ـ[مجلة لغة العرب العراقية]ـ
مجلة شهرية أدبية علمية تاريخية
صاحب امتيازها: أَنِسْتاس ماري الألياوي الكَرْمِلي، بطرس بن جبرائيل يوسف عوّاد (المتوفى: 1366هـ)
المدير المسؤول: كاظم الدجيلي
الناشر: وزارة الأعلام، الجمهورية العراقية - مديرية الثقافة العامة
تم طبعها: بـ مطبعة الآداب، بغداد
عدد الأجزاء: 9
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع](/)
العدد 1
بسم الله الفتاح المعين
بعد حمده تعالى والشكر على آلائه، والاتكال على مدده، قد عقدنا على إصدار هذه المجلة الشهرية خدمة للوطن والعلم والأدب. من إنشائها: نعرف العراق وأهله ومشاهيره، بمن جاورنا من الديار الشرقية وبمن نأى عنا من العلماء والباحثين والمستشرقين؟ الغربية. وننقل إلى وطنيينا العراقيين، ما يكتبه عنهم الإفرنج من الكتاب المشهورين، عن بلادهم وأقوامهم؟ من خالين(1/1)
وحاليين وخالدين.
والذي دفعنا إلى هذا العمل هو إننا رأينا أغلب المجلات والجرائد والصحف السيارة، تبحث عن بلاد أصحابها ورجالها، ولا تذكر إلا النزر التافه من هذه الأرجاء وذويها. فرأينا من المناسب، أن ننشئ مجلة تفي بما في الأمنية ليدخل العراق في مصاف الربوع المعروفة بين الأمم المتمدنة المتحضرة.
أما الأبواب التي نطرقها، فظاهرة من اسم المجلة نفسها، وما الغاية التي توخيناها من وضعها. وزيادة على ذلك نعقد في كل جزء من أجزائها (تاريخ الشهر في العراق) وندون فيه ما صرح ومحض من الأخبار والوقائع التي جرت في العراق ونواحيه من ديار جزيرة العرب لتصلح هذه الصحف، أن تكون ألواحاً تنقش فيها الحقائق الراهنة لا الشقاشق الواهنة ومرجعاً يرجع إليه عند الحاجة.
ونكتب أيضاً في كل عدد من أعدادها رواية تاريخية أو خيالية أو تاريخية خيالية معاً يكون موضوعها أحد أبناء العرب أو جرت واقعتها في بلاد العرب أولها تعلق بهذه الديار الكريمة أرضاً وماء هواءً وسماء. سكاناً وعمراناً.
ثم إننا لا ندع ديواناً من دواوين هذه المجلة إلا ونورد فيه شيئاً من المصطلحات الحديثة، والأوضاع العربية الطريفة، مما يوسع لغتنا الشريفة. ويحدو بنا إلى مجاراة الأقوام المتقدمة في الحضارة المنيفة بما يستحدث فيها من الموضوعات العصرية، والمدلولات العقلية(1/2)
والأدوات الفنية أو الصناعية. والتصاوير الخيالية. والأفكار العلمية التي لا مقابل ولا مرادف لها في لساننا في هذا العهد. لانقطاع نظام العقد. بكثرة ما انتاب هذه الربوع من النوائب والرزايا. وانقطاع ديارنا عن معالم الحضارة ومعاهدها الغربية التي لا زالت في سير حثيث شديد. وتقدم وتجدد. وتوسع وتولد. ونحن لا نزا في سير ريث وئيد ووقوف وجمود. خمود وركود.
فهذا أملنا الكبير، ومن الله العون والتيسير. وهو على كل شيء قدير وبالإجابة جدير:
حاول جسيمات الأمور ولا تقل ... إن المحامد والعلى أرزاق
وارغب بنفسك أن تكون مقصراً ... عن غاية فيها الطلاب سباق
أصدقاؤنا الخلص
لا بد من وقوع هذه المجلة في أيدي بعض الأدباء الفضلاء فيستحسنها بعضهم ويستقبحها البعض الآخر. على أن مجرد الاستحسان والاستقباح بدون الإشارة إلى ما يحمل القائل على أحد هذين الأمرين لا معنى له. والمحق: يؤيد كلامه بالبرهان الناصع ويبعث به إلينا لنتدبر صحة كلامه وانتقاده بيد أننا نجهز بأننا لا نلتفت إلى المقرض أو المادح وان ظهر لكلامه وجه لصحته، لعلمنا اليقين بقصورنا. ولهذا لا ندرج له شيئاً في مجلتنا هذه. لكننا نوجه كل نظرنا إلى الناقد الخبير الكفؤ الجهبذ، الذي يرمي بكلامه إلى الغرض فيصيب.(1/3)
ومن ثم فنحن نرحب من الآن بكل من ينبهنا على غلط من أغلاطنا أو ينتقد كلامنا أو آراءنا أو أقوالنا بأي صورة كانت. بشرط أن يكون خالياً من الغرض والهوى. بل ونشكره على عمله هذا المبرور كل الشكر، ونطلب له من الله أن يثيبه عليه. كما أننا ننوه بفضل كل من يرشدنا إلى ما به خير الجمهور. ولا نستنكف من الإقرار بغلطنا، حالما نطلع عليه. لأن الكمال لله وحده.
التقريظ والمشارفة والانتقاد
نحن أغلب معشر الشرقيين إن لم نقل كلنا لم نتعود سماع عيوبنا من لسان غيرنا، ولو كانت تلك العيوب ظاهرة للعيون لا كذب فيها البتة. وكلنا أو جلنا يحب التقريظ ولو كان كذباً محضاً. وهذا الذي أخر شرقنا وأضر به هذا الضرر العظيم. بيد أن جماعة من متقدمي أدبائنا الراسخي القدم في الفضل لا يهابون اليوم شيئاً من هذا القبيل، ويحبون المنتقد الصادق النظر ويفضلونه بكثير على المقرظ الكاذب اللهجة. ولما كنا نجهل المجلين في هذه الحلبة من أهل الفضل والأدب فنطلب إلى الذين يهدوننا هداياهم العلمية من جرائد ومجلات ومؤلفات ومطبوعات وسائر نتاج العلم والحلم والقلم أن يراعوا في مراجعاتهم إيانا معنى هذه الألفاظ وهي: التقريظ، والمشارفة، والانتقاد.
فإن كتبوا على الهدية العلمية (للتقريظ(1/4)
فنحن لا نتكلم عن هديتهم إلا بما يطيب خاطرهم وثلج صدرهم ويقر ناظرهم.
وإن صدورها بلفظة (للمشارفة فنحن نذكر حسنات ما في الهدية بقدر ما نذكر من سيئاتها بدون أن نرجح إحدى كفتي الميزان على الأخرى. لأن المشارفة مصدر شارف الشيء إذا اطلع عليه من فوق. والمطلع على الأمر من موطن يعلوه أتم العلاء يشاهد ما يتثبت رؤيته لا غير. وعند الحاجة إليه ينطق بما وقف عليه وقوف مخلص خال من كل غرض.
وأما إذا كتب على الهدية (للانتقاد فحينئذ نبدي فيه رأينا على ما يلوح لنظرنا فنرجح إحدى الكفتين على الأخرى من حسنات أو سيئات. لأن الانتقاد في الأصل مأخوذ من انتقاد الدراهم. يقال: انتقدها: إذا ميزها ونظرها ليعرف جيدها من زيفها.
وإذا خلت الهدية من الإشارة ساغ لنا أن نبدي فيها رأينا على أحد الوجوه الثلاثة بالخيار. بدون أن يحق للمهدي أن يلومنا بأي صورة كانت. لأننا قمنا بالواجب علينا منذ العدد الأول هذا. وقد أبلغنا كلامنا إلى الجميع. وما على الرسول إلا البلاغ.
أسفنا
نأسف لكوننا لم نجد في حاضرتنا دار السلام كاغداً كبير الحجم(1/5)
لنصدر هذه المجلة بقطع سائر للمجلات العربية في الديار الشامية والمصرية.
نأسف لكوننا لم نجد حرفاً كحرف سائر المجلات وسط الكبر ليكون طبع هذه الصفحات رائقاً للنظر لا ضخم الحرف ولا دقيقه.
نأسف لكوننا لم نر هذا الحرف كامل التنقيط في ياءاته ولا كاملاً في بعض تصاوير حروفه ولاسيما:
نأسف لكوننا لا نستطيع أن نضبط بعض الكلم بالشكل الكامل من حركات وعلامات لعدم وجودها فنضطر للضبط إلى ذكر التلفظ بالحرف بكلام يطيل البحث بدون أن يزيده فائدة تذكر.
ومع ذلك فنحن نأمل أن مطابعنا تترقى مع الزمان فتتم عندنا المعدات كما هي تامة في البلاد العربية اللسان التي هي أرقى من ديارنا وما ذلك على وطنيينا بعسير أو بعيد. ومنه تعالى التوفيق.
شكرنا
ما كاد يفشو خبر إصدارنا المجلة إلا وتسابق الكرماء والأدباء إلى مساعدتنا.
نخص بالذكر بين الأجواد ذاك الحميم القديم. من يغني التلويح بفضله العميم. عن التصريح باسمه الكريم. الذي يأتي الحسنات عن يد سخية. ولا ينظر إلى ما تتبرع به نفسه الأبية. ولكوننا نعلم أنه(1/6)
لا يحب أن يسمع شيئاً بهذا الشأن فلا نطلق العنان. في هذا الميدان أكثر من هذه الإشارة الخفية. إلى أن تأتي الساعة نتكلم بها عنه بكل حرية.
وهناك غيره من السراة الأماثل الأسخياء يأتي ذكرهم عند سنوح الفرصة لأن الأمور مرهونة بأوقاتها. وأما الأدباء من الكتاب. فعددهم وفضلهم ظاهر من مقالاتهم التي تشهد بطول باعهم. وحسن يرعاهم. وتغلغلهم في العلم والأدب. وسائر فنون العرب. وكفانا تقريظاً إياهم الوقوف على ما أتحفونا من النبذ والمقالات. وعلى ما يتحفونا هم وغيرهم من هذا القبيل فلهم منا الشكر الجزيل.
فضل أهل العراق
على سائر أقوام الآفاق في جمع شتات لغة العرب
كان سكان جزيرة العرب يتكلمون لغات عديدة ولغياتٍ شتى حتى جاء الإسلام فوحدها وميز لغة قريش مضر الحمراء عن سائر أخواتها لفصاحتها وكثرة أوضاعها ومعظم اتساعها. وما كادت تنبغ بين لدائها حتى زادت مباني ومعاني فأصبحت بحراً زاخراً بعد أن كانت نهراً دافقاً بيد أنها بقيت قرنين لا ينمو قرن غزالها الشارقة بعد أن ذر ذروراً بيناً. حتى خالط العرب العجم فعني هؤلاء الأغراب غاية العناية بتدوين(1/7)
اللغة وأصولها وقواعد ضبط شواردها وأوابدها. ووضعوا مبادئ أخذها وتلقيها والجري على أساليب العرب بأحكام ضوابطها الجزئية وروابطها الكلية. فنشأت حينئذٍ علوم اللغة العربية على ضروب تنوعها في الكيفية والكمية.
على أن الفضل كل الفضل في ذلك عائد إلى أهل العراق باتفاق أهل الآفاق لأن جميع العلماء الذين نبغوا في صدر الإسلام كانوا من العراقيين أو ممن خالطوهم أو ممن أخذوا عنهم.
وهل أنت تجهل سبب تمحيص اللغة العربية الشريفة وترقيها وتدوين وتحقيق أصولها واتباع السراط القوم من طرقها المتعددة المختلفة؟ أليس في المصرين الكوفة والبصرة من ديار العراق نشأت طائفتا العلماء الذين تفتخر بهم اليوم اللغة القرشية؟. طائفتان تشبهان ما يسميها اليوم أدباء عصرنا من الإفرنج الأكاديمية أي المجمع اللغوي. أجل. إنك ترى في هذا العهد مجمعاً لغوياً في كل أمة من أمم الغرب التي يمتاز أهلها عن جيرانهم بلغتهم الخاصة بهم. والغاية منه الداب في تحسين لغة أصحابه ولذا ترى أعضاء هذه الأكاديمية (التي لا يتعدى عددها الواحد في كل أمة) يسهرون على حفظ سلامة اللغة من كالخلل أو فساد. ويقتبسون من عوامهم بعد الألفاظ المأنوسة التي لا مقابل أو مرادفها في لغتهم الفصيحة والتي لا مندوحة لهم عنها للتعبير عن أفكارهم. ويدخلون الألفاظ الحديثة المعنى أو الطريفة الوضع والاكتساب لقرب العهد باستنباط مدلولاتها أو باكتشاف وجودها.(1/8)
والخلاصة أن هذه الأكاديمية (أي المنتدى اللغوي) تسعى كل السعي لأن تجعل لغة قومها حية ابنة اليوم والعصر تغتذي بأطعمة جديدة لتعوض بها عما فنى ويفنى منها لقيامها
بوظائف الحياة. وتقذف بأحشائها ما لم يعد صالحاً لبقائه في المذاخر (وهي من الأعضاء الداخلية ما يدخل فيها الطعام كالاجواف والأمعاء والعروق واسافل البطن) على غير جدوى.
على أن الأكاديمية إذا كانت واحدة قد تهفو إن لم يعارضها معارض أو يناوئها مناوئ. أما إذا ناظرها منتدى آخر لغوي كفوء لها وناقشها في المسائل وجاذبها أطراف ما يقع فيه الخلاف أو يمكن أن يقع فيه نظر منتقد جهبذ خلصت اللغة من كل شائبة مشوبٍ. وتخلصت قائبة من قوب. ولم تبق حاجة في نفس يعقوب.
فهذا الذي يتمناه كل عاقل لبيب محب للغته ومغرم بمحاسنها وقع في لغة العرب عندما أميطت عنها قمط الطفولة وشبت عن الطوق فأزيحت عنها التمائم وألبست القلائد. فبرزت من حجلها شابة بارعة الجمال رائعة الكمال كاملة السن كافلة لنفسها البقاء مهما صادفها وصادمها من الأحداث والطوارئ القومية والاجتماعية والعمرانية وقد زودت من الوسائط ما تدفع عنها كل غائلة أو كل ما يشين عرضها ويدنس نسبها أو حسبها.
وخلاصة القول عن مذهب البصريين والكوفيين: إن البصريين أصح قياساً لحفظ لغة قريش. لأنهم لا يلتفتون إلى كل مسموع ولا(1/9)
يقيسون على الشاذ والكوفيون أوسع روايةً. لأنهم جمعوا شتات لغات جميع قبائل العرب وحفظوها. قال ابن جني: الكوفيون علامون بأشعار العرب مطلعون عليها. (نقله صاحب الاقتراح ص 100) ولهذا فنتبع آراء الكوفيين واستقراؤها يطلعك على لغات قدماء العرب. وهو أمر جليل الشأن وأما تأثر آراء البصريين فلا يوقفك إلا على لغة قريش الفصحى. وقال الأندلسي في شرح المفصل: الكوفيون لو سمعوا بيتاً واحداً فيه جواز شيء مخالف للأصول (المتعارفة في لغة مصر) جعلوه أصلاً وبوَّبوا عليه. بخلاف البصريين. قال: ومما افتخر به البصريون على الكوفيين: نحن نأخذ اللغة من حرشة الضباب وآكلة اليرابيع. وأنتم تأخذونها من آكلة الحلوى وباعة الكواميخ. (عن كتاب الاقتراح للسيوطي ص100)
على أنه هناك من سبق البصريين والكوفيين معاً. وكان قبل ظهور الإسلام بمائتي وخمسين سنة وهو من أهل العراق أيضاً. وبه يتضاعف فضل العراقيين على من سواهم ويتطاول طولهم على من نازعهم شرف حفظ اللغة العربية وآدابها وأشعارها وأريد به
النعمان ابن المنذر المتنصر فقد قال عنه حماد الراوية ما نصه: (أمر النعمان بن المنذر فنسخت له أشعار العرب في الطنوج وهي (الكراريس)) ثم دفنها في قصره الأبيض. فلما كان المختار بن أبي عبيد الثقفي (وهو أبو اسحق المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي الذي طوى بساط أيامه في القرن الأول من الهجرة في عهد الأمويين) قيل له إن تحت القصر كنزاً فاحتفره. فأخرج تلك الأشعار. فمن ثم أهل الكوفة أعلم بالشعر من(1/10)
أهل البصرة. (اهـ كلامه نقلاً عن المزهر121: 1)
وكأن أهل العراق خصوا من بين أقوام الآفاق لترقية شأن اللغة العربية كلما مست الحاجة إليه. لأنه ما عدا ما أتى به النعمان بن المنذر المتنصر من المآثر الجليلة بحفظ أشعار العرب. وما خلا ما قام فيهم من علماء المصرين (البصرة والكوفة) من جمع شتات لغات القبائل وتدوين منظومها. فقد جاء بعد ذلك عهد العباسين فدفعوا اللغة في ميدان السباق حتى استنزفوا حضرها (بضم الحاء) وبلغوا بها إلى شأو الحصر (بفتح الحاء وهو التضييق والحبس) لأنهم بلغوا بها إلى أبعد غاية يكن الوصول إليها في عهدهم.
أما في عهدنا فإذا كان العراقيون لم يشبهوا السلف بجلائل مآثرهم فليس الذنب ذنبهم. وإنما الجريرة جريرة المربي (بكسر الباء المشددة) وحالة المربى (بفتح الباء الخفيفة) ليس إلا. ومع ذلك فإننا نستبشر بسنة التأسل في وطنيينا العراقيين إذا أعانتهم الحكومة. إذ من شأنها أن تساعد حملة الأقلام ورافعي أعلام العلم بين الأنام. وما ذلك بعزيز على ربك العليم العلام.
مما جاء في مدح العلم
قال عبد الله بن مسعود: إن الرجل لا يولد عالماً. وإنما العلم بالتعلم وأخذه الشاعر فقال:
تعلم فليس المرء يولد عالماً. ... وليس أخو علم كمن هو جاهل
وقال آخر بالمعنى المذكور:
تعلم فليس المرء يخلق عالماً ... وما عالم أمراً كمن هو جاهله(1/11)
وقال غيره:
ولم أر فرعاً طال إلا بأصله ... ولم أر بدء العلم إلا تعلماً
وقال رابع:
العلم يحيي قلوب الميتين كما. ... تحيا البلاد إذا ما مسها المطر
والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه ... كما يجلى سواد الظلمة القمر
بغية الأنام في لغة دار السلام
مقدمة
الحمد لله الذي فطر الأنام، وخصهم بمواهب العقل والنطق والإفهام، وميزهم بها عن سائر الحيوان، ليكون ذلك أس النقد والمدينة والعمران، على ممر الدهور وتوالى الأزمان في كل أين وآن.
أما بعد فقد قام في هذا العهد فريق من أفاضل المستشرقين يشيرون على الأدباء من أهل الفضل والعلم في الديار العربية أو في البلاد التي يتكلم سكانها باللغة القرشية أن يبذلوا جهد المستطاع في تقييد أوابد لغايتهم وإحياء دوارس معالم لهجاتهم وجمع كل ما يتداوله عوامهم ليدون في بطون الكتب ومعاجم اللغة وذلك لعدة فوائد منها:
أولاً: لأن في بعض معاجم اللغة ألفاظاً نظنها مائتة وهي حية فنعرف معناها الحقيقي.
ثانياً: لأن اللغويين قد جمعوا ألفاظ جميع القبائل بدون أن يصرحوا(1/12)
باسم القبيلة التي نقلت عنها اللفظة إلا في ما ندر. فإذا عرفنا اليوم من يتكلم بها وقفنا على القوم الذين ينتمي هؤلاء الناس المعاصرون لنا وعرفنا قبيلتهم في سابق العهد. وهو أمر مهم للتاريخ ولا سيما لان بعض قدماء اللغويين قد بينوا لنا في غير كتب اللغة مميزات بعض القبائل في لفظها ومصطلحها ومساقط معنى حروفها وتعبير أفكارها الخ.
ثالثاً: لأن في اللغة المدونة في الدواوين ألفاظاً مبهمة أو غير صريحة كأكثر ألفاظ علم المواليد ومصطلحات الصنائع. فإذا دونا لغة كل قوم صرحت لنا المعاني بوجهها الصحيح واتخذناها عند الحاجة للتعبير عما يجول في أفكارنا أو يدور على ألسنة جيراننا.
رابعاً: لأن بعض الأوضاع والألفاظ العامية استعمالاً قديماً يرتقي إلى قرون عديدة ولا مرادف لها في الفصيح فتنفعنا حينئذٍ للتعبير عن أفكارنا ولإدخالها في لغتنا عوضاً من أن نقتبس ماضاهاها من أهل اللغات الدخيلة.
خامساً: إن ما هو حي من الألفاظ اليوم يموت بعد سنين وإذا مات يحب من يأتي بعدنا أن يعرف ما كانت أقوالنا وأفكارنا ومصطلحاتنا فيكون ما دوناه احسن دليل على تاريخ حياتنا وآدابنا وعوائدنا ومآكلنا ومشاربنا إلى آخر ما هناك.
سادساً: لو فعل اللغويون في سابق العهد في جمع لغات القبائل والعوام على ما يحب العلماء
أن يفعلوه اليوم لوقفنا على شيء كثير من عمران أجدادنا وتاريخهم وهو اليوم في خبر كان مما اضر كثيراً بسابق(1/13)
مجد أجدادنا وتمدنهم وارتقاء حضارتهم الخ.
والخلاصة عن في تدوين اللغة العامية كل بلد من الفوائد التي لا تقل عن فوائد سائر العلوم التاريخية والعمرانية والتهذيبية والعادية والأثرية. هذا فضلاً عن أن مثل هذا الكتاب يكون مرجعاً ينتابه الكاتب كل مرة يريد أن يعرف فصيح الكلمة العامية التي تجري على لسانه فيصلح أود لغته ولغة قومه. وهي فائدة عظيمة لإبقاء اللغة على سلامتها وفصاحتها. ولهذا يجب في مثل هذا العمل أن يوضع بازاء كل لفظ عامي الحرف الفصيح المعروف عند أصحاب اللغة الصحيحة لتتم الفائدة المنشودة. والله الموفق.
منافع تدوين اللغات واللغيات واللثغات
إذا أردت أن تقف على منافع تدوين اللغة زيادةً على ما تقدم ذكره اعتبر هذا الأمر وهو أنك إذا أنعمت النظر في الماء عند منبعه ثم تفقدته في مجراه تحقق أنه كلما ابتعدت عن العين زادت كدورته أو زادت الجواهر الغريبة التي تخالطه لكثرة ما يصادفه من الأجسام عند هبوطه من مصدره. وإذا انتهيت إلى مندفعه لا تكاد تجسر على أن تقطع بأن هذا الماء من ذاك المعين. وعلى مثل هذا تقيس مجرى اللغات ومسراها وامتزاجها وكثرة ما يحل بها من الغير.
هذه لغات اليونان والروم والعرب فطالما كانت غير مقيدة الألفاظ والقواعد حل بها من الطوارئ ما يسر تعدادها. فنشأ منها اللغات(1/14)
الفرعية الكثيرة. ومنذ أن قيدت اوابدها انحصر شر فسادها وضاق أيضاً نطاق عبث بناتها من اللغات منذ أن عوملت هذه المعاملة. ولولا ذلك لتسلط عليها عامل الاحتكاك والتآكل كما هو متسلط على جميع موجودات الكون مهما تنوعت واختلفت.
فهذا الحديد على شدة صلابته بل هذا الألماس على قوة مناعته إذا احتك بغيره من جنسه أو من غير جنسه تأكل شيئاً فشيئاً حتى يفنى مع الزمان. وهذه ألفاظ اللغة عند احتكاكها بغيرها يعتورها مثل هذا النقص والفناء حتى يدخل بعضها في بعضٍ وتضمر ضمور الحي حتى لا يبقى منها إلا الأثر أو يكاد.
فجمع سقاط اللغة من لغية ولثغة وخلل وفساد والإشارة إلى تصحيح أود ما فيها هو من النعم اللغوية التي لا يقدرها إلا عشاق اللغة والغيورون على سلامتها.
افعل هذا تر في الأجيال المقبلة ما رأيت نتيجته منذ خمسين سنة أي من دخلت الصحافة في بلادنا فادعمت ما تداعى من بنيانها وأسندت وشادت ما انهار منه فحصلنا على نتيجة لم نحلم بها في السابق وسوف تكون أعظم إذا سعى أصحاب كل بلدٍ على نشر المطبوعات ولاسيما على نشر اللغيات والإشارة إلى ما يحسن عيبها وينفي عنها ما يشوه محاسن محياها.
ومن ثم فقد أخذتني النخوة العربية والنشوة الأدبية في أن أشمر عن ساعد الجد وألبي إلى تأليف معجم يستوعب أغلب الألفاظ(1/15)
العامية والدخيلة البغدادية إن لم أقل كلها. ليكون سراجاً منيراً يهتدي بنوره العوام. وقائداً مرشداً إلى شحذ الإفهام. ودليلاً يركن إليه الغرباء عن
اللهجة واللسان. إن من المستشرقين وإن المستعربين في جميع البلدان.
هذا ومع إقراري بقصر باعي أعلم حق العلم أن أمامي عقبة كئوداً من دونها خرط القتاد. وورائي من الصعوبات ما لا يشعر بها إلا من سلك هذا الوعث وعرف ما يحصل منه من الوعثاء. بيد أني استسهلت تلك العراقيل والعواقيل لما ينجم من وراء ركوبها من الفوائد الجمة والمنافع العامة. وقد وسمت كتابي هذا ببغية الأنام، في لغة دار السلام، عملاً بإشارة أعز الإخوان، وأخص الأخدان،
وأطلب ممن يقف على ما يقع فيه من الأغلاط أن ينبهني عليها وأنا لا أنساه من الإقرار بفضله والتنويه بأدبه عن الله مثيب الصالحين والمصلحين:
رزوق عيسى
نجد
1 - موقع نجد وحدودها
ديار نجد واقعة في قلب بلاد العرب أو هي سرتها. وحدودها هي من الشمال النفوذ الفاصلة بلاد الجوف عن بلاد نجد. وهي النفود بوجه الإطلاق.(1/16)
ومن الجنوب النفود المسماة بالربع الخالي وهي بلاقع أو مفازة أو فلوات لا تفرق بشيء عن نفود الشمال ومن الشرق الاحساء والقطيف ومن الغرب أغلب بلاد الحجاز.
2 - سكان نجد في الزمن الخالي وفي الزمن الحالي
كان أهل نجد في الساب كأغلب سكان بلاد العرب. أخلاطاً من أمم شتى من عرب وفرس وأرميين وعبران وآشوريين وكلدان وبابليين. ثم امتزجوا امتزاجاً واحداً مع الزمان حتى أضحوا أمة واحدة ولما جاء الإسلام زادوا وحدة ولما ظهرت الوهابية بانوا كل البينونة عن سائر سكان الجزيرة حتى أضحوا أمة مستقلة بنفسها ولها أوصاف خاصة بها كالشجاعة والبسالة والتدين المفرط الضارب إلى التعصب والاباءة وعدم تحمل الضيم وتوقد الذكاء وحب التجارة الواقفة على أصول الشرع إلى غير هذه المناقب الدالة على النجديين من الناس الذين بانوا عن سائر العرب بالمآثر الجليلة التي لا تشاهد إلا في السلف الخالي.
3 - أقسام نجد
(تقسم نجد إلى ثلاث إمارات ولكل إمارة حاضرة قائمة بنفسها).(1/17)
الإمارة قاعدتها (الرياض) وهي حاضرة إمارة الأمير الخطير ابن سعود الذي قام بتجديد مذهب السلف الصالح وهو المذهب الذي يعرف الآن بمذهب الوهابية أو بالوهابية من باب الإطلاق أو من باب الأغلبية وأهل نجد كلهم يلقبون بالوهابية نسبة إلى من قام بالدعوة في بادئ الأمر وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب. أما موقع الرياض فمعروف أي في جنوبي نجد.
الإمارة الثانية: إمارة الأمير الجليل ابن الرشيد وقاعدتها (حائل) وهي في شمالي نجد.
الإمارة الثالثة: (القصيم) (بالصاد لا بالسين كما يكتبها بعض أهل الجرائد) وهي عبارة عن بلدتين كبيرتين وهما: (عنيزة) وهي عاصمة إمارة (آل سليم) (وبريدة) وهي عاصمة إمارة
(آل مهنأ) وما بين هاتين البلدتين مسافة قدرها ست ساعات للراكب.
وكلتا البلدتين: عنيزة وبريدة دخلتا في قبضة الأمير عبد العزيز ابن السعود الموجود الآن.
4 - العلم بوجه الإجمال في هذه الإمارات الثلاث
استناداً على ما تقدم، نقسم البحث إلى ثلاثة أقسام نخص كل إمارةٍ بكلام يناسبها مناسبة إجمالية. فنقول: كانت ربوع ديار (الرياض) وتلقب حيناً (بالعارض) منبعث أنوار العلم والعرفان في عهد غضارة إمارة آل سعدون. لكن أكثر هذا العلم يدور على علم التوحيد والكلام(1/18)
والأصول والتفسير والفقه واللغة وجميع العلوم الدينية وقليل من النحو والصرف وسائر علوم الآلة.
فلما أخذت دولتهم بالزوال تقلصت ظلال العلوم عنها أيضاً رويداً رويداً وتشتت العلماء على أوجه شتى: فمنهم بالموت وآخرون بالمهاجرة إلى بلاد أخرى يرتزقون فيها لأن عيشتهم في السابق كانت متوقفة على ما يجريه الأمير ابن السعود من الرواتب الدارة الإخلاف الجارية من بيت المال وهذا يمتلئ مما كان يجمع على ما جاء به الشرع الشريف من النظام والأصول المثبتة في الإسلام.
أما اليوم فلم يبق من تلك العلوم شيئاً في الرياض وانتقل أغلبه إلى بلاد (القصيم) و (حائل) السالفتي الذكر. ولا يوجد من يتعاطى العلوم فيها إلا أناس قلائل. ووجودهم كعدمهم. وهم الذين يقال أنهم خبطوا في الديانة خبط عشواء. وأظهروا التعب الديني الأعمى وأشاعوا عنه وعن أصحابه أموراً لا توافق مذهب السلف. وهي وإن كان أغلبها ملفقاً إلا أن لها بعض الحقيقة فجسمها خصومهم وحسادهم على تلك البقاع وعلى عزتهم فيها وانتصارهم على مناوئيهم إلى أن آل تقلص ظل دولة آل سعود ففرحوا بذلك فرحاً لا يوصف. وما زالت الحالة في تأخر وتقهقر حتى اضطر أكثر أهل تلك البلاد إلى المهاجرة للاسترزاق فظعنوا عنها مكرهين ولكن هجرتهم لم تبعد لأنهم لم يتجاوزوا الاحساء والزبير والبصرة. أما أكثرهم فتراهم في البحرين وعمان وسائر تلك الأصقاع وكلها لا تخرج عن بلاد العرب. والذين(1/19)
هاجروا لم يكتسبوا بهجرتهم علوماً تقدمهم إلا النزر القليل مما يوافق مشربهم وتغربهم أي معرفة أعداء الدول وقواها وبعض ممالكها ومستعمراتها وسياسة بعضها لبلاد نجد. والخلاصة إنهم يتأثرون كل ما له تعلق ببلادهم.
والبعض منهم (وهم أفراد قليلون) وصلوا إلى الهند كمدينة لكنو وحيدر آباد وأمرتسر وغيرها ودرسوا بعض علوم الدين وشدوا شيئاً من الفلسفة وعلوم العمران والاجتماع. لكن علوم هؤلاء الأفراد لم تؤثر في قومهم التأثير المطلوب لما رجعوا إليهم قافلين بها. ولذا لا تراهم حظيين في عيون وطنييهم.
أما إمارة ابن السعود الآن وحاشيتها. وان شئت فقل.: أما مقدموا إمارة ابن السعود فانهم على كفاية من العلم اللازم لإدارة شؤونهم حسب سعتها وما تطلبه منهم مكانتهم بل يوجد بينهم أفراد لا يستغنى عنهم لحل الأمور المعضلة أو المشكلة. وأكثرهم ممن تربوا في المدن.
وفي هذا العهد (أي منذ إعلان الدستور العثماني) انتبهوا انتباهاً عظيماً وهم في شوق لاعج إلى الاطلاع على حقائق الأمور والانضمام إلى الحكومة العثمانية. ولكن يا للأسف إن الحكومة لم تشرح صدرهم إلى اليوم ولا تراسلهم بل ولا تنظرهم. لا بل لما طلب ابن السعود من ناظر الداخلية (طلعت بك) حسبما بلغني - ليبعث إلى المجلس من قبله مبعوثين رده قائلاً: نفعل ذلك في الانتخاب(1/20)
الجديد.
ولما كانت بيني وبين الأمير ابن السعود قرابة مثلت بين يديه بعدما قضيت سنين في الهند وشرحت له أحوال الدستور في الأمم الراقية فانشرح له صدره وأفادني بأنه يكون أول مؤيد له واعظم مساعد للحكومة العثمانية فيما تريده. وألححت عليه بان يوفد إلى الحكومة العثمانية مبعوثين من قبله ففعل وطلب ذلك لكنه رد كما تقدم القول.
هذا أهل هذه الإمارة يطالعون بلاعج الهوى الجرائد والمجلات وتأتيهم من كل حدب وصوب ويطلبون الكتب ولا سيما الحديثة الوضع ليقتنوها ويطالعونها. ويقبلون عليها إقبال الجياع على القصاع غير أن الاضطرابات التي تحدث بين القبائل غالباً لأدنى سبب. وسنة الأعراب منذ القدم. وسنة الأعراب منذ القديم سنة الغزو والهجوم لا تدعهم يتفرغون لها كل التفرغ يستفيدون منه الفائدة المطلوبة. ومع هذا فأنا أرى انه لا تمضي سنوات إلا ويصلون إلى درجة حسنة من العلوم والآداب بمنه تعالى وكرمه.
2ًواما العلوم والآداب في الحائل (ويقال لهذه الإمارة أيضاً الجبل) و (جبل شمر) (وهو جبل طيء في السابق) فهي على غير ما رأيته في الإمارة الأولى.
ومما يجب أن تعلمه قبل الإيغال في البحث أن هذه البلاد قد وصلت إلى درجة تذكر في العلوم والمعارف منذ سابق العهد. وإمارتها(1/21)
لشمر منذ أن وجدوا إلى يومنا هذا. وقد استولى عليها آل سعود حين قويت شوكتهم وعظمت صولتهم. وما كادت شمسهم تميل إلى الغروب إلا وعادت تلك الديار إلى أهلها الأقدمين. وكان أول أهلها ورؤسائهم: آل على ثم انتقلت إلى طلال. فبندر فمحمد الرشيد فعبد العزيز ثم إلى ابنه متعب ثم إلى خال متعب (سلطان) ثم إلى سعود أخ سلطان ثم إلى سعود بن عبد العزيز أخ متعب. ولهؤلاء في ذلك قصة تاريخية عجيبة طويلة لا يسع المقام ذكرها.
ولما دالت إمارة آل سعود وافق آخرها نمو إمارة محمد الرشيد فانتقلت اكثر الكتب إلى حائل. وأنت تعلم لا صناعة ولا تجارة لأهل حائل إلا الغزو لا غير. ومع ذلك فتراهم قد سبقوا غيرهم في العلوم العصرية وذلك لاختلاف كبرائهم إلى الأستانة ومصر والحجاز أيام السلطان عبد الحميد المخلوع فاصبح البعض منهم يعرف اللسان التركي والفارسي.
وترى في بلادهم اليوم الكتب العربية القديمة النادرة الثمينة التي لا ترى لها وجوداً في سائر البلاد العربية وأغلبها غير مطبوع. وتؤنس جماعةً منهم تطالع الصحف السيارة والمجلات الموقوتة. وأهل هذه الديار أنور من غيرهم من تلك الأقطار في العلوم العصرية وأوسع اطلاعاً في الأمور السياسية. ولهم ميل شديد إلى الحكومة العثمانية وهذا الميل أظهر فيهم ممن سواهم. لكن الحكومة لا تزال في ريبٍ من أمر العرب والإحجام عنهم. وعلى ما أرى: أنها تود أن(1/22)
تكون في غنىً عن نصرتهم. ولعلها تخاف من انهم إذا تمدنوا قلبوا لها ظهر المجن وعادوا إلى مجدهم السابق. وهذا كله من التخيلات السياسية ومن الأوهام التي لم تدر في خلد العرب.
ولما أتيت بغداد ورأيت الحالة الحاضرة أبديت ما أوجبته على الوطنية العثمانية والعربية للطرفين بجامعة الدين وشرحت ذلك بعدة مقالاتٍ بسطتها في جريدتي الرياض وبينت ما يجب من الفوائد الجمة إذا انضموا إلى أبناء آل عثمان وصاروا يداً واحدة على الأعداء. ولقد أثر كلامي هذا على أبناء وطني تأثيراً عظيماً حسناً ذا نتيجة تذكر لكن ذهب كله أدراج الرياح لما رأوا أن الدولة العثمانية لا تعيرهم أذناً صاغية ولا أحلاماً واعية. فلعل الزمان يحسن النيات في أبناء عثمان فيجني هؤلاء في بضع سنين ما لم يجنوه بحذرهم
مدة سنوات متطاولة.
هذا فضلاً عما شرحت للحكومة ما يجب أن تتخذه من الاحتياطات اللازمة لمنع الأسلحة من دخولها العرب. وذكرت لها الوسائط الحسنى للبلوغ إلى تمدن صادق وأرسلته إلى أحد مبعوثي العراق وبعد أن قرأ في المجلس حول إلى النظارة. ولا أدري بعد هذا ما جرى به. ولعله ضاع أو احترق مع جملة الأوراق التي ذهبت في إحدى حرائق الأستانة في هذه الأيام الأخيرة.
أما ميلهم إلى العلوم الأدبية كالشعر والنحو وعلوم الآلة والسياسة والاجتماع فمما تظهر منافعه عن قريب إذا ما تحسنت الأحوال(1/23)
وتوفرت وسائط النقل والانتقال بعد أمد غير بعيد بمنه تعالى وكرمه.
2 - القصيم: - البحث في علوم وآداب أهالي القصيم يتناول البلدتين المذكورتين اللتين تتقوم منهما فأهل هذه البلاد ليسوا كاهل الديار الأخرى. فلقد دخلوا بتجارتهم البلاد الكثيرة من الأصقاع المتمدنة كالهند ومصر والشام ولندن ومدن أميركية. وتجد بعضهم قد توطنوا تلك الربوع كما احتلوا بلاد العراق كبيرها وصغيرها. ولقد تقدموا في التجارة أحسن من غيرهم بكثير. وكذلك قل في العلوم على مختلف أنواعها وتشعب أفنانها كل ذلك في البلاد المختلفة المذكورة كما في ديار قطرهم الواسع. فانك لا تسير إلى بلدٍ إلا وتجد فيه منهم نفراً يتعاطى الأمور التجارية غير غافل عن العلوم المعروفة في تلك البلدة مقامه. ولهذا إذا تيسر لك فدخلت بلادهم ترى فيهم هذا يكلمك بالتركية وذاك يطارحك الكلام بالفارسية وتسمع واحداً يذاكرك بالهندية ويقبل إليك آخر يفاتحك بالإيطالية. ويقترب منك صديق محب يخاطبك بالفرنسوية إلى غير هذه اللغات من أردوية وتامولية وإنكليزية.
أما التاريخ فهم يعتنون أشد الاعتناء. وكذلك يزالون علوم الاجتماع والسياسة مزاولة تفوق معالجة سواهم لها. وهنا نختصر القول بإضافة إلى ما تقدم ذكره عن الإمارتين الأوليين بخصوص العلوم والمعارف أنه لا يوجد في تلك الربوع مدارس أو مكاتب على ما نشاهده في البلاد الأخرى المتمدنة من ابتدائية ورشدية وكلية وجامعة.(1/24)
إما مدارسهم فهي مدارس خاصة بهم تشمل جميع المطالب وتجمع في ردهاتها كل طالب على السواء. فالتلميذ يأخذ أي كتاب كان أو أي كتاب أراد قراءته ثم يحضر المدرسة
ويقرأه على المعلم الموجود فيها بدون أن ينتظم في سلك حلقةٍ تتلقى العلم معاً من الأستاذ في وقتٍ محدود كما في المر الجاري في المكاتب العصرية المنتظمة.
(وبيوت أكثرهم ليست إلا مدارس ونوادي علم. إذ ترى فيهم من ينضم إلى رفيقٍ ثانٍ له أو إلى ثالث أو أكثر حسبما يتفقون عليه فيجتمعون في بيتٍ واحد منهم. أو انهم يجتمعون في كل يوم في بيت غير البيت الأول في بيت الرفيق على التوالي فيتدارسون في الكتب التي وقعت بأيديهم وهكذا يفعلون حتى النهاية على ما كان جارياً في سالف الزمن في أنديتهم ومجالسهم ومجتمعاتهم).
سليمان الدخيل: صاحب جريدة الرياض ومنشئها.
التأسل والتأسن
للإفرنج لفظة وهي يريدون بها خاصية تكون في الكائنات الحية من شأنها أن تنقل صفاتها وفصولها إلى من يخلفها أو يعقبها، تلك الصفات والفصول الراجعة إلى هيئة جسمها أو تركيب بنيتها مادياً أو أدبياً أو عقلياً.
وقد تظهر هذه المميزات في الابن رأساً بعد أن كانت في الأب. وقد لا تظهر في الابن قدماً بل تنتقل إلى الحفيد أو إلى ما وراءه بعد(1/25)
فترةٍ في النسب أو فتراتٍ لا تظهر فيها تلك الفصول وكل ذلك يحسب من باب الوراثة.
والعرب يسمون هذه الخاصية (التأسن والتأسل) على ما نراه قال في تاج العروس: تأسن أباه: أخذ أخلاقه. نقله الجوهري عن أبي عمرو. وقال اللحياني: إذا نزع إليه في الشبه. وأنشد ابن بري رحمه الله تعالى لبشير الفريري:
تأسن نريد فعل عمرو وخالدٍ ... أبوة صدق من فرير وبحتر
وقال في لسان العرب: يقال: هو على آسانٍ من أبيه. أي على شمائل من أبيه وأخلاق من أبيه. واحدها أسن مثل خلق وأخلاق. . . وقال ابن الأعرابي: السن: الشبه وجمعه آسان. وأنشد:
تعرب في أوجهها البشائر ... آسان كل أفقٍ مشاجر آه
والبيت الأول يدلك كل الدلالة يدلك كل الدلالة على المعنى الذي يعقده الإفرنج بلفظتهم ونحن نظن أن التأسن لغة في التأسل. والعرب كثيراً ما تعاقب بين النون واللام. قال في اللسان تأسل أباه: نزع إليه في الشبه كتأسنه. وقولهم: هو على آسالٍ من أبيه مثل آسانٍ أي على شبه من أبيه وعلامات وأخلاق. قال ابن السكيت: ولم أسمع بواحد الآسال) اهـ.
ونظن أيضاً أن أصل (التأسل) بالسين: التأصل بالصاد. ومعناه العود إلى الأصل. وهو المعنى المطلوب من وضع هذه اللفظة. واللغويون يقولون: تأصل الشيء: صار ذا أصل أو ثبت أو رسخ أصله. وهذا(1/26)
أيضاً يتحصل من الوراثة المذكورة. على أنه لم يسمع في كلامهم: هو على آصال من أبيه. ولم يقولوا في جمع أصل: آصالاً بل أصولاً وآصلاً. وهذا لا يمنع منبت اللفظة لأن العرب قد تتصرف بالمصحف والمحرف حتى تجعله أصلاً
حياً قائماً بنفسه. وتميت الأصل الذي نما منه هذا الفرع على حد ما يفعل الزراعون بأنبتتهم وأشجارهم.
وخلاصة البحث أن لفظة (التأسل) أو (التأسن) هي أحسن حرف يقوم بمؤدى الكلمة الإفرنجية (آتافسم وهي مشتقة عندهم من آتافس أي الجد الرابع أو أب الجد الثالث. ومعناه. (العود إلى الجد الأكبر).
وقد أثبت الباحثون اليوم أن التأسن لا يكون في الإنسان فقط بل في الحيوان أيضاً وحتى في النبات. وهذا ما يشاهده كل منا إذا ما تدبر بعض ما يقع تحت ناظريه فقد رأينا مرارا كلاباً ولدت من آباء هي بنات آوى تنزع دائماً إلى أصلها. كما ثبت لنا أحياناً أننا قد ركبنا نارنجاً على كبادٍ. فرجع كباداً بعد حين. وكم من مرة أردنا أن نركب توتاً شامياً على توت عراقي فعاد الشامي عراقياً نازعاً إلى أصله.(1/27)
وقد تفيد التربية الحسنة الإنسان والحيوان فتفنى فيهما بعض السيئات إذا اخذ كل من الإنسان والحيوان في حداثة سنه وقد لا تفيد أبداً بل وربما أحدثت فيه انتكاسا أو ارتكاساً.
وهذا ما انتبه إليه أو إلى مثله قدماء العرب.
ومن هذا القبيل ما يحكى أن إعرابيا ربى بالبادية ذئبا فلما شب افترس سخلةً له. فقال الإعرابي:
فرست شويهتي وفجعت طفلا ... ونسواناً وأنت لهم ربيب
نشأت مع السخال وأنت طفل ... فما أدراك أن أباك ذيب
اذا كان الطباع طباع سوء ... فليس بمصلح طبعا اديب
وقال غيره:
وأنت كجرو الذئب ليس بآلف ... أبى الذئب إلا إن يخون ويظلما
وهذا الكلام يصدق على كثيرين ممن ربوا تربية صالحة فلما شبوا دبت إليهم عقارب خصالهم الرديئة فلسعت آدابهم فأوردتهم حياض الموت. فاصبحوا في ديارهم جاثمين. ولأخرتهم خاسرين. بعد أن كانوا في دنياهم من الخاسئين.
المتكهفة والمكتهفة
أو المنتفقة
للإفرنج لفظة يونانية الأصل منحوتة من كلمتين من نفس تلك(1/28)
اللغة وهما (تروغلى) أي النفق أو الكهف. و (دوين) أي دخل فنشأت من تركيبهما لفظة (تروغلوديت) أي (داخل الكهف أو داخل النفق) وقد زعم بعض كتاب العرب ممن يرمي اللغة بالعجز والقصور والشيخوخة أن لا مردف لهذا الحرف اليوناني في العربي وكل من تكلم من العرب عن الأقوام الذين يأوون إلى الكهوف أو الأنفاق أو المغاور لم يذكروهم إلا باسم (تروغلوديت أو تروغلوديته) ولو انصفوا لوجدوا في العربية غير لفظة. من ذلك: المتكهفة والمكتهفة.
فالمكتهفة. من اكتهف أي لزم الكهف. ومثله: تكهف والكهف كالغار إلا انه أكبر منه.
والمنتفقة. وقد مر الكلام عنها وعن صحة استعمالها بهذا المعنى وانطباقها اشد الانطباق على اللفظة اليونانية كأنها قدت من أديم واحدٍ.
وإذ قد أثبتنا صحة مقابلة هذه الكلمة لكلمتهم نقول:
قد قرر الباحثون أصحاب القدم الراسخة في العلم أن أول سكنى البشر كان الكهوف والمغاور والأنفاق على حد ما يفعله بعض الحيوان إلى عهدنا هذا. ثم ارتقى الإنسان شيئا فشيئا في سلم الحضارة حتى ابتنى الدور العامرة وشيد القصور الفاخرة. إلا أن هناك أقوام بقوا على حالتهم الوحشية وهمجيتهم الدنيئة ومن حواليهم أناس متحضرون يهزءون من إخوانهم المتأخرين وجيرانهم الجامدين بل الهامدين.(1/29)
وممن اشتهر بهذه الحالة أقوام كانوا في أقطار بلاد الحبشة وصعيد مصر وسواحل البحر الأحمر وميسية وموريطانية (بلاد الغرب) بل وأناس منهم كانوا في الصقع الشمالي من جبل قاف (قوقاس) إلا أن البلاد التي اشتهرت ببلاد المكتهفة كانت تبتدئ من بلدة برنيقة إلى مالا حد له من فلوات أفريقية وأنت تمعن فيها. وقال بعضهم بان الذين اشتهروا بالمكتهفة هم سكان الجهة الشرقية من أفريقية على طول الخليج العربي المعروف أيضاً باسم ساحل الحبش. وذهب فريق إلى أن المشتهرين بالمكتهفة هم سكان مصر الجنوبية والحبشة حيث توجد مقاطعة واسعة تعرف باسمهم. وفي صقع من بلاد العرب جبال متكهفة (فيها كهوف) تأوي إليها إلى عهدنا هذا قبائل من البادية تكاد تكون متوحشة وتوشك ديارهم أن تكون محاذية لربوع أولئك الأقوام الموجودين في
أفريقية أو الذين وجدوا فيها.
واغلب مساكن هذه الأجيال هي كهوف منها ما حفرتها أيدي الطبيعية ومنها ما نحتها ابن آدم. واغلب ما تكون هذه المغور في الجبال والأودية التي قوامها الجص أو الكلس واكثر هذه الجبال واقعة على شواطئ البحر الأحمر من جهة بلاد الحبشة وهي غير ذاهبة في السماء بل متوسطة الارتفاع.
واسم المكتفهة لفظ عام يشمل أقواماً شتى تأوي كلها إلى هذه المغاور فمنها طائفة كانت قد أوغلت في داخل البلاد وكانت تطارد النعامة والفيل. ومنها طائفة كانت تقيم على ضفاف البحر الأحمر وطعامها(1/30)
السمك وجذور الانبتة. ولهذا سماهم اليونان بما معناه: (آكلة النعام) و (آكلة الفيلة) و (آكلة السمك) و (آكلة الرز) إلى ما ضاهى وضارع هذه الألقاب وكلها دون هذه ضبطا وتحقيقا.
وكان لكثير من ديار المكتهفة اصورة (قطعان بقر) وأسراب معز. وهذه الأموال كانت تثير نيران الشرور في الصدور بل قل كانت تسعر نيران حروب لا تعرف الفتور وان مرت عليها طوال الدهور بيد أنها كانت تخمد بعض الأحايين على طلب النساء والحاحهن.
ومن شعائرهم الغريبة انهم كانوا إذا أرادوا دفن موتاهم يربطون رأس الميت برجليه ثم ينقلون جثته وهي على هذه الهيئة إلى هضبة وهناك يجتمع الجم الغفير من أقاربه وأصدقائه وأنسابه فارحين ضاحكين. ثم يلقون عليه الحجارة إلى أن يواروه عن الأبصار.
ومن نوادر الاتفاق انه وجد في بلاد اسكندنافية (اسوج ونروج) قبور عادية فيها جثث أموات هامدة موضوعة على الصورة المذكورة تحت ركام من الحجارة. إلا أن هذه الحجارة مصفوفة صفا فيه شئ من النظام والإتقان.
فانظر يا هذا كيف تتلاقى الشعائر الغريبة بين أقوام وأقوام وان شط بينهم المزار وترامت بهم الديار وتلاعبت بهم الأقدار.
المعنى الثاني للمكتهفة
وقد جاءت هذه اللفظة عندهم للدلالة على فرقة نصرانية كانت في صدرها وهم قوم من المبتدعة دفعتهم جميع الفرق من بين ظهرانيها(1/31)
فاضطرت إلى أن تعقد مجالسها في المغاور والكهوف فسموا بهذا الاسم.
المعنى الثالث
أطلق العلامة لينيوس هذا اللفظ في علم المواليد على ضرب من القرد يقيم اغلب أوقاته في الكهوف والغيران وقد جعله بعد الإنسان العاقل في الترتيب والنظام. واليوم يسمي العلماء (مكتهفة) أنواع الشمبانزي والغورلي: ولا سيما المكتهف الأسود
المعنى الرابع
يسمى اليوم الإفرنج مكتهفة أيضاً أناساً يقضون معظم ساعات نهارهم تحت الأرض لأشغالهم أو لطلب رزقهم كالمعدنين مثلا والمشتغلين باستخراج الفحم الحجري من قلب الأرض.
المعنى الخامس
تجئ هذه اللفظة أيضاً للدلالة على طويئرات طعامها الدويبات وهي التي يسميها أهل الشام وما جاورها: (سكسوكة الحيطان. نمنمة. أم نوح. سكسكة. دعويقة.) وسوف نعقد لهذا المعنى فصلا إيفاءً. للموضوع حقه في عدد آتٍ وكل آتٍ قريب.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
(الكلية الاعظمية) في أوائل شهر حزيران (أوائل جمادي(1/32)
الآخرة) تم تخطيط كلية العراق الإسلامية المعروفة (بالكلية الاعظمية) ولا زالت عناية دولة يوسف باشا مصروفة إلى إخراج هذه الكلية من عالم الخيال إلى عالم المثال. وهي تلك الكلية التي رفعت إلى هذه المرتبة نهار الجمعة 26 أيار (28جمادي الأولى سنة 1329) وكان قد حضر حفلة ترقيتها جم غفير من أكابر البلدة ورجالها الأماثل من عسكريين وملكيين ومدنيين.
(الأمير ابن سعود (في أواخر شهر أيار وأوائل حزيران طارد حضرة الأمير عبد العزيز باشا آل سعود بعض القبائل العائثة في طريق العقير ولاسيما فتك بإحدى عشائر العجمان المخلة براحة أهل السبيل فكسب شكر أهل الجميل. (ملخص عن الرياض في عددها 72).
(الأمير ابن الرشيد) وفي مثل ذلك العهد ضرب الأمير سعود باشا الرشيد بعض قبائل الرولة وشتت شملها واخذ شيئا كثيرا مما ملكت أيديهم من مال وخيل وابل وقد رجع إلى بلاده غانماً مظفراً. واكثر أولئك المفسدين هم الذين يتعرضون لسكة الحجاز ويبعثون بأمن تلك الأرجاء (عنها) (عشيرة الضفير) ظعنت هذه العشيرة إلى نواحي الكويت بعد أن كانت محتلة ما جاور البصرة من الربوع كالزبير ونواحيه (عن الزهور في عددها 83)
(إنكلترا في شط العرب) ركزت إنكلترا ثلاثة أعلام في كل من القريتين الآتيتين وهما: (القصبة) (والمنوحى) وكلتاهما داخل شط العرب. (عنها)
(باخرتان على الفرات) أخذت الحكومة في ولاية بغداد بان تسير باخرتين(1/33)
على الفرات لتقريب المسافة بين بغداد الزوراء. وحلب الشهباء فسافرنا من بلدتنا في أواخر أيار متجهتين إلى الفلوجة ومنها إلى مسكنه فقطعتا المسافة التي بينهما في 85 ساعة (عنها يبسط في العبارة).
(حوادث الناصرية) جاء في بعض الرسائل البرقية الموثوق بها انه لما كانت عشائر البدور تضيق الخناق على الأعراب الموجودين في (المائعة) والمحاصرين فيها وكان هؤلاء إلى حاجة ماسة إلى القوت سارت باخرتان من مركز الناصرية اسم الواحدة (فرات) وفيها مدفعان واسم الثانية (استيم بوط) وفيها بندقية آلية (ماكينولى تفنك) ولما وصلتا إلى المحل المرغوب إليه قابلها الأعراب بإطلاق الرصاص فأمطر عليهم العسكر حينئذٍ مطرا من الرصاص فتبددوا بعد أن قتل منهم جم غفير وهدمت المدافع قلاعهم وحصونهم. وإذ ذاك
تيسر للمحاصرين أن يتلمسوا الطعام الذي جاء به لهم العسكر المظفر.
وفي رسالة برقية أخرى: انقسمت عشيرة الحسينات إلى فرقتين إحداهما مهادنة للبدور والثانية متفقة مع سعدون باشا. فلما وقع هذا النفور بين الجمعين المفترقين تقاتلا في محل يبعد عن الناصرية نحو نصف ساعة فلما علمت الحكومة بأمر هؤلاء الأعراب أنفذت إليهم باخرة لتصلح ذات البين فلما دنت من موطنهم تفرقوا تحت كل كوكب أما الآن فالظاهر أن الأمن سائد في تلك الأرجاء بفضل سعي الحكومة. (عن الرصافة ببعض تصرف. في العدد 66)
(تأمير الشيخ مصبح) الشيخ مصبح رجل بدوي لا تملك يداه(1/34)
غير بيت من الشعر ينزله هو وولده وقد قدمه بعض أهل الأغراض والأهواء لغايات في صدرهم وادعوا بأنه رئيس عشيرة فيها ثلاثة آلاف فارس. . . ثم طلبوا إلى الوالي أن يقيمه شيخاً لعشيرة بني مالك ومن ينتمي إليها وتعترف يه الحكومة اعترافا رسميا. فلبى طلبهم والى ولاية البصرة حسين جلال بك.
(ملخص عن الرياض 73)
(حريق في الديوانية) وقع في نحو منتصف هذا الشهر حريق في سوق من أسواق الديوانية فالتهمت النار ما يقدر بخمسين دكانا مع محتوياتها. ولا تزال الخسائر مجهولة.
(بين عشيرتين كرديتين) وفي مثل ذلك العهد وقعت معركة بين داود خان رئيس عشيرة كلهر وبين شيرخان رئيس عشيرة السنجاوية. وكانت الدائرة على داود خان فقد قتل كثير من جنوده وأما شيرخان فانه خرج ظافراً من هذه الموقعة وكل ذلك يدلك على أن الأمن ليس على ما يرام. ولهذا رجعت قوافل التجار العثمانية وتضاعفت ضرائب المعتدين ويخشى سوء المغبة إذا لم تبادر حكومة إيران إلى ما يؤيد الراحة والسلام ويعيد المياه إلى مجاريها. (عنها)
(هجوم في البرجسية) هجم بعض الأشقياء من عشيرة بني مالك على (البرجسية) إحدى ضواحي الزبير وهي تبعد عنها نحو خمسة أميال. واخذوا أربعة من الحمير وعبثوا بشيءٍ من الزرع وعادوا على آثارهم. فأخذ أصحابها المنكوبون بالاستغاثة بأصحاب الحمية لكن لم ير(1/35)
من يغيث.
أما مدير الناحية (محمد زكي أفندي) فقد استاء جداً من هذه الواقعة فأخذ يبحث وينقب عن المصدر الحقيقي فعلم أن (مصبح العوفج) الذي كان زعيماً لعشيرة بني مالك أمسى ثاوياً هو وأهل بيته في (الشعبية) إحدى ضواحي الزبير وهي تبعد عنها نحو ثلاثة أميال ونصف. وقد لجأ إليها منذ عامين. ولما كان اعتداء هذه العشيرة في هذه الأيام متوالياً على ناحية الزبير كانوا إذا أخلوا بالأمن آووا إلى حماه. . . فلما وقف المدير على جلية الأمر أرسل حالاً يطلب حضوره. فحضر ولده الأكبر (مهلهل) والزمه بالجلاء عن (الشعبية) مع تأدية ما أخذته يد الأشقياء. فأبدى أعذارا ربما كانت صحيحة في حد نفسها. إلا أن المدير الحازم لم يقبلها منه. وفي الأخر كتب مهلهل عريضة إلى الولاية يطلب فيها أن يتم حصاد زرعه ثم يبارح الشعبية.
بيد أن الوالي حسين جلال بك اصدر أمراً باتاً في 26 جمادي الأولى (24 أيار) إلى المدير: أن لم يأخذ الشيخ مصبح بالسير حالاً اضربوه بالسلاح. فلما رأى أن لا مفر من هذا القضاء المبرم غادرها صاغراً مرغماً. فانقطعت بذهابه جرثومة الفساد والإفساد (الزهور العدد 84)
(الصحة في بغداد في هذه الأيام) نشر مجلس ولاية بغداد تقريراً هذا معناه:
بناءً على ما دهم حاضرة الولاية بغداد من الغرق في هذه السنة(1/36)
حتى أحاط الماء كل جانبٍ وملأ الخندق نتجت منه أنواع الأمراض التي أضرت بالأهالي ولاسيما الحمى المعروفة بحمى البطائح وعليه فيجب على الحكومة أن تتخذ وسيلة تزيل بها الماء المنتن المحيط بالبلد والمضر بالصحة العمومية وذلك بان يجعل منفذ لماء الدفرة (وهو الماء المتدفق في سهل بغداد) يفضي إلى الخندق ليغسل ما فيه من الأقذار والأوضار ثم يمضي بوجهه إلى منفذ آخر يفضي إلى الشط وحينئذ لا يبقى ماء في الخندق ولا في الدفرة. وإذا تم ذلك يباشر بدفن خندق المدينة الذي لم يعد ينفع شيئاً البتة.
وإذ قد ظهر في هذه الأيام اثر للوباء في البصرة وظهرت بعض إصابات بالهيضة في العزير فيجب أن نتخذ الذرائع اللازمة لحفظ الصحة في دار الولاية واعتناء البلدية بالتطهير والتنظيف فوق ما كان يجري في السابق. وان ترمى أقذار البواليع والكنف في غير ضاحية المدينة لما ينشأ منها من الأمراض. وان تتخذ الوسائل اللازمة لكي لا يضر
جواره بأحدٍ. (عن الرصافة ببعض تصرف العدد67)
ينبوع الشفاء
أحدوثة إسلامية
وضعها بالفرنسوية الكاتب كزافيه مرميه من أعضاء المجمع اللغوي وعربها الأب انستاس الكرملي.(1/37)
كان في دمشق الشام في سالف الأيام رجل قد اشتهر بالمال والغنى ولا شهرة قارون أو ثروة هارون وكان الناس يقولون عن مبارك (وهو اسم الرجل): (لقد وافق الاسم المسمى فان مباركاً قد بارك الله في ثروته) وكان بيده كنوز الهند وديار العرب ويسكن داراً مفروشة بأبهى الفرش وأفخره وكان الله قد من عليه بامرأة حسناء ذات فضل وفضيلة. وأولاد نجباء عددهم عدد نجوم الثريا (أي سبعة)
ومع هذا كله لم يكن الفرح من نصيبه لأنه كان قد بذل معظم همه وراء زيادة زهو بيته مقتنياً النفائس مزيناً بها داخل مسكنه وكان كلما حصل على شيء طلب شيئاً آخر وهو لا يعلم إلى أين المنتهى. ولا متى يبلغ موئل السعادة القصوى. إذ لا يزال في تعب ونصب وكلما فاز بالمبتغى. تولدت في قلبه رغائب أخرى كلها غرائب. ومن ثم كان يطوى بساط أيامه وهو يعلل النفس عند النوم بأنه ينال الراحة عند الصباح وإذا لاح جبين الفجر الصبيح يقول في نفسه: لعلي أنال المنى عند غياب الشمس وهو لا يعرف ما هذه المنى كما لا يزال على هذا التعليل. والنفس تفيض بالكآبة لا يسليه مسل. ولا يضحكه مضحك ولا يستطيب لذة من اللذات.
ولما كانت امرأته ترى هذا الحال تحزن لحزنه كما كان أولاده يغتمون لغم الوالدين والجميع من كبار وصغار يفرغون ما في وسعهم وطاقتهم لإرضائه أو لتطييب مر أيامه. وهو لا يزال إلا تبرماً من الحياة وتأففاً من العيشة. وقد ضجر من هذه الدنيا وما فيها لشعبه منها بل(1/38)
لتخمة. وكان يود أن يموت والموت لا يزال منه إلا هرباً وبعداً.
فسمع ذات يوم انه في بلدة منف من ديار مصر رجل عالم بل حكيم لا بل بنى يستطيع أن يحل اعقد المسائل وأعضلها ويصف الدواء الناجع لأي مرض كان.
فعقد مبارك النية على الذهاب إليه واستفتائه أو استشفائه.
فدعا وصيفه (مالكاً) وكان يثق به كل الثقة وأمره أن ينتخب له من ابله أحاسنها وان يحمل
على واحد من نجبها أسفاطاً يملاها ذهباً وفضة وجواهر وجماناً ويجعل على مهري آخر أنواع الطيوب طيوب بلاد العرب ويركب كل منهما مهرباً ويظعنان إلى منف مقر الولي العظيم.
لها بقية
-(1/39)
العدد 2 - بتاريخ: 01 - 08 - 1911
المنتفق
عقدنا ضميرنا على أن نكتب كثيرا عن أعراب العراق. إلا أن عملنا هذا يجرنا إلى إعادة العنوان الواحد مرارا عديدة. وهذا مما يدفع إلى السام فحذراً من هذه الرطمة قصدنا أن نصدر البحث الواحد بعناوين أقسامه دفعاً للملل وتشويقاً لمطالعة الموضوع. وهانحن نبتدئ بأصل معنى المنتفق.
أعراب المنتفق يلفظون الكلمة (المنتفج) بميم مضمومة بعدها نون ساكنة يليها تاء مثناة مفتوحة ووراءها فاء مكسورة وفي الآخر(1/41)
جيم مثلثة النقط فارسية اللفظ كما في جيم جهره وجهار وجه الفارسيات التركيات. وأنت تعلم أن كل ما يلفظه الأعراب بالجيم المثلثة هو بالكاف العربية إذ لا يسمع منهم لفظ الكاف الحقيقي إلا نادراً فهم يقولون مثلاً جال وحجي وشبجه وشباج في كال (يكيل) وحكى (يحكى) وشبكة (للصيد) (وشباك للطاقة أو النافذة) وعليه: فيكون في لفظة المنتفق لغة ثانية وهي (المنتفك) على أنك إذا تسمعت بعضهم ممن يعنون بحسن اللفظ والكلام تحققت أنهم يقولون (المنتفج) بالجيم العراقية الفصيحة وهي الجيم المنصوص عليها في كتب النحاة والصرفيين والقراء والمجودين لا الجيم الشامية أو المصرية. وأعراب المنتفق كسائر أعراب البادية لا يعرفون لفظ القاف الفصيح وهم يكرهونه أشد الكراهية ويقلبونه جيماً عراقية أينما وقعت وفي أي لفظة جاءت ومنهم من ينطق بها كافاً فارسية كما في كلستان وكوز وكرم الفارسيات.
وعليه ففي لفظة (المنتفق) خمس لغات وهي المنتفق بقاف والمنتفك بكاف والمنتفج بجيم فارسية وفصحاهن الأولى لأنها هكذا وردت في كتب الأقدمين من البلغاء وهي لا تزال ترد بهذه الصورة في من يتحرى الفصيح في كتابته وكلامه كما يتضح لك صحة هذا اللفظ من الشواهد الآتي إيرادها.
ما معنى المنتفق ولمَ سموا كذلك
لكل اسم من أسماء العرب يرجع إلى حكاية أو واقعة أو بيت شعر أو صناعة أو ما ضاهى هذه الأبواب وهي كثيرة عندهم. فما(1/42)
عسى أن يكون معنى المنتفق ولمَ سموا بهذا الاسم.
قلنا: علينا أولاً أن نعلم ما معنى انتفق في اللغة. فقد جاء في تاج العروس ما معناه انتفق
اليربوع: خرج من نافقائه. . . وانتفق الرجل: دخل النفق. . . والنفق: السرب ووكر اليربوع أيضاً. اه
فيكون سبب هذه التسمية إما لأن الجد الأكبر لبني كان يحرش قبل الإسلام فبقي عليه هذا الاسم وهو غير بعيد لأنهم سموا أيضاً حريشاً وحرشاء ومحرشاً فمن سمي بحريش كأمير: قبيلة من بني عامر. وبحرشاء كصفراء: امرأة وبمحرش كمحدث: محرش الكعبي ومحرش بن عبد عمر والحنفي وغيرهما.
وإما لأنه كان يقيم في نفق لشدة الحر. فيكون شبيهاً بسكنة المغاور. وقد وجد في بلاد العرب أناس (منتفقة) أي سكنة الأنفاق أو الأسراب والمغاور وقد ذكر ذلك بعض المؤرخين ومنهم من وجد في غير بلاد العرب ويسميهم الإفرنج تروكلوديت، كما مر الكلام عنهم في الجزء الأول.
وأول من ذكر هؤلاء الأقوام كتاب اليونان فقد قالوا عنهم انهم أناس نازلون في الشمال الشرقي من أفريقية ويأوون إلى الأنفاق والمغاور وأكثر ما يكونون بين نهر النيل والبحر الأحمر وكان يحتل تلك الجهات أيضاً قوم من العرب يأتون إليها من بلادهم. وإلى هذا العهد يوجد جم غفير من الأفريقيين هم (منتفقون) حقيقة وهم مبثوثون في أصقاع مختلفة من قارة أفريقية.(1/43)
وفي بلاد العرب قطر كله جبال تحيط به الأودية العظيمة العديدة وفيها من الكهوف والأنفاق شيء كثار تأوي إليه قبائل من الأعراب الأوابد والشراذم والشوارد. ولا يبعد أن يكون هؤلاء من أولئك أو أن منتفقة بلاد العرب من منتفقة بلاد الحبشة ونواحيها والله أعلم.
أما رأينا الخاص فهو أن بني المنتفق لم يسموا بهذا الاسم لكون جدهم كان من منتفقة اليرابيع أي محرشها ولا من المنتفقة بمعنى سكنة الكهوف. إنما سموا كذلك لكونهم اتفقوا على التناصر والتكلف اشتقاقاً من الاتفاق لا من الانتفاق. ويؤيد قولنا هذا أن بني المنتفق هم عبارة عن ثلاث قبائل كبار قد اجتمعت متحدة بينها كل الاتحاد وهي: قبيلة بني مالك وبمي سعيد والأجود (الأجود كأفضل لا الأجواد بألف بين الواو والدال) وكثيراً ما كان يفعل العرب والأعراب على التعاقد والتعاهد والتناصر ليكونوا اشد صولة على أقرانهم.
وقد كان ذلك قبل الإسلام وبعده ومن هذا القبيل الأحلاف والأحابيش وقريش وخثعمة والرباب ولعقة الدم والقارة وجمرات العرب ورضفات العرب وجمهرة العرب وتنوخ والضفير (هذه الكلمة تكتب بالضاد لا بالظاء المنقوطة المشالة) والمطيبون وغيرهم ولعلك تقول: إذا كان المنتفق من الاتفاق فكان يجب عليك أن تقول: (المتفق أو بنو المتفق) فمن أين هذه النون في المنتفق إذا كان من الاتفاق؟
قلنا أن العرب كثيراً ما تفك الحرفين المدعمين وتبدل الأول منهما نوناً وتبقي الثاني على حاله. وهذا الأمر معروف عندهم وإن لم يصرحوا(1/44)
بهذه القاعدة في كتبهم. فقد قالوا: الأجار بتشديد الجيم والأنجار. والأجاص والإنجاص. والرز والرنز. والإجانة والإنجانة. والقبرة والقنبرة. والخروب والخرنوب. وربما أبدلوا نوناً من الحرف الثاني لا من الحرف الأول كقوله الخرنابتان وهما الخرابتان. وهناك غير هذه الأمثال مما يطول سرده.
ومما يؤيد هذا الاشتقاق أن (المنتفق وردت بدلاً من المنتفق في نسخ ياقوت القديمة وقد صرح بذلك الفاضل وستنفلد في طبعه لمعجم البلدان. وهكذا وردت في نسخ الأغاني القديمة.
وقد يتفق أمران والجوهر واحد كما يجتمع زندان في وعاء. فقد يمكن أن يكون المنتفق رجلاً سمي لبعض الأوجه اللغوية التي ذكرناها فكان رأس قبيلة. ثم ضعف في ما بعد أمر عشيرته حتى اضطرت إلى أن تنضم إلى أحياء أو أقوام أخرى فكان منها هذه العميرة أو هذه العشائر المشهورة باسم المنتفق.
نسب المنتفق
قال في تاج العروس: المنتفق أبو قبيلة وهو المنتفق بن عامر بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
وقال السيد إبراهيم فصيح الحيدري في كتابه عنوان المج في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد: وجميع قبائل المنتفق بطن من عامر بن صعصعة من العدنانية وهم بنو المنتفق بن عامر بن ربيعة بن كعب بن عامر بن صعصعة ويقال المنتفق متفق. اهـ. وبنو صعصعة: بطن من هوازن(1/45)
من العدنانية. وهم بنو صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن كان له من الولد: عامر ومرة ومازن وغامر ووائل. وأمهم عمرة بنت عامر بن الضرب. وغالب وأمه
غامزة بها يعرفون. وقيس وعوف ومساور ويسار ومثجور وأمهم عدية بها يعرفون. وكبيرة وزبينة وأمهم وائلة بها يعرفون وربيعة وأمه غويصرة بها يعرفون وعامر أكثرهم بطوناً. (عن أنساب العرب للقلقشندي).
وذكر صاحب لسان العرب المنتفق ولم ينسبه ولم يذكر قبيلته.
ومن العجب العجاب أن القلقشندي كتب سفراً مطولاً عن قبائل العرب ولم يذكر المنتفق أبداً. مع أنها قبيلة ضخمة بل عميرة جليلة.
وممن ذكر نسب بني المنتفق ابن خلدون المغربي في تأريخه في المجلد 312: 2 قال: ومن بني كعب بن ربيعة. . . بنو عقيل (بن كعب وهم بطون كثيرة. منهم: بنو المنتفق بن عامر بن عقيل) ومن أعقاب بني المنتفق هؤلاء الأعراب المعروفون في الغرب (بالخلط). قال علي بن عبد العزيز الجرجاني: (الخلط): بنو عوف وبنو معاوية ابنا المنتفق بن عامر بن عقيل). انتهى. . . . قلت: والخلط في هذا العهد في أعداد جشم بالمغرب.
ومن بني عقيل بن كعب: بنو عبادة بن عقيل: منهم الأخيل واسمه: كعب بن الرحال بن معاوية بن عبادة. ومن عقبه: ليلى الاخيلية بنت حذيفة بن سداد بن الأخيل.(1/46)
وذكر ابن قتيبة: أن قيس بن الملوح المجنون منهم. وبنو عبادة لهذا العهد فيما قال ابن سعيد بالجزيرة الفراتية فيما يلي العراق. ولهم عدد وذكر وغلب منهم على الموصل وحلب في أواسط المائة الخامسة قريش بن بدران بن مقلد فملكها هو وابنه مسلم بن قريش من بعده. ويسمى شرف الدولة. وتوالى الملك في عقب مسلم بن قريش منهم إلى أن انقرضوا. قال ابن سعيد: ومنهم لهذا العهد بقية بين الحازر والزاب يقال لهم: عرب شرف الدولة. ولهم إحسان من صاحب الموصل. وهم في تجمل وعزٍ. إلا أن عددهم قليل نحو مائة فارس.
وذكر المنتفق صاحب الأغاني في كلامه عن يزيد بن الطثرية قال: أن طثراً من عبد بن وائل أخوة بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وكان أبو جراد أحد بني المنتفق بن عامر بن عقيل أسر طثراً فمكث عنده زماناً ثم خلاه وأخذ عليه أصراً ليبعثن إليه بفدائه أو ليأتينه بنفسه وأهله فلم يجد فداء فاحتمل بأهله حتى دخل على أبي جراد فوسمه سمة إبله. فهم حلفاء لبني المنتفق إلى(1/47)
اليوم نحو من خمسمائة رجل متفرقين فببني عقيل يولون إلى بني المنتفق وهم يعيرون بذلك
الوسم. وقال بعض من يهجوهم:
عليه الوسم وسم أبي جراد) اه
وذكرهم في موطن آخر فقال: زعم علماؤنا أنه لما انهزم الناس خرجت بنو عامر وحلفاؤهم في آثارهم (في آثار بني تميم) يقتلون ويأسرون ويسلبون فلحق قيس بن المنتفق بن عامر بن عقيل عمرو بن عمرو فأسره (اهـ المراد من ذكره للتنويه بنسب المنتفق)
وممن ذكر نسب المنتفق الطبري قال: وبارز زياد بن النضر أخاً له لأمه يقال: عمرو بن معاوية بن المنتفق بن عامر بن عقيل. وكانت أمهما امرأة من بني يزيد. فلما التقيا تعارفا فتوافقا. ثم انصرف كل واحد منهما عن صاحبه وترتجع الناس. اهـ.
وقد ذكر بني المنتفق غير هؤلاء الكتاب فاجتزأنا بالقليل السلسبيل الراوي للغليل عن الكثير الأجاج المهيج لعلة العليل.
ديارهم القديمة
قد جاء في كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر لابن خلدون المغربي في الجزء 302: 2 ما هذا نصه: (وأٌما بنو عجل بن لجيم بن صعب وهم الذين هزموا الفرس بمؤتة يوم ذي قار فمنازلهم من اليمامة إلى البصرة. وقد دثروا وخلفهم اليوم في تلك البلاد بنو عامر المنتفق بن عقيل بن عامر:) فهذا كلام نفيس يدلك على قدم احتلال بني المنتفق لهذه البلاد.(1/48)
وقال ابن خلدون في موطن آخر من كتابه في المجلد 2: 312 نقلا عن ابن سعيد: (ومنازل المنتفق الآجام التي بين البصرة والكوفة. . . ومن بني عامر بن عقيل: بنو عامر بن عوف بن مالك بن عوف وهم اخوة بني المنتفق وهم ساكنون بجهات البصرة وقد ملكوا البحرين بعد بني أبي الحسن ملكوها من تغلب. قال ابن سعيد: وملكوا أرض اليمامة من بني كلاب وكان ملكهم لعهد الخمسين من المائة السابعة عصفور وبنوه.) اهـ
ومما يدلنا على الربوع التي احتلوها في سابق العهد المياه التي كانت لهم فإنها تطلعنا احسن الاطلاع على منازلهم وديارهم القديمة. فمن مياه بني المنتفق:
(الميثب) كمبرد قال ياقوت: الميثب ماء بنجد لعقيل ثم للمنتفق واسمه معاوية بن عقيل. وقال الأصمعي: المثيب ماء لعبادة بالحجاز وقال غيره: مثيب واد من أودية الأعراض
التي تسيل من الحجاز في نجد اختلط فيه عقيل بن كعب وزبيد من اليمن.) اهـ
ومن مياههم (البيضاء) قال ياقوت: البيضاء ماء لبني عقيل ثم لبني معاوية بن عقيل وهو المنتفق. ومعهم فيها عامر بن عقيل. قال حاجب بن ذبيان المازني يرثى أخاه معاوية بالبيضاء قال.
تطاول بالبيضاء ليلى فلم انم ... وقد نام قساها وصاح دجاجها
معاوى كم من حاجةٍ قد تركتها ... سلوباً وقد كانت قريباً نتاجها
السلوب في النوق. التي ألقت ولدها لغير تمام.) اه(1/49)
ومن ربوعهم (العقيق) قال الهمداني في جزيرة العرب: العقيق عقيقان: العقيق الأعلى للمنتفق ومعه معدن صعاد على يوم أو يومين وهو اغزر معدن في الجزيرة العرب. وهو الذي ذكره النبي عليه السلام في قوله: مطرت أرض عقيل ذهباً. والأسفل هو في طي.) اهـ
ويقال لهذا العقيق الأعلى: (عقيق بني عقيل). قال ياقوت: (ومن الاعقة) العقيق الذي في بلاد بني عقيل. قال أبو زياد الكلابي عقيق بني عقيل فيه منبر من منابر اليمامة. ذكره القحيف بن حمير العقيلي حيث قال.
أأم ابن إدريس ألم يأتك الذي ... صبحنا ابن إدريس به فتقطرا
فليتك تحت الخافقين ترسه ... وقد جعلت درعاً عليها ومغفرا
يزيد العقيق ابن المهير ورهطه ... ودون العقيق الموت ورداً وأحمرا
وكيف تريدون العقيق ودونه ... بنو المحصنات اللابسات السنورا
انتهى النقل عن ياقوت.
ومن هنا ترى أن المنتفق كانوا منتشرين بين العرق وجزيرة العرب ويترددون بين بلاد وبلاد للانتجاع أو للغزو أو لغاية أخرى على ما هو معهود في حياة أهل البادية.
ربوعهم الحالية
تمتد من الناصرية إلى الحي وبينهما شطرة المنتفق والحمار وسوق الشيوخ والبطحاء والبدعة وبني أسد وبني سيد والمشارقة وقلعة صقر(1/50)
إلى غيرها من الأقضية والنواحي. وقصبة اللواء: الناصرية. وبكلمة واحدة هي البلاد التي احتلوها من سابق العهد.
ومن ديارهم المشهورة في الأزمنة الخالية والحالية (الغراف) وهو نهر كبير تحت واسط بينها وبين البصرة وعلى هذا النهر كان في سابق العهد كورة عظيمة فيها قرى كثيرة وأما اليوم فلم يبق منها شيء يذكر. وكذلك القول عن البطائح التي كانت في جواره. فإنها كانت متسعة الأطراف مترامية الضفاف وأما في هذا العهد فقد نضبت مياهها وضاق عقيقها.
وسمى الإفرنج نهر الغراف باسم (شط الحي) نقلاً عن العوام والحي قرية ضخمة راكبة الغراف سابقاً. واسم الغراف في العهد الماضي (المسرهد) على وزن مدحرج بفتح ما قبل الآخر وقريته الحي تبعد عن هذا النهر نحواً من نصف ساعةٍ لتحول مجراه مع الزمان. ونهر الغراف أو المسرهد أو شط الحي ينقسم هناك إلى شعبتين فالشعبة التي عن يمينك تسمى (أبو حجيرات) مجموع حجيرة مصغرة حجرة. والشعبة التي عن يسارك يقال لها (شط العمى) لأنه لا يدفع مياهه إلى نهر آخر ولان الرمال تدفن عقيقه رويداً رويداً. ولا يوجد الماء في شعبة إلا أربعة أشهر في السنة هي أشهر الشتاء.
ومن غريب تأويل بعض كتاب الإفرنج أن هذا الشط يسمى (شط الحية) لا شط الحي. وسمى بذلك لأنه يتمعج الحية قلنا. وليس الأمر كذلك لأنه لا يوجد نهر إلا ويكون متعرجاً في سيره تبعا لحركة(1/51)
الماء. نعم لو كان متعرجة شديداً يفوق منعطفات سائر الأودية والأنهر لصح التأويل. إلا أن الأمر ليس كما توهموه. وقد رأيت سبب تسمية العامة له بنهر الحي وسمى الحي حيا لحيوية أرضه وقوة إنباتها وخصب طينته مما لا يشبهه نظير قط في القرى المجاورة أو المندرسة.
الكلدانيون
واصل اسمهم ومعناه واختلاف الروايات فيه
كان الكلدانيون في سابق العهد أمة عظيمة بلغت من شاو الحضارة مبلغا بعيدا، وكانت تسكن العراق من شماليه إلى جنوبيه، وكان لهم شهرة طبقت الخافقين.
وقد ورد ذكرهم في كتب الأقدمين على اختلاف أجيالهم ولغاتهم، وقد جاء بنوع أخص في أسفار الكتبة المحدثين، لكثرة تتبعهم للحقائق، وتطال أعناقهم إلى تواريخ الأمم الخالية، وإمعانهم فيها بنوع لا يجاريهم مجار بل ولا يشق لهم غبار.
ولما كان شغفهم بالروايات الصادقة لا يضاهيه شغفهم بغيرها نقبوا عن مصادرها كل التنقيب حتى ظفروا بضالتهم، أعنى بذلك: الآثار والعاديات التي اكتشفوها في بلادنا بينما نحن في غفلة عنها وعن المنقبين وكل ما عثروا عليه منقوش على الحجارة أو الصخر أو الآجر أو الفخار أو ما ضاهي هذه المواد من مشوية في النار أو غير مشوية في النار أو غير مشوية أو مقطوعة من مقالعها ومدافنها أو غير ذلك.
واليوم يعرف الإفرنج تواريخ بلادنا وأممها وأجيالها ومواقع مدنها(1/52)
وأنهارها وسابق مجدها ما لا تعرف منه عناوين أبحاثهم فيها أو عناوين المضامين التي بحثوا عنها. هذا فضلاً عن إننا لا نجد في المصنفات العربية من حديثة وقديمة ما يتصدى لهذا الفرع من العلوم الضرورية للعمران والتبسط في الحضارة والمدنية.
ولهذا رأينا من الواجب علينا أن نتعرض لهذا البحث الغزير الفائدة ليقف عليه أهل الوطن، ويعرف ما كان عليه أصحاب هذه الديار في سابق الإعصار من الهمة والنشاط والتيقظ فيعظم في قلبهم حبها ويغارون عليها، ويسعون كل السعي إلى الاحتفاظ بها، وترقيتها إلى أوج الفلاح، كما فعل من سبقنا على هذه الأرض وعلى الله الاتكال.
وأول شيء نستهل به بحثنا هذا هو كلمة الكلدانيين واصلها أو معناها مع أيراد جميع أقوال العلماء المختلفة فيها من قديمة وحديثة، فتقول:. .
جاءت هذه الكلمة بصور شتى وكل يعتقد أنها اللغة الفصحى واللفظة الحقيقة القديمة التابعة لأتصل الوضع، وان ما سواها من اللفظ المرغوب عنه بيد انك إذا سالت: من المحق في كلامه؟ أجابك كل منهم من فوره: أنا المحق. فتعال يا أيها الأديب ننظر في الأمر لننشد
ضالتنا.
إن لفظة الكلدانيين وردت في التوراة البرية منذ العصر الذي طوى فيه الكلدانيون أيامهم أي منذ القرن العشرين قبل المسيح. وقد جاءت بصورتين متقاربتين وهما: كسديم وكشديم أي بالسين وبالشين وكذا(1/53)
أيضاً وردت في بعض الرقم البابلية اللغة أو الأصل أو النقل أو الرواية وقد ذهب العلماء مذاهب في معناها. فمنهم من قال إنها تعنى الفاتحين. وفريق أولها ببلاد الكس (بفتح الكاف) لان (كس). اسم الجبل نفسه، و (ده) البلد وصرح آخرون أن الرواية الفصحى هي كشيديم بالشين المثلثة (لاكسيديم) بالسين المهملة وكذا وردت في النسخ القديمة من نسخ التوراة ومعناها عندهم. (الفاتكون). لأنهم كانوا في أول أمرهم أهل غزو وغارات وفتك. فتكون الكلمة من أصل شائع في العربية والبابلية واللغات السامية معاً. فقد جاء في كتب اللغة عن معنى كشد: قطع بأسنانه كقطع الجزر، وكشد الناقة حلبها بثلاث أصابع، وهذا يدل على انهم كانوا أصحاب ابل وأنعام. وكشد فلان: اخلص الزبدة وهو يدل على انهم كانوا في سابق عهدهم أهل بادية يمخضون الألبان ويخلصون الزبدة.
ومن اللغويين من اثبت أنها مشاقة من الكشد (بضمتين) والياء والميم من علامات الجمع عند العبريين) ومعناها: الكثيروا الكسب والكادون على عيالهم، الواصلون أرحامهم، والواحد: كاشد وكشود وكشد (وهذه الأخيرة مفتوحة الأول والثاني) والكلدانيون كانوا مشهورين بكثرة كسبهم وحبهم لعيالهم.(1/54)
وذهبت جماعة من البحثين إلى أن أصل (كسيديم أو كسديم: حسيديم اوحسديم) أي بالحاء في الأول بدلاً من الكاف ومعناها في العبرية: المحبون عيالهم الواصلون أرحامهم. وكان الكلدانيون معروفين يوصل الأرحام. والأخبار التي تنقل عنهم في هذا الباب كثيرة مستفاضة في أسفار تاريخ هذا الجيل.
وقال بعض المحققين بان الأصل هو (كرديم) لاكسديم أو كشديم ومعناها الأكراد. لان الكلدانيين لما اخذوا بالانقراض لجاءوا إلى جبال أو بلاد كردستان فبقى اسمهم القديم عليهم وما الاسم المصحف فبقى في بطون المهارق والأوراق.
وقد وردت الكلمة في الكلمة في بعض نسخ التوراة العربية بصورة (خلدانيين وسبب ذلك هو أن للخاء والكاف صورة واحدة في اللغة الارمية فالذين قرؤوها خاء في العربية والذين
جروا على رسم اللغة الارمية أثبتوها كافا عند نقلهم إياها إلى لغتنا. على أن المشهور المستفاض هو كلدانيون بالكاف بعدها لام.
وأما العرب فقد تلاعبوا باللفظة كل التلاعب. وهم يفعلون ذلك في جميع الكلم الدخيلة في لسانهم ولا عجب في ذلك فان الأعاجم يتصرفون أيضاً كل التصرف بالألفاظ العربية ويسومونها الذل والخسف والتصحيف والتشويه فلا يحق لهم أن يعيروا العرب بم يركبون متنه. وقد أشار بن عربشاه إلى تصرف العرب هذا بقوله: أن كرة الألفاظ الأعجمية، إذا تداولها صولجان اللغة العربية، خرطها في الدوران على بناء أوزانها(1/55)
ودحرجها كيف شاء في ميدان لسانها،. . اهـ.
وعليه فقد ذكر كتاب العرب الكلدانيين بصور مختلفة وهانحن نورد بعض ما جاء من القبيل. قال في تاج العروس في مستدرك مادة ك ل د: الكلدانيون بالضم: طائفة من عبدة الكواكب. اهـ وقد وردت (ك ش د) الكشدانيون بالضم: طائفة من عبدة الكواكب. اهـ وقد وردت في كتاب الفهرست لابن النديم بصور مختلفة كرداني وكزداني وكسداني (ص194 و195 من التذبيل الذي ذيله فلوغل) وكأنها بضم الكاف وهو غريب لان الأصل هو بفتح الكاف إلا أن العرب لم تجار الأجانب في نقلهم هذا.
وجاء في مروج الذهب طبعة باريس 2: 112 و4: 681 أن الصابئين كانوا يعرفون أيضاً باسم كماريون وهو لفظ غريب أيضاً فقيل الأصح كتباريون وقيل كسكريون وفي مروج الذهب المطبوع على حاشية نفح الطيب (279: 1) الكيماريين وفي (2: 152) الكنياريون وهذه التصحيفات أيضاً تختلف باختلاف طبعات مروج الذهب الكثيرة وفي كل طبعة رواية جديدة غريبة وعندي ثلاث طبعات منه وفي كل طبعه ما يؤيد قولي هذا. ولو سردت الكل لطال المقال على غير جدوى.
وقد ذكرهم ابن خلدون باسم قنطارية قال. والقنطارية أصحاب قنطارين ارفكشاد. وقد جاءت مصحفة على اوجه شتى منها كنتاريون وكتباريون وقطباريون والأصح في ذلك كشدانيون فصحفت كشرانيون وكنترانيون وقترانيون. وأساس كل هذه التصحيفات والتحريفات(1/56)
والتشويهات الكتابة غير المنقوطة.
وأما الرواية الصحيحة فهي الكلدانيون نسبه إلى كلدة بفتح الكاف فسكون اللام أو كلدة
بفتحتين وهو اسم شيخ أو أمير من شيوخ العرب غزا ديار العراق في بطائح الفرات فتسمت البلاد باسمه ومن صلبه ولد الملك مرودخ بلدان ملك بابل وكان الشيخ كلدة في عهد إبراهيم الخليل وحارب الآشوريين ومنعهم من التسلط على العراق.
واسم كلدة كان في صدر الإسلام معروفاً عند العرب ومنه اسم الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج الثقفي طبيب العراب المشهور والكلدة بكسر الكاف وسكون اللام نبت مشهور بالعراق يسميه أهل البادية بهذا الاسم كما يسميه أهل بلاد العرب أيضاً وهو يشبه بعض الشبه الحلفاء أو غيرها من الانبتة وهو إذا تأصل في الأرض فشا فيه فشواً مريعاً ولا يقلع أو يزال إلا بجهد جهيد وأمل البلاد سميت بهذا الاسم من باب التشبيه لان العرب الكلديين أو الكلدانيين لما نزلوا هذه الديار لم يستأصلوا منها إلا بشق النفس.
ومن غريب الأمر أن العراق فخذا من الإعراب يرجعون إلى العبيد اسمهم الكلادنة أو الكلدانية وصيحتهم للحرب (أي استنفارهم) هي واحدة مع أعراب الغوالبة والكبيشات وقد رأيت هؤلاء البدو في 14 آذار سنة 1904 سألتهم عن سبب تسميتهم بهذا الاسم فلم يستطيعوا أن يفيدوني فائدة تذكر. فلعلهم سموا بهذا الاسم لأنهم احتلوا أراضي بابل فعرفوا باسم الأرض التي نزلوها لأول مرة وهي الأرض المعروفة باسم كلدية في هذه الأيام عند بعض سكان البادية. والله اعلم(1/57)
هذا جملة ما يقال في أصل هذا الاسم وتشويه المختلف ومعناه المشتبه والخلاصة هي: أن الكلدانيين قوم من العرب فتحوا العراق وبقوا فيه وتغلبوا على من عاداهم فنشأت منهم هذه الدولة الضخمة المشهورة. ومن غريب الأمر أن العرب لم يعرفوا أن هؤلاء كانوا منهم في سابق الزمن بل كما اتفق لهم الكلام عنهم ذكروهم باسم نبط العراق أو أنباط العراق ونسوا اسم الكلدانيين بتاتا. قال المسعودي في كتابه مروج الذهب في الباب العشرين: (ذكر ملوك بابل وهم النبط وغيرهم المعروفين بالكلدانيين): ذهب جماعة من أهل التنقير والبحث والعناية بأخبار ملوك العالم: أن أول ملوك بابل هم أول ملوك العالم الذين مهدوا الأرض بالعمارة. وان الفرس الأولى إنما أخذت الملك عن هؤلاء كما اخذ الروم المملكة من اليونانيين فكان أولهم نمرود الجبار. . . إلى آخر البحث.
ولم يذكر اسم الكلدانيين إلا شيئا نزراً، على أن الذي أثبته العلماء اليوم أن الكلدانيين غير
الأنباط. لا يجوز خلط اسم قوم باسم قوم آخر وقد جرى سائر مؤرخي العرب على هذه التسمية المغلوطة أن كانوا ممن تقدم المسعودي أو ممن جاء بعده.
هذا فضلاً عن أن لفظة النبط أو الأنباط جاءت عند كتاب العرب بمعان عديدة. منها: بمعنى الأنباط الحقيقيين. ومنها معنى الآراميين ومنها بمعنى السريانيين. ومنها بمعنى الكلدانيين. واغلب هذا الوهم ناشئ من اللغة الشائعة بين هؤلاء الأقوام فإنها كانت الارمية. ولهذا(1/58)
وقع الكتاب في مهواة هذه المغواة. والله الهادي إلى سبيل الهداية والسداد.
كتاب الفرق بين الصالح وغير الصالح
تأليف أبي حامد محمد بن محمد بن محمد بن احمد الغزالي.
تاريخ كتابته 648 هـ (- 1250 - 1251 م) بيد ناسخه علي ابن أبي العشائر بن الغزالي. طوله 23 سنتيمترا عرضا.
عدد أوراقه 71 وفي كل صفحة 15 سطراً بخطٍ نسخي حسن.
هذا الكتاب من كتب اسكندر أفندي داود مسيح في بغداد. تنقصه ورقة واحدة من الرأس والظهر مصحف بالمقوى بكعب سختيان أخضر فاتح اللون. وخطه وان كان حسنا إلا انه لكونه غير منقوط في بعض الألفاظ تصعب قراءته لقدم النسخة. وفي بعض الأوجه بقع تدل على انه قد بل بالماء في بعض المواطن.
وكثيرا ما حيل الغزالي في كتابه (نصيحة الملوك) وربما قيل (التبر المسبوك. في نصائح الملوك) على هذا الكتاب. وكتابه (نصيحة الملوك) فارسي وهذا الكتاب قد أقامه على سبعة أبواب وهي:
الباب الأول: في سياسة السلطنة وسيرة السلطان.
الباب الثاني: في سياسة الوزارة وسيرة الوزراء.
الباب الثالث: في ذكر الكتاب وآدابهم وسيرة الوزراء.
الباب الرابع: في سمو همم الملوك.
الباب الخامس: في ذكر حكمة الحكماء وهو باب جليل.(1/59)
الباب السادس: في شرف العقل.
الباب السابع: في نعت النساء وذكر ما فيهن من خير وشر.
وليس في ديار الشرق نسخة ثانية لهذا السفر الفذ وقد تصفحت ما قد وصلت إليه يدي من فهارس كتب خزائن الشرق والغريب فلم اظفر بضالتي وهو غير مذكور بين مصنفات الإمام والذين ذكروه نفر قليل. قال السيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى في مقدمة شرح أحياء العلوم في الفصل التاسع عشر في ذكر مصنفات أبي حامد الغزالي (ورتب ذكرها على حروف المعجم). قال في حرف الفاء: والفرق بين الصالح وغير الصالح ذكره في كتابه نصيحة الملوك. اهـ.
فيعلم من هذه العبارة أن السيد محمد مرتضى لم يعثر على نسخة كتاب الفرق هذا. وإنما تعرض لذكره وعلم به من استقراء كلام الغزالي نفسه في كتابه نصيحة الملوك.
وأما الحاج خليفة فلم يذكر إلا اسمه ولم يصفه لأنه لم يقف عليه في عهده. وقد بذلت جهدي في الفحص عنه في خزائن الكتب الشرقية حتى استكتب الورق المنخرم من أول هذه النسخة فلم أفز بطائل.
ثم علم انه يظهر من مطاوي كلامٍ له في الباب الثاني في الوزارة أن أيام تصنيفه كانت في عهد السلجوقية. وأما ناسخ هذه النسخة فهو على ابن أبي العشائر بن الغزالي. وأظنه علي بن احمد الغزالي الذي(1/60)
ذكره السيد محمد مرتضى في شرحه على الأحيياء. قال: العلامة علي بن احمد الغزالي مؤلف كتاب ميزان الاستقامة لأهل القرب والكرامة: توفي سنة 731 هـ (- 1330م) وقال الملا كاتب جلبي في كشف الظنون: (ميزان الاستقامة لأهل القرب والكرامة لعلي بن الغزالي المتوفي سنة 731هـ وهو غير الغزالي المشهور اهـ.
وفي هذا السفر الجليل شئ كثير من الأمور التاريخية غير معروفة وغير مذكورة في الكتب كبعض أمور رواها عن البرامكة ونحوهم ممن كان في عهد المؤلف أو قبله بقليل وفيه أيضاً أخبار تدل على حكمة وأصالة رأي تفيد القارئ وسوف نأتي على نتف منها أن سنحت الفرصة ونحن نروي هنا حكاية تتعلق بانوشروان لتكون أنموذجا مما يحوي الكتاب.
حكاية انوشروان والصبية الحكيمة
يقال: أن انوشروان الملك العادل مضى يوما إلى الصيد، فرأى ضيعة في القرب منه، وكان قد عطش. فقصد الضيعة وآتي باب دار قوم، وطلب ماء ليشرب، فخرجت صبية فأبصرته. ثم عادت إلى البيت، فدقت قصبة واحدة من قصب السكر، ومزجت ما عصرته بشيءٍ من الماء، ووضعته بالقدح وسلمته إلى انوشروان. فنظر في القدح فرأى فيه تراباً وقذى. فشرب منه قليلاً حتى انتهى إلى آخره. وقال للصبية:
نعم الماء لولا قذىً كدره.(1/61)
فقالت: أنا عمدا ألقيت به القذي.
فقال: ولم فعلت ذلك؟
قالت: رايتك شديد العطش، فلو لم يكن في الماء قذي كنت شربته عجلاً في نوبةٍ واحدة، وكان يضرك شربه
فعجب انوشروان من كلامها. وعلم إنها قالته عن ذكاءٍ وفطنةٍ.
ثم قال لها:
من كم قصبةٍ دققت ذلك الماء؟
فقالت: من قصبة واحدة.
فتعجب انوشروان واضمر في نفسه انه إذا عاد أمر يزاد عليهم في الخراج. ثم عاد إلى تلك الناحية بعد وقتٍ، واجتاز على ذلك الباب منفرداً، وطلب ماء. فخرجت تلك الصبية بعينها فرأته، فعرفته، ثم عادت لتخرج الماء، فأبطأت عليه، فاستعجلها انو شروان. وقال:
لأي سبب أبطأت:
قالت لأنه لم يخرج من قصبة واحدة حاجتك، وقد دققت ثلاث قصباتٍ. ولم يخرج منها بقدر ما كان يخرج من واحدة.
فقال انوشروان: ما سبب هذا العجز؟
فقالت الصبية: سببه تغير نية السلطان. فقد سمعنا: انه إذا تغيرت نية السلطان على قوم زالت بركاتهم. وقلت خيراتهم.
فضحك انوشروان وعجب من قولها وأزال من نفسه ما كان قد اضمر لهم. وتزوج الصبية لتعجبه من ذكائها وحسن كلامها.(1/62)
الرجل الفاسق والمرأة العفيفة
فقال: انه كان رجل فاسق يكايد امرأةً عفيفةً بالحرام. فلما حصل عندها. قال لها: امضي واغلقي جميع أبواب الدار واحكمي إغلاقها.
فمضت المرأة. ثم عادت وقالت: قد أغلقت سائر الأبواب التي بيننا وبين الخلق وقد أحكمتها. وقد بقى الباب الذي بيننا وبين الخالق تعالى، ما قدرت عليه ولا استطعت أن احكم إغلاقه وهو بحاله مفتوح.
فوقع في نفس الرجل الهيبة. فاخلص لله التوبة واقلع عن ذنبه وعاد إلى طاعته تعالى. اهـ
وبهذا القدر كفاية لمن يريدان يعرف ما في هذا الكتاب من الكنوز الأدبية والحكمية وكفى بالكتاب أن يكون منسوباً إلى مثل الغزالي لتعرف مكانته من البلاغة والفصاحة وحسن سبك العبارة مع اختيار احسن الحكايات واصح الأخبار.
السيد صدر الدين
الكاظمية: أبو محمد الحسن العاملي
أخلاق أهل نجد
(تتمة)
(5:) أخلاقهم هي أخلاق العرب الأقدمين العزيزي النفس المتوقدي الذهن الأذكياء الشهام الأباة أخلاق لم تغيرها الحوادث والأزمان فهم اليوم أهل كرم وشجاعة ووفاء وسماحة وحمى ودخالة وسيرتهم توافق قوانينهم وتنطبق عليها أتم الانطباق ولا تحيد عن الكتاب والسنة فهم يجلونهما اعظم الإجلال ولا يعتبرون إلا إياهما.(1/63)
نعم يوجد بين القبائل من يجري على قوانين وسنن وشرائع راجعة إليهم وخاصة بهم يقومون لها ويقعدون لكن إذا جاءوا المدن رجعوا إلى الشرع الشريف في أمورهم وشؤونهم الاجتماعية. هذا فضلاً عن أن لهذه السنن من المزايا والمحاسن ما تفيد كل الإفادة تلك الأقوام في هاتيك الربوع ولولا ضيق المقام لأتينا على ذكر بعض منها إظهاراً لمنافعها ولما أودعتها من الحكمة البعيدة المرمى والمبنى والمعنى
(6 جارتهم) (التجارة التي يتعاطاها أهل تلك الأرجاء هي الخيل والإبل وكلاهما من احسن ما وجد من جنسيهما في الدنيا كلها جمعاء. ولعلنا نعقد يوما فصلاً نذكر فيه ما يجب الوقوف عليه في البحث والتمر وأنواعه كثيرة وأسماؤه هي تلك الأسماء القديمة لا تتغير وهذا يفيدنا في تصحيح بعض الألفاظ الواردة في هذا المعنى والسمن (واسمه عندهم الدهن كما يسميه العراقيون) والصوف والوبر. ويذهبون بكل صنف من هذه الأصناف إلى حيث يكون رواجه. فيذهب بالخيل مثلا إلى بلاد الهند. واغلب أصائل هذه الأنحاء من نجد. وينقلون الإبل إلى مصر والشام. ويحملون التمر إلى الحجاز. ويبيعون الدهن أو السن في البصرة والكويت والحجاز حسب الوقت الذي يوافق نقله أو يصادف تصريفه وإنفاقه في موطن دون الموطن الآخر الذي رخص فيه. وهذا هو سر أسفارهم المترامية وتغريهم عن أقطارهم العزيزة ولهم في ذلك من الصبر والجلادة مالا تراه في أقوام آخرين سواهم. فانك ترى الواحد منهم يقيم نائباً عن مسقط رأسه ثلاثين حولاً مثلاً ولا(1/64)
يتأفف من حالته البتة وهم أهل سعى وكد وجد ولا تعيقهم الأخطار الشديدة ولا الأهوال الهائلة عن الوصول إلى ما به منفعتهم. أفبعد هذا تتعجب من كون كثيرين منهم وصلوا إلى لندن وأميركة والديار النائية فلقد يقضي واحدهم الأيام الطوال والاعوام الكثار بدون أن يلتفت إلى وطنه).
(7: زراعتهم) (اغلب زراعتهم متوقفة على الحنطة والشعير والذرة (الاذرة أو الادرة)
والسمسم والدخن ويزرعون كل هذه الحبوب بقدر حاجتهم. وإذا حبست السماء ماءها اضطروا إلى جلب ما يحتاجون إليه من البلاد الأخرى كالكويت والبصرة والسماوة وغيرها ولقد كانت الزراعة تتقدم عندهم تقدما عظيما لولا أمرين أحدهما: جور الحكام. والثاني قلة المياه. ولقد حاولوا مرارا استنباط المياه بالآلات المختلفة أو حفر الآبار الارتوازية فلم يتيسر لهم ذلك. لصعوبة الطرق ووعورتها بحيث لا تستطيع العجلات السير فيها. وأما إذا قلت: فهناك جمال تضطلع بحملها. قلنا: تضطلع بحمل بعضها لا بكلها لأنه يوجد آلات ثقيلة غاية الثقل لا يحملها البعير الواحد بل ولا البعيران أو الثلاثة. ومن ثم أصبح نقلها من البعيد التحقيق. ولولا ذلك لأصبحوا في غنى عن الديار الأخرى في كل أين وان. بل لزادت حاصلاتهم على نفقتهم ولربحوا من التجارة بما فضل عندهم أموالاً طائلة تأتيهم من البلاد التي ينفقون اليوم فيها أموالهم للحصول على ما يحتاجون إليه.(1/65)
(8: الصناعة عندهم) (ليس لهم من الصنائع إلا ما لغيرهم من مجاوريهم من أهل الكويت والبصرة كالنجارة والحدادة والسكافة والخياطة وما ضاهي هذه المهن. ومهارتهم في الأسلحة غريبة فانهم وان كانوا إخلاء من جميع الوسائل الميسرة لهذه الغاية فانك تراهم يصلحون ما يقع من أنواع الخلل ببنادق ما وزر ومارتيني. واغرب من هذا انهم يفرغون المدافع إفراغاً محكماً ويحسنون التصرف بالمدافع الجديدة الطرز حتى انك تخالهم انهم تلقوا علم المدافع عن أصحابه المهرة وإذا وقع في هذه الآلات خلل أصلحوه على أقوم وجه. ومع كل هذه البراعة والتفنن لا تشاهد في أيديهم أدوات تامة العدة كما ترى في البلاد الراقية في المدنية. وعندي انه لو وجد بأيديهم آلات تساعدهم على تحقيق أمنيتهم لبرزوا في الصناعيات على من سواهم ولاتوا بكل عجاب. وأوقفك الآن على اغرب من هذا كله: انهم يتحرون المباحث العلمية الدقيقة ويتتبعون الاكتشافات الحديثة كالكهرباء والسلك الجوي وبعض الآلات البرقية وما ضاهي هذه الموضوعات الجديدة واعهداً واحد في القصيم يضيء محله بالنور الكهربائي الذي هو صنع يديه وقد ركب الأجزاء التي يتولد منه بأعمال فكرته. وإذا كانوا لا يحققون دائما ما يعقدون النية علبه فهو لأنهم في شغل شاغل عنه بما يقومون به من أمر العيشة وتطلبها في الأقطار النائية.)
(9: ديانتهم) (بقى علينا أيراد أمر الديانة والاعتقاد عندهم. فقد أسلفت وقلت. انهم يعتمدون
على الكتاب (القرآن) والسنة(1/66)
(وهي الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ولدى بحث جليل في هذه الموضوع وهو لا يخلو من فائدة لمن يريد تتبع الحقائق على وجهها الصادق الصحيح واستقراء ثوابت الأمور. ولعلى أعود إلى هذا المجال في فرصة أخرى.)
(10: هواء البلاد) لا تكاد تلفظ كله نجد إلا وتتصور هذه البلاد تحت عينيك ويهب عليك نسيمها ويتلاعب أمامك هواؤه الطيب الجاف. لان معنى (نجد) ما اشرف من الأرض وارتفع واستوى وصلب وغلظ. . . ولا يكون النجد إلا قفاً أو صلابة من الأرض من ارتفاع مثل الجبل معترضا بين يديك يرد طرفك عما وراءه. . .) - (عن التاج) -، والهواء في منتهى الحرارة وقد تبلغ في الظل في بعض المواطن 52 درجة بالميزان المئوي. وعند الصباح يهب نسيم طيب لذيذ في الصيف وإذا تكبدت الشمس السماء انقطع الهواء في شهر تموز وأب وأيلول حتى يكاد الإنسان يموت اختناقا إلا انه لجفافه لا يؤثر كثيرا على الصحة. ويضطر من يسكن تلك الديار اتخاذ المآكل الخفيفة الهضم والانقطاع عن المسكرات والامتناع عن الأطعمة المطبوخة باللحوم الثقيلة.
(11: تأثير الهواء على السكان) اعلم أن اغلب الأمراض تتولد هناك من الكبد لشدة الحر. ومن مؤثرات الحر على أهل البلاد أن اغلبهم ضعاف نحاف سمر الألوان طوال القامة إلا انهم أقوياء يحتملون الجوع والعطش والحر إلى درجة لا تكاد تراها في سواهما. وهم عصبيو(1/67)
البنية ذو عزم شديد ومضاء بعيد إذا قصدوا شيئاً لا يرجعون عنه ولو كلفهم كرب الموت وإراقة الدماء وهم من بين جميع العرب سريعو تلقن العلوم والمعارف بل هم يتلقفونها تلقفا لسرعة تناولهم إياها وكذا قل عن الصنائع والفنون على أعلى اختلاف أنواعها وضروبها.
(12: عدد السكان) ليس في بلد من بلدٍ العرب من يحصى عدد الأنفس. هذا فضلاً عن أن هذا العمل عندهم مشؤوم. إلا أن العارفين يقدرون أهل نجد بما ينيف على مليون نسمة.
(13: نظرة وادع لبلاد نجد) يتضح لك مما أسلفنا ذكره أن بلاد نجد من احسن بلاد جزيرة العرب ترابا وهواءً. ولهذا قال ياقوت في معجمه: (لم يذكر الشعراء موضعا اكثر مما ذكروا نجدا وتشوقوا إليها من الأعراب المتحضرة) من ذلك قول أعرابي:
حنينا إلى أرض كان ترابها ... إذا أمطرت عود ومسك وعنبر
بلاد كان الأقحوان بروضه ... ونور الأقاحي وشي برد محبر
احن إلى أرض الحجاز وحاجتي ... خيام بنجد دونها اطرف يقصر
وما نظري من نحو نجد بنافع ... اجل لا ولكني إلى ذاك انظر
أفي كل يوم نظرة ثم عبرة ... لعينيك مجرى ماؤها يتخدر
متى يستريح القلب أما مجاوز ... بحربٍ وأما نازح يتذكر
وقال أعرابي آخر:
فيا حبذا نجد وطيب ترابه ... إذا هضبته بالعشي هواضبه
وريح صبا نجدٍ إذا ما تنسمت ... ضحىً أو سرت جنح الظلام جنائبه(1/68)
بأجرعٍ ممراعٍ كان رياحه ... سحاب من الكافور والمسك شائبه
واشهد لا أنساه ما عشت ساعة ... وما إنجاب ليل عن نهار يعاقبه
ولا زال هذا القلب مسكن لوعة ... بذكراه حتى يترك الماء شاربه
بغداد: سليمان الدخيل صاحب جريدة الرياض ومنشئها
نظرة عامة في لغة بغداد العامية
على من ليس من الزوراء أن يعلم: أن أهل دار السلام ينقسمون إلى ثلاثة أقسام كبيرة تابعة لأديانهم وهي: المسلمون واليهود والنصارى ولكل منهم لغة أو لهجة خاصة بهم دون غيرهم. حتى انك إذا سمعت كلام واحد منهم حكمت للحال على الدين الذي ينتحله المتكلم أو ينتسب إليه. وذلك لان لهجة المسلم غير لهجة النصراني، وكلام هذا يمتاز عن نطق اليهودي كل الامتياز، عربية اليهودي لا تشبه لسان المسلم والنصراني بشيء أبداً من جهة النبرة والنغمة: وهذا الأمر لا تشاهده على مثل هذه الصورة العجيبة إلا في بغداد وبعض مدن العراق.
نعم كان يمكنك قبل عشرين سنة أن تميز المسلم من النصراني في اليهودي بمجرد النظر إلى ثيابه وبزته. وأما اليوم فقد اختلط عليك الحابل بالنابل، إذ أن اغلب شبان بغداد يلبسون زياً واحداً لا يكاد يميز صاحبه عن وطنيه المنتسب إلى الدين الآخر إلا بأمرٍ واحد وهو أمر اللغة التي يتكلم بها.(1/69)
أما احسن اللهجات البغدادية فهي لهجة المسلم لأنها فصيحة الكلمات مربوطة المعاني محكمة لفظ الأحرف كل الأحكام. ودونها لغة النصراني ومن بعدها لغة اليهودي. المسلم لا يتنازل أبداً إلى أن يتشبه بالنصراني أو اليهودي من قبيل اللفظ إلا ليهزا منهما. وإذا حاول التشبه بهما لغير السخرية خانه لسانه وظهر خداعه بعد ألفاظٍ قلائل. وقد يقلد النصراني المسلم بسهولة عظيمة غير انه يصعب عليه كل الصعوبة مجاراة اليهودي في نطقه لما في لهجته من النبرة اليهودية التي يرتضخها والتي لا يستطيع أن يأتيها إلا من ولد بين اليهود أو نشا فيهم منذ نعومة أظفاره وأما اليهودي فيصعب عليه كل الصعوبة محاكاة المسلم أو النصراني من جهة التلفظ.
هذا وأنت تعلم أن أصحاب الأديان الثلاثة كانوا في بغداد قبل زهاء عشر سنوات في محلات خاصة بهم لا يخرجون عنها. بل وكان اليهود في عزلة تامة عن غيرهم لا تعلق لهم بمن ليس منهم. اللهم إلا في الأسواق ومعاطاة الأمور التجارية. وما عدا ذلك فكانوا ملازمين بيوتهم لا يترددون إلى دور غيرهم بل ولا يطأون عتباتها لأي غاية كانت. أما اليوم فان اختلاط قوم يقوم أصبح من الأمور التي لا غنى عنها مراعاة لمقتضيات الأحوال وتغير المنشأ أو اقل: لتغيير الأديم الأدبي والاجتماعي.(1/70)
فإذا علمت ذلك زد على ما تقدم: أن لأصحاب كل دين مخالطة لا تجدها أو لا تكاد تجدها إلا قليلاً في أصحاب الدين الآخر. فان المسلم يعاشر مثلاً: التركي والكردي والهندي والفارسي اكثر من معاشرة النصراني واليهودي لهم. والنصراني يؤالف الإفرنجي والآرامي الأصل اكثر من سواه لهما. واليهودي يمازج أهل المال مهما كان وأينما وجده وعلى أي دين كان والي أي قوم ينتسب. ولهذا ترى هذه المخالطة تأثيرا عظيما في ألفاظ اللغة ومفرداتها ومركباتها.
ومن ثم إذا آنت أنعمت النظر في لغتنا البغدادية وجدت فيها بقايا أو آثار من جميع اللغات أي انك تسمع بين ألفاظها مفرداتٍ تركية وفارسية وكردية وهندية وإنكليزية وفرنسية ورومية وإيطالية وألمانية وأرامية وعبرية. ولعلك تجد أيضاً فيها من غير هذه اللغات إلا انك إذا استقريت هذه الألفاظ ألفيتها تكثر بالنسبة إلى المتكلم بها ممن يخالط قوماً دون قومٍ. فان الحروف التركية مثلا تتوفر في لغة العسكري والمتوظف في الحكومة ولو كان عربي المنشأ والنجار. وذلك لكثرة ما يسمع هناك من اللغة الرسمية وهي التركية والهندية والفارسية تتدفق على السنة التجار ومن اخذ أخذهم. والإنكليزية تكثر على السنة المتوظفين في البواخر لان أول من ادخل السفن التجارية في العراق كان الإنكليز. والفرنسية تسمعها من طلبه المدارس وأصحاب المحلات التجارية ولو لم يكونوا فرنسويين أي انك تسمع هذه اللغة من الألمان والنمسيين والإيطاليين وغيرهم لان لغتهم التي(1/71)
يتعاطون بها في تجارتهم هي الفرنساوية. والآرامية تكون في لغة النصارى لاسيما في لغة أولئك الذين يأتوننا من شمالي الموصل أي من تلكيف والقوش وما جاورهما. وقس على هذا القياس ألفاظ سائر اللغات.
وكل من طرق باب هذا البحث من الأدباء المتأخرين أشار إلى هذا التداخل تداخل اللغات الغريبة في لغتنا العربية البغدادية. إلا أن بعضهم قصروا كلامهم على لغة وغضوا الطرف عن اللغة الأخرى التي لها أيضاً تأثير على لغتنا. أي انهم قالوا مثلاً: أن لغة عوام بغداد اقرب إلى التركية منها إلى العربية. وسكتوا عن دخول سائر اللغات فيها. ومنهم من قالوا مثل هذا القول إلا انهم جعلوا الفارسية أو الإفرنجية أو الكردية إلى غيرها بدلا من التركية. على أن الحق هو أن ألفاظ بعض هذه اللغات تكثر على السنة قوم دون قوم على
ما ألمعنا إليه بعيد هذا بموجب طبقات الناس وتفاوتهم في مخالطتهم للأعاجم.
فإلى فشو الألفاظ الفارسية في لغتنا أشار واحدهم بقوله: (شعر) أن العناكير ساهت بعدما سبزت. بعدما كانت طراشيش ومعناه حرفاً بحرف هو: (أن) أداة التوكيد. - (العناكير) بكاف فارسية جمع عنكور تصحيف لتكور وهو العنب بالفارسية. وقد جمعت جمعا عربياً حملاً لوزنها على الأوزان العربية. - (ساهت): اسودت وهي مشتقة من سياه الفارسية. والتاء للتأنيث. - (بعدما) عربية بمعناها المألوف. - (سبزت): أخضرت من سبز بالفارسية. -(1/72)
(واستشرنت) حلت (من الحلاوة) وهي مشتقة من شرين الفارسية وهو الحلو. (بعدما كانت) عربية مفهومة المعنى. (طراشيش) جمع طرش أي ترش معناها الحامض بالفارسية وقد جمعت جمعاً عربياً على هذه الصورة لمزواجة الوزن أو لأقامته. ومحصل معنى البيت: (إن العنب اسود بعد اخضراره واحلولي بعد أن كان حامضاً) وتكاد تجد جميع هذه الألفاظ في كلام أهل بغداد من العوام. فمن ذلك بيت (انكورلي) لصاحب بيت شهير وكان في السابق من باعة العنب أي عناباً ويقولون: (سياه بخت) أي اسود الحظ لمن كان سيئ الطالع. ويسمون الخضروات: سبزوات أو زوزوات. والشيرة عندهم: السكر العقود أو المطبوخ وهو الرب بضم الراء بالعربية. والطرشي عندهم الأثمار المخللة.
رزوق عيسى
ينبوع الشفاء
(تتمة)
فلبي العبد سيده وودع مبارك أهله وولده وسافر مع مالك إلى ديار مصر وما سارا زمانا إلا وأضلهما الطريق ملاك الله فأخذا يضربان في البوادي ولا بادي يبدو لهما. كما انهما لم يقعا أبداً على طريق لاحب يؤدي بهما إلى منزلة ترام. فاخذ العطش يفعل في جوفيهما فعل النار في الهشيم. وكانا في الليل ينشران رداءيهما في الهواء وعند الصباح ينهضان باكراً ليرطبا شفتيهما بوضعهما إياهما عليهما. وما كانا يفوزان بشيء يل كانا كالقابض إلى الماء لأنه ما كان يقع سدى ولا ندى في تلك الفلوات المحرقة أو اقل في تلك الحرار الجهنمية.(1/73)
فلما تأجج صدرهما عطشاً وأخذا يتلعلعان على نحر واحد من الإبل في وسط تلك الرمال المتوهجة المتقدة وشرب الماء الذي يجدانه في معدته. ولما فعلا ما نويا خاب مسعاهما إذ لم يجدا فيها قطرة ماء.
فقال حينئذٍ مبارك لعبده: وأسواتاه! هل أني أخذتك إلى هنا لأميتك. فلقد أحببت نفسي فوق ما يتصوره كل عاقل. ولقد غررت بنفسك على غير جدوى. وزد على ذلك أني اقر باني قترت على عيالي تقتيراً ذميما استنزل على كل البلايا وصبها على صباً. فهل من بعد هذا كله أتلف روحك وأكون أنا دائماً ذلك الظلوم الغشوم بعينه وأنت لا تتشكى ولا تتظلم ولا تتضجر بل تتبعني بكل وداعة اتباع الفرار لامه. بل ولا تلومني على شيء حينما لا أقابل إحسانك بحسنة من الحسنات.
فقال له مالك: مالك يا سيدي ولم هذه الوساوس. وكيف لا اتبعك يا مولاي إلى القبر. ألم أكل من خبزك وملحك واشرب من ماءك ولبنك. ألم أتتنعم بالطيبات أيام السعد فلم لا أذوق الخبيثات يوم النحس؟ وكل أملي أن أرى سيدي يفوز بالنجاة من هذه المفازة الغائلة وان يستعيدني ربي إليه ويضم ما بقي من أيام حياتي إلى أيامك لتعود إلى عيالك قرير العين على الطائر الميمون. وأني اطلب هذا إلى ربي لأني بدون أهل وولد. وأما أنت وسندي فان ذويك ينتظرونك على أحر من جمر الغضا.
وما نطق مالك بهذا الكلام إلا وخر مغشياً عليه. فلما رآه شيده اخذ يتلوى من الألم ويتحوى ثم ركع ساجداً واخذ يبتهل إلى الله ويقول: اللهم أطلق روحي من سجنها وأمتني في هذه البادية لأني لم اكن أهلاً(1/74)
لا تلقى منذ تلك النعم والآلاء وها أنا ثقل أوزاري يرهقني فلا حق
لي أن أعيش بعد هذا فدونك نفسي، دونك نفسي!
وملا أتم كلامه خارت قواه واخذ ينتحب انتحابا.
ومضى على هذه الحالة هنيهة من الزمان ثم تألقت غرته وبرقت أساريره وزالت غضون جبينه فابتسم عن ثغر كالأقحوان واخذ يتسع ويتنصت. وبينما كان قد الصق أذنه. . . وما زال يصغي له حتى تخيل له انه يسمع دوياً، وهل الدوي من اثر الجوع أم من اضطراب في دماغه لآفة أصيب بها؟. . . وبعد التدقيق والتثبت تحقق أن لا وهم هناك وان تحت الأرض خرير ماء يتدفق من عين تزارة فهرول متتبعاً ذلك الهدير وإذا به أمام عين تنفجر زلالاً نميراً بل كوثراً وسلسبيلا فقام ورفع يديه وأهل بذكر الله. وقبل أن يبل صداه فكر بوصيفه مالك الذي بقي صريعاً على الأرض فملاء قدحاً من هذا الماء الزلال واخذ يسقيه منه جرعة بعد جرعة بعد أن بلل صدغيه وشفتيه حتى أفاق. ثم قال له: (لست يا مالك من الآن وصاعدا عبدا لي بل رفيقا. فان عودتك إلى الحياة هي بمنزلة تحرير لك فتعال واشكر الله معي على انه أنقذنا من هذا الموت الزؤام.
فذهب كلاهما إلى حافة العين وكرعا منها أنفاساً ثم أوردا ابلهما فشربت حتى رويت. وحينئذٍ فتحا مزاودهما واكلا هنيئاً مرئياً وحمدا الله على هذه المنة التي لم يتوقعاها. ثم قال الملك لمبارك. بقي علينا الآن أن نبحث عن طريق التي تؤدي بنا إلى منف.(1/75)
قال مبارك: لا حاجة لي الآن أن اذهب إلى تلك المدينة بل فلنرجع إلى دمشق الفيحاء قال هذا: وحملا أثقالهما ورجعا إلى الوطن العزيز ولما دخلا داره طيب خاطر أمرائه وأولاده ببشاشة وجهه وتلألوء جبينه.
فأهلت امرأته وقالت: بارك الله في ذلك الرجل الذي شفاك من حزنك وغمك وهمك!
فقال لها مبارك: (يا زهراء) أن الذي يشفاني هو الله نفسه لا ابن آدم. فإني لما تبطنت الصحراء وليس هناك ما يتعلق به قلبي جردني الله من حب الدنيا فاثبت في التواضع ثم باحتمال تلك الداهية الدهماء علمني الرأفة بالقريب ومحبته. وعليه فلا أريد أبداً أن أعيش كما عشت سابقاً أي أن لا اهتم إلا بنفسي بل عقدت النية على محبة الغير والاهتمام بأمرهم مصلحا ما كنت قد أفسدته وراتقاً ما كنت قد فتقته.)
والحق يقال: أن مباركاً منذ دخوله قصره المشيد اخذ بمساعدة الفقراء وإعالتهم وتسلية
الحزانى وتطييب خاطرهم. ومنذ ذاك الحين تولد في قلبه سرور لا يشبه سرور وأيقن أن الفضيلة وحدها هي رسول السعادة والفرح وهناء العيش ورغده. ولم تنحصر السعادة ببيته فقط بل امتدت إلى حواليه ومنها إلى ما وراء مسقط رأسه حتى بدا الناس يقولون: أن مباركاً ليس مباركاً في ثروته فقط كما في السابق بل هو مبارك في فضله وفضيلته وفواضله.)
وفي السنة الثانية ظعن مع عياله إلى تلك الفلاة الشهيرة التي(1/76)
وجد فيها الهدى والرعوي. وبنى بجانب العين منزلا للمسافرين ودعا تلك العين (ينبوع الشفاء.)
تمت
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
(الإسرائيليون في بغداد) للإسرائيليين في بغداد عدة مدارس ومن جملتها مدرسة ثانوية أخرجت عدة طلبة نجباء وهي (مدرسة التعاهد الإسرائيلي) (اليانس) وتدرس العلوم فيها باللغة الفرنسوية وهي أيضاً لغتها الرسمية. وقد وقع اليوم خلاف بين الإسرائيليين في إبقاء هذه اللغة بمنزلة لغة أصلية أو جعلها فرعية. فان الجمعية الصهيونية تريد نزعها وإبدالها باللغة العبرية. وجمعية التعاهد الإسرائيلي تقاوم هذا التغبير اشد المقاومة. وأخذت تجمع الإعانات لإبقاء الأمور على حالتها. وأخذت الجمعية الصهيونية تقاومها بان شرعت هي أيضاً تجمع المال لتغيير هذا الأمر. وقد قامت شركة أو جمعية ثالثة في ألمانية لتكون بمنزلة الحكم بين الضرتين وتجعل اللغة الألمانية واجبة التدريس في المدرسة المذكورة وتكون لغتها الرسمية ثم تعلم سائر اللغات بمنزلة السنة فرعية.
وقد نمى إلى الزهور أن في نية جناب مناحيم أفندي إنشاء مكتب ساحته 1500 ذراع مربع وتكون نفقة تعميره من ماله الخاص ويجري على المكتب مائة ليرة مسانهة ويودع إدارته إلى جمعية التعاهد الإسرائيلي فعسى تزداد المدارس ويترقى العلم ويتنافس كل قوم بإعلاء شانه ومجده.
(الأمير ابن سعود وأعراب العجمان) ما زال الأمير يطارد(1/77)
العجمان حتى اضطروا إلى دخول متصرفية الاحساء فتأثرهم الأمير وخيم قريباً منهم. فاحتج عليه المتصرف والزمه بالرحيل وبان لا يتعرض لعشيرة العجمان فأجابه: أن طلبي للعشيرة هو لأمر تعود فائدته على العموم لان هؤلاء الأعراب هجموا على الرجل الذي اسمه (ذو النون) واخذوا أباعره، ولما كان الرجل من رعيتي فأنا اطلب إرجاع ما سلب. والأمر بقي على هذا الوجه ويؤمل أن المتصرف يعيد أباعر الرجل المنهوب.
(عشيرة الضفير) عادت هذه العشيرة تمتار (تكتال) من قصبة الزبير بعد طعن عشيرة بني مالك إلى مربع العيث والفساد أي الغراف (عن الزهور)
(المنتفق) لما سارت الباخرتان بالميرة والمؤونة إلى المائعة لإنجاد سعدون باشا وإذلال العشائر المعادية له تحقق هؤلاء الأعراب أن الحكومة تذب عن حياضه انتصاراً له. فتجمهرت حينئذٍ جميع العشائر وهي: البدور، وال غزي، والجوارين، والعساكرة، والحسينات، وال ازيرق، وسائر أعراب الشامية وغيرهم وأحاطوا بالناصرية إحاطة
السوار بالمعصم وأمطروا على السعدون ومن معه رصاصا حاميا داويا وما زالوا على هذا الفتك حتى وصلوا إلى ديار الصابئة (الصبة) فاحرقوا البيوت ونهبوا الأموال. ولما بلغوا إلى خان (أبو ليرة) داخل مركز الناصرية اتخذوه حصناً لهم. فلما رأى الأهالي هذا المشهد أيقنوا بالهلاك ولهذا أوفدوا إلى المحاصرين جمعاً من أكابرهم يسألون عما(1/78)
يريدون من عملهم هذا. فأجابوهم انهم يريدون إكراه سعدون على الخروج من الناصرية وإلا فهم مصرون على نهب الناصرية وإتلافها وقتل من فيها على أخرهم.
والظاهر انهم لا يرجعون عن عزمهم لأنهم أقاموا جماعة منهم على محل من نهر الفرات يقال له (أبو جداحة) هو مشرف (مسلط) عل الناصرية حتى انه إذا كسر مقدار شبر من سدته غرقت الناصرية بأسرها. وكان قصدهم إغراقها بعد نهبها وقتل أهلها وإحراقها.
وحينئذ أعطوهم هدنة (عطوة) ثلاثة أيام ليخرجوا في مدتها سعدون باشا من الناصرية. واتفق انه في اليوم الثاني قام أحد رؤساء المركز وهو السيد زيدان ليبني منافذ الطرق والأزقة فظنت العشائر الهاجمة إنها حيلة ومكيدة فثاروا ثانية ثورة عظيمة ودخلوا مركز اللواء ونهبوا الديار وقتلوا من الأهالي نحو ثلاثين نفساً وقتل من العسكر عشرة رجال، وأما الأعراب فقتل منهم نحو عشرين نفساً.
وفي اليوم الثالث أكرهت الحكومة سعدون على الخروج من مقره فخرج ذليلا بحماية آل إبراهيم وأوصل إلى محل مزيد باشا ابن عمه فهو الآن عنده كالمستجير به.
ولا زالت الحرب على ساق لان المتصرف أمر بحبس (نجيدي) من آل جاسم زاعماً انه سبب هذه الفتنة. والعشائر تريد إطلاقه كما تريد إخراج السيد زيدان من الناصرية لأنه من خواص سعدون.
وطريق الناصرية يكاد يكون الآن مقطوعا ولا يجسر أحد على(1/79)
أن يمر به لكثرة إطلاق الرصاص فيه.
ومن اشد ما يروى بخصوص التنكيل أن قوماً ما آل ازيرق قبضوا على جنديين من عساكر الحكومة ودفنوهما إلى صدريهما وجاء الأعراب يعذبونهما أنواع العذاب وهما يستغيثان بكل مارٍ بهما.
وكان في نية الحكومة أن تجهز أربعة طوابير لحل هذه المشكلة التي وقعت بين السعدون
وأعدائه. وفي الآخر اكتفت بإيفاد وفد من أمراء العساكر والضباط ومن موظفي الملكية تسمى (الهيئة التحقيقية والإجرائية) لإصلاح ذات البين فعسى أن تكون النتيجة حسنة حقناً للدماء وحباً بالأمن والسلام.
عن الرصافة والزهور بتصرف قليل
(هجوم أعراب على جابي البأج) قريباً من بغداد على منحدر دجلة قرية اسمها البغيلة مصغر بغلة. وقد ذهب جاب البأج (وهو مأمور الكودة بلسان العوام) واسمه مصطفى بك ومعه خمسة من الفرسان المسلحين (من سواريه الجادنرمه) لجباية غنم عشيرة أعراب السراية فوجدها قد هربت إلى ناحية عشيرة الخوالد في أرض (أبو جاموس) قرب أراضي الأمير (نفي) وبينما هو سائر نحوها إذ اقبل عليهم قوم من عشائر البادية وأمطروا على الجباة رصاصاً حامياً فأصيب واحد من الجندرمة وتوفي قبل أن يصل ناحية البغيلة بمسافة ساعتين ولا شك أن مثل هؤلاء الأعراب يستحقون العقاب الرادع لهم عن الإمعان في غيهم (عن الرياض بتصرف)(1/80)
العدد 3
آثار سامراء الخالية وسامراء الحالية
سامراء من المدن القديمة الحضارة والعمران، وقد سبق وجودها ظهور الإسلام بقرون عديدة، ومن بعد أن بلغت ابعد شأوٍ في المدينة، أخذت بالهبوط والهوى شان كل موجود، حتى كان عصر المعتصم فقام وبناها ثم نزلها سنة 221هـ (836م)، ثم جاء بعده الخلفاء العباسيون وكل منهم يبتني له قصراً أو صرحاً، حتى غدت غادة مدن العراق، بل واجمل غاداتها، وأخذ يقصدها القاضي والداني من(1/81)
أهل النزهة والأنس.
وكان في جوارها من سابق العهد أي قبل الإسلام عدة أديرة لنصارى كلها شهيرة، منها: (قلاية العمر أو عمر نصر)، وكان من متنزهات آل المنذر بالحيرة، (ودير مار سرجيس)، (ودير العذارى)، ودير السوسي، وغيرها.
أما اسمها فقد اختلفت الروايات فيه وفي معانيها. وكلها لا نصيب لها من الحقيقة، واصدق لغة رويت في اسمها هو سامراء (بفتح السين بعدها ألف يليها ميم مفتوحة وبجانبها راء مثقلة مفتوحة ثم ألف ممدودة وفي الآخر همزة). وأما قولهم أن الرواية الصحيحة هي سر من رأى أو سام راء فهذه وغيرها من مخترعات المخيلة، ومن التأويل التي أنتجها قرائح بعضهم إجابة للعقل الذي يحب الوقوف على أسرار الكون والاكتفاء بما يرضيه. ولو فكروا قليلاً لأقروا أن تأويلهم بعيد لقدم ورود الاسم، ولعله من وضع البابليين أو الآشوريين أو الكلدانيين أو غيرهم من الأقوام الخالية. فكيف يطلب له معنىً في اللغة العربية.
وقد ذهب مدير هذه المجلة إلى مشاهدة ما يجري في هذه المدينة من التنقيب والحفر عن آثارها القديمة فكتب النبذة الآتية.
وقد اعتمد في اغلب ما أثبته هنا على كتاب (سامراء) للدكتور هرتسفلد المطبوع في برلين سنة 1907 وعلى ما سمعه من المعمرين وشاهده هو بنفسه:
(لغة العرب)(1/82)
نظرة عامة في سامراء وفي التنقيب الجاري فيها.
منذ غرة هذه السنة أي 1911 م أخذت بعثة ألمانية بالشروع تنقيبا عن آثار سامراء. وقد نال الامتيازبالحفر حضرة العلامة المشهور الأستاذ فريدريك صارة البرليني الرحالة، الذي يعرفه أهل المشرق والغرب برحله المتعددة إلى بلاد فارس وتركستان والأناضول
(بلاد الروم) وبيت النهريين (الجزيرة) وعهد إلى اللوذعي الجهبذ الدكتور هرتسفلد من أساتذة جامعة برلين للأخذ بهذه الأشغال المهمة. وأهل بغداد يعرفون الأستاذ المذكور حق المعرفة. لاسيما الذين واجهوه وشافهوه. إذ عهدوا فيه سعة العلم والمعرفة بكل ما يتعلق بالشرق وآثاره. وبالأخص بكل ما يتعلق بالمسلمين وسابق حضارتهم. وهاهو الآن يواصل التنقيب والتنقير منذ أول قدومه حتى هذا اليوم بدون ملل أو ضجر أو قطع في الأشغال.
وسامراء جليلة القدر والشان لأنك تجد بين أسوارها مشهد الإمامين العاشر والحادي عشر (علي الهادي وحسن العسكري) وسرداب غيبة صاحب الزمان وهي من المشاهد العزيزة على أبناء الشيعة. وإلا لما كان لهذه المدينة منزلة وقدر عند أهل العصر.
أما موقع هذه البليدة فهو في سهل تموج فيه الاخربة الشواخص موج المياه في البحور الزواخر. وهي كلها من بقايا ذلك العمران الشهير الزاهر النضر المثبت ذكره في تاريخ صدر الإسلام. وتمتد هذه الأطلال على طول ضفتي دجلة الناشزتين وعلى مسافة 30 كيلو متراً وفي قراب(1/83)
كيلو مترين عرضاً. ومما يشاهد هناك أيضاً إطلال قصور ذات بال ممتدة على الضفة اليمنى من دجلة.
ومنذ بضع سنوات أخذت سامراء بان تستوقف أطيار الأفكار على جنباتها. ولا سيما أفكار أهل العلم والبحث من مسافرين ومؤرخين ومنقبين. وكان في مقدمتهم الأستاذ الدكتور هرتسفلد. فانه هو ومن جاء بعده زاروا هذه الآثار الطامسة، والأطلال الدارسة، والمبثوثة بث الجراد على أديم الأرض، ووصفوها قليلاً أو كثيراً. كل بموجب علمه ونظره.
على أن الأنقاض ليست بشيء يذكر بجانب ما تحت تلك التلول المتراكمة من بقايا الأبنية وهي تغشى وجه المدينة القديمة كلها. حتى انك تخال إنها أمواج بحر هائج صادقته عوامل الجمود فجأة فوقفت ماثلة لا حراك لها ولا هبوط على نفسها.
كيف لا ويرى في سامراء آثار جليلة وقد كانت في سابق الزمن مقاماً للعباسيين خلفاء هارون الرشيد. وبقيت نصف قرن عرشا لهم وذلك من سنة 221 - 262هـ (836 - 876 م) بل ومرجع دولة الخلافة العظمى، وان شئت فقل بدون غلو ومبالغته (سرة العالم المتمدن) في ذلك الأوان، ولذا تراكمت فيها كنوز لا يفي تعدادها اللسان، وثروة تخالها من نتاج عالم الخيال. لا من نتاج عالم المثال. وبعبارة أخرى: كانت سامراء تحقيق حكايات
ألف ليلة وليلة.
التي تخال أنها من أوضاع الوهم والتصور الفارغ.(1/84)
على أن تاريخ سامراء ليس من الأمور المجهولة. فان ما أثبته مؤرخو العرب ووصافوا بلدانهم المعاصرون لزهوها وغضارتها كالطبري والبلاذري واليعقوبي وغيرهم لا يبقى ريباً في صدر المستريب. لا بل قد كتب اليعقوبي فصلاً نفيساً مفيداً للمسافر فائدة تشبه فائدة كتاب (بيدكر) اليوم ليطلع على ما يعثر عليه في تطوافه في سر من رأى وقد عقد هذا الفصل في مؤلفه الجليل (كتاب البلدان).
أما الأسباب التي حملت المعتصم بالله بن هارون الرشيد على بناء هذه المدينة الطائرة الشهرة فكانت سياسية ودينية معاً. فان الخليفة المذكور كان ينتصر للمعتزلة وأي انتصار حتى أن مسلمي بغداد لم يعودوا ينظرون إليه بالعين التي كانوا يرمقونه بها سابقاً. هذا فضلاً عن انه كان أول من انشأ جيشاً من الترك يتقوم من موالٍ (مماليك) اشتراهم النخاسون من أسواق تركستان وتخوم بلاد الصين حتى أوصل عددهم إلى 70000 رجل. وذلك بعد أن خلف أخاه المأمون على عرش العباسين في حاضرتهم.
على أن وجود مثل هذا الجيش في موطن لا يخلو من خطر ومن مناوشات بين أفراده وبين أهل البلدة. ولذا كانت تكثر الأحداث في الزوراء حتى تجري الدماء بين القبيلين. وكانت بغداد تمتد يومئذ من الكاظمية إلى مقبرة الشيخ معروف الكرخي. فلما رأى الخليفة أن لا سلام في دار السلام عقد نيته على بناء مدينة في الموضع الذي ترى اليوم سامراء. وفي هذه الحاضرة اخذ ظل الدولة العباسية يتقلص(1/85)
أي منذ عهد هذا الخليفة ومن جاء بعده وسببه تكاثر الموالي وتداخلهم في شؤون الدولة وشؤون قادة أعنتها الأمراء العباسيين.
وبعد أن مضى أربعون سنة على أعمال هؤلاء الموالي هي أعمال كلها منكرات خلدتها دواوين التاريخ وبطون الأوراق. أفضى بهم الأمر إلى إنشاء رتبة (منصب) أمير الأمراء وكان عبارة عن سيد مطلق اليد في ما يأتيه من الأوامر والزواجر. وقد وقع ذلك عند أفول شمس هذه الدولة في مدة الأربعين سنة. وهذا أمير الأمراء هو الذي انفق مع الموالي على إكراه المعتمد على الرجوع إلى بغداد وقضاء ثمالة أيامه في قصره الذي أصبح له بمنزلة سجن ذهبي الظواهر.
وعلى اثر هذه الحوادث اخذ سكان سر من رأى بمزايلتها، الجماعة بعد الجماعة، منتجعين مرابع بغداد وجنباتها الخضرة النضرة، ولم تمض أيام كثيرة إلا وهدمت سامرا بالسرعة التي فنشئت بها. وكل من جاء بعد هذا العهد من كتبه العرب كابن حوقل وابن جبير وياقوت الحموي وابن بطوطة. لم يجدوا لوصفها إلا ما يفتت الأكباد ويلين الجماد إذ لم يعثروا فيها إلا على أنقاض وأطلال لمدينة كانت أزهى مدن الدنيا وأبدعها وأعجبها وأتقنها بناء وهندسة.
وأذ لم تخرب هذه المدينة لا بالحرب ولا بالحرق ولا بالاكتساح ولا بزلزلة الأرض ولا بمرض من الأمراض الوافدة الجارفة بل بمهاجرة أصحابها لها، مهاجرة متصلة الأوائل بالأواخر، فلا يأمل الناقب العثور على الكنوز المذكورة في كتاب ألف ليلة وليلة لان سكانها اخذوا معهم(1/86)
عند انحدارهم إلى بغداد على دجلة كل ما يحمل وينقل ويفيدهم ولو فائدة زهيدة. حتى انهم اخذوا معهم مرادي السقوف وحراديها وأبواب الدور. وكل ما ضاهى هذه الأمور. على أن العلماء من المنقبين، أهل البحث والتحقيق، لا يطلبون اليوم الركائز والدفائن. ولا الإغلاق ونفائس المعادن. إنما همهم تنوير الأفكار في ما يتعلق بأمر تاريخ عمران ابن آدم في سابق العهد. فالعراق العربي هو من البلاد التي يحق للعلماء أن يتباهوا ويتفاخروا بأرضه، لما فيه من الآثار العادية، لكل عصر من العصور الخالية، ومع ذلك لا ترى إلا أناسا يعدون على الأصابع عرفوا مكانه هذه الديار الرفيعة القدر، وأنزلوها حق منزلتها.
وعلى كل حال فان التنقيب الحديث الطريقة العلمية يرى لأول مرة في سامراء، وهي الطريقة التي اتبعت في البحث عن آثار الجزيرة (بين النهرين) وبلاد الروم (بر الأناضول) وبلاد اليونان منذ 70 سنة. وذلك نشداً لضالة العمران الإسلامي في الديار المذكورة، ومن ثم فالتنقيب الجاري اليوم في سامراء هو جليل القدر والخطر ووحيد المثال، لان الدكتور العلامة هرتسفلد يتوخى الطريقة القربى للبلوغ إلى تحقيق ما في الأمنية.
هذا فضلا عن أن البحث عن حضارة الإسلام اخذ مأخذاً عجيباً في ديار الإفرنج منذ عشرين عاماً، لاسيما بعدما أثبته وقرره علماء أذكياء نجباء لا يشق لهم غبار، يعدون من
الطبقة الأولى في التدقيق والتحقيق،(1/87)
مثل تيودور نولدكه في استراسبورغ. وانياز غولدزهير في بودابست وككبار المستشرقين الهولنديين مثل ده غوية واسنوك هوغرنية وغيرهما الذين غاصوا على دور الحقائق في بحار المشكلات والمعضلات المتعلقة بالإسلام، على وجه لم يسبقهم إليه سابق.
ومما ساعد أيضاً في توسيع نطاق العلوم العربية (ديوان الرقم العربية) للدكتور مكس ون برحم وكتاب تاريخ الإسلام للبرنس ليونه كائتاني وكتاب الموسوعات الإسلامية الذي يولف بمراقبة الأستاذ هوتسما في ليدن وبنظارة مجامع العلم الدولية الأوربية ففي هذا الكتاب بل البحر المحيط تجد جميع المباحث المتعلقة بديار الإسلام كلها قاطبة وذلك من بلاد الأندلس إلى الصين، مع ذكر جميع الألفاظ التي وردت على السنة المسلمين، أوعنت على بالهم، أو خطرت في خيالهم، أو أبرزته مخيلتهم وقريحتهم، أو اتصلت إليه حضارتهم الخاصة بهم. أما الكتبة الذين يشتركون في إنشاء هذا الديوان الواسع المباحث والأكناف فهم عبارة عن جيش لهام، أسلحته الأقلام، وميدانه مطالب العلماء الأعلام، وقد جمعت أبطاله الصناديد المغاوير، من جميع الديار والأصقاع، وهم يدأبون(1/88)
في التحقيق والتدقيق بدون أن يأخذهم ملل أو سأم.
ومما يحق لنا أن ندونه بأحرف من ذهب هو أننا وجدنا بعض الأخوان المسلمين من أبناء هذه اللغة الشريفة يملئون الإفرنج في سعيهم هذا كعلماء تونس ومصر والهند. وأما في ديار دولة آل عثمان فلا نرى فيهم ممن اهتم لهذا المشروع العميم الفائدة، وعضده بما في طاقته ووسعه إلا الدكتور خليل ادهم بك الرئيس العام لدور التحف الشاهانية.
ومما يجب أن يعرفه مطالع هذه السطور، أن الدكتور الأستاذ صارة يهتم منذ مدة مديدة بتاريخ الصناعة الإسلامية الفنية، ولقد ضرب في الأرض متجولا ليبحث في أسفاره عما يحقق أمنيته في هذه الغاية فجمع مجموعة كلها غرر بل دور من نتائج الصناعة الإسلامية، وهي اليوم في بابها يتيمة الدهر، وخريدة العصر، لا يضاهيها أو يدانيها عاق مهما كان نفسياً، والخلاصة أن الكلام يطول لذكر كل ما ينشر ويبرز من المطبوعات لترقية هذا الفرع من علوم المسلمين وعمرانهم وتمدنهم فرع، هو كما تراه، في المنزلة القصوى من القدر والخطر.
ولتحقيق هذه الغاية على احسن وجه، وأدق أسلوب، بعث الدكتور صارة المذكور، دكتورنا العلامة هرتسفلد للبحث عن آثار سامراء والكشف عن دفائنها ووصفها.
فقد ثبت لديك بعد هذا كله أن لا غاية لهؤلاء العلماء الإعلام إلا الهيام بالصناعة الإسلامية الفنية ولا سيما الهيام بفن الأبنية، والأسلوب المتخذة لتزيينه وتزويقه وتحسينه، أساليب متحدة به اتحاداً لا محيد عنه.(1/89)
ولقد كانت الصنائع الفنية الإسلامية في القرن الثالث للهجرة، تكون مجهولة إلى عهدنا. ولهذا أصبحت نتائج التنقيبات في الغابة القصوى من الخطر والشان العلمي، وأول ما شرع به في سامراء كان رفع كل ما يغشى أخربة الجامع الأعظم الذي بناه المتوكل على الله، والمنارة الغريبة البناء الموجودة فيه، وهي المنارة المعروفة باسم (الملوية) وقد بنيت على غرار برج بابل أو الزقورة أو الذكورة البابلية.
وبعد أن ظهر للعيان صحن الجامع بانت كل البيان البناية الداخلية وعمد الرخام وما يزينه في الداخل من نقوش مطبوعة وتصاوير ملونة وفسيفساء. ولقد دقق الدكتور هرتسفلد نظره في بعض دور الخاصة المجاورة للمدينة الحديثة فإذا هو أمام مدينة مدفونة في الشرق دفن بمبائي في الغرب. ووجد غرفاً وحجراً وردهاتٍ قد زينت جدرانها وغشيت حيطانها بتصاوير شرقية منقوشة نقشاً بارزاً وغائراً في الجص وهي في غاية البهاء والجمال، وكلها محفوظة احسن الحفظ، كان البناة قد غادروها قبل أن يدخلها أهل البحث. هذا ولا ترى النقش على الجص فقط بل انك تشاهد تصاوير ملونة في مواضع الجص الفارغة من النقوش، وهناك أيضاً تصاوير مختلفة الألوان بل وصور أناس كلها ملونة على أبدع مثال وهو أمر في غاية الندرة في تاريخ الصناعة الإسلامية أن فنية وان بنائية.
وخلاصة القول انك تجد في سامراء كنوز فن ودفائن صناعة لم تسمع يمثلها من أفواه الناس والمسافرين، كما لم تشاهد العينان(1/90)
نظيرها.
ولقد سبر الدكتور بعض السير قصراً واقعاً على عدوة دجلة اليمنى يعرف (بقصر العاشق) ورأى انه يتابع السير بعد ذلك.
أما الآن فانه يجري التنقيب في قصر مبنى قد افترش من الأرض فسحة عظيمة تناهز كيلو مترين مربعين ونصفا. وهو واقع في جنوبي سامراء واسمه (المنقور) وهو ولاشك
القصر المعروف سابقاً باسم (بلكوارا) الذي بناه وسكنه المعتز بالله بن المتوكل على الله وذلك قبل ارتقائه عرش الخلافة.
إلى هنا نوقف جواد القلم عن الجري في ميدان التنقيب ونلفت عنانه إلى ما يجب أن تحوم عليه أطيار الأفكار والأنظار وهو: انه ليس من ينكر اليوم المنافع الجزيلة التي انتفع منها الناس اثر التنقيبات التي أجراها أهل البحث، وممن انتفع منها بوجه أخص محبو تاريخ بلادنا ومجد السلف أجدادنا، مجد من شانه أن يفاخر به أبناء هذا العصر ليندفعوا إلى التشبه واللحاق بهم، ويعيدوا سابق عز هذه البلاد، ويستعيدوا ما سلب منهم أو يسلب ليحافظوا على ما لديهم من وسائط الغنى والثراء والنماء في مستقبل الأيام.
وفي هذا الصدد لا يمكننا السكوت عن إبراز ما يكنه صدرنا من الأسف واللهف. فان هذه التحف التي أزيح عنها الستار، ذاك الستار الذي سدله عليها الزمان مع بواثقه، والجو مع تقلباته، إذا بقيت مكشوفة الوجه والظاهر، فإنها تكون عرضة للتلف(1/91)
العاجل. ومما يساعد على ذلك قانون الآثار والعاديات نفسه ذاك القانون الذي يمنع كل المنع نقل الآثار القديمة بأي وجهٍ كان. ومع ذلك فان المتاجرين بها يتخذون أدق الوسائل وأوفاها بالمطلوب لتحقيق أمانيهم، أي انهم يتوصلون إلى مشترى ما يريدون بدون أن يقعوا في شرك التبعة المشؤومة، لأنهم يتخذون من الظواهر ما ينيلهم مرغوبهم وينجيهم من البلايا التي يقع في مهاويها من لا يحسن مزاولة هذه التجارة وإذا أنعمت النظر في ما يباع ويشتري في أسواق باريس من الآثار العادية تجد ثلاثة أرباعها قادمة من البلاد العثمانية، وقد بعث بها إلى فرنسة خفيةً وتهريباً، فتباع هناك بأثمان باهضة ينتفع بها من يشتريها فتخسرها الدولة خسارة لا مقابل لها، بل ويخسرها أصحاب تلك الديار التي كانت فيها، لا بل ويفقد منافعها أصحاب دور التحف الإفرنجية والعثمانية كما يفقد منافعها من قد الهج بجمعها ليستفيد منها فائدة علمية، ومن يفقدها العلم وأصحابه كل الفقد لأنها تقع بيد جهلة لا يعرفون قدرها. أذلاهم لهم إلا هم جمع المال بأي واسطة كانت وعلى أي وجه يكون، أريد بهم تجار الآثار العادية في باريس.
فمما تقدم ذكره وتقريره ترى النتائج المشؤومة التي تتولد من قانون حصر الآثار المثبت في قوانيين الدولة، وكيف انه مضر بالعلم. فإذا لابد من اتخاذ ما يبعد هذا الخطر ويفيد
الدولة والأمة ولهذا اعرض هذا الفكر:(1/92)
إن قانون حصر الآثار القديمة لا يتكفل لنا أبداً بحفظها في محلها ولا في محل آخر خاص بها. وهي طامة كبرى لا يعرف عقباها الوخيمة إلا من يقدر التحف حق قدرها. وإننا لا نظن مثلاً أن المتحفة الشاهانية تعنى باتخاذ الوسائط اللازمة والناس المهرة لنزع ما على جدران وحيطان سامراء من المزينات والمزوقات والمحسنات البنائية وجعلها في صناديق ونقلها إلى الآستانة، لأنه قبل أن يخطر لها هذا الخاطر تسبقهم الأمطار والأرياح وسائر عوامل الجو إلى إيقاع الأضرار بهذه الكنوز الصناعية فضلاً عن وصول أيدي تجار العاديات إليها فتبعث بها ولا تبقى ولا تذر، وتنزع ما هنالك من عجب التصاوير والنقوش حتى لا تبقى لها أدنى اثر.
نعم قد عني محبو الآثار في ديار مصر بحفظ ما يجدونه فيها وقد اخذوا جميع الوسائط اللازمة للانتفاع بما يكتشفونه. وربما كانت تلك الوسائط تضاهي الوسائط المتخذة في بلاد الافرنج، بل ولعلها تفوقها بكثير لحداثتها ووفائها بالغرض على احسن وجه، لكن أين بلادنا من ديار مصر. ومع هذا فان القانون هناك يبيح مقاسمة الآثار بين الحكومة وبين الناقب، كما تحبير له نقل الآثار العاديات إلى بلاده. فهذا أيضاً مثال يحتذي عليه ويتبع لحفظ هذه الآثار من التلف والفساد والاضمحلال أو أن أحسنت ظناً: من الضياع والانتشار فرادى مبثوثة على غير جدوى. ونحن نستحسن هذه الطريقة، ولا سيما إذا كانت تلك العاديات مزدوجة المثال، فان الناقب يحرص عليها اكثر من حرصه(1/93)
على حياته. فأملنا إذاً من الحكومة أن تسعى إلى اتباع هذا القانون الحسن النتيجة لها ولمتن يبحث وينقب عنها.
وان لم يصح هذا الرأي فلنا فكر آخر في حفظ هذه الآثار وهو وان تسعى الولاية في إقامة دار للتحف في الحاضرة كما يرى مثل هذه الدور في سائر البلاد المتمدنة، فهذا أيضاً من الصعب الممتنع أو من المستحيل البعيد؟ إلا يوجد مثل هذه المتاحف في بلاد الهند ومصر وتونس لا بل ونجد اليوم في قونية نفسها من بلاد الدولة العلية متحفة صغيرة حسنة، أفلا يمكن لبعض أعيان مدينتنا الزوراء الزاهرة أن يتضافروا ويتكاتفوا للاشتراك في جمع مال، لمثل هذا المشروع المفيد الذي يزري بجمع اللآل. فهذا العمل، وأيم الحق، أحد تلك الأعمال التي تخلد أسماء الرجال. ونجاري بها أهل الديار الغربية. ونفاخرهم بآثار أجدادنا
مفاخرة تعود فائدتها علينا وعلى بلادنا العربية أن الله على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
وسنكتب في وصف سامراء ووصف ما شاهدناه فيها من الآثار الطوامس، والطلول الدوارس، وصفا يفيد متبعي الآثار، ومقتبسي الأخبار مما يدهش القارئ ويبهر السامع في العدد الآتي وما بعده أن شاء الله تعالى.
للبحث صلة
م. كاظم الدجيلي
يقظة العلم في ديار العراق
أسلفنا القول في العدد الأول من هذه المجلة ما كان لأهل العراق من اليد العاملة في جمع شتات لغة العرب قبيل الإسلام وبعيده.(1/94)
على أن فضلهم يبدو كل البدو بل كالشمس في رائعة النهار، إذا ما نظرنا إلى ما أتاه العباسيون من جلائل المآثر لتدون اللغة وجميع علومها العربية، ترجمة الأسفار الأعجمية، واتخاذ كل ما يسير بها وبأهلها سيراً حثيثاً إلى بلوغ ابعد شأوٍ في العمران والحضارة والتبسط فيهما.
وما زال الأمر على تقدم ونجاح حتى عصر المأمون، فان العربية وعلومها بلغت في عهده مناط العيوق، ثم وقفت حيناً من الزمن كأنها تكبدت سماءها، ومن بعده أخذت بالانحدار المتئد متبعة سنة الشروق والغروب. - ولما سقطت بغداد على يد هولاكو، غربت شمس العربية وعلومها، وخبت انوارها، وادلهمت دياجير الجهل، وتلبدت سماء العراق بالسحب المكفهرة، أو أن شئت فقل: أصيب العلم وذووه ورافعو ألويته بداهية لم تضارعها داهية في سابق تاريخها أهوت بهم إلى قعر الذل والهوان، بل إلى أقصى دركات الخمول والجمود.
وهل تخال أن النوائب وقفت عند ذاك الحد؟ - كلا، فأنها سارت في وجهها صارعة أم العراق وبناتها وبنياتها، كإنها تحاول التشفي من ترقيها السابق، والانتقام من تقدمها الحثيث حتى إنها لم تبق لكان هذه الديار المنكوبة الأهم التخلص من دوائرها، والإفلات من سطواتها وفتكاتها.
نعم اشتهر بعد ذلك جماعة من أهل العلم والأدب والفضل والكتابة(1/95)
لكنهم لقلتهم عدوا من نوادر الزمان وفلتات بوائق الأيام. بيد أن بعضهم شدا اللغة ألا فارسية فنظم بها وانشأ وحرر وحبر وكتب التواريخ، ومع ذلك لم يرفع له منار كما رفع لمن تقدمه من أبناء هذه اللغة الضادية.
وبقيت الأمور تجري على غير هدى: بين سير إلى الإمام، ورجوع إلى الوراء، وخبط أو جمع بينهما، حتى كان عصر حكومة سليمان باشا الكتخدا أو القتيل في فجر القرن الثاني عشر من التاريخ الهجري فاخذ العلماء والأدباء يتنفسون الصعداء، من تلك البرجاء، مستنشقين نسيم الراحة والطمأنينة، متمنيين بأيامه، متفائلين بيده عودة عهد غضارة لذاك كالمأمون للرشيد مع حفظ قاعدته النسبة لكل واحد بموجب عهده ومقدرته ومنشأه.
ولابد من أن نذكر طرفاً من ترجمة كل من هذين الياشوبن الوزيرين حتى يجوز إنا بعد
ذلك أن نتكلم عمن نبغوا في عصرهما أو اشتهروا بعدهما.
ترجمة سليمان باشا القتيل
كان سليمان باشا القتيل والكتخدا، الثالث ممن تسمى بهذا الاسم من ولاة بغداد، وهو ابن أخت علي باشا القتيل، وزر على بغداد سنة 1221هـ (1806 م) ولما تولى الوزارة سار في الرعية سيرة حسنة حميدة، ورغب في العلوم، ونكب عن الأبحاث الفلسفية التي(1/96)
كان قد الهج بها في غلوائه، ومنع العمال من اخذ الرشا والهدايا، وكان يعاقب من يخالفه اشد المعاقبة وكان يتجسس الأخبار ليقف على من يتطلب السحت أو يأتي هذه الدناءة، واكرم العلماء واحتفى بهم والتفرغ للصلاح وأعمال البر. وكان ممن نال الحظوة عنده الشيخ علي بن محمد السويدي وكان هذا الرجل من مشاهير ذلك الأوان بعلمه وفضله وفضليته.
وكانت ديار العراق في ذلك العهد عرضة لمساوئ أهل البادية وسكان جبل سنجار، ففكر الوزير بان يمثل بهؤلاء المفسدين العائثين بالبلاد ليستريح الناس منهم ويطمئنوا بالا.
فلما كانت سنة 1224هـ (1809 م) غزا فيها ديار بكر بجيش لهام لتأديب أعراب الضفير وقبيلة من عنزة كان كبيرها الدريعي. وكان خروجه من الزوراء في الخامس والعشرين من محرم (12 آذار) فلما جاوز الموصل شن الغارة على اليزيدية فصبح القرية المعروفة باسم (البلد) وغنم وقتل وسبى. ثم تحصن أهلها بثنية من ثنايا سنجار ثنية لا تراهم فعدل عنهم.
ثم توجه الوالي إلى الضفير والعنزيين فلما هبط البلدة المعروفة باسم (العين) الواقعة بين حران ونصيبين جاءه رسول من قبل رئيس الجند الذين في ماردين يطلب منه المدد، ولما لم يكن له بد أن يمده هو بنفسه أنقذ إليه أخاه في الرضاعة (احمد بيك) بباقي العسكر ليزحفوا(1/97)
على الضفير وتوجه هو إلى ديار، بكر فلما وصل إلى قرية يقال لها (ديرك) حاصرها. فخضع أهلها وأدوا ما عليهم من الخراج. ثم توجه منها إلى ماردين ولما أوشك الوصول إليها جاءه اخوة في الرضاعة احمد بيك وقد كسره الضفير وقتلوا من عسكره خلقاً كثيراً فأراد الوزير الكرة على الضفير لكن لم تساعده الأحوال، لان عسكر الأكراد تخلف عنه، ولذا عدل عن مناجزتهم وحاول الرجوع إلى بغداد.
فلما وصل الموصل أقام فيها ثلاثة أيام ثم رأى في خلالها أن الأصلح له أن يسرع في
الرجوع إلى دار السلام ويبرز منها أوامره وزواجره سياسية للولاية ففعل ونجح لأنه قهر بني عبد الجليل في الموصل عند خروجهم عن الطاعة وان كان خسر في الموقعة واليها احمد باشا.
وبعد أن انتشر الأمن في ديار العراق اخذ الوزير بمد أروقة العلم وضرب خيامه، فانشأ في بغداد عدة مدارس، وأعاد بناء ما كان منها دوارس، وشيد المساجد والجوامع، وأجرى على العلماء دافق سيول الوظائف والرواتب، وكافأ أهل الفضل والأدب بما لا يفي وصفه اليراع فكان هذا الوزر أول من أيقظ العلم والمنتمين إليه بعد ذاك السبات العميق ثم جاء بعده بقليل داود باشا فأنهضه النهضة التي خلدت له الأثر المحمود والذكر الطيب.
وكان سليمان باشا شاباً متوقد الفؤاد، حسن الشمائل، جليل المناقب، كثير الحسنات والميزات محباً للعدل والقسط، كريماً، عارفاً بأمور الدنيا والدين، وديعاً، مطلعاً أتم الاطلاع على أمور(1/98)
السياسة لين العريكة، رقيق العواطف دقيق الشعور، محبوباً لدى الكبار والصغار، ألغى بعض الضرائب القديمة وجميع الرسوم التي أقامها الولاة الذين سبقوه ولا وجه حسن لها وكانت قد أضرت بالبلاد وأهلها كالاحتساب وتحصيل الرسم ومباشرة الخدمة وضبط المخلفات وغيرها وابطل القتل إلا ما كان منه بمنزلة القصاص. والخلاصة: اتخذ له أئمة جماعة الحنفيين.
ومما أتاه من الحسنات انه أمر أن ينفق على قضاة بغداد من مال خزانته الخاصة وأجرى مثل ذلك على سائر قضاة ديار العراق ونوابها الراجعين إليه. وكانت أرزاقهم في السابق غير معينة تأتيهم من حسنات المسلمين.
ومن غرائب ما وقع لهذا الوزير الخطير انه من بعد أن نسخ تلك الرسوم الباهظة والضرائب الرازحة زادت واردات الخزانة أضعاف إضعاف ما كان يدخلها سابقاً وساد الأمن والسلام في جميع البلاد مع انه أزال كل تعذيب من أي نوع كان أن صلباً وان قتلاً.
ومع ما كان الرجل العظيم من الأوصاف العجيبة طوحه غروره في مالا تحمده عقباه لأنه اعتزل الناس واخذ يعمل بما يوحيه إليه عنفوان شبابه وإشارة المعجبين به ممن يخاف أن ينبهه على زلله لئلا يفقد حسن التفاته إليه. ولهذا تتابعت عليه المصائب والنوائب حتى لم تبق له مجالاً، وفي النهاية أفضت به إلى عزله. ثم لما تظاهر بالعصيان قتل قبل أن يبلغ
السنة الثلاثين من عمره على يد أحد أعراب الدفافعة سنة 1225هـ(1/99)
(1810 م) فأسف عليه كل من عرفه.
مؤسس الصهيونية
كثر في هذه الأيام ذكر الصهيونية، واغلب الناس لا يعرفون من أمرهم شيئاً، كم لا يدرون عن مؤسسهم ما يبل صدى تشوقهم إلى الوقوف على دخلة نيته الأولى، وقد كتب بهذا الصدد أحد أدباء الأستانة رسالة إلى جريدة (الاونيفر) الفرنسوية، في عددها الصادر في 16 حزيران 1911، بها يطلع الناس على صاحب هذه العصابة بما هذا معناه:
قبل أن تشتهر هذه الجماعة باسم (الصهيونية) كان الترك يسمونها (الدونمة) وهي لفظة تركية معناها: (المهتدون). ثم لما انتشر أمرها في البلاد عرفت باسمها الحقيقي.
كان مؤسس هذه الفرقة رجل طوى بساط أيامه في القرن السابع عشر من الميلاد وكان يقول عن نفسه انه (المسيح المنتظر). وكان اسمه (شبطاي) ولد في ازمير سنة 1626م من آب كان قد قدم من إسبانية. ولما ترعرع بانت عليه مخايل الذكاء والنجابة، وكان حسن الصورة وضاء الوجه، ذا عارضة وفصاحة، وكان إذا تكلم جذب إليه الأنظار وحام عليه أطيار الأفكار، وكان همه معاطاة العلوم الخفية المعروفة(1/100)
بعلوم الجفر، وكان قد أفضى به الأمر إلى انه اقنع عدداً مذكوراً من اليهود بسمو بعثته حتى أيقنوا به كل اليقين. ثم قضى عليه القضاء أن ينتقل من أزمير إلى الأستانة إلى سلانيك إلى حلب إلى القدس الشريف، فزاد بذلك جمع المنضمين إليه.
ولما بلغ الأمر إلى هذا الحد من الشهرة ادعى انه متحد اتحاداً سرياً (بالشريعة) فتيسر له أن يتنبأ عن قرب عودة الأسباط الإثني عشر في ديار فلسطين.
وبينما كان يوماً في مصر القاهرة، صادف فيها امرأة يهودية بارعة الجمال، غريبة الأطوار، قد اخذ منها الهوس كل مأخذ، وكانت تدعي أنها العروس الموعودة للمسيح المنتظر، ولا حاجة إلى القول (وافق شن طبقه) وما أبطأ أن تزوجها وأتم أسفاره في ديار الشرق، وهو بين إجلال وإذلال، بين رقي وهوى، تارة يعظمه القوم، وطوراً يطردونه من المدن بدون أن يدعوه أن يمضي فيها نهار اليومِ.
ومن جملة ما حل به من النوائب انه دخل سنة 1665م الأستانة فعلم بأمره السلطان فاعتقله في قصر ابيدوس، وأذن له بعض الحرية لاسيما أن يقابل تلامذته ويجاذبهم أطراف
الكلام.
واتفق له أن في ذلك الحين حدث له ما بقي له شهرة حالته أي انتحاله الإسلام لاسيما أن السلطان وعده بالهيل والهيلمان أن اسلم. فظن هذا المسيح الممسوخ انه ألم يلب طلب الباديشاه، يخرج من هذه الدنيا بصفقة المغبون أو بسمة الملعون، فلبى طلب الخاقان واسلم.(1/101)
أما متبعوه فلما كانوا قد اعجبوا به وبآرائه قالوا: أن لم يكن شيخنا ممن يعلم بحسن مآل أعماله هذه ويجذب المسلمين إليه لما كان يدين بالإسلام، ولهذا يحسن بنا أن نماثله في كل أمر ونتبعه في عمله هذا فتأثروه واسلموا جميعاً عن بكرة أبيهم. فوقع الرجل احسن موقع في عيني السلطان واحله محلاً رفيعاً في قصره، وبقى هناك قائماً يسنن ديانته الجديدة المركبة من اليهودية والإسلامية. ومتمماً شعائرها ومناسكها.
غير انه بينما كان ذات يوم يزمر المزامير مع جماعة من قومه بوغت فنفي إلى دلشينيو من أعمال البانية (بلاد الارناؤوط) فمات فيها سنة 1676 في السنة الخمسين من عمره.
مات الرجل المحتال وعاشت بعده فرقته متظاهرة بالإسلام مبطنة الموسوية وهي بعيدة عما تتظاهر به بعد الثريا عن الثرى. واليوم تجد أصحاب هذه الفرقة في أدرنه وسلانيك. وترى المسلمين ينظرون إليهم نظر المتحرزين المتحذرين منهم لأنهم بقوا على اعتقاد آبائهم. والحقيقة انهم أصبحوا بدون دين معلوم مترددين بين الشك واليقين. على حد ما يروى عن الغراب في سالف الأحقاب:
إن الغراب وكان يمشي مشية ... في ما مضى من سالف الأجيال
حسد القطاة ورام يمشي مشيها ... فأصابه ضرب من العقال
فاضل مشيته واخطأ مشيها ... فلذاك سموه أبا المرقال
لقد رأيت من هم الصهيونيون. وإلى من ينتمون. ولهذا تجد(1/102)
الحكومة والمنتسبين إليها يخافونهم خوف الرجال من الأسد الرئبال، لأن الصهيونيين أناس ذوو جد وجهد. وسعي وكد وذكاء ودهاء، أوتوا من دقة النظر في الأمور ما يدفعك إلى أن تجعلهم في مصف الطائر المعروف بالقرلي. الذي قيل عنه: إذا رأى خيراً تدلى. وان رأى شراً تولى. ولهم سطوة عظيمة عجيبة على من حواليهم. لما بيدهم من الأصفر الفتان. والأبيض الرنان. ولهذا ترى مجلس المبعوثين من يلفت الأنظار إليهم. خوفاً من دسائسهم ودبيب عقاربهم
ومن ذلك اصطلح عليهم المصلحون من أبناء الدولة الصادقي التبعة باسم (الخطر الصهيوني).
وممن نبه الأفكار إليهم مبعوثو سورية وفلسطين فأنهم أشاروا إلى نمو اليهود في العراق وديار الشام وازدياد معاهدهم الزراعية والصناعية وحسن نظام مستعمراتهم. ومما قاله مبعوث القدس الشريف: أن في المدينة المقدسة ثمانين ألف يهودي بينما أن المسلمين لا يزيدون على تسعة آلاف نسمة. وقد أيد مبعوث الشام ما قاله رصيفه القدسي وزاد عليه قوله: أن السير هؤلاء الأقوام سير أمة ليس إلا. فأنك تراهم في أيام أعيادهم يركزون رايةً زرقاء مكتوب عليها (صهيون).
ومهما يكن من أمر الصهيونية فلا خوف انهم يحشرون يوماً أمةً. وهم مهما فعلوا لا يكونون كذلك في الأرض التي تسكنها أنت. بيد أن الذي يبقى راسخاً في الأذهان هو أن هؤلاء ألا جناب يزاحمون بالمناكب أبناء الوطن ويقاسمونهم خبزتهم فيزداد التنازع عليها ويكثر(1/103)
الهراش والمراش بخصوصها ولما كان اليهود من اشد الأمم ارتباطاً في ما بينهم وان نأت الديار كان روح التكافل والتعاضد والتضامن قد بلغ منهم ابعد المبلغ.
فليكن إذاً مثالهم آية لغيرهم ليكونوا يداً واحدة على من يناوئهم فيفوزوا بالنجاح. لان ربك قريب ممن يعقد نيته على الصلاح. ويبغي لقومه الخير والفلاح.
سؤال إلى مجلة العلم
في الديمقراطية والأرستقراطية
جاء في ص78 من مجلة هذه السنة من (العلم) أن الديمقراطية نظام سياسي اخترعه ديمقراطس الفيلسوف. والأرستقراطية اختراع ارسطو الفيلسوف. والأرسطقراطية من اختراع ارسطو الفيلسوف. وقد فتشنا في ما لدينا من الكتب عن هذا الرأي فلم نقف عليه. فهل عثرت يا رصيفنا على هذا الرأي في أحد الكتب أم وجدت ضالتك هذه نبهاً بعد إمعانك في حقيقة البحث عنها ولا سيما لأنك أعدت مثل هذا الكلام في ص83 من مجلتك المذكورة الزاهرة.
أما الذي حفظناه فهو أن الديمقراطية كلمة يونانية منحوتة من ديموس أي شعب وقراطس أي حكومة ومحصلها (حكومة الشعب أو الجمهور) والأرسطقراطية منحوتة من ارسطوس أي وجيه وقراطوس أي حكومة ومحصلها حكومة الوجهاء أو الأعيان. فنرجوك أن تفيدنا أي الوجهين اصح ولك الفضل.(1/104)
سفرة إلى كربلاء والحلة ونواحيها
سافرت في شهر نيسان من هذه السنة إلى نواحي كربلا والحلة فوقفت في طريقي على بعض الأمور لا تخلو من فوائد أحببت أن أدونها في لغة العرب لكي يطلع عليها من لم يعرف هذه النواحي من عراقنا فأقول:
قبل نحو عشرين سنة كان السفر إلى الحلة من الأمور الشاقة لما يتكلف المسافر من تحميل الأثقال وركوب البغال وإعداد الزاد واتخاذ المبذرقة لتخفره في الطريق من الأعراب المبثوثة في بوادي هذه الأرجاء أما اليوم فتوثير الطريق الواصل بغداد بالحلة وتمهيده آثار في أهل الوطن الغيرة على خير العموم فانشئوا شركات عجلات متعددة سهلت اعظم التسهيل قطع هذه السهول والحزون بدون أن يحصل ما يكدر صفو رحلتهم. اللهم إلا في النادر. والنادر لا يقاس عليه.
ركبت إحدى هذه العجلات مع بعض الأصدقاء وذلك صباحاً في الساعة الحادية عشرة وربع ووصلنا (جسر الخر) نحو الساعة(1/105)
الثانية عشرة إلا ربع الساعة فعبرناه على ظهر العجلات بسهولة عظيمة ولم نفعل كما يفعله ركاب العجلات التي تجري على جسر دجلة في بغداد فان من يريد العبور على جسر بغداد المؤلف من القوارب على الصورة القديمة المعروفة في عهد العباسيين والمبني كان من الخشب، عليه قبل كل شيء أن ينزل عن مركبته ويفرغها من كل ما فيها. ثم يدعو الحوذي أو السائق جماعة من أصحابه ليجروا العجلة جراً بكل رفقٍ بدلاً من الدواب فإذا أنزلوها إلى الجسر دفعوها بكل تحرز عليه خوفاً من أن تنكسر مما تصطدم به من العواثير المتوفرة على ظهر الجسر، وإذا قرب إخراجها من الجسر اجتمع الناس جماعات ليدفعوها إلى حيث يكون الخروج بسلامةٍ. وقد لا يكون الأمر كما توهموه.
وأما جسر الخر فهو جسر من حديد مده الفرنسيون قبل 14 سنة فنجحوا ولم يصبه مصيبة إلى يومنا هذا، مع وقع من طغيان دجلة واشتداد جريان ما الخر وازدحام العجلات عليه وكثرة الأثقال التي تجر فوقه. هذا فضلا عن الواردات التي تأتيه. وقد سد مشتراه مرارا عديدة، فقلنا في نفسنا: ليت الحكومة تسعى إلى مد جسر من(1/106)
حديد على دجلة وتحقق هذه الأمنية إلى حيز الوجود تلك الأمنية التي في صدور الكبار والصغار منذ سنوات كثار.
ونحو الساعة الثانية صباحاً وصلنا إلى (المحمودية) فنزلناه لنستريح فيها. وهي قرية فيها
منتديات لشرب القهوة وسوق وخان وعدة دور. ويجد فيها المسافر كل ما يحتاج إليه من طعام ومأوى. والظاهر أن هذه القرية حديثة البناء في هذه البقعة من الأرض لأني لم أر لها ذكرا في كتب التاريخ والبلدان التي بحث عن هذه الأرجاء.
قمنا من المحمودية نحو الساعة الثالثة ألا ثلثاً فمررنا بعد قليل على (خان زاد) كذا يلفظ العوام هذا الاسم. والأصح (خان زاد) وهو خان قديم يرتقي بناؤه إلى عدة قرون فلما تهدم في أوائل القرن الحادي عشر للهجرة (أوائل القرن السابع للميلاد) أصبح مخبأ للصوص وقطاع الطرق فأعاد بناءه عمر باشا سنة 1089هـ (1678م) وأقام فيه حامية تحمى الحجاج والزوار والمسافرين من أهل العيث والفساد. بيد انه لم يمض نصف قرن على تجديده إلا وعاد اللصوص العماريط إلى هدمه وسكنه.
ونحو الساعة الرابعة ونصف وصلنا إلى (الإسكندرية) وهي اليوم قرية خاملة الذكر فيها عدة قهوات وخان وبساتين ومقبرة وعدة(1/107)
دور. لكننا لم نقف فيها بل سرنا قليلاً ووقفت العجلات في مقبرة الشيخ هرواي (الشيخ الهروي) في الساعة الخامسة إلا ربعاً. وأما الإسكندرية فكانت في سابق العهد مدينة كبيرة بناها الاسكندر ذو القرنين. وهي التي يسميها المؤرخون إسكندرية بابل. وقد بنى الملك المذكور إسكندرية ثانية في العراق على شط دجلة بازاء الجامدة قرب واسط بينهما خمسة عشر فرسخاً. وهي التي تسمى إسكندرية العراق.
ثم أتممنا المسير إلى نحو الساعة السابعة فهبطنا (المسيب) (بضم الميم وتشديد الياء المفتوحة) فنزلنا من العجلات وعبرنا الجسر وهذه القرية مبنية على ضفتي الفرات فيها مساكن كثيرة وجامع فيه منارة ثم محجر صحي ودار برق (تلغرافخانة) إلى غير ذلك. وسميت هذه البليدة باسم المسيب بن نجبة الفزاري وكان من أصحاب علي بن أبى طالب وخيارهم (راجع تاريخ الطبري 497: 2 و 551) وكان قد قتل يوم الجمعة لخمس بقينا من جمادي الأولى سنة 65هـ (6 كانون الثاني 685م) في وقعة عين الورد. ولكن لا نظن انه دفن في هذا الموطن وإنما نبني له فيه مزار فسمى باسك المزار.
وفي المسيب حركة عظيمة لما يختلف إليها من الناس إذ يرى فيها(1/108)
كل سنة اكثر من مائتي ألف زائر يأتونها من جميع البلاد عن طريق بغداد ليذهبوا إلى كربلاء. إما عدد سكانها
المقيمين فيها فيقدر بستة الآلاف نسمة. وكان في نية مدحت باشا أن يجعل ممر السكة الحديدية في المسيب على جسر يركب الفرات.
برحنا المسيب في الساعة السابعة وعشر دقائق ونحو الساعة الحادية عشرة وصلنا إلى (الإمام عون بن عبد الله بن جعفر الطيار) وهو الذي قال عنه في أسد الغابة هو عون بن جعفر بن أبى طالب بن عبد المطلب القرشي الهاشمي والده جعفر ذو الجناحين ولم يقل: عون بن عبد الله وإنما عبد الله هو أخوه على أن الذي نقلناه هو ما سمعناه. وهناك ضريح يقال انه ضريحه تظلله قبة معقودة من الحجر القاشاني فوقفنا هنيهة لنريح دوابنا ثم أسرعنا في السير إلى نحو الساعة الواحدة وكنا نمر ببساتين كربلاء فاجتازت عجلاتنا تلك الخمائل إلى أن انتهينا إلى المدينة.
الباقي للآتي
عمانوئيل فتح الله عمانوئيل
مضبوط
باب التقريط
كتاب الإرشاد لمن أنكر المبدأ والنبوة والمعاد
طبع بمطبعة الآداب في بغداد، تأليف واعظ زاده أبى إسماعيل السيد مصطفى نوري الحسيني الحنفي مبعوث بغداد. عدد صفحاته 93(1/109)
ويليه زهر الربى في حرمة الربى. له أيضاً، من ص94 إلى 102 ويعقبه: المطالب المنفية في الذب عن الإمام أبى حنيفة في 24 صفحة له أيضاً ويتلوه: خلاصة المقال فيشد الرحال في 18ص. له أيضاً. ويختم الكتاب 6 صفحات (فقط) لتصحيح الأغلاط الواردة فيه. وهو كتاب جدل ودفاع وذب يفيد جماعة من أنكر من المسلمين، بعض الحقائق المدونة في أسفار الأيمة والدين، عسى تكون براهينه مقنعة لمن أنكرها. وهادية إياهم إلى سواء الصراط المستقيم.
باب المشارفة
مجلة الآثار
مجلة عامة الأبحاث تصدر في رحلة في نصف كل شهر وهي اليوم شهرية موقتاً. وتطبع في دمشق. لمنشئها ومديرها المسؤول الكاتب الشهير صديقنا ورصيفنا عيسى أفندي أسكندر المعلوف اللبناني. بدل اشتراكها في البلاد العثمانية 6 فرنكات ونصف. وفي الديار الخارجية 10 فرنكات.
برز عددها الأول في تموز من هذه السنة. فألفيناه حسن السبك والإنشاء مختلف المواضيع غزيرها. لكنه لا يخلو من مغامر:
منها: خلو مباحثه من انتبويب أو من نظام متسق متبع كما هو الأمر في مجلات هذا العصر.
ومنها: أن نقل أبيات السلطان احمد بن محمد (ص11) لا يستحب في مجلة تتناولها أيدي الكبار والصغار، لا سيما منشدها رجل والمقولة فيه من الشبان، الأمر الذي تأباه آداب هذا العصر.(1/110)
ومنها: أن في بعض العناوين شيئاً من التكلف كورود (مخطات العقول) ويراد بها (الآثار الأدبية) أو (المطبوعات الحديثة). نعم أن التأليف هي بمنزلة المحنطات، لبقائها على حالها بقاء المحنطات وان تراخت عليها أستار الاعصار، لكن ما ضر الرصيف لو قال مثلاً (مخلدات الكتاب) أو (مآثر العقول) أو (الآثار الأدبية) أو نحو ذلك، وبالأخص لان البلى قد يدب إلى المحنطات ولو بعد حين، لكنه لا يدب إلى المخلدات أو المآثر الأدبية أو العقلية.
ومنها: انه سمي (باب الأخبار السياسية) متحف الأخبار. ليس لهذه اللفظة وجه لغوي فصيح صحيح. اللهم ألا أن يقال فيها (متحفة أو دار تحف أو خزانة تحف) أو ما أشبه ذلك (راجع المشرق 343: 10 - 344).
ولم لا ينحو صديقنا سهولة اللفظ وسلاسته مع الفصاحة والبلاغة وهو من مشاهير كتاب هذا العصر ومقدميه. وعليه: فما ضره لو قال (باب الأخبار السياسية). على أن هذا كله لا يحط شيئاً من منزلة المجلة. ولا من مقام منشئها الرفيع. حفظه الله. وانجح مسعاه. خدمة للغة والعلم ولكل من ينتمي أليهما.
تاريخ وقائع العراق وما جاوره
(سعدون باشا والمنتفق) لا حديث اليوم في العراق إلا ما يدور قطبه على سعدون باشا والمنتفق على سعدون وإرساله إلى بغداد وسجنه(1/111)
في قلعة المدفعية ثم أنفاده إلى حلب الشهباء. أما سبب هذا الانقلاب فطويل الشؤون، كثير الشجون، نورد مضامينه ملخصيه عن عدة أعداد صحف بغداد ولا سيما عن جريدة الزهور الغراء، فنقول:
إن أعراب العراق من اشد الناس دهاء وذكاء وهي تميل من ذاتها إلى الفتك والغزو والحرب وان لم تحتج إلى ما يقوم بها عيشها. وإنما تفعل هذه الأفعال ظناً منها أنها من علامات البسالة والشجاعة والأقدام على الأمور الجسام. على أنها تسكن وتستكين إذا رأت من الحكومة ما تكبح به جماحها. والعكس بالعكس.
ولما أسفر وجه الدستور عن حسنه البديع ظن بعض الرعاع أن الحرية هي الاندفاع إلى المعاصي والمنكرات وإتيان كل محظور، ومن جملة من شق عصا الطاعة العشائر المنبثة على ضفتي الفرات وفي سقيه حتى انقطعت حبال المواصلات بين (القرنة) إلى (الناصرية) ومنها إلى (السماوة) وكل ذلك في شهر ربيع الثاني من هذه السنة (نيسان 1911) فلما رأى آل سعدون عبث العشائر في تلك الديار تركت أملاكها وعبرت إلى جهة الشامية للتخلص من بغي تلك الأقوام الطاغية.
ولما شاع مجيء ناظم باشا إلى بغداد وانه قد قدم لإصلاحه وترقية شؤونه طار فرحا السعدونيون واظهروا من السرور ما لم يخف على أحد. فسبب هذا الفرح ما آثار في صدور أولئك الناس اشد الحقد عليهم، وجزموا بان السعدون يكونون عوناً ويداً للحكومة. ومنذ(1/112)
ذاك اليوم اخذوا ينظرون إليهم نظرهم إلى أعدائهم أو إلى كابحي جماحهم.
وكانت عشيرة الضفير موالية لآل سعدون ومحبة له غاية المحبة حتى أنها كانت تود أن تفديه بحياتها. ثم انقلبت الأمور ظهراً لبطن وإذا بالضفير قد أصبحت من اشد أصبحت من اشد الناس عدواة له. والسبب على أثبته الرواة هو انه لما كان سعدون باشا في شهر محرم (كانون الثاني 1911) نزيل (الروضة) ومعه جميع عشائر الموالية له دبت عقارب الفتنة إليه وإلى الضفير فوقع الخلاف بين الفريقين وللحال انفصلت الضفير إليه وغادرته إلى مكان قصي فحاول سعدون باشا إلى إعادة المياه إلى مجاريها فلم يفلح وأظهرت العشيرة أعذاراً هي أو هي من بيت العنكبوت. فبعث إليها رسولاً ابنه (ثامر بك) مرة ثانية وقال
له: أن لم تجبك اخفرها جرياً على سنن الأعراب وأمرائهم) (والخفر عندهم أن يأخذ الأمير الكبير من العشيرة العاصية بعضاً من ابلها بموجب الجرم الذي ركبت متنه تأديباً لها). فذهب الولد ووافى (ابن حويط) رئيس عشيرة الضفير وبلغه رسالة أبيه. فلم يعبأ ابن حويط بقوله، فأراد ثامر الخفر فمنعه الحاضرون عن مد يده بما سمع من إطلاق الرصاص، وعلى هذا الوجه رجع ثامر بك بما رجع به حنين بعد أن قتل رجل من رجاله وامرأة ضفيرية.
وفي تلك الأثناء اخذ بعض محبي السلم الوسائل لإصلاح ذات البين بين سعدون وشيخ الكويت فرحب بها سعدون بدون شرط وعاد(1/113)
أدراجه إلى دياره ومعه الضفير وفي القلوب من الذخل والغيظ والموجدة مالا يخفى على أحدٍ حتى بلغ صداه إلى ابن الرشيد لنصرته على الضفير لاسيما لأنها اعتدت عليه بتعرضها لقوافله سابقاً أخذها منه عدداً من الإبل وكان قد امتنع من التنكيل بها محبة لسعدون صديقه.
فلما أحس ابن حويط بقدوم ابن الرشيد وانه يكون ظهر السعدون شعر بحرج الموقف ولهذا أسرع في الذهاب أمامه واستقباله ولما تلاقيا طلب ابن حويط من ابن الرشيد العفو والصفح فعفا عنه، ثم طلب إليه أن يتوسط بينه وبين سعدون لعقد عرى الصلح بينهما، فلبى طلبه، فسار للحال ابن سبهان ومعه شيوخ الضفير إلى سعدون باشا وأقنعوه بقبول الصلح فلم يقبل إلا بعد اللتيا والتي وبشرط أن تدفع الضفير خفر 300 بعير و70 جواداً. فقبلت ودفعت إلى سعدون ما طلبه أعطى هذا من هذا الخفر 70 بعيراً و15 فرساً هدية لابن الرشيد. وهنا روايتان: الرواية الأولى هي أن ابن الرشيد فرقها على عشائره التي كانت الضفير قد أخذت جمالها سابقاً. والثانية: انه وهبها للضفير.
وبعد هذا الوفاق رجع كل منهم إلى قومه. وأما ابن الرشيد فانه من بعد أن أقام بين ظهرانيهم يومين بعد الوفاق ظعن عن ديارهم. على أن الدسائس لازالت تجري أفاعيها تحت ظواهر الصلح حتى ابتعد ابن الرشيد فقامت الضفير على سعدون حتى خذلته وليس من العجب أن يخذل سعدون لأنه لم يكن مستعداً لمثل هذه الخيانة وانجلت الموقعة عن قتل في الفريقين وممن عرف عن القتلى ثلاثة من السعدون وثلاثة(1/114)
من شيوخ الضفير. وكانت هذه الوقعة في 22 ربيع الأول من هذه السنة (24 آذار سنة 1911) في موضع اسمه
(الحسينية قرب (شقراء) التي فيها قصر سعدون باشا.
