بارك الله فيك! لا شلت يداك! لله درك! نعم العمل عملك! عافاك الله! بخ بخ! مرحى! ونحوها كثير.
آفة
يعقد العوام بناصيتها معنى غير المعنى المألوف فهم يريدون بها الرجل الداهية أو النابغة أو البطل. على حد ما استعمل العرب الأقدمون (الداهية) فأنها تعني ذا الدهى والدهاء وتعني أيضاً الأمر العظيم والمنكر من الأمور. ومنه دواهي الدهر وهي ما يصيب الناس
من نوبه.
والآفة أيضاً عند بعضهم ثعبان عظيم يحرس الكنوز المدفونة. وقد يتوسعون في معناها فيطلقونها على كل حية عظيمة ولا سيما الأفعى وحينئذ تكون الآفة تصحيف الأفعى على لغة الفرس الذين يستثقلون العين على لسانهم فيحذفونها وتجمع آفة على آفات.
آل
تركية معناها الأحمر. ويراد بها نوع من الحمام أحمر اللون يتخذ في البيوت للعب به ولتطييره والحمام الأحمر متفاوت الحمرة عندهم فتختلف أسماؤه باختلاف تفاوت حمرته فمنه الباكوبز وهو أفخره لوناً ومنظراً ويليه في الحسن السيرنك فالأسمر فالبدرنك فالاشكيري وهو دونها حسناً. إلى آخر ما هناك من الألوان وتفاوتها
وإذا أردت التدقيق في وصف الآل فهو حمام أحمر اللون قرمزيه أو يكاد وله نصف وردة أو وردة ونصف وردة في جناحيه ويراد بالوردة عند طيورينيا أن يكون في جناح الطائر ريشة في طرفها سواد بقدر العقدة وسائر ريش ذنبه خالية منه.
آلة
لها معنى آخر عند عوامنا ما عدا معناها المألوف. إذ يريدون بها أيضاً معدات الشيء ولوازمه أي ما يقوم به الشيء أو يتقوم منه فإذا قلت مثلاً آلة الطبخ فالمراد منها اللحم والخضروات والسمن والتوابل (أي الابازير كالملح والفلفل والقرنفل والقرفة والهال والكركم ونحوها) وإذا قلت آلة البقال فالمراد منها السكر والقهوة والشاي والحمص إلى غيرها.
آني وين وهذا وين
أي أنا أين وهذا أين. مثل عامي يضرب في البون الشاسع بين شخصين(2/365)
ليس بينهما نسبة أياً كانت ويقابله في العربية: (ما إمامة من هند) ومعنى إمامة ثلاثمائة من الإبل وهند هي هنيدة وهي المائة منها. وقيل إمامة وهند من النساء إحداهما مشهورة بالمحاسن والثانية مذكورة بالمقابح.
آلطلغ
تركية تحريف التيلق ومعناها الستي أي ذو ستة قروش وهو نوع من النقود القديمة كانت معروفة عندنا قبل نحو ثلاثين أو أربعين سنة وأما اليوم فليس لها وجود عندنا. وكانت قيمتها ستة قروش صحيحة. ثم نزلت فصارت بخمسة قرش.
آلطنجي
تركية من آلتنجي ومعناها السادس. وهم يستعملونها في بعض الأحيان تعظيماً لرتبة المعدود.
آن
(يقولون: لا آن ولا ودان) كما يقول الفصحاء ما بالدار ديار ولا نافخ نار. وآن اسم فاعل من أن. وودان بمعنى المؤذن من أذن بتشديد الذال. ومحصل الكلام ليس في المحل أحد لا من يئن ولا من يوذن أي لا عليل ولا صحيح المزاج.
آنة
كلمة هندية ويراد بها قطعة من النقود التي يتعامل بها في ديار الهند تساوي عشرين بارة. والعوام تقول: تحاسبت مع فلان إلى حد الآنة أي محاسبة مدققة بحيث لم يبق في ذمة أحد المتحاسبين شيء. والبعض يقولون عانة بالعين.
آني
بمعنى أنا. عامية إسلامية فقط. ومنه المثل النسائي: آني غنية، وتعجبني الهدية. أي لكل ذي مقام حق.
آه
كلمة توجع وتضجر. ويقولون: آه منك. إذا اعيا الواحد صاحبه واقلق راحته. ويقولون آه عليك أي تأسفاً عليك. ويقال أيضاً بمعنى الاستحسان إذا غير المتلفظ بها نغمة صوته. فيكون معناها حينئذ لله درك ما أحسنك؟
آهرة
عربية تصحيف عاهرة: مبنى ومعنى.(2/366)
آهم أو آهن
من باب المفاعلة ومعناها ظن وتوهم وتصور يقولون: لتآهم أو لتآهن أنا أروح عنده أي لا تتوهم أني اذهب إليه.
آهين
فارسية الأصل ويراد بها الفولاذ المصبوب وتأتى في الأغلب بمعنى الحديد المصبوب المتخذ من الرمل الحديدي.
أيري
تركية معناها غير أو سوى أو آخر. وتطلق على من انفرد من الناس برأيه أو بأي شيء كان. فيقولون هو آيري عن الناس أي منفرد عنهم.
رزوق عيسى
ملحق بألفاظ عوام العراق
ذكرنا في بعض الأجزاء الماضية ما جمعه حضرة الكاتب رزوق أفندي عيسى من ألفاظ العوام ما كان مبدوءاً بالمد وقبل أن نمعن في تدوين سائر الألفاظ المبدوءة بغير المد نذكر ما فاته من تلك الألفاظ:
آي
كلمة صراخ المتألم أو المريض أو المتضجر.
آبينة
والمشهور عاينة وهي المرآة لا سيما ما يكون منها قطعاً على أشكال هندسية تجعل على الحيطان أو في السقوف لتزيينها. وقد مر الكلام عنها مراراً في هذه المجلة. فلتراجع.
آتشجي
الآتشجي هو الوقاد في المراكب البخارية. والكلمة تركية من آتش أي نار. والغالب في لفظ
هذه الكلمة هو عطشجي تقريباً للفظ الذي لا يفهمونه من لفظ مألوف على آذانهم يعرفونه وإن كان يختلف في المعنى.
آجنتة
والبعض يقولون أجنطة وهو الأكثر. وقد أخذوها من الإيطالية ومعناها وكيل شركة بحرية.(2/367)
آجي بادم
والرواية المشهورة (عجي بضم) وهي تصحيف الأولى التي معناها في التركية (لوزمر) كلمة يراد بها نوع من الحلويات التي يدخل فيها اللوز المر. وقد يدخل فيها اللوز الحلو أيضاً.
آجيو
كلمة إيطالية الأصل ادخلها الترك يراد بها فرق الدراهم أو الربح على صرفها.
آرسلان
بمعنى الأسد فارسية تركية يستعملها بعض العراقيين ويسمون بها بعض بنيهم الذين يتوسم فيهم الشجاعة.
آرش
تحريف الفرنسوية ومعناها تقدم وهي كلمة يتلفظ بها الضباط لأمر جندهم بالمسير. إلا أن الجميع يستعملونها الآن بصورة (عرش) ومعناها لنسر إلى الأمام أو كما يقولون أيضا: يا لله!
آرمود
والغالب في لفظها (عرموط) هو الكمثرى والكلمة تركية.
آزار
تركية يستعملها بعضهم بمعنى الظلم أو التعدي أو الخلل مهما كان.
آزوت
من الإفرنجية ويستعملها من له اطلاع على الطب أو الصيدلية أو الكيمياء وكذلك ما يتفرع منها.
آسايش
كلمة مشهورة تركية الأصل وقد اشتهرت في العصر الحميدي لكون أصحاب الصحف كانوا مضطرين إلى استعمالها ولو كان في البلاد اعظم الفتن ومعناها الأمن والراحة. وكانوا يجعلونها في صدر كل عدد من أعداد صحف الأخبار إشارة إلى أن الأمن والراحة والطمأنينة ضاربة إطنابها في البلاد وفي قلوب العباد. وكانت تستعمل عنواناً لعبارة مفرغة يكررونها في كل عدد.(2/368)
العدد 21 - بتاريخ: 01 - 03 - 1913
صرعى الكتب والمكتبات في العراق
لا يعرف على التحقيق الزمن الأول الذي دوّنت الكتب فيه واقتناها الناس على هذه الصورة أو ما يشبهها حسب اختلاف العصور غير أنا نعلم أنه قد قارن عهد وجود الكتب وجودُ أناسٍ فتنوا بها وسحرتهم فبالغوا في جمعها وفي الضنة بها وقد تأنقوا في نسخها ووراقتها وتجليدها وتنضيدها وتحليتها بما لا مزيد فوقه. وربما كان بعض جماعة الكتب من غير قراّئها ولا من المتدبرين لها ولكنه أولع بها فوجد مع جهله لذّة في اقتنائها وارتياحاً إلى الازديادِ منها وطيب نفسِ لا للاستفادة ولكن لمجرَّد انفتاحها وانطباقها وللهو بها كما كان يفعل أحد جماعة الكتب من الفرس في النجف على عهد غير بعيد وقد كانت اليد الطولى للفرس في بث روح المغالاة بالكتب بين أهل العراق وذلك على عهد هبوطهم هذه الديار وانتيابهم إياها لطلب العلم أو للجوار وفيهم أولاد العلماء والملوك وأهل الجاهِ والثروة فحملوا إلينا خزائن الكتب من بلادهم غير ما جمعوه بعد تمكنهم في(2/369)
هذه البلاد وغير ما حملَ إليهم من بلاد الهند وغيرها. هذا غير ما كان لإِيران من الفضل في طبع الكتب التي لا تقع تحت حصر من علمية على تشعب فنون العلم ودينية على اختلاف فروع الدين وكلها تحمل إلى العراق أو إلى النجف حيث اطمأَن العلم والعلماء وشيدت المدارس وأنشئت بيوت الكتب الكبيرة فاقدم إذ ذاك عامةُ الناس على ابتياعها وكان قد نبغ أثناء ذلك قوم معروفون أُولِعوا بجمع الكتب وشغفوا بحبها وبينهم فريق من أبناء الملوك والعلماء وذوو الأسر. والبيوت الأصيلة. وآخرون من الدهماء خلقوا لتصرعهم الكتب فعكفوا على نشدانها وطلبها من مظانها فتيسرَ لهم جمع ما ليس باليسير منها ومن هؤلاء من أدرّكناهم في زماننا هذا كالشيخ (الملا باقر التستري) المتوفى في النجف سنة 1329 فأنه كان مفتوناً بجمع الكتب فتنةً قلَّ أن تعهد في غيره وكان إذا قدّم إلى (معرض الكتب) في النجف كتاب مخطوط بذل النفس والنفيس في سبيله على قلة ذات يِدِهِ وربما تملق لمن ينافسه في الكتاب تملقاً لا مزيد عليه حين (المناداة) على بيعه وقد يقبل المنافسَ ويتعلق به ليتركَ لهُ طلبتهُ. قال بعضهم نافسته يوماً في كتابٍ و (المنادي) ينادي عليه فسألني تركه فما كان منه إلاَّ أن امسكني بيده قائلاً وقد تغيرَ: أَما تخشى الله؟ وله نوادر جمة في باب اقتناء الكتب وقد جاور
زماناً بمكة واتصل بالشريف هناك واقتنى قسماً من كتبه المخطوطة فيها. وله إلى إيران رِحلات كان أهمَّ ما يحمله عليها جمع الآثار ولقد حصل باجتهاده على أمهات الكتب النفيسة القديمة على اختلاف موضوعاتها وقد شاهدنا بينها كتب الدين والفلسفة(2/370)
والفلك والرياضيات والشعر والتاريخ والعربية وكان إذا اقتنى كتاباً كتب عليه بخط بديع (للحقير محمد الباقر) وخط معروف يشار إليه عند الصحفيين وفي أسواق الكتب ومعارضها ولما عرضت كتبه للبيع سنة 1329 وكان فيها اكثر من ألف مجلد مخطوط نودي عليها عدة أسابيع وكنت ممن يحضر المناداة فشاهدت فيما شاهدت ما يدهش المتأَمل من آثارٍ نادرة في بابها ونفائس مخطوطات قليلة الوقوع حتى في أمهات بيوت الكتب الكبيرة في العالم وذلك مثل كتاب (مشارق الأنوار) للقاضي عياض الذي كان يظن أنه أصبح أثراً بعد عين وكتاب (العين) للخليل الفراهيدي وكتاب (الزينة) لأبي حاتم وكتاب (غريب أبي عبيدة) وكتاب (طبقات القراء) وشرح (تذكرة الطوسي) في الفلك للخفري وشرحها أيضاً للسيد الشريف وقد ملكتهما و (القول المأنوس) وهو وجيز حاشيةٍ على القاموس وغير ذلك من شواذّ الأسفار الكبيرة التي لم تمثل بعد للطبع كبعض مؤلفات الثعالبي المعروف ووقفت أيضاً بين كتبه على كتاب (وفَيات الأعيان) بخط مؤلفه قاضي القضاة ابن خلكان هذا عدا ما لا اقدر أن آتي عليه في هذه العجالة وبالجملة ذهبت كتبه بثمن بخس وبيعت بصفقة خاسرة ولو نودي على هذه الكتب في أسواق الغرب لذهبت بزنتها لجيناً على أن مبتاعها غير مغبون.
وممن عرف في النجف من الغلاة في اقتناء الكتب العالم المحدَث الكبير الشيخ (ميرزا حسين النوري) الطهراني المتوفى قبل اثنتي عشرة سنة تقريباً فقد كان متعلقاً بجمع المخطوطات متفانياً في إحراز(2/371)
نفائس الآثار وله نوادر غريبة في هذا السبيل تدل على شديد افتتانه وعظيم بلائه بها منها أنه وجد يوماً في سوق من أسواق كربلاء كتاباً كان ينشده عند امرأة فاستباعها واستامها عليه فأرضاها ويظهر انه كان ذاهلاً لعثوره نبهاً على ضالته فأنه لما أراد إيفاءها ثمن الكتاب لم يجد عنده شيئاً ولكنه بادرَ فخلع حلةَ ثمينة كانت على متنهِ وباعها في سوقٍ كاسدةٍ بثمنٍ تافهٍ يسير واخذ الكتاب من صاحبته بهذه اللجاجة الغريبة وبالجملة كانت خزانة كتبه من احفل خزائن الكتب الكبيرة ويحكى أنه كان في جملة مخطوطاتها ألف مجلد عليها خطوط مؤلفيها وهذا مما لم يتفق حتى في خزائن كتب
الملوك في القرون الأخيرة فأنا نعرف أميراً من أمراء الهند لم يجمع غير سبعمائة مجلد عليها خطوط المؤلفين وقد كان رحمه الله مصلحاً سالكاً سبيل السلف الصالح وعالماً مؤلفاً حريصاً على نشر العلم ولذلك لم يوصد باب خزانته في وجوه الطلاب ولم يمتنع أن يعير كتبه من يستفيد بها من الناس كما يفعل كثير ممن كنز الكتب وقبض عليها قبضة الشحيح وخصوصاً العامة من جماعتها فانهم لم يذوقوا لذة العلم ولا حملوا بالمعرفة ليهون عليهم بذل أسفارهم في سبيلهما وعلى العكس من ذلك رجل صرعته الكتب وهو قد رضع افاويق العلم وخلصت نيته في نشره فأنا كثيراً ما سمعنا عن السلف الصلحاء انهم حبسوا كتبهم حبساً عاماً على من ينتفع بها من الناس ويؤثر عن بعضهم قوله:
أن زكاة الكتاب عاريته
ويوجد اليوم في النجف من العلماء المطبوعين على حب الكتب(2/372)
وتفقد الآثار الجامعين لها جماعة منهم الشيخ الفاضل الرفيع القدر الغريب الصبر والثبات (الشيخ علي) من آل كاشف الغطاء وهو الرجل الذي لا يرى إلاَّ مجدّاً في النسخ والتأليف أو عاكفاً على المطالعة أو لهجاً بجمع الكتب وذكرها يقص عليك أحاديثها ويصف لك مظانَّ وجودها ويترجم لك أحوال صرعاها وجماعتها وقد كانت نفسه الكبيرة حملته على الرحلة فجاب بلاد الفرس وبلاد الترك وبلاد مصر وسوريا والحجاز ولم تكن رحلته هذه رحلة تسلية وتفكهة لا بل كانت أشبه برحلات منتجعي العلم والرواية من السلف الصالح فأنه كان إذا حط رحلهُ في بلد وجه همه إلى زيارة معاهده العلمية والوقوف على دور كتبه المهمة هكذا كان في مصر والشام والأستانة وقد ألقن في هذه العاصمة اللغة التركية فشافه كبار ساستها وعلمائها ولم يبق فيها بيتاً من بيوت الكتب إلا زاره واستفاد منهُ وكان إذا أعجبه كتاب لم يكبر عليه نسخه واكتتابه وإن كبر كما فعل يوم كان في الأستانة فانه أنتسخ فيها لنفسه بنفسه أسفاراً جمة منها كتاب (شرح أبي تمام على مهاجاة جرير والأخطل) وقد وجده منتسخاً بالخط المغربي القديم وهو خط معمي يجهل المشارقة تهجئته فعكف أياماً على تفهمه ومحاكاته بقلمه حتى أتقنه فلم يصعب عليه بعد ذلك أنتساخ الكتاب ونسخ أيضاً ديواني (مهيار) و (كشاجم) ولم يكونا يومئذ مطبوعين وبفضله طبع الأخير على نسخته التي أنتسخها لنفسه وهمته في الصبر على الكتابة مشهودة حتى أنه تناول كتاب (آمالي
القاليّ) قبل طبعه وعكف على نسخه في عدة أسابيع وكان الوباء منتشراً حيث أقام فلم يعقه ذلك عن مقصده(2/373)
ومما نسخه لنفسه كتاب (نسمة السحر في من تشيع وشعر) وهو كتاب نادر الوجود قل من سمع به ونسخ كتاب (رسائل ابن العميد) الكاتب المعروف وهو يقع في مجلدٍ ضخم ونسخ غير ما رأَيت بهمة غريبة وجد متواصل حتى أنه لو اقتصر على ما ورقّه بيده لحصل على خزانة كتب حافلة لكنه لم يقتصر على ذلك واخذ يتطلب الكتب النادرة ويبتاعها وساعده على نجاح قصده تجواله في البلاد فاشترى من الأستانة وغيرها من البلاد التي عرج عليها كتباً نفيسةً مخطوطة ومطبوعة فاجتمعت له خزانة كتب لا تزال من أمهات خزائن الكتب العربية وفيها المخطوطات الكثيرة في كثير من الفنون وبعض نسخها قل أن يعرف لها ثانٍ مثل ديوان الشاعر المشهور (الحسين بن الحجاج) العراقي صاحب الدعابة والمجون ومثل كتاب (الطراز) في اللغة للسيد علي خان الأديب المعروف صاحب سلافة العصر وأنوار الربيع وديوان (مهيار) الديلمي تاماً أو قريباً من التمام وديوان السيد الشريف المرتضى وعشرات من أسفار العلم والأدب الشاذة سلف ذكر بعضها ثم أنه لم يقف عند جمع الكتب والتقاط آثارها أو أنتساخها بقلمه فعكف على الكتابة في الأدب والتأليف فيه وقد نجز إلى الآن من مؤلفاته كتاب (فصل الخطاب في الكتابة والكاتب والكتاب) مخطوطاً في مجلدين ضخمين وهو كتاب جامع لم يسبق مؤلف إلى إفراغه بهذا القالب البديع وقد استعان على تأليفه بما وفق لجمعه ونسخه من الكتب وبما حدث على عهده أو ما قبله بقليل مما يدخل في موضوع كتابه وقد ملحه بشذرات من الكتب العلمية الحديثة فجاء كتاباً ممتعاً جامعاً لفنون المعاني حافلاً بضروب المقاصد وقد استمالني منه فصل معجب جاء(2/374)
المؤلف فيه على وصف دور الكتب التي وقف عليها أو انتهى إليه وصفها سواء كانت في بلاد العراق بلاده أو في غيرها من البلاد التي جابها في رحلته وقد كان بودنا أن ننقل هذا الفصل عن هذا الكتاب لمكان مناسبته لموضوع المقالة لولا أنّ ضيق نطاق الوقت حال دون ذلك ونحن إذا عنت الفرص فاعلون. ومن مؤلفات هذا الشيخ الكبيرة التي وقف لها حياته كتاب (طبقات الشيعة) على اختلاف الصور وعلى تباين الأحوال فمن طبقات رواتهم ومحدثيهم وحملة أخبارهم إلى طبقات علمائهم وكتابهم وشعرائهم وطبقات ملوكهم ووزرائهم وأمرائهم وقد نجز إلى الآن قسم كبير منه يقع في عدة
مجلدات وهو دائب السعي وراء إتمامه متصل الاجتهاد في سبيل إنجازه وإذا تم كان أكبر خدمة لهذه الطائفة الإسلامية العظيمة الشان التي قلما انصرف رجالها وخصوصاً المتأخرين منهم إلى وجوه التاريخ وتدوين آثار أسلافهم ومعاصريهم انصراف أهل السنة من إخوانهم المتقدمين والمتأخرين وبالجملة أن حياة هذا الرجل حياة جدٍ وعمل متصلين ونعمت الحياة. ومن صرعى الكتب في النجف اليوم الشيخ (محمد علي الخونساري) فأنه مبالغ في اقتناء الكتب وخصوصاً النادر منها وقد جمع عدداً غير يسير منها ومن مخطوطاته قسم كبير في الفلسفة القديمة ومنهم السيد (محمد) اليزدي فأن لديه خزانة كتب خطيرة حوت كثيراً من الأمهات مثل كتاب (غريب أبي عبيدة) مخطوطاً في القرن الخامس على ما أظن وكتاب (المجمل) في اللغة لابن فارس وغيرهما كثير.
ومن عشاق الكتب في العراق وجماعيها السيد (حسن صدر الدين(2/375)
العاملي) العالم المعروف في الكاظمية فقد انشأ له طلبه الحثيث لها خزانة كتب مهمة بينها قسم كبير من الآثار النادرة ككتاب (العين) وكتاب (الجمهرة) لابن دريد فيها وكتاب (طبقات القراء) ولا نعرف لمن هو فقد ألف جماعة من العلماء في هذا الباب وفيها غير ذلك من نفائس المخطوطات والرجل ممن اشتهر بالتأليف وقد نجز إلى الآن على يده كتاب (تأسيس الشيعة) وهو كتاب تاريخي أدبي جم الفائدة بعثت صاحبه الغيرة على الطائفة فألف كتاباً دَل به على سبقها الفرق الإسلامية في التأليف وانبعاثها قبلها إلى تأسيس العلوم والفنون ولا يزال كتابه هذا مخطوطاً ويسعى مؤلفه طبع كتاب (المجازات النبوية) للسيد الراضي في بغداد سنة 1329 وللسيد هذا غير ذلك الكتاب مؤلفات في الموضوعات الدينية والتاريخية ويوجد اليوم في هذه البلاد رجال آخرون من صرعى الكتب لم نذكرهم لضيق المجال
النجف: محمد رضا الشبيبي
طيزناباذ القديمة
1 - تمهيد البحث
تقدم القول عن موقع أطلال طيزناباذ في الزمن الحالي وآراء الباحثين ممن اشتهروا بطول الباع وبعد النظر في المسائل الأثرية فيما كان لهذه المدينة القديمة العهد في القرن الماضي من الآثار الخطيرة المؤيدة لحدودها والناطقة بخطورة شأنها هذا بعد أن أشبعنا تلك الأقاويل حججاً دامغة. وبراهين قاطعة وهل هناك أدلة وإمارات اقطع من تلك الأدلة والإمارات، لأن بعدها(2/376)
عن القادسية، وتوسطها حافة طريق الحجاج من البراهين التي لا تحتمل النقض، هذا فضلا عما رأيناه هناك من الدوارس والأطلال التي أثبتنا وصفها في رسالتنا السابقة، بقي علينا هنا أن نأتي على ما كان في القرون الخالية، والعصور الغابرة من العز والسؤدد وما بلغته من العمران والتقدم ذلك مع الالماع إلى ما قاله شعراء العرب فيها، وتدوين نبذٍ صغيرة من تاريخها المتفرق أيدي سبا في بطون الدفاتر معتمدين في ذلك على اصدق الكتب التاريخية واصح الروايات، وأوثق المصادر وعلى ذلك نقول:
2 - مؤسس طيزناباذ ونبذ من أخباره
لا يختلف اثنان في مؤسس طيزناباذ هو الضيزن بن معاوية بن العبيد السليحي واسم سليح عمر بن طريف بن عمران بن الحاف بن قضاعة - نقلاً عن البلاذري ص 284 - وقيل غير ذلك وقد اختلف في نسبه وهو المعروف عند الجرامقة بالساطرون، وضيزناباذ منسوبة إليه، وهي مركبة من كلمتين الأولى (ضيزن) وهو اسم هذا الأمير والثانية (اباذ) وهي كلمة فارسية معناها (العمارة) أي (عمارة الضيزن) وكانت العرب تتلفظ بها بالضاد، إلا أنه لما غلبت الفارسية ضرتها العربية في هذه الأرجاء وكانت الفارسية خالية من الضاد تكلموا بها بالطاء فاشتهرت بها، وكان الضيزن ملكاً من ملوك العرب المعاصرين لسابور ذي الأكتاف ملك الفرس، وكان ذا هيبة ووقار وسطوة تخشى بأُسه اقيال العرب وملوكها، وكانوا يهادونه ويسالمونه خوفاً من بطشه، وهرباً من سيطرته، وكان قد ملك الجزيرة إلى الشام وأخضعها لسلطانه ومما يشهد على ذلك التاريخ، فأن سابور عدو العرب لما سمع(2/377)
بما وصل إليه ملوكها من العز والسطوة آلى على نفسه أن يذله فسار إلى بلاد الجزيرة حتى وصل الحضر، وكان الضيزن كثير الجنود مهادناً للروم متحيزاً إليهم يغير رجاله على
العراق والسواد، فكانت في نفس سابور عليه فلما نزل الحضر تحصن الضيزن في الحصن فأقام عليه سابور شهراً لا يجد إلى فتحه سبيلاً ولا يتأتى له في دخوله حيلة، فنظرت النضيرة بنت الضيزن يوماً وقد أشرفت على الحصن إلى سابور فهويته وأعجبها جماله وكان من اجمل الناس وأمدهم قامة، فأرسلت إليه إِن أنت ضمنت لي أن تتزوجني وتفضلني على نسائك دللتك على فتح هذا الحصن فضمن لها ذلك، فأرسلت إليه ايتِ الثرثار وهو نهر في أعلاه فانثر فيه تبناً ثم أتبعه فانظر أين يدخل فادخل الرجال منه، فأن ذلك المكان يفضي إلى الحصن ففعل ذلك سابور فلم يشعر أهل الحصن إلا وأصحاب سابور معهم في الحصن، وقد عمدت النضيرة فسقت أباها الخمر حتى أسكرته طمعاً في تزويج سابور إياها وأمر سابور بهدم الحصن بعد أن قتل الضيزن وكان ذلك بين سنة 336 و338 بعد الميلاد، وقد اكثر الشعراء من ذكر الضيزن وحصنه الحضر وخيانة ابنته النضيرة وزوال ملكه في الكتب التي نشير إليها بعيد هذا.
3 - تصحيف الكتاب لاسمها
طيزناباذ بفتح الطاء المهملة وسكون الياء وراءها زاء معجمة مفتوحة يليها نون وبعدها ألف ثم باء يليها ألف ثم ذال معجمة كذا ضبطها ابن خرداذبه والطبري وابن الأثير وقد صحفها غيرهم تصحيفاً مشيناً، وضبطوها بكسر الطاء كما نبه عليه ياقوت، والأفصح الفتح تقريباً للاسم من اصله المفتوح الأول(2/378)
على رواية جميع اللغويين؛ ولعل النساخ هم الذين صحفوها لأنها كلمة أعجمية وقد صح ما قيل فيهم - الناسخ ماسخ - فقد وردت في كتاب البلاذري صفحة 255 و274 وغيرها من الطبعة الإفرنجية بكسر الطاء والأصح بالفتح وجاءت في الأغاني 9 - 93 و2 - 133 باسم طيرناباذ؛ وجاءت مصحفة في بعض نسخ البلاذري بصورة طبرناباذ بالباء الموحدة في الأول، وجاءت في تاريخ ابن دحلان 1 - 73 (طبع مصر) باسم طرناباذ؛ وإذا أردنا أن نتتبع كل التصحيفات التي وردت في هذا الصدد يطول بنا الكلام ولهذا نجتزئ بما ذكرناه.
4 - ذكرها في مؤلفات العرب
لم تكن طيزناباذ مدينة خاملة الذكر بل كانت مدينة شهيرة عريقة في القدم، والذي أذاع
صيتها فطبق الخافقين طيب هوائها؛ وحسن مناخها؛ وجودة شرابها حتى أنه كان يوصف كالقطربلي؛ ولهذا كانت ملوك الفرس الأقدمين، وأمراء المسلمين من بعدهم يتخذونها دار نزهة أو مصيفاً يقضون فيها أيام الفراغ في اللهو واللعب والتمتع بالملذات، وكانت في الزمن الخالي ذات أشجار فنواء؛ ونخيل حسناء؛ ورياض غناء، وجنائن فيحاء، تخرقها الأنهار من كل البقاع تحمل إليها من الفرات؛ وقد ورد ذكرها في أشعار العرب ودواوينهم؛ فوصفوها وصفاً دقيقاً؛ وكانت آثارها قد عفت منذ عهد ياقوت الحموي إذ يقول في معجمه: وهي الآن خراب لم يبق بها إلا اثر قباب يسمونها (قباب أبي نواس) واليها أشار في قوله:
قالوا تنسك بعد الحج قلت لهم ... أرجو الإله وأخشى طيزناباذا(2/379)
أخشى قُضيب كرم أن ينازعني ... رأس الخطام إذا أسرعت اغذاذا
فإن سلمت وما نفسي على تقة ... من السلامة لم اسلم ببغذاذا
ما ابعد الرشد ممن قد تضمنه ... قطر بل فقري بِنا فكلواذا
هذا وقد ورد ذكرها في عدة مؤلفات من أسفار العرب من ذلك في معجم ياقوت 79: 3 من طبع مصر أو 569: 3 من طبع الإفرنج؛ وفي مراصد الاطلاع انظر مادة (طيزناباذ) والبلاذري في صفحة 255 و274 و284 من الطبعة الإفرنجية؛ وتاريخ الطبري 2264: 1 و2855 و718: 2 من الطبع الإفرنجي؛ والأغاني 93: 9 و133: 2 من الطبعة المصرية والكامل لابن الأثير 357: 1 من طبع الإفرنج و178: 2 من طبع مصر؛ وابن خرداذبة في ص 11 وابن الفقيه ص 183 وكلاهما من طبع الإفرنج.
5 - تاريخ وقائعها وسقوطها
لم تقع على تاريخ بناء هذه المدينة ولكن يمكننا أن نقول أن التواريخ أثبتت أن سابور ذا الأكتاف قتل الضيزن ما بين سنة 336 و328 بعد الميلاد، فإذا فرضنا أنها تأسست قبل هذه الحادثة بأقل من نصف قرن فتكون. قد بنيت قبل ستة عشر قرناً، وكانت طيزناباذ في ذلك العهد إحدى المدن الفخيمة الجليلة القدر وما زالت كذلك حتى الفتح الإسلامي؛ وكان الفرس قد عرفوا حسن موقعها الحربي والسياسي ولهذا اتخذها رستم قائد الفرس الكبير في حرب القادسية مباءة لعسكره؛ ولما اندحر الفرس في تلك الحرب؛ وتشتت شملهم وسقطت بأيدي المسلمين سنة 15هـ - 636م مع ما سقط من مدن الفرس وحواضرهم أخذت منذ ذلك
الحين تسير نحو التأخر؛ وفي زمان خلافة عثمان(2/380)
بن عفان اقطعت الأشعث بن قيس الكندي؛ وكان لمحمد بن الأشعث فيها قصر فخيم على عهد الدولة الأموية؛ وبقيت كذلك وهي تقارع الدهر والدهر يقارعها؛ تارة تغلبه؛ وأخرى يغلبها؛ حتى أدركت في أواخر عمرها أوائل الدولة العباسية؛ فتوالت عليها المصائب في أواسط الدولة العباسية وما زالت في نزاع واحتضار حتى فاضت نفسها وأصبحت أثراً بعد عين في القرن الرابع للهجرة؛ فبعثت يد الزمان برسومها ولم يبق منها اليوم إلا تلك الأطلال الدارسة؛ والآثار الطامسة التي أشرنا إليها في النبذة السابقة؛ ومع ذلك فإن تلك الأنقاض تنطق بما كان لها في العهد العهيد من الشان الخطير والعمران الذي ليس له نظير، وربك
على كل شيء قدير.
إبراهيم حلمي
أبو الفتوح الشيخ إبراهيم السويدي
-
هو أبو الفتوح إبراهيم بن الشيخ عبد الله السويدي أخو الشيخ المتقدم ذكره ولد في بغداد سنة 1146هـ - 1733م واخذ العلم عن والده وعن الشيخ فصيح الهندي وغيره قال عثمان أفندي العمري في كتابه الروض النضر ما نصه: (. . هو ذو الأدب الجسيم والكمال الرائق الذي يهزأ بالنسيم. . . نارت به نجوم الفضائل وشموسها ودانت لمعاليه أرواحها ونفوسها. . . فمما أثبتت له الأيام قوله هذين البيتين وقد أرسلهما إلي على ظهر كتاب).
ذا شريف بلثم أقدام من قد ... فاق الأقران بالتقى عثمانا
فهو كالجلد بالتفرد نذل ... وشريف إن صاحب القرآنا(2/381)
وسافر إلى بلاد الهند وجعلها دار أقامته إلى أن توفي فيها وله من الكتب كتاب البدائع في الأدب ورسائل في الحديث.
5 - أخوه أبو المحامد الشيخ احمد السويدي
-
هو أبو المحامد احمد بن عبد الله السويدي ولد في بغداد سنة 1153هـ - 1740م واخذ العلم عن والده والشيخ فصيح الهندي والشيخ عبد الله الهيتي والشيخ محمود الكردي وغيرهم. كان كثير الحياء سالكاً طريق السلف رادعاً لأهل البدع والرياء له من الكتب كتاب الصاعقة المحرقة في الرد على أهل الزندقة وشرح بانت سعاد وحاشية على شرح الأزهرية ورسالة لطيفة في علم التصوف وله شعر ونثر فمن شعره في وصف أيام الربيع.
هذا الحمى برجاله ونسائه ... وربيعه وعبيره وسنائه
قم فاجتلِ زهر السرور بروضه ... وأفض علينا الراح بين فضائه
فالدهر يرفل في مروط زبرجد ... والغيم مد عليه فضل ردائه
والطل يقطر في الرياض دموعه ... والروض يضحك في خلال بكائه
ومنه قوله الليل والكواكب من قصيدة يمدح بها النبي (صلى الله عليه وسلم)
لقد جد وجدي يا سعاد فاسعدي ... وطالت عهودي بالوصال فجددي
فللله كم من ليلة نابغية ... بها بت ذا سهد بليلة انقد
كأَن نجوم الأفق سمط وبعضه ... نضيد ومنه البعض غير منضد
كان ضياء البدر عند مغيبه ... على الأرض سحق من قراضة عسجد
كان الدجى مذجن واسود جنحه ... على ساحة الغبراء عثير أثمد(2/382)
كان مبادي الصبح والليل حالك ... بشارة عيسى للأنام بأحمد
وقد توفي في بغداد سنة 1210هـ - 1795م ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي.
6 - أبو المعالي الشيخ علي السويدي
-
هو أبو المعالي علي بن محمد سعيد بن عبد الله السويدي كان اعلم أهل زمانه بالحديث وسائر العلوم وكان يحفظ عشرين ألف حديث من كتب الصحاح الستة وكان خطيباً مصقعاً قال الشهاب الالوسي في (غرائب الاغتراب) (والمجموعة الوسطى) (. . . كان الشيخ المشار إليه. . . لأهل السنة برهاناً وللعلماء المحدثين سلطاناً ما رأَيت اكثر منه حفظاً ولا أعذب منه لفظاً ولا احسن منه وعظاً ولا افصح منه لساناً ولا أوضح منه بياناً. . . ولا أكبر منه بمعرفة الرجال علماً. . . ولقد مضت لي معه أيام كرعت فيها من حميا مجالسه أهنا مدام. . . وقد كان في مبدأ طلبي وأوان صلاحيتي لمجالسة أمثاله. . . قاطناً في دمشق الشام. . . وكانت تفد أخباره على مسامعي حتى لقيته. . . وقرأُت عليه نخبة شرح الفكر في مصطلح أهل الأثر. . . ونال مزيد القرب عند الوزير سليمان باشا الصغير حتى انه لم يصدر إلاَّ عن رأُيه ويرى إرشاد غيره عين غيه فلم يتغير عن أخلاقه الحسان وحسن معاملته للعوام والأقران. . . ثم انه لم يبق إلاَّ القليل حتى عزم على الرحيل وقصد الرجوع إلى الشام. . . فلم تمض مدة حتى قطفت يد الأجل نواره وأطفأت ريح المنية أنواره فتوفي ليلة الخميس 27 رجب سنة 1237هـ - 1821م. .(2/383)
ثم غسل وكفن وبقي إلى الصباح فصلي عليه ودفن في سفح جبل قاسيون. . . اهـ
قد رثاه جماعة من فضلاء زمانه منهم ابن عمه الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ احمد وقد أرخ وفاته بقوله منها:
مذ وسد اللحد نادانا مؤرخه ... أن المدارس تبكي عند فقد علي
ومنهم الشيخ علي الأمين رثاه بقصيدة رنانة عدد أبياتها 41 بيتاً والشيخ علي المكي بقصيدة عدد أبياتها 29 بيتاً وغيرهم وقد اخذ العلم عن والده وعن عمه الشيخ عبد الرحمن وعليه تخرج وله من الكتب العقد الثمين في العقائد وقد طبع في مصر سنة 1325هـ وذخر المعاد في معارضة بانت سعاد تخميس قصيدة البوصيري مطلعها (يا غافلاً عزه وعد وتسويل) وشرح المناوي الصغير ورسالة في الحضاب ورسالة لطيفة في شرح قول بعض الآجلة
(طه النبي تكونت من نوره ... كل البرية ثم لو ترك القطا)
وله نظم رقيق ونثر بليغ فمن شعره وقوله في وصف أهل زمانه.
يا نفس كم لا تعبئين بحال ... هلا اتعظت بفرقة الأمثال
هذا الشباب تصرمت أيامه ... واتى المشيب يميل للترحال
ذهب الزمان بأهله وتخلفت ... إخلاف سوء عادمو أفضال
بئس الخلائف هم ولا ذكرى لهم ... أشباح أهواء ومحض خيال
أخلاقهم نقض العهود ودأُبهم ... خلف الوعود وزخرف الأقوال
لا يعرفون وداد من صافاهم ... ويرون ذلك شعبةً لضلال(2/384)
وأما نثره فقد قال فيه الشهاب الالوسي في (المجموعة الوسطى) ما نصه (. . . فهو مما تتمنى النجوم أن تنظم في سلكه ولكن لم يحفظ منه إلا القليل منها مقامة بليغة أنشأها في تحكيم العقل بينه وبين نفسه مقدار نصف كراسة. . .) وقد أعقب أربعة أولاد وهم الشيخ محمد أمين والملا صالح وإسماعيل ومحمود ولم نعثر على تاريخ ولادته رحمه الله رحمة الأبرار
كاظم الدجيلي
بلد البوعينين
-
جاء في الجزء السابع من مجلة لغة العرب (320: 2) ذكر بلد البوعينين من الديار التي فيها غواصون. فسألني غير واحد عن السبب الذي سميت بهذا الاسم والى من تنسب ومن هو هذا البوعينين ولماذا سمي بهذا الاسم. فكتبت هذه الأسطر لطب الأدباء المذكورين فأقول:
سميت بلدة البوعينين بهذا الاسم لأن أول من احتل تلك الأرض رجل من العرب كان يعرف بالبوعينين. وكان ذا شدة وبأس وصولة ومراس كان يطوي بساط أيامه في نحو سنة 1200هـ - 1785م. وكان هذا الرجل على ما نقل من الأخبار أعمى. وقد قيل في سبب عماه أخبار مختلفة ترجع إلى ثلاثة وهي ذهب بعضهم إلى انهم سمي بذلك لكونه ولد اكمه أي ولد أعمى العينين. وقال آخرون كان له عينان أخريان فوق العينين الطبيعيتين لكنه ما كان يبصر بهما. والإشارة في قولهم البوعينين أي ذي عينين هي إلى هاتين الباصرتين الزائدتين. وهذا ليس ببعيد فقد ذكر التاريخ مثل هذه الصورة الشاذة. والرأي الثالث وهو الأصح الأقرب إلى الصواب وهو المشهور كل الشهرة على الألسنة هو أن الرجل المذكور ولد بصيراً لكن سملهما أي فقأهما بحديدة محماة أحد أمراء العرب نكاية وتنكيلاً به، أو تعذيباً وانتقاماً. وذلك بعد أن قتل أبويه وإخوانه(2/385)
فاستحياه لهذه الغاية القاسية الظالمة.
ثم دالت الأيام فتقهقرت تلك الأمارة العربية فأصبح تابعوها أشبه بملوك الطوائف. ولكل أمير ملك لا يتجاوز ما يجاوره من الأرضين. أما رؤساء العشائر والقبائل وما هم من قبيلهم فأنهم كانوا كالفوضى إلى أن ظهرت أمارة محمد بن الرشيد في السنين الأخيرة وحينئذ تغيرت البلاد. وإن كان حكم هذا الأمير لم يعم الجزيرة كلها كما سنذكره في غير هذا الموطن إن ساعدت الفرص.
وبعد أن تقلص ظل سطوة تلك الأمارة أصبح البوعينين كبيراً في قومه نافذ الكلمة موفقاً في أعماله وسياسته أما عشيرته فكانت فخذاً من أفخاذ قبائل العجمان التي تقطن في قطر. وقد جرت في أيامه محاربات جمة شديدة توفق فيها وحاز النصر على العشائر الأخرى
التي كانت تناوئه. ومنذ ذاك الحين أصبح بعيد الأمر والنهي نافذ الكلمة وكان له سفن يغزو بها في خليج فارس. ويتعرض دائماً للسفن التجارية فكان كأنه هو وأصحابه من القوم المعروفين بالقرصان أي غزاة البحر. وفضلاً عن ذلك كان لعشيرته من الصولة في البر ما لا مثيل لها في تلك الأنحاء.
واتفق له ذات مرة أنه بينما كان يغزو في سفينته وهو في الخليج إذ أحاط به العدو إحاطة السوار بالمعصم ولم يتمكن من الفرار لخلو ريح موافقة تسير سفينته فلما رأى عدوه على قاب قوسين منه وأن لا مناص من الهلاك وأنه واقع في قبضة العدو لا محالة عمد إلى الذخيرة فأطلق عليها النار وكانت المؤونة في السفينة التي كان فيها فاندلع لسان اللهب إلى السفينة كلها واحرقها واحرق جميع السفن التي كانت وما عتمت أن أصبحت بعد هنيهة رماداً تذره الريح أو فحماً طاف على وجه الماء. ولم ينل عدوه منه مأرباً.
كانت هذه النكبة من اشد النكبات على هذه العشيرة فأفقرتها فاضطرت إلى أن تقيم في قطر وتتعيش كما تتعيش سائر العشائر أي بالكد والكدح إلى أن نجمت أمارة (آل ثاني) في قطر فخضعت تلك العشيرة المرزوءة للشيخ قاسم بن ثاني أمير قطر الحالي. وكان عددها قليلاً لا يزيد على 400 رجل على الأكثر.(2/386)
ولما قتل الشيخ احمد بن ثاني سنة 1323هـ - 1905م في أثناء القنص وكان سبب قتله ظنه في الأسرة نفسها وكان الشيخ القتيل يستوفي هو بذاته زكاة العشيرة إذ كانت من جملة العشائر الخاضعة له لم تحد عن خضوعها للشيخ الذي وليه بل ثبتت منقادة له بينما كانت تستطيع أن تفلت من أيديه. إلا أنه وقع في سنة 1328 حادث أوجب الشيخ أن يؤدب العشيرة (هكذا روى الخبر) فكان من نتيجة ذلك أن أمر بزيادة الزكاة أو الرسوم المضروبة هناك. فضجرت العشيرة من تلك المعاملة وظعنت إلى (الجبيل) (بالتصغير) وهي جزيرة أو شبه جزيرة قريبة من قطر لا تبعد كثيراً عن البحرين وهي على بعد بضع ساعات من كلا البلدين. وقد آلو على أنفسهم أن يعتمدوا عليها وينشئوا بين ظهرانيهم أمارة يقلدون أمرها أميراً يدبرهم ويكون سيدهم ويجعلون بيديه الحل والربط ففعلوا. ثم اخذوا يعنون بشؤون المعيشة بحيث أنهم يستغنون عمن ليس من قومهم فجمعوا أموالهم وسفنهم والتف بعضهم على بعض وتكاتفوا كل التكاتف فكان مجموع سفنهم في عام أول مائة.
ولا يخفى أن في السنة الماضية قد عالج الغياصة من لم يزاولها إلى ذلك العهد. فانهال عليها العرب من كل حدب وصوب أي من الاحساء ونجد والعارض والقصيم. فضلا عن الزبير والبصرة فإن غاصتها زادوا عدداً عن السنين السابقة حتى أن من ينعم النظر في عدد الغواص وعدد سفنهم لا يصدق بما يقال. على أن الحقيقة هي كما تسمع بها هذا ما اعرفه عن بلدة البوعينين وعن منشئها وأخبارها وعن مبدأ أمر القبيلة وعسى أني لم أخطئ في ما ذكرته والله اعلم.
سليمان الدخيل صاحب جريدة الرياض
الضرب على النحاس في أبان الخسوف
الضرب على الطاسات عادة قديمة في العراق ولا سيما في ديار فارس. وقد(2/387)
أنكر بعض كتاب مجلة لغة العرب نسبة هذه العادة إلى حادث تاريخي فجئت بهذه الأسطر أؤيد ما كتبته سابقاً في هذا المعنى (311: 2) نقلاً عن الكتبة الأقدمين وهو ما أشرت إليه بوجه الأجمال هناك فأقول:
ذكر المولى محمد المحبي صاحب خلاصة الأثر، في أعيان القرن الحادي عشر، في الجزء الثالث من تصنيفه في ترجمة ابن الصغير عمر بن محمد ما انشد إليه البديعي قوله:. . .
دقوا بطاساتهم لما رأوه بدا ... توهما أن بدر التم قد كفا
قال: وهو معنى حسن تصرف فيه واصله ما اشتهر في بلاد العجم أن القمر إذا خسف يضربون على الطاسات وباقي النحاس حتى يرتفع الصوت زاعمين بذلك أنه يكون سبباً لجلاء الخسوف وظهور الضوء هكذا قاله بعض الأدباء والذي يعول عليه في اصله أن هلاكو لما قبض على النصير الطوسي وأمر بقتله لأخباره ببعض المغيبات قال له النصير: في الليلة الفلانية، في الوقت الفلاني، يخسف القمر. فقال هلاكو: احبسوه إن صدق أطلقناه واحسنا إليه وإن كذب قتلناه فحبس إلى الليلة المذكورة. فخسف القمر خسوفا بالغاً. وأتفق أن هلاكو غلب عليه السكر تلك الليلة فنام ولم يجسر أحد على إيقاظه. فقيل للنصير ذلك. فقال: إن لم ير القمر بعينيه أصبح مقتولاً لا محالة وفكر ساعة ثم قال للمغول: دقوا على الطاسات وإلا يذهب قمركم إلى القيامة فشرع كل واحد يدق على طاسه فعظمت الغوغاء فانتبه هلاكو بهذه الحيلة ورأى القمر قد خسف فصدقه وبقي ذلك إلى يومنا هذا. المراد من إيراده وهناك ذكر شاهد آخر يؤيد هذا الخبر لا محل لإيراده هنا.
وفي روضة الصفا التاريخ الفارسي في ذكر فتح هلاكو بغداد ما يقرب من هذه الحكاية.
قلنا: وأنت تعلم أن نصير الدين الطوسي توفي في مراغة سنة 675هـ - 1276م وتوفي هولاكو سنة 664هـ - 1265م فتكون العادة إذاً قديمة.
وفي ديوان أبي بكر العمري ذكر خبر يؤيد وجود مثل هذه العادة في دمشق الشام وقد ارتجل أحدهم أبياتاً منها هذا البيت:(2/388)
عادة البدر يتجلى ليلة الخس ... ف بدق النحاس دفاً عنيفا
وفي كتابات الثعالبي ص 28 من طبع مطبعة السعادة إشارة إلى تلك أيضاً. ومثل ذلك في كتاب حاضر المصريين أو سر تأخرهم في حاشية ص 218 ولو استقرينا كلما جاء في هذا المعنى لقام بين يدينا كتاب قائم برأسه. وكفى بما ذكرناه شهيداً على ما أردناه.
النجف: عرقي
الكوفيّة
أو الكفية وأنواعها واستعمالها
مر الكلام عن أن العرقجين (العرقية) يوضع تحت الفينة (الطربوش) أو تحت الكفية (الكوفية) وقد ذكرنا كلا من العرقية والطربوش بقي علينا الكلام عن الكوفية فنقول:
أهل العراق لا يعرفون الكوفية إلا بالكفية بدون واوٍ بضم الكاف وتشديد الفاء المكسورة والياء المشددة المفتوحة وهاء في الآخر. وهي لفظة منسوبة إلى الكفة لا إلى الكوفة. والكفة عندهم كل ما استطال ويقولون أيضاً كف الثوب كفاً: إذا تركه بلا هدب. وكلا هذين المعنيين فصيح معروف. ومعلوم أن أهل البادية يلفظون الكاف جيماً مثلثة فارسية فيقولون فيها الجفية.
واللفظة الفصيحة المشهورة هي الكوفية بواوٍ. قال صاحب التاج: الكوفية: (ما يلبس على الرأس سميت لاستدارتها) ولم يزد على هذا القدر. وقد ذهب آخرون إلى أن الكوفية مشتقة من الكوفة. ونسبت إليها لأن سكان هذه المدينة كانوا يلبسونها منذ الأزمان القديمة فنسبت إلى بلدتهم. ولعل الأصح أنها رومية الأصل (أي لاتينية مولدة أو -) لأن الاروام هم أول من ادخلها ديار الشام ومنها انتشرت في سائر ربوع العرب. وهي بلسانهم: أو وقد اشتقوها من كوفة أو كفة أي القدح أو الصحفة أو القصعة وكل منها لا يكون إلا مستديراً وقد وردت هذه الكلمة بهذا المعنى على قلم فرننانس الأسقف المتوفى سنة 600 للمسيح أي المتوفى باثنتين وعشرين سنة قبل ظهور الإسلام.(2/389)
وصاحب التاج لم يصفها لشهرتها بين العرب. ودونك وصفها: كفة مربعة أو تكاد، تطوي على نفسها فيخالف بين زواياها معطوفة إحداها على الأخرى كما يفعل في الوشاح وتلبس فوق الرأس بأن تلقى عليه فيجعل طرفها السائب على الظهر ويقع طرفاها الآخران على الصفحتين اليمنى واليسرى يفعلون ذلك ليتقوا الشمس أو طوارئ الجو وتثبت بواسطة رباط متين كالحبل يعرف عندهم بالعقال. وقد تكون الكوفية من خام أو حرير أو قز أو من نحوها وهي إذا طويت على نفسها يحصل من شكلها مثلث. وإذا كانت من الخام الأبيض سماها أهل بادية العراق (بالحلالية) وبالقزية (أو الجزية محرف القزية) إن كانت من
ابريسم والنجديون يعرفون الكوفية باسم (المحرمة) إذا كانت غير بيضاء وإلا فهي (الغترة) (بكسر الأول)
وحضريو بغداد ولا سيما نصاراها يريدون بالكوفية المشوش أي المنديل الذي يتمسح به أو يمخط فيه. وذلك لأن الأعراب يمتشون بأحد طرفيها. ولأن أهل المدن استعملوا تلك الكوفية نفسها للمش لا لستر الرأس إذ يستعملون بدلها العمامة. فبقي اسم الشيء عليه وإن تحول استعماله لأمر آخر لأن التسمية هنا واقعة على المادة لا على سواها. كما أن أهل الشام يريدون بالمحرمة ما يريده البغداديون بالكوفية للسبب المذكور.
وأما أهل تونس وما يجاورها فيريدون بالكوفية ضرباً من الكلوتة أو العرقية تكون مطرزة: وتجمع الكوفية على كوافي (بتشديد الياء) والعراقيون يقولون كفافي ويقال فيهما كوفيات وكفيات أيضاً وكلاهما مقبول مأنوس.
وقد ذكرت لفظة كوفية في كتاب ألف ليلة وليلة في عدة مواطن. وكانت النساء يومئذ يلبسنها. من ذلك قول المؤلف: خلعت بعض ثيابها وقعدت في قميص رفيع وكوفية حرير. وقوله: كوفيه بألف دينار. وقوله: على رأسها كوفية دق المطرقة مكللة بالفصوص المثمنة. وقوله: فوق رأسها كوفية مطرزة بالذهب مرصعة بالجواهر.(2/390)
وممن ذكر الكوفية النويري في تاريخ مصر وكان السلاطين المماليك يتخذونها وقد وردت في جميع كتب السواح الإفرنج الذين جابوا ديار العرب والعراق وبعض ربوع الشام منذ ثلاثة قرون فما دون لكنها لم ترد بهذا اللفظ في كتب العرب الأقدمين. والظاهر انهم كانوا يستغنون عن هذا الاسم بآخر كالعمامة والعمار والعميرة والعصابة ونحوها لأن الكوفية من لوازم العميرة.
وأما الحلالية فأنها مضافة إلى الحلال. كان لونها الأبيض ومادتها المتخذة منها وهي القطن تحل لأن تكون عمرة لجميع الناس بخلاف ما لو كانت من حرير أو لونها أخضر أو أزرق فأنها لا تحل إلا لبعض طبقات الناس.
وأما الغترة بكسر وسكون فان اصلها الغثراء على ما نظن. والغثراء ما كثر زئبره من الأكسية والقطائف ونحوها. ولما كانت الكوفية تتخذ عندهم من الأنسجة الكثيرة الزئبر سميت باسمها.
وقد تختلف ألوان الكوافي باختلاف لون الثوب الأصلي. ولهذا لا ينظر إلى اللون وهي تكون في الغالب حمراء أو زرقاء أو رمداء أو أن تكون رقعة الثوب بيضاء وما عليها من النقوش زرقاء أو حمراء. ويكون في أطرافها أهداب طوية يعقدها البعض عقداً مختلفة الشكل أو يحبكونها حبكاً على أوضاع غريبة والأكابر يتخذون الكوفيات من الابريسم أو الحرير الذي يدخله القصب أو الكلبدون تدلى أطرافها من جانبي الرأس لتلقى على الفم أيام البرد القارس أو العواصف(2/391)
الكثيرة الغبار التي تكثر في العراق لتمنع البرد أو دخول الغبار الفم. . ولهذا سماها العراقيون الكفية من الكف وهو المنع أو من الكفة بضم كما قلنا في أول هذا المقال.
ومن الغريب أن لفظة الكوفية تكاد تكون في جميع اللغات بلفظ واحد وبمعنى مقارب للمعنى العربي فقد ذكرنا اسمها عند الروم. وأما الإيطاليون فيعرفونها باسم وهو بالأسبانية وبالفرنسوية وبالبرتوغالية قال دوزي المستشرق الشهير: أظن أن الشرقيين اخذوا هذه الكلمة من الإيطاليين لأنه كان لهم في القرون المتوسطة تجارة كبيرة في موانئ مصر والشام وكانوا ينقلون الصليبين من ديارهم إلى ربوع الشرق والظاهر أن الكلمة التركية (اسقوفية) مأخوذة من الأصل الإفرنجي المذكور لأن الرحالة كوتوفيك يقول في كلامه عن البنات اليهوديات في الشرق ما معناه: (ويضعن على رؤوسهن اسقوفية من فضة أو من نحاس مذهب بمنزلة حلية وتتخذها أيضاً الكبيرات سناً منهن بعد أن يكن قد عقصن شعورهن بمهارة ولباقة.)
والبائن أن قدماء العرب كانوا يتخذون العمامة فوق الكوفية ولا سيما أهل المدن منهم. وكانوا يسمونها باسم واحد وهو العمامة كما ألمعنا إليه فويق هذا. وقد أشار إلى بعض ذلك الأديب الإنكليزي والمستشرق الكبير (لين في تعليقاته على كتاب ألف ليلة وليلة، قال: يلبس أهل المدن الكوفية وفوقها العمامة، وأظن انه مصيب في قوله هذا. لأن الرجل المذكور من العلماء الذين يشار إليهم بالبنان ومن المتبحرين في اللغة العربية وآدابها ومعرفة الناطقين بها وأحوالهم وأمور معاشهم. فإذا عرفنا ذلك هان علينا فهم كثير من عوائدهم التي لا تتضح إلا بعد الوقوف على هذا النوع من العمرة.
وكثيراً ما كانوا يتلثمون بفضلة الكوفية لكي لا يظهروا أنفسهم لأعدائهم فيخفون وجههم كله
أو بعضه حسبما يعن لهم أو يشاءون. ولهم أوضاع واصطلاحات في ذلك منها: (الاعتجار) قال صاحب تهذيب الألفاظ: كانت الفرسان في الجاهلية عند اجتماع الناس بعكاظ في وقت الحج يعتجرون (أي يلفون عمامتهم دون(2/392)
التلحي) لئلا يعرف من قد أصاب من الدماء. فأتى (طريف بن تميم العنبري) سوق عكاظ فرأى قوماً ينظرون بوجهه وكان من مقدمي الفرسان فحسر اللثام وقال أبياتاً منها هذه:
أو كلما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إلى عريفهم يتوسم
فتعرفوني أنني أنا ذلكم ... شاكٍ سلاحي في الحوادث معلم
تحتي الأغر وفوق جلدي نثرة ... زغف ترد السيف وهو مثلم
حولي أسيد والهجيم ومازن ... وإذا حللت فحول بيتي خضم
ولكل بكري لدي عداوة ... وأبو ربيعة شانئ ومحلم
ومن ذلك: (اللثام) قال اللغويون هو رد الرجل عمامته على انفه ومنه (التلفم) قال أبو زيد: تلفمت تلفماً إذا أخذت عمامة فجعلتها على فيك شبه النقاب ولم تبلغ بها أرنبة الأنف ولا مارته. قال: وبنو تميم تقول في هذا المعنى تلثمت تلثماً. قال: فإذا انتهى إلى الأنف فغشيه أو بعضه فهو (النقاب) ومنه (التلحي) قالوا تلحى الرجل: طوق العمامة تحت الحنك. ومنه الحديث: نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحي. (والاقتعاط) أن يتعمم الرجل ولا يدير تحت الحنك. ومنه أيضاً (الزوقلة) قال ابن سيدة: زوقل عمامته إذا أرخى طرفيها من ناحيتي رأسه. وقال ابن دريد: فإذا لاثها على رأسه ولم يسدلها على ظهره ولم يرددها تحت حنكه فهي (القفدآء).
وأوضاعهم في هذا المعنى كثيرة اجتزأنا بما ذكرنا من باب التمثيل لا غير وبهذا القدر كفاية للقنوع.
أدوات السفينة
1 - (الاتيمة) مصحفة عن تصغير اتمة وزان أكمة. هي حلقة بين الفنة والكلب مربوط بها حبل قصير بهيئة حلقة أخرى.(2/393)
2 - (الانجر أو الانقر والهوجل): ويجمع عندهم على اناجر، واناقر؛ حديدة طويلة في طرفها الأعلى عروة أو حلقة. تتفرع من طرفها الأسفل خمسة فروع ثم يعقف كل فرع منها إلى الأعلى كالقوس. قال الخليل في كتاب العين في باب الجيم والراء والنون: (الانجر مرساة السفينة اسم عراقي حتى يقال للثقيل اثقل من انجر. وهو أن يأخذ خشبات فيخالف بين رؤوسها ويشد أواسطها في موضع واحد ثم يفرغ بينها الرصاص المذاب فتصير كأنها صخرة ورؤوس الخشب ناتئة يشد بها الحبال ترسل في الماء فإذا رست السفينة فأقامت. وذكر نحوه ابن سيدة في المخصص وقال الثعالبي في فقه اللغة ص 193: (. . . الهوجل الحجر الذي يثقل به الزورق والمركب وهو الانجر) والكلمة دخيلة من اليونانية والانجر فارسية.
3 - (أبكار أو بكرات): جمع بكرة وهي عشر بكرات أربع منها في العمارين وتضاف إليها واثنتان تسميان (قوفيات) ومحلهما في حبل المجذب من الأسفل واثنتان يقال لهما (أوائل) ومحلهما في أعلى الدقل والتاسعة تكون في حبل الدامن وتسمى (بكرة جراي) بفتح الجيم وتشديد الراء وذلك إذا خالف الهواء السفينة في السير والعاشرة (بكرة لرويسي).
4 - (البنيجة): نصف الشراع الأسفل من العمود (أي الكبير) تفصله سفيفة فيها حبال قصار طول الشبر تلف طرف الشراع الأعلى عند عدم الحاجة إليه فإن احتيج إليه بسط وتسمى تلك الحبال القصار (دروراً) واحدها (در) بضم الدال وتشديد الراء.
5 - (البيابي) جمع البيب بالباء الفارسية والياء ثم الباء الفارسية أيضاً وهو البرميل ومحلها في باطن العرشة يوضع فيها الطحين والتمن وما أشبه.
6 - (البيوار) وهو واحد (العمارين) ومحله في صدر السفينة وإذا كان في جنبها سمي (عمرانيا) وهو مشتق من بار الشيء يبور بمعنى زاد(2/394)
عن الحاجة.
7 - (التركيت) وهو أصغر الشرع. ومقداره 80 ذراعاً.
8 - (التسلومة) هي إحدى الحلقتين تكون الواحدة منهما في الميل من المؤخر والأخرى في قائم السكان يشد بهما حبل ليمسك السكان كي لا يزول عن محله.
9 - (التورية): وزان حورية: تجمع عندهم على (تواري وتوريات) وهي سفيفة تشد بطرف (الشاروفة): يضعها الملاح في كتفه عند جره إياها.
10 - (الجوش): بضم فسكون: حبل يشد بطرف (الفرمل) الأسفل ويربط في صدر السفينة طوله نحو مترٍ
11 - (حزام الشيال): هو حبل يشد به الدقل بالعبد.
12 - (الخذعة): وزان برمة: هي الريعة يطلق عليها هذا الاسم أهل السفن التي تسير في دجلة وقد فاتنا أن نذكرها في محلها.
13 - (الخطرة): وزان نملة خشبة يقاس بها عمق الماء وهي المسبار وصاحبها (خطرجي) بمعنى خطار بتشديد الطاء.
14 - (خمارى): هو حبل يرفع به طرف الشراع الأسفل عند نشر الشراع لكي يرى صدر السفينة الناخذاة فيوجهها لوجهها.
15 - (الدامن): وزان حاتم: هو طرف الشراع الأسفل يشد به حبل يسمى أيضاً (دامناً) ويكون محل ماسكه في مؤخر السفينة يطيله ماسكه ويقصره بحسب شدة الريح ورخائها.
16 - (الدراب) وزان شداد: لوحة يبلغ عرضها نحو 30 سنتيمتراً(2/395)
توضع على طول السفينة من الجانبين إذا شحنت ويخشى عليها طفح الماء والغرق عند اضطراب الأمواج. والدراب يوضع للمهيلة والبلم وما شاكلهما ولا يوضع للسفينة.
17 - (الدركة): وزانة نملة: وتجمع عندهم على (دركات) أو (ادراك) هي حبال كالعرى في جنبي السفينة وهي مأخوذة من دركة الوتر قال الخليل في كتاب العين في باب الكاف والدال مع الراء: (. . . والدركة حلقة الوتر تقع في الفرضة وهي أيضاً حلقة يوصل بها وتر القوس العربية.) وهي في السفينة ما يوصل به حبل العمراني.
18 - : (الدقل) (أو الشيال): وزان شداد اسمان لمسمى واحد وهو الخشبة القائمة في وسط السفينة والدقل كلمة ارمية الأصل استعملها العرب منذ عهد الجاهلية فهي عربية فصيحة وفصيحها بفتح الدال المهملة قال ابن سيدة: (الدقل خشبة طويلة تشد في وسط السفينة يمد
عليها الشراع وقد اختلف في جمعه فمنهم من جمعه على (ادقال): قال أبو الحسن: ادقال جمع دوقل وإنما يكون ادقال جمع دقل على توهم طرح الملحق وطرح الملحق لا يسوغ لأنه بازاء الأصل وأحر بهذا الجمع بان يكون الدقل لغة في الدوقل فأماتوه وأحيوا جمعه.) اهـ وقال في القاموس: (الدقل سهم السفينة كالدوقل). اهـ
19 - (الدقة) خشبة ملساء عرضها نحو 40 سنتيمتراً وطولها قراب 50 سنتيمتراً تكون تحت الخرز فهي تفصل بين الخرز وخشبة الدقل تتخذ لكي لا يصعب على الملاحين رفع الفرمل.
20 - (الدوسة): لوحة يمشى عليها من الجرف إلى السفينة وبالعكس.
21 - (التروسي): حبل يشد بطرف الفرمل الدقيق وهو الأعلى ويكون في طرفه الأعلى بكرة تسمى بكرة الرويس يطول بها الحبل ويقصر وذلك عند(2/396)
نشر الشراع فقط.
22 - (السداويات) كلمة مجموعة تدل على المثنى يراد بها لوحتان تكونان في طرفي الدراب مما يلي صدر السفينة وهما مفصولتان ولا توضعان إلا إذا اضطربت أمواج المياه من هبوب الريح الشديدة وكانت السفينة مشحونة.
23 - (السريدان) الموقد الذي توقد فيه نار الطعام وما أشبه يكون من خشب أو طين سهل النقل من محل إلى محل. ويسميه أهل بغداد (منقلة) وهذه مشتقة من النقل والسريدان ذو أربعة أركان يبلغ طوله متراً في عرض نصف مترٍ.
24 - (السكان): عربية قال في المخصص: 10: 24: (قال أبو عبيد الخيزرانة السكان واشتقاق السكان من أنها تسكن به عن الحركة والاضطراب.) ولفضة السكان مشهورة عندنا وهي وزان رمان هل الشام يسمونه الدفة.
25 - (الشاروفة): تجمع عندهم على (شاروفات وشواريف) وهي حبل طويل تجر به السفينة ويسميه البعض (قنباً) بتشديد النون وغالب ما يستعمل القنب في السفن الكبار والشاروفة في السفن الصغار.
26 - (شايخ الدراب) أخشاب كالأوتاد مسمورة بالدراب تثبت الدراب في الزبدرة.
27 - (الشبيحيات) بصيغة الجمع حبلان كالعمارين يكونان في صدر السفينة القيارية مع العمارين وليس في ما سواها شبيحيات.
28 - الشرت: بفتح فكسر: حبل دقيق يشد طرفه بالقلادة وفائدته وصل القلادة بالدقل وجرها إذا لصقت بالدقل فلم تزل وذلك عند إنزال الشراع.
29 - (الشفيرة): حاشية الشراع السفلى.(2/397)
30 - إشبينة: هي رباط السفينة والجسر وقد يسمى (رباطاً) وهو حبل ضخم جداً ومثله (الشمندورة) وهو حبل الباخرة في بغداد. وكان العرب القدماء يسمون الحبال التي يربطون بها سفنهم (امراساً) وقلوساً و (مراراً) جمع (مرِ) بتشديد الراء وقالوا أمر السفينة أو الشيء بمعنى ربطهما بهذا الحبل الغليظ المتين قال ذلك احمد زكي باشا في مجلة المقتبس 423: 7
31 - (الصبوب) واحدها صب وهي المجاديف جمع مجداف ويقولون بصيغة الأمر صب أي أجدف.
32 - (الصكية) هي طرف الدقل من الأسفل.
33 - (الصمية) حبل يلف على الخشبة الموصولة بالفرمل ويقولون أصم الخشبة أي شدها.
34 - (الصنفير) خشبة في أصل الدقل من طرفه الأعلى كالقطب للرحاة تكون بين القلوب أو عود يدخل في القلوب ليمسكها.
35 - (الطاط) راية صغيرة في رأس الدقل لأعلى توضع لمعرفة هبوب الريح والتي في دقل الباخرة تسمى بنديرة (بضم الباء الموحدة) ويكون إعلاؤها إشارة إلى أن المركب عازم على السفر والكلمة إيطالية الأصل وقد أخذها الإيطاليون عند بند المعربة عن الفارسية راجع المقتطف مجد 39: 41.
36 - (الطخماخ) بضم فسكون مدقة من الخشب يدق بها الوتد الذي يشد به رباط السفينة والكلمة تركية من (دقماق): بمعناه.(2/398)
37 - (الطوق) حبل يكون فوق القلوب من الأعلى.
38 - (العدة) وزن شدة، قال عدة السفينة آلاتها كالشراع والحبال وما أشبه وهي عربية فصيحة.
39 - (العمراني) تجمع على عمارين وزان قوانين هي حبال السفينة يشد أحد طرفيها
برأس الدقل الأعلى والطرف الأخر بالدركة وفائدة العمراني في السفينة قوة مقابلة للشراع إذا نشر وذلك إذا ملأته الريح لكي لا يقلب السفينة ويكون أيضاً قوة مقابلة للملاحين إذا جروا السفينة فيشد بالجانب الأخر من السفينة ليمسك الدقل عن الميلان لأنه إذا مال غرقت السفينة.
40 - (العود) هو الشراع الكبير وقدره 150 ذراعاً وهو فصيح مشتق مجازاً من العود بالفتح وهو الجمل الذي جاوز في السن البازل. واسمه عند الأقدمين ألقب قال الخليل في باب القاف والنون مع الباء من كتاب العين (. . . والقنب شرع ضخم من عظم شرع السفينة) وكلمة شراع مستعملة اليوم عند أهل السفن ويجمعونه على شرع بضم الشين والراء.
41 - العينات هي ثقوب في وسط العطوف من الجنب مما يلي ساحة السفينة يجري منها الماء حتى يجتمع في الجمة
42 - الفرخ الشراع الصغير إلا أنه أكبر من التركيب بقليل قدره 100 ذراع وهو عربي مأخوذ من فرخ الحيوان قال في مجمع البحرين: وقد يستعمل الفرخ في كل صغير من الحيوانات والنبات.
43 - الفرمل خشبة تكون على عرض الدقل وعلى طول السفينة يشد بها الشراع وينشر عليها أيضاً واسمه عند القدماء المشحور والممسوك أيضاً قال الخليل في كتاب العين في باب الجيم والشين والثنائي: (. . . والمشحور الممسوك وهي خشبة فيها شراع السفينة.)(2/399)
44 - الفيسة خشبة الدقل العليا تفصل بينها وبين الدقل القلوب وهي من القلوب وما فوق يبلغ طولها 80 سنتيمتراً.
45 - الفيلم آنية يحمل فيها ماء الجمة عند النزح.
46 - (القائم) خشبة السكان التي يدخل فيها طرف (الكانة).
47 - (القلادة) حبل ينظم به خرز من الخشب يربط بها الفرمل وتدور على الدقل لكي ترفع الفرمل بسهولة إلى الأعلى عند نشر الشراع.
48 - (القلوب) كلمة مجموعة تدل على المثنى ويراد بها بكرتان في أصل الدقل من أعلاه دون الفيسة ويعرف (بقلوب الشيال) وهما خصيصتان بالحبل الذي تجربه السفينة والهنزة.
49 - (القوفيتان) بكرتان كبيرتان في المجذب واحدة في أعلى الدقل والأخرى مما يلي اسفل البيدار.
50 - (الكابة) خشبة يمسك طرفها الربان ليحرك بها السكان يبلغ طولها مترين في المهيلة والبلم وقراب خمسة أمتار في السفينة.
51 - (الكبرت) هو ما تحت طارمة العرشة.
52 - (الكبورة) خرق يجفف بها الماء الراشح في السفينة.
53 - (الكلخة) وتسمى أيضاً (زغبة السكان) خشبة خفيفة طولها نحو ذراع وعرضها زهاء 20 سنتيمتراً تسمر بطرف خشبة القائم من الأعلى وهي التي تدخل فيها خشبة الكانة.(2/400)
54 - (الكوثلاني) هو حبل يربط به مؤخر السفينة عند اضطراب الأمواج وهو منسوب إلى كوثل السفينة أي مؤخرها.
55 - (اللائح) هو الدامن.
56 - (اللعبة) هي لوحة خفيفة تسمر بالقلوب من الخارج كي يسهل على الملاحين رفع الفرمل إذا أريد رفعه.
57 - (لغد السكان) هو لوحة عريضة تتلي الماء تدار بها السفينة وتسمى أيضاً (مشطاً)
58 - (لغود الدقل) كلمة مجموعة يراد بها خشبتا الدقل يوضع بينهما القلوب.
59 - (اللواث) هو حديدة كرأس الحربة مجوفة يدخل فيها طرفي المردى الأسفل لتثبت المردى في محله من الأرض عند الدفع
60 - (المجذب) وزان مبرد حبل يرفع به الفرمل إذا شد به الشراع وهو مشتق من الجذب ومن أسمائه في العربية الفصحى ما ذكره صاحب المخصص قال نقلاً عن ابن السكيت: (. . . الكر حبل الشراع وجمعه كرور صاحب العين الجمل والقلس والخيسفوج حبل الشراع وقيل نفسه)
61 - (المردى) عندهم بفتح الميم ويسميه البعض (مردا) بالألف القائمة في الأخر: والأول محرف عن فصيح وفصيحة (بضم الميم) قال الخليل في كتاب العين في باب الدال والراء مع الميم: (. . . والمراد دفعك السفينة بالمردى أي خشبة يدفع بها الملاح والفعل
مرديمرد.) وقال الإسكافي في مبادئ اللغة 19: (القيقلان خشبة يدفع بها ورأسها في الأرض وانشد. . .)(2/401)
إلا أننا نستغرب صورة هذا اللفظ. إذ لم نجد له أثراً في كتب اللغة ونظن أن صحيحه القلقلان بقافين ولامين من القلقلة وهي الدفع.
62 - (المساطر) هي أربع خشبات مسمورة بلغد السكان مما يلي الماء كل اثنتين في جانب منه.
63 - (المشايات) بصورة الجمع السالم خشبتان تشدان بطرفي الفرمل يبلغ طول كل واحدة منهما قراب مترٍ ونصف مترٍ.
64 - (المليطة) خام يمد مع الشراع العود مما يلي الدامن إلى الرويسي (أي من أعلاه إلى أسفله) وتكبر المليطة وتصغر بكبر الشراع وصغره وأكبرها عرض أربع اذرع ويسمونها (أربع فرائد) وأصغرها ذراع (أي فريدة) بكسر الفاء ولا توضع المليطة إلا إذا تسابق أهل السفن فيما بينهم ويلزم نشرها إذا كان الهواء رخواً والبحر رهواً وحينما لا تسرع السفينة في سيرها بالشراع العود أو أراد الناخذاة سبق ناخذاة تقدمه أو يخاف من ناخذاة وراءه يريد سبقه ولا يقدر على نشر المليطة مع العود إلا الناخذاة الماهر بالفن لأنها مفصولة عن الفرمل.
65 - (النباش) خشبة توصل بطرف الفرمل مما يلي الصدر لتطويله وتقصيره يبلغ طولها متراً ونصف مترٍ تقريباً.
66 - (النثية والذكر) حدائد عديدة في خشبة القائم تربط السكان بالسفينة كي لا يزول عن محله والواحدة داخلة بالأخرى. والنثية تصحيف الأنثى عندهم ولا يقولن غير ذلك.
67 - (الهنزة) وزان نملة حبل يشد به الفرمل والقلادة ويوصل (بالفوقية).
68 - (الهواليش) جمع واحدها (هالوش) وهي الأوتاد جمع وتد. ويسمي أهل العراق الوتد (وداً) وهو فصيح في لغة تميم ذكره الخليل في العين يسمونه أيضاً (ثباتاً) بكسر الثاء كسراً غير بين ويجمعونه على (ثباتات).(2/402)
69 - (الوسطاني) وزان عدناني: الشراع الأوسط مقداره زهاء 120 ذراعاً.
70 - (الوصلة) المليطة البلورة كلها تطلق على حبل الانجر.
كاظم الدجيلي
أسرار الحياة وهتك أسرارها
نال أحد الأطباء في الأيام الأخيرة جائزة فتطالت الأعناق إلى حائزها، وأراد الناس أن يعرفوا من هو هذا الذي توفق لإحراز هذه القصبة، قصبة حلبة السباق في عالم العلم والشهرة؛ فلما عرفوا اسمه الكسيس كريل أرادوا أن يعرفوا الأمر الذي توجهت إليه الالحاظ، فكتب صاحب التوقيع هذه المقالة فعربناها للقراء قال:
هذا الرجل هو جراح فرنسوي المولد، تلميذ مدرسة ليون الطبية، وكان قد ناوأه بعض الحساد، فهاجر إلى أميركة ديار الحرية، واخذ بمتابعة أشغاله العظيمة، وهي التي فتحت له باب سمعة لا يغلق البتة. وقد نال في دار العلماء الطائرة الصيت في نيويرك المعروفة باسم (روكفلر) منزلة رفيعة في التحقيق وسعة الاطلاع.
وما برح كريل دياره إلا وأسف على فراقه جم من الأفاضل المشاهير الذين يقدرون العلم وحملته حق قدره إذ أيقنوا انه يرحل إلى بلاد ينقل إليها خبرته وتوغله في المباحث الطبية الدقيقة. على أن أسفهم تضاعف حينما طالعوا في الصحف والمجلات السيارة ما رفعه إلى مجمع تقدم الطب في باريس؛ وخلاصته أنه توفق لأن يحيي في سائل صناعي حيوان وهي عبارة عن قلبه ورئتيه وأنبوب معدته وكليتيه وكان قد استلها جملة واحدة من داخله برفق عجيب. وحالما استلها غطها كتلة واحدة في ابزن أو طست مملؤ محلولاً خاصاً. وقد حافظ على حرارتها بالدرجة المعهودة في جسم الحيوان نفسه، وأبقى التنفس على حالته الأولى بمسبار أثبته في قصبة الرئة، وقد ابرز طرف المعي خارجاً من الابزن إقامة لمخرج صناعي له يعمل عمله المألوف.(2/403)
ولما تم هذا العمل كان يستطيع كل أحد أن يرى مشهداً في أقصى الغرابة وهو انه يعاين جميع الأعضاء تتم وظائفها كأنها لم تخرج من موطنها، يشاهد القلب يديم نبضه بدون خلل في الحركة، والرئتين تتنفسان على مألوف عادتهما، والمعدة والأمعاء تهضم الأطعمة احسن هضم، والكبد والكليتين تفرز مفرزاتها بينما يبقى الدم في أوعيته برباطات ويجول في مجالاته بدون انقطاع، متنقلاًَ من عضو إلى عضو، متخذاً من الرئتين الاكسيجين الضروري لحياة الخلايا ولما يعود إلى مقره الأول يغزر الحامض الكربوني المنبعث من
الاحتراق في الأخطاء.
ومن غريب أمر هذه الأعضاء أنها تقوم بوظائفها على أتم وجه كأنها في الجسم نفسه ولم تخرج منه، لأنك ترى الماء والأطعمة التي تدخل المعدة تهضم احسن الهضم، لا بل يجري الهضم مجراه المألوف إلى آخر عمل من أعماله وقد تم ذلك في خبرة اختبرها كانت فيها المعدة مملوءة طعاماً حينما سلت من موطنها.
هذا وانك لا ترى هذه الظواهر في بضع دقائق فقط، بل تراها دائبة عدة ساعات طوال. وفي الاختبارات التي نجحت أتم النجاح دام الذماء ثلاثة عشرة ساعة.
فتحقق مما تقدم بسطه انك ترى جميع مظاهر الحياة النباتية بينة ومحفوظة في تلك الأخطاء وإن نزعت من موطنها. ويمكن للباحث أن يتبع مدة ساعات أسرار الحياة التي تتدفق في مجاري تلك الأعضاء الموضوعة في بوقالة تلك الأسرار التي كانت قد بقيت غامضة إلى عهد هذا الطبيب النطاسي والبارع الفذ.
هذا وليس في علم وظائف الأعضاء من الاختبارات ما يضاهي هذه التجارب الغريبة التي تدهش كل إنسان، ولا سيما لأنها وضعت أسرار الحياة الغامضة على طرف الثمام.(2/404)
وإن قلنا أن مختبرات كريل تنتهي عند هذا الحد فنكون قد ظلمناه وبخسنا حقه وغضضنا من فضله. فثم أمور حديثة اطلعنا عليها وهي ليست إلا صفحة من صفحات أعماله التي يستقريها منذ بضع سنوات. وهو بحث يتصل كل الاتصال بأبحاثه السابقة عن الغرز الحيواني
وعلى هذا المبدأ تثبت وحدة أشغال وأفكار النطاسي كريل وتتصل بعضها ببعض اتصال حلق السلاسل، وبدونها لا يقوم عمل خطير علمي يستحق الذكر وهانحن نذكر هنا ما كان قد فعله سابقاً من الاختبارات، منها أنه نزع من بعض الكلاب كلى وأرجلاً وغرزها في كلاب أخرى فثبتت فيها كأنها لم تؤت بها من خارج ولم تجعل فيها بل خلقت خلقاً مع سائر أعضائها حال تكونها، وكل ذلك من الغرابة بمكان عزيز.
ففي مطاوي هذه الأشغال توفق نطاسينا لحفظ أخطاء الغرز في مرباها ريثما يحتاج إليها لإثباتها في مواطنها من الحيوان. وإن اتفق له أنه لم يغرز العضو حالاً في الموطن الذي يريد إثباته فيه تبقى تلك الأشلاء الحية محفوظة في مرباها ريثما يحتاج إليها، وقد لا يفتقر
إليها إلا بعد شهر أو اكثر.
واعلم أن اختبارات كريل لحفظ الحياة خارجاً عن مجموع الأعضاء تقسم إلى طائفتين:
وقد عانى في الطائفة الأولى أحياء أخطاء كاملة في سوائل صناعية. والى هذه الطائفة ترجع تجاربه التي رفع رفيعتها إلى مجمع ترقي العلوم الطبية الفرنسية. فلا فائدة إلى العود إلى هذا الموضوع بعد أن بسطنا الكلام فيه بسطاً كافياً شافياً إلا أننا نقول: لا يسوغ لنا أن ننسى في هذا الصدد الأشغال التي تمت قبله على أيدي مختبرين سبقوه إليها. فلقد عنى منذ زمن مديد بذماء بعض الأعضاء المنفصلة(2/405)
وقد قيض لأحدهم أن يحفظ قلب ضفدع حياً مدة 33 يوماً بعد أن غطه في سائل صناعي. وقد شوهد قلب أرنب ينبض مدة نهار بانتظام عجيب لا خلل فيه. بل وأنعش أحدهم قلب جثة هامدة بشرية بعد أن مضى على وفاة صاحبها عشرون ساعة. وبحث آخر على هذا الوجه في حفظ الأمعاء وأحشاء أخرى أما فضل كريل فأنه متوقف على حفظ حياة هذه الأشلاء (مجموعة معاً وخارجاً عن مقرها مع إبقاء تعلق الواحد بالآخر يربطها دوران الدم جارياً فيها ومنها وإليها.)
ويجب أن يوضع هنا بجانب هذه الظواهر ذماء الأعضاء الكاملة طائفة اختباراته الثانية التي حاول فيها كريل أن يثبت حياة الخلايا الحيوانية خارجاً عن مجموع الأعضاء ومنفصلة عنها وهي مع ذلك تنشأ وتنمو بعد أن يكون قد استلها من أعضاء شتى.
وعنايته بها هنا لا تقوم على مربى صناعي بل على قطرة جبلة دموية وضعها على زجاجة وجعل عليها جزيئاً في منتهى الصغر من جزيئات النسيج الذي يراد استنباته.
فإذا دقق الباحث نظره في هذه المستنبتات بواسطة المجهر يرى أول مظهر فيها نمو الخلايا المبذورة. ثم أن هذه الخلايا تتكاثر بسرعة عجيبة مدهشة منبعثة مئات بل ألوفاً من القطعة الأولى. ثم تتخطى متشععة متوجهة حول محيط القطرة المستنبتة وتهجم عليها هجوماً وحشياً.(2/406)
وعند تكاثرها على هذا الوجه تحفظ مزية خلايا الأعضاء التي خرجت منها وذلك في مدة طويلة بكفاية. فإن قطعة قلب جنين دجاجة نزع في 17 كانون الثاني سنة 1912 بعد أن غسل ونقل مراراً بقي نابضاً بعد أن مضى عليه ثلاثة أشهر وفي 28 نيسان كان قياسه 29 نبضة في الدقيقة.
لكن إن كانت الخلايا عند تكاثرها تحفظ مزيتها الخاصة بها فأنها بعكس ذلك لا تحفظ أدنى ميلٍ إلى تحقيق النظام الخلوي وبنية الأعضاء التي تتفرع منها. فإن خلايا الكلى مثلاً تحفظ في مقدار معلوم مزية خلايا الكلى لكنها لا تحاول أن تبتني لنفسها قطعة من قطع الكلى بل تحول إلى كيان منفرد وتفقد من بينها المناسبات التي كانت فيها عند وجودها مع سائر الأعضاء المجموعة.
أن هذه الاختبارات اختبارات غرز الأنسجة الحيوية وإن كانت لا تظهر بصورة مدهشة كما رأيناها في الاختبارات السابقة إلا أنها لا تنقض عنها شأناً وبالاً. ومستقبلها من احسن ما يتمناه العلم لأنها تمده بأساليب جديدة بعيدة المرمى والغرض وتعينه على أن يفتح باباً جديداً لمعرفة وظائف الأعضاء ينقش على صدره: (باب وظائف الخلايا)
اجل أننا اضطررنا إلى الآن إلى أن نبحث عن مجموعة الأعضاء التي تبدو فيها مظاهر حياة الخلايا والى أن ننشد ضالتها في مجموع الأعضاء كلها التي تتصل بها ولهذا كان يقع في نتائجها خطأ لا مناص منه لأنه من المحال أن ينزع ما هو خاص بالخلية نفسها من عمل سائر مجموع الأخطاء. وأما بعد الآن وبعد تحقيقات كريل فنستطيع أن نتتبع حياة الخلية المنفردة معتمدين على الأساليب التي قرر أسسها نابغة هذا العصر الجديد بل ونطلع على وظائفها الخاصة بها دون غيرها. وهذا ما يحمل العلماء على أن يعقدوا بناصية هذه الأصول المكينة شأناً جليلاً ومستقبلاً باهراً، والله الموفق.
. الدكتور جاك آميو
فوائد لغوية
السليقة والسليقية والهداية والوهم بمعنى
سألنا أحد الأدباء من الإصلاحية (من أعمال الموصل) ما احسن لفظة(2/407)
عربية ترادف أو تقابل كلمة لأني أرى بعضهم وضع لها كلمة السوق الطبيعي أو الانسياق كما جاء في المقتبس 426: 7 ولا أرى ذلك موافقاً لوضع الألفاظ العربية فإن لم نقبلها فأي حرف يتخذ عوضاً منها.
نقول: إن لفظة سوق الطبيعة أو السوق الطبيعي أو الانسياق هو من أوضاع الترك كما يرى ذلك في المعاجم الفرنسوية التركية. والظاهر أنهم لم يصيبوا في وضعهم هذا لجهلهم أسرار اللغة العربية وأسرار ألفاظها. وأول اعتراضنا على (السوق الطبيعي) أنه مركب من لفظين للدلالة على معنى واحد. وثانيا أنه يؤدي المعنى المطلوب أتم التأدية وأما الانسياق فغير وافٍ بالمقصود لأننا نحتاج أيضاً إلى أن نردفه بكلمة ثانية فنقول الانسياق الطبيعي. هذا فضلاً على أن وزن الانفعال لم يسمع في هذا الفعل.
واحسن لفظة تقوم مقام الفرنسية هي السليقية وقد وردت مراراً عديدة في مقدمة ابن خلدون النقاد البصير والكاتب الضليع الخبير. ومما يؤيد ما ذهب إليه كلام عرب صدر الإسلام بل كلام عرب الجاهلية. قال في تاج العروس فلان يتكلم بالسليقية: منسوب إلى السليقة. قال سيبويه وهو نادر. أي عن طبعه لا عن تعلم. ويقال أيضاً: فلان يقرأ بالسليقية أي بطبعة الذي نشأ عليه. وقال الليث: السليقي من الكلام ما لا يتعاهد إعرابه وهو فصيح بليغ في السمع، عثور في النحو. وقال غيره: السليقي من الكلام: ما تكلم به البدوي بطبعه ولغته وإن كان غيره من الكلام آثر واحسن. وقال الأزهري: قولهم هو يقرأ بالسليقية أي أن القراءة سنة مأثورة لا يجوز تعديها فإذا قرأ البدوي بطبعه ولغته ولم يتبع سنة قراء الأمصار، قيل: هو يقرأ بالسليقية، أي بطبيعته ليس بتعليم. وفي حديث أبي الأسود الدؤلي: أنه وضع النحو حين اضطرب كلام العرب فغلبت السليقية أي اللغة التي يسترسل فيها المتكلم بها على (سليقته) من غير تعهد إعراب ولا تجنب لحن. قال:
ولست بنحوي يلوك لسانه. ولكن سليقي أقول فاعرب. (كلامه).
فالظاهر من هذا القول الطويل أن السليقي خاص بالكلام واللغة. وأما السليقة فخاصة
بغيرهما. ولو أردنا أن نطلب من أبناء الغرب أن يشرحوا لنا كلمة(2/408)
لما تكلموا بأحسن ما نطق به هؤلاء العرب.
وقال في لسان العرب: السليقة الطبيعة والسجية. وفلان يقرأ السليقة أي بطبيعته لا يتعلم وقيل: يقرأ بالسليقية وهي منسوبة أي بالفصاحة من قولهم سلقوكم. وقيل بالسليقية أيضاً وبالعكس إذا كانت بمعنى ما طبع عليه الإنسان من النشوء على لغته بدون تعلم. وقد يتوسع في معناها فتأتي بمعنى ما ينشأ عليه المخلوق من الطبائع والأخلاق بدون تعلم كما يوخذ ذلك من تفسيرهم لكلمة السليقة بمعنى الطبيعة والسجية.
فيتحصل مما تقدم بسطه أن السليقة في الإنسان هي ما يبدر منه من الأعمال الدالة على تصرف في العقل وتصدر منه قبل أن يفكر بها. وهي في الحيوان: شعور داخلي لا تعلق له بالتفكر يهدي الحيوان إلى إتقان ما يأتيه من الأعمال. وهذا ما يراد بكلمة الفرنسوية.
وقد استعمل الجاحظ في هذا المعنى كلمة هداية في كتاب الحيوان. وقال صاحب الكليات: الهداية. . . أيضاً: الإلهام نحو (أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى) أي ألهمهم المعاش. قلت وأمر المعاش يحوي عدة أمور منها الاحتيال على الرزق واتخاذ الوسائل اللازمة للحصول على الطعام والشراب والسكنى إلى غيرها. وقال أيضاً بعد ذلك. إن هداية الله مع تنوعها على أنواع لا تكاد تنحصر في أجناس مترتبة منها: انفسية، كإضافة القوى الطبيعية والحيوانية والقوى المدركة والمشاعر الظاهرة والباطنة ومنها: آفاقية، فأما تكوينية معربة عن الحق بلسان الحال وهي نصب الأدلة المودعة في كل فرد فرد من أفراد العلم. وأما تنزيلية مفصحة عن تفاصيل الأحكام النظرية والعملية بلسان المقال بإرسال الرسل وإنزال الكتب. ومنها الهداية الخاصة وهي كشف الأسرار على قلب المهدي بالوحي والإلهام.
ومما جاء في كلامهم بهذا المعنى: الواهمة والوهم قالوا: الواهمة قوة الوهم والوهم على ما جاء في كليات أبي البقاء. هو عبارة عما يقع في الحيوان من جنس المعرفة من غير سبب موضوع للعلم. وهذا أصرح تعريف ورد في كلام(2/409)
العرب مطابق كل المطابقة لما نطق به علماء هذا الزمان ولهذا فإتخاذ هذا اللفظ من احسن ما جاء في هذا المعنى. وقال الجرجاني: الوهم قوة جسمانية للإنسان محلها آخر التجويف الأوسط من الدماغ من شأنها إدراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات كشجاعة زيد وسخاوته. وهذه القوة هي التي
تحكم بها الشاة أن الذئب مهروب عنه وأن الولد معطوف عليه. اهـ المقصود من إيراده وهذا كلام واضح في تأييد ما أردنا تبيانه فليحفظ.
ولك
وسألنا أخر من بغداد هل لا يوجد توجيه أخر لكلمة ولك. قلنا: بلى وهو أنها مخففة عن (أولى لك) قال في تاج العروس: (قولهم: أولى لك، تهدد ووعيد. وانشد الجوهري:
فأولى ثم أولى ثم أولى ... وهل للدر يحلب من مرد
قال الأصمعي: أي قاربه ما يهلكه، أي نزل به. وانشد:
فعادى بين هاديتين منها ... وأولى بن يزيد على الثلاث.
ومن قوله تعالى فأولى. معناه التوعد والتهدد أي الشر اقرب إليك. وقال ثعلب دنوت من الهلكة. وكذلك قوله تعالى: فأولى لهم. أي وليهم المكروه. وهو اسم لدنوت أو قاربت. قال ثعلب: ولم يقل أحد في (أولى لك) احسن مما قال الأصمعي. وقال غيرهما: (أولى) يقولها الرجل الأخر يحسره على ما فاته ويقول له: يا محروم أي شيء فاتك. وفي مقامات الحريري: أولى لك يا ملعون. أنسيت يوم جيرون. وقيل هي كلمة تلهف يقولها الرجل إذا افلت من عظيمة. وفي حديث أنس: قام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبوك حذافة وسكت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم قال: أولى لكم والذي نفسي بيده أي قرب منكم ما تكرهون وقول الشاعر:
فلو كان أولى يطعم القوم صدتهم ... ولكن أولى يترك القوم جوعا.
أولى في البيت حكاية وذلك أنه كان لا يحسن الرمي واحب أن يتبدح عند أصحابه فقال: أولى. وضرب بيده على الأخرى. فقال: أولي. فحكي ذلك. اهـ
وقال في الكليات ص 149 معنى قوله تعالى: فأولى لهم. فويل لهم.(2/410)
دعاء عليهم بأن يليهم المكروه أو يؤول إليه أمرهم فأنه (افعل) من الولي أو (فعلى) من آل. وقال الاصبهاني في المفردات في غريب القرآن: قيل: أولى لك فأولى من هذا معناه العقاب أولى لك بك. وقيل هذا فعل المتعدي بمعنى القرب وقيل معناه أنزجر.
وقال في محيط المحيط:. . . وهو مقلوب من الويل. ونحن لا نصوب قوله. وقال صاحب لسان العرب. . . وحكى ابن جني: (أولاة الآن، فأنث أولى. قال: وهذا يدل على انه اسم
لا فعل.) وقد استوفينا البحث في هذه الكلمة لكثرة استعمالها على السنة العراقيين حضرييهم وبدوييهم إشارة إلى قدم عباراتهم وصحتها. والله ولي التوفيق.
فانوس
سألنا أديب بغدادي: هل فانوس عربية الأصل وهل هي قديمة في كلام الناطقين بالضاد.
قلنا: للفانوس معنيان النمام والمصباح فإن كان بمعنى النمام فاللفظة عربية فصيحة قديمة. وهي وإن كانت ثلاثية التركيب إلا أنها ترجع إلى أصل ثنائي كما قرره اللغوييون المعاصرون من أعراب وأغراب. أي أن مادة ف ن س مأخوذة من مادة ن س بزيادة الفاء في الأول ومنه النسيسة أي النميمة. فالفانوس النمام فاعول بمعنى فاعل للمبالغة وهو كثير في العربية.
وأما إذا كان بمعنى المصباح فليس بعربي الأصل وإن قال به صاحب القاموس إذ هذا نص عبارته: الفانوس: النمام. . . وكأن فانوس الشمع منه. وقد خالفه صاحب محيط المحيط إذ قال: الفانوس النمام. وكان فانوس المصباح مأخوذ منه لأنه لو كان مأخوذاً من معنى النمام فأحر بلفظة النمام نفسها أن تأتي بهذا المعنى وكذلك كل ما جاء من مرادفاتها. وليس الأمر كذلك. فأن الفانوس المصباح مولدة دخيلة وهي من اليونانية من فانوس زنة ومعنى وهي مشتقة عندهم من فعل أي أنار فيكون معنى الكلمة المنير أو آلة الإنارة أو كما قال العرب المنوار وهي الكلمة الفصيحة المقابلة لفانوس الدخيلة.(2/411)
والفعل اليوناني يفيد المعنيين: الإنارة والنميمة. فلعل كلا المعنيين مأخوذ من اليونان لأن صاحب لسان العرب لم يذكر من معاني مادة فنس إلا قوله: الفنس: الفقر المدقع. قال الأزهري الأصل فيه الفلس: اسم من الإفلاس فأبدلت اللام نوناً كما ترى. قلنا: وأما نحن فأننا نظن أن الفنس يرجع إلى لفظ ثنائي وهو فس الممات بالعربية الموجودة في الارمية ومعناه فص أي عرق العظم وجرده من لحمه أو انتزع ما عليه: والدليل على أن اللفظ ممات في العربية انهم ذكروا الفسيس وقالوا عنه: الضعيف العقل أو البدن، ونزيد: الضعيف مالاً أيضاً. لأن كل ذلك من المجاز مأخوذ من الفس بمعنى الانتزاع أو التعرق. وإذا انتزع من الإنسان ما فيه أصبح فقيراً علماً وجسماً وحالاً ومالاً. وفوق كل ذي علم عليم.
باب المكاتبة والمطارحة
هل أصاب الأب لويس شيخو؟
كتب إلينا أحد الأدباء ما هذا نصه: وقع بيدي العدد الثاني من المشرق فرأيت فيه هذه العبارة في باب المطبوعات (157: 15): ولعلمنا أن حضرته (أي صاحب كتاب التعبد ليسوع طفل براغ) يحب الانتقادات اللغوية نذكر له بعض أغلاط وقعت في كتابه كقوله مثلاً ص 9 س 1 (كذا والأصح س 11) (الكلمة المتجسدة والصواب هنا المتجسد) أي ابن الله ليوافق قوله بالمذكر انتقل من أحشاء مريم وقوله (ص 10 س 7) لولا إياك والصواب لولاك وقوله (ص 11 س 13) يسرع غلطة طبعية يريد يسوع وقوله (ص 12 س 2) والدموع التي فاضها والصواب أفاضها وقوله (فيها س 3) يسمعه للناس والصواب يسمعه الناس إذ اسمع يتعدى إلى مفعولين وقوله (فيها س 8) أن تنزلي لكي تلينيه والصواب تنزل لكي تلينه عائد إلى (الصراخ) هذا بعض ما لحظناه في الصفحات الأولى. كلام المنتقد وهو ل. ش.
فسألنا الكاتب المذكور: هل أصاب صاحب المشرق في كلامه هذا؟
قلنا: أما تذكير نعت الكلمة فجائز لأن مدلوله مذكر. لكن ذلك لا(2/412)
يمنع تأنيثه جرياً على اللفظ إذ هذا غير محظور ولهذا لا يحق له أن يقول: (والصواب) بل (ويجوز) ولا سيما إذا دللت على تذكيره شيئاً تذكره في العبارة التالية فقد قال الفراء في كلمة سلطان: السلطان عند العرب: الحجة يذكر ويؤنث فمن ذكره ذهب به إلى معنى الرجل ومن أنثه ذهب به إلى معنى الحجة (راجع أيضاً التاج في سلط) وقال الجوهري في مادة خ ل ف: الخليفة قد يؤنث قال صاحب التاج معقباً: قال شيخنا في الإسناد ونحوه مراعاةً للفظه كما حكاه الفراء وانشد:
أبوك خليفة ولدته أخرى ... وأنت خليفة ذاك الكمال
قلت (أي صاحب التاج) (ولدته أخرى) قاله لتأنيث اسم الخليفة والوجه أن يكون (ولده آخر) فترى مما تقدم بسطه أنه لا يجوز تأنيث ما يسند إلى المذكر ذهاباً إلى اللفظ ولهذا اخطأ صاحب المشرق بقوله. والصواب وأما تصحيحه لولا إياك: بلولاك. فمن تعابيره الركيكة الخاصة بإنشائه ونحن لا نوافقه عليها: لأننا كنا كتبنا (لولا اياتك) جمع آية فغلط
الطابع وكتب (ولولا إياك) وإلا لو أردنا المعنى الذي يشير إليه صاحب المشرق لقلناه لولا أنت، وليس لولاك كما ادعى قال ابن كيسان المكنى بعد لولا له وجهان: إن شئت جئت بمكنى المرفوع فقلت لا لولا هو، ولولا هم ولولا هي ولولا أنت. ولو شئت وصلت المكنى بها فكان كمكنى الخفض
والبصريون يقولون هو خفض والفراء يقول وإن كان في لفظ الخفض فهو في موضع الرفع قال وهو أقيس القولين تقول. لولاك ما قلت ولولاي ولولاها ولولاهم. والأجود لولا أنت كما قال عز وجل: لولا انتم لكنا مؤمنين، فانظر بعد ذلك أين بقي كلام المنتقد وقوله: والصواب. . .
وأما قوله: يسرع غلطة طبعية يريد يسوع. قلنا: إن في الكتاب عدة أغلاط طبع لكن هذه (أي يسرع) ليس منها كأنه قد كتب على حضرة المنتقد أن لا يصيب في كلمة واحدة مما ينطق به وعبارتنا هي هذه نعيدها هنا ليطلع عليها القارئ: فبهذه الصورة يسرع لإنسان الإله منذ دخوله العالم في أن يتألم ويعمل أعمال التوبة. فلو أبدلنا يسرع (من الإسراع) بيسوع لما استقام هناك معنى. فلينصفنا حضرة المنتقد وليقر بغلطه.(2/413)
وأما قوله: (والدموع التي فاضها والصواب أفاضها) قلنا: إنما أردنا والدموع التي فاض بها عينه فحذفنا الجار ووصلنا. والوصل بعد حذف الجار باب معروف عند النحاة. قال ابن عقيل: إن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بحرف جر نحو مررت بزيد. وقد يحذف حرف الجر فيصل إلى مفعوله بنفسه نحو مررت زيداً (قلنا) وعلى هذا النحو جرينا في قولنا والدموع التي فاضها فلا غبار عليه بشهادة النحاة كلهم أجمعين.
وكذلك لم يصب في تصحيحه يسمعه للناس نعم أن (اسمع) يتعدى إلى مفعولين لكن قد تقحم اللام أو تزاد بين الفعل المتعدي ومفعوله فتسمى حينئذ (اللام المعترضة) كما نص عليها النحاة واللغويون ومثلوا له قولهم: ضربت لزيد قال الشاعر:
وملكت ما بين العراق ويثرب ... ملكاً أجار لمسلم ومعاهد
وقد آن أن يصيب المنتقد في كلمة، وهي كلمته الأخيرة لكنه قال: (والصواب أن يقال أن تنزل لكي تلينه عائد إلى الصراخ) قلنا: لا يحق له أن يقول: والصواب بل (والأفصح) لأنهم أجازوا أن يؤنثوا الاسم المذكر إذا رادفه اسم مؤنث وبالعكس. وقد المع إلى هذا
القول جميع النحاة ولما كان الصراخ هنا بمعنى الصيحة جاز أن يؤنث الفعل العائد إليه فيتحصل مما تقدم بسطه أن يتأنى المنتقد في كلامه وأن ينطق بما ينطق عن روية لا عن هوى فأن الهوى يعمي ويصم:
وإذا توعر بعض ما تسعى له ... فاركب من الأمر الذي هو اسهل
طعيريزات شيء وعريسات شيء آخر
وقفت على الجزء الثامن من (لغة العرب) فرأيت فيها نبذة من تحرير الفاضل إبراهيم حلمي أفندي في (طعيريزات) فراقني جداً. لولا أنه زعم تبعاً للأعرابي المصاحب له أن (عربسات) هي (طعيريزات) والحق أنها ليست إياها. فأن عريسات موقعها خلف الرحبة إلى الغرب بمقدار ثلاث ساعات كما اخبرني مدير مال السماوة الحالي علي أفندي البغدادي، قال: خرجت وأنا مدير مال النجف قبل سنوات مفتشاً في زكاة الأغنام إلى الرحبة وما والاها فرأيت عريسات بمكان بين الرحبة والقادسية والشقيق، وأدخلت خادماً لي في سربها فدخل قليلاً ثم عاد ولم يخبرني بشيء لما عرض له من الظلمة والوجل: قال: وفي الأخيضر(2/414)
سرب مثل سربها دخلته ووصفه لي وصفاً مجملاً. هذا ما أردت
أن أثبته خدمة للحقيقة والسلام.
محمد ابن الشيخ طاهر السماوي
باب المشارفة والانتقاد
1 - نقائض جرير والفرزدق في 3 مجلدات ضخمة بقطع
الربع
-
كلما قرب كلام العرب وشعرهم من عهد الجاهلية حرصنا عليه وعلى جمعه لأنه يكشف لنا عن اللغة العربية المحضة وعن عوائد أصحابها وأخلاقهم التي تغيرت بتغير الزمان. - ولقد انتبه المستشرقون إلى هذه الحقيقة فاخذوا يبحثون عن كتب شعراء الجاهلية والمخضرمين وصدر الإسلام وكلما ظفروا بها عنوا اشد العناية بجمع نسخها المتفرقة ومقابلتها ونشرها بأمانة لا أمانة بعدها. وهذا الفرزدق مشهور بمتانة شعره وجزالته وفخامته وشدة آسره وهو من صدر الإسلام الأول. وقد اولع حضرة المستعرب الكبير الظي آشلي بفان من مستشرقي الإنكليز البعيدي الغور في معرفة آداب العرب وأشعارهم فجمع نقائض جرير والفرزدق في مجلدين كبيرين ضخمين. يبلغ عدد صفحاتهما 2000 صفحة ما عدا الصفحات الإفرنجية والتذييلات التي تبلغ في المجلدين 40 صفحة وقد ذكر الواقف على نشره في الصفحات الأولى مقالاً باللغة الإنكليزية بين فيه ما لكل نسخة من النسخ الثلاث من المزايا وهي نسخة اكسفرد ولندن واستراسبورغ. وبحث عن كل واحدةٍ منها بحثاُ نعما ودقق فيها النظر حتى بلغ من التحقيق. وقد بدأ بطبع الجزء الأول سنة 1908 وانتهى من طبع الجزء الأخير وهو الثالث سنة 1912.
ولما اخذ يطبع الجزء الثالث ويبوب له الفهارس المختلفة العميمة الفائدة وقف على نسختنا الخطية الموجودة في دير المبعث في بغداد فتكلم عنها كلاماً يشف عن سعة علم ونقد بصر دقيق وانتفع منها. واهتم بها اشد الاهتمام. وهذا الجزء الثالث يحوي أربعة فهارس ومعجماً وخاتمة وتذييلات.(2/415)
ففي الفهرس الأول ترى ذكر القصائد مرتبة بحسب رويها وبحرها. وفي الفهرس الثاني ذكر ما ورد من المعارضات والعبارات الشبيهة لما جاء في شعر الفرزدق. وفي الفهرس الثالث أسماء المشاهير الذين ذكروا في الديوان من رجاله وقبائله وغيرها. وفي الفهرس
الرابع سرد أسماء المدن والمواقع والديار التي وردت في تضاعيف الديوان. وكل هذه الفهارس على حروف المعجم مما يسهل على الباحث الوقوع على كل ضالة ينشدها في هذا السفر الشبيه بالبحر الخضم.
وبعد أن بوب الفهارس وجعل محتويات الكتاب على طرف الثمام نسق المعجم فحشاه بجميع الألفاظ العويصة التي وردت في مطاوي الكلام مع ذكر عدد الصفحة والسطر الذي توجد فيه فانظر إلى هذه العناية العظيمة التي بذلها هذا الرجل الكبير في تيسير كل ما يطلب في كتابه. ثم بعد ذلك ذكر أمراً لم يسبقه إليه سابق وهو سرد الكلم والعبارات الفارسية التي وردت في هذا السفر البليغ وختم هذا الجزء الثالث العجيب الترتيب والترصيف بتذييلات وإضافات وتصحيحات زادت محاسنه على ما فيه من المحاسن التي لا يمكننا إلا أن نشير إليها إشارة إذ ليس الخبر كالخبر وقد بلغت صفحات هذا الجزء الثالث 644
وقيمة الجزء الأول والثاني 67 فرنكاً و50 سنتيماً وقيمة الجزء الثالث 42 فرنكاً و50 سنتيماً. وقد طبع بمطبعة بريل في ليدن من ديار هولندة وكاغده من أجود الكاغد وأثمنه. ويسوؤنا أن نقول أن فيه عيباً وهذا العيب هو حروفه فأنها غير جميلة بل قديمة الطراز قبيحة الرسم شوهاء المنظر؛ ولهذا تأسفنا اشد الأسف لوجود هذه الشائبة فيه: ولا سيما لأن كتابة بعض حروفه مخالفة لأصول الكتابة العربية فأن الكلمة جحاجح مثلاً وما شابهها من الكلم التي فيها الجيم والحاء والخاء يزيد فيها سناً فيكتبها بخلاف الأصول المتعارفة وهذا عيب فاضح. وما عدا ذلك فأن الكتاب درة من الدرر الغوالي:(2/416)
ولعلك تجد السعر فاحشاً. ولكن لو رأيت ما فيه من المحاسن لقلت أنه ليس شيئاً يذكر ولعل هناك سبباً آخر يمنع بعضهم من شراء هذا الكنز وهو كثرة ما فيه من الأبيات التي تخجل أناس هذا العصر. وتمجها آدابهم لكن العتب على الناظم لا على الطابع. ولا شك أنه أراد ناشره أن يطبع منه نسخة تكون لأبناء المدارس يحذف منه هذه المنديات ويطهر الكتاب من هذه الأوساخ الشائنة حرصاً على حفظ الآداب.
2 - كتاب آداب العرب
تأليف إبراهيم بك العرب
قررت نظارة المعارف العمومية طبع هذا الكتاب على نفقتها وتدريسه في المدارس الابتدائية بنين وبنات. وفي مدارس المعلمات السنية ومدارس معلمي الكتاتيب. - حقوق الطبع محفوظة للنظارة -. المطبعة الأميرية بمصر 1911.
ما تراه هنا ليس اسم كتاب بل اسم درة ترصع بها تيجان الملوك. ويتنافس في اقتنائها كل من يود اكتناز الخزائن النفيسة التي لا يتطرق إليها الفناء أو الفساد. - وهذه الدرة هي عبارة عن أمثال حكمية منظومة نظماً رائعاً رائقاً يلج الأذن بلا أذن ويصل القلب بدون أدنى تكلف. أقوالها آية في البلاغة والحكمة فهي كتاب كل إنسان يريد أن يجمع إلى بلاغة الإنشاء وسلاسته حكمة سليمانية وعقلاً صائباً لقمانياً.
ومع كل هذا التقريظ الذي هو دون ما يستحقه هذا السفر الجليل فأنه لا يخلو من بعض أغلاط طبع أو لغة أو تعبير من ذلك ما جاء في ص 89 قوله: الأرنب وطير الشرشور ولو قال الأرنب والشرشور لكان احسن لأنك لا تقول مثلاً: (العقاب وحيوان الحمار). بل والحمار أو والحيوان الحمار أو والحمار الحيوان. وكذلك يقال والشرشور أو الطير الشرشور أو الشرشور الطير. وقال في حاشية تلك الصفحة (طائر يسمى الرقش والأصح البرقش وقال: في تلك الصفحة يجتمعان في الدجى والفجر، ذلك في العش وذا في الجحر) والحال أن (ذلك) ترجع إلى الأرنب. و (ذا) ترجع إلى الشرشور كما هو مقرر في كتب القوم. من رجوع أسماء الإشارة إلى مدلولاتها(2/417)
البعيد للبعيد والقريب للقريب. فإذا سلمنا ذلك فكيف يكون العش للأرنب والجحر للشرشور وإنما الأمر بالعكس. وقال أيضاً فيها:
حتى رآه بسراي الملك ... في قفص ليس له من مسلك
ولو قال (ببلاط الملك) لكان احسن. لأن السراي كلمة تركية حديثة الدخول في العربية. وأما البلاط فأنها رومية قديمة في لغة قريش.
على أن كل ذلك هو بمنزلة غبار دقيق يغشى ضياء هذه الدرة البديعة المتلألئة ولا جرم أن المؤلف إذا أعاد طبع هذا الكتاب (ويكون ذلك عن قريب) ينزهه عن كل عيب ولو كان لا يبين لكثيرين. والكتاب بديع الطبع مضبوط بالشكل الكامل مطبوع على كاغد فاخر. كل ذلك حسنات قلما تجتمع في كتاب واحد.
3 - أمثال الشرق والغرب
جمعة يوسف توما البستاني.
حقوق الطبع محفوظة. طبع بمطبعة اليوسفية بمصر سنة 1912
كثير تصدوا لجمع بعض الكتب الأدبية واغلبهم كانوا كحاطبي ليل لأنهم جمعوا بين البعرة والدرة وأما حضرة يوسف أفندي البستاني فأنه جمع بذوق سليم أمثال الشرق والغرب فأصبح كتابه ديواناً يجد فيه المطالع حكمة سكان الخافقين ويمكنه أن يقابل فيه بين أمثال وأمثال. وقد بوب مواضعه أبواباً تسهل على الطالب الرجوع إلى ضالته بدون أدنى عناء. - وكنا نود أن تكون عبارته صحيحة لا شائبة فيها إلا أنه ورد مثلا في ص 93: لقد كنت مغبوطاً فأصبحت مرحوماً ولئن كنت مرتفعاً فقد أصبحت متضعاً. ولو قال: وأني وإن كنت مرتفعاً. . . لكان اصح وافصح وكثيراً ما استعمل لئن في غير موقعها. والظاهر انه لم يرد أن يقوم أود الكلام حرصا على اصله المنقول عنه. وقال ص 94 ولما فرغت الفلاسفة من الكلام قامت زوجة اسكندر (روكسندرة) ابنة الملك داريوس ملك العجم. والأصح أن تورد أسماء الشرقيين بموجب ما ينطقون بها لا بموجب ما يرويه الإفرنج ولفظة روكسندرة لا توافق رواية الشرقيين ولا رواية الغربيين. أما الشرقيين فيسمونها (روشنك) وأما الإفرنج فيعرفونها باسم (روكسان وأما داريوس فالأصح أن يقال فيه (دارا) كما هو مشهور لأن داريوس هي من رواية الإفرنج.(2/418)
وما هذه الأمور إلا طفيفة والكتاب جدير بالاقتناء لاحتوائه على مفاخر حكم الشرق والغرب.
4 - كتاب المسلك الحميد، من مريم العذراء إلى يسوع المجيد
تأليف الخوري عبد الأحد جرجي البغدادي تلميذ مدرسة الآباء الدومنيكيين
طبع في مطبعة الاتحاد في بيروت سنة 1912 في 626 صفحة وقيمته 6 غروش وربع صاغ.
كتاب تتدفق مياهه من معين الأباء أئمة القداسة والعبادة، سهل العبارة، حسن التأليف والتبويب، لا يطالعه القارئ إلا وينشأ في قلبه شواعر حب لمريم العذراء ولابنها يسوع. وقد اعتمد المؤلف في كل ما كتبه على عقيدة القديسين والكتبة الراسخي القدم في الإيمان والآداب والتقى. ولهذا نحض السالكين إلى الحق أن يستعينوا بنور هذا المصباح الزاهر إذ
يجدون فيه كل ما تتوق إليه نفوسهم ويحفظهم في سبيل الصلاح والورع.
5 - رسالة التكملة في عمدة مواعظ نهج البلاغة.
تأليف سيد الفقهاء والمجتهدين، حجة الإسلام والمسلمين، السيد محمد علي الشاه عبد العظيمي، مد ظله العلي، في 33 صفحة بطبع الثمن طبعت في مطبعة الحبل المتين في النجف سنة 1330
ويليها:
6 - رسالة مسلك الذهاب، إلى رب الأرباب (في 24 صفحة)
للمؤلف المذكور أيضاً
7 - مختصر الوقعة (أي وقعة كربلاء)
طبع في مطبعة الحبل المتين في النجف سنة 1330 في 32 صفحة
8 - أرجوزة في علم المنطق
لجناب العالم الفاضل الكامل المحقق الشيخ موسى ابن المرحوم المغفور له. الفاضل النحرير التقي النقي الشيخ حسن الفلاحيين قدس سرهما.
وقد صادف طبعه في غرة شهر الربيع الثاني سنة 1320. طبعت في مطبعة الحبل المتين في النجف الأشرف في 36 صفحة.(2/419)
9 - مختصر الكلام في وفيات النبي والزهراء والايمة عليهم
السلام
انتخبناه من كتاب الإيفاد لسيد العلماء الأعلام، حجة الإسلام، السيد محمد علي الشاه عبد العظيمي، دام ظله العالي.
طبعت في مطبعة (حبل المتين) في النجف سنة 1330 في 48 صفحة
10 - كتاب كشف الغواية، عن الكتاب المسمى بالهداية
(تأليف فريد العصر، وحيد الدهر، علامة زمانه، وفريد أوانه، العالم النبيل، والسيد الجليل،
السيد أسد الله المجتهد، الخارقاني.)
وفي آخر الكتاب الذي ينتهي في آخر الصفحة 94 يقول المؤلف: (تمت المقدمة وإنشاء الله (كذا) يليها الجزء الأول النجف الاشرف.
طبعت في مطبعة حبل المتين. (كذا) سنة 1329
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - أثمان الأطعمة في بغداد في هذه السنة وأثمانها قبل 15
سنة
إذا أردت أن تقف على أمر الغلاء في حاضرتنا قابل أسعار الأطعمة في هذا اليوم مع أثمانها قبل 15 سنة والنتيجة الآتية:
قبل 15 سنة كانت حقة الخبز (وهي عبارة عن أربعة كيلو غرامات) بغرشين ونصف من الغروش الصحيحة أما اليوم فبستة غروش
كان ثمن حقة لحم الغنم قبل 15 سنة 5 غروش صحيحة وأما اليوم فثمنها 24
كان ثمن حقة لحم البقر قبل 15 سنة 3 غروش صحيحة وأما اليوم فثمنها 18
كان ثمن حقة السمن (الدهن) قبل 15 سنة 16 غرشاً وأما اليوم فثمنها 40
كان ثمن حقة الية الغنم (اللية) قبل 15 سنة 12 غرشاً وأما اليوم فثمنها 36
كان ثمن حقة لسان واحد من ألسنة البقر قبل 15 سنة 1 غرش وأما اليوم فثمنها 5
كان ثمن حقة المعلاق قبل 15 سنة 20 بارة وأما اليوم فثمنها 3 غروش
كان ثمن حقة سمك البز قبل 15 سنة 4 غروش وأما اليوم فثمنها 18 غرشاً(2/420)
كان ثمن حقة السمك مهما كان 2 غرشين وأما اليوم فثمنها 10 غروش
كان ثمن حقة بالغاء الغنم الكاملة (طخم باجة) وهي عبارة عن راس ويدين ورجلين وكرش وأنفحة (شردانة) قرشاً ونصفاً واليوم 6 غروش.
كانت تباع 12 بيضة بغرش واحد صحيح وأما اليوم فتباع بثلاثة غروش
كانت تباع حقة الشعير بغرش واحد. واليوم بثلاثة غروش
كان ثمن حقة الأرز بثلاثة قبل 15 سنة بثلاثة غروش أما اليوم فتباع بستة ونصف
كان ثمن حقة الفاكهة (الميوة) بقرش واحد أما اليوم فتباع 3
كان ثمن حقة الخضراوات بقرش 1 أما اليوم فتباع 3
وقس على ما مر سائر ما يباع في الأسواق. وليس من يفكر بتعديل هذه الأثمان الفاحشة التي يتشكى منها كل الناس.
2 - الدعاء لنصرة جيوش الدولة
في الساعة الواحدة بعد ظهر نهار الاثنين 3 شباط اجتمع في ثكنة العسكر جميع من دعي من أمراء الجند ورؤساء الدواوين الملكية وجم غفير من الاهلين للدعاء لنصرة جيوش الدولة. فلما كانت الساعة الثانية قرأ الوازع (أمير الالاي) شكري بك عن لسان والي الولاية حضرة محمد زكي باشا خطاباً باللغة التركية ثم عقبه اثنان من طلبة العلم وتلوا خطابين عربيين ثم تقدم نقيب الأشراف وتلا دعاءً بليغاً حوى التضرع للبارئ سبحانه بنصرة الجيش العثماني على أعدائه ورددت الموسيقى ثلاثاً (ليعش سلطاننا كثيراً) وبعد ذلك مرت الجيوش بنظام تام ثم انتثر عقد الأنام.
3 - الأشقياء في قرفة وأبي غريب
في جوار قرفة وأبي غريب (في حدود ولاية بغداد من جهة الموصل) أشقياء أصلهم من أكراد الزنكنة (المعروفين عند العرب في سابق العهد ببني ساسان) (والدلو والطلبانية وقد شردوا من وجه الحكومة العثمانية التي تتاثرهم لجرائم اقترفوها أو لافتراءات خافوا سوء عاقبتها فأقاموا بين العشائر الإيرانية القريبة من التخوم العثمانية واتخذوا لأنفسهم الشقاوة صنعة ومورد رزق فكلما وجدوا فرصة دخلوا الحدود العثمانية من قضاءي خانقين(2/421)
وخراسان فقره تبه فأبي غريب حيث يصادفون القوافل القادمة من بغداد أو الذاهبة إليها فيقتلون بعض رجالها ويسلبون أموالها ويرجعون بغنائمهم إلى من حيث أتوا بدون أن تجد فرسان لدرك الوقت اللازم لتعقبهم وتنكل بهم. - ويبلغ عدد هؤلاء الأشقياء ثلاثين أو أربعين فارساً متمرناً على الرماية والفروسية ولهذا يحتاج القبض عليهم إلى قوة من جند الدرك أو النظامية تعادلهم أو تزيدهم عدداً وعدداً كما انه ينبغي أن تخصص هذه القوة بتأثرهم الأشرار بدون أن تشغل بعمل آخر غير أن مدير ناحية قراتبة واسمه عبد العزيز آغا وهو من عشيرة الزنكنة في هذا القضاء اخذ من رجاله هذه المرة الأخيرة بضعة عشر رجلا وأضاف إليهم ما لديه من فرسان الدرك وتأثر هؤلاء الأشقياء الأشرار بنفسه فاسترد منهم أموال قافلة بتماهها وقتل فرسين لهم ولكنهم نجوا منه لتفوقهم عدداً وعادوا إلى من حيث آتو.
ولقد سبق لهؤلاء الأشقياء الأشرار التعرض للقوافل بين السليمانية والصلاحية في سنكاو
قبل بضعة أشهر فقتلوا ضابطاً برتبة يوزباشي. وحبذا لو تعمل معاً ولايتا الموصل وبغداد لتتفقا على استئصال شافتهم ولا تدع أمرهم للقدر والقضاء فأن شرهم قد استفحل وصبر الأمة قد نفذ. حقق الله الأماني!
لمكاتب فاضل
4 - تصرم حبال الأحزاب في البصرة
اتفق أشراف البصرة وزعماؤها وأعيانها على أن يتركوا الأحزاب السياسية على اختلاف أنواعها وأن لا ينتموا إلى حزب أو جماعة وتعاهدوا على أن يكونوا يداً واحدة عاملة في حفظ الوطن وسلامته
5 - زيادة مياه الفراتين
زادت مياه دجلة والفرات في هذا الشهر اثر الأمطار الغزيرة التي وقعت في شهر كانون الثاني. وقد زاد الفرات زيادة كافية ليجري منه الماء إلى الحسينية إلا أن هذا الماء غير وافٍ بالمقصود(2/422)
6 - راتب ابن السعود
أبلغت الحكومة العثمانية مشاهرة الأمير عبد العزيز ابن السعود إلى 150 ليرة عثمانية
7 - قتل ناظم باشا والي بغداد السابق
ناظم باشا يعد من ولاة بغداد الكبار وقد أقرت الحكومة بفضله فقلدته أمراً ذا خطر في المملكة وهو منصب نظارة الحربية وقيادة الجيش العامة. وقد أنبانا البرق انه قتل في الأستانة في 24 من الشهر الماضي وقتل معه اثنان من حاشيته. ودفنوا جميعهم بأبهة عظيمة.
8 - مجتمعات المسلمين لخير الدولة
اجتمع المسلمون نهار الجمعة 7 شباط في جامع الشيخ معروف الكرخي وكان عدد العلماء المدعوين 33 وطلبوا إلى الله قهر أعداء الدولة. واحتشدوا أيضاً في الثكنة نهار الاثنين في 10 شباط وفي 19 منه أيضاً لهذه الغاية عينها.
9 - دعاء الإسرائيليين لنصر الدولة
اجتمع الإسرائيليون صباح 11 شباط في اعظم كنيس لهم ليطلبوا إلى الله نصر الدولة العثمانية فشهد الحفلة أكابر الإسرائيليين وسراتهم وفقراؤهم من رجال ونساء من شبان وشابات من أطفال وشيوخ وممن حضر الأدعية والي الولاية ووكيل آمر الموقع ورؤساء الدواوين العسكرية والملكية وبعد الصلاة انتثر عقد المجتمعين بكل هدوء وسلام.
10 - الدعاء في بيعة الكلدان
في نهار الجمعة 14 شباط اجتمع الكلدان في كنيستهم الكبيرة وتضرعوا إلى الله أن يوفق الدولة في مساعيها وأن يدفع عنها كل الضرر حقق الله الآمال.
11 - تخلية سبيل مشايخ عشيرة آل فتلة
ظهر اليوم للعيان بأدلة ناصعة أن مشايخ آل فتلة أبرياء مما اتهموا به وحالما اتضح الأمر لأصحاب الحل والربط أطلقوا من سجنهم في 13 شباط بإرادة سنية ونحن نهنئهم بهذا الفوز المبين ونطلب لهم إلى الله أن يحفظهم من كل ضرر ومن كيد الكائدين والمفسدين.(2/423)
12 - سفر المسيو بولس ب. يوينوي
في 15 شباط غادر مدينتنا الزارع العالم الأديب المسيو بولس ب يوينوي وهو شاب فاضل عارف بالزراعة حق المعرفة وقد أتى ديار العراق وما والاها ليبحث عن النخل وغرسه والعناية به. وقد أتى باسم جمعية تهتم بغرس النخل في بستان معروف باسم بساتين الهند الغربية في التادنا (من ديار كاليفرنية) وقد اخذ من بغداد 1300 تالة اغلبها من الزهدي (الازاذ) وهو يأخذ مثل هذا المقدار من البصرة. ويشتري أيضاً مقادير عظيمة من ديار مصر والجزائر مراكش وتونس. وقد غرس الأميركيون قبل 25 سنة شيئاً من نخل العراق فجاء على احسن ما يرجى ويؤمل. حتى أن حجم الجذوع زاد هناك عن حجمه هنا بكثير. وقد ألف الرجل المذكور مقالات في هذا الموضوع ونشرها في المجلات الأميركية. ولابد أننا نتعرض لذكرها. وقد علق في مذكرته أشياء كثيرة عن غرس هذا الصنف من الأشجار وله نية أن يدون كل تلك الفوائد في سفر ضخم. ويجمع أيضاً كل ما كتبه العرب في السابق. وقد أقام عندنا مقدار سبعة أسابيع مع أخيه. وكان أخوه قد سبقه
بأسبوعين إلى البصرة. أوصلهما الله إلى ديارهما بسلام!
13 - زيادة دجلة وضعف الأسداد
أخذت دجلة بالزيادة بعد تساقط الأمطار في هذا الشهر وفي الشهر المنصرم. والناس يخافون الطغيان لأن الاسداد غير محكمة الصنع. أعاذنا الله من الغرق.
ألفاظ عوام العراق
آشكاره
بمعنى واضح وبين وجلي تركية الأصل وهي كثيرة الاستعمال بمعناها الأصلي واغلبهم يقولون: اشكراه بتقديم وتأخير في الحروف.
آغا أو آقا
كلمة مشهورة واغلبهم يتلفظون بها بالهمز لا بالمد.
آغر آغر
تركيتان يستعملهما بعضهم بمعناهما أي رويداً رويداً
اقتارمة أو آقطارمة أو اخطرمة
هو النقل والكلمة من أصل تركي. أستعملها أصحاب المراكب. ويريدون بها نقل البضائع من مركب إلى مركب(2/424)
العدد 22 - بتاريخ: 01 - 04 - 1913
الكتابة في العراق
1 - تمهيد
اثبت اليوم علماء البحث والتنقيب أن الكلدانيين سكان وادي الرافدين دجلة والفرات هم اسبق الأقوام إلى وضع الكتابة على طريقة الأهجئة أو المقاطع. ثم ما عتم أن انتشر أسلوبهم بين اظهر الآشوريين لسهولته فاستطار بين الأجيال المنبثة في شمالي أرمينية وشرقيها. ثم بين الأمم المتوطنة ديار ماذية وشوشن وفارس. ولم يزل في انتشار، وامتداد وعيار، حتى عصور النصرانية الأول.(2/425)
هذا مجمل ما يقال في هذا الباب الواسع المجال، أو في هذا الموضوع الخطير البال. ولهذا يتمثل لك خيال وادي السلام بصورة شيخ جليل هو أبو الكتابة والكتب والكتبة، بيده قلم تتساقط منه رشاش مدادهِ على الطاباق والرق والورق والجدران ما خلد ذكر أمهات مدن العراق ابد الدهر. ومن هذه الحواضر (أور) (التي تعرف اليوم باسم المقير وهي مهجر إبراهيم الخليل) وأريدو (أي أبو شهرين ومعناها ذو البلدتين) واوروك (الوركاء) ونبور (نفر) وأما (جوخي) ومارو (أم العقارب) ونيسي (دريهم أو دليهم) ولجش أي تلو (المقصورة) عن تل اللوح وسبارة أو سفارة (البو حبة) ولارسا (سنكرة) وبورسبا (برس نمرود أو البرس) وكوثي ربَّا (حبل أو تل إبراهيم) ودور كوريجالزو (عقرقوف) والكوفة وبغداد والأنبار والحيرة وسامرا وغيرها مما يطول تعدادهُ.
ولجميع هذه المدن بل ولكل واحدة منها حصة وافرة من آداب لغة العرب القديمة والمخضرمة والحديثة والعصرية. ولهذا لا نغالي إن قلنا: العراق منبعث أنوار العلم ومصدر معارف البشر وملتقى الأقوام المتنورة وملتقط أنباء المؤرخين والأخباريين والأثريين والباحثين والمستقرين أصحاب التحقيق والتدقيق. تشهد على ذلك أوراقهم ومهارقهم ودفاترهم وأسفارهم ومؤلفاتهم صغيرها وكبيرها حتى أنها اكتظت منها.
ظل العراق حافلاً بالعرب الأولين حتى جاء الإسلام فكان العراقيون احفظ الأقوام باللغة الفصحى من غيرهم بها، وهي تلك اللغة لغة البطحاء وأم القرى، لغة قريش(2/426)
القبيلة الشريفة الكريمة السمحة ذات الجود والقرى.
العراق وأن لم يكن صاحب هذه اللغة ومنشئها إلاًَّ انه أبو آدابها؛ فهو الذي أفرغها في قالب لغة علمية وفسح لها موطناً بين سائر اللغات أخواتها وضرائرها، فكان هو أول مدرسة لها، بل مدرسة النبوغ، وأصبح يضم بين أحنائه وترائبه طوائف فنون الكتابة والكتاب وبين هؤلاء تجد النابغة الفذ، والمترجم النقاد، والخطيب المفوهّ، والكاتب المجيد، ذلك الكاتب الذي يجمع إلى كتابة الرسائل تصنيف الأسفار الضخمة وإنشاء صحف القضاء، ودواوين الجند، واوارجة الخراج، وجرائد المساحين، ودفاتر الشرطة.
الكتابة هي مبدأُ تلك الحياة العقلية، وجرثومتها العلمية. ولهذا يحسن بنا أن نحصر الكلام في دائرتها لكي لا يتسع الخرق علينا نقول:
2 - تطورات الخط أو أدوار الكتابة
للكتابة العربية تطورات شتى تنقلت فيها من حالٍ إلى حالٍ، وتلك الأطوار لا تشمل حياتها المادية فقط، بل حياتها الأدبية والعقلية وأشهرها ثلاثة مواقف وهي: موقف في الحيرة قبل ظهور الإسلام بردح من الزمن، وموقف في الكوفة، وموقف في بغداد والثلاثة كلها جمعاء عراقية صميمة كما ترى.
3 - الموقف الأول وهو طور الخط الحيري أو الانباري أو
الجزم
أما شهادة المؤرخين على الموقف الأول فقد نطق بها كثيرون من مؤرخي العرب الأقدمين، إلاَّ أننا نجتزئ بذكر شهادة أقدمهم وهو البلاذري فقد قال في كتابه فتوح البلدان (ص 471 من طبعة الإفرنج) ما هذا نقله (حدثني عباس بن هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن(2/427)
جده وعن الشرقي بن القطامي قال: اجتمع ثلاثة نفر من طيىء ببقة وهم: مرامر بن مرة واسلم بن سدرة وعامر بن جدرة فوضعوا(2/428)
الخط وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية، فتعلمه منهم قوم من أهل الانبار، ثم تعلمه أهل الحيرة من أهل الانبار. وكان بشر بن عبد الملك أخو اكيدر بن عبد الملك بن عبد الجنّ الكندي ثم السكوني صاحب دومة الجندل يأتي الحيرة فيقيم بها الحين، وكان نصرانياً، فتعلم بشر الخط العربي من أهل الحيرة، ثم أتى مكة في بعض شانه فرآه سفيان بن أمية بن عبد شمس، وأبو قيس بن عبد
مناف بن زهرة بن كلاب يكتب فسأَلاه أن يعلمهما الخط فعلمهما الهجاء. ثم أراهما الخط فكتبا ثم أن بشراً وسفيان وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة فصحبهم غيلان بن سلمة الثقفي فتعلم الخط منهم وفارقهم بشر ومضى إلى ديار مضر فتعلم الخط منهُ عمرو بن زرارة بن عدس فسمي عمرو الكاتب ثم أتى بشر الشام فتعلم الخط منه ناس هناك وتعلم الخط من الثلاثة الطائيين أيضاً رجل من طابخة كلب فعلمه رجلاً من أهل وادي القرى، فأتى الوادي يتردد فأقام بها وعلم الخط قوماً من أهلها.) اهـ
ومما تقدم بسطه ترى انه من الصواب سمي هذا الخط بالخط الحيري أو الانباري إشارة إلى معدن نقله أو وضعه أو تعلمه.
ويسمى أيضاً: (الجزم) إلاَّ أن العرب قالوا في سبب تسميته به قولاً جمعوا فيه الصحة إلى الضعف وقد لخصه صاحب القاموس بهذه الكلم: (الجزم هذا الخط المؤلف من حروف المعجم لأنهُ جزم أي قطع عن خط(2/429)
(حمير) فقوله جزم أي قطع عن خط آخر صحيح إِلاَّ أنه لم يصب في تعيين اسم هذا الخط بخط حمير. فالأصح الموافق للاكتشافات العصرية ولأقوال العرب أنفسهم هو أن يقال لأنه جزم عن خط السريان أي الاسطرنجيلي.
وأما الخط المسند أو خط حمير فهو خط آخر لا مشابهة ولا مناسبة له مع الجزم. والمسند عبارة عن حروف تكتب منفصلة بعضها عن بعض. وإنما نسب إلى حمير لما كان لملوكهم من النفوذ العظيم في العرب أو لأنه كان خاصاً بحمير فقط ومنهم اقتبسه سائر الناس في ديار الحبش وغيرها من البلاد المجاورة لليمن.
ولم تكن قريش تعرف المسند بل كانت تكتب بالجزم قبيل الإسلام ولذلك قال رجل كندي من أهل دومة الجندل يمن على قريش:
لا تجحدوا نعماء بشر عليكم ... فقد كان ميمون النقيبة أزهرا
أتاكم بخط الجزم حتى حفظتم ... من المال ما قد كان شتى مبعثرا
فأجريتم الأقلام عوداً وبداة ... وضاهيتم كتاب كسرى وقيصرا
وأغنيتم عن مسند الحيّ حميراً ... وما كتبت في الصحف أقلام حميرا
وما زال ذلك الخط يعرف بالجزم قبل الإسلام حتى اختط المسلمون (كوفة الجند) فأصبحت قاعدة تلك البلاد. فاستعمله أهلها فنزع منه لقبه الأول واشتهر بالكوفي. وهذا هو دوره
الثاني.
إلاَّ أنه اشتهر في ذلك العصر خط آخر هو أصل الخط النسخي المعروف في عصرنا هذا وهو الخط الذي كان يظن أنه من وضع ابن مقلة على أن مكتشفات المستشرقين والعرب العصريين فندت هذا القول القائل وقد(2/430)
ظهر للعيان أن للخط النسخي مشابهة عظيمة للخط النبطيّ الذي كان معروفاً عند تجار النبط في جوار سلع والبتراء ونواحيهما. وهذا الاكتشاف يحدو بنا إلى أن نقول أنه كان قبل ظهور الإسلام خطان عند العرب: خط له مشابهة كلية للآرامي الاسطرنجيلي وهو المعروف بالجزم وكان يكتب به العرب المجاورون لديار العراق. وخط كان له مناسبة بينة لخط الأنباط وهو الخط النسخي. وكان يكتب به العرب المجاورون لديار الشام وكان يعرف بالخط الجليل (عن القلقشندي) وقد أشار إلى وجود هذا القلم الأخير ابن النديم في كتابه إذ يقول: أول من وضع الخط العربي. . . قوم من العرب العاربة نزلوا في عدنان بن ادّ. . . فلما استعربوا وضعوا الكتاب العربي. . .)
وأما وجود مثال من الخط العربي النسخي قبل الهجرة فظاهر مما يحرز في دار الكتب الخديوية وقد كتب على البردي أو على الخشب أو على نحوهما مما لا يبقي ريباً في هذه الحقيقة التي أصبحت في قيد الحقائق المكينة التي لا تتزعزع. ونسبته إلى ابن مقلة خطأ اللهم ألاّ أن يقال لأنه حسنه وصوره على أبدع صورة فيجوز ذلك من باب التوسع في وضع معاني الألفاظ لا من باب الحقائق التاريخية المقررة.
4 - الموقف الثاني وهو طور الخط الكوفي
كانت الغاية من وضع الخط تقييد ما يراد إثباته على تراخي أستار الأزمان أو اطلاع آخر على فكر الكاتب أن كان بعيداً عنه أو قريباً منه أن زماناً وأن مكاناً فكان رسم الحروف أو نقشها أو حفرها ليس من الشان في شيء. وكان كاتب النعمان بن المنذر وغيره من زعماء العرب لا يعرفون(2/431)
إلاَّ خط رسائل الملوك ورقعهم المنفذة إلى العمال. ولم تكن كتابتهم كتابة تدوين العلوم لأنها كانت يومئذٍ تابعة لحالة أدب العرب وكان اغلب العرب عهدئذٍ لا يعنون بشؤون العمران والتمدن إلا عرب اليمن فانهم كانوا أرقى حالاً وحضارةً من سواهم.
فلماذا دان العرب بالإسلام وانتشر في البلاد هو والقائمون به واحتاج المسلمون إلى مجاراة
الأمم الراقية المعاصرة لهم رفضوا تلك السذاجة والبداوة وطرقوا بابي التدوين والتأليف ولا سيما من احتل منهم ديار الشام والعراق ومما اضطروا إلى وضعة كتب القضاءِ ودواوين الخراج لوجود الذميين في بلادهم وتقييد ما يؤخذ منهم لكي لا يعودوا إلى أخذه ثانية حفظاً لذمتهم من مال الظلم والخداع.
لبثت الكتابة بعيدة عن الترجمة في بادئ الأمر لأن العرب لم يكونوا قد احتكوا بعد بأمم العالم احتكاكاً تاماً. بل كانوا في بدءِ الاختلاط لا يعرفون الحضارة ولا ضخامتها الزاهرة فصح لنا أن نسمي الخط الكوفي (بخط الفتوح والانتشار) لا خط الفن والعلم لأن حظه من ذلك الاسم أوفى وأوفر. ألم تزل اغلب الآثار العربية الإسلامية في شرق البلاد وغربها بالخط الكوفي كما أن اغلب المخطوطات القديمة هي بالخط النسخي الذي حسنه ابن مقلة فصار خط العلم والأدب، خط الإنشاء والتحرير، خط التنميق والتحبير. وهذا هو طور الكتابة الثالث.
الموقف الثالث وهو طور الخط النسخي
قد تقدم القول على أن النسخي كان معروفاً قبل الإسلام لكنه لم يكن(2/432)
شائعاً إلا في شمالي جزيرة العرب من جهة ديار الشام. فلما اخذ العرب بالتبسط في العمران ورأوا صعوبة الخط الكوفي، ولا سيما عدم انقياده لسرعة الكتابة إجابة لسرعة الخاطر، عدل الناس عنه إلى الخط النسخي وكان ذلك في أواخر خلافة بني أمية وأوائل خلافة بني عباس على ما نقله القلقشندي في كتابه (صبح الأعشى في كتابة الإنشاء) المطبوع منه الجزءُ الأول في مصر القاهرة. ثم قال: (أن كثيراً من كتاب زماننا يزعمون أن الوزير أبا علي بن مقلة (المتوفى سنة 328هـ - 939م) هو أول من ابتدع ذلك وهو غلط. فأنا نجد من الكتب بخط الأولين فيما قبل المئتين ما ليس على صورة الكوفي بل يتغير عنه نحو هذه الأوضاع المستقرة قال أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب: يقال أن جودة الخط انتهت إلى رجلين من أهل الشام يقال لهما: الضحاك واسحق بن حماد وكانا يخطان (الجليل) (قلنا هو هذا الخط النسخي في أول عهده نقلا عن الأنباط). قال صاحب إعانة المنشئ: وكان الضحاك في خلافة السفاح أول خلفاء بني العباس وإسحاق بن حماد في خلافة المنصور والمهدي. . . وانتهت رئاسة الخط بمصر إلى طبطب المحرر جودةً وأحكاماً. . . وكان أهل مدينة
السلام يحسدون أهل مصر على (طبطب) و (ابن عبد كان) يعني كاتب الإنشاء لابن طولون. ويقولون: بمصر كاتب ومحرر ليس لأمير المؤمنين بمدينة السلام مثلهما.
قلت (أي القلقشندي) ثم انتهت جودة الخط وتحريره على راس الثلاثمائة إلى الوزير أبي علي محمد بن مقلة وأخيه أبي عبد الله. قال صاحب(2/433)
إعانة المنشئ: وولدا طريقة اخترعاها؛ وكتب في زمانهما جماعة فلم يقاربوهما وتفرد أبو عبد الله (بالنسخ)؛ والوزير أبو علي (بالدرج). وكان الكمال في ذلك للوزير وهو الذي هندس الحروف وأجاد تحريرها وعنه انتشر الخط في مشارق الأرض ومغاربها. . . ثم اخذ عن ابن مقلة محمد ابن السمسماني ومحمد بن أسد وعنهما اخذ الأستاذ أبو الحسن علي بن هلال المعروف بابن البواب المتوفى سنة 413هـ - 1022م وهو الذي اكمل قواعد الخط وتممها واخترع غالب الأقلام التي أسسها ابن مقلة. . . وممن اخذ عنه محمد بن عبد الملك وأخذت الشيخة المحدثة الكاتبة زينب الملقبة بشهدة ابنة الابري. وعنها اخذ أمين الدين ياقوت. اهـ
ثم نبغ بعده أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي المتوفى سنة 622هـ (1225م) ووليه أبو الدر ياقوت المستعصمي المتوفى سنة 698هـ (1299م) ومنذ ذاك الحين اشتهرت الأقلام المختلفة ونبغ بكتابتها ورسمها جماعة منهم عبد الصيرفي ويحيى الصوفي والشيخ احمد السهروردي وغيرهم يطول ذكرهم على غير طائل.
الشيخ محمد سعيد السويدي
-
الشيخ محمد سعيد بن احمد بن عبد الله السويدي ولد في سنة 1180هـ - 1766م. وكان أحد مرشدي الطريقة النقشبندية. وقد برع في العلوم سيما في التصوف منها واخذ الطريقة فيه عن الشيخ خالد. والعلم عن والده وعمه الشيخ عبد الرحمن وغيرهما ودرس مدة مديدة في مدرسة(2/434)
جامع داود باشا في جانب الكرخ قرب مقام الخضر. وله مؤلفات منها: كتاب إيصال الطالب للمطلوب في التصوف. منه قوله عن لسان القوم في مدح النبي (ص).
علامات إخلاص الثناء لها رفع ... لجزم انخفاض السؤل أو نصب المنع (؟)
علانية ينجاب في مظهر الخفا ... سناها إذا في المصطفى خصها السمع
عنان العلى عهدا لولا شافع الملا ... مزيح البلى محيي البلا لو بلا النفع
وكانت وفاته في سنة 1246 هـ - 2 آذار: 1831م ودفن في جوار الشيخ معروف الكرخي ولم يعقب سوى ولدين وهما الشيخ نعمان واحمد.
8 - الشيخ محمد امين السويدي
-
هو أبو الفوز محمد أمين بن علي بن محمد سعيد بن عبد الله السويدي.(2/435)
ولد في أواخر سنة 1200هـ - 1786م واخذ العلم عن والده وعن الشيخ علي الموصلي وعن فحول زمانه واشتغل بالتأليف في حياة والده وهو ابن خمس وعشرين سنة فألف التآليف المفيدة وهو اكثر السويديين تصنيفاً. منها: كتاب الجواهر واليواقيت في معرفة القبلة والمواقيت. وكتاب التوضيح والتبيين شرح كتاب والده العقد الثمين في العقائد. وكتاب الكوكب الزاهر في الفرق بين علمي الباطن والظاهر. وكتاب الصارم الحديد في عنق صاحب سلاسل الحديد رداً على الأثني عشرية. وكتاب معين الصعلوك شرح السير والسلوك في التصوف. وكتاب سبائك الذهب في انساب العرب وقد طبع على الحجر في بغداد سنة 1280 وكتاب المواهب الإلهية شرح قصيدة البوصيرية مع تخميسها لوالده. وكتاب قلائد الفرائد شرح المقاصد للإمام النووي. وكتاب السهم الصائب في الرد على من طعن في حضرة الشيخ
خالد وكتاب فتح المنان في مواعظ شهر رمضان وكتاب مختصر التحفة الأثني عشرية للحافظ غلام مليح الدهلوي. وكتاب شرح تاريخ ابن كمال باشا. وشرحان على مقاصد الإمام النووي أحدهما مطنب والآخر موجز. وشرحان على متن التعرف في الأصلين والتصوف واحد مطول والآخر مختصر سمي المطول منهما وقلائد الدرر في شرح رسالة ابن حجر. وكتاب التحفة المرضية مختصر الترجمة العبقرية. وله رسائل في كثير من الفنون منها: رسالة في إجازة الوقف مدة طويلة. ورسالة على عبارة الدر في الأوقات المنهية للصلوة فيها. ورسالة على عبارة من تفسير الإمام البغوي في بحث(2/436)
الحمد. ورسالة في شرح تاريخ معمي. ورسالة في الانتقاد على ما في الأحياء من الأحاديث. ورسالة في الواجب. ورسالة تشتمل على ثلاثة أجوبة في النحو والكلام والفلسفة. ورسالة عن سوال بعض الصوفية في بحث الاقتداء. ورسالة في حل لغز بهاء الدين. ورسالة في حل لغز في الموم. ورسالة في حل عبارة القاموس في بحث ورد الإبل. ورسالة في حل لغز في الماشة. وله أرجوزة في هجو الفلاسفة وردهم. وله مقامات بليغة وشرح الغاز عالية. ورسالة في المولد النبوي. ورسائل أخرى في كثير من المسائل الفقهية غاب عنا أسماؤها وله شعر منه قصيدة في مدح النبي (ص) مطلعها:
سما في امتداح المصطفى الفكر والحدس ... وراق رقيق الشعر واتقد الحس
وكانت وفاته في سنة 1244هـ - 1828م وقد قرأت في بعض المجاميع أنه توفي سنة 1246هـ - 1830م في قرية بريدة إحدى قري نجد ودفن فيها وذلك عند رجوعه من الحج ولم يعقب ابناً.
9 - الشيخ عبد الرحيم السويدي
-
هو عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله السويدي. ولد في بغداد سنة 1175هـ - 1761م واخذ العلم عن أبيه وعن عمه الشيخ علي. وعن الشيخ محمد الكردي وعن غيرهم من فطاحل زمانه. وكان سلفي العقيدة له اليد الطولى في سائر العلوم سيما في الحديث منها. وله مؤلفات منها: كتاب أقوم المسالك في شرح كتاب عمدة السالك في فقه
الإمام الشافعي. وحاشية وشواهد على شرح قطر الندى في النحو وقد طبعت مع(2/437)
الأصل في بغداد سنة 1329هـ ورسالة في علم الكلام وله شعر منه قوله من قصيدة في الإمام علي بن أبي طالب (ع).
حثثنا عتاق الخيل تستبق الطرفا ... فاكرم به سيراً واكرم به طرفا
فلما توسطنا الطريق أنار من ... منار علي نيرٌ قط لا يخفى
فصرنا نقد البيد طياً لنشرها ... خطاً ما خطت بل خط في اجرها لفا (الخ)
وكانت وفاته في بغداد سنة 1327هـ - 1821م ودفن داخل جامع الشيخ معروف الكرخي.
10 - الشيخ سليمان السويدي
-
هو سليمان بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله السويدي. اخذ العلم عن الشيخ احمد السويدي والشيخ رسول بن احمد الشهير بالشوكي والشيخ عبد الرحمن الكردي وغيرهم. وله مؤلفات منها: كتاب الفوائد السنية شرح مختلطات الشمسية ورسائل لم تحضرنا أسماؤها. توفي في بغداد سنة 1230هـ - 1814م ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي ولم نعثر على تاريخ ولادته.
هذا ما حصلنا على جمعه من مآثر السويديين وأحوالهم وقد جمعنا جميع ما نشرناه من عدة مجاميع متفرقة وكتب وعلى ما علمنا أننا لم نترك من مؤلفاتهم سفراً إلا ذكرناه ولم نبق من رجال السويديين أحداً من الذين ألفوا إلاّ دوناه سوى رجلٍ واحدٍ منهم لم يعرف بالتأليف إلا أنه عرف بالفضل والنبل والتقوى وهو الشيخ نعمان بن محمد سعيد بن احمد بن عبد الله السويدي وهو والد حضرة العالم الفاضل الجهبذ السري الشيخ يوسف أفندي السويدي(2/438)
أحد أعضاء مجلس ولاية بغداد الحالي. ومن أحفاد الشيخ نعمان: الأدباء الفضلاء إبراهيم ناجي أفندي قائم مقام النجف الحالي وعارف حكمت أفندي قائم مقام الكوت الحالي وعلي ثابت أفندي كاتب معية (أي حاشية) الولاية وسليمان توفيق أفندي طالب في مكتب الحقوق في باريس وكلهم أولاد الشيخ يوسف أفندي السويدي. حفظهم الله جميعاً ووفقهم لما فيه نفع الأمة والوطن.
وكان الشيخ نعمان المتقدم الذكر اسمر اللون طويل القامة من السالكين في الطريقة النقشبندية.
وكانت ولادته سنة 1215هـ - 1800م وقد توفي صبيحة يوم الثلاثاء قبل طلوع الشمس لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رجب سنة 1279هـ - 10 كانون الثاني 1863م ودفن في مسجد الشيخ معروف الكرخي قريباً من الحرم عن يمين الداخل إليه. عطر الله ثراه واكرم مثواه.
كاظم الدجيلي
كتب القراءة
وطريقة التدريس عند الشيعة في العراق
1 - مدخل البحث
العلوم التي يدرسها الشيعة في العراق اغلبها دينية، وغير الديني منها قليل قارئوه. وربما قرأ أحدهم علماً من الرياضي كالحساب ليفهم به مسألة فقهية حق معرفتها.
2 - كثرة كتب الدين عندهم وسببها
يقدرون الكتب الدينية اكثر من غيرها، كما أن للعالم الديني مؤثراً قوياً في تكييف اجتماعهم، فهو مقدس الإرادة اكثر من كل وازع. وقد اكثروا(2/439)
من تصنيف هذه الأسفار لفرط عنايتهم بأمور معادهم ولشدة مقاومتهم لمن ناوأهم في القرون الخالية. وأنت تعلم أن المقاومة تستثير القوى الكامنة. ولذا يشتد الضعيف عندما يحاول غيره أن يقهره ويذله.
3 - مدن دور العلم
ولا بد لهم (ولا يزال ذلك إلى الآن) مدينة يسمونها (دار العلم) يهاجرون إليها من أطرافهم الشاسعة لدرس هذه العلوم. فاصفهان وحلب والحلة وقم (كن دور علم)، والنجف هي الآن من دور العلم لهم. فهم يتهافتون إليها من البلد النازح ولعلنا نكتب شيئاً عنها في دفعةٍ أخرى.
4 - كتب التدريس وكتب القراءة
ومن كتبهم هذه ما يدرسونه، ومنها ما يرجعون إليه. وكتب القراءة ما برحت في تغير وتبديل. وبالأخص كتب الفقه والأصول. فأن المجتهد إذا أصبح ذا نفوذ وعمت كلمته درس كتابه وأشاعه على نسبة ما له من المنزلة. فأن استحسنه أهل عصره بقي وإن مات مصنفه. وإلا مات بموته.
أما الشرائع وشرح اللغة لنجم الدين المحقق ولزين الدين الشهيد الثاني من كتب الفقه فأنها قاومت كل جديد وقتلت من نازعها فعمرت وغمرت.
5 - أسلوب التدريس
التدريس يكون أما في الكتاب بأن يشرح الأستاذ للتلميذ عبارته ويوضح غامض معناه فيسمونه (القراءة السطحية). وأما أن يتواطأ الأستاذ والتلامذة على كتاب مخصوص وينظرون مسئلة معينة منه ثم يأتي مجلس الدرس الأستاذ والتلامذة فيجتمع هؤلاء حول ذاك فيلقى عليهم نفس المسئلة يعرض عليهم رأيه فيها ولا ينفضون إلا وقد تبين لهم الأمر فيسمونه (الحضور الخارجي) والطالب ما لم يفرغ من كثير من (السطوح) لا يستفيد من هذه الدروس. واليوم لا يدرسون هذا التدريس إلا الفقه والأصول.
6 - العلوم التي يدرسونها
أما العلوم التي يدرسونها في هذا العصر فأول ما يقرءونه النحو والصرف والكتب التي يقرأها عرب الشيعة في ذين العلمين غير ما يقرأها فرسهم.(2/440)
أما كتب العرب فأول ما يقرأ الطالب: كتاب الاجرومية، وهو متن صغير في النحو لابن آجروم المتوفى سنة 723هـ (1323م) والتصنيف حسن جداً. لكن الأطفال قد مسخته وشوهت ديباجته بما أضافوا إليه وما نقصوا منه لما انتهت نوبته إليهم. وبالجملة ليس لابن آجروم في كتابنا الحاضر إلا ترتيبه إذ لا تكاد تجد نسختين منه متفقتين في ما تحتويان من المسائل.
ومن بعده (شرح قطر الندى) لابن هشام وهو كتاب جامع لكثير من أبواب النحو. والشيعة تقرأه منذ أزمان طوالٍ. فقد قرأه الشيخ يوسف البحراني على علي بن عبد الصمد سنة 1137هـ (1724م) كما في لؤلؤة البحرين والروضة لابن شفيع.
ومن بعده (شرح الخلاصة) لابن الناظم وهو كتاب طويل يخسر فيه الطالب شطراً من عمره على غير جدوى. وقد قرأه ومتنه الشيعة من قديم. ففي إجازات البحار وفي منبع الإفادات تاج الدين عبد العلى قرأ علي محمد بن مكي الشهيد الأول كتاب الخلاصة لابن مالك سنة 770هـ (1368م) وهو يرويه عن مصنفه. وكذا الشيخ يوسف البحراني قرأ الشرح لابن الناظم سنة 1138 هـ (1725م) على أستاذ قرأه على آخر إلى المصنف. وفي السلسلة عدة من الشيعة كما في اللؤلؤة.
والكتاب إذا قرأه عالم عصره يعلم أنه كتاب يدرس فيه. ومع هذا الشرح يقرءون شرح
النظام في الصرف وقد يقرءون قبله كتاباً صغيرة في التصريف والصرف إلا أن الطالب لا يحتاج إلى قراءتها إن أتقن ما تقدم لما فيه من القواعد التصريفية والصرفية التي تكون كمدخل لهذين التاليفين. أما إذا أنهى الخلاصة فقد قرأ شيئاً كثيراً من الصرف فأن في آخرها باباً له. والواجب أن لا يقدم النحو عليهما. إلا أن عادتهم على خلافه.
ومن بعد هذا يأخذون كتاب المغني لابن هشام ويقرءون من الباب الأول وشيئاً من الثاني واكثر الرابع واكثر ما في هذه الأبواب ليس من النحو في شيء. فالباب(2/441)
الأول معجم صغير في اللغة ذو خطة مخصوصة وأما الثاني والثالث فكل ما فيهما جدال ونزاع ونقض وإبرام وعلل باردة يتعلم الطالب منها الجدل العملي اكثر من النحو. وقد قرأه الشيعة من قبل كما جاء في عدة من إجازات علمائهم. ومنهم الشهيد الأول قرأه وهو يرويه عن مصنفه.
وكانوا قبله يقرءون (النكت) في النحو وقد قرء على ابن زهرة سنة 583هـ (1187م) (واللمع) لابن جني وقد قرء على علي محمد بن مكي سنة 770هـ (1368م) (والكتاب) لسيبويه وقد قرء على محمد بن إبراهيم وهو يرويه عن مصنفه.
وأما الفرس منهم فيقرءون (جامع المقدمات) وهو مجموعة كتب فيه (عوامل) الملا محسن (والنموذج) للزمخشري (والصمدية) وغيرها من كتب التصريف والصرف والنحو. ثم شرح السيوطي لخلاصة ابن مالك. ثم شرح الجامي. فلا يفرغ هذا العربي والفارسي إلا وقد دفنا شبابهما في أعماق مغالطات واعتراضات قليلة الجدوى. وبعد هذا كله لا ترى هذين العلمين الآليين في دماغيهما إلا كالسيف في يد الخطيب.
ومن عجيب أمر علم النحو أن لكل من المصري والتركي والهندي طريقة خاصة غير طريقة الأخر.
ثم يشرع الطالب في علم المنطق ولا يقرأ من كتبه عندهم إلا حاشية الملا عبد الله وشرح الشمسية لقطب الدين. وإذا أراد التوسع قرأ شيئاً من شرح المطالع. وهذان الشرحان من الكتب التي كانوا يقرءونها سابقاً فقد قرأهما عبد الصمد والد البهائي على الشهيد الثاني سنة 959هـ (1551م) وكثير من علمائهم. وكانوا يقرءون (الجوهر النضيد) للعلامة ابن المطهر. - وهذا العلم قد حرمه جماعة من المسلمين حتى شاع بينهم: (من تمنطق فقد
تزندق)
ويقرءون مع هذا العلم بعض الرسائل الفقهية كالتبصرة للعلامة، والرسالة التي يضعها عالم الوقت لمقلديه ويسمونها (رسالة عملية) وبعد هذا يقرءون علم المعاني والبيان. ولا يقرءون من كتبه إلا المطول للتفتازاني واكثر الطلبة لا يقرأ(2/442)
علم البديع منه وكان سلفهم يقرأ في هذا العلم (الفوائد الضيائية) وشرحها للمرتضى. وشرح المفتاح للسيد الشريف. والمطول. وهذا الأخير قرأه بن أبي جمهور الاحسائي سنة 900هـ (1494م) والشيخ يوسف البحراني كما في إجازتيهما وغيرها من علمائهم.
ولي كلمة أقولها في هذا الكتاب وهي: إن عبارته أشكل من معناه، وفيه من النحو وفلسفته والمنطق وأدلته وغيرهما من العلوم اكثر مما فيه من علمي المعاني والبيان.
ومعه يقرأ كتاب الشرائع في الفقه للمحقق وهو الكتاب المشهور عند الشيعة ذو الحواشي والشروح الكثيرة. ثم يشرع في أصول الفقه وأول كتاب يقرءونه منه (كتاب المعالم) للشيخ حسن وقد يقرأ قبله (المبادئ والمعارج) وكتاب المعالم فصيح العبارة سهل المأخذ يقرأ منذ أن صنف إلى اليوم. ثم الكتاب الأول من (القوانين) للميرزا القمي ويقرءون معه (شرح اللمعة) في الفقه. وهذا في المنزلة عندهم كالشرائع. ثم كتاب الرسائل في الأدلة العقلية للشيخ مرتضى الأنصاري. وهو العمدة في كتب الأصول. ويقرءون معه من كتب الفقه أما (الرياض) وأما (كتاب المكاسب) لهذا الشيخ. والرسائل والمكاسب كتابا نظر واجتهاد لا يتقنهما الطالب إلا بعد الكد والاشتغال الكثير. أما اليوم فقد شاع بينهم (كتاب الكفاية) للشيخ الأعظم الملا كاظم الخراساني. والكفاية كتاب رغب مشتغلوهم فيه لاختصاره وكثر مسائله وجودة مطالبه وصحتها. وهو جزءان: جزء في مباحث الألفاظ وآخر في الأدلة العقلية وقد قرأه عدة من المشتغلين وتركوا كتاب القوانين وقد طبع طبعة خامسة في إيران وبغداد. وفي ظني أنه بعد سنين يكون عليه المدار في علم الأصول. إلا أن عبارته مغلقة إلى الغاية ولو حرر هذا الكتاب وأفرغت مسائله في عبارات سهلة لما قرء غيره من كتب الأصول.
7 - حضور الدروس
إن كان الطالب من ذوي الاجتهاد والتحصيل حضر الدروس الخارجية(2/443)
فقهية كانت أو أصولية من حين قراءته للمعة والقوانين وألا حضرها بعد أن يفرغ من درس كتاب
القراءة. ويبقى إلى أن يحصل على ملكة استنباط الفروع من الأصول وعند ذلك يكون مجتهداً.
8 - كلمتي الأخيرة
هذه هي الآن طريقة التدريس وكتب القراءة عند الشيعة في العراق وقد يقرءون كتاب شرح التجريد للقوشنجي. أو شرحه من علم الكلام للعلامة. ولما لم تتوقف مرتبة الاجتهاد على درس هذا العلم لم يكن من العلوم التي يجب قراءتها على الطالب. والشيعة كانت تقرأ قبلاً كتب أخبار أئمتهم الأربعة: الكافي، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب. حتى أني لم اقرأ إجازة من إجازات علمائهم السالفين إلا ورأيت المجاز قرأ على المجيز هذه الكتب أو أجازه روايتها عنه إلا ما ندر والنادر كالعدم. أما اليوم فلا يقرأ منها شيء. وكذا قل عن كتب التفسير فقد كانوا يقرءون سابقاً (مجمع البيان). أما هذه الأيام فلا يقرءونها. وكذا علم التجويد فقد رأيت عدة من علمائهم كانوا يقرءون (الشاطبية)
وغيرها من كتبه أما اليوم فقليل قارئوه.
النجف: عراقي
عش وحيداً
تجرد ما استطعت وعش وحيدا ... إذا ما رمت أن تحيى سعيدا
أرى الإنسان في دنياه يشقى ... إذا هو لم يعش فيها فريدا
فأن سدت الورى وافاك هم ... لأنك قط لا ترضى العبيدا
وإن تك بينهم عبداً ذليلاً ... تجد مولاك جباراً عنيدا
فإرضاء الخلائق ليس سهلاً ... ولو أفنيت دونهم الوجودا
لأن الخلق مختلفون طبعاً ... وطبعاً أن ترى فيهم جحودا
محال أن ترى في الدهر خلاً ... وفياً عن ودادك لن يحيدا
فكم من صاحب لي بعد عهد ال ... مودة والاخا نكث العهودا
وصفو العيش تلقاه إذا ما ... تركت الأهل والخل الودودا
وجبت الكائنات وأنت حر ... إلى حينٍ به تلقى اللحودا
وليس بضائر إن قيل هذا ... غدا متوحشاً عنا شرودا
إبراهيم منيب الباجه جي(2/444)
المرأة المسلمة والتربية
لا ريب في أن المرأة أدرى من الرجل في التفكير في المستقبل؛ وليس المراد بها المرأة العديمة التربية والعلم، التي يكون منها دثور البيت لا تعميره ومنبع التعاسة والشقاء في الأولاد لا سعادتهم، بل نريد بها المرأة الأديبة صاحبة التربية الحسنة ذات الأخلاق الفاضلة فهذه هي التي يجدر بها الالتفات، هذه هي التي تستحق أن تحل في قلب الرجل، وأما إذا كانت عديمة الآداب والمعرفة منحملة عن مكانة الشرف والإنسانية فليست هي متعة وظيفتها النسائية ولهذا إذا رأينا عدم اعتناء الرجل بالمرأة الجاهلة وعدم استشارته إياها فذلك لما كسبت يداها.
وعليه كل امرأة أرادت أن تحفظ وظيفتها النسائية يجب عليها درس العلوم والآداب (قال نبي الإسلام) العلم فريضة على (كل مسلم ومسلمة) ويجب انتباه الأبوين إلى ذلك لأن الشيء الذي يحط قدر ابنتهما عن حالق ليس إلا الجهل.
أن التهذيب والتربية الصحيحة من الأمور الضرورية للأم لأن عليها قوام البيت وتربية نشئها الصغار قابلون لأن يتخلقوا بأخلاق كثيرة وأدنى سجية يعتادها ترسخ في أطباعه فإذا كان يحفظ خصالاً رديئة وتربية فاسدة وقد نشأ وبلغ (درجة الرجولة)، فلا يمكن أن تجتث تلك من أصولها وتزول عنه فإذا ترك والحالة هذه ونشأ على تلك الأخلاق الفاسدة والطباع المنحطة يفسد بفساده الكون فنتج أن تعليم المرأة أمر ضروري اكثر من تعليم الرجل.
المرأة العاقلة هي الحارس الأمين على الأولاد ومن الواجب اعتبارها كثيراً (لأن على ركبتيها تربية العالم) وعليها مدار الكون فالأب هو عضو القوة والعمل ونائب الأسرة (العائلة) ورئيسها فعلى الأب أن يقيدها في الأمور الخارجية ويجتهد على حفظها وعزها وأما المرأة فوظيفتها: المثابرة على الأمور الداخلية وغرس الآداب والسلام في قلوب من يحيط بها ويحوم حولها.(2/445)
إن الرجل بقطع النظر عن المرأة غير كامل، كما أن المرأة ناقصة بدون الرجل ولا يكمل كل واحد منهما إلا إذا اجتمعا ويتقلد كل منهما وظيفته المنوطة به بدون اختلاس وظيفة الأخر.
أن البارئ قد أعطى كلا منهما خصائص ومميزات وبنى لكل جسماً يوافق استعمال
وظيفته: أعطى الرجل القوة والحماسة والجسارة والأقدام والثبات والوقار والأشغال الطبيعية الشاقة وأعطى المرأة اللطف وحركة الأفكار والإحساس الدقيق السريع والشعور الحي والحياء وقواها على الأعمال البيتية. فسعادة الرجل والمرأة أن يشغل كل منهما حيزه بدون اختلاس في الوظائف وتبادل في الأعمال وإذا تبادلا الأعمال والأشغال يحصل الاضطراب ويضمحل البناء ويخرب البيت وهذه كلها من النتائج اللازمة لتلك المقدمة وهاأنا امثل لك ذلك:
أن الرجل لو أعطي الحياء والمرأة أعطيت الجسارة فماذا يحدث في بيتهما؟ قلنا لاشك انه يتلاشى.
فآداب النساء هي عيوب للرجال نوعاً ما. فعلى المرأة أن تحفظ هذه المواهب وتمشي على سننها فالمرأة الأديبة الكاملة ليست هي الصامتة التي لا تبدي كلاماً قط؛ إنما المرأة الأديبة من كان حديثها بغاية العذوبة والرقة والظرف ومع ذلك لا يمكننا أن نقف على (الحقيقة) بالاختبار الشخصي أو الشفاهي إذا ليس الاختبار وحده علامة راهنة لمعرفة الآداب فيها بل أن أكبر علامة راهنة تكشف لنا الحقيقة فيها هي خصال أسرتها (عائلتها) وخصوصاً الوالدة فأن أخلاق الأباء تتصل بالبنين - وأما الآداب فأنها أيمر وراثي إذ تنتقل من الأباء إلى البنين.
أن الذين لهم عيال وليس لهم روابط قوية تربطهم بالآداب المحكمة هم اقرب إلى الرذائل منهم إلى الفضائل فلذلك يجب أن نتفكر بمستقبل هذه العائلة وأول فكر يخطر بهذا الخصوص هو الخطوة الأولى في الحياة وفي السير إلى المجد والشرف والارتقاء فالرجل الذي يفتكر في عائلته رجل شريف والعائلة التي تهتم بفردها عائلة شريفة ومن سلب هذه الحالة فأن الشرف بوادٍ وهو بواد.
نحن لا نبحث عن معنى العائلة اللغوي بتاتاً فهي جماعة صغيرة تتألف من والد ووالدة من بنين وبنات فلا جل أن يكون لها شرف ينبغي أن تكون الرابطة قوية(2/446)
ينبغي أن نتذكر دائماً فنبث فيها التربية الصحيحة (ينبغي لكتابنا وعلمائنا ومدرسينا) أن يأتوا بالأساليب المهذبة للعائلات لتصلح في المستقبل تربية النشء الجديد وعلى الأخص البنات (والقرآن المجيد) يتكفل ببيان هذا المعنى فأنه (يوصي بالوالدين إحساناً وبالبنين تربية حسنة).
أن اعظم شيء فيما أظن يقوي روابط العائلات هو التذكر أنه لا يليق بالحي إلا أن يكون عضواً نافعاً غير مهمل فمتى اعتقد المرء هكذا بنفسه تذكر أنه يجب عليه أن يصلح ما لديه من ولدٍ وزوجة ليجعلهم نافعين صالحين فأنا إذا أكثرنا النصح والتأليف والكتابة بهذا الصدد يكون مستقبلنا احسن من ماضينا لأن ماضينا غير محمود، ماضي الجهل، ماضي لعب الأطفال بالأزقة والطرق، ماضي جهل البنات بتدبير المنزل، ماضي جهل الوالدين بحفظ صحة الأبناء.
أما المستقبل فيكون خيراً بفضل تقوية هذه الروابط واحب أن اذكر أن هذه الروابط لما كثرت في (أمة الإنكليز) كانت من الرقي والحياة بمكان لم يتسن لشعب أو أمة أن ينال مثله فالأمة الإنكليزية هي على ما تعلمون في سير حثيث إلى الأمام فانظروا كيف يجب أن تتعلم البنات، كيف يجب أن يتهذبن، ولكن يجب أن يحدد تعليم البنات، لأن الكلمة مطلقة المعنى فينبغي أن لا ترسل إرسالاً بل تحدد تحديداً.
بناتنا يجب أن يتعلمن تدبير المنزل، يجب أن يتعلمن القواعد العربية والتاريخ، يجب أن يكن ضليعات في اللغات الأجنبية، فأنها تساعد على التربية الصحيحة والأخلاق الفاضلة وتعين على التبصر في الحقيقة.
أن التعلم رابطة طبيعية إذا أهملناها أهملنا أنفسنا وإذا أتممناها نكون قد أخذنا لها قوة تدفع بها كيد من يريد كيدنا؛ فلو فككت هذه الرابطة وجعلتها في بعد عنك أصبحت كالعدم بالنسبة إليها وأنت وكل أحد يعلم مقدار ضعف الإنسان واحتياجه إلى التعليم والتهذيب فمن تذكر ضعفه ونقصه علم قيمة التهذيب والتعليم.
لا ينبغي أن نلقي سمعاً للذين يقولون (أن بقاء الأولاد وعلى الأخص البنات على هذه الحالة هي خير وأبقى) لا ينبغي أن نلفت إليه بل ينبغي أن نلقي سمعاً إلى من يقول أن بقاء البنات على ما هن عليه الآن، عثرة في سبيل تقدمهن وارتقائهن، عثرة في(2/447)
سبيل مصالحهن وتثقيف عقولهن، عثرة في سبيل كل ما يرفعهن إلى مكانة الارتقاء.
كيف هؤلاء يقولون أن هذا التعليم مانع من الترقي؛ ويا ليتهم يأتوننا بمثال يصح أن يقال أنه مانع من الارتقاء.
لماذا ينقم البسطاء السذج على البنات المتهذبات تهذيبهن؟ لماذا يسوؤهم ذلك؟ ولأي شيء
ينكرون عليهن التعليم واكثر ما حوته الأماكن والأقطار من البنات عالمات ومتعلمات وليس بيننا إلا بعض الأقطار الفاسدة، العديمة التربية، الساقطة الأخلاق، المنحطة الطباع، التي نبذت التعليم ظهرياً وحرمته على البنات بتاتاً.
أن هذه الأحلام والوساوس ناشئة من الضعف الأخلاقي، ناشئة عن ضعف في التربية، من نقص في العلم؛ لا بل من قلة شعور وإحساس ولا أغلو إذا قلت أنها ناشئة عن عدم تدين كيف وقد سبق ما تكلفه (القرآن المجيد) والسير النبوية.
لا يعرف هؤلاء المتشدقون من تاريخ الإسلام شيئاً؛ هؤلاء نسوا أن للإسلام تاريخاً وعلوماً يضمن هذه المعاني ويكفل هذه الروح لو درسوا حقيقتها حادوا عن تلك الجادة المستقيمة.
نحن لا نقول أن العلم وحده هو العلاج لهذا الداء لأنا نأتي بكلام غير صريح ولا يؤيده العقل؛ أذن فلنعمل على التربية مع العلم وأن ما نراه من سقوط العائلات وضعف الروابط منشأه فقد العمل مع العلم ليس إلا، منشأه عدم الاهتداء إلى الطريق الواضحة، طريق الخير والصلاح، طريق السعادة والنجاح.
إذا عرفت أن سقوط البنت وعدم الالتفات إلى ما يصلحها ويرفعها إلى مكانة الشرف ويجلسها على كرسي السعادة هو سقوط عائلتها فلا شك انك تعرف أن الآداب والعيوب وراثية تنتقل بالوراثة. فالابنة الأصيلة تكون دائماً ذات حسب وشرف نفس فهي محمودة الفعال بحيث إذا كانت تريد أن تفعل منكراً ترى يداً غير منظورة تمنعها عن فعله. وكذلك تنظر إلى أمثالها فترى أنهن لم يفعلن ما كانت مزمعة أن تفعله فتقتدي بهن والاقتداء بفعل المعروف يساعد على ترك المنكر وكذلك خوفها من أن أحداً من أهلها يقف على حقيقة أمرها فيسوئها ذلك وقد يكون فعلها المنكر ضرراً محضاً يقع على رأسها.
فكل هذه أسباب تمنع الابنة الأصيلة عن فعل القبيح وتساعدها على حفظ(2/448)
شرفها فتتحمل من الرجل السيئ الطباع والخلق ما يصدر منه ولا تبدي في ذلك كلاماً لم يجاورها.
ونريد بالابنة الأصيلة من تربت ونشأت في حجر عائلة لم يسمع عنها قط أمر قبيح ولسنا نريد بها الشريفة الغنية لأنا نشاهد أحيانا أن بعض العائلات وإن كان منسوبا إليهم الشرف قد يفعلون أفعالاً غير لائقة بشرفهم كما نرى من الأغنياء من لا يربون تربية حسنة.
أذن لا يدخل الشرف والغنى في التربية، بل الشرف والغنى في الأدب إذ بدون الآداب
ينحط الشرف ويتلاشى الغنى والحاصل أن خصال العائلة هي الأمر العظيم وأن أهم عضو رئيسي في العائلة الذي يقتضي له الاعتبار والالتفات هو الأم لأنها تنقل عيوبها إلى الأولاد بسهولة اكثر من الرجل لشدة اتصالها بهم وممازجتها إياهم سيما وهم في دور الطفولية التي يكون فيها المخ طرياً فترسم فيه العيوب بسرعة والأم توصل عيوبها إلى ابنتها اكثر من الولد لأن اكثر حياتهما معاً فكما أن الأم تورث ابنتها الحياة تورثها أيضاً الخصال.
ومن المتحقق أن الوداعة والتعقل وجميع الخصال الحميدة تبرز من عائلات مخصوصة كما أن قلة الأدب والشقاوة والرذالة والنذالة وجميع الخصال القبيحة تصدر من عائلات مخصوصة أيضاً ولا سيما من عائلة الأم لأن العرب تقول (ولد الحلال يشبه العم والخال) وفي المثل العامي (ثلثين الولد من خاله)
أنا كثيراً ما نشاهد أن الرجل إذا احب الاقتران بزوجة فأن أول ما ينظر إليه هو الجمال الذي هو حسن صورة أعضاء الجسم وتقاطيعه سيما الوجه بحيث يكون كل منها في غاية الظرف بالنسبة إلى الذوق البشري في الهيئة البشرية وهذا الجمال يميل إليه الإنسان ميلاً طبيعياً لأن من خواصه حب الجمال. والحاصل أن للجمال شاناً خطيراً مودعاً في قلب الإنسان.
أما العاري منه فلا يحوم حوله طائر الغرام. فيا أيها السامع تأمل واحكم واقرأ واعجب ومثل نفسك كأنها في رياض تفتحت ازهارها، وتنوعت ثمارها، وأينعت أغصانها وأشجارها، وغرد قمريها وهزارها فاختالت لديك حسناء ممشوقة القوام، مدنرة المحيا، بسامة الثغر، دعجاء العينين، قوسية الحاجبين، دجوجية الشعر أو هي(2/449)
كالتي قال فيها واصفها:
لها مقلة كحلا وخد مورد ... كان أباها الظبي أو أمها مها.
فما يداهمك عندما ترى أول وهلة صاحبة تلك الصفات؟ أما يستفزك الشوق؟ فتقف على قدميك بقوة غريبة مدهشة وترى قوة كهربائية تجذبك نحو تلك المحاسن المسبوكة في تلك الذات اللطيفة وتنتظر منها أمراً كي تفدي نفسك دونها؟ الست بعد هذا الميل الغريب تتقدم وتساجلها بالكلام فتعرض عليها كل ما يهمها. فإذا كان جوابها: (تنح عني واتركني وشأني) وماذا يعنيك من أمري؟ فماذا يكون أثره عليك؟ ماذا يا ترى تكون احساساتك الأولى؟ أظن
انك تفقد نصفها وأما النصف الأخر فيبقيك جالساً على قدميك أمامها نصف ساعة وأنت تتأمل في وجهها وتراه عبوسا يضطرب من اقل كلمة وتظهر عليه هيئة الغضب في كل لحظة، تراها مفتخرة بنفسها متعجرفة خفيفة العقل متلاعبة جاهلة. . .
وإذا أوردت لها نوادر مضحكة وحكايات عقلية ترى وجهها (على حالته الأولى وفي سمته الأول) لا يتغير عما هو عليه فكأنه قطعة دم جامدة لا تتحرك أو صخرة صماء. وإذا ابتدأت أن تخبرك، ترى في أخبارها فتوراً أو برودة بل عدم تعقل لا بل قلة أدب. فماذا يكون من احساساتك عندما تشاهد ذلك؟ وما تظن بهذا الجمال الباهر العقول؟ وأظنك تفضل خروجها من رياضك على مكنها وأنت تنظر إليها فتشاهد بعد زمان عكس ما شعرت به أولا ومع ذلك فجمالها باق فما الذي غير حالك وجرح عواطفك؟ أظن الذي جرحك كونها خالية من الفضائل عارية من التربية.
صور نفسك مرة ثانية بهذه الرياض وتلك الأزاهير وهاتيك المياه والبساتين وقد وافتك فتاة أخرى إلا أنها بمنظر معتاد وتقدمت إليك بوجه هش بش خاضعة رأسها خافضة عينيها خجلا وحياء وكلمتك بصوت خافت وحديث مملوء من الرقة والعذوبة نظيفة الجسد والثياب لطيفة الحركات فصيحة المنطق موزونة الكلام أن سألتها أجابتك جواباً يشف عن المعاني الرقيقة فماذا تكون احساساتك عند ذلك؟ لا اشك أن تلك الشواعر المضطربة والعواطف(2/450)
المجروحة في المرة الأولى عند نظرك الفتاة الأولى تتحول وتتنقل إلى هذه الثانية وتسامرها وتساجلها بالكلام المليح وتحول نظرك عن تلك الأولى.
فنتج عن ذلك أن الجمال الحقيقي هو خلاف الجمال المعروف والجمال الحقيقي هو اعتبار الهيئة الباطنة لا جمال الصورة فالوجه البشوش اللطيف فيه كل الجمال وهو الذي يحبه المحبون فالبشاشة واللطف يدلان غالباً على قلبٍ سليم خالٍ من الغش والسوء.
أما الوجه العبوس المضطرب فيدل على قلبٍ مملوء من الحقد والاعوجاج لا يخامره سوى الأفكار المحزنة، فمهما كانت تقاطيع الوجه فليس لها اعتبار إذا كانت خالية من الوداعة والبشاشة.
أن ذوات الجمال الصوري جاهلات متعجرفات قد عودهن الأباء منذ نعومة أظفارهن التربية الفاسدة والأخلاق الذميمة وحب الذات حتى أن اغلبهن يخفن على جمالهن فلا يلتفتن
إلى علم ولا فضل ولا أدب ولا شغل فيبقين جاهلات أميات مغفلات. وقصارى الأمر نهتف بلسان الدين وننطق بلهجة صادقة ونقول أن من الواجب انتباه الأبوين إلى تربية أولادهما تربية حسنة وأن يحترزا من وقوع أبناءهما في حبالة الجهل المظلم وأن يعوداهم طهارة الوجدان وصدق اللسان والأفعال الحميدة فأنها هي الجمال الحقيقي وأن لا يقفا عقبات في سبيل ما يصلحهم كما نشاهد مثل ذلك في أباء هذا العهد. وعسى أن لا يدوم هذا المانع حباً للدين والوطن والخير العام!
النجف:
محمد باقر الشبيبي
الاشتيار
أو جمع العسل في ديار الكرد
1 - توطئة
بلاد كثرت خيراتها، اشتهرت بخصبها، ووفرت حاصلاتها، وامتازت عن غيرها، بكثير من جلائل الأمور الزراعية، حتى باتت البلاد الراقية تحسدها على ما منحها الله من جودة التربة، وحسن المناخ، وغزارة المياه، وما أودعته فيها الطبيعة من الأسرار، ولكن أين الرجال العاملون الذين وهبهم الله شعوراً(2/451)
ورحمة بالأقوام ليستفيدوا منها، ويشاطروا البلاد الراقية في زراعتها، وتأخذهم الغيرة على منافسة الأمم المتمدنة في جليل الأمور وحقيرها، حتى يأمن مجتمعهم نوائب الدهر وصولاته، لا بل ليرفعوا منزلة وطنهم فوق السماكين، أجل! أن هذه البلاد التي توفر فيها كل شيء لفي حاجة شديدة إلى رجال غير يعملون لمصلحة اوطانهم، ويحسنون استعمال ما فيها من القوى المادية والأدبية، فيسعون إلى تقويم مرافق البلاد الاقتصادية، بيد أن ذلك لا يكون إلا بالالتفات إلى الزراعة التي هي مصدر الحضارة ومادة الشعب إذ من ينابيعها تدفقت الثروة على الأمم من قبلنا وتتدفق عليهم من بعدنا، ولهذا عنوا بها عناية كبيرة ولو جاراهم أهل بلادنا لما مضى ردح من الزمن إلا وأصبحت ديارنا في مقدم الأوطان رقياً وحضارة والذي نوجه إليه أنظار القراء ورجالنا هو العسل في بلاد الكرد وكيفية اشتياره أو جمعه هناك فأنه والحق يقال من أهم الأمور الزراعية وأخطرها، فلو أن من بيدهم الحل والعقد أرسلوا إلى تلك الربوع رجالاً درسوا في معاهد أوربا الزراعية الكبرى صناعة جنى الشهد ثم جاءوا إلى أصقاع الكرد فعلموهم كيفية اشتياره على الأصول الحديثة، والقواعد الفنية المتبعة عند الأمم الناهضة لحصلت الأمة في وقت قصير على فوائد جمة، ولكانت تلك المواطن في حالة هي أرقى منها اليوم من الوجهة الاقتصادية، ولا بأس إذا لمحنا بمقالنا هذا إلى ما يفعله الأكراد عند جنيهم العسل على الطريقة المتبعة عندهم منذ القديم، ليقيس أهل الفن والخبرة على ما يجري من هذا القبيل بين الأقوام الراقية، والأقوام الباقية على فطرتها في الصناعة.
2 - أقسام العسل وقيمه
ينقسم العسل إلى قسمين من حيث جودته ولذته: (الشهدة) وهو الذي استخرج منه الشمع، أو الذي لا اثر له فيه، و (الخام، أو عسل بكورة) وهو الذي لم يستخرج منه الشمع، واحسن عسل في ديار الكرد (عسل تيارية) - وهي بلدة تبعد عن الموصل أربعة أيام - ويأتي بعده في الجودة واللذة واللطافة (عسل رواندوز) وبعد هذا (عسل الجزيرة) - جزيرة ابن عمرو - وأثمانه(2/452)
تختلف في بغداد بكثرة الوارد منه إليها وقلته، وجودة الموسم ورداءته، فعسل التيارية إذا قلت كمية الوارد منه ربما تجاوز ثمن الكيلو غرام 6 غروش صحيحة، وإذا كان الوافد منه كثيراً ربما تنزلت قيمته إلى 5 غروش فما دون وعسل رواندوز على قلة الوارد منه يساوي ثمن الكيلو غرام منه 4 غروش وعند كثرته يهبط سعره إلى 3 وعسل الجزيرة إذا كان موسمه جيداً والمحاصيل وافرة تهبط قيمة الكيلو إلى 22 وقد بيع منه في أسواق بغداد في ربيع سنة 1908 ب 3، وأما إذا كان الموسم رديئاً فتتصاعد أثمانه إلى 3.
وقد أمدنا أحد تجار العسل في بغداد بما جاء الحاضرة من العسل على طريق الموصل قال: كثرة العسل وقلته تابعتان بالطبع جودة الموسم ورداءته واليك معدل الوارد منه في خمس سنوات على وجه التقدير بالكيلو غرام:
سنة 1908سنة 1909سنة 1910سنة 1911سنة 191225. 00030. 00018. 00028. 00024. 000 عسل تيارية15. 70014. 20016. 80012. 88010. 750 راوندوز6. 0007. 90010. 1009. 4505. 460 الجزيرة46. 70052. 10044. 90050. 330 40. 210فأنت ترى أن منفوقات سنة 1909 اكثر بكثير من منفوقات سائر السنين وارداً السنوات هي سنة 1912، إذ أن منفوقاتها لا تكاد تذكر بجانب منفوقات السنين السابقة، ومنشأ ذلك - على ما قيل - ظهور دويبة كثيرة الشبه بالذبابة أكلت النحل فأبادت أكثره في بعض القرى، وعسل التيارية مشهور بشدة بياضه ولطاقته فهو احسن ما يكون في ربوع الكرد، ولا يستخرج منه شمع كثير، وأما عسل راوندوز فلا يؤكل إذ لا يستخرج منه الشمع ومثله عسل الجزيرة فهما إذا يكونان مائعين بعكس العسل التياري الذي هو عبارة عن قطعة واحدة صلبة.(2/453)
3 - كيفية جمع العسل أو الاستشيار
للأكراد مهارة عجيبة بجمع العسل واستشياره متبعة عندهم منذ العهد العهيد إلا أنها ويا للأسف بدون قواعد فنية. وخبرة علمية ولسوء تدبيرهم يعرضون نحلهم للهلاك ولو أنهم زادوا على عنايتهم بدويبات النحل وشغفهم بترتيبها اتخاذ الوسائل العلمية لذلك لتضاعفت حاصلاته وكثرت خيارته والنحل هناك قسمان: أهلي وجبلي. فالأهلي هو الذي يصطاده الاهلون من مغاور العسل في كهوف الجبال والأودية فيولد عندهم ويستدرون عسله ويستفيدون منه كما يستفيد الزارع من حدائقه وحقوله والفلاح من ماشيته وأنعامه. ولهذا السبب ترى في تلك المواطن أسراً كثيرة لا شغل لها إلا تربية النحل وخدمته وهم من عسله يرتزقون بل قل يعيشون عيشة مرضية وكثيراً ما نرى هناك أناساً أضحوا أغنياء من ذوي الأملاك والمزارع والقرى من وراء ذلك وكيفية تربيتهم النحل وجنيهم عسله يكون على الوجه الآتي:
أن كل من يملك 1000 نحلة فاكثر يضعها في خلية (سلة) يشبه راقود أي (حب) يكون قطرها الأسفل غالباً قراب 45 سنتيمتراً ويتراوح قطرها الأعلى بين 15 و20 سنتيمتراً ويكون طولها متراً، وهي في اكثر الأوقات معمولة من عيدان (الطرفاء) يطلى ظاهرها بالطين الأحمر ويجعلون لكل خلية ثقبين: الواحد وهو الكبير في قاعدتها أو أسفلها والأخر وهو الصغير في قمتها أو أعلاها ومن هذا تدخل النحلة إلى داخل القفير فتعسل فيه؛ ويكون عسلها على قطر الخلية الأسفل فيجيء بشكل نصف دائرة، ويتراوح ثخنه بين 35 و40 سنتيمتراً وعندما يعلم صاحب الدويبات أن الكوارة ملئت عسلاً يأتي فيفتح الباب من قاعدتها ويأخذه وهو على تلك الحالة ويدع شيئاً قليلاً تأكل منه الدويبات ويطلق على مجموع الدويبات في العسالة اسم (شلح) وهو الثول بالعربية الفصحى وللدويبات في كل سلة رئيسية أو ملكة وكان العرب يظنون أنها ذكر واسمه عندهم اليعسوب والخشرم إلا أن البعض منهم ظنوا أنها أنثى كما صرح به ابن سيده في كتابه المخصص. والنحل - تتبع الملكة إلى حيث حلت وارتحلت، وأما أوقات تعسيلها فيبتدئ من آذار - (مارس) إلى حزيران - (يونيو)، أي(2/454)
طول أيام الربيع.
4 - النحل الجبلي أو البري
النحل الجبلي هو خلاف الأهلي ومأواه الجبال والوهاد وكيفية الوصول إلى مكمنه ومحل تعسيله يكون على الصورة الآتية: لما كان هذا النحل يأوي إلى أشجار الجوز والتين الكبار يخرق في جذوعها ثقوباً صغيرة يدخل منها فيجوفها ويعسل فيها فكان هم الأكراد ترصدها على عيون الماء فإذا أتت النحلة لترد الماء راقبوا حركاتها وامتطوا ظهور خيولهم السريعة الجري ولحقوا بها مسرعين وهي طائرة حتى تدخل الشجرة التي تأوي إليها فيأتي الأكراد ويحفرون حفرة أمام الشجرة التي فيها مباءة النحل ويوقدون فيها ناراً حامية، ويدون مثقب الشجرة بخلية وحينما يعلو الدخان ويتصاعد وينفذ قسم منه داخل الشجرة تهيج النحل وتموج فتروم التخلص من الدخان الذي يكاد يخنقها فلا تجد طريقاً غير الثقب فتخرج منه منذهلة فتقع في الخلية فيصيدها الأكراد، وإذا علموا أن جوف الشجرة خلا من النحل شقوا ساقها واستخرجوا العسل من باطنها. وفي بعض الأحيان يأوي النحل إلى مغاور في الجبال فيأتي الأكراد إليها ويخاطر أحدهم بنفسه فيغطي بدنه كله بجلد من جلود المعز ولا يبقي من جسمه إلا عيناه فينزل إلى تلك المغارة ورفقاؤه يدلون له دلواً فيملأه لهم عسلاً شهداً فيجرونه ويضعونه في ظروف ويكرر هذا الفعل مراراً إلى أن ينفذ ما في داخلها وإذا أراد الخروج شد حبل الدلو في وسطه وجره أصحابه إلى خارج.
وهناك علامات غير هذه وهي انهم يستدلون على وجود العسل والنحلة في الأشجار بالدب والدب مغرم بالعسل وهو يعرف الشجرة المملوءة عسلاً من الفارغة منه، فيأتي إليها ويمتص من ثقبها العسل فإذا رآه الأكراد قريباً من إحدى الأشجار علموا أنها مملوءة عسلاً فيطردون الدب ويتخذون لاصطياد النحل واستخراج العسل تلك الحيلة التي وصفناها آنفاً.
5 - حقائق عن النحل
حكى لنا الذين أخذنا عنهم ما كتبناه حقائق نورد بعضاً منها إيقافاً للقارئ عليها قال: إن مرعي دويبة النحل أثمار التين وسائر الفاكهة والأزهار(2/455)
بجميع أنواعها. ولذة العسل تابعة لمناخ الإقليم وجودة أثمار أشجاره، وكلما كان الإقليم جيد الهواء، عذب الماء، كثير الأشجار والأزهار، ازداد العسل حلاوة ولذة ورونقا، وأي قسم من أثمار كل إقليم يغلب على غيره بأثماره تجد طعمه ورائحته فيه، ولذلك تشم في عسل شهرزور وكركوك رائحة البرتقال
لأن النحلة ترعى هناك فقاحه، وهكذا قل عن كل قطر فأن القطر الذي يغلب فيه ورد البنفسج مثلا على بقية الأزهار يشم من عسله رائحة تشبه رائحة البنفسج وقس على ذلك بقية المواطن، قال: وخلايا العسل توضع في غرفة مسدودة الأبواب والمنافذ فيها ثقوب صغار تروح منها النحلة وتغدو، ويكون أمام الغرفة أشجار، وفي بعض الأحايين تغضب على أصحابها وتطير وتجعل الشجر الذي أمام غرفتها وكراً لها فتقف على غصن منها مجتمعة فيأتي صاحبها متخفياً ويقطع ذلك الغصن بمنشاره ويأخذ الغصن ويدخله بسرعة في مشوارة كان أعدها لمثل ذلك الوقت فيحبس النحل فيها، وربما عمل غير ذلك، وهو أن يأتي بعميرة طلى ظاهرها وباطنها بالدبس ثم يلقيها على الأرض فيتهافت عليها النحل لأنه يميل إلى الحلوى فيدخلها من باب مفتوح وللحال يسده صاحبها.
