدفق منه في هذه الأيام إلى 20 من ت2
سقط من المطر في تشرين الثاني من سنة 1922 ما يساوي 0. 07 من العقدة (الانج)
سقط من المطر في تشرين الثاني من سنة 1923 ما يساوي 0. 02
سقط من المطر في تشرين الثاني من سنة 1924 ما يساوي 0. 01
سقط من المطر في تشرين الثاني من سنة 1925 ما يساوي 0. 45
سقط من المطر في تشرين الثاني من سنة 1926 ما يساوي 5. 00
وأعظم مقدار وقع من المطر كان في سنة 1894 إذ بلغ 4 عقد و84 جزءا من المائة واعظم من هذا القدر كان في شهري شباط وآذار من سنة 1890. إذ بلغت في شباط 5 عقد و90 من المائة. وفي شهر آذار 5 عقد و7 من المائة.
ومن غريب أمر هذه الأمطار أن الليالي كانت صاحية والانهرة ماطرة.
وبعد أمطار 21 ت2 أوشكت المدينة على الغرق من تهطال الأمطار. فلقد أضحت الشوارع والأزقة جداول وبحيرات. أما الجادة الكبرى فلقد كانت نهرا حقيقيا بطولها وعرضها وعمقها فبعثت أمانة العاصمة بخنزيرة (بآلة رفع) ذات ست عقد لجر المياه وتسريبها إلى النهر واشتغلت طول الليل بل مدة 9 ساعات إلى أن قذفتها في دجلة.
ثم تابع موظفو الأمانة دفع المياه إلى دجلة في بقية الشوارع والمحلات.
وأما في الأيام التي سبقت وكانت في العقد الأول من الشهر أرسلت بمضخات الحريق لا للإطفاء، إذ لا نار هناك، بل لتنقل المياه والأوحال المتراكمة في الشارع الأعظم. وهذه المرة الأولى من حياتنا رأينا مضخات الإطفاء تتخذ لتنشيف الطرق وتنظيفها. فوزعت المضخات على الوجه الآتي:
المضخة الأولى للحريق لإزاحة المياه المتراكمة أمام وزارة الأوقاف وفندق مود.(4/370)
المضخة الثانية للحريق لإزاحة مياه الميدان وشارع السراي (أي دار الأمارة)
المضخة الثالثة مضخة يد لجر المياه المتراكمة في شارع المصبغة
المضخة الرابعة مضخة يد لجر المياه المتراكمة في شوارع الفضل
3 - عيث الأمطار
لا يخلو تتابع الأمطار من إيقاع الأضرار بمباني العراق. فلقد تهدمت تسعة أجسر بين 7 و10 ت2 من جسور سكة الحديد الواصلة بغداد بالبصرة ولقد أعيد بناء ثمانية منها أما التاسع فكبير يبلغ طوله مئتي قدم وعمقه تسع أقدام والناس جادون دائبون في إصلاحه. ويتم سفر الرجال ونقل البريد بواسطة القطار المعد في الجانب الآخر من جهتي الجسر، ثم هطل الغيث في 19 و20 منه فعاث بالجسور عيثا أعظم.
وقد وقعت أضرار أخرى في الخط الذي في شمالي (الشعيبة) بقرب البصرة إلاَّ أن تلك الثلم أصلحت بعد انهمار الأمطار بدون تأخر؛ فلم يحدث من الإعاقة إلاَّ شيء قليل إذ نقل المسافرون على السفن لمواصلة سفرهم بدلا من القطار.
ولم يسلم خط قراغان وخانقين من بعض الأضرار إلاَّ أنها لم تهمل فأصلحت بسرعة عجيبة ثم عادت الأضرار بعد أمطار 19 و20 ت2.
والشلب (أي الرز) المزروع في قضاء دلتاوة تضرر وتأذت مزروعات الماش والذرة في جهات كثيرة.
وانهارت دار في العوينة على ثلاثة هنود كانوا فيها فأخرجوا من تحت الهدم أحياء وأرسلوا إلى المستشفى؛ وهدمت دائرة هندسة أمانة المدينة قسما عظيما من سوق الشورجة.
وسقط جانب عظيم من أحد حيطان سوق العطارين ومعه بعض الدكاكين بدون ضرر في النفوس.
وسقط في البصرة حائط غرفة في محلة يحيى زكريا فدفن تحته صبيين.
وفي خانقين جرفت مياه الأمطار القناطر الصغيرة وتهدم ما يقارب أربعين بيتا ودكانا ومات شخص واحد تحت الردم.(4/371)
وطغت مياه نهر الوند ولم تحدث ضررا وجرف نهر ديالى السدة التي كانت عليه.
وفي النجف سدت مياه الأمطار بعض الأسواق والشوارع والأزقة.
4 - سيمكو الكردي وفراره
سيمكو (بكسر السين وسكون الياء والميم وبكاف مضمومة ضما مفخما غير مشبع أي هو أحد زعماء الأكراد الأبطال، وكان على رأس عدة أفخاذ كردية قوية ديارها بين ارمية وخوي وسلماس والرضائية. وكان قد قام على حكومة إيران سنة 1902 وناوأها في مواقع عديدة فلم يكن فيها من الخاسرين؛ إلاَّ أن التشرد والضرب في الآفاق لا يطول فقاومته جنود إيران في عهد تركية حتى اضطر إلى الالتجاء إلى أبناء توران. ولم يكن من فائدة أبناء المغول أن يشجعوه في عمله، لا بل سلبوه مبلغا جزيلا من المال واخذوا ابنه وإحدى زوجاته رهينتين؛ فلما لم يجد موئلا في إيران ولا في كردستان ولا في ديار الترك التجأ
إلى دولة العراق الفتية فجاء قرية (بهركة) القريبة من اربل، والاربليون يتذكرون أنه هو الذي قتل سنة 1916 مار شمعون بطريرك النساطرة.
ثم عن له خاطر أن ينظم إلى الشيخ محمود الكردي فحققه بالعمل فأستقبله الشيخ استقبالا شائقا وبعد أن قام في (سليمانية) مدة. عنت على باله إيران فرجع إليها رافعا لواء العصيان. فلما رأت حكومة إيران أن هذه الثورات تسلب البلاد راحتها وتضر تجارتها وتلقي الرعب في القلوب وتخرب المدن صممت على أن تضربه الضربة القاضية ففعلت.
وقد ظهر لحكومة إيران أن سيمكو نهب أهالي مدن عديدة وخسرهم خسائر تقدر بالملايين من الذهب؛ ولهذا تأثرته في حربه حتى تفرقت عنه العشائر الكردية فضعفت مقاومته فأعتصم بإحدى قرى الجبال ومعه نفر من عياله وبعض أصحابه فطاردته هناك أيضا في وقعة دامت إلى نصف الليل. فأضاع فيها أمواله الناطقة والصامتة وترك أولاده وامتنع في الجبال، فلحقته الجنود ففر منفردا متخذا الليل جملا له حتى جاوز تخوم إيران واختفى في العراق (دخيلا) عليه(4/372)
فأذنت له الحكومة لتريح جارتنا إيران من شره.
والآن خضعت تلك العشائر الثائرة منذ ثلاث سنوات وأنشئ فيها المنظمات العسكرية فهدأت الأمور وانطفأت جمرة الثورة حتى أنها لم تبق لها أثرا.
5 - سالار الدولة في بغداد
سالار الدولة هو أصغر أنجال مظفر الدين شاه إيران وعم الشاه الأخير المخلوع احمد شاه. وكان قد ثار على الشاه الجديد رضا خان بهلوي في أنحاء كردستان الفارسية منذ شهر آب. فوفق في بعض الغزوات إلاَّ أن أصحابه الثائرين خارت قواهم في الآخر لقلة ما في أيديهم من المال ووسائل الدفاع. فغادروه وانتقلوا إلى ديار العراق، ثم جاز هو أيضا تخوم فارس إلى حدود العراق فقبض عليه في أنحاء اربل في 2 ت2 وفي منه وصل إلى بغداد.
وكان سالار الدولة قد ثار مرتين قبل ثورته هذه إحداها في سنة 1907 ومرة أخرى قام فيها على محمد علي شاه وحاول اختلاس الصولجان فلم يفلح إلاَّ أنه لم يقنط.
ولما انقلب الحكم ثار مرة ثالثة وحاول التقدم إلى كرمنشاه وكانت الحكومة قد اشتغلت عنه بثورة خراسان فلما أخمدت تلك النار جاءت لتخمد النار الملتهبة في كردستان فنجحت، فأضطر إلى الفرار إلى اربل وقد نوت حكومة العراق على إخراجه من ديارها مجاملة
لجارتها إيران.
6 - افتتاح مجلس الأمة في دورته الثانية
في الساعة العاشرة من صباح أول تشرين الأول اخذ الناس يتقاطرون إلى بناية مجلس الأمة وحضر في الشرفة وكيل المعتمد السامي المستر برديان وعقيلته وقائد القوات البريطانية وممثلو الدول الأجنبية وعدد جم من رجال الجالية البريطانية ورؤساء الدواوين من عراقيين وإنكليز وعدد عظيم من الناس على اختلاف طبقاتهم وجلس رجال الصحافة في مجلس خاص في شرفة المستمعين.
ولما كانت الساعة العاشرة ونصف دخل الردهة الأعيان والنواب ثم دخل جلالة الملك المعظم يتبعه الوزراء ورجال الحاشية. وكان جلالته بثياب عربية(4/373)
وفي منطقته خنجر ذهب فتلا خطبة العرش، ثم غادر الردهة بين الهتاف والتصفيق ثم تبعه الأعيان فاجتمعوا في موطنهم الخاص بهم.
ثم جرى انتخاب الرئيس وكان عدد النواب الحاضرين 79 ورشحت الحكومة حكمت سليمان إلا أن رشيد عالي الكيلاني نال اكثر الآراء إذ كان الذين له 43 والذين كانوا لحكمة سليمان 33 وبقيت ثلاث أوراق بيضاء.
وانتخب الأعيان للرئاسة يوسف السويدي وكان عدد الذين له عشرة والذين للصدر سبعة، وبقيت ورقة واحدة بيضاء لأن الحاضرين كانوا ثمانية عشر.
7 - سفر المعتمد السامي
طار فخامة المعتمد السامي صباح 22 ت1 من الهنيدي قاصدا بور سعيد ومنها ركب البحر إلى لندن ومنها إلى جنيف لحضور بعض مجالس عصبة الأمم.
8 - محاولة اغتيال حاكم البحرين
بينما كان الشيخ أحمد بن عيسى الخليفة حاكم البحرين خارجا إلى ضواحي المدينة للتنزه في قصره أطلق عليه شخص مجهول الرصاص فلم يصبه بأذى وكانت الرصاصة آتية من ناحية قرية في الصخير صغيرة اسمها (منى)
والشيخ أحمد أو حمد (على ما ينطق به بعضهم) تولى الإمارة بعد أن كفت يدا والده الشيخ
عيسى عن تولي الحكم في آذار من سنة 1922.
9 - غرفتا تجارة في الموصل والبصرة
أنشئت غرفتا تجارة بعد غرفة تجارة بغداد الواحدة في الموصل والثانية في البصرة وذلك في شهر تشرين الأول اقتداء بما فعلته العاصمة.
10 - الثقة بالوزارة العسكرية
فازت الوزارة العسكرية بثقة المجلس النيابي بإجماع 78 رأيا وكان مجموع النواب 79.
11 - عبد المحسن السعدون
فاز عبد المحسن السعدون في الانتخاب برئاسة مجلس النواب وكانت الأكثرية ساحقة وترأس الجلسة التي عقدت في 28 ت2 توا بعد انتخابه.(4/374)
العدد 41 - بتاريخ: 01 - 01 - 1927
البطائح الحالية
تعريف الناس بصاحب هذه المقالة وما يليها
الشيخ علي الشرقي من الرجال الناشئين في النجف. وهو في العقد الرابع من عمره، وليس في دماغه شيء من الأفكار القديمة البالية أو المتهرئة؛ إنما هو خزانة حية حافلة بالعلم الحديث العصري، وهذا ما يتجلى في شعره الذي هو مرآة نفسه الحساسة، وفي ما تدبجه يراعته من المقالات الحسان.
وهو ابرع رجل في العراق في معرفة دياره الحالية.
ولقد عرفه القراء منذ نشأة هذه المجلة ولو كان يذيل مقالاته باسم منتحل ونقل المستشرقون (من فرنسيين وإيطاليين وألمانيين وإنكليز) عدة مقالات له أدرجت في هذه المجلة فترجموها إلى لغاتهم ونشروها في مجلاتهم، كما استشهدوا بها في كتبهم.
وقد عزم الشيخ على أن يتحف هذه المجلة بمقالات عديدة، موضوعها الكلام عن مدن العراق الحالية، وعن دثورها، والأنباء التي يأتينا بها هي نتيجة رحلاته في أنحائه. لأن ليس في ديارنا من تجول فيها تجول الشيخ (عش) فإنه(4/375)
يعرف عامرها وغامرها، حديثها وقديمها، ولهذا نشكره سلفا على ما يتحفنا به ونحن متأكدون أن كثيرين ينتفعون بهذه المقالات ونخص بالذكر المستشرقين على اختلاف قومياتهم؛ لأنهم يقدرون أعمال الرجال حق قدرها، ويعلمون أن الذين يتتبعون هذه المباحث هم قليلون، وجميعهم ممن جادت عليهم الطبيعة بأحسن مواهبها.
قال الكاتب المتفنن حرسه الله:
البطائح
البطائح جمع بطيحة؛ بفتح الباء وكسر الطاء، يقال تبطح الوادي؛ إذا أستوسع وانبسط، فالبطيحة مسيل واسع ومجتمع مياه سائبة. والبطائح كثيرة ولكن المعروف منها والمنوه بها بطائح ما بين واسط والبصرة والحويزة (وهذه من بلاد خوزستان) وبطائح العراق هي مجتمع سيب الفرات ودجلة، من غير أن يكون من اختلاطهما عمق غائر؛ يوم كانت دجلة
تستقيم من (المذلو) وكانت بطائحها في سواد بغداد و (بطن جوخى) ولكن بعد أن تحولت وسالت بين يدي واسط كثر الاختلاط بينهما وتوسع فكان فيضا مادا إلى ما وراء واسط إلى ظهر البصرة القديمة.
ولم يذكر مخططو العرب البطائح ذكرا تاما؛ أما اليوم فقد مات ذكر البطائح، وأطلق على البقية منها اسم (الأهوار) وهي جمع هور وزان ثور و (البرق) وزان زحل وواحدتها برقة وهي من لغة سواد العراق ويريدون بها البطيحة.
ولم تستقم البطائح على حال واحدة وإنما كانت كما يشاء لها الاتفاق والحوادث فربما كانت كالبحر العجاج مما اندفع إليها من مياه الطاغيين وربما هبط ارتفاع مياهها وغطتها عذبات عيدان الاسل والقصب فشخصت للعيون غابة كثيفة وقد يبلغ بها الجفاف والنشف إلى أن تصير أرضا حمادا أو تنحصر عن بقاع خضراء الأديم كأنها الأرياف تتخللها الغدران.
فيمكننا أن نضبط لها حالات ثلاثا لم يظهر أنها تجاوزتها إلى حالة أخرى بل مازالت تتردد بين الثلاث، وهي: (البطائح)، (الجزائر)، (الجوازر). ولنبدأ بذكر البطائح لأنها الحال الأول، فنذكر موقعها ثم السبب المكون لها فاستفحالها فماضيها فحاضرها.(4/376)
موقع البطائح
كلما تحول مجرى دجلة تحول موقع البطائح كل التحول، اجل جرت دجلة بين يدي (المذار) وهو بلد دارس لم يبق منه اليوم غير مشهد عبد الله بن علي وموقعه شرقي دجلة ووراء البلد المعروف بقلعة صالح، فكونت بطائح ثم تحول عمودها إلى (واسط) فأحدثت بطائح ثم امتد نابها بين واسط والمذار وهو عمودها اليوم فجددت بطائح، والأثر المهم في تكوين البطائح دجلة البصرة وهي دجلة العوراء لأن غيرها من أجراف دجلة قلما ينفتق مجراه ويتبطح وذلك لأجل التغير المحسوس في مهابط دجلة، فمن بغداد إلى شقة بعيدة للمنحدر ترى متونا عالية وضفافا مرتفعة وأرضا صلبة وهذه هي دجلة بغداد التي لا شأن لها في أمر البطائح ومسحها كما ذكروا 30 فرسخا ودجلة البصرة هي أم البطائح ولا زالت تعور ويتبطح ماؤها ومسحها كما ذكروا 30 فرسخا مبدأها عند منتهى دجلة بغداد. ومنتهاها عند القرنة مبدأ شط العرب وهي أحادير ومنخفضات وأرض رخوة.
وهذه دجلة العوراء طالما ردمت وحصنت بالمسنيات وأقيمت عليها السدود فاعيا أمرها
واعورت.
وشط العرب الذي ذكرناه معروف عند العراقيين ويتكون أولا من دجلة العوراء ثم من فيض البطائح، وقد كان خورا في أول أمره ويظهر أنه تكون في أوائل القرن الخامس للهجرة أو قبله فقد جاء ذكره في رحلة ناصر الدين العلوي من كبار أدباء الفرس وهو من رحالي القرن الخامس للهجرة.
وكانت دجلة تستقيم من عند المذار في عهد الساسانيين وهي اليوم منقطعة من ثم، فكان موقع البطائح في (بطن جوخى) التي كانت نهرا وكورة في سواد بغداد، فلما تحول الماء بطلت تلك البطائح وانقطع السيب عنها فصارت صحاري ومفاوز يصيب المارة فيها سموم وقيظ شديد في أيام الصيف.
وتحولت دجلة العوراء إلى ناحية واسط ومرت بين يديها وصبت في انهار سبعة وعمود مجراها كواحد من تلك الأنهار واتصلت وقتئذ بأرض ميسان(4/377)
وكانت تلك الشعبة تسمى نهر ميسان وهي كورة واسعة يقع بلدها الشهير ببلد ميسان بين واسط والبصرة ولم يبق اليوم من تلك البلدة إلاَّ (مشهد العزير) وهو مغمور على حالته القديمة تخدمه اليهود وتحج إليه، فميسان إذا اليوم تسمى (بلد العزير) وموقعه بين القرنة وقلعة صالح، ولما استقامت دجلة من هناك انبثق من أسفل كسكر بثق عظيم واغفل فتغلب الماء على ما كان منخفضا من الأرضين وبقي ما كان مرتفعا منها فصار جآجئ واكنة للماتجئين إليها وتكونت هناك بطائح امتدت من أطلال واسط إلى ظهر البصرة وهذه هي البطائح الشهيرة في التاريخ وكانت مساحتها كما جاء في الأعلاق النفيسة لأبن رسته (ص94) 30 فرسخا في 30، في رقعة واسعة تقع بين ميسان وواسط والبصرة والحويزة.
أما تحديدها فحد منها ميسان وهي بلد العزير اليوم وحد منها دجلة بغداد ما بين جبل وفم الصلح وهي اليوم حوالي كوت الإمارة؛ وحد منها مصب الفرات بين منازل بني أسد ومنازل بني منصور؛ وحد منها صحراء جزيرة العرب الشمالية وتسمى اليوم الشامية، ثم وقفت دجلة عن مجراها بين يدي واسط وتفرقت إلى أنهار عظام.
أما عمودها فقد شق له واديا بين واسط والمذار؛ وهو مجراه اليوم بين منازل ربيعة الأمارة؛ ومنازل طيئ بني لام. فجففت بعض بطائح واسط وأصبحت بيداء وجزيرة
موحشة تسمى (جزيرة الرفاعي) كما أن بطائح الحلة جفت فأصبحت جزيرة تعرف ب (أم سترين). أجل جفت بطائح واسط ولكن لم تجف كل البطائح بل انحسر الماء عن كثير منها فظهرت كورة واسط وسقي الغراف على شكل شبه جزيرة بين وادي الفرات الأسفل ودجلة العوراء وأصبح موقع البطائح اليوم ممتدا من بلد العزير إلى أعلى سوق الشيوخ والخميسية عرضا ومن هناك إلى القرنة وشط العرب طولا. وهذا التحديد يشمل رقعة واسعة من ذنائب الغراف وهي الأمكنة الواقعة بين (البدعة) ونهر (السديناوية)(4/378)
ممتدة إلى (الحمار) مثل بطيحة الصديفة والغموقة وأم الفطور والحصونة وكثير غيرها.
ولدجلة العوراء بطائح خاصة لم تختلط بسيب الفرات؛ وهي ما بين حوض العمارة وحوض الحويزة أما البطائح الناشفة شرقي الغراف وغربيه فقد أصبحت حرثا وعمارة وربما استفحل أمر البطائح وغادر تلك الأرضين السيب الذي صيرها في القديم بطائح. فسعة تلك البقاع وضيقها تابع لتغلب الرافدين وعدمه واثبت البلاذري في كتابه فتوح البلدان أن البطائح حدثت بعد مهاجرة النبي (ص) في عهد الملك ابرويز الفارسي الساساني وأنها اتسعت عندما دخل العرب أرض العراق واشتغل الأعاجم بالحروب؛ والذي يظهر للباحث أن البطائح حدثت قبل ذلك بكثير وأن الذي حدث في عهد ابرويز مظهر من مظاهرها التي توجد في كل فترة من الزمن أو هو حدوث ناحية من البطائح.
تكون البطائح واستفحالها
لا نشك أن الذي أعان على تكون البطائح عدة أمور أهمها قلة العمران الزراعي في العراق وإغفال أمر الرافدين من التفقد والتعهد بموجب أصول الفن وذلك باختطاط الأنهار اللازمة لتفريق المياه وتقليل سورتها وإيجاد خزان للطاغي منها وإقامة السدود وردم كل خرق يخشى خطره فإن لم يكن كل هذا وقد مر عليك أن بعض مهابط دجلة والفرات واطئة وأرضها رخوة فلابد من أن تفلت المياه وتتبطح. والذي يدعم قولنا هذا أن من تصفح شأن البطائح وجدها تتسع ويتفاقم خطرها زمن الارتباك وانصراف الناس إلى الحروب وتعمر وتجف زمن الركود والدعة. ولقد حاول مقاومتها وإصلاحها جماعة من رجال الأعمال الشهيرة.(4/379)
فقد جاء في تاريخ الكلدان أن بعض ملوكهم تعاطى إصلاح البطائح وذكر صاحب النهج
القويم في ترجمة نبوخذ نصر أنه هو الذي احتفر النهر المعروف بنهر الملك وهو الذي حفر حوضا واسعا وترعة للماء الزائد من الفرات أي (خزانا) وأقام سدودا كثيرة وجاء في أحوال الساسانيين وذكر ماضيهم أن الملك قباذ وابنه انوشروان والملك ابرويز كل منهم نهض في إقامة القناطر والسدود وردع الماء بالمسنيات حتى أن الملك ابرويز صلب في يوم واحد أربعين جسارا لتسامحهم في شأن السدود.
وفي العهد العربي الإسلامي تعاطى كثير من الرجال هذا الإصلاح حتى أعرست البطائح في أيامهم وصارت كورة وقرى كثيرة وانفق أحد الأمويين وقد اقطعت له البطائح ليستغلها بعد العمارة ثلاثة ملايين درهم على سد واحد.
وفي الناشفة اليوم آثار بثوق وخروق وسدود كثيرة منها (التناهي) الواقعة في شرقي الشطرة على بعد خمس ساعات في منازل خفاجة الغراف وهو ردم على هيئة تل مستطيل أقيم على البطائح ليكون سدا في وجه الماء الطاغي من الفرات ولا نعرف الذي أقامه والعرب اليوم تسميه (تناهي) ويظهر أنه اسمه القديم فقد ذكر الفيروزابادي في قاموسه أن (التناهي) سد في وجه الماء وهناك محل آخر تسميه العرب (الخروق) في شمالي واسط وأمامه سد في وجه الماء المنساب من دجلة وفي ظهر الناصرية وكربلا والمنتفق تل في الشمال الغربي ممتد في عرض البادية مسافة خمسة كيلو مترات وهو عال مرتفع وموقعه في منازل (الازيرق) سد في وجه الفرات.
والى اليوم إذا طغى الفرات يأتي سيبه فيقف عنده وجاء في الاعلاق النفيسة لأبن رستة أن خالد بن عبد الله عامل الأمويين حاول أن يسكر دجلة وانفق الأموال فلم ينجح سعيه وسطت دجلة على البنيان والمعمور، ونقل البستاني في دائرة معارفه ج6 ص643 أنه كان على دجلة العوراء سكران.
وقد يستفحل أمر هذه البطائح بأن تفيض دجلة والفرات معا فيضيق عنهما(4/380)
عقيقاهما فينبثق الفرات من عدة أمكنة أشهرها وأخطرها من موطن حول (المسيب) وهو مدينة وفرضة على الفرات، وعلى هذا الموضع سدة مهمة تعرف ب (أم الصخور) ثانيا من مكان في أعلى المسيب وعليه سدة كبيرة تعرف ب (السرية) لأنها أنشئت في عهد سري باشا ثالثا من مكان يقع بين بلدتي السماوة والناصرية. وتنخرق دجلة من محلات عديدة منها في
ظهر بغداد قريبا من (عقرقوف) ومن النهر المعروف ب (الجرية) قريبا من المدائن؛ ومن النهر المعروف ب (الحسينية) غربي (كوت الإمارة) وتوجد في الغراف أمكنة كثيرة تسمى (خرور) من كل هذه ينساب الماء زمن الطغيان فيستفحل أمر البطائح.
وقد استفحلت في عهد كسرى قباد بن فيروز فأنبثق بثق عظيم وقد كان هذا الملك واهنا قليل التفقد لشؤون الملك فأغفلها حتى رجع الملك إلى ابنه انوشروان فعمل القناطر والسدود وانكشف الماء عن بعض الأرضين وفي عهد الملك ابرويز زاد الفرات ودجلة معا فأفلت الماء وحاول الملك أن يسكره ففشل ومال الماء على العمارة وغشي المساكن والقرى ثم رجع أمر المملكة إلى بعض النسوة من الفرس فخارت العزائم وبقيت الأمور هملا فأتفق دخول العرب أرض العراق فانشغلت الأعاجم بالنزاع على الملك وكبرت آفة البطائح.
وفي عهد الحجاج علت الزيادة واتسعت الخروق وقدر إصلاحها فكان ثلاثة ملايين درهم فأستكثرها الوليد على بيت مال المسلمين إذ وجده إصلاحا غاليا ولكنه بقي يحاوله فأقطع مسلمة بن عبد الملك تلك الأرضين وقام بالأمر على نفقته. وفي عهد الدولة المباركة كثر الطغيان واشتد في زمن وزارة آل بويه أو إمارتهم وأهمل أمر البطائح فأتسع الخرق وهكذا ما زالت الفتوق تعاود حتى اليوم فإذا طفح الفراتان واشتد الطغيان حار الماء حتى يركب المعمور ويسف (أي يجري جريا سريعا) والعرب اليوم تسمي ذلك (موحان) إلا أنه أصبح أخف وطأة من قبل لأن المياه اشتد جريها إلى الأمام حيث يتكون شط العرب ولأن الفلاح العراقي عاد ملما بفنون الحراثة والزراعة فهو ينتفع به اكثر من أن يتضرر منه.
وقد أثرت في البطائح السدة الجديدة التي أنشئت على الهندية والجداول التي حولها؛ كما أثر فيها شط (الحفار) الذي كراه البريطانيون زمن حركاتهم الحربية(4/381)
وذلك ليكون مهيما لبواخرهم النهرية. وفي هذه السنة 1345 (1926م) بذلت الحكومة العربية على شط الحفار دراهم كثيرة وسدته إنعاشا لحالة الفلاح الذي تضرر منه كثيرا ومن الاتفاق المحمود حدوث موحان في سنة 1333هـ (1915م) عام وجودي في الغراف والبطائح.
موحان
اسم مشهور عند أعراب الغراف وما حوله ويحتمل أنه أخذ من قولهم (ميح الماء) والعرب هناك تطلق هذا الاسم على الماء السائب الذي يهجم عليهم وعلى قراهم ومزارعهم ويسمون
عامه (سنة موحان) وآخر زياداته على تلك البقاع كان سنة 1333 عام الهزاهز العامة فقد طغى ماء دجلة وامتلأ عقيقها حتى ضاق وفاض فجرف السدود وهجم على المسنيات والعمارة فغرقت دار السلام بغداد وأنفتقت دجلة من الجانب الغربي وركبت كل منخفض وتدافعت تلولا من الأمواج في وسط البادية ومد الماء على عرض 20 كيلومترا فأخذ الجزيرة الفارغة التي بين فرات الحلة والغراف وهي امكنة بطائح في القديم ولها ماض زاهر زمن الحضارة العباسية وفيها آثار كثيرة وربما اتفق لسيب دجلة أن يختلط في هذه الأماكن بسيب الفرات فيميلان معا إلى سقي الغراف.
ويظهر أنه في القديم كان موحان يجعل أرض الغراف كله بطيحة واحدة ولا يترك إلاَّ التلال ولأجل ذلك تجد ابن الأثير وغيره من المؤرخين لا يذكرون الغراف باسم نهر أو سقي بل يذكرون بطيحة الغراف أما الآن وقد ارتفعت تلك البقاع بواسطة الحرث أو الزرع الذي يعلي وجه الأرض بتطاول الأيام صار الكثير من مدالث الغراف ومزارعه في منعة وسلامة على أن الأضرار التي تحصل منه اليوم ليست بالقليل الهين ويندفع موحان هذا إلى أن ينصب في الفرات الأسفل قريبا من بلاد الناصرية ولا يندفع جريه توا إليها بل تعترضه في كل مهابطه حياض واسعة وبطائح جافة يصب في كل منها عدة أيام حتى تمتلئ(4/382)
ويهبط الماء إلى غيرها وفي هذا الدور الموحش بين فرات الحلة والغراف عدة بطائح ناشفة يعرفها الأعراب بأسمائها فإذا تذاكروا في مهابط موحان عدوها واحدة واحدة باسم هورة كذا وهورة كذا فمن مهابطه:
(مسماة) (وقد تبدل الميم الأولى بالياء فيقال بسماة) وهي تل جالس في سهل واسع كبير فيه جذور مزارع قديمة وآثار انهار.
ومنها (أم الدور) بطيحة جافة فيها آثار الألواح (أي الدبار) وخطط سواق ورواضع.
ومنها (أبو الذروق) هور كبير جاف.
ومنها (طرخومة) وهي سهل متسع.
ومنها (الظاهر) في الشمال الغربي من الشطرة على بعد 13 ساعة وهب بادية مقفرة كبيرة في الطول والعرض وفيها تلان متلاصقان تسميهما الأعراب (القصور العباسية) وعلى مقربة منها تل عال مستطيل ومن ورائه رواق عليه قبة بيضاء تسميه الأعراب (الظاهر)
وبين تلاله والرواق آثار نهر يابس تسميه الأعراب ب (شط العنق) وقد سألت عنه بعض العارفين من الشيوخ فقال أنه أحد (النيليات) وهي جداول كانت تتشعب من شط النيل الشهير الذي طهره وكراه الحجاج، وهناك كثير من كسر الطاباق ورضوض الآجر والقاشاني المعرق وأطلال بالية وسحيق خزف فيظهر جليا أن التلال اخربة بلاد كانت هناك.
ومنها (جوخى) وهي الآن بطيحة جافة وفيها تلال وآكام بلاد (أما) الشمرية الشهيرة في التاريخ القديم.
ومنها (أبو جويري) وهو إقطاعية في منازل بني ركاب يزرع فيها ألوف من التناء والاكرة ومنها يبدأ موحان باكتساح مزارع الغراف ومساكنه فيجرف ما أمامه حتى ينتهي إلى البطائح المصاقبة للفرات الأسفل الآخذة منه مثل (هور الدكة) و (هور أبي قداحة) فيصب مجموع تلك الأسياب في فرات الناصرية.
هذه هي مهابط موحان أو بعضها ولقد شاهدته ينحط على منازل الأعراب وأكواخ الفلاحين بجري واندفاع هائل وكان على ارتفاع مترين تقريبا(4/383)
ولموج عجاج وما كان باستطاعتهم إنقاذ الأثاث والأمتعة بل فروا في وجه الطاغي وأووا إلى التلعات وجعلوا يتصيدون أو يلتقطون مهمات بيوتهم الطافية على وجه الماء.
وهناك أمكنة مرتفعة ضيقة يمكن أن تقام السدود عليها في وجه هذا الهاجم ولا يراد بها صده جد الصد لأن ذلك ليس لهم بالمستطاع. ولكن تحويل مجراه إلى الأودية الفارغة من الزرع أو تعويق جريه حتى ينضج الزرع ويتم نموه، إلاَّ أن أولئك الأعراب لا يحسنون إتقان السدود والسكور فتجيء ناقصة ويخفق كدهم فيها وقد وقفت على ردم اشتغل فيه مئات من الفلاحين الكدد وقد بذلوا فيه طاقتهم فجاء في 13 كيلومترا وارتفاع 3 أمتار وعرض مترين وكان قويا محكما جاء الماء حتى وقف عنده لا يقدر على إزاحته؛ ولكن عصفت ذات ليلة زعزع شديدة صادف مهبها مع مجرى الماء فأجتمع على الردم قوة الماء وقوة الهواء ولم تمكن المقاومة فأنفتق 150 فتقا في وقت واحد وهجم الماء فألتهم القرى والمنازل واغرق الزرع البالغ، وللغرافيين زمن استفحال البطائح حال مزعزعة واضطراب مستمر تسمع أصوات حرسهم طول الليل وهم تحت سخط البرد القارس عكفا
ساهرين على أفواه الجداول وضفاف المياه وترى بلادهم وقراهم مطوقة بالمياه المتفلتة وهم يقيمون السدود على أفواه الشوارع والأزقة.
هذه كلمتي في تكون البطائح واستفحالها. ولقد أعان على تكوين البطائح النزاعات الحربية واضطراب حبل الأمن هناك في كل فسحة من الزمن وإذا وقفت حق الوقوف على السبب المكون للبطائح خلال الأيام والسنين تعرف أن حالتها غير واحدة وأن ماضيها غير بين ولا يخلو من إبهام وظلمة.
النجف: علي الشرقي
طبع كتاب الجمهرة لأبن دريد
أخذت بطبع كتاب الجمهرة لأبن دريد في حيدراباد الدكن وقد وصلني نموذج منه في 52 صفحة من القطع الكبير، ولما كانت الحروف المشكلة قليلة القدر في تلك المطبعة فإبراز ذلك المعجم بحلته الموشاة يطول كثيرا.
من بكنهام (انكلترة) ف. كرنكو(4/384)
المحفى العراقي الجديد
1 - كيف تألف المحفى
في السنة الماضية لما أعدت وزارة المعارف ميزانية سنتها المالية الجديدة (1926 - 1927) فكرت في مشروع المجمع اللغوي فوضعت له اعتمادا في الميزانية وذلك بعناية وزير المعارف وهمة مدير المعارف العام ساطع بك الحصري فصدقه مجلس الوزراء واقره (مجلس الأمة) في اجتماعه الأول الاعتيادي.
وفي 28 أيلول 1926 وجه وزير المعارف كتابا إلى الأستاذ معروف الرصافي والأب انستاس ماري الكرملي هذا حرفه:
(لقد قررنا تأليف مجمع لغوي وفقا للتعليمات المربوطة وانتخبناكما عضوين لهذا المجمع لما نعهده فيكما من التضلع في اللغة ونرجو أن تجتمعا لانتخاب بقية الأعضاء نظرا للمادة الخامسة من التعليمات المذكورة ونتمنى لكما وللجميع النجاح.
وزير المعارف عبد الحسين
وتلخص التعليمات (بأن اللجنة تتألف في وزارة المعارف من ثمانية أعضاء برئاسة مفتش التدريسات العربية (وهو اليوم الأستاذ معروف الرصافي) وأن وزارة المعارف تنتخب عضوين فقط وتترك لهما حق انتخاب الثالث وحينما يتم هذا الانتخاب يجتمع هؤلاء الثلاثة وينتخبون الرابع ثم يجتمع الأربعة فينتخبون الخامس وهلم جرا إلى أن يكمل العدد المطلوب. ويجب أن يكون الأعضاء مضطلعين باللغة العربية علاوة على حذقهم إحدى اللغات الأوربية ويستثنى من ذلك ربع الأعضاء إذ يشترط في هؤلاء التمكن من اللغة العربية فقط.
واجتمع في اليوم (29 أيلول 1926) الأستاذ معروف الرصافي والأب انستاس ماري الكرملي في وزارة المعارف وانتخبا الأستاذ طه الراوي عضوا ثالثا واجتمع الثلاثة فانتخبوا الأستاذ عز الدين علم الدين عضوا رابعا وبعد يومين(4/385)
اجتمع الأربعة وانتخبوا الدكتور أمين المعلوف عضوا خامسا واجتمع الخمسة فانتخبوا أمين بك كسباني عضوا سادسا لكنه اعتذر عن القبول فانتخبوا الأستاذ توفيق السويدي عضوا سادسا والستة انتخبوا
الأستاذ عبد اللطيف الفلاحي عضوا سابعا ولما كان في أوربة توقف انتخاب الثامن لكنهم رشحوا رستم بك حيدر للعضوية فلما حضر الأستاذ عبد اللطيف الفلاحي تم انتخاب رستم بك حيدر وبه تم عدد الأعضاء الثمانية.
2 - أعضاؤه وشخصياتهم العلمية
وها نحن أولاء نأتي على تعريف كل من أعضاء اللجنة - إلى من لا يعرفهم - بوجيز الكلام:
معروف الرصافي
هو الشاعر الأشهر، مفتش التدريسات العربية في وزارة المعارف العراقية. تخرج في المدرسة الرشدية العسكرية في بغداد وتتلمذ للأستاذ محمود شكري الآلوسي نحو اثنتي عشرة سنة درس عليه في أثنائها العلوم العربية وسائر العلوم الإسلامية ثم عمل في المدارس الرسمية من ابتدائية وإعدادية حتى أعلن الدستور العثماني. وكان في خلال هذه المدة ينشر القصائد الغر في كبريات الصحف المصرية فتتناقلها الجرائد العربية في كل مكان فطار صيته في العالم العربي. وردد صدى شعره السياسي أحرار الشرق. وقد استدعاه صاحب جريدة (إقدام) إلى الأستانة بعد الدستور لينشئ جريدة عربية كبيرة فزار فروق وسلانيك. ثم علم العربية في المدرسة الملكية العالية في العاصمة العثمانية. وحرر في جريدة (سبيل الرشاد) ودرس الآداب العربية في مدرسة الواعظين التابعة لوزارة الأوقاف. وانتخب نائبا عن المنتفق في المجلس النيابي العثماني. وبعد الحرب الكبرى عين أستاذا للآداب العربية في دار المعلمين في القدس. ثم عاد إلى مسقط رأسه بغداد فأقيم نائبا لرئيس لجنة الترجمة والتعريب في وزارة المعارف. وبعد أن قام برحلة في سورية والأستانة رجع إلى بغداد فأصدر أول جريدة (الأمل)(4/386)
اليومية بضعة أشهر ثم أوقفها فأسندت إليه وزارة المعارف منصب مفتش التدريسات العربية وقد انتخبه المجمع العلمي العربي في دمشق عضوا مراسلا له. وولي الآن رئاسة لجنة الاصطلاحات العلمية التي نحن بصددها فوق وظيفته.
للرصافي طائفة من الآثار النفيسة منها: (1) ديوانه وقد نشر منه جزء والجزء الثاني معد
للطبع.
وله من المؤلفات العلمية اللغوية: (2) (دفع الهجنة وارتضاخ اللكنة) طبع في الأستانة 1321 (1912) وقد ضمنه الألفاظ العربية المستعملة في اللسان التركي وبالعكس (3) (كتاب الآلة والأداة) في أسماء الآلات والأدوات العارضة في حاجيات الإنسان (مخطوط) (4) (دفع المراق في لغة العامة من أهل العراق) وينشر بالتسلسل في مجلة لغة العرب.
ومن مؤلفاته الأدبية. (5) رواية (الرؤيا) ترجمها عن نامق كمال (6) (نفح الطيب في الخطابة والخطيب) طبع في الأستانة سنة 1915 (7) (محاضرات الأدب العربي) طبع في بغداد سنة 1922 (8) (ديوان الأناشيد المدرسية) طبع في القدس سنة 1920 (9) (تمائم التربية والتعليم) شعر طبع في بيروت 1924 (10) (آراء أبي العلاء) (مخطوط)
وهو يجيد اللغة التركية.
الأب انستاس ماري الكرملي
صاحب (مجلة لغة العرب) حصل التعليم الابتدائي في مدرسة القديس يوسف الكرمليين ومدرسة الاتفاق الكاثوليكي في بغداد وعين مدرسا للغة العربية وآدابها في مدرسة القديس يوسف وكان ابن 16 سنة. ثم قصد المدرسة الاكليركية للأباء اليسوعيين في بيروت فدرس فيها العربية وتلقى فيها اللاتينية واليونانية ومنها رحل إلى شفرمون قرب لياج في بلجكة حيث بدأ حياته الرهبانية. وانتقل بعدها إلى لاغتو قرب نيس (فرنسة) فدرس في دير للآباء الكرمليين هناك الفلسفة وفي مونبليه في ليرو (فرنسة)(4/387)
درس اللاهوت والفقه المسيحي. وفي سنة 1893 قسس وفي سنة 1894 زار الأندلس ثم قدم بغداد في السنة المذكورة فأدار مدرسة القديس يوسف للآباء الكرمليين وعلم فيها العربية والفرنسية. وهو ينشر كثيرا من المقالات والأبحاث بأسماء مستعارة وقد نقلت كثير من مقالاته إلى لغات أوربية عديدة. كما أن تفرغه لدرس فلسفة اللغة العربية اضطره إلى تعلم الارمية والعبرية والحبشية والفارسية والتركية والصابئية.
وأنشأ سنة 1911 مجلة (لغة العرب) فأصبحت صلة بين علماء الشرق والغرب ومعظم مقالاتها تترجم إلى اللغات الأجنبية. وقد انتخبه مجمع المشرقيات الألماني عضوا سنة 1911 وعين سنة 1919 عضوا في مجلس معارف العراق. كما أنه حرر جريدة (العرب)
سنة 1917 في أول إنشائها. وتولى كتابة مجلة (دار السلام) ما يزيد على الثلاث سنوات واختاره المجمع العلمي العربي في دمشق عضوا مراسلا سنة 1920.
أما تآليفه فتبلغ أكثر من 30 مؤلفا طبع منها في بغداد (1) (الفوز بالمراد في تاريخ بغداد) (2) (التعبد ليسوع طفل براغ) (3) (ترجمة مار الياس الحي) (4) (خواطر الأخت ماري ليسوع المصلوب).
وطبع في بيروت: (5) (العروج في دروج الكمال والخروج من درك الضلال) بالعربية والفرنسية (6) مرشد الرهبان الثالثيين في مجلدين.
وطبع في البصرة سنة 1919 (7) (خلاصة تاريخ العراق).
ومن مؤلفاته الخطية وكلها في اللغة والتاريخ: (8) (تاريخ الكرد) (9) (مختصر في التاريخ) (10) (خواطر علمية) (11) (جمهرة اللغات) (12) (كتاب الجموع) (13) (السحائب) (14) (العجائب) (15) (الرغائب) (16) (الغرائب) (17) (أديان العرب) (18) (حشو اللوزينج) (19) (مختارات المفيد) (20) (متفرقات تاريخية) (21) (الأنباء التاريخية) (22) (اللمع التاريخية والعلمية) (في جزئين ضخمين) (23) (24) (الغرر النواضر) (25) (النغم الشجي في الرد على الشيخ إبراهيم اليازجي) (26) (27) (العرب قبل الإسلام) (28) (المجموعة(4/388)
الذهبية) (29) (أرض النهرين) (ترجمة عن الإنكليزية) (30) (شعراء بغداد وكتابها) (تنقيح كتاب ترجم عن التركية) (31) (أربعون سنة في مقامة) (معرب عن الفرنسية).
وله طائفة من المؤلفات فقدت في نكبته عند نفيه إلى الأناضول في العهد التركي سنة 1914 وعند نهب خزانة كتبه سنة 1917 منها (32) (تصحيح أغلاط لسان العرب) (33) (تصحيح تاج العروس) (34) (تصحيح محيط المحيط) (35) (تصحيح اقرب الموارد) (36) (الألفاظ اليونانية في اللغة العربية) (وقد نشر منه فصولا في مجلة المشرق - بيروت) (37) (الألفاظ الرومية (اللاتينية) في اللغة العربية) (38) (الألفاظ الفارسية في اللغة العربية) (39) (الألفاظ الدخيلة (من غربية وهندية وقبطية وحبشية وتركية) في اللغة العربية) (40) (الألفاظ الارمية (السريانية والكلدانية) في اللغة العربية) (41) الألفاظ العربية في اللغة الفرنسية. إلى غيرها.
وقد نفته الحكومة العثمانية في خلال الحرب الكبرى إلى قيصرية (قيصري) من بلاد كبدوكية في الأناضول وبقي هناك 22 شهرا ثم عاد إلى بغداد سنة 1916 وقد جمع خزانة كتب نادرة المثال حوت ما يزيد على اثني عشر ألف مجلد. ورحل إلى أوربة مرارا وحضر سنة 1924 مؤتمر المرسلين المنظمين للمعرض الفاتيكاني في رومية العظمى وزار الشام ومصر وفلسطين زيارات عديدة، وأهدت إليه الحكومة الفرنسية سنة 1920 وساما علميا والحكومة الإنكليزية وهو يشتغل اليوم في تأليف ثلاثة معاجم كبيرة (الأول) معجم عربي واسع يحوي تدوين ما ذكرته المعاجم القديمة وكتب العلماء ولم يدونوه من الألفاظ في مظانها و (الثاني) معجم فرنسي عربي يحوي الألفاظ الأعجمية وما يقابلها باللغة العربية الفصحى (والثالث) معجم عربي فرنسي مطول يحوي ألفاظ اللغة والعلوم والصنائع. كما جمع مجموعة ثمينة من أمثال العوام في بغداد والبصرة والموصل وحكايات باللغة العامية عند نصارى بغداد مسلميهم ويهودهم مع بحث في لهجاتهم وإرجاعها إلى أصولها. وحكايات من ألسن عوام العراق رجالا ونساء من قديمة وحديثة. وعني بتصحيح جزءين من (كتاب(4/389)
الإكليل) وكان قد شرع قبل الحرب الكبرى بطبع (كتاب العين) للخليل بن أحمد الفراهيدي مع حواش لغوية فأتم منه طبع نحو 150 صفحة وحالت الحرب دون البقية ونقح كتبا عديدة لجماعة من المستشرقين في أوربة وأميركة.
وقد أعاد مجلته لغة العرب الآن بعد احتجابها اثنتي عشرة سنة. وأسس مطبعة الأيتام للآباء الكرمليين التي تطبع فيها المجلة أعاد مشترى الكتب للخزانة الشرقية فبلغ الآن عددها اثني عشر ألف مجلد. والأمل أن يتفرغ الآن لطبع مؤلفاته وما جمعه من آثار السلف الصالح بعد أن تستكمل المطبعة حوائجها.
طه الراوي
مدير المطبوعات في العراق - بعد أن درس في المدارس الابتدائية والرشدية للحكومة في بغداد أم المدارس العلمية التابعة للأوقاف فدرس فيها اللغة العربية وآدابها والعلوم الشرعية والكونية على كثير من شيوخ العصر. ثم هوى العلوم العصرية فدرس الرياضيات والجغرافية ومبادئ الطبيعة في مدارس مختلفة وحضر المحاضرات التي ألقيت في دار المعلمين سنة 1918 فأحرز الدرجة الأولى بين أقرانه وعين مديرا لمدرسة الكرخ فمدرسا
للآداب العربية في دار المعلمين ومدرسة الهندسة والموظفين ثم انتقل إلى المدرسة الثانوية أستاذا للآداب العربية وعلم الأخلاق حتى عهدت إليه إدارة المطبوعات. وتلقى الحقوق في متقن (كلية) الحقوق في بغداد فنال شهادتها الممتازة سنة 1925.
وقد وضع بضعة مؤلفات لا تزال خطية منها (1) (كتاب في اللغة العربية) (2) (كتاب القواعد والفرائد في اللغة والقواعد) (3) (رسائل دينية وأدبية) مختلفة.
وغاية ما يشغله الآن دراسة الموضوعات الحقوقية والتعمق فيها.(4/390)
عز الدين علم الدين
أستاذ علوم الطبيعة في دار المعلمين ودار المعلمين العليا في بغداد - درس الدروس الثانوية وتعلم اللغة الفرنسية في كلية اخوة المدارس المسيحية في يافا. وتفرغ لدرس اللغة العربية وعلومها أربع سنوات في الأزهر بمصر. ثم قصد بلاد فرنسة حيث تعلم الفنون الزراعية ومر بفروق لدى عودته إلى وطنه فعينته وزارة الزراعة العثمانية معلما 7في مكتب الزراعة في بيروت فقام بهذه الوظيفة سنة. وبعد الحرب الكبرى علم العلوم الطبيعية في دار المعلمين في دمشق. ثم انتخب عضوا في ديوان المعارف للحكومة العربية فيها وملاحظا لديوان الترجمة والتأليف ثم عضوا في المجمع العلمي العربي في الشام وانشأ مدة سنة مجلة (التربية والتعليم) التي أصدرتها وزارة المعارف في الحكومة العربية كما أدار مجلة (الرابطة الأدبية) التي أصدرتها جمعية الرابطة وكان من أعضائها العاملين.
واستقدمته وزارة المعارف قبل ثلاث سنوات وعهدت إليه تدريس علوم الطبيعة في دار المعلمين ودار المعلمين العليا. وقد ترجم كتابا في (الفيزياء) طبع في بغداد هذه السنة. وله مقالات وقصائد كثيرة في المجلات والجرائد المعروفة في مصر والشام. وهو يحسن اللغة الفرنسية.
الدكتور أمين المعلوف
مدير الأمور الطبية في الجيش العراقي - درس العلوم العالية فنال درجة بكالوريوس علوم (أي مبرز في العلوم) من كلية بيروت الأميركية وتلقى فيها الطب وأحرز رتبة طبيب. فتعاطى الطب في سورية مدة ثم استخدم في الأمور الطبية في الجيش المصري في ديار
النيل والسودان.
واشتغل في أوقات الفراغ بمكاتبة مجلة المقتطف فأدرج فيها مقالات وأبحاثا علمية دقيقة. ورأس سنة 1912 - 1913 بعثة الهلال الأحمر المصرية إلى الحرب البلقانية. فلما اشتعلت نيران الحرب الكبرى ألتحق بالثورة العربية فدخل سورية عند فتح العرب لها وهناك أسندت إليه نظارة مدرسة الطب وأستاذية علم النبات وعلوم الطبيعة فيها. كما أسندت إليه وظيفة مدير إدارة في وزارة الخارجية(4/391)
للحكومة العربية وكان وزيرها صديقه الدكتور عبد الرحمن شهبندر وانتخب في تلك الأثناء عضوا في (لجنة الترجمة والتأليف).
وقد قصد أوربة في شؤون سياسية على عهد الحكومة العربية في الشام فلما احتلت القوات الفرنسية جلق وسقطت الحكومة العربية غادر البلاد مع من غادرها. وأخيرا استقدم إلى العراق وأسندت إليه إدارة الأمور الطبية في الجيش العراقي. وانتخبه المجمع العلمي العربي في دمشق عضوا مراسلا من بغداد.
ولقد اشتغل الدكتور معلوف بأبحاث كثيرة أهمها تأليفه المبتكر (معجم الحيوان) الذي نشر فصولا كثيرة منه في مجلة المقتطف وهو يؤلف اليوم معجما مطولا نفيسا باللغتين الإنكليزية والعربية.
توفيق السويدي
مدير الإدارة العدلية في وزارة العدلية في العراق وأستاذ الاقتصاد السياسي والحقوق الرومانية في متقن الحقوق.
تخرج في المدرسة السلطانية العثمانية في بغداد سنة 1908 ثم أم فروق حيث درس علوم الحقوق في متقنها هناك فأحرز شهادتها سنة 1913 وتابع دروسه الحقوقية في فرنسة فنال الدرجة العلمية من متقن الحقوق في باريس سنة 1914 وقد حضر المؤتمر العربي الأول الذي عقده المرحوم عبد الحميد الزهراوي ورفقاؤه سنة 1913 - مندوبا عن العراق.
وعين مدة كتوما (سكرتيرا) للجنة تصحيح القاموس التركي الفرنسي في الأستانة وأسندت إليه سنة 1915 وظيفة معاون حاكم الصلح في البصرة وحين أعلنت الحرب العظمى انخرط في سلك الجيش بدرجة ضابط نحو ثلاث سنوات وبعد سقوط الشام بيد العرب عين حاكم صلح في حكومة الشام سنة 1918، وتعاطى المحاماة ردحا من الزمن وتولى أستاذية
(حقوق الدول) و (حقوق رومة) في مدرسة الحقوق بدمشق. وبعد تأسيس الحكومة الوطنية في العراق آب إلى وطنه فعين مديرا لمدرسة الحقوق في بغداد ومعاونا لمشاور الحكومة العراقية وأوفد سنة 1923 مشاورا حقوقيا في الوفد العراقي في مؤتمر لوزان الأول.(4/392)
وبعد أن تخلى عن إدارة مدرسة الحقوق عين أستاذا للاقتصاد السياسي وحقوق رومة فيها وقد أضحت كلية. وانتدبته حكومة العراق ممثلا لها في مؤتمر بحرة المعقود سنة 1925. ويشغل الآن منصب مدير الإدارة العدلية في وزارة العدلية ومشاورا للحكومة.
وقد نشر من المؤلفات: (1) (حقوق رومة) الجزء الأول لتدريس طلاب متقن الحقوق وعرَّب كتاب (2) (مبادئ الاقتصاد السياسي) للعلم الاقتصادي الفرنسي الشهير شارل جيد وهو أول معرب لهذا الكتاب، وله كتاب (3) (حقوق الدول) غير مطبوع.
ويحسن من اللغات الأجنبية الفرنسية والتركية والإنكليزية مع إلمام بالفارسية.
عبد اللطيف الفلاحي نائب الحلة في المجلس النيابي العراقي.
تخرج في المدارس الرشدية والإعدادية العسكرية في بغداد وقصد الأستانة حيث درس في المدرسة الحربية العثمانية وأحرز شهادتها العليا بدرجة ضابط ثم قفل راجعا إلى بغداد واستخدم في (هيئة أركان الحرب) وأستاذا للغة الفرنسية والتاريخ العام في المدرسة الإعدادية العسكرية والتاريخ في المدرسة السلطانية والأدبيات في مدرسة الحقوق وأسندت إليه بعد ذلك مديرية مدرسة الشرطة في بغداد ثم عين معاونا لمفتش الشرطة العام.
وقد نفي في أوائل الحرب الكبرى إلى مسيواس بتهمة الاشتغال بالمسائل العربية وأسندت إليه بعد النفي وظيفة (آمر آلاي) في صمصون. فلما أعلنت الهدنة سنة 1918 استعفى وقصد سورية فأصدر في الشام (مجلة العلوم) التي لم تطل حياتها وموضوعها العلم والأدب وما كاد الحكم العسكري يزول عن العراق وينشر لواء الحكم الوطني حتى هاجه الشوق إلى مدرجه فطار إليه. فأشتغل فيه بالصحافة فأصدر في بغداد جريدة (الفلاح) وبحثها السياسة والعلم والأدب وكانت تنشر مرتين في الأسبوع ثم انصرف إلى الاشتغال بالطباعة فأنشأ له (مطبعة الفلاح) لكنه ما لبث أن أوقف الجريدة فعين مديرا عاما للشرطة مدة وعهدت إليه وزارة(4/393)
المعارف بعد ذلك تدريس التاريخ العام في المدرسة الثانوية ودار المعلمين ودار المعلمين العليا وانتخب أخيرا نائبا عن الحلة في المجلس النيابي العراقي
الذي افتتح أعماله سنة 1925. وعينته جامعة آل البيت ببغداد أستاذا للتاريخ فيها.
أصدر الفلاحي في العهد العثماني مجلة في بغداد باسم (مكتب) باللغات الثلاث العربية والفرنسية والتركية وألف كتابا باسم (التحليل الصرفي) في ستة أجزاء نشر الجزء الأول فقط فكان فيه من آثار الحرية ما سبب له حنق السلطة العثمانية عليه وأبعاده إلى الأناضول. وقد نشر أخيرا كتبا في التاريخ المدرسي للمدارس الابتدائية والثانوية في ثلاثة أجزاء (1) التاريخ القديم (2) تاريخ العرب (3) تاريخ القرون الوسطى والأخيرة.
وهو يعرف الفرنسية والتركية والإنكليزية واليونانية.
رستم حيدر
كتوم (سكرتير) جلالة الملك فيصل الأول الخاص ورئيس الديوان الملكي.
حصل التعليم الابتدائي والثانوي في مدارس دمشق وتوجه إلى العاصمة العثمانية (فروق) فدخل جامعتها الشهيرة في كلية الحقوق والإدارة المسماة (ملكية شاهانه) فخرج منها بدرجة تفوق سنة 1909 ثم رحل إلى أوربة لإنجاز تعليمه العالي فدرس في جامعة السوربون في باريس في متقن (كلية) العلوم السياسية ثلاث سنوات وفي نهايتها نال شهادتها بنجاح باهر، وقد أسس فيها مع بعض طلاب العلم العرب (جمعية الثقافة العربية).
ثم انتدب لتأسيس المكتب السلطاني في الشام وإدارته فقام بعمل خالد في وضع الحجر الأساسي لتلك المدرسة الراقية إلى أن دعي إلى تأسيس كلية صلاح الدين الأيوبي في القدس حيث أسندت إليه نظارة دروسها وأستاذية التاريخ والاقتصاد فيها فواظب على عمله هناك حتى سنة 1918 ثم التحق بالثورة العربية فأختاره قائد الجيش العربي صاحب الجلالة الملك فيصل وكان يومئذ أميرا ليكون في صحبته فدخل دمشق مع فاتحها ثم سافر إلى باريس وحضر مؤتمر فرساي مندوبا عن جلالة الملك حسين ملك حكومة الحجاز المستقلة وبقي في العاصمة(4/394)
الفرنسية ثلاث سنوات يشتغل بالمسائل السياسية العربية مرافقا صاحب الجلالة الملك فيصل في رحلاته إلى أوربة. وبعد أن سقطت الشام بيد القوات الفرنسية سافر صاحب الجلالة الملك فيصل إلى أوربة فرافق جلالته في أسفاره إلى العواصم الأوربية ثم قدم معه إلى العراق كتوما خاصا لجلالته فلما بويع جلالة الملك فيصل بملك العراق عين رئيسا للديوان الملكي العالي.
ولرستم حيدر طائفة من المؤلفات طبع منها فقط كتابه (محمد علي في سورية) بالفرنسية وهو الأطروحة التي قدمها إلى جامعة السوربون وبها نال الإجازة العلمية العالية. أما كتبه في (التاريخ القديم) و (تاريخ الإسلام والقرون الوسطى) و (فجر التاريخ الحديث) مما كان يلقي محاضرات في الكلية الصلاحية في القدس فلا تزال مخطوطة.
وهو يجيد الفرنسية والتركية والإنكليزية.
3 - منهج المحفى في العمل
وضع المحفى الجديد بمشاورة وزارة المعارف منهجا لعمله دعاه (تعليمات لجنة الاصطلاحات العلمية في وزارة المعارف) يلخص في ما يأتي:
1 - تنظر اللجنة في الاصطلاحات العلمية والأدبية وكل ما يجد ويحدث من الكلمات في اللغة وخاصة في الاصطلاحات التي تستعمل في المدارس والكتب المدرسية وبالجملة تسعى إلى كل ما يؤدي إلى إصلاح اللغة وتوسيعها وإنهاضها إلى مستوى لغات العلم والأدب في العصر الحاضر وتنظر في الكتب المدرسية وغيرها مما يعرض عليها وتبدي رأيها فيها من وجهة اللغة والاصطلاحات العلمية.
2 - تجتمع اللجنة مرة في الأسبوع.
3 - تستشير اللجنة في المسائل المهمة أو المصطلحات الجديدة التي تضعها المجامع العلمية في مصر وسورية ليحيطوا بها علما ويبدوا فيها رأيا وبعد تلقي آرائهم تعيد نظرها فيها ثم تقرر قرارها النهائي.
4 - إذا خلا كرسي في اللجنة، فاللجنة هي التي تنتخب له العضو الجديد.(4/395)
4 - خطته العلمية في وضع الكلمات
واختط هذا المحفى خطة علمية جعلها أساسا لعمله في وضع الكلمات أو المصطلحات العلمية هذا نصها:
تعتبر اللجنة المواد الآتية قواعد ودساتير تتبعها فيما تضعه وتقرره من المصطلحات العلمية والكلمات اللغوية:
1 - إن الاشتقاق قياسي في اللغة قياسا مطلقا في أسماء المعاني التي هي عرضة لطروء
التغير على معانيها. ومقيدا بمسيس الحاجة في الجوامد.
2 - إن وضع الكلمات الحديثة في اللغة يجري أما على طريقة الاشتقاق وأما على طريقة التعريب ولا مانع من الجمع بينهما كما في مسرة وتلفون ويرجع إلى النحت عند الحاجة.
3 - لا يذهب إلى الاشتقاق في وضع كلمة حديثة إلاَّ إذا لم يعثر في اللغة على ما تؤدي معناها بخلاف التعريب فإنه يجوز تعريب كلمة أعجمية مع وجود اسم لها في العربية كما هو الشأن في اكثر المعربات الموجودة في اللغة.
4 - يشترط في الكلمات التي تختار من كتب اللغة ليعبر بها عما حدث وتجدد أن تكون مأنوسة غير نافرة وإلاَّ وجب تركها والذهاب إلى طريقة الاشتقاق أو التعريب.
5 - يرجح الشائع المشهور من المولد والدخيل على الوحشي المهجور من الكلمات الكائنة في معاجم اللغة.
6 - لا يشترط في المعرب رده إلى وزن من أوزان الكلمات العربية ولكن يستحسن ذلك أن أمكن كما يستحسن تغييره بما يجعله قريبا من اللهجة العربية كما في شهنشاه المغيرة من شاهانشاه.
7 - اللغة إنما تتقرر باستعمال العامة اكثر من وضع الخاصة لكن هذا فيما عدا المصطلحات العلمية أما في المصطلحات العلمية فالأمر بالعكس.
5 - آراء بعض رجاله في الاشتقاق والتعريب
أرى تتمة للبحث أن أورد هنا آراء لبعض رجال المحفى العراقي في(4/396)
الاشتقاق والتعريب ليعرف منها المطالعون المنحى الذي ينحوه في عمله العلمي الشاق:
يقول الأستاذ معروف الرصافي في مقدمة كتابه المخطوط (الآلة والأداة) الذي أشرنا إليه في صدر هذا المقال:
(الاشتقاق في أسماء الأحداث ضروري لابد منه ولا يجوز أن يكون عدم السماع حجة في منع قياسه واطراده من وجوه:
(أحدها) أن عدم السماع لا يستلزم عدم الوقوع إذ يجوز أن يكون قد وقع وأن العرب قد نطقت به ولكنه فات الرواة فلم تروه ولم تنقله لأن نقلة اللغة اكثر ما يعتمدون في نقلها على الشعر ومن الجائز في الكلمة المحكوم فيها بعدم السماع أنها لم تقع في الشعر بل وقعت في
النثر الذي لم تضبطه الرواة ولم تنقل منه ولا عشر معشار فعلى القائل بالمنع أن يثبت لنا عدم الوقوع وإلاَّ فدليله مدفوع وكلامه غير مسموع.
(ثانيها) إننا أن سلمنا في كلمة من المشتقات أنها غير مسموعة وغير واقعة أيضاً اكتفينا في جواز استعمالها بسماع نظائرها المطردة المعينة فإن العرب أن لم تقل (حاب) من حب فقد قالت ساب من سب وعاد من عد وراد من رد إلى غير ذلك من الكلمات التي جرت في كلامهم على وجه الاطراد فمنعنا استعمال (حاب) بحجة عدم السماع تحكم في اللسان وتهكم بسماع نظائرها المطردة ورمي اللغة بالجمود.
(ثالثها) أن الاشتقاق أصل في أسماء الأحداث لكونه أمرا ضروريا بسبب ما يقع في معانيها من التبدل والتغير كما ذكرنا آنفا. . وإذا كان الاشتقاق هو الأصل وقد تعارض عندنا في بعض المشتقات دليلان أحدهما يقتضي المنع وهو عدم السماع والآخر يقتضي الجواز وهو القياس المطرد في نظائره وجب أن نرجع به إلى الأصل وأن نرجح دليل الجواز على دليل المنع لأن الأول مثبت للأصل والثاني ناف له.
. . . . فيجب علينا أن ننظر في هذه المسميات المستحدثة ولابد أن يكون لكل واحدة منها فعل تفعله لأنها لم تحدث عبثا فإن استطعنا أن نشتق لها من(4/397)
فعلها اسما فذاك وإلاَّ نظرنا فيها فإن كانت مما شاع على ألسن العامة استعملناها كما استعملتها العامة أو أجرينا فيها بعض التغيير أن رأينا فيها بعض النفور والحيود عن اللهجة العربية كما فعلت ذلك في كلمة (اوتوموبيل) فأني غيرتها إلى تومبيل كصوقرير وقد استعملتها في قصيدة فقلت:
بتومبيل جرى في الأرض منسرحا ... كما جرى الماء من سفح الاهاضيب
ويجب أن لا نتحاشى عن استعمال ما تداولته ألسنة العوام من هذه الكلمات الحديثة الخ. . .)
وقال الأب انستاس ماري الكرملي في اعتراضه على خطة المحفى الذي ذهب معظم أعضائه إلى قبول النحت في هذا العصر:
(لا أرى حاجة إلى النحت لأن علماء العصر العباسي مع كل احتياجهم إلى ألفاظ جديدة لم ينحتوا كلمة واحدة علمية. هذا فضلا عن أن العرب لم تنحت إلاَّ الألفاظ التي يكثر ترددها على ألسنتهم فكان ذلك سببا للنحت أما التي لا يكثر ترددها على ألسنتهم كثيرا فلم يحلموا
بنحتها. ومثلها عندنا الآن: ايش وليش وموشي (ما هو شيء) وشنو (أي أي شيء هو) إلى غيرها)
وقال عز الدين علم الدين في كتابه المعرب (مبادئ الفيزياء) الجزء الأول ص (ج):
(لم أراع في الاصطلاح إلاَّ الأفضل مما اشتد إليه مسيس الحاجة ولو كانت الكلمة أعجمية الأصل إذا ما تعربت بنزولها على أحكام العربية فخفت على اللسان وعذبت بصقله إياها في البيان يدل على ذلك مثلا اسم الكتاب (مبادئ الفيزياء)
وقد عقد المحفى اجتماعه الأول في عمارة وزارة المعارف يوم الخميس الواقع في 7 تشرين الأول 1926 الساعة الرابعة ونصف بعد الظهر ثم تابع جلساته مرة في الأسبوع على ما عهد إليه فتعهد به.
رفائيل بطي(4/398)
نموذج من تراجم العلماء
السيد نعمان خير الدين الآلوسي
(تلو)
صفاته وشمائله
قدر الله أن يتوفى السيد نعمان قبل أن أحظى بزيارة هذه الدار بنحو ثلاث سنوات ولا أراه فأتشرف بوصفه لمن يتوق إلى معرفة صفاته تلك، لا تأمل أيها المطالع في كتابنا أن أزودك منها بشيء طائل غير ما تنسمته من سطور مؤلفاته ومحادثة أصدقائه ومريديه عنه.