فلما بلغت الأمور هذا المبلغ كتب محمد العصيمي من أعيان الزبير كتاباً إلى سعدون بتاريخ آخر ربيع الثاني (أواخر نيسان) يقول له فيه أن يرسل يوسف بك ابن أخيه إلى أنحاء الزبير لينضم إلى عشيرة بني مالك ويقطع الطريق عن قوافل الضفير التي آذنت لها الحكومة أن تأتي إلى الزبير. فأجاب طلبه السعدون وذهب يوسف بك حتى وصل إلى مسافة ميل من بلدة الزبير فاخذ من العشيرة المعادية ثمانية بعران ولما رأى أن لا قبل له بإتمام ما بدأ به لمقاومة الضفير له لجأ إلى قصر خالد العون في (الشعبية) إحدى ضواحي الزبير الذي اتخذه العصيمي مقاماً له.
ثم كتب محمد العصيمي ليوسف بك أن يرغم العشيرة ويسلبها وينهها انتقاماً من الزبيريين (الذين استقبحوا عمل العصيمي) فحاصرها يوسف بك في 2 جمادي الأولى (1 أيار) حتى انقطعت السبل بين البصرة والزبير وغلت الأطعمة غلاء فاحشا وخاف الناس على أنفسهم إلى أن من الله بالفرج على عباده.
ولم تنتبه الأمور إلى هذا الحد بل آلت إلى صورة أشنع وافظع: زار تسعة من شيوخ البدور في عيد الأضحى من هذه السنة عجيمي بك ابن سعدون باشا ولعلهم فعلوا ذلك حباً بالسلام والرجوع إلى الاتفاق(1/115)
والوئام، لاسيما وان عجيمي المذكور أمنهم على أنفسهم وعاهدهم العهود الوثيقة أن لا يؤذيهم، ثم بعد ذلك غدر بهم كما غدروا هم بابيه فقتل سبعة منهم وفدى اثنان نفسيهما بمال طائل فافلتا. ولما سمعت العشائر بهذه الخيانة التي لم تكن ألا بآمر من سعدون باشا هاجت وماجت والت على نفسها أن تنتقم من سعدون مهما كلفها من المال والرجال وخلعت طاعته ولم يبق من العشائر الموالية له سوى الضفير وهذه أيضاً لم تبق على حبها له لأنه غزا عنزة مع الضفير ومع بعض عشائر السماوة وكانوا له بمقام الخدم والعبيد منقادين لجميع أوامره وزواجره وما كان يكرم أحداً منهم غير رؤسائهم فانه كان يكسوهم ثياباً في السنة مرة لا غير وبعد انتصاره نوى أن يحرم عشائر السماوة من الغنيمة. فأنكر الضفير عليه هذا العمل، ومن ثم تحكمت النفرة بين سعدون باشا وبين العشيرة المذكورة وأصبح سعدون وحيداً شريداً طريداً، لا يرق عليه قلب، ولا يعطف عليه عاطف.
ولما كان بقاء سعدون باشا في مقامه مما يزعج الخواطر ويقلقها ويديم الاضطراب في أرجاء المنتفق، كتب رؤساء العشائر رسالة ونفذوها إلى ولايتي البصرة وبغداد وقد ذيلها أربعة عشر رئيساً باسمائهم، وهذا بعض ما فيها نقلاً عن جريدة مصباح الشرق في عددها 47 بدون إصلاح عبارتها المغلوطة:
من المعلوم أن الدور البائد باستبداد حمولة آل سعدون على لواء المنتفقك(1/116)
كانت حياة عموم الرعية مستغرقة، ولما تحقق لدى الحكومة جهزت جنداً كافياً فأخرجتهم إلى جهة الشامية وبقوا مدة سنين فاستراحت الأهالي وكسبت الأمنية وكانت الأميرية تعطى من قبل الأهالي.
أما من مدة ثمان سنين، فبواسطة أهل الغرض عبر سعدون من الشامية إلى جزيرة الغراف وذلك في زمان ولاية مصطفى نوري باشا، واخذ العهود عليهم لإحياء مشيخة آبائه وأجداده، والذي يمتنع ينهب ماله ويسفك دمه فصارت السلطة عليهم ولما تمكن هجم على قضاء الشطرة وقتل رهطاً من الجند وضايقها، حتى اضطر الأهالي إلى دفع الأموال لخلاصهم من القتل، ثم ارتحل وهجم على قضاء السوق ونهب واحرق، ولما تحققت معاملته لدى الحكومة ساقت الجند مع الفريق محمد باشا بعد أن استغاث اللواء وعشائره، ففر إلى الكويت ثم عاد بواسطة العفو وشيد قلعة المائعة ووضع فيها ما تمكن من الذخيرة، ثم تسلط على العشائر واخذ يجلب رؤساءهم والذي لم يوافقه يقتله، وهكذا استمرت أفعاله والحكومة كانت تراها ولم تعاقبه لإطماعها فيه، إلى زمن الوالي السابق مخلص باشا فساق عليه الجند وأمر بقلع المائعة، ولما انفصل من وظيفته رجع واستمر على جوره، حتى بزغ الدستور وتلطف الباري علينا بالعدل فما لبث أن عاد لحانته الأولى أيضاً وجرى ما جرى منه من سفك الدماء وقتل الأنفس. ونظراً لما شاهدته العشائر من انتصار حكومة المركز أخيراً، وإعطاء القوة إلى سعدون وولده صاروا مأيوسين ومحاذرين من تسلط سعدون وولده، لعلمهم بمعاملاته السابقة من قتل النفوس والفعل الشنيع الذي(1/117)
صدر من عجيمي فوقعت مناوشة خفيفة بين عشائر والبدور والجند، وعند دخوله إلى اللواء صارت مصادمة بنفس اللواء حتى تلفت جملة نفوس واحترقت جملة بيوت وانتهبت، وترك الناس يقتلون بعضهم بعضاً فلم يصلحوا ذات بينهم ولا اخرجوا سعدون من قلعة المائعة وقد كان ذلك غاية ما تطلبه البدور من الحكومة، وقد سحبوا تلغرافات إلى المقامات العالية شارحين
الحال طالبين إخراجه من المائعة ووضع مفرزة فيها من العساكر المظفرة لإصلاح الطرق قيها والأمنية منتظرين الجواب.
فإذا لم يصدر الأمر بإجراء الإيجاب على النظام تتحد عشائر البدور مع الضفير والشيخ مبارك الصباح وتتصل قبائل لواء المنتفك في معيته والي الآن ما حصلت النتيجة ولا صدر أمر بإجرائها.
أما الضفير فقد ثم اتفاقهم مع الشيخ مبارك الصباح وأما عشائره البدور وقبائل لواء المنتفك ففي المخابرة والمذاكرة وإذا بقى هذا الحال ولم يصدر أمر بإجلاء سعدون وقلع المائعة لقطع دابر الفساد وإصلاح الحال ووضع مفرزة من الحكومة إلى إصلاح أحوال العراق وحقن دماء المسلمين وتخليصهم من يد سعدون وأولاده وتعيين مأمورين إلى اللواء خالين من الغرض محافظين حقوق الدولة والملة فيسعون إلى إصلاح هذه المفاسد قبل أن تكون ولاية البصرة مسرحاً للأجانب. اهـ
ولما تريثت الحكومة في إصدار أمرها تحالفت العشائر على مناهضة(1/118)
سعدون وضبطت قلعة صغيرة قتل في أثناء أخذها اثنان من رؤساء المنتفق فطلب حينئذٍ سعدون من الحكومة إرسال الطعام إلى أهل بيته بواسطة البواخر ففعلت وأرسلت معها العساكر، فلما علمت العشائر بذلك أمطرت الرصاص على المركب وعلى من فيها فقابلها الجند بالمثل ذهاباً وإياباً ودام إطلاق البنادق من الجانبين اكثر من 12 ساعة.
وبعد أن تحققت العشائر وجود سعدون في اللواء حاصرته اشد الحصار لا كراهه على الخروج من تلك الديار فخرج بعد حصار دام يومين وليلتين وبخروجه انتهى الحصار. أما العشائر التي ناوأته في تلك الواقعة فكانت البدور والغزي والحسينات والبوعظم والعساكرة.
بعد أن أهين سعدون هذه الإهانة وتثبت أن كل هذه البلايا التي نزلت به كانت بسبب الضفير إلى على نفسه أن يطاردها ولو بذل دمه في سبيل تحقيق أمنيته فما زال وراءها حتى أتى الزبير فسمع هناك بقدوم صديقه الحميم السيد طالب باشا مبعوث البصرة إلى المدينة عائداً من الآستانة فاحب مواجهته وكتب إليه رسالة ليعرف منه إذا كان هناك مانع يحول دون زيارته فأجابه المبعوث أن لا مانع من دخوله البصرة.
فذهب ولما وصل إلى البصرة نزل به ضيفاً. وحالما علة والي ولاية البصرة بدخول
سعدون باشا المدينة أنبأ بلسان البرق لجنة التحقيق والأجراء بموافاة الشيخ المذكور فورد الجواب بالقبض عليه وإرساله إلى بغداد مخفوراً. فأرسل إليه آمر المبدرقة (أي قومندان الجاندرمة) وقت القيلولة وطلب إليه أن يواجه والي الولاية، فلبى الطلب مسرعاً(1/119)
فلما وصل دار الحكومة قيل له أن الوالي في العشار (محلة من محلات البصرة واقعة على شط العرب) فركب العجلة، ولما وصل الحي المذكور قيل له انه في المركب وما كادت أقدامه تطأ باخرة (مسعودي) إلا وشعر بأنه محاط بالخفر وانه ينقل إلى بغداد فوصلها في 27 تموز وانزل في دار خاصة به عينتها له الحكومة وجعلت له خدماً على نفقته ثم في 3 آب نقل إلى قلعة المدفعية الواقعة على دجلة. وفي ليل 20 آب سافر إلى حلب الشهباء عن طريق الموصل لمحاكمته هناك والله اعلم بمصير الأمور.
أما أعراب المنتفق فقد أخلدت إلى السكون والراحة ريثما تجد لها ما يثير غضبها وفق الله الجميع إلا ما به خير العباد ونفع البلاد.
في المدينة بضع إصابات بالهيضة أما الوفيات فتكاد لا تكون شيئاً مذكوراً. إلا أن هذا العرض يفتك في المحمرة والوفيات فيها من 25 إلى 30 في اليوم مع أن المدينة قليلة السكان.
قدم إلى بغداد واليها الجديد احمد جمال بك نهار السبت 26 آب وقرء الفرمان نهار الأربعاء 30 آب.(1/120)
العدد 4
البريم أو عبادان الحديثة
1 - تمهيد
في الجهة الشرقية من البصرة الفيحاء، موطنان شهيران اسمهما اسما مدينتين قديمتين كانتا في سابق العهد بعيدتي السمعة وهما: عبادان (وزان شداد بالتثنية والرفع) وقبان (كشداد). وكانتا قبل 50 سنة داخلتين في أقصى حدود البصرة، ومعدودتين من أواخر السواد جنوباً، أو من ذنائب العراق، وهما اليوم في ملك دولة إيران، أو أن شئت مزيد التدقيق فقل: عما اليوم من أراضي الشيخ خزعل، أمير المحمرة، والمحمرة هي قاعدة إماراته.(1/121)
وليس كلامنا هذا هو جواد قلمنا في ميدان البحث عن الأولى، لمونها أشهر من أختها في التاريخ والموقع. ونبقى الكلام عن اختنا إلى وقت الحاجة. وقد سمينا عبادان مدينة وان كان لا يحق لنا نطلق عليها مثل هذا اللفظ، لان ليس هناك ما يصدق فيه أن يسمي بهذا الاسم، وإنما دعوناها كذلك اتباعاً للفظ القديم، وجرياً على العادة، ولأنها الآن آخذة بالعودة إلى سابق عزها وعمرانها، وسوف تسمع بعد بضع ساعات بطائر شهرتها بعد أن تكمل عمارتها حتى تكسف شمس شهرتها بدر شهرة البصرة وبغداد، بل وشهرة جميع ديار العراق. وسوف يؤمها ويقصدها كبار الناس وسراتهم وأصحاب الثروة الطائلة، حتى تصبح من المدن الجليلة التي لا يمكنك أن تعارض بها بعد ذلك إلا من مدن ديار الإفرنج بل ومدنها الكبار، وحواضرها الواسعة الكثيرة السكان.
وان سألتني عن سبب هذا التفاؤل الغريب وعن صدق هذا النبأ، أقول: أن شركة إنكليزية كبيرة راس المال واسمها - تهتم باستخراج الزيت الحجري، (وهو النفط المعروف عند الإفرنج باسم البترول) وقد ضمنت الأراضي التي ينبع فيها هذا السائل الجزيل الفائدة والعائدة لمدة سبعين سنة، واسم الأرض اليوم رامز (واسمها القديم رامهز أو رامهرمز اردشير) وهي(1/122)
تشمل عدة مدن وقرى وهاك أسماء بعضها: مسجد سليمان، وميدان النفط، والناصرية (التي في فارس لا التي على الفرات) شيرين، ودار الخزينة وغيرها.
وقد وجدت اليوم الشركة المذكورة بتعمير هذه المدينة على طرز لندن، حتى أن كثيرين من الإنكليز والوطنيين اخذوا يسمونها (لندن الصغيرة) وهي تسرع في بنائها وأي سرعة، حتى أنها بنت في ثلاث سنوات ما لا يبنيه أهل هذه الديار الشرقية إلا في 15 أو 20
سنة. هذا فضلا عن انه لا يكون إلا دونه أحكاماً ونظاماً وهندسةً وصبرا على الزمان.
والغريب في هذه المدينة الحديثة أن تخطيطها لم يرسم في الوطن عينة أو بعد النظر إلى مواقع المدينة، بل إنما خط في غلاسو، فيعمل بموجبه الرازة والمهندسون، ولا يندون عن الرسم قدر شعرة أو ذرة. وجميع ما يأتيهم من بلادهم من أدوات ومواد مصنوعة ومهيئات يردهم على القدر المقدر في الرسم، فلا يعاني الرازة عناءً مذكوراً في إنزاله في محله كما انك لا تتكلف مشقة في إرجاع المفرغ في قالبه.
وعبادان واقعة على شط العرب، ومراكب البحر تصل إليها وتقف في مرساها الجديد الذي بناه الإنكليز أهل الشركة المذكورة.(1/123)
وقد تمت أشغاله في آخر يوم من تموز، ووقف فيه لأول مرة مركب (اناطوليا) في 29 تموز من هذه السنة 1911.
ويبعد عن غربي عبادان بخمس دقائق أرض خالية اسمها بريم (مصغرة. ويلفظها العوام بإسكان الأول)، وهي تكاد تكون متصلة بعبادان لقربها منها. ولا بد من أن تضم إليها يوماً فيجتمع من المدينتين بلدة كبيرة من أكبر مدن العراق.
2 - معنى عبادان وبريم
قال ياقوت الحموي في معجمه: قال البلاذري: كانت عبادان قطيعة لحمران بن أبان، مولى عثمان بن عفان رضه، قطيعة من عبد الملك بن مروان، وبعضها فيما يقال: من زياد. وكان حمران من سبى عين التمر، يدعي انه من النمر بن قاسط. فقال الحجاج يوماً وعنده عباد بن حصين الحبطي: ما يقول حمران، لئن انتمي إلى العرب، ولم يقل انه مولى لعثمان: لأضربن عنقه فخرج عباد من عند الحجاج مبادراً، فاخبر حمران بقوله: فوهب له غربي النهر وحبس الشرقي فنسب إلى عباد بن الحصين. وقال ابن الكلبي: أول من رابط بعبادان عباد بن الحصين) اهـ
وقال غيرهما: بل سميت عبادان نسبة إلى العباد الذين كانوا منقطعين فيها. قلنا: هذا غير صحيح: أولاً، لان عين عبادان مفتوحة لا مضمونة. ثانياً، لان الألف والنون اللاحقتين بآخر (عباد) هما(1/124)
من قبيل ياء النسبة عند أهل البصرة وهي لغة خاصة بهم جارية على ألسنتهم إلى يومنا هذا. إلا أن هذا الإلحاق النسبي الغريب خاص بالأعلام لا غير. فتسمعهم يقولون إلى اليوم يوسفان وسعيدان ومهيجران في النسبة إلى يوسف وسعيد ومهيجر، ولا
يقولون غير ذلك. قال ياقوت: أما إلحاق الألف والنون فهو لغة مستعملة في البصرة ونواحيها، انهم إذا سموا موضعاً أو نسبوه إلى رجل أو صفة يزيدون في آخره ألفاً ونوناً كقولهم في قرية عندهم منسوبة إلى زياد بن أبيه: زيادان، وأخرى إلى عبد الله: عبد الليان، وأخرى إلى بلال بن أبي بردة: بلالان. قال: وهذا الموضع فيه قوم مقيمون للعبادة والانقطاع، وكانوا قديماً في وجه ثغر سمي الموضع بذلك. والله اعلم.
وأما البريم فسميت كذلك لكثرة ما كان فيها في سابق العهد من البريم (مصغرة، وهو ضرب من التمر حسن للغاية أصفر اللون مدور الشكل عذب الحلاوة. وهو الذي كان يسميه الأقدمون من فصحاء العرب: البرني نسبةٍ إلى برن بالفتح والإسكان. وهي قرية في البحرين نسب إليها التمر البرني. (عم معجم البكرى) فلما صغروا البرني قالوا: البريني ثم حذفوا ياء النسب للتخفيف وللشهرة، وقلبوا النون ميماً. كما قلبوها في كثير الألفاظ.
3 - موقع عبادان وبريم وذكر أهلهما.
قال ياقوت: (موقعها) تحت البصرة قرب البحر الملح، فان دجلة إذا قاربت البحر انفرقت فرقتين عند قرية تسمى المحرزي.(1/125)
ففرقة يركب فيها إلى ناحية البحرين نحو بر العرب وهي اليمنى، فأما اليسرى فيركب فيها إلى سيراف وجنابة فارس، فهي مثلثة الشكل، وعبادان في هذه الجزيرة التي بين النهرين، فيها مشاهد ورباطات، وهي موضع رديء سبخ لا خير فيه. وماؤه ملح، فيه قوم منقطعون عليهم وقف في تلك الجزيرة، يعطون بعضه، واكثر موادهم من النذور، وفيه مشهد لعلى بن أبي طالب رضه وغير ذلك، واكثر أكلهم السمك الذي يصيدونه من البحر ويقصدهم المجاورون في المواسم للزيارة، ويروى في فضائلها أحاديث غير ثابتةٍ. اهـ كلامه
وقد قال صاحب دائرة المعارف: وليس لعبادان (اليوم) من اثر باقٍ. فان مياه شط العرب تجري الآن إلى خليج فارس من مصب واحدٍ وليس هنالك جزيرة على ما وصفوا فقد أكلتها المياه (كذا) اهـ. قلنا: وقد وهم صاحب الدائرة لان البحر يجزر هناك ولا يتقدم أو يمد. ومن ثم لم يأكل شيئاً، وإنما غاضت تلك المياه ونشفت فانحسرت أرضها. وعبادان واقعة اليوم على شط العرب على عدوته اليسرى ويحيط بها من الشرق عدة انهر لا سيما نهر بهشمير وحولها مستنقعات كثيرة تنشف مياهها في أيام الصيف. وهي تبعد اليوم عن
البحر قراب 20 كيلومتراً. ولكونها محاطة بالمياه يصدق عليها لقب الجزيرة إلى الآن.
وبريم تبعد عن عبادان زهاء خمس دقائق أو اكثر بقليل. وفيها الآن آثار أبنية قديمة يقال أنها آثار حصن بناه في سابق العهد عبد(1/126)
لهرون الرشيد اسمه غصيب سكن في الموضع المعروف اليوم بالبريم فعمر ذلك القصر.
وارض عبادان اليوم مع أرض البريم خصبة جداً وهواؤهما على احسن ما يرام. والماء عذب فرات. وليس في هذين الموضعين وبالة كما في أرض البصرة وجوارها.
4 - مذهب أهل عبادان
قال السيد إبراهيم فصيح الحيدري في عنوان المجد (وهو كتاب خط): (كان أهل عبادان كلهم مع نواحي المحمرة في القديم على مذهب الإمام الشافعي رضه كالبصرة ونواحها، ثم تشيع جميع أهل عبادان ونواحي المحمرة في القديم كلهم، وما بقي منهم أحد من أهل السنة والجماعة سوى بعض الأفراد من الدوق من عشيرة كعب.) اهـ
5 - وجود قرى كثيرة في جوار عبادان
كان يقال سابقاً: (ليس وراء عبادان قرية) قال المجد في شرحه لكلمة عبادان:
(عبادان جزيرة أحاط بها شعبتا دجلة ساكبتين في بحر فارس) اهـ. وأما اليوم فوراء عبادان قرى عديدة. ويطوف بها من جهة الشرق نهر بهمشير الحاجز بينها وبن المحمرة إلى أن ينتهي إلى البحر الفارسي أو خليج فارس. فعبادان هذه واقعة على جهة النهر المذكور الغربية وعلى جهته الشرقية ترى قبان، وشاطئ نهر بهمشير المقابل لراس(1/127)
جزيرة عبادان من جهة الشمال يسمى المحمرة وهي غير المحمرة المشهور الآن بهذا الاسم. اهـ
قال السيد إبراهيم الحيدري المذكور: (مما يدخل في جانب جزيرة عبادان من الجهة الغربية (من القرى التي هي) من أملاك الدولة العلية قديماً: (أما الجريدية، والحدة، (بتشديد الدال)، ونهر الشيخ وحوش العامر، وجزيرة المحلة، والشطيط، والبريم، والبويرة (هذه الثلاث تلفظ مصغرات) والمنجوحي، وقصبة النصار) وهي آخر جزيرة عبادان، وسميت قصبة لأنها منبت قصب. وأما ما على جانب جزيرة عبادان من الجهة الشرقية: (فنهر الحياج، وكوت شنة (بتشديد النون) ونهر الحدادين، ونهر مهيوب، والصوينخ (مصغرة) فهذه كلها
معمورة وباقي القرى لا غرس فيها (ولهذا لا نتعرض لذكر أسمائها).) اهـ
وأما بازاء نهر الدعيجي: فخميسة (مصغر خمسة)، وسعيدان (مصغرة)، ونهر يوسف والشاخورة، والمعموري، والدربند، والخيين. (مثناة)
6 - علماؤها
خرج منها عدة زهاد وعباد ومحدثين وعلماء، ذكر بعضاً منهم ياقوت في معجمه. وممن اشتهر منهم في أواخر هذه الأزمان: ابن قاسم العبادي وهو الذي حشى تحفة ابن حجر المكي الهيتمي، وله حاشية(1/128)
على جميع الجوامع في الأصول اسمه: الآيات البينات، وشرح الغاية في فقه الشافعية، وحاشيته على حاشية اللقاني المصري على شرح التصريف للتفتازاني، وحاشيته على حاشية عصام الدين على شرح الكافية للجامي وغير ذلك من الكتب.
وفي العدد القادم نذكر بناية عبادان الجديدة مع التفاصيل المتعلقة بها.
كتاب الصبوح والغبوق
لعله من تأليف شمس الدين محمد بن حسن بن علي بن عثمان النواحي القاهري الشافعي صاحب حلبة الكميت، المتوفى سنة 859هـ - 1455م.
عدد قوائمه 155 وفي كل صفحة من صفحة 19 سطراً بخط نسخي واضح. طوله 15 سنتمتراً في عرض 11 سنتمتراً.
هذا الكتاب من أسفار الأديب انطوان أفندي سمحيري في بغداد واسم المؤلف لم يذكر فيه لا في صدوره ولا في آخره. إلا انه يؤخذ من الصفحة 143 أن كاتب السفر أدرك عبد الوهاب بن حسن بن جعفر الحاجب وعاشره. فلعله إذاً للنواجي نسخة في خزانة كتب برلين الملكية عددها 8396.
وقد جاء في آخر النسخة: (تم الكتاب بعون الملك الوهاب في(1/129)
صبح يوم الجمعة المبارك سادس شهر ربيع الأول من شهور سنة واحد (كذا) وأربعين وألف. احسن الله ختامه آمين. على يد الفقير إلى عفو ربه المغني رمضان بن موسى بن عطيف الحنفي غفر الله تعالى له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين والحمد لله رب العالمين سنة 1041) اهـ
وعنوان الكتاب يدل على فحواه. وهذا استهلال المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعم الوكيل،
أما بعد الحمد لله على ما وهب من إصلاح الشان، وإيضاح البرهان، وإفصاح السان، وسماح الجنان بالبيان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد ولد عدنان، واله وأصحابه ذوي الفصاحة والتبيان، والسماحة والإحسان، فأنني رأيت طائفة الشعراء من المحدثين والقدماء، قد وصفوا الصبوح ومدحوه، وذكروا محاسنه وفضله وشرحوه، وبينوا منافعه وأوضحوه، فقصروا في المدح وطولوا. وأسهلوا في المدح والشرح واجلبوا،. . . . وقد رتب هذا الكتاب على ثلاث طبقات:
فالطبقة الأولى: نذكر فيها الملوك ومذاهبهم في الصبوح وأخلاقهم
والطبقة الثانية: نذكر فيها وزراء الملوك وخوصهم وأمراءهم ومن شاكلهم.
والطبقة الثالثة: نذكر فيها سوقة الناس وعوامهم.
ونذكر في كل طبقة ما يستدل به على همها وأحوالها واختلاف أهوائها وشهواتها وتباين طبائعها، وتركيبها وترتيبها،. ثم نتبع(1/130)
ذلك بما قالته الشعراء ومن اختار منهم الصبوح على
البساتين والأزهار، وشطوط البرك والأنهار، ونجتزئ من ذلك باليسير القليل، مخافة الإكثار والتطويل، وحسينا الله ونعم الوكيل. اهـ.
والكتاب في غاية الإفادة لمن يعني بالأمور التاريخية في عصر العباسيين، والاطلاع على عوائد المتحضرين من العرب في ذلك العهد، وما كان يدور في مجالسهم من الحديث ونظم الشعر وتجاذب أطراف الكلام. وهذا الكتب ينفع أيضاً لإصلاح عدة أغلاط وردت في كتاب الأغاني، سواء وقعت من المطابع أو من الناسخ. لان اغلب الذين ذكرهم الاصبهاني في أغانيه من معاقري الخمرة ذكرهم أيضاً صاحب هذا التأليف الغريب، وفي الكتاب ما عدا هذه المنافع فائدة ثالثة وهي معرفة بعض الموضع والأمكنة والبلدان معرفة تامة وهي المواطن التي اشتهرت بحسن موقعها فجذبت إليها أصحاب الأنس والقصف فأقاموا فيها للأكل والشرب أياما عديدة.
وها أنا اذكر لك شاهدا على ما أقول: كل من يبرح بغداد طالبا حلب يمر في طريقه بموطن على الفرات اسمه القائم فيه نفر من العسكر في قلعة قد بنيت في عهد مدحت باشا حفظاً للطريق من قطاع الإعراب وشذاذهم ونفضاً إياها من أشرارهم. وهناك بقايا أبنية فخمة ضخمة تدل على أن (القائم) كانت سابقاً قرية كبيرة فيها أديرة للنصارى بيد انه لم يجسر أحد أن يقول هذا القول لعدم وقوعه على ما يثبت ما يختلج(1/131)
في الصدر وقد رأينا في ص33 ما يؤيد هذا الظن ويخرجه إلى عالم الحقيقة والصحة. قال المؤلف:
فصل في دير القائم الأقصى
قال أبو الفرج علي بن الحسين الاصبهاني: (دير القائم الأقصى) على شاطئ الفرات بطريق الرقة. القائم الأقصى مرقب (قلت أنا: والى اليوم ترى آثار هذا المرقب مائلة) كان بين أرض الروم وارض فارس. وعنده دير جليل. ومر به الرشيد في خلافته فاستحسن الموضع واستطابه، وكان الوقت ربيعاً، وكانت المروج التي حوله مملوءة بالشقائق والأنوار، وأصناف الرياحين والازهار، فنزل به وأقام ثلاثة أيام.
قال هاشم ابن محمد الخزاعي: فدخلت الدير لأراه وأطوف فيه، فرأيت جاريةً ديرانية حين نهد ثدياها، لم أر احسن منها وجهاً وقداً وملاحة واعتدالاً، وكان والله تلك المسوح حلياً لها، تضئ بها وتنير. فدعوت بمن جاءني مسرعاً بشراب، فأقبلت اشرب على وجهها واستمتع من محاسنها، فقلت فيها هذه الأبيات:
بدير القائم الأقصى ... غزال شادن أحوى
برى حبي له جسمي ... ولا يدري بما ألقى
وأخفى جليل جهدي ... ولا والله لا يخفى (كذا)
إلى آخر الحكاية. وقد روى مثلها صاحب الأغاني في 5: 123 وفي صدر البيت الأخير: واكتم حبه جهدي(1/132)
وأنت ترى من هذا المثال ما في هذا السفر الجليل من الفوائد التاريخية والجغرافية والعلمية والأخلاقية إلى غيرها.
وفي هذا المجلد كتاب ثانٍ يبتدي من الصفحة 196 اسمه مفتاح الراح، في امتداح الراح. (ويروى مفتاح الأرواح) ونظنه لمؤلف الكتاب المذكور وهو عبارة عن ديوان شعر جمع كل مقاله الشعراء في الخمر وقد رتبه على حروف المعجم إلا أن غالب القصائد لأبي نؤاس وهذه فاتحة الكتاب بعد البسملة:
(الحمد لله على ما وهب من إصلاح الشان. وإيضاح البرهان. وإفصاح اللسان. وسماح الجنان بالبيان. وصلاته وسلامه على نبيه محمد اشرف أنواع الإنسان. المنزل عليه القرآن. . . . وبعد فأنني رأيت طائفة الشعراء. من المحدثين والقدماء. وقد وصفوا الراح ومدحوها، وذكروا محاسنها وشرحوها. . . .
وآخر قصائده تستهل بهذه الأبيات:
في الله أياماً مضت ولياليا ... تروح روائح تربها وغواديا
ليالي أطلقت العنان مع الهوى ... ورحت بها في ربقة الذنب عانيا
فيا طيبها لو لم تكن قلائلا ... ويا حسنها لو لم تكن فوانيا
وآخر بيت هذه القصيدة هو:
وادعوا لمحو الذنب في كل موطن ... الهي عساه أن يستجيب دعائيا
على أن أهم ما في هذا المجلد القسم الأول الذي ذكرناه. أما الثاني(1/133)
فدونه منزلة وان كان لا يخلو من فائدة.
بغداد: الشماس فرنسيس اوغسطين جبران
ماذا يرى اليوم في سامراء
إذا أتيت سامراء وأطلقت فيها طائر نظرك لا يكاد يقف على عامر قديم العهد بل تراه يحوم على أطلال وأنقاض وتلال صغار وكبار، وإذ لا يجد له مقراً يعود إليك وقد وهنت قواه. ولكل تل من هذه التلول اسم معروف عند أهل المدينة، ولما كانت هذه الأنقاض مثبوثة شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، صعب عليك حفظها أن لم تدونها في رقعة تكون بيدك.
وهل يدهشك وجود هذه الأطلال الدوارس، وأنت تعلم أنها كانت في سابق العهد منتزهاً للمناذرة، ومباءة لبني العباس، ومعهد انس، ينتابه كبار الدول المجاورة؟ وكيف تعجب وأنت تدري انه كان في سامراء من القصور والشوامخ مالا يصل إلينا إلا بعض أسمائه كالشاه، والعروس، والقصر المختار، والوحيد، والجعفري المحدث، والغروب، والشيدان، والبرج، والصبح، والمليح، وقصر بستان الايتاخية، والتل، والجوسق، والمسجد الجامع، وبركوان، (ويروى بلكوارا وهو الأصح) والقلائد، والفرد، والماحوزة، والبهو، واللؤلؤة، وغيرها وغيرها.
ومع ذلك فإننا لا نروي هنا إلا بعض ما رأيناه لا كله، لان وصف(1/134)
كل ما وقفنا عليه يستلزم وضع كتاب قائم برأسه، ثم إننا نذكر أسماء بعض الأطلال مستندين على رواية الكثيرين من المعمرين الذين قطنوا في جهاتها أو ترددوا إلى جنباتها إذ هي لا تعرف اليوم إلا بهذه الأسماء التي ننقلها عنهم. فنقول:
ينتهي الخراب من جهة الغرب فوق سامراء إلى (أبي دلف) أي إلى مسافة ثلاث ساعات وفيه من الآثار الخربة أربعة مواضع ويفضي الخراب من جهة الشرق وراء سامراء إلى (قلعة الجالسية) وهي تبعد عن المدينة مسافة ساعتين ونصف.
أما الآثار الأربعة الغربية فهي: الأول (الصليبية) (بالتصغير والنسبة) وتبعد عن سامراء ساعة واحدة، وهي عبارة عن دعائم (أي ذلك بلغة أهل بغداد جمع دنكة مائلة لا غير. وبنائها بالجص والأجر.
والأثر الثاني: (العاشق) وهو فوق الصليبية نحو ربع ساعة وأرضه كثيرة الأبنية والسراديب: واليوم قد اخذ رئيس شركة التنقيب الألمانية وهو الدكتور هرتسفلد في كشف التراب عن بعض ما فيه. وقد وجد هناك سرداباً نزل فيه العملة إلى خمسين دركاً فلم يصلوا إلى قعره بل تجولوا في فناءٍ من أفنيته ما يقرب من مائة متر فلم ينتهوا إلى آخره
ولا إلى أقصى جنبة من جنباته.
أما طول كل دركة من دركه فمتر واحد و72 سنتيمتراً. وعرضها متر و9 سنتيمترات. والفراغ أي ما بين مرقاة ومرقاة 35 سنتيمتراً.(1/135)
وأما سقف ذلك الفناء فمعقود بالطاباق أو الطابوق (وهو اسم الآجر المشوي بالنار بلغة أهل العراق والكلمة قديمة الوضع وترى في كتبهم) والجص: وفيه من غريب التصاوير والرسوم الهندسية وبديعها، ما يدهش الأفكار ويسحر الأبصار. وتبلغ ساحة أرض العاشق الخربة 350 متراً طولاً في 220 متراً عرضاً.
وبجانب العاشق قصر آخر يعرف (بالمعشوق) ويسمى البعض (العاشق والمعشوق) باسم (الشاه والعروس) وقد ذكرهما ياقوت فقال: الشاه والعروس: قصران عظيمان بناحية سامرا انفق على عمارة الشاه عشرون ألف ألف درهم. وعلى العروس ثلاثون ألف ألف درهم. ثم نقضت في أيام المستعين، ووهب نقضانها لوزيره احمد ابن الخصيب فيما وهب له. اهـ كلام ياقوت.(1/136)
وإزاء العاشق في الجانب الشرقي من ضفة دجلة (الكوبر) (بالكاف الفارسية وتصغير الاسم) وهو تلول مسافة طولها قراب 100 متر وعرضها(1/137)
اليوم 10 أمتار وقد أكل الشط نصفها وبقي نصفها الآخر وظهرت(1/138)
فيها غرف مبنية بالجص والآجر مع سراديب وهي اليوم في وسط الماء إذ مهواه عليها وفي أيام الفيضان يحيط بها الماء وتكون شبيهة بالجزيرة.
والأثر الثالث (حويصلات. مصغرة وبتشديد اللام المفتوحة) وهي فوق العاشق بنحو ساعة. وهي تلول صغار وكبار لا غير.
والأثر الرابع مهيجير (مصغرة) وهو تل مسطح علوه 5 أمتار وطوله 20 متراً. هذا كل ما في الجانب الغربي من الآثار.
وأما الجانب الشرقي فآثاره الدوارس كثيرة لا تكاد تحصى. وقد قلنا إنها تنتهي من جهة الغرب إلى (أبي دلف) ومن جهة الشرق إلى قلعة (الجالسية). فلنأخذ الآن بذكر أم هذه الآثار وأعظمها شاناً وهي سامراء نفسها. ثم نأتي على ذكر بعض تلك الآثار شيئا بعد شيءٍ شرقاً وغرباً.
واعلم قبل ذلك أن سامراء هي اليوم قائم مقامية من ملحقاتها قرية الدور وهي تبعد عنها غرباً مسافة أربع ساعات ونصف. وتكريت وهي فوق الدور مسافة 3 ساعات. وبلد وهي في شرقي سامراء وتبعد عنها مسافة 7 ساعات. والدجيل (مصغرة) ويقال لها أيضاً سميكة (مصغرة) وتبعد عن بلد 3 ساعات ونصف.
ويحيط اليوم بسامراء سور عظيم له أربعة أبواب كبار تكاد تكون(1/139)
متجهة نحو الجهات الأربع المعروفة. ولكل باب من هذه الأبواب اسم يعرف به وقوم من أقوامها يخرجون منه ويدخلونه. فالباب الذي عن يمينك يعرف (بالناصرية) وبعضهم يسميه (الحاوي) وهو باب (البو بدري والعشاعشة) ويبلغ رجال البو بدري من 150 إلى 200 رجل. ورئيسهم (جاسم المحمد فائز). وعدد العشاعشة ما يقرب من 40 بطلاً. ومن رؤسائهم (السيد حسون الياسين).
والباب الذي عن شمالك اسمه الباب (الملطوش) والملطوش بلسانهم المردوم. وكان مسدودا بالآجر ثم فتح عند ورود بعض شاهات العجم إلى سامراء. وهذا الباب خاص بأعراب (البو عبد الرحمن) ومقدارهم 30 رجلا. ورئيسهم (خلف الحسين).
والباب الذي يكون وراءك يعرف بباب القاطون (بالنون وهو تصحيف القاطول باللام) وهو خاص (بالبونيسان والبو عباس) وعدد اولئك يتردد بين المائتين والثلاثمائة رجل. وهؤلاء بين الستمائة والثمانمائة. رئيس البونيسان (الحاج فتح الله) ورئيس البو عباس (السيد حمدي).
والباب الذي تراه أمامك يعرف بباب بغداد. وهو باب بغداد (البوباز والبو عظيم) تصغير عظيم. وعدد صناديد العشيرة الأولى 700 رجل(1/140)
ورجال العشيرة الثانية 20 ورئيس الفرقة الأولى السيد جاسم العلي الأكبر ومقدم الزمرة الثانية (علي خلف) - وكل هؤلاء الأقوام يدعون السيادة وانهم حسينية النسب. وفيهم من يقطن البادية إلا انهم غير بعيدين عن الحاضرة. وهم (البو دراج) والبو عيسى) وغيرهم. ويبلغون ستة آلاف رجل. ومنهم من استوطن جانبي بغداد وعددهم زهاء ألف رجل ورؤساء جميع أهل سامراء من بلد منهم ومن تبدي هم (البو صالح الشيخ) ولهم الكليدارية أي بيدهم مفاتيح حضرة الإمامين علي بن محمد الجواد، وأبو الحسن العسكري وراثةً أباً عن جد والذي منهم اليوم في المنصب
(السيد حسن ابن السيد علي). وهو رجل جليل فاضل لا يضاهيه رجل من أهل بلدته.
وأما الغرباء الذين فيها فلا يقلون عن ألفي رجل. منهم دوريون (أي من قرية الدور المذكورة) في صدر هذه المقالة ومن بقي منهم أعجام من بلاد إيران. وقد توطنوها حباً وشغفاً بالأيمة المدفونين فيها. وتبركاً بمجاورة ضرائحهم.
وقد شيد قبل نحو عشرين سنة الميرزا السيد حسن الشيرازي(1/141)
طيب الله ثراه أندية العلم للزائرين والغرباء المسافرين. ولو بقي هذا الرجل حياً إلى هذا اليوم لأعاد شيئاً مذكوراً من مجد سامراء في سابق عهدها. لكن أبى الله أن يكون ذلك.
وفي سامراء اليوم ثلاث مدارس يدرس في إحداها من انخرط في سلك طلبة العلوم الدينية وعلوم اللغة والأدب على ذاهب أهل السنة. ومن مدرسيها حضرة العلامة السيد عباس أفندي آل أمين الفتوي. وهو اليوم أيضاً أمين الإفتاء في سامراء. ومنهم أيضاً حضرة السيد عبد الوهاب أفندي وهو المدرس الثاني. - والمدرسة الثانية مدرسة رسمية خاصة بالحكومة والمترددون إليها مبتدئو الطلبة ويدرس فيها مبادئ العلوم التركية. والمدرسة الثالثة مدرسة تحاكي الأولى في الرتبة والتدريس إلا أن طلبتها من الشيعة وكلهم من الإيرانيين. وهذه المدرسة أكبر بناءً من أختها بناءً ومادة في العلوم. ومن أساتذتها الكبار حضرة المجتهد الشيخ محمد تقي التبريزي. وحضرة الشيخ محمد حسن آل كبة. وليس لمدرسي هذه المدرسة راتب من قبل الحكومة ولا لطلبتها رزق في السجلات الرسمية. غير انه يأتيهم من بلاد إيران حقوق معلومة من خمس وزكاة وما أشبههما فيدرون إخلافها على الطلبة هناك.
وفي سامراء حضرة لمرقدي الإمامين علي الهادي وحسن(1/142)
العسكري. وحليمة خاتون أخت الإمام علي الهادي. ونرجس خاتون زوجة الإمام حسن العسكري وأم صاحب الزمان معاً. وصاحب الزمان هذا هو محمد المهدي ويحيط بتلك الضرائح شباك من النحاس الأصفر يعلوه قبة من الذهب الإبريز كبيرة جداً ترى من بعد 12 ساعة وهي تتلألأ في الشمس كأنها شمس ثانية. وباطن هذه القبة البديعة الحسن مع الرواق الذي فيها مرصوف بقطع الزجاج المقطوعة على رسوم هندسية وقد رصعت في الحيطان ترصيعاً تسحر الألباب وتسبي العقول. وهذه القطع الموضوعة على أشكال هندسية تعرف باسم (عاينة) (بإسكان
الياء وفتح النون، عند أهل العراق واللفظة تركية بمعنى المرآة) وفي الجهة الغربية من الرواق التي عن يسارك إذا دخلت الباب قبور الخلفاء العباسيين المعتصم والمتوكل وغيرهما وقد خربها الحاج ميرزا محمد السلماسي يوم عمر الحضرة المذكورة ولذلك لا يعرف لها اليوم اثر يذكر(1/143)
ويطوف بتلك الحضرة صحن يدور عليها من أربعة أركانها. وأما جدرانه فمبنية كلها بالرخام إلى ارتفاع نحو خمسة أمتار. وما بقي من الجدار إلى نحو متر ونصف فمزين بالقاشاني ومكتوب عليه آيات من القرآن.
وفي الزاوية الغربية من الصحن عن يمين الحضرة بئر يحتال بها خدام ذلك المحل على المغفلين من الزوار بأن يطلعوا في وسط مائها هيئة قمر بازغ لا يأفل ليلاً ولا نهاراً بل ولا يتحول عن محله ويروون لهم في هذا الصدد أن نرجس خاتون أم المهدي أطلت يوماً من الأيام على قمر البئر فقطر من ثديها قطرة من اللبن. فكان من تأثيرها على قعر البئر هذا الأثر وذلك لابتزاز المال.
وبجنب البئر جدار حاجز بين الصحن المذكور وصحن قبة (غيبة الصاحب ابن الحسن العسكري) الذي تدعي الشيعة انه غاب عن الأبصار وهو حي يرزق وانه يظهر بعد حين. الأمر الذي ينكره السنة كل الإنكار. وقد اتفق الفريقان على ولادته واختلفا في وفاته واسم هذا الإمام الأصلي محمد المهدي. وله أسماء وألقاب كثيرة منها: صاحب الزمان، والقائم، والحجة، والمنتظر، وصاحب العصر، وخليفة الله في الأرض، وصاحب الأمر وغيرها.
ولذلك المحل أيضاً حضرة ذات صحن صغير وهو عبارة عن صفة أو طارمة عرضها ما يقرب من سبعة أمتار وطولها 15 متراً وسمكها مثل عرضها. ثم تدخل رواقاً على مثال الصفة أو الطارمة المسنمة. ثم تنزل إلى سرداب فيه 13 دركة. ثم تمشي مسافة قدرها عرض 5(1/144)
درجات ثم تنحدر منها 6 دركات فتهوى إلى فرجة بين عقدين. ثم تسلك في برزخ وتأتي بهواً صغيراً فتجد هناك باب مخدع من خشب الصندل مكتوب حفراً على إطاره مما يلي الأرض من يمينك ما هذا نقل نصه بالحرف الواحد:
(بسم الله ارحمن الرحيم. قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى. ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسناً. وان الله غفور شكور.)
ثم تجد كتابة تبتدئ من اسفل الإطار وتصعد إلى أعلاه ثم تنحدر إلى أسفله. وهذا حرفها:
(هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبو العباس احمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين. الذي طوى البلاد إحسانه وعدله. وغمر البلاد فضله. قرن الله أوامره الشريفة باستمرار النجح والنشر. وبإظهاره التأييد والنصر وجعل لأيامه المخلدة حداً لا يكبو جواده. ولآرائه الممجدة سعداً لا يخبو زناده في عز تخضع له الأقدار فتطيعه عواصيها. وملك تخشع له الملوك فتملكه نواصيها. يتولى المملوك معد ابن الحسين بن معد الموسوي الذي يرجو الحيوة في أيامه المخلدة ويتمنى أنفاق بقية عمره في الدعاء لدولته المؤبدة. استجاب الله ادعيته. وبلغه في أيامه الشريفة أمنيته).
وترى على العتبة محفوراً أيضاً ما هذا إعادة نصه:(1/145)
(من سنة 606 هلالية. وحسبنا الله ونعم الوكيل. وصلى الله على محمد وعترته الطاهرين). وفي عتبة باب المخدع عن يمينك مما يلي الأرض ثقب بقدر ما يدخل فيه الكف. ويروي عنه أن الناصر لدين الله هو الذي ثقبه لكي يلقى فيه من يريد أن يوصل عريضة إلى صاحب الزمان وهو اليوم على حالته الأولى.
أما قدر المخدع فطوله متران وعرضه متر وعلوه ثلاثة أمتار وفيه يجنب الباب عن يمينك إذا دخلت نفق عمقه قريب من مترين ونصف وعرضه من فوق قدر ما يسلك فيه الرجل الوسط واقفاً ومن تحت قدر متر ونصف وهو مستدير الأطراف. ويروى عن هذا المحل انه كان يتوضأ فيه صاحب الزمان فجاء من بعده أناس فأخذوا من ترابه قبضة قبضة قصد التبرك فحدث من هذا الأخذ هذا النفق. وقد أمر بكبسه أي طمه حضرة الميرزا حسن الشيرازي المذكور آنفاً. فردم ولكن بعد وفاته نبشه الخدم هناك من أهل سامراء وذلك لابتزاز بعض الدراهم من الزوار. ويدعي ضعفاء العقول أن في هذا النفق غاب المهدي. أما علماء الشيعة فلا تعير لهذا الزعم أذناً صاغية، ولا تحله محلاً.
وأما جدران تلك الحضرة فداخلها مغشى بالرخام من الأرض إلى علو متر ونصف. وما فوقه مغشى بالقاشاني وكذلك ظاهر القبة. وأما جدران الحضرة من الخارج فكله مغشى بالرخام. وكذا قل عن جدران البهو مع فرش ساحته.
(للبحث صلة)
م. كاظم الدجيلي(1/146)
إفادة لمجلتي المشرق والعلم
نشرت مجلة العلم في عددها الثالث من سنتها الحالية وهي سنتها الثانية ص128 رسالة سمتها: (تشريح الحروف على الوجوه اللغوية) (كذا). ونظن هذه التسمية حديثة الوضع، ولعلها من يراعة وبراعة صاحب المجلة. وقد قال قبل نشرها:. . . نبتدئ بنشر رسالة وجيزة نادرة الوجود، قديمة الخط والتأليف، (ولم يذكر سنة كتابتها، حتى ولا على سبيل التخرص) من مؤلفات العالم النحوي اللغوي الشهير: النظر بن الشميل (كذا. والأصح النضر بن شميل) من قدماء العلماء، (قلنا: توفي النضر سنة 203هـ - 820م) وهي:. . .)
قلنا: أن مجلة المشرق نشرت هذه الرسالة قبل أربع سنين أي في سنتها 11: 265 وسمتها: (رسالة الحروف العربية)، إلا أن ناشرها لم يهتد إلى معرفة كاتبها، فقد اتضح اليوم أنها للنضر بن شميل.
ومما يجدر التنبيه عليه هنا: أن في كلتا الرسالتين أغلاطاً واختلافاً في رواية النص والأمثلة، فيحسن بمن يعنى بنشر هذه الرسالة على حدة أن يعارض النسختين الواحدة بالأخرى. فبثبت الرواية الصحيحة منهما، وينبه على الرواية المصحفة أو المغلوطة، ليكون القارئ على نجوةٍ من لحاق سيل الوهم به.
ومما يزيد الرسالة فائدة تعليق حواشٍ عليها يستدرك بها الناشر على ما فات المؤلف من حقائق الأبواب التي عقدها لكل حرف كما فعل(1/147)
الأب شيخو. بيد انه، (والحق يقال) قد فات الأب المذكور أشياء جمة لم يتعرض لها. ولولا ضيق المقام لسردناه كلها. لكن لابد من ذكر شيء منها زهيد يكون بمنزلة الشاهد:
ذكر المحشى مثلاً أن الخاء تبدل من الهاء. ولم يذكر اكثر من هذا القدر، مع أنها تبدل من الكاف أيضاً. مثل: اخبن من تربك واكبن، والخدب والكذب، وقد خدب وكذب (وفيها ابدالان) الخ. وتبدل أيضاً من الغبن: كاخبن واغبن، والوثيخة والوثيغة، وخب وغب، وختره وغدره، (وفيها ابدالان). - وقد تبدل من الشين: كالبخنقة والبشنقة. - ومن العين: كأرض خربسيس، وبخثره وبعثره، والخاميز والعاميص (وفيها ابدالان). ومن الصاد: كتنخل الشيء وتنصله. - ومن الضاد: كالخبدع والضفدع (وفيها ابدالان). - وكذا قل عن كل حرف من حروف الهجاء التي عقدت لها الأبواب. والشواهد عندنا كثيرة.
فعسى تطبع هذه الرسالة احسن طبع على أجود ورق مع ضبط ما يجب ضبطه بالشكل
الكامل، ويعمل بما نبهنا عليه. والله الموفق إلى سبيل الصواب والرشاد. وعليه الاعتماد في المبدأ والمعاد.
أول مجلة في العراق
كتب صاحب مجلة العلم في (2: 143) (أول مجلة عربية ظهرت في العراق هي هذه المجلة الموسومة بالعلم بكسر العين وسكون اللام وهي(1/148)
الآن في سنتها الثانية) والحق أن أول مجلة عربية صدرت في العراق هي (زهيرة بغداد) للآباء الكرمليين المرسلين صدر عددها الأول في 25 آذار سنة 1905 الموافقة لشهر صفر سنة 1323هـ: وبقيت حية سنة واحدة ثم توارت عن الأبصار.
كتاب طبقات الأمم
ينشر اليوم الأب لويس شيخو اليسوعي (مشرق) هذه السنة كتاباً نفيساً جليلاً ممتعاً لا يعرف رفيع منزلته إلا من قدر كتب التاريخ حق قدرها، ولا سيما لان المؤلف هو من اجل كتاب المسلمين وهو القاضي أبو القاسم صاعد الأندلسي وقد أخذنا بمطالعته بكل شوق ولذة، بيد أننا وجدنا فيه بعض أغلاط تشوه بديع محاسنه، منها صادرة من الناسخ، ومنها صادرة من الناشر نفسه، ونحن نذكر بعضاً منها. قال:
(وجدنا بلادها (أي بلاد فارس) من الجبال التي في شمال العراق المتصل بعقبة حلوان والذي فيه اتجاهات (والأصح. كنجهات وهي جمع كنجه أو كنجات وتعرب جنزة، وهي اسم اعظم مدينة باران وتذكر بالمفرد والجمع على السواء مثل عابات وشامات) والكرج (وكان الأحسن أن تضبط هذه الكلمة هنا بالتحريك كابد وأزل لكي لا يقرأها القارئ بالضم والسكون فيعتقد أنها من بلاد الكرج بالضم ويحتمل أن تكون هنا الكرخ بخاء موحدة فوقية في الآخر. راجع مروج الذهب 9: 8). . . وطبرستان ومولتان (كذا. وقد ضبط الميم بالفتح والواو بالسكون وفيها غلطان: الأول، لا يوجد مولتان في بلاد فارس القديمة. والأصح(1/149)
أن يقال هنا (موقان). والثاني. أن مولتان التي هي من بلاد الهند تضبط بضم الميم وسكون الواو واللام، أو يقال فيها (ملتان) بضم الميم وسكون اللام). . . وارزن (كذا. وفي النسخة التي بيد الناشر: أذان، وكلاهما غلط. والأصح (أران) أي بهمزة بعدها راء مشددة مفتوحة ثم ألف ونون). . . والمرو (والأصح (مرو) بدون لام التعريف) وغيرها من بلاد خراسان إلى بلاد تبجستان (كذا وقد احسن الناشر في قوله: لعله يريد سجيتان).
وذكر بين لغات الفرس (الزرية) وقال الناشر في الحاشية: (كذا ولعله تصحيف الزندية) قلنا: كلا، بل هي تصحيف الدرية نسبة إلى الدر وهو الباب بالفارسية ويراد بالدرية اللغة التي كان يتكلم بها في بلاد فارس لا سيما في المدائن كما كان يتكلم بها أيضاً من بباب الملك فهي منسوبة إلى در بفتح وسكون حاضرة الباب والغالب عليها أنها من لغات أهل المشرق ولغات أهل بلخ) اهـ.
وذكر (فارسون) والأصح (فارسان) أي الفرس باللغة الفارسية وورود بين الشعوب الكلدانية (الكوثابيون) بباء موحدة تحتية بعد الألف. والأصح الكوثانيون بنون موحدة فوقية نسبة إلى كوثي. ونبطها اوكلدانيوها مشهورون في سابق العهد.
وجاء بين أجناس الترك (ص570) ذكر الجريجية. والأصح الخرلخية وقد صحفها النساخ بل المساخ بصورة غريبة منها الجريجية والخزلجية والحدلحية والقارلخية إلى غير هذه والأصح ما ذكرناه. - وذكر بين(1/150)
الترك (جيلان) وفسر جيلان بكونها قريبة من الديلم. وهذا أيضاً خطأ لان جيلان من بلاد فارس وهنا الكلام عن أمة من أمم الترك والأصح جيدان (راجع المسعودي 2: 7 و39 من مطبعة باريس). - وذكر بين الترك أيضاً الخرزان وهؤلاء أيضاً غير معروفين والأصح الخرزان بتقديم الراء المهملة على الزاء المنقوطة (راجع المسعودي 2: 65). -
وقال: البرابر ومن اتصل بهم إلى بحر اقنايس (كذا) الغربي المحيط. (وذكر في الحاشية: (والصواب بحر قابس) وكلاهما غلط. والأصح بحر اقيانس الغربي.
وذكر في ص571 من الأمم حوران وكشل. والأصح جيدان أو جودان وكشك (مفتوحة) (راجع المسعودي 2: 45).
وعد بين أصناف السودان (ص571) الزنج وعانة (كذا بالعين المهملة والأصح غانة بغين معجمة) وكذلك وردت في آخر ص582 مما يدل على أنها ليست من خطأ الطبع.
وقال في ص571 (وحظهم من المعرفة التي يدور فيها مناجد الأمم). والأصح عندنا مساعد جمع مسعدة ما يبعث إلى السعادة، أو جمع مسعد مصدر ميمي بمعنى السعادة بمعنى سعد وحينئذ يستقيم المعنى)
وقال في نحو آخر ص572 (وسكان الفلوات والفيافي كرماغ البجة وهمج عانة) (والأصح كرعاع البجة وهمج غانة)
وورد في ص575 (صحة النظر وبعد الفور) (كذا بالفاء الموحدة والأصح الغور بالغين المعجمة).(1/151)
وجاء في نحو آخر ص576 الفرقتين الأوليتين (كذا) ولاشك أن هذا الخطاء من تنقيط الكاتب للكلمة والأصح الأوليين.
وفي ص576 عرف الناشر الأوج بقوله: (ابعد نقطة من الخارج عن مركز الفلك) والأصح أن يقال: هو ابعد نقطة من الفلك الخارج المركز وبين التعبيرين بون بين في المعنى كما لا يخفى على المتأمل.
وقال في ص577 وغوامض يتنحلوها من القوى الخارجة) والأصح (يتنخلوها) بالخاء المعجمة الفوقية كما يتطلبه المعنى في هذا الموطن.
وذكر في ص578 أميم بن الاد (بتشديد الدال، كذا) والأصح لا ود أو لا وذ بالاعجام أو بدونه.
وذكر في تلك الصفحة ازدشير بالزاء المنقوطة جرياً على لفظ بعض العرب. والأصح أن يقال اردشير بالراء المهملة. وقال: ملك ازدشير بن بابك الساساني أول ملوك بني إسرائيل) (كذا، والأصح أول ملوك (بني ساسان) كما يتضح لأدنى تأمل.)
وهناك غير هذه الأغلاط إلا أننا اجتزأنا بما ذكرنا لضيق نطاق المجلة. وربك فوق كل علم عليم.
هل الحي قرية أم مدينة
سألنا بعضهم: هل الحي قرية كما ذكرنا في ص51 أم مدينة. نقول: الحي قرية لا مدينة أن لغة وان اصطلاحا. أما كونها قرية بموجب اصطلاح اللغويين فظاهر من كلامهم عند تعريفهم القرية فقد قال الفيروز أبادي: القرية: المصر الجامع. وقال في كفاية(1/152)
المتحفظ: القرية كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قرارا، وتقع على المدن وغيرها. اهـ وفي محيط المحيط: قيل: المدينة ما كان حولها سور بخلاف القرية والبلد.) اهـ. وعليه فلما لم يكن للحي سور لم يجز أن يطلق عليها اسم المدينة لغة.
وأما اصطلاحاً فالقرية هي البلدة التي اغلب سكانها أهل زارعة وفلاحة. وهذا أيضاً يصدق في الحي ولا يصدق فيها كلمة مدينة. فاحفظه ولا تغفل.
نظرة عامة في لغة بغداد العامية
(تتمة)
والى توفر المفردات الكلدانية أو السريانية (الارمية) انشد عبد الباقي العمري هذه الأبيات الشهيرة:
شبح لالاها وخلابو ... شبحا شمت حيزو لابو
كوذنتا وخمارت شابو ... وقس مسكنتا بشاشة ليل
دنحاوالو برطت قاشا ... شموقا لوطو وبراشا
ومارت كركيزا ابن شاشا ... يوحنا واسحاقت شموئيل
فرجو قس عمو قمبازو ... بادو واستخلو بي سازو
ملكت حيزو خازو بازو ... طينلكابرطت طنبيل
شعيا سمكا ماتيكا ... وشموني قاشا طمسيكا
بيعة مارجرجس تحرسكا ... خوفا موفا بالزنبيل(1/153)
جارت خيزو برطت طنبي ... بر بوطت شعيا قبصني
لخمة غبشة ياقوغبني ... ومشيحا بصحفت لنجيل
طنجي ميخا واشبانيثة ... دوخو قاطوثا ثرطيثا
قريت برطلي وبشبيشا ... فقط عين كاوة ارويل
والى وجود الكلم التركية قال الرصافي: (بينما كنت واقفاً مع الواقفين على جسر سامراء تقدم إلى رجل فقال: أين تريد؟ قلت: أريد العبور إلى سامراء. فقال: أأنت (قالي)؟ وفخم اللام. فلم افطن لما أراد. فقلت: وما تعني يا هذا؟ فأعاد على الجملة الاستفهامية وزاد فيها كلمة (هنا). فلم افهم أيضاً. فقال: أمقيم أنت هنا أم لا؟ فقلت: لا. وحينئذ علمت أن كلمة (قالى) قد أخذها من (قالمق) بمعنى البقاء في اللغة التركية. ولهذا الكلمة اليوم نظائر كثيرة في لغة العامة. فانك تسمعهم يصرفون الأفعال والأسماء تصريفاً عربياً من مصادر تركية فيقولون (لا تبوز فكري) أي لا تشاوشه. يأخذونه من بوزمق. ويقولون: (أنا اجالش) أي أسعى. من (جالشمق). وتغلب هذه الألفاظ على أفراد الجند ومأموري الحكومة من أبناء العرب فتسمع الجندي يقول للجندي: (اذهب داكش النوبة) أي بدلها. من (دكشدرمك) ويقول: (سبرك الأرض) أي اكنسها من (سبورمك). ويقول: (أنا أسيل تفكتي): امسح
بندقيتي وأجلوها. من سلمك. وقد اجتمعت مرة واحدة بأحد مأموري الحكومة ببغداد في مجلس حافل فاخذ يكلم بعض الحاضرين هكذا:(1/154)
(رحنا أمس إلى بيت فلان، فلما دخلنا السلاملك صعدنا فوق، وكانت باية من بايات النردبان منهدمة. وبما أن النردبان كان قرانلق عثرت رجلي. نه ايسه، صعدنا فدخلنا الاودة، وقعدنا بصورة قارمة قاريشق، وكان الضياء سونك، فحصل عندي صنقنتي. . . الخ)
فهمست في إذن أحد الجالسين قائلاً: ما ضر الرجل لو تكلم التركية أو تكلم العربية الدارجة البغدادية وهو من أهلها من هذه الألفاظ التركية؟ - وهذا من اعظم ما قضى على اللغة العربية بالمسخ حتى كادت تخرج به عن وضعها الأصلي. ولو أردت أن استقصي البحث هنا لأتيت بما يبكي الناطقين بالضاد على ما منيت به هذه اللغة التعسة الحظ في بغداد.) اهـ.
ومما يسوءني ذكره أن بعض هذه الألفاظ قد تسربت إلى بعض الجرائد والمجلات العراقية فأضرت بسمعتها. وعسى أرباب جرائدنا المحلية لا يستاءون من وصفى للغتنا العامية هذه، ولا من انتقادي إياها كما أرجوهم أن لا يسيئوا بي الظن لأني تجرأت على ذكر بعض أمور طفيفة ربما لا تصادف قبولا واستحسانا لديهم. فأوكد لحضراتهم أني قد كتبت ما كتبت مندفعاً بعامل الغيرة على الوطن والمحبة الخالصة لذويه النجباء لا غير ويا ليتهم يقومون بمؤازرتي في هذا الأمر الخطير الشان وينزهون منها جرائدهم الغر، معوضين عنها بما هو عربي النصاب فصيح اللهجة والبيان. وهذا القدر كاف في هذا المقام والسلام.
رزوق عيسى(1/155)
معنى انكورلي
نبهنا أحد الأصدقاء أن انكورلي صاحب البيت الشهير في البصرة مشتق من انكورة وهي بلدة أنقرة باللغة الأرمنية. ومن ثم فمعنى انكورلي بالكاف الفارسية (الانقري) لا العناب. كما توهمناه. بالنسبة باللام والياء هي على الطريقة المستعملة في العراق. فنشكر الأديب على تنبيهه هذا.
رزوق عيسى
سفرة إلى كربلاء والحلة ونواحيهما
لاحق بسابق
وقد سرنا منظر (كربلا) اعظم سرور، لاسيما (كربلا الجديدة) أو شهر نوفان طرقها منارة كلها تنيرها القناديل والمصابيح ذات الزيت الحجري. والقادم من بغداد إذا كان لم يتعود مشاهدة الطرق الواسعة والجادات العريضة أو إذا كان لم يخرج من مدينته الزوراء يدهش اعظم الدهش عند رويته لأول مرة هذه الشوارع الفسيحة التي تجري فيها الرياح والأهوية جرياً مطلقاً لا حائل دونها كالتعاريج التي ترى في أزقة بغداد واغلب مدن بلادنا العثمانية.
وعند دخولنا المدينة نزلنا ضيفاً على أحد تجار المدينة وهو السيد صالح السيد مهدي الذي كان قد اعد لنا منزلاً نقيم فيه، فاقمنا(1/156)
فيه نهاراً وليلتين. وفي الليلة الأولى خرجنا لمشارفة ما في المدينة مع السيد احمد. وأخذنا نطوف ونجول في الطرق فمررنا على عدة قهوات حسنة الترتيب والتنسيق ورأينا فيها جوامع فيحاء، ومساجد حسناء وتكايا بديعة البناء وفنادق تأوي عدداً عديداً من الغرباء، وقصوراً شاهقة، ودوراً قوراء، وانهاراً جارية، ورياضاً غناء، وأشجاراً غبياء. والخلاصة وجدنا كربلاء من أمهات مدن العراق، إذ أن ثروتها واسعة، وتجارتها نافقة، وزراعتها متقدمة، وصناعتها رائجة شهيرة، حتى أن بعض الصناع يفوقون مهرة صناع بغداد بكثير، لاسيما في الوشي والتطريز والنقش والحفر على المعادن والتصوير وحسن الخط والصياغة والترصيع وتلبيس الخشب خشبا اثمن وانفس على أشكال ورسوم بديعة عربية وهندية وفارسية وهندسية.
ولما كان الغد وكان يوم السبت رأينا ما لم نره في الليل فسبقنا وصفه. وكنا نقف عند التجار زملائنا وحرفائنا ومعاملينا الذين نتعاطى معهم بالبيع والشراء.
وفي خارج المدينة نهر اسمه (الحسينية) (بالتصغير) وماؤه عذب فرات ومنه يشرب السكان، إلا أن ماءه ينضب في القيظ فتحرج الصدور، وتضيق النفوس ويغلو ثمن الماء، فيضطر اغلبهم إلى حفر الآبار وشرب مياهها وهي دون ماء الحسينية عذوبة فتتولد الأمراض وتفشو بينهم فشواً ذريعاً كالحميات والأدواء الوافدة. والأمل أن الحكومة تسعى في حفر النهر وحفظ مياهه طول السنة.(1/157)
وفي كربلاء مستشفى عسكري ودار حكومة (سراي) وثكنة للجند وصيدلية وحمامات كثيرة، ودار برق وبريد وبلدية وقيسريات عديدة. وفيها قنصلية إنكليزية والوكيل مسلم
واغلب رعية الإنكليز من الهنود وفيها قنصل روسي وهو مسلم أيضاً من كوة قاف (قوقاس) وهيئة كربلا الجديدة ترتقي إلى مدحت باشا الشهير. ويبلغ سكانها نحو 105. 000 نسمة، منها 250 ألفاً من العثمانيين، و60 ألفاً من الإيرانيين وبعض الأجانب المختلفى العناصر و20 ألفاً من الزوار والغرباء الوافدين إليها من الديار البعيدة. وليس فيها نصارى لكن فيها عدد من اليهود.
أما هواء كربلاء فمعتدل في الشتاء وردى في الصيف لرطوبته وأما في سائر أيام السنة فيشبه هواء سائر مدن العراق بدون فرق يعتد به.
والذي يجلب المسلمين إلى كربلاء هو زيارة قبر الحسين ابن بنت رسول المسلمين وقبور جماعة من شهداء آل البيت والحسين مدفون في جامع فاخر حسن البناء فيه ثلاث مآذن وقبتان كلها مبنية بالآجر القاشاني ومغشاة بصفيحة من الذهب الإبريز. وهناك أيضاً ساعتان كبيرتان دقاقتان وكل ساعة مبنية على برج شاهق.
وفي كربلاء جامع آخر لا يقل عن السابق حسنا في البناء وهو جامع العباس وفيه أيضاً مئذنتان. وقبتان وساعتان كبيرتان على الصورة المتقدم ذكرها ووصفها.
وفي هذه المدينة قسم قديم البناء والطرز ضيق الأزقة والشوارع(1/158)
والأسواق إلا أن ما يباع في تلك الأسواق بديع الصنع واغلب بضائعها تشاكل بضائع بلاد فارس لا سيما يشاهد الناظر كثيراً من الطوس من كبيرة وصغيرة من النحاس الأصفر (الصفر)، وهناك سلعة لا تراها تباع في غير كربلاء وهي الترب (جمع تربة وزان غرفة) وهي عبارة عن قطعة من الفخار اخذ ترابها من أرض كربلاء وجبلت على صورة مستديرة أو مربعة أو مستطيلة أو نحو ذلك يتخذها الشيعة وقت الصلاة فيجعلونها في جهة القبلة ويصلون متجهين نحوها.
ومما يكثر في أسواقها أنواع الأحذية المختلفة الشكل الفارسية الطرز، وترى في الحوانيت الزعفران الفاخر الخالص من كل شائبة وغش مما لا تجد مثله في بغداد.
ولغة اغلب أهل كربلاء الفارسية لكثرة أعجم فيها إلا أن كثيرين منهم تعلموا العربية ويحسنون التكلم بها.
ويقسم لواء كربلاء إلى ثلاثة اقضيه وهي مركز قضاء كربلاء والهندية والنجف والى سبع
نواح وهي: ثلاث منها في مركز القضاء وأسماؤها: المسيب والرحالية وشفاته وواحدة في الهندية وهي الكفل وثلاث في النجف وهي: الكوفة والرحبة والناجية.
ولما كان نهار الأحد 4 نيسان نهضنا صباحاً وفطرنا ثم ركبنا العجلات وبرحنا كربلاء في نحو العاشرة فرجعنا إلى الإمام عون(1/159)
بن عبد الله نحو الساعة الثانية عشرة إلا ربعاً، ثم إلى المسيب ووقفنا فيها إلى الساعة الثالثة إلا ثلثاً، ثم سرنا من المسيب في الساعة الرابعة إلا ثلثاً طالبين الحلة، ولما كنا في الساعة الخامسة إلا نصفاً رجعنا إلى الإسكندرية فاسترحنا فيها. ثم ارتحلنا إلى (خان الحصوة) فوصلنا إليه في الساعة السابعة وعشر دقائق، وأقمنا فيه للاستراحة. وهو خان واسع تقف فيه القوافل وفيه حجر واكناج للشتاء ودكة كبيرة للصيف يضطجع عليها المسافرون، وبجانب الخان قهوة، وهذا كل ما يرى هناك. ومن بعد أن تغدينا ظعنا من ذلك الموطن نحو الساعة الثامنة ونصف فجرت بنا العجلات جرياً حثيثاً حتى بلغنا في الساعة العاشرة إلى (خان الناصرية) ولم نقف فيه لأننا وجدناه (افرغ من فؤاد أم موسى).
وما زلنا ننهب الأرض على ظهر عجلتنا حتى أتينا (خان المحاويل) عند غروب الشمس، فوقفنا فيه. وهذه المرحلة تشتمل على خان واسع وبعض دورٍ لا علو فيها ولا ارتفاع محوطة بسياج، فبتنا ليلتنا هناك. ولما أسفر الصبح عن جبينه الصبيح استيقظنا وسرنا منه نحو الساعة الثانية عشرة ونصف متجهين نحو (كويرشن) (بالتصغير)
التتمة للآتي
عمانوئيل فتح الله عمانوئيل
مضبوط(1/160)
العدد 5 - بتاريخ: 01 - 11 - 1911
وصف أطلال سامراء
إذا خرجت من سامراء وصرت وراء سورها، وقعت في مسجد (الملوية)، وذلك على بعد 500 متر تقريبا: وهو هذا الجامع الذي قال عنه اليعقوبي: (وبنى المتوكل بن المعتصم المسجد الجامع في أول الحير في موضع واسع خارج المنازل لا يتصل به شيء من القطائع والأسواق وأتقنه ووسعه واحكم بناءه وجعل فيه فوارة ماء (أي شاذروانا) لا ينقطع ماؤها، وجعل الطرق إليه من ثلثة صفوف واسعة عظيمة من الشارع الذي يأخذ من وادي إبراهيم بن رياح، في كل صف حوانيت فيها أصناف التجارات والصناعات والبياعات، عرض كل صف مائة(1/161)
ذراع بالذراع السوداء، لئلا يضيق عليه الدخول إلى المسجد إذا حضر المسجد في الجميع في جيوشه وجموعه وبخيلة ورجله، ومن كل صفٍ إلى الصف الذي يليه دروب وسكك فيها قطائع جماعة من عامة الناس، فاتسعت على الناس المنازل والدور، واتسع أهل الأسواق والمهن والصناعات في تلك الحوانيت والأسواق التي في صفوف المسجد الجامع.) اهـ.
وقد وجدت اليوم آثار تلك الفوارة حتى لم يبق ريب في أن هذا الجامع هو الذي بناه المتوكل، هذا فضلاً عن بقاء الملوية على حالها الأولى، وهي اقدم مئذنة في الإسلام، لأنها على طرز الزقورة التي كان يتخذها الصابئة من الكلدانيين والحرنانيبن والبابليين في بيوت عباداتهم وكان يسنيها العرب (الهيكل). ومنه كلام صاعد الأندلسي عن الكلدان: وهم نجوا لأهل الشق الآخر من معمور الأرض الطريق إلى تدبير الهيكل، لاستجواب قوى الكواكب، وإظهار طبائعها، وطرح شعاعاتها عليها، بأنواع القرابين القربة لها، وضروب التدابير المخصوصة بها.) اهـ. وكانت هذه الأبراج على سبع طبقات وكل طبقة بلون يوافق لون السيارة الذي خص بها. ويصعد إلى أعلاها من الخارج لا من الداخل وكل ذلك على شكل ملوي.
والظاهر أن المتوكل بنى تلك المئذنة على الصورة المذكورة تحويلاً للأنظار إليها للصائبة إلى دين الإسلام، لان الصائبة كانوا كثيرين في عهد الخلفاء العباسيين وقد برعوا في جميع علوم ذلك العصر ويحتمل أن يكون هناك سبب آخر لا يخطر ببالنا اليوم لان أسباب الحضارة(1/162)
والتمدن قد اختلفت عمن كانت في سابق العهد.
أما السور فمبني بالآجر والجص ويبلغ امتداد الباقي منه المبنى (240) متراً في جهة
الطول وطول الباقي منه في جهة العرض (160) متراً فيكون مجموع ما في الطوليين والعرض (800) متر ويبلغ علوه (15) متراً وفي كل جانب من جانبيه في الطول (12) برجا وفي العرض (8) أبراج وفي كل ركن من أركانه برج أكبر مما تقدم ذكره فيكون الجميع (44) وبين كل برج وبرج أن كان في جانب الطول أو العرض (55) قدما وثلاثة أرباع القدم أو (14) متراً وأربع وثلاثون سنتيمتراً ومستدير قطر كل برج (27) قدماً وربع القدم أو (7) أمتار وسنتيمتران ومستدير قطر كل برج من أبراج الأركان (46) قدماً وربع القدم أو (11) مترا وتسعة وثمانون سنتيمتراً وفيه (13) باباً وبين كل باب وباب قراب (20) متراً وقد يكون دون ذلك. أما بابه الأصلي فمقابل للقبلة. وعلى جانبيه بابان دونه طولاً وعرضاً بشيء قليل. ويقابلهما أيضاً بابان بقدرهما. وعلو الباب الأوسط خمسة أمتار ونصف في ثلاثة أمتار عرضاً. وفي أعلى حائط الباب المذكور من داخل السور اثنتان وعشرون مشكاة يبلغ طول كل مشكاة نحواً من مترين في عرض متر و (25) سنتيمتراً.(1/163)
وفي السور أيضاً بابان بكبر البابين المذكورين في الحائط الذي يكون عن يسارك إذا دخلت الباب الأكبر. وفي ركن الحائط المذكور من الجانب الآخر باب صغير يعلو الرجل بنصف متر ويقابله باب مثله.
وفوق كل باب منهما في راس الحائط روزنتان نافذتان إلى الجهة الأخرى بقدر المشاكي المتقدم ذكرها في الطول والعرض.
وأما فناء المسجد فهو اليوم عبارة عن أنقاض ركام لا غير. إلا أن الدكتور العلامة هرتسفلد كشف تراب جانب منه فأنحسر عن آثار الفوارة التي مر ذكرها واثر رواق. والفناء كله مفروش بالطاباق أو الآجر وقدر ذلك الطاباق هو قدر الآجر المستعمل اليوم في بغداد أي طوله وعرضه (30) سنتيمتراً. وربما كان الطاباق سامراء أكبر بقليل لكنه دون اجر بغداد ثخناً.
ومما اكتشفه الدكتور المذكور دكة (أي دكان) قدام الباب الأصلي من الخارج علوها متر ونصف وطولها متران في عرض متر ونصف. وعند الدكان من الخارج قبر طوله ثلاثة أمتار وعرضه متر ونصف. ويظن إنه أطول مما يشاهد لان طرفه داخل تحت الردم.
وبينه وبين المصطبة زهاء مترين. ووراء ذلك القبر من الخارج على مسافة (10) أمتارٍ سرداب عمقه (10) أمتار غير أن فيه أنقاضاً كثيرة ولا يعرف مقدار عمقه الأصلي.(1/164)
أما الطاباق الذي بني منه حائط المسجد فهو بقدر طاباقنا البغدادي الحالي المذكور تكسيره آنفاً. إلا أن بعضه أثخن من آجرنا وبعضه أصغر منه أي بقدر الذي يسمونه في زورائنا (الطاوق السلطاني) الذي تكسيره (17) سنتيمتراً. أما الثخين من هذا الآجر فيبلغ ثخنه من (10) إلى (11) سنتيمتراً.
وبين يدي السور من جهة المدينة فناء واسع مفروش بالآجر مساحته خمسون خطوة، ووراء سور المسجد من الجهة الأخرى المقابلة لذلك الفناء بهو يبلغ عرضه (50) متراً وعلى حد البهو مئذنة المسجد المعروفة بالملوية. وبها يسمى المسجد اليوم أي يقال (جامع الملوية) بدلاً من (الجامع المسجد المتوكلي).
أما بناء هذه الملوية فبالجص والآجر وشكلها شكل مفتول أو مبروم فتل ست فتلات (ولعل الفتلة الأولى لا ترى لأنها تحت الأرض) ومن يريد الصعود يرتقيها دائراً فيها حتى يصل إلى أعلاها. وفي ذروتها باب معقود مسنم علوه (3) أمتارٍ وعرضه متر ثم تصعد منه في درج عدد درجاته (18) طول كلٍ منها متر وعلوها (20) سنتيمتراً والفرغ بين الدرجة والدرجة (250) سنتيمتراً وبين تلك الدرجات درجة وهي السابعة في الصعود والثانية عشرة في النزول فرغها (80) سنتيمتراً أما سقف تلك الدرجات فهو أيضاً معقود مسنم وعلوه وعرضه مثل علو وعرض الباب المذكور أنفا وفي رأسها محل يسع اثني عشر رجلاً. وعرض الطريقة التي يصعد فيها قراب مترٍ ومسافة فتلاتها(1/165)
الست (400) خطوة أو (247) متراً ومدة الصعود أربع دقائق لا غير أما محيط الملوية من الأسفل فبين الأربعين والخمسين متراً ومن الأعلى بين (18) و (20) متراً وارتفاعها (50) متراً. والفناء الذي بين سور المسجد والملوية مفروش كله بالآجر أو الطاباق ويتخلل ذلك الفناء عمد مبنية بالآجر بعضها مربع وبعضها مدور مستطيل وهي متفرقة والمسافات بينها متفاوتة.
وبجانب المسجد وعن يمينه من الوراء سور يسمونه (سور عيسى) ولا يعلم على التحقيق من هو هذا عيسى هل هو عيسى بن علي أو عيسى بن موسى العباسي لان اليعقوبي لم يذكره في كتاب البلدان عند إيراده الإقطاعات التي اقطعها الخليفة أصحابه وبعضهم يسميه
(سور أم عيسى). ولم يبق البلى منه سوى بعض شرفات متداعيات وبناء هذا السور من اللبن ومسافة طوله (360) وعرضه (200) متراً وفي ساحته تلول صغار وكبار.
ووراء سور عيسى على مسافة 200 متر عن جهتك اليمنى تلول كثيرة. كشف الدكتور هرتسفلد الآنف الذكر عن قسم منها معروف اليوم عند العوام باسم (دار بهلول) فظهرت فيه أبنية هي عبارة عن غرف متصلة بعضها ببعض مختلفة في طولها وعرضها. وبناؤها باللبن ومطلي خارجها بالجص وعلى الجص غشاء من البورق. ولون هذا البورق ضارب إلى الزرقة. وعلو الشاهق من حيطان من حيطان هذه الأبنية متران ونصف. أما ساحتها فبعضها مرتفع وبعضها منخفض. وفي جدرانها نقوش مختلفة(1/166)
الأشكال بديعة الصنع. وقد اخذ الأستاذ الدكتور صور تلك الآثار ونقوشها وما فيها بالتصوير الشمسي. وقد رأينا في بعض جدرانها سطرين بالقلم الفارسي محفورين حفراً طول كل منهما عشرين سنتيمتراً غير إننا لم نهتد إلى قراءتهما كما ولا الدكتور ولا المهرة من أبناء اللغة الفارسية لقدم عهدهما وإندراس آثارهما. وتلك الأبنية المكشوفة هي عبارة عما يقرب من عشرين داراً.
وهذا الوصف يذكرنا عما جاء عن المختار في معجم ياقوت إذ يقول: هو قصر كان بسامراء من أبنية المتوكل. ذكر أبو الحسن علي بن يحيى المنجم عن أبيه قال: اخذ الواثق بيدي يوماً وجعل يطوف الأبنية بسامراء ليختار بها بيتاً يشرب فيه، فلما أنتهي إلى البيت المعروف بالمختار استحسنه وجعل يتأمله وقال هل رأيت احسن من هذا البناء؟ - فقلت: يمتع الله أمير المؤمنين به، وتكلمت بما حضرني، وكانت فيه صور عجيبة من جملتها صورة بيعة فيه رهبان وأحسنها صورة شهار البيعة، فأمر بفرش الموضع وإصلاح المجلس، وحضر الندماء والمغنون، وأخذنا في الشرب، فلما انتشى(1/167)
في الشرب اخذ سكيناً لطيفا وكتب على حائط البيت:
ما رأينا كبهجة المختار ... لا ولا كصورة الشهار
مجلس حف بالسرور وبالنر ... جس والاس والغنا والزمار
ليس فيه عيب سوى أن ما في ... هـ سيفنيه نازل الأقدار
فقلت يعيذ الله أمير المؤمنين ودولته من هذا. ووجمنا. فقال: شأنكم وما فاتكم من وقتكم، وما يقدم قولي خيراً ولا يؤخر شراً. قال أبو علي: فاجتزت بعد سنياتٍ بسر من رأي،
فرأيت بقايا هذا البيت وعلى من حيطانه مكتوب:
هذه ديار ملوك دبروا زمنا ... أمر البلاد وكانوا سادة العرب
عصى الزمان عليهم بعد طاعته ... فأنظر إلى فعله بالجوسق الخرب
وبركوار وبالمختار قد خلتا ... من ذلك العز والسلطان والترب
وبركوار بيت بناه المتوكل. اهـ. وهو الذي مر الكلام عليه وصحة اللفظة بركوارا بألف في الآخر ومنهم من سماه خطأ بركوان بنون في الآخر على ما ذكره ياقوت في كلامه عن سامراء.
ووراء سور عيسى أيضاً من جهة الشمال على مسافة ربع ساعة من يرى (الجب) وقد أنشأه (على ما يقال وينقل) الخليفة المتوكل العباسي ويحيط بالجب سور مبني بالطاباق والجص وقد سقطت منه بعض الشرفات، والباقي منه متداع مائل. ومسافة محيطه لا تقل عن مائتي متر. أما هيئة الجب فهي عبارة عن حفرة كبيرة في بطن الأرض مربعة الأركان تنزل فيها فتفضي إلى عشرين سردابا ينفذ بعضها إلى بعض.(1/168)
وعمق كل سرداب منها أربعة أمتار وطوله سبعة وعرضه ثلاثة وتحت هذه السردايب واقع بابه في القبلة وقد سلكنا فيه ما يقرب من عشرين متراً فلم نصل إلى آخره غير إننا انتهينا إلى أنقاضٍ كثيرة ثم رجعنا أدراجنا. أما عمقه فلا ندري قدره لكثرة ما هنالك من الصخور المتراكمة. والحجارة المتبعثرة على أهاب الأرض.
والذي يشاهد فيه اليوم أن غوره 1 متر وعرضه متران. وحدثني بعض المعمرين من أهل سامراء قال كان في القرن الماضي في هذا الجب سرداب ينفذ من الجب إلى بركة السباع وسيأتي ذكرها. أما عمق الجب في الأرض فيبلغ قراب 20 متراً ومسافة محيطه قراب 60 متراً وتمشي فوق الجب وأنت مغرب في أرض كلها دكادك وصخور وأنقاض متراكمة بعضها فوق بعض مسافتها 350 متراً. ثم تقف على بركة السباع التي مر ذكرها آنفا ويسميها أهل سامراء (أم البطوط) وهي نقرة مربعة الأركان يبلغ مسافة محيطها قراب (110) أمتار وعمقها قراب 16 مترا ويحيط بها سور قد سقطت جوانبه الثلاثة وبقي منه الجانب الرابع وقد سقطت منه أيضاً بعض شرافات والباقي مائل. وحول ذلك السور في جهاته الأربع أنقاض وأحجار وصخور كثيرة لا تقل مسافة محيطها عن ثلث ساعة ولعلها
أنقاض القصور التي ذكرها اليعقوبي في كتاب البلدان قال بعد كلام طويل: ثم عزم المعتصم على أن ينزل بذلك الموضع (وكان فيه دير للنصارى) فاحضر محمد بن عبد الملك الزيات وابن أبي دؤاد وعمر بن فرج واحمد بن خالد المعروف بابي الوزير(1/169)
وقال لهم اشتروا: من أصحاب هذا الدير هذه الأرض وادفعوا إليهم ثمنا أربعة آلاف دينار ففعلوا ذلك ثم احضر المهندسين فقال: اختاروا اصلح هذه المواضع. فاختاروا عدة مواضع للقصور وصير إلى كل رجل من أصحابه بناء قصر فصير إلى خاقان عرطوج أبي الفتح ابن خاقان بناء الجوسق الخاقاني وإلى عمر بن فرج بناء القصر المعروف بالعمري وإلى أبي الوزير بناء القصر المعروف بالوزيري. انتهى. ويظن إنها هي لان دار السلطنة المعروفة بدار العامة حولها واليوم تعرف تلك الدار بقصر الخليفة وسيأتي ذكرها أن شاء الله.
للبحث تلو
م. . . كاظم الدجيلي
البعبع والوعوع والضبغطري
إذا هبطت ديار الشام، وبالخصوص إذا نزلت لبنإن، وتجولت في ربوعه وزرت بيوت أهاليه. ثم تنصت لما تقوله الأمهات لأولادهن عند إسكاتهن لهم أو تخويفهن اياهم، تسمعهن يقلن: بعبع بعبع، اسكت جاء البعبع (بضم الباء وإسكان العين) فإذا سمع الوليد هذا الصوت خاف وسكت. وإذا سالت الأم: ما معنى البعبع وما تريدين بهذا اللفظ؟ تلجلجت وما استطاعت أن تفيدك شيئاً يروى غليلك. على إني سالت كثيرين من الأدباء أن يطلعوني على معنى هذا الحرف فقال قوم منهم: هذه كلمة تخويف ليس إلا. وقال فريق يراد بذلك حيوان مجهول الأوصاف إلا إنه من الوحوش الضارية. وقالت جماعة: بل(1/170)
البعبع كلمة لا يراد بها سوى إسماع الطفل لفظاً غريباً على الآذان ليخاف ويسكت.
ثم إني ما زلت ابحث عن هذه اللفظة لأعرف اصلها ومأتاها فلم اقف على ما فيها من غامض السر إلا في هذه الأيام. وهذا أيضاً من باب التخرص لا من باب التأكيد.
أما الواسطة التي اتخذتها للبلوغ إلى غايتي فكانت مقابلة ألفاظ أهل البلاد بعضها ببعض وبما ينطقون في مثل هذه الأحوال.
فان أهل الموصل يقولون (جت الدامي) أي جاءت الدامي. ومرادهم بالدامي أو الدامية السعلاة أو شبهها، وطعامها دم ابن ادم، تعضه من موطن من جسده ثم تشرب دمه. والظاهر أن اللفظة صحيحة لان أهل العراق يعرفون أيضاً الدامي ويعنون بها أنثى الغول. والبين أن اللفظ فصيح، وفعل دماه بمعنى أدماه أي أسال دمه قديم، لان الفصحاء يقولون: (الشجة الدامية) ويردون بها الشجة التي تدمي ولا تسيل. فتكون الدامي بمعنى الدامية وفاعل بمعنى فاعلة كثير الورود في كلام العرب ككاعب وناهد وحائض وعارك وهاجن. وعليه فيكون قولهم جاءت الدامي كقولك جاءت السعلاة.
والمسلمون في بغداد يقولون لولدانهم: جاك الواوي، (أي جاءك ابن آوى)، جاك الذيب، (أي جاءك الذئب)، جاك السبعطلان، (أي جاءك السبتلان)، (وهو عامل السلال من نصارى النساطرة يأتي إلى بغداد من كردستان في أيام الشتاء ليكسب دريهمات من عمل لسلال ويرجع بها إلى(1/171)
وطنه في أواخر الربيع)، جتك السعلوة، (أي جاءتك السعلاة)، والنصارى من أهل مدينتنا يقولون: السعلوة، السعلوة جتك السعلوة. السبع، السبع، جاك السبع، الواوي، الواوي. جاك الواوي. الهارون، الهارون، جاك الهارون (الهارون هو القط
الذكر الضخم ويسمونه أيضاً البزون بفتح الباء وتشديد الزاي المضمومة). هذا ما تقوله الأمهات في يومنا هذا. وكل هذه الألفاظ لا تخرج عن معنى الحيوان المفترس حقيقياً كان أو خيالياً. - وأما قبل أربعين سنة فكنت اسمع الوالدات يقلن لأولادهن. بعبع، بعبع (بفتح الباء وإسكان العين) جاء البعبع. ومنهن كن يقلن: وعوع، وعوع، جاء الوعوع، أو وعواع، وعواع، جاءك الواعواع. هوين الواوي، جا الواوي (أي هوذا ابن آوى، جاء ابن آوى).
فمن هذا ترى أن البعبع الشامي (أو اللبناني ويقال بضم الباء وإسكان العين) ما هو إلا وعوع أو عواعه لا غير (ويقال بفتح الواو والباء وإسكان العين) أما قلب الواو باء فكانت لغة بعضهم شابهوا بها النبط. وقد أثبتنا ذلك من تتبع ألفاظهم كقولهم: باشق وواشق. وجارية بكبابة ووكواكة أي سمينة. وبزمة ووزمة (أي وجبة من الطعام). وماله حبربر ولا حورور، والشواهد على ذلك كثيرة. وأما ضم المفتوح عند أهل الشام ولبنان فهذا غالب في أهل القرى. وربما ضموا المكسور أيضاً فيقولون مثلا المشمش بضم الميمين وهما مكسوران على الحقيقة. وهذا كان معروفاً في سابق العهد لان من الألفاظ العربية(1/172)
ما هي بالحركات الثلاث في الأول بدون تغيير في المعنى وذلك جرياً على لغة قوم وقوم من تعشق الضم في الأول أو الفتح أو الكسر.
ومن ثم فقد ثبت لديك أن البعبع والوعوع شيء واحد وكذلك الوعواع. فلننظر الآن ما معنى الوعوع. قال أصحاب اللغة على الاتفاق: الوعوع ابن آوى. . . والثعلب. وقالوا في الوعواع: صوت ابن آوى والكلاب وبنات آوى. إلى غير هذه المعاني. ولم نر اللغويين زادوا على معنى الحيوانين المذكورين حيواناً آخر. إلا إننا رأينا في ذيل فصيح ثعلب لموفق الدين أبي محمد عبد اللطيف البغدادي النحوي اللغوي ما نصه: الفرانق. حيوان شبيه بابن آوى. يقدم الأسد، ويصيح منذراً به. ويسمى فرانق الأسد. ويقال إنه الوعوع (بالعربية) وهو (أي الفرانق) فارسي معرب. اهـ. وهذا عندنا هو الرأي الأصح والوعوع هو عناق الأرض أيضاً المسمى عند العلماء ولعناق الأرض أسماء كثيرة في العربية منها (العناق، والغنجل (كهدهد) والعنفط. والخنجل. (كجرجر) والحنجل (كهدهد) والعنجل (كهدهد) والبريد. والنذير. والتميلة. والتفة. والفنجل. وغيرها. وهو المسمى بالتركية قرة
قولق. وبالفارسية بروانك وبالفرنسوية وعليه فان الأم إذا قالت لولدها جاء البعبع أو الوعوع أو الوعواع فكأنها تقول له: جاء الأسد ليفترسك بما أن الوعوع لا يأتي إلا ووراء الأسد إذ ذاك منذر بهذا.
فقد عرفنا الآن معنى هذه الألفاظ. فهل ترى كان العرب الأقدمون(1/173)
يخيفون أولادهم وما كان اللفظ الذي يستعملونه في مثل هذه الحال وما هو معناه.
قلنا: كان العرب يخيفون أولادهم بقولهم: (ضبغطري) قال في تاج العروس. الضبغطري مقصورة. . . كلمة أو شيء يفزع به الصبيان. . . والعين الذي ينصب في الزرع يفزع به الطير. والضبغطري الضبع. . . أو أنثاها. اهـ. ومثله الضبغطي بالغين المعجمة والضبعطي بالعين المهملة. قال ابن دريد: هو ما يفزع به الصبي. والجمع ضباغط وضباعط. ويقال. اسكت لا ياكلك الضبغطي. روى بالوجهين (بالغين المعجمة والمهملة). وقال أبو عمرو: الضبغطي (بالوجهين) ليس شيء يعرف، ولكنها كلمة تستعمل في التفزيع، وأنشد ابن دريد:
وبعلها زونزك زونزي ... (يخضف أن فزع بالضبغطي
إذا حطأت رأسه تبكى ... وان نقرت أنفه تشكى)
قلنا: هذا ما رأيناه في دواوين اللغة. وأما أصل اللفظة فعندنا إنها منحوتة من قولك: (ضبع طرأ) أي جاءتك الضبع فجأةً. من قولهم: طرأ فلان على القوم إذا آتاهم من مكان بعيد أو خرج عليهم منه فجأةً. والضبع أنثى على الأشهر إلا أن ابن الإنباري يقول بتأنيثه وتذكيره. وعيه فقول قدماء العرب ضبغطرى كقول المعاصرين: (جاءك الوعوع). والظاهر أن هذه اللفظة كانت كثيرة الورود على ألسنتهم حتى أن صاحب ذيل الفصيح يقول: الضبغطى: شيء يفزع به الصبيان(1/174)
ولا تقل ضبغطي. فهذا يدل على أن العوام كانت تتداول هذا اللفظ حتى إنها تصرفت به هذا التصرف وصحفته هذا التصحيف.
ورب سائل يسألنا: إذا كانت الضبغطى منحوتة من (ضبع طرأ) فلم لم يرد في كتب اللغة (ضبعطرى) بالعين. قلنا: أن فصحاء العرب كانوا يقلبون العين المهملة غيناً معجمة كلما جاورت الطاء. من ذلك قولهم (المغط، بالغين واصله المعط بالعين المهملة ومعناه المد. ومغطه مثل معطه. وغير ذلك. ثم أن المزهر أورد اللفظ على اصله وان كان اللغويين
كلهم أجمعون أهملوه. فقد قال (في 1: 263) ما نصه: (الضبعطرى والضبغطرى بالعين والغين مقصورتان: كلمة يفزع بها الصبيان يقال: جاء ضبغطرى ويا ضبغطرى خذيه (كذا. مرة بالمؤنث ومرة بالمذكر) قال الشاعر:
يفزع أن فزع بالضبغطى. اه
فهذا الكلام يؤيد رأينا في منحوت. ثم إنك ترى هذا المعنى المنحوت في شرحهم للفظة ضبغطى بكونها الضبع. ولما قر اللفظ عندهم نسوا اصله المنحوت وتصرفوا به تصرفهم باللفظ الواحد وبالمعنى الواحد وهو معنى الضبع. ولما كثر استعمالهم له أنقصوه على حد ما يطرأ على المواد التي يكثر استعمالها فإنها مع الزمان تتحات وتتناقص. فأحفظ ذلك تصب أن شاء الله. على أن هناك رأياً آخر وهو دون الأول متانة أي ربما تكون اللفظة منحوتة من ضاغب طرأ. والضاغب هو الرجل يختبئ فيفزع الإنسان بصوت كصوت الوحش. فهذان رأيان اختر(1/175)
منهما ما وافقك والله اعلم.
وسوف نبحث في عدد قادم عن الضبغطى عند سائر القوام. وكل آتٍ قريب.
المباني الحديثة في البريم
وصف أحد مكاتبي جريدة الزهور البغدادية هذه القرية وزار مبانيها فكتب فصلاً تخلص منه ما يأتي قال:
(البريم بفتح الراء: اسم قرية من قرى العراق العجمي واقعة على ضفة دجلة والفرات وهي في منتصف الطريق تقريباً الودية من ولاية البصرة إلى فم خليج فارس. وقد سعت شركة إنكليزية وهي شركة النفط الإنكليزية الفارسية برضى حكومة إيران لتعمير هذه القرية بناء على أن تكون هذه القطعة مستودعاً للزيت الحجري وقد نالت الامتياز باستخراجه من أرض رامز لمدة خمسين سنة (والأصح لمدة 75 سنة) وقد أصبحت اليوم مقاماً خطيراً في العراق لكثر ما يرد إليها من المعدات الحربية الكافية. اهـ كلامه.
وقد مدت الشركة الإنكليزية المذكورة قساطل من حديد أي أنابيب منحدر من محل مخرج النفط إلى البريم حتى إذا تفجرت العيون تصب سائلها في الأحواض التي قد ركبت في بطونها تلك الأنابيب فينحدر الزيت الحجري إلى البريم ومن هناك يحمل إلى البلاد ليباع فيها. ولا تقل أن المسافة بين رامهرمز وبين البريم عظيمة وان بين عيون النفط(1/176)
وهذه القرية نهر بهمشير. فان الأنابيب قد مدت على طول المسافة وليس هناك ما يحول دونها.
ومساحة الأرض التي بدئ بعمارتها تقدر بعشرة آلاف متر ويحيط بها مشبك من نسيج الحديد. وتنقسم مبانيها على رواية مكاتب الزهور إلى قسمين: قسم لمستودع الذخائر الحربية (كذا. والأصح انه ديوان العمال والمتوظفين في أشغال الزيت والصيدلية) وقسم للزيت الحجري.
فأما معاهد القسم الأول وهو القسم الشمالي فاهم ما فيه قصر ذو طبقتين مطل على الشط لم تر العيون مثل حسن بنائه وضخامته في ولاية البصرة. وعن يسارك مساحة من الأرض تكون في مستقبل الزمان حديقة غناء. وقد خطت على هيئة مضلع تمتد إحدى أضلاعه امتداداً حتى تحاذي منتصف بورة القصر الشمالية. ومن ثم يكون للقصر فجونان غربية وشرقية. يقال: إنهما دبرتا على هذه الصورة لتكونا محلين للجلوس متى تفرعت أغصان الأشجار واشتبكت فيها الأفنان ممتدة من الحديقة إلى القصر. قال المكاتب: وعندي إنها ستكونان غطاءين لمخزنين تحت أطباق الثرى تودع فيهما القنابل الجهنمية حفظاً لها من حرارة ووهج الشمس فتبقى تلك الذخائر في مامن من عوامل اشتداد الحر وأيدي العداة
فضلاً عن إنها تبقى هناك في هواء معتدل طول السنة لترطيب عروق الأشجار له.
قلنا هذه أفكار خطرت للمكاتب وليس إلى اليوم ما يؤيد هذا(1/177)
الظن. وترى اليوم في شرقي القصر وقريباً منه أربعين حوضاً صغيراً لتصفية الزيت الحجري وقد تم عملها. وبجانبها يبنى سبعة أحواض كبار تم بناء حوضين منها. يسع كل واحد منها 30. 0000 تنكة (أي صندوق من الصفيح المستعمل لنقل النفط إلى البلاد وسعة كل تنكة 19 لتراً) وفوق كل حوض من هذه الأحواض كبيرة كانت أو صغيرة مشبك من الحديد. وقد مد اليوم سلك للبرق (تلغراف) وسلك للمسرة (أي التلفون)(1/178)
وذلك في نية ضم شتات المدن والقرى إلى بعضها البعض، فضلا عن جمع أمر المتوظفين ليكونوا يداً واحدة مع المدير الأكبر. وفي أواخر شهر تموز وأوائل آب من هذه السنة وصل الشركة جميع الأدوات اللازمة لتنوير المدينة ومحلاتها الكهربائية. وقد شرعوا في وضعها منذ شهر أيلول. وهي قريب تتم على الوجه الأكمل.
وقد جلبت تلك الشركة الإنكليزية أيضاً آلة عظيمة لصنع الآجر بطريقة سريعة وحسنة وعلى قدر واحد. كما إنها مدت سكة حديد لنقل الأدوات والأحمال والأثقال الداخلة في أشغالهم. وهناك أنبار كبير طوله مائة متر في عرض 75 متراً مبني بأجر البصرة ومشدود بعضه إلى بعض بالملاط (شيمنتو) والحديد للحمل البضائع فيه.
قال عبد العزيز أفندي الطباطبائي: إني طفت مدن قارة آسية فجبت الهند وجبال سرنديب وجزيرة فلفلان وجاوة وسومطرة وجزائر الفيلبين حتى وصلت إلى حدود أميركة الشمالية وشاهدت من مستودعات الزيت الحجري شيئاً كثيراً وسمعت تفاصيل جمة عن كثير منها فلم أجد شبيهاً لهذه المستودعات التي بنيت حديثاً في البريم بل ولا ما يقرب منها. وإنما وجدتها على غرار القلاع بل هي هي بدون أدنى فرق.
وفي القصر نوافذ كثيرة ووراء تلك البرك أو الأحواض معمل عظيم يدأب في قطع الحدائد للأشغال الآلية فيحملها قطار يخترق(1/179)
البقعة بآسرها طولاً وعرضاً فيوزعها على آلات صغار هناك. ومن نظر إلى المعمل وكيفية وضعه وإلى المباني الموجودة حوله وإلى ينوى فيها ثم سمع بما يراد من تلك المشيدات في أرض رامز حول عيون النفط يحكم عقله بضرورة النتيجة وبان هذه الأبنية لا تحتاج إلى جلب معمل (فبريقة) كهذا. وإنما جلبت
آلاته لأعمال غير هذه الأعمال ولغير ما تدركه الحواس الآن. والله اعلم بالسرائر وبما تخفيه الضمائر.
أما معاهد القسم الثاني فهي الأبنية القائمة بجوار شط النهر. وهي عبارة عن ثلاثة مخازن طويلة متصل الواحد بالآخر وهي مسنمة ولولا تسنيمها لما عرفت إنها ثلاثة. وقد أقيمت ليوضع فيها ما يتعلق بالبواخر التجارية من شخص ونفض. ويمر بها فرع من الخط الحديدي حتى يوفي المسنا من عن يمين المخازن ويسارها. وقد خطت بجانبها رسوم أخرى تبرز إلى عالم الوجود شيئا بعد شيء.
أن الرائي إذا قصر نظره على مجرد هذه البقعة لا يتصور إنها للتجارة وبيع النفط، لا سيما إذا علم بعدها الشاسع عن رامهرمز بل تحقق أن في الأمر إجحافا بشؤون التجارة كيف لا والتجارة مبنية على أسس الاقتصاد وليس هنا ما يؤيد أن في هذه المباني الفخمة وهذه المشيدات الضخمة ما يرى للعاقل أن الغاية منها توفير النفقات وتقليلها. أما إذا فزع إلى الدلائل العقلية فتراه للحال يعدل عن هذه الفكرة ويقول لك: بل أن الغاية من هذه المباني وتخير هذه البقع من بقع ديار العجم كلها هو الاستعداد لإيقاع(1/180)
مصيبتين في هذه البلاد وما جاورها:
الأولى أن موقع البريم السياسي ذو بال، إذ هو كموقع بلدة البحرين السياسي. فالسلطة المطقة التي فازت بها إنكلترا في الخليج لم يبد آثرها إلا بعد ما اتخذت لها مركزاً في البحرين. فمركزها هناك هو الذي خولها الحول والطول في الخليج وهو العامل الأكبر في انتشار سياستها في بر عمان من جهة، ولنجه وأبي شهر من الجهة الأخرى. إذ أن جزيرة البحرين واقعة في منتصف الطريق الواصلة الجهتين الواحدة بالأخرى. وأنت تعلم أن مركزها في البحرين هو الأنموذج الذي جعل لها مركزا آخر في الكويت. وان كان للكويت أسباب أخرى فتلك لا تنافي هذه التي ذكرناها. فكان إنكلترا والحالة هذه قد أخذت على نفسها أن لا تذر شعبا من الشعوب الإسلامية خاليا من هيجان وفتنة فكما إنها كانت السبب الوحيد لتهييج العشائر الرحل من عشائر الجزيرة والحويزة تريد أن تكون سببا لإثارة قبائل العراق الحاضرة ليتم لها بذلك حق المساواة والمؤاخاة في نظر عدلها وإنصافها. فيا له من حق ويالها من مساواة ومؤاخاة.
والمصيبة الثانية هي: جعل البريم مقاما أبا يتولد منه عدة مراكز في العراق العجمي. إذ لو كان المركز على حافة نهر بهمشير الشرقية (وهو على بعد ميل ونصف من البريم) لما تمكنوا من التسلط التام على سكان العراق العربي والاختلاط بهم.
ورب قائل يقول: أن المركز لو كان على ما ذكرت لصعب النقل(1/181)
منه واليه. قلنا: أن صعوبة النقل موجودة إذا كانت البريم هي المحطة نظراً لعدم بعد عيون زيت الحجر، هذا مع غض الطرف عما يتطلب من النفقات التي لا توافق نجاح التجارة. وأما لو كان هناك ما يسهل النقل كالبواخر الصغيرة مثلا التي تقطر السفن المحملة (وهذا محسوس ومصلحته ظاهرة) فالعدول عنه إلى ما هو اصعب لا بد له من مصلحة بينة. والحال ليس من مصلحة أكبر عدد من تعدد المراكز التي تكون على حافات نهر بهمشير. وهنا يظهر أن جلب ذلك المعمل لم يكن من العبث.
والخلاصة أن موطن البريم سيكون بمنزلة الآلة الكهربائية التي تحرك جميع سائر المواطن وتذخر فيها اعظم القوى على حد ما يرى في مولد الكهربائية. والله اعلم بمصير الأمور.
وأما ما بقي من وصف البريم فهو: أن طرقها واسعة يبلغ عرضها 15 متراً. وهواؤها حسن وشرب أهلها من ماء (شط العرب) وطعام أهلها وخضرهم تجلب من أرض العراق. وما بقي يجلب من بهمشير أو أرض فارس.
وقد بنى فيها من القصور إلى آخر شهر آب من هذه السنة سبعة وكلها ذات طبقتين. وثماني دور ذات طبقة واحدة وفي كل دارٍ عشر غرف. وفيها من الإنكليز خمسة عشر رجلا وكلهم من المتوظفين في أشغال الشركة. ومن الهنود رعية الإنكليز أربعمائة عامل. ومن الوطنيين العثمانيين اثنا عشر عاملا. ومن العجم أو رعية إيران من عامل وحمال(1/182)
ومستخدم مائة وخمسون. ومن أعراب البادية أربعون رجلاً. فتكون جملة المشتغلين في الشركة ووظائفها وأعمالها 637 نفساً. ويبلغ سكان البريم ألف نسمة لا اكثر. وليس لأهل البليدة دار مبنية باللبن إلا دار السيد محمد وهو رجل نزل ذلك الموطن منذ اكثر من 50 سنة، ويرأس الأهالي باسم الشيخ خزعل أمير المحمرة، وكل دعوى تقع هناك ترفع إليه فيقضها على الوجه الأصوب. وهو شيخ كبير السن له ابن اسمه السيد علي وهو ولي عهده.
ومن رجال البريم الملا سلمان وقد احتل ذاك الصقع منذ نيف وثلاثين سنة وله هناك مسجد يجتمع فيه المسلمون نهار كل جمعة. وللملأ ابن شاب. وكلاهما في خدمة الإنكليز مع أن أملاك الملا كثيرة واسعة لا حاجة إلى أن يستخدم في محل.
وفي شرقي هذه المخازن أربعة مواف كبار لطبخ الآجر(1/183)
وبجانب كل منها آلات ضغار لتقطيع اللبن وإفراغه في القوالب وقصه وسحق ما يتكسر منه.
وفي شمالي الآتاتين ردهة كبيرة مبنية بالآجر الصلب وبازائها شرفاً المستودع الحقيقي للزيت الحجري وهو حوض عظيم وله حيطان من حديد سمكها ثمانية أمتار.
سؤال إلى العلماء ولا سيما المتصوفة منهم
بخصوص قدم الكرمليين
جاء في كتاب محاضرة الأبرار، ومسامرة الاخبار، في الأدبيات والنوادر والأخبار، للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي في الجزء الثاني من النسخة المطبوعة بالمطبعة العثمانية في مصر سنة 1305 في الصفحة 192 و193 ما هذا إعادة نصه بحرفه: (أنشد ابن ثابت قال: أنشدني الحسن بن محمد البلخي قال: أنشدني طاهر بن الحسين وهو أبو الحسن المخزومي لنفسه:
ليس التصوف أن يلاقيك الفتى ... وعليه من نسج المسيح مرقع
بطرائق بيضٍ وسودٍ لفقت ... فكأنه فيها غراب أبقع
إن التصوف ملبس متعارف ... فيه لموجده المهيمن يخشع
اهـ.
وفي هذا الكلام إشارة إلى ملبس الكرمليين في عصر المخزومي المتوفي في أوائل القرن الخامس للهجرة أي أوائل القرن الحادي عشر للمسيح. لأنهم كانوا يلبسون أردية أو أعبئة بطرائق سود وبيض(1/184)
كما هو مشهور فيكونون فيها كالغربان البقع. على أن أحد علماء المستشرقين وهو المسيو لويس ماسنيون كتب إلينا في رسالته الأخيرة ما هذا تعريبه
(إنك تتذكر الأبيات الثلاثة التي أنشدها المخزومي بخصوص مرقعه الصوفي، وكنت قد نقلت لك نصها، تلك المرقعة التي تشبه ملبوس طريقتك في سابق العهد، فوا سوءتاه! إني وجدت النص المطبوع على الحجر في مصر القاهرة محرفا عن اصله، واليك اقدم رواية لهذه الأبيات كما أوردها السلمي (المتوفي سنة 412هـ - 1021م) في كتابه (بيان أحق آل الصوفية) بموجب النسخة الخطية الموجودة في (لآللي جامع) العدد 1516 الورقية 173 في وجهها) (للمخزومي:
ليس التصوف أن يلاقيك الفتى ... وعليه من (نسج النحوس) مرقع
بطرائق بيضٍ وسودٍ لفقت ... فكأنه فيها غراب أبقع
إن التصوف ملبس متعارف ... (يخشى الفتى فيه إلا له ويخضع)
فإنك ترى أن اسم (المسيح، قد حذف.) اهـ.(1/185)
فنحن نطلب اليوم إلى الذين قد عثروا على هذه الأبيات في غير هذا الكتاب أن يطلعونا على ما عثروا عليه من حقيقة هذا النص وان يفيدونا عن اقرب هاتين الروايتين إلى الأصل لنكون على بينة من معنى هذه الأبيات. وله منا سلفا اعظم الشكر، كما له من الله اعظم الآجر.
كتاب في لغة الحديث
لعله كتاب مشارق الأنوار
عند حضرة الفاضل اسكندر أفندي داود مسيح كتب قديمة كثيرة في مواضيع مختلفة. ومن جملتها في كتاب في اللغة يرتقي عهد كتابته إلى القرن السادس للهجرة. إلا إنه ناقص منه ورقة في الأول وورقة من الآخر. عدد أوراقه 250 ويبتدئ الكتاب بالهمزة وينتهي بالياء وعليه فالناقص منه شئ قليل جداً وهو الذي ذكرناه وقد كتب عليه بخط حديث (كتاب مشارق الأنوار) فلعله يكون إذا كتاب مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي المتوفي سنة 544. وهو على ما قال صاحب كشف الظنون (كتاب مفيد جدا) أوله: الحمد لله مظهر دينه على كل دين الخ. واختصره ابن قرقول الحافظ أبو اسحق إبراهيم بن يوسف الوهراني(1/186)
الحمزي المتوفي سنة 569 وسماه المطالع. وزاد عليه بعضاً. وقال قبل ذلك: هو كتاب في تفسير غريب الحديث المختص بالصحاح الثلاثة وهي الموطأ والبخاري ومسلم.
طول النسخة التي أمامنا 27 سنتيمتراً في عرض 18 سنتيمتراً وفي كل صفحة 31 سطراً وطريقة المؤلف في وضع كتابه إنه يذكر الباب بقوله مثلاً (الهمزة مع الميم) ويذكر الجميع ما ورد من الألفاظ معقودا تحت هذا الباب. ثم يذكر فصلا يعنونه (فصل في الاختلاف والوهم) وان كان في المادة ذكر بعض البلاد أو المواطن يزيد فصلا آخر يسميه (فصل في ما ذكر في هذا الحرف وفي هذه الكتب (أي الصحاح الثلاثة) من أسماء المواضع والبقع من الأرض) وان احتاج إلى إزالة ليس يعقد فصلا رابعا عنوانه (فصل في مشكل الأسماء والكنى). وقلما تجتمع كل هذه الفصول في مادة واحدة. ودونك مثالا ننقله عن أسف ونائلة قال المؤلف:
(اساف ونائلة) اسم صنمين كانا بمكة. ذكر محمد بن إسحاق إنهما كانا من جرهم رجلاً وامرأة اسم الرجل: اساف بن مينا، والمرأة نائلة بنت ذئب. ويقال: ديك. ويقال: اساف بن عمرو، ونائلة بنت سهل زنيا بالكعبة فمسخهما الله حجرين فنصبا عند(1/187)
الكعبة. وقيل: نصب أحدهما على الصفا والآخر بزمزم، وقيل: بل جعلهما بموضع زمزم. فكان ينحر عندهما، وكانت الجاهلية تتمسح بهما، فلما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة يوم الفتح كسرهما. وجاء في بعض
أحاديث المسلمين: إنهما كانا بشط البحر وكانت الأنصار في الجاهلية تهل لهما وهو وهم. والصحيح أن التي كانت بشط البحر مناة الطاغية.) اهـ.
هذا مثال مما في هذا الكتب من المباحث الجليلة مع ما عليه من الاطلاع على مثل هذه النسخة أن يفيدنا عن اسم الكتاب وعن نسخة ثانية منه وعن سنة تاريخها. لأننا قد نقرنا في ما لدينا من فهارس خزائن كتب الديار الإفرنجية والعربية فلم نعثر على نسخة ثانية تكون أختاً لها. فعسى أن يرشدنا قراؤنا إلى تحقيق الأمنية ولهم الأجر والثواب خفية وعلانية.
نقد طبع كتاب طبقات الأمم
(تلو)
ووردت لفظة التبرؤ مكتوبة بياءٍ في الآخر (أي بالتبرئ ص667)(1/188)
والأصح كتابتها بالواو. وفي الحاشية: (هذه رواية حب وحك وصحيحة) والأصح: (وهي صحيحة).
وقال في ص669 (وأما ارسطاطاليس بن نيقوماخوش الجهراشي الفيثاغوري). فقال الناشر في الجاشية: (في كتاب الحكماء: الجهراشني. وفي حب: الجراسني. لعله يريد: الاسطاغيري نسبة إلى اسطاغيرا موطن ارسطو (كذا) قلنا: أين الجهراشني من الاسطاغيري وبين اللفظيين من البون البين ما لا يخفى على ذي بصر فضلا عن ذي بصيرةٍ. وعندنا أن الجهراشني يونانية الأصل من جهرائسي أو جهرائشي ومعناها (الشيخ الجليل أو الوقور الشيبة) وتحتمل وجهاً آخر أي أن تكون اللفظة مصحفة عن جهرائستي أو جراستي أو عن جهرائشتي أو جراشتي نسبة إلى جهراست أو جراشت وهواله من آلهة اليونان والرومان هو ابن يوبيتر (المشتري). وكان الأقدمون من الأعاجم إذا عظموا رجلاً نسبوه إلى واحد من آلهتهم كما يسمون الإمام الكبير بالإلهي أو المتأله وأنت تعلم أيضاً أن جهراست نعت من نعوت نبطون آخي يوبيتر. - وهناك وجه ثالث من الاحتمال والتخرج وهو أن تكون الجهراستي بالسين أو بالشين والجراستي بدون هاء وبكلا الحرفين السين المهملة والشين المعجمة منسوبة إلى جهرست أو جرست وهي مدينة من أعمال الاوبية وراس من رؤوسها. وقد جاء بهذا الاسم أيضاً ميناء من موانئ يونية. فلعل أحد أجدادنا فيلسوفنا من أحد هذه البلاد المذكورة فحفظ نسبه. والخلاصة أن الجراستي(1/189)
من ألقاب الحسب والنسب والتفخيم لقب به ارسطو أو أبوه أو أحد أجداده لعلو منزلته وسموق شرفه أو لغاية أخرى نجهلها الآن.
وجاء في تلك الصفحة قول المؤلف: (وهي السبعون كتاباً التي وضعها لاونارس) فقال الناشر: (يريد أحد أعيان اليونان ولعل الاسم مصحف). قلنا: لا يظهر إنه مصحف لان طابع كتاب ابن القفطي لم ير اختلاف الروايات فيه.
وورد في صفحة 670 (المقاتلين الأوليتين) والأصح الأوليين. وفي ص671: (واليد الحليلة (بالحاء المهملة) ونظنها (الجليلة) بالجيم وفي ص673 (وردا عليهم بالحجاج الصحيحة) والأسد أن يقال (بالحجج الصحيحة). وفي ص674 (وكان) (والكلام فيه عن
مثنى) والأقوم أن يقال (وكانا) بالتثنية. وفي ص676 (كتاب سيبويه المصري (كذا) وهو تصحيف غريب. لان المطالعين يعرفون أن سيبويه لم يهبط مصر في حياته فكيف جاز أن ينسب إلى مصر. والأصوب أن يقال (المصري) بالباء في الأول نسبة إلى البصرة وقد نزلنا فنسب إليها وان كان اصله من البيضاء من قرى شيراز.
وجاء في ص678 (وكان شديد الانحراف عن ارسطاطاليس وغانياً له في مفارقته معلمه أفلاطون). فأنت ترى أن لا معنى لكلمة (غانياً) هنا. ولذا قال الناشر في الحاشية: (لعل الصواب (عاتياً). قلنا: وهذه أيضاً لا محل لها ههنا. إذ لو كانت كذلك لما جاء بعدها: له في(1/190)
مفارقته) لأنه يقال. عتبه على شيء. ومن ثم وجب أن تكون الكلمة (عائباً له أو غائباً له) وكلاهما بمعنى واحد. - وقال في تلك الصفحة: (ونحل مذاهب العلماء) والأصح (نخل) بالخاء المنقوطة. والمؤلف ينشر طي كلامه بعد ذلك بقوله: (وأنتقى لبابها، واصطفى خيارها.)
قال في ص679 والبرغز، والاصح والبرغر براء مهملة في الآخر.
وورد في حاشية ص680 (لم يتم تنصرهم دفعة واحدة بل تمادى الزمان) والأصح يتمادى الزمان.
وجاء بين أسماء مؤلفات يوحنا بن ماسويه (كتاب البقرة) فوضع الناشر بعد هذا الاسم علامة الاستفهام (؟) كأنه شعر بغرابة هذا الاسم، ولقد صدق ظنه، لان اسم الكتاب هو (كتاب البصيرة)
(له تلو)
اقتراح على علماء الشرق وأدبائه
قرأنا في مجلة العالم الإسلامي في الصفحة 183 من مجلدها الخامس عشر في عددها السابع والثامن الصادرين في شهري تموز وآب من هذه السنة هذه العبارة الغريبة وهذا تعريبها: (أن الفلسفة والعلوم المشهورة باسم (العلوم العربية) ليست في الحقيقة إلا عبارة عن نقل وشرح مؤلفات اليونان، وبخلاف الفقه فإنه من النتاج الخاص بالإسلام ومن نتاجه النادر. وهذا أيضاً لا يعتبر كذلك إلا طالما لا تظهر لحمة النسب بينه وبين فقه الروم.) اهـ.(1/191)
فنحن نطلب إلى علماء الشرق والراسخي القدم في تاريخ الإسلام أن يردوا على هذا المستشرق (وهو العلامة أ. آمار في الجرائد والمجلات بشرط أن يكون الرد خاليا من الطعن ومعززا بالأدلة والبراهين، ونحن نرحب بكل مقالة تكتب في هذا المعنى ونفتح لها باباً واسعاً في مجلتنا ومن الله العون والتوفيق.
مذنب بروكس
إذا استيقظت باكراً هذه الأيام أي نحو الساعة الرابعة ونصف إفرنجية، أو نحو الساعة العاشرة ونصف عربية صباحاً، أطلق طائر بصرك إلى جهة مشرق الشمس عند منفتق أو منبثق أهاب الفجر، تر كوكباً ذا ذؤابةٍ واقعاً عن يسارك إذا نظرت إلى نجم الصبح، واسم هذا الكوكب (مذنب بروكس وهذا الاسم مضاف إلى من رآه ووصفه وعين أوقات ظهوره وعودته لأول مرة. وقد رأينا هذا المذنب رأى العين (أو كما يقول العوام: بالعين المجردة، وهو من التعبير الإفرنجي المعرب تعريباً حرفياً) منذ نحو منتصف شهر آب، وهو لا يزال يطلع إلى الآن، وبلغ هذا الكوكب نقطة الرأس في 27 تشرين الأول نحو الساعة التاسعة مساء.
الفانوس والمنوار
سألنا بعضهم: ما أصل لفظة الفانوس وما الذي يقابلها في اللغة الفصحى.(1/192)
الفانوس لفظة يونانية الأصل من أو والبعض يقول فانوص بالصاد وتجمع على فوإنيس. وقد وردت هذه اللفظة في تاريخ كتاب السلاطين المماليك. وكان يراد به في الأصل كما كان يريد به العراقيون قبل عشرين سنة أي مصباح يتخذ من نسيج مشنع مستدير الشكل على هيئة اسطوانةٍ قصيرة وهو متجعد تجعيدا من شأنه أن ينطوي على نفسه فيحتوي تحويا وفي قعره ورأسه قطعة من الصفيح ويركز في أسفله شمعة. ثم لما تحسن أمر الاستصباح نقل إلى صورة المصباح الذي تتخذ جوانبه من الزجاج وقد نزل هذا الزجاج في زوايا من الصفيح (التنك) لتمسكه من السقوط. ثم نقل معناه إلى هذه المصابيح التي توضع في الطريق ليستضيء بها الساري وهي المعروفة عند الإفرنج باسم
ويقابلها بالعربية (المناوير مفردها المنوار). قال في ذيل الفصيح: (العوام يسمون ما يستصبح به على أبواب الملوك (المنيار) والقياس (منوار) لأنه من النور أو النار) اهـ.
قلنا: يؤخذ من هذا أن الملوك في سابق الزمن كانوا يجعلون على أبواب دورهم مصابيح لتميز من سائر الدور. أما اليوم وقد شاع الاستصباح في كل البلاد لرخص مواده فالمناوير تعلق في جميع الطرق والشوارع إراحة للناس بدون تفريق بين التابع والمتبوع.
باب المشارفة
(البيان السنوي للكلية العثمانية الإسلامية في بيروت عن سنة 1329)(1/193)
تلقينا بفرح هذا البيان ووقفنا على ما فيه وعلى تقدم هذا المعهد معهد العلم فوجدناه أنتقل من طور الصبوة إلى طور الكمال ونحن نتمنى له العروج في سلم الترقي الدائم. أن ربك على كل شيءٍ قدير.
البيان
مجلة تبحث في الأدب والتاريخ والفلسفة والأخلاق والتربية والاجتماع والنقد والروايات والصحة وتدبير المنزل وتعنى بنشر آثار الغرب وآثار العرب وتضرب بسهم في كل فن ومطلب، لصاحبها عبد الرحمن البرقوقي ومنشئيها عبد الرحمن البرقوقي ومحمد السباعي، وتظهر آخر كل شهر عربي في 80 صفحة وقيمة اشتراكها في السنة 50 قرشا ومحل أدارتها بشارع عبد العزيز في مصر.
وقد طالعناها فوقفنا على هذه العبارة في ص7 إذ يقول الرصيف عبد الحمن أفندي البرقوقي: (أشركت في أمري آخي وصديقي الكاتب الكبير محمد السباعي أمكن من علمت في آداب العرب والمغرب واخلب من سمعت بياناً. وأكثرهم في مناحي البيان افتنانا)
ومع ذلك فقد وجدنا في العدد ما لا ينطبق كل الانطباق على هذه الأوصاف. وأول شيء نأخذه على المجلة هو هذا المدح الذي يغض من كتاب مصر وفيهم حملة الأقلام وقالة الشعر ومجيدي النظم والنثر ما لا يرد على يراعتهم مثل ما ورد في مجلة البيان من هذا الكلام المغلق المعضل مما يحتاج فتحه إلى مقاليد الأرض والسماء. من ذلك قوله ص52: فلا درس يعطى للغلام. وهو من التركيب الأعجمي والأفصح فلا يدرس(1/194)
الغلام درساً حتى. . .
وفيها: (حتى يعرض عليها فتصدق عليه). والأفصح فتصدقه. وقوله: (وقدماً أيقظ الله بالجليد سوليه ووسيمه (كذا) اوجاستين من رقدته ونبهه بالثلج من غفلته) وكان الأليق بالمعرب أن يصحح وهم الكاتب اللورد بيرون لان صغار طلبة المدارس يعرفون أن الذي دفع القديس اوغسطين أو اوغسطينس (لااوجاستين) إلى الرعوي هو سماعه صوتاً يقول له خذ أقراً فاخذ رسائل الإناء المصطفى وتصفح وجهاً منها فوجد فيه الدواء لدائه فاهتدى إليه تعالى. ثم ما معنى (وليه ووسيمه) فلا جرم أن المعرب لا يريد التلميح إلى المطر ووسميه بل إلى وليه (أي وليه تعالى) وسميه. لكن لم يرد السمي عند العرب والنصارى بمعنى الإمام في القداسة. وإنما تسمى النصارى سمياً من الأولياء من كان اسمه شبيه اسمك لا معنى مجرد الصديق أو الصالح. ثم ما معنى هذا اللفظ المنكر (اوجاستين) والمشهور على الألسنة والمذكور في الكتب القديس اوغسطينس أو اوغسطين فلماذا هذا التغيير.
وقال: (ص58 أن الآنسة أخبرتني أن اذهب شملة) أي يسرة. ولم يرد هذا الحرف في
لغتهم بل صرح ثعلب في صفيحة بفساد هذا التعبير قال: ونظرت يمنة وشامة أي جانب اليمين وجانب الشمال. ولا تقل شلة) لأنها بالشملة وهي الكساء الذي يشمل به أي يتغطى به.(1/195)
وقال في تلك الصفحة: (لجهلي بالألمانية) والأفصح لجهلي الألمانية. وفيها أيضاً: (واستلمت الحلقة). والأصح وأخذت الحلقة.
وقال في ص67 (فلففتها في قفازة الفتاة). وأعاد القفازة مرارا والأصح قفاز. وقال في تلك الصفحة أيضاً: (لا زهقت روحه لتوه وساعته) والأصح لتوته وساعته. والتوة (لا التو) هي الساعة. وأمثال هذا التعبير كثير فنجتزي بهذا القدر اليسير.
هذا من جهة الإنشاء والتعريب وأما من جهة المواضيع فإننا رأينا منقوشا على صدر المجلة مواد كثيرة مختلفة لم نجد في مثانيها إلا ما يحصر في ثلاثة فصول.
ومن اغرب ما رأينا في هذه المجلة مقالة التطفيل. فأي فائدة يا ترى أن نتعلم كيف يكون وكيف يتطرق إليه. ذلك إذاً فصل من الفصول النوافل التي نحن الآن في غنى عنها. - وهناك غير ما انتقدناه من التعبير والتنسيق والتفصيل إلا أن هذا كله لا يحط شيئاً من رفيع مقام المجلة لأنه قد قيل:
كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
تحريم نقل الجنائز
(رسالة فقهية علمية إصلاحية حرة من مؤلفات الأستاذ العلامة حضرة هبة الدين الشهرستاني صاحب مجلة العلم الغراء) طبعت بمطبعة الآداب سنة 1329 في 18 صحيفة بقطع الثمن.(1/196)
وهي رسالة مفيدة للإمامية غاية الإفادة ونحن نتمنى أن تنتشر بينهم وتزيل تلك العادة التي يتضرر منها أناس كثيرون وهي عادة نقل الموتى إلى كربلا التي بواسطتها تنقل عدة أمراض بين الأحياء وتفشو بين ظهرانيهم فشواً متلفاً لكثير من النفوس حقق الله الآمال.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
(سعدون باشا) وصل سعدون باشا إلى حلب في أواسط أيلول الماضي رغما عما أشاعه بعض المغرضين المرجفين وكان يخفره ضابط وثمانون جنديا وأودع سجن حلب ريثما يحاكم.
(الدواسر) خطر في بال الحكومة بيع مقاطعة (الدواسر) في جوار البصرة إلى بيت آل براهيم من أغنياء الهند. والظاهر إنها عدلت الآن عن عنيتها لما رأت وراء الأكمة ما رأت. وموقع الدواسر جليل الخطر لأنه محاذ لجزيرة عبادان وقريب من الكويت ولان المسافة بينهما قراب 12 ساعة ولا فاصل بينهما سوى خور عبادان.
(اضطراب في البصرة) وقع في أوائل أيلول في البصرة بعض أمور أقلقت راحة أهلها، ملخصها: إنه هجم نحو عشرين من الأشقياء على السوق نهاراً، فنهبوا بعض الأموال، وقتلوا أحد التجار، وجرحوا آخر اسمه موشي كباي، بعد أن اخذوا منه خمسين ليرة، وقد وقعت مناوشة بين هؤلاء اللصوص وجند الدولة، فانجلت الواقعة عن مقتل أربعة رجال: اثنان من الجند واثنان من العماريط، وقبض على خمسة(1/197)
من هؤلاء الأنذال مقلقي راحة العموم. والتحقيق جار في تتبعهم والاقتصاص منهم والضرب على أيديهم واستئصال شافتهم.
(غرق سفن جسر بغداد) يعلم القراء أن جسر بغداد الأكبر واقف أو ممتد على سفن أو زوارق تسمى جساريات مفردها جسارية (أي حاملة الجسر). ففي الساعة 7 من نهار السبت 9 أيلول أخذت سفينة من هذه السفن بالرسوب في قعر دجلة بعد أن امتلأ جوفها من الماء ولما بدأت بالغوص تصايح من كان على الجسر وعلى الشاطئ استنجاداً وتخلصاً فلم يكن هناك من مجيب. وكان سائر السفن حسدت أختها البكر فتسابقت في الهبوط في قعر الماء، وعلى هذا الوجه غرقت خمس منها في مدة ساعتين أو تزيد على هذه المدة قليلاً. أفلا يحسن بعد هذا أن يمد على دجلة جسر من حديد كجسر الخر حتى يأمن الناس على نفوسهم.
(إصدار الخيل إلى بلاد الأجانب) كانت الحكومة قد منعت منعاً باتاً المتاجرين بالخيل العراب إصدارها إلى الديار الأجنبية، ولا سيما إلى ديار الهند، فلما درى بهذا المنع أرباب الخيل اخذوا يرسلونها على الطريق بدلا من إرسالها في البواخر فهم يذهبون بها إلى
البصرة فالزبير فالكويت أو المحمرة ومن هناك تنزل في مراكب البحر لتباع في الهند. وهكذا خسرت الحكومة وإدارة المراكب وإدارة المكس (الكمرك) ما تستوفيه من إصدار الخيل. فقد قيل أن في الأسبوع الأول من أيلول سار الباعة بستمائة راس من الجياد عن طريق البر، فالأمل من الحكومة أن تسعى ف إصلاح هذا الخلل المضر بها(1/198)
وبأهل الوطن.
(صحن الشعلان) اظهر هذا الشيخ سوء نياته في ما آتاه وأجترحه من المنكرات كالعصيان على الدولة وآبائه دفع الزكاة والهجوم على البريد وقطع الطرق وتهييج العشائر على الحكومة ونهب أموال التجار والقوافل وابتداعه رسوماً جديدة لنفسه لم يسبقه إليها أحد إلى آخر ما جاء به، فسعت الحكومة في تعبئة الجيوش لكبح جماحه وردعه عن غيه فلما علم الشيخ بهذا النبأ، نهض مع عشيرته الخزاعل ونزل في عشيرة بني قحيم والبدور وسوف نرى ما تكون النتيجة.
(زوال الهيضة) زالت الهيضة من بغداد وأنفذ مجلس المعارف وإدارة الصحة إلى أصحاب المدارس أمراً بفتح المكاتب، ففتح كثير منها في أوائل تشرين الأول.
(تأثير معالنة إيطالية بالحرب للدولة العثمانية) في اليوم 29 من شهر أيلول أعلنت إيطالية الحرب للدولة العثمانية فاحدث هذا النبأ في بغداد والعراق بأسره هزة أشبهت الهزة الكهربائية واظهر المسلمون من التحمس الوطني والحمية العثمانية ما لا مثيل له وقد عقدت عدة مجالس ومجامع وخطب فيها مصاقع الخطباء وفي مقدمتهم والي الولاية فاظهر السامعون من حسن الالتفات والإجابة ما دفع أكثرهم إلى بذل المال والتطوع في خدمة الوطن العزيز. حقق الله الأماني ونصر المظلوم على الظالم، وكفى به نصيرا.
(ذكر تفصيل واقعة الديوانية) واجه أحد كتاب جريدة الزهور(1/199)
الغراء حضرة الوالي جمال بك فسأله عن القوة العسكرية التي يقودها الوطني سليمان بك قائد المجنبة (أي القول اغاسي) فقال له ما معناه: (لما هبطت الولاية رايتها والفوضى قد عمت فيها، لاختلال النظام والراحة في جميع إنحائها. وفي اليوم الثاني من وصولي إلى هنا ورد ألي نبأ برقي من متصرف لواء الديوانية ينبئني عن تحفز كل من عشيرتي الشبل والغزالات لجمع الجموع وإعداد القوة للهجوم على صاحبتها وقد أوعز إلى رئيس عشيرة ثالثة أن يتوسط في منع وقوع الحرب.
فرأيت أن توسط من لا علاقة له بالمسألة غير موافق لحكمة الحكومة وللحال سيرت إلى محل النضال طابوراً من الجند البغالة وطابورين من المشاة وفرقة (بلوكا) من المندفعين أصحاب المدافع الرشاشة، وثلة من مدفعية الصحراء لمنع نهوض المعتدين، وحقن دماء العثمانيين، وإظهار سطوة الحكومة، وتأديب المخالفين. وقبل أن يزحف الجند على أولئك المقلقين وقائم مقام الشامية تطلعني على وقوع مناوشة بين العشيرتين انجلت عن قتل مائتي نفس من القبيلين فأمرت قيم المقام أن يزحف على أولئك الأقوام بطابور الرماة المقيم في النجف. فوصل إلى حومة الوغى قبل وصول سليمان عسكري بك إليها فلم يوفق إلى شيء بل ظهر من هيئة تصرفه وأعماله ما أوجبني إلى عزله. ولما وصل سليمان عسكري بك إلى المحل خضد شوكتهم وانتصر عليهم نصراً مبيناً. فاستراح الناس بعد هذا ولم يبق ما يخل بالراحة.(1/200)
العدد 6
وصف القطار
(أنفت إن أمس وجه الصعيد ... فتغشت محجة من حديد)
وغدت تنهب السباسب ركضاً ... فغدا للقريب كل بعيد
كلما هزها إلى السير شوق ... أخذت في الحنين والتغريد
فهي طوراً (ظئر) أضلت فصيلا ... وهي طوراً كقينةٍ ذات عود
وهي حيناً ذات الخلاخل خود ... وأوانا كراسفٍ في قيود
فكأن الغناء والصدح والبغ ... م روته والبأس عن دواد
كلما انحل المسير قواها ... جددوها بالنار ذات الوقود
وإذا صادفت لدى السير طوداً ... جاوزته بأي بأس شديد(1/201)
طوت الأرض في السرى أي طي ... ولديها (الاهراع كالتهويد)
وإذا ارقلت ترى الشرق والغر ... ب سواً عندها بلا تحديد
لو تبارى النوق المراسيل منها ... ساريات من غيب وشهود
لأرتها في ساحة السبق ممشى ... عرش بلقيس في يد التأييد
وارتها بساط ريح سليما ... ن عياناً محشداً بالجنود
ولدى يوم خمسها تركتها ... خوف سبقٍ تعاف يوم الورود
وأعادت ذاك الوجيف ذميلا ... بعد جهد من كل عنس شرود
ما جرت للسباق إلا وحازت ... قصبات السباق من كل قود
ذات جرىٍ يكاد يسبق نجم ال ... ليل بل ظل شخصها الممدود
لا تشق الهجان منها غباراً ... بل ولو قد خفها من حديد
سعد أين الهجان من ذات عدوٍ ... جاوزت فيه غاية المقصود
يا لمقصود لها قاصرات ال ... طرف حمل من كل قب النهود
ورشاً يفضح الغصون بقدٍ ... وغزال النقا بعين وجيد
من نحيل الأعطاف يهتز قسراً ... عطفه لاضطراب ورد الخدود
وابن سبعين حجة ثم عشرٍ ... وعجوز تزيده في العديد
ثم من بعد ساعة فإذا هي ... ولدتهم فيالها من ولود
مثل سرب القطا تجر قطاراً ... نظمته (الأسلاك) نظم العقود
إن تمشت من بأسها ترجف الأر ... ض حذاراً منها فيا أرض ميدي(1/202)
وإذا نوديت بهلا امتلأت ... فتناديهم بهل من مزيد
ما شكت للوني وما عرفت قط ... كلالاً في الغور أو في النجود
هذه الآية التي عرفتنا ... بالهٍ مدبرٍ للوجود
تلك بنت البخار أم جوارٍ ... منشآت تدعو وجيب الكبود
كل سيارةٍ لجوب القيافي ... ذات شوقٍ تهيم في كل بيد
كم وكم صعدت لأنفاس صب ... وزفير وانةٍ ورعود
وبخار يطوي السحاب بنشر ... قد تسامى وجازه في الصعود
ولها مرجل من الشوق يغلي ... بين أحشائها بذات الوقود
عبودتها عليه حكمة (وطٍ) ... يا عميداً فديته من عميد
ذاك علامها أمام هداها ... علم مفرد بغير نديد
ذاك شهم فيه الزمان تباهي ... كتباهي (أقوامنا!!! بالجدود)
ذاك شهم بذكره يفخر الذك ... ر ويسمو القريض عند النشيد
ذاك شهم بالجد ساد افتخاراً ... فشاي كل سائدٍ ومسود
طبت نفساً يا واط بل طبت مثوىً ... وحباك الإله دار خلود
أنت سهلت للآنام الطريق ال ... صعب فارتاح ذو المكان البعيد(1/203)
وربطت البلاد بعضاً ببعضٍ ... خدمة للورى (بخط الحديد)
فالوري شاكر لك اليوم فعلاً ... ما على غاي شكره من مزيد
وكفى الناس فيك يا وط فخراً ... ولو قيل الإنسان نسل (القرود)
يا زمان البخار
يا زمان البخار شكراً لك اليو ... م وشكراً لعصرك المسعود
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... نور عصر التهليل والتمجيد
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... علم عصر الآداب عصر القصيد
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... كهربا والمنطاد عصر الصعود
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... برق عصر (التلفون) عصر (البريد)
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... كشف عصر الإبداع والتجريد
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... سبق عصر الأسطول عصر الجنود
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... فكر عصر الآراء والتسديد
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... حزم عصر الأقدام والتمهيد
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... نقض عصر الإبرام عصر العهود
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... فضل والارتقاء والتصعيد
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... فيلسوف المفيد والمستفيد
يا زمان البخار عصرك عصر (ال ... رازي) عصر (المأمون) عصر (الرشيد)
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... كفر عصر الإيمان والتوحيد
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... شك عصر اليقين عصر الجحود(1/204)
يا زمان البخار عصرك عصر ال ... عقل عصر التنوير عصر الجمود
يا زمان البخار حياك عصر ... منه قد جئتنا بعصر جديد
وحباك القريض كل ثناءٍ ... وامتداحٍ لفعلك المحمود
(لست ادري)
لست ادري وليتني ذو اختبارٍ ... أي يوم يموت غيظا حسودي
أي يوم أحظى بنيل الأماني ... من بني قومنا وبالمقصود
ذاك يوم فيه العراقي يباهي ... كل قطر بالاختراع المفيد
هل لأبناء قومنا من حراكٍ ... وانتباهٍ من غفلةٍ ورقود
ما لأبناء قومنا من قيام ... يا ابن ود من بعد هذا القعود
لا ولا نهضة لهم ابد الده ... ر تراها حتى ليوم الوعيد
تعست أمة فشا الجهل فشواً ... بين أحرارها وبين العبيد
(الدجيلي)
بعض الأعراب غير المنسوبة
1 - نظر عام
يوجد اليوم بين القبائل والعشائر الرحل ستة أفناد غير منسوبة وهي: الشرارات، والهتيم، والعونة، والصليلات، والعوازم، والرشائدة، والصلبة. وهذه كلها لا يعرف لها بين القبائل أصل يرجع إليه في النسب، اللهم إلا ما يزعمونه هم، أو يزعمه البعض منهم، أو يتقوله(1/205)
بعض من لا إلمام له بهمم من أعراب وإغراب. وعلى كل حال فإن هذا الزعم باطل من عدة اوجه:
أولا: لأن العرب الذين كتبوا في هذا البحث التأليف الجمة ونسبوا كل قبيل إلى الجد الأعلى الذي ينتمون إليه أم يذكروا هؤلاء الأقوام الرحل، بل لم يعترضوا لذكرهم حتى من باب التلويح إلى وجودهم.
ثانيا إن القبائل العربية الحالية لا تعترف بمزاعم أنسابهم التي ينتحلونها لأنفسهم.
ثالثاً: ليس من قبيلة واحدة أو عشيرة واحدة بدوية تعترف لهؤلاء الأقوام إنهم على النسب الذي يدعونه لأنفسهم.
رابعاً: إن هؤلاء الأدعياء إذا جاوروا قبيلةً، انتسبوا إليها مما يدل على إنهم شذاذ
خامساً: إن الأعراب ينظرون إليهم نظر أهل المدن إلى النور أو الكاولية المنتشرين في ضواحي المدن. فهذا يدلك على إنهم سقط الناس.
ومن بعد إن أثبتنا هذه المقدمة العامة التي تصدق على هؤلاء الطراء جميعهم معاً نعقد فصلاً وجيزاً يتعلق بكل قوم من هؤلاء الأقوام دون غيره. فنقول:(1/206)
2 - الصليب أو الصلبة
(لفظة الكلمة وذكر لغاتها)
الصليب مصغرة. وبعضهم يقول اصليب بهمزة موصولة بعدها صاد ساكنة وتلفظ هم الصليب (متحركة) أيضاً والصلبة (وتلفظ بضم الصاد وفتح اللام والباء الموحدة التحتية. وأما العوام فيلفظونها بإسكان الصاد وإشمام اللام ضماً ضعيفاً أي تلفظ اللام بحركة تشبه
حركة الحرف الإفرنجي المعروف (بألف الروم أو الألف الخرساء) أي وهي الحركة التي نسميها من الآن وصاعداً (الحركة المشتركة) لاشتراكها بين حركتين أي بين الضم والكسر أو بين الضم والفتح. ومنهم من يقول: الصلب (أي بالصاد المشمومة ضماً واللام المفتوحة) وتلفظ أو
معنى اللفظة على اختلاف لغاتها ومحل وجود الصليب
لم يتفق العرب والأعراب والصلبة على معنى هذه الكلمة، فالصلبة أنفسهم يقولون إنهم من صلب العرب أي صميمهم، ولذلك سموا بهذا الاسم حفظا لأصلهم، ولا سيما لأنهم أصبحوا خاملي الذكر عند سائر العشائر والقبائل كلها.
لكن يرد على هذا الزعم القائل إنهم لو كانوا من صميمي العرب لعنى بنسبهم الكتاب الأقدمون ولتشرفوا بذكرهم. والحال: إن الأمر على خلاف ما يظن أو يروى.
وغيرهم يقول: إن الصلبي أو الصلب بمعنى السائل أو الطفيلي من(1/207)
صلب العظام: إذا استخرج ودكها. كان هؤلاء الأقوام بكثرة إلحافهم يستخرجون من الناس ودك العطايا والحسنات. وهذا الزعم يصدق فيهم لأنه لا يعرف لهم أصل مثبت ولأنهم يتطفلون على ربوع الأعراب أينما حلوا وإلى حيثما ارتحلوا. ولهذا لا تعرف لهم دار كما لا يقر لهم قرار. ومن ثم فكل أرض لهم أرض وكل دار لهم دار. واستناداً على هذا المبدأ لا يطمع فيهم طامع، ولا يغضب عليهم أحد، ويزعم البعض إنهم من بقية الصليبين الذين تخلفوا بعد الحروب الصليبية عن رفاقهم الافرنج، ويقولون إنهم من الإنكليز. والحق إن أصلهم لا يعرف على التحقيق كما قدمناه فويق هذا.
أقسامهم
يقسم الصلبة إلى قسمين أو فرقتين أو شعبتين وهما: (قبيلة الغنمي) (بإشمام الغين المعجمة رائحة الضم المصحف عن الضم الصريح وإسكان النون وكسر الميم وتشديد الياء التحتية في الآخر) (وغير الغنمي) فالفرقة الأولى أعلى منزلة وارفع درجة من الشعبة الثانية، ولا يعطى رجالها بناتهم لشبان الفرقة الثانية، كما لا يتزوجون واحدة من نسائهم ولهم اليد العليا في كل أمر.
نظرة عامة في أحوالهم وأخلاقهم وأوصافهم
اكثر معاطاة هؤلاء الأقوام صيد الضباء والغزلإن، ولهم فيه(1/208)
مهارة تامة وحذاقة عظيمة. - وهم اعرف القبائل كلها بطرق البر ومسالكه، وابصر الناس بأمكنة المياه والآبار. ومما لا ينكره عليه أحد هو إن الأعراب جميعهم يتخذونهم أدلة لهم في قطع البراري والفيافي دون غيرهم. - ولهم صبر جميل على الضما والجوع والبرد والحر.
ومن خواص ما عرفوا به جودة النظر وبعد البصر وصحة الأجسام فترى الواحد منهم يبلغ الثمانين أو التسعين من سنيه ونظره شاب صحيح البدن والنظر. وأسنانه تضارع الدر المنظوم. وذلك لكثرة سيرهم في النهار ورياضة أجسامهم وقلة خلطهم في المآكل وتحاشيهم عن المشارب المسكرة أو المضرة بالأبدان. وسكناهم الأراضي العذبة ذات الأديم الرائق الموافق للصحة.
3 - الشرارات
لفظة الكلمة
الأعراب يلفظون هذه الكلمة بإشمام الشين رائحة الضم وفتح الراءين. والظاهر إن هذا اللفظ قديم على هذا الوجه لأن الفصحاء اختلفوا في حركة الراء فمنهم من جعلها فتحةً صريحة ومنهم من اعتبرها كسرة. فتكون الحقيقة إنها بين بين كما هو حالة الروم. قال في تاج العروس: الشرار ككتاب والشرر مثل جبل: ما يتطاير من(1/209)
النار. واحدتهما بهاءٍ. هكذا في سائر النسخ التي بأيدينا. قال شيخنا: الصواب كسحاب. وهو المعروف في الدواوين. وأما الكسرة فلم توجد لغير المصنف. وهو خطأ. ولذلك قال في المصباح: الشرار: ما تطاير من النار. الواحدة شرارة. والشرر مثله. وهو مقصور منه ومثله في الصحاح وغيره من أمهات اللغة. وفي اللسان: والشرر ما يتطاير من النار. اهـ.
ونظن الصواب إن الأصل في حركة الشين الروم أو إشمام الضم رائحة الكسر وهي الحركة التي هي بين بين التي سميناها ونسميها (الحركة المشتركة). ومن ذلك نشأ الاختلاف في الضبط.
معنى اللفظة
معنى هذه اللفظة ظاهر لكل ذي عينين لي إن الشرارات سموا كذلك لخستهم أو لقلة الاعتداد بهم فأصبحوا بالنسبة إلى العرب كنسبة ما يتطاير من النار عند اشتعالها إلى النار نفسها. وهذا كاف لتستدل على منزلتهم عند أهل البادية.
عددهم ومحل وجودهم
عددهم بين الألفين والثلاثة الآلاف من الرجال. وهم يسكنون وداي السرحان من الجوف إلى قرب القريات (جمع قرية مصغرة ومجموعة جمعاً مؤنثاً سالماً) في آخر الوادي المذكور. ويجني من هذه القرى الملح. وموقع هذه القرى في يمنة شرقي جبل الدروز.(1/210)
أحوالهم
هؤلاء الأعراب يسرحون ويمرحون كعادة سائر القبائل الرحل. إلا إن عوائدهم تختلف كثيراً عن أخلاق العرب في عدة أمور: فإنك لا تجد فيها الكرم ولا الترحيب بالضيف ولا حمى الذمار ولا سطوة لهم بالنسبة إلى سائر الأقوام. إلا إنهم يدافعون عن أنفسهم إذا اعتدى عليهم أحد. وبيوتهم حقيرة جداً. وقلما بنوا أو يبنون بيوتاً لهم خوفاً من قرى الضيف. فهم يتركونها على ظهور ابلهم وينزلون حيثما غربت الشمس في مفلى من مفاليهم ونيرانهم ضئيلة.
واستعمالهم قهوة البن نادر. وكذلك يندر عندهم عقد المجالس والدواوين والأندية.
4 - الهتيم
لفظ الكلمة
الهتيم مصغرة كزبير. والبعض يقول: (اهتيم) بهمزة حركتها بين الفتح والضم أو بين الفتح والكسر، وتاء مفتوحة فتحاً ممالاً فيه إلى الياء وياء ساكنة. والبعض الآخر يقول: هتيم بإسكان الهاء وبقية لفظ الكلمة كما في اهتيم. قال ابن سيده: وارى هتيما تصغير ترخيم. نقله ابن منظور.(1/211)
ذكرهم في كتب المؤرخين
إن الهتيم كسائر حثالة الأعراب يتنقلون في كل صقع، وينتجعون كل ربع. وقد نزل قوم
منهم ديار مصر وتنقلوا فيها. قال في تاج العروس بنو هتيم كزبير: الأم قبيلة من العرب، وهم ينزلون أطراف مصر. ويقال إنهم بطن من الترابين. وقال الحافظ: عرب مساكين يستجدون من ركب الشام). اهـ كلامه.
سبب تسميتهم
أظن إن الهتيم سموا كذلك أخذاً من الهتم وهو الكسر والتهتم: التكسر، كأنهم لذلتهم وخستهم ولومهم يعتبرون من كسارة العرب وحثالتهم.
مساكنهم
الهتيم يسكنون (ما عدا ديار مصر المذكورة) الحرة الواقعة في شرقي المدينة المنورة إلى روضة المستجدة، وهذه تقرب من حائل بيوم أو بعشر ساعات ونيف. والهتيم ارفع منزلة من الشرارات لرفعة نفوسهم وإبائها.
أشغالهم وأحوالهم
اعظم أشغالهم تربية الأغنام وتسلم ودائع المدن وحفظها والارتزاق منها ما دامت عندهم واستمناحها.(1/212)
5 - العونة
ضبط الكلمة
العونة تلفظ بضم العين وفتح الواو والنون وفي الآخر هاء: وكأن اللفظة مأخوذة من الإعانة. وذلك لما كانوا عالة على الأعراب الذين ينزلون عليهم أصبحوا لهم أعواناً عند الحاجة إليهم.
محل وجودهم
ديار العونة هي ديار ابن الرشيد وتختلط هذه القبيلة بين العمائر المنتسبة إلى ابن رشد. وهؤلاء الأعراب الأدعياء هم أهل ابل وغنم. إلا إنهم لا يقبلون رعاية ما ليس لهم، وأحوالهم لا تند كثيراً عن أحوال الهتيم.
6 - الصليلات
كيفية لفظ الكلمة ومعناها
يلفظها الأعراب اليوم بإشمام الصاد حركة بين الكسر والضم ولام ممالة وياء ساكنة ثم لام وألف وتاء. والكلمة جمع صليلة تصغير صلة والصلة وزان زلة: الأرض اليابسة. ونسبوا إليها لفقرهم المدقع كما يقال: (المترب) ويراد به الفقير كأنه لصق بالتراب لشدة فقره، ومثله المدقع: وهو الفقير الملتصق بالدقعاء وهي التراب. ومثلهما بنو الغبراء: وهم الفقراء لإستفراشهم وجه الأرض. إلى أخر ما ضاهى هذا التعبير.
نظر عام فيهم
لا يزيد عدد الصلات على أربعة آلاف من الرجال. وهم في(1/213)
عوائدهم وأخلاقهم وآدابهم ومآثرهم ومناقبهم دون سائر الأعراب من بقية القبائل. وهم يشابهونهم بحمى الذمار وإكرام الضيف، فلا يفرقون عنهم بشيء.
واغلب منازلهم قرب القصيم ويحتلون أيضاً النفود والدهناء. ويصيفون في الأغلب بجوار مياه القصيم. وفي الربيع ينزلون كل واد كسائر القبائل بدون فرق يذكر.
وهي في ذات أنفسهم يقسمون إلى شعب تبلغ العشر: ثنتان منها في الجنوب أي قرب الرياض، وسائر الشعب متفرقة على الوجه الذي لمعنا إليه. وكثيراً ما يجتمعون فيختلطون معاً.
7 - العوازم والرشائدة
معنى اللفظتين
العوازم جمع عازم على غير قياس كفوارس وهوالك جمع فارس(1/214)
وهالك. والعوازم أهل عزم وجد واجتهاد كما إن الرشائدة أهل رشاد وسداد.
منازلهم وأشغالهم
منازلهم طفوف الكويت بلاد ابن الصباح. وهم أهل ابل وغنم وقد اخذوا في هذه الأيام الأخيرة يعانون الغوص على اللآلئ في بحر فارس ويمارسون سائر الأعمال المتعلقة بركوب البحر والاشتغال فيه فينتفعون من ذلك المنافع الجزيلة. وأما من بقي منهم في
الفلوات والبوادي فإنهم يزاولون رعاية الأغنام واستمناحها على ما هم عليه الصليلات والعونة.
واعلم إن هؤلاء الأعراب الأدعياء الشذاذ على اختلاف طبقاتهم وأسمائهم هم من أدنياء البوادي واسافلهم، ولذا لا تعطيهم العرب المنسوبة ما يحرص عليه ولا يأخذون منهم شيئاً من هذا القبيل، كما لا تعترف لهم بأصالة حسب أو نسب أو كرم محتد.
هذا ما علق في الخاطر الفاتر وأودعته هذه الصحيفة حرصاً على(1/215)
الحقائق، وأظن إن من يخالف مقالي هذا لا يخلو من خطأ أو خطل، والله الموفق إلى السداد، والهادي إلى الرشاد. وكفى به هادياً ورشيداً.
مدير جريدة الرياض وصاحبها: سليمان الدخيل
لغة العرب
لا يخفى ما في هذه الأبحاث من الفوائد الجزيلة، ولا سيما لأنها ليست مدونة في كتاب. ولا جرم إن هؤلاء الأعراب المتبدين الرحل وجدوا في سابق العهد، إلا إن كتاب العرب لم يتعرضوا لذكرهم استنكافاً منه. وإلا إنهم نوهوا بذكر من هم أدنى منهم عددا أو محلا أو محلة. فهذا ابن خلدون قد ذكر في كتابه (العبر) شيئاً جماً عن العرب والأعراب حتى إنه وضع مجلدا قائما برأسه في هذا البحث عدد صفحاته 338 من الصفحات الكبار، وقد نقرنا عما يفيدنا في هذا الصدد فلم نهتد فيه على شيء واو طفيف. ثم هذا القلقشندي قد صنف كتاباً جليلا في أنساب العرب على اختلاف قبائلهم وبطونهم وافخاذهم، وسمة بنهاية الأرب، في معرفة أنساب العرب، ولم يذكر عن هؤلاء الرحل شيئاً ولو من طرف خفي. فأنظر إذا حفظك الله إلى فائدة هذه المقالة وما حوت من ضروب الأخبار القومية. ولهذا فإننا نشكر حضرة الكاتب المتفنن ونتلمس منه كما نتلمس من غيره إن يتحفونا بما هو من هذا الباب حفظا لتاريخ العرب ولما يتعلق بهم ولهم الشكر الجزيل على عملهم هذا.(1/216)
حول المنتفق
سألكم سائل عن (الحي أقرية هي أم مدينة فكان الجواب (إنها قرية لا مدينة إن لغة وإن اصطلاحاً (ولما كان لدى شيء عن بلاد المنتفق وعن المنتفق وحاضرهم وباديهم جئتكم بما يمس البحث منه رغبة في الوصول إلى الحقيقة التي كثيراً ما توجد في وسط الاختلافات كما إنها كثيراً ما تضيع في ظلماتها الكثيفة.
كانت تتجاذب طرفي الفرات الأدنى منذ عهد غير قريب عميرتان من أكبر عمائر العراق وهما خزاعة (الخزاعل) وكان منتهى ما يحتلون من ضفاف الفرات (سدرة الأعاجيب) وسدرة الأعاجيب هذه شجرة نبق قائمة على متن الفرات دون السماوة بأربع ساعات والأعاجيب قبيلة تنضوي تحت راية خزاعة التي لم يكن يتجاوز احتلالها سدرة المنتهى المتقدمة الذكر والتي أصبحت اليوم عشائر أشتاتاً لا تجمعها تلك الجامعة وكانت قبائل المنتفق تحتل ما وراء تلك السدرة من ضفاف الفرات حتى يودعوه عند دجلة في ملتقى النهرين.
وقد جاء في مجلتكم النافعة إن (الغراف) سكان من ديار المنتفق الأزمنة الخالية وأنا اعلم خلاف ذلك وقد أكون مخطئاً فإن الغراف كان في الأزمنة الخالية من ديار ربيعة (الأمارة) وهي العميرة الكبيرة التي تحتل ضفاف دجلة اليوم من (البغيلة) (تصغير بغلة) إلى (الكوت) ويحتلون من الغراف فراسخ أيضاً تنتهي بأرض يقال لها (البسروقية) على خمس ساعات من الحي وذلك مما يقوى كون تلك البلاد بلاد ربيعة(1/217)
ربيعة الفرس.
أما المنتفق فلما تتغلب على الغراف إلا بعد إن قبض على صولجان الزعامة فيهم أجداد العائلة التي تدعي اليوم (آل سعدون) فإنهم يومئذٍ ناهضوا (ربيعة) في تلك البلاد حتى امتلكوا أكثرها بشبا السيوف والأسنة وأوضح دليل على إن الغراف لم يك من بلاد المنتفق إن كثيراً من العشائر النازلة في صميمه اليوم هي من ربيعة لا من المنتفق فمياح وآل سراج (وكلاهما كشداد) والعبودة وبنو ركاب وآل غريب والشحمان وعقيل وكنانة كل أولئك من ربيعة وكلهم في الغراف وبالجملة الغراف من ديار ربيعة في الأزمنة الخالية والمنتفق متغلبون ولذلك فالبغضاء مستحكمة بين أمراء العميرتين وبسببها جرت حادثات مشهورة في تاريخ تلك البلاد الذي أكثره في الصدور لا في السطور وآخرها الحادثة التي ساعدت ربيعة فيها الحكومة على فتح بلاد المنتفق على الغراف وذلك في أخريات القرن
الماضي فتم للحكومة الاستيلاء عليها واجلب زعماءها آل سعدون بعد إن كان لهم الحول والطول وغب إن استبحر نفوذهم في البصرة والاحساء.
وهذا واراكم قرنتم بين ربوع المنتفق على الشطين (الفرات والغراف) وأبرزتموها كأنها في صعيد واحد هو الغراف وذلك حيث قلتم عن ربوع المنتفق الحالية ما نصه:
(تمتد من الناصرية إلى الحي وبينهما شطرة المنتفق والحمار وسوق الشيوخ والبطحاء والبدعة وبني أسد وبني سيد والمشارقة وقلعة صقر إلى غيرها من الأقضية والنواحي)(1/218)
ففي كلامهم هذا تشويش وتصحيف وجمع بين بلادين بينهما بون بعيد ولعل تبعة ذلك على كتاب الإفرنج الذين نقلتم عنهم فإن بعض هذه البلاد على الفرات وبعضها على الغراف وها أنا ذاكرها حسب عرفاني كما يلي.
ربوع المنتفق على الفرات
البطحة
أو البطيحة بالتصغير هي اليوم أول بلاد المنتفق على الفرات التي كانت تمتد من قبل إلى ابعد من ذلك بكثير والبطحة (ولا يقال لها البطحاء كما جاء في كلامكم) قرية قائمة على ضفة الفرات الغربية تبعد عن الناصرية من جهة الشمال أربع ساعات وهي حد بلاد المنتفق.
الناصرية
أكبر مراكز المنتفق على الفرات وهي مدينة جميلة خططها ناصر السعدون أحد أمراء المنتفق فنسبت إليه. وقد أقيمت على ضفة الفرات الشرقية واتخذتها الحكومة مركز متصرفية لها يوم استلمت أزمة البلاد وقرب هذه المدينة مصب للغراف طم أو كاد يعلم عليه إهماله وترك تطهيره. ويظهر الناصرية على نصف ساعة منها بحيرة (أبو قداحة) الهائلة التي تنتهي إليها فضول مياه دجلة والفرات. والبحيرة تتهدد البلاد بالفيضان ولم تمسح على التحقيق إلا إنها تبلغ بضعة أميال عرضاً وطولاً والظاهر إنها دعيت (أبو قداحة) لأنها تقدح الشرر ولعل ذلك لكثرة الأحياء(1/219)
الفصفورية فيها.
سوق الشيوخ
الشيوخ هم مشايخ المنتفق أي زعماؤهم وهناك كانت سوقهم يبتاعون منها ما يضطرون إليه. وسوق الشيوخ اليوم بلدة على متن الفرات تحوطها البساتين واكثر ما فيها النخل مثل الناصرية ولكن هواءها غير صحي وتكثر فيها على الأخص حمى الغب وهي مركز قضاء للحكومة على ساعتين من جنوب الناصرية ووراء سوق الشيوخ الحمار (وزان شداد) وهو هور من اهوار الفرات ومن بلاد المنتفق أيضاً ووراءه طوائف (الجزائر) فالقورنة وعندها يلتقي النهران دجلة والفرات.
وقد ذكر (الحمار) ياقوت وقال إنه موضع بالجزيرة وذكر في(1/220)
(قورين) إنها مدينة بالجزيرة أيضاً ولعلها (القورنة) وهي مدينة على رأينا لا على رأيكم، أما الجزيرة فتوشك إن تكون ما بين النهرين. نقول كل ذلك تقريباً لا تحقيقاً. واقرب من ذلك إن الأصل في القورنة (قرنة) على زنة هجنة. إلا إنهم اشبعوا الضمة فكانت واوا. والقرنة لغة الشاخص من أطراف الشيء أي البارز. وغير خفي على المقبل من شط العرب عل الجزيرة إن أول ما يشخص لعينيه مما بين النهرين هو هذه البلدة لأنها حيث ملتقى النهران. وقد يقال إنها دعيت (قرنة) لأنها حيث يقترن الشيطان غير إن الكلمة ليست اسم (مكان) هذه أهم مراكزهم على الفرات.(1/221)
بلاد المنتفق على الغراف
الغراف نهر كبير مخرجه من دجلة ومصبه في الفرات ينحدر إليه من الجزيرة ويصب في موضعين منه أعظمهما مصب الحمار قرب الناصرية فمضمحل ضيق على إن الغراف كله على وشيك الاضمحلال وللمنتفق عليه مراكز مهمة ومنها:
الشطرة
يتشعب الغراف شعبتين قبل انحطاطه إلى الشطرة بستة كيلومترات وتذهب الشعبة الكبرى منهما إلى الحمار وتصب الثانية بظهر الناصرية في شعبة من شعب الفرات وعلى هذه الشعبة الصغيرة بلدة الشطرة الجميلة وقد قضي عليها نحس الطالع إن تكون في محيط فتن المنتفق(1/222)
الأخيرة فانحطت عمرانا واقتصادا وقد كان يؤمل لها مستقبل زاهر ولكن أبى ذلك جهل الاهلين، وسوء نية المتولين.
قلعة سكر
بليدة آهلة حسنة الموقع على متن الغراف تبعد عن الشطرة من جهة الشمال ثماني ساعات وقد نسبت إلى (سكر) (كعنب) بن مشلب (وزان مذهب) مؤسسها وهو زعيم عشيرة تدعى (الطوقية) والعشيرة هذه تقيم في أعراض البلدة وتسوم المترددين إليها سوء العذاب وقد جاء في كلامكم إنها (قلعة صقر) وهو تحريف والصحيح ما تقدم وجاء في كلامكم عن بلادهم (بنو سيد) والظاهر إنه تحريف: (بني زيد) وهم طائفة تقيم في البدعة على شعبة الغراف الذاهبة إلى الحمار. أما (المشارقة) التي جاءت في كلامكم فلا تعرف مكان أو طائفة بهذا الاسم في الغراف بل في بلاد المنتفق اجمع.(1/223)
الحي
من مدن الغراف المهمة الحي وهي قائمة على ضفته الغربية وتبعد عن القلعة ثماني ساعات أيضاً. وأما قولكم إن الحي: (قرية لا مدينة إن لغةً وإن اصطلاحا) فمنظور فيه، لان للقرية إطلاقات: فمنها (المصر الجامع) وقد ذكرتموه، ومما تطق عليه (الضيعة) والضيعة هي الأرض المغلة فيها من بيوت وسكان وهذا هو الذي جعلتموه معنىً عرفياً اصطلاحيا أي محدثاً مع إنه لغوي فصيح، وقد أغفلتموه وذلك حيث قلتم: (وأما اصطلاحاً
فالقرية هي البلدة التي اغلب سكانها أهل زراعة وفلاحة. وهذا أيضاً يصدق في الحي ولا يصدق فيها كلمة مدينة). هذا كلامكم. وأنا أقول: أم (الحي) مدينة لأن المدينة، المصر الجامع وكذلك الحي. وليست بقرية، لأن القرية: هي الضيعة في الأشهر لغةً واستعمالا. والحي ليس بضيعة وعلى هذا فاستعمالكم (القرية) بمعنى (المصر الجامع) استعمال بعيد أو متروك فقد أصبح من المنكر إن نقول الفصيح لمثل بغداد أو البصرة (قرية). أما تخصيص المدينة بذات السور فإنه من تنطعات اللغويين، والفصحاء يأبونه وقد تمسكتم به على إنه ضعيف ومجهول قائله وما تعطيه عبارتكم من أن اكثر سكان(1/224)
الحي أهل زراعة وفلاحة
خلاف ما شاهدناه لأن سكان الحي لفيف من الأكراد والبغاددة والعرب المتحضرين من الغراف وغيره. وأكثرهم ابعد الناس عن الزراعة وإنما هم تجار حبوب وأقمشة وباعة بقول وعقاقير وصناع وحاكة وذلك على النحو المعهود في طبقات كل مدينة.
ثم إنكم قلتم في آخر كلامكم على بلاد المنتفق ما يأتي:
(ونهر الغراف يتقسم هناك إلى شعبتين فالشعبة التي عن يمينك تسمى (أبو حجيرات) مجموع حجيرات مصغر حجرة والشعبة التي على يسارك يقال لها (شط العمى) لأنه لا يدفع مياهه إلى نهر آخر ولأن الرمال تدفن عقيقه رويداً رويداً ولا يوجد الماء في هذه الشعبة إلا أربعة أشهر في السنة هي أشهر الشتاء)
أما إن النهر ينقسم قرب الحي إلى شعبتين فصحيح ولكن شعبة اليسار تدعى (أبو جحيرات) بتقديم الجيم لا بتأخيرها وكأنه مصغر(1/225)
جحرة (على زنة فجرة) وهي جمع جحر الضب فيحتمل إن الضبان كانت كثيرة هناك وربما كان بنو المنتفق يحترشونها كما يحترشون اليربوع من نافقائه!!!
وبتقديم الجيم يلفظها الناس هنالك وكذلك تلقوها وبعد فهل لديكم دليل يدفع (التلقي) ويضاد ما عليه الناس؟ أما في اللغة والتاريخ فلا حجة لأحد الفريقين على ما اعلم.
أما تسمية الشعبة الثانية (شط العمى) فلأن الماء لا يصعد أبداً وليس لأنه لا يدفع مياهه إلى نهر آخر فلا مياه فيه حتى يدفعها وقولكم إن الماء يوجد فيه أشهر الشتاء غريب إذ لا يوجد فيه ولا يوماً واحداً من أيام الشتاء والصيف وإنما الذي يلجه الماء أيام الشتاء وبعض أيام الصيف هو أبو جحيرات وهو هو شط الغراف لا غير ولكنه يبس في اكثر أيام الصيف
والخريف.
النجف: محمد رضا الشبيبي
(لغة العرب) نشكر حضرة الكاتب الشهير على مقالته هذه اليتيمة ونؤمل إنها تكون راس عدة نبذ تكون حلقاً متتابعاً. إن في المعنى الذي تعرض له هنا وإن في سواه، إن نثراً وإن شعراً، هو الشاعر الناظم، والناثر الناغم.
ثابت الدين الألوسي
1 - نسبه
هو السيد محمد ثابت الدين أفندي أكبر أنجال العلامة، والنحرير(1/226)
الفهامة، ذي التصانيف المفيدة، والتأليف السديدة، نعمان خير الدين ابن المفسر الشهير أبي الثناء شهاب الدين السيد محمود أفندي الالوسي وينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
مولده ومنشأه واشتغاله - ولد على ما ذكره في (أريج الود والعود) فجر يوم الأحد لست عشرة ليلةً خلت من ذي الحجة الحرام سنة 1275هـ (- 18 تموز 1858م) فتربى في حجر الوالد، ونشأ في ربع المحامد، وترعرع بلبان الكمال، فلم يبلغ الحلم إلا وهو من كمل الرجال، وقد قرا طرفا من العلوم على والده، وبعض أفاضل بلده، ثم أجاز له والده بما تجوز له روايته، وتصح لديه درايته، ثم اشتغل بمطالعة كتب الأدب والتاريخ والسير، وحفظ طرفاً من جيد الشعر، وكان قوى الحافظة سديد الذاكرة، حسن المحاضرة، سريع الفهم، ذكي القلب، واسع الذهن، جيد التلقي، وكان اغلب ما يحفظ من الشعر ما كان فيه حماسة، أو حكمة، وموعظة، لما جبل عليه من شرف النفس، وعلو الهمة، وكان يحب الخيل حباً جماً، ويقتني جيادها، ويعلم ممدوحها، ومذمومها، وأدوائها، كثير المطالعة لما ألف في شؤونها من الكتب، وربما أنتقد بعض كلام المصنفين فيها، ألوفاً للعرب وعوائدهم، يتمنى السكنى معهم في البوادي ويطربه قول القائل:
وما العيش إلا الضب يجرشه الفتى ... وورد بمستن اليرابيع أكدر
هذا ما كان عليه من الأخلاق العظيمة، والسجايا العالية، من التواضع، ولين الجانب لكل واحد، وعدم التطاول على عباد الله والأرزاء بهم،(1/227)
وإكرام الضيوف، ومزيد الكرم والإحسان، بما عز وهان، وكأنه المعنى بقول القائل:
تعود بسط الكف حتى لو إنه ... دعاه لقبض لم تطعه أنامله
لا يحب إيذاء أحد بقولٍ ولا بفعل، ولا يستخف بمخلوق من مخلوقات الله، ولا يغتاب أحداً، ولا يحب إن يذكر في مجلسه أحد بسوء فإذا تكلم أحد جلسائه في هذا الباب بادره بقول القائل:
إذا أنت عبت الناس عابوا واكثروا ... عليك وابدوا منك ما كان يستر
وكان ذا سكون ووقار، قليل الكلام، كثير الحياء والأدب، حليما، سليم القلب، فسيح الصدر، كثير الصبر على الأذى، متوكلا في كل شؤونه على الله، لا يشكو حاله لاحد، ولا يحزن مما أصابه، ولا يفرح بما يسر، وكان إذا اشتد به الضيق أنشد:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكان يظن إن لا تفرج
والحاصل إن أوصافه كلها غرر، ومزاياه عقود درر،
3 - أيامه - ولم يبلغ من العمر خمس وعشرين سنة إلا وابتلى بغائلة عائلةٍ عظيمة، فاضطر إلى إن يتقلد مناصب الحكومة والسلوك في مسالك طلب المعيشة، فساح كثيراً من البلاد، وإلى القسطنطينية أربع مرات، وإلى الحرمين الشريفين وأدى فريضته، وتقلد قضاء النجف، وكربلاء، والسليمانية، والاحساء، وغير ذلك، فاحبه أهل كل بلد دخله، ولما كان عليه من العفاف، والانتصار للحق، والأخذ يضبع المظلوم، وكل ضارع لخصومة. وبعد عوده(1/228)
من الإحسان إلى على نفسه أن لا يتقلد منصباً، وإن يترك خدمة الحكومة بالمرة، وعزم على الإقامة في بلده بغداد، وإن يشتغل بالحرث، ويتعيش بما يرزقه الله من الزرع والضرع، فسلك هذا المسلك عدة سنيين فلم ينجح ولم يظفر بمقصده لفقد الأمن والأمانة من بوادي العراق حتى أثقلت كاهله الديون وضيقت عليه المحن والشجون فأنتخب لرئاسة بلدية بغداد فتقلدها نحو سنتين ثم لما لم يجر على ما يهواه أمراء ذلك العصر أنتخب غيره لهذه الرئاسة وبعد مدة يسيرة سعى فيه بعض الحسدة من منافقي بغداد إلى واليها فزور عليه بما أوجب تغريبه إلى الديار البعيدة ظلما وعدواناً. فلما وصل هو ومن معه إلى الموصل تبين للسلطان السابق تزوير ما اسنده إليه أهل النفاق فأمر بإعادته إلى وطنه وهو على خلاف ما إعتاده من إصراره على الظلم فعاد قرير العين مسرور الخاطر. وكانت مدة الذهاب والإياب نحو مدة شهرين بعد إن رأى من حفاوة أهل كل بلد مر عليه واحتفالهم به ما لم يره غيره، لا سيما ما رآه من اماجد الموصل.
4 - أفول شمسه - ثم إنه بقي مدة في وطنه يكتسب بالزرع فلم تنجح أيضاً، فاضطر إلى السفر إلى دار السلطنة بعيد الإنقلاب، فكلف بنيابة لواء السليمانية مرة ثانية فتقلد قضائها
وعاد إليها ففرح به أهلها وابتهجوا به لما رأوا من حسن سيرته في المرة الأولى. وبقي فيها ما يزيد على سنتين(1/229)
والكل لفعله شاكرون، حتى آتاه اليقين، وأنتقل إلى رحمة رب العالمين، وذلك أيضاً يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي العقدة الحرام سنة 1329هـ - 6ت2 سنة 1911 وبعد يوم ورد خبر نعيه إلى بغداد، وهناك سالت عليه من العيون، عيون، وتصاعدت أنفاس الشجون، وأصاب كل من عرفه مصيبة تفطرت لها القلوب:
وزوال ذلك الطود بعد ثباته ... ينبيك إن الراسيات تبيد
ولعمري إن الحزن عليه لطويل، والجزع من خطبه على ممر الأيام مقيل، فلذلك قلت في رثائه هذه الأبيات، وإن كانت لا تؤدي حق ما اتصف به من جليل الصفات، معزياً فيها حضرة أستاذي علامة العراق، ومن طبق ذكره الافاق، السيد محمود شكري أفندي الالوسي متع الله الأمة بحياته، وهي:
هو الموت
على أي أفعال الزمان مسالمة ... وهذي عواديه وهذي جرائمه
عظام رزاياه وجم بلاؤه ... وتأتي على قدر العظام عظائمه
دهى اليوم أبناء النبي وحيدر ... بخطبٍ به الإسلام هدت دعائمه
نعى (ثابت الإسلام) ناعيه غرةً ... فعمت بنى الشرق الكبير مآتمه
وأمسى منادي القوم تنبهوا ... فدهركم قومي تنبه نائمه
وكان له من ثابت العزم (ثابت) ... يناجزه في حربه ويقاومه
يعين عليه خصمه وغريمه ... إذا ما اكفهرت بالخطوب غمائمه
وقد كان براً بالمساكين راحماً ... ومن قد بلاه الدهر قد عز راحمه(1/230)
وقد كان عوناً للضعيف وناصراً ... على الدهر إن أنحت عليه مظالمه
وقد كان للإسلام ركناً وجانباً ... منيعاً وأما اليوم فالموت هادمه
ولما دعاه الله لبى دعاءه ... وراح وقد راح الفخار ملازمه
فأصبح مأمون الحوادث خائفاً ... كمن جاءه موج وقد غاب عاصمه
فقل للذي قد عاش منه بنعمة ... تبدل ذاك العيش بالبؤس ناعمة
وقل للذي قد كان يأمل جوده ... رويدك إن الجود قد مات حاتمه
أيا رائداً للجود أقفر ريعه ... ويا ناشد الإحسان أقوت معالمه
ويا قاصد العلياء قد مات فردها ... ويا طالباً العلم غاضت خضارمه
فكن حذراً من دهرنا لا تثق به ... فقد راح من قد كنت فيه تقاومه
سرى نعشه والعلم يندب خلفه ... عليه ويرثيه من الشرق عالمه
ويأسى عليه الدين والفضل والنهى ... ويعوله المعروف إذ هو ناجمه
وساءله خل وسر مكاشح ... لئيم أبت حفظ الذمام محارمه
بفيك الثرى إن سرك اليوم موته ... فلابد من يوم لشخصك عادمة
وما مات من يبقى له الذكر خالداً ... وأعماله في القبر ظلت تنادمه
ولولا التأسي بالأولى الغر آله ... وأبنائه لم (يكظم الغيظ كاظمه)
هم القوم أبناء (الالوسي) مجدهم ... أثيل رفيع ساميات دعائمه
(فشاكرهم) (محمود شكري) (عليهم) ... أئمة هذا العصر يشهد عالمه
(بمحمود شكري) إن سطا حادث البلا ... لنا أسوة والموت تسطو صوارمه(1/231)
هو الفيلسوف العالم الفاضل الذي ... تعظمه من كل حي أعاظمه
فتىً سار سير البدر والشمس ذكره ... وهبت كما هب النسيم كرائمه
ومن عصرنا شرقاً وغرباً بفضله ... لقد شهدت أعرابه وأعاجمه
فلله هاتيك الفضائل ريحها ... تهب خوافيه صباً وقوادمه
فتى العلم إن الصبر اجدر بالفتى ... إذا أصبحت جل الرزايا تزاحمه
بأبنائه الكرام لك العزا ... وسلواً إذا ما ذكرتك مكارمه
(جلال) و (إبراهيم) (عيسى) وغيرهم ... فكل لنيل الفضل قد قام قائمه
لعمرك يا فخر العراق وإنه ... ابر يمينٍ للفتى هو قاسمه
لأنت خبير بالذي ينتهي له ... مصير الورى في ذي الحياة وعالمه
هو الموت حتماً لا محالة نازل ... بنا وعلينا الواحد الفرد حاتمه
نعيش غروراً في الحياة وإننا ... جهلنا وراء الموت ماذا نصادمه
فلو عقل الإنسان يبكي حياته ... ويرثى لها ما دام في الأرض دائمة
وقد رثاه أيضاً الكثير من شعراء العراق
5 - صفاته - وكإن، عليه الرحمة، ربعة من القوم إلى الطول اقرب، اسمر اللون، بهي المنظر، شديد سواد الشعر، حديد النظر، قد وخطه الشيب، شجاعاً، حلو الحديث، لا يمله جليسه. وكان مجلسه غاصاً بأحبابه وأصحابه اكثر الأوقات، وقد أعقب تسعة أبناء وهم: جلال الدين، وحسن، وإبراهيم، وعيسى، ويحيى، وعطاء الله،(1/232)
وموسى، وسيف الدين، وعبد الرزاق، وكلهم يشتغلون بالعلم، سالكون مسلك والدهم، وبالجملة: هو كما قال القائل:
صفاته لم تزده معرفة ... وإنما لذة ذكرناها
وقد فقده قومه وأضاعه وطنه، رحمه الله رحمة الأبرار، واسكنه الجنة دار القرار.
الدجيلي
نقد طبع كتاب طبقات الأمم
(تلو)
وقال في ص754:. . . (وغير ذلك مما ذكره عنهم الوصفي في تاريخه المؤلف في أخبار مصر). وقال في الحاشية: (حك: الوصيفي. ولم نجد ذكراً في التاريخ.) كذا). والمؤلف مشهور بتأليفه واسمه إبراهيم بن وصيف شاه ويقال فيه أيضاً (الوصيفي) لا الوصفي. - وضبط في تلك الصفحة لفظة (البرابي) بتشديد الياء. والأصح بتخفيفه لأنها جمع بربا أو بربى أي بالألف المشالة أو بألف على صورة الباء. - وذكر في تلك الصفحة جمع المرآة بالآلف الممدودة بصورة (المرآي) والأصح (المرائي)
وقال في ص755: ومن علمائهم بعده (أي من علماء مصر بعد هرمس) بصناعة العدد (بوقيطوس الاسكندراني). وذكر في الحاشية: (وفي حك (ص98): برقطوس. ولعل الصواب برقلوس.) قلنا نحن: وورد هذا الاسم في كشف الظنون المطبوع(1/233)
في ديار الإفرنج (6: 50) (بقراطوس الإسكندري). ونظنها الرواية الصحيحة. وورد في النسخة المطبوعة بالآستانة 493: 2 (برطقوس الإسكندري ونظنها مصحفة. وفي رواية: بن طقوس. وفي رواية ثانية لابن القفطي برقطس وكلها مخطوء فيها. 198. . - وجاء في تلك الصفحة ذكر (بيوت الاسكندراني) وليس بين علماء الهندسة من اشتهر بهذا الاسم. وإنما النابغة فيهم هو (ثيون كما هو معروف. - وورد في ذلك الوجه قول المؤلف: (ومن علمائهم ورؤوسهم صاحب الكتب الجليلة في صناعة الكيمياء). قال الناشر في الحاشية: (يظهر إنه سقط اسم العالم الذي أراد الكاتب وصفه.) قلنا: وقد أصاب حضرته. والكلمة التي سقطت هي (اسطانس أو اسطانيس) وباللغة الإفرنجية ويقال أيضاً أو قال في كتاب الفهرست ص353: (ومن الفلاسفة أهل الصناعة. . . اسطانس الرومي من أهل الإسكندرية وله من الكتب على ما ذكر في بعض رسائله ألف كتاب ورسالة، ولكل كتاب ورسالة اسم يسمى بها.) اهـ. وقد ذكره في كشف الظنون 5: 280 من الطبعة الإفرنجية. إلا إن الطبعة الآستانة 2: 344 ذكرته خطأ باسم (أرسطاليس). - وورد في تلك الصفحة: (فيمن جامع) والأصح: (في من جامع). - وقال: (ما يول) والأصح: (ما يولد) بدال في الآخر.(1/234)
وقال في ص756: (ومن علمائهم بأحكام النجوم وأليس صاحب الكتاب المعروف باليرندج الرومي المؤلف في المواليد). قلنا: أصل لفظ وأليس هو (والني اوفالنس وهو المعروف عند الإفرنج باسم أو وقد ذكره في كشف الظنون 1: 198 باسم وأليس المصري. لكننا لم نهتد إلى حقيقة اسم كتابه (اليرندج أو الزبرج أو البريدج) لقلة ما بيدنا من الكتب الهادية إلى تراجم الرجال. ولو كان بيدنا أسماء مصنفات هذا الرجل لاهتدينا إلى صحة اسم الكتاب المعروف باليرندج. - وقال في تلك الصفحة (فهي متفرقة من جذمين) والأصح: (متفرعة) كما في الحاشية نقلا عن ابن العبري.
وورد في ص758: (فلا يزالون في حل ورحال) والأصح (وترحال) لأن لا معنى للرحال هنا. - وقال فيها: فإذا جاء الشتاء واقشرت الأرض ومدت. . .) والأصح: واقشعرت الأرض وعرت براء مشددة بعد العين في كلتا اللفظتين. ومعنى اقشعرت الأرض: اربدت وتقبضت وتجمعت (التاج) وليس لاقشرت هذا المعنى، ومعنى عرت ذهب خصبها أو قل اتاؤها من عر السنام. وهذا المعنى لا تراه في قرت، إذ معناه بردت فكيف تراه في مدت. - وجاء فيها أيضاً. . . . (يشاركون في بلغتهم مدمنون على أباء الضيم.) قال في الحاشية: وفي الأصل: لا منون (؟) قلنا: والأصح: لابثون أي مقيمون ومحافظون. وأما مدمنون فلا يعدى بعلي، بخلاف لابثون. هذا(1/235)
فضلا عن إن تصوير الكلمة لا يوافق وضع كلمة (مدمنون) هنا.
وقال في ص759: (وفي ذلك يقول خزيمة بن الاشيم؟.) وحسناً فعل بوضعه علامة الاستفهام وراء اسم هذا الشاعر، والأصح: (جريبة بن الاشيم) وقد جاء ذكره ومقاطيع من شعره في كتاب الحماسة 2: 139 من الطبيعة المصرية. وقد جاء ذكره أيضاً مع أيراد الأبيات برواية مختلفة في كتاب البدء للبلخي 2: 144 من الطبعة الباريسية. فلتراجع للمقابلة ولتحقيق المعنى.
وجاء في ص760: (فعنه أتى كئير) والأصح: كثير.
وورد في ص763: (فاستجاد (أي المأمون) لها (أي لكتب الأعاجم) مهرة التراجمة.) ولا معنى لاستجاد هنا. والأصح: (فاستخار) بخاء منقوطة بعدها ألف ثم راء في الآخر من الخيرة. أي (طلب لها خيرة التراجمة ومهرتهم.)
ومن أغلاطهم ما وقع في ص765 في قوله: (جميع علماء عصره (أي المأمون) من أقطار مملكته وأمرهم إن يضعوا مثل تلك الآداب وإن يقيسوا بها الكواكب.) قلنا: لا نفهم كيف تقاس الكواكب بالآداب!!! وإنما تقاس (بالادوات) وهي اللفظة اللازمة هنا.
ومن ذلك ما ورد في ص767: (الرد على المنائية) والمشهور عند الفصحاء العرب المنانية بنونين تفصلهما ألف. أو المانوية كما في هذا البيت للمتنبي:
وكم لظلام الليل عندي من يدٍ ... تخبران المانوية تكذب.(1/236)
ومن هذه الأوهام ما جاء في ص768 عن الرازي:) وتقلد آراء سخيفة وأنتحل مذاهب سخيفة.) وقد تكررت كلمة سخيفة بدون معنى جديد. والأصح (مذاهب خفيفة) كما وردت في كتاب تاريخ الحكماء ص271 س20.
ومن تلك الأغلاط ما جاء في ص768 قال: (ومنهم. . . الفارابي فيلسوف المسلمين بالحقيقة اخذ صناعة المنطق. . . فبذ جميع أهل الإسلام فيها واتى عليهم في التحقيق). قلنا: والصحيح: أربى عليهم في التحقيق أي زادهم وفاقهم في التحقيق.
وجاء في تلك الصفحة. (وسمى تأليفه). وضبط الهاء بالكسر والأصح ضبطها بالضم.
(له تلو)
الشق والشقة والشقيقة
سألنا سائل عن احسن لفظة عربية تؤدي المعنى المعقود بناصية الكلمة الإفرنجية نقول: احسن لفظة في هذا المعنى هي كلمة شقة وزان علة: قال البلوى في كتابه ألف باء 274: 1 (قال ثابت رحمه الله في قوله عم: (إنما النساء شقائق الرجال). يقول: هن في شبههن بالرجال كعصاً ارفضت شقتين فكان الرجل شقة والمرأة شقة. اهـ كلامه. وقال البلوى قبل ذلك: (الشقائق جمع شقة ويجمع على شقق) إلا إن أصحاب الدواوين اللغوية لم يذكروا الشقة مجموعة على شقائق يل على شقق لأن فعلة بالكسر لا تجمع على فعائل. قلت: إن جمع فعلة بالحركات الثلاث على فعائل مطرد في باب التضعيف. قاله(1/237)
الأزهري في التهذيب. ومثله حقة وحقائق، غرة وغرائر، ضرة وضرائر، حرة وحرائر كنة وكنائن شدة وشدائد، حمة وحمائم، شبة وشبائب، إلى آخر ما هناك من الأمثال.
ومن اغرب الأمور تناسب وتشابه لفظه الإفرنجية لكلمة شقة العربية مبنيً ومعنىً ومثل الشقة: الشق بالكسر والشقيقة. - وأما المحدثون فقد عربوا اللفظة الإفرنجية المذكورة بكلمة (جنس) فيقولون جنس الإناث وجنس الذكور. والحال إن الجنس يقابله بالإفرنجية ولهذا وجب التمييز لا من اللبس. فحفظ ذلك تصب إن شاء الله.
أتجوز الكتابة باللغة العامية
لقد قامت اغلب الجرائد والمجلات، وكتبت الفصول الطوال، وأرصدت عواميد عديدة من صفحاتها، لتتلافى بها الخطر المحدق باللغة العربية من كل حدب وصوب. وقد نطقت كل صحيفة من هذه الصحف بما يخطر لها وعن، وأوجبت التمسك به حسب ظنها. فبعضها قالت: يلزم إن نستأصل شافة الكلمة العامية والدخيلة ونستعمل عوضها كلمات لغوية فصيحة.
وفي نظري إن في الوقت الحاضر، من رابع المستحيلات لأنه كيف يتأتى لشخصٍ إن يترك تلك الكلمات والعبارات بعد إن رضعها مع الحليب وكادت تكون بعضاً من لحمه وعظماً من عظامه.