وقيل إذا غضبت النحل ولم تر أمام غرفتها شجرة تأوي إليها حلقت في الجو فلا تنزل في وكرها ومأواها إلا بعد أن يدق لها صاحبها بالطاسات أو بشيء يسمع له دوي في الفضاء، ومما يذكره عن النحلة إنها إذا لسعت الإنسان تورم جلده وربما هيجت فيه القيء لأن لسعها كلسع العقرب، وإذا اجتمعت النحلة على عصفور قتلته. والزنبور المعروف في العراق يقتل النحلة ويأكلها.
6 - عسل هوزومير
هوزومير قرية تبعد عن شرقي زاخو يومين وهناك نهر يسمى (الهيزل) يدفع ماءه في الخابور بالقرب من زاخو والخابور يصب ماءه في دجلة بالقرب من قرية (بيش خابور) وهذا النهر يمر بين جبلين شامخين وفي الجانب الأيمن منه في أعلى قمة الجبل مغارة عزيزة المنال لا يمكن الوصول إليها وهي مملوءة عسلاً شهداً فيتخذ الأكراد هذه الوسيلة الآتية لاستخراج العسل منها وهي انهم يمدون(2/456)
جسراً على الماء فيصلون إلى اسفل المغارة وهناك يمدون آنية وقدرواً كثيرة وبعد أن يفعلوا ذلك يعودون إلى الجبل الأيسر المقابل للمغارة فيرمون من موطنهم حجارة تسقط على ما هناك من الخلايا الظاهرة المملوءة عسلاً وتدهور ما فيها من الشهد في الآنية المعدة لقبوله آنية وضعت عند أسفل فوهة المغارة فإذا تم ذلك أتى الأكراد واخذوا ما وقع فيها ويقولون أن عسل تلك المغارة من ألذ ما يكون في ربوع الكرد، ومما هو جدير بالذكر أن أولئك الناس يستخرجون العسل من تلك المغارة من
مدة 200 سنة على تلك الصورة وهو لا ينفذ وربك
عليم فوق كل ذي علم.
إبراهيم حلمي
الماء في النجف
النجف لم تسم بهذا الاسم ألا لعلوها عما يجاورها من الأرضين. لأن النجف في اللغة الأرض المستديرة المشرفة على ما حولها وتعلو هذه المدينة عما حواليها لا يصل إليها ماء البتة لأنها غير راكبة على نهر ولا على مجرى ماء عذب وأرضها كلسية البنية في بعض الإنحاء ورملية التركيب في الجهات الأخرى. وهي تبعد عن الشريعة (وهي فرضة من فرض الفرات الواقعة في جانبها الشرقي) ستة كيلومترات ويرتفع سطحها عن مصب النهر المذكور 34 متراً. ومن هذا الوصف المجمل يتضح لك أن النجفيين قاسوا من أعذبة العطش أمرها وذلك منذ العهد الأول من سكنى الناس إياها أي منذ بدء الإسلام إلى يومنا هذا.
وقد كانت مياه الفرات تتدفق في سابق الزمن في موضع قريب من هذه المدينة فتتجمع فيه فنشأ هناك بحيرة عرفت باسم (بحر النجف) ولكون الأرض رملية كانت تلك المياه تمتزج بها فيجيء الماء ملحاً وقد سد منفذه(2/457)
في عهد السلطان عبد الحميد لتزرع تلك الأراضي بعد انحسار الماء عنها فنشف اغلب ذلك البحر وزرع جانب منه فانتفع به بعض الناس. وفي الجانب الغربي من البلدة المذكورة سفوح وشعاب عليها آثار تدل الباحث على أن هناك كانت المياه تتلاطم. وهذا ما يؤيده تاريخ علم طبقات الأرض الذي يصرح بأن البحر كان ينقطع عند تلك الصخور القديمة. وقد نبه على ذلك علماء الإفرنج في كتبهم التي تبحث عن هذه الديار وقد سبقهم إلى ذكر هذه الحقيقة العرب. قال ياقوت في مراصد الاطلاع في مادة الحيرة: (أنها على ثلاثة أميال من الكوفة على النجف. زعموا أن بحر فارس كان يتصل بها).
وليس في النجف نفسه ما يرشد الباحث إلى أن الناس سكنوه قبل الإسلام والظاهر أن اغلب من توطنه جاء إليه بعد الحنيفية بقليل لوجود قبر على بن أبي طالب فيه ومجاورة محبيه له. ولما كان الماء من أول واجبات الحياة بل وقوامها الأعظم. وتلك الأرض خالية منه سعى كثيرون في نقل الماء إليها بوسائل مختلفة منهم بالقرب ومنهم بالآنية ومنهم بحفر الأنهر وشق القنى. وممن ذكر التاريخ اسمهم بالشكر والمديح بنو بويه فانهم طلبوا الماء في
أعماق الصخور فثقبوها حتى بلغوا أحشاءها وحفروا فيها آباراً واسعة بعيدة الغور حتى وصلوا فيها إلى 60 متراً ولكن لما رأوا أن الماء لم ينبط وأنه وراء تلك الصخور بمئاتٍ من الأذرع وبقيت تلك الجباب الفارغة من أبين الأدلة على ما لبني بويه من بعيد الهمة وفي نحو سنة 662هـ - 1263م حفر علاء الدين عطاء الملك الجويني عامل بغداد من قبل هولاكو نهراً شقه من الفرات إلى النجف وما أبطأ أن ردمته الرياح الساقيات.
ولما اخذ الصفويون يشيدون بعض المباني والمعاهد والدور المكينة في النجف وانشئوا الصحن والحضرة على الطراز الحالي تضاعف سكان البلدة لكثرة ما جاءها من العملة والصناع ولتحسن سكناها فقدم إليها زرافات من الأمامية لمجاورة تلك البقعة فاضطر الشاه إسماعيل إلى حفر فقر سنة 914هـ - 1508م(2/458)
سموها (قناة) لكي تمد السكان بالماء الكافي للشرب وهي نفس القناة التي كان حفرها علاء الدين عطاء الملك الجويني وسماها (نهر الشاه) إلا أنه لم يجيء عذبا سائغاً لأن ماء الفرات كان يختلط بماء الآثار فيأخذ منه شيئاً من الملوحة ويصبح أجاجاً فيضر ولا ينفع.
وقد قال أحد سواح الفرنسيس في صدد ماء النجف وحفر قناةٍ له ما هذا تعريبه: إن أرض (مشهد علي) في غاية النشف واليبوسة حتى انه لا يمكن للإنسان أن يتصورها. ولا يرى هناك الرائي إلا مشاهد هائلة وأكواماً من الرمال تلهبها الشمس لهيباً في أيام القيظ. وكان يضطر سكان هذا الموطن سابقاً إلى أن يذهبوا إلى الفرات ليأخذوا منه الماء. لكن منذ مدة 15 سنة (أي في سنة 1793م - 1208هـ) ابتنى أخ ملك المغول قناةً كلفته مبالغ باهظة ومع كل ذلك لم يتمكن البناة من أن يجعلوها على ما كان في خاطرهم لكثرة ما ينتاب المدينة من زوابع الرمال التي تثيرها الرياح إثارة شديدة وتذريها بعد ذلك حتى إنها كانت تردمها ردماً لولا أن الموكلين بحفظها يعنون بتنظيفها كل سنةٍ.
ولهذا بقيت مسألة جر ماء النجف من الفرات من اعقد المسائل بل اعقد من ذنب الضب فلما رأى ذلك صاحب المكرمة علامة عصره أبو الطائفة الجواهرية الشيخ محمد حسن، انتدب المثرين وأهل اليسار من الفرس ليشقوا نهراً يروي الظمأى ويسقي الأرضين ويلطف حرارة الهواء ويفرش الأرض بساطاً من الخضرة فأمطر عليه أهل المال الأصفر الرنان تلبيةً لطلبه وشرع يشق النهر وكان العملة مئاتٍ بل ألوفاً وكان هو يقوم بينهم
وينشطهم في أتعابهم بأنواع الوسائل وهم يفرغون كل جهدهم في تحقيق أمانيه باتخاذ(2/459)
ضروب الآلات والأدوات لتفتيت الحجارة وقلع الصخور من مواطنها واستعملوا لهذه الغاية البارود الناسف وبذلوا كل ما في ذراعهم من القوة وما في قلبهم من الشغف بالأئمة ليخرجوا الأمنية من عالم الخيال إلى عالم المثال حتى بلغوا في سعيهم ما لم يبلغه من سبقهم. ثم جاءوا بحراقة ركبها الشيخ وكان الجمهور المثالب على ضفتي النهر يصفقون لكونهم ظفروا بما لم يظفر به أجدادهم من علو الهمة وبعد الغاية وكانت مياه الفرات تتدفق وتتدافع وتتصافق كأنها تشترك بهذا الفرح وتهنئ الفائزين بفوزهم المبين ومازالت الحراقة تسير والماء يحملها حتى وصلت باب النجف فإذا الأرض أعلى من مشق النهر فوقفت لوقوف الماء. وتولى الفرحين من الحزن والكآبة ما لا يصفه قلم واصف وبقيت فوهة ذلك النهر مفغورة فغر فم الأخرس يحاول النطق ولا يستطيع وأخذت السافيات تدفن فيه الآمال بل القلوب ولم يبق من ذاك المشروع الكبير إلا الأثر وهو يسمى اليوم (كري الشيخ) (وتلفظ غالباً بالجيم المثلثلة المكسورة وكسر الراء والياء) ذهب قوم وجاء قوم آخرون وودوا من جديد تحقيق جر الماء إلى النجف فجاء السيد (أسد الله) وهو من كبار بيوتات أصفهان ونحت في باطن الأرض سوهقة (أي كاريزاً) وركب عليها طاحونتين. وارصد لهذه المبرة ما يكفل بقاءهما من المبالغ لإصلاح ما يقع في مشروعه من الخلل على توالي الأيام. ولكن ما لبث أن دخل في خبر كان كما دخل غيره فيه.
وفي أيام السلطان الخليع عبد الحميد خان خط نهر ضيق في الجهة الشمالية من البلدة وسمي (بالحيدرية) ولم يفد اكثر ما أفاد غيره. لأن كثبان الرمال كانت تنهال على مشقه عند هبوب الرياح فكانت تردمه ويصبح كأنه سنام البعير. فلا يمكن للماء أن يتعداه فلما انتبه أولياء الأمر لهذا الحادث الذي لا محيد عنه غرسوا أشجاراً على مجاريه لتقف في وجه الرمال وتصدها عن مهاجمتها له وتكون بمنزلة الأسداد ولبث الموكلون بهذا الشان يتعهدون أشجار الصفصاف بالسقي حتى كلوا وملوا فذبلت ويبست وعاد كل شيء إلى حالته الأولى وأصبحت تلك السوهقة في حمارة القيظ مقر الدويبات والحشرات ومستنقعاً تغزر فيه الأقذار والأدران. وأصبح ماؤها ضاراً لا نافعاً بل أصبحت كبدن المسلول أو(2/460)
المحموم تارةً يعرق فيسيل رشحه فيغدو ذاك الماء مع ما يرسب فيه عصيدة وحلة لا اسم
لها ولا وصف. وطوراً يضطرم ذاك البدن فيجف قطره فيصبح صلصالا لا تعرف حقيقته.
فمما تقدم بسطه يتبين للقارئ أن لا علاج لهذا الداء العضال سوى أمر واحد وهو أن يتفقد الأرض أحد المهندسين البارعين ويخطط فيها نهراً يختلف غور حفره باختلاف ارتفاع الأرض وانحدارها ويقيم على فغرته آلة بخارية تغترف الماء. من الفرات وتدفعه دفعاً عنيفاً إلى مندفقه. ويقوم بالنفقات أحد الرجال الأغنياء أو إحدى الشركات ينشئها أبناء النجف وحينئذٍ تتحقق الأمنية فيسقى النجفيون ماء سلسبيلا ومحقق هذه الأمنية يجلب لنفسه كل محمدة فيجمع فيها شرف البويهي والجويني والصفوي والمغولي والجواهري والأصفهاني والعثماني فيفوز بقصب السبق وحده دون غيره وبخدم الوطن خدمة لم يسبقها سابق ولا يوجد اليوم في النجف رجل كبير محب خير الأمة مثل السيد العظيم الاقتدار جواد الكليددار فأنه اخذ على نفسه أن يؤسس شركة تجلب قساطل (أي أنابيب) من حديد ويحصل ما في الصدور من دواعي السرور على ما أشرنا إليه قبيل هذه السطور وقد منحتها بلدية مركز الولاية الرخصة بجلب الآلات والأنابيب وسائر الأدوات وتتعهد الشركة بدفع ربع الربع إلى البلدية فتكون الخطة على الوجه الأتي تقريباً:
تجلب ثلاث معاون بخارية (مكائن) قوة كل واحدة منها 60 حصاناً. اثنتان منها تشتغلان والثالثة تبقى واقفة تشغل عند الحاجة إليها عند تضرر إحدى الدائبتين. وقيمة كل معينة من هذه المعاون 700 ليرة عثمانية. ويحتاج إليها من الأنابيب 10. 000 متر يكون قطر الأنبوب 12 قيراطاً (أي أنجاً) أو 30 سنتيمتراً ونصفا وقيمة كل متر من هذه القساطل ليرة عثمانية. وعليه تبلغ النفقات من أول غرش يصرف إلى آخره نحو 15. 000 ليرة أو 345. 000 فرنك. وإن بالغت في النفقات فلا تقل إنها تتجاوز نصف مليون فرنك وهو مبلغ لا يذكر(2/461)
بالنسبة إلى النتائج التي يأتيها من أحياء الموات والموتى. وإذا أبت الشركة أن تتمم ما تعهدت بالقيام به فأن السيد جواد الكليددار ذو ثروة طائلة يستطيع أن يصرف وحده المبلغ المذكور بدون أن يصيب يسره أدنى خلل. حقق الله الأماني. وابعد عن أولي العزم أنواع التراخي والتواني!
فوائد شتى
أول إنجيل عربي طبع في حلب الشهباء
إدعاماً لما ذهبنا إلينا من قدم وجود المطبعة في حلب الشهباء نقول: إننا رأينا عند يعقوب أفندي نعوم سركيس إنجيلاً مطبوعاً في حلب وقد جاء في آخر مقدمته: (اثناسيوس برحمة الله تعالى البطريرك الانطاكي وساير المشرق سابقاً) والكتاب خال من أرقام الصفحات وهذا الكلام يقع في الصفحة 6 منه وقد ناب عن الأرقام كتابة أول كلمة الوجه التالي في أخر الصفحة خارجا عن الإطار. وقد ورد في آخره: (طبع حديثاً بمحروسة حلب المحمية سنة 1706 مسيحية)
فوائد لغوية
معنى المراجل في قولهم: سوى أو عمل مراجل طلع أو بين أو روى (أي أرى) مراجل. وقع حديث بين أديبين مسلم ونصراني. فقال المسلم لصاحبه: هل فكرت في معنى قول وطنيينا: فلان سوى أو عمل مراجل، طلع أو بين أو روى (أي أرى أو اظهر) مراجل؟ التي يرادفها عند الفصحاء: (تظاهر بالعظمة أو بما يكسبه فخراً أو عزاً أو كبرياء أو تفتح في الكلام أو تطاول به فتحة أو أراه ما يفتخر به؟ - قال: لا - قال: إن هذه العبارة ترتقي إلى عهد الانكشارية فانهم كانوا إذا أرادوا مقاتلة العدو اتخذوا المراجل وهي القدور (أو الدسوت) الكبيرة وأخرجوها معهم لكي لا يحتاجوا في الطريق إلى طلب الطعام من أهل البادية أو من غيرهم(2/462)
ولإشباع من ينضوي إليهم وأرهاباً للعدو. فكانت تلك المراجل دلالة على سعة حالهم ورفاهية عيشهم. هذا ولم يكونوا يفعلون ذلك الفعل في ولاية بغداد فقط بل في جميع المواطن التي كانوا يحتلونها أو يوجدون فيها قال البستاني في دائرة المعارف في مادة انكشارية (539: 4): (فكنت تسمع في ساحة (آت ميدان) أصول طبول الانكشارية العظيمة وترى (المراجل) مصفوفة بالترتيب أمام القشلة لأجل جمع المتفرقين من الانكشارية من بيوتهم ودكاكينهم). فلما شاع ذلك عن الانكشارية أصبح إخراج المراجل إلى الخارج بمعنى اطلاع العساكر وما تأكل فأن كان ما يخرج كثيراً اقتضى إخراج مراجل كثيرة ودل ذلك على قوة عظيمة. وإن كانت المراجل قليلة دلت على عساكر قليلة وقوة ضعيفة. ثم انتقلت العبارة إلى المعنى المتعارف أي بمعنى اظهر ما
تتفتح به وما تتطاول به فتحة. واكثروا من ضم كلم إليها مختلفة المباني مؤتلفة المعاني فقالوا: صاحب مراجل وأبو مراجل وطلع (أي أطلع) مراجلك ورويني (أي ارني مراجلك) إلى غيرها.
فلما أتم الأديب كلامه أذعن صاحبه لهذا التأويل ثم قال هذا لذاك: لقد أحسنت في الإفادة فهل تعلم أنت ما أصل معنى. (ضربة راشدي أو محمودي) بمعنى صفعه أو لطمه لطمة قال: لا. قال النصراني هذا الذي أراه:
2 - معنى ضربه راشدي أو محمودي
الراشدي هو عند أهل العراق لحن أو مقام عالي النغمة واكثر ما يعرف في بغداد. ودونه علواً (المحمودي). فإذا قيل: (ضربه راشدي) فكأنه قيل: لطمه لطمةً يسمع صوتها كما يسمع الراشدي أو المحمودي أي من بعيد أي لطمة قوية وقد يبدلون كلمة (ضرب) بألفاظ أخرى مرجعها كلها إلى هذا المعنى كقولهم: شرفه أو جرخه براشدي أو داره براشدي (أي أدار صفحة وجهه بصفعته لقوتها) إلى آخر ما هناك. فلما وقف الأديب المسلم على ذلك قال: لقد توافينا في التأويل. وما علينا إلا أن نعرض ألفاظنا على أصحاب الحكم والتعليل، ليبدوا رأيهم ويظهروا ما فيها من دبير وقبيل.)
قلنا: فأن كان لأحد القراء غير هذا الرأي فليبده والله الموفق لسواء السبيل. ي. ن. س(2/463)
3 - الجزمة بمعنى الخف والموق
سألنا سائل: هل الجزمة كلمة عربية الأصل وإن لم تكن فبأي لسان هي وما الذي يقابلها في العربية؟
قلنا: الجزمة بجيم مثلثة فارسية وعربها المولدون المتأخرون بالجيم العربية هي لفظة تركية الأصل يقابلها بالعربية (الخف) وبالفارسية (موزة) التي عربها الأقدمون بصورة (الموق) قال ذلك صاحب (بهار عجم) وصاحب (برهان قاطع) وذكر ذلك بشواهد عديدة فلوس صاحب المعجم الفارسي اللاتيني الكبير.
والظاهر من وصف العرب للموق أن الموق غير الخف. فالموق هو الجزمة حقيقةً. والخف ما يلبس تحته. قال في تاج العروس: (الموق: خف غليظ يلبس فوق الخف.
فارسي معرب. قال الصاغاني: وهو تعريب موكه. هكذا قال. والمشهور (موزه). . . وقال ابن سيده: الموق: ضرب من الخفاف. اهـ وقال في الخف: (الخف واحد الخفاف التي تلبس في الرجل. ويجمع أيضاً على أخفاف. . . . وفي الصحاح والعباب: اغلظ من النعل. وفي الأساس: أطول من النعل. وهو مجاز). اهـ.
وأهل بغداد يسمون الخف: يميناً أو يمنيةّ نسبةً إلى اليمن لأنه كان يؤتى بأحاسنها من تلك الديار. أو لأن اغلب المشتغلين بها كانوا من اليمن. ويجمعونها على يمنيات. واشتغال اليمانيين بالصنائع من قديم الزمان لأعراق حضارتهم. قال الأصمعي: افتخر إبراهيم بن مخرمة يوماً بين يدي السفاح باليمن. وكان خالد بن صفوان حاضراً. فلما أطال عليه قال خالد بن صفوان: وبعد فما منكم إلا دابغ جلد، أو ناسج برد، أو سائس قرد، أو راكب عرد، دل عليكم هدهد، وغرفتكم جرد، وملكتكم أم ولد. فسكت وكأنما ألجمه.
باب المكاتبة والمطارحة
ارسطاطاليس بن نيقوماخوش الجهراشي
سأل مستفيد من بغداد مجلة المشرق: من هو (ارسطاطاليس بن نيقوماخوش الجهراشي)، الذي ورد ذكره في طبقات الأمم لصاعد الأندلسي الذي توليتم طبعه في المشرق (669: 14) فأجاب ل. ش. هذا الجواب: (المشرق 80: 16)(2/464)
(قد أثبتنا في ذيل المشرق هناك أن اسم الجهراشي قد التبس علينا وذكرنا أنه من المحتمل أن المؤلف أراد (الاسطاغيري) نسبةً إلى اسطاغيرا وطن أرسطو. فقام صاحب لغة العرب (189: 1) ليفند هذا الرأي. وتأول له تأويلات غريبة كقوله: إن الجهراشي تعريب أي الشيخ أو نسبةً إلى أحد آلهة اليونان أو نسبة إلى مدينة غرسته مدينة يونانية. وكل ذلك لا أصل له ولا فصل. والصواب أن (جهراش) مدينة في حوران واسمها جرش أو جهراش فنسب إليها صاحب طبقات الأمم نيقوماخوش أبا ارسطاطاليس وذلك غلط بل خلط منه لأنه وجد عالم من جرش اسمه نيقوماخوش الجرشي أو الجهراشي كان رياضياً وفيلسوفاً في القرن الأول بعد المسيح فظن صاحب طبقات الأمم أنه والد ارسطو. وبذلك سقطت تأويلات صاحب لغة العرب.) ثم أن هذا (المستفيد البغدادي) نقل لنا هذا الكلام وقال: وانتم ما رأيكم في هذا القول؟
قلنا: أول ما نلاحظه على المستفيد أن كلام حضرة ل ش في تأويله الأول (المشرق 669: 14) يختلف عن قوله هنا فأنه قال هناك: (لعله يريد الاسطاغيري) ولم يصرح أنه التبس عليه بخلاف ما يقول هنا. فلو لم يكن من كلامنا فائدة إلا هذه لكفت
ثانياً: إن تأويلنا لا تخرج عن الغرابة وإن صح كلام حضرة ل ش لأننا أن وصفنا ارسطوطاليس بالشيخ وشيخ العلم فهذا من ارجح الأمور وأظهرها للعيان. وكذلك لو كان آخر سمي بهذا الاسم. فوصفنا إياه بالإمامة في العلم أمر طبيعي. وكذلك إذ ألهنا علمه فقلنا ارسطو الجهراشي فذلك على حد ما قالوا: (أفلاطون الإلهي) ومثله لو نسبناه إلى موطن ولادته جهراشته (لا غرسته كما عربها)
ثالثاً: وأما القول بأن الجهراشي هنا هي نسبة إلى جهراش وجهراش هي جرش فهناك عدة أسباب تمنعنا عن قبول هذا الرأي الغريب بل الغريب كل الغرابة منها: إن صاعداً
الأندلسي يعدد في كتابه اعظم فلاسفة اليونان إذ يقول: (اعظم هؤلاء الفلاسفة عند اليونان قدراً خمسة فأولهم زماناً. بندقليس (أي انبدقليس) ثم فيثاغورس ثم سقراط ثم أفلاطون ثم ارسطاطاليس بن نيقوماخوش)(2/465)
فهل يمكن أن يعد هذا الجرشي بين هؤلاء الخمسة أو أن يبدل واحداً شهيراً مثل ارسطو بأخر خامل الذكر لم يعرف من أمره شيء سوى جرشي الأصل. وأن ذلك لغريب فيا للأسف! (ما إمامة من هند)
ثانياً: إن الأندلسي يقول صريحاً: ارسطاطاليس بن نيقوماخوس هو الجهراشي (لا ارسطوطاليس الجرشي. فهذا ليس بابن نيقوماخوش ولا هو من فلاسفة اليونان الخمسة المشاهير فأين هذا من ذاك فيا للأسف (أريها السها، وتريني القمر)
ثالثاً: من إقرار حضرة ل ش بلدة جرش من حوران. فهي إذاً ليست من بلاد اليونان (وإن كانت من سجمها) فهل يعقل أن كاتباً مثل صاعد الأندلسي يخلط هذا الخلط ويتوهم في ارسطاطاليس بن نيقوماخوش أنه من حوران. وهو أشهر من أن يذكر بأنه من اليونان. أو ينسب أباه إلى مدينة في حوران، ويهذي هذا الهذيان، الذي لا ينطق به أصغر الصبيان. إن هذا من الغرابة في مكان. وهل تخلط الدرة بالذرة. فيا للأسف! (أراد أن يعرب فأعجم)
رابعاً: لم يأت اسم المدينة (جرش) بصورة جهراش في لغة من اللغات ولا من صرح بذلك عند العرب. هذا فضلاً عن أن بين (جرش) (وجهراش) بوناً بيناً. وإذا كان تصحيح الأمور مبنياً على التقول والتحكم لم يبق شيءٌ عسراً. وتمهدت جميع العقبات. وإلا فيجب على المؤول أن يقول لنا أين ورد لفظ جهراش بمعنى جرش. وأي عربي قديم نطق بذلك. يا للأسف! (سكت الفا، ونطق خلفا).
خامساً: لو سلمنا أن جهراش وجرش شيء واحد فأن سائر الاعتراضات تبقى اعقد من ذنب الضب. اللهم إلا أن يخطئ الجميع، وينسب إلى نفسه الرأي البديع. وحينئذ يا للأسف! وهل (يعقد في مثل الصؤاب، وفي عينيه مثل الجرة)
سادساً: لو سلمنا أنه مصيب في قوله فأي غرابة ترى يا هذا أن وصفنا أحد الارسطو طاليسيين (بشيخ في العلم. أو بالمتأله في العلم) ولا سيما إذا كان من الفلاسفة فأنت ترى أن لا غرابة في ما ذهبنا إليه. وأنت مخير في اتباع ما يبدو ولك أو يحلو لأن الأطيار تقع على أشكالها. قلنا: (وبذلك سقطت تأويلات صاحب المشرق).(2/466)
باب المشارفة والانتقاد
1 - مكتب
وقع بيدنا العدد الأول من رسالة موقوتة تطبع في بغداد في مطبعة دنكور اسمها (مكتب). لصاحبها ومديرها المحامي يونس أفندي وهبي. والغالب على عبارتها التركية وفيها نحو ثلاثة عواميد عربية. والباقي (أي 13 عموداً) باللغة العثمانية يخالطها شيء من الفرنسوية وهي تصدر نهار كل جمعة وتباع نسختها بعشرين بارة. وقد ذكر صاحبها أنها (علمية فنية تاريخية فلسفية). وهذه الرسالة لا تنفع إلا أبناء المكاتب التركية. إذ المقالات العربية فيها قليلة مع أننا في بلاد عربية وأغلاط الطبع فيها كثيرة حتى أن مطالعتها تصبح لهم بمنزلة كتاب جفر لا رسالة تعلم وتفهم. ونحن نذكر لك شاهداً لتحكم أنت بنفسك عنها قال في ص 12 وهو يذكر مثلاً فرنسوياً بهذه الصورة:
وقال في ما يقابلها بالعربية:
يغوص البحر من طلب الآلي ... ومن رام العلى سهر الليالي
ففي السطر الفرنسي ثلاثة أغلاط وهي:
وفي السطر العربي غلط واحد وهو اللآلى. وقس على هذا ما بقي ونحن نأمل من صاحبها أن يدقق في تصحيح المسودات لكي لا تبدو الرسالة الأسبوعية مشوهة بهذه الصورة الشنيعة. وأن يختار لها كاتباً عربياً يكتب فيها ليكثر قراء هذه الرسالة في سائر المكاتب البغدادية بل العراقية.
2 - منتخب الأعمال
رسالة في 20 صفحة لمحمد علي الحسيني وهي مختارات في الصلوة والصيام مطبوعة في النجف بمطبعة الحبل المتين.
3 - (الجزء الأول من) موعظة السالكين
للسيد محمد علي الشاه عبد العظيمي مطبوع في المطبعة المذكورة سنة 1329 في 138 صفحة وهو كتاب ديني كالأول.(2/467)
4 - غرفة المعجزات في جزءين
كتاب ديني لمحمد علي الحسيني مطبوع في النجف في المطبعة المذكورة.
5 - هذه وجيزة في فضايل (كذا)
الضيافة وما يتبعها وفي آداب الآكل والشرب وما يناسبه. وفي الأخر: منظومة في آداب الآكل والشرب.
رسالة في 52 صفحة تأليف السيد محمد علي الشاه عبد العظيمي طبعت في مطبعة الحبل المتين في النجف سنة 1330.
6 - الغرى أو در النجف
الغرى مجلة نجفية فارسية العبارة ظهر منها عددان بهذا الاسم ثم برزت باسم (در النجف) لصاحبها اغا محمد محلاتي. وقد صدر منها أعداد السنة الأولى. وهي تطبع بمطبعة علوى.
7 - الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية
لمؤلفه محمد حسين آل كاشف الغطا النجفي. طبع على نفقة الشركة العراقية. - طبعة ثانية - في مطبعة العرفان في صيدا سنة 1330.
كتاب يدل عنوانه على فحواه وهو من قلم رجل ينتمي إلى بيت علم رفيع العماد، مشهور في النجف بين الحاضر والباد، وقد قال المؤلف في آخر كلامه تحت عنوان (ذكرى وبيان) ص ز: (لا ابتغي من الكتاب والأفاضل الثناء عليه، والإطراء فيه، وتصفيف الأقوال الضخيمة (كذا وهو يريد الضخمة ولعله فعل ذلك للمزاوجة) والمقالات الضافية الفخيمة. في تقريضه وتوصيفه. (كذا. ولم يرد وصف مشدداً في كلامهم ولعله فعل ذلك للتسجيع) بل بغيتي منهم ورغبتي إليهم. إن ينظروا إليه نظراً مجرداً. ويضعوه في محكمة التمحيص والتدقيق عارياً. فيذكرون (أي فيذكروا) (فضلاً منهم) ما له وما عليه. وما يستحقه على الواقع والحقيقة بنفسه (؟) من مدح أو ذم. ويعرفوني محاسنه ومساوئه (أي مساوئه) فالإنسان مهما كان أعمى عن عيوبه. واصم بنفسه (؟) عن سيئاته. وأني لا محالة اعتد ذلك منهم على فضلاً. . . .) فإجابةً لصلبه ولما امتاز به صاحب هذا الكتاب من رسوخ القدم في العلم وثباته في التحقيق وإن انتقده الناقد نذكر هنا بعض ما في سفره من المحاسن
والمساوئ فنقول:(2/468)
أما مساوئ الكتاب فأولها أنه أطال مقدمة الكتاب لبسط رأيه في سبب تأليفه والدواعي إلى وضعه. وأهل هذا العصر يخالفون أهل العصور المتوسطة فأن أبناء زماننا يحرصون على أوقاتهم ويحبون أن يقعوا على ما يتطلبونه بدون أن يضيعوا أوقاتهم في نشده بين تضاعيف السطور الكثيرة. وهذا ما كان يفعله كتاب العرب في أول عهدهم بالكتابة والعود إليه احمد. ولهذا لو أوجز في الكلام لكان احسن.
2: لا يجدر بالمؤلف أن يمدح كتابه أو عبارته أو نفسه وإنما يدع ذلك إلى القراء والمطالعين وأصحاب الرأي والحكم. فقد قال مثلا ص 18: وما صدني ذلك عن امتلاك شيء من ملكة الإنشاء. ولا عاقني عن الانتظام في سلك من يقتدر على البيان والإفصاح عما شاء. وقال واصفاً كتابه ص 25:. . . ببراهين بينة متقنة، مكسوة (؟) بالعبارات الرشيقة، والفقر الأنيقة، التي تقرب البعيد، وتسهل الشديد. جامعة بين الرصانة والرقة. والوضوح والقوة، وفصاحة الكلام. والأفصاح عن المرام، متوخياً جهدي تجنب ما يوجب التعقيد من الإصلاحات الفلسفية، والمجادلات الكلامية. بمألوف من البيان مأنوسه، وواضح من القول يعيد معقول الفكر كمحسوسه. كل ذلك تسهيلاً لمطالبها. وطلباً لانتفاع العالم والعامي بها. حسب جهدي وطاقتي، وما في مزجات (كذا أي مزجاة) بضاعتي. . .)
وقال في ص ز من الأخر: (فأني على أمل وثيق أن يجد مطالع هذا الكاتب ما يرتاح الفكر إلى النظر فيه. وتنبسط النفس إلى المطالعة مطاويه لسهولة عباراته وسلاسة مجاريه. .) ومثل هذه الأقوال كثير في تضاعيف هذا الكتاب.
3: أنه ينحى على أهل الغرب باللائمة ويعامل صالحهم وفاسدهم معاملة واحدة بدون تمييز ولا نظن أن هذا من الحق في شيء. كقوله مثلاً في ص 16 و17: ولو سألتني ما سبب ضعف الدين في المسلمين لقلت زخارف الدنيا ونفوذ الروح الغربية التي دخلت فيهم. . . فليس كل ما يأتينا من روح الغربيين مذموماً؛ فلهم من المحاسن ما لا ينكره أحد مهما كان من المتهورين ولهذا يحسن بالكاتب أن يقيد عند الحاجة ولا يطلق. ولا سيما لأنه سبق فقال في ص 4: نفذت(2/469)
الروح الغربية في جسد الشرق وجسم العالم الإسلامي فانتزعت منه كل عاطفة شريفة وإحساس روحي، وشرف معنوي ومجد باذخ، واستقلال ذاتي. . . . لا جرم إننا إذا طالبناه بالبراهين المؤيدة لهذا الكلام فأنه لا يأتينا إلا بمثل ما أتى به في مطاوي
الكتاب. وهي ليست من الأدلة الدامغة. هذا ولو اكتفى بالإشارة إلى ما يريد مرةً واحدة لكفى؛ لكن التكرار ينشئ الضجر في صدر القارئ.
4: قد يأتي بعض الأحيان باعتراض محكم المعنى والمبنى ويجيب عنه بجواب لا يقابله قوة ومتانة كقوله ص 17: (ولو قلت: ما الذي أوجب سكوتهم (أي سكوت مصلحي الإسلام والآمرين منهم بالمعروف) وإغضاءهم (كذا) عن تمزيق دينهم بترقيع دنياهم. فلا هذا ولا ذاك. قلت: حسبك (في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء). قلنا ولو لم ينبه الخاطر إلى هذا الأمر لكان اجدر به ولا سيما لأنه يعرض بمن لا يجدر بهم هذا التعريض. أو لعل ما يتوهم فيهم الظن لا يصدق فيهم بل في غيرهم.
5: علم المؤلف أن بين المسيحيين زعانفة (والزعانفة غير مخصوصين بدين دون آخر بل هم في جميع الأديان) غالت وتطرفت في الطعن على شرف الإسلام (ص 22) ولكن لا نرى موجباً لأن يتعرض للرد عليهم ص 23 فالرعاع من الناس يعرض عنهم ولا يلتفت إليهم إذ هم بمنزلة الغثاء في مسيل الماء ولا سيما لأنهم لم يخصوا المسلمين بالثلب بل أطلقوا ألسنتهم على النصارى إطلاقاً لا يعرف له قيد ولا حكم. وعليه لا نرى من الحق أن يسموا نصارى وهم ينكرون ذلك على أنفسهم. نعم انهم نصارى منشأ واصلاً لكنهم ليسوا بهم عقيدة وعملاً. فالرد عليهم من العبث.
6: ربما استعمل ألفاظاً حديثة الوضع لكن في غير مواطنها كَقوله ص 24: (انظر بالمجهر الكبير إلى زوبعة في الكوز وعاصفة في الوجود تريد أن تأتي على كافة الأديان. . .) فالمجهر مهما عظم لا يتخذ لينظر به إلى زوبعة أو عاصفة إلا بتكلفٍ.
7: الكتاب مشحون بأغلاط صرفية ونحوية ولغوية إذ لا تخلو صفحة منها. ففي أول صفحة منه وهي ص 2 ترى: الآنات بمعنى الآناء أي الساعات وهي غير(2/470)
مألوفة وغير معروفة. وفيها (لا تتصرف أفكار أغياره إلا إليه) وتصرف بمعنى صرف أو الصرف لم ينقل عنهم. وكذلك تجول بمعنى جال وضبط توطد بشد الطاء وضمها. ومقتضى المعنى هنا كسر الطاء المشددة. وقال: تلبد الأمل. وضبطها بضم التاء وفتح اللام. فلينظر ما يراد بهذا الفعل هنا. وفيها: ولا ربوة غدر ألا افترءتها. وهذا المعنى غريب ونحن في غنى عنه. إلى آخر ما جاء هناك. وهو في هذه الصفحات الأولى يتوخى السجعات فيضطر إلى
ركوب ما لا تحمد عقباه. ونحن في غنى عن مثل هذا التقييد ولا سيما في كتب غايتها الإفهام لا الإيهام والعبارة المألوفة لا المعقدة.
8: إن الألفاظ الأعجمية من علمية وجنسية جاءت مصحفة تصحيفاً شنيعاً لا يهتدي إليها إلا بعد الروية ولا غرو أنه نقلها عن بعض من لا يحسن اللغة الإفرنجية. كما في الارنج والجوري أو الشامبنزيه وهو يريد الاوران اوتان - والغورلا والشمبنزي (ص و) وذكر العلامة نيوتن باسم ينوتن ولعلها من غلط الطبع ولني جاءت لينيه وكلاهما في ص ز وسط الكتاب.
9: كثيراً ما يستعمل المؤلف ألفاظاً تدل على الدعاء بالشر وهي اليوم ليست من آداب هذا العصر كقوله في ص 40:. . . فما لبثوا أن تمادى فيهم الغرور وطغى بهم طوفان الجهل حتى قال قائلهم سل الله أسلة لسانه كما سل عقله بيد شيطانه (أنا قد قتلنا إلهنا واسترحنا). . ومثل هذا التعبير كثير في هذا الكتاب. على أن هذه الأمور لا تنزع من الكتاب مزيته فأننا إذا اعتبرناه من جهة تفنيده للمذاهب الجديدة الواهية كمذهب الماديين والدهريين وأصحاب مذهب تنازع البقاء والنشوء والارتقاء والدروينية والتعطيل والإلحاد ونحوها. فأنه بمنزلة الصاعقة لهم. طالع مثلاً الفصل الأول من هذا السفر الجليل فانك تراه يتكلم عن إثبات الصانع جل صنعه ببراهين بينة قريبة المثال. هذا فضلاً عما هناك من الحقائق الأخرى كاليقين بوجود النفس مقارن لليقين بوجود الإله. (ص 65) وكالنفس هي التي تدرك قبل كل شيء والمادة التي تدرك أبداً. (ص 66) وككلامه في بذاءة الملحدين وصلابة أوجههم (ص 67) إلى غيرها(2/471)
من الأبحاث الجليلة والتي لا تعد. وإنما عددنا بعض معايب هذا السفر الخطير عملا بقول المفكر الكبير:
كفى المرء نبلا أن تعد معايبه
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - مرض الغنم
وقع داء في الغنم منذ أوائل شهر شباط ولا سيما في الغنم الموجودة في جوار قضاء خراسان. وقد سافر إلى المحل المذكور فاروقي أفندي مفتش بياطرة الولاية ليطلع على هذا المرض وقد تحقق بعد الفحص انه حاصل من قلة الأمطار. وقد مات بهذا المرض اكثر من عشرين بالمائة وليس له علاج آخر سوى كثرة العشب والكلا. وقد وقع مثل هذا الداء في غنم قضاء (بدرة) (بادورايا)
(عن الزهور)
2 - مرض خيل الجند
وقع مرض شديد في خيل الجند الخيالة في أوائل الشهر المنصرم فاتلف منها 32 جواداً. وبعد أن عالجها بياطرة الجند انقطع عنها الداء. وقد أمر أصحاب الفن قتل جميع الكلاب التي كانت بجوارها وكان يظن بها أنها من نواقل العدوى (عنها).
3 - منع إخراج الحبوب والتمر
قدم مجلس بلدية بغداد عريضة بتاريخ 18 كانون الثاني من هذه السنة إلى مجلس الولاية طالبة جعل التمر من عداد ما يمنع إخراجه من بغداد حفظاً لحياة الفقير فالمع المجلس الأخير بهذه الرغبة إلى نظارة الداخلية فلبت طلب المجلسين بل ورفعت المكس عما يجلب إلى الولاية من الحبوب إلى الحاصلات الجديدة.
4 - رجفة في بغداد
أرجفت الأرض فشعرنا بهزتها نهار السبت 1 آذار في نحو الساعة التاسعة مساءً ودامت الزلزلة 3 ثوانٍ والظاهر أن كثيرين لم يشعروا بها لأنهم كانوا قد ناموا(2/472)
(صورة النبذة بحرفها)
بيان مقتصر شرح ما حدث بأيام عبد الله باشا والي بغداد، الذي هو أول مملوك الذي اشتراه سليمان باشا
بعد أن صار يسير العجم وكان جاعله جبقجي وبعده تقدم إلى وقت الذي قتل فيه سليمان باشا الزغير حصل على الوزارة بواسطة عبد الرحمن باشا الكردي في سنة 1225هـ (1810م). في تاريخ سنة 1227 في شهر ربيع الثاني صار تنافر فيما بين اسعد بك ابن سلمان باشا وبين طاهر اغا كيخية عبد الله باشا واستبان إلى البيك نية الغدر من الكهية والدليل لذلك ضبط أملاكه الموهوبة له من أبوه ولذلك خرج بإحدى الأيام إلى التنزه وصار قاصداً الهزيمة وعدم الرجوع إلى بغداد وحين شاع الخبر حالاً توجه أناس من قبل الوزير عبد الله باشا على تحصيله وأرسل له الأمان لكي يحضر إلى بغداد وتواسط هذه المادة باليوز الإنكليز الموجود يومئذ في بغداد وهو مستر ريج بما أنه صاحب جاه واعتبار عند الوزير المشار إليه وفي أوائل شهر جمادي الأول جاء اسعد بك ودخل بغداد وتوجه إلى مواجهة الوزير ومعه مستر ريج الذي اخذ من الوزير عهد الأمان عليه وبقي مدة في بغداد ومستأ من طرف الوزير ولكن طاهر آغا الكهية لازال يظهر منه إشارات البغض على اسعد بك وحين شعر بذلك وتأكد بأن الكهية قاصد قتله خرج من بغداد في شهر شعبان سنة 1227 وتوجه إلى عند حمود آل سعدون شيخ المنتفق وقصده بالحماية. والمذكور بما أنه قديم في المشيخة من زمان أبو اسعد بك سليمان باشا قبل الولد بكل إكرام ومحبة وكان قد سبق قبله جاسم بك ابن الشاوي منهزما من الوزير وجاء إلى عند حمود لأنه لم يجد له مكان يلتجئ فيه سوى هذه العشيرة وشيخها حمود الذي مع أنه كفيف حسن تدبير وعقله لا يوصف وحين بلغ عبد الله باشا حصول اسعد بك عند حمود زعل الكهية هيجه بالغضب وكتبوا إلى حمود يطلبوه منه بالمعاتبة بأنه يكفيك ضبط أراضي البصرة وأثمارها ومنع أيراد الميري عليها ومدة سنتين ما قدمتوا لنا الذي عليكم بل الذين يشردون من طرفنا تحميهم وتلفيهم عندك فنحن نسمح لكم عن كلما فعلتموه من تعطيل إيراداتنا ونروم أن تسلمونا جاسم بك شاوي واسعد بك ابن سليمان باشا.
فكان جواب حمود إلى الوزير أن جميع ما حررته من جري تعطيل إيرادكم والمحصول(/)
العدد 24 - بتاريخ: 01 - 06 - 1913
عريسات
1 - تمهيد
اختلفت الرواة في عريسات وموقعها ووصفها اختلافاً تاماً وقد وصفها بعضهم أنها مدينة تحت الأرض والبعض الأخر أنها معابد للأقدمين وقال آخرون أنهم رأوا في بعض مغاورها إيواناً فيه محراب إسلامي ومنبر، إلى غير ذلك.
ولما لم نقف على الحقيقة لم نر بداً من هذا الأثر النفيس بأنفسنا فرحلنا من بغداد إلى النجف في يوم الأربعاء 11 من ربيع الثاني سنة 1331هـ - 19 آذار سنة 1913م. ثم وردنا لنجف بعد مدة 18 يوماً وقد زرنا في خلال تلك المدة المحمودية، والدير وتل أبو حبة (سبارة) والمدائن، والإسكندرية(2/537)
والمسيب، وسدة الهندية، وكربلاء، وشفاثا، وقصر الاخيضر وقبر احمد(2/538)
ابن هاشم، والقبور القديمة التي بقربه، وقصر
الخراب وعين التمر وقصر البردويل(2/539)
وقصر شمعون في شفاثا وطربريق، والحلة، وكوبرش (قصر بختنصر في بابل) وبرس، والكفل، والنجف.
2 - الطريق المؤدية من النجف إلى عريسات
في يوم الاثنين 30 شهر ربيع الثاني رحلنا صباحاً من النجف قاصدين عريسات وكان دليلنا الخريت رجلاً من أهل محلة العمارة إحدى محلات النجف اسمه هجول بن احمد سران وقد قضى هذا الرجل مقدار 40 سنة في عريسات لطب ذرق الخفاش وبيعه لأهل الحدائق والبساتين ولم تزل هذه مهنته حتى اليوم ولذا تراه من اعرف الناس بمتايهها الباطنة لكثرة أنتيابه إليها والى دهاليزها العديدة.(2/540)
خرجنا من باب المشهد الكبير (أي من باب النجف) الذي هو تجاه الشمال الشرقي ثم سرنا مع السور متجهين إلى الغرب ثم انحرفنا إلى الجنوب الغربي وبعد مسافة ربع ساعة عارضنا في طريقنا تل ممتد يسمونه جبلاً وهذا التل هو الذي فيه عريسات ثم اخترقناه وملنا معه إلى الشمال الغربي وبعد مسافة 45 دقيقة رأينا عن يمين الطريق على حافته آثار أنقاض تسمى (قصر الفتحة) وهو في جنوبي فرجة من تل عريسات لأن التل هناك
ينحني شيئا قليلا وذك الانحناء يسمونه (فتحة) وبعد مسافة ساعة يلوح لك عن يسار الطريق على بعد ساعة منه (قصر الرهيمة) وبعد مسافة 7 دقائق مررنا بأثر أنقاض عن يسار الطريق يسمى (قصر الدكاكين) وهو ربوة يبلغ ارتفاعها عن الأرض نحو 3 أمتار ومحيطها زهاء 200 مترٍ وبعد 7 دقائق ملنا عن الطريق إلى اليمين مسافة 30 متراً ثم مررنا بوادٍ بين تلين عظيمين علو كل منهما نحو 10 أمتار وفيهما (الدكاكين) التي نسب القصر إليهما والدكاكين عبارة عن مساطب متوالية تتفرع إلى دهاليز وأظنها مقابر قديمة وإنما سميت بهذا الاسم لأن العرب رأوا وضعها كبعض الدكاكين التي عندهم اليوم فظنوها(2/541)
كذلك فأطلقوا عليها هذا الاسم وقد رأينا في ركن جانب منها كتابة حميرية مكتوبة بالحبر الأسود وعدد الدكاكين نحو الأربعين وهي متقاربة تبعد الواحدة عن الأخرى زهاء 3 أمتار وعرض الواحدة قراب مترٍ أو مترٍ ونصف متر وطولها يتفاوت بين الأربعة الأمتار والعشرة وهي منحوتة نحتا في الحجارة في أعلى جانبي الوادي وبعضها في الجانب الأخر من الجبل الذي هو تجاه الشمال وينفذ بعضها إلى الجهة الأخرى ويمر يميناً ويساراً. وبعد مسافة 20 دقيقة وقفنا على (أم الغرف) وهي أشبه شيء بالدكاكين إلا أنها أكبر واعمق وعددها 11 ثلاث منها في أعلى الجبل الذي وجهه تجاه الشمال وثمان في صفحة الجبل التي هي تجاه الجنوب و4 فقط من هذه أل 11 يوصل إليها بطريق أما الباقي منها فلا سبيل إلى وصولها ويبلغ عرض كل واحدة من الأربع التي صعدنا إليها نحو مترين في غور سبع أمتار في سمك 3 أمتار وهي مقابلة للجنوب ويتفرع منها ثلاث طرق مثلها أيضاً ورائحتها كريهة جداً لكثرة ذرق الخفاش الذي فيها وهناك كثير من كسر الصخور الصغار التي يسميها الأعراب (رضماً) (بالتحريك وهو فصيح ولكن يراد بفصيحه الصخور العظيمة) وفي اغلب جدرانها سواد أشبه بالسناج (أي بسواد دخان السراج) وليس فيها أثر كتابة قطعا وهي منجورة نجراً (أي منحوتة نحتا) في الحجارة (والنجر من اصطلاح الأعراب) وفيها زوايا منحوتة أيضا وعند سفح الجبل الذي فيه أم الغرف على بعد 15 متراً ماء تحت الأرض يبض من عين هناك لا ترى ولم يقف الأعراب عليها إلى الآن وقد شربنا منها فكان عذباً إلا أن فيه طعم عفونة لقلة الاستقاء منه وعدم تجدد الهواء هناك.
ثم جاوزناه فسرنا متجهين إلى الشمال الغربي وبعد مسافة 1 ساعة وردنا عين ماء تسمى
(عين السطيح) يبلغ محيطها نحو 12 متراً وماؤها حلو وهي واقعة جنوبي الجبل أو التل على بعد 200 مترٍ منه وفي جنوبيها على بعد 20 متراً عين أخرى مثلها. ثم ملنا إلى ركن بارزٍ من التل وقطعنا التل من هناك متجهين إلى الغرب وبعد مسافة 10 دقائق رقينا أرض السطيح(2/542)
وهي أرض ذات صخور وافهار تعلو الأرض قراب مترين ومحيطها مسافة نصف ساعة ثم بعدها كان على طريقنا التل السالف الذكر وسرنا معه متجهين إلى الشمال الغربي وعندما انحدرنا من أرض السطيح رأينا على بعد 60 متراً إلى الشمال الغربي منها تلاً يبلغ علوه 7 أمتار ومحيطه 160 متراً يسمى (تل السطيح) وفي شماليه على بعد 60 متراً تل أصغر منه بقليل يسمى أيضاً (تل السطيح) وفي كليهما صخور وافهار.
وفوق أرض السطيح إلى الشمال الغربي على مسافة نصف ساعة محل في خشم الجبل يسمى (الرهيميات) - ويسمي الأعراب انف الجبل خشماً تصحيف الخيشوم الفصيح وهو بمعناه - وفي جنوبي الصطيح على بعد 40 دقيقة (قصر الرهبان)
3 - : الوصول إلى عريسات
ثم سرنا من أرض السطيح وبعد مسافة ساعة وربع وقفنا على عريسات(2/543)
عند العصر وهي في الجبل الذي لازم طريقنا من سور النجف حتى وردناها. وعند وصولنا إليها دخلنا مغارة من مغاورها وهي التي تسمى (أبو سبعين) ولما دخلناها وعلمنا أن الوقت لا يساعدنا على الاطلاع عليها في وقت وجيز لأن الشمس كانت قد قاربت الغروب عزمنا على المسير إلى قصر الرهبان (اعني القلعة الحديثة) للمبيت فيه والرجوع في اليوم الثاني إليها. فنزلنا ذلك اليوم ضيوفا على رئيس القلعة (حمود العكاشي) وهو من أهل النجف وعند الصباح من يوم الثلاثاء عدنا إليها. وقبل وصولنا إليها مقدار نصف ساعة عارض طريقنا (وادي النعمان) الذي كان يحميه النعمان بن المنذر وهو الذي يمر أمام قصر الاخيضر أيضا مما يلي الشمال ثم عبرناه وسرنا حتى وردنا عريسات ودخلنا تلك المغارة التي دخلناها عصر أمس ودليلنا هجول السالف الذكر فكانت مدة دخولنا وخروجنا في مغارة (أبو سبعين) ساعتين وعشر دقائق وقد أنهكنا النصب قبل استقصاء طرقها ثم استرحنا هنيهة ودخلنا مغارات أخرى في شرقيها وغربيها ولما علمنا أن التجول في عريسات على الطريقة العلمية - التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا تحصيها وتصفها - يستغرق على
الأقل مدة شهر وليس لدينا من المؤونة والمعدات ما يلزم ركبنا وخيلنا ورجعنا وقد أجلنا التجول فيها إلى وقت آخر واليك وصف عريسات كما شاهدناه وسمعناه.
4 - وصف عريسات نفسها
عريسات عبارة عن دهاليز غائرة كالمغاور عديدة تتجاوز المائة عدداً وهي واقعة في أعلى الجبل أو التل وأبوابها مقابلة للقبلة ويتفاوت علو أبوابها تفاوتاً بيناً فأعلى ما يكون منها نحو مترٍ ونصف مترٍ وأدناها قراب 80 سنتيمتراً وكذلك يتفاوت بعد أبواب بعضها عن بعض نحو المتر والمترين والثلاثة الأمتار والمغاور صفان أو طبقتان عليا وسفلى وبين الطبقة والطبقة نحو 4 أمتار واكثر أبواب الصف الأعلى لا طرق إليها ولا يمكن وصولها إلا بسلم. واكثر تلك المغاور(2/544)
تتفرع إلى طريقين وثلاث وأربع وخمس طرق ما عدا (أبو سبعين) السالف الذكر ومسافة الطرق المذكورة نحو مترين و4 و7 10 أمتار لا غير.
والتل الذي فيه عريسات يبلغ نحو 12 متراً وهو دليل الخارج من النجف إلى عريسات لأنه يمتد مع الطريق إلى عريسات كما ذكره. وجميع مغاور عريسات منحوتة في حجر ذلك التل أو الجبل نحتا وليس ثم أثر بناء بالطاباق أو اللبن أو الجص أو غير ذلك البتة.
5 - وصف ما شاهدناه داخل عريسات
إذا دخلت مغارة من مغاور عريسات وتقدمت فيها إلى الأمام مقدار 10 أمتار يعتريك في الحال دوار (دوخة في الرأس) وضيق في النفس وذلك مما تشمه من الرائحة الكريهة رائحة بول الخفاش وذرقه الذي تمر عليه المئات من السنين ولا يمر عليه الهواء. والدخول في مغاور عريسات بدون ضياء بعيد التحقيق أو محال لأنك إذا جاوزت باب المغارة وتقدمت إلى الأمام مقدار عشرة أمتار صرت في ظلمة لا يبصر فيها العقاب. وإذا انطفأ سراجك وأنت داخل عريسات، فلا بد لك من الوقوف في مكانك حتى تسرجه (تعلقه) لأنك لا تدري أين تضع قدمك أفي البحر أم في النار.
دخلنا عريسات وفي يد كل منا شمعة مسرجة (وقد اخبرنا جماعة من أهل النجف أن السراج ينطفئ فيها لانحباس الهواء هناك فوجدناه خلاف ذلك). ولنكتف الآن بوصف ما في داخل مغارة (أبو سبعين) عن باقي المغاور لأنا قد قلنا فيما سبق أن اكثر تجوالنا فيها.
وهي واقعة على حد المغاور المقابلة للقبلة في طرف الشمال الغربي منها.
سرنا في دهاليز أو ديماس يبلغ سمكه دون القامة بقليل ووجهنا إلى الشمال الشرقي وبعد مسافة 20 متراً ملنا إلى طريق عن يسار طوله مقدار 25 متراً وبعدما سلكناه رجعنا القهقرى لأن لا منفذ فيه ثم سرنا ووجهنا أيضا إلى الشمال الشرقي وقد اخذ ارتفاع الدهاليز أو الدياميس يقل ويضيق وتتفرع الطرق فكنا كلما مشينا خمسة أمتار أو 10 أمتار وجدنا طريقين إحداهما عن اليمين والأخرى عن اليسار وفي وسط الطريق التي تتفرع إلى أربع طرق أو ثلاث طرق نقرة(2/545)
شبيهة بالبئر منحوتة نحتا بسيطا تتصل حافاتها بجوانب الطرق الأربع فلا بد للسالك وقتئذٍ من أن يتعداها طفراً. على أن بعضها لا يمكن تعديها طفراً لعرض فمها. وأن عزم السالك على عبورها فلا حيلة له سوى التثبت عند وضع رجله على حافتها لأنها ملساء وليس فيها موضع يضع الإنسان فيه قدمه. - وقد سقط أحد أصحابنا في إحداها ولولا حضورنا لتعسر عليه الخروج آنئذٍ - أما عمق تلك الحفر فيختلف إذ يبلغ عمق بعضها قامة وبعضها دون القامة بنصف ذراع وبعضها أعلى من القامة واعمق ما فيها يبلغ بين 2 و3 أمتار لا غير وقد القينا في الحفر العميقة منها حجارة لنعلم ما في قعرها فسمعناها وقعت على كسر أحجار (رضم) ولم نجد فيها ماء البتة بخلاف ما روي لنا أن في بعضها ماء فتحققنا أن الخبر ليس كالخبر.
ثم مررنا في تلك الطرق المتفرعة ذات اليمين وذات الشمال وكلما سلكنا طريقاً منها وجدنا فيها طرقاً أخرى تتفرع منها فنسلكها ونترك تلك الطريق الأولى وإذا صدنا حائط ينتهي إليه طريقنا رجعنا القهقري وسلكنا الطريق الأولى التي ذكرناها آنفا.
أما عرض الطرق وسعتها وكيفية وضعها فبعضها لا يمكن السلوك فيها إلا حبواً كما يحبو الطفل لقرب سمائها من أرضها وبعضها لا يسلك فيها الماشي إلا كالراكع في الصلاة أو كالمنحني انحناء بحيث تقف البيضة على ظهره وبعضها يرتفع بعلو القامة أو ما يقرب من القامة ولم نجد فيها أعلى من القامة إلا قليلاً - وبعضها لا يمكنك أن تمشي فيها والطريق أمامك ولكن تمشي مجانباً (صفحاً) ويكون وجهك أمام الجدار.
أما تحتها فهو بسيط جداً يظنه الرائي لأول وهلة نحتاً طبيعياً لخلوه من دقة الصناعة والهندسة وفي كثير من أرضها وجدرانها وسقوفها سلوع (شقوق أو فطور) طبيعية تدخل
فيها يد الإنسان وأرضها وجدرانها وسقوفها غير مستوية وكلها مضلعة (مركنة أي ذات أركان بارزة) إلا بعض السقوف (وهي قليلة) فأنها مقوسة ولم نشاهد فيها أثر كتابة أو نقوش وأن كان ثم شيء منها فلا يمكن الاهتداء إليه لأن جميع الجدران والسقوف مغشاة ببول الخفاش وتعسر أزالته أو كشطه بدون آلة واعتناء في مدة مديدة ولم نسمع فيها أيضا سوى وطوطة الخفاش وقد شاهدنا في أثناء الطريق عظام حيوانات غير مفترسة. وبعد مسافة(2/546)
نصف ساعة نزلنا في نقرة واقعة في وسط فسحة بين مفرق أربع طرق يبلغ محيطها نحو 6 أمتار وعرض فم النقرة على قدر جسم الإنسان الذي هو ليس بالسمين ولا بالضعيف وعمقها 3 أمتار تقريباً ومن هناك سلكنا في طريق تتفرع منه طرق متعددة كما وصفنا وقد نزلنا في حفرة عند منتهى إحدى تلك الطرق يبلغ عمقها ثلاثة أمتار ومحيطها 6 أمتار فوجدنا فيها كثيراً من كسر الحجارة (رضماً) وبين تلك الرضام عظم زند إنسان لا غير عليه وسخ كثير. وما زلنا نخرج من دهليز ونسلك في آخر حتى مللنا. - وفي أثناء مرورنا شاهدنا ضياء الشمس فسألنا الدليل من أين هذا الضياء فقال هذا من مغارة بابها من الجهة الأخرى من التل أو الجبل (أي تجاه الشمال) - ثم سرنا ووجهنا إلى القبلة وإلى الجنوب الغربي حتى مررنا بحفرة لها باب كأبواب مغاور عريسات في الجدار الذي عن اليسار من الدهليز وأطلنا من الباب عليها لننظر ما فيها فلم نتحقق شيئاً لأنها واسعة وعميقة ومظلمة جداً وليس هناك طريق للنزول فيها بدون سلم ويبلغ طولها نحو 4 أمتار في سمك ذلك في عرض مترين وفيها كثير من كسر الأحجار الصغيرة والكبيرة ثم جاوزناها وسرنا متوجهين إلى الجنوب أيضا وبعد مسافة بين 20 و30 متراً أفضينا إلى باب مغارة على البر تجاه الجنوب وهي غير المغارة التي دخلنا منها أولاً وهي واقعة شرقيها نحو 15 متراً وفي تلك المسافة أبواب أربع مغاور فسألنا الدليل هل أبواب هذه المغاور تؤدي إلى الدهاليز التي سلكناها فقال نعمٍ تؤدي إليها فكانت إذاً أبواب المغاور التي تؤدي إلى دهاليز (أبو سبعين) سبعةً: ستة منها مقابلة للجنوب وواحدة في الجانب الآخر من الجبل أو التل مقابل للشمال وهو الذي أشرنا إليه آنفا.
أما مسافة تلك الدهاليز فهي من 3 أمتار إلى 10 أمتار إلى 15 إلى 25 متراً وليس فيها طرق سوية غير 6 طرق والباقي تميل يميناً وشمالاً. وقد سألنا الدليل كيف حالة عريسات
في الصيف والشتاء فقال في أيام الحر كصبارة الشتاء وفي أيام البرد كحمارة القيظ وسألناه أيضاً هل وجدت فيها شيئاً فقال(2/547)
وجدت في بعض حفائرها جوزاً فلما كسرته وجدته فارغاً. ووجدت أيضاً في وسط حفرة من تلك الحفر جسم إنسان ميت قائم على قدميه. ولما مسسته بيدي انقلبت عظامه رماداً فكان إذاً هامداً. ولم أجد فيها (يعني في عريسات) من الحيوانات والأحناش سوى هر البر (بزون البر) والعقارب. ثم بعد ما استرحنا هنيهة دخلنا بعض المغاور الواقعة في شرقي وغربي مغارة (أبو سبعين) كما أسلفنا ذكرها وبين تلك المغاور التي سلكناها مغارة واقعة في غربي كهف (أبو سبعين) على بعد 15 متراً منها تقريباً. مشينا بعدما جاوزنا بابها في دهليز طوله مسافة 10 أمتار في عرض دون الذراع ووقفنا على حفرة واسعة الفوهة عميقة لا يمكن مجاوزتها قفزاً وأمامها طريق واسع يبلغ عرضه نحو 24 متراً في طول سبعة أمتار في علو مترين ونصف متر وسقفه مبسوط (مركن) النحت ولم ندر ما فيه لأنا لم نتمكن من الوصول إليه كما ذكرنا من أمر الحفرة الوقعة بينه وبين الدهليز الذي نحن فيه ولم يكن لدينا شيء نضعه عليها كالجسر ونمر عليه فلم يكن لنا بد من الرجوع فرجعنا كما جئنا صفر الأيادي من الإطلاع على ما فيه. هذا ما شاهدناه داخل عريسات والذي خفى عنا أكثر مما ظهر لنا والله اعلم.
6 - . موقع عريسات الجغرافي وأبعادها عما يجاورها
عريسات واقعة في الشمال الغربي من النجف أو مشهد علي بن أبي طالب (عم) على بعد 6 ساعات للراكب و7 للراجل وفي غربي أم الغرف على بعد 2 أو 3 ساعات وفي الشمال الغربي من السطيح على بعد ساعة وربع الساعة وفي غربي الرهيميات على بعد ثلاثة أرباع الساعة وفي الشمال الغربي من قصر الرهبان على بعد ساعة وربع الساعة وتقابل الحياضية من الشمال على بعد ساعتين تقريباً وفي جنوبي خان الحماد (الواقع في منتصف الطريق المؤدية من كربلاء إلى النجف) مقابلة له على بعد بين الثلاث الساعات والأربع الساعات فهذه حدود عريسات المتداولة الأسماء عند أهل تلك الأطراف وقد جرينا جريهم في مصطلحاتنا وعباراتنا.
7 - . ما كانت عربسات
يستدل من كيفية وضع عريسات وهيئتها أنها كانت مدافن (قبور) قوم تقادم عصرهم وطوت حديثهم الدهور والذي يساعد على هذا القول هو ما رأيناه(2/548)
من مغاورها المسدودة الأبواب بالحجر الكبير - الذي لا يزحزحه أربعة رجال حتى اليوم وهي علامة القبور القديمة وهذه المغاور أو الكهوف المسدودة الأبواب واقعة تجاه الجنوب الشرقي وهي أربع مغاور فقط ولا يمكن الوصول إليها إلا بسلم لأن ليس ثمة طريق تؤدي إليها وهي في أعلى الجبل وتعلو عن الأرض بين 7 أمتار و10 أمتار والحجر الذي سدت به أبواب تلك المغاور منحوت على قدر الباب كأنه صب في قالب ومنه يظهر أن وضعه قديم.
وقد سمعنا كثيرين من معمري الأعراب يقولون أن عريسات كانت في القديم محبساً للنعمان بن المنذر والبعض منهم قال كانت عريسات محبساً لبختنصر. وقد حدثني العالم الفاضل الثقة الشيخ محمد صالح الجزائري النجفي أنه سمع كثيراً من معمري الأعراب يقولون بهذا القول أيضاً والله اعلم بالحقائق. ولعل علماء العاديات يكشفون لنا عن غامض سرها وخفي أمرها وربك علام الغيوب.
(كاظم الدجيلي)
بعض آراء في معنى بغداد
1 - الفاتحة
ذكرت لغة العرب 392: 1 أسماء بغداد وما يرادفها واللغات التي وردت فيها وهانحن نورد بعض الآراء في تفسير هذه اللفظة فنقول:
2 - آراء المصريين في معناها.
1 - ذهب حضرة الدكتور وليم هارصون إلى أن بغداد محرفة عن (بعل جاد) ومعناها معسكر البعل وقد شرح هذا الرأي في بحث مسهبٍ وأبان أنها كانت معسكراً للجيش البابلي ومحط ذخائره ومعداته الحربية أما نحن فلا نوافقه على رأيه هذا لأن بعل جاد كانت مدينة مشهورة واقعة في شمالي فلسطين اللهم إلا أن تكون مدينتان قد تسمتا باسم واحد كما وقع ذلك في بعض المدن بيد أن ذلك يفتقر إلى إثبات.
2 - قال الأستاذ الفرد ولصن بغداد تحريف (بعل داد) أي مدينة إله الشمس وتأييداً لما ذهب إليه قال: كان أهل المشرق(2/549)
في الأزمنة الغابرة يعبدون الأجرام السموية فعبد الشنعاريون أي البابليون والكلدانيون القدماء والفنيقيون والكنعانيون الشمس والقمر فكان البعل عندهم الإله الشمس وعشتروت الآلهة القمر وعليه لا يبعد من أن تكون مدينة بغداد بنية أولاً لعبادة البعل ثم أرصدت له وسميت باسمه.
3 - وقال العلامة ج. لسترانج يظهر أن أسم بغداد مركب من لفظتين قديمتين فارسيتين وهما بغ أي الله وداد أي أسس فيكون مؤدى معناها (مدينة مؤسسها الله).
4 - وكتب عمانوئيل أناويس قائلاً (إن الإفرنج نقلوا إلى لغتهم أسم بلطشاسر مصحفاً بصورة بغدا سار. والظاهر أنهم أخذوا هذه الأسماء من اليونان وهؤلاء من الأرمن والأرمن من الفرس فهي إذاً فارسية الأصل والظاهر أن الفرس كانوا يقلبون اللام غيناً فيما نقلوه قديماً عن السريان (وقد نقلوا عن السريان كلمات كثيرة فأخذها منهم الأرمن وجروا مجراهم) فأسم صنم الفرس القديم بغ مصحف عن (بل) الإله الكلداني - وعليه يكون أسم مدينة بغداد لفظاً كلدانياً في الأصل وهو (بلداد) ومعناه بل حبيبي. وربما كان هذا أصلح
الآراء في أسم بغداد.
5 - ارتأى أحد سياح الإنكليز المدعو بولص هملتون الذي جاب أغلب ديار العراق. إن بغداد هي تصحيف (بلداد) أي بطش بل فداد لفظة آرامية قديمة معناها فتك وقد ذهب إلى أنه جرى في هذه البقعة ملحمة عظيمة يشيب لهولها الأطفال فيها أنتصر نبوخدنصر على أعدائه فشتت شملهم وألقى الرعب في قلوبهم حتى هلكوا عن أخرهم فتذكاراً للفتح المبين والنصرة الباهرة بنيت المدينة ودعيت باسم الصنم (بل) إكراماً له وتيمناً به. ودونك ما جاء في تاريخ الخلفاء العباسيين تأليف العلامة لسترانج ادعاماً لرأي الكاتب.
إن السر هنري رولنصن الشهير(2/550)
زار بغداد وتفقد معالمها عام 1848م وأتفق أن في قيظ تلك السنة نضبت مياه أغلب الجداول والآبار ونقصت مياه دجلة نقصاناً فاحشاً حتى أن كثيراً من الأبنية التي كانت قد غمرتها المياه وحجبت عنها أشعة الشمس الساطعة قروناً عديدة ظهرت بجبروتها وعظمتها تسخر بتيارات دجلة وأمواج عبابه.
وبينما كان المذكور ذات يوم يجول في شاطئ الجانب الغربي من بغداد (أي الكرخ) عثر على متراس فسيح مبني بالآجر البابلي وكانت كل لبنة منه مختومة باسم نبوخدنصر وألقابه وفتوحاته.
6 - صرح أحد مؤرخي الإنكليز الكبار الذي يركن إلى قوله: إن مدينة بغداد قديمة جداً ولا يعرف معنى أسمها على التحقيق وربما يرتقي عهد بنائها إلى حموربي المعاصر لإبراهيم الخليل وهو المذكور في سفر التكوين من التوراة باسم أمرافل كما أثبت ذلك أحد العلماء الفرنسويين بأدلة لامعة لا محل لإيرادها هنا.
3 - قدم بغداد
ظهر مما تقدم إيضاحه أن بغداد كانت مدينة شهيرة قبل عصر الخلفاء بأزمنة لا يعرف قدمها على التحقيق وعلى كل حال ليس معنى اسمها كما أوله كثيرون من كتبتنا القدماء حسبما عن لهم وأوحت إليهم مخيلتهم وربما شك البعض في حقيقة قولي ولا يصدق أن مدينة بغداد الحديثة بنيت على أنقاض القديمة فلدي براهين تاريخية مكينة لا تقبل الرد بل تؤكد كل التأييد ما ذهب إليه فهاكها على سبيل الاطلاع.
أولاً ورد في بعض الرقم الآشورية والجداول الجغرافية أسم يشابه كل المشابهة أسم بغداد
على عهد حكومة الملك أشور بن هبل -(2/551)
المعروف أيضاً عند الأثريين وعلماء التاريخ باسم سردنيال
ثانيا أنبأتنا التواريخ التي بأيدينا أنه في العصر الأخير من دولة الساسانيين كانت بغداد الواقعة على الجانب الغربي من دجلة بقعة مخصبة جداً وزاهية زاهرة بأنواع الورود وأصناف الرياحين
ثالثاً كان يقام في بغداد من قديم الزمان سوق كسوق عكاظ في غرة كل شهر للبيع والشراء وقد ذاع صيته في أربعة أقطار المسكونة حتى أنه في أوائل فتوحات العرب أوفد خالد بن الوليد (الملقب بسيف الله قائد الجيش في عصر الخليفة أبي بكر الصديق) شرذمة من جيشه يقودها أحد الأمراء الأبطال ليدخل بغداد ويغزو سوقها الغني بجواهره الثمينة وقد توقفت تلك الحملة في غزوتها لأن الغزاة باغتوا المدينة. وأغاروا على سوقها فحملوا شيئاً كثيراً من الذهب والفضة وكروا راجعين بتلك الغنيمة الباردة إلى الأنبار حيث كان القائد العام معسكراً بجيشه الجرار وهذه الحادثة وقعت سنة 13 هـ الموافقة 634 م
رابعاً جاء في صفحة 454 من تاريخ (قيام وسقوط الخلافة العربية) للعلامة السر وليم مور ما معناه: (طاف المنصور بلاد تلك الأرجاء حتى تخوم الموصل ليختار له بقعة تلائم الغرض الذي كان يتوخاه فعثر أخيراً على موضع في الجانب الأيمن (الشرقي) من دجلة يبعد نحو خمسة عشر ميلاً عن المدائن وكان بالقرب منه دير يقطنه فريق من الرهبان مع رئيسهم فلما سئلوا عن ذلك المحل أطنبوا في مدحه)(2/552)
خامساً ورد في الصفحة 9 من تاريخ بغداد في زمن الخلفاء العباسيين تأليف الفاضل لسترانج ما نصه (إن المنصور ساح سياحات عديدة في نية أن يعثر على بقعة حسنة ليتخذها عاصمة جديدة لمملكته فأخذ يجول في ضفاف دجلة من جرجرايا إلى الموصل حتى بدا له محل واقع بقرب بارما الكائنة وراء تخوم الموصل حيث يخرق دجلة جبل حمرين ولكن لم يطب ذلك الموضع للخليفة لأنه كان قاحلاً جداً وعليه قفل راجعاً إلى أنحاء بغداد فرأى هناك قرية للفرس على ضفاف دجلة فيها بضعة أديرة يقطنها جماعة من الرهبان واغلبهم من النساطرة فاستخبر منهم عن حال القطر فعرفوه أنه يفوق سائر أقطار العراق باعتدال مناخه وجودة هوائه وعذوبة مائه وحسن مناظره الطبيعية التي تشرح
الخاطر وتبهج الناظر فضلاً عن طيب لياليه الباردة حتى في أشد حرارة القيظ وخلوه من مستنقعات تكون مباءة للبعوض ومنبتاً لجراثيم الوباء) فحملته هذه الأقوال على أن يلقي عصا ترحاله في ذلك الإقليم السليم ويصمم على بناء مدينة جديدة تكون عاصمة لبين النهرين وذلك في عام 145هـ - 762م.
فمن هنا يظهر بأجلى بيان أن بغداد مدينة قديمة وقد بنيت الحديثة بجنب تلك أن لم تكن على أنقاضها فلينصفنا المطالع الكريم، إذا لم يرق في عينه شاهدنا هذا القويم، وفوق ذي كل علمٍ عليم.
4 - الزوراء
لم تسم بغداد على ما أظن بالزورآء لأن الأبواب الداخلة كانت مزورة عن الأبواب الخارجة ولا لانحراف محرابها عن القبلة ولا على ما قال ياقوت في المشترك لأن الزورآء أسم لدجلة ببغداد وسميت بذلك لميلها وانحرافها بل السبب الأصلي عندي هو لأن يوم تأسيسها كان موافقاً لطالع القوس كما أنبأتنا به بعض التواريخ. وللزوراء جملة معان في العربية منها القوس والقدح الخ. بل ربما سميت بذلك لأنها بنيت مدورة كالقدح وكان قصر الخليفة في وسطها كإناء من فضة على(2/553)
شاطئ دجلة كما نشاهد حتى يومنا هذا استدارة أطلال سور المدينة وخندقها. وهاك ما جاء في الصحيفة 433 من تاريخ أخبار الدول وآثار الأول: (ليس في الدنيا مدينة مدورة غيرها (أي الزوراء). بيد أن حمد الله المؤرخ الفارسي أحد كتاب القرن الثامن للهجرة الموافق للرابع عشر من التاريخ المسيحي ذهب إلى أنها لفظة آرية لا يعرف معناها لخفائه عن إفهام أهل تلك الأيام.
5 - مدينة السلام
أما سبب تسمية بغداد بمدينة السلام فليس لأن دجلة كان يقال لها وادي السلام فاستحسن المنصور أن يسميها دار السلام فقط بل أيضاً لأن مؤسسها الكبير أراد أن يزيل عنه بهذا الاسم الجديد وصمة الأراجيف التي صوبها إليه أعداؤه الذين كانوا يدعون إنها سميت الزوراء تهكماً واستهزاء كأنهم يريدون أن يلمحوا إلى ما بها من الزور أو التزوير.
6 - الخاتمة
أزف كلمتي هذه إلى القارئ الأديب قائلاً أن بغداد سميت بأسماء عديدة مختلفة لغايات شتى وليس بلا داعٍ ولا من باب الاتفاق.
هذا ورجائي الوطيد ممن له وقوف تام على تاريخ بغداد أن ينتقد مقالي هذا أن رآني قد حدت عن محجة الصواب وزغت عن منهج الحقيقة بشرط أن يكون بأدلة ساطعة وبراهين لامعة حتى لا تفوتني الغاية التي أنشدها. والله الموفق.
رزوق عيسى
كتاب مقاييس اللغة
-
1 - مؤلفه
هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني من أئمة اللغة في القرن(2/554)
الرابع للهجرة صاحب المجمل في اللغة والمصنفات الكثيرة أستاذ بديع الزمان وشيخ الصاحب بن عباد كان واسع الاطلاع بعيد النظر جاء في اليتيمة: إنه من أعيان العلم بهمذان ومن أفراد الدهر يجمع إتقان العلماء وظرف الكتاب والشعراء اهـ توفي عام (395هـ - 1004م) في الري ودفن فيها ولم أقف على تاريخ مولده
3 - الكتاب
مقاييس اللغة كتاب لم ينسج على نوله ولا ألف على شكله فيما أطلعت عليه من كتب اللغة - عيناً أو خبراً - جاء فيه ابن فارس بالمبدع وبرهن به على إمامته في اللغة ودقة بحثه ولطافة ذوقه في القياس والاستنتاج. أما نهجه في هذا المؤلف فهو أنه يذكر للمادة معنى يسميها أصلاً أن اجتمعت فروعها بأصل واحد وإلا فأكثر حسب اجتهاده تكون كل فروعها راجعة إليه يذكر الفروع. وهذا الكتاب مع ما ستعرفه من حسنه لم يشتهر بين أرباب اللغة ولا عرفه الكثير منهم حتى ولا ممن اعتنى منهم بمعرفة كتب اللغة خصوصا؛ كما أن الكثير ممن ترجم(2/555)
ابن فارس لم يذكره في مؤلفاته وهذا دليل على قلة نسخه وقد رتبه ترتيب حروف الهجاء الشرقي لا المغربي ولا الطبيعي أي الابتداء بأقصى حروف الحلق إلى مثله من الشفة على الأوائل فهو يذكر الحرف وما يثنيه مضاعفاً كان أو غير مضاعف أولاً ثم ما يثلثه وأما ما هو على أربعة أو خمسة فمذهبه فيه أنه منحوت من الثنائي أو الثلاثي ولذا خصه بباب على حدة بعد فراغه من التراكيب الثنائية والثلاثية ذكر فيه كيفية نحته. مثال ذلك في باب الهمزة الهمزة مع ب إلى ي ثم الهمزة مع ب وما يثلثهما إلى ي ومع ث كذلك إلى أن تتم الحروف وهاأنا ذاكر خطبته وآخره وشيئا من فصوله لتكتمل المعرفة به قال (بعد البسملة) الحمد لله وبه نستعين وصلى الله على محمد وآله أجمعين أقول وبالله التوفيق: للغة العرب مقاييس صحيحة وأصول تتفرع منها فروع وقد ألف
الناس في جوامع الكلم ما ألفوا ولم يعربوا في شيء من ذلك عن مقاييس ولا أصل من تلك الأصول والذي أومأنا إليه باب العلم جليل وله خطر عظيم وقد صدرنا كل أصل بالأصل الذي يتفرع منه حتى تكون الجملة الموجزة شاملة للتفصيل ويكون المجيب عما يسأل عنه مجيباً عن الباب المبسوط بأوجز لفظ وأقربه وبناء الأمر في سائر ما ذكرناه على كتب مشتهرة عالية (أقول) وهي كتاب العين وكتابا أبي عبيدة وهما غريب الحديث وغريب المصنف وكتاب المنطق وكتاب الجمهرة وقد ذكر أسانيد روايته لها ومن رجال بعضها أبوه فارس وجده زكريا وقد أضربت عنها لعدم الفائدة في ذكرها قال وهذه الكتب الخمسة معتمدنا فيما استنبطناه من مقاييس اللغة وما بعد هذه فمحمول عليها وراجع إليها فأول ذلك باب الهمزة وقال في آخره(2/556)
وقد ذكرنا ما شرطنا في صدر الكتاب أن نذكره وهو شطر من اللغة العربية صالح فأما الإحاطة بجميع كلام العرب فمما لا يقدر عليه إلا الله أو نبي من أنبيائه يوحي الله عز وجل ذلك إليه أقول وذكر هذا المعنى بعينه في كتابه الصاحي قال في باب العين: وما بعدها في المضاعف والمطابق أل ع وأل ف أصلان صحيحان أحدهما الكف عن القبيح والآخر دال على قلقه في الشيء فالأول العفة: الكف عما لا ينبغي ورجل عف وعفيف وقد عف يعف عفة وعفافة وعفافا والأصل الثاني. العفة بقية اللبن في الضرع وهي أيضا العفافة قال الأعشى:
لا تجافى عنه النهار ولا تع ... جوه إلا عفافة أو فواق
ويقال تعاف ناقتك أي أحلبها بعد الحلبة الأولى ودع فصيلها يتعففها كأنه يرتضع تلك البقية وعففت فلاناً سقيته العفافة فأما قولهم جاء على عفاف ذلك أي أبانه فهو من الإبدال والأصل أفانه وقد مر وقال أيضا في ذا الباب أل ع س ب كلمات ثلاث كل واحدة منفردة بمعناها لا يكاد يتفرع منها فالأولى طروق الفرس وغيره والثانية عسيب الذنب والثالثة نوع من الأشياء التي تطير فالأول العسب قالوا هو طروق الفرس ثم حمل على ذلك حتى سمي الكرى الذي يؤخذ على الضراب عسبا وفي الحديث أنه ع نهى عن عسب الفحل فالعسب الكري الذي يؤخذ على العسب سمي باسمه للمجاورة قال زهير: (ولولا عسبه لرددتموه) ومنه قول كثير:
يغادرون عسب الوالقي وناصح ... تخص به أم الطريق عيالها
يصف خيلا وأنها أزلقت أجنتها تعباً والآخر عسيب الذنب وهو العظيم الذي فيه منبت الشعر وشبه عسيب النخلة وهي الجريدة المستقيمة به تشابهها في طريقة الامتداد والاستقامة يقال عسيب واعسبة وعسب قال:
بين الأشيا تسا ... مى حوله العسب
وعسيب الريشة مشبه بعسيب النخلة والكلمة الثالثة اليعسوب يعسوب النحل يعنون ملكها وقال أبو ذويب:
تنمى بها اليعسوب حتى أمرها ... إلى مألف رحب المباءة عاسل
والجمع يعاسيب قال:
زرقا أسنتها حمرا مثقفة ... أطرافهن مقبل لليعاسيب(2/557)
وزعموا أن اليعسوب ضرب من الحجل أيضا وضرب من الجراد ومما ليس من هذا الباب. عسيب أسم جبل يقول فيه امرؤ القيس:
أجارتنا أن المزار قريب ... وإني مقيم ما أقام عسيب
وقال في حرف الباء: باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أولها ب اعلم أن للرباعي والخماسي مذهبا في القياس يستنبطه النظر الدقيق وذلك أن اكثر ما تراه منحوت ومعنى المنحوت أن تؤخذ كلمتان وتنحت منهما كلمة واحدة تكون آخذة منهما جميعا بحظ والأصل فيما ذكره الخليل من قولهم: حيعل الرجل إذا قال: (حي على) ومن الشيء الذي كأنه متفق عليه قولهم عبشمي قال:
(وتضحك مني شيخة عبشمية)
فعلى هذا الأصل بنينا ما ذكرنا من مقاييس الرباعي فنقول: إن ذلك على ضربين أحدهما المنحوت الذي ذكرنا والآخر الموضوع وضعا لا مجال له في طريق القياس وسنبين ذلك بعون الله فما جاء منحوتاً من كلام العرب في الرباعي وأوله ب (بلعوم) مجرى الطعام في الحلق وقد تحذف الواو فيقال (بلعم) وغير مشكل أنه مأخوذ من بلع إلا أنه زيد عليه ما زيد لجنس من المبالغة ثم قال بعد ذكر ألفاظ كثيرة ومن ذلك: البرقش وهو طائر وهو منحوت من كلمتين من برقشت الشيء إذا نقشته ومن البرش وهو اختلاف اللونين ثم قال الباب الثالث من الرباعي الذي وضع وضعا البهصلة المرأة القصيرة اهـ هذا ما أردت نقله منه
وبه الكفاءة لم أراد معرفته وقد علمت أن الكتاب كتاب اجتهاد واستنباط فربما يخطأ ابن فارس في اجتهاده وربما أصاب كل الإصابة ولو أردت أن أذكر خطأه لوجب علي أن أعمل كتاباً في ذلك.
3 - نسختنا التي بين أيدينا
طولها 36 سنتمتراً وعرضها 19 وطول المكتوب منها 25 وعرضه(2/558)
14 في كل صفحة 21 سطراً وعدد أوراقه 497 وقد خرقتها الأرضة ولكن لم تؤثر في نفس الكتابة كثيراً والظاهر أن في خبرها شيئاً لا تستطيع الأرضة أكله هي كثيرة الغلط لا ينتفع بها إلا من مارس هذا الفن وأخذ بأطرافه. وكاتبها لم يذكر تاريخ الفراغ من نسخها إلا أن المتدبر العارف بتاريخ الخط العربي يحكم بأنها كتبت بعد الألف وهي بخط واحد والظاهر أنها كتبت في الهند وبقيت ثمة زماناً لما عليها من الخواتيم الواسعة الكبيرة التي يمتاز بها الهنود ولأسماء مالكيها الهندية ويظهر لي أنها كتبت على نسخة مخطوطة بالخط الكوفي لأن جنس أغلاطها يدل على ذك وذلك أن ناسخها على ما أظن لا يحسن قراءة الخط الكوفي فتشتبه عليه الحروف ومن يحسن قراءة الخط الكوفي يستطيع أن يستخرج أكثر أغلاطها إذا علم ما قلناه.
النجف: عراقي
في معترك الحياة
إن الزمان قلوب ... يحار فيه الليب
آناً يطيب وآناً ... تراه ليس يطيب
والناس فيه ضروب ... والخلق منهم عجيب
هذا تردى الأماني ... وذا أردته الكروب
وذا غنى مهنا ... وذا فقير كئيب
وذا صحيح معافى ... وذا عليل يلوب
وذا ضعيف يقيم ... وذا قوي يجوب
وذاك يسعى فيحظى ... وذا تراه يخيب(2/559)
وذاك يرمي فيحظى ... وذا تراه يصيب
وذاك موصول شملٍ ... وذا معنى غريب
وذا يعمر دهراً ... وذاك طفلاً يغيب
وذا لئيم بخيل ... وذا كريم وهوب
وذا يعيش قنوعاً ... وذا حريص كسوب
وذا حليم صبور ... وذا جزوع غضوب
وذا وفي صدوق ... وذاك جاف كذوب
وذا قبيح بغيض ... وذا مليح حبيب
وذا جبان يروع ... وذا شجاع يريب
وذاك طلق المحيا ... وذا عبوس قطوب
وذا ذليل غبي ... وذا نبيل أريب
وذاك غر جهول ... وذا عليم أديب
وذا الكن عي ... وذا قؤول خطيب
هذى الحياة وفيها ... أمر الإله عجيب
فأختر لنفسك منها ... ما الذكر فيه يطيب
إبراهيم منيب الباجه جي
عمل الطاباق في العراق
1 - مدخل البحث
سافرت في شهر كانون 2 سنة 1911 متوجهاً نحو العراق لمهمة صناعية واتخذت طريق البر مسلكاً لي. وتمكنت في أثناء إقامتي في الأقطار التي هبطتها من أن أبحث عن حاصلات هذه الديار من صناعية وزراعية فشاهدت فيها من الشؤون التجارية ما لا ينكره أحد وأن مجاري الحياة تتدفق في بغداد.
وفي المدة التي قضيتها في عدة مواطن من العراق وهي مدة ستة أشهر جمعت في المواضع التي يعتمد عليها من الإفادات المدققة بخصوص مقدار ونوع المواد التي تنفق كل سنة ما لا يشك في صحته وكذلك فعلت بما يتعلق بقيمتها وكلفتها(2/560)
بنقلها أو تحميلها وأجرة العمل والشغل وعدد العملة ووسعهم وطاقتهم في كل ما يعالجونه ويزاولونه.
ويحسن بنا هنا أن نطلق طائر البصر ونتركه يحوم حول بنية أرض هذه الديار ليوقفنا بسرعة القابس العجلان على جوهر مواد البناء تلك المواد التي تستخرج من الأرض لتقوم بحاجتنا المنشودة.
وأعلم قبل كل شيء أن الحجارة الكلسية لا ترى إلا في شمالي هذه الربوع أي في الأرجاء التي ينشأ فيها الفراتان أو الرافدان وتكون مقالع الحجارة الكلسية في سقي الفرات في هيت ومقالعها في سقي دجلة في سامراء.
ولما كان هذان المقلعان بعيدين عن أمهات المدن التي توجد فيه التجارة والبياعات غدا نقل هذه المواد من أشد الأمور كلفة ومصرفاً. وأنت تعلم أن الإنسان إذا أراد أن يبني بناية يتخذ لها من المواد أقربها إليه وأصلبها وأرخصها لديه ولهذا ترى أغلب أبنية هيت وسامراء من حجارة الجص وهذه الحجارة لا ترى في بغداد ولا في ما أحاط بها فعوضوا عنها باللبن أو بالطاباق أو الطابوق وهو الذي يسميه أهل مصر الطوب وأهل الشام الآجر وغيرهم القرميد.
ولقد أوغلت في البحث عن هذا الضرب من نتاج الصناعة الذي كان ولم يزل مستعملاً في هذه الديار إذ البابليون والكلدانيون أنفسهم لم يتخذوا في عماراتهم إلا الطاباق كما تشهد
عليه من آثارهم ما صبر على صروف الزمان وطوارئ الحدثان.
2 - نظرة عامة في تربة العراق المتخذة للطاباق.
تربة العراق صلصالية جصية متخلخلة هشة سهلة الكراب لنسبة ما يدخل في تركيبها من الكلس وهذه النسبة هي من 12 إلى 15 بالمائة وهذه الحواري الصلصالية سهلة العجن والتمثيل والتصوير لكنها إذا شويت انقلبت قوية صلبة بعض الصلابة إلا أنها قليلة المقاومة لما يعاندها من الأحداث والطوارئ.
والطاباق المتخذ هنا هو ذو حبة رخوة سهلة النحت. وقد يكتفي به لعدم وجود ما يقوم مقامه أو يسد مسده أو ريثما يأتي من يعجنه عجناً مطابقاً لأصول الفن بعد أن يكون قد أدخل على كتلته ما يزيدها تماسكاً وتضاماً وصلابة وشدة.
ونحن نعلم علما عاما أن أحسن التراب لصنع الطاباق هو الصلصال الخالي(2/561)
من المواد التي تفرق حبيبات جواهره ولو تفريقا زهيداً أو تمنع ضم بعضها إلى بعض ضماً محكماً.
وأحسن فخار هذه الديار هو ما كان في شمالي بغداد على مقربة من السندية على عدوة دجلة اليمنى وما يداني مشارعه فان هذا الفخار من أنقى ما يوجد من نوعه هنا وهو سهل العجن وصلب وآجره رنان عند القرع دقيق الحبيبة متلززها متماسكها أشد التماسك. وإذا حاولت وجود مثله في سقي وادي السلام لا ترى ما يضاهيه ولا يقاربه أو يدانيه. على أنك تجد والحق يقال طبقات من الفخار في مواضع مختلفة لكنه دون ذاك صنعة ونقاء دع عنك م يكلفك من المصاريف الباهظة.
3 - مقادير الطاباق
يغلب على هيئة طاباق العراق التربيع فانه في بغداد يساوي 30 سنتيمتراً في الطول و30 في العرض و6 في الثخن وفي الكاظمية 25 - 25 - 6 وفي النجف 19 - 19 - 6 وهذه المقادير عينها كانت مستعملة سابقا عند البابليين والكلدانيين ويرى كثير منها إلى يومنا هذا في الاخربة التي صبرت على فتكات الدهر.
وكان للصورة المربعة شأن في أبنية الأقدمين لأنهم كانوا يبنون الحيطان أثخن مما يبنيها أبناء هذا الزمان الذين يرمون دائما بسهم التوفير إلى غرض الرخاء في العيش. وأغلب
الناس يبنون جدرانهم بنصف الطاباقة فيحتاجون إلى قطعها أو نشرها بمنشار وهذا يكلفهم أجرة قطاع يستغنون عنه. وقد لاحظ البناءون أن الطاباق المستطيل أصبر على نوائب الزمان من المربع. ولهذا ترى أغلب الناس قد اتخذوا اليوم في جميع الديار التي يستعمل أصحابها الآجر المقياس الآتي 25 - 12 - 6 ولا يبعدون عنه إلا قليلاً. وهذا القدر في الحجم يشوي الأجرة شيئاً محكماً ومنتظماً ويبعد عنه كل خللٍ من هذا القبيل وأعلم أن بناية 1. 000 طاباقة تساوي مترين مربعين و360 سنتيمتراً مربعاً أو 424 طاباقة لمتر واحد مكعب.
4 - صنع معجون الآجر
إن الآجر في بغداد هو بحالته الأولى التي كان عليه في بدء هذه الصناعة(2/562)
ومنذ ذاك العهد إلى هذا العصر الأنور لم تتقدم خطوة واحدة. بخلاف المصريين فأنهم سبقوا العراقيين غايات بعيدة ولهذا فأني أستحسن طريقة سكان وادي النيل على طريقة قطان وادي السلام. ودونك الآن الأمرين الأهمين في هذه الصناعة:
1: نختار التربة اللازمة للآجر وإذا نقصها شيء من المواد الضرورية يضاف إليها الناقص كالرمل أو المادة العلكة الدسمة الموجودة في السماد حسبما تكون التربة دسمة أو ضعيفة متخلخلة.
2: يعجن هذا الخليط إلى أن يتقوم منه معجون متماسكاً متلازاً يكون مطواعاً لليد العاجنة.
3: يدخل هذا المعجون في قوالب لا قعر لها بل لها تختات (أي لوحات) يداس عليها المعجون دوساً باليد.
4: بعد أن يستخرج الآجر من القالب (وهو المسمى باللبن في هذه الحالة) يشمس على تختاته مدة 24 ساعة ثم يرفع ويوضع بعضه على بعض على شكل مشبك أي بجعل فسح متقاربة منتظمة ببن آجرة وآجرة بحيث يجري الهواء بينهما. ويعرف عند المصريين هذا لآجر المضغوط عليه باليد باسم (طوب الألواح) ويبقى على هذه الصورة من 10 إلى 12 يوماً قبل أن يوضع في النار.
5: إذا أراد المصريون طبخ هذا الآجر تتخذ له عدة طرق وفي ضروب من الاتاتين أصفها في فصل تالٍ. وعليه تتوقف محاسن الآجر على محاسن الأمور التي ذكرناها. وأما في
بغداد فأنها مهملة لا شأن لها عند أصحاب هذه الصناعة ومن تلك المعايب ما يأتي:
1: إنهم يستعملون التربة التي يقعون عليها بدون أن يمتحنوها قبل الشروع باتخاذها.
2: إن المعاجين لا تعجن بكفاية ولهذا ترى الكتلة غير متماسكة بعضها ببعض وحباتها غير متلززة مع أن هذا العمل الأخير هو مما يحرص عليه أصحاب الفن ويعلقون به محاسن الآجر وصبره على طوارئ الجو.
3: من المألوف عند صناع الآجر في سقي الفراتين أنهم يضعون اللبن على أرض غير سوية فيجيء الآجر بهيئة الأرض التي كان عليها أي أنه يأتي معوجا.(2/563)
4: يبقى هذا اللبن على تلك الحالة المعيبة إلى أن يبس وإلى أن يوضع في الأتون.
5: يوضع اللبن في أتاتين مبنية متقطعة الحرارة ويوقد فيها نار خشب وهذه الأتاتين مبنية من أربعة جدران قائمة كلها من اللبن؛ والحيطان ثخينة ومغشاة بتراب إلى سمك غير مرتفع كثيراً والغاية من وضع التراب منع الحرارة من الضياع والإشعاع ويكون طول الأتون في أغلب الأحايين من 8 إلى 10 أمتار في عرض 5 أو 7 وسمكه 6 وفي أسفل الأتون عدة عقود منتسقة تقوم كلها على قوائم سوية قليلة الارتفاع وهذه العقود مخرقةً على هيئة الشباك لتدع حرارة النيران تنفذ منها وتلك النيران دائمة الاضطرام.
وتمد هذه الأتاتين بالوقود طول مدة الطبخ ومادة الوقود هي الخشب والحطب والشوك ويدوم الطبخ من 8 إلى 10 أيام حسب سعة الأتون.
فأنت ترى من طريقة هذا الطبخ أن ليس لجميع أنحاء الميفي درجة واحدة من الحرارة ولهذا لا تجد جميع الطاباق مشويا على صورة واحدة وإن كانت خارجة من ميفي واحد. وهذا ما يتحققه كل إنسان من لون الآجر إذ يتفاوت بين الأصفر والأحمر وما لم يطبخ حسنا يعرف من لونه الأحمر ومن صوته الأصم إذا قرع ومن تحات أجزائه إذا فرك باليد.
وفي طبخ الطاباق بالخشب والحطب من النفقات ما لا يتصوره من لا يكون من أهل البلد لأن هذا الضرب من الوقود غالٍ جداً في هذه الديار. - هذا وأعلم أن الطبخ على هذا الوجه وكبر حجم الطاباق يسببان سقطاً كثيراً حتى أنه يعد 25 في المائة في الأقل. وهذا من أسباب بيعه بثمن فاحش.
ومن ذلك فأن هذه المعايب كلها تقل أو تتلاشى إذا كان الخبير ينتقي التربة الصالحة
للطاباق ويعجنها عجناً حسناً ويحرقها إحراقاً منتظماً.
5 - طبخ الآجر
أشهر طرق طبخ الآجر المعروفة في ديار مصر هي المعروفة (بالطبخ السريع) وهي تتوقف على تكويم الآجر كوماً كوماً على منبسط من الأرض وعلى جمع الكوم سافات سافات وبين طبقة وطبقةٍ طبقة من الفحم الدقيق.
وطبخ الآجر كوماً في الهواء المطلق يسبب نفقة في الوقود أعظم من(2/564)
النفقة التي تصرف على الطبخ بالأناتين الصناعية. ويبلغ قدر الفحم الحجري نحو 50 كيلواً لألف آجرة من الحجم العادي.
وهذا النوع من الإحراق لا يوافق إلا في البلاد التي يكثر فيها الفحم الحجري أو يكون فيها رخيصاً ومع ذلك يكون نتاجه غير منتظم الطبخ ويسبب من السقط 25 في المائة إلا أنه لا يوجب نفقة بناء الأتون فتكون مصاريفه في كيس الطابخ وهذا لا يكون إلا في الأبنية الفرعية البعيدة التي يكلف فيها بناء الأناتين تكليفاً باهظاً.
إن في أتون الطبخ السريع (نفعاً) لا يرى في سائر الموافي المتصلة الحرارة أو المتقطعتها وهو أنه يوصل الإحراق إلى درجة بعيدة في الحرارة أي إلى درجة إسالة الآجر حتى يكون كالزجاج. فإذا كان كذلك يلتصق بعضه ببعض التصاقا شديداً ويصبح كتلاً مكينة حتى يغدو بمنزلة كتلٍ تتخذ اتخاذ الجلاميد أو الصخور. وقد ينتفع منها انتفاعاً آخر وهو أنها إذا دقت تقوم مقام الحصى الناعم في اللياط. وهذا ما ظهر نفعه واستعماله في (سد الهندية) الذي يبنى اليوم على الفرات. وفي هذه الحالة الأخيرة يجب إحراق 350 كيلواً من الفحم الحجري لطبخ ألف طاباقة من القدر المألوف.
أما الأتون الذي أشيد بذكره فهو أتون متصل الحرارة من جنس (أتون هوفمان) الذي ينتفع بالحرارة المتولدة بشروطٍ لا خسارة فيها.
هذا الأتون يتركب من دهليزين مستقيمين متوازيين يجتمعان عند طرفيهما بدهاليز مستديرة وهو يختلف عن أتون هوفمان بهذه المزية وهو أن هذا الدهليز المتصل هو غير معقودٍ ووجهه مفتوح من جهة السماء. ولهذا الأتون كما لذاك الموقد أضلاع في الجانب وحجرة لدخان الوسط تكون بين الدهليزين ومدخنة.
ويدخل الوقود من الخارج رأساً ويوضع في ثقوب قائمة مخروقة في كومة الآجر المعدة للطبخ صنعت لهذه الغاية. وفي هذا الأتون كما في أتون هوفمان(2/565)
تغطى هذه الثقوب بحب (براقود أو كما يقول المصريون بزير) من الآهين (أي من حديد الصب يوضع ويرفع على إرادة العامل.
والنار نتمشى رويداً رويداً على طول الدهاليز فتمر بالآجر وتتصرف فيه تصرف الطبخ متنقلة فيه من حالة إلى حالة حتى يبلغ أقصاه.
ولما لم يكن في الموقد عقد فملؤه وتفريغه يكون رأساً على أسهل ما يطلب في هذا السبيل ولكون هذا الأمر يجري من وجه الدهليز الأعلى المكشوف يبقى هذا الترتيب ممتازاً على سواه لأنه يبين بنوع حسن سير الإحراق والطبخ.
ومن منافع هذا الموقد أنه ما عدا كونه يشوي الطاباق شياً منتظماً وعلى وتيرة واحدة هو قليل المصرف والنفقات في أول بنائه لما في نظامه من البساطة وتوخي الغاية المطلوبة.
ويبلغ طول هذا الدهليز 60 متراً وعرض قطعة مترين وسمكه مترين أيضاً وإذا تم بناء هذا الأتون على هذه الصورة فأنه يعطي في اليوم 10. 000 آجرة. وتختلف كمية الوقود اختلافا عظيماً باختلاف أنواع تربة الطاباق. فاتون هوفمان ينفق من 25 إلى 150 كيلواً من الفحم الحجري لألف آجرة حجمها 25 - 12 - 6 وأما أتوننا الذي هو صنف أتون هوفمان فلا يأكل من الفحم أكثر منه. وهذا النوع قد أنشئ حديثاً فأتخذ في ديار مصر منذ بضع سنوات وقد جاء بنتاج عجيب. وبناء هذا الموقد مع جميع ملحقاته يكلف نحو 600 ليرة عثمانية.
ويباع طن الفحم الحجري (الوارد من نيوكاستل) في بغداد بثلاث ليرات وينفق لألف آجرة 45 قرشاً ذهبياً صحيحاً. وأما في مصر فثمن الطن 145 قرشاً ذهبياً صحيحاً.
وينفق على ملئ الأتون وتفريغه لألف آجرة 12 قرشاً ذهبياً صحيحاً وهو يسع كل مرة 10. 000 طاباقة ويمد ناره بالوقود ثلاثة عمال يدفع لكل منهم في اليوم 7 غروش صحيحة أي ينفق غرشان صحيحان على كل ألف آجرة. وسوف نأتي في جزء آخر بما يتم هذا البحث ويفيد القراء والله الموفق.
أ. ب.(2/566)
العرائف
1 - توطئة
جاءت لفظة العرائف بمعانٍ شتى في لغة أهل نجد الحاليين. فنحن نذكر هنا أهمها ثم نذكر في الآخر المعنى الذي عقدنا له هذا البحث فنقول:
العرائف جمع عرافة بكسر الأول ويراد بها أولاً: ما يعرف به الشيء أي يعلم به بعد ضياعه أو فقده فيشمل الضالة والذاهبة والضائعة والمسروقة والمبطوحة والعبد الآبق والبعير الشارد وغيرها. وإذا عرف الرجل ماله الضائع فوجده عند رجل آخر أو عند قوم غير قومه أطلق على ذلك المال اسم (العرافة) باسم المصدر فيقول صاحبه والمطالب به (عرافتي كذا (أي مالي المفقود الذي وجد الآن هو) عند فلان. ومنهم من لا يطلق على الأشياء المفقودة اسم العرافة إلا بعد المطالبة بها أو حين الشروع بالمطالبة. ومنهم من يطلقها عليها حين العرف بها (أي حين العلم بها). فإذا قيل مثلاً: الشيء الفلاني عرافة فهم السامعون أن(2/567)
الشيء الفلاني الضائع قد صار إلى غير صاحبه أو قد وجد عنده وهو لغيره.
وسواء كان حافظ المفقود رجلاً واحداً أو قوماً. لأن المشروط في العرافة أن يكون الشيء منتقلاً إلى آخر بغير طريق مشروعة عندهم لأن المشروعات عندهم هي البيع والشراء والمبادلة والكسب وغارة الضحى وما شاكل ذلك في الغزوات من أخذ وسلب وغيرها.
والعرافة عندنا هي غير العارفة؛ لأنك رأيت ما تريد بالأولى فأما العارفة فهو عندنا وعند أهل البادية جميعاً بمنزلة القاضي عند المتحضرة. وسمي بالعارفة على وزن فاعل مع تاء في الآخر وهي تاء المبالغة كالراوية لا تاء التأنيث لأنه يعرف المتحاكمين إليه بالحق ويحكم به أو لأنهم يعرفهم بحق كل واحدٍ منهم حينما ارتضوه حكماً لهم. وكان الأقدمون من العرب يسمونه الحاكم. وهو مشتق من الحكم لا من الحكمة كما يتوهمه قوم من الكتاب ومنهم أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة والأقرع بن حابس وعامر بن الظرب وهاشم بن عبد مناف وعبد المطلب بن هاشم وغيرهم.
وإذا علمت ما هي العرافة فاعلم الآن أنه يجوز عليها القرع. أما القرع عندنا فهو عبارة عن التنبيه والإخطار أو بعبارة أخرى هو أن ينبه صاحب الضائعة لمن عنده حينما عرفها
أنها له فيقول: إن عرافتي الفلانية هي عند فلان بن فلان أو عند العرب الفلانيين أو في المحل الفلاني وهي (مقروعة أو مقروع عليها أو مقروعة عليه). وله وجه فصيح في اللغة من قرع السهم القرطاس إذا أصابه؛ لأن الإنسان إذا أصاب شيئاً مطلق الحرية بسهم من سهامه أخذه له فكيف لا يأخذه وهو له في الأصل. ولهذا لا يجوز للرجل أن يبيع العرافة أو المقروعة(2/568)
كما لا يجوز لأحد أن يشتريها إلى أن تنتهي المحاكمة. فإن باعها خسر ثمنها أو ما يقابلها ودفعه إلى صاحبها الأول.
ويجوز لصاحبها بعد القرع أي بعد التنبيه أن يأخذها أن وجدها عند آخر وهو الذي وجدت عنده أخيراً. أما هذا صاحبها الأخير فله حق استرجاع ثمنها من صاحبها الغير الشرعي وهو الذي وصلت منه إليه (وعلى تعبيرهم: الذي درجت منه إليه). وأما إذا انتهت المحاكمة بعد القرع فأن أثبت المدعي إنها له أخذها منه ودفع صاحبها إلى أن يتتبع الذي وجدت عنده أن كانت درجت إليه من أحد. فإن لم يثبت أنها له سقط القرع وجاز لذاك التصرف فيها. ولهذا البحث فروع كثيرة يطول ذكرها وليس هذا محلها. ولكن هناك شيئاً وهو هل يجوز القرع على من وجدت عنده العرافة (الضائعة أو نحوها) إذا كان من أعراب أو من قبيلة معادية لقبيلة القارع أم لا؟ - قلنا: إن بعضهم لا يجوز القرع في مثل هذا المقام وسببه أن القرع لا يتمشى حكمه على العدو؛ لكن إذا تم الصلح بين القبيلتين وكان قد أشترط رد العرائف أرجعت في أبان الصلح. هذا إذا لم تكن قد انتقلت (وبتعبيرهم إذا لم تكن قد درجت) من عند من(2/569)
علمت أنها عنده ببيع أو شراء أو مبادلة أو ضياع قبل الصلح. أما إذا كانت قد درجت إلى آخر في حين عداوتهم فالقرع يسقط عن ذلك الرجل. فإذا صار الصلح فما لم يكن قد وقع عليه شرط رد العرائف لا يعاد. والعكس بالعكس، أي إذا درجت إلى آخر وهم في حين المحاربة لا يشملها شرط إرجاع العرائف في أبان الصلح كما تقدم بيانه ويجوز القرع بعد الصلح أن لم يعلم بالعرافة إلا بعد الصلح فقط.
وقد جوز البعض الآخر القرع في حين العداوة وذلك أن كانت العرافة قد درجت إلى من وجدت عنده قبل حدوث العداوة (أي في زمن الصلح) ثم نشأت بعد ذلك فنشبت المحاربة جاز لصاحبها أن يقرعها ويشهد على ذلك شهوداً. فإذا تم الصلح طالب بها أن أراد وخاصم مناوئه عليها إذ تجرى عليها الشروط المتقدم ذكرها بتمامها بدون أن يثلم منها حرف واحد.
أما المحاكمة فتجرى عند القاضي أن كان المتخاصمون في المدن، أو عند الأمير إن كان حولهم أمير، أو عند العارفة أن كان هناك عارفة. وإن أصدر أحد هؤلاء المحكمين أمراً فلا يجوز لأحد تغييره أو الجري بخلاف ما قضى.
بقي علينا هنا أن نذكر أمر المغصوبة وهل تعد عرافة وهي يقدر صاحبها أن يسترجعها أم لا؟ قلنا: إن بعضهم ينفي ذلك لأن حكم المغصوبة داخل في حكم الغنيمة ولهذا تسمى باسم المغصوبة حين المطالبة بها أو حين المحاكمة. وبعضهم يعد الاغتصاب كاللصوصية داخلاً في الطرق الغير المشروعة عندهم ولهذا يطلق عليها اسم (عرافة) والقائلون بهذا القول أقرب إلى الحق منه إلى خلافه. وهذا ما يظهر لك صدقه من سرد حادثة العرائف الذين نعقد لهم هذا الباب. وقد ضربنا صفحاً عن أشياء كثيرة يطول ذكرها كمنفعة العرافة في عهد من عرفت عنده كما لو كانت مثلاً جواداً أو هجيناً فغزا به وغنم فهل يرجع الغنم إلى صاحبه الأصلي أم إلى من غزا به؟ أم هل يكون لصاحبه الأصيل الربع أم لا؟ وما حقوق العارفة وكيف تجرى على من حفظها وعلى أي وجه(2/570)
تجرى المحاكمة وكيف تكون الإيمان والشهود والاستشهاد وغيرها من الاصطلاحات المعروفة عندهم من سابق العهد وهي كلها غير مدونة في الكتب والمؤلفات أن قديمة وأن حديثة وإنما تناقلوها خلفاً عن سلفٍ منذ العهد العهيد.
أما العرائف الذين قد أرصدنا لهم هذه الأسطر فهم رجال يعرفون لهذا الاسم من أمراء نجد ويعرف واحدهم باسم (عرافة). وإنما سموا بهذا الاسم للحروب التي حدثت بين أمراء نجد في القرن الأخير. وقد استطار هذا الاسم في جزيرة العرب كلها حتى إنك إذا حللت قوماً أو نزلت داراً أو دخلت عمرة (ندوة) وسمعت لفظة العرائف فأعلم أنه لا يراد بها إلا هؤلاء الأمراء الآتي ذكرهم. فإذا حفظت كل ذلك نقول:
2 - العرائف بمعنى جماعة من أمراء نجد
لما تضعضعت أركان دولة آل سعود في نجد وأفضت بعد وفاة الإمام فيصل سنة 1282. (1865م) إلى أولاده الثلاثة: عبد الله وسعود (وقد توفيا) وعبد الرحمن الفيصل (وهو حي يرزق إلى اليوم) حدث بينهم شقاق أنتج حروباً كثيرة متتالية أضرت الجميع. وفي أثناء تلك المعارك كان الأمير محمد ابن الرشيد يغتنم الفرص كلما سنحت له ليوسع أملاكه
فساعده الحظ والجد على أن تعنو له نجد كلها وذلك بين سنة 1297 وسنة 1308. (بين سنة 1879 وسنة 1890م) وكان قبل هذا العهد قد وقع بين سعود الفيصل وقائع جمة توفي في أثنائها سعود فقام أحفاده محمد وعبد العزيز وسعدون وخرجوا على عمهم عبد الله الفيصل وأذاقوه الأمرين فأستنجد بالأمير محمد ابن الرشيد فسار بجيش لهام وزحف به عليهم وأخرجهم من الرياض وبعد أن مات البعض ألقى القبض على الباقين وعلى أولادهم وسجنهم في (حائل) مقر إمارته إلى أن توفي سنة 1315 فخلفه الأمير ابن أخيه وهو عبد العزيز به متعب الرشيد. وفي أيامه وقعت تلك الفتن فأطلق سراح الباقين مع أولادهم. ومن ذلك العهد لقبوا بالعرائف لأن قضيتهم والفصل فيها يشبهان قضية وفصل العرافة التي مر بنا ذكرها. ولما أطلق سراحهم أستقبلهم عبد العزيز باشا السعود بالسرور والأكارم ورحب بهم كل الترحيب فلم يقيموا عنده سوى عامين ثم قاموا بما قاموا به فهاجوا(2/571)
وماجوا في ديار نجد وعشائرها وأثاروا حروبا وفتناً أضرت كثيراً من سكان نجد. وبما أنهم لم يثبتوا بين يدي الأمير عبد العزيز السعود لجأوا أخيراً إلى أمير مكة ونفثوا في صدره أنهم يضمون ديار نجد كله إليه (كذا) أن هو مالأهم على ما ينوونه. ولكن هذا لا يقع! ولعلنا نبحث في عدد آخر عن أسباب ذلك وما نجم أو ينجم عنه وعن الحالة الحاضرة وبالله التوفيق.
صاحب الرياض ومجلة الحياة سليمان الدخيل
باب المكاتبة والمذاكرة
رحلة الأب لويس شيخو من بيروت إلى الهند
بعث إلينا أحد الأصدقاء بالعدد الثاني من مجلة المشرق لسنتها 16 وقال لنا:
أرجوكم أن تطالعوا بتدبر ما كتبه حضرة الأب لويس شيخو عن دار السلام وتوقفونا على منزلة كلامه من الحقيقة في رحلته إلى حاضرتكم وعلى مطابقته للصحة.
قلنا: في ما كتبه الأب شيخو الغث والسمين، القض والقضيض، على أن الأوهام، تغلب على ما فيه من حقائق الكلام. وفي رحلته من أولها إلى آخرها من تقديم وتأخير في الحوادث ما يقضي منه الأديب العجب العجيب إذ يذكر فيها أموراً لم تجر إلا في هذه الأيام، وهو قد سردها كأنها جرت قبل بضعة أعوام. وربما ذكر أشياء لا مناسبة بينها وبين رحلته مثلاً ذكره آثار القادسية المبنية على دجيل فأنه يقول (إن الكلك تحدر به سريعاً من سر من رأى إلى بغداد) فكيف أمكنه أن يرى هذه المدينة القديمة الراكبة على نهر دجيل. ومدينة أوبي وبلد وحربي وغيرها. فلا جرم أنه رأى كل هذه المواقع في الكتب التي تبحث عن هذه الديار فأغتنم فرصة سفره في هذه الأرجاء ليكتب عنها ما كتب؛ ومما يشهد على أنه لم يزر تلك المدن العتيقة قوله في ص 66: (وبين سرى من رأى وبغداد نحو 140 كيلومتراً على دجلة قطعناها في اليوم الثالث من سفرنا إلى الموصل.)
ومن أوهامه في رحلته هذه إلى بغداد قوله في ص 143: ويزورون مقامه (أي يزور المسلمون السنيون مقام الإمام الأعظم). كل يوم سبت. والمشهور أنهم يزورونه نهار الجمعة. - وذكر في ص 143 صاحب مجلة العلم باسم الشيخ(2/572)
هبة الله الشهرستاني والأصح السيد هبة الدين الشهرستاني. - وقال في تلك ص: فبقينا نحو الساعة ننتظر مرورهم (أي مرور الشيعة) ريثما يزاح الجسر. وجسر بغداد لا يزاح بل يقطع. - وقال في تلك ذاكراً عمارات الفرس (أي ملابيس رؤوسهم) (وعلى رؤوسهم القلانس والالباد). ففهمنا أن القلانس تلبس فوق الرؤوس لكن لم نفهم كيف الألباد تلبس كالقلانس. وقال في ص144: نمشي تارة في ظل النخيل المائسة سعوفها في الفضاء وتارة على مقربة من قصور المثرين من البغاددة والمزارات المصفحة بالصيني والكاشاني. قلنا: نحن لا نعرف في بغداد مزارات مصفحة بالصيني ولا بالقاشاني وإنما يوجد بعض المآذن مبنية الخارج
بالقاشاني لا غير فأين هذا من ذاك. وهل يجهل أن الصيني أو الفغفوري أي لا وجود له في بغداد وأنه يكلف أثماناً باهظة لبناء جزء زهيد من الجدار فما قولك في عدة مزارات؟ ووصف في ص 144 صنع القفة على خلاف ما هو متعارف عندنا فليقابل كل أديب ما كتبه حضرته في هذا الصدد بما كتبناه في هذا المعنى وليحكم بين الأمرين ليرى من المصيب في وصفه. - ثم أنه شبه القفة (بدنية القضاة) والحال أنك تعلم أن الدنية قلنسوة تشبه الدن وهو الراقود أو الحب الذي له عسعس لا يقعد إلا أن يحفر له أو بعبارة أخرى: هي قلنسوة لها طرف دقيق ذاهب في الهواء بخلاف شكل القفة التي هي مبطوحة الأسفل فالقفة كالكلمة لا كالدنية. - وقال: وكان نائبه (أي نائب رئيس الكرمليين الأب بيار المنتمي إلى أم الله.) والصحيح أنه لم يكن نائبه وقتئذ ولا بعده - وفي الصفحة المقابلة للصفحة 144 نشر صورة كتب عنها أنها: (كنيسة الآباء الكرمليين ومدرستهم في بغداد) والحال: ليست هي صورة كنيستنا ولا صورة مدرستنا فكيف يمكن بعد هذا أن يعتمد على ما يكتبه الأب ولا سيما عما هو وراء هذه الأزمان ووراء ما شاهده بعينيه. والمعلوم أن الصورة التي ينقلها الرحالة في سياحته يأخذها بنفسه وتكون بمنزلة حجة بيده عما رآه بذاته. والحال أننا نراه هنا قد نقل صورة(2/573)
من الصور التي طبعتها مجلة انتشار الأيمان في ليون سهواً ونسبتها إلى بلدتنا وهي صورة كنيسة ومدرسة لرهباننا في بلدة من ديار الشام لا في دار السلام. فليحكم القارئ بعد ذلك بمنزل التحقيق حضرة الأب الأكرم. - وقال في ص 146: ويبلغ عدد النصارى غير الكاثوليك نحو 3000 أكثرهم أرمن غريغوريون والحقيقة أنهم لم يكونوا يومئذ أكثر من سبعمائة. وقدر عدد النصارى في سنة زيارته بغداد بين 10. 000 إلى 12. 000 ألف والحال كانوا يومئذ بين سبعة آلاف وثمانية آلاف ولا تزد على هذا العدد واحداً أن أردت المبالغة. - وقدر سكان بغداد 160. 000 من السكان والمعلوم إنهم كانوا يومئذٍ 200. 000. - ونسب إلى راهبات التقدمة: مأوى للغرباء ومستوصفاً ومستشفى وغير ذلك وكلها ليست لهن. - وذكر أن معنى أسم بغداد هو (هبة الله) والحال أن العلماء غير متفقين على هذا التأويل. كما رأيت في هذا العدد، فكان يحسن به أن يضع تأويله موضع الشك. - وذكر في ص 147 كلام ابن المعتز في ذم بغداد فقال: حيطانها تروز (كذا)، وتشرينها تموز.) قلنا ما معنى تروز؟ فهو كثيراً ما ينقل نصوص الكتاب مع
ما فيها من الخطأ ولا يهمه تصحيحه أو التنبيه على غلطها. فتروز لا معنى لها. وإنما هي دروز جمع درز وهو من درز الخياط الثوب درزاً: إذا خاطه خياطة متلزرة في الغاية.) كان ابن المعتز يقول أن حيطان بغداد غير مبنية ولا تستحق اسم البناء وإنما هي مخيطة خياطة لضعفها - وقال في ص 147 ثم توفر عدد سكان بغداد (في عهد العباسيين) حتى ضاقت ضفة دجلة الشمالية (كذا) عن إيوانها فجعل الناس يبنون على ضفتها اليمنى مدينة عرفت بالكرخ (كذا) وكان يجدر بحضرته قبل التصدي للكتابة أن يطالع ما كتبه المؤرخون عن بغداد لكي لا يخطأ هذا الخطأ الجسيم. لأن أول ما بنى من بغداد كان في الكرخ أي في ضفة دجلة اليمنى ثم لما كثر الخلق بنيت الرصافة وهو الجانب الأيسر من المدينة. - وذكر في تلك الصفحة بقايا ما شيده العباسيون فقال: أما الآثار الباقية من تلك القرون فقليلة منها بقايا القلعة القديمة (كذا) وفيها المطبق أي السجن الذي كان تحت الأرض كانوا يجعلون فيه أصحاب الجنايات الكبرى فيثملون بهم (كذا بتقديم الثاء على الميم) أو يقتلونهم جوعاً). اهـ قلنا: لم يذهب أحد إلى أن ما يشير إليه من بقايا القلعة القديمة وأن فيها كان المطبق(2/574)
فهذا كله حديث خرافة وإنما المظنون بهذا الطلل أنه من بقايا أحد قصور العباسيين على دجلة لا غير. - وذكر من أبنية عصر العباسيين (جامع الخاصكي) هو أمر مضحك إذ هو حديث البناء ولعل الاسم هو الذي ساقه إلى هذا الوهم والأصح أن معمره هو محمد باشا الخاصكي والي ايالة بغداد سابقاً وكان قد تولى أمرها من سنة 1067 إلى سنة 1069هـ وكان قبل ذلك بيعة للمرسلين الكبوشيين. - وذكر بين أبنية العباسيين بعض الخانات كخانة عرتمة) (كذا) قلنا: ليس في بلدتنا خان واحد من عهد العباسيين. أما (خان اورتمة) لا عرتمة فهو من عهد مرجان الشهير لا غير - وذكر بين الأبنية العباسية (مشاهد ومدافن أشهرها مدفن السيدة زبيدة) قلنا: (مدفن الست زبيدة) (لا السيدة زبيدة) حديث البناء وليس من عهد العباسيين كما توهمه حضرته.
وبعد أن ذكر الأبنية تصدى في ص 148 بعض من استولى على بغداد فقال: (إلى أن استولى عليها أمراء الترك المعروفون بكراكويولي) (كذا) وقد بحثنا في ما بين أيدينا من الأسفار لنرى من هم هؤلاء الذي يشير إليهم ففهمنا في الآخر أنه يريد الأمراء المعروفين باسم (قره قوبونلي) فأين هذا من ذاك؟ - ثم تقدم إلى ذكر الآثار الباقية من عهد فتح
المغول لبغداد فقال: (والآثار الباقية من بعد فتح المغول لبغداد ليست من المحاسن على شيء (كذا) (أي في شيء) إلا بعضها كمسجد الإمام موسى الكاظم السابق ذكره ومسجد السيد سلطان علي ومسجد الشيخ عمر) قلنا: كل ما ذكره ليس من عهد المغول في شيء وإنما هو من أعصر مختلفة بل حديث البناء - وذكر مدارس بغداد ثم قال: (ومدرسة الطوائف الكاثوليكية للكلدان والسريان والأرمن المعروفة بمدرسة الترقي الكاثوليكي.) (كذا) وليس في بغداد مدرسة بهذا الاسم؛ إنما كان مكتب باسم الاتفاق الكاثوليكي لكنه لم يكن في عهده إذ انحلت عراه قبل مجيئه بسنواتٍ.
ثم تطرق إلى ذكر أبنية بغداد ووصفها فقال في ص 149: ومنازلهم ذات طبقة واحدة سفلى يبنوها بالطين والكلس إلا دور الوجوه والأعيان فأنها أشبه ببيوت أهل الشام). قلنا: إننا لا نعلم بوجود بيوت في بغداد مبنية بالطين والكلس. ولا جرم أن حضرته رأى في أسبوع واحد ما لم نره نحن طول حياتنا(2/575)
فأكرم به من سائح رائد وفاحص مدقق!!!
ثم سرد أسماء بعض الأعلام من مدن ورجال فقال في أسماء المدن: نيفار والأصح نفر؛ وأبي هبة أو لبيار والأصح أبو حبة أو سبارة؛ وبرز والأصح برس والخمر والأصح والخضر؛ ولرسام والأصح ولارسا؛ ومغير والأصح (والمقير) بتشديد الياء. إلى آخر ما هناك من أغلاط الأسماء. - وذكر بين أعلام الرجال: نجيب أفندي شيحا وقال عنه أنه (نسيب حبيب أفندي شيحا) والحال أنه ابنه. وهو لم يكن في بغداد لما كان حضرته فيها. بل كان قد غاب عنها قبل بضع سنين ولم يأتها بعد ذلك فكيف ذكره بأنه (حظي بمعرفته) كما قال. فهذا من أغرب الغرائب، بل من خوارق العجائب.
هذا مجمل ما رأيناه من الأوهام في رحلة الأب لويس شيخو اليسوعي إلى بغداد فقط. فما القول في الرحلة كلها؟ بل وما القول في ما يكتب عن تواريخ الأجيال المنقرضة والقرون الخالية؟ وما عسى أن تكون منزلة ما يكتبه مثلا عن قبائل العرب وما يتعلق بأديانهم؟ فلا جرم أن الأغلاط تكال حينئذ كيلا ولا تقال قولا. وبهذا القدر كفاية لمن يريد أن يقف على مكانة مؤلفات حضرة الأب ونحن لم نتعرض لما في عبارته من الأغلاط الجمة التي تزيد كلامه غموضاً وخفاءً لأن ذلك يجرنا إلى تطويل أذيال المقال، إلى ما لا يسعنا فيه المجال. فاكتفينا بالإشارة إذ (إن اللبيب من الإشارة يفهم)
فوائد لغوية
زقنبوت!
سألنا أحدهم: ما معنى زقنبوت ومن أي لغة هي؟
قلنا: هذه اللفظة كثيرة الشيوع على ألسنة العوام وضبطها بفتح الزاي وسكون القاف وفتح النون وضم الباء بعدها واو ساكنة ثم ياء مبسوطة ويقولونها للآكل إذا دعوا عليه. وإذا عطفوا عليها مرادفا قالوا: زقوم. أما(2/576)
معنى زقوم فمشهور وقد ذكره اللغويون في كتبهم فلتراجع للفظة في مظانها. وأما زقنبوت فلم يذكرها. وقد ذهب الأدباء في معانيها مذاهب شتى فمنهم من قال إنها مصحفة عن (ذق نبوت) والنبوت بلسان الشاميين هو الدبوس (أو الطبوس) بلسان أهل بغداد فيكون محصلها: (ذق أو كل خشبة) وقد اشتقوا منها فعلاً فقالوا: زقنبه (فتزقنب) أي أطعمه طعاماً سيئ المغبة فأكله فتضرر منه. لكني سمعت بعض الأعراب من أهل البادية يقول: الزقنبوت دويبة إذا وقعت في العشب الذي تأكله نفختها أو سممتها وربما قتلتها وسمعت كردياً يقول الزقنبوت تسمى عندنا الزقنبورت (بياء مثلثة فارسية وواو ساكنة ثم راء ساكنة) هي دوبية كالخنفسة الصغيرة تكون في العشب فإذا أكلته الدواب سممتها. وجاء في كتاب الهدية الحميدية، في اللغة الكردية، تأليف الشيخ يوسف ضياء الدين باشا الخالدي المطبوع في الآستانة سنة 1310 ص 129: زقنبورت. يقال (زقنبورت خوار) أي أكل لا هنيئاً ولا مريئا. قلنا: واسم هذه الدويبة بالفرنجية الفصيحة وباللغة العامية وهي من رتبة الغمدية الأجنحة الخماسية المفاصل من فصيلة المسننة القرون وهي رأس قبيلة (الزقانب) وهذه الهوام لا تستطيع القفز لأن قوائمها قصيرة ولها عيون ملوزة. وهذا الجنس يشمل نحو 150 نوعاً وهي كثيرة الوجود في ولاية بغداد والبصرة والموصل لاسيما في البصرة فإنها أكثر وألوانها حارة زاهية متموجة وقد سميت بهذا الاسم الإفرنجي (ومعناه نافخة البقر من اليونانية لأنهم توهموا فيها ما قاله بلينوس عنها (في 4: 30) إنها تنفخ بطون البقر عند ابتلاعها إياها في مراعيها. لكنهم عرفوا اليوم أن التي يشير إليها بلينوس المذكور هي من جنس المحرقة على الأرجح. - ومن هذا كله يظهر أن معنى زقنبوت: عسى أن يكون أكلك هذا سبباً لموتك! ولهذا تسمعهم يقولون أيضا: (سم وزقنبوت) أو (وجع وسم وزقنبوت) أو (زقنبوت وموت) وكان فصحاء العرب
يقولون في هذا المعنى: أغصك الله وأشجاك! وكل ذلك لا يليق أن يتلفظ به الأدباء. . وكفى ردعاً للعاقل أن يقال أن هذه العبارات من كلام القليلي الأدب!(2/577)
باب المشارفة والانتقاد
1 - شمس المعارف
صحيفة عربية علمية أدبية تاريخية فكاهية أسبوعية مؤقتة (كذا) أي مؤقتاً ظهر عددها الأول في 25 نيسان من هذه السنة بأربع قوائم لصاحبها ومحررها ومديرها إبراهيم صالح شكر واشتراكها في السنة عن 50 نسخة 20 غرشاً صحيحاً وثمن النسخة 10 بارات وهي تطبع في مطبعة الشابندر.
2 - تاريخ كلدو وآثور
تأليف أدى شير رئيس أساقفة سعرد الكلداني الأثوري الجزء الأول طبع في المطبعة الكاثوليكية في بيروت سنة 1912 في 185 صفحة بقطع الثمن المتوسط.
من العجب أن الأجانب يعنون بتاريخ بلادنا ولغتنا وأدبائنا وشؤوننا على اختلاف أنواعها ولا يقوم واحد بين ظهرانينا فيجاري هؤلاء الأغراب في تتبع خطواتهم والجري على آثارهم. هذه بلاد السواد من أقدم ديار الله تاريخاً وأفيدها عبرة للعاقل المتبصر فقد بقيت بدون سفر عربي يسفر عن ماضي تاريخها ومنقرضات أجيالها حتى قام السيد أدي شير فوضع هذا الكتاب الجليل وهو يحوي تاريخ ديار كلدة وأشور منذ أول عهدها إلى عصر ظهور ملوك الطوائف التي ظهرت بعد وفاة الإسكندر بقليل وقد أضاف إليه المؤلف حرسه الله في آخر هذا التصنيف مصور هذه الديار فجاءت الفائدة جليلة وافية بالمقصود.
على إننا نأخذ على سيادته بعض أمور منها: 1 - إنه سمى كتابه (تاريخ كلدو وآثور). وكلدو غربية هنا. وإن قال لنا أنه كتب أغلب أسماء الأعلام. (وفي الأصل العلم وهو خطأ) على صورتها الأصلية (ص زين أي 7) فكان يجب أن يقول آثور بل أشور لأن آثور من تعريب العرب فلذا كان الأحسن أن يجمع بين المعربين ويقول مثلاً (تاريخ كلدة وآثور) جريا على المعرب لأن كلدو هو كلدة بالعربية وهو اسم شيخ عربي مؤسس دولة الكلدان. ثم إذا كان آثور هو الاسم القديم الحقيقي (وهي ليس كذلك) فلماذا قال في تضاعيف(2/578)
مباحثه اسوربنيبال واسوردان واسورتيراي ونحوها فكان يحسن به أن يجري على وجه واحد تبعاً لمبدأه وإلا فالتمسك بالأشهر آنس وأبين.
2 - قال في (ص دالث) أن سكان الجزيرة وآثور والعراق على اختلاف مذاهبهم (من
يهود ونصارى ومسلمين ويزيدية وغيرهم) هم كلدان آثوريين جنساً ووطناً وقد دعوتهم كلداناً آثوريين لأن هذين الشعبين هما في الأصل شعب واحد نظراً إلى الديانة والعوائد والشرائع والآداب والصنائع) اهـ بحرفه. فنقول لسيادته: ليس من شأن الديانة والعوائد والشرائع والآداب والصنائع توحيد الشعوب وإنما وحدة الشعوب راجعة إلى وحدة العنصر وإلى الجد الأكبر؛ والحال قد قام في العراق قبل الكلدان وبعدهم أقوام أجداد مختلفة وعناصر شتى من عيلاميين وماذبين وعرب ورومان ويونان وبرث وغيرهم فكيف يجوز له أن يقول هذا القول الذي لا يذهب إليه اليوم عالم من علماء البحث الإثبات فهل في حفظه من ذكر هذا الرأي؟ وإن كان يوجد من يذهب إليه فقوله قائم على قائمة نخرة وإلا فليس اليوم على الأرض كلداني أو آشوري واحد صادق النسب ينتمي إلى أولئك الكلدان الأقدمين الحقيقيين فكيف القول بوجود قوم يعرفون بهذا الاسم. لا جرم أن التاريخ يزيف هذا القول بدون أن تعارضه حجة ثبت.
3 - وقال في تلك الصفحة: وترى الكلدان أنفسهم ولا سيما الذين يسكنون المدن كالبصرة وبغداد وكركوك الموصل وديار بكر وغيرها عوضا عن أن يجتهدوا بدرس (كذا أي في درس) لغة أجدادهم الشريفة وأحكام آدابها فهم يحتقرونها ويستهزئون بالقرويين والجبليين الذين لا يزالون إلى اليوم يتكلمون بها) اهـ. - قلنا: الغاية من اللغة التفاهم والتفاهم لا يكون مع الأموات بل مع الأحياء ولغة أحياء البلدان التي سماها هي العربية فمن الطبيعي أن يتعلموا ويتكلموا العربية لا الارمية. ثم أن أمر المعيشة يقدم على أمر التوغل في الأدب تبعا لكلام الأقدمين: (عليك بالتعيش قبل التفلسف وبلسانهم: فلو فرضنا أن العراقيين تعلموا الأرمية وأتقنوها فهل يستطيعون أن يتعيشوا بها؟ فلا يجب عليهم تعلم لغة يرتزقون بها قبل أن يوغلوا في إتقان لغة مماتة؟ نعم أن بعض القرويين والجبليين يتكلمون(2/579)
بها لأنهم جميعهم ينطقون بها فهي عندهم لغة حية لا مماتة وإلا فلو لم تكن لغة وطنهم لعافوها كما تعاف الأموات ولو كانوا أعزاء.
4 - في الكتاب من الآراء الغريبة أن له وأن لغيره ما لا يقبلها العقل فقد ذكرنا شيئا من مذاهبه الخاصة به. ونحن نذكر هنا الآن ما ينقله من آراء الإفرنج العجيبة فأنه قال مثلاً ص11 قال المسيو أوبير: (إنه يوجد في شمالي بغداد موقع (كذا أي ربض أو بليدة) يسمى
موسى الكاظم (أي الكاظمية) يسكنه أناس هم من بقايا الكلدان (كذا. والجميع يعلمون أن اغلب سكان الكاظمية هم من أهل إيران وليسوا أبداً من عنصر الكلدان) لهم صنائع فائقة كالنقش والتطريز والصياغة وخصوصا الحفر على الحجر) اهـ. فانظر حرسك الله هل هذه من الأقوال التي يقبلها عقل آدمي. فهل كونها منسوبة إلى إفرنجي تجوز علينا نحن الذين نعرف من هم سكان الكاظمية. فالكتاب مشحون من مثل هذه الآراء وما ضاهاها نقلاً وأن تصنيفاً.
5 - سمعته يقول أنه يروي الأعلام على صورتها الأصلية ثم أن استقريتها رأيتها بخلاف ذلك فأنه يقول مثلا كويسنجاق وإنما هي كوي سنجق. ويقول قوينجوق وإنما هي كوي أنجك أو أنجيك ومعناها قرية الأنجك أو الانجبيك والانجك قوم من التركمان احتلوا موضع نينوى القديمة في أواخر هذه الأزمان فسميت باسمهم. ويكرر عشرات وعشرات نهر (الأدهم) من الأنهر التي تصب في دجلة وإذا سألت عن هذا النهر لا ترى له ذكراً لا على الألسن ولا على مصورات البلاد ورسومها وإنما هو عظيم (وزان زبير) ولكن لما كان الإفرنج لا يستطيعون أن يصوروا هذا الاسم بحروف لغتهم إذ يكتبونه أدهم ظن أن الأدهم هو الاسم الحقيقي وليس الأمر كذلك (راجع لغة العرب 130: 2) وهو يقول جبل قرجه طاغ. والأصح قره جه طاغ لأنها هكذا تكتب في أصلها التركي. والأعلام المشوهة كثيرة لا تحصى.
6 - أما عبارة الكتاب فهي سهلة لا وعورة فيها لكنها كثيرة الأغلاط العربية من صرفية ونحوية ولغوية. فإنك لا تطالع صفحة منه إلا وتعثر بعدة أغلاط فقد قال في الصفحة الأولى: سبحان من خلق الإنسان (وغرز) فيه حبا لأبويه وذويه. ولو قال هنا (غرس) لكان أنسب للمقام. - وفيها: وهذا لا يمنعها(2/580)
(أي سبرطة وآثينة) من أن تكونا (ملة) واحدة والأصح (أمة) لا ملة فإن الواحدة غير الأخرى في العربية وإن كان الأتراك لا يرون فرقا بينهما.
إذ شوهوا محاسن العربية تشويهاً شنيعاً وفيها: نرى اليعاقبة والسريان. . . يلقبون أنفسهم بالسريان الغربيين (كأنه) إنما من سوريا قد أتوا.) والأصح: (كأنهم) وفيها: عوضاً عن أن يجتهدوا (بدرس) لغة أجدادهم. والأصح يجتهدوا (في درس) إلى آخر ما هناك.
إلا إننا مهما عددنا أغلاط هذا السفر الجليل فأنه يبقى معين علم يرده كل أديب ولا سيما من كان من أهل العراق. فسبحان من تنزه عن كل عيب ونقص.
3 - كتاب الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية
الجزء الثاني لمؤلفه محمد الحسين آل كاشف الغطاء النجفي طبع في مطبعة العرفان في صيداء سنة 1330 (بقطع الثمن)
هذا الجزء الثاني من الكتاب الذي أسلفنا الكلام عنه (في 468: 2) وقد صدر بصورة المؤلف يليها أبيات عنوانها (شعري وشعوري، وعواطفي، ولطايفي) فقد فهمنا الألفاظ الثلاثة الأولى وموطنها هناك لكن بقي على المؤلف أن يفهمنا معنى (لطايفي) في ذلك العنوان وموقعها هناك وسبب كتابة ما جاء على وزن مفاعل أو فواعل أو ما ضارع ذينك الوزنين بالياء لا بالهمزة مخالفاً في كتابته هذه جميع الأصول المقررة عند النحاة. ثم أننا لا نستحسن نظم الأشعار في حين لا حاجة إليها لا سيما في الأبحاث التي قد عني بنشرها فإذا زدت عليها ركاكتها وقلق ألفاظها كان من اللائق أن تحذف من الكتاب بتاتاً إذ ليس فيها من الشعر والشعور شيء سوى الاسم لا غير. فقد قال مثلاً في البيت الثاني:
رأيتكم شتى الحزازات بينكم ... وما بينكم غير التضارب بالوهم
فإضافة (شتى) إلى الحزازات في منتهى الركاكة لأن شتى لا تعرف (بال) ولا تضاف إلى ما بعدها. وقوله (التضارب بالوهم) من باب المجاز ضعيف غير مانوس. وفي البيت الخامس ما هذا حرفه:
فأهديتكم بالود نصحي قائلا ... عليكم سلامي دايباً (كذا) ولكم سلمي
وعندي أن (بالود نصحي) ضعيف وأن كان يجوز من باب زيادة الباء كما هو مشهور. وكتب (قائلا) بالهمزة مع أنه صور (دايباً) بالياء والأصح أن تصور بهمزة(2/581)
على الياء وذكر في تلك الصفحة (تلايم) (كذا) بمنزلة مصدر لتلاءم. والأصح أن يقال (تلاؤم) وفي ذلك الوجه غير هذه الأغلاط وذكرها يجرنا إلى ما لا طائل تحته ولا سيما لأننا لا نرى فيه سوى نظم فارغ بل أفرغ من فؤاد أم موسى ولا أثر للشعر فيه هذا عدا الأغلاط الكثيرة التي تنفر بوجهك في كل صفحة من صفحات هذا التصنيف فتثير السأم في صدرك، وتنفرك من إتمام المطالعة.
وأما من جهة الموضوع فأن حضرة صديقنا ووطنينا أرصد هذا الجزء (للنبوة) في مطاوي البحث خرج عنها إلى مواضيع شتى ذكر فيها نتفاً من جميع العلوم العقلية والنقلية، الأصلية والفرعية، الطبيعية والغيبية، المعروفة والمجهولة، الغريبة والمألوفة، المسموعة والمنبوذة، حتى أن المطالع لا يأتي على صفحات منه إلا ويتصور أمامه فلك نوح عليه الصلوة والسلام الذي كان فيه زوج من أصناف جميع الحيوانات من طاهرة ومن نجسة. فما هكذا تؤلف الكتب. نعم أن أجدادنا العرب الأقدمين كانوا يجرون في هذه الطريق لقربهم من عهد نوح. وأما اليوم فأن القرآء يريدون أن يسيروا سريعاً راكبين أجنحة البخار أو وميض البرق أن تصنف الأسفار مفرغة في قالب متقن فلا تخرج عنه وأن مست الحاجة إلى العدول عنه يجعله الكاتب على منحاة من قارعة البحث ويعلقه حاشية وأنت ترى هنا أن الجري في الفروع المستطردة أكثر من الجري في الأصول التي وضع كتابه لها. ولهذا كان يحسن بالكاتب أن يذكر في المقدمة الغاية التي دفعته إلى وضع هذا الجزء الثاني ويختط فيها لنفسه الخطة التي يسير عليها بعد ذلك في تضاعيف الكتاب حتى لا يختلط عليه الحابل بالنابل وإلا فأن الأبحاث ضائعة في هذه الفيافي الواسعة الأكناف.
ثم إن الدعوة إلى شيء لا تكون بتقبيح ما قد أغرم به الإنسان؛ بل تكون بذكر حسنات المرغب فيه ومزاياه الحسنى على ما سواه والحال أن الكاتب يعيب على البروتستان قحتهم وخشونة عبارتهم وهو يفوقهم في ذلك حتى كاد ينسينا كتابهم. أفهكذا تكون أوصاف الدعاة ولا سيما من يصنف في (الدعوة الإسلامية)؟
فنحن نتوقع أن يكون الجزء الثالث أوقع في النفس وأعلق بالقلب وافصح عبارة والطف إشارة وأوفى بالمراد وآنس للعباد بمنه تعالى وكرمه!(2/582)
4 - قانون الولايات الموقت
باللغتين التركية والعربية طبع في مطبعة الولاية بغداد سنة 1331 وبدله 60 بارة.
5 - سكك الحديد في تركية آسية (باللغة الفرنسوية)
وهو بحث فني اقتصادي تأليف مصطفى إبراهيم بك دي كورتن طبع في باريس سنة 1910 بقطع الثمن.
صديقنا مصطفى إبراهيم بك كاتب مقالة (أثار دخول الشرقيين أميركة قبل اكتشافها) هو من كتاب الشرق الكبار ومن عظماء المهندسين وقد أتقن الفرنسوية غاية الإتقان حتى أنه قضى سنين جمة يكاتب أعظم مجلات فرنسة وجرائدها وهو اليوم يشتغل بمنزلة مهندس في سكة بغداد ويقيم في سامراء وقد صنف كتيباً في سكك حديد ديار العثمانيين فأجاد وأفاد فنحث عارفي اللغة الفرنسوية أن يطالعوها ليقفوا على ما تدره هذه الطرق من الذهب الوهاج على الدولة وأهل الوطن.
6 - الحسبة (البوليس) في مراكش (باللغة الفرنسوية)
وهي رسالة في تاريخ هذه المسألة والمبادئ التي اتخذتها محاضرة الجزيرة ووافق عليها جلالة السلطان وفي البحث عن التنظيم المؤسس على هذه المبادئ تأليف مصطفى بك إبراهيم المذكور. طبع في طنجة سنة 1906.
وهو كتاب صغير الحجم جزيل النفع في الموضوع الذي ذكرناه وفي آخره معجم صغير باللغة الفرنسوية والإسبانية والعربية حاوٍ أهم الألفاظ العسكرية وهو معجم نفيس لأنه يحوي المصطلحات العلمية الفنية التي يغلط فيها أغلب كتاب العصر وهي مذكورة باللغة العربية المراكشية التي تحتاج إلى معرفتها كما تحتاج إلى معرفة سائر لغات ولغيات ديار العرب. والمؤلف ممن يعتمد عليه لمعرفة اللغات الثلاث المذكورة معرفة تامة. فنحث اللغويين والمحققين على اقتنائه.
7 - يوسف حزايا (من كتبة السريان في القرن الثامن للمسيح)
باللغة الفرنسوية
تأليف السيد أدي شيرر رئيس أساقفة سعرد على الكلدان. طبع في باريس سنة 1909.
سيادة المطران أدي شير من أبناء الشرق المبرزين في لغت الشرق وتواريخه فضلاً عن معرفته بلغات الغرب وهو يعرف نحو 15 لغة ويؤلف في كثير منها وقد صنف بالعربية والكلدانية والفرنسوية والتركية والكردية واللاتينية وغيرها. وهذه النبذة التي نتكلم عنها هنا قد كتبها بالفرنسوية وتحوي ترجمة يوسف حزايا من(2/583)
مصنفي النساطرة الذي قال عنه يشوع النبي أنه ألف 1900 رسالة. ومن راجع هذه الرسالة علم توغل السيد أدي شير
العلامة في الأبحاث التاريخية الشرقية ووقوفه على أمور جمة لا يقف عليها عدة علماء معا. فنتمنى له أبعد النجاح مقروناً بالفلاح.
8 - غراسة النخل في كليفرنية (في أميركة) (باللغة
الإنكليزية)
من قلم بولس ب. بوينوي في التادنا (كليفرنية) نبذة بالإنكليزية مع تصاوير شتى الإفرنج في سعي حثيث لا يعرف الملل والكلل في كل ما يرقى بلادهم علماً وأدباً ومادة. فهذا النخل الذي هو من أشجار الشرق خاصة بدأ ينمو في بلاد كليفرنية من ديار أميركة حتى أنه في قليل من الزمن فاق نخيل هذه البلاد مع أن تاله أخذ منها. إلا أن الإفرنج شرعوا يغرسونه بموجب أصول الفن ولهذا تراه قد أقبل عندهم إقبالاً ليس وراءه إقبال. وممن نبغ في تحسين غرسه ومداراته صديقنا الأديب بولس ب. بوينوي فأن نبذته التي ألفها في هذا الموضوع تدل على ما للعناية بالانبتة والأشجار من حسن التأثير على الأتاء. فنحث أبناء الشق أن يعنوا بأشجارهم عناية علمية فنية وإلا فأنهم يكونون في ذنابى الأقوام في جميع الأمور بدون شاذ. أبعد الله هذه الأحلام!
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - مطر شديد الوقع في بدرة
في اليوم 6 من نيسان أمطرت السماء مطراً مدراراً شديد الوقع في مركز قضاء بدرة (بادورايا) فخرب مقر الإمارة (الحكومة) وسقطت دار علي المبذرقة فمات منهم وسلم من بقى. وأما موظفو الإمارة فإنهم تفرقوا أيدي سبا. (عن رسالة خاصة).
2 - طغيان الماء في لواء كربلاء
كتب إلى الزهور أن الماء طغى فأحاط بأطراف اللواء فأقام الأهلون سدة محكمة لحفظ البيوت من الغرق ويقدر الضرر الناتج من طغيان الماء بأكثر من 15 ألف ليرة (كذا) والعهدة على الكاتب.
ابن الرشيد وابن سويط
بعد وقوع الواقعة بين عجمي السعدون زعيم المنتفق وبين عشيرة الضفير زحف(2/584)
الأمير ابن الرشيد على المعتدين فجاءه حمود ابن سويط رئيس عشيرة الضفير ومثل بين يديه واضعاً أموره تحت حكمه فقام ابن الرشيد ووعظه عظة كلها حكمة وأدب وأوجب عليه أن يرجع إلى طاعة زعيم المنتفق على ما كان عليه سابقاً فوقع ابن سويط على عجمي بك وقبل ركبتيه وتعهد له بأنه لا يخرج عن طاعته بل يسير معه كما سار قبلاً مع آبائه الأولين خادماً مطيعاً وعبداً مملوكاً (كذا) فقبله وشكر الأمير على إصلاحه ذات البين بين الطرفين فأصبح الضفير والمنتفق وابن الرشيد وابن السعود في ساحة واحدة إخوان صفاء واخدان وفاء. أدام الله الصلح بين الجميع! (ملخصة عن الرياض) وفي رواية للزهور أن قيم مقام السماوة سلتان بك سار لعقد عرى الصلح بين عجمي بك السعدون وبين الضفير مع القبائل التي ترجع إلى القبيلين فنجح في مسعاه وربط الشروط بأوراق ومحاضر ووافى بها إلى دار الإمارة. وقد أمنت الطرق ووردت السماوة حدرة (أي راكب) قوامها ألف وخمسمائة بعير لآل الرشيد للامتياز وهذا ما يدلك على رجوع الأمور إلى مجاريها.
4 - استعفاء والي ولاية بغداد
قبلت نظارة الداخلية استعفاء محمد زكي باشا وفي صباح الثلاثاء 13 أيار أشيع الخبر
وتعين وكيلاً للولاية عمر لطفي أفندي معاون الوالي إلى قدوم الوالي الأصيل وقد سافر حضرته في 22 أيار عن طريق حلب.
5 - انتحار إنكليزي في بغداد
أطلق المستر ماكنا (المعلم الأول في الباخرة مجيدية من شركة لنج) رصاصتين من مسدسه على نفسه فوقع يختبط بدمه نحو عصر نهار الاثنين 12 أيار ويقال أن السبب هو إنزاله عن رتبته إلى رتبة أدنى.
6 - فتنة في ثغور إيران
خولت الحكومة الإيرانية شركة إنكليزية امتياز مد خط حديدي من موضع قريب من (المحمرة) إلى (خرمة آباذ) في قلب لورستان. فأرسلت الشركة إلى موضع العمل طائفة من المهندسين للشروع بالاشتغال فداهمهم الأهالي وهجموا على الإنكليز فوقع قتال شديد بين القبيلين. وللحال اتقدت نيران الفتن في بندر عباس من ثغور خليج فارس إلا أن الدولة الإنكليزية أرسلت باخرة حربية إلى تلك المدينة وأنزلت فريقاً من نوتيتها في دار الجرى (القنصل) حفظا لرعاياها. فخمدت الفتنة بعد قليل. (عن المصباح)
7 - الأمير ابن السعود
قدم الحاضرة في أواخر نيسان أحد أتباع الأمير عبد العزيز باشا السعود، وأفادت الرسائل التي أتى بها من ديار نجد أن الباشا المشار إليه غزا عشائر متقومة من العرجانية والدواسر والمريسة حتى وصل لواء الإحساء بل أوغل في الأراضي العثمانية ولما شاهد أولو الأمر ذلك دهشوا من هذه الحادثة وكاد يحدث ما لا تحمد عقباه لولا أن تداركها الأمير بحكمته فأنفذ وفداً يتقدمه أحد أفاضل أسرته الكريمة وهو أحمد بك السعود إلى متصرف الإحساء(2/585)
نديم بك لمقابلته فأكد له حسن نيات الأمير وشدة غيرته على الجامعة الثمانية وارتباطه بعرش الخلافة فما كان من المتصرف إلا وأجابهم بالمثل ورحب بهم وأحسن وفادتهم وخلع على حاشية الأمير خلعاً فاخرة فخرجوا من عنده شاكرين إحسانه وهكذا انتهت الحادثة بسلام وبعد ذلك نزل الأمير بجيشه على (الخويرة) وهو موضع يبعد عن الإحساء 3 ساعات ثم عرج على طريق (جودة) وهي ماء يبعد عن الإحساء يوماً ثم جاء بعد ذلك
(الطوقية) وهي عين ماء تبعد عن (الإحساء) 3 أيام؛ ثم نزل مباءة جيشه أو معسكره المقيم قرب (غدير الحاج) في (العريم) الذي يبعد عن (لرياض) خمسة أيام وهو هناك باق إلى اليوم. وفي نحو 20 أيار شاع الخبر في بغداد أن ابن السعود أحتل الإحساء وطرد منها موظفيها الأتراك.
8 - الأمير ابن الرشيد
جاء في الأخبار الخاصة أن الأمير ابن الرشيد هجم بخيله ورجله على عشيرة الشرارات المخيمة في (الطويل) وهو يبعد عن (الجوف أو دومة الجندل) خمس ساعات وسلبها إبلها وخيلها وأدبها في المستقبل تأديباً لعلها يردعها عن العبث في الأرض وقد انضوت إلى رايته بعض العشائر، ونبه أتباعه على أن يسهروا على محافظة السكة الحديدية من أن تضرها القبائل المتمردة، وهو الآن نازل مع عشائر شمر ما بين العراق ونجد مترصداً بعض الأعراب من قطاع الطرق وشذاذ العشائر.
9 - عشيرة عنزة
هبطت قبائل عنزة ومن تابعها يقودها أميرها فهد بك الهذال أودية (الثميليات) لكثرة أعشابها وخصبها وهي قريبة من قضاء الدليم (في ولاية بغداد).
10 - قبيلة الدهامشة
اتخذت قبيلة الدهامشة التي يرأسها أميرها جزاع من مجلاداودية (الشامية) منتجعاً لها ومرعىً لماشيتها وهي بالقرب من شفاثا من ولاية بغداد.
11 - عشيرة شمر
نزحت عشيرة شمر عن ديار العراق قبل انهمار الأمطار وتطلبت أرضاً خصبةً فظلت سائرة في الغلاة حتى نزلت ما بين ديار بكر والموصل وهي الآن هناك.
12 - إعانة أهل العمارة
أرسل متصرف العمارة مبلغ خمسمائة ليرة إعانة للحرب البلقائية وقد جمعه من أهاليها وموظفيها.
13 - وفاة يوسف باشا والي بغداد السابق
توفي يوسف باشا الجركسي في الآستانة في شهر ربيع الثاني من هذه السنة.
14 - تبرع حاكم لورستان
تبرع حضرة أمير الجنك والي يشت كوه غلام رضا خان حاكم لورستان (الذي جاء بغداد في هذه الأيام الأخيرة) بمبلغ أربعة آلاف مجيدي إعانة للدولة العلية ثم سافر بعد ذلك إلى مقر إمارته عن طريق كوت الإمارة.(2/586)
15 - صيدلية جديدة للبلدية في الأعظمية
نهار الأحد 27 نيسان جرى رسم افتتاح صيدلية في الأعظمية وكان ذلك بحضور جمع من العلماء والأشراف والوجهاء.
16 - الإنكليز في خليج فارس
لا زال الإنكليز يسعون في خليج فارس لتحسين مشاريعهم وتوسيعها ومن جملة ما وفقوا له في مدى هذه السنة وضع ست أمرِ (جمع أمرة وهي من الأعلام التي يهتدي بها في البحر) حول مغاصات اللؤلؤ (والمغاص يسمى اليوم هناك باسم هندي وهو هيرة والجمع هيرات ومعنى الهيرة اللولؤة) وقد هموا بتمهيد السبل لإنشاء قلس برقي بحري يربط جزيرة البحرين بابي شهر (من ثغور فارس)؛ بسائر مستعمرات الإنكليز في الخليج. وقد حاول القنصل إحصاء السفن البحرية التي يبحث أصحابها عن اللولؤ وصمم على وسمها بالأرقام لاستيفاء الرسوم عنها فطلب شيخ البحرين أن يبدأ الجري المذكور بأن يفعل هذا الفعل بسفن الكويت أولاً. وإذا تم ذلك لا يتلكأ عن القيام بما يطلب منه.
وفي أوائل نيسان من هذه السنة نقل الإنكليز إلى ثغور الخليج 500 عامل من رعاياهم فأنزلوا طائفة منهم في جزيرة طنب (وزان سبب) والطائفة الأخرى في جزيرة هنجام (بفتح الهاء وسكون النون وفتح الجيم بعدها ألف ثم ميم) وكلتاهما واقعة بالقرب من مضيق هرمز. والغرض من الإتيان بهم إلى هناك وضع المناور على كل جزيرة ومضيق في الخليج لينيروا ظلماته المادية والأدبية والمعنوية.
17 - أسماء الولاة الذين عينوا لولاية البصرة
منذ إعلان الدستور إلى هذا اليوم أصالة ووكالة نقلا من الدستور (جريدة بصرية)
عبد الرحمان حسن بك (أصيل)، ممتاز بك متصرف الإحساء (وكيل) محرم بك (أ) عارف بك (أ) راقم أفندي (و)، آمر العسكرية (و) سليمان نظيف بك (أ)، سعاد بك (و) شوكت أفندي الدفتردار (و)، وهبي أفندي القاضي (و)، عارف بك المكتوبجي (و)، جلال بك (أ) حسني بك الدفتردار (و)، حسن رضا باشا (أ)، محمد طاهر أفندي (و) علي رضا باشا الركابي (و)، محمد علاء الدين بك الدروبي الحمصي (أصيل) وهو واليها الحالي. الذي قدم إليها في 4 أيار فليتدبر من أراد الإمعان في الأمور.(2/587)
ونحن نود الآن أن يوافينا أحد الأدباء بأسماء ولاة بغداد الأصل والوكلاء ليبين لكل ذي عينين ما وراء آه الستور من الأمور
18 - القنصل الإنكليزي في نجد
ذكرت الدستور ما ملخصه: وصل القنصل الإنكليزي بلدة (المجمعة) قاعدة (سدير) ولما أراد دخولها مانعه الأهلون. ولكنه بادر (على ما يقال) إلى إرسال هدايا إلى أميرها عبد الله العسكر ومن جملتها نظارة وساعة وبعد ذلك خرج إليه الأمير بنفسه وصحب القنصل وادخله البلدة بين لعنات الأهالي المتحشدة على طريقه. فطاف القنصل في شوارعها ثم علا (المرقب) وهو تل شامخ مطل عليها واخذ صورتها الشمسية ثم ذهب وزار الأمير عبد العزيز السعود في موضع اسمه (الخفس) وطلب منه ابتياع (عمان) بالثمن الذي يريده. بيد أن الأمير لم يحفل بكلامه.
19 - أعراب الطواطحة والضفير
فوجئت عشيرة الطواطحة ليلاً (في نواحي الكويت) ونهب منها 47 بعيراً ويظن أن الخارب (سارق الإبل) هو ابن ضويحي أحد زعماء الضفير.
20 - هجوم الأعراب في ساحل بلبول
أفرغت سفينة شراعية لأهالي البحرين أكياس أرز في ساحل بلبول فهجمت عليها عشائر البادية فنهبتها.
(عن الدستور)(2/588)
21 - العشائر وعجمي بك السعدون
نمى إلى المصباح: إن الأزيرق والحكام والبدور والعبودة والضفير من عشائر المنتفق تجمهرت على عجمي بك السعدون قرب الزبير فأحاطت به إحاطة الهالة بالقمر ونادت: (يا لثارات المشايخ) وما قالت ذلك إلا وهجمت هجمة واحدة عليه وعلى من أنضم إليه ففر عجمي بك مدبراً ناجياً بنفسه على ظهر جواده. وغنمت العشائر ما كان معه. -
قلنا: فتكون هذه الوقيعة قبل الصلح الذي عقد معه ومع الضفير على ما يظهر لنا.
22 - عجمي السعدون قرب البصرة
نمى إلى الجريدة المذكورة أن عجمي نازل قريباً من البصرة مهدداً إياها بالهجوم لكنه لم يفعل ولن يفعل شيئاً. إذ كلامه من قبيل البرق الخلب. والظاهر أن الذي سول له ذلك أحد شياطين الإصلاح من سكان بغداد.
23 - حريق في بغداد
جاءنا الصيف وجف الهواء فتيسر للنار أن تمد لسانها إلى كل ما تصل إليه وقد شبت نهار الأحد في 18 أيار في ثلاث دور من محلة فرج الله. وكان ظهورها من دار عبود النقاش اليهودي. ولكن بهمة الجند وغيرهم أخمدت أنفاسها. وقد قدرت الخسارة بما يقرب من مائتي ليرة ولعل في ذلك مبالغة.
24 - أدب صلاح الدين الكركوكي المدير المسؤول لجريدة
الزهور
جاء إدارة مجلتنا حضرة الفاضل الزول! والشاب المهذب! صلاح الدين أفندي الكركوكي (أو الكركوكلي كما يسمى نفسه) وطلب إلينا أن نطلعه على مدرستنا. فسألنا مديرها فقال: راجعوا رئيس المبعث فراجعناه فقال: ليستأذن حضرته القنصل الفرنسي بذلك. ثم أعطيناه قوانين المدرسة ونظامها وخطتها. فكتب حضرته في أول عدد صدر من الزهور بعد زيارته إيانا أي في العدد 386 هذا الأمر كما وقع ثم قال: (نه دبه جكمزي بيله ميورز. يالكز فرانسزارك بوقبا لقلرينه بيان تأسف أيدرز.) أي: (ماذا نقول؟ - لا ندري إلا أننا
نتأسف على ما أظهره الفرنسويون من هذه الفظاظة (أو سوء الأدب) - قلنا: لو كان كل إنسان(2/589)
وكل مدير مسؤول لجريدة أو لو كان جميع أعيان بغداد ووجهاؤها الذين هم أعلى منه طبقة ومنزلة يأتوننا ليشارفوا ما في المدرسة لأصبحت هذه المدرسة من محلات النزهة أو من قبيل مربط الحيوانات الغريبة. وإنما الرئيس أراد أن يفهم هذا الأديب أن طلبه في غير محله ولا يحق له ذلك فقال له بصورة مهذبة: (استأذنوا القنصل بذلك). فمن أصبح سيئ الأدب أو فظاً أو خشناً؟ فليحكم القارئ. - ثم أن نسبته سوء الأدب إلى جميع الفرنسويين لأن أحدهم أراد أن يعلمه أصول الأدب بصورة مستحسنة ولطيفة في غير محلها أيضاً بل هذا يدل على أنه لا يعرف من أين تؤكل الكتف. فليفهم أن كل من ذوي العرف!!!(2/590)
العدد 25 - بتاريخ: 01 - 07 - 1913
سنتنا الثالثة
نبتدئ سنتنا الثالثة بحمد الله على ما جاد به علينا في مطاويها، شاكرين قراءنا الكرام على تصفُّح مجلتنا هذه، ومقرين بفضل علماء العرب والغرب علينا لتنشيطهم إيانا، وحثهم على مواصلة مسعانا، ونخص منهم بالذكر أصحاب الكفاءة في الحكم والنقد، وأرباب الحل والعقد، مما يحدو بنا إلى متابعة الخطة التي عاهدنا نفسنا على القيام بها.
ومما يدل على أن مجلتنا راقت كثيرين من الأدباء من متعربين ومستعربين ومستشرقين أن طائفة من مقالات السنة الماضية نقلت إلى الفرنسية والإنكليزية والإيطالية والألمانية. ومنها ما تناولته صحفنا ومجلاتنا الشرقية من شامية ومصرية وعراقية. وقد رأينا عدداً من المؤلفات التي صنفت بعد ظهور (لغة العرب) تذكر طفلتنا هذه مع الثناء على خطتها وحسن منتجعها، نخص منها بالذكر تآليف المستشرقين لأنهم تحققوا أن كتاب هذه المجلة من الاختصاصيين الذين يكتبون عن خُبْر لا عن خَبر.
وإننا لنشكر هنا أعظم الشكر جميع من بادلونا بمجلاتهم وصحفهم، واهدونا(3/4)
كتبهم ومصنفاتهم، واتحفونا بمقالاتهم ورسائلهم، من خاصة وعامة، مما يدل على كرم سجاياهم، وطيب أعراقهم وعنصرهم، ويكشف عن حبهم لمؤازرة الأدباء سراً وجهراً. ونوجه أطيب ثنائنا وأعطره إلى أولئك الذين تبرعوا علينا بنضارهم، مساعدينا في نفقاتنا ومخففين ما أخذنا على نفسنا من العبء الثقيل الباهظ. نعم إننا وان كنا لا نستطيع أن ننشر أسماءهم الآن خوفاً من أن نمس أرق شواعرهم، إلا انه لا بدَّ من ذلك يوماً ريثما تنكشف الأسرار، وتنتهك السرائر، فيعطي كل ذي حق حقه، وكل ذي فضل فضله.
وقد رأى القراء من تزاحم أقلام كتاب هذا القطر وغيره أن كثيراً من الأبحاث والمطالب تأخرت عن إتمامها، أو لم تبرز إلى عالم الوجود، مع أننا كبرنا حجم المجلة وزدنا صحائفها مؤملين تحقيق بنات الصدور، لكن لما كان مبدأنا أن نفضل مقالات أرباب الأقلام على نفثات قلمنا، - إظهاراً لما في أبناء العراق من روح التعاون، وصدق التناصر، والاخلاص في حب التسابق والتنافس في ميدان العلم والأدب، - بقينا في مقرنا الأول كأننا لم نجرِ شوطاً، على أننا أبرزنا ما كان في نيتنا من محض الخدمة وكفى بذلك شاهداً على
رغبتنا في التقدم والتبسط وحق لنا أن نقول:
ولي في غنى نفسي مراد ومذهب ... إذا انصرفت عني وجوه المذاهبِ
صفحة من تاريخ خليج فارس.
كثر الكلام، في هذه الأيام، عن خليج فارس وعن رسوخ قدم الإنكليز فيه وفي ثغور أقاصيه وادانيه، فوضعنا هذا المقال، مجاراة لمقتضى الحال:(3/5)
موقع خليج فارس من أحسن المواقع إن للتجارة وإن للمحاربة وان لتنازع الأمم للبقاء. وكل أمة أفلحت في تسيير سفنها في مياهه، أفلحت أيضاً في رقيها وعمرانها وحضارتها. ولهذا اصبح هذا البحر منذ اقدم الأزمان مطمح أبصار الأقوام والأجيال والفريسة التي تتخاصم عليها أقواهن لتزدردها وتقر بها عيناً وتسعد بها نفساً. وهذا الأمر الذي لم يخف على أمة خلت، لم يخف أيضاً على دولة إنكلترة التي تتربص الفرص لمد جناح سطوتها على بلاد الله. لاسيما إذا قدرت أن تصل إلى منيتها أو ضالتها نبهاً، أو بدون أن تريق قطرة من دم من دماء أبنائها الشرفاء، بل الذين هم أشرف خلق الله على زعمها.
اجل. إن ملكة الإنكليز اليشباع (اليزبت) لما أذنت سنة 1599 (لشركة الهند) أن تنشئ محلات تجارية في ديار الهند طمح للحال بصر تلك الدولة إلى خليج فارس، مع إن قدمها لم تكد تستقر في الهند تمام القرار، ولم تكن بعد بمبي في قبضتها. لكن كيف الوصول إليه والبرتوغاليون كانوا قد نشروا أجنحة سطوتهم على ذلك الخليج منذ أواخر القرن السادس عشر، وكانوا قد ظهروا فيه بعد أن طاب لهم المقام في أقطار الهند وجعلوا ساحل بحر فارس كما جعلوا ريف بحر الهند ميداناً ينزله فرسان مفتتحيهم، فيأخذون من البلاد والثغور والموانئ ما يروقهم، ويضربون صفحاً عما لا يحظى في عيونهم الطامحة؟
أما علو شان هذا الخليج وخطورته في أبصار البرتغاليين والإنكليز فظاهر من تسارع شخوص بصرهم إليه، بعد ثبوت قدمهم في بعض ديار أقطار الهند، لعلمهم يومئذ أن لا قرار لدولة غربية في بلاد الهند إن لم تقبض بيدها مفتاحها الذي هو خليج فارس، وما على سواحله من الثغور المتراصة المتناسقة المتفاوتة الارتفاع ارتفاع درج السلم البعيد المراقى. هذا فضلاً عن أن تجارة الهند لا تنفق ولا تروج إن لم يحافظ على تأمين الطريق التي ترسل فيها أي طريق البحر الفارسي وتنفضها من الغزاة الذين يعيثون فيها كل العبث.
هذا وفي العهد الذي اكتشف رأس الرجاء الصالح كانت تساق بياعات الهند إلى ديار
الغرب على البحر وعلى بحر العجم. وهو الطريق التي كانت معروفة منذ أعرق الأزمان في القدم. إذ كانت ترد من تلك الربوع النائية على السفن الكبار فتتشطط سواحل ديار الفرس. ثم ترسو في ما نسميه اليوم (شط(3/6)
العرب)،. - وأول الذين عرفوا هذه الطريق الطبيعية التي لحبها البارئ هم أول من عرفهم التاريخ باسم (الأمم الكبار) أي أولئك الذين انشئوا نينوى وبابل ثم سلوقية وطيسفون ولما دثرت هاتان الحاضرتان جاءك العرب القروم فعرفوا ديار الهند ومجازها وابتنوا البصرة وبغداد. فقامت لهم يومئذ دولة ضخمة فخمة تضارع أعظم دول التاريخ وأضخمها بل تصارعها صراع الأبطال، لصغار الرجال. ففي عهد زهو دولة العرب، كما في إبان القرون الخالية، كنت ترى ثياب الحرير والإستبرق، الفلفل والقرنفل، الدارصيني والجوز بوا، الهال والزعفران، الصدف والعاج، الدر والمرجان، الميعة والصمغ، المصطكى واللبان، المر ودهن البان، البخور والعطور، وغيرها من حاصلات الهند ومما جاورها من الديار والجزر، من قريبة ونائية، من ثغور بلاد السيلى إلى جزيرة العرب وتبعث كلها بغلاتها لتستجلب بدلها الزجاج والرصاص، الحديد والنحاس، الاسرب والقصدير التي كان يؤتى بها من ديار الغرب.
وكانت تنتقل هذه السلع والبياعات من بغداد إلى قلب المشرق الأدنى: إلى دمشق والإسكندرية إلى موانئ الشام والديار المصرية، التي كان فيها يومئذ محلات تجارية زاهرة زاهية، عائدة إلى البيزيين والفلورنسيين، إلى البنادقة والجنوبين. لا بل بعد أن عرف طريق أفريقية البحري، واكتشاف معبر أو منفذ يؤدي إلى ربوع الهند ماراً برأس الرجاء الصالح، بقى الطريق الأول طريق خليج فارس على علو كعبه طول القرن السادس عشر وبعض القرن السابع عشر، ولما ذهب شيء من شأنه عند معرفة التجار الطريق الثاني، دام المسلك الأول نهجا عظيما، نهج تجارة الهند وديار الروم، بل لم يزل أب كل نهج تنهجه جميع الدول التي تمد يدها من الديار الآسيوية إلى الديار الأوربية وبالعكس. وداوم التجار الإيطاليون ولا سيما البنادقة منهم والقطلونيون على إنفاذ أموالهم ومبيعاتهم على القوافل التي تجتاز بوادي الشام وصحارى بين النهرين يجلبون من ديار الهند والسند والصين وزابج (جاوة) جميع ما يحتاج إليه الغربيون من أثمار وغلات الأرجاء الحارة فيصعدونها على متن شط العرب الذي كان يعرف يومئذ عند أجدادنا (بدجلة العوراء) ومنه
على ظهر الفراتين ومنهما إلى ربوع مملكة العرب التي صارت بعد ذلك من ديار سلطنة آل عثمان.(3/7)
أما سبب بقاء طريق خليج فارس لنقل بياعات الشرق إلى أهل الغرب مع وجود غيره فهو لأن هذا النهج كثير السهولة يسير الركوب جم المنافع، وليس فيه من الأهوال ما في أخيه الثاني الحديث السن. هذا فضلا عن أن السفن البحرية لا تحتاج في المهيع الأول إلى أن تقتحم العباب وغمراته كما في اللحب الثاني، بل يكفيها أن تتشطط السواحل الواحد بعد الآخر من الهند إلى دجلة العوراء، فتصيب الغرض، بدون أن تصاب بعرض.
وهذا لا يتضح لك صدقه إلا إذا نظرت رعاك الله إلى هذا الخليج وأنعمت النظر في تقوير الطبيعة إياه وكيف أبرزته عل مثال غريب عجيب. فإن الجواري المنشآت إذا غادرت أرياف الهند صعدت شواطئ ديار البلوص (بلوجستان) ودخلت بحر عمان ثم قاربت شطوط العجم إلى موضع تكاد فيه بلاد إيران تصافح بلاد العرب وهو الموضع الذي يعرف عندهم باسم (الرأس المسنن أو المسنم) في مضيق هرمز. وكأن العرب لم يحبوا أن يمدوا أيديهم إلى الإيرانيين لما بين عنصريهم من العداوات القديمة ترى بلاد العرب توغل في الماء كأنها تنفر نفور الشادن من وجه العدو فيأكل البحر شيئاً من أرضها مع أن بلاد فارس تحاول دائماً التقرب منها متحببة لها وكأنها تقول لها: تعالي إلي ولا تهربي مني فإننا إن تعاونا نصبح حرزاً حريزاً في وجه العدو. أما جزيرة العرب فلا تجاوبها كأنها تعلم أنها إذا مدت إليها يد المعونة سحقتها بقبضتها قبضة الحديد. وكأن الطبيعة حكمت في الآخر بين البلادين فجمعتهما بعد أن أخذت منهما العهود وشهدت عليهما الشهود أن لا تعتدي الواحدة على الأخرى وآنئذ تصافحتا وتعاقدتا على الولاء والصفاء. فاتصلت بلاد إيران ببلاد العربان وعليه يكون(3/8)
خليج فارس من الرأس المسنن إلى مدالث العورآء أو شط العرب.
فهذان الساعدان ساعدا بحر الهند أي بحر عمان وبحر فارس يوغلان في الأرض على غور 500، 2 كيلومتر ويمكنان البواخر من أن تصل فوهة شط العرب. وإذا وصلت هناك جاءت بواخر أو سفن أخرى دون الأولى غوصاً في الماء، ونقلت أحمالها على دجلة. ويحمل دجلة السفن النهرية إلى أبعد موطن من بين النهرين إلا أنها لا تصعد الآن إلى ما
وراء بغداد، لأن وادي السلام يحتاج إلى أن يكسح عقيقه من الرمال ليكون قابلاً لحمل السفن إلى حيث ما يرام، أما الفرات فإنه من بعد أن يصاحب أخاه دجلة ويتفق معه ويتحد به بحيث أن الرائي يظنهما واحداً ينخزل عنه وينشعب ويولى مدبراً هائماً على وجهه في رمال الجزيرة وصحراء الشامية حتى يخال الناظر إليه أنه يريد الهرب إلى ديار الشام كأنه يقول في نفسه: بما أن العراقيين لم يقدروا قدري ولم يعرفوا منزلتي ولا فوائد مياهي ولم ينتفعوا بها فإني فار إلى حيث أريد، إلى صديق لي في ديار الشام اسمه (العاصي) لنشق كلانا عصا الطاعة على أبناء هذه الديار الذين لا يعنون بالزراعة ولا بالفلاحة ولا بالغراسة ولا ولا ولا. . . وكان ناصحاً نصحه في نهاية الأمر إلى الرعوى فارعوى إذ قال له: يا أخي لا تترك الوطن، إن الوطن عزيز فارجع إليه. وما كاد يسمع هذا الكلام إلا ورجع عن غيه إذ تراه يعود إلى نحو أخيه البكر دجلة من قلعة نجم مقابل منبج إلى أن يرجع إلى منابعه في ديار الأرمن.
ترى مما تقدم بسطه وشرحه إن افتراق النهرين الواحد عن الآخر هو لخير هذه البلاد ليمدها بالماء والنماء وهذا ما تثبته الأقدمون من أعرق الأزمان قدماً ولهذا كان للحواضر القديمة: نينوى وبابل والمدائن (أي طيسفون وسلوقية) ولا سيما كركميش شهرة طائرة في التاريخ. وقد نوه بمجد هذه الأخيرة وعزها وغضارة حضارتها الأخبار القديمة المدونة على صفحات الآجر وصحف المهارق(3/9)
إذ تروي لنا إن الفراعنة كثيراً ما قارعوا ملوك الآشوريين في كركميش لأنهم رأوا حسن موقع تلك المدينة وهي راكبة على مرفق الفرات أو منعطفه وقد شارفت من موطنها وما فيه من الدساكر والرساتيق والقرى والفلاليج والمزارع. وفي الأزمان التي هي أدنى ألينا أي في عهد الرومان كانت إنطاكية الراكبة على العاصي في الموطن الذي يدنو ريف بحر الروم من منعرج الفرات قد نالت من البعد الزهو والثروة والأبهة ما حق لها أن تسمى (بملكة الشرق). وما عساني أن أقول عن تلك الحاضرة الزاهرة، بل درة البر الفاخرة، لا بل يتيمة الدهر النادرة، تدمر القاهرة، فلقد كانت أنشئت عن طريق القوافل، بل في بهرة المراحل، فكانت تنتابها أو تغشاها كلما أرادت ثغور الشام. أو بالعكس كلما أرادت التوجه إلى وادي السلام. فهي أيضاً نالت من شامخ العز، وباذخ المجد، ما جعلها شامة في جبين الدهر. ولما دالت الدول، وقلب الزمان
ظهر المجن لتلك الحواضر، والمدن الزواهر، أبقت لنا من ذكرها أنقاضاً مبعثرةً على أديم الأرض، يشهد على مكانتها من العمران والحضارة، في القرون المنطوية، بل على مكانة لم تبلغها المدن الجديدة التي أنشئت بعدها كالبصرة الفيحاء، وبغداد الحسناء، وديار بكر القورآء، ودمشق الفيحاء، وحلب الشهباء، وغيرها - نعم إنها ورثت من أمهاتهن المنقرضات روح التجارة والمبايعة والمعارضة، لكن هيهات أن يصلن ما وصلت إليه تلك الأمهات الجليلات. فشتان ما هن، وشتان ما بين الدر والحصى، والسيف والعصا.
ومما تقدم بسطه يتضح أن أصحاب الهند لا يطمحون إلى مد أجنحة نفوذهم وسطوتهم على خليج فارس إلا ليجاروا الأمم السابقة التي أوغلت في الحضارة، ونالت قصب السبق في التجارة. وهذه الأسباب نفسها هي التي حدت بالبرتغاليين إلى إحراز مفتاح الهند حينما دخلوا هذه الديار الأخيرة ولهذا كنت ترى سفنهم تمخر عباب الهند، وتشق مياه بحر عمان، ثم تغوص في أغوار بحر فارس، لتذهب إلى البصرة. ولما كانت تقضى لبانتها كانت تغادر البصرة. فتذهب إلى مسقط، إلى قاليقوط (كلكتة) إلى رامني أولامري (سومطرة)، إلى جزيرة الوقواق (مدغسكر)، إلى جزائر القمر، إلى زنجيار، إلى سفالة. وهكذا كانت سفنهم تختلف إلى بلاد وبلاد وتجمع بين ديار آسية وأفريقية وكان كل همهم معاداة غزاة العرب البحريين لأنهم كانوا يغيرون على تلك الثغور ويفعلون بأصحابهم كما يفعلون بأعراب(3/10)
البوادي. ولهذا كنت ترى بين العرب والبرتوغاليين حرباً عواناً بل طاحنة، طحنت في الأخير أبناء يعرب فأوردتهم حياض المنايا. ودامت تلك الحرب طول القرن السادس عشر بدون أن يمكنوهم من الراحة هنيئةً. وما زالوا كذلك حتى ركز قائدهم الكبير البوكرك علم دولته البرتوغالية في مسقط وصحار وذلك في سنة 1515 وهي سنة دخول النصارى جزيرة العرب بعد أن طردوا عنها سنة 634م على يد عمر بن الخطاب. قال البلاذري (ص 68) وهو يروي حديثاً معنعناً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه لا يبقين دينان في أرض العرب، فلما استخلف عمر بن الخطاب (رضه) أجلى أهل نجران (وكان أغلبهم نصارى وفيهم أيضاً يهود) إلى النجرانية (بناحية الكوفة) وأشترى عقاراتهم وأموالهم. وقال أيضاً: (ص 68) أنزلت (هذه الآية) في كفار قريش والعرب: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله). وأنزلت في أهل الكتاب: (قاتلوا الذين لا
يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق إلى قوله: صاغرون. فكان أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران فيما علمنا. وكانوا نصارى. ثم أعطاها أهل أيلة وأذرح وأهل أذرعات الجزية في غزوة تبوك. أهـ كلام البلاذري بحرفه - فترى من هذا أن أول من خالف هذه القاعدة أو خرمها هو البوكرك بعد أن مضى 881 سنة على جزيرة العرب وهي تأبى أن تأوي نصرانياً.
ولما تيسر للبرتوغاليين دخول تلك الديار هان عليهم أخذ غيرها أيضاً فضبطوا هرمز. ثم احتلوا البحرين وحصنوا القطيف بعد أن ملكوه ومدوا أيديهم إلى جميع الثغور التي كانت تخدم أمانيهم أن على ساحل إيران وإن على ريف جزيرة العرب وحصونها أشد التحصين. وكل من كان يحاول أن يقاومهم كانوا يذيقونه الأمرين أو يوردونه حياض المنية وكان الجميع يخافونهم كما يخاف الخشاش والبغاث جوارح الطير وعتاقها. وكانت هرمز أحصن تلك القلاع وأبقاها بوجه العدو ولذا جعلوها أيضاً خزانة أسلحتهم ومستودع تجارتهم وهي كما تعلم مدينة ثابتة في قلب جزيرة تعرف باسمها وهي كالشجا في حلق بحر عمان لا يستطيع أن يسيغها ولا أن ينبذها وهي أيضاً كالشجا في حلق كل داخل بحر عمان أتياً من خليج فارس أو كل مقتحم بحر فارس قادماً من خليج عمان(3/11)
فهي إذن جزيرة بحرية حربية تجارية منيعة لا يتيسر للعدو أن يدنو منها ولا أن يناوئ سكانها. هذا فضلاً عن أنها متمنطقة بنطاق من الصخور الشبيثية وهي صخور كأداء منيعة تطوف بها المياه من كل جانب وتضحك من السحب ضحك مستهزئ لأنها تناطحها بروقها وبدقة ما رفع عليها من الأبراج والقلاع. أما فناء المدينة فكان حريزاً منذ يوم ولد. دع عنك ما أقام فيها البرتغاليون من الأسوار المخندقة والمتاريس المبرجة والبواشير والفصلان التي جعلتها من أحصن المواقع في تلك الأرجاء حتى أنهم كانوا فيها في مأمن ولهذا جمعوا فيها كنوزهم وأموالهم وكانت كثيرة لا تحصى.
فهذا كله يريك هرمز موقعاً بديعاً لتوسطه بين ديار العرب وإيران والروم والهند وكنت ترى فيها السفن مئات مئات بين واردة وصادرة بين جائية وغادية وكلها تحمل هدايا الشرق للغرب أو تنقل ألطاف الغرب للشرق. هناك كنت ترى الصينيين والهنود. الإيطاليين والبورتوغاليين. الإيرانيين والعرب. قد امتزجوا امتزاج الراح بالماء القراح.
ولهذا كنت ترى البورتوغاليين قد شمخوا بأنفهم إلى السماء وتسمعهم يقولون: لو كان العالم حلقة ذهب لكانت هرمز درتها الفريدة!
الراديوم
1 - تعريفه
الراديوم هو العنصر الغريب الذي أحدث انقلاباً في الطبيعيات أعظم من كل ما تقدمه فإنه يتولد من عنصر آخر هو الأورانيوم ويولد عنصر الرصاص ويشع من نفسه حرارة وثلاثة أنواع من الأشعة ويبعث غازاً يكسب كل ما أتصل به خاصة الإنارة.(3/12)
2 - مكتشفة الراديوم
والراديوم اكتشفته مادام كوري مع زوجها وهو عزيز جداً يقدر ثمن الليبرة منه بمائة مليون ريال وفي الليبرة منه قوة تساوي 1. 500. 00 طن من الفحم الحجري والخالص منه ذرة عند مادام كوري وأما الموجود منه عند غيرها فأملاح مركبة منه ومن الكلور والبروم.
3 - أشعة الراديوم
وأغرب ما في الراديوم أشعته وهي ثلاثة أنواع سماها العلماء بأسماء الأحرف الثلاثة الأولى اليونانية ألفا وبتا وغما. أما أشعة ألفا فهي دقائق كهربائية إيجابية تتطاير منه بسرعة 15. 000 ميل في الثانية وحجم كل دقيقة ضعفا حجم الجوهر الفرد من الهيدروجين. وأما أشعة بتا فإلكترونات (كهيربات) من الكهربائية السلبية وحجم الواحدة منها جزء من جوهر الهيدروجين أو جزء من 500 جزء من دقائق ألفا وسرعتها 175 ألف ميل في الثانية. ومن غريب فعلها أنها تفرغ الجسم المملوء من الكهربائية. وأما أشعة غما فهي أشعة رنتجن وتنشأ عن اصطدام أشعة بتا بشيء يعترضها فإذا صادفت أشعة بتا مانعاً ولدت في الأثير تموجات تنفذ الأجسام كما ينفذ النور الزجاج.
4 - أصل المادة وذكر حياة الراديوم
ويرى بعض العلماء أن الإلكترونات أصل المواد كلها وإذا تحركت كان من حركتها مجرى كهربائي. والتلغراف اللاسلكي يقوم بحركتها التي تولد في الأثير تموجات ويرى جماعة من العلماء أن العناصر كلها تراكيب مختلفة من الإلكترونات فإذا كثرت الإلكترونات في بناء الجوهر كان العنصر ثقيلاً مثل البلاتين والذهب وإذا قلت كان خفيفاً كالصوديوم والليثيوم وإذا دارت في وجهة واحدة حول قضيب من الحديد صيرته مغنطيساً جذاباً ويرى
بعضهم أن النور والحرارة يتولدان من تحريك هذه الإلكترونات للأثير في دورانها حول الجوهر فان هذه الإلكترونات تدور حول الجوهر على أبعاد مختلفة وسرعة مختلفة.
وقد قدروا أن حياة الراديوم لا تطول أكثر من 2. 500 سنة وحياة الأورانيوم الذي هو أسرع المواد انحلالاً بعد الراديوم 7. 500 سنة.
5 - الراديوم في الشمس والأرض
قال الأستاذ سنيدر أنه اكتشف الراديوم في غلاف الشمس فنسب نور(3/13)
الشمس وحرارتها إليه وقال إن جميع الثوابت تنير بالراديوم ومن رأيه أن النجوم المتغيرة تظهر من انبعاث الراديوم منها في أدوار مختلفة واستنتج أن الشمس نجم من النجوم المتغيرة ودور تغيرها 11 سنة وأن ظهور الكلف عليها من نتائج فعل الراديوم.
ومن رأي الأستاذ رذرفرد إن حرارة الأرض أيضاً من الراديوم فإن الحرارة المتولدة من تركيب العناصر كيماوياً أقل من حرارة الشمس والأرض ولكن الراديوم وغيره من المواد المشعة تولد من الحرارة أكثر مما تولده المواد بتركبها مليون مرة.
وقد ثبت لبعضهم أن الراديوم يفعل بالسائل الجلاتيني فيولد (الراديوب) وهذا الجسم تام وهو أرقى من البلورات وأحط من الميكروبات ولعله مبدأ الحياة.
6 - من أين تأتي حرارة الراديوم
والظن أن الحرارة المتولدة من الراديوم حادثة من انحلال جواهره وتولد مواد أخرى منها. وقد وجدت المواد المشعة التي من قبيل الراديوم منتشرة في كل مكان من قشرة الأرض وكرة الهواء ولكن مقاديرها قليلة جداً حتى أن كل قطرة من المطر وكل حبة من البرد وكل رقعة من الثلج تصل إلى سطح الأرض ومعها شيء من المشعات وكل ورقة من أوراق النبات مغطاة بقشرة رقيقة جداً من هذه المادة وإذا كان الهواء محصوراً لا يتحرك كما في المغاور والكهوف فالمواد المشعة كثيرة فيه وقد وصلت هذه المواد المشعة من الراديوم في المياه الخارجة من أعماق الأرض وفي مياه البحيرات وفي الزيت الخارج من الآبار والتراب نفسه فيه كثير منها ولا سيما إذا كان طفالاً.
ويقول المستر ستروت أن الراديوم موجود في كل الصخور النارية ولا سيما في الغرانيت
(المحبب) وقد وجدوا إن الراديوم إذا أدنى منه بعض المواد مثل سلكات الزنك وكبريتيته أضاءت تلك المواد أيضاً وإذا نظر إليها بالميكرسكوب حينئذ ظهرت فيه نقط صغيرة منيرة تتألق كالكواكب أو كالنيازك المتساقطة من السماء أو كالشرر المتطاير من الحديد المحمي إذا طرقته بمطرقة ووجدوا إن حرارة الراديوم أكثر من المحيط درجة أو درجتين بميزان سنتكراد (بالميزان المئوي).
وإذا كانت الأرض تشع الكترونات الراديوم فهي تشع بواسطتها الحرارة أيضاً وقد قدروا الحرارة التي تشع من الأرض كلها بحرارة تتولد من مائتين وسبعين(3/14)
مليون طن من الراديوم وإذا وزع هذا المقدار من الراديوم على الأرض كلها بلغ جزءاً من مائة مليون مليون جزء من الأرض. وعليه ففي الأرض من المواد المشعة ما تقوم حرارته مقام الحرارة التي تفقدها بالإشعاع المتواصل.
7 - الكهربائية والراديوم
اكتشف الدكتور سينا الجنيفي أنه إذا كهرب سلك بالكهربائية السلبية وأحمى فعل بغيره من المواد فعل الراديوم وكذلك إذا وقعت أشعة رنتجن على الجسم صار يشع مثل الراديوم وبقيت فيه هذه الخاصة بضعة أيام.
وقيل أن الأستاذ ولتر الألماني بين أن نور الراديوم ناتج من وقوع أشعة بكرل على دقائق النيتروجين التي في الهواء حول الراديوم ورجح ذلك السر وليم هجنس منذ سنة 1903 ولكن لم يكن لديه حينئذٍ ما يثبت ذلك.
8 - البركانات والراديوم
وأدعى الماجور دتون الأميركي أن البركان يقذف بالحمم من عمق ميلين أو ثلاثة لا أكثر وذلك بسبب حرارة الراديوم فإنها تصهر الصخور بالتدريج وتبخر ما فيها من الماء فيشقق الأرض.
والثابت أن الأرض فيها كثير من الراديوم وإن الراديوم يتولد من الأورانيوم ويولد الهاليوم والرصاص وقالوا أن في الشمس كثيراً من الهاليوم فهو دليل على وجود كثير من الراديوم وهو كاف لتعليل حرارتها ونورها.
9 - كيف اكتشف الراديوم
وأما الراديوم فقد اكتشف في درس الإشعاع أو الفصفورية التي تظهر في بعض الأجسام كما يحدث في أنبوب زجاجي مفرغ من الهواء إذا جرى فيه مجرى كهربائي.
وقد درس كروكس ولنارد ورنتجن هذا النور فوجدوا أنه مؤلف من ثلاثة أنوار الواحد أشعة غير ظاهرة تضرب جوانب الأنبوب فينيرها ويصدر منه نور أخضر لامع وتقع على بعض الأجسام فتجعلها تشرق بنور فصفوري وتفعل بألواح التصوير وتفرغ الكهربائية من آلة مكهربة وتخترق الأجسام غير الشفافة كالخشب والورق الأسود والصفائح الرقيقة المعدنية وهذه هي أشعة رنتجن وتسمى أشعة أكس أيضاً وكتاب العرب المحدثون يسمونها الأشعة المجهولة.
والنوع الثاني من الأشعة التي تكون في الأنابيب المفرغة هي الأشعة الكهربائية السلبية والنوع الثالث أشعة لنارد.(3/15)
وهناك مواد أخرى تشع نوراً فصفورياً كما في كبريتيت الكلسيوم ومثله بعض الجواهر والمركبات ولكنها لا تنير إلا إذا تعرضت أولاً لنور الشمس.
ثم وجد أن الأورانيوم ذاتي الإشعاع ووجد الأستاذ كوري وزوجته أن الإشعاع سببه عنصر آخر وكان ممزوجاً بكلوريد الباريوم وقوة هذا الكلوريد على الإشعاع أشد من قوة الأورانيوم2. 000 ضعف وتدرجا في تنقية ما وجداه إلى أن وصلا إلى ملح من أملاح ضالتهما فألفيا أن قوته على الإشعاع أشد من قوة الأورانيوم مليوناً وثمانمائة ألف وعرفا من خواص الملح الذي استخرجاه وهو كلوريد الراديوم أن العنصر الأصلي معدني ثقله الجوهري 225 وله أشعة خاصة تظهر في الحل الطيفي وهو مشع باتصال دائم وأشعته تخترق الأجسام غير الشفافة وتولد نوراً فصفورياً وتؤثر في الألواح الفوتوغرافية.