طالعت كتبه - وأكثرها في الجدل - فرأيت منه عالما ضليعا، وأديبا جليلا، نزيه القلم، أديب النفس، معتصما بحبوة الجد، متنزها عن العبث، منصفا وعدلا في الحكم، واسع العلم شديد التحري للحق. كما أخذت منها: أن عقله كان أكبر من علمه، وعلمه ابلغ من إنشائه، وإنشاءه امتن من نظمه.
وحدثت: أنه كان جوادا معطاء؛ يجود بنفسه لسائله وفيا ذكيا، نقيا تقيا، ورعا زاهدا، يأخذ ما صفا ويدع ما كدر، حفيا بالأهل وذوي القربى، منشطا لأهل العلم، مستقيما في العمل، حلو المفاكهة، لطيف المحاضرة، بشوش الوجه.
وقد رأيت كلمة فيه للأديب أبي النصر يحيى السلاوي في مجلته (الحقائق) ننقلها هنا؛ قال:
(. . . قد حظيت بصحبة الأستاذ المشار إليه منذ لقيته بدمشق الشام سنة ثلثمائة وألف أيام قدومه من العراق قاصدا دار الخلافة المحمية، ثم بالأستانة العلية في السنة التي بعدها فرأيت منه ذاتا شريفة وخلقا سمحا وعلما وعملا حبب أليَّ التردد إليه والانتساب إليه، فجعلت أراقب الفرصة التي تجعل لي حظا في الاستفادة مما لديه، حتى حضرت بين يديه في خلال أوقات متفرقة شيئا من حاشية (رد المحتار على الدر المختار) لمؤلفها ابن عابدين. وكان بودي أن أتلقى عنه كثيرا من الفنون والعلوم لولا شغلت به من عوارض الغربة والهموم. ولكن سماحة نفسه الكريمة وأخلاقه المشهورة اخلفتني خيرا مما فرط مني لعدم مساعدة الوقت وكان يتنازل لتشريفي ويتعهدني بالزيارة في منزلي مرة بعد أخرى
ويملي عليَّ من معقوله ومنقوله ما أنا بحمد الله شاكر. . . الخ)
أما صفته فقد قالوا: كان ربعة نحيفا ابيض اللون يميل إلى الصفرة، وفي أواخر أيامه ثقل سمعه ولم يزيدوا. . . و (رسمه) هذا لا يمثله تماما لأنه صوّر على حين غفلة منه بعيد نقاهته من مرض نزل به، وهو في سفينة بخارية تمخر به عباب (دجلة) إلى (البصرة) للنزهة وقضاء دور النقاهة.
ذكر مؤلفاته مع وصفها
1 - جلاء العينين في محاكمة الاحمدين: أحمد بن تيمية الأمام المجدد العظيم وأحمد بن حجر الهيثمي أحد متفقهة الشافعية. وقد كان هذا شديد الطعن في أئمة الإصلاح ولا سيما في رافع لوائهم الأمام ابن تيمية فقد ملأ كتبه من عبارات الازدراء به والطعن فيه ولا سيما خاتمة (فتاواه الحديثية) فإنه شنع فيها عليه تشنيعا وعزا إليه كل مثلبة وعقيدة فاسدة وآراء كاسدة مما هو خلاف ما صرح به في مؤلفاته الكثيرة، ثم جاء قوم لا يميزون القشر من اللباب. ولا الخطأ من الصواب، فحملهم الجهل بمرويات العلماء على الأخذ بأقواله دون غيره وتمسكوا بها تمسكا جرهم إلى تكفير كل من حدث بخلاف ما حدّث به ابن حجر.
فلما رأى السيد رحمه الله تفشي تأثيره السيئ في طلاب العلم البعيدين عن الوقوف على تفاصيل الأدلة من الكتاب والسنة - لم يجد بدا من تبيان الحق لهم وفاء بالميثاق الذي أخذه الله على العلماء فأعمل يراعته العسالة في تأليف هذا الكتاب الجليل فجاء كتابا جامعا مانعا يثبت فؤاد المنصف ويجلي عن العين غشاوة الباطل، التزم فيه جانب الأدب والأنصاف وتجرد عن نزعات التشيع والحب فحرر المسائل بأدلتها وضم الأشباه إلى نظائرها وتحرى العدل وجانب الجور حتى كشف عن وجه الحقيقة الحجاب، وهنالك عرف من هو مرتاب، وقد طبع الكتاب (بالمطبعة المصرية ببولاق) سنة 1298هـ بأمر ملك بهوبال السيد حسن صديق خان عليه الرحمة فجدير بكل مسلم أصيب بداء التقليد أن يدرس ما بين دفتي هذا السفر الجليل من المباحث الإصلاحية ويتدبره جيدا، ليصفو جوهر عقله.
2 - الجواب الفسيح. لما لفقه عبد المسيح: سفر عظيم في مجلدين كبيرين رد به الرسالة المنسوبة لعبد المسيح بن اسحق الكندي التي أجاب بها في زمن المأمون رسالة عبد الله بن إسماعيل الهاشمي حينما دعاه فيها إلى الإسلام وكلاهما فيما يظهر مزور
وقد طبعت الرسالتان في لندن سنة 1880م ثم في غيرها من بلاد العرب والرد في المطبعة الإسلامية بلاهور قاعدة بنجاب من ممالك الهند وقد فرغ من تأليفه غرة جمادي الأولى سنة 1306 هـ.
3 - غالية المواعظ: طبع في مصر مرتين وهو عمدة الواعظين اليوم ولا سيما في العراق.
4 - الأجوبة العقلية. لاشرفية الشريعة المحمدية: كراسة أجاب فيها عن سؤال وجهه محرر في جريدة الحبل المتين الفارسية التي تصدر في كلكتة بالهند إلى علماء الإسلام طالبا إثبات دعوى أن النبي (ص) خاتم الأنبياء وأن شريعته نسخت سائر الشرائع وو. . . الخ. طبعت في مطبعة كلزار حسني ببمبي سنة 1314هـ.
5 - صادق الفجرين. في جواب أهل البحرين: كتاب في علي ومعاوية (رضي الله عنهما) في نحو 70 صفحة بالقطع الكبير ولم يطبع. ومنه نسخة في خزانتنا (الخزانة الأثرية) وفي خزانة المترجم (الخزانة النعمانية) في مرجان.
6 - شقائق النعمان، في رد شقاشق ابن سليمان: كتاب جليل ألفه في صباه ردا على بعض معاصريه ممن أسرف في اللغة. منه نسخة في (الخزانة النعمانية) بخط المترجم وهي في نحو 100 صفحة
7 - الأجوبة النعمانية. عن الأسئلة الهندية: كتاب في مسألة الاستواء وخاتمة النبوة المحمدية في نحو 22 صفحة بالقطع الكبير. بخط المترجم في النعمانية.
8 - الإصابة في منع النساء من الكتابة: جواب سؤال ورد من الهند تكلم فيه حسبما ظهر له وارتأى؛ ونحن لا نوافقه على ما ذهب إليه ولدينا من الأدلة الشرعية والعقلية ما فيه مقنع إن شاء الله.
9 - الحباء في الايصاء: طبعه ابنه الأستاذ السيد علاء الدين في الأستانة
10 - سلس الغانيات في ذوات الطرفين من الكلمات: كتاب لغوي في الأسماء التي تقرأ طردا وعكسا مثل: قلق وسدس وليل. طبع في المطبعة الأدبية ببيروت سنة 1318هـ وعليه تعاليق لطيفة لأبنه شيخنا السيد علاء الدين
11 - مختصر ترجمة الإمام أحمد بن حنبل لأبن الجوزي.
12 - الطارف والتالد في إكمال حاشية الوالد: على شرح القطر للإمام ابن هشام النحوي الشهير طبعت في القدس سنة 1320هـ
13 - حور عيون الحور: مجموعة من نظمه ونثره ذكرها شيخنا ولم اعثر عليها في خزانة كتبه.
هذا وقد نشر رحمه الله عدا كتب أبيه كتاب الألفاظ الكتابية لعبد الرحمن ابن عيسى الكاتب وقد دعاه كتاب الأشباه والنظائر ونسبه سهوا إلى عبد الرحمن الانباري.
محمد بهجة الأثري(/)
الوصل في لغة عوام العراق
الوصل في كلامهم هو عبارة عن وصل آخر حرف من الكلمة بأول حرف من الكلمة التي تليها. وهو كثير الوقوع في كلام العامة، وهم إذا وصلوا حرفا بحرف جعلوا الثاني منهما ساكنا. ولابد أن يكون الأول متحركا وإلاَّ لم يصح الوصل. فإن لم يكن متحركا حركوه بالكسر ثم وصلوه. ولنوضح لك ذلك بأمثلة من كلامهم:
قالوا في أغانيهم (سلم عليَّ من بعيد، وحواجبه هلال العيد) ففي هذا الكلام وصلوا ياء (عليَّ) بميم (من) والحرف الأول (الياء المثناة) مفتوح والثاني (الميم) ساكن. ثم وصلوا نون (من) بباء (بعيد) وقد حركوا النون بالكسر وسكنوا الباء من (بعيد) وأيضا وصلوا الواو العاطفة بالحاء من (حواجب) والواو مكسورة لأن واو العطف يغلب عليها الكسر في كلامهم كما سيأتي. والحاء من (حواجب) ساكنة، ثم وصلوا الباء من (حواجب) بالهاء من (هلال) والباء مفتوحة والهاء ساكنة. وأما هاء الضمير في (حواجبه) فغير ملفوظ وأن كان مكتوبا لأنهم يسقطون من اللفظ كل ضمير مفرد غائب كما سيأتي بيانه في محله.
وقالوا في أغانيهم:
(كلهم عكلهم سود ومن أين اعرفه ... حتى السمج بالماي يبجي على ولفه)
ففي هذا الكلام وصلوا واو العطف بميم (من) والواو مكسورة والميم ساكنة ثم وصلوا نون (من) بياء (أين) والنون مفتوحة والياء ساكنة، وأيضا الكاف من (يبجي - يبكي) موصولة بالعين من (على) والكاف مكسورة والعين ساكنة. وأما الياء في آخر يبكي فسقطت من اللفظ لالتقاء الساكنين.(4/403)
وقد يتوسط بين الحرفين الموصولين حرف ثالث، فيسقط من اللفظ لأن اللسان ينتقل من الحرف الذي قتله إلى الحرف الذي بعده. وسقوط هذا الحرف الثالث المتوسط أما لأجل الوصل كما في قوله المذكور آنفا (ومن أين اعرفه) فإن ألف أين لما توسطت بين النون والياء الموصولتين سقطت من اللفظ لأجل الوصل. وأما لأجل التقاء الساكنين كما في قوله المتقدم (يبجي على ولفه) فإن الياء من (يبكي) لما توسطت بين الكاف والعين الموصولتين سقطت من اللفظ لأنها ساكنة والعين بعدها ساكنة أيضا بسبب الوصل. وأما لكونه ساقطا
في كلامهم وأن لم يكن هناك وصل كما في قول الشاعر المتقدم (وحواجبه هلال العيد) فإن الباء من (حواجبه) موصولة بالهاء من (هلال) ولسان المتكلم ينتقل عند النطق من الباء إلى الهاء. فضمير الغائب الذي بينهما ساقط من اللفظ عندهم سواء وصلت الباء بالهاء أو لم توصل.
وأعلم أن هذا الوصل قد يكون لازما متحتما وقد يكون غير لازم. أما كونه غير لازم فكما في قوله (سلم عليَّ من بعيد) فلو قال (سلم عليَّ مِنْ بعيد) (أي بكسر ميم من وإسكان نونها) بلا وصل لجاز أيضا. وأما كونه لازما ففي واو العطف كالواو الموصولة في الأمثلة المتقدمة فإن وصلها متحتم عندهم.
ومما يتحتم فيه الوصل (ما) و (لا) النافيتان إذا دخلتا على الفعل المضارع من الثلاثي المجرد الأجوف كيقول ويخاف ويبيع أو المضاعف كيمد ويشد أو من الثلاثي المزيد الذي هو من باب التفعيل كيخوف ويهيج ويغني. أو من الرباعي المجرد كيعكنش ويخرمش ويطبطب وغير ذلك. فهذه الأفعال كلها إذا دخلت عليها (ما) أو (لا) النافيتان أو (لا) الناهية وجب وصل الميم من (ما) أو اللام من (لا) بحرف المضارعة من الأفعال المذكورة إذا لم يكن حرف المضارعة همزة تقول (ما يكول) فتصل ميم (ما) بياء (يقول) وتسقط ألف (ما) من اللفظ لأجل التقاء الساكنين وتقول (ما يصلي ولا يصوم) (بإسكان ياء يصلي ويصوم) أي تصل ميم (ما) بياء (يصلي) ولام (لا) بياء (يصوم). وتقول (فلان ما يهب ولا يدب) (بإسكان الياءين) وتقول في الرباعي (اترك البزون لا تخرمشك)(4/404)
فتصل لام (لا) بتاء (تخرمش). ومن أمثالهم (لا ينام ولا يخلي الناس تنام) (بإسكان حرف المضارعة) أما إذا كان حرف المضارعة في هذه الأفعال هو الهمزة فالوصل غير لازم بل غير جائز. وقد جعلنا علامة الوصل هكذا (-) وهي خط صغير يوضع بين الحرفين الموصولين.
تفخيم اللام
إن تفخيم اللام في اللغة الفصحى خاص بلفظة الجلالة وأما في لغة العامة فإنهم يفخمون اللام في كثير من الأسماء والأفعال ولم أجد لتفخيم اللام في كلامهم من ضابط عام تمتاز به مواقع التفخيم عن مواقع الترقيق، سوى أني نظرت في كلامهم فرأيتهم اكثر ما يفخمون اللام في الأسماء التي اجتمعت فيها الخاء واللام فمن ذلك الخل (لما حمض من عصير
العنب وغيره) والخلخال والخلان (جمع خليل) والخال (لأخي الأم) والخالة والخلة (للقفر الذي ليس فيه أحد) والمنخل والنخالة والخلال (للبسر وهو التمر قبل ارطابه) والخلالة والمخلل (لضرب من الكامخ) والخلك (بفتحتين للبالي من الثياب) والخلكان (جمع الخلق) والنخل والنخلة وخلف (من أعلامهم) والخلك (بكسر اللام أي الخلق أو المخلوق) والسخل والسخلة. وقلما يفخمون اللام من الأسماء التي لم تجتمع فيها الخاء واللام ومن ذلك الغلك والظلمة والظلام والكلب (القلب) والمكلوب (المقلوب) والكول (مصدر قال والكمل (القمل) والكملة (القملة) والبكال (البقال) وكبل (قبل) والبغل (الحيوان المعهود) والبغلة؛ وغير ذلك من الأسماء.
أما الأفعال التي يفخمون فيها اللام فكثيرة أيضا ومنا قولهم نخل الطحين بالمنخل وينخل الطحين، وربنا خلكنا من التراب، وفلان مات وما خلف شي (بكسر الشين)، وغلك الباب، والحاكم ظلم الناس ويظلمهم، والنايم يتكلب على فراشه، وهو كال وهي كالت وهم كالوا (وهذه الثلاثة خاصة بأهل البادية وأما أهل الحضر فلا يفخمون فيها اللام)، ونكلنا الطعام، والنكال ينكل الحطب على رأسه. إلى غير ذلك من الأفعال وإنما أكثرنا من الأمثلة لمزيد الإيضاح وإلاَّ فالعمدة في تفخيم اللام على السماع.
معروف الرصافي(4/405)
الألفاظ الارمية
في اللغة العامية العراقية
(معربل) وبعضهم يقلبها فيقول مرعبل يقال للوسخ والذي لا يراعي النظام في لباسه أظن أنها مشتقة من (ع ر ب ل) الباء مثلثة بمعنى مرغ ولوث أو جعل الدابة تتمرغ.
(فيع الثوب) من (ب ي ع) الباء مثلثة أي غسل وخض وفرك وهذا ما يريده العراقيون من استعمالهم هذا اللفظ. أما قلب الباء المثلثة فاء فهذا أشهر من أن يذكر في التعريب حتى أن الارميين أنفسهم يلفظون هذا الحرف فاء في بعض المواطن لأن لغتهم خالية منها على ما ذكرنا في صدر المقال.
(الفطوط من الشجر والثمر) وزان شبوط من فعل (ب ط) الباء مثلثة ومعناها نخر وضمر وبلى. و (ب ط وط ا) الباء مثلثة هي الشجرة المنخورة البالية والشخت والنخر البالي من الأشياء. وهذا ما يقصده العراقيون من لفظهم مبنى ومعنى.
(بهك اللون) أي خف متغير من (ب ك هـ) الباء مثلثة بمعنى فسد وخبث وقل ورق وفسد اللون وقد جرى العامة في هذا الحرف على طريقة القلب بتقديم الهاء على الكاف كقول الفصحاء: جذب وجبذ، اللجز واللزج، طامس وطاسم الخ
(فلفط) تقول أراد أن (يفلفط) بمعنى يتململ أو يتحرك حتى ينجو. فإنه من فعل (ب ل ب ط) والباءان مثلثتان فيه. ومفاده تعذب وتململ وعج من شدة الوجع.
(فلش) بتشديد اللام، يقولون فلّش الحائط وفلش النيشان (أي خطبة البنت) وقد تفلش الصبي إذا ألغيت خطبة خطيبته. وتفلشت المسئلة وتفلش الحزب إذا فسد، أظن أن اشتقاق هذا اللفظ من فعل (ب ل ش) الباء مثلثة. بمعنى ثقب وثغر وخرق وثلم.(4/406)
(فع) الدملة والبثرة. أي ثقبها وفتحها من فعل (ب ع) الباء مثلثة ومفاده فض وشق وثقب وفل.
(بربع) أي تلذذ ووجد نفسه في بحبوحة الهناء. ولدت من (ب ر ب ع) (الباءان في الأصل مثلثتان) بمعنى نعم ورفه ولذذ وعندهم (ب ور ب ع ا) (الباءان مثلثتان) وهي الملذة والتنعم والترفه. على أن في لغتنا الفصيحة فعل (ربع) يضاهي معنى بربع. فيقال ربع
فلان اخصب. وربعت الإبل سرحت في المرعى وأكلت كيف شاءت وشربت إلاَّ أن اتخاذ العراقيين الألفاظ على الطريقة الارمية وأن كان له وجه للتأويل في اللغة الفصحى أمر فيه نظر.
(بشكل بشكلني) وتبشكل عليه الأمر (الباءان مثلثتان) يريدون في الأول حيرني وفي الثاني التاث عليه الأمر. وفي الارمية (ب ش ك ل) (الباء مثلثة) بمعنى فتل ولوى وعوج و (ات ب ش ك ل) (الباء مثلثة) في المطاوع والمجهول بمعنى التوى وتعوج.
(صيان) بمعنى وسخ فيقولون (وسخ صيان) وقد تخفف الصاد وتلفظ سينا في صيان فتضحي (سيان) والأخير هو الشائع المشهور. وذلك لقربها من لفظ (سيان) الذي مر بمعنى الوحل المنتن والحمأة. وقد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة أن هذا من باب تشبيه الوسخ بالوحل المنتن والحقيقة أن أصل اللفظ هو بالصاد وهو من المترادفات العربية والارمية التي ألمعنا إليها ويستعملها العراقيون. والصيان في الارمية (ص ي ن ا) بمعنى الوسخ والقذر والدرن.
(صمد) بمعنى جمع وحشد. ويقول العراقيون أيضا خسرت (الصمودة) أي ما جمعته وكان عليه التعويل، وهذا الفعل من الارمية (ص م د) ومثله (الصمودة) وهي عندهم (ص م ود ي ا) أما فعل صمد العربي الفصيح ومشتقاته ومنه (الصمد) فلا تفيد المعنى الذي يريده العراقيون من هذا اللفظ.(4/407)
(قواية) بمعنى القوة في المشاجرة. وأن كان ظاهر هذا اللفظ يدل على أنه تحريف كلمة (قوة) الفصيحة إلاَّ أن لفظ العوام لها بهذه الصورة يحملنا على أن نعتقد أنها من بقايا الارمية وهي عندهم (ق وي ا) ولا تخلو لغتنا العامية من أمثال هذا التلفظ الذي يظهر عليه المسحة الارمية. ومنها كلمة (المرش) وهي المرس في العربية الفصحى وقد وردت في معلقة امرئ القيس في قوله:
فيالك من ليل كأن نجومه ... بأمراس كتان إلى صم جندل
فيقول العراقيون (جر المرش) و (انقطع المرش) وفي الارمية (م ر ش ا) وهو الحبل الغليظ والرشاء.
(قوع) بتشديد الواو، مأخوذة من (ق وح) صاح وضج وعج وثغت الضأن. وفي العربية
قبع الرجل صاح والفيل صوت والخنزير نخر فيحتمل أن تكون منه.
(قوبت الشجرة أو كوبت) (بالكاف الفارسية) المنخور البالي. أذهب إلى أن هذا اللفظ مشتق من فعل (ق ي ب) (الباء مثلثة) بمعنى اعتل وعل أو من (القوب بضم ففتح) وهي قشور البيض كأن الشجر يبست كقشر البيض.
وجاء في العربية الفصحى (تقوب الشيء) انقطع عن اصله ومنه اشتقاق القوباء. ومن أمثالهم (تخلصت قائبة من قوب) أي بيضة من فرخ. واصله انحلاق الشعر عن الجلد.
(كلط) (بالكاف الفارسية) بمعنى رطن وألقى الكلام عن عواهنه ويسمي العراقيون هذا الكلام (تكليط). واذهب إلى أنه من فعل (ق ل ط) ومفاده بخل ورمى وكذلك فعل (ات ق ل ط) ومؤداه نافق ودنس. أما قلب القاف كافا فارسية عندنا فهذا أشهر من أن يذكر.
(قبت الدجاجة على البيض) وفي المجاز قبت الأم على ولدها أو قب الرجل على الأمر. في الأول بمعنى رخمت وقت الحضانة وفي الثاني سهرت وفي الثالث اهتم له. من فعل (اق ي ب) الباء مثلثة ومعناه سهر وتيقظ واهتم ورخم وحضن فترى أن الفعل الارمي يؤدي المعاني المختلفة التي يقصدها العراقيون من هذا اللفظ.(4/408)
(الكالوك) المنحرف الشكل من الحجارة ينطق به البناؤون في العراق وهو عندنا مشتق من (ق ل وق ا) وهو الأحول والاشوص.
(الكاك (بالكاف الفارسية المفخمة) أو القلق) صغار الحجارة والحصاة من (ق ل ق ا) وهي الحصاة والصفاة بعينها.
(قردح الشيء وتقردح ومقردح) بمعنى عتق ويطلق في الغالب على الأواني النحاسية والخزف والبلور وماضاهاها مما يختبر جنسها بقرعها بالأيدي أو نقرها بالأصابع ويستدل من الصوت الناشئ من ذلك على حالتها من القدم فإذا كان الصوت رائقا رنانا عرف أنها جديدة وإذا كان ذا جلبة وقرقعة عرف أنها قديمة أو مكسورة وعندنا أن هذا اللفظ مشتق من (ق ر د ح) بمعنى قفخ ولطم وصفع واجلب أو عمل عملا ذا جلبة وطقطقة خاصة.
(قروطة) من (ق ر وط ا) وهو الغضروف والعظم اللين وهي في اللغة العراقية والارمية واحدة مبنى ومعنى.
(قرفيصة) ورم أو التهاب جلدي وربما أطلق على الداحوس من (ق ر ص ي ت ا) وهو
الداحوس.
(كشف اللون ولون كاشف) أي تغير وفسد فهو متغير وفي العربية كشف عنه بمعنى رفع عنه ويجوز أن يكون كشف اللون من هذا القبيل أو أنه من الارمية (ق ش ب) (الباء مثلثة) بمعنى تغير وفسد وابيض اللون من باب التخصص ويجوز الاشتقاقان.
(قرقشة وسمع قرقشة) يقول العراقيون قرقشت فلانا فحصلت منه الشيء المقصود بمعنى أفزعته وأرهبته ويقولون سمعت قرقشة أي صوتا يشبه حفيف الأشجار أو صوت أمتعة البيت إذا تحركت. وهذا اللفظ من فعل (ق ر ق ش) الارمي ويأتي بمعان مختلفة منها صوت وحرك وهز وحطم وارهب واقلق وافزع ودغدغ، وجاء في العربية الفصحى قرش الشيء صوته والقرشة صوت نحو صوت الجوز والشيء إذا حركتهما. وربما كانت هذه اللفظة من الأوضاع السامية المتشابهة إلاَّ أنها لم تأت في العربية الفصحى بمعنى ارهب واقلق.
(راط يروط) بمعنى التوى من (ر وط) أي تمايل وتثنى وتلوى والروطة(4/409)
بمعنى القضيب من حديد وخشب من (ر وط ا) بمعنى الغصن الغض الطويل والمشحط. أما الروط أو الراط بمعنى النهر فهو تعريب رود الفارسي ومعناه النهر، والرود مأخوذ من الارمي (ر د ي ا) من فعل (ر د ا) أي جرى وسال
(ركم) (بالكاف الفارسية) السقف أي غطى عيدانه بألواح من خشب أظنه من فعل (ر ق ب) الباء هنا مثلثة. فصحف وأضحى بلسان العوام ركم. ولا يزال بعض العراقيين يقولون (رقف) أو (ركف) ومدلول الفعل الارمي سقف البيت بالخشب. وعندهم اللفظ (ق ي ب ا) الباء مثلثة بمعنى سقف البيت و (ر ق ب) الباء مثلثة بمعنى سقيفة وخشبة عريضة يسقف بها.
(مراشنة) يقول زراع العراق الماء بيننا مراشنة أي مساهمة أو مناوبة. ومما يستوقف الأنظار في هذا اللفظ مشابهته للحرف الإنكليزي مبنى ومعنى. واللفظة قديمة في العراق. والذي نراه أنه من (ر ش م ا) وهو السهم من المال فتكون المراشنة بمعنى المساهمة.
وجاء ذكر الرشن في المخصص 161: 9 في باب اقتسام الماء واستقائه. قال أبو حنيفة
الفرصة للنوبة والتفارص السقي بالنوائب وأهل السواد يقولون الرشن أهل مرو البست. أهـ
وقال في هذا المعنى ابن منظور في مادة قلد: وهم يتقالدون الماء ويتفارطون ويترقطون ويتهاجرون ويتفارصون وكذلك يترافصون أي يتناوبون.
يوسف غنيمة
إلى نابح من الأعاجم الغتم
شاتمني عبد بني مسمع ... فصنت عنه النفس والعرضا
ولم اجبه لاحتقاري له ... فمن يعض الكلب أن عضا(4/410)
فوائد لغوية
عثرات الأقلام
كل ناطق بالضاد يعرف ما (لمجلة المجمع العلمي العربية) من المقام الرفيع وما لها من الأيادي البيضاء على ترقية هذه اللغة الشريفة. وتقريظنا لها لا يزيدها شرفا كما أن سكوتنا عن ذكرها لا يحط من قدرها قيد شعرة. وهي تعقد فصلا تدرج فيه ما يوجب على أبناء عدنان من إصلاحه من الغلط الذي ينسل إليهم من بعض ضعفة الكتاب أو من المؤلفين الأعاجم. ولو لم يكن لها إلاَّ هذه المزية لكفاها شرفا وخدمة وتخليدا لاسمها.
إلاَّ أننا نرى في بعض الأحيان أنها تجزم في أمور كنا نود أن تصدر الحكم فيها بصورة غير قاطعة، بل ببعض التحفظ؛ ونحن نورد مثالا لذلك:
طاف يطوف
قالت المجلة في ص308 من هذا المجلد السادس: (ومنها (أي من عثرات الأقلام) قولهم. (وقد طاف جسده على وجه الماء) يريدون ظهر على سطح الماء بعد أن كان راسبا في قعره. وصوابه (طفا). وسمي (الرمث) طوفا لأنه ينتقل على سطح الماء من مكان إلى آخر، لا لأنه يطفو على سطحه) أهـ
قلنا هذا رأي لكن الرأي القائل بأنه طفا يطفو رأي وجيه لا يحتقر والدليل انهم قالوا في معناه: العامة. وهذه مشتقة من عام يعوم أي ماج يموج أو سبح يسبح على وجه الماء. كما أن طاف يطوف مقلوب طفا يطفو. وورود هذا القلب في اللغة قديم. قال في التاج: سميت (الطائف) لأنها طافت (ولم يقل طفت) على الماء في الطوفان. أهـ وكيف يمكن اشتقاق الطائف من طفا؛ أليس من الواضح أنه يذهب إلى أنها من طاف يطوف بالمعنى الذي أشار إليه المجمع. ولهذا كنا نود أن يقول المحفى في مكان: (وصوابه): (والأحسن) حتى تطمئن النفس بعض الاطمئنان.(4/411)
وفي معرض الكلام عن مادة طوف يقول الكاتب اسعد خليل داغر في كتابه (تذكرة الكاتب) ص77 في الرقم المعلم ب161: ويقولون (إلى أن يطوف على قبائل العرب مستجديا
الصدقات) فيعدون الفعل طاف بعلى. وفي اللغة طاف حول الشيء وبالشيء. وطوف واستطاف: دار حوله وطاف في البلاد. وطوف: جال وسار. أما تعديتهم بعلى فلم تسمع عن العرب. أهـ
قلنا: لله دره من محقق. وطاف على قبائل العرب شيء وطاف حول القبائل وبقبائل العرب شيء آخر. وطاف على قبائل العرب سمع وهو أشهر من أن يذكر وأما طاف حولها وطاف بها. فلم ينقل عن أحد.
نعم أن كلا منهما يرى في كتب اللغة لكن لا بمعنى ما يريده الكاتب الأول من قوله: طاف على قبائل العرب. أما أنه لم يسمع فيكذبه ما جاء في سورة القلم: (فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون) وآية أخرى وردت في سورة الواقعة وهي: (يطوف عليهم ولدان مخلدون) وثالثة وردت في سورة الطور: (ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون) وهناك آية رابعة وردت في سورة الإنسان وهي: (ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) وأظن أني في مندوحة عن ذكر أقوال أخرى بعد هذه الآيات.
فأين بقي تحقيق الصديق المحبوب؟ وكتابك كله يا أيها العزيز على مثل هذا الوجه من التحقيق والتدقيق والتصويب والتخطئة؛ إلى ما تشاء من الألفاظ المترادفة والمتضادة.
فويق ناقة
وقالت المجلة أيضا أما (فويق) في قولهم (مكثنا مع الأخوان فويق ناقة) فنحن لا نعتبر قولهم فويق ناقة من الأمثال، بل من الأقوال السائرة مسير الأمثال ولهذا لا نرى مانعا من اعتبار (فويق ناقة) بتصغير فواق من الغلط.
اركن
وقال المجمع (309: 6) لم يرد (اركن) رباعيا. وقد ذكر صاحب محيط المحيط (اركن) في معجمه وتبعه على (كذا) ذلك صاحب اقرب الموارد(4/412)
والمنجد. وقد راجعنا التاج واللسان والصحاح والأساس وغيرها من أمهات كتب اللغة فلم نجدهم ذكروا (اركن) أهـ
قلنا: عدم ورود هذه اللفظة في دواوين اللغة لا ينفي وجودها. إذ لغتنا أوسع من أن تضمها دفتا معجم فهي بحر لجي لا قرار له. وقد وردت في سورة هود في قراءة: ولا تركنوا إلى
الذين ظلموا. قال صاحب الكشاف (615: 1) وقرأ ابن أبي عبلة؛ ولا تركنوا على البناء للمفعول من أركنه إذا آماله. والنهي متناول للانحطاط في هواهم. . . وتأويل قوله: ولا تركنوا فإن الركون هو الميل اليسير) أهـ. وهذا نص صريح على وجوده: فلا يمكن إنكاره؛ ولكن أشفق من أن يكون المجمع اعتمد على كتاب (تذكرة الكاتب) للصديق الودود اسعد خليل داغر القائل (في ص126 وفي الرقم 337): ويقولون: (فأركن الجيش كله إلى الفرار. والصواب ركن) فكان من الوهم ما كان. وقد كنت قد نبهت الأدباء سابقا على أن تذكرة الكاتب قد أخطأت في تصويباتها اكثر مما اصمت. (يقال: أصمى الصائد الصيد: إذا رماه فقتله مكانه وهو يراه وصديقنا لم يصد ببندقية تصحيحه شيئا يذكر غلاَّ أننا نمدح غيرته على العربية).
الزردقة
ونضم إلى هذا البحث ما حققناه قبل 25 سنة من أمر الزرطقة. فهذه اللفظة وردت مصحفة بوجوه مختلفة لجهل الكتاب صحتها: فقد وردت بصورة زردقة وزرطقة كما جاء في مجلة المجمع (322: 6) ووردت بصورة زرطفة (أي بفاء منقطة بواحدة) في نسخة كشف الظنون المطبوعة في ديار الإفرنج. وهي قراءة مخطوءة بلا أدنى شك. وهكذا أوردها صاحب محيط المحيط بحر الأغلاط والأوهام نقلا عن فريتاغ مفسد لغتنا وأن لم يصرح البستاني بنقله عنه. وفريتاغ يقول وجدها بهذه الصورة في ديوان جرير وهذا الديوان ليس بيدي وقت كتابة هذه السطور لأتثبت الأمر.
وعندي أن هذه الروايات كلها غلط والصواب رزطقة أي بتقديم الراء على الزاي لكن هذه اللغة الحقيقية الصحيحة مجهولة واللغة المغلوطة هي المعروفة والشائعة وليس ذلك بغريب فإن السلف كثيرا ما جمع بين اللغتين كلما جاورت الزاي الراء(4/413)
من ذلك ناقه ضمرز وضمزر، وضمارز وضمازر (راجع المزهر 230: 1 من طبعة بولاق)؛ مزراب ومرزاب (اللغويون). ويقال سمعت رزة القوم وزرة القوم إذا سمعت أصواتهم: بتقديم الراء على الزاي (المزهر 261: 1) إلى غير هذه المثل.
وقد قال في المذكرة: رأى النبطي وقسطوس وابن العوام وكثير من الروم ضم الحيوان إلى كتب الفلاحة وسموا المجموع (زردقة) حتى اشتغل ادهم والغطريف وسومارس وارجانس
بإفراده. أهـ
فهذا كلام نفيس يدلنا على أصل الكلمة وأنها رومية (أي لاتينية لأن هذه اللغة كانت لسان أهل رومة ومنها لغة رومية) وهي عندي أي أشغال حقلية ثم خصت الكلمة بكل ما يتعلق بأشغال الحراثة علما ونظرا كانتقاء النباتات وتوطينها وخلقة النباتات والحيوانات والعناية بها وصنعها وتربية سمك البحر والنهر والبحث عن أنواع الأسمدة. والخلاصة الزردقة أو الزرطقة هي الرزطقة أي هي ما تسمى اليوم اغرونومية وباللاتينية وعليه يسمى المشتغل بها زرطقي أي كما قالوا بيطري أن يزاول البيطرة.
ولقد بلغت اليوم الزرطقة مبلغا بعيدا في التوسع في غايتها. من ذلك أن أهل هذه الصناعة أقاموا ما يسمونه (مواقف الزرطقة) وهي معاهد يعنى فيها بأنواع البحث عن جميع المسائل التي تتعلق بالزراعة والحراثة والفلاحة كتخير البزور وتربية المواشي ومعرفة الحيوانات والحشرات المضرة والنافعة وتربية دود القز والنحل ومحاربة ما يعاديها والبحث عن تركيب الأرضين واختبار(4/414)
الآلات على اختلاف أعمالها ومنافعها وفحص ما ينمي اتاء الأشجار والبحث عن الخمائر وصنع الجبن وتكثير بيض الدجاج وسائر الطير إلى غير هذه الشؤون.
والذي يعتني بترقية هذه (المواقف) أهل الحكومة أو الاقضية والبلديات وإذا أدخلت هذه الاقضية (مواقف الزردقة) تساعدها الدولة بموجب احتياجها إلى المال أو بالنظر إلى الغايات التي تقوم بالسعي إلى بلوغها أو إلى الغايات التي تتوخاها.
هذا مجمل ما يقال في هذا المعنى ومن أراد التوسع فعليه بكتب الإفرنج المصنفة في هذا الموضوع الجليل بالاسم الذي ذكرناه.
أصل الميم في الأسماء المشتقة
كثيرا ما نقول (هذا الشيء معروف، وذاك الرجل معترف بذنبه، والذنب معترف به (بالمجهول)، وفي بلادنا مدارس كثيرة. والمصحف الذي بيدك حسن) إلى غير هذه الألفاظ المشتقة التي تقاس في أبواب اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والمكان والزمان والآلة. فمن أين جاءتنا هذه الميم؟
الميم على ما تتبعته مقطوع من كلمة (من) الذي في الأسماء الموصولة الدالة على العاقل -
واصل النون راء وأبدلت منها لإنشاء صورة معنى جديد لفكر جديد. فأصل (من): (مرء) أي رجل واللاتين يقولون مر أي ويريدون به المرء كما في العربية والإنكليز يقولون (من) كما في العربية ويعنون به الرجل أو المرء. فاللغات إذا في هذا اللفظ تكاد تتشابه كلها معنى ومبنى.
ثم أن العرب ميزوا لفظ العاقل عن غير العاقل. فصيروا النون الأخيرة ألفا وخصوا لفظ (ما) بما لا يعقل من الكائنات. فيقولون مثلا: رأيت ما أحزن نفسي. ويريدون بذلك الشيء الذي أحزنها. ويقولون: رأيت من أحزن نفسي ويريدون به رجلا يعقل احزن نفسه.
فإذا علمت هذا، فالميم التي ترى في الأسماء المشتقة هي في الأصل مقطوعة من (من) للعاقل ومن (ما) لغير العاقل. فإذا قلت هذا الرجل معروف(4/415)
أي (من) يعرف (بالمجهول) وأن قلت هذا الأمر معروف فمعناه (ما) يعرف (بالمجهول).
وكذا القول في سائر المشتقات. وعليه إذا سئلت ما أصل كلمة (مكنسة) قلت: (ما) تكنس، أي الشيء الذي يكنس، أن نسبت الفعل إلى الآلة كما هو معهود، وأن أردت نسبة الفعل إلى الرجل الذي يستخدم الآلة قلت معناها (ما) يكنس بها الرجل.
وهكذا قس سائر المشتقات المبتدئة بالميم المذكورة.
أتجمع ميل على أميال أم على ميول؟
يكثر المصريون من جمع الميل (بفتح الميم بمعنى الهوى أو ما يقاربه معنى) على ميول، جريا على أن فعلا المفتوح لا يجمع إلاَّ على فعول، وما ورد منه على أفعال نادر لا يعتد به - على أن المستقري لألفاظ اللغة في المعاجم يجد مجيء فعل مجموعا على أفعال اكثر من مجيئه على فعول.
والميول بمعنى الأميال لم ترد في كلام فصيح أو مولد فصيح بخلاف الأميال. فقد قال نعمة الله بن علي بن عزام (راجع معجم الأدباء لياقوت الحموي 249: 7):
نميل مع (الأميال) وهي غرور ... ونصغي لدعواها وذلك زور
فهل للكتاب المصريين نص قديم أو مولد فصيح ورد فيه الميل مجموعا على ميول؟ فليذكروه لنا لنكون لهم من اخلص الشاكرين.
وزن فعلول المفتوح الأول
قال الجوهري عند كلامه عن اليعسوب: (الياء فيه زائدة لأنه ليس في الكلام فعلول (المفتوح الأول) غير صعفوق) أهـ ونقل هذا الكلام جميع اللغويين الذين جاؤوا بعده. وهو عندنا حديث خرافة. فقد ورد في كلامهم غير صعفوق مثل: الكرموص (عن التاج) والصندوق (على لغة) والسحنون (في رواية) والقرقوف (اللسان) والطرخون (عنه وعن القاموس) والبرشوم (يروى بضم أوله وفتحه. عن اللغويين) وهنالك غير هذه الألفاظ فليصحح كلام صاحب الصحاح ومن اتبعه.(4/416)
باب المكاتبة والمذاكرة
الجرعاء أو الجرعة
قرأنا في الزهراء الزاهرة (222: 4) ما نصه:
(خلط الكثيرون في تعيين مأخذ هذا الاسم الذي أطلقه اليونان على القسم الشرقي من بلاد نجد وسواحل الخليج الفارسي (كذا) فرأينا أن ندلي بكلمة عن بحث صغير أعددناه للطبعة الثانية من كتابنا (الفهرست) أو (معجم الخريطة التاريخية للممالك الإسلامية). ورأينا أن نعرض له في مجلة الزهراء الغراء حتى نقف على رأي الباحثين من أهل العلم والفضل قبل إثباته في المعجم.
اجمع ثقات العرب على أن:
جرعاء مالك - بالدهناء شرق (كذا) حزوى.
وأن حزوى - من جبال الدهناء تمتد من اليمامة إلى ديار تميم.
والخط - سيف البحرين وعمان. وقراه: القطيف، والفقير، وقطر، واليهفوف (كذا) (وتنسب إليه الرماح الخطية)
وجاء في دائرة المعارف الفرنسوية (كذا ولم ينسبها إلى مؤلفها) عن سترابون وغيره: عاصمة بلاد وهي أيضا فرضة بلاد التي هي سواحل بلاد العرب على الخليج الفارسي وأن هذه الفرضة سميت حوالي القرن الخامس الميلادي بالخط.
وعليه تكون:
مأخوذة من (جرعاء) أي جرعاء مالك.
فما رأي الباحثين من أفاضلنا في ذلك.
محمد أمين واصف(4/417)
قلنا: 1 - لم نعثر إلى الآن على من قال من اليونانيين أن جرعاء هي القسم الشرقي من بلاد نجد وسواحل خليج فارس وكان يجدر بالكاتب أن يذكر أسماء الذين ذهبوا إلى هذا الرأي.
2 - ليس في البحرين قرية تسمى اليهفوف قديما ولا حديثا إنما هي هفهوف (بهاءين وبدون تعريف) (راجع لغة العرب لتصحيح هذا الاسم 39: 3) والترك يذكرونها باسم هفوف وكلاهما غلط.
3 - جرعاء مالك في اليمن أي في الدهناء في شمالي حضرموت وغربي عمان وشرقي حزوى (راجع صفة جزيرة العرب للهمداني ص180 س26) فكيف تكون جرعاء التي ذكرها اليونانيون جرعاء مالك؟ - فالوهم إذا واضح.
4 - الجرعاء التي ذكرها اليونانيون هي - على ما نرى أو على ما يتبين لنا - انها الجرعاء من باب التغليب - وهي غير جرعاء العجوز وغير جرعاء مالك (راجع مجلتنا 274: 2)
5 - الجرعاء هي التي قال عنها الهمداني في صفة جزيرة العرب (ص137) (ثم رجع إلى البحرين فالاحساء منازل ودور لبني تميم، ثم لسعد من بني تميم وكانت سوقها على كثيب يسمى (الجرعاء) تتبايع عليه العرب) أهـ. وذكرها في ص164 في بيتي شعر قالهما عند دفن ابنه في بلبول:
سقى الله بلبولا وجرعاءه التي ... أقام بها ابني مصيفا ومربعا
كأن لم أذد يوما برجمة من حمى ... عدوا ولم ادفع به الضيم مدفعا
6 - جاء في معلمة لاروس الكبرى: الجرعاء أو الجرعة: مدينة قديمة في عربة القفرة على خليج فارس وتعرف اليوم بالاحساء.
7 - ذكرها بلينيوس وقال: الجرعاء جرعاوان: الواحدة في ديار العرب والثانية في بلاد مصر.
8 - ذكرها اللغوي الفرنسي في معجمه اليوناني فقال: الجرعاء مدينة من بلاد كلدة وبلدتان أخريان إحداهما في ديار مصر والأخرى في جزيرة العرب.(4/418)
9 - إذا وعيت كل ما ذكرناه هنا، ولا سيما ما ذكرناه في السنة الثانية في الصفحة 274 يتبين لك جليا أن الجرعاء هي غير جرعاء مالك وغير جرعاء العجوز بل الجرعاء من باب التغليب وهي كما قلنا مجاورة للاحساء أو للقطيف وكانت تسمى في العهد القديم (وفير) على أحد الآراء إلاَّ أنها من المؤكد كانت بجوار الاحساء الحالية وليس أبدا جرعاء
مالك التي هي في الدهناء والدهناء بعيدة كل البعد عن الاحساء.
وإتماما للفائدة نعرب للقراء ما كتبه أحد الإفرنج عن الجرعاء. قال نؤيل دي فرجر ما معناه:
(كانت تمتد غربة القفرة من اليمن إلى الفرات. ويفصلها عن الحجاز (عربة الحجرة) جبال قائمة على وادي لغور في الشرق. هذا وتخومها مضطربة قلقة؛ ربما كان منها ظهور عربة الوسطى (أي انجادها) التي لا نعرف منها إلاَّ شيئا زهيدا حتى يومنا هذا.
(وإن وضعنا في هذا التقسيم ساحل خليج فارس، على ما فعل دنفيل نرى ثم الجرعاء القديمة التي كانت قلبا نابضا عاما لمظهر دهاء تجارة القبائل الرحل، التي كانت تجتاب تلك الديار الموحشة. قال اغاثرخيد كان(4/419)
الجرعاويون قوما من أغنى الأقوام المعروفة يومئذ على الأرض ومع ذلك كنت تراهم يسكنون بلادا قفرة، غير أن مسقط بلادهم كان ينبوع ثروتهم.
(ويقول سترابون الذي تلقى هذه الأنباء عما أورده أصحاب الاسكندر بعد أن يدخل المسافر البحر الحبشي ويصعد الساحل مسافة 2400 استاديون يصل إلى الجرعاء، وهي مستعمرة للكلدان طرأوا عليها من ربوع بابل. وحول المدينة ممالح عديدة؛ ودورها مبنية من قطع ملح ضخمة، يرشها أصحابها لكي لا تشققها الشمس بحرارتها. وشغل هؤلاء الناس نقل غلات ديار العرب وافاويهها إلى سائر الأقطار قاطعين تلك القفار الموحشة.
(ويذكر ارستوبول أن أهالي الجرعاء كثيرا ما كانوا يختلفون إلى ربوع بابل. بل ربما كانوا يبلغون تفساح (هي دير الزور الحالية أو أنحاؤها) ومن هناك كانت سلعهم تنفذ إلى آسية الغربية.
(ويرى هرن أن خليج الجرعاء والمدينة المسماة بهذا الاسم كانا حيث يرى اليوم خليج القطيف، والمدينة المعروفة بالقطيف الواقعة على الساحل الغربي من خليج فارس هي بين الدرجة 26 والدرجة 27 عرضا في الشمال وجزيرتي تيلوس وارادوس هما على رأيه جزيرتا البحرين الكبريان المشهورتان بلآلئهما. والدر في بحرهما هو اليوم كثير. وتلك الفرائد هي مصدر ثروة أولئك الناس في الزمن القديم. ويقول العلامة الألماني المذكور: إن جزيرة دودان الوارد ذكرها عند العبريين هي إحدى جزيرتي البحرين، أو ربما كانت
جزيرة كاظمة، الواقعة فويقها شمالا. وبهذه الصورة تؤول ثروة تلك الديار. وهي ثروة قد ارتاب بعض مؤرخي الكتب المنزلة وغير المنزلة في صحتها ممن تكلم عن تلك الأرجاء. لا جرم أن خليج فارس كان في(4/420)
تلك الأزمنة الواغلة في القدم السبيل المفتوح للعرب في تجارتهم كلما ساروا إلى الهند عن طريق البحر.
(قلنا: فإن كان الأقدمون حاولوا أسفارا طويلة على البحار مع ما كانت عليه الملاحة من الطفولة فيجب علينا أن نتكهن انهم لم يبتعدوا كثيرا ن الشواطئ؛ إذ كانوا يجدون فيها كنا أو كنفا يتقون فيها شر العواصف وعليه كان سكان شرقي جزيرة العرب في احسن موطن ليبحروا منه إلى الهند؛ ويأتوا منها بحاصلاتها النفيسة ليبدلوها بسلع الفينيقيين. فقد ورد في سفر حزقيال: (كان ولد دودان يتاجرون ويتجهون إلى بلاد كبيرة ويبادلون أصحابها بالقرن والعاج والساسم (حزقيال 15: 27)، وعند عودتهم من تلك الأسفار النائية الخطرة كانت تجتمع قوافل دودان على سواحل جزيرة العرب القريبة من الجرعاء وتذهب إلى أرجاء بابل أو إلى ديار فينيقية البحرية مجتاحة فلوات واسعة الأطراف فلقد قال أشعيا في سفره (13: 21): بيتوا في غاب العرب؛ يا قوافل الدودانيين.
(اجل، لم يكن من الممكن للحضر أن يأووا إلى قفار بعيدة الآفاق، بل إلى رياضها التي كانت تنشئها الطبيعة في تلك الأرض الموحشة الخالية فقولك (عربة القفرة) كلمة يصدقك اسمها مسماها. والزوايا المريعة تعد على الأصابع ولا تراها إلاَّ في الندرة فتجلي ناظريك بخضرتها لتريحك عن ذلك المرأى المضجر بهيئته المتكررة وليس في تلك الفلوات ماء بل ضروب من الانبتة الشائكة)
انتهى كلام الكاتب الفرنسي: وليس لنا شيء لنزيده عليه.
حالة التمر في كليفرنية
يبلغ إتاء نخلنا في هذه السنة 800. 000 أو 900. 000 باون (والباون هو نصف كيلو) واغلب تمره من جنس (دقلة النور) من ديار المغرب الأوسط، وقد غرس منه شيء كثير في ربوعنا وهو غير حسن لأنه أن لم يعن بنخله شاص أو كاد يشيص.
أما نخل العراق فقد وافقه هواء بلادنا واستعذاها وراع فيها؛ لكن نقله إلى هنا كلفنا أثمانا باهضة.
من باسادينا (كليفرنية): بول بوبنوي(4/421)
أسئلة وأجوبة
س - ما هي الألفاظ العربية المقابلة لهذه الكلم الفرنسية؛
(1) (2) (3) (4) (5) (6) (7) (8) (9) (10) (11) (12) (13)
البصرة: ميخائيل نعوم فتح الله
ج - 1 - حطيطة. 2 - مصرف (أو بنك). 3 - ربى. 4 - مكشوف. 5 - قيد له. 6 - قيد عليه. 7 - الباقي عليه. 8 - الباقي له. 9 - حوالة على الاطلاع. 10 - صك (جك) سفتجة أو (كنبيالة). 11 - تأمين. 12 - أمَّن (بتشديد الميم). 13 - تحويل.
لفظتا أخصى وأخصائي
نسأل حضرة الأب أن يفيدنا رأيه في لفظة أخصائي التي شاع استعمالها في هذه الآونة كثيرا ولفظة أخصى التي اشتقت تلك منها. أفلا يمكن أن تكون في الأصل فعل (أخص) ثم تحرف وانتقل من مادة خص إلى مادة خصي؟
مصر: نقولا الحداد صاحب مجلة السيدات والرجال 561: 7
ج - لا جرم أن (الأخصائي منسوب إلى (الأخصاء) مصدر (أخصى) وهذه محولة عن (أخص) والسلف كثيرا ما كانت تتخذ في كلامها مثل هذا التحويل فقد قالوا: تقضى في تقضض. وقصى في قصص، وأغمي يومنا (أي دام غيمه) كما تقول أغمت السماء أي صارت ذات غيم، وأغمي الخبر وخفي مثل غم إلى غيرها وهي تعد بالعشرات وقد كتبنا ذلك في إحدى جرائد بيروت في سنة 1922 إلاَّ أن أحد الأفاضل كتب ما نصه نقضا لما جاء في القاموس وتاج العروس وغيرهما القائلة: أخصى الرجل تعلم علما واحدا (نقله الصاغاني وهو مجاز) صحيحه؛ أخصى الرجل: معل معلا واحدا؛ لا تعلم(4/422)
علما واحدا؛ فتفسير خصيت الحمار خصاء فأخصى؛ معلته معلا فمعل. فقول الفيروزابادي ومن نقل عنه؛ تعلم علما واحدا خطأ فاحش شنيع. والمراد بقوله واحدا أي خصاء لا نظير له (كذا) يعني بولغ في خصائه. وكثيرا ما فسر القاموس الغامض بما هو اغمض منه. وأما قوله (نقله الصاغاني) فإن هذا اللغوي لم يقله لأنه وصل في كتابه إلى مادة (بكم) وما زاد عليها
من إضافات الذين أتوا بعده. فأنتبه. أهـ كلام الشيخ الجليل بحرفه.
قلنا جوابا على هذا التأويل؛ هذا الكلام ظاهر التعسف لأسباب منها:
1 - أن بين تعلم علما واحدا وبين معل معلا واحدا فرقا ظاهرا معنى ومبنى.
2 - أن تأويل (واحدا) معناه (لا نظير له) تأويل لا نظير له في كلام الأدباء فضلا عن اللغويين والمحققين؛ ولا أظن أن أحدا يقبله.
3 - أوردنا عدة ألفاظ جاء فيها تخفيف المثقل وأخصى محول عن أخص وأخص وارد في اللسان والتاج. قال السيد مرتضى: ومما يستدرك عليه يقال أخصه فهو مخص به أي خاص (التاج).
4 - لو فرضنا أن الكلمة غير منقولة عن الصغاني بل عن أناس زادوا على كتابه العباب لأنه لم يتمه؛ فكيف يدفع كلام الذين أتوا من بعده وهم لغويون أيضا ولهم القدم الراسخة في لسان آبائهم وأجدادهم وقد أتقنوه وهم صغار. على أننا لا نرى رأي الشيخ في أن الصاغاني لم يذكر اللفظة بالمعنى الذي نقله عنه صاحب القاموس والتاج والاوقيانوس. فقول هؤلاء أن فعل أخصى ورد بمعنى تعلم علما واحدا نقلا عن الصاغاني؛ يفيد أن الصاغاني ذكره في كتابه الذي أتمه وهو (تكملة الصحاح) فأين رأي حضرة المعترض أن الصاغاني ذكر ذلك التأويل في (العباب) الذي لم يتمه فكل ذلك من التمحلات التي لا ينكر فسادها في نظر كل محقق.
ومع كل ذلك أننا نرى ترك هذه الكلمة احسن من التمسك بها لأسباب؛
1 - لأن الاختصاصي منسوبة إلى المصدر وليس فيه معنى الفاعلية كما لو قيل مثلا مخص وهذه قبيحة في اللسان فالواحد غير الآخر كما أن الزارع غير الزراعي والفالح غير الفلاحي والنجار غير النجاري.(4/423)
2 - إذا كان عندنا لفظتان إحداهما حسنة الصيغة والثانية قبيحتها استغني بالحسناء عن الشوهاء والحال لو قلنا: (متخصص) في مكان (أخصائي) لكانت اجمل وقعا في الآذان. ولنا هناك ألفاظ أخرى للمتخصص كالمتفرغ والحفي. قال في التاج: الحفي كغني: العالم الذي يتعلم (أي يدرس) العلم باستقصاء نقله الجوهري. وبه فسرت الآية (أي كأنك حفي عنها) أي كأنك مستقص لعلمها. أهـ
وعلى كل حال نفضل (المتخصص) على كل لفظة سواها لأن العوام والخواص يفهمونها وهي فصيحة. وإذا أريد اتخاذ لفظة من الاختصاص فليقل (صاحب اختصاص) والجمع (أهل الاختصاص أو أرباب الاختصاص) فنكون قد عبرنا عن فكرنا الواحد بكلمتين وهو مما يجب الاستغناء عنه أن أمكن. وهنا الإمكان متيسر لنا بقولنا (متخصص) وأما الاختصاصي فلا تؤدي المعنى المطلوب تأدية حسنة، كما أن المخصي والإحصائي قبيحتان على السمع. فضلا عن أن الأخصائي نسبة إلى الاخصاء المصدر وهي لا تفيد فائدة اسم الفاعل كما قلنا. وبعد هذا التصريح ليتبع الكاتب ما يطيب لذوقه، إذ أذواق الفصاحة تتفاوت في الناس تفاوت الناس في صورهم وخلقهم.
هل شمر بمعنى تمر؟
طالعت خطبة الدكتور شهبندر المنشورة على صفحات جريدة العالم العربي الغراء في عددها 844 الصادر في 16 كانون الأول من هذه السنة فوجدت صاحبها الفاضل يقول ما حرفه؛
(زرت في الأمس (كذا) المتحف العراقي (كذا) فأردت أن اسأل القيم عن بعض الأمور الأثرية. . . قلت للقيم ما تقول عن السمريين؟ (كذا) قال انهم غرباء عن الديار. وأنهم ليسوا من أصل سامي إنما يشبهون الهنود (كذا) فسألته ما اسم النخيل قديما؟ قال (شمر) (كذا ولم يقل بأي لسان من ألسنة الأقدمين) فقلت (تمر)؟ قال نعم؛)
والذي أعهده أن كلمة شمر لا تفيد معنى التمر بل معناها بين النهرين أو أرض عبادة القمر، فما رأيكم في ذلك؟
رزوق عيسى
ج - ما أرتاه بعضهم أن معنى شمر (بين النهرين) أو (أرض عبادة القمر) هو من باب الاجتهاد وليس من باب التحقيق. أما القول بأن معنى شمر هو التمر فهو من باب المزاح والمداعبة لا غير!(4/424)
باب المشارفة والانتقاد
34 - تقرير حول العراق
(بنصين عربي وإنكليزي) يحوي مباحث عن ثروة البلاد واقتصادياتها وحالة السكان الروحية والاجتماعية، مستندا إلى التقرير الرسمي المدفوع إلى وزارة مالية العراق، طبع النص العربي في المطبعة العصرية سنة 1926 في 147 ص بقطع الثمن، وطبع النص الإنكليزي في مطبعة الحكومة سنة 1926 في 56 ص بقطع الثمن أيضا، وكل من النصين مزين بخريطة زرع الرز في الشامية، لمؤلفها أحمد فهمي أفندي المدير العام للمحاسبات العمومية
لم نطالع كتابا واستفدنا منه والتذذنا به مثل هذا الكتاب. فإن المؤلف تكلم (عن الشامية في الوقت) تلك الديار التي هي مخزن الرز (التمن) في العراق وذكر كل ما عرف عنها من أحوال أرضها وأهاليها. ثم انتقل إلى حياة أهلها الاجتماعية والروحية وبعد أن وفى هذا الموضوع من الدقة جاء على ذكر ما يسميه (حق التصرف) فأحسن فيما بحث كل الإحسان، وأردف هذا المقال بما دعاه (الأسس المقترحة لتنسيق الحقوق التصرفية) وختم تأليفه هذا بالشيوخ والرؤساء. والحق يقال إننا لم نطالع تصنيفا اظهر صاحبه براعة في تصوير الحقائق وذكر الدقائق كما أظهرها أحمد فهمي بك: فلقد بين مقدرته في الإنشاء والتأليف ما جعله في مقدمة الكتاب المبدعين وتصنيفه يبقى مثالا يحتذي عليه كل من يأتي بعده في هذا الموضوع.
وليس في هذه الصفحات العربية اللذيذة إلاَّ عيب واحد كثرة الأغلاط أغلاط الإنشاء وأغلاط الطبع. مع أن في آخرها اكثر من ثلاث صفحات لتصويب ما ورد في ما تقدمها من الأوهام. فيظن القارئ أن ليس فيها غيرها.(4/425)
أما التقرير نفسه بالإنكليزية فمن احسن ما طبع.
فمن أغلاط الطبع ولم يصلح في الآخر: وفصل لانقلابات ص131 وفيها بالنبي الاعظم، وفيها المنشئة؛ والصواب الاختلافات والأعظم والمنشأة (لأنها تدل هنا على المفعولية).
وأما أغلاط التركيب في تلك الصفحة نفسها كتعريفه للسيد بقوله: الذوات الذين يتصل
نسبهم. . . وكان الأحسن أن يقال: السادة ومفردها السيد وهم الذين يتصل نسبهم. . وكقوله ورقة. . . تعطى من قبل الحكومة. واحسن منها ورقة. . . تعطيها الحكومة. وكقوله (شط: الأنهار الكبيرة جدا) واحسن منها الشط: النهر الكبير جدا. ومثله؛ شيخ هو من يترأس؛ وافصح منه الشيخ: من يترأس. وكقوله صدقات: العوائد الدينية. واضبط منه الصدقات العوائد. وكقوله: صريفة؛ البيوت. واوجه الصرائف ومفردها الصريفة البيوت. وفيها صوباش: كلمة أخذت من التركية تطلق على المأمور المنصوب من قبل الشيوخ. . والأحسن؛ الصوباش كلمة تركية الأصل تطلق على المأمور الذي يقيمه الشيوخ.
فأملنا أن ينقح الكتاب في طبعة ثانية ليكون أطيب غذاء للعقل موضوعا في انظف إناء حتى تقبل عليه النفس احسن إقبال.
35 - تكوين الصحف في العالم
يحتوي على إنشاء الصحف في أربعة أطراف العالم إجمالا، وتاريخ إنشاء الصحف العربية في القطر المصري خصوصا
بقلم قسطاكي الياس عطار الحلبي، الجزء الأول طبع
في القاهرة سنة 1936 في 86 ص بقطع الثمن.
كتاب لابد منه لكل عربي يجهل لغة من اللغات الغربية ويحب الوقوف على منزلة الصحافة وتاريخها في العالم كله.
جعل المؤلف لهذا التصنيف تمهيدا حسنا بسط فيه تاريخ الصحافة بوجه عام امتد فيه الكلام في 50 صفحة ثم عقد 17 فصلا تكلم فيها عن تعريف الصحافة(4/426)
من أقوال عظماء العالمين القديم والحديث. وذكر في الفصل الثاني تكوين الصحف في أوربة وأميركة، ومنه انتقل إلى ذكر صحف الصين. وهكذا جرى في سائر الفصول إلى أن طواها كلها على مختلف الديار؛ إلاَّ أننا لم نفهم سبب تقديم بلاد على بلاد والتبسط في صحف ربوع دون ربوع.
نعم إننا نفهم سبب إسهابه في الكلام عن صحافة تركية أما في سواها فلم ينصف في عمله. إذ أوجز في بعض الأحيان، وأطال في مواطن أخرى على غير وجه سوي.
وفي كلامه عن صحف تركية (ص96 - 154) فوائد جليلة قلما ترى في الكتب التي تتداولها الأيدي، على أن فيها آراء لا نوافقه عليها وليس هنا محل ذكرها.
وكنا نود أن تقطع بعض الأفكار بان يجعل مطلع كل فكر في مقطوعة جديدة يبتدئ سطرها الأول متنحيا عن سائر سطور الصفحة ليستريح الفكر وترتاح العين: فلقد ابتدأ في ص101 بتعداد الجرائد العربية الأولى وأطال الكلام على نفس واحد حتى وقع في ستة اوجه؛ فهذا مما يبعث السأم في صدور القراء.
وهذا الجزء الأول خال من فهرس والكتاب إذا حرم هذه المزية زهدت النفس فيه واستهجنته ولا تصبو إليه إلاَّ في بعض الاويقات حين تثور فيها خواطر الاستطلاع مهما كلفها من العناء.
وعبارة هذا التصنيف وسط بين العامي والفصيح. وأغلاط الطبع متوفرة فيه إن شاء الله تعالى إلاَّ أن الأفكار الواردة فيه مطبوعة بطابع الصدق في اغلب الأحيان ما خلا في بعض مواطن تنم عن غاية هناك وهو الهادي.(4/427)
36 - مغاور الجن
مأساة غرامية أدبية تاريخية ذات خمسة فصول بقلم مارون بك عبود، مطابع قوزما - بيروت ودمشق - 1926 في 99ص بقطع 12.
أهدى المؤلف هذه الرواية (إلى سعادة الزعيم والمحسن الكبير عبد الكاظم بك الشمخاني نائب الأمة العراقية في البرلمان) وقد افتتح الكتاب بقصيدة سماها عذراء الشام وهي مرفوعة إلى النائب الموما إليه.
وقد طالعنا بضع صفحات من هذه الرواية فلم نستحسن عبارتها ولا خطتها ولا ما ورد فيها من الأبيات إذ رأينا التكلف ظاهرا في كل سطر من سطورها ويبدو لنا أنها معربة على ما يستروح من أعلامها وتحبيذها للمنكرات. فلقد قال بريفارا عن نفسه وهو أول كلام يصدر من فمه ولأول مرة يسمعه الناس عند انكشاف الستار ما هذا حرفه: (لقد قتلت الدوق كارلوس ولابد من أن ألحق به ابنه كميل واتبع بهما الدوق أمير البلاد فأزوج ابنه جان ماريا بابنتي لأب وأزف فرجيني حبيبة كميل إلى ولدي فرنسوا فتصبح السلطة بيدي. . .)
فنحن لا نشوق الناس في مطالعة أو سماع مثل هذه الأقوال والآراء ونفضل عليها
الروايات العربية السدى واللحمة الرامية إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الفضائل ولا تذكر المساوئ إلاَّ لتصورها بصور تكرهها للنفس وتقبحها في نظر السامعين ومسامع الحاضرين.
37 - كتاب تعليم العود
مؤسس على المبادئ العلمية والاصطلاحات الفنية والقواعد العملية، تأليف الأستاذ اسكندر شلفون، صاحب مجلة روضة البلابل في مصر ورئيس المعهد الموسيقي المصري، طبع في مصر القاهرة بقطع الربع في 20ص.
شهرة الأستاذ اسكندر شلفون اعظم من أن تذكر. وهو مع شهرته بالضرب على العود معروف بأدبه الجم وفصاحته الساحرة. وقد ألف هذا الكتاب وبدأه(4/428)
بكلمة وجهها إلى أبناء زلزل ومعبد بل إلى كل محب للأنغام ليقول لهم ما يعانيه من النصب في مزاولة فن لا يدر على صاحبه إخلاف الرزق ومع كل هذا تراه يدأب ليل نهار لينشر مجلته البديعة (روضة البلابل) الحافلة بالأنغام والأشعار المكتوبة كتابتين: كتابة عربية وكتابة فنية راكبة الخطوط المعروفة لدى أصحاب الفن.
وما من فن يرقي الذوق ويلطفه معا مثل الموسيقى، ولا سيما الضرب على العود. وفي بغداد اليوم نهضة جليلة لإتقان العزف على هذه الآلة الناطقة.
وفي هذا الكتاب صورة العود مع جميع الألفاظ الخاصة بكل قسم من أقسامه مع شرحها شرحا كافيا لحفظها فنحث أرباب الصناعة الزلزلية على اقتنائه.
38 - بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب
2 - مزايا هذه الطبعة تفوق الطبعة الأولى بكثير:
أولا - لأن السيد محمد بهجة الأثري الكاتب المتفنن هو خريج الشيخ العلامة ومن اعز أبنائه في العلم وكثيرا ما كان يفتخر به وبسعة معرفته ويقدمه على سائر التلاميذ الذين قرأوا عليه. فلقد ورث مكارم أخلاق معلمه وآدابه المتينة ونفسه العالي وآراءه المصلحة المتسعة؛ بل وحمله التشبه بأستاذه إلى أنه أتقن الخط على الطراز الآلوسي، حتى أن من يرى وشي التلميذ يخاله من صنع يدي الأستاذ نفسه ويصح فيه قول القائل: (حضار
والوزن محلفان).
ثانيا - لأن الطبع الأول كان قد شوه من محاسنه شيئا جما؛ أما هذا الطبع فقد أعاد كل أمر إلى نصابه السابق الوضع.
ثالثا - خدم التلميذ نص الأستاذ خدمة لا تنكر فإنه أوضح معمياته وجلى مبانيه وصحح ما أفسده النساخ والكتّاب فجاء هذا المصنف مما تزدان به الخزائن ويفاخر به أولو العلم.