وقالت غيرها: إنه من اللازم اللازب إدخال الاصطلاحات العلمية(1/238)
الحديثة العهد بالوضع في العربية لافتقارها اليها، لإنه لا يوجد اليوم في اللغة الفصحى كلمات تقوم مقامها، لاسيما في هذا العصر عصر الاكتشافات والاختراعات وركوب أجنحة الخيال من الأفكار. وهذا كلام يصدق في أمور ولا يصدق في غيرها.
وقالت أخرى: إذا أراد علماء العربية اليوم وضع ألفاظ حديثة ففي وسعهم إن يشتقوا كلمات مأنوسة الوضع يتخذونها من نفس لغتنا ويصطلحوا اصطلاحات علمية لم يسبقهم إليها القدماء لخلو عصرهم من وجودها. فإذا قعدوا (لا سمح الله) عن إتمام هذا الغرض المقدس والواجب الذي لابد منه، فعار عليهم ونقص على لغتنا الشريفة التي نحسبها أوسع اللغات وأفصحها، ونفاخر بها الاعاجم، إن تعجز عن مباراة لغات أوربا في هذا المضمار. (فكر حسن ونافع جدا لو عمل به اليوم علماء اللغة النحارير).
وقالت أخرى: يجب إن تجمع الكلمات العامية وتدون في معاجم اللغة وكتبها وتحسب كجزءٍ منها. ذلك في نظري وفي نظر غيري أيضاً مما يقضي على فصيح اللغة بالتلاشي، ويشوه رونقها، ويعدم جمالها، هذا فضلا عما هناك من العقبات التي ليست بالحسبان. منها: إذا كان المقصود تدوين كلمات بغداد العامية والدخيلة فقط لكان الأمر سهلاً. لكن كيف العمل والمراد كتابة كلمات جميع أقطار البلاد العربية العامية كمصر وبيروت وحلب والشام وبلاد اليمن والحجاز ونجد وما يجاورها من القرى والدساكر. فإن ذلك ما يلزم جميع أبناء العرب بأن(1/239)
يبدءوا بلغتهم ويتعلموها من جديد، لأن الكلمات العامية تختلف باختلاف الأماكن
والبلاد.
وعدا هذه الصعوبات والعراقيل، هناك أمر لا يرضاه كل من كان محباً لوطنه وقومه لغته، وهو إلحاق الضرر بلغة فصيحة تقتل بدون جريرة، لخير أحياء لغية لا تقوم بجميع ما قامت به أختها البكر، ومن ثم: فعلى العربية الفصحى السلام، لأننا نطفئ إذ ذاك نورها السني بايدينا، وتنقلب لغة الكتاب عامية محضة.
والحاصل كل من الجرائد والمجلات تقريباً ارتأت رأياً وأشارت إلى أمرٍ أوجبت التمسك به والتعلق باذياله، امر لو حققناه لما وجدنا لذلك سبيلا، لاختلاف الآراء، تشعب الطرق، ووعرة المسالك، هذا فضلا عن العراقيل والموانع التي تعترضنا. ولكني اسمع من الآن قائلا يقول: إذا كنا لا نلتفت إلى كلام هذه الجريدة، ولا نحفل بقول تلك الصحيفة، فكيف العمل، يا رعاك الله، ونحن في موقف حرج؟
أجيب قائلا: لي فكر أبديه اليوم لعلماء اللغة وأربابها فإن وافق العقل والصواب، فليحلوا محله، ويعملوا به، وإلا فليضربوا به عرض الحائط. وهذا الرأي هو: إن يجمعوا كلمات البلاد العربية العامية والدخيلة، وينتقوا منها ما هو قريب من اللغة الفصحى والتفاهم به بين الأمصار العربية، ويدخلوها في اللغة ويحسبوها كجزء منها لأن خير الأمور أوسطها. وأما الكلمات التي هي عامية ودخيلة فلينبذوها نبذ النواة وعسى إن يروق ذلك في أعين أدبائنا، ويتلقوه بالقبول والاستحسان، ولو(1/240)
كان صادراً من فكر رجل خامل الذكر، وليس له اسم في عالم الأدب. فن الأمر غير بعيد عن همتهم لو أرادوا. ثم إذا تساهل علماء العربية اليوم وعملوا بما أشرت إليه، فإنهم يخدمون اللغة والبلاد خدمة تذكر فتشكر، ولا يمضي زمان إلا وترى جميع من يطالع الجرائد والمجلات والكتب من العوام يفهم ما يقرا، وحينئذ تصبح لغته الدارجة ولغة الكتب واحدة كبعض اللغات الحية اليوم.
لكن بما إن هذا الفكر ربما لا يوافق الجميع، ونحن في حاجة ماسة إلى سد هذا الثغر، وإصلاح هذا الخلل، فقد رأيت منذ بضعة أشهر إن اجمع كلمات بغداد العامية والدخيلة، وأنقب عن اصلها، واضع لها ما يرادفها من الكلمات الفصيحة. وقد جمعت منها الآن ما ينيف على ألف وخمسمائة كلمة أنشرها تباعاً على صفحات مجلة لغة العرب الغراء. واسلك مع عوامنا إن شاء الله سلوك الطبيب الحاذق مع مريضه وعلى الله الاتكال.
هذا رجائي الوطيد من لغويينا الكرام إن ينتقدوا كل لفظة عامية أم دخيلة إذا ظهرت لهم غير صحيحة، سواءً كان في الأصل أو المعنى. فإذا فعلوا ما نوهت به، وما أخالهم إلا فاعليه، خدموا اللغة العربية اجل خدمة وأخص منهم بالذكر نارسيسيان أفندي ترجمان قنصل إنكلترا العظمى الذي ارصد نفسه لدرس اللغات القديمة والحديثة، وعسى إن يصادف رجائي قبولا عند ذوي الاطلاع على مكونات اللغة العربية وغيرها من اللغات، بمنة تعالى.
رزوق عيسى(1/241)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
حبس شيخي عشيرة الفتلة
حبس شيخا عشيرة الفتلة مزهر الفرعون وأخوه مبدر ومعهما سبعة من رؤساء وأشراف هذه العشيرة لاتهامهم بحادثة الديوانية أو الجعارة. وقد أودعوا جميعهم سجن المشخاب. ثم نقلوا إلى سجن بغداد.
مدرسة الألمان في بغداد
فتح الألمان منذ سنتين مدرسة في بغداد وكان محلها بجوار مدرسة الكرملين في دار آل ابكيان. وفي غرة هذه السنة المدرسية (أي أوائل ت1) نقلوها إلى دار أوسع في محلة رأس القرية في زقاق التكية الخالدية مع توسيع خطة علومها وآدابها. ويكون إلقاء الدروس فيها باللغة الألمانية. ومن اللغات التي تعلم بها العربية والتركية والفرنسية. وقد أفردت حلقة للشبان ليتلقوا اللغة الألمانية في وقت هو غير وقت التدريس، ليسهل عليهم التردد إلى اخذ اللغة المذكورة من الأستاذ المخصص بهم.
مكتب أهلي في الهويدر
لما رأى سراة الهويدر (وهي قرية من قرى بغداد) إن لا مندوحة اليوم عن الاكتحال بنور العلم، سعوا في إنشاء مكتب أهلي لتخريج أولادهم في الأدب والعرفان، وكان مجموع ما تبرع به أولو الفضل والحمية 7715 قرشاً صاغاً إعانة فتح المكتب. والأمل إن لا يقف معين(1/242)
العطاء عند هذا القدر. والله لا يضيع فضل المحسنين.
عود أشقياء الأعراب إلى العيث
عادت عشيرة ابن هذال، أي عشيرة الصقور، إلى العيث والفساد وقطع طرق العباد، ونهب أموال التجار. وتعقبوا المسافرين إلى إنحاء الشام فسرقوا من بعضهم 222 بعيراً وحصاناً ونحو 400 ليرة وعروضاً وبضائع وقد اخلدوا إلى الفرار. وممن نزع إلى هذا العيث عشيرة السويلمات وشيخها ابن مجلاد فإنها أغارت على عشيرة ابن خالد بنواحي حمص وأخذت زهاء 300 بعير. وأغارت فرقة أخرى منها على عشيرة العقيدات واستاقت منها عدة قطعان من الغنم وهؤلاء ينزلون ربوع كربلاء. فعسى إن تسعى الحكومة إلى كبح
جماحهم. وردع قبائحهم.
تشييد دار المعلمين
عند الساعة العاشرة عربية من نهار الجمعة 8 كانون الأول، احتفل بوضع الحجر الأول لدار المعلمين في بغداد وذلك بحضور وإلى الولاية وآمر الفيلق والرؤساء الروحانيين والدنيويين من جميع الملل والطوائف وكان يوماً مشهوداً. وقد ورد من مجلس المعارف في الآستانة مبلغ مائة ألف قرش لتنفق على تعميرها. وقد خصص لبنائها بأسرها 10، 600 ليرة. حقق الله الأماني.
مبالغ للمدارس
ورد من الآستانة مبلغ 35 ألف غرش لتنفق في سبيل إعلاء شأن الطلبة المتعلمين في المكتب الإعدادي الملكي الداخلي.(1/243)
تعاضد الأعراب للدفاع عن حمى الوطن
كتب الشيخ سلمان المنشد والشيخ شواي الفهد من رؤساء العشيرة الازيرق (الازيرج) المقيمين في لواء العمارة إلى أصحاب الحل والعقد كتابا يقدمان فيه نفسيهما ونفوس عشائرهما وكل أموالهما وأموالهم ذبا عن حياض الوطن وفدى عنه. وكذلك فعل رؤساء البو محمد النازلين في العمارة ونواحيها.
تضرر النخل هذه السنة في العراق
كانت شتوة هذه السنة شديدة الوطأة في العراق ولهذا جاء إناء النخل قليلاً. وكان هذه البلية لم تكف لديارنا ونخلنا فأصابتنا مصيبة أخرى وهي: إن الصيفة لم تكن شديدة الحر فاضطر ضمانوا النخل إن يبقوا التمر على أشجاره مدة أطول من سائر السنين، وإذ بأمطار غزيرة وافتنا قبل أوانها من العفونة، وفي بعضها نوعاً من الحموضة، أحدثت خسارة للضمانين. وقد قيل إن مبلغ الخسارة في العراق كله ألف ليرة. عوض الله عنها بربح في السنة المقبلة.
مصالحة العشيرتين عشيرة بنى لام وعشيرة البودارج
وقع نزاع بين هاتين العشيرتين فصمم رؤساء عشيرة الازيرق (الازيرج) الانتصار للواحدة على الأخرى، وكادت تكون الفتنة كبيرة لولا وطنينا الغيور جميل صدقي أفندي مدير المجر الصغير الذي أطفأ جذوتها بمهارته العجيبة وكتب رسالة إلى الشيخ شواي الفهد(1/244)
والشيخ سلمان المنشد والشيخ زيارة المحيي (الذين كانوا قد صمموا على نصرة السواعد النازلين في مقاطعة (الكميت) ردعاً للشيخ خطاب الحسين رئيس عشيرة البودارج) ليحضهم على الوئام والوفاق فنجح في سعيه كل النجاح، وفقه الله إلى كل خير.
وفاة الشيخ محمد اليماني
ليلة الاثنين الثالث عشر من شهر ت2 أنتقل إلى دار القرار الشيخ محمد اليماني عن عمر يناهز التسعين، وكانت وفاته في جامع الإمام أبي حنيفة. وكان من المشتغلين بالعلم والمطالعة وتوخى القربات. عوض الله لأولاده عن فقده وسلاهم تسلية توفقهم إلى اكتساب الصبر الجميل.
مدرسة الأعظمية العالية
يعز علينا إن نرى ديار العراق لا تسير السير الحثيث في طريق الرقى والنور كسائر ديار الله في هذا العصر: - كان بعض منوري قصبة الاعظمية (وفي مقدمتهم الشيخ الأجل السيد نعمان أفندي الاعظمي صاحب مجلة تنوير الأفكار) سعوا كل السعي في إعادة مدرسة الاعظمية إلى سابق مجدها وسامقه، فأجابت الحكومة العثمانية سؤالهم لعلمها ما ينجم من الفوائد الجمة عن هذا العمل، وأصدرت أمراً بتشييد كلية تفي بالمطلوب، وعينت مبلغاً طائلا لهذه الغاية مع وجوب إدخال جميع العلوم العصرية في خطة التدريس (أي بروغرامه). فلما سمع بذلك أهل الغايات وأصحاب الأغراض الدنيئة الذين هم خفافيش العلم(1/245)
ووطاويطه وأعداء النور والعمران والوطن اخذوا يفتلون في الذروة والغارب حتى بناية المدرسة إلى يومنا هذا، بل ربما إلى يوم النشر والحشر وعلى هذا الوجه تضرر الطلبة اشد التضرر من سوء تصرف بعض أهل النزغات نزغات هي شيطانية ليس إلا. . .
فإلى متى يا قوم هذا التخاذل؟ وإلى متى هذه الكراهية كراعية النور والتمتع بأشعته
المنعشة؟ لكن:
شر الجهالة ما كنت على كبر ... تسود الشيب مثل الحبر في الورق
وايسر الجهل ما يرتد صاحبه ... عنه كمن هب منتاشاً من الغرق
وهل يجهل هؤلاء الأعداء أعداء الإنسانية والألفة والوطن ما قال الشاعر:
إذا رمت يوماً أن تميت قبيلةً، ... فبث بها روح التعصب والجهل
وهل أطفأ الأنوار واستعبد الورى ... سوى الجهل أن الجهل مجلبة الخذل
جماعة من أكابر إيران في بغداد
منذ أوائل الشهر الحالي اخذ بعض أكابر إيران يفدون إلى بغداد ومنهم: (الأمير الأفخم) وهو الذي كان حاكماً على همذان وهو الذي طلب من حكومته بلسان البرق في عهد ولايته 15 ألف تومان ولما حصل على المبلغ لحق سالار الدولة، وهو صاحب (أزار اللؤلؤ) الذي نهب من داره حين فراره من همذان إلى العراق. وقد رأى هذا الأزرار يباع في سوق بغداد بيد أحد اليهود بقيمة بخسة فلم يسترجعه الأمير استنكافاً منه. وقد قدم معه ابناه (احتشام الدولة، وحسام ولاة الملك).(1/246)
وهم يقيمون اليوم في قضاء الكاظمية مع ستين شخصاً من حاشيتهم
ومن القادمين (عضد السلطان) وهو أخو الشاه المخلوع محمد علي شاه وكان حاكماً على كرمنشاه من قبل أخيه سالار الدولة، وقد نزل ضيفاً على الشابندر أو الفضيلة الإيرانية. ومن بعد زيارة قبور الأئمة يرجع إلى إيران ما يقال.
ومن الوافدين إلى الزوراء أيضاً (الخطيب السيد اكبر شاه) وهو من اعظم أعوان (سالار الدولة) والذي احدث الأحداث في كرمنشاه فصارت سبباً لدخول سالار فيها. ومن بعد أن نزعتها الدولة من يده التجأ إلى القنصلية الروسية ثم فر إلى هذه الديار.
وهناك غير هؤلاء مما يطول ذكره.
السيد هبة الدين الشهرستاني صاحب مجلة العلم
نشر حضرة السيد رسالة في تحريم نقل (بعض) الجنائز ولاسيما الجنائز التي يتضرر منها الناس لما صارت إليه من الفساد والانحلال، فسبب نشر هذه الرسالة بين القوم حزبين:
حزب انتصر لحضرة السيد الأستاذ وحزب قام عليه معادياً له. والذي شاهدناه أن الغلبة هي إلى اليوم بجانب صاحب مجلة العلم. ونحن نتمنى أن يزول روح الخلاف والشقاق بين الوطنيين وان يهتموا بما يعود فيه خير العموم. إذ هذه الأحوال المضطربة مما تحط بشأنهم.
مكتب الإناث الإسرائيليات في بغداد
نهار الثلاثاء 14 ت2 جرت حفلة افتتاح هذه المدرسة بحضور(1/247)
والي الولاية احمد جمال بك واغلب موظفي العسكرية والملكية والوجهاء. وقد قضى البناءون أربع سنوات في تشييد هذا المعهد الحسن البناء وصرف عليه بانيه واحداً وعشرين ألف ليرة عثمانية وهذا المحسن العظيم هو العازار خضوري أفندي وقد جعل البناء على اسم قرينته (لورا) فعسى أن تكون هذه المدرسة سبب ترقٍ للإسرائيليات.
قتل وسرقة في خان المخزوم
دخل جماعة من السفلة ليلة السبت 25 تشرين 2 خان المخزوم الواقع في السوق الكبيرة وبعد أن خنقوا الحارس سرقوا شيئاً غير زهيد من حلى ومصوغات من دكان الصائغ شاول يونة اليهودي. وقد شاع أن هذه الفعلة المنكرة قد دبرت برأي (وضحاء) زوجة المقتول المطلقة. وكان قد راجعها قبل يوم.
اعتذار
كثرت المواضيع في هذا الشهر فأصدرنا المجلة في ثلاث ملازم ولم نستوف الأبحاث حقها والأبواب قرعها. فنمتاح القراء عذراً والعفو من شيم الكرام.(1/248)
العدد 7 - بتاريخ: 01 - 01 - 1912
هيت ومعادنها
1 - (تمهيد البحث ونظرة عامة في هبة العراق من سبات
الغفلة)
مما يستدل به العارفون على نهضة الأمة من رقادها: وجود حركة فكرية تدفع بعض الأفراد إلى البحث عن طريق الحياة المؤدية إلى سعادتها الحقيقية المتوجهة إليها، سواء كان ذلك البحث والتنقيب نشدا لاستمداد حياتها من الخارج، كتقليد أمة أخرى في أعمالها الجليلة، ومآثرها الخطيرة واكتساب ما عندها من العلوم والفنون، - وسواء كان ذلك البحث طلباً لآثار هذه الأمة نفسها وتاريخ آباءها وأجدادها السابقين، الذين خلدوا ذكرهم بما وصلوا(1/249)
إليه من الوقوف على أسرار الكون، وهتك أستارها، وقوف يدل على ما كان لهم من اليد الطولي في العلم والعمل. - اجل: انك أن رأيت هذا كله فاعلم رعاك الله، أن الحياة تجري في روق تلك الأمة وان تلك الحياة هي حياة مادية وأدبية وعلمية معاً.
وغير خفي على قراء (لغة العرب) أن العراق هو مهبط الأمم الكبيرة، ومنبع العلوم الغزيرة، في سالف القرون الغابرة، والعصور الدابرة، ففي العراق كان بناة القصور الشاهقة، ومشيدو الصروح السامقة؛ في العراق كان أصحاب الحدائق المعلقة، والجنان ذوات الأشجار الباسقة؛ في العراق كان سباق الأقوام إلى العلوم المتنوعة؛ في العراق نشأ حملة الأقلام الرائعة؛ في العراق ظهر اعظم الرجال وأشهر الملوك؛ في العراق بدا أولوا العزائم والأعمال وخيرة أهل السلوك.
كيف لا وقد كان في هذه الديار من الملوك من إذا سمعنا التاريخ يروى لنا أعمالهم، ويورد على أسماعنا أخبارهم وسيرهم، نقول: أن هذه إلا حديث خرافة أو من أساطير وأقاصيص الأولين، أذلا تعن ليال، ولا يخطر على الأفكار منها خيال. ومع ذلك فإننا إن أوغلنا في البحث عن حقيقتها، لا نصدر عن مواردها أو مشارعها إلا رواء، بل ومتضلعين منها.
ثم إننا لو فتشنا عن هذه الأخبار والأعمال تفتيش متتبع الحقائق ومتوخيها، وتحدينا ما فيها من العبر المعجزات، والأنباء البينات،(1/250)
لعدنا وبيدنا من حقائق التاريخ الصادقة، وأستار أسرار الحياة المتفتقة، ما يغنينا عن مد يد العوز إلى الغرب، أو عن طرقه هذا الطرق الملحف، ولصدرنا عنها وصدورنا مفعمة علماً وخبراً وخبراً، وجيوبنا مملوءة لجيناً بل
نضاراً لا بل درراً.
هذا وأني لا أريد أن اذكر هنا شيئاً قد أثبته التاريخ إثبات الشمس في رائعة النهار، وقد علمه الخاص والعام بل الكبار والصغار، واجمع عليه علماء الاجتماع، وفحول الباحثين في جميع الاصقاع، بل الذي أريد أن اسطره على صفحات (لغة العرب) من حين إلى حين آخر هو ما اعلمه عن بلادي وآثارها ومعادنها وما فيها من المرافق والخيرات، مما علمته بنفسي، أو نقبت عنه بذاتي ومما خفي أو يخفى على كثيرين من القراء، أو مما كنت أجهله فأحفيت في نشد ضالتي حتى توصلت إليها بوسائل شتى ووسائط متنوعة.
ذلك ليثبت لدى العالم اجمع مزية هذه البلاد الطيبة وفضلها على سواها، وليعلم الطامعون في ديارنا أن فيها رجالاً يذيقونهم الأمرين، قبل أن تدنسها أيديهم بالإشارة إليها، وان فيها اسوداً يصدونهم عن هجماتهم، ويقفون سداً حصيناً دون أطماعهم. ويمنعونهم عن الانتفاع بمرافق ديارهم وربوعهم، - بل ليعلموا أن وصية أولئك الأباء الاماجد مغروسة في نفوس الأبناء الأباة، وان الزمان يظهرها عن قريب.
على أن القول لا يفيد إذا كان مجمل التعبير، فلهذا أردنا أن نبين(1/251)
اليوم غنى إحدى بلداننا وثروتها الطبيعية، وما قد أودعته أحشاؤها من الكنوز المدفونة وهي بلدة (هيت) فأقول:
2 - موقع هيت وحدودها
هيت من مدن العراق الواقعة على ضفة الفرات اليمنى، وهي اليوم (ناحية) تابعة لقضاء الرمادي التابع لولاية بغداد. - يحدها من الشمال (بغداد)، ومن الجنوب (قلعة الرمادي)، ومن الشرق (وادي الفرات)، ومن الغرب (وادي الأسد). - وهي تبعد 160 كيلو مترا عن بغداد في الدرجة 40 والدقيقة 32 طولا من الشرق وفي الدرجة 33 والدقيقة 38 عرضا من الشمال.
3 - اسمها
ذهب لغويونا مذاهب شتى في اسم هذه البلدة ومعانيه. قال ياقوت في معجمه: هيت بالكسر، وآخره تاء، مثناة. قال ابن السكيت: سميت هيت هيت، لأنها في هوة من الأرض. انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. قال رؤية:
في ظلمات تحتهن هيت
أي هوة من الأرض، وقال أبو بكر: سميت هيت لأنها في هوة من الأرض. والأصل فيها: (هوت) فصارت الواو ياءً لسكونها وانكسار ما قبلها. وهذا مذهب أهل اللغة والنحو.
(قلنا: ويرد هذا: أن الذين وضعوا اسم هيت لم يكونوا من العرب حتى تؤول هذه اللفظة جريا على أصول اللغة العربية، بل كانوا من الأعاجم(1/252)
الأقدمين)
وذكر أهل الأثر: إنها سميت باسم بأنها وهو: هيت بن السنيدي ويقال: البلندي، بن مالك بن دعر بن بويب بن عنقا بن مدين بن إبراهيم عم. (قلنا: ولم نجد إلى اليوم في التاريخ ذكر هذا الباني، فلعل الآثار التي هي مدفونة اليوم تبوح لنا باسمه وبعصره في العصور المقبلة!!!)
وأما الحقيقة. فهي أن اسم هيت القديم هو (ايس فقلب العرب الهمزة هاء على لغة لهم كما قالوا في أراق: هراق وفي النأي: النهي، وفي هنئت ولا تنكأ: هنئت ولا تنكه. وجعلوا السين التطرفة تاء جريا على لغة ثانية لهم يسمونها الوتم كما قالوا في الناس: النات. وفي المسلئب: المتلئب وفي السوس (أي الأصل): التوس، وقد سماها الأقدمون أيضاً (ايوبوليس ومعناها (مدينة أيا) بتشديد الياء. و (أيا) من معبوداتهم. ويحتمل أن تكون (ايس) مقصورة من (ايوبوايس).
4 - ذكرها في التاريخ القديم
هيت من المدن القديمة وقد كانت عصر الكلدانيين والآشوريين، ولعلها كانت قبلهم بكثير، وكان البابليون يجلبون منها القار. قال هيرودوتس المؤرخ الشهير: (على مسافة ثمانية أيام من بابل مدينة (ايس) وهي راكبة جدولاً اسمه كاسمها، ويدفع مياهه في الفرات، وتجر مياهه شيئاً كثيراً من القير، ومنه جمعوا ما احتاجوا إليه لبناء(1/253)
أسوار المدينة)
فهذه الكلمات الوجيزة تفيدنا فائدة عظمى وهي: أن البابليين لما بنوا أسوار مدينتهم بنوها بالقير، لعلمهم أن المياه التي تكثر في سقي الفراتين تدأب في العبث بالأبنية بل وبأسسها فتنقضها وتلاشيها، ولهذا اتخذوا القير لكي لا يعمل الماء فيها. وهذا النص يدلنا أيضاً على أن البابليين كانوا يجمعون القار من على وجه الفرات الذي كان يشق مدينتهم، وما كانوا
أبداً يتكلفون عناء في نقله أو جلبه كما هو الأمر في هذا العهد. لان في ذلك الزمن كان يوجد جدول أو نهر اسمه (هيت) يدفع مياهه في الفرات وكان القير مخلوطاً بمائه. وأما اليوم فان ذاك الجدول قد دفن ولم يبق له اثر، ولهذا لم يعد يأتي القير محمولاً على ظهر الفرات كما كان يأتي سابقاً، لان عيون القارة بعيدة اليوم عنه.
5 - سكانها
يبلغ اليوم عدد سكان هيت خمسة آلاف نسمة من العرب والأعراب المختلفي النسب، فالقسم الكبير منهم يرجع أصلهم إلى الدليم (مصغرة) والقسم الآخر ينتمي إلى سادات قريش، وفيه من ينتسب إلى عشيرة عقيل، وما بقى خليط من الأقوام الغريبة المستعربة إلا انه تضمهم جامعة واحدة هي جامعة الكرم وحسن الأخلاق والأقدام والثبات والآباء. ولا بدع في ذلك فانهم من سلالة أولئك الأجواد الأمجاد (العرب) الذين يفتخر التاريخ ذكرهم.
إبراهيم حلمي: من طلبة المكتب الإعدادي الملكي.(1/254)
المنحوت العامي واللفظ الدخيل في لغة بغداد
كانت الألفاظ العامية جلها، ألم اقل كلها، فصيحة صحيحة في عصر من العصور، ثم طرأ عليها ما طرأ على موجودات الكون من زيادة ونقصان، وإبدالٍ وتغيير، وتقديم وتأخير، وتصحيف وتحريف، وقلب وحذف، ونقل ونحت، وما شاكل ذلك شيء كثير مالا يقع تحت الحصر والعد، حتى اصبح الخوض في هذا البحث من اصعب المباحث اللغوية، لما يقتضي له من الدقة النظر وأعمال الروية.
ولما كان الجزء الأوفر والأعظم من لغتنا العامية مركباً من كلمات منحوتة ومقلوبة ومحرفة ومصحفة الخ فلا أرى بداً من التلميح والإشارة إلى بعضها لخطورتها وعلاقتها الكلية في موضع كتابي (المعجم) الذي امامي، فاقول:
النحت
إن النحت في العربية هو: عبارة عن جعل كلمتين كلمةً واحدةً وذلك يضم بعض حروف إحداهما إلى بعض حروف الأخرى في الألفاظ التي يكثر استعمالهم لها. وقد ورد على السنة عوامنا شيء كثير، من ذلك قولهم: (اشبيك) في أي شيء بك، (ومنو) في من هو، (وشنو) في أي شيء هو، (ومحد) في ما أحد، (واشعبالك) في أي شيء عرا بالك، أو أي شيء على بالك، (واشجالك) في أي شيء جاء لك، (ولحد) في لا أحد، (واشكان) في أي شيء كان، (ويابا) في يااباه، (ويما) في يا أماه، (وبشبيا) في بي شيء بها،(1/255)
(واشبيها) في أي شيء بها، (وليش) في لاي شيء، (وبيش) في بأي شيء، وقس عليها. وقد جاء أيضاً مثل ذلك في كلام أسلافنا في لا حول ولا قوة إلا بالله.
أما النحت في اللغات الأوربية فعلى نوعين: أحدهما كما في العربية لا يفرق عنها بشيء، ومصداقاً لقولي خذ الإنكليزية مثلاً، تر شيئاً كثيراً مما ذكرت، فان أهلها يقولون في وفي في في في وهكذا قل عن الافرنسية والألمانية والإيطالية والنمسوية والأسبانية الخ
أما النوع الثاني، فيختلف عن الأول اختلافاً لا مثيل له في العربية الفصحى، ولاسيما في أول عهدها، ولا أظن انه يوجد منها كلمة واحدة في لغتنا، اللهم إلا بعد زمان العباسيين، حينما أخذت اللغة العربية تنحط انحطاطاً بيناً، وابتدأت عقارب الفساد والركاكة تدب في
جسمها، وسرت إلى شرايينها وأعماق قلبها، وهذا النوع يسمى بالإنكليزية وبالفرنسوية أيضاً وسميناه في العربية باللفظ الهجين.(1/256)
إن لفظة مركبة من كلمتين وهما: اللاتينية أي سبب وجيه الإنكليزية، أي، بلا، فيكون معنى اللفظتين: (بلا سبب أو داعٍ). ولفظة من الإنكليزية أي أكل، اللاتينية أي صالح، فيكون معناهما (صالحاً للأكل) من اليونانية، أو الفرساوية، أي رد ودفع، اللاتينية أي شمس، فيكون المعنى من تركيبهما رادة الشمس أي مظلة أو شمسية، وقس على ذلك كثيراً من الكلمات وقد ورد شيء على هذا النحو في العربية ولكنه قليل جداً بالنسبة إلى اللغات الأوربية، من ذلك قولنا: (شمعدان) فان لفظة شمعة عربية ودان أداة تلحق الأسماء الفارسية فتفيد الظرفية. وهكذا قل سكردان، وبخوردان، وما كان من هذا الباب مثل كلمة شاه بلوط من شاه الفارسية أي ملك أو كبير وبلوط العربية بمعناها المشهور، وعلمدار، وتحصيلدار، وسلاحدار؛ وقلمدان، وبيرقدار، وسردار، وبازيدار، وخبردار، وباش كاتب، ودفتردار، وهذه اللفظة الأخيرة يونانية وفارسية، وقد جاء مثل ذلك على لسان العوام كقولهم: خدمتكار وبعضهم يقول خزمتكار (أي خادم)،(1/257)
وعقلسز (جاهل)، وبيذمام والبض يقول بيذمان (أي بدون ذمام أو بدون وفاء)، وبداصل أو اصلسز (أي بدون شرف أو اصل كريم)، وبيذات (سيئ الذات)، وبيكار (أي بلا عمل) الخ.
أما القلب فهو عبارة تقديم بعض حروف الكلمة على بعضها أو تأخيرها على أخواتها، نحو: خشاف في خفاش، وأجا في جاء ولبق في لقب، وخفس في خسف. وطاف في طفا، وبغبغ في غبغب، وجضع في ضجع، ومعلقة في ملعقة، وكصب في قبض، وهنا قد وقع الإبدال والقلب معاً. فتأمل. وقد ورد من ذلك في اللغة الفصحى شيء كثير، ويعرف بالاشتقاق. وقد قالوا في تعريفه: هو أن تجد بين كلمتين تناسباً في اللفظ والمعنى دون الترتيب، كجذب وجبذ، وذبح وبذح، ويقال له الاشتقاق الكبير؛ وإما إذا كان بينهما تناسب في المخرج والمعنى، كنعق ونهق؛ فيقال له الاشتقاق الأكبر.
الإبدال
أما الإبدال: فهو أن تقيم بعض الحروف مقام حروف أخرى. كقول العوام: مرد في مرث، وجاسم في قاسم، وعنجاص في انجاص واللية في الالية، والعطر في الإطار، وعنبار في
أنبار. ومثل ذلك في العربية الفصحى شيء كثار.
الدخيل
إنني قد تكلمت في ما تقدم عن الكلام العامي وبينت بوجيز العبارة اصله وفرعه معاً، وأريد الآن أن ابحث عن الدخيل أيضاً بحيث يكون(1/258)
هذا البحث جامعاً، خالياً من الإسهاب المخل والتقصير الممل. فأقول إن الداعي إلى استعمالنا الألفاظ الأعجمية هو اختلاطنا بالأعاجم ومشاركتنا إياهم في عالم التجارة والصناعة والعلم والأدب، ودرسنا لغاتهم على أنواعها، وتداول كثير من مفرداتها في مخاطباتنا اليومية. وقد عد أحدهم ذلك من أكبر الوسائل وأقوى الذرائع على انتشار الألفاظ الأعجمية بيننا.
أما سبب تهافت أقوامنا على إدخال تلك الألفاظ الغريبة لغتنا العربية فهو افتقار هذه اللغة إليها، ولاسيما في الأمور المستحدثة أو المستنبطة في هذه العصور الأخيرة. وبعض الألفاظ ادمج في كلامنا العامي لعدم وفوقنا التام على ألفاظ لغتنا الشريفة. وكثير منها فشا قسراً بين أظهرنا، على انه يوجد في العربية ألفاظ تكفينا مؤونة الاستعارة من غيرها من اللغات الأجنبية، وإنما استعملها كبار حملة الأقلام رغماً عنهم لشيوعها الفاحش بين العوام، ألفاظ التقوطها من أفواه غرباء اللسان وحافظوا عليها محافظتهم على إنسان عينهم، كأنها كنز ثمين لابد من ذخره، حتى انك لو خاطبتهم بغيرها من الألفاظ العربية الفصحى لنظروا إليك شزراً، وأجابوك بكل تهكم واستهزاء وسلقوك بالسنة حداد ظناً منهم انك تضحك عليهم بإلقائك على مسامعهم الكلمات الصحيحة الاصل، والقويمة المنشأ، والحق معهم لأنهم لا يفهمون ما تكلمهم به، لان تلك العبارات عباراتهم المستهجنة هي التي أصبحت السيدة المالكة فؤادنا، والحاكمة على لساننا، والمتداولة في أنديتنا(1/259)
وملاهينا، ومدارسنا، وقهواتنا هذا فضلاً عن إن جلب البضائع والمصنوعات والآلات والأدوات الإفرنجية التي نتخذها في منازلنا ومعاملنا وتكاد لا تخلو بقعة في مديتنا منها، ساعدت أيضاً على شيوع الألفاظ الغريبة بيننا شيوعاً يذكر. بل وقد دفعنا حبنا لها المفرط أن اتخذناها هي وأسماءها الإفرنجية غير ملتفتين إلى ألفاظ تقوم مقامها وغير مكترثين لها، من ذلك مثلاً كلمة (شمندوفير) الفرنسية للسكة الحديدية مع إننا نقدر نستغني عنها بكلمتين هما بمعناهما أي سكة الحديد وكقول بعضهم (الترين) وهو القطار أو الرتل والجمع ارتال وهكذا قل عن
(فاكالس) فما ضرنا يا ترى لو قلنا عوضها (عطلة) أو (فراغ) وكقول كثيرين من البغاددة (كلاص) الإنكليزية وهم يريدون بها القدح وكقولهم كونيا ويونانية وقد استعمل السلف بمعناها كلمة كوس الفارسية وتجمع على كوسات ويراد بها مقياس الزاوية وهي التي سماها فصحاء العرب بالإمام. إلى غير هذه الألفاظ مما يجئ ذكره في موطنه إن شاء الله تعالى.
رزوق عيسى
سفرة إلى كربلاء ونواحيها والحلة ونواحيهما
وكويرش هذه من المدن القديمة. وقد وجد(1/260)
فيها الألمانيون من الآثار العادية شيئاً
كثيراً. وكان فيها أحد العلماء الألمانيين العارفي الآشورية وهو الدكتور مايستر، فكان يقرأ العاديات ويحل طلاسمها ويفكك قيودها ويقيد مندرجاتها في صحفه قبل أن يبعث بها إلى دار التحف الشاهانية في الأستانة العلية.
وقد جاء ذكر كوبرش أو كيرس أو كيرس في كتاب المجامع النسطورية الذي تولى طبعه ج. ب. شابو، في الصفحة 321 وهذا تعريبه: (انتعش يومئذٍ ضعف البطريق مار آبا محب المسيح، وحالما وقع الصلح في المدائن (سلوقية وطيسفون) زايل المدينة كيرس دار الملك (ومقر الاكاسرة في أيام الصيف) الواقعة في كورة فيروز سابور من ديار العرب. وكان نزولنا في دار الأستاذ الدكتور الألماني (روبر كولدواي) رئيس مهندسي في بابل. وفي كويرش عدة أمكنة قديمة، وبيوت خربة، وقصور عادية، تنشئ كلها بقدم تلك الحاضرة ويختلف(1/261)
طرز بنائها باختلاف الأمم والأجيال التي احتلتها: أبنية كلدانية، وآشورية، وساسانية، وعربية. ومن جملة ما شاهدناه فيها: أسد كبير منحوت من الصخر، إلا إن وجهه قد تشوه لكثرة ما مر عليه من طوارئ الجو وأحداث الزمان. ومما يدهش الناظر هناك دور المدينة، وبيوتها المنقلبة، وجدرانها الشامخة الذاهبة صعداً في السماء، وسراديبها الغائرة، هناك يرى جب يزعم انه الجب الذي القي فيه دانيال النبي، وفيه درك تنزل بك إلى قعره، هناك يرى على الحيطان رسوم كثيرة، وصور حيوانات مختلفة، إلا إن الزمان قد طمس محاسنها، وشوه بدائعها وروائعها لتقادم عهدها. ويحسن بي هنا أن اترك الأب لويس الرملي يتكلم عوضاً عني، لأنه زار هذه الأنقاض قبلي واحسن وصفها
فقال:
عمانوئيل فتح الله عمانوئيل
مضبوط(1/262)
باب المشارفة والانتقاد
كثرت لدينا هدايا الأدباء من جرائد ومجلات وكتب وكلهم يحبون أن نشارفها أو ننقدها أو يخيروننا بين مشارفتها وانتقادها. على أن المجلة قليلة الصفحات، صغيرة الحجم، لا تحتمل أن تطيل النفس في انتقاد الكتاب الواحد إلا إذا كان ذا شأن وخطر يجتني منه القراء الفوائد الجمة، أو إذا كان التصنيف لأحد مشاهير الكتاب ويتوقع انتشاره بين ظهراني القوم، فنحرص حينئذ على نقده لئلا يشفو الوهم فيهم وتتأصل جذوره في العقول فيصعب بعدئذ استئصالها.
بيد أننا أن كنا لا نخصص عدة صفحات لنقد الكتاب الواحد فإننا لا نغضي الطرف عنه كل الإغضاء تعريفا له عند من يجهله أو يريده الحصول عليه. وها نحن نسرد أسماء بعض الكتب الواردة علينا إشعارا لأصحابها بوصولها وسوف ننقدها عند سفوح الفرصة الواحد تلو الآخر حسب بلوغها إلينا:
1 - العقد المتلألئ. 2 - مناظرة الحاتمي والمتنبي. 3 - إتمام المتون 4 - المجازات النبوية. 5 - شواهد القطر. 6 - ذخيرة الأصغرين. 7 - كتاب الذهب. 8 - تاريخ آداب اللغة العربية. 9 - العلم الموروث في إثبات الحدوث. 10 - طلستوى. 11 - إرشاد الخلق إلى العمل بخبر البرق. 12 - الفوز بالمراد في تاريخ بغداد. 13 - قرة العين في تاريخ الجزيرة والعراق والنهرين. وغيرها كما سيأتي بيان أسمائها في أوقاتها المرهونة.(1/263)
العقد المتلألئ في حساب اللآلئ
(تأليف صالح سليمان بن صالح الدخيل من أهالي القصيم في نجد (وهو اليوم صاحب جريدة الرياض في بغداد) يتضمن بيان معرفة كيفية تكون اللؤلؤ والصدف وأنواع ألوانه وقيمة وحساب أوزانه وبيان كيفية الغواص في الخليج (الفارسي) وسيلان وغيره) (كدا). - حقوق الطبع محفوظة للمؤلف. - طبع في مطبع الترقي في بمبي). - وليس في ذكر سنة الطبع. - بقطع 18 وعدد صفحاته 140 وقيمته قرنك ونصف في بغداد.
هو كتاب جليل لا يستغني عنه من يريد التعاطي بتجارة اللآلئ لاسيما في خليج فارس. وفيه من اصطلاحات أهل الفن في هذا العصر ما يحرص عليه التاجر واللغوي والغريب الوطن لفهم رطيني الغواصين. وقد ذكر عدد من السفن التي ترصد لهذه الغاية وسمى البلاد
التي ترجع إليها فإذا هي على هذا الوجه:
100 سفينة من الكويت400 سفينة من أبو ضبير300 سفينة من البحرين 100 سفينة من دلما 200 سفينة من قطر 1300 سفينة من بقية القرى 30 سفينة من لنجة وفارس 3160 المجموع 80 سفينة من دبي 500 سفينة من الشارقة 150 سفينة من أم التمور(1/264)
وعدد غواصي كل سفينة يختلف بين أربعين إلى 150 رجلاً. ولكل أمير حق يستوفيه من كل سفينة، قدره حصة غواص واحد. وحصة الغواص هي ضعف حصة السياب. ولرب السفينة شئ معلوم من الكسب مذكور في قوانين سنت لهم في هذا الموضوع. ووقت الغوص يكون في إبان الهجيرة (وفي الأصل عند هوجرة الحر وهو من اصطلاح النجديين) ومدته ثلاثة أشهر، وغور الماء في محل الغوص يبلغ 15 إلى 20 قامة وقد يتكفلون لعمله هذا الشاق أتعاباً فادحة، إلا انه إذا كان الهواء رائقا والبحر رهواً هادئا لا يلاقون كلفة في غوصهم وقد يتضرر الغواصون بآفة في أجسامهم أو يفقدون حياة بعض أعضائهم بل منهم من يعتريه الخبل فيظن فيه العوام انه صار واحدا من الجان. إلى آخر ما هناك من التفاصيل الغربية التي يتطال إليها الأديب للوقوف على ما يجهل فيعود بفائدة جزيلة بعد الاطلاع عليه.
والكتاب مطبوع على الحجر وفيه أغلاط طبع كثيرة لم تصحح. هذا فضلا عن ركاكة العبارة في بعض المواطن وتتالى اللحن في كل صفحة تقريباً. إلا أن هذا كله هو على حد ما قيل: الفرس الأصيل لا يعيبه جلاله.
مناظرة الحاتمي والمتنبي
هي رسالة في المناظرة (بين أبي علي محمد بن الحسين الحاتمي وأبي الطيب المتنبي. رواية أبي عبد الله الحسين بن محمود الحسين(1/265)
البغدادي) طبعت في بغداد بمطبعة الآداب سنة 1327 وهي في 40 صفحة بقطع الثمن.
والرسالة فريدة في بابها وتقسم قسمين: في القسم الأول منها ذكر ما جرى بين الإمامين اللغويين من تجاذب أطراف الكلام في أسرار اللغة، وفي القسم الثاني ذكر ما أخذه المتنبي من المعاني الفلسفية والمنطقية وأودعها شعره. وكل بأسلوب رائق، وقالب شائق، لا يأخذ بمطالعتها الأديب إلا ويأتي على آخرها، لحسن عبارتها وتداخل حلقات روايتها، إلا أن
فيها بعض أغلاط الطبع لا تخفى على المطالع.
المسامرات
(جريدة تصدر في يوم الأحد من كل أسبوع موقتاً). وهي تنشر في بيروت. برز عددها الأول في 28 ذي القعدة سنة 1329 - 19 تشرين الثاني سنة 1911 لصاحبها احمد حرب. بدل اشتراكها في الجهات ريال مجيدي وربع وفي الخارج 8 فرنكات.
المنير
(جريدة عربية أسبوعية صاحبها ومديرها احمد جودت كاظم) وهي تصدر في البصرة. بدل اشتراكها في البصرة والبلاد العثمانية 40 غرشا، وفي البلاد الأجنبية 12 فرنكاً. وصل إلينا العدد 5 فألفيناه حافلا بالمقالات المفيدة. وقد صدر العدد المذكور في 2 ذي الحجة سنة 1329، ونتمنى لها الرواج ونود أن تكثر من درج المقالات التي يكون مبحثها عن خليج فارس والثغور التي فيه وعن بلاد العرب، لان(1/266)
أنظار الأجانب قد تحولت إلى تلك الأرجاء واقل إهمال في هذا الصدد يؤدي إلى إخطار عديدة.
دار السلام تقويمي
من احسن مطابع بغداد على الاتفاق مطبعة دار السلام، فان ما تبرزه من المنشورات المختلفة يرفل بحلة الحسن والوشي والنظام. وها قد أصدرت الآن (رزنامة) سمتها بالاسم المذكور باللغة التركية. وفيها ذكر أيام السنة الهجرية والمالية والعبرانية والإفرنجية وبحرف جميل وعلى كاغد فاخر. وقيمتها خمسة قروش صاغ. وإننا لنخيرها على كثير من الرزنامات التي تصدر في بيروت وديار مصر، لما فيها من الدقة في الفوائد الجزيلة المذكورة في بويب لها عنونته باسم (المواسم) فنحث القراء والتجار وبيوت العلم على اقتنائها.
فوائد
الفنر والفرن
وكلاهما وزان سبب هو اسم الفانوس المتخذ من الكاغد على لغة البغدادين من العوام. وقد
ذكر لنا غير واحد أن البعض يستعمله إلى يومنا هذا ومنهم عند خروجهم من مجالس الأنس والطرب. واللغة المشهورة فيه هي الفنر وقد يصحفها البعض بالنقل فيقول الفرن. وأما الفانوس فيخصونه بالذي تتخذ من الزجاج المركب في الصفيح. وقد دخل استعمال الفانوس عن طريق الهند فانه كان يؤتى بأمثاله(1/267)
صغارا فتباع ببغداد باثمان حسنة فاخذ حينئذٍ البغداديون باصطناع أمثالها صغاراً وكباراً.
وأما وضع المناوير في بغداد فكان في شتاء سنة 1875 في ذلك الوقت أيضاً أقيم حراس الليل (أو النواطير) في عدة محلات المدينة.
الخازر لا الحازر ولا الجار
كتبنا في الصفحة 47 نقلا عن تاريخ ابن خلدون أن من المنتفق من يسكن بين الحازر والزاب. وصحيح الرواية هو على ما نبهنا عليه حضرة الشماس فرنسيس اوغسطين جبران: بين الخازر والزاب. والخازر تكتب بالخاء المنقوطة الفوقية بعدها ألف ثم زاء منقوطة ثم راء مهملة. والاسم معروف إلى اليوم كمعرفة الزاب، وهو نهر بين أربيل والموصل كما أشار إليه ياقوت الحموي في معجمه.
شرح مقامات الحريري للمطرزي
كثيرون هم الذين شرحوا مقامات الحريري، لما حوت من الألفاظ العربية الغربية الجمة حفظاً تتسق فيها المعاني اتساقاً يسهل حفظها على من يريد استظهارها وليس كما يتوهم السواد الأعظم إنها آية الإنشاء يحتذي مثالها. لان احسن الكلام أقربه إلى الطبع وأنفذه إلى القلب، إلا ترى انه لا يروقك الزهر الصناعي مثل الزهر الطبيعي، فبلاغة الحريري في مقاماته بلاغة صناعية يظهر التكلف في كل حرف من حروفها بخلاف كلام الجاحظ مثلا ففيه من النفس العالي ما يزري(1/268)
باللآلئ وفيه من الفصاحة والبلاغة ما ينفذ إلى الجنان قبل ولوجه الأذان. ولكون مقامات الحريري أصبحت بمنزلة ديوان لغة جامع لمفرداتها تصدى كثير من الكتاب لحل معضلها وفتح مغلقها وفض طلاسمها، ومن جملتهم المطرزي فقد قال عن شرحه صاحب كشف الظنون. . . والإمام أبو الفتح ناصر بن عبد السيد المطرزي النحوي شرحها أيضاً وسماء (الإفصاح) ذكر في أوله علمي المعاني والبيان وقواعد البديع
وتوفي سنة 610. أوله: الحمد لله المحمود على جميع الآلاء الخ
والنسخة التي بيدنا هي لأسكندر أفندي داود مسيح وهي بخط قديم وقد جاء في آخرها: (وقع الفراغ من إتمامه، وفتح اكمامه، في شهور سنة ثلاث وستين وخمسمائة وفي الحواشي عدة تعاليق علقها بعض العلماء الأعلام وقد وقع الكتاب بيد جماعة لنفاسة النسخة كما يشاهد ذلك من تواقيعهم وختومهم واسماهم الموشحة بها والكاغد حسن ثخين والكتابة واضحة سهلة القراءة ولا تخلو كلمة من ضبط ما يحتاج إلى ضبطه بالحركات والشكلات. والمؤلف يتصدى لشرح مقامة مقامة بدون أن يسرد نصها على التمام.
طول النسخة 23 سنتيمتراً في عرض 17 وفيها 196 ورقة أو قائمة أي فيها 392 صفحة. وفي كل منها 19 سطراً. وطوال المكتوب من الصفحة 18 سنتيمتراً في عرض 12 غير أن الذي يشين هذه النسخة النادرة اختلاف الكتابة فيها، فأن الأوراق الأول والقوائم الأواخر(1/269)
من خط واحد وأما اوراق الوسط بل اغلب الأوراق فهي بيد الكاتب الأصلي وهي اقدم عهداً من الصفحات الصدر والعجز التي هي أيضاً قديمة. وعلى كل حال فان النسخة حسنة مقروءة على الأئمة تصلح أن تكون أماً لبنات تطبع عليها طبعاً متقناً. عسى أن يتصدى لها أحد الأدباء فيبرزها بطراز الطبع الموشى والله الميسر.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - سير البريد بين بغداد والشام وأوربة
كان يدوم سير البريد الذي يجري بين بغداد وديار الإفرنج مدة 28 يوماً إذا سار سيراً حثيثاً. وأما اليوم فان الدولة العثمانية قد اشترطت شروطا جديدة منذ شهر ونيف على أحد أصحاب البرد لتكون المدة بين الزوراء وباريس ولوندرة وهامبورغ تختلف بين 17 و21 يوما لا أزيد. وقد أقام المتعهد المذكور دواب مستريحة بين مرحلة ومرحلة فأصبحت المدة بين دار السلام وحلب 8 أيام ومنها إلى دمشق الشام يوم ومنها إلى بيروت يوم ومنها إلى أوربا 4 أو 5 أيام. وسوف تحافظ إدارة البريد على إدامة هذا النظام وتحسين أمورها بما في وسعها. حقق الله المساعي.
2 - مكتب الحقوق على حاله
كان في نية حضرة والينا جمال بك أن يلغى مكتب الحقوق في بغداد بوسائط تهون هذه الضربة على أهل هذه المدينة، لكن لما رأى في(1/270)
العرب من المدافعة التي لا تنكر وانه يخلف هذا الإلغاء سوء عقبى، عدل عن فكره الاول، واليوم يجري المكتب على مألوف عادته.
3 - الشيخ خزعل والإنكليز في البريم
وقعت سارية علم (دقل بيرق) قنصل دولة الإنكليز في المحمرة لتقادمها وكانت قائمة على سطح القنصلية فأمر الجري (القنصل) أن يعاد نصبها لكن في أرض بستان القنصلية. فلما سمع بهذا الأمر حضرة سمو الأمير الشيخ خزعل، وكان ماراً بزورقه أمام القنصلية، منع هذا النصب في المحل المذكور، ونقدم بإقامة الدقل في موطنه السابق أي على سطح القنصلية، ثم وضع حراساً يحافظون على إجراء امره، اما القنصل الإنكليزي فلم ير في الأمر مانعا فأعاده إلى معهده الأول. وحضرة الأمير في اتفاق تام مع الأجانب وموظفي الحكومة العثمانية وليس هناك ما يعبث بالراحة والأمن أو يقلل محبته في القلوب.
4 - تعاضد أمراء العرب في إعانة الدولة العثمانية
المع الأمير الشيخ مبارك ابن الصباح إلى الدار العلية بنية بأنه مستعد(1/271)
لان ينجد جند الدولة
المحارب بستين ألفاً من أبناء العشائر المنتمية إليه وأرسل لهذه الغاية 3000 ليرة إعانة للدولة. فشكر جلالة السلطان حضرة الأمير وانعم عليه بوسام يليق بشأنه.(1/272)
وجمع أهل البحرين عشرة آلاف ليرة، وأمير راس الخيمة ثلاثة آلاف ليرة، وشيخ الشارجة ألفي ليرة، وابن دلموك ألفي ليرة أيضاً وشيخ آخر ألفي ليرة أخرى. وقد اخذ أهل ساحل عمان بجمع الإعانات ويقدر العارفون مبلغ ما يتحصل من أمراء العرب بخمسين ألف ليرة عثمانية. وعدد المقاتلة بمائة وعشرين ألفاً. بارك الله في سعاة الخير.
5 - المجتهدون والعلماء في النجف وفتاويهم بخصوص
الحرب
لما سمع أهل النجف بدخول روسية بلاد إيران عقد مجتهدوها وعلماؤها مجالس شتى وعطلوا الدروس والجماعة، وذهب عبد العزيز بك قائم مقام النجف إلى (حجة الإسلام السيد محمد كاظم اليزدي) وطلب منه فتوى مفصلة مفيدة للحكومتين العثمانية والايرانية، فافتاه حضرة السيد المذكور، وهذا تعريب الفتوى بحروفها وأغلاطها نقلاً عن الزهور في عددها 149 الصادر في 15 ذي الحجة 1329(1/273)
(اليوم لما هجمت الدول الأوربية على الممالك الإسلامية من كل جهة، فمن جهة هجمت إيطاليا على طرابلس الغرب. ومن جهة أخرى الروسيا بتوسط عساكرها اشتغلت شمال ايران، والإنجليزي أتت جنوده إلى جنوب إيران، وهذا موجب لمخاطرة واضمحلال الإسلام، فلهذا يجب على عموم المسلمين من العرب والعجم أن يهيئوا أنفسهم إلى دفاع الكفر عن الممالك الإسلامية، وان لا يقصروا ولا يبخلوا في بذل أنفسهم وأموالهم في جلب الأسباب التي يكون بها إخراج عساكر إيطاليا عن طرابلس الغرب، وإخراج عساكر الروسيا والإنجليز من شمال وجنوب إيران، التي هي من أهم الفرائض الإسلامية حتى تبقى المملكتان العثمانية والإيرانية مصونتان محفوظتان (كذا) بعون الله من هاجم الصليبيين (كذا) حرر يوم الانين خامس ذي الحجة الحرام سنة 1329
حرره الاحقر: محمد كاظم الطباطبائي
وقد المع أيضاً علماء النجف إلى الإيرانيين ومسلمي الهند ما هذا حرفه أيضاً:
(إلى الإيرانيين ومسلمي الهند عامةً. - إن هجوم روسيا على ايران، وإيطاليا على طرابلس الغرب موجب لذهاب الإسلام واضمحلال الشريعة الطاهرة والقرآن، فيجب على كافة المسلمين أن يجتمعوا ويطالبوا من دولهم المتبوعة، رفع هذه التعديات الغير القانونية من روسيا وإيطاليا، وليحرموا السكون والراحة على(1/274)
أنفسهم ما لم تكشف هذه النغمة والغائلة العظمى، وليعدوا هذه النهضة منهم تجاه المعتدين على البلاد الإسلامية جهاداً في سبيل الله كالجهاد في بدر وحنين.
(محمد كاظم الخراساني)
(عبد الله المازندراني) (شيخ الشريعة الأصفهاني)
(إسماعيل بن صدر الدين العاملي). اهـ)
وقد شاع بين الناس إن علماء النجف وكربلاء وسامراء يجتمعون في أواخر شهر ذي الحجة في الكاظمية لينظروا في مسألة إيران ويتخذوا الوسائل اللازمة لإيقاف رحى الحرب الطاحنة في طرابلس الغرب وللمحافظة على استقلال إيران لكن لم يتحقق الأمر لوفاة الملا الخراساني.
6 - السكة الحديدية في السواد أي في الجزيرة والعراق
روى (المصباح الأغر) (من جرائد بغداد) أن الحكومة أوقفت أعمال مشروع السكك الحديدية الألمانية في الجزيرة ريثما تترضى الحكومة الألمانية الدولة العلية. ولعلها فعلت الآن. لان الأشغال المذكورة لم تنقطع في العراق البتة منذ الابتداء بها.
7 - وفاة حجة الإسلام الملا محمد كاظم الخراساني
المع من النجف صاحب مجلة العلم هبة الدين الشهرستاني النبأ الآتي نصه:
نعزي عموم الملمين والإيرانيين والعثمانيين، بوفاة اعظم رجال الإسلام، حضرة حجة الإسلام، الشيخ ملا كاظم الخراساني ليلة الثلاثاء(1/275)
(12 ك1) بكيد الأعداء ليمنعوه عن هجرته إلى إيران مع الطلبة والأهالي لدفاع الروس عنها فبتنا أيتاماً، ليتنا فديناه بأرواحنا) اهـ.
8 - وفاة سعدون باشا
توفى الشيخ سعدون باشا رئيس عشائر المنتفق في حلب الشهباء في أوائل شهر كانون الأول.
9 - شركة بواخر وطنية على الفراتين
أنشئت شركة بواخر وطنية في أواخر الشهر الماضي بعنوان (شركة تجارة مراكب البصرة) لكي تسير على نهري الفرات ودجلة، وقد أتت منها باخرتان في أوائل هذا الشهر فيهما أموال وركاب قادمة من البصرة فنتمنى لها النجاح.
10 - سباق الخيل
جرى سباق الخيل نهار الثلاثاء 5 ك1 بحضور والي الولاية وآمر الموقع وكبار المدينة ووجهائها وكان المجلي سليمان البحر أحد الإعراب صاحب فرس دفع له بها سابقاً ناظم باشا مائتي ليرة فلم يبيعها وكان الرهان 25 ليرة. إلا أن صاحبها أركضها بعد السباق فوقع منها ودقت عنق حجره فماتت بعد قليل أما هو فقام سالماً، حفظه الله.
11 - شريف مكة
جمع شريف مكة مائتي جندي برئاسة أحد أنجاله ليذهبوا إلى القصيم في نجد. وأمر جميع القبائل المنقادة له من عتبة وغيرها أن تنضم إلى هذا الجمع لأنه قد عقد الني على أن يذهب بنفسه إلى تلك الديار(1/276)
بعد انقضاء أيام الحج. وقد أرسل إلى الأمير ابن الرشيد يخبره بأنه يجتمع به، ولهذا ضرب الأمير موعداً على أحد الموارد التي هي بين المدينة وحائل.
ملخص عن الرياض
12 - مصالحة عجمي بك السعدون وحمود بك السويط
سار عجمي بك السعدون إلى ابن الرشيد، وما وصل إليه إلا وحضر حمود بك السويط رئيس عشيرة الضفير، فاصلح الأمير ما بينهما، والآن هما على وشك الوصول إلى ديارهما.
ثم برز بعد ذلك الأمير ابن الرشيد بجيوشه إلى الضفير، وشمر، وحرب، ومن والاهم طالباً منهم أن يجتمعوا به هناك.
(عنها)
13 - أعمال ابن السعود
بعد أن غزا ابن السعود قبيلة (عتبة) ذهب فنزل بلاد القصيم وأبدل أميرهم محمد ابن جلوي بأمير آخر. ثم توجه قاصداً الرياض دار إمارته ليجم نفسه حيناً من الزمن ويعدها لأمر ذي بالٍ.
(عنها)
14 - الإنكليز في أبي شهر (بوشهر أو بوشير من ثغور بلاد
إيران) في خليج فارس
أفاد مكاتب الرياض إن الإنكليز انزلوا 600 فارس و400 راجل من جنود الهنود في أبي شهر، وقد استقبلهم بعض الجنود الإيرانية وسار الجميع قاصدين شيراز.
15 - شيخ عشيرة شمر الجديد
عين والى ولاية بغداد حميدي بك ابن فرحان الجرباء شيخاً لعشيرة(1/277)
شمر بدلاً من أخيه مجول، الذي تبين عجزه عن حفظ الأمن في دياره. ولما طرق سمع مجول ذلك أمر بعض العشائر من اتباعه وتعرف (بالمثلوثة) (ومعنى المثلوثة عندهم أخلاط من الناس من عشائر متفرقة) بان ينهبوا ويسلبوا كل من عارضهم في طريقهم وقد حصل بعض ذلك سيما في طريق بغداد وسامراء. فعسى أن يحقق الشيخ الجديد صدق الأماني ويمنع رسم المرور بدياره وهو الرسم المعروف (بالخاوة)، ويترك الغزو ويحافظ على تأمين الطرق ويشوق عشائره إلى الفلاحة والزراعة ونزع الأسلحة على أسباب الرقى والحضارة والتمدن.
(عنها)
16 - إطلاق سراح النوري شيخ عشيرة الرولة
بلغ الرياض أن قد عقدت النية على إطلاق سراح النوري من سجنه في دمشق بشرط أن يدفع 4000 ليرة. وقد جمعت عشيرته الرولة 500 بعير لتباع في هذا السبيل فعسى أن يكون ذلك من باب العقاب والتأديب لا من باب الرشوة والبرطيل.
17 - التدريس في المكاتب باللغة العربية
خطت الحكومة الدستورية خطوة عظيمة في إلزام الطلبة بتحصيل مبادئ العلوم باللغة العربية بشرط المحافظة على التدريس باللسان العثماني، فان هذا القانون من أدل التباشير على انبلاج صبح الرقي والتبسط في العمران والحضارة.
18 - انكسار الفلوس الفارسية والإنكليزية في بغداد
نهار الخميس 14 ك1 ناد المنادي في الأسواق والطرق أن(1/278)
المعاملة بدراهم بلاد العجم لا تقبل. ولم يعلم السبب. ولا يخفى ما في هذه المناداة من الأضرار: 1 لان اغلب الدراهم الفارسية التي يتعامل بها هي من النقود الصغيرة التي تختلف قيمتها بين السنتيم والفرنك. ولا تتجاوزه 2ً لان بدل للشاهيات (وهي بارات العجم) في نقود الدولة العثمانية. فكيف المعاملة بالورق (أي دراهم زهيدة السعر كالبارات) لاوجود له. 3ً إن الفقراء والأوساط من الناس يملكون شيئاً كثيراً من هذا الورق فكيف يبقى عندهم بلا ثمن ولاعوض، افليس من هذا الأضرار الفادحة التي تحل بالأمة. وهناك من هذه البلايا. ولهذا رجعت المعاملة بتلك الدراهم بعد أسبوعين من هذه المناداة.
19 - تشييد دار لإدارة البرق والبريد
في نحو ظهر نهار السبت 16ك1 تألب الناس على اختلاف طبقاتهم في حفلة يرأسها والي الولاية ومدير البرق والبريد ووضع الحجر الأول للدار الجديدة التي تبنى لإدارة البرق والبريد فنتمنى إتمامها على احسن وجه وطرز وامتن أساس وبناء.
20 - مكتب جديد للتعاهد الإسرائيلي في خانقين
أنشأ اليهود في خانقين مدرسة جديدة راجعة إدارتها إلى (التعاهد الإسرائيلي) فنقل له الخواجا الياهو روبين من حاجياته ما حمل على ثمانية عشر بعيراً بدون أجرة، حباً بنشر المعارف.
21 - نهضة العلم في الكويت
اتصل بالرياض أن حضرة الأمير والشيخ الكبير مبارك باشا الصباح(1/279)
عقد النية على إنشاء
مدرسة عالية علمية راقية في الكويت، وعندما ابرز هذا الفكر لكبار الكويت قدر العارفون نفقاتها بمائة ألف ربية (أي بمائتي ألف فرنك) فتبرع للحال الإخوان محمد وزيد الخالد بخمسة آلاف ربية، ومثلهما إبراهيم ابن مضفر، وكذلك فعل هلال المطيري وحسين بن علي وأخوه شملان، وقد اصبح المجموع الآن أربعين ألف ربية، والبقية يجود بها الأمير الجليل. وعن قريب يشرع ببنائها. حقق الله الآمال، وبارك الله بهمة هؤلاء الرجال. الذين يحسنون تحري الأعمال، بوضع المال، إلى ما به خير المآل.
22 - عشيرة البوعاينة وعشيرة الفتلة
علمت الرياض إن أبناء عشيرة البوعاينة المقيمين في أنحاء الشامية والزارعين عند الشيخ عليوي الرخيص من شيوخ أعراب الحجارة قد عزموا على الرجوع إلى أراضيهم السابقة. والحال إن هؤلاء الإعراب كانوا قد قتلوا (في سنة 1907) 35 إعرابياً من عشيرة الفتلة. وكانت الحكومة قد أرسلت في ذلك الحين جماعة من الجند معقودة اللواء لقائم المقام عبد الجبار بك وللبيكباشي محمود أفندي لتأديب أولئك المخلين بالراحة. فما كان من أولئك الأغرار إلا أن قابلوا الجند بما في مكنتهم ورفعوا الأسلحة عليهم فحينئذ هدمت تلك الجنود قلاعهم ومقاتيلهم، فهرب العصاة مولين الأدبار.(1/280)
ولما كان من عادة العرب المطالبة بالدم أن كان من باب الآثار وان كان من باب الدية أو الفصل. ودم أولئك القتلى لو يفصل بوجه من الوجوه، فحضورهم في ذلك الموطن يسبب القلاقل والفتن التي تجر إلى ما لا تحمد عقباه. اصلح الله الأمور.
23 - زرع مقاطعة البغيلة ورئيس عشائر عفك
صممت الحكومة على تسليم أراضي مقاطعة البغيلة لعهدة الشيخ الحاج مهدي الفاضل رئيس عشائر عفك لتزرع وتؤكد عيشة إعرابه ويؤمن شر بطالة منهم.(1/281)
مريم
معربة عن الفرنسوية عن الرسائل البانية
في سنة 1214هـ (1799) كان في الناصرة رجل نصراني اسمه يوسف. وكان قد تزوج امرأة كنعانية اسمها مرتا. فبارك الله اقترانهما وولدت مرتا بعد سنيين ابنة حسناء تخجل البدر بطلعتها البهية. ولم يجد لها أبوها من الأسماء ما يذكر هذا الجمال البديع، والمنظر السنيع، إلا (مريم) تلك العذراء التي قضت بضعة أعوام في هذه البليدة عينها فسماها باسمها. فحق أن يقال عن كل من هتين المريمين:
ولو كانت النساء كمثل هذى ... لفضلت النساء على الرجال
نشأت مريم بين أترابها وهي بينهن كالبدر بين الكواكب الزاهرة، لان جمالها لم يكن إلا أمراً لا شأن له بالنسبة إلى ما اتصفت به من الأوصاف التي تجعل الابنة في مقام رفيع من الخطوة عند الناس بحسن الآداب وتوخى الفضائل والمبرات، حتى ناهزت السنة الثانية عشرة من عمرها، ففقهها الأب انطونيو رئيس دير الرهبان الفرنسيين أصول الدين واعدها للتناول الأول.
في أثناء تعليمها مبادئ الديانة لاحظ رئيس دير اللاتين ذكاء هذه الابنة ما يميزها عن سائر أترابها. فعرض على والديها أن يعلمها القراءة والكتابة. ففرحا بهذه البشرى فرحا لا مزيد عليه. وأما مريم فكادت تطير من فرحها لما عرفت ما نواه أبواها ومرشدها. لأنها كانت تقول لمن يسمعها: ما اسعد حظي إذا تمكنت من مطالعة(1/282)
الإنجيل الجليل كلما أمكنني ذلك. وما اعظم فرحي حينما اتبع الكاهن عند تلاوته التنزيل العزيز ولما سمع كلام الله وقت القداس في الكنيسة التي هي بيعة مريم ومحل تبشيرها بأجل البشائر.
ما مضت ثمانية أشهر على ابتدائها بالدرس إلا وأتقنت مريم اللغة العربية والإيطالية والأسبانية قراءة وكتابة. فهل بعد هذا الدليل الواضح ما يبقى شكاً في توقد فؤاد هذه الغادة الغيداء الغريبة الذكاء.
وان خفيت كانت لعينيك قرةً ... وان تبد يوماً لم يعمك عارها
من الخفرات البيض لم تر شقوة ... وفي الحسب المحض الرفيع نجارها
فلما رأى الأب انطونيو هذه الابنة تتلقف من فيه العلم تلقفاً، أوقفها على وقائع التاريخ
وعلى علم تقويم البلدان وتخطيطها فشدت شيئاً منهما. وكانت كلما تعلمت بعض العلوم يتسع لعينيها أفق المعارف وتنبسط تخوم أفكارها وتمتد إلى ابعد الأصقاع. والخلاصة أنها كانت تزيد علماً وفضيلة كلما تقدمت سناً. لان الغاية الصمدانية كانت قد جادت عليها بعوارف العقل والذكاء فزاد فؤادها توقدا المثابرة على الدرس وتعاطي أطراف العلوم. ولما بلغت السنة الخامسة عشرة من عمرها أصبحت ابنة يوسف خوداً من أشهر الخود بمضاء ذكائها وصدق اطلاعها على جل معارف القوم.
ذلك هو وصف مجمل ما ازدان به عقلها الثاقب وأما محاسنها الظاهرة فلا يصورها قلم ولو كنت مصورا ماهراً أو كاتباً جليلاً.(1/283)
على انه مالا يدرك كله، لا يترك جله. فكان قوامها خوط بان. في قراح من أرض لبنان. وشعرها الأسود الفاحم، يفحم كل شاعر ناظم:
اضفيرتان على بياض خدودها ... أو في كتاب الحسن سلسلتان
أو ليلتا العيدين أقبلتا معا ... أو من قصائدهم معلقتان
وكان ثغرها عبارة عن نضدين من اللآلئ الغوالي. يزيد ماءهما بريقاً بريمان من الأرجوان. أما محياها فكان آية في حسن التقطيع كأنه بيضة غضة، أو بيضة في روضة، ولونه لون السنبل إذا نضج. وكان ثوبها الأزرق. يشبها حسناً. كيف وقد:
ليست حسيناء الغوير بنفسجاً ... يا ربنا صنها عن المعيان
قد حل لون في لون الهوى ال ... عذرى بالإفرنج والسريان
وكان يجللها أزار يبرزها للناس قمراً من الأقمار، لا سكناً من سكان هذه الديار. وأما آدابها فكانت أيضاً من هذا الطراز العالي البديع فإنها كانت حليمة، وديعة كالحمامة، رقيقة الشعور والقلب، تغض من طرفها إذا مشت، ومن صوتها إذا تكلمت. وإذا جدت عليها بقطرة من الندى، كانت لك اشكر من بروقة. وهي مع ذلك في ابعد غاية من السذاجة وفي أعلى مقام من الطهر والعفاف. وهذه المناقب والخصال الحميدة كانت تزيدها حسناً وبهاءً. ولهذا كان إذا نظرها الناظر يظن انه يرى ملكا من النور، أو غادة من حور القصور. وكل الناس كانوا يقدرونها حق قدرها لهذه المحاسن الفريدة التي تحلت بها، إلا هي فإنها كانت تجهل نفسها.(1/284)
وهل احتاج بعد هذا التفصيل المجمل إلى أن أقول لك إن أهل الناصرة من مسلمين
ونصارى كانوا يعزونها اعظم الإعزاز، ويحبونها الحب العذري، فوق ما يدور في الخلد.
وكان يوسف ومرتا يشكران العناية الإلهية على كونها جادت عليهما بهذه الخريدة الفريدة، بل يتيمة الدهر الوحيدة، وكانا يطلبان إلى الله أن يصونها من كل شائبة لتكون سعيدة في الدارين.
وكان من عادة مريم الغادة أن تجمع في بيت أهلها أترابها الناصريات، وتفقههن أصول الدين على الأسلوب الذي تلقته من الأب انطونيو. وكانت تفعل هذا الفعل عن طيبة خاطر وبغيرة تتقد اتقاداً. وكانت تفيدهم اعظم فائدة، لما كانت تلقيه عليهم من الشروح لتؤيد بها تلك الأصول الدينية في القلوب الغضة، وكل ذلك يخرج من فمها عفواً بدون تعمل أو تصنع لأنها كانت تتكلم عن كثرة حبها لله عز وجل لا غير. وكانت تلك النفوس الناشئة تتقلى تلك الإفادات تلقى الوردة العطشى لندى الصباح. وتفعل فيها الفعل المكين.
ولو رأيت مريم بين أترابها لقلت هذه أرزة لبنان بين سائر أشجار الجنان. إذ إنها كانت تقضى معظم نهارها في تعليم بنات الناصرة الخياطة والتطريز، ومطالعة الكتاب العزيز، وخدمة كنيسة القديسة مريم. ومما كان يطيب لها مناجاة العذراء في مصلاها في مغارة البشارة، حتى ما كانت ترى إلا هناك كلما دخلت تلك البيعة، لان هناك ظهر ملاك الرب لابنة يواكيم ليبشرها بأنها تلد للعالم مخلص الأمم ولهذا لم ير ذلك(1/285)
الموطن مزيناً مثلما كان يرى في عهد تردد الغادة إليه ولا سيما أنها تتعهد فيه النظافة فوق مألوف العادة.
ومن جملة ما كان يذكر لهذه الابنة الصالحة في هذا المعبد إنها كانت طرزت ستراً ابيض بقى مدة طويلة حول دمية العذراء مريم الموضوعة على اليكل، وكانت أواني البلور الموضوعة على المذبح مملوءة أزهاراً وأوراداً وأنواع الرياحين، تقطفها بيديها الرخصتين على منعطف هضبات الناصرة بينما كانت ترنم بصوتها الشجي أنواع الترانيم العذبة، ونور القناديل الضئيل يخيل للسامعات أترابها إنهن يغردن معها تغريد الهزار، عند منبثق الأنوار. واغلب تلك الألحان الشجية كانت طلبة العذراء وسائر الأناشيد التي يدور موضوعها على محاسن العذراء مريم وفضائلها. وكان كل من سمع صوتها الزجل ويشاهد محاسنها الفتانة يندفع إلى أن يقول رغماً عنه ما سمع يقال عن سميتها العذراء الحسناء: يا نجم الصبح، ووردة سرية، ومرآة العدل، وهيكل الحكمة، ادعى لنا.
ونحن لا نريد أبداً أن نقيم مناسبة بين هذه الابنة الأبية، وبين سميتها العذراء النبية. فكلما نقوله هو من باب الخيال، بالنسبة إلى المثال. أو من باب الصورة إلى الحقيقة وهل من مناسبة بين ابنة خاملة الذكر فقيرة حقيرة وبين تلك البكر التي سحقت برجلها الطاهرة رأس الحية الجهنمية وأعادت مجد ابن آدم الساقط إلى سابق عزه، وسامق فخره. هل من مقابلة بين هي كالزهرة ابنة اليوم الذابلة الزائلة(1/286)
وبين تلك الزهرة التي يضوع منها روح الحياة الخالدة. هل من مفاضلة بين غادة لا تعرف إلا في قرية وبين عذراء طبقت الدنيا شهرتها وردد اسمها الأقوام وارتفع عرشها في أعلى السماء. من هي مريم ابنة يوسف بالنسبة إلى مريم ابنة يواكيم. ابنة يوسف فقيرة حقيرة. وابنة يواكيم غنية ثرية. وعن كنز فضيلة كلتيهما أتكلم لا عن كنز الأموال الفانية. ابنة يواكيم رمزها القمر، لان القمر يسلى بأنواره الذهبية من يغوص في البحار الفكرية أو يغرق في لجج الأحزان المضنية، ابنة يواكيم رمزها الزهرة، ذلك النجم الذي يشع ضياء يجلو صدى القلب وينعش الفؤاد. ابنة يواكيم رمزها الشمس لأنها بنور هداها ومحياها تطرد ظلمات الضلال إلى حيث لا رجوع منه.
نعم وان لم يكن مناسبة بين الزهرتين الزاهرتين، إلا أننا نقول انه يوجد بعض الشبه بينهما: فابنة يوسف ولدت كما ولدت مريم العذراء في وادي الناصرة. وكانت تقضي أيامها كالبتول الأم في البيع والكنائس متذكرة في عملها هذا تلك التي قد تسمت باسمها الكريم العظيم. - أن ذوق ابنة يوسف وأشغالها وعوائدها تنظر إلى مثل تلك الأعمال التي كانت تأتيها ابنة يواكيم. هذا فضلاً عن إن جمال هذه الابنة وسناءها وبهاءها وخفرها يذكرنا محاسن تلك البتول التي قيل عنها: إنها بهية تبهر الأعين والتي قال عنها القديس ديونيسيوس الاريوباجي: إنني لولا علمي انه لا يوجد إلا اله واحد لسجدت للعذراء سجودي لمعبودة.(1/287)
أصفر الحصاد ست عشرة مرة على جبال الجليل وفي أوديته منذ ولدت مريم بنت يوسف وبعد ذلك جاء الطاعون تلك الطلعة الكبرى التي تحفر القبور في بلادنا الشرقية وتجرف النفوس جرفاً وتلقيها في المدافن الفاغرة أفواهها. ومن جملة من أخذه سيل الموت أو إحتزه سيفه أم مريم. فكانت هذه الوفاة بمنزلة صاعقة نزلت على هذه المظلومة لأنها كانت تحب
والدتها محبة لا توصف بعد هيامها بالله وبالعذراء مريم. بيد أنها لما كانت متمسكة بعروة الدين الوثقى كل التمسك سلمت أمرها بيد خالقها متكلة على عنايته، وعلى أن أمها انتقل من دار الفرار، إلى دار القرار، وقد فازت بالنعيم المقيم.
وبعد أن مضى على هذا الحادث المشؤوم ستة أشهر وتصرمت ثلاث ليال بعد عيد جميع القديسين تذكرت مريم أهوال الموت وفظائعه، وتجددت قروح قلبها المصاب بأنواع الآلام، لان في تلك الأيام، تتذكر النصرانية جميع موتاها وتستمطر البركات على قبورهم. ومن غريب الاتفاق إن وجه السماء الصاحي السافر في اغلب بلادنا الشرقية امتقع لونه، وتغضن جبينه، واكفهر سحابه، وتثاقل ضبابه. فضاق الأفق على منفسحه، واحتجبت الشمس كأنها لم تكن شارقة. ومما زاد في هذا المنظر حزناً وكآبة تناثر أوراق الأشجار. وسكوت الأطيار. وهبوب الأرياح. بين الادواح. هبوباً تتلاعب فيه الأوراق اليابسة. وتسمعك أصواتها المائتة كأنها حفيف الأفعى أو سحيق الملعى.
لها تابع(1/288)
العدد 8 - بتاريخ: 01 - 02 - 1912
الحفر والتنقيب في أطلال بابل
تمهيد
أول ما يشتاق إليه المتطال إلى معرفة أخبار التاريخ ودقائقه إذا ما ألقى عصاه في بابل العظمى، هو الوقوف على مصير قصر يخت نصر الملك (نبو كدر أصر) ذلك القصر الشهير الذي بنى في نحو سنة 600 قبل ظهور المسيح، والذي خطت على أحد حيطانه أنامل لم تر، تلك الكلم الثلاث السرية الغامضة التعبير التي قامت الملك وأقعدته، لا بل أقامت وأقعدت جميع أشراف مملكته وكل من ينتمي إليه. فهذا الشوق هو الذي(1/289)
دفعنا حال قدومنا إلى استطلاع طلع تلك الإطلال لنشاهد ما فيها بأعيننا.
تنبيه عام
وأول كل شيء يجب علينا حفظه قبل أن نتغلغل في البحث ونستقصي في ذكر التفاصيل المختلفة هوان نعلم مرة واحدة استغناءً عن التكرار أن ما تطلق عليه اسم (اخرية) هو عبارة عن أسس الأبنية القديمة التي ندعوها بأسمائها وقد كشفها قبيل بضع سنوات علماء المانيون راسخو القدم في التاريخ وقراءة الآثار العادية وقد أتوا إلى هذه الديار حباً بالوقوف على صحيح الأخبار وإفادة لأبناء وطنهم المشهورين بالحرص على العلوم باختلاف أنواع مواضيعها.
فما نورده إذاً مأخوذ عن أوثق المصادر وقد تلقفناه في مواطن التاريخ عينها من أفواه الذين أوقفوا قواهم وحياتهم خيرا للعلم تحت شمس وقادة تصهر الأدمغة صهرا ونذيبها ذوباً كل ذلك ليعيدوا تاريخ تلك الحاضرة الشهيرة إلى نصابه الأول.
اجل، أن الأبنية نفسها التي كانت قائمة على أديم الأرض هدمت منذ عهد عهيد، ليستخرج منها الأجر فاستخرج منها شيء لا يتصوره العاقل لكثرته وبنيت به أبنية، ليتها لم تبن ولم تكن، إذ نقلت أولا تلك الأنقاض إلى سبوقية (على ما رواه جلة المؤرخين) وذلك في عهد خلف إسكندر ذي القرنين ثم إلى طيسفون (المعروفة اليوم باسم سلمان باك وهو سلمان الفارسي وعند الإفرنج باسم اكتيسيفون الراكبة(1/290)
دجلة ومنها إلى بغداد، إذ وجد الناقبون ولا يزل يجدون في بغداد أبنية قد شيدت قواعدها وأسسها باجر عليه كتابات وخطوط آشورية أو مسمارية مصدرها أو مأخذها مدينة بابل الشهيرة ولعل القارئ يستغرب قولنا هذا فنقول
له: إذا علمت السبب، بطل العجب. ولا تستغرب هذا النقل من مدينة إلى مدينة أخرى، لأنك إذا أغرت في العراق، وانجدت، واسهلت وأحزنت، وصعدت وحدرت، لاتعثر فيه على حجارة للبناء كما تعثر في سائر الديار، وعليه فالعثور على آجر هو إليك اقرب من حبل الوريد يعد بمنزلة العثور على كنز دفين، أو علق ثمين ولذلك جميع عمائر هذه الديار من قديمة وحديثة مبنية كلها بالأجر الذي يسميه العراقيون (الطابوق أو الطاباق) بتفخيم الألف الثانية. يدخل في تلك الأبنية مع الطابوق الخشب بأقدار وافرة وفي بعض الأحايين لا ترى أجراً في تلك المشيدات، بل ليناً لندرة الوقود وفي هذه البلاد ولغلاء أسعار الخشب. فيتخذ حينئذ الوطنيون الشمس بمنزلة الوقود. لكن ما كان اللبن لا يصبر على طوارئ الجو صبر الأجر فتتهور الأبنية في زمن وجيز. هذا فضلاً عن أن البناء باللبن لا يستعمله إلا المتحضرة من الإعراب المجارة للمدن أو المنبثة في أرياضها وأرجائها. وأما المنازل القوراء، والقصور الفيحاء، والأبنية الشاهقة، والمعاهد العمومية العالية فلا تشاد إلا بالطاباق الحسن المتخذ من صلصال أرض بغداد والمشوي في مواف منتشرة في حوالي الحواضر والقرى. ومما لا ينكر أن ما يشوي اليوم من الأجر هو دون ما كان يشوى سابقاً أن من جهة الشيء، وان من جهة الصلابة والصبر على مساوئ الزمان وفتكاته ومما يفوق آجر جميع هذه الديار جميع هذه الديار هو طاباق(1/291)
بابل لان الأقدمين كانوا قد جادوا عن يد ندية ليكون لهم معدات من احسن معدات البناء ولهذا لما أراد سلوقوس بناء مدينته المسماة باسمه (أي سلوقية على عدوة دجلة نثل كنانة وسعه لينقل معدات بابل الجليلة إلى مدينته الجديدة، فنجح كما نجح في نقل أهاليها أيضاً إلى حاضرته هذه.
وأما الوسائط التي اتخذت لنقل تلك الأنقاض فكانت في ذلك العهد كما هي اليوم (السفن) من النوع المألوف الذي نشاهده وهي مصنوعة صنعاً بدون إحكام ولا هندام؛ ومقيرة من الخارج بدون إتقان وهي تنحدر انحداراً ناصبة الأشرعة وسائرة سيراً متئداً متبعة جرى الماء، وإذا أريد اصعادها جرها الرجال بالفلوس والحبال المتينة جراً بزهق الارواح، على حد ما يرى اليوم بدون أدنى تغيير. ولما كان هذا النقل لا يكلف مبالغ باهظة استسهله الأقدمون والمحدوثون وجروا عليه جرياً مطرداً، سنة الله في خلقه ولن تجد لسن الله تبديلا.
هذا ولولا وقوف بعض العقبات في وجه المخربين لما بقى اليوم في ديار العراق حجر من حجارة الأقدمين وبعض هذه العقاب فراغ أيديهم من معاول وآلات هادمة تنسف الأبنية من أسسها ولهذا افلت من أيديهم ما افلت، وما ذلك إلا لان ربك أراد أن يثبت لك حقائق كنت تنكرها كل الكير، لو لم تقع على آثارها اليوم، تلك الآثار الناطقة بسابق وجودها.
قصر بخت نصر
لقد حان لنا الآن أن ننظر إلى ما بقى من قصر نبو كدر أصر (بخت(1/292)
قصر) الذي كشف اليوم عنه الناقبون كل ما كان يغشاه من النبائث والنثائل، والأنقاض والاردام، التي تراكمت عليه منذ قرون مديدة عديدة، وقد أميطت عنها بنفقات لاتقدر، وباتعاب لاتعبر، ولاتسطر؛ كل ذلك على أصول مقررة في هذه الصناعة الحديثة الوضع بحيث لو يتلف شيء من كل ما كانوا يبحثون عنه.
والبناية واسعة الأرجاء، رحبة الأبهاء، على هيئة مربع مستطيل، وفيها أربعة قصور مبنية في زواياه الأربع يجمعها كلها سور في غاية الثخن. قيدانا زيارتنا في القسم الشمالي الغربي وهو دون سائر الأقسام حفظاً، إذ لا يوجد منه إلا بعض إطلال حيطان منها ساجدة راكعة، ومنها قد ألقيت على ظهرها نجداً برقيم أو كنز يجده في بطنها أحد المتطالين إلى الغرائب التاريخية أو الدفائن العادية ومهما يكن من أمراً غاية صرع هذه الجدران وجندلتها، فهذا الهدف من القصر يعد اقدم من سائر ما هناك من الأبنية ويظن انه يرتقي على الأقل (نبويل أصر) والد (نو كدر أصر) الكبير مؤسس مملكة بابل الحقيقي.
ولم نقف كثيراً على هذه الدوارس المواثل لقلة جدواها، فانتقلنا إلى القسم الشمال الشرقي، وهو احسن منه حالاً ومشهور بأسد موجود عليه، وقد قطع ونحت في الحجر الاصم، كبير الجثة، أكبر مما هو عليه في الحقيقة، ويرى تحت أرجله عدو صريع مقهور، وكان هذا الليث الغضنفر مستلقياً مدفوناً في الارض، فلما وجد أمرت الحكومة العثمانية أن يقام على أرجله فأنهضه المسيو موجيل مهندس ولاية بغداد الفرنسوي، ونصبه على أحد تلك(1/293)
الحيطان وهو جدار محفوظ احسن الحفظ بالنسبة إلى سائر الأسوار ويشرف على تلك الاخربة كلها. أما نحت هذا الأسد فهو وان لم يكن متقناً أتم الإتقان إلا أن سمت هذا السبع حسن أي حسن حتى انه يخال الناظر إليه أنه يرى عظمة بابل السابقة السامقة التي يمثلها
أبدع تمثيل ملك الحيوانات هذا، ويصورها لأهل عصرنا هذا كما تصورها أهل تلك القرون الخالية.
وفي زاوية هذا الصرح المنيع تبتدئ الجادة السلطانية التي كانت تؤدي السائر فيها إلى عدوة الفرات التي تتشطط الجهة الشرقية من القصر الثالث الذي يسميه اليوم المهندسون (قصر الجنوب الشرقي) وهذه الجادة عريضة بعرض طرقنا الإفرنجية العمومية ومحدودة بحائطين عظيمين هائلين، وقارعتها مفروشة بطبقة قير ثخينة وعليها آجر عريض تكسير وجهه المربع خمسون سنتيمتراً وثخنه اثنا عشر سنتيمتراً.
وفي وسط الجادة بين القصرين قصر الشمال الشرقي وقصر الجنوب الشرقي.
الأب لويس الكرملي
إعراب الشرارات
ذكر حضرة الكاتب الألمعي سليمان أفندي الدخيل هؤلاء الإعراب في مقالته (بعض الإعراب غير المنسوبة) ص309 ووعدنا القراء أن نوافيهم معرفتنا لهؤلاء الأقوام فنقول:(1/294)
1. عددهم ومحل وجودهم ووصف بلادهم
الذي سمعناه نحن عن عدد هؤلاء الأقوام انه يتردد بين الستين والثمانيين ألف نسمة، يأوون جميعهم إلى خيم يحيكونها من وبر الجمال ويضربونها في الديار الواقعة بين مواب (متصرفية معان الحالية) والبلقاء شرقاً بين خليج الفارس غراباً وشمالاً إلى غرب. واسم تلك الديار (ارض السرحان وارض الصوان والحماد)
أما أراضي السرحان (والسرحان بكسر فسكون) فأكثرها سوداء مثل حلك الغراب، بركانية الأصل والتركيب، كلها حرار، وسميت بأراضي السرحان والسرحان هو الذئب والأسد لان الإعراب يتوهمون أن الذئاب والأسود تكثر فيه وتفتك بالمسافرين.
وأما أراضي الصوان فبعضها حرار وبعضها عبلاء وحمراء قليلاً. وسميت بأراضي الصوان لكثرته هناك. وهي متوفرة الحصى واسعة الأكتاف مترامية الأطراف وأكثرها سهول وحزون. لأنه يرى فيها هضاب وتلال. ويبلغ طولها من شمال إلى الجنوب نحو خمسة أيام على الهجين، وعرضها من الشرق إلى الغرب نحو مسير ثلاثة أيام. وتبعد عن الكرك شرقاً نحو ستة أيام على ذلك السير، ونحو ذلك من مادبا. ومادبا قرية نصرانية في سهول البلقاء.
وأما الحماد (وزان سحاب) فهو أرض واسعة واقعة في جنوبي تدمر ممتدة من وادي الفرات إلى جبال حوران عرضاً. وأما طولاً فلا يعرف(1/295)
له قرار متفق عليه. وقيل: أن تحت اسم الحماد ينطوي أراضي أو وادي السرحان وأراضي الصوان، لان الحماد صقع تكسير سطح اكثر من خمسمائة ألف كيلومتر مربع وهو عبارة عن كل شنخوبة جزيرة العرب من الشمال أي بين جبال عبر الأردن وجبال ديار أدوم والحرار غرباً، وبين جبل شمر جنوباً، وسهول الفرات شرقاً وشمالاً، والحماد هو الذي يسميه بعضهم (بادية العرب) وفريق منهم (بادية الشام) وارض العراق (شولاً) وهذا الصقع وان كان عبارة عن فلواتٍ وفدافد، إلا أن أدنى مطر يسقط عليها ينبتها كلأ ووافراً ترعاه ماشية الإعرابي ومن ذلك
اسمه الحماد لمحمدة ارضه، وحسنه.
2 - زرعهم وطعامهم
قد رأيت أن هذه الأراضي فلوات قاحلة لا زرع فيها من زرع ابن آدم، بل أن ما ينبت فيها بعض الأنبتة الضعيفة من جنس الحشائش ولاسيما نوع منها يتغذون بحبوبه اسمه (السمح) بفتح وسكون. وتلك الحبوب تشبه السمسم أو الخشخاش بلونها وقدرها. ونوع آخر اسمه الدخن (بضم فسكون) وحبته صغيرة جدا تشبه حبة القريص ولونها أحمر جداً. وهو غير الدخن المعروف بهذا الاسم في العراق. فمن حبوب هذين النبتين يتقوم طعام الشرارات إذ يطحنونها ويتخذون منها أقراصاً ثم يخبزونها. وهم يظنون أن من يأكل خبز الحنطة أربعين سنة تنهكه الأمراض وتتمزعه الأسقام ولهذا يسمونه (خبز الأوجاع) ويكرهونه اشد الكراهية حتى انهم لا يبقونه عندهم في البيت لاعتقادهم أن مجرد وجوده فيه مجلبة للأضرار والأدواء على أصحاب الديار. وهم يرون انهم إذا حرموا حب السمح أو الدخن(1/296)
فالأحسن لهم أن يأكلوا خبز الشعير. بيد أنني شاهدت فقراء منهم يأكلون خبز الحنطة بشوق وارتياح كما يأكله غيرهم من أعراب سائر القبائل والعشائر.
ومن أطعمتهم نوع من العجر النباتية اسمها التمر (وزان سكر) تشبه البطاطة وهي تجيء عفواً في الصحراء في شرقي معان.
وفي الجوف أنواع النخل إلا أن الشرارات لا يذوقون تمرها لأنها راجعة إلى ملاكين آخرين، ولهذا فليس لهم شيء يذكر سوى ما يقتنونه من غنمهم ومواشيهم. وإذا وقع في بلادهم الجراد فرحوا اعظم الفرح لأنهم يفضلونه على سائر الأطعمة والألوان.
وفي أراضيهم تنبت أنواع الحمض والأشواك كالعاقول وغيره فتكون طعام الجمال.
وهم يكثرون من شرب لبن النوق حتى انه كثيراً ما يتفق لهم انهم يبقون أياماً عديدة بدون آكل وشرب ماء لاعتمادهم على جرعة من اللبن المذكور.
وفي ديار الشرارات ملح كثير وهو يغزر في بقعة اسمها (ارض السيار) بتشديد الياء. وهناك كثير من الإعراب يحملون منه الأقدار العظيمة فيذهبون به إلى سائر قبائل وعشائر البوادي المبثوثة في ديار مؤاب وسهول البلقاء وحزون السلط. وقد شاهدت هذا الملح فوجدته احسن بكثير من ملح جبل أسدم الواقع في الزاوية الجنوبية الغربية من البحر
الميت.(1/297)
3 - المطر
المطر القليل في تلك الأرجاء، ألا أن الضباب يكثر عندهم في أيام الشتاء ومثله الندى والسدى فيقوم ذلك كله مقام الأمطار الغزار. على انه يرى فيها عدة ينابيع وعيون ماء شديدة الاندفاع وفي بعض أراضيها من المياه المخزونة ما يكفيك أدنى حفر لتقع على حائر وافر الماء.
4 - حيواناتهم
مال هؤلاء الرجال: الحمر والهجان والجمال. وقد سمعت بعضهم يقول أن بعض اتتاتتئم (تلد ولدين) وعندهم عدد غير يسير من جياد الخيل العراب. ولهم أيضاً شئ من البغال. يسمون بلسانهم البغل الذي أبوه حصان وأمه أتان (سيسي) وتجمع على سياسي وكلا اللفظيين بتشديد الياء ويقوم مقام السرج عندهم ضرب من الجلال يتخذ من الجلد يعلقون به ركابات بسيطة يسوونها من قشر الحمض ويضفرونها ضفراً أو يبرمونها برماً ويعلقون بالطرف الأسفل من كل جهةٍ من جهتي الراكب عودة مستديرة(1/298)
أو كالمستديرة يقطعنها من الحمض فيتخذونها بمنزلة الركابات التي نتخذها نحن لخيلنا.
أما سائمنهم فهي البقر والغنم وهي قليلة عندهم. ولبغض هذه الغنم أربعة أو ستة قرون وهي وان تكن نادرة فانك لا تشاهد مثلها في الديار المجاورة للمدن.
5 - لباسهم
يلبس رجال الشرارات مئزراً من جلد الجمال يسترون به عورتهم. والشيوخ منهم يستشعرون شعاراً من وبر الجمال يستر جسدهم من فوق إلى اسفل. وأما نساؤهم فلباسهن كلباس الرجال إلا أن مآزرهن مزركشة الأهداب والذباذب.
6 - نقودهم
هؤلاء الأعراب لا يعرفون من النقود إلا المجيدي. وهم يقيسون كل الدراهم من كبيرة وصغيرة على هذا النقد. فربما اخذوا ما ليس بمجيدي واعتبروه مجيدياً لكونه بقدره. وفي المعاملات التي هي أدنى من مجيدي يقولون: نصف مجيدي وربع مجيدي ونصف ربع
المجيدي. وما عدا ذلك لا يعرفون شيئاً.
7 - القراءة والكتابة عندهم
لا تجد فيهم من يحسن القراءة والكتابة بل ولا من يميز حرفاً من حرف. وإذا اضطر أحدهم في معاملاته إلى التعبير عن أفكاره اتخذ الرسول كتاباً ناطقاً وأنفذه صاحبه.(1/299)
8 - أخلاقهم وعوائدهم
هؤلاء الإعراب أشداء في الحرب، بارعون في الغزو، يكثرون شن الغارات على من جاورهم، ولديهم من وسائل جوب القفار وقطع الفلوات والفيافي ما ليس في مكنه سائر أهل البادية المجاورين لنهر الأردن والبحر الميت هذا عندهم الذلول (الهجين السهل الانقياد) السريع السير الذي يستعينون به على قضاء حوائجهم. وشن الغارات على أعدائهم.
أما سائر عوائدهم وأخلاقهم فهي كعوائد وأخلاق سائر أعراب البادية ما عدا الزواج فانه يختلف عندهم بعض الاختلاف.
هذا ما علق بالذهن الفاتر، وهو فوق كل علم عليم.
الكسوف والخسوف في سنة 1916
يكون في السنة المقبلة كسوفان وخسوفان: فالخسوف الأول يكون في نهار الاثنين والثلاثاء 1 - 2 نيسان (- 13 - 14 ربيع الثاني 1330) ويكون جزئياً أو حلقياً ويدخل:
في الظليل في مساء 1 نيسان في الساعة 8 و 55 دقيقة على الحساب المتوسط من ساعة أوربة الوسطى.
وفي الظل10و26
ويكون وسطه11 و 14
ويخرج من الظل في صباح 2 نيسان 03
ويخرج من الظليل 1 و، 34(1/300)
ويكون كبر الخسوف 188، 0 من قطر القمر.
ويكون كسوف القمر نهار الأربعاء 17 نيسان - (29 ربيع الثاني) ولا يرى إلا قليلاً ويكون حلقياً. ويبتدئ في النيرول وسويسرة في الساعة 11 و 54 دقيقة (أي قبيل الظهر) ويبلغ وسطه في الساعة 1 و 17 دقيقة وينتهي في الساعة 2 و 39 ويبلغ كبيره 830، 0 من قطر الشمس.
ويكون الخسوف الثاني نهار الخميس 26 أيلول (4 شوال) ويكون حلقياً. ولا يرى في جنوبي أوربة.
ويكون الكسوف الثاني نهار الخميس 10ت 1 (28 شوال) يكون تاماً لكن لا يرى في جنوبي أوربة.
نهر فسقس
وهو حمشا ومدينة أوبي أو اوابيس وهي باحمشا
من الألفاظ التي أعيى تحقيقها العلماء فسقس (وزان هدهد) وهو اسم نهر بلاد أشور القديمة. ومعنى فسقس بلغة اليونان المعا أو اسفل البطن أو الربيض (وهو مجتمع الحوايا في البطن). ولاشك أن النهر المذكور الموجود في بلاد آشورية أو ارمياً لم يكن باليونانية في اصل وضعه بل كان لفظاً آشوريا وارمياً، فنقله اليونان إلى لغتهم بمعناه لا بلفظه لصعوبة نطقهم بالكلمة الأصلية. ومن ثم وجب البحث عن لفظة ارمية تعنى هذا المعنى وتكون في الوقت عينه واردة باسم نهر يدفع مياهه في الفرات وفي الموطن الذي عينه له المؤرخون أوصاف البلدان الأقدمون. والحال لا يوجد حرف يجمع في نفسه هذه الشروط كلها إلا كلمة (حومشا) (وتلفظ بضم الحاء(1/301)
وإسكان الواو والميم وفتح الشين بعدها ألف) ثم تصروه تسهيلاً للفظ فقالوا فيه حمشا. فيكون هذا رفسقس شيئاً واحداً.
ثم أن الأقدمين من مؤرخي اليونان قالوا ما مخلصه: أن عند مصب نهر قسقس في الفرات بلداً اسمه أوبي (أو اوبيس) ولم يعرف ما كان يقابل هذه اللفظة اليونانية أيضاً عند أهل تلك الديار في السابق الإعصار. والذي تحققناه اليوم أن اوبيس أو هي باحمشا. وأنت تعلم أن (با) أو (ب) في الارمية مقطوعة من بيت أي ودار ومدينة. وتكون هذه اللفظة بصحتها أو حرف منها رأساً لألفاظ كثيرة تدل على مدن أو قرى. من ذلك: بيت لحم، وبيت زبدي أو بازبدي، وبادرايا، وباعذري، وبا جرمي، وبيلاب أو بيت لافط أو بيلاقط، وبانهدرا، وبعقوبا) الخ. فتكون باحشما من هذا القبيل ومن المدن المبنية على نهر حمشا. قال ياقوت: باحمشا بسكون الميم والشين معجمية، قرية بين أوانا (وتسمى اليوم وأنا) والحظيرة (وكذلك اسمها اليوم) وكانت بها وقعة للمطلب. . .) اهـ. وتعرف اليوم باحمشا باسم (بوحمشة) وهي عبارة عن نهر في أرضه تلول، وهي قريبة من الدجيل أو السميكة (مصغرتان). فاحفظ ذلك تصب أن شاء الله ملخص عن حديث جرى بين الدكتور هرتسفلد والشيخ كاظم الدجيلي.
أصل لفظة الرزق
المشهور بين اللغويين أن لفظة الرزق عربية فصيحة. ولم يخطر ببال أحد إنها من اصل أعجمي. أما نصوص اللغويين على صحة هذه اللفظة(1/302)
وعربيتها المحظة فاكثر من أن تحصى ومن أراد التحقيق فليطلبها في مظانها
على إني اذهب إلى أنها من اصل فارسي. وقبل أن تقف على هذا الأصل عليك أن تعلم أن المراد من الرزق في كلام الفصحاء والعوام هو (قوت اليوم) سواء كان هذا القوت لأبناء آدم أو لأبناء الحيوان على اختلاف طبقات القبليين. ومنه: (وكلوا من رزقه - إلا على الله رزقها - يأتيها رزقها رغداً - وعلى المولود له رزقهن - أن الله هو الرزاق)
فإذا أعلمت ذلك فلا يبعد من أن يكون هذا اللفظ مشتقاً من لفظة (روزه) الفارسية ومعناها (القوت اليومي) وروزه مأخوذة من روز أي يوم. وأنت خبير بان ما يكون آخره بالهاء في الفارسية يعرب بالقاف أو الجيم أو السكاف بالعربية كجردق وجرموق وخندق وديباج ودورق ودلق ودانق ودهلج والأصل فيها: جرد، وسرموزه، وخنده وديباه ودوره ودله ودانه ودهنة. وعليه قالوا: روزق في روزه ثم خففت فقيل (رزق). ولما ادخلوها في لغتهم شنقوا منها ألفاظاً أخرى وتصرفوا بها تصرفهم بالألفاظ العربية فقالوا: رزق وارتزق واسترزق والرزاق ولرزقه والمرزق والمرزوق إلى أخر ما هناك.
نرسيسيان
الترجمان الأول في القنصلية الإنكليزية في بغداد(1/303)
(لغة العرب) وممن ذهب إلى هذا الرأي أيضاً السيد أدي شير رئيس أساقفة سعرد الكلساني (الألفاظ الفارسية المعربة) ص72. وهو رأي محتمل كما انه يحتمل أن يكون عربياً صرفاً مشتقاً من الزق يقال: زق الطائر فرخه: أطعمه بمنقاره. ويفعل الطائر هذا الفعل كل يوم إلى أن ينهض أو يقوى فرخه. فإطعام الله عبيده كل يوم هو من هذا الباب لأنه تعالى بمنزلة الأب الشفيق على أبنائه. هكذا تصور العرب أمر الرزق بالنسبة إلى الرازق. وان قلت من أين أتت الراء المثبتة في أول اللفظة. قلنا: قد أثبتنا في إحدى المجلات العلمية التي تنشر في بيروت أن اصل الألفاظ العربية كلها ثنائي كما اتفق عليه جمهور اللغويين في عهدنا هذا. ثم زيدت حروف في أوائل اللفظة أو أواسطها أو أواخرها كلما احتاج
الواضع إلى معنى جديد وأراد أن يحدثه في اللفظ الثنائي. فزادوا هنا الراء في الأول لان الراء تفيد التكرير والإعادة فكان الواضع أراد في قوله: رزق الله عبده: (زقه مكررا عمله يوما بعد يوم).
وزيادة الراء في الأول حقيقة لا تنكر. من ذلك مثلا: رجس الماء قدره بالمرجاس واصله: جسه. ورمث الشيء: مسحه بيده واصله: مثه. والرحامس بضم الأول وكسر الميم: الجري الشجاع. وهو مشتق من الحماسة.
وزيادة الراء في الوسط واردة أيضاً في العربية منها: العربرب في العبرب (وهو السماق) وقدر عربربية في عبربية. والخرنوص في الخنوص. وشرطا النهر، هما شطاه. والجحمرش في الجحمش.(1/304)
وكذلك معروفة زيادة الراء في الآخر، من ذلك: شمخر في شمخ، وبحثر في بحث، وفجر الشيء في فجه، والبحريت في البحت. إلى آخر ما ورد في لسانهم وهو كثير لا يحصى.
وأما زقه فعربية قحة لأنها مشتقة من حكاية صوت الزق. - والقارئ مخير في اتباع الرأي الذي يستحسنه أو يلذ له وهو فوق كل علم عليم.
التنهس
(وهو البركندان أو المرفع) والتنحس (وهو القطاعة)
سألنا بعضهم: هل كان المرفع معروفاً عند العرب النصارى سابقا وما كان اسمه عندهم؟ - ثم ما كان اسم الانقطاع عن أكل اللحم عندهم المعروف اليوم باسم القطاعة؟
قلنا: كان المرفع معروفاً سابقا باسم التنهس. والكلمة لم يذكرها أصحاب المعاجم اللغوية، إلا أن موفق الدين أبا محمد عبد اللطيف البغدادي ذكرها في ذيل الفصيح لثعلب ص105 قال: العوام نقول: تنهس النصارى والمسلمون، إذا أكلوا اللحم واكثروا منه قبيل صومهم. ووجهه ظاهر. لان العرب تقول: تنحس النصارى: إذا تركوا اللحم. والعامة تقول: تنهسوا: إذا أكلوه. وأيام التنهيس هي أيام في أواخر شعبان يغتنم فيها أكل اللحم في النهار. وهذا سائغ لأنه من النهس وهو أكل اللحم بشره وخطف. لأنهم يأكلونه أكل مودع. اه
فنرى مما تقدم أن التنهس أو أيام التنهيس يقابل ما يسميه أهل الشام(1/305)
وديار مصر: المرفع، وأهل العراق، بركندان. والتنحس هو القطاعة.
أما المرفع فلفظة ليست بقديمة إذ لا وجود لها في دواوين اللغة ولا في كتب نصارى العرب نهى إذاً محدثة. ويرتقي دخولها في اللغة إلى المائة السادسة عشرة على ما يبين لنا، وقد دخلت عند قدوم المرسلين الإيطاليين إلى ديار الشام ومصر. فعربوا كلمة بكلمة مرفع تعريباً معنوياً أي من باب النقل، ومرفع اسم زمان من رفع ويراد به قرب زمان رفع اللحم. وعليه فعندنا أن الفرنسوية ماخوذة من الإيطاليين. وهؤلاء نحتوها من حرفين لاتينيين وهما أي رفع اللحم. ويشهد على صحة ذلك: أن أهل ميلان يسمون المرفع وان مولدي اللاتين يقولون
وهذا ينفي قول من يزعم أن مأخوذة من وأي وداع اللحم أو أي بلع اللحم، لكثرة ابتلاع الناس للحم في تلك المدة. فهذه الآراء الأخيرة هي عندنا في منتهى السخف.
أما أهل العراق والجزيرة أي أهل السواد من نصارى العرب فلا يعرفون لفظة المرفع. والمستعمل عندهم كلمة بركندان بالكاف الفارسية (أي وقد اختلف في اصلها. فقال قوم: إنها من اللغة الأرمنية منحوتة من أي حسن وجيد. وكنتان أي قصف، فيكون محصل معناها. القصف الحسن. وذهب قوم إلى إنها فارسية الأصل مركبة من (باده) أي خمر
(وخوردن) أي شرب ومؤداها شرب الخمر، لان القصف لا يخلوا من شربها ثم صحف ونحت. بيد أني(1/306)
أرى أن اصلها من (بركردن) الفارسية المستعملة في اللغة التركية ايضا، ومعناها: الاستئصال والرفع، فيكون محصلها نفس مؤدي لفظة مرفع.
بقي علينا أن نوضح سبب تسمية التنحس بهذا الاسم. والذي نراه في اصله هو انه مشتق من تنحس الرجل: إذا جاع، لان من يأكل الأطعمة الخالية من اللحم يجوع بسرعة لسهولة هضمها وخفتها على المعدة، على أني اجنح اكثر الجنوح إلى أن تنحس هنا بمعنى تجنب النحس المتولد من أكل اللحم. لأنك تعلم أن أكل النصارى للحم في الأيام المحرم إلا كل فيها من مخالفات الشريعة، ومخالفة السنن من الأمور المشؤومة التي تجر الويلات على صاحبها.
ولعلك تقول: لم يأت قط تفعل بمعنى نفي الشيء عن صاحبه أو إلقائه عنه حتى يكون هذا من ذلك - قلنا: قد وردت بضعة أفعال من هذا القبيل ولا يبعد أن تكون هذه العصا من تلك العصبة، فقد جاء عندهم تنجس بمعنى القي عنه النجاسة بان أتى فعلا يخرج به من النجاسة إلى الطهارة. وتأثم، إذا فعل فعلا يخرج به من الإثم. ومثلهما: تحرج وتحنث وتحنف وتحوب. وعليه، فتكون تنحس بمعنى خرج من النحس بامتناعه عن أكل اللحم. احفظ ذلك كله تصب أن شاء الله تعالى.
خبايا الزوايا في الرجال من البقايا
للعلامة المحقق، والفهامة المدقق: الشهاب احمد الخفاجي المصري، تغمده الله برحمته، أمين أمين) هذا هو نقل النص الموجود في الصفحة(1/307)
الأولى من كتاب خط في التراجم للخفاجي المشهور، موجود في دير المبعث في بغداد. طوله 19 سنتيمتراً في عرض 12، فيه 172 ورقة وفي كل صفحة 29 سطراً دقيق الحرف حسن الخط، وقد ضبطت ألفاظه في المواطن التي تحتاج إلى ضبط، والعناوين كلها مكتوبة بالأحمر. وقد وصف صاحب كشف الظنون هذا الكتاب النفيس فقال:
مجلد لأديب العصر شهاب الدين احمد الخفاجي المصري المتوفى سنة 1069 (0 - 1658م)، أوله: (حمداً لك اللهم يطوق جيد البلاغة نظم عقوده الخ. ذكر فيه أدباء عصره من شيوخه وشيوخ أبيه كصاحب الذخيرة، وقلائد العقيان، واليتيمة، والدمية، وعقود الجمان. ورتبه على خمسة أقسام:
الأول في رجل الشام (وهو في نسختنا من ص11 - 65)
الثاني في رجال الحجاز (وهو في نسختنا في ص65)
الثالث في رجال مصر (وهو في نسختنا في ص80)
الرابع في رجال المغرب (وهو في نسختنا في ص126)(1/308)
الخامس في رجال الروم وهو في نسختنا في ص144
الخاتمة، في نظم المؤلف ونثره وهو تأليف لطيف يدل على مهارة مؤلفه في الأدب اهـ كلام الحاج خليفة وفي الصفحات الاول إشعار خارجة عن نص الكتاب وهي بأقلام مختلفة والشعراء شتى. ومن جملة ما ورد في إحدى الصفحات ما هذا نصه:
(ومما كتبه المرحوم سلطان سليم خان على جدار تكية القادرية الواقعة على نهر العاصي لما دخل حماة حين ذهابه لفتح مصر القاهرة.
بنو الكيلان (كذا) طبتم في مقام ... أرى من دونه السبع الطباقا
أطاع لديكم العاصي ولما ... تشرف بالجوار حلا وراقا
وقد يبلغ عدد المترجمين من علما الشام وشعرائها 47، ومن أعيان مكة 19 ومن مشاهير مصر 62، ومن نوابغ أهل المغرب 14، ومن فضلاء وأدباء ديلر الروم 3 فيكون مجموع التراجم 145 وفي الختام أرجوزة طويلة للمؤلف سماها (بذوات الأمثال) وفيها 627 بيتا
وكلها من روائع، الحكم، وبدائع الكلم: أولها.
الشكر روض قد زها أنوارا ... ما كل نور يعقد الثمار
فالشكر لله على الأنعام ... يختال في ملابس الدوام
وختامها:
والدهر نجار له حانوت ... ينحت فيه المهد والتابوت
لا شيء كالقلب انفساحاً وسعه ... فكل شيء في الوجود وسعه(1/309)
فلا تضيقه بهم قد نزل ... وما لغير الله فيه من محل
فاشرحه بالفوز اللطيف القدسي ... وصير البسط أنيس النفس
إن فيه عيباً لا يغتفر، وهو أن المؤلف قد جرى في وضع كتابه يجري بعض من تقدمه من شيوخه وشيوخ أبيه، كصاحب الذخيرة، وقلائد العقيان، واليتيمة، والدمية أي انه يترجم الشاعر بعبارات مسجعة منمقة بدون أن يذكر سنة ولادته ولا مسقط رأسه ولا يوم وفاته ولا محل دفنه وهذه كلها من الأمور التي لا يستغني عنها. وكذلك لا يقول شيئاً عن مؤلفات المترجم ولا ما يبين علو كعبه في الفضل والعلم ليميزه عمن سواه.
ومن عيوبه أيضاً انه يصف الشاعر بأوصاف علمه يمكن أن تصح في مئات من أهل النظم والأدب بدون فرق جزيل. فانظر مثلا ما يقول في تقي الدين بن معروف: (ص80)
(سماء نضل معروف. وغيث كرم ومعروف. رياض علمه أريضه. وساحة مجده عريضة. إذا لمس اليراع سجد في محراب طرسه شكرا، وماد بمدام مدامه سكرا. فكم بليل حبره المسكي الأنفاس، يد بيضاء بيض الله بها وجه القرطاس، تخبران المانوية تكذب. وله في علم النجوم مرتبة دونها الثريا إذا رامها سواه. قالت أعوذ بالرحمن منك أن كنت تقيا. فلا زال ينم بأسرار السما، إذ صعدها بخطوات أفكاره وسما، حتى كأنه اتخذ جداولها له سلماً. . . .) إلى آخر هذه السجعات التي لا تزيدنا علما بالمترجم ولا تميزه عمن سواه.(1/310)
وليس في نسختنا تاريخ كتابتها، لكنها قديمة ولعلها من عصر المؤلف وورقها حسن من أجود النوع، وفي هذا القدر كفاية لمن يريد أن يتولى نشر هذا الكتاب أو مقابلة نسخة طبع عليه، والسلام.
باب المشارفة والانتقاد
1 - تمام المتون، في شرح رسالة ابن زيدون.
للعلامة صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي. طبع في مطبعة الولاية في 321 صفحة بقطع الثمن سنة 1327. وقد عني بنشره محمد رشيد أفندي الصفار أحد كتاب جريدة (بغداد) سابقاً. وصاحب صحيفة (الزهور) البغدادية حالاً. وبعد أن بيع في أوائل طبعه بعشرين قرشاً صاغاً يباع اليوم بخمسة غروش صاغ لا غير حباً بتعميم نشره.
كل أديب من أدباء العرب يعرف ما لأبي الوليد احمد بن عبد الله المخزومي الخضرمي الأندلسي القرطبي المشهور بابن زيدون المتوفى سنة 463هـ (- 9ت1 سنة 1330م) من الإنشاء العالي النفس والاطلاع على آداب العرب وأمثلهم وأخبارهم وآثارهم وله عدة تأليف منها التاريخ المسمى باسمه. والرسالة التي كتبها إلى الوزير أبي عامر بن عبدوس وشرحها جمال الدين أبو عبد الله محمد بن محمد نباتة الشاعر المشهور المتوفى سنة 768. وسمى هذا الشرح سرح العيون، في شرح رسالة ابن ء ؤزيدون؟(1/311)
والرسالة التي كتبها إلى أبي الوليد بن جهور وشرحها ابن أبيك وهي التي طبعت في بغداد على كاغد حسن، لكن الطبع غير جلي. وقد نشر محمد رشدي أفندي الحكيم الدمشقي في مجلة المقتبس 6: 542 شيئاً كثاراً من المتن نقلاً عن النسخة المخطوطة الموجودة في خزانة السيد عبد الباقي الحسني الجزائري والمكتوبة سنة 1256هـ. ومن يقابل بين نسختي المتن ير بينهما فرقا يذكر.
وكنا نود أن ينشر متولو الكتب القديمة اختلاف الروايات أو النسخ، وان يميز المتن عن الشرح بشكلين من الحروف: المتن بحرف ضخم والشرح بحرف أدق. وان ينبه على المواطن المغلوطة بقواهم: (كذا) حتى يفهم القارئ أن هذا الغلط من النسخة الأصلية لا من الطبع. والظاهر من نسخ هذه الرسالة وشرحها أنها كثيرة الأغلاط دسها جهلة النساج لقلة بضاعتهم في الأدب. وكأن ذلك لم يكف لمسخ هذا السفر الجليل فقد ورد في طبعها أغلاط أخرى أتى بها الصفافون ولم تصحح. والأمل أن يصححها ناشرها كما وعد. حرصاً على كنوز السلف الأدبية. وضناً بفرائدها من الامتهان.
2 - المجازات النبوية
إليك ما كتب في صدر هذا الكتاب لتعريفه: (كتاب للشريف الموسوي السيد راضي، ذي الحسين، فصيح قريش وناطقة الأدباء، وقدام العلماء، والمبرز على سائر البلغاء، أبي الحسن محمد بن أبي احمد النقيب الطاهر، ذي المناقب، الحسين بن موسى الابرش بن محمد بن موسى أبو (كذا)(1/312)
صبحة ابن إبراهيم الأصغر المرتضى بن موسى الكاظم، عليه آلاف التحية والسلام، وعلى آبائه الأئمة الكرام. (ولو قيل: للشريف الموسوي لكفى، لشهرة الكاتب البليغ). - طبع في مطبعة الآداب، على نفقة جلالة السيد العالم الفاضل، والحبر الكامل، اشرف الحاج جناب السيد محمد نجل حجة الإسلام والمسلمين السيد سيد حسن صدر الدين، دام ظله العالي آمين. حق الطبع محفوظ. (ولو بقي في الصفحة بياض لما اكتفى الطابع بهذا الكلام، بل لزاد عليه حتى يثير في صدر القارئ دفين السام.)
الكتاب بقطع الثمن وعلى ورق حسن وعدد صفحاته 287 إلا انه كثير أغلاط الطبع التي تشوه محاسن هذا السفر البليغ كما هو شان جميع ما يطبع في حاضرنا لقرب عهد أبناء وطننا بهذه الصناعة الشريفة. وليس في آخره إصلاح الغلط. فمما ورد في ص2 وأخفانها
(أي وأجفانها) وجاء في ص3 وعرنينين (والأصح وعرينين) لقوله بعد ذلك: لم اسبق إلى قرع بابهما. وجاء: (بتوفيق لله). والأصح (بتوفيق الله). وجاء: لم يبق من الفضل إلا الدماء (والأصح الذماء) بذال معجمة. وورد أن يفوثني والأصح أن يفوتني فهذه خمسة أغلاط في الصفحتين فما القول فيما يتلو من الصفحات
وكنا نود أن تكون العبارة المشتملة على المجاز أو على الأثر بحرف يمتاز عن حرف الشرح وان تقع في سطر لا يتصل بما قبله أو بما بعده إراحة للفكر والنظر. وإلا فالكتاب على ما تراه عبارة عن جملة واحدة تبتدئ بالسطر الاول وتنتهي في آخر سطر من الوجه الآخر. ولا يخفي ما في ذلك(1/313)
من الارتباك والتشويش المخالف لأصول الطبع في عصرنا هذا. والأمل أن يصلح هذا الخلل وما ضاهاه في الطبعة الثانية تقريباً لمنافعه.
3 - شواهد القطر
(كتاب شواهد القطر وحاشيته، للفاضل الكامل، والعالم العامل، الشيخ عبد الرحيم ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الرحمن السويدي الشافعي البغدادي العباسي)
(قام بطبعه خدمة للعلم أفقر الورى إلى الملك الوهاب محمود بن عبد الوهاب. حقوق الطبع محفوظة للطابع. طبع بمطبعة الآداب في بغداد سنة 1329) في 315 صفحة بقطع الثمن الكبير.
كتاب قطر الندى، وبل الصدى، لابن هشام الأنصاري من اشهر الكتب النحوية وهو اشهر من القمر. وقد عني بشرحه وتعليق حواشٍ عليه جماعة من النحاة في كل عصر من العصور، فشروحه إذا لا تعد وكذلك حواشيه. وممن اهتم بشرحه علماء بغداد في جميع الأزمنة ولا تخلو أسرة من اسر مدينة السلام إلا وفيها من تصدى للتأليف في الموضوع المذكور مع أن الشروح أصبحت اكثر من أن تذكر أو تحصر.
والكتاب المطبوع في مطبعة الآداب هو العلامة السويدي المشهور. وهو لا يمتاز بشيء عما صنف في هذا الباب. فكنا نود أن نرى ما يطبع اليوم واضح الأبواب. مقسم الفصول، وان لا يكون السفر من أوله إلى آخره عبارة عن فصل واحد يبتدئ بأول سطر وينتهي في السطر الأخير. تلك الفصول في تلك العصور الخالية(1/314)
وتوفيرا للدراهم. وأما اليوم فان طلبة العلم يحبون أن يصرفوا شيئاً من مالهم ضنا بالوقت، وحبا بأخذ العلم بسرعة. وهذا لا يكون إلا بتسهيل وسائل التلقين والتلقي، ومن جملتها هذه الذرائع التي أشرنا أليها. فالأمل أن تكون الطبعة الثانية واقية بالمقصود، بمنة تعالى وكرمه.
4 - ذخيرة الأصغرين (الجزء الاول)
طبع بمطبعة ماربولس في حريصا (لبنان) سنة 1911 في 308 صفحات بقطع الثمن. وهو كتاب مختارات جمعها سيادة الحبر الجليل والكاتب المجيد جرمانوس معقد مطران اللاذقية من أقوال بعض أعاظم الكتبة الأقدمين كصاحب الأغاني، وابن المقفع، وابن خلدون، والمحدثين كاليازجية ولا سيما الشيخ إبراهيم اليازجي.
وهو سفر يصلح لان يكون مصحفاً بأيدي الطلبة لحسن طبعه وتهذيب عبارته وضبطها بالشكل الكامل، إلا انه ورد في الصفحة 34 عبارة لا توافق الغاية التي توخاها سيادته من وضع هذا الكتاب وهي تعميم نفعه بين جميع الطلبة على اختلاف مللهم ونحلهم. فعسى أن يكون الجزء الثاني أوفى بالمراد.
5 - كتاب الذهب، لتهذيب أحداث العرب (الجزء الاول)
طبع بمطبعة الآباء الدومنيكيين في الموصل سنة 1911 في 80 صفحة تأليف سليم أفندي حسون، احد معلمي مكتب الآباء الدومنيكيين والغاية من وضعه: (إتحاف أحداث العرب بكتاب قراءة عصري جديد يلذ لهم ويفيدهم) على أن هذه الكتب التي توضع في أيدي أحداث الطلبة من(1/315)
أبناء اللغة لا تكون مفيدة ما لم تكن مهذبة العبارة غاية التهذيب، حتى تنشأ في المتعلم ملكة الكتابة، وان تكون الألفاظ مضبوطة ضبطاً صحيحاً وقد وقع في هذا الكتاب شيء كثير يخالف هذه السنن كقوله ص36 حوش الدجاج والأصح حير الدجاج وكقوله أيضاً: بنظر نظرة الحائر وضبط نون نظرة بالفتح، والأصح بالكسر، وكقوله وهو يعطي الأوامر والنوهي، والاصح يأمر وينهى. فنأمل أن يكون الجزء التالي أوفى بالمقصود من ضوء هذا
كيش وهس اليوم تل الاحيمر
(تل الاحيمر) راجع إلى لواء أو سنجق الديوانية، الذي هو من ملحقات قيم مقامية الحلة. وهو واقع على بعد 20 كليو متراً من الشمال الشرقي من الحلة. وقد زارته البعثة الفرنسوية في سنة 1853 التي كان زعيمها جول اوير وذلك عند عودتها من بابل قافلةً إلى بغداد بعد أن حفرت في هذه المدينة العظمى حفراً هو الحفر الاول الذي أجراه الأوربيون في حاضرة ديار بابل.
وكان أولئك العلماء رأوا في ذلك الصقع ثلاث طوائف من التلال الطائفة الأولى: تلال الغرب ويسميها أهل تلك الديار. (تل الخزنة) وقد وجدوا فيها بعض الرقم أو الآجر المكتوب. والطائفة الثانية: تلال الوسط ويسميها الأعراب (الاحيمر) (تصغير الأحمر) وهيئته هيئة هرم، ويظن انه البرج ذو الطبقات، وقد وجدوا فيه آجرة من نبو كر أصر.(1/316)
والطائفة الثالثة (تلال الشرق) وهي تشمل على عدة أطلال تدل على إنها كانت دوراً ومنازل في سابق العهد، ما عدا التلال الكثيرة المنبثة في حواليها، وبناء غريباً بصورة نعل فرس مستطيل الشكل. ويطلق البدو عليها اسم (البندر).
وممن زار هذه الاخربة قبل البعثة العلمية الرحالة الإنكليزي كير بورتر الشهير وتتفق أوصافه لهذه الاخربة مع أوصاف اوبر وتوما.
والاحيمر هذا هو كيش بكسر الكاف بعدها ياء ساكنة وفي الآخر شين مثلثة أما أن أطلال الاحيمر هي كيش في سابق العهد، فقد كان قد ذهب إلى هذا الرأي العلامة ويسباخ من باب الرجم إلا أن الباحث النقاب ثورو دانجين بين بأدلة قاطعة ناصعة في سنة 1908 أن الاحيمر هو كيش، وقد أوضحت بعده أنا أيضاً هذه الحقيقة بحجج لا تقبل الشك والريب مأخوذة من نصوص جديدة عثرت عليها في السنة المنصرمة في الرقم والكتابات القديمة المسمارية الخط.
كانت كيش من اقدم مدن ديار بابل، وكانت من جملة بلاد مملكة أكد (وزان شمر) (وكانت مملكة سامية) مقابلة لمملكة سومر (وكانت سومرية). ومما وجد بخصوص تاريخ كيش ما وقعوا عليه في تلو (بفتح التاء واللام المشددة المفتوحة والواو الساكنة) من الآثار وهي جملة أسلحة كانت لملك من ملوك كيش اسمه مي سليم - وقد اشتهر بعد ذلك في ما اكتشف في الأسانيد التي وصلت إلينا، بكونه سعى في إصلاح ذات البين(1/317)
بين اثنين من
أصحاب اقطاعاته وهما: حاكم لجش وهي المسماة اليوم تلو وحاكم (أُمَّا) (بضم الهمزة في الاول بعدها ميم مشددة مفتوحة وفي الآخر ألف مقصورة) وهي التي تسمى اليوم جوخى ويلفظها بعض أعراب المنتفق بوخى.
ومن أخبار ملوك كيش انهم ناوأوا حكام تلو. وقد أبقى أحد هؤلاء الحكام وهو المسمى: أي أن ناتوم - نصبا يعرف بنصب النسور وهو محفوظ اليوم في قصر اللوثر في باريس محفور عليه صورة لملك كيش وقد فاز به الحاكم المذكور وانتصر عليه.
وبقيت كيش مدة قرن كرسي المملكة في عهد الملوك اورومش ومانشتوسو ووشروجين ومن أسماء ملوكها ما وجد في رقيم نشره في السنة الماضية الأثري العلامة الأب شيل الدومنيكي وقدمه إلى ندوة علماء الآثار الفرنسوية، وفيه مختصر تاريخ خمس دول. وهذا الرقيم وجده الأعراب في الاحيمر عند تنقيبهم فيه عن الآثار العادية.
ومن بعد أن خمل ذكر كيش مدة عاد فنبه في عهد حمورابي معاصر إبراهيم الخليل، (وحمورابي هذا هو المعروف في التوراة باسم امرافيل على ما أثبته النقاب الأب شيل الدومنبكي وهو موحد المملكة البابلية) فلما اتضح لهذا الملك الغيور ثبوت شهرة كيش وخاف من أن تضره بنوع من الأنواع آلي على تخريبها فاكتسحها وضعضعها. ومن ذاك الحين خبت نارها، واندرست آثارها.
ومما وجد في كيش (الاحيمر) كتابات تثبت وجود مدرسة للكتبة(1/318)
في سابق الزمن كما كان مثلها في سيارة (وهي اليوم أبو حبة) وهناك كان الكتاب يمارسون الخط والمشتق والإنشاء والترسل وكتابة الوثائق والحجج وما كان من هذا الباب قبل أن يتخذوا لهم تلك الصناعة مهنة لهم.
فهل بعد ذكر هذه الأمور المقررة من يشك بالفوائد التي تنجم للباحث إذا ما نقب في الاحيمر عن الآثار العادية التي يعثر عليها. فلهذه الغاية عينها اتفقت دولة فرنسة مع الدولة العلية فعينتني في هذه البعثة العلمية التي أتوسم فيها النجاح للتاريخ ومحببة والسلام.
دجنوياك
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
أشتاء بغداد
اغلب ما يشتد البرد في بغداد في شهري كانون فينزل إلى درجة السادسة أو الثامنة تحت الصفر، وأما هذه السنة فلم ينزل إلى الصفر، وابرد يوم كان عندنا هو الذي فيه نزلت الحرارة إلى الدرجة الثانية فوق الصفر ولهذا لم يكن عندنا إلا وبيع لما كان هذا الربيع غير مألوف في مثل هذين الشهرين كثرت الأمراض ولا سيما أنواع الحميات والأدواء المتولدة من الرطوبة كالرثية (وجع المفاصل) والنقرس والنزلة والزكام ولا يخلوا أسبوع إلا ويموت فيه واحد أو اثنان من النصارى. فما القول في المسلمين واليهود وهم اكثر عدداً من أولئك.(1/319)
2 - المسرة (التلفون) بين بغداد والكاظمية
وضع التلفون بين بغداد والكاظمية في نحو أوائل شهر كانون الاول وعن قريب يقام بين بغداد وخراسان.
3 - عشائر البوشبل وحسن آغا
كانت العساكر العثمانية تحافظ على حسون آغا لمنع الأعراب من الهجوم عليه. فلما ذهبت عنه ولم يبق بجانب الاغا إلا قراب ثمانين من الجند سارت عشائر البوشبل تريد احتلال أراضيها السابقة وقد انقسمت قسمين: القسم الواحد يجمع أن آل صادق والثاني آل دهيم (كزبير)
فأما آل صادق فعبروا من (أبي تبن). وأما آل دهيم فانهم عبروا من (الهبش) ولما اجتمع القبيلان سارا على بني زريق (كزبير) وهم أعمام حسن آغا وحمى الوطيس وانجلت المعركة عن استيلاء آل البوشبل على القلاع وإخراج من فيها وأما حسن آغا فقد هرب إلى معسكر الجند فتعقبه الأعراب ولما اصبحوا على قاب قوسين من الفتك به خرجت العساكر على المعتدين فوقع بين الجمعين إطلاق نار أماتت طائفة من المتخاصمين
وفي تلك الأثناء سمع سلمان الظاهر أحد رؤساء عشيرة الخزاعل دوى البنادق فخرج للمحاجزة واخذ حسن اغا إلى بيته فسكنت ثائرة الفتنة.
وكانت العشائر الشبلية هدمت جميع القلاع التي بنتها الحكومة لحسن آغا بدون أن تخاف عساكر الدولة لا بل لبثت واقفة أمامها بقلب كأنه قد من جلمود إلى أن جاء طابور النجف فناجزها كل المناجزة وحينئذ وقفت عن(1/320)
الإمعان في القتال.
والظاهر أن الأمور لم تنته إلى هذا الحد، فان عشائر البوشبل تبلغ عشرة آلاف رجل من حملة السلاح وهي تريد الرجوع إلى أراضيها فإذا دفعوا عنها يصرون على أن يطالبوا بها الحكومة إلى أن يحصلوا عليها. وان لم يفد الإلحاح يلجئون إلى القوة. ومن ثم يضطرب حبل الأمن في تلك الأرجاء. هذا فضلاً عن أن العشائر إذا علمت إنها محرومة من أراضيها أو أن لا ديار لها وهي قد آذت الحكومة فلا يسعها إلا ارتكاب الموبقات والمنكرات حملا لأهل الحل والعقد على توخي الصلح والسلم إنهاء للمعضلات.
(ملخص عن الرياض)
4 - أشقياء الاحساء
كثر الأشقياء في هذه الأيام في الاحساء وجوارها وعاثوا فيها عيث الذئب الامعط في الغنم. من ذلك أن رؤساء العجمان اخذوا من ذي النون الموصلي (المصلاوي) ثلاثمائة بعير، ولم يستطع أن يسترجع منها إلا خمسين بعيراً، لتراخي الحكومة في القبض على شؤون تلك الديار. وحاول الأمير عبد العزيز باشا السعود إرجاعها إلا أن الأعراب اثبتوا إنها أصبحت في قبضة الرؤساء رجال الحكومة. فتأسف الأمير على وقوع مثل هذه الأمور في هذا العهد.
(عنها ببعض التصرف)
5 - نهر الحسينية
جرى الماء في نهر الحسينية (كربلا) بعد أن كاد أهالي تلك الأنحاء(1/321)
يموتون عطشا.
6 - علماء النجف ومجتهدوه
وفد إلى الكاظمية عصر نهار الاثنين 8ك2 علماء النجف ومجتهدوه وهم: آية الله المازندراني مع جم غفير من طلبة العلم. وقدم نهر الثلاثاء الشيخ باقر القمي حجة الإسلام السيد علي التبريزي المشهور بالداماد، والشيخ عبد الهادي شليلة، وشيخ الشريعة
الأصفهاني، والسيد مصطفى الكاشاني، والسيد آغا القزويني، والشيخ محمد حسين القمشي، والسيد محمد علي الشاه عبد العظيمي. وقدم من كربلاء السيد محمد الكاشاني والسيد إسماعيل الصدر والشيخ حسين، ومن مجتهدي الحلة السيد محمد القزويني. وجاء من سامراء حجة الإسلام الميرزا محمد تقي الشيرازي.
7 - قدوم عالمين فرنسويين للتنقيب في الاحيمر
مساء نهار الخميس 11ك2 قدم على الباخرة (خليفة) عالمان فرنسويان وهما الابيل دجنوياك والأديب المسيو دروين الاول مستشرق كبير ويحسن اللغة المسمارية قراءة وكتابة ويفهم معانيها والثاني راز (عارف بأصول البناء وتزينه وقد قدما لينقبا في الاحيمر التي كانت تسمى قديماً (كيش) اوكيشو وقد مر الكلام عنها في هذا الجزء.
8 - أشقياء من عشيرة الصائح وأعراب التومان
سرق بعض الأشقياء من عشيرة الصائح 167 رأساً من الشياه من أعراب عنزة القاطنين في ارض الجزيرة وحالما وصل الخبر إلى مدير ناحية تكريت هجم هذا(1/322)
الهمام على اللصوص بينما كانوا يستعدون للهرب وكانوا مقيمين في شريعة القائم التي تبعد نصف ساعة عن تكريت قاصين عبور نهر دجلة. ولمل اصبح المدير على قاب قوسين منهم رمى هؤلاء العماريط أسلحتهم وامتطوا خيلهم وفروا وتركوا كل ما نهبوه من أعراب عنزة فسبق إلى دار الحكومة.
وبعد يومين سرقت شرذمة أخرى من العشيرة المذكورة 29 رأسا من الغنم وثلاثة من الحمر قلما درى بأمرهم المدير وقع له ولهم ما وقع له ومع رفقائهم المذكورين
وسلبت جماعة من عشيرة التومان وهي من سكن (حويجة العبيد رجلا من قضاء عانة اسمه السيد احمد الراوي 83 رأساً من الشاه فاستردها أيضاً المدير المذكور. فمثل هذا يجب أن يكون أرباب الحكومة لأن الأمور لتي أتاها وان كانت لا تعد شيئاً بالنسبة إلى الأعمال العظيمة إلا إنها تدل على نفس عظيمة فعسى أن يكون المتوظفين مثله.
(ملخص عن الزهور البغدادية)
9 - البريد العثماني والبريد الإنكليزي
مضت طائفة من الشهر الماضي واغلب أيام هذا الشهر والبريد(1/323)
العثماني لم ينقل ألينا جرائد البلاد العثمانية ولا صحف الديار الغربية ولم نقف على السبب إلى الآن. أما الرسائل فقد جاءنا بعضها في ميعادها. فإلى متى يسود في بلادنا الارتباك والتشويش والاضطراب؟ أما البريد الإنكليزي فهو في غاية الانتظام ولولا إياه لأصبحنا في بلاد لا تتصل بديار خلق الله البتة.
10 - اللقالق وسائر الطير القواطع في ديار العراق
اللقالق في العراق من الطيور القواطع، تأتينا في أواخر ك2، أو أوائل شباط وتهجر ديارنا في أوائل أيلول. أما هذه السنة فإننا رأيناها منذ ت2 فتفاءلنا بسرعة عودها ألينا وبربيع لا يسبقه شتاء بارد. وهكذا كان الآمر. وما قلناه عن اللقالق نقوله عن سائر الطير القواطع كالسنونو والحدأة وبعض أنواع الغراب وغيرها، فإنها كلها قدمت قبل أوانها المعهود لتبشرنا بربيع طويل وأمطار غزيرة وخيرات متدفقة.
11 - عشائر آل غزالات وآل إبراهيم
هجمتا على عشيرة آل نبهان في اليوم 25 من شهر رمضان من السنة الماضية (15 أيلول 1911) وفي أثناء الهجوم قتل الأعراب المعتدون من عشيرة آل نبهان 12 رجلاً وامرأتين واخذوا قلعتين واحرقوا ما يقرب من أربعين داراً ونهبوا من المواشي شيئاً مذكوراً وحاصروا القلعة التي يأوي إليها عيالهم وأطفالهم من 15 إلى 21 من الشهر المذكور. ولما زحف عليهم جند الدولة أمر(1/324)
حضرة قائدهم أن يرجع الضباط المنهوبات لأصحابها فأرجعت واخذ المعتدين إلى قضاء (أبي صخير) وقبض على جماعة من العشيرتين الهاجمتين أي على ملاح آل طغيش، والسيد علوان، وشعلان، وعبد آل صفوق، ورباط ومعهم شيخ آل نبهان وولده فسلموا كلهم إلى قضاء أبي صخير وأوقفوا هناك. ومن بعد أيام قلائل أطلقتهم الحكومة جميعهم إلا آل نبهان وولده فابقوا محفوظين.
وزيادة على ذلك أمرت الحكومة بإخراج آل نبهان من أراضي (أم سباع) وإعطائها إلى حسن آغا. فلما صدر الأمر بذلك امتثلت تلك العشيرة الأمر وانتقلت من أرضها التي عمرتها بأيديها وجدها وكدها واحتلت دارا خربة هي وعيالها ومن يلوذ بها. والأمل أن
الحكومة تستجلي الأمر وتؤدي لكل ذي حق حقه. لان الأمور بقيت معلقة بهذه الصورة الآن.
الحقوق
جريدة يومية تنشر في دار السلام إلا إنها تصدر الآن أسبوعية وهي (محبة للحقيقة وخادمة للحق) اغلب مندرجاتها باللغة التركية وفيها ما يقارب العمود باللغة العربية صدر عددها الأول في 28 محرم 13330 الموافق 18 كانون الثاني سنة 1912 وهي تطبع في مطبعة الشابندر وصاحبها ومديرها المسؤول اصغر زاده معروف أفندي ومحررها معروف أفندي
المضحكات
جريدة هزلية فكاهية تصدر في بغداد مرة في الأسبوع موقتا وقد برز(1/325)
عددها الاول في 8 صفر 1330 الموافق 23 كانون الثاني 1912 لصاحبها ومديرها م. لطفي.
المعاجم العامية في اللغة العربية
إني لست أول من تصدى لجمع الألفاظ العامية والدخيلة والتقاطها من أفواه العموم وتدوينها بطون الكتب والقواميس بل قد سبقني إلى هذا الموضوع الحيوي كثيرون من الأدباء.
أما المؤلفات التي وصلت يدي إليها فهي ثلاثة: الأول، هو المعجم الموسوم بالدليل، إلى مرادف العامي والدخيل، تأليف اللغوي الفاضل رشيد أفندي عطية اللبناني وهو أكبرها حجماً وأدقها بحثاً وأغزرها مادة وفيه ما ينيف على ألف لفظة مع ما يرادفها من الكلمات العربية الفصحى وكان الفراغ من تأليفه في 30 نيسان سنة 1898 وقد جاء في الصحيفة 341 منه ما يأتي: (إن هذا الباب من التأليف في لغتنا لم يطرقه أحد بعد من الأدباء سوى الطيب الذكر الشيخ خليل شقيق علامتنا اللغوي الفاضل الطائر الشهرة الشيخ إبراهيم اليازجي. ولسوء الحظ انقض عليه طائر الموت فاختطفه قبل إنجازه ولم يتيسر لنا وجود شيء مما كتب في هذا الموضوع لنستعين به على الخوض في هذا الميدان) فيكون حسب رواية هذا الأديب أم حضرته أول من ألف في هذا الموضوع الجليل.
والثاني هو: أصول الكلمات العامية تأليف حسن أفندي توفيق وهي الرسالة الأولى التي برزت في سنة 1898 تقع في 46 صحيفة وقد وعد(1/326)
صاحبها انه سيشففعها بثانية وثالثة وهلم جراً ولكن لم يقم بوعده فلربما ثبطه عن سعيه تراكم الأشغال وهاك بعض ما ورد في المقدمة: (وقد اختلست أوقات الراح التي سمحت بها الأشغال للقيام بهذا الموضوع الوعر الطريق وبعد زمن ليس بالقليل وجدتني قد وقفت على كثير من أصول هذه الكلمات. إلى أن بعضها يحتاج إلى زيادة التحقيق والتدقيق كان بودي لو انشرها جميعاً في كتاب ضخم بعد تتبع كل الكلمات إلا أن كثير من الأخوان والطلاب رغبوا إلى أن انشرها تباعا في رسائل متتالية تعجيلاً بالفائدة وتسهيلاً للتداول. ولم يسعني سوى إيثاري رغبتهم وإبلاغهم أمنيتهم، فأنفذت هذه الرسالة الأولى في جامعة لأصول (مائة) كلمة مرتبة على حروف المعجم علها تكون داعية للشبان ولناشئة المدارس إلى تقويم ألسنتهم وباعثة لهمهم الأخوان للبحث معي في هذا الموضوع الذي يكاد تقصر دونه همة الفرد الواحد.)
والثالث هو: الدوائر السريانية، في لبنان وسورية صدر عام 1920 بقلم القس الفاضل يوسف حبيقة الماروني وهو الجزء الأول عدد صفحاته نحو 130 وقد وعد مؤلفه انه سيردفه بغيره ولكنه لم يقم بما قال والأسباب أجهلها. واليك ما ورد في مقدمة المؤلف: (فان
أصاب كتابنا هذا عند حفدة العلم انعطافاً عليه ولاسيما حضرات الأعلام المستشرقين أتينا غير هذه نعدها أما على هذه الطريقة أو على سواها لأن إقبال الأدباء على ثمرات الأقلام يزيدها استدراراً وانتجاعهم رياض الأدب يحث من وليها ركاب الجد وراء تعهدها بما يزيدها رونقاً ورواءً)(1/327)
فقد ظهر مما تقدم أن بعض أدباء سوريا ومصر ألفوا بعض كتب في العامي والدخيل. أما أدباء العراق فلا أظن أن أحداً منهم كتب شيئاً من هذا القبيل. لأني بحثت ملياً ونقبت لعلى اظفر بتأليف قديم أم حديث في لغة ديارنا لاستعين به على الإقدام في هذا الميدان فذهبت أتعابي أدراج الرياح ولم احصل على طائل.
بيد أني وجدت داود أفندي فتو الصيدلي قد أخذ بتأليف معجم عربي إنكليزي يشتمل على لغة اغلب أهالي العراق وهو على وشك إنجازه وتمثيله للطبع فعساه وافياً بالمطلوب يمنه تعالى وكرمه
رزوق عيسى
(لغة العرب) أن جماعةً من المستشرقين كتبوا عن لغة العراق ولا سيما عن لغة بغداد، لكنهم لو يؤلفوا كتاباً قائماً برأسه في الألفاظ والمفردات. ومم خاض عباب هذا الموضوع أحد أبناء بغداد من النصارى وهو القس جبرائيل أوساني الكلدانى وقد نشر مقالة طويلة في هذا البحث أدرجها في مجلة أميركية اسمها (مجلة اللجنة الأميركية الشرقية) في سنتها الثانية والعشرين التي صدرت في سنة 1901 في الصفحة 97 وما يليها وعنوان المقالة: (اللغة العامية البغدادية) والمستشرقون الذين طرقوا باب هذا البحث هم: الدكتور ماينر والدكتور يحيى الدانمركي وغيرهما.(1/328)
العدد 9 - بتاريخ: 01 - 03 - 1912
السيد صالح القزويني
تمهيد
شعراء العراق في القرن الثالث عشر للهجرة، أو القرن الثامن عشر للميلاد، كثيرون واغلبهم من المكثرين. ومع توفر عددهم لا تكاد ترى لهم تراجم مدونة. وما ذلك إلا لضعف همم رجال ذلك العصر، أو لاشتهار أولئك الشعراء في عهد معاصريهم، فظنوا أن شهرتهم تنتقل خلفاً عن سلف. وما خالوا أن ما لا يدون في بطون الكتب والأسفار، لا يصبر على تتالى الإعصار. وممن برز(1/329)
في حلبة الشعر السيد صالح ابن السيد مهدي ابن السيد رضى ابن السيد محمد علي الحسيني الشهير بالقزويني، من مقدمي شعراء العراق الامامية، واحد نوابغ دار السلام في القرن الماضي
2 - نسبه وولادته وأول نشأته
ولد في النجف نهار الخميس في اليوم 17 من شهر رجب من سنة 1208 (19 شباط سنة 1793) وما كاد يترعرع إلا ومال إلى الشعر كل الميل وكانت نفسه كبيرة نتوق إلى الأعالي وتميل إلى الأمور الدينية السامية. ولما كان مسقط رأسه مدينة العلم والدين معاً ساعده منشأه على إنماء شواغره وتوجيهها احسن متجه ولهذا اصبح وهو صغير السن متقد الخاطر قوي الحافظة بعيد الهمة صادق اللهجة متضلعاً من العلوم الدينية والدنيوية معاً.
ولما راهق اخذ يتلقن مبادئ العلوم من بعض مشايخ أهل بلدته حتى بلغ اشده فأخذ الفقه والتفسير والمعاني والبيان والمنطق وغيرها من العلوم العقلية والنقلية عن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر (في الفقه) وكان هذا من مشاهير عصره في قطر العراق ولاسيما في النجف إلا أن السيد صالحاً اشتهر بشعره الرائق الرقيق المترقرق حتى اقر بالسباق أئمة عصره من قاص ودان.
3 - (خلقه وخلقه)
كان السيد صالح حسن الصورة ابيض اللون مشرب حمرة بهي الطلعة طويل الرقبة ممتلئها أزج الحاجبين أفنى الأنف صغير الأذنين(1/330)
أنجل العينين أزرقها واسع الجبهة بارزها اسود الشعر في صباه بين الوجنتين طويل الحية كثها خفيف الشاربين متوسط الفم رقيق
الشفتين العسهما طويل الذراعين خثن الكفين لطيف البنان طويل النجاد خشن العظام ريان الأعضاء لاسمينا بدينا ولا ضعيفا نحيفاً.
وأما خلقه فكان كثير الأدب حسن السلوك ومما كان يشاهد فيه وهو أمر نادر في أبناء الإمامة البشاشة فانه كان طليق المحيا يهش بمن يلاقيه وكان مع ذلك على جانب عظيم من التؤدة والوقار لا تكاد تنظر إليه إلا ويجذب قلبك بمحاسن سمته لما طبع عليه من كرم الخصال والمزايا الشريفة وكان من عادته أن لا يرد سائلا أبداً أن استجداه أن في الطريق وان في المجالس العامة.
وكان مضيافا يحب إكرام زائريه في أقصى الغاية فان داره كانت تقسم إلى قسمين البهو وهو (الدوة خانة أو الديوان خانة) وكان يستقبل فيه الضيوف ويعدون بالعشرات كل يوم والحرم وهو البيت المعد للسكنى. وكان ينتاب مجلسه الشعراء والعلماء والأدباء والفضلاء على اختلاف مراتبهم وطبقاتهم وإذا جرى الحديث بحضوره لم يجسر أحد أن يخلط به ما يخالف أصول الآداب أو الدين أو يشتم منه رائحة العداوات لأنه كان يضع له حداً لا يتعداه أحد كما أنه كان يزع الحضور وزعاً فت منتهى الأدب والرقة واللطافة إذا احتاج الأمر إلى ذلك ولما كان عمله هذا بارزاً بأحسن صورة من المجاملة(1/331)
فما كنت ترى أحداً يمتعض منه البتة.
3 - (شعره)
قال الشعر منذ حداثته ونظم القصائد الطويلة النفس العامرة الإثبات وقد أبدع في الوصف حتى يصح أن يقال فيه إنه كان شاعراً ساحراً وقد وضع ديواناً قائماً برأسه اسمه الدرر الغروية في العترة المصطفوية. موضوعه مديح نبي المسلمين والأئمة الأثني العشر والديوان يشتمل على أربع عشرة قصيدة في مدح كل من نسبت إليه. وأبيات كل قصيدة تزيد على المائتين والقصائد كلها تشتمل على ما يناهز ثلاثة آلاف بيت.
وله ديوان ثانٍ كبير الحجم موضوع نظمه يختلف بين مديح وثناء ووصفٍ وردٍ وحكمٍ وعلمٍ ونسب وغزل ورثاء إلى آخر ما هناك لأنه طرق جميع أبواب الشعر وقد انشد اغلب قصائده في أيام غضاضة أهابه ومقتبل شبابه ثم مازال يقال من النظم ويجرد المواضيع من كل ما لا يناسب تقدم العمر حتى انقطع عنه بتة عند تجاوز سن الكهولة لأنه كان يعتبر
الشعر منقصة وشأن الإنسان في كماله أن لا يتجنب الآثام فقط بل أن يتحاشى النقائص أيضاً ولهذا فطم نفسه عما تحن إليه. حتى تفرغ للعلم كل التفرغ والمراد بالعلم علم الدين بفروعه وكان لا يمدح في شعرهِ إلا أهل البيت والأحباب والجلساء والعلماء ومن يحق له أن يمدح. . .(1/332)
4 - (انتقالهِ إلى بغداد وزواجه وأولاده ووفاته)
إن السيد صالح لم يقم طول عمرهِ في النجف يل صعد إلى بغداد في سنة 1259هـ (1843م) وكان قد تزوج في النجف ابنة أستاذه ومعلمه الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر المذكور ولما جاء بغداد تزوج ابنة الحاج محمد علي الشهير بالصفار.
وولد له ستة بنين وست بنات. أما البنون فهم 1: السيد مهدي وكان عالماً فاضلاً 2: السيد راضي وكان شاعراً مجيداً ماهراً بالتخميس كان إذا خمس قصيدة زاد الأصل حسناً ورونقاً وبهاءً بما يحيطه من درر نظمه ولفظه الرائع وقد أعقب أبناؤهم السيد محمود والسيد جواد والسيد أحمد وقد توفوا هم وأبوهم 3: السيد باقر وقد توفي 4: السيد حسون 5: السيد علي وهما حيان يرزقان.
وقد توفي السيد صالح القزويني في بغداد نهار الجمعة بعد الظهر 5 ربيع الأول من سنة 1301هـ (4 كانون الثاني 1883م) وكان عمره زهاء 93 سنة ثم نقلت جثته ودفنت في النجف.
قصر بخت نصر
(تلو)
وفي وسط هذه الجادة بين القصرين قصر الشمال الشرقي وقصر الجنوب الشرقي رتاج (باب عظيم واسع) مزدوج يرى إلى(1/333)
يومنا هذا وهو محفوظ احسن الحفظ. على أن الذي يستوقف طائر بصر الناظر الحائر وخاطر المتجول الزائر ويثير فيه عواطف العجب العجاب هو نقشان بارزان منقوشان في الآجر نقشاً دقيقاً محكماً متقناً بديعاً رائعاً يأخذ بمجامع القلوب ويسحر الألباب ويفتنها فتناً يرى في كل نقش من هذين النقشين الرائعين ثور أو حيوان خرافي كالثور، لسانه لسان حية نضناض، ومخالبه مخالب يبر هزبر، وذنبه
ذنب عقرب شائل، وعنقه عنق تمساح مراوغ. ومن ينظر هذين الحيوانين الغريبين العجيبين البارزي النقش لا يتمالك عن أن يحكم حكماً صائباً: أن الأقدمين كانوا قد أمعنوا كل الإمعان في هذه الصناعة، وقد بلغوا منها أقصى الغاية وابعد المرمى.
وأما الحيطان الخارجة عن هذه الجادة، فالظاهر من كلام المؤرخين إنها كانت مزينة بأسد من آجر مطلية بطلاء اصفر كالميناء (أي القيشاني أو الكاشاني) على ارض بيضاء.(1/334)
وقبل أن ننزع في قوس البحث ونتعهد القسم الأخير من هذا الصرح الممرد وهو اجمل قسم فيه. نغادر هنيهةً هذه الأطلال الناطقة بلسانها الأعجم افصح نطق لنعبر الجادة العظمى ونزور دوارس هيكل الزهرة، وهذا الهيكل يشتمل على فناءٍ صغير ومقدس ومشكاة (روزنة اورشن) كان يضع فيها تمثال هذه المعبودة، وكان التمثال من الذهب الإبريز، وكان قد عقد عليها قبة من الذهب الخالص أيضاً إلا إنها لم تكن عالية. هذا ما نقله إلينا الرواة وثقات المؤرخين ووجد مسطرا في الرقم المكتشفة في تلك الأنحاء. فإذا علمت هذا تصور الآن تألق تلك القبب المتلألئة حينما تشرق عليها الشمس أو تفيض عليها صيب أنوارهما عند تكبدها السماء في بلاد كبلاد الشرق الرائقة الهواء الشفافة الأثير، الناعمة الأديم. وفي قصر طوله من أربعمائة إلى ستمائة مثر في عرض ثلاثمائة متر، وقد تدفقت فيه جميع أعاجيب الكون والطبيعة، وغرائب الصناعة البديعة ومحاسن الزهو الرائعة السنيعة.
وأما مجدل الجنوب الغربي متصل بمجدل الجنوب الشرقي بأبنية فخمة ضخمة، قوراء غراء، مقسومة إلى ردهات وغرف متعددة، وفي هذا الصرح الممرد، وجدت الردهة الكبيرة، ردهة العرش، التي لو كان يجمع فيها هذا الطاغية مجلسه العظيم، ويعقد فيه تلك المقاصد بل المطامع، التي كان غرض مرماها إخضاع الدنيا كلها(1/335)
إلى صولجان، فهذه الردهة هي والفناء الداخلي الذي بين يديها محفوظان احسن الحفظ حتى أن الرائي يستطيع أن يشاهد مشاهدة صادقة الطوابيق (الآجر) المفروشة فيهما فوقفنا في هذا المعهد وقوفاً طويلاً لسرح فيه طائر النظر، ونطلقه على القرون الماضية الخالية المنقرضة فيذهب ويحلق في عالم الخيال، ويستحضر تلك الأمم البائدة، من حاضرة وبادية، ويحييها بلمح البصر، ويبعث فيها دبيب الحياة ومظاهرها، ومحاسنها ومساوئها ويشاهد ما كان يصدر من
أصحابها. ثم نعيده إلى الأيام الحاضرة وهو حاسر نقض، فينبئنا بلسان فصيح عن أمور لا يسع إيرادها القلم، لان ذلك اللسان لسان الفكر، لا لسان الفم. ومما صوره لنا هذا الطائر الخيالي مشهد الوليمة الشهيرة التي أولمها بلعشصر آخر ملوك بابل ويرويها لنا التنزيل العزيز بتفاصيل تريك الأمور بصورتها وحقيقتها، بل تجعلك كأنك واحد من أولئك المدعوين إليها. ولقد نشر لنا الخيال تلك الحقائق التاريخية من دفائنها أي نشور، حتى إننا رفعنا لننظر إلى الحائط الذي كتبت عليه تلك الألفاظ العجيبة، أو الغريبة، أو السرية، والسحرية، أو المطلسمة، بل الأولى والأصح الإلهية إذ خطتها أنامل يهوه، فلم نرها، فتأكدنا إننا من أهل الغفلة، لا من أهل اليقظة، ومن أهل الذهول، لا من منتبهي العقول. وإننا في عالم الخيال، لا في عالم المثال.
فيالها من الألفاظ، وما هي إلا ثلاثة! (منا، ثقل، فرس) هـ لكنها(1/336)
من أهول ما كتب في الكتب، ومن اعجب ما دون في الصحف، ومن اذهل ما تحقق تأويله، كيف لا ومؤوله دانيال النبي الكبير. فإذا زدت على هذا كله أن الموقف هو الموطن الذي أولمت فيه تلك الوليمة المشوومة التي عقبها بعد قليل فتح كورش لبابل تحققت أن ما تولانا من الحرس واعتقال اللسان والدله مالا مزيد عليه وان كان الفاصل بيننا وبين أولئك الأقوام البائدة أعوام مديدة بل عصور عديدة.
ولم نجسر أن نزور في هذا النهار اكثر مما زرنا، خوفاً من أن يكل غرب نشاطنا وتخور قوانا. ولذا رجعنا إلى مضيفنا نمشي الهوينا ونحن نفكر في تلك الممالك الضخمة التي أبادها ربك لكبريائها وغطرستها.
وأما منزل القرى فانه مبنى كسائر أبنية هذه البلاد أي انه عبارة عن دار فيها فناء تطل عليه جميع الغرف والعلالي. وهي واسعة ذات رفاهة جديرة بساكنيها المهندسين والمنقبين الألمانيين. ومن حسنات هذه الدار إنها مبنية على عدوة الفرات، وقد تحول قليلاً عن عقيقه الأول الذي كان عليه في عهد غضارة بابل. هذا ووجود الأشجار، وتدفق الأنهار، وتجاوب الاطيار، في تلك المواطن الساحرة للأنظار وللأفكار، ذكرينا منفى اليهود إلى هذه الديار، فأخذنا كتاب صلواتنا، وجلسنا على شط هذا النهر الجليل، وأخذنا نتلو ذاك المزمور الذي مستهله: (على انهار بابل) والذي انشأ في هذه الأرجاء الغناء.(1/337)
وفي تلك الأثناء كانت الشمس تنحدر في الأفق كل الانحدار، حتى غابت عن الأبصار، وراء رمال تلك القفار، فأجبرتنا جنود الظلام، على العودة إلى دار أولئك الكرام، وفي خلال تناولنا الطعام، أخذنا نتجاذب أطراف الكلام، ولم تخرج مواضيعها كلها عن أمور الخفر والتاريخ ووقائع الأيام.
ولما اقبل وقت النوم شعرنا بحاجة عظيمة إليه استجماعاً لقوانا، لأننا كنا قد عزمنا على أن نسير على دوابنا ست ساعات لنزور ما هو واقع على طف الفرات، وهو ما يظنه البعض (وظنهم فائل) انه: (برج بابل)، وتسميه كتب التاريخ: (برج نمروذ) وتسميه العرب منذ سابق العهد إلى زمننا هذا: (برس) أو (برس نمروذ) وقد ورد ذكره في كتب الفتوحات كما سنذكره بعيد هذا. والرأي الراجح اليوم هو أن هذه الأنقاض هي بقايا (هيكل نيو) الذي يتكلم عنه اشعياء والذي كانت تفتخر به بابل.
ومهما يكن من حقيقة الأمر فان الليلة كانت طيبة، وما كاد جبين الصباح الاغربيين إلا وسمعنا في جوارنا دويا مهماً هو جعجعة الجواريش وكانت النساء في أثناء الطحن يغنين غناء شجياً على نغم واحدٍ. وما سمعنا ذلك إلا وتذكرنا كلام(1/338)
إعياء النبي القائل لبنات بابل اللواتي ربين في الترف والكسل: (انزلي واجلسي على التراب، أيتها البكر بنت بابل، اجلسي على الأرض، فانه لا عرش لك يا بنت الكلدانيين، ولا تدعين من بعد ناعمة مترفة، خذي الرحى واطحني الدقيق، اكشفي نقابك وشمري الذيل (اشعياء 47: 1 - 2) -. من العجب أم مر على كلام الرب قرون وعصور ولم نر ما يكذب ذاك العقاب الذي عاقب به تلك المدينة العظمى من جراء شعب الله. وكنا نتصور عند سماعنا تلك الجعجعة إننا نسمع دائما ذلك الوعيد يدوي في آذاننا، ولعل تلك النساء كن مولودات في أرض تلك المدينة القديمة بابل العظيمة.
(الأب يوسف لويس الكرملي)
بقايا قصور الخلفاء في مدينة سامراء
تابع لما في الجزء الخامس
5 - قصر الخليفة
إذا جزت (بركة السباع) أو (أم البطوط) وأنت متوجه إلى الشمال الغربي، وقطعت مسافة لا تقل عن 500 متر تقف على قصر يعرف اليوم عند أهل سامراء (بقصر الخليفة) والبعض(1/339)
يسميه: (دار الخليفة) والمعنى واحد. وهو الذي مر ذكره في آخر مقالة الجزء الخامس.
أما هيئة هذا القصر فتشبه بعض الشبه (إيوان كسرى) المشهور الواقع في شرقي بغداد في جانبها الشرقي على مسافة عشرين كيلومتراً تقريباً. ولا نعلم شيئا يعتمد عليه من أمر هذا القصر بوجه اكيد، ولا لمن هو، ولا أي خليفة كان ينزله كما نجهل الخليفة الذي ينسب إليه، والوقت الذي بني فيه، ونحن لم نعثر على ما يدلنا إلى غايتنا، لا كتابة ولا علامة، إذ الذي يشاهد هو بناء مرتفع ذاهب في السماء وقد افترش من الأرض مساحة تقارب كيلومترا، وهو ولاشك من آثار الخلفاء العباسيين الذين دوخوا العالم بمدنيتهم وحضارتهم، إذ لكل من نزل سامراء شيد فيها قصرا بل ربما قصورا، لا سيما المتوكل، فقد قال ياقوت في معجمه عند ذكره قصور سامراء:
(وأراد الرشيد أيضاً بناءها (يعني سامراء) فبنى بحذائها سراً بازاء اثر عظيم قديم كان للاكاسرة. . . وكان الرشيد حفر؟ دها نهرا سماه (القاطول) (وهو الذي مر ذكره في الجزء الرابع من هذه المجلة) واتى الجند وبني عنده قصراً، ثم بنى المعتصم أيضاً هناك قصرا ووهبه لمولاه اشناس. . . ولم يبن أحد من الخلفاء سر من رأى من الأبنية الجليلة مثل ما بناه. فمن ذلك القصر المعروف (بالعروس)، انفق عليه ثلاثين ألف درهم، والقصر(1/340)
(المختار) خمسة آلاف ألف درهم، (والوحيد) ألفى ألف درهم (والسيدان) عشرة آلاف درهم، و (البرج) عشرة آلاف ألف درهم، (والصبح) خمسة آلاف ألف درهم، (والمليح) خمسة آلاف ألف درهم، (وقصر بستان الايتاخية) عشرة آلاف ألف درهم، (والتل) علوه وسفله خمسة آلاف ألف درهم، (والجوسق) في ميدان الصخر خمسمائة ألف درهم،(1/341)
(والمسجد الجامع) خمسة عشر ألف ألف درهم، (وهو الذي جاء وصفه في الجزء الخامس
باسم مسجد الملوية)، وبركوارا (ويروى بركوان وهو خطاء) للمعتز ألف ألف درهم، (والقلائد) خمسين ألف دينار، وجعل فيها أبنية بمائة ألف دينار. (والفرد) في دجلة ألف ألف درهم، (والقصر بالمتوكلية) وهو الذي يقال له (الماحوزة خمسين ألف ألف درهم. (والبهو) خمسة وعشرين ألف ألف درهم، (واللؤلؤة خمسة آلاف ألف درهم. . . وكان المعتصم والواثق والمتوكل إذا بنى أحدهم قصراً أو غيره، أمر الشعراء أن يعلموا فيه شعراً فمن ذلك قول على بن الجهم في الجعفري الذي للمتوكل:
ومازلت اسمع أن الملك ... تبني على قدر أقدارها
واعلم أن عقول الرجال ... تقضى عليها بآثارها
فلما رأينا بناء الإمام ... رأينا الخلافة في دارها
بدائع لم ترها فارس ... ولا الروم في طول أعمارها
وللروم مشيد الأولون ... وللفرس آثار أحرارها
وكنا نحن لها نخوة ... فطامنت نخوة جبارها
وأنشأت تحتج للمسلمين ... على ملحديها وكفارها
صحون تسافر فيها العيون ... إذا ما تجلت لأبصارها
وقبة ملك كأن النجوم ... تضيء إليها بأسرارها
نظمن الفسافس نظم الحلي ... لعون النساء وإبكارها(1/342)
لو أن سليمان أدت له ... شياطينه بعض أخبارها
لا يقن أن بني هاشم ... تقدمها فضل أخطارها
ولا تكاد ترى اليوم أثراً لهذه القصور التي ذكرها ياقوت بل ولا تسمع من أسمائها إلا ما ذكرناه أو سوف نذكره.
2 - قصر الخليفة
قصر ينبئك مرآه ورصانة بنائه وحسن وضعه عن مدنيةٍ لم تجئ في العصور التي تلت بناء ذلك الصرح. فهو إذن اثر عظيم من آثار العراق الخالدة. ونظن أن هذا القصر من أبنية المعتصم، ويؤيد ظننا قول اليعقوبي في كتاب البلدان وهذا نصه:. . . (ويمتد الشارع (أي الشارع الكبير وهو الأول) وفيه قطائع عامة إلى دار هارون بن المعتصم وهو الواثق.
) ثم باب دار العامة ودار الخليفة وهي دار العامة التي يجلس فيها يوم الاثنين والخميس:. . (ثم قال عن الشارع الثاني.،. (ويتصل ذلك (أي مجموع الإقطاعات) إلى باب البستان وقصور الخليفة.) اهـ والذي أقطع الاقطاعات وبنى القصور وكان صاحب دار العامة هو المعتصم بالله. ولعل هذا القصر من بقية قصور الخليفة وإنما لم يقولوا (قصور الخليفة) بالجمع لان من يراه اليوم وهو قصر واحد ظن انه إذا سماه بلفظ الجمع يخطأ، فلهذا يعدل عنه إلى المفرد تطبيقاً للكلام على حقيقة الواقع فيقول (قصر الخليفة) والجري على هذا السنن من مألوف عوائد أعراب العراق في تحريف الكلم عن مواضعها.(1/343)
أو لعل ما يرى اليوم هو دار العامة لان بعض أهل سامراء يسميه اليوم (دار الخليفة) كما ذكرناه فويق هذا. وهذا الاسم يقرب أيضاً الظنون من الرأي الأول. وعلى كل فهو لابد أن يكون للمعتصم أو لولده المتوكل والله اعلم.
ودونك الآن وصف هذا القصر على ما يرى اليوم: هو إيوان كبير كما أسلفنا القول في صدر هذه المقالة وعن جانبيه إيوانان آخران أصغر منه طولاً وعرضاً وارتفاعاً. ووجهه يقابل الشمال الغربي. أما طول الإيوان الكبير وهو الأوسط فيبلغ 13 متراً وعرضه ثمانية أمتار ونصفاً. وارتفاعه 25 متراً. وفي آخره من داخله باب ينفذ إلى إيوانٍ صغير ليس له منفذ من الجهة الأخرى. أما عرض الباب المذكور فثلاثة أمتار ونصف ارتفاعه خمسة أمتار. وعرض الجدار الذي عليه طرفا عقد الإيوان الكبير فطول كل منهما خمسة أمتار ونصف. في أربعة أمتار ونصف متر عرضاً وعشرة أمتار علواً. وعرض الحائط الذي يقوم عليه طرفا العقد متران أيضاً. ولكل منهما من الداخل باب ينفذ إلى حجرة صغيرة. أما عرض الباب فمتران وارتفاعه ثلاثة أمتار ونصف مترٍ.
أما بناء هذا الصرح الفخم فبالجص والأجر أو الطاباق الكلدانى، وبعض هذا الطاباق من نوع طاباق جامع الملوية، وقد فرش صحنه بالطاباق الكبير المذكور أي الكلداني وكل عقوده(1/344)
مقوسة. وعن جانبيه فناءان طول كل منهما سبعة أمتار. أما الفناء الذي عن يمين الإيوان المقابل للشرق فقد سقط ثلثه وبقى منه ثلثان. والذي عن الشمال وهو المقابل للغرب فقد هدم ثلثاه ويلم منه ثلث واحد. ووراء الإيوان المذكور تجاه الجنوب الشرقي بناء قد بقى منه شيء وهو متصل به وما هذا الشيء الأرسمه. ويمتد إلى الشرق من وراء
الإيوان مسافة ثمانية أمتار ونصف متر وحوله أنقاض جمة لا تكاد ترى موضع شبر من أرضها خالياً منها لتراكمها وتكاثرها. وفوق سطح الإيوان جاه الشرق أو قل تجاه الشمال الشرقي شرافة قد سقط معظمها وبقي منها ما يبلغ علوه زهاء ثلاثة أمتار في متر ونصف طولاً.
والإيوان الكبير مائل بهيئته الأولى ولم يتلف منه إلا بعض الحجارة وبينه وبين الشط قراب كيلومتر.
3 - سوراشناس
على بعد نحو 1300 متر من جهة الشمال الغربي من سامراء سور اشناس. هذا الاسم القديم معروف إلى هذا اليوم وهو مضاف إلى اشناس التركي قال اليعقوبي: (واقطع (أي المعتصم) اشناس وأصحابه الموضع المعروف (بالكرخ) وضم إليه عدة من قواد الأتراك والرجال وأمره أن يبنى المساجد والأسواق. . . ولما(1/345)
اقطع اشناس التركي في آخر البناء مغرباً واقطع أصحابه معه وسمى الموضع (الكرخ) أمره أن لا يطاق لغريب من تاجر ولا غيره مجاورتهم ولا يطلق معاشرة المولدين. . . وقال ياقوت. . . ثم بنى المعتصم أيضاً قصراً وهبه لمولاه اشناس وانزل اشناس بمن ضم إليه كرخ سامراء وهو كرخ فيروز. . . ولم يبق منها (أي من سامراء) إلا الموضع الذي به سرداب القائم المهدى ومحلى أخرى بعيدة منها يقال لها كرخ سامراء. . .)
أما السور فهو عبارة عن شرفات قاعات لا غير، وبناؤه باللبن والجص وساحته كلها عبارة عن تلول صغار وكبار ومساحته بقدر مساحة عيسى المار ذكره في الجزء الخامس، بل ربما يزيد عليه بقليل. وفي جوانبه الأربعة أنقاض كثيرة. وإذا جزته وأنت متجه إلى الشمال الغربي تقع بعد مسافة نحو (50) متراً على طريق شبيه بالشارع عرضه زهاء عشرين متراً ويمتد إلى أبي دلف قراب خمسة كيلومترات إلا انه يتشعب من جانبيه مسالك وطرق كثيرة هي اليوم ضيقة تتفاوت مسافاتها في القرب والبعد عن سامراء.(1/346)
4 - أبو دلف
إذا أمنعت في ذلك الشارع ينتهي بك إلى (أبي دلف) وهو عبارة عن مسجد له سور
بالطاباق والجص على غرار سور (مسجد الملوية) بالطول والعرض، بل ربما يكبره بقليل. أما طاباقه فهو أكبر حجماً من طاباق مسجد الملوية وأقوى بناءً واحسن هندسةً. وقد سقط جانبان منه وبقي الجانبان الآخران. وفيه منارة بهيئة منارة مسجد الملوية إلا إنها ليست مفتولة بل مستديرة مستطيلة يبلغ محيط أسفلها نحو (130) متراً وأعلاها قراب (10) أمتار. وهي دون الملوية علواً بنحو (15) متراً والجامع قريب من دجلة بينه وبين الماء زهاء (20) متراً وفوقه بنحو (50) متراً صدر نهر (الرصاصي)، وقد كانت عليه في سابق العهد قنطرة عامرة مبنية بالجص والطاباق وقد تهدمت اليوم ولم يبق منها سوى الأثر.
وحول أبي دلف شرقاً وغرباً أنقاض وتلول تفترش على أرض(1/347)
تبلغ مسافتها نصف مسير نصف ساعة، ثم إذا جزت تلك الأنقاض وسرت في أرض تقارب مساحتها مساحة تلك الأرض التي غادرتها تقف في قرية الدور.
كاظم الدجيلي
غنى هيت وذكر معادنها
6 - هوائها وماؤها وأرضها وزراعتها
هوائها طيب ومناخها حسن وأرضها عذبة. وليس في العراق بلدة مشهورة بنقاوة هوائها وصفاء مائها وحسن تربتها مثل هيت. ولهذا اشتهر أهلها بالزراعة والحراثة منذ سابق العهد إلى يومنا هذا. لكن زراعة اليوم ليست كزراعة أمس في عهد العباسيين فهي لا تكاد تذكر بجنب ما كانت عليه في عصر غضارتها.(1/348)
7 - البلور
يرى في نهر الفرات بين هيت وعانة بلور يستخرجه بالغطس بعض أهالي الأنحاء فيتزين به بناتهم ونساؤهم.
8 - المغرة
وفي غربي هيت على بعد نصف ساعة نوع من التراب اسمه المغرة ويسميها بعضهم (القرمز) وهو في بطن من الأرض تقدر مساحته بنحو نصف كيلومتر.
9 - الكبريت
في هيت وضاحيتها وجوارها عيون كبريت كثيرة وقد قدر بعض العارفين ريع ما يستخرج منه لو بذلت له الهمة بنحو خمسين ألف ليرة سنويا. لكن أصحاب الهمم؟
10 - النورة
في هيت نفسها وأطرافها نورة كثيرة منها ما هو على وجه الأرض ومنها ما هو مدفون في بطنها. واغلب ما تكون في الأرضيين المرتفعة حتى أن بضع عيالٍ قد اتخذت استخراجها وبيعها مهنة لها فتبيعها على نفقتها بدون معارضٍ.
11 - الفحم الحجري
على بعد كيلومترين من هيت في الجهة الشرقية منها مناجم فحم حجري وتقدر مساحة تلك الأرض بنحو عشرين كيلومتراً. حتى أن بعض العارفين يقول: لو اهتمت شركة بتعدين هذه المناجم(1/349)
لأمكنها أن تستخرج منها اكثر مما يستخرجه الأمير كيون في اركلي من بر
الأناضول.
12 - الملح
في الجهة الجنوبية من هيت وعلى بعد ثلاثة كيلومترات منها ملح كثير مبذول. واغلب ما يكون في الأراضي المرتفعة وفي هيت عين ملح كبيرة تجرى في الشتاء بقوة 12 حصاناً وفي الصيف تنجمد فتستخرج الحكومة ملحها.
13 - الزيت الحجري
على بعد كيلومتر من هيت وفي الجهة الجنوبية منها الزيت الحجري (البترول) بكثرة، وتقدر مسافة الأرض التي فيها هذا السائل النفيس بكيلومتر مربع. وهو شيء ليس بزهيد. وفي جانبها الشرقي عين أخرى على حافة الفرات اسمها (النفاطة) وهناك جماعة من العسكر تحافظ عليها وتستخرج منها النفط الأسود ليباع في الأسواق.
14 - البورق
الورق كثير الوجود في هذه المدينة حتى أن الفقراء يبنون بيوتهم بحجارته فضلاً عن الأغنياء والموسرين. وهو يقطع من جبل محيط بهيت.
15 - عيون مياه معدنية
على ربع ساعة من شرقي هيت عين تنبط ماء معدنياً حاراً(1/350)
اسمها (العين الجرباء) يقصدها أهالي هيت والديار المجاورة لها ليستحموا بها إذا أصيبوا بالجرب أو بمرض من أمراض الجلد. وماؤها ملح ورائحته كريهة كسائر المياه المعدنية الكبريتية الجوهر.
16 - عيون القار
في هت اكثر من عشر أعين يجري منها القير على أنواعه وأشهرها ثلاث وهي كبار والسبع الأخر صغار. فإحدى الكبار في جنوبي هيت والثانية في شرقيها والثالثة متوسطة بينهما. واليك تفصيل هذه العيون:
1 - عن (لطيف) (والكلمة مصغرة) تنبع قيراً نفيساً
2 - عين (الذهبي) تفيض قيراً أيضاً، وعلى وجه الماء رغوة خفيف ذهبية اللون.
3 - عين (دروبي) بضم الدال والراء وإسكان الواو وكسر الباء الموحدة ثم ياء مثناة) وتجرى قيراً حسناً، لكن رائحة هذه العيون لا تطاق. وهي على بعد عشرين دقيقة من البلدة، وينبط منها الماء مرتفعاً صعداً إلى علو متر ونصف متر عند اشتداده العظيم. ومع الماء يخرج الحمر (أي القير) كتلاً كتلاً بحجم البندقة أو أصغر، وكلما هدأت قوة الاندفاع لانسداد مسام العين حفرها صاحبها وتتبع آثارها في أعماق الأرض. والماء المنبجس منها عكر وله دوي عظيم يسمع على بعد خمس دقائق وحرارته واحدة صيف شتاء ولا تنقص كميته على مدار السنة، ويخرج من هذه العين(1/351)
يومياً من أربعين إلى مائة حمل حمار من القير الفاخر. والقيم عليها يضمنها من الحكومة بعشرين قرشاً صاغاً عن أربع وعشرين ساعة.
4 - عين (لائق) يغتسل فيها المرضى والزمني أصحاب العاهات الجلدية.
5 - عين (معمورة) تسيل (قسطاً) وهو القير الذي يعلك
6 - عين الملح وهي تفيض ماء ملحاً ومعه فصفور وقير. والماء سخن صيف شتاء. وعند خروجه من منبعه تسمع له بقبقة شبيهة ببقبقة الكوز. يسمعها من يدنو منها. وقد اهتم من يعنى باستخراج الملح منها بتحويل الماء عند خروجه إلى دبرات يقيم فيها مدة ستة أشهر اقل أو اكثر وبعد تبخر السائل منه يرسب الملح طبقات بعضها فوق بعض يكون ثخنها من سنتمترين إلى خمسة عشر سنتيمتراً، وهو ابيض اللون حسن الطعم تحمل منه سنوياً أحمال كثيرة تشحن بها السفن فتنزل بها إلى بغداد أو البلاد الراكبة الفراتين ولشدة ملوحته يضرب طعمه إلى المرارة ولهذا لا يستعمله البغداديون للطعام بل للصنائع فقط.
وهذه العين نفسها تجري قيراً ومادة فصفورية فالقير يعوم على(1/352)
وجه الماء كتلاً صغيرة يجمعها القيم عليها كلما كثرت وتجمعت. والعين مكشوفة على مساواة وجه الأرض مستديرة الشكل يبلغ قطرها متراً واحداً ولا يحيط بها إلا دائرة من التراب صدا للمياه النابعة كي لا تطفح عليها وتصب فيها من كل الجهات وللماء منفذ واحد غلظه غلظ الزند، ومنه يجري في ساقية مكشوفة ومنها إلى الدبرات والمشاور، - أما المواد الفصفورية فتراها سابحة على وجه الماء تنبعث منها تلك الرائحة المشهورة التي تغنيك عن وصفها وكنهها. وإذا كان الإنسان جاهلاً خواص الفصفور ومفاعيله في الجسم ولمس تلك المواد
فانه يحترق لا محالة. كما جرى لبعض الهيتيين الذين يعترفون للسائح بان عين الملح تقذف ناراً طبيعية، ولهذا لا يجسر أحد على جمع تلك المواد الثمينة لأنهم يجهلون كيفية التقاطه ومنافعه العديدة في أمور الكيمياء.
7 - عين (المرج) (وزان سبب) وهي تنبع قسطاً.
8 - (العطاعط (وزان سباسب) وهي تفجر قيراً فقط ولا يبض منها قطرة ماء.
9و10 عينا (الجرب) (وزان سبب) وهما عينان تفيدان أصحاب العاهات الجلدية.
هذه العيون التي تحققت وجودها ومنافعها المعدنية، فهل من حاجة بعد هذه الحقائق المذكورة إلى القول أن هيت من أغنى مدن الدولة العثمانية ومع ذلك فلا ترى من يستغل أو يستثمر ما فيها من أسباب(1/353)
الغنى والثروة ورقى البلاد، مع انك لوزرت إحدى مدن ديار الإفرنج ولها عين واحدة معدنية الماء أو فيها مادة مفيدة من نفط أو زيت حجري أو قير أو ملح أو كبريت أو فصفور أو نحوها لرأيت أصحابها الثروة يكترون (يضمنون) ما فيها من المرافق ومندفق الريع والإناء. وتحققت أن من عنى باستثمار ما في الطبيعة فالطبيعة تفيض عليه بالفواضل والنعم، عسى أن ييسر الله من يحقق هذه الأماني من أبناء الوطن. وإلا سبقنا الأجانب إلى تلقف ما في أيدينا لأننا لا نعرف قدره. والسلام على من سمع وعمل.
إبراهيم حلمي من طلبة المكتب الإعدادي الملكي
هل كان أعشى قيس نصرانياً؟
سألنا سائل قال: قرأت في كتاب شعراء النصرانية للأب الفاضل لويس شيخو اليسوعي أن أعشى قيس كان نصرانياً إذ عده بين شعرائهم. ثم بحثت في كتابه عن دليل يؤيد هذا الرأي فلم أر فيه إلا قوله: وقال يذكر مدينة اورشليم (1: 378) وقال يمدح بعض أكابر بيوتات النصارى ودياراتهم: (ص372).
وكعبة نجران حتم عليك ... م حتى تناخي بأبوابها
نزور يزيداً وعبد المسيح ... وقيسا هم خير أربابها
وقال يمدح يزيد وعبد المسيح أبني الديان (وكانا من النصارى) وقيل: يمدح السيد والعاقب أساقفة نجران: (ص384)
ألا سيدي نجران لا يوصينكما ... نجران فيما نابها واعتراكما. . .(1/354)
وان أحلبت صهيون يوماً عليكما ... فان رحا الحرب الدكوك رحاكما
فهل هذه الأقوال كافية ليستنتج انه كان نصرانيا؟
قلنا: 1 - لم نعثر في ما قرأناه على من صرح أن أعشى من باب إطلاق اللفظ أو من باب التغلب) كان يدين بالنصرانية.
2 - لا يجوز لكاتب أن يستنتج أن فلانا نصراني لكونه مدح نصرانيا أو ذكر ألفاظاً نصرانية أو ذكر معتقدات النصارى فان لكل أديب فاضل من كل دين اطلاعا كافية على أصحاب سائر الأديان ومعتقداتهم. فمجرد الاطلاع على شئ لا ينتج قبوله أو القول أو القول به. وإلا فلم لا يقال أن الأعشى كان مسلما وقد مدح نبي المسلمين مدحا صريحا بقوله (وهو يكلم ناقته):
فآليت لا أرثى لها من كلالة ... ولا من حفا حتى نزور محمدا
تبى يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وانجدا
متى ما تناخى عند باب ابن هاشم ... تراحى وتلقى من فواضله يدا
(ثم سئل): أين أردت يا أبا نصر؟ قال: أردت صاحبكم هذا لأسلم. . . (عن الأغاني 8: 85 و86) فهذا كلام واضح على انه كان يريد الإسلام.
3 - لا يمكن أن قال أنه كان نصرانياً وقد سمى الصليب وثنا والنصراني لا يجسر على أن ما يسميه بهذا الاسم. أما انه سماه وثنا فظاهر من هذا البيت:(1/355)
تطوف العفاة بأبوابه ... كطوف النصارى بيت الوثن
قال صاحب اللسان: وكانت النصارى نصبت الصليب وهو كالتمثال تعظمه وتعبده. ولذلك سماه الأعشى وثنا. وقال (البيت) ثم قال: أراد بالوثن الصليب.)
4 - كان الأعشى على دين دهماء العرب وهي الوثنية مع التوحيد وكان قدرياً وقد اخذ مذهبه عن العباديين نصارى الحيرة وكان يأتيهم يشترى منهم الخمر فلقنوه ذلك (عن الأغاني 8: 79)
وهذه الأدلة كافية ليهتدي بها ويؤخذ منها أن الأعشى لم يكن نصرانيا أبداً، وان عاشر النصارى وخالطهم، فالرجل كان منهكاً يشرب الخمر ولم يهمه أمر الدين البتة.
على الأب لويس شيخو لم ينصر هذا الرجل وحده بل نصر جماعة من شعراء الجاهلية لكن وا أسفاه! بعد موتهم وانتقالهم إلى دار البقاء! حقق الله أمنيته وأثابه على نيته أن لم يثبه على عمله المبرور!!!
كأني محاربه
وعرفني بالناس ما كنت جاهلاً ... به صرف دهرٍ حنكتني تجاربه
فها أنا للأيام ما زلت شاكراً ... وللدهر لما حاربتني نوائبه
جزى الله الدهر عنى الدهر خيراً لأنه ... أرتني إخلاء الزمان عواقبه
واظهرن لي حب الحبيب وبغضه ... وغدر أخي القربى ومن أنا صاحبه(1/356)
فلم أر منهم مذ دهتني رزية ... من الدهر إلا من كأني احاره
كاظم الدجيلي
باب المشارفة والانتقاد
1 - جبل عامل
(جريدة أسبوعية جامعة تعتني اعتناء خاصا بشؤون جبل عامل) وتصدر في صيداء، وتطبع بمطبعة العرفان، لصاحبها ومديرها المسئول: احمد عارف أفندي الرين، صاحب مجلة العرفان وهي من الجرائد التي تغني مطالعتها عن كثير من الصحف اليومية والأسبوعية التي تنتشر في الديار الشامية، لان صاحبها يجمع فيها خلاصة الأخبار ولبابها بحيث لا يرى فيها قشوراً تنبذ كما يرى في بعض الجرائد التي أشرنا إليها.
وأما خطتها فهي من احسن الخطط، أذهى علمية، إخبارية، سياسية، اجتماعية غايتها الأولى والقصوى: الجمع بين العناصر والحث على الاتحاد والاتفاق.
وصل إلينا العدد الأول منها، الذي برز في 7 المحرم سنة 1330 الموافق 28ك1 سنة 1911، وقد بحث فيه الكاتب النحرير عن جبل عاملة وسبب تسميته بهذا الاسم، فرجح انه اسمي كذلك بالإضافة إلى عاملة بن سبا، وقيل: إلى بني عاملة، وهم من القبائل اليمانية. قلنا: هذا رأي كثير من الكتاب والأدباء، إلا إننا لا نرى هذا الرأي، لان اسم (جبل عاملة) حديث الوضع بالنسبة(1/357)
إلى عاملة بن سبا، أو إلى بني عاملة، فلو كان الأمر كما ذهب إليه جماعة، لعرف هذا الاسم منذ الإعصار المتوغلة في القدم، والحال إننا لا نعلم به إلا منذ خمسة أو ستة قرون، والاسم الذي كان يطلقه عليه العرب في سابق العهد هو: (جبل الخليل). قال ابن الأثير في الكامل (12: 84) من الطبعة الإفرنجية أو 12: 50 من الطبعة المصرية): (جبل الخليل الذي يعرف بجبل عاملة) فالظاهر من كلامه هذا أن اسم جبل الخليل اخذ بالتناسي، وباشتهاره باسم (جبل عاملة) (حتى ذكر ما ذكر. وقد نوه بهذا الاسم أبو الفداء في تقويم البلدان ص48 من الطبعة الباريسية، وممن ذكر أيضاً هذا الاسم صاحب دائرة المعارف في مادة (عاملة)
وأما حروف الجريدة وطبعها وكاغدها ففي غاية الجودة، ولا ينقصها إلا عناية بتصحيح أغلاط الطبع وهي كثيرة. كقوله في ص2 من العدد 1 في العمود 1 (لمصالح القضوات الثلاث) فالقضاء مذكر فكان يجب أن يقال الثلاثة والقضاء لا يجمع على قضوات لأنه ممدود بل على أقضية. وكقوله: صيدا. وصوور. والمراد: صور وكقوله: يتبركون هناك
في العاملين، والأصح: بالعاملين، وكقوله في العمود 4 يتخرج منها أفاضل، والمراد يتخرج فيها أو يخرج منها. وكقوله: وناهيك أن يوجد في هذه الرقعة. ولا معنى لناهيك هنا. فلا جرم أن هذه الأغلاط من المنضد أو دسها بعض جهله المصححين. وإلا فان حضرة صاحب الجريدة من الكتاب(1/358)
المجدين. ومن شيوخ العلم المعروفين، وفقه الله إلى ما به خير العموم، ونهضة الوطن. بمنة تعالى وكرمه.
2 - العلم الموروث، في إثبات الحدوث
رسالة للشيخ محمد سعيد أفندي النقشبندي وقعت في 30 صحيفة بحرف دقيق وهي تفيد من ينكر وجود الكون أو خالقه، واغلب ما ورد فيها من الأدلة معروف. فكان من الأجدر بالكاتب أن يأتينا ببراهين جديدة (لان لكل جديد لذة) والرسالة كلها على نفس واحد لا تقطيع فيها وهي على الطريقة القديمة التي يستثقلها الذوق ولا يستحسنها العقل فضلا عن أهل العصر. فالأمل إنها إذا طبعت ثانية تقطع المباحث بعضها عن بعض ويعنون كل بحث على حدة في سطر خاص به تشويقا للمطالعة وترويحا للعين والنفس معاً.