ثم وجد أن خاصة الإشعاع موجودة في عناصر أخرى بعضها نادر الوجود كالاكتيوم والبولونيوم وبعضها كثير كالثوريوم والأورانيوم وأشعة الراديوم تؤثر في الجلد وتقرحه وإذا دخل شيء قليل جداً منه في غرفة فيها آلة كهربائية تفرغت كهربائيتها حالاً وفعل الراديوم من هذا القبيل شديد جداً حتى لو كان مقداره جزءاً من خمس مائة ألف جزء مما يظهر بالحل الطيفي لكفى لتفريغ الكهربائية ومقدار قليل منه في الأرض يكفي ليرد إليها
كل ما تخسره من الحرارة بالإشعاع وقد أتضح أن الأرض لا تبرد من نفسها بل تسخن من نفسها قبل وذلك بما فيها من عنصر الراديوم ونحوه.
10 - ماذا ينبعث من الراديوم غير الأشعة
واكتشف رذرفرد في كندا أنه ينبعث من الراديوم دواماً مادة غازية غير أشعته الفعالة أو أشعة بكرل وهذه المادة مشعة أيضاً مثل أشعة بكرل ويرسب منها شيء على الأجسام التي تدنى من الراديوم فتصير أيضاً مشعة وتبقى فيها قوة الإشعاع بعد أبعادها عن الراديوم مدة ويمكن جمعه وهو ثقيل لا يتغير بالحرارة ولا بالفواعل الكيماوية وله طيف خاص به وهو عنصر جديد مثل الأورغون ثم إنه ينحل من نفسه ويخسر نصف قوة الإشعاع كل أربعة أيام وفي هذه المدة يكون الراديوم الذي تولد الغاز منه قد ولد مقداراً آخر من الغاز مساوياً له فيما خسره من قوة الإشعاع. وثبت من تجارب رمسى وصدى ومادام كوري أنه يتولد من هذا الغاز عنصر الهاليوم الذي اكتشفه كلير في الشمس منذ(3/16)
25 سنة ثم وجده رمسى في بعض الحجارة المعدنية التي تشع نوراً وحرارة وثبت تولد الهاليوم من الراديوم بواسطة السيكترسكوب (منظار الطيف).
11 - أي العناصر تشع مثل أشعة الراديوم
وقد تحقق أن أشعة الراديوم موجودة دائماً في الهواء الجوي وهي كثيرة في هواء الكهوف وفي المياه التي تخرج من باطن الأرض وإن كثيراً من المواد تشع أشعة الراديوم منها: القصدير والزجاج والفضة والنوتيا والرصاص والنحاس والبلاتين والألومينيوم ولا يعلم هل ذلك ناتج عن وجود دقائق لطيفة جداً منتشرة من عنصر قوي الإشعاع أو أنه خاصة من خواص كل العناصر.
12 - انحراف أشعة الراديوم
وأبان بكرل في أول مباحثه أن بعض أشعة الراديوم ينحرف إذا مر بين قطبي مغنطيس كهربائي قوي ونتج من ذلك أن قسمت أشعة الراديوم إلى ثلاثة: الأول المنحرف قليلاً وقوته على نفوذ الأجسام ضعيفة، والثاني ينحرف بسهولة وانحرافه إلى جهة تخالف انحراف الأول، والثالث لا ينحرف أبداً مهما قوى المغنطيس وقوته على نفوذ الأجسام
شديدة جداً فينفذ لوحاً من الحديد ثخنه قدم ويؤثر في ألواح التصوير وسمى الأول الفا والثاني بتا والثالث غما، كما تقدم.
13 - ما هي أشعة الراديوم
ثم ثبت أن أشعة الفامجارٍ دقائقها صغيرة جداً مثل المجارى التي تتولد من لهب الغاز والمعادن المحماة إلى درجة الحمرة وحرارة الراديوم ناتجة من مصادمة هذه الدقائق للأجسام التي تقع عليها وأشعة بتا مجارٍ من الدقائق مشابهة للمجارى السلبية وإليها ينسب ما في أشعة الراديوم من النور والتأثير في الألواح الفوتوغرافية وأشعة غما مثل أشعة رنتجن والمرجح أنها ليست دقائق بل هي حركات أو أمواج في الأثير تحدث من سير دقائق بتا وتأثيرها مثل تأثير أشعة بتا إلا أنها أشد نفوذاً كما تقدم.
14 - المادة حسب ظني
أكثر ما تقدم ملخص مما أتى عن الراديوم في عدة مقالات في المقتطف الأغر وأما أنا فأظن أن جميع المواد تشع دقائق غير أن ما يشعه بعضها صغير جداً لا يحس به فهو أصغر من أشعة بتا وأسرع منها حركة وما يشعه بعضها مثل أشعة بتا والنور ليس إلا نوعاً من الدقائق تتولد من تكسر أشعة هي أكبر منها(3/17)
إذا أصابت مانعاً فهي ليست إلا شظايا بعض الدقائق التي ترسلها المادة المتصادمة وقد صدق القائلون أن المادة كلها كهربائية إلا أن الكهربائية متنوعة حسب صغر دقائقها وسرعتها.
وأما كون نور الشمس وحرارتها من الراديوم فيضعف القول به كون أشعة بتا تفرغ الكهربائية ونور الشمس لا يفرغها وكون أشعة بتا إذا صادفت ما يوقف سيرها تولد منها أشعة غما وهي أشعة رنتجن التي تنفذ الأجسام غير الشفافة ونور الشمس ليس كذلك.
وأما كون نور الراديوم موجوداً في الهواء فهو ما أرجحه فإني إذا أغمضت عيني أو فتحتها في الظلام الدامس وأمضت في النظر شاهدت ظلاماً تلمع من خلاله نقاط مضيئة لمعاناً خفيفاً جداً فهي تضيء وتنطفي وتضيء مكانها نقاط أخر فظني هو أن هذه الأشعة هي أشعة غما المتولدة من أشعة بتا ولذلك تنفذ الجفن كأن الجفن شفاف تماماً لها وإن كان ضئيلة جداً.
15 - الجاذبية العامة
وما الجاذبية العامة إلا أثر فعل الإلكترونات ضمن الجواهر الفردة فإن هذه تجيء وتذهب ضمن الجوهر الفرد من المادة بسرعة فائقة وهي بحيث يخرج قسم منها دائماً إلى جهة المحيط وهذا القسم الذي يخرج من الجوهر الفرد أقل كثيراً من القسم الذي يبقى فيه مصادماً جدرانه الداخلية وهو عندما يخرج لا يصدم بالطبع جدار الجوهر الداخلي في الجهة التي يخرج منها وأما بقية الإلكترونات فهي تبقى مصادمة لكل طرف من جدرانه فتتساوى المصادمات منها على داخله إلا في جهتين إحداهما جهة المحيط من مجتمع المادة فهي هناك معدومة لخروجها منها والأخر المادة وهي هناك شديدة فينتج من ذلك أن الجوهر الفرد يتحرك إلى جهة المركز ولا يتحرك إلى جهة المحيط.
وإذا سأل سائل لماذا لا تخرج الإلكترونات من جهة المركز؟ أجيب أن الإلكترونات يسهل عليها الخروج في الجهة التي لا يقاومها مقاوم وإذ أنها كثيرة الخروج إلى المحيط من جهة المركز فإلكترونات الجوهر الفرد تجد في جهة المركز مقاومات لا تجدها في جهة المحيط ولذلك كانت الجاذبية أشد كلما كانت المادة أكثر لأن كثرة المادة سبب لخروج الكترونات الجوهر الفرد من جهة المحيط بكثرة.(3/18)
ولنا في الطبيعة أمثلة على ما تقدم فإنك إذا ركبت وعاء خفيفاً قد امتلأ من الماء على عجلات خفيفة وجعلت ماء الوعاء يجري من ثقب في طرفه السفلى تحركت العجلات إلى خلاف جهة انصباب الماء. وكذلك إذا ثورت مدفعاً فإن عجلاته تتحرك إلى خلاف جهة القنبلة ومثلهما الصعادات النارية فإنها تصعد في السماء إلى خلاف جهة الغاز الخارج بقوة من فوهاتها التحتانية وذلك لأن الماء في المثال الأول والغاز في المثالين الأخيرين يجريان فلا يصدمان الجسم في جهة جريانهما وهما يدفعانه في الجهة المقابلة فيتحرك الجسم بهذا الدفع.
16 - تولد العناصر
وعندي أن العناصر إنما تتولد في باطن الأرض وفي باطن كل جرم تحت ضغط شديد من الدفع الذي نسميه بالجاذبية العامة فإن هذا الضغط كهربائية وهي عندما تغور في المادة
ويتكرر غورها على توالي السنين تملأ جواهرها إلكترونات على تفاوت في مقدار هذه الإلكترونات متناسب مع شدة الضغط ودوامه وهذا هو السبب لكون الأجسام في باطن الأرض أثقل منها فوقها فإذا خرجت هذه العناصر بقيت محافظة على ثقلها غير أنها تشع ألكتروناتها على توالي السنين وتخف ولكن لا تظهر هذه الخفة إلا بعد ألوف من السنين وفي بعضها إلا بعد مئات الألوف من السنين. وإذا خف عنصر من العناصر تحول إلى عنصر آخر والراديوم من العناصر السريعة الانحلال بالنسبة إلى كثير من غيرها من العناصر المنحلة ببطيء.
17 - عاقبة الأرض
لقد مر أن بعض العلماء يعتقد أن حرارة الأرض في ازدياد وذلك يؤيد ما نذهب إليه من أن الأرض وبقية السيارات آخذة في النمو فهي سوف تكون شموساً تضيء بذاتها وتشع من نفسها حرارة كما أن الشمس تفعل كذلك وقد أخذت السيارات الكبيرة تحمى أكثر من الصغيرة لأنها قد نمت أكثر منها فهي أقرب إلى الحالة التي تكون فيها شموساً ويرجع ذلك وجود العلماء سطح المشتري سائلاً لشدة حرارته مع أنه أكبر عمراً من الأرض بل ومن عطارد بمئات الملايين من السنين فلو كان منفصلاً عن الشمس لبرد سطحه.
والسيارات كلما زدن نمواً زدن ابتعاداً عن الشمس كما أن شمسنا ابتعدت(3/19)
عن شمس الشموس لوفرة مادتها بكثرة نموها وسبب ابتعادها عند كبرها هو تأثير دفعها الخاص للشمس ودفع الشمس الخاص لها بكهربائيتها كما أن القمر يبتعد الآن عن الأرض بكهربائيتها وقد كان القمر في أوائل أيامه أقرب إلى الأرض فكان فعل الأرض به كثيراً من توليد البراكين وإثارتها.
18 - كيف تنمو السيارات
والسيارات تنمو بما يضاف إليها من الغبار الكوني الساقط عليها ومن الحجارة النيزكية والشهب والرجم ومن تولد المادة في مراكزها بسبب تلاقي القوى الكهربائية ومن زيادة إلكترونات جواهرها بسبب الضغط الشديد الآتي من الأثير عليها.
19 - حرارة الشمس
وإذا بلغت هذه السيارات مبلغ الشمس من العظم أخذت تشع من ذاتها حرارة ونوراً كما تفعل الشمس فإن الغبار الكوني الذي يسقط الآن على الأرض من مسافة تسع مائة ألف ميل وهي حد جاذبية الأرض يسقط حينئذ من ضعفي بعد نبتون فيكسب سرعة هائلة وهذه السرعة تتحول عند المصادمة إلى حرارة والشمس قد كانت في بداءة أمرها جرماً مظلماً فلما نمت على هذه الدرجة التي هي عليها الآن أخذت المادة تسقط عليها من مسافة نبتون فأبعد وأخذ مقدار الساقط عليها يزداد زيادة فاحشة فتحولت هذه السرعة في الساقطات وهذه الكثرة إلى حرارة وافرة ونور ساطع.
وهناك وجه آخر لحرارة الشمس ونورها هو أن الأثير الذي يجري إلى الشمس بسبب حركة مادتها أكثر مما يجري إلى السيارات لكثرة مادة الشمس وقلة مادة السيارات بالنسبة إليها والأثير هو الكهربائية فهو يغور في مادة الشمس لأن المادة لا تتحرك إلا إذا صرفت مقداراً من الأثير فالأثير دائم الجريان إلى المادة طلباً للموازنة ولذلك كانت الأجسام تقع على الأجرام فإن الأثير الذي يجري إليها يجرف في طريقه إليها كل ما يصادفه من المادة وهذا الأثير يتلاقى في مركز الشمس ويملأ جواهر مادية إلكترونات ويرتد بعض ما لا يمكث هناك في صورة الحركة المحورية وبعضه وهو الأكثر يرج إلى المحيط ماراً بالطبقة الغازية اللطيفة وحيث أن هذه الطبقة غير موصل جيد للكهربائية فالأثير يتحول إلى حرارة ونور.(3/20)
وهذا لا ينافي كون قسم من الأثير المرتد عن المركز يتحول في رجوعه إلى المحيط إلى حرارة قبل وصوله إلى الطبقة الغازية فإن المادة تقاوم ارتداد القوة فيتحول بعضها إلى حرارة فيها وكل ذلك منوط بشدة القوة وأذان الأثير قوة وهو لا يجري إلى المادة بكثرة إلا إذا كان مقدارها عظيماً جداً كما في الشمس كان الأثير الجاري إلى مادة السيارات أقل من أن يولد فيها نوراً ذاتياً وحرارة مثل حرارة الشمس غير أن السيارات آخذة بالنمو كما تقدم فالأثير سوف يجري إليها أكثر فأكثر حتى يصل إلى درجة يولد فيها حرارة كافية ونوراً ذاتياً كما يفعل في الشمس.
وما الراديوم في الشمس والأرض وبقية الأجرام إلا مادة قد جرى إليها الأثير وهي في باطن الجرم حتى ملأها إلكترونات فإذا خرجت من باطن الجرم بواسطة بركان ثائر أخذت
الإلكترونات تتطاير منها لقلة الضغط عليها أو أن بعض المواد قد اكتسب ذلك في باطن الجرم فلما خرج إلى وجهه طارت بعض إلكتروناته وتحولت إلى راديوم والراديوم أخذ يتحول إلى رصاص والرصاص نفسه متحول إلى عنصر آخر لم يعرف ما هو بعد.
ولا حاجة بنا أن نعتقد أن حرارة الشمس والأرض من الراديوم بل ما حرارة الراديوم وكذلك كل المواد المشعة إلا الأثير قد مكث فيها عند ما كانت في باطن الأرض فلما صارت على وجهها أخذت تشع منه.
جميل صدقي الزهاوي
زكاة النصح
لاح المشيب ولم تزهد ولم تتب ... إلى م هذا التصابي بابنة العنب
أنستك نشوتها كأس الحمام وكم ... من شاربٍ مات بين الأنس والطرب
قد كفن الشيب منك الوجنتين متى ... تتوب من معصيات اللهو واللعب
أراك تعتب أن نابتك نائبة ... على الزمان وتشكوه من الوصب
ولست تذكر ما قد كنت مقترفاً ... من المآتم في ماضٍ من الحقب
ما نابك الدهر يا هذا بلا سببٍ ... لكل نائبةٍ لا بد من سبب
من يتق الله في كل الأمور يكن ... محصناً آمناً من طارق النوب
ومن يكن بمعاصي الله منهمكاً ... فليرتقب منه يوماً بطشة الغضب(3/21)
فأختر لنفسك إحدى الحالتين ولا ... تعاتب الدهر إذ تختار ذا نصب
والنفس إياك لا تخضع لها أبداً ... فتابع النفس لم يسلم من العطب
فإنها شرك الشيطان بنصبه ... وللشياطين فينا أعظم الأرب
إني نصحتك فاختر ما تشاء وذا ... مني إليك زكاة النصح في رجب
إبراهيم منيب الباجه جي
عصام الدين العمري
-
هو عثمان بن علي مراد بن عثمان العمري الموصلي مولداً الملقب بعصام الدين شاعر مفلق وناظم ثائر مبدع كان له في الأدب نوادر ومجالس ومطارحات ومناظرات ومحاضرات. ولد في سنة 1134هـ - 1721م وقرأ على الشيخ درويش الكردي والعلامة جرجيس الأربيلي وسافر إلى (صوران) وهي قرية في اليمن وقرأ على الشيخ صالح فضل الحيدري وغيره. وعند عودته منها استخدمه الوزير حسين باشا ورحل معه إلى (القصر) و (وان) وولاه بعض البلاد الصغيرة وبقى مكرماً عنده إلى أن عاد إلى مسقط رأسه قبل سنة 1170هـ - 1756م فأستخدمه الوزير محمد أمين باشا وبقى في تلك الوظيفة مقداراً من السنين ثم رحل إلى الأستانة فولى قلم المحاسبة في بغداد ودفتر أراضيها وبقى في تلك الوظيفة أربع سنوات إلى أن ولى الوزارة علي باشا في سنة 1175هـ - 1761م فلم يستقم له الأمر بعدئذ لما حصل بينه وبين الوزير المذكور من المشاغبات فرحل صحبة الوزير السابق محمد أمين باشا إلى الأستانة وبعد مدة كر راجعاً على طريق حلب وعند وروده إياها مدحه الشعراء وبجله الفضلاء ثم بقى في بلدته الحدباء ولم يخرج منها بعد إلى أن توفاه الله إليه وذلك في سنة 1193هـ - 1779م وله من التصانيف كتاب (الروض النضر في تراجم أدباء العصر). وهذا الكتاب جليل القدر مفيد جداً لولا فيه عيب فاضح وهو خلوه من فائدتين عظيمتين وهما تاريخ سني ولادة المترجم ووفاته لأنهما من أهـ م ما يحتاج إليه في وضع التراجم. هذا فضلاً عن أن أغلب أوصاف المترجمين فيه عامة المعنى مبتذلة ربما تقع على عدة فضلاء بدون فرق كبير.
وفي هذا الكتاب تراجم كثيرين من الشعراء الذين يحق لهم أن يعدوا من المشاهير في عصرهم. وفيه شعر فائق رائق ونثر عجيب غريب وقد احتوى(3/22)
على ترجمة 123 فاضلاً من أدباء عصره ويقع في 748 صفحة من القطع الكبير ولم ينح مؤلفه فيه نحو المصنفين من أهل التراجم بل نحا فيه نحو الكتاب من شراح البديعيات؛ لأنه يذكر مثلاً للمترجم أبياتاً ورد فيها بيت قد سبقه إلى معناه شاعر قبله وعند ختام الأبيات يأتي المؤلف بالبيت الذي أخذ منه المترجم المعنى ويأتي أيضاً ببقية الأبيات التي منها البيت المذكور إن كان له
أبيات أخرى. ثم أن كان هذا الشاعر الثاني قد أخذ بيته من شاعر قبله فانه يورد المأخذ وهلم جرا حتى يقف على الأصل وقد يعدد في ذلك الموضوع عشرين شاعراً وقد أخذ المعنى بعضهم من البعض الآخر وهذا أكبر دليل على سعة إطلاع المؤلف ووقوفه التام على أشعار الجاهليين والمخضرمين والمولدين والمحدثين والمتأخرين.
فكتابه إذاً مجموعة أدب توقفك على سرقات الشعراء المتقدمين منهم والمتأخرين. لا كتاب تراجم وأحوال رجال كما ستقف عليه بعد أسطر من قول المؤلف نفسه. وهو خط لم يطبع حتى اليوم ولم يتصد أحد لطبعه لخلوه من تاريخ سني الولادة والوفاة كما مر بك ومنه نسخة في المدرسة المرجانية في بغداد ونسخة ثانية كتبت عليها وهي في دبر الآباء الكرمليين في بغداد وعندنا منها نسخة ثالثة فيها الربع الأول فقط.
قال المؤلف في ديباجة كتابه المذكور: (. . . أنى منذ رتعت، وعلمت نفسي وبرعت. . . إلى أن صرت في مدائن الأدب هادياً مهدياً. . . وأنظم فيه عقدا جماناً، وأستخرج من قعر بحاره لؤلؤاً ومرجاناً. . . ومضت على ذلك الأيام وانقطع عني ذلك الشوق اللهام، لعوائق حدثت وحوادث عاقت. . . اعتزلت عنها حيناً من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا. . . وقد كنت ادخرت لمثل هذا اليوم من نفائس المكنون والمدخر. . . من مسودات مناظرات ورسائل، ومحاورات ومفاخرات ووسائل، شاملة لتلك الفوائد نفيسة بتلك الخرائد. . . ولما غلب عليهم الوهم وظن بي. . . أنى قد رفضت الأدب، وتنحيت عن سنة فصحاء العرب، أحببت أن انسج تلك الأوراق، وأضم أصول تلك الأعراق. وأرتبها ترتيباً يحسن بها الجمع. مضيفاً إليها ترجمة المعاصرين، الذين هم لعناقيد كروم الأدب عاصرين. . . وقد حذوت فيها حذو الريحانة وصاحب القلائد. . . وسميتها (الروض النضر، في ترجمة أدباء العصر.) وقد خدمت بها الساحة العليا، والدوحة العظمى. . . المشير الأكرم والدستور الأعظم. . . أحد رجال هذا(3/23)
الكتاب الصدر الأعظم محمد راغب.)
ثم قال: (ومن البيوت العامرة في بلدتنا الحدباء بيتا العمرية. . . أما الجد المشهور، ذو الفضل المأثور، الحاج قاسم ونجله علي، ففضلهم (كذا) معروف وجدهم (كذا) علي، وعمر وأبو بكر، ويحيى وفتح الله وأحمد ففضلهم لا ينكر،. . . وأما الجد القريب مراد. . . فهو البحر الزاخر. . . إمام فن العربية وترجمان لسانها. . . أحيا أموات العلوم، وعمر ربيع
المنثور والمنظوم،. . . فتحقيقاته كثيرة حقيقة. . . وتعاليقه رائقة وتصانيفه فائقة. . . ومما أخبرني الوالد عن أبيه هذا الكريم قال كان في علوم العربية فريد الزمن. . . أمة في الحديث وعلامة في التفسير. . . وتعليقاته على المشارق نعم الأثر. . .) أهـ
وقد أثبت له من نظمه قصيدة عدد أبياتها 21 بيتاً مطلعها:
بح بالغرام فما عليك ملام ... إن التستر في الغرام حرام
ثم قال: (نجله الوالد علي. . . نشأ الشرف والإفتاء. . . شرح الفقه الأكبر في مذهب الإمام الأعظم. . . وله من جملة الآثار شرح الآثار. . . هذا وكان حفه الله بغفراته ميالاً لأدب وأربابه. . . فتفسير القاضي أنيسه، والكشاف جليسه. وسعدي في لسانه، والبخارى من حملة بيانه. ثم بعد ذلك يتفكه بنوادر الأدب، ودواوين دهاة العرب، وبعض أشعار البلغاء، وطبقات الأدباء، كالتحفة والإطباق، والمفاكهة والأطواق. وتنتثر الرجال كأقمار ليال ويبقى وحده، وليس غيري عنده، وأنا إذ ذاك في العشرة الأولى وهو في العشرة الثامنة. . .) انتهى قول المؤلف.
وقد أثبت له من نظمه قصيدة يمدح بها شيخ الإسلام فيض الله عدد أبياتها 30 بيتاً مطلعها:
خذ تورد بارتشاف الاكؤس ... فرنت لواحظه بطرفٍ انعس
وقال في كتابه المذكور في ترجمة عمه عبد الباقي: (وفي سنة 1164هـ - 1750م اتفق لي سفرة إلى بلاد الروم وامتدت الغربة إلى أربع سنين وأيام،. . . وخلال الأنس والانتظام، صادفت ما أزعجني، وإلى حب الوطن هيجني، فأنشأت قصيدة. . .) أهـ
أما القصيدة فهي طويلة ومطلعها
ما فاح نشر صبا تلك المعالم لي ... إلا واذريت دمع العين في وجل(3/24)
ومنها:
فاصبر على المركى تلقى حلاوته ... فإن نيل العلى قسم من الأزل
وكن إذاً هدفاً في كل حادثة ... (فربما صحت الأجسام بالعلل)
وأشدد لها عزم صبر غير مضطرب ... واسلك لنيل مناها أصعب السبل
وأنهض لنيل العلى وأركب لها خطراً ... ولا تكن قانعا في مصة الوشل
وكن أبينا نبيها غير مكترث ... بحادث الدهر واسمع صحة المثل
إذا اعترك عناء الضيم في بلد ... فانهض إلى غيره في الأرض وانتقل
وكن عن الخلق مهما اسطعت مجتنبا ... فإن قربهم ضرب من الشلل الخ
ومن شعره المثبت في كتابه المذكور آنفاً، قوله مشطراً:
(ورب حمامة بالدوح باتت) ... بهمٍ زائدٍ ومزيد حزن
على بعد الديار وفقد ألفٍ ... (تعيد النوح فناً بعد فن)
(أقاسمها الهموم إذا اجتمعنا) ... فتأخذ أكثر الأشواق عني
فأشكوها وتشكو لي زمانا ... (فمنها النوح والعبرات مني)
وقال يصف الروض وهي من كتابه المذكور أيضاً:
نسمة الروض ضوعتها الأزاهر ... وذكت أطيب العبير المجامر
خففت راية الغصون فدقت ... زمر الريح في فؤاد البشائر
وعلمتها بلابل الأنس لما ... شق جيب الشقيق صوت المزامر
ما ترى الروض قد تكلل حسنا ... قم وقلنا من نار حر الهواجر
وتنبه لرقة العيش واغنم ... فرصة الوقت فالزمان مسافر
بين روضٍ ونرجسٍ وقاحٍ ... وبدور وأنجم ودياجر
وله مجموعة شعر قد جمعت الغث والسمين من شعره وله مراسلات نثرية وشعرية قد عقد لها فصلاً في آخر كتابه الروض النضر وغير ذلك مما يطول شرحه وبهذا القدر كفاية.
كاظم الدجيلي
رحلة إلى شفاثا
وقصر الأخيضر وأحمد ابن هاشم
-
1 - تمهيد
لما نشرنا في المجلد الثاني من لغة العرب صفحة 45 رأى شيخنا وأستاذنا(3/25)
العلامة السيد محمود شكري أفند ي الآلوسي في قصر الأخيضر وأنه محرف الاكيدر وأقوال وأراء العلماء الذين زاروه أحببنا الوقوف على هذا القصر بنفسنا لنشاهد ما فيه من البناء ولما توقفنا لزيارته في رحلتنا إلى عربسات وجدنا مجالاً لأن نقول كليمات نزيد البحث فائدة وها نحن أولاً نثبت جميع ما شاهدناه وسمعناه من أقوال وأراء الشيوخ والمعمرين في تلك الأطراف فنقول:
2 - من كربلاء إلى شفاثا
ركبنا من كربلاء في صباح يوم الجمعة 19 من شهر ربيع الثاني 1331هـ الموافق 28 آذار سنة 1913م - وخرجنا من أحد أبواب كربلاء المعروف عندهم بباب الحر وسرنا متوجهين إلى الشمال الغربي قاصدين شفاثا وبعد مسير 3 ساعات مررنا بهور (أبي(3/26)
دبس) وكان عن يميننا على بعد 150 متراً وهو عبارة عن بحرة في منخفض من الأرض يبلغ انخفاضه 5 أمتار تقريباً ويصب فيها (نهر الحسينية) بقية مياهه ويبلغ محيطها نحو نصف ساعة وماؤها ملح وفي شماليها تقع (الرزازة) على بعد ساعة منها ثم سرنا في منهبط من الأرض ذي رمال كثيرة ليس فيه أثر طريق ولولا الدليل لما قدرنا على السلوك فيه - وكم سالك تاه ثمة ولم يوقف على أثرة حتى اليوم - وبعد مسافة ساعتين رأينا عن يسار الطريق على بعد 20 دقيقة تلولاً وأودية في وعر من الأرض وهو موضع يسمى عندهم (رأس دخنة) وهو منتصف الطريق بين شفاثا وكربلاء. وفي جنوبي رأس دخنة على بعد نصف ساعة يمر (وادي الأبيض) (وبالتصغير وتشديد الياء) وهو الذي سماه الأعراب النازلون قرب عربسات (وادي النعمان) ثم سرنا وبعد مسافة ساعة ونصف نزلنا للاستراحة والغداء عند قبر في أركانه الأربعة سعفات مركوزة يعرف عندهم باسم (قبر ابن
حمور) وهو من أهل شفاثا ومن اجوادهم المعروفين بالجود والكرم وقد قتل قبل 25 سنة ودفن هناك فقبره اليوم علم يعرف وهو منزل ركب كربلاء إلى شفاثا ويقابل قبر ابن حمور (رأس الملح) والملح هناك في بحرة كبيرة واسعة يبلغ محيطها للماشي على ما ينقل يومين. وملح أهل كربلاء وبغداد وما في غربي بغداد منها وملحها جيد ناصع اللون ذره اني.
ثم سرنا وبعد مسافة ربع ساعة قربنا عن يميننا من طريق شاطئ الملح المذكور وكان على بعد نحو 100 متر منا. وبعد مسافة ساعة رأينا عن يسار الطريق على بعد ربع ساعة إلى الغرب نخلات في البرية حولها عين تسمى(3/27)
(العوينة) ثم على بعد ساعة دخلنا نخل شفاثا وما زلنا سائرين مقدار ساعة بين تلك النخيل الباسقة والأشجار العظيمة ذات الثمار اليانعة والمروج الخضراء النضرة والمياه النميرة الغزيرة التي خريرها يطرب السامعين حتى وردنا شفاثا (التي يسميها العوام شثاثة) بل قل: وردنا قصراً من قصور شفاثا اسمه (قصر العين أو العين الكبيرة) وعندها سوق أهل شفاثا ونزلنا ضيوفاً على الحاج شريف وهو أحد أجواد أهل شفاثا لأن أهل شفاثا يأنفون من بيع الخبز والتمر وما أشبه مما يؤكل وليس للغريب عندهم مأوى سوى المضيف (أي محل الضيافة) وإلا هلك جوعاً وكل أهل شفاثا شيعة وليس بين ظهرانيهم سني سوى المدير والقاضي وما أشبههما من أرباب الحكومة ومن كرم طباعهم أنهم يقبلون النصراني واليهودي ضيفاً على أنهم يعتقدون نجاستهما ولا تسل عما يقاسمونه من المشقة حينما يحل ضيفاً فيهم غير المسلم؛ بين أنهم لا يعرفونه أنهم يتنجسون منه وذلك منهم في منتهى الأدب والظرف. وفي شفاثا عيون كثيرة منها ماؤها جارٍ ومقدارها 30 عيناً ومنها ماؤها راكد وتبلغ 100 عين أما أسماء العيون الجواري التي هي في داخل شفاثا نفسها فهي: الأولى (العين الكبيرة) وهي أكبر عيون شفاثا ويبلغ محيطها زهاء 50 متراً ولا يدرك غورها والثانية (العين الحمراء) وحولها عين صغيرة تسمى (عين مريزة) والثالثة (عين السيب) والرابعة عين (أم التين) والخامسة (العين الجديدة) وجميع مياه هذه العيون الجواري يذهب ضياعاً بدون أن يستفاد منه واحد بالمائة.
وماء شفاثا معدني كبريتي لا يروي الغليل إلا قليلاً إذ يعطش شاربه بعد(3/28)
5 دقائق وإذا أكثر من شربه في الصيف أنهك قواه وقويت فيه جراثيم الحمى المطبقة فظهرت فيه بعد قليل
ولا ينحسم داؤها منه إلا بعد مدة طويلة.
أما العيون التي حول شفاثا فهذه أسماء بعضها (عين الصحيفة) عين (أم الغر) عين (البركة) عين (أم الغويل) عين (أبو صخر) بالتحريك.
وفي نفس شفاثا 15 قصراً (والقصر عندهم المحلة التي يرأسها رجل من أهلها راجع لغة العرب 2: 541) وهذه أسماؤها وأسماء رؤسائها الحاليين: قصر العين (أي العين الكبيرة) ورئيسه الشيخ محسن العباس، قصر البوهوي ورئيسه الملا حسين، قصر ثامر ورئيسه حمزة الرميد، قصر أم رميلة ورئيسه السيد حسن، قصر الجنون ورئيسه خضر العبلي، قصر البو حسان (بتشديد السين وهو أحسن القصور) ورئيسه عباس الملا، قصر البو حسان أيضاً ورئيسه عبد العلي العزيزة، قصر اسالي ورئيسه الحاج فرحان، قصر الدرواشة ورئيسه حسين العبد، قصر البو جربوع ورئيسه صديان، قصر البو طريمش ورئيسه متعب الشامخ، قصر الخرائب ورئيسه عباس السليمان، قصر السمينة ورئيسه مشعل الفاضل، قصر الحساويين ورئيسه الحاج فيصل، قصر المالح ورئيسه عبد الله العاشور، قصر البوحردان (وزان عدنان) ورئيسه كلوب.(3/29)
أما بناء دور شفاثا فجلها إن لم نقل كلها باللبن والطين لا غير ومسقفة بجذوع النخل ومغماة السطوح (أي مفروش على سطوحها الطين) وفي شفاثا سوق واحد صغيرة يباع فيها الحنطة والشعير والتمن (أي الأرز) والتمر والثياب (أي الأقمشة) على اختلاف أنواعها.
وقد أخبرني مدير شفاثا الحالي الحاج سليم أفندي رواية عن المعمرين من أعراب تلك الجهة أن شفاثا لم تكن قبل مائة سنة تقريباً سوى بربة فيها بعض النخيلات لا ساكن فيها غير أن البدو الرحل كانوا ينزلونها أحياناً وكانت مساكن أهل شفاثا إذ ذاك في عين التمر. ولما نضب ماء عين التمر وجرى ماء شفاثا الكبيرة رحل أهل شفاثا عن عين التمر ونزلوا حول عين شفاثا الكبيرة وبنوا دورهم الحالية وأخذوا يغرسون النخيل منذ ذلك الحين وكانت العين في أول أمرها صغيرة ثم توسعت مع الزمان حتى بلغت مبلغها اليوم.
أما اليوم ففيها من النخل المثمر (الحمال) مقدار 500 ألف نخلة (رأس) ويبلغ مسافة نخلها نحو خمس ساعات والنخلة مغروسة بجنب أختها لصقاً وفي الطرف الشمالي من شفاثا بين النخيل (قصر شمعون) وهو قصر قديم البناء قد تهدم أكثره راجع وصفه في المجلد 2:
540 من لغة العرب.
ولا يزال قوت أهل شفاثا التمر والدبس لأنهم لا يتعاطون مهنة غير مهنة غرس النخل حتى أنهم قبل عامين أخذوا يزرعون الحنطة، والشعير، وألقت (الجت) والخيار والبانجان، والباميا أو البانيا، والطماطة أو الباندوري. وما يجري مجراها من أنواع الخضر. وكذلك أخذوا يغرسون في بساتينهم شجر التين، والخوخ، والمشمش، والتوت (لنكي) والبرتقال، والليمون (النومي) وأهل كربلاء من العجم يسمونه الليمو بكسر اللام) والعنب والرمان وما أشبه.
وأهل شفاثا يكثرون من شرب الشاي الترياق (أي الأفيون) وترى في وجوههم صفرة تمازجها سمرة وأكثرهم قضيفو الأبدان ولهم عادات وأخلاق أخرى لا يسع المقام شرحها.
3 - من شفاثا إلى الأخيضر
وفي صباح يوم السبت الساعة 2و20 دقيقة عربية ركبنا من شفاثا قاصدين الأخيضر وكان(3/30)
وجهنا إلى الجنوب وقد ركب معنا مقدار 10 فرسان من أهل شفاثا وخمسة من الجند العثماني لأن الطريق مخوفة جداً لكثرة ما يوجد فيها من غزاة البادية وأكثر أولئك الغزاة من عشائر عنزة لا غير وقد يتفق أن يكمنوا لزوار الأخيضر في الأخيضر نفسه فيمسكوهم بأيديهم ويأخذوا جميع ما عندهم وما عليهم ويتركوهم عراة مجردين مكبين لليدين وللفم.
ثم مشينا بين النخيل والأشجار والأرياف مسافة عشرين دقيقة وخرجنا إلى البر المقفر القاحل الذي ليس فيه سوى الروابي والتلول والأودية وفي فصل الأمطار يفرش الربيع أزهاره وأوراده على هذه الطريق فتغدو بساطاً موشىً وشته أصابع الطبيعة البديعة - أما نحن فلم نشاهد فيها سوى الزهر المعروف بشقائق النعمان ويسميه أهل العراق (شجيرة النعمان) والبدو الرحل وأهل الشرقية (ديدحان) ومنه قول شاعرهم الملا ياسين من أبيات يصف فيها معشوقته: (يا ديدحانه أبراس وديان).
وبعد مسافة 20 دقيقة مررنا بعين تسمى (عين الصفيحة) وعندها قصر ينسب إليها وهي واقفة في غربي قصر شفاثا. وبعد مسافة 20 دقيقة رأينا عن يسار الطريق على بعد 300 متر منا تلاً كبيراً مستطيلاً يبلغ طوله زهاء 100 متر وعرضه قراب 40 متراً وارتفاعه نحو 6 أمتار يسمى (آبجة أي آبقة) وبعد مسافة ساعة مررنا (بالقصير) (تصغير قصر)
وهو عبارة عن بناء مستطيل قد تهدم جانب منه والباقي منه يبلغ طوله نحو 15 متراً في عرض 3 أمتار في ارتفاع 6 أمتار وبناؤه بالحجارة التي بنى بها قصر شمعون والبرد ويل والخراب والأخيضر. وهو على مرتفع من الأرض وفي أسفله وادٍ ينسب إليه وحوله(3/31)
كثير من التلول والأودية.
ثم جاوزناه وبعد مسافة ساعة وردنا الأخيضر وقبل ورودنا القصر على بعد 10 دقائق تقريباً رأينا رعاة يردون ركايا واقلبة هناك وعندما شاهدونا أطلقوا علينا رصاصة ظانين أننا أعداء فأشار إليهم أحد أصحابنا عباءته وتلك إشارة الصديق فعلموا أننا لا نريد الإساءة إليهم فانصرفوا عن القصر وتوجهوا ذاهبين إلى الشرق ثم وردنا القصر قبيل الزوال ببضع دقائق.
4 - وصف قصر الأخيضر نفسه وما حوله
دخلنا قصر الأخيضر فوجدناه ثلاثة قصور الواحد بجنب الآخر ولكل قصر منها بهو كبير ويحيط بتلك القصور الثلاثة سور عظيم مربع الأركان في كل جانب منه باب يعلو القامة بقليل و11 برجاً يبلغ محيط قطر كل برج منها زهاء 6 أمتار و60 سنتيمتراً وفي كل ركن من أركانه الأربعة برج كبير أيضاً يبلغ محيط قطره قراب 13 متراً وطول كل جانب مقدار 160 متراً وارتفاعه نحو 15 متراً أما بناؤه فبسيط جداً ليس فيه من فن التزويق ما يروق الأنظار وبناؤه بالحجارة الجبلية التي هي أشبه شيء بحجارة الجص إلا أنها صلبة جداً لم تؤثر فيها عوامل الدهر وقد وضع الرازة بين تلك الحجارة وفي بعض المواطن الطين. وهو ذو ثلاث طبقات بين الطبقة والطبقة نحو 3 أمتار ونصف متر. أما الطبقة الثالثة فقد تهدم أكثرها وكذلك قسم من الطبقة الثانية ولم يبق منها قسم ذو ثلاث طبقات سوى الجهة الشرقية من القصر وهي التي أخبرتنا أن القصر كان ذو ثلاث طبقات. أما السور فقد تهدم منه أعلى الجانب الغربي والجنوبي والشمالي وأكثره من الجانب الشمالي وأبوابه الثلاثة مردومة إلا الرابع وهو الباب الشمالي الذي منه إلى القصر فهو مفتوح وأمام القصر الشمالي على بعد 50 متراً منه بناء معقود مستطيل كالازج فيه(3/32)
حجرات يبلغ طوله نحو 20 متراً وبقربه إلى الشرق أثر ساقية تأتي من الغرب قد فرش عقيقها بالحجر وعقد جانباها به أيضاً. وفي شرقي القصر أيضاً على بعد 100 مترٍ تقريباً
بناء تهدم أكثره يزعم الأعراب القاطنون هناك على رواية أجدادهم السالفين أنه كان في القديم حمام القصر وفي شمالي القصر على بعد 500 متر تقريباً واد يسميه الأعراب من أهل تلك الجهات (شعيب الأبيض) والبعض منهم يسميه (وادي الأبيض) وهو الوادي الذي يمر بجنوبي (عريسات) (ورأس دخنة) (وزان ظلمة) كما أسلفنا ويبلغ عرضه قراب 20 متراً وفيه تجتمع مياه الأمطار عند انهمارها وقد نقل لنا أعراب تلك الجهات أن هذا الوادي يكون في أيام الربيع مجمعاً لصنوف الأوراد والأزهار فكأنه مفروش بفراش من الزهر ويروى إنه يمتد إلى الشام أو دونها بقليل. وفي وسطه وجانبيه حفائر قريبة القعر نزوعة غروفة يسميها أعراب تلك الجهات (قلبان) وأحدها قليب (ولكنهم إذا أفردوا لفظوا القاف جيماً وإذا جمعوا لفظوه كافاً فارسية) وماء تلك الحفر نمير عذب. وقرب شعيب الأبيض إلى الشمال الغربي منه وادٍ إذا حفرت في وسطه عمق ذراع أو أقل من ذلك أمهت ماء سلسبيلا.
وفي شرقي قصر الأخيضر على بعد ساعة تقريباً عين تسمى (العين الخضرة) وفي شرقيها على بعد 4 ساعات تقريباً منارة في البرية كالبرج أو كالميل ملساء ليس فيها طريق إلى الصعود إلى أعلاها يسميها الأعراب (موجدة) يبلغ طولها نحو 8 أمتار وقد أخبرني فهد بك أحد شيوخ عنزة أنها واقعة في غربي العطشان على بعد 7 ساعات منه والأخيضر واقع في غربي كربلاء(3/33)
على بعد 5 ساعات ونصف.
5 - وصف داخل قصر الأخيضر
إذا دخلت من الباب الذي هو تجاه الشمال تفضي بعد مسافة 20 متراً تقريباً إلى إيوان معقود بالطاباق المشوي عقداً مقوساً وبناؤه أشبه ببناء الإيوان الموجود في (قصر الخليفة أو دار الخليفة) في سامرا بل قل كأنه هو. وهو عامر لم يتهدم منه شيء يبلغ ارتفاعه عن الأرض نحو 10 أمتار في عرض 8 أمتار من الأسفل ونظن أن بناء هذا الإيوان بعد قصر الأخيضر بقرن أو قرنين أو أكثر من ذلك لأن ليس فيه ما يشابهه قطعاً.
وفي الطبقة السفلى من القصر كثير من الأزاج المعقودة عقداً مقوساً يبلغ طول كل منها زهاء 20 متراً في عرض 4 أمتار في ارتفاع 6 أمتار وفيه كثير من السراديب والدياميس والبيوت والغرف والعلالي والصفف والأسراب وكلها معقودة عقداً وقد دخلنا في سرداب
قريب من باب القصر واقع في جهة اليمين عند الدخول ولما مشينا فيه مقدار 20 متراً سمعنا دوياً أشبه شيء بدوي المياه العظيمة التي تنصب من شاهق وقد سألنا الأعراب عن ذلك فقالوا نسمع مثله في أسفل سور القصر من البر أيضاً وقد حفرنا مرات عديدة فلم نجد شيئاً من ذلك والله أعلم.
وكل جدران القصر سواء جدران الغرف أو غيرها مطلية بالجص وفي ساحة البهو الذي هو عند الجانب الغربي من السور بئر فيها ماء وحولها بعض تالات مغروسة وهي ليست قديمة وقد حفرها رجل من عنزة اسمه علي لأنه أراد عمارة هذا القصر وقد سكن فيه مدة فيه فلم ينجح في مسعاه ثم تركه.
ولم نشاهد في القصر أثر كتابة أو علامة تدلنا على بانيه الأول أو عمن سكنه في القديم غير أن لنا رأياً فيه نبديه:
ليس قصر الأخيضر هو قصر الأكيدر الكندي والذي قاله ياقوت في معجمه في مادة: دومة الجندل لا ينطبق على الأخيضر. بل ينطبق كل الانطباق على قصر الخراب الواقع في شرقي عين التمر (المعروفة عند أهل شفاثا اليوم برأس العين) على بعد نصف ساعة منه وطرز بناء هذا القصر كطرز بناء الأخيضر غير أنه خراب فكأن الباني واحد بل ربما يكبر قصر الأخيضر بقليل وإليك ما قاله ياقوت في معجمه: (أن النبي (صلى الله عليه وسلم) صالح أكيدر(3/34)
على دومة وأمنه وقرر عليه وعلى أهله الجزية وكان نصرانياً. فأسلم أخوه حريث فأقره النبي (صلى الله عليه وسلم) على ما في يده ونقض أكيدر الصلح بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) فأجلاه عمر (رضه) من دومة مع من أجلى من مخالفي دين الإسلام إلى الحيرة فنزل في موضع منها قرب عين التمر وبنى به منازل وسماها (دومة) وقيل (دوماء) باسم حصته بوادي القرى فهو قائم يعرف إلا أنه خراب) أهـ. والذي يؤيد رأينا أن قصر الخراب هو قصر الأكيدر نفسه قول ياقوت (قائم يعرف إلا أنه خراب) وهذا الاسم باق عليه إلى اليوم لا يعرف بغيره وقول ياقوت أيضاً (وبنى به منازل) وحول قصر الخراب كثير من الأنقاض والتلول ذات الآثار القديمة بخلاف قصر الأخيضر فليس حوله من ذلك شيء البتة وأقوى من ذلك قوله (قرب عين التمر) وقد علمت كما سلف أن بين قصر الخراب وعين التمر مسافة نصف ساعة وبين عين التمر وقصر الأخيضر مسافة تزيد على 6 ساعات ونصف فهل
يشك أحد بعد هذا في أن ياقوت يريد بقوله هذا قصر الخراب لا قصر الأخيضر فإذا عرفنا أن قصر الأكيدر هو قصر الخراب بعينه، فلا بد لنا أن نعرف قصر الأخيضر لمن كان في القديم ومن بناه وهذا أمر يحتاج إلى أدلة قوية لعلنا نأتي بها في وقت آخر. وبعد الزوال بساعتين ونصف ساعة ركبنا من قصر الأخيضر ورجعنا إلى شفاثا فوردناها قبل غروب الشمس بنصف ساعة تقريباً.
6 - من شفاثا إلى أحمد ابن هاشم
وفي صباح الأحد خرجنا من شفاثا قاصدين أحمد ابن هاشم ووجهنا إلى الغرب وبعد مسافة 25 دقيقة مررنا بعين عن يمين الطريق تسمى (أم الغر) وقد مر ذكرها وبعد مسافة 5 دقائق عن يسار الطريق عين تسمى (عين البركة) (وقد سلف ذكرها) وبعد مسافة عشر دقائق عن يسار الطريق على بعد 30 متراً منه عين تسمى (أم الغويل) وبعد مسافة 20 دقيقة عن يسار الطريق أيضاً على بعد نصف ساعة منه تلول متقطعة مستطيلة من الحجر والتراب تسمى (البوب) وهي على طريق الرحالية وفي شماليها على بعد ساعة منها الملح.
وبعد مسافة 25 دقيقة مررنا بتل واقع عن يمين الطريق على بعد 100(3/35)
متر منه يسمى (المحيريجة) وفي شمالها على بعد300 متر منه تقريباً (البوب) وهي غير البوب الأولى ولكنها مثلها وبعد مسافة 10 دقائق عن يمين الطريق على بعد 20 متراً منه عين تسمى (عين أبو صخر) بالتحريك وبعد مسافة نصف ساعة عارضتنا تلول تسمى (العقيد) ومن هناك إلى (قصر البردويل) نحو 25 دقيقة وذلك عن يمين الطريق وبعد مسافة تقرب من الساعة عبرنا نهر عين التمر القديم وهو نهر يكاد يساوي الأرض وحوله عين ماء صغيرة وبعد مسافة 10 دقائق وردنا أحمد ابن هاشم فكانت المسافة بين شفاثا وأحمد قرب 3 ساعات. وفي غربي أحمد ابن هاشم على بعد ساعة عين تسمى (عين السداح) وعندها قصر ينسب إليها ودونها مما يلي أحمد ابن هاشم تلول كثيرة تسمى (كسرونية) وفي جنوبي أحمد ابن هاشم تل كبير يسميه الأعراب (كهفاً) وفيه بيوت حديثة العمارة شبيهة بالصفف بناها أهل شفاثا يأوون إليها في أيام زيارة أحمد ابن هاشم. هذا ما شاهدناه في طريق أحمد ابن هاشم من الآثار وهناك دوارس أخرى قد سبق وصفها مع وصف قبر أحمد ابن هاشم فلا حاجة بنا إلى إعادتها.
نظرة في الاحساء
-
الحساء جمع حسى بالفتح ويكسر؛ سهل من الأرض يستنقع فيه الماء أو غلظ فوقه رمل يجمع ماء المطر وكلما نزحت دلواً جمت أخرى. فتحفر العرب الرمل وتستخرج الماء. والحساء في البوادي كثيرة. منها هذه الاحساء القريبة(3/36)
من البحرين وقد مصرت وهي على مرحلتين من القطيف إلى الجنوب الغربي. وكان أول من عمرها وحصنها وجعلها قصبة بلاد هجر أبو طاهر القرمطي الشهير في التاريخ. لأن تلك الأنحاء كانت بيده وهي الآن قصبة البلاد المذكورة وربما أطلق عليها كلها اسم الاحساء.
وإذا أطلقت طائر بصرك على تلك الأرجاء التي تجاورها ترى فيها مواقع ومواضع كثيرة الأنقاض والأطلال والرسوم المندرسة تدلنا على أنها كانت في سابق الزمن مقاماً لطائفة من المجوس عبدة النار وذلك قبل ألفي سنة من التاريخ الحالي هذا فضلاً عن أن التاريخ يؤيد هذه الحقيقة تأييداً لا ريب فيه. ولما ظهرت النصرانية كان أهل تلك الديار أول من دان بها. وكذلك قل عن ظهور الإسلام. قال في سالنامة البصرة سنة 1308هـ: وهي أول من أسلم أهلها من قطعات جزيرة العرب. وقال - صلى الله عليه وسلم - (هم وفد عبد القيس) (مرحباً بالوفد لا خزيا ولا نادمين) وهي أيضاً أول قطعة أقيمت فيها صلاة الجمعة بعد المدينة المنورة على ما ذكر أهل السير والتواريخ (ص 174). أهـ
ثم أنها لم تزل بعد فتوح الإسلام بأيدي عمال عمان والبحرين إلى القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) فظهر القرامطة فاستولوا عليها ثم أخذت منهم بعد حين فتداولتها أيدي عمال الولايات المذكورة. ثم استولى عليها بنو زملك زماناً غير يسير. ثم تلقفتها أيدي العربان والمشايخ تارة يستقلون بها وطوراً يلحقونها بأملاكهم حتى ظهور الدولة العثمانية. وفي سنة 926هـ (1520م) في عهد السلطان سليم خان الأول حينما كان سنان باشا والياً على اليمن كانت الاحساء وما جاورها من الديار تحت إدارة الدولة العثمانية وكانت داخلة في الولاية اليمانية. وفي سنة 964هـ (1557م) استقلت إدارتها تحت ولاية محمد باشا. ثم لما ظهرت الوهابية وكانت الدولة يومئذ في شغل شاغل عنها لكثرة ما كانت تأتيه من المحاربات والوقائع مع أعدائها أحتل الوهابيون تلك الأصقاع وامتلكوها عنوة.
ولما بلغ الدولة العلية خبر احتلالها أرسلت عساكر من بغداد ومن المنتفق ليزحفوا على الوهابيين الموجودين في الرياض وكذلك أيضاً استنفرت المصريين فاندفعوا عليهم كالسيل الجارف إلا أن بعد المسافة وقلة المياه وصعوبة ثقل المؤونة والذخيرة(3/37)
اللازمة لهذا الجيش اللهام أوجبت ترك تلك الديار بعد وقائع عديدة ومهاوشات جمة. واجتزأت الدولة بوضع قيم مقام يرأس تلك الأرجاء وله اليد العليا على زعماء قبائلها.
وفي سنة 1287هـ (1870م) ثار النجديون ثورة عظيمة فوقع الشقاق بين آل سعود فراجعوا مجلس ولاية بغداد وكان حاكمها يومئذ مدحت باشا ثم أمر فانشأ لجنة متفومة من أماثل بغداد والبصرة فسار هذا الجمع العظيم حتى وصل القطيف ففتحها الجند بدون ممانعة. ثم فتحوا الاحساء بعد حصار قليل المدة وعقبها فتح سائر المواضع والأمكنة وأخذ العلم العثماني يخفق بسرور على الخطة كلها جمعاء. وأطلق عليها اسم لواء نجد تغليباً أو تفاؤلاً بفتحها كلها إذ نجد هي من أوسع بلاد العرب ولا تكون الاحساء بالنسبة إليها إلا شيئاً زهيداً.
وممن كان له الفضل العظيم في هذه الفتوحات مشايخ الكويت وأهاليها إذ ساعدوا المنتمين إلى الدولة أعظم المساعدة. فإن مبارك الصباح الشيخ الحالي قاد بنفسه جيشاً عرمرماً من أهـ إلى الكويت وعشائرها وزحف على الاحساء من طريق البر. وأما الشيخ عبد الله الصباح المتوفى اليوم فإنه رافق القائد العثماني بحراً. وعلى هذا الوجه جاءهم النصر المبين. على أن الأعراب لم يدعوا أبناء الدولة العثمانية في راحة وطمأنينة فإنهم هاجموهم مراراً عديدة وأذاقوهم الأمرين وحاصروهم وضيقوا عليهم من كل جانب ونهبوا أموالهم وقتلوا جماً غفيراً من العساكر في الطريق الواقع بين الميناء والمدينة.
وفي سنة 1293هـ. (1876م) ثار هذا اللواء ثورة أخرى فأنفذ رديف باشا والي بغداد يومئذ ناصر باشا السعدون شيخ المنتفق الأكبر سابقاً ليقوم أود هؤلاء الأعراب فركب البحر ناصر باشا ومعه الشيخ بزيع العرير ابن حاكم الاحساء سابقاً زاحفين بجيش جرار على الثائرين بينما كان مزيد السعدون ابن ناصر باشا المذكور يسير نحوهم وهو يقود 10 آلاف فارس من المنتفق ومعهم ألف بعير يحمل المؤونة والذخيرة. فتلاقى الجمعان عند أبواب الاحساء(3/38)
هفهوف، فهاجم المنتفق الأعداء الثائرين وأنقذوا الحامية العثمانية التي كان
الأهلون قد اسروها. وبعد أن أطفئوا جذوة النار المتقدة أتم الإطفاء رجعوا إلى الناصرية بعد أن قاموا هناك الشيخ بزيع العرير متصرفاً للواء نجد. - وما كادت بضعة أشهر تمضي إلا ونشبت نار الفتنة من جديد لأن أعراب الاحساء وما جاورها أرادوا أن ينتقموا مما لحقهم من الانكسار إذ خضد شوكتهم جند الحكومة وأعراب المنتفق فزحف ناصر باشا من جديد ومعه ابنه مزيد فتم لهما مرة ثانية الاستيلاء على الاحساء ونكلوا بالأهالي أشد التنكيل فكان ذلك مدعاة لسكوتهم مدة سنين طويلة.
ولما فل غرار الشيخ بزيع العريعر عين مزيد السعدون ابن ناصر باشا متصرفاً للواء بدلاً من السابق ذكره. وفي سنة 1302هـ. (1884م) كان مزيد في ذلك اللواء لما فصلت البصرة عن ولاية بغداد وعقد بها لواء نجد فأصبحت ولاية البصرة مستقلة عن أمها بغداد وعين والياً لها ناصر باشا. وكان قد رقى في عودته الأولى من زحفة الاحساء سنة 1868م رتبة ميرميران لأنه اظهر في تلك الأثناء من الإباء وعظم النفس ما لا مثيل له إلا في سابق العهد إذ إن الباب العالي أهـ داه عشرة آلاف ليرة (أي 230. 000 فرنك) مكافأة له على أتعابه وعلى النفقات التي بذلها في تلك الزحفة فأبت نفسه الكريمة الكبيرة أخذ المبلغ وأبقاه للدولة. ولو كان أخذه لكان حطه عن شاهق إذ لم يكن إلا جزءاً زهيداً مما أنفقه في هذا السبيل من النفقات الباهظة الفاحشة.
وبقيت الأمور تجري في أعنتها حتى كانت سنة 1320هـ. (1902م) فأضطرب حبل الأمن فعينت الدولة السيد طالب بك نقيب إشراف البصرة متصرفاً للواء المذكور فما كاد يلقى فيه عصاه إلا وفك الحصار عن الاحساء وأدب العشائر وأمن الطرق. فانقادت له رؤساء الأعراب طائعة إياه بعد أن شاهدت ماله من شدة العزم والحزم وقوة إلباس والمراس. وبعد أن استعفى وتوجه إلى(3/39)
الأستانة استحسنت الدولة أن نزيد القوة العسكرية في تلك الديار فأنفذت إليها أربعة طوابير زيادة لما كان فيها. ولكن سليمان نظيف بك والي البصرة استصوب استدعاء معظم هذه القوة وأبقى طائفة قليلة منهم لا تكفي لحفظ الراحة في البلاد. فأثار هذا الأمر طمعاً في صدر عبد العزيز السعود وأخذ يترقب الفرص حتى تيسرت له في هذه الأيام فهجم بخيله ورجله في نحو منتصف أيار على مدينة الاحساء واستولى عليها بعد مقاومة قليلة قتل فيها نحو 25 جندياً وبعد ذلك أرسل محاربين إلى القطيف أيضاً
فاستولى عليها وأصبحت من دياره. - قالت الدستور التي نقلنا عنها هذه العبارة الأخيرة بتصرف قليل: نشرنا (هذه الأخبار) آسفين على أن العلم العثماني قد طوى من الخليج الفارسي ولم يبق للدولة العثمانية مقدار شبر من الأرض على ضفافه. فلا حول ولا قوة إلا بالله).
وجاء في عددها 57 ما مؤداه: أن العساكر العثمانية الموجودة في الاحساء والقطيف تبلغ أربعمائة نفر، منهم 90 في القطيف والباقي في مدينة الاحساء وضواحيها. وقد اجتمعت هذه القوة الآن في مركب (جانسكات) الراسي في ميناء البحرين منتظرة المدد من البصرة وأصبحت حالة الجنود سيئة للغاية لقلة الماء واشتداد الحر وضيق الباخرة التي تحملهم. وقال: إن عبد العزيز السعود طلب من قائم مقام قطر الشيخ قاسم ابن ثاني طرد العساكر العثمانية التي عنده فلم يوافق على ذلك. وقد قدم البصرة أغلب موظفي الحكومة الملكيين في الاحساء والقطيف!
وقد ذكرت الرياض في عددها 161 إن الذين احتلوا القطيف اعتدوا كثيراً على أهـ اليها. فأمر الأمير فيها (عبد الله بن جلوى) الذي كان أميراً في القصيم سابقاً فساد الأمن بعد ذلك.
باب المكاتبة والمذاكرة
1 - معنى اسم بغداد
كتب إلينا من سامرآء حضرة العلامة هرتسفلد قال: طالعت مطالعة عجلان ما جاء في لغة العرب عن معنى بغداد وأصلها 2: 549 فلم أر حاجة إلى ذكر آراء بعض علماء الإنكليز ومن شايعهم في أصل معنى بغداد. فإن المسألة قد انتهت(3/40)
إلى هذه الصورة وهي: إذا ثبت إن اسم المدينة يوجد على صفائح الآجر المسمارية الخط (بصورة بغدادو أو بغداتو) كما قاله العلامة فريدريك دليتش فسدت سائر التآويل الفارسية والأعجمية المخالفة لرأي العلماء. وإلا ففي اللغة الفارسية علم رجل وهو (بغداد) وليس له إلا تأويل واحد ممكن وهو (هبة أو عطية الله). لأن (بغ) بالفارسية القديمة تخفيف (باغا) وهو الإله. ولا سيما الإله (مثرا) (وداذ) مشتقة من (دادن) أي هبة أو عطية فيكون مآلها: (هبة أو عطية الله) ويقابلها عند الأقدمين (مثريداد) وعند أهل الغرب (ثيودورس) ومن ثم يقول: هل ينتقل العلم الشخصي إلى اسم المدينة؟ - قلنا: نعم. لأنه يوجد أسماء أخرى من هذا القبيل كقولهم: شروان (وهو اسم رجل ومعناه ذو ست أرواح) ونهروان (أي ذو تسع أرواح) الخ ولهذا لا أشك في قراءة العلامة النقاب دليتش. ولا جرم أن (بغداذ) المكتوبة على الآجر البابلي لم تكن اسم مدينة في ذلك العهد القديم بل اسم رجل. ومن اسم الرجل انتقل إلى اسم المدينة. هذا ما عن لي في أثناء المطالعة والحكم للقارئ.
2 - مرقعة المتصوفة
كتب إلينا أحد الأدباء ما نصه: أدرجت لغة العرب (185184: 1) ثلاثة أبيات من الشعر قالها أحد الشعراء بخصوص مرقعة الصوفية. وقد وجدت اليوم رواية أخرى قديمة ورد فيها لفظ (المسيح) مبدلا بلفظ (المجوس) وقد ذكرت في (منتخبات وصاف) (راجع برنامج المكتبة الخديوية المجلد 4: 332 تحت عنوان: (الأدب العدد 113 والمخطوط خالٍ من أرقام الصفحات وهي واردة في نحو الثلث الأول منه) وهذا نص عبارته: (البيتان لأبي محمد طاهر بن الحسين بن يحيى المخزومي البصري:
ليس التصوف أن يلاقيك الفتى ... وعليه من لبس المجوس مرقع
بطرائق سود وبيض لفقت ... وكأنه فيه غراب أبقع
قال مكاتبنا حفظه الله: وهذا النص مهم مما يحرص عليه لأنه يثبت لنا اسم الناظم بنسبه. فليحفظ لما فيه من الفائدة.
3 - غبرة النخيل (نوع من أمراض نخل العراق)
وكتب إلينا من بسكرة (من بلاد المغرب في أفريقية) حضرة صديقنا الفاضل بولس ب. بوينوى ما نصه: إن السعفة التي قطعناها لما كنا معاً في بستان(3/41)
من بساتين الكاظمية وكان عليها المرض المعروف بالغبرة (وزان حركة) قد فحصتها فحصاً مدققاً فوجدتها مصابة بالآفة المذكورة لكنها هي غير الآفة المعروفة في ديار الشام بندوة العسل فندوة العسل شيء والغبرة شيء. تلك تسمى بالفرنسية وأما هذه فأسمها عند العلماء وهي نوع من الشبيهة بالفطريات فيحسن بكم أن تصححوا ما كتبتموه في لغة العرب 17: 2 وما يليها. أما طريقة أهلاك هذه الجراثيم الضارة فهي رش المواطن المصابة بها بماء الزنجارة (واسم الزنجارة عند الكيماويين كبريتات النحاس).
4 - آثار قديمة في تكريت
وأخبرنا القس توما ماروثا حكيم بعد سفره من بغداد ومروره بتكريت إن سكان تلك المدينة يجدون كل يوم نقوداً قديمة من عباسية ورومانية وبرثية ويونانية وفارسية وساسانية. وهم يبيعونها بقيمة بخسة. وأغلبها من النحاس ثم قال: ووجدت رقيم قبر باللغة الآرامية من القرن الثالث عشر للمسيح وهذه هي عبارته: (يونيا كب بآب اعكح ألها نحسه له. أبو ناصر مشمشنا) ومعناها: (توفى بموجب التاريخ) اليوناني 22 آب سنة 1528 (1217م) غفر الله لأبي ناصر الشماس.) وفي تكريت آثار كثيرة نصرانية تدل على ما كان لهذا الدين من القدم الراسخة فيها. أما اليوم فليس فيها سوى المسلمين!
5 - المطبعة الحميدية في بغداد
هذه المطبعة من مطابع بغداد الحجرية ولم نكن نعلم بوجودها حتى ظفرنا في هذه الأيام بكتاب صغير مطبوع فيها اسمه: (بحر الكلام) للإمام سيف الحق أبي المعين النسفي. . . وقد طبع في المطبعة المذكورة برخصة المعارف سنة 1304 والكتاب في 70 صفحة. . . وفي آخره: (وكان ذلك بقلم الفقير أحمد الكردي البغدادي.) أهـ
أسئلة وأجوبة
أصل كلمة حنفص(3/42)
سألنا غير واحد من أدباء الحاضرة: هل كلمة عنفص عربية الأصل؟ وإن لم تكن فمن أي لغة هي؟ وما هي معانيها المتعددة؟
قلنا: جاء في تاج العروس: العنفص بالكسر. . . والنون زائدة وفيه خلاف. . . المرأة البذيئة. عن الأصمعي، أو القليلة الحياء عن أبى عمرو، وخص بعضهم به الفتاة وأنشد الجوهري للأعشى:
ليست بسوداء ولا عنفص ... لسارق الطرف إلى ذاعر
وقال الليث: هي القليلة الجسم؛ وقال ابن دريد: هي الكثيرة الحركة في المجيء والذهاب. ويقال هي الذاعرة الخبيثة وأنشد شعر:
لعمرك ما ليلى بورهاء عنفص ... ولا عشه خلخالها يتقعقع
وقال ابن عباد هي القصيرة: وقال ابن السكيت: هي المختالة المعجبة. قال ابن فارس: هو من عفصت الشيء: إذا لويته. كأنها عوجاء الخلق وتميل إلى ذوي الذعارة. وقيل العنفص: جرو الثعلب الأنثى والعنفص أيضاً: السيئ الخلق من الرجال، والعنفصة المرأة الكثيرة الكلام. وهي أيضاً المنتنة الريح. كل ذلك عن ابن عباد. أهـ كلام اللغوي.
فيتضح من ذلك أن العنفص هي الأنثى الخبيثة، الذاعرة، القليلة الحياء والجسم، (امرأة كانت أو ابنة) الكثيرة الحركة في المجيء والذهاب، المنتنة الريح المتعوجة الخلق. وهذا كله على ظننا مأخوذ من اليونانية (وهي باللاتينية وهي عندهم اسم امرأة شهيرة بخبثها وفسادها ولكثرة شرها وعبثها كانت تظهر بمظاهر مختلفة أو تتغول (كما يقول العرب) على حد تغول الغول. والفرنسيون يقولون وهي الفصحى وهي دونها فصاحةً. وقد قال الأقدمون في وصفها: إنها شبح أو طيف أنثى كانت تنفذها هبكات أو عكاظ (وهبكات معبودة هي القمر حينما يحجبه السحاب أو الضباب) إلى الناس ولا سيما إلى المسافرين منهم لتخيفهم في طريقهم أو تفتك بهم أو تمتص دماءهم. والعنفص توافق كل الموافقة لغول العرب ولعل العرب أخذوا حكايات الغول والخرافات التي تتعلق بها عن اليونان الذين أخذوها عن قدماء الشرقيين كالكلدان والآشوريين والبابليين والمصريين إذ اقتبسوا منهم
أشياء كثيرة ترجع إليهم في الأصل. ويوافق هذا الوصف أيضاً بعض الموافقة لما يسميه الإفرنج فامبير وهو الذي سميناه(3/43)
بالعربية النزافة أو المصاصة وهو في اعتقاد جهلائهم وعوامهم: ميت يخرج من القبر ليلاً ليمتص دماء الأحياء.
وكان أهل الغرب يمثلون العنفص بصورة أنثى رجلها الواحدة من نحاس والرجل الثانية من روث الحمار (والروث سرجين ذي الحافر). وأحسن وسيلة كانوا يتخذونها لطردها كان الشتم والسب والإهانة.
وقد توسع الغربيون في معنى العنفص حتى أطلقوها على كل أنثى خبيثة. من قبيل ما يسمونه ساحرة والساحرة عندهم كالعنفص عندنا.
ومن معاني العنفص عندهم ما اشتهر في القرن السابع عشر والثامن عشر بمعنى التخيل المحالي أو الجنوني.
ومن معانيها عند علماء المواليد: دويبة من المستقيمات الأجنحة كثيرة الشبه للسرعوف (راجع لغة العرب 349: 2) وقد صحف العرب هذه الكلمة بهذا المعنى بصورة: عنقص وعنقوص بجعل الفاء قافاً. وهم كثيراً ما يفعلون ذلك في الألفاظ الدخيلة فضلاً عن العربية النجار؛ فقد قالوا مثلاً: الفاطوس وهي في الأصل القاطوس أو القيطس القوقس للنبات المعروف بالفوقس باليونانية (راجع لغة العرب 329: 2) وقالوا القوقيس وإنما هو الفونقس وقالوا الفاقيطوس وإنما هي الفافيطوس هذا في الدخيل وأما في العربي الصميم فقد قالوا: الزحاليق والزحاليف جمع الزحلوقة أو الزحلوفة؛ المفرشة والمقرشة؛ نفز الظبي ونقز؛ صلفع الرجل وصلقع؛ المحفد والمحقد؛ رفح ورقح؛ النفض والنقض؛ النفاض والنقاض؛ الفصم والقصم؛ الوفي والوقي؛ وغيرها كثير.
ومما يحدونا إلى تعريب هذه اللفظة وتحريفها ما ذكره صاحب التاج قال: العنقص والعنقوص (بالقاف) بالضم: دويبة عن ابن دريد؛ وقد ذكره المصنف بالباء الموحدة بدل النون (أي يقال أيضاً عبقص كما في الإفرنجية وهو من باب تعاقب الباء والنون) وأباه الأزهري. ورواه بالنون كما نرى. أهـ كلامه قلنا نحن ولا يحق للأزهري إنكاره بعد إيراد اللغويين له وبعد وجوده في الأصل المأخوذ منه. وزدنا على ما تقدم: أن هذه الحشرة كثيرة الوجود في البلاد الحارة من ديار العالم القديم. ولا سيما في ديار العرب والعراق وجنوبي
بلاد فارس وبالأخص في جوار المستنقعات والغدران. ومن معاني العنفص أيضاً عند علماء الإفرنج ضرب من الفطر ذي البيض(3/44)
من فصيلة متلفات الحشرات تتطفل على الحشرات منها: عنفص الذبان وهو يعيش على الذبان فيقتلها قتلاً ذريعاً في أيام الخريف.
والعنفصية عند علماء النبات جنس من الحشائش المفترشة إلا نبتة من فصيلة السحلبيات من قبيلة الجنبية الأغصان وهي تتكون ببلاد النفال أو من ديار الهند.
فوائد لغوية
جمع مدير وعمل وفعل وعضو وما ضارع هذه الألفاظ الثلاثة الأخيرة أدخل الترك ألفاظاً عربية كثيرة في لغتهم وفي بعض الأحيان أحسنوا التصرف فيها. وفي بعض الآخر أساءوا كل الإساءة. ومن جملة ما أفسدوه علينا قولهم في جمع مدير: مدراء. ومفعل كمفسد لا يكسر على فعلاء إذا كان اسماً بل على مفاعل وأما إذا كان صفة أو نعتاً فيجمع جمعاً سالماً فيقال: مديرون في حالة الرفع ومديرين في حالة النصب والجر. ومما يوسف له أن كثيراً من الصحف والمجلات العربية من شامية ومصرية وعراقية تقول: مدراء وهو غلط فاحش ترتعد له فرائص من في السماء وعلى الأرض من أبناء العرب ولا سيما لأن الميم زائدة غير أصلية.
ومما يغلطون فيه جمع عمل وفعل وعضو فيقولون اعمالات وافعالات واعضاوات ويجعلون مفرد هذه الكلمة الأخيرة (أعضاء) وهذا كله من الشنائع التي لا توصف وإن بالغت في نعتها بالسوء والأصح في جمع عمل أعمال وفي فعل أفعال وقد يجمع جمعاً ثانياً فيقال أفاعيل وأما عضو فلا يجمع إلا على أعضاء. فأحفظ ذلك تصب إن شاء الله.
باب المشارفة والانتقاد
1 - (شحر بابل وسجع البلابل)
(أو)
(ديوان السيد جعفر كمال الدين الحسيني الحلي)(3/45)
ورد هذا السفر الحلة الفيحاء مطبوعاً، فكان له رنة سرور وابتهاج لدى مؤدبيها. وطالت به الألسن بل تطاولت على حضرة ناشره بالشكر والثناء لما أسداه من التفضل على الأدب وأهله. وبالأخص الحليين منهم فقد خلد لهم ذكراً جميلاً وإطراء حسناً إذ قد خلد ذكر نابغة من نوابغهم. بيد أني قد سمعت بعض من لهم النصيب الوافر من الأدب ينتقد بعض ما جادت به قريحة الشاعر. ونبذاً مما انطوت عليه (كلمة الناشر) بل ربما نالت يد الانتقاد بعض التراجم وغيرها مما كتبه الناشر في غضون ذلك الديوان.
وأني خدمة للأدب وجلاء للحقيقة أحببت أن أكون كالترجمان لهؤلاء الأدباء الأفاضل معرباً عما همت به ألسنتهم. ومظهراً ما أجنته ضمائرهم راجياً من أبناء أسرة شاعرنا الفاضل أن لا يجعلوا ذلك عن سوء قصد. كما أني أرجو ذلك من حضرة الناشر وبعض أولى التراجم الكرام. فإنه لا مغضبة في الحق. ولا نجاة إلا بالصدق.
قال الشاعر (ص) 429 من قصيدة يرثي بها العلامة السيد ميرزا حسين الشيرازي وهو يخاطبه في بيان حالة الناس بعده:
فهم بأضيق من قبر دفنت به ... كأنهم وهم أحياء قد دفنوا
فقد وصف شاعرنا قبر مرثيه بالضيق ولم يلتفت إلى أن ذلك غير جائز في شريعة الأدباء دون أن يكون المرثي مثل هذا الرئيس الروحاني فكيف. . .؟ وقوله في تخميسه لقصيدة المولى المفضل السيد سعيد حبوبي (ص) 389 و390
فآية السحر فيها عينه اكتحلت ... وآية النحل في طرس العذار حلت(3/46)
وعينه هي صاد حولها اكتملت ... ذي نون حاجبه لو حاؤه اتصلت
في ميم مبسمه لم تعد حاميما
أني لا أفهم للشطر الثالث من هذا البيت معنىً وأما الأصل فهو (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء. . .) وقوله من قصيدة يرثى بها الشيخ الإيراني (ص) 56
راعي الشريعة فالشريعة بعده ... كالشاة خائفة من الأذياب
لا يخفى قبح تشبيه الشريعة بالشاة ولعل القافية أو مراعاة كلمة (راعي) جرت شاعرنا إلى ذلك. هذا فضلاً عن أن الأذياب جمع ذئب لم يسمع عن فصيح. هذا ما رأيت أن انتقده من شعر الشاعر وهناك انتقادات أخرى غير جوهرية لا حاجة إلى الإسهاب بذكرها.
وأما الناشر أعزه الله فقد جعل موضوع (كلمته) حياة الشاعر المادية والأدبية مع شذرة يرجو أن يتضح بها للقراء ما حير رابع سبابتيه وإبهامه. (! كذا) ولكنا مع الأسف قد رأينا ناشرنا ترك موضوعه كما هي عادته في التراجم أو قل في غيرها أيضاً. وراح يتجول به بين القادسية وجبال حلوان وأخرى بين الموصل والبصرة وطوراً في هضبة إيران وتركني كالحيران في (كلمته) لا أدري ما أقول عنها: أأقول أنها تبحث في جغرافية الديار العراقية. أو عن مسائل شتى تاريخية. وهي مقالة إصلاحية. أو أنها معجم من معاجم الأدباء. أو رسالة في علم الرجال؟ فليت ناشرنا نزه (كلمته) عن هذا الخيط والشطط الذي يدعو إلى الملل فإن لحضرته موضوعاً يجب أن يتحراه فلا يعدو عنه حتى ولا قيد أنملة.
أما ما ذكره عن حياة شاعرنا المادية. فلا أريد أن أقول أنه رحمه الله كان من المثرين. نعم كان كذلك قبل جفاف النهر المنشعب من الفرات إلى الحلة. أما بعد جفافه فقد كان من الأواسط كما عليه أكثر سكان البيئة التي نشأ فيها. فما لزه به الناشر من الفقر المدقع الذي يخيل للقارئ أنه كان لا يملك قوت يومه ما هو إلا حدس غير مصيب وقد نشأ في فكره حين رأى ما يشتمل عليه شعره من الدعابة مع بعض أصحابه ومن مدح الملوك والوجهاء والأمراء شأن طلاب الفخر والصيت من الأدباء في الدرر البائد. ورأى مثل قوله:
وعندي أنكم خزان رزقي ... إذا ما الرزق أعوزني طلابا
فأندفع حضرته يقول (ولما أحس من نفسه قوة الملكة وحسن الاستعداد(3/47)
وأنه يستطيع أن يستدر من شق قلمه لماظة عيشه. ودرة قوته. ومؤونة أهله صارت هذه كبعض الدواعي له المثيرة لما في كامن قريحته فأصبح) الخ ولم يلتفت إلى أن أديب ذلك العصر إذا أنشأ شيئاً لا ينظر إلا إلى جهة واحدة هي التي بعثته على الإنشاء. فهو إذا مدح لا ينظر إلا إلى كيف يؤله ممدوحه. فيطربه بما شاء وشاءت له مخيلته مما ليس فيه من الصفات العالية. والألقاب الفخيمة. فتراه قد يطري من ليس فيه إلا صفة العلم بالشجاعة والكرم. ويلقب
الشجاع الفارغ من العلم بالعلامة. ويصف من ليس له معه إلا المودة بخازن رزقه. كل ذلك لمقدمة عنده من المسلمات (أعذب الشعر أكذبه) على أن حضرة الناشر نفسه يعلم ذلك. فقد انتقد بيت سيدي (الرضا) في القصيدة المشتركة بينه وبين شاعرنا التي أنشئت في مدح الفاضل (الهادي) آل كاشف الغطاء حيث قال:
ما ركعت في كفه بيض الضبا ... إلا وهام قرنه خوفاً سجد
ولو نظرنا إلى شعراء ذلك الدور لوجدنا جل أشعارهم. بل كلها كذلك فلا أدري ما يقول حضرة الناشر في سيدنا الشريف الرضي الشهير بالإباء والشمم إذا رأى قوله في مدح (فخر الدين) أبي غالب بن خلف:
يا أبا غالب دعوتك للخط ... ب ومن يظم يستدر القطارا
لم أجاوزك بالدعاء فلبي ... ت جهاراً وقد دعوت سرارا
لم تقل لا ولم تشد على خا ... ف الندى بين راحتيك صرارا
قد هززناك للندى فوجدنا ... ورقاً ناضراً وعودا نضارا
ورأينا النوال عينا بلا مط ... ل إذا ما النوال كان ضمارا
ولو أردت أن أثبت ما يشبه هذا من شعر الشريف وغيره ممن أشتهر بالإباء والثروة من الأدباء لملأت الصحف. افيقول ناشرنا في الشريف الرضي (أنه يحتلب مسكة رمقه، ودرة عيشه، من ضرع قلمه، وشق قصبته، وإخلاف محبرته) أو يقول إنه (يستظل سماء القناعة ويلتحف إيراد الفقر والفاقة) وأما قوله بعد أن طال بالفضلة دون العمدة (فمن كسف البال. وضجر الخاطر كان بعد أن تمكن من الشعر صار ربما ينتحل نفس شعره فيقول القصيدة في إنسان(3/48)
ثم يحولها إلى أخر إما تبرما وسأما أو لغير ذلك) نعم قد أثبت الناشر من ذلك قصيدة واحدة مدعياً أنها كانت في مدح الفاضل (محمد الحسين) آل كاشف الغطاء ثم حولت إلى مدح بعض السادات. أما نحن ففي حاضرتنا نسختان من الديوان إحداهما أكثرها بخط الشاعر ولم نجد فيهما شيئاً مما ذكر. بيد أنه كان على الناشر أن يترك الإشارة إلى انتحال هذه القصيدة إلى حين إثباتها. فيقول: إن هذه القصيدة كان من أمرها هكذا. . . . لا إنه يذكر عبارة في مقدمة الديوان كأنها باب من أبوابه وفصل من فصوله يظهر منها أن انتحال قد وقع من الشاعر في أربع قصائد أو خمس لا أقل. وأما قوله: (فأقترن بإحدى
كرايم قوقومه) أظن أنه يريد بالقوم بني الإنسان وإلا فلا جامعة بين شاعرنا وقرينته غير ذلك. أو إن كلاً منهما من قرية واحدة (قرية السادة). وهذا مما يدلك أيها القارئ على ما ادعاه حضرة الناشر مكرراً من شدة اتصاله ومعرفته بالشاعر. ولو كتب كرائم بدل (كايم) لما خالف الأصول العربية. ثم قال في بعض ما كتبه عن حياة شاعرنا الأدبية ما نصه ص 15: (ثم لم تنزل شمايله تتمثل نصب عيني. وحلاوة حديثه كمرارة فقده يترددان بين لهاتي وحناجري وكانت مرت على منعشات (ما أدري أهـ ي أيام أو أحلام) كان فيها عطر الله مرقده لضيق داري. وشقيق(3/49)
جواري، وسمير ليلى، وعشير نهاري، بل نسيب نفسي. وقريب روحي. . . لست أدري وأبيك ما دهى ناشرنا حتى صار يلقى الكلام على عواهنه وحتى أصبح كأنه لم يعلم أن حملة أقلام الانتقاد واقفون له بالمرصاد فيا حضرة الناشر لو كان حقاً ما وصفت نفسك به من حبك للشاعر ومن انه سمير ليلك. وعشير نهارك. وإنك تريد تخليد حياته. لما جعلت كتاب شعره غرضا لسهام نقدك. ومرمى لي ولأمثالي من بعدك؟ بل لأسقطت منه ما يزري بحياة نسيب نفسك الدنيوية وأزالت ما يشين حياته التخليدية. كما هي العادة في تهذيب الدواوين والأسفار قبل نشرها. ولخلدت لمن لم تزل شمائله تتمثل نصب عينيك حياة طيبة (ولكن لا حياة. . .) على أني لا أدري كيف وجهت سهام نقدك إلى الشاعر وأنت القائل أن نسخة ديوانه التي بيدك هي بخط بعض العوام. أما نحن فهاتان نسختان بين أيدينا الآن لم نجد فيهما شيئاً مما انتقدت. وكتب (شمايله) والصحيح شمائله. وهذا ما رأيت أن انتقده مما كتبه الناشر عن حياة الشاعر. وهناك غير هذه المغامر فاجتزاءنا بالقل عن الجل مناسبة لضيق المقام.
أما ما كتبه من التراجم التي أطال فيها الإطراء. وأفرط بالمدح والثناء الذي لا يوافق روح هذا العصر. فقد كان الفوز الأعظم فيها. والحظ الأوفر منها لمن كانت جدته أو جده من آل كاشف الغطاء أو كان أبوه أو جده حضر تدريس أحد المنتمين إلى كاشف الغطاء! فما بالك أيها القاري بآل كاشف الغطاء أنفسهم؟ فالبشرى للأسرة القزوينية: وهنيئاً للأسرة الجواهرية!
وإنني لا أريد الإطالة ولو أردت لانتقدت أكثر تلك التراجم. لكنني اقتصر على ما يجب انتقاده منها فأقول: ترجم الناشر حضرة الفاضل الشيخ (محمد الحسين) آل كاشف الغطاء
فقال. . . أحد أفراد الأسرة الجعفرية التي انتقلت من نواحي الحلة إلى النجف الأشرف وإن من انتقل من جناجة التي هي إحدى نواحي الحلة هو العلامة الشيخ جعفر نفسه وقيل معه أخوه فنسبة الانتقال إلى أسرة جعفرية ليس من الحقيقة في شيء إذ ليس هناك أسرة وقد كفانا حضرة الناشر انتقاد ما وقع في هذه الترجمة من الشطط والإطالة بما ليس من مقصوده بقوله: (شط القلم عن القصد. . .) ولكن ما عتم حضرته بعد أن خلنا أنه قد استقام(3/50)
وأعاد الكلام إلى مجاريه أن سقط في ما هو أدهى فقد وصف حضرة الفاضل صاحب الترجمة بقوله (فكرع من علوم الشريعة ولا سيما الفقه والأصول ومباديهما ما حسب وأحس أنه ارتوى واستغنى) فنسب إلى هذا الرجل ما هو أجل من أن يدعيه. وأصلح من أن يرضى أن ينسب إليه. إذ هو يعلم من نفسه أنه لم يبلغ ذلك بل هو أقل مما هو اقل مما هنالك نعم تلك مرتبة كانت لبعض آبائه سيبلغها إن شاء الله تعالى.
وقد رأينا في ترجمة المولى الشيخ علي آل كاشف الغطاء الذي هو كبير الأسرة الجعفرية اليوم ما نصه: (وفي كل ذلك لم تكن مهنته وعنايته إلا بالتحصيل والعلم وفصل الخصومات)! إن الناظر إلى قوله (وفصل الخصومات) يخال إن للشيخ المذكور رتبة الاجتهاد. فلو عقب الناشر كلمته هذه بما يزيل الاشتباه لكان أولى! على أن القارئ لو نظر إلى ترجمة هذا الفاضل. لرأى أن الناشر قد خبط خبط عشواء. وخرج عن غرضه خروجاً فاحشاً. إذ قال حضرته في جملة ما ترجم به المولى الشيخ أحمد آل كاشف الغطاء، ما نصه: (فهو اليوم في النجف لطالبي التحقيق والمهاجرين للاستفادة والتحصيل. المدرس الوحيد. بل العلامة المعلم لهم والمفيد)!!! أنني لا أريد أن أبخس هذا الفاضل حقه فأقول مقالة كثير من النجفيين فيه كقولهم (خادم السيد كاظم اليزدي (أو كاتبه) أو (مقسمه) أو (جاهل لا يفهم) أو غير ذلك من العبارات. لا. لا. لا. إن الرجل لأجل وأرفع من ذلك. وأما ملازمته للسيد كاظم المذكور فالأغراض أخر. ولكني لا أغالي فيه كمغالاة حضرة الناشر فإن الرجل ليس بالمدرس بالمعنى الذي قصده الناشر فضلا عن أن يكون وحيداً. نعم يحضر تدريسه ثلاثة أو أربعة لأغراض تبرم منها الناشر في ترجمة الفاضلين (الشربياني والمغمغاني) على أن كل نجفي بل كل عراقي يعلم أن ليس في النجف اليوم رجل يتصف بأنه مدرس وحيد. أجل قد كان ذلك قبل اليوم لحضرة العلامة الشيخ ملا
كاظم الخراساني. وأما المولى الشيخ (أحمد) فليس(3/51)
كذلك وإنما هو محتاج إلى المدرس كما نراه حفظه الله ما زال وما يزال يحضر في درس حضرة الفاضل السيد (كاظم) اليزدي. وإني لأعلم أن الشيخ أحمد لا يرضى أن يصفه أحد! (العلامة) و (المفيد) إذ هاتان الصفتان ليستا له وهو لما وصفه به حضرة الناشر من التقوى لا يرضى أن يوصف بما ليس فيه. ثم قال الناشر بعد أن وصف المترجم بما ليس إلا للأنبياء (كل ذلك وأكثر ما يخوله الإطلاع بأعباء المرجعية العظمى والرياسة الدينية الكبرى) فإني أسأل الله له ذلك. ولكن بين الرجل وتلك الحالة مراحل. فليس كما يقوله الناشر. ثم قال ما تلخيصه: إن الشيخ أحمد المذكور قد حضر للتحصيل على ثلاثة: الأول (الشيخ رضا الهمذاني والثاني (السيد كاظم اليزدي) وأما الثالث فقد قال عنه ما نصه: (ثم حضر على أشهر المحققين في الأصول وأوسع المدرسين حوزة في ذلك العصر) ولم يذكر أسمه!! ولماذا؟ وقال حضرة الناشر في ترجمة فخر الأعلام (الشيخ عبد الحسين) حفيد صاحب الجواهر (هو أحد أفاضل السلالة الجواهرية) ولم يطر تلك السلالة بشيء حتى ولا كسلالة (آل الحلو أو آل مرزة فضلا عما تستحقه من طويل الثناء. كما أنه لم يذكر لأبيها العلامة صاحب الجواهر على كثرة مآثره وآثاره سوى كتابه الشهير (جواهر الكلام) وقد ذكر لغيره مساعي ليست أحرى منها بالذكر.
كل ذلك وقد رأينا من حضرة الناشر الإفراط والتفريط في جانبي الإيجاب والسلب. فبين من ترجمه ولم يوفه بعض حقه العلامة (الشيخ ميرزا حسين الميرزا خليل)؛ ولم يذكر أسرته مع أنها أسرة شريفة عريقة في المجد حرية بالذكر!. وبين من ترجمه بما لا يستحق إلا القليل من ترجمتهم كثير من آل كاشف الغطاء!!. وبين من لم يترجمهم أصلاً أخوه الشاعر الذين ذكروا في الديوان؛ مع أنهم ذوو شرف وعلم ولبعضهم مصنفات عديدة. وكالفاضل (الشيخ عبد العزيز الجواهري) صاحب القصائد الاجتماعية. والمقالات الفلسفية. التي نشرت في (العرفان) و (المقتطف) فهو حقيق بأن يترجم.
هذا وبين يدي الآن نسخة من الديوان بخط جامعه لم أر في عناوين القصائد(3/52)
المثبتة فيها ألفاظاً ضخاماً مملوءة بإثناء على الممدوحين كما رأيته في الديوان المطبوع. ولا سيما عناوين القصائد التي يمدح بها آل كاشف الغطاء. فإن فيها كثيراً من مثل لفظة (العلامة) و
(ملاذ الأعلام وغيرهما)! ولعل ذلك من تصرفات الناشر؟ أو من العوام الذين كانت النسخة بخطهم! ورأيت في المطبوع أيضاً تصرفات كثيرة غير هذه. بحيث لا يصدق بعدها على حضرة الفاضل (السيد هاشم) أخي الشاعر أن يقال عنه أنه جامع الديوان!!!؟ اللهم أني أسألك قولاً صدقا!
(ع. . .)
2 - مدرسة التهذيب
مجلة مدرسية بيتية تهذيبية علمية أدبية تصدر موقتاً مرة في الشهر في الشويفات (لبنان) ومحل إدارتها في مدرسة الشويفات الإنكليزية وتظهر في 16 صفحة. منشئها وصاحب امتيازها القس طانيوس سعد ومحررها: عمسيح ن. وزيريان.
3 - التقرير السنوي الثالث لجمعية تهذيب الفتاة السورية
في بيروت والشويفات وهو يتضمن خلاصة أعمالها لسنتها الثالثة من 1 كانون2 إلى أواخر كانون الأول سنة 1912
أشتق العرب الأقدمون لفظة الأمة (من الأم) لأنهم علموا أن الأمة لا تتقدم إلا بتقديم الأم فإذا عني ابن الوطن بتهذيب أخته أو ابنة وطنه لا تبطئ هذه أن تكون أماً ويصبح الجميع في رقي حقيقي دائم. وقد أخذت بعض السوريات بإنشاء لجنة أو جمعية تقوم بهذه الغاية والأمل أنها تنجح في مسعاها. يشهد على ذلك التقرير الذي بين يدينا. فعسى أن يقوم في سائر المدن العربية مثل هذه الشركات تفاؤلاً بمستقبل حسن راقٍ. والله الموفق!
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - الجراد في جوار نصيبين
كتب إلينا أحد الأدباء إن الجراد قد انتشر في نصيبين وحواليها منذ أواسط نيسان حتى أنه لم يبق شيئاً ولم يذر. ولكثرته زاحم ينابيع المياه ومجاريها حتى أنه أفسدها وجعلها غير صالحة للشرب. ولا جرم أن الأضرار التي يبقيها بعده تكون جسيمة. وقد هاجر الأعراب من تلك الربوع طلباً لديار أخرى أمرع وأخصب ولو عنوا بقتله حينما كان دبي لما استشرى شره اليوم أضرهم هذا الضرر العظيم.(3/53)
2 - عشائر الشامية
علمت المصباح أن عشائر آل زيات امتنعت عن أداء الرسوم للجباة فحصلت بين الجند وبين الأعراب مهارشات.
3 - الإنكليز وسفن الغوص
علمت الدستور البصرية أن قنصل الإنكليز في الكويت طلب من أميرها أن يضع علامة على جميع بنادق رعاياه الذين في سفن الغوص لأن في نية الحكومة الإنكليزية البحث عن كل بندقية خالية من أمارة الأمير. وبناءً عليه وسمت جميع البنادق الموجودة في سفن أهـ إلي الكويت بعلامة الأمير.
4 - واردات الكويت وصادراته
بلغت واردات الكويت في العام الماضي 6. 500. 000 وصادراته 1. 500. 000 (تنقل هذه العبارة عن الدستور الجريدة البصرية التي نسيت أمراً مهماً وهو: هل هذه الأرقام هي أرقام غروش أو فرنكات أو ليرات. - ثم كان يحسن بها أن تذكر ما الذي كان يقابلها في العام الذي قبله ليعارض بين مبالغ العامين).
5 - هبوط أسعار الحبوب في بغداد
منذ أن قدمت حبوب حصاد هذه السنة هبطت أسعارها في بغداد (منذ أول حزيران) إلى ما يقارب من النصف أعاد الله الرخص بمنه وكرمه.
6 - ارتفاع أسعار السمن
في نحو أواخر أيار وأوائل حزيران يكثر السمن في بغداد فيمتار الناس منه ما يكفي سنتهم كلها. أما في هذه السنة فقد أخذ المحتكرون (أو البندارية كما كان يقول أجدادنا) يجمعونه ليذخروه فيرفعوا ثمنه. وقد أصبح المن بمائتين وثمانين قرشاً. والأمل أن البلدية تضرب أيدي هؤلاء الجناة، جناة المدن ليرجع كل شيء إلى نصابه الأول.
7 - النقطة (الحمى التيفوئيدية) في بغداد.
تفشت هذه الحمى المشؤومة في محلة النصارى أشد التفشي. وقد توفي بها بعض الناس إلا أنها تكاد تفتك بجميع البيوت بدون خطر كبير. والأطباء ينسبون استشراءها إلى الماء الذي يشربونه فإن المعينة التي تجره تستقيه من (شريعة المصبغة) والحال أن بعض الجهلة يغسلون في دجلة فوق مأخذ الماء جلود الأحذية والصوف الذي يرسل إلى البلاد والمصارين والكروش وأنواع الثياب القذرة وهذا كله ينحدر انحداراً سوياً إلى الموطن المذكور فتجره المنزحة فيشربه الأهلون وهناك الطامة الكبرى.
8 - ابن الرشيد
قالت الرياض أن هذا الأمير هو اليوم في (حائل) مقر إقامته بعد أن غزا (عشيرة حرب) التي كان قد التجأ إليها العرائف أعداء ابن السعود. فهجم عليهم وسلبهم ما عندهم من قوة ومال وخيل. وأخذ السوادين (وهما في لسانهم البيوت والغنم) لإخلالهم بالراحة(3/54)
والأمن في تلك الديار.
9 - انهزام بعض سجناء أهل كربلاء
كسر الحبس في أوائل أيار بعض السجناء ثم ولوا فارين فتعقبهم السجانون ورموهم بالرصاص فقتلوا منهم اثنين وجرح ثالث وفر الآخرون وهم ثلاثة ولا يزال البحث عنهم حثيثاً (الزهور).
10 - قتل محمود شوكت باشا
قتل أحد الرعاع بطل الحرية محمود شوكت باشا البغدادي ناظر الحربية فتوفي في الأستانة
في 11 حزيران، سلى الله أقاربه عن فقده!
11 - الجراد في بغداد
انتشر الجراد في حاضرتنا في نحو العقد الأول من هذا الشهر (حزيران) ولم يظهر عيثه إلا من بعد ثلاثة أسابيع فإنه أكل شيئاً كثيراً من الخضراوات والبقول والأثمار لا بل هجم أيضاً على التال (أي صغار النخل) وأوراق الأشجار والناس يخافون غلاءً جديداً. وهو قد جاءنا من جهات نصيبين قذفته إلينا الرياح الزعازع التي حدثت في أواخر أيار وأوائل حزيران.
12 - مصير الكويت وبعض ديار خليج فارس
استقلت الكويت استقلالاً إدارياً ولم يبق للدولة العلية فيها إلا السيادة الرسمية. أما المعاهدات المعقودة بين الكويت ودولة الإنكليز فإنها تبقى محكمة العرى. وقد تنازلت دولتنا أيضاً عن جميع حقوقها بما يتعلق بجزيرة قطر والبحرين ومسقط وعمان وسائر ديار الشيوخ الموالين لإنكلترة. وأخذت هذه على نفسها إنارة الخليج ومراقبة ما يجري فيه وخفارته وامتلكت سكة الحديد التي سوف تمد بين البصرة والكويت.
13 - عجمي السعدون
كتب من البصرة إلى المصباح: إن عشيرة الإمارة النازلة في جوار عجمي بك السعدون قد هجمت على حيه وأحرقته وقتلت كثيراً من اتباعه وأوردتهم حياض المنون ولما كان عجمي قبل ذلك بأيام نازلاً الشعيبة على مسافة ساعة ونصف من البصرة حدثت حادثة بين بعض أفراد عشيرته أي بين أولاد عمر المنصور قتل فيها الكبير أخاه الصغير بعد مشاجرة وقعت بينهما.
وثبت أيضاً ثباتاً محققاً أن عجمي بك المذكور هجم على قصر هاشم بك آل النقيب وهو القصر الواقع في الشعيبة فأخذ جميع ما فيه من أثاث وفرش وأقام فيه 25 رجلاً من أتباعه.
(عن الدستور)
14 - وفاة السيد محمد باقر الطباطبائي
توفى هذا السيد في كربلاء. وهو المشهور بالحجة الطباطبائي في 15 حزيران الهم اللهم أهله الصبر الجميل.
15 - أبو صخير والشامية
لواء الديوانية من الألوية المهمة في ولاية بغداد لأنه لواء زرع وضرع لحسن موقعه وتجمع العشائر فيه وقد كان مركز القضاء بلدة (الشامية)(3/55)
قبل مدة ولكن طلب بعض الموظفين نقله إلى (أبو صخير) فنقل إليه فأصبح مركزاً بعد أن كان ناحية وغدت الشامية ناحية بعد أن كانت مركز قضاء. والظاهر أن نتيجة هذا العمل جاءت على خلاف ما كان يظن لأن جباية الأموال الأميرية أصبحت فيها شاقة بعد أن كانت سهلة.
(المصباح)
16 - واردات الاحساء والقطيف وعدد سكانهما
تبلغ واردات الاحساء والقطيف الأميرية نحو 60 ألف ليرة. أما عدد سكانهما فلا يعرفون على التحقيق ويظن أنهم لا يقلون عن 50 ألف نسمة.
(الدستور)
17 - عشيرة فالح الصيهود
أطلق النار بعض من ينتمي إلى هذه العشيرة على الباخرة العثمانية (بغداد) في جوار العمارة فلم يضروها.
(الدستور)
18 - قتل فظيع في البصرة
أطلق بعض الأشقياء رصاصاً على فريد بك آمر موقع البصرة وبديع نوري بك الجابري متصرف الناصرية فمات الأول حالاً وأما الثاني فتوفى بعد بضع ساعات ولم يعرف الجناة وكانت وفاتهما نهار الجمعة 20 حزيران.
19 - قدوم جلال بك والي ولاية بغداد
قدم والينا الجديد في الساعة الثانية ونصف بعد ظهر نهار الأحد 22 حزيران فأهلاً به
وسهلاً!
20 - رجوع الأمن في أنحاء خانقين
كتب إلى الزهور ما ملخصه: كان قد وقع بين عشائر إيران وبين عشائر الأعراب من ربيعة وبني ويس (أي أويس) والعساكرة الساكنين في جوار خانقين نهب أغنام ومواش وغيرها بعد مهارشة ومناوشة سببت الاختلال في تلك الأنحاء.
وفي هذه الأيام ذهب قيم مقام القضاء ونائبه وبعض الأمثل إلى حاكم القصر شيرخان وبعد المذاكرة قر الرأي على إعادة المنهوبات إلى أصحابها فأعادت عشائر إيران ما يرجع إلى الأعراب وأعاد الأعراب ما يرجع إلى عشائر إيران ولما تم ذلك توثقت عرى المودة بين القبيلين وتعهد كل من ينتمي إليهما بالمحافظة على الأمن والراحة وعلى هذا الوجه عاد الأمن ورجعت المياه إلى مجاريها.(3/56)
العدد 26 - بتاريخ: 01 - 08 - 1913
البصرة وأنهارها
1 - تمهيد -
إن نهر البصرة الجسيم المسمى (شط العرب) الشهير الممتد من قضاء (القرنة) إلى مصبه في البحر عند ثغر قضاء (الفاو) طوله مائة(3/57)
وثمانية عشر ميلاً بحرياً وعرض المحل الواسع منه ثلاثمائة مترٍ. وأما عمقه فمتفاوت فعند وقوع الجزر التام يكون غور العميق منه تسعة أمتار، وغير العميق منه ستة أمتار. وهذا النهر يتكون من النهرين اللذين ماؤهما من أعذب مياه الدنيا وهما (دجلة) و (الفرات) الغنيان عن التعريف فإنهما يختلطان في قصبة القرنة الواقعة على بعد 6 ساعات تقريباً من شمالي قصبة البصرة بسير السفن البخارية وبعد اختلاطهما يتألف منهما (شط العرب) الجسيم فيمر بوسط لواء البصرة ثم يتحد بنهر (كارون) الذي هو أحد الأنهر الدافعة في شط العرب فيتابع سيره حتى يصل قصبة الفاو الواقعة على بعد 6 ساعات من جنوبي البصرة ومن ثم يصب في البحر الملح أي (خليج فارس) وكان يجب أن يكون ماء شط العرب عذباً فراتاً لتجمعه من ثلاثة أنهر عذبة(3/58)
ولكن الحال يا للأسف بعكس ذلك إذ أن ماءه أقل عذوبة من مياه تلك الأنهر الثلاثة بكثير. وسبب ذلك هو أن نهري دجلة والفرات قبل أن يصل ماؤهما قصبة القرنة تنشأ منهما أهوار ومستنقعات فيجري الماء فيها كثيباً حزيناً وقد تغير طعمه وأصفر لونه إلى أن يصل قصبة القرنة فيتكون منه شط العرب المذكور.
ومن أجل نعم الله تعالى على البصريين هي وجود (المد والجزر) في شط العرب فإن ماء (المد) يزورها كل أربع وعشرين ساعة مرتين فيسقي النخيل والأراضي (بدون استعمال آلات السقي أو نصب الكرود) وبعد أن تأخذ تلك البقاع قسطها من الري بفضل تلك النعمة الجليلة يرجع الماء إلى من حيث أتى ثم يعود بعد اثنتي عشرة ساعة وأربع وعشرين دقيقة (فسبحان من تحيرت في صنعه العقول).
2 - الأنهار المتفرعة من شط العرب -
إن ولاية البصرة الفيحاء مشهورة بكثرة أنهارها المتفرعة من شط العرب المار الذكر
بحيث أنه
لم يتوفق أحد لحصر تلك الأنهار حتى الآن إلا أنه في العام الماضي سعى أحد أشراف البصرة الأفاضل فأحصاها على وجه الصحة والضبط فبلغت على ضفتي شط العرب ستمائة وأربعة وثلاثين نهراً بعضها حديث والبعض الآخر قديم جداً وقد ورد ذكرها في كتابي (معجم البلدان) لياقوت الحموي و (فتوح البلدان) للبلاذري وفي غيرهما من كتب التاريخ (كما سنشير إليها) وكل نهر من هذه الأنهار يتشعب منه عدة جداول صغار تسمى(3/59)
في اصطلاح البصريين (شاخة) وحصر هذه الجداول الصغار عسر جداً فدونك الآن أسماء الأنهر الكبار المتفرعة من شط العرب كما أحصاها الفاضل المومأ إليه.
3 - أنهار الجهة الغربية من شط العرب -
تبلغ عدد أنهار الجهة الغربية من شط العرب المبتدئة من قضاء القرنة إلى منتهى قضاء الفأو 470 وهي:
نهر علي. الشيخ. العتيق. الجديد. الدير، الإمام، الشافي، شهيب، (بتشديد الياء تصغير شهاب)، أبو بردى، شنانة، الصويلح (تصغير الصالح)، ناصر، شاهين، حسين، سعيد، المجلس، الوحيدية (تصغير واحدية)، الغميض، تاجر، الشرش، وحيد، (بتشديد الياء تصغير وحيد) أم التفاح، أبو علية، الجراحي، صفاي، سميدة (تصغير سمادة) أبو حليب، الكراي، أبو زهدي، الزردات، السيل، السحاب، الخضيرة، (تصغير خضرة) عباس، لروف، الطويلات الكبير، الطويلات الصغير، أبو صخية، أم سدرة، أبو شحم، أبو لحم، أبو أمانات أبو مكسر، معبر، أبو الجبابي، الدوة، الشيبازية، التاملي، الحوسة، الجلبية،(3/60)
الراضية، سيد علي، عواد، القاطع، المشان، ابن عمر، سمرة، الصويل الصغير، الصويل الكبير، اللويثي (تصغير ليثي)، لزوين، (تصغير زين)، الجراحي (الثاني)، الهارثة، أم مسجد، خضاب معاوية، السادة، مطيميم (تصغير مطمام)، المعيدي، الصليبية، العرفج، السحاب، راشد، المفتي، الميري، الناحية، الخرنينة، حمرانان، العطارية، العنبري، قرمة ماجد، قرمة علي،
أبو الصبور،(3/61)
كوت الإفرنجي، الرميلي، (تصغير رملي) الجبيلة، الخريو طلية المطابيق،
المفتية، لرباط، الخندق، العشار، القزازة،(3/62)
المقدسية، مناوي باشا، الششترية، ابن كامل، الخورة، الشيرازية، المحرقة، البراذعية، الجلبية، أم الزهدي، الشحامية، الشطانية، السراجي، القس، فريق الصخر، كوت(3/63)
الضاحي، الشعشاعي، خريبط، باب الهوى، اللقطة، مركب، عبد اليان، فجة
مصلح، مهيجران، الضمائن، الباغشة، يوسفان الأول، يوسفان الثاني، البز، حمدان، المحيلة، (تصغير محلة)، كوت الصلحي، كوت الفداغ، اليهودي، الضفر، الحبابة، البداع، السبيليات، الحلبي، المعدان، أبي مغيرة، خوز. إسماعيل. عائشة. بعيبيص. الغبية. البان. الكتكي. أبو عيد. البريم. الجبالية. الوقف. أبي الخصيب. ابن خميس. لزريقية، أبو بقي.
الوقف. باب زائد. أبو(3/64)
الفلوس. دهقان. العامية. الفياضي. بلجان. بليجين (تصغير بلجان). اللقطة. الكوت. ابن ناهي. دبة. قاووس. طيب. قليصية. الوقف. ابن عبد. شمرتة. النوفلي. كوت الزين أم مسجد. الوقف. الربائل الكبير. الربائل الصغير. الباشية. رشتة. المسرح. الهلالية. البلد. المعاف، البارقة، أبو رشيد، أرض مصر، غانم. الحمد. العميرية الحوض. السبيتة (تصغير سبتة) النخيلة (تصغير نخلة). الخميس. سهل كوت الحرامية، عطيوي (تصغير عطاء). زبيران. المكري. سالم، ثابت، الخورة. الحد. جبارة. بنت المنلا. السلطانية. شنينة. طه. السية. الشليشية.(3/65)
الجالي. الحائك. الحدة. الخزوم. العنبرية. الريضة. فريق النصار. أم العنب. مطر. المجالدة. الخرص. أبو التفاح. شبيب. العمارين. أبو شهاب الوقف. الفارسي. الحنية. عبد الزائد. بريمان. الزياد. الشبيكي. (مصغرة). فضيضة (تصغير فضة). الخربة. الدريسية. (مصغرة) الصلبوخية. الدويب (مصغرة تصحيف ذؤيب) الوقف. الهيتمي. تركي. بنت سعيد. الحدة. الصلخي. حوز كارون. بنت حمود. البدران. كوت بندرة. الطويل. العواد. الصباح. الضفري. النغيمشية. المرابحي. المقامسية. الزلوخية. ابن زيد. مبارك. عربيد. كوت عباس. الزائر. سيرة. الكشيشية. كوت حلاوي. الشلخ. النافع. بندر. الوقف. الآغوات. البيد. النوفلية. السيدية. سالمين. شراع. المقطوفية. السبيعية. مطرود. طالبية. باب الهواء. كوت خليفة. جوهر (الأول). الهرفية. ابن عبد. الحاجية. دسمالية. السحالية. عيسى. جوهر (الثاني). العطافية. النوفان. الزوار. حمود. عبد الله. الخشنام. نعمة. أبو شورى. ابن حاكم. سهران. حاجية. رحمة. مسلم. عاقول. الخرج. القطعة. الحويزاوي. . الخان. سلمان. حمد. جاسم. حسين. سوزلي.
يونس. أبو بردى. جعيدة. الكوت. الشيوخ. معتوق. أبو الشكر. عوض. العجم.(3/66)
نتر. أبو عقاب. الدورة. عبد الله. دفار. عبد الكريم. عبد ربه. البحرانة. الروم. الدور. الكوت. سعد. نوروز. المسرح. فيروز أبو هاني. عيسى. صالح. دبيس الكباوي. حسن الطوال. أم الغرب. غنام. علقم. رويض (تصغير رائض). ميلاد. الكوت. اللشيش. حمود. خميس (مصغر خميس) طه. يوسف. إسماعيل. صالحز درباس. طعين (تصغير طعين). علقم (الثاني). عبد الدائم. سبتي. خنفر. خشني. بارود. اليتيم. سويلم (تصغير سالم) الكوت. القلعة. خلفان. سبتي (الثاني). سوادي. الكندي. يسين. طهماز. ميمنية. عبد الملك. أبو معلاق. الخوارج. زيادي. كوت خضراوي. صبيح. مذخور. جوهري. ابن غضبان. منان. العبيد (جمع العبد) أبو مسجد. غلوم. أبوحلقة. جبر. سنيسل. جوعان. الشلخة. سبهان. ندة. الحد. العشاري. البصيري (تصغير البصري). عواجة. سلمان. كلبي. الديلمي، المير. . زعير (تصغير زعر). عبد النبي. علي. زلزم. الجوز. باقر. خصيف. أبو عقاب. الجنوبي. كبرة. حبش. خضر. الدورفي. الشنانية. محمود. جلال. الزهيري. حويدر. عيد منور. حوت. بربك (تصغير براك) أحمد. موسى. البواري. شناوة. عبد الخضر. حبش (الثاني). الدواسر. شجر. الحوز. شافي. غلام. معرك. عبد الحسين. الدائم. العشماوي. صبح. معروف. سعيد. شينوى. الشيوخ. شنان. طاهر. شبر. خصيف.(3/67)
يعقوب. خلف. شمل. حاج راشد. غضبان صفر. ابو حلفة جحيش (تصغير جحش). إبراهيم. بكاي. كريم. دوشمان. عبد اليان صفر (الثاني). غضيب (تصغير غضب). جبران. إسحاق. التناكيس. دراوشة أبو الزيط. البدوي. سلمان. عبد النبي (الأول). عبد النبي (الثاني). صبيح (تصغير صبح). الغزل. ومن هنا يبتدئ البحر وهو (خليج فارس).
(له تلو)
بيت علم في العراق
1 - تمهيد البحث
أنجبت تربة بغداد الطاهرة أسراً فاضلة رفيعة العماد عريقة في المجد والشرف، ونبغ من هاتيك الأسر رجال كانوا أئمة العلم والفضل وكان لهم من علو الكعب وطول الباع في العلم والأدب ما أذاع شهرة هذا القطر في الآفاق. ولا غرو فإن بلاداً كانت في ما سلف مهبط العلم ومنبع الحضارة، ومنشأ العمران، ومقر العرفان، لجدير بها أن تفتخر بأمثال تلك البيوتات الكريمة التي أحيت بفضل سعيها ما كان اندرس من آثار مدنية السلف الصالح، فأعادت إلى البلاد رونقها وبهاءها، وبنت حياة جديدة دفعت الشعب إلى الإقتداء بالأمم الحية ومسابقته إياها في معترك الحياة، وأنا لا أريد هنا أن أبحث عن تراجم مشاهير العراق في القرون الخالية لأن ذلك متوفر لدينا في كتب التواريخ والتصاريف المفردة للتراجم ودواوين الأدب بل الذي أحب أن أذكره هو الإلمام من طرف خفي إلى تراجم مشاهير العراق في القرن التاسع عشر ممن قد غابت عنا أخبارهم بضياع دواوينهم وطمست معالمهم باندثار آثارهم، إلا وأن هذا البحث خير بحث يتعرض له(3/68)
الأدباء والكتاب. ويا حبذا لو اقتفى كتابنا أثر كتبة الغرب الذين يسعون سعياً حثيثاً وراء إحياء معالم أسلافهم، وتدوين مآثرهم، وتخليد ذكرهم، في بطون التواريخ وصفحات الدفاتر إذ التفتيش عن تراجم رجالنا الأقدمين والمحدثين وجمع متفرقها وضم شتاتها ونشرها بين القوم مما يثير الغيرة الوطنية في الصدور ويحرك الجامدين ويجري ماء الحياة في عروقهم للجري على منوال أسلافهم وإن شئت فقل أن ذلك مما يدفع ناشئتنا الحديثة وشبابنا إلى الإقتداء بأجدادهم وتقليدهم في سيرهم، في اجتماعاتهم، في خطبهم، في آدابهم، في مناظراتهم، لا بل بأعظم شيء نفاخر به الأمم أي بوفرة عظمائنا وكثرة أدبائنا ونحن إن تابعنا هذه الأبحاث ونشرناها على صفحات الجرائد والمجلات نكن خلدنا لقطرنا وأمتنا ذكراً جليلاً، وعزاً خطيراً، ومجداً فخيما، وفخراً عظيماً، لا تمحوه الدهور ولا العصور.
2 - أسرة الألوسي
ومن البيوتات ذات الشرف الباذخ، والمجد الشامخ، والمقام الرفيع، والدرجة العليا في العلم والفضل، أسرة الآلوسي التي تنسب إلى آلوس وهي جزيرة في وسط نهر الفرات على خمس مراحل من بغداد فر إليها أجداده من وجه هلاكو التتري عندما دهم بغداد وفتك بأهلها ومنذ نحو ثلاثمائة سنة رجع أبناؤه إلى الزوراء ولبثوا فيها حتى الآن. وقد نبغ من هذا البيت رجال فضلاء، أدباء، بلغاء فصحاء. ألقى إليهم الأدب مقاليده، فخدموا الآداب العربية ونشروا أثارها وجمعوا متفرقها، وأحيوا أمواتها، وهم والحق يقال أنهم رؤساء النهضة العربية في عراق العرب بعد أن بقى زمناً طويلاً يحن إلى سامق مجده نادباً أبطاله، راثياً مدارسه ومعاهده؛ وممن أشتهر من هذه الأسرة الرفيعة العماد السيد محمود شهاب الدين الآلوسي وأخواه عبد الرحمن وعبد الحميد، وكانوا من أبناء القرن التاسع عشر، رضعوا كلهم افاويق الأدب وذهبوا في فنونه كل مذهب فوقفوا على أسراره ودخائله وميزوا غثه من سمينه وصحيحه من عليله. وهانحن نبدأ بترجمتهم تخليداً لذكرهم، واعترافاً بفضلهم.
3 - السيد محمود شهاب الدين الآلوسي
1: نسبه وولادته وأوائل نشأته - هو أبو الثناء شهاب الدين السيد محمود(3/69)
- ويعرف بالشهاب الآلوسي - ابن العلامة السيد صلاح الدين ابن السيد عبد الله رئيس المدرسين في بغداد ومدرس المدرسة الأعظمية وينهي نسبه إلى الإمام الحسين بن علي رضه، ولد في بغداد في 14 شعبان سنة 1217هـ 1802م وكان منذ أن نشأ وترعرع كلف بالعلوم والآداب. وأخذ العلم عن أعاظم مشايخ العراق في ذلك العهد منهم: الشيخ خالد الكردي النقشبندي وغيره وكانت نفسه كبيرة تتوق إلى الأعالي فبذل ما لديه من القوى المادية والأدبية في سبيل الوصول إلى تحقيق مبادئه السامية، حتى أن مواظبته على المطالعة وانكبابه على الاشتغال بحل العويصات من الفقه والتفسير انسياه لذة العيش، وكان قد وجه همته منذ حداثة سنه إلى التأليف والتحبير وقد ساعده منشأه على إنماء أفكاره وتوجيهها احسن متجه. والخلاصة أنه كان ذكياً متقد الخاطر قوي الحافظة، وصادق اللهجة، وقد أوتي من فرط الذكاء ما جعله إماماً في التفسير والإفتاء. . هذا فضلاً عن أنه كان كاتباً بليغاً، وشاعراً مفلقاً، وخطيباً مصقعاً.
2: رتبه ومناصبه - كان علامتنا بعيداً عن أمور الدولة، معتزلاً أشغالها، تاركاً الدنيا وملذاتها، وبقى على ذلك زمناً طويلاً إلى أن قلدته ولاة الأمر سنة 1248هـ 1832م منصب إفتاء السادة الحنفية، ومنذ ذلك الحين ألجأته الحالة إلى التقرب من رجال الدولة العظام الاختلاط بكبار ساستها ووزرائها فسافر سنة 1262هـ 1845م مع عبدي باشا إلى الموصل ومنها إلى الأستانة وعرج في طريقه على ماردين فارزن الروم فسيواس، وكلما مر ببلدة تهافت عليه أعيانها وعلماؤها وأشرافها لرؤيته والاقتباس من أنواره والاغتراف من بحاره، وبقي في دار الخلافة سبع سنوات لاقى في خلالها من الاحتفال به والالتفات إليه والرعاية شيئاً عظيماً أظهره له السلطان عبد المجيد خان إننا لا يمكننا أن نصفه، ثم عاد إلى وطنه معززاً ممدحاً بكل لسان مشمولاً بألطاف الخليفة الأعظم. وقد منحه الوسام المرصع العالي الشان سنة 1269هـ 1852م.
3: اشتغاله بالتأليف وذكر تصانيفه - ولما رجع إلى وطنه انكب على التأليف والتحبير والاشتغال في تدريس العلوم وقضاء الحاجات لا يضيع ساعة من وقته ولا يضن بشيء على غيره مما أنعم الله به عليه من العلم والجاه والمال، وكان مجلسه خاصاً بالأدباء والفقهاء. أما مصنفاته فكثيرة وكلها جليلة المواضيع جمة الفوائد،(3/70)
ومن أعظمها شأناً وأكثرها اشتهاراً كتاب روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني المطبوع في مطبعة بولاق سنة 1301 في تسعة مجلدات كبيرة جمع فيها خلاصة ما حوته سائر التفاسير بعد أن حل مشكلاتها وأزال الستار عن معضلاتها بيراع دل على غزارة أدبه ورسوخ علمه وطول باعه. ومنها كتابه نشوة الشمول. في السفر إلى اسلامبول، وهو كتاب طبع في بغداد سنة 1291هـ 1884م في 54 صفحة اشتملت على كل ما شاهده من الآثار والعجائب والغرائب في سفره إلى الأستانة وشفعه بكتاب نفيس دعاه نشوة المدام، في العود إلى دار السلام، ضمنه ما وقف عليه أثناء رجوعه من القسطنطينية وطبع في بغداد أيضاً وله أيضاً كتاب الأجوبة العراقية المطبوع في دار الخلافة وكتاب الطراز المذهب في شرح القصيدة الممدوح بها الباز الأشهب وقد طبع في مصر. ومن مؤلفاته النادرة كتاب غرائب الاغتراب في الذهاب والإقامة والإياب ويدعى أيضاً بنزهة الألباب ضمنه تراجم الرجال وخلاصة ما دار بينه وبين السيد أحمد عارف حكمت بك شيخ الإسلام أثناء إقامته في عاصمة الملك من
الأبحاث الفلسفية والمناظرات الأدبية طبع في بغداد سنة 1327 ومن مصنفاته كتاب: الأجوبة العراقية، عن الأسئلة اللاهورية، طبف في بغداد، والفيض الوارد على روض مرثية مولانا الشيخ خالد، وطبع بالمحروسة بالمطبعة الكستلية سنة 1278، وشرح القصيدة العينية في مدائح علي كرم الله وجهه وطبع أيضاً في مصر، وله في المنطق تأليف جليلة القدر خطيرة الأبحاث ومما نعرفه منها شرح السلم في المنطق، وكتاب وكشف الطرة عن الغرة وهو شرح درة الغواص للحريري طبع في دمشق الشام سنة 1301 في 477 صفحة وحاشية على شرح ابن عصام في الاستعارة ألفها في شبابه وحاشية علي مير أبي الفتح في علم آداب البحث وشرح البرهان في إطاعة السلطان وسفرة الزاد لسفرة الجهاد ومن نفائس أثاره رسالة في الإنسان وله في النحو حاشية على قطر الندى لأبن هشام ألفه وهو لم يبلغ بعد الحلم طبع في القدس الشريف وله كتاب يدعى بالمقامات طبع في كربلاء سنة 1873م وعدد صفحاته 134 ومن آثاره النافعة كتاب البيان في مسائل إيران ورسالة في الإمامة رداً على الشيعة، وكتب ورسائل ومجاميع فتاوي وحواشٍ وتعليقات يضيق نطاق البحث عن سردها وتبيانها.(3/71)
4: شعره وأدبه - مر بك القول عما كان عليه المترجم من المقام السامي في التفسير والفقه؛ وهنا نقول أنه كان أديباً كاتباً لا يشق له غبار وشاعراً فصيحاً لا يسبقه أحد في مضمار، وقد نهج في شعره منهج فحول الشعراء في عصر الجاهلية الجهلاء، وفي صدر الإسلام بوصفهم وبلاغتهم وإبداعهم في ترصيف المعاني وانتقاء الألفاظ الرقيقة والأساليب الدقيقة، ومن شذرات شعره قوله يذكر العراق ويحن إليه:
أهيم بآثار العراق وذكره ... وتغدو عيوني من مسرتها عبرى
والثم أخفافاً وطئن ترابه ... وأكحل أجفاناً بتربته العطرى
وأسهر أرعى في الدياجي كواكباً ... تمر إذا سارت على ساكن الزورا
وأنشق ريح الشرق عند هبوبها ... أداوي بها يا مي مهجتي الحرى
وقال يصف بغداد وفراقه إياها:
أرض إذا مرت بها ريح الصبا ... حملت من الأرجاء مسكاً أذفرا
لا تسمعن حديث أرض بعدها ... يروي فكل الصيد في جوف الفرا
فارقتها لا عن رضى وهجرتها ... لا عن قلى ورحلت لا متخيرا
لكنها ضاقت علي برحبها ... لما رأيت بها الزمان تكدرا
ومن لطائف شعره وصفه لشاعر سهل الألفاظ بعيد المعاني قوله:
تتحير الشعراء إن سمعوا به ... في حسن صنعته وفي تأليفه
فكأنه في قربه من فهمهم ... ونكولهم في العجز عن ترصيفه
شجر بدا للعين حسن نباته ... ونأى عن الأيدي جنى مقطوفه
وقال مفتتحاً به كتاب مقاماته ومستغفراً:
أنا مذنب أنا مجرم أنا خاطئ ... هو غافر هو راحم هو عافي
قابلتهن ثلاثة بثلاثةٍ ... فستغلبهن أوصافه أوصافي
وله من القصائد الرقيقة الألفاظ البليغة المعاني شيء كثير. ومما يذكر عنه ويعد له من جملة المواهب أنه كان لا يقصر تأليفه في اليوم والليلة عن أقل من ورقتين كبيرتين، وهذا ما يدلك على ما ناله من سهولة الكتابة وسرعة القلم.
5: أقول شمسه - وقد توفى في 5 ذي القعدة سنة 1270هـ 1854م بلغ عمره 53 عاماً قضاها بالتقوى والبر بالفقراء والإحسان إلى البؤساء ودفن(3/72)
قرب والده المتوفى بالطاعون سنة 1248هـ عن يمين الذاهب إلى الشيخ معروف الكرخي قريباً من باب مسجده وقبره الآن مشهور يزار، وقد خلف خمسة بنين نبغوا في العلوم والآداب وتسنموا الوظائف السامية وهم عبد الله وعبد الباقي ونعمان وحامد وشاكر، وقد رثاه رجال الأدب بقصائد رنانة جمعت ما قيل فيه من المديح والثناء والتنويه بفضله أثناء حياته في كتاب سمى (حديقة الورود في مدح أبي الثناء شهاب الدين محمود) وهو يطبع اليوم. ومن الله التوفيق.
إبراهيم حلمي
نقد الجزء الثاني من كتاب تاريخ آداب اللغة العربية
لجرجي أفندي زيدان صاحب مجلة الهلال
3 - أوهامه في ما قال وفكر وذهب إليه (تلو)
-
لله در صاحب الهلال فإن كتابه لم يكد يصدر إلا واهتمت به أشهر الصحف والمجلات وقام له كتاب العرب والإفرنج وتصدوا للخوض في نقده وإظهار ما فيه من المحاسن والمعايب. وكفى بهذه العناية دليلاً على منزلته بين المؤلفات واحتياج الأدباء إليه وإلى محتوياته. ونحن نقول أن هذا السفر يبقى في مقدمة الكتب التي صنفت أو تصنف في هذا الموضوع. كما أننا على يقين من أن هذا الكتاب يروج أعظم الرواج كمعظم ما صنفه حضرة كاتبنا الضليع ويعاد طبعه مراراً. فإذا عقد النية صاحبه على تجديد نشره نود أن يزول منه بعض الشوائب ليحل المحل الأول بين ما يؤلف في هذا المعنى وينال استحسان الجميع.
على أن الإتيان بها كلها هنا مما يضيق له نطاق المجلة غير أننا نذكر منها القضيض لا القض متتبعين الصفحات لا المواضيع ليسهل على الباحث اقتصاصها والوقوع عليها في موطنها بتسلسل وتحدر بدون أدنى عنف أو مشقة.
ذكر في ص 10 من كتابه أن (أكثر العلوم نشأ من القرآن أو توحد خدمة له) ثم لما جاء بذكر تلك العلوم لم يبين ما ذهب إليه في صدر مقاله لا بل أيد الخلاف(3/73)
إذ نسب بعضها إلى الأقدمين وإن العرب سعوا في ترجمتها. - وقد قال في تلك الصفحة (لا يكاد يخلو علم من تأثير القرآن عليه رأساً أو ضمنا) ونسي أن العرب إذا بحثوا بحثاً في موضوع لم يأنفوا من الإشارة إلى سائر المواضيع فما من أحد تعرض لشرح المعلقات مثلاً إلا ورأيت فيها سائر العلوم (رأساً أو ضمناً) فلماذا لم يقل مثل قوله السابق عن هذه المعلقات. فأنت ترى أن ما قاله في البدء لا يوافق ما أشار إليه في ما تلا من تأييد آرائه.
وقال في ص 11 (أنه (أي النحو) نضج (عند العرب) في قرن وبعض القرن. واليونان لم يتم علم النحو عندهم إلا بعد إنشاء دولتهم بعدة قرون. ولم يضع الرومان نحو اللغة اللاتينية إلا بعد قيام دولتهم بستة قرون) لكن ذهل حضرته عن أن اليونان والرومان
اهتموا بوضع المبادئ والأسس والعرب جاءوا بعدهم فوجدوا كل شيء مهيأ فأخذوه عمن تقدمهم ليس إلا. نعم. إن بعضهم ينكر ذلك لكن أدلة المعاصرين من أهل البحث والمستشرقين من أبناء الغرب أماطوا اللثام عن محيا الحقيقة فأصبحت اليوم سافرة لا تحتاج إلى إثبات.
وقال في صفحة 13: (لم يصلنا من أساليب الإنشاء الجاهلي غير سجع الكهان وأقوال شق وسطيح الكاهنين الجاهليين مشهورة وكلها باردة ركيكة يمجها الذوق). قلنا: إن الذين نقلوا أقوال شق وسطيح وسائر الكهان جاءوا بعدهم بعدة سنين بل بعدة مئين من السنين فلما نقلوا لنا شق وسطيح لم ينقلوها لنا بنصها بل بما يكاد يكون بمعناها. لا بل لعلهم وضعوها على لسانهم بدون أن يكون لها ظل من الحقيقة وقد فعلوا ذلك تحقيراً لكلامهم في عهدهم ذك. وإلا فإن ما وصل إلينا من أشعارهم المتينة وارتجالهم إياها يدل على ما كان لهم من قوة العارضة وأداء البلاغة بجميع حقوقها. طالع مثلاً أمثالهم وما يعزى إلى خطباء العرب ووفودهم وراجع العقد الفريد في ما ينسبه إلى قدماء الناطقين بالضاد تر العجب.
وفي ص 14 ذكر ما: (دخل اللغة في الألفاظ الإسلامية واكتسبت كثيراً من المعاني الإسلامية لم تكن فيها من قبل كالصلاة والزكاة والمؤمن والكافر والمسلم وغير ذلك). قلنا إن شيوع تلك الألفاظ بالمعاني التي يشير إليها كان عرب النصارى قد سبقوا عرب الإسلام إلى وضعها بل كان عرب اليهود أيضاً(3/74)
قد عرفوها واستعملوها. وقد أشرنا إلى ذلك في غير هذا الموطن قبل سنتين فكيف يقول حضرته هذا القول وهو يعلم ما يقابل هذا الكلم من المصطلحات الآرامية أخت اللغة العربية وتكاد تكون هي هي حرفاً بحرف. إن صدور مثل هذا الرأي من صدره لعجيب!
وفي ص 17 وما يليها ذكر ما للعصر العباسي من المزايا وأورد منها شيئاً ونسي شيئاً أكثر وكتب الإفرنج الموضوعة في هذا المعنى تتعرض أكثر لما تعرض له. فلتراجع في مظانها. ومن غريب ما ذكره في هذا السياق حرية الدين ونسي أن كثيراً من الخلفاء ضيقوا على العلويين تضييقاً يقف دونه كل تضييق ديني. وهذا كتاب (مقاتل الطالبيين) لصاحب الأغاني دليل على ما نقول. ثم هل نسي ما فعل بعضهم بالنصارى واليهود فليرجع إلى كتب المؤرخين والإخباريين ير العجب. والمؤلف كثيراً ما أهمل أمر الأمامية في تضاعيف
هذا السفر مما يسفر على أنه غير متوفر العدة في ما يتعلق بشؤون هذه الفرقة التي لها أعز مقام في العلوم العربية وحضارة العرب وتمدنهم. ومن جهله أمور الشيعة قوله عن الفقه والفقهاء ص 138: ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة وتولدت منهم مذاهب الإسلام الأربعة). . . فكان يحسن به أن يقول هنا: أما الاجتهاد عند الشيعة فإن بابه لم يوصد بل بقي مفتوحاً إلى يومنا هذا. وأغلب كبار مجتهدي الجعفرية هم في النجف. ومما زاد الطين بلة قوله في ص 144: (ومن الفقهاء في هذا العصر فقهاء الشيعة لم ينبغ منهم من يستحق الذكر. . .) قلنا: ولو راجع حضرته بعض كتب هذه الفرقة كروضات الجنان، وكتاب نهج المقال، في أحوال الرجال، لميرزا محمد الاسترابادي المكي المطبوع في طهران، وكتاب الفهرست، للشيخ منتجب الدين المطبوع في آخر بحار الأنوار، وكتاب أمل الآمل في علماء جبل عامل المطبوع في ذيل منهج المقال، وكتاب منتهى المقال، في أحوال الرجال، للشيخ أبي علي المطبوع في طهران. - لرأى أنه غير مصيب في كلامه هذا ولتحقق أن بين الأمامية من فقهاء المتوغلين في هذا العلم ما قلما نشاهد مثلهم في سائر الفرق الإسلامية ففيهم أبان بن تغلب وأبان بن عثمان وجابر الجعفي وهشام بن سالم وهشام بن الحكم وزرارة بن أعين وأخواه عمران وبكير، هذا فضلاً عمن يضاف إلى هذا البيت بيت العلم والفضل والآدب، ومحمد بن مسلم وأبو(3/75)
الليث المرادي ويزيد بن معاوية العجلي وغيرهم. وكان يحسن به أن يذكر في ص 155 التقية إذ قال: وفيه (أي في عصر العباسي الثاني) قيدت الأفكار فطارد المتوكل للمعتزلة والشيعة فضعفت الحرية. وعمد الناس إلى التستر بأفكارهم خوفاً على حياتهم خلافاً لما كانوا عليه في أواخر العصر الماضي) أهـ. قلنا وهذا ما يسميه الشيعة بالتقية وهنا كان يليق به أن يذكر بحثاً وجيزاً فيها ويظهر ضررها بالدين لأنها ليست إلا رياء فيه، الأمر الذي لا نراه في أهل السنة.
وقد نسي في كلامه عن علماء الكلام في العصر الثاني العباسي (ص 29) ذكر جماعة من كبار متكلمي الشيعة منهم: أبان بن تغلب وأبان بن عثمان ومحمد بن سنان وهشام بن الحكم وهشام بن سالم وأبو جعفر محمد الأحول المشهور بلقب مومن الطاق والمفضل بن عمر الجعفي ومحمد بن أبي عمير الازدي. وكذلك لم يذكر من مؤلفات محدثي الشيعة ص 211
كتاب الكافي لمحمد بن محمد الكليني الذي له أيضاً الروضة. ونسي أيضاً كتاب من لا يحضره الفقيه لمحمد بن علي بن بابويه والتهذيب والاستبصار لمحمد بن حسن الطوسي وكتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار وهي أربعة كتب مشهورة وغيرها.
ومما يذكره بعز وافتخار، وعده من ثمار تمدن تلك الإعصار، إعصار العباسيين الكبار، (تكاثر الجواري مما لم يسمع به قبله حتى كان فيهم (كذا والأصح منهم) في بعض المنازل عشرات وفي البعض الآخر مئات إلى آخر ما هناك (ص 20) - قلنا: إن هذا مما لا يتباهى به في حضارة أمة ولا دخل له في (تاريخ آداب اللغة العربية) وإنما هذا مما يسكت عنه خوف الفضيحة والعار. خوف الإهانة والشنار.
وفي ص 21 وما يليها إلى ص 32 تقدم إلى ذكر (امتياز العرب على سواهم من الفاتحين) وإلى ذكر (آداب اللغة اليونانية والفارسية والسريانية والهندية) وكل ذلك لا حاجة إليه بل كان يكتفي بإشارة خفية إليه لا غير.
وفي ص 37 نسب إلى العصر العباسي ألفاظاً كثيرة كان معروفة قبل العباسيين لا بل قل الإسلام كالكي والحجامة والتوليد والفسخ والهتك والوثى والرض والخلع إلى آخر ما سرد من الألفاظ. فحقيقة لا أدري كيف يلقي كلامه بعض الأحيان على عواهنه حتى أنه يدفع القارئ إلى أن يظن بأنه لا يفعل ما يفعل إلا(3/76)
لتوسيع حجم كتابه؛ مع أن الحقيقة هو أنه يهرب من ذلك هربه من الأفعى.
ومما ذكره في ص 39 قوله: (فترى مما تقدم أن أهل تلك النهضة (العباسية) لم يكونوا يستكفون من اقتباس الألفاظ الأعجمية ولم يتعبوا أنفسهم في وضع ألفاظ عربية لتأدية المعاني التي نقلوها عن الأعاجم، بل كانوا كثيراً ما يستخدمون للمعنى الواحد لفظين من لغتين أعجميتين. فالسرسام مثلاً أسم فارسي لورم حجاب الدماغ استعمله العرب للدلالة على هذا المرض ولما ترجموا الطب من لغة اليونان استخدموا اسمه اليوناني وهو (قرانيطس) ولو استكفوا من استخدام الألفاظ الأعجمية لاستغنوا عن اللفظيين جميعاً). أهـ كلامه - قلنا إن المترجمين أو المعربين لم يكونوا جميعهم من طبقة واحدة فإن الضلع منهم كانوا يعربون الألفاظ معنىً لا مبنىً. فيقولون مثلاً علم الحساب ولا يقولون (الأرثماطبقي). وعلم الفلك أو النجوم لا (الأسطرونومية) وعلم المنطق لا (اللوجيقي) وعلم الإيقاع أو
الغناء لا (الموسيقي) بخلاف الظلع فإنهم عربوا الألفاظ تعريباً لفظياً وذلك إنهم لبسوا الأعجمي لباساً عربياً وقالوا له إنك عربي فأذهب بسلام على الطائر الميمون. ثم إن الذين استعملوا الألفاظ الأعجمية الفارسية هم غير الذين اتخذوا الألفاظ اليونانية فليسوا هم إذاً بعينهم كما يفهم من قرائن كلام حضرة الكاتب؛ والذين كانوا يدخلون ألفاظ لغة أعجمية كانوا يجهلون أن غيرهم أدخلوا غيرها بمعناها من لغة أخرى أو كانوا يجهلون أن لها مقابلاً في العربية. وفي ذلك العهد كما في هذا العصر كان الضالع والضليع، وابن اللبون الخريع، والبازل القريع، ومنهم من يعلم الألفاظ الاصطلاحية ومنهم من يجهلها وكان أمر النقل من لغة إلى لغة في ذلك العهد اصعب مراساً من هذا اليوم لقلة شيوع الكتب واستلزام نسخها أو نقلها وغلاء ثمنها وعدم وجود المطابع والمعاجم على الوجوه الميسرة المقربة المعروفة اليوم لدينا. وعليه يكون في قول حضرة كاتبنا الفاضل مغالطة ومجازفة.
هذا فضلاً عن إن السرسام غير الفرانيطس (بالفاء) عند المحققين. نعم إن بعض جهلة النقلة قالوا ذلك وبذلك؛ لكن بين أن يكونوا محقين وأن يكونوا محقوقين فرق كفرق ما بين الثرى والثرياء. فإن السرسام لفظ مركب من (سر) أي رأس (وسام) أي ورم أو مرض. وأما قرانيطس بالقاف فهو خطا والأصح إنها فرانيطس بالفاء أجل. إنها وردت في كثير من مؤلفات الطب بالقاف ظناً أنها من قرانيون(3/77)
ومعناها قحف الرأس مع أداة (ايطس) في الآخر للدلالة على الالتهاب لكن هذه اللفظة بهذه الصورة لا وجود لها في لسان اليونان. وإنما هي فرانيطس بالفاء وفي الأول وهي من اليونانية أي التهاب الحجاب.
فأنت ترى أن السرسام غير الفرانيطس عند المحققين وعليه سقط توجيه حضرة الكاتب التحرير في هذا الموضوع ولو كان أتى لنا بعده شواهد مدعاه لكان يتفوم من كلامه ضابط يتمشى عليه لكن الشاهد الذي أتى به انقلب عليه خصماً. على أننا لا ننكر أن ما ذهب إليه قد وقع حقيقة إلا أن وقوعه يعد من النوادر والنادر كالعدم لا يقوم عليه يعمل به المجتهدون.
وفي تلك الصفحة ندرج إلى ذكر التراكيب الأعجمية التي تسربت إلى العربية في عصر العباسيين. وذكر أهم تلك التراكيب لكنه لم يذكر بينات تثبت مدعاه. فكان يحسن به أن يدعم آراءه بالأدلة الناصعة ليؤخذ بكلامه؛ لا سيما إن ما ذهب إليه هو من المبتكر أو يكاد
يكون. ولهذا كان إسناد الرأي الجديد بحجج قاهرة أو مثبتة واجبة التفصيل، في هذا القبيل، وعلى كل فنحن لا نظن أن (الإكثار من استعمال الفعل المجهول) هو من مميزات تلك النهضة بل إنه حدث بعد ذلك بكثير ولا سيما عند المعربين النصارى. أما المسلمون فإنهم كانوا يأنفون من هذا السبك إذ كانوا في مندوحة عنه.
ومما يذكر في تلك ص (أي 39) في باب التراكيب الأعجمية في اللغة العربية قوله. (إدخال الألف والنون قبل ياء المتكلم (كذا) في بعض الصفات كقولهم روحاني ونفساني وباقلاني ونحو ذلك مما هو مألوف في اللغات الآرية لا يستحسن في اللسان العربي). . - قلنا: إن الألف والنون اللذين يشير إليهما لا تدخلان قبل (ياء المتكلم) بل قبل (ياء النسب) وقد أخذ العرب هذا النوع من النسبة من الأرميين لا من الآريين وإن كانت هذه النسبة موجودة بهذه الصورة عند الآريين الذين يشير إليهم وهذا أشهر من أن يذكر.
وقال في تلك الصفحة (أي 39) ومن التعبيرات التي اقتبسها العرب من اللغة اليونانية ما لم يكن لهم مندوحة عنها ولا بأس منها: 1 تركيب الألفاظ مع (لا) النافية وإدخال ال التعريف عليها كقولهم: اللانهاية واللاادرية واللاضرورة أهـ. - قلنا: إن هذا الاستعمال كان معروفاً قبل عصر(3/78)
العباسيين فقد جاء في كلام عامر بن الضرب العدواني من خطباء الجاهلية: أنى أرى أموراً شتى وحتى. قيل له: وما حتى؟ قال: حتى يرجع الميت حياً، ويعود اللاشيء (أي العدم) شيئاً. أهـ. فأنت ترى أنه كان في غنىٍ من أن يقول اللاشيء بقوله العدم. لكنه قال ما قال لتوجيه الفكر إلى معنى دقيق جديد لا يوجد في لفظة العدم.
وقال في ص 40: (ومن الكتب التي يمكن الرجوع إليها في هذا الموضوع موضوع الألفاظ العلمية غير كتاب تاريخ اللغة العربية المتقدم ذكره: (كتاب التعريفات) للجرجاني المتوفى سنة 816هـ، ويشتمل على المصطلحات الفقهية والنحوية وغيرها مرتبة على حروف المعجم وهو مطبوع في باريس سنة 1845 وفي مصر أهـ. - قلنا: لا ندري لماذا خص بالذكر المصطلحات الفقهية والنحوية دون غيرها مع أن مصطلحاتهما قليلة بالنسبة إلى أوضاع سائر الفنون. ثم قال إنه طبع في باريس والحال إنه طبع في لبسيك بسعى غستاف فلوجل: وأما الطبعة المصرية فقد برزت سنة 1283 نقلاً عن الطبعة الإفرنجية كما أن شركة الصحافة العثمانية في دار السعادة طبعتها على النسخة المصرية وهي كثيرة الأغلاط
كالأصل الذي نقلت عنه إذ لم تحرر.
ومن غريب أقواله ما ذكره في سبب الشكوك في الدين والزندقة (ص 51) قال: الفلسفة لم تدخل في ديار قوم أهل دين إلا شوشت اعتقادهم وتركتهم حيارى مذبذبين ريثما يرسخون في العلم فيستقر رأيهم على شيء يدينون به (كذا). أهـ. قلنا: ليست الفلسفة إلا نوراً طبيعياً لا يضر العقل المتدين السليم بل يزيده جلاء مهما تغلغل في الحكمة وإنما يؤذي من كان في عقله آفة أو في دينه مغمز أو مطعن ونحن نعلم أن كثيراً من المتدينين تفرغوا أو يتفرغون لدرس الفلسفة فنهضوا أو ينهضون عنها وقد تمكن معتقدهم في صدرهم وازدادوا نوراً على نور. وإلا فمن ينسب إلى الفلسفة تسبب الضعف في الدين والزندقة كمن ينسب إلى الشمس موت الأحياء. نعم إن الشمس قد تميت لكن الغالب على أفعالها الحياة والأحياء وكذلك فعل الفلسفة. ولهذا فنسبة الزندقة إليها ظلم بين فاضح. وقد قال قدماء الأجانب: قلة العلم تبعدنا عن الله وكثرته تقربنا منه. وحضرة الكاتب كثيراً ما يلمح إلى عدم اتفاق الدين والعلم كأن الواحد عدو الآخر وكأن مصدر الاثنين مصدران متعاديان لا يجتمعان معاً. ونحن ننزهه عن هذا المقال، على أنه لا يسلم هو بصحة مبدأ هذا وكأنه رأى نقصه عند تدوينه إياه(3/79)
فأستدركه بقوله: (على أن الشكوك في الدين شاعت في الأدباء والشعراء قبل نقل الفلسفة إلى العربية فلعلها تطرقت إلى أذهانهم من معاشرة الأمم المختلفة في بغداد والكوفة والبصرة ممن دخل منهم في الإسلام.) أهـ. قلنا: إن تخصيصه الأدباء والشعراء بقلة التدين ظلم بحت أو محض تحكم. فإن فساد الدين في طبقة من الناس دون الطبقة الأخرى فضعفاء الدين موجودون في كل قطر وعصر، وفي كل شق وعمر، وفي كل أمة وملة، وفي كل طبقة من طبقاتها وقد وجد بين العرب قبل الإسلام وفي عهده وفي صدره وفي عقبه بقليل أو كثير أناس ممن يشير الكاتب إليهم كما يشهد عليه التاريخ. وممن ثم لا نستصوب رأي كاتبنا في هذا الصدد كما إننا لا نوافقه على رأيه.
والكاتب البارع المبتدع كثيراً ما يعمم بعض الأمور لورود خبر خاص جاء في معنى من المعاني التي يريد تأييدها. وهذه كتبه كلها مشحونة بمثل هذا الإطلاق المخل بالحقائق وقد جاء مثل ذلك في ص 53 قال: (وكثيراً ما كانت تعقد مجالس الشعراء لغرض أدبي كوصف منظر أو أداةٍ كما فعل الهادي إذا استقدم الشعراء إليه وأقترح عليهم أن يصفوا
سيفاً أهداه إليه المهدي وهو سيف عمرو بن معدي كرب فوضع السيف بين يديه وقال للشعراء: صفوه فنال الجائزة ابن يامين المصري.) - قلنا: ولو قال (وربما كانت تعقد مجالس. . . الخ) لكان أثبت قدماً في موقف الحقيقة وإلا لو كان صادقاً لأتى لنا بشواهد جمة تأييداً لمقاله. فإذ لا يسرد إلا شاهداً واحداً فالأوجه أن يقول مثلاً عبارة تشعر بضيق موقفه وحرجه أو تدل على أن الأمر لم يكن على وجه العموم. - وفي تلك الصفحة قال أيضاً: وكثيراً ما كان الرشيد يعقد المجالس للبحث في معنى بيت. وهو لم يذكر هناك إلا شاهداً واحداً إدعاماً لرأيه. ومثل ذلك قال في الصفحة التالية (54) وهذا نص كلامه: (وكثيراً ما كان رجال الدولة يعولون على الشعراء في تبليغ بعض ما يخافون غضب الخليفة منه كما فعلوا بتبليغ الرشيد خبر نقفور ملك الروم) وهنا أيضاً لم يذكر كاتبنا إلا خبراً واحداً لبناية حقيقة تاريخية عامة الموضوع. ولو أردنا أن نتبع مثل هذه الأقوال. لاتسع بنا المجال. إلى ما يخرجنا عن ميدان البحث.
والظاهر من تتبع صفحات كتاب مؤلفنا المبتدع أنه لم يعن بتتبع أحوال الشيعة وليس بيده كتبهم الكبار إذ قلما يستشهد بمصنفاتهم بل كثيراً ما يظهر(3/80)
جهله أخبارهم. أنظر مثلاً ص 57 تر أنه عد من شعراء الشيعة السيد الحميري ودعبل وديك الجن فقط وأخرج من بينهم صريع الغواني مسلم بن الوليد ومنصور النمري والعكوك وأبا دلف وأبا تمام والبحتري وأبا نواس. مع أنهم من المتظاهرين أو القائلين بالتشيع.
وقد يهفو أحياناً في جزمه في بعض الأمور لا سيما في وجود الكتب وضياعها فقد قال مثلاً في ص 123: (ولم يصل إلينا من كتاب العين إلا ما نقل في كتب اللغة كالمزهر للسيوطي وكتاب النحو لسيبويه) ولو زاد عن ذلك ثلاث نسخ في العراق ولعل يوجد أكثر من ثلاث وقد ورد مثل كلامه هذا بخصوص المؤلفات النادرة في عدة مواطن ونحن نكتفي هنا بالإشارة فقط. ولهذا يحسن به أن يكسر قليلاً من لهجته في هذا الصدد. ولا سيما وقد عاد في الصفحة 124 إلى كتاب العين فقال: وللأسف أنه ضاع وقد كان موجوداً إلى القرن الرابع عشر للميلاد ولا يبعد أن يعثر الباحثون على نسخة منه في بعض المكاتب الخصوصية).
ومن أوهامه أنه نسب إلى ابن المقفع معرفة اليونانية (ص 129) وهذا رأي فائل ذكره
بعض مترجميه على طريق التكهن لأنهم رأوه اختصر بعض كتب مترجمة من اليونانية لكن لم يذكر أحد هذا الخبر على طريق التأكيد والحكم المبتوت فكيف جاز له بعد ذلك أن يقول: وكان يعرف اللغة اليونانية (جيداً)؟
وفي بعض الأحيان يقابل حضرته بين ما أتجه تمدن اليونان والرومان بما ولدته حضارة العرب ثم أنه يحكم بأن نتاج أهل الغرب لم يكمل إلا بعد سنين طوال وأما نتاج العرب فإنه كمل بعد حين قليل. مثال ذلك مقاله في ص 144 (فترى مما تقدم أن المسلمين دونوا فقههم واقروه واستنبطوا الأحكام والشرائع قبل انقضاء القرن الثاني من تأسيس دولتهم ولم يتفق ذلك لدولة من الدول قبلهم. فإن الشريعة الرومانية لم يستقر أمرها وتضبط إلا في زمن يوستنيان وذلك بعد تأسيس الدولة الرومانية بأكثر من عشرة قرون.) أهـ كلامه. قلنا في مثل هذه المقابلات والمعارضات: إن العرب أخذوا أغلب علومهم عن كتب الرومان واليونان وغيرهم فحصدوا ما زرع غيرهم. وأما من سبقهم فإنهم حصدوا ما زرعوا بأنفسهم. ومع هذا كله فشتان بين نتاج ونتاج وبين حضارة وحضارة(3/81)
فإن المستشرقين الراسخي القدم في تواريخ أهل الشرق والغرب يرجعون اليوم كثيراً عما ذهب إليه من سبقهم إلى هذه الآراء التي أرتاها إخوانهم قبل أن يطلعوا تمام الإطلاع على مآخذ العرب ومصادر علومهم.
رجال السفينة العراقية
1: (الأولى) هو كبير الملاحين. ويكون في مقدمتهم عند جرهم السفينة. وهو مشتق من الأول (أي المقدم). وتختلف أجرة (الأولى) في السفينة باختلاف المواقع ففي بغداد يأخذ (الأولى) على السفرة من بغداد إلى البصرة عشرة مجيديات ويكفل كل الملاحين وإذا هرب أحدهم في الطريق يتعهد بإرجاعه إلى محله أو يأتي غيره وإلا يغرم عشرة المجيديات عوض ذلك. وفي الفرات يأخذ (الأولى) مجيدين إلا أنه لا يكفل أحداً أبداً؛ وكذلك (أولى) السفينة التي تسير بين الكوت والبصرة. وقد تختلف هذه المعاملات في بعض الأحيان أو الأمكنة والاختلاف طفيف.
2: (الآشجى أو العقب يراد بهما الطباخ الذي يطبخ طعام أهل السفينة وأجره الآشجي أو العقب الذي في بغداد أربعة مجيديات والذي بين الكوت والبصرة مجيديان وذلك على كل سفرة يسفرها من المحل الذي تقلع منه سفينته إلى البصرة ذهاباً فقط. لأن أهل الكوت وأهل سقي العراق يتحاسبون في المحل الذي تنقل فيه أحمال سفينتهم ولا يتركون الحساب إلى الرجوع بخلاف أهل بغداد فإنهم لا يتحاسبون إلا عند رجوع النوتية إلى المحل الذي أقلعوا منه ويسمى أهل السفن نقل حمل السفينة (نفاضاً) فيقولون (نفضت) السفينة (ونفضتها) أنا و (انفض) أنت السفينة بصيغة الأمر.
3: (البواب) هو الملاح والبوابون خمسة وهم بواب أول وثانٍ وثالث ورابع وخامس. وهذا عدد الملاحين في السفينة الكبيرة وقد ينقص ويزداد بحسب كبر السفينة وصغرها.(3/82)
4: (الجوقة) هو اسم جميع رجال السفينة من صغير إلى كبير ما عدا الناخذاة والكلمة فارسية الأصل من جوخ بمعناها.
5: (الصاعود): هو الذي يصعد دقل السفينة لتحويل بعض حبال السفينة من محلها إلى محل آخر ومن أعلى الدقل إلى أدناه أو لغير ذلك مما يخص هذا العمل. وأجرة الصاعود من أهل بغداد مجيدي واحد في السفرة والذي من أهل الكوت نصف مجيدي.
6: (الصانع): هو الذي يجر القفة وأجرته عن كل سفرة تدوم نحو أربعة أيام زهاء عشرة فرنكات. والكلمة مشتقة من الصنع أي العمل.
7: (الطراح): هو مسير (العبرة) و (الكلك) ويجمعونها على طراريح. وهو ذو رتبتين عليا وسفلى وصحب الرتبة العليا يسمى عندهم (رأساً) وصاحب الرتبة السفلى يسمونه (دوناً) بمعنى أدنى وأجرته تقل أو تكثر بحسب رواج سوق النقل وكسادها فقد تقل أجرة (الرأس) من الموصل إلى بغداد حتى تكون نحو 35 فرنكاً وقد تكثر فتبلغ 70 فرنكاً بل وترتفع في بعض الأحيان فتبلغ 100 فرنك أو أكثر. وأجرة (الدون) من الموصل إلى بغداد أيام البطالة 30 فرنكاً وأيام الشغل 60 فرنكاً وأجرة (الرأس) من تكريت إلى بغداد أيام الكساد 13 فرنكاً وأيام الرواج 40 فرنكاً وأجرة الدون في الوقت الذي تقل فيه النقليات 9 فرنكات وفي أيام المواسم 25 فرنكاً وقس على ذلك.
8: (العقب أو الآشجي): هو الطباخ وقد مر ذكره في صدر المقالة.
9: (الملاح): هو العامل في السفينة ويجمع عندهم على ملاليح (وزان مصابيح). ويسمى أيضاً سفاناً بفتح السين وتشديد الفاء والجمع (السفانة) وكل ذلك فصيح أما البواب الذي مر ذكره فيستعمل عند عدهم ويأخذ ملاحو السفينة جميعهم نصف أجرة حمل السفينة وذلك بعد إخراج المصرف الذي صرف عليهم من طعام وغير ذلك ويقتسمونه بينهم ويخرجون(3/83)
للقفة التي تسير بجنب السفينة سهماً من عندهم يأخذه الناخذاة: هذا ما يفعله أهل بغداد. أما أهل الكوت فلا يخرجون سهماً باسم القفة أو (الخشبة) ويتحاسبون حيثما يلقى حمل السفينة بخلاف أهل بغداد فإنهم لا يتحاسبون إلا بعد رجوعهم إلى المحل الذي أقلعت منه سفينتهم أما أهل الفرات فهم كأهل الكوت إلا إنهم يخرجون قبل كل حساب من جملة الربح (وهو في لسانهم الوسط) عشرة مجيديات إلى الناخذاة ويسمون ذلك (ذبة) ويخرجون أيضاً من نصفهم سهماً كسهم أحدهم ويعطونه إلى مالك السفينة لكي يشتري به ما ينقص من أدوات السفينة ويسمون ذلك أيضاً (ذبة).
والملاح عربي أصيل ومن أسمائه أيضاً عند الأقدمين نوتي، صارٍ، غادف، داري، عركي: قال في المخصص: (. . . النواتي الملاحون وأحدهم نوتي (والكلمة يونانية) الغادف الملاح يمانية. . . والصاري الملاح وجمعه صرآء والداري الملاح الذي يلي الشراع منسوب إلى موضع يقال له دارين.) أهـ وقال الإسكافي: (. . . العركي الملاح.) أهـ. قلت: والعركي يونانية.
10: (الملاك): هو مالك السفينة ويأخذ من ربح السفينة النصف وأجرة الناخذاة عليه.
11: (المليطي): ويسميه البعض (المليطة) بالهاء هو معاون الناخذاة ولا يعطي أجرة إلى أن يتعلم صناعته: والكلمة مشتقة من المتملطة وهي محل الإشتيام أو الإستيام أي رئيس الملاحين أو رئيس ركاب السفن. راجع المجلد السابع من مجلة المقتبس ص 111 - 118.
12: (النوخذة): ويجمع عندهم على (نواخذ) و (نواخذية) هو (ربان) السفينة وقد استعمل القدماء كلمة (النوخذة) بصورة الناخذاة والكلمة فارسية ويأخذ الناخذاة من عشرة مجيديات إلى ما فوق.
أشهر مشاهير النواخذة
من اشهر مشاهير النواخذة الحاليين في دجلة رجلان: الأول اسمه (هويدي الصالح الحياوي) نسبة عامية إلى الحي (أي واسط) وهو حي يرزق إلى الآن(3/84)
وعمره قراب 40 سنة. والثاني (هويدي الكيتاوي) نسبة عامية إلى (الكوت الإمارة). وهو أيضاً في الحياة والأول أمهر وأشهر وله حكايات في سير السفن تحير الأفكار حتى تخال أنك تسمع حكايات خيالية ملفقة وهي ليست بها.
وفي الفرات رجل اسمه (غافل الدغاري) نسبة إلى الدغارة ومن مهرة غافل المذكور أنه كان يرسل سفينته في مصب (عين) سدة الهندية الشهيرة بحملها فتعبرها بدون ضرر وغيره لا يقدر على ذلك أبداً وهو إلى الآن في الحياة وقد بلغ من العمر نحواً من 45 سنة. وأحذق أهل السفن في العراق كله في سيرها أهل (لملوم) أي (الأبيض).
ومن أشهر عمال السفن في الفرات الحاج محمد بن قروف من أهل الكويت(3/85)
وهو اليوم ساكن الكوفة وقد مر ذكره في لغة العرب 2: 101 باسم (قروفي). وفي دجلة حسين أبو عير وهذا الرجل قد جن في آخر عمره ومع جنته لم يفتر عن صناعة السفن ويجيد صنعها وقد مات قبل 15 سنة. والمشهور اليوم في دجلة (تونة (2) البغدادي).
ومن أشهر (عوارف) السفن (والعوارف جمع عارفة والعارفة عند إعراب العراق هو الذي يتحاكم إليه في الخصومات. وعوارف السفن هم الذين يفصلون الخصومات التي تتعلق بأمور النوتية) هو (غافل الدغاري) في سقي الفرات وقد مر ذكره والحاج (محيسن
الغيداوي) من أهل طويريق. (وحسين آل حنظل) من أهل النجف.
وفي دجلة (داود الجنابي) من أهل بغداد (والسيد طاهر بن الحاج عبد الله) من أهل بغداد أيضاً. و (هويدي) و (شمندو) وكلاهما من أهل الكوت. وبهذا القدر كفاية والسلام.
كاظم الدجيلي
إقامة أتون طاباق عمومي
لا يقام أتون للطاباق في وادي الفراتين إلا على نحو ما يقام في وادي النيل أي يحتاج إلى طائفة أو عدة طوائف من الملبنين (الذين يعملون اللبن) بموجب خطورة العمل. وطائفة الملبنين هي عبارة عن ثمانية عملة يعملون منها في اليوم ألفين.
ودونك الآن كيف تتوزع أنواع الأشغال: ثلاثة عمال اسمهم (مشاؤون) يستخرجون التراب ويخلطونه الخلط اللازم ويعجنونه في نقر عجناً بالأرجل والمألوف في هؤلاء العملة أن ينتقوا من بين كثيرين ويدربون على هذا الشغل ويأخذون على أنفسهم أن ينتقوا هذا العمل المتعب والمهم ومياومتهم 7 غروش صحيحة.
وعاملان أسمهما (نقالان) ينقلان الطين المعجون على مائدة الملبن ومياومة كل منهما 4 غروش صحيحة.
و (ملبن) يكون رأس الطائفة وهو الذي يعني بإفراغ الطين في القالب وأول شيء يعمله يذر على لوحته وقالبه شيئاً من الرمل اليابس الدقيق ليمنعه من الالتصاق باللوح ثم يجعل فيها المعجون اللزج فيحزقه حزقاً بيده ويلقى عنه ما فضل(3/86)
عند حزقه ويساوي سطح القالب بمكشط من الخشب. ولا حاجة إلى القول إن القوالب تكون من خشب صلب وقد تكون من الحديد. ومياومة الملين 12 قرشاً صحيحاً. وتحت يدي الملين فتيان يسميان (حمالين) يحملان القالب المحشو مع لوحه فيفرغانه على اللوحة المذكورة بعد أن يكون قد وضعها على متسع من الأرض نظيف وسوي ويابس. ثم يعود الحمال بالقالب فيغسله في ماء موضوع في سطل ويعيده إلى الملبن أستاذه ومياومة كل من الحمالين 4 غروش في النهار.
وقد ينزل عدد الطائفة من 8 إلى خمسة فيكون حينئذ حاصل كل يوم 800 طاباقة وهذا لا يوافق النفقات إذا كانت الأشغال تتطلب طاباقاً كثيراً.
فترى مما تقد شرحه إن مجموع مصرف كل يوم لكل طائفة تعمل ألفي لبنة هو 49 قرشاً صحيحاً لألف لبنة.
ملاحظات عامة
(أيام الشغل) الأيام التي يشتغل بها الطاباق ليست على السواء فالتي يوافق فيها الشغل هو
200 يوم في السنة أي من 15 نيسان إلى آخر تشرين الأول وأما بقية الأيام وهي 165 يوماً فإنها كثيرة البرد والرطوبة ولا يوافق الشغل فيها لصعوبة نشوفة اللبن.
(ماء الشغل) إذا تدبرت الأبنية التي تشاد في بغداد تلاحظ أنها قد علاها غشاء أبيض بعد أيام قليلة من بنائها لا سيما سافات البناء السفلى وهو ما يسمونه بالشورة.
هذه الشورة تتولد من خروج ملح الكلس الذي كان في معجون اللبن قبل إحراقه ولذلك سببان: الأول هو وجود هذا الملح في الأرض. ثانياً: زيادة هذا الملح المذكور عند عجنه بالرجل في نقرة الدوس وذلك أنه يجلب له ماء هو ماء الآبار وهذا الماء في بغداد كثير الملوحة فيزيد على ملح الأرض الأول ملح الآبار فيزداد قدره.
فإذا أردت أن تجتنب هذا الخلل ابن مفخرتك قريباً من الشط وخذ ماءك منه لأن الماء الداخل في حجم اللبن هو نحو نصف قدر التراب الذي يتخذ منه اللبن.(3/87)
(الشغل بالآلات) في كل ما تقدم سرده وشرحه لم أتعرض لذكر الوسائط الآلية عمداً سواء كانت هذه الآلات للدوس أو للعجن أو للتلبين. والسبب هو أن الشغل باليد أقل نفقة من الشغل بواسطة الآلات لأن أجرة العملة هنا غير باهظة بخلاف المعينات فإنها تكلف مصارف جمة ورجالاً خصوصيين فتزيد كلفة إقامة المفخرة. وقد يستعان بهذه الآلات لعمل بعض الآجر الذي يزين به ظواهر الأبنية أو ما يراد التأنق ببنائه.
(سقط الآجر) قد سبق القول عن سقط الطاباق فهذا السقط يكون:
1: من الآجر الذي يحرق إحراقاً تاما
2: من الأجر الذي بولغ في إحراقه فأصبح كالزجاج
3: من الآجر الذي تكسر عند إدخاله الأتون وعند إخراجه منه. وكل هذا السقط لا يلقى بل ينتفع به.
فالآجر الأول يتم إحراقه والثاني يتخذ في إقامة الأسس وإدخاله في أجراء اللياط. والثالث يتخذ كردة أو حمرة
فإذا علمت كل ذلك هان عليك ما يجب اتخاذه من أنواع الموافي وعلمت أن أحسنها هو الذي نشيد بذكره أي أتون هوفمان مع بعض إصلاح يفيد هذه البلاد وهو لا بد منه. وبذلك أكون قد نفعت أصحاب هذه البلاد. وهذه هي الغاية التي توخيتها من وضع هذه المقالة.
والله الموفق لسبيل الرشاد.
أ. ب.
سورة الخيل
نزلت ببغداد في جمادي الأولى سنة 1300
موعظة لمشتري خيل الشرط من الأعراب
الباب الأول في تفصيل الأصل
إذا عشيرته يشبون من أصله يكفي وذاك يعلم بالتحقيق وعلامات(3/88)
الأصالة مكتوبة على الوجود بقلم الخالق أيضاً خصوصاً في الجلد والشليل والشعر والوجه والمشية والعيون، والله.
الباب الثاني في تفصيل الشكل في الجملة
(1) طويل مثل السفينة أو الحية، (2) قريب من الأرض، (3) ملموم مثل المصارع لا مبسوط مثل العنكبوت أو اللقلق، (4) عيون كبار وجازع، (5) طبعه ساكن وصبور، (6) في تحت بطنه عرض واسع.
الباب الرابع في تفصيل الوسط
1 - بطنه قريب من الأرض، 2 - الحارك منخفض، 3 - الدفتان طويلان وأعوجان 4 - الحزام نازل كثيراً مثل حزام كلب الصيد وقوي 5 - الظهر ما طويل بل مناسب
ومرتفع مثل التل، 6 - المسمط قوي كثيراً ومرتفع مثل الجبل وجنباه واسع، 7 - الأضلاع مدورات مثل القوس أو القدح لا عدلاً مثل الجدار، 8 - الشاكلان قريبان من الحجبتين(3/89)
الباب الخامس في تفصيل القطات
1 - القطاتان وسيعتان ومبسوطتان مثل أبواب المدينة وبينهما تحت الدبر محل مثل الشارع والدبر داخل مدفون في رأسه، 2 - المجمع مرتفع كثيراً بنسبة الحارك 3 - الحجبتان منتشران وواسعان وعليهما أعصاب قوية كبار ما مدورة بل مبسوطة مثل اللوحتين المقطوعتين من الحجر أو الحديد 4 - من المجمع إلى الشليل طويل وأن نازل ما يخالف بشرط الوسط والفتح
الباب السادس في تفصيل اليد
1 - الذراعان طويلان وأعصابهما كبار كثيراً 2 - الركبتان كبيرتان وبعض من إعظامهما جازية مثل القرون. 3 - الأساس عدل وقصير وكبير والجريدان كبيران بلا لحم مثل السيوف وسابطان أبداً من العيون والنكس، 4 - الرسغان كبيران.
الباب السابع في تفصيل الرجل
1 - الفخذان طويلان وعدلان يعني ما فيهما انحناء مثل الهلال وأعصابهما محكمة خارجاً وداخلاً مثل أفخاذ الديك، 2 - العرقوبان كبيران ومن ورائهما إلى قدامهما واسع كثيراً ومفتوح وإعظامهما معلومة مثل الآجر في الجدار 3 - الأساسان قصيران ومائلان إلى اليدين يعني أعوجان من تحت العرقوب(3/90)
الباب الثامن في تفصيل المشية
1 - في الركض يستر الأرض مثل العندليب ولا يرفع اليدين أو يعوج الركبتين 2 - في المشية رجلاه تقعان أمام يديه وخارجاً عنهما أيضاً 3 - وذلك يتعلق بوسط قطاتيه وفخذيه.
(تمت وبالخير عمت)
بدوي عراقي
مشارفة سد الهندية
(لغة العرب) كثر الكلام في هذه الأيام، عن سد الهندية. فمنهم من استحسنه وتفاءل به خيراً للبلاد والعباد، ومنهم من رأى فيه ضرراً لنا ولديارنا، وفريق ذهب إلى أن النضار العثماني وأموال الدولة تدفن فيه دفناً. وجماعة قالت أنها تبذرها بذراً يثمر عن قريب المثل مائة ضعف أو ألف ضعف. إلى غير هذه من الأقوال والآراء. فأرادت إدارة مجلتنا أن تعرف الحق من الباطل. فأنفذت رجلاً بصيراً بالأمور عارفاً الحقائق محباً للوطن، ليشارف ذلك السد ويرفع إلينا رفيعة. وبعد أن عاد من مهمته كتب إلينا ما خالجه من الشواعر بهذا الخصوص ونحن ندرج هنا للقراء ما أنشأه وإليك ما قال:
سمعت منذ حداثة سني وما زلت اسمع إلى الآن أقوالاً مختلفة بشأن هذا السد وعن تصميم الدولة على بنائه وعلى تحقيق أمنيتها. وكانت هذه الأقوال كثيراً ما تتصادم بعضها ببعض. ويناقض الواحد ما يثبته الآخر، لا بل رأيت كثيرين ينتقدون السد وأشغاله الخالية والحالية انتقاداً يشف عن حزازات دفينة أو عن غايات وأهواء متباينة حسب الدافع الذي يدفعهم إلى القول. ومن الغريب أن كل ما سمعته من زين وشين (وبعض الأحيان كنت اسمع أشياء تصدر من مصدر جليل أو يعتمد عليه) لم يثبت في نفسي رأياً دون رأي بل أثار في صدري شوق التحقيق ولاعج الاستقرار. فقلت في نفسي: لا يحسن بي أن أتمسك بقول هذا دون ذاك بل يجدر بي أن أذهب بنفسي إلى محل الأشغال وأنظر ما فعله في السابق المهندس البارع الفرنسوي شندرفر وأقابله بما رسمه المهندس الشهير الإنكليزي السير وليم ولكوكس وحينئذ أستطيع أن أبين حكمي وأرى رأيي بعد أن أكون قد نظرت ما في الرسمين من الحسنات والسيئات. أما اليوم وقد أتممت ما كان قد دار في خلدي تبين لي الحق وصرح فجمعت في ذاكرتي ما سمعته في السابق وضممته إلى ما رأيته(3/91)
واختبرته بنفسي، فتقوم من كل ذلك حقيقة أظنها قائمة على ركن مكين.
وقبل أن أتعرض لوصف السد ابدأ بأن أقول لكم إن إعادة الماء إلى نهر الحلة أمر مبتوت لا رجوع إليه ولا يحتاج الإنسان إلى أن يكون من العلماء أصحاب الفن لكي يوقف صاحبه على ما لم يره بنفسه. فمجرد النظر إلى تلك الأشغال الهائلة التي تجريها الحكومة بل
تختسها في الهندية تكفي لكي تريح عن فكركم كل شك في هذا الصدد.
ودونكم الآن الإفادات التي اقتبستها في المواطن التي تقوم فيها الأعمال، وقد قرنت بها الملاحظات والتأثرات التي وقعت في نفسي أو شعرت بها في مطاوي مشارفتي إياها:
في الموطن الذي تتم الأشغال اليوم يتفرع الفرات إلى فرعين: الفرع الأول وهو الفرع الأيسر اسمه (شط الحلة أو نهر الحلة) والفرع الثاني وهو الفرع الأيمن اسمه: (شط الهندية أو نهر الهندية). وكانت شعبة الحلة في الأزمان الخالية أعظم من الشعبة الثانية أختها. أما اليوم فالأمر بالعكس إذ كل ماء الفرات يتدفق في شط الهندية. وقد ذهب الباحثون في هذا الانقلاب مذاهب شتى معللين له أسباباً مختلفة. ولما كانت معرفتي لا تجاري معرفة أولئك المدققين من أهل الفن لقلة بضاعتي في هذه المادة اجتزئ بأن أذكر الأمور على أوجهها بدون أن أتوغل في البحث عن عللها وأسبابها ولهذا الضرب صفحا عنها.
بدأ تحول الفرات عن مجراه قبل نحو 40 سنة. فلما رأى أولو الأمر هذا الانحراف في الجري قاموا له وقعدوا، وشرعوا في سنة 1885 بإقامة سد غواص وكان المهندس له الفاضل شندرفر المذكور وبناه بالطاباق وجعله في عرض النهر ليقلل جريانه في شط الهندية ويكثر انحداره إلى شط الحلة لا سيما في إبان الصيهود (نقصان الماء) الذي يكون في أيام الخريف. ولو سعى أولو الأمر بالمحافظة على حالته التي رسمت له محافظة تامة لكانت تحققت الأمنية. إلا أنه لأسباب عديدة أهمل أمره. ولما تعاقب الزمان عليه أخذ بالانهدام والانهيار حتى لم يعد وافياً بالمقصود ولم تبق فيه فائدة. وأصبح ترميمه كثير النفقات وصعب التحقيق فاضطر أصحاب الحل والربط إلى إهماله بتاتاً وإلى إبداله بسد آخر أقوى وأمكن وأوفى فائدة بالمرام حسماً للأمر بدون أن يحتاجوا إلى أن يعودوا إليه كل حين مع(3/92)
تحقيق الأمنية أن يجري الماء جرياً غزيراً في شط الحلة على طول مدة السنة وهذا هو فكر السير وليم ويلكوكس وهو الفكر الذي يخرج اليوم إلى عالم الوجود منذ سنة 1909.
أن أشغال السد تقدمت تقدماً عظيماً إذ إنها تنتهي في أواخر الخريف واليوم يجد المهندسون والعملة في إتمامها ولا يمكنني أن أخفي عليكم ما أقوله وهو: إني تعجبت غاية التعجب من فخامة هذا البناء المكين وضخامته وجلالته. وفي ظني إن هذا السد هو أعظم وأجل من
جميع الأسداد الموجودة في بلاد دولتنا العلية. ولقد عجبت من حسن محل الشغل الذي يستغرق أرضاً مساحتها 1. 500. 000 متر مربع ودهشت مما رأيت من عمالنا العراقيين المشتغلين هناك. فحقيقة هم أهل لأن أهنئهم بما رأيت منهم من شدة النشاط والنباهة والذكاء إذ كل ذلك يرى في كل ما يأنونه ويفعلونه مع أنهم لم يتخرجوا في مدارس أصحاب الفن ولا في مكاتب عليا بل ولا دنيا. فكيف بهم لو دخلوها وأتقنوا الفنون الراجعة إلى هذه الأعمال. وتحققت اليوم كما تثبت الأمر سابقاً إن لأبناء العراق من الذكاء الفطري والانتفاع من كل نور عصري ما قلما يرى في أهالي سائر البلاد إذ يتلقون بسهولة كل ما يشاهدونه بدون أدنى كلفة أو تعب. وسواء كانوا مرارين أو طيانين أو بنائين أو مشتغلين بالآلات فكلهم قد اكتسبوا في زمن قليل من حسن التصرف بأعمالهم وأشغالهم ما يقضي منهم بالعجب العجاب. ونحن ننسب تقدم هذه الطبقة من العملة إلى دراية مهندسي محل السير جون جاكصن وحسن آدابهم ورفقتهم بأبناء الوطن. كيف لا وقد أخذوا على أنفسهم بناء هذا السد وحسن معاملة أبناء هذه الديار لتكون الفائدة فائدتين: تعمير البلاد، ومجاملة العباد.
هذه الأمور ترى كلها روية حسية بل تكاد تمس بالأيدي ولهذا لا يمكن أن ينكر هذه الحقيقة البينة إلا من أعماه البصر وأغواه شيطان الفساد والحسد إذ المشاهد لا يستطيع إلا أن يقر صاغراً أمام هذه الإدارة العامرة التي أخذت على نفسها إبراز تلك الأمنية إلى حيز الوجود. ولقد شبهت محل الشغل بخلية عظيمة من خلايا النحل (أي بكورة زنابير العسل) إذ عددت فيها أكثر من ألفي عامل من كل صف وصنف بينهم من يحفر في الأرض، وآخرون يقطعون اللبن، وفريق يبني الجدران، ويقيمها على أسسها، وجماعة تسير الآلات المختلفة، وكثيرون يمشون(3/93)
أو يدفعون عجلات السكك الخفيفة التي أنشئت لنقل التراب والمواد وأنواع المعدات. ورأيت في جميع المواطن ترتيباً عجيباً ونظاماً غريباً ولم أشاهد أبداً رجلاً قد انقطع عن شغله أو قد لها بغير وظيفته كما إني لم أبصر من أساء العمل أو أساء التصرف في ما بين يديه بل بالعكس رأيت كل شيء سائراً في مجراه الذي رسم له قبل الشروع به وباذلاً كل ما في وسعه ليحقق ما أطلع عليه فيتمه أو يحكم عمله على احسن ما يمكن أو أفضل ما يرام لكي يمنع كل تبذير في الوقت أو في المال أو في المعدات.
فلما اعتبرت كل ذلك قلت في نفسي: وكيف وجد أناس ينتقدون مثل هذه الأعمال. فقاتل الله أصحاب الأغراض ما أشد ضررهم على الوطن! يتكلمون بأشياء وعن أشياء لم يروها ولم يفقهوها! فليأتوا مثلي إلى هنا وليشاهدوها بعيونهم وليحكموا بعد ذلك بما توحي إليه أنفسهم. على أني أقول أنهم إذا شارفوها لا يتمالكون عن أن يعدلوا عن رأيهم الأول المعوج ويلقوا عنهم الآراء التي تلقوها عن بعض أصحاب المفاسد والغايات ويتمسكوا بما هو أقرب إلى الحق وأبين للعقل السليم. لا بل أقول بكل جراءة: إن كان في بناء السد بعض المغامز والشوائب (وهي ليست فيه) فيجب علينا مع ذلك أن نشكر الذين أنتجوا لنا هذه النتيجة وهي أن محل الشغل أصبح مدرسة تخرج فيها عملة عديدون من جميع الأصناف مهروا في صناعتهم كل المهارة وكانت البلاد في السابق خالية منهم، عارية من أمثالهم، ولا جرم أنهم يصبحون للعراقيين أمثلة حية لمحبة الشغل والجري على خطة معلومة وتحقيقها على الوجه الأتم المرضي مع إتقان العمل والصناعة التي تلقوها.
إن السد الحالي يبنى على أرض قارة تبعد نحو 700 متر فوق السد القديم وشكله شكل جسر قائم على عقود مألوفة وطوله نحو 250 متراً وعرضه بين الطوارين (أي بين التيغتين) 4 أمتار وعدد الأبواب التي فيه 36 وعرض كل منها 5 أمتار وهذه الأبواب تكون من المعدن وتنزل إنزالاً كما ينزل السيف في القراب وأقربتها من الآهين (الحديد المصبوب) وتنزل فيها بواسطة آلات خصوصية تقام على الأطورة (التيغ) من جهة صدر النهر تسمى مرافع (جمع مرفعة) ويكون ارتفاع منبسط الماء الذي يمر خلال هذا السد 6 أمتار في وقت(3/94)
الفيضان ويدفع 2600 متر مكعب في الثانية. وعرض كل عمود من عواميد هذا السد متر ونصف وطوله عند قاعدته 13 متراً.
والسد كله مبني بالطاباق وبالملاط (الشيمنتو) ولقد صنع له أكثر من 12 مليوناً من الآجر واتخذت الأسس من اللياط والملاط (خراسان ولم يستعملوا فيه من الحجارة إلا حجارة هيت وذلك لتقوية بعض المنحدرات
وبنى على الجانب الأيسر من السد درقتان متتاليتان عرض كل منهما 8 أمتار وطولها 50 متراً لتتمكن السفن من العبور من جانب السد إلى الجانب الآخر منه. وقد أقيمت تانك الدرقتان لأنهم ضموا على بعد 50 متراً من أسفل السد الموصوف فويق هذا سداً آخر
مصمتا غواصا عرضه متران ونصف وانحداره متر ونصف في أيام الصيهود (أي نقصان الماء) والغاية منه إبداله من سد شندرفر الذي لا بد له من الاضمحلال.
وفي أيام الفيضان تفتح جميع أبواب السد فيجري الماء على هواء. ولا يبدأ بسد الأبواب إلا عند بداءة وحينئذٍ تفتح قليلاً بحيث يمسك الماء المنحدر إلى علو مرتفع ارتفاعاً كافياً ليدخل في شط الحلة. وقد قيل لي أن سطح الماء في ذلك الوقت يكون أدنى من المألوفة في أيام الفيضان بمتر ونصف. ويكون ثخن طبقة الماء الداخلة شط الحلة مترين ونصفاً وحينئذ لا يحتاج الزارع لسقي أراضيه في أيام الصيهود إلا إلى كرد أو إلى منضحة ترفع الماء إلى علو متر ونصف أو مترين لا غير. وفي وقت الفيضان يسقى أراضيه بدون آلة رافعة.
وعلى بعد 400 متر من أعلى هذا السد وعلى الضفة اليسرى من النهر ينفصل شط الهندية واليوم يتمم ما خذ مائة المعروف بالكيالة وهو بهيئة جسر معقود وفيه 6 فتحات عرض كل فتحة 3 أمتار. ويكون على يسار هذه الكيالة درقة تمكن السفن من عبور النهر إلى القناة وبالعكس. وتسد فتحات هذا الكيالة بأبواب من المعدن على نحو أبواب السد. وسمعت المهندسين يقولون إن هذه الكيالة تدفع مكعباً قدره (150) متراً مكعباً في أيام الفيضان و50 متراً مكعباً في أيام الصيهود وهذا يجعل الزارع أن يزرع في الشتاء أكثر من 150. 000 هكتار (جريب) من الأرض أي(3/95)
12. 000 فدان من فدادين الطابو. وتحت كيالة الماء حفر المهندسون على بعد 4 كيلو مترات شعبة جديدة تكون مبدأ نهر الحلة وطول واديه أو عقيقه 30 متراً وعمق الخفر يزيد على 3 أمتار وقد قيل لي بخصوص ما بقي من القناة إن الحكومة تنتظر نضوب الماء من القناة لتبتدئ بكريها (أي بحفرها وتطهيرها) وهذا الكرى يشمل مكعباً كبيراً يوجب أشغال أكثر من 3. 000 عامل ويؤمل أنه ينتهي في هذا الخريف القادم مع سائر أشغال البناية.
إني لا أشك في أن الحكومة تسترجع في أول سنة من إطلاق الماء في السد مالاً طائلاً. وإن قلت لك إن وارداتها من شط الحلة أو قناة الحلة تكون خمس مرات أكثر مما يردها اليوم فلست مبالغاً أبداً بل أكون دوين الحقيقة. وعليه يرجع صقع الحلة على ما كان عليه سابقاً وتعود إليه ثروته الماضية.
فطوبى وقرة عين للملاكين الذين في الحلة، ولينتفعوا بالماء وليباركوا ربهم عليه وليتذكروا إن القحط الذي وقع فيهم منذ ربع قرن زال والحمد لله وليتعلموا إن إهمال الصغائر، تؤدي إلى الكبائر، وإن نتيجة الإهمال، خسارة الأموال.
واليوم قد تحولت إليهم أبصار، جميع سكان هذه الديار، وجميع أهالي العراق يودون أن يحصلوا على ماء غزير في مواطنهم كالماء الذي يجيئهم عن قريب. فلندع إلى الله أن ييسر للذين قاموا بأعباء هذه الأشغال أن يحققوا جميع ما نووه من معاهد السقي والري لهذه البلاد. ولنبذل كل ما في وسعنا لتمهيد العقاب التي تقوم بوجههم لنعد من الأقوام الراقية الحية.
ودعوني الآن في الختام أن أقول تيقظ أرباب الحكم وانتباههم لم ينقطع هنيهة من الزمان إذ لا زالوا يبذلون المال عن يد سخية حتى في أبان الحرب وحتى في معظم الصعوبات التي نشأت في هذه الأيام. وقد فعلت ذلك لترى بعين السرور نتيجة الأشغال. وفرح سكان هذه الديار وإنبعاثهم من الحالة التي وصلوا إليها بعد ذاك العز البعيد المنال. ولهذا يحق لنا أن نسطر لتاريخ هذه الدولة صفحة مكتوبة بماء الأنظار، لا بماء النضار، وإن يحصل العراق على تتميم ما في الصدور من الأماني ليصدق قول أهل الأمثال والمعاني: لهمم الرجال، تعنوا المياه والجبال!
مندوب مجلة لغة العرب(3/96)
باب المكاتبة والمذاكرة
(لغة العرب) حينما كتب الشاب الأديب إبراهيم حلمي أفندي مقالة في قبائل أهل البادية المنتشرة بين سامرآء وبغداد سألنا عبد الرزاق بك الشاوي في دجيل إذا كان ما كتبه كاتبنا البغدادي صحيحاً فأجابنا بما يلي وقد نسينا رسالته بين الأوراق فوقعت بيدنا الآن وهي هذه:
بنو تميم
بنو تميم القانطون في شرقي ناحية (بلد) يربون في الحقيقة على ألف رجل جعل لهم حضرة الكاتب رئيساً واحداً. والحال إنهم على ثلاثة فرق: فرقة كبيرة وهي فرقة (البو حشمة) وعدد رجالها خمسمائة ورئيسها حسين الثامر وهم من أهل السنة. والفرقة الثانية (البو حسان) ورئيسهم مطلق بن عباس السبتي. وعدد أبطالها مائتان. والفرقة الثالثة (العتاتبة) وعدد صناديدها ثلاثمائة. ورئيسها حاتم بن هذال الشوكة. وهاتان الفرقتان شيعيتان. وأما النازلون بحذائهم في الجانب الشرقي من دجلة فهم من بني تميم أيضاً لكن يقال لهم الشريفات وعدد رجالهم مائتان. ورئيسهم ابن مراح. والفرق الثلاث الأولى تزرع على الكرود في أراضي (الخضيرة) في شرقي قرية (بلد) وأما الفرقة الرابعة (فرقة الشريفات) فتزرع أيضاً زرع الكرود لكن في أراضي (الدوجمة).
المجمع
تقدير الكاتب إن رجال هذه القبيلة 1200 هو صحيح لكنهم على عدة فرق. الفرقة الأولى (الطعيمة) ورئيسهم علي الحمد الظاهر. والفرقة الثانية (الطرفآء) ورئيسهم سلتان المحمد. والفرقة الثالثة (العطيش) ورئيسهم وائل الثلجي والفرقة الرابعة (الغضيب) ورئيسهم مشووع الفلاح. والفرقة الخامسة (العذية) ورئيسهم محمد المهدي. والفقرة: السادسة (الرواشد) وليس لهم رئيس لكنهم يخضعون لمحمد المهدي. والفرقة السابعة (الجسات) ورئيسهم ابن حسين القرنوص. والفرقة الثامنة (الرفيعات) ورئيسهم خميس السنبل. والفرقة التاسعة (العويسات) وليس لهم رئيس لكنهم قريبون من فرقة الجسات وتحت(3/97)
نظارتهم. - وهؤلاء جميعهم ينزلون ما بين دجلة ونهر دجيل. ويزرع بعضهم سقياً على الكرود والبعض الآخر يعنون بتربية المواشي كما ذكر حضرة الكاتب وعدد الجميع كما
ذكر آنفاً. وهو فوق كل ذي عليم.
دجيل: عبد الرزاق الشاوي الشاهري
أسئلة وأجوبة
اللامركزية والمركزية أو الإنتباذ والأحتياش
سألنا أحد الأدباء: هل في اللغة العربية لفظتان ترادفان المركزية واللامركزية اللتين تفيدان الكلمتين الفرنسويتين و -
قلنا: أن أريد بمرادفين عربيين قديمين للأعجميتين الحديثتين فليس في العربية شيء من ذلك. لأن أجدادنا لم يضعوا أسماء لأشياء لم توجد. وأما إن أريدت لفظتان تؤخذان من اللغة العربية وتفيدان فائدة اللفظتين الغربيتين فالعربية غنية بهما وبأمثالهما ويقابل: المركزية لفظة (التحاوش والحتياش) قال في التاج. احتوشوا على فلان: جعلوه وسطهم كتحاوشوه بينهم وكذلك احتوشوا فلاناً؛ وعليه من جعل الأستانة مركزاً للعقد والحل فقد احتوشها أو احتوش عليها أو تحاوشها. - وأما اللامركزية فيقابلها في لغتنا الفصحى: (الانتباذ) قال أصحاب الدواوين اللغوية: انتبذ فلان: اعتزل وتنحى ناحية. يقال انتبذ مكاناً: أتخذه بمعزل يكون بعيداً عن القوم. ومن هذا المعنى تنتبذ مدينة من المدن مثلاً أي تتخذ بمعزل تكون بعيدة عن قوم المدينة الكبرى وهو ما يراد باللامركزية.
ومع وضوح هذين اللفظيين وصحة استعمالهما وقيامهما مقام الكلمتين الحديثتين لا نرى حاجة إلى استعمالهما لأسباب: منها 1 - إن اللفظتين المركزية واللامركزية قد انتشرتا بين القوم وفشا استعمالهما كل الفشو 2 - إن هاتين اللفظتين وإن كانتا معربتين عن الإفرنجيتين تعريباً معنوياً إلا أنهما لا تخالفان مناحي العرب وإن أنكرهما قوم. 3 - إن في لفظة الاحتياش بعض الغرابة والخشونة لا تجدهما في لفظة(3/98)
المركزية التي هي آنس منها. 4 - إننا لما ذكرنا لهما بدلين أردنا أن نبين إن للعربية سعة لقبول المعاني الجديدة بألفاظ تؤخذ من المباني السابقة الوضع بحيث أنه يجوز أن يقال إن العربية حية على الدوام لما فيها من عوامل التجدد فهي كالماء العد الجاري الذي لا يزال يتدفق من ينابيعه وهو هو لا يفسد ولا ينضب. فسبحان من أبدعها على هذه الصورة العجيبة وأبقاها شابة غضة بضة على ممر الأيام.
فوائد لغوية
1 - استلم الشيء بمعنى تسلمه غير فصيح
خذ أي جريدة شئت، وتصفح أي مجلة بدت لك، وطالعها بترو، ترها تقول: (استلمت الشيء، حينما تريد أن تقول: تسلمته أي تناولته (هذا إذا جرت فيها عبارة أدمجت فيها هذه اللفظة؛ وإلا فلا يعقل أن جميع الصحف تذكر في جميع أعدادها هذه الكلمة لمجرد النطق بها). وقد بحثنا عن هذه الكلمة في ما وصلت إليه أيدينا من أسفار الكتاب واللغويين فلم نعثر عليها. والذي وجدناه هو هذا: (قال الجوهري: استلم الحجر لمسه أما بالقبلة أو باليد. لا يهمز، لأنه مأخوذ من السلام وهو الحجر كما تقول: استنوق الجمل: وقال سيبويه: استلم من السلام لا يدل على معنى الاتخاذ. وقال الليث: استلام الحجر: تناوله باليد وبالقبلة ومسحه بالكف. قال الازهري: وهذا صحيح كاستلامه من باب الاستفعال. نقله الفراء وابن السكيت وهو المراد من قول الجوهري. وبعضهم يهمزه. ونقل ابن الانباري في كتابه الزاهر الوجهين. ونقله الشهاب في شرح الشفاء. ثم قال: ولم يقف الدماميني على هذا فذكره في حاشية البخاري على طريق البحث. قلت: قول الجوهري مأخوذ من السلام أي بالكسر والمراد منها الحجارة وقول سيبويه من السلام أي بالفتح والمراد منه التحية، ويكون معناه أللمس باليد تحرياً لقبول السلام منه تبركاً به). (عن التاج) وفي هذا كله لا ترى معنى تسلم الشيء.
نعم إننا لا ننكر إن الاستلام بمعنى التسلم وجهاً في العربية يجيز لنا هذا التعبير سواء من باب ورود افتعل بمعنى تفعل أو بالعكس وسواء من معنى التسلم الذي(3/99)
لا يخلو من استلام اليد للشيء. على أن هذا كله من باب التوجيه والتخريج الذي لا يخلو من تكلف وتمحل. والكلام هنا ليس من هذا القبيل لأنك إذا سرت في طريق التأويل لم يبق هناك غلط لا في اللحن بل ولا في لغة العوام إذ يجوز لك حينئذ أن تقول: جاء زيداً (بالنصب) وجاء زيد (بالجر) إذ رفع زيد في الأول على الفاعلية، ونصب في الثاني على تقدير محذوف وهو قولك: جاء رجل يعرف بزيد. - واللغة العربية من هذا الوجه لا تضاهيها لغة إذ توجه كل غلط على وجه معقول ومنقول. وإنما كلامنا هنا على اللغة الفصحى وعلى ما سمع منهم ونقل عنهم مما وصل لينا من ألفاظهم المودعة في أشعارهم والواردة في مؤلفات بلغائهم.
فإذا اعتمدنا عليها واتخذناها علماً أو مناراً نهتدي بها في ظلمات كلامنا نقول: لم يرد استلم الشيء بمعنى تسلمه أي تناوله. وإلا فإن وجده أحد الأدباء في كلام فصيح قديم فليتذكره لنا ونحن له من أعظم الشاكرين.
2 - قائم مقام لا تجمع على قائمقامون أو قائمقاميون أو
قائمقامات أو نحوها.
من جملة ما أفسدته علينا اللغة التركية تصرفها في كلام العرب على غير وضعه وفي غير وجهه من ذلك جمع كلمة قائم مقام فإن من الكتاب من شابهوا الترك في إفساد اللغة فقالوا: قائمقامون أو قائمقاميون أو قائمقامات أو نحو ذلك وليس لهذا كله وجه صحيح في لغتنا الشريفة وإنما يقال قائمو مقامات أو قوام مقامات أو قيمو مقامات لأن اللفظة مركبة من مضاف ومضاف إليه أي من قائم أو قيم ومن مقام. ومن قواعد جمع المركب المضاف جمع الصدر والعجز معاً أي المضاف والمضاف إليه كما نص عليه النحاة. اللهم إلا أن يكون المضاف إليه مصدراً أو علماً لا يجمع فحينئذ يبقى على إفراده ويجوز جمع المضاف إليه المصدر إذا كان من المصادر التي لا يعتبر فيها معنى المصدرية بل مطلق الاسمية فيقال مثلاً في جمع دار العلم (دور العلم أو دور العلوم) معاً، وكلا الاستعمالين مستعمل فصيح فتبصر.
3 - النزل بمعنى الفندق (أو اللوكندة أو الأوتيل خطأ عظيم
ومن باب وضع الألفاظ في غير محلها.
أكثر الكتاب من استعمال النزل بمعنى الفندق وهذا خطأ. والذي في دواوين أهل اللغة: ما هيئ للضيف أن ينزل عليه ويريدون بذلك ما يعد له من(3/100)
طعام وشراب وصلة. وعليه قول أبي سعد الضبي:
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا ... جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
ومنه أيضاً في سورة آل عمران: فيه نزلاً من عند الله. ونظن إن سبب سقوطهم في هذا الغلط سوء فهم نص اللغويين. وأما إذا أريد بمرادف لكلمة أوتيل أو لوكندة فللعرب كلمة فندق وهي مشهورة وكلمة (ثوي) بفتح الثاء المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء. وقالوا في
معناه: هو البيت المهيأ للضيف.
