أبو بكر بن عياش: عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: لما قتل حمزة أقبلت صفية أخته، فلقيت عليا والزبير، فأرياها أنهما لا يدريان، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " فإني أخاف على عقلها "، فوضع يده على صدرها ودعا لها، فاسترجعت وبكت. ثم جاء فقام عليه، وقد مثل به، فقال: " لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع "، ثم أمر بالقتلى، فجعل يصلي عليهم بسبع تكبيرات ويرفعون، ويترك حمزة، ثم يجاء بسبعة، فيكبر عليهم سبعا حتى فرغ منهم. يزيد ليس بحجة، وقول جابر: لم يصل عليهم أصح.
وفي " الصحيحين " من حديث عقبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، صلى على قتلى أحد صلاته على الميت، فهذا كان قبل موته بأيام ويروى من حديث ابن عباس وأبي هريرة قوله عليه السلام: " لإن ظفرت بقريش، لأمثلن بسبعين منهم فنزلت وإن عاقبتم الآية.
عبدان: أخبرنا عيسى بن عبيد الكندي، حدثني ربيع بن أنس، حدثني أبو العالية، عن أبي بن كعب أنه أصيب من الأنصار يوم أحد سبعون. قال: فمثلوا بقتلاهم، فقالت الأنصار: لإن أصبنا منهم يوما من الدهر، لنربين عليهم. فلما كان يوم فتح مكة، نادى رجل لا يعرف: لا قريش بعد اليوم. مرتين. فأنزل الله على نبيه وإن عاقبتم الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كفوا عن القوم ". يونس بن بكير: عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: جاءت صفية يوم أحد معها ثوبان لحمزة، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كره أن ترى حمزة على حاله. فبعث إليها الزبير يحبسها، وأخذ الثوبين. وكان إلى جنب حمزة قتيل من الأنصار، فكرهوا أن يتخيروا لحمزة فقال: " أسهموا بينهما فأيهما طار له أجود الثوبين فهو له ". فأسهموا بينهما، فكفن حمزة في ثوب، والأنصاري في ثوب.(أعلام/1601)
ابن إسحاق: عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياء في الجنة نرزق لئلا ينكلوا عند الحرب ولا يزهدوا في الجهاد، قال الله: أنا أبلغهم عنكم "، فأنزلت ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا [آل عمران: 169] .
ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا ذكر أصحاب أحد: " أما والله لوددت أني غودرت مع أصحاب فحص الجبل " يقول: قتلت معهم.
وجاء بإسناد فيه ضعف عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى حمزة قتيلا بكى، فلما رأى ما مثل به شهق.(أعلام/1602)
حمزة بن علي
ابن حمزة بن فارس الإمام شيخ القراء أبو يعلى بن القبيطي الحراني، ثم البغدادي، أخو المحدث أبي الفرج محمد.
ولد سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
قرأ بالروايات على أبيه، وسبط الخياط وأبي الكرم الشهرزوري، وعمر بن ظفر، وعلي بن أحمد اليزدي.
وسمع من أبي منصور القزاز، وأبي الحسن بن توبة، ومحمد بن محمد بن السلال، وعلي بن الصباغ، وأبي سعد البغدادي، وخلق كثير.
وكتب، وتعب، وحصل الأصول، لكن احترقت كتبه، وكان مليح الكتابة، متقنا، إماما.
حدث عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل، وعدة.
قال ابن النجار: أكثرت عنه، ولازمته، وسمعت منه من كتب القراءات والأدب، وكان ثقة حجة نبيلا موصوفا بحسن الأداء وطيب النغمة، يقصده الناس في التراويح، ما رأيت قارئا أحلى نغمة منه، ولا أحسن تجويدا، مع علو سنه، وانقلاع ثنيته، وكان تام المعرفة بوجوه القراءات وعللها وحفظ أسانيدها وطرقها، وكانت له معرفة حسنة بالحديث، وكان دمثا لطيفا متوددا، وكان في صباه من أحسن أهل زمانه وأظرفهم، مع صيانة ونزاهة، وكان من أحسن الشيوخ صورة، وقد أكثر الشعراء في وصفه ; فأنشدني يحيى بن طاهر، أنشدنا أبو الفتح محمد بن محمد الكاتب لنفسه في حمزة بن القبيطي:
تملك مهجتي ظبي غرير
ضنيت به ولم أبلغ مرادي
فتصحيف اسمه في وجنتيه
ومن ريق بفيه وفي فؤادي
قرأت على حمزة بن علي، أخبرنا ابن توبة، حدثنا الخطيب، فذكر حديثا.
توفي في ثامن عشر ذي الحجة سنة اثنتين وستمائة.
وفيها توفي ضياء بن الخريف، وسلطان غزنة الشهاب الغوري.(أعلام/1603)
حنبل
بن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد: الإمام، الحافظ، المحدث الصدوق، المصنف أبو علي الشيباني، ابن عم الإمام أحمد، وتلميذه. ولد قبل المائتين.
وسمع: محمد بن عبد الله الأنصاري، وسليمان بن حرب، وأبا نعيم، وعفان بن مسلم، والحميدي، وأبا الوليد الطيالسي، وحجاج بن منهال، ومسلم بن إبراهيم وقبيصة بن عقبة، وأبا سلمة، وعاصم بن علي، وسريج بن النعمان، وعلي بن الجعد، وأباه، وابن عمه، وخلقا كثيرا.
حدث عنه: ابن صاعد، وأبو بكر الخلال، ومحمد بن مخلد، وأبو جعفر ابن البختري، وعثمان بن السماك، وآخرون.
قال الخطيب: كان ثقة ثبتا.
قلت: له مسائل كثيرة عن أحمد، ويتفرد، ويغرب.
قال أحمد بن المنادي: كان حنبل قد خرج إلى واسط، فجاءنا نعيه منها، في جمادى الأولى، سنة ثلاث وسبعين ومائتين.
قلت: كان من أبناء الثمانين.
ومات أبوه في سنة ثلاث وخمسين ومائتين وله ثنتان وتسعون سنة.
وقد حدث عن: يزيد بن هارون، وغيره.
وقع لي جزء حنبل، وجزء فيه الرابع من " الفتن " لحنبل، وكتاب " المحنة " لحنبل، وله " تاريخ " مفيد، رأيته، وعلقت منه.(أعلام/1604)
خارجة بن زيد (ع)
ابن ثابت، الفقيه، الإمام ابن الإمام وأحد الفقهاء السبعة الأعلام أبو زيد الأنصاري، والنجاري، المدني، وأجل إخوته، وهم: إسماعيل، وسليمان، ويحيى، وسعد ; وجده لأمه هو سعد بن الربيع الأنصاري، أحد النقباء السادة.
حدث عن أبيه، وعمه يزيد، وأسامة بن زيد، وأمه أم سعد بنت سعد، وأم العلاء الأنصارية، وعبد الرحمن بن أبي عمرة ; ولم يكن بالمكثر من الحديث.
روى عنه: ابنه سليمان، وابن أخيه سعيد بن سليمان، وسالم أبو النضر، وأبو الزناد - وهو تلميذه في الفقه -، وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وعبد الله بن عمرو بن عثمان، وعثمان بن حكيم الأنصاري، ومجالد بن عوف، ومحمد بن عبد الله الديباج، وابن شهاب، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، وأبو بكر بن حزم، وآخرون.
وروايته عن عمه مرسلة. قال موسى بن عقبة: لأن عمه قتل زمن الصديق.
وروى الواقدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: كان الفقهاء السبعة الذين يسألون بالمدينة وينتهى إلى قولهم: سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعروة، والقاسم، وعبيد الله بن عبد الله، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار.
وروى الدراوردي عن عبيد الله بن عمر، قال: كان الفقه بعد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة في خارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وعروة، والقاسم بن محمد، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان، وسليمان بن يسار مولى ميمونة.
وقال مصعب بن الزبير: كان خارجة بن زيد، وطلحة بن عبد الله بن عوف في زمانهما يستفتيان، وينتهي الناس إلى قولهما، ويقسمان المواريث بين أهلها من الدور والنخيل، والأموال، ويكتبان الوثائق للناس.
وروى معن القزاز عن زيد بن السائب، قال: أجاز سليمان بن عبد الملك خارجة بن زيد بمال فقسمه.(أعلام/1605)
الواقدي: حدثنا موسى بن نجيح، عن إبراهيم بن يحيى - هو ابن زيد بن ثابت - أن عمر بن عبد العزيز كتب أن يعطى خارجة بن زيد ما قطع عنه من الديوان، فمشى خارجة إلى أبي بكر بن حزم، فقال: إني أكره أن يلزم أمير المؤمنين من هذا مقالة، ولي نظراء، فإن عمهم أمير المؤمنين بهذا، فعلت ; وإن هو خصني به، فإني أكره ذلك له. فكتب عمر: لا يسع المال لذلك، ولو وسعه لفعلت.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: خارجة بن زيد مدني، تابعي، ثقة.
ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، سمعت خارجة بن زيد يقول: رأيتني ونحن غلمان شباب، زمن عثمان، وإن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه.
الواقدي: حدثني إسماعيل بن مصعب، عن إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت، عن خارجة بن زيد بن ثابت، قال: رأيت في المنام كأني بنيت سبعين درجة، فلما فرغت منها تهورت، وهذه السنة لي سبعون سنة قد أكملتها. فمات عنها.