3 - طلستوي
(ترجمة حياته - منتخبات من تأليفه وقصصه - آراؤه الفلسفية ثم روايته سلطان الضلال. تأليف وتعريب محمد أفندي المشريقي. طبع بمطبعة التقدم الإسلامية لصاحبها البشير الفورتي في تونس.
وكثير من الكلام هذه السنيين الأخيرة عن الكاتب الروسي طلستوي ولاسيما عند وفاته التي وقعت في 20ت 2 سنة 1910 فمنهم من صوب كتاباته كلها بدون أن يرى فيها أدنى مغمز ومنهم من عابها بتاتا ومنهم. من استصوب ما جاء فيها من الحسنات ورذل ما جاء فيها من الآراء الواهنة الواهية. ونحن من أصحاب الفريق الثالث، واحسن دليل على ما تقوله(1/359)
مطالعة ما نقله حضرة محمد أفندي المشيرقي فانه عرب شيئا من نفثات طلستوي ليطلع عليها أبناء هذه اللغة ولكي يعلم الكل أن ما ذهب إليه هذا الرجل الغريب الأطوار هي من باب الخياليات أو المحاليات، إذ (يقول: انه بعد أن تحمل زمنا طويلا الآلام الباطنية لعدم مقدرته على تطبيق شؤون حياته المنزلية على أصول معتقداته النفسية - إذ
الزم بالعيش بوسط باذخ رغم انفه - ترك ذويه ليلقى الموت ناسكاً مثل روسي الغابرة) (ص3) وهذا الكلام وحده كاف لإظهار ما كان في مذهبه من خلل وعيب.
وقد رأينا في كلام المعرب تكلفاً ظاهراً وفي بعض المواضيع عدم تدقيق في تعريب الألفاظ الإفرنجية كقوله النهيليسم (الفوضى) والأصح أن يقال (العدمية). ولو فرضنا أن الفوضى هي اللفظة الواجبة في هذا المقام من جهة المعنى فهي لا توافقها كل الموافقة من جهة المقابلة الواجبة هنا فكان يجب أن يقال مثلا (الفوضوية) على أن هذه هي (انارشي) باللغة الفرنسوية.
ومن أغلاطه النحوية قوله: كلما استغرق متأملاً. . . إلا وازدادت مفارقته.) ص15 والأصح: ازدادت بحذف (الآلف والواو) وكقوله في تلك الصفحة: لم يكن الحب خيالي دون شخص معين.) والأصح: خياليا. إلى آخر ما هناك. وعلى كل فان هذا الكتاب لا يخلو من فائدة لمن يطالعه بعين نقادة.
4 - إرشاد الخلق، إلى العمل بخبر البرق(1/360)
(تأليف الشيخ محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم بن صالح القاسمي الدمشقي. هو كتاب في جواز الاعتماد على التلغراف، ويليه عدة من فتاوى الإشراف في العمل بالتلغراف. طبع في ملعبه المقتبس سنة 1329) عدد صفحاته 104 يقطع 104 الثمن الكبير.
الكتاب الذين يجمعون بين سداد الرأي وحسن التعبير ومتانته قليلون يعدون على الأصابع بالنسبة إلى كثرة المؤلفين. وممن يعد من مبرزي هذه الجماعة الشيخ العلامة محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي فان كل ما خطته أنامله وخبرته يراعته يشف عن سمو في الأفكار وابتداع في المعاني وابتكار في الآراء. وله عدة تأليف تؤيد قولنا هذا ومن جملتها هذا الكتاب الذي نتصفحه اليوم فانه مفيد كل الإفادة ولاسيما لهؤلاء الأقوام الذين يريدون بالأمة التخلف عن سائر الناس والجمود في حالتها الأولى التي فطروا عليها. وهم ليسوا بقليلين في الديار العربية اللسان والإسلامية المعتقد.
وفي هذا الكتاب (تمهيدات) حرية بأن يطالعها كل مسلم، فهي تدل على ذكاءٍ غريب في كاتبها. والسفر حسن العبارة، على إننا كنا نود أن ينزه الكاتب قلمه عن بعض الألفاظ غير
الفصيحة كقوله في ص4 (وما أوصلهم إلى هذه الميزة إلا تمنعهم في دقائق الأمور) ولو قال إمعانهم في دقائق الأمور أو تدبرهم دقائق الأمور لكان اصح وافصح. ومثله قوله: (وسبر غور الماجريات). فلقد اكثر أصحاب الجرائد من هذه اللفظة وهي لا تليق أن ترد على قلم(1/361)
مثل قلم شيخنا الفاضل، على أن مثل هذه الألفاظ قليلة جدا لا تكاد تذكر. فعسى أن تكون الطبعة الثانية منزهة عن هذه الشوائب.
القسطاس
(جريدة مؤقتة أسبوعية (أي أسبوعية مؤقتاً) أدبية سياسية جدية هزلية حرة. . . . لصاحب امتيازها أعظمي عبد الجبار أفندي. ومديرها المسؤول: محمد هادي أفندي). صدر عددها الأول في بغداد في 17 صفر سنة 1330 الموافق 5 شباط سنة 1912 وهي تنشر بالعربية والتركية معا. وعساها أن لا تحتجب كما توارت أخواتها عن الأنظار.
الحياة
ظهرت في بغداد (مجلة شهرية تبحث في السياسة والاقتصاد والتاريخ والاجتماع) مديرها المسؤول: سليمان أفندي الدخيل وصاحبها ومحرراها: سليمان أفندي الدخيل وإبراهيم حلمي أفندي. وقد طالعنا العدد الأول منها الصادر في صفر هذه السنة (الموافق لشهر شباط 1912) فوجدناه حافلاً بالمباحث، جم المادة، متوفرها.
ومن خطة هذه المجلة: (البحث في الإسلام، والعرب والعجم، والآثار، والأمم والشعوب، والسياسة الداخلية والخارجية، والانتقاد، والهجوم والدفاع، وأقواس (؟) وأنفاس، والتاريخ.
اشتراكها في بغداد 40 غرشاً صاغا و45 غرشاً في(1/362)
البلاد العثمانية و15 فرنكاً في الخارج.
والمجلة كثيرة المواضيع، مختلفة التبويب، إلا انه يشوه محاسنها غرائب بعض الآراء كالتي وردت في ص9 وركاكة التعبير في بعض المواطن وكثرة أغلاط الطبع في (جميع الصفحات). من ذلك ما ورد على الغلاف: أصحابها ومحرروها سليمان الدخيل وإبراهيم حلمي. والأصح صاحباها ومحرراها. وفي ص1 كانون الثاني. والأصح كانون الثاني. وفي ص2 وردت كتابة (ابن) بدون ألف 11 مرة مع إنها لم تقع هناك بين علمين بين اسم الابن وأبيه. وجاء فيها ذكر (بن خرد باذيه) والأصح: ابن خرداذبة. (ويظن في وقته) والأصح: ويظن وقته، (ويصرفه فيما لا ينفع) والأصح: في ما لا ينفع).
وهكذا لا تخلوا كل صفحة من بعض أغلاط، وما العتب إلا على أصحاب المطابع الذين لا يعنون بإصلاح ما ينقح لهم. فعسى أن يكون العدد الثاني اقل أغلاطاً. ويوفق رصيفانا وصديقانا الماجدان لكل نجاح وفلاح، يمنه تعالى وكرمه.
نفكر
كثرت الصحف والمجلات في بغداد على قلة عدد القراء، ولهذا لا تعيش طويلاً والتي تعيش منها تتبع خطة خاصة بها ومن جملة الجرائد التي برزت إلى عالم الوجود هي (تفكر) وهي تركية عربية قد كتبت على صدرها: (اونيون اوتومان معافيرور جمعيتك مروج أفكاري)(1/363)
أفكار نده حر عثمانلي غزته سيدر. (وقد ظهر عددها الأول نهار الأربعاء في 3 ربيع الأول سنة 1330 الموافق 21 شباط 1291 صاحب امتيازها ومديرها المسؤول سلمان أفندي عنبر ومحرر قسمها العربي ابن المنذر. وهي تخدم أفكار الاتحاد العثماني وتسعى في نشرها. وهي تطبع في مطبعة دنكور.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
بيع أرض عقرقوف -
عقرقوف بناء فحم ضخم على أربعة فراسخ من غربي بغداد وله شهرة عظيمة في التاريخ. وكانت حواليه قرية تعد من نواحي دجيل. وليس اليوم هناك قرية بل أرض قفر فيها تل عظيم مبني باللبن. وكان هذا التل في عهد الكلدانيين صرحاً جليلاً مبنيا في مدينة كانوا يسمونها (دور كوريجلزو). وكان قد دوخها ملك أشور (تفلت فلاشر) في نحو سنة 1130 قبل المسيح. فتكون المدة من تدويحها إلى هذا اليوم 3042 سنة فإذا زدنا عليها إنها بنيت ومصرت قبل هذا التاريخ ببضع مئات من السنين، فيكون بناء هذا التل من نحو أربعة آلاف سنة، أي من عهد إبراهيم الخليل مع أن الذي يراه اليوم لا يحال انه شاهد صرحاً من تلك العصور الخالية. وهذا الذي نقوله ليس من باب الرجم والتكهن بل هو من باب الحقائق المثبتة المقررة والتاريخية التي لا تحتمل(1/364)
لريب والشك لكثرة ما اكتشف من الرقم المؤيدة لهذه الأنباء بدونه.
وقد ذكر التاريخ عدة أحداث وقعت في أنحاء عقرقوف، منها سبقت الإسلام بمئات من السنيين، ومنها طرأت بعده، ومنها لا تزال مع حواليه بين أعراب البادية إلى يومنا هذا،
والغور (أو الهور) الذي يسمى بعقرقوف يشمل أرضاً واسعة، ومساحة أهم قسم فيه يبلغ 690 فدانا ويسميها اليوم بعضهم القرمة) ويلفظونها (الكرمة) بالكاف الفارسية المثلثة التنقيط بالجيم المصرية أي تلفظ والقرمة عند العراقيين أرض مئنة تفيض فيها بعض الأحيان مياه أمطار التلاع والأراضي العالية تكون لورة لها، أو مياه الأنهار المشرفة عليها والغياض والآجام آنية لها، حتى انه يشق منها انهار تسقى بها الأرضون لمزروعة؟ تاجه إلى الماء.
وقد جاء دار السلام في هذه الأيام رجل اسمه (السيد أبو بن عبد الله العطاس) من تجار جزيرة جاوة، مسلم العقيدة أني الأصل، هولندي التبعة، يريد المهاجرة إلى العراق هو روه، ليعمر فيه أرضا بكده وجده. وقد وقع نظره على أرض وقوف المذكورة التي هي من الأملاك الأميرية. ووعد انه إذا رآها يجلب لها زراعاً من أهالي اليمن ومسقط ويتقيد بين العثمانيين(1/365)
هو من ينتمي إليه.
وبعد أن عين رجال يبحثون في مساحة الأرض التي تباع وقيمتها وقع أرضى بين أرباب العقد والحل وبين هذا الرجل الجاوي اليماني انه يشتريها بسبعة آلاف وخمسمائة ليرة فقط على الشروط الآتية:
1 - يجب أن تعرض رسوم إنشاء الأنهر التي تشق من الفرات على المهندس الأول لمياه الولاية ليوافق عليها إذا كانت وافية بالمقصود.
2 - أن يكون هذا الرجل وابن عمه السيد عمر بن علوي العطاس وجميع المسلمين الذين يزرعون تحت أنظارهما من التبعة العثمانية.
3 - يجب أن تعرض على الحكومة مواقع القرى التي ينشئانها وطرز إنشاء الأبنية التي يبنيانها وتقدم لها مخططاتها لترى رأيها فيها وتوافق عليها.
4 - يجب أن ينشأ مكتب ومسجد في كل قرية يحدثانها.
لا يسوغ لهما أن يبيعا الأراضي المذكورة لا قطعةً قطعة ولا صفقة واحدة وبعد أن وقع لاتفاق بين الفريقين على هذه الشروط سافر السيد أبو بكر إلى الأستانة لينهي الأمر على وجه لا يكون فيه فسخ ولانقض.
الأمير أحمد بك السعود
قدم دار السلام في هذا الشهر احمد بك أحد أبناء السعود من أمراء نجد، وقد حل ضيفا في دار سليمان أفندي الدخيل صاحب جريدة الرياض. والغاية من قدومه بحقوق النيابة(1/366)
لديار نجد.
الأمراض في البلدة
لازالت الأمراض الوافدة كثيرة في البلدة ولاسيما في محلة النصارى فان الحمى التيفوئيدية (ويسمها العوام هنا النقطة) تفتك فتكا ذريعا ولاسيما في الأولاد. وربما وجد ولدان أو ثلاثة في البيت الواحد. والأطباء ينسبون هذا الداء إلى أكل الخس الذي يمد بأنواع السرقين ولاسيما بالبراز المتحلل. والأولاد مولعون بأكل أحرار البقول وينسبونه أيضاً إلى الماء الذي يتحلل فيه أنواع الأوساخ. فيجب على أهل البيوت أن ينقوا مياههم بإغلائه إلى أن تضمحل الوافدة من المدينة.
وقد كثر أيضاً موت الفجأة أو الموت بعد مرض قليل المدة رحم الله عباده.
أشغال السكة الحديدية البغدادية
الألمانيون يسرعون في أشغالهم كل السرعة والأعمال الأولى قد تقدمت كل التقدم والأمل أن تكثر العملة والموظفون لكي لا يمضي الزمان بدون فائدة.
إعراب العبارة
جمع الجموع حاتم وعبد الكريم ابنا الشيخ صيهود رئيس عشيرة البو محمد وأخذا يتعرضان للسفن والبواخر السائرة بين القرنة وشطرة العمارة ومن بعض تعديات هؤلاء الأقوام انهم هجموا على الباخرة(1/367)
(بغداد) في ذهابها إلى البصرة، والباخرة (برهانية) في عودتها من البصرة، وأمطروا الرصاص على المركبين من جانبي دجلة ولولا وصول الباخرة (مرمريس) البحرية وإطلاق مدافعها على هؤلاء الأشقياء لكان الضرر عظيماً. (عن جريدة بين النهرين ببعض تصرف).
مدارس في البحرين
لما يئس أهل البحرين من مطالبة الحكومة بما يعود إلى خيرهم وخيرها اخذوا يجمعون المال من باب الإعانة لفتح مدارس يدرس فيها اللغة العربية والإنكليزية. وفي نيتهم أن يجلبوا لها معلمين من بيروت بشرط أن يكونوا من العرب.
(عن الرياض)
تبرع في سبيل كلية الكويت
تبرع الشيخ عبد الرحمان ابن الشيخ جاسم من آل إبراهيم بعشرين آلف ربية تشييد هذه الكلية فبلغ مجموع ما جمع في هذا السبيل النافع ثمانيين آلف ربية. والأمل انه يشرع ببناءهما هن قريب.
(الرياض)
التنقيبات في الاحيمر
عثر الابيل دجنوباك في تنقيباته في الاحيمر على هيكل قديم العهد، لكنه لم يجد ثم أجرا مكتوبا أو تماثيل تدله على ما يتعلق بتاريخ ذلك الموقع، فلعل تتابع الحفر يميط النقاب عما يرغب فيه.(1/368)
العدد 10
بلد روز
أو بلاد الروز في التاريخ
في قضاء خراسان من ولاية بغداد وان شئت فقل في شمالي مركز لواء بغداد قرية شهيرة بخصبها اسمها الحالي (بلد روز) ويظن البعض أن هذه القرية هي حديثة العهد وإنها سميت بهذا الاسم لكثرة زراعة الرز فيها إذ هو من اعظم حاصلاتها. على انهم لو انعموا النظر في اللفظة لما قالوا ذلك لان اللفظ الشائع هو (بلد روز) لا (بلد رز) على انه يحتمل أن يقال أن اللفظة صحفت على هذا الوجه ولا شئ أهون من هذا التصحيف كما يظهر لأدنى روية.(1/369)
بيد أن الأمر ليس كما يتوهم. فان بلد روز قديمة العهد ولعلها ترتقى إلى ما وراء عهد ملوك بنى ساسان، إذ قد ورد ذكرها منذ أول عهد فتوح العرب لهذه الديار، واسمها الحقيقي هو (براز الروز) أو (إبراز الروز) بسكون الباء في الحرفين.
قال الطبري (2: 906 من طبعة دي كوي) في أحداث سنة 76 هـ (695م): ثم أخذنا (أي شبيب الذي يتكلم وجنده حيثما كنوا بجوار الكوفة) الطريق على براز الروز ثم مضينا على جرجرايا وما يليها. وقال (في 2: 909) وقد اخذ شبيب إلى براز الروز فنزل قطيطيا وأمر دهقانها أن يشترى لهم ما يصلحهم ويتخذ لهم غداءً ففعل) والظاهر انه كان في جوار براز الروز دير للنصارى فقد قال المؤرخ المذكور (في 2: 91 وفي حوادث تلك السنة). . . . والحديث الآخر قتالهم فيما بين دير أبى مريم إلى براز الروز.
وقد ذكر المحققون من أهل التاريخ أن خصب هذا الصقع من اخصب ديار السواد (أي شمالي العراق) فقد ذكر ابن خرداذبة باتاء سنة 260هـ (873م) ما هذا نصه:
كان حاصل طسوج براز الروز 3000 كر حنطة 5100 كر شعير 120000 درهم عن ريع سائر الغلات.
وقد كانت براز الروز طسوجاً من طساسيج كورة (استان شاذهر مز) وهو من تعبير ذلك العصر نقلاً عن الفرس يقابله اليوم قولنا: قضاء من أقضية خراسان.(1/370)
وكان هواؤها طيباً يذهب إليها بعض موسري بغداد طلباً لترويح النفس وقد كان المعتضد بالله قد بنى فيها قصراً. قال الطبري (في 3: 2192) ولأربع ليال بقين من صفر (سنة 287 هـ 1 آذار سنة 900م) دخل المعتضد من منتزهه ببراز إلى بغداد، وأمر ببناء قصر
في موضع اختاره من براز الروز فحمل إليه الآلات وابتدأ في عمله.
وقال ياقوت في كلامه عن هذا الطيوج ما هذا نصه: براز الروز: بالزاء (في آخر كلمة براز) ثم ألف لام وراء مضمومة وواو وزاء. من طساسيج السواد ببغداد من الجانب الشرقي من استان (شاذ قباذ) (ويقال أيضاً شاذ هرمز وهما اسمان لمسمى واحد وهذا تقول ما تريد فانك مخير في اللفظيين) وكان للمعتضد به أبنية جليلة.
وممن ذكر هذا الطسوج المسعودي في كتابه التنبيه والإشراف ص 61 من طبعة ليدن فقد في كلامه عن آطام البحر الخزري ما هذا نصه: (اطمة اربوجان ممايلى السيروان من بلاد ماسبذان وهي المعروفة (بحمة نومان) مما يلي منجلان. وذلك يرى على أربعين فرسخاً من بغداد على طريق البند نيجين وإبراز الروز)
وقد ذكر براز الروز غير هؤلاء الكتاب ولا حاجة لنا إلى إيراد جميع النصوص فحسبنا ما استشهدتا به إلى الآن وقد جاءت في اغلب الكتب المذكورة بألف في الأول أي إبراز الروز. ومنهم(1/371)
من لم يذكرها إلا بالألف ومنهم أيضاً بالوجهين.
ويوجد مدينة ثانية مسماة بهذا الاسم وهي على طريق واسط. قال ابن رستة في كتابه الاعلاق النفسية ص186 ما نصه وهو يعتبره وادياً:
(من (المدائن) إلى (قباب حميد) تسير حتى تنتهي إلى قنطرة على شط دجلة يقال لها (قباب حميد). وبحذائها مما يلي الجانب الغربي موضع يسمى (طيرستان). ومنه إلى (سيب بنى كوما) تسير حتى تنتهي إلى واد يقال له (براز الروز) وينصب في دجلة فتعبر بالسفن حتى تنتهي إلى (سيب بنى كوما) وكان هذا الموقع وقعة الصفار مع الخليفة وفيها أشجار الزيتون. اهـ.
ومعنى براز الروز بالفارسية (ضياء النهار أو بهاء النهار) لحسن موقع المكان لا لأنه بلد الرز كما يتوهمه العوام.
واليوم براز الروز قرية مهمة. ولاسيما لان أحد موسري الأستانة وهو المسيو زريفي اشترى فيها أرضاً واسعة مساحتها 45 ألف هكتار وعين لها أحد مهرة العارفين بأصول الزراعة على أنواعها. فكان مثال سعى المشترى والخبير القيم بأمرها ومن معه من الإفرنج من احسن ما يمكن أن يدفع أهالي هذه البلاد إلى اقتفاء آثارهم للحصول على ما
بلغوا إليه من النتائج الحسنة.
ومنذ أن اشترى المسيو زريفي تلك الأرض وهي عبارة عن ربع مساحة القضاء (لان تكسير القضاء المزروع بأسره هو(1/372)
عبارة عن 179208 هكتارات) اصبح من احسن اقضية هذه الديار ومن أغزرها عائدة للبلاد ولأهاليها وللحكومة. وهذا الكلام يشمل الزرعين الشتوي والصيفي. فشتويه الحنطة والشعير والطرماهي وغيرها. وصيفيه: السمسم والرز والقطن وغيرها. وهناك النخل وتموره المتنوعة وفي قضاء خراسان العنب والرمان والبرتقال وكلها من أجود الأنواع وأفخرها وشهيرة في العراق. واحسن أرز خراسان هو أرز ملك المسيو زريفي.
وأما المياه التي تسقى هذه الزروع فكلها تأتى من ديالى الذي كان يسمى أيضاً في السابق نهر تامرا وهو يقطع القضاء بأسره من(1/373)
الشمال إلى الجنوب ومنها تأتي من نهر خراسان وهو النهر الذي يسمى في السابق جلولاء وكانت تسير فيه السفن في عهد العباسيين إلى باجسرا (المسماة اليوم أبو جسرة) وأما اليوم فقد اصبح نهراً صغيراً لا شان له الاسقى الأرضيين.
وأما حاصلات هذا القضاء فكانت من الحنطة والشعير في السنة الماضية.
14200 طغار حنطة
52400 شعير21، 868، 000 كيلو غرام
80696000 - المجموع 66600 طغارالمجموع 102564000 كيلو غرامفهذه الأرقام وحدها من احسن الأدلة على غنى هذا القضاء والله الموفق.
أنواع الأرز المعروفة في العراق
يسمى العراقيون الأرز باسم آخر مشهور عندهم وهو التمن بتاء مثناة مضمومة يليها ميم مشددة مفتوحة بعدها نون. وأسماؤه تختلف باختلاف تفاوته في اللون وطول الحبة أو امتلائها إلى غير ذلك. فمنه:
1 - الرز أو الأرز أو التمن الأحمر أو تمن الخالص وتكون حبته حمراء ممتلئة وأكثر زرعه يكون في الخالص وهو كورة في شرقي بغداد. وهو أدنى أصناف الرز في الطعم والرائحة واللون والغذاء، لأنه يزرع لكثرة ما تؤتي الحبة الواحدة منه فانه تفوق سائر الأنواع(1/374)
نتاجاً وحاصلاً. ولا يأكله إلا الفقراء.
2 - التمن النقازة (وزان رمانة ونشابة أو اقل بالحركة المشتركة) هو أرز فاخر يشتريه أصحاب الذوق اللطيف لا يأكله إلا المثرون لغلائه. وهو إذا طبخ لا يحتاج إلى سمن كثير وطعمه فاخر وكذلك رائحته. ولعله سمى كذلك لأنه ينقز عنه أي يدفع عنه كل تمن سواء. ويسمى النقازة أيضاً بالمولاني نسبة إلى المولى لان السادة تأكله.
3 - التمن الشنبة بالحركة المشتركة في الأول ثم نون ساكنة وباء مفتوحة هو دون أخيه السايق ويأكله متوسطو الحال والمال ولعله سمى كذلك لان حبوبه المتراصة تشبه أسنان الاشنب لان الشنب هو صفاء الأسنان ورقة مائها.
4 - التمن عنبر بوه أي ذو الرائحة (بوه) العنبرية وهو افخر أنواع التمن كلها لحسن رائحته وطول حبته وامتلائها وحسن لونها وهو أغلى الكل ثمناً كما انه أغلى أنواع التمن كلها قاطبة. ويقال له أيضاً تمن عنبر.
5 - تمن العقر. البعض يقول تمن عقرا، والعقر (وبلسان الآراميين أو الكلدان الحاليين عقرا) قرية بين تكريت والموصل وهو أرز حسن جلبت حبثه من هناك واخذ العراقيون بزرعها منذ بضع سنوات فنجحت عندهم وجاءت بإيتاء وافر
هذه الأنواع الخمسة تزرع في الخالص ولاسيما في (بلدروز) وهي مشهورة عندهم بالأسماء التي ذكرناها. ومن الأنواع التي(1/375)
تجلب إلى العراق وتباع في بغداد هي الآتية:
1 - تمن زيرة بكسر فسكون. 2 - التمن البنكالي (بكاف فارسية) ويوتي بهما من الهند. 3 - الحويزاوى (نسبة عامية إلى الحويزة كما يقولون حلاوي وبصراوي في حلي وبصري) يجلب من الحويزة وهي بليدة بين واسط والبصرة وخوزستان في وسط البطائح.
4 - تمن الهندية ويؤتي به من الهندية بجوار بغداد. 5 - تمن شتال وهو مشتق من الشتل وهو الغرس بلسان العراقيين زنة ومعنى ويؤتي به من أنحاء العراق.
هذه هي أنواع الأرز المشهورة في العراق ذكرناها لان الكلام يكثر عنها كل مرة يجرى البحث عن مزروعات هذه الديار ومحصولاتها. فأحببنا أن نجمعها في نبذة واحدة تسهيلاً للرجوع إليها عند الحاجة.
الأمثال العامية في ديار العراق
مضى على اللغة العربية ردح من الزمن وهي تسكن القفار وتعيش بين البهائم وفي ظل الكهوف يلوكها قوم بينهم وبين العمران شقة قذف ومسافة شاسعة قد قنعوا بشظف العيش ومن جراء ذلك بقيت لغتنا العربية متسلحة بهمجيتهم مصونة عن فواعل التغيير بعيدة عن التحريف منزهة عن وصمة الدخيل حتى إذا ائتشب القوم بسواهم وكثرت حاجياتهم دعتهم الضرورة إلى أن يتخذوا ألفاظاً ليست من لغتهم وهذا أول حجر وضع في أساس تغييرها ولما استحكمت(1/376)
عرى المواصلات واشتد احتكاكهم بالغير واضطر غير العربي إلى أن يعرف العربية خف إليها النحت والقلب والتحريف والتصحيف مسرعات هذا هو السبب الوحيد الذي استأصل شأفة مجدها التالد ودهورها في هوة الانحطاط ودفعها إلى ما هي عليه اليوم إلى ما نسميه لغتنا الدارجة فلغتنا الدارجة هي نسيلة اللغة العربية وقد اختصت لغتنا الدارجة بأوزان تتغنى بها العوام وتتمادح بها وتتهاجى وتهيج بها في ساحة الكفاح كما يكون ذلك في القريض وكم برع بالنظم رجال يضاهون أب الطيب في قريضه ولو جمع الجيد مما نظم فيها لكان سفرا غزير الفائدة ولكل واحد من هذه الأوزان اسم يعرف به فمنها ما يسمونه (أبوذيه) وهذا قد فاز من بينها بمجد الشهرة(1/377)
والانتشار ومنها ما يسمونه (العتابة) ومنها ما يسمونه (المربع) وغير ذلك وعسانا أن نكتب شيئا عنها على حياله وكلها قد اشتملت على أمثال كثيرة هي موضوع البحث وسأذكر فيها ما ظفرت به منها والحق ما يحتاج إلى إيضاح بيان موجز واذكر بعد ذلك مورد المثل وأظني أن هذا الموضوع لم أضع فيه قدما على قدم وسأبالغ في رسم المثل بما ينطق به العوام.
اسمي بالحصاد ومنجلي مكسور
حصد الزرع والنبات حصاداً قطعه بالمنجل والمحصد كمنبر المنجل يقال فلان بالحصاد وبالسقي وبالكري (وتقول العامة بالجري بالجيم المثلثة الفارسية وكثيراً ما تقلب الكاف جيماً مثلثة كقولهم في سمك سمج وفي أكيدة اجيدة وغير ذلك) أي في محل الحصاد ومحل السقي ومحل الكري وليس المراد وجوده في ذلك المحل فقط بل أن يكون مشتغلاً بذلك الفعل غالباً وهذا ما يسميه علماء البيان بالمجاز في الإعراب ومنجل كمقول آلة تعمل من حديد مقوسة مسننة كالمنشار شائعة الاستعمال عند الفلاح العراقي يقضب بها الزرع وهي
عربية.
تقول العامة اسمه يفعل كذا واسمه بالشغل واسمي افعل كذا أو بالفعل الفلاني وتقصد أحد المعنيين: أما انه لا ينفك مبالغا ومجتهداً في فعل كذا وإذا قصدت هذا فالأكثر أن تعقب ذلك بجملة تدل على حال الفاعل غب هذه المثابرة كما يقال اسمه يفعل كذا ومعناه يستفيد منه وقد لا يستفيد منه ومفاد التركيب على هذا انه من شدة(1/378)
الملازمة لهذا الفعل صار اسمه الذي يعرف به (يفعل كذا) أو (بالفعل الفلاني) وهو عنوانه ومن تبطن لغتنا العامية ومارس لهجاتها يعلم أن هذا المعنى غير مقصود هنا وأما لا يقصد ذلك بل يراد انه معدود في من يفعل هذا الفعل وان لم يثابر عليه وغالباً يستعمل في هذا المقام (اسمي) (لا اسمه) ومعنى اسمي بالحصاد على هذا أن لي اسما في محل الحصاد أي أمد من الحاصدين والأشيع حينئذ أن تعقب هذه الكلمة بجملة تدل على فقدان الفائدة الناشئة عن هذا الفعل كما ترى في هذا المثل فان (منجلي مكسور) كناية عن عدم الفائدة وقد يقول بعضهم اسمه الخ ويريد به المعنى الثاني إلا انه يكون من غير الشائع يضرب لمن يشتهر في عمل ذي فائدة وهو لا يحصل عليها.
أكبر منك بيوم اعقل منك بسنة
ليس في هذا المثل ما يحتاج إلى الشرح من الألفاظ العامية واللغوية والقول في حقيقة العقل وما يرتئيه الماديون فيه وغيرهم خروج عن خطة البحث والمراد بالعقل هنا ما يسمونه العقل المكسوب والمسموع وهو ما يستفيده الإنسان من (دروس الحوادث في كلية العالم) وقد قسمه صاحب أحياء العلوم وغيره إلى قسمين فقال بعد ما ذكر قسمي المطبوع. الثالث علوم تستفاد من التجارب بمجارى الأحوال فان من حنكته التجارب وهذبته المذاهب يقال انه عاقل في العادة ومن لا يتصف بهذه الصفة فيقال انه غبي غمر جاهل فهذا نوع آخر من العلوم يسمى عقلاً الرابع أن تنتهي قوة تلك الغريزة(1/379)
إلى أن يعرف العواقب ويقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة ويقهرها فإذا حصلت هذه القوة سمى صاحبها عاقلا من حيث أن أقدامه وأحجامه بحسب ما يقضيه النظر في العواقب لا يحكم الشهوة العاجلة إلى أن قال فالأولان بالطبع والأخيران بالاكتساب (قال) ولذلك قال علي (ع) رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مطبوع إذا لم يك مسموع كما لا تنفع الشمس وضوء
العين ممنوع أقول والمنقول عن المازني وعن يونس وقد صوب الأول الزمخشري انه لم يقل عليه السلام غير هذين البيتين وهما:
تلكم قريش تمناني لتقتلني ... فلا وربك ما بروا ولا ظفروا
فان هلكت فرهن ذمتي لهم ... بذات ودقين لا يعفو لها اثر
والمعروف عن الأشكال إذ الزيادة المستفادة من صيغة التفضيل أما في العقل المطبوع وهو لا يتفاوت في الصغر والكبر كما هو معروف عند من تكلم على العقل من قدماء الفلاسفة (والظاهر أن المثل يجري على قولهم) وإذا نظرت إلى رسالة الحدود لابن سينا ومقالة معاني العقل للفارابي وكلام أحياء العلوم في حقيقة العقل يتضح لك ما قلنا جلياً وأما المسموع فهو لا يتفاوت بالصغر والكبر إلا أم زيادة العمر بيوم لا تقضي حتماً بزيادة عقل صاحبه بل هذا من(1/380)
الأدب والمجاملة ومعنى المثل أن من هو أسن منك اعقل منك أي اعرف منك بالحوادث لزيادته عليك بالتجارب يضرب لمن يستبد برأيه ولا يشاور من هو أكبر منه.
عيوني اليحط بالسكلة رقي
(اليحط) الذي يضع الألف واللام من قبيل الأسماء الموصولة وهي أما بمعنى الذي وأما مقتطعة منها لكثرة الاستعمال والقول الثاني قال به بعض النحاة في ال الموصولة هذه على الفعل المضارع موجود في شعر العرب والنحويون يحظرونه إلا في الخطورة والمخالف في ذلك قليل قال دينار بن هلال
يقول الخنى وابغض العجم ناطقا ... إلى ربه صوت الحمار اليجدع
وقال آخر
ما أنت بالحكم الترضي حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
(بالسكلة) السكلة اصلها الاسكلة حذفت منها الهمزة والاسكلة كلمة تركية معناها آلمينا ومرسى السفن والتركية مأخوذة من الإيطالية والأولى أن يقال من اللاتينية وتطلقها العامة الآن على المحل الذي توضع فيه الأشياء المختلفة كالفحم الحجري والحطب والبترول والقير والفاكهة والخشب الذي تصنع منه الروادف وأبواب الدور والغرف والبلاط وغير ذلك مما لا يوضع في الأماكن المنظمة والمناسبة بين المعنى الذي تستعمله العامة فيه وبين
معناه الأصلي جلى وإذا لم تعدد الأنواع التي وضعت فيها أضيفت إلى النوع الذي اختص بالوضع(1/381)
فيها فيقال حينئذ (سكلة الرقي) و (سكلة السمج
(الرقي) قال صاحب القاموس والحبحبة البطيخ الشامي الذي تسميه أهل العراق يأتيهم من جهة الرقة والفرس من جهة الهند أو أن اصل منشأه من هناك وروى له أسماء غير هذه أقول ويسميه فرس اليوم هندونة وهندانة ودونة ودانة الحبة أي حبة الهند ثم أطلقوها على هذه الفاكهة لان هذه الحبة أتى بها من هناك لتزرع في بلادهم واستعمال العامة في كل لغة يكفيها أدنى ملابسة هذا ما يظهر لي وأهل الحجاز إلى اليوم يسمونه الحبحب على ما روي لنا والرقة على ما قال ياقوت مدينة مشهورة على الفرات بينها وبين حران ثلاثة أيام معدودة في بلاد الجزيرة لأنها من الجانب الشرقي ومعنى المثل أن الذي يجتهد في سعيه ويأتي بالفائدة ولا يكون رفيفه اكثر من زفيفه وكنى عن ذلك (باليحط بالسكلة رقي) محبوب عندي وأنا أهواه وأوده وكنى عن ذلك (بعيوني) يضرب لمن لم يقصر في عمله ويحصل على نتيجته
الباقي للآتي
النجف: (مرج)
مختارات من شعر السيد صالح القزويني
قال السيد صالح في مدح بغداد
حيا العهاد معاهد الزوراء ... وجرى النسيم بها مع الأنواء
وزهت أزاهير الرياض بلؤلؤ ... رطب تسمطه يد الانداء(1/382)
وعلا الحمام على الاراكة صادحاً ... يثنى على الأنواء خير ثناء
نشرت غضون الآس أعلامكما ... نشر الورى الأعلام في الهيجاء
ورنا لخال شقائق النعمان نر ... جس روضها في مقلة كحلاء
والجلنار كاكؤس فيها طلا ... صيغت من الياقوتة الحمراء
والورد نم على البنفسج مذراي ... برد الحداد عليه في الأرجاء
وترى الغصون تميس ما جر الصبا ... طربا على الأزهار فضل رداء
تالله ما الزوراء إلا جنة ... الفردوس فيها وافر النعماء
ما الترب إلا عنبر ما الماء إلا ... كوثر يبري عضال الداء
وكان بين رياض وحسانها ... درر على ديباجة خضراء
وقال يمدح النارجيلة:
باكر مذهبة البلور باكرة ... والشمس بالبدر يجلوها لك القمر
فالجمر والتتن ياقوت على ذهب ... دخانه فاح منه العنبر العطر
كأنما الماء فيها هو مضطرب ... بحر قد انتثرت في موجه الدرر
أو أنه برد زجته بارقة ... بالرعد كان رذاذا فوقه المطر
وقال يصف حالة قلبه وتقدمه في السن:
قلب تصارع فيه الهم والهمم ... حتى تسارع فيه الضعف والسقم
فالرأس مشتعل شيباً ومنعطف ... كالقوس ظهري وأذني نالها صمم
والجسم فيه ضنى والقلب فيه لظى ... والجفن فيه قذى والدمع فيه دم
فلم يغثني أخ أشكو إليه على ... علم بضري ولا خل ولا رحم
فالجأ إلى الله واشفع بالنبي فما ... حقا سوى الله موجود هو العدم(1/383)
رحمت ولدى على ضعفي وكنت بهم ... على شفا جرف هار وما رحموا
وقال في دجاجة أهديت:
هدية من ملك صالح ... قد أهديت للملك الصالح
دجاجة يوقظني ديكها ... قبل طلوع الفجر بالصائح
ولو سليمان حبته بها ... كان عن الهدهد بالصافح
تهزا بالقمري في صدحها ... راد الضحى والبلبل الصادح
تمشي رويداً وإذا ما عدت ... كأنها تعدو على سابح
تجنح للطاؤوس في ريشها ... بحسن ذاك الرونق الجانح
لم يمش كدري القطا مشيها ... إلى ورود الماء في بارح
كلا ولا البط إلى ورده ... غداة تمشي مشية المارح
لم يروها النيل ولم تغذها ... غلاته في الزمن السامح
لو بعتها في ملك مصر وما ... وراءه ما كنت بالرابح
سوداء كالليل ومن عرفها ... يلوح لون الشفق الواضح
تفارق الجوزاء في برجها ... إن قرنت بسعدها الذابح
وطائر النسر تراه على ... سماكها الأعزل والرامح
لا تنجس الميزان في حملها ... إن نقلت للمشتري الرائح
طال بها متن امتداحي وما ... أرى لذلك المتن من شارح
فما أرى فرحة كسرى ولا ... قيصر في عزمها الجامح
كلا وسابور في فتحه ... وقبضه للملك الفاتح(1/384)
كفرحة الملك الذي أصبحت ... ملكا له والملك المانح
لم يستطع حصراً لأوصافها ... نظم لسان اللسن المادح
فهاكها عذراء ما شامها ... سواك من دان ومن نازح
وقال يمدح ميرزا علي نقي الطباطبائي:
لم يشرب الصفو من لم يشرب الكدرا ... وليس يخطر من لم يركب الخطرا
ولم يفز بالمنى من ذل جانبه ... ولم يطل في الورى من باعه قصرا
من شاء نيل الأماني لا ينهه ... خوف المنية لا ورداً ولا صدرا
ولا يقود العلى من لا يقود لها ... قود العزائم يرمي زندها الشررا
أولى الورا بالعلى من كان أكرمها ... كفا وأشرفها ذكراً إذا ذكرا
فانصب نصب خفض عيش رافعاً علماً ... للعزم تقتاد فيه المجد والخطرا
وانهض لشمس المعالي مدركاً قمراً ... من الأماني يغشى الشمس والقمرا
وطر لها بقدامى العزم مرتقياً ... إلى العلى تقض في إدراكها الوطرا
وخض غمار المنايا فوق سابحة ... تشق بحراً بموج العزم منغمرا
جرد لحفظ المعالي صارماً ذكرا ... من العزائم يبرى الصارم الذكرا
ومدفكاً إلى العلياء باسطة ... للمجد برداً بطي البيد منتشرا
إذا خطبت العلى فاسهر تلذ كرى ... فلن يلذ الكرى إلا لمن سهرا
وصل على كبر الأقدار بالهمم ال ... كبرى تصغر من الأقدار ما كبرا
إن كذبتك الأماني بالعلى فابن ... بصادق العزم منها الكاذب الأشرا
من يشتري الحمد فلينفق خزائنه ... فليس يحمد من لم ينفق الدررا
شمر من العزم أذيالاً وكن رجلاً ... بالحزم يملا سماع الدهر والبصرا(1/385)
وغر على غير الأيام جامحة ... مغيرا بسرايا عزمك الغيرا
وافزع إذا أفزعتك النائبات إلى ... كهف الأرامل والأيتام والفقرا
مصباح كل هدى مفتاح كل ندى ... مقباس كل تقي مطعام كل قرى
وهكذا إلى آخر القصيدة، فأنت ترى أن الأبيات الأولى جمعت حكما رائعة بخلاف ما يرى في اغلب قصائد المدح التي ينسج بردها على منوال عصر انحطاط الشعر في القرون المتأخرة. ومن شعره قوله طالباً تبغاً من صديق له:
يا خير فرع طيب الأصل ... وخير قرم شامخ الفضل
إليك أشكو توتناً منتنا ... يأذن قبل الشرب بالقتل
جد لي بتتن منك يشفى الضنى ... مشروبه بالعل والنهل
ما أنا عنه راغب بالذي ... توليه من شرب ومن أكل
وصلت في حبلك حبل الرجا ... فصل به حبلك في حبلي
إن قلت هل في الناس من مفضل ... قالوا نعم ذاك أبو الفضل
فأن يكن بعل لبكر العلي ... فما لها سواه من بعل
كم في المعالي من قضايا له ... منتجة عقيمة الشكل
وكم له وابل جود همي ... أزرى على منهمل الوبل. . .
فاسلم مدى الأيام من غدرها ... من العلي تجني جني النحل
وقال في وصف شمعة:
وبيضاء يحكي ألبان حسن اعتدالها ... أضاءت لنا ليلاً وأغنت عن البدر
فكانت كخطى القنا غير إنها ... لحين وقد كان السنان من التبر(1/386)
وله أيضاً مرتجلا:
إن أبا الفضل له همة ... تنحط عنها همة الطائي
ينهل كالوسمى لكن هما ... ما بين ضحاك وبكاء
محله النجم وقد لاح ما ... بين الورى كالنجم في الماء
وقد مدح طائفة من علماء زمانه بقصائد عامرة الأبيات طويلة النفس ورثى كثيراً من أبناء وطنه فاجتزأنا بما ذكرنا تعريفا به ومن أراد الوقوف عليها فليطلبها في ديوانه. فقد جمع ووعى. وأبقى له فيه أثراً لا يمحى.
اسم بغداد
ومعناها وقدمه ولغاته ومرادفاته
اختلف العلماء في اسم بغداد ومعناه. وهاء نحن نجمع ما قالوا فيه من الأقوال. قال أبو الفداء في كتابه تقويم البلدان: قال في اللباب: وإنما سميت (بغداد) بهذا الاسم لان كسرى(1/387)
أهدى إليه خصي من الشرق فاقطعه بغداد. وكان لهم صنم يعبدنه بالمشرق، يقال له (بغ) فقال ذلك الخصي: (بغ داذ)، يقول: أعطاني الصنم. والفقهاء يكرهون هذا الاسم من اجل هذا. وسماها
المنصور مدينة السلام. لان دجلة كان يقال له: (وادي السلام) قال: وكان ابن مبارك يقول: لا يقال بغداذ. يعني بذال المعجمة، فإن (بغ) شيطان. و (داذ) عطية، وإنها شرك. وإنما يقال بغداد، يعني بالدالين المهملتين، وبغدان أيضاً. وقال بعضهم أن (بغ) بالعجمية (البستان) و (داذ) اسم رجل يعني بستان داذ) اهـ.
وقال ابن الانباري: أصل بغداد للأعاجم. والعرب تختلف في لفظه، إذ لم يكن اصلها من كلامهم ولا اشتقاقها من لغاتهم. . اهـ.
وقال بعض الأعاجم (نقلا عن معجم ياقوت): تفسيره بستان رجل. (فباغ): بستان. (وداد) اسم رجل. وبعضهم يقول: بغ: اسم للصنم، فذكر انه أهدى إلى كسرى خصي من المشرق فاقطعه إياها، وكان الخصي من عباد الأصنام ببلده، فقال: (بغ داد) أي الصنم أعطاني. وقيل: (بغ) هو البستان. و (داد) أعطى. وكان كسرى قد وهب لهذا الخصي هذا البستان فقال (بغ داد) فسميت به. وقال حمزة بن الحسن. بغداد اسم فارسي معرب عن باغ داذويه) لان بعض رقعة مدينة المنصور كان (باغ) لرجل من الفرس اسمه داذويه) وبعضها اثر مدينة دارسة كان بعض ملوك(1/388)
الفرس اختطها فاعتل. فقالوا: ما الذي يأمر الملك أن تسعى به هذه المدينة فقال: (هليدوه وروز) أي خلوها بسلام) فحكى ذلك للمنصور، فقال سميتها مدينة السلام. وفي بغداد سبع لغات: بغداد. وبغدان. ويأبى أهل البصرة ولا يميزون بغداد في آخره الذال المعجمة. وقالوا لأنه ليس في كلام العرب كلمة فيها دال بعدها ذال. قال أبو القاسم عبد الرحمن بن اسحاق: فقلت لأبي اسحاق إبراهيم بن السرى: فما تقول في قولهم خرداذ، فقال: هو فارسي ليس من كلام العرب. قلت أنا: وهذا حجة من قال: بغداذ، فانه
ليس من كلام العرب. وأجاز الكسائي بغداد على الأصل، وحكى أيضاً مغداذ ومغداد ومغدان. وحكى الخرزنجي: بغداد بدالين مهملتين وهي في اللغات كلها تذكر وتؤنث. وتسمى مدينة السلام أيضاً.
فأما الزوراء فمدينة المنصور خاصة. وسميت مدينة السلام لان دجلة يقال له (وادي السلام). وقال موسى بن عبد الحميد النسائي كنت جالساً عند عبد العزيز بن أبي رواد فاتاه رجل فقال له: من انت؟ فقال له: من بغداد، فقال: لا تقل بغداد، فان (بغ) صنم. و (داد) أعطى. ولكن قل: مدينة السلام، فان الله هو السلام والمدن كلها له. وقيل أن بغداد كانت قبل سوقا يقصدها تجار أهل الصين تجاراتهم فيربحون الربح الواسع. وكان اسم ملك الصين (بغ فكانوا إذا انصرفوا إلى بلادهم قالوا: بغ داد) أي أن هذا الربح الذي ربحناه من عطية الملك.(1/389)
وقيل: إنما سميت مدينة السلام. لان السلام هو الله. فأرادوا مدينة الله. إلى هنا من كلام ياقوت بحرفه.
وقال صاحب تاج العروس: بغداد وبغذاذ بمهملتين ومعجمتين، وتقديم كل منها. فهذه أربع لغات في المصباح: الدال الأولى مهملة وهو الأكثر. وأما الثانية ففيها ثلاث لغات، حكاها ابن الانباري وغيره دال مهملة وهو الأكثر، والثانية وهي الأقل ذال معجمة، وبعضهم يختار بغدان، بالنون، لان بناء فعلال بالفتح بابه المضاعف كالصلصال والخلخال، ولم يجيء من غير المضاعف، إلا ناقة بها خزعال، وهو الظلع، وقسطال ممدود من قسطل وقال أبو حاتم: سالت الأصمعي: كيف يقال: بغداد أو بغداذ أو بغدين، وقد تقلب الباء ميما، فيقال، همذان. فقال: قل: مدينة السلام فهذه سبع لغات الفصيح منها بغداد بدالين (مهملتين) وبغدان بالنون (في الأخر). كما اقتصر عليه ثعلب، وأورد ابن سيدة هذه اللغات كما أوردها المصنف، وزاد القزاز: بغدام بالميم في أوله، وزاد صاحب الواعي عن أبي محمد الرشاطي: بغذان بدال معجمة. وحكى أبو زكريا، يحيى بن زياد الفراء بهداد بالهاء والدال. قال أبو العباس كلها لهذه البلدة المشهورة بمدينة السلام قال: وهو اسم أعجمي عربه العرب. وقال صاحب الواعي: هو اسم صنم فتأويلها: بستان صنم وقال الرشاطي قال عبد الله بن المبارك لا يقال بغداذ بالدال الثانية معجمة(1/390)
فان (بغ (صنم و (داذ) عطية وعن أبي بكر ابن الانباري عن بعض الأعاجم يزعم أن تفسيره بستان رجل فبغ بستان وداد رجل
وبعضهم يقول بغ اسم صنم لبعض الفرس كان يعبده وداد رجل قال الرشاطي: وكان الأصمعي ينهى عن ذلك ويقول مدينة السلام قال شيخنا ويقال لها دار السلام أيضاً) اهـ
وقال في البرهان القاطع: بغداد مخفف باغ داد، ومعناه بستان العدل
وقال ابن الخازن وابن المكين بغداد مأخوذة من اسم راهب كان يقوم بشؤون كنيسة مبنية في الموقع الذي هو اليوم بغداد فقيل: مدينة بغداد مضافة إلى اسمه، كما يقال مثلا مدينة اسكندر أو قسطنطين أو المنصور.
وقال آخرون: بغداد مأخوذة من (بيت غدادا) الارمية ومعناها: مدينة الغزل أو الحياكة والنسيج أو أيضاً: مدينة الجداد (وزان الرمان) وهو كل متعقد بعضه ببعض من خيط أو حبالٍ صغارٍ.
قلنا نحن: هذه كلها خواطر خيالية اخترعها مخيلة اللغويين أو واهمة بعض المتشدقين والمتحذلقين إجابة لما في الإنسان من حب الوقوف على ما يجهل لكي لا يقال عنه انه جاهل وإلا فان اسم(1/391)
بغداد قديم إذ قد ورد في تاريخ الآشوريين قبل المسيح بألف وتسعين سنة. فقد جاء في التواريخ المسمارية الخط المكتوبة على الآجر: أن الملك أشور بلكلا رتق ما فتقه أبوه فأخذه بغداد واكتسح أنحاء بابل واضطر الملك مردوخ شايكزر مايي على أن يطلب الصلح.
وقد وجد العلماء في نفس بغداد أجراً كثيرا مكتوبا عليه اسم بغداد وبعض الوقائع التي جرت فيها، وعليه فالقول أن اللفظة فارسية أو أرمية أو غير ذلك هو من باب التكلم على أساس غير ثبت. وأما معناها في اللغة الآشورية فلم يهتد إليه العلماء فلعل التبحر في هذه اللغة يكشف القناع عن حقيقة معناه.
وأما أسماء بغداد واختلاف اللغات فيها فقد رأيت أنها كثيرة تبلغ العشرين وهي: بغداد. وبغذاذ، وبغداذ. وبغذاد، وبغدان، وبغدين، ومغذان، ومغدان، وبغدام، ومغدام، وبغذان، وبهداد، والزوراء، ومدينة السلام، ودار السلام، وقبة الإسلام، وحاضرة العباسببن، ودار الخلافة، ودار الأمارة العباسية، وأم العراق. إلى غير هذه الأسماء ما يستغني عن ذكرها.
رزوق عيسى
نقد كتاب تاريخ آداب اللغة العربية
1 - تمهيد
إذا بحثت عن كتبة العرب في هذا العصر وجدتهم كثيرين(1/392)
وفيهم المعرب والجاري على طريقة الكتابة في عصر انحطاط اللغة. والجاري إلى أساليب أهل هذا العصر. والجاهل الذي لا يدري ما يكتب، أما إذا فتشت عن الكاتب البليغ المبتدع للمعاني، والمبتكر للمواضيع، فانك لا تجده إلا بشق النفس ونعني بالمبتدع المبتكر من يكتب في المواضيع لم يسبقه إليها أحد فينقلها عنه من يجيء بعده من الكتبة أو ينقلها الأجانب إلى لغاتهم إقراراً بفضل المؤلف وعلمه وابتكاره المباحث.
وممن نفتخر بقلمه وعلمه الكاتب والمؤرخ الشهير جرجي أفندي زيدان صاحب مجلة الهلال والتأليف المختلفة المواضيع، والذي نقلت عدة كتب من تصانيفه إلى لغات الأجانب. فإذا قلنا أنه هو العربي الوحيد الذي اقر بفضله علما الإفرنج لنقلهم بعض أسفاره إلى ألسنتهم لما غالينا في كلامنا، ولما تعدينا الحقيقة.
على أن سماع هذه الكلمات بشق على كثيرين من الحساد. ولهذا اخذ بعضهم يتنقصونه ويغضون منه ظناً منهم انهم أن فعلوا هذا الفعل يزيدونه قدراً ويسبونه إلى الفضل ويتفوقون عليه كل التفوق، ونسوا قول الشاعر:
ترى متى تشتفي الحساد من رجل ... تريد خفضاً له والله يرفعه
إذا قضى الله أمراً لا يرد وان ... أجرى عطاء فمن في الأرض يمنعه
ألف جرجي أفندي زيدان عدة كتب وروايات حظيت غاية الحظوة عند العامة والخاصة، ومن الكتب التي وقعت احسن موقع(1/393)
عندهم هذا كتابه الأخير وهو: (آداب اللغة العربية) فلما وقف عليه الحساد جاشت في صدورهم أبحر الغيظ وأخذت الحزازة تزداد شدة وأذى. حتى انهم اخذوا يتعرضون لما يمس شرفه وشخصه في انتقادهم لهذا الكتاب الجليل عوضاً من أن يذكروا ما فيه من المغامز والأغلاط لتصحح في الطبعة الثانية.
هذا وأننا وأن أجللنا المؤلف وتأليفه فأننا لا نريد بهذا الإجلال أن نعصمه من الخطأ أو نجعل مصنفاته بعيدة عن شوائب النقص والخلل فالإنسان لكونه إنساناً ينزله الوهم وينتابه الزلل، على حد ما قيل: الإنسان، محل النسيان.
وكتاب تاريخ آداب اللغة العربية من المؤلفات التي تطرق إليها السقط على أنواعه ونحن نقسمه إلى ثلاث طوائف: 1 - أغلاط الطبع والأصول العربية 2 - أغلاط التعبير 3 - الأوهام في جدة الآراء. ونحن نأتي بذكر كل طائفة على حدة لتتضح الأمور للقارئ فنقول:
2 - أغلاط الطبع والأصول العربية
كنا نظن أن مطابع بغداد وحدها تأتينا بأعاجيب الأغلاط وما كنا نخال أن سائر المطابع تلد مثل ذلك النتاج الغريب. فان أغلاط هذا الكتاب كثيرة تعد بالعشرات وتكاد تبلغ المائة. وكان الأجدر بمتولي طبع هذا السفر الجليل أن يصونه عن مثل هذه الشوائب المخلة به. لاسيما لأنه ينتظر أن يقع في أيدي الكثيرين من علماء وجهلاء. ولهذا كان يحسن بان ينزه عن كل ما يشوه محاسنه. من(1/394)
ذلك ما ورد في ص 11 قوله الاحافير وهي لفظة لاحظ لها من العربية بهذا المعنى والأحسن أن يقال: الآثار المدفونة. أو المندرجات أو الرقم بضمتين جمع رقيم. لان الاحافير جمع احفار جمع حفر وهو التراب المخرج من المحفور لا غير.
وقوله ص 120 وقد تعاصر البابليون والمصريون. والأصح: وقد عاصر البابليون المصريون لان لاوجود للتفاعل في مادة ع ص ر. وقوله في تلك ص: فيها قائمة بأسماء، والأصح: قائمة أسماء، واحسن منه: ذكر أسماء وقوله: ورقة. وهي اسم بلدة قديمة في العراق. والأصح: وركاء بالكاف لا بالقاف وراءها ألف ممدودة (راجع معجم ياقوت. ومجلة المشرق 5: 675.
وجاء ص13: بغدد، والأصح بغداد، والمتحف، والأصح دار المتحف. وعثر النقابون أمس على بقايا هذه المكتبة مكتبة بين النهرين. أو على بقايا مكتبة بين النهرين هذه. أو نحو ذلك.
وورد في ص14: فالتمدن الإسلامي مدين لآداب اليونان في اكثر العلوم الطبيعية. فهذا تعبير إفرنجي، ولو قال: فلآداب اليونان فضل على التمدن الإسلامي في اكثر العلوم الطبيعية، لكان افصح وأحلى عبارة.
ومن هذا الباب باب الوهم قوله في ص15: تجد لكل أمة خصائص في شعائر ومداركها تمتاز بها عن سواها، والمطلوب في(1/395)
هذا المقام شواعرها بدل شعائرها. وهذه غير تلك وبالعكس. وفي ص17 الشعر الغنائي والأصح الغنائي وفي ص30 والزراقة للزرافة وفي
ص40 الطياهج للطباهج والسكنجين والخلنجين في السكنجين والخلنجين والمزنجوش في المرزنجوش وفي ص45: وكان الهذيليون وهم قبيلة من مضر يجعلون الحاء عيناً ويسمونها العجعجة (كذا). والأصح الفحفحة بفاءين عوض العينين. وقال: ومنها الجعجعة (كذا) في قضاعة وهي أن يجعلوا الياء المشددة جيناً (كذا) والأصح العجعجة. . . جيماً. ثم أن تقييد القول يجعل الياء المشددة جيماً هو موافق لبعض اللغويين والحق أن قلب الياء جيماً غير خاص بالياء المشددة بل بمطلق الياء. راجع التاج مادة ع ج ع ج. وقوله: الاسننطاء في لغة سعد بن بكر وهي أن يقولوا أنطى بدل أعطى. وليس هذا الكلام بصحيح وإنما الصحيح هو: أن الاستنطاء في لغة سعد بن بكر وهذيل والازد وقيس والأنصار جعل العين الساكنة نوناً إذا جاورت الطاء (لا في انطى فقط بل كلما شابه اللفظ) وما انطى إلا من باب التمثيل هنا. وان كان الاستنطاء مشتق من ذلك فهذا من باب تعميم التسمية. (راجع المزهر 1: 109).
وقوله ص46: ليس في جزيرة فقط بل في كل بلد دخله الإسلام. والأصح أن يقال: ليس في الجزيرة فقط (أي في جزيرة بلاد العرب) بل. . .(1/396)
وجاء في ص48 المعائب (مهموزة) والأصح المعايب بالياء لان الياء فيها أصيلة وود فيها: لكل قوم أعجاز. وصور الهمزة فوق الألف والأصح جعلها تحت الألف لأنها مكسورة. ومثل هذين الضبطين المخطوئين شيء كثير لا يعد. ومثله قوله ص52: سبق السيف العزل. والأصح العذل. وهو كثيراً ما يجعل الذال المعجمة زاء تبعا للفظ أهل الشام ومصر كما أن أهل العراق كثيراً ما يخلطون الصاد بالظاء وبالعكس كما يرى ذلك في صحفهم وكتبهم ومطبوعاتهم.
وورد في ص60 والشعب في حطم. والأصح: والعشب في حطم. وفي ص63 كانت بداية النظم والأفصح بداءة. وفيها: صفاء جوههم. والأصح جوهم.
وقال في ص126: إذا قالت حزام فصدقوها. فان القول ما قالت حزام. والأصح حذام بالذال المعجمة. وقال ص65 فدسوا رجلا اسمه زيابة. وقد تكرر الغلط مراراً. والأصح ابن زيابة كما في الأغاني (21: 95، 96) وشرح الحماسة للتبريزي. قلنا: ونقف عند هذا الحد من نوع هذه الأغلاط لئلا نملأ عدداً من مجلتنا منها. وبهذا القدر كفاية.
(للبحث تلو)
الخستاوي والزهدي
سألنا أحدهم عن التمر المعروف اليوم عند أهل العراق(1/397)
باسم الخستاوي، هل هذه اللفظة فصيحة وان لم تكن كذلك فما هي الكلمة التي صحفت عنها.
قلنا: الخستاوي ويلفظها العوام بضم الخاء المنقوطة وإسكان السين المهملة وفتح التاء المثناة بعدها ألف ثم واو مكسورة وفي الآخر باء مشددة هي كلمة مصحفة عن الخستواني بضم فسكون فضم ففتح إلى آخر الضبط السهل المعرفة. وقد جاء ذكر هذا التمر الصادق الحلاوة اللذيذ الطعم في كتاب احسن التقاسيم للمقدسي ص130 من الطبعة الإفرنجية قال: عبد الله: وبالبصرة من أجناس التمور تسعة وأربعون ثم عددها وذكر فيها: الخستواني وقد صحف في بعض الكتب بصورة: (خاستوي) كما جاء في كتاب خط موجود في دار المتحف البريطانية عدده 19913 في وجه القائمة 41 على ما نقله دي كويه في كتابه معجم مجموعة البلاد (ص175) إذ يقول في ما ذكره من أنواع التمور: القرش والخاستوي والمشمش. . . .) وقد ذكره نيبهر الرحالة باسم الخستاوي (في 2: 215) بفتح الخاء وكذلك نقله دوزي في كتابه ملحق المعاجم العربية في الجزء 1 ص 371،
والظاهر أن الخستواني منسوب إلى الخستوان ومعناها الأكابر أو الأغنياء باللغة الفارسية وهي جمع خستو. وسبب تسمية هذا لنوع من التمر بهذا اللفظ هو لأن الأغنياء مولعون بأكله بخلاف الزهدي فانه لا يأكله إلا الفقراء وأهل الزهد في الدنيا ولم يرد(1/398)
كلا اللفظيين (الخستواني والزهدي) في دواءين اللغة أن مطولة وأن مختصرة بل ورد بدلاً من الثاني الازاذ والحر وهما مرادفاه الفصيحان وما الزهدي إلا تصحيف الازاذ.
الجكير
أو الشجير أو الجقير
وسألنا آخر قال: نصارى العراق والجزيرة يستعملون لفظة الشجير ليدلوا بها على اليوم الأول من صومهم الكبير الذي لا يبتدي عندهم الأنهار الاثنين بخلاف نصارى الطائفة اللاتينية فهم لا يبتدئونه الأنهار الأربعاء الذي يتلو يوم الاثنين الشجير أو الجكير (بالكاف الفارسية في الثاني وبالجيم المصرية في الأول) فمن أين لهم هذه اللفظة وما معناها.
قلنا: الشجير لفظة ارمية الأصل وهي بلسانهم. أو ومعناها البعث والإرسال. وسبب هذه التسمية أن بطرك الطائفة كان يرسل إلى أبنائه راهباً في بدء الصوم ليبلغهم أوامره وزواجره وليعظهم في تلك الأيام وكان الأهلون يعرفون هذا الأمر فيخرجون إليه زرافات ليستقبلوه ويرحبوا به. ثم أصبحت تلك العادة سنة جروا عليها وأن انقطع عنهم رسول الإمام الأكبر لان العامة تحافظ دائماً على ما به ترويح الجسد. وأصبح ذلك اليوم عندهم يوم نزهة ولهو وقصف وكان الأجدر بهم أن يجعلوه يوم توبة وقشف.
وهذه العادة جارية في جميع البلاد التي كان فيها للبطاركة(1/399)
الشرقيين السلطة العظمى. إلى أن أهل العراق والجزيرة حافظوا على الاسم بخلاف أهل الشام مثلاً فإنهم لم يحافظوا عليه.
ومما تقدم إيضاحه ترى مناسبة استعمال اللفظة وسبب اتخاذها للدلالة على هذا اليوم. وقدم هذه العادة في الشرق لقدم التسمية.
بغية الأنام في لغة دار الإسلام
وعدنا القراء بجمع ألفاظ عوام العراق ولا سيما أهل بغداد فها نحن ذا ننجز وعدنا مبتدئين بالحرف الأول من حروف الهجاء
(آب كشت أو آب كوشت)
كلمة فارسية معناها: ماء اللحم: هذه اللفظة شائعة ومنتشرة بين الجعفرية خاصةً. ولم ترد على لسان غيرهم. وقد اقتبسوها من العجم لكثرة مخالطتهم إياهم. أما السنيون واليهود والنصارى فيستعملون عوضها لفظة (تشريب أو تشريبة أو مشرب) وهذه الحروف الثلاثة مشتقة من شرب المضاعف العين بمعنى جعله يشرب. لأنهم يثردون الخبز في مرق اللحم فيتشرب الخبز ذلك المرق شيئاً فشيئاً.
والتشريب طعام مشهور بعرفه أهل العراق كلهم ويتخذه الخاص والعام منهم. أما كيفية تهيئته فهي أن تأخذ اللحم وتقطعه قطعاً عديدة، ثم تغسله غسلاً نعما وتلقيه في قدر فيها ماء صاف نقي.(1/400)
وتوقد النار تحتها إلى أن يأخذ الكل بالغليان والرغو. (وهم يسمون الرغو: الزفر. والرغوة: الزفرة أو القشفة وكلاهما وزان حركة)، فإذا رغا تقشط رغوته بمعرفة كبيرة مثقبة يسمونها الكفكير وهي لفظة فارسية ويراد بها بالعربية الفصحى المطفحة والمرغاة. وهي كالقفشليل التي عربها الأقدمون بالمعنى عينه. وتحرص عند الإرتغاء أن لا تغترف المرق. ثم تجتهد أن لا ترفع النار من تحت القدر إلى أن ينضج اللحم تماماً ويكون صالحا للأكل. ثم تحضر الخبز وتثرده ونضعه في الصحفة وتذر فوقه قليلاً من الفلفل المسحون، وتقدد بصلة أو اكثر وتضعها فوق كسر الخبز، وفي الآخر تسكب عليه اللحم والمرق. والبعض يصبون عليه سمناً إذا لم يكن ماء اللحم ودكا - والتشريبة لغة في التشريب وكان يجب أن يقال تشربة بحذف الياء كما هو القياس إلا أن العوام لا تعرفه. ولأولادهم لعبة يقف واحدهم وراء صاحبه ظهرا لظهر ثم يأخذ الواحد بذراع الآخر وينحني به إلى الأرض ويفعل الثاني بالأول ما فعل الأول به وعند انحنائه يقول: (يا حمصة يا زبيبة، وقت العشا تشريبة) وهم يفعلون هذا الفعل لتقوية الظهر أو لمجرد اللهو واللعب.
والمشرب بتشديد الراء مصدر ميمي بمعنى المصدرين السابقين. وكل هذه الألفاظ الثلاثة مستعملة على السواء. وهم يميزون بينه وبين الثريد. فالثريد عندهم خبز مثرود في ماء قد
غليا معاً في قدر(1/401)
بها قطع اللحم. وأما عند العرب الفصحاء فالثريد مشتق من ثرد الخبز: إذا فته ثم بكله بمرق ثم شرفه وسط القصعة. فهو إذا نفس المشرب أو يكاد.
وقد قيل أن هاشم بن عبد مناف أبا عبد المطلب كان اسمه عمرا وسمى هاشماً لأنه أول من هشم الثريد. فقلت فيه ابنته:
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
آب نبات
لفظة مركبة من الفارسية والعربية. معناها ماء النبات. ويريدون بها أنابيب دقيقة تتخذ من سكر النبات (أي الطبرزد) وتكون بحجم الخنصر. يتخذها حمولا المصاب بالقبض أي الاستمساك أو ببعض أمراض البطن ظانا أنها تجذب الرياح الداخلية وتطردها وتزيل الادران الجسدية فيستريح. واليوم لا يستعملها من أهل العراق إلا من يجهل أدوية الطب الجديد. والكلمة التي استعملها المولدون من العرب بهذا المعنى هي (الحمول) بفتح وضم. وأن أريد التدقيق قيل: الحمول السكري.
آبونة
كلمة فرنسية الأصل وقد أخذها العراقيون المحدثون عن الترك. ويراد بها الاشتراك في جريدة أو مجلة.
آبيل
كلمة عبرية معناها: الحزن والكآبة ويجمعونها على (آبيليم) ويستعملها يهود العراق في مخاطباتهم ولا يعرفها غيرهم. ويريدون بها مجرد(1/402)
الدعاء بالشر على من يخالفهم وذلك من باب التوسيع وقد يستعملونها على سبيل المزاح مع أصحابهم وأخدانهم. فيقولون مثلا: آبيل عليك، أو برأسك، أو بمخك أو نحو ذلك.
آجغ (بالجيم الفارسية المضمومة)
كلمة محرفة عن آجيق (بالجيم الفارسية) أو آجق (بحذف الياء) ومعناها المكشوف والواضح والظاهر ومن الألوان الواضح البين الغير المشبع وهو الرائق أيضاً. وعوام العراق تستعمل هذه اللفظة بجميع معانيها التركية فيقولون مثلا: هذا البيت آجغ أي غير
مستور وهذا اللون آجغ أي غير مشبع ورائق وهذا اللون آجغ أو أاجغ من هذا (هكذا بهمزتين) أي أوضح منه. ويقولون: هذا الرجل بقى آجغ أي بدون شغل وقد خرج من خدمته. ويقولون: في المحل الفلاني موضع آجغ أي انه موضع فارغ يحتاج إلى شخص ليشتغل فيه أو يملأ فراغه.
آجي (بالجيم الفارسية المشددة المكسورة)
كلمة تركية الأصل وهي محرفة عن اشجي ومعناها الطباخ والظاهي والعجاهن. وأهل الشام يقولون: العشي بتشديد الشين والياء ويظن بعضهم أن اللفظة مشتقة من العشاء وهو خطأ ولو كان كذلك لقيل المعشي المشددة العين. هذا فضلاً عما هناك من التكلف في المعنى.
آخ (بمد الهمزة وإسكان الخاء)
كلمة هي حكاية صوت المتألم أو المتضجر. والعوام يمدونها والفصحاء يقولون أخ بهمزة غير ممدودة يليها خاء موحدة(1/403)
فوقية مشددة. قال في التاج: أخ كلمة تكره وتوجع وتأوه من غيظ أو حزن. قال ابن دريد: واحسبها محدثة. قلنا ليست اللفظة محدثة بل حكاية صوت المتألم ومن ثم هي قديمة. ويقول العوام: أخ بطني، أخ ظهري، إذا رأوا الاخوة أو الأقارب أو الأصحاب يتضاربون ويتنازعون ليس في الإمكان المدافعة عن الواحد دون الآخر إذ جميع الأقارب هم أعزاء لأنهم أخطاء جسد واحد أدبي هو الأسرة أو العشيرة.
آخور
فارسية تركية معناها: الاصطبل والمربط. والعامة تستعملها بمعنى مربط الدواب وبمعنى البيت القديم البناء الضيق الفناء العميق الأرض الكثير الرطوبة المظلم المساكن القليل النوافذ الفاسد الهواء الذي لا يصلح للإقامة ولا للسكنى. وذلك لما بين مثل هذه الدور ومرابط الخيل من المشابهة. ويجمعونها على أواخير وقليل منهم يجمعونها على آخورات
وقد جاءت هذه اللفظة (بمعنى المربط) متشابهة في عدة لغات كالتركية والفارسية والكردية والأرمنية والسريانية والهندية والروسية أو الفرنسية والإيطالية واللاتينية المولدة والألمانية القديمة العالية إلى آخر تلك اللغات المتناسبة الأصل.
رزوق عيسى(1/404)
باب المشارفة والانتقاد
1 - الفوز بالمراد في تاريخ بغداد
الكتب التي يرى فيها تاريخ بغداد الحديث قليلة واغلبها لا تزال في بيوت الخواص لم تظهر إلى عالم الطبع. ثم أن هذه المؤلفات تبحث عن عصر من عصور بغداد أو عن جملة من سنيه، وخلاصة القول انك لا ترى كتاباً مطبوعاً جامعاً لتاريخ بغداد من عهد سقوطها على يد هولاكو إلى يومنا هذا، فأراد (ساتسنا) أن يضع على طرف الثمام هذه الحاجة فاخذ بإنشاء سفر يحقق هذه الأمنية وينشره في جريدة الرياض البغدادية وبعد أن تم جزء منه نشره على نفقته صاحب الرياض، إلا انه وقع فيه من أغلاط الطبع ما ينفر القارئ عن مطالعته من ذلك ما ورد في ص2: تسيبر (والصحيح تسيير)، الداويدار (الدوايدر)، محى الدين (محيى الدين)
طيب قلبه (وطيب قلبه) إلى آخر ما صحف وحرف ومسخ ونسخ لا سيما في الاعلام، مع انه يجب العناية بكل العناية في ضبط الإعلام وبالأخص القليلة الورود على الألسنة. لكن كيف العمل وقد قضى على بغداد أن تتأخر عن سائر بلاد الله حتى في مطابعها، فعسى أن يقوم أحد أصحاب الغيرة على وطنه يصلح هذا الخلل بجلب مطبعة تفي بالمرام، وليس هذا بعسر على أبناء الكرام.
2 - كتاب قرة العين، في تاريخ الجزيرة والعراق والنهرين.
(تأليف محمد رشيد ابن العالم العامل المرحوم السيد داود ابن(1/405)
الورع الزاهد السيد سعدي طاب ثراهما، آمين طبع على نفقة مطبعة الرشيد، حقوق الطبع محفوظة للمطبعة. مطبعة الرشيد بشارع بابلاتنك رود ببومبي سنة 1325 هجرية.) في 128 صفحة من قطع الثمن.
هذا عنوان أطول من يوم الصوم لكتاب صغير لا يخلو من فائدة. والكتاب يحتاج تقسيم منظم يقرب فهم الفصول وهو كثير أغلاط التعبير والطبع كقوله في ص 6 والأزهار البديعة الألوان. . . التي لم يحتوي عليها (كذا) علم النباتات تزيد العيون نظرة (؟) وتفيدها خظرة (كذا)!!! وفرجة (!!!). . . ومزيداً على هذا فإن لأنهارها منظر عجيب (كذا) ومخبر عريب (كذا) مع ما يوجد فيها وفيما حولها من الأدوية النباتية (كذا).
فاحكم أنت بعد هذا عن احتياج الكتاب إلى تهذيب أم لا وقل كيف جاز للمؤلف أن ينشره
بهذه العبارة الركيكة ولهذا فالأمل انه يصلح في طبعة ثانية وتقرب فوائده من المطالع.
3 - خليل الخوري
هو عنوان كتاب عنيت بطبعه ونشره حديقة الأخبار وما احسن ما قالت عن نفسها في صدر الكتاب: باغتت (الملية) نافح ازهاري، ومطلع ثماري، المغفور له المرحوم خليل الخوري، مؤسس الصحافة السورية، نائل أول رخصة سنية صدرت بإنشاء جريدة في السلطنة، شاعر الدولة، مدير الأمور الأجنبية سابقاً في ولاية سورية، صاحب زهر الربى(1/406)
والعصر الجديد، والسمير الأمين، والشاديات، والنفحات، والخليل، وناظم الكواكب العثمانية، في تاريخ الدولة العلية،
والكتاب مصدر برسم الفقيد وقع في 208 صفحات من قطع الثمن. قد جمع فيه كل ما يتعلق به من ترجمة وتأليف وأقوال الصحف والمجلات في خطب وفاته. ولا يشين هذا السفر الحسن إلا أمر واحد وهو سوء الكاغد النسي طبع عليه، فكان يليق بإدارة الجريدة أن غير اهـ احسن الورق إقراراً بفضل الفقيد رحمه الله.
4 - شجرة الرياض، في مدح النبي الفياض
(من نظم عبيد الله المنتجي إليه: محمد ابن الشيخ طاهر السماوي طبعت على نفقة الشيخ احمد آل عبد الرسول لتكون هدية لمن له انس بالشعر من جميع المسلمين. طبعت في مطبعة الآداب سنة 1330) في 60 صفحة بقطع الثمن.
قال الناظم بعد الحمد له: (نظمت قبلاً قصيدة في قصيدة في بحر السريع مشجرة الأوائل بحروف المعجم، خدمت بها أعتاب حضرة النبي الأعظم، - صلى الله عليه وسلم -، فحداني داعي التوفيق، على أن أتمها بذلك الطريق، روضة مشجرة، واخدم بها تلك الحضرة النظرة (النضرة)، فهاكها شجرة الرياض، في مدح النبي الفياض،. . .
والكتاب حسن الطبع جيد الورق لكنه لا يخلو من أغلاط الطبع كما جاء في ص7: فاستوسق والصحيح فاستوثق وفي ص8: وهاث، والصحيح وهات، وفيها أيضاً: يدعوا والصحيح يدعو
وفي ص9: الغوات والصحيح الغواة، وفيها: أحياءاً والصحيح(1/407)
أحياء، وفيها العتات،
والصحيح العتاة. وفي ص10 ماثر والصحيح موثر. وفيها: مازر والصحيح مازر. وفيها: للمهظوم والصحيح للمهضوم، وفي ص11: السمحاء والأصح السمحة وحينئذ ينكسر البيت. وقس على ذلك إلى آخر الكتاب. وهو مما يشوه محاسنه فعسى أن تكون الطبعة الثانية خالية من هذه الشوائب.
5 - الحاجيات والكماليات وفي أي منها نحن الآن
خطية تلاها الدكتور كامل سليمان الخوري عيسى في نادي الحرية في حمص في 24 ت اغ سنة 1908 ثمن النسخة منها 30 بارة. طبعت في مطبعة التوفيق لنسيب أفندي صبر في بيروت. عدد صفحاتها 22.
وهي خطبة حسنة إبان فيها صاحبها وجوب الابيداء بإصلاح ولا سيما بإصلاح الزراعة، والصناعة، والعلوم، والآداب وقد صدق في كلامه وأجاد في إظهار الأدلة المقنعة. حقق الله الأماني.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
ابن الرشيد والضفير
أخبرت الرياض أن حضرة الأمير ابن الرشيد قد اقبل بخيله ورجله فنزل على (أبي غار) من ديار المنتفق. والغاية من هبوطه تلك الأرجاء تأديب عشيرة إعراب الضفير لإصرارها على قطع الطرق ونهب القوابل وهضم حقوق المنتفق وشق عصا الطاعة، على أن الأمير يعدل عن الإيقاع بهم إذا ارعوا عن ضلالهم، هداهم الله إلى الصراط المستقيم
(طبعت بمطبعة دنكور - بغداد)(1/408)
العدد 11
نظر
تاريخ لغوي انتقادي
بعث إلينا حضرة الكاتب اللوذعي، والشاب الألمعي، يوسف أفندي يعقوب مسيح بهذه المقالة التي جمعت فأوعت، وزفها إلى القراء بحلة وشاها قلمه البليغ، ودبجتها براعته الحسناء، فنوجه إليها الأنظار ونستوقف على أفنانها أطيار الأفكار
(لغة العرب)
إن من اطلع على شئٍ من تاريخ الثوائر المدلهمة التي ثار ثائرها على(1/409)
الأمة العربية في اعصر حضارتها المدرسة وما إدراكها إذ ذاك من توالي غارات الأقدار ودواعي الدمار التي أفضت بفخامة ملكها ومدنيتها إلى مهاوي الذل والبوار إلى آخر ما طرأ عليها من الاستسلام إلى أحكام الجهل الذي مد رواقه وضرب إطنابه ما بينها يرى انه لم يبق لها من أعلام مجدها وسالف فخرها إلا هذه اللغة التي لا تكاد تضاهيها في الاتساع أي لغة كانت لما خصت به من المزية التي عز أن توجد في غيرها حتى تجاوب صداها بين مشارق الأرض ومغاربها مما لا يسعنا استيفاء ذلك في هذا المقال
ومعلوم أن اللغة إنما تقوم بالذين ينطقون بها وتثبت بثباتهم ومن تدبر ما أشرنا إليه من انفصام عروة حضارة الأمة العربية وتخلفها في حلبة تنازع البقاء تخلص إلى ما لحق باللغة من عوامل الفناء التي دكت حصون ما كتب المتقدمون من مبتكرات الفرائح وطمست الألوف المؤلفة التي لا يأخذها الحصر من أسفار العلوم الجلائل أن كان بالإحراق كما وقع بمكاتب بغداد وفارس والإسكندرية والأندلس وغيرها أو بالاجتياح والنهب والإغراق في لجج لا يعرف لها درك ولا ساحل(1/410)
بحيث لم يبق منها إلا الشيء النزر مما لا يتجاوز في الغالب علوم الدين ومما يتصل بها وإما ما سوى ذلك فلا يرى اليوم إلا في مكاتب الأعاجم وأكثره ابتيع من أيدينا وصار من مودعات الخزائن وبعضه قويض بكتب الخرافات والمجون وما يقابلها فأصبح في جملة الدفائن.
غير انه مهما يكن من أمر هذه الرزايا التي حلت بالأمة العربية فلو أنها بقيت ثابتة ومجدة في أشواط سلفها من الاشتغال بأسباب العلم ولاسيما في ما يتعلق منه بمسائل اللغة لأحيت من آثار أساطينها ما خففت به اليوم عن كتبتها ما يلاقونه من العي في التعبير لقعود اللغة
عن معايشتهم إلى مجاراة العصر الحاضر بالتأدية والتحبير بل لو اقتفت آثار الألوف من أولئك الدارسين والمصنفين ممن ضربوا في مناكب الأرض بحثا عما خبأته ذراتها من العناصر وما اشتملت عليه من المعادن والجواهر فوضعوا لها المسميات ونفضوا آفاق السماء تطلعاً إلى حقائق كواكبها وحركاتها فضبطوا ما اشتقوا لها من المصطلحات لخدمت العلم واللغة خدمةً لا يمحى ذكرها على تراخي الإعصار ولا تنقرض إلا بانقراض القرون والأجيال بل لو أنها تفانت في الحرص(1/411)
على ما كان بينهما من استتباب الصلة الاجتماعية وتوحيد الكلمة القومية غير منصرفة إلى ما من شأنه إطفاء شعلة الآداب فيها وضرب الحواجز في سبيل نمو مداركها لنجت من تأثير عوامل الفاتحين لبلادها واستئثارهم بخصائصها الحسية والمعنوية التي أصبحت أثراً بعد عين كما ثبت الأمر لكل ذي عينين بل لصانت لغتها التي هي افصح ما اختلج به لسان واستدركت ما طرأ عليها من ألفاظ العجمية التي فشت في جميع البلدان إلى حد لم يكن يرى له مثيل في شيءٍ من لغات بني الإنسان غير أن الأمة تسربت من جوانب هذه الخطط الأدبية تسرب الماء من الإناء المثلم ونزعت عن هذه المناحي التي هي عنوان منزلة الشعوب الراقية إلى ما لا يعرف له منحى من غابر خمولها وتخاذلها حتى اختلط حابلها بنابلها فاستسلمت للقضاء المبرم الذي قذف بها وبعلومها ولغتها من أسمى ذرى الجلالة والعلاء إلى فيافي الضلالة والبلاء وسجل التاريخ في صحيفته البيضاء هذه الرزايا الدهماء وقامت لها قيامة الخطباء والشعراء وعلا من فوق المنابر ضجيج أصواتهم قياماً بواجب تأبين أمةٍ كانت دولة علومها رفيعة العماد فسيحة الظلال ورنت(1/412)
المحافل بصدى الراثين للغتها التي فجعت بفجوع المتكلمين بها حتى بلغ أنين رثائهم عنان السماء.
ومذ ذاك العهد سقطت هذه اللغة الشريفة من عالم الأقلام وفسدت بفساد ألسنة الأعقاب فاتشحت عليها بالحداد أنديتها بل تحطمت أقفرت أوديتها وطال بها عهد السكون في عالم الدثور عدةً من القرون دون أن تجد من خلف أولئك الذين طالما حملوا منارها وبثوا أشعتها من اخطر للنظر فيها فكراً ولا أجرى لأمر بعثها ذكراً فكان أبواب الأبدية أوصدت في وجها لذنبٍ فاضحٍ اقترفته حتى حق عليها مثل هذا المنفى المفرط.
وقد توالت بعد ذلك الأحقاب والعصور واللغة لم تزل متسكعة في ديجور القبور إلى أن
مست الضرورة إلى تدارك هذه الحال فمن الله على العربية في النصف الأخير من القرن التاسع عشر ببضعة رجال هم على الحقيقة أولو عزم وحزم بل فحول من فحول بر الشام ومصر إلا وهم الشيخ ناصيف اليازجي. المعلم بطرس البستاني. الدكتور كرنيليوس فانديك. احمد فارس الشدياق. رفاعة بك الطهطاوي.(1/413)
عبد الهادي نجا الابياري. فيحق لهؤلاء الزعماء الأماثل أن تدون أسماؤهم بمحلول من التبر في صفحات التاريخ إجلالا لقدرهم بل أحر بهم أن تقام الأنصاب لعلماء مثلهم تخليداً لذكرهم فانهم رحمهم الله لما عاينوا أن اللغة العربية في غمراتٍ هي بالموت أشبه منه بالرقاد شدوا لها مئزر الإخلاص واندفعوا بفواعل قلما يحلم الدهر بمثلها إلى إنهاضها من رمسها وأحياء ما درس من معالمها فعطفوا على التأليف السديدة المنهج من علومها وآدابها بما تقصر بجانبها التأليف العصرية مما في بابها لأنهم استقصوا أطرافها وأحاطوا بأصولها وفروعها فجاءت آيةٍ في البراعة والبيان. ثم تناولوا بعد التحري والتنقيب طائفة من انفس ما وصل إليهم من كتب ورسائل المتقدمين من فحول علماء الأدب ممن أبدعوا في صناعتي النثر والنظم وأجادوا فوقفوا على بعضها ونزهوها عن شوائب اللبس والتحريف اللاحقة بها من قبل النساخ حتى أعادوا إلى مطرد انسجامها وذيلوا بعضها برخيم الحواشي فاستبطنوا دقائق أغراضها ومكنون فرائدها وعلقوا التفاسير على مغلق ألفاظها حتى برزت كالصبح وضوحاً وجلاءً. وإذ لم يقضوا نهمتهم من تمثيلها(1/414)
أذاعتها بين ظهراني الأمة تصدوا لتدريسها بأنفسهم لطلبة العلم من تلامذة المدارس فلقنوهم إياها أجزاءً وقربوا مداركهم من استيعابها فاستضاءت بصائرهم بنبراسها وتأدب عليهم كثير من نوابغ العصر وجلة الكتبة ممن أزهرت بهم تلك الثغور وابتسمت وحفلت بمطابعها ومكاتبها وانتشرت.
غير انك لا تجدهم قد اقتصروا على هذا القدر من الاشتغال بأسباب العلوم وفنون الآداب العربية بل انهم عمدوا إلى إنشاء الصحف والمجلات التي كانت من أعون الذرائع الموصلة إلى سرعة انتشارها بين طبقات الناس فأيقظت الهمم من غفلتها وهبت بالفطن من ضجعتها وتهافت القوم على تلاوتها ومطالعتها. ولم تكد ترى أولئك الأسود الأفاضل زعماء هذه النهضة العلمية والحركة الفكرية دائبين في مزاولة هذه الوجهة الأدبية شاحذين لها العزائم الماضية مستنزفين أيامهم في توطيد شانها دون أن يكترثوا بما طوروا من
مراحل الحياة وما انتهوا منها حتى زفوا إليها من أشبالهم وذوي قرباهم أن ممن وردوا شرعتهم واقتبسوا من علومهم وان من أولئك المجيدين في(1/415)
صناعة الأدب من خريجي المدارس الآخر التي كثرت في عهد هذه النهضة العلمية واتسع نطاقها ما يدعو إلى التنويه بذكرهم والإشادة ببيض أياديهم.
فمن لنا بإمام من أئمة علماء هذا العصر تنقاد لبادرته دقائق الوصف لنشد إليه الرحال فيميط لنا اللثام عما أوتيه الشيخ إبراهيم ابن الشيخ ناصيف اليازجي من التفوق بل التناهي في إبداع أساليب الكلام والغوص على درر المعاني التي مثلها للأبصار تمثيلاً تفرد به عن الأشباه والنظراء بل مصاقع الخطباء ومتفنني الشعراء حتى نكب به عن طريق أبي تمام فانتهت إليه عن استحقاقٍ تام الرئاسة بين حملة العلم والأقلام. إنما ما لنا والضرب في مثل هذه البيداء وتحمل مشاق التكليف للبلوغ إلى من أوتى فصل الخطاب وهاهو ذا بين أظهرنا من تأليفه في فنون اللغة والآداب ما تكاد تحتجب بازائها الأنوار والأضواء والبيان والضياء التي دوى صدى شهرتها في كل قطر وناد ما تقف دون مجاراتها سوابق أفكار المبرزين في علم الإنشاء وكيف(1/416)
لا وقد نهج من طريق الكتابة في ابرز المبتكرات ما كشف لنا النقاب عن مخدرات الأفكار واحدث من مذاهب التلاعب في قوالب اللفظ ما يحمل المطالع إلى التصور أن ذهنه عالم الصنع والإبداع. على انه أن وجد من يرتاب في مثل هذه المقررات البديهيات فما عليه إلا أن يسرح رائد الطرف فيما كتب فيها من مواضيعه المستفيضة المترامية الأغراض الجامعة لأصول العلم وفروعه المعنونة باللغة والعصر المجاز لغة الجرائد، أغلاط العرب، أغلاط المولدين، أغلاط لسان العرب، الشعر التعريب، وغير ذلك من المواضيع الجليلة في انتقاد ذخائر المتقدمين وتذليل بعضها فيجد هنالك من الإحاطة بأسرار اللغة وآدابها وسبر غور حالاتها وأطوارها ما لم يباره مبارٍ فيها بل إذا استقرينا ما جاء بين تضاعيف تلك المواضيع مما كتب من المقالات المحيرة في القمر والزهرة والمشتري نراه قد نهج فيها من جديد الوصف بل غرر البدائع ورشيق الاستعارات وضروب المجاز والكنايات التي لم يسبقه إليها سابق ما حق له أن يلفظ بقطب أفلاكها دون أن ينازعه فيه منازع وعلى الإجمال فانه أثابه الله أقام نفسه ترساً منيعاً وقى(1/417)
به اللغة وفنونها من هجوم الأقلام المعتسفة فأفنى حياته في خدمتها وجدد من رسوم
فصاحتها وبلاغتها ما يكاد يسترد لها سابق أبهتها ورفيع شرفها.
ولما كان القيام باستيفاء الكلام عن جميع نصراء علوم العربية من العلماء الأفاضل والكتاب القرح الأماثل الذين رفعوا بتأليفهم ومنشوراتهم منار الفصاحة النعمانية وشيدوا الصروح الفخيمة للبلاغة المقفعية مما لا يضطلع بأعبائه وصف واصف فضلاً عن انه يتجاوز نطاق هذا الموقف لم تجد بداً من الإضراب عن الخوض في مثل هذا العباب الواسع الاكناف والاكتفاء بالإشارة إلى ذكر بعضهم على قدر ما تعين عليه الحافظة. ولكننا نستطرد في هذا المقام إلى أيراد أولئك الأفاضل الذين قد تقطعت أوتار أقلامهم على اثر إجابتهم إلى دعوة ربهم وهم محمد عبده، نجيب الحداد، إبراهيم المويلحي، الدكتور بشارة زلزل، الشيخ خليل اليازجي عبد الرحمن الكواكبي الشيخ محمد محمود الشنقيطي بطرس كرامة أديب بك، اسحق نصر الهوريني رشيد الشرتوني وسواهم ممن طوتهم الأيام(1/418)
ولكن نفثات أقلامهم باقية على توالي الأعوام سقى الله يصيب الرحمة تربتهم واجزل في دار النعيم ثوابهم.
وأما الجهابذة الذين ما فتئوا حتى الآن متفانين في نصرة اللغة عاقدين الخناصر على الدفاع عن حياض علومها فهم سليمان البستاني، نجيب البستاني، نسيب البستاني، الأب شيخو اليسوعي، سليم بك عنجوري، سعيد الخوري الشرتوني، احمد زكي باشا قسطاكي بك الحمصي، ولي الدين يكن، الدكتور شلبي شميل، خليل المطران، حافظ إبراهيم، احمد شوقي، نقولا الحداد، جماعة من بيت المعلوف مصطفى صادق الرافعي، يوسف جرجس زخم، توفيق اليازجي، خليل سركيس، مجلة المقتطف، مجلة الهلال، مجلة المقتبس (الخ). وعلى أثرهم نذكر أيضاً الأعلام الذين نبغوا في بغداد من القرن الغابر وهم السيد محمود الالوسي، عبد الباقي العمري الأخرس وأما العالمان الفاضلان اللذان تثني بهما الأصابع، في هذا العصر اللامع، فهما الشيخ محمود شكري اللالوسي وجميل صدقي الزهاوي من قد استصبح أدباء العراق ببدر علمهما في المعضلات اللغوية وضربت إليهما(1/419)
أكباد الإبل في المشكلات العقلية والنقلية بل طالما رن في الخافقين صدى تأليفهما فانبثقت أنوار العرفان من سماء محرابهما.
فهؤلاء الأفاضل وكثيرون غيرهم خواص أهل الأدب قد أذابوا أدمغتهم ولضنوا أجسادهم بل ضحوا حياتهم في أحياء رسوم اللغة وجمع شتيتها فأدركوا من علومها حظاً وسيعاً
وبلغوا من القبض على أعناق المعاني فسخروها تسخيراً تأتي لهم معه أن يطرسوا عل آثار السلف من واضعي هذه اللغة وعلى الجملة فانهم أغاروا على حصون أسرها وما لبثوا أن نسفوها نسفاً أهلهم من أن يظهروها بما انتهت إليه اليوم من مظاهر الحسن والجمال بل العز والكمال وهو السر في سرعة نموها وبلوغها إلى هذا الحد العجيب.
إلا انك مع ما ترى من انتعاش اللغة من كبوتها وإحياء ما اندرس من آثارها حتى بلغت آلة مثل هذا الطور طور ترعرها وريعان شبابها تجد من حين إلى آخر آراء لبعضهم في استبدالها وتنكرها مبسوطةً على صفحات الصحائف معززة بمقدمات ونتائج لم يكد يتناولها القلم والبرهان حتى يزيفها تزييفاً يلحقها بخبر كان ولعمر الحق(1/420)
ما ندري ما الدواعي الباعثة إلى محاولة اقتحام مثل هذه العقبات المودية بشرف اللغة وطلاوة أسفارها إلى أحط الدركات ولقد طالما عرضت ضروب شتى من مثل هذه الاقتراحات وحيث إنها لم تلاق اكتراثاً ممن يعول عليهم في علوم اللغة طويت طيا بل لما انتبر اللغويون وتناصروا على دحضها بالحجج القواطع دحروها دحراً ولكنهم مع ما اثبتوا في أشهر الصحف البلاد التي هي مستودع ذخائر العلم والعلماء من وجوب التجافي عن مثل هذه الآراء والتنصل مما فيه تبخيس أو مساس باللغة فقد استأنف بعضهم هذه الكرة وعرض على أرباب العلم ما عن له من الرأي في تدوين جميع كلم البلاد العامة وان يعولوا فيها على تثبيت ما هو قريب من اللغة الفصحى ويعرضوا عن الأوضاع العامية والدخيلة القحة حتى إذا ألحقت بأصل اللغة واعتمدها جميع أهل الصحف ومؤافي الكتب حملوا قرائح العامة على فهمها وتقليدها فتغرب إذ ذاك شمس اللغة العامية بازائها ويسود تكلم الخاصة والعامة بها.
ولا يخفى أن الاضطلاع بجمع لغة البلاد العامية عقبة تكاد لا(1/421)
تظفر بها أمنية بل أحر به كمن يطلب أمراً لا تبلغ إليه همة قصية لما انه من الأعمال التي لا يقوم بأعبائها إلا العدد العديد في الزمن المديد من الكتبة المحققين والأفاضل المدققين مع ما يستلزم من تفرغهم للاشتغال به دون سواه بحيث ربما يستغرق هذا العمل جيلا برمته ولم يفوزوا بنهايته وحسبنا برهاناً على هذا ما ورد عن المستشرق النحرير دوزي من مقال له في هذا المعنى ما تعريبه (. . فمن الواجب إذا إنشاء معجم للغةٍ غير فصيحة لكن اللغة العربية وآدابها غنية حتى انه يجب أعوام بل عصور تمضي قبل أن يشرع بمثل هذا المشروع وقد قال
لاين اللغوي الإنكليزي من الجهابذة لا يؤلف إلا ويقوم له جماعة عظيمة من علماء مبرزين مبثوثين في عدة مدن من ديار الإفرنج وتحت أيديهم مكاتب حافلة بكتب خط عربية ومنهم جماعة منتشرة في بلدان آسيا وأفريقية(1/422)
شانهم شان أولئك المذكورين فيجمع جانب من اللغة من الكتب المخطوطة والجانب الآخر من أفواه الإعراب وان يتضافر لهذا المشروع علماء عارفون بعلوم المسلمين).
ثم على تسليمٍ أن استجماع مثل هذه المؤن والمهام ليس مما يحول دونه تعذر وعناء غير انه والحالة هذه مما يقتضي نفقات طائلة ذات موارد غير منقطعة فكيف يتسنى لمن يقومون بهذه الأعمال أن يأتوا بمثل هذا المال؟ وأين الرجال من أرباب الغنى واليسار من تستفزهم النخوة العربية وتستمطر برهم الغيرة على الآداب اللغوية فيدرون عليها من فيض نعمهم السنية؟ بل أين يا ترى من شكا من اللغة عجزاً أو تقصيراً بما يستطير الخواطر للأخذ بأسباب الولوج في مثل هذه الأبواب ومعاناة اقتحام هذه الأمور الصعاب؟ ولكن هي اللغة التي طالما وصفها الواصفون من جلة العلماء الناطقين بها ومشاهير المستشرقين من الدخلاء فيها بأنها اغزر الألسنة مادة وأوسعها تعبيراً وأبعدها للأغراض متناولاً وأطوعها للمعاني تصويراً وكفى الناظر أن يجيل طرفه بين ألواح معجماتها فانه يجد هنالك ما يغنيه(1/423)
عن إفسادها بإدخال الألفاظ المتداولة فيها لما عنده من وفرة الكلم ومرادفاتها ما لو شاء أن يضع عدة طبقات متفاوتة المراتب من محض اللغة الفصحى مركبةً من انس الألفاظ وأسلسها لما وجد من ذلك ما هو أدنى إليه منالا وأطوع له انقياداً ومما لا يجد له مثيلاً في شيءٍ من هذا بين جميع اللغات المنتشرة على ألسنة البلاد.
اجل لا ننكر وجود لغةٍ صدعت في وضعها رؤوس أربابها لما بالغوا في نسجها من أوابد يعسر جمعها على العوام والخواص وفرائد غالية لكنها أشبه بدرر الغواص مما لا تخرق معانيها حس العامي فيقف بازائها قاصراً عن فهمها إلا أن مثل هذه اللغة قد أهملت من عهد عهيد ولم نجد لاستعمالها ظلا فيما بين أيدينا من التأليف الحديثة والكتابات المتداولة على ألسنة أرقى الصحف والمجلات التي أصبحت لغتها عذبة المورد خفيفة المحمل على سمع العامي وفهمه مما لو تسنى له استخدامها في معاملاته ومحادثاته لأنتسخت بازائها لغته الساقطة المبتذلة التي يمجها الذوق وينفر منها الطبع.
ولذا فإذا ثبت ذلك تبين أن الداء الذي أريد علاجه لاستئصال(1/424)
شافة اللغة العامة ليس من الأدواء التي ينجع فيها اقتباس ألفاظٍ من أوضاعها وإلحاقها بأصل اللغة الفصحى فهذا الضرب من العلاج مما يشوه وجه الجمال وينكر أسلوب وضعها بل يزيد اخرق بذلك اتساعاً والطينة بلةً وقد سبق أولئك النوابغ من كتبة العصر الذين أشرنا إليهم واغنوا بسعة علمهم وفرط اطلاعهم وتنقيبهم جميع المتشوقين إلى الخوض في مثل هذا العباب وكفوهم مؤونة التطرق إلى مثل هذه الأبواب إنما علاجه اتخاذ لغة هؤلاء الأفاضل مناراً عالياً نقتفي به آثارهم وأستاذاً هادياً يؤهلنا من النسج فيه على منوالهم والإجماع على إدخالها مدارس الفتيان والفتيات كلها جمعاء بل مدارس الحكومة نفسها وان تعمم المكاتب في جميع أنحائها وتحمل الأمة قسراً على الانضمام إليها ولا يستثنى منها ذليل ساقط ولا ضئيل لاقط حتى إذا احكم أصول تلقين هذه اللغة وبثت أشعتها في فضاء الإفهام لا تلبث أن تبلغ منها على طرف الثمام فتسقط إذ ذاك اللغة العامية من عالم اللسان وتلحق بما سبقها من لغات القرون الخوالي.
ولقد كنا وقفنا على شيء مما تنبهت إليه الخواطر من هذا القبيل(1/425)
وثارت على أثره حركة أرباب الصحف تتقاضى الحكومة لإبرازه من حيز القوة إلى عالم الفعل وانصرفت وجوه الأمة العربية استبشاراً لما من شانه تعزيز آخر ذخيرة تركها لها الدهر في عالم الوجود إلا انه ما عتمت الحوائل أن قضت قضاءها على ما جرى للحكومة في هذا الباب من المفاوضات فاندكت هذه الأماني الحيوية في عالم الأموات.
وعليه فإذا تقرر أن اللغة قد انتعشت من رقدتها وتجلت في مجالي عزها وجمالها وتأتي لحملة الأقلام من فصحائها استخدام فنونها ومحاسنها لزمهم ضرورة أن يقفوا بها عند هذا الحد من الاتساع والإبداع وينتقلوا إلى عطف النظر إلى مزاولة أمر الوضع فيها والأحداث وهذا ولا جرم من الأمور الحرية بأن تتظافر الآراء عليه وتتزاحم أعمدة الصحف في مقاضاته وينتدب للقيام به علماء العصر بأسرهم على تفاوت مراتب علمهم وتحصيلهم ويكون محل شغل شاغل لعقولهم في مثل هذا العصر الذي اتسعت فيه سبل التنقيب عن أسرار الطيبعة والتطلع إلى خفايا الكائنات بعد ما ظهر من المكتشفات التي نبهت أرباب العقول للإيغال فيها وكشف غوامضها وهتك حجب(1/426)
رموزها وآثارها وليس بين معجمات
اللغة من الأوضاع ما يقوم بمباراة ذلك الغناء بل لم ير هناك ما يعين على أداء كثيرٍ من المعاني المدنية والعلمية مما كان ولا ريب متداولاً على ألسنة السلف وكتاباتهم في عهد حضارتهم وعز مدنيتهم لإغفال المدونين عن نقل كثير من أوضاعهم وبعد فلو كانت اللغة قد خلت من سنن وصيغ وضع الألفاظ فيها لوجد العلماء في ذلك عذراً يشفع بوقوفهم دون النزول إلى مثل هذا المضمار وأنى لهم مثل هذه الأعذار وقد سبق السابقون فمهدوا سبل استقراء أحكام الوضع واستنبطوا سره وقبضوا على قياده على ما يجدون ذلك مثبتا في محله.
وغير خافٍ أن مواضيع الخلل في اللغة من هذه الجهة قد لاحت طلائعه فان نهض اليوم علماؤنا والسراة ممن يهمهم صيانة لغتهم عن الفساد ووقفوا في سبيلها الأعمار ومطامعهم من المال وإلا فهذه لغتهم بعد زمنٍ يسير ستنحط من عالم الأقلام وتذهب كل مذهب من الخلط بين السماء والأرض وتصبح عرضة للناقدين من فحول المؤرخين وهدفا لسهام المنددين والمفندين.(1/427)
إلى حضرات المشتركين الكرام
طالما تبرم وسئم كل من طالع الصحف والمجلات التي لا تزال تطبع في مطابع بغداد لما أن جميع حروفها تركية النمط ولا تقبل شيئاً من الحركات في بعض المواضع اللازم أشكالها وياءاتها غير المنقطة وحين وقوعها من آخر الكلم لا تمتاز عن الألف المقصورة وحجمها متعب للأنظار وطرازها لا يقابل جمال الحروف العربية الحديثة وأما الأغلاط المطبعية الفاشية في جميع منشوراتنا فحدث عنها ولا حرج. وغير خاف عما ينجم عن مثل هذه الأحوال من الإخلال بالمعاني والذهاب بطلاوة ترصيفها وفضل ناشريها مما لا يسع المطالع في خلال ذلك إلا أن يقف بازائها حائراً بل متوقعاً أن يؤتى علم الغيب حتى يتكهن لمواقع الفساد ليتسنى له أن يرد كل معنى منه إلى نصابه.
ولما كانت الحالة هذه مست الضرورة إلى تدارك شيءٍ من تلك الثلم فاستحضرت في هذه الأيام مطبعة بيخور الحرف المطبوع به هذا العدد وهو كما يراه القراء الأدباء من الحروف الوضاءة المعتدلة الحجم التي يطبع بها كثير من جرائد ومجلات ديار مصر والشام بل الآمال(1/428)
معقودة على هذه الخطوة مما تدعو إلى تنبيه أرباب المطابع الأخرى إلى أن يحذو حذوها ملافاةً للتشكي بل للنفور المحيق بمطابعهم من تلك الأوجه. وحيث أن هذا الحرف يستهلك من المجلة محلاً أوسع مما يستغرق من ذاك فإدارة المجلة قد أعاضت عن ذلك على المشتركين بإصدار هذا العدد فما يليه في ثلاث ملازم أي بزيادة نصف ملزمة عما كان يصدر عليه أولاً وفي عزمها استئناف هذه الخطة حيناً بعد حين تذرعاً إلى التوسع في المباحث واختيار ما يكون منها اجزل فائدة واجمل وقعاً مع إبقاء قيمة الاشتراك بحالها.
وقد انتدب لتنضيد حروف هذه المجلة الفتي الذكي البارع الياس أفندي يعقوب من قد امتاز على حداثة عهده في هذه الحرفة على كثير من المنضدين القديمي العهد بها. ومأمولنا في غيرته دوام الاجتهاد فيها تفديا من شوائب اللبس والأغلاط
وهنا محل للإجهار بالثناء الطيب على حضرات المشتركين الأفاضل من الناطقين بلغة العرب والمستعربين معاً لما تفضلوا على إدارة هذه المجلة من كتب التهنئة والتقريظ ونقل كثيرٍ من مواضيعها إلى بعض(1/429)
الجرائد الأوربية سائلين الله عز وجل أن يوفق الإدارة إلى ما به نفع عامة القراء انه تعالى ولي الإعانة والتوفيق
الخميسية أو لؤلؤة البرية
(1 - موقع هذه المدينة) بلدة واقعة في لواء المنتفق بين سوق الشيوخ والهور الكبير أي يحدها شمالاً الفرات وأبو غار والشقراء وهما من منازل لبعض أهل البادية وجنوباً شرقياً بلدة الزبير وهي تبعد عنها نحو عشرين ساعة وشرقاً وغرباً الحماد أو بادية العرب وهي على هور يأخذ ماءه من الفرات وواقعة بين الدرجة 44 وربع طولاً و30 عرضاً عن بارس
(2 - حداثة نشأتها) الخميسية حديثة العهد، قد ولدتها حادثات الليالي الأخيرة. ومع حداثة وجودها أصبحت اليوم من اجل المدن الساعية وراء التقدم والرقي والعمران، بالنسبة إلى ما يجاورها من الربوع والديار، ولولا عوائق الفضاء وعوادي الدهر، التي لا تزال قائمةً في وجه سبيل رقي البلاد العثمانية كلها، ولا سيما البلاد العربية منها، لأوغلت في الحضارة والعمران أي إيغال. ولبلغت من(1/430)
الحال والمنزلة غاية هي غاية ما وراء الآمال.
الخميسية التي نروي ليوم حديث نشأتها على قراء لغة العرب، وتاريخ بدئها وتقدمها هي من القرى التي أبرزتها الحاجة إلى الوجود، ودفعتها إليه طبيعة البلاد لأنها أجبرت أهاليها على اعمارها، واقامة أعلام التمدن فيها رغماً عما هناك من سوء أصحاب السياسة والإدارة الذي كان في عهد الاستبداد، إذ وجد بينها من كانوا بمنزلة لمعاول بيد الزمان دائبين في تأخير البلاد وتخريبها إلى المهالك والمهاوي فضلاً عما كانوا يفتحونه على الرعية من أبواب الجور والظلم، ويطلقون عليها عقال العسف والغشم
ومع ذلك فلقد قويت عليهم طبيعة هذا الفطر المبارك وأجبرتهم على أعمار تلك الخطة فأصبحت لؤلؤة البرية، وسوقاً قائمة لأهل البادية
(3 - سبب تسميتها وضبط اسمها وبناؤها وقدمها) سميت بالخميسية نسبةً إلى عبد لله بن خميس (وزان كبير) وهو رجل من أبناء القصيم، قرية من القرى التابعة لبريدة إحدى عاصمتي القصيم والبعض يلفظونها خطأ مصغرة أي بضم الخاء المعجمة الفوقية وفتح الميم بعدها ياء ساكنة مثناة تحتية مشددة وفي الآخر هاء. والذي(1/431)
دعاه إلى بنائها هو انه كان مع جماعة فاضلة من النجديين ممن كانوا يوالون فالح باشا السعدون أيام كان السعد يخدمهم والتوفيق يرافقهم أيام كانت كلمتهم نافذة، وصولتهم عظيمة في بلاد المنتفق وما يجاورها ثم قلب الزمان ظهر الجن لآل السعدون وذلك أن هذه العشيرة استاءت من حكومة
ذلك العهد لكثرة ما ضيقت عليها الخناق فرفعت عليها راية العصيان وللحال أرسلت الحكومة جنداً في أواخر أيام تقي الدين باشا في منتصف سنة (1297 مالية 1881) لمناواة بني السعدون والتنكيل بهم، فاضطر المنتفق إلى الإمعان في بر الشامية وظلوا هناك حيناً من الدهر، وكانوا يمتازون من سوق الشيوخ. وبعد أن مضى على هذه الحال بضعة أعوام، حدث أن طغى ماء الفرات فأحاط بسوق الشيوخ ولا إحاطة الهالة بالغمر فتعطلت لتجارة وتعذر الامتياز (المسابلة) وأصاب أهل الأموال أضرارا فاحشة، ولا سيما لما كثرت الأمراض الوافدة بأسباب العفونات التي تولدت من زيادة المياه فهاجر اكثر ساكني سوق الشيوخ إلى جهات الزبير والبصرة والكويت وكادت سوق الشيوخ تتضعضع دعائمها وتنتكث مرائرها وفي واقع(1/432)
الحال إنها أخذت منذ ذاك الحين بالتقهقر إلى أن وصلت إلى درجة قامت مقامها الخميسية المذكورة وذلك بصادراتها ووارداتها وحسن تجارتها.
ومما زادها شأناً وقدراً أن الحكومة نظرت إليها نظر وامقٍ لحسن موقعها والعشائر قطعت التردد من سائر المدن المجاورة وأخذت تختلف إليها وهي ترد إليها من جهات نجد والزبير والبصرة والكويت وسائر ديار العراق.
وعليه فان عبد الله بن خميس لم يختط تلك المدينة إلا سنة غرق سوق الشيوخ وجعلها على الهور قريبة من لبر على مسافة زهيدة منه بحيث جعلها مقاماً صالحاً لجميع أبناء البادية والمتحضرين، بين البصرة والكويت، بين بادية العراق وعشائر نجد والمنتفق، بين الزبير وسوق الشيوخ. وبعد أن اختطها بني فيها قصره فجاراه من كان معه من النجديين فبنوا لهم دويرات واخذوا يجابون إليها الأموال والبياعات والتجارات وأنواع المؤونة والميرة من طعام كالأرز والحنطة والشعير والتتن (التبغ) ولباسٍ كأنواع الأنسجة والأقمشة. وللحال اقبل(1/433)
عليها الناس من كل حدب وصوب لقربها إليهم ولسهولة المعاملة فيها إذ ليس هناك دار مكس ولا رسوم ولا ضرائب ولا ما يماثل هذه الوضائع والجبايات كالتي تؤخذ على الحيوانات كما هو الأمر في البلاد المتمدنة وديار نجد والكويت وغيرها.
ولما اتسع نطاق هذه المدينة ورأى فالح باشا إنها صالحة للأعمار وعليها إقبال عظيم من كل صقع وقطر قام وبنى فيها مسجداً تصلي فيها الجمعة ومدرسة يدرس فيها مبادئ العلوم الدينية وجلب لها أحد العلماء من نجد وهو حضرة الشيخ علي بن عرفج من أحد البيوتات
الكريمة من إحدى القرى التابعة لبريدة السالفة الذكر وخصص لهذه الغاية واردات بأخذها العالم المذكور كل سنة من أطعمة السعدون فيصرفها على كل ما يتعلق بأمر المدرسة وطلبة العلم وما زال ذلك الشيخ مقيماً فيها حتى توفاه الله في سنة 1328 هجرية 1910 م فطلب حينئذٍ آل السعدون شيخ علم آخر بدلاً من المتوفي فجاءهم الشيخ العلامة إبراهيم بن جاسم قاضي القصيم عنيزة وبريدة سابقاً وهو لا يزال مقيماً هناك ومضطلعاً بوظيفته أتم اضطلاع إلى يومنا هذا.(1/434)
أما عبد الله بن خميس فانه انتقل إلى رحمة الله منذ بضع سنوات فخلفه ابنه في مقامه ولا يزال الأمر الناهي في تلك المدينة الحديثة إلا انه لا يستغني اليوم عن مراجعة بعض ممثلي الحكومة التي أرسلتهم في آخر هذا العهد للمراقبة ومنع دخول الأسلحة الواردة من الكويت
(4 - الخميسية في هذا اليوم) في الخميسية اليوم من البيوت ما يقدر بلف ويبلغ كأنها خمسة آلاف وهي لا تزال آخذةً في الرقي والتمدن للأسباب التي ذكرناها وما زالت الأسرة المؤسسة فيها إلى يومنا هذا وكلمتها نافذة ومما يجدر ذكره أن هذا البيت أصبح ملجأ الكرا الذين يخونهم الدهر من أمراء وشيوخ وتجار وأغنياء أو كل من نبذته أرضه فزايل وطنه فهؤلاء جميعهم يحلون ضيوفاً مكرمين في دار أولئك الاماجد فيجدون هناك وجوهاً باسمة وصدوراً رحبة وكرماً حاتمياً ومقاماً منبعاً بدون أن يسمعوا شكوى أو يروا فيهم مللاً أو يظهر منهم اقل ضجر.
(5 - سكانها) اغلب هؤلاء السكان من نجد أن لم نقل كلهم والسبب في ذلك رخص المعيشة وسهولة تناولها حتى انه يقال إنها على(1/435)
طرف الثمام. فالخميسية إذاً مأوى أمين بل حصن حصين لأهالي نجد، وبالأخص في هذه الأيام الأخيرة التي حدثت فيها الحروب بين ابن الرشيد وبين ابن الصباح من جهة وبين آل أبا الخيل وبين ابن السعود وال سليم من جهة أخرى ففي أثناء تلك الفتن والحروب التي طالت كانت هذه البلدة ملاذاً للذين يفرون من الحرب ويؤثرون السلم والراحة فكان الناس يأتونها فرادى ومثنى وزرافات والحق يقال أن ليس هناك من المدن القريبة إليهم مثل حافلة بما يحتاج إليه من ذخيرة وميرة ولباس
وترى في هذه المدينة الحديثة لؤلؤة البرية بيوتاً نزحت عن وطنها نجد بذراريها وظعائنها
وعيالها وفضلة الإقامة في هذه البلدة، غير ملتفتة إلى مسقط رأسها تلك هي نتيجة الحروب إنها إذا تفيد بعض الأفراد خدمةً لمنفعتها الشخصية فإنها بالجملة تضر بالجم الغفير من الناس.
(6 - ديانة أهلها ومذهبهم) من عرف أن اغلب أهالي هذه المدينة هم من نجد علم أيضاً أن لا دين لهم إلا الإسلام وان مذهبهم(1/436)
مذهب النجديين لا غير آذانهم سنيون على مذهب الإمام احمد بن حنبل (رضه) أو الوهابية وقلت أو الوهابية لان الوهابين هو حنابلة إلا أن المحدثين أعداء النجديين سموهم كذلك كأنهم يريدون أن ينسبهم إلى مذهب جديد ويكفروهم وليس الأمر كذلك إنما الحنابلة وهابية والوهابية حنابلة في المذهب وان كان الاسم حديثاً فالمعتقد واحد وعليه فديانة سكان الخميسية ديانة السلف، مذهب شيخ الإسلام ابن تميية، مذهب تلميذه ابن القيم، مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب
(7 - تجارتها) يصدر من الخميسية أنواع الحبوب كالأرز والشعير والذرة وغيرها، ويصدر منها أيضاً التتن (التبغ أو الدخان) والملبوسات وأنواع الأقمشة وغيرها من الحاجيات الضرورية وهذه تنفق على قبائل وعشائر العراق ونجد كالمنتفق والضفير وشمر وعتبة ومطير وغيرها ولكل قبيلة وعشيرة وقت للامتياز والابتياع.
وإذا أصيبت ديار نجد بمحل أو غلاء اقبل أهلها على الخميسية وجاءت القوافل تتري وحملت منها إلى نجد مرتزقات تسد عوزها وإذا اضطر(1/437)
أحد الأمراء لي شيءٍ من ذلك وجه إلى (لؤلؤة البرية) إحدى عشائره أو كلها لتمتاز ما يعوزها من المرتزقات والمؤونة والذخيرة
أما وارداتها فهي التمر والسمن (الدهن) والصوف والوبر والجلود والخيل والإبل وأنواع البنادق من مارتيني (ماطلي) وموزر وغيرها والآن قد قل نقل هذه الأسلحة إليها لان ابن الصباح منع تهريب السلاح إجابةً لطلب إحدى الدول التي اتفقت على هذا الأمر مع دولة عثمان.
(8 - زراعتها) ليس هناك من يعنى اشد العناية بالزراعة فالخميسيون لا يزرعون إلا الحبوب والبقول وما ضاهاها.
(9 - صناعتها) قل عن الصناعة ما قلت لك عن الزراعة لان البلدة حديثة النشوء ليس
فيها من قد احكم الصنائع وليس هناك من يحتاج إلا إلى الصنائع الضرورية التي تسد حاجاتهم التي لا غنى لهم عنها.
(10 - العلوم قيها) لا يوجد فيها من يزاول العلوم والمعارف إلا ما نزر والذي يعنى بها لا يتفرغ إلا لعلوم الدين والعقيدة والمذهب بل ولمذهب الحنابلة فقط إذ لا يوجد في تلك المدينة من يقول بغير مذهب(1/438)
الوهابية أو مذهب السلف
(11 - الآثار القديمة فيها) سمعت كثيرين يقولون في جوار الخميسية آثار قديمة لكني لم أتحقق الأمر بنفسي كما لم استطع إلى الآن أن أتتثبت الخبر على أني لا اعجب من ذلك لان شاطئ الفرات كان آهلاً بالسكان في سابق العهد ومدنه كثيرة لا يعرف عددها على التحقيق فإذا ثبت لي صدق النبأ وأمكنني بسطه على وجهٍ مفيد أتيت به قراء لغة العرب إن شاء ربك القدير والسلام.
سليمان الدخيل صاحب جريدة الرياض ومجلة الحياة
البعبع في مصر
كتب إلينا العلامة الأستاذ الدكتور اغناز غولدزيهر في بودابشت كتاباً دل على طيب عنصره وكرم أخلاقه ومن جملة ما ذكره تعقيب له على مقالة البعبع قال حرسه الله بحرفه العربي، ونصه البدوي (أستأذن حضرتكم في أن استخرج من حافظتي لأعقب على ما في مجلتكم في الصفحة 70 أو ما يليها بصدد كلامكم عن البعبع وعما(1/439)
يستعمله العوام من الألفاظ لزجر الصبيان وتخويف الأولاد الصغار فأقول في الزمان الذي كنت في مصر (1874) سمعت من بعض العوام عبارات يخوفون بها أولادهم بقولهم (اسكت لحسن (الأحسن بمعنى لئلا) أحط لك في عينك، (يعني الششمة) اسكت لحسن أحط لك في بقك الفلفل، اسكت لحسن أجيب لك شيخ الحارة اسكت لحسن السماوي (من السم) بيجي يأخذك
ثم أن التخويف بالبعبع مذكور أيضاً في كتاب هز الفحوف، في شرح قصيدة أبي شادوف، (طبع حجر الإسكندرية 1289) ص147 وهاكم عبارته (وإذا أرادت أمه أن تخوفه أو تسكته عن الصياح تقول له اسكت لا يأكلك البعبع بكسر الموحدتين ورفعهما وجزم العينين المهملتين. والبعبع مشتق من البعبعة وهي صوت الجمل) اهـ
في الصبر
يقولون أن تصبر تنل كل غاية ... وقد فلتهم أن المرارة في الصبر
وهل يستطيع المرءُ صبراً على أذى ... يكابده حتى يغيب في القبر
محيي الدين فيض الله الكيلاني(1/440)
يهتف باسمه
وكم هادم للدين يهتف باسمه ... وينعاه للإسلام وهو يقاتله
ويأمر بالمعروف وهو غريمه ... ويدعو إلى نصر الهدى وهو خاذله
ويزعم أن الحق لولاه ما سما ... ويأتي بقولٍ يدحض الحق باطله
ويدعي بأيد الدين حامي حمى الهدى ... وكم غالت الدين القويم غوائله
ولو سلم الإسلام منه لأصبحت ... معارفه منشورة وفضائله
كاظم الدجيلي
أرز أو تمن العقر
أرز العقر المشهور في العراق ينسب إلى العقر القلعة الحصينة (التي هي اليوم مدينة شهيرة) في جبال الموصل والتي أهلها أكراد وهي شرقي الموصل المعروفة أيضاً باسم عقر الحميدية لا إلى العقر التي هي بين تكريت والموصل كما كتبناه في ص375
البربن والبدرايي والإبراهيمي والبريم
سألنا بعضهم ما صحة هذه الألفاظ من الفصاحة وما أصابها أو ما يقابلها عند لفصحاء الأقدمين(1/441)
قلنا: هذه كلها من أنواع التمور المشهورة في العراق فأما البرين وزان جعفر فمن أصل فارسي وهو في هذه اللفظ (بهاربانو) ثم قصرت وصحفت ومعنى هذا اللفظ المركب: العروس أو السيدة (بانو) الحسناء (بهار) لان هذه لتمرة من احسن التمر بلونها لأحمر البديع وكبرها وطعمها اللذيذ فهي بين سائر أخواتها كالعروس أو السيدة الحسناء بين سائر العرائس.
وأما اسم هذا النوع من التمر في سابق الزمان فهو الطن بضم الطاء وفتحها والنون
المشددة. قال في لسان العرب: الطن ضرب من التمر أحمر شديد الحلاوة كثير الصقر. اهـ وفي الحاشية عن الصغاني: قوله كثير الصقر يقال لصقره السيلان بكسر السين لأنه إذا جمع سال سيلاً من غير اعتصار لرطوبته، قلت: وكذا قال ابن سيدة في المخصص على أن العراقيين لا يخصون لفظة السيلان بصقر الطن أو البربن بل بصقر كل تمر. وإذا طبخ السيلان قيل له الفضيخ.
وأما البدرايي فهو نسبةً إلى بادرايا (بفتح الحروف كلها إلا الألف) لا بادورايا. وبادرايا هذه هي التي تسمى اليوم بدرة قال ياقوت:(1/442)
بادرايا: ياء بين الألفين: طسوج بالنهروان، وهي بليدة بقرب باكسايا بين البندنيجين ونواحي واسط، منها يكون التمر الفسبا اليابس الغاية في الجودة واليبس اهـ. فالأصح إذاً أن يقال: البادرايي. لكن العوام تقصر الكلمة للتخفيف.
وأما البريم فلفظه الحقيقي (البريني) تصغير البرني ثم نقله العوام إلى لفظ متعارف مشهور بينهم جهلاً للفظه الأصلي. قال في التاج: البرني بالفتح: تمر معروف أصفر مدور وهو أجود التمر، واحدته برنية وقال الأزهري: ضرب من التمر أحمر مشرب بصفرة كثير اللحاء، عذب الحلاوة، يقال: نخلة برنية، ونخل برني قل الراجز:
برني عيدان قليل قشرة
وهو معرب، وأصله: برنيك أي الحمل الجيد. وقال أبو حنيفة: إنما هو بارني، فالبار الحمل، وني تعظيم ومبالغة. وقول الراجز:
وبالغداة فلق البرنج
أراد البرني، فأبدل من الياء جيما. اهـ والأصح، أن البرني منسوب إلى البرن وهي قرية مشهورة بهذا التمر كما جاء في معجم لبكري كما(1/443)
أن البادرايي منسوب إلى قرية بادرايا
ومثل البرني أو البريم الصرفان والصيحاني. قال في التاج: الصرفان (بالتحريك) تمر رزين مثل البرني لأنه صلب المضاغ علك بعده ذوو العيالات وذوو الأجراء وذوو العبيد لجزائه وعظم موقعه والناس يذخرونه قال أبو حينفة: أو هو الصيحاني بالحجاز نخلته كنخلته حكاه أبو حنيفة عن النوشجاني فاحفظه نصب أن شاء الله
ديوان ابن الخياط
هو كتاب خط موجود عند أحد أدباء بغداد وهو من الدواوين القديمة. طوله 18 سنتيمتراً في 13 ونصف عرضاً. فيه 88 ورقة مكتوبة أي 176 صحيفة. وطول المكتوب من الصفحة 12 سنتمتراً في 9 عرضاً وهو كامل لا ينقصه شيء لا في الأول ولا في الآخر. وهذا بدا كلامه بحرفه، (بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله قال الشيخ أبو عبد الله احمد بن محمد بن الخياط يمدح الأمير أبا القوام وثاب بن نصر بن صالح:
عتادك أن تشن بها مغارا ... افقدها شذباً قباً تبارا(1/444)
كأنَّ أهلة قذفت نجوماً ... إذا قدحت سنابكها شرارا
وهل من ضمر الجرد المذاكي ... كمن جعل الطراد لها ضمارا
إلى آخر القصيدة وهي في 37 بيتاً عامراً
والكتاب حسن الخط جلي الحروف محلى بالشكل الكامل لاسيما في المواطن التي تحتاج إلى تحرير وضبط وتدقيق وفي كل وجه 19 سطراً وقد كتبت العناوين مرة بالحبر الأحمر ومرة الحبر الأخضر الضفدعي اللون، وربما لم يتبع الكاتب هذه القاعدة اتباعاً مطرداً فيخالفها في بعض الأحايين والنسخة قديمة جداً ويكاد كاغدها يتمزق أرباً أرباً لقدمه وتطاول الزمان عليه وقد جاء في آخره: (تم الديوان بأسره على ما قرره صاحبه أبو عبد الله محمد بن نصر بن الخياط من نسخة قبل فيها من نسخة الشيخ أبي عبد الله محمد بن نصر بن صغير الخالدي، ثم قال أيضاً: كتبته من نسخة عليها خط الشيخ أبي عبد الله بن الخياط رحمه الله بما نسخته كلما رواه عني الشيخ الأجل الأديب أبو عبد الله محمد بن نصر بن صغير، فهو ما سمعه مني وقراه علي وما رواه غيره فحالف ما في نسخته هذه فلا يعتد به، وكتبه احمد بن محمد بن علي بن الخياط(1/445)
في سنة سبع عشرة. اهـ
وهذه الأسطر مكتوبة بشكل مثلث وعن يمين المثلث هذه الأسطر وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة في يوم الجمعة المبارك رابع عشر شهر رجب الفرد من شهور سنة أربع عشرة 814 (ووراء هذه السنة كلمة محكوكة حتى ثقب الورق هناك قم هتان اللفظتان) ختمت بخير وعن يسار المقلق هذه الكلمات (كاتبه الفقير الحقير، من حف باللطف الخفي، يوسف الملاح سبط الحنفي، غفر الله له ولوالديه والمسلمين أمين.)
فترى من هذا الكلام نفاسة هذه النسخة أن بصحتها وان بقدمها وان بشهرة صاحبها. كيف
لا وهو ابن الخياط الذي قال عنه ابن خالكان:
هو أبو عبد الله احمد بن محمد بن علي بن يحي بن صدقة التغلبي المعروف بابن الخياط الشاعر الدمشقي الكاتب الذي كان من الشعراء المجيدين طاف البلاد وامتدح الناس ودخل بلاد العجم وامتدح بها ولما اجتمع بابي الفتيان ابن حيوس الشاعر المشهور بحلب وعرض عليه شعره.(1/446)
قال قد نعاني هذا الشاب إلى نفسي فقلما نشأ ذو صناعة ومهر فيها إلا وكان دليلاً على موت الشيخ من أبناء جنسه. ودخل مرة إلى حلب وهو رقيق الحال لا يقدر على شيء فكتب إلى ابن حيوس المذكور يستمنحه شيئاً من بره بهذين البيتين
لم يبق عندي ما يباع بحبةٍ ... وكفاك علماً منظري عن مخبري
إلا بقية ماء وجهٍ صنتها ... عن أن تباع وأين أين المشتري
وكانت ولادته سنة 450 بدمشق (1058م) وتوفي بها في حادي عشر شهر رمضان سنة 517 (1123م) وبهذا كفاية لمن يريد أن يعرف قدر هذا الديوان الذي لم يطبع بعد وقد أصبحت نسخه الصحيحة كهذه اعز من بيض الأنوق، أو ابلق العقوق.
نقد كتاب تاريخ آداب اللغة العربية
3 - أغلاط التعبير
جرجي أفندي زيدان من الكتاب المعروفين بسلاسة الإنشاء وحسن سبك العبارة حتى انك لتقرأ كتبه من الأولى إلى الآخر ولا يحدث فير صدرك ما يحدثه فيه حملة الأقلام في كتاباتهم فأنك إذا قرأت(1/447)
صفحة أو صفحات من نفثات يراعتهم حرج صدرك وضاق نفسك وحارت عيناك ونشأ فيك نوع من السأم يدفعك إلى الثؤباء والمطواء يعقبهما ضرب من الوناء والفتور والرخوة إلى درجة يسقط فيها الكتاب من يديك ولا تشعر بإفلاته منهما. وانك لتشعر بالعكس عند تصفح مصنفات كاتبنا البارع ومهما اختلفت مواضيعها وطالت أبحاثها.
على أن هذا القول لا ينفي عن المؤرخ البارع كل شائبة. فلقد رأينا في مؤلفاته بعض الشبهات ولعلها من سوءِ فهمنا إياها لا من وجودها حقيقةً فيها بيد أننا نذكرها على ما هي ونسوق لها ما يعن لنا إنها اجدر بالمقام للمقابلة بين التعبيرين وللأخذ بأحد الوجهين. فمن ذلك ما جاء
في ص207 إذ قال اعتنق الإسلام وفي ص211 واعتنقها (أي النصرانية) اليونان وقد كثر هذا التعبير في مطبوعات هذا العصر منقولاً عن تعبير الإفرنج وله وجه في المجاز لا تأباه العربية إلا أن فصحاء كتاب العرب الذين يرمون إلى البلاغة يعدلون عن هذا القول وينخون نحواً عربياً صرفاً فيقول مثلاً دان بالإسلام أو دان دين الإسلام كما ورد في الأغاني (18: 2) إذ قال ودان دين المسيح.(1/448)
وقال في ص216 كانت المدينة قد أصبحت مرسحاً للهو وهذا أيضاً من التعبير لدخيل وهو قبيح لان العرب لم تعرف لفظة المرسح لا بالمعنى الحديث ولا بمعنى لغوي يحرر هذا الاستعمال أو يحقه والأصح أن يقال هنا (ميداناً للهو) فان العرب عرفت الميدان وهو يوافق هذا التعبير هنا وإذا أراد الكاتب مقاتلاً فصيحاً لكلمة مرسح فالأفصح المرسح لان العين تسرح في جوانبه وفي الأشخاص والزينة التي ترى فيه. قال الحريري في المقامة الصنعانية: وأورد في مسارح لمحاتي ومسايح غدواتي وروحاتي. وفسروها بالمواضع التي يسرح أي ينطلق النظر فيها. وهو المراد هنا. إلا أن أحد الكتاب أنكرها في المقتطف فلا
يحق له هذا الإنكار ووجه التسمية واضح لكل ذي عينين.
وقوله في ص223 الأمور الهامة. والمهمة افصح. ومثلها في ص52 وقوله في ص224 وهكذا العرب فقد نظموا والأفصح وهكذا العرب نظموا.
وجاء في ص228 أحراف الأخرى الألسنة والمسموع حروف وأحرف لجمع حرف.(1/449)
وورد في ص230. . . فلما ظهر الإسلام واشتغل المسلمون بالفتح والحرب حتى استتب لهم الأمر ونزعوا إلى الجهاد، تدرجوا في وضع التاريخ. والأوفق أن يقال هنا: ونزعوا عن الجهاد لأن النزوع إلى الشيء الميل إليه أو الذهاب إليه. والمراد هنا الانتهاء أو الانقطاع عنها كما هو سياق العبارة ومقتضى المعنى.
ومن هذا الباب ما جاء في ص231 فمعاوية بن أبي سفيان كان يجلس لأصحاب الأخبار في كل ليلة. . . فلقوله يجلس لأصحاب الأخبار وجه مقبول لكن لو قال يجلس مع أصحاب الأخبار أو يجالس أصحاب الأخبار لكانت العبارة أتقن وأوفي بالمراد
ومن هذا القبيل قوله في ص237 (وكان عمال الأمويين أصحاب شعر وخيال وحساسة مثلهم) ولا نعلم ما بالمراد بالحساسة هنا فلعلها الحس أو الشعور أو دقتهما وعلى كل فليست الكلمة فصيحة إلا إذا كانت مضمومة الأول بمعنى مفرد الحساس وهو غير المطلوب هنا ومما يدخل تحت هذا لباب قوله ص250 (فكان اكثر الشعراء في هذا لدور أما على الحياد خوفاً من معاوية أو. . .) والأصح أن يقال(1/450)
أما على. . . . وأما. . . بإعادة أما لان الأولى ذكرت متأخرة فيجب أن تعاد (أما) في الثانية وتعاد متقدمة كما هو مثبت في كتب القوم ثم أن الناس قد أفاضوا في استعمال الحياد بمعنى تجنب التحزب أو عدم الميل إلى أهل الحزبين الخصمين والمألوف عند العرب بهذا المعنى الاعتزال وان كان للحياد وجه فصيح لا غبار عليه إلا أن اتباع المألوف المطرد خير من اتباع غير المألوف القليل الورود في كلامهم.
وجاء في تلك الصفحة دعا إلى ابن الزبير وخالف عَلى مروان (والاظهر خالف في مروان. وفيها أيضاً. . . ولذلك فلما علم بقصيدة الاخطل. والأفصح ولذلك لما. . . ومثلها في ص102 و181.
وربما جاءت بعض الألفاظ في غير موطنها من وضع معناها كما جاءت (ناهيك ب. . .
) بمعنى (فضلاً عن) وقد وردت مراراً عديدة في الكتاب منها في ص41، 48، 66، 178، 195، 209، 234 إلى غيرها.
وذكر في ص136 ما هذا نصه وكان (أمية بن أبي الصلت) يسمي الله في بعض أشعاره (السلطيط) وفي بعضها (التغرور) فربما اقتبسها(1/451)
من الحبشية أو صاغها على صيغ تلك اللغة. اه: قلنا: التغرور أرمنية الأصل تصحيف تغفور أو تكفور ومعناها الملك أو الأمير. وجعل الراء فاء لغة عندهم قديمة فيقولون الصرير أو الصريف. وردم الباب والثلمة: سده كله أو ثلثه أو الردم اكثر من السد. وقدم فم الإبريق غطاه ووضع الفدام عليه.
وقال في ص58 المودعة عنده. والأفصح المودعة إياه. لأنه يقال أودعه شيئاً.
وجاء في ص114 نظم معلقته على مرتين. وهو من تعبير عوام الشام ومصر والأفصح مرتين بحذف (على).
وذكر في ص174 قي الأشهر الحرام. والأصح في الأشهر الحرم وعدَّ في ص186 أيام الأسبوع عند العرب في عهد الجاهلية فقال أول أهون جبار والأصح (اوهد) كما ذكره اغلب اللغويين. نعم انه جاء في بعض النسخ (أول) لكن هذا من تصحيف النساخ أو من تصحيف الجهلاء تلك الأيام.
وورد في ص93 أو التهويل عَلَى عدوهم. والأصح: تهويل عدوهم(1/452)
وفسر العسب في ص201 بما حرفه: قحوف جريد النخل ولا نعلم معنى القحوف هنا إنما العسب جمع عسيب والعسيب السعفة مما لا ينبت عليه الخوص.
وقال في ص94 ويسمونهم (أي يسمي اليونان الرواة) والحال هذه اللفظة بهذه الكتابة ليست إنكليزية واليونانية تكتب ومن هذا الباب كتابته للفظة (ص57) بهذه الحروف المذكورة. فإذا كانت بهذا الوجه فهي لا إنكليزية ولا فرنسوية ولا. . . ولا. . . والأصح أن تكتب إذا أردنا كتابتها باللغة الإنكليزية بالفرنسوية. الخ.
وجاء في ص111 س22: وقد آلي على نفسه في الجاهلية أن تهب صبا إلا أطعم. (والمراد هنا: أن لا تهب صباً إلا أطعم.)
هذا ما بدا لنا في أثناء المطالعة ونحن نحدر فيها تحديراً ولعنا في اغلب الأحيان من المخطئين لا من المصيبين وربك فوق كل علم عليم.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - ابن السعود والشيابين(1/453)
أخبرت الرياض أن الأمير عبد العزيز باشا السعود غزا بجيشه الجرار القبائل العاصية من عتيبة وهم الشيابين فاخذ منهم غنائم كثيرة واحسن تأديبهم وقد أخلدت اليوم هذه الأعراب إلى السكون والراحة وعدلوا عن إثارة نيران الفتن وانتشر بين ظهرانيهم فكر الاتحاد العربي أي المطالبة بإرسال مبعوثين من جميع البلاد العربية ليشاركوا إخوانهم ويكونوا يداً واحدة عَلَى الأعداء.
2 - إنكليزي في بلاد العرب
برح أحد سفار الإنكليز الكويت قاصداً التجول في الديار نجد والوقوف على ما فيها من الدفائن والمعادن وقد اخذ معه أحد أدلة العرب اسمه عثيمين (تصغير عثمان) ونقده لهذه الغاية مائة وخمسين ليرة ويقال انه قتل في الطريق.
3 - لجنة نجدية
علمت الرياض من مصدر ثقة أن الباب العالي أرسل لجنة قوامها عالم ونباتي ومهندس وجغرافي ومكتشف معادن للوقوف على تلك الديار وما فيها وقوفاً تاماً وإحصاء نفوسها وعشائرها والاطلاع على(1/454)
دخلة أمورها. وإذا تم إحصاء سكانها يوفد حينئذٍ أهلها مبعوثين ينوبون عنهم في المجلس فعسى أن تتحقق الأماني.
4 - قداد (ترامواي) للاعظمية وتنوير بغداد بالكهربائية
توفق وطنينا الفاضل محمود جلبي الشابندر للحصول على امتياز إنشاء قداد (ترامواي) من الاعظمية إلى القرارة وقد سافر من الآستانة إلى ديار الإفرنج لجلب مهندسين مهرة يقومون احسن قيام بم يعهد إليهم.
ومما حصل عليه حضرة وطنينا تنوير بغداد بالكهربائية وهو أمر يتشوق إليه جميع أهل الحاضرة.
5 - القضاء على صحف بغداد
ورد أمر من نظارة الداخلية ما ملخصه: أن الجرائد التي اخذ امتيازها ولم تنشر حتى 5 مارت (آذار الرومي) أو نشر أصحابها بضعة أعداد منها ثم احتجبت حتى هذا التاريخ لا يسمح لأصحابها بعد ذلك أن ينشروها لسقوط امتيازاتهم بعد ذاك الحين.
أما الجرائد التي وقعت تحت هذه الضربة القاضية في حاضرتنا(1/455)
فهي هذه وقد أحطنا بقوسين ما لم يظهر منها عدد بل اخذ بها أصحابها امتيازاً لإصدارها وهي هذه:
سيف الحق. الحقوق. (الرياحين)، يكي موده. خان لذهب، دونيلا. صائب. (الوطن)، أخوت. قلنج. العلم (بفتح العين واللام). الرقيب. تفكر، خان جغان. الأسرار. سبيل الرشاد، أفكار عمومية. تعاون. وجدان. بالك. البلبل. (جهينة)، يلديرم بين النهرين، الصاعقة. الرصافة. (عصا موسى)، المضحكات. القسطاس خردلة العلوم، (الكرخ)، روضه، (لسان)، العراق. الحقيقة، (الشرق)، (رعد)، (لسان الصدق)، بغداد. الإرشاد. الانقلاب. الظرائف. تنوير الأفكار. الوجدان. كرمه ونرمه. مصبح الشرق وعليه فالباقي من الجرائد هو الزوراء الزهور، الرياض، المصباح، صدى بابل، النوادر، والمجلات الحية هي: العلم (بكسر الأول) الحياة لغة العرب، لاغير، فليتدبر العقلاء.(1/456)
العدد 12
وضع اللغات وخضوعها للطبيعة
ذهب الأوائل مذاهب شتى في من هو واضع اللغات، فقال بعضهم: انه الخالق العظيم وضعها مباشرة أو بالهام منه، وينسب الأصوليون إلى سليمان بن عباد القول بأن الوضع حدث بالمناسبة الذاتية؟ ويفسرون هذا الرمز بأن الألفاظ بطبيعتها ولمناسبة ذاتية فيها دلت على المعاني دلالة أزلية. وخشي بعض أهل الرهبة من علماء الأصول وجود تلك الروح في الألفاظ واحتمال القدرة أو القوة الكامنتين فيها فاخذ ينزل ذلك ويؤله طبق الأصول المسلمة عند العقلاء قائلاً ما معناه:(1/457)
أن الألفاظ وان دلت بطبيعتها إلا أن المبدأ الأعلى في تلك الدلالة هو الخالق، شأنه في رجوح اكثر الظواهر الطبيعية إليه، فدلالة الألفاظ بالطبيعة مثل هبوب الرياح، ونزول الأمطار، ولمعان البرق، وجولان السحاب، من رجوعها ظاهراً إلى الطبيعة والأسباب المخلوقة وواقعاً إلى الخالق. هكذا كتب بعضهم في هذا القول الغريب الذي لا تفهم فلسفته.
ثم أن الرأي المعول عليه في هذا العصر، عصر الانتقاد والتمحيص، هو أن اللغات كلها جمعاً نشأت من الأصوات الطبيعية وتكونت قهراً بعد إرادة التعبير عن المرئيات أو غيرها، من معلومات الإنسان الأول، وليس هذا الرأي بحديث العهد، فقد قال به بعض العلماء الأول، كما قالوا بكير من الآراء العلمية المسلمة في هذا العصر المنسوبة إليه، الملزوزة به. فقد ذهب بعض الأوائل إلى حركة الأرض وقد عبروا عن الجاذبية بالثقل المركزي وذهبوا أيضاً إلى القول بالنشوء والارتقاء واتحاد أصل الكائنات إجمالاً، إلى غير ذلك من المذاهب العلمية التي يحسب بعضهم أنها أبكار، هذه الإعصار. وكذلك قل عن المذاهب الاجتماعية كالاشتراكية والإباحية أو السياسية كالجمهورية أو الملكية فقد قيل فيها في الأزمنة الخالية بل ووضعوها موضع الأعمال.
فالقول بان اللغة من وضع الإنسان قديم، قال العرب به. وممن نذكر أن مذهبهم ذلك ابن سيده اللغوي الكبير صاحب المخصص أمتع(1/458)
كتاب في اللغة العربية، غير انهم لم يصرحوا فيما اعلم بأن الألفاظ تكونت من الأصوات البسيطة بل صرحوا بأنها من وضع الإنسان مباشرة لا من وضع غيره.
وقد استنكر الجامدون هذا المذهب واعترضوا عليه ذاهبين إلى أن الإحاطة بجملة المعاني الموضوع لها غير مقدور للبشر. فيقال لهم أن المعاني لم تعلم دفعة واحدة، وكذلك الألفاظ
توضع دفعة واحدة، بل كلما تجددت المعاني، وعلا إدراك الإنسان، وتصور الأمور الدقيقة، اضطر لأحداث الألفاظ متبعاً في ذلك التدريج، لان الطفرة محال.
هذا ما كان من أمر الوضع والواضع. وهناك نواميس طبيعية عامة مثل ناموس (التحول) وناموس (بقاء الأصلح) فهل اللغة خاضعة لها وهي جارية على سنتها جريان سائر الأشياء، وهل عرف العرب ذلك كما عرفه الإفرنج؟ فنجيب بنعم عن الجميع، وإليك البيان:
اللغة كالأخلاق أو ككل مميزات الإنسان، خاضعة للقوى العاملة فيه فيصح من بعض الوجوه أن نقول أنها كائن حي كالإنسان، ولحياته أطوار كأطوار حياة الإنسان، فما كان ليسمع المقيم في إحياء عرب الجاهلية من الألفاظ غالباً إلا في أمثال السباسب والبسابس والغيلان والذعلبة والكوماء والفنيق والبيداء والفيفاء والأجرد وما أشبه ذلك وما كانت لتمر الألفاظ السهلة الجزلة المعبرة عن المعاني العالية إلا شذاناً. كل ذلك لتأثير محيطهم في أوضاعهم وأخلاقهم وظواهرهم الطبيعية(1/459)
ومنها اللغة التي يتكلمون.
ثم أن أوان البعثة فبعث النبي وأثرت تعاليمه في نفوسهم فأثرت في لغتهم، فكنت تسمه فيما يدور على ألسنتهم الصوم والصلوة والزكوة والعبادة والإيمان والاعتقاد والتوبة والثواب والعقاب وغيرها من الألفاظ الدينية ناهيك بالقرآن العظيم، وما أبقى في لغة العرب، فقد لطفها ورقق ألفاظها وبعث فيها روحاً من الفلسفة الأدبية، ثم لم يطل العهد حتى رأينا في ثنيات ألفاظهم: الألفاظ الرياضية، والعلمية، والفلسفية، وذلك العصر العباسي، عصر سلطان العرب، واستفحال حضارتهم العجيبة.
في ذلك العصر رقت لهجة اللغة، وتهذبت ألفاظها، وحلت نغماتها، ليس من اجل انبعاث المؤلفين، والمترجمين فقط، بل قد ساعد على ذلك جمع من ذوي الذوق، والقريحة، وأرباب الفنون الجميلة، وهم طبقة من الشعراء، والكتاب والأدباء الفكهين، ورجال الغناء، والمطربات، والمطربين، فتكونت إذ ذاك آداب اللغة العربية كأرقي ما يمكن أن يكون، وبلغت شأوا لم تبلغه لغة من اللغات القديمة.(1/460)
فمن آلم بآداب هذه اللغة عرف إنها كيف خضعت لناموس (التحول) وكيف اختلف باختلاف الأدوار تابعة سير الناطقين بها قرونا متمادية وعرف أيضاً كيف قضى ناموس
(بقاء الأصلح) على الألفاظ الخشنة الوحشية والأصول الضخمة المستنكرة والتراكيب الثقيلة بحيث أصبح الشعراء والكتاب يشمئزون منها وينعون على مستعمليها ما يفعلون. وقد حفظت المعاجم الكبيرة شيئاً كثيراً من ذلك المتاع الكاسد أو اقل من تلك الأعضاء الأثرية في جسم اللغة التي قضت الطبيعة عليها بالضمور، فأصبحت لا وظيفة لها، غير أنها كل وعبء ثقيل على كاهل تلك اللغة الشريفة، ولو دونت تلك الأصول على حدة، أو اصطلح عليها قوم، لجاءت كأثقل ما تتحاماه الطباع، وأنكر ما يطرق الأسماع.
هذا وربما كبر ما نقول على الذين يحبون القديم، لأنه قديم، فنقول لهم: أنا لم نختلف عن سنة السلف من قبلنا، في ما أردنا من هذه العجالة فأنا لنعرف رجالاً من سلفنا الصالح، كانوا يعتقدون بخضوع اللغة لناموس بقاء الأصلح وقد جروا فيما نظموا ونثروا وألفوا على ذلك لا بل الطبيعة اضطرتهم إليه.
ألف أبو الحسن احمد بن فارس اللغوي المعروف المتوفي سنة 398 كتاب (المجمل) وهو الكتاب النادر الوجود، وقد قال المؤلف في مقدمة كتابه:(1/461)
(أنشأت هذا الكتاب بمختصر من الكلام قريب، يقل لفظه، تكثر فوائده، لتبلغ بك طرفاً مما أنت ملتمسه، وسميته (مجمل اللغة) لأني أجملت فيه الكلام إجمالاً، ولم أكثره بالشواهد والتصارف، إرادة الإيجاز فمن مرافقه قرب ما بين طرفيه، وصغر حجمه، ومنها حسن ترتيبه) اهـ
وقد انتقد هذا الكتاب واختصره الشيخ الأستاذ أبو الحسن بن المظفر النيسابوري، أستاذ الزمخشري، مؤدب أهل خوارزم ومخرجهم، وشاعرهم في وقته. وقد وقفنا على هذا المختصر المفيد مخطوطاً خطاً قديماً فوجدنا صاحب المختصر كصاحب الأصل ممن يقول مع أهل هذا العصر بخضوع اللغة لناموس (بقاء الأنسب) واليك ما جاء في صدر الكتاب:
قال الشيخ الأستاذ العالم أبو الحسن بن المظفر النيسابوري: أني لما تصفحت هذا الكتاب، وجدته في النهاية من الاختصار والكفاية مع ما اختص به من حسن الوضع، وقرب المأخذ، وعموم النفع ورأيت ماشذ عنه من العربية وحشا شاذاً قد درس شأنه،! وانقضى زمانه!
وبعد فأن هذا الكلام صريح فيما نريد إثباته من أن العرب عرفوا أن لكل عصر آدابا
وأخلاقاً، وان الجمهور يناقض السنة الكونية سنة التبديل، والتحويل وتغير الأشياء، فالطبيعة تقضي على البشر بالتصرف وهم والهفاه يتطبعون على الجمود، ثم ليس أو المظفر هذا هو كل من يقول بهذا الرأي فان علماء العرب الأولين جمعا يرى ذلك. وابلغ شاهد نسوقه لك قصة الشيخ صفي الدين الحلي الشاعر المشهور مع أحد(1/462)
فضلاء عصره، وقد قرأ شعره، فقال لا عيب فيه، سوى قلة استعماله اللغة العربية، فكتب الصفي إليه هذه الأبيات المعروفة:
إنما الحيزبون والدردبيس ... والطخا والقاخ والعلطيس
والسبنتي والحقص والهيق ... والهجرش والطرقسان والعطسوس
وبعد أن ذكر أمثال هذه الألفاظ، قال:
لغة تنفر المسامع منها ... حين تروى وتشمئز النفوس
وقبيح أن يذكر النافرالوح ... شي منها ويترك ألمانوس
درست تلكم اللغات!! وأمسى ... مذهب الناس ما يقول الرئيس
إنما هذه القلوب حديد ... ولذيذ الألفاظ اللغة مغناطيس
وممن تنبه لهذه المقالة من المتأخرين الشيخ كاظم الازري شاعر بغداد في القرن الثاني عشر، وزاد نغمة في الطنبور انه جمع إلى استهجان الألفاظ القديمة استهجان المعاني المفرغة في تلك الألفاظ. ومن العجب انه كان يستعمل ما يستهجن معاني وألفاظاً وهي شنشنة الشعراء الأول يقولون ما لا يفعلون. فقد كتب هذا الشاعر في ما نحن في صدده إلى صديق له أبياتاً جاء فيها:
يا أبا احمد رويداً رويداً ... أنا في الشعر صاحب المعجزات!
إن شعر الأولى غريب المعاني! ... رنق غير رائق الكلمات
لو يريد الإنسان أمثال هذا ... لأتي بالألوف دون المئات
فلهذا صددت عنه صدوداً ... وتعوضت عنه بالبينات(1/463)
كنقاخٍ وطحلب وجفاخ ... وسنيد وشبرق وطخاة
فإلى مثل هذا نوجه أنظار علماء العربية وذلك لينشئوا في أبحاثهم لغة تناسب هذا العصر الذي اتضحت هذا العصر الذي اتضحت فيه أعمال القوى الاجتماعية والطبيعية ليسيروا
معها لا ليقضوا في سبيلها جامدين فتقضي الطبيعة على هذا اللسان العربي المبين بمقتضى أصولها المقررة الثبوت.
النجف: محمد رضا الشبيبي
أمثال عوام العراق
عرس الجليلو
الجليلو (بجيم مثلثة فارسية وهو من لفظ أهل البادية للكاف العربية كما أشرنا إليه سابقا)، حشرة مائية يبلغ طولها من سنتمترين إلى ثلاثة وقد تزيد كبيرتها على ذلك، لونها ليس بأبيض يقق، ولا أصفر فاقع، بل قد يقال انه أزهر، وجناحان أبيضان لها شوكتان في ذنبها، وهي رخوة المجموع غير متماسكة البنية تتأثر من اقل ضغط وقد تختلف عما ذكرنا، ترى على وجه الماء عند الزيادة متراكمة بعضها فوق بعض متداخلة كأنها تتسافد أو هي كذلك. ترتفع قليلا طائرة ثم تسقط سابحة، ويعلل ذلك بأنها تعيش في ضفاف الأنهر فإذا زاد الماء أخذها بجريه لضعفها عن المقاومة. وبهذا يفسر عدم بقائها على وجه الماء اكثر من يوم أو يومين. وعندئذٍ تغدو فريسة(1/464)
الحيوانات المائية والطيور ومنظرها على هذه الحالة شائق يصبو إليه الناظر ويتباشر الفلاحون إذا رأوها لان وجودها برهان على زيادة المياه المنوطة حياتهم بها. ويقولون آنئذٍ (أعراس الجليلو) أو (الجليلو عرس).
اشتقاقه من قول العامة: (جلجل عليه) بفتح الجيمين المثلثتين وسكون اللامين وجلجل أي كل كل كل. وكله بمعنى كلله أي ألبسه الإكليل قال صاحب القاموس: وكلل فلاناً البسه الإكليل. وقال شارحه وكذلك كله. اه. أو هي بمعنى كلله بالحجارة أي علاه بها (كما استدرك عليه الشارح) إلا أن كل تتعدى بنفسها والعامة تعدى جلجل بعلي وهي عندهم بمعنى صار عليه كالإكليل أو علاه الإكليل على ما ذكرنا من اختلاف المأخذ. وكله معناها ألبسه الإكليل أو علاه والفرق بين علا عليه وعلاه يعرفه من مارس اللهجة أو نقول انه مشتق من قولهم (جل عليه) بمعنى جلجل عليه والفرق بينهما كما يشهد له استعمال العامة أن الأولى تفيد المبالغة لأنها مأخوذة من المؤكد دون الثانية والأولى اقرب إلى (الجليلو) معنى والثانية لفظاً لان الجليلو فيه جيم مثلثة واحدة وكذا (جل) والذي أظنه انه مشتق من الأولى ومثل هذا الحذف أعنى حذف الجيم من الجليلو الموجودة في المشتق منه سهل عند العامة وذلك لوجود معنى الكثرة في الجليلو وان ألغيت في الاستعمال وأطلق على الواحد. وشاهدي أن التسمية قارنت رؤيته بتلك الحالة وإلا لما صح نحته من هذه اللفظة لان تلك الحالة بها كانت المناسبة بين المعنيين. هذا هو الذي أظنه في(1/465)
اشتقاق هذه الكلمة وإذا
أنصفت الصواب ولم أجازف في القول القي معرفة اصلها على عاتق من يعرفه بل هو سؤال القيه أمام قراء مجلة لغة العرب الغراء وأستميحهم نشر ما تسمح به قرائحهم.
كيف تقوله العامة
عرس، العين مشتركة الحركة بين الفتح والكسر. والراء والسين ساكنتان وعند أضافتها إلى ما بعدها تحرك بحركة مشتركة. الجليلو الجيم أيضاً مشتركة الحركة واللام الأولى مكسورة واللام الثانية مضمومة.
يضرب للمسرة تنقضي سريعاً.
الشاص شاص والحمل حمل
اشاصت النخلة أي حملت الشيص والجملة الأولى اصلها الاشاص (أي النخل الذي اشاص) ثم اقتضى التخفيف مجوز كل شيء عند العامة في لغتهم فحذفت الهمزة ثم أدغمت اللام في لأنها من الحروف الشمسية المعروفة وحذفت الهمزة من الثانية أما لأنها تناسب الأولى وأما للتخفيف وإضراب هذا التركيب - اعني ما كان فيه الخبر عين صلة الموصول الذي وقع مبتدأ - كثيرة في الكلام العربي قال الشاعر:(1/466)
ما فات فات فلن يعود وإنما ... هم الفتى من أمره المستقبل
والغرض منها بيان عدم القدرة على التلافي والاستدراك وان لا ندحة إلى العلاج.
(ضبط الألفاظ) الشاص حركة الهمز مشتركة بين الفتح والكسر. والشين مفتوحة والصاد ساكنة في اللفظتين. والحمل حمل حركة الواو مشتركة بين الفتح والكسر، واللام ساكنة وحركة الحاءين مكسور والميمان مفتوحتان واللامان ساكنتان.
يضرب للأمر فات ولا يتدارك فهو يشارك المثل العربي (سبق السيف العذل) في المضرب.
كص راس وميت خبر
(ضبط الألفاظ) الكاف مثلثة فارسية مضمومة بضمة خفيفة هي الحركة المشتركة، والصاد ساكنة مشددة. ميت الميم مفتوحة، الياء مشددة والتاء ساكنة ويروي بدل الياء المشددة واو مشددة أي موت.
كص أمر من قص بتشديد الصاد بمنى قطع أو قطع بالمقصين وكافة الفارسية مقلوبة عن القاف وهو كثير وقد تقلب القاف جيماً كما سيأتي.
يضرب لعمل الشيء وكتمانه.
ما تخلف النار إلا الرماد
(ضبط الألفاظ) تخلف التاء مفتوحة بفتحةٍ خفيفة، اللام مشددة(1/467)
الفاء ساكنة، النار، الراء ساكنة، رماد، الميم مفخمة.
يضرب للخلف السوء الشريف الأصل الدني النفس الذي لا ينفع به كما ينتفع بأصله فهو والمثل العربي (خوق من السام بجيدٍ أو قص) يتوارد على مورد واحد إلا أن الظاهر أن المثل العامي مورداً.
صحبتة على ركبتة
(ضبط الألفاظ) صحبته الصاد مضمومة. الحاء مشتركة الحركة بين الضمة والفتحة، الباء ساكنة، التاء مفتوحة، الهاء ساكنة، والتاء مفتوحة، والهاء ساكنة. مورد هذا المثل كنائي المعنى وهو عدم دوام الصحبة وانتفاء لوازمها، وهي أمور تجب على المصاحبين كان يغار كل منهما على صاحبه ويعينه عند الشدة وينصره إذا استنصر، ويغيثه إذا استغاث، ويقف معه في الحياة بكل صفاته الحسنة الغيرية. فالصحبة اخوة أدبية تضاهي الاخوة المادية وقد تكون اشد منها. وهذا المعنى ظاهر من وضع الصحبة على الركبة. ضع شيئاً على ركبتك ثم قم فانه يسقط لا محالة. ففعلك هذا يفسر هذا المثل. وهذا المعنى بعينه موجود في المثل العربي (شر الناس من ملحه على ركبته) والمراد بالملح غير الغضب. قال ابن الحديد في شرح نهج البلاغة في الكناية ويقولون ملحه على ركبته أي يغضب لأدنى شيء قال الشاعر:(1/468)
(وهو مسكين الدارمي في امرأته):
لا تلمها إنها من نسوة ... ملحها موضوعة فوق الركب
كشموس الخيل يبدو شغبها ... كلما قيل لها هاب وهب
ويروي البيت (من عصبة) بدلاً (من نسوةٍ)
فرد يد ما تصفك
الفرد لغة نصف الزوج ومن لا نظير له وجمع الأول فراد والثاني أفراد وفرادى والعامة تارة تقول (فرد) وأخرى (فد) وتستعمل هذه الكلمة إذا أرادت عدم تعيين مدخولها وتنكيره فيقال (فرد رجل) أو (فد رجل) والمراد رجل ما، والظاهر أن استعمال هذه الكلمة في أمثال هذا التركيب بهذا المعنى مأخوذ من التركية فأنه كثيراً ما يقال (بركون) (بر آدم) والمراد يوم ما ورجل ما و (بر) معناها فرد وواحد ومن يحفظ التركية يعلم أن نظائر هذا التركيب كثيرة فيها. وسنطلق عليها بعد هذا لفظ (أداة التنكير) فانه لم يقصد بها إلا التنكير كما هو ظاهر. وقد تستعملها العامة للمبالغة في مدح مدخولها أو ذمه. والغالب استعمال (فد) في هذا المقام كما أن الغالب في الأول استعمال (فرد) وحينئذٍ تكون (فد) تصحيف فذ بالذال المعجمة. وأهل العراق لا يميزون بين الدال المهملة والمعجمة أو لا يكادون يفرقون بينهما وتكون القرينة حينئذٍ لتعيين إرادة(1/469)
هذا المعنى حركة خصوصية في يد المتكلم وفي عضلات وجهه وكثيراً ما تعين العامة المعنى المراد من الجمل المحتملة لوجوه شتى بحركات الأيدي وتغيير السحن وهي إذا استعملتها بهذا المعنى فالغالب أن تلحقها بوصف يدل على ذلك. فيقول: (فد رجل عظيم) وفي هذا المثل يقال تارة: (فديد الخ) وأخرى (فرد يد الخ) وأحياناً (فد أيد) أو (فد يد) وإنما بسطت الكلام في هذه الكلمة لشيوع استعمالها.
كيف تقوله العامة
فرد: بفتح الفاء وسكون الراء والدال. يد: بكسر الياء وسكون الدال. تصفك: التاء ساكنة والصاد مفتوحة والفاء مشددة. والكاف (المثلثة الفارسية) ساكنة. وقد يقال: متصفك بفتح الميم وسكون التاء وحذف ألف ما.
يضرب لعدم القدرة على العمل لفقدان أسبابه أو لقلة المساعدين على إبرازه إلى عالم التحقيق.
الباقي للأتي
النجف: (مرج)
الدور
الدور (بفتح الدال المهملة بلغة العوام وبضمها باللغة الفصحى والبعض منهم يقول الدر
ويسميها اليوم بعضهم (قرية العلماء) هي بليدة مبنية على كهف ذي صخور وحجارة، وذلك الكهف يطل على دجلة ويناوح الغرب. ويبلغ طول القرية (800) متر في عرض (350) متراً تقريباً فتكون(1/470)
مساحتها 280 كيلو متراً.
يبلغ عدد بيوتها 150 وسكانها نحو آلفي رجل. وهم يقسمون إلى خمس عشائر وهي:
الأولى: (عشيرة الشويخات) (بالتصغير) وهم من (الجبور) ويبلغ عدد رجالها 160، ورئيسهم اسعد الطه.
والثانية: (عشيرة البوجمعة) ومقدار رجالها مائة وشيخهم عتوي الجدوع.
والثالثة: (عشيرة البومدلل) وعددهم 60 رجلاً وزعيمهم عبد الله رشيد.
والرابعة: (عشيرة المواشط ويزعم في سبب تسميتهم هذه انهم من نسل عجوزٍ كانت ماشطة لنساء الخلفاء العباسيين). ورجالها مائة وأربعون ورئيسهم محمد الملا خليل.
والخامسة (البوحيدر) وهم عبارة عن 140 رجلاً وعميدهم احمد الشهاب.
وبين هؤلاء الأعراب أجناب دخلاء لا يرجعون إلى عشيرة مسماة أو منسوبة.
وكل هؤلاء الناس على مذهب الشافعي من مذاهب أهل السنة. وهم كثيرو التعصب وفيهم بعض الحنفية. - والرئاسة الكبرى فيها هي لأسعد الطه السابق الذكر.
أما لغة أصحاب هذه القرية ففصيحة إلا انهم يلفظون الراء المهملة(1/471)
غيناً معجمة كما يفعل أهل الموصل وتكريت ويهود بغداد ونصاراها. والظاهر أن هذه اللغة قديمة في دار السلام وما جاورها شمالاً وجنوباً فقد جاء في ترجمة عبيد الله بن محمد بن جرو على ما رواه ياقوت في معجم الأدباء ما هذا نقله: حكى بعض الأشياخ من أهل صناعة النحو: أن عضد الدولة الدليمي التمس من أبي على الفارسي إماماً يصلي به واقترح عليه أن يكون جامعاً إلى العلم بالقراءة العلم بالعربية. فقال: ما اعرف من قد اجتمعت فيه مطلوبات الملك إلا ابن جرو أحد أصحاب أبي علي، وهو أبو القاسم عبيد الله بن جرو الاسدي. فقال: أبعثه إلينا. فجاء به وصلى بعضد الدولة. فلما كان الغد وافى أبو علي وسأل الملك عنه. فقال: هو كما وصفت إلا انه لا يقيم الراء أي يجعلها غيناً كعادة البغداديين في الأغلب فقال: أبو علي لابن جرو ورآه كما قال عضد الدولة: لم لا تقيم الراء؟ فقال هي عادة للساني لا أستطيع تغييرها. . . . إلى آخر الرواية. فضلاً عن أن صاحب المزهر ذكر في 269: 1
أن جعل الراء غيناً لثغته معروفة عند العرب.
وأبنية هذه البليدة بالحجارة والجص لا بالآجر أو الطين فقط أو باللبن والطين معاً واغلب أشغال رجالها مكاراة الدواب والبذرقة واتخاذ الاكلاك(1/472)
والعبرات.(1/473)
وأمام البلد على شفا الكهف قبة لمرقد الإمام محمد الدوري الذي يصحفه عوام في هذه البلدة في هذه الأيام فيقولون (محمد الدر) بضم الدال المهملة وتشديد الراء. قال عيسى القادري البندنيجي في كتابه جامع الأنوار: أن هذا الشيخ ينتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظم وكان من أكابر مشايخ الأعاظم ذا إشارات غريبة وكرامات عجيبة، توفي في قرية الدور.) اهـ. ولا نعلم إذا كان هو المقصود من كلام ياقوت الحموي في معجمه معجم البلدان في مادة دور سامراء قال: (فمنها محمد بن فرخان بن روزبة أبو الطيب الدوري: حدث عن أبي خليفة (الجمحي وغيره) أحاديث منكرة، وروي عن الجنيد حكايات في التصوف). اهـ. وزاد في التاج: (مات قبل الثلثمائة، وقال الذهبي: قال الخطيب: غير ثقة.)
ويزعم أهل الدور أن قرية سميت باسمه من قولهم: قرية الدر ثم مدوا الضم فقالوا الدور. وذلك تجنباً للالتباس من قولهم: (در) التركية ومعناها: قف. وهذا من سوء التأويل لجهلهم أن القرية موجودة بهذا الاسم قبل وجود الإمام المذكور.
أما المحل المدفون فيه محمد الدوري فهو عبارة عن بهو مربع الأركان يبلغ طول كل ركن منه قراب 30 متراً وفي وسطه قبة معقودة بالجص والطاباق القديم مربعة الأركان من الأسفل. يبلغ طول كل ركن منها نحو 20 متراً. وتحتها مصطبة عليها شباك من الخشب كل ركن منها نحو 20 متراً. وتحتها مصطبة عليها شباك من الخشب يبلغ طوله ثلاثة أمتار وعرضه متراً وأربعين سنتيمتراً وارتفاعه(1/474)
مترين. ولهذا الإمام زيارة يزورها أهل الدور في عصر كل خميس ويطلبون منه حاجاتهم وينذرون له النذور ويقربون القرابين وفي الدور خمسة مساجد أولها: الجامع الكبير ويزعمون انه من أبنية عمر بن عبد العزيز ولا اثر هناك من كتابة وغيرها يحقق زعمهم. أما اليوم فهو عبارة عن بهو كبير مسافة محيطه زهاء 150 متراً وقد سقط من حائطه شيء من طواره وفيه رواق معقود على ست دعائم ويبلغ ارتفاع حائطه 8 أمتار وفيه قبور أجداد آل مدلل منها: قبر الشيخ عبد العزيز والشيخ حمد وفيه منارة يبلغ سمكها عشرين متراً وفي أعلاها كتابة بارزة مخطوطة على
البناء على شكل هندسي لم نهتد إلى قراءتها.
والمسجد الثاني يعرف بجامع السادة وهو مسجد صغير قديم الوضع لا يعرف بانيه الأول ولما أخنى عليه الزمان جدده قبل أربع سنوات فخذ من الأعراب يعرف بالسادة وهم من سادة النعيم (وزان زبير) من عشيرة البو جمعة. فنسب إليهم.
والثالث مسجد الشويخات وهو أيضاً قديم الوضع ولا يعرف بانيه.
والرابع مسجد المواشط وهو اليوم خرب.
والخامس جامع البو حيدر وهو قديم البناء أيضاً لا يعرف من عمره وقد خرب.
وفي ظهر الدور تجاه الشرق على بعد عشر دقائق تل يعرف بتل البنات ولا نعرف من أمره شيئاً ووصاف البلدان لم يذكروه. ويبلغ محيطه قراب 300 متر وسمكه 20 متراً وفيه آثار انقباض. وفي شمال(1/475)
غربي الدور على بعد 48 كيلومتراً نهر يعرف بنهر الحفر واقع في أرض تسمى بأرض نائفة. وفوقه بساعة ونصف حاو (هو بلسان العامة الوهدة بلسان العرب الفصحاء) يسمى الكلك. يمتد الحفر إلى مسافة 60 كيلومتراً ويصب في نهر الرصاصي(1/476)
الجدول عندهم شاخة واللفظ من أصل أرمى معناها: سال وجرى) يسمى الحديد (كزبير) ولم نجد له ذكراً في كتب هذه البلاد. وفوقه بمسافة 12 كيلومتراً في فتحة جبل حمرين (أي شعب هذا الجبل) تل يعرف بتل الذهب. وهو على ضفة دجلة وقد أكل الماء نصفه. ويبلغ محيط الباقي منه نحو 130 متراً. وفوقه تجاه الشمال الشرقي على مسافة 60 كيلومتراً أو على بعد 50 كيلومتراً من غربي جبل حمرين في أرض الجبور تل يعرف عند أهل تلك الديار (بتل الماحوز) ينزله نحو مائة بيت من أعراب الجبور وهم أهل ماشية وأغنام وبيوتهم من الشعر. أما التل المذكور فيبلغ محيطه قراب 350 متراً وسمكه نحو 30 متراً.
والظاهر من تسمية هذا التل بالماحوز انه كان هناك قصر جليل ولعله بني للأشراف على العدو وحركاته. فقد قال صاحب اللسان في مادة محز. . . . . . . . (أهل الشام يسمون المكان الذي بينهم وبين العدو وفيه أساميهم ومكاتبهم (ماحوزاً). وقيل: هو من حزت الشيء: أحرزته. وتكون الميم زائدة. قال ابن الأثير: قال الأزهري: لو كان منه لقليل محازناً ومحوزنا. قال: واحسبه بلغةٍ غير عربية.) اه.
قلنا نحن: الماحوز لفظ كلداني أو سرياني (والأصح ارمي) معناه الحصن أو الحرز وأيضاً البليدة أو المدينة الصغيرة المسورة. وهم يشتقوها في لسانهم من مادة محز. والأصح أن يقال من مادة ح وز ثم تأصلت فيها الميم لكثرة استعمالها كما يقول العرب: تمذهب فلان(1/477)
وهي من مادة ذهب. وعليه: فيكون (تل الماحوز) حرزاً حريزاً كان قد بنى على حدود ديار العدو للاطلاع على أعماله. أو لعله كان مدينة صغيرة دفنت تحت الأنقاض وهي هذا التل الذي يشاهد اليوم.
على أن وجود اسم الماحوز بقرب الدور أو بقرب سامراء يدفع مستقري الآثار ومتتبعها إلى القول انه هو قصر الماحوزة المذكور في التاريخ والذي أسلفنا ذكره عن ياقوت الرومي في صدر المقالة لكنه ليس به على التحقيق، والذي يسوقنا إلى هذا القول هو ما قاله اليعقوبي في كتاب البلدان. . . (وارتفع البنيان (أي بنيان الجعفرية) في مقدار سنة، وجعلت الأسواق في موضع معتزل، وجعل كل مريعة وناحية سوقاً، وانتقل المتوكل إلى قصوره هذه من المدينة أول يوم من المحرم سنة 247 وأقام المتوكل نازلا في قصوره بالجعفرية تسعة أشهر وثلاثة أيام، وقتل لثلاث خلون من شوال سنة 247 في قصره الجعفري. واتصل البناء من الجعفرية إلى الموضع المعروف بالدور ثم الكرخ وسر من رأى، ماداً إلى الموضع الذي نزله ابنه أبو عبد الله المعتز بين شيءٍ من ذلك فضاء ولا فرج ولا موضع لا عمارة فيه فكان مقدار ذلك سبعة فراسخ.) اهـ. فإذا عرفنا أن المسافة بين الجعفرية وبين الموضع الذي ينزله المعتز، وهو آخر البناء شرقاً. هي سبعة فراسخ والمسافة بين تل الماحوز ومنزل المعتز زهاء 140 كيلو متراً يتبين للحال أن تل الماحوز ليس من قصور الجعفرية.
أما الجعفرية فلا تكاد ترى لها اليوم أثراً يذكر، بل ولا تسمع(1/478)
بشيء يدلك على آثرها، لأنها لم تبق عامرة بعد وفاة المتوكل ولا سكنها أحد بعده. قال اليعقوبي (وولى محمد المنتصر بن المتوكل (يعني بعد وفاة أبيه) فانتقل إلى سر من رأى، وأمر الناس جميعاً بالانتقال عن الماحوزة وان يهدموا المنازل ويملوا النقض إلى سر من رأى فانتقل الناس وحملوا نقض المنازل إلى سر من رأى وخربت قصور الجعفري ومساكنه وأسواقه في أسرع مدة وصار الموضع موحشاً لا أنيس به ولا ساكن فيه، والديار بلاقع كأنها لم تعرف ولم تسكن.) فهذا
هو السبب الوحيد لإهمال ذكر الجعفرية وعفاء رسمها واندراس أثرها. - ويوجد اليوم في تكريت قوم يعرفون (بالجعافرة) والبعض يسميهم (بالجعفرية) وتظن جماعة من أهل العراق انهم بقية من بقايا أولئك القوم الذين نزلوا بالجعفرية أيام المتوكل وبقى هذا الاسم عليهم. - والحقيقة انهم ليسوا كما يظن بهم، بل هم من ولد رجل اسمه جعفر وقد انتسبوا إليه وهو جدهم الخامس.
إلى هنا ينتهي ما كان في غربي سامراء من الإطلال الدوارس المعروفة الأسماء عند أهل تلك الديار. وهو فوق كل علم عليم.
كاظم الدجيلي
مغاصات اللؤلؤ
إن برزخ بناما الواقع في العالم الجديد كان في حين من الزمان زاهراً(1/479)
مملوءاً بالأصداف النفيسة حتى أن سفيل جلب في سنة واحدة كمية وافرة جداً من اللؤلؤ وكان بينها لآلئ حسنة ذات قيمة عظيمة قادرة الوجود ولكن واهاً على تلك الأراضي الجميلة المزدانة بأنواع الأشجار فقد أصبحت خراباً بعد أن كانت زاهية وذلك اثر ما آتاه فريق من بني البشر من التعديات الفظيعة على سكان تلك البقاع الضعفاء المساكين الذين كانوا يقاسون من الذل والهوان، ما تقشعر له الأبدان، وينفر من سماعه الإنسان.
فكم هندي صار هدفاً لسهام المسيطرين الذين دوخوا تلك الربوع عندما اكتشفها كولمبس العظيم، وكم منهم لم يعط قوت يومه يطوي نهاره وليله صائماً خائر القوى، وكم منهم صار فريسة سائغة لكلاب الماء وتماسيحه المفترسة. وكم منهم ضربه سيده سياطاً ذلك السيد الفاقد المروءة والشهامة حتى مزقت لحمانه واسلت دماءه، وكم منهم انزل رغم انفه ليغطس في البحر ويستخرج الجواهر المدفونة في قعره فغاص مضطراً كارهاً ولم ير نور الشمس ثانية تخلصاً من العذابات الأليمة والقصاصات الشديدة، وكم منهم هرب ولم يوقف له على اثر، وكم منهم نجا بنفسه تاركاً وراءه عائلته المحبوبة تتضور جوعاً، وكم من الأطفال والنساء العاجزات لعبت بهم أيدي العبث والفناء.
فشطوط اللؤلؤ تجردت هناك من أصدافها رحمةً بأولئك الأقوام النحسي الطالع وانتقاماً من ذوي المطامع الاشعبية الذين همهم الوحيد في هذه الدنيا جمع الأموال ولو سبب ذلك انقراض القبائل والشعوب(1/480)
الضعيفة ودمار الأمصار العامرة وخرابها.
ولحسن الحظ لم يحدث عندنا في الشرق ولا في غيره ما حدث عند إخواننا في العالم الجديد من الضغط والعبودية الجائرة، وعليه فمغاصات اللؤلؤ والمرجان لم تزل حتى يومنا هذا زاهية بالأصداف البديعة وهذه المغاصات هي في بحر هولاندا والمكسيك وشطوط اليابان والخليج الفارسي وجزيرة سيلان وقد وصف الأخيرة منها بلينوس الروماني العالم بالطبيعيات الذائع الصيت صاحب كتاب علم المواليد المشهور منذ آلفي سنة تقريباً بقوله (جزيرة ذات ذهب خالص ولآلئ لا نظير لها. جزيرة يغشاها النخل الذي لا يموت. جزيرة هي كالملكة جالسة على عرش المياه الساطعة بأشعة الشمس. جزيرة من غياضها تفوح رائحة القرفة الذكية ومن غاباتها تتضوع الأرجاء بشذا عبير أطيابها العطرية).
إن أكبر مغاص للؤلؤ في جزيرة سيلان هو الشواطئ التي تبعد عنها نحو عشرين ميلا فيراها الإنسان مقفرة طول السنة إلا في شهري شباط وآذار فيوجد فيها من طلاب الكنوز النفيسة والجواهر الثمينة أقوام شتى مختلفة اللغات متباينو الدرجات قد آتوا من ممالك ومدن عديدة وجميعهم ساعون لغرض واحد وهو احتكار اللؤلؤ. فهناك التاجر والمسافر والكاتب والعامل والغواص الوطني الخ.
أما كيفية استخراج اللؤلؤ هناك فهو عندما تجنح الشمس إلى مغاربها يطلق مدفع إشارة إلى إنزال القوارب في الماء ومباشرة العمل. وفي كل قارب(1/481)
نحو عشرين رجلاً، عشرة منهم تجذف والعشرة الثانية تغطس متناوبة أما الغطس فلا يبدأ إلا حينما يقتنص بازي الضوء غراب الظلام.
وفي اسفل كل زورق خمسة أحجار حمراء. وفي وسط كل منها ثقب فيه حبل متين فإذا غاص الغواص يضع قدمه اليمنى بثبات على الحجر ويتمسك بالحبل فيهبط حالاً إلى قعر البحر معه سلة أو كيس مربوط حول عنقه ثم يأخذ يجمع الأصداف التي حواليه بسرعة تحاكي وميض البرق بدون أن يلتفت يميناً أو شمالاً خوفاً من رؤية عدوه الأزرق. واعلم أن بعض الغواصين يبقون تحت سطح البحر دقيقة واحدة وآخرون دقيقتين وغيرهم ثلاث دقائق أو أربعاً أو خمساً الخ إلى أن تضيق بهم الحال فيحركون الحبل الذي بيدهم إشارة إلى أكتافهم بما لديهم والى ضيق ذرعهم فيسرع رفقائهم الذين في القارب إلى جذبهم إلى فوق.
وكل من يبقى تحت الماء اكثر من اللازم يصاب غالبا بأنه في بدنه حتى أن اغلب الغواصين، ألم اقل كلهم، حينما يرفعون إلى وجه البحر يرعفون بل ربما تسيل الدماء من أفواههم وآذانهم ولكن قل من يفتكر منهم بهذه المسألة الخطرة. أما الذي يخيفهم ويفزعهم هو ذلك العدو الألد اعني به القرش أو الكوسج لا غير. هذا وكل من الغواصين يغوص في اليوم من أربعين إلى خمسين مرة تقريباً وإذا امتلأت القوارب يقفل أصحابها راجعين إلى الشواطئ حيث يفرغون الوسق ثم يستأنفون العمل على هذه الصورة يومياً إلى أن ينتهي فصل استخراج اللؤلؤ.
أما استخراج اللؤلؤ في الكويت والبحرين وفي ثغور خليج فارس(1/482)
فهو في كل سنةٍ يزداد
ازدياداً باهراً وينمو نمواً عظيماً على ما ذكره عبد العزيز أفندي ابن احمد الرشيد البداح الكويتي وقد قال: (إن تعبه عظيم، ونصبه جسيم، وتقسم سفنه قسمين: قسم يكون صاحب السفينة هو الذي يعطي البحرية ما تحتاجون إليه من الدراهم ويكون إعطاؤها إياهم منجماً ومرتباً. وذلك قبل السفر وبعده: فما قبل السفر يسمى في اصطلاحهم سلفاً وما بعده تسقاماً. والغالب أن من اخذ بهذه الصفة تحسب عليه العشرة اثني عشر، فإذا أعطى صاحب السفينة للبحرية بهذه الصفة يكون له خمس قيمة اللؤلؤ ونصف الخمس لأجل السفينة. والنصف الآخر لأجل إعطاء الدراهم. والقسم الثاني أن يعطى صاحب السفينة سفينة لقوم يسافرون فيها ولا يعطيهم شيئاً من الدراهم فهذا القسم يكون لصاحب السفينة نصف خمس قيمة اللؤلؤ لأجل السفينة وهذا القسم قليل إذ الغالب هو القسم الأول. وأما من حيث البحرية فقسمان أيضاً قسم يباشرون استخراج اللؤلؤ بأنفسهم ويسمون هؤلاء في اصطلاحهم غاصة. وقسم يباشرون فيه الغوص على حساب غيرهم.
وأما كيفية الغوص فأنواع: نوع يغوص الإنسان به بحجر في عنقه شبه الزبيل يجعل فيه الصدف المستخرج من البحر. ونوع يغوص الإنسان وفي رجله حجر فإذا وصل إلى الأرض نزعه من رجله ثم مضى لأجل الصدف وليس معه حبل. ثم إذا ضاق نفسه خرج، ونوع يغوص الإنسان وفي رجله حجر ومعه حبل فإذا وصل إلى الأرض نزع(1/483)
الحجر من رجله ومضى ومعه الحبل وقد شد طرفه بالسفينة فيجره. والقسم الثاني أناس في السفينة يباشرون استخراج الأحجار التي تغوص فيها الغائصون ويباشرون أيضاً جر الغائصين في النوع الثالث وهؤلاء يسمون في اصطلاحهم (سيوب وارضفة) فالسيب له ثلثا الغائص والرضيف له نصف الغائص. وأما اللؤلؤ الحاصل في أيدي الغواصين فغالب المشترى له تجار أهل الكويت. فتارة يبيعونه في البحر وتارة يسافرون به للهند. ويبتدئ سفر الغواصين عند ابتداء دفء البحر ورجوعهم من السفر عند ابتداء برودته. فمدة أقامتهم في البحر أربعة أشهر إلا انهم في أثناء هذه المدة يمضون للميري أو القطيف أو دارى لأجل الراحة والقضاء بعض الحاجات ورواحهم. هذا في كل شهرٍ مرتين. فاستخراج اللؤلؤ من البحر هو الأصل الأصيل لأهل الكويت.
والموضع الثاني الذي أريد أن ابحث عنه هو مغاص البحرين الواقع في خليج العجم فانه
مشهور منذ الأزمنة العريقة في القدم وهو أكبر مغاص لؤلؤ في العالم على الإطلاق وقد قدر ما يستخرج منه سنوياً بربع مليون ليرة إسترلينية.
رزوق عيسى
باب المشارفة والانتقاد
1 - كتاب إرشاد الأريب، إلى معرفة الأديب،
المعروف بمعجم الأدباء أو طبقات الأدباء لياقوت الرومي(1/484)
وقد اعتنى بنسخه وتصحيحه د. س. مرجليوث، مطبعة هندية بالموسكى بمصر.
الجزء الخامس
كل منا يعلم ما الياقوت الرومي أو الحموي البغدادي من المنزلة الرفيعة في علوم العرب وبلادها وعلمائها ومشاهيرها. وله هذا السفر الجليل الذي لا يستغني عنه كاتب إذا أراد الوقوف على ماضي اللغة العربية ونوابغها وكتابها وتاريخها إلى آخر ما هناك مما يتصل بها. والكتاب حسن الكاغد والطبع. هذا فضلا عن أن متولي طبعه هو ذاك العلامة المستشرق الإنكليزي الشهير مرجليوث الذي لا يقوم بأمر إلا ويوفيه قسطه من الأحكام والإتقان. ونحن نتمنى لهذا الكتاب الأماني الآتية:
1 - إن وضع عند إتمامه وإكماله فهارس عامة للأعلام الواردة فيه ولو لم تدخل تحت الأبواب المصدرة بحروف المعجم، ونريد بها الأعلام الواردة في نص الكتاب وسياق التراجم المذكورة فيه.
2 - فهارس لأسماء الكتب الواردة ذكرها في مثاني التراجم.
3 - فهارس للبلدان والأبنية العامة والمدارس والمعاهد والمكاتب وما يدخل تحت هذا الباب.
4 - فهارس تذكر فيها الأعلام المترجمة في تضاعيف الكتاب بموجب شهرتها (كلقب الرجل أو كنيته أو اسم أبيه أو أمه أو نحوها) لا بموجب اسمه كما ورد في مثاني المعجم.(1/485)
5 - لو كانت تطبع الأعلام المترجمة بحرف ممتاز عن النص لكان الأمر أهون مراساً للباحث أو المطالع واسهل وقوعاً للعين عليها.
6 - أن يفرد فهرس للألفاظ اللغوية التي ورد تفسيرها في المعجم حتى يتخذها الكاتب العصري عند الحاجة إليها.
7 - أن يجعل فهرس للقواعد اللغوية والنحوية التي وردت فيه.
8 - أن يعقد فهرس لتصحيح ما ورد من خطأ الطبع. فقد ورد في هذا الجزء الخامس في
ص5 س13 زكياً والأصح ذكياً. - وفي ص7 س10 لأحد أصحاب والأصح أحد أصحاب. - وفي ص16 س8 قد جرد وأشتاط وغضب. والأصح واستشاط إذ لم يرد اشتاط بهذا المعنى أي ذوت نضرة الأدب. - وفي ص20 س10 وإدارة. والأصح: وأدرئه بإجلاس الهمزة على كرسي الباء. وفي تلك ص س18 وعزم غير مغلول. والأصوب هنا يقال غير مفلول بالفاء. وفي ص22 س6 فيبردها. والأصح. فيبرزها. وفي تلك ص س14 مهدبة والأصوب مهذبة. - وفي ص23 س2 يسموا والأصح يسمو إلى آخر ما ورد من هذا القبيل.
ونحن نتمنى أن تتحقق هذه الأماني أو جلها لمنزلة المؤلف والناشر والله الموفق.
2 - كتاب غاية المراد، في الخيل الجياد.
الخيل العراب من أشهر الخيل في الدنيا حتى أن سائر البلاد إذا(1/486)
أرادت أن تصلح جيادها فلا تستغني من أن تستجلب لها فحولاً عراباً. وقد وضع العرب كتبا في وصف الخيل وكل ما يتعلق بها حتى أنها أدهشت العلماء في عصرنا هذا. وقد ألف صديقنا السيد رشيد أفندي ابن السيد داود السعدي رسالة سماها بالاسم الذي ذكرناه فويق هذا. وكان الأليق به أن يطلق عليه اسم الرسالة لأنها وقعت في 45 صفحة صغيرة لا غير إلا أنها مع صغر حجمها لا تخلو من فائدة. لان مؤلفها قد ذكر أسماء الخيل الجياد في العراق وأنحائه وفي نجد وجواره وذكر القبائل البدوية التي تربى مثل هذه الخيل في الديار المذكورة.
إلا أننا نأخذ عليه نقصاً لا يمكننا السكوت عنه وهو خلو الرسالة من فهرس يطلعك بلمح البصر على محتوياتها بدون أن يتصفحها القارئ من الأول إلى الآخر. - ومما نأخذه عليه كتابة بعض الألفاظ فأنه يصور القاف البدوية كافاً عربية خالصة فكان الأصوب أن يكتبها قافاً صريحة أو كافاً منقوطة بثلاث فانه كتب مثلاً الصقلاوي: صكلاويا والمعنق (بتشديد النون) معنكاً (وكلاهما ص24) ومثلهما في ص25 فقد كتب بواق وطوقان: بواك طوكان.
ومن هذا الباب كتابة الضاد ظاء أو بالعكس كقوله في ص30 الاضافر، والاصح: الأظافر ومثل هذا الخطأ كثير في هذه الرسالة الوجيزة وكذلك الأغلاط النحوية فعساها أن تصلح في الطبعة الثانية.
3 - عنوان المجد، في تاريخ نجد(1/487)
(تأليف الإمام العالم العلامة بحر العلوم النقلية والعقلية الرحالة عثمان بن عبد الله بن بشر رحمه الله تعالى. - عنى بتصحيحه محمد بن عبد العزيز بن مانع النجدي ومدير جريدة الرياض سليمان الدخيل. الجزء الأول - الطبعة الأولى. طبع في مطبعة الشابندر في بغداد سنة 1328)
نجد من البلاد العربية التي لا نعرف عنها إلا الشيء النزر. وهل من أمرٍ أشهر من مذهب الوهابيين، ومع ذلك فانك لا تجسد أناساً يعرفون أتم المعرفة ما يتعلق بأصل صاحب هذا المذهب ومنشأه والبلاد التي اختلف إليها. ولهذا كل كتاب أو رسالة أو مقالة تكتب في هذا المعنى تحل في القوم احسن محل لقلة ما اتصل إلينا منها ولا سيما إذا كان الكاتب ممن له اطلاع على تلك الأرجاء العربية البحتة.
ومن ثم فإننا نرحب بهذا الكتاب كل الترحيب ونتمنى له الرواج والانتشار لان كاتبه ابن بشر الحنبلي (الوهابي) النجدي من اعلم الناس ببلاده وأقوامها ووقائعها. وقد صدر الواقفان على طبعه بترجمة مصنف الكتاب إلا انهما لم يتيسر لهما الحصول على سنة ولادته ووفاته.