4 - تأنيث لفظة الباب قبيح
رأيت كثيرين يؤنثون هذه اللفظة مع أن تذكيرها أشهر من كفر إبليس؛ ولعل عذرهم في تأنيث هذه اللفظة هو أن لها مرادفاً مؤنثاً وهو السدفة فيحمل تأنيث اللفظة على مرادفها. فهذا جائز، وقد قلنا أن باب التأويل والتخريج واسع وحينئذ لا غلط في العربية وبهذا القدر كفاية.
باب المشارفة والانتقاد
1 - كتاب الطواسين
لأبي المغيث بن منصور الحلاج البيضاوي المتوفى في بغداد سنة 309هـ - 922م
وقد نشر نصه العربي للمرة الأولى لويس ماسنيون نقلاً عن مخطوطي استانبول ولندن وشفعه بنص البقلي الفارسي العبارة مع حاشيته المشروحة باللغة الفارسية أيضاً وقد حلى كل ذلك بمقدمة انتقادية وملاحظات وتعليقات وحواشٍ وطبعه سنة 1913.
ابن منصور الحلاج من أشهر المتصوفة في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع للهجرة. وقد أوغل في التصوف حتى بلغ به الأمر أن أتخذ مصطلحات اغلبها خاصة به ظنها جماعة من المسلمين أن الناطق بها هو من القوم الكافرين وكأنهم لم يجتزئوا بما فكروا بشأنه سراً فأباحوا دمه هدراً وجهراً وفي نهار الأربعاء 18 ذي القعدة أفتى القضاة بقتله وفي 22 من الشهر المذكور أثبت الخليفة تلك الفتوى فتم قتله وحرقه في 24 منه بازاء باب الطاق في بغداد. وبعد أن قضي عليه أخذ كثيرون يتدبرون أمره وهل كان الحكم عليه ظلماً أم عدلاً وهل كان من أهل الهداية أو من أهل الضلال وهل مات وهو من الهالكين أم من الناجين(3/101)
فالمسلمون إلى اليوم لم يتفقوا على القطع في هذا الشأن فمنهم من هم له ومنهم من هم عليه أما حضرة صديقنا المستشرق لويس ماسنيون الذي بحث بحثاً نعما في أقوال أعدائه وأصدقائه فقد رأى أنه لم يكن لا من الضالين ولا من المضلين؛ بل إنه كان من القوم الصادقين ومات على دين مبين.
وهو لم يقل ذلك اعتباطاً بل تجشم للبحث عن هذه المسألة سفراً شاقاً إلى بغداد وسافر إلى ديار مختلفة فوجد فيها الكتب التي تبحث عن هذا الصوفي الغريب الأخلاق وبذل في سبيل تحقيق الأمر المال والصحة وطالع جميع ما كتبه المؤرخون والإخباريون والكتاب على اختلاف مذاهبهم وآرائهم وطبقاتهم وعصورهم فجاءنا بهذا الكتاب الذي قطعت فيه جهيزة قول كل خطيب بل هو فصل الخطاب في هذا الباب. وقد أفرغ فيه من كنانة السعي والجد والجهد ما لا نراه في أبناء ديارنا هذه فنحن نهنئه بهذا الفوز المبين وسبق جميع من تقدمه في هذا الميدان بل ميدان الميادين.
على أننا لا ننكر على الساعي الهمام ما ورد في طبع سفره من الأغلاط التي لا يخلو منها
كتاب، إذ العصمة لرب الأرباب، فمن هذه الأغلاط ما هي من الطبع، ومنها ما هي من النسختين الأصليتين، ومنها ما هي من ابن منصور نفسه، منها ما هي من سوء النقل إلى الفرنسية المتولدة من سوء فهم العبارة العربية.
فمن أغلاط الطبع ضبطه أعذبك بإسكان العين والأصح بفتحها. - وضبط بلى (في تلك ص) بتنقيط الياء والأصح بإهمالها. ومثل هذا كثير وقد يعكس الأمر - وضبط شئت بفتح الشين والتاء والأصح بكسر الشين وفتح التاء. - وجعل الهمزة على ألف أتى (في تلك ال ص سطر 4) بعد الكلمة، فقال: والأصح كسرها. ومثل هذا الضبط المخطوء كثير. - وضبط القدرة بفتح التاء مع أن قبلها كلمة (علوم) والأصح كسرها. ومثل هذا أيضاً كثير -. وشدد طاء فقد ظناً منه أنها مثل قط والأصح إسكانها. - وكتب مائة (ص بالياء والأصح بالهمزة كما كتبناها. - وضبط (ص تعتريه المرفوع المضارع المضاف إلى ضمير الغائب المفرد بضم الهاء وهو خطأ والأصح بكسره. - ونحن نقول هنا كلمة وهي أن ما صححه من الأغلاط في آخر الكتاب هو دون ما بقى من تصحيحها.(3/102)
ومن أغلاط النسختين قوله في (ص المعرفة الأصلية التي هي أصل المقامات ومكان المشاهدات (فهي). . . والأصح (هي) وقوله ص 10 وأشرقت شمسه من تحية تهامة والأصح من ناحية تهامة وفي تلك الصفحة وأندل فحدد. والأصح دل (بصيغة المجهول) فحدد. وفي ص 12 قبل الحواديث والكواين والأصح قبل الحوادث والكوائن وفي تلك الصفحة جنسه أبوي، رفيقه رفوى، والأصح رفيقه رفوى. وهناك غير هذه الأغلاط وهي كثيرة تبلغ العشرات فاكتفينا بما ذكرناه.
ومن غلط كلام ابن منصور نفسه: نعته النيران بالشهيقة (ص 21) وفيها تكلف ظاهر. - وقوله ص 30 والذي وصل إلى دائرة الحقيقة نساني والأصح نسيني وفي ص 34 ثم دنى (كذا) كأنه دنى (كذا) من معنى ثم حاجر كعاجز (بكسر الجيم) لا كعاجز (بضم الجيم) ولا جرم أنك تقرأ أو تسمع كلاماً باللغة الهندية ومثله قوله ص 36 من زائد العورة. ومثله في ص 40 وص 42 ونحو هذه كثير. وقد جاءت أغلب أبيات الحلاج ركيكة قلقة الألفاظ سيئة الوزن تبدو عليها آثار التكلف كما في ص 133 و134 و135 و138 وفي غيرها.
ومن أغلاط ضبط الساعي في نشر الكتاب قوله في ص رقعه بخط الحلاج. وضبط رقعة
بفتح الراء إذ ضبطها بالحروف لا بالشكل أي هكذا والأصح بضم الراء أي ويكتب الشين عند نقلها بالحرف الإفرنجي بسين وهاء أي ولو جمع الحرفين بخط واحد من تحتهما لكان آمن للبس وإلا لو ضبط كلمة (أسهر) و (واشر) لكتب كلتيهما وهو نقص فاضح. ولو يضبط الشين بسين عليها علامة كالثمانية العربية أي 8 أو كالنقطة لكان أنفى للوهم. - وهو كلما أراد أن يضبط كلمة في آخرها همزة غفل عن تصويرها تصويراً تاماً بالحرف الفرنجي فهو يكتب مثلاً عطاء كما يكتب عطا أي (ص 3) وهو قصور بين لا سيما وفي إمكانه أن يدقق في الضبط. - ولا أدري لأي سبب يضبط اسم الحلاج بكسر الحاء وتخفيف اللام كل مرة يذكر هذا الاسم نقلاً عن نص فارسي راجع ص 3 مع أن العجم ينطقون به كما ينطق العرب أي بفتح الحاء وتثقيل اللام. - وضبط الغزالي بتخفيف الزاي والأفصح(3/103)
بتشديدها كما ألمعنا إليه في لغة العرب غير مرة وضبط ابن شمعون (ص 15) بالحرف الفرنسوي هكذا والأصح بالشين وضبط سورة النمل بفتح الميم في (ص 25) والأصح بإسكان الميم. وضبط قوله لعظم نعمته ص 9 بفتح العين وسكون الظاء والأصح بكسر العين وفتح الظاء. وضبط قوله (ولا مقول ولا مفعول (ص 12) بتشديد واو مقول وفتحها كمكرم والأصح بفتح الميم وضم القاف وسكون الواو. وضبط (أثمرت) ص 13 على باب احمرت أي بتشديد الراء وهو غلط قبيح والأصح وأثمرت من باب أكرمت. وضبط بحره ص 13 بكسر الحاء. والأصح بإسكان الحاء. ولو أردنا أن نأتي على جميع أغلاط الطبع لاندفعنا إلى المقال، بما يضيق عنه المجال.
النقل قوله في نعت الحلاج (العالم الرباني) وفسر هذين اللفظيين بما معناه (العالم الذي ومن أغلاط سوء علمه الرب) مع إن معناه واضح أي العالم العارف بالرب والرباني باللاتينية هو - وترجم قوله: غمض العين عن الاين بقوله: أي غمض العين خارجاً عن الاين وهو خطأ والذي ساقه إلى هذا الوهم الأداة (عن) والأصح أن يقول في نقلها أو - ونقل إلى الفرنسية هذا الكلام: لا يسلم لأحد معناها إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ومعناها: لا ييسر معناها إلا للنبي عليه الصلاة والسلام وقد فسر هذه الألفاظ الأخيرة بالمعنى الغير المألوف عند المسلمين والأصح أن يقول بلغته الفرنسية هكذا:
ونقل ص 18 كلام ابن منصور (إن الله. . . لا تصوره خطرة ولا تعتريه فترة إلى الفرنسوية بقوله: وهذا يدل على أنه لم يفهم العبارة والأصح أن ينقلها إلى لغته بقوله:. . . لأن هنا الفترة هي اسم المرة من الفتور ولا تفيد هنا(3/104)
معنى فترة الأنبياء البتة. ومما أساء نقله إلى الفرنسوية عدة عبارات منها ص 18 (فأي سبيل للشيطان إليهم، وأي يد للعدو عليهم) وفي ص 23 (ليتجلى عليهم فيها) وفي ص 24 هذان البيتان:
جحودي لك تقديس ... وعقلي فيك منهوس
فما آدم ألاك ... وما في الكون إبليس
ومما لم يحسن نقله إلى الفرنسوية كلمة الموحد بكسر الحاء والموحد بفتح الحاء وفسر التجريد ص 5 بقوله والأصح ولو أتينا بجميع ما في هذا الكتاب من الأغلاط لملانا عدة صفحات من هذه المجلة فاجتزأنا بذكر بعضها لتكون بمنزلة أمثلة يقاس عليها ما بقي ونحن نأسف كل الأسف لوقوعها فيه لما بذل المستشرق الأديب من السعي في طبعه وإبرازه في حلة تزيده حسناً. ومن مزيدات الأسف فينا حرفه العربي فإنه مشوه قديم الشكل لا يحق أن يطبع به سطر من الأسطر بل يجدر بأن يلقى في نار جهنم مع ما يذوب فيها ولا يبرز إلى عالم الوجود. إذ أنه أقبح موجود اللهم أمين.
2 - دليل لبنان وسوريا
لمنشئه بولس مسعد، الجزء الأول. ثمنه 3 فرنكات في خارج القطر المصري. طبع في مصر سنة 1912 - 1913 في 433 صفحة بقطع الثمن.
هذا الجزء الأول من هذا الكتاب يحوي جغرافية البلاد السورية وما يدخل في هذا الباب من المباحث المتعلقة. بجوها ومناطق أقاليمها وطبيعة أرضها ومعادنها وجبالها وسهولها وأنهرها وبحورها وبحيراتها وما يتناول منها مملكتي الحيوان والنبات ويتعلق بتجارة هذه البلاد وصنائعها وفنونها وسائر شؤونها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وفي سكانها وأديانها وطوائفها ولغتها القديمة والحديثة ومنشأ مدنها ونهضتها العلمية وأسباب رقيها وتأخرها وطرق إصلاحها وغير ذلك.
إنك ترى من عناوين المضامين ما لهذا الكتاب من الأبحاث الشائقة التي تفيد كل باحث
مهما كان موضوع أشغاله: ولهذا لا يستغني عنه كل أديب يحب الوقوف على ما في سورية ولبنان. والظاهر إن الكتاب اطلع على كثير من المؤلفات التي صنفت في هذا المعنى لكننا نراه قد نقل بعض النصوص بدون أدنى تدبر ولا سيما في المباحث الاصطلاحية كقوله في ص 136: وهكذا الدردار (غرغاج) والأصح قره اغاج والكلمة تركية. وقال في ص 137(3/105)
وفي جنوب فلسطين. . شجر يعرف بزبزفوس وسببنا كريستي (كذا) وقارئ هذه الكلمات يظن إن هذه الألفاظ معروفة على هذه الصورة في جنوبي فلسطين. والأمر ليس كذلك. والاسم المعروف هناك هو النبق والأعراب يسمونه السدر. وكلاهما فصيح وأما زيزفوس سببنا (لا وسببنا) كريستي فهو اسمه العلمي وقال في تلك الصفحة والعرعر (سندروس). قلنا: وكان يجب أولاً أن يقال: (السندروس). لأن المفسر يكون بحالة المفسر منه. وثانياً: إن العرعر غير السندروس. وقد جاء العرعر عند العرب بمعان شتى لا سيما بمعنى ولكن لم يجئ بمعنى السندروس الذي هو إلا عند بعضهم. - وقال في تلك الصفحة أيضاً (شجر الصمغ الذي يستخرجون من قشرته الصمغ العربي) والأصح أن الصمغ يستخرج من الشجرة كلها لا من قشرتها. - وقد تطالع الصفحة بعد الصفحة وأنت تتعثر في كل منها بعدة عواثير من هذا القبيل.
والفصول التي تعرض فيها ذكر الأديان كثيرة الأغلاط راجع مثلاً الصفحة 327 تره يقول: الحرمية (كذا) فرع من الطائفة الباطلة الباطنية ينتسب إلى بابك الحرمي (كذا) الذي ظهر في خلافة (كذا) عبد الله بن المأمون بن رشيد (كذا) العباسي واستولى على بلاد همران (كذا) وعلى الجبال ثم اتهرمت (كذا) جماعته إلى بلاد الروم ويسمى اتباعه ملحدون (كذا) وهم ينزلون شمالي سوريا وعددهم هناك قليل يكاد أن لا يذكر (كذا) أهـ. وتصحيح العبارة هو: الخرمية (بالخاء المضمومة والراء المشددة المفتوحة نسبة إلى بابك الخرمي ومعنى خرم بالفارسية فرح. لأن أصحابه يحللون كل ما فيه لذة من المحرمات فيسمون دينهم دين الفرح) فرع من طائفة الباطنية (على رأي بعضهم. والأصح أنهم ليسوا منهم) ينتسب إلى بابك الخرمي الذي ظهر في سنة 201 في أيام المأمون بن هرون الرشيد العباسي واستولى على بلاد همذان وبلاد الجبال ثم انهزمت جماعته إلى بلاد الأرمن وما يجاورها وكانت تسمى يومئذ بلاد الروم. ويسمي بعضهم اتباعه ملحدين لاشتهارهم
بالإلحاد. وليس لهم اليوم بقية. وأما ما يقال أن منهم جماعة قد احتلت شمالي سورية فهو وهم محض لا حقيقة له.(3/106)
وقال في تلك الصفحة متكلماً عن الوهابيين: زعيمهم محمد عبد الوهاب التميمي الذي ظهر سنة 1746 في داريا من بلاد نجد (كذا) أهـ وسماها كرنيليوس فإن ديك في كتابه المرآة الوضيئة ص 221 (ضرعية) وكلاهما غلط. والأصح الدرعية بلام التعريف (راجع مجلة الزهور المصرية 2: 292)
وأما أغلاط الطبع والنحو واللغة فكثيرة لا تخلو صفحة منها كقوله في ص 329 هيبة الله والأصح بهاء الله. وكقوله فيها: حتى أضطر للفرار والأصح إلى الفرار. وكقوله فيها: ويقيم (أي عباس أفندي بهاء الله) في عكاء حيثما صرف والده آخر أيامه. اهـ. قلنا: يقيم اليوم عباس أفندي في مصر (راجع طوالع الملوك ص 399) وقال في عدة صفحات: سميوا (منها في ص 330) والصحيح سموا. وكلامه عن الصابئين غير صحيح من أوله إلى آخره. وليس للزيدية والصابئة وجود في سورية البتة وإن قال ذلك بعض ضعفاء الكتاب.
وبالجملة فللكاتب حسنات وسيئات لكن حسناته تطمس سيئاته وبذلك كفاية فعسى أن يكون أخوه الثاني أصح منه في جميع الوجود.
3 - كتاب معالم الكتابة، ومغانم الإصابة
إنشاء عبد الرحيم بن علي بن شيت القرشي
عنى بنشره وتعليق حواشيه الخوري قسطنطين الباشا المخلصي طبع في بيروت في المطبعة الأدبية 1913 في 192 بقطع الثمن الصغير وقيمته 12 غرشاً صحيحاً.
هذا الكتاب من أنفس كتب اللغة التي لا يستغني عنها أحد وهو وإن كان صغير الحجم إلا إنه عميم النفع يدرب الكاتب الناشئ في طرق أساليب فصح التراكيب ويعين المجيد على إتقان التعابير واختيار أحاسن الكلم وقد وضعه مؤلفه في مقدمة وثمانية أبواب وهي: مقدمة الكتاب للمؤلف. وفيها ذكر سبب تأليف هذا التصنيف. الباب الأول في ما يجب تقديمه ويتعين على الكاتب لزومه وفيه مطلب في آداب كتاب الملوك وأركان الدولة. - الباب الثاني في طبقات التراجم وأوائل الكتب وما يكون به التخاطب بين المتكالبين على
مقدارهما. - الباب الثالث في ذكر وضع الخط وحروفه وبري القلم وإمساكه مما لا يستغني الكاتب عنه. - الباب الرابع في البلاغة وما يتصل بها. - الباب الخامس في ألفاظ يقوم بعضها مقام بعض. - الباب السادس في الأمثال التي يدمجها الكاتب في كلامه ويستشهد بها. - الباب الثامن في ما لا بد للكاتب من النظر فيه والتحرز منه وكثيراً ما يسقط فيه الكاتب. وهنا توصد الأبواب.(3/107)
وأنت ترى من سرد هذه الأبواب أن لا ذكر للباب السابع والمؤلف لم ينبه على إهمال هذا الباب في المقدمة بل ذكر في حاشية ص 130 في آخر الباب السادس: (هذا آخر ما في هذا الباب. وأما الباب السابع فليس منه في الأصل سوى صفحتين ولذلك عدلنا عنه.) ولم يزد على هذا القدر.
وقد ذهب الناشر إلى أن صاحب الكتاب كان شيعي وأنه طوى أيامه في القرن السادس من الهجرة في زمان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي وأخيه الملك العادل. كل ذلك من باب الاستنتاج والاستقراء. فإن كان لأحد نسخة من هذا الكتاب أو له إطلاع على ترجمة المؤلف أو وقوف على ذكره في أحد الكتب في غير كتاب صح الأعشى فنحن نشكره على كل ما يأتي به من هذا القبيل.
والكتاب حسن الطبع. لكنه ليس مضبوطاً بالشكل الكامل؛ إلا أن الواقف على إبرازه إلى عالم النشور بذل ما في وسعه لضبط بعض المواطن التي تحتاج إلى إزالة الأشكال. بيد أنه يسوءنا أن نرى فيه أغلاط طبع كثيرة. وكان يجب أن يحترز منها في مثل هذا الكتاب الجليل النفع لوقوعه في أيدي كثيرين من المتعلمين والمعلمين.
فقد جاء مثلاً في ص 146 ما حرفه: البان الياسمين. ولا نعلم كيف يكون ذلك. فلا جرم أن هناك كلماً ساقطة. وقال: الرنف الهرامج. والأصح البهرامج بباء قبل الهاء. وقال: الحلبان الياسمين. والقوف شجرة مريم. وهذا كله من الكلام الفاسد وفي غير وضعه وقد نشأ من سوء كتابة النسخة والأصح والجلسان (وزان جلنار) الياسمين والفوف شقر مريم وقال. (السنط): أم غيلان والحقيقة هي كأم غيلان لكنه ليس بها. وقال. الشوحط والنبع ما تتخذ منه القسى فإذا كان في أسفله فهو شوحط (كذا. فأنت ترى أن هنا عبارة ساقطة) والأصح النبع شجر تتخذ منه القسى وهو ينبت في قلة الجبل والنابت منه في السفح يسمى الشريان
وفي الحضيض الشوحط وقال: البطم حبة الخضراء. والأصح الحبة الخضراء. وقال: الصرد (كذا) ألاراك. والأصح الضرو الاراك. وقال: والكفة بالضم كل مستطيل وكفة الصائد من ذلك. ثم ورد في الحاشية تأويلاً للكفة (حالته) والأصح حبالته أي حبالة الصائد.
وجاء في ص 147 الصغابين: القثاية. والأصح الضغابيس القثاء. وفيها الفرفخ بقلة الرجلة. والأصح الفرفح بحاء مهملة في الأخير. وفيها: النيمة.(3/108)
الطرخون وهذا غير صحيح. لأن لا مشابهة بين النيمة والطرخون: ولا جرم أنه سقط من بين هاتين الكلمتين كلمتان أخريان. وقال فيها: الطرم البلسن والحال أن الواحد غير الآخر فينتج أن هناك تشويهاً آخر أن نقصاً في العبارة وفيها السرار: الهندي والأصح الحبحب: الهندي وفيها النعنع والنعناع ليس بشيء. ولعل الأصح النعنع (وزان قنفذ): النعناع والنعنع (وزان سبسب) ليس بشيء (أي ليس في شيء من العربي الفصيح) وفيها: العثم (بالثاء المثلثة) الزيتون وهو المردقوش. والأصح العتم: (بالثاء المثناة) الزيتون والعنقز هو المردقوش. وفيها ضبط الجلوز بضم اللام المشددة والأصح بفتحها. وفيها: الدبا: القرع والأصح الدباء (بالمد) القرع. وفيها: والدرق الحندقوقي والأصح والذرق (بذال معجمة) الحندقوق لا الحندقوقي لأن هذا نبت آخر ليس بالذرق وفيها: والجرجار نبت طيب الريح يرى أنه السوسن والأصح يروي وإن كان يجوز أن يقال هنا يرى. وفيها: الجاد الشاهسفرم والأصح الجادي: الزعفران. هذا ما رأيناه من أغلاط الطبع في صفحتين. فما القول إذا تصفحنا عدة صفحات من هذا الكتاب فيا للأسف على وقوعها في مثل هذا المصحف وخلوه مع ذلك من فهرس الأغلاط وتصحيحها: نعم إن الناشر قال في خاتمته: بذلنا جهدنا حتى لا يكون غلط في طبع الكتاب ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه. إلا أن هذه الألفاظ لا تخفى على اللبيب إذا دقق النظر فيها.) لكن الأمثلة التي سردناها تخفى على كثيرين حتى على الالباء ولهذا نتوقع أن تكون الطبعة الثانية أصح وأوفى بالمراد والله الموفق للسداد.
4 - ديوان إبراهيم منيب الباجه جي
الجزء الأول. طبع بمطبعة الآداب في بغداد سنة 1331 في 135 صفحة
إبراهيم منيب أفندي الباجه جي من شبان شعراء بغداد يستحق كل إكرام لأنه لم يتلق اللغة
العربي وآدابها عم معلم وإنما درسها بنفسه وأخذ ينظم الأشعار على ما توحيه قريحته وتفيض به سليقته. وهو في غضاضة الاهاب، وعنفوان الشباب، وقد وقف القراء على بعض منظوماته التي نضدت في لغة العرب. واليوم أهدانا حضرته الجزء الأول من ديوانه فوجدناه شاعراً عصرياً وقد نحا في جميع قصائده مناحي أبناء هذا القرن وخلع عنه أطمار الأقدمين التي لا يليق بأحد من أبناء زماننا أن يلبسها معانيه لعتقها وبلاها وتهرؤها. ولهذا نهنئه بنظمه ونتمنى له معارج(3/109)
الرقي؛ إذ وقد وضع أقدامه على أوائلها كيف لا وهو القائل في وصف ليلة في دجلة:
رعى الله ساعات تقضت من العمر ... بدجلة والأرجاء تزهر بالبدر
وزورقنا إذ ذك طيراً تخاله ... يمد جناحيه من الشوق كالنسر
ودجلة تجري في مذاب مفضص ... يمازحه ضوء المقاصير بالتبر
يلاعبه نفح النسيم فتنجلي ... مويجاته عن نسج درع من الدر
ويطرب سمعي من بعيد خريره ... إذا أنحط من عال إلى اسفل يجري
تعوم به من كل فج زوارق ... فمنهن ما يرسو ومنهن ما يسري
إلى غير هذه الأبيات مما يدل على إن الشاعرية مطبوعة فيه. - على أننا كنا نود أن نرى طبعه قليل أغلاط الطبع ليكون احسن قالب لأحسن شواعر القلب. إلا أن الواقع يخالف ما في الأمنية وهي كثيرة تعد بالعشرات ولكثرتها وشهرتها لا نتعرض لذكرها. لكن نذكر بعض أغلاط فرطت من الشاعر على غير انتباه منه لكثرة ارتجاله الأبيات بدون أن يراجعها كقوله في ص 90 ما حرفه:
تحكي بلين القد غصن النقا ... ونفحة الورد براياها
فالنقا هو القطعة من الرمل تنقاد محدودبة. وما كان كذلك لا ينبت شيئاً لعدم وقوف الماء في رمله ولا حديدابه. فكيف جاز له أن ينبت فيه شيئاً. وأما الرايا بمعنى الريا فلم ترد في كلامهم. وكقوله في ص 91:
أنت المليكة في الملاحة بينهم ... وهمو لديك بمنزل المملوك
فالمملوك راجعة إلى (هم) وهم صغير للغياب فكيف جاز له أن يقول المملوك بالمفرد. نعم إن هناك الروي وبعض التوجيه لكن هذا كله لا يرفع نظم الشاعر ولا شعره ولا يجيده يعده
من الكلام الفصيح. ومن هذا القبيل ما جاء في ص 102 قال:
فيا له عقد سعيد سرت ... به المحبون وكل الآل
فقد أنث فعل الفاعل وهو المحبون وليس هناك وجه يجيز له هذا الاستعمال القبيح المنحط الذي لم يأت بمثله إلا العوام. - وانشد في ص 104
يا ناعياً أرخ (على قبره ... لقد توفى مصطفى الباجه جي)
قلنا: حق توفى هنا أن تكون بصيغة ما لم يسم فاعله. فإذا فعلنا ذلك ثار بوجهنا جواز شعري من أقبح الجوازات وهو إسكان آخر المتحرك في وسط الشعر وهو مكروه أشد الكراهية وإن ورد منه في شعر الأقدمين. وورد في تلك الصفحة(3/110)
أنت المليك على الحسان ومن عدا ... ك من الملاح وحقهن عبيد
فقوله: (من الملاح وحقهن عبيد) فساد ظاهر. إذ الملاح جمع مليح أو مليحة (وحقهن) لجمع المؤنث الغائب وليس هناك اسم مؤنث مجموع حتى يرجع إليه ضمير و (حقهن) و (عبيد). جمع مذكر. فأنت ترى ما في هذا العجز من التشويش مالا يخفى. - فالأمل إن هذه الأغلاط وما كان من بابها تصحح في الطبعة الثانية ولا يرى منها شيء في الجزء الثاني. - على أننا نقول أن هذه الهنات وقعت في القسم الأخير من الديوان وهو القسم الذي نظمه الشاعر في أول عهده بالشعر وأراد أن يبقيه على علاته ليرى القارئ تقدمه في النظم وإن الشاعر وإن كان مطبوعاً في ما يفيض به لسانه لكنه لا يسلم من العثرات النحوية. وإنما تزول من أمامه كلما رسخت قدمه في الفن كما يقع مثل ذلك في أول سير الإنسان إذا أراد لأن يعتمد على نفسه. والله المسدد إلى سواء السبيل.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - أنباء عمان
كتب إلى الدستور ما ملخصه: (اتفق الشيخ عبد الله بن حميد السالمين أكبر علماء الأباضية مع جماعة من المشايخ وأقاموا لهم إماماً اسمه سالم بن راشد الخروصي وتبعهم جم غفير من أهالي البلاد وساروا إلى مدينة (نزوة) عاصمة عمان سابقاً. واستولوا عليها بعد حصار قصير المدة لأن عسكر السيد فيصل تمرد وعصى وخان مولاه.
أما حاكم المدينة سيف بن حمد فقد انتحر بعد أن رفع رفيعة مطولة إلى إمارة مسقط التي قامت للأمر وقعدت وبادر سلطانها فيصل إلى إرسال ولده نادر إلى (سمائل) وولديه حمد وحمود إلى (مصنعة) من بلاد الساحل. ثم تأكد أن جل اتباعه من الخونة وليس فيهم من يرد العدو إذا أراد الهجوم على (نزوة) وسير بارجته (نور البحر) إلى بلدة (خصب) ميناء رؤوس الجبال ليجلب له منها عدداً كافياً من عشائر الشحوح الباقين على ولائه.) أهـ.
ثم كتب إليه بعد أسبوع ما محصله: (ازداد نفوذ الزعيم الاباضي وذلك بعد (نزوة) قلعة (زكي) ثم استولى على بلد. (العرابي) غلا أن حصنها لم يسقط ولم يزل محاصراً. أما سمو السلطان فإنه أخذ يعبئ الجيوش للتنكيل بالبغاة ولا تزال بارجته (نور البحر) تنقل العساكر من صور وغيرها ووجهتها بلدة (سمائل) التي يريد الإمام أن يستردها ويحصنها ليتمكن من صد الخوارج إذ أنها ممر القوم إلى مسقط. والذي تعنو له (سمائم) تعنو له الحاضرة أي مسقط وما دانها. والله يؤتي ملكه من يشاء.(3/111)
2 - دار البريد والبرق الجديدة في بغداد
في 16 ك الأول من سنة 1911 كان وضع الحجر الأول لدار البريد الجديدة (لغة العرب 1: 179) وفي صباح نهار الأحد 29 حزيران من هذه السنة 1913. افتتحت هذه الدار وقد تم بناؤها على الطرز الحديث المعروف في المدن الكبرى وكان يوماً مشهوداً وحضر الحفلة والي الولاية وسائر كبار الموظفين من ملكيين وعسكريين ونحن نتمنى أن تضبط شؤون هذا البريد حتى يناسب حسن منظر البناء حسن إدارة الأشغال!
3 - كوت العصيمي
نمى إلى أصحاب العقد والحل أن في كوت العصيمي أسلحة ممنوعة فلما حاول الموظفون تحقيق الأمر بأنفسهم هجم عليهم اتباع العصيمي وقابلوا الجند بالرصاص فأمطر هؤلاء على المعتدين مطراً حميماً فهرب أولئك فارين. وبعد كبس الدار لم يجدوا فيها شيئاً. فلعلهم حملوها حين الفرار (ملخصة عن الدستور)
4 - ابن السعود والأجانب
أخطر عبد العزيز السعود جميع الغرباء المقيمين في الاحساء والقطيف لمعاطاة التجارة أن يزايلوهما في أقرب وقت. وقرر بأن يؤخذ 8 في المائة بمنزلة مكس عن كل ما يرد إلى الاحساء والقطيف.
(عنها بتصرف قليل)
5 - عجمي السعدون
وقع نزاع بين عجمي السعدون والسيد طالب بك النقيب في البصرة ثم زال في الآخر حتى إن عجمي أبرق ما معناه: إني لما زحفت على البصرة كنت أظن أن السيد طالب بك كان يعمل على خلاف الحق فلما تبين لي صدق نيته رجعت إلى مقري (أي إلى الغبيشية) (عن الرياض)
6 - الحويطات
نفر ابن جازي أحد شيوخ الحويطات ومعه أبو تائه وجماعة من الترابيين والعزازمة والتياهة لمقاتلة عنزة فالتقى الجيشان على ماء البصة وتقاتلا قتالاً شديداً أسفر عن نصر ابن جازي ومن حالفه. وهكذا يقصى الأعراب أيامهم بين فر وكر ولا هم لهم سوى الغزوات والمعارك! فإلى متى هذه العيشة المقلقة؟
(عنها)
7 - الرولة
حمل ممدوح الشعلان لرولة على عشيرة السويد (التابعة لأبن الرشيد والمقيمة في غوطة دمشق) ومعه من 600 مسلح فدارت الدائرة عليه فقتل من قتل من قومه
(عنها)
8 - الدهامشة
اشترت عشيرة الدهامشة جميع الأطعمة الموجودة في كربلاء فارتفعت أسعارها. فعسى إن الحكومة تهتم لرتق هذا الفتق.
(عنها)
9 - اشتداد الحر
اشتد الحر في أواسط تموز فبلغ الدرجة 45 في الظل وفي 22 منه ابتدأت الباحوراء فكان مع الحر هبوب رياح هالت علينا رملاً دقيقاً غزيراً حتى حرجت منه الصدور وحجبت السماء الغيوم مدة ثلاثة أيام ظننا أنفسنا في أيام الشتاء والسحب في أيام الصيف عندنا أعز من الكبريت الأحمر.(3/112)
العدد 27 - بتاريخ: 01 - 09 - 1913
كدرُلعومَر في أقاصيص العرب
1 - من هو كدرلعومر
كدر لعومر كان ملك بلاد عليم في عهد إبراهيم الخليل. وهو من مشاهير الفاتحين إذ امتدت فتوحاته إلى البحر الميت (أو بحر الزفت) وهو الذي أسر لوطاً. وكان قد احتل جانباً من ديار فلسطين. فأسرع إبراهيم إلى نجدة حفيده وكسر كدرلعومر وأنجى لوطاً. هذا ملخص ما نعرفه معرفة صادقة عن هذا الملك الغشوم وقد جاء ذكره في سفر التكوين (14: 1 - 24) وهو الذي قهر أيضاً الرفائيين والزوزيين والايميين والحوريين وهؤلاء كانوا في جبلهم سعير إلى سهل فاران الذي عند البرية وكل ذلك من بلاد العرب. ثم ضرب العمالقة والأموريين إلى غيرهم. وكل ذلك يدل على أنه أبقى ذكراً عظيماً في حافظة العرب. بل ذكراً لا يمحى.
على إنك إذا استقريت كتب العرب وأخبارهم وتواريخم من أولها إلى آخرها لا تقع على هذا الاسم أبداً. وأنت خبير أن العرب إذا سمعت اسماً أعجمياً تصرفت فيه كل التصرف ولا سيما إذا كان طويل الحروف. وهذا الذي وقع في هذا الاسم. وهانحن نثبت هنا اللغات التي وردت فيه لتعرف الأقاصيص التي وردت بصدده:
2 - اللغات الواردة في كدرلعومر وتحقيقها.
هذا الاسم ورد في نسخ التوراة العبرية بصورة (كدرلعمر) بدون تغيير آخر. وورد في بعض النسخ العربية (كدرلعمر) أيضاً كما في العبرية (وكدرلاعومر) كما في النسخة اليسوعية البيروتية. و (كدرلغومر) (بالغين المعجمة) كما في(3/113)
النسخة العربية الرومية المطبوعة بأمر المجمع المقدس سنة 1671. وكدرلعومر كما في النسخة البروتستانية البيروتية والنسخة الدومنيكية الموصلية. وخدرلاهومور كما في اللغتين اللاتينية والفرنسوية وفي ما ضاهاهما من لغات الإفرنج وكما وردت في نسخ التوراة الموجودة في لغاتهم (وخدلوغومر أو قدلوجومر) كما في اليونانية وفي ما نقل عنها.
وأما العرب غير النصارى فإنهم صحفوا اللفظة بصور مختلفة منها: (كرد عمرو) بتقديم
الراء الأولى على الدال وبتأخير الواو عن الراء الأخيرة. ثم توهموا أن كرداً هو اسم الابن وعمراً اسم الأب فهو مضاف ومضاف إليه. ولعل الوهم ثبت فيهم لرؤيتهم فيه اللام التي توهموها لام الإضافة تلك الموجودة في أصل الاسم أي (كرد لعمرو). ثم ذهبوا إلى أن كرد عمرو أو على وهمهم كرد بن عمرو هو عليم أو عيلام أكرادا أيضاً نسبوا هؤلاء الأقوام إليه. ونحن لا نقول هذا القول بدون سند. فإن ابن خلدون يورد في تاريخه (2: 7) ما هذا نصه: (وفي التوراة ذكر ملك الأهواز واسمه كرد لا عمرو من بني غليم): وقال في صدر الصفحة المذكورة: (وبني غليم أهل خوزستان) وأنت تعلم أن في الأهواز أو في خوزستان أكرادا كثيرين يعرفون باللر أو اللور ولهذا نسبوهم إليه. وقال في التاج في مادة كرد: (الكرد بالضم جبل معروف. . . واختلف في نسبهم فقيل: جدهم كرد بن عمرو مزيقياء. وهو لقب لعمرو لأنه كان كل يوم يلبس حلة، فإذا كان آخر النهار مزقها لئلا تلبس بعده. . . قال بعض الشعراء:
لعمرك ما الأكراد أبناء فارس ... ولكنه كرد بن عمرو بن عامر.
هكذا زعم الناسبون. . . وقال ابن دريد في الجهمرة: الكرد أبو هذا الجيل الذين يسمون بالأكراد. فزعم أبو اليقظان أن كرد بن عمرو بن عامر بن صعصعة وقال الكلب: هو كرد بن عمرو مزيقياً. وقعوا في ناحية الشمال لما كان سيل العرم وتفرق أهل اليمن أيدي سبا. . .) إلى آخر ما جاء هناك. فأنظر حرسك الله كيف صحف العرب هذه الكلمة وكيف جعلوا المسمى بها أباً للأكراد وكيف ابتدعوا له نسباً عربياً. ولقبوه بلقب مزيقياً. وما مزيقياء إلا لفظة مرادفة لكرد العربية ومعناها قطع. ثم اخترعوا لسبب هذا الاسم حكاية فقالوا لأنه(3/114)
كان يقطع أو يمزق الثياب لئلا يلبسها أحد بعده. وكل ذلك من الحكايات الملفقة اختلقها بعض القصاصين تأييداً لسبب وضع هذا الاسم وهذا الاشتقاق لا غير.
قلنا: والذي يجب أن يؤخذ من هذه الأقاصيص كلها أن كرد عمرو كان في نواحي خوزستان أو ديار الأكراد اللورية ثم وقع في ناحية الشمال من جزيرة العرب فنسبت إليه تلك الأقاصيص لمرور الزمان عليها إذ كان المذكور في عهد إبراهيم الخليل.
ثم أن العرب صحفوا هذا الاسم عينه (كدرلعومر) بصورة قدار الأحمر أو قدار الأحيمر أو قدار بن سالف أو قدار عاد أو قدار ثمود أو أحمر عاد أو أحيمر عاد أو أحمر ثمود أو
احيمر ثمود إلى غير ذلك من اختلاف الروايات واللغات. وسبب هذا التصحيف أنهم نقلوا هذا الاسم عن اليونانية أو عن الرومية كما نقلوا كرد عمرو عن العبرية. ثم ظنوا أنهما شخصان مختلفان كما فعلوا في النبي الياس فإنهم نقلوا هذا الاسم بصورتين: الواحدة بصورة إيليا عن العبرية والثانية عن اليونانية بصورة الياس ثم ذكروا للواحد غير ما ذكروه للآخر فتقوم من وصفهم شخصان ومثل هذا الأمر كان يقع للعرب في الألفاظ الجنسية أيضاً أي أنهم كانوا يعربون اللفظة الواحدة بصورتين مختلفتين ويعقدون بناصية كل منهما ما لا يعقدونه بناصية الأخرى صاحبتها. على أنه، والحق يقال، لم يقع ذلك عند العرب فقط بل عند سائر الأقوام الأقدمين وهو أمر لا ينكر.
وقد قالوا عن قدار الأحمر ما انقله عن ثمار القلوب في المضاف والمنسوب للثعالبي. قال: (أحمر ثمود هو قدار بن سالف عاقر ناقة الله. يضرب به المثل في الشؤم والشقوة. وقد غلط زهير في قوله:
فتنتج لكم غلمان شوم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
وكأنه سمع بعاد وثمود فنسب الأحمر إلى عاد على ما توهم وهو من ثمود. وكان قدار أحمر أزرق، وهو الذي ذكره الله تعالى فقال: إذ انبعث أشقاها. وعن عمار بن ياسر قال: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في غزوة ذات العشيرة فلما قفلنا نزلنا منزلاً فخرجت أنا وعلي بن أبي طالب ننظر إلى قوم يعتملون، فنعسنا، فسفت علينا التراب فما نبهنا إلا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال لعلي (رضه): يا أبا تراب، لما عليه من التراب، أتعلم من أشقى الناس؟ فقال: خبرني يا رسول الله. فقال: أشقى الناس أحمر ثمود الذي عقر ناقة الله؛ وأشقاها الذي يخضب هذه، ووضع(3/115)
يده على لحيته، من هذا، ووضع يده على قرنه، فكان علي (رضه) كثيراً ما يقول عند الضجر لأصحابه: ما يمنع أشقاها أن يخضب هذه من هذا). أهـ.
قلنا: إننا لا نرى في كلام زهير خطأ أو غلطاً على خلاف ما ظنه الثعالبي لأن الشاعر استعمل هنا كلمة (عاد) بمعنى (العادي) أي القديم كما جاء في كتب اللغة. فقوله كأحمر عاد أي كأحمر القديم الذكر في التاريخ؛ وهذا لا يمنع كونه من ثمود القبيلة البائدة: أي أن الميداني يقول في شرح هذا المثل: أشهر من أحمر عاد. هو قدار بن سالف عاقر الناقة؛
ويقال له أيضاً قدار بن قديرة وهي أمه وهو الذي عقر ناقة صالح عم فأهلك الله بفعله ثمود. أهـ. وعليه لا غلط في كلام زهير ولا حاجة إلى تأويل كلامه. وأما إسناد عقر الناقة إلى (قدار الأحمر) فهو إشارة إلى فتكه بالعرب الذين في جبل سعير مثوى بعض بني ثمود.
وأما بقية أسمائه فظاهرة من كتب اللغويين والمؤرخين. قال صاحب لسان العرب: قدار بن سالف الذي يقال له (أحمر ثمود) عاقر ناقة صالح عم. - قال في تاج العروس: قدار بن سالف الذي يقال له (احيمر ثمود) عاقر الناقة ناقة صالح عم. - وقال الثعلبي في كتابه قصص الأنبياء ص 43 وقد زاد الكلام تفصيلاً: (قدار بن سالف من أهل قدح، واسم أمه قديرة، كان رجلاً أشقر (أي أحمر) أزرق قصيراً ويزعمون انه كان. . . لرجل يقال له صفوان ولم يكن لسالف). . . إلى آخر ما ورده من الأخبار الغريبة الضعيفة السند.
وذكر قدار صاحب كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور (وهو محمد بن أحمد بن أياس الحنفي ص 73 من الطبعة المصرية وما يليها) بصورة (قيدار) قال: (فكمن قيدار للناقة في مكان من الجبل فلما أقبلت الناقة وهي ترعى وقربت من قيدار ضربها بسيف فقتلها): أهـ. ولو تتبعنا جميع كتاب العرب ومؤرخيهم لرأينا كل واحد منهم يصحف الاسم أو يحرفه قليلاً أو كثيراً حتى يبعد كل البعد عن أصله المذكور في سفر التكوين.
وقد جاء أن الرقم المسمارية المكتشفة في ديارنا هذه العراقية ذكر اسم ملك قرأه العلماء (قدرمابلا) (بضم الباء المثلثة) وهم يظنون إنه (كدرلعومر) ولا سيما لأنهم رأوا من جملة أوصافه هذا اللقب وهو (فاتح الغرب). فلا جرم أن (كدروقدر) في الروايتين هما واحد في الأصل. إلا أن(3/116)
الاختلاف واقع في عجز هذا الاسم المركب. ومثل هذا الاختلاف يقع في كثير من الأعلام من قديمة وحديثة أي أن المتكلمين يكتفون أما بالصدر عن العجز وأما إنهم يختزلون الاسم فقالوا مثلاً رزوق أو رزوقي في رزق الله. وحمو في حمدويه أو حمود. وعبو في عبد الأحد أو عبد الواحد وهذا في الأعلام الحديثة. وبخت نصر في نبو كدنزر أو بنو كدراسر، وشلمان في شلمانزر ومرد خميل في مرودخ بل أدن إلى ما هناك في الأعلام القديمة العادية.
ويحتمل أيضاً أن يكون معنى (مابلا) في اللغة الحامية أو الاشكوزية (الأحمر) بالعربية بيد
أنهم لم يقفوا تمام الوقوف على معناها ولهذا قال العرب تارة قدار وطوراً قيدار وأخرى قدار الأحمر أو نحوها. وقد قال العلامة رولنصن في طبعته لتاريخ هيرودرتس الشهير: إنه من المرجح أن كدرلعومر كان شيخاً من غزاة الكلدانيين العيلميين (والكلدانيون من محتد عربي بحت على ما أثبته الباحثون العصريون) الذين انشئوا دولتهم في النصف الأول من القرن العشرين قبل الميلاد على ما يؤخذ من أنباء بيروس المؤرخ.
فإذا وقفت على هذا كله علمت ما لهذا التحقيق من معرفة زمان بعض أخبار العرب. ومن الغريب أن العرب كانوا يذهبون إلى أن قدار الأحمر كان في عهد إبراهيم الخليل لأنهم يذكرونه في عهده. فهذا الثعلبي يذكر قصة نوح ثم قصة هود ثم قصة صالح التي فيها ذكر قدار بن سالف ثم قصة إبراهيم. وفعل مثل ذلك مؤرخو العرب عند كلامهم عند كل من قدار وإبراهيم.
ولهذا لا عبرة اليوم لما يقوله الغربيون والإفرنج هازئين بالعرب أن حكاية قدار الأحمر لا حقيقة لها إذ لا وجود لقدار في التاريخ؛ فالتاريخ قد أثبت الآن وجوده وكذلك لا يلتفت إليهم لما يقولون عن كرد عمرو أنه من الأشخاص الوهميين الذين لم يخلقوا إلا في مخيلة الناطقين بالضاد. فتحقيقنا هذا المذكور بوجه الاختصار كاف لرد هذه الأقاويل وهو فوق كل ذي علم عليم.
الطريق من الاحساء إلى الرياض إلى مكة
-
إن المسافرين إلى نجد كثيرون في ديار العراق لكنك لا ترى واحداً منهم دون مراحل(3/117)
سفره. هذا فضلاً عن إن المراحل تختلف سنة عن سنة أو على الأقل كل بضع سنين لما في تلك الربوع من قبائل البادية التي تقطع الطرق أو لنضوب مياه الآبار التي يردها السفر. فوقعنا عند حضرة صديقنا محمد رشيد أفندي ابن السيد السعدي على رحلة والده من الاحساء إلى الرياض إلى مكة وهي الرحلة التي طوى مراحلها سنة 1288هـ (1872م) مع رجب أفندي البيكباشي، فطلبنا إليه أن يؤذن لنا بنشرها فإذن، وهاهي ذه ننشرها بحروفها بدون أن ننقح عبارتها حرصاً على سلامتها، ونشكر صديقنا على ذلك. (لغة العرب).
بسم الله الرحمان الرحيم
إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد هو أنه: لما كان طريق الرياض والدرعية أسهل طرق السواحل والبحرين مع الاحساء والقطيف ولنجة وبندر أبي شهر وغالب بلاد إيران الواقعة بتلك الأطراف والكويت والبصرة إلى الحرمين المحترمين. لكن في هذه المدة يتعنى الحجاج فوق طاقتهم في الطرق البعيدة بسبب تعسير المسرى من هذه الطرق المذكورة فلما أراد الله الخير لعباده القاصدين أشرف بلاده هيأ لهم أسباب التيسير في مسلك هذا الطريق، وجعل لهم التوفيق، خير الرفيق، وذلك بما من به من النصر الأبدي، والتأييد السرمدي، لحضرة مولانا الوزير الأفخم، والمشير المفخم، صاحب الدولة، وحامي الملة، أفندينا السيد أحمد مدحت باشا، جعل التوفيق له غطاء وفراشاً، بأن فتح على يديه القطعة النجدية، ومن عليه باستجلاب أدعية كافة الملة المحمدية، لدوام السلطة السنية. وكنت حينئذ متقلداً إفتاء تلك الفرقة المنصورة، الكاسرة شوكة أولي البغي من العشائر المخذولة المقهورة، بمعية قوماً ندانها المشيد بآرائه السديدة أساس أركان صاحب السعادة، والحائز لكل سجية مستجادة، محمد نافذ باشا الفريق، سلك الله به إلى الخير سواء الطريق، فوقع استحسان المشار إليه، اسبغ الله نعمه علينا وعليه، أن أسير حجاج ذلك الطريق إلى الحرمين المحترمين، وأكون واسطة لجلب أدعيتهم الوافية لدوام دولة خليفة رسول الثقلين، بعد أن أمر بنشر العلم السلطاني، واللواء الخاقاني، وضرب خيمته سعود الباغي، الخارج
الطاغي، المأخوذة منه قهراً، والمخرج منها جبراً، بواسطة العساكر السلطانية، والجنود الخاقانية، وجعل الدليل والأمير لهذه السائرة، الموفقة لخير الدنيا والآخرة، تحت نظارتي فامتثلت ما أمره الفريق، وعزمت متوكلاً على من شرف البيت العتيق، وأحببت أن أذكر رحلة المسرى،(3/118)
وأحمد من بعبده أسرى، وأبدي غاية التشكر والدعاء لحضرة أفندينا المشار إليه أعني والي ولاية يغداد، والكاشف الغمة عن هؤلاء العباد، إذ هو السبب الأقوى، والواسطة العظمى، إلى هذا المسير، المقرون بالتيسير. فأقول وبالله الاستعانة، ومنه العون والإعانة، مدة المسرى تاريخ سنة 1288.
الساعةذو القعدة
1. 5. تحركنا من الاحساء إلى (قلعة صاهود) بعزيمة صاحب الرفعة رجب أفندي البيكباشي وكان نهار الثلاثاء وهي قلعة مشيدة البناء وفيها مقدار من العساكر المنصورة.
يوم الأربعاء منها إلى (عين نجم) وهي لعين الحارة من القدرة الإلهية وأقمنا بها يوم الخميس ويوم الجمعة تحت الخيمة المذكورة ليتكامل الحاج وقافلة الرياض وظهرت العساكر المنصورة بأمرائها الفخام بمعية حضرة الفريق الأفخم وأكابر وجوه البلدة وقرأت دعاء حافلاً في دوام السلطنة السنية وتأييد وزرائها وأمرائها ووكلائها وكافة عساكرها المنصورة وللحجاج والغزاة والمسافرين.
8. 9: يوم السبت تحركنا من عين نجم بمقدار مائة من الحجاج وقافلة نجد ونزلنا (غار الشيوخ) خالياً عن المرعى والماء.
8. 10: يوم الأحد منها إلى (شعاب الفروك) مرعىً لا سقياً خالية من البدوان
6. 11: يوم الاثنين منها إلى (نكيرات الحاج) رعياً لا سقيا وفيها من البدوان من عشائر. المرة والعجمان.
10 12: يوم اللاثاء منها إلى (بدالى) رعياً لا سقياً وكذلك منزولة (أي فيها عربان)
6. 13: يوم الأربعاء منها إلى (أبي جفان) كثيرة الآبار والمرعى خالية من البدوان
7. 14: يوم الخميس منها إلى (أبي الناس) على سيل عظيم وغدير جسيم وأمطرنا فيها ثلاث ساعات ليلاً.
3. 15: يوم الجمعة منه إليه نزلنا بطرف الوادي لكثرة انحدار السيول عليه.
7. 16: يوم السبت منه إلى (السلي) على سيل عظيم. جعل الله كل نبت حي.
5. 17: يوم الأحد منه إلى (الرياض) ونزلنا (حوطة عبد الله الفيصل) فركزنا(3/119)
البيرغ السلطاني ونصبنا الخيمة المذكور واجتمع الأهالي لدينا لأجل السلام إلا الشيخ النجدي عبد اللطيف الوهابي وعزمنا محمد الفيصل على وليمة معظمة فأبدلنا النصائح الدينية، والمواعظ المحمدية، وحرضناه على إظهار الطاعة والانقياد لحضرة الدولة العلية، وامتثال أوامر الحضرة المشيرية وكان حينئذ عبد الله الفيصل بالخارج عن الرياض بمسافة ثماني ساعات فسيرت له ساعياً وحررت له كتاباً فيه من النصائح والترغيب في حسن الخدمات المرضية، لجانب السلطنة السنية، والانقياد للحضرة الفريقية، فأجابني بالسمع والطاعة. وأما (الرياض) فبلدة فيها نحو ألف بيت وفيها بساتين كثيرة وتخمين (الرياض) (والدرعية) (ومنفوحة) وباقي قرى (العارض) لو اجتمعت وأرادتها تقرب من واردات (الاحساء والقطيف) وأهاليها أكثرهم في غاية الغلاء والمحنة والعياذ بالله وأكثر قوتهم اليرابيع والجراد وما أشبههما.
0. 18: وأقمنا بالرياض يوم الاثنين بضيافة المذكور محمد الفيصل.
3. 9: يوم الثلاثاء منها إلى (الدرعية) بلدة عظيمة آثارها وهي خربة كثيرة المياه.
9. 20. يوم الأربعاء منها إلى (الحسينية) قرية (بوادي حنيفة) قليلة البساتين، كثيرة المياه.
8. 21: يوم الخميس أيضاً بوادي حنيفة ومررنا على بساتين وقرى كثيرة.
10 22: يوم الجمعة منها إلى قريب (ثرمدة) ببر أقفر موجود المرعى عديم الماء اسمه (العريج)
7. 23: يوم السبت نزلنا (ثرمدة) قرية كثيرة المياه والبساتين والأهالي.
10. 24: يوم الأحد منها إلى (مروتة) كثيرة والآبار والمرعى خالية غير منزولة.
7. 25: يوم الاثنين منها إلى (مكيسة) خالية عن الماء والمرعى وصادفتنا فيها غارة العتيبة يقدمهم عبد العزيز الجامع وأراعوا الحاج فتوسطت بينهم أن سلمهم الحاج مائة وأربعة وأربعين ريالاً(3/120)
وأعطيتهم بعض المختلفات وكفانا الله تعالى شرهم. وتعهدت للحاج أنه بحول الله تعالى وبأنفاس الحضرة المشيرية استرجع لهم المبلغ في مكة المشرفة فكان الأمر كذلك حيث صادفنا حسين بن جامع شيخ عتيبة في منى، وحصل منه بلوغ المعنى،
وكان معه اختيارية العشيرة المذكورة فحذرتهم وأنذرتهم من سطوة وكلاء الدولة العلية فسلموا المبلغ المذكور إلى الحجاج المرقومين بعد الدخالة العظمى وقدموا لي نكالاً عوض المختلعات سيفاً مصنوعاً من الفضة ثم بعد ذلك علم حضرة سيدنا ومولانا الشريف، الحائز لكل بحر منيف، صاحب الدولة عبد الله باشا، وفقه الله تعالى لما يشاء، فحبس حسين المذكور وعزره على فعلهم بحجاج بيت الله الحرام، وأن من دخله كان آمناً ومن قصده لا يضام، فتشكرنا لحضرته السنية، وأثنينا على غيرته المحمدية، وهذه جملة اعترضت هنا وسنعود إلى ما نحن فيه.
9. 26: يوم الثلاثاء رحلنا من (مكيسة) إلى (قرية الداودي) فيها بساتين ومياه.
8. 27: يوم الأربعاء منها إلى (قرية الشعرة) آخر قرى نجد وفيها بساتين ومياه.
8. 28: يوم الخميس منها إلى (ظليع الخوار) كثير المرعى خالي من المياه والمنزل.
9. 29: يوم الجمعة منها إلى (خشم النير) فيه آبار كثيرة ومرعى.
10. 30: يوم السبت منها إلى (عيسلان) كثيرة المرعى بلا ماء وفيه رأينا هلال ذي الحجة الحرام.
الساعة ذو الحجة
10. 1: يوم الأحد منها إلى (الحميمة) خالية من الماء والمرعى والعربان.
10. 2: يوم الاثنين منها إلى (البرة) فيها مرعى وآبار ماء وعليها من عربان عتيبة وحمانا الله منهم.
9. 3: يوم الثلاثاء منها إلى (سكوة) على سيل عظيم، ومرعى جسيم.
10. 4: يوم الأربعاء منها إلى (الكموم) مرعى فقط.
9. 5: يوم الخميس منها إلى (ركبة) رعياً فقط.
11. 6: يوم الجمعة أيضاً إلى ركبة رعياً وسقياً.(3/121)
الساعة ذو الحجة
6. 7: يوم السبت منها إلى (وادي العقيق) وأحرمنا فيه إلى الحج مكررين التلبية والتهليل والتكبير والتحميد.
4. . . في اليوم المذكور منها إلى (عرفات) نهاراً وليلاً حتى وصلنا ليلة الساعة 9 من
الليل فأقمنا بعرفة يوم الأحد ويوم الاثنين وكان وقوفنا يوم الاثنين والحمد لله تعالى ونفرنا منها إلى (مزدلفة) وجمعنا بها الحصيات
10: ويوم الثلاثاء رجعنا إلى (منى) ودخلنا (مكة المشرفة) قطفنا طواف الإفاضة ورجعنا إلى (منى) وأقمنا بها يوم الأربعاء، ويوم الخميس دخلنا مكة المكرمة ويوم الجمعة نحن بضيافة حضرة سيد الشرفاء المنسوب إلى سلالة المصطفى مولانا الأفخم، وعمادنا الأقوم، صاحب الدولة الشريفة عبد الله باشا أدام الله وجوده، وأعلى سعوده، وأقمنا بمكة شرفها الله تعالى خمسة عشر يوماً كل ليلة منها نحظى بمنادمة حضرته السنية ونتجاذب أبحاث العلم والآداب مشاهدين منها الالتفات، ومزيد التوجهات، وعند الموادعة أحسن علينا بكرك وفراجة فاخرين وأمر لي بحصان من جياد الخيل فاستعفيت عنه، عفى الله عني وعنه، وأخذت الكرك والفراجة متبركاً بهما وآخر يوم الإقامة وهو يوم الجمعة كنت بضيافة صاحب السعادة والي جدة الأفخم قاسم باشا، يسر الله له من الخير ما يشاء.
6. 28: يوم السبت تحركنا من مكة المشرفة مودعين البيت الحرام قاصدين زيارة نبينا عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام فنزلنا (وادي فاطمة) مع الحاج الشامي وكانت ليلة كثيرة السراق فسرقوا خرجي بما كان محتوياً عليه من ملبوساتي وخرجي.
- 8. 29: يوم الأحد (خليص) سقياً ورعياً.
المحرم
6. 1: يوم الاثنين منها إلى بئر (التفلة) سقياً ورعياً.
7. 2: يوم الثلاثاء منها إلى (كظيمة) ولحق الحاج (دآء أبو الركب) فمات منهم نحو عشرين نفرأً ومنهم عبد لي حبشي الجنس وحمدت الله على السلام(3/122)
الساعة المحرم
6. 3: يوم الأربعاء منها إلى قرب (رابغ) رعياً فقط وأعترى الحاج علة القوليرا (الهيضة) ومات سبعة أنفار.
6. 4: يوم الخميس منها إلى (رابغ) بلدة معمورة من أسا كل البحر ومات عشرة نفر وعبد لي آخر حبشي.
4. 5: يوم الجمعة منه إلى (الوادي) سقياً من ماء السيل وانقطعت العلة بحمده تعالى.
9. 6: يوم السبت أيضاً في الوادي على ماء السيل.
5. 7: يوم الأحد أيضاً في الوادي على ماء السيل.
5. 8: يوم الاثنين منه إلى (الريان) فيه بساتين ومياه.
12 9: يوم الثلاثاء نزلنا (الغدير).
6. 10: يوم الأربعاء نزلنا قرب (المدينة المنورة) سقياً ورعياً من السيول.
6. 11: يوم الخميس دخلنا المدينة المنورة وشاهدنا أنوارها الساطعة المنيرة. فبلغ المسير من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة بمشي الأثقال 97 ساعة وأقمنا بها عشرة أيام مواظبين لزيارة مرقد سيد الأنام، ومصباح الظلام، ورافعين أكف الدعاء لجانب السلطنة السنية، وللحضرة المشيرية، ولجميع إخواننا المسلمين.
6. 22: يوم الاثنين تحركنا من المدينة المنورة متوجهين على طريق القصيم؛ نزلنا مقابل (جبل أحد) بقرب سيدنا الحمزة على سيل عظيم.
10. 23: يوم الثلاثاء منه إلى (وادي الحرة) سقيا من ماء السيل.
9. 24: يوم الأربعاء نزلنا (الحناكية) قرية من قرى المدينة فيها قلعة مشتملة على أربعين نفراً من العساكر الهايتة ومن كثرة أمطار هذه السنة هدم أكثرها.
7. 25: يوم الخميس منها إلى (الارطاوي) على سيل.
7. 26: يوم الجمعة منها إلى (العرجة) على سيول عظيمة.
8. 27: يوم السبت منها إلى (الأصيغر) على سيل عظيم وأمطرنا فيه إلى مطلع الفجر.
8. 28: يوم الأحد منها إلى (سمر الهميلية) على سيل عظيم وأمطرنا فيه ليلاً.(3/123)
8. 29: يوم الاثنين إلى (وادي الرشا) على سيل كثير وأمطرنا فيه ليلاً
الساعة صفر
9. 1.: يوم الثلاثاء منه إلى (وادي الرمى) على سيل كثير وأمطرنا فيه ليلاً.
6. 2.: يوم الأربعاء منه إلى (عقلة ابان) على سيل كثير وأمطرنا ليلاً.
8. 3.: يوم الخميس نزلنا خارج (البنهانية) قرية من قرى (القصيم) كثيرة البساتين والعيون وأمطرنا ليلاً.
6. 4.: يوم الجمعة منها إلى خارج (الرس) بلدة معتبرة كثيرة البساتين والعيون.
8. 5.: يوم السبت منها إلى بلدة (عنيزة) من أكبر بلاد (القصيم) أهلها أخبار. كثيرة البساتين والعيون وأقمنا بها ثمانية أيام وسيرت حاج الاحساء إلى حضرة الفريق مع حمدان بن ناصر.
1. 14: يوم الاثنين نزلنا (وادي عنيزة) متوجهين إلى (لكويت) سقياً ورعياً وأقمنا فيه يومين.
6. 16: يوم الأربعاء منه إلى (روضة مهنا الصالح) قرية من قرى (بريدة) فيها بساتين ومياه.
6. 17: يوم الخميس منها إلى (نفودالزلفي) من بلاد (القصيم) لو اجتمعت توازن بلاد الاحساء والقطيف.
- 5. 18: يوم الجمعة منه إلى (الفزوك) رعياً لا سقياً.
- 6. 19: يوم السبت منه إلى (ابرق الجراب) رعياً لا سقياً.
- 6. 20: يوم الأحد منه إلى (مقطاع جراب) سقياً ورعياً على آبار كريهة اللون والطعم والريح.
10. 21: يوم الاثنين في (ابرق جراب) رعياً.
12 22: يوم الثلاثاء منه إلى (الدحول) سقياً من مياه الأمطار مجتمعة في غار جبل.
3. 23: يوم الأربعاء منه إلى (ابرق الدحول) رعياً فقط.
- 12 24: يوم الخميس منه إلى (الصمان) لا ماء ولا مرعى.
6. 25: يوم الجمعة منه إلى (المصافة) على آبار وأقمنا بها يوم السبت.
10 27: يوم الأحد منها إلى (القرعاء) الخالية عن الماء والمرعى.
12 28: يوم الاثنين في (ابرق القرعاء).(3/124)
الساعة صفر
10 29: يوم الثلاثاء نزلنا قرب (الكويت) مرعى لا ماء.
10 30: يوم الأربعاء نزلنا (الكويت) بلدة معمورة خالية من البساتين والنبات، قليلة المياه، على جانب البحر، وأقمنا بها يوم الخميس وصلينا بها الجمعة.
الساعة ربيع الأول
5. 2.: يوم الجمعة بعد الصلاة تحركنا منها صحبة صاحب الرفعة مبارك الصباح
إلى (الجهرة) مننزه لأهل الكويت فيها قصور ونخيل قليلة.
4. 3. ليلة السبت ويومه مسرى إلى (اسفوان) متنزه لأهل البصرة نزلنا بقصر ذي الفضيلة نقيب أفندي فيها مياه كثيرة وبستان الأفندي المومأ إليه.
7. 4.: يوم الأحد منه إلى البصرة بضيافة حضرة نقيب أفندي.
598 تكون ساعات المسير
يوم الاثنين مساءً من البصرة ركبنا (مركب لندن) وتحركنا ليلة الثلاثاء بصحبة صاحب العزة نقيب زاده السيد محمد سعيد أفندي لزيارة حضرة أفندينا الوالي حرسه الله تعالى ونحن وجناب مبارك الصباح بضيافة حضرة السيد الموما إليه في الوابور المذكور.
ساعة
- 64. من الاحساء إلى الرياض
183 من الرياض إلى مكة المشرفة
97. من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة
- 100 من المدينة المنورة إلى عنيزة
- 444 اليكون
- 117 ومن عنيزة إلى الكويت
36. من الكويت إلى البصرة
101 من البصرة إلى بغداد
- 699 تكون الساعات
(تمت والحمد لله على التوفيق)(3/125)
فهذا ما كان من أمر ذهابي وإيابي وأنا اسأل الله تعالى الذي لا يخيب سائله، ولا يحرم قاصده نائله، أن يديم دولة أيام مولانا السلطان الأعظم، والخاقان الأفخم، سلطان السلاطين، وحامى ذرى الملة والدين، ويؤيد دولته، ويخلد ملكه، وأن يوفق حضرة أفندينا الذي ما شق أحد من أمثاله لسعيه غبار، ولا بلغ مدى جريه أثر له من الآثار، وهذا حديث يا كل الأحاديث في كل شجر نار، وأن يجعله دائماً مسهلاً لأمور هذه الملة المحمدية، والفرقة
الناجية الإسلامية، مولاي وملاذي صاحب الدولة السيد أحمد مدحت باشا؛ كان الله له. وحماه من كل ولهٍ.
في 17 ربيع الأول سنة 1288
وأنا الفقير إلى الله عز شأنه سعدي زاده السيد داود
أسماء الأرياح عند أهل السفن العراقية
1: (الازقامة) ريح مخالفة للريح التي تجري بها السفينة، فإذا تسلطت عليها أرجعتها القهقري، وألقتها على الشاطئ أو تحاول بها ذلك. وأكثر ما تكون الازقاقة في الدورة من الشط. والكلمة أرمية الأصل من (زقاقا) أي هياج وإثارة والمضاف محذوف أي ربح التموج. وأسمها في القديم (علاوة الريح) والتي بعكسها (سفالة الريح) وأما الازقافة فهي الزقافة على الصحيح.
2: (الاسقية): هي التي تهب من مطلع الشمس. ولعلها منسوبة إلى السقي - المشددة الياء - نسبة محرفة. والسقى: السحابة العظيمة القطر الشديدة الوقع ولما كان هذا السحاب ينشأ في العراق من مطلع الشمس إليه الريح المذكورة.
3: (الحسيني): هي التي تهب من مغيب الشمس ونسبتها إلى مشهد الحسين بن علي عم وهي كربلاء ويستعمل هذه اللفظة أهل السفن السائرة بين المسيب والكوفة.(3/126)
4: (الحصيوي): ريح تهب من محل يسمى (الحصوة) مصغرة فنسبت إليه والحصوة دون النجف من بغداد بساعتين وتكون مقابلة للكفل أيضاً وبينها وبين الكفل نحو نصف ساعة يفصل بينهما نهر الهندية والحصيوي اسم يعرفه الأهالي المنتشرون بين المسيب والكوفة.
5: (الحويزي) هي التي تهب من الشمال الشرقي والكلمة منسوبة إلى بلدة في العراق العجمي لأنها تهب من جهتها وهي (الصبا) في العربية.
6: (الروج) هو مطلق الموج والروجة: الموجة. وكان البغداديون يسمونها في عهد العباسيين (الروك) قال في تاج العروس: الروك الموج بغدادية وليست عربية كما أشار له الصاغاني.) أهـ.
7: (الشرقي): هي التي تهب عندنا من الجنوب الشرقي فنسبت إلى الشرق من باب تسمية الكل بالجزء وهي المعروفة قديماً باسم (الازيب).
8: (الشمال): هي التي تهب من الشمال الغربي. وهي عربية فصيحة.
9: (القبلي): هي التي تهب من القبلة ونسبتها إليها وفي العربية (الدبور).
10: (القمانة): هو الموج الشديد وإنما ذكرناه هنا مع الروج. لاختصاصهما بالرياح.
11: (النوف): هي التي تهب من جهات مختلفة في وقت واحد ويقابلها في العربية الفصحى (المتذابة) قال الإسكافي في مبادئ اللغة ص 14: (. . . والمتذابة (يعني الريح) التي تحيئ من هنا وثمة.) أهـ.(3/127)
وقد وردت لفظة النوف في قصيدة (هتلوش) الخزعلي (أي الخزاعي) من شعرائهم الحاليين وهو قوله:
(امحمله وحمالها كله صخر ... النوف ضاربها وهي ببطن البحر)
هذا ماجمعناه مما يتعلق بالسفن وما يلحق بها عند أهل العراق خاتمين كلامنا هذا بقولنا: كتبنا أشياء وفاتتنا أشياء أخرى لعلنا نستدركها في مقالة أخرى في فرصة أخرى نفترصها والله الموفق.
كاظم الدجيلي
البصرة وأنهارها
(تلو)
4 - أنهر الجهة الشرقية من شط العرب
يبلغ عدد انهر الجهة الشرقية من شط العرب المبتدئة من قضاء القرنة إلى نهاية الحدود العثمانية عند إيالة (المحمرة) الإيرانية 164 وهي:
نهر راس القرنة، بني منصور، النهيرات، الشافي. مزيرعة (تصغير مزرعة) مرعى. صعب. السواعية. الحد. الكوازي. الدبرة. الشيخ. باش اعيان. السلك. السليك 0تصغير السلك). السبل. أبو مرادب. أبو الحصن. راشد. سلمان. الرعيدات. العباسي. الجعفري. السويب. هويدي (تصغير هادي)، الصبيح. الشيب. لقمان. بربهة. لويط (تصغير لوط). النجر. ياقوت. المجانين الكبير. المجانين الصغير. قير. الكواسر. الروط، السبول الكبير السبول الصغير. المطلاع، السويب الصغير. أبو بصيري (تصغير بصرى)، أبو شويع، (تصغير شايع). أبو دفلة. كوت الخان. الجبلي. النشوة. شهاب. الديرة، أبو غرب. المصطفاغيات. سالم. الزريفي. قتيبان، الهورة، باب قليع. العبيدية. حوطة رباط. حوطة عباس. أبو الكلاب. حوطة زامل. تل كارة. الخمس. الريان. الجبارات. الصينخ. كباسي الصغير، كباسي الكبير. الكاولية. الجديد. الهنجية (تصغير الهندية)، الثامرية. الفيروزية. أم السباع. الرملة. زعبر. أبوزوري. الجحيوي. فضيلة. المكرية،(3/128)
الغبي. ابو الهدل. السيد. المجموعة. أم مسجد. الحوز. الخضر. الكوت. البلد. خويسة (تصغير خيسة). بربادة. البيكية. حسن. كوت السادة. الجرندي. المعاف. زغير. الحوبزاوي. قردلان. معدل. القشلة. التنومة، السلطان. أبو التنانير. كوت الباشا. كوت الجوع. ميتان كوت السيد. سيحة. أبن ناصر. شملة. المعاف. أبو وشيعة. المكري. كوت أبن نعمة. الخربة. سودان. أصفر. المجمل. أبو عامر. كوت زعير. الذهب. أبو بردى. ريح مالك. عويان. الخافور. الاحيمر (تصغير الأحمر). الصبخة. مير علي. كوت الشيخ. الحبابة. الجريف (تصغير جرف). كوت سوادي. النجارية. بكار. دحيمي الكبير. دحيمي الصغير. كوت السني. كوت السيد (الثاني). فجة العرب. الطالبية. البور. جاسم. الدعيجي، بعيبيص. الشرقي.
الجوهرية. كوت الخراب. السيد. المكري. الفحول. الوهبي. أم الصبور. حسكان. كوت عبد الله. شعيب. باب الهواء. عميرة. تينة. مصطفى ميمن. أبن برغوث. الخرنوبية. ومن هنا تبتدئ حدود إيران.
هذا وليعذرنا القراء من تكرار اسم بعض الأنهر لأن من عادة البصريين أن ينسبوا أسم النهر إلى من حفره ولذا يوجد كثير من الأنهر مسماة باسم واحد كما أني أرجو من القراء الأفاضل أن ينهوني عما نسيته أو غلطت فيه ولهم مزيد الشكر.
باش أعيان زاده أمين عالي البصري
ملحق بأنهار البصرة
أجاد حضرة الكاتب التحرير في وصف أنهار البصرة ولا نظن أن أحداً سبقه إلى ذكرها كلها كما فعل وإتماما للفائدة ننقل هنا ما كتبه صاحب عنوان المجد السيد إبراهيم فصيح الحيدري. وهو كتاب خطي لم يطبع إلى ألان وعندنا منه نسخة ودونك ما كتب عن الأنهر التي في الجهة الشرقية قال:
وأما الأنهر التي في جهة شرق شط العرب فهي ثلاثة وسبعون نهراً عظاماً كباراً وهي: 1 - نهر كتيبان وهو من المحال الجسيمة فيه عدة أنهر وفيه بساتين عظيمة كثيرة جداً 2 - نهر أبي كلاب وهو من الأنهر التي يتفرع منها جداول كثيرة حولها بساتين جليلة عديدة 3 - نهر الشلة وهو من الأنهار(3/129)
الكبار التي يتفرع منها جعافر كثيرة حولها بساتين غناء ونهران كبيران (لجزيرة الصقر التي تسمى أيضاً جزيرة العين) ويتشعب النهران المذكوران إلى أثني عشر نهراً حولها جنان كثيرة - 4ً نهر الخراب وهو نهران كبيران يتفرع منهما أنهار حولهما بساتين عديدة - والنهر الدائر على المقاطعات الجسيمة أعني: 5ً الكباسي الكبير و6ً الكباسي الصغير و7ً الحوطة و8ً الريان. - وكل من هذه المحال يشتمل على أنهار كثيرة وبساتين عظيمة عديدة - و9ً نهر حسن وهو عبارة عن نهرين كبيرين يتفرع منهما أنهار حولها بساتين كثيرة و10ً نهر كوت السادة وهو ثلاثة أنهار كبار حولها بساتين كثيرة و11ً كردلان كبيرين حولهما بساتين كثار و12 تنومة وهي عبارة عن نهرين كبيرين حولهما بساتين جليلة ظليلة و13ً كوت الجوع وهو عبارة عن
أربعة أنهر جسام يكتنفها بساتين عظام و14ً نهر كوت الباشا وهو من أحسن الكبار حوله بساتين كثيرة و15ً كوت ابن نعمة وهو ثلاثة أنهار كبار يحف بها بساتين كثيرة و16ً كوت زهير وهو عبارة عن أربعة أنهر كبار تطوف بها جنان غناء و17ً كوت الكوام و18ً الموحية خمسة أنهار كبار حولها بساتين جليلة الشان و19ً كوت غضبان و20ً كوت الشيخ و21ً الحبابة تسعة أنهر كبار. حولها بساتين كثيرة جليلة و22 نهر جاسم وهو عشرة أنهار كبار و23 نهر الدعيجي وهو من الكبار التي يتفرع منها أنهار حوله بساتين وافرة العدد والمقدار و24ً نهر البور وهو من الكبار حوله رياض وغيطان و25ً جزيرة البوارين اثنا عشر نهراً كباراً حولها بساتين وخمائل حسناء هذا والعمارة في جهة الجنوب أكثر من غيرها.(3/130)
وأما الأنهر التي في جهة الشمال فمنها: 1ً نهر الخندق وهو من الكبار التي يتشعب منها جداول حولها بساتين كثيرة ريا و2ً نهر الرباط الصغير وهو من الكبار حوله بساتين كثار و3ً نهر الرباط الكبير وهو من الكبار تحف به الجنان والخمائل و4ً نهر الجلبية الصغيرة وهو من الكبار، تحيط به النخيل والأشجار، إحاطة السوار بالمعصم و6ً كوت الفرنكي وهو ستة انهر كبار، حولها بساتين كثار، وهو من المحال الجسيمة المساحة والمقدار و7ً نهر قرمة علي وهو من الكبار تحف به بساتين كثيرة و8ً نهر قرمة ماجد وهو من الكبار حوله بساتين ذات أشجار فنواء و9ً نهر العنبري وهو من الكبار تكتنفه الأشجار الباسقة الكثار و10 الهارئة وهي من المحال الجسيمة، ذات الأنهار الغزيرة الماء، الكثيرة الأشجار الفنواء. وهي من توابع أراضي المنتفق. إلا أنه لما كان فيها لبعض أهل البصرة أملاك ذكرناها هنا. ويتصل بها الملك الذي تحت يد متصرف المنتفق وهو ملك عظيم جسيم يشتمل على بساتين لا تحصى ومزارع ومحال لا تستقصي. . .
وأما الأنهر والجداول المتفرعة من تلك الأنهر المذكورة فتبلغ أكثر من عشرة آلاف. والعشائر الساكنة في تلك المواطن بين البساتين وفي حواليها لا يحصى عددها.
جزائر شط العرب
وأما الجزائر التي في شط العرب المشتملة على البساتين ومزارع الرز فمنها: 1ً المحمودية وفيه أشجار أدواح ومزارع. و2ً أم الخصاصيف وفيها مزارع للرز وبساتين
واسعة. و3ً
أم الجبابي وفيها بساتين ومزارع الرز و4ً أم الرصاص(3/131)
وفيها مزارع رز وغيره. و5ً لزيادية وهي كبيرة جداً وفيها بساتين عديدة ومزارع رز واسعة و6ً الفداغية وفيها رياض فيحاء ومزارع رز قليلة. و7ً جزيرة العين وفيها بساتين كبيرة ومزارع رز كثيرة. و8ً الصالحية وفيها بساتين كثيرة ومزارع رز جليلة. و9ً العقيراوية أو العجيراوية وفيها رياض فيحاء ومزارع رز قوراء. و10ً الطويلة وفيها مزارع رز وحنطة. و11ً القليصاوية وفيها مزارع حنطة وبعض الصيفيات. و12ً جزيرة المحلة وهي عظيمة وفيها بساتين عظيمة ومزارع رز. - وجميع هذه الجزائر واقعة في شط البصرة. ولما أفلس جابر المراد شيخ آل محيسن من عشيرة كعب حاول التصرف في جزيرة المحلة تصرفاً جائراً وهي الجزيرة التي هي من أملاك الدولة العلية لأنها واقعة في البصرة وفي قربها وهي مقاطعة جسيمة تغل في السنة غلة تبلغ قريباً من ألف كيس وغفل عنها المتصرفون في البصرة. إلى هنا كلام صاحب عنوان المجد، في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد. ومن زادنا في هذا البحث مادة، زدناه شكراً والله الموفق.
(لغة العرب)
الكلكسة
-
1 - تمهيد
في علم الحيوان عند العرب من الألفاظ الغربية ما يصعب الاهتداء إلى تحقيقها لسوء تعريفها أو نقص تحديدها أو لجهل الكاتب نفسه حقيقتها. فيضطر العصري إلى أن يقول: (وهذا من خرافات العرب). وكأنه إذا قال هذه الكليمات أراح فكره وعقله وأعفى نفسه من التحقيق والتدقيق. ومن هذا القبيل اسم الحيوان الذي صدرنا به هذه المقالة. فما هي الكلكسة على ما جاءت في كتب العرب وما حقيقتها؛ وبأي لسان هي هذه اللفظة المعربة؛ ومن أي أصل مشتقة. هذه أربعة أسئلة نجيب عن كل منها على حدة فنقول:
2 - ما هي الكلكسة نقلاً عن كتب العرب.
جاء في كتاب الحيوان للدميري ما هذا حرفه: (قال قوم: إنه ابن عرس. وقال(3/132)
قوم: إنه حيوان آخر غير ابن عرس؛ وزبله إذا سحق وديف بالخل وطلى به مواضع النملة الظاهرة نفع نفعاً بيناً. وفي كتاب دمقراطيس: أن الكلكسة تبيض من فيها.) وروى في نسخة قديمة عندنا هكذا: (وفي كتاب دوبقراطيس (كذا): أن الكلكسة طائر (كذا): تبيض من فيها. وهذه الكلمة لم يذكرها صاحب التاج ولا اللسان ولا القاموس ولا الاوقيانوس ولا البابوس ولا ولا ولا. . . لكن ذكرها صاحب محيط المحيط نقلاً عن الدميري ولم يعزها إليه. ونقلها عن محيط المحيط صاحب أقرب الموارد. وقد ذكرها أيضاً فريتاغ وقزميرسكي وغيرهما.
3 - من أي لسان معربة هذه اللفظة.
عندنا أن هذه اللفظة ليست من أصل عربي محض بل أرمى إذ هي بالسريانية. ككزشتا) وبالكلدية القديمة الترجومية (كركوشتا) وقد شرحها أصحاب المعاجم الآرامية شروحاً مختلفة. قال أحدهم وهو من الأقدمين: (وجدت في كتاب الحيوان المنسوب إلى ارسطو طاليس أنها ابن عرس. وإن الأنثى منها تحبل من فمها وتلد من أذنها. وتجمع الفضة والذهب والخرز وتخلطه وتلعب به. فإذا أخذ منها عاقبت من أخذه منها بقرض ثيابه
وفراشه. وأنا استغفر الله من هذا القول.) (أورد هذا الكلام باين سمث في معجمه السرياني اللاتيني الكبير نقلاً عن معجم بر علي). وزاد آخر: ويقال له بالفارسية (راسو) (بواو في الآخر) ويقال له: الكنشخت بالشين المعجمة. وفي رواية ثانية إنه الكشخت، وفي رواية ثالثة الكحش ويسمى أيضاً ابن مقرض وصحف بعضهم كلمة كنشخت بالخنفسة وبعضهم بالورشان (كما ذكر ذلك باين سمث). فأنظر حرسك الله أين يفضي الجهل ولا سيما جهل ألفاظ اللغة وبالأخص ما يتعلق منها بعلم الحيوان.
4 - ما هي الكلكسة على التحقيق وما هي مرادفاتها.
ما الكلكسة على التحقيق إلا ابن عرس لا غير. وما ذكر بعضهم تلك الأقوال القائلة إلا جهلاً لعلم الحيوان. وكان بين بعض الأقدمين جماعة يحبون غاية الحب(3/133)
عجائب الأخبار فإذا سمعوها من واحد أثبتوها على علاتها بدون أن ينعموا النظر في مواقع صحتها وفسادها. . . وابن عرس وابن مقرض والكلكسة أسماء مختلفة لمسمى واحد. وحكاية جمعه للفضة والذهب والخرز مختلفة من أولها إلى آخرها مسندين ذلك إلى اشتقاق أسمه لظنهم أن (العرس) لا يكون إلا بعد جمع الأصفر الرنان والأبيض الفتان. وحكاية قرضه للثياب مبنية على أسمه (ابن مقرض). وقصة بيض أنثاه مؤسسة على مناسبة في الاشتقاق بين الكيكة (وهي البيضة) والكلكسة لا غير.
ومن أسمائه العربية الكثيرة: السنعبة (وأظنها خاصة بالأنثى) لأن الذكر من هذا الحيوان هو السرعوب. وكلاهما مشتق من السعب مصدر سعب الممات بمعنى الجري لأنه يقال: انسعب الماماي جرى. وسمى هذا الحيوان بهذا الاسم لخفة حركته. ثم زيدت النون بعد الحرف الأول وأبدلت بالراء في الثاني للدلالة على تكرار الحركة وشدتها وأصل السعب: السعي وهو المشي والعدو. وكل ذلك معروف في هذا الحيوان. وعندي أن السرحوب (بالحاء) من أسمائه وهي تصحيف السرعوب على لغة شائعة في القديم يسموها الفحفحة كانت فاشية في هذيل يجعلون فيها الحاء عيناً (راجع المزهر للسيوطي 1: 109) فقد قالوا بعثره وبحثره، لعس ولحس، عوج به الطريق وحوج. المصعنفر والمسعنفر إلى مئات مثلها. - نعم إن اللغويين قالوا في تفسير السرحوب: ابن آوى. لكن هذا يشبه قولهم: الكلكسة: ابن عرس أو فارة التمر. وقيل: ابن آوى. وقيل: السنورة والقطة (راجع دليل
الراغبين، في لغة الآراميين. تأليف القس يعقوب أوجين منا الكلداني. طبع في الموصل في دير الآباء الدومنيكيين سنة 1900 الصفحة 335) وسبب اختلاف الآراء ناشئ من جهل حقيقة الحيوان على حد ما يفعل الرامي إذا كان غير ماهر في الرماية فإنه كلما أخطأ الغرض أعاد رميه إلى أن يصيبه. ومثل هذا القول المتضارب قالوا في النمس فقد شرحوه بمعناه الحقيقي المعروف به. ثم قالوا: وقيل هذا الظربان وقيل: ابن آوى. إلى آخر ما هناك من الأقوال المختلفة. - ومن مرادفات ابن عرس (لزلم) (وزان سبب وصرد). وهي وإن لم ترد بمعنى الكلكسة عند جميعهم فإنها وردت بهذا المعنى عند قوم آخرين. لأن العلامة اللغوي الإنكليزي العارف بالسريانية أتم المعرفة(3/134)
وهو باين سمث في شرحه للكلمة السريانية (ككوشتا) ص 1830 قال: معناها: ابن عرس، ويقال له نرعم (كذا). ولا غرو أن هذه اللفظة مصفحة عن (زلم) كما جاءت صحيحة بهذا الوجه في كتاب معجم بر بهلول. لكن الزلم في دواوين اللغة هو الوبر وهو حيوان غير ابن عرس. - قلنا: هذا صحيح لكن قد ترد اللفظة الواحدة بمعانٍ مختلفة بموجب اختلاف البلاد والقبائل، وهذا من ذاك. وإلا لما جاز لهؤلاء العلماء الإثبات اللغويين المشهورين أن يذكروا ما لا علم لهم به. إذ جماعة فصحاء السريان يذكرون لككوشتا معنى ابن عرس والزلم. - هذا فضلاً عن الزلم معدول عن الزالم وهو المسرع والزلمان من أوصاف ابن عرس.
5 - في أي لسان وردت أولاً لفظة الكلكسة ومن أي حرف
أواصل مشتقة.
من نظر إلى هذه اللفظة العربية وبحث عما يقاربها من الألفاظ في أصل مادة ك ل ك س لا يقع على ما يبل صداه. فالكلمة إذا معربة عن (كركوشتا) الكلدانية القديمة. ومنها بالسريانية (ككوشتا) وإبدال الراء لاماً والشين سيناً أمر مشهور لا يحتاج إلى إثبات وهو كثير الورود في لغتنا العربية. وهي مشتقة في الأصل من مادة ك ر ك التي تقرأ أيضاً ك ر خ بالكلدانية. والمادة تدل على الدور والإدارة والبحث والتفتيش وهي مادة تكاد تكون بهذا المعنى في جميع اللغات ومنه: الكرخ: اسم لكل مدينة كانت تبنى مدورة مسورة. ومن ذلك (كرخ بغداد) لأنه أول ما بنى كان على هيئة مدورة مسورة. ومن هذا الأصل أيضاً
الجرخ بالفارسية وهو الدولاب. وأنظر الألفاظ اللاتينية واليونانية وما يتفرع منها في اللغات الإفرنجية على اختلاف أنواعها، تر العجب العجاب. إذ كلها تفيد الدور والإدارة والاستدارة والبحث والتفتيش. وكل ذلك من صفات الكلكسة أو ابن عرس.(3/135)
وهذا ما يؤيدنا في هذا الرأي وفي أن الأصل هو الكركسة أو الكركشة. ومن ير الخلاف يظهر أدلته. والسلام.
تطواف في جوار بغداد والمدائن
زايلت بغداد في الساعة التاسعة عربية من نهار الخميس الواقع في 17 آب سنة 1911م قاصداً المدائن لا صرم بعض أيام عطلة المدارس وأقضي وطراً لي هناك وأتذكر أجدادي الكلدان وأعمالهم وما آل إليه أمرهم وأبكيهم على تلك الأطلال التي كاد يدرسها فيضان دجلة في أغلب الأعوام، إذ تسيل مياهه من ثلم ضفتيه على تلك الأراضي، فتطفح حتى ينتهي ماؤها إلى تلك الأطلال والروابي. فيهدمها وينقض آجرها ويحل لبنها فتطمس تلك الآثار شيئاً فشيئاً على مر السنين وفيضانها.
فسرت في رفقة مرافقين من الشمر خبيرين بتلك الأراضي، نتجاذب أطراف الأحاديث والروايات عن تيك الأطلال والروابي التي تجتاز بها.
لا يخفى أن ضفتي دجلة ذواتا منعطفات ومنحنيات من بغداد إلى الكوت لا بل إلى مقربة من العمارة، فتراها كقسي يدخل محدب قوس إحدى(3/136)
الضفتين في مقعر قوس الضفة الأخرى وماء دجلة ينساب بين تلك المحاني انسياب الأفعى. فكل قوس من تلك القسي يسميها عرب تلك النواحي (بالزاوية) وكل زاوية من تلك الزوايا تسكنها عشيرة من أعراب الزبيد على الضفة الغربية من دجلة وعشيرة من عرب شمر طوقة (طوكه) على الضفة الشرقية منه وكل زاوية مختصة بعشيرة من القبيلتين وهي كالملك لها تؤدي للحكومة الخمس من غلات تلك الأراضي الأريضة. وأوتار تلك القسي أو الزوايا المتصلة بعضها ببعض هي الصراط المستقيم والأقرب مسافة للسائرين من زاوية إلى أخرى ومن مكان إلى آخر. وفي نهاية كل وتر من تلك الأوتار تعترضك ضفة النهر فتسير عليها موصلة طرف الوتر السابق بطرف وتر الزاوية التالية وهكذا إلى النهاية وذاك المعترض يسميه العرب (طالعة) فهناك ترد الخيل الظمأى ويرتوي المارون وتملأ الأسقية ماءً قراحاً ومسافة كل وتر من تلك الأوتار ثلاثة أميال أقل أو أكثر أي مسير ساعة أو ما ينقص عنها أو يزيد وبين كل وتر ووتر طالعة ومسافة كل وتر منها تسميها العرب سوقة (سوكة) وكل زاوية من تلك الزوايا اسم مختص بها. فأول طالعة بلغناها بعد مسيرنا من بغداد طالعة القرارة (الكرارة) وتبتدئ قوس زاويتها من
كرد الباشا محيطة (بالسيد إدريس) وبساتين (القادرية أو الجادرية) الغناء التي منها خوخ الجادرية الفاخر المشهور بالطعم والرائحة واللون ينادي عليه البقالون في أسواق بغداد (خوخ الجادرية(3/137)
يا خوخ) (أي شاري الخوخ): إلى أن تنتهي إحاطتها في طالعة القرارة واسم تلك الزاوية (الجادرية) ثم سرنا من هناك في وتر زاوية (الدودية) الكثيرة البساتين والنخيل وفي منتصف الطريق عن مسيرتنا اعترضنا تل يقال له (تل بليقة) وقد غرقت في هذه السنة أغلب الزروع الشتوية الواقعة على جوانبه وهي عبارة عن مجتمع أنقاض أبنية شامخة وآجره أحمر ينقل منه الفلاحون إلى ضفة دجلة لبناء أركان ركاياهم وفيه كسر خزف خوابئ وآنية الخ. وعن رواية: أن محل هذا التل كان مدينة عامرة زمن استيلاء الفرس على هذه الديار ومن هناك سرنا حتى انتهينا إلى نهر يقال له (ديالى) بعيد المغرب فعبرناه على جسره المبني على معبدات (سفن مقيرة) وديالى هذا هو من سواعد دجلة. فوجدنا هناك قهوة يجاورها بيبتات كأنك بها فندق للمسافرين فتعشينا وبتنا ثم هببنا من نومنا بعد طلوع القمر في الساعة السادسة فسرينا قاطعين وتر زاوية (الثويتة) ومن هنا يرى حديد البصر محدب إيوان كسرى ومسافة هذا الوتر يساوي مسافة وترى زاويتين وفي منتصف الطريق عن ميمنتنا رويبية يقال لها (أبو الحيايا أي أبو الحيات) ثم واصلنا السرى حتى بلغنا (طالعة قصيبة) ويقال لذلك المكان (المعيرض) لأن هناك تعترضنا مفارق الطرق المؤدية إلى العزيزية (والجزيرة أو الصيرة) والمدائن الخ فتروينا وملأنا تنكنا (التنك في لغة العراقيين جمع تنكة وهي كوز من فخار له عروتان وليس له بلبل) ثم سرينا قاطعين وتر الزاوية (باوي) أو (السمراء أو السمرة) وهذه الزاوية متوسطة المدائن إلى أن انتهينا إلى مسجد الإمام سلمان الفارسي الذي كان يسمى قبلاً روزية وهو بمقربة من(3/138)
إيوان كسرى فألقينا فيه العصا في الساعة التاسعة من تلك ليلتنا ثم أوينا إلى قهوة هناك واضطجعنا على الأسرة غافين حتى بزغت الشمس فاستيقظنا وسرنا متجهين إلى زاوية (السطيح).
إن مسجد الإمام سلمان واقع في الشمال الشرقي من إيوان كسرى ويبعد عنه مسافة ربع ميل وسور كسرى يبعد عن إيوانه مسافة ميل واحد والسور المذكور هو الحد الفاصل بين الزاوية (باوي) الواقع فيها إيوان كسرى وزاوية السطيح.
وأعلم أن هذا السور لم يبق منه شاخص سوى زاوية قائمة متجهة إلى الشمال تماماً وضلعين يحيطان بها أحدهما يتجه إلى الجنوب الغربي وقد خرقه وبتره ماء دجلة وجعل طلل المبتور منه شاخصاً إلى يومنا هذا في جانبه الغربي والضلع الآخر متجه إلى الجنوب الشرقي لكنه لا يكاد ينتهي طرفه إلى دجلة من الجهة الأخرى من زاوية السطيح بل باق رسمه إلى شاطئ دجلة وارتفاع هذا السور الآن عن الحضيض نحو من سبع اذرع وأعلاه منثلم متآكل قد أذابت لبنه الأمطار والثلوج وهو مبني من لبن (ملوح) أي مجبول بجل الحنطة وسنبلها (الجل قصب الزرع إذا حصد وقطع) وإلى الآن ترى سنابل الحنطة في مكسر اللبنة. وعلى رواية أن هذا السور سور حديقة أو جنينة (باغجة) (شاه زنان) ابنة كسرى العادل (انوشروان).
وهذه (شاه زنان) بعد ما استولى الحسين بن علي بن أبي طالب مع الصحابة على أبيها وعلى بلاده قيدت أسيرة فتزوجها الحسين بن علي المشار إليه. قلت هذه رواية العوام على علاتها.
ويلي زاوية السطح (زاوية الصافي) والحد بينهما أو قناة أواردب (الذرعية) حفره ذريعي بن خدر المنصوري وعشيرته وهم من شمر طوقه (طوكة) وقد وجدوا في ضحضاح شاطئ دجلة عند فم هذا النهر الجاري وقت الفيضان إلى أرض (السعدة) عند حفره لقطاً كخاتم ذهب ساقط فصه وأجراس ذهب(3/139)
إلى غير ذلك. ووجدوا جثث أشخاص موضوعة في ما هو كالدن أو الراقود من خزف وعلى بعض تلك الجثث حلى من ذهب وغيره والذي وجد بعض ذلك ورأى بعضه رواه لي وهو من ثقافتهم. ويلي زاوية الصافي (زاوية الخناسة) ويلي الخناسة (اللج) وهكذا إلى الآخر.
وأغلب هذه الزوايا وأراضيها المقابلتها أريض مخصب يزرع فيه الحنطة والشعير والهرطمان والحمص والسمسم والذرة البيضاء والصفراء والعدس والماش واللوبيا وتعرف عند أعراب تلك الجهات بالعوين الخ وهذه المزروعات يسقيها ماء المطر وفيضان دجلة وتسقى بعضها الدوالي.
وجميع الزوايا الواقعة على الجانب الشرقي من دجلة من (باوي) إلى ما وراء (كوت الإمارة) تسكنها شمر طوقة وتزرعها. وبيوت هؤلاء العشائر في الشتاء خيم منسوجة من
شعر المعز وهي مظالهم وكل مظلة منها مؤلفة من ثلاث أو أربع أو خمس شقاق (شكاك) حسب التمكن وعرض كل شقة ذراع وثلث أو نصف الذراع قل: متر. وطولها نحو من نيف وعشرين إلى ثلاثين ذراعاً فيضمون حاشية الشقة الواحدة إلى حاشية الأخرى ويخيطها الرجال وخيمهم في الصيف من شقاق شوب العوين أو اللوبياء ومعنى الشوب أنهم يأخذون قضبان العوين وسوقها بعد اصفرار ورقها وينقعونها في الماء مدة سبعة أو ثمانية أيام ثم يرفعونها منه ويخبطونها بالعصي والهراوي ويدقونها بالأخشاب والحجارة دقاً بليغاً إلى أن تصير كالقطن وهذا المدقوق يسمى عندهم بالشوب ثم تشرع النساء يغزلنه وينسجنه شقاقاً ثم يخيطها الرجال خيمة فيرفعونها بالأعمدة سقفاً للبيت.
روى بعض شيوخ شمر طوقه الثقات الإثبات وأنا جالس بحضرتهم قال: قبل خمسة أو ستة أظهر أي أجيال كنا في الجانب الغربي من دجلة مع شمر الجرباء البدو تجمعنا جامعة واحدة وسابلتنا لا تقطع من الموصل والشرقاط إلى سوق الشيوخ والقرنة ولأمور عرضت لأجدادنا تظاهروا أي تدابروا فعبر أجدادنا من عبر دجلة الغربي إلى عبره الشرقي فتخلف في العبر الغربي كلبة من كلابنا وكان اسمها طوقة فأخذت امرأة منا تشليها قائلة طوقة! طوقه! طوقه! طوقه! طوقه! فسمى البدو شمر الجرباء أجدادنا بشمر طوقه إهانةً واستخفافاً بهم وسار هذا الاسم علينا إلى يومنا هذا فأصبحنا قبيلتين أو فصيلتين ولنا عشائر(3/140)
عديدة يجمعها الجدول الآتي:
قبيلة أو فصيلة شمر طوقه (طوكة) وعشائرها.
المناصير (وهذه العشيرة تنقسم إلى عشيرتي العياف والعمران)، الكفيفان. المردان. الشويفي. الهذيل. البنوة. الداورة أو الدعيرات. المجابلة (أي المقابلة) (ومنهم الشيخ بطيخ المشهور)، حميان (تصغير حميان)، الذلابحة. الكراغول (أي القراغول). العتبة، (الضم). الدعجة، (بالفتح)، الثوابت، الصدعان، الطليحة، (مصغرة)، النفتفشة، الشهيلات (مصغرة)، الهيرار، السكوك، العوال، الجعفر، الزكيطاط أو الزقيطاط (مصغرة)، الادلفية. (جميع هذه العشائر من المناصير إلى الزكيطاط تسكن الجانب الشرقي من دجلة وتزرعه).
بنو ويس، الحريث (مصغرة)، المجمع (كمعظم) خسرج (أو خزرج) (هذه العشائر الأربع هم في جبهة جبل كرد ومن جبال مندلي وكرمنشاه)
العزير (مصغرة). الزكاريط (أو الزقاريط). الاكرع (أو الأقرع). السعيد (ككريم) الزوبع، (هذه العشائر الخمس تنزل في ديرة أبي غريب والمحمودية والرضوانية في الجانب الشرقي من الفرات).
المسعود (تنزل في الحسينية والمسيب والناصرية على الجانب الشرقي من الفرات)
وجميع هذه العشائر تؤدي البيتية أي ضريبة السكنى وهي عبارة عن ثلاثة مجيديات على كل بيت وتؤدي خمس الزرع والكودة أي خراج الأغنام. هذا ما استطعت جمعه والإطلاع عليه في هذه الرحيلة والله الهادي إلى صراط مستقيم.
بغداد في 28 آب سنة 1911م
الشماس فرنسيس جبران
(لغة العرب) تأخرت هذه المقالة إلى هذا اليوم لتكاثر المواد كما عندنا مقالات أخرى لم تنشر لهذا السبب عينه. فنطلب إلى الكتاب الأفاضل أن يعاملونا بالحلم والإناءة.
نصرانية غسان
-
يظن بعضهم أن قبيلة غسان كانت نصرانية ولم تكن تعرف ديناً سواه. والحال أن الأمر لم يكن كما يقولونه. نعم إن أغلب تلك القبيلة كانت على دين المسيح لكنها لم تكن كلها عليه. ولنا على هذه الحقيقة التاريخية أدلة واضحة بينة نذكر بعضاً منها: أثبت دي خوي من أشهر الباحثين عن تواريخ العرب وتمحيصها في كتابه(3/141)
2. 1900 6 - 7::
ما هذا ملخص كلامه: (كان بين القبيلتين العربيين (بين اللخميين والغسانيين) سبب من أعظم أسباب العداوة والنزاع وهو اختلاف الدين؛ فإن اللخميين عرب الحيرة كانوا وثنيين وأما تابعوا الغسانيين فكان بينهم عدد عديد من المتنصرين. فترى من هذا إنهم لميكونوا جميعهم نصارى بخلاف ما ذهب إليه دوشين - (1896) 113 - 1896 1905 336
وقد أبان العلامة دي خوي إنه في أبان فتح المسلمين ديار الشام كان بين قضاعة الذين كانوا يحاربون مع الروم ما يجاوز نصفهم ممن كانوا على الوثنية. ولذا صمم جيش المسلمين أن يناهزهم القتال في حين تهيؤهم للاحتفال بعيد لهم سماه المؤرخ ثيوفانس عيد النحر هذا ويؤخذ من كلام سقراط المؤرخ أن النصرانية ابتدأت أن تنتشر بين بني غسان في القرن الرابع للميلاد - 36. وراجع أيضاً المؤرخ روفينس - 6 والذي أثار في صدورهم تعشق هذا الدين قربات النساك وكراماتهم. وهذا ما يؤخذ من أقوال مؤرخي الغرب والشرق الأقدمين، ومن ترجمة القديس سابا التي كتبها كيرلس البيساني. وكان(3/142)
الغسانيون والحيريون على جانب عظيم من التعصب والتمسك بعقائدهم وقد نقل المؤرخ بروكوبيوس أن العرب اللخميين كانوا يقعدون عن الحرب والغزو مدة من الزمن ولم يكونوا يناهزون أحداً القتال في الشهرين اللذين يتلوان انقلاب الصيف لأن هذه المدة كانت مخصصة للقرابين ولأعمالهم الدينية. فإذا انقضت استدركوا ما فاتهم بشن الغارات ومتابعة الغزوات. راجع كتابه 16 18. ومن الأصنام التي كانت تعبدها غسان مناة. قال ياقوت في معجم البلدان: مناة: اسم صنم في جهة البحر مما يلي قديداً بالمشلل على سبعة
أميال من المدينة وكانت الازد وغسان يهللون ويحجون إليه. . . وكان الحارث بن شمر الغساني أهدى لها سيفين أحدهما يسمى مخذفاً والآخر رسوباً وهما سيفا الحارث اللذان ذكرهما عقلمة بن عبدة في شعره. . .) وقال اليعقوبي في تاريخه 1: 297 كانت تلبية غسان عند وقوفها عند صنمها: (لبيك رب غسان راجلها والفرسان.) وهذا سطيح الكاهن المشهور فإنه كان غسانياً إلا إنه لم يكن نصرانياً وإن كان خال نصراني من أهل الحيرة.
هذا بعض ما عندنا من أدلة المؤرخين من أهل الشرق والغرب الأقدمين مع ذكر الأسانيد التي أخذناها عنهم وكلها تدل على أن غسان لم تكن كلها نصرانية كما إن النصرانية لم تعمها وإن غلبت على أفرادها. فإن كان لأحد ما يهدم هذه الحجج التاريخية بمعول برهانه فليأتنا به لنتابعه في رأيه. والسلام.
الفكر سياح
إنما الفكر سائح لا يجاري ... يقطع الليل كله والنهارا
لم يمانعه بالسياحة شيء ... هو إن شاء سار أو شاء طارا
من يجاري سراه وهو يجو ... ب البر طراً بلحظة والبحارا
قوة حازها فأصبح فيها ... كيفما اختار سائحاً دوارا
سائحاً ما له مقر ومأوى ... كل آن تراه ينزل دارا
فزماناً ينحو القفار ويروي ... لك عن كائناتها الاخبارا
وزماناً يهوى إلى طبقات الأر ... ض مستكشفاً لك الاثارا
وزماناً إلى المجرة يرقى ... يكشف النجم ثم والاقمارا(3/143)
وزماناً يغوص كالحوت في البح ... ر فيبدي عن قعره الأسرارا
وزماناً يختال بين رياضٍ ... يقطف الزهر يجتني الأثمارا
وزماناً يطوف حول قبورٍ ... دراسات فيندب الاخبارا
وزماناً يبيت بين حبيب ... ين فيملي عليهما الاشعارا
وزماناً يأتي الطلول فينعى ... سالف الدهر والدمى والديارا
وزماناً يعلو المنابر للوع ... ظ فيهدي بوعظه الفجارا
وزماناً يقوم بين كؤوس ... وغوان فيخدع الابرارا
وزماناً تراه يتبع نعشاً ... باكياً ينثر الدموع الغزارا
وزماناً يسير خلف عروس ... باسم الثغر قد سلا الاكدارا
وزماناً يعلو قصور أولى اليس ... ر فيختال بينها استكبارا
وزماناً يأتي بيوت أولي العد ... م فيأبى دخولها استحقارا
وزماناً يجول بين حروب ... لا يهاب الأهوال والاخطارا
وزماناً تراه يعقد صلحاً ... بعد ما كان ثم اضرم نارا
وزماناً تراه يدخل حانات المعاص ... ي فيحمل الاوزارا
وزماناً يحتل هالة ذكر ... يذكر الله ربه استغفارا
وزماناً يحل مسرح تمثيل ... فيبدي ما يدهش الابصارا
وزماناً يجوب سوق عكاظ ... ينثر النظم ينظم الاشعارا
هكذا يركب الخيال ويسري ... موقفاً وداراً فدارا
تارة يصحب الدوارج بالسي ... ر وآنا يصاحب الاطيارا
كم أرانا الفكر المنور أعجا ... زاً به ظل عقلنا محتارا
وسيرقى مع الزمان إلى أن ... يتجلى بقدرة لا تجارى
إبراهيم منيب الباجه جي
فوائد لغوية
1 - غيور لا تجمع على غيورين ولا نشيط على نشيطين ولا
يجمع جمعاً سالماً ما شابههما
يظن بعض الكتاب إن كل ما يجئ على وزن فعيل أو فعول يجمع جمعاً(3/144)
(صحيحاً) قياساً مطرداً ولهذا يقولون في جمع غيور ونشيط: غيورين ونشيطين وليس الأمر كذلك. فإن النحاة قد نصوا على أن جميع ما يستوي فيه المذكر والمؤنث وهو أغلب ما يكون في باب فعيل وفعول لا يجمع جمعاً صحيحاً بل يكسر. اللهم إلا ما نقل عنهم مجموعاً جمعاً صحيحاً. ولهذا لا يقال في جمع غيور إلا غير بضمتين ولا في جمع نشيط الأنشاط (بالكسر) ونشاطي (بالتحريك في الأولين والقصر في الآخر).
2 - لا يقال: المشاركة مع فلان خطرة.
قد أكثر كتاب هذا العصر من قولهم مثلاً: المشاركة مع فلان خطرة وهم كثيراً ما يضمون إلى (وزن فاعل) في جميع صيغه وإشتقاقاته الأداة (مع) والحال معنى هذه الأداة موجودة في الصيغة نفسها لأنها تدل على المشاركة فلا يجوز إذا أن يقال: المشاركة مع فلان خطرة وإنما يقال (مشاركة فلان خطرة) وإنما تدخل (مع) في وزن تفاعل فيقال: التحارب معه مهلك) مثلاً.
3 - لا تقل: الكتاب تحت الطبع
ويقول بعضهم: (الكتاب تحت الطبع) وهذا التعبير إفرنجي لا وجه مجازي عربي له إلا بتكلف وإنما العرب تقول في مثل هذا التعبير: (الكتاب يطبع) لا غير. أحفظ كل ذلك تصب إن شاء الله.
أسئلة وأجوبة
1 - أصل كلمة قزلقرط
كتب إلينا أحد أصدقائنا في بغداد: قال بحثتم عن أصل معنى زقنبوت ولم تبحثوا إلى الآن عن أصل كلمة قزلقرط فنرجوكم أن تفعلوا.
قلنا: يلفظ البغداديون هذه الكلمة بضم القاف وتشديد الزاي المضمومة وسكون اللام وضم القاف الثانية وسكون الراء وطاء في الآخر والبعض يقولون قزرقرط وقزرقط بإبدال اللام راء في الأول وبحذف الراء في الثاني. وآخرون يقولون: قزل قوردا وقزل قورت وكلها بمعنى واحد وأصل واحد وهو التركي (قزل قورد أو قزل قورت) ومعنى (قزل) أحمر (وقورد أو قورت) دود والمراد دود(3/145)
أحمر واسمه الثاني بالتركية (أت قورتي) وهو يتولد في الجلد أو اللحم على زعمهم ويكون سبب موت المصاب به ومحصل المعنى (عسى الدود يقع في جلدك ويميتك) ويحتمل أن تكون اللفظة من الكردية (قزلقرت) وهي دويبة كالدودة تتخذ لها بيتاً من هشيم الكلا تلصق ذنبها به وتمشي به وربما تأكلها الدواب فتموت منها. راجع كتاب الهدية الحميدية، في اللغة الكردية، تأليف يوسف ضياء الدين باشا الخالدي مادة قزلقرت. - وقد قيل أنها مركبة من (قوص) التركية ومعناها (منفوخ) (وقورت) أي دود ومحصلها واحد. وهذه اللفظة تستعمل للدعاء على الإنسان وهي كثيرة الورود مع غيرها فيقولون (وجع وموت وقزرلقرط). ونحن نرجع أنها بمعنى الدود الذي يتولد في جسم الإنسان. ولعل العبارة قديمة في هذه الديار. فقد جاء في أنشودة يهوديت (16: 21) يسلط على لحومهم النار والدود لكي يحترقوا ويتألموا إلى الأبد. ومن ذلك عبارة البغادجة (موت وقزلقرط) كأن هذا الدود يقع فيهم بعد موتهم لتعذيبهم وإن كان الميت لا يتألم عذاباً في جسمه لعدم شعوره حينئذ؛ إلا إن هذا التعبير يصور ما يتمنى للميت من الأعذبة تمثيلاً به. والله اعلم.
2 - المعلمة بمعنى الكتاب الحاوي لأنواع العلوم والفنون.
وسألنا بصري: ما أحسن لفظة عربية تؤدي معنى اللفظة الإفرنجية السكلوبيذيا
قلنا: أن: عن المعلم بطرس البستاني عرب هذه اللفظة بقوله: (دائرة المعارف) وهو تعريب اللفظة اليونانية الأصل المذكورة آنفاً لكنها أصبحت بمنزلة العلم لكتابه المشهور
الذي برز منه أحد عشر جزءاً. هذا فضلاً عن أن هذه التسمية هي عبارة عن لفظتين. وهذا ما يجب أن يعدل عنه إلى غيره يكون في لفظ واحد إن أمكن. ولهذا لما قرظ جمال الدين الأفغاني كتاب دائرة المعارف أطلق عليه اسم (الكوثر) كما يرى ذلك في مجلة الجنان التي كانت تصدر قي ذلك العهد أي في الأجزاء التي ظهرت في سنة 1876 و1877. على أن الكوثر في اللغة هو: (الكثير من كل شيء ونهر في الجنة تتفجر منه جميع أنهارها.) فاستعار لهذا الكتاب هذا الاسم لجامع التفجر وهو تفجر العلوم من هذا الكتاب أو هذا النهر بيد أن الكتاب لو يوافقوه على هذا الاصطلاح لما رأوا فيه من التكلف فنبوا عن(3/146)
استعماله واتخاذه ولم يقبلوه. فجاء المرحوم الشيخ إبراهيم اليازجي وعرض على الكتاب استعمال كلمات (كتاب موسوعات العلوم) قال في الطبيب لسنة 1884 - 1885 في الصفحة 330: كتاب موسوعات العلوم هو العنوان الذي أطلقه الملا أحمد بن مصطفى على هذا الجنس من التأليف في كتابه (مفتاح السعادة، ومصباح السيادة) والمراد بموسوعات العلوم مشتملاتها وما وسع كل منها. ويقال في جمعه (كتب موسوعات العلوم). فأقبل بعض الكتاب على اتخاذ هذا الاسم إلا أنهم اختصروه مكتفين بقولهم: (الموسوعات أو الموسوعة) استغناء بالجزء عن الكل أو من باب التلميح إلى الاسم الصريح. فقال الشيخ على من شوه هذا الاستعمال فكتب في البيان أسطراً يرد بها على صاحب اكتفاء القنوع بما هو مطبوع بما هذا نصه: (وكقوله في صفحة 357 في الكلام على مفتاح العلوم للسكاكي: (وهو موسوعة في علوم اللغة والبلاغة) ولا معنى للموسوعة في هذا الموضع ولكن استعمالها من سوء التناول وذلك على حد ما جاء له في صفحة 176 من هذا الكتاب حيث قال: (ومذ أعتني العرب بالفلسفة ساروا سير المصنفات (كذا) الحاوية الجامعة التي سماها بعض أهل عصرنا بالموسوعات) أهـ. ولم يسبق لأحد من أهل عصرنا ولا من غيرهم تسمية هذه المصنفات بالموسوعات ولكن هذه اللفظة أول ما ورد ذكرها في هذا العصر في مجلة الطبيب أيام تسليم عهدتنا إلينا وقد اتفق لنا ذكر كتاب من هذا الجنس فسميناه (موسوعات العلوم) ثم ذكرنا في الهامش ما نصه (النص المذكور) ثم قال: وإلى ذلك الإشارة بقوله: سماها بعض أهل عصرنا) مما كان يجب أن يصرح فيه بذكر المنقول عنه إذ لم يسبقنا أحد في هذا العصر إلى ذكر هذا اللفظ. على أن هذه التسمية ليست من وضعنا
كما عرفت وكما صرحنا به هناك ولا هي على الوجه الذي ذكره ولكنه تصرف في هذه اللفظة بما رأيت حتى خرجت عن وضعها لفظاً ومعنى وانعكس وجه الاستعمال فيها فصارت اسماً للظرف بعد أن كانت اسماً للمظروف.) أه (البيان ص 184) ولكن هذا القيام على الكاتب المذكور وعلى من جاراه لم يؤثر شيئاً إذ بقي كثيرون يتخذون اللفظة الواحدة أي (موسوعة أو موسوعات) عوضاً من الألفاظ(3/147)
الثلاث من باب تسمية الظرف باسم المظروف كما ورد في كتبهم أيضاً أو من باب أن اللفظة الواحدة تفيد ما يجئ معها من الألفاظ كالقاطرة التي تجر وراءها سائر مقطورات القطار.
ولهذا رأينا أن أحسن كلمة تستعمل في هذا الوجه أن تتم فيه ثلاثة شروط: 1ً أن يكون مؤداها لفظة واحدة بسيطة لا مركبة حتى إذا أحتاج الإنسان إلى أن ينسب إليها بعض الألفاظ يسهل عليه العمل - 2ً أن تفيد هذا المعنى المطلوب بمجرد النظر إليها أو سماعها بدون أدنى تكلف أو بذل مشقة أو عناء لتفهمها - 3ً أن ينحى فيها مناحي العرب وأن تكون سهلة المأخذ والتلقي لا وعورة فيها ولا خشونة ولا ينبو منها السمع. والحال أننا لا نرى هذه الشروط مستجمعة إلا في كلمة (معلمة) وزان مدرسة والمفعلة اسم للمكان الذي يكثر فيه الشيء. والمكان هو بمنزلة الظرف. والدليل إنهم وضعوا ظروفاً كثيرة وهي تدل على المكان أو الأداة أو الإناء. كقولهم محبرة فإنها إناء يجعل فيها الحبر أي الظرف الذي يوضع فيه. ومثلها المشربة أو المصنعة والمخبزة والممدرة والمقبرة والمخبرة والمدنبة فضلاً عما فيها من معنى الوعاء أو الظرف أو ما شابه معانيهما. وقد فصل ذلك التاج في مادة حبر. كما إنهم وضعوا أسماء آلات على أوزان أسماء الأمكنة كالمصحف بضم الميم وسكون الصاد وفتح الحاء. ومثله المطرف والمغزل والمخدع والمجسد إلى غيرها. - وعليه تكون (المعلمة) بمعنى الكتاب الذي توجد فيه العلوم مدونة أو الديوان الذي تكثر فيه أنواع العلوم. وهذا هو المطلوب من قولهم السكلوبيذيا(3/148)
باب المكاتبة والمذاكرة
(سحر بابل وسجع البلابل)
(أو)
(ديوان السيد جعفر كما الدين الحسيني الحلي)
طالعت بهذا العنوان مقالة انتقادية منشورة على صفحات الجزء الأول من السنة الثالثة من هذه (المجلة) فرأيتها تعرب عن أفكاري في انتقاد هذا الكاتب (سحر بابل وسجع البلابل) غير أن حضرة كاتبها ترك بعض انتقادات جوهرية لا أعلم كيف أخطأها سهم فكره الصائب وتعلق بغيرها دونها شأناً. مع انه كان على حضرته أن يجعلها واسطة قلادة مقالته. ولهذا أنشرها هنا تتميماً لما كتبه حضرة الفاضل (المنتقد) وخدمة للحقيقة التي هي بنت البحث فأقول:
وجدت قول (لناشر) في (كلمته) ص 3 (وفي أخريات القرن الخامس انشأ الأمير العربي سيف الدولة منصور بن صدقة بن دبيس الأسدي في أرض تسمى بالجامعين غربي الكرخ على ضفاف غربي الفرات بل من جانبيه تلك البلدة القوراء، الحرية بما اشتهرت به من اسم الحلة الفيحاء) يخالف قوله في ص 4 (وكانت الحلة من أول القرن الخامس إلى أربع قرون هي دار الهجرة لطلب العلم عند الشيعة الأمامية) فإن ما أفاده حضرة (الناشر) يوضح أن (الحلة الفيحاء) كانت مدينة ممصرة قبل أن ينشأها سيف الدولة. إذ أنها دار الهجرة لطلب العلم في أول القرن الخامس على زعمه وأما إنشاء سيف الدولة لها ففي أخريات ذلك القرن على رأيه فليتأمل. ورأيت في مقدمة جامع الديوان قوله في ص 19 (ورتبته على مقدمة وأبواب وخاتمة) أما المقدمة والأبواب فهي مثبتة في الديوان. وأما الخاتمة فأظنها قد غلبت عليها يد التصرف فأسقطتها من المطبوع. أما في مجموع (جامع الديوان) فهي موجودة فيه وهي عبارة عن شذرة من نثر (الشاعر) ولعل حضرة الناشر لم يستحسنها فأسقطها فكان عليه أن يشير إلى ذلك أو يسقط قوله (وخاتمة) فإن حضرة الناشر كما نراه من تصرفه الولاية(3/149)
المطلقة على الشعر والشاعر وجامع الديوان!! ورأيت في ترجمة (محمد الحسين) آل كاشف الغطاء في ص 100 ما نصه (هو محمد الحسين بن علي بن الرضا بن موسى بن جعفر كاشف الغطاء الذي تقدمت الإشارة إليه أحد أفراد
الأسرة الجعفرية التي انتقلت من نواحي الحلة) مع إن الرجل لم ينتقل بنفسه كما يظهر مما كتبه الناشر بل كما قال المنتقد فإن الذي انتقل هو الشيخ جعفر نفسه جد جد الرجل ورأيت للناشر تصرفاً غريباً في بيت شعر من قصيدته البائية وهو قوله في ص 29:
هو الجمود وإذا أردت مخالفها ... فأركن إليها وإلا أضرب بها العقبا
فجعل الثعبا (مكان العقبا) وللناشر كثير مثل هذا التصرف الذي من بعد أن يثبته غلطاً إلى الشاعر نفسه. فجل من لا عيب فيه.
نجفي
باب المشارفة والانتقاد
1 - كتاب الفصول المهمة في تأليف الأمة
لمؤلفه عبد الحسين بن شرف الدين الموسوي العاملي طبع في مطبعة العرفان. صيدا سنة 1330م وثمنه 11 غرشاً و30 بارة صحيحة.
كثيراً ما يكون العنوان خلافاً لما في باطن التأليف أما هنا فقد صدق وصدق مؤلف هذه الفصول النفيسة فإن الكاتب حرسه الله قد افرغ كنانة وسعه ليصلح ما فسد ويرتق ما فتق. وقد راعى في كل ما قاله جميع آداب المناظرة مع إيراد البراهين المحكمة بنفس مطمئنة اطمئنان رجل يمشي في الجدد كيف لا (ومن سلك الجدد آمن من العثار) ونحن لا نتذكر أننا قرأنا كتاباً في مثل هذا الموضوع إلا واستهدف صاحبه لأنواع الملام لما يتسرب إلى كلامه من السب والذم والشتم واللعن والقدح والطعن. أما هذا الكتاب فقد نزه نفسه عن كل هذه المعايب ولهذا ننظر إلى المصنف وتصنيفه بعين الإكرام والإجلال ونحث المسلمين على أنواع الفرق على مطالعته.
وإننا لنأمل أن تكون الطبعة الثانية منزهة عن بعض الألفاظ الغامضة عند الاستغناء كما هو ديدن بعض الكتاب الذين يهجرون الفصيح ويتشبثون بالمهجور من الكلام. فقد قال في ص 3 (هوادينا) بدلاً من (أعناقنا) وهذه(3/150)
أدور على الألسنة وأقرب إلى الإفهام. وكل كاتب يكتب ليفهم أفكاره لا لكي يسترها بستار. ومثل هذه الألفاظ كثير كقوله في ص 4 سهو بنا بمعنى سهولنا أو ما يقاربه. وكقوله تتفرق في بيد العمران. والبيد لا توافق العمران. إنما توافق التوحش والخراب ونحوهما فاللفظة إذا على خلاف ما يروم الكاتب. وفي ص 149 من كلا الطائفتين والأصح من كلتا الطائفتين وأما أغلاط الطبع فكثيرة كقوله فص 4: ويستوثق نظام العدل والأصح ويستوثق. وفي ص 5 بخطابة نملئ والأصح تملأ وفي ص 13 المرجفين على حمية الجاهلية والأصح في أو بحمية الجاهلية. وفي تلك الصفحة والصلوة الخمس والصلوات الخمس. وفيها: لم توءمنوا بوضع الهمزة وراء الواو والأصح لم تؤمنوا (بوضع الهمزة على الواو) وفيها: الإسلام (وقد وضع الهمزة على الألف) والأصح وضعها تحتها. إلى غيرها مما لا يحصى. والأمل أنها تنقح في الطبعة الثانية التي نرغب أن تكون عن قريب. والله الميسر.
2 - صناعة البناء الإسلامية في القرن الثالث عشر في
العراق للفاضل فيولة في 18 صفحة طبع في باريس
الفاضل فيوله الفرنسوي من المغرمين أشد الغرام بصناعة البناء الإسلامية وقد طاف أكثر الديار الإسلامية إرواء لغليله فتحقق أموراً لم يسبق إليها. وقد كتب مقالات وكتباً في هذا الصدد فقدرها العلماء العارفون حق قدرها. وقد تفرغ المذكور لمعرفة هذا الفن في العراق خاصة لأنه عين مهندساً لولاية بغداد فهان له أن يحقق أموراً كثيرة لم تتيسر لغيره لبعد منالها عنهم. وهو اليوم قد زايل بغداد عن طريق فارس وقبل أن برحنا أهدانا رسالة عنوانها ما ذكرناه في صدر هذه السطور وهي تحوي بحثاً جليلاً عن المدرسة المستنصرية في بغداد التي لا يزال شاخصاً منها بعض الآثار الجليلة التي صورها المهندس المذكور وأخذ أقيستها وأورد الكتابات التي نقشت على حيطانها ونقلها إلى لغته الفرنسوية. وصور معها بعض الآثار الراقية إلى عصر العباسيين التي لم يعرفها رصفاؤه لعدم وقوفهم عليها. فجاءت رسالته أو مقالته هذه وافية بالمقصود. وقد وقع فيها بعض أغلاط طبع ظاهرة لكن ذي عينين كما في ص 5 تحريصاً على والأصح تحريضاً على. . . وفي ص 7 أجر من أحسن عملاً وطلباً للفوز. والأصح طلباً للفوز وفيها أمنوا(3/151)
والأصح آمنزا وفي ص 17 خان خنية والأصح خان خرنينة. وما عدا ذلك فالرسالة مما يتنافس فيها المتنافسون.
3 - مصور بغداد
أهدانا حضرة الفاضل محمد رشيد بك البغدادي وكيل رئيس أركان الحرب رسم بغداد الحالية والعباسية. طولها متر و24 سنتيمتراً في عرض 91 سنتيمتراً. وكان قد رسمها قبل 5 سنين فأتم طبعها الآن على الحجر في مطبعة الفيلق في بغداد حبا لإظهار ما هي عليه اليوم دار السلام من العمران. وقد خطط لكل قسم من الأقسام الآتية خطاً خصوصياً ليتبين للمطالع ما يريد الحصول عليه من: نخيل وبساتين وغابات وآجام ومزارع وأبنية ومخافر ومزارات المسلمين وبيع النصارى وكنائس اليهود والأراضي الرملية والمقامات والجوامع والخنادق والاسداد والطرق والجسور والقداد والأراضي الوحلية في أيام الشتاء والأراضي
التي يصيبها فيض دجلة في أبان طغيانه هذا عدا ذكر المحلات والأسواق ومعاهد الإمارة ومنازل مشاهير القوم إلى غير ذلك. ونحن نفتخر بابن وطننا العزيز ونتوقع أنه يحسن طبعها إذا أعاده لأنه يخدم البلاد خدمة صادقة أطال الله عمره فخراً للوطن!
4 - بعض مقدمات مبتسرة في حفريات سامراء للدكتور
ارنست هرتسفلد
سافر الدكتور ارنست هرتسفلد من سامرآء في نحو أوائل تموز من هذه السنة بعد أن أتم جميع أشغاله بخصوص نبش آثارها. وقد أخذ جميع الرسوم اللازمة حتى إذا عاث الزمان فيها ولم يبق منها شيئاً تكون تلك المصورات حجة على من ينكرها. وقد ألف في أطلال هذه الحاضرة كتاباً في عدة مجلدات دقق النظر فيها وحقق جميع ما يقوله عنها وقد انشأ الآن تأليفاً صغيراً هو بمنزلة مقدمة لكتابه الكبير وهذا المجلد يحوي 46 صفحة و 15 لوحة حسنة الرسم بل بديعته والطبع في منتهى الجودة والقرطاس من أفخر ما يكون وقد طالعنا عدة فصول منه فوجدناها آية في التحقيق والتدقيق ونتوقع أن يكون التصنيف الكبير على هذا النسق من اختيار المعدات له ليكون أحسن مادة لأحسن جوهر.
5 - تاريخ مدينة زحلة
تأليف عيسى إسكندر المعلوف(3/152)
وهو يبحث في أحوال زحلة الجغرافية قديمها وحديثها ووقائعها وأسرها وعمرانها مع حواشٍ وتعاليق مفيدة طبع بمطبعة زحلة الفتاة في (لبنان) سنة 1911م.
صديقنا المحبوب عيسى أفندي اسكندر المعلوف من كبار كتاب العصر وشعرائه المعروفين برقة حواشي النظم وحسن سبك العبارة مع تحقيق وتدقيق في كل ما يكتب وينشئ وأحسن دليل على ما نقول كتابه هذا في تاريخ مدينة زحلة فقد حوى فوعى من أخبار تلك المدينة ما لا يرى إلا في عدة مجلدات مختلفة المؤلفين واللغات والكتاب في 289 صفحة بقطع الثمن. وفي الآخر ثلاثة فهارس: الأول منها في أهم المواضيع الواردة في المتن والشرح والثاني في أسماء الأعلام الشخصية والثالث في الأعلام المكانية فنتمنى الرواج لهذا الكتاب
لما تضمن من الفوائد والعوائد.
6 - آداب المراسلة للخوري بطرس البستاني
كتاب التلميذ. - طبع في المطبعة العلمية ليوسف صادر في بيروت سنة 1913 في 174 صفحة بقطع الثمن الصغير.
أحسن عصر امتاز بالإنشاء البديع هو العصر العباسي وما أخذ ظل دولتهم يتقلص إلا وأخذت دولة القلم تدول حتى بلغت في العصور الثلاثة الأخيرة أدنى دركات التعبير والسبك. ومنذ أن ظهرت الصحافة في ديارنا بانتشار المطابع نشأ بين ظهرانينا كتاب من جميع الطبقات وبعضهم يفوق بعضاً وما تبلج صبح هذا القرن حتى أصبح الكتاب النوابغ كثيرين ولا سيما في فن الترسل والإنشاء. ومن الكتب التي يشار إليها بحسن السبك العبارة وسلاسة الجري هذا المصنف الحسن في بابه لمنشئه الخوري بطرس البستاني ونحن على يقين أنه يروج كل الرواج لأنه منسوج على منوال عصري جمع إلى جودة تصوير الأفكار، بديع الابتكار. ونحن نأمل من المؤلف أن يصحح الطبعة الثانية مما وقع في هذه الطبعة الأولى من باب السهو كقوله في ص 5: يذكر. . . بعض صفاته المعهودة فيه بحيث لا تتجاوز الثلاثة والأصوب الثلاث. وفي ص 6 بدون تشوش وبلبلة والأفصح تشويش. وفي ص 7 يرقمه في ذيل الرسالة للجهة اليسرى والأحسن في الجهة اليسرى منها. وفي تلك الصفحة: المكان هو الموضع الذي تصدر منه الكتابة ولا بد من أن يكون مفهوماً بيناً: ولو قال واضحاً بيناً لكان أبين للمراد. - وقد وقع مثل هذه الأغلاط في كل صفحة تقريباً مع أن(3/153)
مثل هذه الهفوات في مثل هذه المؤلفات تعد بالعشرات في الصفحة الواحدة وهي هنا قليلة بل نادرة وهذا ما جعلنا أن نقول: إنه من خير ما ألف في هذا الموضوع.
7 - التذكار المئوي لميلاد فريدريك اوزانام
مؤسس شركة القديس منصوردي بول من سنة 1813 - 1913 لأحد الآباء اللعازريين. نشرت في مجلة الجسمانية بإدارة الآباء المذكورين.
فريدريك اوزانام من رجال الخير المشهورين. وكانت اللغة العربية مفتقرة إلى ترجمة هذا
الرجل الهمام فأنشأها أحد الآباء اللعازريين فنال بهذا السعي الممدوح شكر الناطقين بالضاد. آجره الله على عمله هذا وأثابه.
8 - الحسين ابن المنصور الحلاج بقلم ا. غولدزيهر
-
كان أغلب هم المستشرقين في بادئ أمرهم الإطلاع على أخبار العرب وتواريخهم والوقوف على أخبار بلادهم وديارهم إلى غير هذه المعارف التي كانوا يجنون منها فائدة لتوسيع مطلعاتهم على ما كان للشرق من المجد السابق. وكان الوقوف على أديان هذه الديار ونحلهم ومذاهبهم في المنزلة الثانية. أما اليوم فإن عنايتهم بالأمور الدينية الشرقية لا تقل عن عنايتهم بتاريخهم وبلادهم وممن يعد في أول طبقة العارفين بأحوال المسلمين وديانتهم وفرقهم وشيعهم هو بلا مراء العلامة الفذ غولدزيهر فإنك لا تقرأ منه عبارة تبحث عن فرع من فروع الإسلام إلا وتقر له إنه العلم الفرد فيه. وما يشهد على صحة قولنا هذا انتقاده لكتاب الطواسين الذي أبرزه إلى عالم المطبوعات المستشرق الفاضل لويس ماسنيون وقد تكلم عنه على مثال لم يسبق إليه. ونحن نتمنى أن يقوم في الشرق مثل ذاك المنتقد (بالكسر) وهذا المنتقد (بالفتح) إذ الأول يصرف سعيه وراء البحث البعيد الغور غائصاً على لآلئ الحقائق. والثاني يرحب بمقال صاحبه بصدر واسع مما يدل على سمو همته البعيدة الشان فحق أن يقال في كل منهما:
هو الفاضل الحق الذي شهدت له ... بذاك مقامات العلى والمقاعد
9 - أعمال جمعية النهضة العلمية المؤسسة في الكلية
الباسيلية في زحلة
وهي عبارة عن كراسة فيها ذكر الجمعيات العلمية وتاريخ إنشاء جمعية النهضة العلمية والخطب التي ألقيت في كل سنة منها وأسماء الذين ألقوها ونظاماتها ونحو ذلك وهي في 32 صفحة بقطع الثمن فنحن نتمنى لهذه الجمعية رقياً حثيثاً وأن ينحى منحاها في المدارس الوطنية تعزيزاً للعلوم وتشويقاً إياها للطلبة وبسطاً لأسباب الحضارة والعمران.(3/154)
10 - طريقة الأخت بونفوى في مداواة الأمراض بالحشائش
كثر اليوم في ديار الإفرنج حزب الذين يعيدون معالجة الأمراض بأبسط الطرق وأهونها. من ذلك المداواة بالعقاقير لا بنتاج المعادن ومن أحسن الكتب المفيدة في هذا الباب كتاب الراهبة بونفوى وأسمه بالفرنسوية لأنها لا تستعمل في جميع معالجاتها للأمراض نباتاً فيه سم بل الحشائش والعقاقير التي تذكرها فقط وهي كثيرة الوجود ومشهورة بين العوام. وقد قسمت كتابها قسمين أودعت القسم الأول وصف العقاقير التي تستعمل في كتابها مع رسمها وأودعت القسم الثاني الأمراض ووصفها ومعالجتها مع ذكر ما يحتاج إليه من مقدار ذلك العقار. والأمراض كلها مذكورة على حروف المعجم وقد ألحقت بالقسمين المذكورين قسماً ثالثاً ذكرت فيه نصوص الشهادات التي كتبها الأطباء في حقها وحق أدويتها وكذلك شهادات المرضى الذين شفوا باتخاذ عقاقيرها. والكتاب بسيط العبارة وهو يباع بفرنك في مطبعة في باريس.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - الزوراء
كان مدحت باشا انشأ جريدة لبغداد يعتمد على أخبارها سماها (الزوراء) وكانت تنشر باللغتين التركية والعربية، وبقيت كذلك حتى أيام إعلان الدستور فأخذت حينئذ تبرز بالتركية فقط. - فساء ذلك جمهور أهالي هذه البلاد العربية السكان واللسان. أما الآن فقد عادت إلى لغتيها السابقتين وذلك من عددها 2418 الصادر في 7 شعبان 1331 الموافق لنهار السبت 12 تموز 1913.
2 - الأزبرق وآل حسن في طعان
بلغ (الدستور) البصرية أن وقع طعان بل طحان بين عشيرة الأزيرق (الازيرج) وعشيرة آل مدلل إلا أن النتيجة لم تعرف معرفة بينة.
3 - عجمي السعدون والضفير
تم الصلح بين عجمي السعدون والضفير وزال ما كان بينهما من النزاع وأسباب الخلاف والنفور.
(عن الدستور)(3/155)
4 - الأمن في الاحساء والقطيف
لم يبق في الاحساء والقطيف ما يشوش الأفكار وعادت القوافل تروح وتغدو بكل راحة واطمئنان.
(عنها)
5 - الإمام سالم بن راشد الخروصي الاباضي في سمائم
استولى هذا الإمام على سمائم (سمائل) بعد محاربة عظيمة قتل فيها كثير من الرجال وأخذ يهدد مسقط فاضطر السيد فيصل إلى طلب المساعدة من حكومة إنكلترة دفاعاً عن عاصمة ملكه وما جاورها من الثغور فلبت طلبه وأنزلت الجنود الإنكليزية إلى البر واستعد الأسطول الإنكليزي الراسي في الثغر للحرب وسوف نرى النتيجة عن قريب.
6 - عزل والي البصرة
في نحو الأسبوع الثالث من شهر تموز عزل علاء الدين بك الدروبي والي ولاية البصرة عن منصبه وأنيطت الأشغال بالآمر عزت بك.
7 - أشقياء الأعراب في جوار بغداد
في نحو الأسبوع الثالث من شهر تموز غادر بعض الأدباء ولايتنا راكبين العجلات للذهاب إلى الأستانة. فلما وصلوا المحل المعروف (بقبر حمود) الذي يبعد عن المدينة ثلاث ساعات هجم عليهم أعراب من عشيرتي زوبع والبو عامر وأطلقوا الرصاص على المسافرين ولما قربوا منهم أخذوا ما كان عليهم من ثياب وغيرها تبلغ 50 ليرة وكانوا قد فعلوا مثل ذلك قبل أسبوعين في جوار (بغدادي) وحينما علم حضرة الوالي بالواقعتين أرسل على رئيس العشيرتين وأمرهما بالقبض على الأشقياء والأمل أن الأمن يستتب في عهد والينا سلمه الله!
8 - ابن السعود
أرسل الأمير عبد العزيز السعود أخاه محمداً إلى عاصمة إمارته الرياض وأمره أن يرجع إليه بغزواته وجنوده بعد قضاء المهمة التي عهدها إليه.
9 - عشائر الجعارة
قامت عشائر الجعارة على حسن آغا الذي أقرته الحكومة في تلك الأراضي طالبة إجلاءه عنها زاعمة أن أصحاب الحل والربط عهدت في زراعتها إلى الحاج مخيف. والأمل إن أرباب الحكم لا يجيبون طلب أولئك الأعراب لئلا يتسع الخرق على الراقع ويجري سائر أهل البادية مجرى أولئك العصاة فتقع الفوضى أعاذنا الله من شرها.(3/156)
10 - واردات قطيف
عهد الأمير ابن السعود في واردات القطيف فقط دون الصادرات إلى عبد الله القصيبي بمبلغ قدره 10. 000 ليرة. وقد صادر أملاك منصور باشا لدينٍ عليه قدره 10. 000 ليرة.
11 - جنود من الغواصين
اجتمع لدى الأمير ابن السعود 5. 000 جندي وكلهم من أهل الغوص الذين تأخروا عنه في هذه السنة. وقد أعطاهم أسلحة وركاباً وكل ما يحتاجون إليه ورتب لكل منهم ليرة في كل شهر.
12 - الشارقة وأميرها وأمراء ما يدانيها
ممن أتفق مع ابن السعود أهل الشارقة وشيخهم صقر بن غانم، وشيخ أم الاقيوين وهو راشد بن معلي. وشيخ رأس الخيمة وهو سلطان. أما صاحب البريم فلا يزال على عهده أي أنه محافظ على ولاء ابن السعود منذ نحو مائة سنة تقريباً.
13 - عتبة
وصلت عشيرة عتبة إلى الاحساء وقيل أنها موالية الآن لأبن السعود
(عن الرياض)
14 - حريق في بغداد
في 28 تموز شبت النار في الساعة 5 بعد الظهر في بيت (ناوي) المرقوم بالعدد 36 في الشورجة في محلة التوراة وهي من محلات اليهود ثم اندلعت لهابتها إلى دارين مجاورتين له فأحرقت بعضاً منها ولم يحضر الجند لإطفائها إلا بعد ساعة بتمامها فتمكن من خنق أنفاسها بعد حصر لهيبها بهدم ما حواليها. ومن الغريب إن جرائد بغداد لم تلمح إلى هذا الحريق مع أنها تذكر بعض السفاسف التي لا شان لها!
15 - وسام
أحسنت الدولة العلية إلى حضرة الفاضل الحاج الميرزا محمد رحيم البلبلي البادكوبي بوسام من الرتبة الثانية مكافأة له على خدمته للوطن والمعارف بتأسيس مكتبين في النجف وسامرآء وحث الآهلين على تلقي العلوم والآداب فنهنئ الصديق بهذه المنحة ونتمنى له الرقي والنجاح في أعماله.
16 - مصير ثروة البصرة، إلى أخوات رزنة
على مسافة 40 دقيقة من مقر ولاية البصرة في الجهة الشمالية منها محلة تسمى (الصبخاية) يقطنها خليط من عشائر الغراف يبلغ عددهم نحو الألفين من ذكور وإناث وكلهم أصحاب جد ونشاط وعمل دائم لأنه حالما يسفر الصباح عن(3/157)
وجهه الصبيح ينتشرون في المدينة للتحميل والبناء والخدمة في البيوت وبعضهم للبيع والشراء إلى أن يأتي المساء فيعودون إلى محلتهم وفيها نحو 700 بيت أكثرها صرائف.
أما معدل كسبهم اليومي فيقدر بربية واحدة لكل واحد (أي نحو فرنكين) فيكون ربح الجميع في اليوم الواحد 2. 000 ربية على الأقل. وهذا المبلغ لا يصرف بل يدخر لأن أولئك الحراص لا يصرفون منه فلساً واحداً إذ يعيشون من فضلات البيوت ومن الطعام التافه كالسمك اليابس الزهيد الثمن وغيره. وإذ عادت نساؤهم إلى منازلهن تراهن حاملات على رؤوسهن حطباً للوقود التقطنه في طريقهن من هنا وهناك. وعلى هذا الوجه يكون دخلهم السنوي 720 ألف ربية أو 50 ألف ليرة عثمانية.
ولهم طرق أخرى للكسب والجمع. وذلك إذا أثرى أحدهم ذهب إلى الغراف مسقط رأسه وعاش عيشه تناسب حاله. ومن الغريب أن سكان (الصبخاية) التي أصبحت من أكبر محلات البصرة وفيها كثير من البيوت المبنية بالطين ليسوا مكلفين بشيء من التكاليف الأميرية مطلقاً. نعم إن أشغال البصرة وتجارتها وسائر أعمالها متوقفة عليهم. ولو أنهم انقطعوا عن الأعمال يوماً واحداً لتوقف رحاها لكن على كل حال يجب أن تكون المصلحة مبادلة المنافع بين الطرفين ليكون التوازن على وجه سوي وهو الموفق.
(عن الدستور بتصرف قليل العدد 63)
17 - الأراضي الأميرية في بغداد والبصرة
اجتمع الأشراف في النادي الوطني العلمي في بغداد وعقدوا النية على مقاومة بيع الأرضين الأميرية بالمعالنات والتجمهر وبعد أن حصل المطالبون على رخصة عقد مجلس لهذه الغاية المع الوالي إلى الأستانة بما جرى فورد الجواب صريحاً بعدم بيعها وبإنشاء لائحة لتقسيمها على الآهلين. فلم يبق عذر بعد هذا للوطنيين أن بقوا جامدين في عزائمهم.
وقد فاز البصريون بما فاز إخوانهم البغداديون والأمل أن أبناء العراق يهبون من رقدتهم
ويشترون ما يتيسر لهم لكي لا يحتجوا بعد هذا على الدولة وعلى أبناء الغرب من ذوي الصولة.
18 - عجمي السعدون
يقيم اليوم عجمي السعدون في الغبيشية التي تبعد عن البصرة نحو12 ساعة وقد أخذ في هذه الأيام يجمع حوله عشائر الأعراب ويجزل عليهم المال.(3/158)
والظنون أن سبب ذلك هو خوفه من أولاد فالح باشا السعدون الذين يتحينون الفرص ليثأروا عمهم مزيد باشا الذي نهب عجمي جميع ما عنده من مال وسلاح وأثاث بينما كان نازلاً في بيته وبجواره فبرهن بعمله ذاك على أنه من أدنياء اللصوص وقطاع الطرق.
(الدستور)
19 - انكلترة في مسقط
لما رأت انكلترة ما للإمام الاباضي من توالي النصرات في أغلب الوقائع أخذت تعزز حاميتها في مسقط ونواحيها وزادتها 500 جندي وقد نقلتهم إليها من (كراجي) في الهند. وأنتشر أسطولها على طول الساحل وهو يراقب حركات العدو. ويظن إن هذه الثورة تقضي على استقلال مسقط التي تدخل عن قريب تحت أجنحة الحماية الإنكليزية. إلا أن السلطان رفض كل نجدة حتى الآن وفي 11 شعبان المنصرم (16 تموز) توجه سموه بقوة الجند إلى السيب ومعه نجله الأمير تيمور وفي نية الابن أن يتسلم القيادة العامة ويرجع والده إلى مقر إمارته.
أما السيد نادر فلا يزال محصوراً ولم تصله نجدة إلى الآن. وقد حاول جرى الإنكليز إنزال ثلة من الجند إلى (السيب) فرفض السلطان الإجازة وبقيت الحالة على ما هي عليه من الحرج والعسر ولا بد للإنكليز من مساعدة السلطان لأن فتنة العدو قد استشرت وعمت الثورة سائر عمان ما عدا (صور) والقبائل التي لم تتظاهر بعدوان السلطان لم تجهر بموالاته ولهذا يظن أنها على الحياد. ويخاف من هجوم العدو على مسقط العاصمة إلا أن خبر ممالاة انكلترة للسلطان ينشئ في النفس ثقة واطمئناناً.
(عنها)
20 - عشيرة العجمان
هجمت طائفة من عشيرة العجمان على موضع اسمه (الرتقاء) بجوار الكويت ونهبت 300 بعير من العشائر الراجعة إلى الشيخ مبارك الصباح.
21 - سالم الخيون يقلب ظهر المجن
كتب أحد الأدباء المتجولين في العراق مقالة إلى المصباح فأخذنا منها ما يأتي: قبل نحو عشر سنين كان (حسون الخيون) والد الشيخ سالم الخيون الحالي رئيساً لعشيرة (بني أسد) التي تقطن في الجبائش أو (الكبائش) وكان ديدنه قطع الطرق وسلب الأموال وقتل الناس مما دفع أصحاب الأمر إلى تأديبه فأخذت تطارده أشد المطاردة حتى ضيقت عليه الخناق فاضطر إلى أن يفر إلى(3/159)
الجزيرة ليأمن العقاب فمات هناك غريباً. ولما كان غضب أولي الأمر عظيماً على آل خيون لما ركبوه من الموبقات شمل غضبهم سالماً الخيون أيضاً وهو صديق عجمي السعدون. إلا إنهم لم يعاقبوه على ما جنته يدا والده إذ لا تزر وازرة وزر أخرى فألقوا حبله على غاربه فأقام هو في البصرة حباً في الراحة. فظل هناك ردحاً من الزمن يتضور جوعاً حتى اضطرته المعيشة إلى الخدمة في مشارب القهوة سعياً وراء قوته. وفي سنة 1324هـ حل في دار النقابة البصرية طالباً إلى رب البيت أن يفرغ كنانة جهده في إعادته إلى عشيرته فأجيب طلبه وقد افرغ النقيب كل ما في وسعه وبذل النفقات اللازمة في مثل هذه الظروف حتى نجح وعينه أولو الأمر (يوزباشي الشبانة) (أي قائد العسس) بشرط أن يترك طريقة أبيه وسيرته ثم عينوه رئيساً لعشيرته بدلاً من أبيه. وإذ قد نال ما تمنى قلب اليوم ظهر المجن لآل النقيب فكان الأمر على هذا الوجه: لما تحرك بعض الاتحاديين البصريين في هذه الآونة وهموا بمطاردة المصلحين ودعوا إلى مساعدتهم عجمي السعدون قامت عشائر العراق من أقصاه إلى أقصاه فتوارد الرؤساء والشيوخ إلى البصرة زرافات ووحدانا لمعاضدة رجال النهضة الإصلاحية. وكان بين أولئك الرؤساء سالم الخيون مدعياً أنه أتى للأمر الذي جاءت من أجله رؤساء العشائر. غير أن كثيراً من الناس لم يصدقوا مدعاة لعلمهم أنه لا يقبل له بمقاومة عجمي لما له من المنفعة عنده لا سيما لأنه شاركه في الهجوم على أموال مزيد باشا السعدون. فكان نصيبه من تلك الأموال
5 آلاف ليرة مؤملاً مبلغاً آخر. ولم يدر في خلد أحد من البصريين أن يقلب سالم ظهر المجن لآل النقيب المحسنين إليه كل الإحسان. ولما اتضح الأمر ولم يبق شك في انقلابه هذا جاهر بعداوته وبغضه للمصلحين وأصبحت اليوم أمور البصرة قلقة ولهذا يسعى أولوا الحل والعقد إلى إرجاعها إلى مجاريها. والأمل أنها تعود عن قريب!
22 - آتي
هذا اسم غريب لجريدة تركية بصرية تصدر الآن مرة في الأسبوع لصاحب امتيازها ورأس محرريها كركوكلي مكتوبي زاده عمر فوزي أفندي وقد وصل إلينا منها العدد 17 من سنتها الثالثة ونحن نود أن تكون عربية تركية لا تركية كلها وأن يغلب قسمها العربي على قسمها التركي. لوجودنا في بلاد عربية محضة فعسى أن يتحقق الأمل!(3/160)
23 - الدستور
اتصل بالمصباح أن قد وردت برقية من نظارة الداخلية تفيد تعطيل جريدة الدستور البصرية وأخذ صاحبها للمحاكمة. فنأسف لهذا النبأ وعساه أن لا يصدق لما في الجريدة من الأخبار المفيدة والخدمة الصادقة للوطن وأصحابه!
24 - وفاة الشيخ قاسم بن ثاني وشيء من ترجمته
توفى الشيخ قاسم بن ثاني أمير قطر وينتظر أن يقوم مقامه من يكون له خير خلف ويقتفي أثره أحسن اقتفاءٍ!
ولد الشيخ قاسم سنة 1216 على ما نقله سليمان أفندي الدخيل فيكون قد عاش 115 سنة بدون أن تظهر عليه علامات الشيخوخة لأنه كان في غاية النشاط والقوة وكان إذا ركب جواداً لا يجاريه فارس.
وكان حنبلي المذهب متصلباً فيه يصرف جميع واردات أوقافه على الجوامع والخطباء والأئمة والمدرسين. وقد أقام عدة مدارس لا هم لمعلميها النجديين سوى علوم الدين فهم يدرسون في مكاتب قطر التوحيد والفقه والتفسير والفرائض والأصول والحديث وما أشبهها. والشيخ نفسه كان يلقى مثل هذه الموضوعات على القوم ويخطب فيهم خطباً دينية وعقب كل صلاة جمعة يحث المجتمعين على طلب علوم الدين وتوخي القربات وإتيان
الحسنات. ومما يروي عنه أن أهل قطر اجتمعوا يوماً للصلاة في أوان الغوص ولم يكن عددهم سوى تسعة وثلاثين فدعا أحد مماليكه (وله ما يقرب من 50 مملوكاً) واعتقه في الحال فتم عدد الجماعة ثم قام وخطب وأقام الصلاة. وقد اعتق أكثر من 50 مملوكاً بين ذكر وأنثى.
وللشيخ قاسم أوقاف كثيرة في البلاد العربية منها أربعة أوقاف كبيرة في نجد وأربعة مثلها في المذنب ومثلها في الاحساء والقصيم والبحرين وقطر وغيرها ويصرفها كلها في سبيل البر وكان رجل قطر الكبير إذ كان أميرها وخطيبها يوم الجمعة وقاضيها ومفتيها وحاكمها. وكان جواداً كريم الخصال مهتماً بكل من يجاوره بدون أن يغض طرفه عن أهل بيته. وكان قد تزوج بأكثر من تسعين امرأة وبعدد عديد من الإماء. وقد ولد له ما يزيد على 60 مولوداً بين ذكر وأنثى والموجود اليوم من أولاده: خليفة وثاني وعبد الرحمن وعبد الله وجوعان(3/161)
وسبعة اسمهم محمد وثمانية اسمهم علي و9 فهد و10 عبد العزيز و11 ناصر و4 آخرون ليس لهم مماليك خاصة بهم وهم كلهم في خدمة والدهم وللأبناء الكبار أولاد كثيرون. وجماعة عديدة من مماليكه توالدوا في فطر فكثروا وانشئوا موضعاً لهم عرف باسم (بلدة السودان)
ومن أخوة الشيخ قاسم الشيخ أحمد وكان قد قتل سنة 1323 وكان عمره نحواً من 60 سنة.
وكان له من سفن الغوص نحو 25 وكان يشتري من الغواصين اللآلئ ويبيعها إلى التجار فيربح شيئاً كثيراً. ويقال إن مقتنياته تناهز المليون ليرة. هذا جملة ما يقال في هذا الشيخ رواية عن صديقنا سليمان الدخيل. والعهدة عليه.
25 - الحر في بغداد
بعد أن سكن الحر نحو أواخر تموز وأوائل آب فأشتد في نحو منتصف هذا الشهر الأخير فتذكرنا قول العوام البغداديون: (آب اللهاب يشلع البسمار من الباب) وغامت السماء من اليوم 14 إلى اليوم 26 حتى خلنا أنفسنا في أيام الشتاء واحتجبت الشمس عنا في بعض الأيام كل الاحتجاب. وأعظم حرارة وصلنا إليها كانت 46 درجة من المقياس المئوي في 17 و23 آب وذلك في الظل وعليه يكون حر بغداد قد فتر عما كان عليه سابقاً لأنه كان يبلغ الدرجة 48 وبعض السنوات الدرجة 50. ولما كان أوان اشتداد الحر قد مضى.
فالمظنون أن حمارة القيظ قد ولت.
26 - جرح أحمد بك البكباشي
أطلق عبد المجيد كنة على أحمد بك البكباشي معاون مفتش المبذرقة ثلاث رصاصات فأصابت اثنتان منها فخذه فجرحتاه جرحاً غير خطر وذلك ليلة السبت 16 آب في محلة دكان شناوة في نحو الساعة 11 ليلاً. وقد نسب بعضهم هذه الواقعة إلى غايات سياسية وليس الأمر كذلك بل إنما المسألة مسألة غصب أملاك لا غير. قالت النوادر: (إن الجناية لا دخل لها بالسياسة وإنما هي تتعلق بمسألة أراضٍ وقع الاختلاف عليها بين أسرة المظنون وبين محمود الوادي).
27 - النهب في شمال بغداد
سافرت إحدى القوافل الذاهبة إلى ناحية الموصل في أواسط آب فخرج عليها بالفرحانيات قرب تكريت جماعة من الأعراب قطاع الطرق فنهبوا عشرة(3/162)
أحمال بدوابها وكانت أموالاً لتجار بغداد وبعد مرور أيام وجدت الدواب في نواحي الفلوجة مما يدل على إن أولئك البدو كانوا من الدليم إن لم يكونوا من زوبع فالأمل إن أولي الأمر يهتمون بتحصيل البضائع المنهوبة وتأمين طرق القوافل بوضع رجال الضبط في المخافر لتستتب الراحة في الولاية وأرجائها.
28 - تبرع الشيخ حمادي
تبرع الشيخ حمادي رئيس عشيرة الأكرع من سكان الديوانية بألف ليرة عثمانية لتعمير دار العدلية.
29 - سرقة قافلة في نهية
نهية من المراحل الواقعة على الفرات للسائر إلى حلب. وقد نهبت هناك قافلة كانت قد غادرت بغداد في أواسط آب واغلب أحمالها بضائع نفيسة تنقل إلى حلب والشام فخرج أعراب على أهل القفل وأخذوا منهم نحو 40 حملاً قيمتها نحو 2800 ليرة عثمانية فالظاهر من السرق أو النهب الذي جرى في هذين الشهرين الأخيرين إن أعراب البادية تريد قطع الطرق. ولعل هناك من يدفعها إلى هذه الأعمال. وإلا فإنهم كانوا قد خلدوا إلى
الراحة منذ مدة طويلة فعسى أن أرباب الأمر تقلم أظافرهم وتخضد شوكتهم!
ألفاظ عوام العراق
آخ بويه لرنده
عبارة تركية محرفة عن (آه بويار آل لننده) أو (الده) ومعناها: آه هذا هو الحبيب الحاضر أو (المهيأ) والعبارة بمنزلة أنشودة يتغنى بها نصارى بغداد خاصة دون غيرهم في زف العروس إلى خطيبها بعد دعاء الإكليل في البيعة أو في بيت أهل العروس فإذا صاروا في الطريق أو في الشوارع تغنوا بالأغنية إلى بيت الخطيب وأنشدوا غيرها معها وقد بطلت هذه العادة عند اغلب أغنياء المسيحيين وأدباهم إلا أنها لا زالت جارية شائعة في الطبقات الوسطى أو السفلى منهم.
آذار يطلع السنبل من الأحجار
يبتدئ الربيع في العراق (في شهر آذار) فإذا كانت أيامه الأولى أخذ السنبل بالانعقاد فنسب ظهوره إلى أيامه ولما كانت حرارته كافية لإنباته قالوا: يطلع السنبل من الحجار.
أمير
ضرب من المشروبات المسكرة المرة أحمر اللون يتعاطاه الأوربيون خاصة والكلمة فرنسوية الأصل معناها المر من ولا سيما أمير بيكون(3/163)
(آتارات) ج اتار جمع أتر ويريدون بها الآثار.
(أباطات) ج آباط وهو عندهم الإبط ومن الاصطلاحات العامية فلان أشتم جوا آباطه أي شم رائحة ما تحت إبطه ويريدون بذلك إنه أخذ يفقه أمور العالم ويميز غثها من سمينها ويقولون فلان دخل جوا إبط فلان أي خدعه وأغواه عن سواء السبيل.
(ابانوز) يونانية وهي تحريف ابنوس العربية المعربة وبعضهم يلفظها ابانوص وصوابها أن تكتب ابنوس وهو خشب أسود صلب مشهور.
(ابه أو عبه) تقولها الأم لرضيعها بمعنى غزير ولعلها مشتقة من العب أو الأب بشد الباء أو من العباب أو الأباب وهو معظم السيل. وتلفظ ابه أو عبه بتشديد الباء المفتوحة.
(اببا) لفظة تلقنها الأم لرضيعها تعويداً له النطق بادئ بدء ومعناها الأب لشديد احتياج الأطفال إلى والدهم بعد أمهم وهي أول بنت شفة ينطقها الصغار على الأغلب وقد ذهب
بعضهم إلى أنها من ابب أي صاح. والكلمة اببا تلفظ بتشديد الباءين وفتحهما.
(أبة) كلمة عربية الأصل محرفة عن أبهة ومعناها العظمة والكبر فإذ قيل فلان يحسب نفسه من الأبة أو يدعي من الأبة كان المطلوب أنه من الأغنياء أو العظماء. وتلفظ على وزن قبه.
(ابدالك) عربية عامية منحوتة من (أنا بدل لك) والبعض يقولون افد لك وهي تصحيف (أنا فدى لك) يستعملها يهود العراق في مخاطباتهم خاصة ويريدون بها مجرد التوسل والتضرع والالتماس والطلب.
(أبدى) يستعملونها بمعنى أولى فإذا قالوا مثلاً نحن أبدى منكم في هذه الديار يريدون بذلك أولى وأحق من اشتقاق فصيح من بدا يبدو أي ظهر وهي هنا للتفضيل.
(ابراتيك) عن الافرنسية وعربيتها الإدمان والممارسة والتمرن وبعضهم يقولون ابراكتيس وهي عن الإنكليزية بالمعنى المتقدم ويستعملها بالخصوص بعض طلبة مدارس الأجانب.
(إبراهيمي) نغمة مشهورة في العراق يعرفها كافة المغنين والموقعين على آلات الطرب. والإبراهيمي أيضاً ضرب من التمر معروف في ديار العراق ويسمى بعضهم أيضاً الجزر بهذا الاسم.
(ابرش) ما كانت به نكت بيضاء وغير بيضاء أما العراقيون فيريدون بالابرش الأبيض الوجه من الناس الأصفر الشعر صفرة ناقعة والأنثى برشاء.
(ابرص) معناها في اللغة الفصحى مجذوم وهي لفظة تطلق على من كان شديد البهق ذا شعر أصفر مائل إلى البياض وفصيحها أصهب والصهبة حمرة تضرب إلى البياض ويوجد أيضاً في بغداد ضرب من الحمام يعرف بهذا الاسم ويجمع على برص وهو خالص البياض أي بياضه يقق ومسرول (أي مغشى القدام بالارياش) ولبعضها قنبرة أو كشة.
(إبرة وخيط) اصطلاح عامي يقولون فلان صار إبرة وخيط أي هزل هزالاً شديداً ولم يبق منه سوى الجلد والعظم وهو مثل قول العرب القدماء رجل جراقه وما(3/164)
عليه جراقة لحم أي شيء منه والعوام تقول أيضاً من الإبرة إلى الخيط إذا جهز الإنسان بكل لوازمه وحوائجه.
(ابروش) لفظة إنكليزية وهي التي عربها بعض اللغويين بصورة فرشاة أو فرشة وعربها آخرون بصورة شعرية والأحسن هلبية من لهب وهو شعر الخنزير الذي يتخذ منه هذه
الاضمامة.
(ابريد) عن الفرنسية وهي عروة الأبزيم أو عروة الزر أو مشبك معقوف مصنوع من النحاس الأصفر وأصل معنى هذه الكلمة اللجام أو العنان فاستعيرت مجازاً لعروة المشبك إذ كما يكبح الفرس باللجام تشبك العروة بالإبزيم وتمنع انفتاحه وهي نصرانية الاستعمال.
(الابريسم) الحرير والبعض يقولون فلان ابريسم ابيض يريدون بذلك الرجل الدمث الأخلاق اللين العريكة اللطيف المعشر لأن الابريسم الأبيض عندهم يصلح لكل لون.
(ابريسمي) ضرب من الثوب الدقيق الخيط الفاخر المس تتخذه السيدات لصنع أثوابهن واسمه يدل على مادته واللفظة فارسية.
(إبريق وابريك وابريج) ج بركان وبرقان وبلسان اليهود والنصارى ابغيق تحريف إبريق ج أباريق وهو إناء من خزف أو معدن له عروة وفم وبلبلة معرب آب ريز بالفارسية ومعناه صاب الماء وقد جاءت هذه اللفظة متشابهة في بعض اللغات كالتركية والكردية والسريانية ومن أمثال عوام العراق: فلان يودي لقن (أو لكن) ويجيب إبريق. أي ينقل لقناً ويجئ بإبريق ويريدون بذلك أنه ينقل كلام الناس من واحد إلى آخر أو يتدخل في ما لا يعنيه متعرضاً لكل شيء أو ينقل الحديث من واحد إلى آخر لمجرد النميمة.
(أبريل أو افريل) إفرنجية الأصل يستعملها بعضهم بدلاً من نيسان وإبريل فول عن الإنكليزية - محصورة الاستعمال في بعض المتفرنجين واللفظة العربية التي تقوم مقامها في العراق كذبة نيسان أو كما يقول بعضهم (عيد الكذب)
(ابريم) ضرب من التمر حسن للغاية أصفر اللون وبعضه أحمر مائل إلى الصفرة مدور الشكل صادق الحلاوة وهو من أجود تمر العراق راجع لغة العرب 1: 443 ولعل اللفظة تصحيف بريم العربية فعيل بمعنى مفعول وقد سمى بذلك لاستدارة شكله.
(ابزار أو ابزاغ) خيوط تعقد وتوضع على القصب وتربط بحبلي الدواسة عند الحاكة فعندما يبدأ النساج بالنسج تأخذ بالهبوط والصعود وهي إما تحريف آبز العربة المنشأ أي وثاب وإما تحريف البزاء وهو خروج الصدر ودخول الظهر وهذا ما ينطبق على عمل الابزاغ أشد الانطباق وقد يحتمل أنها مصحفة.
(آبسوار) الفارسية ومعناها السابح الذي تقذفه الأمواج فيكون تارة فوق المياه وطوراً في ما
بين لججها.
(ابزيمات) ج إبزيم والصواب أن تجمع على ابازيم وهو لسان في رأس المنطقة أو(3/165)
الحزام ينشب في الطرف الآخر.
(ابساط) صوابها بساط بحذف الهمزة ومن اصطلاحاتهم فلان مات على ابساط الفقر وفصيحها ماله سعنة ولا معنة أو لا يملك شروى نقير.
(ابساع) عربية عامية أصلها بهذه السرعة ويقولون فيها أيضاً إسا أو هسا أو إسع أو هسع أي هذه الساعة وللسا أو لسع أي للساعة.
(ابشارة) صوابها بشارة بحذف الألف وبعضهم يقول بشراوية ويؤيد بها حلوان البشارة أو البشرى.
(ابشر) يقولها الصانع أو التلميذ لأستاذه إذا طلب منه أن يتقن عملاً أو يسرع في إنجازه ويقصد بها سمعاً وطاعة.
(ابقع) هو الرجل العي العاجز أو الأخرق الأحمق ومن أقوالهم فلان كأنه غراب أبقع أي يشبه الهبقع.
(ابكم) من لا يستطيع أن يعبر عن أفكاره والعاجز الأبله الذي يأتي الأمور بغباوة وجهل فظيع فصيحه عبام أو طباقاء.
(ابلية سوداء) صوابها بحذف الألف اصطلاح عامي يقال للبارع الأريب الذي يحل المعضلات بحذق وذكاء عجيب أو للمحتال المكار الذي يضر الناس بطرق مختلفة وأساليب عديدة من حيث لا يشعرون ويرادفها بالعربية داهية دهياء أو رجل باقعة.
(إبليس) يستعملها العوام أيضاً بمعنى من يفحم صاحبه أو يعيبه حجة ومن كان حاذقاً فطناً. فصيحها عض وهو من كان ذا كيس ولب ونكر.
(ابن الآخرة) تطلق عند بعضهم على الطفل الجميل الصورة الذكي الفؤاد السريع الجواب.
(ابن الأصيل) تطلق على من كان والده طيب العنصر ومن أمثالهم خذ الأصيلة ونم على الحصيرة أي تزوج بفتاة ذات حسب ونسب ولو كانت فقيرة جداً. ويقولون أيضاً الأصيل إن خضعته ملكته والبدا أصل يستمرد معناه إن الكريم المحتد إذا أرشدته ملكته بخلاف السيئ الأصل فإنك إذا بادرته بنصيحة أنكرها عليك.
(ابن الاوادم) أي ابن البشر وليس ولد العجماوات تقال لمن كان شريف الأرومة حميد الخصال أديباً حكيماً ويقولون أيضاً لمن يقصدون توبيخه بكلام لين يا ابن الأوادم لماذا فعلت الأمر الفلاني.
(ابن الاحزيني) أي ابن الحزينة يستعملها اليهود لمن خالفهم في الرأي ويريدون بها الخبيث أو اللئيم أو النذل.
(ابن الانكريزي) أي ابن الإنكليزي يراد بهذه العبارة من كان كثير البدع ناكراً للجميل أو المعروف كافراً بالنعم ولا يتلفظ بها اليوم سوى بعض الشيوخ فإذا سخط أحدهم على ولده وصمه بهذه اللفظة كأنه شتمه أعظم الشتم.
(ابن البانياني) يستعملونها بمعنى ابن الكافر أو ابن الزنديق والمنافق والبانيان(3/166)
لفظة هندية الأصل من (بانيا) المصفحة عن السنسكريتية (فاني) ومعناها تاجر والبانيان طائفة من الهنود جل مهنتهم التجارة ولهم دين خاص بهم.
رزوقي عيسى
مريم
(حادثة معربة من الفرنسوية عن الرسائل البائية تابع لما في السنة1: ص 288) كل ذلك جدد المشهد الذي رأت فيه مريم وفاة أمها بعد أن شهدت تململها على فراش المرض والموت. فحدت بها هذه الأفكار إلى الذهاب إلى قبرها وهناك أطلقت العنان لأحزانها وما زالت تبكي وتنتحب وهي وحدها في مقبرة الناصرة التي لا تبعد كثيراً عن المدينة.
لكن يا للعجب! من هذا الرجل الذي يتقدم منها رويداً رويداً وهو يقود جواداً أصيلاً؟ رجل يتلفت ذات اليمين وذات الشمال كأنه خائف أو منهزم من بلية ذات بال. رجل يناهز عمره خمسة وعشرين عاماً طويل النجاد ثيابه ثياب العنزيين وفي منطقته سكين منعطف الرأس لامع الفرند تحيط به غدارتان مرصعتان بالحجارة الكريمة وموشيتان بالذهب والفضة. رجل أسيل الخد هزيل البدن أسمر اللون أبي النفس حسن الطلعة غلا إلا إن ظواهره تنم عن هوى وجوى؟ يا الله! من هذا الرجل! وهاهو ذا قد دخل المقبرة.
لما سمعت مريم وقع الحوافر ورأت الرجل صاحت صيحة كاد يغمى عليها. - وحاولت الفرار لكن أين المفر. أما هو فأطلق من يده عنان جواده وانقض على الابنة انقضاض العقاب على فريستها الحمامة وكم فمها واحتقبها على فرسه ثم أخذ ينهب الأرض نهباً كأنه البرق الخاطف. يقطع الجبال ويعبر الوهاد ويتغلب على العقبات ويركب الحزون والسهول ولا يبالي ببلية مهما عظمت أو صعبت حتى جاز مسافة قدرها خمس عشرة ساعة لمن يسير على أقدامه سيراً حثيثاً. فنزل على ساحل بحر الجليل في وسط اخربة ينعب بها البوم هي اخربة كفر ناحوم. تلك المدينة التي لم تنب إليه تعالى ولم يرد سكانها أن يؤمنوا بمعجزات المسيح وهي التي تحاسب في يوم الدين محاسبة دونها حساب سدوم.
ولى النهار وانقشعت السحب وصحت السماء وظهر وجه البدر المنير الصبيح(3/167)
الحسن وهو يتراءى في مرآه البحيرة ولسان الحال يقول فأفصح مقال:
أما ترى الليل قد ولت عساكره ... مهزومة وجيوش الصبح في الطلب
والبدر في الأفق الغربي تحسبه ... قد مد جسراً على الشطين من ذهب
أما مريم فكانت في حالة الجمود يبكي لها القلب وإن قد من جلمود. وبعد أن أفاقت من غشيانها ورأت نفسها منقطعة عن جدتها وأبيها وكنيستها وأترابها وأقاربها كادت تجن مع جنون الليل. فقالت بعين عبرى وكبد حرى. وقد بلغ بها القنوط كل مبلغ:
من أنت يا هذا؟ وما تريد ولماذا أبعدتني عن قبر أمي وحشاشة فؤادي فقال لها الغريب بصوت خافت: (لا تبكي يا عزيزتي، كفكفي دموعك يا نور عيني. لا تخافي مني. أني أنا ليث الوغى أذب عنك كل من يحاول أذيتك بأدنى شيء. أني أنا الذي تخر بين يدي الأبطال الصناديد إذا ما رأوني في حومة الوغى. اطمئني بالاً يا سيدتي وملكتي ومالكة قلبي. إني أدافع عنك بل وأدفع عنك الأسود ولو كانوا مئات وألوفاً. إني أسترك برمحي وجنتي اللذين اتقى بهما العدو الأزرق واصرعه بهما. وإنك لترين مجندلاً صريعاً يختبط بدمه كل من يجسر على أن يمس شعرة من شعر رأسك؟ وهل في الكون من يتجرأ على أن يسبيك أو يأسرك أو يهينك إهانة مهما كانت زهيدة؟ ومن ذا الذي يفكر بأن يمد يده إليك؟ إن رمحي يكرع الدماء وأعدائي تتمرغ بالتراب وتبقى معفرة فيه إلى ما يشاء الله. إنك حصن حصين لا ترامين لأني أنا وأنا لا غيري أنا مظهر ابن الشيخ الجليل ربيعة من قبيلة عباد أنا السيد القمقام والأسد الضرغام أنا بجانبك لأدفع عنك كل غائلة وأبلغك كل طائلة. إني مغرم بك غراماً عذرياً لا يشوبه أدنى دنس. إنك مولاة قلبي. من أنت. وأعرفك منذ مدة مديدة. واسمك أحلى من الشهد والعسل. اسمك أرق الأسماء وأعذب من ماء السماء. وأفعل في القلب من البدر في الليلة الظلماء. اسمك مريم. ولقلبي المجروح مرهم وبين الناس مكرم. .
(لها تلو)(3/168)
العدد 28
الجرامقة
1 - مقدمة البحث
من الأجيال البائدة التي لا بقية لها اليوم الجرامقة. وقد اختلف العلماء في أصلهم ونسبهم كما ذهبوا مذاهب في لغتهم وتمدنهم. ولكي لا يقع ارتباك في تعريفهم نذكر أولاً رأي العرب فيهم ثم نذكر رأي الإفرنج ونختم البحث بما يعن لنا فنقول:
2 - رأي العرب في الجرامقة
قال القلقشندي في كتاب نهاية الأرب، في معرفة انساب العرب: (الجرامقة هم أهل الموصل في الزمن القديم، من ولد جرموق بن آشور بن سام، فيما قاله ابن سعيد. وقيل: الجرامقة من ولد كاثر (أو جاثر) بن ارم بن سام فيما قاله غيره.) أه.
وقال السيد المرتضى في تاج العروس: الجرامقة قوم من العجم صاروا بالموصل كما في الصحاح. وزاد غيره. في أوائل الإسلام. وقال الليث: جرامقة الشام انباطها، الواحد منهم جرمقاني، وهذا كالاسم الخاص. ومنه قول الأصمعي في الكميت: هو جرمقاني. ويقال أيضاً في الواحد منهم الجرمقي. وهكذا نسب أبو العباس أحمد بن اسحق الكاتب الشاعر) أه.
وقال المسعودي في كتاب التنبيه والإشراف ص 78: وكانوا (أي الكلدانيون) شعوباً وقبائل منهم: النونويون (أي النينويون) والآثوريون والأرمان والاردوان والجرامقة ونبط العراق وأهل السواد) أه.(3/169)
وقال ابن الفقيه في مختصر كتاب البلدان ص 35: قال الكلبي: علوج مصر: القبط؛ وعلوج الشام: جراجمة؛ وعلوج الجزيرة: جرامقة؛ وعلوج السواد: نبط؛ وعلوج السند: سبابجة؛ وعلوج عمان: المزون؛ وعلوج اليمن: سامران (وفي رواية: الأبناء وهو الأشهر). أه
وذكر الطبري في تاريخه الكبير (1: 827) ملك الحضر وعده من الرامقة قال: وكان بحيال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها الحضر وكان بها رجل من الجرامقة يقال
له الساطرون. . . والعرب تسميه (الضيزن) وقيل: الضيزن من أهل باجرمي وزعم هشام بن الكلبي: إنه من العرب من قضاعة وإنه الضيزن بن معاوية بن العبيد بن الإجرام بن عمرو بن النخع بن سليح بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. . . إلى آخر ما ذكره عنه. وقال مثل هذا القول تقريباً ابن الأثير في 1: 278 من الطبعة الإفرنجية والذين سماهم الطبري وابن الأثير وابن خلدون بالجرامقة سماهم الأصفهاني في الأغاني 2: 37 بني جرم أو بني الأجرام.
وقال ابن خلدون (2: 68) لما هلك فالغ قام بأمره بعده ابنه ملكان فغلبه سوريان على الجزيرة. وملكها هؤلاء الجرامقة إخوانه في النسب بنو جرموق بن اشوذ (أي آشور) بن سام وكانت مواطنهم بالجزيرة وكان ابن أخت سوريان منهم الموصل بن جرموق فولاه سوريان على الجزيرة وأخرج بني عامر منها ولحق ملكان منها بالجبال فأقام هناك. ويقال أن الخضر (ولعل صحيح الرواية: ملك الحضر) من عقبه. واستبد الموصل على خاله سوريان بن نبيط ملك بابل وامتازت مملكة الجرامقة من مملكة النبط. . . ويقال أن يونس بن متي. . . من الجرامقة من سبط بنيامين بن إسرائيل من ابنه.) وقال المذكور في ص 69: ويقال: إن الجرامقة وهم أهل نينوى غلبوا على بابل ملك سنجاريف (سنحاريب) منهم. . . . ولما هلك بختنصر ملك من بعده فيما ذكروا ابنه نشبت نصر ثم من بعده بنيصر وغزاه ارتاق مرزبان كسرى من ملوك الكينية (الكيانية) فقتله وملك بابل وأعمالها وصار النبط والجرامقة رعية للفرس وانقرضت دولة النمارذة ببابل. هكذا ذكر ابن سعيد ونقله عن داهر مؤرخ دولة الفرس.).(3/170)
وقال ابن الأثير (5: 56 من الطبعة الإفرنجية و5: 28 من الطبعة المصرية) وما أهل الشام؟ - هل هم إلا تسعة أسياف؟ سبعة منهم إلى وسيفان علي. وما مسلمة (بن عبد الملك) إلا جرادة صفراء أتاكم برابره وجرامقته وجراجمته وأنباط وأبناء فلاحين وأوباش وأخلاط. . . .)
وفي تاريخ حمزة الأصفهاني (ص 39): (من بالشام وفلسطين من الجرامقة والجراجمة)
وذكر لغة الجرامقة ياقوت الحموي في 1: 26 قال: قال محمد ابن أحمد أبو الريحان البيروني: الإقليم. . . هو الرستاق بلغة الجرامقة سكان الشام والجزيرة. . على ما ذكر
حمزة بن الحسن الأصفهاني وهو صاحب لغة ومعني بها.). . .
وممن تعرض لذكر الجرامقة المسعودي في مروج الذهب (7: 119) قال: انتهى (المعتصم) إلى الموضع المعروف بالقاطول فاستطاب الموضع وكان هناك قرية يسكنها خلق من الجرامقة وناس من النبيط على النهر المعروف بالقاطول آخذاً من دجلة فبنى هناك قصورا. . . وقال أيضاً في (8: 91): (وكان غناء النبط والجرامقة بالغيروارات وإيقاعها يشبه إيقاع الطنابير.) أه
وقال ابن العبري (ص 131) الجرامقة هم قوم بالموصل أصلهم من الفرس.
وقال صاحب الأغاني (16: 76) بنوا الأحرار. . . هم الفرس الذين قدموا مع سيف بن ذي يزن. وهم إلى الآن يسمون بني الأحرار بصنعاء ويسمون باليمن: الأبناء؛ وبالكوفة: الأحامرة، وبالبصرة: الأساورة، وبالجزيرة: الخضارمة؛ وبالشام الجراجمة) اه. وقد روى صاحب تاج العروس هذه النبذة بفرق ظاهر قال في مادة خضرم: الخضارمة: قوم من العجم خرجوا في بدء الإسلام فسكنوا الشام. وفي الصحاح: فتفرقوا في بلاد العرب. فمن أقام منهم بالبصرة فهم الأساورة (وفي الأصل المطبوع: الأساودة بالدال وهو خطأ واضح)؛ ومن أقام منهم بالكوفة فهم الأحامرة؛ ومن أقام منهم بالشام فهم الخضارمة (كذا والأصح الجراجمة)؛ ومن أقام منهم بالجزيرة فهم الجراجمة (كذا والأصح الجرامقة) ومن أقام منهم باليمن فهم الأبناء. ومن أقام منهم بالموصل فهم الجرامقة. أهـ
وذكر صاحب لسان العرب الجرامقة قال: جرامقة الشام: انباطها(3/171)
واحدهم جرمقاني. ومنه قول الأصمعي في الكميت: هو جرمقاني. التهذيب: الجرامقة: جيل من الناس. الجوهري: الجرامقة قوم بالوصل أصلهم من العجم.) أهـ.
هذا جل ما جاء عند العرب عن الجرامقة وأنت ترى أن بعضهم لم يميز بين الجرامقة والجراجمة، ولا سيما اللغويين منهم ولهذا لاحظ علماء الإفرنج أن العرب لم يميزوا بين قوم وقوم. والأصح: إنهم لم يقولوا كلهم هذا القول بل بعضهم كما ظهر من ذكر أقاويلهم.
3 - رأي الإفرنج في الجرامقة
كان رأي الإفرنج في أول عهدهم بالأبحاث الشرقية أن الجرامقة كانوا من الفرس؛ مستندين في ذلك على قول العرب أنفسهم وعلى ابن العبري وعلى الاسم نفسه لأن فيه الجيم والقاف
وقد قالت العرب لا تجتمع الجيم والقاف في كلمة عربية. - وممن كان على هذا الرأي جميع علماء الشرقيات إلى عهدنا هذا حتى قام العلامة نلدكي فخالف من سبقه وقال أنهم من أصل رمي أو نبطي. وما قال ذلك إلا وتأثره جميع المستشرقين لمكانة هذا الرجل الكبير من العلم ووقوفه على أخبار الشرق وتواريخه وقوفاً عجيباً. على أننا وإن كنا لا نخالفه في إنهم كانوا ارميين إلا إننا نثبت إنهم كانوا من العرب لا من النبط السريانيين والكلدانيين كما ارتأى. ودونك أدلتنا:
4 - أدلتنا على أن الجرامقة كانوا عرباً
أول دليل نؤيد به رأينا أن الجرامقة كانوا عرباً نأخذه من معارضة عبارة الطبري بعبارة الأصفهاني صاحب الأغاني وكلاهما من المتقدمين. والدليل الثاني نأخذه من نسب أحد مشاهير الجرامقة الذي أورده هذان الإمامان في العبارة المذكورة وهي: (إن الحضر كان قصراً بحيال تكريت بين دجلة والفرات وإن أخا الحضر الذي ذكره عدي بن زيد هو الضيزن بن معاوية بن العبيد بن الأجرام بن عمرو بن النخع بن سليح من بني يزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وأمه جبهلة (ويروي جيهلة) امرأة من بني يزيد بن حلوان أخي سليح بن حلوان. وكان لا يعرف إلا بأمه هذه. وكان ملك تلك الناحية وسائر أرض الجزيرة. وكان معه من بني الأجرام (وهم الذين سماهم(3/172)
الطبري في 1: 827 وابن خلدون 2: 68 بالجرامقة) وسائر قبائل قضاعة ما لا يحصى وكان ملكه قد بلغ الشام فأغار الضيزن فأصاب أختاً لسابور ذي الأكتاف وفتح مدينة نهرشير (ويروى بهرشير والأصح بهرسير) وفتك فيهم فقال في ذلك عمرو بن السليح بن حدي بن ألدها بن غنم بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة:
لقيناهم بجمع من علافٍ ... وبالخيل الصلادمة الذكور
فلاقت فارس منا نكالاً ... وقتلنا هرابذ بهرسير
دلفنا للأعاجم من بعيد ... بجمع م الجزيرة كالسعير
قالوا: ثم إن سابور ذا الأكتاف جمع لهم وسار إليهم فأقام على الحضر أربع سنين لا يستغل منهم شيئاً ثم إن النصيرة (ويروى النضيرة) بنت الضيزن (اتفقت مع سابور فدلته على عورة المدينة) ففتحها سابور عنوة فقتل الضيزن يومئذٍ وأباد بني العبيد وأفنى قضاعة
الذين كانوا مع الضيزن فلم يبق منهم باقٍ يعرف إلى اليوم وأصيبت قبائل حلوان وانقرضوا ودرجوا فقال في ذلك عمرو بن آله وكان مع الضيزن (الأبيات). . . قالوا: وكان الضيزن صاحب الحضر يلقب الساطرون وقال غيرهم: بل الساطرون صاحب الحضر كان رجلاً من أهل باجرمي والله اعلم)
فأنت ترى من هذا الكلام الذي بسطناه بجملته إن الأجرام أو بني جرم أو الجرميين هم الجرامقة بعينهم لأن بعضهم سماهم باسمهم العربي والبعض الآخر سماهم باسمهم المنقول إلى الصورة الأعجمية الفارسية. - وأما مسألة الساطرون وهل هو الضيزن أم لا؟ وهل هو عربي أم لا؟ فهاتان مسألتان أخريان لا نتعرض لهما الآن.
ودليلنا الثالث على أن الجرامقة هم بنو جرم هو: وحدة الاسم وإن اختلفت صورتاه. فجرم تلفظ (جرما) على اللغة الآرامية وهي لغة عوام ذلك العصر وجرما تلفظ (جرمق) بلغة الفرس وكانت يومئذٍ لغة سادة البلاد كما هو الحالة في العراقيين اليوم فإن لغتهم هي العربية ولغة الدولة الحاكمة عليهم هي التركية. قال المسعودي في كتابه الأشراف ص 91: جاء زرادشت بالكتاب المعروف بالابستا وإذا عرب أثبتت فيه قاف فقيل: الابستاق) اه وعلى هذا اوجه عربت كلمة جرمق هذه.(3/173)
وحجتنا الرابعة ما ذكره صاحب الأغاني (في 11: 162) إن العباد (وهم أقوام شتى من نصارى العرب نزلوا الحيرة وكان أغلبهم من قضاعة) هزمهم سابور فصار معظمهم ومن فيه نهوض إلى الحضر من الجزيرة يقودهم الضيزن بن معاوية التنوخي فمضى حتى نزل الحضر وهو بناء بناه الساطرون الجرمقاني فأقاموا به. أهـ
ومن مؤرخي العرب الذين ذهبوا إلى العربية الجرامقة ابن خلدون. قال (في 2: 171): كان بحيال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها الحضر وبها ملك من الجرامقة يقال له الساطرون من ملوك الطوائف وهو الذي يقول فيه الشاعر:
وأرى الموت قد تدلى من الحض ... ر على رب أهله الساطرون
ولقد كان آمناً للدواهي ... ذا ثرآء وجوهر مكنون
وقال المسعودي: هو الساطرون بن استطرون من ملوك السريانيين قال الطبري وتسميه العرب الضيزن. وقال هشام بن محمد الكلبي: هو من قضاعة وهو الضيزن بن معاوية بن
العميد بن الأجدم (كذا في الأصل المطبوع وهو خطأ والأصح الأجرام) بن عمرو بن النخع بن سليم (كذا والأصح بن سليح). . من قضاعة. وكان بأرض الجزيرة وكان معه من قبائل قضاعة ما لا يحصى. . وكان ملكه قد بلغ الشام.) أهـ.
وذكر ابن سعيد (راجع ابن خلدون 2: 249) إنه كان لبني العبيد بن الأبرص بن عمرو بن عمر بن اشجع بن سليح (وبنو سليح بطن من قضاعة من القحطانية) ملك يتوارثونه بالحضر آثاره باقية في برية سنجار وكان آخرهم الضيزن بن معاوية بن العبيد المعروف عند الجرامقة بالساطرون وقصته مع سابور ذي الجنود من الأكاسرة معروفة أهـ.
وممن صرح بعربية الجرامقة ابن صاعد الأندلسي في كتابه طبقات الأمم قال في ص 45 عند ذكره أخبار العرب ونقلهم إياها: (ومن وقع بجبلي طيء فعنه أتت أخبار آل اذينة والجرامقة) فهذا نص صريح على ما نذهب إليه. ولا سيما إذا علمت أن من مساكن بني جرم بعض ديار طيء. قال ياقوت في مادة القرينين: موضع في ديار طيء يختص ببني جرم. وقال في مادة الموقف: قرية ذات نخل وزرع لجرم في اجأ أحد جبلي طيء. وقال في فردة: فردة جبل في ديار(3/174)
طيء يقال له فردة الشموس. وقيل: ماء لجرم في ديار طيء.
وقال ياقوت في مادة جزيرة اقور: (لما تفرقت قضاعة في البلاد سار عمرو بن مالك التزيدي في تزيد وعشم ابني حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وبنو عوف بن ربان وجرم بن ربان إلى أطراف الجزيرة وخالطوا قراها وكثروا بها وغلبوا على طائفة منها فكانت بينهم وبين من هناك وقعة هزموا الأعاجم فيها. (قلت: ارتأى بعض العلماء أن معنى الفرثيين: الأعاجم وأخلاط الناس فلعل المراد بالأعاجم هنا الفرثيون) فأصابوا فيهم فقال شاعرهم جدي بن الدلهات بن عشم العشمي.
صففنا للأعاجم من معد ... صفوفاً بالجزيرة كالسعير
لقيناهم بجمع من علاف ... ترادى بالصلادمة الذكور
فلاقت فارس منهم نكالاً ... وقاتلنا هرابذ شهرزور
ولم يزالوا بناحية الجزيرة حتى غزا سابور ذو الأكتاف الحضر وكانت مدينة تويد فأفتتحها واستباح ما فيها وقتل جماعة من قبائل قضاعة وبقيت منهم بقية قليلة فلحقوا بالشام وساروا مع تنوخ). أهـ.
ولو أردنا أن نأتي بجميع الأسانيد التي أوردها مؤرخو العرب لضاق بنا المجال وقد اجزنا بما ذكرنا خوف الإطالة على غير جدوى.
وأحسن برهان نأتي به إثباتاً لما نقول هو شهادات أهل الغرب أنفسهم من رومان ويونان على إن أهل الحضر كانوا عرباً. فقد نقلوا في كتبهم على طرايانس قيصر أنه اخضع أمماً شتى لرومة حتى أن الرومانيين كانوا يسمعون كل يوم باسم جيل جديد يذعن لصولجانهم لم يسمعوا به سابقاً وقد أفضى الأمر إلى أن مجلس الشيوخ قرر أن يحبى طرايانس من مجالي الظفر والنصر بقدر ما يريد وعلى ما يريد. وقد كانت تهيأت رومة وإيطالية كلها لتستقبلاه بكل ما يليق به من الأبهة والعظمة والجلالة إلا إنه لم ير ذلك. والسبب هو أنه ذهب ليحاصر (الحضر) وهي (مدينة عربية) فلم يفلح واخفق سعيه وظن أنه سم فنهض مريضاً من تلك المحاصرة شاخصاً إلى بلاده لكنه لما وصل إلى سلندي (سليننتة في قليقية توفى فيها سنة 117(3/175)
وقد ذكر المؤرخون مثل هذا الفشل للإنبراطور سويرس وقالوا أيضاً إنه اخفق في محاربته للعرب الذين كانوا في الحضر.
بيد أننا لا ننكر أن كثيرين من المؤرخين يذكرون أسم الفرث أو الفرس بدلاً من أن يقولوا (الحضر أو عرب الحضر) حينما يذكرون هذه الوقائع وقائع الرومان مع أهل الحضر. ولا بد لذلك من سبب وها نحن نشرحه:
يوم حارب الرومان عرب الحضر كانت هذه المدينة تحت سطوة الفرث الذين يسميهم العرب: الفرس (بفتح الفاء أي لا الفرس بضم الفاء أي ومنهم من يحمل الواحدة على الأخرى ويخلط اللفظين) أو كانت بلدتهم داخلة في أراضٍ يحكم عليها الفرث. وإذ كانت تلك المدينة على تلك الحالة جاز للمؤرخ أن يسميها بلدة عربية لأن اغلب سكانها عرب وبلدة فرثية أو فرسية لكونها كانت في أرض البرثيين أو كانت تحت حكمهم ومن هذا نشأ الاختلاف في التعبير على أن اغلب المؤرخين الأقدمين كانوا يروون الحوادث والوقائع ذاكرين أن العاهلين الرومانيين حاربا عرب الحضر لا غير.
5 - اعتراضات المخالفين لرأينا.
قد يعترض علينا هذا الاعتراض وهو: إن أهل الحضر لم يكونوا عرباً لأن لغتهم كانت
فرثية وسريانية أو جرمقانية ومن لم تكن لغته عربية لم يكن عربياً. قلنا: سبق الكلام على أن الجرميين كانوا في قلب بلاد الفرثيين أو البرثيين. وكان أهل الحضر يتكلمون ثلاث لغات: الفرثية لغة سادات البلاد، والسريانية لغة عوام البلاد وأهاليها، والعربية لغة القوم أنفسهم. وعلى هذا لا يكون تناقض ولا يقوم علينا اعتراض ذو شان. وكانت حالة الجرميين يومئذ كحالة التلكيفيين في يومنا هذا. فإن منهم من يعرف التركية وهم الذين يريدون الدخول في وظائف أهل الحل والعقد، والعربية وهم الذين يعيشون بين أهالي البلاد لكونهم عرباً، والآرامية وهي لغة أقوامهم أو بني عنصرهم.
6 - اللغة الجرمقانية هي فرع من اللغة الارمية
ليس في كتبنا التاريخية والمعاجم اللغوية ما يهدينا إلى معرفة حقيقة اللغة المسماة بالجرمقانية، فإن المستشرقين لم يبتوا حكماً في هذه المسألة إلى يومنا هذا وذلك لأن ابن الفقيه يقول في كتابه: مختصر كتاب البلدان ص 77: (الروم(3/176)
ملكانية يقرءون الإنجيل بالجرمقانية) ثم يقول في ص 136 من كتابه المذكور (الروم كلهم نصارى ملكانية ويقرءون الإنجيل بالجرمقانية فلا جرم أنه يتكلم عن روم ديار الإفرنج والحال إنه لم يقرءوا الإنجيل بالجرمقانية بل باليونانية أو بالرومية فكيف تؤول عبارة ابن الفقيه هذا المعروف أيضاً بأبي بكر أحمد الهمذاني. - قلنا: جرمقانية روم الإفرنج مبنية على وهم الملكانية أو الملكائية فيهم لا غير. ولما كان ملكائية ديار الشام يقرءون الجرمقانية في ذلك العهد ويفهمونها ظن الكاتب أن كل ملكائي يقرأ الجرمقانية ويفهمها. ولما كان اغلب روم الإفرنج ملكائيين حمل شيئاً على شيء وهذا هو سبب الوهم لا غير. وإلا فإن الجرمقانية بمعنى فرع من فروع الأرمية أشهر من أن يذكر. قال العلامة في السريانية الإنكليزي بابن سميث في معجمه السرياني اللاتيني الكبير ما معناه (1: 585) جرمقي وجرمقيا هو الجرمي أو الجرمقي أي من كان أهله من (بيت جرمي) وهذا اسم صقع. وبالعربية الجرمقاني والجمع الجرامقة وذكر ابن بهلول: اللسان الجرمقي. . قال سوبرس في كتاب له في النحو في كلامه عن اللغتين الأثورية والجرمقية: إن مزيتهما أنهما تبدلان الباء والفاء واواً. اه بحذف ذكر الأسانيد التي ينقل عنها. ومن هنا ترى أن الجرمقانية هي كالأثورية أي فرع من اللغة الأرمية لا غير وبدون ريب.