الواقدي: حدثنا محمد بن بشر بن حميد، عن أبيه، قال: قال رجاء بن حيوة: يا أمير المؤمنين، قدم قادم الساعة، فأخبرنا أن خارجة بن زيد مات. فاسترجع عمر وصفق بإحدى يديه على الأخرى، وقال: ثلمة والله في الإسلام.
قال الفلاس وابن نمير: مات خارجة سنة تسع وتسعين.
وقال الهيثم بن عدي، ويحيى بن بكير، وخليفة، وابن المديني، وعدة: مات سنة مائة.
وقال أبو عبيد: صلى عليه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.(أعلام/1606)
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي، أنبأنا محمد بن خلف، وأنبأنا ابن علون، أنبأنا البهاء عبد الرحمن، قالا: أخبرتنا شهدة الكاتبة، أنبأنا أبو الفضل محمد بن عبد السلام، أنبأنا أحمد بن محمد البرقاني: قرأت على أبي حاتم محمد بن يعقوب، أخبركم محمد بن عبد الرحمن الشامي، حدثنا خلف بن هشام، حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن أبيه، قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتعلم كتاب يهود، فما مر بي نصف شهر حتى تعلمت ; كنت أكتب له إلى يهود إذا كتب إليهم، فإذا كتبوا إليه، قرأت كتابهم له.
أخرجه البخاري تعليقا، فقال: وقال خارجة عن أبيه.
وما عبد الرحمن بن أبي الزناد من شرط البخاري، وهو وسط.
ابن وهب: أنبأنا ابن أبي الزناد، عن أبيه: حدثني خارجة بن زيد، قال: قتل رجل من الأنصار - وهو سكران - أنصاريا في عهد معاوية، ولم يكن على ذلك شهادة إلا لطخ وشبهة، فاجتمع رأي الناس على أن يحلف ولاة المقتول، ثم يسلم إليهم فيقتلوه ; فركبنا إلى معاوية، فقصصنا عليه القصة، فكتب إلى سعيد بن العاص: إن كان ما ذكرنا له حقا أن يحلفنا على القاتل، ثم يسلمه إلينا. فجئنا بكتاب معاوية إلى سعيد، فقال: أنا منفذ كتاب أمير المؤمنين فاغدوا على بركة الله. فغدونا عليه، فأسلمه إلينا بعد أن حلفنا خمسين يمينا.(أعلام/1607)
خالد بن الحارث (ع)
ابن عبيد بن سليمان بن عبيد بن سفيان. ويقال: خالد بن الحارث بن سليم بن عبيد بن سفيان، الحافظ الحجة، الإمام أبو عثمان الهجيمي البصري، وبنو الهجيم من بني العنبر من تميم.
روى عن: هشام بن عروة، وحميد الطويل، وأيوب، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وعبد الملك بن أبي سليمان، وعوف، وابن عون، وبشر بن صحار، وعبد الحميد بن جعفر، وابن أبي عروبة، وشعبة، وابن عجلان، وحسين المعلم، وخلق كثير.
وكان من أوعية العلم، كثير التحري، مليح الإتقان، متين الديانة.
حدث عنه: شعبة - وهو من شيوخه - ومسدد، وأحمد بن حنبل، وابن المديني، وعمرو بن علي، وإسحاق بن راهويه، حميد بن سعدة، ومحمد بن المثنى، ونصر بن علي، وأحمد بن المقدام، والحسن بن قزعة، والحسن بن عرفة، وهو آخر من روى عنه.
روى محمد بن عبد الله بن عمار، أن يحيى القطان قال: ما رأيت أحدا خيرا من سفيان وخالد بن الحارث.
وروى الأثرم، عن أحمد بن حنبل، قال: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة - يعني خالدا.
وروى المروذي، عن أحمد، قال: كان خالد بن الحارث يجيء بالحديث كما يسمع، وكان ابن مهدي يجيء بالحديث كما يسمع، وكان وكيع يجهد أن يجيء بالحديث كما يسمع، وكان ربما قال في الحرف أو الشيء: يعني كذا.
وقال أبو زرعة: كان يقال له: خالد الصدوق.
وقال أبو حاتم: ثقة إمام.
وقال النسائي: ثقة ثبت.
وقال عمرو بن علي: ولد سنة عشرين ومائة ومات سنة ست وثمانين ومائة.، فرأيت معتمرا وبشر بن المفضل في جنازته.
وقال ابن سعد: مات بالبصرة سنة ست.(أعلام/1608)
أخبرنا أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم الحنبلي في كتابه، عن عبد المنعم بن كليب، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا محمد بن محمد بن مخلد، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا خالد بن الحارث البصري، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، أخبرنا قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث، أنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
أخرجه مسلم، والنسائي، من حديث سعيد وشعبة عن قتادة. .(أعلام/1609)
خالد بن الوليد (خ، م، د، س، ق)
ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب.
سيف الله تعالى، وفارس الإسلام، وليث المشاهد، السيد، الإمام، الأمير الكبير، قائد المجاهدين، أبو سليمان القرشي المخزومي المكي، وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث.
هاجر مسلما في صفر سنة ثمان، ثم سار غازيا، فشهد غزوة مؤتة، واستشهد أمراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة: مولاه زيد، وابن عمه جعفر ذو الجناحين، وابن رواحة، وبقي الجيش بلا أمير، فتأمر عليهم في الحال خالد، وأخذ الراية، وحمل على العدو، فكان النصر. وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - سيف الله، فقال: إن خالدا سيف سله الله على المشركين.
وشهد الفتح وحنينا، وتأمر في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - واحتبس أدراعه ولأمته في سبيل الله، وحارب أهل الردة، ومسيلمة، وغزا العراق، واستظهر، ثم اخترق البرية السماوية بحيث إنه قطع المفازة من حد العراق إلى أول الشام في خمس ليال في عسكر معه، وشهد حروب الشام، ولم يبق في جسده قيد شبر إلا وعليه طابع الشهداء.
ومناقبه غزيرة، أمره الصديق على سائر أمراء الأجناد، وحاصر دمشق فافتتحها هو وأبو عبيدة.
عاش ستين سنة وقتل جماعة من الأبطال، ومات على فراشه، فلا قرت أعين الجبناء.
توفي بحمص سنة إحدى وعشرين ومشهده على باب حمص عليه جلالة.
حدث عنه ابن خالته عبد الله بن عباس، وقيس بن أبي حازم، والمقدام بن معدي كرب، وجبير بن نفير، وشقيق بن سلمة، وآخرون. له أحاديث قليلة.(أعلام/1610)
مسلم: من طريق ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل أن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد الذي كان يقال له: سيف الله أخبره أنه دخل على خالته ميمونة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد، فقدمته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع يده، فقال خالد: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه. فاجتررته فأكلته، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر ولم ينه.
هشام بن حسان: عن حفصة بنت سيرين، عن أبي العالية: أن خالد بن الوليد قال: يا رسول الله، إن كائدا من الجن يكيدني، قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ذرأ في الأرض، وما يخرج منها، ومن شر ما يعرج في السماء وما ينزل منها، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن. ففعلت، فأذهبه الله عني.
وعن حيان بن أبي جبلة، عن عمرو بن العاص، قال: ما عدل بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبخالد أحدا في حربه منذ أسلمنا.
يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث أن خالد بن الوليد أتى على اللات والعزى فقال:
يا عز كفرانك لا سبحانك
إني رأيت الله قد أهانك
وروى زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن السلمي أن خالدا قال مثله.
قال قتادة: مشى خالد إلى العزى، فكسر أنفها بالفأس.
وروى سفيان بن حسين، عن قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خالدا إلى العزى، وكانت لهوازن، وسدنتها بنو سليم، فقال: انطلق، فإنه يخرج عليك امرأة شديدة السواد، طويلة الشعر، عظيمة الثديين، قصيرة. فقالوا يحرضونها:
يا عز شدي شدة لا سواكها
على خالد ألقي الخمار وشمري
فإنك إن لا تقتلي المرء خالدا
تبوئي بذنب عاجل وتقصري(أعلام/1611)
فشد عليها خالد، فقتلها، وقال: ذهبت العزى فلا عزى بعد اليوم.
الزهري: عن عبد الرحمن بن أزهر: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين يتخلل الناس، يسأل عن رحل خالد، فدل عليه، فنظر إلى جرحه، وحسبت أنه نفث فيه.
وقال ابن عمر: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالدا إلى بني جذيمة، فقتل وأسر، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد. مرتين.
الواقدي: عن رجل، عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: لما قدم خالد بعد صنيعه ببني جذيمة، عاب عليه ابن عوف ما صنع، وقال: أخذت بأمر الجاهلية، قتلتهم بعمك الفاكه، قاتلك الله.
قال: وأعابه عمر، فقال خالد: أخذتهم بقتل أبيك، فقال عبد الرحمن: كذبت، لقد قتلت قاتل أبي بيدي، ولو لم أقتله، لكنت تقتل قوما مسلمين بأبي في الجاهلية، قال: ومن أخبرك أنهم أسلموا؟ فقال: أهل السرية كلهم. قال: جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أغير عليهم، فأغرت، قال: كذبت على رسول الله، وأعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن خالد وغضب وقال: " يا خالد، ذروا لي أصحابي متى ينكأ إلف المرء ينكأ المرء ".