رابعا - تولى طبعه رجل عرف قدر هذا السفر فأبرزه بحلة سنية أي بحرف بديع السبك مضبوط الشكل في المزالق على كاغد حسن؛ وكل مجلد مختوم بفهرس(4/429)
مطول يحوي ما ورد فيه من الأعلام على اختلاف أنواعها يتقدمه فهرس أول هو فهرس المحتويات؛ مما جعل مجتني هذه الشجرة على حبل الذراع.
ويحق لمن سهر الليالي وكد في إخراجه بتلك الصورة الحسناء أن نبين فضله بما ادخله من الإصلاح والإتقان ومبلغ التجويد في ما أتاه؛
انظر حرسك الله إلى ما قاله في حواشي الجلد الأول في الصفحة 25 فإنه بأدلة ناصعة أن القصة المنسوبة إلى الخنساء في نقدها شعر نابغة ذبيان هي غير صحيحة النسب إليها؛ إنما القصة جرت بين النابغة المذكور وحسان بن ثابت.
انتقل من هذه الحاشية إلى حاشية أخرى ذكرت في ص105 فإنه اظهر أن ما نسب إلى حسان بن ثابت هو للحصين بن الحمام بن ربيعة المري من شعراء الجاهلية وفرسانها المذكورين. فمعرفة عزو كل شعر إلى صاحبه يدل على ثبات قدم خريج الآلوسي في معرفة محاسن الشعر ومنزلته من قائله وسامعه وعهده وهذا أمر لا يتيسر لكل أحد أن يكون من جهابذته.
ولو كان في الكتاب هذا القليل من التحقيق لقلنا؛ إن المصحح كان واقفا على ما جرى لحسان بن ثابت ولما يتعلق بسيرته وترجمته فقط؛ لكن الحق يشهد بأنه مطلع على عيون الشعر وقائليه. ولو أردنا أن نذكر ما في كل حاشية من سعة الدراية لما اكتفينا بمائتي صفحة لنعدد فيها مبتكراته على أنه ما لا يدرك كله لا يترك جله؛ فقد جاء مثلا في حاشية ص122 بيت لم يهتد الشيخ المؤلف إلى قائله. أما تلميذه المحقق فقد نقر في الدواوين ومجاميع الشعر حتى عرف قائله أي المعقر البارقي وعرف اليوم الذي قيلت فيه القصيدة
التي منها ذلك البيت المستشهد به.
ومثل هذا التحقيق ترى في الحاشية الأولى من ص145 على أن العلماء لا يرضون برأي الكاتب ولا بمذهب المؤلف وكلاهما يقول أن أول من وضع الخط العربي هو مرامر بن مرة أو مروة وهو رأي الأقدمين من الكتبة. وفساد هذا الرأي ظاهر من قوله أن كلمات أبجد هي أسماء ثمانية أولاد مرامر على ما زعموا وعلى من يريد أن يتثبت صدق الرواية أن يراجع المعلمة الإسلامية لجماعة المستشرقين في مادة (عربة) في فصل: 5. الخط العربي ص387 من الترجمة الفرنسية.(4/430)
وبعد هذا اوجه نظرك إلى ما كتب التلميذ الوفي في الحاشية الأولى من ص 341 فإنه رد خرافة زرقاء اليمامة احسن رد، مما يدلك على أن عقل المحشي ليس من عقول أولئك الشيوخ العميان بصرا وبصيرة، بل ممن يزن الحقائق بمعيار النقد. وفي هذا الجزء الأول من هذا السفر الثمين غير هذه الملاحظات والإشارات وكل منا يراها في مواطنها إذا ما تصفحه عن تدبر وتفكر؛ فلنقف عند هذا الحد منه.
لننتقل الآن إلى الجزء الثاني وحسناته، فإنك تراها لا تقل عن مثلها في صنوه الأول. وما تكاد تصل إلى الصفحة 5 منه إلاَّ وتتذكر ما يروى عن الأقدمين وهو قولهم: (أفلاطون صديقي واعظم منه صداقة الحقيقة) وحضرة السيد محمد بهجة يكاد ينطق بمثل هذا القول عند كل سطر تخطه أنامله. على أن من الناس من يتخذ هذه الحكمة دليلا له في أموره؛ لكن إذا أراد أن يضرب صديقه ضربة اتخذ لها قفازا لينا ناعما ليبلغ إلى أمنيته من غير أذى مادي، ومنهم من يتخذ كفا من حديد فليلطم صاحبه ويحطمه فلا ينال منه الإصلاح المبتغى إلاَّ كرها، أن بقي حيا وإلاَّ أورده حياض الموت. وهذا ما يفعله صديقنا الفاضل فإنه أورد في حواشي ص5 من الأدلة ما يسكت كل معارض لكلامه أو رأيه. بخصوص البغايا في بلاد العرب كان شيخنا الآلوسي يذهب إلى وجودهن فيها وقد اعتمد في كلامه هذا على رواية ابن الكلبي وغيره. أما التلميذ فلا يقبل بهذا الرأي بل يفضل عليه رواية الكشمهيني أي أن البغاء لم يكن في الحرائر بل في الإماء. وهو رأي وجيه؛ إذ انك لا تقول حرة عن المرأة إلاَّ تتصور أنها طاهرة الذيل؛ أما الأمة فقد تكون نقية العرض وقد لا تكون وهذا هو موضوع الجدل والخلاف بين التلميذ ومعلمه.
ومما نسترعي له الأنظار أن السيد الناقد لا يرى رأي من يقيد نفسه بقيود سيبويه وسائر الأعاجم الذين أوثقوا اللسان المبين في وثق تأباها نفوسهم الحرة افتح مثلا ص49 من هذا الجزء وقف على الحاشية 2 فإنك تراه نارا آكلة لمن يحاول أن يكثر من الأغلال والسلاسل في هذه اللغة وأصحابها ولهذا تراه كثيرا(4/431)
ما يستشهد بصاحب المصباح العربي الصميم ليرد مزاعم من لم يكن في عرقه ذاك الدم المحض العدناني، والتحقيق فيه جار عما هو من قبيل طالق وطالقة.
كثيرا ما نسب المؤلف أمورا لم يقل بها اغلب الرواة والكتبة، أما المحرر فقد ذهب إلى ما خالف فيه أستاذه، راجع مثلا ما جاء في الحاشية 2 من ص5 والحاشية 1 من ص52 والحاشية 4 من ص117 والحاشية 1 من ص179 والحاشية 2 من ص235 والحاشية 1 من ص314
وكل مرة تفرص المحشي فرصة ليحمل على أصحاب بعض أهل البدع والخرافات فإننا نراه لا يغادرها إلاَّ ينزل عليهم كالصاعقة المهلكة، ولو خفف من عبارته لكان اجمل به واحلم. فانظر رعاك الله ما قال في حاشية ص320 فإنه يحمل على بعض الحشوية حملا يكاد يحرقهم لو لم يكن كلامه حروفا مخطوطة على ورق وإلاَّ لو انقلبت كلمه نارا متقدة لما أبقت إنسا ولا جنا.
وفي الحاشية 1 من ص322 يرى المحقق أن من العرب من كان يحرق الناس إذا ما رأوا فيهم ما يجلب العار على أهل البيت. وزعم بعض الجهلة أن المسلمين لم يأتوا مثل هذه الأفعال المطهرة للآداب، زعم لا سند له يكذبه التاريخ وأولوا التحقيق.
لا يمكننا أن نذكر كل ما في هذا الجزء من المنافع والشروح والإفادات إذ نشاهدها في كل صفحة من صفحاته، والمقام لا يجيز لنا الإسهاب في هذا المعنى فلنتركه الآن لنقول كلمتنا عن الجزء الثالث وما فيه من التحقيقات في جزء آت.
39 - الأخلاق
جريدة أدبية علمية تصدر في الأسبوع مرة موقتا
برز العدد الأول من هذه الصحيفة نهار الجمعة 18 جمادى الآخرة 345هـ أو 4 كانون الأول سنة 1926 صاحب امتيازها عبد الرحمن البناء ومديرها المسؤول المحامي محمد
الهاشمي. ومن أهم مراميها السعي وراء إصلاح الأخلاق وهو من اشرف المساعي فنتمنى لها النجاح والعمر المديد، ونحن نخشى أن لا تعيش طويلا لأن غايتها من أسمى الغايات والبلاد لم تتهيأ بعد لمثلها.(4/432)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - السيد أحمد الفخري
توفي في الموصل مساء 29 ت2 السيد احمد الفخري عن 75 عاما؛ أثر نازلة نزلت عليه. وكان عضوا في مجلس الأعيان ووسد في حياته مناصب عدة في عهد آل عثمان ثم في أيام الاحتلال فعهد الحكومة الحالية العراقية.
2 - الحكم على قاتل الطيار اليوت
جرت في محكمة الجزاء في الناصرية محاكمة (نجم الفهد السعدون) المتهم بقتل المستر (اليوت) مطير طيارة (السر ألن كوبهام) بإطلاق النار على الطيارة حين تحليقها في جو طريقها إلى البصرة. فوجدت المحكمة أن المتهم مذنب بارتكاب القتل من غير سابق عمل من جنسه؛ فقضت عليه بالسجن الشاق مدة خمس سنوات.
3 - ناجي باشا السويدي
انعم ذو السمو الملكي الأمير عبد الله صاحب شرقي الأردن على السري ناجي بك السويدي بلقب (باشا) في أواخر أيلول ثم سمح صاحب الجلالة مولانا الملك المعظم فوافق على أن يستعمل صاحب المعالي ناجي باشا السويدي وزير العدلية رتبة (الباشوية الملكية) المذكورة؛ فنمحضه التهاني والتبريكات.
ومما يجدر بتدوينه هو أن لقب (الباشا) تركي فجاد به أمير عربي على سري عربي عباسي المحتد ساكن ديارا عربية.
4 - تنوير الكرخ بالكهربية
تجّد أمانة العاصمة لإنارة الكرخ بالكهربية وقد نصبت العمد لحمل الأسلاك المتينة على طول شارع (الجعيفر) وباشرت أقامتها في كل من شارعي العلاوي وعلاوي الحلة وفي الطريق التي تصل علاوي الحلة بتمثال مود المعروفة ب (دربونة الدوب) فإذا تم ذلك يصبح طريق رأس الجسر القديم إلى محطة السكة الحديدية الغربية منارا بهذا الضوء
البديع.(4/433)
5 - تنوير شارع البريد
قررت أمانة العاصمة مد أسلاك الكهربائية لتنوير الشارع الذي يصل شارع السراي بالشارع الجديد مارا بدائرة البريد الأم والمدرسة الثانوية.
6 - درج متينة من المجمود (الكنكريت)
بنت أمانة العاصمة درجا في أسفل شريعة مدرسة الصنائع ذهبت بها إلى أعلاها واتخذتها من المجمود وكذلك فعلت على جانبي دجلة عند الجسر القديم.
7 - سيارة جديدة للإطفاء
وصلت سيارة جديدة للإطفاء في أوائل ت2 وقد تسلمتها دائرة الإطفاء وهي كبيرة متينة جلبت من معامل (دنيس) وقوة محركها يعادل 35 حصانا وقد كلفت أمانة العاصمة ثمانية عشر ألف ربية ونصبت في 9 من الشهر المذكور وجربت فكانت من احسن ما جاء من جنسها.
8 - عودة المعتمد السامي
عاد إلى العاصمة المعتمد السامي من أوربة في أول كانون الأول.
9 - دخل وخرج أمانة العاصمة في مدة 6 سنوات
ذكرت جريدة العراق أن الدخل والخرج كانا على الوجه الآتي: والحساب بالربيات والأنات:
السنة الدخلالخرج
1921 - 19224196918831869754
1922 - 19234204751500 2007616
1923 - 192441704025014 1666589
1924 - 19250118897106 1111270
1925 - 19261118438805 1002046
1926 - 19270118816300 1152753
إلاَّ أن حساب هذه السنة هو من باب التخمين.
10 - شارع العزيزية في الموصل
باشرت البلدية في أواخر ت2 تملك الدور المنوي هدمها لفتح (شارع العزيزية) بعد دفع أثمانها.(4/434)
11 - مستشفى حيوانات في الموصل
أخذت البلدية تهيئ المعدات لإنشاء مستشفى للحيوانات في خان البلدية المسمى (خان السينما) في باب الطوب.
12 - تعمير مرقد الشيخ أحمد الرفاعي
الشيخ أحمد الرفاعي مدفون في أرض (أم عبيدة) المجاورة لمركز لواء العمارة. وكان على هذا المرقد قبة يحيط بها جامع كبير وغرف لسكنى الزوار والخدم، وكان قد بنى الجامع والمرقد في المرة الأخيرة من ريع (الأملاك السنية) وكان ينفق على أثاثه من الريع المذكور قبل الحرب العظمى.
ولما أصبحت تلك الأراضي ميدانا للحرب وتقهقرت جيوش العثمانيين اغتنمت العشائر المجاورة الفرصة فنهبت المرقد وما فيه حتى الأبواب والنوافذ وبقي الجامع مهجورا ينعب فيه بوم الخراب ويتكوم فيه التراب الذي تسفيه الرياح.
فقام السيد إبراهيم الراوي شيخ الطريقة الرفاعية في العراق وجمع من أرباب الدين والحمية مبلغا كافيا من النقود وشيد المرقد والجامع فأعاد إليهما رونقهما السابق.
13 - عطلة مدرسة العوينة
سرح طلبة مدرسة العوينة في بغداد في أوائل شهر ت2 للمياه الآسنة التي أحاطت بها إذ صيرت تلك المدرسة جزيرة صغيرة في بحر نتن.
14 - مغارز الجراد
لاحظ أولو الشأن أن الجراد غرز في ناحيتي الشورة والشرقاط من قضاء الموصل، فقاموا
له وقعدوا. ومن القرى التي كثر فيها هذا الضيف الثقيل (منيرة) و (صف التوث) والشائع عن أهل الشرقاط انهم أصحاب همة قعساء للزراعة ولا سيما أهالي قرى (البعاجة) و (الشرقات) و (القلعة).
ومن الأرضين التي يظن فيها سرء الجراد: (تلول عسكر) وقرى (المسحق) و (هرارة) و (نصف تل) و (أرجل الحمر) و (تلول ناصر).
وفوق هذا البلاء العظيم اشتداد البرداء في قرية (صف التوث) فإن أطفالها المولودين في هذه السنة ماتوا عن آخرهم. كما أن الرمد سرى سريانا غريبا في سكان قرية (السلطان عبد الله) فعسى أن تفرج هذه البلايا عن هؤلاء المساكين في وقت قريب.(4/435)
15 - من الوبر إلى المدر
أخذت طائفة كبيرة من عشائر شمر والصائح بزرع الأراضي المجاورة لنهر (العظيم) قرب سامراء وأراضي (العيث) وقد طلبوا إلى الحكومة أن تجيز لهم زراعة تلك الأرضين فأذنت لهم وساعدتهم.
قلنا: وانتقال أهل الوبر إلى المدر هو الامتدار وهو أول درجة من التحضر قال في اللسان: (والعرب تسمي القرية المبنية بالطين واللبن: المدرة وكذلك المدينة الضخمة يقال لها المدرة) أهـ. ولا جرم أن الكلام هنا عن القرى والمدن التي تبنى بالمدر وهي مدن الآخذين بالتحضر، وهذه العيشة بين الوبر والمدر أو أن شئت فقل: بين المدر والحضر هي ما يسميه الإفرنج (نصف التحضر - فيكون انتقالهم بعد ذلك إلى الحضارة التامة أهون واسهل فعسى أن تسعى حكومتنا إلى إمالة سائر أهل البادية إلى الامتدار ثم إلى التحضر.
16 - معاقبة الغزاة بقرب الرطبة
إن الغزاة الذين نهبوا (الجهرة) وسلبوا من أهلها اكثر من ألف بعير لم تهنأ سرقتهم وذلك لأن الطيارات التي أخذت تنفض البادية وتساعدها على عملها الطيارات المحلقة من فوقها في 20 تشرين الأول رأى أصحابها بعضا من الغزاة فأصلتهم نارا حامية في جنوبي آبار الرطبة وألحقت بهم عدة خسائر وقبضت على مائة من الاباعر المنهوبة ولابد من أن تتبع من بقي منهم.
17 - الباخرة مجيدية
بينما كانت الباخرة مجيدية تصعد دجلة خارجة من البصرة طالبة بغداد اصطدمت ببقايا إحدى البواخر الثلاث التي غرقت في زمن الحرب الكبرى بالقرب من الشيخ سعد على بعد 28 ميلا من جنوبي كوت الإمارة فخرقتها فدخل الماء إلى انبارها فلم يتمكن ربانها من تسييرها فأضطر فصل الجنيبتين (الدوبتين) عنها ومال بها إلى الشاطئ.
وكان في بعض شحن الباخرة المذكورة سكر فتضرر جانب عظيم منه. وكانت تلك السفرة الثمانين بعد الثلثمائة من عهد إنشائها.(4/436)
18 - الأخوان وابن سعود
تملك ابن سعود على الحجاز وترك نجد وسكانها في حالة الإهمال فأحرج صدور المقدمين بين الأخوان (أي الوهابيين) فإن زعيمهم الكبير فيصل الدويش وزميله سلطان ابن حمبد ينظران شزرا إلى ابن سعود لأنه أخذ ينظم له جيشا على الأصول المعروفة في هذا العصر، والزعيمان يتصوران أن ابن سعود يحاول ضرب الأخوان ضربة قاضية، ولهذا اجتمع الزعيمان برجال آخرين من أصحاب النفوذ من الأخوان وعقدوا مؤتمرا في الارطاوية وكانت الرئاسة فيه لفيصل الدويش. وبقيت مواضع ذلك المجتمع سرا مكتوما على أن بعضهم تنسم الأخبار فعرف أن بعض الحديث كان عن هذه الأمور:
1 - يسأل الأخوان السلطان ابن سعود عن أهل العراق والكويت ليعرفوا أهم أعداء أم أصدقاء، فإن كانوا أعداء فيطلبون منه أن يحاربوهم، وأن لم يكونوا أعداء فيطلبون الاختلاط بهم ومسابلتهم.
2 - إن الأخوان لاحظوا أن ابن سعود حاد عن الشريعة بعد أخذ الحجاز ولهذا قرروا أن لا يقبلوا منه صلة أو هبة ما لم يعرفوا منه أيجري على الشريعة أم يبقى سائرا سادرا في وجهه. هذا بعض ما شاع عن أسرار ذلك المجتمع.
وعلى كل حال أن فيصل الدويش يحاول أن ينشئ حزازات في صدور الأخوان ليحملهم على ابن سعود ويفهمهم أنه حاد عن منهج الأخوان متبعا مطامعه وأغراضه الشخصية إذ ترك الأخوان بلا مال ولا عمل، ومنعهم عن الغزو والنهب، مشيرا عليهم بالصوم والصلاة
لا غير وهذا كله لا يلهي الأخوان ولا يسوقهم إلى الإمعان في البلاد المجاورة لهم.
19 - الدكتور الشهبندر
قدم العاصمة زعيم الثورة السورية الدكتور عبد الرحمان الشهبندر في العقد الأول من شهر كانون الأول ومعه مظهر البكري وشاكر العاصي. وقدم إلينا أيضاً وفد سوري لجمع الإعانة لمنكوبي القطر الشامي. وفي الوفد حسن الحكيم ومحمد الشريقي وعبد اللطيف العسلي.
وقد أقيمت لهم عدة حفلات اظهر فيها العراقيون ما لهم من الشواعر في مشاطرتهم إخوانهم مصائبهم وأحزانهم.(4/437)
20 - قنصل دولة إيران
عين صديقنا المحبوب الميرزا حسن خان بديع قنصلا عاما (جنرالا) لدولة إيران في العاصمة، فوصلها في العقد الأول من شهر كانون الأول.
21 - ناحية بازيان
ألحقت ناحية بازيان التابعة للواء كركوك بلواء السليمانية ثانية منذ أول كانون الأول من هذه السنة.
22 - لأهلاك الجراد
أرصدت الحكومة 9264 ربية و13 آنة لأتلاف الجراد في لواء كركوك وقد وافقت على شراء كل كيلو من بيض الجراد في ذلك اللواء بثلاث آنات وأوصت المأمورين الخصوصيين بأن يبثوا هذه الفكرة بين ظهراني الجمهور لأتلاف ذلك الضيف الثقيل بكل الوسائل.
23 - دفء شتاءنا ونتيجته
كان متوسط الحر في أيام كانون الأول يتردد بين 8 درجات و7 مئوية في السنين السابقة وأما في هذه السنة فكان يتردد بين 14 و16 درجة. وهذا الدفء مع كثرة الأمطار انتج الصحراء كلا بل السطوح المفروشة بالطاباق وهو أمر لم يشهد مثله شيوخ الحاضرة، ومن
غريب الأمر أن الخضراوات التي كانت تموت عند مقتبل برد الشتاء وهو المسمى (أبو جويريد) (أي البرد الذي يجرد الأشجار من أوراقها) لم يكن ذا أثر على الانبتة ولهذا فإننا نرى الخيار والباذنجان والبامياء واللوبياء والفاصولياء لم تنقطع إلى يومنا هذا إلاَّ أن هذا الدفء انقلب بردا قارسا في الأسبوع الأخير من الشهر.
واغرب من هذا كله أن هذا الهواء المعتدل انتج بعض الغنم وفقس سرء الجراد في أنحاء خليج فارس كالكويت والزبير وما جاورهما.
24 - الولادات والوفيات في بغداد
بلغ مجموع الولادات في بغداد في شهر أيلول من هذه السنة 294 منها 151 ذكرا و143 أنثى.
وبلغ عدد الوفيات في الأطفال في الشهر المذكور 392 كان الذكور فيها 208 والإناث 184.(4/438)
العدد 42 - بتاريخ: 01 - 02 - 1927
الشاعر
لا أريد الناي أني ... حامل في الصدر نايا
عازفاً أنا فآناً ... بالأماني والشكايا
البلايا أنطقته ... سامح الله البلايا
سيئ الحال ولكن ... حسنت منه النوايا
معجز تهيجه ك ... ل المغنين سِوَايا
أدركت ظاهره الن ... اس وأدركت الخقايا
حافظاً كل الذي ... مرَّ عليه كالمرَايا
حجرَ الهمَّ على ... أنفاسه إلاَّ بقايا
أفلتت في نبراتٍ ... شائعاتٍ في البرايا
ترقص الفتيان أن ... غنيت فيه والفتايا(4/439)
هو وردي في صباحي ... وصلاتي في مسايا
رغم نفسي هاجسات النف ... س تبدو في غنايا
رنة المعول في الح ... فرة صوت للمنايا
كومة للرمل أم ... جمجمة طارت شظايا
حمل الناس سكونا ... وجلالا في الحنايا
شاعراً أدركه الم ... وت غريبا في الزوايا
سير الأفق بعين ... أدركت منه الخبايا
فانبرى يوحي إلى النا ... سِ من الأسرارِ آيا
ثم اغفاها وفي النف ... س ميول ونوايا
قال لما لقنوه ... أنا لا املك رأيا
لست ادري ما أمامي ... لست ادري ما ورايا
لا أرى من شيعوني ... منكم إلاَّ مطايا
رجعت إذ لم يجد ... سائقها للسير غايا
حزن الشيخ ولكن ... ضحكت منه الصبايا
النجف: محمد مهدي الجواهري(4/440)
أصل كلمة العراق ومعناها
1 - تمهيد
تلقيت من البريد رسائلك، كما تلقيت بفرح لا يوصف ولذة لا مثيل لها أجزاء لغة العرب. وأهنئك ببعثك أياها. قابل الفرق بين ديار العراق وديار فارس: في طهران علماء وأدباء وفضلاء أوفر عددا مما من أمثالهم في وادي الفراتين، ومع ذلك لا تجد في هذه الربوع ما يماثل مجلتك.
وقد سألتني أن أعيد إليك ما كنت قد كتبته إليك سابقا بخصوص أصل كلمة العراق ومعناها. ويسوءني أن أقول لك إن الكتب اللازمة للاستشهاد بها ليست معي في ديار الغربة بل أبقيتها في موطني برلين. على أن ما لا يدرك كله لا يترك جله. وعلى كل حال ما اذكره لك الآن هو من حفظي ولهذا اسرد لك ما أظنه أنه المهم من أمر البحث.
2 - أركان البحث
الحرف (ق) (القاف) الذي يذيل بعض الكلم العربية المنتقلة إليها من الفارسية قد ينوب عنه (ج) (الجيم) في بعض الأحيان. وفي البهلوية لا تختم الألفاظ بحرف علة بل بالكاف (ك) وكان يتلفظ بها في عهد الفتوحات العربية كما يتلفظ بالكاف التركية المعروفة بصاغر كاف في عهدنا. وفي مثل هذه الحالة كان ينطق بها جيما وفي بعض الأحيان كان يتلفظ بها كالحرف الإفرنجي وفي مثل هذه الحالة كانت تحول إلى قاف عربية.
في الفارسية القديمة كما في اللغة البهلوية كلمتان: (ابريك) (بالياء المثلثة الفارسية أي أعلى) و (اذريك) (أي أدنى) وكان أبناء العصر الساساني يلفظون الكلمة الأخيرة هكذا (ايريك) (بكاف فارسية في الآخر تشبه الجيم المصرية) ثم دخلت الكلمة في مصطلحات أسماء البلدان فكان يقال مثلا عن ديار نيشابور (ابرشهر) أي البلاد العليا. ووجد في بعض النصوص الصغدية التي عرفت في هذه الأزمان كلمة تقابلها. ولعل الكلمة اسم مكسوع بحرفين وهما (اك) (والكاف فيها فارسية) اللذان يقابلهما في الفارسية الحديثة الألف في الآخر(4/441)
فيقولون في كرم: كرما (والكاف في كليهما فارسية) وفي سرد: سردا - وتلك الكلمة
المقابلة ابريك هي ايراك ومعناها البلاد السفلى؛ وهي تعني (الجنوب) في النص الذي وجد.
والآن بقيت مسألة وهي: ما هي البلاد التي أطلق عليها اسم (الجنوب) وهي تسمى على مألوف مصطلحهم بكلمة (نيمروز) في الدولة الساسانية؟
الظاهر إن خوزستان وميشان كانتا دائما من طائفة البلاد المعروفة (بالجنوب) إحدى الفاذوسفانات أو السبهفتات الراجعة إلى الدولة. والفاذوسفان نقل إلى العربية بصورة اسبهبذ أو كما قال صاحب القاموس والعباب وتبعهما صاحب التاج اصبهبذ بالصاد وصرحوا جميعا مع الأزهري أن أصل الصاد سين في الفارسية.
وعليه فإذا كان لفظ (ايراك) عنى الجنوب أو البلاد السفلى وكانت أنحاء واسط إلى خليج فارس عائدة إلى هذه الطائفة من ديار الدولة الساسانية، لم يبق شك في أن (العراق) هو معرب (ايراك) وفي مفاتيح العلوم وتاريخ حمزة الاصبهاني؛ إيران؛ العراق ولا جرم أنها غلط والصواب ايراك (بالكاف الفارسية) لكنهم لم يعرفوا معنى ايراك وألفوا لفظة (إيران) انسوا إلى ما ألفوه فصحفوا ايراك بإيران ومثل هذا التصحيف أو هذا الإبدال ما لا يعد ولا يحد، كما أن إبدال الهمزة من العين أمر شائع لا يجهله أحد. وأظن أن ليس في هذا التأويل أدنى تكلف أو تعسف. وليس بيدي الآن الكتب اللازمة لأبسط لك هذه الحقيقة بسطا شافيا بجميع التفاصيل والشواهد.
وجدت (ايراكستان) بمعنى (العراق) في (الويدانداد) البهلوي في أخبار جمشيد وهي أخبار تذكرنا بأخبار نوح ودونك معناها:
(اخبر جمشيد أن الطوفان وشيك الوقوع، فأحتاط لحفظ جميع الحيوانات ما عدا تلك التي تلجأ إلى أعالي الجبال في ديار. . . التي لا طمغ في ظهورها. . . وفي السهول الواسعة الأكناف.)
هذا هو على وجه التقريب نص (الابستا) والشرح البهلوي المعلق على السفر المذكور يؤول (أعالي الجبال) بجبال هندوكوش ويؤول (ديار. . .) بأصفهان (ولعل ذلك لأن اصفهان عبارة عن واد تحيط به الجبال) ومما يفيد القارئ تأويل السهول الواسعة الاكناف بكلمة. . . . (هنا كلمة كتبها الأستاذ باللغة(4/442)
البهلوية وليس لنا حروف لتصويرها ل. ع. ثم
قال:) وهي كلمة لم يتمكن أحد من قراءتها. وأبين قراءة وأسهلها هي (ايرنستان) وهو اسم كورة واقعة بين فيروزاباد وبين خليج فارس. وهي من الديار التي فيها جبال اكثر من سائر الكور وهي عزيزة المنال. والحال من ايسر الأمور بل من أوجب الأمور أن تقرأ تلك الكلمة في ذلك الموضع (ايراكستان) (بالكاف الفارسية) وليس ايراكستان إلاَّ العراق.
اجل إن شرح الويدانداد ليس قديما جدا، إلاَّ أنه سند بيدنا وحجة، ومن حفظ حجة على من لن يحفظ. وقد كشفت هذا السند بنفسي استدلالا على أن ايراك الفهلوية (والكاف في ايراك فارسية) هي العراق.
هذا الذي بقي في حفظي من أمر هذه المسألة. وحينما أتوفق لوضع يدي على كتبي أوافيك بما يكون دعامة لهذه الحقيقة.
طهران: أرنست هرتسفلد
(لغة العرب) إننا نشكر حضرة الأستاذ الدكتور العلامة شكرا جزيلا ولا يمكننا إلاَّ أن نوافق على مقاله، ومن غريب أمره أن نتيجة بحثه تشبه نتيجة بحثنا أي أن العراق معناه البلاد المنخفضة أو المعرضة للغرق. وعلمه فوق كل ذي علم.
الدرر الكامنة
كتاب الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة هو لشهاب الدين أبي الفضل أحمد ابن علي المشهور بابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ (1448 م) وهو كتاب جليل. ولقد عنيت به اشد العناية وبيدي نسخة دار التحف البريطانية وهي في مجلدين. وعندي بين كتبي الخاصة بي نسخة أخرى من المجلد الأول وهي بخط السخاوي وصححها ابن حجر نفسه إلا أن الخط قبيح شنيع.
وقد أفرغت كنانة وسعي في تحقيق الأعلام التركية والمغولية وهو اصعب شيء في هذا السفر الجليل. وأظن أني بلغت الغاية في التثبت. ولا بد من إلحاق هذا التأليف بفهرس هجائي يفسر تلك الأسماء الدخيلة التي كانت كثيرة الاستعمال في عهد المماليك.
من بكنهام (انكلترة): ف. كرنكو(4/443)
بحث في الهاء
يتصل ببحث في سوريا أبالألف هي أم هي بالهاء
سوق الغرب - لبنان 30 ت1 926
العلامة الفاضل الأب انستاس ماري الكرملي المحترم.
أنا أيها السيد من المعجبين كل الإعجاب بعلمك وفضلك وبشجاعتك الأدبية أيضا. إن علمك في اللغة والمنقول فيها اعرفه أنا ويعرفه غيري وقد اشتهر فلا يخفى على أحد حتى ولا على العين الرمداء.
أما علمك بفيلولوجية اللغة خصوصا فربما أنا اعلم به من كثيرين غيري لا لعبقرية في دونهم بل لأني خصصت قسما كبيرا من حياتي بدرس هذه الأبحاث ووافقني الحظ على متابعتها بأن كنت في الجامعة الأميركانية الآن والكلية السورية الإنجيلية سابقا. وقد كفتني هذه المؤسسة الخيرية أميرة الكليات والجامعات في الشرقين الأدنى والأقصى أمر معاشي بما مكنني من متابعة أبحاثي من غير ما تشتت في أفكاري فيما لو لم أكفى ما كفتني. ولئلا أكون مبالغا في قولي أي أنها أميرة الكليات يوم كانت كلية وأميرة الجامعات يوم صارت جامعة دعني أقول إنها الأميرة الأولى - كانت ولا تزال - بين أميرات الكليات والجامعات الشرقية لا تنازع في أوليتهن هذه
اشكر لك أيها السيد على كتابك البليغ الرائع جوابا على كتابي إليك اشكر لك تفضلك بإهداء مجلة (لغة العرب) وقد ذكرت لك في كتابي المشار إليه أني قصدت سوق الغرب مستشفيا بهوائها العليل الصحي ولا سيما في بيت مصيفي في تلك القرية الجميلة حيث لا أزال إلى الآن.
قرأت اليوم في الجزء الأول من السنة الرابعة تلطفك بنشر مقالتي التي(4/444)
كنت أرسلتها (كذا) إلى مجلة الحرية كما أشرتم. ورأيت التعليق الذي علقتموه في الهامش تنويها وتصحيحا لرأيكم أو تعريضا برأيي في كتابة سوريا بألف في الآخر، وهذا نصه:
(الأستاذ ضومط يكتب سورية بألف في الآخر وصاحب القاموس وغيره يكتبونها بهاء في الآخر (لغة العرب) أهـ)
أيها الأب الفاضل ايذن لي أن أناقشك الآن - لا لا. أنا لا أناقشك ولكن احاققك - في هذه المسألة لتعرض (لغة العرب) لها واشترط عليك في هذه المحاقة أن لا تخلط في وجهة نظرك فتنظر مرة بعين العالم الفيلولوجي ومرة بعين الناقل عن الأقدمين من ذوي الاسم (كصاحب القاموس وغيره)
أيها السيد. أنا اكتب سوريا بالهاء أو بالألف وفقا لما يبدو لي أو تتسارع إليه يدي لأن للألف وهذه الهاء لفظا واحدا أو ما يكاد يكون كاللفظ الواحد وأظنه لا يخفى على علمك أن كتاب الأنباط والسريان يكتبون سوريا وكل لفظ من بابها بالألف لأن الهاء في أبجديتهم ليس لها إلاَّ اللفظ المجهور حيثما وقعت طرفا أو وسطا لا فرق. وأما كتاب العبران ومن أخذ أخذهم فأرجح انهم يكتبونها بالهاء أو بالألف واكثر ما يكون بالهاء لأن الهاء لها في أبجديتهم (إذا جاءت متطرفة) لفظين لفظ المد ولفظ مهموس. والهاء المهموس به أو بها (وهي التي تقع طرفا) هي الألف السريانية أو الألف العربية التي هي لا مقصورة ولا ممدودة بل هي بين بين ويسميها بعضهم هاء السكت أو هاء الاستراحة.
وهنا اذكر اسم الهمداني رجل يماني عالم فاضل عاش في المئة الثالثة والرابعة للهجرة وهو صاحب (صفة جزيرة العرب) ولا اذكره تخليطا بل لأنه كان يعلم أن لفظ الهاء المتطرفة ولفظ الألف واحد في مثل الألفاظ الآتية اوروفا (أي أوربا). برطانيا. غالاطيا. جرمانيا. باسطرانيا. إيطاليا. غاليا. ابوليا. سقيليا. طورينيا، قالطيقي. سبانيا. الخ. قال وقد تسمى اكثر هذه(4/445)
الأسماء بالهاء فيقال غلاطية ويهمس فيه. ويقال غالطية وإيطالية وابولية وهي مدينة عظيمة بمنزلة عمورية.
أنا ارجح أن هذا العلامة اعني الهمداني أشهر وأعلم علماء زمانه كان يهودي الأصل بدليل اسمه واسم أبيه وجده وانه كان يدعى بابن الحائك وأكثر أهل الصناعة في صنعاء أن لم يكن كلهم كانوا يهودا أو ممن تهودوا في أيام صاحب الأخدود أو أيام من سبقه ولذلك كان يكتب هذه الأسماء مرة بالألف وفقا للهجاء العربي ومرة بالهاء وفقا للهجاء العبراني وإليك الأسماء الأخرى التي ترى في كتابه تارة بالألف وتارة بالهاء.
سوريا. آسيا. فروجيا. كلدانية. آشوريا. قبادونيا. ما قادونيا. لوديا. حالديا وهي الكلدانيا: انظر كتاب وصف جزيرة العرب للعلامة مولر طبع مطبعة بريل ما بين وجه 38 و42
منه كما أظن (هي في ص33. ل ع)
هذا العلامة كما ألمعنا أعلاه صرح بما يفهم منه أن لفظ الهاء والألف واحد في هذه الأسماء وأمثالها. فلنتقدم للبحث في الهاء المتطرفة.
بحث في الهاء المتطرفة في العبرانية والعربية
أستأذن الأب الفاضل في هذا البحث لا لأزيد الأب علما على علمه بل تقدمة لكثيرين من أدبائنا الذين شغلتهم المطالعات الأدبية عن المطالعات الفيلولوجية وتطبيق قواعدها أو مباديها على لغتنا العربية. وبناء على ما بقي في ذاكرتي إلى الآن من معرفة بالعبرانية وما يستخلص منها في شأن هذه الهاء أقول: إنها لا تلفظ عندهم إلاَّ مهموسة أي ألفا مقصورة أو ألفا بين المقصورة والممدودة فيكتبون موسى ومنسى وميخا وأبيا وصدقيا وعزيا ويهوذا وأمثال هذه الأسماء كلها بالهاء. فإذا أرادوا المد كما في اشعياء وارمياء مثلا زادوا واوا بعد هذه الهاء. وهذا طبق ما هو معروف عندنا في العربية أي أن حرف العلة المتطرف(4/446)
إذا وقع بعد ألف قلب همزة. وهو الممدود القياسي الذي لا شذوذ فيه كما يقول بذلك جمهور الصرفيين بل جميعهم. وهذا القدر يكفينا الآن لغايتنا فلنتقدم إلى هائنا العربية المتطرفة فنقول:
إن هاءنا الواقعة طرفا تكون من أصل الكلمة كأبه وبده وشده وجبه الخ أو زائدة ضميرا غائبا أو هاء تأنيث أو وحدة أو تكون ما اسميها (متحيرة).
أما التي هي من أصل الكلمة فتلفظ بلفظ أبجديتها أي كما تلفظ مبتدأ بها أو متوسطة ولفظها واحد في اللغات الثلاثة.
وأما التي هي زائدة ضميرا فتلفظ بلفظها الأبجدي تارة وتقلب همزة ثم تلين وتحذف بعد نقل حركتها إلى ما قبلها تارة أخرى. والقلب هذا يشترط فيه أن لا يؤدي إلى لبس ثم هو موقوف بعد ذلك على حسن اللفظة وسهولته على اللسان وإلاَّ كان من قبيل العبث الذي لا ترتضيه الفطرة ولا يدفع إليه دافع الطبع. كقولهم: ضربتو وضربتا (بإسكان الباءين). وما بوشي وماباشي، اختصارا من ضربتهو وضربتها. ومابهوشي ومابهاشي. ولكنهم قالوا فلان ما فيه عيب لم يجر على لسانهم في لفظ (فيه) قلب وقالوا للمؤنثة ما فيها عيب وما بها عيب أو مافيا. وما باعيب: حسبما يبدر إليه لسانهم وذلك لعدم وضوح الخفة بالقلب
والحذف وضوحا بينا كما هي واضحة في قولهم (مابوشي) فكاد تبعا ووفقا لذلك أن يستوي عندهم اللفظ الأبجدي والقلب (ثم الحذف) فتأمل ويغنينا ما ذكرناه عن كثير من التفصيل الذي لا يحتمله المقام وقد لا يصبر عليه كثيرون من القراء ويكفينا أن نذكر لهم أن المتكلمين منا الآن في العراق والشام ومصر ونجد والحجاز يجري على ألسنتهم ببداهة الفطرة أو بدافع الطبع الذي لا يغالب - ولا ينبغي أن يغالب - (على نحو مما أشرنا إليه) مثل ما جرى منذ مئات السنين على ألسنة العبران ودوّن في أسفارهم المقدسة أيام عزرا الكاتب ثم ما زال يجري عليهم أدباؤهم وعلماؤهم إلى اليوم (كما ارجح) بل كثير من مثل ذلك (أي تليين هاء الضمير وحذفها) كان يجري أيضاً على ألسنة العرب والأعراب الذين أخذت عنهم اللغة في صدر الإسلام ونقل إلينا غير واحد شيئا منه كما هو معروف عند أهل البحث والتحقيق فليراجع في مظانه التي لا تخفى على علامتنا(4/447)
الأب انستاس ماري الكرملي، وليسأله عنها من احب الوقوف بنفسه على هذه المظان
هاء التأنيث والوحدة
لننتقل الآن إلى هاء التأنيث والوحدة. وأنا اعتقد أنها أي (هاء التأنيث والوحدة) محولة في الأصل عن ضمير الغائب المفرد مذكرا ومؤنثا. وبحث الأصل هذا سنسلم به الآن لما فيه من الفكرة فضلا عن اللذة ولا سيما لمن يتجهون بأفكارهم وجهة هذه المباحث الشائقة عندهم ومتمناي أن يكونوا كثيرين.
اصل هاء التأنيث والوحدة
اسم هذه الهاء يدل عليها وعلى لفظها في الأصل أيضا. وهي ولاشك في ذلك ليست مجرد حرف هجاء بل هي كلمة مستقلة في الأصل إذا لحقت الصفة أو اسم الجنس دلت معهما على معناها الخاص في المركب أي التأنيث أو الوحدة والبحث الفيلولوجي يستدل منه دلالة واضحة قطعية على أنها ضمير الغائبة إذا كانت لتأنيث الصفة وهاء ضمير الغائب أو الغائبة إذا كانت للوحدة.
بيان ذلك: الحق (مومن) صفة ضمير الغائبة (هي) فيصير المركب (مومن هي) أو (مومنهي) ومع الأيام وبدافع الطبع للاختصار وحسن اللفظ مع السهولة المتوخاة في اللغة
يتحول المركب على الألسنة إلى (مومنا) أو (مومني) أو إلى ما تولده الإمالة من التوسط بين إخلاص الفتح وإخلاص الكسر. قس على (مومن هي) (حمام هو أو حمام هي) فإنه لا يخفى على متأمل ما يصير إليه مثل هذا التركيب مع الأيام من وضوح الدلالة على معناه ولا يعسر عليه أيضا بعد احداد النظر أن يرى أن (ياء رومي وزنجي وعربي وأمثالها) هي وهاء الوحدة هذه شيء واحد أيضاً
كيف تلفظ هذه الهاء على التفصيل
كل أبناء العربية قديما وحديثا العامة والخاصة يلفظونها في الوقف كما(4/448)
يلفظ العبران هاءهم المتطرفة أي ألفا مقصورة ويميلون فيها - بل أولى أن نقول في الفتحة قبلها - أو يخلصون الفتح وإخلاصه متوقف على الحرف المتقدم عليها فإن كان من الحروف الحلقية أو كان راء أو صادا أو ضادا أو طاء أو ظاء أو قافا اخلص الفتح معه. نحو فرحة وفخة وإمعة وفهة وفضة وقصة وبطة وقريظة وإلاَّ أمالوا.
والإمالة يتجه فيها بعضهم نحو الضم إشماما وبعضهم نحو الكسر يحققونه كاهل قضاء الحصن فإنهم يقولون زيتوني (في زيتونة) ورحمي (في رحمة) بياء كياء جيل وميل. على أن اللهجة الأكثر شيوعا أن تلفظ كما تلفظ في بيروت ولبنان الياء في قاضي وراضي ومرتضي. فيقولون فاطمي وفريدي وحمامي في فاطمه وفريده وحمامه (بكسر ما قبل الهاء) وقد وضعنا تحت الحرف المتصل بالياء ألفا صغيرة كما وضعنا قبل الهاء كسرة للدلالة على هذه الإمالة (وهي غير موجودتين في مطبعتنا ل. ع).
الإمالة العاملية أو الزحلاوية
لأهل جبل عامل إمالة خاصة يشركهم فيها (الزحلاويون) في كل ياء ساكنة قبلها كسرة طرفا كانت أم وسطا فإنهم يقلبون الكسرة فتحة مشبعة ويميلون فيها إشماما نحو الكسرة فيلفظون سليم وحكيم كأنها متهجاة هكذا - سلايم. حكايم (بكسر الياءين) - كما هو معروف ومشهور. إن هذه الإمالة يرجع عهدها فيما ارجح إلى صدر الإسلام وما قبل ذلك وارجح أن عليها إحدى القراءة الكتابية وقد رأيت في طبعة القرآن الاستانبولية ما يشير إشارة واضحة إلى هذه الإمالة لأن هذه الطبعة تضع ألفا قصيرة تحت الحرف السابق الياء بدلا
من الكسرة لم تغفل ياء ساكنة قبلها كسرة من هذه الألف في كل ياء من الكتاب من الفاتحة - بسم الله الرحمن الرحيم - إلى آخر سورة منه. فالرحيم والعالمين والدين ونستعين والمتقين الخ كلها بألف صغيرة بدلا من الكسرة قبل الياء.
استطراد وخلاصة مما تقدم
الذي يؤخذ من كل ما قدمناه إن العامليين وأهل قضاء الحصن ومن يلحن(4/449)
لحنهم في المركب من الصفة واسم الجنس مع ضمير الغيبة لينوا الهاء أي حذفوها وابقوا حرف العلة المتصل بها. أما غيرهم فحذفوا حرف العلة وابقوا الهاء ثم لينوها مفتوحا ما قبلها أو ممالا فيه. وعليه قال العامليون والحصنيون في (مومن هي) مومني وقال غيرهم مومنا بإخلاص الفتح وأمال بعضهم نحو الكسر.
وعلى هذا النحو تمشى الأمر مع اسم الجنس أي أن العامليين والحصنيين قالوا مثلا في (دجاج هو أو دجاج هي) دجاجي بالتليين لأن الصورتين بعده أي بعد التليين تنتهيان إلى لفظ واحد وهذا مما اتفق عليه جمهور الصرفيين فإنهم اجمعوا على استحسان قلب الواو المتطرفة بعد ضمة ياء ولم يخالف واحد منهم هذا الإجماع كما اعلم.
أما الحصنيون فتركوا اللفظ على حاله أي بالياء وإخلاص الكسر قبلها وأما العامليون فعادوا فأمالوا إمالتهم الخاصة في كل ياء ساكنة قبلها كسرة كما أشرنا.
وللعامليين إمالة أيضا في الواو الساكنة المضموم ما قبلها فإنهم يميلون بالضمة قبلها نحو الفتح كما يميلون بالكسرة قبل فيقولون يا منصور مثلا ويا حبوب (بفتح الحرف الذي قبل الواو). فلا يبعد أذن أن يلفظ بعضهم بعض ما فيه تاء الوحدة بالواو مفتوحا ما قبلها. ولا يقدح شيء من هذا كله في فصاحة العامليين المعترف لهم بهاء إجمالا وانهم من صميم أهل العربية أيضاً.
كيف تلفظ هذه الهاء (هاء التأنيث والوحدة) في الدرج
إذا جاءت متحركة لفظت تاء بالاتفاق لا فرق في ذلك بين العامة والخاصة أما العامة أي عامة المتكلمين لا خشارتهم فيجيزون الوقف على كل ذي هاء تأنيث أو وحدة حيثما وقع إلاَّ إذا جاء مضافا فيقلبون هاءه حينئذ تاء بدافع الطبع الذي دعاهم لقلبها ألفا أو ياء.
وأما الخاصة (أو خاصة الخاصة كالأب الفاضل وتلامذته الكثيرين) فيقلبونها حيثما أوجبوا هم ظهور علامة الأعراب. أما أين يوجبون هذا؟ فالله أعلم.
أما أنا فأرجح انهم كانوا في الجاهلية وفي صدر الإسلام مدة طويلة يقفون(4/450)
حيثما أرادوا كعامتنا اليوم لا كخشارتنا إلاَّ في الشعر فإن اغلب الشعراء إن لم اقل كلهم كانوا يحركون في الشعر آخر درج الألفاظ المعربة كلها المفردة والمركبة ومن بين الألفاظ المركبة ذوات الهاء هذه.
إن متبعي لغة الشعر في صدر الإسلام (وكانوا الأقلية) وخلفهم في هذه الأيام يوجبون قلبها تاء في الدرج حيثما لا يقفون. وأما حيث يقفون فهم وعامة المتكلمين سواء. وإليك بعض أمثلة مما تدور هي أو مثلها على الألسنة:
السني سنة خير. النار فاكهة الشتاء. هدية المقرف ليموني حامضا. فلان شوفتو مليحا. فلان مالو شوفي. بدنا منك شوفة خاطر. لا نعرف قيمة الصحا حتى نمرض. عيشة الذل ما هي عيشي الخ الخ. وقد كتبنا المقلوبة تاء بصورتها منقوطة وكتبنا غيرها كما تلفظ أي بالياء أو بالألف.
وأهم ما نذكره في ختام هذا البحث وأن تكرر هو أن هذه الهاء هي هاء ضمير الغيبة تركب مع الصفة واسم الجنس للدلالة على التأنيث والوحدة وهي تسهيلا للفظ ومنعا من اللبس تقلب تاء إذا أضيفت أو تحركت في الدرج وليست هي كما قد يظن تاء هجاء اجتلبت للتأنيث اعتباطا ثم هي تقلب هاء في الوقف. وما أظن متأمل يقول بغير ما قلنا وفوق كل ذي علم عليم.
الهاء المتحيرة
وهي بيت القصيد الذي من اجله تعنينا لهذا البحث الآن وقد كنا صبرنا أنفسنا عنه مدة نستجليه فلما انجلى لنا بما قد يرضي أولي الفكرة اشتدت علينا (الانفيزيميا) فتركتنا لا نستطيع الكتابة إلاّ فورات خاطر تثور فينا بعض الأحايين ثم لا تلبث أن تهجع. وقد خفت إن تخمد الفورة التي أنا فيها الآن(4/451)
فلا أستطيع بعدها الرجوع إلى معاودة البحث وكتابة ما يخطر في بالي الآن وكان يخطر منذ أيام.
أقول هذا اعتذارا إلى قراء (لغة العرب) عن الجرعة الكبيرة التي أجرعهم إياها في هذه
المقالة. وكان أولى أن تؤخذ كما يؤخذ (شراب فولر) جرعات على مرات متعددة. والكريم من عذر.
أنا اعني بالهاء المتحيرة الهاء المختوم بها أسماء الأعلام الشخصية والمكانية الأعجمية خصوصا كسوريا واسيا وأفريقيا وليديا وأثيوبيا وإسكندريا وغيرها من الأعلام التي وردت في مؤلفات علمائنا وأدبائنا الأعلام إلى نحو من جلاء أهل الأندلس عنها إلى شمالي أفريقيا وكالأعلام الحالية اعني فرنسا وإيطاليا وجرمانيا وأميركا وفكتوريا وجوليا وروجينا الخ الخ. وهناك بعض أسماء أخر يخطر في بالي منها الآن (معدة) تبعا لخطور الأثر المشهور الواردة هي فيه: (المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء) فإن تاءها متحيرة أي يصعب الاهتداء إلى اصلها.
أنا وأنت أيها السيد متفقان في أن هذه الألفاظ القديم التي نقلت إلى العربية ودونت فيها منذ قامت الدولة الأموية إلى ما بعد انقراضها في الأندلس تلك البلاد التي زهت فيها العلوم والآداب وكثرت فيها المؤلفات كثرة لم تسبقها فيها بغداد ذات العظمة التاريخية؛ أعادها الله ببنيها إلى مثل ما كانت عليه في إبان عزها أنه السميع المجيب. هذه الألفاظ مختلف في كتابتها تكتب بالألف أو بالهاء وأنت تعلم أيضاً أن اكثر من اشتغلوا صدر الإسلام في العلوم والآداب على اختلاف أنواعها فدونوا الدواوين وترجموا التراجم والكتب أو ألفوها هم كان أكثرهم إن لم اقل كلهم في حواضر الشام والعراق من السريان والأنباط أو من تلامذتهم وفي حواضر الأندلس والمغرب من اليهود أو من تلامذتهم. والسريان والأنباط يكتبون كل هذه الأعلام بالألف واليهود بالهاء لأن الهاء المتطرفة عندهم كما ذكرنا سابقا لها لفظ الألف المقصورة أو الممدودة عندنا فإذا أرادوا تعيين المد أردفوا الهاء بالواو حرف العلة عندنا وعندهم.
ولا احتاج أن أذكرك أيها الأب الفاضل أن قريش تاجرة العرب وشامة(4/452)
العرب وسيدة العرب والأعراب أيضا بين مكة والشام تعلموا الكتابة من الأنباط والسريان؛ نعم كانوا أيضا يعاملون اليهود كثيرا في الحجاز وفي محطاتهم التجارية كلها آن إلى الشام أو إلى اليمن أو إلى العراق والجزيرة الفراتية ولكنهم كانوا اكثر مخالطة للسريان والأنباط وعنهم كما قلنا اخذوا الكتابة بل شكل حروفنا الأبجدية كما هو معلوم مأخوذ في الأصل عن
أبجديتهم ونسخ القرآن الباقية من أوائل المئة الثانية للهجرة شاهدة بذلك بل لا يزال محفوظا في كثير من حروفنا الحاضرة بعد كل ما دخل عليها من التحسين ما لا يختلف عن شكل الحرف السرياني إلاَّ اختلافا طفيفا.
كل ذلك إذا اعتبر فيه يدل على انهم كانوا يكتبون هذه الأسماء كما يكتبها السريان والأنباط أي بالألف وهو الأكثر أو كما يكتبها كتبة اليهود أي بالهاء وهو الأقل. ولا يعقل أن يفضل السريان والأنباط الصورة التي يكتب بها اليهود أعلام بلدانهم ومدنهم على الصورة التي يكتبون بها هم تلك الأعلام. فسوريا إذن واسيا وانطاكيا وسلوكيا وبمفيليا وفريجيا (أو فروجيا) غلاطيا وكيليكيا وإيطاليا ومكدونيا وليديا وكل ما هو من بابها أي من الأعلام السريانية أو النبطية أولى أن تكتب بالألف كما يكتبها أهلها. وأزيد فأقول إن جميع البلدان التي استولى عليها اليونان أولا ثم الرومان من بعدهم وكثر ورود أسمائها في الآداب اليونانية وفي مؤلفاتهم العلمية وبالأخص الأعلام التي وردت في جغرافيا بطليموس ونقلت إلينا عن مؤلفات السريان أو بواسطة علماء السريان كانت تكتب بالألف لأن السريان والأنباط كانوا يعتمدون في أبحاثهم على اليونان ويتابعونهم في كل شيء ولا متابعتنا نحن الآن الغربيين ولا سيما الإنكليز والفرنساويين؛ وليس عند اليونان تاء ولا هاء كهاء العبران وهب كان عندهم هذه الهاء فكتّاب السريان ينقلونها كما تلفظ أو قريب مما تلفظ أي ألفا لا هاء أسوة بأعلامهم.
ثم لما جلا الأندلسيون عن أسبانيا وتشتت علماؤهم في شمالي أفريقيا ومصر والشام وألّفوا وتلمذوا اختلطت الصورتان وعاشتا معا ولكني ارجح أن الصورة السريانية كانت اكثر شيوعا لكثرة الآخذين بها فإن الشام ومصر وشمالي(4/453)
أفريقيا تتلمذت في الأكثر لعلماء السريان والأنباط في صدر الإسلام إلى قيام الدولة العباسية أولا ثم بقيت مصر وقسم من شمالي أفريقيا يأتمان ببغداد إلى قيام الدولة الفاطمية وأما الشام والجزيرة إلى ما وراء مرعش وديار بكر والعراق وكل شرقي العراق كل هذه البلدان بقيت تأتم بغداد إلى انقراض الخلافة منها بلى ما زال الشرق من بغداد إلى آخر بلاد تركستان يأتم ببغداد حتى إلى الآن.
على أني أرى وجها لكتابة هذه الألف المتحيرة بالهاء وهو مما يعزز وجهة الأب انستاس
فإن علماء الكتابة من آل إسرائيل حسب ظني لم يدخلوا هاءهم على مثل سوريا وإنطاكية مثلا اعتباطا بل رأوا ما يسوغه لهم. ويجرئهم عليه وإليك بيانه بكل أيجاز وأن كنت لا أكفل تحقيقه.
انهم رأوا هاء التأنيث والوحدة تكتب هاء وتلفظ ألفا في الوقف فقاسوا عليها القياس المعكوس وهو أن ما ينتهي بلفظ الألف على اللسان يجوز إذن أن يكتب بالهاء. وهون عليهم وعلى تلامذتهم ذلك أن هاءهم المتطرفة في الأعلام تلفظ ألفا مطلقا. فإن سلم لي برأيي هذا فبه وإلاَّ فلا أتشدد بالمحاماة عنه.
فصل الخطاب في الأعلام الأعجمية ذات الهاء المتحيرة
سميت الهاء فيها متحيرة لعدم معرفة اصلها على التحقيق فربما كانت هاؤها للوحدة أو للتأنيث عند السريان والأنباط فإنهم مثلنا قد يخففون لفظ هاء الضمير وإذ ذاك فيجوز أن نجري عليها أحكام هاء التأنيث والوحدة عندنا. على إن السريان أنفسهم يكتبونها بالألف دائما ويلفظونها ألفا وهم أدرى بأعلامهم وبلفظها فيجوز لنا من ثم أن نتابعهم في لفظها وأن نعاملها في الأعراب معاملة حندقوقى وحبارى ونتسامح مع الأب انستاس في أن يعاملها معاملة المختومات بهاء التأنيث في الإضافة والدرج أما أن تشَّدد الأب في رأيه وزعم وجوب كتابتها ومعاملتها كالأسماء التي هي عندنا بهاء التأنيث والوحدة فليس لي أنا إلاَّ أن احتج على رأيه ثم على علمه(4/454)
وكذلك نتسامح مع الأب الفاضل في الأعلام المنقولة عن بطليموس وعن هيرودوتس وأمثالهما الأول في جغرافيته والثاني في تاريخه إذا كانت تلك الأعلام من الأعلام الأعجمية البحتة لأننا نقول إنا لسنا على يقين فيها وقد حصل الإجماع من جمهور علمائنا المتقدمين أو ما يقرب من الإجماع أنه يجوز لنا أن نتصرف بعض التصرف في هذه الأعلام بما يجعل لفظها سهلا علينا ويقربها من ألفاظنا العربية. إلاَّ أن كل هذا من قبيل الجواز الذي لا يجوز أن ينقلب إلى وجوب وعليه فالأب الفاضل لا يجوز له أن يوجب علينا كتابة إيطاليا مثلا بالهاء ولا أفريقيا ولا ليبيا ولا نوميديا ولا ولا الخ. ونحن نتسامح معه أن يترك الأفضل إلى المفضول احتراما له والمكانة العلمية والأدبية عندنا.
أما الأعلام الحديثة كأميركا وفلوريدا وداكوتا وبناما وبتاغونيا وروديسيا من أعلام الأمكنة
وجوليا وفكتوريا وروجينا من أعلام النساء فأهل تلك الأعلام المكانية وأصحاب الأسماء أنفسهم يكتبون أعلام بلادهم وأعلامهم هذه بالألف وليس في الفهم أدنى شبه بهائنا في مومنه أو في حمامه ويمامه. نعلم ذلك عن يقين. فإن كان الأب انستاس يفتات على القوم في لغتهم وكتابة أعلامهم فليس لنا أن نقول إلاَّ أنه مفتات. وهذا اعظم احتجاجنا عليه لأنا لا نستطيع أن نذهب به إلى غير هذا السجن.
لو كان لنا ربح فيما يفتات به الأب على القوم في أسماء بلادهم وأسمائهم لأتبعناه في افتياته وشكرناه عليه. لكن أي ربح لنا يا ترى في كتابة فيكتوريا مثلا بالهاء ومعاملتها معاملة ذوات الهاء في إظهار علامة الإعراب؟ أنا فقط نزيد مقطعا على مقاطعها فنزيد من ثم صعوبة اللفظ بدون أدنى حاجة إلى تحمل هذه الصعوبة. انظر الفرق بين أن نقول - كانت المرحومة فيكتوريا العظيمة احسن قدوة لنساء شعبها - وبين أن نقول - كانت المرحومة فكتورية العظيمة احسن قدوة لنساء شعبها - فأنظر كيف افسد زيادة هذا المقطع سهولة اللفظ في اللفظة وحسن الرصف في العبارة كلها(4/455)
ولئلا أكون متشددا أقول أني أجوز للأب العلامة أن يجوز كتابة مثل هذه الأعلام بالهاء في الشعر إذا احتيج إلى زيادة مقطع إقامة للوزن فإن في هذه الزيادة ربحا والربح يتكلف له طالبه من الخروج عن المعروف أو المشهور ما لا يتكلفه من الخسارة مطلقا وأخيرا أقول:
أرجوك أيها الأب في أميركا وما هو من باب أميركا بل وفي فرنسا وبريطانيا وسوريا وأمثالها أيضا أن تترك كتابتها بالهاء إلاَّ في الشعر وللسبب الذي ذكرناه أيضا أو في موقف خطابة حيث يكون لزيادة مقطع أثره المستحب في إثارة انفعال أو في زيادة شدته فإنه أليّق بعلمك وفضلك من الخروج عن هذا المتعارف المألوف والسهل أيضا وفي الوقت نفسه يبرئك مما يتهمك به بعضهم من إرادة حب الظهور الذي أنت فوقه وأشهر من أن تشهر به. واختم هذا البحث الآن - وفي النفس بقايا منه وملاحظات تتعلق بكل بحث نظيره - بتقديم مزيد الاحترام لعلمك البالغ وفضلك المشهور زادك الله علما وفضلا أنه السميع المجيب.
جبر ضومط
حماسة ابن الشجري
أوشك طبع حماسة ابن الشجري أن يتم في الهند وكل منا يعرف منزلة ابن الشجري من العلم والتحقيق وسعة الحفظ وجمام الأدب. وكان اعتمادي في إبرازها إلى الوجود على نسختين مشهورتين معروفتين في ديار الإفرنج: إحداهما قديمة وهي المحفوظة في دار التحف البريطانية في لندن والثانية حديثة، إلاَّ أنها اكمل من العتيقة المذكورة وهي محفوظة في خزانة كتب باريس المعروفة بالخزانة الأهلية لكني أشفق من أن تكون الطبعة خالية من كل ضبط في الشكل مع أني كنت قد ضبطت اغلب ألفاظها كلما احتاج الأمر إلى التحقيق.
من بكنهام (انكلترة): ف. كرنكو(4/456)
نظرة وابتسامة
أنشودة إلى حسناء أديبة
نبئيني نبئيني ... قصة (الدنيا) العجيبة
إنما تغني حنيني ... نظرة الروح الأديبة!
لا تبوحي بكلام ... أن في عينيك شعرا!
وملاما لملام ... من محب رد عذرا
انظري يا نور عيني ... انظري يا نور نفسي!
كم معان غبن عني ... قبل أن أسديت انسي!
وابسمي (كالشمس) لما ... كونت هذي الحياة!
فانتشى قلب وهما ... وتلقتها الشفاه!
أنت (دنيا) في شعاع! ... أنت (أخرى) في ابتسام!
كيف أبقى في التياع ... ومحياك السلام؟!
ليس لي شأن بران ... يرصد (المريخ) ليلا
أنت لي (الزهرة) لكن ... رصدها بالصبح أولى!
فابسمي واحكي نشيدا ... من أغاريد الوجود!
وامنحي عيدا سعيدا ... من محياك الودود!
لقنيني يا نعيمي ... نعمة (الدنيا) بنظرة!
وانشري لطف الرحيم ... واعطني (الأخرى) كزهرة!
أحمد زكي أبو شادي(4/457)
السوارية
السوارية بليدة قائمة على عدوة الفرات اليمنى وتبعد عن (أبي صخير) بنحو ثلاث ساعات نهرا ونحو خمس عشرة دقيقة بالسيارة.
وقد أسسها الشيخ مبدر آل فرعون سنة 1334هـ (سنة 1916م) بينما كان أبناء قبائل آل فتلة يضطهدون في الجعارة (الحيرة) تضطهدهم الخزاعل حينما يذهبون إليها لابتياع ما يحتاجون إليه من أسواقها.
وقد سميت بهذا الاسم إضافة إلى (ابن سوار) الذي كان فلاحا مشهورا وهو من آل فرعون.
ولهذه البليدة مستقبل اقتصادي خطير لأنها محاطة بعشرات الألوف من أبناء العشائر ولأن أسواقها هي الأسواق الوحيدة التي يبتاع منها هؤلاء الناس حاجياتهم وهذا ما الجأ الحكومة إلى أن تعمر فيها دارا ضخمة لها، فأسست بناية كبيرة وصرفت عليها نحو (33000) ربية فجاءت بناية مهمة تضاهي بنايات بغداد من حيث الضخامة والهندسة في البناء.
يحد هذه الناحية من الشمال نهر (جحات) ومن الشرق حدود ناحية (الغماس) ومن الجنوب (القائم) (وهي آثار قديمة وأطلال بالية) ومن الغرب أرض تعرف ب (الجفة) ولم تكن هذه الناحية معروفة عند الأتراك ولذا لم يكن لهم فيها موظف، أما الإنكليز فقد نظروا إلى أهميتها المالية فعينوا لها مأمورا ماليا سنة 1917م واعتبروها شعبة ملحقة بقضاء أبي صخير. وتسير الآن الحركة العمرانية فيها سيرا حسنا فقد شيد فيها بعض الرؤساء أربع أسواق ضمت نحو 1760 حانوتا متوسطا وتقدر واردات الحكومة منها فقط نحو 675000 ربية.
أما الدور فيها فهي عبارة عن عرائش لا اكثر وتقدر بنحو 213 عريشة (صريفة) يسكنها أصحاب الحوانيت ومن لهم صلة رسمية بالناحية.
ويقدر سكان الناحية كلها بنحو 32000 نسمة وقد شرع أرباب في الكسب(4/458)
الجعارة بالانتقال إلى (السوارية) نظرا إلى كساد أسواق التجارة في الأولى ورواجها في الثانية، وأسواق الجعارة إنما كانت رائجة بسبب عدم وجود سوق قريبة من القبائل ليبتاع منها أبناؤها ما
يحتاجون إليه من مأكل ومشرب وملبس وعقاقير وغيرها.
وفي قصة السوارية سبع مقاه غاصة بالآهلين دائما سواء أكانوا من نفس القصبة أم من أبناء القبائل القريبة منها ونحن لا نستبعد أن تكون هذه القصبة أكبر مدينة في الفرات الأوسط في القريب العاجل لأنها لم تكن محتوية على اكثر من خمسين حانوتا في سنة 1924.
السيد عبد الرزاق الحسني
الاناطول أو الأناضول لا الأنطول أو الأنضول
اناطولي كلمة تركية الاستعمال يونانية الأصل معناها الشرق لأنها بلاد واقعة في شرقي ديار اليونان: وقد اولع كتاب مصر بمسخها بصورة (انضول أو انطول) والحال أن الأتراك لا يكتبونها إلاَّ بألف بعد النون. وأما كتبة العرب فكانوا يسمونها (بلاد الروم) وهي المعروفة عند أجانب اليوم بما معناه (آسية الصغرى)
أما العربي الوحيد الذي ذكرها بما يقرب من اسمها اليوناني فهو ابن خرداذبه فقد سماها (الناطولس) بأداة التعريف وقد سبقه السلف إلى مثل هذا التصرف في الألفاظ في جبل اكام اللكام، وقالوا في اخاقيق اللخاقيق وفي اكاف اللكاف إلى غيرها.