7 - ديانة الجرامقة
كانت ديانة الجرميين أو الجرامقة الوثنية وعبادة الأجرام السماوية طالما كانوا في ديارهم العربية. ومن أوثانهم المشهورة عندهم يومئذ الأقيصر وذو الخلصة وغيرهما. ولم نعثر في مؤلفات القوم على من تنصر منهم وهم في ربوعهم بل إنهم تنصروا لما انتقلوا إلى الجزيرة إلى الصقع الذي عرف من بعد نزولهم فيه باسم (باجرمي أو بيت جرمي أو ديار بني جرم أو بلاد الجرامقة) وقد دانوا بالنصرانية منذ أول عهد انتقالهم إليها وتمسكوا بها كل التمسك. وإن لم يكونوا كلهم عليها في وقت واحد وفي جميع الديار التي احتلوها، وكان صقع باجرمي واقعاً في شرقي دجلة بين دجلة والزاب الأصغر وجبال حمرين ونهر ديالى. والدليل على إنهم انتحلوا المسيحية منذ القرون الأولى جملة من أشتهر منهم بالإمامة والقداسة والشهادة في عهد سابور الملك (سنة 330) ومن الأسقفيات التي تذكر في برنامج ايليا الدمشقي: شهرقرد (المعروفة اليوم باسم شرقاط أو شرقاد)، ودقوقا،(3/177)
والبوازيج، وداراباد، وخانيجار. وقد شهد الصوباوي أن القديس شمعون (المتوفى سنة 330) هو الذي انشأ مطرنة الجرميين. وكان لها المقام الرابع بين المطرانات النسطورية كما يتضح ذلك من الطقس الحبري الخاص بهم. وكان يلقب أحيانا مطران تلك الديار بلقب مطران الكرخ وشهرقرد وباسلوخ أو بيت سلوخ أو كرخ سلوخ وهي كركوك الحالية وفيها كان كرسي هذا المطران. - ولما ظهرت النسطورية صبأ اغلب أولئك الأقوام إلى المذهب الحديث ولما عرفوا غلطهم رجعوا إلى دين آبائهم القديم أي إلى الكثلكة. قال بطرك الموارنة السيد بولس بطرس مسعد في كتابه الدر المنظوم المطبوع سنة 1863 ص 91 ما حرفه: (كان رجوع سعدون (أي سهدونا) الأسقف وشعب الجرميين أو الجرمقيين (الجرامقة) في بلاد العراق في زمان بطريركهم يشو عيهب الغدلي (أي ايشو عيهب أو ايشوعياب أو يشو عياب الجذالي) نحو سنة 630) أهـ.
قلنا: وآخر مطران عرفنا اسمه من مطارنة الجرميين هو الأسقف سمعان الذي جلس على كرسيه في شهر شباط سنة 1318 وكان نسطورياً.
وقليلون منهم انتحلوا اليعقوبية ومن مطارنتهم قسطنطين الذي رافق يوحنا السابع سنة 969 إلى القسطنطينية.
وقال ماري بن سليمان في فصل الفطاركة ص 70: (وكاتب يوماً أسقف كشكر الآباء بالحضور وحضروا فاختاروا مروى الاركيذياقن وأهل الحيرة حنا نيشوع والجرامقة. وخالفهم يعقوب بن يزدين الكشكري واختار جيورجيس الراهب من عمر باحالا أهـ وهذا يدل على أن الجرامقة كانوا نساطرة في أيام حنا نيشوع الثاني.
فترى مما تقدم ذكره أن اغلب الجرمين أو بني جرم أو الجرامقة كانوا نصارى في ديار الجزيرة لكنهم لم يكونوا جميعهم مسيحيين، إذ كان بينهم مجوسيون ولا سيما في الحضر نفسها. يشهد على ذلك هيكل الشمس الذي كان موجوداً في تلك العاصمة في عهد العاهلين الرومانيين طرايانس وسويرس. - ولما ظهر الإسلام في بلاد العرب دان به كثيرون منهم ممن كانوا في تلك الربوع. قال ابن خلدون في تاريخه (2: 247) في بني جرم ومواطنهم: بنو جرم
بن ربان(3/178)
بن حلوان بن عمران: بطن كبير (من قضاعة) وفيهم كثير من الصحابة. ومواطنهم ما بين غزة وجبال الشراة من الشام وجبال الشراة من جبال الكرك.
8 - ديارهم الأصلية
ديار بني جرم الأصلية هي نفس ديار قضاعة لأنهم جذم منهم. على أنه قد جاء في كتاب صفة جزيرة العرب للهمداني (ص 163) ما هذا حرفه: ديار جرم من بين العرب متفرقة منها باليمامة، ومنها بالبصرة، ومنها بالعقيق ومنها بحضرموت. وكان لها دار بصعدة في وادي يشور ولها دار ما بين صنعاء ومأرب، ولها بدينة واحور مسلم وخاصة لبني دينار وبني سبيلة) أهـ وقد ذكرنا قبيل هذا كلام ابن خلدون في هذا الصدد ولاحظنا في الحاشية إنه مخطئ في كلامه ذاك وأن ما يشير إليهم وإنهم موجودون في أنحاء غزة هم جرم طيء لا جرم قضاعة.
وقال صاحب الأغاني عن جرم قضاعة إن منازلهم كانت بالفلج (راجع 7: 118) وفي نواحي الشام مع محالفيهم كلب وعذرة (7: 118).(3/179)
ثم نزلوا السماوة. قال (في 11: 162): أغارت حمير على بقية قضاعة فخيروهم بين أن يقيموا على خراج يدفعونه إليهم أو يخرجوا عنهم فخرجوا وهم كلب وجرم والعلاف. وهم بنو ربان بن تغلب بن حلوان. وهو أول من عمل الرحال العلافية. وعلاف لقب ربان
فلحقوا بالشام فأغارت عليهم بنو كنانة بن خزيمة بعد ذلك بدهر فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وانهزموا فلحقوا بالسماوة فهي منازلهم إلى اليوم.) أهـ.
9 - أوصافهم حينما كانوا في ديارهم
القبائل كالرجال لها من يمدحها ولها من يقدح بها. قال زيد الخيل يمدح بني جرم عند الخليفة عمر: (جرم فوارس الغدرة، وطلاعو نجوة، ولا تحل لهم حبوة، ولا تراع لهم ندوة، ولا تدرك لهم نبوة؛ عمود البلاد، وحية كل واد، وأهل الاسل الحداد، والخيل الجياد، والطارف والتلاد. (عن الأغاني 16: 50) - وقال من يذمهم وهو حميد بن ثور الهلالي يكلم رجلين أرسلهما في قضاء أمر:
وقولا إذا جاوزتما أرض عامر ... وجاوزتما الحيين نهداً وخثعما
نزيعان من جرم بن ربان إنهم ... أبوا أن يميروا في الهزاهز محجما
قال ابن قتيبة في كتاب الشعر والشعراء ص 231 من طبعة لبسيك: أمرهما أن ينتسبا إلى جرم لأن العرب تأمنها لذلها ولا تخاف منها غارة.) اهـ.
10 - الخلاصة
هذا بعض ما وصلت إليه يدنا من التحقيق وهناك تفاصيل غير هذه وإنما اجتزأنا بما ذكرنا حباً للاختصار. ونحن نقضي العجب من أن دائرة المعارف للبستاني ومعلمة الإسلام لمستشرقي الإفرنج أرباب الفنون المتخصصين لها لا تذكر أن شيئاً عن الجرامقة ولا عن جرم أو بني جرم أو الجرميين أو الأجرام مع إنك رأيت خطورة هذا البحث ومنزلته من التاريخ مما وقفت عليه في مطاوي هذه السطور. فعسى أن يعوض عن هذا النقص بما يفيد القوم في الملحقين اللذين يدرج فيهما ما فات أولئك المؤلفين. هذا ما في وطابنا ومن زادنا تحقيقاً زدنا
الشيخ عثمان بن سند البصري
-
1 - مقدمة تمهيدية شكراً.(3/180)
من أجمل القرون الأخيرة التي مرت على العراق وأبهاها وأحسنها وأرقاها القرن الثاني عشر والثالث عشر للهجرة. إذ قد شيد فيهما مدارس للعلم وأندية للآداب ومساجد للعباد وزوايا (تكايا) للزهاد. ونبغ فيهما من العلماء والشعراء والفضلاء والصلحاء الكثير كآل الحيدري وآل السويدي وآل الرحبي وآل الألوسي وآل الشاوي وآل العمري وآل القزويني وآل الطالقاني وآل الطباطبائي وآل الازري وآل الشيخ جعفر الكبير وآل بحر العلوم وآل الخنساري وآل الطريحي وآل البحراني وآل الجزائري وآل عصفور وآل قفطون وآل النحوي وآل السيد سلمان الحلي وآل الشهرستاني وآل يسين وآل الكواز وآل الطبقجلي وآل المدرس ومن البيوتات كمحمد فيضي الزهاوي والسيد حيدر الحلي والشيخ حمادي نوح والشيخ جابر الكاظمي والسيد حسين العشاري والسيد جعفر الحلي والشيخ محمد الأعسم والشيخ صالح التميمي والملا عمر رمضان الهيتي وعلاء الدين الموصلي والشيخ محمد بن النائب والشيخ عيسى البندنيجي والشيخ خالد النقشبندي وغير هؤلاء الأماثل من الأعلام المشاهير ممن يضيق نطاق المجلة عن ذكر أسمائهم ومن جملة من نبغ منهم وأشتهر كل الشهرة الشيخ عثمان بن سند البصري المترجم قي هذه العجالة
2 - نسبه ومولده وشيوخه وأحواله
الشيخ عثمان ابن سند البصري نجدي الأصل من عنزة بصري الموطن ولد في نجد في سنة 1180هـ - 1766م ثم سكن البصرة ولما ترعرع وشب قرأ القرآن وتعلم الكتابة ودرس قواعد الإعراب ثم أخذ العلم عن الشيخ محمد بن فيروز النجدي. من كبار العلماء النجديين، وعن اليتوشي وقرأ على الشيخ زين العابدين المعروف بجمل الليل المدني - عند وروده البصرة في فبغداد في سنة 1222هـ - 1807م - أوائل الكتب الستة وأجازه الشيخ المذكور وسلك في الطريقة على شيخ خالد النقشبندي ثم صار مدرساً في المدرسة الرحمانية في البصرة وبقى فيها مدة عمره وكان مالكي المذهب متعصباً جداً ونقل بعض العلماء إنه صار في آخر أيامه سلفي العقيدة وهذا غير صحيح لأنه تكلم على الوهابية في كتابه (نيل السعود) وذم طريقتهم بل شنع عليهم وهذا الكتاب صنف في السنة الأخيرة من عمره. وقال فيه (أعني المترجم) صاحب حديقة الأفراح لإزالة الأتراح: (هو طرفه الراغب وبغية المستفيد الطالب) أهـ وكان له في اللغة(3/181)
باع طويل وقوة عارضة حتى قيل إنه كان يحفظ كتاب القاموس للفيروز بادي من أوله إلى آخره.
3 - مؤلفاته
ألف المترجم كتباً كثيرة غزيرة المادة وقد أفاد في بعضها فائدة كلية منها شرح النخبة في أصول الحديث ومنها اهنأ الموارد من سلسال مدائح الشيخ خالد (يعني الشيخ خالد النقشبندي) ومنها كتاب منظم الجوهر في مدائح حمير ومنها رسائل في الأدب سماها فكاهة السامر وقرة الناظر وكتاب نسمات السحر وروضة الفكر ومن كتبه التي اشتهرت كتاب مطالع السعود في تاريخ داود وهو كتاب يبحث في سير الوزير داود باشا وترجمة حياته وشيوخه ومجيز به ويحكي بعض الوقائع التي وقعت في السنين الأولى من عمر الوزير المذكور والتي وقعت في أيام حكومته أيضاً بين أعراب المتفق وزبيد والخزاعل (خزاعة) ونجد والأعجام وكعب والأكراد وشمر وعنزة والعبيد وعقيل والدفافعة وغير هؤلاء الأعراب ويحكي أيضاً عن محاصرات البصرة وبغداد مبتدئاً فيه من سنة 1188 إلى سنة 1242هـ أي 1774 - 1826م وهي آخر أيام المؤلف وننقل هنا للقارئ نبذة وجيزة من الكتاب لا تخلو من فائدة وليطلع على فحوى الكتاب قال في المقدمة: (. . . وقد كنت وعدت حضرته العلية (يعني داود باشا) تأليف كتاب يتضمن ذكر أوصافه السنية. . . وذلك. . . في الرابعة والثلاثين بعد المائتين وألف. . . فاجتمع عندي من ذلك ورقات ونكات هي من حسنات الزمان. . . لكنها لما لم ينظم ببيان التأليف سمطها وطال عليها الزمن ذهب منها كل حسن ولكم عاتبني الأديب الأريب. . . عبد القادر بن عبد الله الحيدري قاضي البصرة في تأخير تبييض ذلك الموعود المرة بعد المرة وأخبرني إن الحاج محمد أسعد المشهور بابن النائب طامح منه عيون الهمم والمطالب إلى إخراجه من أدهم السواد. . . إلى أن ورد كتاب من بعض من تشرف بحلول أنظار سامي الجناب (يعني داود). . . وذلك في السابع والعشرين من رمضان. . . وما تضمنه الكتاب بعد السلام والعتاب إلى أن قال: (لا يخفى على شريف علمكم أنه تعلقت إرادة الحضرة العلية. . . بوصولكم إلى دار السلام لتفوزوا بما يغبطكم به الخاص والعام.) ولما علمت تعلق تلك الإرادة بوصولي(3/182)
إلى دار السلام. . . اغتربت غارب الارتحال. . . ووافق دخولي دار السلام أثنى عشر ذي الحجة الحرام في عام أرخته (داود يمتثل أمره) سنة 1241هـ. . . ولما انصرفت من سراياه. . . ووصلت إلى البيت الذي بوأني إياه أرسل في الحال ما لاق من الكسوة واتبعها بعد أيام من الدراهم بحبوة. . . فشكرته نظماً ونثراً وخلدت له بهذا الأنموذج ذكراً لما علمت يوم دخولي بغداد إنه العلة لإرسال الكتاب من المواد فدونك أيها الوزير كتاباً لشمائلك عديم النظير. . . وابتداء تأليفة اليوم الحادي والعشرين عام أحد وأربعة بعد المائتين والألف (هجرية) إذ لم يكن فيه كلمة مما في تلك الأوراق بل ولا حرف لما ذكرت من اضمحلال أكثرها. . . مرتباً على سنين وأعوام أولها عام ولادة ذلك الهمام (يعني داود) مبيناً فيه في كل سنة ما وقع من الأحوال مما أحاط به علم مؤلفه من ثقات الرجال. . . مترجماً للوزراء من سليمان إلى سعيد ذاكراً لهم ما يليق ذكره في هذا الديوان ولمصاحب له أيده الله وخادم ولأناس من علماء مصره الأكارم ممن اطلعت على مواليدهم ونفائس أحوالهم ومن مات منهم ذاكراً ما سبق أزمنة وفياتهم. .) أهـ
وفي هذا الكتاب فوائد تاريخية جمة لأنه يمثل للقارئ حالة العراقيين من بدو وحضر في أيام حكومة عمر باشا من سنة 1188هـ - 1774م ثم حكومة مصطفى باشا 1189هـ - 1775م فحكومة عبدي باشا في السنة المذكورة فحكومة عبد الله باشا 1190هـ - 1776م فحكومة حسن باشا سنة 1192هـ - 1778م فحكومة سليمان باشا الكبير 1193هـ - 1779م فحكومة علي باشا كتخدا 1217هـ - 1802م فكومة سليمان باشا القتيل 1221هـ - 1806م فحكومة عبد الله باشا الكردي 1225هـ - 1810م فحكومة سعيد باشا ابن سليمان باشا الكبير 1228هـ - 1813م فحكومة الوزير داود باشا 1232هـ - 1816م. ثم ذكر ما حدث في أيامه من الحوادث على ترتيب السنين إلى سنة 1242هـ - 1826م ويعلم مما تقدم أن معظم الكتاب في أخبار غيره (أعني داود) وهو كذلك لأن سيرة الوزير سليمان باشا الكبير والمحاربات التي وقعت في أيامه استوعبت من صفحات الكتاب أكثر مما استوعبته سيرة الوزير داود باشا من الصفحات.
وقد ذكر المؤلف كثيراً من تراجم رؤساء القبائل والفرسان المشهورين وعلماء البصرة وبغداد والأطراف المجاورة لهما ثم ختمه بذكر من قرأ عليهم الوزير وأخذ(3/183)
عنهم واستجازهم وجالسهم وقد ترجمهم على حسب معرفته بهم وإطلاعه على أخبارهم وأحوالهم.
والكتاب في أكثر من 600 صفحة بالقطع الكبير وهو لم يتم لأن حكومة الوزير داود امتدت إلى أواخر سنة 1246هـ - 1830م والمؤلف توفى قبل ذلك بأربع سنين ونحو نصف هذا الكتاب شعر هو في مدح ورثاء وشكر وذم الذين جاء ذكرهم في الكتاب المذكور وأكثره في الوزير داود ونثر الكتاب كله مسجع على عادة كتاب القرون الوسطى وهي من أقبح العادات وهو خط لم يطبع إلى الآن ومنه في بغداد نسختان واحدة في المكتبة المرجانية وأظنها مكتوبة في أيام المؤلف وبخطه والأخرى في مكتبة الأباء الكرمليين وقد نقلت على الأولى بقلم إبراهيم أفندي بن عبد الغني الدروبي وكلتاهما بخط جلي صحيح وقد اختصره بعضهم فطبعه على الحجر وخطه أمين بن حسن الحلواني المدني وطبع هذا المختصر في بمبي في المطبعة الحسينية سنة 1304 في 63 صفحة بقطع الربع.
ومن كتب الشيخ عثمان كتاب (سبائك العسجد في أخبار أحمد نجل رزق الأسعد) وهو في ترجمة حياة الشيخ أحمد المذكور من يوم مولده إلى مماته كما قاله مؤلفه بعد مقدمة نثرية وشعرية في المترجم قال في صفحة 13: (. . . وحين قضى لسان حاله من نعت بعض أحواله صمم العزم على ما قصد. . . من إنشاء ترجمته وذكر أحواله من مولده لموتته. . .). اهـ.
وقد ترجم فيه أيضاً أحوال الرجال الذين جالسوا المترجم وصحبوه وخدموه وكاتبوه وعرفهم وعرفوه من أعيان البصرة ومشايخ الزبارة والبحرين والكويت وبعض أعيان نجد والبلاد العراقية وذكر فيه أيضاً القرى والبلاد التي قطنها المترجم وتاريخها فهو ككتاب مطالع السعود السالف الذكر إلا أنه خال من ذكر الحوادث والوقائع لا غير.
والكتاب نصفه نثر ونصفه نظم ونثره سجع على نهج يورث القارئ الملل والسأم لأول نظرة ينظرها فيه وقد ذيله بذكر تراجم أولاد الشيخ أحمد المترجم فبلغ عدد المترجمين فيه 42 فاضلاً وهو مطبوع في مطبعة البيان ببمبي سنة 1315هـ في 117 صفحة بقطع الربع.(3/184)
ومن مؤلفاته نظم قواعد الإعراب ونظم الأزهرية ونظم مغنى اللبيب ومنظومة في العقائد سماها: (هادي السعيد) ضمنها جوهرة التوحيد وزاد عليها، ونظم النخبة في أصول الحديث وله منظومات في علم الحساب ومنظومة في فقه السادة المالكية وله الصارم القرضاب في نحر من سب الأصحاب نظماً في نحو ألفي بيت وهو رد علي دعبل الخزاعي الموفى سنة 246هـ - 860 م.
4 - شعره وأفول شمسه
كان الشيخ عثمان من المكثرين في النظم والمطيلين فيه فقد تبلغ القصيدة من نظمه مائتي بيت وفي بعض أشعاره ركة وفي بعضها رقة وجزالة وهذه قليلة ومنها وقد ضمنها كتابه (نيل السعود) قوله في ذم الدهر:
شكوت فما أشكاني الدهر إنني ... لفي حيرة من ريبه وصروفه
كأني قرن للزمان محارب ... إذا رمت سلماً سل حمر سيوفه
سقى كل ذي جهل بكأس حياته ... وذا العلم ارواه بكأس حتوفه
فلا تك بدراً كاملا في ضيائه ... إذا تم بدر حان وقت كسوفه
وله أيضاً في ذم الدهر وقد ضمنها كتابه المذكور:
كلما قلت إن دهري يصفو ... ورياح المنى بصفوى تهفو
كدر الدهر بالخطوب اللواتي ... لم يذق لي من قدحها الغمض طرف
فكأني من اعتلالي فعل ... يعمل النصب فيه والجزم حرف
رقعتي أن يقال هذا أديب ... جاع بطناً وفيه ظرف ولطف
وله أرجوزة جمع فيها أقسام الحديث قال بعد البسملة والحمدلة والصلاة:
هذا وما إلى نبينا انتهى ... من سنن في الاصطلاح قستها
لمتواترٍ وللمشهور ... صحيحها والحسن المأثور
وصالح مضعف ضعيف ... مسندٍ المرفوع والموقوف
مؤتمنٍ معاقٍ مدلس ... ومدرج عالٍ ونازل قس
مسلسلٍ غريبٍ العزيز مع ... معانٍ فردٍ وما شذ أتبع
متقلبٍ مديح مصحف ... وناسخٍ منسوخٍ المختلف
دونكما على اختصار مجمله ... لكنها بديعة مكمله
وله من أبيات كتب بها إلى الوزير داود باشا وهي من باب الجناس:(3/185)
صلوا صبكم إن الهوى قاتل له ... ومنوا عليه بالوصال لكم منا
واسقوه من صهباء تقريبكم له ... مثلثة تحكي مذاقتها منا
ومنوا بتكليم له حالة الرضا ... ليرجع بالمن الذي لم يشب منا
إلى غير ذلك من أشعاره الكثيرة.
وقد توفى كما هو مذكور في ظهر كتابه سبائك العسجد في بغداد سنة 1242هـ - 1826م ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي قرب مرقد زبيدة زوج الرشيد وقد قرأت في بعض المجاميع أنه توفى في سنة 1240هـ وقال مختصر كتابه مطالع السعود توفى سنة 1250هـ وهما خلاف والأول أصح كما تقدم من تاريخ تصنيف كتابه مطالع السعود ولو كان على زعم الأخير لأتم سيرة الوزير داود وأتى بذكر بقية أيامه ولما ترك تصنيفه هذا ناقصاً والله اعلم.
كاظم الدجيلي
الشيخ السكير
قطعت من عمرك جل الطريق ... بمعصيات الله هلا تفيق
تثنيك عن نهج النهى خمرة ... كما انثنى عطف القوام الرشيق
خدر أعصابك خمر الهوى ... فرحت منه في سبات عميق
ولهان عن غيك لا تنثني ... سكران لا تسمع نصح الصديق
هوت بك النفس ولم تعصها ... إلى مكان من هواها سحيق
نبذت ما قد يرتضيه الحجي ... واخترت من جهلك مالا يليق
رفيقك الجهل وكأس الطلا ... فبئس ما اخترت وبئس الرفيق
إلى م والعمر انقضى جله ... وأنت لا تصحو ولا تستفيق
يكفيك تجديد المعاصي هوىً ... يا أيها الشيخ بحمرٍ عتيق
حسبك شيباً قد بدا منذراً ... أن واسع العمر غدا في مضيق
يا ويح شيخ قد قضى عمره ... وهو في بحر المعاصي غريق
يلقى الذي يرشده عابساً ... وذا الغوايات بوجه طليق
تباً له من بغنٍ مدمن ... زاغ ضلالاً عن سواء الطريق
إبراهيم منيب الباجه جي(3/186)
لواء السليمانية
1 - مدخل البحث
لما كنت مغرماً بالبحث عن آثار بلادي وأحوالها، وما بلغته في سابق الأزمان، من الرقي والتقدم والعمران، مما جعل الأجانب يتحملون المشقات، ويبذلون الألوف من الليرات، فيأتون من بلاد نائية، وربوع قاسية، لرؤية ما أبقاه لنا أسلافنا من الآثار، والوقوف على ما كانت وصلت إليه تلك الربوع والديار، من التقدم المادي والأدبي، رأيت أن أسطر هنا مجمل ما علمته عن لواء السليمانية، الذي كان سابقاً مهبط الأمم الكبيرة، ومقر الأقوام التي شادت صروح العلم، وأعلت شأن الآداب، وما فيه اليوم من الآثار، والأبنية الفخمة، التي لم يبق منها سوى أطلال دارسة، وآثار مندثرة، تنطق بعظمة بانيها، ومدنية قدماء ساكنيها، بل أريد أن أبحث عما فيه من المعادن والمناجم الطبيعية، التي لو بذلت الهمة في استخراجها من بطون الأرض، لعادت على هذه الأمة التي تشكو الفقر المدقع، في بلاد هي أغنى بلاد الله، بمال وفير، وخير كثير، ورفاه وسعادة.
وليعلم القابضون على زمام الملك إن هذه البلاد لا ينقصها شيء سوى الأقدام والثبات والتساهل مع أغنياء البلاد على استثمار مناجم بلادهم، وتخفيف وطأة الرسوم التي تضربها على المنقبين والضامنين للمناجم المعدنية. خذ مثالاً على ذلك (حمام العليل أو حمام علي) بجوار الموصل ذلك الحمام الذي اتفق الأطباء المهرة، من أجانب، ووطنيين، وسياح وآثريين، على أنه لا نظير له في العالم، وهو يفوق كثيراً حمامات (مارينباد) في النمسا التي تقصدها، من كل فج وصقع الملوك، والقياصرة، والنظار، والأعيان والأغنياء من كل أمة وملة، للاستحمام به وقضاء عطلة الصيف فيه، فلو أن الحكومة اتخذت الوسائل المطلوبة، للاعتناء به، وتنظيمه على النحو ما هو جار في أوروبا لدر على الخزينة الذهب الوهاج، ولحصل الشعب على فوائد كثيرة، منها هذه المياه التي هي أحسن ما جاء من نوعها، يستشفى بها أرباب الأمراض، والعاهات الجلدية، وكم من أمثال هذه الحمامات في سليمانية وأطرافها وفي غيرها، مهجورة، متروكة، وهي تستغيث من بوارها فلا تغاث.(3/187)
2 - حدودها وتقسيماتها الإدارية
السليمانية واقعة في كردستان العثمانية، وهي إحدى الألوية التابعة لولاية (الموصل) الشهيرة، مقحمة بين بلاد إيران شرقاً، وسنجق شهر زور غرباً وتبعد عن كركوك 73 ميلاً إلى شرقيها، وتقسم إدارياً إلى خمسة أقضية وإحدى عشرة ناحية 353 قرية على الوجه الآتي:
الأقضية النواحي القرى
1 - السليمانية (مركز القضاء): سراشيز شرق، سراشيز غرب، قره طاغ، بلغ وادا 104 قرى
2 - بازيان: سنكاس - كلك سيوكا 54 قرية
3 - كل انبار: قزلجا - سروجيك 95 قرية
4 - شهر بازار: موات 40 قرية
5 - مرغا أو (معمورة الميد): يشتر - سور طاش 60 قرية
المجموع 353 قرية
وسيأتي البحث عن كل من هذه الأقضية مفصلاً كما ستراه.
3 - عدد سكانها وأخلاقهم
يبلغ عدد سكان لواء السليمانية 51. 600 نسمة موزعة في الأقضية الخمسة وفي 353 قرية، فسكان السليمانية بما فيها من النواحي والقرى 26. 000 وقضاء بازيان بما فيه من النواحي والقرى 5. 400 نسمة وكل انبار 7000 نسمة. وشهر بازار 6. 600 ومرغا 6. 600 فالمجموع 51. 600 وأما من جهة العناصر والأديان والملل فالعدد 51. 600 مقسوم تقريباً على هذا الوجه: 48. 600 مسلمون 900 نصارى و2. 100 يهود. وأما أخلاق سكانها فحسنة وهم معروفون باللطف وطيب المعاشرة، يلتذ الإنسان بمحادثتهم، ومسامرتهم، وأكثرهم خليط من الأكراد المختلفة النسب والمشرب. والعرب هناك قليلون وهؤلاء أتوا للتجارة والأمتيار.
4 - قضاء السليمانية وأحواله
يشتمل مركز هذا القضاء على 4 نواح و104 قرى، وقصبة (سليمانية) وهي مركز المتصرف، وله مجلس إدارة على طريقة سائر الولايات، وفي القصبة مفتٍ، وقاضٍ، وجاب، وحاسب، ومدير برق، وآخر للديون العمومية ولحصر التبغ، وموظفون للضرائب، على اختلاف درجاتهم، وطبيب محجر (كرنتينة). وفيه محكمتا استئناف وكلتاهما في السليمانية، الأولى مدنية، والثانية(3/188)
جنائية، ويساعد رئيسيهما نائب مدعي العموم، ومستنطق، وتدبر أمور المدينة دائرة البلدية، ويتألف أعضاؤها من السكان بالانتخاب، على نوع ما تفعله سائر الولايات والألوية.
وحامية سليمانية، تتألف من الطابور الأول والثاني من الالاي 46، والجندرمة (والمبذرقة) الموجودة هناك هي عبارة عن بلوكين بلوك (فرقة) راجلة وبلوك راكبة وهما عبارة عن 16 ضابطاً و50 خيالاً و80 راجلاً، وعدد سكان هذه المدينة 26 ألف نسمة منهم 24. 825 مسلماً كردياً و175 نصرانياً كلدانياً و1. 000 يهودي.
5 - خطورة تجارتها وعمرانها
سليمانية ذات مركز تجاري خطير، وليس في كردستان العثمانية بلدة تماثلها بكثرة الحاصلات وسعة التجارة، وخطورة المركز، لأنه مقام وحيد لتردد القوافل التجارية إليها، تلك القوافل الواردة من العراق والذاهبة إلى طهران وكردستان، ولا أغالي إذا قلت إنها بمنزلة مخزن التجارة بين تركيا وإيران. ومن صادراتها الغنية الكثيرة، وتنقل إليها من إيران، عدا ما فيها من تجارة التبغ الواسعة وغناها منها.
وهي تحتوي على 5 آلاف دار تقريباً وعلى ما يزيد عن 500 حانوت و7 حمامات، وجملة مدابغ، وعلى أكثر من 20 مدرسة ابتدائية، وفيها مدرستان إعداديتان إحداهما ملكية، والأخرى عسكرية، أنشأتهما الحكومة في هذا العهد الأخير، حرصاً على تمدين أهلها الذين لا يزال أكثرهم حتى الآن في دور الجهل، وليس لنصارها ويهودييها مدرسة.
أما المباني العمومية ففيها 40 جامعاً وكنيسة كلدانية صغيرة، وكنيس صغير لليهود، وفيها دار كبير للحكومة رصينة مبنية بالصخر أو الحجر الصلد على نوع ما عليه البلاد الشديدة البرد، وهناك ثكنة يقيم فيها جند الحكومة وضباطها.
6 - لغاتها وصنائعها ومناخها ووصفها
اللغة المستعملة فيها هي الكردية، وهي وإن كانت لغة أهلها، فإنهم يتقنون أيضاً العربية، وأكثرهم متضلعون منها، حتى ظهر منهم علماء أعلام وكتاب، وشعراء، ولغويون، وفقهاء وقد تدرج منهم إلى المناصب الرفيعة جماعة في خدمة الدولة، والبعض أحرزوا ملكة الإنشاء، والبلاغة، والفصاحة،(3/189)
والتكلم بعدة لغات أجنبية كالفرنسوية والفارسية، والتركية. وهذه اللغة الأخيرة يتكلم بها موظفو الحكومة، وسائر أصحاب الدواوين، إلا إن اللغة العربية أكثر اللغات هناك شيوعاً وانتشاراً بعد اللغة التركية.
أما صنائعها فخاملة لا تكاد تذكر، إلا أن بعضها نجحت بعض النجاح في سليمانية لا سيما نساجة الأصواف والدباغة، والصياغة، وصناعة البنادق المرغوبة في هذا السنجق، وفي شهر زور وكركوك.
وأما مناخها فموافق للصحة، والهواء في موسم الشتاء بارد جداً، وفي الصيف معتدل لطيف، ويكثر في فصل الشتاء تساقط الثلوج حتى إنك ترى أكثر جبالها في ذلك الوقت قد لبست حلة بيضاء. وهي مشهورة بعذوبة مائها واعتدال مناخها، وخصب تربتها، وكل بيوت المدينة مبنية بالطين كبيوت اغلب القرى، وموقعها حسن طيب، والمياه تجري فيها دافقة، ولهذا يرى بجانب كل بيت حديقة صغيرة، فيها أشجار مثمرة، وحوض في الوسط، يتجدد ماؤه في كل ليلة، والماء الذي يغزر في سليمانية يأتي بطريقة فنية صناعية غريبة بديعة خاصة بذلك القطر، وبديار أربيل وكركوك، وهذه الطريقة متوقفة على أن يحفر عدد من الآبار، يتصل بعضها ببعض من قعرها، فيصب الواحد في الأخر، ويجتمع هناك كمية وافرة، تساوي كمية نهير وهو ما يسمونه عندهم بالكاريز.
8 - حاصلاتها وخيراتها
جميع أهل تلك الديار مولعون بالزراعة والفلاحة ورعاية المواشي وبساتينهم وكرومهم تدل على همتهم ونشاطهم وإقدامهم؛ إلا أن الزراعة عندهم لا تزال على الطريقة القديمة. التي لاحظ لها من العلم في شيء. وآلاتهم التي يستعملونها لحراثة أرضهم من أخس الأدوات إذ هي أيضاً لا تزال على العادة القديمة. ولو كان لديهم آلات وأدوات زراعية حديثة. ولهم علم وخبرة بالأصول المتبعة في البلاد المتمدنة لأصبحت من أغنى أراضي الدولة العثمانية. ومع هذا كله فإن كثرة غلاتها مما يباهي بل ويفتخر بها. ومن حاصلاتها السهلية المشهورة الحنطة والشعير والأرز وزراعة التبغ عندهم متقدمة جداً وصادراتها منه وفيرة تقدر بعشرين ألف ليرة. يرسل نصفها إلى بغداد عن طريق كركوك واربيل. وحاصلاتها الجبلية هي العنب والليمون والرمان والتين والفستق.(3/190)
ويقدر العارفون ما يخرج منها من هذا النوع الأخير بألفي ليرة كمية وافرة. هذا عدا ما يصرف منه في البلدة نفسها. ومن محصولاتها الجوز وقد اشتهر هذا الجنس بلطافة قشوره حتى أن الطفل ليكاد يكسر الجوزة بيده من دون أن يحتاج إلى الحجر يستعين به على كسرها. وأهم صادراتها الشهد الذي لا نظير له في الدنيا. وهم يعملون للنحل خلايا (كواثر) وفي موسم الشتاء يشتغل الناس بجمعه على طريقة فنية. وأصول غريبة معروفة عندهم.
8 - جبالها ومنظرها
أرض السليمانية جبلية. والجبال محيطة بجميع جهاتها. وهي عبارة عن سلاسل متصلات بعضها ببعض ولا يزيد ارتفاعها على ألف متر. ويعلوها الثلوج على الدوام. وفي أيام الشتاء عند اشتداد حرارة الصيف يسيل ماء الثلج من على الجبال فيهدم الدور ويتلف المزروعات. ويحصل من جراء ذلك أضرار في النفوس والقرى والبساتين لعدم اتخاذ الحكومة الوسائل الناجعة لوقاية أهل البلاد من هذه المصائب التي تتوالى عليهم كل حين التي منها ما جرى سنة 1327هـ عند انحدار المياه من شواهق الجبال. فإنها دمرت أكثر من ثمانين داراً وأخرجت عدة بساتين وقرى. وبقيت عدة أسر من أرباب الغنى تتضور جوعاً وتطلب الصدقات دع عنك الأضرار في النفوس. وصقع السليمانية مشهور بحسن منظره الطبيعي. ومواقعه الجبلية التي تأخذ بمجامع القلوب فهو يمتد بين سلسلتين من الجبال. وإذا أتيت سليمانية وأنت قادم من كركوك تتجلى لك في وسط أشجار خضراء ومروج غناء. كأنها بيضة في روضة.
9 - عقائد السكان وآدابهم
سكان سليمانية المسلمون كلهم شديدو التمسك بالطريقة النقشبندية (وهي طريقة الشيخ خالد النقشبندي). وبالقادرية (نسبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلي) وهم أخذوا هذه الطريقة عن الشيخ أحمد كاكا. ولهاتين الطريقتين عندهم قوانين ونظامات وآداب لا يتعدونها. وزعماء يتوارثون الرئاسة فيها على أصول متبعة عندهم فيديرون شؤون تكاياهم وزواياهم على حد ما تدار مثل هذه الزوايا لتلك الطرائق في مصر وأواسط بلاد أفريقية.
أما آدابهم فهي لا تختلف كثيراً عن آداب سائر الكرد، وفيهم شيء من(3/191)
التعصب المذموم، وكثيراً ما كانوا يضطهدون وطنييهم من سائر الملل، ولذلك ترى النصارى هناك قليلين، ولهؤلاء قسيس واحد يرجع إلى مطران يقيم في (سنا) من بلاد إيران على بعد 7 أيام من سليمانية، وليس فيه ما يجعله من رؤساء الأديان المعدودين، المدافعين عن رعاياهم. هذا فضلاً عن إن الفرمان الذي بيده هو من الشاه لا من السلطان ولهذا لا يجل إجلالاً عظيماً عند موظفي الدولة.
10 - تاريخها ووصفها المجمل
كانت أرض سليمانية في سابق العهد من مملكة آشور، وأما اليوم فلا شان لها يذكر، بالنظر إلى ما توالت عليها من الرزايا، والبلايا، فذهب منها ذلك العز والسؤدد، وانطمست تلك المعالم، واندثرت هاتيك الأمم، وصارت كاهس الدابر، وسليمانية نفسها ليست بقديمة ولهذا لا ترى في المدينة مباني قديمة تدل على قدمها ويقال إن منشئها سليمان باشا البابان قد بناها سنة 1788م. وهي واقعة على مقربة من خرائب (شاربازير) أو (شهر بازير) القديمة، وقد كانت في بادئ الأمر صغيرة حقيرة، فلم تزل في نشوء وتقدم، ونمو، حتى بلغت درجة عنيت بها الحكومة، وجعلتها متصرفية.
1 - قضاء بازيان
في هذا القضاء ناحيتان وعدد سكانه 5. 400 نسمة، وفيه قيم مقام، يعينه مجلس إداري وقاضٍ، وجاب، ومحاسب، وفي قصبة القضاء محكمة استئناف وضابط جندرمة (مبذرقة). وقصبة قضاء بازريان هي جمجمال وهي واقعة على حدوده من جهة كركوك، وهي قريبة من دربند، ودربند هذا جبل صغير منقوب لم تنقبه يد إنسان، ويجتازه أصحاب القوافل، وفي هذه القرية دار حكومة عامرة، وثكنة، وجامع ومحل للبرق.
والهماوند يقيمون في قضاء بازيان الواقعة بين شهر زور، وسليمانية في سهل خصب لكن غير مزروع، والهماوند عشيرة من الأكراد شأنها السلب والنهب، وطالما شقت عصا الطاعة على الحكومة، فسيرت هذه عليهم الجنود فيدحرونها وتدحرهم، وهم أولو بأس شديد، وشجاعة خارقة للعادة.(3/192)
12 - قضاء كل انبار
كانت كل انبار في أول الأمر قصراً بناه سلطان ال عثمان سليمان الكبير حينما أتى لفتح بغداد، ليكون قصراً للباشوات الأتراك، وفي بدء القرن السابع عشر أخربه الشاه عباس عند فتحه تلك الأنحاء وانتصاره على جيوش الدولة، إلا إنه بعد 20 سنة أي في سنة 1630م كان الصدر الأعظم للسلطان مراد الثاني معسكراً في شهرزور مع جماعة من جلسائه فقال لو لم يكن هذا القصر في هذا الموضع مفيداً للدولة من الوجهة العسكرية لما بناه السلطان سليمان ولو لم يكن مضراً بالأعداء لما أخربه الشاه عباس ولهذا يجب إعادة بنائه؛ وبعد أن قال هذا بناه في سبعة أسابيع، وبعد ذلك أقيمت وبنيت حوله البيوت فتألقت بمدة قصيرة بلدة عامرة حصينة.
وفي هذا القضاء ناحيتان و95 قرية، ويبلغ عدد سكانه كلهم 7. 000 نسمة تقريباً، وقصبة هذا القضاء (هليجا) ويقيم فيها الباشا وهو رئيس قبيلة كردية كبيرة اسمها (الجاف) ويبلغ سكان هذه البليدة 3000 نسمة، ثلثهم يهود والثلثان الآخران مسلمون، وحاصلات هذا القضاء مهمة وهو غني بخيراته والتجارة فيه واسعة، ويعتني اغلب سكانه بتربية الماشية والمتاجرة بأصوافها، ولهم دراية عظيمة بزرع التبغ.
13 - قضاء شهر بازار
في هذا القضاء ناحية واحدة و40 قرية، وسكانه 6600 نسمة، وقصبته المهمة هي (شيوكل) (بكسر الشين وضم الياء ضماً خفيفاً بعدها واو يليها كاف مضمومة وفي الأخر لام) وهي جليلة بحاصلاتها كالتبغ والارز والعنب والكثيراء، وعدد سكانها 1. 500 نسمة كلهم مسلمون ولهم جامع واحد، وهذا القضاء خامل الذكر، والذي يعرف من أهاليه إنهم يعنون بزراعة الكرم والأرز والتبغ والأشجار المثمرة.
14 - قضاء مرغا أو مركا
مرغا كلمة أرامية معناها (المرج) ومنها اسمها بالعربية سابقاً (مرج الموصل) لقربها من الحدباء وقد اشتهر فيها رجال علماء قبل الإسلام وبعده، وقد(3/193)
جاء في ياقوت ما نصه: مرج الموصل ويعرف بمرج أبي عبيدة عن جانبها الشرقي موضع بين الجبال في منخفض من الأرض شبيه بالغور، فيه مروج وقرى، ولاية حسنة واسعة على جبال وقلاع. . . ينسب إليها أبو القاسم نصر بن أحمد بن محمد الخليل المرجى سكن بعض آبائه الموصل وولد أبو القاسم بها يروى عن ابي يعلي الموصلي وغيره، روى عنه جماعة أخرهم أحمد بن عبد الباقي بن طوق اه. ومن نصارها عبد يشوع الأسقف.
وفي هذا القضاء ناحيتان و60 قرية وسكانه يقدرون بما يزيد عن 6600 نسمة كلهم مسلمون. واغلب سكانه يعتنون بتربية النحل واستخراج العسل وهم ماهرون بهذه الصناعة النفيسة، واغلب حاصلاته جبلية من أحسن ما يكون من جنسها، وفيه أراض كثيرة خصبة موافقة لزرع أنواع الأشجار المثمرة، واغلب سكانه من قبيلة الهماوند، وهم الذين كانوا السبب لتأخير هذا القضاء وانحطاطه، ولذلك ترى إلى الآن البعض منهم يقلقون راحة الزراعين ويسلبونهم حاصلاتهم.
15 - الآثار في ديار سليمانية
قلنا في المقدمة إن في السليمانية آثاراً كثيرة تدل على عظمتها السالفة، وعزها الباذخ. وهنا نذكر طرفا من هاتيك الآثار مما وصل إليه تنقيبنا وبحثنا فنقول: على مقربة من سليمانية اخربة (شاربازير أو شهر بازير) القديمة المعروفة عند مؤرخي الإفرنج باسم (سيازوروس - وكانت عاصمة بلاد الكرد في العهد العهيد، وكانت قد سميت (على ما يرويه لنا التاريخ القديم) أولاً باسم (شهر فيروز) باسم بانيها قباذ بن فيروز من الدولة الساسانية، وفي أقصى المضيق الذي تحرسه (شهر باريز) كانت مغارة مفتوحة باسم معناه: مغارة الحارة الزرقاء: وبين يدي هذه المغارة على صخرة قائمة كانت قلعة حصينة، مبنية بالصخر ذات سبعة أبراج فيها آلات الحصار القديمة تعرف باسم (سليم علي قلعة سي) وهي اليوم أنقاض لم يبق منها إلا بقايا دوارس تدل على وجودها. وكان يرى قريباً من المدينة طاق خرب يقال إن جثة الإسكندر الكبير دفنت فيه قبل أن تنقل إلى الإسكندرية، والآن لا يبلغ إليها أحد.
وكان قد ذهب إلى سليمانية منذ مدة عدة من السياح الأوربيين لمشاهدة هاتيك الأنقاض وتلك الخرائب، وللتفتيش على بعض كتابات ورقم علهم(3/194)
يعثرون على شيء يخدمون به التاريخ، ويكشفون الستار عن تاريخ هذه البلاد الغامض الذي لم يعرف الباحثون منه إلا نزراً يسيراً لا يفي بالمقصود ولا يشفي غليلاً، فعثروا هناك على آثار قديمة وصخور عليها إشارات وكتابات غريبة يرجع تاريخها إلى عهد الآشوريين، سكان تلك البلاد الأقدمين، وبعض تصاوير ورسوم تفيد التاريخ فائدة كبرى، وقد بعثوا بكثير منها إلى دور التحف في أمهات العواصم الأوربية. فعسى إن اللجان العلمية في أوربا تستنطق تلك الآثار. وتحل تلك الرموز والإشارات. فتحدثنا عن تاريخ تلك البلاد بالنبأ الصحيح.
إبراهيم حلمي
تصرف العرب في الألفاظ الأعجمية
1 - تمهيد
خالط العرب العجم منذ أقدم العصور وإن أنكر هذه الحقيقة بعض ضعفاء الكتاب. لأن التاريخ يشهد على ذلك شهادةً لا ريب فيها ولأن اللغة العربية تؤيدها. بيد أن هذا الاختلاط زاد زيادة عظيمة منذ انتشار الإسلام في العالم فكثر الدخيل في لسانهم وفشت اللغة الفاسدة بين المتكلمين فشواً خيف منه سوء العقبى ولكن لما سهلت المطابع نشر المطبوعات والمؤلفات والجرائد أخذ اللفظ الفصيح يصارع القبيح حتى أصبحنا اليوم في مأمن من قتل هذا ذاك. وقد جرى العرب في نقل الألفاظ الأعجمية على طريقة تكاد تكون قياسية في اغلب الأحيان ولهذا وضع اللغويون قواعد يجري عليها المعربون فكان في ذلك نفع عظيم لكي لا يعبث بعضهم في الألفاظ الدخيلة ويفسدها إفساداً لا يهتدي إليها. ومع ذلك فقد جاءت ألفاظ كثيرة يصعب اليوم معرفة أصلها لكثرة ما أصابها من التشويه والتصحيف والتحريف وقد يبلغ تصحيف اللفظة الواحدة إلى عشر صور مختلفة أو عشر لغات وقد يتجاوز هذا العدد حتى لا يعرف على التحقيق وفي جميع كل تلك الحالات لا ترى أثراً للجري على الخطة التي وضعوها إذ يخالفون فيها ضوابط الأقدمين وأقوال المستشرقين الذين يظنون هم أيضاً أن العرب وضعت طرقاً مطروقة لم يخرجوا عنها وقد جمعنا من الألفاظ المشوهة شيئاً كثيراً خالفوا فيها النهج المألوف. من ذلك الكلمة الآتية:(3/195)
2 - طرخشقون
1 - طرخشقون تعريب اليونانية ويراد به نوع من الهندباء البري يعرفه أعراب العراق باسم (هندبة البر أو اليعضيد) وبالإنكليزية وبلسان العلماء يخرج من ساقه عصارة كالحليب يقال إنها طاردة للحمى ومنقية للدم ومن ذلك اسمه طرخشقون المشتقة من اليونانية أي حرك. وهذا النبات أشهر من أن يذكر. وهذه اللفظة على هذه الصورة هي بفتح الطاء والراء وسكون الخاء المعجمة وفتح الشين المثلثة وضم القاف وسكون الواو وفي الأخر نون وهي الأصلية وأم سائر اللغات وقد وردت في كتاب مفردات ابن البيطار المطبوعة والخطية وقد صحفها العرب بصور كثيرة غريبة منها:
2 - طرخشقوق بإبدال النون الأخيرة قافاً وإبقاء الضبط على حاله. وقد وردت في مفردات ابن البيطار المطبوعة وفي كثير من المؤلفات الطبية.
3 - طرخشقوق بفتح فسكون على الترتيب إلى آخر الكلمة. وقد وردت بهذا الضبط في لسان العرب في مادة عضد.
4 - طرخجقوق وردت في لسان العرب أيضاً مضبوطة كالضبط السابق لكن بإبدال الشين جيماً وقد وردت هاتان اللفظتان في تاج العروس أيضاً وفي التهذيب وفي كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري في كلامهم عن اليعضيد.
5 - طلخشقوق مضبوطة ضبط طرخشقوق 2ً لكن بإبدال الراء لاماً وقد وردت في كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 176 وكذلك في معجم دوزي.
6 - طلشقوق مضبوطة بفتح الطاء وسكون اللام وفتح الشين المعجمة وضم القاف وسكون الواو وفي الأخر قاف. وقد وردت في عدة نسخ خطية من كتاب مفاتيح العلوم المذكور وفي حاشية الصفحة المذكورة من النسخة المطبوعة في ليدن.
7 - طرشقوق مضبوطة كالسابق بإبدال اللام راء. وقد جاءت في كتاب مفردات ابن البيطار المطبوعة في مصر بالمطبعة العامرة 3: 102 قال: طرخشقوق وطرشقوق وهو الهندبا البري وكذلك في منهاج الدكان المطبوع في مصر ص 132
8 - بلخشكوك. وردت هكذا مصفحة في ابن البيطار من الطبعة المصرية 4: 200(3/196)
9 - تلخشكوك. هي الرواية الصحيحة في طلخشقوق إلا أن الأولى مرفقة الحروف والثانية مفخمتها.
10 - بلحسلوك. وهي تصحيف قبيح للكلمة السابقة وقد وردت في مفردات ابن البيطار المطبوع في باريس في نحو آخر العدد 2263.
11 - طرخشقوقي. وردت في تذكرة داود الأنطاكي طبع الشيخ محمد علي المليجي في مصر 1: 274 في مادة هندبا.
12 - طرحشقوق. وردت في الكتاب المذكور 1: 189 وفي نسخة قديمة عندنا من كتاب مفردات وتذكرة داود وفي شرح الألفاظ العربي الموجودة في كتاب منافع الأغذية ودفع مضارها ص 6 وفي ضمن الكتاب نفسه في عدة مواطن.
13 - طرحشقوق. في تذكرة داود الخطية القديمة الموجودة عندنا في مادة هندبا في ظهر الورقة 277.
14 - طلحشقوق. وردت في قانون ابن سينا المطبوع في رومة وفي مصر في الفصل التاسع في الكتاب الثاني في مادة الأدوية المفردة.
15 - طرخشقون. بفتح وسكون على التتابع إلى آخر الكلمة. هكذا ضبطها فرنسيس جونصن في معجمه الكبير الفارسي العربي الإنكليزي المطبوع في لندن سنة 1852 ص 815 وقال إنها فارسية الأصل.
16 - طرشقون. وردت في عدة نسخ خطية من منهاج الدكان وكتاب منافع الأغذية وتذكرة داود وغيرها.
17 - تلخ جكوك. هي مثل تلخشكوك. ذكرها صاحب هفت قلزم.
18 - تلخ جكوك. بجيم مثلثة فارسية في الأول وكاف مثلثة فارسية في الآخر ذكرها فرهك الشعوري.
19 - تلخ جكوك. هي مثل السابقة إلا أن الكاف الأخيرة كاف عربية لا فارسية مثلثة. ذكرها صاحب شمس اللغات.
20 - تلخ جوك. بجيم عربية وواو وكاف عربية. ذكرها صاحب برهان قاطع.
21 - طرخشم. وردت في بعض نسخ تذكرة داود الخطية القديمة وذكرها أيضاً دوزي وبابن سميث.(3/197)
22 - طليخم. وردت في معجم بربهلول السرياني العربي وفي الملحق بالمعاجم العربية دوزي وكلاهما نقلها عن العرب.
23 - طركسينا. وردت في نسختين خطيتين من كتاب مفردات ابن البيطار وهي ولا شك مأخوذة من السريانية بلفظها ولعل السريانية ومعناها مأكول أي كل (ما يؤكل) وقد ذكرها بابن سميث. ثم خصت بهذه البقلة.
24 - طركسيما. كالسابقة وقد ذكرها بابن سميث وأصلها سرياني يوناني.
25 - طرسيما. بحذف الكاف. وقد جاءت في معجم بابن سميث وأصلها كأصل السابقة.
26 - طرقسيما. وردت في بعض النسخ وذكرها بابن سميث وغيره من اللغويين العارفين بالسريانية والعربية في انطوبيا.
27 - طرخسقوس. وردت في بعض نسخ المعاجم الفارسية العربية الموجودة عندنا.
28 - طرسقوس. كذلك وفي إبدال أحمد بن خالد المعروف بابن الجزار.
29 - طرحشقون. كذلك وفي كتاب إبدال الزهراوي.
30 - طلحشوش. وردت في ص 135 من كتاب الكنز العربي السرياني اللاتيني تأليف الأب توما النوفاري من رهبانية الأصغرين المطبوع في رومية سنة 1636.
وإذا أضفت إلى هذه اللغات المختلفة الغريبة من مصحفة ومحرفة ومشوهة لغات الضبط لتضاعف القدر لأن اغلب هذه الأسماء وردت غير مضبوطة في الكتب الطبية أو النباتية. - وقد جاءت ألفاظ كثيرة وقع فيها مثل هذا التصحيف الشنيع لكن لغاتها لم تبلغ هذا المبلغ. وإنما أوردنا ما أوردناه ليكون بمنزلة المثال يقاس عليه ما كان من هذا الباب ولا يقولن امرؤ أن العرب جرت (دائماً) على طريقة واحدة في تعريب الألفاظ الدخيلة إذ قد وقع لهم ما يخالف قواعدهم التي وضعوها. وليس العرب وحدهم يفعلون هذا الفعل بل الأعاجم أيضاً وهو أشهر من أن يذكر.
رؤية أدبية
أرقت ذات ليلة أرقاً شديداً كاد يضر بجسمي فتناولت أحد كتب الآداب(3/198)
وشرعت أسرح طائر الطرف في أطرافه وصفحاته فاقتطف ما طاب لي من ثماره اللذيذة وفوائده الجليلة واكرع شيئاً لا يقدر من ينابيعه العذبة التي ترتاح إليها نفس كل فاضل أديب مشجون. . . وبقيت على تلك الحالة إلى أن حكم عليّ سلطان النوم فغمضت عيني فرأيت في الكرى كأني في فضاء واسع ليس له انتهاء وأنا أسير فيه سيراً حثيثاً واقطع ما فيه من الفيافي والقفار من وعرة وسهلة لا يأوي إليها إلا الوحوش. ثم وجدتني كأنني تحت جبل شاهق فرقيته حتى علوت ظهره فوجدت هناك غاراً فكمنت فيه منتظراً ما يفعل بي الدهر الخؤون. . .
فبينما أنا أترقب تلك الساعة الهائلة إذ بصرت نقعاً عظيماً ثار من جوف الفلاة وما لبث أن اقشع فرأيت حيدراً وخيتعوراً وخنوصاً نتواثب حتى صارت عند أسفل الوتد وأنا أتتبعها بعيني لأرى نتيجة تواثبها. ولما أنهكها التعب واللغب أخذ الخنوص يتهكم من هذين الحيوانين كما يتهكم الجاهل من الرجل العاقل وهو يتهجم عليهما تارة من اليمين وطوراً من الشمال وهما يتذللان له خوفاً من جوره واعتسافه كما يتذلل المظلوم بين أيدي الظالمين. . .
فلم تمض بضع دقائق إلا وساعدت التقادير ذلك الغشوم المارق أي الخنوص فوثب وثبة على الأسد وأذاقه كأس المنون بأن بقر بطنه بنابه الحاد. فلما رأى الخيتعور ما حل برفيقه المحبوب وما صار إليه وتحقق إنه قد صرع على الأرض يختبط بدمه أطرق هنيهة ثم رفع رأسه ونادى صارخاً بملء فيه: واحزناه واأسفاه عليك أيها الشجاع الباسل! واويلاه كيف خانك هذا اللعين ألفظ الطباع! وما قال هذه الكلمات إلا وتساقطت الدموع منحدرة من مآقيه كأنها الغيث من الجون. . .
ولما رأى أن الأمر قد مضى وأن لا رجوع لرفيقه إلى الحياة دنا رويداً رويداً من القاتل الطاغي الباغي ثم وقف بازائه وشرع يخاطبه بكلام تقشعر له الجلود ويلين الجلمود. وهذا بعض ما حفظته: أيها المغرور بنفسك المعجب بقوتك وفعلك، إنك لقد فتكت فتكاً ذريعاً بسيدنا المبجل وفجعتنا بتلك الفاجعة المدلهمة. فوالله إنك لم تفعل فعلتك هذه الشنعاء إلا لتقبض على زمام الأمور وتستولي على مقام ذلك الغضنفر، ولكن يأبى الله أن يجعلك بدلاً منه لأنك من عنصر الأدنياء الأوغاد الغدارين. . .(3/199)
فلما سمع الخنوص هذا الكلام وما ضاهاه وكله قارص أو جارح أخذ الحنق منه مأخذه وحاول أن يبطش به كما بطش بصاحبه القتيل ظلماً وزوراً فلم يفلح ساعتئذ وقال له: ويلك! إني لم آت ما أتيت إلا لأنال منصباً جليلاً. واستعبد قوماً ذليلاً. واذرهم من شدة سطوتي في سكرتهم يعمهون. . .
أقول: فلما رأيت ذلك الموقف الهائل وما عمل الخبيث الكنود بالأسد الجليل اضطرمت النار في قلبي أي اضطرام. فوثبت حنقاً مغادراً الغار. لا اعي شيئاً من شدة ما تولاني من الغضب المستطار. قاصداً الدنو من الخنوص المستبد لأخذ منه ثار الضرغام. وبينما أنا أسير إليه إذا بصوت أيقظني من نومتي تلك والدموع تنحدر من عيني تحدر القطر من السحب من هول ما رأيت ومن شدة ما تأثرت منه ولما نظرت إلى ما حوالي وجدت الغزالة قد ارتفعت سافرة الوجه عالية الجبين فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون. . . .
ثم لما ثابت إلي نفسي وأنعمت النظر في حالتنا الاجتماعية التي نحن عليها فهمت إن ما رأيته في الخيال، هو تصوير ما يجري في عالم المثال. وتحقت إن ما وقعنا فيه من البلاء المبين. هو نتيجة ما سعينا إليه في ماضي السنين. ولكن (سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. .).
محمد فائق الكيلاني
ألم تر أن الدهر يكتب ما تملي
يقولون لي (باريز) أرض مظلة ... فقلت بعدتم فهي سابغة الظل
وكم قيل أرض فرقت جمع شملنا ... فقلت لهم هيهات بل مجمع الشمل
أحن لها مثل (الحمامة) شاقها ... إلى الايك أفراخ تحن إلى الوصل
فبي ما بها من لاعج الشوق والأسى ... وما حملت من لوعةٍ للجوى حملي
فها هي تشجيني فاصفق في يدي ... وها أنا أصيبها فتفحص بالرجل
لئن شاقها تذكار رملة عالج ... فما شاقني ذكر الاجيرع والرمل
وما هاجني ذكر الأحبة عرسوا ... بذي الاثل يالا ابعد الله ذا الاثل
أجل هاجني ذكر الترحل للتي ... يروق بها قولي ويسمو بها فعلي
وما زلت في ذكرى لها كل ساعة ... أسير جوى بين الترحل والحل
يذكرني يا (ورق) سجعك في الضحى ... على الايك من (باريز) مقصدي الأصلي(3/200)
فأصبو إليها كلما مر ذكرها ... ببالي وكم يصبو لرؤيتها مثلي
بلاد عليً شفت مخايل عزها ... وولت كما ذل الفرند على النصل
ولعت بها طفلاً لأني وجدتها ... تغذى بألبان العلى فكرة الطفل
كتمت الهوى جهدي فحرره الاسي ... بماء المآقي ذا يخط وذا يملي
لعل الصبا يهدي إليها رسالة ... فقد تعبت ما بيننا السن الرسل
وما شغفي بالآنسات وحسنها ... ولا بفتور اللحظ والأعين النجل
ولا بالخدود الزاهرات ورودها ... ولا بالقدود المآئلات من الدل
ولا بنحور زينتها قلائد ... ولا بابتسام الثغر والألسن الرتل
ولكنني أصبو لذكرى أحبةٍ ... فلاسفة الأيام بالعقد والحل
لئن قطنت أهلي العراق فإن لي ... (بباريز) أصحاباً أعز من الأهل
وإن حرمت (باريز) قتل أخ الهوى ... فإن بلادي حللت في الهوى قتلي
وإن قل في أرض العراق مساعدي ... أشد يدي منها بأذرعها الفتل
فشتان ما بين العراق وبينها ... وبين أخ جهلٍ بري وأخ فضل
خليلي لوما إن تشاءا أو اعذلا ... فلي إذن صما عن اللوم والعذل
فكم صدني عن نيل ما رمت معشر ... يكلفني أن أقتل العمر بالجهل
فبين صديق ليس يعرف غايتي ... وبين شقيق قد ألح عليّ مطلي
إذا حكموا مالوا عليّ بحكمهم ... وإن عدلوا جاروا على سنة العدل
لقد كنت قبل اليوم أحسب أخوتي ... كثيرين فيها غير ذي عدد قل
فصرت وحيداً لا أرى قط واحداً ... يشاطرني وجدي ويسلك في سبلي
فيا راكبي (ظهر القطار) بعدتم ... مدى وقربتم للمنى زمناً قبلي
ففزتم بما نلتم على شقة النوى ... وخلفتم قلبي مراجله تغلى
وكم من رجال راقهم ما شربتم ... على البعد في (باريز) علاً على نهل
(يحثون للمغنى الذي أنتم به) ... ويصيبهم ذكر الأحبة والوصل(3/201)
وما الدهر أهل أن يرجى ابن عزه ... حياة امرئ أو موته لا على ذل
يروم أصحابي البقاء لديهم ... ودون الذي راموا أبيح لهم قتلي
وما أنا وحدي قد كلفت بحبها ... فكم واجد وجدي وكم عاشق مثلي
فيا لائمي في حبها لي أسوة ... بقوم تناءوا عن مواطنهم قبلي
يكلفني قومي اتصالا وما دروا ... بأن حياتي في التفرق والفصل
فلست بباكٍ إن ترحلت عنهم ... وإن كان فيهم لحمتي وبهم أصلي
وليس ثوائي سائغاً ببلادهم ... فليس مطيتي عندهم لا ولا رحلي
وما طوق عليائي يجيد بلادهم ... ولا سكني فيهم ولا عندهم ابلي
أقومي لأنتم في سبيلي عثرة ... فيا قدمي عن سبلهم رغبة زلي
ويا كاتباً عني لصحبي مقالةً ... (ألم تر أن الدهر يكتب ما تملي)
النجف: محمد باقر الشبيبي
فوائد لغوية
1 - أم الرأس وأم العين
أكثر بعض الكتاب في هذه الأيام من القول: رآه أو شاهده بأم رأسه ورآه أو شاهده بأم عينه وكل ذلك من قبيح الاستعمال ومن وضع الشيء في غر موضعه. لأن (أم الرأس) عند الفصحاء هي الدماغ أو الجلدة الرقيقة التي عليها. فيقال: ضربه على أم رأسه أو وقع على أم رأسه؛ لكن لا يقال: رآه أو شاهده بأم رأسه لأن الروية لا تنسب إلا إلى العين. ونسبتها إلى الدماغ لا يخلو من تكلف بعيد. وأما قولهم رآه بأم عينه أو شاهده بأم عينه فمن قبيح التصرف في الألفاظ. وإذا تمحلنا لها وجهاً قلنا: إن ألام في اللغة هي كل شيء انضمت إليه أشياء فتكون (أم العين) بمعنى المقلة أي شحمة العين التي تجمع البياض والسواد والتي يقال لها عندهم أيضاً (مخ العين). لكن أم العين لم تأت في كتبهم بمعنى المقلة أو الهانة أو الهناتة التي هي شحمة العين لأن جميع(3/202)
الألفاظ التي وردت مبتدئة بأم ذكرها صاحب كتاب المرصع وليس فيها هذه اللفظة. وذكر كثيراً منها صاحب المزهر وليس فيها أيضاً هذه الكلمة.
2 - لا يقال: يجب على الأقل أن تفعله أو لا تفعله
استعمال (على الأقل) من التعبير الإفرنجي. وقد وردت في كلام أعاظم الكتاب وأشهر الشعراء. وكل ذلك حديث الاستعمال غريب النشأة دخيل في اللغة الفصحى؛ فهم يقولون مثلاً (يجب على الأقل أن تفعله أو لا تفعله) أما بلغاء العرب فقد قالوا في معنى هذا التركيب: (لا أقل من أن نفعل كذا). قال الجاحظ في الرسالة العاشرة في بيان مذاهب الشيعة (ص 176): (كما إن زلته (أي زلة العالم) ليست كزلة غيره فلا أقل من أن نعده. . .) وقال فويق ذلك: (ولكن لا أقل من أن نجعله في طبقتهم. . .)
3 - حصل أوصال التصميم على عقد الروابط.
هذا التعبير من جملة ما أدخله الترك في العربية وذلك لسبب إنه لا يوجد في لسانهم وزن أفعل فيضطرون إلى أن يعبروا عنه بفعل (ايتمك) ويضيفونه إلى مصدر الفعل الثاني فيقولون مثلاً: (تمام ايتمك) أي أتم. وكذلك يفعلون في ما يؤخذ منه معنى الحصول والصيرورة ولهذا لما أخذ أبناء العرب يتلقون التركية في مدارس أصحاب الأمر نزعت نفوسهم إلى النزعة التركية حتى أدخلوها في العربية ومن ذلك قولهم: حصل أو صار التصميم على عقد روابط مثلا. وهم يريدون (صمم) من باب التفعيل بصيغة الماضي من المجهول. احفظ ذلك تصب إن شاء الله.
4 - أصل كلمة جلنجبين
وسألنا أحد الأدباء من أبو كبير في القطر المصري: ما معنى جلنجبين وهل هي معربة. - قلنا: جلنجبين كلمة معربة من الفارسية من جل (وبالفارسية كل بكاف فارسية) أي ورد وأنجبين (وبالفارسية انكبين) أي عمل. ومحصل معناه شراب مركب من ماء الورد والعسل أو معجون يتخذ من الورد والعسل.
أسئلة وأجوبة
1 - معنى
وسألنا أ. ن. من هذه الحاضرة: ما معنى هاتين الكلمتين الفرنسويتين(3/203)
واللتين يقابلهما بالإنكليزية وبلسان العلم وفقد بحثنا عنها في جميع معاجم هذه اللغات فلم نقع على غير تأويلها بالهندباء والهندب لكليتهما أفلا يوجد فرق بينهما أو ما يقابلهما في لغتنا الفصحى؟
قلنا: إن لغتنا مفتقرة إلى تحرير ألفاظها العلمية والإشارة إلى ما يقابلها في اللغة العربية وفي اللغات الإفرنجية حتى يهتدي الكاتب إلى استعمالها في مواطنها بدون خلط أو خبط. وكان المقتطف قد أودع مثل هذا العمل الخطير إلى عهدة الدكتور الألمعي أمين أفندي المعلوف فوضع معجم الحيوان وأحسن انتقاء ألفاظه إلا إنه لم يضمنه كل الألفاظ بل اكتفى بالمشهور منها. وقد وقف الآن عن نشر ما عنده من أسماء النبات والحشرات والجماد فبقي هذا العمل الحميد العظيم غير كامل. ولهذا يقلد اللغة أعظم خدمة من يضافره في هذا الأثر الجليل أو ينشر ما بقي عليه نشره أو تحقيقه. ولقد تتبعنا تحقيق هاتين اللفظتين بعد إلقاء السؤال علينا
فوجدنا هذه النتيجة.
الهندب أو الهندبا أو الهندبآء على صنفين: بستانية وبرية، فالبرية يقال لها أيضاً بقريس وقيخوريون وكلتاهما من اليونانية وأما لفظة الهندباء فهي أيضاً من اليونانية من وقد جاءت في اللاتينية على لغات شتى منها ووهذه ضعيفة وقالوا في جمعها ولم ينتبه أحد من اللغويين من أقدمين ومحدثين إلى أنها دخيلة في العربية وكذلك لم يشر إلى أعجميتها المستشرقون مع أنها واضحة العجمة وليس لها نسب بين في لغتنا.
وقال ابن البيطار في مادة الهندباء. . . البستاني صنفان أحدهما طويل الورق. . . ومن هذا الصنف بري شبيه به في صورته وزهرته إلا أنه أقوى مرارة وأشد كراهةً ويسمى عندنا الأميرون) - (قلت: وهذا معرب من بتقدير أي الهندباء المرة.) ثم قال: والصنف الثاني من البستاني عريض الورق أبيض الزهر تفه الطعم عديم المرارة وخاصة في أول الربيع ويسمى(3/204)
بالرومية انطوبيا وتعرف بالهندبا الشامي والهاشمي وبريه قريب منه في شكل ورقه وقلة مرارته بعيد منه في شكل زهره وكثرة زغبه وهو السرالية بالعجمية وزعم أنه الطرخشقوق ومن البري صنفان آخران وهو اليعضيد ويسمى باليونانية خندريلي. . . وقال الطبري: الهندبا البري هو الطرخشقوق ويسمى بالفارسية تلخي. . . ابن ماسوية: التلخشكوك(3/205)
وقو للمعدة. . . قلنا: والذي سماها ابن البيطار: الهندبا الشامي أو الهاشمي سماهل أيضاً داود الانطاكي في التذكرة (البلخي). والأصح التلخي كما أشرنا أغيها.
ومن أسماء الهندباء (اللعاعة) وهي ما يكون منها في غاية النعموة وهي بالفرنسوية (والبقلة المباركة) وقيل إن هذه هي الرجلة أي الفرفحين والأصح أنها تعني الهندباء عند قوم من العرب (والبقلة الحمقاء) عند قوم آخرين. وقد ذكر بقطر أن الهندباء البرية تسمى عند بعض عوام العرب (الجلجلان) مع أن هذا الاسم عند الفصحاء لا يعني هذا النبات بل السمسم أو غيره. وقد سبق بقطر إلى هذا القول أصحاب المعاجم السريانية العربية ومنهم صاحب دليل الراغبين في لغة الارميين ص 221 قال في تفسير (حدبا ددبرا): هندباء بربة، جلجلان. وذكر من أسمائها باين سميث في معجمه السرياني اللاتيني الكبير في مادة حدب. الحندبة، الهندبة الجوبة أو البربة ويقال لها الهندباء وطرخشقوق وطرشقوق. وذكر من أسماء الهندباء في مادة انطوبيا قال الانطوبيا هي الهندباء. ويقال إنه هندبا شامي وقشنبج (أي قشنيزة) وهندبا عراض وقال مسيح: الانطوبية وذكر من أسمائها في السريانية: طرقسيما أو طركسيما وطرسيما المنقولة عن اليونانية على ما يظن ومن أسماء الهندباء البرية الواردة في كتب العرب السريس قال صاحب منهاج الدكان في ص 132 من النسخة المطبوعة بالمطبعة الشرفية بمصر سنة 1305: طرشقوق وطرخشقوق هو الهندباء البري ويقال له (سريس بري.) قلنا: وسريس هو باليونانية
هذا الذي وقفنا عليه في كتب أهل الفن واغلبها لا توجد في المعاجم العربية الأعجمية أو الأعجمية العربية بل ولا في ما يسمونها المعاجم العلمية أو الاصطلاحية أو النباتية التي تورد الأسماء بالعربية والأعجمية أو بالأعجمية والعربية. وهذا المثال كافٍ ليطلعك على أن دواوينا في نهاية النقص وعلى أننا في حاجة ماسة إلى معاجم كاملة وافية بالمقصود تكفينا مؤونة البحث في الكتب العديدة(3/206)
التي لا يشير الحصول عليها لكل أحد بخلاف ما لو كانت كلها محصورة في تصنيف واحد وعسى أن يقوم أحد محبي اللغة العربية ممن يغار على شرفها فيضع لنا كتاباً بهذا المعنى أو يأمر بتأليفه فيخلد لنفسه الذكر الحسن وللغة العربية الخدمة الصادقة.
2 - شبارق ميفارق
وسئلنا: ما معنى هذا المثل الشامي: شبارق ميفارق الذي يضرب للمقيم في المكان فلا يفارقه.
قلنا: الذي في كتب اللغة: الشبارق وزان عنادل و. . .: القطع. . . وشجر عال له ورق أحرش مثل ورق التوت وعود صلب جداً يكل الحديد ويقلد الخيل وغيره كالبقر والغنم وكل ما خيف عليه بعوده عوذة للعين قال أبو حنيفة: وربما أهدى للرجل القطعة منه فأثاب عليه البكر. وإذا قدر عليه اتخذت منه الارعوة وهي نير البقر لصلابته. . . وهو معرب، عن التاج. قلنا: وهذا كله لا ينطبق على ما يراد من المثل إلا بتكلف ظاهر. - والأصح عندنا أن يقال إن الشبارق كلمة فارسية بمعنى الخفاش تعريب شب بارة التي يقال فيها أيضاً شب بره وشب يرك وشب برست وشب بور وشب بوزه. وأنت تعلم إن الخفاش إذا لز بمكان لا يبرحه لضعف بصره وعجزه عن وجود موطن ثان يناسبه إذا طلبه في النهار. ومعنى ميفارق (ما يفارق). فيكون المآل: فلان كالخفاش إذا حل موطناً لبد به ولم يفارقه.
باب المشارفة والانتقاد
1 - الحصون المنيعة، في رد ما أورده صاحب المنار في
حق الشيعة. تصنيف محسن الأمين. طبع بمطبعة الإصلاح
بالشام سنة 1327 هجرية في 120 صفحة بقطع 16
2 - الحصون المنيعة والمنار لمنشئ العرفان أحمد عارف
الزين.
طبع في مطبعة العرفان في صيدا للمذكور ولصاحب العرفان ولأبن شرف الدين الموسوي في 45 صفحة بالقطع المذكور.
هذان الكتابان صغيران في موضوع واحد وهو الرد على صاحب المنار في مقاله عن الشيعة. وفي الكتاب الأول من الفوائد والبراهين والأدلة المتينة ما يدل على سمو فكر الكاتب وإطلاعه أتم الإطلاع على حقائق التاريخ والحديث والأصول والفقه بحيث بحكم القارئ إن المؤلف لا يرمي إلا إلى الحقيقة وإنه قابض على أزمتها(3/207)
بنفس مطمئنة. والتصنيف الثاني صنو الأول في معانيه وترصيف مبانيه وسعة إطلاع أصحاب الرد حتى أن الواقف على ما كتب صاحب المنار وما حرره هؤلاء الأدباء بحكم أن الحق في تلك المباحث مع الشيعة أصحاب الحصون المنيعة وكفى.
3 - كشف الأستار، عما لحقوق الدول من الأسرار
الجزء الأول بقلم صبحي أباظة. حقوق الطبع محفوظة له. طبع بمطبعة العرفان في صيدا سنة 1331 هجرية بقطع الثمن في 125.
هذا عنوان كبير، لسفر صغير، صغير في مبادئه، صغير في تعبير أفكاره، صغير في فناء البحث الذي فتح له أبواباً كبيرة. صمم الكاتب أن يبحث في حقوق الدول. ونعم القصد! لكن ما كاد يبدأ بموضوعٍ إلا وزاغ عن سواء السبيل فخاض عباب مباحث لا مناسبة لها ولما تحداه. وهو إذا ركب متن موضوع ذهب فيه مذاهب غريبة قال مثلا في أول صفحة من الفاتحة: (قمت من ساعتي مشمراً عن ساعد الجد لإظهار ما كان كامناً من التمويهات والترهات والأضاليل في مكنونات تلك الحقوق الغامضة. . . التي اتخذتها الدول سلاحاً معنوياً تموه به على أعين الواهمين من أقوام المشرق الأقصى والأدنى. . .) قلنا: من يقف على هذه الكلمات يظن أن أقوام المشرق الأقصى والأدنى كانوا إلى هذا اليوم في غفلة عن معرفة ما لهم من الحقوق. أما الآن وقد أخذ حضرة صبحي أفندي اباضة بكشف تلك الأستار فلا خوف علينا من تغلب أولئك الأقوام الفاتحين. والحال إننا نعلم حق العلم إن في الشرق أقواماً عرفوا منذ عصر غايات الفاتحين لكنهم لضعفهم بقوا لا طاقة لهم على كبح جماح من ناوأهم. ولو فرضنا أن مشارقتنا كانوا جهلة لحقوقهم إلى اليوم فوقوفهم الآن عليها بواسطة هذا الكتاب لا يقويهم على أعدائهم، فيكون مثلنا مثل طبيب حاذق شخص الداء ووصف الدواء لعليله لكن لم يجد ذاك الدواء الشافي في الموطن الذي هو فيه فلم يفده علمه شيئا. ولهذا كان الأجدر بالمؤلف أن يسير سير كتاب الأجانب في مثل هذه المؤلفات الإفرنجية ولا يخرج عن الغاية التي أرصدها له وأن لا يتعرض لما لا يمس موضوعه.
ومن غريب مدعياته أنه يقول في ص 3: وهمت لمجرد هذه الغاية باقتطاف أطيب الأبحاث من نخب مؤلفات العالم العثماني الكبير شاهباز وغيره من علماء الحقوق كمنتسكيو وبرافيه فودبري وفولتر وهوقو غرشيوس وسيلدم وهولس وموللوا(3/208)
وهنسيوس وويكفور الذي طنت ورنت شهرتهم في أفاق أوربا والعلم الجديد.) هذا الكلام يدفعك إلى أن تقول إن المؤلف يحسن اللغات الفرنسوية والألمانية والإنكليزية واللاتينية وغيرها. أم الحق فهو إنه على ما يظهر من كلامه لا يعرف منها إلا الفرنسوية ومعرفته لها معرفة نتفه لاغبر (النتفة من ينتف من العلم شيئاً ولا يستقصيه). وسبب ذهابنا إلى هذا القول هو إنه إذا نقل شيئاً عن الإفرنج مسخه أقبح مسخ وإذا عرب الكلمة الواحدة حولها إلى غير وجهها في اغلب الأحايين. فمن الأول قوله ص 33: إنه ثابت لا يحتاج لبيان سيما إذا استقصى المستقصي التاريخي أثر التتبعات التاريخية ظهرت له أنواع المظالم المنطوية وراء سحب القرون الغابرة والطارئة على المسلمين الأندلسيين والأرثوذكسيين والبروتستانت والإسرائيليين المهرقة دماؤهم بالملايين (كذا) على مذابح (الإنكليز اسيون) أي ديوان التفتيش في إسبانيا (كذا وهو يريد الإنكليزسيون الذي حول مياه البحر الأبيض إلى بركة دماء كما غاصت كنيسة سان بارتهلمي (كذا. وقد صورنا الحروف بصورتها الأصلية) في باريس (كذا) بأنهار انهمرت من دماء البروتستانت (الهوقنو) في ليلة حالكة الظلام لم يسبق لها ذكر في ظلمات الأساطير) - قلنا: هذه أقوال من يريد أن يعلمنا أسس حقوق الدول ويكشف عن أسرارها الأستار ويرشدنا إلى سواء سبيل التاريخ ولا جرم أن أصغر طلبة المدارس يقول: إن في هذه الكلمات أغلاطاً تتجاوز الحد المعقول في مثل عددها. وهو فوق ذلك يقول في الحاشية: (ومن شاء الاستزادة من حيث هذه الفظائع فليراجع كتب التاريخ نذكر منها معجم لاروس الفرنساوي الجزء الأول صفحة 902) قلنا: إنه من الجهة الواحدة يقول: فليراجع كتب التاريخ ومن الجهة الثانية يقول: نذكر منها معجم لاروس (فهل يتصوران المعاجم تنزل منزلة كتب التواريخ ومتى كان ذلك؟ كيف لا ومعجم لاروس الذي يشير إليه من أكثر الكتب غلطا في ما يتعلق بالمسائل التاريخية.
وأما أغلاطه في التعريب الحرفي فقد ذكر في تلك الصفحة هذه الكلمات ونقلها هكذا: الممالك المسيحية وما يتتبعها والممالك الغير المسيحية والحال: إن المراد بلفظة البلاد ومعنى خارج عن) فيكون معناها: بلاد(3/209)
النصرانية وبلاد غير النصرانية أو والبلاد التي هي في خارج النصرانية وهي بازاء قول كتاب العرب: دار الإسلام ودار الحرب. - وأما عبارة الكتاب فهي أقرب إلى التركية منها إلى العربية. فعسى إن المؤلف يتنكب في الأجزاء الآتية قوس الحقيقة ولا ينزع إلا بسهمها.
4 - كتاب الشيعة وفنون الإسلام
لمؤلفه السيد حسن الصدر من أكابر علماء العراق. طبع على نفقة شرف الدين ورضا وظاهر وزين. حقوق الطبع محفوظة لهم. مطبعة العرفان صيدا سنة 331هـ في 150 صفحة بقطع الثمن.
منذ أن أعتزل الصحافة رصيفنا أحمد عارف أفندي الزين أخذ يعني بنشر الكتب النافعة لا سيما كتب التاريخ والأدب والشعر ويحق لهذا الفاضل الأديب أن يبرز تلك اللآلئ من أصدافها لأن مطبعته من أجمل مطابع الشام بديعة الحرف حسنة الكاغد نظيفة الطبع. ومن جملة الكتب التي أصدرتها مطبعته العامرة هو هذا الكتاب الموسوم بكتاب الشيعة وفنون الإسلام. وهو من المؤلفات التي يحرص عليها الأدباء وتزين بها خزائن الكتب. وكنا نود أن نرى تأليفنا في هذا العصر بهيئة غير الهيئة التي كانت تظهر بها قبل خمسين سنة أي أن تكون خالية من الإطراء. الفاحش بحق مؤلفيها ذاك الإطراء الذي يخرج الممدوح عن طوق البشرية فقد قال مترجم المؤلف قبل الفاتحة في ص 3:) ثم أكب على العلم مجتهداً في التحصيل والاشتغال حتى كان من أمره اليوم أنه أمسى فاقد الند وعديم المثال.) فلا جرم أن كاتب هذه الحروف لا يصدق ما يكتب كما لا يصدقها الممدوح نفسه. وكيف يجوز لنا أن نجرع مثل هذه الكأس ونحن نعلم أن في ديار مصر وسورية من ألفوا أكثر من تأليف السيد الكبير حسن الصدر ولم يقل عنهم مثل ذلك القول. وفي ديار الإفرنج من المستشرقين من يعرف لغات عديدة ولهم تآليف جمة وسعة إطلاع واسعة ومع هذا كله لم يذكروا بما ذكر به حضرة صديقنا السيد حسن الصدر الذي ألف خمسين مصنفاً في عدة فروع من العلوم التي كلها ترجع إلى أمور الدين لا غير.
ومما لاحظناه أن المؤلف لم يذكر دائماً سني المواليد والوفيات وفي مثل هذه الكتب العناية بهذه السنين من أشد ما يحتاج إلى معرفتها.
ولاحظنا أن المؤلف أعتبر الشيعة حينما كانوا فرقة سياسية كما لو كانوا(3/210)
فرقة دينية. ونحن لا نرى ذلك من باب الإنصاف. اللهم إلا أن يقال أن المقصود من نسبة المؤلفين إلى الشيعة نسبة اسمية لا غير فهذا أمر آخر لكن يجدر بالمؤلف أن يشير إليه في صدر سفره.
ومما رأيناه فيه أنه كان يحسن أن يذكر في مقدم بحثه عن العلوم عند الشيعة ملاحظة عمومية عن حالة العلم عندهم وتقدمه عصراً فعصراً حتى ينتهي إلى حالته إلى حيث وقف به ثم يشرع بذكر أصناف المعارف ومن أشتهر بها.
وقد أهمل أيضاً من نبغ من الشيعة بعد القرن الثامن. اللهم إلا أن تكون نيته أن يفرد لهم جزءاً آخر لكنه نسي أن ينبه عليه.
ومما نأسف له أن الناشرين للكتاب تركوا طبع فهرس العام الهجائي الحاوي لأسماء الكتب وأسماء المؤلفين فلو كانوا نشروه لاقتناه كثير من الناس ليستشيروه عند الحاجة. وأما الآن فلا يمكن ذلك فعسى أن يطبع في هذه الأيام ولا ينتظر نفوذ طبعته الأولى. فإنه وإن أستغرق وضعه أكثر من ست ملازم أي أكثر من ثلث الكتاب، إلا أنه يروج إنفاقه ترويجاً عجيباً. على أن ملاحظتنا هذه كلها لا تنزع من هذا الكتاب مزيته الكبيرة وهي الوقوف على بعد غور الشيعيين في العلوم على اختلاف أنواعها مما يرفع لهم مناراً نيراً في عالم الإسلام ويخلد ذكرهم في عالم الإعلام.
5 - العراقيات
الجزء الأول وهو مختار من شعر عشرة مشاهير شعراء العراق. طبع بنفقة جامعيه رضا وظاهر وزين. جميع حقوق الطبع محفوظة لهم. مطبعة العرفان صيدا. سنة 1331هـ. في 209 صفحة بقطع الثمن.
لقد أحسن الأفاضل رضا وظاهر وزين في نشر هذا الكتاب الدال على تقدم العراقيين في نظم الشعر وعلى إنهم ليسوا دون غيرهم في التضلع من العربية وإتقان تعبير فكرهم نظماً ونثراً. والذين أخذ من شعرهم في هذا الجزء هم الشعراء النوابغ: السيد محمد حبوبي والسيد إبراهيم الطباطبائي، والسيد حيدر الحلي، والشيخ جواد شبيب، والشيخ ملا كاظم الازري، والشيخ عباس ابن ملا علي والسيد جعفر والشيخ عبد الباقي الفاروقي، والشيخ عبد المحسن الكاظمي، والأخرس البغدادي.
وقد قدم الناشرون على قصائد هؤلاء الشعراء مقدمة حسنة (في ماهية الشعر وفي منزلة الشعر عند العرب، وفي أدوار الشعر) ومع كل هذه الفوائد(3/211)
ليسمح لنا الأدباء أن نبدي بعض ما عن لنا في مطاوي تصفحنا هذا الكتاب البديع الطبع. الحسن التبويب ونرجوهم أن يحملوه محمل كلام صادر من صديق لا من غريب:
1 - إن القصائد التي اختاروها من نوابغنا الشعراء لا تكاد تخرج عن هذه الأبواب وهي: المدح والرثاء والغزل والتشبيب ولا تزد على هذا القدر إلا شيئاً نزراً خارجاً عنها. وأنت تعلم أن المحاسن إذا أعيدت أنشأت في الصدر سأماً لا يطاق. فكان يحسن بمتولي طبع هذا الجزء أن ينوعوا الأبواب وأن لا يجعلوها كلها على وتيرة واحدة. ولا سيما معاني تلك القصائد (وإن كانت لنوابغ) ترجع كلها أو جلها إلى مودىً واحد أو يكاد لأنها جميعها مفرغة في قالب قديم ليس فيه من المحاسن العصرية شيء يذكر كأنه قضي على عراقنا وأهاليه أن لا يخرجوا من حالتهم الأولى القديمة المفرغة بقالب الجمود والهمود الأبدي.
2 - في تلك القصائد أبيات كثيرة تمنع أبناء الأدب والفضيلة أن يتناولوا الكتاب بأيديهم لأن ما فيه من العشقيات المفرطة والمخالفة لروح العصر تؤدي بهم إلى ما لا تحمد عقباه.
3 - إن المعتنين بنشر هذه المختارات لم يشبعوا الكلام عن تعريف نوابغنا. نعم قد علقوا على بعض الحواشي شيئاً زهيداً لكن دون ما يستحقونه فمثل هؤلاء الإجلاء جديرون بترجمة مفصلة ليقدروا حق قدرهم ولو أهملوا بعض هذا الأمر لمن هم في قيد الحياة لفهمنا لكن ما العذر لمن هم اليوم في دار البقاء.
4 - الكتاب غرة من الغرر بل درة الدرر وكان يحسن بأن يخلص من شوائب الطبع أو من شوائب اللغة الضعيفة من ذلك مثلا ما جاء في ص 5 في قوله: (فأنظر تر نهجاً. . . ترى القوم). . . والأصح تر القوم. وقوله في ص 6: وتقلبت على هذه عصور تقارب الثمانية قرون. والأصح أن يقال الثمانية القرون أو ثمانية القرون. وأما الثمانية قرون أي بتعريب المضاف فقط فقد حكى جوازه ابن عصفور إلا أنه أشار إلى أنه قبيح لإضافة المعرفة إلى النكرة. كما نص عليه في شرح الطرة عن الغرة ص 98 وكقوله ص 8: ولم تتحلى بها أسماع أبناء الشام. والأصح تتحل وفيها: اللئالئ والأصح اللآلئ. وفيها: وقد تشظى عنه الصدف ولو قال: وقد تفلق عنها الصدف لكان أوفى بالمقام وقال في ص 9 والحياة(3/212)
الهنية والأفصح الهنيئة وإن كان يجوز الأول. وفي ص 11 مؤنة والأصح مؤونة إلى غيرها.
5 - في بعض سطور هذا الديوان آراء لا نوافقه عليها. فقد جاء في ص 4 (يوم كانت العربية المضرية لا تزال غضة بضة لم تدنسها العجمة ولم يشنها اللحن) فنحن هنا نوافق قول من يقول: إن العجمة دخلت العربية منذ عهد عهيد وكذلك اللحن على ما نعهده اليوم وبالمعنى المشهور. وقد أعاد هذا الفكر في ص 6 قال: بقي الشعر عزيز الجانب موفور الحظ عند العرب حتى دخلت العجمة ألسنتهم فأبعدتها عن اللغة الفصحى، واتخذت لها من شعرها شكلاً جديداً دعوه زجلاً. وهو شعر للعامة. . .) قلنا: إن الزجل قديم الوجود في العربية وإنما لم يدونوه في صدر الإسلام لأنه كان خرجا عن مألوف سائر الأوزان المضبوطة المقبولة ولا سيما لأنه ما كان يراعي في وزنه قواعد الإعراب. لكن لما كثر استعماله بين العوام وشاع أكثر مما كان عليه في السابق أخذ يعمل عليه كثيرون. هذا ما بدا لنا في مثاني المطالعة ولعلنا لا نرضي الجميع في ما نقول والله الهادي.
6 - تاريخ صيدا
يحوي تاريخها وسائر شؤونها منذ عمرانها إلى وقتنا الحاضر. لمؤلفه أحمد عارف الزين صاحب العرفان. - جميع حقوق الطبع محفوظة له مطبعة العرفان صيدا سنة 1331 في 176 صفحة بقطع الثمن.
الشيخ أحمد عارف أفندي الزين من نوابغ صيدا ومن العلماء العاملين الذين لا يعرفون الملل ولا الراحة فإننا لا نزال نراه يدأب في العمل واصلاً الليل بالنهار ناشراً من الآثار، ما يخلد له الذكر الحسن على توالي الإعصار. ومن جملة ما أتحفنا إياه كتابه في تاريخ صيدا. فإنه جمع كل ما وصلت إليه يداه في هذا المعنى ناقلاً شيئاً جماً من أسفار متعددة ومجلات كثيرة فجاء كتابه هذا من التواريخ المشبعة الوافية في صيدا. والكاتب من الرجال الراسخي القدم في العلم وهو لا يخاف نقد ناقد بخلاف كثيرين من بلادنا هذه فإنهم يقولون شيئاً ويودون شيئاً آخر وقد لحظنا ذلك مما نقدناه من الكتب والمقالات فإن بعض الأنذال الضعفاء العقول السخفاء الأحلام أقاموا القيامة علينا وهددونا بتعطيل مجلتنا إن واظبنا على طريقة انتقادنا وكما أننا أفهمناهم إننا لا نحيد عن خطتنا فآلوا هم أيضاً أن لا يحيدوا عن قصدهم السيئ فليهنئوا عيشاً.(3/213)
مهدنا هذه التوطئة لما رأيناه من ثبات رصيفنا الفاضل وحسن نيته في هذا المعنى مما يجعلنا أن نتفاءل فيه كل خير ومستقبلاً ميموناً.
تاريخ صيدا من الكتب التي تقتني لما بذل صاحبه من العناية بإفراغه في قالب بديع وخطة حسنة لكننا رأينا فيه بعض أشياء نود أن لا تكون في طبعته الثانية من ذلك:
1 - تكرير المعنى والمبنى على غير طائل ومثل هذا كثير في الصفحات الأولى من الكتاب. وفي بعض المواطن يقول شيئاً ثم بعد قليل ينفيه أو يعكسه فقد قال مثلا في ص 19: (وقد اختلف المتقدمون والمتأخرون في أصل الفينيقيين وزمان دخولهم فينيقية. والأرجح إنهم قبائل كثيرة حامية وسامية وقد هاجروا إليها في أزمنة مختلفة) اه. وما انتهى من هذه الكلمات حتى قال: إنه لا يعلم بالتحقيق أصل هذا الشعب غير أنه من نحو أربعة آلاف سنة أخذت سواحل بحر الروم تعمر بسكان جاءوا إليها من بلاد الشرق ولكن من أين جاءوا وكم كان عددهم ومن هم السكان الذين كانوا قبلهم؟ لا نعرف من ذلك شيئاً.) ثم قال في ص 20: وأصل الفينيقيين سامي وقد أتوا من الخليج العجمي وأسوا مملكتهم على شواطئ البحر المتوسط في كعب لبنان وذلك من القرن الرابع والعشرين قبل المسيح) اه.
ففي هذه الأسطر من تشاجر الأقوال وتضاربها ما لا يجمل أن تفرغ بهذه العبارة في مثل هذا الكتاب بل يجمع بينها ويستخلص منها الأقرب إلى الرأي الأعم بين العلماء وهو الرأي الأخير ويهمل ما كان يذهب إليه العلماء قبل نحو 50 سنة وهو الذي نقله عن قطف الزهور لأن المؤلف هذا الكتاب لم يكن من المدققين.
ومثل هذا التكرير في القول في ص 21 و22 ففي ص 21 ذكر إن دين الفينيقيين كان عبادة الأوثان وكان اسم آلهتهم العظيمة (بعل) وآلهتهم المشهورة (عشتروت) ثم رجع فقال في ص 22: ودينهم وثني وكان إلههم العظيمة (بعل) وإلهتهم المشهورة عشتروت. فهذا كلام نافل لا معنى لوجوده بعد أن ذكر ما ذكر وقال في صدر ص 22 إن الفينيقيين كانوا يذبحون أولادهم ضحايا للربة مولوش (كذا والأصح للرب مولك أو مولوك) ثم قال في آخرها: (وقد بلغوا في عبادته (أي مولك) منتهى الوحشية فذبحوا له بنيهم وبناتهم) فلا جرم إن في هذا التكرار(3/214)
ما يثير في صدر القارئ السأم والملل. هذا فضلاً عن إن في العبارة الأخيرة كلاماً يخالف ما يراد منه. فكان يحسن أن يقول مثلاً: وقد بلغوا في عبادته منتهى الوحشية فذبحوا له من بنيهم وبناتهم ذبائح) وإلا فلو كانوا يذبحون له بنيهم وبناتهم فمن أين كانوا يتوالدون.
وقال في ص 23: أشهر صنائع الفينيقيين البرنز (كذا ولو قال الشبه أو الفلز لأصفح) والأرجوان والزجاج وعمل الحلي والتماثيل والتمائم. . .) ثم يقول بعد قليل: (ولم يكن للفينيقيين فن مختص بهم لكنهم كانوا يتاجرون في المصوغات المصرية والآشورية واليونانية) فهذا الكلام ينفي ما تقدمه. ومثل هذه الإعادات غير ما ذكرناه فاجتزأنا بما أوردنا.
2 - كان يحسن بالمؤلف عند نقله الألفاظ السامية الأصل عن كتب الإفرنج أن يعيدها إلى نصابها السامي وأن لا يتابع الأعاجم في عجمتهم. وأول كل هذه الألفاظ كلمة فينيقية وما ينسب إليها فالأصح فيها فنيقية بدون ياء بعد الفاء. وكقوله في ص 13: الآشوريين والآمدين والأصح والماذيين نسبة إلى ماذية بذال معجمة ومنها الماذية في العربية وهي المنسوبة إلى بلاد ماذية. وأما الآمدية فلم ترد في كتب قوم من الأقوام من أعراب وأغراب بهذا المعنى. وكقوله في ص 21: ولجبيل بعل تموز وباليت. والأصح: وبعليت أو بليت بحذف العين على لغة قديمة مشهور. وقال في ص 20: أشهر مستعمراتها قرطاجنة وكاديكس. والمشهور وقادس. وفي ص 22 ويرسم بعل مولوش في قرطاجنة تمثالاً عظيماً والأصح الأفصح ومولك أو مولوك بكاف لا بشين في الآخر. ومثل هذه الأغلاط غير ما ذكرناه.
3 - قد وقع فيه أغلاط طبع كثيرة لم تصحح في آخره مثل قوله في ص 11 والأحول أي الأحوال. وفي ص 13: اللذان قلبا العالم. والأصح أن يقال في ذلك الموطن: اللذين (بالجر). وفي ص 14 في زمن الفينيقين النشيطين. والأصح الفينيقيين النشطاء وفي ص 15 الذي يدعوه اليونانيون سوريين يدعونه البرابر آشوريين) والأصح يدعوه البرابرة آشوريين وفي تلك الصفحة مساحتها 15900 كيلو متراً مربعاً والأصح كيلو متر مربع. وفي تلك الصفحة: عدد سكانها مليون وستماية وستين ألفاً. والأصح مليون وستمائة (بالهمزة لا بالياء كما وردت كثيراً) وستون(3/215)
(بالرفع) ألفاً. وفي ص 14 إلى سنة الستين والأصح إلى السنة الستين. ومثلها في السطر التالي وقوله في ص 16: بأنهم أوزاع شتى الدول التي تعاقبت عليها. والأصح أوزاع شتى من الدول. . . أو: اوزاع شتى اوزاع الدول التي تعاقبت عليها. وكقوله ص 18: فقد كانت قبل افتتاح يشوع بن نون فلسطين تمتد. ولو قال: فقد كانت تمتد فلسطين قبل أن يفتتحها يشوع بن نون لكان أقرب إلى الفصيح. وفي تلك الصفحة: المملكة الفينيقية التي اشتهرت بهذا المقدار قديماً قد انحصرت. . . . وهذا من التعبير الأعجمي والأفصح: المملكة الفينيقية التي اشتهرت تلك الشهرة قديماً قد انحصرت. أو التي اشتهرت أي شهرة أو نحو ذلك. وفي ص 24 واخترعوا ألف باء فلعبوا دوراً مهماً في تاريخ الشرق. وهذا أيضاً من التعبير الدخيل والعرب تقول في مثل هذا المقام: واخترعوا حروف الهجاء فكان لهم مقام رفيع في تاريخ الشرق. ولو أردنا أن نستقصي مثل هذا الكلام لخرجنا عن طي هذه المجلة.
4 - قد وقع أغلاط فاضحة في طبع الألفاظ الإفرنجية فكان يجب أن يدقق في تصحيحها لأنها كثيرة.
5 - في الكتاب بعض الآراء لا نوافقه عليها وقد نقلها عن كتاب المشارقة والمغاربة لا محل لذكرها هنا. وهذا كله لا ينقص من شان الكتاب شيئاً ولا سيما لأنه أحسن تنسيق الأخبار العصرية عن صيدا. فجل من لا عيب فيه وعلا.
7 - تاريخ الصحافة العربية
يحتوي على أخبار كل جريدة ومجلة عربية ظهرت في العالم شرقاً وغرباً مع رسوم أصحابها والمحررين فيها وتراجم مشاهيرهم - بقلم الفيكونت فيليب دي طرازي - جميع الحقوق محفوظة - بيروت المطبعة الأدبية سنة 1913 - الجزء الأول والثاني.
المؤلفات كالأجرام النيرة، فمنها ما تظهر فجأة وتزول وشيكاً، ومنه ما نقتبس أنوارها من غيرها ويظن الرائي أنها لها. ومنها ما تنير مدة ثم تنطفئ ومنها ما تنير بنفسها سنين مديدة وتبقى نيرة ما شاء الله. وهكذا الأمر في المؤلفات. فإن منها ما لا تكاد تخرج من المطبعة إلا وتزول فتكون كالهباء المنثور، ومنها ما يكون لها شهرة مؤقتة فإذا ذهب أو إنها أصبحت في خبر كان، ومنها ما يكون مؤلفها قد أقتبسها من سائر الكتب وانتحلها لنفسه فتحيا بعض الحياة لا غير ومنها ما تكون حياتها من ذاتها فتبقى خالدة ما كر الجديدان ويؤخذ منها ما يكون مادة(3/216)
لحياة كثير من جنسها فتكون أماً لها. ومن هذا الصنف الأخير كتاب (تاريخ الصحافة العربية) فإن صاحبه أفرغ كل ما في وسعه ليكون سفره جامعاً لأبحاث هذا التاريخ وما تشتت منه في مئاتٍ من المصاحف والصحف فجاء آية في التحقيق والتدوين. ومن حسناته العجيبة أن مؤلفه أثابه الله رصعه بأقوال الصحافيين ترصيعاً عجيباً مما يدل على إطلاع واسع على الجرائد والمجلات واستقصائها استقصاء بعيد الغور. فلا جرم أن هذا المصنف يكون مورداً ضرورياً لكل من يريد أن يكتب بعده في هذا الموضوع ويبقى كالشمس النيرة بنفسها تقتبس منها سائر الأقمار أنوارها وأما هي فلا ينقصها شيء. ولو لم يكن لحضرة هذا الكاتب الضليع إلا هذا الأثر الجليل المنيف لكفاه خلوداً في عالم الكتابة والتأليف.
أما الجزء الأول فيحوي أبحاثاً رائقة لا غنى للأديب الصحافي عنها. إذ فيه ذكر تراجم مشاهير الصحافيين في الحقبة الأولى وعددهم 22 كاتباً فيهم سبعة من المسلمين وأربعة عشر من النصارى وأحمد فارس الشدياق النصراني الأصل والنشأة الذي أسلم حينما كان عمره 44 سنة أي في منتصف حياته.
ويحوي الجزء الثاني أخبار صحافة البلاد العثمانية وتراجم مشاهيرها وذكر من أعلامها في بيروت 25 كاتباً ثلاثة منهم مسلمون والبقية نصارى ثم تطرق إلى ذكر أخبار الصحافة خارجاً عن بيروت. وذكر من مشاهيرها 9 محررين منهم ثلاثة مسلمون والبقية نصارى ثم ختم الجزء بأخبار الصحف العربية في أوربا وعدد من نوابغهم ثمانية نصفهم نصارى ونصفهم مسلمون وأتم الكل بذكر جميع الصحف والمجلات التي ظهرت في الحقبتين الأولى والثانية في ديار آل عثمان وديار الإفرنج. - فأنت ترى من هذا النظر المجمل إن الكتاب من أنفس ما ألف في هذا الموضوع وهو حسن الطبع والكاغد فيه صور كثيرين من نوابغ الصحافة وحري بأن يقتنيه كل أديب ليطالع فيه أو يجعله من محسنات مكتبته. والكتاب متقن التأليف والتنسيق والتبويب صحيح التركيب صادق اللهجة لا يتحزب لأحد ولا يقوم على كاتب أو يهجم عليه مهما كان فكره أو مذهبه شأن المؤرخ المتجرد من كل غرض وقد ذكر المؤلف في أول صفحة من مقدمة سفره هذا القول: البلاد التي لا صحافة فيها لا صحة فيها. وهو من كلام هذا العاجز في المسرة. وذكر في 2: 161 ما حرفه: وما طال غياب البستاني كثيراً(3/217)
عن بغداد بل عاد إليها وتزوج كلدانية غنية هي ابنة المثري انطون البغدادي. قلنا: الذي نعلمه عن انطون البغدادي أن لا ولد له ذكر ولا أنثى: أما مريم امرأة سليمان البستاني فهي ابنة اسحق سربوس الأرمني الكاثوليكي. فهي إذا أرمنية وإنما الكلدانية هي أمها وكانت أخت انطون بك ابن يوسف الشماس عبد المسيح وليست ابنته. فليحفظ.
ومن حسنات هذا التاريخ إنه مذيل بفهارس هجائية تتضمن أسماء الكتاب والصحافيين وصحفهم ومجلاتهم لكن المؤلف لم يجر على خطة واحدة في ذكر تلك الأسماء ففي جزء يوردهم بموجب اسمهم الشخصي وفي جزء آخر بموجب جمامهم أي اسم عشيرتهم أو أسرتهم أو شهرتهم. وفي بعض الأحيان باسم لا مناسبة بينه وبين ما يجب أن يطلب في الفهرس. فقد ذكر مثلا قاسم الكستي وقدور باحوم وقيصر المعلوف وقيصر كرم في الجزء الأول في حرف القاف. وذكر الشيخ قاسم الكستي وقيصر المعلوف في الجزء الثاني في حرف الاسم الذي أشتهر به أي أنه ذكر الأول في حرف الكاف والثاني في حرف الميم. ومثل هذا الخلل كثير. وذكر اسمنا في الجزء الأول في حرف الهمزة. وفي الجزء الثاني في حرف الكاف أي الكرملي. وكان الأولى أن يذكر في الجزأين في حرف الهمزة.
ومن حسناته أيضاً أنه أصلح أموراً كثيرة تاريخية كان أدخلها التاريخ بعض الصحافيين على غير عمد؛ من ذلك: ما جاء في الفصل الثالث من الجزء الأول الذي ذكر فيه مؤرخي الصحافة العربية فدل بحثه على غور بعيد في تتبع الحقائق والوقوف على أدق الدقائق ولذلك يستحق كل مديح وثناء.
وقد وقع في الكتاب بعض أغلاط طبع كقوله في ص 9 من الجزء الأول (بعد البحث) والأصح البحث. وفيها: ويبتروا لسان المتطفلين والأصح (السنة) وإن كان لكلامه وجه صحيح. وفيه: لأن الواجبات الأولية في الصحافي أو السياسي هو أن يكونا حاصلين، والأصح: هي. وفي ص 21 و25: أدار (بالدال المهملة) والأصح آذار (بالذال المعجمة) كما نبه عليه صاحب التاج وفي ص 29 (ألفتنا نظرة إلى هذا السهو) والأصح لفتنا نظره من الفعل لا من الأفعال. والأفصح وجهنا نظره. وفيه: فيما ذكره عن الدورين والأصح في ما ذكره بفصل الكلمتين. وفيها: وهي ثالثة الجرائد في قدمة العهد والأصح في قدم أو قدامة العهد وفي 2: 14 رسوم جميع مدراء البشير(3/218)
والأصح مديري البشير على أن هذه الهنات لا تستحق الذكر بجانب هذا السفر الجليل الحسنات التي تجعله بين الكتب الممتعة الخالدة وأباً لكل ما يصنف بعده في هذا المعنى وكفاه ذلك ثناءٍ وتقريظاً.
8 - المنهل
مجلة أدبية تاريخية اجتماعية مصورة عند الاقتضاء. تصدر مرة في الشهر بالقدس الشريف لمنشئها محمد موسى المغربي - الجزء الأول. رمضان سنة 1331 قيمة الاشتراك في البلاد العثمانية ريال مجيدي ونصف وفي البلاد الخارجية عشرة فرنكات.
في هذا العدد الأول من المباحث بعد الفاتحة: مناهل الأدب، مصارع العظماء (مصورة)، الجديد وفتاة العصر (قصيدة للشيخ علي أفندي الريماوي) عرس ابنة غليوم (مصورة) الحب (بلسان الحداد والقصار والخباز والطبيب) الحب الخالص، حكم للوزراء فتاة عربية (للأديب ع) متفرقات وهي 40 صفحة. والأمل أنها تكون منهلاً للأدباء، ومشرعا للفضلاء.
9 - النادي الكاثوليكي
ما هو - ضرورته وفوائده - تآليفه وخطته بقلم الأب بولس سيور المرسل البولسي -
مطبعة القديس بولس في حريصا 1913.
10 قوانين النادي الكاثوليكي
المؤسس في دمشق لشبيبة الروم الكاثوليك على اسم القديس يوحنا الدمشقي. طبع بالمطبعة المذكورة 1913.
في الجماعات من القوة ما لا ترى في العناصر المفردة التي تتركب منها وهذا يقال في الأمور المادية والأدبية. ونفعها ظاهر لكل ذي عينين. والكراسان المذكوران يدلان أحسن دلالة على إثبات هذه الحقيقة فهما جديران بالمطالعة لما فيهما من الفوائد التي يقف عليها القارئ في أثناء المطالعة. وثمن الواحد غرشان ونصف.
11 - فردريك أوزنام
نصير الدين ورسول المحبة (1813 - 1853) بقلم الخوري نقولا دهان رئيس المدرسة البطريركية بدمشق، طبع بالمطبعة المذكورة 1913.
كان هذا الرجل مجهول الترجمة في الشرق ولم تعرف حياته إلا في هذه السنة بعد أن مضى على ولادته قرن بتمامه. ومن التراجم الحسنة المكتوبة في هذا المعنى هي هذه التي ذكرنا منشئها فإن صاحبها قد اعتمد في كتابتها على أصدق الأسانيد وأوثق الأخبار وأحسن الأنباء وأفرغها في أجود قالب عربي.(3/219)
12 - البيان السنوي للكلية العثمانية الإسلامية
لعامها التاسع عشر سنة 1331هـ الموافق 1903غ
هذا البيان من أصدق الأدلة على تقدم هذه الكلية العثمانية الإسلامية وهو مزين بعدة تصاوير تمثل بعض أبنية هذه الكلية وطلبتها مع ذكر ما يتعلق بخطة المدرسة ودروسها وشروط قبول طلبتها إلى غير هذه من الفوائد الجزيلة. والمنافع الجليلة مما يشوق المسلمين إلى إدخال أبنائهم فيها.
13 - فوائد عن الجيش المصري (بالفرنسوية).
لمصطفى بك إبراهيم دي كورتن. طبع في باريس في مطبعة
فرزنية 1913
صديقنا مؤلف هذا الكتاب من أدرى الناس بشؤون الشرق لا سيما بشؤون ديار شمالي أفريقية. وكان يظن بعض الأدباء إن معرفته محصورة في بلاد تونس والجزائر لا غير. وهذا الكتاب الذي أمامنا يشهد على إن الكاتب واسع الإطلاع واقف على ديار مصر وجيشها وتاريخ أعماله. وقد أيد أقواله كلها بجداول مفيدة لا يستغني عنها كتاب مصر ولا سيما أرباب الصحافة الذين يهمهم الوقوف على حقائق الأنباء ودقائقها. وقد قسم كتابه قسمين: الأول في تاريخ الجيش المصري والثاني في الجيش المصري الحالي فنحث كل أديب يهمه الإشراف على أحوال مصر أن يطالع هذا التصنيف المفيد لأنه يجد فيه ضالته المنشودة.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - سقوط مسقط
مسقط هي الثغر العربي البحري حاضرة بلاد عمان على حرف بحرها في عرض 23 درجة و37 دقيقة من الشمال وفي طول 56 درجة و15 دقيقة من الشرق فيها نحو 35 ألف من السكان وميناؤها حسن وكان قد حصنها سابقاً البرتغاليون. وتجارتها مع بمبي وخليج فارس نافقه، والميناء الصغير الذي يجاورها واسمه (مطرح) يعد من مرافقها وكان قد فتحها البوكرك في سنة 1507 فأمتلكها البرتغاليون إلى سنة 1648 ثم خرجت من أيديهم وتقلبت عليها الأحوال حتى أصبحت هدفاً للنفوذ الإنكليزي إلى هذه الأيام الأخيرة فجاءتنا الأخبار إن الإنكليز احتلوها وغدت من أملاكم. ولا بد من أن نعرض على(3/220)
القراء مجمل الأنباء منذ أقرب عهد إلينا أي منذ عهد السيد سعيد بن سلطان لتقوم في الفكر صورة الحقيقة منذ نشأتها إلى هذا العهد. وقد استندنا في اغلب هذه الرواية على حضرة سليمان أفندي الدخيل صاحب الرياض فنقول:
كان لمسقط في عهد السيد سعيد بن سلطان شأن يذكر أصبحت فيه حاضرة إمارة كبيرة على سيف الخليج الفارسي تمتد على الثغور البحرية المجاورة لها حتى جزيرة البحرين التي لم تغلب عليها مع أنه حارب أهلها أشد المحاربة ومن الثغور التي كانت تضاف إلى الإمارة المذكورة لنجة وبندر عباس وما يجاورهما من البلاد الإيرانية الواقعة على خليج فارس. لا بل امتدت أجنحة إمارته إلى ساحل شرقي أفريقية مثل بلاد (لامو) و (منباسة) و (الانفزيجة) و (بندر السلام) و (هنزوان) (الجزيرة الخضراء) وزنجبار وغيرها.
وكان قد أقام حاضرتين وهما (مسقط) للبلاد الواقعة في بحري عمان وفارس (وزنجار) للأقطار الأفريقية. وعقد معاهدة مع والي البصرة ومثلها مع دولة الهند ليحافظ على استقلاله وأمور دياره حتى أن فرنسة أقرت له بلقب سلطان العرب أو إمبراطورهم وقد نالت رعيته من الرفاهية ورغد العيش ما لم تنله تلك الأقطار في سابق الأعصار، وكان له أسطول ذو حول وطول يمخر أبحر الهند وفارس وعمان. . .
بقيت تلك الدولة في نمو وزهو إلى أن توفى السعيد فانقسمت دولته بين أبنائه قسمين:
شطر عربي وشطر أفريقي، فكان الشطر الأفريقي نصيب السيد ماجد ومن بعده السيد برغش ووقع الشطر العربي حصة للسيد ثويني الذي قتله ابنه السيد سالم ليستولي على سلطنته، وما بدأ هذا الرجل بالقبض على زمام الأمر إلا واستعرت نيران الفتن واندلعت السنة اللهيب إلى تلك الديار ولم تخمد إلا بتغلب السيد تركي عليها وهو ابن السيد سعيد أخي السيد ثويني وبقيت الأمور تجري في مجراها إلى عهد السيد فيصل بن تركي السلطان العربي الحالي، فتقاسم الإنكليز والألمانيون تلك البلاد في معاهدات سنة 1890 وأفضت ثغور فارس والبحرين والكويت إلى حماية الإنكليز. وهكذا أخذت البلاد تخرج من أيدي أصحابها.
ولما اخترع الإفرنج البواخر وسيروها على متان البحار وشحنوها آلات جهنمية وبقي العرب على حالتهم الأولى من اتخاذ السفن الشراعية أو ذوات المقاذيف ضعفت قواهم في المحاربة وتأخروا عن سائر الأمم التي كانت تزداد قواها بازدياد عدد بواخرها وبوارجها ومدرعاتها فاضطر أمير مسقط أن يسايس الإفرنج والإنكليز خوفاً من أن تفلت بلاده من يديه قهراً وقسراً بدون أن يتمكن من معارضة المتغلبين الطامحة أبصارهم إلى دياره. فاضطر إلى منع النخاسة (بيع الرقيق) ثم إلى منع بيع الأسلحة ثم إلى غير هذه المطالب مما أوغر صدور العرب عليه ودفعهم إلى الخروج عليه.
وأول من نفث في صدور الناس روح العصيان هو الشيخ عبد الله السلمي من (الشرقية) فإنه(3/221)
دعاهم إلى أن يبايعوه وقد كان بلده (ضبية) ومسكنه في لبد (لقابل) الذي أميرها الشيخ عيسى بن صالح وأول من بايعه هو هذا الشيخ وكانت المبايعة سراً والغاية من هذا الخروج إقامة السيد فيصل (إماماً شرعياً) على الاباضية في مسقط يكون نافذ القول والأحكام لا سلطاناً ولهذا كتبا إليه كتاباً ليطلعاه على ما جال في فكرهما فأبى السيد فيصل قائلاً إنه (سلطان وإمام معاً) وإنه حر القول والفعل في مملكته يعمل ما يشاء ويقول ما يشاء.
فلما بلغ ذلك الخبر إلى الشيخين امتعضا وأنضم إليهما جمع شايعوهما في أفكارهما ثم طلبوا جميعهم إلى السيد فيصل أن يقطع دابر المومسات من مسقط وعمان وأن يمنع شرب المسكرات والدخان وتجول المبشرين في تلك البلاد إلى غير هذه المطالب فأبى كل الإباء قائلاً: إن الإنسان خلق حراً ولا يحق لي أن أقيده بقيود.
فلما رأوا أنه رفض كل ما طلبوه منه اجتمع الشيخ عبد الله السلمي والشيخ عيسى بن صالح والشيخ عبد الله بن سعيد وعقدوا مجلساً خفياً في (سمائم) من بني الريحة وقرروا أن يبعثوا الشيخ عبد الله بن حميد إلى جميع ديار عمان ليدعوا أهلها إلى النهوض مع الشيوخ المذكورين وإلى محاربة السيد فيصل لكونه أبى تلبية مطالبهم. فجرى الأمر على ما قرروه وكنوا الصلح في قبائل عمان المختلفة وربطوا بعضها ليكونوا يداً واحدة على السيد السلطان ثم سار الشيخ عبد الله بن حميد إلى (تنوف) بليدة قريبة من (نزوة) وواجه شيخها حمير الأمامي الذي أمر للحال فجمع علماء الاباضية وذاكرهم في الأمر فقر رأيهم على تعيين إمام ومبايعته فأقاموا عليهم الشيخ سالم بن راشد الخروسي ودخلوا (نزوة) سراً ودعوا سكانها إلى المبايعة فبايعوا الإمام وكان في مقدمتهم بنو يام والكنود.
فلما بلغ الخبر أمير نزوة وهو السيد سيف بن حمد من أبناء بني سعيد هجم عليهم بعسكره كبحاً لجماحهم. لكنهم أبلوا بلاء حسن وقتلوا من بني سعيد خاصة أكثر من 25 رجلاً وجرحوا الوالي ثم بعد ذلك أخذت نزوة أو قل سلمت نفسها بدون ممانعة ليضعف أهلها وقوة محاربيهم وللحال أخرجت العساكر من القلعة الحصينة وأحتلها أتباع الإمام.(3/222)
أما الوالي فإنه لما رأى الحال على تلك الصورة لجأ إلى أحد المساجد فطلبوا إليه أن يطاوع الإمام وإلا يعامل معاملة الأسير فاستمهلهم ساعة قبل الجواب فلما أمهلوه انتحر.
قبض الإمام على زمام الأمر في نزوة ولما قرت فيها قدمه أرسل يقول لسكان بيت سليط إما الطاعة وإما الحرب. فسالموه وأطاعوه. ثم سار وقد قسم جنده إلى طائفتين وجه الطائفة الأولى إلى (بركة الموز) والطائفة الأخرى إلى الرستاق وما كادت تصل تلك الجنود إلى تلك الديار إلا وانقاد سكانها للهاجمين بدون معارضة. ثم زحفوا على بلاد الحزم فبايع أهلة الإمام ثم زحفوا إلى ولاية الغوابي فلم يقاومهم فيها أحد. وفي تلك الأثناء كانت الطائفة الثانية من الجند قد زحفت من (بركة الموز) إلى (ولاية تركي) وقالوا لواليها: إن أنت وافقتنا على أنرنا أقمناك إماماً. فسلمهم القلعة بدون محاربة وللحال لفوا رأسه بعمامة وقالوا له: (كن مستعداً لأن تكون خليفة (!!!) بعد إمامنا هذا (!).
لما سمع السيد فيصل هذه الأمور جيش جيشاً فيه 5 آلاف جندي وأمر عليه ابنه السيد ناذر فلما وصل إلى قرب موقع الإمام الجديد في (سمائم) قلب له جيشه ظهر المجن فانحاز إلى جيش الخصم ولم يبق معه إلا فرقة من البلوص وأولاد بني سعيد وكلهم لا يتجاوز عددهم التسعين. فلما رأي هذه الخيانة لجأ إلى حصن سمائم فدخلة ولبث فيه محصوراً منتفعاً بالمدافع التي كانت هناك دفعاً لهجمات عدوه الشديدة.
أما قبائل ذلك الموطن فإنها لم تنفعه فتيلاً لأنها كلها خانته وانحازت إلى الإمام الجديد الذي اشتد ساعده لما رأى من الفوز المبين ومع ما توفق له من انضمام القوم إليه لم يستفد من محاصرة السيد ناذر عظيم فائدة لأنه كان يدحرهم شر دحر بما كان يمطره عليهم من قذائف مدافعه. ولهذا رأى الإمام من الأوفق له أن يتركه وشأنه ويحاصر البلد محاصرة ضيقة بحيث يبقى السيد ناذر وهو في حصنه في بؤرة البلد.(3/223)
ثم إن الشيوخ تفرقوا بجنودهم فسار الشيخ حمير بجنوده إلى (سمائم السفلى) وسار الشيخ عيسى إلى بلد (سرور) فبايعه أهلها. وسار الإمام ومعه الشيخ عبد الله إلى سمائم العليا محاصرين السيد ناذراً. ثم إنهم لما لم يروا نتيجة أتعاب محاصرتهم حفروا سرباً أو نفقاً تحت الأرض على بعد ربع ساعة (كذا ولعل في هذه الرواية غلواً عظيماً ولا سيما لأن الأرض هناك ذات حجارة صلبة سوداء تكاد تكون كالحرة) ينتهي إلى القلعة ونسفوا بالبارود شيئاً يسيراً من الحصن ولم يصب أحد بضرر لا من المحاصرين ولا من المحاصرين لكن لما أعادوا الكرة وأخذوا ينسفون الحصن للمرة الثانية رجع مفعول البارود على جند الإمام وأهلك من قومه نفوساً كثيرة.
أما الشيخ عيسى فإنه أوغل في البلاد وبايعه أهلها وما زال يمعن فيها حتى وصل إلى بلد (فنكا) فأرسل السيد فيصل عليه جيشاً جراراً وعند وصوله إلى بلد (الخوث) رجع على أعقابه وذهب إلى بلاد (السيب) بدون أن يرى العدو بل علم أن العدو قد احتل (الخوث) قبل أن يصل إليه وبايعه أهله فحقق سعي جيش السيد فيصل - وأما جيش الإمام الذي كان قد احتل (الرستاق) فإنه تجاوزه وأمعن في البلاد حتى دخل (العوابي) وفيها أبناء السيد فيصل وهما حمود وحمد ومعهما السيد (هلال) والي (بركة) فلما رأوا صولة العدو فروا هاربين من القتل فأخذها الإمام وأخرج منها العسكر الموجود فيها وامتلك الأسلحة المذخرة هناك وباعها للعشائر.
استمرت هذه المحاربة نحو أربعين يوماً. . وفي الآخر رأى السيد فيصل أن لا طاقة له على مقابلة العدو فأستنجد بالإنكليز فأمدوه بست بوارج هائلة وبخمسمائة جندي. واعديه أن يساعدوه في كل ما يطلب وأن لا يبعدوا في البر أكثر من مسافة ساعة. وقد احتلت الجنود الإنكليزية بعض القلاع واخذوا يقاومون العدو أشد المقاومة وأصبحوا أصحاب الأمر والنهي في عمان.
ولما قرت قدم الإنكليز في مسقط وفي سائر ديار عمان وأصبحوا فيها أصحاب الأمر والنهي نشروا فيها أجنحة الأمن والراحة والسكون. حتى أن أحد تلك الأرجاء كتب إلى جريدة الدستور البصرية (أن السكينة قد عادت إلى ربوعها بعد أن أتخذ الإنكليز جميع وسائل الحرب لصد العدو عن مهاجمتها لا بل شرعوا المذاكرة في أمور الصلح بينهم وبين الإمام الأباضي) فتبارك مالك الملك الذي يؤتى الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء.(3/224)
العدد 29
جزيرة العرب
1 - نظر مجمل فيها
إن معرفة أحوال جزيرة العرب والإحاطة بما فيها من القبائل والعشائر والمواقع والمواضع إلى غيرها من أشد الأمور غموضاً على الباحثين من العلماء وأصعب من ذلك الوقوف على ما في كبد جزيرة العرب مما أشرنا إليه فلقد بقي إلى الآن مطوياً عن المتطالين إلى الإطلاع عليه ولا يعلم بما فيه من النفوس والقبائل إلا الله وحده. ومع كثرة دواوين التواريخ العربية فإنا لم نعثر إلى الآن على من بحث فيها بحثاً شافياً وافياً؛ وجل ما رأيناه من المؤلفات تتناول أطراف الجزيرة مما يداني الأبحر الواقعة عليها. أما وسطها فإنه بقي كعنقاء مغرب يسمع باسمها ولا يرى جسمها؛ وقد أدعى كثيرون إنهم جاسوا الديار لكن تفاصيل أبحاثهم دلت على ما يخالف أقوالهم أو إنهم لم يروا إلا الشيء النزر الذي لا يعتد به.
ومن أحسن الكتب التي أنشئت في جزيرة العرب هو كتاب (صفة جزيرة العرب) للهمداني لكن اغلب أبحاثه تشمل القسم الشمالي والجنوبي من الجزيرة وما فيهما من الموارد والمياه والمراعي. وكل ذلك على ما كان في سابق الزمان في عهد المؤلف وقد حالت الأحوال وتغيرت الأجيال وانتقلت القبائل من مواضعها إلى مواضع أخرى حتى أن الباحثين اليوم لا يكادون يقعون على ما يطالعونه في ذلك التصنيف الجليل ولا يجد فيه الرحالة ذريعة يتذرع به للوصول إلى غايته. اللهم إلا أن يضيع شطراً من عمره في التجول في تلك البلاد والتنقل مع قبائلها كما فعل أفراد من الإفرنج المتفرغين لهذه الأبحاث فتبدوا مع أهل بادية الشام ومع ذلك رأينا(3/225)
أنباهم دون ما كان يتوقع من مثلهم مع أن أحدهم أضاع أكثر من 13 سنة فجاءت جل إفاداته ما يكون بمنزلة ملحق للأمور السياسية مما يدل على إن معظم همه كان تدوين ما يخص تلك الوقائع دون غيرها من الشؤون الاجتماعية والتاريخية.
ومما نوجه إليه الأنظار رسوم جزيرة العرب فإننا لم نعثر على ما يفي بالمقصود فإن اغلب ما أحسن رسمه منها هو سواحلها دون أواسطها. وكثير مما ذكر جاء مصحفا أو محرفاً قلت معه تلك الفائدة على أننا لا ننكر فائدتهم بوجه الأعمال إذ ترشد الباحث الخبير من أبناء الشرق إلى ما يجب تتبعه من هذا القبيل. وقد عنى جماعة من علماء الإنكليز والألمان والفرنسويين بوضع رسوم لا ننكر فائدتها. وقد سمعنا إن في نظارة ألمانية مخططات كبيرة فيها ذكر مواقع وقرى وبلدان لم تذكر في غيرها فعسى أن يصح الخبر. وكذلك يقال عن مثلها للإنكليز بيد إن هذا كله لم يظهر إلى عالم الوجود إلى يومنا هذا ولا بد أن تنشر يوماً إن صحت الأخبار.
أما تاريخ العرب فهو على هذا المثال من الغموض والإشكال. ولا سيما تاريخهم في العهد القديم السابق لعهد الإسلام، ذلك التاريخ الذي يصل الأمم الباقية بالأمم البائدة فكل ما جاءنا لا يذعر له الفكر ولا يصدقه العقل. وقد سعى الكتاب في هذه السنين الأخيرة في نشر بعض الكتب اعتماداً على ما اكتشف من الآثار والرقم إلا أن هذه الأسفار لا تزال ناقصة. وإننا لنأمل إن علماءنا العصريين يعيدون الكرة فيجددون عزائمهم الخائرة، ويمعنون في البحث ليقعوا على ما يزيل الشبهات، ويقطع أصول الريب ببينات لامعات.
أما اللغة العربية فقد كادت تفسد بالتمام في هذه العصور الأخيرة لكثرة ما أصاب أبنائها من النوائب لولا أن القرآن الذي هو أساس الدين ولغته لغة الدين حفظها من الدمار والبوار. ثم قيض الله لها باحثين أصحاب نظر وفكر بينوا محاسنها وصححوا ما أفسد من ألفاظها وميزوا ما فيها من حسن وسيئ فنبذوا منها القبيح وضنوا منها بالصحيح فأخذت تعود إلى نضارة عزها وغضارة مجدها. وأصبحت اليوم واسطة الوحدة العربية. والرابطة القومية بين بلاد وبلاد.
ولا بد أن يأتي يوم نعرف فيه ما لفضل هذه اللغة وشدة ارتباطها بالأم التي ولدت منها، وإن هذه الابنة هي أحسن سائر البنات أخواتها في حفظ عوائد وأخلاق تلك الأمم المنقرضة البائدة.(3/226)
2 - حدود جزيرة العرب وأقسامها
أما حدود جزيرة العرب فمن بين جميع سائر البلاد لم تتغير على تطاول الاعصار وتغير الأحوال والأجيال لأنها طبيعية فقد كانت في السابق كما هي اليوم بدون فرق عظيم. فيحدها من الشمال بادية الشام ومن الجنوب بحر الهند (أو إن شئت فقل بحر العرب وخليج عدن) ومن الشرق خليج فارس وبحر عمان ومن الغرب البحر الأحمر أو بحر قلزم.
وكان يعرف هذه الحدود العرب الأولون لكن باختلاف في إيراد الأسماء.
وتقسم جزيرة أو بلاد العرب إلى قسمين قديمين وهما: ديار بني عدنان أو بني إسماعيل وديار بني قحطان وبعبارة أخرى ديار عرب الشمال وديار عرب الجنوب. وهذا التقسيم لا يعرف اليوم. أما المعروف فهو: الحجاز واليمن وحضرموت وعمان ونجد والاحساء وهذا الأخير لا يعرف إلا منذ نحو نصف قرن.
3 - ديار نجد
ولما كنت نجدي المولد والمنشأ أحببت أن أقدم تعريف دياري على غيرها ولا سيما لأنها سرة جزيرة العرب ولأنها من أغمض أقسامها إذ قلما جاس خلال دورها الإفرنج وكتبوا عنها الكتابة الصادقة، الصحيحة الأخبار والأنباء.
وهي تقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول العروض أو العرض أو الرياض أو الدرعية وهي إمارة ابن السعود.
والثاني: القصيم وهو عبارة عن إمارتين: إمارة آل سليم وإمارة آل مهنا.
والثالث: الجبل أو جبل شعر أو جبل طي وهو إمارة ابن الرشيد وعاصمته حائل سمى كذلك لأن هذا البلد حال دون ديار الشام ودومة الجندل أو بين القصيم والرياض. وقد ذكرنا ذلك في هذه المجلة 1: 17 - 18 فراجعها. أما اليوم فنتعرض لذكر أسماء أمراء كل إمارة مع أنسابهم باختصار بموجب التاريخ الصحيح ثم إذا سنحت لنا الفرصة للحق بكل إمارة ذكر قبائلها وعشائرها ووصلها بالقبائل القديمة المشهورة مع ذكر أسباب التنقل والتغير والانتجاع التي وقعت في العهد السابق. وفي الأخر نذكر الطرق والمياه والمواطن والجبال المشهورة فيها وإن ساعدتنا الأحوال مساعدة عظيمة خصوصية وضعنا لتلك الديار رسوماً كبيرة تحوي في كبد هذه الجزيرة من البلاد والقرى والموارد والمنتجعات، والله المعين.(3/227)
4 - أمراء نجد
لما كان الأمير سعود الأول هو الذي رفع ذكر هذه الإمارة إلى مناط العيوق كان من المناسب أن نجعله في مبتدأ النسب ونذكر أجداده على ما وقفنا عليه ثم نعود إلى ذكر الأمراء وتاريخهم واحداً بعد واحدٍ فنقول:
الأمير سعود
هو ابن الأمير محمد ابن الأمير مقرن ابن الأمير مرخان (وقد كان أميراً مستقلاً) ابن الأمير إبراهيم الذي كان في عهد العباسيين أميراً قائماً بنفسه صاحب الأمر والنهي في جزيرة العرب وهو ابن
الأمير موسى
الذي كان مستبداً بنجد وبما والاها في آخر أيام الدولة العباسية وهو ابن
الأمير ربيعة
وقد كانت تخضع له الاحساء والقطيف وقطر. وهو ابن
الأمير مانع
الذي وضع أساس (الدرعية) وبناها. وجدد بناء الاحساء والقطيف وقطر وعمان وأول من بنى فيها القلاع المنيعة والحصون المكينة والأسوار الشامخة وكان مستقلاً بالإمارة في سنة 850هـ (1446) ومن ذريته (المنانعة) الموجودون اليوم في نجد. وهم أسرة كبيرة شريفة متفرقة في كثير من الديار العربية وغيرها. وهو ابن المسيب بن المقداد بن بدران بن مالك بن سالم بن مالك بن حسان بن ربيعة بن مر بن منقذ بن الحارث بن سعد بن همام بن سعد بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن دعمي بن جديلة بن معد بن عدنان.
فنسب الأمير سعود يتصل بعدنان. وفي غير كتب خطية يتصل نسبه بإبراهيم (عم) لكننا نعتمد على الأول لوضوحه وجلائه. وقد تولى الإمارة بعد والده الأمير محمد بن مقرن وكان مسكنه في الدرعية وإليه ينسب بيت السعود.
وكانت وفاته في سنة 1137هـ (1724م) وخلف أربعة بنين وهم ثنيان ومحمد ومشاري وفرحان. والذي تربع على عرش الإمارة بعده هو ابنه:(3/228)
الأمير محمد ابن سعود
وسار هذا الأمير سيرة حسنة في الناس إذ رفع المظالم وأبطل المكوس والضرائب وعاضده على ذلك أخوه ثنيان الأكبر فقويت شوكته وامتدت سطوته وناهض الاستبداد أشد المناهضة وحاول الاستيلاء على جميع جزيرة العرب في حياة أخيه ثنيان إلا أن الأخير مات في سنة 1160هـ (1747م) فلم ينل محمد ما كان ينويه ثم مات هو أيضاً في سنة 1170هـ (1756م) فقام بالإمارة بعد ابنه:
الإمام عبد العزيز بن محمد
الذي هو أيضاً سار سيرة حميدة في القوم ولم يبتعد عن سنن والده وحاول تحقيق أمنية أبيه من إخضاع جزيرة العرب كلها لإمارته فدانت له نجد كلها وكل ما في أطرافها المترامية الأكناف فاتسع نطاق ملكه وكان مغواراً لا يمل من المحاربة والمقارعة وكان يباشر الملاحم بنفسه حتى كبر. وقد كانت وفاته قتلاً إذ أغتاله رجل رافضي من أهل العمادية (من ديار الجزيرة) جاءه لهذه النية السيئة وكان ذلك في نهار الجمعة في صلاة العصر في جامع الدرعية سنة 1218هـ (1803م) فتولى زمام الأمر بعده ابنه:
الإمام سعود بن عبد الله
تولى هذا الأمير ديار نجد وجند جنوداً تزيد على 400 ألف رجل بين فارس وراجل واخضع سائر ديار جزيرة العرب وحاول مناهضة الملوك الحاكمين على أطراف الجزيرة واستخلاصها من أيديهم. وقد توفق لشيء كثير من ذلك ومن عجيب أمره إنه لم تهزم له راية قط. وقد كان عالماً ذكياً حسن الخط مجيد القراءة الصحيحة. وقد كان من الهيبة والأبهة والجلال ما يبهر عيون الناظرين وكان فصيح الكلام إذا تكلم أنصت له جميع السامعين. ثم توفى في سنة 1229هـ (1814م) وتولى بعده ابنه:
الإمام عبد الله بن سعود
فسار سيرة والده في القوم إلا إن أخوته ما كانوا يوافقونه كل الموافقة وكان لا يستطيع مخالفتهم فنازعه أخوه سعود بن فيصل بن سعود فكان كل منهما يأمر وينهى في الشؤون على خلاف ما يقطع به أخوه وللحال تفرقت كلمتهم ونفر منهم فئام من العرب واتسع الخرق في قوتهم فانتهزت الحكومة المصرية هذه(3/229)
الفرصة فرصة الخلاف بين الأخوين فانحاز إلى المصريين كثير من عرب نجد والحجاز والعراق والشام واليمن فخذل آل سعود. وتوفى عبد الله في القسطنطينية سنة 1233هـ (1818م) وكان شهماً عفيفاً كريماً سخياً لكنه لم يكن صائب الفكر والرأي كما كان والده. ولهذا السبب أضاع شيئاً كثيراً من مملكته واختلت سياسته لرعيته. وبعد وفاته تولى الإمارة أخوه:
الإمام مشاري بن سعود
الذي حاول أن يسترد ما فقده أخوه لكن حالت دون أمانيه موانع جمة لا بل اضطربت قبائل نجد في عهده فشغبت عليه ولم يتمكن من إخضاعها له. وما زالت شاقة العصا عاصية عليه حتى توفى في سنة 1235هـ (1829م) وخلفه بعده في الإمارة ابن عمه:
الأمير تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود
فاخضع نجداً بسيفه البتار وفكره الصائب وسار سيرة محمودة في الرعية وكان يمارس الطب عارفاً الأدوية، عالج كثيراً من المرضى فشفوا على يده ولم يزل مقيماً في دار إمارته (الرياض) حتى قتله فيها ابن عمه مشاري بن عبد الرحمن سنة 1249هـ (1833م) فتربع على عرش إمارته قاتله المذكور:
الأمير مشاري بن عبد الرحمن بن مشاري بن حسن بن
مشاري بن سعود
إلا إنه لم يلبث في الإمارة إلا مدة أربعين يوماً ثم أحاطت به جنود أهل نجد ومعهم فيصل بن تركي فأدركوه في قصر الإمارة في الرياض وقتلوه. ثم هجرت (الدرعية) واتخذت (الرياض) مقراً للإمارة فأصبحت هي العاصمة منذ ذاك الحين إلى يومنا هذا وبعد أن قتل الأمير مشاري تولى الإمارة بعده:
الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود
فسار سيرة طيبة في المسلمين إلا أن الأقدار لم تساعده على أن يبقى راخي البال لأن الاضطرابات كثرت في نجد وخرج عليه ابن عمه خالد بن سعود في عسكر جاء به من مصر فقبضوا على فيصل في إحدى قلاع الخرج وذلك بعد حروب ووقائع كثيرة لم يفشل فيها فيصل بل ثبت فيها ثبت الأسد القسور حتى غلبه القضاء والقدر بأن خانه جنده فأخذ
أسيراً إلى مصر سنة 1255هـ (1839م) وقبض بعده(3/230)
على زمام الإمارة ابن عمه:
الأمير خالد بن سعود
وقد ساعدته الحكومة المصرية على نيل هذه الرتبة بما بذلت له من المال والرجال إلا إنه لم يسلك سنة آبائه في السياسة بل سار على نهج المصريين فأنكر عليه أهل نجد أعماله وسلوكه ونفرت منه القلوب ولم يبق شيئاً مذكوراً في نظرهم وكانت أمه جارية حبشية ذكية فطنة جداً. وما زال مكباً على لهوه حتى أجمع أهل نجد على خلعه فخلعوه سنة 1257 (1841م) وتولى بعده ابن عمه:
الأمير عبد الله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود
فاخضع نجداً بسيفه وفكره وأسس سياسته للبلاد على سنة آبائه الكرام فأحبوه ومالت إليه القلوب وكان شجاعاً لا يهاب اقتحام الأخطار وحومات الحروب فهابته الملوك وعزم على مناوأتهم فعالجه القدر وتوفى مسموماً أو قتيلاً وذلك سنة 1259هـ (1843م) وتولى بعده ابن عمه:
فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود
وهو الذي أخذ أسيراً إلى مصر فإنه توصل إلى الهرب من سجنه وعند هبوطه نجداً صادف مجيئه وفاة عبد الله بن ثنيان المتقدم ذكره فتولى الإمارة بعده ودانت له أعراب نجد واستقام له الأمر فيها مدة حياته التي عاشها بعد خروجه من مصر وكانت وفاته في سنة 1282هـ 1865) ومن بعده تولى الإمارة ابنه
الأمير عبد الله
باتفاق جميع عشائر ديار نجد وحمولة آل سعود. وسار في أول الأمر سيرة حسنة ثم تغيرت سياسته بعد ذلك مع أخوته وبني عمه فانقلبت به الأحوال ظهراً لبطن وأجمع خصومه على خلعه وتقدم لرئاسة الخلع أخوته سعود وعبد الرحمن وثنيان وأبنا عمه فهد بن صنيتان (مصغرة) وعبد الله بن ثنيان (مصغرة) وآل مشاري وآل مقرن فخلعوه سنة 1281هـ (1864م) بعد حروب ووقائع شتى. ثم انتقلت الإمارة من بعده إلى أخيه:
الأمير سعود بن فيصل
واخضع له شرقي نجد وباديتها وحاضرتها فانحاز أخوه المخلوع عبد الله إلى عشائر قحطان وحارب أخاه محاربة طويلة اضطر في نهايتها إلى أن يهرب من أمام وجهه فاتفق آل سعود مع الأمير سعود على محاربة عبد الله إن عاد إلى فكره على شرط(3/231)
أن يشتركوا مع سعود في إمارة نجد فرضى بذلك فتجزأت البلاد وأصبح كل صقع منها لأمير فكان
أمير الخرج ثنيان بن عبد الله بن ثنيان
وأمير الاحساء وما فيها من الجيوش وأمير الاحساء والقطيف وقطر وبلاد البحرين وما والاها من أطراف عمان وملحقاته: الأمير عبد الله بن عبد الله بن ثنيان
وأمير العارض
وجيشه ونواحيه وما والاه من بادية وحاضرة الأمير سعود بن جلوي بن تركي.
وأمير الفرع
وجيشه وما يتعلق به وما يضاف إليه من آل شامر والقرينية (بالتصغير والنسبة): الأمير فهد بن صنيتان من آل ثنيان
وأمير الرياض
وملحقاتها: الأمير عبد الرحمن بن فيصل بن سعود الموجود اليوم
وأمراء نجد
جماعة منهم: أمير جيوش نجد (القصيم وما يضم إليها من الملحقات) الأمير محمد بن سعود والأمير عبد الله بن سعود والأمير سعد بن سعود والأمير عبد الرحمن بن سعود والأمير عبد العزيز بن سعود آل فيصل والأمير ناصر بن فيصل بن ناصر والأمير إبراهيم بن عبد الله الثنيان من آل سعود. وما زالوا على هذه الحال إلى أن توفى الأمير سعود بن فيصل سنة 1291هـ (1874م) فبقيت نجد بين آل سعود ولم يمكن منهم أن يستقل بها وحده دون غيره لتفرق كلمتهم وعدم اتفاقهم على واحد يقرونه على الإمارة.
إلى هنا نختم هذا الفصل من تاريخ أمراء نجد وسيتلوه فصل آخر في ظهور دولة السعود الجديدة. والله الموفق.
سليمان الدخيل
صاحب جريدة الرياض ومجلة الحياة(3/232)
لغة العرب
الجائرون بحكمهم أهلوك ... ظلموك إذ خمدوا وما رحموك
كنت المليكة في اللغات وإنما ... كان الملوك على الأنام ذويك
أبكيك مما يعتريك وإنني ... أبكي زمانهم كما أبكيك
وسعت رصانتك الكتاب فما لهم ... جهلوا (الكتاب) وما لهم جهلوك
كرهوك إذ نبذوك خلف ظهورهم ... يا ليت شعري مم هم كرهوك
وكسوك ثوب تغير فتصوحت ... بك زهرة التسكين والتحريك
لا تجزعي مما لقيت فإنما ... أيام (عبد الله) قد تكفيك
أنسيت أيام (الرشيد) أم انثنى ... منك الفؤاد إلى الأمين أخيك
لا عهد (إبراهيم) فيك بقية ... منه ولا عهد (الرشيد) أبيك
عذلي أوجهه إلى العرب الالي ... تركوك (والترك) الالي تركوك
جهلوك (يا أم اللغات) جميعهم ... ولقد شناك بنوهم وبنوك
لو كان جرحك منهم لأسوته ... لكن بنوك كجرحهم جرحوك
تركوك (يا لغة النبي) وآثروا ... في المسلمين سياسة التتريك
ظنوك قاصرة البيان ورجموا ... في قومك العرب الظنون وفيك
ما بالهم خضعوا لشانك فاجتنبوا ... من بعض عسجد لفظك المسبوك
ظلموك فيما يحكمون وإنما ... ظلموا. . . . . . إذ ظلموك
أم البلاغة والفصاحة ما لهم ... أنسوا البلاغة بعد ما نسوك
ولي زمان فيه غصنك ناضر ... إذا أنت ذات شرافة وسموك
كنت العقود بلبة الدنيا فقد ... صارت عقوداً غير ذات سلوك
لما تعطلت من حليك جيدها ... بكت المعارف بالدم المسفوك
حسدتك آفاق السماء فآنت ... بنحوسها فغدت بها تشقيك
ما أحمر خد الشمس إلا إنها ... غضبت عليك بسترها المهتوك
حسبت مكانك في الجمال مكانها ... من حيث ظنت أنها تعلوك
بدر السماء عليك يلطم خده ... فلذاك لاح كدرهم محكوك(3/233)
تنعاك أبراج السماء ونجمها ... ومن الملائك معشر ناعيك
ونعتك مصر والشام وبعدها ... أمسى العراق بدمعه يرثيك
بالله يا لغة (النبي) تجملي ... فلعل حادثة الرقي تليك
أهلوك قد نهضوا ليستلموا العلا ... لله ما نهضت به أهلوك
نقضت لك الأيام عهداً موثقاً ... فلعلهم بعهودهم موفوك
لم يغن عنك البدر عند طلوعه ... كلا ولا الشمس التي تحكيك
كنت الشريفة والزمان ما عف ... وملوك أهل الأرض غير ملوك
أنت العلاج لنا من الجهل الذي ... أودى بنا وبديننا المنهوك
ما من أعادينا تصاب بلادنا ... لكن تصاب بجهلنا والنوك
يا يومنا الحلكوك طال أنيننا ... فيه فكيف بلينا الحلكوك
حتى م يا شعب العراق أرك في ... لين الذليل وذلة المملوك
في أمس تسحب ثوب رق للعلا ... واليوم تسحب بذلة الصعلوك
أمياه (دجلة) في العراق لعلما ... يجري على إمهاله واديك
أجريت يا وادي الفرات بمهلة ... أم كيف أنت بمائك المتروك
أعيون أودية العراق تريثي ... إن العراق بجدبه يشكوك
يشكوك من ظماءٍ وأنت مفيضة ... ذهباً عليه من منابع فيك
محمد الهاشمي
الكرد الحاليون
(لغة العرب) لاحظ الأدباء إن كتاب هذه المجلة هم ممن تفرغوا للأبحاث تفرغاً عرفوا واشتهروا ونبغوا فيه. وهذه المقالة التي نزفها للقراء دبجتها براعة الكاتب المجيد شكري أفندي الفضلي الذي عاش بين ظهراني الأكراد نحو 20 سنة وقد وقف على هذا الجيل أتم الوقوف حتى اطلع على عجرهم وبجرهم داخلهم وخارجهم خلوتهم وجلوتهم وقد تجول في تلك الديار كل التجول حتى إنه لم يفته أمر ولهذا لا تقرأ هنا إلا الصحيح الذي لا يشوبه ريب فنوجه نظر القارئ إلى مطالعة هذا البحث بتدبر.
1 - المرأة
لا يقوم بناء مكين، إلا إذا كان هناك أساس متين، وحيث لا أساس رصين،(3/234)
يكون الخراب السريع الأكيد اليقين، وما يقال في البيت المادي يقال في البيت الاجتماعي، الذي تضم حيطانه سكانه، وأساس البيت الاجتماعي هو المرأة؛ فحيثما ترى المرأة كاملة عدة النفس وهي الفضائل الصادقة، والعلوم المرقية، والآداب الطاهرة، وخدمة المنزل بدون وناء وفتور، تحكم إن هناك العمران الحقيقي والحضارة المنشودة. وقد ترى المرأة مزودة بعدة النفس إلا أنه لا يرى هناك ما أشرنا إليه من أمر هذه الحقيقة؛ والسبب هو حالة المربي الموجودة هي فيه، كما أنك لو أقمت داراً عامرة أو قصراً مشيداً في وسط فلاة لا ماء فيها، ولا نبات يوشيها، فإن ذلك المعهد قد يستقيم أعواماً مديدة، إلا أنه يبقى خالياً من كل ساكن لوجوده في موطن لا يعيش فيه حي ولا يأنس فيه أنيس.
وهذا الذي نقوله يؤيده الواقع في المرأة الكردية الحالية التي تختلف بيئتها عن بيئة سائر الناس ولا سيما عن نساء العرب. فالمرأة الكردية لا تحتجب كالعربية أو كالإعرابية قطعاً، بل تطوي بساط أيامها في مقامها الطبيعي حرة العمل والتصرف هادئة الضمير والوجدان تذب عن حقوقها على حد ما يذب عنها الرجل الكردي بدون فرق. وهي ترافق زوجها مدى العمر إذا راعى حقوق الزوجية. وتفارقه أو تهجره إذا أصر على هضم تلك الحقوق أو انتهاكها ولهذا زوجها يوافقها قلباً وقالباً ولا يتعدى عليها إلا في النادر. تراها تشاطر الرجل (سواء كان أخاً أو أباً أو زوجاً أو قريباً) في أمر المعاش وتخفف عنه أعباء
المتاعب والمصاعب بكمال النشاط والهمة وتبعث في نفسه دواعي الشجاعة وتسليه في حالتي السراء والضراء، الرجاء واليأس. - تعنى بتربية الأولاد من بنين وبنات أشد العناية ولا تفرق تربية البنين من تربية البنات، إلا أنها تراعي حقوق المكان والزمان وتعودهم الأشغال الشاقة منذ نعومة أظفارهم وتناسب بين شغل وشغل مناسبة لشق وشق - تقوم بإدارة البيت وتستقبل الأقرباء والأحباء والضيوف بذيل طاهر، وطرف قاصر، وجفن ساهر، وقلب سليم، وعقل قوي، كل ذلك حضر زوجها أو غاب، حياً كان أو ميتاً - تصغي للرجل والرجل يصغي إليها في تجاذب أطراف ما يجب عمله أو إهماله حفظاً لحياة الأسرة أو تسهيلاً لقضاء حاجياتها لأنها تشاهد وترى كل ما يجري في بيتها وتعرف جميع أحوال الذي تعيش فيه فتطابق حالتها عليه ولا تفرق عن الرجل في(3/235)
الانتباه إلى ما يجب عمله وتركه. اللهم إلا في الأمور التي لم يكن لها فيها ناقة ولا جمل، أو جرت بعيدة عنها على غير مرأى ومسمع منها - المرأة الكردية الشريفة الكبيرة العريقة النسب تقوم مقام الرجل في المعاملات: في اكرآء الدور والبساتين والخضر والحوانيت والخانات وتفجير العيون وتعمير الأرضين وأغلال الضيع بل تشارك الرجال في وظائف الحكومة المودعة لزوجها أو لأحد أقربائها وأنسابها وإن كان هذا الأمر نادراً. رأيت امرأة أحد قوام المقامات في كردستان واسمها (خانم) تدير شؤون القضاء فيراجعها المتوظفون في كل الأمور المتعلقة بالإمارة. وشاهدت امرأة أحد القضاة واسمها (آمة) (أي أمينة) تجمع الحرس وتجول بهم في الأزقة من الصباح إلى المساء أو بالعكس لحفظ البلدة من سطوة اللصوص وهجمات الأشقياء.
والمرأة الرحالة الكردية تمتطي الجواد كالرجل إذا أرادت السفر وتتسلح بالأسلحة المألوفة وتستعملها إذا اقتضت الحال، لركوب الأهوال - صادفت امرأة من عشيرة الشوان اسمها (كوخا نركس) قتل الهماوند أخاها فتزيت بزي الرجال وتسلحت وتنكبت بندقية وشكت في منطقتها مسدساً وامتطت جوادها وما زالت على متن فرسها حتى أخذت به وثأرت أخاها - والمرأة القروية تقطع المسافات البعيدة وتأتي المدن للبيع والشراء وهي تسعى سعياً حثيثاً على رجليها سواء كانت وحدها أم لا وقد تجلببت بالعزم والحزم وتحجبت بالمناعة والعفاف: رأيت في سفري إلى بعض ديار كردستان امرأة راجلة كانت تتبع قافلتها بجد
وسعي وكانت حبلى. وفي أثناء السير تأخرت عنا زمناً. ثم لما نزلنا على ماء لنتناول الغذاء إذا بالمرأة قد أدركتنا وبين ذراعيها وليد تباغمه، ولما ظعنا نهضت معنا وهي تجد في السير كالسابق فعلمنا أنها تأخرت لوضع الحمل. ولم يعقها عائق لا الحبل ولا الطلق ولا النفاس فقلت نعمت المرأة ولتكن النساء على هذا المثال من الجد والعناء، جاهلات الحمول والوناء. على أن المرأة المدنية لا تضاهي الكردية القروية في جميع الأمور لتغير أسباب المعيشة والبيئة والمربى.
2 - الرجل الكردي
يمتاز الرجل الكردي بكونه يعود نفسه الأشغال الشاقة منذ صغر سنه ويرو جسمه رياضة دونها كل رياضة لأنه يكافح الموانع الطبيعية بقلب قد من(3/236)
جلمود وبصدر أرحب من الفضاء وذلك بعد خروجه من مدرسة حضن أمه الحرة بقليل من الزمن - تراه إذا ضرب في الفيافي طواها طي البساط، وإذا رقي في الجبال طاولها همة وإباء واصلاً الجد بالنشاط. وإذا جاع في تلك المطاوي اكتفى بكسرة خبز وشربة ماء، وإذا احتاج إلى النوم افترش الأرض والتحف السماء - تراه يجد في السير راكباً أهوال الحياة بشوشاً فرحاً جلداً يستقبله الأمل ويشيعه الحزم والعمل، تراه لا يصعر خداً ولا يقطب جبيناً إذا قامت بوجهه العقبات أو حلت به النوائب والملمات. وإذا نظرت إليه وهو في السهول أو الحزون أو الجبال وأمعنت فيه النظر نظر شاعر مصور للأفكار، يخيل لك إنه سلطان، وإن السهول الواسعة هي له بمنزلة الديوان؛ وما حواليه من مظاهر الطبيعة بمقام الأعوان. يخيل لك إن الجبال المرتفعة تطاطئ له الرؤوس، وتقوم بين يديه قيام رجل واحد مرؤوس، لا نفاذ أمره والجري على خاطره، يصعد إلى قمم الأطواد بحذاء يتخذه من الشعر أو الخيوط وهو الرشك ويتجول به إلى حيثما يشاء وهو يقطع الصخر ويقطع الشجر لبناء بيته منهما. ويصطاد الحيوانات ويلتقط المواد النباتية ليتخذ منهما طعامه أو يتجر بهما معاً ويدأب في غرس الكروم والأشجار المثمرة ويزرع الحبوب المتنوعة في الحزون والسفوح مكتفياً بماء المطر والثلوج وينحدر إلى السهول فيفجر فيها الينابيع المعروفة عندهم (بالكهريز) ويخترق الأنهار ويحرث الأراضي ويرعى الماشية ويربي الحيوانات الداجنة ويستبدل الثمار والغلال بغيرها من نتاج الصناعة الإفرنجية ويبيع المواد الأولى ليشتري بها المواد المعمولة ويمشي المسافات الطويلة أو البعيدة على الثلوج المتراكمة في بلاده وليس في رجله إلا حذاء عريض اسمه (جاروخ) ويكافح البرد بقباء قصير يتخذه من الصوف اسمه (فرنجي) وهو الذي يسميه بعض العرب (كبنة) (وزان غرفة). - كان رجل كردي يلقب (بابردو(3/237)
يهبط من السليمانية إلى بغداد في مدة لا تزيد أبداً على ثلاثين ساعة مع أن المسافة بين هاتين المدينتين هي عبارة عن تسع منازل للقوافل الاعتيادية. فإذا فرضنا إن هناك قطاراً يقطعها في عشر ساعات اتضح لك إن ذاك الرجل كان يسير سيراً يعادل ثلث سير القطار المتئد. هذا في المشي وأما في الانحدار من الجبال والتلول المرتفعة فكان ينزل منها راكباً فرسه مغيراً. ولا جرم أن الرجل العاقل إذا رأى انحدار تلك الاطواد وركوب الفرس عليها يذهب إلى جنون الراكب. والأمر مع ذلك أشهر من أن يذكر. ورأيت رجلاً اسمه (ججه) (وزان سبب) نزل من جبل (هروته) (وزان الوكة) الذي لا يقدر أحدنا أن ينزل منه راكباً لنشوزه كان ينحدر منه ججه راكباً جواده.
والكردي يحسن الرماية ببندقيته أحسن الرماية سواء كان واقفاً أو ماشياً أو راكباً ولا يخطئ الهدف إلا قليلاً. رأيت بعض الهورمانيين يرمون الجوز بالقنابل الجوزة بعد الجوزة والقنبلة بعد القنبلة وذلك على قدر مدى المرمى وبواريدهم من الطرز القديم لا تصلح شيئاً إذا وقعت في أيدي الرماة البارعين والكردي إذا حارب يثبت في حومة الوغى ويصبر على تجرع كأس الردى كأنه يتحسى الحساء. وقد يهجم وأمامه من الأعداء ما يساوي عدده أضعافاً وكثيراً ما ينجو سالماً غانماً بدون أن ينال بأدنى آذى. كان رجل اسمه (جوامير الهماوندية يقابل فئة وفيرة من الجنود المنظمة أو من مغاوير الرجال وليس معه من إخوانه إلا بقدر الأنامل وقد طبقت شهرة هذا الرجل العراق كله وكان الجميع يخافونه حتى صار العوام يضربون به المثل فيقولون (خوش ما صرت جوامير) أي ألعلك أصبحت كجوامير بشدة البأس والمراس.
هذه صفات الرجل الكردي الجبلي والقروي والبدوي وأفعاله. أما المدني فشأنه شأن العراقي في التجارة والعلم والصناعة وربما فاقه ذكاءٍ إذا عني بتربيته وهو لا يشبه القروي أو الجبلي أو الرحال بحال من الأحوال إلا شيئاً قليلاً.(3/238)
3 - الأسرة الكردية
إذا تزوج الرجل امرأة نشأ البيت أو قامت الأسرة والأسرة الكردية تنشأ طبقاً للسنن الطبيعية، بملء الحرية، ولهذا تراها في اغلب الأحايين تشبه الأسرة العربية البدوية، منزهة عما يكدر صفاء العيش، أو يعكر كأس الراحة. قل ذلك عن البيت الشريف أو الوضيع عن الغني أو الفقير. والسبب الرئيس لحصول هذا الأمن العظيم ناشئ من رضاه من امرأته، ورضاه من امرأته متولد من كونه انتخب هو بنفسه شريكة حياته بعد أن عرفها من مخالطته إياها بنفس عفيفة أبية، ولذا تراها تشاركه في مر الحياة وحلوها، في خيرها وضيرها تراها باقية غير محتجبة عن الرجال، كما كانت على تلك الحال قبل الزواج. كل ذلك لأن الوسط لم يلوث بفساد الأخلاق، وكثيراً ما يرى أو يكلم الزوج المستقبل زوجته المستقبلة وقدر منزلتها ولا خطبة بينهما ولا عقد ملاك. ولا تظن أن هذا يصعب على الرجل حتى في المدن لأن وسائل الملاقاة كثيرة متوفرة منها الأعراس ومواسم الأفراح والمتنزهات والزيارات إلى غيرها.
أما الأعراس فإن الأبكار والثيبات يأتينها من كل فج سحيق، وواد عميق، وإذ اجتمعن تمسك الواحدة منهم يد الأخرى على شكل نصف دائرة ويأخذن بالرقص فينشأ من شبه تلك الدائرة روضة من أزهار الحسن والجمال، مائسات بغنج ودلال، على إيقاع الطبل والزمارة (وهي زورنا بلغتهم وهي السرناي أو السريانة المعربة) ويسمون هذا الرقص (شاهي أو شائي). وفي تلك الأثناء تغنى الأغاني المؤثرة والشبان من حواليهن يشجعونهن بما ينثرون عليهن من النقود والملبس وهم لا ينثرون هذا النثار إلا على رأس من استحسنوها أو فاقت صواحبها أو أترابها بالرقص العفيف والطرف النظيف وفي بعض الأحيان قد يشترك الشبان مع الشابات فيطلق حينئذ على هذا الزفن المشترك اسم (رش بلك) وإذا تعب الرجل فقد يسقط بين امرأتين أو أكثر أو بالعكس وليس من يفكر بأدنى شر وليخسأ كل من يضمر السوء في نفسه
وأما التنزهات فهي خاصة بفصل الربيع وكثيراً ما تعقد مجالس الأنس(3/239)
والنزهة حول المقابر أو المزارات المشهورة النازحة عن البلد أو القرية فيتقاطر هناك الألوف والألوف من إناث وذكور على اختلاف أعمارهم وطبقات مهنهم وأشغالهم ويبدأ الغناء والرقص فيبتسم الفضاء لهذا المشهد ومن ينظر إليه يبصر كتلة عظيمة حية تتموج بأنواع الألوان والحلي والثياب على بساط أخضر بديع الحسن وشته محاسن أيدي الطبيعة فانبتت فيه الأزهار المتارجة والرياحين العطرة والحشائش الربعية والأنبتة النضرة تحي النفوس وتزيد فيها السرور وتميت الحسود وتزيد فيه الحزن وأما الزيارات فإنها شائعة عندهم يلاقي فيها الرجال المرأة فيتسالمان ويتخاطبان ويتفاوضان ويتواعدان بكمال الحرية ولا يستثنى من هذه الأحوال المألوفة إلا بعض مقلدي المجاورين، مع إنك لو أنعمت النظر في ما يجري في الأعراس والمتنزهات والزيارات من الأمور والشؤون لا ترى حركة واحدة ولو طفيفة مخلة بالآداب أو بأوامر الدين لا في الرجل ولا في المرأة وهذا أبين برهان وأدل دليل على سلامة طبع الأكراد وعفتهم ونقاء قلوبهم وطهارة دخيلتهم وحفظهم للآداب العمومية. والأخلاق الرضية.
والخلاصة من هذا كله إنه لا مانع للكردي من أن يختار المرأة المناسبة له بعد هذه المجتمعات والملاقيات والمواجهات اللهم إلا أن يكون نقص في عقله أو شواعره أو مشاعره وعليه إذا أراد الكردي أن يتزوج ينتخب له في الغالب زوجة فيخطبها وتزف إليه بعد العقد والعرس الذي يمتد يوماً أو يومين أو ثلاثة وإذا زفت ذهب معها الأقرباء والأنساب والأصدقاء يحف بها النساء ووراءهن الرجال فيخرج الخطيب لملاقاتها إلى مسافة غير قليلة وعند دخولها الباب يضربها على رأسها بقصبة مصبوغة بأنواع الأصباغ، أو يلقي عليها ديكاً حياً فيتخاطفه أصحاب الموكب فيأخذ كل واحد منهم عضواً أو شيئاً منه إظهاراً للهيبة. وبعد أن يتم القران ويكمل النكاح ويمر زمان على الزوجين وتحمل المرأة ينتظر الولد بصبر جميل فإن ولدت ذكراً يفرح به أهل البيت أشد الفرح ويحرسون الأم أشد الحراسة مدة سبعة أيام ويلعبون حولها ويغنون من الصباح إلى المساء ويسمون هذه الأيام (شواره) وزان سحابة) وقد يفعلون مثل هذا الفعل للأنثى أيضاً إذا كانت عزيزة على الوالدين أو إنها البكر أو أنها لم تولد إلا بعد كثير من البنين(3/240)
أما سبب هذه الحراسة فهو، ما عدا شدة فرحهم بالمولود وسلامة الأم من خطر الولادة، ذهابهم إلى أن الوالدة إذا لم تحرس أشد الحراسة عند الوضع وبعده ولم يكن في يدها آلة جارحة يتسلط عليها عفريت يسمونه (آل). ويقولون عن التي تموت في تلك الأثناء ما معناه: أخذها الأل؛ وإذا أشرفت على الموت يطلقون البنادق لتخويف العفريت المذكور. أما الحقيقة فإنها تموت من شدة الطلق أو ألم المخاض أو من نتائجه. - أما الولد فيتسلط عليه أنثى من إناث الجن أو العفاريت يسمونها (شوه) ويقولون عنها إنه لا يعيش لها ولد فإذا سمعت بولادة واحدٍ أسرعت لتأخذه وإذا أخذته ضمته على صدرها ضماَ شديداً لكثرة فرحها وشغفها به وإذا فعلت قتلته. ولهذا تسمع الكل يقولون إذا مات الوليد في تلك الأيام ما معناه: (أخذته الشوه).
ومن مزاعمهم وخرافاتهم وأكاذيبهم في هذا الموضوع ما يرويه الخلف عن السلف وهو: إن رجلاً صادف يوماً في طريقه مخلوقاً غريباً وفي يده كبد إنسان يطلب منه ماء ليغسل به الكبد فلما رآه الرجل المسافر علم إنه الآل. وإن الكبد هي كبد امرأة نفساء فلما تحققه انتهز غفلة منه وشك صدره بمخيط وللحال تكاثف جسمه ولم يبق شفافاً لطيفاً. ومن ثم لم يستطع أن يتوارى عن الأبصار. فلما رأى الآل نفسه في تلك الحال استكان للرجل وتذلل له واستحلفه أن يستل المخيط من صدره وعاهده أن يحقق جميع أمانيه ورغائبه. فقال له الرجل: إني افعل. نريد إن أعدت تلك الكبد إلى صدر الوالدة التي انتزعتها منها. فقال له الآل: أعاهدك عهداً صادقاً إني ألبي طلبك ثم ذهبا معاً وأعاد الآل الكبد إلى المرأة التي استل منها الكبد وكانت قد أشرفت على الهلاك فتعافت للحال فلما تم ذلك نزع الرجل المخيط من صدر صاحبه وللحال لطف جسمه وذهب فرحاً مسروراً. فحكاية حراسة الأم مبنية على هذه الخرافة المفتعلة.(3/241)
أما بخصوص الشوه فإن الأكراد يروون أيضاً إن رجلاً صادف في طريقه مخلوقة غريبة قالت له: أبعد عني هذا السرطان (قرزال) الميت أصلحك الله فلما سمع هذه الكلمات علم للحال إنها الشوه لأنها نخاف السرطان أشد الخوف. ولهذا إذا أراد الأهلون أن يحرسوا أولادهم ويحفظوهم من الشوه يعلقون في رقبتهم مجففاً فتخاف أن تدنوا منه.
هذا مجمل ما يقال عن الوليد وهو في أيامه الأولى وما بعدها. فإذا ترعرع تراه يميل إلى الحرية الطبيعية ميلاً عجيباً بدون أن يردعه أبواه. وقد يتجرأ فيغضب عليهما ويشتمهما ويضربهما وهما لا يخالفانه في شيء زاعمين إنه إذا فعل ذلك يكون شجاعاً جريئاً بخلاف إذا ضرباه فإنه ينشأ فسلاً. نعم هذه أمور مخالفة لأصول التربية الصحيحة المألوفة عند جميع الأمم لكنها إذا كانت سيئة في بعضها فهي لا تخلو من فائدة. ولذلك ترى الكردي إذا ما بلغ أشده قوي القلب شجاعاً باسلاً مغواراً قد يهجم على من هو أقوى منه ولا يهابه وقد يهجم على عدة رجال معاً فيكون هو الغالب القاهر.
أما إذا أصبح رجلاً كاملاً (إذا كان ذكراً) أو أصبحت امرأة كاملة (إذا كانت أنثى) فالكلام يكون على ما أسلفنا بيانه وبهذا القدر كفاية.
شكري الفضلي
خلد أثراً
لا المال يفيد ولا النسب ... إن مت ولا تجدي الرتب
فسوارءك لا يحي أبداً ... غلا حسناتك والأدب
كم ذي مال كم ذي نسبٍ ... أنسته إذا مات الحقب
خلد أثراً يذكرك به ... أخلاقك بعدك والعقب
والعمر فلا تجهله يمر ... م كما مرت عنك السحب
فأغنمه لما يجديك ولا ... تغفل إن ينبهه اللعب
واستغن بصحبة كتبك عن ... دنياك فصحبتها تعب
دنيا ما والاها أحد ... إلا وتولاه العطب
ما أشقاك إن هي ألهت ... ك بزخرفها عما يجب
وسعيد الناس تكون إذا ... ألهتك عن الدنيا الكتب
إبراهيم منيب الباجه جي(3/242)
أفعال تتعلق بأهل السفن
كنا قد ختمنا ما كتبناه في السفينة وما يتعلق بها (بأسماء الأرياح) وأشرنا في الأخر إننا ننشر فيما بعدما نعثر عليه مما يتعلق بالسفينة، وقد حصلنا اليوم على أشياء تتعلق بأهل السفن لأنقل فائدة عما تقدمها في بابها رويناها عن الثقات العارفين من أصحابها وها نحن ننشرها إتماماً للفائدة وإكمالاً للموضوع فنقول:
يقول أهل السفن عند جرهم السفينة ورفعهم الشراع (آموليسا)
ومعناها امولاي سهل: والبعض يقول (مويليسليه) ويجيب أصحابه (موليه) وهم يترنمون بها على طريقة الهوسة وهي أيضاً بالمعنى السالف و (ابسط الشراع) بصيغة الأمر (أنشره): (وأخرز) بصيغة الأمر (كأنجز) أي أرم الحبل من وراء النخلة أو الشجرة أو الجدار أو ما شابه وذلك إذا عارض حبل السفينة عارض يمنعها من السير والملاحون يجرونها فينادي الناخذاة الملاح اخرز: (وأصلب الشراع) أو الفرمل أي قوم الفرمل مع الدقل: (وأقتل الشراع بسطة) وبسطة وزان (نملة) أي شده مما يلي الجوش مقدار متر ونصف متر وذلك إذا عصفت الريح؛ وأقعد (شفيره) أي أجلس في ظل الشفيرة وذلك في أيام الصيف فقط لأن الريح تهب ثمة بليلة: و (أنفض السفينة) بصيغة الأمر وينفضها أي كبثها ويكبثها في العربية الفصحى أي حول حملها إلى الأرض أو إلى سفينة أخرى: و (أوال بيس) يقولها الجسارة وهو (جمع جسار كشداد) عند ربطهم الجسر إذا قطعوه لعبور مركب أو سفينة أو غير ذلك ومعنى أوال بيس أهل البأس ورأى آخرين يا ولنا حسب لأن (بس) عند العراقيين بمعنى حسب إشارة إلى إن الجسر ربط فلا تهتم بأمره بعد هذا و (التبريكة) ويلفظون الكاف جيماً فارسية) في الكرفي وهو أن يمسك الدامن بجنب السفينة مما يلي الصدر ولا يدعه يزول عن محله: و (الجب أو الجم) هو رفع الشراع والرء يسي في رأس الدقل ويكون سير السفينة والشراع ممدوداً عرضاً وذلك إذا لم يكن عند صاحب السفينة سوى الشراع العود: و (جلس الشراع) بتشديد اللام المكسورة وصيغة الأمر أي أنزله إلى وسط الدقل: و (حط الجوش اتيمة) أي جعله بين الفنة والكلب:، (وخم الجمة) أي أنظر هل فيها(3/243)
ماء فيجيب الملاح (شاهين) أي ليس فيها ماء (وخيور الشراع وخايره هو)
واحد والمصدر المخابرة وهو أن يصير أوله آخره وآخره أولا وحينئذ يخشى لبخ الشراع أو لبقه وقد يقع ذلك إذا لم يكن الملاحون ذوي معرفة (بتخويره أي بإدارته على مؤخره ووقوع اللبخ نادر: و (دق العمراني) بصيغة الأمر أي شده بالدركة و (دق السفينة أو الكعد) هو أي جفف بطنها من الماء و (راحت السفينة تدهور) أي سارت مع الماء حسب جريانه وفي العربية سخرت: (ورأس قنة) وقنة وزان كنة وهو سير السفينة السهل وذلك أن يكون الجوش في الصدر والدامن في المؤخر. و (رد الشراع) بضم الراء وتشديد الدال وصيغة الأمر أي شده على الفرمل و (رد الشراع) بفتح الراء هو شده و (الرد) أيضاً بالفتح عند أهل دجلة بمعنى الفرسخ ويجمع عندهم على ردوده ومسافته بين الساعة ونصف: و (سفينة مقطوعة) أي مقطوعة من أحد شطريها أو مقطوعة من الوسط نصفين: و (سكن) بتشديد الكاف المكسورة أي حرك السكان ومن (يسكن) (للاستفهام) أي من يحركه: و (السوري) (كجوري) هو رفع الفرمل والشراع مبروم عليه برماً قوياً: و (شاهت السفينة تركت قصدها ولم يضبطها الملاحون ويكون ذلك من تراخي صاحب السكان وعند الأقدمين جمحت: و (شايخ الحبل) بصيغة الأمر أي أقتله وصل طرفيه برما لا عقداً: و (شلهت والبعض يقول شهلت السفينة على الإبدال) أي جنحت باللغة الفصحى قال في المخصص: (جنحت السفينة أي إذا انتهت إلى الماء القليل فلزقت بالأرض فلم تمض. . .) اه: و (طارت أشخاصة) أي لوحة و (طر السفينة) هو حركها عن المرسى وبدأ بالسير في دجلة (دفع) هو بالتحريك. و (طيح) بتشديد الياء المكسورة وصيغة الأمر أي أدن من الساحل و (طبح) هودنا بسفينته وأجنحها (وطيح الشراع) أنزله: (وغرقة جعفة) وجعفة وزان (كسرة) أي غرقت السفينة غرقةً على جنبها: و (قاست السفينة) ويلفظون القاف جيماً مصرية (كشلهت): (وقتل العيب) هو و (أقتله) أنت أي قلفته هو وقلفته بصيغة الأمر: و (قدم) بصيغة الأمر ويلفظون القاف جيماً مصرية أي أدن من الساحل والمقدم الميناء وهو عربي ومثله (قلط) بتشديد اللام المكسورة وصيغة الأمر ويلفظون القاف كافاً فارسية(3/244)
و (الكرفي) بضم فسكون هو نشر الشراع في حالة يكون فيها الدامن في صدر السفينة ومقابلاً للريح والجوش (كقفل) في مؤخرها وفيه خطر على السفينة ولا يكون الكرفي إلا في الزوايا (الدورات) الصغار: و (كندر الدامن) أي أعقده بالرمانة أنشوطة (عقدة ونصفاً): و (كود الشراع) بتشديد الواو المكسورة وصيغة الأمر اطوه على الفرمل ومثله كوثل بالأمر أيضاً: و (لابت السفينة) أي سارت سيراً غير مستقيم تارة يميناً وطوراً يساراً وإذا لابت يعلمون إن السفينة قد عيبت ويقولون (طارت أشخاصة): و (لبخ الشراع ولبق) واحد وهو بمعنى لصق بالدقل ورده الريح معكوساً ومتى صار كذلك وكان الهواء شديداً تنقلب السفينة بأسرع من لمح البصر: و (لبق السفينة والكعد) أي جفف بطنها من الماء: و (لوف المهلبة) بضم اللام وإسكان الواو والفاء كما يقولون ذبها إلى الجرف أي أدنها منه: و (ناشت السفينة): شلبهت وقاست ويقول (الخطر جي) أي صاحب الخطوة وهي الخشبة التي يقاس بها عمق الماء (نمش ماي) معناها نمشي الماء غزير و (نوف الشراع) بتشديد الواو المفتوحة وصيغة الماضي خفق تارة تحركه الريح وطوراً تسكنه فيكون غير قارٍ في مكان وإذا كان قاراً قيل (صامتاً) بكسر الميم: و (هالت السفينة) طافت على وجه الماء ولعل منه أشتق اسم المهيلة: و (هامت السفينة) أسرعت في سيرها على وجهها كالبهائم وذلك إذا جاءت الريح من مؤخرها وتوسطت الشراع فيكون سيرها حينئذٍ في غاية السرعة و (وك) السفينة عند أهل دجلة بصيغة الأمر وزان (ول) ويلفظون الكاف جيماً فارسية كقدم وطبح: و (اليدك) بالتحريك والكاف الفارسية عند أهل الفرات الفرسخ ويجمع عندهم على يدكات وهي تركية الأصل وقد تقدمت مسافته. ويقولون بانتقال الجوش بالتدريج عند نشرع الشراع أول وضعه عند الكلب وإذا انتقل قليلاً فإلى رمانة الصدر وإذا انتقل قليلاً فإلى البيشار (وزان شيطان) وهو إحدى الدركات وإذا انتقل قليلاً فإلى رأس قنة وهي دركة أيضاً وإذا انتقل قليلاً فإلى العمراني.
2 - حكايات عن بعض أهل السفن وبراعتهم في تسييرها
نذكر هنا من باب الفكاهة شيئاً من دهائهم: إذا تسابقت سفينتان وسبقت الواحدة الأخرى ثم لحقت السابقة سفينة ثالثة وأراد ناخذاتها أن يعيقها عن تلك يقول للملاح (لا تروح أي تثاقل في مشيك فإذا لم يصغ الملاح(3/245)
إلى قوله يشد الفيلم بالدركة وهم يقولون (يربط) ويطرحه في الماء أو يربط تورية ويضعها في الماء أيضاً فإذا فطن لذلك الملاح يناديه (فيلمك توريتك) أي أخرجهما من الماء وإذا لم تجز حيلته هذه عليهم يضع قصبة بين السكان والميل مما يلي الماء.
ومن دهائهم إن السفينة المسبوقة إذا أراد صاحبها سبق مجاريها في السبق وقد سارت السابقة بعيدة عن الجرف ويسمون مثل ذلك (عاليا أو صاعداً) يأتيه المسبوق من الأسفل ويصد عنه الهواء ويسبقه ولكن ليس بهذا السبق عند أهل السفن فخر وقد يأبى بعضهم ذلك فيسبق سابقه في العالي أيضاً ويحرز فخر السبق وهذه السفينة هي الممدوحة في السير ونقيض الصاعد والعالي عندهم هو (الأسفل) والأسفل قرب الجرف وهذا السير غير ممدوح.
ومن براعتهم إذا كانت السفينة منشورة الشراع ولها أخرى تسابقها في السير ثم طارت في تلك الأثناء فتيلة (أي شيء من مادة القلفاط) من السفينة السابقة مما يلي الماء وخاف الناخذاة سبقها يربط نفسه بحبل ويرمي بها في الماء ويقلفته وهو غاطس في الماء والسفينة جارية كالعادة لا تفتر عن سيرها.
وإذا طارت منها اشخاصة وقد خشي الغرق وكان شراع السفينة الوسطاني أو الصغير منشوراً يطويه في الحال وينشر الشراع العود ويقذف السفينة على الجرف فيسلم من الغرق ويجعل عذره لدى سابقه فعل الهواء أو الشراع الذي قذف بسفينته على الجرف.
ومن هممهم إذا اختلف الهواء وصار (كرفيا) (برخصون الجوش) أي يحلونه ويجلس عليه الملاح وهم يقولون (يبرك) بضم فسكون ويقول الناخذاة (شيلوا الجوش من العمراني إلى الشرت سريعاً، طيرو بيوار، احجس بالجوش، فك لدامن، خاير) ومعناه (ارفعوا وأقلعوا وقوموا الفرمل مع الدقل) وعند ذلك يستريحون ويأمن من الخطر جميع (الجوقة).
3 - ما فاتنا من أسماء السفن
سفينة (بشرة) بفتح فسكون واسعة الصدر و (بيص) بكسر فسكون ملمومة أو مجموعة الصدر. وهذه تطلب ماءً كثيراً ويسمى صدرها الملموم (قلداً)(3/246)
بكسر القاف التي يلفظونها كافاً فارسية وإسكان اللام و (حيحة) بفتح فسكون سفينة كبيرة وهي البغلة و (الدقنية) في البصرة سفينة كبيرة ذات شراع تسير في البحر و (الركبة) ابلام صغار يركب فيها الذين ديدنهم نهب ما في السفن وسلب أهلها وهي من نوع المشحوف: و (الشوعي) (كجوري) دون الدقنية حجماً وهي أيضاً من سفن البحر ذوات الشرع و (البوم) وزان (روم) دون الشوعي حجماً. و (الشويعي) عند أهل الفرات مهيلة صغيرة مطلية بالقير و (ألعابدية) سفينة أكبر من (الكلابية) ومن (الزعيمة) ومن (نجمة) يبلغ حملها طغارا: و (العسبية) سفينة صدرها ومؤخرها واحد وهي تنسج نسجاً ونسيجها من أعواد الرمان والحلفاء وهي مخصوصة بحمل البورق والقير السائل من أطراف هيت لا غير. (والكشتري) عند أهل الفرات هي السفينة التي يحمل فيها الحطب والتين وتكون مطلية بالقير ويستعملها أهل دجلة (راجع لغة العرب: 2: 95 و99)
هذا ما استدركناه على مقالة السفن ومن عثر على شيء فاتنا ذكره فليرسل به إلينا لننشره ونكون له من الشاكرين.
الدجيلي
أسرة بدروس آغا كركجي باشي
(لغة العرب) حضرة الأب نرسيس صائغيان من المولعين أشد الولع بتاريخ أسر(3/247)
نصارى بغداد وقد تفرغ لهذا السعي منذ مدة طويلة فجمع شيئاً كثيراً في هذا الموضوع مطالعاً لهذه الغاية سجلات العماد الموجودة في الكنائس ورحل الإفرنج وكتب المؤرخين القديمة والحديثة. ولهذا نرجو كل من عنده أوراق أو أشجار نسب أو كتب أو حجج قديمة تذكر بيتاً نصرانياً أن يطلعه عليها وله من الأب الفاضل الشكر الدائم وهذه المقالة هي أحد فصول الكتاب الذي ينشئه في هذا الموضوع.
إن أسرة بدروس آغا كركجي باشي الأرمني الكاثوليكي المذهب والهمداني المنبت من الأسر البغدادية التي لم يبق لها باقٍ بل ولا ذكر وصارت نسياً منسياً. مع إن بينها وبين بعض الأسر التي لم تزل في الوجود آصرة من جهة النساء كما سترى.
وكانت من البيوت الوجيهة والغنية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. لأن أول ذكر لبدروس آغا عثرت عليه كان في سجل الأباء الكرمليين في بغداد بتاريخ سنة 1751 حيث ورد ما يلي (وفي هذا العهد تبرع لكنيستنا الخواجه بدروس الأرمني الكاثوليكي فرآء الوالي بستمائة زولته رائج بغداد ومعها قنديلان الكبير منهما للهيكل الكبير والصغير للهيكل الصغير الذي في الجانب كما يريان أنهما صنعا بأمره.
وفي رسالة أرمنية مؤرخة في 5 شباط سنة 1766 يثنى عليه الأب إبراهيم بيريميان المرسل الأرمني في بغداد ويلتمس من رئيسه أن يرسل إليه برسالة شكر.
والحق يقال أن بدروس آغا أهل للمديح والامتنان لأنه كان رجلاً صالحاً وسنداً مكيناً وعضداً قوياً للكاثوليك في تلك الأيام الحرجة لكونه كان فرآء وزراء الزوراء وكبارها نخص منهم بالذكر سليمان باشا الرومي المعروف بأبي الليل (الذي ولى بغداد سنة 1750) وسليمان باشا الكبير التفليسي (الذي ولى بغداد سنة 1779) وقد نال لديه حظوة ومكانة تمكن بها من إنقاذ السيد ميخائيل جروة بطريرك السريان من أيدي خصومه اليعاقبة وذلك سنة 1783 وإليك(3/248)
ما كتبه السيد أفرام نقاشة رئيس أساقفة حلب حالاً على السريان في كتابه المسمى عناية الرحمن في هداية السريان (صحيفة 304، 305).
(أما ما كان من السيد ميخائيل فإن شعب الموصل أجمع على إيجاد وسائل لنجاته وأكثروا الكتب إلى بدروس آغا كركجي باشا الوالي يستنجدونه ويستنهضون همته حتى كتب إلى البطريرك نفسه يقول: قد رفعنا مسألتكم إلى أعتاب أفندينا سليمان باشا الوالي فسمح بنزولكم إلى بغداد لمواجهته فإنه مستعد للسعي في إستحصال براءة بتأييد رئاستكم وتنكيس خصمكم فعجلوا إليها سفركم ووعدنا أفندينا أيضاً أن يكتب إلى مفتي الموصل موعزاً إليه أن يرسلكم إلى بغداد سالمين. . . . . وفي اليوم السادس لوصوله جمع إليه أحد أهل الثقة من كل الطوائف مع القنصل الفرنساوي وبدروس آغا كركجي باشي واستبيان قشيشو وقسطنطين ليستشيرهم الخ. .)
وبدروس آغا كان يسكن في جهة البلد المعروفة بالميدان مع أسرته الكثيرة العدد كما يتضح من سجل إحصاء نفوس الكاثوليك الذين كانوا في بغداد سنة 1753 وهذا الإحصاء كمل بهمة الأباء الكرمليين وإليك نصه ما خلا المضاف إليه المحصور بين قوسين والحواشي فإنها لي:
بيت كركجي باشي
بدروس كركجي باشي الوالي
امرأته صوفي (خاتون)
ديمتري
عبد الأحد أولاده
سارة
(قزما اعتمد في 7 آب سنة 1757) ويبين إنه توفى صغيراً)
مريم أخت صوفي(3/249)
زوجها استوراكي يوناني
ابنتها كترينة
(ابنها يعقوب ولد في 7 تشرين 2 سنة 1755)
حنة أخت أخرى لصوفي
زوجها يوردان ديمتري المدعو بوزو
تسبينا
سارة أولادهما
(سيدي التي ولدت في 11 تموز سنة 1753
(توماس الذي ولد في 8 كانون 2 سنة 1758
سيدي أم الأخوات الثلاث (توفيت في 27 نيسان سنة 1760)
جاريتان:
مريم
أماسيا
خدامهم:
أصلان
كوركيس
عبدو
كورو
وكان لبدروس آغا خادم أخر من ديار بكر اسمه ياني بن أيوب من طائفة الملكيين إلا إنه كان يسكن مع أسرته وأخيه عبد الأحد في دارٍ أخرى(3/250)
وبعد وفاة امرأته صوفي خاتون تأهل ثانية بدروس آغا بسيدي السريانية أرملة يعقوب ابن شماس حنا الامدي (المتوفى في 7 آب سنة 1782) وذلك في 8 كانون 2 سنة 1784 وأما تاريخ وفاته فنجهله ولنأت الآن على ذكر ولديه ديمتري وعبد الأحد
2 - ديمتري وذريته
لا نعرف ما كانت مهنة ديمتري إلا إنه كان غنياً وأقترن بسيدي ابنة كرومي بن عبد العزيز الكلداني البغدادي في 23 نيسان سنة 1759 وكان مبارك عقد الزواج السيد عمانوئيل بايه المار ذكره. ورزق منها:
منوش (مريم) التي ولدت في 13 أيار سنة 1762 وتوفيت في 16 تموز سنة 1844 وهي امرأة حنابل انطون الكلداني عم اوساني إلا أن هذا الفرع من عشيرة اوساني المعروفة اليوم عندنا بهذا الاسم قد انقرض.
سنا (أو صنا) التي تعمدت في 19 حزيران سنة 1768 وتوفيت في 10 تشرين 2 سنة 1854 وهي امرأة يوسف مضبوط الامدي الكلداني وأسرته لم تزل إلى يومنا الحاضر في بغداد: أما ديمتري فلا نعرف زمان مماته.
3 - عبد الأحد وذريته
إن عبد الأحد كان يعرف بعبد الأحد آغا ونجهل إن كان خلف أباه في مهنته ومن الظاهر إن عبد الأحد كركجي باشي المذكور في كتاب عناية الرحمان في هداية السريان (صحيفة 361) غير هذا الذي نحن بصدده بل كان كلدانياً من ديار بكر توفى في بغداد في تشرين 2 سنة 1810 ونعرف من أولاده ثلاث بنات تزوجن في بغداد وسأذكرهن في محلهن.
وتأهل عبد الأحد آغا في يوم واحد مع أخيه ديمتري بصوفيا ابنة يوسف عبدي الارمني الكاثوليكي البغدادي المولودة في 4 كانون 2 سنة 1742 وأمها قدسي ابنة غريب التي توفيت في 29 نيسان سنة 1746. وتوفى عبد الأحد آغا مخلفاً الأولاد الآتي ذكرهم:
شموني التي ولدت في 22 آذار سنة 1760 وهي امرأة يعقوب(3/251)
بن بوغوص سيواصي الأرمني الكاثوليكي وهو جد لولو امرأة فتح الله نعمان المتوفاة في البصرة قبل سنتين من تاريخ هذه الأسطر وبموتها انقرضت هذه الأسرة.
انطون الذي تعمد في 24 تشرين 1 سنة 1762 ونجهل ما جرى له. تربزيا وهي امرأة يعقوب بن انطون عم ثانٍ لأوساني المار ذكره وأسرته أيضاً قد انقرضت.
سيدي التي اعتمدت في 19 آذار سنة 1769 وهي امرأة قدسي الموصلي السرياني وقد انقرضت أسرته من بغداد.
كترينة التي اعتمدت في 12 تشرين 1 سنة 1769 وقد تزوجها سمعان بن إبراهيم السرياني (ويبين إن أصله من الموصل) في 30 تشرين 2 سنة 1789 وتوفى سمعان في 15 تشرين 2 سنة 1792 ولم يبق له أثر عندنا. ويبين إن يوسف الموصلي السرياني تزوجها أيضاً في 11 تشرين 2 سنة 1797 بعد وفاة زوجها الأول.
حنا الذي تعمد في 15 آب سنة 1775 ونجهل أيضاً مصيره.
كلارة أوصنا التي ولدت في 12 أيار سنة 1787 وتوفيت في 10 تشرين 2 سنة
وقد تزوجها نعمان دنحا الموصلي الكلداني في 29 كانون 2 سنة 1801 ولم يزل في الوجود أناس من أسرته في بغداد والبصرة وبوشهر.
كرجية التي توفيت في 22 شباط سنة 1848. ويذكر له ابنة أخرى اسمها أغنيس لا نعرف عنها شيئاً.
كتاب الولاة وكتاب القضاة للكندي المصري
-
فاقنا الإفرنج في كل شيء حتى في طبع كتبنا العربية فإنهم يعنون بها عناية لا توصف من المحافظة على النص الأصلي ومعارضته بالنسخ القديمة معارضة دقيقة نرفع الطبعة إلى أوج الكمال والتحقيق وتبقى بمنزلة الإمام التي لا يستغني عنها. ومن الكتب التي أصبحت آية في الحسن والضبط والسداد هذا السفر الجليل الذي صدرنا باسمه هذه الأسطر وقد تولى نشره وتصحيحه وتهذيبه الفاضل رفن كست الإنكليزي على نفقة شركة(3/252)
تذكار ا. ج. و. جب حسن الطبع والكاغد والتجليد والضبط وقد ضم إليه رسمين الأول يمثل لك البلاد التي كانت قد صارت إلى الدولة العباسية في المائة العاشرة من التاريخ المسيحي مع ذكر أسماء البلاد التي كانت تعرف بها عهدئذ. والثاني يبين لك ديار مصر السفلى لا سيما الفسطاط وما جاورها في القرن العاشر من التاريخ المذكور. ثم قدم على هذا التصنيف أكثر من 70 صفحة باللغة الإنكليزية ذكر فيها منزلة هذا الكتاب ومجمل الأحداث التي وقعت في ديار مصر من المائة السابعة إلى المائة الحادية عشرة، ثم خصائص حياة الكندي وسرد أسماء مؤلفاته وشفعها بفوائد نزيد الواقف عليها معرفة بمحتوياتها وعددها 13 ثم انتقل إلى أسانيد كتابية للمولاة وللقضاة ثم ذكر أسماء رواة الأحاديث التي جاءت فيهما مع نبذ في تراجمهم، ثم منزلة مصادر الكندي التي اعتمد عليها، والأشعار التي استشهد بها، ثم تكلم عن الملحق الذي ضمه إلى الكتابين المذكورين لتنم فائدتهما، وفي الختام تكلم عن النسخة الخطية الأم التي نقل عنها وعن طبعها وشفع هذه الفوائد بمعجم صغير ضمنه جميع الألفاظ التي لا توجد في دواوين اللغة العربية وقد جاء بها الكندي (المتوفى 15 ت1 سنة 961م) نقلاً عمن سبقه وكان يظن أن اغلب تلك الألفاظ عامية حديثة الوضع غير قديمة العهد. فأراد الأديب رفن كست أن يبين أنها ترتقي إلى صدر الإسلام إذ نقلها الكندي عمن سبقه أو عاصره. ولهذا المعجم الصغير فوائد جمة لا يعرف قدرها إلا من زاول مفردات اللغة بنفسه. وقد ذكر في جانب كل لفظة عني بتفسيرها وشرحها عدد الصفحة التي وردت فيها.
ومما استحسناه غاية الاستحسان في طبع هذا التاريخ الجليل إن الناشر حفظه الله توفق لتصحيح أغلاط الناسخ توفيقاً عجيباً حتى أن القارئ يظن أن متولي هذا التنقيح من علماء العرب الخلص المتوغلين في التاريخ واللغة معاً بعد توغل إذ لا تخلو صفحة من صفحاته من دليل يؤيد كلامنا هذا. والحق يقال: إننا نهنئ شركة جب الخيرية بكونها عهدت هذا الإصلاح إلى عالم متبحر مثل رفن كست ولا نظن إنها كانت تستطيع أن تختار أحسن منه.