الواقدي: حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أهله، عن أبي قتادة قال: لما نادى خالد في السحر: من كان معه أسير فليدافه، أرسلت أسيري، وقلت لخالد: اتق الله، فإنك ميت، وإن هؤلاء قوم مسلمون. قال: إنه لا علم لك بهؤلاء.
إسناده فيه الواقدي، ولخالد اجتهاده، ولذلك ما طالبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بدياتهم.(أعلام/1612)
الواقدي: حدثنا يوسف بن يعقوب بن عتبة، عن عثمان الأخنسي، عن عبد الملك بن أبي بكر، قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالدا إلى الحارث بن كعب أميرا وداعيا، وخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، فلما حلق رأسه، أعطاه ناصيته، فعملت في مقدمة قلنسوة خالد، فكان لا يلقى عدوا إلا هزمه.
وأخبرني من غسله بحمص، ونظر إلى ما تحت ثيابه، قال: ما فيه مصح ما بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم.
الوليد بن مسلم: حدثنا وحشي بن حرب، عن أبيه، عن جده وحشي: أن أبا بكر عقد لخالد على قتال أهل الردة وقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين.
رواه أحمد في " مسنده ".
هشام بن عروة: عن أبيه قال: كان في بني سليم ردة، فبعث أبو بكر إليهم خالد بن الوليد فجمع رجالا منهم في الحظائر، ثم أحرقهم، فقال عمر لأبي بكر: أتدع رجلا يعذب بعذاب الله؟ قال: والله لا أشيم سيفا سله الله على عدوه. ثم أمره، فمضى إلى مسيلمة.
ضمرة بن ربيعة: أخبرني السيباني عن أبي العجماء، وإنما هو أبو العجفاء السلمي، قال: قيل لعمر: لو عهدت يا أمير المؤمنين، قال: لو أدركت أبا عبيدة ثم وليته ثم قدمت على ربي، فقال لي: لم استخلفته؟ لقلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: لكل أمة أمين، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة. ولو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته فقدمت على ربي لقلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: خالد سيف من سيوف الله سله الله على المشركين.
رواه الشاشي في " مسنده ".
أحمد في " المسند ": حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، قال: استعمل عمر أبا عبيدة على الشام وعزل خالدا، فقال أبو عبيدة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة.(أعلام/1613)
حميد بن هلال: عن أنس: نعى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمراء يوم مؤتة فقال: أصيبوا جميعا ثم أخذ الراية بعد سيف من سيوف الله خالد. وجعل يحدث الناس وعيناه تذرفان.
إسماعيل بن أبي خالد: عن قيس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما خالد سيف من سيوف الله صبه على الكفار.
أبو إسماعيل المؤدب: عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن ابن أبي أوفى، مرفوعا بمعناه.
وجاء من طرق عن أبي هريرة نحوه.
أبو المسكين الطائي: حدثنا عمران بن زحر، حدثني حميد بن منيب قال: قال جدي أوس، لم يكن أحد أعدى للعرب من هرمز، فلما فرغنا من مسيلمة أتينا ناحية البصرة، فلقينا هرمز بكاظمة، فبارزه خالد فقتله، فنفله الصديق سلبه، فبلغت قلنسوته مائة ألف درهم، وكانت الفرس من عظم فيهم، جعلت قلنسوته بمائة ألف.
قال أبو وائل: كتب خالد إلى الفرس: إن معي جندا يحبون القتل كما تحب فارس الخمر.
هشيم: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك، فقال: اطلبوها. فلم يجدوها، ثم وجدت فإذا هي قلنسوة خلقة، فقال خالد: اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحلق رأسه، فابتدر الناس شعره، فسبقتهم إلى ناصيته، فجعلتها في هذه القلنسوة، فلم أشهد قتالا وهي معي إلا رزقت النصر.
ابن وهب: عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث: أخبرني الثقة أن الناس يوم حلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدروا شعره، فبدرهم خالد إلى ناصيته، فجعلها في قلنسوته.
ابن أبي خالد: عن قيس، سمعت خالدا يقول: لقد رأيتني يوم مؤتة اندق في يدي تسعة أسياف، فصبرت في يدي صفيحة يمانية.(أعلام/1614)
ابن عيينة: عن ابن أبي خالد، عن مولى لآل خالد بن الوليد، أن خالدا قال: ما من ليلة يهدى إلي فيها عروس أنا لها محب أحب إلي من ليلة شديدة البرد، كثيرة الجليد في سرية أصبح فيها العدو.
يونس بن أبي إسحاق: عن العيزار بن حريث قال: قال خالد: ما أدري من أي يومي أفر: يوم أراد الله أن يهدي لي فيه شهادة، أو يوم أراد الله أن يهدي لي فيه كرامة.
قال قيس بن أبي حازم: سمعت خالدا يقول: منعني الجهاد كثيرا من القراءة ورأيته أتي بسم، فقالوا: ما هذا؟ قالوا: سم. قال: باسم الله. وشربه. قلت: هذه والله الكرامة، وهذه الشجاعة.
يونس بن أبي إسحاق: عن أبي السفر قال: نزل خالد بن الوليد الحيرة على أم بني المرازبة، فقالوا: احذر السم لا تسقك الأعاجم، فقال: ائتوني به، فأتي به، فاقتحمه وقال: باسم الله، فلم يضره.
أبو بكر بن عياش: عن الأعمش، عن خيثمة، قال أتي خالد بن الوليد برجل معه زق خمر، فقال: اللهم اجعله عسلا، فصار عسلا.
رواه يحيى بن آدم، عن أبي بكر، وقال: خلا بدل العسل، وهذا أشبه، ويرويه عطاء بن السائب عن محارب بن دثار مرسلا.
ابن أبي خالد: عن قيس، قال: طلق خالد بن الوليد امرأة، فكلموه، فقال: لم يصبها عندي مصيبة، ولا بلاء، ولا مرض ; فرابني ذلك منها.
المدائني ; عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: قدم أبو قتادة على أبي بكر، فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه. فجزع، وكتب إلى خالد، فقدم عليه، فقال أبو بكر: هل تزيدون على أن يكون تأول، فأخطأ؟ ثم رده، وودى مالكا، ورد السبي والمال.
وعن ابن إسحاق قال: دخل خالد على أبي بكر، فأخبره واعتذر، فعذره.(أعلام/1615)
قال سيف في " الردة ": عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: شهد قوم من السرية أنهم أذنوا وأقاموا وصلوا، ففعلوا مثل ذلك، وشهد آخرون بنفي ذلك، فقتلوا. وقدم أخوه متمم بن نويرة ينشد الصديق دمه، ويطلب السبي، فكتب إليه برد السبي، وألح عليه عمر في أن يعزل خالدا، وقال: إن في سيفه رهقا. فقال: لا يا عمر، لم أكن لأشيم سيفا سله الله على الكافرين.
سيف: عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير وغيره أن خالدا بث السرايا، فأتي بمالك، فاختلف قول الناس فيهم وفي إسلامهم، وجاءت أم تميم كاشفة وجهها، فأكبت على مالك - وكانت أجمل الناس - فقال لها: إليك عني ; فقد والله قتلتني. فأمر بهم خالد، فضربت أعناقهم. فقام أبو قتادة، فناشده فيهم، فلم يلتفت إليه، فركب أبو قتادة فرسه، ولحق بأبي بكر وحلف: لا أسير في جيش وهو تحت لواء خالد. وقال: ترك قولي، وأخذ بشهادة الأعراب الذين فتنتهم الغنائم.
ابن سعد: أنبأنا محمد بن عمر، حدثني عتبة بن جبيرة، عن عاصم بن عمر بن قتادة. قال: وحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، وحدثنا أسامة بن زيد عن الزهري، عن حنظلة بن علي الأسلمي في حديث الردة: فأوقع بهم خالد، وقتل مالكا، ثم أوقع بأهل بزاخة وحرقهم، لكونه بلغه عنهم مقالة سيئة، شتموا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومضى إلى اليمامة، فقتل مسيلمة، إلى أن قال: وقدم خالد المدينة بالسبي ومعه سبعة عشر من وفد بني حنيفة، فدخل المسجد وعليه قباء عليه صدأ الحديد، متقلدا السيف، في عمامته أسهم. فمر بعمر، فلم يكلمه، ودخل على أبي بكر، فرأى منه كل ما يحب، وعلم عمر، فأمسك. وإنما وجد عمر عليه لقتله مالك بن نويرة، وتزوج بامرأته.
جويرية بن أسماء: قال: كان خالد بن الوليد من أمد الناس بصرا، فرأى راكبا وإذا هو قد قدم بموت الصديق وبعزل خالد.(أعلام/1616)
قال ابن عون: ولي عمر، فقال: لأنزعن خالدا حتى يعلم أن الله إنما ينصر دينه، يعني بغير خالد.
وقال هشام بن عروة عن أبيه، قال: لما استخلف عمر، كتب إلى أبي عبيدة: إني قد استعملتك، وعزلت خالدا.
وقال خليفة: ولى عمر أبا عبيدة على الشام، فاستعمل يزيد على فلسطين، وشرحبيل بن حسنة على الأردن، وخالد بن الوليد على دمشق، وحبيب بن مسلمة على حمص.
الزبير بن بكار: حدثني محمد بن مسلمة، عن مالك، قال: قال عمر لأبي بكر: اكتب إلى خالد: ألا يعطي شاة ولا بعيرا إلا بأمرك. فكتب أبو بكر بذلك، قال: فكتب إليه خالد: إما أن تدعني وعملي، وإلا فشأنك بعملك. فأشار عمر بعزله، فقال: ومن يجزئ عنه؟ قال عمر: أنا، قال: فأنت.