وهذا الكتاب سقيم الطبع كثير الأغلاط سيئ الورق لا يكاد القارئ يمسه بيده لقبح منظره غير أن محتوياته تهون هذا الخطب وتجرئ المطالع على تصفحه رغماً عن الاشمئزاز الذي يشعر به عند وقوعه بين يديه. فالأمل أن هذه الأمور تصلح في الطبعة الثانية أن شاء الله تعالى.(1/488)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - أمراء العرب
نمى إلى جريدة الرياض تفصيل المعركة التي جرت بين ابن الرشيد وبين عشيرة المنتفق التي آبت إلا ركوب مطايا العصيان والضلال وذلك على الصورة الآتية:
ذهب ابن الرشيد إلى الخميسية للامتيار (وبلسان أهل البادية للمسابلة وبغبارة أخرى لمشتري ما يحتاج إليه من طعام وذخيرة ولباس للسنة كلها) فعارضته العشائر المعادية واجتمعت عليه من باب مدينة النجف (المعروفة أيضاً باسم المشهد أو مشهد علي) إلى باب مدينة البصرة. فلما رأى ذلك اخذ يراسل الحكومة والعشائر ليوقف أولي الأمر على الحقائق. أما العشائر فأعارته آذناً صماء لا بل طردت رسوله ومزقت كتابه وذكرت له أمراؤها لا يحق له أن يمتار من تلك الربوع وان يقفل عائداً إلى جبله، وقد وافقهم على هذا الكلام جميع تلك العشائر وهي: الزياد (كشداد) والضفير (وزان الضغير)، وبنو حكيم (وزان زبير وتلفظ الكاف جيماً مثلثة فارسية ويسمون أيضاً بنو حكام كشداد وتلفظ الكاف أيضاً جيماً مثلثة فارسية)، والبدور (كأنها جمع بدر)، والغزى (كغزى)، والخزاعل، والحسينات (مصغرة مجموعة)، وغيرها. وكلها من القبائل الغازية للأمير ولأمواله وسوائمه أينما وجدت.
فالح الأمير عليهم أن يعدلوا عن مساوئهم وان يسيروا في سبيل(1/489)
الصلاح والإصلاح، بل زادوا طغياناً وضلالاً. فلما رأى الأمير أن لا أمل في ما سعى انقض عليهم ولا انقضاض العقاب الكاسر ففل شباتهم وهزمهم شر هزيمة، واخذ منهم شيئاً كثيراً من أسلحتهم وأموالهم وعددهم وكبل بالقيود ثلاثة من شيوخ الضفير وآخذهم معه. فعسى الرعوي تعقب البلوى.
2 - طاعة العشائر
كتب إلى الرياض ما ملخصه: لما رأت عشيرة البدور ما أوقعه ابن الرشيد بعشائر الضفير سلمت إلى الحكومة ما كان عليها من متأخر البأج (الكودة) وهو عبارة عن عشرة آلاف راس غنم. وكذلك فعلت عشيرة (أبي عظم). أما عشيرة البو شرف الحكام فأنها أظهرت من المقاومة ما سبب تلف أملاكها. ولهذا داخل الرعب قلوب عصاة العشائر ومن ثم أصبح رجوعهم إلى المسالة والأمن قريب الوقوع. والفضل في ذلك كله راجع إلى حضرة
متصرف الناصرية فريد بك الذي يفرغ كل وسعه لتامين لواء المنتفق.
3 - انقضاض صاعقة وغرابة فتكها
نهار الأحد 7 نيسان انقضت صاعقة على الحسينية العائدة إلى قضاء كوت الأمارة فأصابت امرأة اسمها (مرزة) زوجة (ذئب) فأماتتها للحال حرقا، وأصابت فتاة أيضاً لكنها في قيد الحياة.
4 - مبعوثو العراق
انجلى الانتخاب في البصرة عن المبعوثين الآتية أسماؤهم وهم:(1/490)
حضرة السيد طالب بك النقيب وقد أعيد انتخابه للمرة الثانية، وعبد الله بك الزهير صاحب جريدة الدستور، وحضرة عبد الوهاب باشا القرطاس، واحمد أفندي رئيس محكمة الجزاء.
وانتخب فؤاد أفندي الدفتري البغدادي ونوري أفندي راس كتاب القسم التركي في جريدة الزهور البغدادية نائبين عن كربلاء.
وعين إسماعيل حقي بك البابان المبعوث عن بغداد سابقاً نائباً عن لواء الديوانية.
وانتخب مبعوثاً عن لواء المنتفق جميل صدقي أفندي الزهاوي.
وأما مبعوثو بغداد فهم (مراد بك شقيق ناظر الحربية محمود شوكت باشا، والسيد عبد القادر محيي الدين أفندي الكيلاني، وفؤاد أفندي مدير الأملاك المدورة، وساسون أفندي وقد انتخب عن بغداد للمرة الثانية. والمبعوثان اللذان عينا للعمارة هما عبد الرزاق منبر أفندي ومجيد بك.)
5 - مصرف إنكليزي
قدم في أوائل هذا الشهر رجال إنكليز ليؤسسوا في حاضرتنا مصرفاً (بنكاً)، ولا نعلم إذا كانوا ينجحون في سعيهم في مثل هذا الأوان، وعلى كل حالٍ فقد فتحوه واخذ المتوظفون بالعمل.
6 - مدرسة الوطن
تم في ليلة الأحد 31 آذار الماضي احتفال فتح (مدرسة الوطن) التي أسسها يهود بغداد للطلبة الذين يريدون أن يدرسوا العلوم واللغات(1/491)
بعد غروب الشمس، وقد حضر الحفلة والى
ولاية بغداد وقائد الفيلق محمد علي رضا باشا الركابي وجم غفير من وجهاء البلدة من جميع الملل والطوائف.
7 - مجتهدوا النجف
زايل بغداد مجتهدوا النجف وعادوا إلى مقرهم فاستقبلهم الاهلون استقبالاً حافلاً
8 - الطاعون في أبي شهر (بوشير)
يظهر أن الطاعون قد توطن أبا شهر فهو في كل سنة يظهر في نيسان وآذار ويخف في أيار ويزول في حزيران. وعدد الوفيات يختلف بين 25 و30 في اليوم الواحد، وهو مما يدل على انه اثقل وطأة من السنة الماضية وقد هجر المدينة عشرة آلاف نفس واتأد سير التجارة فيها.
9 - ابن الرشيد وعنزة
في أوائل هذا الشهر مثل ابن الرشيد بعشيرة عنزة شر تمثيل فغنم منهم ألوفاً من الخيل والإبل والشاء والأمتعة كانوا غزوها من قبيلة شمر فصادهم في الطريق فسلبهم إياها ورجعوا إلى ربوعهم خاسرين.
10 - الحر في بغداد
تردد الحر من أوائل نيسان إلى الأسبوع الثالث منه بين 35و36 درجة من المقياس المئوي وهو غريب في مثل هذا الأوان. فكيف يكون حر صيفنا هذه السنة.(1/492)
11 - عجيمي بك السعدون مع الضفير والبدور
لم ينس عجيمي بك ما فعله أعداء أبيه في السنة المنصرمة. فتوفز للقتال بان ذهب إلى ابن الرشيد وتزوج ابنته فأمده حموه بجيش من شجعان الفرسان المقاتلين. ثم انظم إليهم أيضاً بنو خيقان (أو خيكان) ومن جاورهم من أعراب تلك الربوع وهجموا هجمة واحدة على الضفير والبدور فكانت الواقعة من اشد الوقائع هولا خذل فيها أهل العث والفساد وهم الضفير والبدور وكان الفوز للمؤدبين عجيمي السعدون ومن كان معه. وكانت خسائر النفوس كثيرة ومثلها خسائر الأموال والخيل والإبل ومن بعد هذا سار مزيد باشا السعدون
لمساعدة عجيمي بك فعبر الفرات بأهله وعشائره وخيله ورجله وانضم إلى الشيخين أيضاً عبد الله بك ابن فالح باشا السعدون فأصبحوا سدا منيعا في وجه أعدائهم. ولعل الأعداء إذا رأوا هذه القوة العظيمة اخلدوا إلى الطاعة والسلام واهتموا بما فيه خير الأيام.
12 - كلية الكويت
تم بناء قسم منها ووقف لها الشيخ مبارك الصباح خمسين حانوتاً ما عدا ما جاد به عليها من النعم والآلاء.
13 - مفتش العراق
عين جلال بك متصرف كربلاء سابقاً ووالي ولاية البصرة مفتشاً عاماً لإصلاح العراق.
14 - إصلاح الخالص(1/493)
قضي على ستة آلاف فدان من أراضي الخالص الغنية التربة القوية الإنبات أن تكون قاعاً صفصقاً كأن لم تكن بالأمس أنباراً للعراق وسائر الأفاق وقد ذهب بفنائها عدة قرى وضيع وبساتين وسببها سدة العويجة. فهل من يفكر في إعادتها إلى حالتها الأولى إرجاع الغنى إلى مجاريه في تلك الربوع؟
15 - خزعل خان أمير المحمرة
انتصر سمو معز السلطانة السردار الأرفع خزعل خان على مناوئيه عشائر البختارية وقد طلبت منه الصلح والأمن. فعسى أن يرعرعوا.
16 - حريق في خان النفط في بغداد
في الساعة الثامنة من ليلة الأحد الواقع في 12 أيار شبت النار في خان الزيت الحجري والمواد الملتهبة الزيتية في محلة العوينة فدام الحريق 160 ساعة إلا انه لم يتجاوز الخان. وخسر التجار أربعة عشر ألف صندوق فيها زيت حجري (كاز أو نفط) وبنزين وثقاب (شخاطات) ولم يصب أحد من الناس بشيء لكن احترق في تلك النار أربعة حمير. وتقدر الخسائر بأكثر من خمسة آلاف ليرة عثمانية.
17 - ريح عاصفة
في 14 أيار هبت ريح صرصر قبيل غروب الشمس بساعتين وذرت من الغبار شيئاً لا يقدر فاستحوذ الفزع على الناس وأضرموا المناوير والمصابيح إلا أن هذه الحالة لم تدم سوى نصف ساعة فسرى عن قلوبهم.(1/494)
18 - حريق في البصرة
نمى إلى الرياض أن النار استعرت في المحل الألماني (محل روبرت فان كاوز وشركائه الواقع على سيف البصرة) فكانت المحترقات شيئاً من الصوف والعفص والجلود بما قدره 14 ألف ليرة عثمانية وقد التهمت أيضاً منزل الحيدر أبادية الراكب نهر العشائر والخسائر مجهولة.
19 - حريق في المعامل العسكرية
في الساعة العشرة من صباح الجمعة 31 أيار ظهرت النار في الغرفة العليا من المعامل العسكرية فالتهمت مخزن الصوف وآلة النقش وتنظيفه ونسجه ولما درى بنشوبها أسرع الجند إلى إيقاف سير ضررها فأخمدوا أنفاسها وحصروا فتكها في العلية التي ظهرت فيها بعد أن هدموا ما حواليها، ولم يقع ضرر في الأنفس، وتقدر الخسائر بألفي ليرة عثمانية ومنهم من يقول بأكثر من ذلك.
مفردات عوام العراق
أخوند
فارسية، معناها قارئ كبير أو معلم عظيم. وقد أخذت بعض الجرائد المحلية تستعملها. ولا بأس من استعمالها لكثرة شيوعها على السنة العوام والخواص. وهذه اللفظة تختص بنفر من علماء الجعفرية. وهم أولئك الذين يتعاطون الأمور الدينية والمسائل الشرعية ويرادفها في العربية الفقيه والمجتهد.(1/495)
آذار
الشهر الثالث من السنة المسيحية وهو 31 يوماً وصوابه أن يكتب اذار أو آذار بالذال المعجمة.
إدريس
كلمة إفرنجية الأصل وهي بإنكليزية وبالفرنسية وعربيتها العنوان.
ادمجيل
(تركية) معناها وحشي أو غير أنيس وهي تطلق على من كان غريباً في زيه وحديثه وأطواره لا يحب المخالطة والمعاشرة ولا يميل إلى الصحبة والألفية ويرادفها في العربية الطوراني والطوري وهو الوحشي من الطير والناس ومثلهما الوحشي والمتوحش.
ادمي
(عربية عبرانية) نسبة إلى آدم وآدم معناها الأحمر أو الترابي والجمع أوادم والعامة تتوسع في استعمالها وان كان معناها الأصلي هو الإنسان وقد استعملها ابن خلدون مراراً عديدة في تاريخه بهذا المعنى وجمعها على آدميين. والعامة تستعمل اللفظة تارة بمقام السخرية والازدراء وطوراً بمقام المدح والإطراء، فإذا قال أحدهم مثلا كأنه ادمي كان المراد من كلامه التهكم والاستهزاء بالرجل لتكبره وتصلفه وادعائه الطويل العريض. وإذا قال أن زيداً صار ادمياً كان المقصود منه انه نال منزلة رفيعة وأصبح غنياً ومشهوراً بعد أن كان ذليلاً فقيراً خاملاً وإذا قال أن عمراً ادمي ابن أوادم أو فيه رائحة أوادم كان المعنى
انه نجيب شهم لين العريكة دمث الأخلاق متنور العقل والذهن.
(رزوق عيسى)(1/496)
العدد 13 - بتاريخ: 01 - 06 - 1912
سنتنا الثانية
قد بلغنا، بحوله تعالى، السنة الثانية من مجلتنا؛ وقد رأينا من حسن التفات العلماء إلينا على اختلاف مذاهبهم وديارهم، ما يدفعنا إلى إتمام ما بدأنا به؛ ومن يطالع أعداد مجلتنا من أولها إلى آخرها، يرى أننا لم نبتعد عن الخطة التي اختططناها لأنفسنا ولو قيد ذرة.
وهنا نشكر جميع الذين شجعونا بكتاباتهم الخصوصية والعمومية، أن كانوا من أصحاب المجلات والجرائد، وأن كانوا من أرباب العلم والقلم. كما أننا لا ننسى المستشرقين الذين جادوا علينا بهداياهم وتاَليفهم، وبادلونا بمجلاتهم مع صغر مجلتنا هذه وحداثة نشأتها. وما ذلك إلا لحسن أعراقهم، وطيب عنصرهم، وعظم فضلهم، إذ لا يعرف الفضل إلا ذووه.
وكنا قد تهيأنا لترقية هذا الديوان، واتخذنا الوسائل اللازمة للبلوغ إلى غايتنا، منذ نصف السنة الأولى؛ فكتبنا إلى باريس لنجلب منها كاغداً حسنا كبير الحجم وصوراً وغير ذلك، فلم نفز بأمنيتنا. لأن بغداد في أقصى ديار الله. على أننا لا نيأس من التقدم والترقي، ولا سيما إذا ساعدنا الأصدقاء بايدهم، والكتاب ببنات أفكارهم، والقراء بالإقبال على مطالعة ما يقدم لهم. وهانحن ننتظر منه تعالى تحقيق هذه الأماني. (ومن يتوكل على الله فأن الله عزيز حكيم.)(2/1)
العراق
1 - مقدمة تمهيدية عن العراق
كثر الباحثون عن العراق وحالته الاجتماعية والسياسية والأدبية، وعن الحركة الفكرية التي ظهرت في أهاليه، وعن عادات قطانه وأخلاقهم وعاداتهم، وملئوا بكتاباتهم صفحات الصحف الكبيرة والمجلات الراقية؛ إلا أن أبحاثهم لم تكن وافية، ليتمكن القارئ بواسطتها من أن يقف على أحواله تماماً، إذ أن بعض أولئك الكتاب من هم ليسوا من أهل البلاد، فإذا كتبوا ما رأوه بأعينهم، دونوه عن غير بحث وتنقيب وإيغال، لعدم اطلاعهم تمام الاطلاع على ما عليه السكان من العادات والاخلاق، وما جبلوا عليه من الخصال، وما اتصفوا به من الأوصاف الجميلة، والمناقب الحميدة. وبعضهم من أهل البلاد، إلا انهم، ويا للأسف! قليلو البضاعة والتنقيب؛ وبما أني منذ أن مارست الكتابة أخذت أفتش وأنقب عن حالة العراق الاجتماعية وما بلغ إليه هذا الصقع من العمران والتقدم والترقي، أظنني أني وقفت على أشياء لم يعثر عليها غيري؛ وقد كتبت ما شاهدته ورأيته وعلمته وتوصلت إليه في عدة مقالات متسلسلة نشرتها في أكبر جرائد سورية كالمقتبس وغيرها، وبعض جرائد بغداد، بينت فيها بأجلى وضوح، حالة العراق العلمية والزراعية والاجتماعية والإدارية والسياسية، وقد رفعت بها الستار عن سياسة الأجانب في العراق، وما يرمون إليه بسياستهم فيه؛ وقد طلب مني من لا يسعني مخالفته، أن ارصد مقالة تضم شتات تلك الفوائد إلى فوائد أخرى جمعتها في أثناء أبحاثي المختلفة، وأن انشرها في إحدى المجلات البغدادية ليطلع عليها الجمهور، فأجبت طلبه، وقد شمرت عن ساعد الجهد للخوض في بحر هذا الموضوع، فعسانا أن نتوصل به إلى الغاية المطلوبة، وهي إسعاد هذه الأمة ورقيها. إن ربك على كل شيءٍ قدير.
2 - نظرة في هبة العراق
أننا لا نريد أن نذكر هنا عن العراق ما قد أثبتته التواريخ إثبات الشمس في رابعة النهار فعلمه الخاص والعام، بل الكبار والصغار، واجمع عليه علماء(2/2)
الاجتماع؛ بل الذي أريد أن اعرضه على قراء (لغة العرب) هو ما أشرت إليه في صدر هذه المقالة ولمحت إليه في كلامي عن هيت (راجع لغة العرب 249: 1)
3 - حالة العراق الاجتماعية الحاضرة
إن صدري، وربك، ليضيق؛ بل ويقف قلمي عندما أريد أن أخوض في هذا الموضوع، لألم بحالة العراق العلمية والاجتماعية الحاضرة، وما قضى به عليها الدهر الخؤون، والطالع التعس، من التقهقر والتأخر وتبديل الحال بما هو اتعس منها من ذل، وجهل، وفقر، وفقد رجال علم وعمل. فقد اصبح الوطن بين جاذب ودافع وعامل لخرابه وجاهل بإصلاحه وضارٍ له غير نافع إياه. اللهم إلا في هذا العهد الجديد الذي تغيرت فيه الأحوال.
ولا ادري ما السبب لهذا التأخر؟ إلا أن النواميس الطبيعية التي وضعها الحكيم، جل وعلا، هي أقوى دليل على إثبات الأسباب؛ فقد قضى ربك أن يكون لكل شيء ناموس طبيعي يجذبه إلى العلو، ويرفعه إلى فوق، وإذا فسد مجراه، عاد إلى الوراء أو هوى إلى تحت. وقد كانت هذه البلاد لما كان القائمون بها رجالاً يسيرون بها على مقتضى القانون والحكمة التي وضعها الله، سبباً لرقي الأمة: منبع الحكمة، وكعبة العلم، وأم المدنية، وعروس الحضارة والتقدم، في العلم والأدب والصناعة والزراعة والتجارة والحكمة والفلسفة والهندسة والطب وغير ذلك. فنبغ في ذلك الأوان أولئك الرجال الكبار الذين كانوا السبب الأعظم في كشف كثير من الأسرار الغامضة في عالم الطبيعة.
ذلك ولما كانت العربية تتجلى عصرئذٍ في وطننا بأجلى محاسنها، وأبهى مناظرها، وكان إذ ذاك قائد الأمة واحداً، وهو التعاون على حفظ كيان الدين والوطن والاتحاد، وعلى السعي للحصول على السعادة المقدسة الدائمة، بلغت هذه الديار أقصى غايةٍ من الحضارة والعمران.
أما اليوم وقد بدل من على هذه الأرض، وتغيرت تلك الأحوال، وطمست الآثار، وتهدمت صروح العلم، وسلط ربك على هذه البلاد الغرق،(2/3)
والحرق، والطاعون، والتفرقة، غدت العربية تندب رجالها، وتبكي المنازل أبطالها، والمدارس طلابها، وأمست إلى ما تراه، أي لا تجد من الناس إلا القليل ممن يعرف تاريخ بلاده، وحياة آبائه، أو يحسن النطق بلغته. وهل بعد هذا الهوان العظيم هوان اعظم وادهم؟!
وكلما سرحت طرفي في تاريخ هذه البلاد، وأخذت أفتش عن تلك المعاهد والمنتديات، وتلك المدارس والكليات، وتلك المعالم والمستشفيات، لا أجد فيها إلا آثاراً قائمة على جرفٍ
هارٍ، كالمستنصرية، وقد اصبح قسم منها داراً للمكس، وآخر مطبخاً للآكلين، وشطراً منه مشرب قهوة للبطالين وأهل الفراغ. فيا لخجل العراق والعراقيين! وكلما أردت أن أرى رجالاً مثل الفارابي، وابن سينا، والبغدادي، لا يقع نظري إلا على أناس أفذاذ شغلتهم الحياة الدنيا عن السعي مثل ما سعى إليه أولئك الرجال، ولا أرى إلا مظاهر جلها البلاء الأكبر على البلاد، والعباد.
4 - حدود العراق وقسماه
اختلفت حدود العراق باختلاف الأعصر والدول. قال ياقوت في معجم البلدان: (قال بعضهم: العراق هو السواد. . . وذهب آخرون في ما ذكر المدائني فقالوا: حده حفر أبي موسى من نجد، وما سفل عن ذلك يقال له العراق. وقال قوم: العراق: الطور والجزيرة والعبر. والطور ما بين ساتيدما (والمراد بساتيدما هنا جبل حمرين) إلى دجلة والفرات. وقال ابن عياش: البحرين من أرض العراق. وقال المدائني: عمل العراق من هيت إلى الصين والسند والهند والري وخراسان وسجستان وطبرستان إلى الديلم والجبال. قال: واصبهان سنة العراق. وإنما قالوا ذلك لأن هذا الكلام كان في أيام بني أمية يليه والى العراق لا أنه منه. والعراق هي بابل فقط كما تقدم.) اهـ
ومهما يكن من أرف العراق سابقاً، فحدوده اليوم هي: الجزيرة في الشمال وخليج فارس في الجنوب، وجبال لورستان وبعض خوزستان وشيء من عربستان(2/4)
ودورقستان في الشرق، وبادية الشام أو الحماد في الغرب.
ويقسم العراق اليوم قسمين وكل قسم منهما عبارة عن ولاية قائمة بنفسها وهما: ولاية بغداد، وولاية البصرة. وكلتاهما كبيرة تحتوي على عدة ألوية وكثير من الأقضية، وألوف من القرى والنواحي. ولهاتين الولايتين شان عظيم في التاريخ سنأتي بذكره بحوله تعالى.
5 - اصل اسم العراق ومعناه وأقوال العلماء فيه.
ذهب العلماء مذاهب شتى في حقيقة هذا الاسم وأصله ومعناه. قال ياقوت سميت العراق بذلك من عراق القربة، وهو الخرز المثنى الذي في أسفله، أي إنها اسفل أرض العرب. وقال أبو القاسم الزجاجي: قال ابن الأعرابي: سمي عراقاً لأنه سفل عن نجد ودنا من
البحر. اخذ من عراق القربة وهو الخرز الذي في أسفلها. وانشد: (تكشري مثل عراق الشنة) وانشد أيضاً:
لما رأينا دردرى وسنى ... وجبهتي مثل عراق الشن
متن عليهن ومتن مني
قال ولا يكون عراقها إلا أسفلها من قربة أو مزادة. قال: وقال غيره: العراق في كلامهم الطير. قالوا وهو جمع عرقة، والعرقة ضرب من الطير. ويقال أيضاً العراق جمع عرق. وقال قطرب: إنما سمي العراق عراقاً لأنه دنا من البحر. وفيه سباخ وشجر يقال استعرقت ابلهم، إذا أتت ذلك الموضع وقال الخليل: العراق شاطئ البحر وسمي العراق عراقاً لأنه على شاطئ دجلة والفرات مداً، حتى يتصل بالبحر على طوله، قال: وهو مشبه بعراق القربة، وهو الذي يثنى منها فتخرز. وقال الأصمعي: هو معرب عن إيران شهر، وفيه بعد عن لفظه، وأن كانت العرب قد تتغلغل في التعريب بما هو مثل ذلك، ويقال: بل هو مأخوذ من عروق الشجر. والعراق من منابت الشجر فكأنه جمع عرق. وقال شمر: قال أبو عمرو: سميت العراق عراقاً لقربها من البحر قال: وأهل الحجاز يسمون ما كان قريباً من البحر عراقاً. . . وقال حمزة: الساحل بالفارسية اسمه أيراه، ولذلك سموا كورة اردشير خرة، من أرض فارس، ايراهستان لقربها من البحر فعربت العرب لفظ أيراه بإلحاق القاف فقالوا:(2/5)
أيراق. وقال حمزة في الموازنة: وواسطة مملكة الفرس العراق، والعراق تعريب أيرأف بالفاء. ومعناه مغيض الماء وحدور الماء. وذلك أن دجلة والفرات وتأمرا تنصيب من نواحي أرمينية وبندٍ من بنود الروم إلى أرض العراق وبها يقر قرارها فتسقى بقاعها وكان دار الملك من أرض العراق إحداهما عبر دجلة، والأخرى عبر الفرات، وهما بافيل وطوسفون، فعرب بافيل على بابل وعلى بابلون أيضاً، وطوسفون على طيسفون وطيسفونج. وقيل سميت بذلك لاستواء أرضها حين خلت من جبال تعلو وأودية تنخفض. والعراق: الاستواء كما في كلامهم قال الشاعر:
سقتم إلى الحق معاً وساقوا ... سياق من ليس له عراق
أي استواء.) إلى هنا كلام ياقوت. وأصدق هذه الأقوال وأوفقها للحقيقة: إن العراق هو تعريب (أيراه) وعليه إجماع العلماء من وطنيين وأجانب. وهو رأينا ايضاً، وصحته
ظاهرة من مناسبة الاسم للمسمى كما هو بين لأدنى تأمل.
6 - أديم العراق وهواؤه وتأثيره على سكانه
العراق اعدل أرض الله هواء وأصحها مزاجا وماءً. . . وليس بالعراق مشاتٍ كمشاتي الجبال، ولا مصيف كمصيف عمان، ولا صواعق كصواعق تهامة، ولا دمامل كدمامل الجزيرة، ولا جرب كجرب الزنج، ولا طواعين كطواعين الشام، ولا طحال كطحال البحرين، ولا حمى كحمى خيبر، ولا كزلازل سيراف ولا كحرارات الأهواز، ولا كأفاعي سجستان، وثعابين مصر، وعقارب نصيبين، ولا يتلون هواؤها تلون هواء مصر، وهو الهواء الذي لم يجعل الله فيه في أرزاق أهله نصيباً من الرحمة التي نشرها الله بين عباده وبلاده حتى ضارع في ذلك عدن أبين. (ياقوت)
والحر والبرد شديدان في العراق ولكنهما في اغلب الأحايين يابسان. وقد رأينا الشتاء اشتد، حتى نزل ميزان الحرارة إلى 8 درجات تحت الصفر في المدن. و16 درجة في البرية، فقتل مئات من الناس والحيوان والنبات في ليلة واحدة. ويشتد الحر في كل سنة حتى يبلغ 48 درجة في الظل، وكان قبل 25 سنة يبلغ 50(2/6)
درجة. على أنه يحتمل بعض الاحتمال إذا كان يابساً، والهواء غربياً أو شمالياً؛ أما إذا كان شرقياً فتضيق الأنفس وتحرج الصدور ويشتهى السكان سكنى القبور. وفي جنوبي العراق، يقتل الحر كل سنة عدة أُناس بأمراض تتولد من حماوة القيظ.
وقد لاحظ بعضهم أن بين مناخ العراق ومناخ يعقوب آباد وبشاور (من ديار الهند العالية) مشابهة عظيمة. قال السر وليم ولكوكس: (أن حالة الهواء القصوى في نهار أيام الربيع تختلف بين 2، 23 درجة في ت2 إلى 4، 15 درجة في كانون الثاني؛ ثم ترتفع رويداً رويدا حتى تبلغ 7، 28 في نيسان. ومتوسط حالة الهواء. في يعقوب آباد في مثل تلك الأيام وتلك الساعات هو: 1، 23 في كانون الثاني و5، 17 درجة في بشاور في ذلك الشهر. وعليه فتكون حالة الهواء في بغداد أدنى بكثير في قلب الشتاء منها في الأصقاع الواقعة في ديار الهند العليا وعلى ذلك الخط عرضاً. ولعل ذلك ناتج من تراكم الثلوج البعيدة الأكناف التي تكسو الديار في الشمال الشرقي من العراق، أي بلاد كردستان وأرمنية.
وحالة الهواء في الليل تنزل في كانون الثاني إلى الدرجة 2، 4 في بغداد. وفي الهند العليا تكون الدرجة الدنيا في شهر كانون الأول فإنها تنزل إلى الدرجة 9، 3 في بشاور و6، 4 في لاهور و3، 6 في يعقوب آباد. ومن ثم تكون حالة الهواء في بغداد أوطأ مما هي عليه في سائر مدن الهند العليا إذا كانت على خط ارتفاع بغداد أو أعلى منها بقليل.)
7 - الضغط الجوي
أعلى ضغط جوي في بغداد يقع في شهر كانون الأول فيبلغ متوسطه 768 مليمتراً وينزل قليلاً جداً في شهري كانون الثاني وشباط. ثم بعد ذلك يهوى سريعاً إلى شهر تموز فيكون 753 مليمتراً تقريباً. ثم يصعد صعوداً متئداً في آب، وبعد ذلك يصعد صعوداً وحياً متواصلاً إلى شهر كانون الأول. ومحيان الدرجة العليا والسفلى يكون في مثل ذينك الشهرين في ديار الهند الشمالية أي في شهري كانون الأول وتموز. وتكون فسحة التراوح السنوي 16 مليمتراً وهي(2/7)
أعلى بقليل في بشاور (15 درجة) منها في لاهور (14 درجة) وهي أدنى بقليل في يعقوب آباد (5، 16 درجة). وفي أيام الشتاء توجد بغداد (وهي معدودة من المدن المتصدرة شرقي العراق) قريبة من محور خطٍ منحنٍ وهمي عالي الضغط أو مقاوم للرياح الزعازع يمتد من آسيا الوسطى إلى بحر الروم. وعلى طول هذا المحور يزداد الضغط في كانون الأول وكانون الثاني وشباط من نحو 762 مليمتراً، في غربي بحر الروم، إلى نحو 763 مليمتراً في صقع متوسط قريب من بحيرة بيكال. هذا وفي أبان الحر اليابس تعد بغداد داخلة في الخط المنحني، خط ضغط قارة آسية الجنوبية، وهو الموطن الممتاز كل الامتياز من هذا الصقع في أوان البرشكال (1) الجنوبي الغربي. والصقع المتوسط يمتد من ساحل جزيرة العرب الشمالي الشرقي (أي عمان) إلى الجنوب الغربي من بنجاب، وصورته خط متشابه الامتداد أو يكاد، وهو يكون 748 مليمتراً في حزيران، و747 في تموز، و749 في آب، وهو خط يكاد لا يتغير عن موضعه في هذه الأشهر. وعليه فيكون الضغط الهوائي في وادي الفراتين طول السنة أوطأ مما هو عليه في تلك البلاد الهندية. ومتوسطها لا يتغير تغيراً عظيما في مدة أشهر السنة (معرب عن ويلكوكس)
8 - السحب في العراق
إن مقدار السحب التي تبرقع وجه سماء العراق نزر جداً في مدة السنة. وهي لا تكاد تكون شيئاً، في أوان القيظ ولا تبلغ ألا 5، 0 (والسماء إذا تغشت كلها تبلغ 10) وفي أبان الرطوبة تبلغ 8، 1 في كانون الاول، و 7، 2 في كانون الثاني وشباط. والغيوم في هذا الفصل هي اقل مما هي عليه في مثل هذا الفصل في ديار الهند العالية، وأن كانت عللها واحدة على ما يظن، أي نشؤ أو تقرب هبوط عظيم، لكنه واطئ، أو بعبارة أخرى، اضطراب الجو في فصل الصيف. وهذه الانقلابات تنشأ في اغلب الأحيان في فارس، وتولد سحباً جمة(2/8)
في فارس نفسها وفي بلاد البلوص (بلوجستان) وأفغانستان وفي ربوع الهند الشمالية. وتعد بغداد من البلاد الداخلة في الصقع الغربي التي تقل سحبه غاية القلة.
(عن وليم ولكوكس)
9 - المطر
ثخن مقدار الماء الممطور في السنة 212 مليمتراً، منه 203 راجع إلى مطر الشتاء. وعدد أيام المطر هو 7، 18 فقط في السنة (ومقدار ماء المطر في اليوم مليمتران ونصف على الأقل). والمطر يسقط سقوطاً منتظماً في فصل البرد من تشرين الثاني إلى آذار. واعظم قدر المطر وقع في العراق هو الذي كان في سنة 1894 فأن مقياس المطر بلغ مائتي مليمتر ومليمتراً. سقط منه 158 مليمتراً في يوم واحد، وهي اعظم كمية سقطت في العراق في مدة 24 ساعة. وعليه فيكون معظم المطر في الشتاء ومزيته مزية مطر فارس وبلاد البلوص والأفغان. إلا أنه دون مطر تلك البلاد لموقع العراق الذي هو دون تلك البلاد ارتفاعاً
(عن وليم ولكوكس)
بغداد: إبراهيم حلمي
ابنة اليوم وحقيقتها وأسماؤها
ابنة اليوم، وتجمع على بنات اليوم، هي هذه الدويبة التي وصفها وصفاً دقيقاً صاحب مقالة (أمثال عوام العراق)؛ وهذا الاسم هو من وضعنا وهو تعريب اللفظة الإفرنجية أو الإنكليزية وكلاهما من اليونانية ومعناها: (ذو أو ذات يوم واحدٍ) ونحن نصفها هنا وصفاً علمياً على ما جاء في كتب أهل الفن، فنقول:
ابنة اليوم جنس من الدويبات من رتبة العصبية الأجنحة من فصيلة المخصفية القرن راس أو أصل قبيلة بنات اليوم طويلة الجسم، لونها إلى البياض أو إلى الصفرة، (أو كما قال كاتبنا المحقق: إلى الزهرة) وأجنحتها طويلة ومثلثة ومرتفعة إلى فوق في وقت الراحة. وأجنحتها السفلى في غاية الصغر وكأنها فص من فصوص الأجنحة الخارجية. وينتهي مؤخرها بخييطين في الذكور وبثلاثة خيوط في الإناث، وللذكور ماعدا ذلك مقراضان واقعان في الأسفل.(2/9)
وهي تولد عند أفول شمس الصيف، وتموت عند شروقها، ومنها ما يصبر على بضعة أيام فتكون بمنزلة العجائز المعمرة. على أنها إذا كانت تعيش قليلاً بعد بلوغها الحالة الكاملة فهي تعيش اكثر من سنتين في حالة الدودة أو الدعموصة وهذا الدود طويل وله متنفسات أو خياشيم خارجية لا يفتر عملها. وبعضها يقيم في الأرض في نخاريب حفرت في جروف الأنهر، وهذه النخاريب مزدوجة يفصلها فاصل على هيئة لسان صغير دقيق، ألا أنها لا تكون كذلك في الداخل، بل يكون النخروب وحيد المأوى. وبعضها تتيه على وجهها عائرة، ولا تحفر لنفسها مسكناً ولا مأوى.
أما إسراف هذه الدويبات فلا تختلف عن دعاميصها ألا بنبت الأجنحة فإذا حان وقت التطور الأخير، تخرج الإسراف من الماء وتذهب لتقف على موطن يابس فلا تعتم أن تشق كفنها التي كانت مسجاة به، وما ذاك الكفن إلا جلدها.
تولد بنات اليوم، كما ألمعنا إليه، نحو الأصيل، فإذا خرجت من سرفها ترتفع فوق سطح المستنقعات والبطائح خشارم لا تعد والغالب فيها الذكور. ولهذا ترى للأنثى الواحدة عدة طلاب يقضون وقتهم، على شدة قصره، في المنازعة سعياً وراء عقد الوصال، وصال لا يدوم إلا هنيهة من الزمان يبتدئ بالمعارك وينتهي بالموت الوحي، وإذا نال الذكر بغيته من اتخاذ عروسه يأخذها إلى محل بعيد عن الجماعات وهناك يعرس بها وما يكاد يقضي وطره إلا ويفاجئه الموت الزؤام. - أما الأنثى فأنها من بعد اللقاح يأخذها نوع من الطلق
فتهوى على الماء وترفع مؤخر جسمها وهي مرقرقة فيخرج من نحو موصل الحلقة السادسة انظامان يتركان على الماء. وعدد بيض كل من هاتين الأنظومتين يتردد بين الثلاثمائة والأربعمائة فإذا صار على الماء هبط إلى أسفله وتفرق شذر مذر.
وإذا وقفت على ما ذكرناه اتضح لك أمر ازدحام هذه الدويبات في أيام الصيف الرائقة الصاحية في البلاد التي تكثر فيها الغدران والبطائح والمستنقعات والأنهر الهادئة الجري. وعلمت أن تلك الألوف المؤلفة إذا ماتت طفت(2/10)
جثتها على وجه الماء، ولا يمضي قليل من الزمن إلا وقد اضمحلت تلك الأشلاء البيضاء، لأن الأسماك وطير السماء قد ازدردتها بأسرع من البرق الخاطف، ولهذا سماها البعض (من السمك أو سلوى السمك) وإذا ماتت هذه الدويبات بعيدة عن المياه، ترى الأرضين المجاورة لها مغشاة عند الصباح بشيءٍ ابيض كالثلج أو كالقطن المندوف فيأخذ بك ذاك المنظر كل مأخذ.
(وابنة اليوم المشهورة) ترى على شطوط الفرات وطولها من 18 إلى 19 مليمتراً، وخيبطات ذنبها أطول من جسمها، ويرى دباها على طول جرف الفرات وقد ثقبه ثقوباً كثيرة تعد بألوف الألوف وقد رأيناها رأي العين.
أما حياة (ابنة اليوم) فإذ اعتبرناها في حد ذاتها فهي ليست دون حياة اعمر الحيوانات، لأن الخالق قد ضرب لها ساعات معدودة هي 12 أو 24 لا غيرها. وهي في هذه المدة تنتقل إلى جميع الأحوال التي ينتقل إليها الحيوان المعمر بدون اختلاف عظيم سوى المدة. فسبحان الباقي الذي لا يموت.
أسماء هذه الدويبة
اسم هذه الدويبة في العراق هو الجليلو أو الكليلو حسب المتلفظين به. فإن كان الناطق به بدوياً أو مسلماً متحضراً فهو يلفظه بالجيم المثلثة الفارسية، وأن كان نصرانياً وينطق بلغة النصارى واليهود، فهو يلفظه بالكاف العربية الفصيحة. والكلمة مشتقة من الإكليل والعوام تحذف منها الهمزة فتقول كليل بإسكان الأول. ثم زادوا (الواو) في الأخر على طريقة الأتراك للدلالة على النسبة، وهم يفعلون ذلك اذا كان آخر الحرف لاماً، وإلا فانهم يزيدون اللام والواو. فيقولون مثلاً في (كوبري) (الجسر) كوبريلو (الجسري) وفي ديكن (شوك) ديكنلو (شوكي) الخ فمعنى كليلو أو جليلو (الإكليلي أو الإكليلية) أو أيضاً (ذو الإكليل أو
ذات الإكليل أو المكللة) لشبه أجنحتها بإكليل ابيض يعلو جسمها الدقيق.
وكنت قد تشططت الفرات في رحلتي إلى حلب سنة 1886 فسألت عن اسمها بعض الأعراب الذين كانوا هناك فقيل لي (الخيتعور) ولا يبعد من أن يكون فصيحاً. لأن الخيتعور في دواوين اللغة:. . . كل ما لا يدوم(2/11)
على حالة واحدة ويتلون ويضمحل. . . وشيء كنسيج العنكبوت يظهر في الحر ينزل من السماء كالخيوط البيض في الهواء. . . والخيتعور دويبة سوداء تكون على وجه الماء لا تثبت في موضع إلا ريثما تطرف. . .) اهـ. فيكون هذا الإطلاق على هذه الدويبة سائغ لسرعة زوالها من الحياة.
ثم مررت بجرف الفرات سنة 1904 ومنه انتقلت إلى جرف الخابور، وكان الفصل فصل صيف كما في سفرتي الأولى فسألت عن اسمها فقيل: (الزخرف) والذي نراه في كتب اللغة عن الزخارف: إنها دويبات تطير على الماء ذوات أربع كالذباب قال أوس بن حجر:
تذكر عيناً من غمازة ماؤها. له حدب تستن فيه الزخارف ولا يخفى ما في لونها الأبيض وهي على الماء من الزخرف الذي يبين لكل ذي عينين.
ثم مررت بالفرات سنة 1908 فسألت عن اسمها فقيل لي هي (البعصوصة) والبعصوصة في معاجم اللغة: دويبة صغيرة كالوزغة بيضاء لها بريق من بياضها. قاله أبو عبيده ونقله الجوهري. وقال ابن دريد: هي البعصوص كقربوس. وعلى كل حال لا ترى كيف أن هذه اللفظة توافق هذه الدويبة؛ إلا أن يقال إنها مشتقة من البعص وهو الاضطراب ونحافة البدن وكلاهما ينطبق عليها أتم الانطباق.
ثم عدت إلى بغداد سنة 1909 فمررت بشطوط الفرات فسألت عن اسمها فقيل إنها (الجليلو) والبعض سماها: الجليلة فاتضح لي صحة هذه التسمية كما اتضح لي أن أسماء الشيء الواحد قد تختلف باختلاف القبائل والأنحاء والأصقاع والبقاع وهو أمر جليل.
وعليه فقد صح أن نسميها بعدة أسماء وهي: (ابنة اليوم) لأنها لا تعيش اكثر من ذلك، وهو معنى اسمها العلمي واليوناني (الخيتعور) لأنها سريعة الزوال والاضمحلال. - (والزخرف) لأنها زينة الماء والغدران - والبعصوصة لكثر اضطرابها ونحافة بدنها - والإكليلية أو ذات الإكليل أو المكللة لما يظهر من هيئتها للناظر إليها من الخارج. هذا ما أردنا أن نبينه(2/12)
في هذا الباب وأن كان للقارئ شيء يزيد على هذا القدر فليتحفنا به ونحن
له من الشاكرين.
سرعة عمران عبادان
اطلع كثيرون على مقالتنا التي أدرجناها في الجزء الرابع من السنة الأولى من لغة العرب (1: 121 - 129) فنقلتها بعض الجرائد الشامية والمصرية وترجمتها أيضاً بعض الصحف والمجلات الإفرنجية. ثم طلب إلينا بعض القراء أن نزيدهم علماً فيما حدث بعد تلك المقالة، وأي مبلغ بلغ عمران تلك المدينة الحديثة، وهل نبع الزيت الحجري أم لا، وكم يبلغ مقداره في اليوم. فالقينا هذا السؤال على أحد مخبرينا أبناء العرب النبهاء فكتب إلينا ما يأتي:
أن اقتراحكم علي صعب التحقيق، والسبب هو: لأن الإنكليز أصحاب الأمر في عبادان يمنعون منعا باتا كل من يريد دخولها من أجانب ووطنيين من نقلة الأخبار. فقد حاول الدخول خمسة من الإنكليز قبل شهرين فردوا على أعقابهم خائبين لا يلوون على شيء. وحاول آخرون رشو بعض الحرس فلم يفلحوا وعادوا بخفي حنين. ولهذا اصبح الوقوف على ما يجري هناك اعز من جبهة الأسد. على أن الدخول مباح لكل رجل أمي لا يحسن القراءة والكتابة أو بيده رخصة من مدير محل ستريك سكوت وشركائهما في المحمرة وبالإنكليزية وأما الموظفون أو المشتغلون بإشعال المدينة وعمرانها على نفقة الشركة فهؤلاء يدخلون ويخرجون متى يشاءون. ولا يحق لهم أن يكتبوا شيئاً أو يبوحوا بسر من أسرار عمران الحاضرة أن كتابة وأن مشافهة. وإذا كان الموظفون من الإنكليز فهم يبدلون مرة في كل ثلاثة أعوام، وإذا رجعوا إلى أوطانهم وخرجوا من وظائف الشركة لا يجوز لهم نشر شيء مما علموه. وألا تقام عليهم الدعوى ويحاكمون. أما أنا فقد نكرت زيي ودخلت المدينة دخول عامل أمي يطلب رزقه بعرق جبينه فكانت هذه الواسطة سبب نجاحي وفوزي بمرامي.(2/13)
وبعد هذا التمهيد أقول: إن أدوات المسرة (التلفون) والإبراق (التلغراف) قد تمت اليوم؛ وقد ربطت بها جميع المقامات والمراكز والمدن التي فيها محلات أو أشغال الشركة. وزيادة على ذلك تنور اليوم تلك الحاضرة الجديدة بالكهربائية البديعة الضياء حتى أن الليل فيها يشبه النهار.
ولا تظن أن العمران قد بلغ اليوم أقصاه هناك ولم يبق مجال للإيغال فيه؛ بل بالعكس فأن البواخر البحرية لا زالت تتردد إليها وتنقل أنواع الأدوات والعروض والبضائع والأموال؛ منها للبناء، ومنها للبيع، وبعضها للاتجار، وغيرها طلباً لرغد ورفاهية المتوظفين وجميع
الإنكليز الموجودين هناك.
ومن جملة ما نقلته البواخر البحرية الأخيرة قطع من الحديد تدخل في الأبنية وفي تركيب الآلات الضخمة الراجعة إلى معامل الزيت الحجري وتصفيته وترويقه الخ؛ ومنها مراجل أو خلاقين من حديد هائلة العظم، وزن كل اثنين منها 31 طناً وعددها 30 مرجلاً فيكون وزنها جميعاً 930 طناً. وقد ادخلوا في عبادان جميع مستحدثات الحضارة حتى المطيرة وأول من ركبها وطار بها المستر ريتشي وبعد أن حلق بها لم يحسن تسيير آلتها المحركة، فهوت به فجأة إلى الأرض واوثى، إلا أن راكبها لم يصب بأذى وقد كتب فجلب مطيرة ثانية بدلاً من الأول فنجح في سعيه.
وأما مقدار النفط أو الزيت الحجري الذي ينبع من الارض، ويستخرج من منبعه فلا يعرف على التحقيق، لأن الباخرة (سلطان فأن التي رست في عبادان في شهر أيار شحنت ثلاثة آلاف طن من هذا السائل في يوم واحد، وكان الشحن على هذا الوجه وهو: تركب أنبوبة تجمع بين منبع النفط وداخل الباخرة فكان السائل يجري جرياناً متصلاً إلى أن أخذت الباخرة ما يمكنها حمله فأقلعت في اليوم عينه متجهة نحو جاوة.
ثم جاءتها في ذلك الشهر باخرة منهلا وشحنت ألف طن من النفط (وهو الزيت الحجري قبل أن يصفى) ونقلته إلى رانكون في الهند؛ ثم أقبلت بعدها باخرة (جلنار) من سفن شركة لنج التي تسير على دجلة من(2/14)
البصرة إلى بغداد ونقلت مرتين 107 براميل ضخمة من هذا النفط ثم جاءت عدة سفن شراعية لتتزود ما يحتاج إليه (جلنار) من هذه المادة.
وإذا أردت أن تعلم الآن ما هناك من الأبنية والمعاهد التي أقيمت لاستخراج النفط والزيت الحجري وما جلب له من الأدوات والسفن والآلات وما هيئ له من المعدات، فدونك أسماءها بالعربية والإنكليزية:
أنابيب يجري فيها
(الدوبة بلسان العراق هي السفينة الجنيب عند الفصحاء)(2/15)
للمراجل أو الخلاقين الكبيرة 1، 2، 3، 1 2 3محل للمراجل مع 3 لتصفية زيت لتصفية زيت الاستصباح مع دار فيها متعددة الحمالين. والحي يشمل عدة خطوط وهي عشرة اليوم وفيكل خط عشر حجر ولكل حمال حجرة. فيها منزفة للزيت غير (قاطرة صغيرة) التصوير لتصفية - للأشغال أو صغيرة وسفن -
(جنيبة) لجر الزيت مع دار القوى القوى (إسطبل أو آخور) كبار أحواض 1 3 4خمسة أحواض كبار 4 5 6 7 مسمرة (تلفون) ماء (وهو بناء موقت) لصناديق الصفيح (التنك) الماء ومحلات ميناء عبادان فقد اصبح من احسن موانئ خليج فارس وأمنها والآن لا يدع الإنكليز أن يرسو فيه ألا البواخر التي تنقل إلى عبادان ما يفيد أشغالها الخاصة بالزيت الحجري وبالعملة الذين يشتغلون به. فقد جاءها في شهر شباط مركب غريكوي وقد نقل حدائد تركب منها دوبة (جنيبة) حملها ألف طن. وقد ركبت قطعها في عبادان.
وجاءها في شهر آذار مركب (أداليا وكان قد نقل إليها مائتي ألف صندوق خشب للنفط.
وجاءها في ذلك الشهر أيضاً مركب وكان محموله عشرين ألف صندوق صفيح (تنك) وفي كل صندوق عشر قطع من الصفيح.(2/16)
ورسا فيها في شهر نيسان مركب وكان مشحونه قطع حديد لدوبة كبيرة محمولها خمسمائة طن مع ستمائة صندوق من الحامض الكبريتي (دهن الكبريت وكان مركب منهلا قد حمل إليها أيضاً 1372 صندوقاً من هذه المادة.
هذا أهم ما يقال في سرعة عمران عبادان، ولا ريب في إنها لا تقف عند هذا الحد بل تسير سيراً حثيثاً فيه، ولا يمضي عليها عشرة أعوام حتى تعد من اعظم مدن العراق وخليج فارس. فسبحان مالك الملك الذي يؤتيه من يشاء وهو الحي الباقي السرمدي.
البصرة:
عربي متبدٍ
الخطر على نخل العراق
ذهبنا هذا الشهر والشهر الماضي إلى الكاظمية، فرأينا نخل بساتينها مصاباً بعلة تجعل خوصها يبرق بريقاً غريباً كأنه طلي بطلاء من الصمغ، فسألنا عن اسمها، فقيل لنا: هذا داء المن. فطلبنا إلى حضرة صديقنا الفاضل وجيه بك مدير الزراعة في ولايتنا أن يصف لنا وصفة يدفع بها هذا الداء الفتاك، فوضع لنا هذا البيان الآتي نصه، ليقف عليه أرباب البساتين والزراعة فيدفعوا عنهم شراً هائلاً لا يعرف ما وراءه من الأخطار والأضرار، ألا من عرف هذا الداء وفتكه بالاشجار، في سائر الديار. وهذا كلام حضرة المدير عزه الله:
إلى الملاكين وأصحاب البساتين
اعلموا يا أهل بغداد أن قد حل بنخيلكم مصيبة عظيمة في هذه الأيام، وهذه الطامة الكبرى هي وقوع مرض فيه يسميه العامة (المن) ويسميه من ليس من هذه البلاد باسم (ندوة العسل) وبالفرنسوية(2/17)
فهذا الداء يسري بسرعة عجيبة إلى سائر النخيل فيتلفها، وإذا أهملت المعالجة ولم تؤخذ التدابير الواقية أو الشافية تعم البلوى، ولا يبقى اثر لمحصول النخيل، بل ولا يمكنكم أن تجنوا منه شيئاً بالنسبة إلى العام الماضي، أو أنكم تجنون ثلاثين بالمائة فقط، إذا أخذتم الوسائل اللازمة لدفعه قبل أن يعم البلاء.
أما الحكومة السنية فإنها تبذل كل ما في طاقتها لتبعد عنكم هذا الداء، وقد أخذت التدابير اللازمة للبلوغ إلى أمنيتها. وهذا لا يمنع الملاكين وأصحاب البساتين وأرباب النخيل من أن يتذرعوا بالذرائع الآتية وهي:
1 يجب قطع جميع السعف المصاب بالداء منعاً لسرايته.
2 بعد قطع السعف المصاب بالداء يهيأ إناء يوضع فيه ماء ويحل في كل مائة درهم منه درهمان من الليزول (وهي مادة سائلة توجد في الصيدليات أو الاجزائيات)، أو ان يحل في كل مائة درهم من الماء خمسة دراهم من الزنجارة (كبريتات النحاس) وبعد أن تحل إحدى هاتين المادتين بالنسبة المذكورة تغمس مكنسة في ذلك المحلول، ويرش بها السعف السليم حتى يشمل الرش السعفة كلها خوصها وعسيبها. - وهناك طريقة ثانية للرش وهي أن يؤخذ من البلدية المضخات (الطرمبات) التي كانت تستعمل في أيام الهيضة (الكولرة) وتملأ من ذلك المحلول، ثم يرش النخيل بها، فيكون حينئذٍ الرش بها محكماً وهذه الطريقة
الأخيرة هي احسن من الأولى.
وعلى كل حال فإياكم الإهمال، لأن من ورائه فشو الداء، وعموم البلاء، وقانا الله منه. - هذا وقد أبلغتكم وما على الرسول إلا البلاغ، والسلام على من اتبع الهدى.
وجيه مدير الزراعة في ولاية بغداد
(ملحق بما سبق) أن هذا الداء الذي عم بلاؤه النخيل في هذه الأيام كان يرى سابقاً على أوراق أشجار القطن وأغصانه في السنين الرطبة الكثيرة الأرياح الشرقية؛ وكان يسبب لأصحاب تلك الأشجار خسائر جمة عظيمة.
ثم لما كثرت بزيراته نما نمواً فاحشاً. ومن خصائص انتشاره أن تبقى تلك الحبيبات أو البزيرات تحت التراب بدون أن يتكاثر فإذا تكاثر؛ فإذا صادفه سنة رطبة وهي(2/18)
الشرقية الأهوية في العراق، ساعدته حينئذٍ البيئة على النمو فيأخذ بالتوالد والتكاثر بسرعة غريبة ويسبب خسائر عظيمة لأصحاب الزراعة. والحييوين الذي يفرز هذه المادة الصمغية يسمى (المن) بالعربية وبالفرنسوية والضرر ينتج من أن هذا الحييوين الذي يفرز هذه المادة الصمغية فيطلى بها مسام الأوراق والأغصان. وكما أن هذه المسام هو لازمة الحياة أعضاء الأشجار لزومها في الإنسان والحيوان فإذا سدت امتنع التنفس وأمتنع أيضاً سير الماء في داخل الأنبتة والأشجار، فينشأ حينئذٍ نوع من الاختناق يودي بها إلى الذبول والموت. فعسى أن ينتبه العقلاء إلى هذا الخطر ويدفعوه عنهم بأقرب وقت وأنجع وسيلة. (لوجيه بك صاحب النبذة المذكورة)
خواطر في المنتفق وديارهم
وقع بيدي نهار أمس العدد السادس من مجلتكم (لغة العرب) فرأيت في مقالة حسناء مذيلة باسم الشيخ محمد رضا الشبيبي الكاتب النجفي الشهير، وعنوانها (حول المنتفق) فبدا لي في أثناء مطالعتها بعض الخواطر فأحببت أن أبديها للقراء لاعتقادي المكين أن حضرة الكاتب ممن لا يخاف التعقيب على كلامه؛ لاسيما وقد قال في مستهل مقاله انه ممن (يرغب في الوصول إلى الحقيقة التي كثيراً ما توجد في وسط الاختلافات)
قال حضرة الشيخ الكاتب: (كانت تتجاذب طرفي الفرات الأدنى منذ عهد غير قريب عميرتان من أكبر عمائر العراق وهما: خزاعة. . .) ونسي ذكر الثانية التي هي عميرة المنتفق. ولعله أغفلها عمداً لاشتهار أقامتها في تلك الربوع، وقد مر عليها في مطاوي البحث في صدره وحشوه وآخره.
وقال حضرته: إن الغراف لم يكن في الأزمنة الخالية من ديار المنتفق وقد صدق. وأزيد على ذلك: إن ديار ربيعة تمتد حتى اليوم إلى نحو نصف المسافة الموجودة بين الحي وقلعة سكر على عدوتي الغراف وقد كانت عميرة ربيعة في صدر القرن التاسع عشر للميلاد محتلة الغراف، ثم وقع نزاع بين عميرتي ربيعة والمنتفق أدى إلى انجلاء أمير ربيعة عن تلك الديار إلى موطن اسمه (شادي)(2/19)
ومن الأقوال العائرة المعروفة عند عمائر تلك الأصقاع (وأظنه من أقوال ضرب من أغاني الموال المسمى في لغتهم أبو دية، بكسر الدال المهملة وتشديد الباء المثناة المفتوحة وهاءٍ في الآخر):
(اللي يريد البرص ما ينزل بشادي. وينزل بين العبد والقادرية).
فالبرص (بضم الأول والثاني) تل يقرب جداً من مدينة الناصرية. وشادي من ديار ربيعة واقع بين الكوت والبغيلة (مصغرة) على العدوة اليسرى من دجلة العظمى. والعبد (بفتح العين وتحريك الياء بحركة مشتركة) تل يبعد عن شرقي قلعة سكر نحو خمسة عشر كيلو متراً. ويتوسع في معناه فيطلق اللفظ على الأرض المحيطة به. والقادرية (وتلفظ الجادرية) اسم ترعة تسقي هذه الأرض.
وذكر حضرة الشيخ: إن ربيعة لا زالت محتلة من الغراف فراسخ تنتهي بأرض يقال لها البسروقية على خمس ساعات من الحي. ولا غرو انه قصد من قوله الحي: شماليه.
وقال: إن كثيراً من العشائر النازلة في صميم الغراف هي من ربيعة لا من المنتفق. . .
الخ. وأظن إن في هذا الكلام ما يناقض سابق كلامه بعض الناقضة. نعم أن كثيراً من العشائر النازلة في صميم الغراف هي اليوم من ربيعة كما سبقت الإشارة إليه، وصرحنا به نحن أيضاً، لكن فيهم من المنتفق أيضاً لأن ربيعة تقسم إلى ثلاث عشائر وهي:
أولاً: العشائر التابعة رأساً لأمير ربيعة ويطلق عليها اسم بني عمير (بإسكان العين وميم مفتوحة بإمالة) وقريش (وتلفظ بالكاف الفارسية المثلثة وإسكان الأول وفتح الثاني فتحاً بإمالة)
ثانياً: مياح (وزان شداد) وهي تحت زعامة أحد أبناء بيت ناصر من الشحمان (بتحريك الأول حركة مشتركة والباقي وزان سكران)
ثالثاً: السراج (وزان شداد. والبعض يحملون الجسيم ياء فيقولون السراء) وهم تحت زعامة أحد أبناء بيت كليب (وتلفظ جليب بجيم مثلثة فارسية)(2/20)
وأما عشيرتا عبودة وبني ركاب فبعد ان خاصمتا آل السعدون على الإمارة وخفقتا في سعيهما، انضمتا إلى عشائر المنتفق، وقطعتا كل علاقة مع ربيعة، وأخذتا تؤديان كل الضرائب والرسوم لوالي بغداد، وهي ضرائب ورسوم يؤديها عشائر المنتفق للوالي المذكور. بل أخذت تؤدي حتى الضرائب التي كانت معروفة باسم (الحصان) وهو ما كان مكلفاً بتأديته شيخ المنتفق من الجياد إلى والي بغداد. ويخرج من هاتين العشيرتين فخذا العائد والصالح من بني ركاب، ذلك لقربهما من عشائر ربيعة، ولهذا بقيتا منقادتين لزعامة آل السعدون من باب السياسة وتسهيل المعاملات مع مجاوريهم.
وأما عشيرة مياح (وهي التي سبق الكلام عنها) مع جميع افخاذها، وآل غريب (وهي فرقة من هذه العشيرة)، وعقيل (وهي عشيرة من عشائر السراج)، والسراج وجميع افخاذها، وكنانة (تلفظ جنانة)، فكلها من الأحياء المنتسبة رأساً إلى أمير ربيعة. وعليه: فقد رأينا بعضهم لا ينتسبون إلى ربيعة. ولهذا وجب التصريح بهم وأن كانوا قليلي العدد بين الجم الغفير حرصاً على الحقيقة.
وأما الناصرية فقد ذكر الكاتب اسم مؤسسها وبانيها، وهو ناصر باشا السعدون ولم يزد على ذلك ولهذا أضيف على ما ذكر ما يأتي: إن الذي خططها هو المهندس البلجيكي المسيو جول تلي ولم يعرف على التحقيق عام تخطيطها؛ ألا أن الحجر الأول الذي وضع
لأساس دار الحكومة كان في سنة 1285 مالية الموافقة لسنة 1286 هجرية و 1869 ميلادية أي في عهد ولاية طائر الصيت مدحت باشا وعلى ترغيبه. وكان أول من بنى فيها داراً للسكنى نعمة الله بن آكوبجان بن سركيس بن آكوبجان بن مقصود المعروف بنعوم سركيس الحلبي الأصل، الأرمني العنصر، الكاثوليكي الطائفة. ثم بنى فيها أسواقاً وخانات وقهوات. وقد ولد نعوم سركيس في بغداد سنة 1830 مسيحية. وكان والده قد هجر حلب لكثرة الزلازل التي كان وقع فيها في أوائل القرن التاسع عشر. وبعد أن نشأ نعوم وشب اتصل بناصر باشا فقربه منه وأقامه أميناً لخزانته. ومات وهو اعز أصدقاء آل السعدون.(2/21)
أشار حضرة الشيخ إلى أن سوق الشيوخ هي على ضفة الفرات وحسناً قال إذ ذلك مطابق للواقع. واحسن من هذا أن يقال أنها واقعة على ضفة الفرات اليمنى، وأنها تبعد نحو ست ساعات عن جنوبي الناصرية وليس على بعد ساعتين. وسوق الشيوخ من اقدم مدن المنتفق. وسورها اليوم متهدم. وكان هواؤها سابقاً حسناً جداً، لأن مياه الفرات كانت تجري في عقيق النهر ولم تتجاوزه لتفسد الأرض والبقاع.
وقال حضرة الكاتب الفاضل: إن الغراف يصب في موضعين: أعظمهما مصب الحمار (وزان شداد) قرب الناصرية وهو مضمحل ضيق. ولم يبين المصب الثاني. قلت: أما مصب الغراف في هور الحمار فهو مصب شعبة الغراف المسماة (بالبدعة) وسيأتي البحث عنها. وهذا الموقع يبعد عن الناصرية بما يزيد على أربعين كيلومتراً. وأما المصب المضمحل فهو غير الذي ذكره حضرة الكاتب بل هو المصب المعروف (بشط الازيرق) المختلط ماؤه سابقاً بماء جدول (السديناوية المتفرع من الفرات. وقد اضمحل اليوم كل الاضمحلال.
وذكر حضرة الكاتب النحرير الشطرة فقال عنها: وعلى هذه الشعبة الغيرة بلدة الشطرة. قلنا: الأمر على خلاف ما ظهر له فأن ما سماه شعبة الغراف هو الغراف الأصلي عينه وقد كان عامراً حين شيدت بلدة الشطرة الحالية وقد كانت الشطرة قبل ذلك العهد على جدول صغير آخذ من الغراف تبعد عن موقعها الحالي نحو كيلومترين من جهة الغرب واسم هذا الجدول الخليلية فلما كانت أوائل متصرفية ناصر باشا تحقق أن هذا الجدول اخذ بالاندراس وأن احسن موطن تنقل إليه الشطرة هو هذا الذي حولت أليه. وكان الذي حسن في عين
ناصر باشا هذه البقعة العذبة هو مستشاره وصديقه الوفي الأمين نعوم سركيس المذكور آنفاً. ومن بعد أن تم الاتفاق على هذا الرأي شيد نعوم دوراً عديدة وأسواقاً وخاناً وقهوات ثم مسكناً له ولاتباعه. ثم عمر بيوتاً أخرى وأهداها إلى بعض وجوه(2/22)
الشطرة القديمة، تشويقاً للانتقال إلى الشطرة الجديدة وقد تم بناؤها بعد إتمام أبنيته في الناصرية. ولم يكن اسمها كذلك بادئ بدء، بل كانت تسمى (بالفالحية) نسبة إلى فالح باشا (وهو فالح بك يومئذ) أكبر أنجال ناصر باشا. غير ان اسم الشطرة غلب عليها وهي تسمى كذلك إلى اليوم.
وأما ما سماه حضرة الشيخ بالشعبة الكبرى وقد قصد بها (البدعة) فهي تبتلع اليوم نحو ثلاثة أرباع مياه الغراف أو اكثر. فهذا الجدول على ما وراء الرواة الثقات لم يكن في غرة القرن الميلادي السابق إلا قاعاً صفصفاً أهداها أحد أمراء ربيعة لآل السعدون (والواهب هو خال الموهوب له، وظنه الشيخ عيسى من آل السعدون) فشق لها نهراً اتسع شيئاً فشيئاً لانحدار مياهه في أرض مطمئنة، فأصبحت الآن من احسن مزارع تلك الجهات.
وبخصوص قلعة سكر أقول: إن اسمها الأول كان (العلة) (بكسر العين وتشديد اللام المفتوحة) وكان هذا الاسم معروفا قبل نصف قرن. وسبب هذه التسمية هو انه كان في تلك البليدة قلعة مبنية من الطين يحتلها جماعة من الجند صداً لغارات الأعراب فكانت في وجههم كالعلة في البدن؛ وما أولئك الأعراب إلا العشيرة النازلة في العدوة اليمنى من أبي جحيرات واسمها عشيرة الجابر. ولهذا نسمع إلى اليوم من يسميها بالعلة وهو مع ذلك نادر.
وأما ما يتعلق بأهل الحي فاغلبهم أهل زراعة؛ وإذا قلت نصفهم فلا أخطئ
ومما احب أن أذكره هنا هو بعض الإفادات عن الغراف لكثرة وروده على الألسنة وفي هذه المجلة فأقول: للغراف اسمان (الواحد المسرهد) وقد نوهت به هذه الصحيفة في مقالتها عن المنتفق، وهو الاسم الكثير الورود في سجلات الحكومة المعروفة (بالدفتر الخاقاني)، والمسرهد لغة: المنعم والمغذي، ولا أرى كيف أن هذا المسمى يوافقه هذا الاسم. على أن الذي يتبادر إلى الذهن هو غزارة أناء أرضه وكثرة مياهه الوافرة الغريل الناعمة، فإذا زدت على ذلك قناعة الأعراب اتضح لك سبب هذه التسمية. وهناك وجه آخر مأخوذ من قولهم: رجل مسرهد أي سمين. وسمن مجاري المياه بمعنى غزارة تدفقها من باب المجاز
أمر مشهور. وإن لم تقنع بما تقدم شرحه فلك وجه ثالث(2/23)
وهو أن المسرهد سمى كذلك من قولك: ماء مسرهد أي كثير، وعليه فقولك نهر مسرهد هو من مائتي واحد أو وادٍ واحد.
وأما اسم الغراف الثاني فهو الحمر وزان الجبل وهو تخفيف الأحمر وهذا اللفظ يعرفه بعض عشائر لواء الديوانية. وسموه كذلك لحمرة غريل مائه.
وأما شط العمى (بفتحتين وهو تخفيف الأعمى) فقد كان قديماً الشعبة الأصلية؛ وعلى عدوته اليمنى قبة مبنية على اسم العقار (وزان شداد) وهو أحد أبناء الإمام موسى الكاظم؛ وكانت السفن تجري في هذه الشعبة من النهر إلى أمد غير بعيد؛ وأظنه لا يتجاوز ربع القرن. وكان محمول كل سفينة من هذه السفن خمسين ألف كيلو غرام.
وأما قول حضرة الكاتب البارع أن الغراف ينقسم قرب الحي. فلا جرم انه قصد بكلامه هذا أن الانقسام يحصل على بعد نحو كيلومترين ونصف من الحي جنوباً. وعلمه فوق كل علم وهو الهادي إلى الصواب.
الناصرية:
منتفقي
مؤتمر المستشرقين في سنة 1912
(1330)
اجتمع المستشرقون في آثينة في شهر نيسان من هذه السنة وتليت فيه الخطب وجرت فيه المباحث حتى تذكر غير واحد منهم سوق عكاظ. أما المواضيع التي طرق أبوابها أولئك العلماء فكثيرة نذكر منها ما يختص بالإسلام مع ذكر أسامي أصحابها:
1 الأب هنري لامنس اليسوعي: المسجد في أول نشأته ومنزلته في القرآن.
2 سيكا في صورة صور فيها ذو القرنين.
3 بكر في الإسلام السوداني (تشاد) حسب بعثات مكلمبرج دخول دعاة العرب (رابح) - مراكز بث الدعوة - عبادة الأئمة. - حج مكة.
4 مرغليوث - نقد المجلد السادس من معجم الأدباء(2/24)
لياقوت. وفيه تراجم في غاية القدر والشان كالجاحظ والشافعي والطبري.
5 دلبدن نقد ترجمته للفصل الثاني من الرسالة القشيرية
6 أحمد تركي باشا. بحث في نقل الألفاظ الكلامية اليونانية وكتابتها وتعريبها على ما وجدها في كتاب معرب غفل محفوظ في خزانة كتب كوب قبو. والكتاب الأصلي اليوناني تأليف ثمسطس بليطون.
7 احمد زكي باشا: نقد كتاب كنز الدر، تأليف أبي بكر الدواداري (المتوفى سنة 709 للهجرة) في اصل التتر. - عرض ما يريد أن يتولى طبعه من الكتب العربية القديمة ككتاب التاج للجاحظ وكتاب النويري، وكتاب ابن فضل الله العمري وكتاب الأصنام لابن الكلبي.
8 زكي باشا. في نشوء وتكامل الفنون المستظرفة عند المسلمين.
9 الشيخ احمد الإسكندراني (من أساتذة مصر القاهرة) نظر في كتابه آداب اللغة الدارجة المصرية. وفيه بحث عن الأغاني وما يتعلق بها.
10 دفوراك بحث في طبعه لديوان (باقي) التركي. وبأي قدر اقتبس من أفكار (حافظ).
11 لويس ماسنيون نقد عبارة المتصوفة (أنا الحق) استناداً على ما كتبه أهل الجدل من المسلمين.
12 ج. ج. هس بحث في لغة نجد الحالية. وفي انتقال النبرة والتنوين في كلامهم كما في (هي امرأة لي) فيقولون: (هي مرتا للي).
13 ناصف حفني بك. بحث في حقن (من ديار مصر)، مسقط راس مارية القبطية، وبحث آخر في رقيم عربي من بلاد اليمن.
14 احمد حكمت بك. (من الأستانة) ميل الآداب التركية العصرية إلى اللغة الطورانية.
15 الدكتور اوغسط فيشر (من لبيسيك) فكره في وضع معجم عربي تؤخذ مواده من كتب الفصحاء مواد أو اللفظ لم يذكرها أصحاب المعاجم.(2/25)
16 الدكتور الأستاذ اغناز غولزيهر. بحث في علم كلام فخر الدين الرازي. وجمعه الفلسفة إلى علم الكلام. ومجادلته لأهل الجرجانية (وكانوا معتزلة من خوارزم) التي أقامها على ثلاث دعائم وهي: ضوابط لتأويل القرآن. نقد الحديث نقداً بتدقيق نظرية خلق (الكلام) في محل.
فمن نظر إلى هذه المباحث وكثرتها وما فيها من الوعورة والصعوبة حكم أن ذاك المؤتمر كان من اجل المؤتمرات التي عقدت وكان للعرب فيه حظ وافر؛ فعسى أن ينشط الشرق من خموده أو جموده ويعود إلى سابق عزه، وسامق مجده.
ل. م
المختار في الطب
(تصنيف الشيخ الإمام العالم الأوحد مهذب الدين شمس الإسلام أبى الحسن على بن احمد بن هبل المتطبب)، المولود ببغداد في 23 ذي القعدة سنة 515، والمتوفى في الموصل ليلة الأربعاء 13 من المحرم سنة 610هـ (أي ولد في 3 شباط 1122 وتوفي في 5 شباط سنة 1213م).
قبل أن نصف هذا الكتاب البديع في خطه ومحتوياته نذكر ترجمة المؤلف نقلا عن ابن القفطي قال:
على بن احمد أبو الحسن يعرف بابن هبل (لا الهبل كما جاءت في النسخة المطبوعة في ليبسك) الطبيب، ولد في بغداد ونشأ بها، وقرأ فيها الأدب والطب، وسمع وروى عن مشايخ وقته. ثم صار إلى الموصل، وخرج إلى أذربيجان، وأقام بخلاط عند صاحبها شاه أو من يطبه. وقرأ الناس عليه هناك الحكمة والأدب. وفارق تلك الديار لسبب وهو: إن بعض الطشتدارية (الخدام الذين يحملون الطشت للأمير) قال له يوما وقد نظر إلى قارورة الملك في بعض أمراضه: يا حكيم لمَ لا تذوقها؟ فسكت عنه. فلما انفصل عن المجلس قال له في خلوة: قولك هذا اليوم عن اصل أم قول غيرك أو هو شيء خطر لك فقال: إنما خطر لي لأنني سمعت أن ذوق القارورة من شروط اختبارها. فقال له: الأمر كذلك، ولكن لا في كل الأمراض. وقد أسأت ألي بهذا القول لأن الملك إذا سمع(2/26)
هذا ظن إنني قد أخللت بشرط واجب. من شروط خدمته وقوانين الصناعة فيها. ثم انه عمل على الخروج لأجل هذه الحركة والخوف من عاقبتها بعد أن رشا الطشتدار حتى لا يعود إلى مثلها. وخرج وعاد إلى الموصل وقد تمول فأقام بها إلى حين وفاته وحدث بها وأفاد. وعمر حتى عجز عن الحركة فلزم منزله قبل وفاته بسنين. وكان الناس يترددون إليه ويقرءون عليه وسئل عن مولده فقال: ولدت ببغداد بباب الازج في 23 من ذي القعدة سنة515، وتوفي بالموصل ليلة الأربعاء 13 من المحرم سنة 610 وله كتاب في الطب سماه المختار رايته في أربعة مجلدات وله غير ذلك. وهذه الترجمة وردت في تاريخ الدول لابن العبري ص 420. وقد ذكر صاحب كشف الظنون كتابا آخر لطبيبنا هذا واسمه (مختارات ابن هبل) قال عنه: (في الطب ترتيب الأعضاء). والظاهر أن هذا الطبيب كان عظيم الشهرة في زمانه لأن ابن الحاج الشيرواني لما ألف كتابه (روضة العطر) نقل عن مؤلفات ابن هبل لأنه يقول
في مقدمة كتابه: وكنت لما هممت بهذه الصنعة (أي الصيدلية) كتبت لنفسي هذا الكتاب حسب مرادي مجتمعاً من كتب شتى كالقانون والذخيرة ومختارات ابن هبل. . .)
والظاهر أن صاحب كشف الظنون لم ير كتاب المختار لأنه لم يصفه. وقد وقع هذا الكتاب بيد أحد أدباء بغداد فأرانا إياه لنصفه للقراء. والموجود هو المجلد الأول وهو كبير الحجم طوله 26 سنتمتراً في 10 عرضا. وفيه 204 صفحات في كل صفحة 16 سطراً. طول كل منها 14 سنتمتراً. خطه في منتهى الحسن والجودة. وقد كتبت عناوين الفصول بالحبر الأحمر. ومن خصائص خط هذا الكتاب أن لكل حرف مهمل يقابله حرف معجم علامة تميزه، وهي سكون غير تام الاستدارة أو هلال صغير متجه قرناه إلى فوق.
في أول صفحة من الكتاب هذا العنوان بحرف ضخم حسن: المجلد الأول من المختار في الطب. تصنيف. . . وفي أعلاه: طالعه محمد بن نصر الطبيب. وقد تملك الكتاب جماعة من الناس. يشهد على ذلك ما هناك من التعليقات وهذا نص بعضها: انتقل إلى تصرف الأمير حسن بن المرحوم بيري بك عفى عنهما العافي،، - (والآن قد انتقلت بالشراء الشرعي إلى الفقير محمد(2/27)
بن غريب الموصلي أصلا والحلي مسكناً.) - انتقل بحكم المبايعة الشرعية إلى ملكه العبد الضعيف موسى بن القس مسعود عرف بالجصلوني وذلك في تاريخ رابع عشر نيسان سنة ألف وسبعمائة وثلاثة للإسكندر اليوناني ولله الحمد دائما كما هو أهله ومستحقيه. أمين. (هذه السنة توافق 1391م أو 794 هجرية) - قد انتقل إلى ملكي الحقير المتطبب محمد علي الطهراني مسكناً ومسقطاً الملقب بمؤيد الأطباء البختياري أصلاً. في كربلاء المعلي في سنة مائتين بعد الألف من الهجرة النبوية.) (لكن قد حكت كلمة مائتين وكتب عوضها ستة عشر وثلاثمائة إلا أن نقش الخاتم المطبوع بعد الكتابة وتاريخه 1200 يكذب كلام المزور المحتال أو السارق الخبيث) - قد اشتريت هذا الكتاب وصار من ممتلكاتي وأن فقير إليه تعالى محمد الحسيني الطبيب المازندراني في شهر ربيع الأول سنة 88، يلي ذلك نقش الخاتم وهذا نصه: لا اله إلا الله. الملك المحق المبين محمد الحسيني 88 ومن الذين تملكوه اثنان آخران لم نهتد إلى قراءة اسمهما.
والظاهر أن هذه النسخة وضعت في مجلدين كبيرين لا في أربعة مجلدات، لأننا نرى في الصفحة الأخيرة ما هذا نصه: ولنختم الآن الكلام في الأصول الكلية في الطب ولنأخذ في
ذكر الأدوية المفردة والمركبة ولنبسط الكلام فيها، لأنها هي الآلة المعينة في مقاومة الأمراض. ثم يقول: تم الكتاب الأول من المختار في الطب والحمد لله تعالى. . . المين وصلواته على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلامه وتحيته وإكرامه. ووافق الفراغ منه ثاني عشر شهر رمضان سنة عشر وستمائة. علقه لنفسه محمد بن احمد بن محمد بن يحيى.) وعليه فيكون الكتاب قد كتب في سنة وفاة المؤلف أي بعد ثمانية أشهر من وفاته.
والكتاب يبتدئ هكذا: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد الله الواحد القهار، الملك الجبار، مدبر الفلك الدوار، ومرسل الشعاع من الأجرام ذوات الانوار، إلى سطح الأرض بلا قرار، لتصعيد أجزاء البخار، من الأرض والماء ومزجها بالهواء والنار، مزجا بالتفاعل والتضاد ثم بالثبات والقرار. على كيفية وأحكام متشابهة فيما بين الرطب واليابس والبارد(2/28)
والحار. الخالق من هذه الأركان للإنسان بسائط الأعضاء. فمن الأرض اللحوم والعظام. ومن الماء جواهر الدماء. ومن الهواء الروح ومن النار الحرارة الغريزية الطابخة للغذاء المحسوسة في باطن الفضاء، من الصدر والمعاء، الحافظ لصحته بالإغتذاء وتنشق النسيم البارد من الهواء. منزل الداء ومعلم الدواء. والهادي إلى الشفاء. حمداً بلا انتهاء، وشكراً بلا انقضاء. والصلاة على محمد سيد الأنبياء، وعلى آل محمد الأتقياء الأصفياء. أما بعد. . . .
فهذا هو الكتاب الجليل الذي أردنا أن نصفه للقراء وهو حسن الورق ثخينه مجلد بالسختيان الأحمر ومطبوع عليه نقوش عربية بارزة في الوسط والحواشي.
أما عبارته فسلسة سهلة وفيه كثير من الألفاظ الإصلاحية الطبية التي تفيد اعظم فائدة للمشتغلين بالطبابة، فضلاً عن أن فيه من الحقائق العلمية ما يوافق العلم الحديث وهانحن نذكر شاهداً وجيز الفصل للدلالة على أسلوبه وطريقته. قال:
فصل في تسمين القضيف وتقضيف السمين.
السمين العبل مستعد لوقوعه في المرض سريعاً. وطريق تهزيله تقليل غذائه بحيث لا تضعف القوة، ورياضته على الريق رياضة متعبة، متنقلاً إليها بالتدريج. فإن السمين إذا فاجأ الحركة العنيفة اخطر بنفسه. ويجب أن يغذى بالأغذية اليابسة كالقلايا (أي المقليات)
والمطجنات. ويجنب الامراق والدسم، ويتناول من الخل حسب الاستطاعة ومما يطبخ بالخل. وكذلك المري، ويستحم على الريق ويستكثر من الدلك، وخاصة الدلك الخشن والأدهان بالأدهان الحارة ومصابرة الجوع. ومن الأدوية المهزلة مداومة اخذ الاطريفل الصغير. وأما المهازيل فهؤلاء. تخصب أبدانهم باستعمال الأغذية المرطبة ويتفسحوا في تناولها، ويدخلوا الحمام عقيب الهضم، وقبل الحركة ويقللوا التعب، ولا يتعرضوا للشمس، ولا للعرق والدخان والغبار ويجلسوا على الفرش الوثيرة، ويهجروا الأغذية الحامضة ألا ما اصلح الشهوة ونبهها من المقدار اليسير. وسيأتي في كتاب الزينة كلام مستوفي في هذا الباب.(2/29)
فترى من هذا المثال منزلة هذا الكتاب وبذل العناية في تعميم فوائده في طبعه إذا تمت أجزاؤه. ومن الغريب أن من هذا الكتاب نسختين في دار الكتب الخديوية وكل نسخة منهما تحوي الجزء الأول والتي عددها 7697 تامة والتي عددها 7698 ناقصة الأخر لكن فهرست الكتب المذكورة لم تذكر سنة كتابتهما. ولعل ذلك ناجم من إهمال التاريخ فيهما. وبهذا القدر كفاية.
التشبيهات العامية
أصبحت اللغة العربية تضم بين دفتيها أمماً شتى متبعثرة في كل صقع من أقاصي الهند وماليزيا شرقاً، إلى أقصى بلاد الغرب وبحر الادرياتيك غرباً، لا بل تعدت عباب الاقيانوس، ونثرت بذورها الحية في أميركا، فأصبحت موضوعاً من المواضيع التي تستحق البحث، لا سيما وأن اللغة خزانة تكنز تحت إغلاقها آثار الأمة وأفكارها، ولولا تقيد خواطر الأمم بالأخبار، وتدوينها في الكتب التي هي نسيلة لغتهم لضاعت الأمم كلها بأسرها؛ فهي أوسع عيبة لأخلاق الأمم ومعارفها، واعدل شاهد على الناقص والوافر من الناطقين بها.
نرى صفاً من العلماء قد واصلوا الخطى، واجهدوا دقائق الدماغ، تفكراً وسعياً وراء العلوم الطبيعية أم الاختراعات الحديثة، وطلباً لمصادر الثروة، وتقريباً لأسباب المعيشة وتسهيلاً للنقل، وتخفيفاً للأثقال، ونرى أمامهم صفاً آخر ليس بالقليل يفتش أعماق الصخور، وينقب في أجواف الكهوف، عن كلمة من لغة الأمم البائدة، أو عن سطر من أسفارها، طلباً لتوسيع المدارك واختباراً لحالات البائدة. وتصفحاً لأخبارها وآثارها ومن أخلاق وعلوم وعادات.
على أن علماء هذا اليوم لم يوجهوا أنظارهم إلى ما تقادم عهده من الأمم الهلكة المنقرضة، ولغاتها، وآدابها، وتاريخها، بل حولتها أيضاً إلى لغات أقوام هذا العهد الحية، وأخذت تعارضها بما سبق مثاله منها. لتعرف أسرار(2/30)
الغابرين من وقوفها على دخائل المعاصرين. فنهض لهذه الغاية من جميع الأمم قوم من أهل السعي والإقدام، ونثلوا كنانة وسعهم وراء تحقيق هذه الأمنية، ففازوا بالسهم المعلى منها؟ وهانحن أولاء نقتفي آثارهم في وضع حجر في أساس لغتنا الشائعة العامية، تلك التي اختصم في أمرها أقلام ثلة من الكتاب، تختلف آراء أصحابها بعضها عن بعض. فقوم يظن أنها كانت قبل الإسلام أسيرة خدرها قد اشتبكت على حجلتها الإطناب، فعاشت بعيدة عن عوامل النحت والتحريف، نائية عن فواعل القلب والتصحيف؛ بل أصبحت في منحى لا يصل إليه التغيير، ولا يتطرق إليه الفساد. كيف لا وهي لغة نشأت بين قوم لم يألفوا ألا البهائم والقفار؛ ولم يعرفوا سوى المغاور والكهوف من الأمصار، حتى قال قائلهم: (ليس وراء عبادان قرية). ولهذا قال أصحاب هذا الحزب أن اللغة العامية ليست واللغة الفصيحة بتوأم، بل هي أخت صغيرة لها، نشأت بعد أن قطعت أختها البكر نصاباً من العمر أو مئين من السنين.
وهناك حزب يرى انهما رضيعتا لبان، نشأتا في مهد واحد، وترعرعتا في حضن واحد، وأن اللغة العامية برأسها قديمة بقدم الفصحى.
وربما ينضم إلى الحزبين حزب معارض وهذا صوته: إن اللغة العامية أن أريد بها نتائج التحريف والقلب والتصحيف فهي قديمة لوجودها في لغة الناطقين بالضاد منذ الزمن الأول، ولأنه لا يمكن للغات كلها أن تخضع لقانون عام ترسف بقيوده، وليس غرض الناطق إلا ما يدل على المقصود؛ فيردد ما يخف على الشفاه، ويسهل على اللسان، فيضطر حينئذٍ إلى التصحيف والتحريف؛ وحسبنا شاهداً على ذلك أن اللغة العامية في الأول كانت مقصورة على النادر والشاذ، ثم نمت هذا النمو المدهش؛ ولولا خطة البحث هنا أضيق من سم الخياط، لسردنا عليك أدلة جمة مقنعة. وإن أريد بالعامية ما اشتملت على الدخيل، وما حط بفنائها من النزيل، فهي ليست بقديمة كما هو مذهب الحزب الأول والشواهد هي أدلتهم.
ولقد تتبع الباحثون عن لغتنا الفصحى، فكانت نتيجة استقرائهم قوانين(2/31)
ونواميس قد عمت
مفرداتها ومركباتها، فأودعوها مجلدات ضخمة، هي المعاجم وكتب النحو والصرف وأسفار المعاني والبيان والبديع؛ ولو قيض للغتنا العامية نقاب يستقري كلماتها، وينقب عن دقائقها، لعرف أن في الفرع ما في الأصل، بل وزيادة. ولا يلبث أن يرجع ممتلئ الحقائب من تلك النواميس الوضعية. فإن من عرف أن تلك القوانين ليست بالطبيعية ولا العقلية ولا يمكن التملص منها بل هي وضعية ناتجة عن قياس: كبراه الاستقراء، وصغراه الأغلب، آمن بأن لغتنا العامية قابلة للخضوع لتلك القوانين عينها. أما الأعراب فلا يستطاع إدخاله فيها كما هو في أختها لأن السكون سائد عليها فلا تجد حركة في آخر كلمة منها، ولكن النحو مستطاع لمعرفة الفاعل والمفعول وجملة من مسائل النحو بطريقة أخرى؛ عسانا أن نطرق موضوعها بعد البحث والتنقيب. وأما البديع فهو بأغلب أنواعه موجود فيها كالجناس والانسجام والاقتباس والاستعارة والتلميح والتشبيه الذي هو موضوع البحث.
فالتشبيه، وبعبارة اضبط: القياس أو المقارنة موجود في لغتنا العامية ووجوده في أختها وسأفرغ الوسع في رسم التشبيهات بنصها ومنطوقها؛ ولا اتعرض للتشبيهات المبذولة فإنها لا تصلح لأن تكون غذاء للفكر، ولا مورداً للأقلام؛ وإنما اذكر الشائعة منها، والجارية مجرى المثل، وأنت تعلم بين التشابيه والمثل. فالمثل توقيفي، وهي ليست بتوقيفية، وربما التقينا على مادة البحث بصاحب الأمثال العامية وافترقنا بسلام وبعد هذا التمهيد أقول:
أدوات التشبيه في لغتنا العراقية العامية ثلاث: (مثل) (وجنه) بالجيم المثلثة الفارسية ونون مفتوحة وهاء ساكنة؛ اصلها كأنه وقد اعتاد بعض العراقيين قلب الكاف جيماً كما مر الكلام عنه في هذه المجلة والأداة الثالثة المصدر المدخول عليه أداة تشبيه محذوفة. فإذا علمت ذلك اذكر لك الآن ما يقع في حفظي من التشابيه، فمنها قولهم:
(مثل الزيبك لا يطير بعيد، ولا ينلزم بالأيد)
الزيبك كثير الاضطراب، منه ما يستقى من معدنه، ومنه ما يستخرج من حجارة معدنية؛ واصل اللفظة زئبق، والعامة تبدل القاف كافاً فارسية مثلثة كما مر الكلام(2/32)
عنها في غير هذا الموطن؛ وتبدل الهمزة ياء كما في وسائل ومائل فتقول فيهما (سايل ومايل) والزئبق بفتح الباء وكسرها فارسي معرب. (ابعيد) بهمزة مكسورة كسراً غير بين، وسكون الباء وهو بعيد فعيل بمعنى فاعل، زادوا عليه الهمزة هرباً من الابتداء بالساكن. (ينلزم) بفتح الباء
وسكون النون وكسر اللام والزاء وسكون الميم وهو مضارع انلزم انفعل من لزم، ولزم في اللغة يأتي بمعنى ثبت ودام وأما العوام فيستعملونه بمعنى مسك وقبض. وزادوا في أوله النون إشارة إلى ما لم يسم فاعله، فانهم إذا أرادوا بناء الفعل للمجهول حملوه على وزن انفعل كما في قولهم أتقتل ينقتل وانضرب ينضرب، وليس عندهم بناء للمجهول في غير انفعل إلا ما ندر. وهذا النادر هو وزن تفعل وافتعل.
والأيد. اليد. وعدم بعد الزيبك كناية عن اضطرابه المتواصل وهي وجه الشبه وقد قصد أبو تمام هذا التشبيه في الزئبق، فقال:
وتنقل من معشر في معشرٍ ... فكأن أمك أو أباك الزئبق
وأورده المتنبي في قوله:
أدرن عيوناً حائرات كأنها ... مركبة أحداقها فوق زئبق
وهذا التشبيه يذكر لمن يكون قريب المنال وعزيز الحصول عليه وهو من تشبيه المحسوس بالمحسوس وتشبيه حالة بحالة. ومن هذه التشابيه الخاصة بأهل العراق قولهم:
(الطول طول النخلة والعقل عقل الصخلة)
الطول: بكسر الألف كسراً غير بين، وحذف اللام لفظاً، وواو ولام ساكنتين، معروف. طول، بطاء مضمومة بعدها والساكنة يليها لام متحركة مشتركة هو أيضاً. بالمعنى المشهور. النخلة بالضبط المتعارف واللام المفخمة هي بمعناها المألوف. والعقل بالضبط المشهور ولفظ القاف الصريحة كافاً مثلثة فارسية واللام الساكنة. وعقل الثانية، مثل الأولى مع تحريك اللام بحركة مشتركة والصخلة. وزان النخلة. مع تفخيم اللام في كلا اللفظيين. والصخلة تصحيف السخلة وهي العنزة عند أهل العراق، تأنيث السخل وهو التيس عندهم.
والبحث عن أدراك الحيوانات وتعقلها أمر لا حقيقة له ألا عند أصحاب(2/33)
الخرافات وواضعي الأمثال على السنة العجماوات. فانهم قد فعلوا ذلك بغية إصلاح الإنسان لا غير. ومهما يكن من هذا الأمر وآراء الماديين والروحانيين فيه، فإننا لا ننظر إليه هنا إلا من جهته عند أهل البديع. فإن هذا التشبيه يضم تشبيها آخر على حد طريقة التشبيه المركب في اصطلاح علماء هذا الفن. إما تول المتشبهين فلا يتضمن شيئاً يوجب الالتفات. وإما الثاني ففيه فائدة لأن العامة تقول: عقل صخل، وعقل اصخول (- صخول) وتريد به أحد
الوجهين. وهما: أما لأن المعز اشتهرت عند العرب بالغباوة - وهو مما لم يثبته الواقع إثباتاً لا يبق مجالاً للريب - فانهم إذا أرادوا التعريض بجهله وظلمة عقله قالوا: هو تيس. وإذا أرادوا الغاية في الجهل والغباوة قالوا: ما هو ألا تيس في سفينة. فأخذت ذلك العامة وشبهت به البليد. - وأما انهم يطلقون لفظ الصخل ولا يستعملونه في معناه الحقيقي بل هو عارية عندهم للزنجي لما بين لوني هذين المخلوقين من المشابهة في اللون. أو لتوحش الزنوج وهمجيتهم.
وهذا التشبيه يساق لمن كبرته المناظر، وصغرته، المخابر، فالرائي يرى المرئي طوله كطول النخلة وعند الاختبار لا يرى فيه من العقل ما يزيد على عقل السخلة. وقد حذفت العامة أداة التشبيه وأقامت المصدر مقامها كما في قولهم: تمر مر السحاب. ومن تشابيههم قولهم:
(مثل البعير، يشيل شكر، ويأكل عاكول)
(ضبط الألفاظ ومعانيها) البعير، بكسر الباء عندهم دائما ولا يفتحونها البتة. وهي لغة قديمة في العراق وغير هذه الديار. قال عمر بن خلف بن مكي: (كل فعيل وسطه حرف حلق مكسور، يجوز فيه كسر ما قبله، أو كسر فاءه اتباعاً للعين في لغة تميم، كشعير ورحيم ورغيف وما أشبه ذلك، بل زعم الليث: إن قوماً من العرب يقولون ذلك وأن لم تكن عينه حرف حلق ككبير وجليل وكريم.). - والبعير للذكر من الإبل. ويسمون الأنثى ناقة (بلفظ القاف كافا فارسية مثلثة) وبعيرة.
(يشيل) مضارع شال ومعناها عندهم رفع وحمل. وهي مأخوذة عندهم(2/34)
من شالت الناقة بذنبها: رفعته، وشال الذنب نفسه أي ارتفع متعدٍ ولازم - (شكر) سكر. وهي لفظة قديمة في الفارسية من اصل سنسكريتي. والسكر عند الفرس قسمان: قسم طبيعي وهو ماء القصب (وقصب السكر وهو الابلوج وهذه أيضاً من اصل فارسي واللفظة العربية هي المصاب، بضم الميم). وقسم صناعي، وهو يكون أجزاء صغيرة متبلورة ذات أشكال هندسية مختلفة الهيئة من مثلثة ومربعة ومستطيلة. ولم نجد لكلمة سكر مرادفاً عربياً صرفاً في ما وصلت إليه أيدينا من الكتب. ولا جرم أنها دخلت لغتنا باحتكاك أبناء العرب بأبناء الفرس. وشكر (وزان سبب) تخفيف شكر الفارسية (وزان زفر وقبر أي بضم وفتح في
الأول. وضم وفتح بتشديد في الثاني) (ويأكل) غير مهموزة وهي لغة فاشية عندهم. (وعاكول) بكاف مثلثة النقط أو قاف هو العاقول، النبات الشائك المشهور الذي تأكله الابال وهو دائم الخضرة ينبت في الأرضيين الرملية وعلى ضفاف الأنهار. وجميع ألفاظ هذا التشبيه ساكنة الأخر ألا كلمة (مثل) فلكون وراءها أل التعريف تحرك بحركة مختلفة مشتركة اللفظ بين الكسر والضم.
يساق هذا التشبيه لمن يجلب المال الكثير بأنواع الكسب؛ وعليه فهو (يشيل شكر) ويقنع بالعيش الوبيل فهو (يأكل عاكول). وهذا من باب تشبيه غير المحسوس بالمحسوس وتشبيه حالة بحالة وكأن لغتنا الفصحى لم ترض لأختها الانفراد بهذا التشبيه فشاركتها بقول الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما ... والماء فوق ظهورها محمول
النجف: (عش)
باب المشارفة والانتقاد
1 - سبل الرشاد (مجلة بغدادية)
مجلة دينية علمية اجتماعية فلسفية تاريخية، تصدر في الشهر مرة.(2/35)
(في 32 صحيفة) لصاحبها ومديرها المسؤول: محمد رشيد الصفار. - يحرر فيها أحد فضلاء الهيئة العلمية. - اشتراكها السنوي ريال مجيدي في الممالك العثمانية. وفي البلاد الأجنبية يضاف عليها أجرة البريد ونصف القيمة لتلاميذ المدارس والعلماء ورؤساء الأديان على اختلافها. - نقلنا هنا بالحرف والرسم ما جاء على غلاف المجلة. واليك فهرس أبحاث هذا العدد:
فاتحة الكلام. سبل الرشاد. التفكير والتدبر. كلمات من الحكم. نبذة من الأدب. تاريخ بغداد للعلامة شكري أفندي آل الالوسي. المتولد والمتوالد من الحيوان. منشور من باب مشيخة عموم السادات الصوفية بالديار المصرية. مراتب الكمال. مدرسة الإمام الأعظم رضه. كلية الإمام الأعظم. الفلسفة والفلاسفة. تاريخ صدور المجلة. وقيمة النسخة غرشان.
فمن وقف على هذا كله علم ما في هذه المجلة والى أي غرض ترمي ومنزلتها من العلم وكفاها فخراً أن يقال: صاحبها محمد رشيد أفندي الصفار ومن كتابها محمود شكري أفندي الالوسي. وكلاهما من مشاهير بغداد. ونحن نتمنى أن تكون أبحاثها مفيدة للقراء نافعة لأبناء الوطن. بمنه تعالى وكرمه.
2 - دير القمر (جريدة)
جريدة لبنانية عامة، تصدر موقتاً مرة في الأسبوع في دير القمر (لبنان) قيمة اشتراكها في لبنان والولايات العثمانية مجيديان وفي القطر المصري 10 فرنكات وفي البلدان الأجنبية نصف ليرة إنكليزية. وصلنا العدد الثالث من هذه الجريدة لصاحبها مسعود سماحة ونعوم افرام البستاني. وهي من الصحف التي تود ترقي جبل لبنان ولذا ترى صاحبيها يبذلان ما في وسعهما للبلوغ إلى أمنيتهما وهي نعم الأمنية. والظاهر من عبارة الجريدة أن كاتبيها يعنيان كل العناية تحبير الصفحة الأولى منها فإذا بلغا الوجه الثاني قل سعيهما في تحسينها؛ وهي كثيرة أغلاط الطبع كمطبوعات بغداد (ما عدا مطبعة الآداب) من ذلك ما جاء في راس الصفحة الثانية: 150 نفس والأصح 150 نفساً، ومنها مخابرة أهالي القرى، والأفصح: مفاوضة أهالي القرى. ومنها: وقد بلغت لمنكوبي هذه الحادثة مليون وخمسة
وعشرون ألف فرنك. والأفصح: مليوناً(2/36)
وخمسة وعشرين ألف فرنك. وقس على ذلك سائر المقالات. فالأمل أن يعتني بتخير مواضيعها وتحرير عبارتها.
3 - التنقيب في سامراء
من ديار العراق. قصر إسلامي من القرن التاسع تأليف المسيو م. هو فيوله، رازٍ له شهادة عالية من الحكومة.
ذاع خبر سامراء وقصورها السامقة الشهيرة البناء فطبق الخافقين؛ إلا انه كان يظن انه لم يبق من تلك المعاهد الجليلة ألا الموطن لا غير. بيد أن الإفرنج أهل السعي المتواصل والتحقيق الذي ليس وراءه غاية، بذلوا ما في وسعهم ليتأكدوا الأمر بأنفسهم. فلما جاء منهم نفر وبحثوا عن الأمر نعما اثبتوا أن هناك أشياء جمة تميط اللثام عن كثير من الحقائق المنشودة. ومن جملة من تابع البحث بنفسه عن هذا الدوارس المسيو فيوله. فانه احذ رسوم كثير من تلك البقايا العربية منها بالقلم ومنها بالشمس، فجاءت تلك الصور احسن دليل على ما كان عليه رقي فن عهد العباسيين. وفي الكتاب 33 صفحة كبيرة مع رسوم مختلفة و23 لوحة متقنة الرسم. فنحت علماء البحث من عارفي اللغة الفرنسية أن يطالعوا هذا الكتاب بتدبر ليقفوا على آثار السلف ويتقفوهم.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - الحر والغيم والمطر في الحاضرة
اشتد الحر منذ أوائل هذا الشهر إلى آخره، فبلغ اغلب الأيام الدرجة 45 من المقياس المئوي في الظل الظليل. وتكاثفت السحب نهار الخميس والجمعة 6 و 7 حزيران وأبرقت السماء ورعدت ثم أمطرت قطراً ضخماً دام 5(2/37)
دقائق. وكل ذلك من الأمور التي لم يسمع بها في حاضرتنا في مثل هذا الشهر.
2 - حريق في الجزيرة
ليلة السبت 23 جمادى الآخرة (- 8 حزيران) بعد صلاة العشاء ظهرت النار في سوق الجزيرة (قضاء من اقضية بغداد نظم بصورة قضاء في سنة 1884 عند فصل ولاية البصرة من ولاية بغداد وهو واقع على ضفة دجلة اليمنى على بعد 95 كيلومتراً من جنوب شرقي بغداد) فنادى المنادي بالويل والثبور فأسرع الناس إلى محل الطامة، وحصروا مأكل النار موطن بأن هدموا ما حواليه من الأبنية المعرضة للخطر وذلك بهمة قيم مقام القضاء ومن معه. وما مضت ثلاث ساعات إلا وقد خمدت تماماً. أما الخسائر فرجل واحد من الأعراب وجد بعد خمود النار محروقاً في إحدى الحوانيت. ونحو نيف وخمسين حانوتاً مع قهوتين وثلاث علاوٍ (جمع علوى وهي محل بيع الحنطة وسائر الحبوب). عوض الله المنكوبين من خسائرهم ما يعيد إليهم حالتهم الأولى.
(ملخصة عن الزهور)
3 - الساعة الزواليةٍ
اتخذت الحكومة في دواوينها العسكرية والملكية الساعة الزوالية (الإفرنجية) مع بقاء الساعة الغروبية للصلاة والآذان. وعليه فيكون فتح دواوين الحكومة في الساعة السابعة صباحاً إلى الساعة الثانية عشرة ونصف وحفظاً لمصالح متوظفي الحكومة وحرصاً على أوقاتهم أقيمت ساعتان عند باب دار الحكومة الواحدة لأوقات العبادة والثانية لأوقات الشغل.
4 - نهر الرشادي
تم حفر نهر الرشادي (من انهر الديوانية) وجرى الماء فيه نهار الخميس 21 جمادى
الآخرة (- 6 حزيران) ووصل الماء إلى الديوانية نهار الجمعة.
5 - غزوات الأعراب
هجمت عشائر عنزة والرولة (رولة ابن شعلان) والحويطات طائفة من الشرارات وبنو صخر والسرحان على شمر في ديار نجد فأخذت منها 600 بعير وقتلت 16 رجلاً. فلما رأت شمر ما حل بها من الذل والعسف تجمعت عشائرها(2/38)
وتأثرت الغزاة، فاستردت منهم ابلها وسلبتها 700 هجين وشيئاً كثيراً من الخيل والعدد.
(عن الرياض بتصرف في العبارة)
6 - سالار الدولة في المحمرة
لما يئس سالار الدولة من متابعة خطته وتحقيق أمنيته فر في هذه الأيام إلى المحمرة لائذاً بالشيخ خزعل خان. ولا نعلم إذا كان يطيب له المقام هناك، بعد أن اشتهر هذه الشهرة بين الخاصة والعام.
(ملخصة عن الزهور)
7 - إحصاء المارين على جسر بغداد
عينت البلدية أناساً لإحصاء عدد المارين ليلاً ونهاراً على الجسر من الجانبين. فكان عدد المارين يوم الأحد 16 حزيران من جانب الرصافة إلى جانب الكرخ 19 ألف عابر من إنسان وحيوان (كذا. أي بإحصاء الإنسان والحيوان معاً. وهذه هي المرة الأولى التي رأينا فيها هذا النوع من الإحصاء فهل ترى يوجد مثله في غير بلدتنا؟!) وكان عدد العابرين من جانب الكرخ إلى جانب الرصافة 24 ألف عابر (من إنسان وحيوان معاً!). وكان جملة العابرين يوم الاثنين (17 حزيران) من الرصافة إلى الكرخ 20 ألفاً (من إنسان وحيوان معاً!) والذين انتقلوا من ضفة الكرخ إلى ضفة الرصافة 30 ألف (من إنسان وحيوان معاً!) والغاية من ذلك معرفة عدد قاطعي دجلة على الجسر (من إنسان وحيوان معاً!) ولا تزد غاية على هذه الغاية.
(نقلاً عن الزهور بتصرف قليل.)
8 - تجديد (سبيل شوكت باشا)
شوكت بك دفتردار ولاية بغداد سابقاً (1271 - 1854) وهو شوكت باشا بعد ذلك كان قد شيد سنة 1272 (- 1855) سبيلاً رفعه على قواعد من المرمر. ثم توالت النكبات على محلة الميدان وهي المحلة التي فيها هذا السبيل، فخرب كما خربت أبنية ذلك الحي. فلما جاء قدرت بك مدير الأمور الأجنبية حالاً إلى ولايتنا وهو ابن عصمت باشا ابن شوكت باشا ورأى ما حل بذلك البناء صمم على تعميره بصورة تناسب دار الخلافة العباسية، فطلب إلى المهندس الفرنسوي المسيو غودار أن يخطط رسمه على هيئة بديعة، فلبى طلبه. وقد تم هذا البناء في منتصف الشهر ووزع الماء الزلال على العطاش(2/39)
وقد بلغ مصرفه 108 ليرات. وللبناء صدران، على الصدر الواحد أبيات عربية وعلى الثاني أبيات فارسية وتركية. وكلها مكتوبة على الأجر المطلي بالقاشاني ويطيف بالكتابة أشجار خضراء، وأغصان غضة، ونقوش عربية، وأثمار بألوانها الطبيعية، حتى تخالها حقيقية. أما الأبيات العربية فهي هذه:
ناظر أوقاف العراق الفتى ... شريف رب الحسب الطاهر
في البلدة الزورا قضى نحبه ... وفاز بالغفران من غافر
فسخر الباري له صاحباً ... كان له في الزمن الغابر
محمد شوكت أقلامه ... تغني عن الذابل والباتر
أنشأ له هذا السبيل الذي ... أبيح للوارد والصادر
أصفى من الدمع على فقده ... ما قد جرى زج من الناظر (؟)
وقد شوى الآجر وطلي بالطلاء القاشاني البديع وكتب في كربلاء مدينة الصناعة. فنحن نتمنى أن تكون جميع المباني الحديثة على هذا الطراز العربي العباسي البديع، أحياء للصناعة العربية. والله المعين.
9 - معرض صناعي زراعي في بغداد
جمال بك والينا الحالي من احسن الولاة الذين قدموا إلى ولايتنا، ومن أشدهم حرصاً على ترقيتها، وأبعدهم همة في السهر على سعادة أبناء الوطن. ومما انتبه إليه من الأمور المنشطة والدافعة إلى خير هذه البلاد وعمرانها، إقامة معرض صناعي زراعي يعرض فيه
كل ما هو من نتاج هذين السببين من أسباب النجاح والفلاح. وقد ألف لهذه الغاية لجنة أصحابها ذوو همة معروفة: 1 - لطفي بك معاون الوالي 2 - محمد كمال بك المدير الأول للرسومات 3 - السيد داود أفندي الكيلاني 4 - المسيو غرابوسكي مدير المصرف العثماني 5 - مناحيم صالح أفندي من وجهاء الإسرائيليين 6 - وجيه بك مدير الزراعة في الولاية 7 - رستم بك مدير مكتب الصنائع 8 - خسرو بك قيومجيان، من وجهاء الأرمن غير الكاثوليك 9 - المسيو فيوله، راس مهندسي البلدية. - ونحن نؤمل كل خير من وراء هذا المعرض لما ينشأ منه من ترقي الوطن والسعي وراء إسعاده وسعادته.(2/40)
العدد 14 - بتاريخ: 01 - 08 - 1912
تيتنيك
بأبيك أقسم يا ابنة البحر الذي ... واراك كيف رأيت فتك أبيك
ما حط ثقلك في حشاه إهانة ... لكنه فرط احتفال فيك
أبكيت اهلك لا الجزائر وحدها ... فالعالمون جميعهم أهلوك
نبأ على الكرة استوى فأهالها ... فبكت وحسبك إنها تبكيك
شكوا يحيلون أنطماسك آية ... هي تلك منشأ حيرة وشكوك
عبرت تشق اليم غير مطيعة ... لإشارة التسكين والتحريك
والبحر رهو ذو سكون رائعٍ ... والشمس تحت الأفق ذات دلوك
أمليكة البحر اسمعي لك أسوة ... في الأرض كم ثلت عروش ملوك
أنى ينجيك الحديد وما نجوا ... بأشد من فولاذك المسبوك
يا بابل البحر الخضم سحرتنا ... سحراً أرى هاروت في تيتنيك
السحر آيتك التي توحينها ... أم أنت آيته التي يوحيك
وكأنك القمر الذي ألقي به ... ليضيئنا فلك السماء أبوك
زعموا ضللت ولو أردت هدايةً ... كان (المحيط) بنفسه (هاديك)(2/41)
ولو أن آلهة الجمال تمثلت ... للناس قبلك صورة ظنوك
ولألهوك ووحدوك حقيقةً ... إذ أنت واحدة بغير شريك
ما كان اقصر منك عمراً لم يطل ... لكن أطال شجا الأولى عمروك
ألحقت هلهلة الشعوب بنعيها ... وجمعت تعزية إلى تسبريك
أهل الثراء الجم اهلك في الملا ... وذوو النضار المستفيض ذووك
ما وفروا سفن النجاة كثيرة ... تكفي الذين حملت أو تكفيك
فدهيت من قوم حموك وهدمت ... فيك اليد الطولى التي تبنيك
قالوا انزلي فالخطب خلفك صاعد ... وتقدمي فالنائبات تليك
قتلوا بقتلتك النفوس فاينهم ... ليدوا النفوس مضاعة ويدوك
واجل عاطفة لذكرك خلدت ... إيثار مالكة على مملوك
سلمت نساؤك عن بوار رجالها ... ونجت بناتك في فناء بنيك
خير النجاة نجاتهن فأنها ... بالدمع كانت لا الدم المسفوك
كالدر ينتثر انتثار فرائد ... منها وينتظم انتظام سلوك
من كل سافرة النقاب تنقبت ... بسنا ملاك واحتشام مليك
جمدت تقلدها الحلي وكأنما ... جمد السبيك على مثال سبيك
ولرب منتظرين آخر قبلة ... أدنت ضحوكة مبسم لضحوك
يتشاكيان وإنما هي السن ... لولا البلاء لأفصحت تشكوك
تدعو المتيم مقلتاك وفوك لي ... أمل فيصدع مقلتاك وفوك
أفراق أختك هين فيجيبها ... كلا يهون إذاً فراق أخوك
وتقول تسلوني فينطق دمعه ... لو كان لي قلب به أسلوك
يا روحي احتملي الشقاء فربما ... يا روح أسعدك الذي يشقيك
ما آن أن تتذكري فتذكري ... من لا يميل لخاطر ينسيك
أما الرجا فلأزفرن على الرجا ... سلك القنوط له أدق سلوك
أأنا أروح شريكة لك في الردى ... أم أنت ترجع في الحياة شريكي
يا وجنة احترقي فقد فتك الثرى ... والماء بالماء الذي يرويك(2/42)
ولعز أن تدميك حمرة ادمعي ... من بعد حمرتك التي تدميك
أما جنى الورد فيك فذابل ... إن كان عاش جنى ورد فيك
قد كان مقطوفا لأكرم قاطف ... فليغد اقتل شائك لمشوك
النجف:
محمد رضا الشبيبي
نظرة في العادات
استفحل شأن العادات فاستحكمت عراها؛ وقويت حلقاتها، بعد أن كانت ضعيفة، ولكن تخالفت مظاهره في الأمم، فاصبح في أمة أقوى منه في أخرى. . . . .
لا أقول: إن نفوذها استبحر في (عالمنا الإسلامي)، لا بل استغرق ثلة عوالم وأمم، فاخذ من كل أمةٍ نصيبه، حتى زحف إلى عالمنا هذا متخفياً، فاخذ يبث فيه روحه الخبيثة، إلى أن انتشر انتشاراً طبيعياً، واستوثقت روابطه فيه، فصار له النصيب الأكبر، والحظ الاوفر، فمالت إليه النفوس، وطمحت إليه الأنظار، وملك زمامها، وصارت تحت قبضته، وفي حكم سيطرته، فتمسك الناس بأصوله، وأنطبعوا به على خصال، توارثها الأبناء، عن الاباء؛ ومهما حرفوا، وغيروا، وبدلوا، كانت بقايا ما ورثوه راسخةً في أذهانهم. . . .
سرى هذا الداء العضال في محيطنا، حتى صار عقبةً كؤوداً في طريق رقينا المادي، والأدبي، عقبةً في طريق نهضتنا الاجتماعية، عقبة في ترويج الإصلاح، عقبةً في طريق كل شيء تصلح به حالتنا الحاضرة. . .
ذاعت نزعات العادات الخبيثة فينا، فهتك الحياء، وفشا الجهل، وغلبت النذالة، واستولى حكم الصفات الرذيلة، على النفوس النبيلة، وفسدت الاخلاق، وانحطت الطبائع عن حالق. . . .
لم يستطع أحد نزع هذه الأوهام الفاسدة، والخيالات الواهية، بعد أن تعلقت بالعقول، والتبست بالأفكار، فكانت منشأ الهمجية والتعصب، منشأ الصفات الذميمة، منشأ حصول التعاسة، منشأ ما يمس بشرف الإنسانية، ويخدش عواطفها. . . .(2/43)
أن قوماً تخلقوا بالعادات والخزعبلات، قوم هجر الحياء نفوسهم، فلا ترى فيهم سوى سوء الطبائع، وقبح الأخلاق، والإخلاد إلى سفاسف الأمور، قوم شوهوا محاسن وجه الحقيقة ببراقع الخرافة والمداجاة، بستائر الأقاويل والتمويهات، وألبسوها حلةً غير حلتها الطبيعية.
إن النفوس الميالة بالطبع إلى هذه السفاسف والخرافات، كفى بها شناعةً أنها سقطت إلى حضيض الخسة، وانحطت عن درجات الإنسانية، ومكانة الاعتبار. . .
جارت صروف هذه العادات على محيطنا، فثلمت مجده، وسلبته مزية الفضائل، وأورثته
فتوراً في حركاته تجاه المعالي، قصوراً في همته نحو الفضائل، ضعفاً في قواه، بلادة في شعوره الفطري. . . .
نجمت هذه الخرافات، فكانت صدمةً شديدة على بناء المعارف، صاعقة مجتاحةً لاقتطاف ثمرها الجني، صدعاً متفاقماً في روح الاجتماع، عقبةً في سبيل المدنية والحضارة، أماتت الأذهان الحية، حصرت الأفكار المنورة، ضغطت على الإحساس الحي، نفثت سمها في روح الأخلاق. . .
أصبحت هذه الخرافات الاعتيادية، سداً منيعاً حال بيننا وبين الإصلاح، ووقف بيننا وبين المعارف الحقة، وقتل نهضتنا الأدبية، فقضى على أخلاقنا البسيطة، وشعورنا الفطري. . .
تدرجت هذه الاعتيادات، فاتسعت لها أذهان الخرافيين، وتدحرجت فدخلت قلوبهم، حتى صيرت أذهانهم عشاً لها واهي الدعائم، بل هو (أوهى من بيت العنكبوت). . . مدهشة أنت أيتها العادة. مدهشة سياستك. سياستك تشبه سياسة (الإنكليز) حيث (تدخل في الأذن بغير إذن).
آهٍ آهٍ! أخشى أن نقضي سيطرة الغفلة، فتحل طباعنا، وتقضي على نواميس حقائقنا الخرافات الاعتيادية وعلى لبابها الصافي من القشور!!!
النجف:
محمد باقر الشبيبي(2/44)
قصر الاخيضر
ورأي العلامة الآلوسي فيه.
1 - ما هو قصر الاخيضر
على بعد نيف وخمسين كيلو متراً من غربي كربلاء، أو على بعد 100 كيلو مترا من غربي الفرات، قصر فخم ضخم، قائم احسن قيام على أسسه المتينة المكينة، يسميه العراقيون: (الاخيضر)، مصغر الأخضر، وهو ذو طبقتين يبلغ طوله 200 متر.
وأول إفرنجي زار هذا القصر زيارة تذكر هو الرحالة نيبهر ثم زراه بعض سياح الإنكليز إلا انهم لم يكتبوا عنه شيئاً يستحق التنويه به، وفي سنة 1908، تعهده الشاب الذكي، والمستشرق اللوذعي، صديقنا لويس ماسنيون، فكتب عنه في عدة مواطن من المجلات، من جملتها في (نشرة مشارفة مجالس ندوة العلماء للرقم وعلوم الأدب، وفي (المذكرات التي ينشرها أعضاء دار العلوم الفرنسوية للآثار الشرقية، المقامة في مصر القاهرة، تحت إدارة المسيو أ. شاسينا؛ ثم زارته، بعد بضعة أشهر من تلك السنة، الآنسة الإنكليزية ج. ل. بل ووصفته وصفا مدققاً في كتابها (مراد إلى مراد) وبالإنكليزية ثم زاره الأديب الفرنسوي فيوله في شهر آب من سنة 1910، وكتب عنه مقالاً نفيساً قدمه إلى الأديب ديولافوا.(2/45)
2 - عصر بناء القصر وبانيه
اختلف العلماء كل الاختلاف في اسم هذا القصر، وفي بانيه الأول، وفي القرن الذي بني فيه. فالمهندس الأثري الأديب ديولافوا يذهب إلى أن هذا القصر يرتقي إلى الربع الأخير من القرن السادس للميلاد، أي قبيل العصر الإسلامي. والذي يحدوه إلى هذا الرأي هو قوله: (أن الريازة (فن البناء) وفن تزويق الأبنية كانا قد بلغا أوج الكمال، منذ عصر سامراء، ومن ثم يتضح أن كل بناء عظيم لا ترى فيه الريازة إلا في نيتها أو في نشوئها، فهو على الأرجح سابق للإسلام كقصر الاخيضر في العراق.
أما الآنسة (بل) فإنها لا ترى هذا الرأي، بل تذهب إلى أن هذا القصر أقيم في الصدر
الأول للإسلام.
ووافقها على هذا الفكر الأديب فيوله المذكور، وهو اليوم رأس مهندسي الولاية، قال: (لقد تحققت كل التحقق أن هذا القصر إسلامي كل الإسلام، وهذا ما يظهر من الأساليب والذرائع المتخذة لتشييده. وقد زاد يقيني هذا كل الزيادة، لما نبشت في الأرض نبشاً زهيداً بواسطة المعول؛ وللحال وقعت على محراب في وسط الحائط الجنوبي وهو حائط بهو عظيم، سمته الآنسة (بل) (وقد صدقت تسميتها) بالمسجد. ولو فرضنا أننا لم نعثر على هذا المحراب، فأن استقراءات الأديب ديولافوا، لا تقضي إلى نتيجة تؤيد أن قصر الاخيضر هو غير إسلامي، ولو أنه تفرغ كل التفرغ لإنعام النظر في البحث الذي أنشأنه في هذا الصدد. لأن الريازة وفن تزويق البناء عند المسلمين، لم يبلغا طور الكمال في سامراء؛ بل كانا في حال التكون بامتزاج امشاج اطراز الأبنية المختلفة التي تآصرت فيما بينهما وتآخت. وهذا الأمر من اثبت الأمور، لأن التشابك لم يكن له بعد وجود عندهم. ولو فرضنا أن طرز البناء الإسلامي بلغ قراره في سامراء، فهذا لا يدل على ما يبين لي، أن الأخيضر يسند إلى العصر السابق للإسلام، لأن تزاويقه البنائية هي في غاية النشوء، وهي فيه بعد كالجنين في رحم أمه. نعم قد يحتمل أن غاشية الجص التي كانت تغشى دواخل الحيطان تزيينا لها، قد سقطت عنها على تراخي أستار الأيام على هذا القصر(2/46)
السيئ البناء، لكن قد يحتمل أيضاً أنها لم تكن، لسبب أن هذا القصر قد بني، على ما يظهر، بناءً حثيثاً ليكون مصيفاً لصاحبه، لأن مواد بنائه رديئة (وهي أحجار وحصى أو جنادل مغرقة في ملاطٍ) فيكون هذا البناء من الجنس المعروف باسم حشو الاشكنج ولا يحتمل أن يكون مقاماً مزيناً بتزاويق البناء، كما هو الأمر في قصور الخلفاء. من قصور سامراء أو بغداد كلام الأديب فيوله.
وأما الأديب لويس ماسنيون، فأنه لم يبت أمراً في ما يتعلق ببانيه، وعهد بنائه بل يميل إلى القول بأن هذا القصر إن لم يكن الخورنق أو السدير، فلا يبعد من أن يكون القصر، ذا الشرفات من سنداد، الذي يقول فيه الأسود بن يعفر:
ماذا اومل بعد آل محرقٍ ... تركوا منازلهم وبعد أياد
أهل الخورنق والسدير وبارقٍ ... والقصر ذي الشرفات من سنداد
وأما أستاذنا، حضرة الشيخ العلامة السيد محمود شكري أفندي الآلوسي، فأنه يذهب إلى أن هذا البناء شيد في صدر الإسلام، في عهد عمر بن الخطاب في نحو سنة 635 للمسيح، أي في السنة الثانية من خلافة عمر وقد بناه اكيدر الملك السكوني الكندي، فسمي باسمه، ثم صحفه العوام هذه الكلمة بأن جعلوا الكاف، خاء والدال ضادا كما هو معروف في لسانهم فقالوا فيه: (قصر الاخيضر) وإنما هو (قصر الاكيدر).
ومما يثبت هذا الرأي ما ذكره ياقوت في معجمه، قال في مادة دومة الجندل:(2/47)
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صالح اكيدر على دومة، وأمنه، وقرر عليه، وعلى أهله الجزية، وكان نصرانياً، فاسلم أخوه حريث فاقره النبي (صلى الله عليه وسلم) على ما في يده، ونقض اكيدر الصلح بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) فأجلاه عمر (رضه) من دومة، في من أجلى من مخالفي دين الإسلام إلى الحيرة، فنزل في موضع منها قرب عين تمر، وبنى به منازل وسماها: (دومة). وقيل (دوماء) باسم حصنه بوادي القرى، فهو قائم يعرف، إلا أنه خراب.
فقصر الاكيدر إذاً هو بناء نصراني بناه صاحبه على عجلة بعد أن أجلى عن حصنه بوادي القرى. وهو قريب من عين التمر وليس حصن هناك قريباً من هذه المدينة قرب قصر الاكيدر منها.
وأما وجود المحراب في حائط الجنوب، فيعلل بأن المسلمين الذين احتلوا القصر بعد صاحبه، أقاموا فيه محراباً، قياماً بشعائر الدين، كما هي عاداتهم في قصورهم وحصونهم الكبيرة ولا سيما إذا بنيت بعيدةً عم جامع أو مسجد، كما هو الأمر في بادية مثل هذه البادية التي شيد فيها قصر الاخيضر أو الاكيدر.
3 - سبب تسمية هذا القصر بالاخيضر
قد مر بك أن الاخيضر سمي كذلك من تصحيف العوام للفظة الاكيدر ليس إلا. وأما الذين لم يقفوا على هذه الحقيقة المقررة، فقد ذهبوا في هذه اللفظة ومناسبتها لهذا الحصن مذاهب شتى، منها:
1: إنما سمي كذلك، لأن الاخيضر تصغير الأخضر، وقد أتته الخضرة من عين هناك يبض منها الماء بضاً، فينبت حول القصر عشب، يحسن منظر القصر في عين الزائر، أو تنمو في فصل الأمطار خضرة على حيطانه القديمة، فيظهر كأنه البس ثوباً من سندس أو
إستبرق. وقيل: لأن أرض الحصن خصبة والخصب ينعت بالأخضر، لأن الخضرة هي من أسباب الخصب. ومنه قول العرب: (هم خضر المناكب) أي في خصب عظيم. ومثله: هم خضر المرابع. ومنه قول الشيخ صفي الدين الحلي:
أنا لقوم أبت أخلاقنا شرفاً ... أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
بيض صنائعنا سود وقائعنا ... خضر مرابعنا حمر مواضينا(2/48)
وقيل: إنه سمي بالاخيضر لأن هناك ذباباً يعرف بهذا الاسم وهو يكثر فيه في أبان الربيع وهو بقدر الذباب الأسود المتوسط الكبير، وقد يؤذي الدواب والناس.
2: ذهب بعضهم إلى أن اصل هذه التسمية، (تسمية الاخيضر)، ترتقي إلى سنة 310. وذلك أن ابن سيرين ذكر في تاريخه قال: وفيها (أي في سنة 310هـ - 2922م) انتقل أهل قران من اليمامة إلى البصرة لحيف لحقهم من ابن الاخيضر في مقاسماتهم وجدب ارضهم، فلما انتهى أمرهم إلى أهل البصرة سمي أبو الحسن احمد بن الحسين بن المثنى في مال جمعه لهم فقووا به على الشخوص إلى البصرة، فدخلوا على حال سيئة، فأمر لهم سبك، أمير البصرة بكسوة ونزلوا بالمسامعة محلة بها.
وقال المسعودي في كتابه التنبيه والأشراف ص 381 بخصوص الاخيضر ما هذا نصه:
. . . ثم مسيرة (مسير أبي طاهر سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابي، صاحب البحرين، في سنة 313هـ - 925م) عن الكوفة إلى الاحساء بالذرية والثقلة وتسليمه البلد إلى إسماعيل بن يوسف بن محمد بن يوسف المعروف بالاخيضر، صاحب اليمامة، ابن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ومسير أبي القاسم يوسف بن أبي الساج عن واسط في عساكره للقائه؛ وكان السلطان أشخصه عما كان يليه من الأعمال من بلاد أذربيجان، وأرمينية، واران، والبيلقان، وغيرها، ليستعد من واسط، وينفذ إلى بلاد البحرين؛ وكان مقيماً بواسط مستعداً، إلى أن جاءه الخبر بمسير صاحب البحرين إلى الكوفة، فخرج مبادراً له فسبقه أبو طاهر إليها، ونزل الموضع المعروف بالخورنق وجازها؛ ونزل ابن أبي الساج في اليوم الثاني بالقرب منه في الموضع المعروف ببين النهرين، مما يلي القرية المعروفة (بحر وراء)، واليها أضيفت (الحرورية)، من الخوارج، وأبو طاهر بينه وبين الكوفة: فكانت الواقعة بينهم يوم السبت لتسع خلون من شوال سنة
315هـ (أي في 9 ك1 من سنة 927م). المقصود من إيراده.
وعليه فالمراد بالاخيضر، الخورنق. وسمي الخورنق بالاخيضر لأنه نزل(2/49)
فيه فأضيف إليه منذ ذاك اليوم، وحمل اسم الخورنق الفارسي الاصل، الثقيل على لسان العربي.
3: وقال المستشرق الأديب لويس ماسنيون: وهناك رجم آخر وهو غير محتمل لما بين اللفظين من البعد أن الاخيضر مأخوذ من (الاكيدر)، صاحب دومة الجندل الكندي الذي ارتد إلى النصرانية. بعد وفاة النبي، وكان لهذا الملك حصنان: الواحد في دومة الحيرة (وهو في الواقع قريب من عين التمر)، والآخر في دومة الجندل، وقد ذكره ياقوت (في 2: 626) في قوله: (وفي داخل السور حصن منيع يقال له مارد وهو حصن (اكيدر) إلا أن هذا الرأي هو رجم محض، وموقع دومة الجندل على بعد أربع ليال من تيماء بين المدينة والشام؟ يجعل هذا الرأي بعيد التمسك به لا سيما القول بأنه قصر دومة الجندل. كلامه.
قلنا: نعم، أن القول بأن حصن الاكيدر هو الذي كان له في دومة الجندل من وادي القرى بعيد الاحتمال؛ لكن القول بأنه الحصن الذي كان له في دومة الحيرة قريب، ولا قرب حبل الوريد. كيف لا وقد قال عنه ياقوت أنه قرب عين التمر وهو قائم يعرف إلا أنه خراب، وهو كلام يصدق على الاخيضر إلى يومنا هذا.
4: ذهب بعض الأدباء إلى أن الاخيضر هو ترجمة لفظة السدير القديمة لأن هذه الكلمة تعني العشب وكذلك الاخيضر، وربما كان هذان الحرفان متعاورين منذ البدء، ثم قتل الواحد الآخر لسهولة حفظه، وقرب معناه من الافهام، ولا شك أن معنى السدير للقصر النعماني المشهور هو بالفارسية ذو البيوت الثلاثة (سه د ير)، إلا أن العرب تركوا المعنى الأجنبي، وتمسكوا بالمعنى العربي حياً(2/50)
بلغتهم، ومعانيها وكرهاً للأعاجم. ونحن نرى أن هذا الرأي فطير، بل في منتهى الفطر.
وهناك غير هذه الآراء وكلها قائلة؛ وقد اجتزأنا بما ذكرنا، لشهرتها، ولعرضها على القراء الكرام.
4 - موقع قصر الاكيدر الحربي والسياسي
قال صديقنا الفاضل لويس ماسنيون في كتابه: (بعثة في العراق) ص 2 ما هذا تعريبه: إن موقع الاخيضر من احسن المواقع، واجلها لبناء حصن هناك.
وذلك لأنه في وسط نوع من الحلقة عظيمة القطر، يخطها الفرات خطاً بديعاً، على أبعاد متناسبة متساوية، أو تكاد تكون كذلك، من هيت، والانبار، وبابل، والحيرة؛ فموقعه إذاً من اجل المواقع الحربية؛ فهو يحافظ احسن المحافظة على صقع واقع على ثغر البادية، وكان مسقياً احسن السقي، لأن الأقدمين كانوا قد حفروا في أرضه انهراً، تأليها من الفرات، وتخرقها خرقاً كما يشق اليوم نهر الحسينية جوار كربلاء منذ القرن العاشر قريباً من رزازة. وهناك كان أيضاً بطائح تأتي مياهها من الفرات وتدفع فيها وفي البادية بعد أن تسقى الأراضي المزروعة؛ ولهذا كان يطوف بها الأدغال والآجام الكثيرة الطير والصيد (وهذه أيضاً أحدوثة ما يروى عن الخورنق وكان ملتقى الصيادين وموعدهم).
(والى اليوم ترى آثار الزراعة وبقايا عقيق النهر القديم الجامع بين هيت والابلة، وهي ظاهرة كل الظهور بين كربلاء والاخيضر.
وما عدا ذلك كان يمكن لأصحاب ذلك القصر أو الحصن المنيع أن يقبضوا على الذعار وقطاع الطرق الذين يأتون من ديار نجد أو من أنحاء بلاد الشام، قبل أن يتوغلوا في الارضين المزروعة أو العامرة ويعيثوا فيها. كلام صديقنا.
5 - موقعه السياسي الحالي.
الاخيضر هو منتهى قيم مقامية رزازة، الراجع أمرها إلى فهد بك، من العنزة؛ وآخر حدود مديرية شفاتا (التي يسميها البعض شتاتة والبعض الأخر من الترك أو من المتتركين شفاتية والأصح ما أوردناه كما وردت في ياقوت في مادة(2/51)
عين التمر 3: 759). ويزعم فهد بك أن هذا القصر له. ومدير شفاتا؛ قد استخص عين الماء المجاورة له، وهي العين الوحيدة الموجودة في تلك الأنحاء والتي يخلو ماؤها من مادة كبريتية. (عن المذكور ص 2)
نقد كتاب تاريخ آداب اللغة العربية
لجرجي أفندي زيدان صاحب مجلة الهلال.
3 - أوهامه في الآراء
في تأليف جرجي أفندي زيدان، من المزايا الخاصة به، ما لا تكاد تراه في غيرها. ومن جملة المحاسن أنه يهيئ لك موضوع الفصل التالي للفصل الذي تطالعه؛ حتى انك لتقول في نفسك: هذا لابد منه. وعلى هذا الوجه تتصل الفصول وتأخذ بعضها برقاب بعض حتى نقضي العجب من هذا التداخل العجيب والالتحام البديع. وكثيراً ما اتفق لي أني بدأت بتصفح كتاب من كتبه، فلم اقدر أن القيه من يدي إلى أن أتيت على آخره. كأن الكتاب اصبح شيئاً من ضرائر حياتي في ذلك النهار ولم يمكنني أن استغني عنه.
ومهما يكن من إعجابي بالمؤلف وشغفي بمطالعة أسفاره، فأني أرى فيها بعض الأمور التي كنت أود أن تكون منزهة عنها. ومن جملة هذه الشوائب انتقاله من وهم إلى حقيقة، ومن حقيقة إلى وهم، بعد إدماج عبارة يوهم هذا الانتقال أتم الإيهام، مثال ذلك: إنه قال في الصفحة الأولى من مقدمته (وهي ص 3 من الكتاب) ما هذا نصه بحرفه:
(أما العرب فالمشهور انهم لم يؤلفوا في تاريخ آداب لسانهم. والحقيقة انهم اسبق الأمم إلى التأليف في هذا الموضوع مثل سبقهم في غيره من المواضيع (كذا). ثم أراد أن يؤيد هذا الرأي بدليل تاريخي نقلي صريحٍ، فقال: (فأن في تراجم الرجال كثيراً من هذا التاريخ لأنهم يشفعون الترجمة بما خلفه المترجم من الكتب ويبينون مواضيعها وقد يصفونها. . .) اهـ(2/52)
قلنا. إن المؤلف خرج من الحقيقة إلى ما يشبهها فأن ما أراده بقوله: (تاريخ آداب اللغة العربية) لم يصدق على ما أراد أن يبينه بعد ذلك، بقوله: (أن العرب اسبق الأمم إلى هذا الموضوع) فأين كتابه مثلاً في (آداب اللغة) من كتاب الفهرست لابن النديم فهل يقال أن هذا الكتاب الأخير هو تاريخ الآداب للغة العربية. واحسن تفنيد لهذا الزعم أن ابن النديم سمى كتابه (الفهرست) ولم يسمه باسم آخر يحقق بعض ما أراد أن يطلق عليه حضرة
كاتبنا الفاضل ولو انصف لقال: إن العرب ألفوا في تاريخ آداب لسانهم، ما يسهل للباحث أن يؤلف كتاباً يفي بمثل هذا الموضوع. ثم أن كان حضرته قد اقر للعرب بهذا الفضل، فلماذا أنكره على أهل الغرب! وهو يعلم أن لليونان والرومان تأليف تفضل كتاب الفهرست من جهة الموضوع الذي يدور قطب الكلام عليه. ونحن لا نفند قوله من كلام نأخذه من المؤلفين الاغراب، بل يكفينا شاهداً ما قاله هو في كتابه ص 15 وهذا نقله: (واقدم الأمم التي دونت تاريخ آدابها وعلومها على نحو ما نحن فاعلون في هذا الكتاب اليونان فقد ألفوا في تاريخ آداب لغتهم غير كتاب وقسموها وبوبوها وانتقدوها.؟ وألف آخرون في آداب اللغة اللاتينية، ثم آداب كل لغة من اللغات الأوربية الحية. . .) إذا لم يكن العرب اسبق الأمم إلى التأليف في هذا الموضوع.
على أن جرجي أفندي زيدان ما أبطأ أن أنكر على العرب أنفسهم هذه المزية التي كان قد أثبتها لهم في أول مقدمته. فلقد قال في الصفحة التالية لمقاله الأول (أي في ص 4) ما هذا حرفه: (على أن هذه الكتب وأمثالها (أي كتب العرب كالفهرست ونحوه) تعد من المآخذ الأساسية لدرس آداب اللغة، ولكنها لا يصح أن تسمى تاريخاً لها بالمعنى المراد بالتاريخ اليوم.) وهذا هو الحق عينه. ومن كان الأجدر به أن لا يقول ما قال في الصفحة السابقة مما يشم منه رائحة التضاد والتناقض.
كثيراً ما ينتقل حضرة المؤلف من الترجيح إلى اليقين، ويتفق له ذلك على(2/53)
هذه الصورة وهي: يبدأ أولاً بعرض فكره أو رأيه في معرض الارتياب أو الترجيح، ثم يكرره مراراً وعلى كل مرة يعيده يقرض شيئاً من الألفاظ، وينحى عنها بعض الأدوات التي تدل على الأرجحية؛ ثم لا يزال يفعل ذلك حتى لا تمر بضع صفحات إلا وقد تحول الأرجح يقيناً لا يشوبه أدنى ريب. وما كنا نود أن نرى هذا الخلل في حضرة كاتبنا الفاضل. إذ هذا لا يجدر بالمؤرخ، وبالأخص في الأمور التي فيها شأن خطير، كما هي مسئلة دولة حمورابي. فانك ترى الكاتب مثلا رجح في كتابه (العرب قبل الإسلام) (1: 49) أنها عربية؛ وقد ذهب فيها إلى ما ذهب إليه جماعة من كبار المؤرخين والأثريين أي أنها كانت عربية الأصل ثم انتقل في كتابه هذا إلى أنها عربية اللسان، بل وعدها أول دولة عربية ظهرت في العصر القديم، لا بل جعلها في صدر دول الجاهلية الأولى. فلا جرم أن في ذلك تسرعاً
في الحكم وتهوراً في الرأي.
ثم أن طائفة من الباحثين ذهبوا إلى أن حمورابي، عربي النجار، كما أشرنا إليه، وأن دولته عربية المحتد بهذا المعنى: لكن بين أن يكون ملك قوم عربي المنبت؛ وبين أن تكون دولته، ولسان دولته عربية، وجميع رعيته وسوقته من العرب بون ظاهر. كيف لا ونحن نرى في هذا العهد ملوكاً ليسوا من اصل مملوكيهم؛ وهم مع ذلك يسوسون رعيتهم بدون أن تيجنس التابعون بجنسية متبوعهم. ألم نر ملكاً عربياً جلس على عرش رومة؛ ولم نر أيضاً ملوكا أجانب مختلفي العنصر حكموا على بلاد العرب؛ وعليه فلا نرى من المناسب أن تثبت دولة حمورابي بين الدول العربية وتدخل لغة ذلك العهد في تاريخ آداب اللغة العربية وليس هناك ما يمكن أن يبين أنها من هذه اللغة القرشية، التي وضع الكاتب كتابه من اجلها. فالأدلة التي أتى بها في كتاب (العرب قبل الإسلام) لا تقطع هذا الرأي قطعاً لأرد عليه، إذ لا يزال الحكم فيه من باب المجازفة.
وأما أنه صرح في الأخير أن تبعة حمورابي هم عرب بدون أن يستريب به، فظاهر من نص عبارته في ص 47 وهذا هو: (ومما يحسن استطراده: إن اللغات السامية القديمة على كثرتها اختص منها بالأعراب لغة بابل (الآشورية) واللغة العربية، ويؤخذ ذلك من الأدلة على وحدة اصل العرب والحمورابيين(2/54)
وأن الأمتين كانتا أمة واحدة يتكلمون لساناً واحداً معرباً؛ فتحضر الحمورابيون وظل العرب بادية؛ ومنهم العمالقة فلما تمدن الحمورابيون واركنوا إلى الرخاء ذهب الإعراب من لسانهم وبقي في كتاباتهم المنقوشة. كما أصاب العرب بعد قيام دولتهم وتقييد لغتهم؛ فنشأ من بقايا البابليين أمة لغتها غير معربة هم السريان والكلدان؛ كما نشأ من العرب أقوام لا يعربون كلامهم وهم عامة الشام ومصر وغيرهما من بلاد العرب، وكان أجدادهم في البادية يعربونه.
فنحن نود للمؤلف أن يسير في ما يكتبه لأن (من سلك الجدد أمن العثار)
ومن آرائه التي ننسبها إلى التهور قوله أن اللغة العربية (هي على الأجمال أغنى آداب سائر لغات العالم) فقوله هذا يحملنا على أن نظن في أنه أراد بالآداب غير ما اصطلح عليه في صدر كتابه. لكن تلو كلامه ينفي عن ذهن القارئ معنى آخر؛ لأنه يقول بعد ذلك: (لأن الذين وضعوا آدابها في أثناء التمدن الإسلامي أخلاط من أمم شتى جمعهم الإسلام أو الدولة
الإسلامية وفيهم العربي والفارسي والتركي. . . وكلهم تعربوا ونظموا الشعر العربي وألفوا الكتب العربية في الأدب والنحو. . . فاحتوت آداب اللغة العربية بسبب ذلك على احاسن القرائح وشتات الأخلاق والآداب والصنائع؛ وادخلوا فيها كثيراً من أساليب ألسنتهم الأصلية بدون قصد أو تعمل.)
والذي نراه انهم ادخلوا بعض الألفاظ وبعض الاصطلاحات التي لا تند كثيراً عن مناحي العرب وأصولهم، ولهذا لا نجسر أن نقول: إن العربية على وجه الأجمال أغنى آداب سائر لغات العالم. فاللغات السنسكريتية واليونانية والرومانية من اللغات التي اتسعت أكنافها، وجمعت في أحضانها من الأبناء ما لا ينكر عددهم واختلاف منشآهم ومنبتهم وعنصرهم. وأبقت من الآثار الأدبية شيء كثار لا يخطر على بال العربية أن تعارض نفسها بهن. ولا افهم كيف خفي هذا الأمر على حضرة الكاتب العلامة.
ومن أوهامه أنه جعل الكهانة والعرافة والقيافة والفراسة وتعبير الرؤيا(2/55)
وزجر الطير وخط الرمل وغيرها (ص 187 - 190) من العلوم التي اصطلح عليها العلماء باسم (ما وراء الطبيعة)، وليس الأمر كذلك. لأن هذه العلوم التي عدها، تعرف باسم العلوم الخفية أو السرية وأما علوم ما وراء الطبيعة فأنها تشمل عالم النفس وعلم سنن العالم وضوابطه وعلم اللاهوت أو علم الكلام؛ وعليه فخروجه عن مصطلح القوم ليس مما يمدح عليه.
ومن أوهامه أن الأعشى أعشى قيس كان نصرانياً (ص 32). وقد أثبتنا في السنة الأولى (ص 354 - 356) من هذه المجلة أن الشاعر المذكور لم يكن نصرانياً البتة، وإنما كان في آرائه شيء من النصرانية، أخذه من نصارى الحيرة لتردده اليهم، لكنه لم يتنصر، بل بقي على دين دهماء العرب أي الوثنية، فاخذ بعض آراء دين من الأديان شيء، والتدين بدين شيء آخر.
ومما يعد في هذا الباب كلامه عن النساء في الجاهلية، فأنه ذكر بعض من اشتهرن بخصال ومناقب ومحامد. ثم أطلق تلك المحاسن على جميع نساء الجاهلية فلا نرى ذلك من الأنصاف. فكان يحسن بالمؤلف أن يقيد كلامه لا أن يطلقه؛ أي أنه لو كان يقول مثلاً أن كثيراً من نساء الجاهلية كن يخيرن قبيل الزواج. لكان التعبير خالياً من كل غبار. لكن قوله: (على أن الغالب في نساء الجاهلية أن يخيرن قبيل الزواج) من الكلام الذي يخالف
حقيقة الحال.
ومن غريب ما ذكره قوله (ص 34): وكان في الجاهلية خطيبات اشتهرت منهن هند بنت الخس وهي الزرقاء (كذا) وجمعه بنت حابس. ولا ندري عمن نقل هذا الكلام والأصح أن بنت الخس هي غير الزرقاء قال في تاج العروس في مادة خ س س: (الخس) بالضم (وهو) الخس بن حابس: رجل من أياد معروف وهو أبو هند بنت الخس الايادية التي جاءت عنها الأمثال وكانت معروفة بالفصاحة، نقله ابن دريد. وفي نوادر ابن الأعرابي يقال فيه خسس وخص، بالسين والصاد، وهو خس بن حابس بن قريط الأيادي. وقال أبو محمد الأسود:(2/56)
لا يجوز فيه الخس بالسين. أو هي (أي ابنة الخس) من العماليق. نقله ابن الأعرابي. والايادية هي جمعة بنت حابس الأيادي، وكلتاهما من الفصاح؛ والصواب أن ابنة الخس المشهورة بالفصاحة واحدة، وهي من بني أياد. واختلف في اسمها. فقيل هند. وقيل: جمعة. ومن قال: أنها بنت حابس، فقد نسبها إلى جدها، كما حققه غير واحد. ونقل شيخنا عن ابن السيد في الفرق: إنه يقال لامرأة من العرب، حكيمة بنت الخص، وابنة الخس. فهذا يدلك على أنها امرأة واحدة. والاختلاف في اسمها. فتأمل
وقال عن الزرقاء في مادة زرق: (زرقاء اليمامة: امرأة من جديس، وكانت تبصر الشيء من مسيرة ثلاثة أيام. قاله ابن حبيب. وذكر الجاحظ أنها من بنات لقمان بن عاد وأن اسمها عنز وكانت هي زرقاء، وكانت الزباء زرقاء.
ومن أوهامه، ذكره أول من وصل إلينا خبره من الشعراء، فرجح أنه أبو دؤاد الأيادي ولقيط الأيادي. والواقف على تاريخ العرب لا يجسر على ذكر اسم الشاعر الأول الذي وصل إلينا شعره، لما في وضع العرب من الأشعار المفتعلة، المنسوبة إلى رجال من الأقدمين، لا يوافق شعرهم عصرهم. وأني أرى أن التصريح بجهل اسم الشاعر الأول، أولى من التعريض لهذا البحث، الذي لا تحل عقده على الوجه الذي انتهى إلينا من كلامهم.
ومما ينطوي على هذا الغر، قوله: (ص 68) وفيها (أي في ديار نجد) جبل عكاد (كذا) الذي لم تثبت العربية الفصيحة بعد تمادي الأجيال إلا بين أهله. قلنا: أول وهم في هذا الكلام أنه جعل جبل عكاد في نجد. والأصح أنه باليمن. وهو أشهر من أن يذكر، وليس في ديار نجد جبل بهذا الاسم. هذا فضلاً عن أن العرب إذا أرادوا ذكر حفظ الفصاحة في بلد
من بلادهم، ذكروا جبل عكاد، وقالوا عنه أنه في بلاد اليمن، والوهم الثاني أنه جعل أصحاب هذا الجبل وحدهم ممن بقيت فيهم الفصاحة، بعد زوالها من سائر سكان جزيرة العرب؛ والصواب أن هناك أناساً آخرين، منهم: بنو صاهلة أو الكاهليون. قال صاحب التاج في مادة ك هـ ل: بنو صاهلة بن كاهل بن(2/57)
الحرث بن تميم بن سعد بن هذيل: قبيلة، ويقال، لهم الكاهليون بكسر الهاء، وقيده الوقشى هكذا: كاهل بفتح الهاء، الهاء، كأنه سمي بالفعل من كاهل يكاهل. كذا في الروض؛ وفي المقدمة لابن الجواني. وهم افصح العرب. قال: وبلغني أن بطناً منهم مقيمون إلى الآن على اللغة البسالمة من اللحن والتغير والفساد.
ومن العرب الفصحاء الذين نسيهم قعين نصر أو نصر قعين. قال في التاج في مادة ق ع ن: قعين كزبير: بطن من أسد، وهو قعين بن الحرث بن ثعلبة بن دودان ابن أسد. وسئل بعض العلماء: أي العرب افصح؟ فقال: نصر قعين أو قعين نصر.
ثم إن حضرة الكاتب نسب إلى أهل نجد افصح العرب، ودعماً لرأيه ذكر أولاً عكاد. وقد رأيت خطأ هذا الرأي. ثم ذكر أهل السروات كأن السروات (وهي ثلاثة اجبل) من نجد، والحال أنها اجبل مطلَة على تهامة، مما يلي اليمن، فهي اقرب إلى هذه منها إلى ديار نجد. وعليه فقد سقط رأيه في أن أهل نجد افصح العرب في العهد السابق. نعم، أن هذا الرأي صحيح بعض الصحة في هذا العهد، إلا أن ما ينسب في هذا العصر، لا يجوز نسبته إلى ذلك، وبالعكس.
واحسن فصل جاء في تقسيم فصاحة اللغة العربية، هو ما ذكره الهمداني في كتابه (صفة جزيرة العرب) ص 134، فأنه أجاد كل الإجادة في هذا الباب فليراجع.
ومن غريب استدلال واستقراء كاتبنا ما كتبه في ص 178 قال: (ويؤخذ مما حوته اللغة العربية قبل الإسلام من أسماء العلل والأمراض والعقاقير، أن العرب عرفوا كثيراً من الأمراض ومعالجتها، فلو قال (إنهم عرفوا كثيراً من الأمراض) بدون أن يزيد (ومعالجتها) لما كان على كلامه غبار، لكن زاد هذه الكلمة فافسد الاستدلال، إذ نحن جميعنا نعرف اغلب أسماء الأمراض بدون أن نعرف كيف نعالجها. وكذلك نعرف أسماء عدة أشياء أخرى ولا نعرف حقيقتها كما يعرفها الغير.(2/58)
وفي بعض الأحيان يهمل علل الحقائق الاصلية، ويتمسك بعلل دونها قوة وإقناعاً. من ذلك
ما قال في أسباب كثرة المترادفات وهذا كلامه: (وأسباب كثرة المترادفات في العربية عديدة منها: إن كثيراً من أسماء الحيوان اصلها نعوت ثم صارت أسماءً، وبعضها مأخوذ عن لغة أخرى. . . وقد يكون السبب في زيادة المترادفات استعارة أسماء حيوانات أخرى للدلالة على هذا الحيوان يتكنون بها عن بعض طبائعه.) - قلنا: وقد أهمل ذكر السبب الأصلي لهذه المترادفات وهو اختلاف القبائل، فأن الشيء الفلاني إذا عرف باسم عند قوم فهو يعرف باسم آخر عند قبيلة تجاورها. فلما جمع العرب في صدر الإسلام مفردات اللغة اثبتوا تلك الألفاظ على كثرتها بدون أن ينسبوها إلى القبيلة التي تتكلم بها فكثرت المترادفات.
وكذلك القول في الأضداد في العربية. فإن هذه الألفاظ لا توجد بالمعاني المتضادة في لغة القبيلة الواحدة وإنما هي بمعنى في لغة جماعة منهم، وبمعنى آخر في لغة طائفة أخرى. أي أن القبيلة التي تستعمل مثلاً حرف (قعد) بمعنى جلس لا تستعمله أيضاً بمعنى قام. وألا امتنع التفاهم. وإنما هي بمعنى دون آخر عند قبيلة أخرى، كما أثبته القوم في كتبهم ودواوينهم. - ونقول مثل ذلك في الألفاظ الكثيرة المعاني، اللهم إلا أن تكون تلك المعاني متجاورة الوضع، أو مجازية، أو فيها بعض المناسبة اللغوية، أو الاشتقاقية؛ فالأمر كما ذكر.
ومن الأقوال التي لا نوافقه عليها: زعمه في ص 59 أن: (ليس في الدنيا أمة تضاهي العرب في كثرة الشعر والشعراء.) فنظن أن حضرته لم يقف أتم الوقوف على شعراء اليونان والرومان وعددهم وعدد دواوينهم. فليطالع في هذا الموضوع ما كتبه العلماء في هذا العصر.
ومما يدخل تحت هذا الباب قوله (ص 199): أما الأسلوب الإنشائي فلا يمكننا تعيين مقدار التغيير الذي أصابه، لأن ما وصلنا من إنشاء الجاهليين لا يخلو من صبغة إسلامية إلا سجع الكهان، فالغالب أنه بقي على حاله. والفرق بينه وبين أسلوب القرآن كالفرق بين الثريا والثرى.)(2/59)
وقبل أن ننتقد رأيه في هذه المسألة نقول: إنه ختم تعبيره بخلاف ما يريد، لأنه أراد أن يبين الفرق بين سجع وسجع، وأراد أن يشبه سجع الكهان بالثرى وسجع القرآن بالثريا،
فعكس التشبيه وقال كالفرق بين الثريا والثرى. فكان يجب أن يعكس ويقول (بين الثرى والثريا.) لأن الثريا في كلامه راجعة إلى المشبه الأول وهو سجع الكهان، والثرى راجعة إلى المشبه الأخير وهو القرآن فجاء كلامه بخلاف مرامه.
وإذ قد بينا ذلك نقول: إن التغيير وقع في كلام الكهان اكثر مما وقع في غيره لأسباب: 1 - لأن كلام الكهان ليس من الأحاديث ولا من الأقوال الجارية مجرى الأمثال، حتى يحرص عليها وعلى الصورة التي جاءت بها. 2 - لأن كلامهم غير موزون. فكيف بهذا السجع، سجع الكهان وكيف تظن أنه لم تحل به الغبر، وقد غير الرواة من نظم الشعراء شيئاً لا يقدر. 3 - لأن سجع الكهان دون في القرن الثالث من الهجرة، بخلاف الأحاديث وأشعار الجاهلية فأنها دونت قبله. 4 - لأن لرواة العرب وكتابهم في صدر الإسلام غاية في تحقير سجع الكهان، ونسبته إلى الركاكة، وإبرازه بحلة زرية. 5 - لأن طول بعض هذه المسجعات يحول دون حفظها بحروفها. إلى غير ذلك من العلل والأسباب التي يضيق المقام دون استيعابها.
وذكر في (ص 210 إلى 213) حالة الشرق العلمية عند الفتح الإسلامي فذكر آداب الروم في مصر والشام، ثم آداب مملكة الفرس ومدارس جميع هذه البلاد، ولم يتعرض لذكر مدارس الرها ونصيبين، وقد زل هنا الكاتب زلة لا تغتفر، إلا بعد أن يتعرض لها في طبعة كتابه الثانية، وقد وضع لهذا البحث رسائل وكتب عديدة، ومن جملتها تأليف السيد أدي شير، رئيس أساقفة سعرد على الكلدان، واسمه: (مدرسة نصيبين الشهيرة) طبع في المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين في بيروت سنة 1905 وهو كتاب في 63 صفحة في غاية النفاسة.
وقال في صفحة 213: (ولم يبلغ العرب من العز والسؤدد ما بلغوا إليه في أيام هذه الدولة (الأموية)، ونحن نقضي كل العجب من هذا القول ومن(2/60)
قائله. فما يريد بهذا العز وهذا السؤدد، وأي عصر يشمل كلامه هذا. فهل ترى يشمل عهد الحميريين، وحضارتهم، وعزهم، وسؤددهم، وإيغالهم في التمدن والحضارة؟ أو يشمل عهد العباسيين؟ فكنا نحب أن نعلم هل كلامه هذا يرجع إلى ما قبل عصر الأمويين، أم إلى بعده. ليجوز الحكم بعد ذلك.
ومن آرائه القائلة التي توافق آراء كثيرين من الكتاب قوله ص 225 (أن الفتوح دعت إلى
الاختلاط بالاعاجم، والاختلاط دعا إلى فساد اللغة؛ فاصبح الناس يهملون الإعراب. وكان العرب عند ظهور الإسلام يعربون كلامهم على نحو ما في القرآن. إلا من خالطهم من الموالي والمتعربين، فأن هؤلاء كانوا حتى في أيام النبي يخطئون الإعراب.) قلنا: ولنا أدلة على أن العرب خالطوا الأعاجم قبل الإسلام بأعصر متطاولة، لمجاورة جزيرتهم بلاد الفرس، والهند، والاشوريين، والكلدانيين، والفنيقيين، والمصريين، وغيرهم. والتاريخ خير شاهد على ذلك.
ثم أن إهمال الإعراب كان معروفاً عند بعض قبائل العرب، كما كان معروفا استعماله وفي عهد واحد. ولنا أدلة نقلية وعقلية نأتي بها يوماً وليس هنا محل ذكرها.
وذهب في ص 227 (إلى أن الحركات عند العبرانيين 11، وعند السريان الشرقيين 7، وعند السريان الغربيين 5، أما في العربية فهي ثلاث فقط.)
قلنا: إن أراد بالحركات هنا حركات الإعراب فهي ثلاث كما قال. لكن يؤخذ من سياق الكلام أن المراد بها غير حركات الإعراب. فإذا كان كذلك فهي 7، بالعربية: ثلاث منها لها صور موضوعة، والأربع الأخرى لا صورة لها، ولا بد أن نتعرض لذكرها يوماً. اللهم إلا أن يريد الكاتب ذكر الحركات المعروفة صورها، فما قاله هو الصواب. ونظن أن الأمر كذلك؛ لأنه يقول في ص 228: والحركات العربية لا تقل عدداً عن الحركات السريانية، وربما زادت عليها؛ ولكن الأحرف الصوتية في العربية ثلاث (كذا أي ثلاثة) فقط (الواو والألف والياء) فاستعاروها للدلالة على الضم والفتح والكسر، وهي الحركات الرئيسية، وتركوا سائر الحركات المختلسة كالإشمام والروم والإمالة لفطنة القارئ.(2/61)
والنفس يطول بنا إذا أردنا أن ننتقد كل ما رأيناه في هذا الكتاب. ولا سيما لأن فيه بعض الأمور التي لا يوافقنا أن نبدي فيها رأياً، وفي موطننا ومقامنا وما يحيط بنا من الأحوال والظروف ما يمنعنا عن إبراز كل ما في خاطرنا. فإن كلامه المذكور مثلا في آخر ص 211 لا يوافق الحق البتة، فهي من مبتدعات العصريين الأخيرين، من أصحاب التهور والإلحاد ومحبي الفجور.
على أننا نختم كلامنا بهذا القول: إن كتاب آداب اللغة العربية هو احسن كتاب ابرز للقوم إلى هذا اليوم، ولا يمكن أن يستغني عنه أحد إلا من أعمته الأغراض، وقذفت به إلى
مهاوي الجهل والضلال والغض من أصحاب الفضل والأعراض. والسلام.
(تنبيه) وصلنا الجزء الثاني من هذا الكتاب النفيس وسوف ننتقده في وقته.
العراق:
(تابع لما قبله)
العراق
10 - الأرياح فيه
قد سبق القول أن الضغط الجوي في وادي الفراتين ينزل متدرجاً من الشمال إلى الجنوب سحابة السنة. وأرصاد الأرياح الشهرية تتفق على أن تبين أن الريح تهب من الشمال في مدة جميع الأشهر، بميل طفيف إلى الغرب. ماعدا في شهر شباط فأن وجهتها المتوسطة هي الشمال الشرقي، لكن في الدرجة التاسعة من الشمال. والمزية الخاصة بهذه الريح هي ثبات هبوبها، طول المدة الموجودة بين أيار وأيلول فحينئذٍ تهب نادراً في وجهة مخالفة لوجهة الشمال والشمال الغربي.
11 - الرطوبة
الهواء في العراق جاف بوجه العموم، لكنه رطب في جنوبيه، وفي الأنحاء التي تكثر فيها البطائح والمستنقعات. وهو رطب أيضاً بعض الرطوبة على ضفة دجلة وقد لاحظ أصحاب المراقبة الجوية في دار الجرى (القنصل) الإنكليزي(2/62)
أن ميزان الرطوبة يحوي من بخار الماء في كانون الثاني اقل مما يحويه في سائر الأشهر، (بموجب قياس الضغط الذي يرى فيه) فضغط بخار الماء هذا، هو 5. 9 مليمترات في هذا الشهر، وهو أعلى بقليل من ضغط بخار ماء بشاور (وهو هناك 5 مليمترات) ويعقوب آباد (5. 3)، ثم يعظم هذا الضغط متدرجاً، كلما عظمت حالة الهواء، واشتد التبخر؛ وهذا التبخر يتصاعد من انهر الجوار. ولا يقف في صعوده إلا في شهر آب، وهو أحر أشهر السنة في العراق، وحينئذ يبلغ 13. 7 مليمتراً، وهو دون ضغط يعقوب آباد، إذ يبلغ هناك 20. 8 مليمتراً، وضغط بشاور هو 19. 8 مليمتراً (اغلب هذا الكلام معرب عن السر وليم ولكوكس).
12 - خصب أرض العراق وحسن تربته ونظرة عامة في
غلاته سابقاً
قد جمع الله في أرض العراق ما لم يجمعه في غيرها من مرافق الخيرات، وجلائل
البركات. إذ فيها غضارة العيش، وخصب المحل، وطيب المستقر، وسعة المير، من أطعمتها، وأوديتها، وعطرها، ولطيف صناعتها. ولهذا كان ملوك فارس يشبهون العراق بالقلب، وسائر الدنيا بالبدن، ومن أسمائه عندهم: (دل ايرانشهر) أي قلب ايرانشهر، وايرانشهر الإقليم المتوسط لجميع الأقاليم. قالوا وإنما شبهوه بذلك لأن الآراء تشعبت عن أهله بصحة الفكر والروية، كما تتشعب عن القلب بدقائق العلوم ولطائف الآداب والأحكام.
فأما من حولها، فأهلها يستعملون أطرافهم بمباشرة العلاج، وخصب بلاد ايرانشهر، بسهولة لا عوائق فيها ولا شواهق تشبيها، ولا مفاوز موحشة، ولا براري منقطعة عن تواصل العمارة، والأنهار المطردة من رساتيقها، وبين قراها مع قلة جبالها وآكامها وتكاتف عمارتها، وكثرة أنواع غلاتها، وثمارها، والتفاف اشجارها، وعذوبة مائها، وصفاء هوائها، وطيب تربتها، مع اعتدال طينتها، وتوسط مزاجها، وكثرة أجناس الطير والصيد في ظلال شجرها: من طائر بجناح، وماش على ظلف، وسابح في بحر. قد أمنت مما تخافه البلدان من غارات الاعداء، وبوائق المخالفين، مع ما خصت به من الرافدين: دجلة والفرات، إذ قد اكتنفاها، لا ينقطعان شتاء ولا صيفاً، على بعد منافعهما في(2/63)
غيرها، فأنه لا ينتفع منهما بكثر فائدة، حتى يدخلاها فتسبح مياههما في جنباتها، وتتبطح في رساتيقها، فيأخذون صفوه هنيئاً، ويرسلون كدره وأجنه إلى البحر، لأنهما يشتغلان عن جميع الأراضي التي يمران بها، ولا ينتفع بهما في غير السواد، إلا بالدوالي والدواليب بمشقة وعناء.
وكانت غلات السواد تجري على المقاسمة في أيام ملوك الفرس والاكاسرة وغيرهم، إلى أن ملك قباذ بن فيروز، فأنه مسحه وجعل على أهله الخراج وكان السبب في ذلك: إنه خرج يوماً متصيداً، فانفرد عن أصحابه بصيد طرده حتى وغل في شجر ملتف، وغاب الصيد الذي اتبعه عن بصره، فقصد رابية يتشوفه، فإذا تحت الرابية قرية كبيرة، ونظر إلى بستان قريب منه فيه نخل ورمان وغير ذلك أصناف الشجر، وإذا امرأة واقفة على تنور تخبز ومعها صبي لها، كلما غفلت عنه، مضى الصبي إلى شجرة رمان مثمرة ليتناول من رمانها، فتعدو خلفه وتمنعه من ذلك ولا تمكنه من اخذ شيء منه، فلم تزل كذلك حتى فرغت من خبزها، والملك يشاهد ذلك كله. فلما لحق به اتباعه، قص عليهم ما شاهده من المرأة والصبي، ووجه إليها من سألها عن السبب الذي من اجله منعت ولدها من أن يتناول
شيئاً من الرمان. فقالت للملك فيه حصة ولم يأتنا المأذون بقبضها، وهي أمانة في اعناقنا، ولا يجوز أن نخونها ولا نتناول مما بأيدينا شيئاً حتى يستوفي الملك حقه.
فلما سمع قباذ ذلك أدركته الرقة عليها وعلى الرعية، وقال لوزرائه: إن الرعية معنا لفي بلية، وشدةٍ، وسوء حال، بما في أيديهم من غلاتهم، لأنهم ممنوعون من الانتفاع بشيء من ذلك، حتى يرد عليهم من يأخذ حقنا منهم، فهل عندكم حيلة تفرج بها عنهم؟ فقال بعض وزرائه نعم، يأمر الملك بالمساحة عليهم ويأمر أن يلزم كل جريب من كل صنف، بقدر ما يخص الملك من الغلة فيؤدي ذلك اليه، وتطلق أيديهم في غلاتهم، ويكون ذلك على قرب مخارج المير، وبعدها من الممتارين. فأمر قباذ بمساحة السواد وإلزام الرعية الخراج بعد حطيطة النفقة، والمؤونة على العمارة، والنفقة على كري الأنهار وسقاية الماء وإصلاح البرندات، وجعل جميع ذلك على بيت المال فبلغ إخراج السواد(2/64)
في السنة مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم مثاقيل. فحسنت أحوال الناس، ودعوا للملك بطول البقاء، لما نالهم من العدل والرفاهية.
وقد وقع اختلاف مفرط بين مساحة قباذ ومساحة عمر بن الخطاب رضه، ذكرته كما وجدته من غير أن أحقق العلة في هذا التفاوت الكبير: أمر عمر بن الخطاب رضه بمسح السواد الذي تقدم حده، لم يختلف صاحب هذه الرواية فيه، فكان بعد أن اخرج عنه الجبال والأدوية والأنهار ومواضع المدن والقرى ستة وثلاثين ألف ألف جريب، فوضع على جريب الحنطة أربعة دراهم، وعلى جريب الشعير درهمين، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم، وعلى جريب الكرم والشجر ستة دراهم، وختم الجزية على ستمائة ألف إنسان، وجعلها طبقات: الطبقة العالية ثمانية وأربعون درهماً، والوسطى أربعة وعشرون درهماً، والسفلى اثنا عشر درهماً، فجبى السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم. . . وجباه زياد مائة ألف الف وخمسة وعشرين ألف ألف درهم وجباه ابنه عبيد الله اكثر منه بعشرة آلاف ألف درهم، ثم جباه الحجاج مع عسفه وظلمه وجبروته، ثمانية وعشرين الف ألف درهم فقط، واسلف الفلاحين للعمارة ألفى الف، فحصل له ستة عشر ألف الف. قال عمر بن عبد العزيز: وهاأنا قد رجع إلي على خرابه فجبته مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم بالعدل والنصفة، وأن عشت له لأزيدن على جباية عمر بن
الخطاب رضه. وكان أهل السواد قد شكوا الحجاج خراب بلدهم، فمنعهم من ذبح البقر لتكثر العمارة، فقال شاعر:
شكونا إليه خراب السواد ... فحرم جهلاً لحوم البقر،
وقال عبد الرحمن بن جعفر بن سليمان: مال السواد ألف ألف ألف درهم، فما نقص مما في يد السلطان منه فهو في يد الرعية، وما نقص من يد الرعية فهو في بيت مال السلطان.
قيل أراد عمر قسمة السواد بين المسلمين فأمر أن يحصوا، فوجدوا الرجل يصيبه ثلاثة من الفلاحين، فشاور أصحاب رسول الله في ذلك فقال علي رضه: دعهم يكونوا مادة للمسلمين. فبعث عثمان بن حنيف الأنصاري فمسح(2/65)
الأرض، ووضع الخراج، ووضع على رؤوسهم ما بين ثمانية وأربعين درهماً، وأربعة وعشرين درهماً، وأثنى عشر درهماً، وشرط عليهم ضيافة المسلمين وشيئاً من بر وعسل؛ ووجد السواد ستة وثلاثين ألف ألف جريب، فوضع على كل جريب درهماً وقفيزاً. قال أبو عبيد: بلغني أن ذلك القفيز كان مكوكا لهم يدعى السابرقان. وقال يحيى بن آدم وهو المحتوم الحجاجي: وقال محمد بن عبد الله الثقفي: وضع عمر رضه على كل جريب من السواد، عامراً كان أو غامراً، يبلغه الماء: درهما وقفيزاً، وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم وخمسة اقفزة، وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعشرة اقفزة ولم يذكر النخل. وعلى رؤوس الرجال ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين وأثنى عشر درهماً. وحتم عثمان بن حنيف على رقاب خمسمائة ألف وخمسين ألف علج لأخذ الجزية، وبلغ الخراج في ولايته مائة ألف ألف درهم. (اه عن ياقوت بتصرف قليل في العبارة) فيؤخذ مما تقدم أنه كان لكل رجل من المسلمين ثلاثة فلاحين من النصارى من باب التعديل المتوسط لا من باب الحقيقة. وعليه كان نصارى العراق الفلاحون في عهد علي ثلاثة أضعاف المسلمين، ماعدا من كان منهم في المدن الكبار كبغداد والموصل والبصرة. وكانت مساحة السواد 360. 000. 000 جريب مزروع، والجريب يساوي اليوم ما يسميه الإفرنج بالهكتار فتكون إذاً مساحة الأراضي المزروعة يومئذ 360. 000. 000 مترٍ مربعٍ فأين أولئك السكان من عدد سكان هذا اليوم؟ وأين تلك الارضين المزروعة وخراجها، وأراضي هذا العهد وخراجه؟ أعاد الله كل شيء إلى سابق مجده، وسامق عزه، بمنه وكرمه!
إبراهيم حلمي
من أسماء ابنة اليوم
ذكرنا أسماء بنات اليوم على اختلاف بعض ربوع العرب والأعراب. وقد ذكر لنا أستاذنا الكبير حضرة الشيخ العلامة والسيد السند محمود شكري أفندي الآلوسي: إن الفرس يسمون هذه الدودة التي تأتي بها السيول من جبال الثلج (زالو) بزاي فارسية. ثم قال: فلعل الكلمة المعهودة (أي(2/66)
الجليلو) محرفة عنها، ومغيرة منها، فأن كثيراً من كلمات الفرس دخلت لغة بغداد وحرفت عن اصلها.
قلنا نحن: وكلمة (زالو) مختزلة عن (زلال) الفارسية القديمة. فإذا أملت ألفها قلت (زليل)، وهذه لا تبعد كثيراً عن جليلو، التي إذا كتبتها بالإمالة كانت جلالو. وأنت تعلم أن الزاي والجيم على أنواعهما كثيراً ما تتبادلان؛ ولا سيما، مبادلة الجيم والزاي الفارسية، مثل الجدوار واصلها زدوار. والجية، وفارسيتهازي. والازدهاق واصلها ازدهاك، وكلها بالزاي الفارسية، ومثلها كثير في اللغة.
وأما أن الزلال هو الزالو أو الجليلو فهذا واضح من نص اللغويين: قال في التاج: الزلال بالضم: حيوان صغير الجسم أبيضه، إذا مات جعل في الماء فيبرده؛ ومنه سمي الماء البارد زلالاً. قلنا: إن هذا التعليل غريب. والحق هو هذا: إن هذه الدويبة تكثر في أيام الربيع وفي البلاد الكثيرة الثلوج والمياه المتحللة منها. فيتولد فيها. فنسب بعضهم برودة الماء إلى وجوده. وإنما لبرودته سبب آخر وهو سقوط درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر لا غير. وليس في الحشرة قوة لإنزال الحرارة إلى هذه الدرجة.
وقال فارس في معجمه الفارسي اللاتيني: زلال كلمة عربية فارسية، يراد بها دودة تنشأ في الثلج ثم تطير منه، وتكثر في الماء الصافي، فيسمى ذلك الماء (آب زلال) أي الماء الزلال. وهي لا تعيش كثيراً، وإذا ماتت ظهر فيها حركة كحركة المذبوح. قلت: وهذا الأمر الأخير هو مطابق للحقيقة لا شبهة فيه. وهذا مما يزيدنا يقيناً في رأينا وتمسكا به. والفضل في ذلك راجع إلى شيخنا الآلوسي.
وقال في (برهان قاطع) الزلال: دودة الثلج وهي تولد كل سنة عند تراكم الثلوج في الجبال الشاهقة؛ وهي دقيقة بيضاء مدورة الرأس وضعت في الماء بردته إلى الغاية وجعلته سائغاً
لذيذاً، ومنه الماء الزلال لذلك الماء.
والماء الزلال بالارمية (زليلا) وكذلك يقال له أيضاً بالعربية أي(2/67)
وهو كقولك الماء الزلال. فاللغات كلها متفقة على وضع هذه الكلمة، أخذاً من مادة زلل.
ومن أسمائها أيضا على ما ذكره لنا أحد الأصدقاء: (الجلبة) بهاء وهي بلغة أهل الشرقية من أنحاء بغداد. ويسميها العرب القاطنون في غربي بغداد: (سليلبح)، بحركة السين المختلسة، وفتح اللام فتحاً فيه إمالة، وسكون الياء المثناة، وتحريك اللام الثانية بحركة مشتركة، وفتح الباء الموحدة التحتية، وبحآء مهملة في الآخر أي وبعض أهل بغداد من ساكني الأهوار والمجاورين لها، (والأهوار هي البطائح أو المستنقعات)، يسمونه (مغيزل داده) ولعلها تصحيف (مغيزل ذاته) وهي كثيرة في تلك الأهوار. وهذا ضبطها: بسكون الميم، وفتح الغين المعجمة فتحاً فيه إمالة، وسكون الياء التحتية المثناة، وتحريك الزاي بحركة مشتركة، وسكون اللام. وضبط داده كضبط غاية.
وفي الختام نشكر حضرتي الكاتبين الشهيرين، ونسدي آلاء الجميل والإحسان لكل من ينبهنا على كل هفوة أو زلة تقع منا لأن الكمال، لمن تنزه عن المثال، وهو وحده المتعال.
باب المشارفة والانتقاد
1ً. موليير مصر وما يقاسيه
(رواية تمثيلية هزلية، بقلم الشيخ يعقوب صنوع المشهور بأبي نظارة المصري، شاعر الملك، ومؤسس التياترات (المسارح) العربية في وادي النيل. طبعت في بيروت بالمطبعة الأدبية، سنة 1912، بقطع الثمن الصغير في 40 صفحة حسنة الكاغد والطبع. وقد صدرت بصورة الفيكونت فيليب دى طرازى الذي أهديت إليه هذه الرواية، وختمت بصورة المؤلف.
هذه الرواية حسنة المغزى، وقد ألفها صاحبها بعبارة عامية مصرية، طلباً لإصلاح عوائد العوام، وإفهامهم فحواها بلسانهم. لكننا لا نرى من الصواب(2/68)
أن تسجع عبارتها؛ وما أقبح السجع في هذا المقام. لا سيما لما ترى الكاتب يجد كل الجد وراء كلمة، ليقيمها بازاء أختها ويقابلها بها. ومما نأخذه على المؤلف أيضاً مزج الفصيح بالعامي. فكان عليه أما أن يجعل كلامه كله فصيحاً، وأما كله عامياً. أو أن يجعل أحد الممثلين مهذب العبارة، والآخر يعكسه، وأن يبقيهما بلهجتهما إلى آخر الرواية.
ومهما يكن من حلة الرواية، فإن حليتها قائمة بمحاسنها الداخلية، وهي حليتها الحقيقية. وكفاها حسناً!
2 - فصل القضاء، في الفرق بين الضاد والظاء
(أثر أحمد عزت) مميز قلم تحريرات ولاية بغداد. حق الطبع محفوظ لصاحبه. طبعت في مطبعة الشابندر في بغداد سنة 1328) في 186 صفحة من قطع الثمن الصغير.
كل من يطالع كتب العراقيين المطبوعة في بغداد، يتحقق أنهم كثيراً ما يغلطون في رسم الضاد والظاء. وهذه جرائدنا ومجلاتنا من اصدق الشواهد على ما نقول؛ وهذا الغلط قديم في العراق. وسببه أن أهل بغداد لا يميزون بين اللفظين، فهم يلفظون الضاد كما يلفظون الظاء وهو خطأ بين، بعكس أهل الموصل فإنهم يلفظون الظاء كالضاد. ولهذا أراد صاحب هذا الكتاب أن يجمع جميع الألفاظ الواردة في اللغة العربية بهذين الحرفين، وينقل معناها إلى اللغة التركية أو الفارسية، فأجاد في العمل. فالكتاب المذكور إذاً عبارة عن معجم في ثلاث لغات، نافع لجميع أهل العراق، فليحرصوا عليه. أما أغلاطه الطبعية فهي أكثر من
أن تحصى، ولهذا لا نتعرض لذكرها. ويكفيك علماً أن الكتاب طبع بمطبعة الشابندر التي لا تعني كل العناية بتصحيح مسودات الطبع على ما تنقح لها. فعساها أن تجد لها من يقوم بشؤونها أحسن القيام والله الموفق.
3 - كتاب التوحيد
(للإمام جعفر الصادق عم وهو الذي أملاه على المفضل بن عمرو رحمه الله تعالى.
كمل طبعه في مطبعة النفاسة الكائنة في شارع أبي السعود نومرو 55(2/69)
بدار السعادة إسلامبول المحمية سنة 1330 في 82 صفحة بقطع الثمن الصغير وقيمة النسخة غرشان.
أهدانا حضرة السيد العلامة، أستاذنا الشيخ محمود شكري أفندي الآلوسي، كتابين: أولهما، هذا الذي ذكرنا اسمه والثاني الآتي ذكره. وهذا الكتاب من اجل الكتب الدالة على وحدانيته تعالى، متين العبارة، محكم الآراء، يجدر بأن يكون كتاباً، يصاحب كل امرئ في حله ورحيله. إلا أنه يؤخذ على طبعه أن الطابع جعل الفصول كلها متسقة، الكلمة بعد الكلمة، والسطر بعد السطر، حتى انك لتخال أن الكتاب كله عبارة واحدة، بحيث لا يجد فيه القارئ موطناً يريح فيه نظره أو يتنفس فيه الصعداء. وأما النقط والفواصل فلا اثر لها هناك.
وأما أغلاط الطبع، ففيه شيء غير يسير، من ذلك قوله: ص 47 فوجدت شيئاً من الصنف الذي يسمى الحاذون فأكلته. والأصح: الحلزون. وقوله بعد ثلاثة اسطر: إنشاء الله. والأصح: إن شاء الله. وهذا الغلط فاشٍ أيضاً في مطبوعات بغداد. وقوله بعد سطر: تضاعف سروري بما عرفينه، مبتهجا بما منحينه، حامداً الله على ما أنينه. والأصح في كل ذلك: عرفنيه. . . منحنيه. . . آنانيه. إلى آخر ما هناك، فعسى أن تصلح هذه الأغلاط في طبعه ثانية.
4 - استدراكات ابن الخشاب على مقامات الحريري وانتصار
علامة المقدس ابن بري لابن الحريري
طبعت في مطبعة (الشركة الطبعية) بالأستانة الكائنة في خان الوزير سنة 1328. في 94 ص من قطع الثمن الصغير، وثمنه قرشان.
كتاب جليل من اجل كتب الانتقاد اللغوي، لا يطالعه الكاتب إلا ويرجع مملوء الحقيبة علماً
وتحقيقاً. وقد صدر الكتاب بترجمة ابن الخشاب، ثم بترجمة ابن بري. ودونك مثالاً وجيزاً يطلعك على ما في هذا السفر الصغير من النفع الكبير. قال في ص 56:
(وفيها (أي في المقامة الحادية والعشرين): (فاعتقبته أخطو متقاصراً، واريه لمحا باصراً.)
(قال ابن الخشاب):
هذا استعمال من لا يعلم حقيقة معنى قولهم: أراه لمحاً باصراً، لأن مراده(2/70)
اتقاصر لئلا يراني في اتباعي إياه، وأتامله مع ذلك تأملا شديداً، كيلا يفوت بصري. وهذا المعنى لا يؤديه قوله: أريه لمحاً باصراً، لأن قولهم: أراه لمحاً باصراً، أي نظراً بتحديق شديد.
(قال ابن بري):
(كلام ابن الحريري صحيح، لأنه أراد أني أخطو خلفه متقاصراً، وأتبعه نظراً بتحديق، لئلا أضل عنه بتقاصر خطوي، فيفوتني. فالمتقاصر على هذا اشد تحديقا من غير المتقاصر.)
هذا شاهد وجيز العبارة أتينا به، ليطلع على هذا الكتيب النفيس، من لم يقع بيده ليقدره حق قدره. ويسعى في الحصول عليه.
باب التقريظ
حفاوة التهليل بعيد اليوبيل
قصيدة عامرة الابيات، وعددها 51، نظمها حضرة الأب الفاضل القس باسيل بشوري السرياني البغدادي، بمناسبة عيد صاحب الغبطة الفضي، مار اغناطيوس افرام الثاني بطريرك السريان. وقد أجاد الشاعر في تعديد حسنات صاحب العيد بما هو أهل له. فنحن نهنئ الناظم والمنظوم له: الأول لإجادته في النظم، والثاني لبلوغه المرحلة الأولى من عمره، وهو رائع بحلة الفضل والفضيلة.
فوائد لغوية
سألنا بعضهم: ما احسن لفظة عربية تقابل الكلمة الفرنسوية في معناها المجازي، وما الذي يرادف كلمة
قلنا: معنى المجازي هو: محاكاة الواحد للآخر في حركاته وأقواله محاكاة مبالغاً فيها، حملاً للناظرين أو السامعين على الضحك.
وبعبارةٍ أخرى: هي أن يحكي الواحد فعل الآخر أو قوله على جهة الهزوء. ويقابلها بالعربية (اللمص) قال اللغويون: اللمص هو حكاية فعل الواحد أو قوله على جهة الهزوء.(2/71)
وأما ومعناها فن التمثيل بالإشارة أو الحركة فيقابلها بالعربية (المحاكاة).
وسألنا آخر: كيف أن لفظ (القداد) يعني (الترامواي)
قلنا: جاء في كتب اللغة: قد الشيء: قطعه مستطيلاً أو شقه طولاً. والعجلة السائرة على خطين من حديد، تجرها الدواب أو الكهربائية أو البخار، تتصور لعيني الرائي كأنها تشق الأرض شقاً مستطيلاً، لاسيما وهي تجري على قدد من حديد. والكلمة على قياس لفظة الجواري بمعنى السفن؛ وأنت تعلم أنها مشتقة من جرت السفينة على الماء بمعنى سارت عليه. ونظائر هذه الحروف كثيرة في العربية. وباب الوضع يعقد لأدنى ملابسة في المعنى بين كلمة وأخرى.
وسألنا آخر قال: جاء في مجلة الكوثر البيروتية (301: 3) في مقالة الحليم إبراهيم دموس ما هذا نصه: وقال آخر (وعد كلامه من سقطات الأقلام) في مقالة يصف فيها وصوله إلى أمريكا: (هي أول مرة وطئت أقدامي أرض أميركا)، ونسي حضرة الكاتب أنه إنسان وله
قدمان فقط، وليس هو من ذوات الأربع قوائم!! (ثم ذكر الكاتب أقوال كثير من الكتاب الذين سقطوا في مهواة هذه الهفوات ومنها العيون للعينين)
قلنا: كان يحسن بالمخطئ أن يطلع على أقوال العرب في هذا الباب قبل أن يتعرض لتخطئة جماعة من أئمة الكتاب، من قد برعوا في أصول الإنشاء والبلاغة. وما جوابنا هنا إلا ما ذكره السيوطي في المزهر 158: 1 قال:
(ومن سنن العرب ذكر الواحد والمراد الجمع. كقولهم للجماعة: ضيف وعدو. قال تعالى: هؤلاء ضيفي. وقال: ثم يخرجكم طفلاً. وذكر الجمع والمراد واحد أو اثنان. قال تعالى: إن يعف عن طائفة. والمراد واحد؛ أن الذين ينادونك من وراء الحجرات. والمنادي واحد؛ بم يرجع المرسلون. وهو واحد، بدليل: ارجع إليهم؛ فقد سغت قلوبكما، وهما قلبان. وصفة الجمع بصفة الواحد، نحو: وإن كنتم جنباً والملائكة بعد ذلك ظهير. وصفة الواحد والاثنين بصفة الجمع، نحو: برمة أعشار، وثوب اهدام،(2/72)
وحبل احذاف. قال: جاء الشتاء وقميصي أخلاق. وارض سباسب، يسمون كل بقعة منها سبسباً لاتساعها. قال: ومن الجمع يراد به الاثنان قولهم: امرأة ذات أوراك ومآكم. وبهذا النص كفاية للمخطئ.
وسألنا السائل المذكور: وأنكر كاتب الكوثر المذكور كلمة افود إذ قال: (302: 3) وجاء في الجريدة نفسها قول الآخر: (فنكتة أدبية هي عندهم افود من الانتقاد والصواب: أفيد، لأن الفعل يائي، لأنك تقول: (كلامك يفيدني) وليس: (يفودني).
قلنا: المراد بافود في العبارة المذكورة: (اثبت) من فاد المال لفلان: ثبت. والاسم الفائدة. وقد ذكر صاحب التاج في فود أنها واوية ويائية بعد قوله: والاسم الفائدة. وقال: لأن المصنف ذكرها في المادتين. ثم زاد على ما تقدم: وأفاده واستفاده وتفيده: اقتناه، وأفدته أنا: أعطيته إياه. وسيأتي بعض ذلك في قيد، لأن الكلمة يائية وواوية.
ومن احسن الأدلة على أن الافود من الفائدة جاءت بمعنى الافيد استعمال صاحب التاج لها. قال في مادة قصر: (506: 3) (ولو ذكر المصنف الكل في محل واحد كان افود.) وكفى بذلك جواباً، لشهرة صاحب التاج ولا سيما بعد أن قال في مادة ف ود) أن الكلمة يائية وواوية، فجاء استعماله هذا بالواو سنداً لما ذهب إليه.
على أن كاتب مقالة (سقطات الأقلام) قد خطئ اكثر مما خطأ فكان يجدر به أن يتحقق
الأمور قبل أن يستهدف لسهام الأقلام. والسلام.
سؤال يسأله أحد أدباء النجف ويطلب من القراء أن يجيبوه عنه وهو في: (التأنيث في اللغة العربية)
هل هو أمر لفظي أو معنوي؟ ولو كان معنوياً فلماذا نجد اللفظين الموضوعين لمعنى واحد أحدهما مؤنثاً والآخر مذكراً؟ ولو كان أمراً لفظياً فهل له قياس يوقف عنده وقاعدة لا يتعداها؟ - وما هو ذلك الأمر الذي أوجب تأنيث هذا اللفظ دون ذاك.
وللقراء مهلة ثلاثة أشهر للجواب عنه، فأن لم يجب عنه أحد وافيناهم بما نحفظه في هذا الباب. والله المعين.(2/73)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - ابن الشعلان
غزا نوري بن الشعلان أعراب شمر، من العشائر الراجعة إلى ابن الرشيد في نجد، فغنم منهم ثلاثة آلاف بعير. فتأثره أصحاب الإبل، وهجموا عليه فاستردوها منه. وغنموا هجين ابن شعلان وقتلوا من أعرابهم جماعة، فرجع ابن شعلان بخفي حنين، وقد اخذوا منه رايته، وأرسلوا بها إلى الأمير ابن الرشيد.
2 - ابن هذال
غزا اذعار بن هذال عشائر الشام (الشرارات)، وغنم منهم مائة بعير، ورجع بها إلى أصحابه سالماً.
(عن الرياض)
3 - ابن السعود
اشتدت الضغائن بين شريف مكة وابن السعود، وامتنعت قوافل نجد من الذهاب إلى الحجاز، ورجع وفد ابن السعود من عند الشريف، وامتنع عن الحج سكان ديار نجد هذه السنة؛ وقد أفاد بذلك القومان الأستانة وكل منهما يروي الحكايات تبعاً لغاياته، وعليه فإن لم تخمد الحكومة هذه الفتن فالظنون أن ابن السعود يتفق مع بعض الأمراء على الشريف. فيكون من هذا الاتفاق ما يكون وهو ما تطلبه سياسة إحدى الدول وتسعى له منذ حين من الدهر.
(عنها)
4 - ابن الرشيد
أرسل ابن الرشيد إلى الأستانة وفداً برئاسة ناصر باشا الخشمان لمطالب متعددة، منها: قبول مبعوثين عن بلاد العرب النجدية، وإطلاق الحرية له لتأديب العصاة العائثين في العراق، والمطالبة بحقوق أبناء سعدون. وغيرها.
5 - الفدعان
أغار ابن مهيد، رئيس الفدعان، على شمر، النازلين بأنحاء الموصل، فغنم منهم 300 بعير كلها لفيصل بن فرحان باشا وقفل إلى دياره سالماً.
(عنها)
6 - الضفير
أغارت الضفير ومعها بعض أعراب ديار نجد على أطراف حمص وحلب(2/74)
فغنمت اباعر وأموالاً تجارية ورجعتا بها إلى ديارها بدون معارض.
(عنها)
7 - التمياط
اغار برغش التمياط ومعه حسين بن سعدون رئيس العبيد في مائتي فارس ولم يأت خبر إلى اليوم بما صاروا إليه.
(عنها)
8 - نزال ابن مهيد وشمر
استنزل ابن مهيد، قائد عشائر الفدعان وعنزة، عشائر شمر بالجزيرة، وقد زحف بعشائره وعبر نهر الفرات واجتاز عانه وراوة متوجهاً إلى شمر في أنحاء الموصل
(عنها)
9 - شمر
خرج الحميدي، رئيس عشائر شمر، في اطرف الموصل ومعه طائفة من العسكر لتحصيل الضرائب الأميرية
(عنها)
10 - الدويش
غزا الدويش، رئيس قبيلة مطير؛ فغنم اباعر فهد الدغيم بن هذال وقبيلته، ولما صار إلى الصحراء أهلكه الظمأ؛ فمات من أصحابه ثلاثون رجلاً، ورجع من بقي منهم إلى ربوعهم صفر اليدين، لأن الإبل التي استاقوها رجعت إلى أصحابها من تلقاء أنفسها إذ بقيت بدون
سائق.
(عنها)
11 - الضفير وأولاد سعدون
آبى عجيمي بك السعدون أن يصالح الضفير بعد تلك الخيانة الشهيرة. وهو على وشك الرحيل إلى حائل، مقر إمارة ابن الرشيد. وسبب انتكاث حبل الأمن بعد إمراره أن ابن ضويحي، أحد مشايخ الضفير، استاق من عشيرة عجيمي بك ابلاً من موطن يبعد عن الزبير 8 ساعات. والآن يحاول الضفير المصالحة بإلحاح فأحالهم عجيمي بك على رأي ابن الرشيد وبما يأمر به.