ولما كان الكمال لله وحده فالمرء مهما أفرغ وسعه لا بد أن يرى في عمله نقص دلالةً على بشريته وعلامتنا الناشر لم يشذ عن هذه القاعدة. فقد وقع في طبع هذه النسخة بعض هفوات ونحن نستأذنه في إبداء ملاحظاتنا، منها:(3/253)
1 - وقع أغلاط طبع لم يستدركها في فهرس إصلاح الأغلاط منها: في صفحة 11 سطر 1 ولابة والصحيح ولاية. وكتابة (ابن) إذا وقعت بين علمين بين علم الولد وأبيه تحذف الألف كما صرح به النحاة إلا أنه ورد تارة بالألف وطوراً بدون الألف إذا كان في رأس السطر فمن الأول ما ورد مثلاً في ص 11 س 12، 13، 14 ومن الثاني ص 29 س 9 و20: 13 و21: 17 إلى غيرها والأصح أن تحذف الألف لأن النحاة لم ينصوا على أن تعاد الألف أو يخير بين كتابتها وتركها إذا كانت اللفظة وقعت في رأس السطر. - وفي ص 12 س3 فيقال أن وفتح الهمزة والأصح كسرها. - وضبط ابن وهب بفتح الهاء ص 15 س 11 والأفصح بإسكانها وإن كان يجوز فتحها لأن عينه من حروف الحلق. - وفي ص 17 س 8 ضبط مت بكسر الميم والمشهور ضمها وإن يجوز كسرها. وفي ص 18 س 5 حديج بالياء الموحدة والأصح حديج بالياء المثناة - وضبط السرب الواردة بعد إلا من بفتح السين والأفصح كسرها (راجع ص 21: 9 و14) وكثيراً ما جاءت الياء مهملة من التنقيط في حين يجب تنقيطها كما في أبي ارطاة ص 18: 2 وشيعتي 21: 10 وعلي 23: 5 و8 إلى غيرها. وفي ص 22: 6 بدل قيس والأصح قيساً وفي ص 24: 7 إن كان في دخوله مصر خيراً والأصح خير بالرفع - وفي ص 25: 5 اكر وضبطها بفتح الكاف والأصح بضمها وفيهما: وأضرب بفتح الراء والأصح بكسرها. وفيها س 17 وفي عدة مواطن (فلهفي) وضبطها بفتح الفاء والألف الجالسة والأصح فلهفا بالألف القائمة أو فلهفي بياء المتكلم المنقوطة في الأخر - وفي ص 27 س 12 الرياسة والأفصح الرئاسة بالهمزة.
وفي 36: 13 الحهني والأصح الجهني بالجيم المنقوطة - وفي 38: 17 أمر مسلمة بإبتناء منار المساجد كلها. والأصح مناور لأن منارة لا تجمع على منار وإذا أردنا أن نتتبع جميع أغلاط الطبع فيطول الكلام.
2 - اخطأ في تصحيح بعض الأغلاط
من ذلك ضبطه لأسم داود بواوين بهمزة على الأولى هكذا (داؤود) في جميع مواطن الكتاب حتى في الفهرس. وهو في ذلك يخالف اللغة المشهورة لأن الأفصح على ما نقله صاحب التاج في مادة طوس هو بواو واحدة وهذه عبارته: (قال الصاغاني): والاختيار أن يكتب الطاوس علماً بواو واحدة كداود). ثم صرح في مادة دود. إنه لا يهمز) - وفي ص 25 س 4 هذا البيت:(3/254)
أبعد الاشتر النخعي نرجو ... مكاثرة ويقطع بطن واد
ضبط يقطع بالمثناة التحتية وفتحها ثم قال في الحاشية: في الأصل: نقطع): قلنا ونحن هنا نخير رواية الأصل أو أن تضبط يقطع بضم الياء لا بفتحها بصيغة ما لم يسم فاعله.
وقال عند ذكره هذا البيت (ص 26 س 5):
ولو مارسوه مارسوا ليث غابةٍ ... له كالتي لا ترقد الليل فإنك
لعل صوابه كلأة (في موضع كالتي). قلنا: ولا معنى لكلاة هنا ورواية البيت لا غبار عليها. ومعنى التي: الأم التي أو المرأة التي واكتفى بذكر الموصول للاشتهار. ومنه مثل العراقيين والموصليين: أم المقتول تنام وأم المهدد لا تنام. - وقال في ص 32 س 13: ولكن أبايعكم على أنكم توفوني وذابتي.) قال في الحاشية قوله ذابتي فيه شبهة لعدم ظهور معناه: لعل الصواب ذأمتي.) أهـ. قلنا: وردت الذامة والذابة بمعنى واحد في كتب اللغة فلا محل لتفضيل لفظة على لفظة لكننا نظن أن الأصح: (وذمتي) - وقال في ص 35: 11 ورقي على المنبر وذكر في الحاشية: (في الأصل: رقا والظاهر أنه سهو من الناسخ.) قلنا: ونحن لا نظن لأن كلام المؤلف إشارة دقيقة، ورقا هنا مأخوذة من رقا الطائر يرقو: إذا ارتفع في طيرانه كأنه يشير إلى سرعة تسنم عتبة للمنبر كالطائر. وعلى كل حال فقوله: ورقى على المنبر بتعدية الفعل بعلي مما يحتفظ به لأن اللغويين ذكروا رقى فيه وإليه وإنما عداه بعلي لتضمينه معنى الإشراف والإطلال والإنافة لا معنى الصعود بخلاف ما يظهر
من القرينة. - وقال في ص 37: 2 وكان عقبة قارئاً فقيهاً مفرضاً شاعراً. وضبط مفرضاً بضم الميم وإسكان الفاء وكسر الراء. ونحن نرى أن الأصح وقرضاً بالقاف ومن باب التفعيل. قال صاحب تاج العروس في مستدرك قرض: التقريض صناعة القريض وهو معرفة جيده من رديئه بالروية والفكر قولاً ونظراً. اهـ. ولم يجئ المفرض بمعنى الفراض أو الفريض أي العارف بعلم الفرائض فإذا كان هنا بهذا المعنى الأخير فكان يحسن به أن يدونه في (فتح المغلق) - وجاء في 36: 6: يا أمير المؤمنين حوت بحر ووغل بر وليتني الصلاة وزويت عني الخراج ونقط الوغل والأصح بالعين المهملة لأن لا مناسبة بين الوغل والبر على ما شرحه في فتح المغلق بخلاف الوعل بالمهملة كأن ابن عوف المعافري يقول جعلتني حوت بحر ووعل بر معاً وهذان لا يكونان فإما أن أكون حوت بحر وإما أن(3/255)
أكون وعل بر وفي كل من هتين العبارتين تلميح إلى المثلين هو يماقس حوتاً وهو أزهى من وعل. - وقال في ص 323: 15 فضرب عثمان بمحضرته الأرض. فقال في فتح المغلق المحضرة مصدر حضر قلنا: ونحن لا نرى رأيه والأصح: بمحضرته أي بخاء معجمة ثم صاد مهملة. وهي ما يتوكأ عليه كالعصا ونحوها وما يأخذه الملك بيده يشير به إذا خاطب والخطيب إذا خطب على ما أوضحه اللغويون وهو المعنى المراد في هذا المقام - وورد في 179: 10:
لكن فات فوق اقب نهدٍ. كرجع الطرف لا تخشى اصطلاعا.
فقال في الحاشية عن (تخشى): لعله: بخشى. ونحن نوافقه على هذا التصويب. لكنه قال في فتح المغلق: يحتمل أن يكون معنى اصطلع هنا بمعنى مر وإن كان المعنى يبقى بهذا التوجيه غير واضح. قلن: الذي نراه إن اللفظة محرفة ومصحفة عن الاطظلاع فكتبها الكاتب الاضطلاع من باب الإبدال وهو جائز ثم صحفت وحينئذ يستقيم المعنى والاطظلاع هو الضلع قال التاج في مستدرك ظلع: دبر مطيته واظلعها اعرجها) ومطاوع افعل هو افتعل كأحرقه فأحترق وأشعله فأشتعل إلى أخر هذا الباب.
ومما يجري في وادي هذا المعنى ما ورد في ص 463: 12 فأتى كتاب المتوكل بحبسه واستقصاء ماله) قال في الحاشية: لمنبادر إنه تصحيف استصفاء إلا إنه ورد استقصاء في غير موضع الأصل بهذا المعنى، وقال في فتح المغلق ومعناه: استصفاء المال. قلنا: ونحن نظن أن الواجب هنا الاستقضاء بضاد معجمة بدلاً من الصاد المهملة: واستقصى المال أخذه وقبضه مثل اقتضاء. راجع اقتضى في مستدرك قضى في التاج. وكثيراً ما يتعاور افتعل واستفعل. ونظن أن الاستقضاء منه. - وفي ص 319: 8 (إن عبد الرحمن بن حجيرة كان يشرب الشوبية) فقال: في الأصل: السوبية بالمهملة وفي التلخيص: الشوبيا.) قلنا: السوبية أو السوبياء بالسين المهملة نوع من المبردات معروف في بغداد بهذا الاسم إلى يومنا هذا ويسمى أيضاً مستحلب اللوز وبالإفرنجية ولا محل إلى الرجوع إلى معجم دوزي القائل إن الشوبة هو شهد العسل فكل من السوبية والشوبية من واد والكلمة تركية الأصل ووجودها في كلام(3/256)
الكندي مما يحرص على تقييده وتدوينه - ومن هذا القبيل ما جاء في ص 252: 16 وهو قول المؤلف في نقل أبيات اسمعيل بن أبي هاشم ومنها هذا البيت:
وكأن وجوههم إذا أبصرتها ... من فضة مصيوغة أو عاج
وأورد (مصبوغة) بباء موحدة أي مصبوغة. وقال عنها في فتح المغلق: (تنظر إلى رواية الخطط (فضة بيضاء) والأصح مصيوغة كما قيل في مبيعة ومخيطة مبيوعة ومخيوطة ومعنى مصيوغة هنا مخلوقة خلقة حسنة كأنها من فضة أو من عاج. - ومن هذا القبيل ما جاء في ص 180: 16 قول المؤلف: (فتقاتلوا فاستأمن من أبو السرور في جمع كبير إلى ابن طاهر ثم تخامروا) فقال في مفتاح المغلق: إن المعنى هنا مرتاب فيه والظاهر إن المراد به (تصالحوا). قلنا: إن أبا تمتم لما نظم أبيات هذه الوقعة قال في آخرها:
توخوا أمان الاريحي ابن طاهر ... فمن فارسٍ يأتيه طوعاً وراجل
فيكون معنى تخامروا ذلوا وخعضوا وهو ما جاء به صاحب اللسان والتاج وغيرهما. - وجاء في ص 416: 1 وكان عمرو بن خالد يلزمه ويترسل إليه وكان أيضاً يكتب له. فقال في مفتاح المغلق: معنى ترسل تأنى في القراءة. قلنا: ولا يمكن ذلك هنا والمانع هو قوله (إليه) والأصل إن الترسل في هذا الموطن بمعنى المكاتبة ومنه صناعة الترسل وهي كتابة الرسائل ومعنى العبارة إنه كان يكاتبه وفي بعض الأحيان حينما يكون بجانبه (يكتب له) أيضاً أي الغير عن لسان صاحبه. - ومما يطوي على هذا الغر ما جاء في ص 400: 4 في إيراد هذا البيت ليحي الخولاني: قد كشف الخف من ضلالته ... في عصبةٍ من مسالم الحرس
فقال في فتح المغلق: (الظاهر إن المسالم جمع مسلماني وهو الحديث الإسلام.) قلنا: إننا نرى إن المسالم هنا مصحفة عن المسالح ومسالح الحرس جمع مسلحة وهم القوم ذوو السلاح فيستقيم المعنى وإلا لا يتصور إن شاعراً عربياً قحاً يدخل في شعره لفظة مثل مسلماني المخالفة للأصول العربية بالمعنى الذي يعقده الشارح بناصيتها. - ومما يدخل في هذا الباب شرحه لهذه العبارة: (حتى ترابي عليه دين كثيرة) في ص 337: 6 فقال: لعل معناه اجتمع عليه دين بالفائدة أي الربا قلنا: ومعنى ترابي: تكاثر فكما قالوا تكاثر من الكثر قالوا ترابي(3/257)
من الربو وهو الزيادة والنمو بدون معنى الربا أي الفائدة لأن المسلمين لا سيما الأقدمين منهم يحرمون كل التحريم الدين بالرباء. - ومن هذا القبيل ما جاء في ص 263: 3 في شرحه هذا الكلام: (واخرج معه ابن الخليج في ثلاثة مراكب وحمامة) فقال في الحاشية: لعله حمالة، لأن الحمالة نوع من السفن. قلنا: والأصح (وعامة) وهو الطوف الذي يركب في الماء ويسميه أهل العراق الكلك. - ومما يساق هذا المساق تأويله للفظة وردت في هذا البيت: (ص 142: 13، 14)
أما الأمير فحناج وصاحبه ... على الخراج سوادي من الاكر
وضبط الاكر بضم ففتح فقال: هو جمع اكرة والأكرة على ما شرحها صاحب القاموس ونقلها (لين) هي الحفرة يجتمع فيها الماء فيغرق منها صافياً.) قلنا: ولا معنى لهذا التأويل هنا والأصح إن الاكر في هذا الموطن بالتحريك لا بضم ففتح جمع أكار الذي يجمع على أكرة كأنه جمع آكر على قول اللغويين والأصوب عندي أن يقال الاكرة جمع آكر ويقال فيه أيضاً اكر بدون هاء لا سيما في الشعر مثل تابع وتبع وتبعة وبالأخص إن وزن فاعل كثيراً ما يجمع على فعل بالتحريك بدون هاء كخادم وخدم، وطالب وطلب وطلبة، وغائب وغيب، وسالف وسلاف، وراصد ورصد، ورائح ورئح، وفارط وفرط، وحرس وحرس، وعاس وعسس، وقافل من سفره وقفل، وخائل وخول، وخابل وخبل، وهو الشيطان، وبعير هامل وهمل، وهو الضال المهمل، فكل هؤلاء جمع. وقال سيبويه إنها أسماء لجمع ولعله الصحيح. - ومما يوافق هذا البحث قوله في ص 226: 4 فقرئ على أهلها بأن أبا أحمد نكث بيعة المعتمد وأسره وحرش عليه في دار أحمد بن الخصيب) فقال في شرح المعضل:
الظاهر إن معنى حرش عليه عامله معاملة سيئة. قلنا نحن: والأصح إنها جاءت هنا بمعناها المألوف أي هيج. وإنما عدى الفعل بعلي لتضمينه معنى التهيج قال في تاج العروس. التحريش إغراؤك الإنسان والأسد ليقع بقرنه. . . وفي الحديث إنه نهى عن التحريش بين البهائم هو الإغراء وتهييج بعضها على بعض كما يفعل بين الجمال والكباش والديوك وغيرها.
3 - لم يصب في بعض الأبيات الشعرية حينما أراد إعادتها إلى نصابها وإن كان قد أصاب في اغلبها. قال مثلاً في ص 401: 6 تصحيحاً لهذا البيت:
ليت البلا بين التي تجري ... تقوم بمسمعاتك(3/258)
لم يتهيأ لنا تصحيح هذا البيت فتركناه على ما في الأصل ولعله:
ليت الثلاثين التي تجزي ... تقوم بمسمعاتك
أي الثلاثين الشهود المذكورين أدناه. قلنا. والأصح:
ليت البلا بين التي ... تجري تقوم بمسمعاتك
بتقدير ليت البلا بين (الريح) التي تجري. . .
وقال في ص 400: 5 في إيراد هذا البيت.
يقدمه خالد ويتبعه، لوط فران الكبين في مرس
كذا في الأصل. قلنا واللفظة ظاهرة وهي قران مصدر قرن أو قارون ومعنى البيت يقدمه خالد ويتبعه لوط وهما بمنزلة كلبين شدا بمرسٍ واحدٍ. - وجاء في ص 57: 12 و13
فإن نزعا مصراً فبالجد فارق ... أحل وخلا فسطها وقراهما.
فقال في الحاشية. لم يظهر لنا وجه لتصحيح هذا المصراع فتركناه كما هو في الأصل. قلنا: ونظن إن صحيحه هو هذا:
. . .، أجل وخلا فسطاطهما وقراهما
و (فسطاطهما) راجع إلى مصر وقراهما راجع إلى عبد العزيز والي الأصبغ ابنه المذكورين في البيت.
وورد في ص 217: 1، 2:
يعالج مرضاكم ويرمي حريمكم، جيش. . . القلب أدهم أعزل فقال في الحاشية: (لعله: بجيش. وهذا المصراع ظاهر النقصان). قلنا: ونعلن أن تمامه هو: بجيش جرئ القلب أدهم أعزل.
ومن أقواله الحاشية التي علقها على هذا البيت (ص 150: 7، 8)
أضحت قضاعة قد علتها كابة ... وبنو الحرس سوافر الأظلام
فقال: (قوله الحرس لا يفي بالوزن. فمن ذلك يعرف عدم صحته وأقرب ما وجدنا في قضاعة إليه جريش فلعله الصواب). قلنا: أما قوله الحرس لا يفي بالوزن فغير صحيح لأنك إن جعلت الحرس كالسجل بتشديد اللام استقام الوزن. لكن لا وجود للحرس بمعنى بطن من قضاعة ولهذا صدق في قوله: (وبنو الجريش) لأنهم من قضاعة ولأن المؤلف يذكرهم في ص 161 من كتابه.
وجاء في ص 161: 1، 2:(3/259)
كلا الفيلقين. . . . . ... مقاماً على ما كان فيه يماصع
فقال في الحاشية: (في الأصل: كلا الفيلقين له بطو). قلنا: ونظن أن الأصل هو: (كلا الفيلقين له بطئ إذا ابتغى). الخ ويكتب البعض كلمة بطئ إذا كانت مرفوعة (بطؤ) كما يكتبون الكفء (كفؤ) فأحفظه.
وقال في ص 399: 11 هذا البيت:
إلا لعن الرحمن من كان راضياً ... بهم رغماً ما دامت الشمس تغرب
(كذا في الأصل.) قلنا: وإذا كسرت الغين استقام المعنى. والرغم بالكسر وإن لم يرد إلا إنه لما كان بمعنى الغضب هنا وزن وزنه وقد عقد النحاة واللغويون باباً لهذا الموضوع سموه (الحمل على النظير) قال السيوطي في كتابه الأشياء والنظائر في اللغة: قال ابن الأثير في النهاية: الحداث جماعة يتحدثون وهو جمع على غير قياسٍ (حملاً على نظيره) وهو سامر وسمار فإن السمار: المحدثون.) - فإذا سلمنا بهذا يكون حينئذ معنى البيت: لعن الله المرائين الذين يظهرون الرضى ويبطنون الغضب لعنةً تدوم ما دامت الشمس تغرب.
4 - الحق بآخر الكتاب معجماً صغيراً يحوي شرح الألفاظ الغامضة التي وردت في تضاعيف الكتاب.
قلنا وهو أمر حسن نود أن يجري عليه كل من ينشر كتاباً للأقدمين؛ والإفرنج قد سبقوا العرب في هذا الميدان إغناء للغة بالألفاظ المولدة أو بالألفاظ التي لم يظفر بها اللغويون حينما دونوا الكلم الغريبة أو فاتتهم بدون أن ينتبهوا لها إلا أن الناشر قد فاته بعض الأمور: منها عدم تنبيهه على بعض الألفاظ التي تحتاج إلى التنبيه ومنها إنه نسي من الألفاظ أكثر مما قيده منها. ومنها إنه نبه على أشياء كان في مندوحة عنها لشهرتها أو لدخولها تحت ضابط عام أو لأن اللغويين طرقوا بابها. - فمن الأول قوله في كشف الغامض: عن كلمة مواخير الواردة في هذه العبارة (297: 13): (وأمر برفع الكلف والمؤن وتعطيل المواخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). الظاهر إن المواخير هنا هي ما تأخر دفعه من الضرائب (كذا) قلنا: هذا غير صحيح. إنما المواخير هنا جمع ماخور والماخور هو (على ما ذكره اللغويون) مجلس الفساق وبيت الريبة. وإلا لما(3/260)
قال: وتعطيل المواخير لأن التعطيل لا يوافق المواخير لو كانت بمعنى ما تأخر دفعه من الضرائب. - ثم لو فرضنا إنها وردت هنا بالمعنى الذي يشير إليه (وهو ما لا نسلم به البتة) كان يجدر به أن يذكر واحدها. وواحدها يكون حينئذ (موخر) بالهمز على الأصل أو بالواو من باب تسهيل الهمز على لغة قريش وإنما جمعوها على مفاعيل كما قالوا في جمع مقدم (المشش الدال) مقاديم وفي منكر مناكير. - وربما نبه على أمر لا يحتاج إلى توجيه الفكر إليه كقوله في الجلاب: هو على ما قاله دوزي نقلاً عن محيط المحيط: ماء الزبيب المنقوع) ثم زاد عليه قوله: والظاهر إنه من الأشربة التي يسم بها. ومن هذه الزيادة قال عن السوبية. قلنا: ولا حاجة إلى هذا التنبيه لأن الواحد إذا أراد سم آخر لا يضع السم إلا في شراب قد ألف جرعه وإلا انتبه له الشارب. كما أن الذين يسمون الناس اليوم لا يتخذون لنيل مآربهم الممقوت إلا قهوة البن أو المسكر أو المشروب المحلى أو نحوها.
وأما ما نسي إلحاقه بمعجمه فهو كثير من ذلك: النظارة ص 7 بالتشديد بمعنى المكان المشرف الذي ينظر منه كالمنظرة، والرطب السرة بمعنى الحديث الوضع أو الولادة كما في قوله ص 19 لو طلبت منا جدياً رطب السرة. - وفي ص 22: فلم يزالوا به حتى كتب إليه، بمعنى فما انقطعوا عن الإلحاح عليه - وفي ص 25 وعيني ما تهم إلى رقادي بمعنى تهم برقادي وإنما عداها بعلي لتضمينها معنى العزم - وفي ص 27 فبعث بأبي عمرو بمعنى بعث أبا عمرو. قال الشيخ إبراهيم اليازجي رحمه الله في الضياء 1: 484: وقول البعض: بعث برسول إلى فلان خطأ وكذلك بعث إليه هدية لأن ما ينبعث بنفسه كالرسول تقول بعثته وما ينبعث بغيره كالهدية والكتاب تقول: بعثت به فتعدى الفعل إلى الأول بنفسه وإلى الثاني بالباء.) اه. قلت أنا: وكذلك القول في أرسل كما نبه عليه الحريري. لكن كل ذلك من تمحلات اللغويين وإلا فإن ابن جني قد صرح بجواز ما منعه الغير في شرح ديوان المتنبي وعليه قول النابغة الجعدي من شعراء الجاهلية:
فإن يكن ابن عفان أمينا ... فلم يبعث بك البر الأمينا
وفي ص 32: 2 فصلى خارجه بالناس، أي تقدمهم فيها فصار إمامهم. واللغويون لم يذكروه. - وفي ص 39: 5 وولاه البحر بمعنى أقامه رئيساً على الأسطول أو السفن البحرية وفي ص 43: 3 وقطع بعثاً في البر بمعنى بعث بجيش. - وفيها: 10(3/261)
فنزل عليها عاصف بمعنى هب عليها ريح شديدة والنزول بمعنى الهبوب والعاصف بمعنى الريح الشديدة من المستدركات - وفي ص 46: 10 لتشغب الجند وتشغب من الشغب لم يذكره اللغويون وإن كان مقيساً. - وفي ص 47: 4 وأوقع إلى كل رئيس منهم إنه خاصتك بمعنى أثبت لكل رئيس إثباتاً يكون بمنزلة خاطر يخطر في نفسه - وفي ص 50: 7 ووقف على غروسه ومساقيه. - فورود غروس بمعنى اغراس أو غراس من المستدركات على أصحاب المعاجم - وفي تلك الصفحة نخل مواقير بالقناء. ومواقير جمع موقر وموقرة وميقار لم يذكره اللغويون مع إنه قياسي بل ذكروا مواقر. وكذلك القناء جمع قنو لم يذكره اللغويون بل ذكروا اقناء وقنيان وقنوان مثلثتين. لكن الناشر ضبط القناء بفتح القاف وهو خطأ والأصح بكسرها لأن فعلا لا يجمع على فعال بالفتح بل على فعال بالكسر. - وفي ص 51: 4 وعرف على موالي تجيب بمعنى جعل عريفاً عليهم من المستدركات - وفي ص 423: 13 مناسي الجدود بمعنى منسيو الجدود وفي ص 424: 1 كبراطيل اليهود جمع براطل بتخفيف اللام وتشديدها. - وفيها: 2 كالمقاعيد بمعنى كالمقاعد وكلتا الكلمتين من ضرائر الشعر وفيها 3 عدالات الشهود في جمع عدالة. - وفيها 1 تحت أميال اليهود جمع ميل وهي قلنسوة طويلة كالبرطل مأخوذة من معنى شكل الميل للمنار الذي يبنى للمسافر لهدايته وفي ص 323: 8 وأنا غلام جفر اعقل. والجفر هنا الصغير من الغلمان مأخوذ من معنى الجفر لولد الشاء الذي فصل عن أمه. وفي ص 365: 10 فلم يشك ابن شجرة إلا أن. . . أي تأكد. - وفي ص 391: 8 وأخذ ابن مسروق جمعاً من جلسائه فضربهم وطاف بهم. ومعنى طاف بهم هنا شهرهم بتشديد الهاء وجرسهم بتشديد الراء وهو إن يجعل في عنق المشهر جرس ويركب على دابة مقلوباً أي وجهه من جهة ذنبها. وكانوا يفعلون ذلك بعد أن يضربوهم. وكانت هذه العادة معروفة في بغداد قبل نحو 60 سنة والفعل (جرسه) معروف إلى اليوم أي شهره أو نوه بذكره تنويهاً قبيحاً. وكانوا يقولون أيضاً (داروا به) وهو بمعنى طافوا به فليحفظ - وفي ص 437: 8 إن قمطر عيسى بن المنكدر كان يرفع في حانوت أي كان يحفظ إلى أن يحتاج إليه. وهذا الفعل بهذا المعنى معروف في بغداد إلى يومنا هذا. - وفي ص 607: 8 فأمر بإحراق المرأة في بارية. ووضع بعد بارية علامة الاستفهام كأنه يقول: وما مراده ببارية هنا؟ - قلنا:(3/262)
معناها الحصير المتخذ من القصب. ويقال فيها أيضاً بارياء وباري بتشديد الياء في الثاني والكلمة بهذا المعنى معروفة إلى يومنا هذا في العراق. - وفيها: 20 فزاد في أبنيتها وترخيهما (كذا) والأصح وترخيمها من رخم الدار بتشديد العين أي فرشها بالرخام. وقد وردت في كلام المولدين بهذا المعنى وإن لم يذكرها اللغويون. قال الشريف محمد بن أسعد الحراني المعروف بالنحوي. (كان (في دار ابن خنزابة) التي تقابل دار السكاكي قاعة لطيفة مرخمة) أهـ. وقول صاحب محيط المحيط والدار المرخمة عندهم (أي عند العامة) المبلطة بالرخام في غير محله. - وفي ص 614: 12 وساط دعائم دين الإله. والأصح وشاط بالشين المثلثة ومعناها أحرق وشاط بمعنى أشاط من المستدركات. إلى غير هذا ولو أردنا استقصاءها لخرجنا عن نطاق هذه المجلة.
أما إنه نبه على أشياء في شرح الغامض كان في منتدح عنها لشهرتها أو لدخولها تحت ضابط عام أو لأن اللغويين طرقوا بابها فمنها البحر بمعنى النيل وقد نبه على إطلاق هذا اللفظ اللغويون - ومنها مجيء (إلى) بمعنى (على) لا سيما إذا تضمن معنى فعل يجيء بعده أحد الحروف المبدلة منه كما في توجه إلي وتوجه عليّ. وورد إليه وورد عليه إلى غيرها مما ظنه من المستدركات. وذكر الفرانق بمعنى الذي يدل صاحب البريد على الطريق وهذا قد نبه عليه اللغويون وليس من المستدركات - وذكر القفيز الفالج بمعنى ضرب من المكاييل والأصح أن الفالج كلمة أرمية معناها نصف ويراد به نصف الكر الكبير. - وذكر القمطر وقال: وهذه الكلمة ذكرت مؤنثة. قلنا: وقد نبه اللغويون عل أنها تؤنث وتذكر وعندي إن تأنيثها أجود لأنها عندي معربة من ولهذا يقول العرب فها أيضاً قمطرة تبعاً للأصل. - وذكر الكم بمعنى الحجرة. قلنا: ويراد بها بالخصوص الحجرة الطويلة ككم الثوب. والكلمة قديمة بهذا المعنى ومنه وصفهم للسدلي بقولهم: كالحاري بكمين. (لغة العرب 2: 516، 517)
هذا ما أردنا تبيانه لعلمنا إن الناشر من جله العلماء وإنه يحب الوقوف على تحسين هذه الطبعة. على إننا نقول ما ذكرناه هو دون ما يمكن أن يذكر. وإنما اكتفينا بالإشارة لعلمنا أن تتبع بقية ما جاء من هذا القبيل لا بعسر على مثل حضرته وهو العالم الجليل، وفقنا الله وإياه لسواء السبيل.(3/263)
سياحة في النوم
بينما كنت مضطجعاً على فراشي أردد في فكري محاسن صنع الله تبارك وتعالى، الذي أتقن كل شيء فبرأه بمقتضى حكمته الربانية، إذ أخذتني سنة الكرى فرأيت في منامي كأنني أتجول في بستان أشجاره القنواء، وأزهاره غراء، وأطياره بديعة الغناء، وأنهاره متدفقة الماء، فأخذت أسير الهوينا لأتمتع بمشاهد تلك الطبيعة البديعة، وكنت ألتفت يمنة ويسرة لكي لا يفوتني قل ولا جل. ثم ما أبطأت أن وقع طائر بصري على قصر شامخ رفيع العماد مزين بأنواع القناديل والمصابيح وكل ضياء ساطع حتى ظننت أنه سابح في بحر من نور، والمياه المتألقة تنساب في جوانبه، كما تنساب الأفاعي في الفلوات الناعمة الرمال، السريعة الانهيال، قدار في خلدي أن أتأثر هذا الماء الزلال، لأرى مقره ومصبه أو مندفقه، وبقيت أتتبع منعطفاته، حتى أدى بي المسير إلى غدير كبير، ماؤه عذب نمير، واقع في وسط بقعة القصر المشيد، وفي جنباتها مجلس نضيد، وبين يديه أسرة متخذة من العاج، المرصع بالجور الوهاج، فلما شاهدت ذلك، دفعني حب الاطلاع على الغرائب، والاستكشاف عن الخفايا أن أستريح هنيئةً مما لحقني من العناء، وكابدته من البرحاء، وكانت عيناي شاخصتين شطر القصر، مفكراً ألف فكر.
فبينما أنا على تلك الحال، إذ فتح الرتاج، وخرج منه شاب مقنع بقناع مواج، وعلى رأسه تاج، ولا بس حلة من الديباج، يناهز عمره الحادية والعشرين، كأنه منحدر من عليين، ويحيط به مئات من الحور العين، وفئات من أجمل البنين، وهم يمشون كلهم مشياً وئيداً. ويكرمونه إكراماً حميداً. وما زالوا على تلك الحال، حتى بلغوا محلاً مرتفع المنال، فرقي السلم، ووقف ليتكلم، وأمر أحد حجابه أن يميط النقاب عن وجهه الوضاء، وطلعته الحسناء، فلما فعل الحاجب ما أمره به، ظهرت عليه جميع محاسن ربه، وبدا وجهه الوسيم، يتلألأ بنور أهل النعيم، ولاح جبينه الوضاح، أبهى من ضياء الصباح، تقول حواجبه دم عاشقي مباح، وهو ذو عيون كأنها عيون الجآذر الملاح، ووجنات تزري بالجلنار، تتوهج توهج النار. وخال كأنه قيراط عنبر، أو مسك أذفر، وقد كقضيب ألبان أو كاملود الخيزران.(3/264)
وبعد أن تكلم كلاماً يؤنس الغزلان، ويوقظ الوسنان، أخذ يلتفت ذات اليمين وذات اليسار، منزهاً الطرف بين الأشجار والأزهار، مستأنساً مع أعوانه وهو في أحسن مقام، وأطيب أقوام، فوقع بصره عليّ فوجدني جالساً لا أتمكن من القيام، لما اعتراني من شدة الغرام، وكثرة الهيام، فأشار إليّ بالنزول، وأن لا أبقى في محلي كالسجين أو كالمغلول، ثم رأيته مقبلاً أليّ، مراقباً ما أحوالي. فقلت في نفسي: إنك لقد وقعت في بلاء عظيم، لدخولك في موطنٍ خاص بهذا الأمير الكريم.
وبينما كان الهلع قد أخذ من كل مأخذ، تقدم أليّ وحياني أحسن تحية، ورحب بي كل الترحيب، فرددت عليه السلام، مجيباً إياه بعبارات الإجلال والإكرام، ثم قال لي: لا تخف يا بني، وارك لا تعرفني، فقلت: لا يا سيدي: فقال أنا الذي طبق أسمي الخافقين، وسمع به سكان ديار القطبين، أنا الذي اسمه (العفاف، أنا الذي أقع من القلب في الشغاف. أنا مزكي النفوس، أنا زينة كل عروس، أنا سر السعادة، أنا مرقي الصلحاء إلى أوج الإمامة والعبادة. فلما سمعت هذه الكلمات، وما حوت من المعاني الطيبات، سكن روعي، واطمأن قلبي، وانقشعت من سماء أفكاري، سحب الخوف والفزع، وتذكرت هذه الأبيات:
لك منزل في القلب ليس يحله ... إلا هواك وعن سواك أجله
يا من إذا جليت محاسن وجهه ... علم العذول بأن ظلماً عذله
الوجه بدر دجى عذارك ليله ... والقد غصن ثرىً وشعرك ظله
هذه جفونك أعربت عن سحرها ... وعذار خدك كاد ينطق نمله
عار لمثلي أن يرى متسلياً ... وجمال وجهك ليس يوجد مثله
هل في الورى حسن أهيم بحبه ... هيهات أضحى الحسن عندك كله
وما كدت أفرغ من إنشاد هذه الأبيات، إلا وفزعت في نومي واستيقظت وقد انطبعت صورة (العفاف) في مخيلتي فقلت في نفسي: لأدعون الناس إلى حب هذا الخلق البديع، ذي الحسن السنيع، لما يورث النفس من المناقب السامية، والفضائل العالية. إن ربك لرقيب، وهو المجزي المثيب. فاجعلنا اللهم ممن يخافك ويترقب منك، ولا تجعلنا أن نصرف وجهنا عنك. اللهم آمين
(20 - 8040)(3/265)
فوائد لغوية
سبب إفراد معدوم ما فوق العشرة في الجمع.
من أغرب خصائص اللغة العربية أن الناطقين بالضاد إذا عدوا المعدود إلى العشرة جمعوه وإذا تجاوزوها أفردوه. فيقولون مثلاً ثلاثة رجال إلى عشرة رجال. ثم يقولون أحد عشر رجلاً وعشرون رجلاً ومائة رجل وألف امرأة. ولم يعترض النحاة لذكر سبب هذه الغريبة. وعندي إن سببها هو أن العرب كانوا في جاهليتهم قوماً أميين أجلافاً لا يعرفون من العدد والمعدود معرفة تامة مثبتة إلا بقدر ما عندهم من الأصابع في أيديهم، ولهذا سموه جمع القلة أما إذا تجاوزوه فإنهم يرتكبون في عده ويضطربون ويرتكبون الخطأ. لهذا أفردوا المعدود بعد ما فوق العشرة وسموه جمع الكثرة كأنهم يشيرون إلى أن ما يعدونه بعدها يحتمل زيادة واحد أو نقصان واحد. فقولهم مائة رجل معناه مائة (من رجال بزيادة) رجل (أو بنقصان) رجل.
لكن كان يجب عليهم أن يقولوا على هذا الوجه ثلاث مئات إلى تسع مئات كما قالوا ثلاثة آلاف إلى عشرة آلاف ومع ذلك فإنهم خالفوا هنا القياس أيضاً وقالوا: ثلاثمائة إلى تسعمائة. والسبب هن أنهم اعتبروا الثلاثمائة والتسعمائة بمنزلة كلمة واحدة مركبة ولهذا يكتبونها متصلة الصدر بالعجز بخلاف ثلاثة آلاف مثلاً فإنهما تعتبران كلمتين منفصلة إحداهما عن أختها.
ولعل هناك غير السبب الذي أشرنا إليه. إذ أننا وجدنا في أعراب العراق كثيرين من الناس الذين لا يعرفون أن يحسبوا أكثر من عشرة فإذا احتاجوا إلى عد مائة سألوا واحداً يحسن العد. ولقد رأيت أناساً إذا ضاقت بهم الحيلة يجمعون المعدود عشرات عشرات على حدة ثم يحسبون العشرات ليعدوا المائة أو يحسبون المئات ليعدوا الآلف. قلنا فإذا كان أعراب هذا العهد في هذه الدركة من الجهل فما قولك في أعراب ذلك العهد العهيد الذي ما كانوا يخالطون فيه المتحضرين مخالطة عظيمة على ما هي اليوم. - هذا وإذا جمعوا العشرات كوماً وجعلوا كلاً منها على حدة سموا كل طائفة منها (جمع) فلم تعد تسمى المائة(3/266)
من الرجال مائة (رجال) مثلاً بل (جمع رجل) عشر مرات. وهكذا بقى لفظ المفرد على إفراده. على أننا نخير التأويل الأول. وهو فوق كل ذي علم عليم.
أسئلة وأجوبة
الشكيمة ومعانيها اللغوية
سألنا أحد أدباء مصر قال: جاء في القاموس: الشكيمة: الأنفة والانتصار من الظلم والعهد والشم) فما هو المعنى الأصلي الرابط لهذه المعاني؟
قلنا: الذي جاء في التاج: (الشكيمة: كسفينة، الأنفة والانتصار من الظلم وأيضاً العهد وأيضاً الشم. هكذا في النسخ والأولى الشمم وفي بعض النسخ: والفهد والسم وهو غلط، وبكل ما ذكر فسر قولهم ذو شكيمة). اهـ. أما نحن فنقول: في لفظة الشكيمة معنيان معنى عربي فصيح ومعنى دخيل. أما المعنى العربي الصرف فهو مأخوذ من شكيمة اللجام وهي حديدة معترضة في فم الفرس وفيها الفأس كما هو نص الجوهري. وفاس اللجام هي الحديدة القائمة في الشكيمة إذا كان إذ عارضة وجد. . . ومنها قولهم: فلان شديد الشكيمة أي شديد النفس انف أبي. . . قال في التاج وأصله من شكيمة اللجام.) أهـ
وأما المعنى الثاني وهو الدخيل فهو الشكيمة بمعنى الفهد لا العهد ومعنى السمور لا السم أو الشم أو الشمم. والكلمة فارسية الأصل من شكم (بكسر وفتح) ومعناه جلد الفهد والسمور يسلخ من قبل البطن. والفهد هنا بمعنى الوشق أي - بالفرنسوية. وقد صحف العرب هذه الكلمة تصحيفاً آخر وهو الشكم ككنف وقالوا عنه هو الأسد. والعرب كثيراً ما يذكرون أسم سبع(3/267)
من السبع ويريدون به سباعاً مختلفة. وأنت ترى إن الاسم الأصلي هو واحد إلا إنه صحف تصحيفاً مختلفاً وأول تأويل شتى وإنما اختلفوا في تأويله لأنهم لما رأوا من معانيه الأصلية الفهد والسمور ولم يروا بينهما وبين الأنفة والانتصار لحمة نسب في معنى الأصل توهموا لها معاني مختلفة تناسب كتابة الألفاظ والمعاني في العربية الأصلية ورأوا أن أقرب لفظ يفيد تلك المعاني هي العهد والشمم. والأصح أن يرجع إلى المعنى الأصلي الدخيل أي أن يقال من معاني الشكيمة: والفهد والسمور لا العهد والشمم. وبهذا القدر كفاية.
باب المشارقة والانتقاد
1 - العربية (الجريدة)
صحيفة علمية تاريخية أدبية إخبارية تصدر في اللاذقية يوم السبت من كل أسبوع لصاحبها ومحررها ومديرها المسؤول محمد أفندي سعيد حسن سعيد. بدل اشتراكهما في اللاذقية والولايات العثمانية مجيديان وفي سائر الجهات 3 مجيديات أو 13 فرنكاً. وقد وصلنا منها العدد الثامن الصادر في 13 أيلول سنة 1913 فوجدنا في صدره مقالة حسنة مفتتحة بهذا البيت من أبيات المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدواً له ما من صداقته بد
وللجريدة عدة مراسلين في جهات مختلفة فنتمنى له الرواج والحياة الطويلة!
2 - صدى الدستور (جريدة هي خلف من الدستور)
حكم على الدستور الجريدة البصرية الحرة فماتت. وما كادت أنفاسها تخمد إلا وانبعث من رمادها خلف هو صدى الدستور فتذكرنا حكاية الفقنس. وقد بقي صاحب امتيازها ومدبرها المسؤول العربي السمح البحث عبد الوهاب أفندي الطباطبائي؛ أما محرر قسمها التركي فهو مكتوبي زاده عمر فوزي أفندي. وقد صدر العدد الأول منها وهو التاسع والستون من الدستور في 25 شوال سنة 1331 الموافق 25 أيلول سنة 1913. وهي جريدة سياسية أدبية اقتصادية إصلاحية وصدى الدستور كالدستور من أجل الصحف العراقية لأنها توقفك على حوادث العراق وخليج فارس وقوفاً تاماً لا تكاد تتوفق له في غيرها أحياها الله وأبقاها!(3/268)
3 - النهضة (الجريدة)
هذا اسم مما يتفاءل به وعسى أن يصح تحقيقه أو عسى أن يسعى أصحاب هذه الجريدة للحصول على الضالة التي ينشدونها (والنهضة جريدة سياسية عمرانية اجتماعية موقوتة تصدر مرة في الأسبوع) في بغداد لصاحبها ومدبرها مزاحم أفندي الأمين الباجه جي ورئيس تحريرها إبراهيم حلمي أفندي. وقد برز منها العدد الأول نهار الجمعة 1 ذي القعدة 1331 الموافق 3 أيلول 1913 وصاحب هذه الصحيفة من الشبان أصحاب الهمة العالية
والكتاب من الكتاب الذين تفتخر بهم بغداد وتتوقع منه السعي الحثيث إلى ترقية الوطن. وكلاهما لا يخاف الانتقاد. ولهذا نوصي المحرر أن يتحرى صدق اللهجة في الكلام فقد قال عن العرب في المقالة الأم: (العرب وهم المعروفون بشدة البأس يؤلفون القسم الأعظم من قطان المملكة فعددهم (إذا) عدت نجد وحضرموت وشرقي جزيرة العرب عثمانية لا يقل عن 20 مليونا) أهـ. فنقول: ولماذا لم يعد أيضاً عرب الجزيرة كلها وديار مصر وطرابلس وفزان وتونس والجزائر ومراكش فلا جرم أنه نسيهم وعسى أن يذكرهم في الأعداد الآتية. ثم أين رأى أن عرب المملكة العثمانية فقط يبلغون 20 مليونا ولو فرضنا أننا عددنا معهم عرب ديار نجد وحضرموت وشرقي جزيرة العرب. أفليس بيده كتب وصف البلدان من عربية وتركية وإفرنجية! فما أسهل عليه مراجعتها والاعتماد عليها! - وقال في الصفحة الثالثة عند كلامه عن الشيخ مبدر الفرعون: (أصاب في الأزمنة الأخيرة عشائر الشامية ظلم وحيف، فقد صارت الضرائب تستهلك كل المحصولات حتى لم يبق بأيدي المزارعين ما يسد الرمق.) قلنا: إننا لا ننكر أن الضرائب بهظت الأعراب لكن بين أن تكون بهظتهم وبين أنها لم تبق في أيديهم ما يسد الرمق بون بين وكلام مخالف للحقيقة فعسى أن لا يكتب في هذه الصحيفة مثل هذه الأقوال الزائفة. - ثم نتمنى أن تصحح المسودة قبل أن يؤمر بطبعها فقد وجدنا في العمود الثاني من الصفحة الثالثة 22 غلطاً من أغلاط الطبع. وهل من الأنصاف أن لا يكون هم القارئ في أثناء المطالعة إلا أن يذب عن فكره ذباب الطبع. ومع كل هذه الشوائب التي لا بد منها في بعض الأعداد لا سيما الأولى منها فإننا نتمنى لهذه الصحيفة الترقي والنجاح وتحقيق الأماني!
4 - عالم الإسلام (مجلة ألمانية)(3/269)
10.
أنشئ في برلين، حاضرة ديار الألمانيين، جمعية غايتها الإطلاع على أحوال البلدان الإسلامية، والبحث عن أحوال المسلمين والعمرانية، والذي دفع العلماء الألمانيين إلى إنشاء هذه الجمعية ما رأوه في الأمم الشرقية من النشاط والهمة والسعي الحثيث للرقي والعمران. ولما كانت الجمعية لا تكفي للوقوف على ما ننشده، أنشأت مجلة هي لسان حالها سمتها (عالم الإسلام) وهي تصدر أجزاء بأوقات غير ضرورية. وقد ورد إلينا جزءان منها وفيها مقالات ضافية الذيول لعلماء يشهد لهم بالإمامة والكفاءة والجهبذة. ولهذه المجلة باب واسع يذكر فيه جميع المطبوعات الحديثة المتعلقة بالعالم الإسلامي في جميع اللغات من شرقية وغربية. وللجمعية مكتبة تجمع كل ما يتعلق بما يجري في البلدان الإسلامية في الزمان الحاضر من المطبوعات العصرية ولا سيما ما يكون منها من قبيل الجرائد والمجلات. والجمعية تذكر كل ورقة تصلها وتشير إلى خطورتها وموضوعها في مجلتها المذكورة. فنحث أبناء العراق من كتاب ومؤلفين وأصحاب مجلات وجرائد أن يبعثوا إلى إدارة هذه المجلة مما يخطه قلمهم حفظاً لآثارهم وصونها في تلك الديار.
5 - مبادئ الديانة
تأليف الأب يعقوب بلميس الإسباني وتعريب الخوري بطرس مراد طبع بالمطبعة الكاثوليكية في بيروت سنة 1912.
من الكتب أسفار كبيرة ضخمة إذا عصر ما فيها لا يخرج منها ما يبل صدى المتشوق إلى العلم. ومنها كتيبات لا ظاهر لها تضم صفحاتها القليلة فوائد جمة لا تكاد تطالع سطراً من سطورها إلا وتقضى العجب من موشى عبارتها. ومن هذه التصانيف الأخيرة الكتيب الذي ذكرنا عنوانه. فإنه يفيد كل صاحب دين مهما كان دينه. ولا يأتي على آخره إلا وقد فتح الله له أبواباً لم تكن تخطر على باله حينما أخذ الكتاب بيديه. ولهذا نحث الجميع على اقتنائه.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
(هذه الأخبار تأخر إدراجها في العدد السابق لكثرة المواد التي جاءت فيه)(3/270)
1 - ابن الرشيد والدولة العثمانية
من أخبار الزهور إن سعود باشا الرشيد ألمع إلى الصدارة العظمى ما هذا نصه: علمنا إن بعض الناس يقومون الآن في بعض الولايات طالبين من الدولة العلية مطالب مجحفة بحقوق الدولة ومنافية للدين الإسلامي الحنيف. الأمر الذي ساءنا جداً. وعليه ليكن معلوماً لدى دولتكم ولدى العالم الإسلامي أجمع إننا لا نقبل هذه الشؤون المضرة بالدين الإسلامي والدولة وإننا مستعدون مع كافة جنودنا وقبائلنا للقيام بما تأمرنا به الدولة العلية ولا تحيد عن أوامر خليفتنا المعظم.
2 - السيد طفار في السماوة
ومن أخبارها: إن الشقي السيد طفار أخذ يعيث في السماوة بعد خروجه من السجن بقليل وأخذ يستميل العشائر والأهالي ويمنيهم بالأطماع الكاذبة في نهب السماوة حتى بلغ السيل الزبى فأنفذ أولو الأمر العساكر يقودها قائم المقام ثابت بك ولما طلب رشيد بك متصرف الديوانية إحضاره امتنع وتحصن في بستانه فأرسل عليه الباخرة (الفرات) وجماعة من المشاة والخيالة ولما وصل الكل إلى الموقع انضم إلى السيد عشائر آل عيسى وزياد وكان عددهم أضعاف الجند مراراً عديدة ووقع بين القومين موقعه أبلي فيها الجند بلاءً حسناً حير العقول الأعداء أنفسهم لكنهم لم يقبضوا على الشقي لأنه فر عند آل زياد فرجع الجند إلى من حيث أتوا.
3 - المكتب الإعدادي الليلي في ديار بكر
أمرت نظارة المعارف مدير معارف بغداد بأن ينتخب خمسة من طلبة المكتب الإعدادي البغدادي لمكتب ديار بكر لأنه قر الرأي على قبول 100 طالب في المكتب المذكور يكون منهم من أبناء بغداد.
4 - المتوظفون واللغة العربية
أبلغ والي الولاية رؤساء الدواوين إنه إذا أريد تعيين موظف إلى المستقبل فيجب أن تمتحن معرفته للغة العربية حتى إذا تحقق تضلعه منها عين وإلا فلا.
5 - تعمير جامع الدليم
سعى قيم مقام الدليم شوكت أفندي فأستأذن والي الولاية لجمع إعانة من الموظفين وأبناء العشائر والأهلين لبناء جامع الدليم المنهدم فأذن له وجدد بناءه وبناء الأوقاف المحبوسة عليه بدون أن تنفق عليه الدولة شيئاً.
6 - إدارة البرق في بغداد
كان حضرة الفاضل مزاحم أفندي الباجه جي ألمع إلى معتمد الشبيبة العربية في الأستانة يجيب على رسالة برق وافته منه يقول له فيها ما ملخصه أن الإصلاح يحتاج إلى تنفيذ ما سن له من القوانين وعزل موظفي الدرك والعدلية والمعارف. ولم يكن يتناول موظف البرق هذه الأنباء بعد قبض الأجرة إلا وفشت بين الناس مع إنه لا يعلم بإنقاذها إلا صاحبها وبعد مضي بضعة أيام بدون جواب وتبادل المفاوضات علم أن تلك الأنباء لم تسلم إلى صاحبها بل أبقيت بين أوراق مدير البرق في الأستانة مما يدل على أن لا حرية للإنسان في هذه الديار لإبداء بعض ما يكنه صدره من الخواطر والأفكار! (عن النوادر العدد 130)(3/271)
7 - رمضان في بغداد
رئى في بغداد في رمضان هذه السنة ما لم يكن يرى سابقاً في دار العباسيين وذلك أن أناساً كثيرين كانوا لا يبالون بالإفطار في الأسواق والشوارع لا بل كانت اغلب مشارب القهوة مفتوحة الأبواب لأمثال هؤلاء بدون أدنى معارض. فهل تدوم هذه الأحوال على هذا المنوال؟
8 - النهب في الولاية
في نحو العشر الثالث من شهر آب بينما كانت إحدى القوافل صاعدة نحو الموصل هجم عليها بعض قطاع الطرق في موضع اسمه الناظريات يبعد عن خان المشاهدة بضع ساعات قتل فيه رجل وجرح آخر ونهبت الأموال كلها وليس هنا من يعقب هذه الأمور المخلة بالراحة العامة وفي نحو أوائل أيلول أغار الضفير على قافلة قادمة من حلب فنهبوها في جوار عانة وتقدر المنهوبات بعشرة آلاف ليرة.
وفي نحو منتصف أيلول هجم ثلاثة من الأشقياء من عشيرة بني تميم علي حمدي بك الباجه جي الذي كان معه أحد المهندسين وأخذوا منهما كل ما كان عليهما من ذلك: 14 ليرة عثمانية وساعة ذهب وخاتم ثمين وجرى كل ذلك في مكان لا يبعد كثيراً عن قضاء الكاظمية. وبعد أسبوع سلبت العجلات التي كانت تحمل بياعات التجار فوق قضاء عانة بساعتين وأخذوا خيلها. وفي 13 تشرين 1 خرج بعض الأشقياء على 13 عجلة كان فيها زوار وعدد من المبذرقة عند (تلغرف) بقرب الكاظمية فوقع بين المبذرقة واللصوص قتال شديد أسفر عن قتل جندي وفرار الأشقياء وعود العجلات إلى الكاظمية.
9 - العرب واللغة التركية
أنشأ بعض البغداديين لجنة غايتها تخليص اللغة العربية من الألفاظ الأعجمية لتقريب لغتهم من اللغة الفصحى ووضعوا على من يخالف هذه القاعدة عشر بارات على كل كلمة دخيلة يستعملها في كلامه إعانة لمدرسة زهرة الكرخ التي نوى تأسيسها. فما كان من بعض المفسدين إلا أن شيعوا أن القصد من هذه اللجنة محاربة اللغة التركية ومنع انتشارها فبثوا العيون والرصد بغية الوقوف على نيات أولئك الغير على اللغة الفصحى فرجعوا عن آمالهم بما رجع به حنين. أصلح الله شأنهم. (ملخصة عن المصباح)
10 - هدايا السيد طالب
في هذه الأيام مرجفون كثيرون في بغداد إلقاء الفساد بين قوم وقوم ومن جملة ما نفروا منه القلوب وأشاعوه من أخبار هدايا السيد طالب من آل النقيب في البصرة وقد قالوا إن السيد المذكور أرسل مع الملازم الوطني محمود أفندي 800 ليرة عثمانية وعشر ساعات من ذهب ليهديها إلى بعض رجال بغداد استمالة لقلوبهم إلى السيد البصري. وكان من جملة الذين أنعم عليهم بساعة من هذه الساعات عبد الرحمن باشا الحيدري ولما سئل هذا السيد الفاضل عن حقيقة الأمر قال: إذ هذا يعد إهانة لمقامي وإن الساعة لا يقبلها أحد خدمي إذا كان وراءها مثل هذه الغاية الذميمة فكيف بي وأنا من بيت علم عريق في الشرف والسؤدد. ولهذا أطلب إلى أولي الأمر أن يطلعوني على اسم المخبر لأقيم عليه الدعوى
واعلمه نتيجة إشاعة مثل هذه الأراجيف فلم يسمع بعد ذلك للخبر المذكور ما يقلق الخواطر.(3/272)
11 - ترصد أولي الأمر لمحمي العرب
وشى بعض الجواسيس الأراذل إلى أولي الأمر بأن مزاحم أفندي الباجه جي أساء التكلم عن الحكومة في مجلس آل الخوجه الكرام وكان الحاضرون من أفاضل رجال الجيش وبعض الصحافيين فلما تتبع أصحاب الحل والعقد حقيقة الخبر وجدوه ماء سراب لا غير (منها)
12 - برنامج جمعية الإصلاح البصرية
في البصرة جمعية إصلاح رأسها السيد طالب بك الرافعي من آل النقيب. وقد نشر الدستور في عدده 685 الخطة التي يجري عليها للبلوغ إلى المقصد التي تتوخاه هذه اللجنة وقد بلغت موادها 28 ومادتها الأولى (أن يكون وطننا العزيز منسكاً عثمانياً خاصاً تحت راية الهلال). ويقال في موطن آخر إن هذه الجمعية هي فرع لجمعية أخرى أكبر منها كما لها فروع في ديار مختلفة وكلها ترمي إلى الإصلاح. ولا نعلم إذا كانت تثبت ثباتاً راسخاً في مطالبها أو ترجع عن قصدها بعد أيام قليلة.
13 - ابن السعود والدولة العثمانية
كتب الفاضل إبراهيم العبد العزيز الدامغ مقالة في الدستور ذكر فيها ما جرى له من الحديث مع الأمير عبد العزيز السعود نقتطف منها ما يأتي. قال الأمير: (إن الدولة العلية حفظها الله غصبت آبائي هذا اللواء بدون أمر مشروع بحجة دعوة عبد الله السعود شقيق والدي ومن بعد أن أخذته لم تحسن إليهم صنعاً. وكان والدي يومئذ ولي العهد بعد والده على إمارة نجد التي يدخل فيها هذا اللواء وما يتبعه وعمان وسواحله ولما أشتد الخصام بين سعود وعبد الله آل السعود على الإمارة أرسل الأخير مندوباً إلى بغداد لمفاوضة واليها في مسألته مع أشقائه وبقي ينتظر من الدولة إسعافه ونجدته لإخماد نار الفتنة المتأججة؛ غير أن الدولة وجدت أن قد آن زمن الاحتلال فوضعت يدها من ذلك الوقت على الاحساء وأبعدت أمراءها عنها مع أنه لم تبدر منهم بادرة تستوجب ما أتته. وليت الدولة احتلت ما يداني الاحساء من البلاد كعمان وغيرها التي تركتها هملاً ومكنت الدول الأجنبية من أن تقذف فيها نار الفتن لتحصل على ما تنويه.
ومنذ ذاك الوقت أخذ سكان هذا اللواء بالسقوط والهوى لتغلب قطاع الطرق عليه لكثرتهم هناك وكان الأهلون يرفعون ظلامتهم إلى مقام الولاية ويذكرون له عجز أصحاب الأمر في ذلك الموطن فما كان يسمع صدى لأصواتهم المتكررة فراجعوني مراراً فأضربت عنهم صفحاً إذعاناً لدولتي وإن كان يسوءني نظري إياهم في تلك الحالة لأن مجتمع الإنسان كالجسد إذا أصيب عضو منها بآفة انتقل الألم إلى الجسد كله. ثم جاءتني محاضر (مضابط) فيها تواقيع كثير من(3/273)
العلماء والوجوه القائلين أن لم تسعفنا نضطر إلى ما لا تحمد عقباه. وفي تلك المطاوي سمعت أن الدولة تنازلت عن حقوقها في خليج فارس وسواحله فاستندت حينئذ على ما لي من الحقوق الشرعية في هذا القطر بمنزلة أساس فبادرت إلى تلبية طلب الأهالي ليكونوا حرز حريز من فتك أرباب الفساد فيهم وإبعاد الأجانب عن ديارهم.
فهذه هي الأمور التي ساقتني إلى ما أتيت فقدمت الأهم على المهم وسرحت موظفي الإمارة محافظاً على حياتهم بدون أن ينالهم أذى وعليه إذا أنعم النظر رجال الدولة المخلصون في هذه المسائل وفكروا في مآلها أحسن التفكير وأعطوا لكل ذي حق حقه ولاحظوا الأمن الضارب إطنابه في البلاد وتثبتوا ما انتشر من مرافق العمران بين العباد حبذوا عملي هذا ولا سيما إذا علموا أني قطعت دابر الأشقياء والمفسدين وحقنت دماء الأهلين وبسطت أروقة الراحة بين العالمين)
هذا جل ما جاء في خطاب الأمير أخذنا منه زبدته. وعسى أن أرباب الحكم يرون في نيته الصلاح وإن لا يحملوها على غير محملها. والله يؤتى ملكه من يشاء.
14 - الإنكليز في خليج فارس
سعى الإنكليز في القبض على أربعة رجال في ميناء لنجة ظن فيهم أنهم هم الذين قتلوا سيف بن رومي أحد تجار الكويت الأماثل فسلموهم إلى إمارة الكويت ليذوقوا هناك ما جنته أيديهم. ثم أعدموا بالرصاص بحضور جم غفير.
15 - الشيخ قاسم أمير قطر
وقفنا في الدستور على بعض أخبار تصحح ما كتبناه نقلاً عن الرياض بخصوص هذا الشيخ فنقتطف منها ما يلي:
توفى الشيخ عن 95 سنة ولم يكن أميراً لقطر في السابق كما لم يرث الملك والمجد كابراً عن كابر بل ورثه كلالة. وكان والده مثرياً أشتهر بحسن الأخلاق والمزايا وكان يحسن إلى جميع من كان حواليه حتى ملك قلوب كبيرهم وصغيرهم.
ولما تلاشت قوة أمراء قطر وقلت عزائمهم وضعفت كلمتهم بسبب ما أثارته منازعات الأسرة واستئثار كل فرد منها بالإمارة وقع الانقسام والتحزب والتجزؤ فنهض الشيخ قاسم وتولى زمام البلد بجد ونشاط وغايته حفظه من استحكام الفوضى فيه فلما نجح في مسعاه ألزموه بالقبض على الزمام، وأن يكون هو الأمير على الدوام، وعاهدوه على الخضوع التام، فرضي بما انتدب له وقام به أحسن قيام، فأحبه الأهالي جميعاً وأطاعوه طاعة خالصة.(3/274)
ولما ثبتت قدمه على عرش الإمارة رأى أن بقاءه وحده مستقلاً لا يحميه من معارضة الأغراب فطلب إلى مقام الخلافة الإسلامية إرسال حامية عثمانية لبلاده فأجيب طلبه. لكن سارت الأمور في وجه أدت إلى امتشاق الحسام فقتل 200 من الجند. إلا أن السلطان المخلوع كان يقدر الأمير حق قدره فعفا عنه لعلمه أن مركز بلاد قطر مركز سياسي خطير وإذا أراد الاحتفاظ به فمن الواجب أن يترضى أميره الكبير.
أما قطر فهو عبارة عن عدة قرى متجاورة متسلسلة قائمة على سيف الخليج وواقعة بين جزائر البحرين وعمان. وأشهر بلاده (الدوحة) وهي مقر الأمير ولها ميناء حسن وقلعة حصينة فيها طابور من الجند العثماني إلى هذا اليوم. ولها عدة مغاصات لآلئ خاصة بها لا تبعد كثيراً عن الساحل. وقد يقدر ما يحصل منه في السنة بمبلغ قدره 15 مليون ربية. ويمكن لمن يتولاها من الأمراء أن يوسع نفوذها في أي وقت شاء. لأنها واقعة في شبه سلسلة مستديرة كالحلقة ويتعذر على غزاة البر الوصول إليها وكم مرة راموا الهجوم عليها فلم يفلحوا.
وقد طلب في هذه الأيام حضرة الأمير عبد العزيز السعود احتلال قطر وأخذها من الفقيد وإجلاء الحامية العثمانية واستبدالها بحامية عربية فأبى. فعسى أن ولي عهده الأمير الشيخ
عبد الله يقتفي أثر والده فيكون خير خلف لخير سلف.
16 - جنود ابن السعود
قسم الأمير ابن السعود جنوده أربعة أقسام بمنزلة أربعة فيالق وهي: جند عمان وجند الاحساء وجند القصيم وجند الرياض وجعل لكل قسم من هذه الأقسام عشائر أعراب ترجع إليه وأمير بيده الحكم ثم وزع عليهم ما يحتاجون إليه من الأسلحة والذخائر.
17 - اتحاد أمراء العرب
نمى إلى الرياض إن الأمير ابن السعود اتفق اتفاقاً جديداً مع أمراء العرب وهم: صقر بن غانم (الشارقة)، وراشد بن معلي أمير (الأقيوين) وأمراء (رئيس الخيمة) و (دبي) و (البريم). وهذا الاتفاق يؤيد ما كان قد عقد سابقاً والغاية منه المحافظة على بلادهم وبقاؤها في أيديهم.
18 - عباس العلي الكوتي في سجن بغداد
عباس العلي هو من كوت الإمارة وقد سجن في بغداد لما نسب إليه وهو(3/275)
من أسرة عربية كبيرة من عشائر الكوت. وفي أيام مدحت باشا طلب هذا الحاكم الهمام إلى هذه العشيرة أن تقر في الكوت فقرت وألقيت بيوت الشعر فسهل تمدين الأعراب الذين في ذلك الموطن. وما زال الكوت في نمو وتقدم وهؤلاء الأعراب يخدمون الدولة بمالهم ونفوسهم إلى يومنا هذا. وأصبح الكوت مقر قيم مقام كبير حوله عشائر ومقاطعات كثيرة ويجيء منه واردات جمة ومنافع وفيرة. وقد مضى على أعمار الكوت 45 سنة والفخر فيه يعود إلى آل عباس العلي. فالأمل أن أصحاب الأمر يصفحون عنه نظراً إلى أعماله السابقة ولأن ما ينسب إليه شيء لا شان له.
19 - تبرع شارود أفندي
شارود أفندي من رؤساء ناحية الهويدر وأعيانها. والهويدر قرية ضخمة تابعة لقضاء بعقوبا، وقد تبرع الرجل المذكور بقطعة أرض مبني فيها مكتب جديد وجاد بتسع ساعات فاخرة وسبعة أوانٍ توزع مكافأة للطلبة النابغين. كثر الله أمثاله في هذا الوطن.
20 - الغرقى في دجلة
في أيام الصيف يكثر البغداديون من السباحة في النهر وقد يغرق فيه من لا يحسن السباحة. وقد اتصل بالمصباح إن عدد غرقى هذه السنة منذ أول الصيف إلى يومنا هذا ما ينيف على 20 طفلاً وشاباً. عسى أن أهل الأمر يعنون بما يمنع تكرر هذه الفواجع.
21 - تدريس العربية في بغداد
أبلغ والي الولاية جميع الألوية والاقضية التابعة لولاية بغداد بأن يكون التدريس عموماً في دار المعلمين ومكتبي الحقوق والإعدادي باللغة العربية ما عدا بعض دروس فتكون بالتركية. وعسى أن لا يكون هذا الأمر حبراً على ورق!
22 - الصيهود في دجلة
قلت مياه دجلة حتى بلغ أدنى دركة تصل إليه وهذا ما يسمونه بالصيهود ولهذا لا تجري البواخر جريها السابق بل تضاعف المدة بين ذهاب وإياب ولو كان يكرى النهر ويطهر من رماله لما وقع هذا الضرر بالتجارة والبلاد والعباد.
23 - تكاثر الموظفين في الدواوين
ورد في نحو منتصف أيلول 25 موظفاً لديوان الرسوم قادمين من الأستانة، ليستخدموا في عدة دواوين من مركز الولاية. ويؤكد البعض إن 45 موظفاً جديداً يأتون أيضاً ليستخدموا للبريد والبرق و50 من رجال(3/276)
الدرك و15 من الشرط. فالأمل أن لا يتحقق في بلادنا هذا المثل العامي (من كثرة الملاليح غرقت السفينة).
24 - البغداديون والشرطة
من عادة المسلمين البغداديون في كل عرس وختان أن يقيموا حفلة عظيمة يطوفون بالمحتفل به في شوارع المدينة ومعهم آلات الطرب ومع آخرين الأسلحة النارية والجارحة ويسمون هذه الحفلة (الزفة) وإذا كانوا في أثنائها يصيحون صياحاً كالغناء وينطقون بألفاظ حماسية يقولها الواحد ويكررها الآخرون جواباً لها يسمونها حينئذ (الهوسة). فاتفق في أن 11 من أيلول جرى مثل هذه الهوسة فكان بعض الأغرار يطلقون النار من آلاتهم ويشهرون السيوف ويحركونها في الهواء ولما وصل المهوسون قريباً من دور محلتهم اعترضهم أفراد من الشرطة وحاولوا نزع الأسلحة من أيديهم فأبوا فوقعت مناوشة بين الطرفين أسفرت نتيجتها عن قتل واحد من الأهالي وجرح كثيرين منهم. وجرح أحد الشرطة جرحاً خفيفاً. فلما سمع أولو الأمر بالحادثة أسرع بعضهم إلى محل الواقعة وقبضوا على نحو ثلاثين من الرجال. فالأمل من أرباب الحل والعقد يردعون الجهال عن ارتكاب مثل هذه الأحوال التي هي من أعمال الجاهلية البائدة.
25 - الحيف في المكتب الإعدادي البغدادي
أصر بعض أساتذة هذا المكتب على إحباط سعي مائة طالب عربي في الامتحان فأثار هذا التجني الحزازات في الصدور والأمل أن همة الوالي تصلح هذا الخلل قبل أن يتمكن في النفوس فيندفع المظلوم إلى عمل ما لا ندحة عنه إذا مسه الضير والحيف.
26 - آفة الزنبور
كثر الزنبور في هذه السنة في بغداد حتى أنه لم تبق دار إلا وفيها كور أو عدة اكوار. وقد شعر بلسعة هذه الدويبة كل من لم يعرفها في السابق الزمن وأبسط دواءٍ تداوي به الملسوع إذا لم يكن عنده الحامض الفنيك أو روح النشادر هو أن يدلك الموضع بطينٍ مدة خمس دقائق فأن هذا الدلك يمنع الورم.
27 - جمعية الأخوان
أنشئ في الارطوية (راجع لغة العرب 2: 483 وما يليها) جمعية لقب أعضاؤها أنفسهم (الأخوان) ومن تصريحاتها على ما نقلته صدى الدستور(3/277)
(العدد 2) (إن من لا يلتحق بزمرتها يعد من المشركين (وإن كان من المسلمين) وإن الذي يقصد البيت الحرام ويعرج على محلها الارطوية يغنيه ذلك عن زيارة قبر النبي (عم))
28 - قتل أحفاد عبيد الرشيد
اختطف ابن رخيص (مصغرة) الشمري أربعة أطفال من أحفاد عبيد الرشيد وقصد بهم المدينة لكي يدبروا هناك أموراً ضد الأمير الحالي وحينما أحس بهم وكيل الإمارة زامل السبهان ركب في أثرهم طالباً إياهم فأدركهم قبل أن يصلوا المدينة وقتلهم جميعاً.
(عنها)
29 - عجمي السعدون في السوجية
قام عجمي بك السعدون بزملته من الغبيشة ونزل في السوجية متخذها مباءةً له. فتألبت عشائر لواء المنتفق وصممت على مناوأته ولا بد من أن يتطاير عن قريب شرار هذه الفتنة.
30 - النهب في أنحاء البصرة
في نحو أواخر شهر أيلول هجم الشقي عطب الشريفي على الأعراب المعروفين بالمعدان في (أم البطوط) ونهب منهم طائفة من الجواميس (الجمس) وقبل أن يهرب بالغنيمة بادره الأعراب بإطلاق البنادق فتركها وفر هارباً بعد أن قتل أربعاً من تلك الماشية. وبعد ذلك هجم على السدة ونهب تسعة حيوانات (دبش) من أهالي حمدان (عنها)
31 - غلة التمر في البصرة
يزيد النوع المعروف (بالسائر) عن العام الماضي بنحو 30 في المائة ولكن الحلاوي ينقص بقدر هذا المبلغ أو أكثر. وبيع الحلاوي بقيمة 460 شامياً والخضراوي 310 والسائر 200 والزهدي 18 ليرة وكل 15 شامياً ونصف عبارة عن ليرة عثمانية.
32 - ميناء البصرة
دخل ميناءها في سنة 1911 - 1912 ما هذا إحصاؤه: 250 سفينة تجارية محمولها 319. 234 طناً كان يقابلها في العام الماضي 180 سفينة شحنها 216. 035 طناً وكانت السفن الإنكليزية العلم 182 محمولها 274. 444 طناً بإزاء 165 سفينة شحنها 229. 978 طناً.
33 - بين عشائر عنزة وبين بني حسين
وقعت معركة بين هذه العشائر بجوار النجف قتل فيها بعض الرجال.
34 - الجبيل
بلاد تبعد عن قطر بضع ساعات طلب أهاليها إلى الأمير ابن السعود أن يؤمر فيهم أميراً من قبله فأجاب طلبهم.(3/278)
35 - وفاة السيد فيصل سلطان مسقط
تتالت الرزايا على السيد فيصل وعلى بلاده حتى أثرت على صحته فمرض عدة أيام وفي أوائل ت1 انتقل إلى دار البقاء وخلفه نجله السيد تيمور وقد انضوى إلى الماسونية قبل نحو سنتين.
36 - المجلس العمومي في بغداد وأعضاؤه
جرى انتخاب هذا المجلس في 8 أيلول فكانوا الآتين:
السيد عبد الرحمن أفندي نقيب إشراف بغداد، الشيخ محمد سعيد أفندي مدرس الأعظمية، عبد الرحمن باشا الحيدري رئيس البلدية، عبد الله سالم أفندي الحيدري، عاكف أفندي الألوسي، عبد الجبار باشا الخياط المحامي، وعزرا أفندي مناحيم صالح وهؤلاء كلهم عن مركز الولاية.
وأما الأعضاء الذين انتخبوا لينوبوا عن قضاء الشامية فهم: الشيخ مبدر الفرعون وفؤاد أفندي ورؤوف أفندي آل أمين. -
وأعضاء قضاء الكاظمية: الشيخ حميد أفندي وعبد الحسين جلبي، - وقضاء الجزيرة عبد الرحمن أفندي آل جميل. - وقضاء بدرة (بادورايا القديمة) محمد طاهر أفندي آل صالح. - وقضاء خانقين عبد المجيد بك آل الحاج أحمد. - وقضاء سامراء السيد علاء الدين أفندي ابن عبد المجيد الآلوسي الساكن في تكريت. - وقضاء مندلي عبد الله أفندي آل معروف. - وقضاء عانة الشيخ إبراهيم أفندي الراوي. - وقضاء كربلاء الشيخ هادي آل وهاب والسيد سعيد أفندي رئيس الخدمة. - وقضاء النجف السيد علي أفندي آل بحر العلوم والسيد علي أفندي آل الكليدار. - وقضاء الهندية الحاج عبد المهدي أفندي مبعوث كربلاء سابقاً والشيخ فخري أفندي. - وقضاء الدليم - السيد أحمد أفندي آل النقيب ويوسف أفندي آل السويدي - وغير هؤلاء عن غير هذه الأقضية.
قال المصباح في خصوص هذا الانتخاب: (جرى انتخابهم على عكس آمال جمعية الاتحاد والترقي التي حاولت انتخاب غيرهم وسعت السعي الحثيث لأن تجعل الموافقين لمشربها أو آرائها أعضاء في المجلس العمومي دون غيرهم فلم تفلح وهو دليل واضح على ما في حاضرتنا من نمو الحرية الشخصية في الأفكار).
وفي 14 ت1 افتتح المجلس العمومي المذاكرة واتخذ لهذه الغاية البهو المخصوص بإدارة الولاية وكان ذلك بعد الظهر بساعتين وفي الساعة الخامسة انتثر عقد المجتمعين. أصلح الله على أيديهم شؤون الوطن!
37 - بين عشيرتي الحسينات وقاطع
في أوائل آب جرت واقعة بين عشيرتي الحسينات وقاطع بن بطي على مقربة من لواء الناصرية خسر فيها الفريقان نحو مائة قتيل وأصيب رجلان وامرأة بالرصاص العائر وكانوا في داخل المدينة فماتوا.
ولعل يتلو هذه الموقعة موقعة أخرى أما منشأ العداوة فهو على ما جاء في صدى الدستور من نتائج سياسة فريد بك المتوفى حينما كان متصرفاً في ديار المنتفق فإنه دفع عشيرة الحسينات عن مزارعها وديارها التي كانت تبعد عن لواء الناصرية أكثر من نصف ساعة وانزل في مكانها قاطع بن بطي لأن الحسينات لم تذعن للمتصرف تمام الإذعان في أمور انتخاب(3/279)
المبعوثين السابقة كما أذعنت له عشيرة قاطع ولما انفصل فريد بك من متصرفية اللواء أخذت الحسينات تدعي بإعادة أراضيها إليها وإجلاء قاطع عنها ولما لم ترد الحكومة أن تسمع شيئاً بهذا الخصوص نشبت العداوة بين العشيرتين ووقع ما وقع. وفي الوقت عينه وقعت واقعة أخرى بين عشائر (حسن القبيح) وعشائر (كويد المحينة) إلا أنه لا يعلم تفاصيل قتلاها.
فلما رأى عجمي السعدون حالة تلك العشائر أراد أن يصلح بينها فأرسل يطلب حضور رؤساء العشيرتين فلما جاءوا قبض على كويد (مصغر كائد) وحبسه ولم يطلق سراحه إلا بعد أن افرغ له قلعة (البوصلابيخ) فسكنها عجمي بك - ويقال إن كويد المحينة لما أطلق سراحه ذهب إلى قبائل خيقان والعساكرة أعداء عجمي ليشاركها في مناوأة عدوهم جميعاً.
38 - مخلوق غريب
ولدت إحدى نساء الكرخ (في بغداد) في محلة (علاوي الحلة) ابنة بدون أنف وأذنين، وفمها في حلقمومها وعيناها في وسط وجهها ولما علم بعضهم ذلك ذهبوا لرؤيتها وبينهم
جماعة من الأجانب وبعد ثلاثة أيام ماتت.
39 - رواتب رؤساء بعض عشائر العراق وذهاب بريد حلب
كل يوم
سعت الحكومة سعياً مشكواً لتنظيم أمور البريد. وكان هذا البريد يجري مرة في الأسبوع بين بغداد وحلب؛ أما الآن فإنه يسير كل يوم كما في ديار الإفرنج. وقد أتخذ أولو الأمر أحسن وسيلة لذلك وهي إنهم وطنوا النفس على دفع مشاهرات وافية إلى العشائر المبثوثة في العراق لتضمن الراحة والأمن للبريد وناقليه وحفظ الطريق من اللصوص قطاع الطرق فتدفع إلى حميدي رئيس عشيرة شمر 45 ليرة (نحو 1080 فرنكاً) وإلى أخيه مجول 20 ليرة (وكانت الحكومة السابقة أعطت أباه فرحان باشا مقاطعة الفرحانية) وكل ذلك لحفظ طريق الموصل وتدفع إلى علي سليمان البكر رئيس عشيرة الدليم 15 ليرة. ولا جرم أنه بعد هذا يردع جماح ابن عمه مطلق الذي قطع طريق ما بين بغداد وعانة قبل أيام وجماح (أبو زعيان) الذي هو ابن أخ حردان لحفظ طريق حلب والشام وخصصت لهزاع بن محيميد الفيحال رئيس عشيرة المعامرة 5 ليرات لحفظ طريق المسيب. وقد اشترطت الحكومة على هؤلاء الشيوخ أن ينفضوا الطرق من اللصوص أو القطاع وإذا سرق أحد المسافرين فعلى الشيخ تسليم الأثيم إلى الحكومة أو تسليم ما سلب منه.
40 - فهد بك آل عبد المحسن في الرزازة
كانت الحكومة السابقة أهدت عبد المحسن رئيس عنزة مقاطعة الرزازة من ملحقات لواء كربلاء التي تبلغ وارداتها نحو 6 آلاف ليرة وقد أخذ اليوم ابنه فهد بك يسكن العشائر فيها ليجعلها قضاء تستفيد من وارداته الحكومة وقد جعل اليوم فيها النعم والغنم ريثما يتسنى له تحقيق الأمنية وعلى الله الاتكال.(3/280)
العدد 30 - بتاريخ: 01 - 30 - 1913
سياسة لا حماسة
الشعر مفتقر مني لمبتكر ... ولست للشعر في حال مفتقر
دعوت غر القوافي وهي شاردة ... فأقبلت وهي تمشي معتذر
وسلمتني عن طوع مقادتها ... فرحت فيهن أجري جري مقتدر
إذا أقمت أقامت وهي من خدمي ... وأينما سرت سارت تقتفي أثري
صرفت فيهن أقلامي ورحت بها ... أعرف الناس سحر السمع والبصر
ملكن من رقة رق النفوس هوىً ... من حيث أطربن حتى قاسي الحجر
سقيتهن المعاني فارتوين بها ... وكن فيها مكان الماء في الثمر
كم تشرئب لها الأسماع مصغية ... إذا تنوشدن بين البدو والحضر
طابقت لفظي بالمعنى فطابقه ... خلواً من الحشو مملوءاً من العبر
أني لأنتزع المعنى الصحيح على ... عرى فأكسوه لفظاً قد من درر
سل المنازل عني إذا نزلت بها ... ما بين بغداد والشهباء في سفري
ما جئت منزلة إلا بنيت بها ... بيتاً من الشعر لا بيتاً من الشعر
(وأجود الشعر ما يكسوه قائله ... بوشي ذا العصر لا الخالي من العصر)
(لا يحسن الشعر إلا وهو مبتكر ... وأي حسن لشعر غير مبتكر)
ومن يكن قال شعراً عن مفاخرة ... فلست والله في شعر بمفتخر
وإنما هي أنفاس مصعدة ... ترمي بها حسراتي طائر الشرر
وهن إن شئت مني أدمع غزر ... أبكي بهن على أيامنا الغرر(3/281)
أبكي على أمة دار الزمان لها ... قبلاً ودار عليها بعد بالمغير
كم خلد الدهر من أيامهم خبرا ... زان الطروس وليس الخبر كالخبر
ولست أذكر الماضين مفتخرا ... لكن أقيم بهم ذكرى لمذكر
وكيف يفتخر الباقون في عمه ... بداس من هدى الماضين مندثر
لهفي على العرب أمست من جمودهم ... حتى الجمادات تشكو وهي في ضجر
أين الجحاجح ممن ينتمون إلى ... ذؤابة الشرف الوضاح من مضر
قوم هم الشمس كانوا والورى قمر ... ولا كرامة لولا الشمس للقمر
راحوا وقد أعقبوا من بعدهم عقبا ... ناموا عن الأمر تفويضاً إلى القدر
أقول والرق يسري في مراقدهم ... (يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر)
يا أيها العرب هبوا من رقادكم ... فقد بدا الصبح وأنجابت دجى الخطر
كيف النجاح وأنتم لا اتفاق لكم ... والعود ليس له صوت بلا وتر
مالي أراكم أقل الناس مقدرة ... يا أكثر الناس عداً غير منحصر
الرصافي
المدائن أو طاق كسرى أو سلمان باك
نشرنا في الجزء الثالث من لغة العرب مقالة للأستاذ الشماس فرنسيس جبران عنوانها (تطواف في جوار بغداد والمدائن) أبدع في أسلوبها منشئها كل الإبداع وأجاد في وصف زوايا دجلة (دوراتها) ومنعطفاتها كل الإجادة ولكنه قد غلط في تسمية بعض الأعلام ونسبة بعض العشائر إلى غير قبائلها وفاته أيضاً الكثير من التلول والآثار المبثوثة في تلك الأرجاء وإتماماً للبحث والفائدة نأتي بنبذة ننبه فيها على أغلاط الكاتب ونصف فيها ما فاته من تلك الرسوم الدوارس فنقول:
لأهل بغداد عادة جارية يعملون بها في كل عام وهي إنهم يذهبون إلى زيارة سلمان الفارسي وموسم تلك الزيارة يكون دائماً في أول فصل الربيع وتمتد مدته(3/282)
إلى نحو شهرين يتعاقب فيها الزائرون من أهل بغداد وغيرهم وأكثرهم من أهل (باب الشيخ) ويعرفون (بالشيخلية نسبة تركية إلى محلة الشيخ عبد القادر الكيلاني إحدى محلات بغداد) والسنة التي لا يذهب فيها الشيخلية إلى المزار المذكور لا يقوم لموسمها كالسنة التي قبلها.
أما كيفية تهيؤهم للسفر وظعنهم إلى المزار فإنهم يأخذون خيام القطن ذوات السرادقات المزركشة بالحرير - ويسمونها (جوادر) والكلمة تركية الأصل - ويضربونها بجوار الإمام على نهر هناك يسمى (بدعة أحمد أفندي) وقد حفر قبل سنين وتجري جداوله وسواقيه من بين تلك المضارب ويجتمعون في طرفي النهار وهم في عدة السلاح الكاملة ويكون اجتماعهم هذا كحلقة واحدة لا يعرف طرفاها ويسمون ذلك الاجتماع (الآي والبعض هلاي وهي مأخوذة من الآي التركية) ويضربون نوعاً من الطبول صغيراً يسمونه (دماماً) وزان شداد ويجمعونه على (دمامات) ويقعون على الضرب بهوسة يسمون طريقتها (عقيلية) نسبة إلى عقيل من نجد وأما عقيل فيسمونها (هجيني) نسبة إلى الهجين من الإبل - وينزل رجلان من الجمع في ساحة تلك الحلقة يلعبان بالسلاح والناس من حولهما يطلقون أثناء اللعب الرصاص ولا يزالون كذلك مقدار ساعتين على الأقل وفي الأخر ينتثر عقد الجمع بسلام ثم يذهبون في عصر كل يوم بهذه الصورة إلى (إيوان كسرى) وهم يسمونه (طاق كسرى) وهو فصيح وهناك أيضاً يطلقون الرصاص على جدران الطاق وعقده ويبقون ثمة
إلى آخر النهار ثم يرجعون زرافات ووحدانا. وإذا جن الليل تراهم يجتمعون جماعات جماعات ويضربون في آلات اللهو والطرب (كالعود) و (القانون) و (الكمان) و (الدنبك) و (الدف) وغير ذلك ويغنون أنواع الأغاني ويرقصون شيباً وشباناً، أشرافاً وأراذل، وضعفاء ورفعاء، ولا يرون في ذلك بأساً ولا تحاشياً وكذلك قل عن النساء فيما بينهن ويعدون جميع هذه الأعمال الفاسدة حلالاً، فيها لله وللإمام رضىً لأنهم يزعمون أن الإمام سلمان كان في حياته من أهل(3/283)
اللهو والطرب وإنما يعملون هذه الأعمال تأسياً به فهي لا شك تجلب مرضاته عنهم.
وكنت أذهب في بعض السنين مع الذاهبين لأجل التفرج والتسلي وفي الحقيقة إن الذي يحضر هذا الموسم يجد مدة حضوره انشراحاً، إلا إن هذا الانشراح متولد مما يشاهده هناك لا غير إذ يرى السماء الصافية الأديم ويشرب الماء الزلال ويسرح طرفه في المروج الخضرة النضرة ويستنشق النسيم العليل البليل المنعش للأرواح هبوبه ويتروى من اللبن المخيض ويتغدى الزبد اللذيذ ويبيت خالي البال من الهواجس والأفكار يطرب سمعه إذا مر هزيع من الليل أنين النواعير وحنين الكرود وخرير المياه وحفيف الأشجار وتغريد الأطيار.
وكنت أدون جميع ما أشاهده من الآثار والتلول والرسوم وما أسمعه من حكايات الأعراب النازلين في تلك الأطراف عنها في مذكرتي وآخر عهدي في تلك الرحلات كان في 12 ربيع الثاني سنة 1331هـ - 20 آذار 1913م وإليك وصف ما شاهدته وسمعته:
2 - سلمان الفارسي أو سلمان باك
(سلمان باك) واقع في الجنوب الشرقي من بغداد على بعد ست ساعات للراكب وهو عبارة عن بهو كبير مربع الأركان يبلغ طول كل جانب منه نحو 40 متراً مبني بالجص والطاباق وقد جدد ذلك البناء في سنة 1322هـ - 1904م وبابه تجاه القبلة وفي وجوه جدرانه الثلاثة ما خلا الشمالي منها حجر واواوين معدة للزائرين وعند الجانب الشمالي قبة معقودة قديمة البناء يظهر من طرز بنائها أنها من أبنية القرن السادس أو السابع للهجرة يبلغ ارتفاعها بين 14و 18 متراً وفي باطنها نقوش بديعة بأشكال ثلاثية دقيقة وهي في أصل البناء يشابهها ما يسميه اليوم بناءو العراق (مقرنص) وقد غشيت تلك النقوش بصبغ
لونه كلون الزعفران ورسم منه أشجار وأزهار والرائي لا يقدر أن يعرف أن تلك الرسوم هي أصباغ إلا بعد تأمل طويل وإلا يقطع أنها صنعت كما تصنع الفسيفساء. وهذه القبة معقودة على حجرة طولها نحو 9 أمتار في عرض مثل ذلك قد غشيت جدرانها الأربعة بالقلشاني الأزرق والأبيض إلى علو 4 أمتار وقد فرشت(3/284)
أرضها بالرخام الناصع الملون وفي وسطها مشبك من النحاس الأصفر طوله نحو 3 أمتار وعرضه زهاء 2 متر وارتفاعه قراب 1 متر وتحت المشبك دكة عليها ستار من الحرير الأخضر المقصب ومما يلي الرأس عمامة خضراء كبيرة ملفوفة على ثلاثة أعواد وقد نصبت على شكل ثلاثي لتلف عليه تلك العمامة وفي أعلى باب الحجرة أو الحرم مكتوب بالقاشاني الأبيض والأزرق المشجر الحديث المشهور (سلمان منا أهل البيت) وأبيات من الشعر نظمت في تاريخ بناء الرواق والصحن وهي مكتوبة على القرطاس ومعلقة على لوحة من الخشب وتاريخ ذلك في سنة 1322هـ وأمام الباب من الجنوب رواق طوله نحو 12 متراً وقد صرف على هذا التعمير محمود أفندي المتولي أحد أشراف بغداد وهو القيم أو الكليدار هناك والمتولي أيضاً لسائر أوقاف الإمام نفقات باهظة وقد نال هذه التولية بالإرث عن أبيه وأبوه عن جده حتى يرتقي هذا التسلسل إلى أحد عشر صلباً.
أما الأراضي التي هي وقف لسلمان فهي: أرض باوي، وأرض السمرة، وأرض صافي وأرض عريفية وهذه كلها في الجانب الشرقي وأرض دزدي، وأرض المناري وهاتان في الجانب الغربي وتغل جميعها في العام من 600 إلى 700 ليرة عثمانية كذا أخبرنا رئيس كتاب الوقف الأسبق في بغداد عبد الجبار أفندي.
وكانت أرض سلمان قبل عشرين سنة قاعاً صفصفاً لا يسكنها أحد من أهل المدر سوى أعراب من أهل الوبر ينزلون بالقرب منها وهم بطة (وزان كنة) والدليم والمناصير وغيرهم وكان يبلغ عدد بيوت الجميع قاب 500 بيت أم اليوم فتجد حول قبة سلمان دوراً وسوقاً فيها ما يحتاج المسافر إليه وخانات وقهوات وقد بدأت العمارة والسكنى فيها منذ خمس سنين.
وينزل اليوم في أرض سلمان وأطرافها من الأعراب العشائر التي يجمعها الجدول الآتي:
عدد البيوتاسم أرضهمالعشيرةالرئيس
100 المناري في الجانب الغربي ويبلغ طولها الجبور ومنازلهم في الطرف صالح التجرات
من حبل السور إلى الغرب ساعتين ونصفاً الشرقي منها
120 - الطرف الغربي الجبور موسى الحروبي
30 السمرة في الجانب الشرقي البطة مطلق الصالح وعيدان الهومي(3/285)
100 السيافية في الجانب الغربي (العبد الله وأخوه ناعسة من الخزرج مرهج السلمان
وخلف المرير
12 السطيح في الجانب الغربي الدليم إبراهيم السليمان
5 الصافي في الجانب الشرقي الدليم دخيل المروح
10 الصافي في الجانب الشرقي المناصير فرج العنفوص
40الخناسة في الجانب الشرقي البو رقيبة حمد الصالح
؟ بدعة الهلالية في الجانب الشرقي المناصير عبد العاتي
10 الدرعية في الجانب الغربي الدليم عبد العودة
150 غريبية وهي على حد المناري الغربي الجبور زيدان الخلف
وطولها ساعة ونصف
بين 220 و300 الزمبرانية أو الزنبرانية طولها خمس ساعات ونصفصالح العلي
وهي في الجانب الغربي الجبور
وجميع هؤلاء الأعراب أهل ماشية وكرود وليس لهم مهنة سوى الزراعة.
3 - إيوان كسرى
وفي الجنوب الشرقي من قبة سلمان على بعد 10 دقائق منها إيوان كسرى وهو أثر جليل من الآثار التي يتنافس فيها في العراق أما علو شأنه وسامق مجده فيخبرك منظره عن مخبره ولم تبق لنا الأيام منه إلا طاقه المعقود عقداً حكمته يد الإنسان الذي علمه الله ما لم يعلم وقومته فكرته التي غلبت كل مخلوق.
مرت القرون تلو القرون وذهب الملوك أثر الملوك وانقرضت الأمم بعد الأمم وهو باق على حالته الأولى يصارع الأيام فتصرعه ويصرعها وسيبقى - والبقاء لله وحده - ونذهب
نحن والذين يأتون بعدنا إلى ما شاء الله يبقى وما بقاؤه إلا عبرة للمعتبرين (فاعتبروا يا أولي الأبصار).
4 - وصف الإيوان القديم والحديث
قال الخطيب البغدادي في مقدمة كتابه تاريخ بغداد طبعة باريس في الصفحة 88 (المدائن لكثرة ما بنى بها الملوك والأكاسرة واثروا فيها من الآثار. . . وتسمى المدينة الشرقية العتيقة وفيها القصر الأبيض القديم. . . وتتصل به المدينة التي كانت الملوك تنزلها وفيها الإيوان باسبانير. . .) اه(3/286)
وقال في وصفه ابن الأثير في الكامل: (. . . وهو (يعني الإيوان) مبنى بالآجر وهو على مرتفع من الأرض طوله 150 ذراعاً في عرض مثلها وأمامه ميدان طوله 80 ذراعاً في 25 وقيل سعة الإيوان من ركنه 90 ذراعاً. . . وكان فيه من التماثيل والصور شيء كثير من جملتها صورة كسرى انوشروان وقيصر ملك إنطاكية وهو يحاصرها ويحارب أهلها فلما فتحت المدائن سنة 16 هجرية على يد سعد بن عبادة ترك ما فيه من التماثيل واتخذه مصلى وصلى فيه صلوة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينها وقيل إن المسلمين أحرقوه بعد ذلك بقليل) انتهى كلامه وقد سبقه إلى هذا الوصف نظماً بسنين كثيرة البحتري فلتراجع الأبيات في ديوانه ج 1: 108 طبع الجوائب.
أما اليوم فلم يبق إلا ما يأتي: (الإيوان) ويبلغ طوله أو غوره نحو 42 متراً في عرض 25 متراً في ارتفاع 30 متراً وعرض الباقي من العقد من علاه وثخنه 8 طاباقات أو متران و40 سنتيمتراً وهو مقوس ويبلغ مقدار قوسه 14 متراً وعرض حائط الإيوان الذي عليه طرف العقد زهاء 5 أمتار وعرض الباب الذي يكون مقابلاً لك إذا وقفت في وجه الإيوان ووجهك إلى الجنوب الغربي متران و20 سنتيمتراً وارتفاعه خمسة أمتار وهو معقود مقوس (ويزعم العامة أن هذا الباب هو الباب الذي كان تدخل منه وتخرج العجوز التي كانت دراها في أيام كسرى بجنب الإيوان وليس لها طريق سواه) وفي طرفي الجدار الذي فيه الباب المذكور من أعلاه روزنتان نافذتان إلى الوجه الآخر من الجدار يبلغ ارتفاع كل منهما مترين في عرض متر وارتفاع الجدار المذكور بين 15 و20 متراً.
وفي حائط الإيوان الشرقي مما يلي وجهه باب طوله 7 أمتار في عرض متر و87 س وقد
شق عقده إلى أعلى الإيوان ويروي الأعراب عن أسلافهم إن هذا الشق هو الذي حدث يوم ولادة النبي (ص) وفي شرقي الباب المذكور جدار قائم قد سقط أعلاه وطرفه الشرقي ولم يبق منه إلا ما طوله نحو 31 متراً في عرض 7 أمتار في ارتفاع زهاء 30 متراً وفي وجهه الذي هو تجاه الشمال الشرقي آثار نقوش ومشاك وطيقان وأعمال هندسية في البناء بديعة ولعلها آثار ما وصفه البحتري وابن الأثير وفي أعلاه تجاه الجنوب الغربي أثر عقد يدلك على أنه كان هناك إيوان صغير غير هذا الكبير وقد هدم ومن الأرض إلى أثر العقد قراب 8 أمتار وفي وسط الجدار المذكور باب معقود طوله 7 أمتار في عرض 4 و20 س(3/287)
في ارتفاع متر و80 س وبناء الإيوان وجدرانه بالجص والطاباق وهو مربع يبلغ تربيع الآجرة منه قراب 30 س وثخنها زهاء 10 س وفي الجنوب الشرقي من الطاق بقرب الجدار تل ركام يسمى (شاه زنان) يبلغ ارتفاعه زهاء 7 أمتار ومحيطه 60 متراً وفي الجنوب الشرقي منه على بعد عشر دقائق تل آخر يسمى (تل الذهب) يبلغ ارتفاعه نحو 15 متراً ومحيطه قراب 200 متر وفي شرقي الإيوان على بعد 20 دقيقة السور الذي ذكره الشماس فرنسيس في الجزء الثالث ص 139 أما ضلعه الذي يذهب إلى الجنوب الغربي فبعد مسافة عشر دقائق يمحي أثره ثم بعد نصف ساعة يبدأ طرفه دون قبر حذيفة اليماني نحو 300 متر ثم يمر بارتفاع وانخفاض مسافة عشر دقائق ثم ينقطع مثله ثم يظهر ويبقى إلى مسافة 20 دقيقة ثم يأخذ في هبوط وصعود ووصل وقطع قليلاً قليلاً حتى يرد شط دجلة أسفل (قصيبة) وعلو أعلى موضع منه خمسة أمتار واخفض محل منه 3 أمتار ولعل هذا الأثر هو أثر السور الذي ذكره الخطيب في مقدمة تاريخه في الصفحة 89 قال (وكان الإسكندر. . . ينزلها (يعني المدائن). . . وبنى فيها مدينة عظيمة وجعل عليها سوراً أثره باق إلى وقتنا هذا موجود الأثر وهي المدينة التي تسمى (الروضة) في جانب دجلة الشرقي.) أهـ ولكل من هذه القطع المذكورة اسم يطلقه عليها أعراب تلك الجهات فأول قطعة منه في الشمال الغربي من الطاق على بعد 200 متر تسمى (تل جميعة) تصغير جمعة وهو اليوم مدافن موتى النازلين في تلك الأرض ثم فوقه بقليل (الطويبة) ويبلغ علوها 7 أمتار ومحيطها 60 متراً وطرف السور الذي في أسفلها يسمى (رأس العين) وقطع السور الواقعة في الجانب الغربي من دجلة وهي التي أشار إليها الشماس
فرنسيس في مقالته السالفة تسمى (حبل السور) وهذه القطع تذهب إلى الجنوب وهي ثلاث قطع الأولى واردة دجلة بل قل أكلتها هي وطول الجميع نحو 100 متر والفاصل بين القطعة الأولى والثانية 4 أمتار وبين الثانية والثالثة زهاء 100 متر وارتفاعهما زهاء 4 أمتار وعرضها من الأسفل 4 أمتار ومن الأعلى متر ونصف متر و (حبل السور) عند حد أرض (المناري) الشرقي وفي الجنوب الغربي منه على بعد ساعة تل يبلغ علوه 15 متراً ومحيطه قراب 120(3/288)
متراً يسمى (تل عمر) ثم فوقه إلى الجنوب مسافة 40 دقيقة تلان متقابلان يسميان (الخياميات) يبلغ علو كل منهما خمسة أمتار ومحيطه زهاء 60 متراً وفيهما أثر أنقاض وقحوف ويقابل تل عمر من الشرق على بعد ساعة تل يسمى (بنت القاضي) يبلغ علوه 14 متراً ومحيطه 100 متر وبقربه على بعد 100 متر بقايا سور يسمى (السور الصغير) وفي جنوبي حبل السور على بعد نصف ساعة نهر قديم يكاد يساوي عقيقة الأرض يسمى (نهر اليوسفية) وهو يابس لا ماء فيه ومبدأ اسفل فوهة (نهر الرضوانية) الجارية إلى يومنا هذا يذهب إلى الشرق ويقاطعه الشط فوق سلمان من الجنوب الشرقي بقليل ثم يذهب حتى يمر بقرب كوت الإمارة والبصرة إلى أن يرد (الحويزة) وفوقه إلى الجنوب على مسافة 5 دقائق (نهر تل الذهب) وهو يابس وفي جنوبيه على مسافة نصف ساعة (تل الذهب) المذكور وهو غير تل الذهب السالف الذكر وهو عبارة عن تل يبلغ علوه نحو 7 أمتار وطوله 35 متراً وعرضه 10 أمتار ويمر في أسفله مما يلي الجنوب على بعد 20 متراً (نهر المحمودية) وفيه ماء وفي شرقي تل الذهب على مسافة نصف ساعة ثلاثة تلول تسمى (السمر) (وزان) (قفل) وفي جنوبي تل الذهب على مسافة ساعة ثلاثة تلول من التراب الواحد بجنب الآخر تسمى حويصلات وفي شرقيها على مسافة 50 متراً تل فيه حجارة وقحوف يسمى (حطيحط) يبلغ علوه(3/289)
نحو 5 أمتار ومحيطه 80 متراً وإذا رحلت من المنارى تريد الإسكندرية فليكن وجهك إلى الجنوب وطريقك على تل عمر وتل الذهب وحويصلات والمسافة من المنارى إلى الإسكندرية 6 ساعات للراكب.
وفي الجنب الشرقي على بعد نصف ساعة من حبل السور تل يسمى (أبو حليفية) يبلغ ارتفاعه نحو 10 أمتار ومحيطه قراب 100 متر وغربي حبل السور على بعد 40 دقيقة
تل يسمى (تل منثر) وهو تل مستطيل يبلغ علوه قراب 7 أمتار وطوله 100 متر وعرضه زهاء 20 متراً وفوقه إلى الغرب على بعد 300 متر تقريباً تل يسمى تل (قريقص) وهو تل مستطيل يبلغ طوله 50 متراً وعلوه 4 أمتار وعرضه 10 أمتار وفي الجنوب الشرقي من حبل السور على مسافة 20 دقيقة من حافة دجلة اليمنى تل كتل قريقص يسمى (اشان هومي أو البارودة) وهو ينسب إلى رجل كان ينزله في القديم ويستخرج منه الشورة وكان اسمه هومي والبارودة هي الشورة فنسب إليه وهو أبو عيدان رئيس عشيرة البطة النازلة أرض السمرة وقد سلف ذكره وأما البارودة أو الشورة فإنها تستخرج من أرضه ومنها يعمل البارود وأرضه من أوقاف سلمان وفي شماليه على مسافة 50 متراً تقريباً قلعة مبنية بالحجارة والطين قد تهدم أكثرها وكانت قبل سنين مخفراً للجند العثماني يقيم فيه ليخفر تل البارودة كي لا يستخرج منه الأعراب الشورة وفوق البارودة أو اشان هومي إلى الجنوب الشرقي على مسافة 25 متراً تل يسمى (أبو خشيم) تصغير خشم وفوقه إلى الجنوب الشرقي على بعد خمس دقائق تل يسمى (أبو الهيت) وزان (جيل) سمى على ما ينقله الأعراب باسم إمام مدفون هناك يقال له (علي أبو الهيت) وفي الجنوب الشرقي من تل أبي هيت مسافة ربع ساعة أرض (السيافية) وبازاء فوهة ديالى في الجانب الغربي من دجلة على بعد 30 متراً عن الشط تل يسمى (أبو عصافير) وهو كاشان هومي أو أكبر منه بقليل ينزله أعراب من الجبور والبو عيثة وفي الشمال(3/290)
الغربي من سلمان في الجانب الشرقي من دجلة على بعد ربع ساعة وعلى قارعة الطريق تل يبلغ ارتفاعه 5 أمتار ومحيطه بين 30 و40 متراً يسمى (أبو زنبيل) هذا أسماء اغلب الآثار والتلول المبثوثة في أرض سلمان شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وأسماء العشائر النازلين فيها.
5 - قبر حذيفة اليمان وعبد الله الأنصاري
وفي الجنوب الشرقي من إيوان كسرى على مسافة 10 دقائق على ضفة الشط اليسرى قبر حذيفة وعبد الله الأنصاري وهما عبارة عن بهو(3/291)
طوله 15 متراً وعرضه 10 أمتار مبني بالطين والحجارة وعند حد جانبه الشمالي صفة عرضها 3 أمتار ثم وراءها رواق معقود عليه ثلاثة عقود بالجص والطاباق وفيه قبتان معقودتان أيضاً في اليمين والشمال التي عن اليمين فتحتها قبر حذيفة وعليه شباك من الخشب وأما التي على اليسار فتحتها قبر عبد الله
الأنصاري وباب الرواق والبهو تجاه القبلة.
6 - أوهام الكاتب وأغلاطه
أما أوهام الكاتب وأغلاطه التي أشرنا إليها في صدر المقالة فهي قال ص 136 (من الشمر) والأصح من شمر وقال ص 137 (بالزاوية) ويسميها الأعراب اليوم (زوية) بكسر الزاء والواو وتشديد الياء وقد فاته أسمها الآخر عندهم وهو (دورة) بفتح الدال فتحاً غير بين وقال (القرارة) والعراقيون يلفظونها قرارة وقال ص 138 (تل بليقة) والأصح بليغة بالغين وقال (التويثة) تصغير توثة وهي شجرة التوت وقال (نهر الذرعية) والأصح الدرعية بالدال المهملة وقال ص 140 (وجميع الزوايا. . . من باوي إلى ما وراء كوت الإمارة تسكنها شمر طوقة) والأصح قبل الكوت بخمس ساعات ثم قال: (وخيمهم في الصيف شقاق شوب العوين واللوبياء) والأصح الفقراء منهم أما الأغنياء فخيمهم من الصوف وقال ص 141 عند عده أفخاذ شمر (الداورة) والأصح الداور كما ذكره إبراهيم فصيح الحيدري في كتابه عنوان المجد وهو خط لم يطبع وقد عدهم على حدة ونخوتهم حسيني ثم قال: (الذلابحة) والأصح الدلابحة ونخوتهم صليتي: ثم قال: (العتبة بالضم) والأصح بالكسر وهم من ربيعة ثم قال: (الهرار) والأصح الهريرار ونخوتهم الغرير ثم قال (العواذل) والأصح العوادل بالدال المهملة ثم قال: (الزقيطاط) والأصح الزقيطات وهم من زبيد وقد فات الكاتب (الدفافعة) ثم (المهيات) ثم (النجادات) وهذه الأفخاذ الثلاثة تنزل في الجانب الشرقي من ديالى ومنازل الدفافعة من مصب نهر ديالى إلى الشمال ثم فوقهم النجادات ثم المهيات وقال السيد مهدي القزويني في رسالته في عشائر العراق وهي خط لم تطبع:(3/292)
(الزهيرية بطن من شمر طوقة).
ثم أدخل الكاتب في قبيلة شمر القبائل التي ليس لها نسبة ولا قرابة معها وعدها منها وهي (بنو ويس) وهؤلاء من الأوس قال الحيدري في كتابه المذكور في باب عشائر العراق (بنو ويس وهم الأوس ولا يعلم إنهم الأوس من طابخة. . . أو من حارثة. . . أو من مناة) ثم قال الكاتب (المجمع) وهؤلاء كما ذكرهم الحيدري عن القلقشندي: (بنو مجمع بن مالك بن سعد بن عوف بن جعفر) ثم قال (خزرج) وخزرج العراق أشهر من أن يعرفوا إنهم من الخزرج الذين هم أخوة للأوس وهم النازلون اليوم في أرض دجيل وقريته والذين أشار
إليهم الكاتب منهم أيضاً وطالما تتوافد القبيلتان وأمير أهل الجبل تقي عباس وأمير أهل دجيل قيس الحسين العلي السلطان ثم عد من شمر طوقه (الغرير. . . الزقاريط. . . الأقرع. . . السعيد. . . الزوبع (والأصح زوبع) السعود) أما الغرير فقد قال عنهم الحيدري السالف الذكر ما نصه: (الغرير من حمير ومن قبائلهم آل شهوان وآل بكر.) اه وأما الزقاريط فهم من عبدة من ولد رجل اسمه (زقروط) بفتح الزاء وأخوته العفاريت والجعفر وغيرهم وقد ذكرهم القزويني في رسالته قال: (الزقاريط قبيلة من العرب في العراق تنسب إلى شمر ذي الجناح من لهيعة الحميري أبي قبيلة شمر اه والأول أصح وأما الأقرع فقد قال عنهم القزويني المذكور: (الأقرع قبيلة في العراق ذات(3/293)
بطون ينتسبون إلى عبدة من شمر وإن انتسبوا إلى الأقرع بن حابس أو أخيه مزيد فهم من بني تميم ويقال لهم ولعفك الأقرعان ولهما بطون كثيرة) وأما السعيد فنجهلهم ولعلهم من السعود وأما زوبع فهم من شمر ذي الجناح كما ذكرهم القزويني وأما السعود فهم ينسبون إلى خالد بن الوليد وقد ذكرهم القزويني أيضاً. ونخوتهم صليتي ومع شمر طوقه عشيرة تسمى كرادة ونخوتهم أخوة فرية أي فرجة لأنهم يلفظون الجيم ياءً.
وأعلم إن كل قبيلة من القبائل التي ذكرناها عدة بطون وأفخاذ لا محل لذكرها هنا هذا ما عن لنا ذكره والله أعلم بالصواب.
كاظم الدجيلي
أيها العربي
-
أرى لأبيك تاريخاً مجيداً ... تردد فيه ألسنة الرواة
علاً مجداً أباً فضلاً وعلما
حجىً وبسالةً شرفاً وحكماً
خصالاً كلها لأبيك تنمى
به جمعت فكان بها فريداً ... تزين بالخصال الحاليات
له دانت ملوك الأرض قسرا
مسخرة له براً وبحرا
أبى للذل أن يسطيع صبرا
وأن يدعي إلى ملك مسودا ... فيخضع كالرعية للرعاة
أيا ابن الأكرمين كم التواني
وكم تغضي على حسك الهوان
ألست اليوم في أرقى زمان
ترى أبناه يقضى قعودا ... سواك وأنت في نوم سبات
بحقك راح حكم الجور يقضى
به جنفاً فتنظره وتغضي
أما بك شيمة للمجد ترضى(3/294)
فتحيى يا ابن قحطان جدودا ... تعيد حياتهم بعد الممات
حقوقك قد دعت هل من غياث
فقد عبثت بها أيدي البغاث
فهل بك يصدق الدور الوراثي
فننظر عزنا غضاً جديداً ... نبضن عروقه بدم الحياة
أجب صوت الرقى إذا دعاكا
وساور في المزايا من سواكا
ولا تعبأ بذي غرض نهاكا
وعش حراً أخا شرفٍ سعيداً ... لسانك فائز بين اللغات
فهلا ثقفتك يد الليالي
وأيقظك الزمان إلى المعالي
ألم تر صبية لك في ضلال
دعوك لكي تكون لهم رشيداً ... فرفقا بالبنين وبالبنات
أما بلغتك آيات السديم
ومعجزة اكتشاف (الراديوم)
فتنهض للصحيح من العلوم
وتجهد طالباً علماً مفيدا ... له تفدي العلوم السابقات
علوم ليس تجدي طالبيها
يضيع سدىً ثمين الوقت فيها
فهل بدت الحقيقة من ذويها
وهل هي صيرت عدما وجوداً ... يرى فيحس بين المرئيات
فلا هي نورت بالرشد فكراً
ولا كشفت لهذا الكون سراً
ولا قطع البخار بهن بحراً(3/295)
ولا ناجي البعيد بها بعيداً ... يخاطبه من الست الجهات
فنل علماً تحلق في الفضاء
به وتقيس أجرام السماء
وتكشف فيه سر الكهرباء
وتبدي للملا رأياً سديدا ... تدل به على أصل الحياة
النجف (نزيل الأهواز)
سعيد كمال الدين
أمراء السعود في جزيرة العرب
1 - تفرق أهل نجد
لما انشقت عصا آل سعود وتفرقت كلمتهم تفرق أيضاً أهل نجد واتبعت العشائر من أحبته من أمراء ذلك البيت وجاورت البلد الذي نزل الأمير لتكون له عوناً عند الملمات، فكان لعبد الله الفيصل قبيلة سبيع (مصغرة) والسهول (مجموعة، والبعض يقول الشهول بالشين المعجمة إلا أنها غلط) وبعض من عشائر عتيبة (مصغرة) - وانضوى بنو أيام إلى عبد الرحمن الفيصل والي أولاد أخيه سعود - ولحقت عشائر الدواسر والفرع وأهل الجنوب أمراء آل ثنيان.
2 - تقلص إمارة السعود من نجد
ما وقع هذا التجزؤ والاختلاف إلا ونشبت نار الفتنة وامتدت لهباتها فاستعرت بين عبد الله الفيصل وبين سعود وعبد الرحمن. وحدث بين القبيلتين وقائع وحروب كثيرة كانت عاقبتها ضعف الطرفين. وفي الآخر استعان عبد الله السعود بالأمير محمد بن الرشيد أمير حائل وعشيرة طيء؛ فاغتنم الأمير هذه الفرصة للتدخل بينهما والتغلب على كليهما ففاز بما أمل. ثم إنه اتفق معهما على أن يكونا في بلاد إمارتيهما وله عليهما اليد العليا وشرط عليهما شروطاً أخرى رضيا بها. فكان أولاد سعود في الخرج، وعبد الرحمن في الرياض. أما عبد الله فإنه زهد بالملك واستقر في حائل. وكان للأمير ابن الرشيد في كل بلد معتمد بمنزلة أمير وهذا آخر انحطاطهم في ملكهم.
3 - خروج السعود من نجد
في بحر سنة 1295هـ (1878م) وقع بين ابن الرشيد وبين أمراء القصيم فتور فاتفق آل السعود مع عبد الرحمن ووعدوه المساعدة إن فعل بما يطلبونه منه. فقام عبد(3/296)
الرحمن لينكب المعتمدين هناك فأحس الأمير ابن الرشيد بالأمر فأسرع إلى مصالحة أمراء القصيم. ثم بعد أن تم له هذا الأمر غزا الرياض والخرج واجتاحهما. وقتل بعض أولاد السعود والبعض الآخر أخذوا أسرى وأبقوا في حائل في تجلة واحترام. وهم الذين يعرفون باسم
العرائف (راجع لغة العرب 2: 567 - 572) - وأما عبد الرحمن فإنه فر من بين يدي الأمير ونزل الاحساء ثم بغداد ومنها رحل إلى الأستانة ثم زايلها فرجع إلى ديار العرب فاحتل الكويت. وقد عينت له الدولة العلية راتباً قدره 40 ليرة عثمانية في الشهر وكانت لا تعطى له إلا في بعض الأيام. هذا هو آخر أيام السعود في نجد وقد كان ذلك في سنة 1296 و 1297هـ (أي 1879م)
4 - عودة السعود إلى نجد على يد عبد العزيز باشا السعود
في سنة 1313هـ (1895م) استفحل أمر الأمير محمد بن الرشيد أمير حائل وتسلط على نجد كلها فخضعت له حاضرتها وباديتها. وتم له فيها كل ما يريد. فأخذ حينئذ يفكر في إنشاء ميناء بحري لنجد فرأى أن البلاد كلها بيد الدولة العثمانية وليس له بلدة قريبة منه إلا الكويت فهم بذلك. وكتب إلى الشيخ قاسم بن ثاني يفاتحه بالأمر ويستشيره في غزوة الكويت (كذا) ولما كان الشيخ قاسم وجد من آل الصباح ما لا يناسب شأنه كتجهيزات جهزت عليه في أثناء محاربته العساكر العثمانية المقيمة في قطر أشار على الأمير ابن الرشيد أن يزحف على الكويت. إلا أن الأميرين اتفقا على أن يؤخرا هذه الزحفة إلى حين انسلاخ الشتاء. وفي تلك الأثناء مرض الأمير محمد وانتقل إلى دار القرار في آخر سنة 1314هـ (1896م) فخلفه الأمير عبد العزيز بن متعب الرشيد وما كادت قدماه تستقران على عرش الإمارة إلا وفكر بتحقيق ما كان قد نواه سلفه من أمر الزحفة. وبينما كان يتأهب لذلك قتل الشيخ مباركك بن الصباح أخويه محمداً وجراحاً وهم بغزوة نجد فثارت الحرب بين ابن الرشيد وبين ابن الصباح ولم تخمد نارها إلا بعد مدة مديدة كان الفوز فيها للأمير ابن السعود. فأغتنم عبد العزيز هذه الفرص ودخل الرياض سنة 1319هـ (1901م) وأمده ابن الصباح بالمال والسلاح لاتفاقه معه. وفي سنة 1325 - 1326 (1907) تصالح عبد العزيز السعود مع الرشيد. ولا يزالان متسالمين متحابين إلى يومنا هذا وقد عقد كل منهما مع صاحبه عهوداً وثيقة محكمة العرى. وقد عرف كل منهما حدود دياره وربوعه وأراضيه وعشائره - وبعد أن صفا الجو لأبن(3/297)
السعود أخذ بتوسيع نطاق ملكه وما زال على هذه النية إلى أن احتل الاحساء والقطيف ودارين في هذه السنة سنة 1331هـ - وهو اليوم مقيم في نجد ويلقب (بالإمام) وهو أمير عادل كريم شجاع سياسي ذو رأي متين
وفكر مصيب وعلى جانب رفيع من العزم والحزم والدهاء ولهذا تراه ذا حظ وافر وتوفيق مجيد وطالع سعيد. ويؤمل العقلاء أن تكون النهضة العربية المنتظرة في أيامه الميمونة.
هذا آخر بحثنا عن أمراء السعود على غاية من الإيجاز واختصار وقد ضربنا صفحاً عن ذكر الأمير ابن الرشيد والأمير ابن الصباح اللذين جاء ذكرهما في هذا المقال إذ في نيتنا العود إلى البحث عن إمارة كل منهما في فصل آتٍ. والله الموفق.
5 - حدود إمارة السعود السياسية في عزها
لم يكن لديار السعود حدود سياسية واسعة قبل أن تظهر هذه الدولة وإنما كانت إمارتهم في بادئ أمرها من وراء أمير الاحساء. فكان الأمر يصدر إليها من هنالك وأول ما اعتبرت إمارة كان بعد ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب رأس الوهابية فناصره آل سعود ووافق هذه النهضة إقبال ميمون وأخذت تتوسع منذ ذاك الحين. أما أول أمرها فكانت عبارة عن بلدة (العيينة) التي هي مقر آل سعود.
وبلغت حدودها في عهد غضارتها وأوجها إلى تخوم عسير من جهة اليمن وإلى حوران من ناحية الشمال وإلى قطر وقطيف وعمان من جانب خليج فارس وقد أخضعت هذه الإمارة مسقط والاحساء. وقد بلغ بآل سعود أن كسو الكعبة سبع سنوات متتاليات وحكموا في الحجاز بضعة أعوام.
6 - حدودها الحالية
أما حدودها اليوم فهي من جهة الغرب ديار قبيلة حرب النازلة بين المدينة والرياض ومن جهة الشمال (قصيبة) الواقعة بعد القصيم وما حولها من الأراضي وهي الحدود الفاصلة بين حائل والقصيم. ومن جهة الشرق الحفر (بفتح الأول) وما حواليه. ومن جهة الشرق الاحساء ويتبعها بلاد عمان وقطر والقطيف وما في تلك الديار ومن جهة الجنوب شمالي حضرموت.
7 - القبائل التابعة لها اليوم
يتبع اليوم هذه الإمارة من القبائل عشائر جمة وإنما نعد منها تلك التي(3/298)
تغزو مستظلة بظل راية الإمام الكبير عبد العزيز باشا السعود ونشير إلى مقطن كل قبيلة بجانبها مع إعداد
حملة الأسلحة والفرسان فيؤخذ من هذا إن هذه القبائل تقسم قسمين: قسم تابع لها بنوع خاص ويشمل القبائل التي تلازم أوامر الأمير ونواهيه ولا تنفك عنه البتة. وقسم تابع لها بنوع عام ويشمل القبائل الخاضعة لأمر الأمير ونواهيه لكنها تقطن حيثما أرادت بدون أن تقيد نفسها بقيد خاص فتشترك معه في الحروب والغزوات دون الإقامة في ظله فالقسم الأول من قبل العصبية والقسم الثاني من قبل الخضوع والطاعة.
ودونك الآن قسم القبائل الخاصة بالإمارة وهي:
عدد حملة السلاح عدد نفوسها اسم القبيلة
8. 0000 من 19. 000 إلى 20 قحطان
7. 000 من 18. 000 إلى 20 السهول
6. 000 من 40. 000 إلى 45 الدواسر
10. 000 من 22. 000 إلى 25 السبيع
41. 000 99. 000 إلى 110 المجموع
هذا إحصاء من باب التقريب إذ لا تعداد أنفس عند عرب تلك الأرجاء وقد يرى القارئ إن فيه مبالغة، لكن ليعلم إن هذه القبائل هي من العمائر الأمهات وفيها أقسام عديدة إذ تشمل عدة بطون وأفخاذ وفصائل. فلو سمينا كل قسم من الأقسام باسمه وذكرنا لكل منه ما له من العدد والعدد لطال بنا الكلام إلى ما يحرج الصدور ويضيق الأنفاس. ولوجدنا هذا الإحصاء مطابقاً للواقع. ولا بد من أن نذكر هنا قولا ذكره لنا أحدهم قائلاً إنهم لا يقلون عما يأتي ذكره:
05. 000 10. 000 قحطان
05. 000 11. 000 السهول
12. 000 35. 000 الدواسر
08. 000 20. 000 السبيع
30. 000 76. 000 المجموع
أما منازل قحطان فواقعة في شمالي الرياض وديار السهول في شرقيها وربوع الدواسر بين الأفلاج ونجلان من جهة عسير ومخيم السبيع تجاه الطائف إلى الشمال.(3/299)
وأما قبائل القسم الثاني فيكون على نسبة قوة الحاكم وممن لا يزال في طاعة هذه الإمارة فهم (ما عدا من تقدم ذكرهم):
17. 000 50. 000 عتيبة (بالتصغير) ومقامهم في شمالي ديار السبيع
2. 00008. 000 المناصير وهم في جنوبي منازل السهول
4. 50017. 000 بنو هاجر في قبلي ربوع المناصير
2. 50010. 000 المره (بالضم وزان درة) في جنوبي مخيم بني هاجر
4. 00015. 000 العجمان (وزان فرسان) في جنوبي مقطن المرة
30. 000 100. 000 المجموع ويلحقهم بنو مطير (وزان زبير)
وهنالك عشائر أخرى صغيرة صرفنا النظر عنها لقلة شهرتها أو لخمول ذكرها وقد تأخذ الحيرة القارئ عند وقوفه على هذا العدد العديد من نفوس العشائر وربما تصور لنا إنها تنمو نمو الكلا في البر لكننا نذكر عنها لمعة مجملة عن أصلها وبعض ما يتعلق بها فنقول:
قحطان
هي قبيلة قحطانية الأصل لم تتغير عما كانت عليه في سابق العهد وسامق المجد فقد بقيت على شرفها وجلالة قدرها ومحتدها وهي تقسم أقساماً كثيرة منها: السمر (بضم الأول) والعاصم والخنافرة والورقة (ويسميها البعض الروقة) وآل سعيد والحماملة والمجمل (بتحريك الميم الأولى حركة مشتركة والباقي وزان مأكل) وعبيد (وزان زبير) إلا أنها تلفظ بسكون الأول كما هو مشهور عندهم في لفظ كل مصغر)
السهول
ترجع هذه القبيلة في نسبها إلى سهل أو بني سهل وهم بطن من بني بحر من لخم من القحطانية وتتجزأ إلى بطون وأفخاذ كثيرة.
الدواسر
تتجاوز أعداد بطونهم العشرين لكنهم يرجعون جميعهم على ما يقال إلى عمارة من العرب اليمانين. والأصح إنهم بنو وائل لأن نخوتهم في يوم الحرب هي (أولاد وائل).
السبيع
قيل إنهم بطن من بني عامر بن صعصعة من القحطانية ولعلهم هم.
عتيبة
بطن من عتيب بن أسلم بن تديل بن جشم بن جذام من القحطانية وهم اليوم(3/300)
ينسبون في بني شيبان. فيقولون: عتيبة بن عوف بن شيبان. ونخوتهم في عهدنا هذا: (أولاد شيبان).
المرة
ويقال لهم أيضاً: آل مرة. ويظن أنهم من بني مرة وهم بطن من الأوس من الأزد من قحطان. وذكر إنهم من بني مرة بطن من بكر بن وائل من عدنان. وقيل من بني مرة بطن من ذبيان من العدنانية. وعندنا أن القول الأخير هو أبعد الأقوال عن الحقيقة.
العجمان
هم بطن من قحطان ويقسمون أقساماً شتى. والإمارة فيهم في هذا العهد لآل حثلين (كأنها مثنى حثل المكسورة الأول) وهم القسم الأكبر عن بطونهم.
هذا ما يقال في هذا الموضوع والله ولي التوفيق والتيسير.
سليمان الدخيل صاحب جريدة الرياض ومجلة الحياة
الشيب والشباب
إن المشيب وليته وولاني ... فغدوت طوع تصرف الحدثان
لاحت تباشير الصباح بلمتي ... فكأنهن أسنة المران
يا نازلاً أزري بنا بنزوله ... هل للشيبة من زمان ثانٍ
طلعت بفودى أنجم أرمي بها ... يوم التصابي مقلتي وجناني
نزل المشيب فزادني بياضه ... ضعفاً وشد بنسعتيه لساني
طر البياض على السواد فذكرت ... بيض الشعور بياضة الأكفان
لعبت بك الأحوال وهي مجدة ... لعب الرياح بقائم الأغصان
قضى الشباب وما قضيت لبانة ... لك من عهود فلانة وفلان
مني تحيات عليه فإنه ... نكث العهود وجد في الهجران
لم أنس من أيامه صفواً ولم ... يك لي بما فعل المشيب يدان
لا تبك أيام الشباب فإنها ... قد غادرتك مدمج الجثمان
زمنا ألم به خيال مائل ... كيف العلالة بالخيال الفاني
لا كان يومك من سواد عارض ... في العارضين يزول بعد زمان(3/301)
طرقتك طارقة المشيب فأنبأت ... إن المشيب نهاية الإنسان
الشيب نار والشباب دخانها ... ولرب نار أغشيت بدخان
نار سيخمد بعد حين وقدها ... ولسوف يبدل جمرها بدمان
مارست أيام الحياة وإنني ... صعب عليّ الأيام رد عناني
حتى لحت غصني بمدية صرفها ... ولوت يداها معصمي وبناني
فتشنجت مني الخدود وأوهنت ... عزمي الخطوب وخانني إمكاني
ركضت بميدان الحياة خيولنا ... إن المنية منتهى الميدان
فلكم أنفت من الهوان وذوقه ... ولكم أبيت ولاءه وأباني
ولقد نظرت إلى الشباب وأهله ... نظر الغريب مدارج الإظعان
وذكرته بصفائه وبهائه ... ذكر المعبد شاسع الأوطان
فرأيت إني حين أكبر ذكره ... تزداد في نصاعة الألوان
أأرى دلاتي في الحياة كأنها ... مصرومة الأوذام والأشطان
من بعد ما علم الرجال بأنني ... أسد الأسود وفارس الفرسان
كم منهل ناضلت عنه ومعرك ... جادلت فيه بناصع البرهان
بمثقف صلب الكعوب معزز ... بمهند ماضي الغرار يماني
فبنيت لي بالسيف بيتا أشرفت ... شرفاته والسيف نعم الباني
بالجد تمتنع النفوس فإن هوت ... يوم السباق فقد هوت لهوان
لا غادرت أيدي النوائب أمة ... صبرت على الإذلال والإذعان
أيهان من عدنان فرع طاهر ... ومن الذوائب من بني قحطان
للعرب آناف تدق كأنها ... زبر الحديد بمطرق الأقيان
إن المعارف في بلادهم غدت ... منقوضة الأساس والبنيان
وإذا رأوا للجاهلية دعوة ... يتسابقون تسابق الأقران
مثل الجهالة في ذوائب يعرب ... يسري به الشرقان والغربان
محمد الهاشمي
مستقبل قضاء الحلة
كنت قد أدرجت مقالة في العدد 435 من الزهور البغدادية بينت فيها(3/302)
النهضة التي ظهرت في أبناء العراق بخصوص ما يتعلق بأمر الإصلاحات المستحسن إدخالها في ولايتنا. وها إني اليوم أوافي هذه المجلة بمقال لأوجه أنظار القوم إلى قضاء الحلة الجليل ومستقبله الزاهر فأقول:
إني لا أريد أن أسير في بحثي مبتعداً عن الغرض الذي أرمي إليه بل أذهب إليه تواً وأتعرض للوسائل التي هي في طاقتنا لنصل إلى أحسن نهج بحسن مستقبلنا. - إن للحلة اليوم من وسائل الثروة والغنى ما لا ينكر إذ فيها شعبة من الفرات التي تجري ماء النضار ما لا مثيل له في سائر الديار، إلا أن نموه وتبسطه في غاية البطيء والتثاقل. فهل يحسن بنا أن نراه باقياً على هذه الحالة حالة الطفولة؟ ألا يجب أن يسير سيراً حثيثاً في صراط الارتقاء والتوسع والتبسط؟ إني أدع الحكم لأهل الرأي والتفكير.
إن بناء سد الهندية ليس إلا بمنزلة الأضلاع للجسم فكما أن هذه الأضلاع لا تكفي لقوة الجسم بل يجب أن تكسى لحماً وعضلاً كذلك يقال عن هذا البناء الجليل الذي لا ينتفع منه ما لم يقرن بما يتمم الغاية التي بنيت له.
ولعل قائلاً يقول إن هذا المشروع هو فوق طاقتنا. قلنا: الأمر بخلاف ما يظن أو بخلاف ما يذهب إليه. والدليل ما نعدد لك من الأشغال التي يمكننا أن نقوم بها لتحسين مستقبلنا.
وأول كل شيء سقي الأرضين الواسعة الممتدة في تلك الأرجاء الرحبة. فلقد أصبح الري اليوم من أيسر الأمور لتحدر المياه بسرعة وعليه إذا أراد الناس الوصول إلى ما يرومون عليهم أن يبنوا ثلاث كيالات أي ثلاث قناطر في عرض نهر الحلة ويقام مآخذ الماء لجميع ما يتفرع منها من الخروص. وقد عنى ديوان أشغال الري بدرس فكرة من سن قانون ينظم به تقسيم الماء على الأرضين ونحن نؤمل أن يكون إخراجه إلى حيز الوجود والعمل بموجبه بأقرب ما يمكن.
أما الأموال اللازمة لهذه الأعمال فإنها ليست باهظة بل في مكنة جميع(3/303)
الذين ينتفعون بمرافق السقي. لا سيما إذا علمنا إن أهالي الحلة يحصلون على نعم ونتائج لم يحلموا بها
سابقاً وتتوفر لهم المعيشة وتجعلهم أصحاب ثروة طائلة في قليل من الزمن لأنهم إن بنوا الكيالات المذكورة لا يحتاجون بعد ذلك إلى آلات رافعة للماء إذ هذا السائل الحيوي يأتيهم عفواً متحدراً إليهم من تلك الكيالات ويتدفق إلى حيثما يريد الساقي أو الزارع.
والحصول على هذه الأموال يكون على هذا الوجه: تزاد الأعشار اثنين في المائة فما يمضي غير قليل من الزمن إلا وقد اجتمع المبلغ ونالوا ما أملوا. إن فعلوا هذا الفعل أظهر تسرعهم في هذه المسألة مسألة حياة الجماعة وإحياء الموات من الأرضين إنهم من أنشط الناس ومن أرغبهم في ترقية وطنهم وإنهم ممن يسعون في فتح باب جديد لبلادهم باب الرقي والفلاح باب الحضارة الهنيئة والنجاح المبين.
أما المشروع الثاني الذي يبشرنا بمستقبل زاهر هو العزم على تسيير مراكب سريعة الجري على نهر الهندية بين السد والديوانية لجمع ريع الحصاد الذي يجتمع على ضفتيه ذلك الريع الذي إذا بقى في محله بدون نقل لم يفد أهل تلك الأرجاء وإذا نقل إلى حيث يصرف ويباع وينفق يغنى أصحابه ويوسع أسباب معيشتهم. هذا فضلاً عن إن تلك البواخر تجمع القرى بعضها إلى بعض تلك القرى التي تتتالى منسوقة على طول النهر والتي لا تزال في حال النشوء مع أنها تنزع إلى النمو والتبسط والتقدم.
وإن قيل لنا إن هذه المراكب لا تفيد فائدة تذكر إذا ما مد خط السكة الحديدية قلنا: إن الخط لا يمر بالحلة كما هو مشهور ولهذا تكون المراكب من أوجب ضروريات حياة الجماعة والأهالي في ذلك القطر وإلا تبقى حاصلاته بدون فائدة عمومية. - أما وسائل النقل على ظهور الدواب فهي في منتهى البطيء والثقل وغير وافية بالمقصود دع عنك ما تكلفك من النفقات الباهظة. أي أن هناك وسيلة أخرى وهي مد فرع للسكة الحديدية البغدادية وهذا الفرع هو المعروف عند أهل الفن (بالفرع الزراعي) لاختصاصه بنقل حاصلات الزراعة. وهذا مما لا بد منه يوماً لإتمام خط بغداد بوجه يفي بالمرام ويقوم بحاجيات أهل ديارنا هذه الميمونة وربط المركزين الكبيرين (بغداد والحلة) برباط واحد يدفعهما إلى التقدم والترقي الدائم.
أما النفقات اللازمة لمد هذه السكة فهي ليست بعظيمة لأنه لا يحتاج إلى بناية(3/304)
بديعة تبتلع الأموال بدون فائدة بل تكون معتدلة مناسبة لحالتنا. ولنا دليل على نجاح هذا الفرع من
السكة ما فازه خطا النجف والكاظمية من التوفيق والتيسير والربح الكبير. ولو كنا ممن يريد الترقي الحثيث لبلادنا لأكثرنا من هذه السكك الحديدية في طول البلاد وعرضها وأصبحت عامرة راقية في معارج الحضارة.
وكل ما أشرت إليه من الأشغال ليست لنا ولا هي حديثة الفكرة إذا لكل يعلمونها لكنهم لا يعلمون بها خوفاً على تشتت أموالهم على ما يتخيلونه إذا ما سعوا إلى توسيع أشغال النقل والانتقال. ولهذا نوجه أقوالنا هذه إلى عموم الناس لا إلى الخاصة منهم أهل الاحتكار والإحتجان الذين يجمعون الأموال لمجرد التمتع برؤيتها لا غير.
وصلت إلى هنا من كلامي وأنا أسوقه إلى أبناء وطني العراقيين أما الآن فألفت عنان كلامي إلى الحليين خاصة أولئك الذين هم جرثومة مستقبل الوطن الزاهر وأول شيء أقوله لهم: جودوا على الوطن بما في طاقتكم يجد عليكم بنعمه ومرافقه وأرزاقه. ولا تكتفوا بالماء الذي جاءكم وكنتم تتشوقون إليه بل سيروا دائماً إلى الأمام سير مائكم المتدفق وأفرغوا كل ما في وسعكم ليجود عليكم صقعكم بكل ما تنتجه أرضه إلى أقصى غاية: واستشيروا لهذا الغرض أرباب الفن المتنورين ليطلعوكم على ما يجب اتخاذه من الوسائل اللازمة لترقية الزراعة على أرقى طريقة وصلت إليها في البلاد العامرة أو المتحضرة.
ولا تغفلوا عن الصناعة: اتخذوا غلاتكم لبلادكم فإن في ذلك غناكم وثروتكم ونمو أموالكم. ومن أجل الأمور الضرورية لدياركم هي آلات إخراج الحب من القطن وتربي دود الحرير والطحن ودباغة الجلود وغيرها. والخلاصة عليكم بكل وسيلة تبرز آيات نشاطكم ومساعيكم العامة النفع.
وحينما تصبحون في يسر العيش ودعته بما يفيضه عليكم ماء الفرات من الخيرات باشروا بما يعلي كعب الوطن أبعد العلاء وهو أمر ترقية المعارف إذ بقدر ما تزرعون تحصدون وبقدر ما تسعون تتوفقون وكلما قدمتم أمر الآداب على سائر أمور هذه الدنيا تفتقت عليكم منابع الخير وأفلحتم كل الفلاح.
ها إن بابل القديمة قد اتكأت رأسها على أبواب مدينتكم فأهدئوها بأيدي نشاطكم لا بل أيقظوها من سباتها الطويل العادي بأناشيد حضارتكم وعمرانكم لترى الضوء الجديد الذي يحيط بها وغنوا قائلين:(3/305)
العلم يرفع بيتاً لا عماد له ... والجهل يهدم بيت العز والحسب
توفيق بشارة
الحياة خيال
بلبل هاجه الغرام فغنى ... فوق أغصان بانةٍ تثنى
قابل الصبح هائماً وهو يشدو ... بنشيد يشجي فؤاد المعنى
قرب جورية أماطت لثاماً ... عن محيا زها جمالاً وحسنا
هام وجداً بحبها وحرى ... بهواها إن هام وجداً وجنا
منحتها يد الطبيعة حسناً ... وجمالاً لغيرها ما تسنى
لوعة الحب لم تدع فيه صبراً ... كل آن تراه يبدل غصنا
كلما هم أن يطير إليها ... ثبط الوهم عزمه وتأنى
حسبه الله كم وكم منعته ... واهمات عما هوى وتمنى
يتغنى آناً ويسكت آناً ... مشرئباً لغير طيرٍ تغنى
نغماتٍ تثيرها نغمات ... من طيور تجيد ثمة لحنا
هاجها الوجد والغرام فغنت ... بقوافٍ رقت أداءً ومعنى
ما جرت نسمة هنالك إلا ... وتشاكينها ولوعاً وهمنا
يا لغنىً وقفت فيه صباحاً ... كان للعاشقين أحسن مغنى
بينما كنت في مراتع أنسى ... ثم أرعى أثمار عيشي المهنا
فاجأتني بارودة بدويٍ ... أسكنت كل طائر قد تغنى
أرسلتها يد القضاء لتقضى ... عمر ذا البلبل الشجي المعنى
لا تسل كيف فارق العمر قسراً ... بعد ما حرك الجناح وأنا
وأنا ناظر إليه بعينٍ ... ذرفت دمعها فرادى ومثنى
ولمثلي يشجو لكل شجيٍ ... ولمثلي يبكي على كل مضنى
فتفكرت في الحياة إذا هي ... كخيال يلوح وهنا فيفنى
إبراهيم منيب الباجه جي(3/306)
الأكراد الحاليون
4 - ملابسهم وأزياؤهم
(ثياب المرأة وحلاها) - تلبس المرأة الكردية قميصاً أو شعاراً يسمونه بلسانهم (كراس وتزرر فوقه الصدرة من تحت ثدييها وهي بلسانهم (سخمة والبعض يقولون زخمة) وفوقها تلبس القباء وهو بلسانهم (كوا وتضع على كتفيها قطعة من القماش تسمى (جاروكة تعقدها عند صدرها وتضع على رأسها طربوشاً صغيراً أسود اسمه عندهم (فيس وترسل بعضهن منه عذبة أو قطعة طويلة من القماش يسمونه (قوجكه تنحدر إلى نحو ركبتيها من الوراء وتتبرقع بكسفة من الكتان اسمها (سربوش وربما لم تكن من الكتان بل من نسيج رقيق. وقد تتمنطق بعضهن بنطاق ويشددنه شداً محكماً ويسمونه (كمر وبعضهن يسمونه (كمبر ويكون مفضضاً أو مذهباً وإن كان من القماش فأسمه (يشتين وهو نادر عندهن. وتسدل الكردية من شعر جبينها خصلتين تنوسان على صدغيها اسم كل منهما (زلف أكريجه وهذه الكلمة الأخيرة من التركية. والمرأة الكردية الشمالية تطيل هاتين الخصلتين بخلاف الجنوبية فإنها تقصرهما. وترسل باقي شعرها مضفوراً على ظهرها. وتشد على جبينها سلسلة تمتد من اليسرة إلى اليمنة وقد نظمت فيها النقود الذهبية والفضية وتعرف عندهم باسم (برجاوكه وتفعل مثل ذلك عند مؤخر رأسها وتسمى (بشته سر - وتزين الطربوش بالنقود أيضاً ويسمى (كلاوي آلتون وتكحل عينيها وتجعل في أنفها حلية تسمى (قرافل أو خزمة وتحنئ يديها ورجليها. والمدنيات يعرفن الأسفيداج والحمرة بخلاف القرويات والبدويات منهن فإن اللواتي يستعملنهما قليلات.
هذا هو زي الكرديات على الغالب ألم يكن قد خالطهن غيرهن أجنبيات فإن خالطنهن فإنهن قد يستعرن أزياءهن وحينئذٍ لا ضابط يضبط الملبوس وأنواعه.
(ثياب الرجل) أما الرجل الكردي فيلبس ثوباً أو قميصاً أو شعاراً وقد لا يلبس ويجعل فوقه قباء قصيراً اسمه عندهم (جوغه وهو ينحدر(3/307)
إلى عجزه. ويتسرول بسراويل تعرف عندهم باسم (رنك وكلاهما رقيق يحاك من الصوف العادي أو من شعر المعز ولا سيما من الشعر المعروف عندهم باسم وهو المرعزي عند العرب، ويلبس فوق القباء ردآء باسم
(بستك وهو لباس يشبه العبآء إلا أنه قصير مزند (أي مزمك بلسان أهل الشام وقصيف أو ضيق بلسان العراقيين) يتجاوز طوله المنطقة بقليل. وثخنه نصف إصبع يعمل من الشعر أو من المرعزي. ويتخذ فوقه الكبنة وتسمى عندهم (فرنجي وهي ذات ردنين يكونان قصيرين أو طويلين وتتخذ الكبنة من الصوف. وإن كان الكوا قصيراً يسمونه (كورتك أي القصير ويشد وسطه بقطعة قماش لا يقل طولها عن أربع أذرع يسمونه بشتين يغرز فيه الكردي خنجره وأسلحته. ويلبس في رأسه قلنسوة يسمونها (تبله وهي بشكل نصف كرة صلبة مجوفة تعمل من الصوف ثخنها نصف إصبع وقد يكون أعلاها مسطحاً فتشبه حينئذٍ القدر وهو خاص بالأكراد الجنوبيين.
أما الشماليون فيلبسون عرقية مخروطة الشكل وتكون من القماش. ويشدون على كليهما قطعة من الحرير الثخين تسمى مشكي وإلا فإن كانت من الحرير الرقيق الأسود فتعرف باسم آخر.
ويلبس في رجليه حذاءين يسمى الواحد منهما (كلاش وهو يحاك من الصوف ويكون في داخله خرق تكون بمنزلة النعل. ويتقن صنعه قبيلتا الدوم والخرات وهما عشيرتان تتجولان في ديار كردستان.
والخلاصة يشبه زي الكردي الحالي زي الحثيين الأقدمين الذين يظن إنهم أجداد الأرمن. وهذا الزي معروف في ربوع الكرد من حدود ديار بكر إلى تخوم تستر إلا أنه يتغير قليلاً بتغير مواقع البلاد أو المجاورة الأعراب والأعجام.
5 - مذاهب الأكراد
اغلب الأكراد مسلمون وفيهم نصارى ويهود. واغلب المسلمين سنيون(3/308)
وما بقي منهم فعلى مذهب الشيعة. أما الداسنيون الذين يعدون من الأكراد فهم مجوس هجروا حاضرتهم القديمة (يزد) واحتلوا أرض فأقاموا فيها ولهذا يقال لهم أيضاً (يزديون) فصحفت العامة اللفظة فقالوا (يزيديون) وهو غلط أو لعلهم سمو كذلك لمشابهة ديانتهم ديانة اليزديين أي المجوس وقد وقع تغيير عظيم في ديانتهم الزرادشتية كميلهم إلى روح الشر وهو (آهرمن) المعروف عندهم بملك الطاووس أكثر من ميلهم إلى روح الخير (يزدان) لخوفهم من الأول وأمنهم من الآخر. - وهم يعظمون الشمس ويصلون ثلاث ركعات عند طلوعها وعندهم الختان
والمعمودية معاً. ولا شك إنهم أخذوها عن اليهود والنصارى وعندهم كتب مقدسة منها كتاب جلوة.
وكان يوجد في أواسط كردستان طائفة وحشية يسمى القائل بها (كاكه يي نسبة دخيلة إلى (كاكه) مؤسس ذاك المذهب الغريب. وقد هجاهم الشاعر الشهير الشيخ رضا الطالباني الكردي. وهم يجلون أعظم الإجلال رجلين آخرين وهما باوايادكار و (سي بركه - وامرأة يقولون لها (دايه ريزبار(3/309)
وبقرة صفراء (كازدر - وغصناً رطباً (توني سبز - ويحتم عليهم أن يجتمعوا رجالاً ونساءً في ليلة معلومة من السنة في محل مخصوص يطفئون فيها السرج والأضواء وتسمى عند أهالي تلك الأنحاء (ليلة الكفشة) ومن الناس من ينسب هذه الليلة إلى اليزيدية ومنهم إلى الشبك ولعلها كذبة مختلفة. وكانت تعرف هذه الليلة في عصر العباسيين أو في العصور المتوسطة (بليلة الماشوش وقد تركوا هذه العادة القبيحة منذ أن فهموا معنى الإسلام وفرائضه فهماً معقولاً. والظاهر إن هذا المذهب منتحل من مذهب (مزدك) الذي ظهر في عهد انوشروان وقتل أيضاً في ذلك العهد. وقد سرى داء ذاك المذهب إلى (بابك) الذي ظهر في زمن المعتصم من خلفاء بني العباس وقتل أيضاً في عهده. ثم أخذه (فضل الله الحروفي) الباطني الذي ظهر ونفى إلى آسية الصغرى في زمن (شاه رخ ميرزا ابن تيمور لنك) وتبعه بعض البكتاشية. وكانت هذه العادة جارية عند الروس القدماء وهي تجري الآن في شمالي آسية عند أقوام الإسكيمو.
وفي كردستان أيضاً فرقة تعرف (بالعلي اللاهية) وهم قسم من السنجاويين المتوطنين قرب (قصر شيرين) وهم يعتقدون بأن الله حل في علي بن أبي طالب (رضه) رابع الخلفاء الراشدين ويستحلون لحم الخنزير.
6 - مزاراتهم والتداوي فيها
يذهب الأكراد بمريضهم وبكل من يصاب بداء من الأدواء إلى المزارات المشهورة في بلادهم. فيتضرعون إلى الله فيها ويطلبون الشفاء لمرضاهم وينذرون النور كالقرابين وإطعام الجياع والفقراء والمحتاجين وإذا تعافوا أنجزوا مواعيدهم وينسبون إلى بعض المزارات خواص دون غيرها. فيذهب من يبتلي بداء السعال إلى مزار (بيري كوكه - ومعناه شيخ السعال. فيتبرك المصاب بتراب الشيخ بأن يأخذ شيئاً منه ويدلك به رقبته. -
ويذهب من يصاب بالرثية (داء المفاصل أو الروماتزم) إلى (كاني با - أي منبع الهواء، فيتبرك بماء العين الجارية هناك. - والمرأة العقيمة والمقلات (وهي التي لا يعيش لها ولد)(3/310)
تنطلق إلى مزار (بيره مكرون - وهو على جبل من أعلى جبال كردستان الوسطى (شهرزور) وعرف باسمه أي (كيوبير مكرون - وهو كثير الكروم والأشجار المثمرة يسمع في أنحائه خرير المياه العذبة الباردة، ويرى الجليد على قمته على مدار السنة. - ويروي إنه كان (ليبره مكرون) أخت اسمها (خان خالان - بتفخيم اللامين) فزارته ذات يوم في حياته فأعجبها مكانه فقال له: إن شئت أبقي هنا وأنا أذهب إلى مكانك فاتفقا على ذلك؛ ولما نهض بيره مكرون من مكانه ومشى تبعته الأشجار والمياه مقتفية أثره فلما رأت ذلك أخته قالت له: أبق في مكانك لأن الله قد خصه بشخصك دون غيرك.
ومما يحكى عن بيره مكرون أيضاً أن أحد أعدائه أحاط به ذات يوم فضيق عليه الحصار فلما رأى ما صار إليه تزيا بزى طائر وفر من ثقب في الجبل المذكور والثقب يرى إلى هذا اليوم والناس يزورونه.
وعلى الجبل تمثال ثعلب من حجر في فمه ملعقة من الحجر أيضاً والكرد يذهبون إلى وجود هذا الحيوان هناك إلى أنه سرق في حياة الشيخ ملعقة من السمن (أو الدهن) الخاص بمطبخه، وما كاد يتم هذه السرقة إلا وتحول الحيوان حجراً. - وليس في الجبل طائر ولا ذباب ولا بعوض ولا دابة مؤذية وينسب كل ذلك إلى كرامة المزار وجلالة قد صاحبه. - ومما هناك من الغرائب رحى يتفاءلون بإدارتها. فإن دارت بقوة قليلة تفاءلوا بحركتها خيراً. وإلا تشاءموا بها. - والأكراد كثيروا الاعتقاد بمثل هذه المزاعم والخرافات فإنك ترى في مزاراتهم حصى صغاراً تكون عند رأس المزار فإذا جاءوه أخذوا طائفة منها وقسموها ثلاثة أقسام، ثم شرعوا يعدونها مثنى فإن انتهى كل من الأقسام الثلاثة بوتر (بفرد) فالفأل خير وإلا فبالعكس.
وقد يستعملون واسطة أخرى وهي إنهم يلصقون حصاة صغيرة بحجر المزار فإن لصقت به أو جذبها كان ذلك علامة خير وحصول المطلوب ونيل المراد. وإلا فلا. - ووجدت مزاراً يسمى (باوا خلخل - أي الأب المدحرج (بكسر الراء) فإذا أراد الزائر أن يعرف أمانيه أضطجع بجانبه وشبك أصابعه وراء رأسه وأغمض عينيه وتململ قليلاً فإن تدحرج
نال مناه وإن بقى في محله أيقن الخلاف وقس على هذه الخرافات ما بقي منها.
7 - اعتقادهم بالجن
يعتقد الأكراد بوجود الجن اعتقاداً عظيما، ولعلهم أخذوه عن قدماء البابليي(3/311)
ن ولهم في هذا الموضوع حكايات وروايات طوال تضيق دونها هذه المجلة. ونحن نورد هنا حكاية من حكاياتهم إثباتاً لما يزعمونه فنقول
مما يروونه إنه كان لرجل هر قد ألف بيته فسمع ذات ليلة طارقاً يطرق الباب وينادي بصوت جهوري (مام هومر (أي يا عمي هومر) وما سمع السنور هتين الكلمتين إلا وانتفش انتفاشاً عجيباً وذهب إلى الباب وخرج من منفذ كان فيه وولى. فلما رأى الرجل هرب هره قال في نفسه: لا بد لي أن أتعقب هذا الهر لأنظر إلى ما يصير فتأثره من بعيد وإذا بالهر قد انقلب شابا نشيطا وأخرج زمارة من منطقته وهو يسعى وراء الذي ناداه حتى أدرك المنادي وسارا معا إلى أن صارا خارج البلدة وصاحب الهر يتعقبهما. فلما انتهيا إلى مقرهما رأى صاحب السنور نيراناً موقدة وحولها جماعات من الناس ينتظرون قدوم رجل فلما رأوه مقبلا صاحوا جميعهم قائلين: يا مام هومر لم تأخرت إلى الآن فقد مل أهل العرس من كثرة الانتظار فقال لهم: تأخرت إلى أن نام صاحبي. ثم طفق يزمر لهم بالزمارة والحاضرون يرقصون حوله. فلما شاهد صاحب السنور هذا المشهد الغريب رجع إلى بيته ونام إلى الصباح. فلما أستيقظ من نومه وجد الهر يدور في البيت. فقال له صاحبه. يا مام هومر ما يضرك لو زمرت لنا بزمارتك وأطربتنا هنيهة كما أطربت وتطرب غيرنا فلما سمع الهر هذا الكلام ولى هاربا ولم يعد يدخل البيت.
8 - اعتقادهم بالتمائم
ومن غرائب أو أبدهم اعتقادهم بالتمائم ولعلهم أخذوها أيضاً عن الأشوريين والبابليين لشيوعها بين أجيال تلك العصور وقد يتقلدون التميمة المكتوبة ليدفعوا عنهم مرضاً كالحمى ووجع الرأس والقولنج ونحوها أو لدفع غائلة من الغوائل. وقد يتقلدونها لمجرد الزينة. - وممن أشتهر بصنع التمائم وكتابتها رجل منهم اسمه (كاكه أحمد) الشيخ المتوفى قبل نحو 25 سنة. وكان يكتب التميمة ويشترط على متقلدها شروطاً فإذا قام بها لا يتأثر من الآلات
الجارحة على زعمهم. وكان يكتب نوعاً آخر منها إذا وفى حاملها الشروط التي تشترط عليه لا تؤثر فيه القنابل ولا المدمرات النارية. ويعتقدون إنهم قد جربوا هاتين التميمتين في أثناء حروبهم ومعاركاتهم فلم ينلهم ضرر فرسخت فيهم هذه المعتقدات رسوخ الرواسي. ويقول بعضهم: إننا جربنا هذه التمائم إذ علقناها على شاةٍ ثم ضربناها بالأسلحة(3/312)
الجارحة والنارية فلم يصبها ضرر. وكثيراً ما نرى المحاربين يرجعون من حومة الوغى وأعبابهم ملأى رصاصاً. ذا مجمل ما يقال في هذا الباب وهناك غير هذه الأوابد والخرافات يطول ذكرها هنا فاجتزأنا بالمشهور منها على وسع الطاقة إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها. والسلام
شكري الفضلي
حكم
1 - من جعل قائده الهوى، هوى.
2 - من تقلب مع الأحوال، سقط من مصف الرجال
3 - من لم يكن له صديق، كان دائماً في ضيق.(3/313)
4 - من جعل سلاحه الكذب، مر في ذوقه كل شرب.
5 - من كان له كل يوم صديق، بعد عنه كل رفيق.
6 - سلاح العاقل قوة برهانه، وسلاح الجاهل بذاءة لسانه.
7 - سلاح (بالكسر) الحبارى سلاحها (بالضم)، وسلاح السفيه كل ما ينهى عنه النهى.
8 - إذا جلست بين قوم. فلا تتكلم بما يعود عليك باللوم.
9 - قم بحرمة الصنيعة، تكن في مكانة رفيعة.
10 - لا تنكر فضل من أحسن إليك، لكي لا ينقلب فضله ويلا عليك.
11 - المكابرة، من إمارات الجهالة والمهاترة، من علامات الضلالة.
12 - لا يقر أو رياح كما لا يقر من ليس فيه صلاح.
الهيلاج ومعانيها
(لغة العرب) أقترح علينا هذا الموضوع حضرة صديقنا الفاضل لويز ماسنيون المستشرق الفرنسوي الباريزي.
الهيلاج لفظة لا وجود لها في المعاجم العربية التي في أيدينا لا في القديمة ولا في الحديثة مع أنها ترتقي إلى القرن الثاني للهجرة لورودها في كتب نوبخت وما شاء الله المنجمين. وممن ذكرها في القرن الثالث ابن الرومي في شعره قال في وصفه الربيع:
ذو سماء كادكن الخز غي ... مت وأرض كأخضر الديباج
فتجلى عن كل ما يتمنى ... موضع الكد خداه والهيلاج(3/314)
قال في شفاء الغليل: (كدخداه وهيلاج هما كوكبا المولود، فالأول لرزقه والثاني لعمره، فإن الولد في صعوده كان زائداً فيه وإن كان في هبوطه كان بعكسه وهذا مما ذكره الحكماء والمنجمون وأرباب المواليد وعربوه قديماً. أهـ.
وقال صاحب كتاب جامع التعريب، بالطريق القريب (وهو كتاب خط قديم) (الهيلاج اسم فارسي معرب. ومعنى هيلاج: دع التعس. قاله أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي في كتابه المدخل في علم المنجم). (المتوفى سنة 376هـ 986م)
وورد في (برهان قاطع) ما معناه: هيلاج وزان قيقاع هو بحر الحياة في اللغة اليونانية. وفي اصطلاح المنجمين هو اسم دليل جسم المولود، ويقال له عند منجمي الفرس (كدبانو) كما أن دليل روح المولود يسمى عندهم (كدخدا)، ويستدل على البعض إلى أن هذه اللفظة هندية الأصل)
وفي غياث اللغات ما معربه: هيلاج بياء معروفة وجيم معروفة هو حساب يعرف به المنجمون دليل العمر، ويطلق مجازاً على زابرجة المولود على ما هو مصرح في كتاب (المؤيد وشروحه). أهـ.
وورد في كتاب مفاتيح العلوم: الهيلاج أحد الهيالج الخمسة وهي: الشمس والقمر والطالع وسهم السعادة وجزء الاجتماع أو الاستقبال وهي أدلة العمر وذلك أنها تسير إلى السعود النحوس ومعنى التسيير أن ينظر كم بين الهيلاج وكم بين السعد أو النحس فيؤخذ لكل
درجة سنة فيقال: تصيبه السعادة أو النكبة إلى كذا وكذا سنة. - الكد خذاه هو الكوكب المبتز على الهيلاج وهو الذي يدل على كمية العمر بسنين موضوعة لكل كوكب: كبرى ووسطى وصغرى. وقيل: هيلاج بالفارسية امرأة الرجل، وكدخذاه هو الزوج ومعناه رب البيت لأن كذه هو البيت وخذاه هو الرب ويسمى هذان الدليلان بذلك لأن بامتزاجهما وازدواجهما(3/315)
يستدل على كمية العمر.) أهـ.
وقال فرهنك الشعوري في الهيلاج نحو ما قاله صاحب (برهان قاطع) لكنه زاد على معناه المذكور معنى المخاض والطلق.
ويقال في الهيلاج: الهيلج ومنه الجمع الوارد في كتاب مفاتيح العلوم عند قوله: الهيلاج وأحد الهيالج فلعل الصحيح الهيلج وأحد الهيالج. أو أن يقال الهيلاج أحد الهياليج أو الهيالجة كما هو مقرر في كتب النحاة. وعلى كل حال فالفرس يقولون في الهيلاج: الهيلج والهيلة بهذا المعنى.
وقد ذهب فلرس في معجمه الكبير الفارسي اللاتيني إلى أن أصل الهيلاج يوناني الأصل على ما ظهر له والأصل هو (آلوخس) ونحن نستبعد ذلك أولا لما بين اللفظين من البون. ثانياً لأن معنى اللفظة اليونانية: المرأة التي لم تلد والعاقر والبتول. ومعناها أيضا المرأة وزوج الرجل. فهذا المعنى الأخير وإن كان يتفق مع ما ذكره صاحب مفاتيح العلوم عند قوله: هيلاج بالفارسية امرأة الرجل. إلا أنه ليس بالمعنى الأصلي. هذا رأينا ولعلنا مخطئون.
أما رأينا الخاص فهو إن الهيلاج يونانية الأصل كما ذهب إليه فلرس لكن الأصل هو (هلياد وقد ورد هذه اللفظة مصحفة بصورة هيلاد في إحدى نسخ مفاتيح العلوم (راجع هذا الكتاب طبعة فإن فلوتن في ليدن ص 231 حاشية ويراد بالهيالد أما بنات هليوس وأما أبناء هليوس. فإن أريد الأول فهم أخوات فائيتون أي الشمس وهن: المضيئة (أي لمبيتية واللامعة (أي والقمر (أي وأن أريد الثاني فهم: المثلث المسننات (أي والسعيدة (أي والفجر الطالع وعلى كل حال إذا أضفنا إلى الثلاث أو الثلاثة أبويهن أو أبويهم. كان عندنا خمسة وهو ما يريد به المنجمون. أما إذا اعترض معترض وقال إن بين هلياج وهلياد فرقاً في اللفظ. قلنا: نعم لكن إبدال الجيم دالاً وبالعكس أمر معروف في اللغة العربية
فقد قالوا: الجشيشة والدشيشة، الادل والأجل (بالكسر) ارتعدوا رتعج. وفي المعربات. الجوسق والدوشق، الماجشونية المادشونية، الفود(3/316)
والفوج. والألفاظ كثيرة في مثل هذا الإبدال فكتفيا بما ذكرنا.
إننا وإن كنا نذهب إلى أن أصل الهيلاج هو يوناني إلا أن العرب اخذوا اللفظة عن الفرس. ولهذا إن قال قائل إن الهيلاج فارسية لا يخطئ. وعليه قول العلامة كرلونلينو في كتابه (علم الفلك) تاريخه عند العرب في القرون الوسطى) ص 146 وهذا نص عبارته: (إن اصطلاحات فارسية مثل الهيلاج والكذخداه والجانجتان كثيرة الوجود في نفس كتب ما شاء الله) - وإن قال قائل إن اللفظة يونانية لا يخطئ أيضاً لأنه يذهب إلى الأصل الحقيقي لا إلى الأصل اسقولة عنه اللفظة أما القول إنها هندية كما أريناه بعضهم فهو عندنا بعيد.
أما مجيء الهيلاج بمعنى عين الحياة فهو ناشئ من مناسبة في كتابة الكلمتين الياس وهلياس أو هلياد في اليونانية. وكما أن العرب يعتقدون إن الياس شرب من عين الحياة فبقى حياً، ذهبوا إلى أن الهيلاج هو عين الحياة. هذا الذي عن لنا في هذه اللفظة وأصلها ومعانيها. وإن كان لاديب غير هذا الرأي فإن المجلة تنشره مع الشكر العظيم.
بحر النجف
تؤلف اليوم الكتب وتخطط رسوم العراق والجميع يذكرون (بحر النجف) (والمشهور سابقا بهذا الاسم وهو الذي يسميه بعض الكتاب المعربين) (بحيرة النجف)) كأنه موجود إلى اليوم. وهذا دليل على أن اغلب المصنفين ينقلون الكتب نقلا ولا يحققون الأمور بأنفسهم أو على يد أناس أكفاء. والصحيح أن لا وجود اليوم لبحر النجف فإن مياهه قد نشفت منذ سنة 1305هـ 1887م) وأصبحت قاعة مزارع ولها أسماء خصوصية كالمشخاب وأم البط والأحيمرات
أما (المشخاب) فسمى كذلك لأن أرضه كانت أعلى مما يجاوره من قاع بحر النجف فكان يشخب ماءه أي يسيله ويدفعه إلى قاع البحر المذكور فنشف باكراً بالنسبة إلى ما حواليه. وسميت الأرض الأخرى أم البط لبقاء البط فيها مدة طويلة وأما لفظة (الأحيمرات) فهي جمع الأحيمر والأحيمرات ثلاثة، قيل له ذلك لاحمرار ترابها. وهناك غير هذه الأسماء وقد ذكرنا أشهرها.
وكان ذوق ماء بحر النجف يختلف باختلاف ما ينصب فيه من المياه. فإذا تحدرت(3/317)
إليه المياه العذبة آنية من الفرات طاب، وإن تبخرت تلك المياه في الصيف ملح وعلى كل حال لم يكن بعيد الغور ولم يكن له من الصفات البحور سوى أتساع الأرض المغمورة بالماء لا غير ووجود البحر هناك قديم ولم يعرفه قدماء العرب إلا باسم البحر لا باسم البحيرة. قال اسحق بن إبراهيم الموصلي في قصيدة يمدح بها الواثق هذا البيت:
قد حف بر وبحر فهو بينهما ... فالبر في طرف والبحر في طرف
هذا ما أردنا إثباته في هذا الصدد رداً على من قال الخلاف ممن ألف في هذه الأيام، أو رسم رسوم هذه الديار في هذه الأعوام، والسلام
باب المكاتبة والمذاكرة
نظر في (إصلاح غلط)
كتب أحد أدباء النجف في إحدى صحف هذه الحاضرة مقالة وسمها (إصلاح غلط) ظنه وقع في قصيدة (ألم نر) قال: (وذا يملي) في هذا البيت:
كتمت الهوى جهدي فحرره الأسى ... بماء الماقي ذا يخط وذا يملي
غلط ويجب أن يصلح هكذا: (وذي تملي) والحال إننا أطلعنا صاحب القصيدة عنده صعوده في بغداد أن القصيدة التي خطها بيده تروي البيت على ما طبع في المجلة وهو الوجه الصحيح الذي لا ضعف معنى فيه بخلاف ما توهمه المعترض إذ المعنى يوجب هذا القول: وقول المعترض (وذي تملي).
(تملي) مخل بقواعد النحو لأن ضمير تملي يرجع إلى الماقي وهو مضاف إليه وهذا لا يجوز إلا بتأويل أو توجيه بخلاف ما أثبته الشاعر النبيه. ثم إن (ذا يخط). راجع إلى الماء وهو سائل من جنس المداد الذي يناسبه قولنا الخط. أما الاسي فيوافقه الإملاء لكونه من الشواعر والشواعر هي التي تدفع الإحساس في الشاعر ولهذا اخطأ المعترض الحفرة والأصح بقاء البيت على رواية الشاعر الأصلية.
أما تصحيحه (لعل الصبا) لكوننا لم نحصره بملالين فلان الأصيل هو كذلك. هذا فضلا عن أن هذه العلامة من الاصطلاح الحديث لا دخل لها في(3/318)
(إصلاح الغلط) حتى ينبه عليه في جريدة لا يهمها إصلاح مثل هذه الأغلاط التافهة بل همها الشؤون الخطيرة.
وأما تصحيحه (ودلت كما دل الفرند) فهذا ناشئ أيضاً من سوء خط الشاعر والقارئ لا يقرأه غير ما قرأه المنضد. فالعتب هنا أيضاً على الشاعر لا على القارئ. مع أن المعترض لو تدبر البيت الذي خطأه لوجد في الخطأ معنى دقيقاً لا يجده في ما صححه بل يدل على ذكاء المنضد.
وأما تصحيحه هذا البيب:
يروم أصحابي البقاء لديهم ... ودون الذي راموا أبيح لهم قتلي
فليس فيه غلط حتى يصحح فإن الواو هنا مشددة ومعنى روم المثقل: هم بشيء بعد شيء: وهو المطلوب هنا. والشاعر لم يصغر (أصحابي) إلا لإقامة الوزن دون أن يفكر أنه يخل بالمعنى إذ لا موجب لتصغير أصحابه لأن الاسم يصغر أما للتحبب وأما للتعظيم وأما
للتحقير وكل هذا لا موجب له هنا. فإن كان الشاعر يحب أصدقاءه محبة صادقة وجب عليه أن يحقق أمانيهم ولا يخالفها فلا حاجة بعدئذٍ إلى قول ما قال. وإن كان يعظمهم فما أحرى أن ينصت لنصيحتهم ولا يقول ما قال. وإن كان يحقرهم خالف أصول الآداب والصداقة وأصبح في غنى من أن يهينهم إهانة علنية. ولهذا يجب كل الوجوب أن يقول (بروم) بتشديد الواو فيستقيم الوزن والمعنى معاً.
وأما تصحيح مطيتي بمطي فليس فيه كبير أمر وإنما من قال مطيتي خفف الياء من باب الضرورة لا غير. ولهذا يحق لي في الختام أن أقول: (ليس هذا بعشك فأدرجي) وعلى المنتقد السلام.
أسئلة وأجوبة
1 - الإشباع قبل الروسي
من كربلاء. هل ورد الإشباع قبل الروسي؟
نعم. ومنه قول ابن هرمة من شعراء الجاهلية:
فأنت من الغوائل حين ترمي ... ومن ذم الرجال بمنتزاح(3/319)
والأصل (بمنتزح) إلا أنه أشبع فتحة الزاي فتولدت الألف. ومثل هذا كثير في الأشعار، إلا أنه يدل على ضيق ذرع ناظمها.
2 - الحضيرة بمعنى اسكلة الخشب وسبب وجود الحضائر
على شواطئ دجلة
من بغداد. كثيراً ما نرى اسكلات الخشب على شواطئ دجلة لا في داخل المدينة فهل من سبب لذلك؟ ثم كيف كان الأقدمون من البغداديين يفعلون وما كان اسم الأسكلة عند العراقيين في عهد العباسيين؟
الاسكلات تكون على الشواطئ لأمرين على ما نرى: - 1ً لسهولة نقل الحطب من الشط (دجلة) إليها توفيراً لنفقات النقل - 2ً لقرب الماء فيها إذا نشبت فيها النار إذ يسهل حينئذٍ إطفاؤها وكثيراً ما تكون خزائن الحطب والخشب معرضة للحرائق في حمارة الغيظ. وكانت تسمى في عهد العباسيين (الحضائر) جمع حضيرة وكانت تتخذ أيضاً بجانب دجلة. قال ياقوت في معجم البلدان في مادة الحضيرية: (على شاطئ دجلة مواضع يباع فيها الحطب يقال لكل موضع منها (حضيرة) ويجمعونها على (الحضائر)). أهـ.
3 - معنى الحكومة ليست بحديثة الوضع
من بغداد. قرأت قبل بضعة أشهر في إحدى الجرائد الشامية إن لفظة الحكومة بمعنى أصحاب الأمر والنهي أو بمعنى الدولة هي حديثة الوضع ادخلها الأتراك اللغة العربية فهل هذا صحيح.
كلا. الكلمة بهذا المعنى قديمة وإن لم يصرح بها اللغويون لأن مدوني المعاجم لم يقيدوا جميع الشوارد والأوابد والنوادر والشواذ. وممن استعملها من الأقدمين أبو عمر الكندي
المصري في كتاب الولاة (من كتاب القرن الرابع للهجرة) قال في ص 31: (ثم خرج عمرو للحكومة واستخلف على مصر ابنه عبد الله بن عمرو) ولو فرضنا أنها من مدخلات الترك فإنها لا تخلو من صحة، إذ الحكومة مصدر حكم. وحذف المضاف وإبقاء المضاف إليه من أبواب توسيع اللغة المشروعة وهو أشهر من أن يذكر ومنه الحديث: (وإن مجلس بني عوف ينظرون إليه، أي أهل المجلس كما صرح به غير واحد من الشارحين. وفي الأساس: رأيتهم مجلساً أي جالسين. وقد عقد ابن الأثير في كتابه المثل السائر باباً رحباً لهذا الوضع فراجعه تستفد.(3/320)
3 - فجر الانبعاث
كيف تكونت فكرة المحفى العراقي العصري
ما كادت بلاد السواد تتخلص من حكم الغريب وتؤسس الحكم الوطني فيها بعد الحرب العظمى وتقيم عرشا جديدا وسدت عليه جلالة الملك فيصل حتى فكرت وزارة المعارف في وجوب تعزيز لسان الأمة والدولة وترقيته فتحفزت في شهر تشرين الأول سنة 1921م (1340هـ) لإنشاء المحفى باسم (لجنة الترجمة والتعريب) وأقامت الأستاذ معروف الرصافي نائبا لرئيسها الذي لم تعينه وقد صرحت الوزارة للصحف يومئذ بأن مهمة اللجنة تعريب الكلمات الإفرنجية ووضع أسماء للمسميات الأجنبية التي لا أسم لها في اللغة العربية)
فكتبت على أثر هذا التشبث مقالا نشرته جريدة (لسان العرب) البغدادية في صدر عددها الصادر يوم 7 تشرين الثاني 1921 بعنوان (لجنة التعريب عندنا والمجامع اللغوية عند غيرنا) ذكرت فيها وزارة المعارف بواجبها وإن الحاجة إلى تأسيس مجمع لغوي على مثال المجمع العلمي العربي في دمشق يوكل إليه النظر في أمور المعارف والتأليف وإنماء دار الآثار والعناية بخزائن الكتب وإصلاح اللغة ووضع الألفاظ للمسميات الحديثة وتنقيح الكتب وإحياء المهم مما خلفه الأسلاف منها والتنشيط على التأليف والتعريب.
ولكن لا نعلم لماذا لم تعقد تلك اللجنة إلاَّ الاجتماع التمهيدي ثم دفن المشروع وهو جنين.
وحاول (المعهد العلمي) (وهو النادي الأدبي المؤسس في العراق سنة 1921) أن يؤسس المجمع اللغوي فدعا جماعة من رجال العلم والأدب فعقدوا اجتماعا في بنايته في 23 كانون الثاني سنة 1925 فعرض عليهم ثابت عبد النور - مقترح مشروع المعهد العلمي وتعليم الأميين وسوق عكاظ المقام في بغداد سنة 1922 - الفكرة فقرروا بإجماع الآراء ما يأتي بحروفه:
(نحن المجتمعين في بناية المعهد العلمي في 23 كانون الثاني 1925 الموقعين أدناه (كذا) بعد المداولة (كذا) في موضوع تأسيس مجمع لغوي يقوم بتعريب(3/321)
الكلمات وإيجاد الاصطلاحات العلمية وترجمة الكتب التي يحتاجها (كذا) العالم العربي أن تأسيس (كذا) مرجع علمي لتحقيق هذه الأمنية من الضروريات الحيوية للغة العربية ونهضة البلاد فقررنا بإجماع الآراء تأليف لجنة من السادة جميل الزهاوي ومعروف الرصافي وتوفيق
السويدي وعبد اللطيف ثنيان وثابت عبد النور لتهيئة الوسائل والمنهاج ومراجعة الحكومة العراقية بهذا الخصوص.
وهذه أسماء الذين ذيلوا القرار بأسمائهم مرتبة على حروف الهجاء:
السيد أحمد الداود. أحمد منير القاضي. أمين المعلوف. توفيق السويدي. ثابت عبد النور. جميل الزهاوي. رفائيل بطي. ساطع الحصري. طه الراوي. عبد الحسين الازري. عبد الحليم الحافاتي. عبد اللطيف ثنيان. عبد المجيد الشاوي. يوسف غنيمة.
وبعد مدة يسيرة عقد اجتماع ثان في المعهد العلمي حضره نفر من الأفاضل مع المذكورين واشتركوا في البحث فعرض على المحفل المنهاج الذي وضعته اللجنة المنتخبة في الاجتماع الأول لمشروع تأسيس المجمع العلمي اللغوي وقرئت طائفة من الأجوبة التي وردت على اللجنة من وزارات العراق كافة تحبذ المشروع وتعد بمعاونته جهد الطاقة من غير أن تعين نوع تلك المعاونة. ولا بأس من أن نورد هنا النقاط الأساسية من ذلك المنهاج:
يسمى المجمع (المجمع العلمي اللغوي) ويشترط للانخراط في سلكه أن يكون العضو من أهل العلم والأدب وممن لهم اختصاص بفرع من العلوم العصرية ولا بد من أن يكون منهم من يتقن إحدى اللغات الأجنبية وهو يتألف من أعضاء عاملين وأعضاء فخريين والأعضاء العاملون 9 ثلاثة منهم أعضاء دائمون ينقطعون للعمل فيه وهم المسؤولون عن الإدارة ويتقاضون رواتب والباقون أعضاء خبراء يتقاضون اعطيات عن كل اجتماع يحضرونه.
أما طريقة انتخاب الأعضاء العاملين فتنتخبهم لأول مرة لجنة معينة مؤلفة من (14) شخصا نصفهم من ممثلي الوزارات ونصفهم من منتخبي اللجنة المؤسسة وكلما خلت عضوية ينتخب الأعضاء الدائمون بالاشتراك مع ممثلي(3/322)
الوزارات من يشغل الكرسي الشاغر. ولا يجوز أن يجمع العضو العامل المداوم بين العضوية ووظيفة الحكومة.
أما عمله فقد حدد بإحضار الوسائل المجددة لشباب اللغة العربية كوضع مصطلحات للعلوم والآداب وهو يهيئ خطبا ومحاضرات علمية أدبية اجتماعية تلقى على الجمهور ولرفع مستوى البلاد العلمي وينشر مجلة شهرية يسجل فيها أعماله ومباحثه.
أما نفقاته فقد قدر جمعها من أنصار العلم والأدب والحكومة وإذا اشتركت الحكومة في
نفقاته فيكون لها حق الإشراف عليه، ما دامت تمد إليه يد المساعدة.
ثم انتخبت لجنة جديدة تقوم بتهيئة الوسائل التأسيسية ومراجعة الحكومة في هذا الباب. ولما بلغ مسامع صاحب الجلالة الملك خبر الفكرة حبذها ونشط المعهد لتشبثه بها، ثم أخذت اللجنة تراجع الحكومة لتستمد منها المساعدة المالية من جهة ولتعيين ممثلي الوزارات لحضور اجتماعات انتخاب الأعضاء بعد إيجاد المال الذي منه يعيش المجمع وأخيرا بلغ معتمد المعهد واللجنة المهيئة وسائل التأسيس أن فخامة رئيس الوزراء عبد المحسن بك السعدون تفاوض مع وزارة المعارف وقررت إضافة مشروع المجمع العلمي اللغوي إلى أعمال لجنة عالية تؤلفها الوزارة المشار إليها لتنظر في ما يرقي المعارف ويرفع مستوى التعليم وطلب إلى المعتمد المذكور مراجعة وزارة المعارف في هذا الأمر.
وعند هذا الحد وقفت جهود المعهد العلمي في تأسيس المحفى.
رفائيل بطي
أصل كلمة بيرام
الأتراك يسمون العيد (بيرام) وهم لا يعرفون أصل الكلمة؛ فهي يونانية من ومعناها التهيؤ والاستعداد والثبات ويريد به النصارى الليلة التي تتقدم العيد؛ وهم يحيونها في الصوم والصلاة والعبادة. ولما كان العيد يبتدئ عند الشرقيين في المساء الذي يسبقه ليدوم 24 ساعة توسعوا في التسمية فالمسلمون الأتراك يقولون (بيرام) والنصارى العرب يقولون (بيرامون) كما في اليونانية.
ومن غريب الأمر أن الترك يظنون أن الكلمة تورانية أو ايرانية؛ ولو طالبناهم بدليل يسبق اتصالهم باليونانيين؛ لعجزوا. فلله درهم.(3/323)
الحالة العلمية والحركة الفكرية في النجف
وجدنا مقالا للشيخ الشرقي في الجزء الممتاز من جريدة النجف ثم وجدنا له تكملة في مكان آخر بقلم الشيخ نفسه فأحببنا أن نجمع بين الأمرين، فالكلام كله إذن للشيخ الشرقي وليس لنا فيه كلمة واحدة.
ل. ع.
توطئة
قبل سبعة أهلة نشرت في العدد الممتاز لجريدة النجف، مقالا تحت عنوان (الحركة الفكرية في النجف) صادف استحسانا في نفوس العلماء هنا وهناك وقد رغب إليَّ بعض العلماء في تكميل ذلك المقال من بعض جهاته ونشره مع التكملة وها اناذا ممتثل ومجيب.
لا تمتاز النجف بأسلوب فكري خاص، وإنما أسلوبها هو الأسلوب الفكري القديم الماثل بتمامه في هذه الزاوية وليس فيها هيكل خاص بالحركة الفكرية وكلما هناك خميرة من حبوب كثيرة أنبتتها مزارع مختلفة فالحركة الفكرية هنا نتيجة لا علة واهم تلك الحبوب المكان والزمان.
1 - المكان
على طف الحماد بين سواد الفرات وصحصاح الجزيرة مما يلي ظهر الكوفة أبراج سور وضعته الهندسية وضعة أسد رابض يطوق مدينة راكبة على متن الوادي متمتعة بأنف البرية وجمال الهضاب يناوحها الهبوب الناشف وحواليها الربوات البيض ومساحب السيل تطل من جهتي الشمال والشرق على مخيم واسع فيه القباب والبيوت والمساطب والغرف وحفائر منبوشة ودكاك وأكوام مبثوثة تلك جبانة النجف أو وادي السلام الذي ترفرف في سمائه أجيال من أرواح البشر وأجيال، وتطل من جهتي الغرب والجنوب على واد أفيح ربما دلت آثاره الجيولوجية على بحر أو بحيرة في التاريخ البعيد.
سماء صافية وجو نقي وشمس تتوهج على شمسين شمس السماء وشمس(3/324)
الذهب تلك القبة الابريزية الموقرة التي ترى في الرواق العلوي. فالنجف هي خورنق اليوم وقريب منها
خورنق الأمس.
النجف المعري الذي تكتنفه أودية منورة الاقاح كان متنزها للساسانيين وللمناذرة وللعباسيين وكان حوله النصارى نصارى الحيرة بيع وأديرة في الزمن الغابر مبثوثة في بلاد العيون التي حول النجف وتسمى اليوم (بلاد القصور) بل حتى في النجف نفسها يذكر وجود دير وفي ذلك أكبر دلالة على جمال الموقع فاعتدال الجو وصفائه ورملة الأرض ونقائها وبهاء الشمس، إذ له الأثر البالغ في تكوين الروح النجفي ونشأته النفسية، وفي إلهامه وآرائه وخواطره.
2 - الزمان
للشيعة مدن علمية تعاقبت في الظهور حسب الأحوال الاجتماعية والسياسية التي تنقلت بهذه الطائفة من مركز إلى مركز، فكانت (قم) ثم (الحلة السيفية) ثم (شيراز) ثم (اصفهان) ثم (كربلاء) ثم (النجف) كما أنه ربما كانت (جبع) وغيرها من بلاد جبل عامل من المراكز العلمية لهذه الطائفة. كل هذه المدن أخذت سلطتها الزمنية والدينية وصارت محطة علمية توزع تلاميذها على سائر أقطار الشيعة ويهاجر إليها رواد العلم وطلاب الأدب من أقصى البلاد وفي كل مدينة من هذه المدن آثار علمية كثيرة ف (قم) إلى اليوم تعرف عندهم بدار المؤمنين وفيها إلى الآن زوايا ومدارس وخوانق قديمة وحديثة.
وفي (شيراز) إلى الآن محلة كبيرة تعرف بمحلة العلماء والحكمة والعرفان الشيرازي معروف عند هذه الطائفة.
وفي اصفهان وبلاد عامل المدارس التاريخية والمحلات العلمية.
وكل تاريخ الحلة تاريخ أدب وعلم.
وأكثر الكتب الحية والتآليف الممتعة التي في أيدينا وفي دور كتبنا هي: للقمي أو للحلي أو للشيرازي أو للعاملي أو للأصفهاني أو للحائري أو للنجفي الغروي.(3/325)
وقد انتقل النتاج الفكري من كل هذه المدن إلى النجف.
وفي النجف آثار علمية من القرن السادس للهجرة ولكنها في ذلك العهد كانت كزاوية لا كمدينة علم، وفي القرن التاسع والعاشر كانت فيها طائفة علمية كبيرة تتردد بين (النجف) وبين (الرماحية) وهي اليوم بلد دارس من مدن الفرات الأوسط بين النجف والسماوة وفي
القرن الحادي عشر كان العلم يتردد بين النجف وبين كربلاء ومن القرن الثاني عشر ابتدأت المركزية العلمية في النجف وأصبحت هذه المدينة جامعة علمية ضمنها كليات عديدة لكنها بصورة غير منظمة فهي مبثوثة ومبعثرة، فيها: كلية للآداب وكلية للغة وكلية للرياضيات والفلسفة وعلم الكلام وعلم الأخلاق وعلم الحديث وعلم الفقه، ولكن الصبغة العامة فيها والرونق الجلي فيها هما للعلوم الدينية، والنجف زاوية دينية قبل كل شيء فهي في العراق كالأزهر في مصر إلاَّ أن الأزهر أثرت فيه الحضارة المصرية والحركة الفكرية فحورته وهذبته ورتبته.
والنجف لم يجد من نفسية قطره ما يؤثر فيه فهو ما زال مؤثرا غير متأثر والروح العلمي الذي نشأ في الأزهر روح عربي، أما في النجف فالروح العلمي روح فارسي لأن الشيعة في تاريخها وشعائرها وسيرتها العلمية والأدبية فارسية اكثر منها عربية، وقد هاجر إليها وما زال يهاجر إليها طوائف وجماعات من سائر البلاد الفارسية هاجروا إليها بالأدب والمادة، هاجروا إليها بجسومهم وعقولهم هاجروا إليها بأذواقهم واميالهم فأثروا في مختلف الطبقات وأوجدوا حركة فكرية فارسية ولكنها متقمصة ثوبا عربيا رثا.
وقد نفعت النجف هذه الهجرة الفارسية وأضرتها معا، أما وجهة الضرر فقد كانت الحركة الأدبية والسير العلمي قبل الهجرة اصح مما هما عليه اليوم وأمتع فقد كانت كتب الدراسة وطريقة التدريس وأقلام التأليف وأسلوب التحرير والتقرير كلها عربية صحيحة وكان للأدب العربي العالي رونق ومكانة، ولكن بعد الهجرة فسدت اللغة وسقم التحرير والتقرير وضعف التأليف والأسلوب العربي فأصبحت السيرة العلمية سيرة فارسية صرفة ليس فيها غير طائفة متفككة من الألفاظ العربية تلوكها الألسن الفارسية بهجنة ولكنة، على أن فيها من(3/326)
الدقائق والروابط والأساليب الفارسية ما يخرجها عن اللغة العامية فضلا عن الفصحى. وقد أهملت كثير من الأعضاء العلمية حتى غمضت وصارت أعضاء أثرية.
فاللغة والحديث والتفسير والتاريخ والأدب والفلسفة انسد باب الاشتغال فيها في النجف فضلا عن باب الاجتهاد والفقه العربي مسخ أسلوبه وانقلب انقلابا كبيرا.
أما النفع فمن جهات عديدة فلقد أنعشت النجف تلك المهاجرة بأمور كثيرة مادية واجتماعية وأوجدت لها مكانة تاريخية، لقد لطف الذوق الفارسي وأثرت تلك العقول في نفسية البلاد
فالنهضة الحديثة في النجف بما فيها من جهاد أو عناد سياسي وتجدد أدبي وتحرك إصلاحي كلها من نافخ فارسي وإذا كان للاحتكاك أثر أدبي فإن الاختلاط الفارسي بالنجف والنجفيين أوجد أشياء كثيرة منها هذه الحركة الفكرية الجديدة التي تتمخض في النجف منذ 19 عاما أي منذ تاريخ الانقلاب السياسي الإيراني والعثماني.
والأدب النجفي - وخصوصا الشعر - فيه خميرة من الأدب الفارسي ولكن كانت الجالية الفارسية والمهاجرة بالأمس انفع للحركة الفكرية في النجف اليوم لأمرين:
أولا - لأن التجدد في بلاد فارس والحركات السياسية والاجتماعية في إيران جذبت المفكرين والمتنورين من الجالية الإيرانية التي فضلت الإقامة في بلادها والعمل لها على المهاجرة وأصبح لا يهبط النجف من الطبقة الراقية أحد وكل من يغشى النجف فهو من الدهماء وطبقة السواد من أبناء الاكرة والتناء القرويين.
ثانيا - أن النجف اضطربت في مبادئها ونزعاتها السياسية وسايرتها السياسة البغدادية زمن القلاقل والزعازع، فلما أرادت سياسة بغداد أن ترسخ وتستقر وتشتغل في بنيان حكومة دائمة اختلفت مع النجف في بعض تعاريج السياسة وملتوياتها فقضت بغداد باعتزال النجف عن السياسة فاعتزلت النجف وقبعت في زاويتها. فالنجف في عزلتها اليوم فقدت عضوا كبيرا من أعضاء الحركة الفكرية.(3/327)
3 - المدرسة النجفية
إن مبدأ المدرسة العربية الإسلامية وبذرتها الأولى هي تلك الحلقة المقدسة التي كانت تجتمع في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فتتطارح بالحديث والسنة والإدارة والتاريخ والأدب، ثم توسعت تلك الحلقات والاجتماعات فكانت في مسجد الكوفة ومسجد البصرة وصارت المساجد مركزا للحركة الفكرية فالمساجد في غير أوقات العبادة مدارس. وهذه الطريقة القديمة محفوظة في النجف اليوم، فالجامع الهندي ومشهد علي (ع) المعروف عندنا بالصحن - وغيرهما في أوقات العبادة تجد الطلاب هناك حلقا حلقا مبثوثين وبعض الأساتذة على المنابر وكلهم يتطارحون في المباحث العلمية والأدبية.
ومشهد علي (ع) - الصحن - أول إنشائه كان بصفة مدرسة حول الرواق العلوي كما ذكره الرحالة ابن بطوطة في سنة 726 هـ وذلك على عهد عمارته الأولى العمارة البويهية
وهكذا هو في عمارته الحالية وهي العمارة الصفوية التي خططت في غرة القرن الحادي عشر فإنه بشكل مدرسة تدور عليها خلوات وأيونات في الطبقة السفلى ومثلها في الطبقة العليا وأمامها بهو (قاعة) للتدريس والاجتماع وهكذا كانت الخلوات مشحونة بالطلاب الغرباء ورواد العلم وما زالت بعض الخلوات أو الحجر تعرف بأسماء العلماء الذين كانوا يقطنونها مثل حجرة الاردبيلي في الطبقة العليا فوق الباب المعروف بباب القبلة. وقد كانت خزانة كبيرة للمدرسة العلوية أي (للصحن) قيل أنها كانت تشتمل على 400 ألف كتاب وأخيرا تبدلت الحال وصارت الخلوات التي في الطبقة السفلى مقابر للأموات التي تريد التقرب من مرقد الإمام (ع) وبقيت الخلوات التي في الطبقة العليا فارغة موحشة وما هي إلاَّ عشا للخفاش ولطيور الحمام المعروف بحمام الحضرة.
بادت تلك الخزانة ولم يبق منها غير مئات من نسخ القرآن المجيد وكتب الأدعية وشيء من الكتب المبعثرة مكدسة في بيت صغير في الصحن من جهة القبلة، وقد ذكر ابن بطوطة أن مشهد علي (ع) محفوف بالمدارس والزوايا والخوانق ومن القرن الثاني عشر كثر تشييد البنايات والأروقة حول المشهد(3/328)
المقدس لسكنى الغرباء من طلاب العلم وربما كان فيها بغض التخصيص فيقولون هذه مدرسة الهنود، وهذه مدرسة الترك، وهذه مدرسة القزوينيين، وهلم جرا؛ وما هذه بمدارس لأنه ليس فيها مناهج ولا أساتذة ولا صفوف، وقد تعرف باسم أستاذ كبير مثل مدرسة الملا كاظم ومدرسة السيد كاظم وقصدهم من هذه النسبة أنه شيدها وما هي إلاَّ منازل للسكنى فقط.
والمدارس الحقيقية هي الجوامع والمشهد الصحن. وفي النجف 53 مدرسة بين قديمة وحديثة، أعتقها المدرسة المعروفة بمدرسة الصحن ويظهر أنها اقدم مدرسة في النجف وهي بناية قديمة بجنب الصحن من الجهة الشمالية وبابها مشروع من أحد أيونات الصحن وطرز هندسة عمارتها مغاير للعمارة الصفوية الماثلة في الصحن والرواق ويظهر أن عمارة المدرسة اقدم واقدم وهي اليوم فارغة ومتداعية ويعرف النجفيون بعض مدارس قديمة جدا درست ونهضت بمكانها دور للسكنى مثل دار في محلة المشراق تعرف بدار الملا شاكر ومثل عمارة في محلة العمارة تعرف بدار الاغاخانية وكثير غيرها.
وقد كانت المدرسة العربية الأولى بمثابة عنوان للأدب الناضج والنور الشائع في نفوس
الأمة بأسرها لا يخص طائفة دون أختها فمثل بيت الحكمة في بغداد كان بيت الأمة بأسرها وهكذا كانت المدرسة النظامية والمستنصرية وسائر مدارس بغداد والأندلس في دورها الأول ثم افترقت الأمة فتأسست مدرستان مدرسة للاشاعرة ومدرسة للمعتزلة من جهة ومن جهة أخرى مدرسة للظاهرية ومدرسة للباطنية كالتصوف بطرقه كلها وبحلقاته ومناحيه وزاد الافتراق فتأسست مدرسة للسنة في بغداد ومصر ودمشق ومدرسة للشيعة في قم وفي الحلة وشيراز واصفهان وبلاد عامل ثم زاد الافتراق فوق ذلك كله فتأسست مدارس لفرق السنة ومدارس لفرق الشيعة فكان في القرن الثاني عشر للهجرة مدرستان للشيعة في كربلا تتزاحمان، مدرسة الأخبارية ومدرسة الأصولية وكان الرجحان لمدرسة الأخبارية حتى بعث الله ذلك المجدد الكبير والمصلح الشهير العلامة المعروف بالآغا البهبهاني.
نبغ ذلك العبقري في بهبهان إحدى مدن الخليج الفارسي وبعد أن برز فيها(3/329)
هاجر إلى كربلاء فنفخ من روحه الطاهر في مدرسة الأصولية فزاحمت المدرسة الأخبارية بل أحرجتها فأخرجتها من كربلاء والنجف وعلى يد ذلك العلامة تأسست المدرسة الأصولية الكبرى أو دار المعلمين في النجف وصارت تلك المدينة مدرسة عالية لتلك الطائفة فالنجف اليوم هي مدرسة الاغا البهبهاني وكل من نبغ فيها أو ينبغ من العلماء فهم تلاميذ الاغا البهبهاني.
4 - طريقة التدريس في مدارسها
وطريقة التدريس في النجف قديمة تتردد بين الطريقتين اليونانيتين القديمتين وهي طريقة التحليل بأن يتناول الأستاذ الموضوع ويجزئه إلى أقسام ثم يتناول كل قسم ويحلله إلى أجزاء وهكذا يقسم ويحلل ويجزئ حتى يصل إلى أدق تلك الأقسام وحينئذ يتناولها ويبحث في الأسباب والعلاقات والمعاني والألفاظ.
وطريقة التفسير والشرح هي أن يضع الباحث أولا نص القضية فيدرسها ويأخذ بتفسيرها من جميع الوجوه الممكنة وفي الأخير يختار الوجه الذي يستنسبه والتفسير الذي يختاره.
ويغلب على الأسلوب العلمي في التحرير والتقرير أسلوب محاورات سقراط المعروفة وهي الطريقة المعروفة بطريقة السؤال والجواب أو طريقة: (فإن قلت كذا قلت كذا) وهي عبارة عن محاورات يفرضها الأستاذ بينه وبين طرف مفروض، يبدأ الأستاذ بطرح بعض
الأسئلة ثم يذكر الجواب الذي يتوقعه من ذلك الطرف المفروض ثم يتدرج إليه بالأسئلة حتى يصل به إلى الاستجواب عن الحقيقة التي يحذقها ذلك الأستاذ.
والدراسة في النجف على نوعين (سطوح) و (خارج)
أما طريقة السطوح فهي أن يتكلم الأستاذ والتلميذ على سطح كتاب مفتوح بينهما ويتعاطيان جملة منه خاصة.
وأما دراسة (الخارج) فهي أن يذكر الأستاذ عنوان المسئلة التي يريد أن يبحث فيها ويقرر عن ظهر قلبه عدة آراء وأقوال حولها ثم يختار ما يرتئيه والتلاميذ يلتفون حول منبره كالمستمعين لخطابه أو لمحاضرته وهم مثل الأستاذ يستظهرون تلك المسئلة وما فيها من آراء وأقوال وينتظرون ما يرتئيه الأستاذ فيقرونه عليه أو يناقشونه فيه.(3/330)
وكتب الدراسة قديمة مثل كتاب (قطر الندى) لأبن هشام وشرح منظومة ابن مالك ومغني اللبيب لأبن هشام في النحو.
ومثل كتاب النظام والمكودي للصرف.
ومثل حاشية الملا عبد الله الشارحة لمتن التفتازاني في المنطق.
ومثل شرح المطول أو المختصر لسعد الدين في المعاني والبيان.
ومثل كفاية العلامة الخراساني، ورسائل الشيخ الأكبر الأنصاري في الأصول.
ومثل شرح اللمعة للشهيد العاملي طاب ثراه، والمكاسب للشيخ الأنصاري قدس سره في الفقه.
ومثل رجال أبي علي في الرجال.
ومثل كتاب الوسائل وكتاب البحار في الحديث والأخبار.
ومثل قاموس الفيروزابادي وصحاح الجوهري في اللغة.
وخلاصة الحساب للشيخ البهائي العاملي في الحساب.
ومثل أشكال اقليدس في الهندسة.
وكتاب المجسطي في الهيئة.