قال مالك: قال زيد بن أسلم: فتجهز عمر حتى أنيخت الظهر في الدار، وحضر الخروج، فمشى جماعة إلى أبي بكر، فقالوا: ما شأنك تخرج عمر من المدينة وأنت إليه محتاج، وعزلت خالدا وقد كفاك؟ قال: فما أصنع؟ قالوا: تعزم على عمر ليجلس، وتكتب إلى خالد، فيقيم على عمله، ففعل.
هشام بن سعد: عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال عمر لأبي بكر: تدع خالدا بالشام ينفق مال الله؟ قال فلما توفي أبو بكر، قال أسلم: سمعت عمر يقول: كذبت الله إن كنت أمرت أبا بكر بشيء لا أفعله، فكتب إلى خالد. فكتب خالد إليه: لا حاجة لي بعملك. فولى أبا عبيدة.
الحارث بن يزيد: عن علي بن رباح، عن ناشرة اليزني: سمعت عمر بالجابية، واعتذر من عزل خالد، قال: وأمرت أبا عبيدة. فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة والله ما أعذرت، نزعت عاملا استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضعت لواء رفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنك قريب القرابة، حديث السن، مغضب في ابن عمك.(أعلام/1617)
ومن كتاب سيف عن رجاله قال: كان عمر لا يخفى عليه شيء من عمله، وإن خالدا أجاز الأشعث بعشرة آلاف، فدعا البريد، وكتب إلى أبي عبيدة أن تقيم خالدا وتعقله بعمامته، وتنزع قلنسوته حتى يعلمكم من أين أجاز الأشعث؟ أمن مال الله أم من ماله؟ فإن زعم أنه من إصابة أصابها، فقد أقر بخيانة، وإن زعم أنها من ماله، فقد أسرف، واعزله على كل حال، واضمم إليك عمله. ففعل ذلك.
فقدم خالد على عمر فشكاه وقال: لقد شكوتك إلى المسلمين، وبالله يا عمر إنك في أمري غير مجمل. فقال عمر: من أين هذا الثراء؟ قال: من الأنفال والسهمان، ما زاد على الستين ألفا فلك تقوم عروضه. قال: فخرجت عليه عشرون ألفا، فأدخلها بيت المال، ثم قال: يا خالد، والله إنك لكريم علي وإنك لحبيب إلي، ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء.
وعن زيد بن أسلم عن أبيه: عزل عمر خالدا فلم يعلمه أبو عبيدة حتى علم من الغير. فقال: يرحمك الله ; ما دعاك إلى أن لا تعلمني؟ قال: كرهت أن أروعك.
جويرية بن أسماء: عن نافع قال: قدم خالد من الشام وفي عمامته أسهم ملطخة بالدم، فنهاه عمر.
الأصمعي: عن ابن عون، عن ابن سيرين، أن خالد بن الوليد دخل وعليه قميص حرير، فقال عمر: ما هذا؟ قال: وما بأسه؟ قد لبسه ابن عوف. قال: وأنت مثله؟ ! عزمت على من في البيت إلا أخذ كل واحد منه قطعة، فمزقوه.
روى عاصم ابن بهدلة: عن أبي وائل أظن قال: لما حضرت خالدا الوفاة، قال: لقد طلبت القتل مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي شيء أرجى عندي - بعد التوحيد - من ليلة بتها وأنا متترس، والسماء تهلني ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار. ثم قال: إذا مت، فانظروا إلى سلاحي وفرسي، فاجعلوه عدة في سبيل الله.
فلما توفي، خرج عمر على جنازته، فذكر قوله: ما على آل الوليد أن يسفحن على خالد من دموعهن ما لم يكن نقعا أو لقلقة.(أعلام/1618)
النقع: التراب على الرءوس، واللقلقة: الصراخ.
ويروى بإسناد ساقط أن عمر خرج في جنازة خالد بالمدينة وإذا أمه تندبه وتقول:
أنت خير من ألف ألف من القوم
إذا ما كبت وجوه الرجال
فقال عمر: صدقت إن كان لكذلك.
الواقدي: حدثنا عمرو بن عبد الله بن عنبسة، سمعت محمد بن عبد الله الديباج يقول: لم يزل خالد مع أبي عبيدة حتى توفي أبو عبيدة، واستخلف عياض بن غنم. فلم يزل خالد مع عياض حتى مات، فانعزل خالد إلى حمص، فكان ثم، وحبس خيلا وسلاحا، فلم يزل مرابطا بحمص حتى نزل به، فعاده أبو الدرداء، فذكر له أن خيله التي حبست بالثغر تعلف من مالي، وداري بالمدينة صدقة، وقد كنت أشهدت عليها عمر. والله يا أبا الدرداء لئن مات عمر، لترين أمورا تنكرها.
وروى إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمه موسى قال: خرجت مع أبي طلحة إلى مكة مع عمر، فبينا نحن نحط عن رواحلنا إذ أتى الخبر بوفاة خالد، فصاح عمر: يا أبا محمد، يا طلحة هلك أبو سليمان، هلك خالد بن الوليد. فقال طلحة:
لا أعرفنك بعد الموت تندبني
وفي حياتي ما زودتني زادا
وعن أبي الزناد: أن خالد بن الوليد لما احتضر بكى وقال: لقيت كذا وكذا زحفا، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء.
قال مصعب بن عبد الله: لم يزل خالد بالشام حتى عزله عمر. وهلك بالشام، وولي عمر وصيته.
وقال ابن أبي الزناد: مات بحمص سنة إحدى وعشرين وكان قدم قبل ذلك معتمرا ورجع.(أعلام/1619)
الواقدي: حدثنا عمر بن عبد الله بن رياح، عن خالد بن رياح، سمع ثعلبة بن أبي مالك يقول: رأيت عمر بقباء، وإذا حجاج من الشام، قال: من القوم؟ قالوا: من اليمن ممن نزل حمص، ويوم رحلنا منها مات خالد بن الوليد. فاسترجع عمر مرارا، ونكس، وأكثر الترحم عليه، وقال: كان - والله - سدادا لنحر العدو، ميمون النقيبة. فقال له علي: فلم عزلته؟ قال: عزلته لبذله المال لأهل الشرف وذوي اللسان، قال: فكنت عزلته عن المال، وتتركه على الجند، قال: لم يكن ليرضى، قال: فهلا بلوته؟ .
وروى جويرية، عن نافع، قال: لما مات خالد لم يدع إلا فرسه وسلاحه وغلامه، فقال عمر: رحم الله أبا سليمان، كان على ما ظنناه به.
الأعمش: عن أبي وائل قال: اجتمع نسوة بني المغيرة في دار خالد يبكينه، فقال عمر: ما عليهن أن يرقن من دموعهن ما لم يكن نقعا أو لقلقة.
قال محمد بن عبد الله بن نمير، وإبراهيم بن المنذر، وأبو عبيد: مات خالد بحمص سنة إحدى وعشرين.
وقال دحيم: مات بالمدينة.
قلت: الصحيح موته بحمص، وله مشهد يزار. وله في " الصحيحين " حديثان، وفي مسند بقي واحد وسبعون.(أعلام/1620)
خالد بن خداش (م، س)
ابن عجلان، الإمام الحافظ الصدوق أبو الهيثم المهلبي مولاهم البصري، نزيل بغداد.
حدث عن: مالك بن أنس، ومهدي بن ميمون، وأبي عوانة، وحماد بن زيد، وبكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، وطائفة.
حدث عنه: مسلم في " صحيحه "، وأحمد بن أبي خيثمة، وأبو زرعة، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وعثمان بن خرزاذ، وولده محمد بن خالد، وخلق سواهم.
قال أبو حاتم وغيره: هو صدوق.
وقال زكريا الساجي: فيه ضعف.
قلت: أبلغ ما نقموا عليه أنه ينفرد بأحاديث عن حماد بن زيد، وهذا لا يدل على لينه، فإنه لازمه مدة.
مات في جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين ومائتين.
وقد خرج له النسائي بواسطة.(أعلام/1621)
خالد بن سعيد
ابن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. السيد الكبير أبو سعيد القرشي الأموي، أحد السابقين الأولين.
روي عن أم خالد بنت خالد، قالت: كان أبي خامسا في الإسلام، وهاجر إلى أرض الحبشة، وأقام بها بضع عشرة سنة، وولدت أنا بها.
وروى إبراهيم بن عقبة، عن أم خالد قالت: أبي أول من كتب: بسم الله الرحمن الرحيم.
وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمله على صنعاء، وأن أبا بكر أمره على بعض الجيش في غزو الشام.
قال موسى بن عقبة، أخبرنا أشياخنا أن خالدا قتل مشركا، ثم لبس سلبه ديباجا أو حريرا، فنظر الناس إليه وهو مع عمرو، فقال: ما لكم تنظرون؟ من شاء فليفعل مثل عمل خالد، ثم يلبس لباسه.
ويروى أن خالدا - رضي الله عنه - استشهد، فقال الذي قتله بعد أن أسلم: من هذا الرجل؟ فإني رأيت نورا له ساطعا إلى السماء.