القنطرة
في مجلة الكلية (156: 3) (القنطرة في لغتهم (لغة أهل لواء حماة) امتلاك مئة قرش لأن الدلالة على مالكها (وهو المقنطر) كانت بجعل الإصبعين ملتصقين الرأسين (كذا) بشكل نصف دائرة. . .) اه
ونحن لا نقنع بهذا التأويل والذي عندنا إن القنطرة من القناطر وهو تعريب الرومية أي ذو مائة حتى انهم سموا الرجل قنطارا إذا بلغ مائة سنة.
ومن غريب أمر هذه اللفظة إن الفرنسيين نقلوا عن العرب هذه اللفظة بصورة وقد قلبوا فيها راء قنطار لاما فصارت عندهم (قنتال) كما ترى بمعنى مائة وقية أي خمسين كيلو غراما. فهذا من قبيل (الكلم الرحالة).(4/459)
الضمائر في لغة عوام العراق
الضمير أما متصل أو منفصل ولنذكر أولا المنفصل فنقول:
الضمير المنفصل أما مرفوع أو منصوب. ولما كان الإعراب معدوما في كلام العامة لم نذكر هنا هذه الضمائر من حيث أنها تكون مرفوعة أو منصوبة بل من حيث أنها مستعملة في كلامهم استعمال غيرها من الأسماء:
الضمائر المرفوعة المنفصلة
الضمائر المرفوعة المنفصلة عشرة اثنان منها للمتكلم وأربعة للغائب وأربعة للمخاطب.
ضمائر المتكلم
للمتكلم ضميران يشترك فيهما المؤنث والمذكر وهما المفرد المتكلم والجمع المتكلم.
1 - ضمير المفرد المتكلم: أنا؛ وفيه ثلاث لغات الأولى أنا والثانية أنا والألف في هذين تكتب ولا تلفظ والثالثة آني.
2 - ضمير جمع المتكلم: نحن؛ بكسر النون الأولى وفتح الثانية. وفيه لغتان أخريان الأولى أحن بكسر الهمزة وفتح النون. والثانية حن بكسر الحاء وتشديد النون المفتوحة. وعليه ففي ضمير جمع المتكلم أيضا ثلاث لغات وهي نحن وأحن وحن. أما الأولى فنادرة الاستعمال. وأما الثانية فهي الشائعة في كلامهم وأما الثالثة فخاصة بأهل البادية.
ضمائر الغائب
للغائب أربعة ضمائر اثنان منها للمذكر المفرد والجمع. واثنان للمؤنث المفرد والجمع. وليس للمثنى ضمير في كلامهم لأنهم يعتبرون ما زاد على الواحد جمعا فيستعملون ضمير الجمع في مقام ضمير الاثنين أيضا.
1 - ضمير المفرد الغائب: هو؛ بضم الهاء وتشديد الواو المفتوحة. وأهل(4/460)
البادية ربما قالوا هو أيضا بضم الهاء وسكون الواو إلاَّ أن ذلك نادرا.
2 - ضمير جمع الغائب: هم؛ بضم الهاء وتشديد الميم المفتوحة.
3 - ضمير المفردة الغائبة: هي؛ بكسر الهاء وتشديد الياء المفتوحة. وأهل البادية ربما
سكَّنوا الياء فقالوا هي وذلك نادر.
4 - ضمير جمع المؤنث الغائب: هن بكسر الهاء وتشديد النون المفتوحة وأهل البادية ربما قالوا هن بكسر الهاء وسكون النون. غير أن الشائع في كلامهم هن.
ضمائر المخاطب
للمخاطب أيضا أربعة ضمائر اثنان منها للمذكر المفرد والجمع واثنان للمؤنث المفرد والجمع. وليس للمثنى ضمير لأن الاثنين عندهم جمع كما ذكرنا آنفا.
1 - ضمير المفرد المخاطب: أنت؛ بكسر فسكون وآخره مفتوح.
2 - ضمير جمع المخاطب: انتو؛ بكسر فسكون مع ضم التاء وسكون الواو. وبعض أهل البادية يقول انتم وهو نادر.
3 - المؤنث المخاطب: أنت؛ بكسر فسكون وآخره مكسور.
4 - جمع المؤنث المخاطب: انتن؛ بكسر فسكون مع فتح التاء وسكون النون.
الضمائر المنصوبة المنفصلة
العامة لا تستعمل في كلامهم شيئا من الضمائر المنصوبة المنفصلة إلاَّ في موضعين لم أجد لهما ثالثا. أحدهما في موضع المفعول معه فيأتون بالضمير بعد واو المعية كقولهم امش وياي؛ وتعال ويانا؛ وأنا أجي وياكم. والمعنى المقصود عندهم من ذلك هو: امش معي؛ وتعال معنا؛ وأنا أجي معكم. وعلى ذلك جاء قولهم وهو من أمثالهم: (أحمد وياجن يا بنات). فإن قلت إن الضمائر المنصوبة المنفصلة تكون في أولها ألف هكذا: إياي إياك وهلم جرا. فلماذا ذكرتها في الأمثلة المتقدمة بلا ألف؟
قلت قد ذكرنا لك فيما تقدم عند الكلام على الوصل انهم إذا وصلوا حرفا(4/461)
بحرف وكان بينهما حرف ثالث متوسط اسقطوا الحرف المتوسط من اللفظ؛ فالألف إنما سقطت من اللفظ ههنا لتوسطها بين حرفين موصولين وهما الواو والياء من إياك.
فإن قلت إن الحرف المتوسط بين حرفين موصولين إنما يسقط من اللفظ فقط وأنت ههنا أسقطته من الخط أيضا.
قلت أني أسقطته من الخط أيضاً لأن هذه الضمائر لا تقع في كلامهم إلاَّ مقرونة بالواو كما
رأيت في الأمثلة المتقدمة فصارت الواو كأنها جزء من الضمير فلزم إسقاط الألف من الخط أيضا للدلالة على شدة ارتباط الضمائر المذكورة بالواو بحيث لا تكاد تسمعهم ينطقون بضمير منها إلاَّ مقترنا بالواو.
وأما الموضع الثاني الذي تستعمل العامة فيه هذه الضمائر فهو التحذير ومنه قولهم (بالك وياك تفعل كذا) والواو هنا عاطفة للضمير على بالك وتقدير الكلام احفظ بالك وحذر نفسك. وربما استعملوا الضمير المنفصل في التحذير بلا واو وهو استعمال نادر جدا في كلامهم كقولهم للحارس مثلا: (إياك تنام) وكقول أحدهم لأخر يحذره من شيء (إياك تفعل كذا) وربما كرروا الضمير للتأكيد فقالوا (إياك إياك تفعل كذا) وربما كرروه معطوفا بثم فقالوا إياك ثم إياك إلاَّ أن ذلك كله نادر في كلامهم. وإنما الشائع في كلامهم عند التحذير هو قولهم بالك وياك.
قد تبين لك إن هذه الضمائر لا تستعمل إلاَّ في هذين الموضعين المذكورين وأنها لا تقع في كلامهم إلاَّ مقترنة بالواو حتى صارت الواو كأنها جزء منها عندهم وأن اقترانها بواو المعية هو الأكثر الشائع في كلامهم إذ اقترانها بالواو العاطفة لم يسمع منهم إلاَّ في كلام واحد وهو قولهم (بالك وياك) وأنها لكثرة اقترانها بواو المعية صارت هي والواو تستعمل عندهم بمعنى مع كما في قولهم وهو من أمثالهم: (أحمد وياجن يا بنات) وكقولهم وهو من أغانيهم:
روحي العزيزة تفداك ... وأن رحت خذني وياك
ولنصرف لك هذه الضمائر مقترنة بالواو هكذا:(4/462)
الضمائر المنصوبة المنفصلة
ضمير المتكلم: وياي ويانا؛ الألف في نا تكتب ولا تلفظ.
الغائب المذكر: وياه وياهم؛ الهاء التي في وياه تكتب ولا تلفظ.
الغائب المؤنث: وياها وياهن؛ الألف التي في آخر وياها تكتب ولا تلفظ.
المخاطب المذكر: وياك وياكم.
المخاطب المؤنث: وياج وياجن (بجيم مثلثة فارسية).
الضمائر المتصلة
الضمائر المتصلة أما مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة. غير إننا لا نذكرها هنا من حيث أنها مرفوعة أو منصوبة إذ لا إعراب في كلام العامة وإنما نذكرها من حيث أنها ضرب من الأسماء التي تقع في كلامهم:
الضمائر المرفوعة المتصلة
الضمائر المرفوعة المتصلة عشرة اثنان منها للمتكلم وأربعة للغائب وأربعة للمخاطب.
ضمائر المتكلم
للمتكلم ضميران متصلان يشترك فيهما المذكر والمؤنث أحدهما للمفرد والثاني للجمع.
1 - ضمير المفرد المتكلم: تاء ساكنة تتصل بآخر الفعل الماضي نحو بعت اشتريت، ضربت، جيت، ولا تحرك هذه التاء إلاَّ إذا وليها حرف ساكن مثل (ال) المعرفة أو اتصل بها ضمير المفعول المفرد غائبا كان أو مخاطبا. أما إذا وليها ساكن فتحرك بالكسر نحو أكلت الخبز أو شربت الماي. وأما إذا اتصل بها ضمير المفعول المفرد فإنها حينئذ تحرك بالفتح نحو ضربته وضربتك.
فضمير المتكلم المتصل المرفوع له ثلاث حالات للسكون والكسر والفتح.
2 - ضمير جمع المتكلم: نا؛ تتصل بآخر الفعل الماضي غير أن الألف من (نا) تكتب ولا تلفظ نحو ضربنا؛ بعنا؛ اشترينا. إلاَّ إذا اتصل بها ضمير المفعول مطلقا فإن الألف من (نا) حينئذ لا تسقط من اللفظ بل تلفظ كما تكتب نحو: شفناه؛ شفناهم؛ شفناها؛ شفناهن؛ شفناك؛ شفناكم؛ شفناج؛ شفناجن.(4/463)
ضمائر الغائب
للغائب أربعة ضمائر اثنان منها للمذكر المفرد والجمع واثنان للمؤنث المفرد والجمع وليس للمثنى ضمير لما ذكرنا سابقا.
1 - ضمير المفرد الغائب: أن ضمير المفرد الغائب من الضمائر المرفوعة المتصلة لا يكون إلاَّ مستترا. وتقديره: هو. نحو ضربت ففاعل ضرب ضمير مقدر عائد إلى اسم قد مر ذكره.
2 - ضمير جمع الغائب: واو ساكنة تتصل بآخر الفعل أو مما هو في حكم آخره مثال
الأول ضربوا. ومثال الثاني رموا، جوا، فإن الميم من رموا والجيم من جوا في حكم آخر الفعل.
3 - ضمير المفردة الغائبة: أن هذا الضمير أيضا كضمير المفرد الغائب لا يكون إلاَّ مستترا وتقديره هي. ولا بد أن تلحق الفعل معه تاء التأنيث الساكنة نحو ضربت ففاعل ضربت ضمير مقدر عائد إلى اسم مؤنث قد مر ذكره.
4 - ضمير جمع المؤنث الغائب: نون ساكنة تتصل بآخر الفعل الماضي أو بما هو في حكم آخره مثال الأول أكلن شربن نامن. مثال الثاني رمن جن؛ فإن الميم من رمى في حكم الآخر لأن الألف لا تلفظ لما ذكرنا فيما سبق من أنهم يسقطون من اللفظ كل ألف كانت في آخر الكلمة. وأما الألف في جا فحذفت في قولهم جن لاجتماع الساكنين لأن النون التي هي ضمير الفاعل ساكنة والألف من جا ساكنة أيضا فسقطت الألف لاجتماع الساكنين فاتصل الضمير بالجيم الذي صارت في حكم آخر الفعل.
ضمائر المخاطب
للمخاطب أربعة ضمائر اثنان منها للمذكر المفرد والجمع واثنان للمؤنث المفرد والجمع، وليس للاثنين ضمير.
1 - ضمير المفرد المخاطب: كضمير المفرد المتكلم أي هو عبارة عن تاء ساكنة تتصل بآخر الفعل الماضي نحو ضربت وإنما يعرف كونه ضمير المخاطب لا ضمير المتكلم بقرينة الخطاب كقول القائل مثلا: شلت بيدك وضربت برجلك فالتاء الساكنة في شلت وضربت هي ضمير الفاعل المخاطب لا المتكلم بدليل الضمير في (بيدك) و (برجلك) أو بقرينة أخرى غير الخطاب كقول القائل مثلا: خدعتني فالتاء الساكنة في قوله خدعتني هي ضمير الفاعل المخاطب لا المتكلم لأن ضمير المتكلم قد جاء بعدها مفعولا. وخلاصة القول إن ضمير المفرد المخاطب إنما يماز من ضمير المفرد المتكلم بقرينة من قرائن الحال.
2 - ضمير جمع المخاطب: تو؛ أي تاء مضمومة بعدها واو ساكنة نحو ضربتو بعتو اشتريتو. وقد سمعت بعض أهل البادية يقولون بعتم اشتريتم فيجعل بدل الواو ميما إلاَّ أن الشائع في كلامهم هو الأول.
3 - ضمير المفردة المخاطبة: تاء مكسورة تتصل بآخر الفعل الماضي نحو ضربت بعت
اشتريت.
4 - ضمير جمع المخاطب: تن؛ أي تاء مفتوحة تليها نون ساكنة نحو ضربتن بعتن اشتريتن جيتن.
معروف الرصافي(4/464)
الألفاظ الارمية
في اللغة العامية العراقية
(شبح ولبح) فعلان مترادفان يريد بهما العراقيون - ولا سيما النصارى منهم - تكرار الكلام عن أمر واحد وربما كان بصوت مرتفع فشبح من (ش ب ح) بمعنى سبح ورتل ورنم؛ ولبح من (ل ب ك) ومفاده رنم ورتل.
(شوبش بيده) أي عمل حركة تدل على الألفاظ التي يقولها وأظن أنها من الارمية من فعل (ش ب ش - ش وب ش ا) بمعنى تشبث وتعلق وقاد وارشد
(شركيل) تشنج في أعصاب الرجل واليد يمنع الحركة ويعرقل موقف السابح في النهر ويربكه فإذا طال الأمد على هذا التشنج ولم يغثه أحد غرق صاحبه فهو من (ش ر ج ل) الجيم مصرية بمعنى شغل وألهى وربك وعاق ودهور ودحرج وورط وحدر ونزل.(4/465)
(وشر المهيلة) أي صنعها أو بدأ بصنعها. ووضع الاعضاد حتى يظهر شكل السفينة ومن عباراتهم (وشرها حلو) أي هيكلها جميل. كما أنهم يقولون بمعنى وشر (دق) السفينة وقد ارتأى صديقنا الشيخ كاظم الدحيلي أن فعل (وشر) ربما كان مأخوذ من وشر الخشبة بالمنشار إذا نشرها (لغة العرب 96: 2). ورأينا في أصل هذا اللفظ أنه مأخوذ من الارمي أما من فعل (ش ور - ش ور ا) بمعنى سور أو عمل أو اتخذ سورا. أو من فعل (ش ور - ش وو ر ا) بمعنى (دق)؛ وفي كلاهما القلب موجود بتقديم الواو على الشين في لغة العراقيين.
(جعق) وبالقلب عجق على لسان بعضهم وهو من فعل (ش ح ق) الارمي بقلب الشين جيما وإبدال الحاء عينا على ما نرى وقلب الجيم شينا وارد على لسان العراقيين فإنهم يقولون في (فشغ) الفصيحة (فجخ) والجيم مثلثة فارسية. ويقول المتكلمون بالارمية العامية من سكان قرى الموصل في (ش ق) الارمي (جيقا) ومن إبدال الحاء من العين في العربية الفصحى ضبحت الخيل وضبعت وبحثر الشيء وبعثره، والواقف على تطورات الألفاظ في ألسنة العوام لا يستغرب هذا التصحيف أو هذا الإبدال.
ومما يثبت قولنا إن فعل (ش ح ق) يؤدي كل المعاني الحقيقية والمجازية التي يقصدها
العراقيون من فعل جعق وعجق. أنه يفيد الرض والسحق والشق والضيق والزعج. كمدلولات كلمة الفرنسية. فيقولون لا تجعق أو تعجق القماش بمعنى لا تسحقه. ويقولون أراك معجوقا اليوم(4/466)
أي مزعوجا. وسنبقى على رأينا حتى نرى ما يفنده، وعلى كل فإن فعل (ش ح ق) هو وفعل (سحق) العربي من واد واحد.
(شطح الماء) أي ألقاه على سطح الأرض نشرا من (ش ط ح) بمعنى نشر وفرش ويفيد هذا الفعل معنى سطح وبسط العربي.
(شطحة من الأرض) من (ش ط ح) بمعنى فسحة وساحة ورحبة وحوش.
(شلح) من (ش ل ح) خلع ونزع ثيابه وتعرى مبنى ومعنى من الارمية إلاَّ أنها دخلت العربية منذ قديم العهد ويروى في المتعدي شلح وفي حديث للإمام علي (خرجوا لصوصا مشلحين).
(شلع) أي قلع وهي مبنى ومعنى من (ش ل ع) ولكنها سوادية في الارمية نفسها أثبتت حديثا في معجمهم.
(الشلب) بكسر الأول يطلق على الأرز بقشره فيقال زراعة الشلب ويريدون بها زراعة الأرز. وعلى رأينا أن الكلمة ارمية الأصل من فعل (ش ل ب) وحركة اللام الرباص والباء مثلثة ومعناها نبت وطلع وخرج وسنبل واخرج سنبلا. وعندهم اسم لمصدر (ش ل ب ا) بحركة اللام والباء بالزقاف والباء مثلثة فتغلب الاسم وهو النبت على الأرز وخص بالشلب في العراق.
(شلب) من (ش ل ب) الباء مثلثة بتحريك اللام بالفتاح بمعنى نزع وقلع وجر وسل وخلع.
(الشليف) من (ش ل ي ب ا) الباء مثلثة بمعنى الجوالق وتطلق اليوم في العراق على ما تحمله الدابة من التبن في الجوالق فيقولون شليف تبن ومنه المثل المعروف - ضربة غيري بشليف تبن
(شمط) من (ش م ط) مبنى ومعنى ومؤداها سل ونزع وقلع واستأصل ونزع الخف وحل واخرج وانتضى. وفعل شمط لا يؤدي أحد هذه المعاني إلاَّ في حالة واحدة. يقال شمطت النخلة انتثر بسرها وشمط الشجر انتثر ورقه ونذهب إلى أن العربية احتفظت بهذا المعنى من الارمية لما له من العلاقة بالفلاحة(4/467)
وهذا دليل آخر على أن كثيرا من ألفاظ الفلاحة
مأخوذة عن الارميين.
(شمر الحجارة وشمر الشيء) بمعنى طرح ونبذ ورمى من (ش م ر) ولهذا الفعل الارمي معنى شمر العربي الفصيح إلاَّ أن شمر لم يأت بمعنى طرح ونبذ ورمى كما يستعمله العراقيون.
(فلان مشعشع) أظنه من (ش ع ا) لعب وهزل ومزح وازدرى وتكلم كلاما باطلا. واسم الفاعل عندهم (ش ع ي ا) وهو النباذ والمزاح و (ش ع ت ا) هو اللعب والمزاح والهزل والهذيان
(شقل نفسه، وشقله واتشقل) من (ش ق ل) بمعنى رفع وحمل أو من (اش ق ل) رحل وانتقل ورفع وحمل ونقل ويقولون في العراق أيضا أخذ شقله أي عرفه وأخذ يسخر به وهي مشتقة أيضا من فعل (ش ق ل) الذي معناه أيضا وزن الشيء ورازه ليعرف ثقله.
(الشاروفة) حبل طويل تجر به السفينة وحبل الدلو. ربما كان مأخوذا من اللفظ الارمي (ش ر وب ا) الباء مثلثة تحتانية بمعنى الخشن والغليظ من باب إطلاق الصفة على الاسم. كأنه الخيط الغليظ(4/468)
(شقلة كبيرة) ويقال حصلت شقلة كبيرة وهي مشتقة من (ش ق ل ا) بمعنى الحصة والنصيب والهدية والعطية.
(الشقفة) ويلفظها المسلمون (الشكفة) بكاف فارسية ويجمعونها على (شكف) هي قطع الشيء الصغير. ككسرة خبز أو كسرة حجر فهي من فعل (ش ق ب - ش ق وب ا) وفي اللفظين الباء مثلثة ومعناها هشم ورض، والشقفة هي الرضاض بالضم في الفصحى ومعناه دقاق الشيء وفتاته. ونقل الباء المثلثة الأعجمية إلى الفاء في لغة الضاد أشهر من أن يلمع إليه. وعلى كل إننا لا نرى أن الشقفة من فعل فشق العربي بالقلب
ومن هذا اللفظ عينه فعل (شقف) أو شكف (على لفظ مسلمي العراق) بمعنى لقف في الفصيح أي تناول الشيء بسرعة أو تناوله مرميا إليه، لأن من مدلولات فعل (ش ق ب) الارمي شفق وصفق ولطم وضرب وقرع وصدم كأن الشخص يصدم ما يرمى به إليه. ومما يسترعي الانتباه أن العراقيين يستعملون لفظي (شقف ولقف) مترادفين وهذا مما يؤيد قولنا في الألفاظ التي مرت من الجمع بين لفظين أحدهما عربي والآخر ارمي على
الترادف في لسان العراقيين.
(شرش) وسمعتهم يقولون الهرش. وهو الأكثر شيوعا من (ش ر ش ا) وهو العرق نفسه كما تطلق اللفظة على أصل كل شيء.
(شتل النبات) من (ش ت ل) غرس ونصب وأسس وشيد، ويقصد منه العراقيون المعنى الأول فقط والشتلة هي الغرسة من الشجر.
(توز) يقولون جاء الماء توز وخاطبني توز بمعنى الشدة والحدة من فعل (تز) بمعنى ثار وهاج وغلا وفار ونزق وطاش واحتد وغضب.
(تتن) للنبات المعروف الذي يدخن هو في الارمية الدخان (ت ن ن ا) و (ت ن ن ت ا) ودخن (تن) ومبالغته (ت ن ن) وجعله يدخن (ات ن) ودخاني (ت ن ن ي ا) وغير ذلك من المشتقات أفلا تكون تتن أو توتون التركية مشتقة من الدخان الارمية؟(4/469)
(طبش) (بتشديد الباء) في السبح وطبش في الوحل وطبش في الأمر بمعنى حرك يديه ورجليه وهو لا يجيد السباحة أو أنه سقط في الوحل وفي الأمر وهو لا يعرف طريق النجاة فعندي أنها من أصل ارمي (ت ب ش) الباء مثلثة بمعنى غرز وركل ورفس ونطح باليد وفرغ وبطل عن العمل وقتل وسقط في الحرب. ويستعمل العراقيون هذا اللفظ بإبدال التاء طاء كما رأيت وهذا الإبدال وارد في العربية الفصيحة ذاتها فيقولون: الأقطار والإقتار أي النواحي؛ ورجل طبن وتبن؛ وما اسطيع وما استيع.
(ترس) أي ملأ من (ت ر ز) بالمعنى نفسه.
(خيار ترعوزي أو تعروزي) من (ت رع وز ت ا) وهو القثاء بلسانهم
يوسف غنيمة
كتابة كلمة رئاسة ورياسة
ترى اليوم مطبوعات مصر تكثر من كتابة كلمة رئاسة بصورة (رآسة) وهي كتابة مخطوءة وردت في لسان العرب في مادة رأس والحال أن تلك الكتابة من الواقف على طبعه لا من المؤلف وإلاَّ فإن المؤلف كتبها بالياء في مادتي (زعم) و (سوس) وفي الاوقيانوس لعاصم؛ الريسة (بياء يليها ألف) ككتابة وكذلك في اختري الكبير وسائر كتب اللغة؛ ولهذا اخطأ اسعد خليل داغر بقوله في مذكرته (ص 81) المصدر على فعالة (ل. ع.
أي بالفتح ولم يقله أحد) تقول رأس القوم يرأسهم رآسة أهـ. والحال إن المفتوح هو المضارع لا المصدر كما توهمه الأديب المفضال.(4/470)
تاريخ الطباعة في العراق
مطابع الموصل
تابع مطبعة الدمنكيين
- 4 -
101 - (الخلاصة الوفية في علم الجغرافية) للقس يوسف يونان الموصلي الكلداني (1891 ص158)
102 - (كتاب الذهب لتهذيب أحداث العرب) لسليم حسون جزءان (1911 - 1913 ص80 - 80)
103 - (لمحة اختبارية وفنية في الحمى التيفوئيدية) للدكتور حنا خياط مدير المستشفى البلدي والمستشفى الفرنسي للآباء الدومنكيين في الموصل يومئذ (مدير الصحة العامة في حكومة العراق اليوم) (1911 ص42)
104 - (الأجوبة الشافية في فن الصرف والنحو) الجزء الأول في الصرف لسليم حسون (1906 ص264)
105 - (مختصر مفيد في أصول الصرف والنحو) لسليم حسون (جزءان طبع الأول طبعة ثانية ص116 - 128)
106 - (خلاصة الجغرافية) ألفه الأب روسيل الدومنكي وسليم حسون (ونشراه غفلا من اسمهما) ص180
107 - (ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة والسريان) للقس بطرس نصري الكلداني طبع المجلد الأول سنة 1905 (ص599) وخربت(4/471)
المطبعة في الوقت الذي أشرنا إليه ولما يكمل المجلد الثاني بل انتهى إلى (ص432) وقد بوشر بطبعه سنة 1913. لهذا لم يعرف المجلدان ولم يشيعا بين الناس.
كتب بلغات مختلفة
108 - (المناهل الفرنسية لوراد العربية) رتبها وعربها المطران السيد اقليمس يوسف
داود السرياني (1865 ص251)
109 - (غراماطيق نحو اللغة الفرنسية) باللغة العربية له (1865 ص262)
110 - (الطريقة الجديدة لتعليم الفرنسية في ستة أجزاء للأب لويليه الدومنكي (وقد اغفل اسمه لدى النشر) 1891 ثم 1895 وكرر طبع بعض أجزائه (ص143)(4/472)
111 - (التحفة السنية لطلاب اللغة العثمانية) تأليف نعوم فتح الله سحار (1894 ص255 وطبع ثانية 1895 في جزءين ص 306 و294)
112 - (مكالمات تركية عربية) له (1896 ص200)
113 - (مبادئ القراءة السريانية) للمطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1874 و1879 ص107 ثم 1891 ص115)
114 - (اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية) على كلا مذهبي الغربيين والشرقيين. للمطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني. افتتحه بمقدمة في صفات اللغة السريانية وأنواع اللسان السرياني وفروع الكتابة لدى السريان والقلم القديم والأقلام التي اشتقت منه والعلامات العددية واستنباط الحركات وسائر العلامات الخطية السريانية والألفاظ المستعارة للسان السرياني والألفاظ المعارة منه مع مختصر تاريخ اللغة السريانية والكتب التي ألفت لضبطها وأحكامها. وقد استغرقت المقدمة 208 صفحات طبع أولا (1879 ص464) ثم طبع ثانية في مجلدين ضخمين؛ وقد نقحه وزاد عليه وذيله بخاتمة في صناعة الشعر طبع في (1896 و1898 ص479 - 414) ولهذا الكتاب ترجمة باللاتينية بقلم البطريرك رحماني ص730
115 - (دليل الراغبين في لغة الآراميين) للمطران يعقوب اوجين منا الكلداني أحد خريجي المدرسة البطريركية الكلدانية والأستاذ في مدرسة مار يومنا الحبيب الاكليركية للآباء الدومنكيين في الموصل في ذلك العهد في اللغتين الارمية والعربية بالحرف الكلداني مع مقدمة في تسمية الارميين بالسريان وبلاد السريان ولغتهم الصحيحة. والطريقة التي اتبعها في معجمه والمآخذ التي اعتمد عليها في تأليفه. وذكر بعض أصول ارمية لم تذكر في بقية المعجمات وتصحيح بعض أغلاطها (طبع 1900 ص873)
رفائيل بطي(4/473)
البطائح الحالية
ماضي البطائح الحالية
كانت قبل الإسلام ارضين تزرع متصلة بأرض العرب ومن جيرانها بنو العنبر وباهلة ويشكر ومتصلة بميسان وكانت ذات مدائن وقرى معمورة في زمن الفرس أولا وفي العهد العربي أخيرا؛ فكانت (طهيثا) مدينة كبيرة في أول البطائح؛ وكانت (باذاورد) مدينة في آخرها وقد يتراءى للعابرين آثار بقايا عمارة في بطن البطائح وتحت الماء وذلك زمن ركود الماء وصفائه فيعلم أنها كانت عامرة في الزمن الغابر.
وقد كانت السفن الكبار التي تنفذ من دجلة البصرة تجنح قريبا من مدينة (طهيثا ويحمل ما فيها بالزوارق كما هو جار في هذا العهد في البطائح اليوم واسمه عند النوتية (جواية) فكانت الزوارق تسير في مآزق من القصب حتى تنتهي إلى موضع ليس فيه قصب ويسمونه في القديم (الهول) وكانوا يتخذون بين هذه المآزق مواضع من القصب وهي أشباه الدكاكين عليها خصاص وأكواخ يكتلون فيها من البق والهوام وهذه تسمى اليوم كبائش (وتلفظ جبايش بالجيم المثلثة الفارسية).
وكانت البطائح في أول عهد الإسلام والعرب آجاما وإحراجا فدخلها آباؤنا يقتلعون القصب ويزرعون في مكانه الأرز الطيب وأول من قلع القصب وغلب الماء بالمسنيات واستغل تلك الأرض هو عبد الله بن دراج مولى معاوية
وقف العربي ابن الغدير والرمال على البطائح وهي خور واسع ومنخفض رحب يستنقع فيها الماء المسيب فيسبب غمقا ووبالة ومغايض وآجاما يكثر فيها القصب(4/474)
المشتبك بعضه ببعض وهناك الإحراج الملتفة يتخللها خروق عميقة مظلمة كلها صهاريج من قصب أو أروقة اختبأ فيها الليل الدامس تسمعك نغيط البط ونقيق الضفادع وجحف التيار وتشغلك فيه صفقة البق وحكة الجرجس، أرض نز ودور تهتز وهواء كدر غليظ وماء سخن زعاق، آجام تكمن فيها الأسود، وغياض تمرح فيها الخنازير ومناقع تنساب فيها الأفعى لا مبرك فيها ولا مسلك ماء وبئ ومناخ خسيس يهولك منه دوي الهوام وصرير الجدجد تتوسطها تلول هادئة ساكنة لا تعبأ بطوارئ الزمن ولا تخضع لعواصف الرياح وما هي إلاَّ صناديق
عبر.
هذا هو تاريخ هذه البطائح التي تسلمها العربي فأنهضها صآصيء منيعة وجلب لها الاكرة والمزارعين فلقد أصبحت دساكر وضياعا بل آطاما بعد أن كانت آجاما؛ غدت عقود القصب مروج الذهب.
ولما استقرت الدولة الإسلامية في العراق أصبح صقعه قراحا مخلصا للزرع وكثرت فيه السواعد والخلجان وتفرعت فيه السواقي والرواضع فكان للبطائح الحظ الأوفر لهذا الأمر الجلل؛ فتقدمت في الزهو والعمارة ودخل إليها العمال بالسفن وأوغلوا في المواضع المنيعة فانتزعوا منها الأدغال والقصب وأنبتوا بمكانها الأرز ولا يزال معمرو هذه البلاد يذكرون ما شاهدوا من بقايا منابت الأرز وخطط دباره المعروفة وأثرها اليوم ظاهر في الحفائر والمنخفضات وكانت في إبان الدولة الأموية قد بلغت الشأو الأعلى وجرت الشوط الأبعد؛ وبقيت البطائح كورة عامرة فتسعد أهلها إلى عهد الديالمة من الأيوبية فأهمل أمرها قليلاً فانفدت عمائرها ووهى شأنها وتغلب عليها قوم اتخذوا المياه معاقل حصينة لهم فتجرد من في تلك الأرض على السلطان وعلى هذا بقيت في عهد آل بويه وكذلك في عهد السلجوقيين.
ولما انتعش بنو العباس عادت إلى حالها الحسن وكبرت فيها الجباية كما كانت في القديم وذكر حفيد الصابئ في كتاب الوزراء عمران البطيحة بخراب بغداد قال في حوادث سنة 392 لا جرم أن البلد (يعني به بغداد) خرب وانتقل اكثر أهله عنه فمنهم من مضى إلى البطيحة ومنهم من اعتصم بباب الازج ومنهم من بعد إلى عكبرآء والانبار وفي هذه السنة مضى أبو نصر بن سابور الوزير إلى(4/475)
البطيحة وذكر غير الصابئ أن البغاددة تكاثروا في البطائح واكثروا فيها المباني والقصور ثم في أوائل القرن الثامن أخذت البطائح بالانتقاض واشتعلت بمشبوبات الفتن وابتدأت بتاريخ السقوط والانحطاط فتنازع أمرها الثوار وعصاة القبائل ولعبت دورا مهما في زمن انفصال البصرة عن حكومة بغداد والتهمتها ثورة المشعشعين وشملتها أمارة آل راشد في البصرة ولم تزل مشوشة مرتبكة إلى القرن الثاني عشر فتقدمت إلى التجدد لما حصل فيها من النشوف والجفاف فقام عمرانها الحاضر على أيدي أمرائها من آل سعدون فقد وسعوا فيها الجزائر بواسطة السدود والسكور وخطوا فيها
مدينة سوق الشيوخ والناصرية والشطرة وبمساعدتهم اختط النجدي ابن خميس بلدة الخميسية.
حاضر البطائح
تقدم إن دجلة بعد أن انقطعت عن واسط استقامت جارية بينها وبين المذار مارة بكوت الإمارة فأنحسر الماء عن كثير من بقاعها وظهرت الارضون الجافة وعمرت ومصرت فأصبحت حواضر ومزارع فالقسم المهم من البطائح اليوم سهل منخفض يبتدئ من طلول واسط وينتهي إلى ضفاف الفرات الأسفل تحت ناصرية المنتفق ولكن لا تزال أرض الغالب منها ندية أو نزة إلاَّ أن آجامها الشهيرة أصبحت أثرا بعد عين فليس هي إلاَّ كورة عامرة وتمصيرها هذا حديث العهد لا يتعدى قرنا واحدا.
وقد بقيت هذه البطائح حتى اليوم حريصة على عنوانها الأول فكثيرا ما تسمع من أهل تلك الأنحاء لفظة هور، وهويرة، وبطيحة وهي مراتع ومزارع هذا شأن ما انكشف من البطائح أما البقية الباقية فهي على قديمها مغايض وآجام ولكن المأمول أن تتحسن الحال فتصبح حرثا ومباني لأن الزراعة إذا تقدمت في العراق واستخدم الفلاح العراقي الفن والآلات العصرية في حرث الأرضين وسقيها لا تبقى اهوار فيه كما لا تبقى فيه جزيرة فيكون هذا الماء المتبطح ريعا لتلك الجزائر التي منها: جزيرة الرفاعي؛ وجزيرة البغيلة، وجزيرة الكار، وجزيرة الأبيض.
وقبل سنوات خط المصلح الكبير ولكوكس الإنكليزي مشروعا زراعيا لو عمل به لما كان في العراق هور ولا جزيرة فلقد أشار بإقامة أربعة سدود كبيرة(4/476)
على الفرات، لم يتم منها إلاَّ واحد وبقيت ثلاثة؛ وقد نفع هذا السد وأحيا مواتا كثيرا.
وكان من خطته إنشاء سد كبير على دجلة وخزان للفرات وخزان لدجلة وكري الأنهار والترع القديمة الموجودة هناك على أن الفرات لكثرة ما حمل تدافع جريه إلى الأمام واخذ يخد له مجرى أو مسيلا جديدا ثم اشتد خوره بتطاول الزمن حتى حفر له واديا في وسط البطائح واخذ الماء يغور فيه والأرض تنكشف لأن الماء يهبط في ذلك الخور والمارة اليوم تشاهد في وقت الجفاف سيفا أو جرفا أخذ يبدو في بطائح الفرات وهذا غير (نهر الشافي) القديم فقد ظهرت اليوم ضفتاه أيضا كأنه يريد أن ينعزل من البطائح بعد أن اندمج فيها
زمنا طويلا وهاهو ذا تظاهر بطلب الاستقلال وبما أن البطائح كلها أو جلها أصبحت غرسا ومزرعة يستنبت فيها الأرز والنخل السحوق فلا بد أن يكون هذا سببا لارتفاع المنخفضات كما حصل ذلك في اكثر بقاع الأرض واهم المواضع التي بقيت حتى الآن بطائح (برق الحمار) حيث تجتمع هناك مياه دجلة والفرات من عدة منافذ وشعب فتصبح اهوارا متصلة بعضها ببعض حتى تبلغ مبدأ شط العرب أما منافذ الفرات وشعبه فإنها تبتدئ من سوق الشيوخ إلى أن يدفع الفرات في الحمار ولا يحفظ عمودا بينا وإليك أسماء تلك الأنهار التي (تتشاطر الفرات من ثلاث جهات سوق الشيوخ) أما الرابعة من جهاته فمتصلة بالبادية بعدة انهار:
1 - قرمة النواشي 2 - أم الطبول 3 - العتيبة 4 - الطليعة 5 - الاصيبح 6 - الكرماشية 7 - أم نخلة وهي مجرى الفرات القديم ولكنه اندرس لتشعب الأنهار الكثيرة منه ولأم نخلة جداول كثيرة أحصي منها سبعة وهي المهمة: 1 - الرحمانية 2 - الرميحية 3 - الزيادية 4 - الناطور 5 - الماريقاوية قرية بني سعيد 6 - نهر المؤمنين 7 - أم شكات (بتشديد الكاف) المثلاوية.
هذه كل شعب الفرات إلى الحمار أما دجلة فتصب فيه من جهات أهمها: العمود وهو نهر ميسان أو نهر العمارة ومنها نهر الغراف وهذا يصب فيه من بز البدعة؛ واليوم في الحمار ظهور كثيرة مغروسة ومأهولة وأكثرها سدود ومحمولة و - جبايش - فكأن تلك البطيحة بحر ملؤه الجزائر.
علي الشرقي(4/477)
فوائد لغوية
أصل ياء النسبة
في لغتنا البديعة ياء النسبة إلى الأعلام. فإنك إذا أردت أن تقول مثلا: هذا الرجل هو من بغداد أو من العراق. استغنيت عن قولك (من بغداد أو من العراق) بقولك: بغدادي أو عراقي. فمن أين جاءتنا هذه الياء؟
إنك تعلم إن ليس من حرف في اللغة العربية إلاَّ وهو مقطوع من كلمة كانت تفيد المعنى المطلوب من ذلك الحرف ولا يشذ من ذلك حرف واحد. فياء النسبة إذا من هذا القبيل. والذي نراه أن الياء مقطوعة من كلمة (قي) بقاف مكسورة وياء مشددة ومعناها في العربية الأرض القفر الخالية؛ والمراد بذلك الأرض التي ينتسب إليها الرجل؛ وأنت تعلم إن الديار كانت في العهد القديم خاوية خالية ومسكن الناس الخيم وبيوت الشعر. فإذا غادروا موضعا لم يبقوا فيها سوى الأطلال والدمن.
وعليه: إن قلت فلان بغدادي أو عراقي فمعناه: بغداد أو العراق قيه أي أرضه أو مسكنه أو موطنه.
أما إن سألت: ولماذا قدرت كلمة (قي) ولم تقدر كلمة أخرى؟
قلنا 1 - لأن ياء التشديد في (قي) لا تجدها في غيرها من الكلم الخفيفة
2 - لأن الكلمة واحدة الهجاء عند الوقف أو ثنائية الهجاء في الدرج والعلماء لا يقدرون من الألفاظ المحذوف بعضها إلاَّ إذا كانت كذلك.
3 - لأن هذه الكلم من اقدم الكلم الواردة في جميع اللغات فهي في الشمرية (قي) أو (جي) كما في العربية. وهي باليونانية (جي أو قي أيضا ولهذا سمى الشمريون ديار العراق في قديم العهد (قان جي) أي (قي القان) بمعنى أرض القان أو القنا وهو نوع من الشجر كالقصب تتخذ منه القسي ينبت في الارضين الرطبة الحارة الإقليم. ومثل القي في العربية القوى (وزان(4/478)
النوى) وقد اختلفت الألفاظ المشتقة منها بالقلب والإبدال إذ منها الجو والجمو والجعوة والجيئة والجوة والقواية والقاع، كما منها جع الرجل: إذا أكل الطين.
4 - إن في (قي) حرفين الأول منهما كثير التقلب ينقل بسهولة إلى حروف شتى فيقلب
همزة عند كثيرين من المحدثين المعاصرين كأهل حلب وبعض سكان بيروت ومصر. فيقولون: آل وآم وأريب، وهم يريدون: قال وقام وقريب. وقال الأقدمون: الافز ومخرنبئ وزهاء مائة، وهم يريدون: القفز ومخرنبق وزهاق مائة.
وقد تقلب تلك القاف جيما مثل سجعت الحمامة وسقعت؛ الجلاط والقلاط؛ جذف وقذف، جد وقد، رتج ورتق، إلى غيرها وهي مئات.
ولهذا نرى العجعجة في قضاعة فإنهم يجعلون الياء المشدودة جيما، فيقولون تميمج في تميمي. وربما حولوا الياء جيما إذا جاورتها عين فيقولون هذا راعج خرج معج وهم يريدون: هذا راعي (بياء مشددة مفتوحة) خرج معي (راجع في هذا الباب المزهر 109: 1 من طبعة بولاق الأولى. وتاج العروس في مادة عجعج) وقال في المزهر (110: 1): (ومن اللغات المذمومة إبدال الياء جيما في الإضافة، نحو غلامج (أي غلامي) وفي النسب نحو بصرج وكوفج (أي بصري وكوفي) أهـ. فالظاهر إن هذه اللغة أما من باب قلب ياء (قي) الأصلية جيما أو من باب قلب القاف جيما، محافظة على اصلها.
وقد تقلب القاف هاء وغينا وصادا وعينا وتاء وطاء وفاء ودالا وحاء وخاء وشينا وسينا وراء وزايا وواوا. ولنا على ذلك شواهد من كتب اللغة وقد اجتزأنا بما ذكرنا لكي لا نطيل الكلام في غير مقامه.
هذا رأينا في أصل ياء النسبة وإن كان لغيرنا رأي يخالفه ويثبته بأدلة من أقوال العلماء وآراء اللغويين فليأتنا به ونحن له من الشاكرين سلفا.
أنوفلس لا أبوفلس
انوفلس بعوضة تنقل البرداء. والكلمة يونانية معناها (المؤذية) وهي كذلك حقيقة. إلاَّ أني سمعت أحد الأدباء يقول: هي ابوفلس لا انوفلس،(4/479)
والكلمة عربية لا يونانية. وهي مركبة من (ابو) أي ذو. و (فلس) أي قطعة من الدرهم خسيسة الثمن، وسبب تسميتها بذلك، لأنك ترى على ظهري جناحيها نكتة كأنها الفلس. ولا يشترط بأن يكون ذلك الفلس مدورا أو طويلا لأن أشكال الفلوس كانت تختلف باختلاف البلاد والأزمان.
قلت له: هذا يشبه قول السلف إن هذه الألفاظ وهي: أبو قلمون وأبو خراش وأبو حلسا (وهو الشنجار وقد ذكره الزبيدي في تاجه في مادة شنجر) عربية والحال أنها كلها دخيلة في لغتنا، واصل أبو حلسا: انوخلس فصحفها بعضهم كما صحفنا الآن انوفلس.
الزرطقة
في المقتطف (377: 59) مقالة حسنة في تقدم العلوم والفنون الزراعية لصاحبها الأمير مصطفى الشهابي ذكر فيها أن الزرطقة (تأتي بمعنى وصف الخيل وتربية الخيل وهي معربة عن الفارسية قديما) ونحن نتحدى الكاتب في إثبات هذا المعنى في مصنفات العرب كما نتحداه في ذكر اللفظة الفارسية المعربة عنها. أما الصحيح فهي رومية (لاتينية) الأصل راجع ما كتبناه في مجلتنا هذه 411: 4.
الفسيولوجية أو علم الخلقة
اختلف الكتاب في وضع لفظ مقابل للإفرنجية فسيولوجية فمنهم من قال (علم وظائف الأعضاء) وهي أطول من يوم الصوم، وتركها من المستحسنات؛ ومنهم من زادها طولا فقال: علم وظائف المخلوقات الحية وآخرون علم تركيب الحيوان وجماعة علم القوى النباتية والحيوانية وفريق علم الموجودات الحيوية وفي الآخر جاء من قال الفسلجة. وكل ذلك يدل على إن الكتّاب ذهبوا كل مذهب في تعريب الألفاظ، وعندنا إن الكلمة لو تعرب معنويا تغنينا عن كل هذه الأوضاع الغريبة ففسيولوجية مركبة من كلمتين من فوسي أي
طبيعة أو خلقة ولوغوس أي علم أو كلام ومحصلها علم الخلقة وأنت خبير بأن خلقة الأعضاء موضوعة على القيام بوظائفها فقولك علم الخلقة أوفى بالغرض من سائر تلك المصطلحات وعلماء الخلقة أو (الخلقيون) بكسر الأول هم الفسيولوجيون كما قال الأقدمون في علم النحو نحويين أو نحاة.(4/480)
باب المكاتبة والمذاكرة
خواطر
لحضرة (كذا) الأستاذ الفاضل الأب انستاس ماري الكرملي المحترم
طالعت الجزء السابع من مجلتكم لغة العرب الزاهرة، وعن لي أن اذكر كلمة فيها. راجيا طبعها بحروفها:
1 - في صفحة 402 سطر 8 عبارة (ممن أسرف في اللغة) فلم يصل معنى هذه العبارة لذهني (كذا) الكليل مع أن الكتاب هو رد على من طعن في مذهب السلف.
(ل. ع) السرف والإسراف في اللغة؛ مجاوزة القصد والمعنى واضح بعد هذا.
2 - ص402 س18: (كلط بالكاف الفارسية بمعنى رطن وألقى الكلام على عواهنه ويسمي العراقيون هذا الكلام تكليط) فلا يوجد في العراقيين من يقول ذلك. بل يقولون جلط بلام مشددة والكلمة عربية (جلط الرجل إذا كذب) من لسان العرب وهم يقولون كلط بكاف فارسية ولام مشدة (كذا) أي تقدم لعلها محرفة من كلأ (كذا) وكلأ السفينة من الشاطئ أدناها منه (قاموس) فاستعملوها للتقدم. (كذا)
(ل. ع) كلط بالمعنى الذي ذكره الكاتب الأول نصرانية عراقية مشهورة أشهر من قفا نبك.
3 - في ص409 (كالوك المنحرف الشكل من الحجارة ينطق به البناؤن في العراق) والحال أن الكالوك عند البنائين الحجر المنحوت من جهتيه نحتا متقنا ليكون في الزاوية ولم اعلم له مصدرا (كذا أي لا اعلم اصله)، لأن اغلب أدوات البنائين من الفرس ولكني لم اعثر عليها في لغتهم.
(ل. ع) أراد الكاتب بمنحرف الشكل منحرف الزاوية وهو واضح فلا إشكال بعد هذا(4/481)
4 - في ص415 بحثكم في أن ميم معروف ومعترف ومصحف ومكنسة اصلها من (من) الإنكليزية ومرء العربية بمعنى رجل فيحق لكم أن تتمثلوا بقول الشاعر:
وأني وأن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل
(ل. ع) لم نقل من (من) الإنكليزية وإنما ذكرنا لها مشبها في الإنكليزية فليراجع ثم أن العلم اجتهاد لا وحي أو الهام.
5 - في ص417 س10 ذكرتم الفقير من قرى الاحساء وهي العجير كما ينطقون بها أو العقير تصغير عقر (كذا) كما ذكرها ياقوت في معجم البلدان.
(ل. ع) أصبتم والخطأ من الطبع ولكنها تصغير العقر لا عقر.
6 - ص417 آخر سطر (فلعل ينفسح بعد ذلك) ولم أر لعل داخلة على مضارع بتة فأرجو إيضاح ذلك.
(ل. ع) كتبنا في الأصل (لعله) فسقطت الهاء وفي مجلتنا أغلاط طبع أخرى غير هذه وجل من لا عيب فيه.
7 - ص421 س21 ذكرتم (والباون هو نصف كيلو) وحيث أن مجلتكم ربما تقع في يد من يستشهد بها لما لكم من المقام والشهرة في الاطلاع فيظن الأمر حقا والحال أن الباون هو الليبرة ووزنها 140 درهما بينا نصف الكيلو 156 فالفرق نحو العشر آمل أن تبادروا لتصحيحه (كذا)
(ل. ع) اللبرة هي الباون لكن ثقل اللبرة يختلف باختلاف الأماكن والأزمنة هذا ما نص عليه لاروس في معجمه، فإن كنتم اعلم من الإفرنج بمصطلحاتهم فندع لكم الأمر ولا نماريكم فيه. أما المشهور عندهم فهو أن اللبرة نصف الكيلو ولا يهمنا ما يجري في بغداد.
8 - ص427 س20 قلتم (وعبارة هذا التصنيف وسط بين العامي والفصيح وأغلاط الطبع متوفرة فيه إن شاء الله تعالى) ولم اقف على إدخال هذه الجملة على الماضي بل هي للمستقبل وفي الآية الكريمة: ولا تقولن لشيء أني فاعل ذلك غدا إلاَّ إن يشاء الله (الكهف) فإن وجدتم أن العرب أدخلتها على ماض آمل أن ترشدوني إليه.
(ل. ع) من خصائص اللغة العربية أن الماضي فيها يأتي بمعنى المستقبل وبالعكس نحو قوله ستجدني إن شاء الله من الصابرين. فهذا ماض (أي شاء) يدل على مستقبل ونحو(4/482)
قوله (وما تشاءون إلاَّ إن يشاء الله) وهذا يدل على ماض إن شئت وعلى مضارع إن شئت أيضا إذ معناه ما شئتم شاءه الله وما تشاءون إلاَّ إن يشاء الله.
9 - ص438 س7 قلتم (أبو جويريد) والحال أن عموم العراقيين بدوهم وحضرهم يسمون العشر الأول من كانون الأول الرومي جويريد لأن فيه يجرد الورق عن الشجر فأعتبر أنه الفاعل. فهي جرد (كذا) صغرت إلى جريد (كذا) ثم صغرت إلى جويريد (كذا) ولم يكنها
أحد بتة، فإن وقع ذلك آمل الإرشاد إليه.
(ل. ع) إن سمى العامة البرد الذي يجرد الأوراق (أبا جويريد) فمحقون وأن سموه (جويريداً) فمحقون أيضا إذ لا حرج في مصطلحاتهم. أما أن كنتم سمعتم جويريدا فلقد سمعنا أبا جويريد. وأما أن جويريدا هو اجرد صغرت (إلى) جريد ثم صغرت (إلى) جويريد فهذا في لغة يجهلها الذين في السموات والذين على الأرض ولعلها في لغة يجهلها الشياطين أنفسهم ولا يعرفها إلاَّ الصديق المحبوب حرسه الله أو يحرسه الله إن شاء الله أو إن يشاء الله على ما يحب وتهوى نفسه. فيصح حينئذ هنا قول الشاعر:
وأني وأن كنت الأخير زمانه ... لات بما لم تستطعه الأوائل
هذا وإن يكن ما ذكرتموه هو من استعمال نصارى بغداد خاصة فيلزم التنبيه ولا تلقوا تبعة البعض على الكل.
(ل. ع) هو من باب إطلاق الجزء على الكل.
وأما ما قلتموه لي من أن تبعة ما يحرر يسئل (كذا) عنها كاتبها فإني أرى أنكم بقبولكم لها قد رضيتم عنها لذا اوجه أسئلتي لكم (كذا) وأرجوكم العفو والسماح (كذا) سيدي.
عبد اللطيف ثنيان
(ل. ع) أما أن كل إنسان مسؤول عن أعماله لا عن أعمال غيره فهو مما لا يحتاج إلى برهان (وأرجو العفو (والصفح) سيدي).
المصري
عند الإفرنج كلمة لم يتفق كتّاب العصر على نقلها إلى العربية وهي ويراد بها بيت من زجاج مختلف السعة تحفظ فيه بعض الأشجار والنباتات التي يخشى عليها من البرد الشديد أو الثلج، والكلمة الإفرنجية مشتقة من فعل هو عربي في الأصل وهو صرى أي حفظ ووقى؛ فمعنى اللفظة الإفرنجية إذا المكان الذي تحفظ فيه الأشجار. ومن عجيب قول لتره اللغوي الفرنسي أن صواب كتابة فعل هو براء واحدة لا براءين كما يكتبها وطنيوه.(4/483)
المشابهة بين ألفاظ اللغات
سيدي منشئ مجلة لغة العرب المحترم:
بينما كنت أنقب في بعض القواميس الإفرنجية عثرت على كلمة جليدس اللاتينية التي تطابق لفظة جليد العربية معنى ومبنى، وقد بان لي بعد الفحص والتدقيق أن هذه المفردة قد وردت في كلتا اللغتين المذكورتين ولم يقتبسها فريق من آخر كما وقع غيرهما من المفردات في كثير من اللغات.
ولا بد من أن حضرتكم وقفتم على كثير من أمثال هذه الكلمة في أبحاثكم اللغوية فهل تجودون بنشرها على صفحات مجلتكم ليحيط بها علما من يهمه الوقوف على دقائق الحقائق. وأبقاكم الله سيدي منارا ساطعا لحل المشاكل والمعضلات.
رزوق عيسى
(لغة العرب) إننا نجيب طلبكم إذا انفسح لنا المجال: إلاَّ إن كثرة المقالات المكدسة عندنا والتي تقع في أجزاء سنة بأسرها، لا تدعنا أن ننشر منها شيئا في هذا العام.
حضرة الأستاذ الفاضل مدير مجلة لغة العرب المحترم:
ظهر لي أثناء دراستي اللغة الفرنسية على أستاذ يحسن اللغة الكردية أن هناك تشابها يكاد يكون كليا بين اللغتين (الفرنسية والكردية) وهذا ما حملني على أن أرى أن هناك علاقة بين الأمتين، ولا سيما بعد أن علمت أن بين الأكراد من يسمون (الجلوا) وهذه الكلمة تكاد تشبه الكلمة الافرنسية غلوا أو جلوا، فهل لكم أن توضحوا لنا هذا في مقال يكون شافيا بالمرام ولكم الشكر سلفا سيدي.
عبد الحميد حمدي
(لغة العرب) لا ينكر إن بين اللغتين تشابها حقيقيا لأن أصل الأكراد آريون أي من أصل الفرنسيين فلا عجب بعد هذا إذا وجدت مشابهة بين ألفاظهم وألفاظ الغاليين. أما إن (الجلوا) تشبه (الجلوا) الثانية التي بمعنى الغاليين فمن باب المصادفة لا غير.(4/484)
أسئلة وأجوبة
سألنا صاحب مجلة الحارس على من اعتمدنا في نقدنا كتابه حينما قلنا إن الجري هو السلور وليس بالحنكليس الذي هو الجريث. وإن الرخمة ليست بالشوحة. وأشهره دون شهره صحة. والكهربا مقصور لا ممدود والنسبة إليه كهربية لا كهربائية. وإن قولك فرنساوي خطأ والصواب فرنسي وإن كان يجوز لك أن تقول حيفاوي وعكاوي ونمساوي وجرجاوي.
1 - الجري هو السلور والجريث هو الانقليس
قلنا: قال ابن البيطار في مادة جري من مفرداته: (قال) اسحق بن سليمان أهل مصر يسمون الجري: السلور وهو حوت كثير اللزوجة والسهوكة جدا. وقال في مادة السلور: هو الجري. قلنا: وابن البيطار في هذا الموضوع حجة ويقال في السلور الصلور بالصاد. أما الحنكليس هو الجريث أو المارماهيج فظاهر من استعمال العراقيين له. وفي لسان العرب في مادة جريث: الجريث بالتشديد: ضرب من السمك معروف ويقال له الجري. روي إن ابن عباس سئل عن الجري فقال: لا بأس إنما هو شيء حرمه اليهود. وروي عن عمار لا تأكلوا الصلور والانكليس. قال أحمد بن الحريش: قال النصر: الصلور الجريث والانقليس المارماهي. وروي عن علي (عم) أنه أباح أكل الجريث. وفي رواية أنه كان ينهي عنه وهو نوع من السمك يشبه الحيات. ويقال له بالفارسية المارماهي. أهـ
فهذا الكلام الأخير هو الذي يجري عليه العراقيون إذ يسمون السلور جريا والجريث مرمريجا (أو مارماهيجا كما هو المألوف في تعريب الأسماء الفارسية) المنتهية بهاء أو ياء أو واو أي أن العرب تزيد بعد الياء والواو جيما وتبدل الهاء الأخيرة من الجيم) ونظن أن هؤلاء الذين ذكرناهم أعلى حجة من صاحب محيط المحيط.(4/485)
2 - الرخمة ليست بالشوحة بل الشوحة هي الحدأة
قال الدميري في كتاب حياة الحيوان في ترجمة الشوحة: قال ابن الصلاح في الفتاوى أنها الحدأة وقد تقدم ذكرها في باب الحاء المهملة - والحدأة يسميها العراقيون الحديا إلى عهدنا
هذا. وقد ذكر الاسمين صاحب اللسان وقد رأينا وسمعنا أهل سورية يسمونها الشوحة. إذن هذه حقيقة لا شك فيها ثم أن الحدأة طائر يصيد الجرذان كما صرح به جميع اللغويين وعلماء الطير. أما الرخمة فقد قال عنها الدميري: طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة وكنيتها أم جعفر وأم رسالة وأم عجيبة وأم قيس وأم كبير ويقال الانوق. والجمع رخم والهاء فيها للجنس. . . ويقال لها ذات الاسمين لذلك. . .
وقال عن الحذاة (الشوحة) الحداة بكسر الحاء المهملة: احسن الطير وكنيته أبو الخطاف وأبو الصلت. . . وهي لا تصيد وإنما تخطف. ومن طبعها إنها تقف في الطيران وليس ذلك لغيرها من الكواسر. . . أهـ. فهذه نصوص واضحة على أن الرخمة غير الحداة أو الشوحة، ولو كان الاسمان لطائر واحد لاتفقت الأسماء والكنى والأوصاف.
3 - أشهره بمعنى شهره غير ثبت
قال في المصباح: شهرت زيدا بكذا وشهرته بالتشديد مبالغة. وأما أشهرته بالألف بمعنى شهرته فغير منقول. أهـ. فأين بقي صاحب محيط المحيط ومن اتبعه؟ ونظن إن صاحب الحارس يضع الفيومي فوق البستاني. هذا فضلا عن أن صاحب محيط المحيط يقول: (وأشهره بمعنى شهره وهو غير ثبت)
4 - الكهربا لا الكهرباء والكهربية لا الكهربائية
قد كتبنا ما يكفينا في هذا المعنى فليراجع (234: 4 - 235)
5 - لماذا يقال مثلا حيفاوي ولا يقال أبدا فرنساوي
يقال مثلا حيفاوي ولا يقال فرنساوي لأن ألف حيفا واقعة رابع حرف وأما ألف فرنساوي فواقعة خامس حرف. وفي مثل النسبة إلى حيفا يقال حيفي وهو الأحسن وحيفاوي وهو دون السابق حسنا وحيفوي وهو دون حيفاوي فصاحة. قال سيبويه في كتابه (77: 2 من طبعة مصر القاهرة) هذا باب(4/486)
الإضافة إلى كل اسم كان آخره ألفا زائدة لا تنون وكان على (أربعة حروف) وذلك نحو حبلى ودفلى. فأحسن القول فيه إن تقول حبلي ودفلي لأنها زائدة لم تجيء لتلحق بنات الثلاثة ببنات الأربعة فكرهوا أن يجعلوها بمنزلة ما هو من نفس الحرف وما أشبه ما هو من نفس الحرف. وقالوا في سلى (وزان دفلى) سلي (بكسر الأول
وتشديد الثاني المكسور وبتشديد ياء النسبة) ومنهم من يقول دفلاوي فيفرق بينها وبين التي من نفس الحرف بأن يلحق هذه الألف فيجعله كأخر ما لا يكون آخره إلاَّ زائدا غير منون نحو حمراوي وضهياوي فهذا الضرب لا يكون إلاَّ هكذا فبنوا هذا البناء ليفرقوا بين هذه الألف وبين التي من نفس الحرف وما هو بمنزلة ما هو من نفس الحرف فقالوا في دهنا: دهناوي وقالوا في دنيا: دنياوي. وإن شئت قلت دنيي على قولهم سلي. ومنهم من يقول حبلوي فيجعلها بمنزلة ما هو من نفس الحرف. وذلك أنهم رأوها زيادة يبنى عليها الحرف ورأوا الحرف في العدة والحركة والسكون كما هي فشبهوها بها كما أنهم يشبهون الشيء بالشيء الذي يخالفه في سائر المواضع) أهـ كلام سيبويه
وفي لسان العرب في مادة حبل: قال أبو زيد: ينسب إلى الحبلى: حبلوي وحبلي وحبلاوي أهـ. وكذا في سائر كتب اللغة المشهورة.
أما أنه لا يقول فرنساوي أبدا بل فرنسي والأول خطأ صريح قبيح والثاني صحيح مليح فواضح من كلام سيبويه أيضا فقد قال في كتابه (78: 2) ما هذا نصه بحرفه:
(هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ألفا وكان على خمسة أحرف. تقول في حبارى حباري، وفي جمادى جمادي. وفي قرقرى قرقري. وكذلك كل اسم كان آخره ألفا وكان على خمسة أحرف. وسألت يونس عن مرامى؟ فقال: مرامي (كل ذلك بتشديد الياء) جعلها بمنزلة الزيادة. وقال: لو قلت مراموي لقلت حباروي كما أجازوا في حبلى حبلوي؛ ولو قلت ذا لقلت في مقلولى مقلولوي؛ وهذا لا يقوله أحد (هل سمع زميلنا هذا الكلام؟) إنما يقال مقلولي. كما تقول في يهيرى يهيري. فإذا سوى بين هذا رابعا وبين ما الألف فيه زائدة نحو حبلى. لم يجز؛ إلاَّ إن تجعل ما كان من نفس الحرف إذا كان(4/487)
خامسا بمنزلة حبارى؛ فإن فرقت بين الزائد وبين الذي من نفس الحرف دخل عليك أن تقول في قبعثرى قبعثروي لأن آخره منون، فجرى مجرى ما هو من نفس الكلمة فإن لم تقل ذا، وأخذت بالعدد فقد زعمت انهما يستويان وإنما ألزموا ما كان على خمسة أحرف فصاعدا الحذف لأنه حين كان رابعا في الاسم بزنة ما ألفه منه كان الحذف فيه جيدا، وجاز الحذف فيما كانت ألفه من نفسه. فلما كثر العدد كان العدد لازما، إذ كان من كلامهم أن يحذفوه في المنزلة الأولى، وإذا ازداد الاسم ثقلا كان الحذف الزم، كما أن الحذف لربيعة الزم حين
اجتمع تغييران.
(وأما الممدود مصروفا كان أو غير مصروف، كثر عدده أو قل، فإنه لا يحذف (ليتميز الممدود من المقصور) وذلك قولك في خنفساء خنفساوي وفي حرملاء حرملاوي، وفي معيوراء معيوراوي. . . أهـ كلام سيبويه. إذا في كهرباء (إن مددتها) كهرباوي لا كهربائي كما هو الشائع غلطا.
وقد نقلنا هذا الكلام بطوله وعرضه لأن كثيرين يجهلون قواعد النسبة أو الإضافة في مثل الألفاظ التي ذكرناها. وهل بقي لحضرة الزميل شك في ما خطأناه فيه. إذا لغة العوام شيء (وهو قولهم فرنساوي وأورباوي وكهربائي) مثلا ولغة الفصحاء شيء آخر (وهو قولهم فرنسي وأوربي وكهربي) أما مؤلف محيط المحيط (الذي يقول عنه صاحب الحارس: نرده إلى حجة اللغة المتفق عليها اليوم (كذا وامسك نفسك عن الضحك) إلى قاموس محيط المحيط الذي يجب على حضرته وعلى سائر المشتغلين في اللغة (كذا) أن يطأطئوا له الرأس احتراما (وهذه المرة الأولى نسمع أن محيط المحيط حجة في اللغة) فإنه قال: فرنسا بلاد في أوربا والنسبة إليها فرنسوي. فالخطأ إذا ظاهر منه ومن أستاذه ولا سيما لأن العرب عربت قديما كلمة فرنسة بصورة إفرنجة أو فرنجة وقالت في النسبة إليها: إفرنجي أو فرنجي ولم يقولوا افرنجاوي أو فرنجاوي. ثم أطلقوا هذا اللفظ على كل أوربي وأن لم يكن من فرنجة من باب التوسع.
ونظن إننا أشبعنا هذا الموضوع كلاما لكي لا نعود إليه مرة ثانية. ولكي يعلم الكتبة أن الكثيرين منهم يعثرون في هذه العقبة وأن المصيبين هم قليلون إذ ما اكثر العوام وما اقل الخواص. وما اكثر الغلط وما اقل الصحيح!(4/488)
باب المشارفة والانتقاد
40. أسباب النهضة العربية في القرن التاسع عشر
تأليف أنيس زكريا النصولي، طبع في بيروت سنة 1926 في 142ص بقطع 12.
صديقنا أنيس زكريا النصولي من شبان العصر المنورين. لا يكتب في موضوع إلاَّ من بعد أن ينعم النظر في جميع أجزائه على ما يقول به أبناء الشرق وأبناء الغرب معا؛ ولقد عرف بهذه المزية منذ تلقيه العلم في جامعة بيروت الأميركية وهذا الكتاب فاز (بجائزة هوردبلس الأولى) حين أعلنت الجامعة المذكورة أنها تكافئ بها من يفوق غيره في الموضوع الذي صرحنا باسمه. وكان ذلك في سنة 1924.
والحق يقال إن (أسباب النهضة) حسنة التبويب إذ سرد صاحبها بعضها على أسلوب يسترعي الأنظار والأفكار. على إننا نستأذن صاحبها في إبداء بعض ما عن لنا في أثناء مطالعتها.
إننا نرى عنوان الرسالة أوسع من الموضوع الذي عالجه وإن شئت تشبيها فقل أن الثوب على هذا الجسم فضفاض. ولو عنونها (بأوائل النهضة العربية في سوريو ومصر) لوافق الاسم المسمى أما أنه وسمها بأسباب النهضة العربية وهو قد اغفل ذكر ما يتعلق بها في العراق وجزيرة العرب وغيرهما من الديار الضادية اللسان فليس في ذلك تدقيق ولا تحقيق.
ثم إننا لا نرى (نهضة) حقيقية في البلاد التي تكلم عنها. إنما فيها (أوائل نهضة) فلو كان فيها نهضة حقيقية؛ لكان فيها ما كان فأين علومنا المختلفة، وصنائعنا المتعددة. ومعاملنا المتنوعة ومصانعنا التي تهيئ لنا الوسائل ليكون أبناء ديارنا غير محتاجين(4/489)
إلى الأجانب إلاَّ في القليل. فهذه كلها وغيرها تشير إلى إن ليس لنا نهضة حقيقية بل (أوائل نهضة) لا غير.