5 - مسك الختام
أتراني قد المستك طرفا من الحركة الفكرية في النجف بما حللته لك من تأثيرات المكان
والزمان والحالة الاجتماعية؟ وإذا عرفت أن النجف زاوية دينية تعرف أن الجمود فيها أكثر من الحركة لأن الدين بتقاليده وشعائره قديم مصمت لا يقبل التجدد وكان اللائق بالنجف أن تحدث فيه النهضة الأدبية قبل النهضة السياسية ولكنها نهضت سياسيا ولم تنهض أدبيا لأن النهضة الأدبية توجد حركة فكرية ونموا في الأخلاق والعقول وتلطف وتجدد كثيرا من المبادئ التي يود بعضهم أن تبقى على غبارها ولا تتزعزع بركة القديم فيها.
وقد لطف القرن العشرون شيئا كثيرا وانتقلت عدواه إلى النفوس طائفة من المتجددة فتمردت أرواحهم على التقاليد وتعاطوا وجوه الإصلاح فهدموا شيئا(3/331)
من البنيان القديم ووضعوا في البناء الجديد أحجارا ولكنهم ممتحنون بحالة اجتماعية ثقيلة إذ الشعب مزور ومنحاز عنهم فلا يجدون نوعا من التنشيط ولا طرفا من الإقبال على بضاعتهم فهم يتغذون بأدمغتهم وينتعشون بأرواحهم وتكاد تكون حياتهم في عزلة وانقطاع والأديب النجفي يعيش في ذلك وحده؛ يضيق البلد بالشاعر النجفي الذي طالما أطربك بعوده فينقبض في زاوية ينقطع إلى منعطفات الوادي بين الدكادك وحول التلال؛ الشاعر النجفي اليوم مثل المفكرين القدماء في بلاد العرب القاحلة يتلقى الوحي في العزلة أكثر مما يتلقاه في الاجتماع؛ يختلف الشاعر النجفي إلى مغارة في الوادي أو جبل أو ربوة أكثر مما يختلف إلى محفل أو ندوة؛ الشاعر النجفي مدفوع ومضطر إلى التشرد وبوده أن يغطس في المجموع ويتوسط الناس لتتحول إليه الوجوه؛ لأن الشاعر الحقيقي اليوم هو الشاعر الاجتماعي وليس في النجف إلاَّ أشباح للجديد وتلك الأشباح خائرة مرتعشة في مشيتها لا تتمكن من أن تنهض أو تنتعش.
اليوم في النجف أربع مدارس للجديد ابتدائية ومدرسة ثانوية، وفيها اليوم مطبعتان سقيمتان وفيها سوق للكتب تجلبها من مطابع إيران والهند ولا تكاد تجلب لها شيئا من المطابع العربية.
علي الشرقي
سقاية كنج عثمان
كان في قرب دار الإمارة المعروفة بالسراي سقاية على اسم كنج عثمان؛ وفي سنة 1915م أمر الأتراك بهدمها لتوسيع الطريق لتصلح أن تكون جادة؛ وابقوا منها قبره وحوطوه بدار
ولما أحتل الإنكليز بغداد وطأوا ذلك الطريق فأزالوا القبر المذكور وسووه مع القارعة وذلك في شهر أيلول من سنة 1917م
أما من كان كنج عثمان فراجعه في لغة العرب 3: 408 - 414
رزوق عيسى(3/332)
لا همز في كلامهم
لهجة العوام في الأسماء الممدودة
إن قصر الممدود جائز في العربية الفصحى، وواجب في كلام العامة. فإن الهمزة معدومة في كلامهم، لا توجد إلاَّ في أوائل الكلمات؛ فتسمعهم يقولون في رأس راس وفي جمعه روس؛ وكذلك الفأس يقولون فيها فاس وفوس؛ ويقولون في مأمور مامور؛ وفي مأخوذ ماخوذ: وفي مؤمن مومن. والأسماء الممدودة لا ينطقون بها إلاَّ مقصورة. ثم أنهم بعد قصرها، أي بعد حذف همزتها، يسقطون منها حرف المد أيضا لفظا، مكتفين عنه بما قبله من الفتحة الدالة عليه. ولهجتهم في مثل هذه الأسماء الممدودة بعد قصرها على الوجه المذكور هي أن يجعلوا أولها مكسورا؛ فيقولوا في سماء سما (الألف تكتب ولا تلفظ) وفي رجاء رجا، وفي شفاء شفا، وفي جفاء جفا، وفي شقاء شكا، وفي مساء مسا، وفي شراء شرا، وفي غراء غرا. كل ذلك بالقصر والكسر إلاَّ في هواء وعطاء فيفتحونهما ويقولون فيهما هوا وعطا.
وهذا أي الكسر خاص بالأسماء الثلاثية أما غير الثلاثية فيقصرونها فقط ولا يكسرونها فيقولون في حلفاء حلفا (الألف تكتب ولا تلفظ) وفي طرفاء طرفا، وفي علباء علبا. وكذلك يفعلون في ألف التأنيث الممدودة، أي يكتفون فيها بالقصر دون الكسر، فيقولون في حمراء حمرا (الألف تكتب ولا تلفظ) وفي شقراء شقرا، وفي بيضاء بيضا، وفي سوداء سودا، وفي جرباء جربا، وفي عرجاء عرجا إلى غير ذلك من الصفات التي على فعلاء. وإذا كانت الهمزة في وسط الكلمة وكانت مكسورة قلبوها ياء. كما يفعلون ذلك في اسم الفاعل من الأجوف فيقولون في قائل كايل، وفي بائع بايع، وفي خائف خايف. وكذلك يفعلون في همزة الجموع التي هي على فعائل كعجايب وغرايب وصنايع وغير ذلك.(3/333)
الحركات
في اللغة العامية ست حركات: ثلاث منها مشتركة بينها وبين اللغة الفصحى وهي الضمة، والفتحة، والكسرة؛ وثلاث خاصة بها وهي الفتحة المقبوضة؛ والفتحة المبسوطة، والكسرة
الضئيلة
أما الحركات المشتركة فمعلومة، ولها علامات ترسم فوق الحرف أو تحته فالتي ترسم فوق الحرف هي الضمة وهذه علامتها (ُ) والفتحة وهذه علامتها (َ) والتي ترسم تحت الحرف هي الكسرة وهذه علامتها (ِ) وأما الحركات الخاصة باللغة العامية فهي هذه:
(الفتحة المقبوضة): وهي فتحة تليها واو ساكنة ويكون صوتها مائلا نحو الضم قليلا، ولذا سميناها مقبوضة، فصوتها كصوت بالفرنسية كما في جوز وثوب. وقد جعلنا لهذه الحركة علامة توضع فوق الحرف هكذا: (َ) وهي علامة الفتحة بعينها إلاَّ أن طرفها الأيسر معطوف إلى فوق لتدل عطفته على ميل الفتحة إلى الضم.
(الفتحة المبسوطة) وهي فتحة تليها ياء ساكنة ويكون صوتها مائلا إلى الكسرة قليلا، ولذا سميناها مبسوطة، فصوتها كصوت بالفرنسية، كما في جيب وذيل وقد جعلنا لهذه الحركة علامة توضع فوق الحرف هكذا (َ) وهي علامة الفتحة المعلومة إلاَّ أنها معطوفة الطرف الأيسر إلى تحت لتدل عطفته على الميل بها نحو الكسر قليلا.
(الكسرة الضئيلة) قد ذكرناها فيما تقدم فأنظرها هناك وهي كسرة غير محسوسة بحيث يظن الحرف معها ساكنا كحركة الغين من غراب في قولهم (غراب يكول لغراب وجهك اسود) وقد جعلنا للكسرة الضئيلة علامة توضع تحت الحرف هكذا (ِْ) وهي علامة مركبة من علامتي الكسرة والسكون فإن علامة الكسرة هي هذه (ِ) وعلامة السكون هذه (ْ) فجمعنا بين العلامتين وجعلناهما علامة على الكسرة الضئيلة إشارة إلى أن هذه الكسرة قريبة من السكون.
وأما حركات الإعراب وهي الرفع، والنصب، والخفض، فلا توجد في كلام العامة البتة، لأن اللغة العامية لا إعراب فيها.(3/334)
التنوين
لا يوجد التنوين في كلام العامة، لأنه من خواص الأسماء المعربة والإعراب ساقط في كلامهم؛ فلزم أن يكون التنوين ساقطا أيضا إلا أنه قد يوجد في كلامهم نادرا. وذلك أنهم ربما كسروا آخر الاسم النكرة ونونوه كما في قولهم (جوزٍ (بتنوين الكسر) معدود بجراب (بتنوين الكسر) مشدود) وكقول بعضهم إذا سلم: (سلامٍ (بتنوين الكسر) عليكم) وكقولهم
وهو من أمثالهم: (كحيلةٍ (بتنوين الكسر) جسبت وردت) فالتنوين إنما يوجد في كلامهم نادرا مقترنا بالكسرة فقط ولا يدخل وقوعه تحت ضابط بل هو من قبيل السماعي؛ لأن الغالب المطرد في كلامهم هو أن تكون أواخر الكلم ساكنة خالية من حركات الإعراب.
إسقاطهم الألف من اللفظ
كل كلمة انتهت بالألف اسقطوا ألفها من اللفظ، اكتفاء عنها بالفتحة التي قبلها سواء كانت تلك الكلمة اسما كالعصا أو فعلا كمشى أو حرفا كعلى فيقولون مثلا مشى على رجله. وضربني بالعصا. فالأسماء المقصورة كلها يجرون فيها على هذا الوجه مثل: موسى وعيسى وحبلى ومصطفى وغير ذلك. وكذلك يفعلون في الأسماء الممدودة فإنهم يحذفون الهمزة منها كما تقدم بيانه ويسقطون ألفها أيضا من اللفظ مثل سما ورجا وهوا.
ويسقطون الألف أيضا من ضمير المؤنث الغائبة فيقولون مثلا (شفتها تلبس بنتها ثيابها) ومن حرف النداء أيضا في الأغلب. فيقولون يا محمد يا جاسم يا حسن، إلا مع لفظ الجلالة فلا يسقطونها بل يقولون يا الله.
وكذلك في الأفعال يسقطون الألف من أواخرها اكتفاء عنها بالفتحة التي قبلها إلا إذا اتصل بها ضمير المفعول، فأنهم عندئذ يثبتونها في اللفظ فيقولون مثلا (رماني الزمان) (وعلاك ربك على عدوك) و (هالحجاية منو حجاها) وأما الألف في (جا) الفعل الماضي فيثبتونها لأنها ليست في آخر الفعل بل في وسطه، لأن لام الفعل هو الهمزة التي يسقطونها في كلامهم كما ذكرنا في الفصول المتقدمة. ومنهم من يسقطها أيضا فيقول (ج) فيبقى الفعل حرفا واحدا كما ترى. ومنهم من يقدمها على الجيم فيقول (إج) فتصير همزة. غير أن الغالب في كلامهم هو (جا).
معروف الرصافي(3/335)
الدول
1 - تعريفه العامي
(الدول: حيوان هلامي لا يهتدي في سيره لجهة وإنما تقذفه الأمواج على وجه البحر؛ وهو بقدر الكف فأصغر مدور له خيوط طوال نحو ذراع فأطول كأنه حرير متشبك؛ فإذا لامس هذا الحيوان جسم بني آدم أحرقه حرقا مبرحا وربما اعاب الموضع الذي لامسه. فلو رفع هذا الحيوان بنحو عصاة عن الماء أصابته حرارة الشمس مقدار خمس دقائق لذاب وتحلل ماء ولم يبق له أثر وهو من عجائب المخلوقات؛ فإذا وجد في البحر لبس أهل الغوص ثيابا ضيقة ملامسة للجسد اتقاء لشره) اه بحرفه وغلطه عن كتاب التحفة النبهانية في إمارات الجزيرة العربية لمحمد بن خليفة النبهان 26: 1
وقال عبد العزيز الرشيد في تاريخ الكويت 59: 1 (الدول: ابيض لا يعرف رأسه من ذنبه كأنه قطعة شحم غير أنه أصفى منه وهو لين جدا؛ إلاَّ أنه يحرق بلسعه) أهـ بحروفه.
2 - أصل الكلمة ومرادفاتها
الدول ومفردها الدولة؛ بفتح الأول شيء كالمزادة ضيق الفم؛ والحوصلة أو القانصة وسمي هذا الخلق المائي بهذا الاسم من باب المشابهة لأن الكتلة الهلامية التي تتفرع منها تلك الجراميز أو الخيوط تشبه تلك المزادة أو تلك الحوصلة فالاسم إذا عربي فصيح إلاَّ أنه لم يرد في معاجم السلف لأن تلك الدواوين لا تسع مفردات اللغة جميعها فلا جرم أنها من فصيح الكلام.
وأهل سورية يسمون هذا المخلوق (الأخطبوط) والكلمة يونانية الأصل معناها ذو الثماني الأرجل. لأن له ثمانية جراميز. وذكر النجاري في معجمه الفرنسي العربي اسما لم يذكره سواه. فقد قال في مادة حمار بحري ولا جرم أنه من وضعه الخاص به. لأن الناطقين بالضاد لا يعرفونه بهذا المعنى.(3/336)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - انقلاب المكتب الإعدادي مكتباً سلطانياً
ابرق من الأستانة إلى ولاية بغداد تحويل المكتب الإعدادي إلى مكتب سلطاني
2 - ريع ممكس البصرة
يبلغ دخل الممكس (الكمرك) السنوية في البصرة من 350 ألفاً إلى 400 ألف ليرة عثمانية
3 - جرائدنا البغدادية
مضى على إعلان الدستور نحو 5 سنوات وجرائدنا لا تزال في طور التكون فهي في تقاطع وتقاذع وتطاعن وتطاحن ولا نعلم متى تنتهي هذه الأمور الصبيانية التي لا تفيد القارئ ولا تسمن ولا تغني من جوع.
4 - قبائل الأعراب في مسقط
كثر ذكر مسقط وأعرابها في هذه الأيام وانقسامها إلى موالية للسيد تيمور سلطان مسقط ومواليه للإمام الاباضي. فالقسم الأول يعرف بالغافري والثاني بالهناوي. - أما قبائل مسقط الشهيرة فهي: بنوا أبو علي وبنوا أبو الحسن والمشارقة وبنو خالد (في جهة الاحساء) والأجنبية (وزان أنصبة) وبنو بطاش (كشداد) وبنو غسان (كالاسم المشهور) ومساكرة وبنو ريحة (وزان قيمة) والشروق (كالسهول) والعوامر والمزار (وزان ملاك) والثوبي (كالنسبة إلى الثوب) وبنو حراس (كشداد) والعوفي (كالثوبي) والعبري (بكسر الأول) والكندي (بالكسر) وبنو وهيبة (بالتصغير) وعيال سعد (وزان رعد) وبنو كلبان (بالفتح) والحواسن وبنو ربيعة وطئ وبنو سرحان والمناذرة وبنو قحطان وعيال أبو سعيد وبنو كتب (وزان عرب) ويعاربة وبنو حاتم (بفتح التاء) والهدابيون وجابري (بإسكان الباء) وعنابي (كشدادي) ولعل هناك غيرها لم نقف على أسمائها.
سليمان الدخيل صاحب جريدة الرياض
5 - الجدري في بغداد
فتك الجدري هذه السنة في بغداد فتكا ذريعاً حتى أصيب به نحو العشرين من كل مائة
العدد 31 - بتاريخ: 01 - 01 - 1914
كتب تواريخ بغداد
1 - توطئة
بغداد كانت ولم تزل مدينة عظيمة طبقت شهرتها الخافقين، أسسها الخليفة جعفر المنصور؛ ثم وسعها بعده هارون الرشيد والمأمون وزيناها بقصور شماء، وحدائق غناء، مما يأخذ بمجامع القلوب؛ ولم يكتفيا بذلك بل أوصلاها بجدهما الحميد، وسعيهما الحثيث، إلى أسمى درجة من الحضارة والعمران. فلا عجب بعد ذلك إذا رأينا فريقاً كبيراً من الأدباء والكتاب قاموا فوضعوا لها دواوين عديدة منها مطولة ومنها مختصرة. ولكن يا للأسف ضاع معظم تلك الأسفار الجليلة وأصبح لا أثر لها ولا عين ومنها ما زينت به مكاتب أوربا ومتاحفها مع أن أبناء الزوراء هم أحق من غيرهم بكنز السلف النفيس؛ بيد أن النزر اليسير لم يزل محفوظاً في بعض دور أغنياء مدينتنا الاماجد، وأعيانها الأماثل، وهم يحرصون كل الحرص على ما بقى في مكاتبهم، ويحافظون عليه محافظتهم على إنسان عينهم؛ وقد أفضى ببعضهم إلى الشح بها إذ ضنوا على أدباء حاضرتهم بنسخها بل برؤيتها لئلا يطرأ عليها ما طرأ على غيرها من تواريخ مدينة السلام. ولو تبصروا قليلا وأنعموا النظر في ما يفعلون لما تمسكوا بعملهم هذا غير المحمود بل لبادروا إلى الضياع وغوائل الزمان وإلا فما الفائدة من وجودها في زوايا الإهمال وتعرضها للفقد كما فقدت أخواتها من قبلها بعد ذهاب أصحابها وانتقالها من يد إلى يد.(3/337)
هذا وقد بحثنا بحثاً بقدر ما وسعته الطاقة عن أسماء تلك المؤلفات من قديمها وحديثها وهاك ما وصل غلينا خبره ورأيناه مبسوطاً في بعض المواطن ناشر به على صفحات مجلة (لغة العرب) إذ لعل هذا الأمر يدفع أحد سراة القوم وفضلائهم إلى أن يشمر عن ساعد الجد وسنشر بعضها على نفقته فيخدم بذلك وطنه خدمة تذكر فتشكر فنكون قد نلنا على يده الضالة التي ننشدها منذ أمدٍ بعيد والله الميسر.
2 - تواريخ بغداد القديمة
(1) - تاريخ بغداد: تأليف أبي الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور البغدادي: هو أقدم تاريخ
لدار السلام على ما يظن فريق من المؤرخين عثر على الجزء السادس منه الدكتور كلير الألماني بين مخطوطات لندن وقد وقعت نسخة منه في يد أحد الأدباء فألفها سفراً نفيساً جديراً بالمطالعة يشتمل على تاريخ المأمون خاصةً من شخوصه إلى بغداد سنة 204هـ - 819م إلى حين وفاته. ويصف فيه كافة الأدباء والندماء والشعراء الذين كانوا يحضرون مجلسه وما كان يدور بينهم من المحاضرات الأدبية والمناظرات العلمية اللغوية فضلاً عن المساجلة والمناشدة وقد علق عليه ناشره الفاضل بعض الملاحظات الدقيقة مع ترجمة ألمانية وطبعه على الحجر في ليبسك 1908م - 1326هـ
(2) - تاريخ بغداد: تأليف الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي المعروف بالخطيب المتوفى سنة 463هـ - 1070م يحتوي على تراجم علماء الزوراء وأدبائها ومن ورد إليها من الرجال العظماء وقد ضم إليه فرائد وخرائط يضيق النطاق عن حصرها وتعدادها. ومنه الآن نسخة خطية في كل من المتحفة البريطانية في لندن والمكتبة الأهلية في باريس وخزانة كتب السيد عبد الرحمن أفندي النقيب في بغداد وفي مكتبة جامع ايا صوفيا في القسطنطينية ومن هذا التاريخ الفريد أجزاء متفرقة في كل من مكتبة برلين وكوبرلي والجزائر والمكتبة الخديوية في مصر وفي بعض دور أعيان بغداد وعلمائها. وكانت منه نسخة بخط المؤلف في خزانة كتب الكلية المستنصرية بأربعة عشر مجلداً فقدت وأصبحت أثراً بعد عين. (وقد نشر المستشرق سلمون مقدمة هذا التاريخ بباريس سنة 1904م - 1322هـ كتاباً على حدة في ثلاثمائة صفحة تحتوي على أصل بغداد وأسمها وتاريخ بنائها وأقسامها ودورها وقصورها ومدائنها(3/338)
كما كانت في أيامه وغير ذلك من الفوائد. وذيلها الناشر بحواش وفهارس فجاءت كالكتاب المستقل بوصف عمارة بغداد وخططها والكتاب على إجماله مروي بالأسانيد على طريقة أهل الحديث).
(3) - تاريخ بغداد تأليف أبي اليمن مسعود بن محمد البخاري المتوفى سنة 461هـ - 1068م وهو ملخص تاريخ الخطيب وقد زاد عليه صاحبه شيئاً كثيراً من الأخبار والوقائع المهمة التي عرفها بنفسه أو وجدها في سائر الكتب.
(4) - ذيل تاريخ الخطيب: تصنيف الإمام أبي سعيد عبد الكريم بن محمد السمعاني صاحب كتاب الأنساب المتوفى سنة 562 - 1166م ذيل به صاحبه تاريخ الخطيب ونسج
على منواله وهو في خمسة عشر مجلداً.
(5) - السيل على الذيل: لعماد الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن حامد الكاتب الوزير والعالم الكبير المتوفى سنة 597هـ - 1200م صنف المؤلف تاريخه هذا وجعله ذيلاً على ذيل ابن السمعاني وقد ضمنه الوقائع والحوادث التي أغفل ذكرها الموما إليه وهو في ثلاثة مجلدات.
(6) - ذيل ابن الدبيثي: تصنيف أبي عبد الله محمد بن سعيد المعروف بابن الدبيثي الواسطي المتوفى سنة 637هـ - 1239م وقد ذكر فيه مؤلفه أخباراً لم يذكرها السمعاني ولا غيره ممن سبقه.
(7) - صلة الذيل: لأبن القطيعي المتوفى في نحو سنة 640هـ - 1242م وقد وضعه ليكون بمثابة ذيل على ذيل ابن الدبيثي.
(8) - ذيل تاريخ بغداد: تأليف الحافظ محب الدين محمد بن محمود المعروف بابن النجار البغدادي المتوفى سنة 643هـ - 1245م (جعله ذيلا عظيما على تاريخ الخطيب نفسه جمع فيه فأوعى حتى قال بعض من رآه إنه يتم في ثلاثين مجلداً ورأى منه المجلد السادس عشر في حرف العين وقد ذكر تراجم الرجال كالطبقات) ويوجد الآن جزء منه في مكتبة جامع مرجان في بغداد.
(9) - تلخيص ذيل ابن الدبيثي: لشمس الدين محمد بن أحمد الحافظ الذهبي المتوفى سنة 748هـ - 1347م وهو عبارة عن ملخص ذيل ابن الدبيثي واختصاره ولم يضف(3/339)
إليه شيئاً على ما قيل وذكر.
(10) - ذيل تاريخ ابن النجار: تصنيف تقي الدين محمد بن رافع المتوفى سنة 774هـ - 1372م وهو كتاب محكم جداً بل في غاية الإتقان جعله ذيلاً لتاريخ ابن النجار واستدرك فيه ما فاته وأضاف إليه ما أهمله.
(11) - ذيل تاريخ تقي الدين: تأليف أبي بكر المارستاني المتوفى في نحو سنة 785هـ - 1383م ضمنه من الفوائد والأخبار شيئاً كثيراً.
(12) - ذيل تاريخ المارستاني: لتاج الدين علي بن أنجب ابن الساعي البغدادي المتوفى سنة 674هـ - 1275م وقد ضمنه مؤلفه من الفوائد الغزيرة والعادات الغريبة ما يعز وجود
اغلبها في غيره من تواريخ ودواوين الزوراء.
(13) - تاريخ بغداد: تأليف أبي سهل يزدرجد بن مهماندار الكسروي وهو كتاب نفيس جداً وصف فيه صاحبه بغداد وصفاً دقيقاً في عصره فذكر خبر بناء مدينة السلام وطاقاتها ومبلغ مساحتها وأحصى أنهارها وجسورها وحماماتها وقصورها وسككها ودروبها وأرباضها ومعابدها ومقابرها ومساجدها المخصصة لصلاة الجمعة والعيدين ومحلاتها الخ وقد نشر هذا السفر الجليل الفوائد أحد المستشرقين الأفاضل وعلق عليه حواشي بالافرنسية وتصحيحات بالعربية؛ طبع في مدينة شالون على نهر سون بمطبعة (برطرند).
(14) - (كتاب البيان) تأليف أحمد بن محمد بن خالد البرقي الكاتب الكبير والمؤرخ الشهير وهو مؤلف حافل بمحاسن الزوراء التي أخنى عليها الدهر بكلكله مع ذكر أثارها لدوارس وأطلالها الطوامس.
(15) - (روضة الأريب) لأحد علماء بغداد الأعلام وفلاسفتها العظام وهو في سبعة وعشرين مجلداً حوى من نفائس الآثار وطرف الأخبار ما يبهر البصائر والأبصار
(16) - تاريخ بغداد: تصنيف أبي الحسن محمد هلال الصابئ وهو تصنيف سديد جم الفوائد واغلب هذه المصنفات أصبحت أعز من بيض الأنوق. وأندر من الأبلق العقوق. إلى آخر ما هنالك من تواريخ بغداد التي تعد بالعشرات
(17) - وصف الجزيرة وبغداد تأليف ابن سرابيون وهو كتاب يبحث عن بين النهرين(3/340)
وصف فيه المؤلف تلك الديار ومواقعها وعرضها وطولها وأنهارها ومصابها وما يحمل منها وقد نقل بعض هذا المصنف إلى الإنكليزية المستشرق الكبير غي لسترانج وعلق عليه شروحاً حسنة وأضاف إليه تعاليق بديعة أنظر نشرة الجمعية الآسوية الملكية لسنة 1895م - 1313هـ طبع في لندن في نفس تلك السنة.
(18) - نزهة القلوب: تصنيف حمد الله المؤرخ الفارسي أحد كتاب القرن الثامن للهجرة الموافق للخامس عشر من التاريخ المسيحي وهو كتاب جزيل الفائدة بحث فيه مؤلفه عن جغرافية بغداد وغيرها من البلاد أما الفصل المعقود لجغرافية دار السلام فقد استله المستشرق شارل شفر المتوفى في 3 آذار سنة 1897م - وطبعه على حدة في باريس سنة 1897م - 1315هـ والباقي من الكتاب المذكور طبع على الحجر في بمبي سنة
1311هـ - 1893م ويوجد منه الآن نسخة خطية نفيسة في كل من المتحفة البريطانية والمكتبة الأهلية في باريس.
3 - تواريخ بغداد الحديثة
(1) - (عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد) تأليف السيد إبراهيم فصيح بن صبغة الله الحيدري البغدادي المتوفى في سنة 1299هـ - 1881م وهو تاريخ جزيل الفوائد سامي المباحث يشتمل على أخبار ووقائع شتى يوجد منه نسخة خطية في خزانة كتب دير مبعث الأباء الكرمليين المرسلين ومنه نسخة أخرى في بعض مكاتب دار السلام وقد صنفه صاحبه الفاضل في البصرة وأنجزه في شهر رمضان سنة 1286هـ - 1869م.
(2) - (حديقة الزوراء) تأليف أبي الخير الشيخ عبد الرحمن زين الدين ابن الشيخ عبد الله السويدي البغدادي المتوفى في سنة 1200هـ - 1876م وهو تاريخ كبير في ثلاثة مجلدات ضخام يبحث فيها مؤلفها عن وقائع العصور الأخيرة التي انقطعت عنا أنباؤها وعفت أخبارها ويبحث أيضاً عن تراجم الخلفاء والوزراء والأمراء والمشاهير وهو كتاب جامع لشتات الأخبار والوقائع جليل القدر نفيس الأثر كان منه نسخة بخط المؤلف في دار يوسف أفندي السويدي الشهير ففقدت ولم يوقف لها على خبر ولا يوجد منه اليوم سوى نسخة واحدة في مكتبة السيد عبد الرحمن أفندي نقيب بغداد الحالي ويا ليت يبرزه حضرته(3/341)
هذا الكنز الثمين إلى عالم المطبوعات ليقف على مشتملاته الأدباء ويرتشف من زلال نميره الصافي المؤرخون والفضلاء.
(3) - (مطالع السعود بطيب أخبار داود) لمؤلفه الشيخ عثمان بن سند البصري الوائلي المتوفى سنة 1250هـ - 1834م وهو تاريخ كبير في نحو 40 كراساً كبيراً حوى بعض أخبار القرن الثاني عشر وبعضاً من الثالث عشر ولولا هذا السفر المفيد لذهب شيء كثير من حوادث تلك الأيام نخص منها بالذكر أخبار الوزير الكبير سليمان باشا والمشير الشهير داود باشا. وقد اختصره في سنة 1290هـ - 1873م أمين بن حسن الخلواني المدني فذكر منه الوقائع التاريخية فقط وأهمل الأشعار والمدائح وطبعه على الحجر في مدينة بمبي في المطبعة الحسينية في غرة شوال سنة 1304هـ - 1886م.
(4) - (تنزه العباد في مدينة بغداد) تاريخ بغداد وجغرافيتها تأليف المعلم نابليون بن
ميخائيل الماريني وهو كتاب نفيس مع صغر حجمه ويقسم إلى قسمين قسم طبيعي وقسم أدبي فالقسم الأول يتضمن أحوال بغداد في العصور الغابرة وأما القسم الثاني فيشتمل على تجارة بغداد ومعاملها ومصنوعاتها ومدارسها وجوامعها وكنائسها ومكاتبها ومقابرها ومزارعها الخ طبع بالمطبعة اللبنانية في بيروت سنة 1888م - 1306هـ.
(5) - (حضارة الإسلام في دار السلام) تصنيف جميل نخله مدور المتوفى في سنة 1907م - 1325هـ: وهو كتاب جزيل الفائدة غزير المادة حسن السبك بليغ العبارة بديع الأسلوب سديد الحجة حوى من الفرائد والخرائد ما يزري باللآلئ الحسان فإنه يوقف المطالع الأديب على أمور ومسائل ذات شأن عظيم في عصر الرشيد الذهبي ولا أراني مبالغاً إذا قلت إنه أنفس مؤلف صنف في بابه وهاك ما جاء عنه في (تاريخ الصحافة العربية 1: 115 (حضارة الإسلام في دار السلام) الذي يغنى ذكر أسمه عن وصفه. وقد قدر هذا الكتاب قدره وأنزله منزلة رفيعة كما يستحق كل من أحمد جودت باشا وزير(3/342)
المعارف العثمانية وأحمد مختار الغازي المعتمد السلطاني في مصر سابقاً وغيرهما من مشاهير الرجال. وقد كافأه عليه حينئذٍ السلطان عبد الحميد بجائزة مالية تنشيطاً له على خدمة العلم) وجدير بهذه التحفة السنية أن يزين بها صدور المكاتب والنوادي العلمية وقد طبع في مصر ثانية بمطبعة المؤيد على ورق صقيل بحرف بديع الشكل سنة 1323هـ - 1905م.
(6) - (كتاب الهدية المصرية للخطة العراقية) تأليف عبد الرحمن إبراهيم المصري الشهير بالهندي الدندي (صاحب جريدة عفريت الحمارة بمصر) وهي نبذة لخص فيها صاحبها بعض تاريخ بغداد القديم وما تحتاج إليه الآن من الإصلاح وذكر أيضاً في مطاوي بحثه أموراً شتى ويظهر أن المومأ إليه ألف نبذته هذه ليجمع من ريعها بعض دريهمات يستعين بها على السفر إلى مسقط رأسه إذ يقول في صدر الكتاب:
مساعدة الغريب أجل شيء ... وأحسن ما تكون لدى الأنام
بها الذكرى تخلد في البرايا ... وذا فرض على القوم الكرام
ثم قال:
حقوق الطبع للمصري ... بعين العدل ملحوظة
لصاحبها مدى الدهر ... حقوق الطبع محفوظة
طبع بمطبعة الولاية في بغداد سنة 1327هـ - 1909م.
(7) - (كتاب الفوز بالمراد في تاريخ بغداد) تأليف ساتسنا يشتمل على كثير من الأخبار والوقائع حتى حدثت في الزوراء في القرون الوسطى وقد جمعه صاحبه من عدة كتب خطية ومطبوعة عربية وأعجمية وإليك نص المقدمة (لما كان الكثير من أدباء بغداد يتشوقون إلى أخبار ماضيها منذ سقوطها على يد هولاكو إلى يومنا هذا أحببت أن أجمع من الكتب القديمة والحديثة ما يحقق أمنية هؤلاء الفضلاء) وقد طبع بمطبعة الشابندر في بغداد سنة 1329 هـ - 1911م.
(8) - (أخبار بغداد وما جاورها من القرى والبلاد) تأليف السيد محمود شكري بن عبد الله الحسيني الآلوسي البغدادي: تاريخ نفيس جداً في أربعة مجلدات نشرت مقدمته في الجزء الأول من مجلة (سبل الرشاد) صفحة 11 وقد ذكر صاحبه ما طرأ على القطر العراقي منذ استيلاء المسلمين عليه إلى الآن وبيان الأسباب التي حملت(3/343)
المنصور على بناء دار السلام وقد بحث فيه بحثاً نعما عما أشتهر في الأفاق من مدن العراق وما كان لها من القصور الشامخة والأبنية الفخمة وقد ذكر أيضاً تراجم أدباء الزوراء وأكابر رجالها وأعيانها وزهادها ومدارسها ومعابدها إلى غير ذلك من الأبحاث الطلية وقد قرظه نخبة من كتاب العصر حين وقوفهم على محتوياته الجليلة نخص منهم بالذكر تلميذه الشيخ معروف أفندي الرصافي القائل:
آثار محمود شكري دام يشكرها ... بين الورى حاضر الأقوام والبادي
قد أصبحت وهي بعض من مناقبه ... عد الكواكب لا تحصى بتعداد
أسفار علم بدت كالصبح مسفرة ... عما له من مدى علم وإرشاد
قد أسفر اليوم سفراً في صحائفه ... للناس أسفر عن أحوال بغداد
وشته أقلامه وشي البرود لنا ... فراق في حسن إيجاز وإيجاد
جم المباحث في ذكر الحوادث عن ... لحن المثالث يحكى نغمة الشادي
أبحاثه تحف في طيها طرف ... إيرادها شرف للناس في النادي
أبدى من الفضل علماً في مؤلفه ... ما عنه يعجز إنشائي وإنشادي
أطروفة يرتضيها كل ذي أدب ... ونجعة يبتغيها كل مرتاد
وهذا الكتاب الفريد لم يزل خطاً وعسى أن صاحبه العلامة المفضال يبرزه من مكمنه وينشره لتعم فوائده الجزيلة وينتفع به الخاص والعام.
(9) - (كشف اللثام عن آثار دار السلام) لصاحب هذه المقالة بحث فيه مؤلفه بحثاً وافياً عن آثار بغداد وما فيها من المساجد والجوامع والكنائس والمدارس والكتاتيب والأندية العلمية والفنادق ودور الصنائع والمكاتب التجارية والحمامات والقهوات والمنتزهات وخزائن الكتب والمجلات وأسماء الشوارع والأسواق وعدد السفن والبواخر والقصور الفخمة والأبنية الشامخة والجنائن والأطلال الشاخصة. وهو كتاب خط.
(10) - تاريخ بغداد الحديث: لصاحب المقالة أيضاً: يبحث عن عادات البغداديين ومعتقداتهم وحقيقة تربيتهم لأولادهم وأمور زواجهم وأفراحهم ومآتمهم ومواسم أعيادهم الأهلية وملابسهم وملاهيهم ولعبهم وغيرها والذي حدا المؤلف إلى وضع هذا الكتاب هو اعتقاده إن مدينة الزوراء ستتغير تغيراً عظيما في مدة لا تقل عن ثلاثين سنة إذا طالت لدخول مرافق الحضارة العصرية إليها واختلاط السكان بالأقوام والشعوب الغربية التي تختلف عوائدها عن عوائدنا فتأكل بعضها بعضا ولا يبقى منها شيء يذكر(3/344)
فرأى من اللازم اللازب تدوين المسائل المهمة في بطون التواريخ لتكون دليلا صادقا يركن إليه الباحث والمؤرخ عن شؤوننا وحالتنا الاجتماعية في تباشير القرن العشرين.
(11) - (سجع الورقاء في مشاهير الزوراء) لمنشئ المقالة: كتاب جم الفوائد يبحث عن تراجم العلماء والأدباء والشعراء والأمراء والأغنياء والشيوخ والأعيان والرؤساء الروحانيين من جميع الملل والنحل وغير ذلك من الأخبار والحوادث مما يلذ الوقوف عليها وجملة القول سيكون هذا المؤلف سراجاً يهتدي بنوره الوطنيون الكرام ودليلا لغرباء الديار واللسان.
وسننشر اغلب فصول مؤلفاتنا هذه على صفحات (لغة العرب) تباعاً ومن الله نطلب الهداية، في البداءة والنهاية.
(12) - (منتجع المرثاد في تاريخ بغداد) تأليف الكونت جبرائيل حنوش أصفر وقد لخصه فدعاه (مختصر المستفاد من تاريخ بغداد) تصنيف نافع غاية النفع بحث فيه مؤلفه بحثاً
نعماً عن تراجم مشاهير الزوراء وأدبائها الكبار وقد ضمنه شيئاً كثيراً من تواريخها ووقائعها وأخبارها القديمة وهو لم يزل مخطوطاً. منه نسخة في دير مبعث الكرمليين في بغداد ويا ليت حضرة مؤلفه الكريم يبرزه إلى عالم المطبوعات.
(13) - (مساجد بغداد) للسيد شكري أفندي الآلوسي تصنيف مفيد يبحث عن معابد الزوراء وجوامعها ومساجدها وقد وصفها وصفاً دقيقاً والكتاب لم يزل خطا في مكتبة مؤلفه العامرة.
(14) - (زينة البلاد في تاريخ بغداد) بالفارسية تأليف ميرزا محمد ملك يشتمل على ماضي تاريخ بغداد وما كانت عليه من الحضارة والمدنية وهو مصنف بالفارسية وقد طبع في بمبي في 32 صحيفة بقطع الثمن.
(15) - (كتاب جامع الأنوار في مناقب الأخيار) تأليف صفاء الدين عيسى القادري النقشبندي البندنيجي يتضمن تراجم علماء بغداد ومشاهير رجالها وفقهائها وأدبائها وزهادها وشيئاً كثيراً من أخبارها وقد فرغ مؤلفه من تصنيفه في الساعة الحادية عشرة من نهار يوم الأربعاء في 23 صفر سنة 1326هـ - 1908م وهو لم يزل خطا وقد رأينا نسخة منه في مكتبة دير مبعث الكرمليين المرسلين في بغداد.
(16) - (مدارس بغداد) تأليف الفاضل لويس ماسنيون بالافرنسية وقد بحث فيه مؤلفه عن بعض مدارس دار السلام وكلياتها(3/345)
القديمة الشهيرة كالنظامية والتاجية والمستنصرية والبهائية والبشرية والتثقيفية والمجاهدية والعصمية والقادرية والمرجانية والسليمانية والمرادية والعلية والعمرية ومدرسة أحمد أمين السويدي الخ وقد طبع في مصر القاهرة بدون تاريخ السنة.
(17) - (تاريخ ولاية بغداد) تصنيف حبيب أفندي شيحا بالافرنسية يحتوي تاريخ الزوراء الحديثة وعدد سكانها ومدارسها وكنائسها وجوامعها ومجامعها ومقابرها وشيوخ البادية وقبائلها وخرافات أهلها وعاداتهم إلى غير ذلك من الأبحاث الطلية وقد طبع في القاهرة سنة 1908م - 1326هـ.
(18) - (تاريخ الجزية) تأليف المؤرخ حمد الله بالفارسية وهو يبحث عن الجزية التي كانت تجمع في عصر الخلفاء العباسيين من ولاية بغداد وما جاورها من القرى والبلاد
ويتضمن أيضاً فصولاً عن الممالك والحكومات منه نسخة خطية نفيسة في كل من المتحفة الابريطانية والمكتبة الأهلية في باريس.
(19) - رفيعة (تقرير) القائد جونس فيلكس بالإنكليزية وهي عبارة ن كتاب تاريخ بغداد مع رسم لها كبير ومصورات عديدة لما جاورها من البقاع والضياع وقد طبعت في بمبي سنة 1857م - 1274هـ.
(20) - (نبذة من تاريخ بغداد) بقلم السر هنري رولنصن بالإنكليزية وقد أثبتت في دائرة المعارف البريطانية في طبعتها التاسعة.
(21) - (الكنز الثمين في أخبار الذميين في عهد الخلفاء المسلمين) تأليف الملفان (الدكتور) عيسى بن يحيى (يوحنا) بن يونس (يونان) بن إبراهيم البابلي النصراني المتوفى سنة 220هـ - 835م وهو تاريخ نفيس بل فريد في بابه حوى ما محض من الأخبار والوقائع في عصور الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والسلاطين العثمانيين قدم واضع هذا السفر بغداد وعمره لا يتجاوز الخامسة عشرة في سنة 145هـ - 762م عندما أخذ جعفر المنصور ببناء الزوراء وقد بحث فيه مؤلفه الفاضل بنوع خاص عن علماء وفلاسفة وشعراء وأدباء وأعيان ومشاهير النصارى الذين نبغوا في زمن هرون الرشيد والمأمون في بغداد وقد وصفهم وصفاً دقيقاً وذكر عدد بيعهم ورؤساء مللهم ونحلهم وشعائرهم الدينية وعادات عوامهم وما انتابهم من العسر واليسر والحرية والعبودية والاضطهاد والرفاهية وقد أوصى بنيه وحفدته بأن يستمروا على تصنيف الكتاب(3/346)
على هذا النسق إلى ما شاء الله فكان كل منهم يدون فيه أهم الحوادث وأصدق الوقائع والأخبار الطارئة في عصره وقطره وقد استمر الخلف يقتفي أثر السلف إلى أيام المستعصم بالله فتوقف الأبناء برهة ثم استأنفوا التدوين إلى سنة 1831م - 1247هـ عندما داهم الزوراء وباء شديد الوطأة فحصد الألوف من النفوس وإذ ذاك تشتت شمل هذه الأسرة فمنهم من مات ومنهم من هام على وجهه.
وكانت مهنة مؤلفي هذا التاريخ - الجامع لشتات أخبار بضعة أحقاب - الكتابة في دواوين الخلفاء العباسيين والبرامكة وغيرهم من رؤساء وأعيان دار السلام والذي جعلهم أن يستمروا في وظائفهم على طول هذا الزمن هو نزاهتهم وأمانتهم وتضلعهم من اللغة العربية والتفنن في أساليب الإنشاء. وقد ثابروا على تأليف هذا التاريخ أكثر من ألف سنة. وكان
عند المرحوم والدي نسخة منه بخط مؤلفيه في مجلدين ضخمين تربو عدد صفحاتهما على الألفين بقطع كبير وحرف دقيق فاستعارها منه المرحوم القس ميخائيل أيلو السرياني ليطالعها فلما وقف على مشتملات الكتاب وجده مؤلفاً نفيساً نادراً فطلب إلى والدي أن ينسخه وكان حسن الخط فلم يضن عليه به وبعد بقاء الكتاب في حوزته نحو سنين أدعى بأن أحد المستشرقين الفرنسويين استعاره منه ليقف على محتوياته فسافر به إلى مسقط رأسه (باريس) ولم يعده إليه وقد ذهل عن أخذه في حينه ففقد هذا السفر الجليل ولم يوقف له على أثر منذ ذلك اليوم.
وعسى المستشرقون ذوو الهمم الشماء أن يبحثوا في متاحف أوربا ومكاتبها الخاصة والعامة عن هذا الأثر العظيم والمؤلف اليتيم الذي يحق له كل الحق أن يدعى (الكنز الثمين) فإنه يشتمل على كثير من المسائل والأمور المهمة التي يعز وجودها بلا امتراء في غيره من الأسفار سيما ما أهمل ذكره مؤرخو العرب وغيرهم من كتاب المسلمين.
(22) - (تاريخ بغداد في عهد الخلفاء العباسيين) تأليف العلامة غي لسترانج وهو نفس تأليف بل أسمى تصنيف وقفنا عليه في الإنكليزية حتى الآن وهو يتضمن تاريخ الزوراء منذ يوم تأسيسها حتى سقوطها على يد هولاكو(3/347)
طاغية العباد والبلاد وفصلا من تاريخها الحديث مع ثمانية رسوم ملونة لدار السلام وقد جمع بين دفتيه فرائد يتيمة يعز وجود كثير منها في غيره من الأسفار والدواوين لأن مؤلفه الفاضل قد أخذ أنباءه من كتب شتى عربية وفارسية وأوربية تربو على الستين وبينها مخطوطات نادرة. طبع هذا السفر الجليل في جامعة اكسفورد بمطبعة كلارندون سنة 1900م - 1318هـ.
(23) - (الإسلام في عصر خلفاء دار السلام) كتاب نفيس جداً يتضمن حضارة الإسلام في دار السلام وشيئاً كثيراً من المسائل والأمور الجديرة بالمطالعة وضعه في الإنكليزية مؤلفه الأديب الفاضل ر. د. اسبورن وقد طبع في لندن سنة 1878م - 1295هـ.
(24) - (بغداد) في دائرة المعارف للبستاني. وقد استغرقت هذه المادة عدة صفحات حتى أنها لو طبعت على حدة لأصبحت كتاباً قائماً برأسه.
هذا جل ما وقفت عليه الآن من تواريخ بغداد القديمة والحديثة وقد فاتني شيء كثير منها بالألمانية والفرنسوية والإنكليزية لا بل وبالعربية نفسها ومن له اطلاع على ما أغفلت ذكره
فالرجاء أن يتكرم بإفادتي عنه وإني أشكره سلفاً.
رزوق عيسى
(لغة العرب) لما كانت هذه الأسماء غير وافية كما أشار إليه الكاتب فلا بد إننا نعود إلى هذا الموضوع في فرصةٍ أخرى حذراً من إثارة السأم في الصدور إن أكثرنا الآن من الكلام في جزءٍ واحد.
على الأرض وفي السماء
سار القطار وفي مفاصله ... ماء وفي أحشائه لهب
فكأنما شامت نواظرنا ... برقاً به تتصادم السحب
يبكي ويزأر عند جريته ... فكأنه ولهان مكتئب
يجري وتجري الريح دائبة ... يعتاقها عن سبقه التعب
يطوي الفلاة فليس يدركه ... في طيه ولا نصب
لا مهل يعيبه ولا عجل ... فسوآء الإبطاء والخبب
فكأنما (روبرت) عاهده ... أن لا يفوت لركبه أرب(3/348)
وكأنما البيدآء حين مضى ... نهب من الأرضين ينتهب
يتنفس الصعدآء لا حزن ... يغشاه في بعدٍ ولا طرب
وتراه للعمال مؤتمراً ... يسعى فلا يرمي به غضب
ترتجف الأرض منه خاشعة ... في قلبها من وطئه ريب
يلج الجبال بطونها نحتت ... طورا وطورا فوقها يلب
يعلو على شم الجبال فلا ... يعدو إذا ولا يثب
ويجد في بيدأء خالية ... عجفاء لا يلوي بها الرهب
وكل إذا قل البخار به ... أو قل فيه الفحم واللهب
عرف المنازل بعد ما جهلت ... أوصافه الأغوار والحدب
متعصب ما أن يمس سوى ... سكك تمد له وتنشعب
سار القطار بكل منزلة ... لا الركب يبلغها ولا الركب
كلا ولا الخيل الجياد ولا ... وصلت إليها الأنيق التعب
فكأنما مصر به عدن ... وكأنما فرغانة حلب
هذا البخار وذوي مآثره ... ذكرت فأين السمر والقضب
طورا يسير بأهله سرعا ... حيث البعيد به لهم كثب
وتراه آونة يطير بهم ... يعلو السكاك به فيحتجب
يخترق اللوح والفضاء بهم ... فيجوبه وتجوبه الشهب
فكأنما العقبان خافقة ... تحت السماء لهن منقلب
الطير تحسد وهي طائرة ... يهوي بها إن جدت التعب
والناس حسدها وقد صعدوا ... فوقا وقد رفعت لهم رتب
بكرت بأجنحة فما ذهبت ... ببكورها فوق الذي ذهبوا
فلئن هم سبقوا فما بلغت ... سبقا ولا ضربت كما ضربوا
الناس يرقون والبخار لهم ... سبب يمد لهم به سبب
وكأنما (يعقوب) يركبه ... و (ليوسف) من فعله عجب
إن البخار محلق بهم ... في الجو والمنطاد مرتكب
يغدون من بلد إلى بلد ... فعل الذي يستحثه الدأب
محمد الهاشمي(3/349)
أقسام إمارة السعود
تقسم إمارة ابن السعود أقساماً مختلفة على غير الوجه المعهود في ديار آل عثمان. وإنما نسميها بالأسماء المصطلح عليها اليوم في هذه الربوع طلباً للإيجاز وتقريباً للعبارة من الإفهام. ففيها من الايالات شيء كثير والأيالة مثل الناحية أو بعبارة أخرى مثل القائمية (القائم مقامية) أو المتصرفية ومن هذه الايالات ما هو بقدر المتصرفية ومنها ما هو بسعة الولاية ومنها ما هو دونها مما لا يقاس عليه وأشهر هذه الولايات هي.
1 - العارض أو الرياض أو العروض
العارض عاصمة الإمارة. وقد سبقنا فقلنا إن العارض والرياض أو العروض أسماء لمسمى واحد في الإجمال لكنها تقع على بعض مواطن منها دون غيرها إذا أردت التدقيق في المعنى. (فالعارض) على الحقيقة هو وادي حنيفة المشهور في التاريخ وهو عبارة عن وادٍ واسع تقوم على حافاته جبال متوسطة الارتفاع تعرف عندهم باسم (العارض أو العروض) لاعتراضها في السماء قال الحفصي: العارض جبال مسيرة ثلاثة أيام. قال: وأوله (خزير) وهو أنف الجبل. وقال أو زياد: العارض باليمامة. أما ما يلي المغرب منه فعقاب وثنايا غليظة، وما يلي المشرق وظاهره فيه أودية تذهب نحو مطلع الشمس كلها العارض هو الجبل. قال: ولا نعلم جبلاً يسمى عارضاً غيره. - أما الرياض فهي روضات منسقة آخذة بعضها برقاب بعض على شكل مستطيل يوازي الوادي المذكور وكانت الإمارة تسمى سابقاً بالعارض وكان كرسي الإمارة في موضع يقال له (الدرعية) فلما كانت حرب إبراهيم باشا انتقلت إلى الرياض المذكورة.
وكانت الدرعية في سابق العهد في رخاء من العيش حسنة الأبنية عالية الجدران كثيرة الزرع والضرع ولما كانت كرسي الإمارة كانت تتوافد إليها الأعراب من اليمن والحجاز وتهامة وحضرموت والاحساء والبحرين وقطر وكان لها مواسم في أيام مخصوصة بحيث إن الداخل كان إذا دخلها في عهد الأعياد والمجتمعات بل حتى في سائر الأيام يرى جموعاً كثيرة مؤلفة من أنواع قبائل العرب وعشائرها. وحسبك دليلاً على ما نقول إن بعض المنازل والدور بيعت وشريت بأثمان تتراوح(3/350)
بين الخمسمائة ليرة وبين الألف والخمسمائة
ليرة. وبلغت أجرة بعض الدكاكين في الشهر الواحد نحو ست ليرات وكفى بذلك برهاناً على تردد الأقدام إليها لطيب المعيشة فيها يومذٍ. (لغة العرب: كذا ولعل في ذلك مبالغة فاحشة).
ومن بلدان العارض (بلدة حريملة) تصغير حرملة ويلفظونها والبعض يكتبها خطاً (حريملا)، ويليها بلد (سدوس) (وزان عروس) وحوله آثار قديمة وأبنية عالية ضخمة فخمة عليها كتابات قديمة لا تعرف بأي قلم مكتوبة لأن الإفرنج لك يصأوا تلك الديار، وعلى كثير من جدر تلك المواطن كتابات منحوتة في الحجر ومثل هذه الرقم العادية في كثير من الكهوف والمغور المجاورة لسدوس. ومن غريب الأمر إن ياقوت لم يذكر شيئاً عن هذه المدينة مع أنها عريقة في القدم. فالظاهر إن الذين كانوا ينتابون تلك الربوع غير كثيرين. لكنه ذكرها في مادة حزوى وهو أسمها الحقيقي لأن (سدوس) هي اسم القبيلة التي أوت إليها مدة طويلة فسميت بهم. قال ياقوت: (حزوى. . . . موضع بنجد في ديار تميم. وقال الأزهري: جبل من جبال الدهناء مررت به. وقال محمد بن إدريس ابن أبي حفصة: حزوى باليمامة وهي نخل بحذاء (قرية بني سدوس) وقال في موضع آخر: حزوى من رمال الدهناء.) اهـ
ومن بلدان العارض: (ضرمة) ويلفظونها (اضرما) ثم (العمادية) و (أبو كباش) و (الجبيلة) (مصغرة) و (النير) (بكسر فسكون) و (عرقة) (بكسر فسكون) و (منفوحة) و (الخرج) (بفتح فسكون) وهو واقع في جنوبي العارض. وقد كان سابقا مسكن قبائل عائذ وآل فضل. أما اليوم فلم يبق من عائذ شيء هناك لتفرقهم في البلاد. وأما آل فضل فإنه يوجد منهم بقية وأكثرهم متحضرون.
2 - الرياض
لما انتقل كرسي الإمارة من الدرعية إلى الرياض للأسباب التي ذكرناها وذلك بعد حرب إبراهيم باشا ووقعة الدرعية افرغ أمراء السعود كل وسعهم لتحصين الرياض أشد التحصين. أو لا يحق للرياض أن تكون روضات وجنات في وجنات ديار العرب وأرضها عبارة عن بساتين متناسقة. فإذا زدت على ذلك أن الطبيعة قد جعلتها من أحصن المواقع. بأن أطافت بها الروابي قلت إنها جمعت بين محاسن حلب الشهباء وبدائع دمشق الفيحاء،
لأنك تجد فيها(3/351)
كما في تينك المدينتين أسواراً قائمة، وأبراجاً ماثلة؛ تذكرك بالعصور الوسطى أما العروض أو جبال اليمامة فإنها شمخت بأنوفها إلى فوق بل رفعت رؤوسها نحو السماء كأنها السنابل وقد حدقت بالأفق من جهة الجنوب. وهناك جبال أخرى تواري عن أنظارك رمال الدهناء.
والرياض هي اليوم من أحصن بلاد نجد لأن حيطانها ثخينة وأبراجها حصينة ذاهبة في السماء وقصر أمرائها من امتن القصور كأنه قلعة بديعة والناظر إليه من خارج يظنه سجنا لا قصراً. وفي الرياض مسجد جامع كبير يسع 4 آلاف مصل. وفي الرياض من جياد الخيل ما لا ترى لها أمثالا في سائر ربوع العرب.
3 - الخرج
الخرج (بفتح وسكون) من البلاد التي تتعلق به قرى كثيرة منها (لسليبية) (مصغرة منسوبة) والبعض يقول السلبية (بكسر وسكون ونسبة) والبعض الأخر السبيلية (مصغرة منسوبة) واللغة الفصحى والشهري هي الأولى. ومن تلك القرى: الدلم (وزان سبب) وحوله واد عظيم وقرى صغيرة. و (اليمامة) وهي أشهر من أن تذكر. ومنها زرقاء اليمامة. و (رميثة) (مصغرة) ونعاج (وزان سحاب) والسيح (بفتح وسكون) وما عدا هذه القرى مدن وبلاد أخرى لا تحضرني أسماؤها.
4 - الحوطة
الحوطة ويقال لها أيضاً (حوطة بني تميم) وهي مساكن هؤلاء الأعراب في عهدنا هذا ولا يدخلها أو يأوي إليها إلا من ينتسب إلى هؤلاء الأقوام وهي بلاد كبيرة ولها نخيل وبساتين جمة. وأهلها في غاية البسالة والشجاعة والعدد والعدد والصبر والجلد والتصلب في الدين الحنيفي. ولم ينقل عن أحد أنهم خضعوا لكلمة حاكم رأوا فيه ما يخالف الشرع المحمدي. وتمرها من أحسن تمور نجد وكذلك فواكهها. وعليها حصون متينة، وقلاع مكينة، وبناؤها متقن غاية الإتقان.
5 - الحريق
بلد واسع كثير القرى والضيع وفيه بساتين ونخل كثير. وفي الزمن السابق كانت الحوطة
قصبتها. وفي ذلك العهد الذي نشير إليه كانت الحوطة تنافس الرياض وتجاريها في ميدان الحضارة والعمران إلا أن نطاق أرضها الخصبة ضيق لوقوعها بين صحراوين كبيرتين إحداهما الدهناء الواقعة في جنوبيها ولهذا لم تستطع أن تزاحم(3/352)
أختها في كثرة السكان ومحاسن العمران.
6 - نعام
هو على مثل الحريق من ازدحام القرى الصغيرة حواليها وتشابك البساتين في أراضيها وكثرة النخيل الذي يكثر في ضواحيها وبواديها. وفي أصحابها تصلب في الدين، وتعلق بأهداب الحق اليقين.
7 - الافلاج
هي أول بلد من بلدان الدواسر. والدواسر قبيلة ضخمة ترجع في نسبها إلى وائل - ولها قرى عديدة منها: ليلى (بفتح اللامين وإسكان الياء الثانية) وهي مكان مشهور قديم. أما ماء قديم للعرب - والبدع (بكسر الأول) من مياههم القديمة في سابق العهد إلى هذا اليوم. - والأحيمر والبعض يسميه الأحمر وهو موقف أشبه شيء بالتل وحوله مياه عذبة. - والهدار (وزان شداد) وهو واد عليه بلد عامر. وهذه كلها بلاد آهلة بالسكان وفيها كثير من المياه العذبة القريبة الماء. وفيها بساتين جليلة ونخيل عديدة وأشجار متنوعة ومزارع واسعة.
8 - الدواسر
ويقال بلاد الدواسر أو قرى الدواسر والمشهور وادي الدواسر. وقد عرفت من هم الدواسر. والمراد بوادي الدواسر هنا قرى متتالية تبلغ العشرين كلها واقعة على هذا الوادي العجيب الخصيب العظيم الرحيب واغلب سكانها من عشيرة الدواسر المشهورة العديدة وهي أضخم عمارة في ديار نجد وأهم مساكنهم فيها.
وأول وادي الدواسر السليل (تصغير سليل) وقراه كثيرة منها اللدام والحنابج وغيرهما. - ووادي الدواسر هذا هو آخر بلاد من جهة الجنوب. والمعمور من نجد من جوف آل عمر إلى وادي الدواسر مسيرة خمسة عشر يوماً من جهة الشمال إلى الجنوب. وأما من جهة
الشرق إلى الغرب فالمعمور منه مسافة ستة أيام. هذا هو المعمور المأهول وأما مساكن أهل البادية من العشائر والقبائل والعمائر فيبلغ طولاً مقدار شهر وعرضا نحو ذلك. فتدبر.
9 - أودية نجد وعقابها ورمالها
أودية نجد كثيرة والكبار منها غير قليلة منها: وادي حنيفة، ووادي الدواسر، ووادي القصيم المعروف أيضاً باسم وادي الرمة، ووادي سدير وغيرها. - وفي نجد عقاب صعاب شداد كقيرة لا تحصى - والدهناء هي الرمال الحاجزة دون نجد من الجنوب، وهي أشهر من أن تذكر.(3/353)
10 - البلاد الشرقية الراجعة إلى هذه الإمارة
إن استقراء النواحي الشرقية مثل الاحساء وقطر وغيرهما يطول ولهذا نحيل القراء على كتابنا الذي صنفناه حديثا وأسمه تحفة الالباء في تاريخ الاحساء) وهو كتاب يبحث عن تاريخ الاحساء والبحرين والقطيف وقطر في 92 صفحة بقطع الثمن الصغير.
11 - البلاد الشمالية
أما البلاد الشمالية فهي بلاد القصيم وهي عبارة عن إمارتين جليلتين يأتي البحث عن كل واحد منهما في محلها مع ذكر أمرائها على ما فعلنا في هذا الفصل.
12 - البلاد الجنوبية
البلاد الجنوبية من هذه الإمارة هي البلاد المعروفة ببلاد عسير من قبائل حمير وغيرها. وسيأتي عنها الكلام في فصل خاص بها.
13 - إدارة هذه الإمارة
تختلف إدارة هذه الإمارة عما نعرفه من إدارة الولايات الحديثة فهي لا تشبه إدارة ولايات العراق. مثلاً وليس هي على الحالة البدوية في أحوالها بل هي إدارة شرعية أي أن كل ما يجري فيها يتم على وجه موافق للشرع الشريف وأوامره ونواهيه ثم تختلف هذه الإدارة الشرعية باختلاف الناس الذين تناسبهم فأجراؤها على البدو أي الأعراب والقبائل الرحالة يكون على غير السنن المألوف بين الحضر الذين يسكنون المدن والقرى. ولهذا يحسن بنا
أن نقسم هذا البحث إلى موضوعين: الموضوع الأول يكون في الإدارة الحضرية والثاني في الإدارة البدوية وهانحن نذكر شيئاً نزراً عن كل منهما ليتصورهما القارئ بصورتهما أو ببعض صورتها فنقول:
14 - إدارة الأقوام المتحضرة
لما كانت الأحكام الشرعية سهلة الجري على قطان البلاد لانحصارهم فيها ترى أن جميع المعاملات جارية في وجهها بدون مانع. ففي كل بلد ترى قاضياً عارفاً بالأمور الشرعية وأميراً يمثل السلطة العادلة في البلاد. أما القاضي فيستعان به للفصل في القضايا على اختلاف أنواعها. وأما الحاكم أو الأمير أو العادل فيستعان به لإنفاذ حكم القاضي في أي قضية كانت؛ فلو فرضنا إن قضية وقعت فأول ما يذهب بها إلى الحاكم. وهذا يدفعها رأساً إلى القاضي ويعين لها رجالاً لكي ينفذوا ما يقضي به هذا الرجل. فإذا برز الحكم ذهب الرجال المذكورين في الحال وحققوا ما بته من الأمر. هذا ما يجري في الأمور المختصة بأنواع(3/354)
المعاملات من جزائية أو حقوقية أو شرعية. أما المسائل التي تتعلق بالسياسة فليس للقاضي فيها دخل بل هي راجعة إلى الحاكم أو العامل فقط. ولهذا الحاكم شبه مجلس إدارة يشاور أعضاؤه في بعض الأمور وله الخيار بعد ذلك في أتباع ما يشيرون به عليه أو لا.
ومما يتعلق أمره بالقاضي كل ما من شأنه إصلاح حال الناس فيدخل في هذا الباب مسائل الديون والقسمة والإرث والمعاملات التجارية وشؤون الفلاحة والمبايعات على اختلاف أنواعها وما أشبه هذه من قيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وملاحظات الواجبات الدينية وغيرها. وليس للحاكم أو لمن يقوم مقامه خرق شيء يأمر به القاضي أو يجزم به مما تقدم ذكره ولا يحق له أن يعارضه في شيء ما.
وأما الأمور الراجعة إلى الحاكم أو العامل فهي الأمور السياسية كحفظ البلاد وصيانة حقوق الإمارة سياسةً وإدارة فهو من الجهة الأولى منفذ للأحكام الشرعية ومن الجهة الأخرى محافظ على حقوق الحاكمية ويتعلق به جباية الأموال وتجنيد الجنود ونشر جناح الأمن وإصلاح ذات البين بين قبيلة وقبيلة ومحافظة القوافل ونحو ذلك. - أما أعضاء المجلس فهم عبارة عن كبار البلد وأعيانها يستعين بهم وبأقوالهم عند جباية الأموال وجمع الزكاة والعشر وتوزيع الضرائب واتخاذ الأسلحة إلى غيرها وذلك إذا مست الحاجة إلى هذه
الأمور.
15 - إدارة أقوام البادية
لما كانت أحوال أهل البادية لا تشبه أحوال المتحضرين في أمور كثيرة ينتج أن شرائعهم تختلف عن شرائع أهل المدن. ولهذا تراهم يرجعون في شؤونهم إلى مصطلحات وسنن وعوائد ترتقي فيهم إلى قرون عديدة واغلة في القدم.
ومن جملتها (العارفة). والعارفة هو بمنزلة القاضي في المدن. فإذا احتاجوا إلى حسم مسألة ترافعوا إليه وحكموه فيها. - وأحكام العارفة غير منوطة بقانون ولا مربوطة برباط شرعي معروف بل هي عبارة عن طائفة من الأمور قد تواطئوا على تقريرها على وجهٍ يرضى المتخاصمين على ما أنتجه الزمان ومقتضيات الأحوال.(3/355)
وما عدا العارفة يوجد قاضٍ شرعي دائم المقام بينهم من شانه إنه إذا أراد المتخاصمان رفع الدعوى إليه وارتضياه ذهبا إليه؛ إلا أن الأحكام إذا فصلت فصلاً باتاً على يد أحد هذين الاثنين (أي على يد العارفة أو على يد القاضي) لم يجز أو لم يحق بعد ذلك لأحد المتخاصمين أن يستأنف الدعوى عند الآخر الذي لم يذهب إليه. اللهم إلا إذ ظهر ظهور الشمس في رائعة النهار أن الحاكم أو العارفة قضى بما قضى لغرض أو ميل كان في نفسه فحكم بما يرجع إلى خير الخصمين فحينئذٍ يسوغ لأحد المتنازعين استئناف الحكم عند من لم يستفضه في أول الأمر. وإذا أبى أحدهما إلا الاستئناف فإن كان أنتظر في دعواهما راجعاً إلى العارفة فيسوغ له ذلك ولكن بشرط أن ترى تلك الدعوى عند عارفة أو قاضي قبيلة أخرى غير القبيلة التي تخاصما عند عارفتها أو قاضيها. وهذا كله لا يقع إلا نادراً لأن الشروط المفروضة على المتخاصمين ثقيلة الوطأة عليهما كأداء خسر لحاكم أو لعارف تلك القبيلة الثانية وتجشم نفقات يؤديها المغلوب للغالب وغير ذلك مما يثبط عزم الخصمين عن الترافع إلى عارفة أو قاضي قبيلة أخرى.
أما ما يتعلق بالأمور الدينية وقسمة التركة فمرجعها إلى القاضي بدون ريب. ومما يجب أن يعلم هو أن للحاكم أو للقاضي من هو أعلى منه بمنزلة أو مقاماً وهو شيخ القبيلة وفوق الشيخ الأمير أو الإمام بموجب خطورة الأحكام.
ولا بد أن يكون العارفة من بيت قديم معروف بهذا الشان كما أن الشيخ لا يكون شيخاً إلا
من بيت عرف بقدم الإمارة أو الشيخة.
وهناك أمر آخر وهو أن القبيلة البدوية إذا جاورت مدينة من المدن جرى عليها أحكام المدن. فإذا ظعنت سقطت عنها الأحكام. وهناك تفاصيل أخرى يطول شرحها تتعلق بالعارفة ربما عدنا إليها في فرصة أخرى.
16 - العاصمة والأحكام الجارية فيها.
وقبل أن نمسح القلم من مداد هذا البحث يحسن بنا أن نختم هذا الفصل بما يتعلق بشؤون الإمارة بعد نشوئها وبما يناط بها. - فاعلم قبل كل شيء إن للولاية الواحدة عدة نواحٍ والنواحي مربوطة بالأقضية والاقضية بالمتصرفيات(3/356)
وهذه بالولاية. فيكون لكل عالٍ حق إشراف على من دونه. ولكل من كان في منزلةٍ دنيا إتباع من هو أعلى منه.
أما في هذه الإمارة فكل جزء من أجزائها كبيراً كان أو صغيراً (أي أن كل مثل الناحية أو مثل المتصرفية) فمربوط بقاعدة الإمارة رأساً وليس لأحد على أحد أمر أو نهي. بل ترى جميعهم مربوطين برباط واحد يساويهم في القدر والمنزلة ويعلقهم بالإمارة على سبيل التكافل والتضامن فيراجع رئيس كل قرية أو مدينة عاصمة الإمارة بدون أن يراجع أحداً بمنزلة وسيلة أو ذريعة لإصلاح أموره وشؤونه عند الأمير الكبير.
هذا من جهة المصالح المعروفة بالمدنية أو الملكية. وأما ما يتعلق بالأمور السياسية فهذا شيء آخر ولا يحتاج إلى إدارة خاصة. لأنها وإن تنوعت فهي لا تبعد عن أمر واحد هو الغزو لا غير. فمتى أراد الحاكم أن يغزو استنفر قومه وإذا استنفرهم نفر معه الكبير والصغير، اللهم إلا ذاك الكبير العاجز، أو ذاك الصغير الضعيف، أو من كان ذا أشغال مهمة إذا تركها تضرر ضرراً عظيماً وكذلك يترك من يعنى بالفلاحة أو الزراعة. وإذا كان في البيت الواحد أخوان يذهب أحدهما ويبقى الثاني وكذلك قل عن أبني العم أو أبني الخال فإن أحدهما ينفر للقتال والآخر يبقى عوناً لأهل البيت.
والأمير في أبان الحرب لا يقوم بشيء من المؤن والذخائر الحربية لأن كل من يخرج للغزاة مكلف بأعباء نفسه من اتخاذ الأسلحة اللازمة والمتاع وكل ما يضمن له القتال مدة من الزمن. فإذا طالت المدة فالحاكم يجدد له الخيل والركاب والأسلحة إذا تلف منها شيء. وهو يمدهم بالأطعمة وبكل ما يحتاجون إليه من نفقات اليوم أو مما لا بد منه. واعتماداً
على هذا المبدأ تراهم يستعدون للقتال أو الغزو في هنيهة من الزمن كاملي العدة شاكي السلاح مهيأي الكراع
أما عشائر البادية فهي على هذا المثال من امتثال أوامر الأمير فإنه يكتب إلى شيوخها كتاباً ويعين لها موضعاً تجتمع فيه في يوم يضربه لهم فإذا حانت الساعة وجدها في انتظاره في الموطن المعين.
هذا ما يجري في هذه الإمارة من الاستعداد للحرب والغزو وهو ما كان يجري في سابق العصور الخالية فلم تغيره الأيام ولا كرور الأعوام لأنهم وجدوا(3/357)
هذه الطريقة من احسن الطرائق في تلك الأصقاع وأوفقها لحالة القوام الموجودين فيها كيفما اعتبرت تلك الحالة وعلى أي وجه كان.
17 - الديانة والاعتقاد
ديانة أهل هذه الإمارة الإسلام الصرف ولا يعرف هناك من يدين بغير هذا الدين الحنيف. فمعتقدهم إذا من احسن المعتقدات إذ هو الاعتقاد الصحيح القويم الذي لم يدخله باطل ولم يمازجه هوى أو بدعة. - وقد أكثر بعض خصومهم من التقول عليهم وشنعوا المذهب الوهابي أو الوهابية وذموا محمد بن عبد الوهاب أسوأ ذم حتى أن الجاهل يظن إن الوهابية اعتقاد حديث العهد هو غير الاعتقاد الذي عليه أهل السنة والجماعة أو هي مذهب خارج عن أحد المذاهب الأربعة المشهورة. والحال إن هذه كلها ظنون وأوهام رماهم بها خصومهم ليعدلوا بالناس عنهم في حين كانت العدوة السعودية عظيمة وبعبارة أخرى كان الأعداء يفعلون ذلك في العهد البائد عهد الاستبداد والطغيان حينما كان أولئك الرجال الخصوم يخشون من وجود مزاحم لهم يشاطرهم الألقاب الإسلامية؛ وليس غايتهم أبداً الطعن بمذهب الوهابية. هذا ما يشم من الأقاويل والأكاذيب التي لفقها بعض المؤلفين الذين استعبدتهم الغايات واستغوتهم الأطماع واستمالتهم الأهواء فمالت بهم إلى مهب كل هواء ومدب كل هوى. وإلا فالوهابية أو مذهب أهالي نجد هو مذهب قديم إذ ليس هو إلا مذهب الإمام أحمد بن حنبل (رضه) فهو هو المذهب الذي عليه أهل نجد كلهم قاطبة مع بعض المسائل التي أوردها لهم الشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. فهم إذا موحدون حنبليو المذهب، تابعون للسنة والجماعة وهم لا يميلون أبداً إلى البدع والخرافات، ولذلك تراهم لا
يسلمون بعبادة القبور ولا الإكثار من زيارتها للتبرك بها ولا يطلبون منها قضاء الحاجات لا لدفع ضر ولا لجلب خير، ولا يقيمون عليها الأبنية ولا ولا ولا من مثل هذه الأمور التي صدت كثيرين من المسلمين عن إتباع الحق المبين، ونكبت بهم عن الصراط المستقيم فأضعفت إرادتهم للخير وقوت فيهم الاتكال على الأوهام والتخيلات التي تدفعهم إلى أن يظنوا إنها تنفع وتضر بينما أن النافع هو الله والسامح بالضرر هو تعالى أيضاً وأن ما ينفقه أولئك الناس في سبيل تشييد الأبنية على القبور وما ضارعها هي الضرر وخسارة في المال والروح والاعتقاد.
فالوهابيون يعملون بما هو مسنون ومستحب بلا مبالغة ولا خروج عن الحد(3/358)
والمطلب. يوحدون الله وإليه يلجئون في النوائب والنوازل، ومنه يرجون كل خير ويطلبون كل صلاح، وبه يستعيذون ويستجيرون وإياه يسبحون ويقدسون، وهم لا يشركون أحداً مع الله في العبادة والتوحيد والاستعاذة والاستعانة. - هذا وكتبهم مشحونة بمثل هذه الأقوال الصحيحة ولا سيما مؤلفات الشيخ محمد عبد الوهاب رحمه الله، فإنها كلها مؤيدة بالأدلة القرآنية، والأحاديث النبوية الصحيحة فمن شاء مزيد تفصيل وإطلاع على هذا المذهب وأصوله وتعاليمه فعليه بكتاب التوحيد، وكشف الشبهات، والكبائر، والأصول، من تأليف الشيخ المذكور؛ فقد جمع فيها ما يغنى عن الإطالة في هذا البحث في هذه المجلة الضيقة النطاق.
18 - العادات والأخلاق
أما عادات أهالي هذه البلاد فقد يستغني المطالع عن الوقوف على تفاصيلها إذا علم أن عرب تلك الأنحاء هم العرب الأقدمون الصرف البحث المحض الذين لم يشب نسبهم شائبة، ولم يخالطهم أجنبي الدم أو الدار، ولذا تراهم باقين على عروقهم الطيبة، ومنابتهم القويمة فأخلاقهم أخلاق العرب الأولين من شجاعة وبسالة، من أقدام واقتحام، من جود وكرم، من وفاء وإباء، من صدق وشرف. إلى غيرها من الأوصاف والمناقب الموجودة فيهم التي إن لم تزد فيهم مع الزمان فإنها لم تنقص أبداً، فبلادهم هي البلاد التي تغنى بها الشعراء وأقوامها أولئك الأقوام الذين نبغوا بين مشاهير الرجال الكرام. وكفاهم شرفاً أن الله أمتدحهم بأنهم (أولو قوة وألو باس شديد). وبهذا القدر لهذا البحث كفاية للقنوع، وفي
الختام، السلام
سليمان الدخيل صاحب جريدة الرياض
الأدب خير نسب
كن سيداً بالأدب ... ما بين أهل الحسب
فخير أم هو لل ... مرء وهو خير أب
وهو لنيل المجد وال ... علياء لأقوى سبب
وهو لدى الفخر سرا ... ج ضاء فوق الشهب
رتبته سامية ... تعلو جميع الرتب(3/359)
والشعر لازمه فهو ... تاج لرأس الأدب
وذو الغنى في الناس ذو الآ ... داب لا ذو الذهب
فالمال تفنى كنزه ... في الدهر أيدي النوب
وكنز آدابك لا ... يفنيه مر الحقب
تحفظه الأيام ما ... تعاقبت في الكتب
فكن له منتسباً ... فهو لخير النسب
إبراهيم منيب الباجه جي
أربع أسر بلا أثر
(لغة العرب) ننشر فصلاً آخر من كتاب الابيل الفاضل نرسيس صائغيان عن أسر بغداد النصرانية. وبهذه المناسبة نطلب إلى الشرقيين والمستشرقين من له وقوف على بيوت بغداد (القديمة النصرانية) أن يدلنا عليها وعلى أسمائها سواء ورد ذكرها في نصوص الكتب التاريخية أو في حواشيها أو في بواطن جلود بعض المؤلفات التي كانت في حوزة البغداديين مما انتقل بالشراء الشرعي إلى ديار الإفرنج أو مصر أو الشام. والكاتب يشكر من الآن كل من يتكرم عليه بأي إفادة كانت في هذا الباب).
من البيوت البائدة التي لا بقية لها اليوم في بغداد وصارت في خبر كان أربع أسر متنوعة الطائفة غريبة المنبت والمنشأ وهي منوطة بعضها ببعض ولا نياط حلقات السلسلة، وإليها تنتسب أسر عديدة لم تزل موجودة عندنا. ولكن من عجب الأمر أن ذكر الأسرتين الأوليين منها قد كاد يمحي كل الإمحاء بعكس الأسرتين الأخيرتين فإن ذكرهما لم يزل حيا بين ظهرينا غير أن لا بد من تمهيد وجيز قبل أن نأتي على أسماء هذه الأسر وعليه نقول:
الحلبيون في بغداد
قبل أن يصل فردينان دي لسيس الفرنسي 1805 - 1894) البحر المتوسط ببحر القلزم بفتحة ترعة سويس كانت حلب من أعظم(3/360)
وأشهر مدن الشرق تجارة وثروة حتى كان يقال لها (تدمر الحديثة) ولو أنها كانت قد فقدت قبل هذا التاريخ بسنين عديدة شيئاً من عظمتها التجارية وأرباحها الطائلة وذلك بعد أن أجتاز البحار الشهير فاسكودي غلما البرتوغالي رأس الرجاء الصالح سنة 1498 واختط طريقاً جديدة إلى الهند.
ومع هذا كله ظلت الشهباء حتى نحو فتح الترعة زاهية زاهرة واسعة التجارة كثيرة المواصلات والعلائق مع بلاد وأقطار شتى وخاصة مع العراق لخطورة مركز تجاريه موقعه فضلاً عن أن بريد شركات الهند الأوربية كان يأتي تواً من حلب إلى بغداد ومنها كان يتوجه إلى البصرة ومن البصرة إلى سورات في الهند.
وقد زادت هذه العلائق توثقاً بين حلب والعراق وتحسنت كثيراً بعد سنة 1702 أي بعد أن أخت الزوراء تدخل في طور جديد عند تأسيس باشوية بغداد الواسعة الأرجاء تسليم زمام
أمورها إلى أيدي ولاة همام ساد الأم في أيامهم داخلا وخارجا وعمت الراحة واتسع نطاق التجارة وعليه أخذ كثيرون من نصارى حلب يتواردون إلى بغداد والبصرة للتجارة والارتزاق وللهرب من الاضطهادات ومن الزلازل التي كانت تحل بالشهباء من وقت إلى آخر وتبقي الرعب في قلوب سكانها.
ومن هؤلاء النصارى من كان يعود إلى وطنه بعد مكثه مدة في بغداد ومنهم من كان يستوطنها ويتأهل فيها. ولم يبق اليوم في بغداد والبصرة من هذه الأسر المستوطنة التي لا ريب في أصلها الحلبي سوى عشر أسر وسيأتي ذكر كل منها في محلها. وأما الأسر التي قد انقرضت من عندنا فكثيرة توصلت إلى معرفة البعض منها وفي مقدمتها الأسرة الآتي ذكرها:
وهي أسرة يوسف الحلبي المدعو تنتجي من طائفة الملكيين ولعله من العشيرة المعروفة بهذا الاسم إلى يومنا هذا في حلب وكان اسم امرأته دونيا والأرجح أنها أرمنية كاثوليكية من همذان أو من ديار بكر وأما أولاده فكانوا: مريم التي تزوجها إبراهيم بن عبد الله الطويل السرياني سنة 1734 أو سنة 1735 وتوفيت في 28 كانون 2 سنة 1748 ومرتا التي توفيت في 22 أيار سنة 1750 وهيلاني التي تعمدت في 4 حزيران سنة 1734 وعبد الله الذي تعمد في 7 حزيران سنة 1735 وأما(3/361)
باقي الحلبيين الذين نعرف أسمائهم فهم: بشارة السرياني الذي خطبت له قدسي الموصلية الكلدانية في الأحد الأول من صوم سنة 1735 ومرتا الإمرأة الأولى ليوسف بن عبد العزيز الكلداني وقد توفيت في 29 تموز سنة 1748 وتريزيا ابنة الشماس ميخائيل التي تزوجها يوسف المذكور في 25 تشرين 1 سنة 1750 وسارة أرملة مراد التي توفيت في 28 حزيران سنة 1751 وافيديس (بشاره) الذي ورد ذكره في 13 شباط سنة 1762 وسوسان امرأة إسحاق الامدي التي ورد ذكرها في 21 تشرين 2 سنة 1767 وأيضاً: جرجس التاجر الذي توفى في 16 كانون 2 سنة 1756 والمقدسي بطرس ابن الخوري ميخائيل الذي توفى في 20 أيار سنة 1757 ويوسف بركات الذي توفى في 20 أيلول سنة 1758 وفي 20 شباط سنة 1756 كان قد توفى خادمه الحلبي عيسى بن يعقوب وموسى بن باتيستا الذي توفى في 20 كانون 2 سنة 1762 وفي 20 نيسان سنة 1812 يذكر عيسى السرياني وامرأته حنة ابنة كسبر الامدية
التي توفيت بالزحار (الدوسنطاريا) في 14 تشرين 2 سنة 1815 في محل يقال له كفري أو الصلاحية من ولاية بغداد حيث دفن فيه وكان ذلك عند عودته من الأستانة إلى بغداد وعمره نحو 22 سنة وحنا بن عيسى السرياني الذي توفى في 5 أيلول سنة 1817 وعمره نحو 20 سنة وأيضاً: نعمة الله التابع لطقس اللاتين الذي تزوج بتريزيا الكلدانية أرملة ليوني البندقي في 24 حزيران سنة 1805 وفتح الله ابن الخوري شدياق الذي أقترن بماريا تريزيا ابنة انطون تنيوتي الطبيب الايتالي في 11 شباط سنة 1833 ولويز واسطيفان شدياق اللذان كانا في بغداد يتعاطيان التجارة وهناك أسر أخرى حلبية الأصل قد انقرضت أو على وشك الانقراض سأذكرها في فرصة أخرى.
1 - أسرة حنا الحلبي
وهو حنا بن عيسى الطوراني واسم أمه تريزيا من طائفة السريان ومن الظاهر إنه كان تاجراً وقد قدم بغداد في أواخر الربع الأول من القرن الثامن عشر. ولما أراد أن يقترن بصوفيا ابنة جبران البغدادي أبيح له بالتأهل من مانع القرابة الموجودة بينهما في الدرجة الثالثة وذلك في 22 نيسان سنة 1730 لأنا نجهل تاريخ زواجهما وهذه القرابة بين الحلبي والبغدادية من الأمور المحيرة التي تدفعنا إلى أن نرى فيها آراء ونتساءل: هل عن أجداد حنا كانوا قبلاً في بغداد أو هل إن أصل بيت(3/362)
جبران الكلداني من حلب أو. . . أو. . . والله اعلم الذي من على حنا وامرأته صوفيا بالأولاد الآتي ذكرهم
تريزيا التي توفيت في 17 كانون سنة 1815
انطون الذي توفى في 27 آب سن 1765
بريجيتا التي توفيت في 8 تشرين 2 سنة 1780 وسيأتي ذكرها مرة أخرى
مرغريتا التي اعتمدت في 9 حزيران سنة 1743
يوسف الذي أعتمد في 28 آب سنة 1745
انسطاسيا التي اعتمدت في 28 أيلول سنة 1747 وهي امرأة بطرس بن عبد الأحد
بشارة السرياني وقد انقرضت أسرته من عندنا
عيسى
مريماللذان اعتمدا في 1 تموز سنة 1751
سيدي التي ولدت في 23 حزيران سنة 1753 وهي امرأة عيسى بن شماس كوركيس غنيمة الكلداني البغدادي غير أن هذا الفرع من بيت غنيمة قد انقرض.
جبرائيل الذي ولد في 7 كانون سنة 1757
وكان لحنا أخ اسمه عبد الله وأختان وهما مجدلية (مدولة) وهييلاني التي كان قد تزوجها كوركيس بن عبد العزيز الكلداني البغدادي وهو أرومة عشيرة كبيرة عندنا كبيت يسائي وبيت تيسي وغيرهما. ومجدلية كانت تسكن مع أختها المذكورة وكان في بيت حنا جارية اسمها مرتا. وتوفى حنا في 15 آب سنة 1770 وأما امرأته صوفيا فتوفاها الله في 7 آب سنة 1796
2 - أسره ميخائيل راجي
وهذا أيضاً حلبي أخر وهو ميخائيل بن جبرائيل راجي الماروني وكانت مهنته الطب ولعله كان يزاول التجارة أيضاً كعادة بعض أطباء ذلك الوقت وقد قدم بغداد(3/363)
في أوائل النصف الثاني من القرن الثامن عشر واقترن ببريجيتا ابنة حنا الحلبي السابق ذكرها في 4 أيار سنة 1761 واحد الشهود بزواجه كان آكوب جان مقصود الحلبي ونراه أيضاً أشبينا (أو قريبا) في عمادات جميع أولاده ويذكر لأخر مرة في 26 آذار سنة 1780. ويبين إنه أتى بغداد في وقت واحد مع ميخائيل وربما كان يسكن معه أو كان شريكه في التجارة: ولم آت بهذه التفاصيل إلا لأن اسم الجد الأكبر لآل سركيس الكرام الأرمن الكاثوليك المنتشرين اليوم في بغداد والبصرة وباريس كان أيضاً آكوب جان مقصود من حلب ولو أن المؤكد عندنا أن حفيديه هما اللذان قدما بغداد وكان قدومهما إليها في أوائل القرن التاسع عشر ومنهما تسلسل بيت سركيس ولهذا ليس في وسعنا أن نجزم بوحدة الأكوبين ولو أنهما شخص واحد على الأرجح وحينئذٍ يجب أن نفرض أن آكوب جان رفيق ميخائيل راجي عاد إلى وطنه حلب وتأهل هناك والله اعلم. وأما ميخائيل فتوفى في بغداد سنة 1819 وأعقب الأولاد الآتي ذكرهم:
جرجس الذي ولد في 11 أيلول سنة 1762
يوسف الذي اعتمد في 12 كانون 2 سنة 1764
هيلاني التي اعتمدت في 11 أيلول سنة 1766
كترينة وسيأتي ذكرها مرة أخرى
حنا الذي اعتمد في 23 كانون 2 سنة 1775
كلارة انسطاسيا التي اعتمدت في 20 كانون 2 سنة 1777 وهي المعروفة والمشهورة في بغداد باسم (جدة قبرة) ولا يعرف أحد أسمها الحقيقي بل كما لا يعرف البغداديون ابنة من كانت وقد تزوجها أولاً رجل كلداني أسمه يوسف وبعد وفاته تأهل بها يوسف عبد الله نمنومي وهو أخو جرجي السرياني البغدادي في 5 آذار سنة 1815 وتوفيت بشيخوخة صالحة في 31 تموز سنة 1871.(3/364)
السائح الغربي في العراق العربي
1 - توطئة
كنا قد كتبنا في لغة العرب 2: 231 نبذة يسيرة عن أفكار الغربيين في العراق وعاداتهم واليوم نكتب هذه العجالة عن حالة السائح الغربي في العراق وأفكار العراقيين نحوه وعن السبب الذي يعرقل مساعيه ويضع أمامه العقبات الكؤودة فيتركه ينقم من العراقيين ويرميهم بالتوحش والهمجية وغير ذلك مما هم براء منه فنقول:
2 - بسط الموضوع
علم الناس من القديم أن لكل قوم من الأقوام أخلاقاً وعادات تخالف الأقوام المجاورين لهم بل قل تخالف أهل كل قطر وبلدة وقرية وحارة وإذا سمع فرد من الأفراد شيئاً عن عادات غير قومه أو شاهد أخلاقهم استغربها واستهجنها بل رمى أولئك القوم بالتوحش وسخافة الرأي وكذلك قل عنهم في قومه. والكل يزعم أن أخلاقه احسن الأخلاق وعاداته احسن العادات وآدابه احسن الآداب. من ذلك أن البدو وأهل القرى ينكرون على أهل المدن المراحيض ويعدون وضعها من أقبح ما يكون وإذا جادلتهم فيها يقولون لك إنا نستنشق الهواء الغربي الهاب من صدر الفضاء(3/365)
وفي معاطفه وما فيها خير من أن تضر بصحتنا الروائح الكريهة المارة علينا دائماً وغير ذلك مما يطول شرحه.
يقصد السائح الغربي الشرق عموماً والعراق خصوصاً لأجل التجول فيه والوقوف على آثاره الخالدة ومشاهدة ما شيد فيه الأقدمون من الأبنية السامية والقصور الفخمة فيؤلف في ذلك كتاباً مزيناً بالرسوم والصور المنقولة بآلة التصوير الشمسي ومحتوياً على جميع ما شاهده وسمعه من غريب الحكايات واصفاً الآثار الدوارس والصلول الشواخص ومسحها وذكر أسمائها القديمة والحديثة وما كانت في سالف الزمن وترجمة ما يجده مكتوباً في صخورها. وذكر المياه القريبة منها والبعيدة عنها. ووصف الطرق الهادية إليها والعلامات البعيدة عنها والقريبة منها وذكر الأعراب النازلين حولها والنازحين عنها وأنسابهم ورؤسائهم وآدابهم ومعاشرتهم ومهنهم وما يجري مجراها. وما قصده من هذا كله إلا خدمة
أبناء قومه الذين كانوا سبباً لرقيه ويكون أيضاً قد أغنى بكتابه المذكور عن السياحة الفقير الذي ليس لديه مال يقوم بنفقاتها وكسب شهرة تخوله المنزلة العليا بين أقرانه. وخلد له أثراً يذكره الناس فيه ما دام باقياً.
3 - ظن العراقي
لما كانت السياحة على الطريقة العلمية محتاجة إلى بحث وتنقيب وسؤال وجواب واستفهام وتدقيق. يسأل السائح الغربي الأعرابي من العراقيين عن ذلك التل مثلا ما أسمه عندهم. أو هذه البيوت من أي عشيرة أهلها ومن يرأسها. أو ما اسم هذه الأرض أو غير ذلك مما يتعلق بالسياحة فيسكت المسؤول ولا يجيبه بشيء أو يقول له أني جاهل جميع ما ذكرت أو يجيبه بخلاف الواقع. ثم يذهب ذلك الأعرابي إلى أصحابه ويقول لهم إن ذلك الإفرنجي أو الإنكريزي ينشد عن ذاك التل شسمه (أي ما أسمه) مدري شيريد منه (أي ما أدري ما الذي يريد منه) فيجيبه الآخر (أنت شمدريك هذا كي جدوده شوف لو بيه خزينة لو شو شكو بيه) معناه أنت لا تعرف شيئاً. فهذا ملك جدوده أفتكر فأما فيه كنز وأما فيه شيء آخر. ثم يقول(3/366)
الأعرابي: (وزاد ينشد عن هذه العرب مدري شيريد منها) معناه. وهو يسأل أيضاً عن هذه البيوت لا أدري أي شيء يريد منها. فيجيبه الآخر: (هذا يريد يعرف شكثرها حتى يجيب ربعه ويأخذها) معناه هذا يريد أن يعرف عددها فيأتي بأصحابه وينهبها. ثم يقول الأعرابي: زاد ينشد على اسم هذي القاع (ويلفظون القاف كافاً فارسية) فيجيبه الأول: ما قلت لك هذي قاعهم وجاي متعني عليها مناك (أي جاء قاصداً إياها من هناك أي من بلاده). ثم يأخذ الجميع بسبب ذلك السائح الغربي وإضمار السوء له وقد يحققون ما اضمروا إن لم يكن لهم من يردعهم وقد شاهدت مثل هذه الأفكار في جماعة من المنورين منهم.
4 - ذكر بعض عوائد الأعراب
عرف العموم أعراب العراق وما هم عليه من السخاء وعزة النف والآباء وحمى الجار والذمار والنجدة والشجاعة. وما كنت أعرف السبب الذي يحمل الغربي على أن ينقم من العراقي ويرميه بالتوحش والهمجية حتى سافرت مع عدة رجال من فضلائهم وحينئذ أميط
عني الحجاب المرسل على تلك الحقيقة الغامضة. ووقفت على السر الذي خفي على كثير من أدباء الغرب والشرق.
من عادات أعراب العراق إنهم يضيفون كل من ينزل بجوارهم وإنهم يقبلون كل ضيف مهما كان مذهبه ونحلته. ويعدون أكبر عار عليهم إذا دعوا أحداً إلى طعامهم ولم يجبهم إليه وكم مرة نشبت الحرب فيما بينهم من أجل فنجان قهوة يعطى لأحد(3/367)
جلساء النادي (وهم يسمون النادي المضيف أو الديوان أو الربعة) فلم يشربه فيقتله(3/368)
صاحب الديوان أو يبارزه لكونه أخل بشرفه لأنه لم يشرب فنجانه. فتضرم نار الحرب بين القبيلتين أو القبائل ولا تنطفئ إلا بعد قتل النفوس الكثيرة من الطرفين لأنهم يعدون الذي لا يشرب فنجانه مغموراً في عرضه.
ومن عاداتهم إنهم يحتقرون الحضر أهل المدن ويصفونهم بالجبن والبخل فيقولون إذا أرادوا أن يعبروا عن أحدهم بالذم: (هذا شنهو حضري غلاك بابه اجال الطمامة أبو يمه بوليني) معناه من هذا؟ هذا حضري يغلق باب داره دائماً حذراً من أن ياتيه ضيف وخوفاً من السرق وهو يأكل دائما الطماطة (البندوري أو الطماطم) والجبنة إذا أراد أن يبول في الليل ينادي أمه لتذهب معه طرداً لما يمكن أن يسبب له الخوف.
وكذلك قل عن أهل المدن فيما بينهم فإن الذي لا ينتسب إلى قبيلة من قبائل الأعراب هو محتقر عندهم أيضاً بخلاف المنتسب إلى قبيلة فإنهم يجلونه ويصغون إلى كلامه.
ومن عادات أعراب العرق أن الرئيس أو الشيخ منهم يعد نفسه في محلة أكبر من سلاطين الدنيا بأسرهم وكثيراً ما يعقدون بينهم مجالس يتهكمون فيها على قوانين الحكومات لزعمهم أن الحكم للسيف لا غير وقد ضربوا لذلك مثلا قالوا: (الحق بالسيف والعاجز يريد شهود).
ومن عاداتهم أن الأدنى لا يجلس في محل الأعلى ولا يعلوه وإذا وقع مثل ذلك يعد الأعلى هذا العمل احتقاراً له وازدراء به.
ومن عاداتهم الاستياء ممن يتضجر من مجالستهم ولا يصغي إلى كلامهم ولا يظهر له الارتياح عند سماعه إياه ولا يسر بملاقاة أحدهم ولا يبش في وجهه وهذه العادة في الشرق كله لا في العراق فقط.
ومن عاداتهم الجلوس على الأرض وإذا وجد من يجلس على الكرسي يذم عند قومه
ويحتقر ويرمي بالكبر والجبروت. ومن عاداتهم الجلوس على السفرة جميعاً والأكل من إناء واحد ولا يمد أحدهم يده إلى الطعام بل ولا يقدم عليه بدون إذن ودعاء. وإلا حجم ولو مات جوعاً. ثم لا يمد المدعو إلى الإناء قبل أن يمدها الرئيس أو الداعي إياه.
ولما كان مخالفة هذه العادات عند الأعراب أكبر أثم من مخالفة خلق الناس ورازقهم لأن المحافظة عليها من أوجب الواجبات وأفرض الفرائض كانت مخالفتها عند الغربيين من باب مقابلة الضد بالضد. لأن الغربي المدني(3/369)
يحتقر القروي. ولا يقبل ضيفاً لم تسبق معرفته غياه وإذا ضاف من يعرفه فتكون ضيافته بمنزلة دعاء إلى غذاء لا غير. ويحب الغربي الجلوس في غرفة مخصوصة به. ولا يقبل زائراً بدون استئذانه وقد يرده إذا لم يرد مواجهته. وإذا ضجر من جليسه أو أحتاج إلى أمر أعتذر منه في الحال. ولا يعمل عملاً مهما كان كبيراً أو صغيراً بدون أجرة ولا يشرك أحداً في طعامه عند الأكل ولا يجلس إلا على الكرسي وعلى هذا قس ما سواها. وكل ذلك مما يخالف أخلاق العرب وعوائدهم كما يتضح ذلك لمن يعرف مصطلحات القومين.
5 - سوء التفاهم
يأتي صاحب هذه العادات الغربية إلى العراق وهو لم يعرف من أخلاق أهله وآدابهم شيئاً فيعاملهم بعاداته وأخلاقه. فينزل مثلا حول (فريق) من العرب ويضرب خيمته بقرب بيتٍ من بيوتها ومنذ ذاك الحين يعده صاحب البيت ضيفه وهم يقولون (قصير) وفقاً لعادة الأعراب وعند الظهر أو المغرب يدعوه صاحب البيت إلى طعامه (لأن نقل الزاد منهم إليه قبيح) فيأتي المدعو الرواح زاعماً إنه لا يحب تكليف جاره وخسارته لما يعده في قومه. وجاره يعد هذا العمل احتقاراً له وإخلالا بشرفه فيرجع إلى بيته وهو مستشيط غيظاً وحنقاً ولكنه لا يترك نزيله أو قصيره يشعر بذلك بل يزوره في خيمته ويحدثه ويسامره لكي لا يقول عن هؤلاء الأعراب أنهم جفاة متوحشون ولا يزورون الضيف ولا يحبونه وتلك عادة الأعراب منذ خلقوا) منه قول شاعرهم في الفخر:
(فراشي فرش الضيف والبيت بيته ... ولم يلهني عنه غزال مقنع)
(أحدثه أن الحديث من القرى ... وتعلم نفسي أنه سوف يهجع)
ويقال العكس إذا زار ذلك الأعرابي الإفرنجي النازل بقربه فإنه إذا دخل عليه يفرش له
بساطاً على الأرض ويجلسه عليه ويجلس هو على الكرسي هذا إذا قبل زيارته ولم يطرده لأن في الغربيين من يطرد زائره من الأعراب حابساً(3/370)
نفسه أنه في غرفته التي في لندن أو باريس أو برلين. فيستهجن الأعرابي هذا العمل ويلعن الساعة التي جمعته وهذا الفظ الغليظ الطبع المتكبر لأنه يعد جلوسه على الأرض وجلوس صاحب المحل على الكرسي حطاً من قدره وخفضاً لشأنه ولم يدر أن ذلك الغربي المسكين لم يطق القعود على الأرض لما تعوده من الصغر. والذي يزيد الطين بلة أن الغربي بعد هنيهة يقول مثلا (لذلك الأعرابي: قم من هنا أني أريد أن أنام. فيقوم الأعرابي وهو يكاد يتميز من الغيظ فيتولد من هذه الأعمال ومما شابهها التنافر والتخاصم. وقد افترق الاثنان وكل يرمي صاحبه بسوء الخلق والتوحش. هذا إذا كان الأعرابي من العقلاء الذين يراعون خدمة الغريب. وإلا قتل خصمه الغربي أو نهب جميع ما عنده وتركه مجرداً كيوم ولدته أمه في قفر من الأرض يستوحش فيه الغول والسيد العملس.
فيرجع الغربي إلى وطنه وهو يذم العراقيين ويسبهم ويلطخ بهم كل رذيلة، ويجردهم من كل فضيلة، ويصفهم بأقبح الصفات وأشنعها ويختم ذلك بأن يوجه لومه إلى العراقي ويطعن به أشد الطعن ذلك العراقي الذي رافقه في سفره لكونه جاري قومه على عاداتهم وآدابهم ولو انصف لمدح ذلك الرفيق وأطراه إذ لولا مداراته لأفكار القوم لما تمكن أن يخطو خطوة ولأصابه من المحن أضعاف ما جرى عليه ولأعترف هو بذنبه وبما جنته عليه يداه لأن سبب ذلك كله هو مخالفته لعادات القوم لا غير.
6 - محاسن أعراب العراق
لا نكران أن العراقيين يجلون الغريب ويحترمونه كل الاحترام ويودون أن يسدوا إليه كل مكرمة ولا يعتذرون أبداً ممن يندبهم إلى كشف ملمة أو قضاء حاجة أو سد عوز. وهل يذم رجل تسأله أين الطريق الفلاني وهو يرك متحيراً غريبا فيشفق عليك وللحين يترك شغله ويذهب معك حتى يدلك عليه ويرجع عنك بلا أجرة ولا مكافأة؟
وهل يسب فتىً تنزل حوله فيحسن قراك ويقوم بضيافتك - ولو بقيت مدى الدهر - بلا من ولا أذىً ولا جزاء ويقدم طعام عشرة رجال لرجل واحد وإذا فضل من ذلك الطعام شيء فلا ترجع فضالته إلى البيت الذي جاء منه بل يأكلها من حضر الديوان؟ (لأنهم
يعدون رجوعها أكبر عار عليهم).(3/371)
وهل يرمي بالتوحش شخص يرك وحيداً فيأتي إليك ويحدثك بملح الأحاديث حذراً من أن تقول: ما أوحش هؤلاء القوم لا أنيس فيهم ولا جليس!
وهل يقذف بالغدر امرؤ تقول له: أنا بذمامك (وهم يقولون بوجهك وأهل الشرقية بعلفك) فيضطر إلى أن يرسل معك أفراداً من رجاله (ويسمون واحدهم مسير والجمع تسيار ومسايير) ولا يتركك هؤلاء النفر حتى ينزلوك أرضا تكون فيها أميناً على نفسك ومالك؛ وحينئذٍ يرجعون عنك بسلام ولا يأخذون منك درهماً ولا ديناراً ولو أخذوا لأنبهم أميرهم وللحقهم عار قومهم إلى الأبد.؟
وهل يحتقر إنسان تزوره في بيته فيتواضع لك ويتصاغر بين يديك ويجلسك على أعلى المراتب ويقوم بخدمتك ولو كان أكبر منك بكثير لكي يكون مصداقا لقول الشاعرهم:
(لعمرو أبيك الخير إني لخادم ... لضيفي وإني إن ركبت لفارس)
وإذا أصابك سوء وأنت في بيته فلا بد من أن ينتقم ممن أساء إليك أو يقتل دونك ومنه قول الشاعر البدوي العصري النجدي (ويقال أن صاحب هذين البيتين الريمان من شعراء نجد الفرسان) وهما الفخر والحماسة:
ذبحت سبعة كلهم فرسان ... بين الظهر والعصر ما صليت
كله لأجل خاطر الضيفان ... خليت باجي سورهم بالبيت
معناه ذبحت سبعة فرسان لكونهم أهانوا ضيوفي الذين تركت فضلة طعامهم في بيتي لا يأكلها أحد حتى أخذ بثأرهم وكان وقت ذبحهم بعد الزوال أي قبل أن أصلي العصر.
وأعظم من ذلك الحكاية التالية التي تزري بفخر السموأل وهي: غزا ذات يوم كبير العمور (وهم يسمونه قليط والعمور فخذ من أفخاذ شمر ينزل مع الضفير وهم قوم ابن سويط) وكان معه طائفة من قومه فصار عليهم(3/372)
عقيداً وبعد أن خرجوا من بيوتهم لحق بهم ابن صنيتان السويط يريد الغزو معهم أيضاً ولما غنموا أختار ابن صنيتان ناقة من الإبل التي غنموها قبل القسمة لكونه ابن الشيخ العرب فأبى أن يعطيها إياه العقيد لأن من عادة الأعراب إذا غزا قوم منهم وأقاموا عليهم عقيداً فللعقيد الأمر والنهي والعزل ومعنى العزل أنه يأخذ من الماشية التي كسبت قبل القسمة ما كان ظهرها أبيض دون سواه ولو كان في
الجيش من هو أكبر منه ولوجود هذه العادة عندهم منع العقيد (العمرى) (أي العموري) وأسمه نائف طلبة ابن صنيتان عنه فأسرها الشاب في نفسه ولم يبدها لأحد حتى وردوا مخيم العرب وذهب كل إلى بيته وبعد بضعة أيام زار العقيد المذكور ابن صنيتان في بيته (وهم يقولون سبر عليه) ولما أقبل قام له كل جالس إجلالاً لشأنه وأدنوه حتى جلس على الشداد وما كاد يستقر في مكانه حتى أخذ الشاب السالف الذكر بندقية وضربه برصاصة من خلفه فأصابت مقتلاً بين كتفيه فمات للحال ولما شاهد العمور ما جرى لزعيمهم قوضوا خيامهم وعزموا على الرحيل وقالوا: إننا لا نريد جوار شيخ يقتل كبيرنا في بيته. ولما سمع القول ابن صنيتان حكم على أخويه وقومه: أن لم تأتوني بالصبي قبل المغرب لكي اقتله انتحرت فذهبوا يفتشون عليه فوجدوه في بيت من بيوت الأعراب فأتوا به إلى أبيه فمسكه أبوه وذبحه بيده كما تذبح الشاة وقال: إن ولداً يهين مجاوري (وهم يقولون أقصر أي) في بيتي لحق أن يذبح هذا الذبح ثم أهدى رأسه إلى العمور ولما شاهدوا الرأس رجعوا إلى منازلهم السابقة. وقد وقعت هذه الحادثة في حدود 1320هـ - 1902م على ما أخبرنا الحاج جار الله الدخيل العقيلي النجدي.
ونظير هذه الحكاية حكاية وقعت للمهدي شيخ حرب مع رجل من عنزة وذلك في أوائل القرن الثالث عشر من الهجرة ومثلها لأبن مجلاد وأسمه(3/373)
(برجس) وهو من شيوخ عنزة الفرسان مع التمياط من شيوخ شمر وأسمه مجحم وذلك قبل 25 سنة ونحوها أيضاً لأبن شعلان وأسمه محمد مع رجل من الفضلة من شمر وذلك قبل 4 سنين.
فبالله أيها العادل المنصف أمن الحق أن يقال لصاحب هذه الأعمال رذلا لئيما وأن يقال لصاحب الأعمال التي تضادها فاضلا كريما؟
فلينصف السائح الغربي نفسه وليجار العراقيين في عاداتهم وأخلاقهم وإذا رأى بعد ذلك طريقاً للذم والانتقاد فله أن يسلكه وإلا كان ذمه إياهم ظلماً وعدواناً.
كاظم الدجيلي
باب المكاتبة والمذاكرة
1 - أيهما الصحيح
صاحب لغة العرب المحترم
إذا وقف القارئ على الأسطر التي جاءت في ص 228 من هذه السنة من مجلتكم الغراء لا بد أن يستوقفه النظر على ما جاء فيها من تناقض الأقوال، بل يقف متحيراً لا يدري أي القولين أصح وهما: قال الكاتب: (الأمير إبراهيم الذي كان في عهد العباسيين أميراً مستقلاً. . .) ثم قال عن والده موسى: (. . . الذي كان مستبداً بنجد وما والاها في أخر أيام العباسيين) ثم قال عن جده مانع: (الذي وضع أساس الدرعية وبناها وكان مستقلاً بالإمارة في سنة 850هـ - 1446م)
وقد علم الناس أن كلما تقدمت الأباء والجدود يتقدم التاريخ عهداً ولا يعكس كما يظهر لأدنى تأمل. وهنا ترى الجد الثالث لإبراهيم وهو مانع كان في أواسط القرن التاسع للهجرة وتجد إبراهيم المذكور وهو حفيد ابن مانع عاش في عهد العباسيين ومعلوم لدى العموم أن انقراض الدولة العباسية كان في سنة 1258م.
فنظن أن الكاتب يكتب بدون تروٍ كافٍ وإلا كيف يكون التوفيق بين القولين؟ فليفدنا.
سائل(3/374)
فوائد لغوية
1 - الأميال والميول
شاع على ألسنة أقلام الصحافيين في هذه الأيام جمع الميل (المفتوح الأول) على ميول وهذا خطاء. لأن الميول والأميال جمع الميل المكسور الأول. وأما الميل بالفتح فلم ترد مجموعة إلا على أميال. والحال أن معنى الواحد غير معنى الأخر. فليحفظ.
2 - هذا الشيء يخالف ذاك على خط مستقيم
ومما أولع به كتابنا قولهم: هذا الشيء يخالف ذلك (على خط مستقيم). وهذا الاصطلاح الأخير اصطلاح سقيم مسلوخ سلخاً من لغات الفرنجة لا يعرفه العربي الصميم فإن هذا يقول بهذا المعنى: هذا الشيء يخالف ذك مخالفة بينة، أو يخالف ذاك مخالفة أي مخالفة، أو يخالف ذاك كل المخالفة، أو مخالفة لا تنكر، أو بينة لكل ذي عينين، أو نحو هذه مما هو أشهر من قفا نبك.
3 - جمع كيف على كيوف
وقال بعضهم: إن الله مقدس عن الأشكال و (الكيوف). وتكسير الكيف هذا التكسير من أقبح ما ورد. والفصحاء. لا ينطقون به ولا يعن لهم وإن أرادوا التعبير عن مثل هذا الفكر يقولون: إن الله مقدس عن الشكل (والأحسن الصورة) والكيف. وإن شئت جاريت المولدين فقلت الكيفية وجمعتها على الكيفيات. أما الكيوف فثقيلة أثقل من أحد، وقبيحة أقبح من خنزير.
4 - انطلت عليه الحيلة
انطلت عليه الحيلة بمعنى جازت عليه من العبارات التي أولع بها كتابنا العصريون. وقد نقلوها عن كتاب ألف ليلة وليلة وقد وردت فيه في عدة مواطن، منها قوله: لا ينطلي عليكم كلامه وما هذا إلا لص. وقوله: انطلت عليه الحيلة، (وفي نسخة انطلق وهو خطأ بين) وقوله: ولكن مرادي أن تخبرني بالصحيح لأن حيل الكذب غير نافعة ولا تنطلي في كل الأوقات. اهـ. على أن هذا الفعل وإن كان غير قديم الورود في كلام فصحائهم إلا أن له وجهاً مجازياً وذلك أنك إذا طليت شيئاً بسائل أو بمعدن مذاب توهم الناظر إليه أنه الأصل
أو الجوهر بعينه. ولهذا قد يعذر العصري من هذا الاستعمال.(3/375)
5 - هذه المصيبة أعطته درساً مفيداً في سياسة المملكة
ومن التعابير المسلوخة من الإفرنجية سلخاً قبيحاً قولهم مثل هذه العبارة المذكورة التي يدخلون فيها (أعطاه درسا). فإن العرب لا تفهم هذا الكلام وإنما يقال في هذا المعنى: إفادته هذه المصيبة، أو: أدبته، أو أن يقال: أعتبر فلان بهذا المصيبة أو أتعظ به، أو نحوها مما يرى مدوناً في كتب اللغة وهي أكثر من أن تحصى.
6 - النوائي نسبة إلى النواة
وينسب بعضهم إلى النواة فيقول: النوائي، مع أنهم إذا نسبوا إلى الحياة قالوا: الحيوي. ومن مقابلة هذين الحرفين يعرف الكاتب غلطه ولا سيما إذا وقف على قواعد النسبة إذ يقال في عصا عصوي وليس عصائي كما هو مثبت في كتبهم. وعليه يجب أن يقال النووي لا النوائي إذ هذا غلط بين.
7 - مذهب الخبرية أو مذهب الوضعيين أو الكونتية
كثر الكتاب في هذه السنين الأخيرة ممن له خبرة باللغات الإفرنجية وأخذوا ينقلون من الأجانب علومهم وفنونهم وأفكارهم ومقالاتهم فالمصيبون في الترجمة قليلون والمسيئون كثيرون إلا أن سوء النقل ينفضح عند نل الألفاظ الاصطلاحية وقد شاع في القرن الأخير مذهب فلسفي جديد عند الإفرنج سموه صاحبه أوغست كونت خلاصته أن موضوع العلوم هو المحسوس والمحسوس هو الأحداث والشرائع أو النواميس. (فالأحداث) هي الظواهر التي تبديها لنا الحواس. (والنواميس) هي الروابط الموجودة بين أحداث وأحداث أخرى سبقتها أو تتلوها أو تكون معها. وبعبارة أخرى هو مذهب فلسفي يرمي إلى الانتفاع بالأمور المادية أو ربما تطلبه الحواس فتتأثره أو هو مذهب من يرفض كل ما لم تتحققه الحواس أو الخبرة، ولما كان واضعه هو الفرنسوي الذي ذكرناه، سماه بعضهم مذهب كونت أو الكونتية وهذا صحيح من باب نسبة الشيء إلى صاحبه، لكن كثيرين من كتابنا حاروا في وضع لفظة تقابل (البوزيتيفسم) حتى أن بعضهم سماه باسمه الإفرنجي هذا والأصح أن يسمى بالعربية (التحسس) مصدر تحسس الشيء إذا تعرفه وتطلبه بالحاسة لا
(الخبرية ولا الوضعية) فإنهما من التعريب اللفظي الذي لا يفيد فائدة في لغتنا بخلاف لغتهم. - والمتحسس (بصيغة اسم المفعول هو المعروف عندهم(3/376)
لا (الخبري ولا الوضعي) وقد رأينا بعضهم من سم وهذا يوافقه بالإفرنجية لا ما يدور عليه الكار (بالفلسفة المثبتة أو الفلسفة المقررة) وهاتان لفظتان تعليان شان هذه تستحق؛ ولهذا فهي من باب وضع الشيء في غير محله. أحفظ إن شاء الله.
أسئلة وأجوبة
1 - صحة كلمة المنتزه
سألنا أحد أدباء بيروت قال: رأيت أحد كبار لغويي العصر ينكر صحة وفصاحة المنتزه إذ قال: هذا من أغلاط كتاب هذا الأوان والصواب المتنزه بتقديم التاء على النون. فهل هذا اللغوي محق؟
قلنا: إن إنكار اللغوي لهذه اللفظة مبني على خلو المعاجم منها ومن فعلها أنتزه، على إننا قلنا ولا نزال نقول: إن الدواوين العربية لا تحوي جميع المفردات فإن كثيراً منها وارد في كتب الأقدمين وأشعارهم وفي مؤلفات المولدين وهي لم تدون إلى الآن، فعدم وجودها في المعاجم اللغوية لا ينفي ورودها على ألسنة الأقدمين. ومن هذه الألفاظ المتنزه. فقد جاءت في شعر المولدين. قال أسامة بن مرشدة:
ما بعد جلق للمرتاد منزلة ... ولا لسكانها في الأرض سكان
فكلها لمجال الطرف منتزه ... وكلهم لصروف الدهر أقران
وهم وإن بعدوا عني بنسبتهم ... إذا بلوتهم بالود إخوان
راجع معجم الأدباء لياقوت الحموي 2: 192) ومحال أن يقال: إن الكلمة وردت مصحفة؛ لأن البيت ينكسر إذا قلنا: متنزه.
وأما ورودها في النثر فكثير. قال في تاج العروس في مادة سغد: وهو أحد منتزهات الدنيا على ما حكاه المؤرخون. وكذلك ذكرها في مادة صغد؛ وهكذا ذكرها أيضاً صاحب الحواشي. وفي كتاب الأغاني 21: 4 المتنزهات. وفي نسخ ثلاث: المنتزهات. وقال ابن خلكان في ترجمة أبي دلف العجلي 1: 425: الابلة. . . . إحدى المنتزهات(3/377)
الربع فيكون واحدها هنا المنتزهة وهي غريبة وممن نص على المنتزه صاحب القاموس في ترجمة زملك. والمرتضى في التاج في عدة مواد غير التي ذكرناها منه: صمدح وطلح وجير وزهد وحبش وسيط ويشتنق وجنق ورطل وبشتن وبري وغيرها. وفي مروج الذهب للمسعودي طبعة باريس في 1: 84، 90، 130، 178، 266 ثم في 2: 156، 321، 329 وغيرها. وجاءت في رسائل بديع الزمان الهمذاني ص 210 وفي الأغاني 1: 277. وفي قلائد العقيان في أخر القسم الأول في قوله: فأفضنا في الحديث حتى أفضى بنا إلى
ذكر منتزهنا. وأما ابن الأثير فلم يقتصر على استعمال المنتزه والمنتزهات في تاريخه بل استعمل أيضاً اسم الفاعل من هذا الوزن قال: في هذه السنة (سنة 417هـ) توفى حماد. . . وكان خرج من قلعته منتزهاً فمرض ومات. اهـ
ولو أردنا أن نثبت النصوص التي جاءت بخصوص صحة المنتزه لملأنا ثلاث صفحات من هذه الوضعية وقد اكتفينا بما ذكرناه.
2 - معنى المستحاثة
أخذ علينا أحد أدباء الحاضرة في إننا تطرقنا في نقدنا كتاب (دفع الهجنة) للشيخ الرصافي. ومن جملة ما ذكر لنا قال: إنكم أنكرتم على معروف أفندي تأويل بعض الألفاظ بغير معانيها التي قررها العلماء، والحال أن المعنى الذي أثبته الرصافي هو الشائع وهذا هو كلامه بحرفه: (مستحاثه يجمعونها على مستحاثات ويطلقونها على العاديات القديمة التي تستخرج من الأرض عند حفرها. وهي إن لم تكن في العربية تفيد هذا المعنى بتمامه فمعناها العربي القريب من هذا المعنى جداً. وقد أثبتناها هنا لا لكونهم حرفوا معناها العربي في الاستعمال؛ بل لكونها مما يلزم أن يستعملها العرب أيضاً في علم الآثار. فإن المستحاث في العربية هو المستخرج من الأرض إذ يقال: إستحاث الشيء: أي استخرجه. ويقال إستحاث الأرض أي أثارها وطلب ما فيها؛ فيلزم أن لا يغفلها العرب في الاستعمال. والأولى في ما يسمونه (بعلم الآثار) في العصر الحاضر أن يسموه: (علم المستحاثات أو علم الإستحاثة) أي علم إثارة الأرض وطلب ما فيها. (والآثار) لا تدل على هذا المعنى إذ هي جمع أثر وهو ما بقي من رسم الشيء) اهـ.
فإذا كان هذا هو نصه فما اعتراضكم عليه؟
قلنا: إن الذي أثبته الشيخ عن معنى المستحاثة بموجب أصول اللغة العربية(3/378)
صحيح لا غبار عليه وأما تعريف المستحاثة على ما اصطلح له علماء الأتراك نقلاً للفظة الإفرنجية إلى اللغة العربية ففي غير محله. فالمستحاثة عند الأتراك هو ما يستخرج من بطن الأرض من بقايا الأجسام العضوية مما يوجد مدفوناً دفنا طبيعيا في أعماقها المختلفة سواء كانت تلك البقايا هي الأجسام نفسها أو كانت بقايا رسومها الأولى المتحجرة المطبوعة فيها كالحيوانات والأنبتة التي وجدوها فيها. وهذه اللفظة يقابلها في الإفرنجية تراها موجودة
في المعاجم الفرنسوية التركية أو العثمانية الفرنسوية.
وأما العاديات أو العتائق (جميع عتيقة أي أنتيكة أو عنتيكة) فهو كل ما يوجد من بقايا الأقدمين وصنعهم سواء وجد مدفوناً في الأرض أو لم يكن. وهذا ما يسمى بالفرنسية:
وقد سمى كتاب سورية ومصر المستحاثات بالأحافير (راجع لغة العرب 1: 395) وهو استعمال غير صحيح وقد بينا غلطه في وقته. وسماها البعض (الآثار) وهذا استعمال واسع المعنى. فإذا خصص فلا بأس من استعماله. ومن الغريب أن معروف أفندي يستعملها ثم يحكم بغلطها. فقد قال مثلا (مما يلزم أن يستعملها العرب أيضاً في علم الآثار). - وأما العاديات فهي من الألفاظ الحسنة المعنى لتأدية لفظة العتيقة (أي العنتيكة) إذ العادي في اللغة: الشيء القديم كأنه منسوب إلى قوم عاد الهالكين. ومما يرادف المستحاثة: المحاثة من الباب الرابع.
فهذا الذي أشرنا إليه عند انتقادنا كتاب الصديق العزيز وليس فيه ما يزعج الخاطر أو يكدر صفاءه.
3 - ذو القرنين
وسألنا 1. ع. ق من أبي كبير في ديار مصر: نرجو التحقيق عن ذي القرنين. هل هو الصعب الحميري العربي ما رجحه الأستاذ الآلوسي في كتابه بلوغ الأرب أو هو الإسكندر المكدوني كما رجحه غيره؟.
قلنا: (ذو القرنين) لقب لقب به أقدمون ومحدثون، فمن الأقدمين إسكندر الرومي المعروف بالإسكندر الكبير أو الإسكندر المكدوني والصعب بن الحرث الرائش ومرزبي أو مرزبان بن مروية وهرمس وعبد الله بن الضحاك بن معد بن عدنان والمنذر بن ماء السماء. ومن المحدثين (أي بعد الإسلام) علي بن أبي طالب كما ذكره صاحب القاموس. وليراجع أيضاً تاج العروس في مادة قرن.
وعليه من قال إنه الإسكندر الكبير لم يخطئ ومن قال الصعب أو غيره لم يخطئ.(3/379)
وفي هذه المسألة مجادلات طويلة لا محل لذكرها هنا.
4 - كتاب الأنواء لأبي حنيفة الدينوري
وسألنا الأديب المذكور عن محل وجود هذا الكتاب وعن وصفه وصفاً شافياً.
قلنا: من هذا الكتاب على ما حققناه نسخة خط محروزة في خزانة كتب اكسفرد من بلاد الإنكليز. وهذا الكتاب من أتم ما كتبه العرب في هذا الموضوع ومنه أستمد ابن سيده في كتابه المخصص 9: 10 إلى 18 ووصفه عبد الرحمن الصوفي في كتاب الكواكب والصور قال: ووجدنا في الأنواء كتباً كثيرة أتمها وأكملها في فنه كتاب أبي حنيفة الدينوري فإنه يدل على معرفة تامة بالأخبار الواردة فإنه يحكي عن ابن الأعرابي وابن كناسة وغيرهما أشياء كثيرة من أمر الكواكب تدل على قلة معرفتهم بها وإن أبا حنيفة أيضاً لو عرف الكواكب لم يسند الخطأ عليهم.) ثم يورد عبد الرحمن الصوفي شيئاً مما يدل على أن أبا حنيفة لم يكن ماهراً بالأرصاد. (راجع علم الفلك. تاريخه عند العرب في القرون الوسطى للسنيور كرلونلينو ص 130، 131).
5 - أرجوزة ابن سينا الطبية
ومنه: هل نشرت مطبوعة هذه الأرجوزة وهل يمكن نشرها في مجلة لغة العرب؟
قلنا: نشرت هذه الأرجوزة مراراً. وقد سمط أبياتها المطران جرمانوس فرحات أسقف موارنة حلب سنة 1713 فتجدونها في ديوانه المطبوع في بيروت سنة 1894 في الصفحة 274 فلا حاجة إلى نشرها هنا.
6 - لآء الممدودة بمعنى لا
ومنه: ما معنى (لاءه) الواردة في قصيدة الفرزدق الميمية التي مدح بها زين العابدين في البيت:
ما قال لا قط إلا في تشهده ... لولا التشهد كانت لاءه نعم
فهل هي (أي لاءه) بفتح الهمزة أو بضمها؟
قلنا (لاءه) هنا بمعنى لا خلاف نعم. وإنما مدها على لغة لهم لا سيما عند وصلها بالضمير أو عند الوقف عليها. على أن لغة المد معروفة ولو لم تضف إلى ضمير أو يوقف عليها. قال الليث: تقول هذه لاء مكتوبة فتمدها لتتم الكلمة اسماً. ولاءه في البيت المذكور ممدودة مفتوحة.
7 - فصاحة كلمة (أهمية)
وسألنا أحد أدباء الشام قال: هل صحيح أن كلمة (أهمية) غير فصيحة بمعنى(3/380)
الخطورة والبال.
قلنا: قرأنا ذلك في إحدى المجلات لكنا لا نرى رأي صاحبها. ولعل سبب إنكاره إياها عدم وجودها في كتب اللغة. وهذا ليس بدليل فإن القياس لا يأباه. فكما إنهم قالوا الأفضلية والأولية والأولوية ونحوها جاز قول (الأهمية) أيضاً. فإن الأفضلية وردت في كتب النحاة الأقدمين ووردت الأولية والأولوية في شعر الفرزدق فقد قال في القصيدة التي مدح بها زين العابدين:
أي الخلائق ليست في رقابهم ... لأولية هذا أو له نعم
من يعرف الله يعرف أولوية ذا ... فالدين من بيت هذا ناله الأمم
ومع ذلك أن من يستعمل الخطورة والبال في مكان (الأهمية) ينحو مناحي العرب الأقدمين الفصحاء لا المولدين الفضلاء.
باب المشارفة والانتقاد
1 - سبل الرشاد (مجلة) لصاحبها ومديرها محمد رشيد أفندي
الصفار
سبل الرشاد مجلة تظهر في بغداد؛ برز منها منذ سنة مجلد واحد. والآن عادت إلى الظهور. قال صاحبها في مقدمة هذه السنة: (وردت إلينا كتب متعددة من سائر الجهات يطلبون الاشتراك بها فعلمت أن الناس لهم ميل كبير إلى الاستفادة من أبحاثها فعزمت على توالي (كذا) إصدار مجلداتها. وبدل اشتراكها عن عشرة أعداد في الممالك العثمانية 30 غرشاً ولأهل العلم والطلبة والمعلمين 20 غرشاً بلا فرق بين المسلمين وغيرهم. وفي البلاد الأجنبية 8 فرنكات. وهي مجلة دينية علمية اجتماعية فلسفية على ما طبع في نحرها.
2 - نشوء فكرة الله
(كراسة (في 37 صفحة) تحتوي على خلاصة كتاب لجرانت الين الكاتب الإنجليزي المشهور عن نشوء الاعتقاد بالله وترقي الإنسان من الوثنية إلى التوحيد الحاضر مع بيان أصول المسيحية ونشوئها. لسلامة موسى مؤلف مقدمة السبرمان. الثمن عشرة مليمات طبع بمطبعة الأخبار) في مصر القاهرة،
يرتئي مؤلف الكتاب الذي لخصه سلامة أفندي موسى أن الإنسان(3/381)
بدأ يعبد الأوثان ثم تدرج رويداًُ رويداً في تنزيه معتقده حتى انتهى إلى التوحيد. وهو رأي يناقض التوراة مناقضة بينة. لأننا نعلم منها أن الله خلق الإنسان الأول منزهاً عن جميع الأوهام المادية والأدبية والعقلية لا بل وبما يتعلق بما وراء الطبيعة ثم لما سقط آدم في مهواة الخطيئة دبت إليه عقارب الفساد فغشيت أفكاره سحب الضلال فعبد الأجرام السماوية والأوثان كما نراه مثبتا في التوراة عن بني إسرائيل أنفسهم بعد أن اصطفاهم الله وميزهم عن سائر الأمم والشعوب. فالتوحيد سبق الوثنية كما أن الحقيقة سبقت الضلال والصواب سبق الخطأ والصلاح سبق الشر والصحة سبقت المرض. وكفى دليلاً على فساد آراء مؤلف الكتاب إنه بنى أقواله على تخيلات توهمها بدون دليل عقلي أو نقلي. فقد قال مثلا في ص 16 (نريد
أن نبين الآن أن إله العبرانيين (يهود) الذي تغلب علة كل الآلهة المعاصرة له وتفرد بالألوهية دونها لم يكن في الحقيقة إلا حجراً من هذه الأحجار (كذا) أي أسطوانة ترمز إلى الذكورة كان يراد بها الدلالة على جنس الشخص المتوفى ثم عم تقديسها عند اليهود). ثم قال وهذا الحجر (هو الحجر الذي خرج اليهود من مصر به) وقد أدمج بين هاتين العبارتين من الآراء الضعيفة المبنية على مجرد الوهم ما لا يقبله الطفل. وعلى كل فإن سلمنا جدلا أن اليهود لم يعرفوا التوحيد إلا بعد خروجهم من مصر فما القول في توحيد آدم ونوح وأولاده وإبراهيم وإسحاق وسائر من طووا بساط أيامهم قبل دخول بني إسرائيل مصر. وإذا كان ينقل عن التوراة بعض الأمور فلماذا لا يؤولها على ما هي بل يؤولها على ما توحيه إليه مخيلته فيأخذ منها ما يوافقه وينبذ منها ما لا يوافقه. - ومهما يكن من آراء الكاتب الأول فإننا لا نرى موجباً لنشرها بين ظهراني أقوام الشرف لعدم فائدتها. فما الذي يقصده المعرب من نشر هذه الأقوال؟ فكان يحسن به أن يذكر ذلك في مقدمة تصنيفه لتعرف الغاية من وضعه وبهذا القدر كفاية للبيب.
3 - فهارس كتاب الأخبار الطوال (لأبي حنيفة أحمد بن داود
الدينوري)
(جمعها واعتنى بترتيبها وطبعها وتعليق مقدمتها أغناطيوس كراتشقوفسكي المعلم بالمدرسة الكلية الإمبراطورية في بطرسبورج. طبع بمطبعة بريل في مدينة ليدن المحروسة سنة 1912م)
لا يمكن للإنسان أن يحكم على عقل صاحبه ما لم يفاتحه ويجاذبه أطراف(3/382)
الكلام ليطلع على خفيات أفكاره فيعرفها ثم يحكم عليها فيكون لسانه ميزان عقله. والكتاب لا يعلم ما فيه ما لم تطلع على مواضيعه ولا تعرف المواضيع ما لم تبوب وتفهرس فيكون الفهرس دليل القارئ على محتويات ذاك الكتاب. والإفرنج من أعظم الناس عناية بتبويب الفهارس وتنسيقها. وكان الفاضل جرجاس أعد نشر كتاب الأخبار الطوال للدينوري. وهو من أجل الكتب التاريخية وفي تلك الأثناء مات المستعرب فنشره البارون روزن تخليداً لذكر صاحبه. إلا إنه لم يتوفق لطبع فهارسه فبقي الكتاب طلسماً من الطلاسم لا يعرف ما فيه.
ومن بعد أن مضى على طبعه 25 سنة وهو على تلك الحالة قام العلامة اغناطيوس كرانشقوفسكي فوفى في الموضوع حقه وزاد على الفهارس مقدمة باللغة الفرنسية ذكر فيه حكاية طبع الكتاب ثم وصفه وصفاً دقيقا بديعا. ثم انتقل إلى ترجمة أبي حنيفة الدينوري وذكر تأليفه العلمية والأدبية والتاريخية فجاء هذا التأليف حاويا أمرين: الفهارس وترجمة المؤلف ترجمة طويلة فريدة في بابها. فنحن نشكر للناشر هديته هذه الثمينة ونطلب إليه أن يثابر على إحياء مآثر السلف حفظه الله وأبقاه.
4 - تصحيحات ومختارات بالروسية والعربية للمستشرق
المذكور
وهي تصحيحات ومختارات في نهاية الإصابة نشرها المستشرق الروسي المذكور يصلح فيها ما نشره بعضهم من مؤلفات المتنبي وأبي العلاء المعري والحلاج (الحسين بن منصور) وابن طيفور والصولي ونحوهم. وهي كلها تحقيقات تدل على ذكاء هذا الأديب الفاضل وإمعانه في اللغة العربية وآدابها وتواريخها وهي مطبوعة في بطرسبرج طبعاً متقناً بين سنة 1909 و1913. فعسى أن علماءنا يجرون على آثار هؤلاء المحققين في ما ينشرونه من إحياء تآليف السلف.
5 - دار السلام تقويمي
طبع في مطبعة دار السلام لسنة 1332هـ - 1914م
ما زال الأستاذ (الاسطا) (علي) صاحب مطبعة دار السلام يحسن تقويمه السنوي الذي ينشره في مطبعته حتى بلغ هذه السنة من الإتقان ما لا نراه في التقاويم التي تنشر في ديار الشام ومصر وغيرها فتقويم هذه السنة يحوي ذكر أيام السنة(3/383)
الهجرية والمالية والعبرانية والإفرنجية باللغات العربية والتركية والإفرنجية وذكر ما يقع من المواسم والأعياد عند من يتخذ تلك السنين تاريخاً. هذا فضلاً عن ذكر ساعات طلوع الشمس والظهر والإمساك. فحري بكل إنسان أن يقتنيه لفائدته العامة وبخس ثمنه.
6 - المحروسة
جريدة يومية سياسية أدبية تجارية تصدر في مصر
مضى على صدور هذه الجريدة 38 سنة وهي لا تزال في تقدم ورقي وكانت تزف إلى القراء بأربع صفحات أما اليوم فإنها تبرز إليهم بثماني صفحات كبيرة فنتمنى لها الانتشار والنجاح الدائم.
7 - مجلة الأميركيين مربي الحيوانات
في أميركا شركات وجماعات همها تربية الحيوانات وتحسين نسلها والعناية بالنباتات فإذا وقفوا على وسيلة يبلغون بها وطرهم عمموا فائدتها بنشرها في مثل هذه المجلة وغيرها أما هذه الوضعية فتصدر مرة في كل فصل من السنة وهي حسنة الطبع متقنة التصوير فاخرة الكاغد تطبع في واشنطون وناشرها صديقنا الفاضل الهمام بولس ب. بوبنوى وبدل اشتراكها شلينان.
8 - دراشا ديهي
عنى بنشره مارق لدز بارسقي بعد أن عارضه بنسخ باريس واكسفرد ولندرة وطبعه في جياسن سنة 1905. - المجلد الأول يحوي نص الكتاب الأصلي باللغة الصابئية في 291 صفحة.
لم يدع الإفرنج لغة من اللغات إلا وتعلموها فإذا أتقنوها عنوا أشد العناية بنشر أحسن كتبها الدينية واللغوية والتاريخية والأدبية. - كانت اللغة الصابئية أو المندائية مجهولة في ديار الإفرنج حتى قام بعض المرسلين الكرمليين في العراق في مبادئ القرن السابع عشر وهدوا إلى الحق جماعات من هؤلاء الصابئة ونصروهم وأخذوا شيئاً كثيراً من كتبهم وتعلموا لغتهم فأرسلوا إلى ديار الإفرنج بما حصلوا عليه من مؤلفاتهم وكانت مئات فغرقت في البحر مع السفينة التي كانت تحملها ثم لما سافر أحدهم على طريق البر أخذ معه بضعة كتب بقيت معه وأهداها إلى أدباء الفرنسويين الذي أهداها إلى خزانة كتب باريس بعد أن دفع إليه مفتاح هذه اللغة وأصول قراءتها. غير أنه لم يلتفت إليها أحد من العلماء لأنهم ما كانوا يوجهون يومئذ(3/384)
همهم إلى إتقان اللغات السامية. فلما كان القرن التاسع عشر حولوا أنظارهم إلى هذه الكتب وإلى معرفة ما فيها. وممن برز في معرفة أسرار اللغة المندائية
العلامة الألماني الشهير نولدكي واللغوي يونيون قنصل فرنسة سابقاً في بغداد والمحقق في اللغات السامية مارق لدزنارسقي وقد نشر هذا الكتاب وهو من أسفار الصابئة الدينية. وقد خطه بيده خطاً بديعاً وطبعه على الحجر طبعاً متقناً وذكر في الحاشية جميع روايات نسخ باريس واكسفرد ولندرة فجاء فريداً في بابه بل درة لا بل علقاً نفيساً لا يعرف له ثمن وقد صمم الناشر ترجمته إلى الألمانية وطبعها في مجلد ثان ليستعين بها من لا يحسن اللغة الصابئية ويقف على آراء أولئك الأقوام الغريبي المذهب والاعتقاد. وموعد صدور هذه الترجمة في هذه السنة وفقه الله وانجح مسعاه.
9 - ما كانت عليه بابل في السابق
على ما أكتشفه النقابون الألمانيون إلى هذا اليوم تأليف
روبرت كولدواي
- 1913.
هذا من أجل الكتب التي صنفت في تاريخ بابل لأن صاحبه الدكتور روبرت كلدواي لا يذكر شيئاً من أخبار هذه المدينة العظمى الشهيرة القديمة ما لم يسنده إلى العاديات التي وجدها في تلك الحاضرة ونقلت إلى المتحفة العثمانية أو إلى ديار الإفرنج. والكاتب من العلماء الذين يشار إليهم بالبنان وله تأليف عديدة. وقد لاقيناه في باتل حيث يواصل النبش فرأيناه من الراسخين في العلم. وفي كتابه 255 رسما متقنا كل الإتقان وفيه مصور المدينة القديمة وما بقي من آثارها الآن. وفيه رسوم ملونة محكمة الصنع والطبع. والكتاب على كاغد فاخر صقيل في 328 صفحة في قطع الثمن الكبير. فنشير على من يحسن اللغة الألمانية أن يطالع هذا السفر الجليل لما فيه من منن الحقائق التاريخية المقررة والفوائد
الجمة التي لا يستغني عنها.
باب التقريظ
10 - كتاب إرشاد الناشئين(3/385)
للأستاذ نعمان فندي الأعظمي طبع في بغداد بمطبعة الآداب في سنة 1332 في 65 صفحة بقطع الثمن الصغير.
هو مجموع الدروس الدينية والعلمية والأدبية التي ألقاها الأستاذ المذكور على تلامذة المدرسة الرشدية في بغداد. وفي الصفحة 27 يقول المؤلف ما هذا حرفه بصورته: (إن الأورباويين مهما نسجوا من التمويهات وادعوا أنهم كشفوا لبعض أشياء نذكرها فهي مجرد دعوى ليس لها ظل من الحقيقة. - نلوي كشحا عن إثبات كشفيات العرب وإنهم موجودون للعلوم العقلية والفنون العصرية وعلم (الميخانيك) أي جر الأثقال واختراع المناطيد وإنهم بذلك تلامذة أسلافنا العرب في الأندلس والعراق وغيرها ولنكشف النقاب عن حقائق أشياء نسبوها لأنفسهم مع أن القرآن صرح ببعضها وأشار بالبعض الآخر)
فمثل هذا الكتاب المنقح إلى أنفسهم ما ليس لهم لجدير بان يقتنيه كل عربي بل كل غربي ليقف على الحقائق ويعرف ما فيها من الدقائق كما نتمنى لكل كاتب أن ينسج على هذا المنوال ليكون على رقي من المجد والكمال!!!
11 - رسالة الأمثال البغدادية التي تجري بين العامة
للقاضي أبي الحسن علي بن الفضل المويدي الطالقاني جمعها في سنة 421هـ (1030م) طبعت بمطبعة رعمسيس بالفجالة بمصر (سنة 1913) في 37 صفحة بقطع الثمن.
قال ناشر هذا الكتاب في صدره ما هذا نصه: (كتبت هذه النسخة المحفوظة في مكتبة أيا صوفيا تحت العدد 399 ن هـ برسم الخزانة الشريفة السلطانية السلطان ابن السلطان محمد خان بن مراد خان. وأول من نبهني إليها العلامة السيد الحاج علي علاء الدين بن نعمان الآلوسي البغدادي - لويز ماسينيون -
إذا كان الإنسان يتراءى في المرآة ليشاهد صورته المادية فأحسن مرآة ترى فيه أفكاره وقواه العقلية هي الأمثال وما يحفظ منها فإن الرجل لا يعي منها إلا ما يتخذه قاعدة لسيرته وسلوكه. فإذا جمعت منها ما يقول أهل بلدة واحدة أو بلاد أقوام تجمعهم لغة واحدة تتمثل بين يديك سرائرهم كأنك تنظر إليها بمنظار روحاني. - وكان القاضي ابن الفضل المؤيدي
قد جمع من أمثال بغداد طائفة غير قليلة فعنى صديقنا المستشرق الفرنسي لويز ماسينيون بطبعها وتعميم فائدتها وقد بلغ مجموعها 613 مثلاً ما عدا ما حذفه منها من الأمثال البذيئة القذرة. وقد رتبها المؤلف على حروف الهجاء وختمها الناشر بخمسة فهارس جعل محتوياتها على طرف الثمام ذكر في الفهرس الأول: الأعلام(3/386)
والكنى والصنائع وفي الثاني أسماء الشعراء الذين ورد ذكرهم في تضاعيف الكتاب وفي الثالث: أسماء الأماكن والأمم وفي الرابع غريب اللغة وفي الخامس التعليقات. وختم الكل بتصحيح الأغلاط.
وقد طالعنا الكتاب من أوله إلى آخره فلم نر فيه من الأمثال التي صبرت على الأيام سوى نحو عشرين لا أكثر ولعل هذه العشرين لم تصلنا نقلاً عن السلف بل أخذت أخذاً من بعض الكتب. وهذا يدل على إن سكان بغداد الحاليين ليسوا من نسل سكان بغداد الأقدمين الذين كانوا في عصر المؤلف أي عصر العباسيين وهذه الحقيقة يثبتها التاريخ من اجتياح الغزاة لها ومن الوقوف على أجداد سكانها الحاليين إذ ليس فيهم من يرتقي أصله إلى الأجداد الأقدمين إلا بضعة بيوت لا تتجاوز العشرة إن بالغنا في العدد وإلا فسائر البغداديين من بلدان أخرى مجاورة لبغداد أو بعيدة عنها. وهذا القول يشمل المسلمين والنصارى واليهود.
وعلى كل فاقتناء هذا الكتاب من الأمور الواجبة على كل بغدادي يحب الوقوف على أقوال من هم من وطنه والكتاب يباع في بغداد في إدارة هذه المجلة بفرنكين وفي باريس بهذه القيمة أيضاً عند كتبي 13.
12 - فتى العرب (جريدة)
حكمت محكمة بداءة بيروت على مدير جريدة (المفيد) المسؤول محمد منيب أفندي الناطور لكونه نشر رسالة عنوانها (كتاب السباب والشتم) بعث بها أحد جبناء الأستانة ليهين بها أصحاب تلك الجريدة فادعت المحكمة المذكورة أنها (حقرت العرب (كذا) ولهذا غرمت المدير بعشرين ليرة وقضت عليه بالسجن مدة شهر فاصدر صاحباها السابقان وهما عبد الغني أفندي العريسي وفؤاد أفندي حنتس صحيفة أخرى بدلا منها سمياها (فتى العرب). وأحر بها أن تسمى بهذا الاسم الشريف لأنها نشأت وعمرها خمس سنوات. وفكرها فكر فتى كامل الصفات والمزايا. أما خطتها فخطة المفيد مع زيادة بابين وهما: في (السياسة
الدولية الحاضرة) وباب آخر في (ما يجري من الحوادث الداخلية) في الديار العثمانية والأجنبية.
فأنت ترى من هذا البيان أن هذه الجريدة من الصحف التي يحرص على مطالعتها الأديب وإنها أهل لأن يشترك فيها أبناء يعرب لما يجدون في صفحاتها من المقالات الرائقة التي تحبب عنصرهم وتذب عن حياضه وحقوقه وامتيازاته. فأهلاً بها وسهلاً! وعسى أن لا يرى نجم سعدها مكسوفاً ولا أفولاً!(3/387)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - وكيل والي الولاية
عين صاحب السعادة محمد فاضل باشا مفتش الفيلق وكيلاً لمقام الولاية إلى قدوم والي الولاية الجديد جاويد باشا.
2 - ابن السعود
هبط الأمير ابن السعود بجيوشه بلاد القصيم ويذهب منه إلى أنحاء الاحساء. والكويت في الشهر القادم.
3 - مطير
نزحت قبيلة مطير من بلاد الكويت إلى أنحاء نجد حيث تجتمع بابن السعود.
4 - السلطان تيمور
وفد على تيمور سلطان مسقط بعض القبائل التي كانت تخالفه سابقاً وزاره أيضاً بعض رؤساء بلاد عمان وهو دليل على تحسن الأحوال في تلك الأرجاء.
وقد أرسل السلطان أخاه (باذراً) إلى (صحار) لينشر لواء العدل بين الرعية ويضرب على يد الظالم فافلح أعظم الفلاح ولا سيما في أنحاء (الباطنة).
5 - ناد في الزبير
افتتح بعض أهالي بلدة الزبير نادياً اتحادياً رئيسه الأول عبد الحسن باشا الزهير.
6 - أمير الزبير الجديد
تنازل أمير الزبير محمد بك المشري عن الإمارة في الزبير لعبد المحسن باشا الزهير المتقدم ذكره.
7 - شعبة للبرق والبريد في الكرخ
في أوائل كانون الأول فتح في الكرخ شعبة للبريد والبرق تسهيلاً للأشغال في ضفة دجلة اليمنى الكثيرة السكان.
8 - الأمطار في العراق
كانت الأمطار غزيرة في هذا الشهر في العراق ولهذا ظعن الأعراب يرتادون الكلأ وكل قبيلة تضرب في جهة من ديار العراق الواسعة.
(الرياض)
9 - عزت بك التركي في العمارة
وصل لواء العمارة الشاب الذكي عزت بك التركي نجل شيخ مشايخ بني لام(3/388)
عريبي باشا. وعزت بك هو ابنه من زوجه التركية التي تزوجها في الأستانة عند ذهابه إليها منذ نحو 16 سنة. وعند قدوم الشاب إلى والده احتفى به أبوه واستقبله هو والعشائر استقبالاً باهراً وولاه رئاسة إحدى فرق العشائر فأصبح رئيساً جليلاً في قومه. وعزت بك مزين بأعلى المحاسن كالشجاعة والإقدام وحب الوطن وحسن الأخلاق. فعسى الله أن يجمع به كلمة الأعراب في تلك الأنحاء ويعينه على نشر المعارف بين ظهرانيهم. وفقه الله لكل خير!
(الزهور)
10 - أملاك ظريفي (أو زريفي) في بلدروز
للفاضل زريفي الصراف الشهير في الأستانة أملاك عظيمة في برازالروز (المعروفة اليوم باسم بلدروز) يبلغ قدرها 2. 40 فدان (أو 60. 000 هكتار) يزرع منها في السنة 900 فدان وريعها 10 آلاف ليرة ينفق منها 6 آلاف لشؤونها ويبقى منها 4 آلاف ليرة عثمانية يقبضها المثري الشهير. والنهر الذي يسقى هذا العقار الجسيم يمتد من ديالى إلى البزائز وطوله 75 كيلومتراً ومسير سقيه 13 ساعة ويتفرع منه خرص وشاخات وسواق يبلغ عددها 240 بين كبير وصغير. وقد اشترى الآن الصهيونيون هذه الأرضين بمبلغ 150 ألف ليرة. وكان قد اشتراها صاحبها سنة 1880 بمبلغ قدره 25 ألف ليرة عثمانية، فانظر وتأمل. وبجانبها عقار آخر يبلغ قدره القدر المذكور عليه دعوى بين الفاضل زريفي وبين الحكومة. وسوف يوضح حقيقة مالكها الزمان أبو الحوادث ووالدا الغرائب.
11 - لواء المنتفق
طلبت حكومة المنتفق من عشيرة (العساكرة) 600 ليرة وهي بقايا ما عليها من الأموال
الأميرية فأبت العشيرة دفعها فأرسل أولو الأمر بإحدى البواخر الحربية لإجبارها على تأدية المبلغ فلما وصلت إلى مقر العشيرة أمطرت على إحدى دورها الحصينة وابلاً من الرصاص فأذعنت وأدت ما عليها. وقد مات من الرصاص امرأتان وأربعة حيوانات.
12 - عجمي والغزي والحسينات
طلب عجمي السعدون من ابن حبيب رئيس عشيرة (الغزي) إتاوة عن الأراضي التي زرعها فرفض طلبه وحينئذ أخذ عجمي يتقرب من عشيرة (الحسينات) ليتخذها عوناً له على تلك القبيلة فاخفق في مسعاه. وكان مع عجمي نجديون بمنزلة جند فغادروه(3/389)
وذهبوا إلى (الخميسية) وسلموا أسلحتهم إلى معتمده هناك. ويقال إن سبب ذلك هو أن عجمي لم يدفع مشاهراتهم.
13 - مشتري أملاك علي الخابور
ابتاع الحاج محمد العبد الله البسام من الحكومة طائفة عظيمة من الأراضي الزراعية الواقعة على ممر سكة حديد بغداد بجوار (الخابور) بمبلغ قدره 40 ألف ليرة عثمانية ويقال أنه اتفق في شراءها مع جماعة من أغنياء الألمان.
14 - استقلال مسقط
ابلغ قنصلا إنكلترة وفرنسة سمو السيد تيمور بلاغاً رسميا أن دولتيهما متفقتان على حفظ استقلال بلاده واعترافهما بسلطنته فكان لذلك الخبر فرح عظيم في نفوس سكان مسقط وعمان.
15 - أمير أسطول انكلترة في الكويت
في 12 ت 2 زار الكويت أمير أسطول انكلترة في خليج فارس وبعد أن زار الأمير أستأذنه بالتجوال في أنحاء الكويت فأذن له فذهب بإحدى بوارجه إلى (الصبيحية) من قرى الكويت على نحو 4 ساعات منها ومنها ذهب الأمير ومن معه على ظهور الجياد فأمعنوا في البرية فوجدوا فيها مواضع فيها قير وزيت حجري وكبريت. ثم رجعوا إلى مواطنهم ولا بد إنهم يرجعون يوماً إلى تلك الأرجاء ليستثمروا ما فيها.
16 - نهب وقتل في أبي الخصيب
هجم لصوص في 25 ت 2 على سفينة شراعية لرعايا دولة إنكلترة كانت راسية بالقرب من ممكس أبي الخصيب وقتلوا ربانها وجرحوا أحد توتيتها وأخذوا ما وجدوه فيها من النقود وفروا إلى كوت العضيمي وانضموا إلى اتباعه هناك. فأرسلت عليهم الحكومة طائفة من الجند للقبض عليهم فأبوا الانقياد بل قابلوا العساكر بإطلاق الرصاص وبعد أن ضيق هؤلاء عليهم الخناق فروا إلى البرية ريثما يعود العسكر إلى موطنه فيعود هؤلاء العصاة إلى منكراتهم المألوفة منذ سنين.
17 - صدى الدستور
كنا قد قلنا (في 3: 336) إن أولي الأمر منعت جرائد البصرة من الصدور؛ على أن (صدى الدستور) لا يزال يدوي إذ وصلنا منها ثلاثة أعداد بعد المنع المشار إليه.
18 - سد الهندية
تم بناء هذا السد المحكم العظيم وجرى الماء من مفاتحه نهار الجمعة 12 ك 1 بحضور(3/390)
جم غفير من المدعوين والأهالي. وأقيمت أفراح عامة وبلغ الماء الحلة وسر الناس أعظم السرور وبلغت نفقاته 300 ألف ليرة وليس 450 ألف كما وهمه البعض.
19 - احتجاب النهضة
بعد أن ظهر من النهضة (البغدادية) 11 عدداً ورد أمر من الأستانة بأقفالها فتوارت عن الأنظار إلى أن يأتيها يوم النشور وعساه أن يكون قريباً.
20 - عبد الله جنباز
علمت الزهور أن هذا الرجل الموصلي نشر بياناً دعا فيه أهل البادية إلى القيام على الحكومة وقد بعث بنسخ منه إلى ديار بكر والسليمانية وكركوك وأقضية ولاية الموصل. وقد قبض والي ولاية ديار بكر على عدة نسخ منه وعليها طابع بريد الموصل فأرسل به إلى والي الموصل فكبست دار المخل بالأمن العام وأرسل مخفوراً إلى الأستانة ليحاكم أمام ديوان الإدارة العرفية.
21 - أعراب الشامية
كانت قد أنشئت في حاضرتنا لجنة لتحقيق رسم الذرعة وإنصاف الأعراب في الجباية. وأول ما عنيت به هذه الجماعة مسح الأراضي المنوي ذرعها. ولما قدرت الضريبة على هذا المسح ثبت أن الحكومة تخسر 50 ألف ليرة بالنسبة إلى الجباية السنة الماضية. فأراد رئيس الجباة حمل جباية هذا العام على العام الماضي فهاجت الأعراب وثارت في صدورهم ثوائر الغضب وقاموا قومة واحدة على هذه الفادحة وعلى من نواها فلما رأى أصحاب الأمر والنهي في الديوانية تفاقم الخطب طلبوا إلى السماوة مدد جيشها فذهب إليها طابور من الجند ومعهم مدفع. وحاول رئيس الجباة أخذ الأموال الأميرية بالقوة. فلما رأى الأعراب هذا الأمر تألبوا من كل حدب وصوب ونفروا كلهم للذب عن أنفسهم إلا أن عقلاء قبائل الشامية وشيوخها نصحوا القوم ثم ذهبوا إلى ديوان البرق وطلبوا إلى الأستانة مراجعة الصدر الأعظم فوعدهم خيراً والآن ينتظر تحقيق المواعيد وحقن دماء الخلق وإنصاف المظلومين.
22 - الجدري
ولى هذا الداء وتصرمت حبال وفادته ولم يبق منه إلا شيء لا يستحق الذكر.
32 - اعتصاب دباغي الاعظمية
اعتصب دباغو الاعظمية منذ أوائل المحرم وطلبوا أجرهم بنسبة(3/391)
ربع ما كانوا يعطون وتركوا العمل إلى أن اضطر أصحاب المعامل إلى تحقيق رغبتهم فعادوا إلى أشغالهم. وكان زعيمهم في هذه المرة أحد خريجي المدرسة الابتدائية سابقاً.
24 - عجمي بك السعدون
غزا عجمي بك السعدون عشيرة الضفير على الماء المعروف بالشقراء وأخذهم بأجمعهم وذلك لأنهم كاتبوا بعض الأمراء ليطلبوا منهم مساعدتهم على عجمي المذكور.
25 - الحكم على صاحبي المصباح والنهضة
حكمت محكمة بداءة الجزاء على صاحب المصباح البغدادية وهو عبد الحسين أفندي الازري بالحبس شهراً وبخمس ليرات لنقله ما أشيع عن والي بغداد القادم. وحكمت على
مزاحم الأمين أفندي صاحب النهضة بالحبس شهراً ونصفاً وخمس ليرات والمنتظر العفو عن الأديبين.
26 - وفاة إسماعيل حقي بك البابان
نعى لنا البرق وفاة هذا الشهم الفاضل والكاتب الأديب الضليع في أثناء التدريس في المكتب الملكي ودفن في جامع بايزيد. وكان مبعوث بغداد في السابق فنحن نعزي أقاربه جميعاً ونستمد لهم من الله الصبر والسلوان.
27 - مكتب الاتحاد والترقي للإناث
فتح في حاضرتنا هذا المكتب للإناث المسلمات في 25 ك 2 ونتمنى أن تكون الطالبات كثيرات والتدريس على الأصول الحديثة المتعارفة اليوم.
28 - قدوم لجنة لتحديد الحجر الصحي
قدم نهار الجمعة 14 ك 2 لجنة تحديد الحجر الصحي بين العثمانيين والإيرانيين وهي مؤلفة من خمسة فضلاء ثلاثة عثمانيون واثنان ألمانيان وعن قريب يسافرون إلى خانقين للقيام بما عهد إليهم.
29 - الشيخ غضبان
عفت الحكومة عن هذا الشيخ وعما أتى من المساوئ والفتن قبل بضع سنوات فعاد إلى قصره في لواء العمارة.(3/392)
العدد 32 - بتاريخ: 01 - 02 - 1914
طاق كسرى
بناء شاده ملك كبير ... دعائمه العدالة لا الصخور
يذكرني العدالة كيف كانت ... بها تجري على الحق الأمور
تسامى مشمخراً بارتفاع ... لديه كل ذي طول قصير
كأني بالسماء عليه شيدت ... كطاق حوله الأفاق سور
تفرد في الفلاة ولا أنيس ولا خل لديه ولا سمير
تعالجه الزعازع وهو راسٍ ... كطودٍ لا يزول ولا يمور
فكم عصرٍ نقضي بعد عصرٍ ... وما أبلت معالمه العصور
وما قد كان شيد فوق عدلٍ ... فلا تبلى معاليه الدهور
إيوان العدالة ين (كسرى) ... وهاتيك (المدائن) والقصور
أنت وددت أن تبقى وحيداً ... حواليك الدوارس والقبور
أم الدهر الخؤون بذلك أفتى ... وإن الدهر خوان يجور
يجاوبني لسان الحال منه ... ولا صوت هناك ولا صفير
يد الأيام لم تعبث بمثلي ... وإن أضحت دوائرها تدور
ولكن قد رأيت العدل ولى ... وحل مكانه الظلم الكبير
فملت إلى التزهد بانفرادي ... ومثلي يفعل الرجل البصير
إبراهيم منيب الباجه جي(3/393)
خاتمة البحث في إمارة السعود
أجملنا القول عن إمارة السعود فأتينا في مقالتنا بما يتعلق عن أصل هذه الإمارة ومنشأها وحياتها والأحداث التي عرضت لها في سبيل رقيها. ثم تكلمنا عن نشأتها الجديدة إلى يومنا هذا. ثم أردفنا هذا بشيء عم حالة البلاد وأخلاق أهاليها وعاداتهم وقوانينهم وأشرنا بعض الإشارة إلى تجارتها وصناعتها إلى غير هذه من الفوائد التي تخفى على كثيرين - وهانحن نختم هذا الفصل بذكر معاملات أهالي تلك الديار ونقودهم التي يتعاملون بها وأوزانهم وما ضاهي هذا المعنى.
وأول كل شيء نقدمه للقارئ هو أن يعلم أن المعاملات في تلك الأرجاء تجري في البيع والشراء على أحسن وجه. وكلها لا تتعدى أحكام الشريعة المنيفة. ولهذا إلا يعرف الربا ولا بيع العين بالعين مثلا. وإنما يجري عندهم نوع من البيع إلى مدة أو إلى آجال معينة بزيادة في القيمة عن حالتها الأولى في حين بيعها. مثلاً: إذا أشترى رجل بضاعة وليس له ما يدفع قيمتها يقول للبائع: أنتظر على مدة كذا أو كذا وأنا أدفع لك ثمنها مع زيادة كذا تعويضاً للضرر الحاصل من تأخير الدفع.
وأما النقود التي يتعاملون بها فغريبة السعر لأنه يتغير من حالة إلى حالة والنقود هي هي وبعبارة أخرى: أن أسعار الدراهم تختلف باختلاف الوقت فإن زادت مقاديرها انحطت أسعارها؛ وإن قلت: ارتفعت فهي كالسلعة أو الطعام. مثلاً لو فرضنا أن الليرة تساوي اليوم 9 ريالات فيأتي يوم وإذا قيمتها أصبحت 10 ريالات أو بالعكس 8 ريالات ونصف مع أن الليرة باقية على حالها. وهذا السعر يختلف أيضاً إذا زادت الرغبة في النقود الفلانية دون الفلانية وكذلك الحاجة إليها. - وأروج النقود اليوم في ديارهم وأكثرها تداولاً عندهم هو الريال الفرنسوي وقيمته عندهم في هذا العهد اثنا عشر قرشاً صحيحاً ونصف على حساب نقود بغداد و50 متليكا أو فرنكان و83 سنتيما. وهو أساس جميع معاملاتهم وقيمة هذا الريال فقط ثابتة لا تتغير. والنقود الذهبية تباع وتشترى به. ومن دراهمهم النافقة عندهم الليرة العثمانية وقيمتها تختلف بين عشرة أريل واحد عشر ريالاً. وبدل الليرة الإنكليزية ليرة عثمانية وريالان فرنسويان. أما المجيدي فتارة يكون بريالين إلا ربعاً وحيناً بريالين
ونصف. وقد يكون سعرهما بين هذين السعرين أيضاً بزيادة أو نقصان.
وفي هذه الأيام الأخيرة انتقلت إلى ديارهم الربية الهندية وكثر التعامل بها. وقد أوشكت أن تكون أساس النقود والمعاملة لكثرتها.
وقد كان آل سعود الأولون حاولوا في غضاضة سطوتهم وقوتهم وامتداد شوكتهم وملكهم أن يضربوا نقوداً عربية خاصة بهم وببلادهم فافلحوا في بادئ الأمر ثم نكصوا. أما أنهم افلحوا فلكونهم سكوا نقداً سموه (الطويلة) لصورته وهي قطعة نحاس مربعة في طول هكذا وأنشئوها بدلاً من النحاسات أو البارات والمتليكات ووسموها سمة بحيث يصعب تقليدها. ووضعوا على أحد وجهيها اسم الحاكم. وأما أنهم نكصوا فلكونهم لم يستطيعوا أن يحققوا كل ما كان في نيتهم إذا انقلب بهم الزمان ظهراً لبطن فلم يضربوا النقود الفضية ولا الذهبية.
ويوجد اليوم من (الطويلة) في الاحساء والمعاملة تجري بها. و35 طويلة أو 40 طويلة تساوي ريالا فرنسويا. - وقد حاول الأمير ابن رشيد أن يضرب سكة جديدة وجلب لها من الهند مقداراً وافراً من النحاس والفضة ثم أحجم لخوفه من أرباب الدولة العثمانية ومن سوء العقبى. ولعله كان يعود إلى تحقيق فكره في فرصة مناسبة لولا أن الموت عاجله قبل أن يتم ما نواه.
أما الوزن عندهم فينقسم إلى عدة أقسام ترجع كلها إلى أم واحدة هي (الوزنة) ولوزنة عندهم عبارة عن ثقل 64 ريالاً فرنسوياً موزوناً معاً. (والمن) عندهم يساوي 33 وزنة. وتقسم الوزنة إلى (نصف وزنة) وهي عبارة عن ثقل 32 ريالاً فرنسويا (وثمن وزنة) و (نصف ثمن الوزنة) وهذه الأوزان تتخذ لبيع التمر والسمن (الدهن) وما شاكلهما. - أما المثقال وما يتفرع منه مما يتخذ لبيع الذهب وسائر الأشياء الثمينة فهو بالوزن الذي كان معروفاً في أيام الدولة العباسية أي نحو 5 غرامات من العيار الإفرنجي.
أما الكيل فأساس المعاملة به هو (الصاع) ويقسم إلى ثلاثة إمداد وإذا وزن ما يحويه من الحنطة ساوى ثقله 6 وزنات مع شيء زهيد يقل أو يزيد لا يحضرني الآن قدره على التحقيق. ونصف الصاع مد ونصف (وهم يلفظون المد بكسر الأول لا بضمه) ويساوي الصاع ستة نصيفات. والنصيف (وزان زبير) يقسم إلى ربعين(/)
وأربعة أثمان من المكاييل المعروفة تنحت من الخشب.
وأما الذراع فالمستعمل منها عندهم (الذراع الطبيعية) وهي التي تمتد من رؤوس الأصابع إلى المفرق أي نحو 45 سنتيمتراً. والحاكم نفسه يعين مقدار امتدادها أو طولها على التحقيق.
واعلم أنه لا يجوز لأحد أن يعمل الأوزان والمكاييل والمقاييس ما لم يطلع عليها الحاكم ويسمها بخاتمه وقد نقش عليه اسمه أو شعاره دلالة على أنه يجوز العمل بها - وهنالك أشياء تباع جزافاً أو قطراً (أي كوثر كما يقول أهل بغداد) مثل التين والحطب والفحم واللحم والملح وما شابهها فتباع بالتخمين والظن والنظر حسب المراضاة. وبهذا القدر كفاية.
سليمان الدخيل صاحب جريدة الرياض
برس نمرود
(تابع لما في 1: 333)
لما أخذ وجه الشمس يبدو على الأفق حثنا الشوق إلى أن نسرع في الذهاب إلى زيارة برس نمرود قبل أن تؤذينا شمس الربيع بحرارتها، لأن لا ربيع في ربوع العراق. فما كانت الساعة السابعة صباحاً إلا ونحن على ظهور الجياد العراب المتعودة السير في تلك الأرضيين الجليلة القدر والشان في التاريخ وكأن العناية الإلهية رأت أن لا طاقة لنا باحتمال حر النهار أنشأت سحباً في الجو لتظلنا طول سفرنا مع أن وجه سماء العراق سافر في اغلب أيام الربيع. وما كدنا نخرج من الحلة إلا وهبت ريح غربية غريبة بدأت رخاء ثم ما زالت تشتد شيئاً فشيئاً حتى غدت ريحاً صرصراً حدقت بنا من كل جانب، وأخذت تذر علينا تراباً دقيقاً متلززاً متلبداً. وما كانت الساعة العاشرة إلا وغدت الريح أشد ما تكون. وقامت في وجهنا غشاوة من الغبار الدقيق حتى أنه لم يمكنا أن نرى ما بين يدينا على بعد 20 مترا. ومع هذا كله لم يدر في خلد أحدا منا أن يرجع القهقرى ويعدل عن الإمعان في السير. فما زلنا نصل الوخد بالذميل حتى ضقنا ذرعاً. وكل ذلك لنشاهد ذك البناء القديم الذي يجلب الناس من شاسع الأقطار القاصية. وظللنا سائرين الواحد بجنب الآخر بدون أن نعلم(3/396)
الطريق التي نسير فيها. وزد على ذلك أننا كنا نلاقي في سبيلنا أنهراً كثيرة وجداول جمة تسقى الأرضيين المزروعة فكانت جيادنا تغوص في وحلها فتتأذى منه، إلا أن ثقتنا بادلتنا كانت عظيمة ولهذا ما كنا نخاف أمراً.
لكن لما انقضت الساعات الثلاث وهي المسافة التي بين الحلة وبرس نمرود قلنا لأدلتنا: أين أنتم يا ربع، وأين برس، ها قد مضت الساعات الثلاث ونحن لم نر شيئاً منه؟ قالوا: (لا تخافوا يا قوم بل اتكلوا على الله ميسر الأمور ولولا اشتداد هبوب الرياح الذاريات لرأيتموه.) ومهما كانوا يقولون فإننا ما زلنا نخبط في سيرنا خبط عشواء، في ليلة ليلاء. ولا نصل إلى الغاية المطلوبة.
ثم قيض الله لنا أن صادفنا رعاة غنم فسألناهم عن الطريق فهدونا إليها. ومن فورنا عدلنا عن الأولى إلى الثانية. ورأينا أنفسنا للحال بازاء الأنقاض المنشودة، فدنونا منها فإذا هي
ضخمة فخمة جليلة.
وصف تل برس
هو تل شاخص قد اختلف العلماء في سمكه فإن استرابون الذي هو من قدماء مؤرخي اليونان (المتوفى في عهد طيباربوس قيصر في منتصف القرن الأول للمسيح) يقول إن ارتفاع هذا الهيكل الفخم ذي الطباق السبع استادة واحدة (والاستادة هي عبارة عن 185 متراً) وعرضه استادة أيضاً. وذكر فلندرن أن قياس قاعدة برس هو 154 في 194 متراً. أما ارتفاع هذه الأطلال في هذا العهد فأرقام الزائرين لها لا تتفق بعضها مع بعض فإن لنورمان وريش يقولان أن ارتفاعها يبلغ 71 متراً، وفلندرن وكوست يجعلان سمكها 70 متراً ونصفاً. أما أوبر فلا يرى ذهابها في الهواء إلا نحو 46 متراً. وهناك سميط عظيم (السميط آجر قائم بعضه فوق بعض وهو الذي يسميه بعضهم شقة حائط فيه خروق نافذة من الوجه الواحد الآخر على أبعاد متفاوتة قطر كل خرق منها يختلف بين 12،. من المتر ولم يستطع أحد أن يهتدي إلى سبب وجودها.
أما صفاح هذا التل الضخم وجوانبه العريضة فقد خددتها الأمطار الغزار، التي تنتاب هذه الديار، في فصلي الشتاء والربيع. والسميط القائم هناك ماثل يستهزئ بالرياح العاصفة، والرعود القاصفة. ويشهد على أن علم الأقدمين(3/397)
بصناعة البناء والهندسة كان قد بلغ شأواً بعيداً من الإجادة والإتقان. حتى إن الإنسان ليسأل نفسه قائلاً: إذا اجتمع المعاصرون لإقامة بناء من طين وآجر، هل يستطيعون أن يأتوا بمثله متانة وصلابة ولو على هيئة تل ركام كهذا التل الذي يصارع الصوان لو أمكنته الحياة من النهوض والمصارعة؟
كانت مدينة برس تعرف في القديم باسم برسيا أو بضم الباء أو فتحها وإسكان الراء وكسر السين المهملة وفتح الياء المثلثة التحتية الفارسية المشددة وفي الآخر ألف مقصورة. وقد فتحها المسلمون سنة 15هـ (636م) وأشتهر يوم فتحها بيون برس. قال البلاذري (ص 259 من كتابه فتوح البلدان): بعث سعد خالد بن عرفطة على خيل الطلب فجعلوا يقتلون من لحقوا حتى انتهوا إلى برس، ونزل خالد على رجل يقال له بسطام فأكرمه وبره، وسمى نهر هناك بنهر بسطام، وأجتاز خالد بالصراة فلحق جاينوس فحمل عليه كثير بن شهاب الحارثي فطعنه، ويقال: قتله، وقال ابن الكلبي: قتله زهرة بن حوية السعدي وذلك
اثبت، وهرب الفرس إلى المدائن ولحقوا بيزدجرد وكتب سعد إلى عمر بالفتح وبمصاب من أصيب. اهـ
وقال ياقوت: برس، بالضم، موضع بأرض بابل به آثار لبخت نصر وتل مفرط العلو يسمى (صرح البرس). اهـ.
والباقي من المدينة في هذا اليوم أخربه عظيمة مقسومة إلى قسمين هما تلان متجاوران متلاصقان قاعدتهما مستطيلة قائمة الزوايا يعرف الأول منهما وهو الذي على قمته السميط (تل البرس) والثاني باسم (إبراهيم الخليل).
فأما (تل البرس) هكذا بال التعريف خلافاً لما هو معهود في لفظه) فكان فيه قديماً (برج برس) أحد مباني بلاد كلدية الشهيرة، وهو البناء الذي ظن فيه أنه (برج بابل أو صرح بابل) المذكور في التوراة. وقد أبقى لنا بخت نصر الملك تاريخ هذا البرج مكتوباً بحرف مسماري مع وصف الأشغال العظيمة التي قام بها ليعيد لهذا الهيكل الضخم مجده السابق وعزه السامق. قال:
(أنا بخت نصر ملك بابل، ولدني مردوخ الإله العظيم وأمرني بتشييد معابده. إن الهرم هو أعظم هيكل في السماء وعلى الأرض، وهو مقام مردوخ رب(3/398)
الإلهة. وأنا جددت مقدسه مكان قرار جلاله بالذهب الإبريز، وجددت برجه ذا الطباق الذي هو مقر الخلد وشيدته بالذهب والفضة ومعادن أخرى، وبالأجر المرصع بالميناء وخشب السرو والأرز، وأتممت زينته والبنية الأولى التي هي هيكل قواعد الأرض القائم بها تذكار بابل قد أتممتها، وأقمت أعلاها بالطاباق والشبه. وأما البنية الثانية التي هي هيكل سبعة أنوار المسكونة القائم بها تذكار برسيا فكان قد شرع في بنائها أول الملوك ولم يتمها إلى أعلاها وبيني وبينه اثنان وأربعون زمناً؛ ثم أهملت دهراً مديداً واعيا الملوك الذين سبقوني مقصدهم من تشييدها، فأجترفتها السيول والعواصف وزعزع زلزال الأرض اللبن وحطم الآجر المطبوخ واتلف لبن الطباق فكان روابي ركاماً فشدد مرودخ الإله الكبير عزمي لإعادة بنائها فأعدتها من غير تغيير في موقعها ولا تعطيل في أسسها.
(وفي شهر الختام في النهار السعيد حوطت الطباق من اللبن والطاباق المشوي بأروقة، وجددت السلم المستديرة ونقشت أسمي المجيد على إفريز الاروقة، وقد أسست البناء
وجددته على وفق ما رسمه من تقدمني حتى كاد كأنه قد بنى في سالف الأزمنة) أهـ (توفي بخت نصر في نحو سنة 561 ق م) فيكون عمر هذا البناء الماثل منه السميط نحو خمسمائة وألفي سنة.
وهذا البرج من أهول ما بناه البابليون واجله خطراً وأعظمه شانا، وكان بمنزلة هيكل سباعي للآلهة السبعة التي يلقبونها بسبعة أنوار المسكونة وكانت له سبع طباق كل طبقة منها خصصت بواحد من تلك الإلهة. فأول طبقة منه وهي السفلى كانت لزحل ولونها أسود. والثانية للزهرة ولونها أبيض. والثالثة للمشتري ولونها بردقاني والرابعة لعطارد ولونها أزرق. والخامسة للمريخ ولنوها قرمزي. والسادسة للقمر ولونها فضي. والسابعة للشمس ولونها ذهبي. وقد ذكرنا أن من الناس من استدل على أن بلبلة الألسنة كانت في هذه المدينة وهم يقولون أن البرج المشار إليه هو البرج المذكور في الفصل الحادي عشر من سفر التكوين وعلى ذلك تحول الحادثة المذكورة هناك من مدينة بابل إلى برسبا. وقد كثرت أقوالهم في هذا البرج وواضعه وعلة بنائه على أنحاء شتى. فذكر يوسيفوس أن واضعه نمرود بناه بعد الطوفان ليلوذ الناس به إذا حدث طوفان آخر. وذهب غريفل إلى أن أول من بناه ملك من أقدم ملوك تلك البلاد أراد أن يكون ذكراً مخلداً للبلبلة أي بلبلة اللغات وذكر أن ارتفاعه اثنتان وأربعون(3/399)
ذراعاً (أو مقياساً آخر لا يعلم ما هو) وذهب غيره إلى أنه هيكل بعل الذي ذكره هيرودوتس وقال عنه أنه ذو ثمانية أبراج أو طباق بعضها فوق بعض وقد تقدم ذكره. وقال قوم أنه كان بناء عظيما ذاهبا في العنان استلزم لأقامته عدداً غفيراً من العملة وكان المشتغلون فيه في أول الأمر جميعهم بابليين يتكلمون بلسان واحد فألجأتهم الحال لتعجيل العمل إلى أن يستعينوا بعملة آخرين من غيرهم فحشدوا لذلك بنائين ونحاتين من أمم مختلفة يتكلمون بألسنة شتى. فلما كانوا في بعض الأيام هبت عواصف شديدة فنسفت رأس البرج فخيل لهم أن الآلهة فعلت ذلك وبلبلت ألسنتهم فكفوا عن بنائه وشاع هذا الاعتقاد بين الكلدانيين من ذلك الوقت. قلنا: وما هذا القول إلا تشوبه كلام الكتاب الكريم وتحويله عن مجرى معناه المألوف.
ويظهر أن برسبا في أوائل الأجيال النصرانية كانت معمورة بالأبنية والهياكل وقد ذكرها استرابون على حالها الأخيرة فقال: (أن برسبا المعروفة الآن باسم بورس أو برس هي من
المدن المشهورة بنسج الكتان وفي جملة أبنيتها هيكلان فاخران أحدهما لابولون والآخر لأرطاميس أخته. وقال ويكثر في نواحيها الخفاش وهو أكبر من الخفاش المعروف عندنا وهم يأكلونه وبعضهم يذخره مقدداً ومملوحاً إلى حين الحاجة إليه. انتهى.
وكان فيها سابقاً أي في عهد الكلدانيين مدرسة عامرة يدرس فيها علم الكلام وسائر العلوم العالية حتى أنه لم يكن في الشرق كله إلا في وركاء أو أرك. - وقد فتحها عدة ملوك من جملتهم شلمناصر الثالث في نحو سنة 852 قبل المسيح. ثم استحوذ عليها آشور بنيبل (المتوفى سنة 625 ق م) وقد جاء عنه في التاريخ أنه انتصر على شمش سمكين في السهل وأحاط ببقايا جيشه إحاطة السوار بالمعصم في بابل وسبار وبرس وكوثى. وبينما هو يحاصر هذه الثغور المنيعة، إذ أقبل عليه تمريتمو يناجزه فقال آشور بنيبل على ما ورد في الرقم: (ابتهلت إلى آشور واشتر فتقبلا أدعيتي واستمعا كلام شفتي. خرج عليه عبده اندبيجش فكسره في حومة الوغى). فاضطر المخذول إلى أن يفر هارباً إلى نينوى وأصبح في يدي ملك آشور العوبة لا غير. (نعم أنه قبل رجلي الملكيتين وعفر وجهه أمام موطئ قدمي. . . فأنا آشور بنبيبل السمح أقلته من خيانته وأنزلته هو وذريته وبيت أبيه في قصري) ولما رأى شمش شمكين أن حليفه النافذ الكلمة غادره وبقى بدون عضد بعد هذه النائبة الفجائية إنهاض(3/400)
عظمه ووهنت قواه إلا أنه وأعدوه إلى ما لا غاية من ورائه بل حتى بلغ الذمار وحدث من هذا الحصار مجاعة أكره فيها المحاصرون على أن يأكلوا لحوم أبنائهم وبناتهم ضنا بالحياة.
وقد حاول العرب أن يشقوا لهم طريقاً في صفوف الأعداء إلا أن سعيهم ذهب أدراج الرياح فسلم أمراؤهم أنفسهم بشرط أن يستحوا فاستبقوا. . . .)
وقد جدد بناء هذه المدينة بخت نصر الكبير الذي شيد فيها أيضاً (بنو) هيكلاً جليلاً وأحاط الحاضرة كلها بنطاقين من الأسوار صداً لغارات العدو.
بقيت برس وسائر المدن المجاورة لها بيد خلفاء بخت نصر حتى جاء قاهر ممالك البغي والظلم كورش الكبير فدوخ مملكتي بابل وآشور من جملة ما ذلل لصولجانه وذلك سنة 538 ق م ومنذ ذاك الحين انتقلت تلك الديار إلى الفرس وبقيت بأيديهم مدة طويلة.
ولما ظهرت راية الإسلام في العالم أخفقت أيضاً على هذه الأنحاء كما نوهنا بذلك في
مستهل هذا المقال وأخرب ما بقي من تلك المباني الجليلة واليوم لا يشاهد منها إلا ركام من الأنقاض والغالب فيها آجر أحمر أو قطع من الآجر قد غشت معظم الحيطان التي تتقوم منها أسس هذا البرج ذو الطباق. وعلى قمة هذا الركام يقوم سميط ثخين كل الثخن علوه قراب عشرة أمتار ومبني بالطاباق وقد ضم بعضها إلى بعض بل شدها شداً محكماً ملاط صبر علة نوائب الدهر وكوارثه لا القير كما قد يمكن أن يتصوره بعضهم.
وعند أسفل هذا الحائط صخور متكومة إذا فحصها الباحث عن قرب يراها قطعاً ندرت من الحائط وقد فعلت فيها بعض العوامل النارية فعلاً هائلاً لا يمكن إنكاره.
من ذلك: أن الآجر ملوي لياً بل مبروم برماً بدون أن يرى فيه البتة أثر كسر بل يبين انه مصهور صهراً. وقد علا غالب وجهه ضرب من الطلاء لا يعرف كنهه ولهذا اختلف العلماء فيه فمن قائل أنه من حريق وقع هناك. ومن ذاهب إلى أن صاعقة انقض عقابها على تلك الأكوام فصهرتها ذاك الصهر العجيب وليس هذا ببعيد في ديار العراق فإن انقضاض الصواعق على شواهق الأبنية معروف إذ لا تخلو سنة من السنين إلا ويقع حادث أو حادثان من هذا الجنس. فليحفظ.
ومما استوقف طائر بصرنا هناك مياه الفرات فإن تغير مجراه على الدوام وتنقله من موطن إلى موطن مما يحير له الفكر. فاليوم قد طفحت مياهه على الأرضيين المجاورة لقرب غوره وإندفان عقيقه بما يجره من الطين والغريل، وأصبح الذهاب من برس(3/401)
إلى كربلاء من رابع المستحيلات وتبتدئ المستنقعات على بعد مائتي متر من الأخربة وأما في زمان بعثة جسني فإن شواطئ نهر الهندية - (وهو شعبة من الفرات) الذي لم يكن أطول من خمسة أميال - كانت على بعد سبعة أميال عن برس نمرود. أما غوره هناك فليس ببعيد لأن أحد الرجال كان يخوض فيه خوضاً الماء دون نطاقه.
ونختم كلامنا عن برس بإيراد ما قرأنا وسمعنا من غرائب الخواطر وهي: أن برس نمرود الذي قد قذف به النوى في قلب الصحراء كان في سابق العهد من الأبنية الداخلة في نطاق بابل. وذهب آخرون إلى أنه كان بين برس وقصر بخت نصر سرب عظيم يجمع الأول إلى الثاني مع أن المسافة بينهما نحو من 20 كيلو متر. ورأى فيه آخرون أنه هيكل (نبو) الذي تكلم عنه اشعيآء في سفره الجليل وكانت بابل تفتخر به ومهما يكن من هذه الأقوال
فإن برس كانت داخلة في نطاق سور بابل الخارجي كما كانت كوثى ربى. وهذا ما تشهد عليه الرقم التي وجدها الباحثون وقرأها علماء الغرب. من ذلك ما جاء في الرقيم الذي أتت به شركة الهند وهذا معرب نصه:
(بنيت في بابل إكراماً للمعبودة الكبرى (وأسمها عندهم زرفنيت) الوالدة التي ولدتني (هيكل معبودة قمة الجبال) وهو قلب بابل. وترى أخربة هذا الهيكل إلى اليوم في الموطن المعروف باسم القليعة (مصغر قلعة) بقرب الحلة.
وقد وجد الناقبون هناك كتابة تحوي تخصيص الهيكل للآلهة المذكورة مع اسم بانيه وهو نبو خذ نصر.
(ولقد شيدت في بابل بالقير والآجر تبعاً لأصول البناء إكراماً للآلة نبو الرب المطلق واهب صولجان العدل ليسوس طوائف الناس. (هيكل واهب الصولجان) هيكلاً له.
(وبنيت في بابل للآلة سين (القمر) وهو الذي يلهمني الحكم والقضاء في الأمور هيكل (الضياء الأعظم) داراً له.
(وأقمت في بابل بالقير والطاباق إكراما للآلة الشمس (وهو مذكر عندهم) الذي يوحي إلى قلب شاعرة العدل (هيكل قاضي العالم) هيكلاً له. - وكان هذا البناء في المحل الذي يعرف اليوم بمشهد الشمس وهو في ظهر الحلة.(3/402)
(وبنيت في بابل على هيئة كوس أم إمام بالقير والآجر إكراماً للآلة رمان (وزان حلال) الذي يفيض الخصب في بلادي (هيكل مانح الاضطرابات الجوية) هيكلاً له.
(وابتنيت في بابل بالقير والآجر باء يكاد يكون مصمتاً إكراماً للمعبودة الكبرى (وأسمها عندهم نانا) التي تشرح صدري وتشد أزري (هيكل الأعماق وهيكل الجبال العالية) هيكلين لها.
(وبنيت عند دخولك سور بابل بهيئة كوس إكراماً لربة دار السماء الملكة الشفيعة على هيكل (كيكفان) هيكلاً لها.
ورفعت في برسيا هيكلاً للآلة (أدار) محطم أسلحة أعدائي.
(وبنيت في برسبا إكراماً للمعبودة الكبرى (نانا) التي تتقبل أنشودتي (الهيكل الأكبر وهيكل الحياة وهيكل النفس الحية) أعاجيب ثلاثاً لهاز. - (وهذه الهياكل الثلاثة التي تشير إلى
المزية القمرية مزية المعبودة نانا وإلى أوجه الكوكب في هلاله وبدره ومحاقه كانت تحت هدف واحد اسم أنقاضه اليوم (تل إبراهيم الخليل) قريباً من برس نمرود.
(وشيدت في برسيا بناءً ركاماً هيكل الإله رمان الذي يفجر في بلادي صاعقة النبوة.
فهذه الأبنية والهياكل كانت كلها متجاورة في بقعة بابل، وقد أتينا بذكرها ليعلم القارئ ما كانت عليه تلك الأرض في سابق العهد وإلى ما صارت إليه في هذا الزمن. فسبحان الذي يغير ولا يتغير
الأب يوسف لويس الكرملي(3/403)
أيها الأمل
رأى ناظم هذه الموشحة البديعة فقيراً في أحد أزقة بغداد وقد أنهكه المرض فأشرف على الهلاك وهو يئن وفي خلال أنينه كانت تبدو منه كلمات تفتت الأكباد وتلين الجماد وهو لا يزال يرددها. ومحصلها: (لولا الأمل الذي عشت به لمت قبل خمسين سنة). وبعد أن سمع الشاعر تلك الكلم أخذ ينقب عن أمر الفقير فقيل إنه من البيوتات القديمة وكان لقومه حظ عظيم من الغنى ثم انقلب بهم الدهر حتى أدبر عنهم بتاتاً وانتهى بهم إلى أسوا حال. فقال:
(لغة العرب)
ضحكت فأشرقت يوم الجزع ... فيالك من ضاحك مبتسم
هو العيش ليل وأنت القمر
ألا لا ولكن بك المستقر
فأنت الصفاء وأنت الكدر
وأنت المصادي إذا ما فجع ... زمان يجور بخطب ملم
لوجهك تعنو صروف الحياة
فمن رائحات ومن غاديات
ولسن وإن جرت بالعاتيات
ولا بللواتي يزن الخدع ... فيذهبن عنك ذهاب الأصم
بنورك يبتهج العالمون
وبالجد ينتعش الميتون
فما لا يكون وما قد يكون
إليك انتهى وإليك انقطع ... فأنت الحكيم وأنت الحكم
كأنك روح لهذا الوجود
فمنك النحوس ومنك السعود
وفيك النزول وفيك الصعود
وأنت الشهود وأنت الجمع ... وأنت الوجود وأنت العدم
فلولاك ما نهض العالم
ولا قام من بينهم قائم
ولا كان ظلم ولا ظالم(3/404)
ولا كان صنع ولا مصطنع ... ولا كان عزم ولا كان هم
ولا بلغوا غاية الاكتشاف
ولا أكثروا بانقضاء الطواف
كأنهم فيه طير صواف
تروح إلى حيث لا مرتفع ... ولا النسيم الرياح نسم
ولا استخدموا بالبخار الحديد
ولا قربوا كل مرمى بعيد
ولا دخل الناس طورا جديد
فما في أخلاقهم من طبع ... ولا في نفوسهم من قزم
ولولاك لم يسع في الأرض ساع
ولا بلغ الناس طور النزاع
فهذا مريع وهذا مراع
وقد جعلتهم في البدع ... وخالفت ما بينهم في الشيم
ولولاك مات عديم الثراء
ومات السخي ومات السخاء
ومات العلاء ومات الإباء
ومات المسود والمتضع ... ومات الفخار كموت الهمم
بك انتظمت ماربات الورى
فمن تجره أنت منهم جرى
قليل ألانى مستحث السري
يضيع بعزمته أو يضع ... إلى حيث يبلغ بعض النعم
خفيت فما تمتري في وضوح
ولم يدر كنهك يوما سطيح
ولا كان شق يقول الصحيح
ولكنه خبر منقطع ... يعدونه من ضعيف الكلم
إليك العوالم تلقى المراس
لأنك في كل أمر أساس(3/405)
فلم يدركوك بوضع القياس
ولم يلج الباب من قد قرع ... ولم يعلم الأمر من قد علم
كأنك معني بمعنى الحياة
وفيك غموض خفي الصفات
أيعجز معناك أهل الحصاة
وقد بلغوا مبلغا مرتفع ... من العلم والأدب المحترم
على بابك القوم قد هوموا
فضل الجهول ومن يعلم
فلو يعلمون وهم نوم
بفحوى معانيك ولم يرتدع ... من القوم من لم يكن
بك الناس تبلغ أوج العلى
ويدرك من نزلوا من علا
فيجمع تلو إلى من تلا
ويدنوا الأذل إلى ذي الرفع ... فيبلغ شأواً منيع القمم
لا أنت العناء وأنت الدعة
وأنت المضيق وأنت السعه
وأنت العلو وأنت الضعة
وأنت الأمان وأنت الفزع ... وأنت عزيمة من يعتزم
غمضت كما تغمض الكهرباء
فما كان يبرح عنا الخفاء
ولم يبد فيما تسر بداء
لنا أو لمن سار سيراً سرع ... فزلت به في الطريق القدم
محمد الهاشمي
طوب أبو خزامة
1 - تمهيد
لما استولى الشاه عباس الصفوي على بغداد في نحو سنة 1033هـ -(3/406)
1623م وذلك بعد حصاره إياها مدة ثلاثة أشهر وكان استيلاؤه عليها بخيانة ابن بكير رئيس الشرطة وبعد أن دخل الشاه المدينة وملكها أمر بقتل الخائن (ابن بكير أغا) فقتل ثم بقى الحكم للشاه ومن يوليه أمرها من رعيته إلى سنة 1048هـ. وذلك أن السلطان مراد خان العثماني قصدها بجيش جرار كامل العدد والعدد فحاصرها (في 8 رجب سنة 1048هـ 15 ت 2 سنة 1638م وكان يشتغل بنفسه في أعمال الحصار الشاقة تنشيطاً للجند. وسلط على أسوارها المدافع الضخمة التي نقلها إليها ولما فتحت المدافع فيها فتحة كافية للهجوم أصدر السلطان أوامره بذلك فهجمت الجيوش كالليوث الكواسر (كذا) في صبيحة 18 شعبان سنة 1048هـ - ك1 1638م ولم يثنها قتل الصدر الأعظم (طيار محمد باشا). . . بل استمر الحرب 48 ساعة متوالية ختمت بانتصار الجنود العثمانية) ولما دخل الجند العثماني بغداد وملك زمامها السلطان مراد خان ولى عليها من قبله والياً هو كجك حسن باشا (أو حسن باشا الصغير) وبعد أن تم ذلك رجع السلطان مراد إلى من حيث جاء وقد ترك المدافع التي أتى بها من الأستانة والتي غنمها من الشاه عباس لينتفع بها عند الحاجة إليها ولتصد عن بغداد هجمات العدو وإلى اليوم تراها مطروحة في قلعة (الطوب خانة) وقد أخبرنا أحد ضباط المدفعية أن الحكومة تريد نقلها إلى الأستانة لتوضع في محل التحف والآثار القديمة.
2 - وصف (طوب أبو خزامة)
ومن تلك المدافع المار ذكرها مدفع (يسمى أبو خزامة) وهو اليوم في محلة الميدان في الجانب الشرقي من بغداد أمام باب (الطوب خانة) الشرقي (أي باب قلعة المدافع) على دكة تعلو الأرض نحو نصف ذراع يبلغ عرضها نحو 4 أمتار في طول 8 أمتار وفي كل ركن من أركانها الأربعة مدفع صغير مركوز في الأرض من فوهته ومربوط بأطراف هذه المدافع العليا سلسلة حديد بغلظ الزند توصل الواحد بالآخر فهي شبه سور (لطوب أبو
خزامة) والمدافع شبه أبراج ومشدودة بتلك السلسلة كثير من الخرق وفي رأس مدفع من المدفعين اللذين مما يلي الشرق فانوس وضعته الحكومة ليسرج في ليلة الجمعة.(3/407)
وهذا الطوب (أعني طوب أبو خزانة) مصنوع من الصفر أي النحاس الأصفر (البرنج) والحديد وهو مضطجع على مرقد في وسط الدكة السالفة الذكر. والمرقد عبارة عن جذوع نخل لم تبلها الأيام لأنك تراها على حالتها الأولى في أول وضعها. وللمرقد المذكور دولابان من الحديد قد نزل نصفهما في الأرض لمرور الزمن عليهما ولما عليهما من ثقل الحديد وعند فوهة (طوب أبو خزامة) أربع قنابل ثلاث منها في الأسفل والرابعة قائمة عليها محيط كل منها 29 س ويبلغ طول (طوب أبو خزامة) 4 أمتار و44 س ومحيطه من مؤخره مترين و4 س ومحيطه مما يلي فوهته متراً و44 س وقطر فوهته 48 س ومكتوب على ظهره مما يلي فوهته بالحرف المركب البارز ما نصه: (مما عمل برسم السلطان مراد خان بن (كذا) السلطان أحمد خان) ووراء الكتابة المذكورة أربع سمكات صغار وأربعة أنجم ووراءها في الوسط عروتان مقوستان محيط ل منهما نحو 50 س فيهما خرق مشدودة - ترمز إلى ما يطلبه الزائرون من الأماني وكذلك قل عن الخرق المشدودة في السلسلة المتقدم ذكرها - وفي جنبه الأيسر (أعني طوب أبو خزامة) مما يلي العروة انخفاض محيطه 28 س وغوره نحو 3 س ووراء العروتين السالفتي الذكر أربع سمكات كالتي تقدم ذكرها وكذلك خمسة نجوم وهلالان صغيران ووراء الأسماك والنجوم والأهلة على ظهر الطوب الذي نحن بصدده مما يلي مؤخره مكتوب بالحروف المركبة البارزة ما نصه: (عمل على كتخداي جنود بردركاه عالي سنة 1047) معناه عمل على الذي هو رئيس الجنود في الباب العالي (أي باب السلطان وقد ساعدنا على قراءة الكتابة المذكورة وتعريها شكري أفندي الفضل وفي مؤخرة شبه ذنب ينتهي بكتلة مخروطة الشكل وفي فوهته مما يلي داخله صدع (أي شق طبيعي) غير سوي.