وقيل: كان خالد بن سعيد وسيما جميلا، قتل يوم أجنادين، وهاجر مع جعفر بن أبي طالب إلى المدينة زمن خيبر. وبنته المذكورة عمرت، وتأخرت إلى قريب عام تسعين.
وكان أبوه أبو أحيحة من كبراء الجاهلية، مات قبل غزوة بدر مشركا.
وله عدة أولاد منهم:(أعلام/1622)
خالد بن معدان (ع)
ابن أبي كرب، الإمام، شيخ أهل الشام، أبو عبد الله الكلاعي، الحمصي. حدث عن خلق من الصحابة - وأكثر ذلك مرسل - روى عن ثوبان، وأبي أمامة الباهلي، ومعاوية، وأبي هريرة، والمقدام بن معدي كرب، وابن عمر، وعتبة بن عبد، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن بسر المازني، وذي مخبر ابن أخي النجاشي، وجبير بن نفير، وحجر بن حجر، وربيعة بن الغاز، وخيار بن سلمة، وعبد الله بن أبي هلال، وعمرو بن الأسود - وهو عمير - وكثير بن مرة، ومالك بن يخامر، وأبي بحرية، وأبي رهم السماعي، وطائفة.
وأرسل عن معاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وعائشة، وعبادة بن الصامت، وأبي عبيدة بن الجراح، وغيرهم.
روى عنه محمد بن إبراهيم التيمي، وحسان بن عطية، وعامر بن جشيب، وفضيل بن فضالة، وثور بن يزيد والأحوص بن حكيم وبحير بن سعد، وصفوان بن عمرو، ومحمد بن عبد الله الشعيثي، ويزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك وإبراهيم بن أبي عبلة، وعبدة بنت خالد ابنته، وقوم آخرهم وفاة حريز بن عثمان الرحبي.
وهو معدود في أئمة الفقه، وثقه ابن سعد والعجلي، ويعقوب بن شيبة، وابن خراش، والنسائي.
روى إسماعيل بن عياش: حدثتنا عبدة بنت خالد، وأم الضحاك بنت راشد مولاة خالد بن معدان، أن خالد بن معدان قال: أدركت سبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
بقية، عن بحير بن سعد، قال: ما رأيت أحدا ألزم للعلم من خالد بن معدان، وكان علمه في مصحف له أزرار وعرى.
وقال أيضا: كتب الوليد إلى خالد بن معدان في مسألة، فأجابه فيها خالد، فحمل القضاة على قوله.
وروى بقية عن عمر بن جعثم، قال: كان خالد بن معدان إذا قعد لم يقدر أحد منهم يذكر الدنيا عنده هيبة له.
بقية، عن حبيب بن صالح، قال: ما خفنا أحدا من الناس ما خفنا خالد بن معدان.(أعلام/1623)
وقال بقية: كان الأوزاعي يعظم خالد بن معدان، فقال لنا: له عقب؟ فقلنا: له ابنة. قال: ائتوها، فسلوها عن هدي أبيها. قال: فكان سبب إتياننا عنده بسبب الأوزاعي.
وقال صفوان بن عمرو: كان خالد بن معدان إذا أمر الناس بالغزو كان فسطاطه أول فسطاط بدابق.
وقال أبو أسامة: كان الثوري إذا جلسنا معه إنما يسمع " الموت الموت " ; فحدثنا عن ثور، عن خالد بن معدان، قال: لو كان الموت علما يستبق إليه ما سبقني إليه أحد ; إلا أن يسبقني رجل بفضل قوة. قال: فما زال الثوري يحب خالد بن معدان مذ بلغه هذا عنه.
الوليد بن مسلم، عن عبدة بنت خالد، قالت: قلما كان خالد يأوي إلى فراشه إلا وهو يذكر شوقه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار ; ثم يسميهم ويقول: هم أصلي وفصلي، وإليهم يحن قلبي، طال شوقي إليهم، فعجل رب قبضي إليك. حتى يغلبه النوم وهو في بعض ذلك.
ابن المبارك، عن ثور، عن خالد بن معدان، قال: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس في جنب الله أمثال الأباعر، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أحقر حاقر.
وقال شجاع بن الوليد، عن عمرو الإيامي، عن خالد بن معدان، قال: ما من آدمي إلا وله أربع أعين: عينان في رأسه يبصر بهما أمر الدنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة ; فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه، فأبصر بهما ما وعد بالغيب، فأمن الغيب بالغيب.
بقية، عن بحير، عن خالد بن معدان، قال: كان إبراهيم خليل الله إذا أتي بقطف من العنب، أكل حبة حبة، وذكر الله عند كل حبة.
الأوزاعي: بلغني عن خالد بن معدان أنه كان يقول: أكل وحمد خير من أكل وصمت.
حريز بن عثمان، عن خالد بن معدان، قال: إذا فتح أحدكم باب خير فليسرع إليه ; فإنه لا يدري متى يغلق عنه.(أعلام/1624)
وقال أيضا: العين مال، والنفس مال، وخير مال العبد ما انتفع به وابتذله، وشر أموالك ما لا تراه ولا يراك، وحسابه عليك، ونفعه لغيرك.
روى عطية بن بقية، عن أبيه، عن بحير بن سعد، سمعت خالد بن معدان يقول: من التمس المحامد في مخالفة الحق، رد الله تلك المحامد عليه ذما، ومن اجترأ على الملاوم في موافقة الحق رد الله تلك الملاوم عليه حمدا.
قال يزيد بن هارون: مات خالد بن معدان وهو صائم.
وروى إبراهيم بن جعفر الأشعري، عن سلمة بن شبيب، قال: كان خالد بن معدان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ من القرآن، فلما مات فوضع على سريره ليغسل، جعل بأصبعه كذا يحركها - يعني بالتسبيح.
هذا إسناد منقطع.
قال الهيثم، والمدائني، وابن معين، والفلاس، وعدة: مات خالد بن معدان سنة ثلاث ومائة.
وقال ابن سعد أجمعوا على أنه مات سنة ثلاث ومائة.
وقال عفير بن معدان، ويزيد بن عبد ربه، ودحيم، وطائفة: مات سنة أربع ومائة.
وروى يحيى بن صالح، عن إسماعيل بن عياش: مات سنة خمس ومائة. وقال خليفة وأبو عبيد: مات سنة ثمان ومائة.(أعلام/1625)
خالد بن مهران (ع)
الإمام الحافظ الثقة أبو المنازل البصري المشهور بالحذاء، أحد الأعلام.
رأى أنس بن مالك، وروى عن أبي عثمان النهدي، وعبد الله بن شقيق، وعبد الرحمن بن أبي بكرة، وعكرمة، وابن سيرين، وأخته حفصة بنت سيرين، وأبي العالية الرياحي، وطائفة سواهم.
حدث عنه محمد بن سيرين شيخه، وأبو إسحاق الفزاري، وبشر بن المفضل، والحمادان، وسفيان بن عيينة، وخالد بن عبد الله الطحان، وشعبة بن الحجاج، ومعتمر بن سليمان، وعلي بن عاصم، وعبد الوهاب بن عطاء، وخلق كثير.
وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وجماعة. وحديثه في الصحاح.
قال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال عباد بن عباد: أراد شعبة أن يضع من خالد الحذاء. فأتيته أنا وحماد بن زيد، فقلت له: ما لك؟ أجننت؟ ! أنت أعلم! قال: وتهددناه فأمسك.
وقال يحيى بن آدم: قلت لحماد بن زيد: ما لخالد الحذاء في حديثه؟ .
قال: قدم علينا قدمة من الشام، فكأنا أنكرنا حفظه. وقال عبد الله بن أحمد، حدثني أبي قال: قيل لإسماعيل ابن علية في هذا الحديث. فقال: كان خالد يرويه، فلم يكن يلتفت إليه. ضعف ابن علية أمره. يعني الحذاء.
قال يحيى بن آدم: حدثنا عبد الله بن نافع القرشي أبو شهاب قال: قال لي شعبة: عليك بحجاج بن أرطاة، ومحمد بن إسحاق فإنهما حافظان، واكتم علي عند البصريين في خالد الحذاء، وهشام -يعني ابن حسان.
قلت: هذا الاجتهاد من شعبة مردود، لا يلتفت إليه. بل خالد وهشام محتج بهما في " الصحيحين " هما أوثق بكثير من حجاج وابن إسحاق، بل ضعف هذين ظاهر ولم يتركا.(أعلام/1626)
ولم يكن خالد حذاء، بل كان يجلس في سوق الحذائين أحيانا، فعرف بذلك. قاله محمد بن سعد. وقال فهد بن حيان: لم يحذ خالد قط، وإنما كان يقول: احذ على هذا النحو، فلقب الحذاء. وكان حافظا مهيبا ليس له كتاب. قال شعبة: قال خالد الحذاء: ما كتبت شيئا قط إلا حديثا طويلا، فلما حفظته محوته. وقال خالد الطحان، سمعت خالدا الحذاء يقول: ما حذوت نعلا ولا بعتها، ولكن تزوجت امرأة من بني مجاشع، فنزلت عليها في الحذائين هناك، فنسبت إليهم.
قال فيه أحمد بن حنبل: ثبت. وقال النسائي: ثقة. قال معتمر بن سليمان: سمعت أبي ذكر خالدا الحذاء فقال: ما عليه لو صنع كما صنع طاوس، كان يجلس فإذا أتي بشيء أخذه وإلا سكت.