12 - تسقيف الأسواق بالتوتياء
جميع أسواق بغداد مسقفة بالحصر والبواري والقصب، ممدودة على المرادي المقاومة بهيئة مسنم، فكانت إذا أصابتها النار تضطرم اضطرام الهشيم، فلا تلبث أن تصير رماداً في قليل من الزمن. ولهذا كان يكثر الحريق في بغداد لاسيما في أيام الصيف. وأما الآن فأن البلدية اهتمت بإبدال الحصر بالتوتياء (الزنك) وقد سقفت كثير منها على هذه الصورة المستحسنة وأمن الناس شر الحريق.(2/75)
13 - احتجاب جرائد الموصل
توارت عن الأنظار جريدة نينوى والنجاح وجكة باز وتلاثتها موصلية.
14 - وفاة الشيخ غلام رسول الهندي
توفي هذا الشيخ مبطونا في 1 تموز وله من العمر نحو ستين عاما. وهو هندي الموطن، وقد قدم العراق منذ اكثر من 20 سنة، وكان صادق اللهجة العربية، عارفاً بقواعدها وشواردها. يحسن التكلم بها على الأصول الأعرابية بدون تعمل أو تصنع. وكان أول تدريسه في بغداد في جامع عبد القادر الجيلى، ثم انتقل بعد نحو سنة إلى جامع الست نفيسة، ثم درس في جامع حبيب الأعجمي، ومنه تحول إلى جامع الباجه جي، ومنه ذهب إلى مندلي (البندنيجين)، ولما قدم منها عين مدرساً في جامع الخضار. وكان متفرغا لعلوم الدين، ولا سيما لتعلم الكلام منها. وكان يعلم أيضاً الرياضيات. وقد رحل إلى الأستانة
ثلاث مرات. وكان في منتهى القناعة وقد تخرج عليه جم غفير من أبناء هذه المدينة ومن غيرها من مدن العراق. - وهو لم يؤلف شيئاً سوى بعض التعليقات وهذه أيضاً لم تر عالم المطبوعات. وقد حضر دفنته زرافات من الناس من طلبته ومن معارفه ومن غيرهم. إن الله مع الصابرين.
15 - ارتفاع أسعار الأرضين في بغداد
منذ أن سمع الناس بأن الحكومة صممت على مد السكة الحديدية بين بغداد وحلب، ثم بين بغداد والبصرة، جد كثير في مشترى الأراضي في بغداد وما جاورها، ولا سيما ما كان منها واقعاً على إحدى ضفتي دجلة. ولما أعلن الدستور في أنحاء الدولة زادت الرغبة في مشترى الأملاك حتى أن أثمانها ارتفعت أضعاف الأضعاف. واليوم اغلب المشترين هم الاجانب، واليهود الوطنيون، واغلب البائعين هم المسلمون ثم النصارى. ولا بد أن نذكر بعض الشواهد على ارتفاع هذه الأسعار الفاحشة، من ذلك:
ما اشتراه سعادة الكونت جبرائيل أصفر في سنة 1906 في محلة السيد سلطان علي، وهو بستان مساحته 9000 ذراع مربعة بقيمة 2000 ليرة مع النفقات. والآن طلب منه الراغبين في مقتنى قطعة منه دافعين في الذراع من(2/76)
ليرتين إلى ليرتين ونصف؛ والبائع يطلب 3 ليرات بالذراع. فتكون قيمة تلك الأرض سبعة أضعاف ما كانت عليه قبل 6 سنوات.
اشترى قيومجيان أفندي في نحو سنة 1905 أرضا في محلة الدباغ خانة بقيمة 500 ليرة عثمانية. والآن يدفع له بها 2300 ليرة وهو يأبى بيعها بهذه القيمة.
لصديقنا ن. أرض اشتراها سنة 1908 بقيمة 300 ليرة عثمانية. والآن يدفع له بها 1200 ليرة. والأرض واقعة في كرادة البو جمعة أي تحت كرد الباشا حيث تشيد القصور. وصاحب الأرض لا يبيع منها قيد ذراع.
وفي سنة 1903 اشترى حضرة القس يوحنا مقصود جاقر بستاناً في محلة الزاوية، بقرب السيد ادريس، طوله 250 متراً في عرض 50، بمبلغ قدره 300 ليرة. فبيع بهذا الشهر بمبلغ 1300 ليرة وقد اقتطع منها قطعة لنفسه بقيمة 300 ليرة، فيكون حضرة القس ربح 1300 ليرة مع أناء بستانه في مدة السنوات التسع التي مضت.
وأما أثمان الدور في داخل المدينة فقد تضاعفت أيضا، ولا سيما ما كان منها مبنيا على شاطئ دجلة من جانب الرصافة.
والآن اخذ الألمانيون في تعيين موقع محطة السكة الحديدية وهو في جانب الكرخ بازاء دار ريشارتز قنصل ألمانية سابقا، الواقع في جانب الرصافة، ولهذا ارتفعت فجأة أسعار أراضي كرادة مريم بما يفوق التصور. وقد اشترى الألمانيون اغلب تلك الأملاك.
وقالت الرياض: كانت قيمة السيفية 300 ليرة فاشتراها الأجانب بمبلغ 7200 ليرة. وكانت قيمة اليوسفية 600 ليرة فاشتراها الأعراب بمبلغ قدره 6200 ليرة. وهناك غير هذه الأملاك مما هو في شرقي بغداد وغربيها.
16 - الحرائق في بغداد
كثرت الحرائق في بغداد حتى حار أهلها في أمرها وتتاليها، وبأضرارها،(2/77)
ودونك الآن عددها في هذا الشهر:
1 - حريق ليلة الاثنين الواقع في 8 من هذا الشهر. وقد شبت النار نحو الساعة 12 زوالية في قهوة محمود بن حسين الواقعة في محلة الصدرية. وأطفأت بعد ثلاث ساعات من نشوبها. ولم تتجاوز مشرب القهوة.
2 - شبت النار يوم الجمعة في 12 من هذا الشهر بساعتين بعد الظهر في حجرة الملا حسين صاحب خان الدجاج الواقع في سوق العطارين، وكان سببها بقايا لفيفة تبغ، ألقيت هناك، فسرت نارها إلى ما يقرب منها من الكاغد، فاحترق الخان وما فيه ثم اندلع لسانها إلى ما يجاورها فكلفت طعمتها من 25 إلى 30 ألف ليرة على ما يتناقله الناس. ولعل في المبلغ مبالغة.
3 - استعرت النار في ضحوة ذلك اليوم في المنضحة (مكينة السقي أو طرمبة الماء كما يقول أهل بغداد) التي تسقي أرض محمود أفندي في ديالى. فأضرت بمتولي أمرها وهما: حسن بن عباس وابنه جاسم، حتى أصبحت اليوم حياتهما في خطر. وقد دبت النار إلى الغابة المجاورة المعروفة بالجادرية فأكلت الحطب المقطوع وأشجار الحرجة، وبقيت تضطرم إلى أن لم تجد ما تفترسه.
4 - في ذلك النهار دبت النار في دار مختار محلة (فضوة العرب) وهو الحاج ناصر،
فأحرقت الدار برمتها، ولم تبق فيها شيئاً ولم تذر، لكنها لم تتعداها إلى سائر الدور، وسبب نشوبها الحطب الموضوع في المطبخ بجوار النار المتقدة للطعام.
5 - شبت النار أيضاً في ذلك النهار (وكانت حرارته في الظل 45 درجة مع رياح غربية حارة من نوع السموم) في دار زهرة بنت صالح من أهالي محلة الحاج فتحي، فسرت النار من الموقد إلى ما يجاوره، فأحرقت الدار وحدها ولم تتجاوزها.
6 - في اليوم الثاني في 13 من هذا الشهر شبت النار في موقد حمام الحاج رسول أفندي فأخمدت من فورها بهمة رجال الإطفاء ولم يصب الحمام أو غيره(2/78)
مما يجاوره بضرر يذكر.
17 - تغير حالة الهواء
كانت حرارة حزيران غير مألوفة هذه السنة، لشدتها في غير أوانها، كما ذكرنا في العدد السابق. وفي أوائل شهر تموز حدث تغير فجائي وهبوط غريب في الحرارة حتى كان معظم الحرارة في بعض الأيام 37 درجة مئوية، وهو أمر غريب يكذب المثل العامي البغدادي: حر تموز، يحمي الماء بالكوز. وفي الموصل شعر الناس ببرد شديد في الليل حتى تذكروا برد تشرين الأول، إلا أن الهواء كان طيباً في النهار؛ وسبب هذا البرد وقوع ثلج في الجبال المجاورة للموصل مع مطر في ديار بكر وجوارها. فأصبحت هذه السنة، صيفها وشتاؤها من اغرب السنين.
18 - ادمون أفندي بشارة
قدم في أوائل هذا الشهر حضرة المهندس البارع الشهير ادمون أفندي بشارة، وقد عينته الدولة العلية مندوباً عثمانياً لها ومهندساً أكبر لأعمال الري في العراق. ونحن نفخر به لأنه من أبناء الدولة المخلصين لها، والعاملين لنجاح الوطن وترقيه. ونأمل بقدومه تقدم الأشغال وسرعتها.
19 - معتمد الأمير ابن الرشيد
وقدم إلى حاضرتنا في الأسبوع الأول من هذا الشهر عبد الله أفندي ابن جاسم، معتمد الأمير سعود باشا الرشيد، لأمور عائدة إلى حضرة الأمير والدولة.
20 - إيران
خمدت نار الفتنة والاضطراب في إيران، لا سيما بعد أن قتل الأمير فرمان فرما داود خان وابنه الكبير، وأقام خلفاً للأب، الابن، سليمان خان رئيساً على عشائر الكلهر. وإقراراً بهذا الفضل أهدى هذا الولد إلى الأمير المذكور هدية تبلغ قيمتها 50 ألف تومان و30 بغلا و3 رؤوس من جياد الخيل.
21 - الابيل الدكتور موسيل والأمير سكتوس البربوني
نهار السبت 4 أيار قدم إلى حاضرتنا الابيل الدكتور الرحالة لويس موسيل، ومعه البرنس سكستوس من بيت بربون بارما، ومن بعد أخذا راحتهما في المدينة وتجولا فيها مدة 4 أيام، سافرا نحو شمالي بغداد. وقد أتيا إلى إدارة(2/79)
هذه المجلة وتجاذبا أطراف الكلام مع صاحبها. ويؤخذ من كلام حضرتيهما، أنهما عثرا على أسماء بلدان وقرى مذكورة في التاريخ، وكان يظن أنها أصبحت في خبر كان، ولم يبق منها اسم يعرف. وقد حققا أيضاً أموراً شتى تخالف ما جاء به الأب لامنس اليسوعي في ما كتبه عن الأخطل وتاريخ بني أمية. لأنه كان كتب ما كتب عن جهل البلاد التي لم يطأها. مما وقعا عليه أيضاً حقائق مقررة عن بلاد العرب كان قد طمسها البرنس الإيطالي كائتاني، في كتابه تاريخ المسلمين أو قلبها ظهراً لبطن، لأنه يجهل تلك الديار. والخلاصة أن هذين السائحين وقعا على أمور كثيرة، من شأنها أن تصلح ما أفسده بعض المستشرقين الذين يضعون أنفسهم فوق ما هم عليه. وسوف ينشرانها خدمة للعلم.
والبرنس الشاب المذكور جاب ديار الإفرنج ومصر والحبشة، ثم رغب في الضرب في ربوع العرب ليتعرف بأهلها، وقبائلها، وعوائدها، وآدابها، فرافق لهذه الغاية، الابيل الدكتور موسيل االنمسوي، وهو من اعظم الناس خبرة بلغة العرب، وتاريخهم، وبلادهم، وأحوالهم، إذ قد تفرغ لها منذ 16 سنة، فتوفقا في رحلتهما هذه، وخططا جميع ما رأياه من البلاد، ودونا الحقائق التاريخية، وعثرا على كتابات ورقم كثيرة مفيدة للعلم والتاريخ اعظم فائدة.
وللابيل المذكور كتب كثيرة في بلاد العرب على اختلاف انحائها، وقد شهد له القوم
بمحاسنها، وبما فيها من الأمور المبتكرة التي لم يأت بمثلها من سبقه في تلك الأبحاث.
إلا أنه يسؤنا أن نذكر هنا، أن أعراب شمر غزوها قبل أن يصلا حلب بيومين، واخذوا منهما كل ما كان معهما، ومن جملة ذلك مصور بلاد العرب والديار التي هبطوا فيها، ومجموعة نباتات نادرة لا يعرفها الإفرنج إلى اليوم، يبلغ عددها على ما قيل 800 نوع. فذهب الابيل موسيل إلى شيخ شمر واسترجع منه كل ما نهبوه إلا الجمال وبعض الاثاث، وتبلغ قيمتها 15000 فرنك فقد بقيت بأيديهم. وأما اليوم فأن السائحين قد وصلا محلهما وعن قريب ينشران فوائد رحلتهما. فالحمد لله على سلامتهما وعلى ما عثرا عليه من الآثار العلمية والتاريخية على ضروبها.(2/80)
العدد 15 - بتاريخ: 01 - 09 - 1912
الصحف
صوت الشعوب وصيتها الصحف ... تجري بهم للمجد أن وقفوا
ماذا أقول وكيف اذكرها ... وبأي وصفٍ مثلها اصف
أن قلت داعية العلى فلها ... ولأهلها العلياء والشرف
الناطقات ونطقها حكم ... والحاكمات وحكمها النصف
والعادلات فلا يلم بها ... كلا ولا برجالها الجنف
والمنزلات على الأولى ظلموا ... رجزاً بما ظلموا وما اعتسفوا
فهي اللواتي أينما ثقفت ... تأتي عليهم أينما ثقفوا
عكفت تندد بالذي فعلوا ... وهم على مرضاتها عكفوا
من كل سائرةٍ مغلفةٍ ... كالدر اطلع وجهه الصدف
لا البحر يمنع أن تخب به ... سيراً ولا المتباعد القذف
منهن نور الفضل (مقتبس) ... وبهن نور (العلم) (مقتطف)
المورقات فكل زاهرة ... في مجتلاها روضة انف
بيضاء ما وشيت بأسودها ... إلا تلاقي الصبح والسدف
فإذا ترى لونيهما اختلفا ... فالناس من اجليهما ائتلفوا(2/81)
عرفوا الحقوق وكل عارفةٍ ... فيها ولولاها لما عرفوا
ولمنكري آياتها كشفت ... عن حجة كالصبح فاعترفوا
كم سددت بالحق أسهمها ... لكن قلب الباطل الهدف
الداعيات لكل سالفة ... غراء أبقاها لنا السلف
أخلاق علامين أن وعدوا ... لم يخلفوا حاشاهم الخلف
قوم إذا ما الضيم أوترهم ... نهضوا له بالعزم فانتصفوا
لا يتلف المعروف بينهم ... هيهات بل يحمي ولو تلفوا
لا يأسفون على فنائهم ... فيه وحق عليهم الأسف
لهم إلى العلياء متجه ... وبهم عن الفحشاء منصرف
لم يتبعوا بالحلف قولهم ... فإذا دعوا فالصدق إن حلفوا
ترفت ضمائرهم فما بطروا ... فيها ولا أغواهم الترف
كم مفخرٍ أبدوه مخترعاً ... لله ما اخترعوا وما اكتشفوا
النجف:
محمد باقر الشبيبي
العشائر القاطنة بين بغداد وسامراء
1 - خطورة البحث
البحث عن العشائر والقبائل الصغيرة المجهولة النسب، من اصعب الأبحاث، وبالأخص العشائر القاطنة في أطراف العراق، من اللائي قد ضاع نسبها بانقسامها إلى افخاذ، وبطون، وعمائر، واختلط حابلها بنابلها، وفشت بينها الأخلاق الغريبة، والعوائد المستهجنة، باختلاطها بسكان المدن الذين هم خليط من أقوام مختلفة، وشعوب متفرقة. ولم يقف الباحثون، الذين يهمهم أمر هذه البلاد وسكانها، إلا وقوفاً طفيفاً على انساب تلك القبائل الحقيقية، وماضيها، وعاداتها، وأخلاقها. ذلك لأن اكثر هذه القبائل قد خيم الجهل في ربوعها، وضرب ستاراً كثيفاً على عقول أفرادها، فحجب أبصارهم عن(2/82)
إدراك حقيقة ماضيهم، حتى جعلهم لا يعرفون من هذه الحياة أمراً سوى القتل، والنهب، والسلب. ولو سألت واحداً منهم عن تاريخ قبيلته، ونسبها، وتاريخ الأراضي القاطنة فيها، وعن السبب في تسميتها، باسمها الحالي، لما أمكنه أن يجيبك عن سؤالك بشيء، وبقي واجماً لا يعرف ماذا يقول وماذا يفعل؟
ومما يزيد البحث صعوبةً وخطورةً: عدم وجود كتاب أو رسالة بحث عن أحوال هاتيك القبائل، وعن أسباب هذا التشعب الذي بدا فيها، من تفرقهم إلى بطون، وأفخاذ، وعمائر، وجماعات. وهناك أسماء محرفة، مشوهة، تزيدك ارتباكاً وضلالاً. وإذا وجد شيء من ذلك، فهو لا يميط لك النقاب عن تلك المسميات. ولا يهديك إلى ضالتك المنشودة، وغايتك المطلوبة. وزيادة على ذلك، أن الحكومة السابقة، صاحبة البلاد، لم تكن تعرف من أمر هذه
القبائل شيئاً سوى أن منهم الزراع، والغزاة، وقطاع الطرق، وأن منهم من يطيعونها، فتضرب عليهم الرسوم الفادحة والضرائب الثقيلة، فتثقل كاهلهم بالديون، وتجعلهم يئنون من وطأة الفقر عليهم. وإن منهم من يعصون أمرها، فكانت تسوق عليهم الجنود فترجع أما بصفقة الخاسر المغبون، وأما بتشتيت تلك القبائل في أطراف البلاد، فينتشر عقد جامعتها، ويذهب بذلك نسبها، ويمحى تاريخها، بمحو عصبيتها وجامعتها، وتندرس أطلالها، وتعفى رسومها.
وعندي أنه لولا عصبة من دهاقين الغرب المنقبين، وفئة من أساطين الشرق الباحثين، تتبع الحوادث، وتقيد الشارد والوارد منها، وتبحث من غير كلل ولا ملل عن أحوال تلك القبائل، وتاريخها، ونسبها، فتذلل لنا الصعاب وتزيل عنها العقبات؛ بما كشفته من الأسرار الغامضة، لذهب تاريخها، كما ذهب من قبلها تاريخ عاد وثمود، وسائر الأمم البائدة. إلا أن أبحاث أولئك المنقبين، ويا للأسف! محصورة في بعض العشائر التي تراجع الكويت، وتتردد إلى البلدان الساحلية، ولم تتعرض لغيرها.
ومن القبائل التي لم يهتد إليها كبار الباحثين، ولم يعرف تاريخها عظماء الاجتماعيين، القبائل القاطنة في ضفف دجلة، بين بغداد وسامراء (أو سر(2/83)
من رأى) وهي موضوع بحثنا، ولصعوبة ووعورة طريقه، نستميح القراء عذراً، عما يبدو لنا من الغلطات، والهفوات. ولما كانت هذه القبائل كثيرة الاختلاط بعضها ببعض، والخصال المستحكمة في قبيلة، مستحكمة في أخرى؛ والبحث عن أخلاق وعادات قبيلة، كالبحث عن جميعها، أردنا أن نورد هنا البحث عنها مجملاً، ونأتي بعد ذلك بما نعرفه من مصيفها، ومشتاها، وأقامتها، وترحالها، وزرعها، وحاصلاتها، وعدد رجالها، ورؤسائها مفصلاً وعلى ذلك نقول:
2 - حالتها الاجتماعية
من طبيعة البلاد التي يقل فيها الرزق، وتشتد الفاقة بسكانها، ويعم الخراب اراضيها، ان يشتغل القاطنون فيها بالتنقل والارتحال، من مكان إلى آخر، طلباً للرزق وللحصول على المعيشة الضرورية، ومن اجل ذلك كان اكثر الأعراب رحلاً، وهم سكان البادية الجرداء الخالية من كل نهر وينبوع، يتنقلون من قطر إلى آخر، للانتجاع، والافتلاء، ومن طبيعة اشتداد الفاقة التنازع، والتنافس، وعلى هذا المبدأ ابن أحوال جميع الأعراب، فانهم لما
كانوا قليلي الاعتناء بالأمور الزراعية التي تزيد رفاهيتهم، اشتدت الفاقة بهم فتولد من ذلك الخصام، والقتال على الأراضي والمياه والمواشي والأنعام. حتى عد ذلك من خصالهم وصفاتهم، ولهذا لم يعدوا القتل والغزو سبة أو أمراً كبيراً لاعتيادهم إياهما. وكلما أتاح الجهل لهذه الحروب فرصة، ثارت نيرانها واندلعت السنة لهيبها، ولو حدث بعضها في بلد آمن قد ضرب العلم فيه اطنابه، وخيمت المدنية في ربوعه، لعد أمراً ذا بال، ينفر النفوس، ويستوقف الأنظار. - وعليه فأن هذه الشجاعة وهذا الأقدام اللذين يبديهما الأعراب في حروبهم وغزواتهم هي نتيجة تمرنهم عليها، إذ أن الإنسان قابل لكل شيء.
وهذه العشائر التي نحن بصددها تقسم قسمين: قسم قد اقتطعوا أرضاً فيزرعونها ويحرثونها، وهؤلاء هم الذين يتخذون دوراً من اللبن، لحماية حيواناتهم ودوابهم من حرارة القيظ. وبرد الشتاء، وبيوتاً للسكنى يصطنعونها في أيام الصيف، من عروق السوس والعاقول (نوع من الشوك(2/84)
أخضر اللون) فيرشون عليها الماء، فيجد الساكن فيها لذة عجيبة، لأن الهواء يأتيه من منافذ العاقول بارداً نقياً، ولو كانت حرارة الشمس شديدة الوطأة. وفي الشتاء يرحلون من الأراضي الوطيئة إلى الأراضي المرتفعة، التي لاتصل إليها المياه، عند فيضان دجلة، فيكونون في مأمن من الغرق، ومع ذلك يكثر فيها النبات والعشب فتكون مرعى لحيواناتهم. - ويتخذون حينئذٍ لسكانهم بيوتاً من الشعر وزان (سبب) تقام على أعمدة من الخشب لا يتجاوز طولها مترين، تقيهم برد الشتاء. وهؤلاء بطبيعتهم هادئون، قليلو الغزو، لاشتغالهم بالزرع والحرث، وتربية المواشي، مما يغنيهم عن طرق أبواب السلب والنهب. وسمى ابن خلدون مثل هؤلاء البدو (أهل مدر). والقسم الأخر يعنون بتربية الاغنام، والابل، وسائر الأنعام، يتغذون بلبانها، ويتجرون بأصوافها، ويندر بينهم أن يستقروا بأرض واحدةٍ، بل دأبهم التنقل والارتحال ارتياداً للمنتجع. ولما كان الارتزاق من الأنعام ضيقاً، ومن طبيعة ضيق الرزق التنازع فيه رأيت دأب هؤلاء البدو الغارات، ونهب المواشي بعضهم لبعض.
3 - أسماء القبائل وأخلاقها وعاداتها
العشائر القاطنة في ضفاف دجلة، بين بغداد وسامراء كثيرة، وهي مختلفة في مصيفها، ومشتاها، وانتجاعها، وافتلائها، وزروعها، واراضيها، بقدر ما هي متفقة الكلمة، ومربوطة
بعضها ببعضٍ بجامعة واحدةٍ. وهي الجامعة العربية بالوجه الاخص، والعثمانية بالوجه الأعم. وأما أخلاقهم فهي كأخلاق سائر العرب أي الكرم، والوفاء، وأداء الأمانة، وإكرام الضيف، والإباء، وحسن الجوار، وإعالة الفقير، والمدافعة عن الدخيل. ومن طبيعتهم الشجاعة، والأقدام، والثبات، والصبر على الملمات. ولهم عادات لا تزال مستحكمة فيهم منذ عصور الجاهلية، واطلاع غريب على خفيات الأمور، كالقيافة مثلاُ فانهم يزعمون أن الولد إذا ولدته أمه يجب أن يكون بين هيئته وهيئة أبيه تقارب في الهيكل، والشكل، والطول، والقصر. والقيافة علم يؤخذ بالحدس والتخمين، لا بالاستدلال واليقين، ولهذا يعتبر من شر العلوم،(2/85)
لما يقوم على الظن من الأمور الكبائر. والقيافة من العلوم التي كانت قبل الإسلام؛ ومختصة ببني مدلج ومضر بن نزار ومنهم تعلمته القبائل العربية. وهي كثيراً ما هتكت الحرائر، وفضحت الطاهرات ظلماً وزوراً. وهؤلاء لا يزالون عاكفين على هذا العلم المستهجن، وكثيراً ما اتهموا زوجاتهم بالمنكرات التي لا حقيقة لها البتة،
وأما ما يتعلق بسحناتهم، فهم سمر الألوان المشربة بحمرة صبيحو الوجوه، سود العيون كبارها، حادو النظر، لؤلؤيو الأسنان، قويو الأبدان، رحبو الصدور، ضخام الجثة مع طول، ويقل بينهم القصار. ولهم حذاقة ومهارة عجيبة بإصابة المرمى؛ كثيرو الصبر على الظما، والجوع، والعري، والحر، والبرد. وهم يضفرون شعورهم (قصائب) أي جدائل، ويرسلونها على اقفيتهم، أو على جانبي رؤوسهم أو على خديهم، ويسرحون لحاهم، ويخففون من شواربهم، ويقتاتون لحوم الابل، والضان؛ ويتغذون بألبانها. ومن أشهر تلك القبائل: بنو تميم، والمجمع، والعيدان، والحباب، والسعود، والبو عتاب، والبو دراج، والبو عباس، والبو عيسى، والبو مليس، والبو نيسان، والبو اسود، والبو باز، والبو صليبي، والغوالبه، والجبور، والخزرج، والبو فراج، والكبيشات، والبو طلحة، والعزة، والمشاهدة. وسيأتي ذكرها مفصلاً.
4 - المزروعات والحاصلات
تزرع هذه القبائل أرضاً كبيرة ممتدة على جانبي دجلة، من قضاء الكاظمية إلى سامراء من الجهة اليمنى، ومن ناحية الأعظمية إلى سامراء أيضاً من الجهة اليسرى، وتقدر الأراضي المزروعة على الجانبين بما يزيد على 20 ألف فدانٍ. والزرع هناك قسمان: صيفي
وشتوي، فالصيفي يزرع على ضفاف النهر وتسقيه المياه التي تجرها السانية، وهي الناقة، أو البغلة، أو البقرة التي يستقى عليها من البئر بواسطة دلو كبيرةٍ، فيسيحون الماء على المزروعات بالسواقي (بالأنهر الصغيرة) وهو ما يسمونه عندهم (بزرع الكرود). وكان الأقدمون يسمونه (زرع السيح أو زرع السانية). والشتوي هو الذي يزرع(2/86)
في الأراضي المرتفعة البعيدة عن النهر، الآمنة من الغرق، فتسقيه السماء بما تجود عليه السحب من المياه وهو ما يسمونه (زرع الديم)؛ وكان يسميه الأقدمون (العذي)؛ ولهم نخيل وأشجار لا يصلها سيح ولا مطر، فيشرب بعروقه من غير سقي ولا سماءٍ وهو (البعل). ومن مزروعاتهم الصيفية الذرة، والدخن، والسمسم، واللوبيا، والماش، ويقدر محصولات هذه الأنواع بما يربو على 8 آلاف تغار. والخضروات، وعنايتهم بها قليلة لقلة أنفاقها أو صرفها وبعد الولاية عنهم. والرقي (البطيخ الأحمر) والبطيخ (البطيخ الأصفر أو القاون) وهذان النوعان مبذولان لكثرتهما هناك، وسهولة إنفاقهما، وفي كل سنة يرسل منهما إلى بغداد قدر جليل، ويبلغ قيمة حاصلاتهما خمسة آلاف ليرة. ومن مزروعاتهم الشتوية القمح، والشعير والهرطمان، والعدس، وغيرها. ومزروعاتهم هذه كلها على الأصول القديمة.
5 - رسوم الحكومة وضرائبها
كانت الحكومة تأخذ سابقاً من هذه العشائر رسوماً كثيرة؛ وكانت كلها ثقيلة وهي التي حملت الكثيرين من رؤسائها على أن يندمجوا في العشائر الرحل هرباً من تلك الضرائب الفادحة؛ وبقيت اكثر الأراضي خراباً؛ ولو فتشت عن تلك الأراضي العامرة الآهلة بالسكان، لوجدتها اليوم اغلبها غامرة قفرة. ولو فتشت في دفاتر الحكومة لما وجدت فيها زيادة في الواردات بل نقصاناً، وأن كان ثم زيادة فما هي إلا من نماء موارد أخرى، أو من زيادة مكوس وضرائب. ولو أن الحكومة السابقة خففت من ثقلها ولم تستعمل العنف والشدة في تحصيلها، لعمرت اكثر الأراضي، ولعادت على الخزينة بالربح الكثير، والمال والغزير. ولو زادت على ذلك اتخاذ الوسائل الناجعة لوقايتهم من الغرق، فعمرت السدود، وشقت الجداول، وكرت الأنهار المندرسة، لما جاز لنا أن ننتقدها أو نطالبها بشيء. والأمل بهمة رجالنا الدستوريين الحاليين أن يتلافوا هذه الأخطار بأمرين: أما بإصلاح الأنهر وإنشاء السدود وشق الجداول، وأما بتخفيف الضرائب. وعندي أن العمل بالأول، يفيد(2/87)
الخزينة أضعاف ما كانت تحصله الحكومة السابقة بالعنف، والشدة، ولكفاها مؤونة سوق الجيوش، ومحاربة الرعايا، وإزهاق النفوس، ومن ضرائب تلك الحكومة التي يؤديها الأعراب اليوم، أنها تأخذ عن كل كردٍ من الكرود 30 مجيدياً. والكرد عبارة عن ثلاثة افدنة. ومن حيث أن المزروع 20000 فدانٍ أي عبارة عن 2000 كردٍ؛ فإذا ضرب بثلاثين مجيدياً، بلغت واردات الحكومة من الحاصلات الصيفية وحدها 60000 مجيدي أو ما يقرب من 11 ألف ليرة عثمانية. وتأخذ عن المزروعات الشتوية (الديم) الخمس؛ إلا أراضي (عظيم) وزان (زبير)، فإنها تأخذ عن شتويها العشر. وتأخذ عن كل رأس من الغنم أربعة غروش صحيحة؛ وعن كل رأس من الإبل فرنكاً واحداً. وتأخذ رسماً يسمى (البيتية) وهي ثلاثة عشر غرشاً صحيحاً عن كل رجل متأهل.
إبراهيم حلمي
الطيارة في ديار العرب والغرب
-
جاء في المثل العامي العراقي:
(طياره وطايره في السما أو بالسما). (فطياره) خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا أو هذه، بحسب المشبه، والجملة المقرونة بالواو حالية أتى بها لبيان أن التشبيه يكون في هذه الحالة، ولولا إياها لما صح التشبيه، وذاك ظاهر إذا نظر إلى مورد المثل.
والطيارة لعبة شائعة بين صبية العراق، وسائر الآفاق، تتخذ في الأغلب من القرطاس. وتكون على أشكال مختلفة، ولكل منها اسم خاص في العراق، فمنها ما يسمى بالطيارة العربية، وما يسمى بالطيارة العجمية (أي الفارسية أو الإيرانية) ومنها ما يسمى بالطيارة الافرنجية، ومنها يعرف باسم المربعة؛ والمستطيلة، والعقرقة، وغير ذلك.
وكيفية صنعها معروفة لاشتهارها. وهي تسمى بالفرنسية - وبالإنكليزية أو - وبالألمانية - وبالإيطالية وبالأسبانية وباللاتينية(2/88)
وبالنرمندية وبالتركية (اوجورتمة) وبالفارسية (بادبر، بادير، كاغد باد، باديرك، باد بادك أو باد برك). ووجود هذه الألفاظ في اللغات المحدثة دليل على أن استعمالها غير مختص بصبية العرب.
أما كيفية إرسالها فيكون بأن يركض صاحبها بخلاف مهب الريح، وأن يطلق لها رويداً رويداً الخيط الذي يربطها. وقد لاحظ أصحاب النظر أن الطيارة ترتفع صعوداً، وترسم على الأفق زاوية حادة لا تتجاوز الخمس والأربعين درجة. وإذا أردت أن لا (تضرب طيارتك رأساً) إلى اسفل شد بأسفلها (ذيلاً) تتخذه من الخرق المعقدة، أو من الكاغد الملفوف، على أبعاد متساوية أو تكاد، وتشدها كلها بخيط، وذاك الخيط يمسك التوازن في طيرانها.
وللهنود ولع خاص بها. ولهم مهارة فائقة في تطييرها. وقد يجعلون الفضاء ساحة حرب تشب نارها بين طياراتهم. والمنصور فيها من قطع خيط طيارة صاحبه. وهذا يكلفهم نفقات باهظة كما نشاهد ذلك فيهم ممن يحتل العراق.
وقد يجعل لهذه الطيارات بعض وريقاتٍ خصوصية تدوي في الهواء ونسمع أصواتاً مختلفة يسمونها (السنطور)؛ والطيارة التي فيها السنطور يسمونها (أم السنطور) وبعض الأحيان
يصعدون إلى الطيارة خرقه أو قطعة ورق أو مصباحاً يرسلونها على الخيط الذي باليد، فيسمون هذه القطعة (الساعي) كأنها تسعى بمنزلة الرسول إلى الطيارة.
وقد وجدت للطيارة أصلا عند العرب في سابق الزمن. قال أبو عنان الجاحظ في جملة كلام له فيما اشتق له من البيض اسم من كتاب الحيوان: (119: 4 وما يليها). . . وأما قول الشاعر الهذلي في مسيلمة الكذاب في احتياله وتمويهه وتشبيه ما يحتال به من أعلام الأنبياء بقوله:
بيضة قارورٍ وراية شادن ... وتوصيل مقصوص من الطير جائف(2/89)
قال: هذا شعر أنشدناه أبو الزرقاء سهم الخشعمي هذا، اكثر من أربعين سنة. والبيت من قصيدة كان انشدنيها، فلم احفظ منها إلا هذا البيت. فذكر أن مسيلمة طاف قبل التنبؤ في الأسواق التي كانت بين دور العجم والعرب، يلتقون فيها للتسوق والبياعات، كنحو سوق الأبلة، وسوق لقة (كذا في الأصل المطبوع وهو غلط. والأصح بقة بباء موحد تحتية في الأول بدلاً من اللام، وكذا وردت مصحفة في كتاب تاريخ آداب العرب للرافعي ص 85) وسوق الانبار، وسوق الحيرة. وقد كان يلتمس تعلم الحيل والنيرنجيات (وفي الأصل: النيرجان وهو غلط) وإحتيالات أصحاب الرقي والعزائم (وفي الأصل المطبوع: واختيارات النجوم والمتنبئين)، وقد كان احكم حيل السدنة وأصحاب الزجر (وفي الأصل المطبوع: حيل السدنة والحواء وأصحاب الزجر والخط، ومذهب الكاهن والعياف والساحر)، وصاحب الجن الذي كان يزعم ن معه تابعه. قال: فخرج وقد احكم من ذلك أموراً. وذكر الجاحظ كلاماً مسهباً في بيضة القارور وتوصيل المقصوص وكيف احتال بهما مسيلمة وموه على الأعراب إلى أن قال: ثم أنه قال لهم وذلك في ليلة منكرة الرياح مظلمة في بعض أزمان البوارح: إن الملائكة تنزل علي وهي ذوات أجنحة، ولمجيئها زجل، وخشخشة، وقعقعة؛ فمن كان منكم ظاهراً فليدخل منزله، فأن من تأمل اختطف بصره. ثم صنع راية من رايات الصبيان التي تعمل من الورق الصيني ومن الكاغد وتجعل لها الأذناب والأجنحة وتعلق في صدورها الجلاجل وترسل(2/90)
يوم الريح بالخيوط الطوال الصلاب. (قلنا: هذا وصف الطيارة أم السنطور) قال فبات القوم يتوقعون نزول الملائكة، ويلاحظون السماء، وأبطأ عنهم حتى قام جل أهل اليمامة وقويت الريح فأرسلها.
وهم لا يرون الخيوط. والليل لا يبين عن صورة الرق وعن دقة الكاغد، وقد توهموا قبل ذلك الملائكة. فلما سمعوا ذلك ورأوه تصارخوا. وصاح: من صرف بصره ودخل بيته فهو أمن، فاصبح القوم وقد أطبقوا على نصرته والدفع عنه. انتهى المراد من الاستشهاد بكلامه.
ونقل ابن أبي الحديد، في مقام يذكر فيه الطيرة والفال وما ورد في ذلك من الحكايات التاريخية، هذا الحديث عن الجاحظ باختلاف يسير في التعبير.
أقول: ويظهر من هذا الكلام أن هذه اللعبة كانت تسمى عند العرب (براية الشادن). لأن اسمها عند الأعاجم يعني هذا المعنى تقريباً. فمعنى اللفظة الفرنسوية (الأيل أو الشادن الطائر) ومعنى الإنكليزية (الحدأة الطائرة) ومعنى الألمانية (راية التمساح أو التنين) ومعنى الإيطالية كمعنى الفرنسوية، ومعنى الأسبانية (المذنبة) وهكذا إلى سائر حروف اللغات. فضلا عن أن شاعر العرب أراد أن يصف الشيء باسمه المعهود عندهم كما وصف بيضة القارور وتوصيل المقصوص؛ وإلا لما فهموه، لوضعه ألفاظاً حديثة المعنى. وعليه، تكون (راية الشادن) عند عرب الجاهلية بمعنى (الطيارة) عند المحدثين من أبناء العرب.
ويظهر من ذلك أيضاً أن مسيلمة الكذاب لم يخترع هذه اللعبة، بل كانت معروفة عند العرب الذين لم يكونوا من قبيلة.
أما أول من اخترعها فهو القائد الصيني (هان سين - بمائتي سنة قبل ولادة المسيح، والذي حداه إلى ذلك أنه حوصر هو وجنده في مدينة فاتخذ هذه الوسيلة للمفاوضة مع جيش يأتي لإمداده.(2/91)
وقد اتخذ فرانكلين الطيارة أو راية الشادن لاختبار في عالم الطبيعيات، في منتهى الإفادة، إلا أنه خطر. وقد توصل إلى أن يستل الكهربائية من السحب بطيارة، اثبت في رأسها مسماراً معدنياً، وربطها بحبل موصل الكهربائية.
ولقد اخترع روماس (العجلة الكهربائية) وهي مما يعين الباحث على التنقيب عن الكهربائية بدون أن يتعرض لخطر كهربائية السحب وذلك بواسطة الطيارة. وما هذه العجلة إلا مرفعة أو خنزيرة (ويسميها بعض عوام العراق بزونة وهي اسطوانة من خشب كالمحالة تدور على محور لترفع بها الأثقال وبالفرنسوية تقوم على قوائم من زجاج ويلف عليها خيط أو حبل الطيارة. وقد يلف ويحل هذا الخيط بمقبض من زجاج، حتى لا تضر
الكهربائية بمن يزاول البحث عن خواص كهربائية الغيوم، ولا تناله الصاعقة بوجه من الوجوه.
وإتماما لرواية المثل العامي نذكر هنا كيفية التلفظ بحروفه فنقول: (طياره) الطاء مكسورة بكسرة خفيفة، وقد تفتح فتحة طفيفة أيضا. والياء مشددة مفتوحة، وفي الأخر هاء ساكنة. (وطايره) الواو ساكنة وكذلك الياء التي تلي الألف. وفي الأخر هاء ساكنة. (بالسما) السين ساكنة والميم مفتوحة فتحة مشبعة، وقد تكسر السين فيكون في الآخر بدل الألف هاء ساكنة. يضرب هذا المثل للشخص الذي لا يستقر على حالة واحدة، وهو ينظر إلى قول الشاعر:
كريشة بمهب الريح طائرة ... لا تستقر على حالٍ من القلق
أو يضرب لمن اتسع له ميدان العمل فيفعل ما يشاء، كما قال الشاعر:
يالك من قبرةٍ بمعرٍ ... خلا لك الجو فبيضي وأصفري
ويضرب أيضاً للأمر الأسد الذي لا ينال، كما قال الأقدمون: اعز من الأبلق العقوق، ومن ألف الأسد، ومن است النمر، ومن أم قرفه، ومن بيض الانوق، ومن حليمة، ومن الزباء، ومن عقاب الجو، ومن الترياق، ومن مخ البعوض، ومن ابن الخصي، ومن الغراب الاعصم، ومن قنوع، ومن(2/92)
الكبريت الأحمر، ومن كليب وائل، ومن مروان القرظ.
هذا ما أردنا كتابته في هذا الباب، ومن زاد عليه فله الأجر والثواب
النجف:
مرج
السفن في العراق
1 - مقدمة تمهيدية
الإبحار، (أي ركوب البحر على سفينة أو نحوها)، أمر عريق في القدم. والظاهر، أن الذي ساق الإنسان إلى ركوب البحر - (والبحر في العربية ما خالف البر نهراً كان أو يماً) - رؤيته سير الأشجار، أو جذوعها، على ظهر الماء؛ فحاول حينئذٍ صنع شيء يتخذه من الخشب ليركبه، ويسير، به على الماء، تحدياً لما رأى.
ثم أوحى الله إلى نوح (ع) صنع الفلك، فانتقل الإبحار إلى طور النشوء البين؛ ومنذ ذاك ارتقى رويداً رويداً، حتى بلغ هذا المبلغ في أيامنا هذه. ونحن لا نتعرض هنا ألا للسفينة، وانواعها، وما يتعلق بها، على ما يشاهد اليوم في العراق.
2 - السفينة في العراق
المراد بالسفينة في العراق، مركب مائي يسير بالشراع أو بالمردى، أو بالمجذاف لا غير. وقد اختلفت أنواع تلك السفينة وأشكالها اليوم، كما اختلفت أسماؤها. ولم نعثر حتى اليوم على خبر يبين لنا هيئة السفينة القديمة في العراق، وكيف تدرج التغير في وضعها، حتى صارت إلى ما هي عليه اليوم؛ وذلك لأن وجود السفينة عندنا، وحالتها الأولى، اعني في عصور البابليين، مجهولة. ولم يعرف أسلافنا القدماء من أمر تلك الأمم البائدة شيئاً، إلا ما جاء منقولاً عن السنة الأعراب، من نوع الأقاصيص التافهة، المعروفة بالخرافات.
وعليه لم يعرفوا من سفنهم ما يفيدهم علماً بها، وببنائها، وبتركيبها، وبتسييرها.(2/93)
ثم أن الذين جاءوا أبعدهم، وهم أهل القرون الوسطى وما بعدها، وجدوا في عصر انحطت فيه المدنية، وتشاغل فيه الناس عن العلوم، ولم يلتفت إليها من كتب منهم، في مثل هذه المواضيع. وبقي أمر السفينة سدىً.
ولذا اخذ العرب هذه الصناعة (اعني صناعة السفن)، عن اليونانيين؛ فكانوا يبنونها على طرز سفن اليونان والرومان ثم عدلوها أيام حضارتهم.
والتعرض لهذا الموضوع، يستلزم تأليف كتاب، قائم برأسه. ولهذا نضرب صفحاً عن
الإيغال فيه. ونجتزئ بذكر ما يفيد بحثنا، وهو وصف السفينة العراقية الحالية، وشرح أسمائها، وآلاتها المتداولة المستعملة عند أهلها اليوم. والإشارة إلى المخالف والمؤالف منها عند الاقدمين، مستندين في وضع ذلك كله، على ما سمعناه من أهلها، ورأيناه بالمشاهدة، وسألناهم اياه، حينما ترددنا إلى نهري دجلة والفرات، غير مرة. ولم يكن لنا وقتئذٍ مركب على الماء سواها.
فلنبدأ الآن بوصف إنشاء السفينة أولا، ولنأت بعد ذلك على أسمائها، وآلاتها، شيئاً بعد شيء. فنقول:
3 - بناء السفينة العراقية
أول ما يبنى من السفينة صحنها، ويسمونه (طابقاً)، ويلفظون القاف كافاً فارسية أو جيما مصرية. وهو عبارة عن أخشاب سوية ممدودة عرضاً. ثم يؤخذ ببناء جنبيها، ويتخذان من أخشاب منحنيات قليلاً. وتسمى تلك الحنايا عند أهل السفن: (عطوفاً) وأحدها (عطف)، عند الأقدمين (قائفاً)؛ ويسمون ما بين العطوف: (جوابش - كوابش) جمع جابشٍ - كابشٍ) وعند الأقدمين: (طائقاً). ويختلف طول تلك الأخشاب وقصرها، وكذلك يختلف ارتفاع ذلك الجنب. فأطول ما يكون من خشب العطوف نحو ثلاثة أمتار. وأقصرها قراب مترٍ ونصف مترٍ. ويكون صدرها مرتفعاً مستطيلاً ملقوطاً أي ململماً. فهو أشبه شيء بأحد طرفي القوس إذا وضعتها على(2/94)
كبدها. أو أشبه شيء بعنق اللقلق؛ ومؤخرها غير مرتفع عن جنبها ولا هو مستطيل. ألا أنه ملقوط بدون ارتفاع وتسمر في تلك الأخشاب من الظاهر ألواح صغار تنشر من خشب الغرب، والتوت والصفصاف يبلغ طول كل لوحة منها متراً ونصف مترٍ في عرض 20 سنتيمتراً على الأكثر، ويكون ذلك التسمير بمسامير من حديد ينفذ طرفها إلى باطن السفينة، ثم يلوى المسمار على الخشبة بقدر ما ينفذ منه فيها، ويسمى ذلك اللوح المسمور (طابقاً) أيضاً. وبعد الفراغ من هذا العمل وإكماله تقام السفينة على أحد جنبيها. ثم تطلى بالقار المسمى (دوسة) وأول ما يطلى منها ظهرها. وإذا تم طلاؤها طرحت عليه، كما كانت في أول بنائها، ويبتدأ بتدميمها، اي بطلائها من اسفل جنبها حتى أعلاها. والمدمم (بالكسر) يسمى عندهم (قياراً) بتشديد الياء. وهي فصيحة: وتسمى آلته (سوبجا - سوبكا) وهي تصحيف الشوبك أو الشوبق وكلها من اصل فارسي وفصيحها بالعربية (المسطح)
وهو محور من الخشب، مستدق الطرفين، ضخم الوسط، يبلغ غلظ أكبرها عشرين سنتيمتراً، في طول 40 سنتيمتراً.
وأكبر نوع هذه السفن المبنية في العراق، وهو الذي يطلق عليه اسم السفينة دون سواه، يبلغ طوله 30 ذراعاً في عرض 6 اذرع من الأسفل(2/95)
وثماني اذرع ونصف ذراع من الأعلى. وليس على حاشيتها من فوق لوح ممدود يغشيها، بخلاف ما يأتي ذكره منها. ولا يكون سير السفينة إلا في دجلة، لأنك لا تكاد ترى منها واحدة في الفرات بين الألف من سفنه.
ومن السفن نوع آخر اسمه (المهيلة والبلم) وما شاكلهما - فالمهيلة تبنى كالسفينة إلا أن أخشاب جنبيها اكثر انحناء من السفينة، فهي أشبه شيء بإنسان مجردة أضلاعه من اللحم، ملقى على قفاه. أما صدرها فهو أوطأ من صدر السفينة وأطول، وهو كثير الشبه بجؤجؤ طير الماء، ومنه اسمه عند العرب أي الجؤجؤ. وأما مؤخرها فهو في الغالب غير ملقوط كثيراً، وعرض مؤخرها قراب مترين. وإذا كان كذلك يبنى عليه قبة، أو مخدع، أو علية، من الخشب يسمونها (عرشة).
وتغشى أخشاب المهيلة بلوح الساج، وطول كل لوحة منها من ثلاثة إلى خمسة أمتار في عرض 25 سنتيمتراً و5 سنتيمترات ثخناً على التقريب. ويعد الغشاء تجلفط، أو تقلفت، بالقطن والدهن، ولا تطلى بالقار أو بالزفت أبداً.
وصنع البلم مثل صنع المهيلة ألا أنه ليس فيه (عرشة) وليس في جنبيه انحناء كالمهيلة فهما بين جنبي السفينة والمهيلة وصدره ومؤخره واحد. وهما ملقوطان كمؤخر السفينة ومعقوفان إلى الأعلى. والبلم كلمة هندية وبلسانهم (ولم أو بلم).
ويقولون (وشر) المهيلة أو البلم أي صنعهما أو انفق ما يفي بصنعهما: ولعله مأخوذ من قولهم وشر الخشبة بالميشار إذا نشرها به.
ويقولون أيضاً (دق) السفينة، أي صنعها الصانع أو أمر بصنعها صاحب النفقة. وخصوا (الدق) بالسفينة، والتوشير بالمهيلة والبلم: لأن السفينة تطلى بالقار كما علمت، والمهيلة والبلم لا يطليان بالقار. وكذلك قالوا (وشر المهيلة والبلم، و (دق) السفينة، ويطلق الدق على كل ما يطلى من السفن بالقار. وكذلك(2/96)
يطلق (التوشير) على كل ما لا يطلى بالقار من
السفن.
ويسمى المجلفط، أو المقلفت، عندهم (جلافاً) بتشديد اللام، وهو تخفيف جلفاط. قال في المخصص ما نصه: (. . . والجلفاط الذي يجلفط السفن وهو أن يدخل بين مسامير الألواح وخروزها مشاقة الكتان ويمسحه بالزفت والقار.)
وسير هذين النوعين من السفن وما يشاكلهما يكون في الفرات، وقد تسير المهيلة في دجلة: أما البلم فلا تراه في دجلة.
هذا وصف السفينة في العراق وسيأتي وصف الأنواع الأخرى استطراداً عند ذكر اسمائها.
4 - أسماء بقية السفن في العراق
1: (البركش) يجمع عندهم على (براكش) وهو أكبر السفن وسيره من البصرة وما تحت. وفي دجلة بغداد اليوم نوع من السفن يسمى بهذا الاسم أيضاً يبلغ طوله قراب 5 أمتار في عرض مترين، وارتفاع جنبه عن الماء نحو متر واحد، وصنعه من اللوح المقلفط والمطلي بالقار الرقيق: وله دقل وسكان ولا عرشة فيه وهو ملقوط الطرفين بقصر، إلا أن مؤخره اعرض من صدره: وهو أشبه شيء (بالدوبة) أي جنيب المركب البخاري الذي يسير بين بغداد والبصرة. أو (بالقائق) أي البلم البغدادي.
2: (البغلة) تجمع عندهم على (بغال) و (وبغلات): من السفن الكبار السيارة في البحار، لاسيما في خليج فارس وبحر الهند
3: (البلم) يجمع عندهم على (ابلام) (باسكان الهمزة وتخفيف اللام) (وبلامة) (وبلمات) والبلم كلمة هندية من (الولم) وقد تقدم وصفه ولا عرشة فيه، وله دقل وسكان، وحمل أصغره 10 طغارات وأكبر 50 طغاراً. والابلام أربعة: بلم عراقي، وبلم بصري، وبلم عشاري، (بتشديد الشين) وبلم بغدادي.
أما العراقي، والبصري فهما واحد في الشكل والصناعة. وأما العشاري: (ويجمع عندهم على عشاريات): فهو كالبصري، والعراقي: إلا أنه صغير(2/97)
ويصنع من خشب الساج أيضا: يبلغ طوله 7 أمتار، في عرض متر واحد من الوسط. وهو ملقوط الطرفين مستوِ ومحل ركابه في الوسط، وهو لا يصلح إلا للتنزه والعبور من جانب إلى جانب أخر من النهر. ولا يسع اكثر من خمسة ركاب و (دافوعين): أي ملاحين: ويسير بالدفع والجدف؛ واكثر
سيره في نهر العشار الذي في البصرة، واليه ينسب. وليس له دقل، ولا سكان.
والعشاريات سفن قديمة عند العرب قال في التمدن الإسلامي 1: 161 (. . . والعشاريات مراكب يسار بها في النيل.).
وأما البلم البغدادي: فهو بلم أصغر من العشاري ويخالفه في الهيئة والشكل ولوحه من خشب التوت، ومحل ركابه في مؤخره. وله سكان ولا دقل فيه وغاية ما يسع سبعة ركاب (وبلامين) أي جدافين: لأنهم يسمون صاحبه (بلاما): بتشديد اللام: ويطلى بطلاء ابيض يسميه أهل بغداد (بالبوية) والكلمة تركية. ويسميه أهل بادية العراق (مغراً) بالتحريك. وسيأتي ذكر البلم أيضاً في باب أشباه السفن باسم (القائق).
4: (البوت) (بضم الباء وإسكان الواو والتاء) يجمع عندهم على (بواتي) والكلمة إنكليزية معناها المركب: وهي مهيلة لها صدر عالٍ وعرشتها أي عليتها وراءها منفصلة عنها وسكانها من الوسط وحملها مقدار 60 طغاراً من الطعام وسيرها في أطراف البصرة.
5: (الخشبة): بكسر الخاء وسكون الشين وفتح الباء الموحدة التحتية وفي الأخر هاء تجمع عندهم على (خشوب) والأقل على (خشبات) وهو زورق يصنع من خشب الساج يكون جنيباً للمهيلة الكبيرة جداً (وللبلم العراقي وهو الكبير أيضاً يستخف لحوائجهم: ويراد بالبلم العراقي ما كان أصحابه وبناؤه في شط الفرات) ويطلق عليه هذا الاسم أهل شط دجلة والبصرة أما البلم الذي يصنع في البصرة فيسمى عند أهل الفرات البصري وكذلك يقال سفينة بصرية.
6: (الدائك - الدانق) بالكاف الفارسية وتجمع عندهم على (دوانك - دوانق) ويسميه البعض (عانية) بتشديد الياء يتخذ من لوح الساج وهو(2/98)
مخصوص بالعبور ويبلغ طوله 4 أمتار وعرضه من الوسط 80 سنتيمتراً على التقريب يسع من 6 إلى 10 رجال، وله دقل وسكان وطرفاه شبيهان بطرفي السفينة وهو بين السفينة والساجة واكثر ما يوجد في شط دجلة مما يلي العمارة وما فوق إلى الشرق الجنوبي وشط الغراف أيضاً.
7: (الساجة): وزان الحاجة تجمع عندهم على (سوج) والبعض يسميها الساجية بتخفيف الياء، والأول اصح، لأنها مصنوعة من خشب الساج فسميت به: وأما لفظ الساجية فانهم يزعمون أنها مأخوذة من الساقية (والساقية) الجدول الصغير الجاري وذلك لأنها تجري
جريه في المسير. تسع من 5 إلى 10 رجال، وطولها قراب 5 أمتار وعرضها من الوسط الأعلى نحو متر واحد ومن الأسفل زهاء 40 سنتيمترا، وطرفاها ملقوطان لقطا مستدقا، ولا فرق بين مؤخرها ومقدمها وقد يطول مقدمها على مؤخرها: وقد يغلف طرف مقدمها أو مؤخرها بالحديد وليس لها دقل ولا سكان وتسييرها على الأغلب يكون بالدفع ولهذا يسمون نوتيها اليوم (دافوعا) - إلا إذا قصر المردي (وهو ما تدفع به السفينة) ولم ينل رأسه الأرض لارتفاع الماء فيكون سيرها بالمجداف ويسمى عندهم (غرافة): بكسر الغين وتشديد الراء وهي مأخوذة من غرف الماء وحينئذٍ تكون بفتح الغين: وعامة بغداد يكسرونها وأهل الفرات يفتحونها وهي خشبة غلظها قبضة الكف وطولها قراب متر ونصف وفي أحد طرفيها لوحة مثلثة الشكل ورأس المثلث متصل بالخشبة ويبلغ طولها 35 سنتيمترا تقريبا في عرض 20 سنتيمترا. وكذلك تسيير (الخشبة) و (الدانك) و (الجلابية) و (المعيبر) و (العسبية) و (المشحوف).
ولعل يقابل هذه السفن السبع سفن أخرى كانت للأقدمين وهي (الزورق) و (البوصي) و (القارب) و (الركوة) و (المعبر). لأن أقدار هذه المراكب كأقدار تلك على ما يؤخذ من كلام ابن سيدة في المخصص.
8: (السفينة) بكسر السين والفاء تجمع عندهم على (سفن) وهي عربية فصيحة: وفصيحها (بفتح السين) وقد اختلف في اشتقاقها: قال ابن سيدة في المخصص عن ابن دريد: (. . . السفينة: فعيلة بمعنى فاعلة مشتق من السفن - أي(2/99)
القشر لأنها تسفن الماء كأنها تقشره والجمع سفن وسفائن: وحكى ابن جني: سفون: ونظيره (قطوف)
وقد تقدم وصفها أيضاً ولها دقل وسكان ولا عرشة فيها. واليوم تستعمل لحم التبن والاحطاب: وقد يطلق البعض اسم السفينة في الفرات على المهيلة الكبيرة الخالية من العرشة.
9: (السمادية): (بتشديد الميم بعدها دال مكسورة ثم ياء مشددة) هي سفينة أكبر من الساجة يحمل فيها السماد وتوجد في أطراف البصرة وليس لها دقل ولا سكان واسمها مشتق من السماد.
10: (السماجية - السماكية): (بتشديد الميم بعدها جيم فارسية ثم ياء مشددة) أو (الجبارية
- القيارية) اسمان يطلقهما أهل بغداد على نوع واحد من السفن. والسماكية تصنع كما تصنع السفينة في دجلة وتطلى بالقار أيضاً: يبلغ طولها قراب 5 أمتار وعرضها من الوسط نحو مترٍ واحد ولا تستعمل إلا لصيد السمك ومنه اسمها.
أما الجيارية فأنها تصحيف القيارية من القير وفيها دقل وسكان وقد يقلع منها الدقل في بعض الأحيان. وسيرها بالمجداف. وطول خشبة مجدافها قراب (3) أمتار ويبلغ غلظها زهاء 20 سنتيمتراً وفي طرفها لوحة مثل لوحة مجداف الساجة وقد تكبرها بقليل.
11: (السنبك) أو السنبق (بضم السين وإسكان النون وضم الباء الموحدة التحتية وإسكان القاف أو الكاف الفارسية) ويجمع عندهم على (سنابك وسنابق) والكلمة يونانية الأصل. وهو شبيه بالبوت وسيره في أطراف البصرة.
12: (الشختور، أو الشخطور، أو الجخجور) (بفتح الشين وسكون الخاء وضم التاء) أسماء لنوع واحد وتجمع عندهم على (شخاتير، أو شخاطير، أو جخاجير): والشختور مشتق من الكشتور وهو الكشتري من كشتى الفارسية والكشتور تصغير كشتى على الطريقة الآرامية: يطلق(2/100)
عليه اسم الجخجور (والجخجور) من ألفاظ أهل الفرات الذين بين الكوفة والبصرة يكون صنه من اللوح فقط، وهو ذو أربعة اركان، يبلغ طوله قراب 3 أمتار، وعرضه نصف طوله. ويبنى في هيت، وعانة، وهو لا يصلح إلا لحمل النورة، والاحطاب، والقير المعروف بالسيال). وليس له سكان، ولا دقل. وإذا انحدر لا يستطاع أن يصعد به، بل تباع الواحه حيث يقف.
13: (الطرادة): (بفتح الطاء وتشديد الراء وفتح الدال المهملة بعدها هاء) وتجمع عندهم على (طراريد) والقليل منها على (طرادات) وهي عربية فصيحها طراد. قال في التاج: (طراد) ككتان سفينة صغيرة سريعة السير الجري. وهي اليوم كذلك وهيئتها كالمهيلة، وليس فيها عرشة، ولها دقل وسكان تسع من 40 إلى 60 رجلا وسير أكثرها في الفرات وقليلها في دجلة. وقد يطلق اسمها على غيرها من السفن.
14: (العسيبة): (بكسر العين وإسكان السين المهملة وكسر الباء وتشديد الياء بعدها هاء) تجمع عندهم على (عسابى): وهي تنسج نسيجا، ونسيجها من القصب والبردي. ويبلغ طولها 3 أمتار في عرض متر واحدٍ وعمقها يتفاوت من نصف المتر إلى المتر وتطلى
بالقار واكثر ما يستعملها المعدان أهل الجاموس في الأهوار.
15: (الكروفي - القروفي) (بضم الكاف الفارسية والراء): وهو بين السفينة والبلم ويطلى بالقار. يسع 30 رجلا وله دقل وسكان، وسيره في الفرات. ونسبته إلى رجل يسمى الحاج محمد بن كروف - قروف، من أهل الكوت، وهو أول من بناه على هذا الشكل فنسب إليه. وهو اليوم ساكن في الكوفة وصناعته فيها تعمير هذه السفن إلى يومنا هذا.
16: (الكار) جمع السفن المنحدرة، أو المغربة؛ كالقوافل، والكراوين في البر. قال في المخصص: (. . . الكار، سفن منحدرة فيها طعام في موضع واحد).
17: (الجايه - الكلية): (بتخفيف الياء بعدها هاء) تجمع عندهم على (جوايا - كوايا) وهي سفينة تصحب السفن المحملة من طعام وغيره،(2/101)
لتخفف من حمل السفينة إذا جنحت في هور وغيره (أي إذا انتهت إلى الماء القليل فلزقت بالأرض) حتى تخف السفينة فتجوز ذلك المحل ويعاد بعد ذلك ما حملها إليها. ويتفاوت كبر الجاية وصغرها، فكبراها ما طوله 10 أمتار وصغراها ما طوله 5 أمتار على التقريب: والجاية بالبصرة المهيلة الكبيرة، إذا قلع منها الدقل. ولا يصح عليها هذا الاسم إلا إذا ينزع منها.
18: (الكعد الصغير والكعد الكبير) (بكسر الكاف والعين كسراً غير بين) يجمع عندهم على كعود. وهو من نوع المهيلة) إلا أنه يطلى بالقار؛ وفنته تكون دائما أصغر من فنة المهيلة؛ وأن كان بمقدار المهيلة. يسع من 20 إلى 40 رجلا. وله دقل، وسكان، ولا عرشة فيه؛ وسيره في الفرات.
19: (الجلابية - الكلابية): (بفتح الكاف وتشديد اللام بعدها باء موحدة مكسورة يليها ياء مثناة تحتية مشددة بعدها هاء). واسمها عند معدان الهور والمعدان (قبيلة من الأعراب معروفة في العراق) (نجمة) ويسميها بعضهم (زعيمة) بالتصغير وهي تنسج، ونسيجها يكون من القصب. يبلغ طولها ثلاثة أمتار على التقريب، وعرضها من الوسط 60 سنتيمتراً؛ ومن طرفيها قراب (25) سنتيمتراً. وتطلى بالقار، وهي لا تصلح إلا لصيد السمك؛ أو عبور رجل من جانب إلى جانب آخر من النهر. وغاية ما تسع ثلاثة رجال، وليس لها دقل ولا سكان وسيرها في الفرات.
20: (المسح): (بفتح الميم وكسر السين بعدها حاء) سفينة ليس لها عرشة.
21: (المشحوف): (بفتح الميم وإسكان الشين وضم الحاء المهملة يليها واو ثم فاء): ويجمع عندهم على (مشاحيف): مشتق من شحف لغة يمانية، وبدوية، في سحف يقال: (سحفت الريح السحابة ذهبت به.) ومنه أيضاً: (السحوف، الناقة التي إذا مشت جرت (بتشديد الراء) فراسنها على الأرض.) وهو الذي يسع من 5 إلى 10 رجال، ويطلق عليه هذا الاسم من العمارة إلى المحمرة؛ وفي شط العرب من المدينة إلى سوق الشيوخ. وغاية(2/102)
طوله 7 أمتار، وعرض وسطه 70 سنتيمتراً على التقريب من الأعلى، و40 سنتيمتراً من الأسفل أي (من ساحته) وعرض صدره قراب 30 سنتيمتراً؛ وعرض مؤخره نحو 45 سنتيمتراً. وإذا ركب فيه الركاب لا يبقى من حاشيته المجاورة للماء سوى مقدار خمسة سنتيمترات.
ولا يمكن أن يركب فيه غير أهل تلك الديار، لأنه متى ما تحرك الراكب أدنى حركة غرف ماءً، وقد يتحارب فيه، لأنه سريع الجري؛ وتسييره بالدفع وقد يمشي بعض الأحيان على الردغة: أي (الطين الرقيق) وذلك إذا ضايق ركابه العدو وليس لهم مهرب سوى ذلك الطريق. ويظلل أيام الصيف؛ وذلك خصيص بالرؤساء الكبار. وخشبه من الساج. وليس له دقل، ولا سكان.
22: (المعيبر): (بالتصغير) بلم من ابلام الفرات صغير يتخذ من لوح الساج، ويبلغ طوله 5 أمتار على التقريب. وعرضه من الوسط 80 سنتيمتراً؛ وهو مخصوص بالعبور يسع من 6 إلى 10 رجال وقد يسمى صاحبه به؛ والاسم قديم. قال في المخصص: (. . . المعبر - المركب الذي يعبر فيه). وليس له دقل ولا سكان. وسيره في الفرات. ويسمى (المعيبر) في البصرة (بلماً) وذلك خصيص بالتنزه فيما بين العشار والبصرة.
23: (المهيلة): (بإسكان الميم وفتح الهاء وسكون الياء بعدها لام مفتوحة يليها هاء): تجمع عندهم على (مهيلات) والأغلب يقولون (مهاييل) وقد سبق وصفها. وصغراها تحمل عشرين ظغاراً من الطعام ولها عرشة (أي علبة) ودقل وسكان وسير أكثرها في الفرات.
هذا ما يوجد اليوم من السفن في نهري دجلة والفرات. وفي دجلة بغداد طائفة أخرى تدخل في ضمن السفن التي تسمى بهذه الأسماء.
كاظم الدجيلي
المنصورية أو المنصوري
المنصورية أو المنصوري: نهر يعرف بهذا الاسم تابع لناحية دلي(2/103)
عباس التابعة لقضاء بعقوبا؛ وهو أول نهر يخرج من ديالى أو تامرا، ويمتد إلى الغرب منها؛ ومخرجه من سلسلة جبال حمرين، من المحل الذي تنحدر ديالى منه إلى سهول العراق العربي؛ وينتهي إلى هور أبي فراش (بتشديد الراء وزان شداد) بالقرب من نهر المرفوع (أحد سواعد الخالص).
وطوله من مخرجه إلى منتهاه مسافة ثلاث ساعات للراكب، وأربع للراجل وعرضه متران ونصف، وفي بعض الأماكن يكون عرضه أربعة أمتار؛ وفوهته منحوته في الجبل المتكونة بعض طبقاته في ذلك المحل من البورق؛ وعمق النحت 20 متراً وطوله مسافة ثلث ساعة وعرضه ثلاثة أمتار ومقدم النحت من جهة ديالى مبني بالطاباق والكلس، ولفوهته صناع أي باب من خشب وهو هناك من خشب التوت قد ركب في البناء وهو يرفع وينزل في فوهة النهر بحسب الاقتضاء والاحتياج إلى الماء أو لا. وعند نهاية القسم المنحوت في الجبل من هذا النهر رابيتان صغيرتان، علو الأولى القريبة من مجرى النهر أربعة أمتار وتسمى نفاضة الزنبيل، وعلو الثانية ثلاثة أمتار وتبعد عن الأولى خمسين متراً ولهاتين الرابيتين رواية خرافية يرويها أهل تلك الديار وهي: تحت مجرى هذا النهر في الجبل عفريت كانت تأجره صاحبة هذا النهر على عمله ديناراً في اليوم، وعند المساء كان يعيد لها الدينار فتؤاجره عليه فيزنى بها. وبقيا على هذا المنوال أياماً عديدة حتى تم نحت جدول النهر المذكور بدينار واحد. وتانك الرابيتان نفاضة زنبيل ذلك العفريت بعد إتمامه العمل في اليوم الأخير. ولهذا السبب يسمى الآن ذلك القسم من نهر المنصورية نهر الزناء أيضاً.(2/104)
وعلى مسافة ثلثي ساعة من مخرج النهر، قرية تسمى المنصورية أيضاً أو منصورية الجبل. تتصل بساتينها بديالى فيسقيها نهر المنصوري الذي يخترقها من الوسط طولاً. وفي القرية 300 دار تقريباً. وأهلها أخلاط من العرب والأكراد وكلهم سنية حنفية المذهب ويتكلمون اللغات العربية والتركية والفارسية والكردية. ورئيس القرية رجل اسمه مالك أفندي؛ وفي القرية جامع قديم البناء مربع الأركان تكسير مساحته خمسون متراً في خمسين
وطول مصلاه 20 متراً وعرضه 16 متراً. وهو مبنى بالطاباق القديم والجص والكلس وقد طليت جدرانه من الداخل بالبورق. وفي القرية من النخيل ما يقدر بخمسة آلاف رأس. وفيها من سائر أنواع الفواكه والأشجار كل ما ينبت في إقليم العراق. وهي مشهورة بكثرة كرومها وجودة عنبها الأسود وأهلها مشهورون بغرس الكرم اكثر من اشتهارهم بغرس سائر أنواع الأشجار ولهم بغرسه تعلق شديد، وغرام عظيم.
وعلى مسافة ساعتين من قرية المنصورية وساعة من مركز ناحية دلي عباس مزار السيد مبارك مبنية قبته بالطاباق والجص وصحنه مربع البناء قياسه خمسة وعشرون بخمسة وعشرين من الأمتار، وجدارها من الطين أي (الطوف). وفي داخل المزار صخرة يبلغ طولها ومحيطها متراً واحداً ويعتقد الزائرون أن لهذه الصخرة بركة فتراهم يتبركون بها ويحملونها على ثقلها ويطوفون بها حول قبر المزار. ويروي أن أحد الأعجام حملها مرة على كتفه ولثقلها لم يتمالك عن أن يسمع ما يخجله، فرماها للحال على الأرض لكثرة ما اعتراه من الخجل؛ وأخذته سورة الغضب واستل قامته من جنبه وضربها بها فقطع منها قطعة صغيرة ولا يزال أثرها في الصخرة ظاهراً للعيان. وأهل تلك الديار يشدون الرحال بلا انقطاع لزيارة هذه الصخرة ولما ماثلها من بقية محلات الزيارة.
أما نهر المنصورية وقريته فيه من الأوقاف العائدة إلى دائرة أوقاف(2/105)
بغداد. ويزرع على نهر المنصوري الأرز والقطن وسائر أنواع الحبوب وزراعته من 250 إلى 300 فدان نيرين، وزراعه من ثلاث قبائل: الأولى طاطران ويتكلمون العربية والتركية والفارسية والكردية. وأصلهم أكراد. وهم سنية حنفية المذهب واسم رئيسهم عباس بك؛ والثانية المجاريون ويتكلمون العربية فقط وهم سنية حنفية المذهب واسم رئيسهم احمد الطعمة، والثالثة الجبور ويتكلمون بالعربية فقط وهم سنية حنفية المذهب وليس لهم رئيس بل هم وجميع عشيرة الجبور في تلك الأنحاء تحت رئاسة صالح العنبر النازل في نهر الزاوية التابع لناحية قزل رباط التابعة لقضاء خانقين.
وعلى مسافة نصف ساعة، من مركز ناحية دلي عباس، إلى الشمال منه تل يعرف بتل (شكبان - شقبان): بضم الشين وسكون الكاف الفارسية. علوه قراب 15 متراً، ومحيطه زهاء 800 مترٍ، وهو واقع في منتهى (نهر السليماني) أحد متفرعات نهر المنصوري،
ويقابل هذا التل تل آخر يعرف (بتل شهاب)، واقع في منتهى (نهر سمير)، من متفرعات نهر شروين، ويحكى أن عفريت المنصورية، حرد مرة من العمل في نهر المنصوري، ومضى لسبيله تاركا هزته المفعمة تراباً على كتفه، فلحقت به صاحبة النهر المذكور وصالحته على أن يرجع إلى عمله، فلما سكن غضبه نفض ما كان في هزته من التراب فكان منه هذا المثل.(2/106)
هذا ما سنحت لي الفرصة بمعرفته من أحوال هذه البقعة ولعلني قد أخطأت في بعض ما هنالك مما يستحق الذكر فالتمس من القراء عذراً.
محي الدين فيض الله الكيلاني
كتاب معارج القدس
لأبي حامد الغزالي
كتاب خط كان يظن أنه مفقود فوجد
عند أحد أدباء بغداد كتب نفيسة نادرة ومن جملتها مجموعة فيها الكتب الآتية:
1 - مسائل في أحوال النفس. رسالة في ثلاث صفحات. (غير مطبوعة)
2 - كتاب معارج القدس لأبي حامد الغزالي (وهو غير مطبوع)
3 - كتاب معيار العلم للغزالي (مطبوع في مصر)
4 - كتاب محك النظر للغزالي أيضاً. (وهو مطبوع أيضاً)
ونحن لا نصف هنا إلا الكتاب الثاني وهو في 82 صفحة. طول كل منها 17 سنتيمتراً في 9 سنتيمترات عرضاً. وطول المكتوب من الصفحة 13 سنتيمتراً في 6 سنتيمترات عرضاً. وفي كل صفحة 18 سطراً. وهو حسن الخط من نوع المعلق. اسود الحبر فاحمه. والمجموعة مجلدة بالسختيان الأحمر وفي اسفل الكتاب وأعلاه شيرازة محكمة الصنع بلونين أحمر وأخضر. وقد كتبت العناوين بحبر أحمر حسن. والمجموعة كلها بيد كاتب واحد ماهر. والكتاب الذي نحن في صدده محفور على طوله حفراً مسنناً وفيه ثلاث حفر. والكاغد حسن أصفر ترمذي، أما تاريخ المجموعة فلم يذكر إلا في آخر كتاب معيار العلم. إذ يقول ما هذا حرفه:
(. . . وكما يشتبه العلم الحقيقي بما لا حقيقة له، وافتقر بسببه إلى معيار: فكذلك يشتبه العمل الصالح النافع في الآخرة بغيره، فيفتقر إلى ميزان تدرك به حقيقته. فلنصف كتاباً في ميزان العمل كما صنفنا هذا في معيار العلم. ولنفرد ذلك الكتاب بنفسه ليتجرد له من لا رغبة له في هذا الكتاب. ولله تعالى يوفق متأمل الكتابين للنظر إليهما بعين العقل لا بعين التقليد. إنه ولي التسديد والتأييد. - والحمد الله رب العالمين، حمد الشاكرين. وصلوته على(2/107)
نبيه محمد وآله الطاهرين وأصحابه الهادين المهدين. ووقع الفراغ منه يوم الثلاثاء وهو يوم عيد الفطر سنة سبع وثمانين وثمانمائة (- يوم الثلاثاء 12 من شهر ت 2 سنة 1482م). - ودونك الآن فاتحة المؤلف:
عونك يا لطيف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مبدع الأرواح وخالق الجسد. وفاتح الإغلاق والعقد. ومانح الاعلاق والعدد. ومن أعطا الهدى والرشد. حمداً بعدد ما يتكرر من لحظات العيون ويتعدد. ويتجدد من أنفاس الصدور ويتردد. والصلوة والسلام على اكرم والدِ وولد. محمدِ وآله صلوة تبقى وتتأيد. اعلم أن الله فتح بصائر أوليائه بالحكم والعبر. واستخلص هممهم لمشاهدة عجائب صنعه في البدو والحضر. فكلما لا حظوا شيئاً لا حظوا فيه عبرة لأن جميع الموجودات مرآة للوجود الحق المحض. فالظاهر بذاته هو الله سبحانه. وما سواه غايات ظهوره ودلائل نوره، شعر:
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
فكلما سنح لهم شيء في مسارح النظر. ومجاري الفكر. عاجوا منه إلى جناب القدس. حتى يتصلوا بمن هو شديد القوى. ذو مرة فاستوى. لم تغيره الأحوال بل علا. وكمالاته حاصلة بالفعل وهو بالأفق الأعلى. وإذا سنح لهم هذا العروج فلا يزالون في دنوِ وقربٍ حتى يبلغوا الغاية القصوى. فيفيض عليهم حقائق العلوم. وأسرار المعارف. وغرائب الآيات. في ملكوت الأرض والسموات. وإذا بلغوا هذا المنتهى. فهو السدرة المنتهى. فلا يلتفتون إلى شيء من عالم الزور وعبر التنزيل عن هذه الجملة بقوله علمه شديد القوى. ذو مرة فاستوى. إلى قوله من آيات ربه الكبرى. فينبغي لكل عاقل أن يكون الله سبحانه وتعالى أول كل فكرِ له وآخره. وباطن كل اعتبار وظاهره. فتكون عين نفسه مكحولة بالنظر إليه. وقدمه موقوفة على المثول بين يديه، مسافراً بعقله في الملكوت الأعلى، وما فيها من آيات ربه الكبرى. فإذا انحط إلى قراره فليره في آثاره. فانه باطن ظاهر. تجلى لكل شيء(2/108)
واظهر الآثار التي يرى فيها جلال الحق وكمال صفاته. إنما هو معرفة النفس. كما قال تعالى: سنريهم آياتنا في الأفق. وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون. وقال عليه السلام: من عرف نفسه. فقد عرف ربه. وقال عليه السلام: أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه. ونحن نعرج في هذا الكتاب من تدرج معرفة النفس إلى معرفة الحق جل جلاله. ونذكر مخ ما يؤدي إليه البراهين من حال النفس
الإنسانية. ولباب ما وقف عليه البحث الشافي من أمرها. وكونها منزهة عن صفات الأجسام. ومعرفة قواها وجنودها. ومعرفة حدوثها وبقائها وسعادتها وشقاوتها. بعد المفارقة على وجه يكشف الغطاء. ويرفع الحجاب ويدل على الأسرار المخزونة. والعلوم المكنونة. المضنون بها على غير أهلها. ثم إذا ختمنا فصول معرفة النفس، فحينئذ ننعطف على معرفة الحق جل وعلا. إذ جميع العلوم مقدمات ووسائل لمعرفة الأول الحق جل وعلا، وكل ما يراد لشيء فدون حصول مقصوده يكون ضائعاً. فمن عرف نفسه. عرف ربه. وعرف صفاته. وأفعاله. وعرف مراتب العالم مبدعاته. ومكنوناته وعرف ملائكته. ومراتبهم. وعرف لمة الملك. ولمة الشيطان. والتوفيق والخذلان. وعرف الرسالة والنبوة. وكيفية الوحي وكيفية المعجزات. والأخبار عن المغيبات، وعرف الدار الآخرة. وسعادته وشقاوته. وأقسامها ولذة البهجة فيها. وعرف غاية السعادة والتي هي لقاء الله تعالى. فمن يسر له هذا السفر. لم يزل في سيره متنزهاً في جنة عرضها السموات والأرض وهو ساكن بالبدن. مستقر في الوطن. وهو السفر الذي يسفر فيه عن وجه المعرفة. وتنحل أزرار الأنوار في هذه الأسفار. وهو السفر الذي لا تضيق فيه المناهل والموارد. ولا يضر فيه التزاحم والتوارد. بل يزيد بكثرة المسافرين غنائمه، وتتضاعف ثمراته وفوائده. فغنائمه غير ممنوعة، وثمراته متزايدة غير مقطوعة، ومن لم يؤهل للجولان. في هذا الميدان. والتطواف في منتزهات هذا البستان، فليس بيده إلا القشر. يأكل كما تأكل الأنعام. ويرتع كما ترتع البهائم. وشرح هذا السفر. وبيان هذا العلم العظيم القدر، لا يمكن (كذا أي لا يكون) في أوراق. وأطباق.(2/109)
ويقصر عن شرح عجائبه العبارات والأقلام. ونحن بعون الله وتوفيقه، نشير إلى كل واحد من هذه الجمل على وجه يستقل به المتفطن. وأما الجامد البليد، الذي يأخذ العلم بالتقليد. فهو عن معرفة مثل هذه العلوم بعيد. إذ كل ميسر لما خلق له. فمن رشح للسعادة. وشارف نيل الإرادة. أعطى أولاً كمال الدرك من وفور العقل وصفاء الذهن. وصحة الغريزة. واتقاد القريحة. وحدة الخاطر. وجودة الذكاء والفطنة. وجزالة الرأي. وحسن الفهم. وهذه تحفة من الله تعالى، وهدية لا تنال بيد الاكتساب. وتنير دونها وسائل الأسباب. ومن وهبت له هذه الفطنة فحينئذ عليه استكداد الفهم. والاقتراح على القريحة. واستعمال الفكر، واستثمار العقل. بتحديق بصيرته إلى صوب الغوامض؛
وحل المشكلات بطول التأمل. وإمعان النظر. والاستعانة بالخلوة وفراغ البال. والاعتزال عن مزدحم الأشغال. والقيام بوظائف الطاعات، حتى يصل إلى كمال العلوم. وسمينا الكتاب معارج القدس، في مدارج معرفة النفس، وفقنا الله لإتمامه.) اهـ.
ومن بعد هذه المقدمة الطويلة ذكر محتويات الكتاب وهي هذه:
فهرست الكتاب
1. مقدمة الكتاب 2. بيان إثبات النفس 3. بيان أن النفس جوهر 4. بيان أنه جوهر ليس له مقدار وكمية 5. بيان قوى الحيوانية وتقسيمها إلى محركة ومدركة 6. بيان القوى الخاصة بالنفس الإنسانية من العقل النظري والعملي 7. بيان مراتب العقل واختلاف الناس في العقل الهيولاني وبيان العقل القدسي 8. بيان أمثلة درجات العقل من الكتب الإلهي 9. بيان تظاهر العقل والشرع وافتقار أحدهما إلى الآخر 10. بيان حقيقة الإدراك ومراتبه في التجريد.) اهـ
وألان نذكر فصلاً من فصول هذا السفر الجليل وهو الذي عنوانه:
بيان أن النفس قد تحتاج إلى البدن وقد لا تحتاج إليه
إن القوى الحيوانية قد تعين النفس الناطقة في أشياء، منها: أن يورد الحس عليه الجزيئات فيحدث له من الجزيئات أمور أربعة.(2/110)
أحدها، انتزاع النفس الكليات المفردة عن الجزيئات على سبيل تجريد معانيها عن المادة وعن علائق المادة ولواحقها ومراعاة المشترك فيه. والمباين به، والذاتي وجوده، والعرضي وجوده، فيحدث للنفس عن ذلك مبادئ التصور عن استعمال الخيال والوهم مثل الجنس والفصل والعرض العام والعرض الخاص.
والثاني، إيقاع النفس مناسبات بين هذه الكليات المقودة على مثال سلب وإيجاب فما كان التأليف فيه ذاتياً بيناً بنفسه أخذه وما كان ليس كذلك تركه إلى مصادفة الواسطة.
الثالث، تحصيل المقدمات التجريبية وهو أن يوجد بالحس محمول لازم الحكم لموضوع ما كان حكمه بالايجاب، أو السلب، أو نال موجب الاتصال أو مسلوبه، أو موجب القياد، أو مسلوبه، وليس ذلك في بعض الأحايين دون بعض، ولا على المساواة، بل دائماً متى تسكن
النفس. على أن طبيعة هذا المحمول أن يكون فيه هذه النسبة إلى هذا الموضوع، والتالي أن يلزم هذا المقدم، أو بنافيه لذاته، لا باتفاق، فيكون ذلك اعتقاداً حاصلاً من حسٍ وقياس. أما الحس فلأجل مشاهدة ذلك؛ وأما القياس فلأنه لو كان اتفاقاً لما وجد دائماً، أو في الأكثر؛ وهذا كالحكم بان السقمونيا يسهل للصفراء بطبعة، لإحساسنا ذلك، وبقياسنا أنه لو كان لاعن الطبع بل بالاتفاق لوجد في بعض الأحايين.
الرابع، الأخبار التي يقع بها التصديق لشدة التواتر. فالنفس الإنسانية تستعين بالبدن لتحصيل هذه المبادئ للتصور والتصديق ثم إذا حصلته رجع إلى ذاته؛ فإن تعرض لها من القوى التي دونها، بأن تشغله، شغلته عن فعله، واضرب بفعله، إلا في أمور تحتاج فيها النفس خاصة، بأن تعاود القوة الخيالية مرة أخرى لاقتناص مبدأ غير الذي حصل أو معاونة بإحضار خيال. وهذا يقع في الابتداء كثيراً ولا يقع بعده إلا قليلاً. وأما إذا استكملت النفس وقويت، فإنها تنفرد بأفاعيلها على الإطلاق وتكون القوة الخيالية والحسية وسائر القوى البدنية غير صارفة لها من فعلها؛ بل شاغلة لها. ومثال ذلك أن الإنسان قد يحتاج إلى أدلةٍ وآلات ليتوصل بها إلى المقصد؛(2/111)
فإذا وصل إليه ثم عرض من الأسباب ما تحوله عن مفارقتها صار السبب الموصل بعينه عائقاً. اهـ.
هذا مثال من فصول هذا السفر الجليل الذي لم نجد له نسخة ثانية في ما وصلنا إليه من قوائم الكتب في خزائن ديار الغرب وديار العرب. ونحن نأمل أن يعني بعض الأدباء بنشره لما في مؤلفات الغزالي من محكم الآراء وحسن العبارة الكلامية والفلسفية وحمل المرء على محبة ربه والإخلاص له. حقق الله الأماني!
صحة اصل كلمة شاخة
شاخة
قد ذكرنا في 477: 1 أن اصل الشاخة بمعنى الجدول من اللغة الآرمية بمعنى سال وجرى. وقد أفادنا حضرة الشيخ محمد رضا أفندي الشبيبي أن الكلمة فارسية الأصل لفظاً ومعنى، ويقال فيها أيضاً الشاخ بدون هاءٍ. وهو مأخوذ في الأصل من معنى الغصن والفنن، ثم نقل إلى الجدول الذي يتفرع من النهر من باب المشابهة في التفرع. فنشكر فضل الكاتب على تنبيهنا على هذا الغلط.
عريسات
ذكر لنا الثقة أنه على بعد 4 ساعات من جنوب غربي النجف باب كباب السرداب يودي إلى ديماس واسع فيه أزقة واسع ودور مبنية بالآجر، وفيه فسحة يقوم فيها منبر مبني بالآجر أيضاً ومجصص يصعد إليه بدرج. ويظن أن هذا الديماس كان مسلحة للنعمان من المناذرة لأنه يروى أنه كان له مسلحة تحت الأرض. فنؤمل أن بعض القراء والمشتركين الذين في نواحي النجف يوافوننا بما رأوه أو يرونه في هذه المدينة الغريبة ولهم منا سلفاً مزيد الشكر.
الشهرستانية
أسرة كبيرة في العراق. وشهرستان بفتح الشين وسكون الهاء وكسر الراء وسكون السين كلمة فارسية مركبة من (شهر) بمعنى البلد ومن (ستان)(2/112)
بمعنى الناحية، والمراد منه حوالا البلد. وشهرستان اسم يقع على ثلاث مدن بإيران:
الأولى، مدينة (جي) على مسافة ميل عن مدينة أصفهان الحاضرة وهي على نهر (زانيده رود) وبها قبر إمام الراشدين المسترشد والمؤرخون على أنها هي أصفهان القديمة ولها شان عظيم في تواريخ الفرس وأشعار الأدباء وينسب إليها سلمان الفارسي
الثانية مدينة بخراسان بين نيسابور وخوارزم على طرف بادية الرمل، وبساتينها بعيدة عنها والرمال متصلة بها، ولا تزال الريح تسفيها، وهي تجري جري الماء هناك وينسب إلى هذه المدينة محمد الشهرستاني الاشعري، صاحب كتاب المثل والنحل، المتوفى سنة 548 هـ. بنى هذه المدينة عبد الله بن طاهر أمير خراسان في خلافة المأمون وأخرجت خلقا كثيراً من العلماء.
الثالثة، في طبرستان مازندران وهي قرية اسمها (آمل) وفيها السادة المرعشية من عترة النبي صم. قال الشيخ الشهيد محمد بن مكي العاملي في بعض مجاميعه، نقلاً عن كتاب انساب الألباب، وألقاب الأعقاب؛ أن المرعش هو يحيى بن علي بن عبد الله بن محمد بن حسن بن الحسين الأصغر بن زين العابدين علي بن الحسين البسيط بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. والمرعشية ينسبون إليه وأكثرهم بالدليم وطبرستان انتهى.
أقول: وكان عميد المرعشية في طبرستان السيد قوام الدين المشهور بينهم بمير بزرك وقبره الآن في (آمل) وعليه قبة عظيمة.
الشهرستانية في العراق
عائلة كبيرة شريفة امتزجت من عنصرين فصارا أسرة واحدة: العنصر(2/113)
الأول، أشراف وردوا العراق من شهرستان اصفهان في حدود سنة 1180 هـ وينتهي نسبهم إلى الإمام الكاظم موسى بن جعفر الصادق عليهما السلام. وأول من انتقل منهم إلى العراق هو: السيد مهدي وكان عالماً جليلاً، ورفيع المنزلة، قطن في كربلاء، من مدن العراق، للتتلمذ على
أستاذه اغا محمد باقر المشهور بالمؤسس البهبهاني وقد بلغت ذريته اليوم اكثر من 120 نفساً.
والعنصر الثاني، أشراف وردوا مدينة كربلاء من شهرستان مازندران في أوائل القرن الثاني عشر الهجري، وينتهي نسبهم إلى السيد قوام الدين مير بزرك المذكور، ثم منه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وقد امتزج هذا العنصر الأول امتزاجا غريباُ حتى صار جميع أعضائهما أسرة واحدة وفصيلة متصلة لا يكاد يمتاز واحدهم عن الأخر واصبح اسم الشهرستانة يقع عليهم جميعا بعد أن صاروا عائلة واحدة. احفظ هذا تصب إن شاء الله.
النجف:
هبة الدين الشهرستاني صاحب مجلة العلم
باب المشارفة والانتقاد
1 - السجلات الاسوية
مجلة فرنسوية العبارة، تصدر في الأستانة مرتين في الشهر. وقد أرصدت أبحاثها بالشرق، أقصاه وأدناه، ومنه اسمها أي (السجلات الآسوية) وهي في سنتها الأولى والأديب يرى فيها (مجموعة أبحاث وفوائد وأسانيد وتقارير تتعلق ببر الأناضول (أو آسية الصغرى) وديار الشام وفلسطين وكلدية وبلاد العرب وفارس وتركستان وافغانستان والهند البريطانية) وهي حسنة الطبع كثيرة المواضيع مختلفتها. وفي عدديها الأخيرين التاسع والعاشر المقالات الآتية: 1 - مشارفة الأشغال التي تمت في بلاد مصر لإحياء الآداب العربية 2 - من حمص إلى بغداد 3 - سير القطلونيين والاراغونيين في ديار الأناضول في القرن الرابع عشر 4 - فوائد عن أجناس المعزي الأصلية(2/114)
في آسيه الصغرى. 5 - أعمال الري في العراق 6 - سنو تاريخ الخلفاء 7 - حول البحر الميت 8 - المؤتمر الثالث الآثاري الدولي في رومة سنة 1912 9 - هل يجب أن تنشر النصوص القديمة على ما هي أم ينبذ منها ما لا يصح نشره في هذا العهد 10 - تكذيب 11 - كتابة أصوات اللغة المندرينية 12 - أخبار المعادن 13 - بريد آسية 14 - الأشغال في آسية 15 - المطبوعات الاسوية.
يكتب إلى إدارة المجلة في لطيف خان العدد 1 و 2 شارع مرطباني في غلطة. وبدل اشتراكها في الأستانة ليرة عثمانية وفي الولايات 120 قرشاً صاغا وفي الخارج 25 فرنكاً.
ومما تقدم عرضه يرى القارئ علو شان أبحاث هذه المجلة وفائدة الاشتراك بها. على أنها لا تخلو من مغامز فلقد طالعنا المقالة التي عنوانها (سنو تاريخ الخلفاء) فإذا صاحبها يقول في تتمة العنوان: (كلهم أجمعين وهم خلفاء محمد الهاشمي القريشي (كذا والأصح القرشي) العربي الاسمعيلي الإبراهيمي الكلداني (كذا) نبي المسلمين.) - ونحن لم نر في كتاب إسلامي هذه النسبة وأن كان لها وجه للتأويل. لأن إبراهيم الخليل خرج من اور الكلدانيين. لكن الكتاب يحافظون على نسبة الرجل بحسب ما يتعلق به لا غير. - ثم يقول: أبحاث المطران الكلداني أبو بحيراء (كذا) ومواعظه وتأملاته وإعلانه لنبوته وذلك في سنة 28 -
13 قبل الهجرة 594 - 609 للميلاد. ففي هذه العبارة أغلاط بقدر ما يوجد ألفاظ. فلتراجع في مواطنها. والظاهر أن الكاتب كلداني النسب، فأراد أن ينسب إلى قومه كل ما يقع عليه من أمور التاريخ. والتاريخ لا يكتب بهذه الصورة. فعسى أن يدقق فيه اكثر مما قرأناه إلى اليوم. وما هذا بصعب المنال، لذوي الهمم من الرجال.
2 - قاموس القضاء العثماني لمؤلفه سليمان مصوبع المحامي
وصلنا الجزء الأول من هذا المعجم (ولا نرى مناسبا أن يسميه بالقاموس إذ لم ترد هذه اللفظة عندهم بمعنى المعجم إلا من باب تنكير العلم وإطلاق قيده(2/115)
على ما ضاهى قاموس الفيروزابادي) فألفيناه احسن ما جاء في اللغة العربية من هذا القبيل. فإن المؤلف حفظه الله قد بوبه تبويباً سهل المتناول، حتى أن أصغر طلبة المدارس يستطيع أن يهتدي إلى ضالته بدون عناء يذكر. هذا فضلا عن أنه يحوي لباب 48 مؤلفاً في هذا المعنى. والكاتب حسن الطبع جيد الورق، إلا أننا نرى فيه خللا وهو انك لا ترى فيه (نقط القراءة) وهي النقط التي تستعمل لتسهيل القراءة على المطالع كالفاصلة، والنقطة. والفاصلة مع النقطة؛ وعلامة الاستفهام؟ إلى آخر ما هناك. وكنا نود أيضاً أن يدفع المؤلف كتابه إلى أحد الكتاب ليصلح بعض اللحن الذي وقع فيه كقوله في ص 2 (مدة تنوف عن العشرين) والأصح: تنيف على العشرين وكقوله في تلك ص (أشبه بمجموعة) والأفصح: أشبه شيء بمجموعة وكقوله ص 3: (من المتعذر بهذه الحالة على الحاكم أن يضع أمامه صبرة من الكتب القضائية التي لا يستغني عن اقل من خمسة وثلاثين كتاباً منها). ولو قال: إن يضع أمامه طائفة من الكتب لا تقل عن 35 كتاباً. لأوجز في الكلام وافصح. وفي كل صفحة أغلاط طبع كثيرة لكنها لا تضر به لا بمعنى ما ورد فيه من الكلام. فسبحان من تنزه عن كل عيب!
3 - الكهف والرقيم
كنا نظن أن هذه الرسالة تبحث عن أهل الكهف والرقيم. فإذا هي ملخص رحلة السيد محمد رشيد رضا منشئ مجلة المنار بقلم السيد عبد الحق حقي الأعظمي البغدادي. ولو ذكر الكاتب عنواناً يناسب الموضوع لكان احسن وأوفى بالمقصود.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - عيد الأمة العثمانية
في 23 تموز كان عيد الأمة العثمانية، فجرى في بغداد احتفال عظيم فاق(2/116)
كل ما شابهه في الماضي. فعند انبثاق الفجر تجمعت الجنود كلها في المكان المعد لها في الفضاء المتسع المقابل لتربة الشيخ عمر السهروردي؛ ثم اجتمعت هناك طلبة المكاتب والمدارس على اختلاف مللها ونحلها؛ ومذاهبها واجتمع من الخلق من سكان الحاضرة وجوارها ما يربو على مائة ألف نسمة. وهو أمر ليس بطفيف. ومما زاد رونق العيد أن شيوخ أعراب ولاية بغداد مع جماعة من كل قبيلة وعشيرة شهدوا تلك الحفلة واشتركوا مع الجنود في العرض وكانوا على جيادهم العراب شاكي السلاح وبلغ عددهم 1500 مع الشيوخ
ابتدأت الحفلة في الساعة السادسة زوالية وانتهت بعد ساعتين. فأبقت في الفكر ذكراً لا يمحى.
2 - خلع لمشايخ الأعراب
كانت الولاية قد دعت رؤساء القبائل الموجودين في الولاية وأطرافها ليشتركوا بعيد الأمة العثمانية، فأتوا ملبين أمر الوالي. وفي يوم الاثنين 22 تموز ليلة عيد الامة، اجتمع روساء القبائل وشيوخها قبل غروب الشمس بساعتين ونصف، في الخيام المعدة لهم بجوار المعسكر، فخلع عليهم الوالي ألبسة بحضور أماثل المدينة من وطنيين وأجانب. وكان عدد الشيوخ 150. وكان اللباس عبارة عن عباءة وكوفية وعقال مقسومة إلى ثلاثة أصناف: فاخر، وجيد، ومتوسط. فوزع كل صنف على الرئيس المناسب له من شيخ كبير، ووسط، وصغير.
3 - تدشين سكة حديد بغداد
صباح نهار السبت 27 تموز، كان الاحتفال بوضع الحجر الأول لسكة حديد بغداد في جانب الكرخ بقرب السن. وقد دعا رئيس الأشغال وهو مايستر باشا الألماني، والي الولاية، وآمر الموقع، وسراة الوطنيين والاجانب، إلى الاشتراك بوضع الحجر الأول. وكان عدد المهندسين الموجودين أربعين من أمم مختلفة وكلهم من المشتغلين بالسكة إلا أن
اغلبهم ألمانيون.
4 - تكاثر السكان في بغداد وغلاء المعيشة
تكاثر الخلق في بغداد منذ إعلان الدستور، لكنهم زادوا زيادة فاحشة في هذه السنة، وكثر الأجانب في هذه الولاية حتى ارتقت جميع الأطعمة لا سيما(2/117)
الحبوب والقطاني على أنواعها. فزادت حقة الخبز قرشا صاغاً عن سابق، وكذلك الشعير، أما اللحم والبيض فقد تضاعفت أثمانهما، فقد كان في السابق تباع ثلاث بيضات بعشر بارات أو بقرش رائج. أما الآن فتباع بعشرين بارة.
واغلب المأكولات لا يرجى لها نزول في القيمة أو الثمن. أما الحبوب فيرجى لها إذا شددت الحكومة في منع إصدارها إلى ديار الغرب. فإن وزنة الحنطة تباع اليوم بليرة عثمانية. وكانت تباع سابقاً بخمسين أو ستين قرشاً صاغاً. ووزنة الشعير تباع اليوم بخمسين غرشاً، وكانت تباع سابقاً بعشرين أو 25 غرشاً فاحكم بعد هذا على بقية الأطعمة التي ارتفعت أسعارها بارتقاء الحبوب.
5 - بذور البقول والخضراوات
جلبت إدارة الزراعة في الولاية بذوراً كثيرة اغلبها بذور بقول يرغب الناس في أكلها كبذور الملفوف (اللهانة) والقنبيط (القرنبيط) والكراب ونحوها. والحكومة توزعها مجاناً على من يتعهد ببذرها.
6 - مكتب للهنود في كربلاء
أسس الهنود مكتباً مجانياً يقبل فيه التلميذ من أي رعية كان. وقد ادخلوا فيه تعليم اللغة الإنكليزية. وفي المكتب الآن نحو 130 طالباً. واغلبهم من رعية الدولة البريطانية وكذلك اغلب معلميهم.
(عن الزهور العدد 289)
8 - السعدون
حدثت معركة عظيمة بين عشيرة الضفير وبين ولد سعدون باشا وهم عجمي بك وإخوانه ومعهم العشائر العديدة المنضمة إليهم. فدام الصراع مدة طويلة انجلى عن انكسار الضفير
وقتل كثير منهم كالشيخ عفتان بن ضويحي وخمسة من كبارهم وجرح حمود بن سويط رئيسهم الأكبر. وقد غنم ولد سعدون وعشائرهم إبلاً وخيلاً وأمتعة كثيرة. اصلح الله الأمور!
9 - مطير
أغارت عشيرة مطير ورئيساها ابن لاحي وابن مبرد على تجار ابل في طريق الشام فسلبت أصحاب الاباعر ما يقدر بستمائة منها، قيمتها نحو 7000 ليرة فعسى أن تردع الحكومة هؤلاء الأشقياء وتومن أموال التجار!(2/118)
10 - غرق الباخرة دمرا
غرقت الباخرة من شركة المراكب الهندية البريطانية التي تتردد بين بمبى والبصرة وذلك في غبة برطيلة قرب كراجي وغرق معها الركاب والأموال.
11 - ناد في الكويت
عقد شبان الكويت نادي أدبٍ وذلك بهمة الفاضل فرحان بن خالد الخضير.
12 - الأمن في إيران
استتب الأمن في تلك الديار واخذ البريد والقوافل والمسافرين بالتردد إليها، إلا أن عشيرة (كاكاوند) هجمت على أموال التجار التي تنقل بين كرمنشاه وهمدان وحصيلتهم نحو مائة وعشرين حملاً من أحمال الدواب. فالأمل أنها تسترجع إلى أصحابها!
13 - عداي الجريان ورشيد الدبوني
وقع قبل ما يزيد على سنة منافرة بين الشيخ عداي وبين رشيد الدبوني؛ وذلك لأن الحكومة أعطت الشيخ عداي أراضي الغبيشية، من ملحقات البغيلة، والجزيرة ليزرعها. فحاول رشيد أن ينزعها من يده فلم يفلح وقتل رشيد. ثم ارجع ناظم باشا عداي إلى أراضيه واسكنه فيها. لكن العدلية حكمت على عداي وعشيرته حكماً غيابياً، فهم الآن يسترحمون الحكومة لتعفو عنهم.
14 - وفاة عيسى جميل زاده
نهار الاثنين 29 تموز غربي انتقل إلى دار البقاء عيسى أفندي جميل زاده أحد أشراف بغداد وعلمائها عن نحو 50 عاماً. ودفن في جامع آل جميل بجوار والده نسأل الله لآله ولمن يلوذ به الصبر والسلوان!
15 - غرق سبعة يهود
بينما كان هارون بن ساسون وابنه كرجي والياهو، ويعقوب، وسليم، وعبد الله، أولاد عزرا، وعزرا بن ساسون، راكبين عند العشاء زورق ناصر بن خشان وذاهبين إلى قصرهم الواقع في الكرادة الشرقية أو البو جمعة إذ اصطدم الزورق بجسارية قديمة (سفينة تدعم الجسر) كانت غارقة في جوار شريعة باب(2/119)
الشرقي وانقلب الزورق بمن فيه من الركاب ولم ينج منهم إلا صاحبه ناصر المذكور، وعبد الله بن عزرا، وعزرا بن ساسون، ولكن لما بلغ عزرا الشاطئ وعلم ما حل بابنه مات لما نزل به من الهلع الفجائي. سلى الله أقاربهم.
16 - قدوم شيوخ عنزة
قدم شيوخ قبائل عنزة الحالة في ديار الشام وولاية حلب واظهروا خضوعهم للحكومة مذعنين لأوامر والي ولايتنا، وهم: حاكم بك بن مهيد، وبرجس بك ابن هديب، وتركي بك، وماجد بك الشعلان، وغشوان بك ابن رشيد، وفياض بك ابن جندل. ولما سمعوا باستعفاء الوالي أبوا أداء الرسوم الأميرية ولهذا ابلغ الأمر إلى كربلاء وشثاثا والهندية والنجف بمنع العشائر حق الامتياز (المسابلة) حتى تدفع ما عليها من الرسوم.
17 - غزوات الأعراب
لا زال الضفير مجاورين اليوم لعشائر عنزة، وهم يدفعونهم إلى غزو المنتفق ومطير. وقد قام فهد الدغيم بن هذال بجيش لهام من عنزة صال على المنتفق ومطير ووعدهم ابن سويط زعيم الضفير أن يجمعوا قوتهم إلى قوة هذال ولا يرجعون حتى يضربوا أعداءهم ضربة قاضية. فإلى متى هذه الغزوات وهذه الفتكات؟ واملنا في الحكومة أن تردع هؤلاء الأعراب وتومن الطرق وتحافظ على حياة المسافرين وتمنع وقوع مثل هذه الأحداث، أحداث الجاهلية لا أحداث هذه العصور النيرة
18 - مبارك الصباح ومطير
مطير قبيلة تحب الفتك والغزو، ولا تخلد إلى الراحة طالما ينبض فيها عرق. ولهذا ترى أفرادها في شن الغارات الدائمة والهجوم المتصل. وقد استاء الشيخ مبارك الصباح من عمل الدويش رئيس مطير لنزول إعرابه بجوار عجمي بك السعدون فكان خبر استيائه منهم باعثاً على مزيد فرحهم فجيشوا جيشاً، وأغاروا على اتباع مبارك النازلين في سفوان، واستاقوا منهم إبلاً وأموالاً فاسترجعها أصحابها بعد ملحمة عظيمة، ورجع كل قوم إلى أصحابهم.
اصلح الله الأحوال! (كلها عن الرياض)(2/120)
العدد 16 - بتاريخ: 01 - 10 - 1912
خمعة بنت الخس الإيادية
-
وقف حضرة أستاذنا الشهير، السيد الشيخ محمود شكري أفندي الآلوسي، على مقالتنا: (نقد تاريخ آداب اللغة) (المدرجة في 25: 2 - 62) فرأى إننا ذهبنا في اسم ابنة الخس الأيادي جمعة، كما ذهب إليه اغلب كتاب العرب فنبهنا على ذلك قائلاً: أنها بالخاء المعجمة الفوقية، لا بالجيم المعجمة التحتية فذكرنا له أن صاحب القاموس، وتاج العروس، ولسان العرب، والاوقيانوس وصاحب الاغاني، وغيرهم، من مشاهير الكتاب الأقدمين والمحدثين، ذكروها بالجيم لا بالخاء، فوعدنا حضرته بأن يذهب بنفسه إلى خزانة كتب المدرسة السليمانية في بغداد، ويراجع المادة بنفسه ليتحققها ويثبتها. وبعد أن وقف على مطلبه كتب الينا، حرسه الله وابقاه، الاسطر التالية:
اليوم (7 آب)، وجدت فرصة لنقل ما ذكرته لكم، فذهبت إلى خزانة كتب مدرسة السليمانية؛ وراجعت (شرح حديث أم زرع) للقاضي عياض وذكر في هذا الشرح على سبيل الاستطراد، نبذة غير يسيرة من كلام من اشتهرن بالفصاحة من نساء الجاهلية، فقال: ومنهن خمعة، بضم الخاء وفتح الميم والعين المهملة، كما ضبطه صاحب العباب، والمحكم، وابن الشجري في كتابه: ما اتفق لفظه واختلف معناه، يقال: خمع في مشيته أي ظلع، وبه خماع أي ظلع، والخامعة: الضبع. إلى أن قال: واختلف نسبها، والمشهور أنها ابنة الخس أخت هند. وقيل: غير ذلك اهـ. ثم ذكر نبذة من كلامها المسجع(2/121)
وشرحه. ومن جملة ما قال: إن كثيراً من النساخ بهم في هذه اللفظة، فيكتب الخاء جيماً، وهو غلط إذ ليس في أسماء العرب جمعة علماً على ذكر أو أنثى.
اهـ كلام الأستاذ ونقله.
قلنا: إن أستاذنا مصيب في كلامه هذا. وأصحاب المعاجم والدواوين اللغوية والشعرية والأدبية الذين ذكروها، لم يتعرضوا لها في بحثهم ولم يضبطوا الكلمة ضبطاً بالألفاظ، وإنما جاءت في كلامهم استطراداً، ولعلهم ذكروها في الأصل بالخاء المنقوطة الفوقية، فلما لم يفهمها النساخ، أو أصحاب المطابع حرفوها. وما اسهل إبدال اسم مجهول، أو نادر الورود، كخمعة، باسم معلوم أو متداول وهو جمعة. قلت: إن كان لم يرد علم ذكر أو أنثى
باسم جمعة في القديم كما ذكره القاضي عياض، فأنه مشهور اليوم، لا سيما في العراق. فقد يسمى به بعض من يولد يوم الجمعة. لا بل ذكر صاحب التاج في المستدرك، أنه قد سموا جمعة بضمتين. فإنكار القاضي عياض لها في غير محله. وعلى كل قاسم المرأة المشهورة الايادية هي خمعة، بالخاء المنقوطة الفوقية، كما حققه شيخنا الأستاذ الآلوسي على ما تقدم إيضاحه.
وقد ذكر الأدباء من كلامها المأثور، شيئاً من المنثور، ولم يذكروا لنا شيئاً من المنظوم، وقد روى لنا ابن أبي طاهر، صاحب كتاب بلاغات النساء أبياتاً من شعرها منها هذه:
اشد وجوه القول عند ذوي الحجى ... مقالة ذي لب يقول فيوجز
وافضل غنم يستفاد ويبتغى ... ذخيرة عقل يحتويها ويحرز
وخير خلال المرء صدق لسانه ... وللصدق فضل يستبين ويبرز
وإنجازك الموعود من سبب الغنى ... فكن موفياً بالوعد تعطى وتنجز
ولا خير في حرٍ يريك بشاشة ... ويطعن من خلف عليك ويلمز
إذا المرء لم يسطع سياسة نفسه ... فأن به عن غيرها هو أعجز
وكم من وقور يقمع الجهل حلمه ... وآخر من طيش إلى الجهل يجمز
وكم من أصيل الراي طلق لسانه ... يصير بحسن القول حين يميز
وكم مافون يلوك لسانه ... ويعجن بالكوعين نوكا ويخبز(2/122)
وكم من اخى شر قد أوثق نفسه ... وآخر ذخراً لخير يحوي ويكنز
يفر الفتى والموت يطلب نفسه ... سيدركه لا شك يوماً فيجهز
وهي كلها أبيات حكيمة في غاية الجودة ومن شعرها قولها:
رأيت بني الدنيا كأحلام نائم ... وكالفيء يدنو ظله ثم يقلص
وكل مقيم في الحياة وعيشها ... بلا شك يوماً أنه سوف يشخص
يفر الفتى من خشية الموت والردى ... وللموت حتف كل حي سيغفص
أتاه حمام الموت يسعى بحتفه ... وقد كان مغروراً بدنيا تربص
كأنك في دار الحياة مخلد ... وقد بان منها من مضي وتقنصوا
لقد افسد الدنيا وعيش نعيمها ... فجائع تترى تعتري وتنغص
إلا رب مرزوق بغير تكلف ... وآخر محروم يجد ويحرص
وقد ذكرنا هذا الشعر حرصا عليه ولقلة وروده في كتب الأدب ولما تضمن من الحكمة الرائعة، والأمثال الشائعة. والسلام.
تذييل في نساء العرب
كتب أحد المستشرقين وهو العلامة برون فرنسوياً عنوانه (النساء العربيات قبل الإسلام وبعده) وقد طبعه في الجزائر سنة 1858، وجمع فيه كل قاله العرب في نساء العرب قبل الإسلام (أي في عهد الجاهلية) وبعده (إلى عصر المأمون) ولا نظن أننا وجدنا كتابا عربيا حوى ما وعى هذا السفر الجليل الفذ، بل يتيمة الدهر. والكتاب في قطع الثمن الكبير في 604 صفحات يليها فهرس وافٍ يطلعك على محتوياته بسرعة لا تنكر. والقسم الأول منه، وهو قسم عصر الجاهلية، يحوي 42 فصلا، كل فصل يبحث عن حالة من أحوال المرأة. والقسم الثاني، وهو قسم عصر صدر الإسلام، يحوي 31 فصلا وكلها مرتبة ترتيبا انيقا، يجمع بين اللذة، والانس، ورغبة الوقوف على أخبار نساء ذلك العصر.
ولما تكلم المؤلف عن المرأة الايادية ذكرها باسم جمعة وكتبها هكذا أي بالجيم لا بالخاء. ولا جرم أن الكاتب اعتمد في رسم هذا(2/123)
الاسم على الكتب المتداولة بين القوم، ولاسيما الكتب الخطية. لأنه وضع كتابه منذ اكثر من خمسين سنة. والمطبوعات العربية في مثل هذه المواضيع كانت نزرة أو نادرة. ومما يشهد على ذلك رسمه لأعلام أخرى على غير وجهها المشهور كقوله، جابس، في (حابس) والد جمعة على رواية، وغير ذلك، مما ليس هذا المقام مقامه. على أن هذا كله لا يضر بمنزلة هذا السفر الجليل، فأن فيه من الخواطر والأفكار في نساء العرب، ما لا تعثر عليه في المجلدات الضخمة أو ينتبه له أحد من كتاب العرب. فعسى أن يكون شرعة يردها أدباؤنا عند تعرضهم لأبحاث العرب، ولا سيما لنسائهم، ليكونوا على بصيرة مما يكتبون! والله الهادي إلى السراط المستقيم!
العشائر القاطنة بين بغداد وسامراء
6 - نفوسها ورؤساؤها ومساكنها
1 - بنو تميم
بنو تميم (وزان قدير) قبيلة كبيرة مبثوثة في أرجاء مختلفة من ديار العراق والعرب. ومنها عشيرة قاطنة في شرقي ناحية (بلد). عدد رجالها يربون على ألفي رجل ورئيسهم حسين الثامر وهم يحرثون الأراضي المدورة على ضفة دجلة اليمنى المقابلة لأراضي (عظيم) وأكثرهم على مذهب أهل السنة والجماعة وبينهم عدد قليل جعفريون؛ ومنهم قسم يزرعون أراضي الخضيرة شرقي بلد
2 - المجمع
المجمع بضم الميم الأولى وفتح الجيم وتشديد الميم الثانية وفتحها يليها عين مهملة وزان (معظم) عشيرة كبيرة تقسم إلى عدة أفخاذ وبطون كثيرة لا يمكننا الإحاطة بها. رجالها ألف ومائتان ورئيسهم محمد المهدي. ومنهم من يشتغل بتربية الأغنام والمتاجرة بأصوافها ومنهم الزراع. وهم قاطنون في أراضي (قبان) (بفتح القاف وتشديد الباء وزان شداد) من أراضي(2/124)
دجيل وأكثرهم من أهل السنة والجماعة وقليلون منهم جعفريون.
3 - العيدان
العيدان (وزان ديدان) وهي عشيرة صغيرة لا يتجاوز عدد رجالها ثمانين وهم زراع نجباء افتعلوا لهم أرضاً في جنوبي (بلد) على حافة دجلة يحرثونها ويزرعونها ورئيسهم حسين العبد الله.
4 - السعود
السعود (وزان جلود) فخذ من أفخاذ بني سعد (كذا قيل). عدد رجالها مائة وعشرون. رئيسهم خسارة الحمد. وهم يحرثون قسماً من أراضي دجيل. ويكثر بينهم الجعفرية.
5 - البو عتاب
البو عتاب (وزان شداد)، عشيرة كبيرة بالنسبة إلى أخواتها. عدد رجالها ثلثمائة. رئيسهم محمد السبتي. وهم زراع في أراضي الخضيرة على حافة دجلة وشرقي ناحية بلد وسموا بهذا الاسم نسبة إلى رجل من أجدادهم اسمه (عتاب) وهم على مذهب أهل السنة والجماعة.
6 - البو دراج
البو دراج (وزان شداد) فخذ من أفخاذ عشيرة السوامرة (وزان ملائكة) (كذا قيل) وعندي انهم خليط أقوام تسموا بهذا الاسم نسبة إلى رجل اسمه (دراج). عدد رجالها مائة رئيسهم السيد على العابد. ومحل سكناهم أراضي العابرية على ضفاف دجلة في الجهة الغربية من ناحية (بلد) وهم كلهم سنيون.
7 - البو عباس
البو عباس (وزان شداد) عشيرة ضخمة متشتتة في أطراف بغداد يتجاوز عدد رجالها الألف رئيسهم (حمدي الحمد) وهو رجل موظف في عدلية سامراء مشهور بدماثة الأخلاق. وكلهم زراع وبينهم من يشتغل بتربية الأنعام أي انهم أصحاب ابل وماشية وخيام والزراع منهم في أراضي (الحاوي) وأرباب المواشي منهم ينتقلون من أرض إلى أرض على اختلاف فصول(2/125)
السنة. ويدعون انهم سادة قرشية. وهم جميعهم على مذهب السنة والجماعة.
8 - البو عيسى
البو عيسى فخذ من أفخاذ عشيرة السوامرة الكبيرة. عدد رجالها مائتان. رئيسهم حسين الحمادي. وهم يقطنون في شرقي بليدة تكريت وجلهم زراع وقيل انهم نسل الخلفاء العباسيين ولا نعلم مبلغ ذلك من الصحة. وهم جميعهم سنيون.
9 - البو مليس
(مليس) بكسر الميم كسراً غير بينٍ وتشديد اللام الممالة وسكون الياء وفي الأخر سين مهملة. قبيلة صغيرة عدد رجالها تسعون رئيسهم عبد الوهاب ابن الشيخ عباس والقسم
الأعظم منهم يسكنون بليدة سامراء وفيهم عدد قليل يقطنون في أراض العيث ومهنتهم تربية الأغنام وسائر الأنعام والمتاجرة بصوافها ويزعمون انهم سادة قرشية. واغلبهم سنيون.
10 - البو نيسان
البو نيسان (بالضبط المشهور) والبعض يلفظها بفتح النون فخذ من أفخاذ(2/126)
(السوامرة) عدد رجالها ثمانون رئيسهم الحاج فتح الله وهم من سكان سامراء وبينهم عدد قليل زراع في الأراضي المسماة (البركية) (بفتح الباء وإسكان الراء وكسر الكاف مع فتح الياء المشددة في آخرها هاء) المقابلة لبلدة سأمراء؛ ويدعون انهم سادة قرشية والسبب في تسميتهم بهذا الاسم هو أن جداً لهم ولد في شهر نيسان فسمى باسمه وسميت القبيلة (بالبو نيسان) نسبة إليه كما هي عادة الأعراب بأن يأتوا بكلمة (البو) ويدخلونها على الكلمة الأصلية فتكون بمعنى آل أبو (أبي). . . . واغلبهم سنيون.
11 - البو اسود
البو اسود (وزان احمد) عشيرة صغيرة رجالها لا يتجاوزون المائة رئيسهم سهيل المطر وهم سادة قرشية وكلهم زراع يسكنون أراضي مختلفة وأشهرها (عزيز بلد) (والصعيوية) والضلوعية وجميعهم سنيون.
12 - البو باز
البو باز (وزان عاد عشيرة) كبيرة مبثوثة في أرجاء مختلفة عدد رجالها ستمائة. رئيسهم جاسم محمد العلي الأكبر. واغلبهم يسكنون في أرض النباعي وهم زراع كرود وكرودهم عبارة عن فقر أي آبار متجاورة ينفذ بعضها إلى بعض يزروعون عليها زروعهم وذلك لبعدهم عن دجلة إلا أن هذه الآبار قد اشتهرت بعذوبة مائها وبرودته وخفته على المعدة. وهم سنيون.(2/127)
13 - البو بدري
البو بدري بفتح الباء وإسكان الدال وكسر الراء في آخرها ياء عشيرة صغيرة لا يتجاوز عدد رجالها الثمانين رئيسهم جاسم المحمد بن جعيص (مصغرة) ومهنتهم تربية الأغنام
والمتاجرة بأصوافها وسمنها ويسكنون في أراض الكوش (بكاف فارسية مضمومة وهي أرض في شمالي سامرا كثيرة الآبار تبعد عن سامرا ساعتين) وجميعهم سنيون.
14 - البو عظيم
البو عظيم (على زنة زبير والعامة يتلفظونها بإسكان العين المهملة والبعض يتلفظها بكسر العين المهملة كسراً غير بين) عشيرة عدد رجالها ثمانون رئيسهم حسين الكريم وكلهم زراع يقطنون شرقي مخيم البو عيسى في أراض مقابلة لسامرا. وجميعهم سنيون.
15 - البو صليبي
البو صليبي (وزان زبيري) والبعض يتلفظونها بالهمزة الموصلة والصاد المحركة بحركة بين الضم والفتح واللام الممالة. وفي آخرها ياء النسبة. هي عشيرة قليلة العدد: رجالها 150 رئيسهم شهاب الحمد ويسكنون في أراضي الدوجمة (بضم الدال وإسكان الواو وكسر الجيم وفتح الميم وفي آخرها ياء) على حافة دجلة وسميت بهذا الاسم نسبة إلى رجل جاء من عشيرة (صليب) (وزان زبير) من قطان فيافي نجد والدهناء فسكن هذه الأراضي وكثر أولاده ونمت أبناؤهم حتى تألفت هذه القبيلة من صلبه. فسميت باسم القبيلة الأصلية وإن لم تكن عيشتهم كعيشتها (كذا حدثني رجل خبير). وجميعهم سنيون.
16 - الغوالبة
الغوالبة جمع غالبي عشيرة كبيرة عدد رجالها ألفان ومن أكبر رؤسائهم خلف المرهج وجميعهم زراع يقطنون أراضي الصفيط (وزان زبير ويلفظها العامة بتحريك الصاد حركة مشتركة وفتح الضاد ممالة وإسكان الياء وفي الآخر طاء مهملة ويقال فيها) (السفيط) أيضاً بالسين عوضاً من الصاد وأكثرهم سنيون.(2/128)
17 - الخزرج
(وزان جدول) عشيرة أو فخذ من أفخاذ عشيرة خزرج العدنانية التي نصرت النبي (صلى الله عليه وسلم) عند مهاجرته من مكة (كذا قبل) عدد رجالها 400 رئيسهم جاسم المحمد الصلماوي وهم يحرثون الجهة الغربية من أراضي دجيل والجهة الشرقية من أراضي الضلوعية على ضفة دجلة اليسرى.
18 - الجبور
الجبور، وزان دخول عشيرة ضخمة العدد مبثوثة في أرجاء مختلفة من العراق العربي. يتبعها بطون وأفخاذ كثيرة نضرب عنها صفحاً لجهلنا اغلب أسمائها. عدد رجالها ثمانية آلاف. والقسم الأعظم منهم في أطراف بغداد ولهم فيها خاصة بهم واقعة في جانب الكرخ تسمى (محلة الجبور) ورئيسهم في بغداد أحد تجار الأبل عبد الله المهيدي. وقسم منهم يقطنون في أراضي الضلوعية على حافة دجلة من الجهة الشرقية وعددهم 500 ورئيسهم عبد اللطيف بن سلامة ومنهم يسكنون في أراضي الخرنينة والشرقاط وأراضي العوجة والماحوز
والزاب والخابور وجميعهم سنيون.
19 - البو فراج
البو فراج وزان شداد. عشيرة رجالها أربعمائة. رئيسهم محمد المصطفى(2/129)
وهم يزرعون القسم الشرقي من أراضي الضلوعية. وفيهم من يزرع في حويجة الجويزات (مصغرة) المقابلة لناحية (بلد). وهم سنيون.
20 - الكبيشات
الكبيشات بالتصغير أي بضم الكاف وفتح الباء وإسكان الياء وهي عشيرة كثيرة العدد رجالها يتجازون الستمائة رئيسهم محمد أبو خشيم (بالتصغير) وهم متفرقوا الربوع فقسم منهم في أراضي العيث الواقعة شمالي سامراء وقسم في عظيم (بالتصغير) وأكثرهم قليلو الاهتمام بالزراعة وبينهم عدد قليل يربون المواشي ويتاجرون بها والقسم الأعظم منهم قطاع طرق. واغلبهم سنيون.
21 - البو طلحة
البو طلحة (وزان كثرة) عشيرة قليلة العدد لا يتجاوز عدد رجالها الثمانين رئيسهم شكلة الحمد وهم سكان أراضي عظيم واكثر زروعهم عذى أي ديم لأنهم بعيدون عن دجلة اكثر من خمس ساعات ولا يصل الماء زروعهم وأراضيهم ليسقيها. وهم سنيون.
22 - العزة
العزة (على زنة كنة) بفتح العين المهملة وتشديد الراء المعجمة وفي آخرها هاء عشيرة ضخمة منتشرة في ديار العراق العربي عدد رجالها ألفان ومائتان وهي تقسم إلى أفخاذ منها فخذ البو بكر ورئيسهم (دلو) بفتح الدال وتشديد اللام وإسكان الواو. والبو عواد (وزان شداد) ورئيسهم (جايل) بجيم فارسية - كائل (وزان قائم) والسبوطران (وزان جماد) ورئيسهم طعمة الخلف. والبو اجول وزان احمد ورئيسهم غضبان بن خلف الغصيبة وهو الرئيس الكبير لهذه القبيلة وله سلطة عظيمة على سائر القبائل القاطنة في جواره وهو مشهور بمحاسن الأخلاق والكرم الحاتمي. وهذه البطون أو الأفخاذ تقطن في أراض العظيم وجبل حمرين والخالص(2/130)
وهم زراع. وزروعهم على الأنهار. وهم سنيون.
23 - المشاهدة
المشاهدة، وزان مغاربة، وهي عشيرة ضخمة كثيرة العدد تحرث أرضاً كبيرة ممتدة من قضاء الكاظمية إلى أطراف دجيل. وهم غير المشاهدة الذين يقطنون في النجف. فالأولون يختلفون في المسكن باختلاف أراضيهم. وزروعهم تزيد على ثلاثة آلاف فدان. أما أراضيهم فتقسم إلى ثلاثة أقسام 1 - أراضي الوقف وتسمى التاجي وقليل منهم يسميها التاجية وهي ممتدة من بلدة الكاظمية إلى أراضي الحصيوية (بالتصغير) مسافة أربع ساعات وزعيمهم فيها حمد السليمان وتأخذ الحكومة منهم عن كل بكرة عشر جنيهات!! 2 - أراضي أبو سريويل (مصغرة) وهي عائدة إلى أحد كبار بغداد الحاج عبد الرحمن الباجه جي ومسافتها ساعتان والزعيم هناك السيد حبيب الشلال وتأخذ الحكومة عن هذه الأرض العشر 3 - الأراضي السنية أي الأملاك المدورة، وهي ممتدة من أبو سريويل حتى قلعة الطارمية وهي مسافة أربع ساعات للراجل والزعيم هناك السيد محمد بن السيد احمد وتأخذ الحكومة عن كل بكرة خمس جنيهات!! ومجموع رجال المشاهدة يزيد على 10 آلاف ويزعمون انهم سادة قرشية. وقد أراد ناظم باشا الوالي السابق تسجيل نفوسهم وإلزامهم بإيفاء الخدمة العسكرية إلا انهم أبو ذلك ففروا إلى أنحاء الجزيرة ولم يعودوا إلى أوطانهم إلا بعد أن اخذوا موثقاً من الحكومة بأن لا تعود إلى ذلك!!
7 - خاتمة البحث
هذا ما علمناه من أمر هذه الأمة العربية الكريمة الآباء القاطنة بين بغداد عاصمة الخلفاء، وسامراء منتزههم الوضاء، أمة قبض عليها الدهر(2/131)
بيده الخانقة، فطمس آثار جناتها ذوات الأشجار الباسقة، وثل قصورها الشاهقة، ودك صروحها السامقة، وعفى رسومها السامية، ودرس معالمها البادية، حتى أصبحت إلى ما تراه اليوم، فقيدة النسب بين القوم، يستعبدها الأغيار، ويقودها الجهل إلى هوة الفناء والدمار، أمة ذهبت أخلاقها الكريمة، باختلاطها بالأعاجم منذ الأزمان القديمة، ففقدت مميزاتها النبيلة، وصفاتها الجليلة، وكانت قد امتازت بها في سابق الأزمان عن سائر الأقوام، أي في عهد سابق سعدها، وتالد مجدها، وما ذلك، وربك، إلا من تقعد العرب عن أمر جامعتهم، وتهاونهم في إحكام عرى رابطتهم، أمر اصبح أكثره اليوم في الصدور، لا في السطور، وعليه إن لم تبذل الهمة، في لم شعث هذه الأمة، فلا يمضي زمن قليل، إلا وتصبح شماليل، مضطربة النسب والتاريخ بين الأجيال، داخلة في عداد الأمم الآخذة بالزوال، أعاذنا الله من رؤية تحقيق هذا المآل، ذلك ولنا عودة إلى هذا المقال، سنأتي به إن شاء ربك المتعال.
إبراهيم حلمي
نظر تاريخي في لغة الاسبرانتو
1 - توطئة
يليق بي قبل أن اخط شيئاً عن اللغة الاسبرانتية التي أصبحت في عصرنا هذا، منتشرة انتشاراً عظيماً في أربعة أقطار العالم المتمدن، أن اذكر، ولو على سبيل الاختصار، ما كان يدور في خلد لغويي الأعصر القديمة والحديثة فأقول: إن استنباط لغة صناعية تقوم مقام لسان ثانٍ عام لجميع البشر قاطبةُ ليس من تصورات أو ابتكارات هذه السنين الأخيرة، بل يرتقي عهدها إلى أوائل القرن السابع عشر واليك البيان: قام فريق من العلماء في ذلك الحين وارتأوا تأليف لغة جديدة تلم شعث المتكلمين، وتكون بمثابة لسان واحد للأمم كلها على اختلاف درجاتهم، وتباين طبقاتهم، ومعارفهم، ولكن هذا الرأي لم يحل محلاً رفيعاً، لأن الأمة الغربية كانت يومئذٍ حديثة العهد بالمدنية والعمران(2/132)
وعليه القي هذا الأمر في زاوية الإهمال والنسيان. بيد أن نخبة من علماء اللغة الأعلام لم يقعدهم ذلك عن التقدم في هذا المضمار، بل جدوا كل الجد وسعوا سعيا حثيثاً، حتى كادوا يظفرون بضالتهم المنشودة، ويفوزوا بأمنيتهم الخطيرة، التي وضعوها نصب أعينهم، إلا أنه اعترضهم في سبيلهم بعض العقبات التي أودت بمشروعهم الحيوي وهو جنين، ومع هذا كله، إذا أحصينا التآليف العديدة التي برزت إلى عالم المطبوعات من عصر المطران ولكنس في القرن السابع عشر حتى الدكتور زمنهوف في القرن العشرين وجدناها تنيف على خمسين لغة صناعية عرضت على أنظار علماء فطاحل فرفضوها بتاتاً لوجودهم فيها شوائب جمة تشوه رونق محياها الأدبي وقد انتقدها انتقاداً دقيقاً العالمان الفاضلان الدكتوران ل. ول. ليو في كتابهما النفيس الموسوم بتاريخ لسان العالم وقد اهتم منذ بضع سنوات نفر من أئمة اللغة في أيجاد لغة صناعية تفي باحتياجات الناس في عصرنا هذا الذي كثرت فيه المواصلات العمرانية، والمراسلات التجارية، والمكاتبات الأدبية، والمفاوضات السياسية، الخ، حتى أنه في معرض باريس الملتئم عام 1900م عني فريق من ممثلي اللجان والجمعيات العلمية المختلفة اللسان والجنس والمكان، وأرسلوا بمنزلة مبعوثين من قبلها ليتفاوضوا في مسألة استنباط لسانٍ عامٍ يكون معاوناً للغة كل المدن والامصار، ورابطاُ
لألسنة الممالك والبلدان الشاسعة.
وكان قبل ذلك الزمان، قد برز من مكمنه للعيان، كتاب الدكتور زمنهوف، ونال قصب السبق في حلبة هذا الميدان، على جميع الكتب المصنفة في هذا الشان، فالتف حوله جل الأدباء والكتاب على تفاوت مقامهم وقدروه حق قدره إذا وجدوا كتابه طبق المرام، بل غاية ما كانوا يتوقعونه منذ اعوام، فتعاهدوا إذ ذاك على نشر هذا اللسان الجديد ومعاضدته بكل قواهم.
2 - لغة الاسبرانتو
أن مستنبط لغة الاسبرانتو هو لويز لازار زمنهوف(2/133)
طبيب روسي مشهور ولد في بيلوستوخ من أعمال غرودنو في سنة 1859م وهو الآن حي يرزق وعمره نحو ثلاث وخمسين سنة والذي حمله على استنباط لغة جديدة صناعية، كما عثرت على ذلك في إحدى المجلات الإنكليزية، هو أنه رأى منذ صغره الانقسامات الجنسية، والمنازعات اللسانية، الموجودة في مسقط رأسه بين اللغات الأربع التي كان الأهالي يتكلمون بها وهي: الروسية، والبولونية، والألمانية، واليهودية. فهذه اللغات كانت تحارب الواحدة الأخرى لكي تلاشيها من تلك البقعة، وكل من أصحابها يود لو كان في وسعه التشبث بلسانه والتعلق بأذيال لغته فقط. على اختلاف الألسنة بهذه الصورة مما يولد النفور والنزاع بل ويبعث على العداوة والبغضاء بين المتكلمين على حد سواء. ولذا علق منذ ذاك الحين بذهن الدكتور الموما إليه أن ينشئ لغة جديدة لتزيل بعض الزوال تلك العراقيل والمشاكل التي تؤدي إلى خراب الممالك وانقراض الشعوب والقبائل. وكان يرى بفكره الثاقب ورأيه السديد الصائب أنه يأتي زمان ترتفع فيه اكثر العداوات الجنسية واللسانية كما كان الحال قبل تبلبل الألسنة عندما كان البشر يسكنون معاً في سلام وآمان، وراحة واطمئنان، وأن كنا نرى ذلك مستحيلا الآن، ويكاد يعد من قبيل الترهات والأوهام.
من درس حال الممالك ومسألة اللغات فيها يرى لأول وهلة كيف أن كل أمة عزيزة الجانب نافذة الكلمة تريد أن توسع نطاق لغتها وتنشرها في أطراف المعمورة، فخذ الإنكليزية مثلاً أو الافرنسية أو الألمانية فكل منها تود لو كان في وسعها أن تنتشر وحدها في المسكونة بأسرها وتمسي ملكة مطلقة تخر لعظمتها جميع اللهجات على اختلافها. ولما كانت هذه
الأمور مما يخالف روح الدكتور زمنهوف كل المخالفة كد فكره واسهر جفنه منذ صباه قضاء لهذه الحاجة العظيمة باختراعه لغة مستقلة عن سائر اللغات تمام الاستقلال لتكون بمنزلة دواءٍ شافٍ لهذا الجرح الغير المشوه لجسم المجتمع الإنساني حتى توفق أخيراً لاختراع لغة صناعية سماها الاسبرانتو أي الرجاء وهي علم وعمل للناس طراً وكان الأجدر به أن يدعوها لغة العالم.(2/134)
وخليق بي أن اذكر شيئاً من أعمال وأفكار هذا الدكتور الجهبذ قبل توصله إلى نتيجة أتعابه الكثيرة. قلت فويق هذا أنه علق بذهن المخترع من أيام فتوته أن ينشئ لغة جديدة وبقي هذا الفكر ينمو ويزداد على ممر الأيام والسنين نمو جسمه وقامته.
لما كان هذا المستنبط تلميذاً في مدرسة الفنون في ورسوفية فأول ما خطر له أن يحي معالم إحدى اللغات القديمة العلمية المائتة وكثيراً ما تردد في ذهنه وتصور أمام مخيلته أن يتخذ اللاتينية في مهمته ولكن بعد أن تروى ملياً في تلك اللغة المهجورة الاستعمال اعرض عنها، لأنه رأى أن لغة بني الأصفر لا تناسب روح العصر ولا تفي بحاجات الناس فلو كانت تقوم بمطالب العالم وضرائر الأعمال لما اعرض عنها رجال العلم ووضعوها في زاوية الإهمال؛ وعليه رجع الدكتور زمنهوف عن هذا الفكر كل الرجوع.
ولما لوى عنان فكره عن اللاتينية كان لسان حاله يقول أأتخذ الصينية ذات الفعل والاسم والأداة إذ اللفظة الواحدة تصح أن تكون تارةً فعلاً وطوراً اسماً وأخرى نعتاً ولا يستطيع الواحد أن يميزها مهما كان راسخ القدم فيها إلا بإضافة ألفاظٍ أخرى ذات معانٍ مستقلة عنها تمام الاستقلال.
أم اتخذ العبرانية العزيزة عند ذويها والرفيعة المنزلة في أعين أصحابها؛ مع أنها ناقصة المبنى والمعنى، خالية من محاسن الفصاحة والبلاغة مفتقرة إلى صيغة لا فعل التفضيل ونحوها، فأن العبرانيين إذا آثروها أمراً على آخر عبروا عن الأول بكلام موجب وعن الأخر بمنفي كما نرى ذلك جلياً في الأسفار المقدسة فقد ورد في سفر هوشع وغيره (أني أريد رحمة لا ذبيحة) والمراد: (الرحمة عندي خير من الذبيحة). ومثل ذلك شيء كثير ولا يعرب الكلام عندهم بالحروف النهائية كما في اللاتينية واليونانية ولا بالحركات الإعرابية كما في العربية ولهذا كثيراً من ينشأ عن ذلك أشكال والتباس وغموض وإبهام. وماذا
عساني أن أقول عن كثير من الألفاظ التي لا تدل دلالة صريحة على المراد بها فهذه لفظة (عالم) ومعناها (الأبد) إلا أنها لا تدل دائما على مطلق الأبدية بل كثيراً ما ترد للدلالة على مدة طويلة غير معينة وهكذا قل عن غيرها من الألفاظ التي يطول الشرح في سردها وتعدادها.(2/135)
أم اوجه أنظاري نحو اللغة العربية المعدودة من افصح اللغات وأوسعها في المترادفات؟ مع أنها والحق يقال تفتقر إلى توسيع نطاقها العلمي وتهذيب ألفاظها فضلاً عن وعورة مسلكها في اختلاف حركات مفرداتها وصعوبة التلفظ بحروفها الحلقية وكثرة قواعدها وشواردها في الإدغام والإعلال ونحوهما ووفرة أوزان جموعها حتى أن اغلب الناطقين بالضاد لا يحيطون بها علماً. دع عنك تنازع نحويها الكوفيين والبصريين في أمور ومسائل تافهة جداً لا فائدة فيها ولا عائدة.
أم احيي رفات اللغة الآرامية أي لغة بابل القديمة الباقية آثارها مكتوبة نقشاً على بقايا الأطلال الدوارس في مدينتي بابل وآشور العريقتين في المدنية والحضارة في الأزمنة الغابرة فبعد أن انعم النظر واعمل الروية في هذه الخواطر التي مرت أمام مخيلته مر الأمور المتجسمة عزم على أن يستنبط لغة جديدة لا علاقة لها البتة بغيرها من اللغات القديمة أم الحديثة ومنذ ذلك الحين شرع باستنباط لغة صناعية بسيطة التركيب سهلة المأخذ خالصة من الوعورة والشواذ تمكن الطالب من أن يصرف زماناً يسيراً جداً في تحصيلها وإتقانها بل والأخذ بناصيتها.
ثم اخذ بعد ذلك وهو في الكلية بتأليف كتاب في أصول هذه اللغة أي غراماطيق منتهزاً لذلك الفرص وأوقات الراحة ولم يكن قد جاوز عمره إذ ذاك التاسعة عشرة ولا تسأل عن شدة فرحه عند إنجازه عمله لأنه كان باكورة أتعابه الكثيرة وبعد ذلك أردفه بمعجم موجز. هذا ولكي لا يعجز القارئ الكريم عن سردنا جميع ما افتكر وعمل به وكيف ألف كتبه وجمعها وانتقى الكلمات والألفاظ وبدلها على ما رأى موافقاً لمصلحته. نترك هذه الأمور لمن يريد استقصاء البحث بنفسه وننقل المطالع الأريب إلى سماع ما هو أفيد واحضر.
في سنة 1878 ظهرت بعض أعمال الدكتور من حيز الفكر إلى عالم الوجود وسمي لغته الجديدة أي اللغة العامة. ولم يكن قد زايل الكلية إذ ذاك وليس له أشياع ولكن بعد أن
أوقف رفقاءه(2/136)
على مشروعه واخبرهم بجلية الأمر، وعزمه الذي أحيا الليالي الطوال لأجله، عاهدوه على استعمال لغته الجديدة فيما بينهم، ونشرها في الخارج إذا رأوا لذلك سبيلاً. واستمروا مدة يسيرة يتخاطبون بها إلى أن انهوا دروسهم الطبية، ثم تفرقوا في طول البلاد وعرضها لطلب الرزق أو للآخذ بمهنتهم، وبعد ذلك رأى المؤلف أنه وحيد فريد لا ناصر له ولا معين كما كان في أول الأمر، ثم رأى بنفسه أن في لغته بعضاً من الشوائب وشيئاً من الخلل وهي لا تفي كل الوفاء بالغرض الذي كان يتوخاه، فعزم من جديد على تنقيحها، وقد أصبحت بعدئذٍ اللغة المعروفة الآن بالاسبرانتو.
أن المخترع لم يواصل سيره في مشروعه بعد خروجه من الكلية لأسباب منها تراكم الأشغال على عاتقه، وقصر الوقت الذي في يده لأنه كان يصرف جل أوقاته في الدرس والمطالعة لإتقان المهنة التي ألا على نفسه أن يتعاطاها لتحصيل قوته، وأود معيشته هذا ومشروع مثل هذا المشروع محفوف بعراقيل ومشاكل هذا عددها ليس بالأمر السهل إنجازه. ولما كانت همم الرجال تقلع الجبال ولا تعرف معنى للكلل والنصب بل تنتصر دائما على تذليل العقبات التي تحول دون بلوغ الأمنية، كما حدث مثل ذلك لغيره من مشاهير الرجال والنساء الذين يعدون بالمئات لا بل بالألوف. توفق هو أيضاً في مشروعه هذا فانقشعت غيوم العوائق المتلبدة في سمائه، وحصل على وقت مكنه من أن يستأنف مشروعه المهجور، ويعيد النظر في تحقيق الكلمات وتدوينها والتلفظ بها ويضع لها معاني ثابتة، ثم رسم القواعد، وضبط أصول اللغة كما يجب لئلا ينتقد عمله ويعاب بشيء. فلما أتم ذلك عرض لغته هذه على بعض أصحاب الذوق السليم والنقد الدقيق فاستحسنها اغلبهم. ثم صرف بعد ذلك سنتين كاملتين في البحث والتنقيب عن ناشر لها بين الناس ليعم استعمالها، فلما عيل صبره ولم يعد في وسعه التربص عن بث لسانه الجديد اخذ مسألة الطبع والنشر على عاتقه وطبع كراسة على نفقته في عام 1887.
يدعي الدكتور زمنهوف أن من يدرس أصول لغته الاسبرانتية درساً صادقا يحيط بها في ساعة من الزمان، بيد أن ذلك إذا كان ممكنا لبعضهم فهو ليس(2/137)
كذلك للجميع. إلا أن الواحد قد يحيط بأغلب قواعدها في تلك المدة اليسيرة لأنه لا يوجد فيها أفعال شاذة، ولا تصاريف عديدة، ولا جمع غير قياسي. إلى غير ذلك ويمكنني أن أصرح على رؤوس الملا قائلا:
أنه ليس أمراً مستحيلا أن يتقن المطالع هذه اللغة في شهر واحد إذا كان حاذقاً وله إلمام بإحدى اللغات الأوربية، بحيث يصبح عالما جميع قواعدها ويمكنه التكلم والكتابة بها، وكلمات هذه اللغة لا تتجاوز التسعمائة لفظة قد طوى تحتها جميع الأسماء والأفعال والحروف بصورة متقنة أي إتقان حتى أنها لا تثقل على كاهل المتعلم إذ يستطيع أن يصيغ منها عبارات واصطلاحات ولو كان من أجلاف أهل البادية.
إن الأدوات التي توضع في صدر الكلمة وفي مؤخرها توفر أتعاباً جمة للطالب لأنها تساعده على إنشاء كلمات جديدة مختلفة كما يشاء وبقدر ما يشاء. مثاله لفظة (مال) التي توضع في صدر الكلام فهي تدل على معنى الخلاف أو الضد فإذا أتينا بكلمة أخرى ووضعناها وراءها انقلب معنى الثانية ظهراً لبطن. ثم خذ كلمة (بونا) التي تعني صالحاً أو جيداً فإذا قدمنا عليها وقلنا، (مال بونا) كان معناها رديئاً أو شريراً ومثلها (آلتا) طويل فإذا قلنا (مال آلتا) كان المراد منها قصيراً و (استيمي) اعتبر فإذا قلنا: (مال استيمي) كان معناها احتقر.
وعلامة التأنيث في الاسبرانتو (ان) فإذا أردنا أن نقلب المذكر مؤنثاً أتينا بهذه الأداة ووضعناها قبل الحرف الأخير، وإذا بالمذكر اصبح مؤنثاً مثاله: (فراتو) أخ فراتينو أخت. فبهذه الوسائط والأساليب السهلة يستطيع الإنسان أن يحفظ مئات من الكلمات بوقت وجيز وترسخ في ذهنه اشد الرسوخ لأنها لا تكلفه مشقة تذكر.
وقد أمست الآن هذه اللغة نافعة كل النفع بل تفوق باقي اللغات بنفعها، وذلك لعدة وجوه منها أنه إذا أتقنها الواحد مع لسان قومه وبلاده تكون له بمثابة عدة السن تكفيه مؤونة الترجمان والمصاريف الباهضة التي كان يتكبدها السياح والتجار وغيرهم سابقاً. فلا(2/138)
عجب إذا رأينا يوماً هذه اللغة قد انتشرت كل الانتشار في أقاصي البلاد وأدانيها بعد أن رأينا فيها من السهولة وقصر الوقت في تعلمها مالا يرى لها شبيه فيما يعهد اليوم من اللغات الحية.
وقد طبعت في ماينيف على اثنتي وعشرين لغة، وترجم إليها افخر الكتب وأنفسها كهاملت لشكسبير الشاعر الإنكليزي الطائر الشهرة والإلياذة لهومرس الشاعر اليوناني الذائع الصيت وغيرها واليوم ينشر بهذه اللغة كتب ومجلات وجرائد عديدة لا محل لذكرها في هذه العجالة وقد اكتفينا بالإشارة عن الإطالة خوفاً من أحداث الملل في نفس القارئ. وبهذا
القدر كفاية.
رزوق عيسى
نقد الجزء الثاني من كتاب
تاريخ آداب اللغة العربية
لجرجي أفندي زيدان
(2
انتقدنا الجزء الأول من هذا الكتاب النفيس، ووعدنا القراء بنقد الجزء الثاني، وهو يحتوي على تاريخ آداب اللغة العربية في العصر العباسي من قيام الدولة العباسية سنة 132هـ إلى دخول السلاجقة بغداد سنة 447هـ ويدخل فيه تكون العلوم الإسلامية ونقل العلوم الدخيلة إلى نضج العلم في أواسط القرن الخامس للهجرة.
وهذا الجزء بوجه العموم احسن ترتيباً من أخيه البكر واقل أغلاطاً. ولا بدع في ذلك لأن مآخذ المؤلف ومستمداته هنا مدونة قريبة التناول بخلاف مواضيع الجزء الأول. فإن المشارع التي يردها الكتاب بعيدة الشقة والغور ولهذا قل من كتب في ذلك الموضوع إلا وغلط أغلاطاً جمة. وقد فاق المؤلف سواه هنا لأنه بعيد النظر في التاريخ راسخ القدم فيه. ولهذا اصبح تأليفه سنداً يعتمد عليه شاء القوم أو أبوا. على أننا رأينا فيه بعض الأمور نعرضها عليه؛ لعله يرى فيها ما يجيبنا عنها، ويكفينا انتقاده في ما بعد. ونحن نقسم كلامنا هذا ثلاثة أقسام كما فعلنا في انتقادنا عليه الجزء الأول، ونزيد هنا نظرة عامة فيه فنقول:(2/139)
لا نظن أن أحداً قسم تاريخ آداب اللغة في عصر العباسيين كما فعل المؤلف فأنه أجاد فيه فوق ما يتصوره القارئ، إذ فصل كل عصر بفاصل طبيعي كما نفصل الطبيعة بلاداً عن بلاد، بجبال عالية، أو بأنهر كبيرة، أو بأبحر بعيدة القرار. فكان تقسيمه هذا مما يتبعه كل عاقل منصف. وقد ساقه إلى ذلك ذكاؤه الغريب الذي خصه الله به فنحن نهنئه بهذه الهبة العظيمة ونتمنى له أن تتسع فيه كلما احسن التصرف بها.
من مزايا هذا الجزء انه ذكر آخر كل فصل أو مادة المصدر الذي اخذ عنه وهو أمر عظيم الشأن قل من يلتفت إليه. - ومنها أنه ذكر كتب المؤلفين ومحل وجودها أو طبعها أو ندرتها أو ضياعها وهو من الأمور التي يجعل لهذا السفر قدراً كبيراً جليلاً.
على أننا نرى:
1 - إهماله تاريخ سني الميلاد بجانب سني الهجرة الموافقة لها من الأمور الشائنة بهذا التصنيف الجليل لاحتياج اغلب الناس إلى معرفة هذا التاريخ.
2 - في المقدمة التي يصدر بها كل عصر أو كل مادة علمية لا يذكر أسماء المناهل التي وردها، وهذه المواد كثيرة في الكتاب فكان ينبغي له أن لا يهمل هذا الأمر المهم. فقد قال مثلاً في ص 335. . . فقد أحصوا أطباء بغداد وحدها في زمن المقتدر بالله في أول القرن الرابع للهجرة فبلغ عددهم 860 طبيباً امتحنوا لنيل الأذن في التطبيب سوى من استغنى عن الامتحان لشهرته وسوى من كان في خدمة الخليفة. فلا يمكن أن يكون مجموع ذلك كله اقل من ألف طبيب متعاصرين في مدينة واحدة وبلغ عدد أطباء النصارى فقط في خدمة المتوكل بأواسط القرن الثالث للجرة 56 طبيباً. وكان سيف الدولة إذا جلس على المائدة حضر معه 24 طبيباً. اهـ فهلا ذكر أسماء الكتب التي اخذ عنها هذه الأقوال؟
3 - في بعض الأبحاث إعادة وتكرير بدون فائدة جزيلة كما كرر في نحو نصف الصفحة 43 ما قاله في آخر الصفحة 42 وكرره للمرة الثالثة في تاريخ(2/140)
نقد الشعر ص 156 بخصوص نقد شعر الجاهلية. ومن باب التكرير ما ذكره في وسطي الصفحتين 68 و69.
4 - في ذكر بعض الأعلام الأعجمية ولا سيما أعلام بعض المدن اختلاف في الكتابة أو اختلاف عن لفظها الأصلي كتسميته منخن أو مونيخ مرة منشن (ص 36، 172، 213، 216، 248، 315، 322 الخ وطوراً مونيخ ص 218 والأصح أن يقال منخن أو مونيخ ويتخذ الكاتب إحدى الصورتين لكي لا يوهم انهما مدينتان مختلفتان، أو ينبه على اختلاف اللغتين، وعلى أن المراد بهما مدينة واحدة. وسمى المدينة الهندية دهلي باسم دلهي ص 324 والأصح الأول كما ذكرها ابن بطوطة وصاحب التاج وغيرهما. نعم أن الإفرنج يقولون دلهي لكن لا خطب في اتباع لغة العرب في هذا المقام. وذكر ص 156 مدينة جينا والأصح المشهور هو جنوة أو جنوى. إلى غيرها.
5 - كثيراً ما ينتقل من التخصص إلى الإطلاق ومن التبعيض إلى التعميم كقوله في ص 53: (وكثيراً ما كانت تعقد مجالس الشعراء لغرض أدبي كوصف منظر أو أداة كما فعل الهادي إذ استقدم الشعراء إليه واقترح عليهم أن يصفوا سيفاً أهداه إليه المهدي وهو سيف عمرو بن معدي كرب. . .) والحال: كان عقد مثل هذه المجالس لمثل هذه الغاية قليلاً فكان الأحرى به أن يقول مثلاً: وقد كانت تعقد مجالس الشعراء. . . . أو وربما عقدت مجالس الشعراء. . . . أو نحو هذا التعبير.
وكذا قال في تلك ص:. . . وكثيراً ما كان الرشيد يعقد المجالس للبحث في معنى بيت. فلو قال: وكان الرشيد يعقد أحياناً المجالس للبحث، لكان كلامه اقرب إلى الصدق وواقعة الحال. - وغير مثل هذا التعبير في ص 54 وكأنه قد ألفه فلم يحل عنه.
6 - نسي ذكر سني بعض العلماء أو الشعراء أو الأدباء كمنصور النمري (ص 79) وأبان بن عبد الحميد (ص 82) ومطيع بن اياس (ص 86) ومحمد بن بشير الرياشي (ص 19) وربيعة الرقي (ص 93) وسهل بن هارون (ص 134) وغيرهم
7 - يحتاج هذا الكتاب إلى فهارس هجائية حتى يسهل التنقير عن بعض أعلام الرجال ولا شك أنه يفعل ذلك عند نهاية الكتاب.(2/141)
8 - في ذكره سني وفيات العلماء لم ينص أبداً إلا ما كان على رأي واحد، بينما أن المورخين يذكرون لبعضهم وفيات مختلفة السنة غير متفقين فيها. مثال ذلك: أبو عمرو بن العلاء توفي سنة 154هـ مع أن كثيرين قالوا أنه توفي سنة 151 وبعضهم قالوا سنة 159 فلماذا لم يذكر هذا الاختلاف. ومثله أبو عبيدة معمر بن المثنى فقد قال عنه أنه توفي سنة 209 مع أن منهم من قال أنه توفي سنة 208 ومنهم من قال بل في سنة 210 وخالفهم آخرون فقالوا أنه طوى أيامه سنة 211 ومثله الأصمعي فقد جعل وفاته في سنة 214 مع أن بعضهم قالوا أنه توفي سنة 215 وبعضهم ذكروا سنة 216. وهكذا أبو زيد الأنصاري فقد اختلفت الروايات في سنة وفاته بين أن كانت 214 أو 215 أو 216 وعلى هذا المثال قس سائر الوفيات كسنة وفاة أبي عبيد القاسم بن سلام فأنه جعلها في سنة 223 والحال انهم اختلفوا فيها بين 223و224و230 وبهذا القدر كفاية. فكان ينبغي له أما أن يتحقق السنة التحقق الأقصى وأما أن يورد اختلاف السنين على اختلاف الآراء. وأما أن يذكر السنة ويقول أنها رواية الكاتب أو المؤرخ الفلاني.
9 - ضبط بعض الأعلام ضبطاً مخطوءاً فيه أو غير مشهور كضبطه مطيع بن اياس (ص 86) بفتح الهمزة والأصح بكسرها كما نبه عليها صاحب التاج وضبطه ص 187 المفضل بن سلمة بسكون اللام من سلمة والأصح بفتحها. وضبطه (ص 83) ابن مناذر بضم الميم مع أنه يجوز فيها فتحها كما قال صاحب التاج وهذا نص عبارته: ابن مناذر بالفتح ممنوع من الصرف، ويضم فيصرف. اهـ. وضبطه الرقاشي بضم الراء والأصح
بفتحها كما ذكره صاحب التاج واللسان وغيرهما وحماد عجرد وضبط عجرد بفتح الراء والأصح بكسرها وزان زبرج ولو أردنا أن نأتي على جيمع مضبوطات أسمائه لطال بنا الكلام. في هذا المقام. فاجتزانا بما ذكرنا من باب التنبيه والتنويه لا غير. - وهذا كافٍ بخصوص النظرة العمومية فيه، بقي أن ننظر إلى الأغلاط التي وقعت فيه من طبيعية ونحوية أو لغوية وفكرية. والله الموفق لسبيل الحق والصواب.
2 - أغلاط الطبع
حروف مطبعة الهلال حسناء، لكن يظهر من مطالعة الكتاب أن المنضدين لا ينقحون ما يصلح لهم. ودونك الدليل على ذلك:(2/142)
ص 12 س 22 للاولى الألباب، صحيحه: لأولي الألباب، بدون ال التعريف
ص29 س 16 ازدشير بالزاي المنقوطة والأصح اردشير براءِ مهملةٍ تبعاً للأصل الفارسي.
ص 38 س 24 وضيار شمبر والزاتينج والروجون والأصح وخيار شنبر والراتينج والزرجون.
ص 39 س 1 والجنزار والأصح: الزنجار بتقديم الزاء المنقوطة على النون والجيم.
ص 41 س 13 والملايات والأصح والملاء وعلى ضعف الملاءات.
ص 41 س 16 يشأؤون. صوابه يشاؤون بألف بعدها واو مهموزة مضمومة يليها واو ساكنة.
ص 51 س 20 ولا يكادون يفترقون ويهجو بعضهم بعضاً. والأصح: إلا ويهجو.
ص51 س 27 تقذفانها (3). ونسي المنضدان يذكر في الحاشية اسم المعتمد عليه.
ص 55 س 3. في الهيأة الاجتماعية، صوابه الهيئة الاجتماعية. هذا فضلاً عن أن الهيئة الاجتماعية بمعنى المجتمع البشري من مصطلحات الترك لا من أوضاع العرب.
ص 61 س 17 أنه هو وبشار وأبا العتاهية. صوابه: وأبو العتاهية.
ص 63 س 11 وندمائه. صوابه وندماؤه لأنه مرفوع في العبارة.
ص 63 س 22 فلامرئ القيس: صوابه وصل الهمزة الأولى من امرئ.
ص 64 س 15 وإذا المطي بنا بلغنا محمداً. والأصح بلغن بدون ألفٍ.
ص 65 س 14 صورة المشتري لدى بيت الليل والشمس أنت عند انتصاب والصواب: ببيت البد.
ص67 س 25 ولا يك. صوابه. ولم يك
ص 17 س 14 في همدان والأصح بذال معجمة في اسم البلدة
ص 80 س 25 مخبوأة والأصح مخبوءة
ص 81 س 6 احذى الغانيات والأصح إحدى(2/143)
ص 85 س 15 وكان شديد التشعب والعصبية والأصح التشيع وفي أعلى الصفحة رقم 75 والأصح 85
الصفحة رقم 19 منتجعاً بشعره ولا متصد. صوابه: ولا متصديا
ص 93 س 2 بالمشرفات النوادر (؟) بنون موحدة فوقية وقد وضع وراءها علامة الاستفهام. والأصح بالمشرفات البوارد بباء موحدة تحتية. يقال برد السيف أي نبا.
ص 96 س 15 بالسياسة أو الشعر أو الخطابة به. . . الفطر. . والأصح بالسياسة. . . أو الخطابة. . . الفطرية
ص 101 س 22 الرواي والأصح الراوي
ص105 س19 المتقدم ذكر. صوابه المتقدم ذكره
ص 107 س 4 والفرست. صحيحة: والفهرست
ص 109 س 9 إلى الشعراء الإسلامين. صوابه: الإسلاميين
ص 124 س 23 مشائخها والأصح مشايخها بالياء لأن اللفظة يائية الأصل
ص 127 س 18 خرح صوابه خرج بالجيم المنقوطة
ص 131 س 4 بادئ وقد نقط الياء بنقطتين تحتيتين ووضع عليها همزة. ومثل هذا الضبط كثير في الكتاب واصح هنا وضع الياء مهملة عليها همزة قطع.
ص 133 س 27 مساويها. . . المساوي بباءين تحتيتين والأصح بهمزة في كليهما لأن الهمزة أصلية
ص 134 س 24 لحساسة نفوسهم. والأصح لدقة حس نفوسهم.
ص 140 س 7 في لاهون والأصح في لاهور براء مهملة في الآخر.
ص 142 س 19 فتقفدني والأصح فتفقدني بتقديم الفاء الموحدة على القاف المثناة.
ص 144 س 16 في الموطأ. وجعل الهمزة فوق الألف والأصح جعلها تحتها.
ص 145 س 13 لم يتضج. صوابه: لم ينضج بنون بعد الياء(2/144)
ص 145 س 18 دعهم، صوابه: دعتهم
ص 149 س 4 السايب والأصح السائب
ص 9 والموؤدات. صوابه. والموؤودات. بثلاث واوات.
ص 156 س 21 وص 195 س 25 الأنذر يسير. والأصح الأنزر يسير. ومثلها كثير
ص 158 س 5 إلى أصلة صحيحه إلى اصله
ص 6 من المعاني لم يسبق إليها صحيحه من المعاني التي لم يسبق إليها
ص 159 س 24 سايّر وقد وقعت شدة على صورة الياء بدلاً من الهمزة ومثلها كثير
ص 161 س 27 وبايعوا لابن المعتز والأصح وبايعوا ابن المعتز
ص 166 س 14 والتدبر بما اطلعوا عليه. صوابه وتدبر ما اطلعوا عليه أو والتدبر لما اطلعوا عليه
ص 188 س 23 والمكائد والأصح والمكايد بالياء لأنها أصلية ومثلها كثير.
ص 184 س 12 نعم وبؤس صوابه نعم وبئس
ص 188 س 14 الغضى والأصح الغضا بالألف القائمة
ص 190 س 9 أخباها صحيحة أخبارها
ص 194 س 15 وتوفي في سر من راى ونقط ياء رأى بنقطتين والأصح إهمال الياء
ص 20 التاويخية. صوابه التاريخية
ص 198 س 17 ولو سئلوا عن معنى الإلحاد ما عرفوه. والأصح لما عرفوه
ص 200 س 10 وقد طبع كتابه هذه والأصح هذا
ص 207 س 3 لا نزال صوابه لا تزال
ص 208 س 2 أبو حنفية والأصح أبو حنيفة
ص 211 س 12 النسائي والمشهور الفصيح النساي بوضع الهمزة تحت الألف لا وراءها
ص 219 س 1 الدائين والأفصح المشهور الدآءين بفصل الهمزة عن المدة والياء(2/145)
ص 221 س 16 الاسكندية صحيحه الإسكندرية
ص221 س21 المملكة لإسلامية صحيحه المملكة الإسلامية
ص 223 س 8 الذي نحن شانه صحيحه الذي نحن في شانه
ص 10 ووزارء تصحيحه ووزراء
ص 18 من الجيلان صحيحه من جيلان
ص 233 س 7 فضلاً الثالث. فضلاً عن الثالث
ص 18 والمرضوع. والموضوع
ص 238 س 23 والاذويسة. والاوذيسة بتقديم الواو على الذال المعجمة
ص 240 س 27 وجاء بعده ابن ارفع راس شاعر المامون صحيحه راس شعراء المامون
ص 242 س 27 وجعل كل قديم حديثاً في عصره، وكل شرف خارجية (كذا) في أوله. والأصح. . . وكل شريف خارجياً في أوله. والخارجي من يسود بنفسه من غير أن يكون له قديم.
ص244 س 1 ومعائب والأصح ومعايب
ص 247 س 23 التعالبي. . . تيمة الدهر والأصح الثعالبي. . . يتيمة الدهر
ص 249 س 25 بالقصائد والأصح بالقصائد
ص 255 س 5 من مشائخ الشعراء والأصح مشايخ
ص 16 باصفان والأصح باصفهان
ونقف عند هذا الحد من أغلاط الطبع لئلا يطول بنا الكلام إلى الملل والسآمة
لباس الحيوانات وتنكر أزيائها
أن من نظر إلى الطبيعة نظرة مدقق، ووقف بين يديها وقفة محقق، يأخذه الدهش، ويعتريه الدله، مما يتثبته من وجود الوفاق والوئام في أجزائها،(2/146)
وارتباط بعضها ببعض ارتباطاً محكم العرى، مجدول القوى. انظر إلى هذه النباتات على أنواعها، ترها قد خلقت صالحة للبيئة التي تحيا وتموت فيها صلاحاً ليس وراءه شيء. وإذا أمعنت في النظر، فجاوزت فيه تخوم النبات، فبلغت مملكة الحيوانات، ترى هناك من الوئام والوفاق بين الحي وبين الوسط الذي ينشأ ويعيش ويقضي أيامه فيه، ما لم يمكنك إلا أن تقضي منه العجب العجاب.
أن الطبيعة تحن على كائناتها ولا حنو الأمهات على أولادهن، فأنها قد هيأت لها جميع الوسائط، وذرعتها بكل الوسائل، لتعيش وتدافع عن كيانها مدافعة امهر القواد في ساحة الوغى، ولولا غريزة التنكر والدهاء، التي خصتها الطبيعة بالحيوانات، لما قدرت أن تهرب من الأخطار العديدة التي تتهددها في كل آونة، وتفلت من قبضة أعدائها القاعدين لها بالمرصاد. فبهذه الغريزة نتمكن من تغيير الوانها، وتبديل أزيائها تغييراً يجعلها تختلط بوسطها اختلاط الماء بالخمر، حتى لا تكاد تتميز عما يحيط بها، وقد تأخذ بعضها صورة نبات أو جماد احسن اخذٍ حتى تقلدها أبدع تقليد أو تتشبه بحيوانٍ فتظنه هو بعينه، ومع ذلك ليس هناك من رابطة قرابة.
1 - ألوان الحيوانات
أن ألوان الحيوانات تتضارب بتضارب مناخ موطنها؛ واختلاف إقليم بيئاتها فهي توجد في الفلوات الواسعة الرملية، والسهول التي يكسوها الجليد، والإحراج الظليلة، والجبال، والمروج، والمستنقعات، والأنهر. فتتعدد ألوانها بتعدد مواطنها، وتتردى برداء يناسب محيطها.
فالحيوانات التي مسكنها فلوات أفريقيا الواسعة الأطراف، الممتدة الأكتاف، تمتاز بوحدة لونها الآدم؛ ويخال الناظر إليها أن الشمس قد لوحتها، كما تصهر حرارتها رمل صحرائها التي تتوغل فيها هذه الحيوانات مثل الأسد والجمل والغزال.
فلنقف هنا قليلاً ونسأل: هل يمكن أن يرجع هذا الأمر إلى العرض والاتفاق؟ لا لعمري، فأنه محتوم، بل لا مندوحة عنه، تتطلبه مصلحة تنازع البقاء. فلنفرض أسداً أخضر اللون، أو سماويه، أو مرقطاً كالحية، أم(2/147)
لامع الجلد لمعان ريش الببغاء ففي أي بقعةٍ من القفر يختفي هذا الأسد، إن لم يكن له ملجأ إلا الصخر الاجرد، أو الرمل القاحل؟ أفلا تستوقف ألوانه الزاهية الصيادين الذين يمرون به؟ أو لا يضحى لهم غنيمةً باردة؟ هذا من جهة دفع الخطر عن ذاته وأما إذا طلب الرزق لنفسه، فمهاجمته لفريسته تكون صعبة جدا، لأنها تراه حينئذٍ فتهرب منه لكونه عدوها.
فبوحدة اللون يتيسر للأسد أن يباغت الغزالة أو البقرة، ويهجم عليها على حين غرة منها، وبهذه الوسيلة نفسها تختفي كل منهما عن عيني عدوها وراء صخرة من الصخور، ويختلط لونهما اختلاطاً تاماً، فيمر على مقربةٍ منها ولا يشعر بها.
لننتقل من هاجرة دائرة الانقلاب، إلى شتاء الأقطاب القارس، تر أن المنظر يخلف اختلافاً بيناً عما سبق، فلا تشاهد ثم، إلا سهولاً بعيدة الأكناف، مغطاة بالثلوج، قد تراكم عليها الجليد، واشتد فيها البرد، وساد عليها السكوت؛ لا بل تبقى أرضها وبحارها مدفونة مدة أشهر مسجاة بكفن ابيض. فحيوانات هذه الأرجاء تتزمل برداء يقيها شر الثلوج، ولون ذاك الرداء ابيض ناصع كالثلج فتذهب وتؤوب راخية البال لا تخشى طارقاً في تلك البيئة التي يشبها أدنى لونٍ، ويهتك سر وجود سكانها للعيان.
لنتوغل الآن في الغابات، وندخل احراج أميركا، وأزوار الهند المشتبكة الأشجار. فماذا نرى؟ نرى جماعات من الشجر فيها الكبيرة والصغيرة، القديمة والحديثة، فيها النباتات المتشبثة بأخواتها تلتف حول الأغصان كأنها الأفعوان وكثيراً من الخنشار المتشجر. فجميع تلك البقاع هي عبارة عن قطعةٍ واحدة من النباتات الخضراء الناضرة، والأزهار البديعة، لكنها وعرة المسلك، لا يمكن أن يمر بها الإنسان إلا بكل عناء أو بشق النفس، لأنه لا يوجد فيها مخرف. فياله من منظرٍ بديع يخلب الألباب! ومما يزيده حسناً على حسنٍ، نفوذ أشعة الشمس بين الأوراق، فتبين تلك الأمكنة كأنها منورة بنورٍ صنعى، تقاطعها الاظلال والأشعة. فهناك تختفي حيوانات رائعة لها في ذلك التواري غاية، تعود عليها بالنفع، لحفظ كيانها وقيام وجودها.(2/148)
هناك يكون شعر الحيوانات الموجودة فيها، ارقش أو منقش بألوانٍ
مختلفة، كالنمر، والفهد، فكأن المحيط قد اثر عليها تأثيراً ظاهراً، وصبغها بألوانٍ مرقطة، تشبه جذوع الأشجار؛ والأوراق التي ترى تارة تخرتها الأنوار وطوراً تبقى في الظل.
أن ما قلناه عن لون الحيوانات التي تعيش في الأراضي الرملية، وعلى الثلوج، وفي الغابات، يصدق أيضاً على لون الحيوانات التي تعيش في المروج فأنها تمتاز بخضرة لونها، مثل الضفادع، وبعض الحيات، والحيوانات الصغيرة بالعموم، من نوع الزحافات، والضفدعيات، التي تزحف أو تعوم أو تختفي في الكلا والبطائح.
2 - التلون الظاهر
هل تريد برهاناً حسياً يؤيد صحة مذهبنا، ويدعم صدق مقالنا، أي أن لون الحيوان تعينه طبيعة البقعة التي يسكنها ثم إذا طرأ على الأرض طارىء، وتغير لونها. تسوقه حالاً غريزته إلى تغيير لونه؟ - خذ قرة (ضفدعة صغيرة) وضعها على ورقة خضراء يخضر لونها؛ ارفعها من هناك ودعها على جذع شجرة مرقط قاتم اللون، فلا تبطئ أن تبدل لونها، ويضحى لباسها ارمد، مائلاً إلى القتمة؛ ثم اجعلها على مقربة من شيء معدني، فتتلون باللون الذهبي. ولكن أين هذا التغير من تلون الحرباء الذي يضرب المثل بتقلبه؛ فأنه ينتقل من حالة إلى حالة أخرى خاضعاً لبيئته؛ فيظهر تارة دويبة دميمة الخلقة؛ وطوراً حسناء، ومرة يتلون بأي لون شاء من ألوان قوس قزح الجميلة؛ وأحياناً يستقر على أرض جرداء فتراه حينئذٍ ادكن اللون؛ وهو يخضر إذا وقف على الأعشاب والأوراق، وقصارى الكلام أن المتفرج عليه يظن أن الألوان تنعكس فيه، وذلك لشدة الائتلاف الموجود بينه وبين محيطه، وهذا التبدل يجري مجريين في المسألة: أولاً، يقي الحرباء من حملات أعدائه عليه، ثانياً؛ يواريه عن أعين الدويبات الصغيرة التي يصطادها قوتاً له. فالحرباء يقعد لفريسته بالمرصاد ساعات طوالاً صابراً متشبثاً بالاغصان، حتى يتمكن من اصطيادها، فيمد إليها لسانه الطويل الدبق ويسترطها هنيئاً مريئاً.(2/149)
3 - تضاد الليل والنهار
كما أن ألوان الحيوانات تختلف باختلاف الاقليم؛ فلاختلاف المناخ والنور والظلام اليد الطولى في منظر الحيوانات. كيف لا والتضاد الدائم الموجود بين النور والظلام ظاهر في
كل الموجودات من حي وجامد. فللطبيعة لوحان: الواحد، لامع مبهج تظهر عليه سيماء السرور والابهة، وهو لحيوانات النهار المزدانة بألوان زاهية. واللوح الثاني، مصمت محزن يقبض القلب ويكرب النفس وهو لحيوانات الليل والغسق.
أن ألون حيوانات النهار لامعة لمعان نور الشمس، كالفراش التي يتبعها الأولاد في المروج، وكطيور المناطق الحارة البديعة المزينة تزييناً عجيباً فتاناً، تبهج ألوانها الناظر، وتسر الخاطر؛ ويصدق أن يقال فيها أنها حلي الطبيعة. أما حيوانات الليل فهي متردية بلباسٍ حزين يوافق ظروفها، ويناسب أخلاقها، ورداؤها رداء الظلام والسكون لونه ارمد أو أطلس. تراها ساكنة حزينة كئيبة قاتمة اللون. ويكفينا أن نذكر الضبع التي جلدها اطلس، وشعرها خشن، ومنظرها خداع، كل ذلك دلائل باهرة على أخلاق المكر والغش الموجودة فيها.
ومن حيوانات الغسق الخفاش ولونه اصحم. وما لنا وهذا الإسهاب الممل فأن طيور الليل اجمعها تظهر لنا مشؤومة الطالع، كالبوم، والخبل، والهام، ومثلها أبو الهول. أننا نكره هذه الحيوانات لما في لونها من لون الحداد ولكن ما الحيلة، وهي لها احسن واقٍ تمكنها من أن تطلب رزقها راخية البال لاختلاط لونها بلون السماء وتصطاد وترتزق بدون أن يداهمها خطر أو يهاجمها عدو؟
4 - في أعماق البحار - بين السراب والماء
أن هذا الوفاق المدهش بين الكائن ومحيطه يشاهد حتى في أعماق المياه، وإن قلنا أنه يبلغ اشده هناك لما أخطأنا المرمى، لأن شفوف الماء الأزرق، واختلاف تركيب قعور البحار والأنهار، التي تكون تارة رملية، وطوراً حجرية، والتغيرات الفجائية الحاصلة بين الظل والنور، وانعكاسات الأشعة(2/150)
في المياه وتموجها فيها تؤثر في الحيوانات البحرية تأثيراً عظيما. ولهذا نراه في حركة دائمة يتبدل لونها ويتغير شكلها تغيراً فجائيا ومضطرباً كالوسط الذي تسبح فيه. مثال ذلك أن القريدس وذا المنشار لا يتميزان عن المياه الراكدة إلا بكل جهد، لأن لونهما شفاف كالزجاج الشديد النقاوة، وليس فيهما لون أو بقعة تخالف ما يجاورهما فيظهر وجودهما للعيان. أما السرطان البحري الذي يعيش في السواحل، فهو على خلاف ذلك، فأنه يتلون بألوان مختلفة يتوارى بها عن الأبصار فيختلط ببيئته ويفوز
بالأمان. والبقع الموجودة على قشرته تكون سمراء أو غبراء أو حمراء بموجب لون حبوب الرمل المختلفة التي تحيط به. ومن الغريب أنه إذا وجد في غدير ماؤه ضحل أسرع وانحدر إلى قعره وأثار الرمل حواليه حتى يتغطى به فيتوارى حينئذٍ عن الأبصار بتاتا. وإذا انحدرت الأسماك المفلطحة، كسمك موسى والكنعد وغيرهما إلى قعر الماء، لا تبطئ أن تحرك زعانفها بكل لطافة، وتلقي عنها الرمل وتبقى هناك، كأنها مدفونة بجملتها، ولا يظهر منها إلا أرؤسها وأعينها. ويمكننا أن نقف على مثل هذا المشهد الغريب أن أنعمنا النظر في إحدى محافظ الأسماك التي تحبس فيها للفرجة وللاطلاع على أخلاقها وعوائدها. هذا وكل ما ذكرناه عن مهارة الأسماك ولباقتها في التواري عن الأبصار لا يعد شيئاً بازاء الغريزة التي فطرتها عليها الطبيعة، أي أنها إذا عامت على وجه الماء كان لونها أقتم أو أزرق أو اربد؛ وإذا بلغت القعر أصفر فجأةً. وهي تساق إلى هذا التلون وإلى مطابقتها للون الرمل الذي تستقر فيه بفعل غريزتها. وإذا تغيرت ألوانها صعب تمييزها عما يجاورها إلا على من لا تفوته حيلة أو تطور أياً كان.
وما قلناه عن الوسائل التي تتذرع بها الحيوانات المائية تشبهاً بالجوار لتختفي عن أعين المراقبين، يصدق أيضاً في الأخطبوط فأنه إذا قام على صخرة دكناء أزرق لونه وقلص ذراعيه وأحنى ظهره فأشبه بخدعته هذه، صخرة قديمة الأيام قد أكل الدهر عليها وشرب. ولا يطيش سهمنا إن لقبناه بحرباء البحر إذ أنه يبدل لونه الأزرق الكمد بسمرةٍ شديدةٍ ويحاكي لون المياه الكدرة على حد ما يتلون الحرباء في البر.
يوسف رزق الله غنيمة(2/151)
أشباه السفن في العراق
1: (الاستيم بوت أو الاستيم بوط) لفظة حديثة الدخول، إنكليزية الأصل، معناها بالعربي (مركب بخاري) جئ به إلى بغداد قبل 8 سنين. وهو مركب صغير طول الكبير منه اليوم قراب 10 أمتار في عرض مترين؛ وصنعه من الحديد وقد يكون من الخشب.
2: (الجالبوت): بفتح اللام وضم الباء الموحدة التحتية: كلمة إنكليزية مركبة من - ومناها (زورق النزهة) ويراد به هنا بلم يربط في مؤخرة المركب البخاري يستخف لبعض الحاجات، ويسميه البعض (فلكة): ويسمى عند الأقدمين (قارباً) قال الثعالبي في فقه اللغة 26: (. . . القارب سفينة صغيرة تكون مع أصحاب السفن البحرية تستخف لحوائجها.): وسماه ابن سيده (زورقا).
3: (الجسارية): بتشديد السين والياء: وتجمع عندهم على (جساريات) ويسميها البعض (عسبية): وهي سفينة ملقوطة الطرفين كمؤخر السفينة. توضع تحت الجسر يبلغ علوها مترين، في طول 7 أمتار وعرض مترين؛ وتطلى بالقار.
4: (الدوبة): (بضم الدال وسكون الواو وفتح الباء الموحدة التحتية وفي الآخر هاء) تجمع عندهم على (دوب): (بضم الدال المهملة وفتح الواو وفي الآخر باء) والكلمة تركية الأصل وعربيتها الفصيحة (بارجة) قال اللغويون: (سفينة بارجة مكشوفة لا غطاء لها) وهي في بغداد سفينة مكشوفة لا آلة فيها محركة ولا مجاديف بل تربط بسفينة فيها آلة محركة وهي اليوم جنيبة للمراكب البخارية السائرة بين بغداد والبصرة.
5: (الطوف): بالضبط المشهور: يتألف من الخشب الطوال بغير قرب (أي أجربة) ويبلغ عرضه قراب 10 أمتار في طول 15 متراً وهو فصيح قال في المخصص: (. . . الطوف خشب يشد ويركب عليه في البحر، والجمع (أطواف) وصاحبه (طواف): صاحب العين: هي قرب تنفخ ويشد(2/152)
بعضها ببعض) اهـ وسيره بين البصرة وبغداد ويحمل فيه من بغداد الجرار، والأحباب؛ وأنواع الاكواز؛ وغير ذلك.
6: (العبرة): راجع لغة العرب 473: 1
7: (الفاك - الفاق): يجمع عندهم على (فاكات - فاقات) وهو من نوع العبرة يتألف أكبره
من 120 قربة أو جراباً ويوضع فوقها حطب الطرفاء، أو الغرب، أو الصفصاف، أو الشوك. وسيره بين الدور (بضم الدال المهملة والعامة تفتحها) وبغداد. ولا يكون سيره إلا في موسم الرقي والبطيخ لأنهما يحملان عليه إلى بغداد. واكثر ما يكون الفاق من عبرتين صغيرتين تضم الواحدة إلى الأخرى ومنه اسمها وهو تصحيف اللفاق.
8: (الفلكة): (بكسر الفاء): وتجمع عندهم على (فلك): (بكسر الفاء وفتح اللام) و (فلكات): (بكسر الفاء وسكون اللام): والكلمة عربية الأصل، من الفلك المضمومة الأول وبدون هاء. قال في المخصص 23: 10: (. . . الفلك واحد وجمع، مؤنث ومذكر، وجمعها سيبويه على أفلاك، وقال ابن جني الجمع فلوك، وتقول في الواحد هو الفلك؛ والجمع هي الفلك) وهذا الاسم مخصوص بمركبين، أو زورقين صغيرين، مصنوعين من اللوح؛ يبلغ كل منهما قراب 8 أمتار: وهما لا يصلحان إلا للعبور؛ أو التنزه على ضفتي دجلة حول بغداد. يركبهما الوالي، والقومندان (أي قائد الفيلق أو الآمر) وتسييرهما بالمجداف الذي يسمونه (بالكرك) وزان سبب ويجمع عندهم على (كركات) وزان نظرات والكلمة تركية الأصل من كورك ومعناها المقذاف ولهما سكان، ولا دقل لهما.
9: (القائق): كلمة تركية، ويصحفها بعضهم، فيقولون (قايغ) وهو البلم أيضاً عند الأغلب من أهل بغداد. وقد مر وصفه في الجزء الماضي ص 98 باسم البلم البغدادي. وإذا أريد عربيته الفصيحة فهي (ركوة) قال ابن سيدة: (. . . الركوة - زورق صغير) اهـ وهو مركب صغير، لا يصلح إلا للعبور، أو التنزه على ضفتي دجلة حول بغداد. وهو والفلكة واحد. إلا أنه يقصر عنها مقدار مترين وتسييره بالمجداف ويسمونه أيضاً (كركا).(2/153)
وفي البلم (الشباك)، وهو لوح مشبك، يوضع تحت أقدام الركاب. وفيه أيضاً (الدراغات) وهي ثلاثة ألواح من الخشب كالعرائض مسمور طرفاها بجنبي البلم يجلس عليها: (المجداف) أو (البلام) أو (الكراك). وبين كل لوحة ولوحة منها قراب 80 سنتيمتراً. وفي البلم أيضاً (البسمار): (أي المسمار): وهو حديدة مشعبة شعبتين من أعلاها يدخل أسفلها وهو طرفها المحدد في ثقب يكون في حاشية البلم ويوضع بين الشعبتين منها الكرك وذلك لتمسكه كي لا يزول عن محله. ويسمى المسمار عند نواتي الفلكة (قرموزاً): (بفتح القاف وسكون الراء وضم الميم والواو بعدها زاء) وفي أطراف حلب (اسكرموزاً). وفي البلم
(التنتة) والبعض يسميها الظلال وزان شداد وفصيحها الظلال وزان زوال وهي كالمظلة. أو خام منسوج من القطنٍ المتين. يغمى بها أعلاه ليكون راكبه في الظل. وتنتة كلمة إيطالية مبنىً ومعنىً ويقول أصحاب البلم لماسك سكان البلم (فوز) بصيغة الأمر (وتشديد الواو المكسورة). أي ارم البلم بعيداً عن الشاطئ كثيراً أو أبعده عن الجرف كي لا يجنح.
10: (الكشر - القشر): (بكسر الكاف الفارسية والشين) وزان إبل ويجمع عندهم على (كشور - قشور) هي قفة صغيرة تطلى بالقير السائل. وتسع ثلاثة رجال وتربط بجنب السفينة من مؤخرها لاستخفاف بعض الحاجات وهو خصيص بالسفينة.
11: (القفة): الكلمة عربية وتجمع عندهم على (قفف) وهي مستديرة الشكل تنسج من الحلفاء، والبردي، وأعواد الرمان. وتسمى تلك الأعواد (روطاً) وبعد نسيجها تطلى ظهراً وبطناً بالقار السائل المعروف (بالسيالى): ثم بعد مرور أيام عليه تطلى بالقار الجيد الثخين، المسمى عند أهل بغداد (دوسة). وأضلاعها وهي الأعواد المنحنية، تسمى (شطوباً) وما بينها يسمى (رقاماً) ودائرها أو حاشيتها تسمى (شفة): (بكسر الشين وتشديد الفاء المفتوحة بعدها هاء) وذلك قبل أن تطلى بالقير وبعد الطلاء تسمى (تلتلة): بكسر التاء واللام وسكون التاء الثانية وفتح اللام بعدها هاء). وفي باطنها مما يلي حشيتها (الصكلات - الصقلات) بفتح الصاد المهملة(2/154)
وسكون الكاف الفارسية) وهي ثماني خشبات مثبتة فيها طول كل واحدة منها قراب 30 سنتمتراً في عرض 7 سنتيمترات وتشد بها حبال قصار كالعري للربط تسمى (خيات) جمع (خية) (بكسر الخاء وتشديد الياء المثناة التحتية). والخية عربية مخففة واصلها (آخية) قال الإسكافي في مبادئ اللغة 34: (. . . والآخية محبس الدابة) اهـ وسرتها: (والعامة تقولها بالصاد) ساحتها أو أرضها. وفي سرتها (الفصلات): (بفتح فسكون) وهي أعواد مضمومة بعضها إلى بعض، ممدودة على قطر سرة القفة. وبين كل عشرة سنتيمترات منها عرضاً فاصل قراب ثلاثة سنتيمترات وفيها أربعة فواصل. ويقاطعها بالعرض أعواد مثلها، إلا أنها اضخم واعرض منها؛ وهي ثمانية، وفيها سبعة فواصل وتسمى عندهم (معيبرات) ويتفاوت عرضها وضخمها، بتفاوت القفة. ويسمى صاحبها (قفجي) ويجمع عندهم على (قفجية) بتشديد الياء المثناة التحتية. وفصيحها القفاف كما يقولها بعضهم. والقفة على ثلاثة أقسام:
الأول - (الحصان): بسكون الحاء المهملة وتخفيف الصاد المهملة، وفي الآخر نون) وهو أكبرها، ومقدار قطر ساحته من تسع أقدام ونصف قدم إلى ست عشرة قدماً.
الثاني - (قفة وسطانية) أي وسطى ومقدار قطر ساحتها من ست أقدام إلى تسع أقدام.
الثالث - (قفة صغيرة) وساحة قطرها من ست أقدام إلى ما دون. وتسيير جميعها بالغرافة وقد وصفها في الجزء الماضي - وعهد القفة يرتقي إلى الكلدانيين والآشوريين كما يشاهد ذلك على الآجر المكتشف في هذه الديار. والكلمة العربية مشتقة من القفة وهي شيء كهيئة القرعة تتخذ من الخوص ونحوه تجعل فيها المرأة قطنها. ولما كان قفة الركوب تشبه هذه القفة هيئة وعملاً سميت باسمها وأن كانتا تختلفان كبراً.
12: (الكلك): قد مر الكلام عنه في لغة العرب 472: 1
كاظم الدجيلي(2/155)
الملاحة على الفراتين
واتفاق المصرف الألماني مع شركة لنج
كتب أحد مراسلي جريدة (صدى باريس الفرنسوية) رسالة من لندن، هذا تعريبها، (نقلاً عن عددها 10236 الصادر بتاريخ 12 آب من هذه السنة) قال:
لندن في 11 آب 1912.
بلغ لندن هذه الأيام خبر مهم وهو: إن المصرف الألماني (دج بنك) صاحب السكة الحديدية البغدادية، اتفق مع شركة لنج، صاحبة البواخر التي تسير على الفراتين على الأمور الآتية، وذلك أنه تألفت في 3 تموز، في بروسل عاصمة بلجكة: (شركة النقليات النهرية في الشرق)، وقد تقرر غرضها بموجب العهد الآتي:
1 - شراء أو بناء أو تحصيل مراكب بخارية وجنائب (أي دوبات)، لنقل معدات السكة الحديدية على شط العرب، ودجلة، والفرات، وسواعدها في ديار العرب العثمانية، وتحصيل أنواع البضائع لتنقل على تلك البواخر والجنائب.
2 - كراء أو استكراء بواخر وجنائب، لنقل المواد التي تحمل على ذينك النهرين، أو على شعبهما وسواعدهما.
3 - المراجعة مع الحكومة العثمانية لتأليف (شركة إنكليزية ألمانية عثمانية) تأخذ على نفسها ما لها وعليها، وكذلك تأخذ على نفسها معاهدات الشركة التي غايتها هذه الشروط.
4 - بيع ونقل، وكراء، وتبديل المشروعات، أو قسم منها. وكذلك الأملاك والعقارات مهما كانت، وما لها من الحقوق مهما كان زمانها، وبيع أو وهب استثمارها أو استعمالها.
5 - وبالجملة عمل كل ما يتعلق بالشؤون المذكورة. وللشركة أن تهتم ما عدا(2/156)
ذلك بالأعمال والأشغال غير المذكورة هنا، إذا أذن لها اغلب المساهمين.
فهذا ما يتعلق بغرض الشركة.
فالمادة الثالثة والرابعة تشيران إلى صفة الشركة التي هي موقتة لا غير وسهولة حدود دائرة اشغالها، تمكنها من أن تتكيف بموجب ظروف الأحوال.
أما راس مال الشركة فهي عبارة عن مليوني فرنك ونصف مليون (2. 500. 000)، تقسم
إلى 5000 سهم. وكل سهم عبارة عن 500 فرنك وقد دفع منها عشرة في المائة. ولكل من شركة لنج والمصرف الألماني2. 497 سهماً. وممثلو المصرف الألماني هم الأدباء. هلسريخ مدير المصرف الألماني واتورياسا وكنرادبيشوف وممثلو الأسهم الإنكليزية هم الفضلاء هنري ف. د. لنج وب. بري والسير جارلس ارشيبلد نيكولصن وقد اتخذ كل منهم واحداً لنفسه. وعلى هذا يكون راس المال مقسوماً على السواء بين القبيلين الإنكليز والألمان.
أما اصل هذه الشركة فهو هذا: يرتقي امتياز تسيير مراكب لنج إلى سنة 1834 وذلك أن الحكومة العثمانية أرادت أن تكافئ احسن المكافاة الربان الإنكليزي لنج، لما فعله من المآثر للدولة العثمانية. فأجازت له أن يسير على الفراتين مركبين بخاريين. فأسس الربان المذكور شركة لينتفع بهذا الامتياز. ثم زاد مع الزمان عدد البواخر بفضل ما أجاد به أصحاب هذه الشركة من الهدايا (البخاشيش)، على الطريقة المالوفة يومئذٍ في عهد عبد الحميد فانتقل حينئذٍ ذاك الامتياز إلى صورة مشروع يتعلق بالأمة الإنكليزية.
وفي سنة 1909، كانت نهاية أيام الامتياز فالح أصحاب الشركة على الحكومة الإنكليزية أن تفرغ وسعها لتجديد هذا الامتياز وكان ذلك في اليوم الثاني من ثورة شبان الترك. فطلب مبعوثو بغداد حرية الملاحة على نهري دجلة والفرات وفروعهما وكان يسندهم في(2/157)
هذه الدعوى أعداء وخصوم شركة لنج الذين نشئوا لها فجأةً، فقاوموا تجديد ذلك الامتياز مقاومة عنيفة بل مقاومة الأبطال الصناديد.