وللصديق بعض آراء يشم منها تحقير أبناء العرب آباءنا. فقد قال مثلا في ص20 (برعت البلاد الشرقية في العلوم الكلامية الجدلية التي ليس من ورائها كبير فائدة وكادت أن لا تتحرك إلى الحياة العملية. . .) قلنا - لكل علم فائدة وغاية. ولعلوم الكلام والجدل منافع
غير منافع علوم الطبيعة. ولو قال في مكان هذه العبارة: وقد اكتفى أبناء بلادنا الشرقية بعلوم الكلام والجدل ولم يعنوا بمرافق الحياة وعلوم الطبيعة لكان له عذر. وإلاَّ لماذا لا يعيب على أبناء الغرب مثل تلك العلوم التي ترى في بلادهم وكتبهم في علم الكلام والجدل تفوق بعددها ما ينشر في ربوعنا. وذكر مثل هذا المعنى في ص58 وزاده به فليراجع
وقال في ص40 (ويقول محبذو فكرة التعليم باللغات الأجنبية أن العلم العصري يسير مسرعا نحو الرقي لما يستجد دوما من الاختراعات والمبادئ الطبيعية والاجتماعية التي يصعب على التلميذ تتبعها باللغة العربية لقصور التعبير فيها. عدا ما يقتضي من المصارف الباهضة وعدم رواج سوق الأدب والعلم في ديارنا. هذه أدلة وجيهة، ولكنها لا تنفي أنها ضربت اللغة العربية العلمية في قلبها. إذ فقدت التأليف العلمي المطلوب من خريجيها المطلعين على نواميس النشوء والارتقاء العصرية. . .) إلى آخر ما قال.
ونحن لا نوافق الكاتب على تصويب رأي من يدعي قصور التعبير في العربية فهذا عذر يبديه الأجانب في بلادنا ليحببوا لنا لغتهم ويزينوها في عيوننا ويحقروا في نظرنا لغتنا وآدابها وقوميتها. ولو انصف المنتقدون لرأوا إن ليس من قوم في العالم يكتفي بلغته ويستغني عن غيرها مثل أبناء لغة الضاد. فإن عصر العباسيين شاهد عدل في ما نقول والمصنفات الموضوعة في كل فن وبحث ومطلب وموضوع يفند ما يزعمون. نعم إن تعلم اللغات الدخيلة واجب في عصرنا هذا للاطلاع على ما يجري في العالم، لكن تعلم اللغات الأجنبية شيء والقول بقصور العربية شيء آخر. إذا قول الكاتب (هذه أدلة وجيهة) تأييدا لزعم الفرنجة أو المتفرنجة غير وجيه البتة.(4/490)
ولا يمكننا إن نتتبع المؤلف في جميع آرائه وأقواله فإن مجلتنا تضيق عن ذكرها ونقدها والرد عليها. ولعلنا نعود إلى الموضوع في فرصة أخرى أن سنحت لنا أو لغيرنا.
لكننا كنا نود أم تنقح عبارته من الأغلاط التي وقعت فيها إذ لا تخلو صفحة منها. ومما سيتوقف النظر أغلاط الأعلام الإفرنجية المكتوبة بالحرف الإفرنجي فالإصابة فيها يكاد يعد شذوذا. فمن الأولى كقوله في المقدمة ص3 ففاز هذا البحث. والصواب ففاز هذا البحث بها (أي بالجائزة) وكقوله فيها لذلك أجرأ أن أخرجه والصواب اجرؤ وكقوله فيها على أشهر الثقاة والصواب الثقات لأنه جمع سالم مؤنث لثقة وليس بجمع مكسر. وكقوله فيها وأني
لأقدم خالص شكري لمجلة الكلية. والأحسن أن يقال إلى مجلة الكلية وكقوله فيها اللتين تكرمتا بنشر. . . وتكرم غير فصيح بالمعنى الشائع عند العوام والصواب اللتين جادتا بنشر. . . وفيها وجميع الأخوان الذين ساعدوني والأحسن والى جميع الأخوان. . .
ومن أغلاط الأعلام الإفرنجية ما يرى في الصفحات الآتية مثلا في ص127 إلى ص132 فإنك لا تكاد تهتدي إلى الاسم الإفرنجي، وإذا كان العلم مكتوبا على هذا الوجه من السقم والوهم فخير للكاتب أن لا يدونه لأن الخطل يزيد رسوخا في الذهن إذا كان هناك ما يزيده تمكنا فيه. وأملنا أن المؤلف يزيد كتابه تحقيقا في طبعته الثانية.
41. الدولة الأموية في الشام
تأليف أنيس زكريا النصولي، طبع بمطبعة دار السلام في بغداد سنة 1927 في 360 ص بقطع الثمن الصغير.
المستشرقون الذين سبروا تاريخ العرب ووقفوا على عجره وبجره شادوا بذكر الأمويين ورفعوهم إلى أوج الفضل والرقي. وصرحوا بأن الخلفاء الراشدين أفادوا الإسلام من جهة شؤون إرشاد الأمة إلى الدين الحنيف، أما الأمويون فإنهم عرفوا جميع افانين الحضارة الراقية، واختبروا أصول القراع(4/491)
والدفاع، حتى انتشرت في أقطار الأرض سمعة العرب لدربتهم في المغازي والحروب على أحسن وجه عرفت في عهدهم. ولهذا ناوأهم كثيرون حتى من أبناء عدنان أنفسهم، من أولئك الذين كانوا يريدون أن يصرعوهم بعد أن يجندلوهم من علو عرشهم، ولما لم يتمكنوا من البلوغ إلى أمنيتهم في ذلك العهد أوسعوهم شتما وسبا وكالوا لهم الكذب جزافا.
على إن التاريخ قد حفظ لهم في بطونه حقائق لا تتشوه وأن مسخها أعداؤهم ولم نر من الناطقين بالضاد من قام يثأر لهم مثل صديقنا الوفي (أنيس زكريا النصولي) فإنه انشأ هذا الكتاب بروح جردة من كل تعصب أو انحياز إلى قوم أو إلى مذهب فجاء كتابه من احسن ما كتب في التاريخ فضلا عن بني أمية.
ولا جرم أن الحقيقة التي شبهها العلماء في كل عصر ومصر بالشمس الساطعة النور لا توافق الخفافيش، أولئك الذين يريدون أن يعيشوا في الظلمات وأن يعيش معهم في تلك الحنادس كل من ضارعهم هذا السفر الجليل يثير قوما على صاحبه لكن ماذا يضره سب
الجهلة إذا اقر لعلمه الجم وأدبه الوافر أصحاب الدراية ومحبو التاريخ الصادق. لابد للمرء من قادح ومادح، لابد له من عدو وصديق فخير لذلك المرء أن يكون عدوه القادح به من صغائر الكتبة ودهمائهم من أن يكون له عدوا من هم من أصحاب القدم الراسخة في تعرف الأخبار وترسم الأنباء وتوسم الحقائق.
على إن إقرارنا بفضل الكاتب المحقق لا يزين لنا استحسان كل ما ورد فيه ففي تصنيفه بعض الشوائب كنا نود أن تكون خالية منها من ذلك:
1 - خلوه من فهارس للأعلام. فالكتاب الذي عدد صفحاته يناهز الأربعمائة يليق به أن يزين بفهارس ليتمكن المطالع من الرجوع إليه عند الحاجة.
2 - اختار لكتابة الأعلام الإفرنجية حروفا لا يقرأها إلاَّ إبليس ولا تكاد كلمة من تلك الأعلام تسلم من خطأ. وقد اختار أيضا خط الرقعة للإشارة إلى مضامين الفصول، وفي تلك الحروف نقص يظهر في بعض الكلم إذا ما انعم القارئ نظره في استجلائها.
3 - عني الكاتب اشد العناية بالفصل الأول، وما اقبل على الفصل الثاني إلاَّ(4/492)
نشأ في صدره بعض السأم؛ لأنه في الفصل الأول ذكر الشواهد في الحاشية بعد أن اتخذ معنى عبارة من استشهد بهم واستخلص زبدتها. وأما في سائر الفصول ولا سيما في الأخيرة منها، فإنه يروي نصوصهم رواية طويلة عريضة ليدعم بها رأيه. ولقد كان في غنى عنها لو لخصها تلخيصا وأحال النظر في اصلها على المورد الذي نهل منه، ذاكرا ذلك في الحاشية على ما فعل في أول كتابه.
4 - ذكر بعض أشياء لا نظنها توافق موافقة صحيحة لأحوال ذلك العهد من ذلك ما ذكره في ص292 في قسم (مآكلهم المحبوبة) إذ قال: (ومن مآكلهم المحبوبة (أي مآكل الأمويين ومن كان في زمنهم) التي تراها في الأسواق خصوصا في الشام فهي (كذا. والأحسن حذفها) أولا الفول المنبوت بالزيت والمسلوق وهو يباع مع الزيتون، ثانيا الترمس المملح ويكثرون من أكله، ثالثا الزلابية وتصنع من العجين وهي غير مشبكة، رابعا الناطف ويصنع من الخرنوب ويسمونه القبيط.) أهـ.
فنحن نظن إن هذه المآكل هي للفقراء وللمتوسطي الحال وليس لكبار المملكة أو للأغنياء أو للخلفاء. بل عندنا إن هذه المآكل لم تكن في عهد الأمويين أنفسهم بيد إنها كانت في
الشام في عهد العباسيين أو دوين عهدهم. ولا بد للأستاذ أدلة تدعم رأيه ذاك وكنا نود أن نقف عليها.
5 - المؤلف متساهل في عبارته ولا يتقنها. أما إذا نقل عبارة مصنفي المؤرخين من العرب فالعبارة صحيحة طبعا. ومن عبارة المؤلف قوله ص هـ ونحن بعيدون جد البعد عن التعصب - وبعيد لا تجمع جمع سالم بل تكسر أو تبقى على حالتها. وقال في ص2 (منذ اثني عشر قرنا ونيف) والمشهور عند الفصحاء تقديم نيف على العدد أي انهم يقولون: منذ نيف واثني عشر قرنا. وفيها (وأظلته سماء سورية وهو يانع) والغلط واضح من أغلاط الطبع وهي في الكتاب كثيرة لم تصحح في آخره والصواب يافع. وفيها (في نزاعه المشهور مع علي بن أبي طالب) وهذا غلط قبيح يركب متنه كتبة سورية ومصر والصواب في نزاعه المشهور (لعلي)، لأنك أن قلت حاربته فمعناه قاتلته. أما إذا قلت حاربت معه فمعناه اتفقت معه لتحارب آخر هو عدو لمن أنت في جانبه(4/493)
وبين المعنيين فرق ظاهر. وفيها (فعرف الخليفتين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وطلحة والزبير) ولو قال: وغيرهما مثل طلحة والزبير لانتفى كل وهم من عبارته. وفيها (ثم نراه بعد ذلك قائدا بسيطا من الجيش) وهو تعبير إفرنجي لا يستمرئه العربي الفصيح بل يخير عليه قوله: قائدا من القواد أو قائدا من طائفة القواد.
وهكذا يتعثر المطالع في كل صفحة من صفحات هذا السفر الطيب وربما قد يعثر على ما يورثه ضحكا ففي ص3 يقول: (حين شرط مصر والمغرب طعمة له) ولم يذكر بأي مشرط أو مشراط يشرطهما حتى إذا قتلهما أصبحتا طعمة له. هذا الذي يفهمه لأول وهلة قارئ العبارة. إلاَّ إن المعنى الحقيقي ليس هذا بل هو: شرط (على أن تكون) مصر والمغرب طعمة له. وبين التعبيرين فرق إذ يقول الفصحاء شرط عليه بالبيع لا شرطه.
ومع كل هذه الهنات الهينات نتمنى أن ينتشر هذا الكتاب بين الناطقين بالضاد ليتعلموا ويتقنوا أسلوب المباحث لا أن يتلقوا أقوال السلف على علاتها إذ بينها الغث والسمين، الزين والشين، الصادق والمموه، لغايات كانت في صدورهم أزالها الله عنا وعن أولادنا!
42. تناقص النفوس في العراق أسبابه وطرق تلافيه
محاضرة الدكتور حنا خياط، مدير الصحة العامة في العراق، طبعت في مطبعة العراق في
بغداد سنة 1923 في 48 ص بقطع الثمن.
صديقنا الدكتور حنا خياط من الرجال ذوي الهمم العالية والأشغال السامية والنظر الدقيق. ألقى هذه المحاضرة في الجمعية الطبية البغدادية ليحمل زملاءه الأطباء على تلافي الخطر الذي يتهدد ديار العراق من اضمحلال أهاليه.
فلقد قال إن سكانه كانوا يوما زهاء عشرة ملايين بل عشرين مليونا (ص9) أما اليوم فإنهم لا يزيدون على ثلاثة ملايين. وينسب هذا التناقص الهائل إلى أربع علل: منها إقليمية وأخرى اجتماعية سياسية وبعضها طبية واغلبها إدارية سياسية(4/494)
وهو بعد هذا الإيضاح يذكر ما يجب اتخاذه لتلافي هذه البلايا.
فأنت ترى من هذا البسط الوجيز أن هذه المحاضرة بل قل هذه الرسالة النفيسة مفيدة للجميع، ولا سيما تفيد الأهالي وأصحاب الحل والعقد، بل تهم الأجانب أنفسهم لما فيها من العظات والإفادات.
ولا تخلو صفحة من غلط أو أغلاط طبع؛ ومن جملتها ما ورد في ص10 فقد ذكر اسم (ابن خردويه) وهذا الرجل المسكين لا وجود له في عالم الخلائق إنما هو ابن خرداذبه. كما لا يخفى على حضرته.
43. مملكة جهنم والخمر
للفيلسوف تولستوي، نقله إلى العربية من الروسية صاحب مجلة الإخا، الطبعة الثانية - مصر سنة 1926 في 88 صفحة بقطع الثمن.
تولستوي من فلاسفة الروس في هذا العصر ولد في سنة 1828 وتوفي سنة 1910 والرجل غريب الأفكار والأطوار حتى ابسله السنودس المقدس الروسي في 24 شباط سنة 1901 واعتبره مبتدعا وناكرا الله. على إن المرء مهما أمعن في الشر والفساد قد تصحو له ساعات فينطق بالحق. وكتاب (مملكة جهنم والخمر) كثير الحسنات وإن كان لا يخلو من بعض أفكار تخالف بعض الحقائق على أن لصاحب مجلة الإخاء سهولة عظيمة للنقل من الروسية إلى العربية. ولا يخفى على القارئ ما بين اللغتين من المزايا المختلفة فنحن نهنئ الزميل بهذه المزية بل المنحة. بيد إننا كنا نود أن لا يستعمل مثل: كرس حياته (ص4) وطغمات الشياطين (7) وقفلت قفلا (8) إلى أشباهها لأنها دون قولك مثلا: وقف حياته
وطبقات الشياطين وأقفلت أقفالا.
44. مها
قصة غرامية شرقية مطبوعة في المطبعة السلفية بمصر في 126ص بقطع 12، نظم أحمد زكي أبو شادي.
هذه قصة شابة أعرابية من قبيلة الحويطات في العقبة احبها كبتن إنكليزي(4/495)
اسمه جريفز فأحبته وخالف الإنكليزي قوانين بلاده كما خالفت الصبية طاعة أبيها فانهزما، فكانت النتيجة أن مات العلج في حب مها، ثم انتحرت مها بجانب حبيبها.
افرغ الشاعر العصري احمد زكي أبو شادي فصور الحقائق حتى أنطقها وجاءت تلك الأبيات البديعة تشف عن مقدرة فصاحة شاعرنا وبلاغته وحسن أسلوبه في إيراد الأحداث على أبدع طرز يخلب القلوب ويجلب الأنظار. وقد ختم هذه الأحدوثة المنظومة بأبيات تقبح عمل كل من العاشقين منها هذان البيتان:
هذا مقر رفات خاذل جيشه ... هذا (جريفز) مات موت فرار
وكذاك مرقد من قضت بهروبها ... هذي (مها) هربت من الاخدار. . .)
وقد وقع في ضبط الألفاظ أغلاط طبع كثيرة لا تخلو منها صفحة. فلقد ضبطت (وخذ) الواردة في ص21 بإسكان الذال والصواب بكسرها لأن بعدها (الشكاة) وكذلك تاء (رددت) في ص22 مع أن بعدها (الطبيعة) وفي ص23 (عادلة القوام) ونحن لم نجد عادلة بمعنى معتدلة. ولو قال في مكانها (رائقة) القوام لكانت أهون خطبا. وكل هذه الهنيات ظاهرة لا تشوه شيئا من محاسن تلك الدرة الحسناء.
45. الكتاب الذهبي ليوبيل المقتطف الخمسيني 1876 -
1926
طبع بمطبعة المقتطف والمقطم بمصر 1926 في 240ص مزين بالرسوم
كتاب نفيس بأي اعتبار اعتبرته أن من جهة المحتويات وأن من جهة إتقان الورق والطبع والتصوير فيحق له دون غيره أن يسمى بالكتاب الذهبي وهو مقسوم إلى أربعة أقسام: فكرة الاحتفال وما يدخل هذا الباب من الاستعداد لهذا العيد؛ وحفلة الأوبرا الملكية وما قيل في
هذه الحفلة؛ وقسم المقالات وما بعث به إلى صاحبي المقتطف من المقالات العائدة إلى هذا الموضوع؛ وقسم القصائد التي أنشئت في هذا المقام. فنحن نهنئ صاحبيه ببلوغهما السنة الخمسين من إنشائهما تلك المجلة التي نشرت العلم الغربي في المعالم العربية ونتمنى الاطراد في النجاح ولصاحبيها العمر الطويل الهنيء.(4/496)
46. وثائق تاريخية للكرسي الملكي الانطاكي
البطريرك مكسيموس الثالث مظلوم (سنة 1779 - 1833 - 1855)، بقلم ابن أخيه الشماس توما مظلوم، عني بتعليق حواشيها الأب الياس انداروس البولسي، بمطبعة القديس بولس في حريصا (لبنان) سنة 1926 في 110ص.
تاريخ الشرق في القرن التاسع عشر على حداثة انسلاخه كثير الغوامض لأن أيدي الغايات والمخاوف لعبت به كل ملعب. والصحيح الراوية منه قليل وهذا الكتاب من المحللات لتلك العرى. فنحن نحث الناس على اقتنائه ولا سيما أولئك الذين يعنون بتاريخ الشرق.
وقد وقع في عبارة التوطئة التي هي من قلم الناشر بعض كلم كنا نود أن نعرف موقعها من الاستعمال الصحيح. فهل وردت مثلا عند الفصحاء كلمة: (الشروحات وميوله والفرمانات الشهانبة (ص8) ونهديها لقراء المسرة وجهودنا وفأبواب هدايا المسرة مفتوحة لهم على مصراعيها (ص9) بمعنى: الشروح والأميال والشاهانية ونهديها إلى. . . وجهدنا والأبواب مفتوحة على مصارعها. فنحن هنا في مقام سائلين لا في مقام ناقدين. ونحب الجواب على ذلك والأجر للواقف على طبعه.
48. رواية رفائيل خزامي في آداب المعاشرة
بقلم السعيد الذكر المطران جرمانوس معقد، طبع بمطبعة القديس بولس في حريصا (لبنان) سنة 1926 في 108ص
كتاب كله منافع، ينفع الأديب في معاشرته للناس وينفع كل قارئ لإتقان عبارته الصحيحة السلسة المنسجمة وهو خليق بأن يقتنيه كل إنسان.
49. روزنامة سيدة التلة الكنائسية لسنة 1927
روزنامة أصدرها الاباتي افرام حنين الديراني المدير الحلبي اللبناني وهي جزيلة الفائدة
لأن في ظهر كل ورقة من أيامها فائدة علمية أو دينية أو لغوية أو فنية أو صناعية.(4/497)
باب التقريظ
47. المختارات العصرية
جمع واختيار عبد الحميد حمدي، الجزء الأول طبع على نفقة محمود حلمي، في مطبعة الفرات سنة 1923 في 251ص بقطع 12
لانتقاء مقاطيع الشعر والنثر ذوق خاص لا يظهر حسنه في صاحبه إلاَّ عند جمعها. ولقد اظهر عبد الحميد حمدي من البراعة في هذا الصدد ما قرب كتابه إلى جميع طبقات القراء ولا سيما حبب مطالعته إلى أبناء العصر ممن يودون أن يقفوا على بنات أفكار الغربيين والشرقيين. وكنا نتمنى أن نرى هذه المجموعة خالية من غلط الطبع، إلاَّ إننا نرى - والأسف ملء قلوبنا - يتدفق في كل صفحة من صفحاتها فعسى أن تنتفي منها في طبعة ثانية.
50. الكرخ
جريدة أدبية علمية تصدر في الأسبوع مرة موقتا، صاحب امتيازها ملا عبود الكرخي. مديرها المسؤول توفيق الفكيكي، اشتراكها 5 ربيات في العاصمة و7 في سائر أنحاء العراق، ويضاف إليها أجرة البريد في الخارج.
الملا عبود الكرخي أمير شعراء العوام فكه خفيف الروح لا ينطق بشيء ولا ينظمه كلما إلاَّ تطرب له النفوس. صدرت الصحيفة الأولى في 6 رجب 1345 أو 10 كانون الثاني سنة 1927 فنتمنى لها النجاح والرواج.(4/498)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - البلاط الجديد
أصيب البلاط الملكي بعد هجوم مياه دجلة عليه بأضرار عديدة حتى أصبحت السكنى فيه خطرة. وقد قدمت رئاسة الوزارة لائحة إلى مجلس النواب تتضمن صرف مبالغ لتعمير مدرسة الصنائع وإصلاحها لتتخذ بلاطا في زمن قريب ريثما يبنى بلاط جديد جدير بصاحب الجلالة. أما المدرسة فتنقل إلى محل واسع في محلة السنك.
2 - أعمال شركة النفط التركية
قررت هذه الشركة حفر عشر آبار مختلفة في المواطن الأتي ذكرها:
بئران في الموطن المعروف باسم (الخشم الأحمر) وهو في شرقي نهر العظيم (لا الأدهم كما ينطق به بعضهم ويكتبه بهذه الصورة المنكرة)
وبئر ثالثة في المحل المعروف باسم (الانجانة وهو في شمالي الخشم الأحمر في جبل حمرين.
وبئر رابعة في (بالخانة - في شمال شرقي محطة سلمان بك بين كفري وطوز خورماتي (في جبل حمرين) ومعنى بالخانة بالكردية محل العامل (من باله بالباء المثلثة التحتية أي عامل وخانه أي محل)
وبئر خامسة في طاووق (تصحيف تركي لكلمة دقوقاء العربية)
وبئر سادسة في وادي دقوقاء في محل اسمه خورمور - (في جوار كركوك) ومعناها بالكردية الوادي الذي لون أرضه أحمر مائل إلى السواد.
وبئر سابعة في (طارجيل) في شرقي كركوك ومعنى طارجيل بالكردية الأرض المظلمة من طاري أي مظلم وجيل أي ارض.
وبئر ثامنة في (حصار) شمالي كركوك. وحصار تعرف أيضا ببابا كركور ومعنى بابا الريح الدائم الهبوب وكركور حكاية الصوت الخارج من ذلك الموضع.(4/499)
وبئر تاسعة في (خانوقة) في جنوبي الشرقاط.
وبئر عاشرة في (القيارة) بقرب الموصل (والقيارة مكان يكثر فيه القير أو القار).
وقد اتخذت الشركة المذكورة مركزا لها (قره تبة) ومهدت الطريق بين محطة قره تبة والخشم الأحمر. وفعلت مثل ذلك بين قره تبة والانجانة ومدت جسرا على نهر (نارين صو) فأصبحت تلك الطريق صالحة لسير السيارات عليها.
وبنت عددا جما من الدور والأكواخ للموظفين والعملة في مركز قره تبة والخشم الأحمر والانجانة وبالخانة. وجمعوا في هذه المراكز آلات كثيرة وأدوات للسبر والحفر والنقب وهم يدأبون بجد ونشاط في جميع المواطن المذكورة.
3 - وفاة سليمان نظيف بك
سليمان نظيف بك من مشاهير كتّاب الترك توفي من التهاب في رئته. وكان واليا على الموصل والبصرة وبغداد في زمن الحرب ومن احسن الأتراك أخلاقا وآدابا.
4 - انتشار الأمراض في عبادان
رفع طبيب بلدية عبادان رفيعة إلى مديرية الصحيات في طهران وأشار فيها إلى انتشار البرداء بصورة هائلة في عبادان لما هناك من كثرة النفوس وضيق المكان وإهمال أمر النظافة ووجود المستنقعات. أما الحلاق (المرض الزهري أو الإفرنجي) فالمصابون به خمسة وثمانون من المائة لخلو وسائل مكافحته.
5 - سالار الدولة وسيمكو
تؤكد صحف طهران أن الحكومة العراقية وافقت على تسليم سالار الدولة عم الشاه المخلوع وسيمكو الزعيم الكردي.
6 - تجوال ملكنا في أنحاء الفرات الأوسط
سافر جلالة ملكنا المحبوب في 20 ك2 ليتجول في أنحاء الفرات الأوسط ومعه وزير الداخلية ومستشار وزارة الأشغال لتعهد شؤون الزراعة والري وعاد من جولته في 27 من الشهر المذكور.(4/500)
7 - ثورة الغواصين في البحرين
هجم الغواصون على أسواق المنامة (عاصمة البحرين) فنهبوا ما وصلت إليه أيديهم من البضائع والنقود؛ ثم فروا إلى السفن فركبوها ونزلوا في المحرف وهي بليدة يفصلها عن المنامة خليج تبلغ مسافته ثلاثة أرباع الساعة بالسفينة الشراعية فساروا توا إلى مخزن أحد اللأالين ونهبوا ما فيه من نقود وغيرها ومزقوا دفاتره وأوراقه ثم ادركهم الجند فشتت شملهم. وهذه الحادثة هي الأولى من نوعها في ديار العرب.
ويقال إن سبب وقوعها يعود إلى النقص الذي طرا على إثمان اللآلئ في هذا العام. فحدا بأصحاب رؤوس الأموال من اللأالين إلى الامتناع عن قرض الغواصين على الموسم جريا على العادة المألوفة فأضطر الجوع هؤلاء إلى الثورة والجوع يكاد يكون كفرا على ما في الحديث.
ويخشى الآن أن يسري هذا الروح إلى الديار العربية الغاصة بالغواصين كبلاد دبي، والشارقة (الشارجة)، وأبو ظبي في عمان، وقطر والقطيف ودارين وجبيل الكويت في ساحة خليج فارس.
ويقدر ما يستخرج من الدر في بلاد السواحل العربية بأربعة ملايين ليرة إنكليزية في السنة وذلك على الطريقة القديمة البسيطة.
8 - وسام جليل لملكنا المحبوب
أهدى صاحب الجلالة الملك جورج الخامس إلى صاحب الجلالة الملك فيصل الأول لقب (فارس الصليب العظيم الفخري من رتبة القديسين ميكائيل وجرجيس المتناهية في السمو) فنرفع تهانئنا الصميم الصادقة إلى عرش جلالة مليكنا المحبوب ونتمنى أن تكون مبادلة الصداقة والتكريم بين الحليفين اثبت ضمان لخير البلادين.
9 - قنصل ألماني في بغداد
كانت لدولة ألمانية قنصل في بغداد بقي فيها إلى وقت خروج العثمانيين منها وفي أول كانون الثاني من هذه السنة 1927 قدم إلى الحاضرة القنصل ليتن مع قرينته، فنتمنى لهما طيب الإقامة وحسن الصلة بديارنا.(4/501)
10. وزير الطيران الإنكليزي في حاضرتنا
في 2 من ك2 استقبل في الهنيدي وزراء العراق وجماعات من الأعيان والنواب والموظفين ووفد من البلاط والمعتمد السامي وقائد القوات الجوية وبعض كبار الموظفين الملكيين والعسكريين البريطانيين وزير الطيران البريطاني الذي وصل إلى ميدان الطيران في الساعة الثالثة بعد الظهر فنزلت من الطيارة عقيلة هور ثم تلاها زوجها السر سمويل هور فرحب بهما الجميع.
طال الطيران من الرطبة إلى الهنيدي سبعة أرباع الساعة في حين أن سائر الطيارات تقطع هذه المسافة مدة ثلاث ساعات.
11 - من محاسن المس بل
أوصت المس (جرترود لثجان بل) بعشرة ألف ليرة إنكليزية لمدرسة إنكليزية تعلم الآثار العراقية.
12 - سد وخزان في الحبانية
ادخل مبلغ عشرة لكوك ربية في ميزانية السنة الجديدة لفتح ترعة تصل الفرات بسد (أي بخزان) الحبانية وإصلاح هذا السد على وجه تخزن فيه المياه وقت الفيضان وتعود إلى الشط وقت الصيهود (أي نضوب الماء).
13 - معمل غزل في الكاظمية
افتتح معمل غزل في الكاظمية في 9 ك2 في البستان الواقع في قرب جسر الاعظمية. والمعمل لفتاح باشا وقد شرف الحفلة جلالة مولانا الملك فيصل الأول والوزراء وكثير من الأعيان والنواب وأمراء الجيش. وكانت الحفلة بديعة في جنسها.
14 - التلفون في مدن العراق
تبذل الحكومة جهدها لمد خطوط التلفون بين العاصمة وخانقين وكركوك بأسرع وقت ممكن.
15 - المتقن الطبي العراقي
أنهى ديوان الهندسة رسم بناء المتقن الطبي العراقي ورفعه إلى المراجع ذوي الحل والعقد
وسوف يشاد قريبا من المستشفى الملكي غير بعيد عن دجلة.(4/502)
العدد 43 - بتاريخ: 01 - 03 - 1927
فلب أو فلبس العربي
القيصر الروماني
1 - توطئة
للعرب فضل عظيم في مختلف العلوم والفنون، والصنائع والآداب، ولهم رجال مشاهير، وشعراء خناذيذ، وملوك عباهلة، وقواد إجلاء، سواء كان ذلك قبل الإسلام أم بعده.
على إن هناك رجالات كانوا قبل الدين الحنيف اشتهروا بفكرهم ودرايتهم ودربتهم وحنكتهم إلاَّ أن الناطقين بالضاد لم يذكروهم لأنهم لم يدونوا تواريخهم أو لعلهم دونوها ولم تصل إلينا: بيد إننا وقفنا عليها من معاصريهم الأجانب، إذ ذكروهم في مؤلفاتهم، ولا يسعنا إلاَّ نقلها عنهم وعن أسفارهم. ومن العرب الذين اشتهروا بسطوتهم وسلطتهم وشوكتهم فبلغوا أوج الحكم فلب العربي القيصر الروماني.(4/503)
2 - اسمه ومعناه
فلب وزان سجل (أي بكسر الفاء واللام وفي الآخر باء مثلثة مشددة) أو فلبس (بكسر الأول والثاني وتشديد الباء المثلثة المضمومة وفي الآخر سين مهملة) كلمة يونانية منحوتة من فيلس أي محب وهبس أي الخيل فيكون معناها محب الخيل وكان العرب يومئذ يسمون أولادهم بأسماء مقتبسة من لغات الناس الذين يعيشون بين ظهرانيهم. فالذين كانوا ينزلون في بلاد يونانية اللسان كانوا يسمون أولادهم بأسماء يونانية كفيلبس واسكندر والياس وجرجيس ومرقس ولوقا والذين كانوا في بلاد ارمية اللسان كانوا يسمون أبناءهم بأسماء ارمية مثل ابرهة (أي إبراهيم) وسهدون (أي الشهيد الصغير) وعبدون (أي العبد الصغير) وزيد (أي حار الطبع) وفي البلاد الفارسية كانت أسماء أنجالهم فارسية الوضع مثل قابوس (واصلها كاوس ومنه اسم ملك لهم قديم اسمه كيكاوس أي الملك الكيس أو المنتصر) ودختنوس (اسم امرأة ومعناه بنت المبارك أو الميمون) وبوران (اسم امرأة أي حسنة الذكرى) وأزد (وهي مقطوعة من ازدشير المصحفة عن اردشير أي الملك الأكبر) وبهنم أو بهنام (واصلها بهمن أي الطويل الباع) إلى غيرها.
3 - مولده ونسبه ونشوءه
ولد مرقس يليوس فيلبس العربي، والانبراطور الروماني النصراني، في بصرى في بلاد أدوم (وكانت يومئذ من ديار جزيرة العرب) في نحو سنة 204م وكان والده رئيس قطاع طرق ولما كان على جانب عظيم من الذكاء وحسن الإدارة توصل بجده وسعيه إلى أن عين رئيس محكمة في عهد قيصر غرديانس الصبي ولما زحف إلى الفرس أثار الجند على مولاه غرديانس فقتلوه ونادى بنفسه قيصرا على الرومان ولبس الأرجوان في سنة 244م فعقد عرى الصلح مع الفرس، وترك لهم العراق. وذهب إلى رومة ليعترف به الرومان أنه قيصرهم. فحقق أمنيته وأقام حفلات جليلة، إشادة بذكرى السنة الألف من بناء رومة (سنة 247م).
وفلب هو الذي أعاد بناء عمان في حوران وأقام لها ذلك الذكر الحسن.(4/504)
4 - الأحداث في عهده وأعماله
حاول برابرة الطونة وداقية واشكوزية الخروج على الرومان فسل عليهم فلب عضبا مهندا واراهم من الاعذبة ضروبا وألوانا فكبح جماحهم وردهم على أعقابهم. وكذلك أذاق العلقم الغوطيين والقزوينيين وغيرهم من العلوج العوج (سنة 245م) وبقي يصارعهم ويقارعهم في وقعات شديدة عديدة، فقلم أظفارهم وأعاد إليهم فكرتهم بعد سكرتهم، وليس في إمكاننا أن نأتي على ذكرها في هذه اللمعة الوجيزة.
وما مضت أيام إلاَّ تفجرت عيون فتن أخرى في طول البلاد وعرضها، إذ قام العربي الروماني التبعة يوتبيانس ولبس الأرجوان (أي نادى بنفسه قيصرا) في سورية. وجر معه قسما من الشرق، ثم نهضت جنود مسية وأعلنت لها قيصرا مارينس فأرسل عليه فلب دقيوس وهذا أيضا صرح به جنده أنه قيصر لهم، ثم احتدمت النار بين القيصرين الجديدين ليغلب أحدهما الآخر ويكون هو القيصر الأعظم فيتخذ لنفسه الأرجوان وإذا بوطنينا فلب ذهب ليقارعهما ويوردهما حياض الموت لكن غدر به جنده في فيرونة واغتالوه.
وفي مطاوي ملكه خالف بعض أصول الدين الذي ينتمي إليه وهو النصرانية فشرط عليه بابيلاس أسقف إنطاكية شروطا فأتمها أحسن إتمام وطأطأ رأسه للسلطة العليا.
5 - ولي عهده
لما نودي بفلب انبراطورا أو قيصرا على الرومان شرك معه على العرش ابنه مرقس يوليوس فيلبس المولود سنة 247م وهذا الملك قتل أيضا في سنة 249م في فتنة فيرونة. أو - على ما يراه بعضهم - خنقه في رومة البريطوريون عند بلوغ نعي والده.
6 - النتيجة
إذا هذب ابن يعرب بلغ درجة لا يصل إليها انبغ أبناء الغرب. ومثال (فلب العربي) قيصر الرومان انصع برهان على ما نقول، فليجر على محاسن أعماله أبناء عصرنا هذا.(4/505)
كتاب وفيات الأعيان
حضرة الأستاذ الفاضل الأب انستاس ماري الكرملي المحترم:
أرجوكم نشر هذه الأسطر على صفحات مجلتكم الزاهرة أن رأيتم لذلك مناسبة وعلمتم أن فيه خدمة للأدب العربي ولكم الفضل سيدي:
بينا كنت أطالع في تاريخ وفيات الأعيان للقاضي شمس الدين ابن خلكان لاستخراج فهرس لما فيه من الشعر الرائق خدمة لذلك المصنف الجليل إذ عثرت على بضع غلطات ظننتها لأول وهلة أنها سهو مطبعي في النسخة التي تحت يدي وهي المطبوعة في مطبعة بولاق مصر سنة 1275هـ التي وقف على تصحيح الجزء الأول منها خلا نحو ست ملازم (ناظر دار الطباعة المصرية رب الفصاحة والبلاغة والألمعية حضرة علي أفندي جودة وأما الجزء الثاني فكان تصحيحه بمعرفة الفاضل نصر الهوريني) كما ذكر في آخر الكتاب. فراجعت الجزء الأول المطبوع في باريس سنة 1838م والنسخة المطبوعة في المطبعة الميمنية في مصر سنة 1310هـ والنسخة المطبوعة في بولاق مصر سنة 1299هـ ونسخة أخرى قسم الكتاب طابعة إلى ثلاث مجلدات ولم اقف على اسم المطبعة لفقدان آخر ورقة منه فكانت الأغلاط في جميع النسخ كما هي في نسختي فأحببت بيان ذلك خدمة لذلك التاريخ الجليل.
الأولى
في ترجمة أبي الحسن السري بن أحمد بن السري الكندي الرفاء الموصلي الشاعر المشهور. قال وله أيضا:
وفتية زهر الآداب بينهم ... أبهى وانضر من زهر الرياحين
راحوا إلى الراح مشى الراح وانصرفوا ... والراح يمشي بهم مشي البراذين
وقد علقت في الذهن هذه الأبيات كما يأتي:
وفتية زهر الآداب بينهم ... أبهى وانضر من زهر الرياحين
مشوا إلى الراح مشي الرخ وانصرفوا ... والراح تمشي بهم مشي الفرازين(4/506)
وفيه تشبيه بديع في حركات الرخ والفرزان في رقعة الشطرنج لأن الرخ لا يتحرك إلاَّ
معتدلا فلا يميل يمنة ولا يسرة بل هو أن تقدم تقدم معتدلا وأن تيامن أو تياسر أو تقهقر لا يمشي إلاَّ معتدلا وأما الفيل فلا يمشي في كل حركاته إلاَّ منحرفا من زاوية إلى زاوية فهو يقطع من ركن إلى ركن. وأما الفرزان فهو يمشي مشيتي الرخ والفيل فتارة معتدلا وأخرى منحرفا وهو الطف تشبيه لمشي السكران؛ فكأنه يقول إنهم راحوا بعقولهم يمشون مشي الرخ: وبعد شربهم الراح عادوا والراح تمشي بهم (لأنهم بلا شعور) مشي الفرازين.
الثانية
في ترجمة أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين قال: وكان عبيد الله قد مرض فعاده الوزير فلما انصرف عنه كتب إليه (ما أعرف أحدا جزى العلة خيرا غيري، فإني جزيتها الخير وشكرت نعمتها علي إذ كانت إلى رؤيتك مؤدية فأنا كالأعرابي الذي جزى يوم البين خيرا فقال:
جزى الله يوم البين خيرا فأنه ... أرانا على علاته أم ثابت
أرانا ربيبات الحجال ولم نكن ... نراهن إلاَّ بانبعاث البواعث
وقد كتب مصحح طبعة بولاق الأولى والطبعة ذات المجلدات الثلاثة ما عبارته (قوله البواعث فيه مع ثابت في البيت قبله من عيوب القافية الإجازة) وكتب مصحح طبعة بولاق الثانية ما عبارته (قوله البواعث فيه مع ثابت في البيت قبله من عيوب القافية الأكفاء) والحل لا أرى معنى للبواعث وليس في الشعر نفسه من عيب في قافيته إنما جرى قلم الناسخ الأول بتحريف طفيف فتبع بعضهم بعضا والأصل الصحيح فيما أراه (في انبعاث البواعث) جمع باغتة ولا يمكن أن تخرج العربية سافرة إلاَّ في أمر جلل يقع بغتة.
الثالثة
في ترجمة أبي الحسن علي بن العباس بن جريج المعروف بابن الرومي قال: وكان سبب موته رحمه الله تعالى أن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير الإمام المعتضد كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش فدس عليه ابن فراش فأطعمه خشكانجة مسمومة وهو في مجلسه فلما(4/507)
أكلها أحس بالسم فقام فقال له الوزير إلى أين تذهب فقال إلى الموضع الذي بعثتني إليه فقال له سلم لي على والدي فقال له ما طريقي على
النار وخرج من مجلسه واتى منزله وأقام أياما ومات وكان الطبيب يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة للسم فزعم أنه غلط في بعض العقاقير وقال إبراهيم بن محمد ابن عرفة الازدي المعروف بنفطويه رأيت ابن الرومي يجود بنفسه فقلت له ما حالك فأنشد:
غلط الطبيب عليَّ غلطة مورد ... عجزت موارده عن الإصدار
والناس يلحون الطبيب وإنما ... غلط الطبيب إصابة المقدر
والذي علق في الذهن أن الشطر الأخير هو:
غلط الطبيب إصابة الأقدار
فالإصابة للقدر لا للمقدر إذ لا معنى لذلك وأن تمحل له بعضهم أن مراده المقدار الوارد بمعنى القدر كما يذكره اللغويون فإني أرى أن الأقدار أوقع للقافية ولا أظن ذلك إلاَّ من سهو الناسخ الأول.
الرابعة
في ترجمة أبي خالد يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة قال: وقد ذكره الحافظ المعروف بابن عساكر في تاريخ دمشق فقال بعد ذكر أحواله وولاياته أن يزيد بن حاتم قال لجلسائه انسقوا لي ثلاثة أبيات فقال صفوان بن هفوان من بني الحرث بن الخزرج أفيك؟ فقال فيمن شئتم؛ فكأنها كانت في فمه. فقال:
لم ادر ما الجود إلاَّ ما سمعت به ... حتى لقيت يزيدا عصمة الناس
لقيت أجود من يمشي على قدم ... مفضلا برداء الجود والباس
لو نيل بالمجد جود كنت صاحبه ... وكنت أولى به
قال صفوان ثم كففت فقال أتمم فقلت من آل عباس. وقلت لا يصلح، فقال لا يسمعن هذا منك أحد.
والذي أراه إن الشاعر قد قال (لو نيل بالجود مجد) فحرفه النساخ لأنه إنما وصفه بالجود الذي كان لا يعرف منه إلاَّ ما سمع به حتى رأى جود يزيد عصمة(4/508)
الناس، فلا معنى لقوله لو نيل بالمجد جودا، وخاصة لأن بني العباس كانوا الملوك فلهم طريف المجد، ولم يشتهر عنهم الجود ولذا قال: لو نيل المجد بالجود لكنت بجودك أولى بالمجد من بني العباس.
الخامسة
في ترجمة أبي المكشوح يزيد بن سلمة بن سمرة المعروف بابن الطثرية روى له أبياتا يقول في آخرها:
وكنت كذي داء تبغى لدائه ... طبيبا فلما لم يجده تطيبا
وهنا قوله تطيبا ظاهر فيه السهو وهو تطببا ببائين موحدتين وفي جميع النسخ ما خلا طبعة بولاق الأخيرة وطبعة باريس التي لم اقف على المجلد الثاني منها (تطيبا) وهو تحريف بين.
السادسة
في ترجمة أبي يعقوب يوسف بن عمر بن محمد الثقفي قال: وقال المدائني أيضا كان على شرطة يوسف بن عمر بن العباس بن سعيد المزي وكان كاتبه فخدم سليمان بن ذكران وزياد بن عبد الرحمن مولى ثقيف وعلى حرسه وحجابته جندب وفيه يقول الشاعر:
أتانا أمير شديد النكال ... لحاجبه حاجب حاجب
والذي أراه أنه أراد وصفه بأنه لا يمكن الوصول إليه لكثرة الحجاب وأنه لعظمته ونكاله جعل حاجبه له حاجبا فلا يمكن الوصول إليه أيضا فقال:
أتانا أمير شديد النكال ... لحاجب حاجبه حاجب
فلا يمكن الدخول على حاجب حاجبه إلاَّ باستئذان الحاجب واسترضائه حتى يدخل عليه ثم يتلطف به حتى يدخل على حاجبه ثم كذلك حتى يمكنه الوصول إلى حضرته وقد تكلف أحد الأدباء تأويلا للبيت فقال إنما أراد الشاعر بقوله (لحاجبه حاجب حاجب) أن الحاجب كان مقطب الحاجبين بحيث لا يستطيع المستأذن أن يخاطبه فكأن الحاجبين المقطبين حاجب آخر.
هذا ما عن لي ذكره وفوق كل ذي علم عليم، ولا يخلو الإنسان من سهو إذ العصمة لله وحده.
عبد اللطيف ثنيان(4/509)
صفحة من تاريخ البصرة والمنتفق
من رحلة للمستر توماس هوويل البريطاني خلال سنة 1787 - 1788م
للتاريخ نفع لا يجهله الكثيرون ولذة لمن لهم ميل إلى الوقوف على أخبار من سلف. وأهم غايات التاريخ الانتفاع من التجارب التي سجلتها الأيام المطوية على صحائفها الخالدة. ويقضي الواجب علة المؤرخ أن ينتقي صدق الروايات مما دونه كتبة الوقائع مميزا منها الغيث من السمين. ولا مشاحة في أن هؤلاء المدونين يختلفون في أذواقهم ومشاربهم وآرائهم فمنهم من يسيطر على قلمه فيملي عليه ما تهواه نفسه غير مكترث للحق ومنهم من يكتب ما يوحيه إليه ضميره وهو على غير هدى ومنهم من لا يسطر شيئا إلاَّ قد تروى مليا في الأمر وتبصر فيه وسبر غوره فيتوخى الواقع غير هياب ولا وجل.
إن مصادر تاريخ العراق للقرن الثامن عشر قليلة فرأيت أن أضيف إليها تعريب صفحة جاءت تنبئنا عن حالة البصرة في إحدى سني الربع الأخير من ذلك القرن الغابر حينما استولى عليها ثويني العبد الله المعروف ب (أبي قريحة) (بالتصغير والتأنيث) تاركا للمؤرخ المنصف أن يتحرى اصدق المآخذ مؤيدا رأي هذا ومزيفا فكر ذاك وهو ما يطلبه التاريخ الحق.
وقبل أن أقدم على التعريب لا بد لي من إبداء كلمات وجيزة للتعريف بزعيم المنتفق الشيخ ثويني العبد الله المحمد المانع. ومحمد هذا هو أبو سعدون الذي تعرف به اليوم الحمولة السعدونية الشهيرة التي كان آباؤها يسمون ب (آل شبيب) قبل عصر(4/510)
سعدون ونبوغه. وما شبيب إلاَّ أحد الجدود الاعلين ذوي الشرف الباذخ والسؤدد العزيز. فثويني إذن هو من آل شبيب وهو ابن أخي سعدون. وقد ابتدأت زعامته للمرة الأولى سنة 1193هـ (1779م) على اثر قتل الخزاعل (خزاعة) ثامر ابن عمه سعدون وليست تسمية آل شبيب بغريبة عنا بل هي معروفة في عهدنا هذا أيضاً وهي تطلق على أقرباء آل سعدون الذين يمتون إليهم بشبيب.
وبعد هذا التمهيد أعود إلى صاحب الرحلة وهو من موظفي شركة الهند الشرقية وكان في البصرة في شباط سنة 1788م (1203هـ) أي بعد الواقعة ببضعة أشهر فقط. وقد قال ما تعريبه:
(لم تبق تجارة البصرة زاهية كما كانت عليه قبلا لكنها لا تزال المخزن التجاري الأهم في هذه الأصقاع فيثري التاجر فيها وأما حاكمها فهو تركي وسكانها عرب وقد توطنتها أسر تركية وأرمنية.
(وكان الشيخ ثويني - الشيخ العربي القدير - قد استولى على هذه الحاضرة في سنة 1787م (1202هـ) بتدابيره الصائبة ففاجأ حاميتها واحتل المدينة بدون مقاومة. والأمر الذي يجب توجيه النظر إليه إنه لم يصب إذ ذاك أحد من سكانها بإهانة ولم يتجاوز أحد على مال لأحدهم. ولم يطلب الشيخ من سكانها غرامة حربية. وبعد إن استولت جيوش الشيخ بنصف ساعة عادت شؤون الناس تجري بانتظام لا يشوبه ما يخل به فكأنه لم يقع هناك حادث يفوق العادة.(4/511)
(إن الشعوب الممعنة في المدينة والعلم لتغبط هذه الحالة الداعية إلى الشرف وهي ترينا أنه مع ما عليه الأعراب من ميلهم إلى السلب والنهب فإن لهم أنظمة ودساتير تبعث بهم إلى حب السلام رائدها الطاعة القصوى لرئيسهم وهو روح النظام العسكري.
(أما الشيخ فهو كهل شجاع باسل ذو إقدام على العمل قل من يفوقه وهو عزيز لدى وطنييه لحسن تبصره في الأمور وتوقد ذهنه وجنوحه إلى جانب الحق ولاعتداله الذي يتمشى عليه في شؤون إمارته ولقد جعلته هذه الصفات محترما عند الناس كافة.
(دام حكم الشيخ في البصرة ثلاثة أشهر ثم علم أن باشا بغداد - وهو متبوع الشيخ في تأدية الضريبة - كان قد قدم لمحاربته بجيش قوامه ستة آلاف جندي فجمع الشيخ قواه واتجه بها إلى شواطئ الفرات ليقابل عدوه فالتقى الجيشان هناك على بعد من البصرة واشتبك القتال واستمر بين الفريقين ولم تنجل النتيجة الحاسمة بادئ بدء بل باتت أخيرا بجانب الأتراك وانفل العرب ففر الشيخ البائس يتبعه بعض ذويه وقد نجوا من ملحمة النهار. ثم خطب الشيخ ود الباشا مستميلا إياه وطلب إليه المعذرة عما صدر منه ولكن الباشا رفض طلبه وأقام مقامه (شيخا) غيره
(أجل. أزال حكم ثويني من البصرة ولكنه بقي يرأس عشيرة كبيرة تبذل نفسها لخدمته خدمة نصوحا لحبها إياه وشغفها به ولا يبعد أن يصبح عدو الباشا الأزرق إن لم يعده الباشا إلى منصبه) أهـ
مر الرحالة بالعراق قافلا من الهند ووجهته لندن فوصل إليها وألقى عصا الترحال فيها ثم نشر رحلته وفي مطاويها كلمته الأخيرة عن الشيخ ثويني ثم جاءت الوقائع مصداقا لما أرتاه إذ اضطر والي بغداد سليمان باشا وهو في أحرج المواقف إلى إعادة الشيخ ثويني إلى منصبه للمرة الثالثة ليستعين به على محاربة الوهابي فتربع الشيخ على مسند الحكم ورحل إلى أنحاء نجد للإيقاع بالعدو لكن عبدا اسمه طعيس(4/512)
(بالتصغير)، وهو من عبيد جبور بني خالد، اغتاله هناك في موضع اسمه الشباك (وهو ماء في ديرة بني خالد) في اليوم الرابع من المحرم سنة 1212هـ (1797 م) وقتل القاتل في ساعته وهو ينتمي إلى الوهابيين. وقد جرت قضيته مذ ذاك مثالا يضرب به عند المنتفق فيقولون: (باع بيعة طعيس) يريدون بها أنه صمم على الأمر ولا يرجع عنه ولو يعقبه الموت الزؤام. ويقال إن قبر ثويني معروف في تلك الأنحاء.
وهنا اختتم حاشيتي التي جاءت كذيل لما أردت تعريبه من ذكر عهد تباعد وبقي تاريخه في تضاعيف الكتب والأسفار.
يعقوب نعوم سركيس
معرفة يوم الشهر القمري من يوم الشهر الشمسي
إذا أردت أن تعرف يوم الشهر القمري الذي أنت فيه من يوم الشهر الشمسي الذي أنت فيه، احسب عدد الشهور منذ آذار إلى الشهر الشمسي الذي أنت فيه ثم زد على ذلك عدد أيام الشهر الشمسي الذي أنت فيه، واطرح من هذا المجموع 14 يخرج عندك يوم القمر في الشهر الشمسي الذي أنت فيه على ما يذهب إليه الفلكيون وإلاَّ اطرح 16 يكن عندك اليوم القمري على ما يرى هلاله رؤية العين.
مثال ذلك تريد أن تعرف يوم الشهر القمري وأنت في 17 كانون الأول فعدد الأشهر من آذار إلى كانون الأول هو 10 تضيف إليه 17 وهو اليوم الذي أنت فيه من كانون الأول فيكون المجموع 27 ثم اطرح من هذا الرقم 14 فيخرج 13 وهو يوم الشهر القمري عند الفلكيين وإلاَّ فأطرح 16 فيخرج 11 وهو يوم الشهر بالنظر إلى أول يوم من رؤية هلاله.(4/513)
نموذج آخر من تراجم الشعراء
الشيخ حسين العشاري
نسبه ونسبته
هو نجم الدين الشيخ حسين بن الشيخ علي بن الشيخ حسن بن محمد بن فارس العشاري البغدادي، الفقيه الأصولي. الكاتب الشاعر الأديب المتفنن.
ولد ببغداد سنة 1150هـ 1737م وأصله من بلدة قائمة على نهر الخابور الذي ينصب إلى الفرات تسمى (العشارة) (بضم الأول) لسكنى العشاريين الذين منهم المترجم فيها. ولعل العشاريين هؤلاء منسوبون إلى أبي طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي (بضم ففتح) المعروف بابن العشاري من أهل بغداد. قال السمعاني في كتاب الأنساب؛ وهذا لقب جده لأنه كان طويلا فقيل له العشاري لذلك. والحربي بضم الحاء وفتح الراء نسبة إلى حرب. قال ابن حبيب (كل حرب ساكن الراء إلاَّ الذي في ملحج فأنه حرب بن مطية بن سهل بن حكيم بن سعد العشيرة بن مالك بن ادد. وفي قضاعة حرب بن قاسط بن بهر. أهـ) وعلى كل فهو أما قضاعي وأما مذحجي. وله من قصيدة يذكر العشارة ويمتدح الشيخ أبا طالب والشيخ عثمان العشاريين:
سقى الله تلك الدار هامية القطر ... مدى الدهر ما ناح المطوق والقمري
وعم ديارا قد عفا الآن رسمها ... على إنها في الناس طيبة الذكر
وأحيا به روض (العشارة) كلما ... تحدر دمع من جفون على صدر
وروح أقواما هناك قبابهم ... لقد ضربت حقا على المجد والفخر
حموا بشفار البيض والسمر حوزة ... بمثلهم تسمو على البيض والسمر
غيوث إذا أعطوا ليوث إذا سطوا ... بحار أياديهم تفوق على البحر
من النفر السامين في آل حمير ... يخوضون نار الحرب بالضمر الشقر
فروع تيقنها بأن أصولها ... من الباسقات الطلع والسيادة الغر(4/514)
فمنهم إمام الفضل والعلم والتقى ... أبو طالب الحربي ذو المد والجزر
ومولى الورى عثمان ذو النور والهدى ... وسلطان أهل الكشف في ذلك العصر
مبتدأ حياته وخبرها
أخذ العشاري العلم والأدب ببغداد عن السيد صبغة الله الحيدري والشيخ عبد الله السويدي وابنه الشيخ عبد الرحمن. وتفقه بمذهب الشافعي. واولع بالنحو واللغة والشعر ونسخ بخطه الجميل شيئا لا يحصى من دواوين الشعر العربي الفحل وكتب الفقه. وقد تملكت في شعبان سنة 1342هـ 1923م مجموعة لطيفة بقلمه تشتمل على ثلاثة دواوين: ديوان حسان بن ثابت من كتاب محمد ابن حبيب مما قرئ على أبي علي الصفار فرغ منه في شوال سنة 1274هـ وعليه تعليقات له. وديوان الأمير جمال الدين أبي منصور علي بن عبد الله بن المقرب فرغ منه في العشر الثالث من صفر سنة 1175هـ. وسقط الزند لأبي العلاء المعري وفرغ منه سلخ ربيع الأول سنة 1075هـ. ورأيت في الخزانة النعمانية في مدرسة مرجان كتبا عدة بقلمه منها تحفة ابن حجر بجلد ضخم دقيق الحروف جليها يكاد يكون معجزا بحسن خطه وصحته وهو هدية الوزير داود باشا إلى الإمام السيد محمود الالوسي سبط المترجم. ورأيت أيضا الدر المختار ولكنه دون التحفة.
ويظهر إنه كان يستدر بقلمه شطر رزقه كما هي حال اغلب أهل العلم في العصر الخالي وقد وردت في ديوانه (ص203) أرجوزة (أرسل بها إلى سليمان بك الشاوي وقد أشار عليه بنسخ شرح المواقف وذهب إلى الحج) تؤيد ذلك.
وفي الجملة إنه اشتغل اشتغال جد وإتقان وإخلاص واستفاد من نسخ الكتب المختلفة الفنون علما جما وأدبا غزيرا حتى صار من أعيان الفقهاء ونوابغ الأدباء، فراسله أهل الفضل وشهدوا له بعلو المكانة ونباهة الشأن وقد قال المرادي في سلك الدرر بحقه (هو الشيخ الإمام العالم الأديب الأريب الفطن النظام صاحب الكمالات الشائعة والنوادر الذائعة. . . له تضلع كلي في (كذا) سائر العلوم معقولها ومنقولها. . . كان مشهورا بحسن الإملاء والإنشاء والنظم البليغ). وقال شيخنا في المسك الاذفر (كان من اعلم أهل عصره في مصره بفقه الشافعية وكان يسمى الشافعي الصغير).(4/515)
وقد كان من المقربين المحبوبين عند الوزير سليمان باشا الكبير وولاه سنة 1194هـ (1780م) تدريس البصرة ولكنه لم تطل مدته فيها فتوفي رحمه الله ولم يعين أحد زمان
وفاته.
آثاره
له تآليف وقفت على بعضها في الخزانة النعمانية. فمنها حاشيته على شرح الحضرمية بقلمه، وكتاب الأوراد، ورسالة في مباحث الإمامة. وتعليقات على جمع الجوامع للمحلي، وتعليقات على كثير من كتب النحو، وديوان في أغراض متنوعة قد مج بعضها ذوقي وأنكرت عليه إغراقه وغلوه في مدح الصحابة وآل البيت الذي تجاوز به حدود العقل والشرع ونسي ما يلزمه به الدين الإسلامي من التوحيد الخالص، ونحن إذا عذرنا كثيرا من الشعراء الذين وصفهم الله بقوله: (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم ترَّ أنهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لا يفعلون) فلا يسوغ لنا أن نعذر شاعرنا الفقيه الذي كان عليه أن يكون أولى الناس دخولا فيمن استثناهم الله بعد ذلك بقوله: (إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات) الآية. وفي الديوان غث وسمين، ورخيص وثمين، وقد اقر بذلك صاحبه فقال (إن مراتب أشعاره بحسب مراتب شاعره وترقيه أولا فأولا فما كان منه ضعيف الحركات قليل الثبات فهو مما نظمته أول الحالات وما كان متوسطا في المقال فقد نسجته في أوسط الأحوال وما بلغ من الحسن الغاية فهو من مرتبة النهاية) ونسخته في (النعمانية) بقلم شيخنا السيد علي علاء الدين الالوسي مما وجده بخط ناظمه وبلغني أن منه نسختين عند بعض أهل العلم وفيهما قصائد لا توجد في الأولى، وقد آن أن نسمعك شيئا من شعره ونثره.
شعره
قال من قصيدة في شيخه الحيدري - وقد رأيتها في ديوان الازري المطبوع في الهند منسوبة إليه خطأ وناشره ينحله أبياتا أخرى أيضا وليست له:
العلم جسم أنت عنصر مجده ... والفضل سيف أنت جوهر حده
لم تعرف العلياء كيف تهزه ... حتى كتبت علاك في افرنده
نظر الزمان إليك نظرة شيق ... وسعى إليك بشكره وبحمده(4/516)
فغدوت رونق حسنه وجماله ... وحياة هيكله وحمرة خده
فكأنما الفضلاء من أبنائه ... ورد وأنت عصارة من ورده
إلى أن يقول:
من كان مفتخرا بنسبة حمير ... ففخاره بالمصطفى وبمجده
تلك المفاخر لا مفاخر تبع ... هيهات من قاس الشريف بعبده
وقال يصف الربيع بالمدائن:
قف بالمنازل يمناها ويسراها ... وسرح الطرف أدناها وأقصاها
منازل نزلت غر السحاب بها ... ووابل الغيث وافاها فأحياها
وقد كساها الحيا من نسجه حللا ... والورد بالحسن وشاها وحلاها
تنوع الحسن في أرجائها فلذا ... قلوبنا وقلوب الناس تهواها
لم اترك الدار لولا حب ساكنها ... ولم أفارق حبيب القلب لولاها
فانظر لقيصومها قد مد ساعده ... وآنسها ماد حتى طاب رياها
والرند يعبق في الأقطار حين رنت ... كتائب الشيح فاستغنى برؤياها
والنرجس الغض يرنو نحو نرجسها ... شزر فيضرب أولاها بأخراها
والأرض تهتز من حيش الربيع فلا ... تعجب فربك بعد الموت أحياها
ونهر دجلة يجري في مجرته ... شعاره كان بسم الله مجراها
والجو يضحك إعجابا بقدرة من ... بناصع الحسن انشاها وسواها
وله:
أرى الآمال قد تتجت وطابت ... نتائجها وآمالي عقيمه
أرتبها باقيسة صحاح ... فتصبح وهي اقيسة سقيمه
وله في وصف الربيع من قصيدة في المدح:
نزل الربيع فمرحبا بغصونه ... وبعطر نرجسه وغض جفونه
وبورده الزاهي على أغصانه ... وبنوره الفتان في تلوينه
وبروضه الغض الأنيق ومائه ال ... عذب الرحيق وجريه وسكونه
وبجيشه المهتز أن سرت الصبا ... وبلطفه المخبوء في مكنونه(4/517)
فصل إذا صدحت بلابل روضه ... غمز الحمام بلحظه وعيونه
وإذا به القمري صاح مغردا ... فضح اليراع بصوته ورنينه
وإذا تمايلت الغصون بدلها ... مال الكئيب بحزنه وشجونه
نشرت نوافجه وفاح عبيره ... وشجا القلوب بطيره وحنينه
وتكللت أوراده وتضلعت ... وراده من مائه وعيونه
وترنحت قضبانه وتلفتت ... غزلانه في غثه وسمينه
جاء الربيع وجاءنا في فصله ... عيد رأينا السعد في مضمونه
جاء (لأسعد) بالهنا وكلاهما ... لم يأتيا إلاَّ للشم يمينه
وقال في سليمان بك الشاوي وأخيه سلطان بك وقد خرجا يصطادان:
هي ظبية في صورة الإنسان ... فاسأل يجبك الجيد والعينان
نزلت على سقط العذيب فراعها ... صوت اليراع ونغمة العيدان
واستنشقت ريح البشام وشاقها ... شيح الربا ونوافج الكثبان
فتلفتت كالظبي فارق ألفه ... ورنت كما هي عادة الغزلان
وتذكرت عيشا لها في جيرة ... ضربت قبابهم بذات ألبان
شوس إذا اشتد اللقاء فضياغم ... يجرون جري السيل في الميدان
نزلوا بقارعة الطريق وشيدوا ... تلك الجفان الغر للضيفان
قوم يمانيون إلاَّ انهم ... قد صاهروا الأشراف من عدنان
من فتية شكت رؤوس رماحهم ... تيجان كسرى صاحب الإيوان
وبمهجتي أخوين من ساداتهم ... عزما على البيداء يصطحبان
أسدان قد ولعا بصيد فريسة ... وتعودا لتطاعن الفرسان
في مهمه حسد السماء محله ... إذ في ذراه اشرق القمران
والبر يضحك إذ جرى في عرضه ... بحران بالياقوت والمرجان
بحر سليمان الإمام محله ... وقرينه السلطان بحر ثان
غصنان قد سقيا بماء واحد ... فتشابها وتشاكل الغصنان
من دوحة عربية يمنية ... والفرع منها باسق الأغصان
كل إذا أبصرته شبهته ... بأخيه والشيئان يشتبهان(4/518)
إن رمت إدراك النوال أخا الهدى ... فانزل على سلمان أو سلطان
فردا ولا تجمع (هديت) فأنني ... أخشى عليك أذن من الطوفان
هب أنت تحسن عوم بحر واحد ... أتعوم والبحران يلتقيان؟
ويشيم طرفك ضوء بدر واحد ... أيشيم والبدران مجتمعان؟
وتطيق حمل أبي قبيس وحده ... أيطاق مضموما إلى ثهلان؟
ما أنت مثلي إذ لقيتهما فلي ... صبر الكرام ونجدة الفتيان
يا باذلي بدر النقود وحاملي ... عبء الوفود بسائر الأزمان
(لله دركما ودر أبيكما) ... مغني العفاة ومشبع الجوعان
فخذا بحق أبيكما من مدحتي ... نظما كنظم قلائد العقيان
طوقت جيدكما به لا زينة ... بكما فيبلغ غاية الإحسان
غض جرى في طبعه لما بدا ... ماء الصبا وطراوة الشبان
ما شأنه لكن الحضارة إذ أتى ... من شاعر يعزى إلى قحطان
من معشر نزلوا (العشارة) برهة ... والآن قد نزلوا على بغدان
ما شأنهم ضد الغنا بل زانهم ... درس العلوم ونغمة القرآن
وكفى بنسبته لعالي مجدكم ... شرفا على الأمثال والأقران
يدعى (الحسين) وأنه بمديحكم ... يدعى بنابغة الورى حسان
وله من قصيدة:
خل الجفون تسيل سيل الوادي ... فلقد أحست بالنوى يا حاد
وقف الرواحل ساعة فلعلما ... اشفي بتربتها غليل فؤادي
واحبس هوادجها علي فأن في ... تلك المرابع منيتي ومرادي
ساروا إلى دار البلى وبقيت في ... قفص الهوان وقسوة الصياد
ما ضرهم لو قدموني دونهم ... فرطا فألقاهم على ميعاد
حملوا بأعناق الرجال وخيموا ... بعد الديار بجانبي بغداد
نزلوا بأفنية البيوت وليتهم ... نزلوا بضيق نواظري وسوادي
محمد بهجة الأثري(4/519)
الطربال ومعانيه وأصله
من الألفاظ التي يلتذ الباحث بالوقوف على أسرارها؛ الطربال. أما وجه اهتدائي إلى معناها فقد كان على الصورة الآتية:
كنت ابحث عن النصوص الفارسية والعربية التي تتكلم عن (جورارد شيرخرة) التي تعرف اليوم بفيروزاباد. وهذه النصوص تذكر الطربال فقد قال الطبري والاصطخري ومن نقل عنهما أن في وسط اردشيرخرة بناء مثل الدكة تسميه العرب (الطربال) وتسميه الفرس بإيوان وكياخرة وهو من بناء اردشير وكان عاليا جدا بحيث يشرف الإنسان منه على المدينة جميعها ورساتيقها وبني في أعلاه بيت نار، واستنبط بحذائه في جبل، ماء حتى اصعد به إلى رأس الطربال وأما الآن فقد خرب واستعمل الناس أكثره. . . أهـ المقصود من إيراده. فمن أين هذه اللفظة وما معناها؟
وأول كل شيء حققت أن اغلب شروح لغويي العرب ترجع إلى مصدرين وقد ذكرها ياقوت نقلا عن ابن دريد وابن شميل، وقد ذكر ابن الأثير حديثا يعود معظم معناه إلى أنه الحد الذي ينتهي فيه الميدان. ودونك هذا الحديث: (إذا مر أحدكم بطربال مائل فليسرع المشي) نعم إن ابن الأثير قال: هو البناء المرتفع كالصومعة، والمنظرة من مناظر العجم. وقيل هو علم يبنى فوق الجبل أو قطعة من جبل، لكن ابن المكرم قال في لسانه نقلا عن ابن شميل: هو بناء يبنى علما للخيل يستبق إليه، ومنه ما هو مثل المنارة. وبالمنجشانية واحد منها بموضع قريب من البصرة. قال دكين:
حتى إذا كن دوين الطربال ... رجعن منه بصهيل صلصال
مطهر الصورة مثل التمثال أهـ
فواضح هنا إن الطربال هو العلم الذي يبني حدا في الميدان. وهو بهذا المعنى معرب في صيغته المجموعة أي طرابيل. وهو من اللاتينية قلبت فيه الميم باء والنون لاما كما يقع لهم كثيرا فقالوا الطرابيل وتوهموا له مفردا(4/520)
هو الطربال لأن فعاليل جمع لفعلال أو فعلول أو فعليل. وإن لم تكن هذه الكلمة اللاتينية عينها. فالكلمة المعربة عنها العربية هي كلمة يونانية منزوعة عن اللاتينية المذكورة.