قال ابن سعد: كان خالد الحذاء قد استعمل على القبة ودار العشور بالبصرة. قال: ومات سنة إحدى وأربعين ومائة وقيل: مات سنة اثنتين وأربعين ومائة قاله قريش بن أنس.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا زكريا العلبي، أنبأنا عبد الأول الماليني، أخبرتنا بيبى بنت عبد الصمد، أنبأنا عبد الرحمن بن أحمد، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا إسحاق بن شاهين، حدثنا خالد بن عبد الله، حدثنا خالد، عن عكرمة، عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتكف، واعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم وزعم أن عائشة رأت مثل ماء العصفر. فقالت: كأن هذا شيء كانت فلانة تجده. أخرجه البخاري عن ابن شاهين.(أعلام/1627)
خباب بن الأرت (ع)
ابن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة، من تميم. أبو يحيى التميمي.
من نجباء السابقين له عدة أحاديث. وقيل: كنيته أبو عبد الله. شهد بدرا، والمشاهد.
حدث عنه: مسروق، وأبو وائل، وأبو معمر، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس ; وعدة.
قيل: مات في خلافة عمر وصلى عليه عمر. وليس هذا بشيء، بل مات بالكوفة سنة سبع وثلاثين وصلى عليه علي.
وقيل: عاش ثلاثا وسبعين سنة.
نعم، الذي مات سنة تسع عشرة وصلى عليه عمر: هو خباب مولى عتبة بن غزوان، صحابي مهاجري أيضا.
قال منصور، عن مجاهد: أول من أظهر إسلامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وخباب، وبلال، وصهيب، وعمار.
وأما ابن إسحاق، فذكر إسلام خباب بعد تسعة عشر إنسانا، وأنه كمل العشرين.
الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي ليلى الكندي، قال: قال عمر لخباب: ادنه، فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار. قال: فجعل يريه بظهره شيئا، يعني: من آثار تعذيب قريش له.
أبو الضحى، عن مسروق، عن خباب، قال: كنت قينا بمكة، فعملت للعاص بن وائل سيفا، فجئت أتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد. فقلت: لا أكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم- حتى تموت ثم تبعث. فقال: إذا بعثت كان لي مال فسوف أقضيك. فقلت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم-. فأنزلت: أفرأيت الذي كفر بآياتنا.
لخباب - بالمكرر- اثنان وثلاثون حديثا. ومنها: ثلاثة في " الصحيحين " وانفرد له البخاري بحديثين; ومسلم بحديث.(أعلام/1628)
خبيب بن عدي
ابن عامر بن مجدعة بن جحجبا الأنصاري الشهيد.
ذكره ابن سعد فقال: شهد أحدا، وكان فيمن بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بني لحيان، فلما صاروا بالرجيع، غدروا بهم، واستصرخوا عليهم، وقتلوا فيهم، وأسروا خبيبا، وزيد بن الدثنة، فباعوهما بمكة، فقتلوهما بمن قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - من قومهم، وصلبوهما بالتنعيم.
قال مسلمة بن جندب: عن الحارث بن البرصاء قال: أتي بخبيب، فبيع بمكة، فخرجوا به إلى الحل ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين. ثم
قال: لولا أن تظنوا أن ذلك جزع لزدت، اللهم أحصهم عددا. قال الحارث: وأنا حاضر، فوالله ما كنت أظن أن سيبقى منا أحد.
ابن إسحاق: عن عاصم بن عمر قال: لما كان من غدر عضل والقارة بخبيب وأصحابه بالرجيع، قدموا به وبزيد بن الدثنة. فأما خبيب، فابتاعه حجير بن أبي إهاب لعقبة بن الحارث بن عامر، وكان أخا حجير لأمه، ليقتله بأبيه. فلما خرجوا به ليقتلوه، وقد نصبوا خشبته ليصلبوه، فانتهى إلى التنعيم، فقال: إن رأيتم أن تدعوني أركع ركعتين. فقالوا: دونك. فصلى، ثم قال: والله لولا أن تظنوا إنما طولت جزعا من القتل، لاستكثرت من الصلاة. فكان أول من سن الصلاة عند القتل.
ثم رفعوه على خشبته، فقال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا، اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة ما أتى إلينا.
قال: وقال معاوية: كنت فيمن حضره، فلقد رأيت أبا سفيان يلقيني إلى الأرض، فرقا من دعوة خبيب. وكانوا يقولون إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع، زلت عنه الدعوة.
قال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عباد، عن أبيه، عن عقبة بن الحارث قال: والله ما أنا قتلته؛ لأنا كنت أصغر من ذلك، ولكن أخذ بيدي أبو ميسرة العبدري، فوضع الحربة على يدي، ثم وضع يده على يدي فأخذها بها، ثم قتله.(أعلام/1629)
عبد الله بن إدريس: حدثني عمرو بن عثمان بن موهب، مولى الحارث بن عامر قال: قال موهب: قال لي خبيب، وكانوا جعلوه عندي: أطلب إليك
ثلاثا: أن تسقيني العذب، وأن تجنبني ما ذبح على النصب، وأن تؤذني إذا أرادوا قتلي.
ابن إسحاق: حدثنا ابن أبي نجيح، عن ماوية مولاة حجير، وكان خبيب حبس في بيتها، فكانت تحدث بعدما أسلمت، قالت: والله إنه لمحبوس إذ اطلعت من صير الباب إليه، وفي يده قطف عنب مثل رأس الرجل يأكل منه، وما أعلم في الأرض حبة عنب، ثم طلب مني موسى يستحدها.(أعلام/1630)
خبيب بن يساف
ابن عنبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي.
وكان له أولاد: أبو كثير عبد الله، وعبد الرحمن، وأنيسة، وكانت تحته جميلة ابنة عبد الله بن أبي ابن سلول، وقد انقرض عقبه.
ابن سعد: أنبأنا يزيد بن هارون، أنبأنا مستلم بن سعيد، حدثنا خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف، عن أبيه، عن جده قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد غزوا، أنا ورجل من قومي لم نسلم، فقلنا: إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده، قال: أسلمتما؟ قلنا: لا. قال: إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين. قال: فأسلمنا، وشهدنا معه. فقتلت رجلا، وضربني ضربة، وتزوجت ابنته بعد ذلك، فكانت تقول لي: لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح، فأقول لها: لا عدمت رجلا عجل أباك إلى النار.
معن: حدثنا مالك، عن الفضيل بن أبي عبد الله، عن عبد الله بن نيار، عن عروة، عن عائشة قالت: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرحوا به، قالت: فقال: جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا. قال: فارجع، فلن نستعين بمشرك. ثم أدركه بالشجرة، فقال مثل مقالته، ثم أدركه بالبيداء فقال: أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم. قال: انطلق.
قال الواقدي: هو خبيب بن يساف تأخر إسلامه حتى خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر، فلحقه فأسلم، وشهد بدرا وأحدا، قال: وتوفي في خلافة عثمان وقد انقرض ولده.(أعلام/1631)
ويقال في أبيه: إساف بن عدي، كذا سماه ابن أبي حاتم. وقال شيخنا الدمياطي هو الذي قتل أبا عقبة الحارث بن عامر. كذا قال شيخنا، وخطأ ما في صحيح البخاري في مصرع خبيب بن عدي الشهيد من أنه قتل الحارث يوم بدر، فقتله آل الحارث لما أسروه به، وهو خبيب بن عدي بن مالك من الأوس، ولم أجده مذكورا في البدريين - رضي الله عنه.(أعلام/1632)
خديجة أم المؤمنين
وسيدة نساء العالمين في زمانها أم القاسم ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، القرشية الأسدية. أم أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من آمن به وصدقه قبل كل أحد وثبتت جأشه، ومضت به إلى ابن عمها ورقة.
ومناقبها جمة. وهي ممن كمل من النساء. كانت عاقلة جليلة دينة مصونة كريمة، من أهل الجنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها، ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين، ويبالغ في تعظيمها، بحيث إن عائشة كانت تقول: ما غرت من امرأة ما غرت من خديجة، من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها.
ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج امرأة قبلها، وجاءه منها عدة أولاد، ولم يتزوج عليها قط، ولا تسرى إلى أن قضت نحبها، فوجد لفقدها، فإنها كانت نعم القرين. وكانت تنفق عليه من مالها، ويتجر هو صلى الله عليه وسلم لها.
وقد أمره الله أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.
الواقدي: حدثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس وابن أبي الزناد، عن هشام، وروى عن جبير بن مطعم: أن عم خديجة، عمرو بن أسد، زوجها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن أباها مات قبل الفجار. ثم قال الواقدي: هذا المجتمع عليه عند أصحابنا، ليس بينهم اختلاف.
الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بنت ثمان وعشرين سنة.
قال الزبير بن بكار: كانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة. وأمها هي فاطمة بنت زائدة العامرية.
كانت خديجة - أولا - تحت أبي هالة بن زرارة التميمي، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ثم بعده النبي صلى الله عليه وسلم، فبنى بها وله خمس وعشرون سنة. وكانت أسن منه بخمس عشرة سنة.(أعلام/1633)
عن عائشة: أن خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلاة وقيل: توفيت في رمضان ودفنت بالحجون عن خمس وستين سنة.