3 - ما يرويه العامة في شأن أخذ بغداد و (طوب أبو خزامة)
يحكي الشيوخ من العامة أنه لما أخذ الشاه عباس بغداد واستقر بها منع كل فرد من الذهاب إلى الأستانة وبث الرص والعيون في جميع الطرق المؤدية إليها ثم أنه جعل حضرة الشيخ عبد القادر وحضرة المعظم (أي النعمان بن ثابت أحد أئمة المذاهب الأربعة) وحضرة
الشيخ معروف الكرخي والشيخ عمر السهروردي مرابط لخيله وبغاله ولما رأى أهل بغداد ذلك استشاطوا غضباً فخاطر رجل من بيت السويدي(3/408)
بنفسه وصمم على الرواح إلى القسطنطينية وإذا أحس به أحد فإنه يفدي نفسه لهذا السبيل فتزيا بزي درويش إيراني وذهب إلى إسلامبول ولما وردها تخارس لأن أهلها أيضاً منعوا دخول كل من يأتي من نواحي العراق كي لا يسمع السلطان بخبر سقوط بغداد فيسوق إليها الجنود ثم أن السويدي لما دخلها (أعني الأستانة) بقي متخفياً مدة أيام إلى أن توصل إلى خطيب جامع السلطان فظل عنده بصفة طالب علم وخادم له. وفي ذات يوم مرض الخطيب وكان يوم جمعة فلما حان أوان الخطبة والخطيب مريض لم يطق القيام فضلاً عن المسير فتحير في أمره ولما رأى السويدي منه ذلك اغتنم الفرصة وقال له: أنا أنوب عنك خطيباً هذا اليوم فسر بذلك الخطيب لما علمه من علم السويدي وفضله ثم ذهب إلى الجامع ولما رقى المنبر نادى بأعلى صوته: أيها المؤمنون المسلمون إن الدين قد ذهب وإن بغداد قد ضبطها الشاه عباس وربط خيله وبغاله في حضرات أئمتها وفعل من المنكرات مالا يوصف ولا يخطر على بال إنسان. فلما سمع الحاضرون كلامه ضجوا بالتكبير وأخذوا بالصراخ والعويل فأخذه السلطان إلى داره وأستقصه القصة من أولها إلى آخرها. ثم بعد ذلك نادى منادي السلطان في الأستانة أن لا يصحبه من عسكره إلا الكهول والذين يغرز المشط في لحاهم فأخذ الشبان والكهول لا غير وبعد أن تجمع العسكر، سار به قاصداً بغداد. ولما صار قرب سامراء، أراد أن يجعل عليهم قائداً محنكاً، ويذهب هو إلى بغداد متجسساً فأخذ يسأل كل من يرى فيه اللياقة للقيادة: أين بغداد؟ فيجيبه القائد: على بعد يوم منا مثلا، فيأمر بقطع رأسه ثم يسأل الآخر فيجيبه على بعد يومين فيأمر بقطع رأسه أيضاً وهلم جرا حتى قطع رؤوس جماعة من القواد وقد تحير الباقون في جوابه ثم باتوا تلك الليلة وكان عند أحدهم ابن في الثامنة عشرة من عمره ولشدة حبه إياه لم يطق فراقه فوضعه في صندوق يستطيع أن يتنفس فيه وأخذه معه وكان إذا جن الليل يخرجه من الصندوق ويجلس هو وإياه يتسامران وفي تلك الليلة رأى الفتى وجه أبيه متغيراً فقال له: ما بالك يا أبتي؟ فقال إني. سأقتل غداً. فقال: ولم؟ فقال إن السلطان ألقى على القواد سؤالاً وهو: كم المسافة بين سامراء وبغداد(3/409)
وكل من أجاب من القواد بقليل أو كثير أمر بقتله وغداً دوري ولم أدري ما
الجواب لأني اعلم أن السلطان قاتلي لا محالة إن زدت أو نقصت فقال الغلام: أهذا يهمك يا أبتي؟ فقال له الوالد: وكيف لا يهمني يا بني سؤال فيه القتل فقال له إذا دعاك السلطان غداً وسألك عن المسافة فخذ اللواء بيدك وأركض بفرسك وقل بغداد تحت حافر هذا الجواد ولا بأس عليك. ولما كان النهار دعا السلطان القائد المذكور وسأله عن المسافة بين بغداد وسامراء ففعل القائد كما قال له ابنه فاستحسن ذلك السلطان وقال: الآن وجدت ضالتي ثم دعا ذلك القائد وقال له صدقني من علمك هذا ولك الأمان فقال أن لي ابناً أحبه حباً شديداً ولفرط غرامي به لم أطق فراقه فوضعته في صندوق وإذا جن الليل أخرجنه وسامرته (لأنك منعت ذلك وقلت من أتى بصبي قطعت رأسيهما) وفي هذه الليلة رآني ولدي في ضيق فسألني عن حالتي فقصصت له القصة فدبر لي هذا الأمر فقال له السلطان أين ابنك؟ فقال هاهو في الصندوق فقال ايتني به فأتاه به فلما رآه إستسماه فقال له الحدث اسمي كنج عثمان (أي عثمان الحدث) فقال له السلطان ألم تسمع أني أمرت بقتل كل من لا يغرز المشط في لحيته فكيف جئت إلا تخاف القتل؟
فقال يا حضرة السلطان أنا لست كما ترى بل أنا شيخ من الشيوخ فقال له السلطان إن كنت صادقاً فخذ هذا المشط واغرزه في لحيتك ولشدة خوفه من السلطان تناول المشط وأثبته في لحم خده فقال له السلطان أين لحيتك فأنا لا نراها في وجهك فقال لحيتي في داخلي (بطني) فقال له السلطان: كيف عرفت ذلك فقال له إني سمعت أنك تقتل كل من أخبرك عن المسافة سواء كانت بعيدة أو قريبة فعلمت أنك لا تريد أن تعرف المسافة ولكنك تريد أن تمتحن همم الرجال وأفكارهم. فقلت لوالدي هذا القول لأن الجواد إذا سار لا يبعد عنه شقة فكأن بغداد تحت حافره فقال له أنت طلبتي فولاه السلطان القيادة وأعطاه اللواء الكبير ثم أن السلطان مراداً ترك الجيش في سامراء وسار قاصداً بغداد راجلاً ولكنه تزيا بزي درويش إيراني لكي لا يعرف أو لا يظن فيه ظن سوء ثم إنه ما زال سائراً على رجله حتى ورد أرض عجوز هناك وضافها فاحتفلت به العجوز وقامت بضيافته (كما هي عادة الأعراب في خدمة الضيوف) ولما سار السلطان من عندها أراد أن يكرمها مكافأة لضيافتها إياه فقال لها ما الذي تريدين من الأراضي والعقار فإني صديق السلطان(3/410)
فقالت: إذا كنت صديق السلطان كما تقول فإن لي دواب لا يتركها الرعاة تسرح في هذه الأرض
فأطلب إليك أن تكلم السلطان بذلك. فقال: من أين إلى أين تريدين فقالت: (من حسحوس لدوب السوس) فقال لك ذلك ثم أنه أخرج من جيبه ورقة وكتب ما طلبت ووقع عليها ثم ناولها الورقة وقال لها أنا ذاهب إلى بغداد وسيأتي السلطان مع الجند بعدي فإذا جاء السلطان ودخل بغداد فأتى بورقتك هذه إليه وأعطيها إياه فسيجري ما تريدين.
ثم سار السلطان وما زال سائراً حتى دخل بغداد ولما دخلها ذهب رأساً إلى السراي وأخذ ينشد الأشعار الفارسية بأطرب الألحان (كما هي عادة الدراويش من الفرس) ولما سمع صوته الشاه دعاه إليه وقربه منه ثم أنه قال للشاه هل لك أن نلعب أنا وإياك في الشطرنج؟ فقال: نعم. ثم إن الشاه دعا بالشطرنج فأتى به وأخذا يلعبان وبعد ساعات غلب السلطان مراد مناوئه الشاه عباساً ثم إنه ضرب (شاه) الشاه بفرزانه وقال (الشاه مات) وقام مسرعاً وخرج من السراي وفي حينه دخل بيت العجوز وأعطاها مقداراً من الدراهم وقال لها ابتاعي لي نعجة وأتي بها الساعة فذهبت تلك العجوز واشترت له شاة وأتت بها إليه فذبحها السلطان مراد ووضع دمها في طست ثم إنه جلس على حجر رحىً في بئر ووضع طست الدم على رأسه ولما انتبه الشاه لقول السلطان مراد وهو: (الشاه مات) تيقن أن هذا الدرويش ليس هو في الحقيقة درويشاً ولا بد من أن يكون السلطان مراد خان أو أحد وزرائه ثم أنه دعا المنجم وقال له: أريد منك أن تعرف بحساب الرمل والتنجيم من هو هذا الدرويش أين ذهب ثم أن المنجم أخذ بالحساب وبعد(3/411)
ساعة من الزمان قال للشاه: إن هذا الدرويش هو السلطان مراد وهو الآن جالس على جبل بين بحر من الدم وبحر من الماء؛ فتحير الشاه والحاضرون من قوله ثم إن الشاه أمره أن يعيد الحساب مرة أخرى لعله واهم به فأعاده مرة ثانيةً وثالثة ورابعة حتى المرة العاشرة والحساب ينتج تلك النتيجة. ثم إن الشاه طرده وصرف هواجسه في أمر السلطان العثماني وبعد يوم خرج السلطان مراد متخفياً من بيت العجوز في بغداد ليلاً وذهب إلى جنده ولما التقى بالعسكر قص عليهم قصته. ثم إنهم ساروا حتى وردوا بغداد فحاصروها وبقوا في حصارها مدة مديدة حتى تعسر عليهم فتحها وكاد السلطان مراد يخفق في مسعاه وينتقض ما أبرمه من الأمر فحرج صدره لذلك وصدور جميع من في المعسكر وفي ليلة من الليالي طاف الشيخ عبد القادر الكيلاني دفين بغداد على كنج عثمان (القائد العام) وقال لهم: مالي أراكم في ضيق
واضطراب؟. فقال له كنج عثمان: قد أعيانا فتح بغداد وقد نفدت قوانا وذخيرتنا فقال له الشيخ عبد القادر: إذا كان الغد اذهب إلى السلطان مراد وقل له أن أعمل مدفعاً كبيراً. ولما بزغت الشمس، ذهب القائد المذكور إلى السلطان وأخبره بالخبر. فقال له السلطان: من أين لنا أن نأتي بالحديد ونعمل مدفعاً وليس عندنا منه شيء؟ وفي الليلة الثانية أيضاً طاف الشيخ عبد القادر على كنج عثمان وقال له: ألم أقل لك اعملوا مدفعاً من الحديد؟ لم لم تعملوا ذلك؟ فقال له: يا مولاي ليس عندنا شيء من الحديد. فقال: خذوا انعل خيولكم ومرابطها الحديدية وصبوها. وعند الصباح اخبر كنج عثمان السلطان بذلك، فأمر السلطان بجمع النعال والمرابط ولما جمعت وأذيبت تحيروا في كيفية صبها ولم يهتدوا إلى قالب يفرغونها فيه. وفي الليلة الثالثة طاف أيضاً الشيخ عبد القادر على كنج عثمان المذكور وقال له: لم لم تصبوا ما ذاب من الحديد فقال له: يا حضرة الشيخ إننا لا نعرف كيفية صبه فقال له الشيخ: خذوا خشبة وابنوا عليها غلافاً من الطين شبه كوارة الطعام ثم صبوا ما ذاب من الحديد فيها وبعد أن يجمد ما افرغ في الكوارة اكسروها واستلوا منها الخشبة تكن حينئذٍ مدفعاً تاماً لا ينقصه شيء. وفي الصباح ذهب كنج عثمان المذكور إلى السلطان وقص عليه ما رآه في المنام فبادر السلطان إلى العمل حتى أتمه ولما لم يكن عندهم من البارود والقنابل شيء أخفقوا في مسعاهم وباتوا في هم واضطراب وفي تلك(3/412)
الليلة وهي الرابعة طاف أيضاً الشيخ عبد القادر على كنج عثمان وقال له: لا يهمكم نفاد البارود والرصاص فاجعلوا بدل البارود التراب وبدل القنابل قطع الصخور وارموا بها العداء فإنها ستقع عليهم أشد وقعٍ من البارود والرصاص وإذا تعسر عليكم الفتح ولم تقدروا أن تثغروا ثغراً في سورها فسأقف لكم غداً على قمة قبتي بصورة بازِ أشهب فإذا رأيتموني صوبوا المدفع إلي واقذفوني بما فيه ثم ارموا رمية أخرى على السور تلثم منه ثلمة واسعة فادخلوا المدينة عنوة ولما أسفر الصبح عن وجهه أسرع كنج عثمان إلى السلطان واخبره بالخبر وحينما طرق سمعه ذلك باشر بالعمل كما أمر الشيخ عبد القادر وفي الضحى رأوا على رأس القبة (بازاً) أشهب فوجهوا إليه المدفع ورموه بقذائفهم وكانت من التراب والصخور ثم أنهم وجهوا المدفع إلى السور ورموه رمية أخرى وما خرجت تلك الصخور مع التراب من فم المدفع إلا وإنهدم من قواد السلطان مراد يفتك في الأعداء بسيفين بعد أن قطعوا
رأسه وما زال يقاتل على هذه الحالة حتى نظرت إليه امرأة من على طوار الدار فقالت يا للعجب رجل يقاتل بسيفين ورأسه مقطوع! ولما نادت بهذا النداء سقط من على ظهر الجواد إلى الأرض وخر صريعاً فدفن في موضع مصرعه وهو في المحلة المعروفة اليوم بمحلة (أبو سيفين) إحدى محلات بغداد وأكثر سكانها اليهود.
أما كنج عثمان فإنهم يقولون عنه أنه لما دخل بغداد وكان حاملاً لواء(3/413)
الجند العثماني وقد قطعت يداه بقي العلم يمشي أمامه بلا حامل يحمله ولا ماسكٍ يمسكه حتى رآه أحد الناس فدهش به وعند ذلك هوت الراية إلى الأرض وقتل كنج عثمان ودفن في الموضع الذي سقط فيه وهو اليوم بقرب باب سراي الحكومة (أي دار الإمارة) مما يلي الشمال الغربي على بعد 9 أمتار منه وله حجرة عليها قبة وفي وسطها ضريح عليه مشبك من الخشب طوله متر و80 س في عرض 90 س في ارتفاع متر و10 س وعليه ستار أخضر اللون وقد ركز في أركان المشبك الأربعة أربعة أعلام خضر وفي رأسي علمين منها رمانة من النحاس الأصفر وفي رأسي العلمين الآخرين شبة كف من نحاس أيضاً. وفي أعلى الشباك المشرف على الطريق الكائن في جنب باب الإسطبل المعروف (بطولة الضابطية) أي إسطبل رجال المبذرقة مكتوب على خارجه بالقاشاني الأبيض يتخلله الأزرق ما نصه: (بسم الله الرحمن الرحيم. إلا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. رئيس الشهداء. كنج عثمان. قد عمر هذا المكان صاحب الخيرات حسن باشا سنة 1133هـ (1721م). ويزوره الناس من أهل السنة والجماعة وينذرون له النذور وتشعل الشموع على قبره في ليلة كل جمعة.
4 - معتقد العامة في طوب أبو خزامه وكيفية زيارتهم إياه.
يعتقد العامة في طوب أبو خزامه ما يعتقدونه بالأنبياء والأولياء ويزعمون أنه ولي من أولياء الله تعالى فلذا تراهم يزورونه ويتبركون به ويطلبون منه تحقيق أمانيهم وتجد دائماً خرقاً معقودة بسلسلة الحديد والعروتين السالفتي الذكر وهذه الخرق ترمز إلى الأماني (أو المراد) ومن اعتقاداتهم فيه أنه لا يخيب قاصداً قط وفيهم كثيرون وينذرون له النذور ويسرجون حوله الشموع في ليلة كل جمعة وأكثر زواره وقصاده النساء وأكثرهن من أهل السنة والجماعة. ولا تقصده منهن إلا المرأة العقيمة فتمر أحشاءها عليه كي يعطيها ولداً.
أو المقلات التي لا يعيش لها ولد فتأتي إليه بالمولود وهو ابن سبعة أيام وتدخله في فوهته وتخرجه تفعل ذلك ثلاث مرات. ثم تتوسل إليه أن يطيل الله عمر ولدها وتنذر له النذور وتفي بنذرها أن أعطاها مرادها. ومنهن (أعني من النساء) من في عينيها رمد فتأتيه قاصدة إياه للاستشفاء ببركته فتدخل رأسها في فوهته وتخرجه ثلاث مرات ثم تغسل شيئاً أو من السلاسل التي حوله بقليل من الماء وتداوي بها عينيها ثم تنذر له نذراً وإن زال الرمد منها وإذا تم ذلك وفت بنذرها(3/414)
في الحال ويعتقد مثل هذه الاعتقادات بعض الأغرار من الرجال لا سيما الأكراد منهم.
5 - خرافاتهم في طوب أبو خزامه
يزعم ضعفاء العقول في الانخفاض الموجود على ظهر المدفع إن هذا المدفع توقف عن السير يوم الحرب فغضب عليه السلطان مراد وضربه بجمع (أي بكف مجموعة أصابعها إلى راحتها) فحصل من تأثير ضربة السلطان هذا الغور.
ويعتقدون في الصدع الذي في داخل فوهته أن هذا المحل هو مكان أنفه الذي كان فيه خزامة ولما استعصى على السير نتله السلطان مراد من خزامته فخرم أنفه وهذا أثر الخرم باق إلى اليوم.
ويذهبون في وجود تسع السمكات الموجودة على ظهره إلى أن السلطان لما خرم أنفه غضب المدفع ورمى بنفسه في دجلة فخاض عليه السلطان مراد وأخرجه واسترضاه ولما خرج بانت على ظهره هذه السمكات ملصوقات إشارة إلى إنه ألقى نفسه حقيقة في دجلة لما سكن من غضبه ورضى على مراد خان أخذ السلطان ينثر له الدخن في ممره على الأرض ليسهل مروره عليها وهو ينساب الهوينا وفي أثناء الحرب نفذ ما عند الجند من البارود والرصاص والقنابل فأخذ الطوب يلهم التراب والحجارة من الأرض ويقذف بها الأعداء فتقع عليهم أشد من وقع القنابل الحقيقية والبارود الحقيقي عليهم وما زال هذا دأبه حتى فتح الله عليه.
هذا خلاصة ما تعتقده العوام في (طوب أبو خزامة) وما يحكمونه من الأسباب التي سهلت للسلطان مراد خان فتح بغداد. وفي العراق كثير من مدافن الأئمة والمزارات التي هي أشباه (طوب أبو خزامة) لا بد أن نأتي على ذكرها في فرصة أخرى ولله في خلقه شؤون.
كاظم الدجيلي
المال حاكم
وجدت ذات ليلة في مجلس كان فيه جماعة من الأحباب، يسحر كلامهم الألباب، فأخذنا نتجاذب أطراف أحاديث الأسبوع، حتى أدى بنا الموضوع إلى ما أحدثته يد الدهر من المصائب والأهوال التي يشيب لها الأطفال.
ثم أنتثر عقد الجمع فانطلق كل واحد إلى بيته ورجعت أنا أيضاً إلى منزلي منزعج النفس مكدر ماء الخاطر فاضطجعت على فراشي وأفكاري في اضطراب عظيم ولا اضطراب(3/415)
البحر المتلاطم بالأمواج. فبينما أنا خائض عباب ذلك البحر والوساوس تتقاذفني وتلعب بي كل ملعب أقبل عليّ قاضي الوسن فحكم عليّ بالنوم ولم أعد أشعر بعدئذ بشيء من الهم والغم.
وبينما أنا في تلك الحالة رأيتني كأنني أحوم حول بلد لم أر مثله في عالم اليقظة ثم دخلته فرأيته على غابة من الرقي والتمدن. فأخذت أطوف في أزقته وأسرح طائر النظر في معاهده وأبنيته وما حوته من النفائس والمآثر والحلل والأمتعة والخيل المسومة والأنعام الحسنة حتى سدر بصري وطاش سهم فكري وذلك لأني رأيت بجانبي قصراً شامخاً رفيع البناء مزيناً بأنواع الرياش الفاخرة تنيره الكهربائية الساطعة الضياء. وهناك رايات وأعلام مختلفة الأشكال تخفق على مرتفعات القصر. وكانت جدرانه من الداخل مفروشة بمنسوجات الحرير وأعمدته مغشاة بالبز الوهاج. يطوف حوله حرس من الجند موكلين بحفظه فأتيت أحدهم وخاطبته برفق وقلت له: لمن يا أخي هذه الدار المشيدة؟ قال إنها لسيد هذا البلد الأكبر. وإن أنت اختفيت في موضع لا يراك منه أحد تشهد حضور هذا السلطان العظيم. ففعلت بما أشار به عليّ وكمنت في غار كان هنالك يبعد عن القصر نحو قيد غلوة.
وبينما أنا أترقب تلك الساعة العظيمة إذ سمعت أنغاماً عجيبة تلتذ بها الأسماع وتألفها القلوب النافرة. فاقبل جند لا يحصى عددهم وعلى أكتافهم البنادق وفوق رؤوسهم تخف الأعلام. ولما قربوا من القصر انقسموا شطرين كل شطر على جانب وقد اجروا ذلك بانتظام عجيب وأسلوب غريب.
ولما دنا الملك صدحت آلات الطرب كأنها تسلم عليه وأجرى الجند مراسيم الاحترام لسيدهم الهمام حينما رأوه يخرج من القصر فإذا هو رجل جليل واسع الصدر صبيح الوجه ذو هيبة ووقار على رأسه إكليل مرصع بأنواع الجواهر ومن حوله عدة رجال كل منهم كالضرغام وقد شهروا بأيديهم البواتر وهم يمشون أمامه وخلفه يسرة ويمنة فلما رأى تلك الصفوف المعبأة رفع يده فسلم عليهم وهو يمر أمامهم ويشجعهم بألفاظ تتقد حماسة. ولما رأيته يمعن في السير خرجت من مكمني وما زلت أتتبعه عن بعد حتى رأيته أتى ضاحية المدينة فأتى له بكرسي فاخر وضعوه على أشرف مكان هناك وشرع يتكلم بكلام جهوري ترتعد له فرائص الأرض ومن جملة ما سمعته وحفظته قوله: أنا الحاكم الأكبر، أنا الذي تطاطئ لسطوتي رؤوس(3/416)
العوالم، أنا الذي أقيم الدنيا وأقعدها. أنا زينة النفوس الدنيوية التي جعلت هذه الحياة أقصى مناها ورغائبها، أنا الذي قيل عني:
من كان يملك درهمين تعلمت ... شفتاه أنواع العلوم فقالا
لولا دراهمه التي يزهو بها ... لوجدته في الناس أسوأ حالا
إن الغني إذا تكلم بالخطأ ... قالوا صدقت وما نطقت محالا
أما الفقير إذا تكلم كلمة ... قالوا كذبت وأنكروا ما قالا
إن الدراهم في المواطن كلها ... تكسوا الرجال مهابة وجمالا
فهي العلوم لمن أراد فصاحة ... وهي السلاح لمن أراد قتالا
فلما أتم كلامه هرولت إليه ودنوت منه ومثلت بين يديه فقلت له: وما الذي يبعث في البلاد الرقي والعمران ويزيد فيها النماء والثروة قال هذه الأمور وهي:
1 - توفير النفقات وتدبير أمر المعيشة.
2 - السعي وراء شق الأنهار وتحسين أمور الزراعة وتوسيع أبواب التجارة.
3 - بث العلوم بين أكبر الناس وأصاغرهم لأنها أساس الصناعة التي هي مجلبة المال.
4 - مساعدة الأهالي المعوزين بالمال وبجميع الذرائع التي تمهد لهم سبل السعادة.
5 - نشر ألوية الآداب الصحيحة والفضائل القويمة وقطع دابر أهل الفساد.
فلما رآني متطالاً إلى سماع أقواله الدرية قال: ومن أي قطر أنت؟. - قلت له: سيدي إني من ديار العراق من بلدة دار السلام، دار الحضارة والعمران في سالف الأيام. - فلما سمع
هذه الكلمات أطرق ساعة ثم قال: نعم كانت الزوراء أم العلوم والمدنية، أم الحضارة والعمران، مقر الخلفاء العباسيين، مصدر أنوار العلماء العاملين. نفقت فيها التجارة، وتقدمت فيها الزراعة، واشتهرت فيها أرقى الصناعة، وانبثقت منها أنوار العلوم والفنون، بيد أن دخول (هولاكو) فيها تداعى ذلك البناء، فضلاً عن أنه هدم دور صنائعها وقوض معاهدها ودرس مدارسها وردم أنهرها فأخذت منه ذاك الحين بالهوى العجيب يوماً فيوماً. فلما نظرت ما حل بتلك الحاضرة من الرزايا والبلايا وخيانة الدهر لها لما ظعنت عنها فنزلت ديار الإفرنج واتخذتها إليّ مقراً لأني أيقنت حق اليقين أنها لا تعود إلى ما كانت؛ طالما يكون بيت المال فارغا. وما دام فيها. . . .!(3/417)
ولما وصل إلى هذه الألفاظ الأخيرة التفت إلى حاشيته وبدأ يخاطبهم بصوت خافت وأنا أنظر إليه حائراً بائراً. ثم نهض من مكانه فقام له الجند بالسلام كما فعلوا حينما قدم ورجع إلى البلد بتعظيم وتبجيل وأردت الدخول معه لكن حال بيني وبينه جماعات الناس وبينما كنت أحاول الانسلال بينهم شعرت كأن واحداً دفعني فصحوت من نشوة الكرى وقد انطبعت في مخيلتي الرؤيا التي رأيتها في عالم الخيال فوجدته مطابقاً لعالم المثال فاغرورقت عيناي بالدموع وقلت: رحماك يا رب رحماك! أسألك بأن تلطف بعبادك وتقيم لهم رجالاً ذوي حزم وعزم ينظرون في الأمور على ما هي ويتبصرون في العواقب لكي يعود إلينا طائر العمران، فيخفق بجناحيه على جميع هؤلاء السكان، فأنت الرحيم وأنت الرحمان.
20 - 8040
الذرعة
1 - تمهيد
بمناسبة ما حصل في العام الماضي من توالي شكايات الزراع وفي هذه السنة من تشكي الحكومة من الذرعة - واغلب الناس في الولاية فضلاً عن الموجودين خارجاً عنها، بل حتى موظفي (مأموري) الذرعة أنفسهم يجهلون أصولها (ومعاملاتها)، ولا لوم عليهم ولا تثريب لأنها خاصة بالعراق، بل ببعض أنحائه فقط، وذلك على قاعدة أن أحكام حكومتنا العثمانية جارية في الأغلب (على التعامل) (كما يقولون، أي على العادة الجارية في ذلك المحل منذ القدم) فلا تشبه معاملة معاملة حتى في الجنس الواحد - أحببت أن أبين حقيقتها ليعلمها الجميع ويطلعوا على خفاياها إطلاعاً كافياً بحسب الأماكن وقصدت نشر ذلك في مجلة (لغة العرب) لما هي عليه من كثرة الانتشار ولأن عموم الطبقات الراقية في كل البلاد يعيرونها الالتفات الجدير بها، ولأن مثل هذه الأمور لا فائدة من نشرها في صحف تقرأها العوام، فلهذا رأيت إبقاءها مخلدة في هذا التاريخ؛ والله المستعان.
2 - تعريفها وذكر واضعها وسبب وضعها
الذرعة (وزان سبعة) نوع من الضريبة تضرب على الأراضي أرزاً وأول من أقام أصولها مخلص بك دفتر دار ولاية بغداد (أي أمين خزينتها) في نحو سنة 1277 مالية أي سنة 1861 ميلادية. وكانت الحكومة قبل ذلك تضمن الأراضي(3/418)
(وهم يقولون بهذا المعنى: تعطى الأراضي بالالتزام) والضامن (أي الملتزم) يقتسم المزارع مع الزراع وتأخذ ريعها (أي عوائدها)؛ فرأى المومأ إليه أن الزراع يسرقون القسم الكبير من محصولات التمن (أي ريع الأرز) وعند المقاسمة لا يبقى للضامن (أو الملتزم) إلا الشيء الطفيف أو يظلمهم فيأخذ منهم أكثر من حقه، وهو محق في ما يظنه.
والسبب في سرقة الزراع هو جور العمال وطمع الضامنين معاً. أما طمع الضامنين فلأنهم كان يريدون الحصول على أضعاف ما سلموه إلى الحكومة. فضلً عما كانوا يؤدونه يومئذ للموظفين من كبير إلى صغير. وأما جور العمال فلأنه لم يكن للحكومة العثمانية مكافأة
للمحسن ولا مجازاة للسارق الخائن كما كان دأبها. فكم سمعنا بمن أخذ منهم للمحاكمة ويكاد يتصور السامع أن المأخوذ يشنق عن قريب لأن جرمه عظيم، فلا تمر بضعة أيام حتى يسمع ببراءته رفقاً به وببيته. اللهم إلا كان الموظف (المأمور) صغيراً وسرقته حقيرة فحينئذ يعاقب، على حد قول الشاعر التركي:
مليونله جالان مسند عزنله سرافراز ... برقاج غروشك مرتكبي جاي كركدر
معناه: أن سارق الملائين قائم على منصة العزة اللائقة بجلاله، والمختلس، لبضعة غروش مستحق للسجن.
3 - كيفية الذرعة
يخرج بضعة موظفين (مأمورين) يرأسهم ناظر وتحت أيديهم ذارعون ومحافظون (واغلبهم لا يميز بين الزرع الذي يراه إن كان أرزا أو حنطة أو شعيراً) فيذرعون الأرض المزروعة بحبل طوله 50 ذراعاً بذراع اليد الذي هو عبارة عن نصف متر فيكون طول الحبل نحو 25 متراً. والأرض التي طولها حبلان في مثلهما عرضاً (أي 50 متراً) يسمونها (مشارة) ولكون زرع الأرز يحتاج إلى كثرة المياه، يضطر الزراع لزرعه على حافات الجداول؛ ولكثرة الفلاحين تضيق عليهم الحافات فلذا يجعلون لكل فلاح على النهر فسحة يتراوح قدرها بين 8 أذرع و20 ذراعاً بذراع اليد أي ما بين 4و10 أمتار. فهذا عرض الزرع. وأما طوله وهو ما يسمونه(3/419)
بلغتهم (النزال) فيمتد إلى 100 أو 200 حبل والحبل كما ذكرناه نحو 25 متراً فتتصل مزارع البعض بمزارع البعض الآخر تقريباً لأن كل طائفة من الفلاحين مربوطة بشيخ وهو الذي يسمونه (سركال).
فإذا أتى الذراعون أخذوا أولاً بذرع (النزال) أي طول الزرع فلا يعارضهم أحد. لكن الطامة الكبرى في العرض إذ هناك تقوم قيامة الزراع مع الذراعين لأنهم إذا أرخوا الحبل أو شدوه أو بلوه بالماء حدث فرق كبير، إذ على الذراع الواحد يبني حساب طول المزرعة التي هي 10 آلاف ذراع أو أكثر أو أقل. فإن كان العرض 8 أذرع وحصل النزاع على الواحد فهو الثمن بالنسبة إلى الزرع كله كما لا يخفى والفائز من أرضي الذراع فأغضى له عن ذراع أو نصفه! والويل لمن لم يرضه بل لمن أغضبه والعياذ بالله! على أن أمره أهون مما يليه من الأعمال لأن هذا العمل هو (أول عقبة) في هذا الصدد.
(العقبة الثانية) التخمين وهو الخرص، فالخراص وهو المعروف عندهم (بالعمدة) ينظر الزرع بنظره الثاقب فيقول: إن هذه الأرض التي ذرعت فكانت 10 مشاور مثلاً: 3 منها وصف زرعها أعلى (أي فاخر) و2 أوسط و2 أدنى. و1 عديم (أي كالعدم بمعنى ليس فيه حاصل) و2 عائد والقول قوله؛ فإن رضي عن الفلاح قلل الأعلى وزاد في العديم أو العائد والعكس بالعكس. والرضا لم يكن إلا عن طمع في نفس الخراص بعد أن يكون قد تواطأ مع الفلاح على مغنم يجره منه كما هو مألوف العادة يومئذ.
وهنا يحسن بنا أن نعرف القارئ بأمر الحساب: فالأعلى على حساب القاعدة يترك منه (أي يطرح منه) السدس في الهندية، والسبع في الشامية. والأوسط يلقى منه الخمس فلا يدخل في الحساب في الهندية. والربع في الشامية. وذلك لأن أراضي الشامية أقوى إنباتاً وأكثر ريعاً من أراضي الهندية، والعائد هو أن يخمن الخراص ما يعود(3/420)
إلى الحكومة من حاصلات الزروع من دون (تجبير) والتجبير عندهم هو هذا الحساب أو التنزيل الذي ذكرناه. فنقول مثلاً: إن هذه الأرض ذرعت فكانت عبارة عن 400 مشارة فيها: 140 أعلى و100 أوسط و100 أدنى فالجملة 340 وفيها 30 عديماً لا حاصل فيه و30 عائداً. فيكون صافي الزرع عن 140 مشارة الموصوف زرعها (بالأعلى) 120 بعد ترك السبع. وصافي 100 الأوسط 80 بعد ترك الخمس وصافي 100 الأدنى 75 بعد ترك الربع فجملة الصافي عن 400 مشارة هو 275 مشارة لا غير. وحاصل شلب المشارة الواحدة هو 800 حقة من حقق الأستانة فيكون حاصل جميع تلك المشاور 220. 000 حقة. منها: النصف للفلاح اسماً أي 110. 000 والنصف الآخر أي 110. 000 يعطى خمسه للسركال أي 23. 000 والباقي أي 88. 000 هو حصة الحكومة. ويلحق بها العائد وهو عن الأرض الرديئة الزرع أي يؤخذ عن كل شارة نحو 60 إلى 100 حقة حصة (الأميري) الميري. هذه صفة المقاسمة التي جرى عليها (التعامل) ذكرناها استطراداً للوقوف على حقائق الأمور وإلا لم يحن وقت ذكرها لأننا لم نزل في العقبة الثانية.
(العقبة الثالثة) هي عقبة الكتاب والموظفين (المأمورين) فإن العمدة يقول للكاتب أكتب: الأعلى 140 (فيقيدها 200) والأوسط 100 (فيدونها 140) والأدنى 100 (فيحررها 20) والعديم. . . والعائد. . . فيقول لسان حال الكاتب: (وأذني عن الفحشاء صماء. وكثيراً ما
جرى مثل هذه المعاملة معاملة الكاتب لتقييد حاصلات الزراع فكانوا يأخذون أوراقاً من العمدة تشهد بحاصل زرعهم فإذا أتوا لمقابلته بما في دفتر الكاتب يرون الخلاف فتكثر الجلبة ويعلو الصياح وتشتد المخاصمة حتى أنها ربما تنتهي إلى امتشاق الحسام كما جرى الأمر غير مرة. اللهم إلا أن يكون قد وقع التراضي مع الموظف أيضاً فالويل حينئذ للخزينة.
(العقبة الرابعة) أمر تخمين الأسعار. إن الأسعار يقدرها القضاء فيزيدها اللواء وربما زادتها الولاية. فيجري بهذا الخصوص مخاصمات كثيرة حتى يبلغ فيها السيل(3/421)
الزبى. أما سعر الحقة على الغالب فهو 20 فيكون حاصل ال 400 مشارة التي ذكرناها فويق هذا أي حصة الأميري منها 440 ليرة على الفلاح أن يؤديها كيفما كانت الحال. وزد على ما تقدم فعل الحكومة فإنها تأخذ من الفلاح دراهم على الحساب قبل إدراك زرعه فتطلب مثلاً من هذا الرجل الذي سيكون حاصل زرعه ما حصته الأميرية 440 من 200 إلى 300 ليرة (على الحساب) وتضطره إلى الدفع بالجنود والإرهاق فيضطر إلى بيع الحاصل قبل إدراكه ويبيع للتجار التيغار الذي هو عبارة عن 1600 حقة بثلاث ليرات أي أنه يبيع الحقة بسبع بارات ونصف إلى ثمان. وهذا البيع يعرف عندهم باسم (على الأخضر) فيأخذ منهم الدراهم ويدفعها إلى الحكومة. وعلى هذا الحساب تكون أثمان جميع حاصلاته 412 ليرة.
وعند الحساب المار ذكره يكون عليه من الرسم الأميري 440 ليرة (هذا إن كان السعر كما ذكرنا وهو ما يكون في السنين الرخية الأسعار. وأما في سنة غلاء الأسعار فالمثل يكون مثلين. وهذا كله يجري في أنحاء الهندية والشامية وأما في العمارة وما جاورها فرسم الحكومة مقطوع وهو ليرة عثمانية عن كل مشارة سواء زاد السعر أو نقص. ولذلك قلنا أن معاملة الحكومة تجري (على التعامل) إذ في كل موطن نوع معاملة وبعد هذا يريد منه الشيخ حصته فيضطر إلى البيع على السنة القادمة فيدفع(3/422)
إلى الشيخ طلبه. وفي القابل (العام الذي هو بعد العام الحاضر) لا يفي زرعه لأداء ما عليه من الدين ولما يحتاج إليه من الطعام واللباس فيضطر إلى مماطلة الحكومة. فتبقى البقايا في الدفاتر فترى حاصل الشامية مثلاً 80 ألف ليرة. فيدخل منها الصندوق من 20 إلى 30 ألفاً فقط والباقي يدون
في الدفاتر باسم (بقايا) وهلم جراً. فيسبب هذا الارتباك الحروب وهلاك الأنفس.
هذا ما كانت عليه الحالة في العهد البائد الاستبداد والتحكم ولا يظن القارئ إن في الأمر مبالغة أو إغراقاً، كلا وألف كلا، بل فيه تهوين وتقليل. أما الآن فلكوني اعتزلت المداخلات لا اعلم كيف تجري المعاملة في هذا الخصوص!!! لكن مادة الذرعة والحصة والتجبير باقية على حالها بدون أدنى خرق لأنها معاملة رسمية.
وفي العام الماضي تولى نظارة الذرعة دفتر دار الولاية (أمين خزينتها) توفيق بك وأوصل الرسوم الأميرية إلى 120 ألف ليرة فصاحت العشائر وناحت (لأنها كانت تتراوح في السنوات الماضية بين 30 و50 ألفاً) ولكن بدون جدوى. وبقي منها قسم دون في دفتر البقايا حسب العادات القديمة. - وفي هذه السنة خرج الموظفون بنظارة متصرف الديوانية رشيد بك فكانت الظواهر تدل على أن الحصة الأميرية ستكون ما بين 40 إلى 30 ألف ليرة؛ فقامت قيامة الحكومة وعزل المتصرف وجرت المفاوضات بين الولاية والأستانة فكانت نهاية الأمر ورود الجواب من نظارة المالية أن يؤخذ من الزراع الحاصل المعدل تخميساً أي بحسب حاصل خمس سنوات يؤخذ منها خمسها. فالزراع يقولون: نعم لكن بشرط عدم إدخال السنة الماضية في السنوات الخمس لأنا مظلومون فيها ظلماً فاحشاً ظاهراً لكل ذي عينين فلعل الحكومة تصغي إليهم. وهي اعلم بأمرها معهم.
قلنا: والسبب الذي الجأ ذوي الأمر إلى حساب خمس حاصل الأعوام الخمسة السابقة هو أن أرض زرع الأرز بعد حصاده يغمرها أصحابها بالمياه خدمة للزرع المستقبل فلا يمكن إعادة ذرعها وإن يكن قد سبق للحكومة ذرع الأرض بعد حصادها وتخمين العمدة لحسن الزرع وسوئه وإن كان مغموراً بالماء فهو من باب المكاشفة(3/423)
لكن الحكومة الدستورية لم تشأ مجاراة الحكومة السابقة في هذا العمل أيضاً!
أما السراكيل أو المشايخ فهم يأخذون خمس حصة الحكومة كما ذكرنا ويأخذون من حصة الفلاح نصفها أو أقل قليلاً من النصف ومن هذا كله تعلم دركة حالة الفلاح العراقي. أنعشه الله وأقاله!
أحمد رفيق
أربع أسر بلا أثر
(تتمة)
3 - أسرة مركار آغا
إن مركار آغا أو أغا مركار بن افيد خلداريان الأرمني غير الكاثوليكي والمولود في جلفا (قرب اصفهان) كان وكيلاً في بغداد لشركة الهند الإنكليزية التي ينبغي أن نعرف أمرها للقراء ليحطوا علماً بمقام هذا الرجل وعليه نقول:
في سنة 1599 أسس بعض التجار الإنكليز في لندن شركة ذات امتياز غايتها التجارة في بلاد الهند ولم يكن رأس مالها أول بدء سوى 64. 000 ليرة. لكن لم يمض على تأسيسها قليل من الزمن إلا وأخذت تكبر وتتسع وتنجح نجاحاً لا مزيد عليه وخاصة عندما انضم إليها ثلاث شركات أخرى إنكليزية فإنها أصبحت إذ ذاك كدولة صغيرة في تلك الأقطار تنفذ الوفود والسفراء إلى ملوك وأمراء الشرق وتضرب معهم العهود التجارية والسياسية ويمخر أسطولها عباب بحر الهند وخليج العجم وتفتح عساكرها المدربة على الطريقة الأوربية البلاد الواسعة وتشيد الحصون المنيعة وتعززها بما لديها من القوة استتب لها إخضاع القسم الأكبر من الهند لسلطانها وكسر شوكة مزاحميها من بورتوغاليين وهولنديين فرنسيين وهكذا أصبحت أو كادت تصبح انكلترة الحاكمة الوحيدة في هندستان المأهولة بمئات ملايين من النفوس(3/424)
لأن الشركة - التي كانت قد فقدت شيئا من استقلالها من سنة 1773 - ألغيت في 1 تشرين الثاني سنة 1858 وانضمت أملاكها إلى مملكة بريطانيا العظمى وذلك أثر قمع ثورة أثارها العسكر الهندي المدعو سيباهي (وهي كلمة فارسية معناها العسكر).
فهذه الشركة كان لها في البصرة تجارة واسعة وقنصل حائز على امتيازات جمة منها حرسه الخاص به فإنه كان مؤلفاً من 50 سيباهياً وعند أبواب قصره مدافع مصفوفة وكان يطيعه خيالة يمشون أمامه وبأيديهم الدبابيس المفضضة وغير ذلك من الامتيازات التي لم يحصل على بعضها سفراء انكلترة أنفسهم لدى الباب العالي. هذا في البصرة وأما في بغداد فكان للشركة عامل أو وكيل للقيام ببعض شؤونها ولتبليغها الأخبار التجارية والسياسية وما
أشبه ذلك بواسطة قنصل البصرة المنوطة به وكالة بغداد وعرض الوكلاء الذين كانوا غالباً من مسيحيي الشرق وظلت هذه الحالة حتى سنة 1798 التي أرسلت فيها الشركة المستر جونس وكان أول قنصل إنكليزي في بغداد فعينت الحكومة العثمانية داراً لسكناه وسمحت أن يكون له شرذمة من السيباهية.(3/425)
فمركار أغا الذي نحن بصدده كان أحد هؤلاء الوكلاء وكان يتعاطى التجارة أيضاً وقد ذكره الرحالة ستيني الإيطالي في كتاب رحلته من الأستانة إلى البصرة سنة 1781 باسم خوجا مركار ولما كان وقتئذ في البصرة كان ينوب عنه في بغداد رجل أرمني أيضاً اسمه مانوك وهو إنسان خشن وفظ وطماع ومحب للمال كثيراً واغلب المسافرين الإنكليز كانوا يتشكون من طمع وكلاء الشركة في بغداد (أنظر رحلة سستيني بالفرنسية صحيفة 160 و166) ولدى مكاتيب قديمة أرمنية يذم فيها مركار اغا ذم حسود وهو الذي ساعد اليعاقبة غير مرة على إنجاز مقاصدهم ضد السريان الكاثوليك ولو أنه كان يتفق تارةً مع الكاثوليك وطوراً يلازم الحياد تسوقه يد أعلى منه. وكان أحد المساعدين له في أعماله هذه العدائية الكسان اغابن مرادخان أحد تجار الزوراء من الأرمن الغير الكاثوليك (أنظر عناية الرحمان في هداية السريان صحيفة 290 و302 و328 و361).
وقد تأهل مركار اغا بكترينة ابنة ميخائيل راجي الطبيب الماروني المار ذكرها بشرط أن يتبع الأولاد الذكور أباهم في معتقده وتتبع الإناث أمهن الكاثوليكية وكان كذلك وأما أولاده فهم:
اوصنا التي توفيت في شهر ك 2 سنة 1842 وهي امرأة كوركيس بن قسطنطين الكلداني أي والد فريدة امرأة الياس عيسى الأولى وأختها شموني امرأة حنا كركجي الأرمني الكاثوليكي.
انشتى (حنة) التي توفيت في 25 نيسان سنة 1858 وسيأتي الكلام عنها مرة ثانية.
افيد أو اغا أفيد الذي توفي في 8 ت 1 سنة 1857 وكان قد سافر مرة إلى العجم وقضى معظم عمره بالبطالة وكان يقول لمن يحرضه على أن يدين بالكثلكة: حاشا لأبن اغا مركار أن يصير كاثوليكياً ولو تكون جهنم نصيبه لأني أريد أن أذهب إلى حيث ذهب والداي وسيذهب اغا ميناس واغا خاجيك (وهما من وجوه الأرمن الغير الكاثوليك) وكان وفاة
مركار اغا في المدة التي بين سنة 1794 وسنة 1797.
وأما زوجته كترينة المعروفة في بغداد بكتة خاتون أو جدة كتة فتوفيت في 11 أيلول سنة 1862 وشيع القنصل الإنكليزي جنازتها ووضعت الراية الإنكليزية على تابوتها وفي قيد حياتها كانت قنصلية الإنكليز في بغداد تؤدي لها شهرياً 100(3/426)
قران (وكان سعر القران يومئذ 5 غروش صحيحة) ويقال أنها كانت من النساء المعدودات يزورها الرفيع والوضيع وذات صوت رخيم تعدد في مآتم الأهل والأصدقاء وتجلو عرائسهم كعادة نصارى بغداد في ذلك الوقت وهذه العادة التي تسمى الجلوة لم تزل جارية عند الإسلام واليهود وأما عند النصارى فقد أهملت من نحو 30 سنة.
4 - أسرة أرتين يا مرجي أو يارمجيان(3/427)
في الربع الأخير من القرن الثامن عشر قدم بغداد عدة أشخاص من أرمن الاستانة للتجارة والإرتزاق فواحد منهم كان ارتين يامرجي الأرمني الكاثوليكي وكان قد أرسله أحد أقاربه التجار في استانبول ليتعاطى البيع والشراء في بغداد ويربح كغيره من مواطنيه الذين سبقوه غليها إلا أن الحظ لم يسعده أن يحصل على ثروة تذكر وقد اقترن بأنشتى مركار اغا المار ذكرها وتوفي في يوم نجهله وإليك أسماء بناته الأربع:
ديروهي (سيدة) التي توفيت في 6 شباط سنة 1837.
تريزيا التي توفيت في 1 تموز سنة 1845 وكانت من النساء ألعابدات الناسكات.
اغنيس التي توفيت في 11 آب سنة 1871 وهي امرأة الياس عيسى الثانية، شمة (شموني) التي توفيت في 30 آيار سنة 1883 وهي امرأة انطون اسطنبولي الأرمني الكاثوليكي أعني به والد اليزة خاتون (مدام روبين) فسبحان الحي البافقي الذي لا يفنى زلا يزول.
الأبيل نرسيس صائغيان
باب المكاتبة والمذاكرة
1 - بنية بن جرينس أو قرينيص أو قرينس أو بنية بن مزبان
كنا قد كتبنا في حاشية 3: 293 أسطراً في شأن بنية بن جرينس أو قربنيص أو قرينس الجرباء وقلنا أنه من شمر طوقة وكان اعتقادنا كذلك وفي الشهر الماضي ذهبنا إلى زيارة حضرة السيد محمود أفندي النقيب في بغداد فصادفنا في ناديه الشيخ مجول بن فرحان الجرباء أحد الشيوخ شمر الغربيين، والحاج عباس العلي كبير أهل الكوت ولما استقر بنا الجلوس أخذنا نتجاذب أطراف الأحاديث كما هي عادة الزائر والمزور وبعد هنيهة قال حضرة السيد محمود أفندي إنكم ذكرتم أن بنية من شمر طوقة والصحيح أنه من شمر الغربيين ثم التفت إلى الشيخ مجول المتقدم ذكره وقال أليس ما أقوله صحيحاً؟ فقال الشيخ مجول بلى وهو من المحمد ابن أخي فارس(3/428)
الجرباء والدجدي صفوق. وليس اسم أبي بنية جرينس بل اسمه قرينيص فقلنا إذا كان الأمر كذلك فما المناسبة لدفنه في النجف وتشييد هذا البناء على قبره وهو مخالف لمعتقد شمر الغربيين سيما وهم من أهل السنة والجماعة فقال إن قتل بنية كان في أرض الخزاعل وهم الذين دفنوه في النجف فقلنا إذا فرضنا جدلاً أنهم دفنوه في الغرى فمن الذي انفق على هذا البناء الفخم والقبة المغشاة بالقاشاني المبالغ الطائلة فلم يأت بدليل مقنع ثم قلنا أما دليلنا نحن على أنه من شمر طوقة فلأن شمر طوقة هم على مذهب الشيعة وهم يدفنون موتاهم في النجف وكربلاء فلا شك أنه كان منهم وهم الذين شيدوا على قبره هذا البناء.
ثم انتبه الحاج عباس العلي السالف الذكر لقولي (دفنه في النجف وتشييد البناء على قبره) وقال لي صف لي قبره فوصفته له فقال: (هذا الذي تعنيه هو قبر بنية رئيس عشيرة بني لام وليس قبر بنية الذي جرى الكلام عليه وقد توفى رئيس عشيرة بنى لام المذكور في حدود سنة 1313هـ 1895م والمشيد على قبره هذا البناء هو ابنه غضبان الرئيس الحالي لعشيرة بني لام) اهـ.
وقد راجعنا بعض المجاميع فوجدنا الأمر كما ذكره القوم. ثم بعد أسبوع صادفنا الشيخ مجول السالف الذكر وقال لنا: (إن قبر بنية الجرباء اليوم واقع في الجنوب الشرقي من (أم البعرور أو لحميدية) من أرض الشامية على بعد 4 أو 5 ساعات)
فنحن نشكر حضرات الجميع على إفادتهم إيانا وتنبيههم على أغلاطنا سيما نشكر لحضرة السيد محمود أفندي النقيب لأنه هو السبب في ذلك ويا حبذا(3/429)
لو حصل لنا من يدلنا على خطأنا ويرشدنا إلى الصواب إذ الإنسان موضع الخطاء والنسيان والكمال لله وحده.
كاظم الدجيلي
2 - الهيلاج ومعناها
كتبت لغة العرب مقالةً في أصل هذا المعنى ولما كان ختام الكلام حمل القارئ على إبداء رأيه إن كان له رأي يخالف رأي صاحب المقالة جئت بهذه الأسطر لأعرض للمطالع ما عن لي، فأقول: (كدخداه وهيلاج) لفظتان فارسيتان لا يقوم معنى الواحدة منهما بدون الأخرى لأنهما قد ارتبطتا معنى ارتباط الروح بالجسد وعندي أن (كد خداه) محرفة عن (زاد خداه) ومعناها الحرفي (مولود الله) لأن (زاد) بالفارسية (مولود) و (خداه) (الله) فيكون مؤداهما (المولود من الله) وذلك لأن مصدر الروح هو سبحانه عز وجل.
أما (هيلاج) فهي عندي مصحفة عن (هل) و (لاش) ومعناهما (دع الجثة الهامدة) أي الموت وبعبارة أخرى (دم سعيداً) أو (عش دهراً طويلاً) أو عن (هج) مقوم و (لش) جثة أي (مقوم الجثة ومصلحها) وصفوة القول أن المرام بهاتين اللفظتين الروح والهيولي (أي المادة) لأن في اصطلاح المنجمين (كدخداه) اسم دليل روح المولود و (هيلاج) اسم دليل جسم المولود وقد استعيرنا مجازاً لأسمى نجمين يراد بهما نجما المولود. وإثباتاً لما نحن بصدده نورد نص صاحب كتاب شفاء الغليل: (كدخداه وهيلاج) هما كوكبا المولود، فلأول لرزقه والثاني لعمره، فإن ولد في صعوده كان زائداً فيه وإن كان في هبوطه كان بعكسه. وهذا مما ذكره الحكماء والمنجمون وأرباب المواليد وعربوه قديماً) اهـ.
ومما يؤيد ظني أن (هيلاج) لفظة فارسية اتجار أن الفرس القدماء كانوا يتعاطون علم التنجيم وقد نبغ فيهم منجمون عديدون برعوا في هذا العلم ووضعوا ألفاظا عديدة من جملتها (هيلاج) بمعناها الآنف الذكر.
هذا ما عن للخاطر الكليل. ولعلى قد أخطأت أكثر مما أصبت. غير أن أملي في كبار حملة الأقلام هو العذر المشفوع بالسلام.
رزوق عيسى
(لغة العرب) لا يكفي للباحث أن يقول أن الكلمة الفلانية هي من الأصل الفلاني ما لم(3/430)
يأت بشاهدٍ أو سندٍ يثبت مدعاه. وإلا فإن المخيلة تختلق أموراً كثيرة لتؤيد ما تتوهمه. ألم يقل العرب الأولون إن إبليس من البلس والخندريس من خدر العروس والاطربون من الطرب ونحو هذه كالإسطرلاب والنوتي والتاريخ والاركون والاردمون والمنجنيق وغيرها تعد بالعشرات. فلقد تخيلوا لها أصولاً غريبة من عربية وأعجمية. واليوم لا يقبل بهذه الآراء. - (أعني أراء أئمة لغويي العرب في سابق العهد) - طلبة الكتاتيب فضلاً عن طلبة العلم الأفاضل ولهذا نستبعد رأي حضرة الكاتب الأديب بل ولا نعرضه بين الآراء ما لم يأتنا بنقول أو نصوص أو شواهد أبين وأدل على ما ننشده.
3 تصحيحات لما في العدد السادس من السنة 3
تلقينا هذا الرسالة من أحد مشاهير أدباء بغداد فأدرجناها بحروفها. ونحن نشكر الكاتب عليها ونلتمس إلى كل فاضلٍ أن ينبهنا على أغلاطنا إذ فتحنا هذا الباب لهذه الغاية
حضرة الفاضل الأديب المحترم،
غيرة على مجلتكم الزاهرة من وقوع ما هو مغاير للحقيقة ومحاشاة لسمعتها جئت بهذه الأسطر راجياً درجها إن وافق نظركم ذلك وإلا فإهمالها وعدمه سواء
قرأت في العدد السادس من السنة الثالثة في الصحيفة 313 بحثاً عن معنى العب وقد أجدتم في التنقيب عنه غير أنكم ذكرتم أنه عند العراقيين جيب العب وهو الجيب الذي يلي الصدر في الثوب أو في الصدرة والحال أن العب المتعارف عند العراقيين ليس بذاك بل هو ما يكون فوق الحزام أعني غير الجيب لأن الجيب هو الذي يشبه الكيس المخيط بالثوب والعب هو (ما إذا كان فيه شيء وانحل الحزام يسقط في الأرض) وسواء كان الحزام على الثوب أو على ما يسمونه بالزبون الذي يسميه الشاميون (القنباز) والعرب (القباء) أو على العباءة أو الجبة أو غير ذلك فكل فرجة بين الثياب فوق الحزام تسمى عباً وتعريفه: (ما لا يحفظ شيئاً بدون ربط (الحزام) عليه والحزام هو الزنار عند العرب الأقدمين.
وفيه في الصحيفة 317 أن بحيرة النجف نشفت منذ سنة 1305 (1887م) والحال في تلك السنة غرق فيها مئات من السفن في يوم شديد الرياح كما ذكرته لكم في مسألة البرد (وزان
سبب) ونشافه. كان بعد نحو 3 أو 4 سنوات فيلزم تصحيح ذلك خدمة التاريخ.
وفيه في الصحيفة 321 تأويلكم معنى شظ بأن اصلها شط قلنا والأصح أن أصل ذلك من شذ شذوذاً والغالب في سبب هذا التحريف أن كاتباً سمعها من أحد الأعاظم(3/431)
من أولئك الذين يلفظونها (شز) بالزاء وإذ أن بعضهم يلفظون الذال والظاء زاء ظن أن المراد الظاء ولم يتبادر إلى ذهنه أنها الذال. هذا ما سنح للبال.
وفي ص 368 فسر الكاتب كلمة (الشلفة) بالرمح. وهي ليست به فالشلفة حديدة عريضة محددة تكون في موضع السنان وهي من الارمية (شلفا) بمعناها ويراد بها أيضاً الحرية والنصل والسكين والمدية وكل شفرة بلا مقبض. بل والشفرة نفسها. أو من (شلفتا) وهي الشفرة التي لها حدان.
وأدل دليل على أن الشلفة غير الرمح أنهم يقولون (رمح أبو شلفة) أي ذو شلفة. وعندهم أن من يطعن بالشلفة لا بد أن يموت. ومثله تأثيراً ما يسمونه (أبو شراشيب) وهو ما يناط برأسه سلاسل صغار من الحديد. أما ما يوضع في أسفل الرمح فهو الزج وهم يسمونه اليوم (العكوز).
وورد في ص 372 س 12 لعمر وأبيك والصحيح لعمر أبيك بدون واوٍ وهو ولا شك من المرتب (المنضد). فسبحان من لا عيب فيه.
عبد اللطيف ثنيان
4 - أنهر البصرة
سيدي الفاضل صاحب (لغة العرب)
سلام واحترام. أما بعد فقد جمعني وبعض الأصحاب بالأمس مجلس أدب فأخذنا نتجاذب أطراف الكلام حتى أفضى بنا الحديث إلى ذكر مجلتكم وخدماتها الجليلة للقطر العراقي خاصة فانبرى أحد الحضور قائلاً لقد قرأت ما ورد في صفحة 220 من (عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد) للسيد إبراهيم فصيح بن صبغة الله الحيدري المدرج في الحاشية من (لغة العرب) 3: 59 وهو (أما الأنهر والجداول المتفرعة من تلك الأنهر المذكورة فتبلغ أكثر من عشرة آلاف نهر والعشائر الساكنة في هذه المحال بين البساتين لا يحصى عددها. أهـ.) وقد صرح أن في ذلك العدد مبالغة جسيمة.
هذا ولما كنت قد وقفت في بعض الدواوين على عدد أنهر وجداول البصرة في أبان عزها أقول: لا يوجد مسحة من المبالغة في قول السيد إبراهيم المذكور لأن أنحاء البصرة من عهد العباسيين وما بعده مملوءة من جداول وسواقٍ تعد بالمئات لا بل بالألوف واغلب مؤرخي دقائق الحقائق شكوا في صحة(3/432)
عددها حتى أن (الاصطخري) عندما طرق مسامعه أنه كان يوجد مائة وعشرون ألف نهر في عهد بلال بن أبي بردة سنة 118هـ - 736م أرتاب في صحة هذا العدد وعده من قبيل الأوهام حتى اضطر أخيراً أن يذهب بنفسه إلى البصرة ليتحقق ما سمعه وذلك في القرن الرابع للهجرة وهاك ما كتبه بعد الفحص والتدقيق:
(قد كنت أنكر ما ذكر من هذه الأنهار في أيام بلال حتى رأيت كثيراً من تلك البقاع فربما رأيت في مقدار رمية سهم عدداً من الأنهار صغاراً تجري في كلها زوارق صغار ولكل نهر اسم ينسب إلى صاحبه الذي احتفره أو إلى الناحية التي يصب فيها فجوزت أن يكون ذلك في طول هذه المسافة وعرضها) (لاصطخري 80).
وقال نفس هذا القول ابن حوقل في عرض كلامه عن البصرة ودونك إياه (ولها (أي البصرة) نخيل متصلة من عبدسي إلى عبادان نيفاً وخمسين فرسخاً متصلة لا يكون الإنسان منها بمكان إلا وهو في نهر ونخيل أو يكون بحيث يراها) (ابن حوقل 159).
فمن وصف ما تقدم يظهر بأجلى وضوح أن أنهر البصرة كانت أضعاف ما ذكره السيد إبراهيم بن صبغة الله الحيدري البغدادي وفي هذا القدر كفاية لما أردنا بيانه والسلام.
رزوق عيسى
5 - رجوع إلى الحق
قد اطلعت في مجلتكم على سؤال دبجه يراع أحد الفضلاء في (باب المكاتبة والمذاكرة) ص 374 من مجلد هذه السنة وذلك فيما ظهر للسائل الفاضل من تاريخ إمارة إبراهيم وولده موسى وجده مانع وما فيه من الارتباك ونحن قد ذكرنا ما ذكرناه هناك اعتماداً على (مثير الوجد) وقد أهملنا مراجعة ذلك لكن لما أطلعنا على سؤال السائل فهمنا مما لدينا من الأبحاث إن إمارة مانع كانت في سنة 580هـ وإمارة ربيعة كانت في سنة 627 وإمارة موسى كانت في سنة 645 هجرية فيكون هذا أقرب إلى الصواب مما تقدم وأوفق للمقام
هذا ما حققناه. ونحن نشكر السائل الفاضل على انتقاده هذا الذي جعلنا نعتقد أن في مقالتنا هذه حظى في نظره كما أننا سنتابع السير في مثل هذه المواضيع إن شاء الله وإنا نرجو من جميع الأدباء والفضلاء أن يدققوا النظر فيما نكتبه ويذكرونا فيما نهمله وننساه لأن في مثل هذا يكون للإنسان باعثاً للتحري والنشاط.
صاحب الرياض سليمان الدخيل(3/433)
أسئلة وأجوبة
1 - أصل الأميرال ومرادفاتها في العربية
سألنا أحد أدباء طرابلس الغرب: هل حقيقة أن لفظة الأميرال الإفرنجية هي عربية الأصل؟ وهل استعملها العرب سابقاً. وإن لم يستعملوها فما كانوا يقولون في معناها؟
ذهب كثير من المستشرقين وجماعة من الباحثين عن أصول المفردات من أبناء العرب المحدثين (متبعين في هذا الرأي الإفرنج المتعربين) إلى أن الأميرال لفظة عربية الأصل من (أمير الماء أو أمير البحر). أما نحن فنوافقهم في بعض الشيء لا في كله ونرى أن الكلمة من العربية (أمير) لا مقطوعة من اللفظتين والسبب هو أن الإفرنج أخذوا عن العرب ما نطقوا به لا غير. والحال أن العرب الأقدمين لم يقولوا البتة: أمير الماء بل أمير البحر، أما أمير الماء فإنهم لم يعرفوها وأما أمير البحر فقد استعملها أبو المحاسن ابن تغري بردى صاحب كتاب النجوم الزاهرة في أخبار ملوك مصر والقاهرة وقد طبعه جوينبول ومتثيس وقد توفى مؤلفه سنة 874هـ (1469م) ووردت اللفظة فيه في عدة مواطن منها في 2: 116 وقد أكثر المحدثون من ذكرها. - أما وجودها عند الإفرنج بصورة أميرال فإنه كان عن طريق اللغة اللاتينية المولدة وهذه من العربية أي من الأمير. وكان هذا الاسم يختلف عند العرب الأقدمين باختلاف البلاد ففي ديار المغرب وأفريقية كان يعرف باسم (الملند) وهي من اللغة الإسبانية من (وهي بكسر الميم وفتح اللام المفخمة بعدها نون ساكنة يليها دال مهملة) قال ابن خلدون في مقدمته (ص 218 من طبعة بيروت الأولى) في كلامه عن قيادة الأساطيل: هي من مراتب الدولة وخططها في ملك المغرب وأفريقية ومرؤوسة لصاحب السيف
وتحت حكمه في كثير من الأحوال. ويسمى صاحبها في عرفهم (الملند) بتفخيم اللام منقولة من لغة الإفرنجة فإنه أسمها في اصطلاح لغتهم)، اهـ على أن لفظة الملند مصفحة(3/434)
عن الإسبانية المبرنت) وهي من (الأمير) العربية لا غير. لكنها تزيت بزي الإفرنج فلم يعرف ابن خلدون أنها بدوية. وقد صحفها بعضهم بصورة (الملبد) قال أبو حمو في كتابه واسطة السلوك في سياسة الملوك ص 133: بعد أن فسد ملبد الطاغية النصراني وأخذ ما كان له في البحر من الطرائد والشواني.) وقد يسر عليه هذا التصحيف لقربه من أصل عربي
وهو (لبد) وخلو (لند) منها.
وفي ديار مصر كان يعرف باسم (أمير البحر) على ما أشرنا إليه. وأما في ديار العرب وبحر فارس وداخل العراق فكانوا يسمونه الاستيام أو الإشتيام) إلا أنها وردت في معان أخرى وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع ولعنا نثبته في عدد مقبل من مجلتنا. ولهذا تكون لفظة أمير البحر أو أمير الأسطول أو (الأمير) وحدها عند وجود القرينة أو دليل في العبارة من أحسن الألفاظ لتأدية الإفرنجية (أميرال).
2 - معنى لفظة البصرة
وسألنا من واشنطون صديقنا ب. ب. ب. قال: أود أن أعرف معنى كلمة (البصرة) فإني أراك تضبطها بالإفرنجية هكذا كما يضبطها العرب الفصحاء في كتبهم لأنهم يقولون: إن معناها الأرض الغليظة التي فيها حجارة تقلع وتقطع حوافر الدواب أو البصرة حجارة رخوة فيها بياض والحال إني لم أجد في رحلتي إليها حجارة بيضاء أو سوداء في البصرة أو في قربها. وقد سمعت بعض علمائها الحاليين يقولون: إن الأقدمين اخطئوا في تسميتها بالبصرة بالفتح وإنما هي بالضم. إذ ليس معناها الحجارة البيضاء بل (الأرض الغمقة أو الكثيرة المياه الراكدة) كما هو الأمر في عهدنا هذا وفي سابق العهد. فما قولكم؟
لم نجد في كتب اللغة العربية والارمية والفارسية لفظة البصرة بالضم بالمعنى الذي أشرتم إليه. والذي عندنا أن البصرة بالفتح (وهو الضبط الصحيح الفصيح) هي الطين العلك أو الأرض الطيبة الحمراء. (معجم ياقوت 1: 636) وهي التي ترى بعد انحسار الماء في ديار العراق وعليه يكون معنى البصرة: الأرض العلكة الطيبة الحمراء كالغريل التي انحسر عنها ماء شط العرب. وهذا موافق للحال أحسن موافقة.
على غني سمعت أحد الأدباء يقول لي: أن صحيح الرواية في البصرة هي البسرة (بضم الباء فسكون السين) كما نقلها الإنكليز إلى لغتهم بقولهم. مشتقة من البسر بالضم: وهو الماء الطري الحديث العهد بالمطر والتمر قبل أرطابه.(3/435)
وكلا الأمرين معروف في البصرة فإن ماءها كثير جم يجدده المد والجزر على الدوام فهو طري حديث العهد. وهي أيضاً معروفة بكثرة التمر وحسنه ولا سيما رطبها. - قلنا: كل هذا ممكن لكن الرواية هي بالصاد لا بالسين كما رواها جميع المؤرخين واللغويين والأدباء ولم نسمع من ذكرها
بالسين. فليختر القارئ بعد هذا ما يشاء.
فوائد لغوية
1 - دور الاستبداد
أكثر الكتاب في هذه السنين الخمس الأخيرة من قولهم: (دور الاستبداد) وقد وقعت هذه الكلمة في منشآت أفصح الصحف والمجلات. ولا وجه لها في العربية إلا بتكلف عظيم. وهم يريدون بذلك: (عهد الاستبداد) ولم ترد الدور المعنى إلا في التركية الحديثة وهي من الألفاظ التي أفسدت معناها اللغة العثمانية أما (العهد) بهذا المعنى فمشهور ويقابله بالفرنسوية:
2 - أشان بحقه ومشين به. وورود افعل بمعنى فعل
من الألفاظ التي لهج بها كتاب العصر قولهم: هذا مشين به وقد أشان بحقه. ولم يرد هذا الباب في كلامهم. إلا أن له وجها وهو أن صاحب المزهر قال (في 2: 206) كان الكسائي يقول: قلما سمعت في شيء (فعلت) غلا وقد سمعت فيه (افعلت). وقال أيضاً (في 2: 167) قال في الجمهرة في باب ما اتفق عليه أبو زيد وأبو عبيدة وكان الأصمعي يشدد فيه ولا يجيز أكثره مما تكلمت به العرب من (فعلت وأفعلت) وطعن في الأبيات التي قالها العرب وأستشهد على ذلك: بأن لي الأمر وأبان، ونار لي الأمر وأنار. . . إلى أن قال: وسرى وأسرى. ولم يتكلم فيه الأصمعي لأنه في القرآن. وقد قرأ: فأسر بأهلك واسر بأهلك. قال: وكذلك لم يتكلم في عصفت واعصفت لأن في القرآن: ريح عاصف. . . .) فيظهر من هذا الكلام وما ذكره غير واحد من اللغويين أن أصحاب دواوين متون اللغة لم يدونوا جميع الأفعال الواردة بالوجهين فعل وافعل ولهذا لا نجسر أن نقطع كل القطع بخطأ من ينطق باشان. اللهم إلا أن يجد المخطئ نصاً صريحاً يمنع هذا الباب لهذا الفعل فحينئذ نعنو له ونسلم له بالحق.(3/436)
ومثل هذا القول نقول لمن استعمل اصانه بمعنى صانه وأساقه بمعنى ساقه واباعه بمعنى باعه واجاء بمعنى جاء. وأدعمه بمعنى دعمه وأهاجه بمنى هاجه إلى غيرها مما يعد بالعشرات بل بالمئات وقد أكثر منها كتاب العصر.
3 - الأكلاف بمعنى الكلف جمع كلفة
ومن الألفاظ التي سالت على أقلامهم قولهم: وكانت الاكلاف كذا. والحال أن الذي أثبته أصحاب المعاجم اللغوية هو أن الكلفة المضمومة الأول تجمع على كلف ولم يسمع بغيرها من فصيح. وأنت تعلم أن الجموع المكسرة وإن كانت قياسية إلا أنه يستعمل منها ما نقل عنهم لا غير. وإلا فإن لفعلة المثلثة الأول الساكنة الثاني قد جاءت على أفعال من باب اعتبار الهاء زائدة أو ذاهبة قال صاحب تاج العروس في مادة ز ب ر: الزبرة بمعنى الكاهل تجمع على الازبار. وأنشدوا قول الحجاج:
بها وقد شدوا لها الأزبارا
وأنكره بعضهم وقالوا: لا يعرف جمع فعلة على أفعال وإنما هو جمع الجمع كأنه جمع زبرة على زبر وجمع زبراً على أزبار ويكون جمع زبرة على إرادة حذف الهاء. اهـ - قلنا: وعلى هذا يحمل جمع كلفة على كلف على اكلاف بيد أننا قلنا ونقول ولا نزال نقول: يحسن بالكاتب الفصيح أن يتوخى المسموع المشهور ولا يلتفت إلى ما فيه تكلف أو تأويل أو تخريج لأن هذا الباب أوسع من أن يتصوره متصور.
باب التقريظ
1 - كتاب البيان. في تاريخ آل عثمان
تأليف السيد محمد خلوصي الناصري. طبع في مطبعة الرياض ببغداد سنة 1331 في 80 صفحة من قطع الثمن الصغير.
حينما انتشر خبر تدريس التاريخ باللغة العربية ألف للحال جماعة من فضلاء بغداد ومصنفيها كتباً وجيزة العبارة تصلح لأن توضع في أيدي الطلبة ومن جملة هذه التصانيف الكتاب الذي نحن في صدده فإن مؤلفه رتبه ترتيباً يوافق كل الموافقة خطة المدارس الابتدائية حتى أن اللجنة الموكلة بانتخاب الكتب اللازمة للتدريس استحسنت إدخاله في المدارس. والكتاب حسن(3/437)
العبارة، جلي التبويب. سهل الأخذ فقد جعل المؤلف حرسه الله عدداً رتبه بموجب جلوس السلاطين على عرش السلطنة وجعل تحت كل اسم سنة ولادته وجلوسه ومدة سلطنته ووفاته وعمره بحيث أن الناظر إلى الكتاب يرى للحال كل هذه السنين بنظرة واحدةٍ ومن هذا البيان يظهر لك حسن أسلوب هذا التصنيف.
باب المشارفة والانتقاد
2 - رسائل البلغاء
عنى بجمعها محمد كرد علي صاحب مجلة المقتبس طبع بمطبعة دار الكتب العربية الكبرى على نفقة أصحابها سنة 1331 - 1913 في مصر في 320 صفحة من قطع الثمن.
هذا المجلد يحتوي على ما عرف لعبد الله بن المقفع من الأدب الصغير والأدب الكبير وغيرهما. وما لعبد الحميد بن يحيى الكاتب من الرسائل والنتف والحكم وعلى الرسالة العذراء في موازين البلاغة وأدوات الكتابة لأبي اليسر إبراهيم بن محمد بن المدير، ورسالة أبي حسن علي بن منصور الحلب المعروف بابن القارح إلى أبي العلاء المعري، وملقى السبيل للعمري، ورسائل الانتقاد لأبن شرف القيرواني، وكتب العرب لأبن قتيبة، ورسالة رشيد الدين الوطواط فيما جرى بينه وبين الزمخشري، ومنتخب من عهد اردشير في السياسة، وكتاب الأدب والمروءة لصالح بن جناح الربعي.
فأنت ترى من هذه الأسماء ما يحوي هذا المجلد من عيون الرسائل البليغة ومنزلة أصحابها إذا اغلبهم بل قل كلهم من مشاهير الكتاب. وأدل دليل على نفق هذه المصنفات الفريدة نفاذ طبعتها الأولى. وقد ظهرت اليوم في أحسن مظهر من حسن بع وجودة قرطاس وتعليق حواش وعناية عظيمة بتصحيح المسودات.
على أننا نلاحظ امرأً وهو أن كتابة (ازدشير) بزاء معجمة بعد الهمز هو من مصحفات الكتاب والأصح (اردشير) براء مهملة. لأن الأسماء تروي على ما تحكي لا على ما تصحف. وإنما صحفها بعض نساخ العرب لأن ليس في لغتهم مادة (أرد) بل (أزد). قال في تاج العروس: اردشير. قال الحافظ ابن حجر(3/438)
هكذا رأيته في كتاب الذهبي بخطه (أي براء مهملة) ولم أره في الإكمال ولا في ذيله. وسمعت من يذكره بالزاي (المعجمة). فاعدل عن المهجور إلى المشهور تصب في جميع الأمور.
3 - العرفان
مجلة شهرية سنتها عشرة أشهر تبحث في العلم والأدب والأخلاق والاجتماع وتعتني عناية خاصة بشؤون الشيعة. لمنشئها ومديرها أحمد عارف الزين - قيمة الاشتراك ريال مجيدي
في صيدا محل طبعها و5 فرنكات في سائر البلاد العثمانية و6 فرنكات في مصر والبلاد الأجنبية تدفع سلفاً.
كانت هذه المجلة تصدر في السابق حتى برز منها أربعة مجلدات ثم خانها بعض المشتركين ولم يؤدوا ما عليهم فقعد عن إصدارها حولاً وهاهي الآن تعود إلى الظهور على تشجيع فئة من الأدباء والفضلاء.
وهذه الوضعية مما يحتاج إليها كل من يهمه الوقوف على فضلاء الشيعة وآدابهم ومؤلفاتهم وكل ما يتعلق بهم. وهي في 40 صحيفة حسنة الطبع والحرف والكاغد ونحن نطلب لها عمراً مديداً وحياة جديدة.
4 - التمر في العالم القديم والجديد تأليف بول ب. بوبنوي
1913.
وفيه فصل في قيمة غذاء التمر للفاضل تشارلس ل. بنت دكتور في الطب.
مؤلف هذا الكتاب لم يقدم على وضعه إلا من بعد أن تجول مدة سنوات في الديار التي ينبت فيها النخل. ولكثرة غرامه بهذا الشجر تعلم العربية فأتقنها وقد جاء بغداد مع صاحب له في السنة الماضية فرأيناه يتتبع بهمة لا تعرف الملل كل ما يتعلق بأمر النخل. وقد طوى كتابه على غرين وكسر الأول على 15 غراً أو فصلاً وكسر الثاني على غر واحد وزينه بخاتمة وإليك تفصيل ذلك: القسم الأول: المقدمة - 1ً. النخل - 2ً. ديار النخل - 3ً زراعة التمر التجاري - 4ً إنماؤه بالتال - 5ً. إنماؤه بالنواة - 6ً زراعته - 7ً التلقيح - 8ً الفحال - 9ً الصرام - 10ً. التكميخ (أي الإنضاج الصناعي) - 11ً الموت والأوبئة - 12ً تنظيم التمور - 13ً. فوائد زراعة النخل - 14ً استعمالات العرب للتمر - 15ً قيمة غذاء النخل.
القسم الثاني. أصناف التمر (مرتب على حروف الهجاء الإنكليزية)(3/439)
خاتمة. - تنظيمات صحية - نمو الموز من نوى التمر (على رأي بعض قدماء العرب) - طلسم الحلوى - فهرس.
ذكرنا كل ذلك ليرى المطالع ما حوى هذا الكتاب من الفوائد الجليلة إذ جمع صاحبه فيه كل
ما أمكنه تدوينه في ما يتعلق ببحث النخل أو ثمرها التمر. وقد جاء الكتاب في 316 صفحة بقطع الثمن وفيه صور عديدة أتقن عملها كل الإتقان فغدا فريداً في بابه لا يستغني عنه من يهمه الوقوف على هذا الشجر لا سيما وإنه سبب ثروة العراق. ولا يحسن بنا أن نقعد عن التغلغل في تحسين شؤونه وإلا فإن الأميركيين يسبقوننا عن قريب فنتأخر عنهم بمراحل. فلقد نقلوا من تال بغداد والبصرة ومصر وتونس والجزائر وغيرها من ديار النخل فزكا وراع كل الريع لأنهم يتخذون كل الوسائل لتحسينه ولطرد كل آفة عنه - بخلاف ما يجري في بلادنا فإن طريقة غرسه اليوم لم تتغير عما كانت عليه قبل نحو 4 آلاف سنة في عهد البابليين والكلدانيين.
على أننا رأينا في هذا الكتاب شائبة وهي أن الكاتب لم يجر على خطة واحدة لتصوير الألفاظ العربية. وكنا نغض الطرف عن ذلك لو كان كتب بالحرف العربي كل كلمة اصطلاحية عربية وردت في مثاني البحث وبالأخص أسماء أصناف التمر فإننا لم نكدر نهتدي إلى تصحيحها إلا بشق النفس ومع ذلك لم نتوفق إلا لمعرفة بعضها فما قول من لم يسمع بتلك الأسماء. وإننا لنتوقع إن هذا الكتاب يرغب في إحرازه ومطالعته ويعاد طبعه ثانية فيصحح المؤلف ما فاته في هذه الطبعة.
ومما نلاحظه أيضاً أنه كتب في ص 249 القسب بهذه الصورة - ونقله إلى الإنكليز بمعنى الكسب وهذا كله ناتج من سوء تصوير الحروف العربية بالإفرنجية فالقسب غير الكسب إذ القسب مشتق من قسب (المضموم) ومعناه: صلب وأشتد وسبب تسميته واضح لصلابة تمره. ثم إنه نقل عن البكري عند تكلمه عن بسكرة أن القسب هو الصيحاني فإذا صح هذا الكلام فهمنا أن الصيحاني هو المسمى اليوم عند العراقيين بالبدرايي أو البادرايي (وهو التمر المنسوب إلى بادرايا المعروفة اليوم باسم بدرة) لأن ياقوت يقول في معجمه: ومنها (أي من بادرايا(3/440)
يكون التمر القسب اليابس الغاية في الجودة واليبس (راجع لغة العرب 1: 442 و443) ويقول في بسكرة: (فيها نخل وشجر وقسب جيد) فنحن لا نرى في هذا النص أن الصيحاني أو القسب أو البادرايي تمر واحد. فالصيحاني على ما ذكر اللغويون هو ضرب من تمر المدينة أسود صلب المضغة. والقسب اسم عام يقع على كل تمر (صلب يابس) مهما كان جنسه والبادرايي هو تمر أصفر صلب رقيق اللحم من جنس
(دقلة النور) المعروفة في تونس. وأما الصيحاني فهو عندنا الاشرسي الأسود أي الصرفان (راجع لغة العرب 1: 444) وأما سبب تسمية الصيحاني بهذا الاسم فقد ذكر له اللغويون عدة أسباب، منها: إنه نسب إلى صيحان وهو كبش كان يربط في نخل التمر المذكور، أو اسم الكبش الصياح وهو من تغييرات النسب إلى غيرها. وأما حضرة مصنفنا فقد ذكر لسبب تسميته ما نقله عن لسان العوام أي أنه سمى كذلك لأنه صاح: (هذا هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، هذا هو أمير الأنبياء. . .) الخ وذلك عند مرور نبي المسلمين بنخلة في المدينة وكان معه علي بن أبي طالب. - أما سبب تسميته الصحيح عندنا فهو أنه منسوب إلى الصيحان والصيحان مصدر صاحت النخلة أي ارتفعت لارتفاع نخل هذا التمر.
وقد ذهب في نقل بعض الألفاظ مذاهب لا نظنه أصاب فيها. فقد نقل إلى الإنكليزية كلمة الأشرسي أي النامي في طول) أو الطويل. وليس الأمر كذلك. فإنه سمى كذلك نسبة إلى الشرس (محركة) وهو الصلب لصلابة تمره. أو لكونه ينبت في المكان الشرس أي الصلب وعلى كل فإنه لا يعني الطول. ومثل هذا التأويل كثير في الكتاب. ومع ما فيه من هذه الشوائب الزهيدة فإن الكتاب يبقى جليلاً في بابه. ويخلد لمصنفه ذكراً لا يمحى.
5 - رحلة إلى سورية
للأستاذ الدكتور مرتين هرتمن
1913.
في 132 صفحة بقطع الثمن الكبير وقيمته 3 ماركات
لله در الإفرنج لا يقدمون على أمر إلا ويتقونه كل الإتقان ويحكمونه كل الأحكام. هذا المستشرق الكبير الأستاذ العلامة (الدكتور) مرتين هرتمن من مشاهير العارفين بلغة العرب والواقفين على أسرارها فقد هجر بلاده(3/441)
في شهر آذار من السنة المنصرمة ورحل إلى ديار الشام رحلة جعلها أدبية علمية تاريخية جغرافية فدون ما رآه في كتابه وهو هذا فجاء من أحسن ما كتبه الرحالون بالمعنى الذي أراده وقد هبط أشهر بلاد الشام ووصفها وصفاً دقيقاً وهي حيفا ودمشق وبيروت وحماة وطرابلس واللاذقية وحمص وحلب ثم عاد إلى وطنه وقد تعارف في طريقه بكثير من الأدباء والفضلاء والعلماء ونحن نتمنى أن يقدم يوماً إلى
الزوراء ليكتب رحلة ثانية مثل رحلته هذه وليس ذلك أمراً صعباً على ذوي الهمم ولا سيما مثل حضرته. قرب الله تلك المدة ومتعنا برؤياه!
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - مصير المستنصرية وقهوة الشط
كانت المستنصرية مدرسة كبيرة من أشهر مدارس الإسلام في دار السلام بل في بلاد خلق الله في عصر العباسيين ثم انقلب بها الزمان فحالت عصراً بعد عصرٍ حتى كاد يعفو أثرها إذ قد بني في موقعها ديوان المكس الآن وقهوة تعرف بقهوة الشط وهي قرب قهوة المصبغة. وقد جاء في النوادر في عددها 152 ما نلخصه للقراء: كان أولو الأمر قد منعوا منذ نحو ثلاث سنوات فمثيل بعض الوقائع فيها ضرر على الصحة والآداب والمال وهو المعروف عندهم بالتياترو (لأن العوام تصرفت في هذه الكلمة الفرنسوية فأخرجتها عن معناها المألوف حتى جعلتها بهذا المعنى) وسبب هذا المنع وقوع هذه القهوة قريباً من جامع الخفافين وجامع عملة الأسرة (السريرجية) إذ القاعدة المرعية في الأبنية هي إن قربت الملاعب من الجوامع بقدر مائة متر منعت. والحال أن الجامعين المذكورين لا يبعدان عن القهوة المذكورة أكثر من 40 متراً ولهذا امتنع أصحاب القهوة مدة من الزمان من إتمام ما كانوا قد بدءوا به لكنهم عادوا إلى سابق عملهم حينما رأوا أرباب الأمر تغاضوا عنهم. ولا سيما لأن الحكومة عينت رجالاً من (دائرة البلدية) لتحقيق الذرع. فقدم المندوبون ورقة كشف يذكر فيها مقدار الأذرع فإذا هي تزيد على المائة فلما أطلع عليها أرباب الأمر أذنوا لأصحاب القهوة بالعود إلى ما كانوا عليه. ولعلك تقول: كيف يمكن التوفيق بين قولك إن الجامعين لا يبعدان(3/442)
عن القهوة أكثر من 40 متراً وبين قول الكشافين إن الأذرع تزيد على المائة؟ - قلنا: إن الكشافين ذرعوا المسافة من الطبقة العليا بل من المكان الذي تجلس فيه الراقصة إلى جدران الجوامع مع الدرج!!! ومن ذلك بأن الفرق. فتأمل.
ومما ينطوي علي مثل هذا الغر: القهوة المسماة (بقهوة عزاوي) الواقعة في سوق الميدان فإنها لا تبعد عشرة أمتار عن جامع الميدان الشهير ومنذ سنة تحيى فيها ليلة راقصة ولم يوجد من احتج على هذا العمل.
2 - مئذنة الكفل أو منارة الكفل
قالت النوادر: ومما هو أعظم من الأمرين الأمرين المذكورين ما يأتي ذكره وهو: ادعى قبل نحو 30 سنة (الحاج ذرب) رئيس ناحية الكفل (والكفل مزار مشهور فيه قبر النبي
حزقيال بقرب الحلة) إن جامع الكفل هو للمسلمين وإن الموسويين قد تملكوه بدون حق. والدليل على ذلك وجود منبر هناك ومحفل ومحراب ومئذنة فلما سألت حكومة بغداد الموسويين (وكان السؤال في ذلك العهد) عن حقيقة الأمر أنكر الموسويون ما نسب إليهم وأنكروا وجود مئذنة وما يتعلق بها في ذلك الموطن. فندبت الحكومة رجلاً يكشف عن كنه الأمر وعن وجود المئذنة فكان جواب الكشاف بعد الذهاب إلى الموطن المذكور أن لا منارة هناك. فكتب الحاج ذرب إلى الأستانة ليطلع أولي الأمر على حقيقة المسألة وطلب منهم أن يبعثوا رجلاً ليثبت ما وقع عليه النزاع فبادروا إلى تلبية طلبته وأرسلوا كشافاً لهذه الغاية من الأستانة نفسها فلما وصل الرجل المذكور إلى بغداد بقي فيها بضعة أيام ثم رجع إلى من حيث أتى وقال: لا يوجد مئذنة في ناحية الكفل. - والحال أنها إلى الآن موجودة والإفرنج وغيرهم من أهل التحقيق صوروها من جهاتها الأربع بحيث لا يمكن أن ينكرها (العناديون) أنفسهم فكيف يمكن الجمع بين الوجود والعدم؟ إن هذه من الخوارق التي لا تجري إلا في بلادنا.
3 - السيد طالب بك النقيب
نشرت جرائد مصر والشام إن الحكومة عرضت على السيد طالب النقيب منصباً في مجلس الأعيان فرفض وأبى الذهاب إلى الأستانة كما أنه استعفى من النيابة في مجلس المبعوثين.
4 - السكينة في العراق
تذهب البرقيات تترى من العراق العربي (هذا كلام جريدة فتى العرب(3/443)
ولم تذكر من أي بلدة تصدر هذه البرقيات) إلى الباب العالي احتجاجاً على تعيين جاويد باشا وحسني باشا في بلاد العراق. ثم قالت: فحار رجال الحل والعقد في الأستانة لهذا الأمر والصحف انقسمت فيه إلى قسمين قسم يشجع الحكومة على إخضاعهم بالسيف والسنان وقسم يوصيها بأخذهم باللين والإحسان). قلنا: السكينة سائدة في العراق وليس فيه ما يقلق الخواطر ويثير عليه غضب الحكومة فالظاهر أن أهل الفتنة أناس قليلون لا يتعد بهم، بل ولا يلتفت إليهم.
5 - جاويد باشا والي بغداد الجديد ومن بصحبته
قدم بغداد جاويد باشا ومعه بهاء الدين بك رئيس أركان الحرب و18 ضابطاً منهم 11 عربياً والباقون من الترك. - وقد صممت الحكومة على أن تسير مع القبائل بالتي هي أحسن وأعطت جاويد باشا هدايا وألطافاً ليهديها إلى شيوخها. ومع والي بغداد الجديد وقائد عسكرها فؤاد أفندي الدفتري مبعوث بغداد سابقاً وقد عين مفتشاً للأوقاف في ديار العراق بمشاهرة 70 ليرة، ومعه أيضاً حكمت بك قيم مقام مركز بغداد وهو أخو شوكت باشا الشهير ومع المذكورين أيضاً خليل هجري بك مدير تحريرات الولاية وعبدي بك قائد الدرك في بغداد. وللوالي الجديد سيارة (أوتوموبيل) قيمتها 600 ليرة ومعه ألفا حقة من بزر القطن لأحياء زراعة هذا النبت في العراق. وكان قدوم الجميع في 18 ك 2.
6 - تبرع عبد الحسين أفندي الدده
تبرع هذا الرجل الفاضل بعشر ليرات عثمانية على مكتب الاتحاد والترقي للإناث المفتوح جديداً في بغداد، أكثر الله من أمثاله إحياء للفضل والكرم.
7 - رجوع النقود القديمة إلى التعامل بها
وزعت الخزينة مشاهرات الموظفين ورواتبهم ودفعتها إليهم من النقود القديمة من ذوات خمسة الغروش والغرشين ونصف والعشرين بارة والعشر بارات فأخذها الموظفون بكل ارتياح لكن باعة الخبز واللحم ومن ضاهاهم امتنعوا من قبولها أولاً ثم عادوا فقبلوها عند تنبيه أولي الأمر على ذلك.
8 - مخفر الجميلية
تعهد فخر الدين أفندي من آل جميل ببناء مخفر في سوق تجاه (سبيل الماء) وأرسل 4 آلاف طاباقة لهذه الغاية ويسمى بالجميلية نسبة إلى أسرتهم.
9 - عجمي السعدون والضفير
بعد أن تم الصلح بين عجمي بك وبين شيخ مشايخ الضفير حمود السويط(3/444)
وتعاهدا على أن لا يؤذي الواحد الأخر وأخذ شيخ الضفير ميثاقاً من عجمي يؤكد له الأمن والراحة إذا بعجمي استنفر عشائره ونزل بها بالقرب من ماء (الشقراء) ثم هجم على عشائر الضفير
على حين غره منهم بينما هم في مأمنٍ منه فنهب طائفة من بيوتهم وشيئاً من إبلهم. ويقال إن من جملة القتلى ستة من رؤسائهم وينتظر أن يقوم هؤلاء على الفتك بهم فتتأجج نيران القتال.
10 - يوسف المنصور السعدون
خرجت قافلة من الضفير من الخميسية بعد أن أمنها عجمي السعدون وقبل أن تصل إلى غرض سفرها هجم عليها يوسف المنصور السعدون فاستلق منها 25 بعيراً. فاغضب عمل يوسف هذا عجمي ابن عمه وأثار في صدره حزازاتٍ
وقد غادر الخميسية طائفة من الأهالي فاستوطنوا قضاء سوق الشيوخ لما لحقهم من بوار التجارة بسبب استحكام عرى العداوة بين عجمي والضفير.
11 - السيد محيي الدين أفندي النقيب البغدادي
تعين هذا السيد الفاضل (وهو ابن صاحب السماحة السيد عبد الرحمن أفندي نقيب أشراف بغداد حالاً) عضواً في مجلس الأعيان فنهنئه بهذا المقام الجديد.
12 - للطيارات العثمانية
طبعت أوراق بدلها خمس ليرات وليرة وما بينهما لتوزع على النساء العثمانيات البغداديات إعانةً للطيارات فوزع منها ما بدلها 53 ليرة. والأمل أن المبلغ يضاعف مرات لاشتهار أخلاق عراقياتنا.
13 - نفي (علي موسى خان) من مسقط
نفى هذا الرجل وهو من أصحاب المبرات في مسقط بأمر حاكمها وقد أرسل مخفوراً مع سبعة عشر جندياً من عساكر الهند يقودهم ضابط لإيصاله إلى البصرة. ويقال أن سبب نفيه خوف انكلترة من سطوته ونفوذه لأنه من مخالفي سياستها هناك. أما الرجل فقد سافر من وطنه قاصداً المدينة.
14 - عبد الكريم مدير ممكس مسقط
قبضت حكومة مسقط على عبد الكريم أفندي مدير ممكس مسقط وزوجته في السجن
وسيرسل منه إلى الهند مخفوراً. والسبب لم يعرف إلى اليوم.
15 - شيوخ عشائر الشامية
قدم بغداد في أوائل شهر ك 2 شيوخ عشائر الشامية وهور الدخن للمفاوضة في مسألة الذرعة التي قر رأي الحكومة على إلغائها وأخذ الجباية بطريق التخميس(3/445)
طالبين أن تسمح لهم الحكومة بطرح خرص غلات السنة الماضية من قياس التخميس كما سمحت لرؤساء عشائر المشخاب بذلك مساواةً قوماً بقومٍ. والأمل أن أرباب الأمر يحققون أمانيهم.
16 - مهرجاه (راجه) هندي
قدم في الأسبوع الأول من الشهر المذكور أحد مهرجاهية الهند وهو حاكم (سليم بول) إلى بغداد لزيارة الكاظمية وسامراء والنجف وكربلاء وهذا الفاضل كان في مقدمة الرجال الذين أعانوا الدولة العثمانية في حربي طرابلس والبلقان وهم من رؤساء مشاهير الهند. وقد دفع من الإعانات المالية ستة آلاف ليرة من ماله الخاص به. وقد رحب به الناس أينما ذهب وحيثما حل.
17 - لا شتاء إلى الآن في بغداد وزيادة دجلة
أبرد أشهر شتاء بغداد هما كانون الأول وكانون الثاني والحال إلى الآن لم نر البرد نزل إلى أدنى من 4 درجات (فوق الصفر). فالظاهر أن لا شتاء في سنتنا هذه. أما الأمطار فغزيرة حتى أن دجلة فاضت فيضاناً خارق العادة في 26 ك 2 وكان الفيض فجأة فأغرق بعض (جساريات) وساق قسم منه جنائب (دوب) بعض المراكب بل ساق أمامه مركباً تجارياً بعد أن قطع سلسلته القوية.
18 - عودة الجدري
كان الجدري أخذ بالزوال في شهر كانون الأول إلا أنه أخذ يعود إلى فتكه في شهر كانون الثاني أبعده الله وأزال جراثيمه إزالة لا عود فيها!
19 - رطوبة هذا الشتاء
كثرت الرطوبة في هذه السنة بسبب هبوب الرياح المعروفة هنا بالشرقية (وهي على
الحقيقة الجنوبية الشرقية) فكثرت الأمراض التي تتولد منها كالرثية أو داء المفاصل (المعروف عند العراقيين بالصليل) والنقرس وعرق النسا والتهاب الكلى والحمى الباردة إلى غيرها. لكن عاقبة المرض في اغلب الأحيان النقه.
20 - جمال بك والي بغداد سابقاً
رقى جمال بك إلى رتبة (أمير لواء) ووسدت له وكالة نظارة اليافعة والأمل أنه يرتقي رتباً أعلى لأنه أهل لها وذو إطلاع واسع وخبرة معروفة.
21 - رحالتان فرنسويان
جاء بغداد في أواخر الشهر الماضي القائد الفرنسوي (دولو) والفاضل (غلوا) وهو من أعضاء الجمعية الجغرافية في باريس وقد تفقدا آثار العباسيين(3/446)
ثم ذهبا إلى بابل وكويرش وتلك الأرجاء ليشاهدا ما أبقى الدهر في هذه الديار من بقايا الأقدمين. ثم سافرا إلى وطنهما بعد أسبوعين على طريق البحر.
22 - البرد (وهو الحلوب أو الحالوب عند العراقيين)
في اليوم السابع من كانون الثاني سنة 914 الموافق لليوم العاشر من صفر سنة 1332 كان عندي في محلي جناب الأب انستاس ماري الكرملي فوقع مع المطر برد صغار كالعدس ثم عقبه برد أكبر منه كالحمص تقريباً فذكرت له إني كنت في سنة 1305 هجرية الموافقة لسنة 1888 في ناحية المسيب قرب بغداد فنزل مطر غزير بريح شديدة ترفع في الهواء الأبواب المقلوعة الموضوعة على الجسر ثم تلقيها على بعد وعقب ذلك سقوط برد كبار للغاية منها بحجم الليمون ومنها أكبر منه وأصغر منه فاستغرب الأمر فذكرت له بعد ذلك إني لما عدت إلى بغداد في ذلك التاريخ من السنة بنحو عشرة أيام وقع في بغداد مثل ذلك البرد عينه فكسر اغلب الألواح المخرمة التي اعتاد أهالي بغداد أن يزينوا بها الاطناف ويسمونها (بيجة) (من اللغة الفارسية والسبب إن اغلب أسماء أدوات وأعمال البنائين والنجارين مأخوذة عن الإيرانيين مما لم تزل آثاره إلى اليوم) وقتل عدداً لا يحصى من الطيور البرية التي تقف عادة على قباب الجوامع وذكرت له أيضاً أن في ذلك الهواء غرق عدد غير قليل من السفن الحاملة للزوار في بحيرة النجف وقدروا وقتئذ الغرقى بنحو ألفين
إلى ثلاثة آلاف نفس حتى أخذ الأعراب هناك إخراج الجثث بالآلة التي يستخرجون بها السمك ويسمونها (قالة) ولكن يا للأسف ليس رحمة بهم أو لمواراتهم ودفع التعفن لدفع الأمراض بل لسلب ما يكون في جيوبهم من المال وإعادتهم إلى الماء وحيث أن هذا الأمر مما يجب ذكره تخليداً للتاريخ حررت هذه الأسطر لطبعها في مجلة لغة العرب راجياً ممن لديه تاريخ الواقعة باليوم أن يعلن الأمر حفظاً وخدمة للتاريخ الذي هو من أهم الأمور.
عبد اللطيف ثنيان
23 - لجنة تحديد الحجر الصحي
كنا قد نقلنا قدوم رجال هذه اللجنة اعتماداً على إحدى الجرائد المحلية ثم تحققنا أسماءهم بأنفسنا فإذا هم: 1 - الدكتور (جناب شهاب الدين بك) المفتش العام في اللجنة الصحية المذكورة وهو عثماني؛ 2 - الدكتور (والتر) طبيب سفارة روسية في الأستانة وهو روسي؛ 3 - الدكتور كليمو طبيب سفارة انكلترة في فروق. وهو إنكليزي، 4 - الدكتور (شمبرغ)(3/447)
الترجمان الثاني لسفارة ألمانية في القسطنطينية وهو ألماني، 5 - الدكتور (سموئيل خان) أرمني غير كاثوليكي، طبيب سفارة إيران بالأستانة وهو إيراني مندوب اللجنة وقد سافروا إلى محل وظيفتهم في 22 ك 2.
24 - مفتش فيلق بغداد
عين مفتشاً لفيلق بغداد وهو الفيلق الرابع عشر والي ولايتنا جاويد باشا.
25 - وقعة في سوق الشيوخ
تخاصم في أوائل شهر ك 2 النجديون المقيمون في سوق الشيوخ مع قطان المدينة فوافق رجال الحكومة والبغداديون النجديين فتضاربوا فأسفرت المعركة عن 15 قتيلاً و20 جريحاً من الجمعين. وما أبطأ أن جاء النجديين مدد من الخميسية فهدأت النفوس الجائشة وأخلد الجميع إلى الراحة.
26 - النوري ابن شعلان
أغار النوري ابن شعلان رئيس قبائل (الرولة) على الفدعان والسبعة في (عكاشات) وهي
أودية قرب (القعرة) وبعد مناوشات عديدة فاز النوري ببعض الغنائم.
27 - ابن السعود وتقرب الدول منه وذهابه إلى الاحساء
أرسلت دولة فرنسة معتمدا إلى الأمير عبد العزيز باشا السعود فزاره في مقر إمارته الرياض وتباحث معه في أمور سياسية عديدة ومن جملتها ما يتعلق بتجارة الأسلحة وبيعها في العقير أو في القطيف ثم قال المعتمد: ودولتي تتكفل لك: 1 - بمسانهة مائة ألف ليرة أو برسوم تبلغ 50 ألف ليرة عثمانية 2 - إن ما يشتريه الأمير من الأسلحة يكون بثمن أدنى مما يباع لغيره 3 - أن تجلب له كل ما يريده من مستحدث الأسلحة بأثمان بخسة. فلما سمعت بذلك دولة انكلترة عرضت للأمير ما يأتي:
1 - مسانهة 50 ألف ليرة 2 - دفع ما يحتاج إليه هو وجنوده من الأسلحة. أما الأمير فلم يجب الآن بشيء ريثما يستشير مجلسه ولعله يميل إلى الدولة الثانية لما له معها من العلاقات السياسية وقد نول في هذه الأيام أنحاء الاحساء ونزلت أعرابه بجوار الكويت.
27 - ابن الرشيد
خرج من بلاده متجهاً نحو ديار العراق لتأديب (أي لغزو) بعض القبائل المبثوثة في بواديها.
28 - أمير الزبير
عاد محمد بك المشري أمير الزبير إلى كرسي إمارته بعد أن تنازل عنه لعبد المحسن باشا القرطاس.
29 - اللؤلؤ في البحرين
كسدت سوق اللؤلؤ في ديار الإفرنج هذه السنة فتضرر من هذا الكساد اللألون في البحرين فأعلنت بعض محلاتهم الكبيرة إفلاسها.
30 - طالب بك النقيب وإعاناته للأسطول
تبرع السيد طالب بك بسبعمائة ليرة إعانة لأسطول الدولة فدفع منها 500 عن نفسه و200 عن نجليه اللذين ذهبا إلى كلية الأستانة الفرنسوية وهما نجم الدين بك وتوفيق بك وجمع
ألفي ليرة من البصريين خدمة للدولة وإعانة لأسطولها.(3/448)
العدد 33 - بتاريخ: 01 - 03 - 1914
خرافات عوام البغداديين
إن للعراقيين المسلمين عادات ليست من دينهم في شيء سنها لهم الهوى والشياطين من الإنس، الذين يؤثرون مصالحهم، ولو كتم وراء ما سنوه مخالفة لدينهم ومشاقة لله ولنبيه وقد كثرت البدع والخرافات واستفحل خطبها في المسلمين عموماَ والعراقيين خصوصاً وانتشرت بينهم انتشاراً سريعاً وأخذت البدع تكثر بعد وفاة صاحب الرسالة في القرون التي بعده حتى أن بني أمية أحدثوا أموراً ليس لها أصل في الإسلام والسيرة ولكن لا يخلو قرن إلا ويظهر فيه من يحارب البدع وينتصر للحدود الشرعية وكان الصحابة ينكرون على من يجيء بشيء لم يفعله صاحب الرسالة أو لم يأمر به ويزجرونه ويحقرونه وبلغ من تعصبهم في ذلك أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حج مرة وجاء لاستلام الحجر الأسود فقبله وقال أنا أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولو لم أر رسول الله قبلك لما قبلتك وقال صاحب الرسالة يحذر أصحابه من البدع فكان يقول لهم: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم في أنبيائهم) وكان يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد عليهم) وكان يقول: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) مخافة من ظهور ما ليس من الدين ولقد أصبح العراقيون على خطر مهول من ذلك فقد نسبوا الضر والنفع للأحجار والجلاميد واستنجدوا بقبور علماء الدين وسألوهم أموراً لم يتمكن منها الأنبياء فضلاً عن العلماء (حالة حياتهم) ودعوهم وتضرعوا عند قبورهم وسألوهم دفع مرضهم وإيفاء ديونهم وإسداء الرزق إليهم.(3/449)
ولما يرى غير المسلم ما عليه هؤلاء السخفاء يحسب أنه من الدين فينسب إليه السخافة والنقص فتشمئز نفسه من الدين الإسلامي وكأني بالإفرنجي الذي يطوف ببلادنا يرى ذلك الرأي فيغضب على الدين ويحنق عليه ويرميه بكل سوء على أنه لو أعاد النظر ورجع إلى عقلاء المسلمين وعلمائهم لوجدهم على بعد عن ذلك إذ يتميزون غيظاً على فاعليه. فحاشا الدين الإسلامي أن يرضى بما يفعل الجاهلون المفسدون أهل المخرقة والغش والبهرجة في الأفعال والأقوال وحاشاه أن يبيح لهم من ذلك شيئاً. وهانحن نبحث الآن عن بعض العادات التي يتمسك بها العراقيون وهي أشبه بما كان يفعله عبدة الأصنام في أيام
الجاهلية فنقول:
أصبح العراقيون يعتقدون أن النفع أو الضر يجوز أن ينسب إلى الجمادات كالشجر والصخر والتراب وغيرها فيقولون إن جلاميد الجنيد تبرئ من المرض الطارئ على بعض الأخطاء ويقولون أن بئر الجنيد هي السبب الوحيد لإنتاج العاقر إلى غير ذلك من الخرافات والسفسطات التي أخذوها عن بعض فرق المسلمين.
وهاك بيان ما يكثرون الترداد إليها من الجمادات المعروفة بينهم الموصوفة بالقدرة والتأثير عندهم.
1 - جلاميد الجنيد
في مسجد الجنيد الذي يبعد عن نفس بغداد نصف أو ثلث ساعة ثلاث جلاميد موضوعة حيال قبر الجنيد الصوفي الزاهد المشهور وللعامة في تلك الجلاميد اعتقادات باطلة وكذا النساء المسلمات وبعض اليهوديات فإن لهن اعتناء عجيباً بتلك الصخور وذلك إن عاداتهن زيارة الجنيد كل يوم أربعاء فمن كانت منهن تشكو مرضاً في عضو من أعضائها تضع الصخور على محل الوجع أما مجتمعة وأما صخرة فصخرة على التوالي ويزعمن أن الوجع يزول ببركة هذه الصخور.
وإن كان الوجع بحيث لا تتمكن من وضع الصخور عليه تمسح عليها بكفها وتمسح بها على المحل المؤلم كما لو كان رمد في عينيها أو صداع في رأسها.
وإن كان الوجع داخلياً حملنها على كتفيها ودارت بها حول قبر الجنيد وإذا لم تستطع حملها حملتها مع امرأة أخرى فتضعها مباشرة على محل الوجع وإن كان في رضيعها داء حملتها هي نيابة عن الرضيع.
ولا فضل لهذه الصخور إلا لكونها في محل مدفون فيه الجنيد.(3/450)
2 - بئر الجنيد
وراء مسجد الجنيد من جهة الشرق بئر يزعم النساء أن الجنيد كان يتوضأ ويغتسل منها فمن كانت منهن عقيماً تعمد إلى تلك البئر فتدلي فيها ثلاث دلاء وتسفحها على جسدها فبذلك يكون نتاجها (على زعمهن) وكذا من كانت منهن مثاثاً (أي تعودت ولادة الأنثى)
فإنها تقول إذا سبحت بها: ألد ذكراً.
ولا يصح ذلك إلا يوم الأربعاء ويشترين الماء من تلك البئر بقيمة فاحشة ولهن به اعتناء عجيب.
3 - بيوت بهلول
لبهلول المجنون الشهير قبر على مقربة من الجنيد وبمناسبة زيارتهن للجنيد يزرن قبر بهلول وله مسجد صغير أنشئ حديثاً وبعضهن تبني خلف مسجده بيتاً صغيراً من آجر والبيوت هناك تختلف فبعضها يعلو إلى ذراع وبعضها إلى نصف ذراع وبعضها يجعل من ثلاث قطع من الآجر تبنى ذلك من لها حاجة تسرها في نفسها وتنادي بهلولاً بهذه الكلمات (يا بلهول لا أخرب بيتي إلا تكضي لي حاجتي) معناها: تقضي حاجتي، لأن من عاداتهم إبدال القاف بالكاف الفارسية.
وينذرن له نذوراً مختلفة فمنهن من تنذر له شمعاً توقده فوق قبره أو في مكان من مسجده ومنهن من تنذر له طعاماً تطعم به صواحبها في مسجد بهلول إلى غير ذلك من النذور.
ومن كانت عاقراً تبني لها بيتاً هناك وبعض البنات تبني به بيتاً رجاء أن يكون لها خطيب جميل.
فإذا قضي أمر إحداهن هدمت بيتها ووفت بنذورها ولن تهدمه أبداً إذا لم تقض حاجتها ولكنه يبقى على حاله.
ومنهن من تعلق في البيت مهداً صغيراً تتفاءل أنها ستتزوج ويولد لها ولد وتضعه في المهد ومنهن من تضرب على وسطه كلة تتفاءل أنها تتزوج وتضرب لها كلة.
والبيوت تقام بلا طين ولا جص ولكنها أحجار يوضع بعضها فوق بعض فمنها ما هو مستطيل ومنها ما هو مستدير ومنها ما هو مربع وبعضها نصف مستدير تبنى على حائط من المسجد أو على قرب منه.
والتي تصيب مرادها تطلي باب المزار بالحناء بعد أن تفي بما نذرت.(3/451)
4 - طلاء أبواب المزارات بالحناء
من عادات المستفيضات عند نسائنا إنهن إذا زرن أحد الأئمة المدفونين في العراق وطلبن
منه حاجة فقضاها (على زعمهن) يقضين نذورهن ثم يعمدن إلى باب من طلبن منه فيطلينها بالحناء إشارة إلى أنه له تأثير عظيم وله يد في كل ما يطلب منه وإنه قضى لهن مرادهن ولذلك ترى أكثر أبواب المزارات والأئمة مطلية بالحناء أو عليها صورة كف مفتوحة الأصابع إشارة إلى إعطائه وسخائه وبعضهن تعمل غير ذلك.
5 - نصب الراية
الراية عندهن قطعة من خام تخاط في رأس قصبة طويلة وقصيرة وتنقسم عندهن قسمين سوداء وبيضاء فالسوداء ينصبنها إذا طلبت إحداهن من أحد الأئمة أمراً فلم تقع على مرادها والبيضاء بعكسها فمتى قضى لها مطلباً تنصب الراية البيضاء إشارة إلى إنه قضى مرادها الذي طلبته والراية تنصب بأعلى شرفات البيت وإذا قضى لإحداهن مطلب عملت راية بيضاء وصعدت على سطحها تنادي بأعلى صوتها، والراية في يدها، (عرب واهليه خطار والفيه راية البيضا لفلان الإمام مبنية بيض الله وجهه) وتكرر هذه الجملة سبع مرات أو خمس مرات بحسب التصادف وتهلهل بعد كل صوت ثم تركزها على شرفة في بيتها ولا تأخذها حتى تقذفها الريح أو يهوي بها المطر أو تقع لسبب أخر.
6 - القفل والمفتاح
في مسجد الشيخ عبد القادر الكيلاني العالم الزاهد الشهير رجل يدعى إنه شريف هاشمي وللنساء به اعتقاد غريب وذلك أن البنات إذا فات وقت نكاحهن أو تريث ولم يخطبهن أحد ذهبن إلى ذلك السيد وشكين له حالهن فيقول لهن ايتنني بقفل ومفتاح فإذا أتين بهما أقعدهن في باب الشيخ عبد القادر وأمرهن أن يرسلن طرف أثوابهن فإذا أرسلنه وضع عليه القفل وأغلقه ثلاث مرات ثم يأمرهن بالقيام فيقمن ويخطون على القفل ثلاث خطى ثم يقرأ عليهن ما شاء أن يقرأ ثم إنهن يعطينه شيئاً من الزبيب والحمص وهو حلوانه ولا يكون ذلك إلا يوم الجمعة قبل الظهر ويزعمن إن نكاحهن يقع بعد ذلك وقوعاً محققاً ويقرب زمانه ببركة ذلك السيد فإذا وقع ما أردن رجعن إليه وفتح القفل وأعطينه جزاءه وأكثر ما يستعمل ذلك عند نساء اليهود وبعض رجالهم وقد يستعمله بعض سخفاء المسلمين.(3/452)
7 - قصبة الصداع
إذا شكا أحدهم الصداع عمد إلى قصبة غليظة وقسمها طولاً إلى قسمين ثم شدها بخيط من شعر ووضعها بين المقابر ويقال أن في بطن القصبة أسطراً لم أطلع على مضمونها ويزعمون أنها تنفي الصداع.
8 - إيقاف السعف
إذا حم أحدهم أو صدع أخذوا قطعة من سعف النخيل وأوقدوها وإذا اتقدت تعطي امرأة ثيباً وتسير بها قليلاً حتى تخمد نار السعفة فتنتهي من سيرها ويزعمون أن الحمى والصداع يسكنان بذلك.
9 - شد الخرق
مما تعودته النساء إنهن إذا كان لإحداهن أمر يهمها عقدت خرقة وخيطاً بشباك أحد الأئمة فإذا بلغت أربها حلته ووفت نذرها وعقد الخرق قديم في عهد الجاهلية ومن أشهر ما كان يعقد به الخرق ذات انواط فراجعها في محلها.
10 - تمثال الأيل
بين الكاظمية وبغداد بستان فيه تمثال أيل منحوت من الرخام أبيض الشكل له قرنان ذوا شعب وأغصان ولكنهما كسرا بتعاقب النساء عليه يبلغ علوه ذراعاً وثلث ذراع وله ذنب ملتصق بفخذيه وهو قائم على أربع واقف وقوف الأيل الذي أوجس نبأة ففزع منها وهو صنع عجيب يشابه في شكله بعض الآثار التي وجدت في بابل ولا يزال باقياً هناك والمرأة العاقر إذا أعيا أمرها تعمد إليه وتركب على ظهره وتبقى عليه بضع دقائق ثم تنول عنه وتذهب إلى شانها وتزعم أنه سبب لحبلها والمرأة التي لا يحبها زوجها حباً شديداً تركب عليه فتكون من أحب الأحباب إليه (على زعمهن).
11 - العقد
تنقسم إلى أقسام فمنها عقدة الخطيب، ومنها خيط ينزع من طراز يوضع على قبور بعض الأئمة فيعقد في الرقاب وفي الأرسغ ويخيطه بعضهم بثوبه وبعضهم (بعقاله) وله شأن عظيم عند الأعراب. والنساء يتبركن به ويزعمن أنه يذهب الحمى والصداع وبقية
الأمراض.
قرأ أحدهم سورة الفلق حتى إذا بلغ إلى قوله: (ومن شر النفاثات في العقد) قال له بدوي لا يحسن القراءة وهمت إنما هي النفاثين. قال: هكذا الآية. قال: إني رأيت الخطباء ينفثون في العقد وليس بينهم امرأة ثة.
مسلم بغدادي(3/453)
الزواج عند يهود بغداد
1 - تمهيد
تختلف مناهج وأساليب الزواج عند يهود بغداد اختلافاً يذكر عن وطنييهم المسلمين والمسيحيين حتى أن اغلب أبناء الزوراء يجهلون اليوم جل عاداتهم إن لم نقل كلها ولهذا أحببنا أن نطلع قراء مجلة (لغة العرب) الكرام بهذه النبذة على عادات زواجهم فنقول:
2 - انتقاء الزوجة ومسألة الصدق
إذا وطن الشاب نفسه على الاقتران يطلع والديه على ما يدور في خلده (هذا إذا كان له والدان وإلا فيكاشف بما في صدره أقرباءه أو أحد معارفه) فيستدعي الأبوان أحد دلالي الفتيات (وما أكثرهم عند اليهود!) ويعرضان عليه مسألة ولدهما فيأخذ الدلال ويصف لهما حالاً بعض الفتيات اللواتي يعرف أسماءهن ويذكر منيني (دوطة) كل منهن واسم أبويها ولقب أسرتها ويثني على مناقبها ومحاسنها فإذا صادفت إحداهن حظوة وراقتهما يخبران عنها أبنهما ويأخذانه معهما إلى دار والديها حتى يراها بعينه. وكان يحظر على الفتى في السنين السالفة أن يرى الفتاة قبل عقد النكاح أما الآن فقد خرقت تلك العادة السيئة المغبة ولم يبق حكمها جارياً إلا عند طائفة من المتعلقين بأهداب العوائد القديمة. فإذا رآها الشاب وأعجبه حسنها وآدابها يخبر والديه بأنها قد وقعت في نفسه فيأخذان بمساومة الدلال في أمر الصداق (الدوطة) فيعرض عليهما الرجل قدراً من الدنانير فإذا وجداها زهيدة بالنسبة إلى مقام أبنهما يقولان له بكل تصريح إن ثمن ولدنا لأكثر مما دفعت له فيذهب الدلال إلى أهل الفتاة ويقنع والديها أن يزيدا نقود المهر لأن الفتى من زهرة الشبان النجباء ومن نخبة الفتيان الأدباء النبلاء وأهل لكل المحامد والفضائل وهو جدير بأن يدفع له مبلغ يجذبه إلى الابنة. هذا فضلاً عن أنه وجيه بين أقرانه عظيم عند معارفه وأخدانه ويأخذ بالثناء على همته ومروءته وما له من المنزلة الرفيعة عند التجار والأغنياء إلى أن يغوي الدلال سامعيه في اغلب الأحيان بنا يبذل من شقشقة لسانه حتى يبلغ مناه وينال(3/454)
اسماً رفيعاً ومالاً طائلاً من الحلوان الذي يتقاضاه ولا يهمه البتة شيء آخر
وبعد أن يتم الوفاق بين أهل الفتى والفتاة تعلن الخطبة على رؤوس الأشهاد وتختلف البائنة (الدوطة) بحسب تفاوت الدرجات فلا يكون مهر ابنة الغني كمهر ابنة التاجر أو الصانع بل تختلف اختلافاً عظيماً فالفقراء منهم يدفعون غالباً من عشر ليرات إلى ثلاثين ليرة وأما المتوسطون فمن خمسين ليرة إلى ثلاثمائة وأما التجار والأغنياء فمن خمسمائة إلى ألف أو ألفين وأكبر صداق دفع في حاضرتنا هو سبعة آلاف ليرة عثمانية أي 1. 680. 000 فرنك دفعته السيدة (ن) كريمة المثري الشهير منشي مثلون إلى الخواجا اخضوري بن شماش.
والشيء الذي لا بد من ذكره هو أن الفقراء الذين لا يملكون شروى نقير يكرهون نساءهم على أن يجلسن في باحة الكنيس وأروقة المجامع وقوارع الطرق وفارق الشوارع ليستعطين من المارين وليجمعن بائنة لبناتهن ولا تسأل عن صورة جمعها فإنها تجمع بطرق تشمئز منها النفوس الأبية فتقعد الأم وعيناها شاخصتان إلى المارة وهي تستعطفهم وتوجه أنظارهم إلى ذلها ومسكنتها وفقرها المدقع وبعض الوالدات يذهبن إلى رئيس الحاخامين ليكتب لهن رسالة وصاة يحملنها إلى سراة القوم ووجوه الأمة ليمدوا إليهن يد المساعدة. فبهذه الصورة وبغيرها تجمع الدراهم المطلوبة وتقدم إلى الشاب كلقمة سائغة وطعام مريء هنيء. فإذا اعترض أحد عقلاء الأمة على هذا العمل المخالف للشهامة وعزة النفس يجاب حالاً أنه لا يجوز شرعاً في الدين اليهودي أن تطلق الفتاة من دار والديها صفر اليدين ويستشهدون إدعاماً لرأيهم بما ورد في سفر التثنية 15: 12 من أن العبد إذا خدم سيده ست سنوات ففي السنة السابعة يعتق ويطلق سراحه مزوداً بالمال فكيف لا تزود الفتيات اللاتي قد خدمن والديهن منذ صغرهن. ولقد فات المعترض أن ذلك يعمل إذا كان الإنسان ذا سعة ولا واجب عليه إذا ضاقت حاله بحيث يضطر إلى أن ينتهك مبدأ التعاون والتعاضد الحقيقي. ويخيل إلينا إن منشأ هذا الإكراه هو الاعتقاد الجازم بصحة الزواج الباكر فالفتاة إذا تجاوزت الثامنة عشرة أو العشرين باتت منبوذة كإحدى الثيبات لا يمد أحد إليها يداً. أما الآن فقد تغيرت الحال قليلاً بواسطة المدارس والمكاتب فأصبح الشاب المتهذب لا يرضى شريكة لحياته إلا التي تكون كاملة السن حائزة صفات الأمومة ملمة بأغلب(3/455)
فروع المعارف العصرية كتدبير المنزل والخياطة والقراءة والكتابة ونحوها.
3 - تزوير الخطبة
عند نفر من رعاع يهود بغداد عادة ذميمة جداً ألا وهي إذا رأى أحدهم غادة حسناء بديعة الجمال فريدة الخلال والخصال وهام بها لكنه لا يصل إليها لأنها أرفع جاهاً وأسمى نسباً أو حسباً فلا يستطيع أن يقدم على خطبتها جهراً لئلا يلحقه من الذل والهوان وقوارص الكلام ما لا تطيق على حمله الأطواد الراسيات يعمد إلى اختلاق الحيل فيغويها بنفثات لسانه. فإذا أفلتت من كيد فخه ونجت سالمة من شركه، احتال عليها بوسيلة أخرى. والوسائل في شرع اليهود عديدة ناجعة تساعد الأوباش على نيل بغيتهم وقضاء وطرهم. فمنها: إنه إذا أهداها أحدهم خاتماً أو نفحها بصرة من الدنانير أو بقطعة من النقود الدارجة بشرط أن تكون من الذهب أو الفضة بمرأى ومسمع من الناس وقال لها: يا فلانة لك أقول خذي هذه الهدية مني عربوناً على عقد خطبتي لك (وغالباً يتلفظ بتلك الكلمات بصوت منخفض جداً بحيث يتمتم ولا يسمع كلامه بجلاء) فالفتاة المسكينة تذهل طبعاً من تلك المباغتة فتأخذ بأن تتفرس بوجه الصبي وبيدها تقدمته لأنها لا تعرف من أمره شيئاً ولا لأي شيء قدم لها تلك الهدية فإذا خطت ثلاث خطوات وهي حاملة خاتمه أو نقوده تعد خطيبته له شرعية ولا يقدر أن ينازعه فيها منازع؛ أما إذا ألقت من يدها في الحال هديته فلا يعتد بفعله بل ولا يحفل بما أتاه؛ بيد أن اغلب الفتيات المسكينات يعتريهن شيء من الذهول فلا يفطن لما في أيديهن ولا يدرين بماذا يجبن فيهربن من أمام ذلك الحيوان الضاري لا يلوين على شيء كالظبي النافر من وجه الأسد فيعد فرارهن هذا حجة ساطعة عليهن ودليلاً راهناً على رضاهن وكم جرت هذه العادة الذميمة - التي لم ينزل بها الله من سلطان - من الويلات والمنازعات فعلى شبان العصر ورجال النهضة الحالية أن يجعلوا حداً لتلك الموبقات المعدودة من فظائع الهمجية. ومما يزيد الطين بلة إن بعض المتشردين والمشعوذين يستأجرون طائفة من أرباب المفاسد لهذه الغاية السافلة فإذا تم لهم ما قصدوه يذهبون بهم إلى الربانيين فيستنطق هؤلاء أولئك الواحد بعد الأخر فإذا وجدوا أن الشهود يؤيدون دعوى الشاب يصرحون على رؤوس الملأ إن الفتاة باتت خطيبتة شرعية للمدعي ومما(3/456)
هو أنكى من ذلك إن كثيرين من أغبياء اليهود يذعنون لحكم الحاخامين ذلك الحكم الذي لا يجحف بحقوق الفتاة فقط بل بحقوق الوالدين وبمن يلوذ بهم أيضاً إذ كيف يجوز
في شرع العقل إن فتاة سامية المناقب حميدة السجايا كريمة المحتد ترغم فتقترن بفتى لئيم خبيثٍ فاجر دنئ الأصل من سفلة الناس وطغامهم لكون سنة الشيوخ تحتم ذلك. وقد حدثت واقعة من قبيل ما أوردناه فويق هذا منذ نحو سنة وهو أن أحد الرعاع البدالين (البقالين) في سوق حنون سولت له نفسه أن يقوم بهذا الفعل الفظيع فلما طرق خبر تلك الجراءة مسامع أبوي الفتاة قاما وقعدا لتلك الوقاحة بل الفظاظة الغير معهودة في عصر الحرية والعدالة وأهانا الربانيين كافة لتأييدهم دعوى سخيفة كل السخافة وحجة باطلة يمجها الذوق السليم ولا يأتيها إلا فريق من الطغام اللئام. فلما رأى رؤساء الدين وتحققوا أن لا طاقة لهم على مقاومة والدي الفتاة وأخوتها وأنسبائها وإرغامهم على ما رسموه، فتق لهم عقلهم إذ ذاك أن يتواطئوا سراً مع أحد الشهود على أن ينكر بتاتاً ما فعل ويقول أن المدعي قد رشاني لا شهد زوراً فأتيت ما أتيت من شدة فقري وهاءنذا أعترف أمام الحضور بعظم جريمتي طالبا الصفح والغفران عن زلتي.
لقد فعل الربانيون ما فعلوا خوفاً من هياج الجمهور لئلا يخالفوا سنة الشيوخ ويتعدوا على تقاليد الأباء حسب زعم السذج منهم وادعاء البلداء فناشدتك الله يا صاح هل سمعت في عمرك عن عادة أجحف بحقوق ذوات الحجال من هذه. فيا ليت يقوم اليوم عقلاء اليهود وأدباؤهم ويلغون هذه العادة القبيحة المار ذكرها لكي لا يسري داؤها العياء إلى ما بينهم ويصبحوا مضغة في أفواه ناشئة العصر الذين قد وقفوا نفوسهم وأقلامهم لقلع زوان الظلم والاستبداد ويكونوا في الوقت ذاته قد خدموا طائفتهم خدمة جليلة لا يقدرها حق قدرها إلا ذووها.
4 - عقد الخطبة
عقد الخطبة ويعرف عند اليهود باسم (التقديس) (واللفظة غير عربية بهذا المعنى) معروف عندهم. ويقولون فلان قدس فلانة وفلان مقدس وفلانة مقدسة إلى آخر ما هنالك من هذه الألفاظ. بمعنى خطب ومخطوبة وخطيب. وتتم الخطبة على هذا الوجه:
يحضر العروسان مع الوالدين والأقرباء والأصحاب والمدعوين إلى ردهة(3/457)
فسيحة الأطراف فيقوم الحاخام ويأخذ بيده قدحاً من الشراب الفاخر ويباركه ثم يناوله الخطيب فيشرب نصفه ثم يقدمه إلى الخطيبة فتكرع ثمالته ثم ترده إلى خطيبها فيأخذه ويكسره أمام الحضور دلالة
على أن الوفاق قد تم بينهما ولم يعد في طاقة أحدهما رفض صاحبه أو رفض عقد الخطبة بلا مسوغ شرعي فإذا ألقى القدح تتلقف الحضور كسره وكل من يحصل على كسرة منه يعد نفسه سعيداً لأنه يعتقد أنها بمنزلة آنية مقدسة ويتيمن بها فإذا تم ذلك تقدم أطباق الحلوى إلى الجمهور وبعد أن يأكلوا منها ينتثر عقد المحفل ويذهب كل منهم إلى داره داعياً للخطيبين بالسعد والفلاح.
وفي اليوم التالي يرسل الخطيب إلى خطيبته عقداً ثميناً أو حجراً كريماً أو غيرهما من الهدايا النفيسة والحلويات مع دلال الفتيات وعلى الدلال أن يتقاضى نقوداً من الخطيب باسم جعل الحمال تختلف قيمتها باختلاف الدرجة والمقام.
5 - رسوم الزواج
عندما يتم جهاز العروسة ويدنوا أوان الاقتران تدفع البائنة إلى العروس بعد أن انفق منها جزءاً في مشتري حلي وثياب للعروسة وأثاث للبيت فإذا كان صاحبنا غنيا ضمها إلى دراهمه وإذا كان تاجراً أضافها إلى رأس ماله وإذا كان مفلساً أصبح ذا رأس مال يتاجر به. بيد أنه يؤخذ من الصداق مبلغ معلوم يخصص لدار السكنى ويسمى بلسانهم (مشكنتي) ولا يجوز للزوج أن يتصرف فيه اللهم إلا إذا مست الحاجة إلى ذلك.
وقبل أن تكون ليلة الزفاف يرسل العروس بدراهم إلى العروسة من جيبه الخاص لتنفقها على نفسها وصويحباتها في الحمام. وفي تلك الليلة تخضب النساء بنان العروسة وأنامل أكثر المدعوات والنسيبات بخضاب يعرف بالحناء وقبل بضع سنوات كانت تحنأ كلتا اليدين ولم تزل تلك العادة جارية عند الكثيرين من سكان الزوراء حتى يومنا هذا. وفي ليلة الحناء يقرع أهل العروسة الدنبركة(3/458)
من المساء حتى الصباح ويوقدون شمعتين بالتناوب تركزان في وسط لقن مملوء قمحاً وتوقد الشمعة الأولى إلى نحو نصف الليل ثم تليها الأخرى حتى الفجر. فتطرب النساء والصبيان ويسكر الرجال حتى يعربد بعضهم وفي وسط أفراحهم تأتي الحوانئ (المحنئات) وهن حاملات أطباق الحناء فيحنئن أطراف أصابع العروسة بقموع فترفع أصابعها إلى فوق إلى أن يجف الخضاب ثم تنقض عليها الفتيات ويخطفن القموع من أصابعها لأنهن يعددن ذلك تبركاً وسعادة واغلب الخاطفات يكن من الصبايا العذارى وفي اليوم التالي وهو يوم عقد الزواج يذهب العروس ومعه المدعوون
والأقرباء والرفقاء إلى بيت العروسة فيجلس في صدر الردهة وعن يمينه (الشبين) وفي لسانهم يدعى (اشبنيم) والعروسة في حجرة أخرى خاصة بالنساء ومما يحتم على والدي العروسة ليلتئذٍ أن يحضرا آلات الطرب كالموسيقى والجالغي والدف والدنبك ونحوها لتطرب الحضور بألحانها الشجية. وبعد أن يمضي بضع ساعات يقوم الحاخام ويعقد عهد الزواج ثم تدار أقداح الشراب وأطباق المرطبات والحلوى على الحضور فيأخذ العروس المدعوين إلى داره وتأخذ النساء معهن العروسة ويرافقها إلى قرينها ثم يرفض المجلس وهم يدعون للعروسين بالرفاه والبنين.
من العادات التي لا توجد عند غير يهود بغداد: هي أنه عند زفاف العروسة إلى عروسها أي في الليلة التي يبنى الزوج على زوجته (ليلة الدخلة) تختلي معهما عجوز لتكون شاهدة عياناً على ثوب عفاف العروسة أو بعبارة أصرح لتكون خير شاهد على بكارة الفتاة ولهذه العجوز مشاهرة تتقاضاها من المجمع أو الكنيس في غرة كل شهر قياماً بمهنتها هذه وهناك بضع عجائز قد أقمن لهذه الغاية وإذا اعترض أحد على هذه العادة الذميمة الغير اللائقة بروح العصر يفحمونه بما ورد في هذا المعنى في سفر التثنية 22: 13 إذ يقولون إن مثل هذا الاحتياط يحفظ الشابين من كل ما لا تحمد عقباه. ومن خرافاتهم في مثل هذه الليلة إنهم لا يسمحون ببقاء الماء في حجلة العروسة(3/459)
والعادة عند الأغنياء والمتوسطين منهم هي عندما يبنى الزوج على زوجه أن تصدح الموسيقى بألحانها المطربة هذا وتقف والدة العروسة وبعض النسيبات عند باب مقصورة العروسين أو بالقرب منه وهن يهلهلن هلاهل تمزق جلباب الفضاء من شدتها وبعد أن يدنوا الزوج من زوجه لا يجوز له بعد ذلك أن يتقدم منها إلا بعد مضي سبعة أيام وأحيانا خمسة عشر يوماً لأنهم يعتقدون إن ذلك لا يخلو من فوائد طبية وفي أثناء هذه المدة لا تترك العروسة وحدها في خدرها لكي لا تكون فتنةً لرجلها قبل المدة المضروبة للملاقاة الثانية. ومن عاداتهم القديمة أن العروسة تجلس في الوسط ومن عن يمينها وشمالها تقعد امرأتان وعلى رأس كل منهما أزار ولكن هذه العادة قد بطلت عند المتنورين منهم لأن القدماء وكثيرين من العوام يعتقدون إن المرأتين تطردان الأرواح الخبيثة عن العروسة.
وفي اليوم السابع يدعو الحم صهره وابنته معاً إلى داره ويعد لهما وليمة وهم يدعونها في
اصطلاحهم (فتح الوجه) ذلك لأن العروس لا يذهب إلى بيت حميه حياء وتأدباً ما لم يدعه دعوة خصوصية وإذ لم يأدب له مأدبة. فلا أقل من أن ينفحه بصره من الدنانير تكون بمثابة الدعوة.
ومن العادات الراسخة في الأذهان والمعدودة من قبيل وحي الأديان أن الشاب لا يجوز له شرعاً أن يتزوج أرملة أو مطلقة وإذا اقترن بها لداعٍ من الدواعي وأصبحت حليلته يحتم عليه أن يتزوج بعد حين بفتاة عذراء لم يعرفها رجل قط.
ويجوز للرجل في شرع اليهود أن يتخذ ابنة أخته زوجةً له وأما عند المسلمين والنصارى فلا يجوز البتة لأنهم يعتقدون أن ابنة الأخت هذه هي بمقام أخته أما اليهود فيذهبون إلى أن ابنة الأخت تعد غريبة النسب لكون والدها غريباً ويوردون لخصمهم ما جاء في سفر اللاويين 18: 6 من أنه لم يرد نهي عن اتخاذ ابنة الأخت زوجة للخال غير أنه وإن لم يرد شيء من قبيل ذلك إلا أنه مما تنفر منه الطباع العفيفة والعقول السليمة لقرب صلة الرحم بينهما وكثيرون من الإسرائيليين لا يقدمون على ذلك تشاؤماً من الموت الباكر وتطيراً من انقضاض غراب البين واختطاف أحد الزوجين(3/460)
وهو في شرخ الشباب وغضاضة الإهاب فلأجل ذلك لا يقدم عليه في حاضرتنا إلا نادراً وقد اقترن بعضهم ببنات أخواتهم بيد أن اغلبهم ماتوا وتركوا نساءهم أرامل حتى مماتهن لأنه لم يجسر أحد الرجال على أن يقترن بإحداهن لئلا يصيبه ما أصاب الزوج الأول.
والشيء الذي لا بد من ذكره في هذه العجالة وتوجيه الأنظار إليه هو أن بعض الفتيات الإسرائيليات يصبأن إلى الدين الإسلامي في كل عام تقريباً أما لفقرهن المدقع وأما لداعي العشق والغرام وقد صبأت إحداهن إلى النصرانية منذ نحو عامين في البصرة واقترنت بأحد النصارى الأرمن وهي حية ترزق وقد ولدت ابناً وابنة وهذا مما لا يقع إلا نادراً.
6 - الطلاق عند اليهود
الطلاق جائز في الدين اليهودي لأمرين مهمين فقط وهما: 1 - إذا خانت المرأة بعلها ودنست مضجعه بشهادة الجم الغفير. 2 - إذا كانت عاقراً وأراد بعلها أن يقيم له نسلاً فيمكنه أن يطلقها أو يهجرها فإن أبت الزوجة أن تفارق قرينها فراقاً باتاً يجوز لها أن تمكث معه ولكن حذراً من وقوع الخصام والنزاع بين الضرتين تقيم كل من الزوجتين في
بيت خاص بها.
هذا ولا يجوز لليهودي الأضرار أي التزوج بأكثر من امرأة واحدة اللهم إلا لأسباب صحية أو غيرها من الأسباب التي تتعلق بها سعادة الزوجين وهناؤهما.
رزوق عيسى
الرّماحية
في ربوع خزاعة بالشامية على مقربة من النجف أنقاض بلدة قائمة على جدول كان ينحط إليها من الفرات، تلك هي بلدة (الرماحية) لم يذكرها ياقوت لأنها مستحدثة بعد زمانه قليلاً ولا تكلم عليها الباحثون المتأخرون فيما اعلم ويقول(3/461)
بعض المنتسبين إليها طائفة من حاشية السلطان سليم الأول (من سنة 918 (1512م) - سنة 926 (1519م) نزلوا هذا المكان فاستطابوه واختاروا الإقامة فيه، وقال لي بعضهم أن هؤلاء من متصوفة الأتراك احتلوها في بدء أمرها وبهم عمرت أوليهم تنسب بعض البقاع إلى الآن؛ وكان العراقيون يسمونهم روماً - على عادتهم في تسمية الأتراك - ثم أضيفت الناحية إليهم وقيل (روم ناحية) ثم ادمجوا الكلمتين فقالوا (الرماحية).
هذا كل ما عند أهلها عنها إجمالاً غير أني لا أعتمد ولا أراه ثبتاً لأن ما انتهى إلينا من أخبار الرماحية يرتقي إلى أبعد من التاريخ الذي عينوه، فإن المولى علي بن محمد المشعشع ملكها في نحو سنة 860 (1456م) في جملة حواضر العراق التي وقعت بيده وبنى قربها حصناً للحامية ذكر ذلك بعض مؤرخي الدولة الايلخانية في العراق وحكاه التستري صاحب (مجالس المؤمنين) الفارسي في كتابه بل يظهر مما أورده النوري في كتابه (دار السلام) أن بعض العشارين كان يقيم في الرماحية على عهد السيد عبد الكريم بن طاووس المتوفى سنة 693 (1294م).
فالظاهر أنها أنشئت في أخريات القرن السابع للهجرة ولم يقم دليل قوي على أن عمارها الأولين كانوا أتراكا أو روماً أضيفت الناحية إليهم وربما كانوا رماحة أي يعملون الرماح ويتخذونها لأن موقع البلدة في سرة العراق وصميم القبائل العربية وكل حي لقاح ممتنع على السلطان من خزاعة وغيرها وكانوا يصطنعون أسلحتهم بأيديهم قبل اختراع الناريات وقد أخرجت الرماحية جماعة من العلماء والمجتهدين غير من كان يختار الإقامة فيها من فقهاء النجف وطلابها؛ لا سيما عهد آل طريح الرماحيين حتى قصدها الناس وتطلعوا إلى زيارتها؛ وأقدم من نعرف من زوارها غير الفاتحين السيد نعمة الله الجزائري المتوفى سنة 1200هـ (1700م) عاج بها سنة 1189(3/462)
(1775م) وقصدها من النجف قال في ترجمته
نفسه: (ولما فرغنا من الزيارة (في النجف) شرعنا في زيارة الأفاضل والمجتهدين ومباحثتهم ثم أتينا إلى الرماحية وكنت ضيفاً عند رجل من المجتهدين أياماً).
ومر علينا السيد عبد اللطيف الرحالة الجزائري سنة 1195 (1781م) فقال في رحلته الفارسية (تحفة العالم): (واكترينا جمال جمالة (السماوة) على أن نذهب إلى النجف بطريق الرماحية).
وكانت الرماحية معاج من يصعد في الفرات من البصرة ففي سنة 1213 (1798م) مر بها عامل البصرة من قبل سليمان باشا القتيل والي العراق وكان ابن سند البصري في صحبته. وأقدم من غزاها المولى (علي) ملك الحويزة كما مر بك وفي سنة 1222 (1807م) حصرها الوهابيون بعد امتناع النجف عليهم فصابرتهم وافرجوا عنها إلى الحلة.
ثم إن الماحية منذ عهد غير بعيد طم نهرها وتحول مجراه واستحدثت قربها بعض الحواضر فهجرها أهلها وتفرقوا في مدن العراق الفراتية وهم يعرفون بالنسبة إلى بلدهم إلى الآن وما زالوا حلفاء أهل النجف وإليه ينسب الشيخ فخر الدين الطريحي العالم المحدث اللغوي المتوفى سنة 1085 (1674م) وبها أقام في أواخر أمره وكان يجتهد في تسديد الرماحيين وتبصيرهم وقد عثروا أخيراً على آثار له في جامع خرب كان يصلى فيه فغالى الناس بها هناك ومن العلماء الذين أخرجتهم الرماحية السيد (أحمد زوين) (سنة 1230) (1815م) جد آل(3/463)
زوين الأسرة العلوية المعروفة في النجف. هذا ما أردنا تدوينه حرصاً على الحقائق التاريخية وفوق كل ذي علم عليم.
النجف: محمد رضا الشببي
(لغة العرب) وقد جاء ذكر الرماحية في حوادث سنة 936هـ (1530م) حينما ولى الشاه طهماسب (صالح سلتان) الرماحية - وفي وقائع سنة 959 (1552) حينما أقيم محمد باشا والي بغداد (سرداراً) وعهد إليه أن ينوب مناب عثمان باشا المتوفى ليأخذ الوسائل اللازمة لقهر حصن شهرزور ومن فيه فتوجه إلى هذه القلعة وأقام في موطنه في بغداد قيم مقام سهيل بك والي الرماحية - وفي أحداث أواسط جمادي الأولى سنة 1076 (الثلث الثاني من شهر ت 2 سنة 1665) حينما حاول الوزير إبراهيم باشا التنكيل بحسين باشا المتحصن في القرنة لكنه لم يتبصر في العواقب وذلك أنه توقع أن حسين باشا يطلب منه
الصفح والغفران عما فعل إلا أنه لما وصل جيشه إلى الرماحية ولم ير ما كان يؤمل كتب إليه رسالة يحمله بها على الرعوى فلم يعمل خصمه بما أشار عليه حتى دارت عليه الدوائر ونكب نكبة شديدة - وفي أخبار سنة 1078 في 7 جمادي الآخرة (25 ت 2 سنة 1667م) حينما سافر لوزير قره مصطفى باشا والي بغداد زاحفاً على حسين باشا والي البصرة الذي كان قد طغا وبغى وعصى على السلطان فذهب الوزير إلى زيارة النجف بينما كان عسكره يتجه نحو الرماحية ليجتمع به هناك - وفي أنباء سنة 1105هـ (1694م) حينما رأى الحاج أحمد باشا استفحال أمر المنتفق الذين كانوا قد كسروا مراراً عديدة العسكر الذي زحف عليهم في عهد شيخهم مانع واستحوذوا على العرجاء والسماوة والرماحية ونواحي الجزائر.
واخذ ذكر الرماحية بالخمول منذ طغيان الفرات الذي وقع في سنة 1112(3/464)
(غرقة سنة 1700) وهذا تفصيلها: على بعد أربع ساعات من شرقي الرماحية نهر اسمه (ذياب) يشق الأرضين التي تمتد بين الرافدين ويدفع ماءه في دجلة، إلا أنه يصب الآن في الفرات وفي تلك السنة لم تقو الاسداد التي كانت على مصب النهر احتمال الطغيان إذ كانت على تلك الحالة منذ نحو 30 سنة فلما فاض الفرات فيضاناً غير مألوف في سائر السنين طفحت مياهه على جميع البلاد المجاورة له. ثم رجع الفرات إلى مجراه عائداً إلى السماوة. فكانت هذه الداهية الدهياء سبباً لأتلاف الزراعة والتجارة وقطع طرق المواصلات فلما رأى الأهالي ما صاروا إليه من الحالة الضنكة ولم يستطيعوا أن يدفعوا ما تراكم عليهم من الضرائب تركوا ديارهم وقراهم ولجئوا إلى الجزر التي نشأت في تلك الأهوار. فلما رأى أحد الرجال واسمه سلمان بن عباس فرار الأهلين أخذ مزارع الرماحية وكبشة وحسكة وناحية بني مالك لا بل مد يده إلى صحن النجف ومنذ ذاك الحين خمل ذكر الرماحية ولم يعد يذكرها الناس مدينة كما كانت سابقاً. وتغلب نهر ذياب على نهر الرماحية فاخمل ذكره بالمرة حتى ضربت العرب به المثل فقالت: (طلع فلان طلعة نهر ذياب) يضربونه لمن يقوى على غيره فجأة بعد أن كان ضعيفاً. وسمى نهر ذياب بذلك إضافة إلى رجل كرى النهر المذكور لسقي أراضيه فنسب إليه.
الطيارون في الشرق
لا تطر (فدرين) في الشرق افتخارا ... كم فتىً في الغرب من قبلك طارا
(شول رينار) على منطاده ... (لافرنس) البدء قد طار اشتهارا
و (بباريس) (البرازيلي) قد ... طار في الجو وحول (البرج) دارا
إن تطر فدرين في الشرق فلا ... تحتقره بتعاليك احتقارا
وأغضض الطرف إذا ألفيته ... غارقاً في النوم ليلاً ونهارا
فبنوه أبداً في رقدة ... وعليهم نفض الذل غبارا(3/465)
أنت طير في الفضا منطلق ... وهم في قفص الجهل أسارى
عاهدوا الدهر بأن لا يقظةً ... لا حراكا لا نهوضا لا وقارا
فلقد ضلوا طريقاً بعد ما ... أوضحوا للغرب بالعلم منارا
لم لا تبكي عليهم غيرة ... وهم كانوا على الحق غيارى
(بارنيه) أفصح ولا تهزأ بهم ... فهم من خمرة الجهل سكارى
عقد الجبين عليهم خنصراً ... وكساهم من ثياب الذل عارا
وغدا الفقر عليهم جائراً ... بعدما كانوا أعز الناس جارا
أنت (بونيه) على (المرن) إذا ... طرت بالرفق فقد طرت فخارا
أنت سلطان على عرش الهوا ... جالس إن رمت منه السير سارا
أم ملاك يتهادى في الفضا ... بجناح ساير الريح اقتدارا
وله رجلان من تحتهما ... مثل (دولابين) بالقوة دارا
أيها الطائر فخراً في العلا ... تنهب الجو غدواً وابتكارا
طالما سيرتها منطادة ... في السما لم تتخذ في الأرض دارا
كلما تعلو بها تعلو بهاً ... والطويلات لها عدن قصارا
خال من أبصرها في جوها ... إن (هالي) (ذنبا) منها استعارا
هي كالزورق لكن من رأى ... زورقاً من قبلها في الجو طارا
وهي كالوهم على الفكر إذا ... مر في الحال عن العين توارى
كلما اشتد بها فرط الظما ... وسقاها (الغاز) تشتد أوارا
فإذا ما أججت زفرتها ... نفثت من صدرها في الجو نارا
وإذا ما غضبت يوم وغىً ... قذفت غيظاً على الخصم شرارا
وإذا ما طلبت ثاراً لها ... أدركت عند مناط النجم ثارا
فيها يعرف ما عند العدى ... وبها يستكشف الناس الضرارا(3/466)
كلما زارت بحى خلتها ... غادة تسحب بالمشى الأزارا
إن أهل الغرب بالعلم لقد ... ركبوا الريح وقد عافوا المهارا
تخذوا العلم بجهد آلة ... صنعوا منها أساطيلا كبارا
كل أسطول كطود شامخ ... من رأى الأطواد يقطن البحارا
ملكوا الأقطار بالعلم وقد ... سيروا فيها من العلم القطارا
جعلوا (الأسلاك) وحياً بينهم ... وأحالوا الفحم بالعلم نضارا
سخر العلم لهم ريح الصبا ... فلذا قد ركبوا منه البخارا
يا بني الشرق فانتبهوا ... من رقاد فوقكم ألقى التبارا
(واطلبوا العلم ولو في الصين) كي ... تدفعوا فيه عن الشرق البوارا
فاقتدوا بالغرب كيما تدركوا ... ما مضى واجنوا من العلم ثمارا
ودعوا ذكر عظام نخرت ... واذكروا العلم كباراً وصغارا
إنما فخر الأولى قد درسوا ... ليس يجدي الحي نفعا وافتخارا
(فسليمان) الذي كان مضى ... ببساط الوحي والقدرة طارا
إن دور الأنبياء تم بهمٍ ... وزمان الفخر قد شط مزارا
فاصنعوا واخترعوا اليوم على ... ودعوا ما كان في الماضي وصارا
وأنعشوا ما مات من أجدادكم ... بندى العلم ولا تبقوا حيارى
فمن العلم هرت أجسامكم ... فالبسوا من حلة العلم شعارا
فهو للعالم أم أب ... فانحتوا منه أصولاً ونجارا
عبد الرحمن البناء
ارتفع أسعار الأرضين في بغداد
قرأت في العدد السابع من سنتكم الثالثة في الصحيفة 389 خبر بيع الأراضي الراجعة إلى الأجنبي زريفي أو ظريفي الصراف في الأستانة بمبلغ 150 ألف ليرة وعند ذكر ذلك ذكرتم تم أنه قد كان اشتراها سنة 1880 بمبلغ قدره 250 ألف(3/467)
ليرة وقلتم بعدها (فانظر وتأمل) كأنكم رأيتم الفرق كبيراً والمدة التي هي 34 سنة وجيزة بالنسبة إلى هذا الارتفاع العظيم ولذا خطر لي أن أحرر لمجلتكم الزاهرة هذه الأسطر أعلاماً بما وصلت إليه أثمان الأملاك والأراضي في حاضرتنا وما جاورها في هذه الأيام الأخيرة أعني منذ خمس عشرة سنة فقط بل قل من بعد إعلان الدستور فأقول:
1 - منذ نحو 12 عاماً على الأكثر بيعت قطعة بستان قرب باب الشرقي وهي ما يعرفه المسنون من أهالي تلك المحلة باسم (حمام الراعي) لأنه كان فيها سنة 1265هـ (1849م) حمام ولعل من الذين دخلوه للاغتسال هم أحياء إلى اليوم وقد حولت بستاناً وملكها السيد محمد أفندي البرزنجي. فأراد بيعها فلم يرغب فيها أحد حتى أخذها منه ابن أخته الحاج عبد الجبار جلبي خضيري زاده بنحو 400 ليرة وذلك من قبيل ترويج المصلحة لخاله لا رغبة في الأرض ومنذ نحو سنة أو أكثر بقليل باع المومأ إليه بوكالة أخيه حضرة عبد القادر باشا نحو نصفها بنحو 6 آلاف ليرة والنصف الثاني لم يزل في عهدته. فما القول في هذا الفرق؟
2 - قرب مخفر محلة السنك أرض كانت بستاناً تسمى (السماكية) عرضها من جهة نحو ثماني أذرع ومن الجهة الثانية نحو من 60 ذراعاً عرضت للبيع فوصلت إلى نحو 300 ليرة فاستكثرها كل سامع وذلك منذ نحو 15 سنة لا أكثر ثم أشترى قطعة منها كيروب ستيان المحامي البغدادي وهي اليوم (فندق (أوتيل) بابل) ثم أخذ قطعة منها حسن أفندي الباجه جي المحامي وهو نحو الربع منها بل أقل بنحو 800 ليرة فيكون مجموعها 3200 ليرة فما القول في هذا الفرق؟
3 - بيعت قطعة بستان قرب جامع السيد سلطان علي وهي المعروفة بباغجة (جنينة) خليل أفندي بمبلغ 800 ليرة فاشتراها جبرائيل أصفر قبل نحو خمس سنوات وهي اليوم
في الدعوى لأن ورثة البائعة يدعون بوقفها وقد قسمت إلى عدة مواقع وفتح منها جادة بلغني أن قد دفع في بعض قطعها ثمن المتر المربع ثلاث ليرات وقيل أربع وكلها ما لا ينقص عن عشرة آلاف متر مربع فما القول في هذا الفرق؟
4 - باع آل الشيخلي رحمهم الله قبل نحو 20 سنة محلاً قرب بستانهم في الكرادة الشرقية طوله نحو 20 متراً وعرضه نحو 12 ليعقوب باشا عيسائي بقيمة 90 ليرة وليسوا محتاجين إلى أضعاف أضعافها إذ هم من الأغنياء وكل من سمع استحمق المشتري(3/468)
والآن بلغني أن ثمنها نحو 1000 ليرة أو أكثر فما القول في هذا الفرق.
5 - عرضت بصورة الاجارتين أرض للوقف الراجع إلى الحاج علي كافل حسين منذ نحو خمس سنوات وهو مصدر بستانه على دجلة في الكرادة الشرقية فوصل إلى 400 ليرة وصدر الأعلام الشرعي بانقطاع الزيادة فيها وإن قد انقطعت رغبة الراغبين ثم فسخ الأعلام والآن وصلت إلى 600 ليرة فما القول في هذا الفرق؟
6 - كانت أرض جادة باب الشرقي وهي الآن ملك حضرة السيد داود أفندي النقيب داراً معمورة اسمها (دار السرور) ولا أظن أن أحداً لا يعرف هذه الأرض لأنها كانت مرمى الرماد والتراب إلى غير ذلك فاشتراها المومأ إليه بأقل من عشرة ليرات على ما سمعت واليوم يخمن متر أرضها غير المعمورة بأربع ليرات أو خمس ومساحتها لا تقل عن 800 متر مربع فما القول في هذا الفرق؟
هذا كله فيما لم ينله قرب السكة الحديدية ولا غيره فأما ما هو بجوارها فحدث عنه ولا حرج؟
7 - فقد اشترى حافظ أفندي الريزه لي وأخوه رضا بنحو 250 ليرة قبل مدة لا تزيد على عشرة سنوات أرضاً اتخذاها مزرعة وبستاناً قرب مقابر الشيخ معروف الكرخي وقبل سنتين باعا نصفها بنحو 3500 ليرة وهي تبعد عن المحطة نحو ألفي متر فكيف بها لو كانت قريبة منها فما قولكم في هذا الفرق؟
8 - هناك أرض صغيرة فيها ثلاث نخلات يابسة كانت ملكاً لحمودي الوادي الخانجي وعليه دين للبلدية نحو 300 ليرة فحجزت ووضعت في المزايدة فبلغت إلى 30 أو 40 ليرة وذلك قبل نحو ثماني سنوات ثم تركت. وقد بيعت في العام الماضي بمبلغ 800 ليرة
أو نحوه ولم تزل خالية يباباً فما قولكم في هذا الفرق؟
هذا ما سنح للخاطر في سويعة من الزمن ولو أراد أحد الاستفسار لرأى أن الواحد صار عشرين بل خمسين وربما بلغ مائة وأكثر مما لا يعد ولا يحصى على أن الأعمار لم يقع والترقي لم يحدث والمدنية لم تنتشر والأمن لم يحط والحال لم يتغير فما القول أن توافد الغربيون زرافات ووحدانا على السكة فهذا أمر نوجه إليه أنظار القراء الكرام.
ع. . . ن(3/469)
النخل في العراق
1 - توطئة البحث
غايتي من كتابة هذه المقالة أن أبين للقراء صورة غرس النخل وإنمائه والاعتناء به وتلقيحه وجني تمره وما ينتفع به وما يتعلق بتجارته فأقول:
2 - تعرف النخل على ما تصفه العامة والخاصة
إن شجرة التمر تعرف عند العرب بالنخلة وهي نوع من الشجر له جذع قائم طويل قد يبلغ بعض الأحيان 12 متراً وتبقى عليه كرانيف السعف فيكون شكله شكل درج ملوي وفي أسفل سعفه الأخضر ليف يشبه شعر الإنسان يبقى قلبه من شدة البرد أو فرط الحرارة.
أما الخاصة أو العلماء فقد عرفوا النخل بقولهم شجر من فصيلة الأنبتة الوحيدة الفلقة ذات آح وهي تشمل أشجار مختلفة القد جذعها بسيد أجرد إلا أنه ذو كرانيف تنشأ من بعد قطع السعف وفي أعلاه طائفة من السعف الأخضر طويل جداً ومخوص يلزم بالجذع أشد اللزم وهو في بعضها على شكل أصابع تنفرج الريش أو تتجزأ إلى آخر الجريدة (وهي السعفة إذا جردت من خوصها) فإذا تجزأت أوراق السعفة تسمى الخوص وقد يختلف شكل الخوص بين عريض وضيق وطويل وقصير ومحدد إلى غير ذلك.
3 - أرض النخل
أطيب أرض للنخلة هي 1 - الأرض ذات الطينة الحلوة الحمراء الرخوة 2 - دونها الحمراء الممزوجة بالرمل 3 - دونها السوداء 4 - دونها الرملية البنية 5 - دونها الأرض التي فيها شيء من الملح الأبيض المعروف بالبوطاس وهي التي يسميها العرب الأرض السبخة البيضاء إذ يوجد سبخة سوداء 6 - سبخة سوداء لا تنفع للنخلة شيئاً بل تقتلها قتلاً وعلامة هذه الأرض أن تكون رطبة دائماً كأنها مبلولة ماء وقد تنمو أيضاً النخلة في هذه الأرض إذا عني بها أشد العناية من تسميد وسقي وحرث لكنها لا تنمو كافياً في الأرض الصلصالية وهي الأرض التي طينها أحمر صلب جداً لا يلينه الماء إلا أن ماء يرويها رياً وتضر بها الشمس بحيث تكون بعيدة عن الفيء.(3/470)
4 - زرع النخلة وغرسها
النخلة قد تنبت من النواة لكن نخلها لا يجئ إلا بعد مدة طويلة تكاد تكون ضعفي أو ثلاثة أضعاف مدة النخلة الناشئة من التال وإذا جاءت النخلة النابتة من النواة فلا تكون مثل أمها الأصلية بل تمتاز عنها فيسمى نتاجها (دقلة) وقد تشيص (أي يفسد تمرها) والنخلة النابتة من النواة تسمى الجمع (بالفتح) وإلا فالمألوف في غرس النخل أن يؤخذ صغارها وهي المسماة بالتال لا الفسيل لأن الفسيل أصغر من التال اللهم إلا إذا كان صاحب البستان فقير الحال وليس له تال في بستانه ولا يريد أن يصرف مالاً لشراء التال فيقلع الفسيل ويكتفي به عن التال أنا التال فيقلعه أحد العارفين ويتخذ لذلك الآلة المسماة عند قدماء العرب الفصحاء: (المجثات أو المجثة) ويسمونها اليوم في العراق الهيب وهي العتلة والمخل عند المولدين من أبناء الناطقين بالضاد.
ولا حاجة إلى أن تقلع التالة بعروقها لأنها إذا طرحت على حدة مدة شهر لا خوف على موتها بشرط أن تبل لكي لا تيبس عروقها وأكثرها ما يكون قلعها وغرسها في أيام الربيع والخريف وإذا شتلت في سنتها الأولى ووافق قدوم البرد عليها تلف لفاً محكماً بالحلفاء أو البردى أو الليف أو سعف النخل أو السوس أو نحو هذه الأنبتة لكي لا تؤثر عليها طوارئ الجو المفرطة.
وإذا كان غرسها في أيام الربيع ووافق قدوم الصيف عليها الطخت بالطين حتى يصبح لها كالثوب. والبعض الآخرون يلفونها بل قل يقمطونها بالأنبتة المذكورة كما يفعلون بها عند قدوم البرد عليها.
أما الفسيل فإنه يقلع ليباع لكي يأكل قلبه الأولاد الصغار وهذا القلب يسمى الجمار وأكثر الأولاد أكلاً للجمار هم اليهود ثم المسلمون ثم النصارى وقد يأكله كبار الناس وهو وإن يكن لذيذاً للذوق إلا أنه سيئ الهضم والمغبة.
وإذا عنى الزراع كل العناية بغرس هذا التال ومداراته ومراعاته يثمر بعد سنتين أو ثلاث في البصرة ونواحيها وبعد ثلاث أو أربع في نواحي العمارة وأربع أو خمس وما فوق في بغداد وما جاورها ولا حاجة إلى القول أنه يجب أن يكون معرضاً للشمس وإلا فقد(3/471)
يبقى عشرات من السنين بدون حمل إذا كان قد غرس تحت الأشجار الفنواء.
وقبل أن نتكلم عن كيفية غرس النخل نوصي الفلاح بأن يختار من صنف النخلة التي يريد غرسها التالة الحسنة من جانب نخلة أصيلة كثيرة الحمل (الطرح) حسنة التمرة لأن النخل كبني آدم قريب النزوع إلى أصله. وإن لم يوجد في بستانك أو ولايتك تال حسب مرغوبك فاطلبه من البلاد المشهورة بتمورها لأن النخل الغريب متى انتقل من محله وحسنت تربيته يتمر جيداً. وإذا بخلت بالدراهم لشراء التال الجيد من بلدك أو من غيره فتلك التالة غير الأصيلة التي تغرسها إذا نمت يوماً تثمر لك ثمرة بخلك وهي الندامة لأنك تندم على أنك غرست بدون جدوى فلا يجوز لك بعدئذ أن تقول ما قاله أحدهم في سابق العهد: (غرسوا فأكلنا نغرس فيأكلون).
وأما غرسها فيكون بعد أن تحفر لها في الأرض حفرة يختلف عمقها باختلاف كبر التالة وصغرها وأما قطر الحفرة فيكون بنسبة كبر التالة والأحسن أن يكون بقطر متر ثم خذ التالة وتشتلها شتلاً مستقيماً بكل دقة لكي لا تنمو عوجاء وأحذر عند دفنها من أن تضع التراب على قلبها لئلا تتأذى أو تموت وبعد الشتال (الغرس) تسقيها ماء بدون أن تغرق قلبها وإلا فإن غرق قلبها ماتت. وأن يساعدك الوقت فاسقها بين يوم ويوم. ولما تغرس التالة اقطع منها السعف الموجود فيها من نصفه ولا تدع سالمة إلا سعفات القلب الصغار لئلا تأخذ السعفات الكبار قوتها فتضعف.
أما إذا قطعت فتذهب كل قواها إلى السعف الجديد وإلى العروق المحتاجة إليها وداوم على سقيها مدة شهرين وما فوق إلى أن تتأصل عروقها وتصبح قوية جداً.
وإذا يبس فيها سعف فاقطعه بلطافة لئلا تهزها وتحركها فتتأذى النخلة من عملك هذا بل إذا أردت قطع السعف اليابس فاستعمل مقص التزبير المعروفة بالفرنسوية باسم مفضلاً إياه على استعمال سكين التكريب وهو السكين الذي يعرفه أهل القرى بالكلاب (ويلفظونها على مألوف عادتهم بالجيم الفارسية المثلثة)
وأحذر من أن تبقى حول التالة حفرة لئلا يسرى منها إلى منها ما يقتلها من برد شديد أو حر لا يطاق من عوارض الجو الفجائية.(3/472)
ولهذا يجب عليك أن تتعهدها في غالب الأحيان وتحيطها بالتراب فإذا فعلت ذلك أمنت عليها من هبوب الريح الشديدة والعواصف القوية لما تكبر ثم تضع في الجوة التي تشتل
فيها التالة قدراً وافياً من السماد (وتسميه الأعراب أيضاً الدمن أو السرقين) وأفخر سماد البغداديين يكون من خثى البقر أو بعر الجمال أو بعرور الغنم وكل سرقين يتخذ من الدواب ويجب أن تبعد التالة عن التالة مقدار خمسة أمتار وإذا بعدتها عشرة أو خمسة عشر فقد ضمنت لها حياة أطول وريعاً سريعاً وثمرة حسنة ولهذا تقول النخلة بلسان زراع العراق (أبعد أختي عني، وخذ حملها مني) وهو مثل مشهور يدلك على أنك كلما أبعدت النخلة عن أختها زكت وراعت وقد دلت التجارب على أن النخل المتقارب لا يحمل إلا شيئاً زهيداً لأن كثرة الحمل (الطرح) ينشأ من عدد العروق إذ أن المتقدمين من علماء الفلاحة يقولون إن كل عرق يزيد في النخلة يقوم برطل من الرطب وأما كثرة العروق فتنشأ: أولاً من رخاوة الأرض ولا جرم إن سريان العروق في الأرض الرخوة هو أهون وأسهل عليها من سريانه في الأرض الصلبة. ثانياً ينشأ من إرواء النخلة ماء كافيا واعلم أنه من غرس في الدنيا يتحمل كثرة الماء وتوالي السقي كل يوم مثل النخل سواء كان الماء عذبا أو ملحا بخلاف باقي الأشجار فإن بعضها يضره كثرة الماء وتوالي السقي عليه كل يوم وملوحته ولهذا ترى في البصرة وما يليها كثرة النخيل وما ذاك إلا من كثرة السقي بواسطة المد والجزر مع أن الفلاح قليل العناية به ولا يتعهد سماده ومداراته إلا قليلاً وسوف يرى عن قريب فلاح العراق إن الفلاح الأميركي يسبقه في عمله لمداراته النخل كل المداراة فيجني من حسن عنايته به كل نفع ويفرح كل الفرح بخلاف فلاحنا العراقي فإنه يرى نفسه إنه لم يترق عما كان عليه أسلافه فيندم على تهاونه وإهماله الاعتناء اللازم بنخله.
وإذا نشأت التالة وصارت (نشوة) يعمد الفلاح إلى تركيبها أي إلى قطع سعفها أو جريدها اليابس إذ لابد منه. والتكريب بلسان العراقيين هو التشذيب عند الفصحاء وهو أن تقطع من النخلة ما كثر من سعفها وتلبد من ليفها بأن(3/473)
تنزع طبقة واحدة من الليف ويقطع صفا واحداً من السعف الذي كان يغشيه فيبقى منه على النخلة (الشذب) وهو ما بقى من الكرب بعد قطعه من الجذع. وأما كثرة حفه والإفراط في قطع سعفه الأخضر فإنه يؤذيه كما يؤذي الإنسان إن قطع منه عضو أو كما يؤذي الإنسان إذا بولغ في حلق رأسه وأخذ شيء من فروته فهل يمكن أن لا يتأذى وهذا ما يقوله فلاحونا بهذا الخصوص وللنخلة شبه بابن آدم
وطباعه وخواصه من حيث استقامة قدها وطولها وامتياز ذكرها عن إناثها واختصاصها باللقاح. وإن لم تكرب النخلة لا يكون لها جذع بل تكون كغابة من سعف أو كرأس إنسان قد نفش شعره بحيث يصبح منظره مخيفاً لكل من يراه وكذلك القول عما حولها من الفسيل والتال لأن هذه تضعف أمها جداً جداً. فيجب على الفلاح أن لا يربي تحت النخلة صغاراً من أولادها بل كلما خرجت تالاً قلعه لأنه كلما اتلف من أولادها أذخر قوة لأمها ولهذا ترى اغلب النخل في العراق ضعيفاً قليل الحمل لأنك إذا دخلت البساتين ترى حول كل نخلة نشوة من عشر تالات وما فوقها وحول بعضها أحيانا ما يقارب الثلاثين من تال وفسيل وهذا أكبر خطاء والخطاء الذي هو أكبر من الأول هو أن العراقيين اتخذوا عادة قبيحة وهي قطع السعف الأخضر من النخل لبيعه أو لنسج الحصران الخ. وسنذكر منافع سعفه في فصل خصوصي. فإن الفائدة التي تنتج من ثمن السعف المقطوع لا تساوي ضعف النخلة وهزالها ومن الناس من يقطع من سعف قلبها وهذا أمر مضر أشد الضرر لأنه أول واسطة لأهلاك النخلة إذ تحت هذا السعف الجمار الذي في رأس النخلة فإن أصيب هذا بآفة أو بضربة فاس قوية الخ. هلكت النخلة لأن الجمار لها بمنزلة الدماغ لرأس الإنسان فيجب عليك أيها الفلاح أن لا تقطع شيئاً من جريدها إلا ما مال بنفسه وبدا بالجفاف وسبب تكاثر التال حول الأم ناشئ من قلة العناية بالزراعة في هذه البلاد والتال يباع وينقل إلى الديار الغريبة وتباع الواحدة منه بنصف فرنك أو أكثر وإذا كانت ذات تمر نادر الوجود فلا يبيعها صاحبها بل يغرسها ويعتني بها. وأما أرباب البساتين الواسعة الكبيرة فإذا طلب أحد أصدقائهم منهم تالاً تكرموا عليه بقدر ما يريده بدون عوض.
5 - احسن واسطة لتحسين أراضي السبخة للغرس والزرع
احسن طريقة لتحسين أراضي السبخة هي أن تكربها كرباً نعما وذلك إن تمر عليها السكة أو الفدان مرتين أو ثلاثاً في إبان فيضان المياه في الربيع ويوضع فيها من السرقين أو من أي نوع كان من السماد بقدر ما يمكن ثم أطلق عليها الماء الكدر المعروف عند(3/474)
العراقيين (بماء الدهلة) وهو الغريل أو الغرين إلى أن يعلوها نحو نصف متر واتركها على حالتها إلى أن يصفو فيحول الماء الصافي إلى أرض أخرى بشق جدول صغير يدفعه فيها.
فإذا نشفت الدهلة يطلق الماء عليها ثانية ويتصرف فيها كما تصرف فيها في المرة الأولى
فإذا يبست كربت كراباً حسناً مرتين. ويعاد هذا العمل مدة الربيع كلها إن أمكن إلى أن يأتي الصيف فتشمس لتحميها الشمس بحرارتها المحرقة وتقتل كل ما تولد فيها من الدود المضر بسبب السماد الكثير الذي ألقى فيها. وإذا فعلت ذلك مدة سنتين أو ثلاث تزول السبخة وتصبح أرضاً جيدة تربي النخل بنوع يدهش العقول ويحير الألباب وإذا أردت أن تزرع في الأرض السبخة التي أصلحتها بعملك هذا نخلاً فازرع فيها شعيراً بعد السنة الأولى التي أغرقتها بالدهلة وأبذر فيها بذراً كثيراً ولا تفشل أن لم ينبت فيها كثيراً في السنة الأولى لأنه ينبت أكثر بل أضعافاً في السنة الثانية وما يليها. وإذا داومت على عملك هذا إلى السنة الثالثة والرابعة والخامسة فيمكنك بعد ذلك أن تزرع فيها ما تشاء وهذا أبين دليل على إمكان تحسين الأرض السبخة وليس كالتجربة بينة قاطعة. أختبر، تعجب. والله الموفق.
حنا انطون جرجس
بقايا بني تغلب
1 - مدخل
ليس الغاية من هذه النبذة تحبير مقالة في بني تغلب وتاريخهم منذ نشوئهم إلى يومنا هذا. فهذا مع ما يكون فيه من الطول وعر المسلك بل الوصول إليه بمناط العيوق بيد أننا نريد بهذه اللمعة أن ونوقف القراء على ما صارت إليه هذه القبيلة العظمى بعد الإسلام والإشارة إلى أنها لم تنقرض إلى عهدنا هذا.
2 - من المراد بالتغالبة هنا
بنو تغلب (وهي بكسر اللام إلا أن النجديين الحاليين يلفظونها بضم اللام وزان تنضب) اسم يقع على قبيلتين: إحداهما بطن من قضاعة من القحطانية وهم بنو تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة والمظنون بل المرجح أنها(3/475)
انقرضت مع سائر ما انقرض من بطون قضاعة، والأخرى حي كبير من وائل من ربيعة من العدنانية، والنسبة إليهم تغلبي بفتح اللام وسكون الغين المعجمة وكانوا في الأغلب نصارى وهم الذين أرصدنا لهم هذا المقال.
3 - خمول ذكرهم في التاريخ وضياع اسمهم
قال القلقشندي في صبح الأعشى وفي نهاية الأرب ما محصله: من التغالبة أقوام باذرح وبصرى ومنهم نفر بالقريتين وقال في موضع آخر من كتابيه: ومنهم ملوك حلب قديماً وهم بنو حمدان. قلنا: تفرقت بعد ذلك هذه العميرة وانضم كثير منها إلى أعراب مختلفين فلم يجد النسابون لها حياً يسمى باسمها ولهذا لم يذكروها في كتبهم المؤلفة بعد مصنفات الأقدمين. ولعل المتأخرين اشتغلوا بذكر القبائل الكبيرة التي كانت في عهدهم عن هذه القبيلة الشهيرة لأسباب عديدة لا يسعنا ذكرها هنا منها: لكونهم انزووا في أحد مواطن ديار العرب فلم يروا ولم يذكروا، أو لإندساسهم في إحدى القبائل الكبيرة فغلب اسمها اسمهم فكانوا كالقطر في البحر. ولهذا نبحث عنهم في جزيرة العرب لعلنا نجدهم في إحدى ديارها.
4 - البحث عنهم في ديار العرب الصميمة
من اصطلاحات الناطقين بالضاد في بلاد جزيرة العرب إنهم يقسمون اليوم سكانها إلى قسمين عظيمين وهما: عرب الشمال وعرب الجنوب. ويعرف الشماليون باسم (عناز) والجنوبيون باسم (لماز)(3/476)
أما عناز فمنهم الحاليون وهم يرجعون إلى أوائل ربيعة؛ والرولة وهم قبيلتان فخمتان يتفرع منهما بطون وأفخاذ وعشائر كثيرة وتقطن عنزة في الغالب ديار العراق وأكثرهم أعراب رحالة ذات ابل وخيل وماشية وشاء كثيرة. وترى لرولة بين الجوف (جوف بني عمرو) والشام. وهم يرتادون الجولان أياماً وينتجعون أراضيه فصلاً من السنة ويمتارون من الشام كما تمتار عنزة من العراق ويدخل في (عناز) قبائل أخرى عديدة مسكنها في الأغلب الديار الشمالية من جزيرة العرب ومنهم شمر وفدعان وغيرهم مما يطول ذكرهم.
وأما (الماز) فهم قبائل كثيرة وهذا الاسم يطلق على كل من كان في جنوبي الجزيرة العربية بدون تحديد فيسمى العرب الشماليون: الضفير ومطير والعجمان وبني خالد وغيرهم (قوم لماز). وفي المثل السائر عندهم (ما أكثر من عناز إلا لماز) أي لا يزيد عنازاً في العدد إلا لمازاً. ولهم في هذه التسمية أقاويل منها: إن عنازاً ولمازاً كانا أخوين نشأ من أب واحد إلا أن الطمع داخل قلبيهما فاختصما ثم افترقا وكل منهما اتجه إلى ناحية من ديار العرب فولد الأولاد الذين نشأت منهم العمائر والأحياء الموجودة في القطرين الشمالي والجنوبي فانتسبت كل قبيلة إلى أحد جديهما الأكبر أي أما إلى عناز وأما إلى لماز وهذه من حكاياتهم الحالية. فإذا علمت ذلك عرفت أن القبائل في هذه الجزيرة المباركة أصبحت كالكتل الكبيرة وكل كتلة تتفرع منها بطون كثيرة يشملها اسم القبيلة الكبيرة مع المحافظة على ما هنالك من البطون المجاورة لها ولهذا لا يقدر النسابون أن يصلوا إلى تحقيق بطون تلك القبائل إلا بعد خوض عبابها ومعاشرة أهليها وإحفاء السؤال عنها بكل دقة.
والقبائل التي حفظت من الانقراض هي العمائر أو الأحياء الكبيرة وبوجودها إلى يومنا حفظت أنسابها من التشويش والارتباك ولكن إذا أردنا أن نفتش عن بقية القبيلة بفروعها الصغرى عسر علينا العمل وشق إلا أن نستقري دقائق الأمور بجلائلها فحينئذ تتجلى لنا
الحقيقة بصورتها البديعة الحسناء.(3/477)
5 - طريقة وصولي إلى معرفة هذه القبيلة التغلبية
في سنة 1319هـ (1901م) كنت في بلاد عمان فوجدت في نادي أحد الشيوخ رجلاً نسابة من كبار رجال جنوبي نجد يقال له (فهد المحمد الفضلي) فسألته عن أشياء كثيرة تتعلق ببعض القبائل فأجابني عنها أحسن إجابة واستفدت منه فوائد جمة دونتها في مذكرتي ولم أزل أحفظها وأدعو له بالتوفيق لما اقتبست منه.
ومن جملة هذه الفوائد ما ذكره لي عن قبيلة (الدواسر) قال: (إنهم من بني تغلب بن وائل وسبب تسميتهم بالدواسر هو لأن أحد رؤسائهم واسمهم (دواس) حينما نزل بإعرابه (وادي حنيفة) غرسوا فيه نخيلاً سموه السر و (السرية) وهما معروفان إلى يومنا هذا بالاسمين المذكورين والسر بطن الوادي فلما أقاموا فيه طويلاً عرفوا بذلك الوادي ونسبوا غليه فقالوا: (دواس سر) كقولك أعراب الشيخ دواس النازل في سر أو كغارس سر وسرية أو عرب دواس سر وقد قدموا إليه من اليمن وبتداول الأيام قالوا دواسر ثم قال: وأحقهم بالتغلبية (آل فضول) (بضمتين) ولا يوجدون اليوم إلا في الوادي المذكور. وليس كل من نازلهم هناك هم منهم لأن فيهم من أعراب بكر وزائد وغيرهم.)
والظاهر إنهم من تغلب طبقاً لما قال هذا النسابة وذلك من وجهين: 1 - اتفاق أكثر النسابين العصريين على هذا الرأي لا سيما أولئك الذين ترددوا إلى تلك البلاد إذ هم لسان واحد في أن التغالبة هم في جنوبي جزيرة العرب ولم يذاكروهم بين عرب الشمال وإن كانوا في سابق العهد ينزلون الديار الشمالية. 2 - كثيراً ما ينقل في أدبيات وأشعار هؤلاء الأقوام مما يدل على إنهم تغالبة فقد قال أحد شعرائهم العصريين
إنا بني تغلب من نسل وائل ... من قديم شبوب الحرب منا
إن خذينا السلائل بالدبائل ... نعجب إلى غطاريفه تثنى(3/478)
ومعناه: نحن بني تغلب من نسل وائل ومن صفاتنا القديمة إشعال نار الحرب ونحن إن أخذنا (خذينا) البنادق (السلائل) بالهجمات أو الحملات (الدبائل) نعجب الذي (إلى) جدائله (وهي الغطاريف) تتثنى (تثنى) لطولها ومحصل البيتين: إننا نحن بني تغلب من نسل وائل ولقد اشتهرنا من سابق العهد بأننا مساعير حرب فإن نحن أخذنا البنادق في الهجمات
أعجبنا ذوات الحسن والشعر الطويل الذي ليس في طوله تغضن أو تجعد.
قلت: أذكر أنني سمعت (بآل فضول) لما كنت في نجد وهم ينسبون إلى قبيلة كبيرة ولكن لم أبحث يومئذ عن أصلهم. ولا بد لهم بقية باقية في جنوبي نجد.
ثم إني سألت بعد ذلك أحد الشيوخ الكبار وهو الشيخ (مجول الجرباء رئيس عشائر شمر) عن تغلب وهل لها بقية موجودة في الديار الشمالية، فلم يذكر لي من ذلك شيئاً بل تعذر عليه تعيين البطن معتذراً عن ذلك لتغيير الأسماء عليه ولم ينف بالمرة وجود بقية منهم فلما ذكرت له (الفضول) طابت نفسه وأرتاح لهذا الاسم كثيراً وكأنه كان نائماً فاستيقظ ثم قال: إنه قريب من الصواب، ثم فكر هنيئة وقال: بل هو الصواب عينه. وعد لي منهم (سالم الجرباء) جد مطلق وبنيه الجرباء رؤساء شمر أي الجد الأول المؤسس لإمارة شمر في جبل طي. وكان ذلك في حين نبوغ أول رجالها المشهورين بهذا الاسم - وذكر بعد ذلك أشياء تدل على صدق قوله. ثم قال: إن الفضول اندمجوا في القبائل وتشتتوا في البلاد وأورد أدلة عديدة على تأييد كلامه هذا.(3/479)
ويخطر ببالي إني سمعت أن لبني تغلب بقية في بلاد عمان. ولكن لا يسعني تعيين ذلك أما إن الدواسر هم من بني تغلب فأكثرهم يقولون به بل وإلى الآن نخوتهم في الحرب حينما يتداعون: (يا أولاد وائل) - وعرب الجزيرة تشهد لهم بالأصالة التي يدعون بها.
وينقسم الدواسر في عهدنا هذا قسمين: حضر وبدو. وذلك بالنسبة إلى بلادهم فالحضر هم سكان الوادي ولما حوله من قرى ومدن تجاوره أو تبعد عنه. - والبدو هم سكان بيوت الشعر ولهم سابلة (أي أناس يترددون إلى المدن ليمتاروا لهم وينزلون حيثما يرتادون الكلا لكنهم لا يبعدون عن أراضيهم وديارهم بعداً شاسعاً.
وهم كلهم كثيرو العدد والعُدد، شديدو البأس وهم أشجع قوم يقطن تلك الديار ويجودون بأنفسهم لأدنى أمر صغير أو كبير - وهم أعزاء لقاح لم يدينوا لحاكم أبداً ديناً صادقاً وإنما كان خضوعهم للحكام بمنزلة خضوع أناس لا يخرجون عليهم ولا يقاومونه أو يعتدون عليهم. وإذا انصفوا أعطوهم مالهم عليهم من الواجبات كالزكاة وما أشبهها.
ومن جملة ما يحكى عن شجاعتهم إن واحداً منهم صادف رجلاً من أعراب العجمان فعدا أحدهما على الآخر فلما أخذا الواحد بالآخر وتناول كل منهما خنجره ليضرب صاحبه قال
العجمي للدوسري: (هدني وأهداك) (أي اتركني وأتركك) فقال الدوسري: (لا بل قدني وأقدك وكن أمنا ما جابتنا) أي: لا بل قدني (أي أضربني وشقني بخنجرك) وأضربك بخنجري ولنمت في سبيلنا كان (وكن) أمهاتنا لم تلدننا (ما جابتنا) ثم ضرب أحدهما الآخر فخرا صريعين مضرجين بدمائهما وهي من رواياتهم المشهورة بينهم بل أشهر من قفا نبك عندنا.
6 - قبائل الدواسر المنسوبة إلى التغالبة
من الدواسر (آل زائد) وهم ينقسمون إلى ثلاث قبائل وهي: البدارين وأولاد(3/480)
سالم والصهبة.
والبدارين ينقسمون إلى بطون وهي:
آل عامر ومسكنهم الغاط
السويد بنو على ومسكنهم جلاجل
بنو سعيد أو ابن سعيد ومسكنهم ثادق
آل أبو فلاح ومسكنهم عمان
ويقسمون أولاد سالم إلى: الوداعين والرجبان والمخاريم
أما الوداعين فمنهم: آل ضويان وآل دليم والخماسين والولاحين، وآل عويمر أو آل عمر وآل معنى، والجماعين والضغمة، وآل خليف، والرواشدة،
ومن الرجبان: الشوائق، والحرارشة، والبراز، والطوال وآل حميد، والذلوق.
ومن المخاريم: الصييلات أو الخييلات، وهو الأشهر والأصح، والضبان وآل منيع.
ومن الصهبة: المساعرة، وآل بريك، والشرافاء أو الشرفة - وينقسم آل بريك إلى هذه الأفخاذ وهي: البو زمام،(3/481)
والقربان، والحراجين، والحفزان، والدغمة، والعجالين والبو رأس، وأما المساعرة والشرافاء فلم تذكر اليوم أفخاذهم.
هذا ما أردت إثباته تدويناً للحقائق وحرصاً على أنساب العرب وفوق كل ذي علم عليم.
سليمان الدخيل صاحب جريدة الرياض
(لغة العرب) وإتماماً لهذا البحث الجليل الذي أتحفنا به حضرة صديقنا العزيز سليمان أفندي الدخيل نذكر هنا ما جاء في الكتب عن الدواسر. قال في التعريف. بالمصطلح الشريف، ص 78: (من عرب اليمن: الدواسر وزبيد. كان لي رجال منهم بسبب خيل
تسمى للسلطان عندهم. وكنا نكتب إليهم على قدر ما يظهر لنا بالاستخبار عن مكانة الرجل منهم. اهـ ونقل هذا الكلام القلقشندي في كتابه نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، ولم يزد عليه حرفاً واحداً وأما المعاجم اللغوية والمعالم العربية والأعجمية فلم يذكروهم وقد ذكرهم أيضاً السيد إبراهيم فصيح الحيدري في كتابه عنوان المجد، في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد، قال. ومن أعظم عشائر نجد (الدواسر) وهم خلق كثير حاضرة وبادية في غاية القوة والشجاعة والكثرة والعنف وقبائلهم التي في البادية كثيرة منها: المساعرة، وآل بريك، وآل أبو سباع أو المخاريم والرجبان، والخييلات، والشرافاء، والغيثيات، وآل أبي حازم؛ وآل عمار، وشيخهم أبو قويد. قال في نهاية الأرب: وهم بطن من العرب باليمن ولم ينسبهم إلى أحد اهـ.
الكلمات الكردية في العربية الموصلية
(لغة العرب) في بغداد اثنان من الأدباء النصارى يعنون بتدوين لغة العوام في العراق وهما رزوق أفندي عيسى وداود أفندي فتو. أما رزوق أفندي فقد أكمل معجمه وهو كله مسود وأما داود أفندي فإنه أنهاه أيضاً لكنه لم يبوبه تمام التبويب. وكنا قد بدأنا بطبع معجم رزوق أفندي في مجلتنا إلا أن تراكم المواد والمواضيع تحول دون تحقيق الأمنية في بعض الأحيان. أما داود أفندي فتو فقد استل من معجمه الذي سماه (بغية المشتاق، إلى لغة العراق) مقالة يذكر فيها ما في لغة الموصل العربية، من الألفاظ الكردية لإنتياب الأكراد تلك المدينة العظمى وهاهي:(3/482)
لما كانت الموصل قريبة من ديار الأكراد وكان ترددهم إليها لا ينقطع في بحر السنة دخل شيء من لغة المواصلة وهاءنذا أورد بعض تلك الألفاظ على ما تحضرني بدون أن أتبع في سردها ترتيباً. فمنها:
1 - كزيغ وتلفظ وهو الجابي أو معاون مختار القرية وأصلها (كزير) (وزان صغير) لكن لما كان الموصليون يلفظون الراء غيناً قالوا كزيغ بإسكان الأول.
2 - شكفته كهف في أسفل الجبل من شكفت بمعناها.
3 - أرى نعم أو بلي. وتستعمل في البيع والشراء في السوق فقط.
4 - كلي الوهدة بين جبلين.
5 - جراغ القنديل وأحيانا بمعنى التلميذ لأن الخريج اقتبس علمه من ضياء معلمه.
6 - هرا اذهب أو ابعد (بصيغة الأمر).
7 - ورا تعال أو اقبل (بالأمر) وأهل بغداد والموصل يقولون إذا عزموا على إتيان أمر ولا يعرفون نتيجته: أنا أسوي هذا لوهرا لو وراء أي أما أن أكون ناجحاً فيه أو خاسراً أو معناه أني لأفعلنه مهما كانت نتيجته إن حسنة وإن سيئة.
8 - نرم تستعمل للدلالة على الشيء الغض أو الرطب اللين كالخبز مثلاً ولهذا يقول الخباز: نان نرم أي خبز غض.
9 - ترك ضرب من خشب الوقود يكون كالجزل.
10 - جاكون المحجن والعصا وأصله جوكان فقلبت:
11 - برو: اذهب (بصيغة الأمر).
12 - جاروخ شيء يابس في الرجل (راجع لغة العرب 3: 237).
13 - كرم الحار يستعملها الخباز إذ يقول: نان كرم بمعنى خبز حار.
14 - نان خبز.
15 - هم نان وهم درمان من عباراتهم المشهورة ومعناها الحرفي خبز ودواء معاً وهو على حد قولك: هذا نافع كل النفع بمنزلة طعام ودواء.
16 - كجي القصيع والقصير القامة. وتستعمل غالباً صفة لضرب(3/483)
من البغل صغير الجثة بطئ النمو أو يبقى قصيراً بدون أن يعظم.
17 - كرو تستعمل للنداء كقولك: يا هذا ويا صاح أو ويلك!
18 - روبال النهر أو الساقية تكون في الجبال أو بين الجبال وهي منحوتة من (رو) أي نهر و (بال) أي عال.
19 - جاكا بمعنى كلمة تقال للاستحسان كقولك حسن أو طيب!
20 - نزانم لا أدري.
21 - نزانم راحتي جانم معناه: كلمة لست أدري، مدعاة لراحتي، أو كقولك السكوت من ذهب.
22 - كيخوه هكذا يلفظها أهل الموصل وينطقون بهاء أما أهل كركوك فيقولون (كوخه) ومثلهم يقول أعراب الخالص. وأصلها كتخد أو كدخدا. وأهل بغداد يقولون (كهيه) وآخرون يقولون (جخوه) ومعناها رئيس القرية أو القهرمان أو القيم على المال.
23 - بير الرئيس أو المقدم.
24 - هركل أحمل (أمر من حمل).
25 - كلاش نوع من الجرموق أو الحذاء (راجع لغة العرب 3: 308) ولعلها من قالوش أو غالوش التركيتين وهما من أصل رومي أو يوناني وهو بالفرنسوية
26 - كلاو أو كلاه أو قبع أو نوع من القبع.
27 - دشت السهل والصحراء.
28 - تشيي نوع من المغزل وهي بالكردية تشي تسوي من الخشب وتكون غليظة الرأس دقيقة الأسفل وفي أعلاها مسمار ملوي يغزل بها الصوف ونحوه.
29 - سر الرأس. ولا سيما قطعة من الصفيح توضع على متقد النارجيلة لتحفظ نارها من السقوط أو من الريح الزائدة.
30 - سر سريمن وسرجاوه عبارة يقابلها عند العوام من العرب: على العين والرأس أو عند الفصحاء سمعناً وطاعة.
31 - دوست الصديق.
32 - فعلت بهردو بمعنى لعن الله الاثنين.
33 - حقيمن بدا، حقيتو سهله عبارة(3/484)
تقال للشخص المماطل الذي يريد أن يدفع الغير طلبه وأما طلب الغير منه فيستهين به.
34 - على خدا أي على الله أو الاتكال عليه تعالى.
35 - كشتار أو كشتال قطيع الغنم المعد للذبح.
36 - ما يأخذه صاحب الأرض ممن يرعى دوابه فيها أو رسم تتقاضاه الحكومة عن رعي الغنم.
37 - جال الحفرة الكبيرة تحفظ فيها الحبوب.
38 - جربارة جمبارة من جالبارة تصحيف جاربارة من الفارسية جها رباره وهي الصفاقة.
39 - دراكا بنا أي هات العصا، من دارك تصغير دار وهو العود والعصا.
40 - جوال أصلها جال في لسانهم وهو الجوالق بالعربية والجوالق من أصل فارسي وهو كواله.
هذا ما أردت تعليقه في هذه النبذة الوجيزة إظهاراً ما للأكراد من التأثير على البلاد العربية التي يترددون إليها. وهناك غير هذه الألفاظ وقد اكتفينا بهذا الوشل عملاً بكلام الشاعر القنوع القائل:
فاقنع ففي القناعة راحة. واليأس عما فات فهو المطلب
داود فتو
التجارة في بغداد
1 - مدخل البحث
ما من شيء يدل على صحة البدن مثل صحة الدم وتجوله في أنحاء الجسم بدون أن يقف بوجهه مانع يحول دون سيره. وإذا أردت أن تعرف ما يقابل حياة البلاد وصحة بدنها العمراني فحول نظرك إلى تجارتها؛ فإن رأيتها نافقة وليس هناك ما يمنع ترقيها أو تقدمها من حيف أو قلة أمن أو تعدٍ من أي نوع كان، حكمت على أن تجارتها راقية وإن أهلها راتعون في بحبوحة الأمن والراحة. وإثباتاً لهذه الحقيقة جئنا بهذه المقالة لنبين للقراء ما وصلت إليه بغداد من التجارة في آخر سنة 1912 ثم نشفعها بمقالة أخرى لنثبت حالتها في آخر سنة 1913 وعلى الله الاتكال.(3/485)
كانت تجارة هذه الحاضرة في مدى سنة 1912 متقلبة على فراش كان تارة وثيراً وطراً جافياً. بسبب ما وقع في ديار فارس من الاضطراب والفتن السياسية. وأنت خبير بأن بغداد تدفع مياه بياعاتها في بحر تلك الأرجاء فكان من تلك الارتباكات السياسية ما تردد صداه في بلدتنا هذه فأثر عليها أشد التأثير. ومع ذلك نقول بوجه الأجمال: وكانت تجارة بغداد في مدى سنة 1912 حسنة النتاج من جهة الإصدار وقليلته من جهة الجلب.
2 - أسعار الحوائل (الكمبيو)
جرت الأسعار في السنة المذكورة على هذا الوجه: صرفت الليرة الإنكليزية محولة بعد الاطلاع عليها في لندن
بسعر غروش صحيحة
107 إلى 111
بعد 4 أشهر 105 إلى 108
1000 روبية صرفت حوالة بعد الاطلاع عليها في بمبي من 72 إلى 74 ليرة عثمانية.
3 - أسعار الناولون (الجعل)
أسعار النول أو الناولون (الجعل) على البحر كانت أعلى من سنة 1911 أما الجعل على
الشط (النهر) كان أدنى. وكانت الأسعار تتراوح على هذه الصورة والمعاملة بالشلينات.
الجعل على الشط من بغداد إلى البصرة من 5 شلينات إلى 23 عن الطن الواحد
16 شلينا إلى 33 شحنا إلى المحل المطلوب
الجعل على البحر من البصرة إلى لندن شحناً عاماً من 27 شلينا إلى 30 عن الطن الواحد
لشحن الحبوب من 6، 24 إلى 6، 27)
إلى مرسيلية شحنا عاما من 32 إلى 35)
لشحن الحبوب من 6، 29 إلى 6، 32)
إلى سويس لكل شحن كان من 6، 27 إلى 30)
ويجب أن نلاحظ هنا أن أصحاب شحن الأموال إلى بلاد الإفرنج يفضلون(3/486)
إيداع بضائعهم إلى الشركات التي تكبثها في بمبي (أي تعمل أخطر منها كما يقول أهالي بغداد دأى تحول شحنها من مركب إلى مركب في بمبي والأقطرمة كلمة تركية). والسبب هو لأنهم يعملون بوجه أكيد أنها تصل إلى محلها في يوم معلوم إلى الميناء المطلوب وإن كان الجعل أعظم من الجعل الذي ينفق على سائر بواخر الشركات الأخرى التي تذهب تواً إلى الميناء التي تقف فيه.
وللشركة التي تكبث الأموال في بمبي سفرة واحدة مطردة في كل أسبوع من البصرة إلى بمبي بدون تخلف البتة. لنقلها بريد الهند الذي يذهب إلى لندن أيضاً. اعلم هذا حتى تقف على حقائق التجارة في انحائنا هذهز
4 - الجلب
سكر القوالب
إن سكر بلجكة المصبوب بهيئة قوالب صغيرة هرمية الشكل غلب سائر أنواع السكر المفرغ على صورته التي تأتينا من سائر بلاد الإفرنج ولا سيما ما يأتينا من فرنسة والسبب هو رخاء أسعاره. إلا إن في هذه السنة قل جلبه بنحو نصف القدر الذي جلب منه في السنة السابقة للفتن التي وقعت في بلاد فارس. وبيع السكر في غرة السنة بقيمة 36 فرنكا وفي أواخر السنة بقيمة 45 فرنكا.
السكر البلوري
جلب من هذا السكر شيء كثير في أوائل سنة 1911 من بلاد الإفرنج المختلفة لكنه لم يبع كله لاضطرابات فارس ولهذا لم يجلب منه في بقية أيام السنة.
النحاس
لما كان سعر السلعة غالية جداً في أوربة وكان الطلب قليلاً لم يجلب منه شيء كثار.
الشاي
جلب منه شيء نزر من أجل الفتن الفارسية ولم يبع منه إلا 2 من المائة لأهالي حاضرتنا أما الباقي فقد بقي مخزوناً في ديوان المكس والتجار لبثوا ينتظرون أمن الطريق ليبعثوا بأموالهم إلى بلاد العجم.
الثقاب (أو الشخاطة بلغة العراق)
إن جلب الثقاب يزداد كل الازدياد بنوع مدهش واغلبها يأتينا من بلاد اسوج.
الزيت الحجري (الكاز)
زاد صرف الزيت الحجري في هذه السنة فقد جلب منه 120. 000 صندوق(3/487)