فلما رأت وزارة حسين حلمي باشا ذلك السد المنيع القائم في وجهها، لم تستطع أن تلبي طلب الوزارة الخارجية الإنكليزية، ففكرت في طريقة تجمع بين الإدارتين النهريتين: إدارة لنج الإنكليزية وإدارة البواخر العثمانية. التي لها عدة مراكب تسير على الرافدين. فعرضت الوزارة هذا الفكر في 11 ك 1 سنة 1909 على مجلس الندوة، فلم يتح لها بعد ذلك أن تعتني بالأمر لأن حله أرجئ إلى الغد المقبل ولم يقبل ذلك الغد وعلى هذا الوجه حصلت شركة لنج على امتيازها الأول بدون أن يثلم منه شيء يذكر.
هذا وكانت شركة سكة حديد بغداد قد تيسر لها في المعاهدة التي حصلت عليها سنة 1903، أن يكون لها حق، لأن تنقل على الفراتين، وشط العرب، المعدات اللازمة، لبناء
واستثمار الخط ونقل عماله في مدة الاشتغال به. فاستصوبت شركة السكة أن تنفق بهذا الخصوص مع شركة لنج، لكن لما سمع الباب العالي بهذا الاتفاق، جاهر بأنه لا يوافق شروط الامتياز المشروطة على الشركتين: شركة الحديد وشركة لنج. ولهذا حتم عليها أن تتفق مع شركة بواخر الإدارة العثمانية النهرية، أو أن تستحصل لنفسها بواخر تتخذها لمصالحها. فاتفقت الشركتان المذكورتان على إدخال شركة المراكب العثمانية أيضاً في هذا الشان، وعلى هذه الصورة تأسست الشركة البلجيكية التي من واجباتها العناية بتحقيق هذه المساعي والسهر عليها.
وحل هذه المعضلة على هذا الوجه مفيد للباب العالي، ولهذا يؤمل خروج هذا الفكر إلى عالم الحقيقة.
أن خطورة هذه المعاملة تفوق بكثير موضوعها، لأنها عبارة عن أول تضافر، يكون إنكليزياً ألمانياً في آسية الوسطى. وهذا وحده كافٍ لأن يشار إليه بالبنان. فكون المصرف الألماني، الذي هو المحرك الأول لسكة حديد بغداد، يتدخل تدخلاً بيناً في هذه المسألة، يجعلها في مقام سام من الخطورة والشان. هذا فضلاً عن أن المتداخل فيها أيضاً، هو لنج، الرجل المعروفة(2/158)
مصالحه في بلاد إيران، وديار العراق لاطلاعه الكافي على هذه الأقطار، فيزيد حضوره المسألة مكانةً ورفعة في مسائل آسية الوسطى.
أن الفاضل لنج، كثيراً ما انضم إلى حزب المتطرفين المتذمرين من سياسة السير أدورد غراي. ومداخلاته مع النقابة المالية، التي يرأسها السير ارنست كاسل، معلومة لدى الخاص والعام. فيكون من البديهي تقرب هذا الائتلاف الذي حصل من سفرة السير ارنست كاسل إلى برلين، في الوقت الذي أقام الأديب هلدان في عاصمة ديار ألمانية. فهو الذي دبر، في سنة 1903 مع الأديب فون غوينر. فكر مساعدة الإنكليز في سكة حديد بغداد. ومنذ ذاك الحين كان له المقام الأول بمنزلة متوسط بين المالية الألمانية وبين المالية الإنكليزية.
هذا وقد بلغ المحافل السياسية المطلعة احسن الاطلاع على الأخبار الجارية بين الدول أن مساعدة الإنكليز لسكة حديد بغداد تعاد فتجدد. وقد اخذ من يهمهم الأمر أن يسعوا كل السعي بين (المصرف الألماني وبين مصرف أمة الترك) الإنكليزي. والحال أن مؤسس هذا
المصرف الأخير هو السير ارنست كاسل في سنة 1908 بعد أن رفض ما طلبة منه المصرف العثماني في الاشتراك معه. وذلك لأنه لم يرد أن يقيد نفسه أو أنه لم يرد أن يغض من نفسه بتشاركه مع المصرف العثماني المتعاهد مع سكة حديد بغداد. بما في إمكانه من مساعدته إياه بمال الإنكليز. وهذا ما يجعله في مقدمة هذا الاقتصاد المالي للبلادين، بل بيت قصيده، وقلادة جيده.
فهذا الاتفاق الغريب هو هو الذي نوجه إليه الأنظار، ونلوي إليه عنان الأفكار، إذ قد يكون أساساً لمراوغة أو محاولة تصرف فيها اسهم سكة بغداد في إنكلترا، تلك الأسهم التي تتداعى في صناديق المصرف الألماني. ومن الواجب تصريفها لإكمال الأشغال في بر الأناضول (أي آسية الصغرى). فتدبر أن كنت من الأيقاظ. والسلام.(2/159)
فوائد لغوية
البرميل والبتية
1. سألنا سائل: ما قولكم في كلمة برميل وهل هي عربية أم دخيلة وأن كانت أعجمية فهل جاء في معاجم لغتنا ما يقاربها معنى أو ما يصح أن يسد سدها؟
قلنا: كلمة برميل قلطية الأصل إلا أن العرب أخذوها عن الأسبانيين وهي فيها (بريل) بفتح الباء وتشديد الراء المكسورة كما في القلطية ثم حذفت الراء الأولى وعوض عنها بميم. والعرب تفعل ذلك في كثير من الألفاظ وتبدل من الميم نوناً. كما في أنجاص واصلها أجاص، وأنجار واصلها أجار، وبرنيطة وأصلها بريطة. ولا حاجة إلى إبدالها بكلمةٍ تسد مسدها. لأنها من المعربات القديمة. وكلما كان كذلك فالأحسن إبقاؤه على حاله. وقد ذكر الكلمة صاحب تاج العروس قال: البرميل بالكسر. وعاء من خشب يتخذ للخمر، جمعه براميل. اهـ. وقد وردت أيضاً في رحلة ابن بطوطة قال في 3: 235 من الطبعة الإفرنجية: (ويكون بأيدي الفتيان براميل الذهب والفضة مملوءة بماء الورد وماء الزهر) وقال في ص 385 ثم اخذ الحاجب وأصحابه براميل ماء الورد فصبوه على الناس.) وقد ذكرها غيره في كتبهم.
وإذا كان البرميل كبيراً قيل له البتية بضم الباء والأشهر الأفصح بفتحها وبتشديد التاء المثناة الفوقية المكسورة وتشديد الياء التحتية المثناة وفي الآخر هاء. وتجمع على بتيات وبتاتي. وقد وردت في كتاب نزهة المشتاق في أخبار الآفاق للشريف الأدريسي (المتوفى سنة 575 م - 1180م) ووردت في كتاب ألف ليلة وليلة وفي كثير من الكتب والظاهر أن الكلمة دخيلة في العربية أيضاً لأن بني يعرب لم يعرفوا هذا الضرب من وعاء الخشب. وليس في أصول هذه الكلمة ما يحقق معناها العربي. فلم يبق إلا القول بأعجميتها. وهي بالآرامية (السريانية) (بتيتا) والألف تزداد عندهم في جميع الألفاظ تقريباً. وفسرها القس يعقوب اوجين منا في معجمه دليل الراغبين بقوله:(2/160)
(بت، دن للخمر.) وعلى هذا يكون البت بمعنى البتية ويحتمل أن تكون اللفظة من الفارسية بدية أو بادية التي عربها العرب باطية وجمعوها على بواط. وبادية مشتقة من باده وهو الخمر بلسانهم فيكون معناها وعاء الخمر. والكلمة السريانية بتية وردت في تاريخ ابن العبري المتوفى في 30 تموز سنة
1286 م - 8 رجب 685 فالكلمة إذاً قديمة في كلتا اللغتين وقد عربت بصورتين في العربية بصورة باطية وبتية. على أني أراها من اصل لاتيني أي أو بمعناها ومنها صاغ الإفرنج كلمة بمعناها أيضاً وهي بالرومية وبالألمانية
ومن ثم ترى أن هاتين اللفظتين قديمتان ولا يحق للمحدثين أن يقتلوهما ويميتوهما ولا سيما لأنهما شائعتان بين العوام والفصحاء. وأما أهل بغداد فأنهم يعرفون البرميل باسم (البيب) بباءين مثلثتين وكسر الأولى منهما واسكان الياء. وهي من التركية فيج أو فيجي أو فوجي بمعناها.
وقد استعمل العرب أيضاً بمعنى البرميل لفظة الكندوج قالوا في كتب اللغة: الكندوج بالفتح ويضم شبه المخزن. وهي من الفارسية (كندو) بمعناها. ويريدون بها الجرة الكبيرة أو الحب تخزن فيها الحنطة وغيرها وفيها لغات وهي: كندو بفتح الكاف أو ضمها. وكندوج وكندوك وكندر وكندولة. هذا ما عن لنا. وهو فوق كل علم عليم.
باب المشارفة والانتقاد
1 - الضرران الكبيران
الضرران الأكبران هما المسكر والدخان. وقد كتب الدكتور سليمان الخوري عيسى من حمص رسالة فيهما فأجاد. وثمن النسخة غرش واحد. وهي في 48 صفحة. ويوخذ على صاحبها أنه طبع رسالته على كاغد سيئ ولم يصحح أغلاط الطبع التي وقعت فيه كما لم يعن في بعض المواطن بتنقيح العبارة وتخليصها من شوائب الركاكة واللحن. فالأمل أنها تصلح في طبعة ثانية. وهذا لا يمنع الناس من اقتنائها فأنها مفيدة لمن يتعاطى المسكر والدخان.(2/161)
2 - كتاب اللؤلو المرتب، في أخبار البرامكة وآل مهلب
إذا طبع أحد أبناء النجف أو كربلاء كتاباً زين صدره بألقاب المؤلف ويالها من ألقاب، كلها مفخمة معظمة مجسمة حتى تظن أنك تقع على اعظم كنز في الأرض. وإذا فتحت الكتاب وتصفحت ما جاء فيه ترجع عنه بما رجع به حنين. ومن جملة هذه الكتب هذا الذي قرأت عنوانه فويق هذه الكليمات. فقد نقش على صدره هذه الألفاظ. (تأليف العلامة الفهامة، السيد محمد رضا، نجل سيد العلماء الأعلام، السيد محمد علي الشاه عبد العظيمي نزيل النجف الأشرف.) اهـ والكتاب مطبوع في النجف بمطبعة العلوي. وقد وقع في 188 صفحة
وقد جمع الكاتب فيه أخبار العلويين لاشتهارهم بالكرم وأخبار كرماء العرب من سوقة وأمراء وملوك. ثم أخبار المهالبة وهم الذين اشتهروا بجودهم في أيام الأمويين، ثم أخبار البرامكة الذي نبه ذكرهم في عهد العباسيين ثم ختم الكتاب ببعض أخبار البخلاء. - والكتاب سقيم الطبع، قد جمع فيه المؤلف الفصول كحاطب ليل ولم يذكر أسانيد نقله. ومع كل ذلك فلكونه ارصد الكتاب لهؤلاء المشاهير أصبح كتابه مما يحرص على اقتنائه. فعساه أن يجيد طبعه ويحبر عبارته ويصلح أغلاطه إذا أعاد نشره.
3 - الكتب الخطية العربية والأعجمية الموجودة في خزانة
كتب شركة ترقية المباحث العلمية تأليف ج. ريبرا وم. آسن.
وعنوانه بالأسبانية:
- 1912. - 320
أن محبي الكتب العربية يظنون أن ديار مصر وحدها حفظت لنا كتب الأقدمين العربية في الديار المصرية اللسان والحال أن في ديار الأندلس مواطن العرب في سابق العهد تآليف شتى منها هذه التي ارصد لها الأديبان ج. ريبرا وآسن مجلداً وصفا فيه كتباً وجدت على الطريقة الآتية:
بينما كان البناءون يشتغلون في سنة 1884 في بيت من بيوت مدينة مناقد من أعمال المنية على بعد 30 كيلومتراً من الجنوب الغربي من سرقسطة عثروا على بضع مئات من(2/162)
الكتب الخطية كانت قد خزنت هناك منذ ثلاثة أو أربعة قرون بين جدار وحاجز من الآجر. واغلبها مكتوب بالحرف العربي. أما محتوياتها فصكوك وحجج ومؤلفات. والبعض الآخر كتب مترجمة إلى اللغة القسطيلية، لكنها مكتوبة بحروف عربية وهم يسمون هذا النوع من التأليف والكتابة اللغة الأعجمية والظاهر من تصفح ما هناك من الأوراق أن تلك المكتبة كانت لتجار من مسلمي الأندلس وقد أخفوها بعيد تقلص ظل العرب من بلاد اراغونية. ولعلهم فعلوا ذلك ظناً منهم أنهم يعودون إليها بعد قليل فيخرجونها من محلها. وهذه الكتب من بعد أن أخرجت أهمل شأنها وتركت ألعوبة بيد هذا وذاك ثم اقتناها أحد الأسبانيين اسمه بابلو جيل ثم اشترتها (شركة ترقية المباحث العلمية) وهي الموصوفة في هذا المجلد.
وأول من عنى بوصفها طلبة الشيخين المستشرقين: ريبرا وآسن ثم أعادا النظر فيها وطبعاها. وعدد المخطوطات 63 ثم يأتي بعدها وصف أوراق جليلة قديمة كانت قد جلدت بها الكتب.
وليس بين هذه الكتب شيء يستحق الذكر أو نادر الوجود لأن اغلبها دينية أو فقهية أو مواعظ أو حكايات أو لغوية وقد وضع المؤلفان 18 صورة خط منقولة عن الأصل وقد كتب الأصل في سنة 435هـ (1043م).
وقد نشر الأديب آسن كراسة أخرى وصف فيها المخطوطات الموجودة في (جبل غرناطة المقدس) وهو في 30 صفحة بقطع الثمن طبع في غرناطة سنة 1912 وفيها كتب فلسفية وعلمية وفقهية وطبية وتنجيمية إلى آخر ما هناك. واسم الكتاب بالأسبانية:
1912.
ومما يستحسن في هذين الكتابين أن الكاتبين جريا في تعريف الكتب المخطوطة على طريقة في غاية الحسن وهي انهما يذكران 1 - اسم الكتاب وعنوانه. 2 - صاحبه. 3 - مبداه. 4 - موضوعه. 5 - عصر كتابته. 6 - نهايته 7 - وصفه المادي من طول وعرض وكاغد وحبر وعدد الأسطر 8 - معارضته مع(2/163)
سائر الكتب المؤلفة في هذا البحث. فعسى أن يحذو حذوهما كل من يتعرض لوصف خطوط دور الكتب والله الموفق.
4 - مختصر تاريخ الإسلام
تأليف السيد صدر الدين الصدر. الجزء الأول من القسم الأول. يشتمل على سيرة النبي (ص) وتاريخ الدولة الأولى من دول الإسلام. طبع بمطبعة الآداب في بغداد. قيمة النسخة 4 غروش صاغ. وهو في 126 صفحة صغيرة.
قال المؤلف في المقدمة: (وجعلته في ثلاثة أقسام ابتدائي، رشدي، إعدادي (كذا) بحسب ترتيب المدارس. وكل قسم ثلاثة أجزاء (الجزء الأول) سيرة النبي (ص) والدولة الأولى من دول الإسلام. (الثاني) في تاريخ الدولة الأموية العباسية. (الثالث) في تاريخ الدولة العثمانية والصفوية والقاجارية ومن عاصرهم (أي ومن عاصرها) من دول الإسلام. وسميته مختصر تاريخ الإسلام ومن الله التوفيق.)
هذا الكتاب حسن التبويب، واضح التقسيم، سهل المطالعة إلا أن كثرة الأغلاط واللحن تشوه محاسنه حتى تكاد تطمسها. وفي الصفحات العشر الأولى بعض الآراء التي لا يوافقه عليها كتاب العصر ومؤرخوه. فكان الأجدر بالمؤلف أن يعتمدهم لانتهاء البحث إليهم.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - سفر طلبة المكتب الملكي العسكري إلى الأستانة
سافر مساء يوم السبت 10 آب 54 تلميذاً من طلبة الإعدادي العسكري متوجهين إلى الأستانة إتماماً لدروسهم في المكتب الحربي فنتمنى لهم سفراً ميموناً!
2 - جسر القرارة
تم تعمير جسر القرارة على يد ملتزمه لمدة خمسة أعوام. وفي يوم الاثني(2/164)
ن 13 آب جرى رسم افتتاحه ومر عليه الناس بفرح لا يوصف.
3 - سفر جمال بك والي الولاية
استعفى والينا عند انقلاب الوزارة فقبل استعفاؤه وفي عصر السبت 17 آب سافر على طريق حلب وقد شيعه الأصدقاء من جميع الطبقات. أوصله الله إلى موطنه سليماً معافىً وقد دامت أيام ولايته نحو سنةً. وهذا دليل على حسن إدارته ودرايته إذ قل من يسوس ولاية في هذا العصر وتطول مدته هذا الطول.
4 - قبائل الأعراب في العراق
اقتضت العيشة في هذه السنة أن ينتقل اغلب الأعراب إلى ديار العراق فسعت الحكومة لتحصيل الرسوم الأميرية وعينت الولاية لهذه الغاية الآمر إسماعيل حقي بك البيكباشي (قائد الطابور)
5 - ابن الرشيد وابن مجلاد
رفع الأمير ابن الرشيد رقيعة إلى والي ولاية بغداد متظلماً من جور ابن مجلاد ونهبه ما يزيد على 800 بعير. فلما حضر ابن مجلاد في دار الحكومة وعد الوالي بأنه يرضي ابن الرشيد بالتي هي احسن. فلما صار في عشيرته عين القائد الكبير (الديدب) في 200 هجان ليغير على عشائر ابن الرشيد من شمر وغيرها. ولا نعلم نتيجة هذه الغارة.
6 - اشتداد الحر في بغداد
اشتد الحر في الأسبوعين الأولين من آب حتى بلغ معظمه الدرجة 46 في الظل. وقد مات
عدة أطفال من اجل ذلك.
7 - حريق في البغيلة
شبت النار في موافي علوان البناء (أي في كوره أو اتانينه) يوم الجمعة 16 آب فأطفئت بهمة رئيس بلديتها. فلم يحدث منها ضرر عظيم.
8 - إنشاء شعبة بريد في البغيلة
أنشئت شعبة بريد فيها وأودعت إلى عهدة وكيل الإدارة النهرية فيها وأخذت المبعوثات بان تصل إليها رأساً بعد أن كانت تذهب إلى كوت الأمارة ومنها إلى البغيلة.(2/165)
9 - دعوى الرياض
كان صاحب الرياض سليمان أفندي الدخيل ادرج قصيدة في جريدته من نظم محمد أفندي الهاشمي ومن جملة أبياتها ما يأتي:
كيف السرور في إيران قد عبثت ... أيدي الطغاة وقد خنيت بها الذمم (كذا)
في أرض طوس وفي تبريز قد ثمدنا (كذا) ... ملك الأعادي عيون الغيد تنسجم
بتونس أمة الإسلام قد ظلمت ... وفي الجزائر دين الله يهتضم
وكم يقاسون في القفقاس من وجلٍ ... وكم اسيسوا بذل شابه ألم (كذا)
(يا قيصر الروس ثل الله عرشك هل ... علمت منقلب الظلام إذ ظلموا)
فأقامت الحكومة المحلية الدعوى على صاحب الصحيفة لدرجه مثل هذه الآبيات التي لا فائدة من ورائها سوى إزعاج النفوس. ثم حكمت عليه، وعلى ناظم القصيدة بأن يسجنا ثلاثة أشهر.
10 - ظهور المقتبسين
ظهر المقتبسان اليومي والشهري. أما اليومي وهو الجريدة فيصدر في دمشق الشام كما كان يصدر في السابق. وأما الشهري وهو المجلة فيبرز بحلته الموشاة في مصر القاهرة فنرحب بهما ونتمنى لهما الحياة الطويلة.
11 - الكهربائية في قصر الشيخ خزعل في المحمرة
أن الشيخ خزعل من الأمراء الذين يحبون القصور العامرة البديعة وقد ابتنى له عدة قصور في حاضرته المحمرة. ومن جملتها القصر الفاخر المعروف بقصر الفيلية وهو على بعد نحو 400 متر من المحمرة. وقد ادخل فيه الكهربائية في جميع حجره ومقاصيره فهو يتلألأ ليلاً منذ شهر آب تلألواً يأخذ بمجامع القلوب. فنتمنى لساكنه الراحة وهناء العيش!
12 - الأمير ابن السعود
غزا عبد العزيز باشا السعود عشائر العجمان وعتبة بين الاحساء وقطر وأدبهم احسن تأديب ثم رجع إلى محل إمارته.
13 - وجوه أهل العمارة
تبرع أهل لواء العمارة من توابع ولاية البصرة بمبلغ 1500 ليرة عثمانية منها 1200 ليرة ثمن مطيرة باسم (العمارة) و250 لجمعية الهلال الأحمر و50 ليرة للبطلين الأولين اللذين الحقا ضرراً بالأسطول الإيطالي في هجومه الأول على الدردنيل.(2/166)
14 - عجيمي بك السعدون
أغار عجيمي بك السعدون على عشيرة الخرسان بالقرب من الرافضية ونهب مواشيها وبيوتها.
15 - الحصبة
لا زالت الحصبة تفتك في أطفال النصارى في مدة هذه الصيفة وكان يموت منهم في الأسبوع أربعة من باب التقدير المعدل. وفي آخر هذا الشهر الماضي خفت وطأته. وكان اغلب المتوفين أناثاً.
16 - حريق في العمارة
في 9 أيلول شبت النار في العمارة فأكلت صرائف عديدة (الصرائف الأكواخ تبنى من البواري أو السعف) للأعراب وأحرقت ثلاث بناتٍ. ويقال أنها أتلفت رجلاً أيضاً.
17 - الممكس (الكمرك) الجديد
لا زالت شركة حديد بغداد في رأيها الأول من إنشاء ممكس كبير تبلغ نفقاته 140 ألف ليرة عثمانية يكون نصفها من الحكومة والنصف الأخر من الشركة المذكورة ويغلب الظن أن هذه الدار تبنى في الكرخ قرب السن.
18 - وفاة احمد شاكر أفندي الآلوسي
نعى البرق نهار الخميس 19 أيلول وفاة العالم الفاضل احمد شاكر أفندي الآلوسي، عضو مجلس المعارف الكبير في الأستانة، وذلك عن نحو70 عاماً. فنحن نشاطر الأسى أسرة الآلوسي كلها ونخص بالذكر أبنه درويش أفندي وسائر اخوته. ألهمهم الله الصبر والسلوان!
مفردات عوام العراق
آدمي
هذه الكلمة إذا أضيفت إلى ضمير المتكلم أو المخاطب أو الغائب جاءت بمعنى الخادم والأجير. فيقال: آدميك وآدميه وآدمي. بمعنى خادمه أو أجيره أو مستخدمي
آدميانه وآدمية وآدملغية
بمعنى مروءة وإنسانية كثيرة الورود على ألسنتهم.(2/167)
آديو
هي الكلمة الافرنسية ومعناها الحرفي (إلى الله) وتستعمل عند الإفرنج بمعنى (الوداع، أو كن معافى، أو حفظك الله). وآديو محصورة الاستعمال في الطبقة المتفرنجة من الشبان.
آب وهواء
لفظتان مركبتان من فارسية وعربية وهما بحكم الكلمة الواحدة ومعناها (ماء وهواء) ويراد بهما بالفارسية المناخ الطيب. ويطلقهما بعض العراقيين للدلالة على البلدة الحسنة المنظر الطيبة البقعة.
آرا
فارسية معناها المزين والمزخرف وتجمعها العامة على آرات وتريد بها نوعا من الكشكش أو الخرج أو المخرم تزين به ثيابهن من فساطين وغيرها من ملبوساتهن
آذان الفار
كناية عامية يشار بها إلى من يكون دقيق السمع كأن آذانه آذان الفار. فيقال: لفلان آذان الفار أي دقيق السمع. والظاهر أن استعمال العامة لهذه الكناية مأخوذ من مشاهدتهم ما للفأر من الحذر والتيقظ والاحتراز التام. لأن أدنى صوت يفزعه ويلجئه إلى دخول وكره. أما آذان الفار في اللغة الفصحى فهي ضرب من النبات إذا فرك فاح منه رائحة القثاء ويعرف عند علماء النبات باسم أو
آزيل
أفرنسية معناها الملجأ ويراد بها كتاب الصغار للبنين والبنات وقد تأسس في بغداد عام 1880. تقوم بإدارته الراهبات الدومينيكات وهو بمثابة - أي حديقة الأطفال التي أنشأها الفاضل فريدرك ويلهلم فروبيل في جرمانيا سنة 1826م
آكلة افرنكية
اليهود والنصارى يقولون ايكلي افرنكيي يريدون بذلك داء السرطان وهي لفظة تقوم مقام الدعاء بالشر على من يؤذي صاحبه أو يتعدى على غيره ويهضم حقوقه.
رزوق عيسى(2/168)
العدد 17 - بتاريخ: 01 - 11 - 1912
نبذة من عادات العراقيين المسلمين
1 - كلمة في عاداتهم
العراقيون من أسرع الناس إلى التقليد، وأكثرهم انهماكاً بكل شيء جديد، وأشدهم استمساكاً بعاداتهم وآدابهم وأخلاقهم ولا أبالغ إذا قلت أن ليس من قوة موجودة فوق الأرض (غير الله) قادرة على تغييرها أو إبدالها بأحسن منها. سرح طائر نظرك في أرجاء العراق وانعم النظر في أحوال قطانه وعاداتهم وتفقد شؤونهم وحركاتهم وسكناتهم، وراقب احتفالاتهم ومجتمعاتهم، وتدبر مسامراتهم ومحادثاتهم، وانقدها نقد الصيرفي الماهر للدرهم والدينار تجدها لأول وهلة لا تختلف كثيراً عما كان عليه آبائهم في سالف القرون، بل لتجدن أطوارهم وعاداتهم التي هم عليها الآن تنطبق تمام الانطباق على وصف الباحثين والأَثريين والسياح لسكان هذه البلاد قبل مئات من السنين، وأنك لا ترى فرقاً كبيراً بينهم وبين أسلافهم سواء كان في العادات أو الآداب أو الأخلاق إذ أن هذه البلاد قد(2/169)
استعمرتها أمم عديدة واحتلتها دول كبيرة فلم تؤثر فيهم كثرة اختلاطهم بالأمم والشعوب، لا بل لم تغير شيئاً من عاداتهم اللهم ألا بعض أمور طفيفة لا يعتد بها لعدم شمولها جميع قطان القطر العراقي وهو أمر يدلك على شدة تمسكهم بها ويثبت لك ذلك.
بيد أنك بينما تراهم شديدي التمسك بتلك العادات ضارة كانت أم نافعة؟ مخالفة لآداب الديانات أم موافقة لها، تجدهم أسرع الناس تبدلاً وتقليداً للأمم في كل شيء غريب في أزيائهم وقيامهم وقعودهم وأكلهم وشربهم.
ويظهر ذلك لكل من جاءَ بغداد قبل عشر سنوات ولاحظ ما كان عليه أهلوها من السذاجة والبداوة ثم غادرها وقدمها ثانيةً رآها اليوم قد لبست حلة من حلل التمدن، وعلى قطانها من الأزياء الغريبة والأطوار العجيبة ما لم يكن العراقيون يعرفونه سابقاً وكثيراً ما كانوا يستهجنونها ويقبحون من جرى عليها أو استحسنها ولا ريب أنك لو حولت الوجه نحو هذه البلدة قبل إعلان الدستور وتدبرت أزياء العراقيين لوجدت فيهم مميزات فارقة بين اليهودي والمسيحي والمسلم إذ كان لكل علامات أو خصائص تدل عليه. ولو نظرت نظرة في أسواقها الطويلة العريضة وشوارعها وأزقتها لما رأَيت نصرانياً لابساً البرنيطة ألا
المستخدمين في الوكالات والمحلات التجارية الكبرى ممن جابوا بلاد أوربا ونشئُوا في أحضان أساتذة كلياتها وتغذوا بلبان علومها ومعارفها. ولما رأَيت يهودياً لابساً الملابس الإفرنجية على ما هو عليه الآن ألا ما قل وندر، ولما رأيت مسلماً لابساً الطربوش ومتزيياً بالزيّ التركيّ أو الإفرنجي ألا الموظفين في خدمة(2/170)
الحكومة بل لرأيت أكثرهم ولا أقول كلهم على ما كان عليه آباؤهم متمسكين بالملابس العربية وهي لبس العباءَة والعمامة والعقال، فكنت إذا دخلت أسواق بغداد في هاتيك الأزمنة تصورت انك في القرون الوسطى وتجلت لك البداوة والسذاجة بأَجلى مظاهرها وأبهى مناظرها. فلما أعلن الدستور واحتكت الأمة العراقية بالنزالة الأوربية سرعان ما قلدوهم في ملبسهم ومأَكلهم ومشربهم حتى انك اليوم لتعجب كل العجب من هذا التقليد الغير المنتظر وظهر لك الفرق بين الزمانين، ولكن هل ظهر الفرق في عاداتهم وأخلاقهم كما ظهر في أزيائهم وملابسهم؟ كلا، ثم كلا، فأن هاتيك العادات قد استحكمت عراها بمرور الزمن وقوة الاستمرار فتوطدت أركانها، وازداد القوم تمسكاً بها مع وجود طبقة من النابتة الحديثة تحاربها بكل قواها وتنشر الفضيلة بين السكان وتبين لهم أضرار هذه العادات المستهجنة التي ربما قضت على البقية الباقية من أخلاقهم النبيلة، وصفاتهم الجليلة فتقذف بهم من حالق إلى مهاوي الهلاك والدمار.
أنا لا أريد بمقالتي هذه أن أحارب عادات العراقيين وأندد بالمتمسكين بها إذ أن ذلك يحتاج إلى وقت غير هذا الوقت، وقت يعرف فيه الشعب حقيقة الحياة ووظائفه في هذا المعترك ويعي بل ويتدبر ما يقال له. ومن العبث أن يريد رجل عاجز مثلي القضاء على عادات أمة كبيرة، كأُمة العراق بمقالة أو مقالتين أو ثلاث وهي قد استحكمت فيهم منذ عدة قرون(2/171)
وقويت شوكتها وغرست في قلوبهم واستفحل شأنها بينهم حتى عدا أكثرها في عداد العادات الدينية ولا أغالي إذا قلت انهم يهتمون بها اكثر من اهتمامهم بأَمر الدين ولا ريب أن ذلك عبء ثقيل لا أطيق حمله. بل ادع ذلك لعظماء الرجال الذين يعرفون كيف يهذبون أخلاق الشعوب ويجعلونها خالصة نقية من كل شائبةٍ خرافيةٍ من حيث لا تدري ولا تشعر بيد أن الذي أريد أن اسطره على صفحات هذه المجلة الغراء هو ما وقفت على نبذ من عادات العراقيين في أفراحهم وأحزانهم واحتفالاتهم العمومية والخصوصية وطربهم وانسهم وحدسهم وتخمينهم ليظهر لدى القارئ النبيه ما وصلت إليه حالة سكان العراق من التأَخر
والانحطاط في تمسكهم بعادات خرافية ومعتقدات ما انزل الله بها من سلطان حتى انهم يضاهون بها برابرة أفريقيا وقطان منغوليا في خرافاتهم التي قتلت كل شعور وأماتت كل إحساس وأدراك.
2 - عادات اعتقادية
1 - (جنبر سوري) هذه الكلمة محرفة عن جهار شنبه سوري، ومعناها عيد نهار الأربعاء إذ أن الفرس يزعمون بوجود أربعاء واحد نحس(2/172)
وسائر الأربعاوات أربعاوات سعد ولهذا يطربون يتنزهون فيه طرداً للنحس والشؤم. وهو اجتماع عام يستحضر فيه آلات الأنس والطرب ويختلط فيه الرجال والنساء، ويكون ذلك عصر آخر يوم الأربعاء من صفر في كل سنة فيخرج فيه الأهالي من رجال ونساء وبنات وبنين بالزينة الكاملة إلى موقع خارج البلدة محفوف بالأزهار والأوراد حيث يكون العشب قد زاد الأرض رونقاً ونضارة وكساها حلة خضراء من حلل الطبيعة البهجة، فلا تسمع في ذلك الوقت ألا نغمة عود وغناء مغنٍ وطرب مطرب وهكذا يبقون حتى غروب الشمس فيعودون إلى منازلهم فرحين جذلين مستبشرين وقد علمت أن السبب لهذا الاحتفال الذي جعله العراقيون عادة من عاداتهم المفروض إجراؤها هو اعتقادهم بأَن شهر صفر شهر نحوس وويلات تكثر فيه النوائب وتزداد فيه الكوارث والمصائب وكذلك اعتقادهم بأَن يوم الأربعاء من انحس الأيام وهو عادة من عادات العرب الأقدمين أخذوها عن الفرس أو المجوس فكأَنهم بهذا الأنس والطرب وهذا الاحتفال الذي يقيمونه كل عام ينزعون من أنفسهم رداء الشرور تفاؤلاً. وقد بلغت السخافة ببعض الناس انهم في يوم الأربعاء لا يذهبون إلى حمام ولا يحلقون رؤوسهم ولا يغسلون ملابسهم لنحسه ويستدلون على ذلك بأن اليوم الذي أخذت فيه الريح الصرصر قوم عاد هو يوم الأربعاء وهو اعتقاد اكثر المنجمين بيد أننا لو حسبنا أن كل يوم تحدث فيه نائبة أو كارثة(2/173)
نحس لكانت كل الأيام منحوسة لأنه لا يخلو يوم من كارثة وقعت أو تقع فيه.
2 - (الصوم الخرساني) من العادات التي فشت بين العراقيين فشواً كبيراً الصوم الخراساني. وهو صوم من شروق الشمس حتى نصف النهار تصومه كل أنثى بلغت الحلم صوماً عن التكلم في هذه المدة وإذا احتاجت إلى التكلم تكلمت بإشارات تدل على مطلوبها
ومرادها ويكون ذلك في أول يوم الأحد من شهر شعبان في كل سنة، وقد جاء ذكر هذا الصوم في سورة مريم على لسان السيدة مريم عليها السلام وهو (وقولي أني نذرت للرحمن صوماً فلن اكلم اليوم انسياً) ألا أن الدين الإسلامي لم يأمر المتدينين به بوجوب صيامه فهو إذا بدعة منكرة.
3 - (صوم زكريا) هو صوم خاص بنساء العراق المسلمات وذلك بأن تمسك المرأَة نفسها عن الأكل والشرب وكل ما يفسد الصوم من شروق الشمس إلى الغروب. وعند الغروب يجري احتفال شائق في كل بيت من بيوت المسلمين يجتمع فيه أهل البيت فيمدون الموائد وعليها صنوف الأطعمة والأشربة وكل ما تشتهيه النفس وتلذ لمرآه العين. ويضعون بجانب مائدة الطعام مائدة أخرى في وسطها صحن مملوء (حناء) محاط بإبريق وتُنك (جمع تُنكة وهي الكوز بلسان أهل العراق والكلمة فارسية الأصل بمعناها) على عدد ما في البيت من الأنفس فيخصصون بكل ذكر إبريقاً وبكل أنثى تُنكة ويحيطونها بشموع ويضعون في أفواه الابارقة والتنك باقات الزهور ويكللونها بورق الليمون والبرتقال والياسمين، وعندما تغرب(2/174)
الشمس ويجيء وقت الإفطار تجتمع العشيرة على المائدة المشحونة بكل أنواع الطعام، وعندها يقرا أحد العارفين بأصول القراءة سورة من سور القرآن وتكون على الأغلب سورة مريم برمتها وبعد ذلك يفطرون أولاً على خبز من الشعير وماء البئر وباقات من الكراث والكرفس وبعدها يتناولون ما يشتهون وتجري العامة على هذه العادة في الأحد الأول من شهر شعبان من كل سنة.
4 - (صوم البنات) وهو صوم تصومه كل أنثى مسلمة بلغت سن الرشد وذلك في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب في كل سنة، وهذه العادة على ما كنت أظن خاصة ببنات الكرخ لأني لم أر لذلك أثراً في جانب الرصافة ألا أني قد سمعت من بعض الأصدقاء أنها شاملة لجميع صبيات بغداد. وهن يستعددن لهذا الأمر قبل شهر أو شهرين من شراء الألبسة الفاخرة وأدوات الزينة وفي 27 رجب من كل سنة تذهب بنات الكرخ بزينتهن إلى مسجد إمام بجانب الكرخ يعرف (بإمام حبيب العجمي) فيفتحن المسجد ويدخلن الضريح ويطفن حوله من جهاته الأربع وبأيديهن الشموع ويترنمن بهذه العبارة (جئنا نزوك يا حبيب العجمي(2/175)
شمعة بطولك يا حبيب العجمي). وأما بنات الرصافة فيذهبن على ما بلغني
من أحدهم إلى الشيخ الخلاني بالقرب من تربة الشيخ عبد القادر الحبيلي. وبعضهن يخرجن إلى خارج البلدة إلى مسجد الشيخ عمر السهروردي ولم احفظ ترنماتهن لكثرتها واختلاف بعضها عن بعض.
5 - (حادثة الكسوف)
عندما تكسف الشمس أو يخسف القمر يصعد اكثر عامة المسلمين إلى سطوح دورهم فيطلقون الرصاص في الفضاء ويضربون على الطوس وعلى كل شيء له رنة عالية ودوي مخيف وينشدون في خلال ذلك الموقف هذه الكلمات:
يا حوتة يا المنحوتة طلعي قمرنا العالي (وإن كان ما طلعتيه) نضربك بالجاقوجه
وهم يعتقدون أن منشأ هذا الخسوف والكسوف التقام الحوت للشمس أو للقمر فهم بهذا الصراخ والصياح وهذا الدوي يريدون إرهابه لتخليصهما منه وذلك لاعتقادهم بأَن في السماء بحراً يسمى (بحر القدرة) وفيه مثل هذا الحوت الكبير الذي يبتلع الشمس والقمر برمتهما، يا للسخافة والحماقة!
6 - (إطلاق الرصاص في الفضاء) قد اعتاد العراقيون عادة من اقبح العادات وأظنها من عادات الجاهلية التي بقي العراقيون عاكفين عليها كما عكفوا على غيرها من العادات الذميمة المنافية لروح المدنية، والمشوهة لصفات الإنسانية، وهي أنهم يطلقون الرصاص في الهواء بعد غروب الشمس عند(2/176)
رؤيتهم هلال صفر. وربما يكسرون الأكواز وكل شيء له دوي ويعللون ذلك بأن شهر صفر شهر مشؤوم تتوالى فيه الرزايا على العباد فيطلقون بنادقهم لإرهابه ولطرد الشرور. ولهم غير ذلك من السخافات كلها من هذا القبيل وكذلك يفعلون في آخر ليلة منه.
7 - (كربة عليها شمعة) ومن عادات العراقيين المتمسكين بها تمسكاً شديداً والتي توارثها الأبناء عن الآباء وهؤلاء عن الأجداد هو أن المريض إذا ثقل عليه مرضه وأراد أهله معرفة نتيجة المرض من ثقيلة أو خفيفة يأتون بكربة عليها شمعة مشعولة يسيرونها على دجلة فإذا توارت عن الأنظار ولم يصادفها شيء يعيقها عن سيرها أو يذهب بضيائها علم أن شفاء المريض محقق لا محالة! وتباشر أهله بذلك أما إذا صادفها عارض قبل تواريها عن الأبصار أو انطفأ ضياؤها علم أهل المريض إنه ميت لا محالة! وعندئذٍ يعلو الصراخ
ويزداد العويل والنحيب وربما مات المريض لساعته من كثرة الصراخ ومن يأسه من الشفاء. وهذه التجربة لا تكون إلا في ليلة الجمعة.
8 - (القعود في الطرق) قد اعتادت نسوة العراق المسلمات القعود في الطرق ليلة الجمعة قرب الساعة الواحدة والنصف شرقية وذلك أن المرأة(2/177)
إذا كان زوجها غائباً وانقطعت عنها أخباره وأرادت معرفة ما إذا كان مجيئه قريباً أو بعيداً أو ما هو عليه من صحة وسقم أو خير وشراً وإذا لم يكن زوجها غائباً ولها مريض وأرادت معرفة ما إذا كان شفاؤه مرجواً أم لا، وغير ذلك من معرفة المجهولات تقعد على مفرق ثلاث طرق وتقبض بيدها على ثلاثة أحجار فترمي واحداً منها على الطريق الذي عن يمينها والثاني على الذي عن يسارها والثالث على الجهة القبلية وتقول هذه الكلمات (يا خيرة الدرب علميني ما في القلب زينة تبينين شينة تبينين) وبعده تقعد صامتةً تراقب ما يقوله الآتون والذاهبون فإذا سمعت كلاماً منهم تعتقد فيه الخير استبشرت وفرحت وإذا كان شراً حزنت واكتأبت وكذلك شأن الجاهلين.
9 - (خيط الحمى) قد اعتاد العراقيون عادة تضحك الثكلى وتدل على سخافة في العقول وسذاجة في الأفكار وهي أن كل من تعتريه الحمى يأخذ أهلوه خيطاً من القطن ويذهبون به إلى باب أحد الجوامع في ليلة الجمعة قبل صلاة العشاء فيقبض أحدهم على طرف منه والآخر على الطرف الثاني ويمدونه على الباب ليكون بمنزلة مانع للداخل ويبقون كذلك إلى أن يخرج المصلون من الصلوة وعند ذلك يقطعه أو الخارجين من الجامع فيعتقد إذ ذاك أهل المريض أن الحمى قد انقطعت عن مريضهم وانتقلت إلى قاطع ذلك الخيط! إلى هذا الحد بلغت الخفة والسخافة بالعراقيين وكانوا(2/178)
في ما سلف أساتذة العالم ومهذبي أخلاق الشعوب وهكذا يكون الجهل فإنه كقدح السم من شرب منه أودى به.
إبراهيم حلمي
الماليسور
1 - مدخل البحث
كثر الكلام في هذه الأيام عن الماليسور أو الماليصور) وإذا أردت أن تعرف من أمرهم شيئاً لا تكاد تقع عليه في كتبنا العربية حتى ولا في كتب البلدان أو التاريخ ولهذا كتبنا هذه الأسطر ليقف على حقيقتهم من يهمه هذا الأمر.
2 - تعريفهم
الماليصور من قبائل الارناؤوط أو الألبانيين معروفة بشراستها وشدة أخلاقها وتعلقها المفرط بالحرب والصيد والاستقلال والاستبداد وأخذ الثار من الأعداء. وبلادهم واقعة في أقصى تركية أوربة من بعض جهتها الغربية على البحر الادرياتيكي.
3 - عددهم وقبائلهم وألويتهم
يبلغ عددهم اليوم 51. 000 لا غير. فيهم 15400 مسلم و220 رومياً أرثوذكسياً والباقي أي 35. 880 هم نصارى كاثوليك فيكون الثلثان منهم كاثوليكياً والثلث الآخر مسلمين. وهم يقسمون إلى عدة أفخاذ أو عشائر أشهرها الحطية والاكليمنتية والكسترانية وهناك غير هذه الأفخاذ وهي هذه بأسمائها وأقسام ألويتها وعدد نفوسها:(2/179)
1 - بيرق أو لواء الحطية ويقسم إلى لواءين صغيرين. عدة بيوتهما 500 وعدد أفرادهما 4. 500 فيهم 50 مسلماً و. 550 كاثوليكياً.
2 - لواء غرودة ويقسم إلى لواءين صغيرين. عدد بيوتهما 400 وعدد أفرادهما 3. 400 نصفهم مسلمون والنصف الآخر كاثوليك.
3 - لواء الاكليمنتية وتحته أربعة ألوية صغيرة وهي عبارة عن 740 بيتاً و6. 050 شخصاً منهم 200 مسلم و5. 850 كاثوليكياً.
4 - لواء الغسترانية وهو لواء واحد تحته 450 بيتاً وعدد المستظلين به 3. 700 شخصٍ فيهم 570 مسلماً والبقية أي 1. 130 هم كاثوليك.
5 - لواء الاشكريلية وهو لواء واحد عبارة عن 550 أسرةً أو 5. 350 شخصاً فيهم 750
مسلماً و4. 600 كاثوليكيٍ.
6 - لواء الرج واللوغة وهو لواء واحد يظل 310 بيوت أو 2. 950 شخصاً فيهم 2. 130 مسلماً و820 كاثوليكياً.
7 - لواء الرنجة وهو عبارة عن فخذ واحد يسمي نفسه رفي بس ملاول (أي الجبال الخمسة) وهو لواء واحد يظلل 470 بيتاً أو 3. 125 شخصاً فيهم 2. 785 مسلماً و680 كاثوليكياً و660 أرثوذكسياً.
8 - لواء بستريبة وهو يتفرع إلى ثلاثة ألوية صغيرة يستظل بها 400 بيتٍ أو 3. 040 شخصاً. فيهم 2. 590 مسلماً و450 كاثوليكياً.
9 - لواء تمال وشيشلك ويتفرع إلى لواءين صغيرين هما عبارة عن 440 بيتاً أو 3. 680 شخصاً كلهم كاثوليك.
10 - قبيلة المردة أو المرديت ولها ست ألوية وعدد بيوتها 1. 030 وعدد(2/180)
أفرادها 7500 وهم كلهم كاثوليك.
4 - نظرة عامة فيهم وفي تاريخهم
هؤلاء الناس من أشجع الخلق وأبطشهم عرفوا في كل عصر بشجاعتهم وبسالتهم ومنهم خرج أبطال الدولة العثمانية. فهم يصبرون على الأتعاب والمشقات صبراً جميلا. ويرجعون في العنصر إلى الارناؤوط أو الألبانيين المشهورين في التاريخ.
خضع هؤلاء الأقوام لملوك أبيرة ثم لمقدونية وللرومانيين ولقياصرة الروم. ومنذ القرن الحادي عشر شن الغارة على بلادهم نرمنديو نابلي والبنادقة والمجريون وأنشأوا في تلك البلاد ممالك صغيرة. ثم دخل الترك ديارهم سنة 1435 فأجلاهم عنها اسكندر بك الشهير سنة 1444 ثم ما أبطأوا أن عادوا إليها وقبضوا على عنانها. ومع كل ذلك لا يمكن أن يقال أن هؤلاء الأقوام خضعوا أتم الخضوع للأجانب. ولهذا فإن الدولة تنظر إليهم بتروٍ قبل أن تعاديها أو تهجم عليها. وأمرهم اليوم مشهور وفي الجرائد مذكور. والسلام
شروين
شروين: (بكسر الشين المعجمة وسكون الراء المهملة وكسر الواو وسكون الياء المثناة التحتية بعدها نون) نهر يخرج من ديالى ويمتد إلى الغرب منها.
طوله من مخرجه الحالي إلى منتهاه نحو أربع ساعات ونصف، ومخرجه الآن من شرقي قرية المنصورية، على مسافة (400) خطوة منها، وقد كان(2/181)
مخرجه القديم في الغرب الجنوبي من هذه القرية على مسافة (80) خطوة من بساتينها، فأهمله مستأجر النهر شارود أفندي (من آل مهدي السعد، وهم رؤساء قرية الهويدر إحدى قرى جلولاء) وأخرج له مخرجاً ثانياً من بين بساتين قرية المنصورية ثم تركه قبل 3 سنوات لقلة ما كان يجريه من الماء وأخرج له المخرج الحالي وهو غير منحوت في جبل ولا مبنية فوهته بشيء، وليس له باب بل يسد عند الحاجة بالأحطاب وصغار الحصى
أما عرضه فهو متران ونصف، وعمقه ثلاثة أمتار، وعلى مسافة ساعة ونصف من مخرجه عبارة (أي بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة التحتية، يليها ألف بعدها راء مهملة وفي الآخر هاء) يعبر النهر عليها من فوق مجرى الخالص ويتعداه إلى الجانب الجنوبي منه، وهذه العبارة تبعد عن مخرج النهر مسافة ساعة ونصف إلى غربيه وعن مخرج الخالص مسافة ساعة واحدة وهو إلى شرقيها، وعن مركز ناحية دلي عباس مسافة ساعة وربع وهو إلى غربيها، والعبارة قنطرة يجري الماء على ظهرها، طولها 17 متراً وعرضها متران ونصف، وكانت قديماً مبنية بالطاباق والكلس فقط، فجدد بناءها قبل 3 سنوات سعادة عبد القادر باشا الخضيري وجعل للمجرى الذي على ظهر قنطرة العبارة أنبوباً من الحديد، مؤلفاً من عدة قطع متماسكة ركبها على البناء على طول قنطرة العبارة، وعلو المجرى متر واحد فقط.
وليس على نهر شروين من مخرجه إلى عبارته شيء من المزارع سوى(2/182)
ستة كرود (جمع كرد بفتح الكاف) يتولى زراعتها جماعة من الجبور، وهي واقعة بين مجرى نهر المنصوري وبين الخالص، فيجري شروين بينهما إلى أن ينتهي في جريه إلى العبارة، فيعبر الخالص ومن هناك يبتدئ بسقي المزارع إلى أن ينتهي إلى أراضي نهر الوشاع
(وزان وشاح وهو أحد أنهر الخالص) وطوله من العبارة إلى منتهاه مسافة 3 ساعات وزراعته الآن نحو 200 فدان، وزراعته من خمس قبائل:
(الأولى العزة) ولها هناك رئيسان معلى بن ساهي وأحمد بن علي الشلغيم.
(الثانية الجبور) ورؤساؤها عطية بن عبد الله وحسين المحمد وحمادي الحسين وخلف العياش وآخر يقال إنه كردي الأصل اسمه حسين بن شهباز (وهو سكار نهر الخالص بفتح السين المهملة وتشديد الكاف وسكون الألف وفي الآخر رآء مهملة أي سداده)
(الثالثة كروية) (بضم الأول وسكون الثاني) ورئيسها سلمان المحمد.
(الرابعة قراغول) ورئيسها خضير الجسام.
(الخامسة عويسات) ورئيسها محمد السلمان.
وفي هذا النهر من (الركاك - الرقاق) جمع ركة - رقة (بفتح الراء المهملة وتشديد الكاف الفارسية بعدها هاء) وهي الأرض الواطئة التي تكون على جوانب الأودية الكبرى والمجاري الطبيعية إحدى عشرة رقة منها ثمانٍ تشبه الإحراج وثلاث لا تنبت إلا ما يزرع فيها.
وعلى مسافة نصف ساعة من العبارة، وساعة من مركز ناحية دلي(2/183)
عباس، قلعة على نهر شروين بناها منذ عدة سنين مستأجر النهر قديماً وهو فدعم الأطرش العزاوي (نسبةً عامية إلى العزة) وفيها من النخيل 20 رأساً.
وفي هذا النهر من التلال والربى شيء كثير منها: (طريمش) حركة الطاء المهملة بين الفتح والكسر يليها راء مهملة محركة بحركة فيها إمالة بعدها ياء مثناة ساكنة ثم ميم مكسورة وفي الآخر شين معجمة)، وهو إلى شرقي القلعة على مسافة (200) خطوة منها، وعلوه أربعة أمتار ومحيطه 120 متراً.
ومنها (المكلوز) بلام مكسورة كسراً غير بين وميم ساكنة بعدها كاف فارسية ولام ساكنة وواو مفتوحة وزآء معجمة. وعلوه ستة أمتار، ومحيطه 150 متراً، وهو واقع في منتهى أراضي شروين، وفيه كثير من الطاباق المكسر.
ومنها (أبو عظام) (جمع عظم) وعلوه (15) متراً، ومحيطه 250 متراً وهو واقع على ديالى إلى جنوبي المكلوز ويبعد عنه مسافة نصف ساعة وفيه أيضاً كثير من كسر الآجر.
ومنها (تل شهاب) إلى الغرب الجنوبي من مركز ناحية دلي عباس على مسافة نصف ساعة منه وهو في منتهى نهر سمير (وزان زبير وهو إحدى أنهر شروين) وعلوه (15) متراً ومحيطه 800 متر وعليه كسر طاباقٍ وشقف (كسر خزف).
ومنها (أبو عجارب) وهو إلى الشرقي الشمالي من المكلوز(2/184)
وهو واقع على مجرى شروين ما بين المكلوز وأبي عظام، وعلوه أربعة أمتار، ومحيطه 150 متراً وعليه كثير من الطاباق المكسر.
ومنها (الخيوط) السبعة، وهي ممتدة من قلعة شروين إلى تل شهاب، علو الواحد منها أربعة أمتار ومحيطه يتراوح بين 100 و120 متراً وعليها قليل من الطاباق المكسر.
ومنها (جندولة): (بفتح الحاء المهملة وسكون النون وضم الدال المهملة وسكون الواو وفتح اللام وفي الآخر هاء). وهو واقع على ديالى إلى الشرق الجنوبي من تل أبي عجارب علوه ستة أمتار ومحيطه 150 متراً، وعليه طاباق كثير مكسر وغير مكسر.
ومنها (الغزيفي): (بكسر اللام كسراً غير بين وسكون الغين المعجمة وتحريك الزاي المعجمة بين الفتح والكسر وسكون الياء المثناة التحتية وكسر الفاء وتشديد الياء المثناة التحتية). وهو واقع بين جندولة وأبي عجارب، علوه أربعة امتار، ومحيطه 120 متراً وعليه طاباق كثير منه مكسر ومنه ما هو سالم الكسر. وقد رأيت في تلك البقعة تلالاً كثيرة غير هذه لم أتمكن من اخذ أسمائها بالتمام عليها كسر طاباق واكواز كثيرة ملونة الأديم. والسلام.
شهرابان
محي الدين فيض الله الكيلاني
(لغة العرب) ذكر السيد إبراهيم فصيح الحيدري في كتابه عنوان المجد (وهو غير مطبوع) نهر شروين قال: وأما نهر شروين فقد أحياه(2/185)
جدي العلامة الشريف اسعد الحيدري، مفتي بغداد، بماله ورجاله في أيام الوزير العلامة داود باشا (الذي ولي بغداد من سنة 1232 - 1244هـ - 1817 - 1828م) بعد أن كان مندرساً مدة طويلة وصار مقاطعة جسيمة. وكان في تصرفنا إلى الطاعون (1241 هـ - 1813م) ثم غصبنا إِياه علي رضا باشا والي بغداد من سنة 1246 - 1252 هـ 1830 - 1836م) وهو موجود إلى الآن، ألا أنه بعد غصبهِ
منا آل إلى الخراب، لأن منفعته ليست كالأول. اهـ
المرصاع أو الدوامة
تعريفه
للصبيان لعبة يتخذونها من قطعة من الخشب مخروطة بشكل كمثري مفلطحة الطرف الواحد وحادة الطرف الآخر. والعراقيون يسمونها (المصراع) وهي تصحيف المرصاع بتقديم الراء على الصاد. قال اللغويون: المرصاع دوامة الصبيان وكل خشبة يدحى بها أي يدفع أو يبسط بها والكلمة اسم آلة مشتقة من رصع الشيء: إذا ضربه بيده: وأما الطرف المفلطح فيسميهِ صبية العراق: الجاك بجيم فارسية مثلثة والكلمة فارسية معناها: الفلحة والشق والفلطحة وهو بالفرنسوية وأما الطرف الأخر الحاد فيدخل فيه نوع من المسمار يسمونه النبل أو النبلة وبالفرنسوية
2 - أسماؤه ومعانيها واشتقاقها.
للمرصاع أسماء متعددة بحسب البلاد ولغات القبائل. منها: الدوامة وزان رمانة. قال اللغويون في تعريفها: هي فلكة يرميها الصبي بخيط(2/186)
فتدوم على الأرض أي تدور على نفسها والجمع دوام فاشتقاقها إذا واضح.
وصغار صبية العراق يسمونه الفريرة بفاءٍ موحدة مضمومة بعدها راء مثقلة مفتوحة يليها ياء ساكنة بجنبها راء مهملة مفتوحة وفي الآخر هاء. وقد وردت في معجم بقطر بصورة القريرة بقاف مثناة عوضاً عن الفاء وهي خطأ. وعنه نقلها دوزي ففشا الغلط. والكلمة مشتقة من فرَّ الشيء إذا أداره على نفسه. فيكون معنى الفريرة والدوامة شيئاً واحداً. ألا أن الفريرة ويقال لها الفرارة أيضاً كشدادة هي غير الدوامة وسيأتي ذكرها.
وبعض أهل ديار الشام ولبنان يسمون المرصاع البلبل. وأهل بغداد يريدون بالبلبل اللعبة المعروفة عند العرب بالقلة فالواحدة غير الأخرى.
3 - أنواعه
يقسم أهل العراق المرصاع قسمين: ونان وناعور. فالونان وزان شدَّاد هو المرصاع العادي. وقد يكون نبله من خشب عوضاً من الحديد لكنه نادر الاستعمال. ويدار بأن يلف
الصبي الخيط عليه مبتدئاً من طرف النبل وينهيه عند نحو منتصفه ثم يلقيه على الأرض بأن يجر الخيط منه بسرعة. وهذا الخيط يسمى بلسان عوام العراق الزيك بكاف فارسية في الآخر وزان الزيج والكلمة فارسية مبنى ومعنىً.
وأما الناعور فهو الدوامة التي قد ثقب فيها ثقب فإذا دوّمت أي دارت على نفسها نعرت أي صاحت وصولت كصياح رجل يصوت من خيشومه. والفعل فصيح بهذا المعنى. والناعور في الزوراء على ثلاثة أنواع: ناعور له فلس. والفلس عندهم سداد أو صمام يسدّ به ثقب المرصاع من الطرف(2/187)
الواحد من بعد أن يكون قد ثقب من الطرف الواحد إلى الطرف الآخر فإذا سقط هذا الفلس عند التدويم أو الدوران يقولون: طار الفلس. ويسمى بعضهم هذا النوع من الناعور (أبو حسّ) بمعنى (ذي الصوت).
وإذا كان الفلس من طرف (الجاك) فيسمونه حينئذٍ (أبو حسين) أي (ذا صوتين) وهو النوع الثاني من الناعور. وإذا كان له فلس من الجانب الواحد وبازائهِ ثقب ثانٍ. وفلس آخر في الجاك فيسمونه حينئذٍ (أبو ثلث حسوس) أي (ذا ثلاثة الأصوات) وهو النوع الثالث منه.
ويرمى الناعور كما يرمى المرصاع بدون فرق يذكر. ويكون الناعور أو المرصاع (يمنوياً أو يسروياً) فالأول هو الذي يتخذه الصبي الأيمن. والثاني هو الذي يلعب به الصبي الأيسر.
وكان العرب الأقدمون يسمون الناعور (خُذْرَة) أو خذروفاً قال في التاج: الخذرة بالضم:. . . الخذروف وتصغيرها خُذَيْرَة. وقال في تعريف الخذروف: كعصفور: شيءٌ يدوره الصبيّ يخيط فيه يديه فيسمع له دويّ. قال امرؤ القيس يصف فرساً:
درير كخذروف الوليد أمرَّه ... تتابع كفيهِ بخيط موصل
وقال عمير بن الجعد بن القهد:
وإذا أرى شخصاً أمامي خلتهُ ... رجلا فملتُ كميلة الخذروف
وقال الليث: الخذروف، عويد أو قصبة مشقوقة يفرض في وسطه، ثم يشد بخيط فإذا أُمدَّ دارَ وَسَمعت له حفيفاً، يلعب به الصبيان، ويسمى(2/188)
(الخرارة) وبه يوصف الفرس لخفة سرعته. قال: والخذروف السريع في جريه. . . وقال غيره: الخذروف: طين يعجن ويعمل شبيهاً بالاكر يلعب به الصبيان. اهـ
قلنا: إذا جاء الخذروف بمعان شتى فمنها بمعنى الناعور وهو الرأي المشهور وبالفرنسوية ومنها: بمعنى الفرَّارة أو الفريرة وسيأتي ذكرها، وهي أو بمعنى التون أو الكجة أو كما يقولون اليوم: الكلة أي ومنها وردت بمعانٍ أخرى تخرجنا عن موضوع بحثنا وليس هنا موضع ذكرها.
ومن مرادفات الخذروف: ليرمع. قال اللغويون: هو الخذروف يلعب به الصبيان. وهو مشتق من رمع الرجل: إذا سار سيراً سريعاً. وقد يأتي الخذروف وجميع مرادفاته بمعنى الدوامة من باب التوسع والأصح الجري على الوضع الأصلي تمييزاً لكل لفظ بمعناهُ عما يقاربهُ حفظاً له.
ومن أنواعه ما يسميه صبية البصرة بالحنبوز أو الحنبوس ألو الحنبوش أو الحنبوص بزاء معجمة في الآخر أو سين أو شين مثلثة أو صاد. وهو نوع من الدوامة لا يدور ألا إذا ضرب ضرباً بسوطٍ أو نحوهِ. وهو الذي يسميه الإفرنج والكلمة الأصلية هو الحنبوش من حنبش الصبي: إذا لعب.(2/189)
أما (الشاخة) عند العراقيين (وهي وزان قامة) فهي عويد مفلطح في جهة ومستدير في جهة أخرى أو مفلطح كله يخرقه من الوسط محور صغير يدور عليه وفي وسط العويد ثقب ويشد بخيط ويمده اثنان الواحد يقبض بيده على الخيط والآخر يُرسل الخيط فإذا دار سمع له حنين. والكلمة عندهم مشتقة من شاخ يشيخ: إذا فعل فعل الدراويس الشيوخ أي دار واخرج صوتاً غريباً في دورانه. وهذا هو الخذروف أو الخرَّارة على الحقيقة عند الأقدمين ويعرف اسمه بالفرنسوية بلفظة
وأما الفرارة أو الفريرة فهو عويد صغير مستدير يجوز به محور صغير يديره الولد بإصبعه وهو الذي يسمى عند الإفرنج أو صبية الموصل نوع من الخذروف اسمه عندهم (الحاج لقلقي) وهو طويل الشكل في رأسه عود طويل وفي آخره عود قصير جداً ينتهي بنبل من حديدٍ. ويمد على الأرض بعد أن يلف الزيك على رأسه الطويل مبتدئاً من عند راس المرصاع وإذا لف كله يدخل رأسه في عويدٍ مسطح مثقوب فيمسك اللاعب العويد بيدهِ والخذروف باليد الأخرى ثم يحل الزيك حلاً سريعاً من ثقب هذا العويد فيدور المرصاع على نفسه. ويمكن أن يدار هذا النوع على أحد رأسيه على السواء بدون
تخصيص رأسٍ دون آخر. ويكون (الحاج لقلقي) في الغالب ناعوراً صامتاً أي دوامة بسيطة.
4 - مصطلحات اللاعبين بالمرصاع
إذا دار المرصاع ولم يصوت قيل له (سكيت أو اخرس)(2/190)
وإذا دار دوراناً سريعاً حتى لا تكاد تميز حركته أو دورانه، قيل: غزل أو سكر وإذا لف الزيك على المرصاع، قيل تزيك المرصاع بتشديد الياء وإذا ضرب الصبي الجنبوص: وإذا ضرب الصبي بمرصاعه مرصاع ملاعبه قيل ضربه (رجل) بالجيم المثلثة الفارسية المكسورة والجل بالفرنسوية وإذا كان الجل خفيفاً قيل: جل زيك وإذا دار المرصاع على نفسه قيل دَّوم (بتشديد الواو) وإذا وقف عن التدويم قيل (مات) وإذا بدأ بالموت قيل (نزع) وإذا اخذ يُدوّم وحملهُ اللاعب على راحة يده قيل (شالهُ) وإذا شالهُ فوجده خفيفاً قيل لهُ (ريشة، أو دهنة) (ويلفظونها: ريشايي أو دهنايي). وإن وجده ثقيلاً قيل (دبلة) (بفتح الأول) وإذا دوَّم وسار على الأرض معاً منتقلاً من مرماهُ إلى ما يجاوره قيل له: (جاروشة) أو جاروشي أو دكدك (بكسر الدالين). وإذا القي على الأرض ولم يدر على النبل بل ولىَّ لا يلوي على شيء. قيل: (راح يشتكي) وإذا دوَّم. قيل: (فنّ وافترّ). وإذا وقف على الجهة المقابلة للنبل. قيل: (قعد أو وقف جاك) ويقولون: خذ لك شنة أو جنة (وزان كنة بجيم مثلثة فارسية) أي ارمهِ ليرى هل يقف جاكاً أم لا. وإذا لمس اللاعب بمرصاعه الدائر مرصاع ملاعبهِ الساكن الحركة المسمى بلغتهم (نائماً) قيل: (يبوز أو قَّوس (بتشديد الواو في الثاني) أو قاس)(2/191)
الظاهر أن الأقدمين من الرومان واليونان لم يعرفوا من المرصاع ألا (الحنبوز) واسمه عند اليونان أي مخروط وأي مخروط صغير أي دائرةٌ بسرعة أو خذروف وعن الرومان أي بقسة أو قطعة خشب من بقسٍ لأن الحنبوز يخرط عندهم من البقس أي المتحرك سريعاً وكان السحرة عند هؤلاء الأقوام يتخذون في سحرهم شيئاً مستديراً يشبه المغزل أو الدوامة أو الخذروف أو الدولاب يكون من نحاس يسمونه (رُنبس) وزان هدهد والظاهر أن العرب عرفوا هذا النوع من اللعب منذ الاعصر القديمة لوروده في شعرهم القديم ولورود مرادفات لهُ عندهم.
وأما مخترعه فلا يعرف على التحقيق. - وقد أتينا على هذه المقالة لأن في هذا الشهر
يكثر العراقيون من اللعب بالمرصاع. فعسى أن يكون هذا اللهو مشفوعاً بالعلم! والسلام.
حنا ميخا الرَّسام
الفصاحة وكتاب العراق
كتب لي أن اطلع على العدد 297 من جريدة الزهور البغدادية، المنتشر عددها هذا في 23 رمضان سنة 1330 فرأَيت في صدره مقالةً لفتى عراقي، كتبها في موضوع (الفصاحة وكتاب العراق) وأنه لمبحث جم الفائدة طرق بابه جمع من أدبائنا، في بلاد مصر والشام وهاهو قد تطاولت إليه أعناق العراقيين فعسى أن تعيه آذان حملة الأقلام منهم، فيتورّعوا في(2/192)
الكتابة، ويتقوا أن يسقطوا فيها، كما سقطوا من قبل. وقد رأيت أنا هذا العاجز أن أخوض عباب البحث، إجابة لكاتب المقالة، وفضلت أن تكون مقالته نفسها محط النظر، لما رأَيت من رغبته في تصحيح سقطات الكاتبين وقد كان يسرني أن يسبق إلى الكتابة في ذلك، كاتب من افصح كتاب العراق. لأن المقام مقام باحث طويل باعه، واسع اطلاعه. وأملي بعد هذا أن لا يستقلّ بهذا العمل، ألا من عرف من نفسه الكفاءَة، وأحرز فيها الاضطلاع، فأقول: إن تراكيب هذه المقالة لا تشبه تراكيب الفصحاء، ولم تكن تعرف من الطراز الأول عند أئمة الإنشاء، بل هي تراكيب جديدة الوضع، أحدثتها النقلة عن اللغات المغربية، ولم يكن الكثير منهم قد احكم معرفة العلوم العربية، وأخص علم اللغة منها، ولا أحرز ملكة الإنشاء الصحيح ولا كتب له أن يستظهر كثيراً من تأليف الكلم الفصيح وجمله وتراكيبه، ولا يزال رجالات من كتاب هذه الأيام المعدودين يسقطون في تلك الأغاليط، على كثرة ما َندَّد بها النقادون. فمن تلك التراكيب الموضوعة في هذه المقالة البعيدة فيما اعلم عن التأليف الفصيح، قوله: (خدمة يسطرها لهما التاريخ بمداد الفخر) وإذا أراد الفصيح هذا المعنى قال: خدمة تذكر فتشكر، أو خدمة مخلدة، أو تبقي أثراً خالداً وما أشبه ذلك. وقوله (فيتتبعون حركات صحافينا ويقفون لكتاباتهم بالمرصاد) والفصيح: فيتحرون كتابة الكتاب ويترصدون مظان خطائهم، أو ويستدلون على معايرهم، وما اشبه هذا. وقوله: (إلا أن يوقف أوقاته الثمينة في سبيل الترصد لهم) والفصيح أن نقول: ألا أن يستفرغ وسعه في تحري عثراتهم،(2/193)
أو يستنفذ جهد استطاعته، أو أن يجتهد، أو ما يشبه ذلك من التأليف الفصيح وقوله (فتنقلب النعمة إلى نقمة، ومن أدبية إلى شخصية) يريد أن يقول. ومن الإخلاص إلى الغرض أو من حسن القصد إلى سوء النية. وقوله: (لو أريد إصلاحها
تقوم عليه قيامة السذج والعامة فترشقه بالحجارة) ما ضره لو قال: لو أريد إصلاحها لعطفت عليه العامة لرجمه بالحجارة وقوله (واخذوا يقدسونه وهو في رمسه ويقيمون من الاحتفالات والتذكارات. .) والفصيح أن يقول عرفوا قدره، واحيوا ذكره، بعد موته. وقوله: (وإذا لم يتح الحظ لهم رجالاً يهدونهم إلى الرشاد فيبقون على حالتهم هذه) صوابه: وإذا لم يهيئ الله لهم رجالاً يهدونهم إلى الرشاد، تمادوا في ضلالهم، أو بقوا على حالهم، أو سدروا في غيهم، أو لجوا في غلوائهم أو ما أشبه ذلك، وقوله: (لما سقطوا هذا السقوط الذي حط من قدر الشعب العراقي) والفصيح أن يقال: لما خمل ذكرهم أو جاههم، أو لما دق خطرهم فحط من قدر الأمة العراقية. وقوله (لينال وظيفة يقيهِ راتبها ألم الجوع) الأفصح أن يقال: ليتوظف فيتبلغ أو فيسد رمقه بما يقطع له. وقوله: (أَخذ ظل العلم في التقلص والإقبال عليه قليل) صوابه: اخذ ظل العلم يتقلص والإقبال عليه يقل. وقوله: (وجعلت كتابنا في هذا الشقاء المحدق بهم) افصح منه وأخصر أشقت الكتاب وخصتهم بالبلاء. وقوله: (يقومون بواجباتهم) فصيحه أن يقال يقومون بما يجب أو بالواجب عليهم أو ينهضونه بتكليفهم أو ما يشبه ذلك. وقوله: (وبالأحرى لما أردت أن نقضي على هذه اللغة الشريفة) لا يقدم الفصيح على أن يقول: (وبالأحرى) وهي من بدع(2/194)
عوام الكتاب في هذا العصر وقوله (ويحصل بواسطتها الطلاب على الوظائف). الفصيح أن يقال: يلتمسون بها الوظائف، أو يتوسلون أو يدلون، أو ما يشبه هذا. وقوله: (لولا ذلك لتفتحت على البلدان العراقية انهار العلم) صوابه: لطفحت، أو لفاضت، أو لانبعثت أو ما يشبه؛ وقوله (خطوا خطوات واسعة في ميادين الرقي) صوابه: حازوا قصب السبق في مضمار الاستعلاء، أو الرقي، أو استولوا على الأمد، أو جروا إلى ابعد الغايات أو مثل هذا. وقوله: (على أن ما أصاب ذلك الرجل الذي انتقد كتاب العراق من السب والشتم لا يزال حياً منح؟ الأحياء) وقوله: (وليس هنا مدارس وكليات للأمم الناهضة التي تودّ رقي الشعوب وتهذيب أخلاق الأمم؟!) أين الفصاحة من هذا التأليف، وأين جمال المعنى، ولطف الأسلوب وقوله: (وعلم العربية في تقلص) صوابه وظل العربية في تقلص.
هذا وأما المفردات فقد سقط في كثير منها، كاستعماله (التدني) وهذا المصدر غير مدوّن ولا معروف والساقط فيه كثير من حملة الأقلام في الأقطار العربية، فانك تجدهم يقولون:
(التأخر والتدني) وهي عبارة صاحب المقالة. وكقوله (المدارس الرسمية) والرسمية من مشتقات(2/195)
الأتراك. فلماذا يقلدهم العرب فيها ولهم الشان في لغتهم. وهنا يلزم أن نقول أن تصرف الأتراك هذا وأمثاله في الألفاظ العربية صحيح عندهم، فلا يجب أن نأخذهم به، وهو مثل تصرف العرب في الألفاظ الغير العربية التي كانوا (ولا يزالون كذلك) يضطرون إلى استعمالها، فيقلبون، ويبدلون، ويزيدون، وينقصون، ويتصرفون فيها تصرف الملاّك فيما يملكون ومثل جمعه موضوعاً على (مواضيع) وهو غير فصيح
أما السقطات النحوية فمنها قوله: (وربّ قائل أن يقول) فإقحام هذا الحرف هنا لا معنى له. ومنها قوله: (لغوية كانت أم نحوية) صوابه أو نحوية وقوله لم ينشرا تلك المقالتين (صوابه تينك المقالتين إلى غير ذلك.
أما الأوهام المعنوية فمثل قوله: وهو يعني الأغلاط اللغوية (شوهت محاسن مقالاتهم وحطت من أفكارهم) اللغة آلة لا غاية وما هي من(2/196)
العلوم النظرية التي يكون مدركها الفكر فمن يصبح ساقطة لغته، لا يلزم أن يكون ساقطاً فكره وهما على هذه البينونة والمسائل اللغوية لا دخل لها في العقل، وفي ضعف العقل، وقوله، ورقيه، وانحطاطه وهؤلاء إخواننا المتعلمون في غير بلادنا، لا يملك كثير منهم أن ينطق بلغته فوق أن يغلط فيها مع أنهم على جانب من العلم والمعرفة وقد ترقت أفكارهم كما يقولون ومثل قوله، وهو يريد الفصحاء من الكتاب واللغويين: (فيتتبعون حركات صحافينا ويقفون لهم بالمرصاد) وقد نعلم نحن أن تتبع حركات الناس ليس من شان الفصحاء ولا هو وظيفة علماء النقد بل وظيفة رجال الضبط والشرطة وموظفي السلطان)
هذا وقد جاء في آخر مقالته وهو يستنهض علماء اللغة وحماتها القيمين عليها قوله: (ويجبرون الجاهلين منا بأسرار اللغة وغير الملمين بها على أن يتركوا طاولة التحرير) أنا لا اعرف بصيراً في لغة الفصحاء يركن إلى هذا التأليف الضعيف المغلوط فعسى أن ينصف الكاتب نفسه فيترك (طاولة) التحرير كما قال فأن في الآثار النافعة قولهم: رحم الله امرءاً عرف قدره ولم يتعد طوره. فإذا فعل ذلك دلنا على كرم أخلاق وسعة صدر وحبّ للحق ورضاً في النقد ثم له بعد ذلك أن يحرز ملكة الإنشاء(2/197)
الصحيح فيتربع في دست الكتابة ونفاخر به إذا شاء كتاب العصر وأنا له لمن الشاكرين.
النجف:
ابن الأعرابي
أسماء ما في السفينة
1: (الاشخاصة): شظية، تطير من السفينة. ويقولون (طارت أشخاصة): أي لوحة أو شظية.
2: (البندار): وزان غربال تحت الرقمة. وهو مخبأ يخبأ فيه الصفر والآنية والسلاح؛ وما أشبه.
3: (البيدار). بفتح الباء فتحاً غير بين، هو خشبة مسمورة على طول سوار جست الخير (أي المؤخر) مثقوبة ثقباً كبيراً من الوسط يدخل فيه حبل المجذب.
4: (التريك). بكسر التاء والراء المشددة المهملة وإسكان الياء. وفي الآخر كاف. وزان سكيت. لوحة السفينة التي تكون تحت (الدرميت) والتريك تكون للمهيلة والبلم وما أشبه.
5: (الجست). بفتح الجيم وكسر السين. ويجمع عندهم على (جسوت). ثلاث عوارض تفصل ربعات السفينة. يوضع طرفاها على جنبي السفينة من الأعلى.
6: (جسد السفينة). هو مجموع ألواح السفينة المسمورة بالعطوف.
7: (الجلنقة). بكسر الجيم واللام وإسكان النون والقاف بعدها هاء. خشبة مقوسة تجمع العطوف وتضبطها في مقدم السفينة ومؤخرها: وذلك(2/198)
في المهيلة والبلم.
8: (الجمة). بفتح الجيم وتشديد الميم. وزان كنة. هي النقرة في السفينة تكون عند الدقل مما يلي المؤخر؛ وتقوم مقام البلوغة في الدور وذلك إذا رشحت السفينة ماءً فيجمعه الملاحون فيها ثم بعد فراغهم من الأشغال الضرورية ينزحونها. واكثر ما تكون الجمة في المهيلة والبلم. وهي عربية فصيحة. قال في المخصص. (. . . جمة المركب الموضع الذي يجتمع فيه الماء الراشح.) اهـ
9: (الدرميت). بضم الدال وإسكان الزاء وفتح الميم وإسكان الياء المثناة التحتية بعدها تاء طويلة. لوحة يبلغ عرضها 40 سنتيمتراً. ممدودة على طول جنبي المهيلة والبلم وما
شاكلهما مما يلي داخل الحاشية وتكون في اسفل (الزبدرة).
10: (الدواية). وزان حكاية نقرة في (الفلس) يدخل فيها رأس الدقل الأسفل.
11: (ربعة الصدر، وربعة الوسط، وربعة الخير). والخير بكسر الخاء وهو المؤخر. والربعة فسحة تكون في المواضع المذكورة من السفينة وتكون فواصلها من أعلى (الجسوت).
12: (الرقمة): وزان نملة سطح السفينة مما يلي المؤخر والصدر.
13: (الرمامين). بكسر الراء والميم الثانية. أخشاب في صدر السفينة ومؤخرتها كالأوتاد. أصل وضعها كالرمانات تشد بها الحبال واحدتها رمانة.(2/199)
14: (الزبدرة). بكسر الزاء المعجمة وفتح الباء وسكون الدال وفتح الراء بعدها هاء: حاشية المهيلة والبلم والطرادة والكعد والقروفي.
15: (الزغبة): وزان غرفة خشبة مسمورة بخشبة سوار الشيال من الوسط من فوق وهي بشكل المخدة ممالة (مسرحة) من طرفيها يبلغ طولها نحو 80 سنتيمتراً وارتفاعها من الوسط زهاء 40 سنتيمتراً.
16: (السيبات): بكسر فسكون. رمانتان تكونان عند العرشة في الجنب واللفظة مجموعة يراد بها المثنى وقد توجد السيبات وإن لم يكن في السفينة عرشة تسمى رمامين.
17: (سوار البطال): بتشديد الطاء. هو أحد الجسوت الذي يكون وراء سوار الشيال مما يلي المؤخر وقد اشتق اسمه من البطالة، لقلة الاحتياج إليه.
18: (سوار الشيال). هو العارضة التي يشد بها الدقل. وهو أحد الجسوت أيضاً.
19: (السيور). وزان قشور. أخشاب ممدودات على طول جنبي السفينة من باطنها وهي مخصوصات بالسفينة المطلية بالقير.
20: (الشيلمان). بفتح الشين المعجمة فتحاً ممالاً فيه أخشاب كالحنايا في جنبي السفينة اسفل الدرميت. توضع بين الفرمات وقد تقصر عن العطوف. والشيلمان يكون في المهيلة والبلم وما أشبه.
21: (الصنيديق). بالتصغير، خشبة ممالة (مسرحة). موصولة بالكلب فهي بين الكلب والقبيت.(2/200)
22: (الطابق). خشبة ممدودة على طول المهيلة من الوسط وأول ما يسمر بها خشب الفرمات ثم العطوف. والطابق في السفينة لوح ساحتها المسمور بالعطوف وليس للبلم طابق.
23: (العبد). خشبة يربط بها الدقل من الأسفل، وهي في جنب السوار مما يلي صدر السفينة.
24: (العران). خشبة تمسك الدقل عند العبد ومحله بجنب الدقل مما يلي المؤخر.
25: (العرشة). وزان نملة وتجمع عندهم على (عرشات وعراش) واللفظة مشتقة من العريش قال في مجمع البحرين: (. . . العريش خيمة من خشب وثمام والجمع عرش) اهـ وهي تقوم مقام (القمارة) في المركب البخاري وقد تقدم وصفها عند وصف المهيلة والبلم.
26: (العطوف). وزان صفوف: الأخشاب الممدودة في ساحة المهيلة أو البلم من باطنها واحدها عطف.
27: (العقرب). خشبة ممدودة في صدر السفينة في باطن وسطها تقابل خشبة الميل.
28: (العنق) هو الطرف الأعلى من صدر كل سفينة ما خلا المهيلة والبلم.
29: (الغراب). مخبأٌ في السفينة، عند (الكامرة) من الأسفل شبيه بالصندوق يحفظ فيه الملاح عروضه.
30: (الفرمة). وزان غرفة: وتجمع عندهم على (فرمات) نوع من خشب العطوف تمتد إلى طرف الجنب الأعلى وأول ما تبنى السفينة(2/201)
تبنى عليها. والفرمات خصيصات بالمهيلة والبلم وفي كل منهما خمس أو سبع فرمات ومحل الفرمة من المهيلة والبلم تحت الجست والسوار.
31: (الفلس). بالتحريك الممال فيه إلى الكسر. خشبة توضع تحت طرف الدقل من الأسفل.
32: (فنة الصدر، وفنة الخير) وزان كنة والخير هو المؤخر مرادف الزقمة.
33: (القبيت). بضم القاف وتشديد الباء المفتوحة فتحاً ممالاً فيه وفي الآخر تاء طويلة: هو الطرف الأعلى من المهيلة والبلم وما أشبههما.
34: (القوائم). أربع خشبات كالرمانات تكون في جنبي العرشة وكل من الرمانتين الأوليين
تسمى (قائم العود). والعود بفتح العين فتحاً غير بينٍ.
35: (القون). بضم القاف وسكون الواو. أخشاب تكون في السفينة المطلية بالقير مثل الشيلمان في المهيلة والبلم.
36: (القيطان). وزان عيدان. حاشية الكنتة السفلى، أي مما يلي الماء أو خشبة ملصوقة بها مثل الخيط.
37: (الكافوت). وزان كابوس. والبعض يسميها المواليك خشبة ضخمة تكون في صدر السفينة، مما يلي الماء عند طرف الميل الأسفل، تحفظ السفينة من الخلل إذا صدمها شيء. والكافوت تكون في المهيلة والبلم والطرادة الكبيرة فقط.
38: (الكامرة) بإسكان الميم شيء كالمخدع يكون في صدر البلم ومؤخره. يفتح بابها من وجهها الأعلى، الذي تجاه السماء. يخبأُ فيها الطعام، والثياب(2/202)
وما أشبه. والكلمة إيطالية الأصل.
39: (الكاورة). بإسكان الواو وفتح الراء أخشاب مقوسة مسمورة بطرفي سوار الدقل مما يلي جنب السفينة.
40: (الكاوية) مسمار يسمر الزغبة بالسوار يبلغ طوله 60 سنتيمتراً.
41: (الكاويات). واحدتها كاوية مسامير طول الواحد منها نحو 60 سنتيمتراً تسمر بها أخشاب الميل وجسد المهيلة وما أشبه من الأخشاب الضخمة في السفينة.
42: (الكلب) هو خشبة يبلغ طولها 80 سنتيمتراً وغلظها 15 سنتيمتراً. تعترض صدر السفينة الأعلى. ويمتد طرفاها خارجين عن جنبي السفينة قراب 20 سنتيمتراً وفائدته أن يشد به حبل الرباط وحبل الانجر وحبل الجوش.
43: (الكنتة) لوحة ممدودة على طول جنبي السفينة مما يلي الحاشية اسفل (الزبدرة) من الخارج أي تجاه الماء يبلغ عرضها زهاء 40 سنتيمتراً.
44: (الكوابش). بضم ففتح. واحدها (كابش) وهي الفراغ الموجود بين العطفين في باطن السفينة من وسطها.
45: (الكوثل) مؤخر السفينة؛ وهو عربي فصيح قال الإسكافي (الكوثل ذنبها) يعني السفينة والكوثل من السفينة هو على الأصح موطن قريب من مؤخرها تلقى فيه الأحمال والأثقال
وهو معرب من اليونانية من(2/203)
46: (المروخ). وزان مبرد خشبة تكون في كل من طرفي سوار الشيال (أي الدقل) على طول جنبيه يفصل بينهما الشيال لتسنده إحداهما إذا مال إلى جانب من السفينة.
47: (المسحة) خشبة الطابق في المهيلة والبلم وما اشبه، وقد ذكرت.
48: (المشايات). بتشديد الشين أربع خشبات تكون في الجمة - يبنى عليها خشب الجمة - اثنتان منها تكونان ممدودتين من سوار الشيال إلى سوار البطال من فوق والخشبتان الأخريان تكونان ممدودتين من تحت على خشب العطوف.
49: (الميل) بكسر الميم وسكون الياء وفي الآخر لام خشبة مربعة النحت باستطالة يبلغ عرضها قراب 20 سنتيمتراً وعلوها نحو 15 سنتيمتراً ممدودة من طرف صدر السفينة الأعلى إلى الطابق مما يلي الماء. وكذلك من طرف مؤخر السفينة. والميل في المهيلة والبلم والطرادة والكعد والقروفي فقط.
50: (الهديف) بكسر الهاء كسراً غير بين وفتح الدال فتحاً ممالاً فيه وإسكان الباء وفي الآخر فاء. بالتصغير شيء يكون عند طرف مؤخر السفينة الأعلى مثل الصنيديق في الصدر. ومنه قول شاعرهم (هتلوش الخزعلي) أي الخزاعي:(2/204)
(امحمله لهديفها عانيتي) يريد بذلك أنها مشحونة إلى أقصى طرفيها.
51: (الهمص). بضم الهاء والميم وفي الآخر صاد: خشبة تجمع العطوف عند المؤخر والمقدم في القياريات
كاظم الدجيلي
نقد الجزء الثاني من
كتاب تاريخ آداب اللغة العربية
لجرجي أفندي زيدان صاحب الهلال
2 - أغلاطه النحوية اللغوية وأصول العربية
قد بينا فيما سبق (447: 1 - 448) أن إنشاء صاحب الهلال سلس سهل يتدفق تدفقاً من معينه لا تكلف فيه ولا تعقيد ألا أنه يرد فيه بعض الألفاظ التي هي اجدر بالعامة منها بالخاصة. ومما جاء في هذا الجزء قوله في ص 15، 18، 19، 29، 37، 78، 94 الخ ناهيك!. . . وقد نبهنا على هذا الغلط 451: 1. وقوله في نحو آخر تلك الصفحة وأحوالهم العائلية. ولو قال البيتية لأجاد وافصح.
وقال في ص 22 ولكنهم جاءوا والعلوم قد تحلبت. . . لليونان. ولا معنى لتحلبت هنا. ولو قال استجمت لكانت أوفى بالمقصود.
وقال في ص 30 وتخرج منها (أي من مدرسة قنسرين) جماعة كبيرة من السريان. والأصح أن يقال خرج منها أو تخرج فيها.
وفي ص 37 وجعلوا لبعضهم رواتب وجواري والأوفق أن يقال: وجرايات. وإن كان لقوله الجواري وجه في اللغة ولاشتقاق.
وفي ص 41 تخفف بالغلائل والملايات. (كذا) ولا معنى للتخفف(2/205)
هنا. لأن التخفف عندهم لبس الخف لا غير. ولا جرم أنه يريد أن يقول هنا لبس الخفيف من الثياب أو الشف منها. وتخفف لم ترد عندهم بهذا المعنى. وقال في تلك الصفحة: (واستبدل المضارب وفرشها الرمال، بقاعات فرشها البسط والسجاد.) وقد اكثر الكتاب من استعمال القاعة بمعنى الردهة والبهو وهي من المولد لا من الفصيح. ولا بأس من استعمالها. ألا أن جماعة من المتفصحين أنكروها ونسبوها إلى العامة. فهم غير محقين وقد وردت في كلام الشريف محمد بن اسعد الحراني المعروف بالنحوي قال: كان في داره (أي في دار ابن خنزابة التي تقابل دار السكاكي قاعة لطيفة مرخمة فيها أنواع الحشرات والهوام). اهـ
وفي ص 46: وكنت في حياتك لي عظات. والأصح: وكانت. -
وفي ص 54 في تجواله الأرض والأصح في تجواله في الأرض. وإن كان يجوز الأول على تأويل. - وفي ص 55 تأثير الشعر في الهيئة الاجتماعية بمعنى المجتمع البشري أو الإنساني أو الألفة. كما انهم يستعملون الهيئة بمعنى اللجنة أو الجماعة أو الجمعية وكل ذلك من المولد الحديث والوضع ومن تصرف الأتراك في الألفاظ وتراكيبها كما أنهم يقولون (المختارية) بمعنى (الاستقلال الشخصي أو الإداري) وذلك أنهم يذهبون إلى أن الاختيار هو من أوصاف الإنسان الحرّ في عمله. فيكون المختار ذلك الرجل الذي يتصرف بأعماله الشخصية بمجرد اختياره. ومنه معنى الاستقلال الشخصي أو الإداري. ويقولون (التداركات العسكرية) مثلاً وهم يريدون بها التجهيزات العسكرية أو التعبئة وكل(2/206)
ذلك من أوضاعهم وتصرفهم في لغتنا على غير هدى. - ولا نعلم كيف اخرجوا معنى لفظة الهيئة إلى المجتمع أو الجماعة أو اللجنة ألا أن يكون من باب التوسع الرحب بالألفاظ وذلك أن الناس إذا اجتمعوا فلابد لهم من هيئة يكونون عليها فالهيئة ملازمة للاجتماع كما لا يكون الاجتماع ألا ولهُ هيئة وعلى كلٍ فهو لم يسمع عن عربي فصيح قديم بل عن العرب المولدين فقط وقوم من الأتراك أو خالطوا الأتراك ونحن في غنىً عن تصرفهم في لغتنا ولا سيما عند وجود ألفاظ بمعناها سابقة لوضعهم هذا الركيك والضعيف الإشارة إلى اصله العائد إليه وفي تلك الصفحة: وكتبوهُ (أي الشعر) في صدور مجالسهم وعلى القباب والمستنظرات والأبواب ولم ترد المستنظرات بمعنى المنظرات أو المناظر.
وفي ص 56: وآخرون انحازوا للشيعة العلوية والأصح انحازوا إلى الشيعة العلوية.
وفي ص 61 وقد تقدم أنه هو وبشار وأبا العتاهية والأصح وأبو العتاهية
وفي ص 94 وعدة عائلات والأفصح عدة بيوت أو أسر أو عشائر.
وفي ص 166: أنه (أي الأدب) كان في العصر الماضي قاصراً على النقل وهذا من تعبير العوام. والأفصح مقصوراً على النقل وقد تكررت اللفظة في كتابه ومؤلفاته مراراً عديدة. - وفي ص 175: وله كتب أخرى هامة وهو يريد مهمة. وكثيراً ما يستعمل تلك اللفظة وهو يريد بها هذه. ولا وجه لها في العربية ألا من باب التخرج الحرج. وقد تكررت في كتابه هذا ومؤلفاته مراراً لا تحصى.(2/207)
وفي ص 209: (وأصحابها ثقة) والأفصح ثقات. وإن كان لقوله وجه صحيح باعتبار تنزيل الجميع في المنزلة الواحدة من الثقة وفي ص
213 كان كثير التضلع في العلوم. والأصح من العلوم. وفي تلك الصفحة: وكلاهما موجودان. والأفصح موجود. وفي ص 221: غضب على بختيشوع الطبيب وقبض ماله ونفاه إلى البحرين. والأفصح أن يقال هنا وقبض على ماله.
وفي ص 242: لم يقتصر التصدي للنقد على الأدباء أو الشعراء. والأصح لم يقتصر التصدي لنقد الأدباء أو الشعراء. وفي ص 245 عريق بالعروبة والأصح في العروبة وفي ص 246 في بادية سماوة. والأصح في بادية السماوة بال التعريف والتعريف لا ينقطع عنها ألا على لغة الترك فأنهم يقولون موصل، حلة، بصرة، في الموصل والحلة والبصرة.
وفي ص 247: وحلوا شعرها إلى نثر والأصح حلوا شعرها نثراً. -
وفي ص 249: هو أبو فراس الحرث بن أبي العلاء. . . فهو شاعر أمير. والأصح حذف (فهو). - وفي ص 253: وفي ألفاظه قعقعة وانين. والأفصح قعقعة وجعجعة أو قعقعة وطنين لأن الأنين لا يوافق القعقعة.
وفي ص 266 عرَّب كلمة كلاسيك بالطريقة المدرسية والعرب يقولون: الطريقة الفصحى. وفي ص 275: وينظر في الأربعة والخمسة الأوراق والأصح في الأربع والخمس الأوراق لأنها جمع ورقة وورقة مؤنثة. - وفي ص 279 وأَأْباهم للضيم والأصح وآباهم للضيم - وفي ص 291: (يظهر أن العرب قلما اهتموا لهذا الفن والأصح اهتموا بهذا الفن لأنه يقال: اهتم له بأمره. لا اهتم به لأمره.(2/208)
العدد 18
السويديون
السويديون أسرة شريفة كريمة عريقة الفضل والنسب والعلم والأدب نبغ منها رجال مبرزون في فنون المعارف والآداب العربية في عصور مختلفة وقد صنفوا التصانيف المفيدة والتآليف العديدة فأفادوا من جاء بعدهم ببعضها إن لم يكن بجميعها كما استفادوا هم من الذين قبلهم.
السويديون عباسيو النسب شافعيو المذهب بغداديو المنشأ والتربية والآداب والتحصيل أولاً وأخراً.
نشأ أباء السويديين الأولون في بغداد على ما ذكروه في نسبهم وهم الخلفاء مثل محمد الأمين وهارون الرشيد ومحمد المهدي وعبد الله المنصور ثم لما انتقلت الخلافة إلى سامراء بانتقال المعتصم إليها وبنى المتوكل فيها قصوره في الجعفري أو الجعفرية فانتقل إليها قطن أباء السويديين منذ ذلك الحين الدور التي هي قرب الجعفريّ أو الجعفرية وما زالوا فيها حتى أواخر القرن العاشر من الهجرة وأول رجل منهم وصلنا خبره في بغداد هو(2/217)
ناصر الدين الجد الثالث للشيخ عبد الله السويدي ولم تزل أسرة السويديين تقطن الكرخ الجانب الغربي من بغداد حتى يومنا هذا. أما الاسم الذي نبه به ذكر السويديين فهو عبد الله بن حسين بن مرعي بن الشيخ ناصر الدين وأن كان قد نبغ بعد عبد الله من هو اعلم منه بكثير مثل الشيخ علي ومثل الشيخ عبد الرحمن. - وسنأتي على ترجمتها في هذه العجالة إن شاء الله تعالى. - ولكن الفضل للمتقدم.(2/218)
هذا وبعد تمهيد هذه المقدمة نأتي على ذكر تراجم عشرة رجال منهم أولهم الشيخ عبد الله وأخرهم الشيخ سليمان على حسب ترتيب الأباء والأبناء لا على حسب ترتيب حروف الهجاء. فنقول:
1 - الشيخ عبد الله السويدي
1: (نسبه): هو أبو البركات عبد الله بن حسين بن مرعي بن ناصر الدين بن الحسين بن علي بن احمد بن محمد المدلل بن الحسين بن علي بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي بكر بن الفضل بن احمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن احمد بن اسحق بن جعفر بن
احمد بن الموفق طلحة بن جعفر بن محمد بن الرشيد بن محمد بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي
2 - : (مولده ومنشأه وتربيته): ولد الشيخ عبد الله في الكرخ الجانب الغربي من بغداد وذلك سنة 1104هـ - 1692م وما بلغ من العمر ست سنوات إلا ودهمت والده المنية فكفله عمه لامه (خاله) الشيخ احمد بن سويد فنسب إليه منذ ذاك الحين ومنذ ذاك العهد اخذ بتهذيبه(2/219)
فاقرأه القران وعلمه صنعة الكتابة وشيئاً من الفقه والنحو والصرف وبعده أجازه بما يجوز له.
3 - : (اشتغاله وتحصيله وأساتذته): وبعد أن درس في بغداد على الشيخ حسين بن نوح المعمر الحنفي البغدادي وعلى الشيخ سلطان بن ناصر الجبوري الشافعي الخابوري ارتحل في طلب العلم إلى الموصل فدرس فيها علي ياسين أفندي الحنفي وفتح الله أفندي الحنفي ثم كر راجعاً إلى بغداد وقد أتم المادة في العلوم العقلية والنقلية وعند وروده بغداد قرأَ فيها شيئاً كثيراً من الفقه والأصول على الشيخ محمد الرحبي مفتي الشافعية ببغداد ثم تصدر للتدريس والإفادة في داره وفي جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني وفي المدرسة المرجانية وفي يوم الأحد 21 من شهر شوال سنة 1156هـ - 1743م طلب لمعسكر نادر شاه في النجف للمناظرة مع علماء إيران والتحكيم في الخلاف الذي بينهم وقد كانوا من ثلاث بلاد مختلفة: من إيران وأفغانستان وما وراء النهر. وفي سنة 1175هـ - 1761م حج بيت الله الحرام متخذاً طريق الموصل فحلب(2/220)
فدمشق وقد اخذ فيها عن عدة مشايخ ودرس في طريقه دروساً عامة وخاصة وقد اخذ عنه فيها خلق كثير منهم الشيخ محمد العقاد الشافعي ودرس أيضاً في المدينة المنوَّرة في الروضة المطهرة أطراف الكتب الستة وحضره الأَئمة والأفاضل.
4 - (مؤلفاته): وبعد رجوعه من الحج عكف على تأْليف المؤلفات النافعة فألف من الكتب كتاب الجمانات في الاستعارة وكتاب الأمثال السائرة وقد طبع في مصر 1324هـ وكتاب النفحة المسكية في الرحلة المكية جمع فيه من الأخبار والمحاورات وما أشبه من أنواع الأدب شيئاً كثيراً وذكر فيها قصة نادر شاه وما جرى من الأبحاث له مع علماء إيران وقد طبعت تلك المحاورة على حدة باسم الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية في مصر سنة
1324هـ ولها ترجمة تركية أوسع منها نطاقاً طبعت أيضاً في مصر سنة 1326هـ وله من الشروح والحواشي كتاب رشف الضرب شرح لامية العرب وكتاب أتحاف الحبيب حاشية على مغني اللبيب جعلها محاكمة بين شراح المغنى والدماميني والشمني وابن الملا والماتن وله كتاب انفع الوسائل شرح الدلائل (أي دلائل الخيرات) وديوان شعر.
5 - (نظمه ونثره): قل من العلماء من يبرع في العلم والشعر فيكون عالماً فاضلاً وشاعراً ماهراً معاً وشيخنا المترجم قد حاز قصب السبق في كليهما فقد بلغ في الأدب شأُواً بعيداً ونال فيه منزلةً ترفعه بين الأدباء وله نظم يزري بالمنظوم ونثر يهزأُ بالمنثور ومن نظمه قوله وقد ضمنها مقامته الأمثال السائرة:(2/221)
تهيأ لأشجان بقلبك حلت ... وعقد وكاء العين للدمع حلت
ستبكي إذا بِناَّ وتنشد كلما ... تذكرتنا في كل يوم وليلة
(وما كنت ادري قبل عزة ما البكا ... ولا موجعات القلب حتى تولت)
وله من الشعر المزدوج وقد ضمنها مقامته أيضاً:
إلى مَ تطلب الجد ... وتبغي الحظ والجد
وتعني الكبر والجد ... بذكر الأب والجد
تجنب جانب الزهو ... وخل عنك ذا السهو
إلى مَ أنت في لهو ... ولا كسب ولا كد
إلى كم أنت تعتل ... وكل الشر تفعل
فعن ذا الفعل تُسأَل ... فما الجواب والرد
تجنب قول من ذم ... وإن خص وإن عم
ولا تصغ لمن نم ... ولو جاَءك بالحمد
إذا حل بك الموت ... أَجبت داعي الفوت
ولا حس ولا صوت ... وهذا آخر العهد
هناك تخشى الأهوال ... وليس تجدي الآمال
ولا أهل ولا مال ... ولا عرض ولا نقد
وقال وقد أهداه أحد أصحابه في يوم واحد ثلاث هدايا وكان لصاحبه(2/222)
المذكور غلام اسمه
عطية فورى به:
يا فاضلاً لا يجارى ... في البحث بين البريه
وسيداً ذا أيادٍ ... بالشكر مني حريه
غمرتني بالعطايا ... وكان حسبي عطيه
ولهُ في الغزل والنسيب شعر يدخل الأذن بغير أذن لو كناه لعدم مناسبة موضوعه للمجلة وأما نثره فحسبه مقامته الأمثال السائرة ومن طالعها عرف علو كعبه في النثر.
6 - (افول شمسه): وفي ضحوة يوم السبت حادي عشر شهر شوال سنة 1174هـ - 1760م انتقل من الدار الفانية إلى الدار الباقية ودفن في جوار معروف الكرخي وقد عمر في الدنيا سبعين سنةً وأعقب من الأولاد أربعة وهم عبد الرحمن ومحمد سعيد وإبراهيم واحمد وكلهم برعوا في فنون العلم والأدب.
كاظم الدجيلي
الطباعة
1 - فوائد الطباعة
للطباعة فوائد جليلة، ومنافع عديدة، إذ بها انتشرت العلوم الحديثة، وصار أفقر العباد في هذا القرن يقتني من الكتب والأسفار ما ليس في إمكان أغنى الأغنياء في القرن الثالث عشر والذي قبله أن يقتني عشر معشاره لقلة الكتب وندرة وجودها وغلاء أثمانها في هاتيك القرون الغابرة وكثرتها بواسطة الطباعة في هذا القرن فكم من كتاب جليل كثير النفع عظيم(2/223)
الفائدة كان في ما سلف في زوايا النسيان قد انتشر اليوم بفضل الطباعة وتناولته الأيدي واستنارت الأمم بنبراسهِ، وكم من كتب موسوعات العلوم كانت في ما سبق باهضة الأثمان، لا يتمكن اقتناؤها إلا المثرون والملوك، فكان الفقير يتحسر على رؤيتها ويذوب شوقاً إليها فلا يمكنه شراؤها لقلة ما في يده، وكم من أرباب الذكاء والدهاء لو كان في أزمانهم من الوسائل التي تنشر أفكارهم وتبث آراءَهم بين الأمم والشعوب لخدموا المجتمع البشري خدمة ظهرت فوائدها، واقتطفت ثمراتها، وكم من علماء أعلام وأساتذة فخام، وباحثين وأطباء وبلغاء وفصحاء وملوك فاتحين، اندرست آثارهم، وغابت عنا أخبارهم بضياع دفاترهم ودواوين أخبارهم، لخلو الطباعة في هاتيك الأزمنة الغابرة لتنشرها بين الأقوام وبقي مجتمعنا اليوم محروماً من الوقوف على سيرهم وأديانهم ومدنيتهم إلا شيئاً طفيفاً استخرجه الباحثون من بين القبور في بلاد الفراعنة، وفي كهوف الجبال في فنيقية وفارس، ومن بين الخرائب في بابل ونينوى، فما هذه المدنية التي فضلت فيها قرننا الحاضر القرون الغابرة، وما هذه الكتب المفيدة والأسفار الكبيرة، التي حوت كل فكر سامٍ وعلم جليل، ورأي ثاقب إلا ثمرة من ثمرات المطابع وما سر هذه الحياة وعلة هذه المدنية التي أبهرت العقول، بل ما هذه النهضات الأدبية، والاجتماعية، والاخلاقية، والسياسية التي نراها كل يوم بين الشعوب إلا وهي نتيجة ذلك المخترع العظيم لذاك الاختراع الجليل.
2 - اختراع فن الطباعة
المشهور أن أول من اخترع فن الطباعة، وأذاعه بين الأمم والشعوب(2/224)
هو رجل اسمه
غوتنبرغ وكان ذلك في أواسط القرن الخامس عشر حينما كانت الأفكار ناضجة في أوروبا أي أنه اخترعها سنة 1441م وأذاعها سنة 1454م بيد أن هذا المخترع العظيم لم يكن يكتفي بظواهر هذا الاختراع ويقنع بما ناله من شعبه من التبجيل والإكرام بل اخذ على نفسه طبع الكتب النفيسة والأسفار العتيقة لينشرها في العالم الأوربي. فكان أول كتاب طبعه التوراة الكريمة سنة 1456م وكتاب الزبور باللاتينية سنة 1457م. ولما ظهرت فوائد الطباعة للعيان أخذت الشعوب الناهضة باقتناء الكتب والآثار الدينية لرخص أثمانها وكانت إنكلترة هي السابقة إلى نشر الطباعة والكتب في بلادها. ففي السنة التي فيها طبع غوتنبرغ كتاب الزبور دخل فن الطباعة إنكلترة على يد أحد التجار وأول مطبعة أنشئت في إنكلترة كانت في وستمنستر سنة 1474م وقد كان فن الطباعة في بادئ أمره ناقصاً محتاجاً إلى إصلاح فارتقى رويداً رويداً عملاً بسنة النشوء والارتقاء حتى إذا جاء القرن الثامن عشر اخترع الأستاذ الوئيس سنفلدير الألماني الطبع على الحجر بصورة سهلة فتوسعت بذلك الطباعة وصارت تتناول الكتب الفلسفية والجرائد والمجلات وكتب موسوعات العلوم بعد أن كانت مقصورة على طبع الكتب الدينية والردود والمنشورات التي كانت قائمة بين لوثير مؤسس البروتستانية وأشياعه والبابا رئيس الديانة الكاثوليكية واتباعه، وهكذا انتشرت الطباعة بين الشعوب والأقوام السريعة الخطوات نحو المدنية.(2/225)
فاستنارت الأمم بحضارتي الرومان واليونان ووقف العالم الغربي على سرائرهما ودخائلهما بعد أن كان لعب بكتبهما الزمان وغادرها مطروحة في زوايا الإهمال حتى اخذ كل فرد يقتنيها من غير تكلف وعناء.
3 - الطباعة في بابل وأشور
وهنا لا بأس من أن نزيف أقوال البعض الذين أنكروا على غوتنبرغ اختراع فن الطبع وزعموا أنه يرتقي إلى عهد البابليين والآشوريين حينما كانوا يطبعون أدعيتهم للآلهة على ألواح صغيرة من الصلصال مستدلين على ذلك بما عثر عليه النقابون في خرائب بابل من ديار العراق وفي أشور قرب نينوى من تلك الألواح التي تؤيد مزاعمهم بيد أن ذلك مردود بأن مثل هذا لا يصدق عليه فن الطبع ولو صدق عليه لجاز لنا أن ننسب فن الطبع إلى الأمم التي كانت قبل أمة الآشوريين والبابليين كالأكديين والسومريين والعيلاميين الذين
وجد الباحثون من آثارهم شيئاً كثيراً كالرقم المسمارية والآجر المكتوب عليها أخبارهم وسير ملوكهم وأحوالهم وحروبهم مع أننا لم ننسب ذلك إليهم ولم نسمع أحداً قال بذلك إذ أن فن الطبع غير الكتابة على الأحجار والألواح.
أما وقد رأَيت بطلان هذا الرأي فلا بأس من أن نزيف أيضاً أقوال الناسبين اختراع فن الطباعة إلى رجل يدعى فست وذلك سنة 1441م أو إلى آخر يدعى كستر وأنه اخترعها سنة 1423م أي قبل فست بثماني عشرة سنة قلنا أن هذا الرأي مردود أيضاً لأنه أن كان هؤلاء الرجال في عصر واحدٍ فما الذي أقعدهم عن أن يكذبوا غوتنبرغ ويدعوا الاختراع لأنفسهم ولو فرضنا أن المخترعين لهذا الفن قد توفيا قبل(2/226)
ادعاء غوتنبرغ ذلك له ولم يكن وقتئذ أحد عالماً بذلك فمن الذي أوصل إلينا خبر نسبة اختراع فن الطباعة إلى هذين الرجلين ولو سلمنا جدلاً أن المطلعين على الحقيقة أبوا أن يذيعوها إذ أنه مما يلطخ صفحة تاريخ غوتنبرغ بلطخة سوداء وهو مما كانوا يتحاشونه خوفاً على شرف الرجل فهل نسلم بأن أولئك الرواة الذين غضوا نظرهم عن منكر ليس كسائر المنكرات وجريمة باهظة لا يمكن الطعن بهم وبروايتهم أو لا تخلو أقوالهم من دسيسة وافتراء. كلا ثم كلا: إذاً أن مخترع فن الطباعة هو غوتنبرغ صاحب الراية البيضاء على العالم فلا يجب حينئذٍ أن نبخس حقه أو ننكر عليه سعيه بل يجب أن لا نذكر اسمه إلا ومقروناً بالتجلة والاحترام فجزاه الله عن العلم خيراً.
4 - الطباعة في البلاد العثمانية
القسطنطينية اسبق البلاد العثمانية إلى صناعة الطبع النفيسة وكان سلاطين آل عثمان في بادئ الأمر لا ينظرون إلى الطباعة بعين الاهتمام والرضى لأنهم كانوا يخشون أن تتشوه محاسن الكتب الدينية أو يعتريها بعض التحريف بواسطة الطبع حتى أن السلطان بيازيد خان الثاني نشر منشوراً عالياً سنة 1485م حظر فيه على رعاياه اتخاذ المطبوعات ولما جلس السلطان الغازي سليم خان الأول على سرير الملك أيد منشور أبيه بأمر عال أصدره سنة 1515م على أن ذلك لم يكن يحول دون انتشار الطباعة في البلاد العثمانية إلا موقتاً(2/227)
وأول من سعى بإنشاء مطبعة في الأستانة رجل يهودي عالم كان من أرباب الثروة والجاه متقرباً من رجال الإدارة في العاصمة يدعى اسحق جرسون وكان قصده من ذلك أن ينشر
بين أهل ملته الكتب المطبوعة ويغنيهم عن المؤلفات التي لا يحصل عليها إلا بالمشقات لقلة وجودها وندرتها ويرتقي عهد هذه المطبعة إلى القرن الخامس عشر وكانت تطبع الكتب العربية بحروف عبرانية وهي على ما يرويه لنا التاريخ أول مطبعة شرقية أدت للآداب العبرية خدمة جليلة مدة ثلاثة قرون.
أما الطباعة بالحروف العربية فقد دخلت الأستانة لأول مرة على يد محمد جلبي المعروف بيكرمي سكز وابنه سعيد أفندي في عهد السلطان الغازي سليم خان الثالث، وكانا من ذوي المدارك السامية، والهمم العالية وكان محمد أفندي سفيراً للدولة العلية في باريس فلفتت أنظاره المطابع الفرنسوية فأراد أن يتحف بها الأستانة فاخذ يستميل أراء كبار رجال العلم والأدب إلى هذا المشروع الكثير النفع وإخراجه إلى حيز الوجود وبدهائه واجتهاده اجتذب كبار رجال الدولة واستمال إليه الصدر الأعظم إبراهيم باشا صهر السلطان فأيد مشروعه ونصره في مهمته وأمده بأموال طائلة واصدر بحقه أمراً سامياً يجيز له طبع كل الكتب إلا الدينية كالتفسير والحديث والفقه بيد أنه أستحصل أخيراً فتوى أجازت له طبع الكتب الدينية أيضاً واليك صورة الاستفتاء بحروفها (وأظن أن هذا الاستفتاء هو بشأن جواز الطبع كما يفهم منه):
(ما قولكم دام فضلكم في ما يقوله زيد ويدعيه عمرو من أنه يقدر على(2/228)
نقش صور كلمات وحروف المؤلفات في العلوم الآلية: القواميس والمنطق والحكمة والفلك وجمعها في قالب وطبعها على الورق واستحصال نسخ كثيرة من هذه الكتب فهل يجوز له ذلك شرعاً أفتونا مأجورين) وقد أفتى له بجواز ذلك عبد الله أفندي شيخ الإسلام في ذلك الزمان واليك صورة الفتوى:
(إن زيداً الذي برع في صناعة الطبع إذا نقش صحيحاً على الورق فأنه يحصل على نسخ كثيرة من غير عناء وتعب وهذا مما يستوجب رخص أثمان الكتب والمؤلفات ومن ثم تتداولها الأيدي وبذلك تعم الفائدة وتشمل كل طبقات الناس وعليه يجوز شرعاً الطبع على الوجه المذكور ويستحسن تأليف لجنة لتصحيح الكتب المراد نقشها والله اعلم).
وقد اتفق أن سعيد أفندي فتش على رجل عالم بفن الطباعة ماهر بهذه الصناعة فسمع بشهرة (إبراهيم اغا متفرقة) وكان من حراس القصر السلطاني من أهل المجردان بالإسلام
فحادثه على أن يساعده في هذه المهمة فاتفق معه فأخذا يبذلان جدهما في تأسيس مطبعة وجلب آلاتها وسكب قوالب حروفها وكان أول كتاب طبعاه ترجمة صحاح الجوهري سنة 1141هـ - 1728م وكتاب تحفة الكبار في أسفار البحار المسمى بتاريخ الحاج خليفة في تلك السنة عينها وتعددت بعد ذلك مطبوعاتها.
ولما توفي (إبراهيم آغا متفرقة) أخذت المطبعة في الانحطاط والنزول إذ خلفه في أدارتها إبراهيم أفندي من القضاة السابقين إلى أن توفي هذا أيضاً فتعطلت مدة تزيد على 20 سنة ثم فتحت سنة 1198هـ - 1782م(2/229)
وطبعت فيها أهم الكتب النفيسة وأكثرها لغوية وتاريخية وفنية ولما نجحت هذه المهمة ورأى المنورون فوائد الطبع وسهولة اقتناء الكتب بواسطتها انتشرت في سائر البلاد العثمانية وكثرت المطابع فيها ولم يأُت القرن التاسع عشر إلا وكثرت المطبوعات وتعددت ونمت نمواً باهراً ومن أشهر المطابع العربية في الأستانة في ذك القرن مطبعة الجوائب وكان لها اليد الطولى على النهضة العربية بمطبوعاتها النادرة.
5 - المطابع في سورية
أما المطابع في البلاد العربية فدخلت أولاً (لبنان) على يد الراهب الماروني عبد الله ضاهر سنة 1141 وكان لها مطبوعات جمة ليس هنا محل ذكرها ودخلت الطباعة حلب في القرن الثامن عشر وأول مطبعة ظهرت فيها على ما نعلم المطبعة الحلبية المارونية سنة 1857م ومنشئها المطران يوسف مطر. وهي باقية حتى الآن وادخل الطباعة إلى بيروت الروم الأرثوذكس في أواسط القرن الثامن عشر وأول مطبعة أسست فيها مطبعة القديس جاورجيوس وأول مطبعة ظهرت في الشام المطبعة الحنفية وهي التي أحضرها من ديار الغرب المرحوم حنا الدوماني سنة 1272هـ 1855م وهي الآن متروكة لما انتابها من العراقيل ويليها في القدم مطبعة ولاية سورية أنشئت سنة 1282هـ - 1862م وفيها تطبع جريدة سورية الرسمية وأول من ادخل الطباعة إلى القدس الآباء الفرنسيسيون وأسسوا مطبعتهم فيها سنة 1846م بمساعدة الإمبراطور فرانسوا جوزيف النمسوي. هذا مختصر تاريخ الطباعة بالحروف العربية في ربوع سورية بقي علينا(2/230)
أن نبحث عن تاريخ الطباعة في ديار العراق التي هي من صميم البلاد العربية وعلى ذلك نبتدئ أولاً بتاريخ الطباعة في بغداد لأنها قاعدة العراق وقلبه الحقيقي
إبراهيم حلمي
أفكار الغربيين نحونا
لا ينكر أحد من الذين نور الله بصائرهم بنور الهدى أن للغربيين على الشرقيين يداً بيضاء لا تقوم بشكرها الألسن. كيف لا ونرى الشرقي المدرب متى حاول كتابة شيء عن الشرق وأبنائه بل عن قطره نفسه لا يقدر أن يفي الموضوع حقه بدون أن يراجع الكتب التي كتبها الإفرنج في موضوعه ويشرف عليه أتم الإشراف.
والسبب الذي يجعل الشرقي مفتقراً إلى الغربي هو ما تعوده من المبالغة في أكثر الأشياء التي يكتب عنها حتى أن المبالغة فيها ربما جاءت أضعاف الأضعاف. أو هو خلوه من استقصاء الأخبار، وتمام ما يتعلق بها.
وبما أن الغربيين قد جبلوا على نبذ المبالغة. وعلى تحري الحقائق مع البحث والتنقيب عنها بكل سعة وتفرغ. تراهم يتكبدون لها مشاق يقف دونها الهمام المقدام عاجزاً. بل تراهم غير هيابين ولا مبالين بصرف المصاريف الباهظة والمخاطرة بنفوسهم ونفائسهم. وهم مع كل ذلك لا يأُلون جهداً في السعي وراء ضالتهم المنشودة.
هذا ومع حرصهم على تدوين الحقائق تراهم يخطئون في بعض ما يكتبون خطأُ(2/231)
بيناً خصوصاً في كتاباتهم التي تختص بالمذاهب والأديان. وقد يعذرهم المنصف العارف بعوائد الشرقيين وأخلاقهم لأن ثمة سراً لا يقدر أن يطلع عليه غير الشرقي نفسه وسببه جهله الفاشي بين اظهر أصحابه فشوّاً فاحشاً سيما العراقيين منهم.
فالعراقيون يخلطون الواجب بالمستحب، والحلال بالحرام، والأصل بالفرع، والفرع بالبدعة، والبدعة بالعادة، والعادة بالخرافة، ويعتبرون الجميع من أصل واحد. وينسبونها كلها إلى صدر الإسلام. وربما يعزونها إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) أو إلى صحابته الكرام (رض) بلا سند ولا دليل. وإذا اعترض عليهم معترض كفروه في الحال ونسبوه إلى الزندقة والإلحاد. والإسلام براء مما يزعمون.
إذا سأل الغربي الذي لا يعرف من الشرقيين إلا صورهم وأسماءهم وأزياءهم سؤالاً يوجهه إلى العراقي ليستخبره عن عمل رآه يعمله أو يقوم بواجب: هل هذا من أصل الدين أو فروعه أو بدعة ابتدعها أحد المسلمين أو عادة تعودها العراقيون من القديم. فلا يجيبه إلا
بعكس ما سأله وغير ما قصده ظناً منه أنه إذا أوهمه بالجواب وأضله بالكلام لا يحصل ذاك على نتيجة منه فيرجع حينئذٍ بخفي حنين. وذلك لاعتقاد بعض الجامدين حرمة كشف أستار الدين للرجل الذي ليس من المسلمين. أو تعصباً منه لفرقته حتى على الفرقة التي تناوئها من فرق المسلمين أنفسهم. أو حذراً من الانتقاد أو وقوعاً لسوء تفاهم بين السائل والمسؤول.
فإذا سمع الغربي هذا الجواب، دونه في ديوان رحلته وجعله غاية سؤاله واخذ بعدئذٍ بتعليق حواشٍ وتفاسير عليه ظناً منه أنه لم يرو له إلا الصحيح.(2/232)
لما تعوده من صدق اللهجة وحرية الضمير في أبناء قومه ولم يدر (شتان بين مشرق ومغرب)
والذي حداني على كتابة هذه الأسطر هو ما كتبته مجلة الالستراسيون الباريسية من مقالة تحت عنوان (مكة الثانية) على رواية رجل غربي أقام في كربلاء مدة. ولما كان الكاتب والراوي قد اخطأا فيما كتبا في عدة مواضع من المقالة نفسها، أحببت نشرها لأعلق عليها بعض الحواشي إيضاحاً لما التبس عليهما أو إصلاحاً لخطأهما. لأن المقالة تمس الفرقة التي أنا منها ولأن أهل مكة أدرى بشعابها. وإليك المقالة برمتها معربة بقلم صاحب المجلة. قال الكاتب:
لقد استفاض بين الناس أن دين محمد لا يميل بمومنيه إلى آراء الحرية ومع ذلك ترى مسلمين كثيرين، ومن أشدهم تمسكا بدينهم يخالطون الكفار ويصادقونهم، وربما اتصلت قلوبهم بقلوب خلطائهم اتصالاً لا شبهة فيه. ولقد أثبتت حوادث بلاد الدولة العثمانية الحديثة أن إيمان المسلمين أو معتقدهم ليس من العقبات الكؤودة التي تحول دون التقدم والرقي وقبول بعض الآراء الحديثة وكما أن للفضيلة درجات فللتعصب أيضاً طبقات ومهما يكن من هذا الأمر فأن وجد بعض المسلمين يوجهون حسن التفاتهم إلى النصارى، ولا يظهرون اشمئزازهم من اليهود فاعلم يقيناً أن أولئك المحمديين هم سنيون. فتقواهم السمحة، وحسن ملاطفتهم لمن كانوا على غير دينهم، والأنس بمن جاورهم وخادنهم، يقابله عند الشيعة التعصب الشديد الذي ليس ورآءَهُ تعصب.(2/233)
ويرتقي أصل هذه الفرقة إلى الحسين الابن الثاني لعلي بن أبي طالب، صهر محمد، والى واقعة محزنة دموية وقعت سنة 61 من الهجرة 68 للميلاد في العراق العربي أي في ديار
بابل القديمة.
بعد وفاة علي بن أبي طالب ثارت مباحثات شديدة، واحتدمت نيرانها بين خليفة المسلمين، رئيس السلطة الزمنية وبين الأئمة العلويين الذين كانوا يقولون أنه يحق لهم تدبير كل أمر في ما يتعلق بالدينيات فلما انتقلت الإمامة إلى(2/234)
الحسين، وأصبح راس العلويين، هجر المدينة طالباً الكوفة تخلصاً من قبضة الخليفة. وكانت الكوفة يومئذٍ حاضرة العراق والعربي وأمهُ، وفيها من محبي العلويين جماعة دعته إليها. وبينما كان يسير في طريقه إذ بحبل حزبه انتكث. وذلك أنه بعث مسلم بن عقيل ابن عمه بمنزلة رئيس للكوفيين وإذا بجمع غدروه وقتلوه. وفي 3 من الشهر المحرم وصل الإمام إلى كربلاء ولم يكن يعرف ما وقع من الخيانة والغدر بمسلم فخيم مع قافلته، على شز هناك وما كاد يستقر إلا وفاجأَه جيش زحف ليهجم عليه. فقاسى العلويون مدة أسبوع من العذابات ما لا يصفه واصف ولا سيما الجوع والعطش وفي اليوم العاشر من الشهر المذكور وهو يوم عاشوراء قتل من تلك الزمرة كل من لم يمت في تلك المدة وكان عدد المتوفين جملة 18 شخصاً من أهل البيت و72 ممن كانوا برفقته. وأما النساء فأخذن إلى دمشق الشام.
وبعد وفاة هؤلاء المظلومين، نبت في تلك الصحراء أزهار روايات وأحاديث مختلفة سقتها دماء الشهداء وغدت مذبحة كربلاء (ومعنى كربلاء محل الحب) كذا مرادفة للمحرقة الصادقة في لغة جميع محبي هؤلاء الشهداء. وأصبح الحسين نوعاً من المسيح، وقد ذبح لفداء الناس في الزمن الذي أتى فيه لينقل إليهم كلام الحياة.
ومن الأحاديث المروية عند الشيعة أن جبريل اخبر محمداً ومحمداً أنبأ فاطمة الزهراء أبنته بأن الأمر ينتهي بأحد أبنائها على هذا الوجه وبأن قبره يشتهر كل الشهرة في الدنيا كلها. وتبنى حوله مدينة تكون بعيدة السمعة. ولقد تم الأمر طبقاً للنبوة.(2/235)
فإن أحد الصحابة واسمه جابر جاء بعد 40 يوماً من وقوع تلك المذبحة الهائلة ليكرم قبر الإمام الشهيد. لأن محمداً كان قد قال له: (أن الحسين يقتل ويدفن في كربلاء وبعد 40 يوماً تبدأ زيارة قبره.) فكانت زيارة جابر أول زيارة لهذه التربة. ومنذ ذاك الحين بدأ تاريخ تأسيس كربلاء(2/236)
أما اليوم فأن هذه المدينة أصبحت مقدس الشيعة ومحجهم بل مكتهم الثانية وهم يحمونها من غير المسلمين اكثر مما يحمون مكة عنهم، ويدافعون عن حرمها كثر مما يدافعون عم حرم
مكة وأن كان في مكة الكعبة وفي الكعبة الحجر الأسود.
ولقد بقيت كربلاء بعيدة عن كل انتهاك. وأننا لنظن أن أحسن ما كتب في كربلاء من المقالات هو ما أدرج في جريدة الطان (الفرنسوية) في نحو أواخر سنة 1907 وأوائل سنة 1908 ولم يسبقها سابق قبل ذلك العهد في تلك اللغة. بل ولم يكتب عن الأرجاء المجاورة لها قبل ذلك الأوان
أما مكاتبنا الفاضل المختفي عنا باسم (المنصور) المستعار، فأنه دخل حرم كربلاء وقد توصلنا بواسطته إلى نشر رسوم داخل الصحن وكل ما يتعلق به ورسوم سائر مساجد مدينة كربلاء مع صور الزوار والمواكب الحافلة التي رآها، كما فعل سابقاً فنشر في عدد 7 ت 2 من مجلتنا رسوم قلب مكة وما فيها. (المقالة مصورة في الأصل).
كربلاء جالسة تحت ظل النخل الوارف، بل راكبة الحسينية نهر متفرع من الفرات، ذلك الفرات الذي كانت قد نصبت عليه بابل، عرشها لزائل وقبل أن تصل المدينة ترى عن بعد من فوق رؤوس النخل والغرب(2/237)
والصفصاف وسائر الأشجار قبب صحنيها القاشانية الآجر المتلألئة في الشمس، ومآذنها المغشاة بغلالة من الذهب الإبريز وهذان الصحنان هما صحنا الإمام الحسين والإمام العباس أخ الحسين من أبيه وأحد أصحابه المنكوبين. وكل من هذين الصحنين قائم في الموطن الذي قتل فيه صاحب الإمام الشهيد وخص به.
في كل سنة ينسل إلى هاتين التربتين من كل حدب وصوب زرافات زرافات من أبناء الشيعة قادمين إليها من ديار العجم والهند وكوه قاف (قفقاز) والبلاد القاصية من قلب اسية حيث يكثر الشيعيون. وكربلاء بدون الزوار مدينة فارغة، بل لولا الزوار لما بقيت هذه المدينة إلى يومنا هذا. وفي الأيام التي لا يفد إليها الزوار - والزيارة تدوم سحابة السنة تقريباً وتبطل شيئاً في أيام الباحوراء فقط - ترى كربلاء خامدة ليس فيها إلا 15000 نسمة في الأكثر. وقد أخذهم النعاس فوق سطوحهم المتظللة بالنخل.(2/238)
وإذا أردت آن تعرف تقى الشيعة على مدى القرون، اذهب وانظر ذينك الصحنين وسائر مساجد كربلاء ترها مزدانة بأفخر ما يجود به الحب والدين. فإن حيطانها مثلاً مغشاة بالآجر المطلي بالقاشاني الملون بالألوان الزاهية العجيب الصنع حتى انك لتقول: أنه لا يمكن للإنسان أن يحلم ببناءٍ أفخر مما يرى هناك. ففي جوانب الأبواب سهوات محكمة
البناء بديعة الشكل على هيئة النخاريب، مرصعة بقطع من المرائي تأخذ بمجامع القلوب. وترى الأبواب مقوسة أقواسا فائقة الحسن، تكاد تنطبق على نفسها انطباقاً، وكلها مخرمة، وتخاريمها من الطاباق الغريب القطع والنحت والحفر، هذا ولا يمكننا أن نغفل عن ذكر العمد الرشيقة القد المتخذة من الخشب الفاخر، وهي تدعم البناء الذي يطوف بالحرم أبدع طواف.
وهل من مذخر احسن من هذا المذخر. وهل لا يكون إلا دون ما يجدر برفات الإمام الذي أصبح لجماعة الشيعة مخلصاً وفادياً؟
وفي أقصى الحرم مصطبة نفيسة تحتها رمم الإمام، والمصطبة بديعة النقش والحفر، عجيبة الصبغ والتلوين، ترى من وراء مشبك من الشبه(2/239)
المصمت، يظللها غشاء أو ستار هو بساط فريد الصنع، بل تحفة من تحف العالم، حاكته طائفة من مهرة صناع الفرس، ولا يمكن أن يقدر له ثمن لبديع أحكامه، وغرابة إتقانه. فهذا القبر هو غاية ما يرمي إليه الزوار الإمامية. فإذا وصلوا كربلاء ودخلوا الحرم يدنون من هذا المشبك اللزز ويتمسكون به بعبادةٍ وتقى، ثم يبسطون أيديهم ويصلون صلاة حارة ثم يرجعون إلى من حيث اتوا والوجه باش منور من كثرة فرحهم.
إن صحن الحسين وقبره يبقيان في كل زمن قريبي المنال خلافاً لكعبة مكة وزوار كربلاء يكثرون في الشهر المحرم وهو الشهر الذي قتل فيه الإمام وأصحابه ولذا تراهم يجتمعون في تلك المدينة ويتحلبون إليها من كل صوب فتاتي القوافل مئاتٍ مئاتٍ. وعليه يكون شهر المحرم شهر الصلوات والأدعية والتوبة.
فإذا جئت أنت في ذلك الأوان ترى أفنية الصحون ولا سيما فناء صحن(2/240)
الحسين غاصاً بالمؤمنين، لأن من أول فرائض الزوار في كربلاء كما في مكة أن يذهبوا إلى الحرم بعد الوضوء.
وبعد أن يصلوا صلاةً أولى في فناء الصحن يكونون أهلاً لأن يدخلوه آمنين فيزدحمون فيه أزدحامهم على السعادة القصوى بهلاهل وأصوات الفرح العظيمة وعلى رؤوسهم العمائم البيضاء إشارة إلى بياض قلوبهم. أما الحجاج الذين حجوا مكة والسادة الذين ينتمون إلى أهل البيت فأنهم يعتمون بالأخضر. وفي اغلب الأحايين تكون نساؤهم معهم. وقد تحجبن
اشد الحجاب من قمة الرأس إلى أخمص الرجل.(2/241)
من معتقد المسلمين أن المؤمن الذي يتمكن من أن يدفن في جوار مزار مدفون فيه أحد الأئمة أو نسيب من أنسباء أهل البيت أو واحد من الصحابة، فأن دخوله الجنة مضمون ويكون على الرحب والسعة. ولهذا السبب ترى في مسجد أيوب في الأستانة امتداد تلك المقبرة التي تبتدئ من الوادي حتى تتوقل التلال حيث تنتهي فيها. وترى بين تلك القبور العديدة غابة غبياء من السرو الأسود. وهكذا جرى الأمر في كربلاء. فأنك ترى المؤمنين في أقصى بلاد آسية يوجهون أدعيتهم إلى الله لينعم عليهم أن يدفنوا بعد موتهم في جوار قبر الحسين لينالوا شيئاً من آلاء(2/242)
إمامته التي يجود بها على المخلصين له. وبالجملة فأن كربلاء أصبحت اليوم مدفناً عاماً لجميع أبناء الشيعة المبثوثين في ديار الله كلها جمعاء.
ولولا أن الحكومة العثمانية تتدارك الأمر لأصبحت اليوم هذه المدينة مباءة الأمراض الوافدة، ومنبعث جراثيم الأدواء الوبيلة، لأن الجعفرية ينقلون إلى هذه المدينة جميع الموتى ويجوسون بها الديار الملوثة بالأوبئة أو غير الملوثة. هذا فضلا عن أن بين هؤلاء الموتى من توفوا بأمراض معدية اشد العدوى. فتراكم تلك الجثث في أرض واحدة، وفي موطن واحد من شأنهِ أن يجعل تلك البقعة من الأرض منبت الوباء، أو منبعث الطاعون، أو منتشر الهيضة على الدوام. ولقد عقد من تهمهم الصحة العمومية لجاناً عديدة لصدّ هجمات جيوش تلك الأدواء السارية السريعة العدوى الشديدة الفتك وأخذت ما في مكنتها من الوسائل لتثبيط فشوّ العدوى فضربت رسماً هو 50 فرنكاً على كل جثة تدخل كربلاء. ولو أمكنها لمنعت الدفن بتاتاً، لكنها تحترم عقائد الشيعة الوثيقة العرى، أو تخاف أن تثور ثائرة الفتنة والتعصب فيقوم بوجهها ما لم يمر بخلدها(2/243)
البتة. وهذا الرسم رسم الدفن. يثمر للحكومة المحلية مبالغ طائلة ويمنع الفقراء من أن يفكروا بأن يدفنوا موتاهم في هذه البقعة الميمونة. أما الأغنياء الذين ورثوا الميت، فأن الأموال الطائلة التي وقعت إليهم بعد وفاته تحث الوارث إلى أن يسرع في دفن جثة ذاك الذي جاد عليه بتلك المبالغ الجسيمة وحينئذٍ لا يستطيع أي مصرفٍ ينفقه في وجه هذا العمل المبرور الملزوم به. وهكذا تنقل جثث أولئك الموتى من أقصى ديار آسية إلى هذه الديار المجاورة لنهر الفرات المشهور في التاريخ.
فالدفنات الحافلة الشائقة كثيرة الوقوع إذاً في كربلاء ولقد شهد صاحب هذه المقالة موكب دفن واحد من هنود الشيعة وأئمة علمائهم الفحول، وكان قد نقل إلى كربلاء بمبالغ باهظة من الأصفر الرنان. ولما دخل المدينة تابوت هذا الرجل الكبير قامت له كربلاء كلها وذهب لاستقبال جثته عشرة آلاف شخص وكان أهل البلدة قد ركزوا أعلاماً ورايات مختلفة إِعضاماً للمصيبة. وكان الجمع يقف بجثته على كل خطوة يخطوها ليتلو الأدعية أو يسمعها. وطافوا بها حول الأسوار ودام الطواف ثلاث ساعات قبل أن يبلغوا الصحن وهذا المتوفى الذي جاء من بعيد ليسند رأسه الإسناد الأخير في كربلاء فاز بأنعام سام وهو أنه دفن في صحن الإمام الحسين وبقي القراء يقرءون على قبره بالتناوب ليل نهار مدة شهر.
وقياماً بتأُدية حقوق الحقيقة نقول: إن المؤمنين القليلي التوفيق في(2/244)
هذه الدنيا وجدوا لهم طريقاً ينكبون به عن القانون الذي سن للموتى فلا يحتاجون إلى أن يؤدوا ما عليهم من رسوم المكس. وهذا الطريق لا يستحسنه علماء الصحة ولا يوافقون عليه. لكن لا يمكن للموظفين أن يشددوا فيه ويعسفوا خوفاً من أن يؤدي بهم هذا التشديد إلى ما لا تحمد عقباه فماذا فعل أهل العوز المتدينون الذين لا تمكنهم حالهم من تادية ما حتم على الدفن؟ - أنهم لجئوا إلى وسائل تخفي جثة الميت على الموظفين بجباية المكس. فتارة يقطعون الميت أرباً أرباً، وطوراً يطحنون عظامه حتى تغدو كالدقيق وأخرى يجعلون تلك الأخطاء تحت ثيابهم التي يتسترون بها من الداخل. وبالجملة يستعملون وسائل لا تخطر على بال بشر ليتوصلوا إلى أن يخلطوا رمم الميت بالرمال التي تسفيها أرياح كربلاء حتى يقال عنه أنه أحصي بين موتى تلك المدينة الحسينية.
(البقية تأتي)
سوق الشيوخ
-
1 - موقع هذه المدينة وحدودها
قضاء سوق الشيوخ من مدن العراق الحديثة واقع على ضفة الفرات اليمنى قريباً من الدرجة 30 عرضاً ونحو الدرجة 44 طولاً من باريس وهو في جنوبي لواء المنتفق. يحده شمالاً وشرقاً الفرات. وجنوباً وغرباً الصحراء الشامية وهو يبعد 40 كيلومتراً عن الناصرية وهو تحتها(2/245)
و 140 كيلو متراً عن غربي البصرة على خط مستقيم و 130 كيلومتراً في جنوب غربي العمارة على خط مستقيم أيضاً.
2 - مؤسس سوق الشيوخ
هو الشيخ ثوينى المحمد جدّ الأسرة السعدونية. وذلك انه لما كان حاكماً كبيراً في العراق، يمتد حكمه من الغرَّاف والبصرة إلى ما قارب الكويت من جهة. ومن الجزيرة إلى ما حواليها من الجهة الأخرى أصبح نفوذه عظيما على كثير من عشائر العراق ونجد وقبائلهما. وكان معه في غزواته وفتوحاته سوق متنقلة وهي عبارة عن خيام تجار وباعة ينزلون قريباً من الأعراب إذا ضربوا مضاربهم وخيامهم فتقوم سوقهم ويعرضون فيها ما يحتاج إليه من لباس وآنية وخرثي وأثاث وتبغ (أي تتن) ويعارضونها بغيرها من وبر وصوف وسمن (دهن) وبقل وخضرة وغيرها. ويوجد مثل هذه السوق إلى يومنا هذا مع القبائل الرحل.
وعليه كان مع الشيخ ثويني وأعرابه سوق تقام أينما حلَّ والى حيثما رحل. ثم أن أعراب ثويني رغبوا في أن تقام سوق دائمة قريبة من الفرات في الصقع الذي ترى فيه اليوم سوق الشيوخ لطيب مائه وحسن هوائه وكثرة مرعاه فأذن بذلك فاشتق اسمه من الغاية التي وضع لها. وقبل أن يعرف بهذا الاسم سمي سوق النواشي وهو اسم عشيرة من عشائر العراق وكان الشيخ ثويني يعطي تجار الشيوخ مئات من نقود الفضة والذهب بمنزلة قرض يستفيدون من نفعها ويردونها إليه حينما يطلبها منهم أو يطلب عوضاً منها. وكان اغلب شيوخ القبائل يمتارون من تلك السوق فعرف(2/246)
باسمهم جميعاً. ومات اسم سوق
النواشي.
3 - تاريخ بنائه وحالة هوائه
قويت سلطة ثويني واتسع ملكه من نحو سنة 1150هـ - 1737م إلى نحو سنة 1200هـ - 1785م واختلف في سنة تأسيس السوق. فمن قائل أنه كان سنة 1162هـ - 1749م وفي قول آخر كان سنة 1175هـ - 1761 - 1762م والأصح القول الأخير على ما نقله أحد العارفين الثقات من أهل تلك الأصقاع. لأن اعظم أيام الشيخ ثويني هي سنة 1165هـ إلى يوم قتله الذي وقع سنة 1212هـ - 1797م في مكان اسمه الشبكة وبعد وفاة الشيخ الكبير أصبح سوق الشيوخ مركزاً لمهمات شيوخ المنتفق ومخزناً لذخيرتهم ومئونتهم وملجأ حصيناً يلجئون إليه كلما احتاجوا إليه. فكم من حاجة قضيت فيه! وكم من دم(2/247)
سفك على أرضه! وكم من أمير اغتيل على صعيده! وكم من هدية أو عطية جزيلة أكرمت في بيوته! إلى غير ذلك من الأمور التي لا تحصى ولا تعد! إلا أنه لما ضعفت قوة المنتفق وانتكثت مرائر أمرائهم وشيوخهم ووقع بين رؤسائهم اختلاف الكلمة اشتد نفوذ الدولة هناك فأدخلته في جملة ما أدخلته في أملاكها وقيد في سجلات أملاكها وأنشئ في ذلك الصقع نواحٍ وأقضية وألوية وجعلت السوق قضاءً سنة 1288هـ (1871م) ثم أخذ بالتقهقر والانحطاط حتى غدا في سنة 1315 (1897م) بمنزلة مديرية وأن كان فيه قائم مقام. وذلك باعتبار خطورته وانحطاط رقيه ورجوعه القهقرى عن سابق ما كان عليه من الشان والمنزلة. أما سبب هويه أو تسفله فهو انقطاع الأعراب عن الامتيار منه ووخامة أرضه وكثرة الأمراض والحميات التي تفتك بأهاليه لأن البطائح أو الأهوار تحيط به من كل جانب وتفسد هواءه. بينما كان في السابق بعيداً عن كل غمق ووبالة. وذلك لأن الشيخ ثويني كان قد افرغ جهده في منع وصول مياه طغيان دجلة إليه. بخلاف ما يحدث الآن فأن اغلب الأنهار قد طمت أو دفنت فانتشرت المياه في كل جهة بدون رادع يردعها أو حاجز يحول دونها وإذ لا تجد مجرى أو مصباً تنحدر إليه تبقى هناك مدى السنة فتخرب وتدمر وتتلف وتمرض وتقتل وتفتك بدون معارض أو محاسب ومن أسباب انحطاطها معاودة الطاعون إياها من حين إلى حين واشد طواعينها الذي فتك بها سنة 1832 فانه لم يبق ولم يذر.
4 - سكانه وتجارته
كان سكان سوق الشيوخ من عرب ثويني وأهالي نجد لا غير وكانوا(2/248)
كثيرين إلى قبل نحو خمس عشرة سنة وكان عددهم على الوجه الآتي:
مسلمون شيعيون 2. 250
مسلمون سنيون 8. 770
صابئة 700
يهود 280
المجموع 12000
وكان عدد بيوتها في ذلك العهد 2000 بيت و1500 صريفة (بيت يشبه الكوخ) وكان فيها مسجدان للسنة ومسجد للشيعة وحمام واحد وخان و240 دكاناً و5 قهوات. وأما اليوم فلا يوجد فيه أكثر من 4 آلاف نسمة وهم مقسومون ثلاثة أقسام وهي: ثلاثون بالمائة منهم من أهالي نجد وهم وهابيون. والثلاثون الآخرون من البغداديين والأربعون الباقون من سائر أهل العراق ويطلق عليهم اسم (الحضر) واكثر التجارة بيد الحضر. وبياعاتهم هي كل ما تطلبه البادية من ألبسة وثياب وأحذية يليها في كثرة البيع توابل (وهي الإسقاط بلسان بعضهم والعطارية بلسان الآخرين) وبزور وحبوب وقطاني وما شابهها. ومن أهم تجارته الخيل فهي من أجود خيل البلاد لأن أصل اغلبها من نجد وما جاورها.
5 - زراعته وصناعته
زراعة السوق الشلب (من أنواع الأرز أو التمن) والذرة (ويسمونها الاذرة) والدخن والحنطة والسمسم والشعير والهرطمان والماش. وواردات الزروع هي على الأقل ألف طغار (أو تغار والتغار يختلف وزنه باختلاف ديار العراق واختلاف الموزونات. واختلافه بين 1000 و1540 كيلو غراماً) والمياه هناك كثيرة كلها متدفقة من الفراتين. وهم يزرعون(2/249)
أيضاً على شواطئ البطائح إلا أن زراعتهم قليلة بالنسبة إلى مياههم واتساع أراضيهم وكثرة فلاحيهم. ولعل أسباب تقهقر زراعتها كثيرة الفتن المستعرة نيرانها بين عشائر تلك الربوع.
وأما صناعة السوق فليست مما يشار إليها بالبنان وكل ما فيها هو عبارة عن معرفة ما
تمس إليه حاجة البدوي ومعروف ومبتذل في سائر الديار العراقية. إلاَّ أن أهاليها مشهورون بحياكة الأعبئة المخططة وهي معروفة في ديارنا باسم الاعبئة الشيخلية نسبة إلى سوق الشيوخ. ومن لا يحسن الحياكة يتعلم الحدادة وحدادتهم متوقفة على صنع المساحي وجميع آلات الزراعة البسيطة العمل. والصياغة من خصائص الصابئة (المعروفون بالصبة والواحد منهم صبي بضم الأول وكسر الثاني المشدد) وكذلك النجارة وجلّ نجارتهم متوقفة على عمل المشاحيف (جمع مشحوف راجع لغة العرب 102: 2) وأما اليهود فمعظم أشغالهم قائمة على البيع والشراء والإِقراض بالربى الفاحش.
6 - قسمته وحكومته
ليس في هذا القضاء إلا ناحية واحدة هي ناحية بني السيد. وفيه قيم مقام لإدارة القضاء. ومدير لإدارة الناحية. يساعدهما مجلسا إدارة.
7 - العلم فيه
لا شأْن يذكر للعلم هناك. وسكانه لا يعرفون الصحف ولا الصحافة إلا من ندر. وجملة من يطالع الكتب وبعض الجرائد النادرة لا يجاوزون عشرة أو خمسة عشر واغلب هؤلاء من أهالي نجد.
وفيه أربعة كتاتيب يتردد إليها نحو 50 طالباً وفي أيام بدءِ الشتاء(2/250)
60 أو 70 وفي أيام الحصاد 30 وهي مقسومة على هذا الوجه:
3 كتاتيب للمسلمين وفيها 3 معلمين و40 طالباً وكتاب واحد للصابئة. وفيها معلم واحد و10 طلاب.
سليمان الدخيل صاحب الرياض
إفادة عن كتاب
الفرق بين الصالح وغير الصالح
-
كتب إلينا حضرة العلامة المستشرق الأسباني مغويل آسين بلاثيوس رسالةً ومن جملة ما ذكر فيها عبارة تتعلق بكتاب الفرق بين الصالح وغير الصالح قال حرسه الله
ذكرتم هذا الكتاب في مجلتكم في عدد آب سنة 1911 في الصفحة 59 - 63 وأنه كتاب مستقل قائم برأسه. والذي أراه أنه القسم الثاني من كتاب الغزالي بنفسه المعروف باسم: (التبر المسبوك، في نصيحة الملوك) وقد طبع في مصر في مطبعة الآداب والمؤبد سنة 1317هـ وقارئ هذا السفر يطلع على أن كتاب التبر الذي أنشأه المؤلف المذكور باللغة الفارسية إنما ألفه للسلطان محمد بن ملك شاه وهو مقسوم قسمين: القسم الأول يحوي عشرة أصول وعشرة فروع في الإيمان والعدل. وعين لسقي شجرة الإيمان. والقسم الثاني يبتدئ في الصفحة 40 ويشتمل على سبعة أبواب. ومضامينها وأسماؤها مثل مضامين وأسماء كتاب الخط المذكور في مجلتكم. ودونك الآن صفحات رؤوس الفصول في الكتاب المطبوع الفصل 1 ص40. الفصل الثاني ص 83 الفصل الثالث ص 89 الفصل الرابع ص 93. الفصل الخامس ص 104 الفصل السادس ص 115 الفصل السابع ص 123.
إذاً أظن أن السيد مرتضى في كتابه الإتحاف 19 لم يتكلم عن كتاب الفرق إلا لأنه كان قد توهم أن هذا الكتاب يختلف عن كتاب التبر وأنه مستقل عنه. والمثال الذي تذكره لغة العرب وقد استلته من المثال الذي تذكرة لغة العرب وقد استلته من الباب الثامي موجود برمته(2/251)
وبعبارته في كتاب التبر في الصفحة 89. ومن سياق هذا المثال اخذ على ما أظن اسم الكتاب الخطي الذي نقش على صدره ومن هذا السياق أيضاً نشأ وهم السيد مرتضى والحاج خليفة صاحب كشف الظنون واليك عبارة التبر: وإنما ذكرنا هذا ليعلم من يقرأ كتابنا هذا الفرق بين الصالح وغير الصالح.
وعليه أظن أن البعض قسموا إلى كتابين مختلفين لواحد عن الأخر ما هو مقسوم إلى بابين في كتاب واحدٍ. وعلى هذا الوجه فرقوا ما كان متصلاً. والله الهادي إلى الصواب.)
(لغة العرب) إننا نشكر لحضرة المستعرب ما تفضل به علينا من الإفادة. وأننا الآن لنوافقه
على ما يذهب إليه. إذ يظهر لنا أنه موافق للصواب. وهو فوق كل علم عليم.
حافظة الإمام ابن الحداد
وإحراق كتب المدرسة النظامية
جاء في كتاب خط عندنا للشيخ عبد الوهاب بن احمد الشعراني المتوفى في سنة 973هـ (1565م) يذكر فيه المنن والنعم التي جاد بها الله عليه ما هذا نصه: (نقل في الطبقات أن الإمام ابن الحداد لما أحرقت كتب العلم التي في المدرسة النظامية ببغداد وندم على ذلك واقفها نظام الملك قالوا له: لا تخف فأن الإمام ابن الحداد يملي جميع ما أحرقت من حفظه. فأرسلوا ورآه فأملى جميع ما حرقت في مدة سنين ما بين تفسير وحديث وأصول وفقه ونحو وغير ذاك.) وفي هذا الكلام فائدتان الأولى: احتراق كتب المدرسة النظامية في أيام حياة واقفها والثانية: حافظة ابن الحداد الهائلة التي لم يسمع بمثلها في سائر الديار.
المرء ودنياه
-
حياة المرء في دنياه ركب ... يجوب الأرض في طولٍ وعرض
فتغوير له في أرض قومٍ ... وتعريس له في غير أرض
وأيام الشهور هي المطايا ... تجد السير بعض اثر بعض(2/252)
وما عيش الفتى إلا غرور ... كظل زائلٍ أو بدو ومض
فديتك هذه الدنيا تفكر ... تجدها ساخطاً من حيث يرضي
كاظم الدجيلي
فوائد لغوية
في التأنيث
جواب عن سؤال أحد النجفيين الوارد في 73: 2
المؤنث في العربية على نوعين: مؤنث حقيقي وهو ما كان بازائه مذكر من جنسه كالمرأة بازاء المرءِ. ومؤنث مجازي أو غير حقيقي وهو ما ليس بازاِئهِ مذكر كالخيمة والدواة. - ويقسم المونث قسماً آخر وهو: مونث لفظي وهو ما ظهرت فيه علامة من علامات التأنيث وهي التاء والألف المقصورة والألف الممدودة. ومونث معنوي وهو ما قدرت فيه تاء التأنيث مثل الشمس والأرض. فإذا علمت هذا، فالمونث أمر معنوي في الأول، ولفظي في الثاني. ولهذا قد ترد اللفظة الواحدة مؤنثاً ومذكراً حسبما يعتبر فيها أحد هذين الأمرين. فإن طلحة وارطى وخضراء، هي مذكرة، إذا سميت بها رجالاً. وهي مونثة إذا اعتبرتها من النباتات. - وقد تكون اللفظة الواحدة بمعنى واحدٍ وهي مع ذلك مذكرة ومونثة معاً حسبما تشاء. كأرنب وقدوم وفاس. وهذا ناشئ عن أحد هذه الأمور الثلاثة أي أما أن يكون العرب الأقدمون عرفوا في سابق العهد (الجنس المشترك أو المجرد أو الخنثى، وهو ما لا يعرف له مذكر أو مؤنث كالهيكل مثلاً والورقة والكتاب(2/253)
كما تعتبر كذلك في بعض اللغات الآرية إلى يومنا هذا، فلما تركه العرب طلباً لتسهيل الأمر اعتبروا اللفظة الخنثى مؤنثاً ومذكراً معاً، أو تارة مؤنثة وطوراً مذكراً تلميحاً إلى الأصل المجهول جنسه. - وأما انهم تصوروا فيها تارةً التذكير وطوراً التأنيث حسبما تصوروا فيها الأصل أو الفرع، القوة أو الضعف، الإمداد أو الاستمداد. فإن الذين توهموا التذكير في القدوم تصوروا فيه ما فيه من قوة النجر والنحت. والذين توهموا فيها التأنيث تصوروا أنها لم تحصل على هذه القوة إلا لكون الإنسان أمدها بهذه القوة. وأما لأنهم قدَّروا للتذكير لفظاً مذكراً وللتأنيث لفظاً مونثاً. فإن الذين ذكروا القدوم توهموا فيه (الشيءَ القاطع أو الناحت أو الناجر). والذين أنثوها توهموا فيها (الآلة القاطعة أو الناحتة أو الناجرة).
هذا وقد ذكرنا في صدر هذا الكلام العلامات الثلاث للمؤنث اللفظي. وأما أدلة المؤنث
المعنويّ فهي: 1 - إن تكون اللفظة علماً لأنثى كهند ومريم: 2 - إن تكون مختصة بالإناث كأُم: 3 - إن تكون اسم بلدة أو قرية أو قبيلة أو أمة كبغداد وفدك وقريش والعرب: 4 - إن تكون من الأعضاء المزدوجة. وهذا الشرط ليس بأغلبيّ فأن الألفاظ: عين وأذن ويد مزدوجة. وهي مؤنثة والألفاظ: صدغ ومرفق وحاجب مذكرة مع أنها مزدوجة. فالسماع والنقل هما الحاكمان الفاصلان في هذا الأمر. هذه هي القواعد العامة. وهناك تفاصيل لا محل لها هنا، وهي تطلب في كتب القوم. إلاَّ أنه يحسن بالكاتب أن يعلم أن ما فيه تاء التأنيث ومدلوله مذكر كطلحة وحمزة يذكر ولا يؤنث ولا ينظر إلى اللفظ وشذ قوله: أبوك خليفة ولدتهُ أخرى.(2/254)
فهذا من كلام المولدين. والمولدين الضعفاء. وكلام هؤلاء الأقوام لا يعد حجة ثبتاً يستشهد بهِ في مثل هذا الموطن.
ثم أن التذكير والتأنيث لا يتحققان إلاَّ في الأسماء إذا قصد مدلولها فأن قصد لفظ الاسم جاز تذكيره باعتبار اللفظ، وتانيثة باعتبار الكلمة. وكذا الفعل والحرف وحرف الهجاء يجوز فيها الوجهان بالاعتبارين المذكورين
وأما ما لا يتميز مذكره عن مؤنثه. فإن كان فيه التاء فهو مؤنث مطلقاً كالنملة والقملة للمذكر والمؤنث. وإن كان مجرداً من التاءِ فهو مذكر مطلقاً كالبرغوث للمذكر والمؤنث. قاله أبو حيان.
ومما جاء في الهمع قوله: قد يذكر المؤنث وبالعكس حملا على المعنى، نحو قوله: ثلاث انفس، وثلاث ذودٍ. ذكر الأنفس بإلحاق التاء في عددها حملاً على (الأشخاص). وسمع جاءَته كتابي فاحتقرها. أنث الكتاب حملاً على الصحيفة أو الرسالة. - وبهذا القدر كفاية.
باب المشارفة والانتقاد
1 - أنا الحق
(بحث تاريخي انتقادي في هذه الكلمة الخاصة بمعتقد علم المتصوفة اعتماداً على الأسانيد الإسلامية) للويس ماسنيون باللغة الفرانسوية.
الأديب لويس ماسنيون من مشاهير المستشرقين الفرنسويين. قدم بغداد سنة 1907 فرأينا فيه عالماً خبيراً بتاريخ العرب ومشاهيرهم ومؤلفاتهم حتى أنه لا يشق له غبار في هذا الميدان مع حداثة سنه. وقد بحث في مؤتمر المستشرقين المنعقد في آثينة في 11 نيسان 1912 بحثاً دقيقاً في هذه الكلمة: (أنا الحق) المنسوبة(2/255)
إلى الحلاج. (راجع لغة العرب 25: 2) فأوغل في بحثها التاريخي إيغالاً عجيباً حتى فاق المتصوفة أنفسهم. وقد كتب كل ذلك باللغة الفرنسوية فجاء بحثه هذا فذاً في بابه. إلا أنه وقع له فيه بعض الأغلاط في ضبط الأعلام فنستأذنه في تصحيحها. ولما كان ضبطه لها بالحروف الفرنجية أصبح غلط الطبع بعيداً عنها. من ذلك: اسم ابن مسكويه ص 248 فأنه كتبه بالشين والمشهور بالسين. وإن كان أصل الاسم بالشين. وضبط اسم الغزالي ص 249 بالزاء الخفيفة كما يضبطه جميع علماء الإفرنج على اختلاف عناصرهم. والأصح الأفصح تشديد الزاء. قال ابن خلكان (29: 1) الغزالي: بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاء المعجمة وبعد الألف لام. هذه النسبة إلى الغزال على عادة أهل خوارزم وجرجان، فأنهم ينسبون إلى القصار: القصاري، وإلى العطار العطاري. وقيل: إن الزاء مخففة نسبة إلى غزالة وهي قرية من قرى طوس (وهو خلاف المشهور). ولكن هكذا قاله السمعاني في كتاب الأنساب والله اعلم.
وضبط الكيلاني ص240 بالكاف العربية والأصح بالكاف الفارسية المنقطعة بثلاث وهي تلفظ كالجيم المصرية ولهذا تكتب أيضاً نسبة إلى جيلان. الصقع المشهور. ومنهم من يخطئ هذا اللفظ ويقول أن الأفصح هو الجيلي أو الكيلي بالكاف الفارسية. وعلى كل حال فالكاف العربية خطأ هنا لأن العامة نفسها لا تخطئ في لفظها. فكيف لا يجب أن يصححه الخواص.
وضبط في تلك الصفحة جلال الدين الرومي بدون ألف بين اللامين وهو خطأ لا حاجة إلى
التنبيه عليه لاشتهاره.
وضبط الألفاظ المختومة بالهاء بفتحة مشبعة أي أنه قال مثلاً والأصح أنها غير مشبعة كما يتحصل ذلك من كتب التجويد ومن الأخذ عن القراء المجيدين. على أنه قد خالف هذه القاعدة في بعض الأحيان فكتب وهذه هي الفصحى. وكان يحسن به أن يجري على وتيرة واحدة. على أن في قوله ابن مشكوية بضم الكاف وسكون الواو وفتح الياء غلط والأصح مسكويه بفتح الكاف والواو واسكان الياء وكسر الهاء(2/256)
فلقد جاء في فوائد رحلة ابن رشيد ما نصه: مذهب النحاة في هذا ونظائره (كعمرويه ونفطويه وسيبويه وحربويه وخالويه) فتح الواو وما قبلها وسكون الياء ثم هاء والمحدثون ينحون به نحو الفارسية فيقولون هو بضم ما قبل الواو وسكونها وفتح الياء واسكان الهاء. فهي هاء على كل حال والتاء خطا. قال: وكان الحافظ أبو العلاء العطار يقول: أهل الحديث لا يحبون (ويه). وهكذا ذكره النووي في تهذيبه في ترجمة أبي عبد الله بن حربويه نقله السيوطي في التدريب (عن كتاب حياة البخاري ص11)
والكتاب يصور الجيم العربية بحرف الفرنسوية وهو خطا بين فأن الجيم الفرنسوية يقابلها الزاء المنقوطة بثلاث وأما الجيم العربية فهي أو بعلامة خصوصية يصطلح عليها كما فعل صاحب مجلة الانثربوس التي تنشر في فينا. وهو يسقط الهمزة من جميع الألفاظ التي فيها همزة فيقول مثلاً: مؤمن الجزايري والأصح مؤمن الجزائري بهمز الواو في مؤمن وهمزة مكسورة بين الألف والراء في الجزائري. ويذكر (المتكلمين) بصورتها العربية المرفوعة (أي المتكلمون) والأوفق أن يقول أو أن يتصرف بإعراب اللفظة بحسب مواقعها من رفع ونصب وجر. ولو كان يبقيها على حالة النصب أو الجر لكان احسن من اتخاذها بحالة الرفع ورود الحالتين بخلاف الرفع فانه اقل وروداً.
وذكر الحلاجي المنسوبة بصورة أي بالنسبة الفرنسوية والعربية معا. والأصح أن يتصرف بها على الوجه العربي أو على الوجه الفرنسوي لا بكليهما معاً لما ينشأ من الثقل باتخاذ هذا اللفظ المزدوج النسبة.
وفي بعض الأحيان يضبط العبارة العربية ضبطاً أعرابياً بالحروف الإفرنجية كما في ص 252 في قوله التوحيد (كذا بسكون الدال والأصح التوحيد بضم الدال) إفرادك متوحدا (كذا
والأصح متوحداً) وهو أن يشهدك الحق إياك (بفتح الهمزة والأصح إياك بكسر الهمزة) وفي بعض الأحيان يهمله كما في ص 253 وص 257 وهو يلحن غالباً في ضبط الشاهد عند إيراده إياه كما في ص 257. انكسر مغزل رابعة. وبقي قطن الحلاج. والأصح مغزل بكسر الميم وهو الأفصح أو ضمها وهو دونه فصاحة لا بالفتح كما ضبطها لأنه ضعيف وقد سمع. واللام من مغزل مرفوعة ساكنة كما ضبطها أو الأصح في بقي وزان رضي لا وزان(2/257)
رمي ويجب رفع نون قطن لا إسكانها كما ضبطها ثم قال أن المراد برابعة ههنا: رابعة العداوية وكسر عين الكلمة الثانية واسكن دالها والأصح العدوية بفتح العين والدال وبدون ألف.
وفي ص 252 ضبط اسم البيروني العلامة الشهير بكسر الباء وهو خطأ والأصح بفتح الباء كما ذكره السمعاني في كتاب الأنساب قال: البيروني. بفتح الباء الموحدة وسكون الياء أخر الحروف وضم الراء بعدها الواو وفي أخرها نون. هذه النسبة إلى خارج خوارزم. فإن بها من يكون من خارج البلد ولا يكون من نفسها يقال له (بيروني ست) ويقال بلغتهم (انبيزك ست) والمشهور بهذه النسبة أبو ريحان المنجم البيروني. اهـ.
هذا ما بدا لنا في أثناء المطالعة ولعلنا نحن المخطئون وهو المصيب. وهو فوق كل علم عليم.
2 - الحق
(جريدة لبنانية أسبوعية أنشئت 12 آذار سنة 1909 تصدر في بيت شباب صاحب امتيازها الخوري طوبيا عطا الله. قيمة الاشتراك فيها عن سنة في لبنان 10 فرنكات وفي سائر الجهات 15 فرنكا.)
جريدة حسنة المبدأ ترمي إلى الوفاق والوئام بين العناصر والى حب الوطن والسعي في إعلاء مناره. وهي بعبارة فصيحة إلا أن كاغدها وطبعها يحتاجان إلى تحسين.
3 - الشعب
(جريدة جامعة أنشئت لخدمة الشعب الشوفي. توزع مجاناً. منشئها ورئيس تحريرها رشيد نخلة. مديرها المسؤول ظاهر زيدان.)
صحيفة لبنانية الفكر مدافعة عن حقوق سكان الشوف بعبارة حرة وصاحبها طلق اللسان إلا أنه يحتاج إلى تصحيح في بعض المواطن وتخليص التصحيف واللحن من مواطن أخرى.(2/258)
4 - دار السلام تقويمي
تقويم حسن الطبع بديع الترتيب لا يدانيهِ ما يطبع من جنسه في ديار الشام أو مصر وهو في أربعة تواريخ وهي السنة الهجرية والسنة المالية الشمسية والسنة العبرانية والسنة الإفرنجية. وفيه أيضاً ذكر المواسم والأعياد عند المسلمين والنصارى واليهود مع ذكر ما يحدث في فصول السنة من برد وحر ووقوع مطر وزرع بعض الأشجار. ومما فيه أيضاً ذكر ساعات طلوع الشمس وساعات الظهر والعصر والعشاء والإمساك ودرجة البروج الشمسية. فأنت ترى من هذا البيان أن هذا التقويم مما يحرص على اقتنائه ويتفاخر بحفظهِ.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - واردات الممكس في بغداد
كانت واردات الممكس (الكمرك) سنة 1326 مالية نحو 16 مليوناً ونصفاً من الغروش الصحيحة أي نحو أربعة ملايين فرنك و250، 31 فرنكاً. ولما زادت الحكومة الضرائب على الأموال الداخلة إلى بلدتنا وجعلتها 11 بالمائة بلغت الواردات سنة 1327 مالية نحو 26 مليوناً من الغروش الصحيحة أي نحو 6 ملايين ونصف من الفرنكات. وهذا يدلك على تجارة بغداد وما تكسبه الدولة من ممكسها.
2 - الاضطراب في إيران
ما زال جو السياسة في إيران مضطرب ديارها لا تعرف الأمن والراحة ولهذا انقطعت سبل التجارة بينها وبين ربوع العراق وأصبحت في بغداد في كساد عظيم. ومن الوقائع التي أضرت البلاد والعباد ما حدث بين حاكم كرمنشاه فرمان فرما وبين أيار محمد خان. فأريقت الدماء في أسواق كرمنشاه بصورة تقشعر لها الأبدان. ولولا أن الله راف بعباده فنصر الحاكم على الزعيم(2/259)
الزنيم محمد خان لا صبحت المدينة في قبضته. فعسى أن تهتم حكومتنا بتوطيد الأمن بين كرمنشاه وخانقين بخفر الطرق ونفضها من اللصوص والمقاليص لتراجع التجارة إلى مياهها.
3 - عشيرة الغزالات
في 4 ت 2 وصل بغداد نخيلان بن جبر أحد شيوخ شمر يتظلم إلى الحكومة من هجوم الغزالات على أعرابه ونهبهم أموالهم وإلحاق الضرر بأربعمائة بيت من بيوتهم وسرقة خيل وابل وغنم منهم. والأمل أن تسترجع الحكومة المنهوبات.
4 - عشائر ربيعة
بعد أن خرج سعدون باشا في حلب من دياره وظعنت معه من الغراف أسرته الكبيرة اتفق الشيخ شبلي بك ابن فهاد بك ابن منصور باشا أحد شيوخ المتفق من سكان الغراف وزراعه مع الشيخ محمد الياسين شيخ أعراب المياح أحد رؤساء ربيعة التابعين للأمير محمد الحبيب أكبر أمراء ربيعة على أن يحمي أراضيه عن تعدي العشائر الأخرى عليه
ويعوض عن ذلك بشيء معلوم بينهما وهو نصف حاصل أراضي شبلي بك الموما إليه عن خمس سنوات ابتداء من سنة 1328 مالية، لكن الشيخ محمد الياسين لم يقم بما وعد، بل تجاوز طوره أو يكاد. فدخل الشبلي على محمد الحبيب ليحفظ له حقه. فاستدعى الشيخ محمد الياسين ليذكره بإيفاء وعده فأبى واخذ يجند الجنود ليقابل الأمير وإعرابه. إلا أنه لما أحس بضعفه بازاء ما رأى من عزم أمير أمراء ربيعة وكثرة ما لديه من العدد والعدد وتوطيد النفس على التنكيل به طلب منه الرحمة فعدل الأمير عن الهجوم بعد أن اشترط عليه عدة شروط يقوم بوفائها لقاء ما كان قد تعهد به للشبلي. فوعد محمد الياسين أن يدفع له خمسة آلاف ليرة نقداً وألف ليرة تدفع قسطين: النصف الأول في السنة المقبلة والنصف الآخر في العام الذي يليها. وعليه حقنت الدماء، ومنع حلول البلاء.
5 - عشيرة شمر
اجتازت عشيرة شمر بغداد وما بين الرافدين بقيادة رئيسهم الأكبر حميدي بك ابن فرحان باشا متوجهين إلى قضاء الجزيرة فكوت الإمارة ومنها إلى لواء المنتفق لخصب مرعاه ورخص المعيشة فيه، ومعهم القعيط أيضاً رئيس الفرقة الثانية.(2/260)
6 - الضفير
تمادت هذه العشيرة في غيها وطغيانها وأبت دفع ما عليها للحكومة ولأمراء نجد، فجارتها بعض عشائر الغراف والسماوة حتى زينت لهم نفوسهم أن يقوموا مقام السعدون في الشامية. فلما رأى عجمي بك ما تطمح إليه أنظارهم طلب إلى الأمير ابن الرشيد أن يكسر من جبروتهم ففعل وخضد شوكتهم وأجبرهم على أداء ما عليهم للحكومة وأذعنوا له صاغرين. ثم أن الأمير ابن الرشيد اخطر حمد بن سويط زعيم الضفير أن يخضع لأوامر عجمي بك فقبل. وذهب شيوخ الضفير لمقابلة الأميرين: الأمير ابن الرشيد والأمير عجمي بك وقدموا لهما رسوم الخضوع والطاعة وعادت مياه الراحة إلى مجاريها. وقد هبطوا قرب أراضي الغبيشية (بفتح الغين وكسر الباء) حيث أمرهم عجمي بك أن ينزلوا مع الأعراب الذين تحت سطوته وهم هناك الآن في راحة واطمئنان.
7 - الرولة
قدم ابن معجل من قبيلة الرولة وابن ماض من عشيرة آل عيسى ومعهما 500 هجان من بلاد الشام هابطين ديار العراق ليشنوا الغارة على عشائرها فغزوا عشيرة السبعة بجوار القبيسة (بالتصغير) ونهبوا منم آلفي بعير ولم يفقدوا من أصحابهم إلا أربعةً مع أسير واحد. وفي أثناء الغارة كان المسمى الديدب يرصد طريقهم. فلما أدركهم الظما وقدموا احد الموارد هجم عليهم الديدب وهو أحد الشيوخ ومعه جماعة من أصحابه واستردوا ما أخذوه من عشيرتهم ولم يتركون لهم إلا ما يكفيهم العودة إلى بلادهم من ماء وزادٍ لا غير.
8 - متبوعو عجمي بك السعدون
زادت سطوة عجمي بك هذه الأيام حتى أصبحت التابعون له والخاضعون لآمره ألوف مؤلفة من الأقوام وله تحت رايته عدد عديد من المقاتلين مجموعين من عدة قبائل وهي مطير وعتبته وبني سد (بتشديد الدال وتصحيف أسد) وشمر ومن عشائر العراق: العساكرة والغزي (بكسر الأولين وتشديد الياء) والنواشي وحكام (كشداد) والبو حميدي والحسن (بكسر ففتح) وبني سالم والغريافية (بكسر الأول) والشواوشة وأهل السورة (وزان عورة) والبو حمدان وبني حطيط (بحاء مهملة في الأول وعلى وزان زبير) وآل إسماعيل(2/261)
والعمائر والحول (وزان سبب) والبو شامة والفهود والشواليش والبو خليفة والبو جويبر (تصغير جابر) والزياد والمومنين وآل شميس (تصغير شمس) والنجيمات (بالتصغير) وغيرهم مما يطول ذكر أسمائهم. وتقريباً جميع عشائر المنتفق النازلة على الفرات.
9 - الشيخ قاسم ثاني أمير قطر
تنازع أحد الجنود العثمانية مع أحد أبناء الشيوخ في قطر على شيء زهيد ولولا توسط هذا الشيخ ابن ثاني لالتحم القتال بين العرب والجنود العثمانية فنشكر له سعيه الحميد هذا.
10 - الأمير ابن السعود
خرج ابن السعود من بلاده بجنود كثيرة قاصداً بلاد القصيم ونيته تجريد حملات منه.
11 - إعانة أهل عمان والبحرين
ثارت الحمية الأعرابية في صدر الشيخ بطي بن سهيل أمير دبي (بالتصغير) وصدر
الشيخ صقر بن غانم أمير الشارقة وفي صدور أهالي عمان قاطبة فتبرعوا بالأموال الطائلة لأعانة الدولة في حربها. وكذلك فعل أهل البحرين مع شيوخ تلك الجزيرة.
12 - وجيه بك مدير زراعة ولاية بغداد
وجيه بك من الرجال المعدودين في الولاية ومن أهل السعي ومحبي الرقي الصادق ومنذ أن تعين مديراً لزراعة ولايتنا افرغ وسعه في جلب معاون (جمع معينة وهي المكينة أو الماكينة. وتجمع أيضاً على معينات) بخارية فبلغ عددها نحو المائتين اشتراها أصحاب الأملاك في الاقضية لسقي أراضيهم وبساتينهم. فنتمنى لصديقنا المدير إقامة طويلة في بغداد مقرونة بصحة وعافية.
13 - تبرع شيخ أعرابي
تبرع الشيخ مزعل رئيس عشيرة القوام بحصان ادهم أصيل للجنة الإعانة الحربية في كربلاء.
14 - قدوم أميرين أعرابيين إلى بغداد
قدم حاضرتنا الشيخ محمد الحبيب أمير أمراء ربيعة ومعه الشيخ محمد الشمران(2/262)
من شيوخ ربيعة أيضاً.
15 - جمعيات عربية سياسية
أنشئ في مسقط جمعية عربية سياسية رئيسها حمد بك نجل السيد فيصل سلطان مسقط وغايتها إسعاد الوطن. ويوجد مثل هذه الجمعية في البحرين والكويت أيضاً.
16 - أخبار خليج فارس
جاء مياه مسقط والفاو أسطول إنكليزي عدد سفنه البحرية 17 وقد تضاربت الآراء في سبب قدومه. فمن قائل أنه لمساعدة سلطان مسقط. ومن قائل أنه لحفظ ثغور الخليج من إلحاق الضرر بها. إلى غير ذلك.
ورعايا فرنسا تبيع الأسلحة علناً في مسقط وعمان لكن تقرر في هذه الأيام أن ما يرد هذين البلدين من الأسلحة يحفظ في خزائن خصوصية إلى أن تنتهي المذاكرة بين فرنسة وإنكلترة
بشان بيعها. وقيل أن فرنسة عرضت على أمير الكويت فتح مخازن تجارية لهذا الغرض فأبى الشيخ (كلها عن الرياض ببعض تصرف)
17 - قدوم محمد زكي باشا والي ولاية بغداد
في الساعة الثانية وربع من نهار الثلاثاء 12 ت 2 دخل محمد زكي باشا بغداد ونهار السبت 16 من الشهر المذكور في الساعة 9 قبل الظهر قرء الأمر العالي بتوليته (الفرمان) بحضور أمائل البلدة وأكابرها وقد تعين والياً على بغداد ومفتشاً للفيلق الرابع. فأهلا وسهلا به.
18 - حمية أبناء مكاتب ولايتنا للإعانة الحربية
بلغت إعانة مكاتب اقضية ولاية بغداد وبعض مكاتب الحاضرة 10709 غروش صحيحة و15 بارة. وبلغت إعانة الضباط والأطباء 11988 قرشاً صحيحاً وقد أرسلت هذه المبالغ إلى جمعية الهلال الأحمر في الأستانة بواسطة المصرف العثماني.
19 - الأدعية للدولة العثمانية
نهار الاثنين 11 ت 1 اجتمع الإسرائيليون في أكبر كنيس لهم وطلبوا إليه تعالى أن ينصر الدولة العثمانية على أعدائها. ونهار الخميس 14 من الشهر(2/263)
المذكور احتشد المسيحيون في كنيسة الكلدان وفي مقدمتهم رؤساء الطوائف وتضرعوا إلى الله عز وجل أن يبارك مساعي الدولة في كل ما يعود إليها بالخير والصلاح ويحفظها من الملمات والبلايا.
20 - زراع القطن في المحمرة
احضر الشيخ خزعل من مصر 16 زارعاً عارفاً بزراعة القطن والأمل أنه ينجح في مشروعه لأن أراضيه حسنة لهذا النبت وتمتد من فم الخليج الفارسي إلى قصره قصر الكمالية.
21 - العرب في بمبى (الهند)
نمى إلى الدستور أن العرب في بميى (من ديار الهند) ما زالوا يوالون عقد مجالس لجمع الإعانة الحربية بهمة رئيسي اللجنة وهما الشيخ قاسم وعبد الرحمن آل إبراهيم وقد زاد
هذان الكريمان ما تبرعا به بالأمس ضعفه حتى بلغ تبرعهما في المرتين 60. 000 روبية (والروبية نحو فرنكين) وقد بلغت الإعانة في الاجتماع الأول 151. 000 روبية وفي الاجتماع الثاني 272000 مع أن الحاضرين لم يكونوا كثيرين والأمل أن هذا المبلغ يتضاعف مراراً.
22 - وكيل والي البصرة
ورد الأمر بتعيين قائد الفيلق في حاضرتنا حضرة علي رضا باشا الركابي وكيلاً لولاية البصرة وقد سافر إليها صباح 27 ت 2 كتب الله له السلامة.
23 - وفاة الشيخ عبد الله المازندراني
توفي في النجف في الأسبوع الأخير ت2 الشيخ عبد الله المازندراني فرفع وكيل إيران في بغداد علم الحداد إعلاناً لهذا المصاب فنطلب له من الله الرحمة والرضوان ولأهله الصبر والسلوان.
(المصباح)
24 - حريق في دار المعلمين
ظهرت النار في 26 ت 2 في سقف إحدى غرف دار المعلمين. وكان منشأها من موقد الحمام فبادر الطلبة إلى إطفائها ثم ساعدهم على ذلك بعض موظفي البلدية والعسكر فأخمدت في الحال ولم تتجاوز المحل الذي ظهرت فيه.(2/264)
العدد 19 - بتاريخ: 01 - 01 - 1913
قبور غريبة قديمة في البحرين
سابقة لعهد التاريخ
1 - تمهيد
الأثر الذي أريد أن أوجه إليه أنظار قراء لغة العرب هو المدافن القديمة العهد في البحرين فقد عزمت على أن أدون ما صرح ومحض من تاريخها خدمة للناطقين بالضاد لخفاء أمرها على الكثيرين منهم وطموس أخبارها حتى عن أغلب الرواد والمستشرقين معتمداً في ذلك على الثقات من السياح والمؤرخين.
2 - الطريق المؤدية إلى المدافن القديمة
بعد أن يلقي السائح عصا ترحاله في البحرين يقصد المقابر المهجورة في وسط الجزيرة التي تبعد نحو سبعة أميال عن (منامة) إذا أراد الوقوف على سابق حضارة تلك الديار وأول ما يصادف في طريقه أرضاً جرداء رملية لا يوجد فيها من الآثار المهمة سوى قلعة عظيمة الشأن مربعة وفي خارج أسوارها مدفع لا بل مدفعان قديما العهد مهملا الاستعمال قد علاهما الصدأ والغبار وفي كل ركن من أركان المعقل برج هائل وهو عبارة عن صرح كان حاكم البلدة أي شيخها يصطاف فيه وداخل أسوارها الشاهقة لا يوجد(2/265)
إلا غرفتان أو ثلاث صالحة للسكنى والإقامة. أما بقية الغرف فيأوي إليها أعوان الشيخ وخدمه الذين كانوا يدافعون دفاع الأبطال عن رفقائهم إذا مست الحاجة إلى ذلك.
ثم لا يزال يسير وهو لا يلوي على شيء حتى يهبط موطناً ظل نخله ظليل فيه مجار وأقنية للسقي والماء يتدفق فيها كأنه الكوثر أو السلسبيل يجاورها آبار رائقة حولها أشجار أوراقها غضة وأطيارها شجية الغناء تنسيه الوعثاء وتفرج عن قلبه كل هم وعناء وتريحه بعض الراحة من مصاعب الطريق ووعورة مسالك (منامة) حتى أنه لا يتمالك من الطرب والسرور والانشراح والحبور فينشج قائلاً:
وقانا لفحة الرمضاء وادٍ ... سقاه مضاعف الغيث العميم
نزلنا دوحة فحنى علينا ... حنو المرضعات على الفطيم
وارشفنا على ظمأٍ زلالاً ... ألذَّ من المدامة للنديم
يصدُّ الشمس أنىَّ واجهتنا ... فيحجبها وياذَنُ للنسيم
ثم أن الطريق يتعرج به ذات اليمين وذات الشمال ودليله جادة مغروسة أشجاراً تصعده تارة إلى أعالي التلال وإلى ركام جوامع تصفر فيها الأدهار وطوراً تهبط به إلى الحضيض ولا يزال كذلك في صعود وهبوط حتى يفضي به المسير إلى بقعة واسعة الأكناف فسيحة الأرجاء يشاهد فيها ردم (البلد القديم) وهي مدينة كانت في العصور السالفة عاصمة البحرين أما الآن فقد أصبحت بلقعاً ينعب فيها البوم والغربان ولا يقطن اخربتها المتبعثرة سوى بعض أجلاف السكان البائسين الذين يفترشون الغبراء(2/266)
ويلتحفون الزرقاء. وأما منارتا جامعها المتهدم فحدث عنهما ولا حرج فإنهما لا تزالان قائمتين تناطحان عنان السماء عزاً وجبروتاً.
إن أنفس مثال يدلك على فخامة هندسة البناء في الجزيرة هو معلم لتحية النوتية وقد بناه العرب في الزمان الغابر قبل أن مخرت عباب الخليج أساطيل ترستان داكنها والبوكرك القائدين الشهيرين والفاتحين العظيمين.
ثم يلج السائح بعد تلك المناظر غابة غبياء فيتعرقل سيره فيمشي الهوينا مضطراً وذلك نحو ميل أو ميلين لكثرة ما هنالك من النخل المشتبك بعضه ببعض ثم ينتهي به الأمر إلى صحراء واسعة فيأخذ العجب منه كل مأخذ إذ يجد في وسط جزيرة صغيرة كالبحرين بادية كإحدى بوادي النوبة الجرداء مقفرة لا يرى فيها مهما توغل في داخلها سوى رمال محرقة وأراضٍ بائرة وعلى بعد منها (جبل الدخان) وعلوه أربعمائة قدم(2/267)
وهو ذو مقام رفيع ومنزلة سامية عند أهل الجزيرة حتى أنهم يفضلونه على كثير من جبال سائر الأقطار. فإذا استمر المسافر سائراً نحو الغرب يلاقي غابة نخل تحجب في بداءة الأمر قرية (علي) عن أنظاره ولكن عندما يدنو كثيراً من تلك القرية ينفتح أمامه مشهد غريب لم ير اغرب منه قط في حياته وذلك المشهد هو:
3 - مدينة الموتى
في البحرين مدفن مهجور واسع الأكناف واقع في وسط فلاة فيها مئات بل ألوف من القبور المتلاصقة البناء تشبه تلالاً واطئة أو جبالاً منخفضة غير متقنة البناء والهندسة. وهناك لا
يرى السائح إنسياً ولا وحشياً حتى ولا نباتاً أو أثراً من آثار الأبنية المندرسة سوى تلك القبور العظيمة الشأن وهي تمتد أميالاً تدل على أن المدفونين فيها كانوا من جبابرة الزمان وأسرارهم غامضة عنا ولا يعرف عنهم إلا النزر القليل الذي لا يحفل به وبعض تلك القبور ترتفع زهاء خمسين قدماً وغيرها ثلاثين وأخرى عشرين وهلم جراً وبعضها لا يختلف عن البعض الآخر إلا اختلافاً طفيفاً جداً في حجمها وتكاد تكون واحدة وهي أعظم مقبرة في العالم على الإطلاق ولا يبعد أن تكون أقدمها عهداً وهي مع عظمتها لم يكتب عنها إلا بعض أفراد قلائل يعدون على الأصابع وهؤلاء الكتاب لم يكتبوا عنها مقالات ضافية الذيل بل عبارات مستطردة لا تروي غليلاً ولا تشفي عليلاً وقد جاءت في بعض كتب وصف البلدان أو في تقرير أو تقريرين من بعض سجلات الجمعيات العلمية التي همها الوحيد بث الرواد للوقوف على مجاهل البلاد.(2/268)
إن المرحوم ثيودور بنت مع سعة إطلاعه لم يكتب عنها إلا فصلا واحداً في كتاب له بل اللرد كرزن نفسه المشهود له بدقة البحث وبعد النظر وعلو الهمة والصبر على المتاعب والمشقات لم يدون عنها في كتابه شيئاً يستحق الذكر سوى قوله يوجد عدد وافر من القبور في البحرين. ويظهر لنا أما إنه لم يتح له الحظ زيارتها والوقوف عليها بذاتها ليميط الحجاب عن بعض غوامض أسرارها أو إنه لم يعرف حقيقة أمرها ورفعة شأنها في عالم الآثار النفيسة.
إن السائح الباحث إذا وطأت أقدامه تلك الربوع يقف حائراً مبهوتاً سائلاً ذاته: من هم ترى أصحاب هذه المدافن؟ ومن أي شعب أو قبيلة أو لسان كانوا؟ وما هي درجتهم في عالم المدنية والعمران؟ وبأي دين كانوا يدينون؟ وما هي جل معتقداتهم؟ وما هي شعائر ورسوم معبوداتهم؟ وما هي صفة حكومتهم أجمهورية كانت أم ملكية أم استبدادية؟ وما القصد من تشييدهم قبوراً هذا عددها في برية لا أنيس فيها ولا جليس؟ إلى غير ذلك من المسائل العديدة التي يطول الشرح في سردها وتعدادها. وليس في وسع أحد الإجابة عنها جواباً مقنعاً يشفي الأوام لأنه قد سدل على زمن تاريخها وتأسيسها حجاب الغموض والإبهام لبعد عهدها وتوغلها في القدم.
وقد ارتأى بعضهم منذ أعوام أن الخليج الفارسي هو مهد حضارة الجنس البشري وأصحابه
هم أول من تغلغل في المدنية وسكانه هم أول من قطع الفيافي ومخر البحار واقتحم الأخطار واختبر فن الملاحة وأهوالها. فقد أنبأتنا سجلات ورقم المصريين القدماء عن أرض تسمى(2/269)
البنط وبعض النصوص تصرح بأن البنط هي نفس الأراضي المجاورة للاحساء والبحرين ولكن تحتاج هذه المسألة إلى بحث دقيق ونظر عميق لأن الكتابات المصرية القديمة لم تعين تماماً موقع البنط ولا حددت تخومها بل أشارت إليها بعض إشارات طفيفة لم تزل في موضع الشك والارتياب.
ومهما يكن من حقيقة موقع البنط فأن ديار البحرين أو ما جاورها تعد مهد الجنس البشري وربوع خليج العجم هي أقدم محل في المعمور سطعت منها أنوار المدنية والحضارة وقد جاء في بعض أساطير الأولين أن الشعوب القديمة التي سكنت في أقصى أطراف المسكونة هم حديثو العهد بالنسبة إلى سكان الجزيرة. وقد ذكرتهم أقدم التواريخ وعدتهم بين أقدم أمم الأرض قاطبة فأبناؤهم هم الذين مصروا أرض الكلدانيين وشقوا أسس بابل وحفروا خنادقها وبنوا أسوارها وأبراجها وقد اشتهروا بمواهبهم العقلية السامية وبفطرتهم المتوقدة وقد أثبت رولنسن الشهير بالأدلة القاطعة والحجج الدامغة أن الكلدانيين القدماء أخذوا جميع معارفهم عن أهل تلك الجزيرة واقتبسوا منهم جل علومهم ومعلوماتهم كعلم التنجيم والسحر والعرافة والكهانة ونحوها وشهد أيضاً أن عهد ذريتهم يرتقي إلى نسل آدم المذكور في سفر التكوين من التوراة أي منذ بدء العالم وقال غيره إن من هذه البقعة انتشرت عبادة الآلهة الكاذبة والمعبودات الباطلة كآله(2/270)
البحر العظيم المرسوم على بعض أطلال الكلدانيين المندرسة المسمى هيا أو أواني وكانوا يعتقدون أنه رب الهاوية وسيد البحار وقد دعوا خليج فارس باسمه تيمناً وزعموا أنه مطلق القدرة وفي استطاعته أن يأخذ بيد من يستغيث ويستجير به في ضيقته وبليته وهو الذي علم سكان دجلة والفرات القدماء العلوم والفنون والصنائع والمعارف ولقنهم الآداب ورسم لهم الشرائع والأحكام لكي يعملوا بموجبها إلى غير ذلك. وقد قيل إن الشعب اليهودي اقتبس جل تقاليده من البابليين الذين أخذوها قبلاً من الأمم الساكنة على ضفاف الخليج الفارسي.
يعتقد اليوم جمهور من المؤرخين أن السلالة الصينية لم تنشأ قط من المملكة الصينية المتوسطة بل نزلت من الشعوب والقبائل التي رحلت من ديار البحرين إلى ما بين النهرين
ومنها إلى آسيا الوسطى ومن هناك سارت إلى ضفاف النهر الأصفر وذلك قبل أربعة آلاف سنة أو عشرين قرناً قبل المسيح عندما أخذ مؤرخوهم يدونون الحقائق التاريخية المتينة المكينة بدلاً من الخرافات الواهية الواهنة كما شهد بذلك كونفشيوس ذاته.
من يطالع تواريخهم الخرافية ووقائعهم الخيالية المدونة عن العشرة القرون السابقة لزمان مهاجرتهم ير أن الصينيين الحاليين وجدوا بلادهم مأهولة بالسكان الأصليين وقد قيل إن بعضاً من ذريتهم لم يزل موجوداً حتى يومنا هذا في أقطار الصين البعيدة وبعد سفرهم الشاسع القوا عصا ترحالهم في مشرق البلاد ولا يبعد أنهم شنوا الغارة على سكان تلك الديار وقتلوهم عن بكرة أبيهم واستباحوا أموالهم وأنهم دحروهم إلى ما وراء الجبال(2/271)
تخلصاً من غدرهم وفتكهم الذريع.
فالرأي القائل إن الصينيين أتوا من بين النهرين رأي لا يقبل النزاع أو الجدال لثبوت صحته ووفرة الشواهد عليه وهاك بعضها قال أحد كتبة الإنكليز الكبار (أمس كنت في دار التحف الأبريطانية ورأيت هناك بعض رسوم رؤوس شياطين البابليين وحتى يومنا هذا يمكننا أن نرى في أغلب بلاد الصين صوراً طبق الأصل تشابهها كل المشابهة) ومن يتدبر التواريخ الصينية ير لأول وهلة كيف أن الصينيين الحاليين عندما توغلوا في البلاد كان السكان الأصليون الذين حاربوهم يدعونهم (نسل الشعر الأسود) وسكان بابل كانوا يلقبون أصحاب المعارف والعقول الرفيعة من أهل الخليج الفارسي الذين وطئوا ديارهم وحلوا ربوعهم (الجزائريين ذوي الرؤوس السوداء)
لقد صرح العالم الفرنساوي تريان دلاكودري أن الكتابات المصورة الصينية القديمة تشابه تماماً خطوط ورسوم سكان بين النهرين القديمة وأن آلهتهم وشعائرهم الدينية تماثل آلهة الشوشنيين ورسوم تقاليدهم ومعارفهم وفنونهم الطبيعية القديمة كعلم الهيئة وعلم الفلك والطب وحفر الترع ومجاري المياه الصناعية الخ لا تفرق البتة عن معارف وفنون البابليين وإن شئت فقل هي بعينها.