وقال مروان بن معاوية، عن وائل بن داود، عن عبد الله البهي، قال: قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها، فذكرها يوما، فحملتني الغيرة، فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن. قالت: فرأيته غضب غضبا. أسقطت في خلدي وقلت في نفسي: اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيت، قال: كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، ورزقت منها الولد وحرمتموه مني قالت: فغدا وراح علي بها شهرا.
قال الواقدي: خرجوا من شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين، فتوفي أبو طالب، وقبله خديجة بشهر وخمسة أيام.
وقال الحاكم: ماتت بعد أبي طالب بثلاثة أيام.
هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، مما كنت أسمع من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين. ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب.
أبو يعلى في " مسنده " سماعنا: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل: حدثنا سهل بن زياد - ثقة -: حدثني الأزرق بن قيس، عن عبد الله بن نوفل - أو ابن بريدة - عن خديجة بنت خويلد، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أطفالي منك؟ قال: في الجنة. قالت: فأين أطفالي من أزواجي من المشركين؟ قال: في النار، فقلت: بغير عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين فيه انقطاع.(أعلام/1634)
محمد بن فضيل، عن عمارة، عن أبي زرعة، سمع أبا هريرة، يقول: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. متفق على صحته.
عبد الله بن جعفر: سمعت عليا: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير نسائها خديجة بنت خويلد، وخير نسائها مريم بنت عمران.
أحمد: حدثنا محمد بن بشر: حدثنا محمد بن عمرو: حدثنا أبو سلمة ويحيى بن عبد الرحمن، قالا: لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم، امرأة عثمان بن مظعون، فقالت: يا رسول الله، ألا تزوج؟ قال: ومن؟ قالت: سودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك. . . الحديث بطوله وهو مرسل.
قال ابن إسحاق: تتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلاك أبي طالب وخديجة. وكانت خديجة وزيرة صدق. وهي أقرب إلى قصي من النبي صلى الله عليه وسلم برجل. وكانت متمولة، فعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج في مالها إلى الشام، فخرج مع مولاها ميسرة. فلما قدم باعت خديجة ما جاء به، فأضعف، فرغبت فيه، فعرضت نفسها عليه، فتزوجها، وأصدقها عشرين بكرة.
فأولادها منه: القاسم، والطيب، والطاهر، ماتوا رضعا؛ ورقية، وزينب، وأم كلثوم، وفاطمة.(أعلام/1635)
قالت عائشة: أول ما بدئ به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة. . . إلى أن قالت: فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق قالت: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة، فقال: زملوني.، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: ما لي يا خديجة؟ . وأخبرها الخبر، وقال: قد خشيت على نفسي، فقالت له: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق. وانطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل بن أسد، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الخط العربي، وكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا قد عمي، فقالت: اسمع من ابن أخيك ما يقول، فقال: يا ابن أخي، ما ترى؟ فأخبره، فقال: هذا الناموس الذي أنزل على موسى الحديث.
قال الشيخ عز الدين بن الأثير: خديجة أول خلق الله أسلم، بإجماع المسلمين.
وقال الزهري، وقتادة، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، والواقدي، وسعيد بن يحيى: أول من آمن بالله ورسوله خديجة، وأبو بكر، وعلي رضي الله عنهم.
قال ابن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبي حكيم، أنه بلغه عن خديجة أنها قالت: يا ابن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك؟ فلما جاءه، قال: يا خديجة، هذا جبريل، فقالت: اقعد على فخذي، ففعل، فقالت: هل تراه؟ قال: نعم. قالت: فتحول إلى الفخذ اليسرى، ففعل. قالت: هل تراه؟ قال: نعم، فألقت خمارها، وحسرت عن صدرها، فقالت: هل تراه؟ قال: لا. قالت: أبشر، فإنه والله ملك، وليس بشيطان.
قال ابن عبد البر: روي من وجوه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا خديجة، جبريل يقرئك السلام وفي بعضها: يا محمد، اقرأ على خديجة من ربها السلام.(أعلام/1636)
عن حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خديجة سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم في إسناده لين.
حماد بن سلمة، عن حميد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى خشي عليه، حتى تزوج عائشة.
معمر، عن قتادة. وأبو جعفر الرازي، عن ثابت، واللفظ لقتادة، عن أنس مرفوعا: حسبك من نساء العالمين أربع.
وقال ثابت، عن أنس: خير نساء العالمين مريم، وآسية، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة
الدراوردي، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم فاطمة، وخديجة، وامرأة فرعون آسية.
مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة، فتناولتها، فقلت: عجوز! كذا وكذا، قد أبدلك الله بها خيرا منها. قال: ما أبدلني الله خيرا منها، لقد آمنت بي حين كفر الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها، وحرمني ولد غيرها. قلت: والله لا أعاتبك فيها بعد اليوم.
وروى عروة، عن عائشة، قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة.
قال الواقدي: توفيت في رمضان، ودفنت بالحجون.
وقال قتادة: ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين وكذا قال عروة.(أعلام/1637)
خزيمة بن ثابت (م، 4)
ابن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة، الفقيه، أبو عمارة الأنصاري الخطمي المدني، ذو الشهادتين.
قيل: إنه بدري. والصواب: أنه شهد أحدا وما بعدها. وله أحاديث.
وكان من كبار جيش علي، فاستشهد معه يوم صفين.
حدث عنه: ابنه عمارة، وأبو عبد الله الجدلي، وعمرو بن ميمون الأودي، وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص ; وجماعة.
قتل - رضي الله عنه- سنة سبع وثلاثين وكان حامل راية بني خطمة. وشهد مؤتة.
فقال الواقدي: حدثنا بكير بن مسمار عن عمارة بن خزيمة، عن أبيه، قال: حضرت مؤتة، فبارزت رجلا، فأصبته، وعليه بيضة فيها ياقوتة، فلم يكن همي إلا الياقوتة، فأخذتها. فلما انكشفنا، وانهزمنا، رجعت بها إلى المدينة، فأتيت بها النبي - صلى الله عليه وسلم- فنفلنيها، فبعتها زمن عمر بمئة دينار.
وقال خارجة بن زيد، عن أبيه، قال: لما كتبنا المصاحف، فقدت آية كنت سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فوجدتها عند خزيمة بن ثابت: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه قال: وكان خزيمة يدعى: ذا الشهادتين، أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادته بشهادة رجلين.
قال قتادة، عن أنس، قال: افتخر الحيان من الأنصار، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة: حنظلة بن الراهب ; ومنا من اهتز له العرش: سعد، ومنا من حمته الدبر عاصم بن أبي الأقلح ; ومنا من أجيزت شهادته بشهادتين: خزيمة بن ثابت.
وروى أبو معشر، عن محمد بن عمارة بن خزيمة، قال: ما زال جدي كافا سلاحه حتى قتل عمار، فسل سيفه، وقاتل حتى قتل.(أعلام/1638)
خلاس (ع)
ابن عمرو الهجري، بصري ثقة، خرجوا له في الصحاح. حدث عن علي، وعمار، وعائشة، وأبي هريرة. وعنه قتادة، وعوف، وداود بن أبي هند، وآخرون. وثقه أحمد وغيره.
وإنما روايته عن علي كتاب وقع به. وقال أحمد: لم يسمع من أبي هريرة.(أعلام/1639)
داود بن أبي هند (خت، م، 4)
واسم أبي هند: دينار بن عذافر، الإمام الحافظ، الثقة أبو محمد الخراساني ثم البصري، من موالي بني قشير فيما قيل. ويقال: كنيته أبو بكر. حدث عن سعيد بن المسيب، وأبي عثمان النهدي، وعامر الشعبي، وأبي منيب الجرشي، ومحمد بن سيرين، وأبي نضرة، ومكحول، وعدة. ورأى أنس بن مالك.
حدث عنه: سفيان، وشعبة، وحماد بن سلمة، وهشيم، وابن علية، ويحيى القطان، وبشر بن المفضل، ويزيد بن هارون، وحماد بن زيد، وخلق. وعند يزيد عنه تسعة وتسعون حديثا.
عن سعيد بن عامر الضبعي قال: قال داود بن أبي هند: أتيت الشام، فلقيني غيلان، فقال: إني أريد أن أسألك عن مسألتين. قال: قلت: سلني عن خمسين مسألة، وأسألك عن مسألتين. قال: سل يا داود. قلت: أخبرني عن أفضل ما أعطي ابن آدم. قال: العقل. قلت: فأخبرني عن العقل ما هو؟ شيء مباح للناس، من شاء أخذه ومن شاء تركه، أو هو مقسوم؟ قال: فمضى ولم يجبني.
قال النسائي، ويحيى بن معين، وغيرهما: ثقة. وقال حماد بن زيد: ما رأيت أحدا أفقه من داود.
وعن سفيان بن عيينة، قال: عجبا لأهل البصرة يسألون عثمان البتي وعندهم داود بن أبي هند.
قال وهيب: دار الأمر بالبصرة على أربعة: أيوب، ويونس، وابن عون وسليمان التيمي، فقال قائل: فأين داود بن أبي هند؟ .
قال ابن جريج: ما رأيت مثل داود بن أبي هند، إن كان ليقرع العلم قرعا قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن داود بن أبي هند. فقال: مثل داود يسأل عنه؟ داود ثقة ثقة. وقال العجلي: كان صالحا ثقة، خياطا. قال يزيد بن زريع: كان داود مفتي أهل البصرة.(أعلام/1640)
وقال محمد بن أبي عدي: أقبل علينا داود، فقال: يا فتيان، أخبركم لعل بعضكم أن ينتفع به. كنت وأنا غلام أختلف إلى السوق، فإذا انقلبت إلى البيت، جعلت على نفسي أن أذكر الله إلى مكان كذا وكذا، فإذا بلغت إلى ذلك المكان جعلت على نفسي أن أذكر الله كذا وكذا حتى آتي المنزل.