أما الطربال الذي بمعنى بناء مثل الدكة له أربعة أبواب على حد ما ترى آثاره في فيروزاباد فهو معرب من اليونانية ومعناه (ذو الأربعة الأبواب) (بتقدير كلمة بناء) فإنه قالوا فيه (طرابيل) وجروا على استخراج المفرد منه على حد ما فعلوه في ألفاظ كثيرة على ما تقدمت الإشارة إليه قبيل هذا.
الدكتور ارنست هرتسفلد
(لغة العرب) نشكر الدكتور الأستاذ على طرفته هذه. ومن غريب الأمر إننا وقعنا على مثل هذه النتيجة في سنة 1897 إذ كتبنا مقالا في المعربات ومن جملة ما قلنا فيه ما هذا حرفه: (وقد تكون الكلمة العربية الواحدة معربة عن كلمتين دخيلتين أو اكثر؛ وقد تكون الكلمة معربة عن لغة لمعنى من المعاني. وعن كلمة أخرى وعن لغة أخرى في معناها الآخر. ونحن نذكر لك شاهدين على ذلك؛
إن الترتور بمعنى الجلواز معربة من اللاتينية وبمعنى الفاختة منقولة عن اللاتينية الأخرى فالكلمة العربية واحدة أما المعرب عنها فكلمتان لاتينيتان أي روميتان.
والساج بمعنى الطيلسان الأخضر أو الأسود هو من الرومية وبمعنى شجر ينبت في بلاد الهند هو من الهندية القدمى مبنى ومعنى ومادة ساج يسوج بمعنى سار يسير رويدا عربية. فهذه لفظة واحدة من لغات ثلاث بعيدة الواحدة عن الأخرى بعد الثريا عن الثرى.
ودونك الآن مثالا ثالثا وهو الطربال، فهو بمعنى البناء الفخم القائم على أربعة أركان وفيه أربعة أبواب منقول عن اليونانية والطربيل بمعنى النورج يدق به الكدس من الرومية أو اليونانية وبمعنى الحسكة بمعنييها الحقيقي والمجازي من إحدى اللغتين اليونانية أو اللاتينية فهذا حرف عربي البناء إلاَّ أنه منقول عن ثلاث كلمات مختلفة الصيغة والمعنى إلاَّ أنها أفرغت في قالب عربي واحد. انتهى ما كتبناه قبل نحو ثلاثين سنة.
والآن نرى حضرة الأستاذ العلامة يزيد على الألفاظ المتقدم ذكرها معنى آخر ومن لفظ آخر وهو بمعنى العلم يبنى حدا للميدان وهذا من أبدع ما رأيناه في المعربات وتساوق معانيها جريا على وضع أبناء الغرب.(4/521)
الضمائر في لغة عوام العراق
الضمائر المنصوبة المتصلة
الضمائر المنصوبة المتصلة عشرة أيضا اثنان منها للمتكلم، وأربعة للمخاطب وأربعة للغائب.
ضمائر المتكلم المنصوبة
للمتكلم ضميران يشترك فيهما المذكر والمؤنث أحدهما للمفرد والثاني للجمع
1 - ضمير المفرد المتكلم: ياء ساكنة مسبوقة بنون مكسورة تسمى نون الوقاية وهي تتصل بالماضي نحو ضربني والمضارع نحو يضربني والأمر نحو اضربني وإذا كان في آخر الفعل الماضي ألف واتصلت به ياء المتكلم ظهرت الألف أي لم تسقط من اللفظ فيقال رماني وجاني.
2 - ضمير جمع المتكلم: إن ضمير جمع المتكلم المنصوب كضمير جمع المتكلم المرفوع. أي هو عبارة عن (نا) وآخر الفعل الماضي في كليهما ساكن نحو ضربنا فكلمة (نا) في (ضربنا) يجوز أن تكون ضمير الفاعل لجمع المتكلم وأن تكون ضمير المفعول ويعرف كونها فاعلا أو مفعولا بقرينة الحال وهذا الالتباس(4/522)
لا يكون إلاَّ في الفعل الماضي المتعدي من السالم والمثال والمهموز فقط. فلا يكون في الفعل المضارع نحو يضربنا فكون (نا) ههنا مفعولا لا فاعلا، ظاهر. ولا في الأمر نحو اضربنا لأن فاعل الأمر لا يكون إلاَّ ضمير المخاطب. ولا في الفعل الماضي اللازم نحو كعدنا فإن (نا) في (كعدنا) فاعل ولا يجوز أن تكون مفعولا لأن الفعل لازم. ولا في الفعل الماضي الأجوف نحو شافنا فإن (نا) في شافنا ضمير المفعول ولا يجوز أن يكون ضمير الفاعل لأن عين الفعل الأجوف تحذف عند اتصال ضمير الفاعل به نحو شفنا. ولا في الفعل الماضي الناقص نحو (رمانا) فأن (نا) في رمانا ضمير المفعول ولا يجوز أن تكون ضمير الفاعل لأنها لو كانت ضمير الفاعل لوجب معها رد الألف من رمى إلى الياء فيقال رمينا. ولا في الفعل الماضي المضاعف لأن العامة تزيد في آخر الفعل المضاعف ياء إذا اتصل به أحد ضمائر الرفع
فيقولون في رد رديت رديتو ردينا وأما إذا اتصل به ضمير المفعول فلا يزيدون في آخره ياء بل يحذفون الحرف الأخير منه فيقولون ردني ردنا ردها ردهم ردكم ردهن ردجن إلاَّ في ضمير المفرد الغائب والمفرد المخاطب والمخاطبة فلا يحذفون حرفه الأخير بل يقولون رده ردك ردج.
وعليه فلا يحصل الالتباس في كون (نا) ضمير الفاعل أو ضمير المفعول إلاَّ في الفعل الماضي السالم نحو ضربنا والمهموز نحو أمرنا والمثال نحو وعدنا ففي هذه الأفعال الثلاثة يعرف كونه فاعلا أو مفعولا بالقرائن.
ضمائر الغائب المنصوبة
للغائب أربعة ضمائر اثنان منهما للمذكر المفرد والجمع واثنان للمؤنث المفرد والجمع.
1 - ضمير المفرد الغائب: إن ضمير المفرد الغائب في كلام العامة عبارة عن هاء خرساء لأنه يكتب ولا يلفظ. وإذا اتصل بالفعل جعل آخره مفتوحا سواء كان ماضيا نحو ضربه أو مضارعا نحو يضربه أو أمرا نحو اضربه إلاَّ في الناقص فإنه إذا اتصل بالناقص وكان الفعل ماضيا ظهرت ألفه الساقطة من اللفظ نحو رماه وإن كان مضارعا أو أمرا قلبت ألفه ياء نحو يرميه وارميه(4/523)
ولكون هذا الضمير لا يلفظ سميناه بالهاء الخرساء.
2 - ضمير جمع الغائب: (هم) بضم الهاء وسكون الميم نحو ضربهم.
3 - ضمير المفردة الغائبة: (ها) والألف منها ساقطة من اللفظ كما ذكرنا سابقا فيبقى الضمير عبارة عن هاء مفتوحة نحو ضربها.
4 - ضمير جمع المؤنث الغائب: (هن) بكسر الهاء وسكون النون نحو ضربهن.
ضمائر المخاطب المنصوبة
للمخاطب أربعة ضمائر أيضا اثنان منها للمذكر المفرد والجمع واثنان للمؤنث المفرد والجمع.
1 - ضمير المفرد المخاطب: كاف ساكنة إذا اتصلت بالفعل جعلت آخره مفتوحا سواء كان ماضيا نحو ضربك أو مضارعا نحو يضربك وإذا اتصل بالناقص ظهرت معه ألف نحو رماك.
2 - ضمير جمع المخاطب: (كم) بضم الكاف وسكون الميم نحو ضربكم يضربكم.
3 - ضمير المفردة المخاطبة: جيم فارسية ساكنة إذا اتصلت بالفعل جعلت آخره مكسورا سواء كان ماضيا نحو ضربج أو مضارعا نحو يضربج واصلها الكاف إلاَّ أن العامة تجعلها جيما فارسية حسب لكنتهم كما ذكرنا ذلك عند الكلام على اللكنة العامية فيما تقدم. ومنهم من لا يجعلها جيما فارسية بل يلفظها كافا أما ساكنة فيكسر معها آخر الفعل أيضا ويقول ضربك ويضربك وأما مكسورة فيسكن معها آخر الفعل ويقول ضربك ويضربك. إلاَّ أن الشائع في العراق ولا سيما عند أهل البادية هو جعلها جيما فارسية ساكنة.
4 - ضمير جمع المؤنث المخاطب: (جن) بفتح الجيم الفارسية وسكون النون نحو ضربجن ويضربجن وهي في الأصل مضمومة الكاف ومشددة النون المفتوحة إلاَّ انهم حرفوها فكأنهم خففوا النون ونقلوا الفتح منها إلى الكاف التي واوها جيما فارسية حسب لكنتهم.(4/524)
الضمائر المجرورة المتصلة
إن الضمائر المجرورة المتصلة هي الضمائر المنصوبة المتصلة بعينها فإنك إذا أدخلت على الضمائر المنصوبة أحد حروف الجر أو أضفت إليها اسما من الأسماء صارت مجرورة. وعليه فلا حاجة إلى إعادة ذكرها ههنا أيضا. وإنما نذكر ما لبعضها من الأحكام فنقول إن ياء المتكلم إذا كانت منصوبة متصلة بالفعل وجب أن تكون مسبوقة بنون الوقاية كما ذكرنا آنفا وأما إذا كانت مجرورة فإنها لا تقترن بنون الوقاية، إلاَّ إذا دخلت عليها من وعن الجارتان نحو مني وعني.
أما ضمير المفرد الغائب فهو في حالة الجر أيضا هاء خرساء فهو ساقط من اللفظ هنا أيضا. ومن أحكامه أنه إذا اتصل باسم من الأسماء جعل آخره مفتوحا تقول فلان (ثوبه نظيف) وتقول فلان (شد حزامه وركب حصانه) وكذلك ضمير المفرد المخاطب فإنه إذا اتصل باسم جعل آخره مفتوحا. وأما ضمير المفردة المخاطبة فإنه إذا اتصل باسم جعل آخره مكسورا تقول للمرأة مثلا (البسي ثوبج).
خلاصة ما تقدم
الضمائر إما منفصلة أو متصلة. والمنفصلة قسمان مرفوعة ومنصوبة وكل قسم منهما عشرة فمجموعها عشرون ضميرا إلاَّ أن المنصوبة المنفصلة لا تستعمل في كلام العامة إلاَّ استعمالا خرجت به عن كونها ضمائر كما علمت عند الكلام على الضمائر المنصوبة المنفصلة. وعليه فلم يبق في كلام العامة من الضمائر المنفصلة إلاَّ المرفوعة وهي عشرة. وأما الضمائر المتصلة فهي ثلاثة أقسام مرفوعة ومنصوبة ومجرورة وكل قسم منها عشرة فمجموعها ثلاثون ضميرا إلاَّ أنه يجب أن نسقط المجرورة من الحساب لأنها هي المنصوبة بعينها تكون منصوبة في محل ومجرورة في محل آخر. فيبقى من المتصلة عشرون ضميرا.
وعليه فمجموع الضمائر الموجودة في كلام العامة ثلاثون ضميرا عشرة منفصلة وعشرون متصلة.
معروف الرصافي(4/525)
الجزائر
-
ظواهر ظهرت في جهة الفرات بعد أن قل التبطح وانحسر الماء السائب. فأحتل تلك الظواهر جماع من الصيادين والمزارعين؛ فكان الزراع يبنون أكواخهم وخصاصهم على سيف تلك الأرض الناشفة، وكان الصيادون يبنون بيوتا من القصب على وجه الماء كأنها جآجئ واكنة، ثم مازالت الظواهر تتسع والناس يحملونها من جهة الفرات حتى صارت كأنها سدة واحدة تمتد من حيال سوق الشيوخ إلى البصرة. وكان ذلك زمن أعراسها وزهرة عمرانها. ولم تحافظ على هذا الحال، بل كانت بين هبوط وارتفاع؛ فقد خربت وغرقت بكثير من القلاقل والفتن. وزهت مطمئنة في فصل الدعة والركود؛ وأول زهوها كان في القرن التاسع للهجرة وأخر دور من أدوار عمرانها في القرن الثالث عشر إذ في أواخره وجد الرجل الكبير ناصر باشا آل سعدون صاحب (الناصرية) الذي حمل الفرات من جهة الجزائر وسعى في تجفيف المياه فكانت له في عمران الجزائر مسعاة كبيرة وهكذا كثرت القرى المجاورة في تلك النواحي وماج فيها السكان وخددت فيها الأنهار فتحسنت فيها الزراعة وربيت فيها دودة القز ونهضت باسقات النخل وشتل (وغرس) كل أنواع الأرز.
أما قراها فكثيرة ولم تزل تسمى بأسماء الأنهار التي تمر بها أو القبائل التي تقطنها وقد كانت عاصمة هذه الجزائر (واسط) ثم (البصرة) ثم (الحويزة) ثم (المدينة) وهي مدينة بني منصور.
وأشهر قراها القديمة: (الصباغية)، (ونهر صالح) - فقد أخرجت هاتان القريتان كثيرا من أهل العلم والأدب وفي النجف اليوم أسر (عائلات) علم كبيرة ترجع إليهما وإليك بقية القرى وهي: قرية بني حميد - ونهر عنتر - وهو أكبر مواضعها وقيل أنه يشتمل على 300 نهر - وديار بني أسد - وديار بني محمد - والفتحة - والقلاع - ونهر السبع - والباطنة - والمنصورية - والإسكندرية - والبلتان - وكوت معمر - والكبان (القبان) - والبثق -(4/526)
أو كما يقولون البثج - وعبادة - وبني مشرق - وبني حطيط - وآل حسيني - والغريق - وآل الشيخ راضي - وشط بني أسد - وبنو منصور - والشرش - وآل سعدون - والسويب (بالتصغير) - والهارثة - وقرمة علي - والنشوة - ونهر عمر -
وكتيبان - ومزيرعة - والروطة - والباغجة - والعبيد - والمومنين - وآل احول - وكانت الجزائر تتصل بالبصرة فكان العشار وهو قرية على نهر الابلة القديم قرية من قرى الجزائر وكانت تتصل من جهة الغرب بالحويزة وشط سحاب وهو آخر قراها.
أما قبائلها فالتي نعرف منها هي: بنو أسد - وبنو منصور - وآل سعد - وبنو مشّرف (بتشديد الراء المفتوحة) - وبنو حطيط (بالتصغير) - وآل معّرِق (بتشديد الراء المكسورة) - وعبادة (كسحابة) - وبنو مالك - والصيامرة - والمواجد - وآل خليوي (بالتصغير) - وآل غريق.
هذه هي القبائل المستقلة بالاسم هناك وربما اختلطت ورجع بعضهم إلى بعض في النسب وأهم هذه القبائل: ربيعة وهم ربيعة البطائح، وأهم أفخاذ ربيعة هناك بنو أسد وكانوا يطلقون على النابه منهم لفظة أمير واقدم أمير هناك سمعنا بذكره هو الأمير هجير بن محمد الزعيم لأهل الجزائر في القرن العاشر.
أما في عهدنا فبيت الإمارة هو في عاصمة الجزائر وهي المدينة، مدينة بني منصور وقد كان الأمير زمن الاحتلال حمود بن جابر ثم حسك من بعده واليوم ليس لهذا الأمير زعامة ولا نفوذ ولقب الإمارة عليه مثل لقب النقابة في العراق ألقاب شرف موروثة.
وكانت الزعامة الحقيقية قد انتقلت إلى بيت الشيخ شيخ الجزائر وهو بيت الشيخ خيون (وزان مكوك) زعيم بني أسد خاصة وشيخ الجزائر عامة فقد كان للشيخ خيون وولده الشيخ حسن ونجله الشيخ سالم مواقف كبيرة ومظاهرات عظيمة في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر وقد مكنتهم مواقفهم وبرهنت الحوادث على أنهم أمراء الجزيرة الحقيقيون وبيدهم أزمة الأمور هناك.(4/527)
والماثل اليوم هو الشيخ سالم وهو في طليعة رجال العراق الذين اشتغلوا بالنهضة السياسية لديارنا.
وفي سنة 1343 اختلفت الحكومة العراقية والشيخ سالم ولم يوافقها على بعض نقاط سياسية فتبدل موقف الشيخ سالم وانجر الأمر إلى قبض الحكومة على الشيخ سالم ومحاكمته وهو اليوم في الموصل يقضي مدة سجنه هناك. وبهذا الحادث انحلت مشيخة الجزائر فلا إمارة هناك اليوم ولا مشيخة بل أسست الحكومة قضاء الحمار وبعثت إليه قائم
مقام وموظفي إدارة وفككت المشيخة وأقامت في مكانها عدة مختارين يراجعون الحكومة في مواد معينة.
وجاء في بعض الآثار التاريخية أن الجزائر بلغت 360 جزيرة مبثوثة في طول البطائح وعرضها بعضها يسمى جزائر شط العرب وبعضها يسمى جزائر خوزستان وقد يلغى التخصيص ويطلق عليها اسم الجزائر فقط وقد كانت الجزائر تابعة لحكومة خوزستان ولكن لما دخلت البصرة في مملكة العثمانيين كان من جراء ذلك أن أخذ بعض زعماء القبائل يميلون إلى العثمانيين ويتوددون إليهم بالطاعة وكان الغرض من ذلك ضعضعة النفوذ والسلطة في بلادهم فكانوا يتقربون إلى الفرس تارة وإلى الأتراك أخرى وقد ذكر أن اياس باشا واحد ولاة بغداد في القرن العاشر حضر البصرة ورتب فيها عاملا وضم إليها واسطا والجزائر ولكن كثيرا ما تثور ثائرة الجزائر فيتمرد الزعماء على رجال الحكومة ويعتمدون على أنفسهم.
حوادث الجزائر وخرابها
خطر شأن الجزائر وانبعث إلى عالم الذكر والشهرة في القرن التاسع للهجرة زمن الضعف وعدم استقرار الملك في العراق وأنحائه فكثرت الإمارات وحمس النزاع عليها ولما كانت الحرب سجالا بين الأتراك ملوك بغداد الفاتحين وبين الصفويين ملوك خوزستان كانت البصرة والجزائر ميدانا لتلك الحروب وكان الفوز لمن رسخت قدمه هناك. هذا وقد كانت ولاة الترك تمني الأعراب الذين هم في الجزائر للانتقاض والتمرد بزعامتهم لأن البون شاسع وبعد الشقة بينهم وبين مراجعهم العالية كان يحدثهم بالانفصال والاستقلال وأنهم يصبحون(4/528)
أمة برأسها، كل ذلك جعل الجزائر عرضة للجنود والفتن ومواقد لنار الثورات والحوادث وفي الأكثر كانت تخرج منها شرارة الثورة وقد أعان على ذلك أن مياهها وإحراجها وغاباتها من امتن القلاع وامنع المتاريس للثوار ولوقوعها بين واسط والبصرة والحويزة، ديار الحوادث، كانت ترافقها في الخير والضير وكانت هي الميدان.
في القرن التاسع ابتدأت ثورة محمد بن فلاح المتمهدي المشعشع جد موالي الحويزة ومؤسس امارتهم، وسنذكر هذه الإمارة مفصلا في فصل أمراء البطائح وكان مظهر ثورته في الجزائر فهب لمواقعته أمير البلاد. وكانت الإمارة حين ذاك لعبادة فواقعه محمد
واستظهر عليه وكانت مواقعة دموية هائلة.
وفي القرن العاشر حمل المولى مبارك بن عبد المطلب بن حيدر بن محسن بن محمد المتمهدي وتغلب على الجزائر فناجز أهلها واجتاح بلادهم بعد معارك شديدة.
وفي سنة 1055 ثارت الجزائر واتصل اللهب فعم الهياج ونهد إليها المولى علي خان وأطفأها وبذلك امتدحه شهاب الدين بن معتوق الحويزي من قصيدة:
لولا إيابك للجزيرة ما صفت ... منها مشارع مائها المتكدر
أسكنت أهليها النعيم وطالما ... شهدوا الجحيم بها وهول المحشر
وكسوتها حلل الأمان وأنها ... لولاك أضحت عورة لم تستر
وثارت الجزائر في عهد المولى السيد منصور بن عبد المطلب فبادر إليها وقمع الفتنة فيها وبذلك نوه ابن معتوق من قصيدة:
وعدا يطوي القفار إلى أن ... نثرت خيله ثراء الثغور
وأتت في الضحى الجزيرة ترمي ... بأسود تروعها بالزئير
وكانت الثورات متتابعة في الجزائر على عهد الموالي، فكانت تراض تارة بالقوة وأخرى بالسياسة وكانت تتنازع الجزائر في القرن الحادي عشر حكومات أربع: وهي حكومة القبان (بتشديد الباء الموحدة) وحكومة الدورق (وزان فوفل) وحكومة الحويزة وحكومة البصرة.
وكانت هذه المناطق الأربع ميدان نزاع بين الروم (أي العثمانيين على لغة الأعراب) في بغداد والصفويين في شيراز، وكانت حكومة شيراز تؤثر على(4/529)
حكومة الحويزة وحكومة الدورق، وكانت حكومة بغداد تؤثر على حكومة البصرة وحكومة القبان وفي عهد ولاية آل افراسياب التحقت حكومة القبان بالبصرة فتبعتها وآخر حاكم مستقل كان فيها رجل يقال له بكتاش اغا وقد انتقضت الجزائر غير مرة على ولاة البصرة من الأتراك أو - المتسلمين - كما هو في عرف حكومة الأتراك وكان الذي يضطر القوم إلى التمرد ثقل وطأة الأتراك وعنفهم واللوثة التي هي خلق من أخلاقهم وقد حارب الجزائريون الجنود العثمانية في القرن العاشر وفي أواسط القرن الحادي عشر مرارا عديدة وآخر حرب يذكرها الناس هناك هي الحرب الشعواء في أوائل هذا القرن على عهد السلطان عبد الحميد وقد كثر
الهول والابتلاء في هذه الحرب وأحرقت فيها (المدينة) عاصمة الجزائر وكان الناهض بالجزائريين الشيخ حسن بن الشيخ خيون الاسدي شيخ الجزائر وأميرها المتبوع وأخمدت تلك الثورة على يد القائد محمد فاضل باشا الداغستاني المعروف عند العراقيين ب - الجيجاني - قاطن بغداد وبيته معدود من أعاظم بيوتها ولكن الإصلاح الذي نهض به كان يشبه تغطية المرجل الفائر ولم يكن حسما حقيقيا.
علي الشرقي(4/530)
الألفاظ الارمية
في اللغة العامية العراقية
-
قد فاتنا بعض الكلام عند إثبات الألفاظ على الحروف الأبجدية فرأينا أن نأتي عليها إتماما للفائدة واليكها:
(قاية) يقول العراقيون (رجل قاية، وقامة قاية) بمعنى عظيم وعظيمة ويرى بعضهم أن ذا اللفظ من التركية (قيا) أي الصخرة وترد على ألسنتهم من باب التشبيه. وعندنا إن ذلك وهم ظاهر. فإن (القاية) ارمية الأصل من (ج اي ا) والجيم هنا مصرية ومعناها العظيم والجبار والمجيد والجليل.
(جواية) جاء في مجلة لغة العرب (474: 4) أن الجواية في عرف النوتية اسم زورق يدخل البطائح. وعلقت إدارة المجلة تعليقا على الجواية جاء فيه أنها مشتقة من فعل تكوى (بواو مشددة) والذي عندنا أن هذا اللفظ ارمي الأصل من (ج وي ا) والجيم مصرية وتلفظ (كاوايا) بمعنى الداخلي نسبة إلى (ج وا) الجيم مصرية أيضا وتلفظ (كاوا) أي الداخل. أو (جوا) كما يقول العراقيون.
ويراد (بالجواية) السفن الداخلية التي تنقل البضائع والسلع والأمتعة من الخارج وتتوغل في داخل البطائح كما جاء في وصفها في الموضع المذكور من المجلة. ولا يخفى على القراء أن الارميين كانوا يشتغلون بالملاحة في العراق في الأزمنة الخالية.
فهذا رأي خاص بنا نزفه إلى القراء بكل تحفظ، وقد سمعنا في البصرة يقولون للسفينة التي تنقل البضائع من المراكب البحرية الكبيرة إلى المياه الداخلية (جاية) الجيم مثلثة فارسية. كأنها مفرد (جواية) مثل قرية وقرايا عند المولدين وفي لغة العوام.
(داروغة) تطلق على الرئيس والمتقدم من الناس ومن الحيوانات ما كان منها في رأس القافلة وهو الكراز في العربية الفصحى، ويستعمل هذا الحرف عند الفرس وأهل الهند ويذهب علماء الفرس إلى أن داروغة بضم الراء ضما صريحا(4/531)
أو بالضم الممال به إلى الفتح كلمة جغتائية الأصل وكذا قال صاحب برهان قاطع والذي أراه أن اللفظ (داروغة) ارمي الأصل مبنى ومعنى وهو اسم فاعل على وزن فاعولا على القاعدة المتبعة عند
الارميين كما سيجيء بعد هذا. وذلك من فعل (درج) والجيم تلفظ هنا غينا فتصبح (درغ) بمعنى تقدم وتدرج فيكون معنى (داروغا) أو (داروغة) المتقدم.
(هوفة) بمعنى النسمة من الهواء والحركة الخفيفة والأمر الذي يمر سريعا ولا يثبت وإن كان هناك وجه لتعليل هذا اللفظ في العربية ونسبته إلى الهوف بالفتح وهي الريح الحارة أو الباردة الهبوب أو إلى الهوف بالضم ومعناه الرجل الخاوي الذي لا خير عنده أو من الهيف بمعناها المعروف في العراق أي الحارة أو من هفت الريح أي هبت فسمع صوت هبوبها فتكون من باب قلب المضاعف أجوف إلاَّ أن صيغة الكلمة ولفظها ومدلولاتها في هذه الديار تحملنا على القول بأنها من بقايا الارمية من (هـ وب ا) وتلفظ (هوبة) الباء فيها مثلثة. ومدلولاتها في تلك اللغة: الوهج والبخار والدخان والنسمة والنفخة والرائحة الخفيفة والهنيهة والزهيد من الشيء واليسير منه.
(حلانة الطيور) يجوز أن تكون الحلانة تصحيف الحلة (بفتح الحاء وتشديد اللام) في العربية الفصحى وهي الزنبيل الكبير من القصب كما تطلق أيضا الحلانة في العراق على زنبيل من خوص يوضع فيه التمر. وحلانة الطيور هي بشكل سلة من قصب تتخذ مسكنا للطيور كما يجوز أن تكون هذه الأخيرة من الارمية (ح ول ن ا) وتلفظ (حولانة) بضم الحاء ومعناها الكهف والغار والشق والحجر، وعندي إن التعليل الأول هو الراجح.
(سلهبة نار) تطلق مجازا على الولد الكثير الحركة أي كأنه لهبة نار وأكثر ما يستعمل هذا اللفظ نصارى العراق. والسلهبة من (ش ول هـ ب ا) بمعنى الهبة والضرم والحرارة.
(لهظ) أظن إن هذا اللفظ خاص بنصارى العراق، ويستعمله نساج الأزر من المسلمين فيقولون في الأقمشة المطرزة بالخيوط الذهبية أو المقصبة إذا كان لونها وهاجا (تلهظ) أو (تلهث) وهي من الارمية (ل هـ ط) بمعنى اشتعل واتقد وتلظى.
يوسف غنيمة(4/532)
تاريخ الطباعة في العراق
مطابع الموصل
تابع مطبعة الدمنكيين
- 5 -
116 - (التهجئة بالكلدانية) (طبع ثالثة ص 48)
117 - (تصريف الأسماء والأفعال الكلدانية) (ص 86)
118 - (نحو اللغة الكلدانية) للمطران السيد طيماثاوس مقدسي الكلداني (1889 ص 229)
119 - (نحو اللغة الارمية) له (1898 ص 350)
120 - (معجم مطول للغة الكلدانية القديمة والحديثة) (بالكلدانية) تأليف المطران توما اودو (1898 - 1900 في جزءين ضخمين ص 492 و638)
121 - (القطافة منتخبات أدبية في اللغة الكلدانية) للمطران السيد أدي شير ابرهينا الكلداني (1899 ص220)(4/533)
122 - (كليلة ودمنة) بالكلدانية المحدثة للمطران توما اودو (1898 ص273)
123 - (مجموعة أمثال كلدانية) لداود قره جمعت بعناية الأب يعقوب ريتوري رئيس دير مار يعقوب في الموصل (1900 ص140)
124 - (العهد الجديد) بالسريانية في جزءين قطع صغير (1898 ص 1528)
125 - (التعليم المسيحي) بالسريانية (1877 ص 52)
126 - (المزامير) (1885 ص 351)
127 - (المزامير) مع مقدمات وشروح للمطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1885 ص364)
128 - (فهرست المزامير) التي تتلى في الصلاة الفرضية في أبرشية الموصل السريانية على مدار السنة (1877 ص 42)
129 - (الحسايات) (الغفرانات وهي صلوات الحلة عن الخطايا) لمدار السنة إلاَّ زمن
الصوم الكبير الأربعيني جمعها المطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1879 ص 648)
130 - (الفنقيط) (أي الصلوات القانونية عند السريان) جمعه ونقحه المطران السيد اقليمس يوسف داود السرياني (1886 في سبعة مجلدات ص 350 و593 و450 و887 و468 و660 و526)
131 - (خدمة القداس بحسب ترتيب الكنيسة السريانية) له (1868 ص238 ثم 1881 ص284)
132 - (رسالة في السريانية في كيفية التصرف في الدعاوي الزيجية) له (1883 ص36)
رفائيل بطي(4/534)
فوائد لغوية
أصل علامة التثنية
ما أصل علامة التثنية في العربية؟
ذلك سؤال يلقيه كل من يبتدئ بتعلم اللغة العربية، أو من يتحرى الوقوف على أسباب أسرارها الخفية.
لا نقف على هذا الأصل إلاَّ من بعد أن نكون قد عرفنا أن المثنى في بقية اللغات يكون بوضع لفظة (اثنين) قبل الاسم أو بعده حسب مزايا تلك الألسنة أما العرب فيستغنون عن اتخاذ كلمة (الاثنين) بوضع ألف التثنية في آخر اللفظ في حالة الرفع أو بوضع ياء في حالتي النصب والجر. ويزداد (نون) بعد الألف أو بعد الياء إن لم يكن هناك إضافة. فيقال جاء رجلان ورأيت رجلين وابتعدت عن رجلين، وأقبلت امرأتان وساعدت امرأتين ونصحت لامرأتين.
فمن أين أتت هذه الألف في لغتنا؟
عندي إنها مقطوعة من (تنا) وهو اسم قديم للاثنين يشهد على ذلك انهم قالوا: ثنى الشيء أي عطفه كأنه جعله اثنين، ووجود الثاء المثلثة في ثني حديث بالنسبة إلى التاء المثناة وإن كانت في حد نفسها قديمة. ودليلنا على ذلك سائر اللغات السامية فالمثلثة فيها غير معروفة كتابة وإن كانت عندهم لفظا. أما العربية فلها حرفان ممتازان وكل منهما يعرف بعدد نقطه. ولنا دليل آخر أن الاثنين في العبرية (شنيم) أو (شني) فالميم للجمع وليست من أصل الكلمة و (شنى) بالشين وما كان بالشين في العبرية كثيرا ما يقابله بالثاء المثلثة في العربية.
فظهر من هذا أن لفظة الاثنين أصلها (تنا) لأن الياء الموجودة في العبرية تلفظ ألفا ممالة. والارميون يقولون في الاثنين (ترين) بإبدال النون راء لأنها من حيز واحد. كما ظهر أن المثنى عندنا منحوت من لفظتين هما الاسم الأول الأصلي والنون المقطوع من كلمة (تنا) وهو أمر معقول يؤيد مصطلح جميع لغات العالم.(4/535)
باب المكاتبة والمذاكرة
أسماء محلات بغداد
سيدي صاحب مجلة لغة العرب المحترم:
الغاية من نشر نبذتي التالية على صفحات مجلتكم الغراء هي الوقوف على حقيقة قد أمست في نظري بين الشك واليقين:
محلة الشط
تغيرت أسماء محلات مدينة بغداد وبعض مواقعها تغيرا كبيرا. حتى أن المؤرخ لا يكاد يجد اليوم محلة واحدة باقية على اسمها القديم منذ تأسيسها.
وقد عزمت على أن انشر كل ما اعثر عليه في كتب التاريخ من أسماء تلك المحلات القديمة العهد وما يطلق عليها اليوم من الأسماء الحديثة. وقد بلغني من السيد محي الدين فيض الله الكيلاني نقلا عن أفراد أسرته أن محلة السنك كانت تعرف قبل نحو قرن باسم محلة الشط واشتهر جماعة من أدباء بغداد في هذه المحلة المحادة (للمربعة) (والحاج فتحي) (والعوينة) (وباب الشيخ) وقد جاء في ديوان عبد السلام الشطي ص30 قصيدة فيها إشارة صريحة إلى أسرته البغدادية التي هجرت ربوع الزوراء واستوطنت دمشق في القرن الثاني عشر للهجرة وإلى المطالع بعض أبياتها:
نحن بنو الشط الاماجد ... أصل المناصب والمراتب
كم خفِقت أعلامنا ... بين المشارق والمغارب
وبنورنا انكشف الدجى ... وبذكرنا سارت مواكب
بغداد محتدنا فيا ... لله كم جمعت أطايب
والجد معروف هو ... الكرخي مشهور المناقب(4/536)
كنا ثلاثة اخوة ... فيها تحف بنا المواهب
عمر ومحمود وخضر ... من صفت لهم المشارب
جاؤوا دمشق وخيموا ... فيها وأمر الله غالب
والقرن ثاني عشر ... ودمشق زاهرة الكواكب
فرجائي ممن له وقوف على خلاف حقيقة ما جاء في هذه النبذة أن يفيدني عنه على صفحات مجلة لغة العرب وأخص منهم بالذكر أولئك الذين في حوزتهم صك مثبت عليه اسم محلة الشط فأنهم يخدمون بذلك تاريخ مدينة بغداد أجل خدمة.
هذا والمؤرخ الوحيد الذي يمكنه أن يصور معالم مدينة بغداد العتيقة بطرقها وساحاتها ودورها وحدائقها ومساجدها شبرا فشبرا هو على ما اعهد العلامة المستشرق الألماني الأستاذ هرتسفلد وقد أفادني يوسف أفندي غنيمة أن المذكور لما زاره في داره قال له بعد التحية أن دارك هذه وهي الواقعة في محلة (الدهانة) اليوم المرقمة 7 - 180 هي من حريم دار الخلافة (راجع مادة الحريم في معجم البلدان) وأخذ يؤيد قوله هذا بإيراد الشواهد.
فيا ليت حضرته يضع مصور المدينة بغداد قديما وحديثا يمثل فيه المعاهد والمساجد والدور والقصور في العهد العباسي والمغولي والعثماني والحالي فيخدم بذلك تاريخ عاصمة العراق خدمة تذكر له على مدى الأيام فتشكر.
رزوق عيسى
أصل كلمة كالوك
قرأت في ص409 مقالة ذكر فيها صاحبها إن الكالوك ارمية الأصل ووجدت الحاج عبد اللطيف ثنيان في ص481 يذهب إلى أن اصلها قد يكون من الفارسية. والذي أراه أنا إن الكلمة تركية من قاليق (والترك يلفظونها كاليك) ومعناها (الناقص) لأن هذه الأجرة تنحت على شكل مثلث إلاَّ أن عرضها دون طولها بنصف فهي ناقصة بهذا المعنى. وكما قال عوامنا في قاشيق (أي ملعقة) قاشوقة. وخاشوكة، وقاشورة. وقد يحذفون من هذه الألفاظ الهاء الواقعة في الآخر قالوا في (قاليق) كالوك.
أحد العارفين في البناء(4/537)
أسئلة وأجوبة
معنى الميم في أول المشتقات والمصادر ومعنى حروف
المضارعة وسبب صيغة المجهول.
سألنا أحد الأدباء بلسان مجلة المعرض البغدادية (106: 2) هذه الأسئلة وهي:
1 - لماذا كانت هذه الميم (الميم الزائدة في أول المشتقات) تارة مفتوحة في نحو معروف ومضروب إلى غير ذلك، وتارة مضمومة نحو منافس ومقاتل وغيرها (كذا بمعنى وغيرهما) وتارة مكسورة مثل مصحف ومكنسة وغيرها (كذا)؟
2 - كيف نقول في (كذا) الميم التي ترد في أول المصادر الميمية نحو مقاتلة ومضاربة ومقتل ومأكل وغيرها؟
3 - إن قلنا بقوله إن ميم معروف من (من) أو (ما) فلماذا تغير وزن عرف إلى (عروف) إذا قطعت ميمه وقس على ذلك؟
4 - لماذا خص (ما) بما لا يعقل وقد وردت لما يعقل ووردت في نفس القرآن (كذا أي في القرآن نفسه)؟
5 - لعله يفيدنا بعلمه أن حروف المضارعة من أي كلمة اقتطعت وكيف عادت ياء وألفا وتاء إلى آخره (كذا أي إلى آخرها بمعنى إلى آخر الحروف).
6 - لماذا جعلوا الفعل الماضي المعلوم مفتوح الأول، فإذا أخذ للمجهول ضم أوله. فمن أين أتت هذه الضمة التي تبدل فيها الماضي من معلوم إلى مجهول مع أن الضمة وردت في المضارع المعلوم نحو يقاتل ويصلي، مع أنها في الغالب مفتوحة وتضم في المجهول فنأمل من غزير علمه وغوصه على درر اللغات في بحورها أن يدفع عنا ما وقف تجاهه فكرنا فلم نفهم مما حرره شيئا (كذا بنصه وفصه ولسنا نحن الذين ننسب إليه هذه الأقوال).
قلنا: 1 - سبب تحريك هذه الميم بحركات مختلفة بين الضم والفتح والكسر(4/538)
هو لتمييز ألفاظ عن ألفاظ وصيغ عن صيغ ولولا ذلك لأختلط الحابل بالنابل وكل ذلك من التواطؤ في الوضع. هذا فضلا عن أن اختلاف الحركات وحروف العلة لا شأن لها في بعض
الأحيان كما قرره أصحاب الفن عند العرب وأهل الغرب.
2 - لما بحثنا عن ميم الأسماء المشتقة لم نقل كلمة عن ميم المصدر، كما يتضح لكل ذي عين. فضلا عن كل ذي عينين؛ أما وقد يريد السائل أن يعرف اصلها فهي عندنا مقطوعة من كلمة أخرى تبتدئ بميم وتدل على أصل الشيء وقد اجتمع هذان الشرطان في المزر (بكسر الأول)، فإذا قلت مقاتلة فاصله (على رأينا. وقد نخطئ وباب الاجتهاد غير موصد) مزر قاتل أي أصل قاتل أو مصدر قاتل. لأن معنى المصدر الأصل ومخرج الشيء. وقد يحتمل أن تكون الميم مقطوعة من لفظة أخرى بهذا المعنى أو مبدلة من نون كلمة تبتدئ بنون ومعناها كمعنى المزر (أي الأصل)؛ لكن لا بد من القول إنها مقطوعة من كلمة تفيد المعنى الذي نذهب إليه.
3 - تغير الوزن لا يمنع صحة المعنى واصله وهذا أوضح من الشمس في رائعة النهار.
4 - لسنا نحن الذين خصصنا معنى (من) بما يعقل و (ما) بما لا يعقل بل النحاة واللغويون كما يتضح ذلك من مراجعة أي كتاب صغير في هذا الموضوع أما ورود (ما) للعاقل فلم ننكره، لكننا حكمنا بحكم النحاة واللغويين من باب الأغلبية، إذ ورد (من) للعاقل في القرآن اكثر من ورود (ما) بهذا المعنى كما لا يخفى.
5 - لكل حرف من حروف المضارعة كلمة اقتطعت منه على رأي جميع المستشرقين وفصحاء العربية المحدثين. فالألف منزوعة من (أنا) والنون من (نحن) والياء من (هو) والتاء من (أنت) فقولك اضرب ونضرب ويضرب وتضرب أصلها أنا ضرب، نحن ضرب، هو ضرب، أنت ضرب. ولصديقنا العلامة جبر ضومط بحث لذيذ في هذا المعنى في كتابه: الخواطر في اللغة في ص98 وما يليها في جميع هذه المباحث. والظاهر إن حضرة السائل صديقنا(4/539)
الحاج لم يقف على هذا الكتاب ولا على كتاب فلسفة اللغة لجرجي زيدان وسر الليال لفارس الشدياق وكتب سر الاشتقاق للمستشرقين.
6 - الجواب يرى في الخواطر في اللغة في ص95 في البحث الذي عنوانه: بحث خامس في المجهول. فأن المؤلف ذكر سبب اختلاف الحركات وهو بحث شائق.
أما قوله في الآخر: (فلم نفهم مما حرره شيئا) فليعف عن سكوتنا عنه إذ هذا لا يتعلق بنا، على إننا نراه قد فهم كل ما كتبنا بما أنه اعترض علينا هذه الاعتراضات الدقيقة النظر
ولهذا نحمل كلامه على التواضع والتباؤس.
قاصد وقصدا. معتنف واعتنافا
س - ما أحسن لفظة تقوم مقام الإفرنجية ثم
طهران: السيد محمد حسن ك. ل
ج - لقد قلنا مرارا أن المعاجم الإفرنجية العربية لا تدلنا على لغتنا دلالة صحيحة صريحة، بل تحتاج إلى وضع مثلها وضعا يقوم بحاجاتنا وأحسن لفظة للأولى قاصد تقول: هذا طريق قاصد وللثاني قصدا تقول: ذهبت إليه قصدا. ويقال في معنى اللفظة الثالثة معتنف وفي صورة الحال: اعتنافا. قال في اللسان: يقال طريق معتنف أي غير قاصد. وقد اعتنف اعتنافا: إذا جار ولم يقصد. أهـ بحرفه. وكلها تؤدي الألفاظ الفرنسية أحسن تأدية.
الشاذروان أو الجذر
س - أي لفظة عربية تؤدي معنى في لغتنا؟
(دمشق: م. خ)
ج - هي شاذروان الفارسية الأصل وقد وردت في الكتب القديمة حتى في عهد الجاهلية وقد قصرها العرب بصورة جذر (بفتح الأول) وشاذروان معروفة إلى عهدنا هذا في بغداد بالمعنى المذكور. أما الجذر فواردة في الحديث قال في النهاية: وحديث عائشة (رض): سألته عن الجذر، قال: هو الشاذروان الفارغ من البناء حول الكعبة.(4/540)
باب المشارفة والانتقاد
51. تاريخ الكتاب المقدس للمدرسة وللعائلة
عن العلامتين شوستر وماي، للسيد العلامة المطران يوستوس كنيخت معاون أبرشية فريبورغ، مزين ببعض التصاوير، ترجمة الأبوان دونكيل وعلوان اللعازريان، طبع طبعة ثانية منقحة بمطبعة الاجتهاد في بيروت سنة 1923، في 288 ص بقطع الثمن الصغير.
كتاب كثير الإفادة للمدارس وللبيوت المسيحية وهو مقسوم النص إلى ثلاثة أقسام: قسم خاص بالصفوف الابتدائية وهو من أهم ما يجب على التلميذ أن يتعلمه وهو غض الإهاب. وقسم يفيد الصفوف الثانوية بعد أن يكون أصحابها قد وقفوا على ما في القسم الأول، والنص الثالث يفيد الصفوف العالية وقد ضبط النص الخاص بالصغار ضبطا كاملا بالحركات والشكلات والعبارة حسنة على إننا نأخذ على المترجم أنه يوافق بعض الكتاب الضعفاء على اتخاذ شيء من التراكيب المخالفة للصواب. من ذلك قوله في المقدمة: (فها نحن نزفه وقد وضع نجمة) بدلا من قوله: (فها نحن أولاء نزفه وقد وضع نجم) لأن النجمة بمعنى جرم السماء النير لم يرد مفردا بالتاء في العربية بل هو نجم ويجمع على نجوم هذا فضلا عن أن هناك غلطا آخر وهو قوله: قد وضع نجمة، وهذه الكلمة مؤنثة فكان يحسن به أن يقول (وضعت نجمة) لو فرضنا أن نجمة صحيحة.
وهناك وهم آخر جرى عليه مترجمو التوراة في سورية ومصر وهو انهم ينقلون أعلامها عن العوام لا عن اصلها العبري أو الشرقي. فيقولون مثلا صموئيل (ص85) وحقها: سموئيل والعرب قالت سموءل وكرر اسم اليصابات (في ص142 و145 و146) والصواب اليشباع كما في توراة الموصل، أو الإشباع(4/541)
كما في تاريخ الطبري. أما اليصابات فليست بكلمة شرقية بل غربية وغريبة مصحفة اقبح التصحيف.
وهناك غير هذه الأعلام المشوهة وذكر نص الصلاة الربية على الطريقة المألوفة عند العوام. وعندنا أن قولهم: ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض هو غير فصيح ولا يجوز أن يقال مثل ذلك التعبير، والذي نراه لائقا بالله أن تتلى الصلاة الربية على هذا الوجه؛ أبانا الذي في السموات تقدس اسمك، أتى ملكوتك، كانت مشيئتك
على الأرض كما في السماء، اعطنا خبزنا كفاف اليوم، واغفر لنا خطايانا، كما تغفر لمن اخطأ إلينا، ولا تدخلنا في التجارب، لكن نجنا من الشرير. آمين
أما أنه لا تقول العرب ليأت ملكوتك ونحوه، فلأنها لا ترى من اللائق بجلالته وعزته أن يؤمر بل أن يتمنى الشيء منه تمنيا، فقد قالوا في الدعاء: حفظه الله وحرسه ودفع عنه كل شر، وهم يريدون التعبير عن فكر الغير بقولهم: ليحفظه الله ويحرسه ويدفع عنه كل شر!
52. القلوب الكبيرة
الرجال الذين خدموا أوطانهم وأنهضوها، سلسلة أبحاث شرقية تفيد الشرقيين، بقلم اسبر الغريب، صاحب مجلة الشمس ورئيس تحريرها في الأرجنتين وسورية، طبع في بيروت سنة 1926 في 111 ص بقطع الربع أي بقطع مجلتنا.
في هذا المصنف ترجمة سبعة وأربعين رجلا من المشاهير، لم نر بينهم من الناطقين بالضاد واحدا بل جميعهم من أبناء الغرب إلاَّ واحدا فأنه فارسي. وهذا ما يجرح عواطفنا ويؤلمنا أشد الألم؛ إذ كنا نود أن نرى بعضا من قومنا في مصف هؤلاء الأفراد الأفذاذ.
ومما نلاحظه على حضرة الأديب أنه لم يردف الأعلام بالحروف الإفرنجية وقد جارى قوما دون قوم في لفظها ولهذا كانت كتابتها بالحروف الغربية من اللازم. وفي بعض تلك التراجم اطلع المؤلف على بعض الكتب التي صنفها فريق(4/542)
من الناس ليطعنوا بفريق آخر، فلم يتتبع التحقيقات الثقات الكتبة من الغربيين وهذا يظهر في ترجمة لغليليو غليلي فأنه جارى بعض ذوي الحزازات ولم يقف على تحقيقات صاحب المقتطف في هذا الصدد في مجلداته الأخيرة أو تحقيقات رجال التدقيق عند الغربيين. ولولا هذه الأغراض في أبناء شرقنا العزيز لكان الكتاب مفيدا.
أما عبارته فلا بأس بها لكنها لا تخلو من متردم. كقوله في ص2 لتكون حياتهم امثولات عملية لنا؛ وامثولات عامية ولو قال في موضعها؛ لتكون حياتهم عظات لكان امتن. وقال فيها: وأنياب خصومها تنهش فيها نهشا، ولو قال تنهشها نهشا لكان أقوم. وفي ص3: بتمسكنا بالقديم البالي. وتكمشنا بمبادئ جدودنا. وفي لغتنا الفصحى لم ترد تكمش بمعنى اعتصم به وتشبث إنما هي من أوضاع العوام التي يعدل عنها. وفيها: واقرأ بإمعان تواريخ أبطال الأمم في السياسة والعلم والفنون والاختراع والحروب قلنا: قوله اقرأ بإمعان تركيب
غير فصيح وأحسن منه: وترو (بتشديد الواو المفتوحة) في تواريخ أبطال الأمم ويحسن به أن يفرد الألفاظ الواردة بعد الأمم، أو أن يجمعها كلها ليكون التعبير امتن، على نسق يهز القارئ ويسمعه وقع الألفاظ وقعا متسلسلا فيقول مثلا في السياسة والعلم والفن والاختراع والحرب.
على إن المؤلف أراد من تصنيفه حمل القارئ على التأسي بأعاظم الرجال فمن هذه الجهة فاز ببغيته.
53. منتخبات في أخبار اليمن
من كتاب شمس العلوم. ودواء كلام العرب من الكلوم، لنشوان بن سعيد الحميري، وقد اعتنى بنسخها وتصحيحها عظيم الدين أحمد، طبعت في مطبعة بريل في ليدن سنة 1916.
كتاب جليل لتاريخ اليمن ولا سيما لمعرفة أعلام مدن تلك الديار ولا يمكن أن تستغني عنه خزانة عربي يود الوقوف على تلك الأصقاع وهو محكم الوضع والطبع مع مقابلته على النسخ المعروفة من هذا الكتاب.(4/543)
54. كتاب خطط الشام
تأليف محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي، طبع في المطبعة الحديثة بدمشق 1343هـ 1925م، الجزء الأول في 314 ص بقطع الربع.
1 - تمهيد
وضع العلامة الكبير، صديقنا محمد كرد علي سفرا يكون له أبد الدهر أثر فخر وذخر. كما سيكون مستمدا لكل من يأتي بعده. ويكتب شيئا مفيدا عن سورية.
ولمثل (خطط الشام) لا يتصدى إلاَّ طائفة من العلماء تفرغت للتاريخ والتفريع (جغرافية) والعلم والأدب، وما يتشعب أو يتولد من هذه الأمهات. إذ مثل هذا التصنيف في عصرنا يتطلب وقوفا تاما على ما كتب في مواضيعه المتشتتة. ويختار منها ما يوافق الصدق والتدقيق. وهذه الأمور لا تتيسر إلاَّ لنفر يعد على الأصابع.
ولما كان بعض الرجال قد رزقوا حظا وافرا من المواهب حتى أن واحدهم ليقوم بما يرزح
تحت عبئه جماعة، رأينا حضرة الصديق في مقام عدة رجال فتولى بنفسه وضع هذا المصنف الفذ من نوعه وشحنه فوائد بل فرائد، فجاء حافلا وافيا بما انتدب له، فأدى الخدمة أحسن تأدية.
(خطط الشام) بحر زاخر واسع المنبسط يحوي كل ما يتمنى القارئ أن يحصل عليه من المعارف التي تتعلق بتلك الديار العربية المحبوبة أن في الماضي وأن في الحاضر وأن في المستقبل.
وهل من العجب بعد هذا أن نرى أناسا يحسدون المؤلف على كنزه هذا الثمين فيحاولون أن ينزعوا من صاحبه كل ما له فيه من الفضل المحسوس. والتضلع الملموس؛ وما ذلك إلاَّ لقصورهم عن الإتيان بمثله أو بما يقاربه نسجا ووشيا فلم يبق لهم إلاَّ الحسد وهذا هو بضاعة كل قاصر ضعيف عاجز.
إننا نهنئ صديقنا الأستاذ بما نمنمت أنامله اللبقة ونتمنى له كل فوز ونجاح! على أن لكل كاتب آراء قد تكون خاصة به دون غيره. وقد تتفق وآراء(4/544)
الغير وقد لا تتفق وإياها. ولقد بدا لنا بعض خواطر نعرضها على نظره هنا قد لا تصح لما فيها من الخلل أو السقم، وقد ينفجر منها وميض حق لأنه قيل: (ربما صحت الأجسام بالعلل). وبذلك يزول الخلاف، ويصلح بها نظرنا، بعد أن يكون قد دلنا على ما فيها من الزلل، فنهتدي إلى ما به سواء السبيل.
ونقسم هذه البدوات قسمين: قسما عاما، وقسما خاصا. فالقسم العام يقع على مجمل التصنيف. والخاص يتعلق بما في بعض المواطن من مظان التحقق والتثبت.
2 - نقد عام
(أ) من الأمور التي كنا نود أن نراها في طبع هذه (الخطط) أن يكون فرق في بعض عناوين الفصول والمباحث والمواضيع من جهة صورة الخط فالعين لا تميز بين حروف النص وحروف تلك العناوين.
(ب) ليس فيها فهارس أعلام رجال أو مدن أو مواطن مرتبة على حروف الهجاء مع أن كل جزء قائم بنفسه وفي حاجة إلى أن يوضع له عدة فهارس لينتفع بها الباحث ويعدل عن تصفح المواضيع الواحد بعد الآخر ليظفر بما ينشده
(ج) نسيانه كتابة بعض الأعلام الإفرنجية بحروف رومانية وهذه خلة لا يحسن أن تكون في كتاب جليل مثل هذا.
(د) لا يذكر في اسفل الصفحة السند الذي اعتمد عليه في ذكر بعض الأمور وفي مثل مضامين الخطط لا بد من الإشارة إليها للمراجعة؛ إن كانت تلك المظان عربية أو غربية؛ وقد ظهر لنا في بعض المواطن أن وقع في الترجمة بعض آراء شككنا في صحة نسبتها إلى قائلها الغربي ولما أردنا مراجعتها كابدنا عرق القربة للظفر بها، وأغلب الأحايين لم نتمكن من وضع يدنا عليها. ولهذا كان يحسن بالمؤلف أن يوفر هذه الكلفة على المحقق أو على من يريد التثبت من صحة النقل أو الترجمة.
(هـ) قد وقع في الكتاب عدة أغلاط طبع ولم يذكر لها تصويب في آخر الكتاب فلعل المؤلف يفعل ذلك في الجزء الذي يضع فيه الفهارس المختلفة فيضع تلك الصحيحات في باب يفرده لها.(4/545)
(و) بعض قطع الفصول طويلة جدا، تتعب مطالعتها القارئ وفي تلك القطعة أفكار مختلفة كان يحسن أن تقطع في موطنها ويبدأ بالفكر المغاير لما تقدمه بسطر ينحرف عن بقية السطور إراحة للبصر والفكر.
(ز) كان يحسن بالمؤلف الجليل أن يضبط بعض الأعلام أو بعضا لألفاظ في مواطن مختلفة نفيا لكل لبس، وإن يشير ذلك باللفظ إن لم يتيسر له الضبط بالشكلات إذ قد يصعب وجود حروف عليها علامات الاعجام (أي الحركات).
(ح) عند ذكر بعض الأدباء لم يتخذ في سرد أسمائهم ترتيبا منظما على طريقة من الطرائق، لا ترتيب حروف المعجم ولا ترتيب سني ولادتهم أو وفاتهم أو عمرهم، ولا على أي أسلوب كان، ولهذا ترى أسماء رجال بجانب رجال آخرين ما كنت تود أن تراهم في ذلك الموضع.
(ط) هذا الكتاب النفيس خال من مصورات البلاد وهو أمر عظيم النقص في عهدنا هذا ولمثل هذا المصنف.
(ي) ذكر المؤلف أسماء الكتب التي اعتمد عليها في وضع تصنيفه. ومن الأسف إنه لم يتبع نظاما في وضع تلك الأسماء؛ فإنه لم يراع فيها قدم التأليف ولا حروف الهجاء لأسماء
الكتب ولأعلام المصنفين؛ لا سني الموالد ولا سني الوفيات. فإذا أراد الباحث أن يحقق نصا ذكره المؤلف في كتابه وأراد أن يعرف اسم الكاتب الذي يجد فيه ذاك النص لا يستطيع أن يهتدي إلى العثور على عنوان التصنيف إلاَّ بعد شق النفس وقد وقع لنا هذا الأمر مرارا حتى أضعنا وقتا جليلا لنظفر بضالتنا. أما لو كان جرى على أسلوب منظم كما يفعل الإفرنج في سرد الأعلام والعناوين لكفانا مؤونة البحث والتنقيب ونشد الضالة بين صفوف تلك الأسماء التي نشبهها بخيم الأعراب مضروبة على غير وجه سوي.
هذا مجمل ما عن لنا في هذا المعنى ونحن متأكدون أن هناك غير هذه المآخذ التي ذكرناها.
3 - نقد خاص
كان يليق بنا أن نجمع ما نظنه مخالفا لرأينا طوائف طوائف بعناوين تحصرها أي أن نجمع مثلا أغلاط الطبع ثم ننتقل إلى طائفة الأغلاط التي نظنها مخالفة(4/546)
لأصول النحاة أو الصرفيين. ونجمع في عنوان ثالث ما نظنه مخالفا لتفسير اللغويين ونعقد فصلا رابعا لما نظنه مخالفا لأغلاط التعريب والترجمة، وهكذا نجري في وجهنا متخذين لكل طائفة مما نخاله خللا عنوانا خاصا ليسهل على الباحث الوقوف على ما يريد أن يتتبعه من الزلل، إذ ما يهم هذا الرجل لا يفيد ذلك القارئ. بيد أن ذلك يتطلب تبويبا خاصا، ووقتا وافرا، وتتبعا مضجرا؛ فعدلنا عن هذا النهج إلى أسلوب آخر أهون علينا. وهو قراءة الكتاب صفحة صفحة والإشارة إلى ما نظنه فيها خطأ، إذ قد يتفق أن فهمنا لا يبلغ شأو الكاتب الضليع فنكون نحن المخطئين والصديق العلامة هو المصيب، ولهذا نعرض رأينا غير جازمين بصحته بل طالبين الهداية إلى سبيل الصواب. وإذ قد مهدنا هذا نقول:
1 - ورد في ص5 كلمة مجريط بمعنى مدريد كما كان ينطق بها السلف في القرون الوسطى ونحن لا نستحسن هذا الرأي الذي هو أيضا رأي الصديق أحمد زكي باشا. نعم إننا نصوبه إذا وضع بجانب العلم العربي ما يقابله اليوم لفظا عند العلماء أو أن يتلى باسمه بالحرف الإفرنجي. والأعلام يجب أن تلفظ كما ينطق بها أصحابها ومجريط لفظ قبيح مرغوب عنه لكلمة مدريد عاصمة أسبانية. فلو وضع بجانبها الكلمة المتعارفة اليوم لعذرناه. أما أنه وضعها بدون ردف فلا نستحسنه وما نقوله عن أعلام المدن نثبته لأعلام
الرجال وإلاَّ أفيقبل حضرة الصديق أن نقول: جنبرة وجربدة وإفرنجة وفرنجة في مكان جنيف وجيرون وفرنسة مع أن الكتاب كلهم أجمعين لا يعرفون إلاَّ هذه الأخيرة حتى الذين يقولون باتخاذ الأسماء القديمة. وكذلك القول في أسماء الرجال والنساء فأن السلف قالوا: عرماز وقلودية وغرطلة وقارلة في من نسميهم اليوم غدمار وكلوفيس وكلوتلدة وشرلمان، أو شرل الكبير أو كرلس العظيم فأين أعلام السلف من أعلامنا التي يعرفها أولادنا اليوم؟
نعم إن بعض الأعلام اشتهرت بصورها العربية لكثرة تداولها على الألسن فمثل هذه الأسماء ندع للناس حرية الجري عليها كالأندلس وبلنسية وطليطلة وبلد الوليد إلى نحوها. أما اتباع الأعلام التي قل استعمالها أو ندر اتخاذها فنحن لا نوافق الكتاب الأقدمين على متابعتهم لما هناك من العنت وسوء الفهم والتفهيم(4/547)
ولأن لكل مقال مقاما ولكل دولة وعصر رجالا وأبطالا.
2 - ذكر المؤلف في ص7 إن علماء الغرب وسياحهم صنفوا بين سنتي 1805 - 1903 خمسة وتسعين كتابا فقط في آثار البتراء (وادي موسى). . . وقد كرر مثل هذا القول (أي البتراء) أنها هي المعروفة بوادي موسى مرارا عديدة وهو رأي صاحب المقتطف وكثيرين غيره.
ونحن نخالفهم كل المخالفة لأن البتراء ليست بوادي موسى اليوم التي كانت معروفة في سابق العهد باسم سلع (بفتح فسكون) فهذه المدينة هي التي تسمى بالإفرنجية وهذه ليست بالبتراء العربية كما يتضح ذلك من مراجعة ياقوت في معجمه فقد قال: (البتراء كأنه تأنيث الابتر؛ موضع ذكره في غزوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني الحيان. قال ابن هشام: سلك النبي - صلى الله عليه وسلم - على غراب ثم على مخيض، ثم على البتراء، وذكر ابن اسحق في مساجد النبي (ص) في طريقه إلى تبوك فقال: ومسجد بطرف البتراء من ذنب الكواكب. أهـ فهذا نص واضح على أن البتراء هي دون تبوك الواقعة في شماليها. وأما سلع فهي ليست من بلاد ذبيان من ديار قضاعة. بل في شمال غربي معان أو في جنوبي الشراة فأين هذه من تلك؟ إلاَّ أن الذي خدع كتبة العصر في هذا الصدد هو مشابهة الأسمين؛ وكم من ظواهر عرضت بمعارض الجواهر!
وهناك سلع أخرى غير سلع الأنباط هي سلع أرض يثرب. قال الهمداني في كتابة صفة جزيرة العرب 124: أرض يثرب المدينة وقبا والفضاء وأحد والعقيق وبطحان وسلع والحرة. . . إلى آخر ما ذكر - نعم إن بعضهم ذكروا سلع بالاسم الغربي، لكنه لم يسموه بالبتراء لكي لا يختلط بالبتراء العربية بل قالوا: بطرا بدون أداة التعريف وبطاء بعد الباء. قال ابن البيطار في مادة علك (ديسقوريلس في 1 وصمغ شجرة الحبة الخضراء يؤتى به من بلاد الغرب ومن البلاد التي يقال لها بطرا وقد يكون بفلسطين وسورية). . . إلى آخر ما ذكر ولا نريد أن نطيل الكلام في مسألة هي اظهر من الشمس في رائعة النهار.
3 - وفي تلك الصفحة 7 قال علامتنا (لأن كل أمة أعرف على الغالب بحالتها) ونظن أن المرتب نسي الكلمات التي بعدها وهي: (أعرف على الغالب(4/548)
بحالتها من غيرها بها) ولعلها تصلح في باب التصويبات.
4 - وفي ص8 يقول حفظه الله: والتاريخ ربيب الحرية لا يتصرف على هوى من يكتبه ويقرأوه) هكذا وردت بألف مهموزة بعدها واو. وغلط الطبع صريح هنا والمقام يطلب أن نقرأها: (ويقرأه).
5 - وفي تلك الصفحة عينها: ولا على أذواق المعاصرين وميولهم. وجمع ميل على ميول فاش بين كتبة مصر ولم نجد له أثرا عند الفصحاء ولا عند المولدين راجع ما كتبناه في مجلتنا 416: 4
6 - وفي ذلك الوجه نفسه: فوجد فيه أشياء توهمها في ثلب أعراض الناس فأعدمه. وأعدمه وإن كان لها توجيه إلاَّ أنها لا تليق بأن ترد على قلم صديقنا وهو إمام المجمع مجمع العلماء ولو قال: قتله أو أتلفه لكان أقوم. لأن المعاصرين يريدون بإعدامه: قتله رميا بالرصاص بأمر الحاكم أو بمن يدعي أنه يتولى الحكم والقضاء فالرمي بالرصاص هو المعني في هذا اللفظ.
7 - ورد في ص38 تعريب عناوين المصنفات الإفرنجية رأينا فيه تساهلا عظيما كقوله في الرقم 595 كتاب مؤرخي الحروب. مع إن العنوان الإفرنجي يقول أي مقتطف أو جنى وهم يريدون بذلك مجموعة مقتطفة من عدة مؤرخين مثلا. وفي رقم 599 (القاموس السياسي والاجتماعي) والذي في الأصل الإفرنجي معناه معجم صغير في السياسة
والاجتماع. وفي رقم 603 جبل اتوس والمشهور جبل اثوس بثاء مثلثة. وفي رقم 617 موآب والمشهور عن العرب أنهم يكتبونها مآب وزان مقال أو مؤاب كفؤاد.
8 - ومما استغربناه قوله في ص47، ونظنه مأخوذا عن ياقوت: (ويقال إن فلسطين سميت بفلسطين بن سام أو بفلسطين بن كلثوم أو بفليستين بن كسلوخيم من بني يافث بن نوح ثم عربت فليشين) (كذا) فهو لا يرجح هنا رأيا على رأي كما لم يجرح علة هذه التسميات الواهية؛ مع ظهور فسادها؛ ولم يذكر لنا رأي علماء الغرب في عهدنا هذا؛ بعد إن أطلع على تلك المجلدات العديدة التي بلغ مجموعها 4695 فلقد اكتفى صديقنا بإيراد مقال صاحب معجم البلدان كما نطق به في كتابه في مادة فلسطين ولم يطرفنا بشيء جديد مع أن ذلك الرأي قد(4/549)
أكل عليه الدهر وشرب ونسج عنكبوت العتق عليه بيته فلم يبق فيه عظيم فائدة والذي وجدناه اقرب إلى الحق ما جهر به فريدريك دليج الألماني أن فلسطين كان في الأصل اسم قوم نزل الجنوب الغربي من فلسطين الحالية فسمي الموضع باسم نازليه. وقد ورد في الرقم الآشورية بصورة (مات فلسط وفلسط وفلسط) (مات بفتح فألف وتاء مبسوطة ساكنة. وفلسط الأولى بفتحتين فسكون فضم؛ والثانية بكسرتين فسكون فضم؛ والثالثة بكسرتين فسكون ففتح).
9 - وجاء في ص48: (وقيل سمي الشام شاما لأنه عن شمال الكعبة والشام لغة في الشمال. . .) ونحن لا نجرؤ أن نقول: الشام لغة في الشمال؛ بل نقول مثلا الشام مرادف للشمال ثم قصروا اللفظة فقالوا (شم) ثم مدوها ليجعلوها على ثلاثة حروف فصارت شلما. وهذا الرأي مع غيره ضعيف والأرجح أنه سمي بسام بن نوح. ثم قال حضرته بعنوان: معنى الشام وجمعه؛ واختصرت العرب من شامين الشام؛ وغلب على الصقع كله (ياقوت) والذي أطلع على ما كتب المؤلف لا يرى أنه قال قبل هذا النص قولا يفيدنا عن (شامين) شيئا؛ بخلاف ياقوت فإنه قال قبل إيراد هذه الجملة:. . . وانخزل تسعة أسباط ونصف إلى مدينة يقال لها شامين وبها سميت الشام. . . فاختصرت العرب من شامين. . . إلى آخر الكلام. وبهذه الصورة تفهم عبارة صديقنا؛ وإلاَّ تكون مبتورة لا تفيد فتيلا.