إذا استقرينا التواريخ وتصفحنا الكتب القديمة العهد النادرة الوجود(2/272)
نرى جلياً أن أهل بابل قد استمدوا جل معارفهم إن لم نقل كلها من سكان الخليج العجمي المندرس الربوع المهجور الشواطئ التي نطأها الآن غير مكترثين بها وقد كانت في عصر من العصور الخوالي
مصدر حضارة البشر ومنشأ مدنيتهم فلما أخذ الإنسان يتدرج في معارج العمران هجرها وشرع يطوف في طول البلاد وعرضها ومنذ ذاك الحين أخذ ظل عزها يتقلص رويداً رويدا حتى أصبحت ديارها كما نعاينها الآن بلاقع خالية من آثار التمدن. أما سبب تقدم أهلها وسموهم على غيرهم في ذلك الزمان فهو على ما أظن موقعهم الطبيعي التجاري الذي دفعهم إلى أن يخوضوا غمار المخاطر ويحلقوا في سماء المجد والعرفان والسؤدد ومن هذا القطر نزح أيضاً شعوب وقبائل عديدة راقية جداً منها الطورانيون المذكورون في كتاب العهد القديم باسم الكنعانيين فأنهم اجتازوا بلاد العرب ودخلوا سوريا وأسسوا فيها مدينتي صور وصيداء.
وقد أخبرنا هيرودوتس المؤرخ اليوناني الشهير أنه زار صوراً وتفقد معالمها وجالس شيوخها وخاطب كهنتها في أمر بنائها فأجابوه أن هيكلهم قد بني قبل زيارته إياها بألفين وثلاثمائة سنة وبعد أن برح الطورانيون(2/273)
أوطانهم اجتازوا بلاد العرب شيئاً فشيئاً كما فعل قبلهم أسلافهم الصينيون عندما رحلوا نحو مشرق الشمس ويظن رولنسن أن ذلك حدث منذ نحو خمسة آلاف سنة. فلنترك هذه المسائل لمن يريد استقصاءها بذاته ثم نعود فنقول: متى بنيت القبور في البحرين؟ وما هو زمن تأسيسها على التحقيق؟ ومن الراقدون فيها؟ إن هذه الأسئلة تظهر لنا كأحجية أما ثيودور بنت فقد أخبرنا أن المدفونين فيها هم من أصل فنيقي هجروا أوطانهم وقطعوا فيا في بلاد العرب وحلوا بهذه الربوع وبنوا على البر بلدة على خط البحرين في موضع بقرب مدينة القطيف الحديثة ربما كان عند رأس الخليج حيث ترى اليوم جزيرة البحرين وكانت مدينة عظيمة فيها سوق تجارية واسعة اسمها (الجرعاء) التي يظنها البعض نفس مدينة أوفير الشهيرة بكثرة ذهبها والغنية بمعادنها وقد جاء ذكرها في العهد القديم من الكتاب الكريم. فهل يا ترى اعتقد سكان الجرعاء أن البحرين بقعة مقدسة التربة حتى ينقلوا إليها جنائز موتاهم ويدفنوهم فيها كما يفعل اليوم الإمامية في نقل جنائزهم إلى كربلاء والمشهد (أي النجف) أو لأنها قريبة من البحر وهي مركز التجارة وتلك المدافن هي قبور أولئك السكان أو أقيمت تلك المقبرة الغريبة قبل أن يبرحوا الوطن ويتوغلوا في قلب بلاد العرب أو قبل أن يمصر أهل الجزيرة أرض الكلدانيين وينشئوا فيها مهجراً(2/274)
ويقيموا مستعمرة فهذه المسائل لا يستطيع الإنسان أن يبت
فيها رأيه لقدم عهدها وغموض أسرارها.
إن المستر بنت فتح بعض القبور وعثر على بضعة آثار فانتقى منها شيئاً وبعث به إلى المتحفة الابريطانية وبعد أن أمعنت لجنة المعهد نظرها فيها ودققت فحصها قر رأيها على أنها من أصل فنيقي وعليه تدل هذه الآثار على أن القبور قديمة جداً. فإذا سلمنا بتلك الدلائل واعتبرناها صحيحة تكون القبور قد بنيت على الأقل منذ نحو خمسة آلاف سنة هذا إذا كان رولنسن قد ضبط حسابه في تاريخ الهجرة إلى البحر المتوسط.
إن الخط المسماري قديم جداً عند سكان بابل وكان للفنيقيين ضرب من الكتابة تشبه الحروف ولما اكتشفت صناعة الكتابة وأخذ الناس يستعملونها في التدوين والتسجيل تركت الكتابة المسمارية على أن الباحث مهما نقب في تلك المدافن لا يعثر على شيء من قبيل الحفر أو النقش على صخورها وأحجارها مع أن الفنيقيين عندما القوا عصا ترحالهم في البحر المتوسط أخذوا يقلدون المصريين في وضع موتاهم في نواويس ولسوء الحظ لم يوجد ناووس واحد في تلك المدافن ليتخذ منه دليل على تاريخ سالف لزمان الجلاء وهناك أمر آخر يستحق التدبر والتروي وهو أن أحد الباحثين قال حين اكتشف البقعة وتدبر ما فيها أن جميع القبور التي فتحت بجنب (قرية علي) وهي قبور أعلى من سائر القبور التي وراءها بنحو عشرين قدماً هي على رأيه أحدث من غيرها ومما يؤيد ذلك أن هذه القبور قائمة على طرف المقبرة الفسيحة الأرجاء القديمة العهد ويظهر أنها آخر ما شيد وأقيم هناك.(2/275)
كتب القائد دوراند ما نصه (إن الآكام العالية هي قريبة من قرية علي وهي أكبر من غيرها) إن ما فاه به هذا الكاتب واضح وضوح الشمس في رابعة النهار فنيرخوس الذي تولى قيادة أسطول اسكندر الكبير في سفرته الشهيرة إلى خليج العجم يصف كيف أنه زار مدينة فنيقية في البر وجزيرة تدعى تيرين ويظهر أنها هي التي تسمى اليوم دارين عند العرب وديرين عن الأرمية وهي فرضة بالبحرين وقد رأى هناك قبر ارثرا الذي كان سلطان الخليج ولا يبعد أن يكون اسم الخليج في السابق أي البحر الارثري مشتقاً منه ونيرخوس يصف المدافن بقوله (رابية مرتفعة كثيرة النخل) فهذا الوصف ينطبق أتم الانطباق على إحدى تلك الروابي العالية بقرب (قرية علي) بخلاف سائر الروابي فأنها لا
تنطبق عليها وهي بعيدة عنها أميالاً عديدة بيد أنه لا يوجد الآن نخل وهو ولا شك مات لتقادم عهده.
وهذه الرواية تؤيد أن الآكام الكبيرة بنيت في العهد الأخير والدليل على ذلك أن اسم الشخص المدفون في إحداها ذلك في زمن نيرخوس رفيق اسكندر المكدوني عندما شاهدها. ويظهر إنه لم يبحث أحد في هذا الأثر منذ ذلك الحين حتى قام الضابط دورند الذي رفع بعد ذلك إلى درجة أمير (دوق) وذلك أنه بينما كان يجول في أراضي تلك الجزيرة الموحشة خطر له فجأة أن يفتح أحد تلك المدافن وينقب فيه عله يعثر على شيء يستحق الذكر والعناء ومن الغريب أنه مضى عدة قرون من نيرخوس إلى(2/276)
زيارة ذلك الضابط الإنكليزي ولم يبحث أحد بحثاً وافياً عن تلك الآثار الغريبة القديمة العهد.
لقد أطلقت العنان لقلمي في موضوع أنا فيه قصير الباع مع أن موضوعاً كهذا زاخر العباب يحتاج إلى أن يلم به خبير بارع. هذا ورولنسن لم يكتب شيئاً مذكوراً عن تلك المدافن ومنزلتها في عالم الآثار القديمة. وكل ما يقوله الأديب عنها هو من باب الرجم وليس عليها كلها شيء من العظمة والأبهة التي ترى في خرائب مصر الهائلة المنقورة في الصخور وأطلال صور وصيداء الخ إلا أن في آثار البحرين مزية لا توجد في غيرها وهي بها تفوقها من عدة وجوه منها أنها تبني في ذهب من يراها ذكراً لا محيى وصوراً تنطبع في مخيلته حتى أنه تنقله إلى الأعصر الخوالي وتضع نصب عينيه حوادث الأيام القديمة جداً ولا أراني أبالغ إذا قلت إنها تذكره بالوقائع التي جرت منذ تأسيس العالم. وعلى كل حال فصحراء البحرين الموحشة الفسيحة الأطراف المملوءة من القبور تؤثر في النفس أكثر مما تؤثره خرائب كرنك وثيبة فهل الآكام التي نحن بصددها هي أقدم من جميع أطلال مصر وبابل ونينوى وفينيقية المندرسة؟ ذلك مما لا أستطيع أن أبت فيه رأياً(2/277)
لما يحتاج إليه من أعمال الروية ودقة النظر والوقوف التام على كنه الحقيقة ولا أظن أن أديباً من الأدباء يستطيع الإجابة الصادقة عن ذلك بالنظر إلى ما لدينا الآن من قلة الوسائل التي تهدينا إلى الجواب. بيد أن الظواهر تحمل السائح على أن يعتقد أن سذاجة المدافن وخشونتها وعدم إتقان بنائها هي البقعة التي سكنتها القبائل والأمم ذوات الرؤوس السوداء التي وافت بابل من عبر البحر وشيدت معالمها وهذا ما يستدل عليه من آثارهم التي
تركوها للأجيال المقبلة إذ هي أقدم ما صنعته يد بشر على وجه البسيطة بأسرها.
إني لا أتعب القارئ الكريم بشرح دقيق أو وصف مسهب عن قياس المدافن ومساحتها أو عن ماهية ونظام باطنها أو عن الذخائر والآثار الموجودة فيها. فهذه الأمور وغيرها يوفيها حقها من البحث أربابها وأريد بهم الرواد الذين يطوفون البر والبحر للوقوف على مجاهل البلاد وفي يقيني أنهم يتفرغون للفحص والتنقيب عن تلك المقابر العظيمة ولو بعد حين وينشرون عنها أبحاثاً علمية تاريخية وافية بالمراد. وقد عزمت بعد الاتكال على الله أن أصف المدافن ولو على سبيل الاختصار لكي يلم بها المطالع الأديب في الوقت الحاضر فأقول:
(لها تلو)
رزوق عيسى
الشيخ عبد الرحمن السويدي
-
هو أبو الخير الشيخ عبد الرحمن زين الدين ابن الشيخ عبد الله السويدي كان إمام عصره في مصره وقطره ولد في بغداد سنة 1134هـ - 1721 - 1722م وأخذ العلم عن والده وعن فصيح الهندي وعن ياسين(2/278)
الهيتي قال العلامة يوسف بن محمد بن يوسف العبادي في كتابه الذي فرغ من تأليفه سنة 1199هـ المسمى بالجمانات السنية شرح المنظومة السليمانية - من نظم سليمان بك ابن عبد الله بك الشاوي الشاهري الحميري -: (هو أبو الخير عبد الرحمن بن عبد الله. . . السويدي ذو التحقيقات المفيدة والتآليف العديدة مع صغر نفسه وكبر شفقته على أبناء جنسه وله من المصنفات المعتبرة (كذا) كتابه في السير المسمى بالكتيبة. والحاشية على (شرح) الحضرمية لابن حجر (في فقه الشافعية) ونكته على الشبراملسي سماه إرواء المحتسي (من كؤوس الشبراملسي في فقه الإمام الشافعي أيضاً علقها على الحواشي المنسوبة إلى أبي الضياء نور الدين على الشبراملسي التي علقها على نهاية المحتاج.) وشرح الشيبانية. وشرح حانات والده في علم البيان. وشرح الرسلانية (وهي شرح كلمات رسلان في التصوف) وشرح قصيدة للشيخ الأكبر. وشرح مسألة الشعيرة. وحاشية في علم الهيئة. سماها (زينة الأملاك شرح تشريح الأفلاك) والأجوبة الهندية (في الحكمة الإلهية) في علم الحكمة. وحاشية على جزء العبادات من تحفة ابن حجر. ومقامات بديعة. وتاريخ سماه حديقة الزوراء وهو تاريخ(2/279)
كبير في ثلاثة مجلدات ضخام) وله مكاتبات ومراسلات كثيرة فهو في هذا الزمان خاتمة المؤلفين المحققين لم نعثر على أفضل منه في ما رأينا) اهـ. وله شرح حاشية على شرح القطر للعصامي. وله كتاب كشف الحجب المسبلة شرح التحفة المرسلة. رداً على من ادعى الحلول. وقد طبع في مصر وفي ذيله شرح الصلوات المشيشية أو البشيشية. نسبة إلى عبد السلام بن بشيش أو مشيش وهي أيضاً له. وله شعر ونثر فمن شعره من قصيدة أرسل بها من الشام إلى صديق له في بغداد:
لولاك يا بلد الزوراء لولاك ... ما احرق القلب مني شجو شجواك
سقى أديم الثرى منك الحيا وحيت ... سحب الكرائم في التكريم محياك
واخضر ربعك من دون الربيع ولا ... زالت زهورك في صيف ومشتاك
أقول للواكف المنهل من مقلت ... ي أكفف لتنجو من مجراه جرعاك
شتان ما بين بغداد وجلق مع ... إقعاد حظي فحظي مدمع الباكي
هيهاتُ هيهات أن ينجاب لي أمل ... به أعلل آمالي للقياك
آه وآه فلا أنهي التأوه ما ... دام التفوه في بعدي لمرماك
وقد أعقب ولداً واحداً وهو الشيخ محمد وبنتاً واحدة.
وكانت وفاته في العشرين من شهر ربيع الثاني سنة 1200 هـ - 1 شباط 1786م ودفن في جوار الشيخ معروف الكرخي. وقد رثاه الفضلاء والأدباء من أهل مصره مثل أخيه الشيخ أحمد. وسليمان بك الشاوي. والشيخ علي أفندي البغدادي، وغيرهم مما يطول ذكره.
كاظم الدجيلي(2/280)
العمرة عند العراقيين
تمهيد
إذا جاور قوم قوماً آخر يختلف عنه في لبسه وأكله وشربه ونومه وقعوده وقيامه وأمور معيشته ولسانه ونحو ذلك لا يبطأ أن يدخل شيئاً من أحوال جاره في شؤونه، وكلما اعتقد فيه السيادة عليه كثر اقتباسه منه. وهكذا الأمر في أهل العراق. فإنهم لما خالطوا الفرس والترك وسائر الأعاجم أخذوا منهم شيئاً كثيراً مما يتعلق بشؤون ألفتهم ومجتمعهم ولاسيما بما يتعلق بلباسهم. وهانحن نذكر هنا ما يتعلق بعمرة الرجل أي بما يلبسه على رأسه وهي لفظة عربية فصيحة يقابلها عند الإفرنج كلمة فنقول:
1 - العرقجين
بفتح العين والراء المهملتين وإسكان القاف وكسر الجيم المثلثة الفارسية وإسكان المثناة التحتية وفي الآخر نون، لفظة تركية فارسية الأصل مركبة من كلمتين وهما: (عرق) بالمعنى المشهور العربي وهو رشح الجلد. و (جين) الفارسية بمعنى جامع أو لام. ومحصل معناهما: (جامع العرق أو لامه. وبعضهم يزيد على آخره هآء فيقول (عرقجينة) وهو قليل. والمشهور الأول. ويراد بها سكبة أي خرقة تقور للرأس تكون في أغلب الأحايين من نسيج القطن تلبس تحت الطربوش أو الفينة (اسم الطربوش عند العراقيين). وقد تلبس وحدها في المنزل أيام الحر الشديد، أو قد تلبس ويلف عليها العمامة أو توضع عليها الكوفية المعروفة عند العراقيين باسم الكفية: - ولكون هذه العمرة تتخذ لكي تمتص العرق عرفت أيضاً باسم العرقية بفتح الحرفين الأولين. قال صاحب التاج في مستدرك ع ر ق: (العرقية محركة: ما يلبس تحت العمامة والقلنسوة مولدة.) أهـ. وكان أهل العراق أول من اقتبسها عن الفرس لمجاورتهم إياهم(2/281)
ولشدة حر صعقهم. ثم انتقل بها قوم إلى ديار الشام فتعلم الشاميون منهم اتخاذها ولهذا سموها (عراقية) نسبة إلى العراق. قال في محيط المحيط: العراقية من ملابس الرأس تلبس غالباً تحت الطربوش.) ثم زاد على ذلك قائلاً: والمشهور عند العامة العرقية) وضبطها بإسكان
الراء.
وقد جاءت العرقية في بعض نسخ كتاب ألف ليلة وليلة (راجع طبعة برسلو 260: 9 و329: 4) وقد وردت مرة بصورة عرقية وأخرى بصورة عراقية. على أن (العرقية) أقدم ذكراً في كتب المولدين من (العراقية) فقد جاءت العرقيات في كتاب اللطائف للثعالبي (ص 112 س 10) وقال عنها أنها تصنع في طبرستان.
وكان أهل الشام يريدون سابقاً بالعرقية غير ما يريدون بها اليوم. فقد ذكر روجه في كتابه (الأرض المقدسة) ما تعريبه: تلبس المرأة على رأسها نوعاً من التاج يكون من فضة ويسمونه عرقية (بإسكان الراء) ويكون بهيئة مخروط. وقال في ص 204: (على رؤوس نساء أمراء البادية تاج من فضة مخروط الشكل يلففن عليه لفافة من الحرير الأسود مطرزة باللآلئ والحجارة الكريمة.) أهـ. فيؤخذ من هذا الوصف أن ما كان يسمى عرقية سابقاً هو المسمى عند اللبنانيين بالطرطور الذي حظر استعماله الكهنة بعد حادثة 1841 و1845. وقد جاءت العرقية بهذا المعنى في كتاب ألف ليلة وليلة قال: وعلى رأسها خوذة بالذهب مطلية، وعرقية فولاذ وزردية. وفي بعض النسخ وردت كلمة بيضة بدلاً من عرقية.
فالعرقية بإسكان الراء لغة أهل الشام. وبفتحها لغة أهل مصر والمغرب وبعض أهل العراق.
وأهل مصر يسمونها أيضاً (طاقية) وقد وردت في كتب المولدين وذكرها ابن بطوطة في رحلته والمقريزي في كتابه الخطط والآثار. ومن أسمائها المعرقة (وزان مدرسة) وكان يعرفها بهذا الاسم بدو ديار الشام قبل نحو قرن. أما اليوم فاللفظة بهذه الصورة مماتة عندهم. ومن أسمائها الحالية(2/282)
(الحدرية) (بكسر الأول) ويعرفها بهذا اللفظ أهل بادية العراق وبعض سكان مدن العراق كأهالي الشطرة والحي والناصرية أو المركز وسوق الشيوخ والكلمة مشتقة من حدر الجلد العرق: إذا سأل به. فهي والعرقية من معنى واحد وإن اختلف المبنى. وأما لفظة العرقجين فيعرفها أهل مدن العراق الكبيرة كبغداد والبصرة والنجف وكربلاء وبعض أهالي البادية الذي يختلفون إلى المدن.
وتختلف هيئة العرقجين باختلاف أهل المدن وأعمارهم. فمن العرقجينات ما هو طويل محرب كثير النقش والتطريز والتزويق. وهذا تتخذه غالباً الفرس والهنود الموجودون في
العراق. - ومنه ما هو على هيئة نصف كرة. وهذا يلبسه العرب العراقيون وبعض الفرس الموجودين بين ظهرانينا. - ومنه ما هو على شكل مثلث تسميه النساء العراقيات (كاوورية) بكاف فارسية مثلثة يليها ألف بعدها واوان: الأولى مضمومة والثانية ساكنة يعقبهما راء مهملة ثم ياء مشددة ثم هاء نسبة إلى الكاوور وهو عند العراقيين المسلمين اسم النصارى والكفار والمجوس. وقد نسبت إليهم كأنهم هم الذين أول من استعملها على هذه الهيئة. والمسلمون يتخذون هذا النوع من السكبة لأطفالهم خاصة.
2 - الفينة والطربوش والفيس والفس والشاشية والغفارة
العراقيون يسمون الطربوش (فينة) بفاء مكسورة وياء مثناة تحتية ساكنة ونون مفتوحة وهاء في الآخر. والطربوش هو الاسم الشائع في سائر البلاد العربية اللسان. والفينة تصحيف فينة بفاء مثلثة وهي اسم حاضرة بلاد النمسة لأن أهل هذه الديار كانوا يجلبونها في السابق من تلك العاصمة فأضيفت إليها ثم حذف المضاف على ما هو مستفاض في لغة العرب. أما الطربوش فهو تصحيف سربوش أي غطاء الرأس بالفارسية. قلبت فيها السين تاء على لغة شائعة عندهم (لغة العرب 1: 253 و2: 176) ثم فخمت التاء فصارت طاءً فقالوا طربوش كما في القتر والقطر وهرت الثوب وهرطه. والمتلئب والمطلئب وغيرها كثير. وأما الفيس فهو كلمة فاس بالأمثلة وفاس قاعدة مراكش. وكان يجلب منها أيضاً هذا النوع من العمرة، فأضيفت إليها. ثم حذف المضاف كما جرى الأمر(2/283)
في فينة. وبعضهم يقول فس وزان تل. ولم يرد من هذه الألفاظ في كتب المولدين إلا كلمة طربوش. من ذلك في بعض نسخ كتاب ألف ليلة وليلة في قوله وكان عليه كما ذكرنا الطربوش والشاش. - ونظن أن لفظة الفينة قديمة أيضاً في العراق لأن الرحالة الإفرنسي أوليفية المتوفى سنة 1814 يقول في رحلته في كلامه عن نساء بغداد: وفي زينتهن المألوفة يكون على رؤوسهن فينة سوداء من القطيفة (المخمل) تتدلى إلى الوراء لها عثكولة (بسكولة أو شرابة) من الإبريسم أو من الكلبدون (خيوط الذهب) فإن كانت العثكولة من خيوط الذهب (الكلبدون) فظاهر الفينة يكون مغشى بالقصب (بشريط الذهب) وتثبت هذه الفينة على الرأس بلفافة من شال قشمير.)
وأما لفظة فيس أو الأصح فس فمأخوذة من التركية لأن الترك يلفظون مدينة فاس التي
كانت تصنع فيها هذه العمرة (فس أو فيس) وعوام بغداد يقولون إلى يومنا هذا (فيس رنكى) أي (لون الطربوش) إذا أرادوا أن يعرفوا لوناً من الألوان الحمراء يكون بلون الطربوش.
وفي سابق العهد كان أهل مصر يسمون هذه العمرة (شاشية) كما يعرفها بهذا الاسم أهل المغرب إلى يومنا هذا. وهم يعرفون أيضاً من مراد فاتها الطربوش. - وأما عرب الأندلس فكانوا يسمونها غفارة بكسر الغين وهو أفصح ما جاء في هذا المعنى. قال في تاج العروس: (المغفر كمنبر والمغفرة بهاء أو الغفارة ككتابة: زرد من الدرع ينسج على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة. ويقال: هو رفرف البيضة. . . قال ابن شميل: وربما كان المغفر مثل القلنسوة غير أنها أوسع يلقيها الرجل على رأسه فتبلغ الدرع ثم تلبس البيضة فوقها(2/284)
فذلك المغفر يرفل على العاتقين. وربما جعل المغفر من ديباج وخز أسفل البيضة. . . . وربما يعنوها وظهروها بديباج أو خز أو بزيون. هكذا ضبطها أبو عبيدة. وحشوها بما كان. وربما اتخذوا فوقها قوساً من نضة. وغير ذلك. انتهى. قلنا: فإطلاق اسم الغفارة على الطربوش فسيح إذاً من باب التوسع ومن باب إبقاء الاسم على مسماه وإن تغيرت مادته فاحفظه تصب إنشاء الله تعالى.
النجف:
محمد باقر الشيبي
نهر الرشادي في الديوانية
فتح هذا النهر في زمن المتصرف خيري بك (سنة 1319 هـ - 1901 م) وقد شق من (بحيرة ابن نجم) التابعة لقضاء الشامية. وهو يبعد عن مركز اللواء ثلاث ساعات ولشدة ضيقه لم يجر فيه إلا شيء قليل من الماء. ولما تعين محمد صالح أفندي نائب لواء الديوانية للنيابة في اللواء سنة 1326 وتقلد وكالة المتصرفية بلغه أمر النهر فأمر أن يشارف وبعد الإطلاع عليه وجده قابلاً للتوسيع وإرواء ما تحته من الأرضين فأنشأ لجنة لجمع إعانة تقوم بحفره فوسع وكري وجرى فيه الماء الكافي. ثم شوق الأهالي إلى جلب معينات (مكينات) لجر الماء فجلبوا منها نحو 20 منضحة (طرمبة) بخارية وركبوها على النهر.
ولما قدم لواء الديوانية والي بغداد جمال بك (سنة 1912) أوقفه النائب الموما إليه على النهر ورغبه في تخصيص مال ينفق على توسيعه لتزيد زراعة ما يسقيه وتنمو وارداته فخصص له نحو ألف ليرة. وفي تلك الأثناء تعين متصرفاً للديوانية أحمد مدحت أفندي فلم يلتفت إلى الطريق(2/285)
المؤدية إلى تحقيق الأمنية ولذا ذهبت الأموال سدى على يده: وفي الآخر انقطع الماء. وكأنه لم يكتف بذلك فحاول أن يغير اسم النهر المسمى باسم جلالة السلطان ويسميه (نهر الخيري) باسم أبيه خيري بك لكونه فتح في زمانه. فإذا كان ما زعمه صحيحاً فلماذا لم يسع بتعميره وتتبع منشآت أبيه.
ولما عزل وتعين في موطنه قيم المقام العسكري عبد الله صبري بك للوكالة ورأى هذا ما آل إليه أمر النهر وتلف الزرع وحاجة الأهالي إلى ماء الشرب وزع الأشغال للمحال على العشائر التابعة لمركز اللواء وسافر بنفسه إلى قضاء الشامية وأشغل الجميع بالحفر والكري وممن ساعده على ذلك مفتي اللواء إسماعيل أفندي آل الواعظ ومدير ناحية (شوفة مليحة) سليم ثابت أفندي الزهاوي. وبعد أيام قلائل تم العمل وجرى الماء في النهر بكفاية وقد وصل إلى الديوانية في أول ذي الحجة (10 ت 2 سنة 1912) بعد أن أشرف الأهلون على الهلاك من فقد الماء. وقد تليت الخطب والأدعية وأرسلت رسائل التشكر إلى الآستانة والولاية. والذي يجب اليوم أن نوجه إليه الأنظار هو سد منفذ (أم الهايتة) الواقعة في نهاية
بحيرة ابن نجم وبذل العناية بتحكيمه حتى يدوم جري الماء بل يتضاعف وبذلك تعم الفائدة الجميع.
الديوانية:
فؤاد زاده عبد المجيد
عاشوراء في النجف وكربلاء
حبذا لو كان ينتهي تدين الشيعة المفرط إلى هذه الوسيلة تقليلاً لواردات الدولة العثمانية، لكنه يتعدى هذا الحد كما ستراه بعيد هذا حتى يصل إلى(2/286)
ما يقارب الشطط. لأنه يتجدد في كربلاء في الشهر المحرم من كل سنة وفي الوطن الذي قتل فيه الحسين وأصحابه مشاهد تتفطر لها المرائر ويذوب لها الفؤاد حزناً وكآبة.
والتحمس في الدين يبلغ أوجه في عاشوراء ومحاولة وصف ما يجري في تلك الأيام من العبث. هذا فضلاً عن أن الكاتب لا يستطيع أن يجري قلمه في هذا الميدان بدون أن يشعر بقشعريرة تدب في جسمه كله لهول ما يرى. وإذا تذكرت بجانب هذا المشهد ما سمعت أو رأيت من أعمال بعض الدراويش وتهاويلهم المدهشة لما تصورت شيئاً يذكر.
الشهداء الذين يكونون موضوع هذه الحفلة الهائلة هم أصحاب(2/287)
الحسين المقربون الميمونو الطالع. وقد آلوا على أنفسهم أن يضحوا أنفسهم ضحية للإمام ليحصلوا منه على نعمة أو بركة أو حسنة إذا حاماهم أو دافع عنهم وفي أغلب الأحايين يضطر بعض الحاضرين إلى أن يمسكوهم لكي لا يقوموا بمواعيدهم فينجزوها بالحرف الواحد وكثيرون منهم يموتون فدى للحسين لكثرة ما يقاسونه من الأعذبة المبرحة في مثل تلك الأهوال.
وأول شيء يأتونه في مثل تلك الأيام أنهم يحلقون رؤوسهم من الوسط في عرض نحو 10 سنتيمترات وهذا الحلق يتجه من الجبهة إلى القفا. فيكون قحف الرأس أجرد ليس عليه ما يدفع أو يخفف غائلة الآلة الجارحة. ثم أنهم يلتحفون بثوب أبيض يميزهم عن سواهم من بين الجمع. إلا أنه لا يبقى مدة طويلة ببياضه الناصع إذ لا يعتم أن يتضرج بالدماء الحمراء القانئة. هذا فضلاً عن أن هذا الثوب هو الكفن الذي يسحبون به إذا ماتوا في أثناء هذه الحفلة الرائعة. ويجعلون بأيديهم سيفاً مشهوراً. وبهذا الزي وهذا السلاح يأخذونهم إلى الصحن(2/288)
فترى الصحن على رحبه قد غص بمن فيه من تكاتف الجمع وازدحامه هناك. وفي مثل هذا المقام لا في غيره يحق أن يقال: (ضاق الفناء بمن فيه) وبعضهم يحاول أن يرى الواقعة المحزنة أحسن روية فيصعدون إلى الطارمات والمماشي والمشارف والسطوح
وأطورة الدور ليشارفوا المشهد أتم المشارفة. وعدد الزوار المتجمعين في تلك المواطن بين ذكور وإناث لا يقل عن 20 أو 25 ألفاً. وهم في حالة التحمس والتهيج التي ليس وراءها حالة. وفي هذا الصحن يمثل كل ما وقع سابقاً في يوم عاشوراء.
وبينما أنت تنظر إلى هذا الجمع المزدحم ترى في وسطه فرساناً عليهم ثياب بيضاء وتحتهم جياد بيضاء يزيدون الحفلة رونقاً وترتيباً وغايتهم مرافقة أولئك المستشهدين إلى حيثما يذهبون.
فيطوف هؤلاء الناس جميعهم في أنحاء المدينة، ثم يتألبون في(2/289)
مكان محصور ترى فيه نساء، لعلهن نساء بعض المستشهدين - وقد تحجبن أشد الحجاب ورافقنهم إلى ذلك الموطن وقد تجمع على جدرانه وأطورته طوائف من المتطلعين كأنهم عناقيد من الآدميين - وبعد هذا يبتدئ الاستشهاد.
اصطف المستشهدون على هيئة نصف دائرة، وهم ينتظرون أدنى علامة أي سماع أول آية من الآيات التي ينطق بها الإمام ليضربوا أنفسهم الضربة الأولى. ثم يزداد هياجهم وتحمسهم بما يسمعون من الألحان الدينية ونغمات الأدعية وما يتلفظ به الجمع الحاضر من كلم الحث على الاستشهاد والتشويق إليه. هذا فضلاً عن أنه يحدث ساعتئذ نوع من الجلبة تخيل لهم أنهم سكارى وما هم بسكارى فيضربون إذ ذاك أنفسهم ضرباً أليماً. ثم يتحرك الطواف ثانية تحت رعاية أو مراقبة الفرسان ليجولوا حول المدينة ويروا أنفسهم لأغلب من هناك في البلدة حملاً لهم على رؤية ما فيه إصلاح النفس أو صلاحها.
ها أن الدم يتصبب عبيطاً من جباههم ويتحدر قائناً على وجوههم، فيصبغ ثيابهم البيضاء الناصعة بالأحمر الأرجواني وقد أصبحت رؤوسهم عبارة عن جروح دامية عديدة. ومع ذلك ترى أيديهم المرتجفة المرتعدة تصك الرأس بالسيف صكاً عنيفاً بدون رحمة أو شفقة.
ومن وقت إلى وقت ترى عضلات الساعد قد وهنت فلا تطاوع(2/290)
الإرادة بل تعصيها فتقف عن الحركة ريثما تجم قواها فترجع إلى الصك أو القرع أو الطرق.
ثم يقف الطواف في إحدى الطرق وعيون المؤمنين ترعى هؤلاء المستشهدين حتى إذا عادت إليهم قواهم، عادوا إلى إعمال تقاهم، وأخذ الناس بالأدعية والصلوات والتشهد واستأنف محبو الحسين بتعذيب أجسادهم بدون أن يشفق بهم أحد أو يحن قلبه عليهم، فينهي
هذه الفاجعة التي يتصدع لها الجلمود، بل بالعكس تراهم جميعهم يحثونهم على طعن أنفسهم طعناً عنيفاً، بل أعنف فأعنف. وروية الدم العبيط يزيدهم إلحاحاً وتنشيطاً ولهذا يتبعونهم ويلازمونهم ملازمة الظل لصاحبه إلى أن يتم الاستشهاد
وبينما يسير الجمع وراء الذين يجودون بأنفسهم تراهم لا يغادرون طريقاً إلا ويسيرون فيه ومثل هذه الفاجعة يقع خارجاً عن المدينة وفي أوانها. وبعد ذلك ترى أعراباً قد سلوا سيوفهم وشرعوا أسنتهم ونشروا ألوية بيضاء رمزاً إلى الصلح يرقصون ويهوسون ويصرخون ويعطعطون ويطلقون طلقات نارية في الهواء. فلما يسمع المستشهدون بذلك الضوضاء يزداد تحمسهم وتهيجهم زيادة لا يصفها يراع واصف فيقرعون رؤوسهم بالسيوف وهم يلهثون لشدة ما وصلوا إليه من إنهاك القوى.
وقد يتفق بعض الأحيان أن يقع واحد منهم خائراً واهناً (كجلمود(2/291)
صخر حطه السيل من عل). وللحال تمد إليه ألف يد لتنعشه. وقد يكون المغشي عليه قد سقط لضعف حركة في قلبه لا لوهن في عزمه، أو قد وقع لكثرة الجروح التي استنزفت دمه. وقد يتفق أن يموت المستشهد فتكون وفاته من أعظم الحسنات لنفسه ولأصحابه ولأهل بيته ولسكان المدينة كلها جمعاء، لأنه مات في حب الحسين.
ولقد سبق فكرهم بوقوع مثل هذا الحادث قبل جريانه ولهذا ترى مع الجمع المزدحم أناساً من باعة الأكفان يتتبعون القوم أينما ذهبوا حتى إذا اقتضت الحاجة ذلك أظهروا من فورهم. وكل شهيد يسقط في مثل هذه الواقعة يسجى للحال بكفنه المضرج بالدماء ويضجع في تابوت وينقله للحال بعض من حضر بأوجه باشة هاشة وهم يظنون في أنفسهم أنهم من أسعد خلق الله لكونهم شهدوا بأنفسهم وقوع هذا الشهيد الكريم واقتربوا منه، وربما مسوه مساً لطيفاً تبركاً به.(2/292)
وهانحن أولاء قد قربنا من نهاية الطواف المتهيج، وقد ازداد عدداً بما انضم إليه من كل بيت ودار وشارع وطريق، وقد ازدحموا ازدحاماً عظيماً حتى أن الواحد ليطأ الآخر أو يسحقه بدون أن يشعر بما أتى. وكل ذلك حباً لما يجري بمن جرحوا أنفسهم في هذه الفاجعة العظمى.
ترى هذا البحر المتموج بالخلق يتجه نحو الصحن وقد غص فناؤه بمن فيه من الزوار
والمتحمسين. ولقد ترى في هذا الصحن زهاء 50 ألفاً من النفوس وقد ازدحموا ازدحاماً بل قد رصوا رصاً. دع عنك ذكر من تسلق الجدران وتعلق بالحيطان ونظر من أعلى السطوح وتطلع من أعالي المشارف والأبنية فأنهم لا يحصون.
هنا ترى المستشهدين قد صاروا إلى حالة تمكننا من أن نشبههم بآلات متحركة لا تعمل عن فكر وروية بل عن حركة عصبية اضطرارية أو عن نوبة صرعية وهم يظلون دائبين في عملهم هذا إلى آخر رمق من حياتهم بدون أن يشعروا بشيء أو يروا شيئاً، ويسمعوا شيئاً سوى القعقعة والجلبة التي تصدم آذانهم أو تغويهم فتنميهم عن هذه الدنيا. وهنا لا ترى ربع عدد أولئك الفرسان البيض الذين كنت رأيتهم قبل بضع ساعات. أما الآخرون فأنهم بقوا في الطريق مغشياً عليهم أو مائتين. وأما الحاضرون فإنهم قد صاروا إلى حالة تقشعر لها الأبدان وترتعد لها الفرائص.
وبينما أنت تنظر إلى حواليك إذ براية خضراء تبدو لك في الفضاء(2/293)
على رمح طويل يهزه هزاً عنيفاً فارس قوي البنية. وهذه العلامة هي إشارة إلى نهاية هذا الاستشهاد والمنظر الفاجع الرائع. وحينئذ يأخذ الجمع بالانقضاض، وما يمضي شيء من الزمن إلا وقد أصبح الصحن أفرغ من فؤاد أم موسى. على أن الحق يلزمنا بأن نقول: إنه يظل في فناء الصحن بعض الصعاليك الذين كانوا يقرعون صدورهم بأيديهم طول مدة الطواف وكان القرع موقعاً على سقطات السيف وهم يفعلون ذلك تأسفاً وتوجعاً على موت الحسين ولا ينقطعون عن إتمام ما شرعوا به عادين كفهم عنه أو وقوفهم في كآبتهم من رابع المستحيلات وهذه الحركة الاضطرارية لا تضرهم ضرراً يذكر.
لم يعرف الشيعة سابقاً الحرية التي يتمتعون بها اليوم في كربلاء فأن التاريخ يشهد على أن العباسيين كانوا قد ضيقوا عليهم أشد التضييق حتى فزع أغلبهم إلى التقية، تخلصاً من البلية. ولولا تشديد العباسيين على العلويين لأصبحت كربلاء محجاً لهم لا مزاراً، بل محجاً يناوئ مكة مناوأة صادقة.
ومع كل ما فعل بهم أعداؤهم لم يحد أبناء الحسين عن محبوبهم ولو قيد ذرة بل أظهر ثباتهم لخصومهم أنهم أرسى من الرصاص بل أرسى من الرواسي. ولقد شاهد الناس ملوكاً وسلاطين لم يكونوا على مذهب الشيعة ومع ذلك زاروا كربلاء كما فعل الشاه اسمعيل
والسلطان سليمان (حليف(2/294)
الملك الفرنسوي فرنسيس الأول) وعليه أصبح إيمان الإمامية قرين النصر المبين، وصنو الفتح المكين.
كاظم الدجيلي
مشاهير بيوت وقبائل سوق الشيوخ
-
8 - مشاهير الرجال والبيوت
أغلب بيوت سوق الشيوخ الشريفة أو الكبيرة هي من أبناء نجد. فإنهم يفتحون دورهم للضيوف ويكرمونهم ويحسنون إليهم. ولذا ترى كلمتهم مسموعة عند جميع العشائر ولهم جاه وصيت. ومن رؤوس البيوت الشريفة الشيخ محمد علي أبا الخيل (كذا يقال في حالة الرفع والنصب والجر على سبيل الكلمة الواحدة) وهو من أسرة كان بيدها سابقاً الحكم على بريدة إحدى عاصمتي القصيم. وسليمان أبا الخيل. وسليمان بن حسن المهنا أخو صالح بن حسن المهنا الذي دخل بريدة فقتله غدراً ابن السعود في الأيام الأخيرة. ومحمد العبد الله، وصالح العماري، وإبرهيم العماري وهذان من الرجال الكرام الأجلاء المحترمين وهما من أهل عنيزة.
وإذ لم أجالس أحداً من الحضر لم أعرف واحداً منهم وإن كان فيهم من أهل الفضل وقدم المحتد ما لا ينكره أحد.
9 - نظرة عامة في البلدة وفي حالتها
البلدية في غاية الانحطاط. وبيوت المدينة حقيرة أمام الناظر وذلك لأن البلدية لا تسعى في هدم ما يجب هدمه وترميم ما يحسن ترميمه وتقويم ما اعوج من طرقها وشوارعها. أما واردات البلدية فأنها لا تزيد على مائتي ليرة لكن لا يصف منها على تنظيف الأزقة وتوسيع الجواد وإنارة المحلات ما يجب صرفه في هذا الوجه.
ويحيط بالبلد سور من الطين (أي سور من الطوف أو الطوفة) وجانب منه مبني باللبن والطاباق. وللبلدة أربعة أبواب تغلق كلها في الليل ما عدا باب النجديين فأنه يبقى مفتوحاً لأنه لا يتجاسر أحد على أن يطأ دارهم أو يخونهم. والبلدة خالية من الأمن في بعض الأحيان وقليلته في أوقات أخرى وهي أمينة(2/295)
في برهة من السنة معلومة. وسبب ذلك وجود العشائر البادية في حواليها ولا سيما في إبان الفتن. كما وقع ذلك في أيام الاستبداد فأنه قل فيها نفوذ الحكومة واشتدت آنئذ المعضلات والمشكلات وتوالت فيها توالي المطر المدرار.
والذي ساعد على استفحال الشر واستشرائه بين تلك الأقوام سوء تصرف بعض موظفي الحكومة وقلة درايتهم بسياسة تلك البلاد وعشائرها وأهاليها. الأمر الذي حط من ثلثي الثقة بالحكومة عند الرؤساء والأمراء والشيوخ وغيرهم كما ستظهر لك حقائقه وأسبابه في غير هذا الموطن.
10 - عشائر سوق الشيوخ
عشائرها من جهة الغرب هي:
1. أهل أو عشائر الكوت وشيخهم قويد وجار الله الحواس [كشداد] وعدد من المسلحين منهم 1000 رجل
2. الشواليش وشيخهم عبد الله الوشاح (كشداد) وعدد حملة الأسلحة عندهم 300
عشائرها من جهة بر الشامية:
1 - النواشي ورئيسهم على المطلق وجنودهم 300
2 - حكام ورئيسهم ناصر الياسر وجنودهم 600
3 - البو حميدي ورئيسهم جاسم جولان وجنودهم 300
4 - بنو سالم ورئيسهم وهيب (مصغرة مشددة الياء) وجنودهم 500
5 - الغريافية ورئيسهم الحاج شهل العيسى وجنودهم 500
6 - الشواوشة والدبات [وزان ضمات] ورئيسهم فيصل الياسر وجنودهم 400
أهل السورة (كعورة) مزيعل البشارة وجنودهم 600
عشائرها من جهة الشرق:(2/296)
1 - بنو أشرف وهم البوحمدان وبقية آل مشرف (وزان محمد) 500
2 - بنو سد (وزان تل وهي تصحيف أسد) ورئيسهم سالم بن خيون 400
3 - بنو حطيط (كزبير) الشيخ سبت (بالفتح) 300
4 - آل إسماعيل الحاج خشان (كشداد) 300
5 - العمائرة
6 - الحول (محركة) ينتمون جميعاً إلى بني خيقان 300
7 - الفهود
8 - البو شامة؟ 300
عشائرها الموجودة في غربي منازل بني سد:
1 - البو خليفة محمد الناصح وابن ركاب 700
2 - المؤمنون الميرزا عناية (بكسر الأول) 600
3 - بنو سعيد عيسى الرديني (مصغر ومنسوب) 600
4 - الجويبر ابن جويزع وابن قطان 1500
5 - آل زياد؟ 500
عشائر بني خيقان
2 - آل شميس؟ 450
2 - البو خليفة عبد الله الراضي 400
3 - الرحمة المغشغش 1500
4 - النجيمات زياد 300
5 - آلعبد الله زياد 300
6 - العليان (مصغرة ومشددة الياء) فيصل 1000
7 - العساكرة الحاج مري (بكسر الأول) والحاج دوخي (بضم فسكون) 2000
هذا مجمل العشائر المحيطة بالسوق وهنالك عشائر صغيرة اضربنا عن ذكرها حباً للاختصار كما أن ثم عشائر أخرى لا يعلم إلى أي قضاء راجعة اليوم وإن كانت في السابق عائدة إلى قضاء السوق.
11 - الأنهار الموجودة بجوار سوق الشيوخ
يسمى الأعراب أنهارهم قراماً مفردها قرمة والكلمة مشتقة عندهم من قرم الساقية أو الجدول إذا كسره بالمسحاة ليجري منه الماء فالقرمة إذاً(2/297)
الجدول أو النهر الذي يسهل فتحه أو سده عند الحاجة بخلاف النهر فأنه لسعته لا يسهل التصرف به على الوجه المذكور. وهناك أنهر كبيرة يحمل منها جداول صغيرة ونحن نذكر هنا ما وصل إليه علمنا. على أن هنالك نهاراً لا يزيد عرضها على ذراعين ونصف إلى 3 أذرع ولهذا نضرب صفحاً عن ذكرها. ودونك أسماء الأنهار التي بين المركز أو (الناصرية) وبين سوق الشيوخ.
في الجهة القبلية أو في الشاطئ القبلي.
العقر (كقفل) الحمار (كشداد) المجينينة (تصغير مجنونة) العثمانية، المصغر (كمحمد) السعيدية (مصغرة منسوبة) الخندق، قرمة جار الله، الحوسة (كعورة) الغافلية، المانعية، النغيمشي (مصغرة وبإسكان الياء والميم معاً وياء النسبة)، الفضلية.
والأنهار التي هي في جهة الجزيرة أو في الجهة الشرقية هي:
السديناوية (مصغرة منسوبة) المعيدية (مصغرة منسوبة) قرمة آل بو سوق بدعة (أي قرمة) الحسينات. أبا الرفوس (كذا يلفظنها في حالة الرفع والنصب والجر) الدقمانية، البو بزيم، الهدامية، العرجانية. غليوين (مصغر غليون) المجيحشية. السفحة (وهو نهر عظيم يأخذ أكثر من نصف ماء الفرات)
والأنهار التي تبتدئ من السوق إلى أن يدفع الشط في برق الحمار أو الجزائر من الجهتين هي:(2/298)
المحولة أو قرمة النواشي أم الطول، العتيبية الطليعة لآل أبو حميد، الاصيبح. الكرمانشية أم نخلة وهذه الأنهر من جهة الشامية.
والأنهر التي تقابل تلك الأنهر من جهة الجزيرة هي:
الرحمانية للنواشي
الرميحية لحكام
الزيادية للزياد
الناطوري للحسن
الحريقاوية للزياد
قرمة بني سعيد للزياد
نهر المومنين للمومنين
أم شكاة؟
الدهلاوية؟
ومن بعد ذلك يتوزع الماء في البحيرات فيقل نفعه ويكثر ضرره. وإذا انتهى الأمر إلى مثل هذه الحالة فالأجدر بنا ختم الكلام. والسلام.
سليمان الدخيل صاحب جريدة الرياض
نحن والدهر
-
عجبت لمن من دهره يتظلم ... وأفعاله مما تظلم أظلم(2/299)
بأسوائه للنفس يستجلب الأسى ... ويرمي بهن الدهر ظلماً وينقم
ولو أنصف الإنسان ما راح مسنداً ... إلى الدهر جرماً وهو لا الدهر مجرم
ولو مثلما قد قيل للدهر سطوة ... على المرء تقضي بالشقاء وتحكم
لما عاش إنسان بأرغد عيشة ... على رغم دهر بالغنى يتنعم
ولو لم يقاوِ الدهر جزءُ اختيارنا ... لما بعث الله رسولاً يعلم
فما الدهر إلا مسرح وفعالنا ... تمثل فيه ما نرى وتجسم
أرى المرء يشقيه قبيح فعاله ... ويسعده حسن الفعال ويكرم
ولكن أبى الإنسان إلا تحاملاً ... على الدهر فيما قد جنى حين يندم
وذلك طبع راسخ في وجوده ... مدى العمر لا يبلى ولا يتصرم
إبراهيم منيب الباججي
العريسات وأم الغراف
-
كتب إلينا من النجف حضرة الشيخ العلامة محمد رضا أفندي الشبيبي ما هذا نصه: وقفنا على طرف من أخبار العريسات أخذناه عن قطاع تلك الفلوات وطلاع تلك الثنيات فقد رووا لنا أن العريسات موضع على 8 ساعات من النجف غرباً. وإنه جسيم بناء تحت الأرض ينفذ إليه الداخل من نفق طويل مظلم ينتهي بأبنية متعددة مختلفة. وهناك مسالك كثيرة أشبه شيء بالجواد إلى غير ذلك مما يطول شرحه. وقد ذكروا أن من يريد الوقوف عليه وقوفاً تاماً تلزمه الإقامة فيه لا أقل من يومين، لا يرى فيها نور الشمس ولا يستغني سالك هذه الطريق المؤدية إليه عن إدلاء وخفراء يصحبونه(2/300)
هذا قليل من كثير من أحوال هذا الأثر الكبير. اهـ
وقد سألنا حضرة المستشرق الأديب لويس ماسنيون عن العريسات وعن رأيه فيها فقال: (إني لا أستطيع أن أبت رأياً بدون أن أشاهدها فلعلها تشبه (أم الغراف) التي كتبت عنها في رحلتي إلى العراق. فراجعها هناك لتقابل بين الموضعين.) فراجعنا ما رواه عن أم الغراف فإذا هو يقول:
(لما وصلت أم الغراف رأيتني أمام أجراف قائمة فيها خروق متتالية على عرض الأجراف وكل ثقب يبعد عن أخيه قراب 10 أمتار على علو ونصف قامة الإنسان فوق سطح الحضيض. - ولما صعدت التلعة ودخلت في نقب من تلك الانقاب تحققت أن مدخلها مستطيل أو قائم الزوايا تفضي إلى دهاليز هي دهاليز للموتى أو دهاليز قبور. وكلها متشابهة كأنها أفرغت في قالب واحد. ودونك وصفها:
1: مدخلها فوهة قائمة الزوايا ارتفاعها متر و60 سنتيمتراً وهي مفتوحة على نصف طول قامة الإنسان فتحاً ينظر إلى الجرف القائم.
2: وقبيل الفوهة بئر من آبار الموتى في سطحه أمت يفاجئك مفاجأة تكسيره متر و50 سنتيمتراً ويبلغ قطره من متر و50 سنتيمتراً إلى مترين.
3: وبين يدي ذلك دهليزان أو ثلاثة دهاليز تتقاطع ارتفاع كل دهليز من متر و20 سنتيمتراً إلى متر و60 سنتيمتراً تقريباً. وهو يؤدي إلى آبار تشابه البئر الأولى وذلك على
بعد نحو مترين آخرين من الدهليز.
ولهذه الدهاليز حروف حادة.(2/301)
وإن سألتني عن تاريخ هذه المدافن قلت: إني لم أر هناك عظاماً في البئرين اللتين نظرت فيها نظراً غير بعيد. ولم أجد هناك شقفاً أو خزفاً إلا قطعة واحدة، ولعلها نقلت إلى ذلك الموطن نقلها إليه بعض المتجولين أو الأفاقين.
إن البدو قد نهبوا ما في تلك المقابر وقد فضوا عدة كل بئر باحثين عن كنوز ظنوا أنها فيها.
إنه وإن لم يك هناك ما يرشدني إلى ضالتي فإني أميل إلى أن أجمع بين هذه المدافن وبين مدافن البحرين التي ينبش فيها الآن أثريون من الإنكليز (يكتب المؤلف كلامه هذا في 15 نيسان 1908)
إن نظام الآبار والفوهات التي وصفناها فويق هذا تبين لي أنها تشبه كل الشبه نظام ما رآه في البحرين سنة 1907 حضرة الدكتور جون استروب من جامعة كوبنهاغ.
أما معضلة تاريخها فأنها تبقى في نظري أعقد من ذنب الضب على أني لا أؤكد أن مدافن أم الغراف بقيت مقابر تدفن فيها الموتى إلى عهد فتوحات الإسلام لكني أرى أنه غير مناسب الآن أن يعين لهذه المدافن التاريخ الذي يؤرخ به بعضهم مدافن البحرين (الفنيقية؟ قبل أن يهاجروا إلى فنيقية إلى ما وراء الألف الثاني من الميلاد؟) اهـ كلام الباحث المستشرق.
ونحن ننتظر من أبناء هذه الديار أن يبحثوا عن هذين الموطنين القديمين بل الواغلين في القدم بحثاً نعما لكي يساعدوا علماء الغرب على إماطة اللثام الذي يستر حقيقتها وتاريخ إنشائهما والله المعين على كل حال وفي كل حين.(2/302)
الطباعة في دار السلام والنجف وكربلاء
-
لم تكن بغداد حتى أواسط القرن التاسع عشر تعرف المطابع أو فن الطبع بل كان العراقي إذا سمع بأن الكتاب الكبير الكثير الصفحات يطبع في يوم أو بعض يوم تأخذه الحيرة ويبقى مبهوتاً مدهوشاً لضعف مداركه وقلة بضاعته في العلم حتى أنه لا يصدق ذلك وربما أنكره وعده من رابع المستحيلات، وليت الأمر وقف عند هذا الحد بل ربما استهزأ بأقوال الواصفين له فن الطباعة وعده من فنون السحر! بيد أن العراقيين لما رأوا ما جلبت الطباعة على أهل مصر الذين سبقوا البلاد العربية من الفوائد الجمة، وما درته عليهم من الذهب الوهاج، ورأوا كثرة الكتب وزهد أثمانها قامت بينهم نهضة علمية غلبت فيها التجارة فدفعتهم بسائق العلم إلى أن يجاروا على الأقل إخوانهم السوريين الذين كانوا أسبق البلاد العثمانية العربية إلى جلب المطابع بعد مصر. وعلى الأخص لما شاهدوا بأعينهم ما جنته الحكومة من الفوائد والثمرات من مطبعتها التي كان جلبها أبو الأحرار مدحت باشا سنة 1286هـ 1869م. إذ من عادات العراقيين التي قد استحكمت عراها بينهم (وكانت سبباً وحيداً في تأخرهم وعقبة كؤوداً في طريقهم وسيرهم نحو المدنية) أنهم لا يتشبثون بمشروع ولا يعقدون شركة ولا ينشئون محلاً أو غير ذلك إلا بعد أن يشاهدوا ثمراتها وفوائدها بأعينهم ولو أدى الأمر إلى قعودهم وتأخرهم عن مجاراة الأمم الراقية وبعد أن يستثمرها الأجانب ويتمكنوا من رقابهم والاستيلاء على منابع ثروتهم، ومصداقاً لقولنا هذه شركة لنج فأنها قبل أن تعطيها الحكومة امتياز تسيير بواخر في نهر الفرات كانت قد عرضتها على أغنياء بغداد وتجارها مع تساهل عظيم في الشروط بواسطة أحد الولاة فلم يقبلوا وأحجموا عن استثمار ينابيع ثروة بلادهم فلما رأوا ما جادت به على لنج من الريع الكثير والفوائد الجمة قاموا تلك القومة المشهورة وزعزعوا الآستانة باحتجاجاتهم على توحيد الإدارتين النهرية العثمانية والإنكليزية معارضين تسليمها إلى لنج ولكن بعد خراب البصرة!
ولما نظروا الفوائد التي انتفعت بها بغداد من مطبعة الحكومة تهافتوا على جلب المطابع وما يلحق بها من أدوات لطبع الحروف وللطبع على الحجر(2/303)
ومسابك ومقاطع وآلات تنحيس وصقل وتذهيب وتجليد وإلى الآن ليست مطابعهم على ما يرام أو ليست كافية لما
تحتاج إليه البلاد العراقية المملوءة مكتباتها كتباً وأسفاراً ثمينة لم يرها إلا الأقلون من ذوي الثروة الطائلة وذلك لأن الرجل العراقي إذا أراد أن ينشئ مطبعة يتكبد النفقات والمشاق في سبيل جلبها ما لا يتكبده أخوه السوري وذلك لقرب البلاد السورية من أوروبا ووفرة الطرق والسكك الحديدية فيها وبعد البلاد العراقية عنها وخلوها من سكك حديدية وطرق مواصلات تربطها بالبلاد الراقية وتقربها منها. ولا ريب أن بلاد العراق في أقصى ديار الله. وهذا ما أخرهم عن غيرهم وجعل بينهم وبين غيرهم من الأمم الراقية مراحل كثيرة. وليس بعدهم عن البلاد الراقية هو الذي أخرهم في تكثير المطابع وتحسينها وإتقان صناعتها فقط بل أخرهم عن طلب العلم ومجاراة الشعوب الناهضة والسفر إلى البلاد التي نالت نصيباً وافراً من المدنية لتكاثر مناهل العلم فيها والاستفادة بنبراس كلياتها إذ أن للبعد والقرب من البلاد المتقدمة في عالم الحضارة دخلاً كبيراً في رقي الشعوب وانحطاطها.
أسماء مطابعها ومطبوعاتها
1 - (مطبعة الولاية) - هي أول مطبعة أنشئت في بغداد بل في ديار العراق العربي جلبها من بلاد الإفرنج أبو الأحرار مدحت باشا فاتح متصرفية الاحساء وصاحب المآثر الجليلة والآثار الكثيرة في العراق سنة 1286هـ 1869م وسماها بالزوراء نسبة إلى بغداد وهي من أسمائها أو أنها سميت باسم الجريدة التي أنشأها سنة 1287هـ 1870م، وكانت مطبعة راقية فاخرة تدار بالبخار ويمكن أن يقال في وصفها أن أحسن مطبعة في مصر اليوم التي تطبع الجريدة بثمانية أوجه في آن واحد باللولب لا تكاد تضاهيها وكانت أعجوبة زمانها وفريدة أوانها وهي الآن مهجورة أتلفتها يد الكسل والإهمال، وبقيت نسياً منسياً. وكانت تطبع فيها جريدة لزوراء بثماني صفحات باللغتين التركية والعربية وكان محررو القسم العربي فيها من أشهر مشاهير الكتاب ممن كانت كتاباتهم تضاهي كتابات بديع الزمان وابن المقفع وأضرابهم كأحمد بك الشاوي والمرحوم طه أفندي الشواف، ثم جلب للولاية مطبعة ثانية فأصابها ما أصاب رفيقتها الأولى، ولما عين حازم بك والي بيروت(2/304)
السابق والياً على بغداد سعى بإنشاء مطبعة تقوم مقام مطبعة الولاية الأولى الساقطة فجلب هذه المطبعة الموجودة الآن سنة 1323هـ 1905م وقد كانت هذه المطبعة الجديدة خاملة الذكر قليلة الفائدة في بادئ الأمر وأوشكت أن تندرس وتصبح في خبر كان لإهمال الولاة لها، لو لم يتح لها الله
حضرة الفاضل محمد رشيد أفندي الصفار صاحب الزهور فضمنها من الحكومة بمائة وخمسين ليرة عثمانية سنوياً وبذل جهده في رقيها فجلب لها حروفاً متنوعة الأشكال من أشهر المعامل في الآستانة وسورية وجلب لها مسبكا فاخراً مع أمهات لسبك حروف جديدة، ويقال فيها على الجملة إنها اليوم من أشهر المطابع في العراق، وفيها ما عدا ذلك مطبعة حجرية تجيد الطبع.
مطبوعاتها - 1 (سالنامه) لسنوات متعددة وهو كتاب تصدره الحكومة في كل سنة باللغة التركية تبحث في عن شؤون الولاية وإعمارها والتبدلات التي تقع فيها وأحوال عشائرها والأراضي القاطنة فيها وكل ما تحتويه الولاية من الآثار القديمة والمعابد العتيقة ولو أن الحكومة تصدره باللغة العربية لعمت فائدته وكثر انتفاع الناس به. (2) قوانين التجارة (3) قوانين الأراضي (4) نشوة الشمول في السفر إلى اسلامبول (5) نشوة المدام في العود إلى دار السلام (6) تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون في 321 صفحة (7) العلم الموروث في إثبات الحدوث (8) السيف البارق في عنق المارق (9) تنبيه الأصدقاء في بيان التقليد والاجتهاد (10) أحسن الأجوبة عن سؤال أحد علماء أوربة تأليف العلامة عبد الله وليم كويليام الإنكليزي (11) تحفة الكرام في خبر الأهرام للإمام السيوطي، وتطبع فيها الآن من الجرائد جريدة الزهور ومن المجلات سبل الرشاد وكانت تطبع فيها سابقاً جريدة التعاون وغيرها.
(مطبعة دار السلام) - سميت بهذا الاسم نسبة إلى مرادف بغداد وقد أنشأ هذه المطبعة صاحب السعادة إبراهيم باشا مدير الأملاك المدورة، وذلك سنة 1310هـ 1892م وهي مطبعة كبيرة كثيرة الأدوات فيها حروف حسنة جميلة تضاهي أحسن المطابع السورية في إتقان طبعها.
مطبوعاتها - (1) كتاب الفوائد الآلوسية على الرسائل الأندلسية(2/305)
(2) كتاب بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب للعلامة الشهير محمود شكري أفندي الآلوسي وهو في ثلاثة أجزاء مجموع صفحاتها (1330) بقطع الثمن وهذا الكتاب حاز قصب السبق في المجمع العلم في أسوج (3) دار السلام تقويمي، وهو تقويم تصدره المطبعة باللغة التركية في كل سنة راجع لغة العرب 267: 1 و259: 2 وقد طبع فيها كتب فارسية كثيرة ضخمة ومناشير عديدة
ومؤلفات عربية صغيرة الحجم وكبيرتها.
(مطبعة كامل التبريزي) - هي مطبعة حجرية جلبها إلى ديار العراق من بلاد العجم أحد أكابر الفرس الميرزا عباس سنة 1278هـ 1861م وهي الآن متروكة لاستغناء الناس عنها بالمطابع البخارية
مطبوعاتها - (1) كتاب أخبار الأول في آثار الدول (2) كتاب إشراق التواريخ ليعقوب بن عطا الله الرومي القرماني (3) كتاب سبائك الذهب في معرفة أنساب العرب لمحمد أمين السويدي (4) الظرائف واللطائف للشيخ أبي النصر أحمد بن عبد الرزاق المقدسي (5) المقامة الطيفية لجلال الدين السيوطي.
(مطبعة الفيلق) - هي مطبعة حجرية فاخرة جلبها إلى العراق مدحت باشا الشهير سنة 1286هـ 1869م. مع مطبعة الولاية للقيام بما يحتاج إليه الفيلق من المنشورات والأوامر والكتب الفنية العسكرية. وأكثر مطبوعاتها لا يطلع عليها إلا كبار الضباط خوفاً من ن يقف عليها أحد فتفشي الأسرار العسكرية،
(المطبعة الحميدية) أنشئت هذه المطبعة سنة 1330هـ 1892م ومؤسسها عبد الوهاب نائب الباب في بغداد سابقاً وهي الآن متروكة وأكثر آلاتها تحطمت لعدم العناية بها أما مطبوعاتها فخاملة قليلة لا تتجاوز الرسائل الصغيرة وكتب الأدعية وأحسن ما طبع فيها هو كتاب بحر الكلام لسيف الحق أبي النسفي.
(مطبعة بنجور) - مطبعة إسرائيلية أنشأها الحاخام يهوذا بنجور سنة 1884م للقيام بطبع الكتب العبرية الخاصة بطائفته وأبناء ملته. وأكثر مطبوعاتها(2/306)
العربية مناشير تجارية وبطاقات زيارة، ومكاتيب وإعلانات. ولما لم تعترف المعارف بوجودها في العراق إلا في أوائل الدستور بقي ذكرها خاملاً طول تلك المدة ثم جلب لها بعد هذا العهد آلة تدار بالرجل وما نحتاج إليه من أنواع الحروف العربية والفرنسوية والتركية وهي الآن قليلة الأشغال لقلة المنضدين في العراق إذ يعدون على الأصابع لحداثة هذه المهنة في بلادهم.
(مطبعة الآداب) - هي مطبعة جلبتها شركة تألفت من كبار رجال الجعفرية في بغداد سنة 1327هـ 1909م وهي من أشهر المطابع العراقية ولا تقل اتقاناً عن مطابع سورية وربما ضارعتها في جودة العمل وكثرة الأشغال، وهي في ترق دائم لا ينقصها شيء مما
نفتخر به المطابع الراقية، وذلك بهمة ملتزمها يوسف أفندي فرنسيس الموصلي المشهور بمعرفته بالطباعة.
مطبوعاتها - (1) شواهد القطر وحاشيته للشيخ عبد الرحيم السويدي ص 315 بقطع الثمن الكبير طبع سنة 1329هـ (2) الهداية في شرح الكفاية للشيخ عبد الحسين آل أسد الله في مجلدين ضخمين (3) الهيئة والإسلام للعلامة هبة الدين الشهرستاني صاحب مجلة العلم سابقاً ص 314 سنة 1327 وهو في جزءين (4) جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام وأئمة البيت الكرام (5) الجاذبية وتعليلها لفيلسوف العراق جميل صدقي أفندي الزهاوي وهو كتاب لم ينسج على منواله أحد حوى مبتكرات وأفكاراً لم تدر في خلد أحد من العلماء (6) الجزء الأول من تاريخ الإسلام للسيد صدر الدين الصدر ص 126 (7) مناظرة الحاتمي والمتنبي (8) كتاب حقوق الدول باللغة التركية وهو كتاب ضخم (9) كتاب الإرشاد لمن أنكر النبوة والمبدأ والمعاد لواعظ زاده مصطفى نور الدين أفندي مبعوث الديوانية (10) خلاصة المقال في شد الرحال له أيضاً (11) كتاب زهر الربى في حرمة الربا له أيضاً (12) المطالب المنيفة في الذب عن الإمام أبي حنيفة له أيضاً (13) رحلة الشتاء والصيف (14) شجرة الرياض في مدح النبي الفياض (15) رسالة في تحريم الجنائز للشهرستاني صاحب مجلة العلم (16) رسالة في العصا (17) المجازات النبوية للشريف الموسوي الرضى وهو كتاب عدد صفحاته 287. وطبع في المطبعة(2/307)
أكثر صحف العراق منها مجلة لغة العرب هذه والعلم والحياة وتنوير الأفكار وجريدة الرياض والرصافة والمصباح وصدى بابل والنوادر والمضحكات وغيرها.
(مطبعة الشابندر) - أنشأ هذه المطبعة أحد تجار بغداد محمود أفندي الشابندر سنة 1326هـ 1907م وهي مطبعة كاملة الأدوات فيها آلتان بخاريتان تطبع كل منها 3000 نسخة في الساعة، وآلة أخرى تدار بالرجل ومطبعة حجرية كبيرة وأدوات كثيرة، وحروف عربية وتركية وفارسية وفرنسوية جميلة، صرف عليها منشئها زهاء 2500 ليرة، وقام لها مديراً إسرائيلياً ينقده راتباً ليس بزهيد مقابل مشارفته مصالحها، وهي لو كانت بيد من يحسن إدارتها ويرعاها حق رعايتها لنالت شهرة بعيد وجارت أرقى مطابع سورية في جودة الطبع وكثرة الأشغال.
مطبوعاتها - (1) الجزء الأول من كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد تأليف عثمان بن بشر ص 142 (2) الجزء الأول من كتاب الفوز بالمراد في تاريخ بغداد لساتسنا وهو كتاب يفيد من يهمه الوقوف على تاريخ بغداد بعد سقوطها بيد هلاكو وقد جمعه كاتبه من عدة كتب خطية ومطبوعة عربية وأعجمية (3) شرح قانون الجزاء مع ذيله باللغة التركية لعبد الله وهبي فندي أحد معلمي حقوق الجزاء في مكتب الحقوق في بغداد عدد صفحاته مع ذيله 735 جزأين (4) فصل القضاء في الفرق بين الضاد والظاء ص 168 سنة 1328هـ وقد حاز شهرة في ديار الإفرنج (5) كتاب التبصرة للمولعي بالخمرة (6) كتاب الشهاب في الحكم والآداب وكانت تطبع فيها جريدة القسطاس ولوجدان وكرمه ونرمه وغيرها من الجرائد البائدة.
(مطبعة دنكور) - مطبعة إسرائيلية أنشئت سنة 1320هـ 1902م جلبها من ديار الإفرنج الحاخام عزرا دنكور وهي كاملة الأدوات أخذت في الأيام الأخيرة تسير نحو الرقي، وكانت أدواتها مقصورة على الوفاء بالمقصود أما الآن فهي في رقي مستمر، وتعني عناية خاصة بطبع المناشير التجارية وأغلب مطبوعاتها كتب ورسائل عبرية أكثرها تخص الصهيونيين والدعوة إلى نشر مبادئها، أما مطبوعاتها العربية فقليلة جداً كلها رسائل صغيرة لم نقف على أسمائها، وكانت تطبع بعض الجرائد منها جريدة التفكر لسان حال جمعية الاتحاد العثماني الإسرائيلية.(2/308)
10 - (مطبعة كربلاء) هي أول مطبعة حجرية جلبت إلى بلاد العراق صاحبها أحد أكابر الفرس في كربلا أنشئت في موقع قرب كربلا سنة 1273 هـ 1856 م في عهد ولاية لمشير محمد رشيد باشا حاكم العراق وكان من ذوي المدارك النيرة محباً للعلوم منشطاً لرجال الأدب، وأكثر مطبوعاتها مناشير تجارية وكتب أدعية ورسائل دينية حاوية لآداب زيارة عتبات أهل البيت (رضي الله عنهم) وليس بين مطبوعاتها كتاب يستحق الذكر غير كتاب مقامات الآلوسي في 134 صفحة طبع فيها سنة 1873 هـ وهي الآن متروكة لخلل ظهر في إدارتها.
11 - (مطبعة النجف) - تأسست هذه المطبعة سنة 1328 هـ 1909 م مؤسسها جلال الدين الحسيني صاحب جريدة الحبل المتين الفارسية المنتشرة في كلكتة (الهند) وأما الآن
فهي تحت إدارة السيد محمود أفندي البزدي. وهي مطبعة بخارية جيدة، أما مطبوعاتها فقليلة لم نعرف منها سوى أنها طبعت كتاب اللؤلؤ المرتب في أخبار البرامكة وآل مهلب ص 188. وتطبع فيها جريدة (نجف) الفارسية.
هذه هي المطابع الموجودة الآن في بغداد وألويتها، وهناك عدة مطابع أخذ امتيازها بعض الفضلاء لم نتعرض لها لأنها لم تفتح لها محلات ولم تبتدئ حتى الآن بالأشغال لعدم وجودها. وفقنا الله لسواء السبيل بمنه وكرمه،
إبراهيم حلمي
عادات العراقيين
(نبذة من عادات العراقيين المسلمين) عنوان كلمة لكاتب عراقي افتتح بها صاحب هذه المجلة الجزء 5 من سنتها الثانية رأيته فاستوقفني لأني أعتقد أنه خير موضوع إصلاحي يطرقه قلم النقد الأدبي ويا حبذا لو انصرفت إليه زمرة من كتابنا حتى تتمميز العادة النافعة فتؤخذ، من الضارة فتنبذ وعلى الكاتب أن لا يتعدى خطته ويتناسى واجبات بحثه. عليه أن لا يحكم باستقرائه الناقص بنتيجة التام، فيخاطب البريء بلهجة المذنب، ويقدم الدواء لغير ذي(2/309)
الداء، ولا يضع الهناء موضع النقب. العادة ومن لا يعلم أنها تكون لكل شعب وقطر بل لكل أسرة ودسكرة بل حتى أهل الكوخ الصغير قد يمتاز بعادة لا توجد عند غيره. أو يجوز أن نعاتب الشعب بعادة الأسرة، والقطر بعادة البلد كلا، إنه تحامل ولا عذر وقياس أن يلبس الإحسان ثوب العدوان.
نسمع فيما نسمع أن الإنكليز يتطيرون من لقاء المرأة الحولاء ما لم تبادر بالكلام فحينئذ تزول الطيرة؛ وأنه إذا قص الإنسان شعر رأسه مدة نمو القمر نما وجثل؛ وإذا عزم إنسان على سفر وأكل نصف بصله وترك الباقي كان دليلاً على عدم توفيقه؛ وإذا انقلب الكرسي برجل عزب كان دليلاً على أنه لا يتزوج في تلك السنة وأن إكثار الضحك يعقبه البكاء لا محالة وأنهم يعتقدون بأنه متى احتضر شخص حضر في منزله روح يسمونه (رصد الميت) فيسمع له قرع على الباب أو الحائط أو صوت نحو صوت جر السلاسل فإذا سمع ذلك ثلاث مرات كان الموت بعدها لا محالة. أو يصح لنا أن نقول إن الإنكليز كافة يؤمنون بهذه الخرافات ويخنعون لهذه العادات وهم هم ذوو الرقى في معارفهم، في آدابهم، في جل شؤونهم. نعم ربما يكون في بعض طبقاتهم المنحطة من يتمسك بها.
وعن المصريين أن بعضهم يتوهم شراً لو رأى جنازة في طريقه أو رأى شخصاً أحول في صباحه (سمعت عن الإنكليز مثلها) وأنهم لا يأكلون السمك يوم الأربعاء وبعض نسائهم يعتقدن في المرض المعروف (بمرض الأعصاب) أنه من مس الشيطان وأن فقيرة المصريين إذا أرادت أن تسمي ولدها باسم هيأت ثلاث شمعات وسمت كلا منها باسم وأنارتها ليلا وفي الصباح تسمي ولدها باسم الشمعة التي بقى نورها بعد نوري أختيها.
وفقيرهم يمنع أولاده من ضرب القط ليلا لزعمه أن روحه مفصول من روح الملائكة. وشاهدي من ذكر أمثال هذه الأوهام لمن نعرف فيهم رفعة الفكر والسمو الأدبي إن الأمة مهما بلغت من الرقى فلا تزال تحفظ في أدمغة بعض أفرادها خرافات وخزعبلات فلا يجوز أن نوجه كلمة المؤاخذة إلى قوم بجهل منحطهم فإنه قول يجمع إلى البهتان. إفساد الغرض الصالح على حين أن القائل يروم إصلاح الفاسد. صدر كاتبنا بما قرأت من العنوان مقالته والظاهر أنه يريد بالعراقيين المنسوبين إلى العرق العربي والعجمي وإلا(2/310)
لخصص وبعد أن تكلم عن عاداتهم ما شاء أخذ يعدد عاداتهم الاعتقادية فقال (جنبر سورى) وأنا لا أنكر على الكاتب ما ذكره هنا ولكني أقول لو استقرأ لما أخطأ فإن كثيراً من أهل البادية في العراق لا يعرف صفر ليعرف ويلاته ونحوسه وكثير من أهل مدنه من لم يسمع هذه العادة والكثير في من سمعها وشاهد إيمان قومه بها من لا يراها إلا خرافة ومما زاد الطين بلة ما استدركه المحشى بقوله ومن عاداتهم في ذلك اليوم أنهم إذا أقبل عليهم صباحه يذهبون قبل طلوع شمسه إلى الشط الخ اللهم إنك تعلم أنى في بلدة عراقية وليس إلى جنبها شط وكثير من مدن العراق وقراه ما هو كبلدي ونقول عن الثانية والثالثة ما قلناه عن الأولى وما سبر شؤون العراقيين وأحاط بها علماً ونظر إلى ما يلزم في الثالثة من المعدات والأسباب على ما ذكره الكاتب حكم أن هذه العادة لا تخرج عن أسوار مدن العراق إن لم نقل عن بعضهم. ويقول الكاتب في الرابعة أن بنات الكرخ يذهبن إلى (الإمام حبيب) وبنات الرصافة (على ما بلغه) إلى الشيخ الخلاني فهل ذلك الإمام وهذا الشيخ في كل مدن العراق؟ بل ألا يلزم ما عدا ذلك أن للقبائل الرحالة العراقية مقاماً سياراً لهذين الرجلين الإمام والشيخ لتقيم لهما مراسم هذه العادة في حلها وترحالها ويظن الكاتب أن السادسة من عادات الجاهلية وأنا أقطع أن البندقية حديثة الاختراع فكيف كانت الجاهلية تتخذ إطلاق الرصاص في الفضاء عادة وربما كانت نبالهم بدل رصاصنا ولهذا كان ظن الكاتب قائلاً وأما الخامسة فهي على الظاهر للعراقيين والمصريين وتعلل بحادث تاريخي هو أن فلكياً أخبر أميراً بحدوث خسوف في ليلة معينة فاتهمه الأمير بالزندقة وأوعده بالموت إن لم ينخسف تلك الليلة وفي الليلة نفسها نام الأمير وانخسف القمر فارتبك الأمر على الفلكي فاحتال لإيقاظه بأن أقنع جيشه بأن(2/311)
قمرهم يبتلعه حوت في السماء لا محالة وهم إن أرادوا
أن يخلصوا قمرهم فليضربوا طبولهم وليضجوا حتى يخاف الحوت ويذهب فيبقى قمرهم سالماً. ولما فعلوا انتبه الأمير وقد سجل هذا الحادث بعض المؤرخين فهو كائن ولم يزل منذ كان العراقيون أساتذة العالم على ما يقول الكاتب وعلى هذه العدوة نذهب معه فيما ذكره من العادات أجل إن هذه العادات توجد عند البغداديين والكاتب قدر أن العراق هو بغداد وبغداد هي العراق فندد بالعراقيين بتلك الشدة في القول وارتكب إهانة قومه من غير مبيح ذلك خطأ عصمنا الله منه.
النجف: عراقي.
فوائد لغوية
1 - معنى ولك وورك (وزان سبب)
أهالي بغداد يستعملون كثيراً كلمة (ولك) في مخاطباتهم إذا وجهوا كلامهم إلى من هم أدنى منهم. وأهل الموصل يبدلونها بكلمة (ورك أو وراك) وقد اختلف البعض في تأويلها فطلب منا أحد الأدباء رأينا في ذلك.
فنقول: ولك (وزان سبب) والنصارى يكسرون الواو كسراً غير بين وبعض أهل البادية يقول (ويلك) هي كلمة فصيحة مشتقة من الويل كانت مستعملة في القديم عند مخاطبتهم من هو أدنى منهم منزلة ويتخذونها للزجر أو للتهديد في حالة الغضب وللمجاملة والملاطفة في حالة الأنس بالصغار وتقابلها عند الإفرنج أو وأهل الموصل يقولون عوضها (ورك أو وراك) بمد الفتح الثاني: وأهل الحدباء يرون في تأويلها أنها محرفة أو مخففة عن وراءك أي ما وراءك. وهذا التأويل فاسد. لأن استعمال الأقدمين لكلمة (ويلك) في مثل هذا المقام أشهر من أن تذكر. نعم إنهم استعملوا أيضاً وراءك لكن في مقام(2/312)
السؤال يقولون مثلاً ما وراءك يا هذا؟ أي ما عندك من الأخبار مثلا. لكنهم لم يستعملوها في سياق الكلام بالمعنى الذي أشرنا إليه. فالراء هنا بدل من اللام كما في جلم وأملط واعلنكس والأصل فيها: جرم (أي قطع) وأمرط واعرنكس. وقد صرح اللغويون بأنها لثغة شائعة عندهم (راجع المزهر 270: 1)
ومما يدعم هذا الرأي أن عوام الآرميين (أي السريان ونحوهم) يقولون: ولوخ (ولوك أي ويلك) بمعنى ويلك للزجر ولا يقولون وروخ (وروك أي وراءك) وعليه يكون لفظ البغاددة أصح من لفظ المواصلة.
وقد تؤنث هتان اللفظتان وتجمعان فيقال فيهما: ولك وورك، ولكم ووركم.
2 أصل لفظة يول (محركة الأولين مشددة الآخر)
يكثر أهل الموصل من كلمة (يول) إذا خاطبوا الرجل وقليل من أهل بغداد يستعملونها وقد سئلنا عن أصلها فنجيب:
ذهب الناس في أصلها مذهبين. فريق يزعم أنها مخففة أو مختزلة من ياول (أي يا هذا ول أي اذهب) وجماعة تقول إنها مخففة من قولهم يا ويلك أو يا ويله وهم يريدون بذلك (يا
هذا) ونظن أن كلا الفريقين واهم. وعندنا أن الرأي الأصح أنها مقطوعة أو مخففة من يا وهل بكسر الهاء. والوهل الرجل الضعيف والخائف والفزع ونسبة الضعف إلى الإنسان أمر مشهور وما قول العرب في مثل هذا المقام (يا هذا) إلا لأنهم ينسبون إليه الضعف وتخفيف المكسور العين أي إسكانه أمر مقرر عند النحاة أن في الأسماء وأن في الصفات أو النعوت ولنا رأي آخر وهو عندنا أصح من الآراء الثلاثة المذكورة وهو: إن (ياول) مخففة عريا ولد وأما وجه التخفيف فحدث أنهم أسكنوا اللام وهي لغة في المحركة ولما أسكنوها ضعف صوت الدال حتى أشبه التاء اللاحقة لبعض الألفاظ في الوقف. ثم استغنوا عنها بالحذف لكثرة الاستعمال فصارت كما ترى. ومما يشهد على ذلك أن هذه اللفظة أكثر ما تستعمل لنداء الأولاد أو بعض الرجال الذين هم أدنى منزلة من المنادى أو الأصدقاء الذين لا كلفة بينهم وبين من يكلمهم: ونعرض للقراء رأياً خامساً وهو: إن (ياول) مرخم عن ياولي بتشديد الياء الأخيرة(2/313)
والولي هنا بمعنى المحب والصديق والعتيق (أي العبد المعتوق) ولهذا جاز استعمالها مع أصدقائك والذين أنعمت عليهم. هذا وإن كان للقارئ غير هذا الرأي فليعرضه على القراء ونحن نشكر له صنيعه سلفاً:
حنا ميخا الرسام
باب المشارفة والانتقاد
1 رواية جل الفرس
نقلها من الفرنسوية (عن الألمانية) إلى العربية مع تصرف محمد دياب بك مفتش اللغة العربية بنظارة المعارف العمومية سابقاً، ثمن النسخة ثلاثة غروش صاغاً (صاغ)، حقوق إعادة الطبع محفوظة لمكتبة الشعب بشارع محمد علي بمصر.
أولع الناس بمطالعة الروايات الخيالية. والغاية من وضع هذه الروايات تهذيب النفوس ودفعها إلى أعلى مراقي العمران وأبعد مطارح الآداب الصادقة. إلا أن بعضهم شغفوا ببعض ما يخالف هذه الغاية المحمودة فأخذوا يطالعون المصنفات التي تؤدي إلى مهاوي الفساد والعار والشنار فتباً لمن غط قلمه في مثل هذا الحبر الأسود في جميع معانيه المادية والأدبية والمجازية وأمامنا هذه الرواية البديعة وضعاً الحسنة سبكاً، الشريفة مغزى، الفصيحة لغة وتعريباً التي تبقى لكاتبها ذكراً حميداً، ولناقلها إلى لغتنا صيتاً بعيداً. كيف لا ومعربها هو حضرة الكاتب البليغ محمد دياب بك.
فنحث جميع من لهجوا بمطالعة هذه التآليف العصرية أن يقرءوا هذه القصة التي قال فيها معربها: (فيها ذكرى واعتبار لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ولا تظنوا أنها أسطورة موضوعة اخترعها الوهم والخيال بل هي حكاية عن واقع حصل في القرون الوسطى وصورة تشخص قصارى ما يبلغ إليه سوء الأخلاق في الإنسان.)
وقد وقع للمعرب (وقد علمنا من مصدر ثقة أنها للمصحح فأنه أراد أن(2/314)
يجلي العبارة فأعماها) بعض ألفاظ عامية كنا نود أن يبدلها من غيرها من الكلم الفصيحة السهلة المنال من ذلك الماجريات (ص 3) بمعنى الأحداث (والإمعان (حاشية ص 4) بمعنى التدبر وقد وقع له بعض عبارات توخى فيها التعبير الضعيف وترك التعبير الفصيح كقوله في ص 5: حتى إنه كان ليتألم إذا دعت الحاجة لبقائه في منزله. والأفصح: إلى بقائه. وكقوله ص 6 البرد القارص والأفصح القارس. وإن كان للقارص وجه للتأويل.
وكقوله فيها: يعترف بخطئه. ورسم الهمزة على الياء والأصح بخطإه بوضع الهمزة تحت الألف. وكقوله هناك: وينصاع إلى ما يلقى إليه بمعنى ينقاد وانصاع لم يرد في كلام فصحائهم بهذا المعنى. وقال في تلك الصفحة وفاوضته الحديث. والذي يقال هو: فاوضه
في الأمر لا فاوضه الحديث على أن هذا الغبار كله أو هذا الهباء لا يضر بجوهر العبارة التي تبقى كالسيف الصقيل في الغمد المتين
2 سيرة القديس يوحنا الدمشقي الأصلية
تصنيف الراهب مخائيل السمعاني الأنطاكي
نشرها لأول مرة الخوري قسطنطين الباشا الراهب المخلصي بمطبعة القديس بولس حريصا (لبنان) سنة 1912 بقطع الثمن.
نشر مؤلفات السلف ولا سيما ما تدور أبحاثها على قطب الشرق ورجاله ومشاهيره من أنفع ما يفيد أبناء هذه الديار ويبعث في صدورهم الهمة والإقدام على تحري الأمور الجلائل. وممن يسعى كل السعي في تحقيق هذه الأمنية ناشر هذا الكتاب. فإنه ممن قد أوقف نفسه في سبيل هذا العمل العظيم. ومما نشكره عليه هو أنه يحافظ على إبقاء النص الأصلي بدون أن يعبث به أو يفسده بسوء قراءته إياه. ولهذا نجل الساعي في نشر آثار السلف الصالح ونحض القراء على اقتناء هذا الكنز الثمين الذي لا تزيد صفحاته على 29 صفحة.
3 نبذة مختصرة في الصحف العربية المصورة
بقلم الفيكونت فيليب دي طرازي.
في 13 صحيفة بقطع الثمن الصغير دقيقة الحرف طبعت بالمطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين في بيروت 1912.
عني في هذه الأيام حضرة الفيكونت المذكور بتأليف كتاب شامل لتاريخ(2/315)
الصحافة العربية منذ نشأته حتى الآن. وهو أمر جليل لا يقوم به إلا رجل جليل، ذو همة بعيدة ونية تسمو إلى تذليل كل المصاعب. بل رجل أمضى عزماً من السيف الذرب واثبت قصداً من الأوتاد والرواسي. ولا حاجة إلى إشارة ما في هذه الرسالة من الفائدة واللذة في الوقوف على محتوياتها وقد أفضى بحث هذا النقاب عن هذه النتيجة وهي:
إن مجموع الصحف المصورة في تركية 31 منها 17 للمسلمين و14 للنصارى وفي القطر المصري 70 منها 21 للمسلمين و42 للنصارى و7 لجمعيات مختلفة وفي تونس 7 منها 4
للمسلمين و2 لليهود و1 لجمعية. وفي أوربا 15 منها 4 للنصارى و11 لليهود. وفي أميركا 6 كلها للنصارى. فمجموع المجموع 129 صحيفة مصورة منها 42 للمسلمين و66 للنصارى و13 لليهود و8 للجمعيات. - فنحنن نشكر للمؤلف هديته هذه النفيسة. ونطلب له من الله العون في إتمام ما بدأ به بمنه وكرمه.
4 لباب البراهين الجلية. عن حقيقة أمر الطائفة المارونية.
منذ أوائل القرن الخامس إلى أوائل القرن الثالث عشر من القرون المسيحية. وهو درس تاريخي انتقادي في أصل الطائفة المارونية واسمها وديانتها وأحواله. للمطران يوسف دريان النائب البطريركي الماروني في القطر المصري. في 360 صفحة بقطع الثمن الكبير.
الجدل والانتقاد على الطريقة الجديدة العصرية حديثا الدخول في لغتنا العربية وأغلب من طرق هذا البحث جاء وفي رأسه خطة. وخطته التشفي مما في صدره من الغيظ والحزازات ولهذا لا ترى عنده من الأسلحة إلا عبارات الهزء والتهكم والألفاظ الفظة أو البذيئة التي تدل كلها على خلو صدره من العلم والأدب والفضل. وفراغ رأسه من مواد البحث ومواضيعه.
على أنك إذا أردت مثالاً ترى فيه غاية العلم والفضل والأدب والتوغل في الأبحاث التاريخية والدينية والمنطقية فعليك بهذا الكتاب الجليل فأن صاحبه قد امتطى غارب هذه الأبحاث وقبض على زمامها بنفس مطمئنة كأنه يجري في سهل لا أمت فيه ولا عقبة وهو كلما رأى أمراً صادقاً بيد خصمه أقر له به(2/316)
وكلما وجده مخطئاً فيه أشار إلى وهمه من طرف خفي في غاية الأدب والمجاملة.
وقد ختم المؤلف هذا البحث بخاتمة هي آية في الوضوح والجلاء وفي صدرها هذه الألفاظ: (لقد حصحص الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً. وقد ثبت على كل حال أن الطائفة المارونية منذ القرن الثاني عشر أو أواخره على الأكثر قد تربعوا في حضن كنيسة رومية ودخلوا حظيرها المقدس وانضموا إلى غنم رعيتها وأخذوا يسمعون صوت راعيها الأسمى. .) فأنت ترى خلو صدر هذا الكاتب الضليع من كل غاية أو غرض أو تحزب بخلاف بعض من ينتمون إلى طائفتنا هذه فأنك إن استنزلتهم إلى هذا الميدان نزعوا
عنهم للحال كل ما يؤدي بهم إلى معرفة الحق والاهتداء إلى منبعث النور ومنبثق أشعة الصدق. واندفعوا إلى المقارعة بعين تقدح الشرر، وبصدر أضيق من خرت الإبرة. وهم قد ركبوا رأسهم لا تراهم يلوون إلى منعطف ولا يتقون المهاوي التي تحفرها أيديهم المتلطخة بأقذار القذيعة والإفك ولا يتحرجون من ركوب مطايا الضلال وأحرن دواب النفاق والتدليس.
ولهذا فإننا نشكر كل الشكر صاحب هذا السفر الجليل على ما تحف أبناء العربية. ونتمنى لمصنفه هذا الرواج الصادق.
إلا أننا كنا نود أن ينزه الكاتب سفره مما دسه مصححو المسودات أو المنضدون من الأغلاط مثل ذلك ما ورد في ص 1 في قوله: أما علماء الموارنة فهم حريصون أشد الحرص. . وحريص لا يجمع جمعاً سالماً بل بكير على حراص (وزان رمان) وحرصاء وحراص (وزان كتاب) وجاء في ص 2: مأخوذة عن تقاليد هذه الأمة من وجه التواتر بالرغم عما يعتورها من الخلل. فقوله بالرغم عما. . . من التعبير الإفرنجي وهو وإن كان له وجه في العربية إلا أن الفصحاء يتحاشونه ويقولون: على ما يعتورها أو مع ما يعتورها. أو نحو ذلك. وورد في ص 3: والعناية في تعريفها. . . والأفصح: والعناية بتعريفها. لأن فعل عني بالشيء وما يشتق منه يتعدى بالباء لا بفي. وإن كان يجوز ذلك من باب التضمين أو من باب التخريج والتوجيه. ومن هذا القبيل ما وقع في ص 4 فقد جاء هناك ما هذا(2/317)
حرفه: بسبب الرزايا والبدع الذي بعض المصنفين ادعوا على الموارنة وأهل الشرق.) والأصح التي. ومثل هذه الأغلاط شيء كثار لا تخلو صفحة منه. فيا حبذا لو نزه منها هذا الكتاب الجليل الفذ بل يتيمة الدهر.
ومما نتمنى لهذا الكتاب فهارس هجائية فيها على الأقل أهم المباحث التاريخية أو المتعلقة بالبلاد حتى يظفر بها المطالع إذا ما أراد أن يطلبها في هذه الخزانة عند احتياجه إليها.
هذا ما عن لنا في أثناء تصفح هذا التأليف النفيس ونحن لا ننكر ما استفدنا من مطالعته. وهو جدير بأن تزين به كل مكتبة من أي نحلة كان صاحبها أو من أي صيغة أو ملة كان. وليس السمع كالعيان.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1. الإعانة الحربية في الصلاحية (من أعمال الموصل)
والإعانة الأدبية فيها.
يوم عالنت دول البلقان دولتنا بالحرب ووصل النبأ للصلاحية اجتمع الأهلون في الثكنة العسكرية وقرأ أحد ضباط القضاء بلاغ الخليفة الأعظم فأظهر الناس وقتئذ على اختلاف طبقاتهم تحمساً يدل على وطنية صادقة وودوا بذل أموالهم ومهجهم بل قرنوا القول بالفعل عندما دعاهم زكي بك الخطيب قيم مقام الصلاحية إلى أن يظهروا مكنونات صدورهم في مجتمعات عامة وخاصة فدلت إعانتهم على تأثرهم الداخلي إذ بلغ مجموع الإعانة 400 ليرة عثمانية في مركز القضاء والقرى الملحقة به. والأمل أن يزداد هذا المبلغ حتى يكون 700 ليرة. وقد أرسل إلى العاصمة خمسة آلاف قرش صاغ (صحيح) إلى جمعية الهلال الأحمر. وما بقي من الدراهم بعث به إلى رئاسة لجنة الإعانة الحربية في حضارة الولاية.
ومما دل على تقدم روح الرقي في هذا الفضاء أن قيم مقامه توفق لجمع دراهم كافية لاقتناء أثاث للمدرستين الابتدائية والرشدية واستأجر داراً للمدرسة الأخيرة بإعانة أهالي القضاء وبنى بضعة جسور في طريق الصلاحية التي تمر عليه العجلات الجارية بين بغداد وكركوك أو بغداد والموصل. وهذه الجسور معقودة على سواعد ونواصر وسواقي نهر الصلاحية، وفي نية حضرة قيم المقام أن يبنى قناطر أخرى من أموال الأهلين الأسخياء النجباء الذين علموا ما عليهم من الفرائض بوجود حاكم بصير بخير(2/318)
الأمة ورقيها. حقق الله الأماني وخول لهذه البلاد رجالاً مثل هذا الشهم الهمام! إنه كريم!
(عن رسالة من مكاتبنا)
2. عجمي بك السعدون في نواحي الزبير
شاع في البصرة أن عجمي بك السعدون عازم على كبسها فارتاع لهذا النبأ المشؤوم أهل البصرة كلهم أجمعون ولا سيما نصاراها ويهوديوها. وبعد أن تهيأ لمهاجمته سكان البصرة بأسلحتهم وعدتهم كذبت الأخبار والأراجيف ورجع كل إلى أشغاله.
(عن كتاب خصوصي)
3. البوارج الحربية في مياه مسقط
كتب أحدهم من مسقط إلى صاحب جريدة (الدستور) من جرائد البصرة قال: إن البوارج الحربية الإنكليزية في خليج فارس بلغت 50 بين كبيرة وصغيرة؛ وينتظر وصول أسطول فرنسوي إلى مسقط لحسم الخلاف الواقع بين حكومتها ورعايا فرنسا بشأن الأسلحة.
4. انحباس الأمطار ثم انهمارها
انحبست الأمطار هذه السنة حتى أوائل شهر ك1 ثم أمطرتنا السماء مطراً غزيراً في الثاني والسادس والسابع والرابع والعشرين من الشهر المذكور فأروت الأرضين. لكن لا تسأل عن بغداد في أوقات الأمطار فأن الأوحال تحول دون كل ذي عزم ماضٍ ودون قضاء أشغاله وليس من يهتم بكسحها وتمهيد الطرق للمارين.
5. البرد
نزل الحر في منتصف شهر ك1 إلى الدرجة 3 ثم نزل حتى انحط عن الصفر بدرجة واحدة وذلك في الخامس والعشرين منه.
6. الغلآء
ما زالت أسعار الأطعمة مرتفعة لكثرة ما يصدر منها التجار إلى ديار الغرب. فلقد كانت تباع وزنة الحنطة في السنة الماضية بمائة غرش صاغ (صحيح) وهي تباع اليوم بمائة وخمسين. وقس على ذلك سائر الحبوب كالأرز والشعير والهرطمان والماش والقطاني بأنواعها وكذلك السمن والحطب وكل البياعات. ولا سيما في هذه الأيام أيام الشتاء فأن الفقراء يتضورون جوعاً من حالة الأسعار الحاضرة.
7. زوار كربلاء والنجف والكاظمية
بلغ عدد زوار كربلاء والنجف والكاظمية في هذا الشهر مائة وعشرين ألفاً ولو وصلت بغداد بهذين البلدين بسكة حديد لكان الربح في مثل هذا الشهر أكثر من مليون مجيدي. ولاستفاد الزوار فائدة تذكر لأن نفقاتهم تقل فيذخرون ما وفروه لأنفسهم لشؤون البيت ولراحة أهله. حقق الله الآمال.
(ملخصة عن الرياض)
8. ازدياد سكان بغداد بقدوم المهاجرين إليها
سكان بغداد يزدادون سنة بعد سنة حتى أن المسير في الطرق ولا سيما في الأسواق(2/319)
أصبح صعباً جداً لما هناك من ازدحام المارة وكثرة العجلات والدراجات والخيل وأنواع الدواب. ومما يزيد أهلها عدداً مهاجرة الناس إليها كل سنة في أيام الشتاء. فقد جاءنا هذه الأيام عدد عديد من مهاجري إيران وداغستان. عسى أن الحكومة تسعى بإنشاء أحياء جديدة خارجاً عن البلدة لكي لا يفسد ازدحام السكان هواءها ولكي يرخص كراء الدور فلقد أصبح فاحشاً جداً.
9. الغوص في خليج فارس
يزداد عدد الغواصين في خليج فارس زيادة عظيمة سنة بعد سنة. ويظهر ذلك بالمقابلة التي ذكرتها الرياض ونظن أن فيها مبالغة عظيمة قالت:
عدد السفن الغواصة في سنة 1326هـ (أو سنة 1907م) عدد السفن الغواصة في سنة 1330هـ (الموافقة لسنة 1912) 1. 0001. 500من الكويت3. 0005. 000من البحرين2. 0002. 500من قطر0. 3000. 700من لنجة وفارس0. 8001. 200من دبي0. 5000. 500من الشارقة0. 1500. 250من أم الاقيوين0. 4000. 500من (أبو ظبي) 0. 1000. 150من جزيرة دلما0. 0000. 100من بلد البوعينين0. 0000. 600من القطيف ودارين10001. 200من عدة جزائر وقرى مختلفة9. 25014500فمن هذين المجموعين ترى أن الزيادة بلغت في هذه السنة 5250 سفينة إلا أن معظم هذه السفن صغيرة ويختلف عدد راكبيها بين عشرة رجال وأربعين رجلاً. فلو فرضنا أن معدل الركاب 20 في كل سفينة فيكون عدد الغواص 290 ألف نسمة. منهم نحو 44 ألفاً من عناصر مختلفة وسائر ما بقي عرب أو أعراب. وقد أخذت البوادي بالغياصة في موسمها. وجاراهم أيضاً النجديون. حتى أن بعض الأمراء زاد الضرائب على أمثال هؤلاء خوفاً من كثرة المهاجرة وبقاء الشيوخ بدون أعوان أبطال وجنود شبان مغاوير.(2/320)
العدد 20 - بتاريخ: 01 - 02 - 1913
طُعيرِيزات
أَوْأَ طلاَل طَيزَنَاباَذ
1 - تمهيد في بقايا طيزناباذ وأخربتها الحالية.
(لغة العرب) في نحو أواخر شهر تشرين الثاني أنفذت لغة العرب حضرة الشاب الأديب إبراهيم حلمي أفندي ليتفقد معالم العريسات ويكتب عنها ما يشاهده ويصفه وصفاً دقيقاً ولما وصل النجف وبحث عن رجل يرافقه إلى طيته لم يجد له دليلاً يرشده إليها مع أنه أقام في الغريين نحو أسبوع، ولما كان اليوم الأخير من مقامه هناك وكان يجالس قيم مقام النجف حضرة الشهم الأديب إبراهيم ناجي بك السويدي ويفاوضه في أمر العريسات ويكاشفه بما في صدره من الأسف والحزن على خفوق مسعاه نهض أحد الأعراب وقال: أني اعلم موقع البلدة التي تنشدها ولما طلب منه أن يرافقه أَبي وتصاعب في الذهاب معه وبعد الإلحاح العظيم والتماس حضرة قائم المقام المرة بعد المرة أَذعن الأعرابي ورافق كاتبنا المذكور، ولما وصل معه على بعد ميل من القادسية قال له: هذه هي العريسات. واراه أطلالا هناك ثم قال له: والأعراب تسميها طعيريزات، ولما انعم النظر حضرة الكاتب(2/321)
في تلك الدوارس أو الشواخص وفي بعدها عن الكوفة والقادسية تحقق أنها طيزناباذ لا غير، فكتب لنا المقالة الآتية:
2 - موقع طيزناباد.
طيزناباد مدينة شهيرة من اقدم مدن العرب الجاهلية في ديار عراق العرب وهي بين الكوفة والقادسية على حافة الطريق على جادة الحجاج بينها وبين القادسية ميل وكان يظن أن آثارها طمست ولم يبق لها اثر يذكر بعد أن جر الزمان عليها ذيله فعفى ما كان قد بقي من أطلالها وإذا الأمر على خلاف ما ظنوه
3 - وصف هذه الأطلال في يومنا هذا
كان مسيرنا إلى طعيريزات عن طريق قضاء (أبو صخير) في شمال شرقي النجف
فأشرفنا عليها بعد أن قطعنا قراب 9 كيلومترات، وأًهمّ الشواخص القائمة هناك هي تلول وروابٍ يتراوح ارتفاعها بين 15 و25 متراً وعلى جوانب تلك التلول آثار أبنية قديمة العهد، وتمتد التلول إلى نحو كيلومترين تبتدئ من موضع اسمه المصعاد وتتقدم إلى ما يقرب من الخورنق
وبين هاتين التلول والهضاب أبنية قد شيدت في عصر الجاهلية الجهلاء وقد عقد بعضها عقداً محكماً قد غارت به الأرض حتى كادت تبتلعه عن آخره، ولا يظهر إلا اثر بناءِ السقف ومعداته الطاباق الصلب وقد شُدَّ(2/322)
بعضه بعض بالجص القوي وطلي ظاهره بالبورق، قال رفيقي الأعرابي: هذا البناء كان سرداباً بعيد الغور وقد دخله والدي قبل 30 سنة ولما خرج منه كاد يُغشى عليه، وهو لم يخرج منه إلا لأنه أحس بسلب قواه، ولهذا لم يتمكن من رؤية شيء، وبين هاتيك النبوات آثار أسس أبنية بارزة للعيان قد هدمها الأعراب، واستلوا ح
وقد ذكر لي دليلي الأعرابي نقلاً عن أجداده أن هذه الأنقاض جارتها واحداً بعد واحد ونقلوها إلى أراضيهم ليبنوا بها دوراً يتحصنون فيها يسمونها (قلاعاً)، ولم يبقَ من ارتفاع هذه الأبنية إلا نحو متر ونصف وأكثرها بهيئة دعائم مفتولة، ومحيط اكثر هذه الأساطين يتراوح بين المترين وثلاثة أمتار. كانت قبل نحو نصف قرن دوراً فسيحة الإفناء والجنبات، فنقضها أهل البادية انتفاعاً بآجرها وقد مسحنا هذه الأبنية الباقية فوجدنا طولها قراب 35 متراً وعرضها زهاء 28 متراً على شكل مستطيل.
وفي شمالي هذه الدوارس بئر مهجورة بين يديها حوض من الرخام مستطيل ويبلغ طوله نحو مترين في عرض متر، والبئر مملؤَة تراباً، ولا يرى من عمقها سوى مترين ونصف وهي مطوية بالطاباق الحسن، وعلى بعد ما يقارب 50 متراً من غربي هذه البئر قبر قد ابتلعته الأرض ولا يرى منه إلا مقدار 20 سنتيمتراً، وهناك بناء معقود طوله متران ونصف وعرضه متران قوسي الشكل وليس عليه كتابة تدلنا على صاحبه وتشير إلى عهده.
4 - رأي النجفيين خاصتهم وعامتهم في هذه الأنقاض.
قد اختلف أهل تلك الربوع في حقيقة هذه الأطلال وكل يذهب فيها(2/323)
مذهباً، ونحن ندون هنا
ما سمعناه حرصاً عليه وخوفاً من أن ينسى:
قال دليلنا الأعرابي أن هذه الشواخص كانت قبل نصف قرن بناءً قائماً يناطح السحب بذهابه صعداً في الهواء، ولم يهدم بل ينسف إلا في هذه السنوات الأخيرة، وذلك أن الفتن اشتدت بين الأعراب وأخذت نارها تشب لأدنى سبب، فأراد بعضهم أن يقوى على أعدائه وخصومه فابتنى قلاعاً اتخذ حجارتها من هذه الأبنية الفخمة الضخمة، وكان على بعضها كتابات ورسوم، ونقوش، ورقم ترشد الباحثين عن دابر مجدها، وسابق عزّها، إلا أن الذي كان يجب عليهم أن يبقوها على حالها، ويعنوا بحفظها لم يعملوا شيئاً في هذا الأمر وذهبت تلك المصانع والمعاهد فريسة الجهل والإهمال.
وسمعنا أحد الأدباء من سكان النجف يقول: إن عهد هذه الأبنية يرتقي إلى شرقون (شرجون) الأول الذي كانت تطوي أيامه في نحو سنة 3800 قبل الميلاد وهو لا يورد لقوله هذا دليلاً تاريخياً، وقال آخر أن الذي عمر هذه الديار هو أحد ملوك دولة حمُّوربيّ وهذا القول أيضاً لا يقوم على سند يعول عليه، وكلا القولين من باب الرجم والحدس، وذكرت جماعة أن باني هذه القصور هو أحد ملوك المناذرة، وقد اختلف في اسمه فمن قائل أنه النعمان الأعور السائح المتنصر الذي عاش قبل أبي قابوس بمائتي سنة، وهم في قولهم هذا يستندون على مواد البناء فأنهم يرون أن مواد بناء الخورنق والسدير تشبه مواد أبنية طعيريزات فإذا ثبت ذلك كان الباني الحقيقي هو النعمان الأعور لأن التاريخ يؤيد هذا الزعم بل هو أشهر من أن يذكر.(2/324)
على أننا لا نستصوب رأياً واحداً من جميع هذه الآراء فهي كلها جديرة بأن تلقى بين النفايات لا غير، والرأي الحقيقي عندنا أنه من بناء الضيزن الذي قتله سابور ذو الأكتاف بين سنة 326 و328 للميلاد كما سنذكره في موطنه.
5 - وحدة الاسمين طعيريزات وطيزناباذ ومرادفاتهما
لا تعرف اليوم طيزناباذ باسمها هذا القديم المشهور. أما الاسم الذي يدور على الألسنة فهو طعيريزات، وما هذه اللفظة إلا تصحيف طيزناباذ وذلك أن العوام استثقلوا اللفظة الدخيلة الوزن والتركيب وأبدلوها بكلمة تقرب منها صوتاً ويسهل عليهم حفظها ويفهمها جميعهم، وذلك أن طعيريزات جمع طعيريزة مصغر طعروزة والطعروزة عندهم أو التعروزة أو
الترعوزة تصحيف الترعوزي وهو القثاء بلسان أهل العراق المعروف بالفرنسوية باسم(2/325)
وطعيريزات اسم مشهور عند أعراب البادية يعرفه صغيرهم وكبيرهم شابهم وشائبهم، وأما أهل النجف وإن شئت فقل أيضاً أصحاب القوافل التي تتردد بين الجعارة والنجف فأنهم يسمون هذه التلول المار وصفها باسم (أم فيس) أو (أم الطربوش) أي ذات الطربوش وذلك لأن في أعلى تلك الروابي تلاً في أعلاه تراب قائم بصورة دائرة مجصصة الخارج توهم الناظر إليها أنها طربوش أو فيس، وإن سأَلت بعض أبناء النجف عن طعيريزات وعن موقعها فلا يفهمون شيئاً من هذا السؤال لأنهم يجهلون هذا الاسم ويعرفون له اسماً آخر وكذلك القول عن الأعراب، فيجب أن يعاد على أسماع المخاطب المرادفات كلها ليعرف منها ما قد أَلِفه سمعه. هذا ما توفقنا للوقوف عليه وربك فوق كل ذي علم عليم وسوف نشفع هذه المقالة بمقالة أخرى في ضيزناباذ القديمة.
إبراهيم حلمي
3 - أبو السعود
الشيخ محمد سعيد السويدي
-
1 - ولادته وأخذه العلم
هو أبو السعود محمد سعيد بن عبد الله السويدي كان إماماً في الحديث(2/326)
حسن السيرة طاهر السريرة سمحاً صفوحاً ولد في بغداد سنة 1141هـ - 1728م واخذ العلم عن والده وعن الشيخ عبد القادر المكي الحارثي وعن الشيخ علي الأنصاري وغيرهم وقد أجازه العلامة أبو الفيض الشيخ محمد المرتضى بن محمد الحسيني الواسطي الزبيدي نزيل مصر شارح القاموس والأحياء في سنة 1194مه - 1780م بإجازة له فيها رواية كتابه المقاعد العندية في المشاهد النقشبندية وكذلك أجاز فيها لأخيه الأكبر الشيخ عبد الرحمن وأولاده وأحفاده وأسباطه وللسيد أبي الفضل محمد خليل أفندي المرادي صاحب (كتاب سلك الدرر). . . وقال المجيز في الإجازة التي نحن بصددها في حق المترجم ما نصه: (. . . العلامة محمد سعيد أفندي. . اجتمعت به في دار هجرتي مصر وقد غمرنا بفوائده وأمتعنا بصنوف موائده من كل فن غريب. . . فانتفعنا به في كل ما تلقيناه منه أو عرض عليه بمحضرنا من كتب الآثار النبوية فقد سمعت منه في ما كان يقرره من فوائده أشياء وإن كان كل منا على نيته في ذلك فقد أخذته أنا عنه لأنه المتلقي ذلك عن شيوخه النيل ممن لم ندرك زمانهم. . . كل ذلك في شهور سنة 1194 ولما ورد مصر ثانياً وتشرفت بالاجتماع به جددت معه المذاكرة في أنواع الفنون. . . وفيه أجزت له سائر مؤلفاتي كشرح القاموس والأحياء وغيرهما من كبير وصغير وجليل وحقير فليثق به الواقف عليه من أهل العلم والأدب. . . وكتب ذلك عاجلاً ظهر يوم الاثنين ثالث محرم سنة 1204هـ - 1789م.) انتهى نقلا عن خط الزبيدي.
2 - (مؤلفاته وطرف من أشعاره)
وله من المؤلفات أحكام التقليد وله(2/327)
إجازات كثيرة وشعر رائق ونثر فائق فمن شعره قوله:
يا ليلة الكرخ عودي لي بذي سلم ... لازال بَدْرُكِ مع ظلماك في سلم
افدي سويعة بشر فيك إذ رجعت ... كرائم المال من خيل ومن نعم
يا ليلة في أراضيك الشموس سمت ... إلى السما فمحت ما فيك من ظلم
جعلت ذكراك ذكري كي اذكر ما ... بي من مذكر تأنيث الجوى السقم
إن لم تعودي وأن العود احمد في ... باقي البقا فبقائي فيه كالعدم
يا ليلة بحمى بغداد ذات حمى ... سقى أديمك هطال من الديم
ومن شعره ما ذكره صاحب سلك الدرر وهي جواب أبيات أرتجلها في مدحه الشيخ عبد الله اليوسفي الحلبي في مجلس أحد أمجاد حلب اسمه عثمان وذلك سنة 1189هـ قال المترجم:
أني سعيد حيث نلت سعادة ... في رؤيتي لمحاسن الشهباء
اكرم بها وبأهلها فلقد حوت ... حسناً لناظرها جميل بهاء
جلت عن التشبيه إلاَّ قولنا ... هي جنة الدنيا ونور الرائي
فالله احمد حيث بدل سفرتي ... عن تدمر بمدينة حسناء
فأنا السعيد وباغتنام اليوسفي ... قد صرت اسعد إذ بلغت منائي
من درة في شعره من جوهر ... في نثره متلألئ اللألاء
شكراً لمجلس سيدي عثمان مذ ... بجلوسه مستجلب الآلآءِ
اكرم به وبربه وبصحبه ... درت عليه سحائب النعمآء
وله محاورات شعرية غيرها أيضاً جرت بينه وبين اليوسفي المذكور ذكرها المرادي في الجزء الثالث ص 114 - 115 من كتابه سلك الدرر.(2/328)
وقد توفي في بغداد سنة 1223هـ - 1808م ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي وقد أعقب أربعة أولاد وهم الملا حسين والملا علي والملا عبد الله والملا اسعد.
كاظم الدجيلي
التشوه والتزين عند الحيوانات
ليس الوفاق الغريب الموجود بين الحي وبين ما يجاوره على ما مر بنا سابقاً إلا قطرة من بحر تبدل الحيوان وتنكر زيه ليتوارى عن البصر ويرهب عدوه ويظفر بنجاته، بل هناك أمر آخر، وهو أنه يتزين ويتزخرف ويلبس لكل حالة لبوسها بموجب مقتضى الحال. خذ مثالاً لذلك المتعفرة وهي الدويبة المسماة بالفرنسية فأنها تتمرغ بالتراب والقمامة وتسدل على وجهها نقاباً درنا حتى يظن الناظر إليها أنها رتَيلاء هائلة، لأنها تماثلها بكل حركاتها وسكناتها وسيرها المضطرب. ويحذو هذا الحذو السرطان المعروف برتيلاء البحر. فإنه إذا أراد أن يختفي أثره على سمك اللما خصوصاً والأسماك النهمة عموماً يغرس أصول الفوقس على صدفته ولا تعتم أن تنمو تلك الأصول حتى تصبح رويداً رويداً كالجزة المنتفشة فيتسنى له حينئذٍ أن يختلط بالصخور المغطاة بمثل ذلك النبات.
وبين الحيوانات التي تحوز قصبات السبق في حلبة التغير والتبدل(2/329)
والتنكر السمك الفوقسي - والاربيان والقريدس الفوقسي - فأنهما يعيشان بين الكلا البحري المعروف بالفوقس وذلك أنهما يتحككان به فيلتصق منه شيء كثير بهما حتى يضحياهما والنبات شيئاً واحداً وإذا اخذ الإنسان بيده واحدة من هذه الأسماك يعسر عليه أن يعرف أين يبتدئ الفوقس وأين ينتهي الحيوان كيف لا وقد أصبح جسمه نحيفاً ضامراً وفيه زوائد طويلة تحاكي الأوراق.
لا يحق لنا أن نكره هذه الحيوانات التي تحاول التنكر والتبدل دفاعاً عن نفسها؛ ولكن تسؤونا روية مثل هذا العمل في غيرها، إذ ترمي إلى غرض ممقوت عند تسترها، وهو أنها لا تفعل ذلك إلا لتهجم على طريدتها وتباغتها فتجرعها حينئذٍ كاس الردى حتى ثمالتها. ولهذا تتخذ المكر والخداع وسيلة للبلوغ إلى مآربها السيئة، فتتزمل برداء لا يستشف منه فساد غريزتها، فتنساب بين أعدائها كالجاسوس الخؤُوْن ولا تخشى طارقاً يداهمها إذا صارت بين خصومها. ومن هذا القبيل ذُبابة الورد وكان الأجدر أن تسمى (رعب الخلايا) فأنها تشبه بصورتها وشكلها الصقيع وهو نوع من الزنابير اسمه بالإفرنجية أو تشبه الزنبور أو السرمان فتدخل مساكن الزنابير وخلايا النحل خلسة ولو كان خفرها قائماً على الباب وقد حفظ مدخله ومخرجه فتبيض هناك راخية البال لا خوف عليها من انتهاك
سرها لكن لا يبطئ أن يخرج من بيضها طوائف من الدعاميص كأنها عساكر جرارة شاكة السلاح فتلقي الموت حواليها.(2/330)
2: الجبان يدعي الشجاعة
أن حب الحياة يسوق غالباً بعض الخشاس أي الحيوانات غير المؤذية إلى تقليد هيئة وأخلاق الحيوانات الكثيرة الأذى والضرر. ومن درس أخلاقها، يعجب من تظاهرها بإمارات الشجاعة، مع أن غريزتها على جانب عظيم من الضعف والجبن. ويرى هذا المشهد يومياً في الطبيعة، من ذلك الدويبة المعروفة بالزباء الجاسية وبالإفرنجية فهي تبين لأول نظرة هائلة ويلتبس أمرها على الناظر بغيرها لنحافة خصرها ولون زببها المشرب شقرة ولسمرة حلقاتها فإذا قبضت عليها فأنها لا تؤذيك ومن أجناس هذه الحيوانات الفراشة النحلة المسماة بالإفرنجية أو فهي توجد عادة على أشجار الحور، في شهر حزيران. ومن يرها يحكم وحياً أنها زنبور كبير موذٍ، فأن جسمها مخطط بخطوط صفراء ذهبية، وأجنحتها نحاسية اللون، لكنها لا تضر ضرر النحل والصقيع.
وكثيراً ما يخدع الإنسان بظواهر بعض الحيات فلا يميز السامة منها من غير السامة ويصعب عليه أن يفرق بين الحفث والأفعى ولو كان يعرف بعض الظواهر التي تمتاز بها لأنها على جانب عظيم من الدهاء. وقد عرف ذلك الأقدمون فقال السيد المسيح في التنزيل العزيز (كونوا حكماء كالحيات).(2/331)
ومن الذين خدعوا بتلك الظواهر أحد المعلمين وكان يدرس في دار التحف بباريس أخلاق الزحافات فأنه قبض ذات يوم على حيةٍ صغيرة ظاناً أنها غير مؤذية ولكن ساء ظنه إذ وجدها أفعى سامة في منتهى الخبث وكادت ترديه لو لم تنكزه إلا نكزة خفيفة.
أن الحيوانات غير المؤذية من هذا النوع متى شعرت بدنو الخطر تنتصب وتتظاهر بأنها تريد لسع عدوّها فيولي الأدبار. وقد عرف العرب ذلك وورد ذكره في كتبهم اللغوية في تعريف الحفاث وهي حية عظيمة تنفخ ولا تؤذي وقد جاء في كتاب فقه اللغة عن كل من العربد والعسود أنه حية تنفخ ولا تؤذي. وقد ذكر الجاحظ في كتاب الحيوان تفصيل ما تفعله هذه الأنواع من الحيات فليراجع في محله.
3 - الدويبات تتشكل بأشكال الأوراد
لندخلن الآن عالماً جديداً فيه للحشرة المنزلة الأولى من الشان والخطورة أِن الأحياء هنا لا تحاول هذه المرة أن تتشبه بالأحياء أو بالجماد كائناً ما كان تشبهاً قريباً أو بعيداً للذب عن نفسها كما رأَينا فويق هذا، بل تأُخذ صورة بعضها أخذاً محكماً بالغاً حد الإتقان ليس وراءه مزيد لمستزيد.
أن الدويبات والنباتات متكافلة بعضها لبعض في الوقت. فالزهرة تفيد الذبابة برحاقها وبكونها تتخذها كناً لها والذبابة تفيد الزهرة بتلقيحها بما يخرج منها من الذرق وبما يعلق بأرجلها أو بأجنحتها من اللقاح. وإذا أراد الطائر أن يظفر بالدويبة فأنه لا يتجشم مشاق البحث والتفتيش عنها بل يذهب تواً إلى النباتات وهناك يسطو على طريدته فإذا أرادت أن تنجو منه تختفي(2/332)
وتتنكر ولهذا نراها تبالغ في التشبه بالنبات الذي تسقط عليه فتماثل تارة لحاءً وطوراً ورقة ومرة غصناً وأخرى ثمرة.
فالطائر لا يميز الفراشة المسماة بالمغسقة أو المتقوّبة العروس التي هي فراشة كبيرة تظهر في الغسق وتحط على الحور ساكنة لا تبدي حراكاً وليس فيها ما يكشفها للعيان إذ أن لونها أقتم أو اسمر وفيها بقع وخطوط وعقد تجعلها كقطعة منفصلة من القشرة أو كقشرة متقوبة وكذلك نقول عن الدويبة المسماة الجخدب الشائك التي إذا سقطت على غصن من الأغصان يحسبها الناظر إليها قطعة شوك ليس إلا.
أن عدداً من الديدان مثل ديدان الصفصاف والسندر والخمان والزيزفون وشجرة الكينا تبقى ساعات طوالا متشبثة بالأشجار ببعض جسمها وترخي ما بقي منه منتشراً ممتداً جامداً أتم الجمود الأمر الذي لا يقوم به أشهر جبابرة زماننا ومما يساعدها على اختلاطها بالأغصان سمرة جسمها وانتشار العقد فيه.(2/333)
وهناك نوع آخر من الدويبات الغريبة تسمى الحشرات الخيالية فأنها لا تبين إلا كجزءٍ مفصول من الشوك الذي تستقر عليه ولا يرى منها أجنحة ولا أرجل وغاية ما يظهر منها شيء كالقضيب فيه أشواك.
إِنّ الدويبة المعروفة بالورقة اليابسة - تتحول تمام التحول إلى ورقة يابسة بحيث أنه لا يمكن تمييزها منها حتى إذا أدركها الجوع نقرض أجنحة بعضها كما تقرض الورقة الحقيقية وهي لا تعلم ما تعمل وموطن هذه الدويبة جزائر أو قيانيا.
هذا وفي الهند وماليزيا نوع من الدويبات تسمى كليمة وهي بهيئة فراشة كبيرة جميلة المنظر تراها إذا صفت تتلون بلون نارنجي وأزرق وإذا أدركها الملل وحطت على الشوك تغيب عن الأبصار كأنها تتعاطى السحر أو تلبس قبع الإخفاء فتباغت الإنسان الدهشة من تلك الحالة ولا يدري أين يتجسس أخبار تلك الفراشة الزاهية ولا في أي موطن يقف لها على أثر؟ إذ أنها عند سقوطها على الشوك تأخذ صورة ورقة اعتراها الذبول وتتعلق بالأشواك ويظهر فيها ثقبان كالثقوب التي تعملها الحشرات في الأوراق.
فسبحان من خلق الطبيعة هذا الخلق البديع إذ جعلها تتفنن في تمثيل ذاتها لتظهر ما فيها من حكمة الوضع فأنها تتخذ من مواد مختلفة صورتين(2/334)
متماثلتين لا تتميز إحداها عن أختها قيد حبةٍ وما غرضها من ذلك إلا محافظة حشرة صغيرة.
فيا هل ترى والحالة هذه يجوز لنا أن نلفظ كلمة عرض أو اتفاق عند مشاهدة هذه الغرائب؟ إلا تظهر العناية الإلهية فوق كل هذه العجائب تلك العناية التي ترعى مصلحة أحقر الكائنات وحفظ أصغر الموجودات؟ أليس هذه هي العناية الإلهية التي قال عنها السيد المسيح في إنجيله الكريم: انظروا إلى طيور السماء فإنها لا تزرع ولا تحصد ولا تخزن في الاهراء وأبوكم السماوي يقوتها. . . واعتبروا زنابق الحقل كيف تنمو أنها لا تتعب ولا تغزل وأنا أقول لكم أن سليمان في كل مجده لم يلبس كواحدةٍ منها (متى 26: 6 - 29)
يوسف رزق الله غنيمة
(لغة العرب)
إننا أدرجنا هذه المقالة لا لأننا نسلم بهذه المزاعم الواهنة الواهية، بل لنبين أن مذهب التحول معروف في هذه الديار كما هو معروف في غيرها؛ وقد انتشر بما أبرزته مطابع ديار الشام ومصر من الجرائد والمجلات والرسائل والكتب وغيرها من المطبوعات. على أن هذا المذهب يتداعى اليوم في ديار الإفرنج لقلة صبره على نار التحقيق، إذ لم يرج عندهم ألا بقدر ما يروج الدرهم الزيف عند من لا يعرف كنهه وحقيقته، أو لم يحكه بالمحك ولم يعرضه على نار الامتحان.
أن هذا الرأي أي أن الحيوانات والنباتات تقلد الطبيعة بظواهرها فتتذرع في كل موطن بما يكفيها شر أو أذية أعدائها هو من ألاعيب الخيال والوهم، لا من حقائق العلم المقررة. -
نعم أن أصحاب مذهب التحول يقومون لهذه النظرية ويقعدون لها ويسمونها في اصطلاحهم (محاكاة الطبيعة لكن العلماء الإثبات أصحاب النقد الصادق والخبرة التامة أثبتوا كذب هذا التوهم والتصور. لأننا أن سلمنا مثلا أن أرانب الديار الباردة المغطاة بالثلوج تكتسي بجلود بيضاء الشعر لمشابهتها لون الثلج لكي لا يميزها الصائد من الثلج بخلاف لو كان لونها ارمد مثلاً، فهل يظن أول من تصور هذا الفكر أن الصياد وحده يقتل الارانب؛ أو ليس هناك عوامل أخرى تفني بعض الحيوانات والنباتات؛ وألا كيف انقرضت بعض هذه الكائنات ولم يكن هناك ما نتصور لها اليوم من الأعداء. دع عنك وجود مخلوقات في الأقطار التي يتزيا فيها بعض كائناتها بزي(2/335)
الطبيعة وهي لا تجاريها بمحاكاتها إياها. وإن وجد عشرة كائناتٍ تتزيا بزي ما يجاورها فأن هناك مئات تخالفها لوناً وشكلا وصورة. وحسبك دليلا على ذلك أن تمد نظرك إلى صحراء أو إلى ضاحية لترى كذب هذا المقال.
ثم أن ما قيل في هذا الرأي هو مجرد تحكم خيال القائل الأول وألا أفتتصور أن أعداء هذه المخلوقات تنظر إلى فريستها كما ننظر نحن اليها، وتتوهم فيها الوهم الذي نتوهمه فيها؟ - ننسب إلى الحيوان والنبات حاجات وشواعر لا بل مشاعر وحواس بشرية كأنها أناس مثلنا إلا أنها بصورة مختلفة عن صورتنا؛ فناشدتك الله يا هذا هل أن كلاب البلاد الباردة وثعالبها وذئابها تنظر إلى تلك الأرانب بالعين التي ينظرها بها هذا المفكر. فلو كان كذلك لجاعت وماتت وانقرضت فالظاهر إذاً أن هذا التنكر لا يردعها عم طلب معيشتها، ولا يصدها عن مطاردة طريدتها. - هذا فضلا عن أن الأحياء الدنيا وجراثيم الأمراض الطفيلية لا تتخيل كل هذه الأمور وتجري في أعنتها بدون أن تلتفت إلى صحة هذه التخيلات أو كذبها.
وعلى هذه السنة التي ذكرناها عن الحيوان بنى هؤلاء المتخيلون سنتهم في النباتات أيضاً. فأنهم ذهبوا إلى أن وجود بعض الأشواك والسلاء في طائفة من الأشجار كالعضاه والرتم والاسل والعرفج والقتاد والقرصعنة هو لوقايتها من آكل الحيوانات إياها. يا سبحان الله! فإن كان الأمر كذلك فلماذا الأغصان العالية أغصان تلك الأشجار التي لا تنالها الدواب لا تنبت بدون سلاء. ولماذا لا ينبت سلاء لسائر أنواع النباتات التي تعتلفها الماشية أو ترعاها حتى لا تبيد ولا تنقرض. فمن ثم يتضح أن النبات ليس بإنسان ولا كالإنسان إذ لا
يمكنه أن يتصرف بالأمور على ما يشاء.
أن الباحثين من أهل الخبرة والتجربة قد اثبتوا أن الجو الذي يكثر فيه الماء يزيل السلاء والأشواك ويحيلها أوراقا والجو الذي تقل فيه الماشية أو لا رطوبة كافية في أرضه تنبت تلك الأشواك أو تحيل أوراق الأشجار سلاء. وعليه تكون اليبوسة سبباً لتكوين الأنسجة الليفية ومن هذه تنشأ الأشواك والسلاء ليس إلا. فنشوءها إذاً لمقاومة السائمة أمر عبث لا حقيقة له هذا وهل حقيقة تخاف السائمة تلك الأشواك. فأننا نرى الجمال تأكل العاقول وأنواع الأشواك وتستطيبها وتستمرئها، بل إذا وجد بجانبها أنبتة غير شائكة فأنها تفضل تلك على هذه. فما جواب أصحاب مذهب التحول على هذا الاعتراض. هذا فضلا عن أن أنواع الدود تنفذ إلى قلب الزهرة وتآكل الحبة أو البزرة فتتلف وحدها من حبوب الأشجار وبزورها مالا تتلفه الدابة عند آكلها الورق. فما عسى أن يكون ذلك السلاح الذي تعده تلك الشجرة لتقارع به تلك الدودة. فهل السلاء يمنعها عن العيث؟
يشبه أصحاب هذا المذهب رجلاً رأى ثياب أهل البلاد الحارة واسعة الأكمام والأردن والأذيال(2/336)
منفرجة الأسافل ثم شاهد ثياب أهل البلاد المعتدلة متوسطة بين السعة والضيق وتثبت أن أهل البلاد الباردة لا يلبسون إلا الثياب الضيقة التي لا ينفذها الهواء. فقال في نفسه: إن الثوب رأى أن لابسه في البلاد الحارة يحتاج إلى الهواء، فأتسع، ثم رأى أن البرد يقرس الرجل إذا كان عليه ثياب فضفاضة فضاق وتجمع حتى لا يصيب صاحبه البرد. وعلى هذا تبين ذكاء الثوب إذ طابق حالته دائما لحالة البيئة التي وجد فيها.
قلنا: ومن لا يرى سقم هذا الاستدلال؟ أفلو عكس المستدل هذا التعبير أما كان اقرب إلى الصواب. أفليس صاحب الثوب هو الذي رأى مناسبة قطعه على تلك الصور الثلاث المختلفة. تطبيقاً لها على مقتضيات اختلاف حالة الجو؟ فليتأمل العاقل ولينصف في قوله.
وصف مدافن البحرين
وصفاً مفصلاً
كل مدفن يشتمل على غرفتين كبيرتين الواحدة فوق الأخرى مبنية من قطع صخر ضخمة ولا يبعد أنها قد قطعت (من جبل الدخان) الواقع في صحراء بعيدة ويوجد فيها أيضاً على جوانبها غرف ومعابر مسيعة بطين على غاية الإتقان ولا يوجد عقود أو دعائم ويظهر أن الغرف قد بنيت قبل أن تبنى سائر ما يحيط بها من البناء. وهذا البناء محكم مجصص وله طبقات مرصوفة من التراب وصغار الحجارة وكائن هذه المدافن قد أقيمت لمقاومة الدهر وصد آفاته فمحيط أساس أكبر التلال نحو خمسين ذراعاً وقد عثر القائد دورند على هيكل بشري في الغرف السفلى طوله نحو تسع أقدام صغير الجمجمة منخفض الجبين واسع حرف حجاج العين (المحجر) وعندما عرضت الجمجمة للنور والهواء تكسرت كسراً عديدة. إن رؤية بعض عظام الهياكل تدل على أن أصحابها دفنوا وهم جلوس ويظهر لنا انهم كانوا من وجوه الأمة وسراة القوم وكان دفنهم يجري على خلاف ما كانت تدفن العامة على حد ما هو جارٍ اليوم عندنا في دفن البطاركة والمطارنة والملافنة والأساقفة وسائر الرؤساء الروحانيين بيد أن ذلك يحتاج إلى بحث دقيق وفحص كثير وقد اكتشف حديثاً في المنعطفات(2/337)
قطع من عظام بني آدم. أما في الغرف العليا (الفوقانية) فقد وجد عظام كبيرة عدت من عظام حصان وأيضاً قطع من معدن يشبه الصفر (النحاس الأصفر) والنحاس الأحمر وشقف وخزف خشنة غير مصقولة وقشور بيض النعام وبضع آنية مصنوعة من العاج وتماثيل وغير ذلك من الأدوات المختلفة الأشكال. وفي أراضي غرف بعض المدافن شيء كثير من عظام اليربوع (واليربوع ضرب من الحيوانات يشبه الجرذ ويكثر في صحارى الخليج) وفي تلك القبور مقادير وافرة من العظام الصفراء قد دفنت هناك منذ قرون عديدة وقد نقبت اغلب تلك الغرف تنقيباً دقيقاً طمعاً في العثور على آثار ذات شان جليل ولكن جل ما وجد فيها بقايا سجف وستائر قد تحولت إلى كوم من تراب لطول عهدها وهناك أيضاً قطع أخشاب قد نخرها السوس والديدان.
إما البناء فهائل جداً وجرمه عظيم لكن لم يعثر فيه على الأدوات التي كانت تتخذ في الحفر
والبناء بل ولم يعثر على رسوم أو نقوش أو كتابة بيد أن هناك شقوقا وأخاديد ونوعاً من الخنادق القليلة الغور قد حفرت حول أساس كل مدفن.
أن أول من فتح تلك المدافن وباشر بالحفر والتنقيب فيها هو المنكب (اليوزباشي) الباسل دورند وذلك في سنة 1879 ولا تسأل عن الصعوبات والمشقات التي لاقاها في سبيل الوقوف على أثار تلك الديار وقد نال أخيراً بغيته التي كان يتوخاها إذ حصل على معارف وإفادات جمة وذلك بينما هو مجد في عمله وسائر على الخطة التي اختطها باغتته سفينة حربية إنكليزية فساعده ربانها الهمام كل المساعدة ولم يمده فقط بفريق من نوتيته ليساعدوه في التنقيب والتنقير بل عرض عليه أراء جليلة تذلل العقبات والمشاكل وتمهد له السبيل للحصول على ما كان يدور في خلده وقد أشار عليه أن يتخذ وسائل النسف داخل إحدى الغرف المفتوحة ليزيل عنها سطحها ويتسنى له الوقوف التام على محتوياتها ولكن النتيجة لم تأت بالمطلوب لأن سقف الغرفة المذكورة سقط في باطنها وكان في ذلك نهاية أعمال البطل دورند إذ على اثر ذلك دعاه أولو الربط والحل ليتقلد زمام وظيفة أخرى في محل آخر وفي سنة 1889 خلفه الفاضل بنت(2/338)
ومعه عقيلته واخذ بالحفر والتنقيب وقد فتحا مدفنين متوسطي الحجم ومنذ ثماني أو تسع سنوات زار جماعة من علماء بلجكة البحرين وتفقدوا القبور وفتحوا أحدها ولم يتصل بي نتائج أبحاثهم.
وممن عني بالحفر أيضاً عامل بريطانيا العظمى في البحرين المنكب (اليوز باشي) بريدكس وقد حفر بقرب (قرية علي) واشتغل فيها عدة أسابيع وفعل مثل ذلك في (منامة) وكان قد ضرب له في وسط المدافن خيمة يتردد إليها من وقت إلى آخر. وجمع طائفة كبيرة من الرفات وبعض قطع من العظام البشرية وغيرها من الآثار وقد بعث بها إلى دار التحف في لندن.
كم من أمة طرقت ذلك الطريق الوعر والجادة الموعثة ووقف أبناؤها ونخبة من أفرادها حاسري الطرف مشتتي الأفكار لا يبدون حراكاً لما داهمهم من الاضطراب والقلق بخصوص أسرار تلك المدافن المبهمة فخطوات أقدامهم تردد أمام مخيلتنا القرون المنصرمة ودوي آثار أيديهم ترن في آذان الادهار الغابرة وأحدثهم عهداً بها الإنكليز وقد سبقهم إليها البرتغاليون فالعرب فالفرس فالهنود فالرومان فاليونان فالفنيقيون فالبابليون فالكلدانيون
فأصحاب الرؤوس السود الذين هم أول من مد رواق التمدن والعمران البشري على وجه البسيطة وعليه يكون تاريخ بلاد اليونان حديثاً جداً بالنسبة إلى تاريخ مسقط راس العالم الإنساني ولهذا تحسب مملكة الرومان والصين واليابان والهند من ممالك أمس بجانبه هذا وكم من أمة وقبيلة وشعب ولسان ودولة زالت وانقرضت وأمست في خبر كان وأما تلك المدافن فشاخصة قائمة بعزها ومجدها كما كانت منذ أول بنائها إذا أنياب الدهر ومخالب طوارئ الزمان لم تقو على ملاشاتها وافنائها من على سطح الكرة الأرضية وهي واقفة على أركانها الضخمة تسخر بمرور الأيام وكرور الأعوام فسبحان من بيده البقاء والخلود والفناء والوجود. في كل مكان وفي كل زمان!
رزوق عيسى(2/339)
لعبة البس والهرّ
أو البكرتين والقعود
1 - مدخل البحث
اعرف للأعراب في ديار العراق ونجد ألعاباً كثيرة وها أنا ذا اشرح واحدةً من هذه الألعاب تناسب وقائع الحرب. لأن الذي يتدبرها يراها تتطلب حكمة ودهاءً فطنةً وذكاءً، بل دربة في المحاربات، وحنكة في المعاركات.
2 - شرح ألفاظ اللعبة
البس عند أعراب نجد: القط الصغير. وفي دواوين اللغة: البس بالفتح الهرة الأهلية الواحدة بسة والعامة تكسر الباء فيها. وأما النجديون فيجعلون حركتها بين الفتح والكسر. والهر عند النجديين القط الكبير عمراً وجثةً. - والبكرتان عندهم تثنية البكرة بفتح والبكرة عندهم الناقة الفتية التي لم يضربها الفحل. وإذا ثنوا اللفظة حركوا الكاف الساكنة بحركة مشتركة بين الفتح والكسر والقعود: القلوص والبكر إلى أن يثني والفصل. وعند النجديين هو القلوص الذي لم يضرب أنثى قط. ولم تستعمل هذه الألفاظ إلا للدلالة على ما يجري عليه موضوع اللعبة.
3 - بسط بدء اللعب
يجمع أولاً جمعان من اللاعبين متساويا العدد في كلا الطرفين ويقام لكل جمع أو قسم أو حزب رئيس يسمونه (الشيخ) ولا ينتخب الشيخ إلا بين اللاعبين الذين قد اشتهروا بمهارتهم ودهائهم وحسن معرفتهم واغلب ما يكون في الجمع الواحد خمسة أَشخاص وخامسهم الشيخ. وقد(2/340)
يتجاوز عددهم فيكونون تسعة وتاسعهم الشيخ. ثم يعين كل من الشيخين حاكماً ووزيراً وشاهدين بعيدين عن كل غرض ومحاباةٍ. فإذا تم ذلك يمد الحاكم رداءً ثخيناً أو عباءً متينة كبيرة لا يشف ما وراءها تكون كالحجاب بين قوم وقوم طرفها الواحد بيد الحاكم والطرف الأخر بيد الوزير بحيث لو دنا الواحد من جانب لا يرى الآخر
الموجود في الجانب الثاني من وراء الستار. إما الوزير وإن شئت فسمه بالرقيب فوظيفته الاعتراض على الحاكم وعلى أعمال تنفيذ أمورهِ. وكل ذلك بحضور الشاهدين العدلين اللذين لهما حق المراقبة. وعند الحاجة تكون الأرجحية بجانب الحزب الذي ينضمان إليه إذا وقع في القضية اختلاف أو تعارض أو تنازع.
4 - الاستعداد
بعد أن يتم كل ما سبق شرحه يستعد الفريقان استعدادهما للحرب السجال فيأخذ كل فرد من أفراد الحزبين حبلاً لا يزيد طوله على ذراعٍ ونصف. وإن لم يكن له حبل يأُخذ عمامتهُ بعد أن يفتلها فتلا نعما لتقوم مقام الحبل أو يتخذ عقاله بدلاً من ذلك ليكون بيده بمنزلة السلاح يضرب به عدوه بدون أن يضر به. وبعد هذا الاستعداد ينضوي كل واحدٍ إلى فريقه الذي يرجع إليه.
5 - الافتراق والقدوم
يفترق كل من اللاعبين من أي حزب كان فيختفي في مكان لا يراهُ الآخر أو يختفي بحيث إذا جاءه واحد من الفريق الآخر لا يستطيع أن يعرفه (ولهذا لا يكون هذا اللعب إلاَّ ليلاً) وبعد التفرق ولزوم كل حزب مكانه بكمال السكون والتؤدة يمد الحاكم العباءة عرضاً فيقبض هو(2/341)
على الطرف الواحد والوزير على الطرف الأخر على ما أسلفنا تبيانه. ويقف الشاهدان بجانبي الحاكم عن يمينه وعن يساره. ثم ينادي الحاكم ببدءِ اللعب قائلاً: (ليات من هؤلاء وهؤلاء بكرة وقعود.) فيتقدم حالاً واحد من كل من الفريقين وهو يحبو حبواً بحيث لا يمكن أن تعرف هيئته ولا حركته ويختفي وراء العباءة موجهاً وجهه وأذنه وجميع حواسه إلى جهة الحاكم بالسكون التام والسكوت الكامل.
6 - الصفير والنفير
وبعد أن يدنو كل واحدٍ من مناوئهِ من الفريق الثاني وراء الستار أو العباءِة لصقاً بلصق لا فارق بينهما سوى هذا الرداء الثخين المتين ينادي الحاكم مكلماً المختفي عن يمينه قائلاً له: (أصفر) فيصفر صفيراً خفيفاً. ثم يلتفت إلى الذي عن شماله ويقول له كما قال للأول: (أصفر) فيصفر أيضاً (وكلاهما على صفرة واحدة) ثم يبتدئ الحاكم بالسؤال فيسأَل أولا
الذي عن اليمين ويقول له: (من جاء ومن وصفر) فيجيبه المسؤول: هذا فلان (ويكون جوابه بصوتٍ خافت لا يسمعه إلا الحاكم) ثم يسأَل الثاني الذي عن اليسار مثل ما سأَل الأول فيجاوبه أيضاً حسبما يعنّ له في خاطره. فإن أصابا في جوابيهما وعرف كل واحدٍ منهما الآخر أرجعهما إلى محليهما. ونادى مناداة ثانيةً اثنين آخرين قائلاً (ليات من هؤلاء وهؤلاء بسّ وهرّ). فيدفع كل شيخ واحداً آخر من تبعته وقد يعيد الأول إيهاماً أو تلبيساً على من يريد إيهامه أو حسبما تقتضيه سياسته وفكرته. وحينئذٍ يجري الحاكم أوامره كما أجراها على من سبقهما. فإن عرف الواحد صاحبه(2/342)
للمرة الثانية أرجعهما بصوت يسمعه الفريقان قائلاً: (تعرفوا) أو (معارفة) أو نحوهما. وقد تستمر المعاملة بين الفريقين إلى ثلثي الليل أو إلى أن يتعبا فيحكم حينئذٍ الحكم مع الوزير والشاهدين بتغيير أصحاب الفريقين وتأُليف فريقين آخرين يقومان مقامهما. والتعارف تابع لنباهة الأولاد وتوقد خاطر الشيخ وذكاء جماعته.
7 - ما العمل عند جهل أفراد قوم أفراد القوم الآخر
أن لم يتعارف ممثل الفريق الواحد بصاحبه ممثل الفريق الآخر سواء كان ذلك في المناداة الأولى أو الثانية أو الثالثة فيتبع الحاكم القانون المسنون بين الطرفين. مثال ذلك إن كان الذي جاء عن اليمين عرف الذي جاء عن الشمال والذي جاء عن الشمال لم يعرف الذي جاء عن اليمين فيأُمر الحكمُ البارح (وهو الذي جاء من جانب اليسار) الذي لم يعرف خصمه أن ينصرف إلى أصحاب اليمين ويبقى هناك أسيراً فيقيده واحد من فريق الخصم تقييداً محكماً. ثم يأمر الحاكم أهل الشمال ليتقدم منهم واحد آخر. ويجب أن تعلم أن في حين سوق الأسير إلى محل الأسر يكون الحاكم والوزير قد غطيا بالعباءة ذاك الذي عرف الأسير أو بعبارة أخرى ذاك الذي هو من أصحاب اليمين لكي لا يعرفه أحد ويبقى مجهولاً. فإذا جاء الآتي من أصحاب الشمال وضع رجله وهو واقف على من ستر بالعباءة من أصحاب اليمين. فيمسكه الذي تحت العباءة من رجله مسكاً جيداً. وقد يمسكه بيده أو بعمامته أو بحبله أو ردنه أو بطرف من ثيابه (حسب الشرط الذي عقد بين اللاعبين في بدء اللعب) فإذا تمكن منه يقوم الحاكم وينادي: (هل تمكنت منه أيها(2/343)
القابض عليه) فيجيبه الماسك بإشارة خفية قد تواطؤا عليها يراد بها أنه قد مسكه مسكاً محكماً. وحينئذٍ يسأَل
الحاكم ذلك الواقف: (من هو هذا الذي مسجى بالرداءِ؟) فيجيبه الواقف جواباً بموجب معرفته فأن عرفه أطلقه وعاد إلى أصحابه وأعيدت اللعبة من جديد ويبقى الأسير في الأسر إلى أن يفكه أصحابه بغلب مثل هذا. أو إلى أن لا يبقى إلاَّ الشيخ. وحينئذٍ يحكم على كل واحدٍ من الغالبين أن يضربه ضربات معلومة معدودة يكثر عددها بقدر ما تطول مدة الأسر. مثلاً: إن يضرب الأول 20 ضربة والثاني الذي يليه 40 وهلم جراً والضارب يضاعف عدد ضربات المضروب الذي سبقه. ثم يهجم سائر الناس من رفقائه على المقبوض ويوالون ضربه إلى أن يتخلص المضروب بقوته من يد القابض عليه (لكن لا يجوز له أن يتخلص من يدي ماسكه بالضرب أو بالعنف بل بنتل نفسه فقط) أو يصدر الشيخ عفواً عنه أما الحاكم فلا يجوز له أن يتدخل بصفة معتمدة (أي رسمية) في حله أو بالنظر إلى حالته ووجاهته إذ بذلك يخالف حقوق الغالبين أهل الفوز والنصر. لكن إذا رأَى المضروب قد أضره الضرب مثلاً أو تأَثر منه تأَثراً يذكر فيجوز حينئذٍ للحاكم أن يأُذن لأحد رفقائه أن ينتصر له ليخلصه من يدي القابض على رجله. وذلك لا يكون إلا من بعد أن يوخذ رأُي الوزير في ذلك أو بعد مناداة الشاهدين معاً بذلك.
فإذا تم كل ذلك تعاد اللعبة والأسير باقٍ في أسره إلى أن يشمله عفو من الشيخ أيضاً لتتم شروط الصلح والسلم. والسلام.
س. د(2/344)
السبحة في الشرق
السبحة قديمة في ديارنا. وأول من استعملها في الشرق الأدنى اليهود فأنه كانوا يسمونها (ماه بركوت) أي المائة بركة وذلك لأنهم كانوا يسبحون بها الله مائة تسبحة. ولما ظهرت النصرانية أخذها المسيحيون عنهم. ثم جاء الإسلام فاقتبسها الحنفاء من النصارى منذ العصر الأول من نشوء الدين المحمدي. وقد ذكرها الخليل في كتاب العين قال: السبحة: (خرزات يسبح بعددها) وأنت تعلم أن الخليل عاش 74 سنة وتوفي سنة 160 وقيل 170 وقيل أيضاً سنة 175 للهجرة (الموافقة لسنة 777 و786 و791 م) ولو كان المسلمون قد اتخذوها في عهده لأشار إليه لكن الظاهر من سكوته عن التنبيه أنها كانت معروفة قبله. وإلا فمن العادة الجارية عند اللغويين أن يشيروا إلى حديث الدخول من ألفاظ اللغة ولهذا نقول أنها كانت معروفة في القرن الأول من الإسلام. والى ذلك يشير صاحب تاج العروس إذ يقول: السبحة: بالضم، خرزات تنظمن في خيط للتسبيح تعدّ. وهي كلمة مولدة قاله الأزهري. قال الفارابي وتبعه الجوهري: السبحة التي يسبح بها. وقال شيخنا: أنها ليست من اللغة في شيء (كذا. قلنا: وفي هذا الكلام نظر) ولا تعرفها العرب (كذا) وإنما حدثت في الصدر الأول إعانة على الذكر وتذكيراً وتنشيطاً. اهـ(2/345)
وأما الإفرنج فقد أخذوها من نصارى الشرق في الحرب الصليبية الأولى (أي في نحو سنة 491 هجرية - 1097م) نقلها إليهم بطرس الناسك الشهير الذي هو أول من نادى بالحرب الصليبية. ومما سهل دخولها ربوع الغرب أنهم أولجوا في الأديرة رهباناً مساعدين للرهبان القسوس واغلبهم يجهلون القراءة والكتابة فألزموهم باتخاذ السبحة وبعدّ الصلوات الربية عليها والصلاة الربية هي (أبانا الذي في السموات) وكانوا يسمونها يومئذٍ باتنوتر أي (أبانا) ثم غيروا اسمها ودعوها أي قبعية لأنهم كانوا يتخذونها على هيئة إكليل من الورد المنظوم ويضعونها على رؤوسهم. ومهما يكن من أمرها فأن الإفرنج كانوا قد اتخذوا السبحة من مكملات ملابسهم في ذلك الأوان. وكانوا يشدونها بمناطقهم. وقد أوجب بعضهم اتخاذها في كل آن ومكان وتعهدوا لذلك بعهد وسموا أنفسهم (المسبحين) وبالإفرنجية ثم قلَّ اتخاذها وتقلدها رويداً رويداً لا سيما عند من لم يتقيد بنذر رهبانية.
والإنكليز يسمونها كالفرنسويين أي قبعية. والألمانيون يسمونها - أي إكليل ورد. والإيطاليون سموها أولاً أي قبعية لكنهم يسمونها الآن أي إكليل. ومن أسمائها بالعربية المسبح بكسر الأول. وهي لم ترد في دواوين اللغة لكنها وردت في عدة كتب والعوام تستعملها وتفتح الميم. وقد جاءَت في كتاب ألف ليلة وليلة من طبعة الإفرنج 16: 7، 5. وفي بعض حواشي الزنجاني. وفي تاريخ المقري من طبعة الإفرنج 5: 1 وفي مدة معاجم فرنسوية عربية. - ويسميها(2/346)
الإيرانيون هزاردانه أي ألف حبة. ويسميها الترك (التسبيح) وهذه الكلمة مأخوذة من العربية من مصدر سبح. ومن العجب أن الترك يتصرفون بعض الأحيان في لغة العرب على خلاف ما يجري عليه العرب. فإن العرب سموا هذه الخرزات المنظومة سبحة وهي اسم مصدر لفعل سبح المثقل العين. ولم يسموها تسبيحاً وهو المصدر القياسي. أما الترك فأنهم لم يجاروا العرب في اتخاذ ألفاظهم بل كثيراً ما اخذوا منهم الشيء ذاته وسموه باسم عربي آخر كما هو الأمر في التسبيح. وهو غير معروف في لغة العرب وهو وإن كان مصدراً لكنهم لم يستعملوه لهذه الخرزات. وقد جاء في حاشية تاج العروس لمادة س ب ح: (السبحة مولدة، وإطلاق التسبيح عليها غلط. انظر ص 112 من الدرر المنتخبات المشورة.) كذا. قلنا: والأصح من الدرر المنتخبة المنثورة. على أننا لا نجسر أن نخطئ من يستعمل هذه اللفظة بهذا المعنى لأنه جاز لبعضهم أن يسموا الشيء بلفظ (اسم المصدر) لا نرى كيف لا يجوز لغيرهم أن يسموه بلفظ (المصدر) وقد نقل عن العرب ألفاظ كثيرة مسماة بالمصدر كقولهم: التنبيت والتلبيب والتمتين والتقسيط والتنبيه والتودية والتهنية والتزبرة. إلى غيرها وهم في كل ذلك لا يراعون معنى المصدر بل يذهبون في موضعها مذهب الأسماء الصرفة على أننا لا ننكر أن الجري على مصطلح العرب خير من العدول عنه إلى وضع لم تضعه والى الجري في طريق أو نهج لم تألفه. لأنك:
إذا ما أتيت الأمر من غير نهجه. ضللت وإن تقصد إلى النهج تهتدي(2/347)
أوائل في الأدب مرتبة على سني الوفيات
1 - أبو الأسود الدؤلي (المتوفى سنة 599هـ - 717م) أول من نقط القرآن وأسس النحو.
2 - أبو اسحق الحضرمي (117هـ - 735م) أول من علل النحو على ما قيل.
3 - حماد الراوية (155 أو 158هـ - 771 أو 774م) أول من جمع السبع الطوال أي المعلقات
4 - الخليل بن احمد (160هـ - 776م) أول من دون اللغة وكتب في العروض وحصر الشعر العربي
5 - معاذ الهراء (187هـ - 802م) أول من وضع التصريف.
6 - خلف الأحمر معلم الأصمعي (187هـ - 802م) أول من احدث السماع في البصرة.
7 - أبو الخطاب الأخفش الأكبر (في نحو أواخر المائة الثانية للهجرة أو أوائل المائة التاسعة للميلاد) أول من فسر الشعر تحت كل بيت.
8 - أبو جعفر الرؤاسي (هو محمد بن الحسن بن أبي سارة كانت وفاته في نحو عهد وفاة الأخفش الأكبر) أول من ألف في النحو من الكوفيين.
9 - معمر بن المثنى اللغوي البصري (208هـ - 823م) أول من صنف في غريب الحديث.(2/348)
10 - هارون القارئ النحوي (وهو هارون بن موسى بن شريك الدمشقي خاتمة الاخافشة توفي سنة 291 وقيل 292 هـ - 903 أو 904) أول من تتبع وجوه القراءَات وألفها.
11 - ابن المعتز (296هـ - 908م) أول من ادخل البديع في علوم الأدب
النجف: ابن الأعرابي
قواعد لغوية
صاحب البستان
أو السرعوفة
سألنا سائل من البصرة ما الاسم العلمي لهذا الطويئر الذي يسميه بعض أعراب العراق باسم (أبي البستان) ويعرفه أهالي الشام بفرس النبي أو جمل اليهود. وما اسمه العربي الفصيح القديم وكيف وصفه الإفرنج؟
قلنا (أبو البستان) هو (صاحب البستان) في سابق العهد. وسمي كذلك لأنه يكثر في البساتين وفي الحقول من ديار العراق وهو يكثر أيضاً بعكس ذلك في المواطن القفرة اليابسة والأرضين الشائكة من ربوع سواحل بحر الروم.
وقد وصفه احسن وصف أبو حاتم السجستاني في كتاب الحشرات قال: صاحب البستان جندب أخضر إنما هو قوائم وذنب وقرنان وليس له كبير جسد. اهـ وهو وصف صادق دقيق لهذا الجندب. واسمه بلغة العلماء وكذلك باليونانية وهو بالفرنسوية وهو يشبه الجرادة كل الشبه بل هو بين الجرادة واليعسوب. ولهذا كثيراً ما يهم الناس في تسميته حتى أن بعضهم يسميه جرادة وله في العربية اسم آخر وهو السرعوفة. وهذه يونانية الأصل من بهذا المعنى. إلا أن العرب عرفوا السرعوفة بالجرادة الطويلة. وسبب هذا(2/349)
الوهم هو المشابهة الموجودة بين الدويبتين على أن الجراد لا يكون طويلاً متناسب التقطيع وقد وصف علماء الإفرنج هذه الدويبة قالوا هي حشرة من رتبة المستقيمة الأجنحة تعرف بجسدها الطويل (ولهذا قال العرب. هي الجرادة الطويلة. وإلا فالجراد الحقيقي لا يكون طويل الجسم كما قلنا) وبقائمتين مقدمتين طويلتين جداً والسراعيف أو أصحاب البساتين من الحشرات اللواحم وهي تقبض على فريستها بيديها المذكورتين المسننتين أو الشائكتين وتترصد الدويبات مدة ساعات طوال لتهجم عليها إذا دنت منها. وإذا تربصتها أقامت لها بهيئة يخالها الناظر إليها أنها تقيم الأذكار ومنها أحد اسميها عند اليونان الأقدمين وهو (منتس أي متكهنة) ويسميها الفرنسيون المتكهنة الدينية أو المتكهنة لولية أي القديسة المتكهنة المصلية أو المتضرعة إلى - وهي تجعل بيضها في كتلة لزجة مصمغة وتلصقها بالحجارة أو بالرمثة أو العنظوانة (أنبتة شائكة)
وأما اسمها العامي الشامي (فرس النبي) فمأخوذ من هيئته عند ترصده غنائمه الحشرات
فكأنها هيئة فرس في الحضر وأما (جمل اليهود) فمأخوذ من طول قوائمه فهو بين الحشرات كالبعير بين ذوات الأربع. على أن عوام مصر يسمون (جمل الهود أو جمل اليهود) الحرباء لا هذه الدويبة وقد ذكر ذلك فورسكال في كتابه أزهار ديار مصر والعرب ص وص 28 وقد ذكرها بهذا المعنى أيضاً ابن الدريهم في كتابه منافع الحيوان والمؤلف توفي في بغداد سنة 863هـ - 1361م وعدها بين أسماء الحرباء. وذكرها أيضاً بابن سمث في معجمه الكبير السرياني اللاتيني في ص 1368 في كلامه عن الحرذون فأورد هناك شيئا عن الورل ثم وصفه قائلا: واعلم أن هذا الوحش هو في أربع قوائم كالحردون أم كحمل اليهود (كذا بحرفه) ناقلا عبارة معجم إيليا برشينايا مطران نصيبين الذي كتب كتابه سنة 1008 للمسيح ومن الغريب بعد إيراد هذه النصوص أن يقول رجل مثل دوزي في كتابه الملحق بالمعاجم العربية ص 218 لا يقال جمل الهود بل جمل اليهود وقد خطأ فريتاغ لكونه قال ذلك فكأنه يجهل لفظة الهود بمعنى اليهود مع(2/350)
أنها وردت في سورة البقرة ثلاث مرات ومرة في سورة الأعراف ومرتين في سورة هود. فسبحان من لا عيب فيه.
باب المشارفة والانتقاد
1 - نقد فاضل للعدد السابع من لغة العرب
لما كنتم قد فتحتم في مجلتكم باباً للمشارفة أو الانتقاد أستاذنكم بنقد بعض ما رأيته في العدد السابع من مجلتكم فأقول:
ذكر حضرة الأديب إبراهيم حلمي أفندي في كلامه عن مطبعة كامل التبريزي أنها (الآن متروكة لاستغناء الناس عنها بالمطابع البخارية) وهذه العبارة توهم من يقرأها أن في بغداد عدة مطابع بخارية. والحال إنكم تعلمون أتم العلم أن ليس عندنا مطبعة بخارية سوى مطبعة الشابندر.
وجاء في باب (تاريخ وقائع الشهر) ما لخصتموه عن الرياض في بحث الغلاء ما هذا إعادة نصه: (ما زالت أسعار الأطعمة مرتفعة لكثرة ما يصدر منها التجار إلى ديار الغرب فلقد كانت تباع وزنة الحنطة في السنة الماضية بمائة غرش صاغ صحيح وهي تباع اليوم بمائة وخمسين) فالظاهر من هذه العبارة أن محررها يجهل أتم الجهل الأحوال التجارية ومعاملاتها لأن التاجر إذا اصدر الحنطة إلى ديار الغرب بهذا السعر أي 150 غرشاً لمائة كيلو غرام فأنه لا ينسى ما يلحقها من نفقات الشحن والنقل التي لا تقل عن 50 غرشاً فيا هل ترى في ديار الغرب (ولا اعرف أيها منه) قحط عظيم والناس هلكى من الجوع ليشروا الحنطة بثمن يربح به التاجر ويوافق كيس المشتري أي بأكثر من 200 قرش صحيح؟ - والصحيح أن الحنطة كانت ترسل إلى أوربا إذ كان سعر الوزنة 70 غرشاً فما دون. ومذ أن ترقى سعرها أي من رمضان من السنة المنصرمة إلى هذا اليوم لم يرسل أحد حبة إلى تلك الديار. وفضلاً عن ذلك أن التجار مهتمون(2/351)
بجلب الحنطة من الهند. ولولا رسوم الممكس (الكمرك) عليها وهي 11 في المائة لكثرت في بغداد. ولذلك قدمت دائرة البلدية تقريراً للولاية في 15 ك1 سنة 328 (28 ك1 سنة 1312) طالبة به أن ترفع الرسوم من الذخائر التي ترد من الهند. ومتى ترفع تروا الألوف بل مئات الألوف من الأكياس المملوءة حنطة وأرزاً إلى الولاية. وذلك بعد تكبدهم مصاريف الجلب التي لا تقل عن مصاريف الإرسال المذكورة آنفاً.
ومما يدخل في باب المبالغة أمر الغوص في خليج فارس. ولقد أحسنتم في قولكم (ونظن أن
فيها مبالغة عظيمة).
ورأيت من تحامل الأديب ك، د. على العراق النافي اغلب ما اسند إلى العراقيين في مادة (الجنبرسوري) ما يخالف الحق إذ الحق مع العراق. ولا يعمل ما ذكره الكاتب سوى بعض الأجلاف الذين تمسكوا بالخرافات. فلا يجب أن تلام أمة بفعل حمقاها. - ورأيكم في الأمر أعلى. أعانكم الله وسدد أعمالكم.
بغداد في 1 ك1 سنة 1913:
ع. ن
2 - وقائع من أخبار كردستان
للمطران ادي شير
رئيس أساقفة سعود على الكلدان (مستل من المجلة الاسوية الفرنسوية لسنة 1910) في 25 صفحة بقطع الثمن. طبع في باريس بمطبعة الشعب سنة 1910
لا ينهض العلم عندنا بل ولا ينشر من قبره إلا بعد أن يتخصص رجال لأبحاث معدودة ويعدون لها العدة اللازمة للتفرغ لها تفرغاً صادقاً. حاصرين لها أوقاتهم وقواهم وإلا فطالما نرى بين ظهرانينا أُناساً ينتفون العلوم نتفاً فأننا نبقى في أخريات أهل البحث والنظر. ولهذا نسر كلما رأينا علماء من هذا القبيل. وهانحن نفتخر بان نعد بين أهل التحقيق المطران ادي شير الكلداني فأنه قد تفرغ للأبحاث التاريخية الشرقية ولغاتها المتعددة(2/352)
فأصبح ممن يشار إليه بالبنان. وقد وضع عدة تآليف تشهد بما له من البراعة في هذه المواضيع من ذلك هذه الرسالة المذكورة في صدر هذه الأسطر وقد نقلها من الآرامية إلى الفرنسوية ونشرها في اعظم مجلة علمية من مجلات العالم فجاءت تسفر عن محيا كثير من الحقائق التاريخية التي يحرص عليها أهل البحث والتنقيب ويتتبع دقائقها أصحاب نقد الأخبار والتاريخ. ونحن نشكر لسيادته هديته ونتمنى له المثابرة على خطته هذه لما وراءها من الفوائد والعوائد والله لا يضيع اجر المحسنين.
3 - كتاب قلائد الذهب، في فصيح لغة العرب
تأليف حضرة محمد أفندي دياب المفتش في نظارة المعارف المصرية سابقاً
الجزء الأول
(وهو يشتمل على ما يزيد عن 5000 كلمة لغوية ولها من الشواهد نحو 500 بيت شعر و500 آية قرآنية و150 حديثاً و 100 مثل سائر وغير ذلك من نوابغ الكلم وجوامع الحكم التي تعد بالألوف. - والكلمات المبدوءة أصولها بأحد الأحرف الخمسة الألف والباء والتاء والثاء والجيم يجدها الطالب في هذا الجزءِ. - حقوق الطبع محفوظة للمؤلف - طبع بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر).
كتاب في متن اللغة حوى على صغر حجمه اغلب موارد الفصحاء وأشهر مشارع البلغاء. ومن محتويات هذا الديوان مقامة أدبية. وعت جميع مشتقات مادة جلل تهون على المطالع حفظ جميع فروع هذا الأصل. وكفى هذا التأليف تقريظاً أن يقال أنه من مؤلفات حضرة محمد أفندي دياب اللغوي(2/353)
والكاتب البدوي الذي لا تخط أنامله إلا الفصيح ولا يسير من سبل اللغة إلاَّ في الفسيح. على أننا نرى في بعض المواد نقصاً. ولا نريد بقولنا نقصاً أنها غير مستوفية جميع فروع الأصل لأننا إن قلنا هذا نكون قد نسبنا النقص إلى جميع مواد الكتاب؛ بيد أننا نريد بالنقص هنا نقص بعض المعاني المتداولة غير المهجورة كما في بعث مثلاً فأنك لا ترى فيها ذكراً لانبعث الماء: بمعنى سال ولا للبعث بمعنى الجيش مع انهما مشهوران. ومع هذا فأن الكتاب إذا طبعت سائر أجزائه يكون أخف سفراً تتداوله أيدي الأحداث في متن اللغة العربية. أعانه الله على إتمامه.
4 - الجزء الثالث من قاموس القضاء العثماني
لمؤلفه سليمان أفندي مصوبع المحامي.
حقوق الطبع والترجمة محفوظة للمؤلف طبع في مطبعة العرفان في صيداء (سوريا):
هذا الجزء الثالث من معجم القضاء الذي أشرنا إلى جزءه الأول في مجلتنا هذه (115: 2 - 116) ونحن كلما طلبنا فيه مادة للبحث عنها نراها جلية البسط فيه جامعة لأنواع الفروع. على أننا ناسف 1: على أن عناوين مواده مكتوبة بالعربية فقط فلو كان بجانبها مرادفتها بالتركية وبالإفرنجية لتضاعفت فائدته. 2: على أن المواد تطلب فيه بعد تجريد
اللفظة من زوائدها. وهذا لا يكون ألاَّ في كتب اللغة. وإلاَّ فيحسن بمعاجم المصطلحات أن تدون الكلم بالنظر إلى زوائدها. 3: المواد المكتوبة في أعلى الصفحة غير مطردة الاستعمال فأنه كتب مثلاً في أول ص 244 بعد كلمة (الجد) لأن آخر كلمة يدور قطب البحث عنها هي (الجدة) وأما في ص 245 فقد كتب بجانب الكلمة (الجدة) مادة (جد)(2/354)
أيضاً مع أن هناك بحثاً في (الجرائم) فكان يجب أن تعنون المادة بعنوان آخر كلمة يبحث عنها في الصفحة أي بمادة جرم كما هو مشهور. وأما المؤلف فقد خالف بين هذه المصطلحات. 4: لا يزال الكاتب يذكر في الكتاب ألفاظاً عامية أو تركية الدخول في العربية كلفظة جنحة مثلاً المذكورة في ص 245 فأنها دخلت العربية على يد الأتراك لجهلهم أصول العربية. والأصح أن يقال فيها (جناح) بضم الأول. وكقوله في ص 246 في خلال عشر سنوات. والأصح عشر سنوات وكقوله في تلك الصفحة: الاحتفاظ عليها والأصح بها. ومن مثل هذه الأغلاط الصرفية والنحوية واللغوية لا تخلو صفحة من الكتاب. عساها أن تصحح في طبعته الثانية.
5 - طبقات الأمم أو السلائل البشرية
هذا كتاب علمي طبيعي اجتماعي يبحث في أصول السلائل البشرية وكيف نشأت وتفرعت إلى طبقات وانتشرت في الأرض. وما تقسم إليه كل طبقة من الأمم والقبائل وخصائص كل أمة البدنية والعقلية والأدبية ومنشاها ودار هجرتها ومقرها الآن وعاداتها وأخلاقها وآدابها وأديانها وسائر أحوالها.
تأليف جرجي زيدان منشئ الهلال. مطبعة الهلال بالفجالة بمصر سنة 1912 لصاحب هذا الكتاب الجليل مزية لا تجدها في سائر المؤلفين إلا من باب الندرة. وهذه المزية هي أن جرجي بك ينظر إلى حاجة أبناء الأدب والى ما يتطلبه سواء القراء فيسد الخلل ويرأب الصدع بما تبرزه براعته من الأسفار النفيسة. ومما كان يتشوق إلى الوقوف عليه ويتشوق إلى معرفته الأمم والقبائل والأجيال المبثوثة على هذه البسيطة. فإذا سمع الأديب باسم قوم أو جيل أو عثر على اسمه في كتاب أو مجلة أو صحيفة وأراد أن يعرف موطنه أو إلى أي سلالة ينتمي لا يجد تصنيفاً يبل صداه. فوضع حضرة الكاتب المتفنن هذا السفر الجليل فجاء كالمرهم على الجرح. وقد اشتمل على كل ما ينشد عنه في مثل هذه الضالة. وما
عليك إلا أن تنعم النظر في الأسطر الأولى لتقف على جوف ذلك الفرا.(2/355)
على أننا نأخذ عليه بعض الأمور منها: 1 - إنه ذكر في محتويات هذا التصنيف (ما تقسم إليه كل طبقة من الأمم والقبائل.) ونظن أنه بالغ في قوله (القبائل) لأن هناك قبائل عديدة لم تسم بأسمائها فضلا عن ذكر أحوالها. أو لم تسمع هذه الأيام بذكر الماليسور والمردة والجيك ونحوهم فأنك لا ترى لهم أثراً في هذا الكتاب. وأما الأجيال المنقرضة فلا تقف لها أيضاً على ذكر مثل الجراجمة والجرامقة وياجوج وماجوج ونحوها التي إذا أردنا تعدادها نثير السأم في صدر القراء. 2 - إنه خلط الأمور التاريخية الراهنة بالأمور الخرافية المبنية على وهم أو تخيل بعض الباحثين كقوله في ص 10 ويقدرون المدة التي استغرقها العصر الجليدي بأكثر من مليون سنة وكقوله تحت الرسم الأول من كتابه ص 11 بقايا الإنسان محجرة منذ 20000سنة. وكقوله ص 13 (والعلم يقول بمرور القرون المتطاولة قبل أن بلغ الإنسان حالته المعروفة من التكون البدني والعقلي) فإطلاق العلم هنا على التخيل في غير موطنه. فلو قال: والعلماء الماديون يقولون كذا. . . لأصاب لأن بين العلم الحقيقي والعلم المادي بوناً شاسعاً وبمثل هذه الأقوال يعثر القارئ في جميع الصفحات الأولى من كتابه أي من 10 إلى 16 وفي بعض اوجه (تاريخ الإنسان قبل التاريخ). 3 - وضعه بعض الأجيال في غير موضعها كوضعه السوريين ص 234 بين أقسام الساميين الكبرى. مع انهم ليسوا من تلك الأقسام في شيء وإنما هم ساميون سكان ربوع الشام وإلا لوجب أن يذكر العراقيين وغيرهم من سكان البلاد المتسعة الأكناف التي كثر فيها اختلاط الأمم المتغلبة عليها وهم في الأصل ساميون. كما وقع مثل ذلك في ديار الشام. 4 - يجري في ذكر بعض الأعلام مجرى الإفرنج فيها مع أنه في غنى عنها لو جرى مجرى العرب فيها. كقوله القلت ص 242 وهم القلط ومنه الكلاب القلطية نسبةً إلى هذا الجيل ومنه في ص 231 في قوله: (عرب الجنوب: وهم الحميريون والصابئة والأحباش) والأصح السبايون نسبةً إلى سبا لكنه لما نقل عن الإفرنج ويراد بها عندهم الصابئة والسبايون معاً ظن أن المراد هنا الصابئة وهو غلط. وكقوله ص 232 الغير ناقلاً كلمة عن الإفرنج والصحيح (الجعز) كما يكتبها هؤلاء(2/356)
الساميون بحروفهم. على أنه يجوز أن يقال فيهم (الجاز) على لغة جعل العين همزة جاء ذلك في الهلال نفسه (341: 10) كقوله في شرع:
سرا في الامحرية وصرع في الأثيوبية. وهي خلاف اللغة المعروفة عند العرب بالعنعنة: 5 - يفعل مثل ذلك في الألفاظ اللغوية أي أنه ينقل اللفظة الإفرنجية أو بما تعنيها معنىً حرفياً ويترك اللفظة الفصيحة العربية كقوله في ص 233 الذقن حاد والأصح الخد أسيل. وكقوله في تلك الصفحة لون البرنز والأصح لون الشبه. والشبه بهذا المعنى مشهورة في العراق حتى عند أهل البادية. 6 - في الكتاب أغلاط طبع كثيرة حتى أنه يذكرنا مطبوعات بغداد كما في ص 234 في قوله: وأما الساميون فانهم ميالون إلى التجمع والبقاء على حال واحدة. ولا شك أنه أراد التجمد بدلاً من التجمع. والأصح أن يقال الجمود. وكقوله في صفحة 232 في المقدمات التمهيدية والأصح التمهيدية وقد عددنا من هذه الأغلاط اكثر من 120 غلطاً. 7 - في الكتاب أغلاط نحوية ولغوية كقوله في ص 180: اصله إنسان تقمص إلى طير والأصح تقمص طيراً أو طائراً. وكقوله ص 182 ولهم أنف مسلطح. ولو قال سلاطح أي عريض لكان عربياً. ولو قال: (وهم فطس) لأفصح وأفاد أكثر. وكرر كلمة قاصر بمعنى مقصور في مواطن كثيرة. وقد أشرنا إلى غلطه هذا مراراً ولا وجه له في العربية إلا بتكلف ومن باب وجهٍ ضيق أي من باب مجيء فاعل بمعنى مفعول وهذا لا يأتي إلا في الألفاظ التي سمعت عنهم ولا تتعدى. وفي ص 42 وكلتاهما مائتان والأفصح مائتة وكقوله مراراً الفرنساويون والأصح الفرنسويون وكقوله ص 45. إن يقتات أفرادها على الأعشاب. والأصح أن يقتات أفرادها على الأعشاب. وكقوله في تلك الصفحة والمغر وهو يريد المغاور. وتلك خطأ كبير. وكقوله في تلك الصفحة أيضاً نزلوا الشاطئ. وقد نقط الياء وهمزها معاً. والأصح همزها لا غير. 7 - الفهرس الهجائي الذي في ذيل الكتاب غير وافٍ بالمطلوب. فإن المؤلف ذكر في كتابه مثلاً السكسون والألمانيين أو الجرمانيين والنمسويين والجيك والمجر وغيرهم. فإذا أردت أن تنقر عنها في داخل الكتاب احتجت إلى مطالعة الفهرس وإذا طلبتها في الفهرس فلا تقع عليها.(2/357)
ومهما عددنا من مغامز هذا الكتاب فأن حسناته تزيد على سيئاته وتذهب به ذهاباً لا تبقي أثراً لها. إذ قلما يكتب المؤلف كتاباً إلا وتراه صاحب مبتكرات في الموضوع ولهذا فأننا نهنئه بفوزه هذا في عالم الأدب ونطلب لكتابه الرواج الذي يستحقه إذ من لا يحصل عليه فقد خسر كنزاً من كنوز الأدب وبهذه الإشارة ما يدلك على منزلة هذا السفر الرفيعة. كفى بها
منزلة.
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - العرائف
هجمت العرائف على عشائر قحطان في أودية سبيع في جنوبي الرياض من ديار نجد وقد غنموا منها غنائم كثيرة.
2 - أعمال حمدي أفندي ابن محمود رامز في الكوفة
هذا الرجل هو وكيل مديرية ناحية الكوفة ودونك ما فعله من الأعمال الجليلة 1 - أتم بناء دار الحكومة 2 - وضع سلك مسرة بين الكوفة والنجف 3 - بنى جسرها احسن بناء 4 - أقام مسنيات متينة مكينة على الفرات 5 - شيد مكتباً على الطراز الحديث 6 - عمر سوقاً وسقفها 7 - أنار الكوفة القديمة 8 - بنى مخفراً (قراغو لخانة) بقرب القداد (التراموى) 9 - نشر أجنحة طير الأمن والراحة في ربوع البلدة وجهاتها 10 - استمال قلوب الأعراب المنتشرين في أرجائها بحسن السياسة والخبرة والدراية فعسى أن يكون مديراً لهذه الناحية ولا يبدل بسواه!
(نقلاً عن المصباح والعهدة عليه)
3 - التجارة بين ديار العراق وبين ديار فارس
بارت التجارة هذه السنة بين ديارنا وبين ديار جيراننا الإيرانيين وأصبحت الخسائر كثيرة والأضرار لا تقدر بسبب ما اعترى تلك الأرجاء من الفتن والاضطرابات التي لا تزال جمراتها تتقد حتى يومنا هذا. وكأن تلك الفتن لم تكف فأخذت رؤساء بعض قبائل الأكراد وبوادي الفرس بجباية(2/358)
محرمة لا يقبلها الشرع ولا يذعن لها بشر إلا كرهاً. وبعضهم لا يكتفون بذلك بل يسوقون دواب القوافل أمامهم ويتركون ما معها من الأموال والبضائع ويبقون لأنفسهم الدواب التي استاقوها فتكون الخسارة خسارتين خسارة التاجر وخسارة المكاري. وقد وقع لبعضهم في الشهر الماضي أن أحد رؤساء كوران وحاكم سربيل أخذا من أحد القوافل 40 حملاً ثميناً وأربعة رؤوس خيل و16 حماراً وسلبا جميع الألبسة التي كانت مع أصحاب القوافل. ومشير خان يأخذ 3 قرانات (فرنك و50 سنتيماً) على كل بعير يسير بين قصر شيرين وقلعة شوزى ماعدا ما ينهبه لنفسه من الأموال وحمو خان حاكم
هرناوة يأخذ ما شاءت نفسه فإذا أضفت إلى ذلك ما يأخذه راس كتاب جرى (باش كاتب شاهبندر) الدولة العثمانية وهو قران (50 سنتيماً) على كل عشرة بعران وما يأخذه الشاهبندر وهو 10 قرانات (5فرنكات) على كل عريضة (عرض حال) ظهر لك ما يصرفه التجار من الأموال والبضائع للاتجار بين العراق وإيران فتأمل. (كلها عن الرياض بتصرف).
4 - إعانة مكتب حقوق بغداد للحرب البلقانية
بلغ ما تبرع به طلبة هذا المكتب 2365 قرشاً صحيحاً زادهم الله سخاء.
5 - نفوس محلة كرادة نجيب باشا من محلات الاعظمية
أخذت الولاية بعد نفوس من فيها. وقد بلغ عدد نفوس المحلة المذكورة 3000 نسمة بعد أن كانوا سابقاً 1500 وبلغ عدد البيوت 500 بعد أن كانت 170 وقد وفق المحصون لإدخال كثير من الأعراب في تلك المحلة. ولم يكونوا مقيدين سابقاً.
6 - المكاتب الأهلية في قرى خراسان
تجول قيم مقام خراسان حضرة احمد فائق بك في قرى خراسان فرأى كثيرين من الأطفال بدون تعليم فشوق الناس إلى فتح مدارس ابتدائية أهلية ففعل كثيرون إجابة لترغيبه إياهم في الأدب وقد تم فتح هذه المكاتيب في قرى الهويدروبهرز وبلدروز (برازالروز) وأرسلت الحكومة إليها معلمين أثاب الله كل من سعى في هذا الخير ومثله.(2/359)
7 - الأمطار في العراق وديار العرب
كثرت الأمطار في شهر كانون الثاني بعد أن كانت اعز من بيض الانوق وقد عمت ديار العراق والعرب ولاسيما ما كان بين العارض والقصيم فحائل فالجوف فقلب الجزيرة وقد انتشرت الأعراب تفتلى الممطور في أراضيها.
8 - عبود اليوسف رسول ابن الرشيد
وصل بغداد عبود اليوسف رسولاً من قبل الأمير ابن الرشيد لمقاصد حسنة ولخير عشائر العراق.
9 - الإعانة الحربية في البحرين
بلغت مجموع الإعانة في هذه الجزيرة مائة ألف روبية (نحو مئتي ألف فرنك) ولعلها تزيد بعد قليل.
10 - أعراب شمالي جزيرة العرب
طلبت عشائر الحويطات وبني عطية والشرارات إلى الأمير ابن الرشيد أن يضمها إلى أعرابه ففعل وعين لها تيماء منزلاً واستقدم رؤساءها ليربط تلك القبائل ربطاً محكماً بالجامعة العربية الشاملة أمراء جزيرة العرب ومشايخ قبائلها.
11 - ابن السعود
برح هذا الأمير الرياض عاصمة أمارته وذهب إلى القصيم وطيته شمالي الجزيرة وقد بث رسله إلى قبائل نجد ليدعوهم إلى التآخي والتناصر والتكاتف وفي نيته أن يضرب خيامه في (الوديان) ويجعلها منبعث أعماله وقد ارتبط اشد الارتباط بالأمير ابن الرشيد رداً لهجمات الأعداء.
12 - نشف نهر الحسينية
نشف نهر الحسينية في كربلاء وعاد الناس إلى حفر الآبار وشرب مياهها. ولا يجهل أحد ما يتولد من الأمراض من تجرع تلك المياه. عسى الحكومة تسعى في حفر النهر حفراً لا يحتاج بعده إلى كريه ثانية.
13 - الأمطار والبرد
تتالت الأمطار في هذا الشهر حتى جعلتنا أن نتفاءل بسنة خير عميم ورخص عظيم حقق الله الأماني. وقد نزل الحر إلى الصفر في السادس عشر من هذا الشهر.
14 - الضيق في بغداد وتكاثر الفقراء
إذا ذهب الإنسان من محلة إلى محلة أخرى ولا سيما في أحياء المسلمين واليهود يصادف من الفقراء والمكدين عدداً وافراً من رجال ونساء وبنات. وفقراء(2/360)
النصارى يزدحمون على أبواب الكنائس وفيهم من يستحق الصدقة. ومن لا يستحقها. فلا جرم أن المتصدق على
أصحاب البنية الصحيحة والقوة التامة يزيد الأمة بلاءً. والأجدر بهؤلاء الناس أن يجدوا ويشتغلوا ليعيشوا بعرق جبينهم. وإلا فالكدية من اشد أدواء الآلفة.
15 - نتائج الجهل الأعمى
وقعت في الكاظمية نهار عاشوراء (20ك 1) وقيعة مؤلمة أحزنت قلب كل عاقل. وصورة هذه الحادثة أن ألوفاً من المسلمين يجتمعون في الكاظمية يوم عاشوراء تذكاراً لوقعة الطف. ومن جملة من كان من المتألبين هناك في ذلك النهار جماعات من جانب الكرخ وفي هذه الديار عادة سيئة وهي أنه إذا اكتظ الناس في ساحة تساءلوا فيما بينهم: أيهم من المحلة أو البلدة الفلانية وأيهم من المحلة أو البلدة الفلانية الأخرى. فإذا القي هذا السؤال ينشأ للحال نفور بين سكان محلة ومحلة أو مدينة ومدينة ثم لا يعتم أن يتجسم هذا النفور فيتحول إلى سب وشتم، إلى قدح وذم، إلى ضرب ولكم، إلى جرح وقتل. وهذا ما وقع في الكاظمية فأنه لما علم بعض جهال الكاظمية من هم الذين من محلة الكرخ تنابزوا فتشاتموا فتلاكموا فتجارحوا فتقاتلوا وانجلت الوقيعة عن قتل واحد من الكاظمية وجرح ثلاثة منهم. وعن جرح ثلاثة من أهل الكرخ. فقبض على المتهم بالقتل وجماعته وأودعوا السجن. عسى أن هذه الحادثة تكون الأخيرة في هذا الباب بهمة الحكومة وسهرها على رعاياها!
16 - عجمي بك السعدون والأعراب
أن هذا الأمير نازل اليوم على (ماء الشقراء)، على بعد 14 ساعة من الزبير وقد وفدت إليه العشائر التي كانت قبلاً معادية له وهي: البدور والسعيد والفواز والزياد ومطير وطلبت منه العفو فعفا عنها. وقد نزلت اليوم بأهاليها وأموالها في أراضيه. وقد وفد إليه من شجعان القصيم ما يقرب من ألفى محارب فسلحهم وأعطاهم خيلاً. وقد أصبحت قوة هذا الشيخ في هذه الأيام في ازدياد ويحسب لها حساب. ولهذا عدل أبناء فالح باشا عن الخروج على عجمي ولا سيما لأنهم رأوا أن الأعراب الذين مر ذكرهم، وكانوا مصافين لهم غادروهم(2/361)
وانضموا إلى عجمي بك ولم يبق معهم إلا بعض الضفير ولا بد انهم ينضمون إليه أيضاً. وقد أغارت سرية له على الضفير النازلة بقرب الخضر (وهو الأخضر) وهي ناحية بقرب الدراجي على طريق السماوة فغنمت منهم أبلاً وخيلا وغنماً وذخائر كثيرة.
وفرت الضفير من وجه عداها ولجأت إلى داخل الناحية فساق الغزاة ما وجدوه من السائمة بعد فرار العشيرة وفر ابن سويط ناجياً بنفسه.
(الرياض)
17 - عجمي بك والضفير
قالت الدستور (من جرائد البصرة) ما خلاصته: كان لسطوة سعدون باشا في السنين الأخيرة دوي. ترامى الصدى وذلك حينما كانت عشيرة الضفير نصيرة له في السراء والضراء باذلة المهج في سبيل حبه حتى أنها اشتهرت بذلك وفاقت سائر أعرابه المخلصين له. وأشهر هذه الوقائع الوقيعة التي شهد لها سعدون باشا نفسه أي وقيعة سنة 1327 في أبان عداوته للشيخ مبارك الصباح. هذا ولما كانت الأمور لا تستقيم على حالة واحدة وقع بين الباشا وبين الضفير ما قلب ظهر المجن وأن كان السبب طفيفاً لا يحفل به أل أن أطماعه جسمت الصغائر وجعلتها من الكبائر فانقلبت العشيرة عدوة له بعد أن كانت صديقة له. وتطايرت شرر الفتن بين الخصمين حتى اضطرت ولاية البصرة إلى إبعاد سعدون عن ديار العراق حقناً للدمار وأرسلته مخفوراً إلى حلب وهناك مات سنة 1329 وما كاد يموت إلا وقام ابنه عجمي لينتقم من الضفير. إلا أنه رأى نفسه في الآخر عاجزاً عن مناواتها فغادر ربوعه متوجهاً إلى (حائل) مقر الأمارة الرشيدية فاستجار بالأمير ابن الرشيد وكان هذا الأمير ينتظر فرصة للضرب في العراق فزحف مع المستجير به بخيله ورجله لإصلاح ذات البين بين عجمي بك والضفير إعادةً للمياه إلى مجاريها. إلا أن الزمان كشاف الأسرار والسرائر اظهر عكس الأمر أي أن الأمير لم يأت إلا ليغزوها ويأخذها إرضاء للائذين به. وبعد أن جرت معركة كبيرة بين ابن الرشيد والضفير رجع الأمير إلى مقر إمارته ظافراً إما العشيرة فنهكت فتخلف عجمي ليحاول الكرة عليها ما دامت في وهنها فلم يفلح. وما زال يتطلب هذه الغاية اليوم. وفي هذا العهد الأخير لما توفر لديه المال (وهو الثروة التي وقعت له من عمه مزيد باشا أي(2/362)
250. 000 ليرة) اخذ يجمع العدد والعدد لمناجزة الضفير القتال والإيقاع بهم. هذا واغلب الضفير نازلون اليوم على (الصخرية) داخل لواء الناصرية وعلى بعد نحو 3 ساعات من المركز (أي الناصرية). وعليه تكون المسافة بين منزل عجمي بك (أي الشقراء) ومنزل الضفير قريبة ويسهل على
القبيلين نشوب المعركة بينهما لامتلاء الصدور من نتاج النفور. ابعد الله تلك الشرور. إنه رحيم
18 - إعانة البصرة للحرب البلقانية
بلغت الإعانة في البصرة وبعض البلاد العربية في بحر فارس 36 ألف ليرة ولعلها تزيد بعد قليل.
مفردات عوام العراق
آني وفلان كجا
آني أي أنا بلهجة عوام المسلمين وكجا بضم ففتح كلمة فارسية معناها أين أو في أي محل ومعنى هذه العبارة العربية الفارسية. أنا أين وفلان أين وفصيحها مالي ولفلان؟ وبعبارة أخرى ليس فلان من أكفائي أو نظرائي أو أيضاً: بيني وبين فلان بون شاسع.
أي آي أنني
آي بمد الألف وسكون الياء. أنني بفتح الهمزة والنون الأولى وتشديد الثانية المكسورة. كلمات تكررها أمهات النصارى إذا أردن أن ينمن أطفالهن فيهززن مهدهم هزاً رخيا قائلات تلك الكلمات وأظن أن كلمة آي للهتاف وأنني بمعنى نم (أمر من نام) بلسان الأطفال ومحصل العبارة نم يا عزيزي. وقد يظن بعضهم أن العبارة من أصل تركي محرف أي آي أنا ايني ومعناها الحرفي يا والدة الأخ الصغير أو عن أيا ايا أنني أي أيتها الوالدة انظري واسمعي الأخ الصغير لأن أيا أداة نداء تستعمل بمعنى انظر واسمع أو انظري واسمعي كان أصل هذه العبارة استعملتها البنات لأنامة أو إسكات أخواتهم أو إخوانهم الصغار ثم تلقتها الأمهات من بناتهن وقد تستعمل هذه العبارة في غير الانامة لكن ذلك قليل وفي كل هذا التأويل من التعسف ما لا يخفى على عاقل والأصح عندنا هو الأول.
آراروت
أو أرروت بثلاث فتحات والبعض يقولون عرروط بفتحتين فضم كلمة(2/363)
إنكليزية تعريب معناها الحرفي جذر السهم أو الجذر المسهم أو السهمي وهو نشاء يتخذ من جذور بعض الأنبتة التي تنمو في بلاد الهند الغربية يعمل كالعصيدة ويطعم المرضى والأطفال. أما أصل هذه التسمية وسببها فراجع إلى الكتب المطولة.
آس
من اللاتينية أو الفرنسوية أو من الإنكليزية وهذه كلها من أصل يوناني معناه واحد وتجمع عندنا على اوس بضم اوآسات. ويريدون بها ورقة من أوراق اللعب فيها نقطة
واحدة أو النقطة الواحدة في الاسقنبيل لنوع من اللعب بالورق.
آسقي
تركيتها آصقي بالصاد نوع من الربط له عرى عند طرفيه يزرر به أعلى الساق (البنطلون) ويلقى على الأكتاف لكي يرفعه إلى فوق ويمنعه من أن يمس الأرض وأسمه بالفرنسية ويجوز أن نسميه بالعربية باسمين أما بالمحمل أو الحمالة وأما بالمعلاق والمعلوق فقد ورد في مختار الصحاح المحمل بوزن المرجل ج المحامل: علاقة السيف وهو السير الذي يتقلده المتقلد وكذا الحمالة بالكسر والجمع الحمائل بالفتح. اه وجاء في تعريف المعلاق والمعلوق هو ما علق به من لحم أو عنب ونحوه وكل شيء علق به شيء آخر فهو معلاقة.
آجي أو اشجي
الأولى بتشديد الجيم المثلثة الفارسية والثانية بشين بعدها جيم مثلثة وأهل الشام يقولون غشى بشين مشددة مكسورة كلمة تركية معناها الطباخ والطاهي أو العجاهن
آجي أو اشجي باشي
كلمة تركية معناها: راس الطباخين يطلقونها على من يريدون تعظيم معرفته للطباخة ولحسن طبخه الأطعمة.
آفرين
كلمة فارسية تركية والبعض يقول عفرم بفتح العين والفاء وكسر الراء وفي الآخر ميم كلمة تقال لاستحسان عمل الإنسان مثل قولك بالعربية أحسنت(2/364)