10 - وفي ص49 جاءت بهسنا مكتوبة بصورة الياء في الآخر والشائع أنها بالألف القائمة للإشارة إلى أصلها الارمي. وما كان كذلك يرسم في أغلب الأحايين بالألف القائمة. وقال
فيها (بل حد الشام ينتهي بسفوح جبال طوروس المعروفة بالدروب عند العرب. . .) قلنا: إن المؤلف هنا عمم مع أن الدرب قد ورد اسما لعدة مواطن أو لعدة مضايق في الجبال. نعم قال ياقوت: وإذا أطلقت لفظ الدرب أردت به ما بين طرسوس وبلاد الروم لأنه مضيق كالدرب. . . فهذا لا يدل على سفوح جبال طوروس كما استنتج صديقنا العزيز بل المضايق التي ترى هناك. ثم إننا لا نرى سبب اتخاذ كلمة (طوروس) بدلا من كلمة جبل التي عرفها العرب. فإذا كان حريصا على اتخاذ (مجريط) في موطن مدريد؛ فما احراه(4/550)
أن يقول جبل (من باب حذف أداة التعريف) في هذا المعنى وقد ذكره أبو الفداء في تقويمه في ص70 من طبعة باريس. وهناك ملاحظة أخرى أن (طورس) لفظة سامية الأصل من (طور) ومعناها جبل فلا نرى سبب إبقائها على إفرنجيتها ولو قال (طورس) والأحسن (طور) لخفت وطأة العجمة، تلك العجمة التي نحن في مندوحة عنها.
11 - وعجبنا من قوله في ص50 (شاطئ البحر الأبيض المتوسط) فقوله (البحر الأبيض) في موطن بحر الروم وهو الاسم المشهور عند سلفنا غريب جدا. فتسميته بالبحر الأبيض تسمية تركية مغولية تورانية طمطمانية لا حق لها من الصحة أبدا. وقد استهونا قول الكتاب المعاصرين (البحر المتوسط) من باب الترجمة من الإفرنجية. وسبب التسمية معقول لأنه يتوسط آسية وأفريقية وأوربة أو بعبارة أخرى يتوسط الأرض المعروفة في القديم، لكن تسميته بالبحر الأبيض هي في غير محلها.
ثم إن المطبعة قد ضبطت كلمة شاطئ بياء منقوطة يليها همزة واقعة وراء الياء فيأتي وزن اللفظة حينئذ فاعيل لا فاعل. والطابع قد جرى على هذا الأسلوب القبيح في جميع الألفاظ المنتهية بهمزة مكسور ما قبلها فقد كتبها دائما بياء ثم أعقبها بهمزة ولا أظن أن صديقنا التفت إلى هذا الرسم المخل بقواعد الصرف والنحو معا. وتكرير هذا الغلط جاء مئات لا عشرات!
12 - في ص51 قال كاتبنا: (وهذا الحد مصنع كل التصنيع) والذي نعرفه أن صنع بهذا المعنى عامي قبيح لم نجد له أثرا في مدونات الفصحاء، ولو قال وهذا الحد موضوع كل الوضع أو مختلق أو مفتعل أو موهوم أو نحو ذلك لاستغنى عن لغة العامة.
وذكر في تلك الصفحة مساحة الشام عند الأقدمين، ولم يذكر لنا في أي عصر من عصور
التاريخ. فلقد اختلفت مساحته باختلاف القرون والأزمان وأجيال الناس، فكان يحسن بالصديق أن يبين مساحته مع تحديد عصره ولهذا اختلفت الأقوال في تقدير طوله وعرضه. وضبطت اجأ وزان سحاب أي أنها وردت مكتوبة هكذا (اجاء) والصواب (اجأ) (أي وزان سبب) وهو أشهر(4/551)
من أن يذكر. وقال: وراء البتراء المعروفة عند الرومان بروفنسيا ارابيا أو ارابيا بترا) - قلنا: البتراء اسم قرية لا اسم إقليم، والإقليم المسمى عند الرومان (ارابيا بترا) هي (عربة الحجرة) لوجود الجبال في تلك الأنحاء وهي من أقسام جزيرة العرب عندهم يومئذ، والقسمان الآخران هما: عربة السعيدة أو الميمونة، وعربة القفرة. هذا الذي تعلمناه ونحن صغار، ولا نعلم موقعه من الصحة.
13 - وفي ص52 (قارة أفريقية) ونحن لا نرى حاجة إلى استعمال كلمة قارة التركية التي اصلها (قره) فقولنا أفريقية أو آسية أو أوربة أو أميركة كاف للدلالة على ما نريده. وسلفنا لم يستعمل أبدا كلمة قارة فهي من وضع المترجمين من الأجانب ولا سيما من التركية؛ وإن أصررنا إلاَّ اتخاذ ما يرادفها فعندنا البر بهذا المعنى. وقد استعمل المؤلف القارة مرارا.
14 - وفي ص53: (ودمشق أهم مدن الشام وعاصمته في الإسلام وعلى عهد السريان) لم نفهم المراد بالسريان، فأي القوم هؤلاء وفي أي عصر. ثم قال: (وتجي بالعظم بعد دمشق مدينة حلب ثم بيروت ثم القدس) ونحن نرى قول من يقول: فبيروت فالقدس أبين للمراد هنا.
15 - وفي ص54 (ومن المروج: مرج ابن عامر وصارونه والبلقاء) ولم نجد في كتب السلف من ذكر (صارونه) كما لم نجد لهذه اللفظة أثرا في مصنفات المتأخرين. والذي نعرفه هو (شارون) كما ورد في التوراة في مواطن عديدة. وقد يتلفظ به بعضهم بالسين المهملة فيقول سارون. وأما (صارونه) بالصاد في الأول وبالهاء في الآخر فلم نرها في كتبنا.
وفي الصفحة المذكورة عقد المؤلف فصلا ذكر فيه خيرات الشام بوجه عام ولم يفصل كل خير في باب له فيعقد للأشجار فصلا والأزهار فصلا والبقول فصلا ثالثا وللأطيار فصلا رابعا إلى آخر ما هناك من حيوانات ومعادن فاجتزأ عن كل ذلك بعشرة اسطر لا تفي لمثل هذا الكتاب الجليل. وفي تلك الصفحة ذكر النيلة وهي لغة عامية في النيل. وذكر فيها أيضا
الإسفلت ونحن نعرفه(4/552)
باسم القير أو القار - والبترول ونحن نسميه النفط أو الزيت الحجري - والانتيمون ونحن نسميه الاثمد.
16 - وقال في ص55 (ثم آوى (الشام) إليه الشيع الغريبة من النحل والمذاهب التي لا مثيل لها في غيره كالدرزية والإسماعيلية والموارنة والسامرة قلنا: الموارنة قوم لا نحلة أو مذهب.
17 - وفي ص57 ذكر بين أوائل سكان الشام: العمو. والذي نراه هو (الامو) بهمزة لا بعين ومعناها الأمة أو الشعب. والأمة مشتقة من هذا اللفظ أو بالعكس. وذكر بين أولئك الأقوام الأقدمين: العموريين. والمشهور عنهم أن اسمهم كان الاموريين بالهمزة أيضا لا بالعين. وفي تلك الصفحة في السطر 5 (اختلطت على ما يظهرا بذرية لود) ولم نفهم سبب تثنية الفعل في العبارة المذكورة. كما لم نفهم سبب تركه كتابة لود بهذه الصورة التي يجهلها السلف. والمشهور لاوذ كداود وبذال معجمة في الآخر كما ذكرها الفيروزابادي وتاج العروس وابن خلدون وغيرهم، على أن بعضهم ضبط لاوذ كهاون وهو دون الأول صحة وضبطا.
18 - وفي ص58 (وربما عني بهم الحثيين والعموريين) ونظنه أراد: وربما عنى بهم (بإهمال الياء) الحثييين والاموريين. وفي تلك الصفحة (في الحوض الأعلى من نهري الفرات وقزل أيرمق) وهو يريد في (السقي الأعلى) من نهري. . . والسلف لم ينطق بغير ما قلناه في معنى قول الإفرنج قال الحريري في مقامته الفراتية: أويت في بعض الفترات، إلى سقي الفرات. قال المطرزي شارحه: سقي الفرات هو ما يسقيه الفرات من القرى تسمية بالمصدر أو على حذف المضاف، وبخط الحريري؛ سقي بكسر السين. أهـ. وفي تلك الصفحة قوله: فينيقية. وكتبها آخرون فونيقي وجماعة فونيقية وآخرون غير ما تقدم. وعندنا إن كتابتها فنيقية هي الصحيحة. كيفما اعتبرت اللفظة سامية الأصل أو يونانية. لأن الحرف العليل الذي يلي الفاء في اليونانية هو بمنزلة حركة أي أنها قصيرة النفس لا ممدودة، وكثيرا ما يعرب الكتبة الأعلام الأعجمية من غير أن ينتبهوا إلى مد الحرف العليل وقصره وهذه مسألة مهمة لمن يعنى(4/553)
بهذا الأمر. فالعليل من الحروف القصير النفس يقابله في العربية الحركة لا الحرف نفسه.
19 - وفي ص59 (ذكر الدم الآري والقافقاسي) وهذه الكلمة شنيعة الاستعمال جاءتنا عن طريق الترك والصواب (قافي أو كوه قافي) لأن الكلمة الإفرنجية منحوتة من كوه الفارسية أي جبل وقاف أي قاف وهو الجبل المشهور عند العرب. وقد أصلحنا هذه التسمية المخطوءة في مجلتنا سابقا (238: 2) فهل يجوز لنا أن نصحف الألفاظ التي ذكرها السلف لنتلقاها عن الإفرنج. ولا سيما عن الترك وهم قد صحفوها هذا التصحيف الممقوت ثم أن قوله الدم لا يفيد كلمة الإفرنجية فهذه تعني الرس بالعربية والكلمة الفرنسية عربية النجار على ما ترى وعلى ما تتحققه من معاجم لغتنا المبينة. وفي تلك الصفحة ذكر القوم المعروف بالإغريق بصورة: (اكريكش) وهي غير مألوفة. قال ابن القفطي في ترجمة انبيدقليس: ولغة اليونانيين تسمى الإغريقية وكذا قال في مادة أفلاطون وقال عن ابلن: حكيم طبائعي. . . وهو أول من استنبط حروف اللغة الإغريقية. وقال مؤلفنا في تلك الصفحة: واستعربت (شعوب الشام القديمة) فلم تعد تعرف غير العربية ولا نرى وجها لقوله فلم تعد ولو قال في موضعها: حتى أنها لا تعرف غير العربية لكان أقوم. وقال أيضا: (والدليل أن نرام سين بن سرجون ملك الكلدان) والصحيح أن اسم الملك هو (نرحم سين) أي (الإله القمر يرحم) بمعنى يرحمني سين الإله. لكن لما كان الإفرنج يحذفون الحروف الحلقية قالوا نرام سين. ثم إن هذا الملك لم يكن منالكلدان بل من الآشوريين وبين القومين فرق لا ينكر.
20 - وفي ص60 (إن فيلبس الروماني الذي صار إمبراطورا في رومية سنة 244 ب م) قلنا لم نبايع فيلبس العربي الروماني بالعاهلية في رومة. بل خارجا عنها. وذلك أنه صحب غرديانس الانبراطور (أو الانبراذور، لكن لا الإمبراطور لأن هذه الكتابة مخالفة لأصول لغتنا العزيزة) في زحفه إلى الفرس فشغب الجند على قيصرهم وقتلوه في الطريق وأقاموا عليهم بدلا منه فيلبس العربي في سنة 244. (راجع هذا الجزء ص504)(4/554)
21 - وفي ص61 سمى العراق (ما بين النهرين) وسلفنا لم يعرف هذه التسمية. وفيها (فإن تغلب فلازر الثاني أحد ملوك آشور غزا الشام مرارا من سنة 743 إلى سنة 732 ق م) قلنا نرى في هذه العبارة أشياء لا توافق ما قرره العلماء الإثبات: أولا أن تغلت فلازر بهذا اللفظ غير معروف، إنما قالوا تغلث فلاسر أو تجلث فلاشر وكلاهما غير فصيح
والصواب تكلت فلاسر أي متوكلي على ابن اسر) (وهو الإله فن إب) ثم أن الذي غزا الشام لم يكن تكلت فلاسر الثاني كما جاء في كثير من الكتب لأن هذا طوى بساط أيامه في سنة 112 ق م وكان قد غزا أرمينية وكماجينة ثم قطع الفرات وكسر الحثيين. أما الذي غزا الشام فهو الثالث من المسمين بهذا الاسم وكان قد ملك من سنة 745 إلى سنة 747 فقول صديقنا إنه غزا الشام سنة 743 لا يوافق التاريخ لأنه لم يكن (راجع معجم فيكورو. في مادة تكلت فلاسر تر التفصيل على ما ذكرناه وأزيد) وقد عرف هذا الملك باسم (فول) عند العبريين. وفي تلك الصفحة: (فأذن لهم على شروط شرطها لهم) والمشهور شرطها عليهم. وفي تلك الصفحة (والحارث) على أن الذي أثبته المحققون أن كلمة (حارث) إذا دخلت عليها ال التعريف كتبوها بدون ألف بعد الحاء وإلاَّ كتبوها (حارث) وأغلب الكتاب لم يتبعوها ولا سيما في عصرنا. أما الفصحاء فقد جروا على ما حضره السلف.
22 - وفي ص62 (العماير) بياء قبل الراء والمشهور المتبع بوضع همزة على كرسي الياء. وفيها (ولم يعرف الزمن الذي كان فيه التنوخيون، وبعضهم يقول إنهم كانوا في أواخر القرن الثالث للمسيح) والذي أثبته كوسين دي برسفال في كتابه (199: 2) أن ذلك وقع في سنة 272 للميلاد. قلنا: وهذا رأي قديم وأما المحدثون من المستشرقين فيذهبون إلى أن التنوخبين قدموا إلى ديار الشام في بدء تاريخ النصرانية وقد جاؤوا إليها من جنوبي عربة (راجع دوسو ص9) وهو غير بعيد لأن جزيرة العرب متصلة بفلسطين والشام ولبنان، وتسرب العرب إلى تلك الأصقاع كان منذ العهد البعيد في القدم ومهما أوغلنا في التاريخ نرى عربا في تلك الربوع المريعة (بفتح الميم) الخصبة.
23 - وفي ص63 (القائد بومبي) ونحن نفضل عليها الرواية اللاتينية(4/555)
أي القائد بومبيوس وأحسن منها بونبيوس، لنراعي من الجهة الواحدة حقوق الأعلام وأن يتلفظ على ما يتلفظ بها أصحابها ويتسموا بها ومن الجهة الأخرى لنحافظ على أصول لغتنا المبينة، لأنها لا ترضى بأن يسبق الباء ميم بل نون كما هو مقرر في كتبنا النحوية واللغوية. وقال في تلك الصفحة (قال دوسو لم تكن هجرة العرب إلى سورية مما ينسب لإدارة الرومان كما يظن بعضهم. بل أن الأحوال قد سهلت طرقها في ذلك العصر وضمنت لهم رسوخ قدمها في ظل السلام. فقد كانت مدينة حمص في يد حكومة عربية قبل وصول القائد بومبي إلى
سورية وأن الاقيال الذين تولوا أمر تلك البلاد لتطلق عليهم ألقاب عربية صرفة كما يفهم من آثار الصفا. ولما جاء الاسكندر إلى الشام كان العرب يحتلون لبنان. أهـ
لما وقفنا على هذا النص. ارتبنا في صحة نقله على ما هو، وقلنا إن هناك حذف كلمتين أو ثلاث، زعزعت المعنى من أركانه. فأخذنا نبحث عن النص الأصلي الإفرنجي ولم نظفر به إلاَّ بعد لأي. وهذا تعريبه بحرفه على ما انجلى لنا: (لا تنسب مهاجرة العرب إلى سورية إلى التنظيم الروماني (وحده) كما قد (يمكن) أن يظن؛ إنما الأحوال وافقتها في ذيالك الحين. واثبت لها قدم سلم. فإن مدينة حمص كانت بيد أسرة مالكة عربية قبل مجيء بنبيوس إليها؛ ولهؤلاء الشيوخ (أو الاقيال) (أسماء) عربية محضة كشمس جرم (أي الشمس الحارة) ويملك، وعزيز، وسهيم (بالتصغير) نراها في النصوص الصفوية. وفي الرها شيوخ (أو اقيال) آخرون وأسماؤهم أسماء عربية كأسماء الأولين نفسها. وهذا ما يؤول دخول عبادة العزى الزهرة (وفي الأصل الإفرنجي العزيز فصفورس وهذه كلمة يونانية معناها زاهر أي نير أو منير) وبعد نحو ثلاث صفحات قال دوسو: وحين هبط الاسكندر سورية يذكر أن العرب (محتلون) لبنان.
وفي إيراد هذا النص فرق عما قاله الصديق العلامة الذي ينفي بتاتا أية صلة بين هجرة العرب إلى سورية وبين إدارة الرومان لها. والحال أن دوسو لا ينكرها إلاَّ أنه لا ينسب (جميع) أسباب تلك الهجرة إليها. بل بعضها إذ يقول (وحدها)؛ ثم إن المؤلف لم يقل (كما يظن بعضهم) بل يقول: كما (قد يمكن) أن يظن(4/556)
وبين التعبيرين فرق عظيم في نظر من يريد التدقيق والتحقيق. ولم يقل المؤلف (قد سهلت طرقها) أي طرق المهاجرة بل (وافقتها). وهناك فرق آخر أن حضرة الصديق قال: (لتطلق عليهم ألقاب عربية) مع أن الأسماء التي مرت بك ليست ألقابا بل أسماء، إذ قد يكون الاسم روميا مثلا واللقب عربيا. كما قد يسمى الفرس والترك والهنود بأسماء معروفة في لغاتهم وإذا أرادوا أن يلقبوهم لقبوهم بألقاب عربية. وأنت ترى أن هناك فرقا في هذه التسمية أو هذا التلقيب إذ يتركب عليها نتائج قومية لا تخفى على الناقد البصير. ثم قول الصديق في آخر معربه (وقد أهمل تعريب ما يقارب ثلاث صفحات ولم يشر إلى تلك الطفرة بوضع ثلاث نقط بين الكلام السابق والكلام اللاحق كما هو مألوف النقلة المدققين) يختلف عن قول الكاتب الإفرنجي
فأن هذا يعتبر وجود العرب قبل مجيء الاسكندر إلى لبنان بقوله: كانوا (محتلين) لبنان. أما كلام الصديق فيشعر بأن العرب (كانوا يحتلون) البلاد عند هبوطه إليها. وأنت ترى البون البين بين التعبيرين، فنحن نرى المؤلف الإفرنجي يعتقد بوجود العرب في لبنان قبل الاسكندر والصديق يريد أن يراهم قادمين إلى لبنان في حين قدوم الاسكندر إليه.
ولهذا كنا نود أن يذكر صاحب الخطط محل وجود النص الأصلي الذي ينقله إلى كتابه عربيا كان ذلك النص أو أعجميا ليهتدي الباحث إليه حين يخامره شك في صحة النقل.
وجاء في تلك الصفحة ذكر السميذع، بذال معجمة وقد تكرر مثل هذا الرسم مرارا ولعله اعتمد في ذلك على محيط المحيط (الكثير الخطأ الذي لا تخلو منه صفحة واحدة) أما المحققون فقد قالوا إن السميدع تكتب بالدال المهملة (راجع لسان العرب والقاموس والتاج ولا سيما تاريخ الطبري وشمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم لنشوان بن سعيد الحميري ص52)
وورد في تلك الصفحة قوله: (في بلاد الصنوبر) وضبط الصنوبر بكسر الصاد وفتح النون المشددة. ونحن لم نجد هذا الضبط في الأصل الذي نقل عنه. كما لم نجد له اثر في كتب لغويينا والمعروف بفتح الصاد والنون وإسكان الواو.(4/557)
24 - وقال في ص64 (وليكونوا عدة ضد الفرس. . . ومن أشهر ملوكهم زياد بن المهبولة) قلنا: أسفا وألف أسف على زياد أن ينسب إلى ابن المهبولة إنما هو ابن الهبولة أو ابن هبولة أو الهبول، كما ذكره الفيروزابادي والسيد مرتضى وابن الأثير وغيرهم) ثم ما معنى هذا التركيب الإفرنجي قولهم: وليكونوا عدة ضد الفرس، فهذا تعبير لم يعرفه سلفنا ولا يقبلونه وقد اكثر منه أصحاب الجرائد والمجلات والكتب العصرية. والصواب: وليكونوا عدة على الفرس. وفي تلك الصفحة (وابن عزيز اللخمي) وفي ذلك العصر لم يشتهر أحد باسم العزيز لأنه كان خاصا بالله. والصواب: العزير براء مهملة في الآخر والكلمة وزان صغير. وفيها: ومروا الحيانيات؛ والصواب ومرو والحيانيات بالعطف لا بالإضافة وفي تلك الصفحة نقلا عن الهمداني (وأما كلب فمساكنها السماوة) فقال صديقنا شارحا السماوة (والسماوة: الأرض المستوية لا حجر بها وهي البادية بين الكوفة والشام) ونحن لا نوافقه على هذا الرأي فالسماوة التي هي مسكن كلب ليست (ببادية السماوة) إذ
هذه بين الكوفة والشام المعروفة اليوم بالشامية أو ببادية الشام. أما السماوة التي لا يسبقها كلمة (البادية) فهي موطن آخر فيه ماء؛ وما كان كذلك يسميه أجدادنا (ماءة) فالسماوة ماءة لا بادية وبين الاثنين فرق ظاهر لا يخفى على أحد. قال السكري: السماوة ماءة الكلب قاله في تفسير قول جرير:
صبحت عمان الخيل زهوا كأنها ... قطا هاج من فوق السماوة ناهل
وفي تلك الصفحة (ومن بني الحرث بن كعب بيت يسكنون بالفلجة) وقد ذكر هذا الكلام بعد قوله: (ومن كلب بأرض الغوطة عامر بن الحصين بن عليم وابن رباب المعقلي) ولم يفصل بين الكلامين بفاصل، والذي في كتاب الهمداني الذي نقل عنه أربعة عشر سطرا. فلو وضع الصديق بين (المعقلي) وبين (ومن بني الحرث) ثلاث نقط لفهمنا أن هناك كلما أو سطورا محذوفة ليطمئن بال القارئ في ما يطالعه. وفي تلك الصفحة فسر الفلجات بقوله (والفلجات في شعر حسان بالشام كالمشارف والمزالف بالعراق. والمشارف جمع مشرف قرى قرب حوران منها بصرى من الشام) فلم يتفق قوله: كالمشارف والمزالف(4/558)
بالعراق وقوله: والمشارف قرى قرب حوران. فلا جرم أن هناك كلمة وقعت من (إصبع) المنضد أو المرتب أو وقع ارتباك في ترتيب الكلام إذ الصواب أن يقال: والفلجات في شعر حسان كالمشارف بالشام والمزالف بالعراق ليصح الكلام الآتي بعده.
له تلو
55. صور المفاوضات الخطية المتبادلة بين وفد جمعية خدام
الحرمين الشريفين الهندية وبين عظمة سلطان نجد
في غضون يناير - فبراير سنة 1926
رسالة في 37 ص تسبقها سبع أخرى أرقامها حروف هجاء وفي ص (و) تقول الرسالة عن لسان الوفد ما هذا حرفه:
(حرية المعتقدات) هي مفقودة في الحجاز وليس للسلطان حرمة والناس يضربون (بالمجهول) على قول (يا رسول الله) وحافظ وهبة سلم بذلك والنجديون إذا طافوا يدفعون الناس ويحقرون المذاهب.
(المدارس ودور الكتب) أقفلها النجديون أو بعضها، والسلطان أعطى قليلا منها إعانات زهيدة بشرط تعلم مبادئ الوهابية والتي لا تقبل لا تفتح.
(التدخين) يعاقبون عليه عقابا شديدا ولكل نجدي الحق بإنزال العقاب حسب مشيئته والسلطان يتقاضى رسوم الدخان ويغري الناس على جلبه حتى إذا شربوه عاقبهم.
(الحجازيون) أعلن ابن السعود أن الحجازيين انتخبوه ملكا عليهم. فهذا بهتان وافتراء على الحقيقة فالحجازيون مشمئزون منه ومن جنوده وهم مضطهدون ولا رأي لهم نافذ.
(رغائب السكان) أهل الحجاز يذكرون الأتراك كثيرا ولكنهم يائسون من مجيئهم ويريدون جعل الحكومة جمهورية ولم يعترفوا هم أنفسهم بابن السعود ملكا. ويعتقد السنوسي الكبير إن ابن السعود هزأ بالعالم الإسلامي وخالف عهوده بشأن المؤتمر ومصير الحجاز.
(معاهدات ابن السعود) جميع المسؤولين أجابوا: إن معاهداته مع الإنجليز صحيحة وعلائقه كعلاقة العبد مع مولاه ويزعم أنصار ابن السعود أن معاهدة 1916 منسوخة فإذا سئلوا ما الذي نسخها حاروا في الجواب. أما الحقيقة فواضحة وضوح النهار.(4/559)
باب التقريظ
56. الحيرة
مجلة شهرية علمية أدبية اجتماعية تاريخية مدرسية سنتها عشرة أشهر لصاحبها ومديرها المسؤول ومحرر القسم الأدبي عبد المولى الطريحي، تظهر في النجف الاشرف. وتطبع في المطبعة العلوية في 40 ص بقطع الثمن الصغير.
هذه مجلة صغيرة الحجم إلاَّ أنها تبشرنا بمستقبل زاهر ونجاح باهر لأن كتابها وشعراءها وناشري برودها من النجف دار العلم والعرفان، وبين محتويات الجزء الأول نهضة الأدب النجفي للشيخ محمد مهدي الجواهري. الحيرة بحث تاريخي للأستاذ الشيخ علي الشرقي الغزير المادة المتدفق بحر كتابته. النجف والحيرة قصيدة للجواهري، ثم مقالة في عالم المدارس إلى غيرها من المواضيع فنتمنى لها الرواج والانتشار.
57. الفيحاء
جريدة أدبية جامعة تصدر مرتين في الأسبوع في الحلة، لصاحب امتيازها ومديرها المسؤول ومحررها السيد عبد الرزاق الحسني، الاشتراك فيها في الحلة 10 ربيات وفي سائر الأنحاء 12 ربية.
كان الكاتب المجيد السيد الحسني يصدر جريدة في بغداد باسم الفضيلة أما اليوم فقد انتقل إلى الحلة الفيحاء ليصدر صحيفة بلقب تلك المدينة العربية القديمة. صدر الجزء الأول منها في نهار الخميس 23 رجب 1345 الموافق 27 ك2 سنة 1927 ثم صدرت بعد ذلك أعدادها صدورا مطردا بأوقاتها المرهونة ومما استحسناه فيها أنه وعد بان يوافي قراءه بسلسلة تراجم رجال عاشوا في الحلة وهي خدمة للأدب لا تنكر إذ يحيي بنشرها أولئك الأفاضل على اختلاف طبقاتهم ومنازعهم وعلومهم وقد رأينا أنها تكاد تنسى لعدم اهتمام أدباء العصر بتدوينها على صفحات التواريخ وهذه المزية تزيد قراء الفيحاء وتشوقهم في حفظها بل في تجليدها. ولما كنت تعلم في السيد عبد الرزاق كيف تؤكل الكتف، فنحن متأكدون أنه ينجح في مسعاه حقق الله الآمال وبارك في متمناه! وعسى أن يكثر قراؤها والمشتركون فيها!(4/560)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - وفدان من كربلاء والمنتفق
اقبل في أوائل شباط وفد من كربلاء رجاله زهاء عشرين للاعتراض على تحويل صالح حمام مدير شرطة كربلاء إلى ديالى فلم يفلح في سعيه وعده الجميع غريبا في بابه.
وأقبل وفد آخر في مثل ذلك الوقت قادما من المنتفق ورجاله اكثر من عشرين تانئا (والتانئ السركال باللغة العامية التي هي تصحيف السركار الفارسية ومعناها رئيس الشغل أو شيخ العملة وكان يسمى أيضا بالدهقان في عهد الفرس) وغايته أن يحمل الحكومة على أن تمنع الملاكين عن مراجعة المحكمة في دعاوى التصرف وأن تبيح للتناء (للسركالية) القضاء على حقوق التصرف كما كانت تجري في عهد الترك. والظاهر من عمل الوفد سحق الفلاح والملاك (صاحب الأرض أو الملك) معا ليستبد التناء بأعظم قسم من الغلات. وإلى الآن لم يفلحوا في سعيهم. وتدوينا للأمر نذكر أسماء أولئك الأعضاء ليعرف منهم أسماء العشائر الموجودة في أرض المنتفق وأسماء شيوخها الحاليين:
1 - فشاخ الشكبان رئيس عشيرة قراغول
2 - قاطع آل بطي رئيس عشيرة الازيرق (وتلفظ الازيرج بالتصغير)
3 - منشد آل حبيب رئيس عشائر آل غزي
4 - عجيل (عقيل) آل تويلي رئيس عشائر الحسينات
5 - مهدي الصالح رئيس عشائر آل إبراهيم (البراهيم)
6 - نائف المشاي رئيس عشائر بني سعيد
7 - محمد الحسين رئيس عشائر بني سعيد(4/561)
8 - عبد الله آل اسمعيل رئيس عشائر البوسعد
9 - منصور العويش رئيس عشائر آل جبارة من بني زيد
10 - عيسى الحواس من رؤساء خفاجة الغراف
11 - شطب آل منهل رئيس عشيرة الطلاحبة من خفاجة الغراف
12 - عباس الطعمة من رؤساء خفاجة الغراف
13 - بدر آل موسى من رؤساء بني زيد
14 - سلطان آل محيسن من رؤساء بني زيد
15 - سخي آل خزعل من رؤساء بني زيد
16 - سليمان آل شريف رئيس آل جدية (كدية) من بني زيد
17 - إبراهيم آل يوسف رئيس آل يوسف من بني ركاب
18 - محمد آل شلال رئيس الخنافرة من قبيلة بني ركاب
19 - مهنى آل برغش رئيس آل أبي نجيم (البونجيم) من قبيلة العبودة
20 - سيد من آل ياسر وغير هؤلاء المعدودين
2 - إهداء حيوانات عراقية إلى الرستمية
أهدى السيد طه قائم مقام راوندوز - لما زار أقرحة (حقول) التجربة في الرستمية رأسين من الغنم من الضرب المسمى قرقاش وستة رؤوس(4/562)
من المرعزى زوجين من كل لون من أحمر وأسود وأبيض ذكرا وأنثى وهذا الضرب من المعزى كثير الوجود في كردستان، ولا سيما في أنحاء راوندوز وزاخو، والعمادية، وعقرة ويتخذ الكرد من شعره أفخر المنسوجات وأبدعها ويا حبذا الأمر لو اتخذت دولتنا العراقية الفتية حير حيوانات أو وحوش وبالفرنسية كما كان واحدا مثله في عهد المأمون قبل زواجه. ويقال لحير الوحوش حظيرة الوحوش وحائر الوحوش أيضا. وكان العرب اسبق الأمم إلى اتخاذ هذه الحيران.
3 - إلحاق أراض بلواء بغداد
صدرت الإرادة الملكية بإلحاق الأراضي التي تسقى من ترعة اللطيفية بلواء بغداد على أن تحدث بعض تعديلات في حدودها حتى تصبح كما يلي:
يبدأ خط الحدود من نهر الفرات في الجهة اليسرى من نقطة شمالي كرود عشائر الجنابيين متجها إلى جنوبي كرود (الكرود: آبار السقي المعروفة بالسواقي جمع ساقية عند السلف) القرطان العائدة إلى قسام (جسام) الدرويش، ومن ثم يسير الخط في وجهه شرقا فيفصل زراعة العشيرتين ويقطع طريق الفلوجة والمسيب ويرتفع إلى قمة الأرض العالية المعروفة باسم (ظهر المجصة) الواقعة في الجنوب الشرقي بين صدر اللطيفية
والإسكندرية. ويعقب هذا الخط قمة هذا الرأس في جهة الجنوب الشرقي إلى أن يصل إلى نقطة غربي (تل قبرزغروت) ومن تلك النقطة يمر شرقا بالتل وبشعبتي طريق بغداد. وهكذا شرقا حتى يقطع حدود لواء الكوت كوت الإمارة.
4 - دخل سكك الحديد العراقية
بلغ دخل سكك الحديد العراقية في الأسبوع المنتهي في اليوم 18 من ك1(4/563)
سنة 1926 ما قدره 198146 ربية وكان يقابله في السنة الماضية في مثل تلك المدة 206597
وبلغ مجموع دخلها منذ أول نيسان من سنة 1926 ما قدره 6497778 ربية تقابله 6824213 ربية في مثل هذه المدة من العام الماضي. فيكون النقص 326535 ربية ومعظمه ناشئ من نقص في عدد الركاب.
5 - مناطق الزراعة في العراق
قسمت الحكومة في السنة الماضية مناطق الزراعة إلى أربع. وفي هذه السنة اتخذت الألوية الآتي ذكرها مراكز لتلك المديريات وهي حسب أهميتها: بغداد والموصل وديالى والناصرية.
وأدخلت مديرية الزراعة العامة في ميزانيتها لهذه السنة تخصيصات لمأموري الزراعة وبموجبها سيعين لكل لواء موظف خاص بالزراعة؛ وهذا الرجل يكون مفتشا عاما متجولا في ضياع اللواء ومشرفا على أعمال الزراعة ومرشدا للمزارعين.
6 - كربلاء في خطر
كتب أحد الأدباء في جريدة العالم العربي في عددها 855 (إن مدينة كربلاء في خطر التلف والاضمحلال لأن البرداء المنتشرة فيها لا تبقي ولا تذر. إذ فيها مستنقع واقع في جنوبي البلدة يفصلها عن محطة القطار وهو مباءة الجراثيم الفاتكة (بأرواح سكان هذه المدينة وجميع من يؤمها من الزائرين وعددهم لا يقل عن المليون نسمة) (كذا) وأظنك أيها القارئ الكريم لا تصدق قولي هذا وتستكثر هذا العدد - فأجيبك: إن كربلاء مخصوصة سنويا بسبع زيارات مستحبة فيؤمها في كل من الزيارات السبع خلق كثير يتراوح عددهم بين الخمسين ألفا والثلثمائة ألف نسمة. . . فإذا دخلت الآن كربلاء. . . لا ترى فيها إلاَّ
طفلا شاحب اللون وشابا خائرا. وشيخا مهزولا. وامرأة نحيفة. فتذهل حينئذ من هذا المنظر المريع وتكاد تقول: هل أنهم يا ترى خارجون من رمسهم؟ أم هذا فعل الملاريا (البرداء)؟ وأن شئت أن تدخل بيوتها وتفتش عن حالتها الصحية والعمرانية فلا تجد دارا غير متداعية ولا سردابا غير مملوء ماء؛ ماعدا بعض البيوت الواطئة فأن في صحنها(4/564)
ما عمقه نصف متر من الماء، والأماكن المقدسة التي ملئت سراديبها ماء؛ وكل هذا متأت من المستنقع)
(أناشدك الله ما هو مستقبل بلدة توفي فيها بظرف شهر واحد (231) نسمة بينما لم يولد فيها بظرف ذلك الشهر إلاَّ (68) مولودا؛ ولم يعش من هؤلاء الثمانية والستين إلاَّ ثمانية أو عشرة. فإلى م يؤول حالها فيما لو استمرت على هذا التناقص لمدة عشرين أو ثلاثين عاما) أهـ كلام الكاتب وقد ذكرناه على علاته بدون نقده من أي جهة كانت.
7 - كشف عاديات عراقية من آثار الأقدمين
عثرت اللجنة المختلطة المتقدمة من مندوبي المتحفة البريطانية ومندوبي جامعة بنسلفانية الأميركية على آثار قديمة تفيد كثيرا لتفهم حياة داخل البيت العراقي في سابق العهد؛ وقد كشفوا ذلك في اور مسقط رأس إبراهيم الخليل منذ 4000 سنة. وتلك الآثار هي مبان في حال حسنة وكلها مساكن مبنية الجدران من الخارج بالأجر أو الطاباق؛ أما الجدران من الداخل فمبنية باللبن وجميع تلك الدور مبنية على طرز دور بغداد الحديثة. ويستدل من البيوت أن أصحابها كانوا يسكنون الطبقة العليا منها وكانوا يدفنون موتاهم في الطبقة السفلى. وقد عثروا على طوابيق (أو آجر) مكتوب عليها أناشيد دينية؛ وعلى البعض الآخر فوائد جليلة وسندرج مقالة في هذا الموضوع.
8 - مشروع سقي
كانت الحكومة العثمانية فكرت في سقي الأراضي المجاورة للواء كركوك بمياه الزاب الأصغر؛ ووضعت لهذه الغاية مشروعين الواحد يقضي بفتح ترعة بين الزاب الأصغر ونهر كركوك وشمالي آلتون كوبري؛ والآخر بفتح ترع عديدة في جنوبي آلتون كوبري تروي بها رقعة كبيرة من الاراضي؛ وقد قدمت خرائط للمشروع الثاني إلى بعض المقامات
الرسمية وعزمت الحكومة العراقية على إنعام النظر فيها لتبت فيها جوابها.
9 - تضييق نطاق العلوم في جامعة آل البيت
جامعة آل البيت هي الجامعة التي أنشئت في بغداد لبث علوم الدنيا والدين بموجب روح العصر الحالي. ويعلم فيها عدة علوم عصرية ومن جملتها علم النفس(4/565)
وعلم الاجتماع إلى غيرهما. وفي أوائل شهر كانون الثاني من هذه السنة ابطل تدريس هذين العلمين الجليلين مع تسعة علوم أخرى فيكون المبطل منها أحد عشر علما مع حجب نشر المجلة الخاصة بها المعروفة ب (الجامعة) فنحن نأسف على هذا التأخر من جهة ومن الجهة الأخرى نصوب التوفير. وإن كنا نود أن لا يكون موجها إلى قص جناح طائر العلوم والفنون.
وقد رجعت أخيرا عن هذا التعديل فأعادت تدريس علمي النفس والاجتماع ودعت الطلاب الذين تركوا الجامعة إلى الرجوع إليها.
10 - مظاهرة طلبة دار المعلمين والثانوية
ذكرنا إن الأستاذ أنيس زكريا النصولي ألف كتابا في بني أمية (491: 4) فهاجت بسببه بعض الأفكار حتى كره مؤلفه على أن يستعفي من التدريس فاستعفى فأقام صباح الأحد 30 ك2 طلبة دار المعلمين والمدرسة الثانوية مظاهرة احتجاجا على فصل الأستاذ عن وظيفته فساروا في الطرق والشوارع يغنون الأناشيد الوطنية حتى جاؤوا بين يدي بناء وزارة المعارف طالبين إبقاء معلمهم في وظيفته؛ ولما لم تثمر نصائح وزير المعارف ومديرها الثمرة المطلوبة جاء الاطفائيون بمضختهم لتشتيت شملهم؛ فحدثت ملاكمة بين الطلبة ورجال الشرطة ونزع بعضهم المرشة من يد صاحبها فجرح ثلاثة من التلاميذ وشرطيان ورئيس الإطفائية ثم تفرق المتظاهرون بعد ذلك.
وفي صباح 7 ك2 سافر الأستاذ النصولي ومعه المعلمون السوريون الثلاثة الذين كانوا قد احتجوا على فصل رفيقهم وأبوا أن ينفردوا دونه وهم: عبد الله مشنوق ودرويش المقدادي وجلال زريق وقد وجهوا رسالة وداع إلى أبناء الرافدين تتدفق أدبا وشكرا ورقة إحساس.
ولم تقف وزارة المعارف عند هذا بل عادت أخيرا فأنزلت وظيفة الأستاذ يوسف عز الدين الناصري مدير المدرسة الثانوية إلى درجة معلم في دار المعلمين وفصلت الأستاذ يوسف
زينل عن وظيفة التدريس في المدرسة الثانوية ويقال إن السبب في ذلك هو تقصير الأول في استدراك الحركة وقمعها والثاني في اهاجة التلاميذ على المظاهرة باسم الحرية الفكرية.(4/566)
العدد 44 - بتاريخ: 01 - 04 - 1927
مكشوفات أور
منازل في عصر إبراهيم الخليل للمستر وولي
عادت في 28 تشرين الأول 1926 لجنتا المتحفة الإنكليزية ومتحفة كلية بنسلفانية المشتركتان في الحفر لتأخذا بأشغالهما في اور الكلدان؛ أن الموظفين هم بعينهم كما كانوا في السنة الماضية ماعدا الأب باروز اليسوعي، فأنه قد قام مقام الدكتور لكرين والمستر وتبرن رازي على قدوم.
وقد تجددت لائحة الشغل الابتدائي بحسب الشغل الذي باشرناه في الفصل الماضي، وابتدأنا مع مائة وخمسين عاملا كي ننقل تلا كبيرا كان قد استخرج منه بعض صفائح ثمينة وآثار بيتية مفيدة وفي الحال الحاضر بعد شهر قضيناه في الجد والسعي ظهرت فسحة كبيرة على عمق عشرين قدما وقد حان الوقت أن نختصر الكلام عن النتائج التي حصلنا عليها.
إن غايتنا مزدوجة: الغاية الأولى أن نقع على لوائح اكثر مما عندنا بخصوص الآداب التي كانت معروفة في عهد إبراهيم الخليل. الثانية أن نكتسب(4/567)
معلومات أوفر عن المعيشة البيتية في الزمان الغابر، ولقد نجحنا نجاحا تاما في الغايتين، فلقد عثرنا على ثلاثة كنوز مختلفة من الصفائح عدا اللقى المتفرقة التي ظفرنا بها، إننا وأن كنا لا نريد أن نتكلم قبل الوقت عن محتوياتها إلاَّ أننا نقول الآن إننا حين استخرجناها من مدافنها كانت ممحوة ولا تقرأ ومن الضروري أن تحرق في أتون وبعد ذلك تنظف وتصلح قبل أن نتمكن من الاطلاع عليها وذلك الاطلاع لا يكون إلاَّ بعد مدة.
ولقد وجدنا بعض النماذج وعددها يختلف بين الثلاثين إلى الأربعين وكانت قد أحرقت اتفاقا في حريق اتلف البناء الذي كانت قد وضعت فيه فصلبت النار تلك الصفائح صلابة كافية تمكننا من أن ننظفها أو ننظف بعض وجوهها حالا ويمكننا أن نستنتج أن اللقية مهمة.
عوضا عن كتب المصالح والمقبوضات والمقاولات التي توجد عادة في موطن الحفر. وجدنا هذه الصفائح تحوي مواد أدبية أو علمية وبعضها تحوي مواد هندسية وعلى جداول للجذر المربع والجذر المكعب وعدد جميع الأرقام يبلغ ستين وبعض تلك الصفائح تحتوي
على أناشيد وبعضها تدون الأوقاف التي وقفها الملوك الأولون وهي مسألة مهمة نظرا إلى التاريخ والى شرح مواقع البلدة. ويظهر على إحدى الصفائح اسم أحد ملوك اور المجهولين لعله يدل على أحد حكام الدولة الثانية التي لا نعلم عنها شيئا سوى أنها وجدت. ويرى بين هذه الصفائح نحو مئتين جمعناها لتحرق في النار وإن كان لا عيب فيها وذلك لتتصلب وفعلنا ذلك بعد أن غلفناها بغلاف من رمل ولا جرم أن فيها مواد أدبية مفيدة جدا.
أفيد اللقى هي المنازل التي وجدت فيها تلك الصفائح ويرجع عصرها إلى أيام إبراهيم الخليل الذي كان يسكن في اور وقد بنيت تلك المنازل في بادئ الأمر في سنة 2100 قبل المسيح وقد سكنوها وسكنوا عدة منازل صغيرة غيرها مع بعض العمارات مدة تجاوز مئتي سنة. أول ما تشاهد العين في تلك المنازل هي درجة رغد العيش التي تجاوز درجة التنعم درجة تدل عليها تلك الآثار. وهذه المنازل مبنية طبقتين من الطاباق. وبعض الحيطان قائمة إلى اليوم وسمكها خمس عشرة قدما إلى عشرين قدما وتشابه أحسن منازل بغداد الجديدة وفي البيت فناء(4/568)
متوسط يحيط به قاعة كبيرة من الخشب تؤدي إلى الغرف العليا وكان من العادة أن بناء البيت يعيشون في الطبقة العليا وفي طبقة البيت السفلى غرفة الاستقبال وخزائن البيت والمطبخ ومنازل الخدم. وجدنا الغرف العالية وأحد السلالم محفوظة إلى الآن وعلوها عشر أقدام وكان يرتقي إليها في بادئ الأمر بسلم من خشب يتصل بسلم من حجر. ولأجل ذلك كنت ترى الغرف في الطبقة الأولى على علو اثنتي عشرة أو خمس عشرة قدما. ولو إننا لا نرى الآن اثر زخرفة فيها إلاَّ أننا نشاهد جدرانا بسيطة مزخرفة بعض الزخرفة عليها جص أو ما يشبهه ولهذا لا نخطئ أن قدرنا أن أثاث البيت كان يناسب عظمة البناء.
هذه أول مرة كشفت منازل خصوصية كانت تسكن في ذلك الزمان وهذا الكشف غير أفكارنا بتاتا عن حالة معيشة الناس في ذلك العصر. أمامنا عدة منازل متفرقة هي عبارة عن اكاريس تقسمها شوارع منفصلة ضيقة والمنازل الواسعة التي كانت للأغنياء ترى في صف المنازل التي تحتوي على أربع أو خمس غرف وكان أصحابها جيرانهم الفقراء. ويسهل علينا أن نتصور سكان الفناء والغرف المهدومة لكي نتمكن من أن نعلم ما أحاط بالناس الذين كانوا يسكنونها في الزمان الغابر حينما كانوا يكبون على مطالعة لوائح
الجذور المكعبة وقد حيرتنا غرفة واحدة طويلة ضيقة رقمناها بعدد 7 في الشارع الهادئ.
وكان من المألوف في ذلك العهد أن تدفن الموتى تحت المنازل التي كانت تسكنها في حياتها وكثيرا ما لقينا تحت أرض الغرفة توابيت من طين أو سراديب من آجر للموتى تحتوي على جثة وآنية فيها تقادم وطعام للسفر إلى الآخرة، وربما أيضا نجد فيها ختم صاحب المنزل وقد امتازت هذه الغرفة بوجود مشكاة أو روزنة في الحائط إلاَّ بعد وأمام تلك الروزنة أكوام من حجر تشبه مذبحا. ووجدنا حواليه تحت التبليط نحو ثلاثين اجانة كبيرة فيها عظام أطفال.
وليس في معبودات الشمريين إله ك (مالك أو ملك) يطلب ذبائح أطفال ولأجل ذلك يعز علينا أن نظن أن في مدة قصيرة ومن بيت واحد يموت ثلاثون طفلاً موتا طبيعيا.
أفيمكن إننا عثرنا على مقام مقدس في ذلك البيت وقد خصصت ذخيرة بيتية بأحد الآلهة شفيق بالأطفال. فكان الأصدقاء والأقارب تأتي بأطفالهم لدفنهم فيه؟ فإن كان الأمر كذلك فيمكننا أن نستنتج إنه كان للشمريين في عصر إبراهيم الخليل شعور إنساني وجداني اكثر مما تدلنا عليها النصوص.(4/569)
نزوات اللسان
كم من سؤال عميق ... له الدموع جواب
أما الفؤاد ففيه ... من الهموم كتاب
على اللسان تبدي ... لما استفاض الوطاب
طفا كما تنزى ... على الشراب حباب
شعاب قلبي أطاقت ... ما لا تطيق الشعاب
ما (للثقاب) وما لي ... ملء الضلوع (ثقاب)
ولى الشباب وماذا ... رأى فيبقى الشباب
ضيف عزيز قراه ... الهم والاكتئاب
إصلاحكم ليس يجدي ... كل الأمور خراب
قلبي وقومي وبيتي ... في كلهن اضطراب
ما انسد منهن باب ... إلاَّ تفتح باب(4/570)
هذا عتابي ولكن ... ماذا يفيد العتاب
الجوع ينذر قومي ... أن يأكل الظفر ناب
أما القوافي فجمر ... طوراً وشهد مذاب
ترضى وتغضب لكن ... ارقهن الغضاب
يحسن الشعر طبع ... يمده الاكتساب
لا يعذب الشعر حتى ... تراض منه الصعاب
جنى على شعوري ... أن الشعور عذاب
حقيقة الأمر عندي ... الشك والارتياب
(البرلمان) صحيح ... ينقصه الانتخاب
وفيه قام دوي ... تجهله الأحزاب
أَوَحدَهنَّ فيلغى ... عن النساء الحجاب
كل المسائل غطى ... وجوههن نقاب
النجف: محمد مهدي الجواهري(4/571)
جليبة أو بئر ربقة
1 - إلى جليبة
إذا سافرت من البصرة راكبا القطار، ومصعدا إلى بغداد، فإنك تقف في مرحلة تسمى (جليبة) وذلك قبل وصولك إلى اور (أو المقير كما يسميها العرب) بمرحلتين فما معنى جليبة؟
2 - معنى جليبة
جليبة وهي لفظ قليبة على الطريقة البدوية العراقية. لغة في القليب. والقليب بئر كبيرة وأكثر ما تكون عادية مطوية (أي قديمة مبنية من داخلها).
3 - سبب تسمية الموضع بجليبة أو قليبة
سبب تسمية الموضع بجليبة أن هناك بئرا مطوية عادية، قد طوى من أعلاها إلى أسفلها نحو من 6 إلى 7 أمتار، وما بقي منها محفور في صخرة قائمة في بطن الأرض. وهي على بعد مائتي متر من المحطة.
4 - وصفها
عمقها من فوهتها إلى قعرها 13 باعا أو 75 قدما أو 23 مترا. وقبل احتلال الإنكليز لهذه الديار العراقية، كان الناس يستقون منها بدلو معقودة بها طاباقة (آجرة) لتغوص الدلو بسهولة إذا ما انحدرت في الماء. والدلو معلقة برشاء والرشاء مشدود أبدا ببكرة قائمة على عودين مغروزين على فوهة تلك البئر.
أما اليوم فقد أبدلت الدلو من صندوق صفيح (تنك) مربع عميق لأنه أخف من الدلو وأصبر على الصدمات.
وقد رفع ما حول البئر لكي لا يهوى فيها أوساخ الدواب التي تنتابها بمئات بل بألوف على اختلاف ضروبها. ولهذا ترى ماء تلك البئر نظيفا عذبا وبدرجة واحدة من الحرارة. وقطر دائرة هذا الارتفاع نحو 9 أقدام (أو نحو ثلاثة أمتار) أو اكثر بقليل.
ولا يستقي من القليب (البئر) إلاَّ امرأة. وهي تجلس على فوهته، فتجر(4/572)
الرشاء هبوطا وصعودا، ولا يتعرض لهذا الاستقاء رجل لأن هذه المهنة في العراق لا تليق إلا بالنساء.
وإذا نشلت المرأة صندوق الماء، صب رجل هناك ما فيه في حفرة اتخذت ثم على حلقة جرن وقد خدت في صدر القليب، فتتقدم حينئذ البهائم على اختلاف ضروبها لتشرب وترد.
وليس في المحطة المذكورة بناء ولا بيت ولا مأوى مهما كان شكله.
5 - هل جليبة هي بئر ربقة
يزعم بعض الأهالي المنتشرين في ذلك الصقع أن جليبة هي بئر ربقة المذكورة في التوراة. فقد جاء في الإصحاح الرابع والعشرين من سفر الخلق (ذهب عبد إبراهيم إلى ارم النهرين إلى مدينة ناحور) (فأناخ الجمال خارج المدينة على بئر الماء عند العشاء وقت خروج المستقيات. وقال: أيها الرب اله مولاي إبراهيم يسر لي اليوم وارحم مولاي إبراهيم؛ ها أنا ذا واقف على عين الماء، وبنات أهل المدينة خارجات ليستقين ماء. فليكن أن الفتاة التي أقول لها أميلي جرتك حتى اشرب، فتقول: اشرب وأنا اسقي جمالك أيضا. تكون هي التي عينتها لعبدك اسحق وبها اعلم انك رحمت مولاي) اه
ومما يسوق الآهلين إلى التمسك بهذا الرأي جماعة من الإنكليز الذين يقدمون إلى العراق ويزورون (اورا) فيرون أن هذه البئر هي موافقة لنصوص أي التوراة، ولا يحسن بالباحث أن يبحث عنها في غير هذا الموضع. أفمن الصواب إن يتمسك بهذا الرأي؟
6 - ليست جليبة بئر ربقة
نحن لا نرى أن بئر ربقة هي جليبة بل بئر ربقة هي بئر في ظاهر حران من مدن الجزيرة. ولذلك أسباب: منها:
1 - إن التوراة تذكر أن اليعازر أو عبد إبراهيم ذهب إلى ارم النهرين والمراد بارم النهرين شمالي الجزيرة وليس جنوبي العراق.
2 - أمر إبراهيم عبده بأن يذهب إلى أرضه وإلى عشيرته. والحال إن عشيرة إبراهيم كلها غادرت (اور الكلدانيين) وذهبت فأقامت في حران.
3 - إن اليعازر عبد إبراهيم لم يصل إلى اور بل إلى مدينة ناحور. ومدينة ناحور هي
حرّان لا اور.(4/573)
4 - إن البئر كانت في ظاهر المدينة والحال أن جليبة بعيدة عن اور نحو 16 ساعة أو اكثر وليس في ظاهر اور بئر أبدا.
5 - كانت بئر ربقة بئر عين لا بئر صهريج. وبئر جليبة ليست عينا
6 - كانت تلك العين قريبة القعر إلى من ينزل فيها. والحال إن جليبة عميقة كما تقدم وصف عمقها لك.
7 - بينما كان اليعازر بقرب البئر ذهبت ربقة إلى بيتها لتخبر أمها بما وقع فأسرع أخوها لأبان إلى الرجل إلى العين ودعاه إلى المبيت. وهذا الأمر لا يتحقق إذا كانت المدينة (اورا) والبئر (جليبة) إذ لا يمكن الذهاب إلى البئر إلاَّ بعد يومين سيرا على القدم. فكيف تم الأمر في سويعات؟
هذه الأسباب وغيرها تحملنا على دفع هذا الرأي وعده من الأوهام التي ليس لها من الحقيقة نصيب.
7 - بئر ربقة هي في جوار حرّان
أما بئر ربقة الحقيقية فلا ترى إلاَّ بجوار حران إذ عليها وحدها يصدق كل ما قيل عنها في التوراة وهي مشهورة هناك بهذا الاسم إلى عهدنا هذا؛ كما أنك ترى في هذه الأيام إقبال النساء عليها صباحا. وبعض الأحيان مساء للاستقاء منها ما يحتجن إليه من الماء؛ ثم تتلوهن البهائم بأنواعها حتى لا تكاد تنقطع صباح مساء للورد.
ولا يخدعنك كلام أصحاب الغايات والأغراض.
أيجمع بائس على بؤساء
نرى كثيرين من الكتّاب يجمعون البائس على بؤساء وبعضهم على بائسين. ولم نر هذين الجمعين لفصيح والمشهور عندهم أن البائس يجمع على بؤس وزان قفل. كما قالوا أمور دمس لجمع دامس وبزل جمع بازل وعوط في جمع عائط وعطف في جمع عاطف إلى غيرها وهي كثيرة. ومن ذلك قول تأبط شرا:
قد ضقت من حبها ما لا يضيقني ... حتى عددت من البؤس المساكين
قال ابن سيده يجوز أن يكون عنى به جمع البائس ويجوز أن يكون من ذوي البؤس فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه (اللسان في بأس) إلاَّ أن المشهور هو الأول.(4/574)
الجزائر
آل افراسياب وخراب الجزائر
في سنة 1078 (1667م) اضطر العثمانيون أن يفتحوا البصرة مرة ثانية وكان دخولهم الأول إليها على يد اياس باشا والي بغداد؛ ولكن البصريين انتقضوا على عامل الأتراك وأخرجوه؛ وذلك بنفوذ حسين باشا آل افراسياب، فكرَّ عليهم الأتراك وفتحوا البصرة. وانهزم حسين باشا بعد حروب شديدة وكانت القيادة التركية في هذه الحرب أول بيد مرتضى باشا والي بغداد فتغلب مرتضى باشا وانهزم حسين باشا إلى الأطراف ولكن أهل البصرة انتقضوا على مرتضى باشا فاتكفأ هاربا من البصرة. وعاد حسين باشا إليها ثم كانت القيادة التركية بيد إبراهيم باشا والي بغداد أيضا فأشتد الهول وأبلت الجزائر بلاء حسنا في هذه الواقعة وانحسم الأمر صلحا بين إبراهيم باشا وحسين باشا ثم قصده الأتراك بوزيره وصهره يحيى اغا وفي هذه الثالثة انتهت ولاية آل افراسياب، وانهزم حسين باشا إلى الهند، وتسلم البصرة يحيى اغا وخربت الجزائر خرابا عاما وفر أهلها في نتيجة هذه الحرب إلى بلاد الحويزة وتفرقوا في نواحي خوزستان.
وهذه المواقعة الأخيرة دامت أربعة أشهر، وكانت حملة العثمانيين شديدة وجيشهم لهاما. قال السيد نعمة الله الجزائري من أهالي الصباغية: (دنا إلينا جيش السلطان محمد الرابع - فكانوا يرمون القلعة (قلعة الحصار) كل يوم ألف مدفع وكانت الأرض ترجف من تحت أقدامنا) وهذه القلعة التي ذكرها السيد نعمة الله هي (العلية) نسبة إلى علي باشا آل افراسياب وقد كانت قبلا قلعة صغيرة عند ملتقى الرافدين تسمى (القرنة) وحولها رهط الجزائريين وهذا هو مبدأ القرنة البلد المعروف اليوم ولكن علي باشا جدد بناءها فعرفت بالعلية وزاد حسين باشا في تشييدها وصيرها ثلاث قلاع كل واحدة منها محيطة بالأخرى وبينهما فرجة صالحة للمقاتلة ويحيط بثلاث جوانبها الشط وبالجانب الرابع خندق وعليه سدود ولما طوي بساط آل افراسياب استرجعت اسمها الأول (القرنة).(4/575)
ترجمة آل افرسياب
كان أبوهم افراسياب يعرف بالديري، نسبة إلى موضع في شمالي البصرة يعرف بالدير. وفي ذلك الموضع كانت منارة يزعم بسطاء العقول أنها من بنايات الجن وذكر عبد علي بن رحمة الله الحويزي في كتابه (قطر الغمام) أن افراسياب من بقايا آل سلجوق وأن أهل الدير أخوال افراسياب ومنشأ إمارة هذه الأسرة (العائلة) أن افراسياب كان كاتبا من كتّاب الجند في البصرة فأنتقض أهل البصرة على علي باشا الحاكم الرومي (أي التركي) فعجز هذا عن إعطاء أرزاق الجند المحافظين عليه فباع البصرة من افراسياب بثمانية أكياس رومية(4/576)
في كل كيس 3000 محمدية وهي عملة تركية كانت رائجة في العراق وترك البصرة لافراسياب وخرج مشترطا عليه أن لا يقطع الخطبة من اسم السلطان وتوجه ذلك الرومي إلى الأستانة.
فحكم في البصرة افراسياب وأحبته الناس وتوسع في بسط نفوذه في الجزائر ومنع الجوائز التي كانت تتقاضاها موالي الحويزة من البصرة ومنع الجراية التي كانت لهم على الجانب الشرقي من شط العرب. وكان ابتداء حكومته سنة 1005هـ (1596م) واستمرت سبع سنين.
ثم حكم من بعده ابنه علي باشا واستمرت حكومته 45 عاما وقد كثرت في أيامه العوارف والرفاهية وكان مظفرا فتحت في أيامه كل الجزائر بعد أن عجز عنها جند السلطان وقصده جيش الشاه عباس الصفوي فثبت في وجهه وتشدد في مقاومته حتى فشل الجيش الفارسي ونكص راجعا وذلك سنة 1036.
ثم حكم من بعده حسين باشا آل افراسياب ودامت مدة حكمه 21 سنة، ثم ختمت بزوال إمارة آل افراسياب وكان حسين باشا فاضلا راجت في عهده سوق(4/577)
الأدب وكذلك في عهد أبيه وكان يميل إلى التشيع وبذلك اصطنع البلاد ودانت له الجزائر وكان آل افراسياب يحسبون أنهم ملوك مستقلون وكانت لهم في إقطاعيتهم امتيازات كبيرة حتى أن روح الاستقلال الحقيقي كان ظاهرا ولكن لم يكن مقضيا به رسميا فأراد حسين باشا المجاهرة به وسعى له سعيه ووجد استحسانا وإعانة من الجزائريين فحارب الأتراك ثلاثا غلب مرتين وغلب في الثالثة التي انتهت بخراب الجزائر فهرب إلى الدورق ثم إلى شيراز ثم إلى الهند وانكفأ هناك حتى مات.
وقد جاء ذكر لعلي باشا آل افراسياب في ديوان ابن معتوق الذي امتدحه في قصيدته التي مطلعها:
طلبت عظيم المجد بالهمة الكبرى ... فأدركت في ضرب الطلى الدولة الكبرى
إلى أن قال:
ما البصرة الفيحاء إلاَّ قلادة ... ونحرك من دون النحور بها أحرى
تمادى زمانا عهدها فتمنعت ... وجادت بوصل بعد ما منعت دهرا
علي الشرقي
تداعى للسقوط
قرأنا في تذكرة الكاتب لأسعد خليل داغر في ص129 ما هذا نصه:
(ويقولون: (ويسقط منها ما كان متداعيا للسقوط) ولا يخفى أن كلمة (للسقوط) يجب إسقاطها إذ هي حشو لا حاجة إليه. ومعناها مستفاد من كلمة تداعى، يقال تداعى البنيان أي تصدع من جوانبه وآذن بالانهدام، وهكذا انقض أو أنقاض) اه. أفصحيح أنه لا يقال؟
قد قلنا مرارا أن اسعد خليل داغر قد اخطأ في كتابه اكثر مما أصاب. وهذا دليل جديد على وهمه، لأن تداعي للسقوط هو من باب التوكيد لا غير. نعم إن قد تداعى بعين ذلك بنفسه لكن التوكيد غير ممنوع، وقد استعمل هذا التعبير ابن خلدون في مقدمته في كلامه عن الحسبة راجع عبارته في هذه المجلة 307: 4.(4/578)
نموذج آخر من تراجم الشعراء
الشيخ حسين العشاري
تتمة
وله من قصيدة في الإمام علي حينما زار قبره سنة 1185 وذكر المنازل التي قطعها من بغداد إلى النجف:
إليك توجهنا فلاحت لنا البشرى ... وتمت لنا الدنيا بجاهك والأخرى!
حبسنا على حر الهجير نفوسنا ... لأنا علمنا أن سنوردها بحرا!
ولم نصحب المسك الفتيت لعلمنا ... بكون ثراكم فوق ارداننا عطرا!
ولم نحمل الدينار علما بأننا ... سنلقط من حصباء أرضكم تبرا!
وما قصدنا إلاَّ الحضور بحضرة ... على عرش بلقيس سما فضلها قدرا
ورؤية قبر قد تضمن سيد ... هو البحر سمته العباد لنا حبرا
محل حوى علما وجودا وسؤددا ... إلى منتهى الدنيا تدوم له الذكرى
كريم نجار من لؤي بن غالب ... وصفوة عدنان ومن مضر الحمرا
ولما قصدناه تركنا عيالنا ... وأولادنا الأطفال والبلدة الزورا
إلى أن نزلنا (الخان) أول منزل ... ونمنا وصلينا بساحته الظهرا
ومن قبل عصر قد شددنا رحالنا ... وجئنا (لبئر النصف) والركب قد سرا
ومن بعد ذا جئنا إلى (الخان) بعده ... وبتنا به والنوم عن مقلتي فرا
ولما بدا الصبح المنير وأقبلت ... كتائبه تسعى برأيته الشقرا
نهضنا وروينا جميع دوابنا ... بلطف وصلينا بجانبه الفجرا
وسرنا إلى (خان المحاويل) والهوى ... لحب أبي السبطين يقدمنا شهرا
أقمنا به حتى أتى العصر فانثنت ... إلى (الحلة الفيحاء) رواحلنا تترى
نزلنا على قوم كرام بها نشوا ... على الجود والاضياف في دورهم تقرى
ومن بعد ذا سرنا صباحا وعندنا ... من الشوق ما يستوعب السهل والوعرا!
ولما أتينا قبر (ذي الكفل) وانجلت ... لنا عن طريق القصد باقعة غبرا(4/579)
نظرت تجاه السائرين أشعة ... تبين وتستخفي لنا تارة أخرى
فزحزحت عن عيني الكرى ونظرت عن ... نواظر عن صنعا تلوح لها بصرى
وقلت: أتلك الشمس أرخت ثيابها ... وألقت عليها من أشعتها سترا؟
أم انتشرت نار الكليم لناظري ... على طور سينا والفؤاد بها أدرى؟
أم البرق في تلك العراص تلألأت ... لوامعه حتى أبان لنا فجرا؟
فراجعت خضر القلب عن درك ما أرى ... يبين لعيني كي أحيط به خبرا
فقال: إذا أخبرتك اليوم سره ... وأنت كليم القلب لم تستطع صبرا
فقلت: ولو أخبرتني لوجدتني ... صبورا ولا اعصي لما قلته أمرا
فقال: هو القصر المنيف الذي علت ... على القبة الخضراء قبته الصفرا!
هو المرقد السامي الشريف الذي حوى ... محيا أبي السبطين والغرة الغرا
فالق العصا في بابه وأنخ به ... قلوصك وانزل عند همته الكبرى!
فهاجت بنا نار الغرام وقد جرت ... مدامع تصلي نارها مهجتي حرا
وما ثم إلاَّ نفس وجوانح ... تطير وأنعام طوت دونه البرا
إلى أن أتت (خان العقيل) خيولنا ... وبتنا بقرب البئر نستوجب البرا
ولما رأينا الفجر سرنا بسرعة ... إلى بلدة ضمت بها الحيدر الطهرا
وقال من قصيدة يذكر بها مصاب بغداد بالوباء ويحن إلى سالف أيامها الغر:
أبيت ولي وجد حرارته تعلو ... ودمع له في عارضي عارض وبل
واطوي على جمر وأغضي على قذى ... واشغل أعضائي وقلبي له شغل
إذا الليل وافى ضقت ذرعا إلى الحمى ... وفاضت شؤون ليس يعقلها عقل
حداني إلى الزورآء شوق مبرح ... وماذا الذي حدثت عن حالها سهل
إذا ما نبت دار السلام بأهلها ... فلا جبل يؤوي الكرام ولا سهل
وإن كسفت شمس البلاد وبدرها ... فليس لنا في نجمها منزل يعلو
وإن قلص الظل الذي في جنابها ... فأين من الرمضاء في غيرها ظل؟
وإن نضب الماء النمير بأرضها ... فأي شراب في مواها لنا يحلو؟
مصاب عراها لا أصيب بأهلها ... فأنهم للمكرمات بها أهل
ديار بها نيطت على تمائمي ... قديما ولي فيها نما الفرع والأصل(4/580)
بها سكني في ربعها الخصب ناقتي ... بها جملي يرغو بها قيمتي تغلو
إلا ليت شعري هل أراني بربعها ... مقيما؟ وبالأحباب يجتمع الشمل
وهل التقي بالأهل من بعد فرقة؟ ... فلي عندها في كل ناحية أهل
وهل روضها يخضر بعد ذبوله ... ويهمي على أوراقه الوبل والطل؟
وهل ظبيات الكرخ يخرجن شرعا ... ودون حماهن الأسنة والنصل؟
وهل اسمع الداعي وقد حلق الدجى ... يؤذن والتالي بأوراده يتلو؟
وهل أنا في يوم العروبة قاصد ... لحضرة محي الدين دام له الفضل؟
وهل تنثني تلك المعالم والربا ... وفوق ذراها العز والكرم الجزل
وهل علماء الجانبين تضمهم ... مجالس علم لا يخامرها الجهل
وهل وزراء العدل تمضي أمورهم ... على منهج ما عن محجته عدل
وهل خرجوا للعيد بين كتائب ... منار العلى في ظلها أبدا يعلو
سلام على دار السلام وأهلها ... فهم في فؤادي دائما أينما حلوا
فو الله لا أسلو هواها وماءها ... إذا كان قلبي عندها فمتى أسلو؟
أحبتنا بالكرخ هل من رسالة؟ ... (فقد تعبت بيني وبينكم الرسل)
لعل أحاديث العواذل تنثني ... (برجم ظنون بيننا ماله اصل)
إلا همة تزجي رواحل عزمتي ... (لديكم إذا شئتم بها اتصل الحبل)؟
حلولي بناديكم وموتي بأرضكم ... (أرى أبدا عندي مرارته تحلو)
أرى البعد في الضراء عنكم كبيرة ... (فما اختاره مضنى به وله عقل)
وكم فتية فروا من الموت ضلة ... (وما ضعنوا في السير عنه ولا كلوا)
أمن قدر الرحمن يجدي فرارهم ... (فأوله سقم وآخره قتل)
فقل لمقيم صابر فزت بالعلى ... (وللمدعي هيهات ما الكحل الكحل)
يهون علينا ما لقيتم من الأذى ... ولكن عقد الله ليس له حل
فيا رب باسم الذات والحكمة التي ... بها تظهر الأشياء والعدم الأصل
بنور جمال اشرق الكون عنده ... وعز جلال دونه أحجم العقل
إلى أن يقول:
تول لنا دار السلام وأهلها ... بلطفك وارحمهم فقد ثقل الحمل(4/581)
وعاملهم بالعفو وارحم شيوخهم ... وأطفالهم فالشيخ قد آب والطفل
وباء طاعون وما ثم ملجأ ... سواك وأنت الراحم الحكم العدل
ويا غارة الله أسرعي لخلاصهم ... من القهر فالرحمن من شأنه الفضل
ويا غارة الله اجعلي كل واحد ... بحصنك قد غار العدو وهم عزل
ويا غارة الله انصريهم وبددي ... جموع العدى عنهم فقمت العدى سهل
إلا فاستجب واسمع ندائي فأنني ... دعوتك والأجفان في سحها هطل
وقابل سؤالي بالإجابة سيدي ... فما خابت الشكوى لديك ولا السؤل
نثره
قال يصف زمانه وخلانه في بغداد:
(. . . مع أني في زمان تبا له وتب، ما أحقه بأن يدعى أبا لهب، قد أصلى أهله بنار ذات لهب قدم كل ركيك ضعيف. ورأس كل دني سخيف، وأذل كل سري شريف، فأهمل خروفه وسلك بها مسلك التحريف. وشدد مخففه وجنح به إلى التضعيف. ألقاه بين مصائب، كأنها كتائب. وأنزله في حفر، كأودية سقر، وإلى الله المشتكى من زمان إذا أمر بنائبة حرض، وإذا نظر إلى كريم اعرض، وإن جرح دفف، وإن قتل أسرف. ينظر إلي شزرا، وينفق علي نزرا. ويرهقني من أمري عسرا. في فتية مردة. كأنهم خنازير أو قردة. قلوبهم طاغية. وأيديهم باغية. وألسنتهم لاغية. وطباعهم ردية. وأصولهم باهلية. وأنفسهم دنية. وسجاياهم تارونية. وما (ما در) إلاَّ طليعة لأخلاقهم. ولا (أشعب) إلاَّ أنموذج لمذاقهم. في جماعة كبيرها صغير. ورئيسها حقير. ودنيها أمير، وشريفها أسير. ولولا عيال تثب عليهم الغيرة وثوب الشرر. وتنهمل الحمية دونهم انهمال المطر. وأطفال كأفراخ القطا تقصر عنهم الخطاء لزودت الشيخ والقيصوم. وتمتعت البصل والفوم. وفررت عنها فرار الغيور. عن مواطن الزور. ولتمثلت بقول القائل:
ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلاَّ الأذلان غير الحي والوتد
ولعملت بقول الآخر:
يوما بحزوى ويوما بالعقيق وبال ... عذيب يوما ويوما بالخليصاء(4/582)
واتخذت عنها بدلا. وتعوضت عن منازلهم منزلا. وقلت لنفسي فاسلكي سبل ربك يخرج لك ذللا. ولله قول الطغرائي:
فيم الإقامة في الزوراء لا سكني ... فيها ولا ناقتي ترغو ولا جملي
وأني لي بالشخوص عن مزورة الإحداق. سيئة الأخلاق. مرة المذاق. العراق وما أدراك ما العراق. أهلها أهل نفاق وشقاق
ما المجد بالكرخ مقيما ولا ... طوق العلى في جيد بغداد
وهي حرية بما ذكره الغزالي رحمه الله تعالى في باب المحنة من الأحياء. اتفاق جماعة من العلماء على ذمها وكراهة سكناها. واستحباب طلب الفرار منها)
محمد بهجة الأثري
ترجمة البيتوشي
شيخنا العلامة عبد الله بن محمد الكردي الالاني الخانخلي حصل العلم عن أجل علماء بابان (أي السليمانية) منهم الإمام ابن الحاج. ورحل إلى بغداد ثم منها إلى البحرين فنظم أيام محاصرة صادق خان تراجم الزواجر، قال ابن سند فقرأت عليه المنطق والألفية وشرح السعد وشرح الشافية وشرح سقط الزند وشرح الفاكهي في النحو وشرح حسامكاتي في المنطق ورواية حفص عن عاصم في القراءة وقد نظم متن الكافي في العروض والقوافي ثم شرحه شرحا ممزوجا بالأصل وهذا الكتاب أيضا موجود. ثم إنه خرج من الاحساء وتوطن البصرة وله بعض التصانيف كمنظومته في النحو المشهورة، وأثنى عليه شيخنا محمد اسعد ثناء جميلا. قال وتوفي شيخنا سنة 1210 ثم أن محمد اسعد رحل إلى بغداد فقرأ عليه داود باشا المطول للسعد في علم البلاغة وهو كتاب مهم وقد رفع قدر الشيخ محمد اسعد بسبب ذلك وافاض عليه سيبا كثيرا. انتهى ملخصا من كتاب الآثار المسجدية في المآثر الخالدية لأبن سند وهو من الكتب الخطية في إحدى الخزائن.
كاتب(4/583)
الألفاظ الارمية
في اللغة العامية العراقية
(تلحوق) وزان تدهور. يقول العراقيون تلحوق الوجه من الشمس بمعنى لوحته الشمس وتلحوق الطعام أي شاط واحترق فهذا الحرف مشتق من فعل (ل هـ ق) ومنه (ات ل هـ ق) ومعناه احترق واشتعل.
(لطش) بمعنى ضرب ولطم ودق الحجر بالحجر وهو و (لطس) الفصيح واحد مبنى ومعنى والذي يسترعي الانتباه أن العراقيين يلفظون هذا الحرف على مذهب الارميين أي بالشين (ل ط ش) وقد يشاهد من أمثاله في غير هذا اللفظ فحيث تكون الكلم في اللغتين الساميتين متقاربة في اللفظ والمعنى فكثيرا ما يحتفظ بالارمي هذا ولا نجهل أن السين والشين تتبادلان في العربية.
(ليخ) صيغة أمر من فعل (لاخ) (يليخ) بمعنى أسرع وهرب فالذي عندنا أنهم أخذوها من (ل ي ج) الجيم تلفظ غينا (ليغ) أي سريعا وحالا وعاجلا وهو اسم حال لكنهم توهموا له فعلا وصرفوه.
(مجع الخيط) بتشديد الجيم المثلثة الفارسية أي فر وهرب ومعناه الحرفي أن لين الخيط الذي كان يوثق به فسهل عليه طريق النجاة. وعندنا أن فعل (مجع) من (م ش ع) أي ملس وسيع وصقل ولين ومما يؤيد هذا الرأي أنهم يقولون أيضا (شمع الخيط) وكلا المعنيين يفيد الملبس والتسييع.
(سلاب) يقول العراقيون هذا الرجل قد صار (سلاب) وهذه المرأة ضعفت كأنها (سلابات) بمعنى هزل الرجل وهزلت المرأة واضحيا ضاويين وكذلك يقال فلان مسلوب الشكل أي رشيق غير سمين. وقد انسلب وذلك من الارمية (س ي ل وب ا) الباء تقرأ في الأصل واوا بمعنى الضعيف والمهزول والسخيف.
(المعلان) بمعنى السيد يقال معلاني ومعلانك ومعلانه واكثر ما يستعمل هذا اللفظ العرب البدو أو الزراع والرعاة وهي مقتضبة من لفظتين ارميتين من(4/584)
(م ع ل ي ا) (معلايا) بمعنى السامي والعالي والرفيع ومن حرف (من) فأصلها معلايا من، أي السامي من،
ومعلايا مني ومعلايا منك ومعلايا منه فنحتت وصارت معلان ومعلاني ومعلانك الخ
(محفورة) يستعمل هذا اللفظ في الموصل بمعنى السجادة وهو قديم في العراق وقد ورد ذكره في كتب المؤلفين في عهد الدولة العباسية وبينهم ياقوت الحموي فقد قال في معجم البلدان في مادة (قطيفة) تصغير القطيفة وهو كساء له خمل يفترشه الناس وهو الذي يسمى اليوم زولية ومحفورة. اه. فأقول أن لفظة الزولية تستعمل حتى اليوم في أنحاء العراق كبغداد والبصرة وغيرهما وقد عربها الأقدمون بصورة زلية بلام وياء مشددتين والجمع زلالي.
أما المحفورة فأظنها تعريب (م ع ب ور ت ا) الباء مثلثة. وهي الشملة والمحفورة ولا أتمكن من البت في هذا التأويل لأني لم أر كلمة (معبورتاه) الارمية وبهذا المعنى مدونة في معجم بر بهلول ولا في معجم سميث السرياني اللاتيني ولا في اللباب للقرداحي بل جاءت في دليل الراغبين في لغة الآراميين للقس (اليوم المطران) يعقوب اوجين منا.
وقد جاء في تاج العروس أنها منسوبة إلى بلدة في بحر الروم مشهورة بصنع الزلالي ولم نعثر في ما لدينا من كتب الجغرافية على مدينة باسم محفورة أو معفورة.
(عر) يقال عر وبكى إذا صوت في البكاء وتمادى فيه وعندنا أن فعل (عر) من الارمية (ع ر) بمعنى أرغى وأزبد وغفث ومما يقابل هذا الفعل في العربية الفصحى فعل (نعر).
(شربق) بمعنى شبك وربق وحبك. وهذا الفعل في الارمية (ش ر ب ق).
(روحان) يقال يا روحان! بمعنى يا للفرح! ويا للراحة! قلنا يجوز اشتقاق هذا الحرف من أصل عربي من الراحة أو من الترويح كما يقال من الرحمة (الرحمان) ومن الحن (الحنان) إلاَّ أن نسبته إلى الارمية اقرب إذ أن فيها كلمة (ر وح ن ا) وهي الراحة والفرج.(4/585)
(سوسب) أو سوسب وراح بمعنى نجا وذهب أو خرج خلسة من فعل (ش وز ب) الباء تقرأ واوا في هذا اللفظ على الطريقة الارمية بمعنى خلص ونجى وفعل (اشتوزب) نجا (وبيت شوزبا) مهرب ومفر.
هذا ما جمعناه من الألفاظ الارمية في لغة العراقيين العربية بعد جهد طويل، إلاَّ أننا لا ندعي الإصابة في كل ما قلناه بل ربما هناك بعض الآراء التي لا يوافقنا عليها العلماء البحاثون فنحن أول من يرجع عنها عند ثبوت الحجة وإقامة البرهان لأن غايتنا علمية
بحتة وقبلتنا الحقيقة ليس إلاَّ. كما لا نجهل أنه فاتتنا طائفة من الألفاظ لم ندونها فنشكر كل من ينبهنا عليها إتماما للفائدة.
ولا مندوحة لنا عن ذكر صيغة يستعملها العراقيون في كلامهم وعليها مسحة ارمية بحتة وهي قولهم (قلتله للرجل) و (هل وديته للكتاب) و (قرأته للمكتوب) عوضا عن هل قلت للرجل؟ وهل أرسلت الكتاب؟ وهل قرأت المكتوب؟) أي أنهم يثبتون ضمير المفعول مع ذكر المفعول وهذا منحى الارميين في لغتهم الفصيحة.
وكيف نفسر بدء العراقيين الكلام بالسكون أو قل بحركة مختلسة تكاد تحاكي السكون وفي العربية لا يبتدأ بالساكن بل بأحد المتحركات وعندي أننا العرب نتبع المنطق في ذلك إذ بدء الكلام حركة والوقوف سكون. أما الارميون فأنهم يبدءون كلامهم أما بالسكون وأما بالحركة حسب الكلم وبين الألفاظ التي تبتدئ عندهم بالسكون اسما وأفعال وحروف لا حاجة إلى ذكرها هنا فهل من علاقة يا ترى بين اللفظ الارمي وبين لفظ العراقيين من حيث الابتداء بالسكون فعلى رأيي أن ذلك موضوع بحث يسترعي الاهتمام به.
ومما يلفت الأنظار ويستوقف الأبصار في لغتنا العربية العراقية ورود ألفاظ على وزن (فاعول) بمعنى الفاعل. ومنها (صاعود) للذي يصعد النخل و (قاصوص) للذي يقطع الخشب والطابوق (للآجر) و (الحاصود) للذي يحصد و (الآكول والشاروب والراكوب) للآكل والشارب والراكب كثيرا. ومن أمثالنا أن فلانا لا ينفق شيئا ولا هو مسؤول عن شيء بل هو (آكول شاروب راكوب) و (الباطول) الكثير البطالة ومنه القول المأثور (قطعة(4/586)
الباطول) ومن المقرر في لغة الارميين أن اسم الفاعل في الأفعال الثلاثية - ماخلا بعض شواذ - يصاغ على وزن (فعولا) بإمالة الفاء إمالة تضاهي الألف لأن حركتها زقاف. أفلا يحملنا ذلك على الاعتقاد أن هذه الصيغة في لغتنا هي من تراث الارميين؟
ومما يجمل بنا ذكره هنا ورود بعض ألفاظ في معاجمنا على هذا الوزن منها (ناطور) و (ناقوس) و (ناسور) غير أن هذه الألفاظ ليست بعربية بل معربة. ومثلها (ناعور) و (قاطول) اسم نهر في العراق. أما لفظ (ناجود) بمعنى الخمر ووعائها. فليس باسم فاعل بل هو اسم جامد. وقد جاء في العربية الفصحى لفظ (فاروق) الذي يفرق بين الأمور أي يفصلها على وزن فاعول للمبالغة. وهو لقب الإمام عمر بن الخطاب، ومنه قولهم الترياق
الفاروق. ومن أراد التبسط في الألفاظ التي وردت في العربية على وزن فاعول فليراجع المزهر 81: 2 - 83 ويجدر بي أن المع إلى آثار الارمية في أسماء البلدان والبقاع والأنهر في العراق فأننا نجد عشرات من تلك الأسماء ارمية الأصل والمعنى منها مندثرة ومنها لا تزال حية. ومن أمثال لك:
باقوفا تلكيف بطنايا باجرمي باعذري برطلي تلسقف بادرايا (وهي بدرة). الكرخ ماحوزة بعقوبا باجسرا عقرقوف عبرثا نهر ملكا نهر كلال الحيرة القاطوب الشطرة ديالى كركوك باعشيقا براثا باحمشا مرغا أو مركا
وقبل الختام ننبه إلى أننا أغفلنا أصول بعض الألفاظ التي تأتي على ألسنة العامة وهي لا تتفق والآداب.
يوسف غنيمة(4/587)
الكبائش أو الجبايش
نظرا إلى نتائج تدقيقات علماء الأثريات ثبت أن بلاد العراق (ما بين النهرين) تكاد تكون في تاريخها وأثريتها أغنى بقعة وجدت على وجه البسيطة، فضلا عن أنها منبع الحقائق ومهد الحضارة، والذي يقلب صفحات التاريخ اليوم يتضح له جليا أن كل أمة لا بد من أن تنسب إلى هذه المملكة ولو من بعيد ولو أردنا أن نتعمق في هذا البحث مع ما علينا من جهل ما في بطونها من دفائن أمم وإمارات وبلاد أخفى عليها الدهر لأسباب تختلف حوادثها؛ لدخلنا في مواضيع كثيرة وحوادث مهمة ولاضطررنا إلى تحبير عدة صفحات من هذه المجلة.(4/588)
وهذه الكبائش التي لا يعرفها تسعة أعشار العراقيين كانت بلدة مهمة في أيام العباسيين غنية بمواردها الاقتصادية وآهلة بعشرات الألوف من السكان لأنها كانت من البلاد التي تدر على الخزينة بكثير من المال خصوصا من اتاء الثمار وأخصها العنب والزبيب. وقد كانت تعرف ب (البطائح) يومئذ ثم حمل عليها الدهر الخؤون حملة شعواء وأطلق فيها يد التدمير والتخريب حتى أصبحت أثرا بعد عين حينما اتجهت إليها مياه دجلة والفرات فغمرتها وتركتها أراضي تتلاعب بها المياه من جميع جهاتها. ونظرا إلى قرب المصاب منها ووصول الرمال التي تحملها المياه إلى مستقرها أصبح من المنتظر عمرانها بصورة عامة ولا سيما لأن الهمة مبذولة في الوقت الحاضر لأجل إصلاحها.
ورب مستغرب يستغرب هذا الاسم (الكبائش) فنقول إن كلمة الكبائش أو الجبايش كما تلفظها العامة عربية الأصل محرفة عن كبيسة بأسباب ما طرأ على اللغة من التغييرات الناشئة من احتكاك العرب بالأعاجم وغيرها والكبيسة مشتقة من (الكبس) وهو في الأصل الضغط والكبس عندنا العراقيين الزرع الذي يبذر في أرض دخلها ماء فيضان النهر أو ماء فيه غريل كثير فيرسب على وجهها راسب يصلح لزرع بعض النباتات التي تكتفي بهذا الماء من غير أن تحتاج إلى مياه الأمطار ومياه الانهار، كالسمسم والذرة (الاذرة) والهرطمان وغيرها ويسمون هذا الزرع بالكباسي وتلفظ كافها كالجيم المثلثة الفارسية وكان العرب سلفنا يسمون هذا الزرع باللحق وزان سبب قال اللغويون اللحق واحد الإلحاق وهي
مواضع من الوادي ينضب عنها الماء فيلقى فيها البذر. اه. وأشهر هذه الكبائش (برق الحمار)
وقضاء الكبائش من الاقضية التي أنشئت حديثا بالمعنى الصحيح، ونقول بالمعنى الصحيح لأنه لم تتسلط الحكومة السابقة على إنشاء هذا القضاء بالمعنى الحقيقي. وأسباب ذلك ترجع إلى قصر نظر رجال تلك الحكومة وعدم اهتمام أربابها القابضين على زمام الأمور آنئذ بما يجب اتخاذه من وسائل العمران والتهذيب ونشر ألوية السلام. فقد كان هذا القضاء محفوفا مرهبا بأمرائه وعشائره الذين خولتهم ظروف المحيط وأحواله الطبيعية أن يتمكنوا من العصيان ولم(4/589)
يكن في مقدرة الحكومة أن تسير قافلة من هناك ما لم تصحبها بالسيار اللائق (المرافق) حتى أنها كانت تستميل الرؤساء إلى جانبها حينما تريد أن تسير قوة ما.
فلهذه الأسباب بقي هذا المحيط مجهولا وبقي أمراؤه لقاحا إلى أن ارتكزت أقدام حكومة جلالة ملكنا المعظم سنة 924 - 925م. فتنفست المدينة الصعداء وعمرت الحكومة دارا ضخمة لها كلفتها نحو 238000 ربية والآن تسير الحركة العمرانية فيها سيرا محسوسا وقد شيدت الحكومة أيضا مدرسة أولية هناك لا بأس بها؛ إلا أنها على رقي متواصل.
يحد قضاء الكبائش من الشمال حدود لواء العمارة ومن الشرق ناحية المدينة التابعة لقضاء القرنة من أعمال البصرة ومن الغرب والجنوب قضاء سوق الشيوخ التابع للواء المنتفق. وتقدر وارداته السنوية بأكثر من 200000 ربية. أما نفوسه فتبلغ نحو 230000 نسمة وأهم خرجه القصب والبردي والسمك والشلب (الرز بقشره) والذرة.
والكبائش مجموعة عرائش فوق جزر كثيرة يفصل المياه أبنيتها. وإنك لا تستطيع أن تجد اكثر من عريشة واحدة فوق جزيرة واحدة في ذلك المستنقع الجسيم. ولا بد لكل عريشة من مشحوف (بلم صغير أو زورق) يركب فيه أصحابه لابتياع اللحم أو الخضراوات وسائر الحاجيات من الحوانيت القائمة فوق تلك الجزر بصورة متفرقة إذ لا يمكن تشييد المنازل الحجرية فوق أرض الكبائش. إن سراي الحكومة (صرحها) المبني من الآجر على آخر طرز صحي فالفضل فيه يعود إلى مالك هذه الأراضي قبل هذا الشيخ سالم الخيون لأنه سبق فأقام له بيتا من حجر في هذه البقعة بعد أن صرف الألوف من الربيات على كبسها وفرشها بالتراب.
هذه نبذة مختصرة نقدمها إلى حضرات القراء الكرام عن قضاء الكبائش الذي لا يعرفه معظم العراقيين كما أسلفنا ذلك عسى أن تكون فيا فائدة.
السيد عبد الرزاق الحسني(4/590)
تاريخ الطباعة في العراق
مطابع الموصل
تابع مطبعة الدمنكيين
- 6 -
133 - (الكتاب المقدس حسب الترجمة المعروفة بالبسيطة) (بالكلدانية) ثلاثة أجزاء ضخمة 1887 - 1891 ص712 و681 و426
134 - (المزامير) بالكلدانية 1890 ص207
135 - (تعليم مسيحي صغير) (بالكلدانية) طبعة ثانية 1885 ص36
136 - (صلوات) (بالكلدانية) طبعة ثانية 1888 ص16
137 - (صلوات مطول) (بالكلدانية) جمع المطران السيد أدي شير ابرهينا الكلداني 1891 ص310
138 - (الوردية المقدسة) (بالكلدانية العامية) 1884 ص91
139 - (مرشد الكاهن) للأب بولس سينيري اليسوعي نقله إلى الكلدانية القس داميان الكلداني ونقحه المطران السيد توما اودو الكلداني 1882 ص371
140 - (ميزان الزمان) للأب جان اوسابيوس نيارنبرج اليسوعي(4/591)
المتوفى سنة 1658 نقله إلى الكلدانية المطران السيد توما اودو الكلداني 1884 ص432
141 - (مرشد المترشحين للدرجات الكهنوتية) للكاهن الإيطالي لويس تونيي من كتبة القرن التاسع عشر نقله إلى الكلدانية المطران المذكور 1895 ص288
142 - (رياضة درب الصليب) (بالتركية) 1892 ص28
143 - (إنجيل مار متي) (بالتركية) ترجمة البطريرك جرجس عبد يشوع خياط الكلداني 1894 ص105
144 - (خلاصة التعليم المسيحي) (بالتركية) له 1893 ص235
145 - (الشهر المريمي) (بالكلدانية) ترجمه من العربية الخوري فرنسيس داود الكلداني - خريج مدرسة ماريوحنا الحبيب الاكليركية بالموصل - 1907
146 - (المروج النزهية في آداب اللغة الارامية. منتخبات للبلاغة الكلدانية) للمطران السيد يعقوب اوجين منا الكلداني الجزء الأول 1901 ص (شنج) الجزء الثاني 1901 ص (تن)
147 - (مجموع جمل اعتيادية ومكالمات جزئية لتعلم الفرنسية (بالفرنسية والعربية) طبع ثانية 1895 ص31
148 - (مجموع مكالمات صغيرة جديدة) (فرنسية عربية) 1897 ص31
149 - (أمثلة التصاريف الفرنسية) (بالفرنسية والعربية) 1910 ص53
150 - (نخب أدبية للقراءة الفرنسية) اسمه:
الجزء الأول ألفه الأب شفاليه المرسل الدمنكي ونشره غفلا 1903 ص234
151 - (الأصول الجليلة في نحو اللغة الارامية) على كلا مذهبي الشرقيين والغربيين تأليف المطران السيد يعقوب اوجين منا الكلداني باللغة العربية 1896 ص352
152 - (العهد الجديد) (بالكلدانية) حسب الترجمة البسيطة جزءان، الأول ص568 والثاني ص700(4/592)
153 - (قراءات الإنجيل والرسائل) (بالكلدانية) حسب الطقس الكلداني ثلاثة أجزاء ص200 و115 و250
154 - (مختصر شرح التعليم المسيحي) (بالكلدانية العامية) ص170
155 - (تعليم المجمع التريدنتيني المسيحي)
نقله إلى الكلدانية المطران السيد توما اودو الكلداني 1889 ص686
156 - (كلندار الأعياد والتذكارات والاصوام) حسب طقس الكنيسة الكلدانية ص16
157 - (تسليم السريان الشرقيين لسلطة البابا حسب تقليد الكنيسة السريانية الكلدانية (بالكلدانية) تأليف المطران السيد بطرس عزيز الكلداني الموصلي ص99
158 - (أخوية الوردية المقدسة) (بالكلدانية) ص46
159 - (أغاني روحية) (بالكلدانية العامية) ص390
160 - (ما قبل وما بعد صلوات الغروب) (بالكلدانية) ص248
161 - (طفولية يسوع المسيح) (بالكلدانية العامية) ص76
162 - (رسالة راعوية) لغبطة البطريرك عبد يشوع جرجس الخامس خياط الكلداني (بالكلدانية) ص57
163 - (كتاب نرسي) (بالكلدانية) نقحه ونشره بالطبع الأب سابقا(4/593)
الدكتور الفونس منكناحالا الموصلي الأستاذ في مدرسة ماريوحنا الحبيب الاكليركية في الموصل سابقا وخازن خزانة كتب جون ريلندس في مانشستر (انكلترة) الآن طبع 1905 في جزءين ص370 و411.
164 - (نحو اللغة الكلدانية العامية) (بالافرنسية) المسمى:
حسب لهجة سهل الموصل والأصقاع المجاورة له تأليف الأب يعقوب ريتوري الدمنكي المرسل في كردستان ص276
165 - (مفتاح اللغة الارمية) (بالفرنسية) اسمه:
تأليف الدكتور الفونس منكنا 1905 ص233
166 - (مختصر التاريخ المقدس) (بالكلدانية العامية) طبع رابعة ص53
167 - (كتاب أولي للقراءة السريانية للصبيان) ص115(4/594)
168 - (تعليم مسيحي) (بالسريانية) ص52
169 - (جوجقلرة مجموع فوائد) في القراءة التركية للمدارس تأليف نعوم فتح الله سحار وقد نشر غفلا من اسم المؤلف 1890 ص96
170 - (مقتطفات الصلوات) (بالفرنسية): ص145
171 - (مواعظ دينية) للبطريرك ايليا الثالث الكلداني جزء ثان.
172 - (مبادئ الفلك) (بالكلدانية العامية)
173 - (نصوص تاريخية سريانية قديمة) لمشيحا زخا وبرحدبشبا وبرفينكايي
نشرها مع ترجمة فرنسية وتعاليق الدكتور الفونس منكنا سنة 1907
174 - (مختصر صغير للتعليم المسيحي) (بالعربية والفرنسية) ص79
رفائيل بطي(4/595)
الفعل في لغة عوام العراق
الفعل أما ماض أو مضارع أو أمر. وهو أيضا أما مجرد أو مزيد. والمجرد أما ثلاثي أو رباعي. ولنتكلم عن كل من هذه الأقسام.
الثلاثي المجرد
ينقسم الثلاثي المجرد إلى ثلاثة أقسام: سالم، وصحيح، ومعتل.
السالم
السالم هو ما خلت حروفه الأصلية من أحرف العلة والهمز والتضعيف نحو ضرب. وهذا الفعل اعني السالم من الثلاثي المجرد يكون في كلام العامة مكسور(4/596)
الأول مفتوح الثاني نحو ضرب، كتل، شرب، سمع، كتب، وهذا هو الأكثر الأعم في كلامهم وقد يكون مضموم الأول مفتوح الثاني وهو قليل وذلك نحو كفر وصبر.
وأما آخر الفعل السالم فإنه ساكن إلاَّ إذا اسند إلى ضمير المفرد المتكلم أو المفرد المخاطب فيكون مكسورا نحو أنا ضربت. وأنت ضربت. ويكون مفتوح الآخر مع سكون وسطه إذا اسند إلى ضمير جمع الغائب نحو ضربوا أو ضمير المفردة الغائبة نحو ضربت أو ضمير جمع الغائبة نحو ضربن ومفتوح الآخر مع تحرك وسطه وذلك إذا اتصل به من الضمائر المنصوبة ضمير المفرد الغائب نحو ضربه أو ضمير المفرد المخاطب نحو ضربك ويكون مكسور الآخر إذا اتصل به من الضمائر المنصوبة ضمير المفردة المخاطبة نحو ضربج.
(تنبيه) قلنا إن الفعل الماضي السالم إذا اسند إلى ضمير المفرد المتكلم أو إلى ضمير المفرد المخاطب يكون آخره مكسورا وذلك لأن الضميرين المذكورين ساكنان إذ هما عبارة عن تاء ساكنة؛ وآخر الفعل ساكن أيضا فيجتمع ساكنان فيكسر آخر الفعل تخلصا من اجتماع الساكنين وأما إذا تحرك الضميران المذكوران كما لو اتصل بهما ضمير المفعول المخاطب أو الغائب فلا يكسر حينئذ آخر الفعل لعدم اجتماع الساكنين نحو قولهم: أنا ضربتك وأنت ضربته.
تصريف الفعل السالم
قد علمت إن الماضي السالم تختلف أحوال آخره باختلاف ما يتصل به من الضمائر المرفوعة والمنصوبة فتارة يكون ساكنا وتارة يكون مكسورا وتارة يكون مفتوحا كما ترى فيما يأتي:
تصريفه مع الضمائر المرفوعة
ضرب (ساكن الآخر) ضربوا (مفتوح) ضربت (مفتوح) ضربن (مفتوح) ضربت (مكسور) ضربتو (ساكن) ضربت (ساكن) ضربتن (ساكن) ضربت (مكسور) ضربنا (ساكن).
تصريفه مع الضمائر المنصوبة
ضربه (مفتوح) ضربهم (ساكن) ضربها (ساكن) ضربهن (ساكن) ضربك(4/597)
(مفتوح) ضربكم (ساكن) ضربج (مكسور) ضربجن (ساكن) ضربني (ساكن) ضربنا (ساكن).
الصحيح
الفعل الصحيح هو ما خلت حروفه الأصلية من أحرف العلة فقط. ويكون أما مضاعفا أو مهموزا.
المضاعف
الثلاثي المضاعف هو ما جانست عينه لامه نحو مد وشد وعض. وهو في كلام العامة مفتوح الأول أبدا. أما آخره فتارة يكون ساكنا أما مع بقاء التضعيف وذلك إذا اسند إلى ضمير المفرد الغائب من الضمائر المرفوعة نحو شد أو مع زوال التضعيف بحذف حرفه الأخير وذلك إذا اتصل به من الضمائر المنصوبة ضمير المفرد المتكلم نحو شدتي، أو جمع المتكلم نحو شدنا أو ضمير جمع الغائب نحو شدهم أو ضمير المفردة الغائبة نحو شدها أو جمع الغائبة نحو شدهن. أو ضمير جمع المخاطب نحو شدكم، أو ضمير جمع المؤنث المخاطب نحو شدجن.
وتارة يكون مفتوحا وذلك إذا اسند إلى ضمير جمع الغائب نحو شدوا أو ضمير المفردة الغائبة نحو شدت. أو ضمير جمع المؤنث الغائب نحو شدن، أو اتصل به من الضمائر
المنصوبة ضمير المفرد الغائب نحو شده أو ضمير المفرد المخاطب نحو شدك.
وتارة يكون مفتوحا فتحة مبسوطة مع زيادة ياء في آخره وذلك إذا اسند إلى ضمير المفرد المتكلم نحو شديت. أو جمع المتكلم نحو شدينا، أو إلى ضمير المخاطب نحو شديت؛ أو ضمير جمع المخاطب نحو شديتو، أو ضمير المفردة المخاطبة نحو شديت. أو ضمير جمع المخاطبة نحو شديتن.
وتارة يكون مكسورا وذلك إذا اتصل به من الضمائر المنصوبة ضمير المفردة المخاطبة نحو شدج.
فقد تبين لك أن المضاعف لا يفك إدغامه في حال من الأحوال وأن لأخره خمس: (1) السكون مع بقاء التضعيف (2) السكون مع زوال التضعيف (3) الفتح (4) الفتحة المبسوطة مع زيادة ياء في آخره (5) الكسر. كما ترى فيما يأتي:
تصريفه مع الضمائر المرفوعة
شد (ساكن) شدوا (مفتوح) شدت (مفتوح) شدن (مفتوح) شديت (فتحة مبسوطة) شديتو (فتحة مبسوطة) شديت (فتحة مبسوطة) شديتن (فتحة مبسوطة) شديت (فتحة مبسوطة) شدينا (فتحة مبسوطة)
تصريفه مع الضمائر المنصوبة
شده (مفتوح) شدهم (ساكن بلا تضعيف) شدها (ساكن بلا تضعيف) شدهن (ساكن بلا تضعيف) شدك (مفتوح) شدكم (ساكن بلا تضعيف) شدج (مكسور) شدجن (ساكن بلا تضعيف) شدني (ساكن بلا تضعيف) شدنا (ساكن بلا تضعيف)
معروف الرصافي(4/598)
فوائد لغوية
الدمحال والبتري
كنا قد استفتينا العلامة المحقق اللغوي أستاذنا الشيخ محمود شكري الالوسي رحمه الله وطلبنا إليه أن يبين لنا معنى كل من هذين اللفظين: الدمحال والبتري فكتب إلينا في 16 كانون الأول من سنة 1916 ما هذا حرفه:
(وردني سؤالكم ودققت النظر فيه والحق بيدك أن اعترضت على ما ترى في كتب اللغة من الألفاظ التي تعد من قبيل المهملات. والظاهر إن السبب في ذلك عدم تلقيها عن أهلها وقراءتها على أساتذتها كسائر العلوم.
وقد رأيت تفسير اللفظة في هامش ص267 من الجزء الثالث عشر من اللسان عند ذكر بتري في تفسير الدمحال ما نصه: وقد وجدناه في بعض نسخ التهذيب مضبوط بفتح الباء وكسر الراء وتشديد الياء مفسرا بالرجل الشرير) اه
ومن الجائز إن يكون ضبط القاموس وضبط غيره صحيحا. فإن البتر والتبر(4/599)
متقاربا المعنى فالتبر الهلاك والمتبور الهالك. والتبر الإفساد ومنه: وليتبروا ما علوا تتبيرا.
والابتر بتقديم الباء؛ الذي لا خير فيه وكل أمر انقطع من الخير فهو ابتر والابتر من الحيات الذي يقال له: (قصير الذنب لا يراه واحد إلاَّ فر منه ولا تبصره حامل إلاَّ أسقطت. وإنما سمي بذلك لقصر ذنبه كأنه بتر منه. والابتر الناقص البركة إلى آخر ما ذكروه.
فعلى هذا يجوز أن يكون البتري أو التبري مرادا به الرجل السوء الذي لا خير فيه أو الهالك. والياء المشددة للمبالغة لا للنسب فإنهم الحقوا آخر الاسم ياء كياء النسب لأمور منها: إنهم ألحقوها للفرق بين الواحد وجنسه فقالوا: زنج وزنجي، ترك وتركي، روم ورومي. على قول بمنزلة تمر وتمرة نخل ونخلة.
وللمبالغة فقالوا في أحمر وأشقر وأحمري وأشقري كما قالوا راوية ونسابة أي بتاء زائدة للمبالغة.
وزائدة زيادة لازمة نحو كرسي وبرني وهو ضرب من أجود التمر. ونحو بردي وهو نبت. وهذا كإدخال التاء في ما لا معنى فيه للتأنيث كغرفة وظلمة.
وزائدة زيادة أرضة كقوله:
اطربا وأنت قنسري ... والدهر يا إنسان دواري؟
أي دوار؟
فعلى هذا قولنا تبري أو بتري معناه كثير الشر أو الفساد أو نحو ذلك وأما ما ذكروه من كسر المثناة وتشديد الموحدة فهو مأخوذ من ضبط الأقلام والذي أكثره من تحريف النساخ والحقيقة ما ذكرنا.
على أن لي قولا لم يذكره اللغويون في الكتب التي بين أيدينا وهو: إن البتري الرجل الذي يقول بمقالة المغيرة بن سعد الابتر أمام فرقة من فرق الزيدية وهم فرقة من الشيعة لهم مقالة تخالف مقالة سائر الزيدية. ففي الصحاح: البترية فرقة من الزيدية نسبوا إلى المغيرة بن سعد ولقبه الابتر. وفي تعريفات السيد البترية وافقوا السليمانية إلاَّ أنهم توقفوا في عثمان (رض) ولهم ذكر في غير ذلك من كتب المقالات والنحل. هذا ما أمكنني ذكره ولازلتم موفقين.
الفقير إليه تعالى محمود شكري الالوسي(4/600)
الكمرك والديوان والمكس
الكمرك كلمة تركية مأخوذة من اليونانية المولدة الداخلة إليها من اللاتينية أي التجارة وقيمة الشيء وثمنه وحق البيع والشراء ويأتي بمعنى محل قبض أجرة بيع الشيء.
وقد كتب الأتراك في سابق العهد وحتى الآن الكلمة المذكورة بصورتين أخريين وهما (كومرك وكومروك) والثلاث مقبولات عندهم والشائعة اليوم عندهم كومروك. والقريبة الصيغة إلى العربية هي الكمرك لأنها على وزن قنفذ والحركات فيها مقصورة لا ممدودة على حد ما هي في اللاتينية والكاف الأولى يلفظها الترك كالقاف المعقودة أي كالجيم المصرية. ولهذا كتبها المصريون جمرك. وهو جائز لأن القاف المعقودة قد تنقل إلى العربية جيما كما هو كثير الورود في المعربات.
وكان العرب يسمون الكمرك (الديوان) ولعل أصل الوضع كان ديوان الحقوق أو ديوان الضرائب أو ديوان الخراج إلى غيرها. ومن السلف تلقفها الإفرنج فقالوا (دوان فاكتفوا بالمضاف عن المضاف إليه. وهكذا جاءت في الكتب العربية التي الفت في القرون الوسطى كابن بطوطة وابن جبير والمقري ولا سيما ابن خلدون في كلامه عن الدواوين. وممن ذكرها أيضا بدر الدين العيني في كتابه عقد الجمان إذ يقول في حوادث سنة 614هـ (1265م) (وصلت رسل الانبرور والفونش وملوك الإفرنج واليمن (كذا) بالهدايا إلى صاحب الإسماعيلية فأمر السلطان بأن تؤخذ الحقوق الديوانية من هذه المراكب إفسادا لنواميس الإسماعيلية وتعجيزا لمن اكتفى شرهم بالهدية) اه فالنص واضح في المعنى الذي ذكرناه.(4/601)
وسمى الديوان (ديوان الحقوق والضرائب) بعضهم قبل ذلك في القرن العاشر للميلاد، باسم المنظرة. قال المؤلف عجائب الهند (ص119): وحدثني عن من دخل سرنديب (جزيرة سيلان) وخالط أهلها أن من رسوم سلطانها في معاملته أشياء منها أن له منظرة على الشط يضرب فيها على الأمتعة. اه. وفي رواية أن له منظرا. والأولى هي الصحيحة.
قلنا: وقد استعمل الكاتب هنا (وهو بزرك بن شهريار الناخذاه الرامهرمزي) كلمة الرسوم بالمعنى المعهود اليوم أي ما يشبه الضرائب أو الضرائب نفسها.
وقد وردت أيضا بهذا المعنى في كتاب الشريف الادريسي إذ يقول: ولواليها وجابيها شيء معلوم ورسم ملزوم على المراكب. وكذا في تاريخ الخطيب إذ يقول: وأما رسوم الأعراس والملاهي فكانت قبالاتها غريبة. وقد جاءت في غير هذه المصنفات. والترك اخذوا هذه اللفظة أيضا (أي الرسوم) عن المولدين من السلف بالمعنى المعروف اليوم.
فما أحرى بنا أن نقول اليوم كما قال من سبقنا: الديوان أو المنظرة أو دار الرسوم وأن نهرب من استعمال كمرك التي لم تعرف قبل القرن التاسع عشر للميلاد.
وأما المكس فالأصل فيه على ما قال ابن الأعرابي: درهم كان يأخذه المصدق بعد فراغه. وفي الحديث: لا يدخل صاحب مكس الجنة (اللسان في مكس) والمكس أيضا: دراهم كانت تؤخذ من بائع السلع في الأسواق في الجاهلية. والماكس العشار ويقال للعشار: صاحب مكس. والمكس: ما يأخذه العشار. ويقال: مكس فهو ماكس. (اللسان) فالمعنى الظاهر هو إن المكس من الضرائب الممقوتة أو هو الدرهم الزائد عن الحق. وعندنا إن الكلمة رومية (أي لاتينية) لأن ضرب الضرائب من أعمال الرومان - وإن كان قديما في حد نفسه - فالرومان هم الذين أشاعوا اتخاذه وعلموه في بلادهم. ونظن أن المكس من لسانهم (مكسما) بتقدير درهم، أي الدرهم الزائد على الحق، أو الدرهم المأخوذ ظلماً وفوق المقدر. وهو المعنى القديم للفظ العربي وقد أيد ذلك صاحب المصباح إذ قال: (وقد غلب المكس في ما يأخذه أعوان السلطان ظلما عند البيع والشراء.) اه
فترى من هذا كله أن الكمرك تركية الأصل يونانية النقل رومية الوضع والديوان فارسية النجار، والمكس لاتينية المعدن، أما المنظرة ودار الرسوم فمن محتد عربي صميم، فعلينا بهما: ولا سيما المنظرة لأنها شاعت بمعنى ما نظرت إليه فأعجبك أو ساءك وما ذلك إلاَّ لأن دار الرسوم كانت تبنى في اغلب الأحيان على شطوط البحار أو الأنهار ليشرف منها على السفن والمراكب حتى يتمكن الجباة من أخذ المكوس عند دخولها المكلأ. وبهذا القدر كفاية.(4/602)
باب المكاتبة والمذاكرة
جواب على نقد المحاضرة في الطب العربي
(ليس من عادتنا إدراج الردود لأن الكلام يطول على غير جدوى كما نبهنا عليه في مستهل هذه السنة، إلاَّ أننا أردنا أن نعرض للقراء مثالا يحتذي عليه في هذا الموضوع لحمته إلا يجاز وسداه الأدب الجم، ونحن لا نريد أن نبدي شيئا جديدا دفاعا عن رأينا إذ في المقابلة بين النقد وجوابه مجزأءة) (ل ع)
اشكر لحضر الصديق العلامة صاحب (لغة العرب) الغراء ملاحظاته في نقد (المحاضرة في تاريخ الطب عند العرب) في الجزء السادس من هذا المجلد والصفحة ال 361 وعليها أجيب:
لا يخفى أن أكبر ضربة على الأدب بعد (إدراك حرفته) أن توضع أوراقه بين أيدي النساخ أو الرصاف يتلاعبون بها كيف شاءت أهواؤهم فيشوشون الكلام بالمسخ والسلخ والنسخ والتحريف والتصحيف والتحذلق حتى يوغروا صدر الأديب الذي يصرف الليالي والأيام في التنقيب عن كلمة يحققها، وإذا لمتهم حولوا اللوم عليك بأن قبح خطك أو عجلتك هي التي عبثت بالكلام أما هم فبراء من كل ما تتهمهم به فنعوذ بالله منهما إذا لم ينصفا. ولا سيما إذا كانت(4/603)
العجلة بالطبع لقلة الحروف فإنها ضغث على ابالة.
ولقد قيل إن الصيدلي يصلح أغلاط الطبيب أحيانا في صنعة (الروشتة) ولكن هذين يزيدان في الطنبور نغمة فيفسدان الكلام وإن كان فيه هفوات قليلة فيكثرانها سامحهما الله وخطب النساخ أهون من خطب الراصفين.
كانت هاتان المحاضرتان (الأولى) في الطب القديم عند الأمم و (الثانية) في الطب عند العرب. وقد نشرتا في (المجلة الطبية الدمشقية) فالأولى طبعت بضع عشرات من نسخها على حدة بحساب المجلة وكانت الإصلاحات التي نعتني بمراجعتها نحن ورئيس تحرير المجلة تذهب ضياعا ولا سيما أن المجلة كانت تنقل من مطبعة إلى أخرى وإدارتها تتحول من واحد إلى آخر فكانت كثرة الأيدي عليها وبالا على تلك المحاضرة فخرجت سيئة الطبع والترتيب والورق كثيرة الأغلاط بلا فهرس ولا إصلاح خطأ.
أما المحاضرة الثانية فاعتنى بالأنفاق عليها صديقي النطاسي الدكتور مصطفى أفندي الخالدي الأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت وكانت تنشر في المجلة الطبية الدمشقية ثم على حدة بكراس لم نتمكن من ضبط إصلاح تجاربه (بروفاته) لمرضنا وتغيبنا عن دمشق مدة. وتنقل المجلة في بعض المطابع وكذلك طبع المحاضرة علة حدة ظاهر فيه تغيير الحروف والورق. فالطابع على نفقته لم يقف على شيء من النسخ ولكنه اضطر أن يبحر إلى أوربة واميركة تخرجا في بعض الأعمال الطبية وذلك منذ اكثر من سنة فعجل بتغليف الكراس ليتم قبل سفره فلم نتمكن من وضع فهرس عام للمحاضرتين ومراجعتهما بضبط وإصلاح الخطأ فاعجله السفر وبقيت الكراريس في بيته في بيروت إلى أن عاد منذ أشهر قليلة فنشر الكراس على علاته. وليس هذا تمهيدا لاعتذار عن الأغلاط التي وقعت في المحاضرتين ولكن هي حكاية حال كان حظهما فيها سيئا وليس الكمال والعصمة إلاَّ لله فإني معرض للغلط قصير الباع.
فاقدم لكم المحاضرة الأولى على علاتها دون أن أتمكن من مراجعتها بضبط للزومي الفراش منذ شهرين وأجيب على الملاحظات بقولي:
1 - إن كلمة (وتفوقوا) على جواز حذف صلتها لاشتهارها ودلالة ما(4/604)
قبلها عليها راجعت اصلها عندي فإذا هي (وتفقهوه) أو (وتفوقوا فيه) وقد رأيت أفعالا كثيرة حذفت صلتها في مجلتكم الزاهرة.
2 - إن قصة إدخال الطب بلاد فارس منقولة عن تاريخ مختصر الدول لابن العبري طبع الآباء اليسوعيين في بيروت الصفحة ال 129 وهذا نصها:
(اورلينوس قيصر) ملك ست سنين وهادن سابور ملك فارس وزوجه ابنته فبنى لها سابور بفارس مدينة شبه بوزنطيا وسماها جنديسابور وكان قد أرسل اورلينوس في خدمة ابنته جماعة من الأطباء اليونانيين وهم بثوا الطب البقراطي بالمشرق). فكلمة (اولينوس) اصلها (اورلينوس) فسقطت الراء عند الطبع.
وقال ياقوت الرومي في معجم البلدان ما نصه:
(جنديسابور مدينة بخوزستان بناها سابور بن اردشير فنسبت إليه واسكنها سبي الروم وطائفة من جنده)
وبمراجعة مسودة المحاضرات رأيت في أول الكلام: (وقيل كان سبب) وهو دليل استضعافي الرواية. ولكن سقطت كلمة (قيل).
3 - أفلا يجوز إسقاط (من) بعد (ولا سيما) وقد أسقطت عبارات خطأ.
4 - إن المصادر المعطوفة يسوغ فيها أن تكون من غير طائفة واحدة ومع ذلك فكان الأولى أن تكون كما صححتموها.
5 - ومثل ذلك (الجراحة) فالمراد (علم الجراحة) والمضاف سقط خطأ أو ذهولا.
6 - مدينة الشوش، قال ياقوت في معجمه: (السوس. . . بلدة بخوزستان. . . قال حمزة: السوس تعريب الشوش بلفظ الشين ومعناه الحسن والنزه والطيب واللطيف أي بأي هذه الصفات وسمتها به جاز)
ومثلها (شميساط) فإنها وردت بالمعجمة والمهملة أي (سميساط)
7 - ليس لدي الآن تاريخ الطبري لأراجع عبارته إذا كانت هي كما نقلت في الصفحة الرابعة من المحاضرة باعجام الشوش، وبما جاء من أن جنديسابور هي الأهواز. ولكن أتذكر أن أصل العبارة في المسودة (وهو اسم جنديسابور(4/605)
وقربها للبلدة التي دعاها العرب سوق الأهواز الخ) وكلمة الأهواز كما قال ياقوت اصلها الاخواز جمع خوز فحولوها إلى الأهواز وقال أعرابي (لا ترجعن إلى الاخواز ثانية) أفليس هذا أولى من أن نقول إنها محرفة عن (هوزايا) وهوزايا محرفة عن الخوزيين سكان تلك البلاد؟
8 - إن كلمة (اتانوس) معربة عن دوفال فلم انتبه إلى استعمال العرب إياها كما في ابن أبي اصيبعة 109: 1 طبع مصر بصيغة (اطنوس الامدي)
9 - سمي الكتاب بالاسمين (العناصر) و (الأطعمة)
10 - لا بأس من أن تكون كلمة المتحف بضم الميم وإسكان التاء وفتح الحاء اسم مكان من أتحف الرباعي وهذا اقرب من المتحفة لتداول الناس لتلك كثيرا حتى صارت دارجة على اسلات الألسنة.
11 - اشتهرت المكتبة كثيرا على الألسن فصارت علما (لمجاميع الكتب) فلذلك تجوزت باستعمالها وليست التفرقة بالاسمين إلاَّ حديثة.
12 - إن يحيى بن سرافيون هو المقصود بلا ريب فحوله الراصفون إلى سراجيون تفننا
بالخطأ.
13 - لا أنكر أن كثيرا من الأغلاط تشوه هذه المحاضرة ولكنها لا تخفى على اللبيب فلهذا أصلحت أهمها وأشرت إلى الآخر إشارة عامة ومما انتبهت إليه الآن عند كتابة هذا الرد ما في الصفحة الخامسة والسطر ال 8 (كتابا في الحي) والصواب (الحمى) وفي الصفحة ال 31 والسطر ال 11 و (لقبته) والصواب (ولقيته) بالياء المثناة التحتية وفي ص33 س6 (يستربح) والصواب (يستريح) وس11 (تم) أي (ثم) وص39 س9 (بماذ) أي (بماذا) وص40 قبل الأخير بسطر (إحداها) أي (أحدهما) وص46 س3 (والواحب) أي (والواجب) و48 س7 (في صدور) أي (في صدر) وس11 (خرساني) أي (خراساني) وقبل الأخير بسطر (اد) أي (إذ) وص50 قبل الأخير بسطر (أعاق عن كلتا يديه الظبي) أي (أعاق الظبي عن كلتا يديه) وص54 س7 (وفيه) أي (وفيها) وص56 س20 (اسقورينس) أي (دسقورينس) والله اعلم بالصواب.
زحلة - 22 ك2 سنة 1927
عيسى إسكندر المعلوف(4/606)
معنى كلمة بغداد
رأيت بحثا في وجه تسمية بغداد في الجزء الخامس ص81 تكلم فيه الباحث بكلام مفيد.
وهناك وجه آخر لتسمية بغداد بهذا الاسم وهو أن كلمة (بغداد) مركبة من (باغ) بمعنى الحديقة أو البستان و (داد) بمعنى العدل أو الحكم بالعدل.
وحيث كانت بغداد وحواليها مقر الملك الفارسي العادل أو مقر الخليفة الحاكم بالعدل أطلق عليها بغداد مخففا أما بإدخال هذه الكلمة من اللغة الفارسية إلى العربية وأما تسمية لها باسمها القديم في زمن الفارسيين.
زنجان
الشيخ أبو عبد الله الزنجاني
(لغة العرب) إذا قبلنا هذا الرأي. يصعب علينا أن نؤولها هذا التأويل قبل مجيء الفرس إليها؛ إذ وجد في الرقم المسمارية قبل أن يحتل الفرس بقعة الزوراء والبلاد التي حواليها.
العراق في العام المنصرم
كيف يدون بعضهم تاريخ العراق
جاء في القسم الثاني من مقالة (نظر عام في أحوال العام) للأب لويس شيخو اليسوعي المنشورة في الجزء الثاني من السنة الخامسة والعشرين من مجلة المشرق الصادرة في بيروت (شباط 1927) في الصحيفة ال 143 الفقرة التالية:
((العراق) عقدت معاهدة بين انكلترة وحكومة العراق في تقرير حقوق الدولتين وتدبيرهما، وقد صار التوقيع عليها (كذا بمعنى ووقعت) في 18 كانون الأول. وفي شهر نيسان صار فيضان عظيم (كذا بمعنى دفقت المياه) في ضواحي بغداد بخراب سد هناك فغمرت المياه قسما كبيرا من أملاك المدينة وخربت عدة مساكن وذهبت بحياة بعض السكان وكاد الشر يستفحل لولا همة أرباب الأمر بتلافيه بعد أيام. وفي أوائل تشرين الثاني حصلت (كذا بمعنى وقعت) أزمة وزارية بعد انتخاب رشيد علي بك كرئيس (كذا أي رئيس) مجلس النواب بدلا من مرشح الحكومة فاستعفت الوزارة مع رئيسها حكمت بك(4/607)
سليمان. ولم يرتق الخرق إلاَّ بعد تأليف الجنرال جعفر باشا وزارة جديدة في 21 من الشهر)
وفي هذه الفقرة الصغيرة ثلاث غلطات مهمة (ما عدا ركة التعبير) فتوقيع معاهدة التحالف الجديدة بين العراق وبريطانية تم في 13 كانون الثاني 1926 ثم أبرمها مجلس الأمة العراقي في 19 كانون الثاني 1926 وليس في كانون الأول كما قال الكاتب الفاضل.
واسم رئيس مجلس النواب رشيد عالي بك الكيلاني وليس رشيد علي بك كما ذكر. ولم يكن حكمت بك سليمان رئيس الوزارة السابقة المستقيلة إنما كان عبد المحسن بك السعدون. وحكمت سليمان هو رئيس مجلس النواب خلف رشيد عالي بك وهو الذي كان مرشح الحكومة لرئاسة مجلس النواب في الدورة الحالية ولم ينجح. ولم يتقلد رئاسة الوزارة منذ تأسيس الحكومة العراقية إلى الآن إنما أسندت إليه وزارة المعارف ثم حول إلى وزارة الداخلية في الوزارة السعدونية.
فنتوقع من حضرة الأب شيخو العلامة المحترم أن يكون اكثر تدقيقا في ما يدونه للتاريخ.
رفائيل بطي
أيقال ضحاه بمعنى ضحى به؟
ألا تقرأ كل يوم في كتب الأدب العصرية وفي الصحف السيارة والمجلات الموقوتة ضحاه أو ضحاه على مذبح الحوادث أو على هيكل الأهواء؟ أفصحيح هذا التعبير وقد كثر على اسلات أقلام السوريين والمصريين؟ - كلا
نعم بعض الأحيان قد يحذف حرف الجر ويوصل الفعل إلى مفعوله (بنزع الخافض) بموجب تعبيرهم العلمي؛ إلاَّ أن هذا لا يجوز إلاَّ عند أمن اللبس؛ أما إذا وقع ما يوهم القارئ أو يدفعه إلى تصور معنى آخر فلا يجوز البتة فقول بعضهم: ضحاه هو غير معنى ضحى به. فضحاه؛ غداه وقلت الضحى (اللسان) وضحى بالشاة؛ ذبحها ضحى النحر. هذا هو الأصل وقد تستعمل التضحية في جميع أوقات أيام النحر. . . والضحية ما ضحيت به وهي الاضحاة والأضحية أيضا (كل ذلك عن لسان العرب لابن المكرم) فليحرر الأدباء كلامهم فقولهم إذن: ضحاه على مذبح الأهواء يفيد غداه في الضحى مقيما إياه على مذبح الأهواء مع أن مرادهم ضحى به على مذبح الأهواء أي ذبحه ذبح الشاة على ذلك المذبح وبين المعنيين فرق ظاهر.(4/608)
أسئلة وأجوبة
صبن
لمقامري الإفرنج طريقة يغش بها ملاعبيهم وهي: إنه يسوي في كفه الكعبين حتى إذا ضرب بهما انقلب على الوجه الذي يريدهما. ويعرفون ذلك بقولهم: وقد فتشت في جميع المعاجم الفرنسية العربية فلم اظفر بضالتي أفكان العرب يجهلون هذا الخداع في اللعب أم أنهم عرفوا الأمر ولم يضعوا له اصطلاحا؟
طنطا (ديار مصر) م. ع.
الجواب - إن اعتمدتم على المعاجم الإفرنجية العربية فإنكم لا تظفرون بمطلوبكم إلاَّ في الندرة. أما أن العرب عرفوا هذا الضغو (أي الغش في اللعب للغدر بصاحبه والبغداديون يقولون الزغل أو المزاغلة) فيعرف عند السلف بقولهم (صبن) قال في التاج صبن المقامر الكعبين (والكعب هو الزار أو الزهر عند العراقيين) إذا سواهما في كفه فضرب بهما. يقال: أجل ولا تصبن. وقال ابن الأعرابي: الصبناء: كفه أي المقامر إذا أمالهما ليغدر بصاحبه. يقول له شيخ المقامرين: لا تصبن، لا تصبن، فإنه طرف من الضغو) اه بحرفه
أما الذي وجدناه في المفردات الدرية في اللغتين الفرنسية والعربية للأب بلو اليسوعي فهو ما يأتي
رسم وضع علامة على الكعاب مخاتلة في اللعب) اه. فهذا(4/609)
شرح لا اصطلاح. ويا ليت كان هذا الشرح صحيحا فقوله رسم أو وضع علامة على الكعاب، قد لا يوضع عليها، بل يفعل ذلك في ورق اللعب. ولو فرضنا إن هذه العلامات وضعت فإنها لا تفيد شيئا عند اجالة الكعبين بخلاف تعليم ورق اللعب فأن هذه الإشارات قد تفيد المقامر ليهتدي إلى الأوراق التي يريدها. أما الكعاب فيتخذ لها وسيلة أخرى وهي أن يحشى طرف منها رصاصا حتى تسقط عليه لثقله. هذا هو المشهور عند المقامرين أهل الغش والخداع.
وقال الأب المذكور: (على الكعاب) وليس الأمر كذلك بل يكون في الكعبين لأن اللاعبين لا يتخذون عدة كعاب لهذه الغاية بل كعبين لا غير كما هو مشهور. وقال أيضا (مخاتلة) وهذا تساهل منه ولو قال (ضغوا أو صغوا) أي بالضاد المعجمة أو بالصاد المهملة لأغناه هذا
التعبير عن قوله: في اللعب لأن الضغو لا يكون إلاَّ في اللعب. إذن لو تابعناه على اتخاذ عبارته لكان يحسن به أن يقول: (رسم أو وضع علامة على (الكعبين) (ضغوا). هذا إذا فرضنا إن وضع العلامة يفيد شيئا وقد بينا فساده.
وأما النجاري فقد قال في معجمه الفرنسي العربي لهذا المعنى: (ساوى الزهر، وضب الزهر) قلنا: أما قوله ساوى الزهر فهو على خلاف المطلوب. إنما يكون الصبن في تثقيل جانب من الكعب (الزهر) دون بقية الجوانب ليحمل إليه بقوة ثقله. وأما قوله (وضب الزهرة) فهي عامية مصرية بمعنى الأول أو بمعنى احكم وأتقن ورتب ونظم وكل هذا لا يوافق المطلوب.
وجاء في معجم الشيخ يوسف يعقوب حبيش (الفرائد الأدبية في اللغتين الفرنساوية والعربية) وهو أحسن المعاجم الفرنسية العربية عندنا ما هذا نصه: (رصرص أو زيبق الزهر أي انه وضع رصاصا أو زيبقا في زهر الطاولة في اللعب) فأنت ترى أن هذا وحده أصاب في شرحه للإفرنجية أما البقية وغير من ذكرناهم فقد اخطئوا جميعا. وكذا قل عن المعاجم الإنكليزية العربية.
إلاَّ أن مؤلفي تلك الأسفار لم يجدوا الكلمة (صبن) المقابلة للكلمة الغربية.
أما من أين جاءتنا (صبن) فالذي نراه أنها منحوتة من (صب صرفانا) أي افرغ في الكعب رصاصا ليثقل. حذفوا من الصرفان الصاد لوجودها في صب(4/610)
ثم الراء والفاء لأنهما مقاربتان للباء وقد يستغني عنهما بوجود الأولى وابقوا النون لأنها الحرف المهم من الكلمة.
أو مأخوذة من معنى الصبن وهو الكف والمنع. لأن الكعب إذا ثقل بالرصاص يكف أو يمتنع عن التقلب كثيرا. ولعل الرأي الأول هو الأصح.
وقد يكون (الصبن) بأن يدهن جانب من جوانب كل من الكعبين بضرب من الصابون لزج القوام يوصل الجانب الواحد بالجانب الآخر فلا يتفارقان فيبقيان عند الاجالة على الوجه الذي وضعه المقامر فلا يفترقان وحينئذ يكون الاشتقاق من الصابون. على أن الرأيين الأولين اوجه ولا سيما المذهب الأول.
وعلى كل فإن الكلمة العربية المقابلة لقول الإفرنج هو (صبن) وحدها بدون أن تقول الكعبين أو ما أشبه هذا التعبير.
ومعاجمنا الإفرنجية العربية أو العربية الإفرنجية هي على هذا السياق من النقص، أو عدم التدقيق، أو سوء التعبير، أو الإتيان بألفاظ لا يعرفها إلاَّ من أوتي الوحي والهدى!
جاويش
في عهد الترك كان الناس يعرفون (الجاويش) ولما جاءت الحكومة العربية أبدلت الكلمة ب (عريف) فهل كلمة (جاويش) تركية محضة؟ أولم ترد في عهد العباسيين أي في القرن الرابع أو الخامس حتى يبقى لها حق الحياة بدون أن تقتل؟ وما ذنبها حتى تمحى من سفر الحياة أو سفر البقاء؟
البصرة: أ - س
الجواب - لا نعلم سبب قتلها. أما أنها قديمة من عهد العباسيين فهذا أمر لا ينكر. فقد جاء في معجم الأدباء لياقوت (199: 7) في ترجمة (أبي سعيد الالوسي ما هذا نصه: واتصل بخدمة ملكشاه مسعود بن محمد السلجوقي فعلا ذكره وتقدم وأثرى ودخل بغداد في أيام المسترشد فصار جاويشا ولما صارت الخلافة إلى المقتفي تكلم فيه وفي أصحابه بما لا يليق فقبض عليه وسجن وتوفي سنة 557هـ (1161م)(4/611)
فهذا نص واضح على معرفة العرب في عهد العباسيين لكلمة (جاويش)
وقد جاءت في بعض الكتب بالشين بدلا من الجيم التي هي على الحقيقة جيم فارسية مثلثة النقط. وأما بالشين فقد وردت في رحلة ابن بطوطة قال (وترتيب قعود هذا الملك (ملك اليمن) أنه يجلس فوق دكانة مفروشة مزينة بثياب الحرير وعن يمينه ويساره أهل السلاح. ويليه منهم أصحاب السيوف والدرق ويليهم أصحاب القسي. وبين يديهم في الميمنة والميسرة الحاجب وأرباب الدولة وكاتب السر وأمير جندار على رأسه. والشاوشية وهم من الجنادرة وقوف على بعد) اه (174: 2).
وابن بطوطة توفي سنة 779 (1277م) فهذا نص آخر على قدم اللفظة في ديار الشرق حتى في أصقاع اليمن على ما رأيت.
وأما معنى الكلمة فقد اختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والكلمة من أصل تركي لاشك فيه، على أنه قد يؤول له تأويل في العربية لكنه لا يخلو من التعسف.
ومما تقدم شرحه ترى إنها لم تقتل إلاَّ لأصلها التركي، كأنها اللفظة الوحيدة الدخيلة في لغتنا. ولم يعلموا أن هناك مئات منها ومن لغات متنوعة وهي حية ترزق.
ما معنى الصويرة
س - على دجلة بليدة هي قضاء تعرف باسم الصويرة فما معناه؟
بغداد: س. ك
الجواب - هذه الكلمة من غريب ما لعبت به طوارئ اللغة. فالكلمة اصلها (صيرة) ثم صغرت على مألوف عادة أهل البادية في العراق. وصيرة مصحفة عن (زيرة) المقصورة عن (جزيرة) بحذف الجيم من الأول. وسميت جزيرة لأن المياه تحيط بها من كل جانب. فلو لم نتتبع سنة بسنة هذه التحولات في اللفظة لما كنا نهتدي إليها. فقد كانت يوما تسمى (الجزيرة) ثم صارت (زيرة) ف (صيرة) ثم (صويرة).
أما رأي البحاثة يوسف غنيمة فالصيرة عنده مشتقة من الصير بمعنى الماء(4/612)
يحصر أو الناحية من الشيء أو الصيرة مأخوذة من الصيرة بمعنى حظيرة الغنم والبقر أما نحن فلا نوافقه عليها.
السيدارة
س - كيف تكتب السيدارة ملبوس رأس العراقي وهل هي عربية؟
كوت الإمارة: س. م. م
الجواب - يكتب البعض السيدارة بلا ياء قبل الدال وهو خطأ ظاهر. والصواب ما ذكرناه. قال في اللسان في مادة (س د ر) السيدارة القلنسوة بلا أصداغ والكلمة عندنا مأخوذة من الرومية أي ما يدفع به العرق وكان في أول استعمال الرومانيين لها إنها كانت شستجة أي منديل ينشف به العرق أو يمخط فيها. ثم اتخذت للف رأس المنازع بها لأن عرقه يتصبب قبل الموت ثم أبقوها عليه. وربما أطالوها فكانت تنحدر على صدره بل على جسمه كله فتكون له كفنا. وانتقالها من صورة إلى صورة ومن حالة إلى حالة لم يتم في سنة أو سنتين بل في عشرات أو مئات من السنين. وفي آخر الأزمان لم يستعملها الرومان إلاَّ بمنزلة الكفن.
وقد عربت الرومية بصورة ثانية وهي الشوذر لكن السلف خص هذه الكلمة بالملحفة ومبرد يشق فتلبسه المرأة من غير جيب ولا أكمام. ومعنى هذا الكلام إن الشوذر لباس في وسطه فتحة أو تقويرة تدخل المرأة رأسها فيها عند لبسها إياه وليس لها أكمام فكانت كالملبوس الذي كان يسميه الرومان كازله والتي انتقلت إلى هيئة الملبوس الذي يلبسه كهنة اللاتين في التقديس. والكازلة التي كانت في عهد الرومان تشبه الملبوس الذي يتخذه اليوم كهنة الروم عند تقديسهم. ولذلك تكون - الفرنسية تقابل الشوذر إذ هيئة كلتاهما في الأصل واحدة.
ومن رأي الأب نرسيس صائغيان أنها مأخوذة من الارمية ومشتقة من فعل سدر سودرا أي صف ورتب ونظم. أما نحن فلا نوافقه عليها لأن الارميين يقولون في كتبهم أنها من الفارسية على حد ما قاله السلف.(4/613)