قال الفلاس: سمعت ابن أبي عدي يقول: صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله. كان خزازا يحمل معه غداءه فيتصدق به في الطريق. ابن عيينة، سمعت داود بن أبي هند يقول: أصابني الطاعون فأغمي علي، فكأن آتيين أتياني فغمز أحدهما علوة لساني، وغمز الآخر أخمص قدمي، فقال: أي شيء تجد؟ قال: أجد تسبيحا وتكبيرا، وشيئا من خطو إلى المسجد، وشيئا من قراءة القرآن. قال: ولم أكن أخذت القرآن حينئذ. قال: فكنت أذهب في الحاجة فأقول: لو ذكرت الله حتى آتي حاجتي، قال: فعوفيت، فأقبلت على القرآن فتعلمته.
وعن داود بن أبي هند قال: ثنتان لو لم تكونا لم ينتفع الناس بدنياهم: الموت، والأرض تنشف الندى.
قال حماد بن سلمة: دخلت على داود بن أبي هند فرأيت ثياب بيته معصفرة. وكان داود بن أبي هند يقول: ولدت بمرو.
قال يزيد بن هارون، ويحيى القطان، وطائفة: مات داود بن أبي هند سنة تسع وثلاثين ومائة.
وقال خليفة: توفي مصدر الناس من الحج. وقال ابن المديني وغيره: مات سنة أربعين ومائة.
أخبرنا إسحاق الأسدي، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي المقرئ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن وغيره، قالوا: أنبأنا بشر بن موسى، حدثنا هوذة، حدثنا عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: تفترق أمتي فرقتين، فتمرق بينهما مارقة، فتقتلها أولى الطائفتين بالحق هذا حديث صحيح. رواه أيضا داود بن أبي هند، عن أبي نضرة.(أعلام/1641)
داود بن الحصين (ع)
الفقيه أبو سليمان الأموي مولاهم المدني.
حدث عن أبيه وعكرمة، والأعرج، وأبي سفيان مولى ابن أبي أحمد.
حدث عنه: ابن إسحاق، ومالك، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، وإبراهيم بن أبي حبيبة، وعدة.
وثقه يحيى بن معين مطلقا. وقال النسائي وغيره: ليس به بأس، وقال ابن عيينة: كنا نتقي حديثه. وقال ابن المديني: ما روى عن عكرمة منكر، وقال أبو زرعة، لين. وقال أبو حاتم: لولا أن مالكا روى عنه، لترك حديثه.
وقال أبو داود: أحاديثه عن عكرمة مناكير، وقال ابن حبان: كان يرى الخروج.
وتكلم الترمذي في حفظه.
قلت: نزل عكرمة في بيت داود، وتوفي عنده.(أعلام/1642)
داود بن رشيد (خ، م، د، س)
الإمام الحافظ الثقة، أبو الفضل الخوارزمي، ثم البغدادي مولى بني هاشم، رحال جوال، صاحب حديث. سمع أبا المليح الحسن بن عمر الرقي، وإسماعيل بن جعفر، وهشيم بن بشير، وإسماعيل بن عياش، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، والوليد بن مسلم، وإسماعيل ابن علية، وبقية بن الوليد، وأبا إسماعيل المؤدب، ومروان بن معاوية، وشعيب بن إسحاق، وسويد بن عبد العزيز، وعبد الملك بن محمد الصنعاني، ومكي بن إبراهيم، وعدة. حدث عنه: مسلم، وأبو داود، وبقي بن مخلد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وإبراهيم الحربي، وموسى بن هارون، وأبو يعلى الموصلي، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، ومحمد بن المجدر، وأبو القاسم البغوي، وأبو العباس السراج، وعدد كثير. وثقه يحيى بن معين، وغيره.
وقال الدارقطني: ثقة نبيل. قلت: وقد روى البخاري في " صحيحه "، والنسائي، عن رجل عنه. أحمد بن مروان في " المجالسة ": حدثنا إبراهيم الحربي، حدثنا داود بن رشيد قال: قمت ليلة أصلي، فأخذني البرد لما أنا فيه من العري، فأخذني النوم، فرأيت كأن قائلا يقول: يا داود، أنمناهم وأقمناك فتبكي علينا؟ قال الحربي: فأظن داود ما نام بعدها، يعني: ما ترك تهجد الليل.(أعلام/1643)
قال: وسمعت داود يقول: قالت حكماء الهند: لا ظفر مع بغي، ولا صحة مع نهم، ولا ثناء مع كبر، ولا صداقة مع خب ولا شرف مع سوء أدب، ولا بر مع شح، ولا محبة مع هزء، ولا قضاء مع عدم فقه، ولا عذر مع إصرار، ولا سلم قلب مع غيبة، ولا راحة مع حسد، ولا سؤدد مع انتقام، ولا رئاسة مع عزة نفس وعجب، ولا صواب مع ترك مشاورة، ولا ثبات ملك مع تهاون. توفي في سابع شعبان سنة تسع وثلاثين ومائتين، وهو من أبناء الثمانين، ولعل بعض أمراء الزمان يحوي هذه الخلال الردية. قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرك المبارك بن أبي الجود، حدثنا أحمد بن أبي غالب الزاهد، حدثنا عبد العزيز بن علي، حدثنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله البغوي، حدثنا داود بن رشيد، حدثنا أبو إسماعيل المؤدب، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قلت: يا رسول الله، علمني ما أدخل به الجنة، ولا تكثر علي، قال: لا تغضب.
قرأت على أحمد بن محمد الحافظ، وجماعة، قالوا: أخبرنا أبو المنجى بن اللتي، وقرأت على الأبرقوهي، أخبرنا زكريا العلبي، قالا: حدثنا أبو الوقت السجزي، أخبرتنا بيبى الهرثمية، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا عبد الله بن محمد، أخبرنا داود بن رشيد، أخبرنا عمر بن أيوب، أخبرنا إبراهيم بن نافع، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن عبد الله بن عمرو قال: رأى علي النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوبين معصفرين، فقال: أمك أمرتك بهذا؟ قلت: أغسلهما؟ قال: أحرقهما أخرجه مسلم عن داود. والإحراق هنا تعزير، ولعل صبغهما كان لا يزول بالغسل كما ينبغي، والمعصفر يرخص للمرأة.(أعلام/1644)
داود بن علي
بن خلف، الإمام، البحر، الحافظ، العلامة، عالم الوقت أبو سليمان البغدادي، المعروف بالأصبهاني، مولى أمير المؤمنين المهدي، رئيس أهل الظاهر.
مولده سنة مائتين.
وسمع: سليمان بن حرب، وعمرو بن مرزوق، والقعنبي، ومحمد بن كثير العبدي، ومسدد بن مسرهد، وإسحاق ابن راهويه، وأبا ثور الكلبي، والقواريري، وطبقتهم.
وارتحل إلى إسحاق [ابن راهويه] وسمع منه " المسند " و " التفسير "، وناظر عنده ; وجمع وصنف، وتصدر، وتخرج به الأصحاب.
قال أبو بكر الخطيب: صنف الكتب، وكان إماما ورعا ناسكا زاهدا، وفي كتبه حديث كثير، لكن الرواية عنه عزيزة جدا.
حدث عنه: ابنه أبو بكر محمد بن داود، وزكريا الساجي، ويوسف بن يعقوب الداودي، وعباس بن أحمد المذكر، وغيرهم.
قال أبو محمد ابن حزم: إنما عرف بالأصبهاني، لأن أمه أصبهانية، وكان أبوه حنفي المذهب.
قال أبو عمرو المستملي: رأيت داود بن علي يرد على إسحاق ابن راهويه، وما رأيت أحدا قبله ولا بعده يرد عليه، هيبة له.
قال عمر بن محمد بن بجير الحافظ: سمعت داود بن علي يقول: دخلت على إسحاق وهو يحتجم، فجلست، فرأيت كتب الشافعي، فأخذت أنظر، فصاح بي إسحاق: أيش تنظر؟ فقلت: معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده قال: فجعل يضحك، أو يتبسم.
سعيد بن عمر البرذعي، قال: كنا عند أبي زرعة الرازي، فاختلف رجلان من أصحابنا في أمر داود الأصبهاني، والمزني، والرجلان: فضلك الرازي، وابن خراش فقال ابن خراش: داود كافر. وقال فضلك: المزني: جاهل.(أعلام/1645)
فأقبل أبو زرعة يوبخهما، وقال لهما: ما واحد منكما لهما بصاحب. ثم قال: ترى داود هذا، لو اقتصر على ما يقتصر عليه أهل العلم لظننت أنه يكمد أهل البدع بما عنده من البيان والآلة ولكنه تعدى، لقد قدم علينا من نيسابور، فكتب إلي محمد بن رافع، ومحمد بن يحيى، وعمرو بن زرارة، وحسين بن منصور، ومشيخة نيسابور بما أحدث هناك، فكتمت ذلك لما خفت من عواقبه، ولم أبد له شيئا من ذلك، فقدم بغداد.
وكان بينه وبين صالح بن أحمد بن حنبل حسن، فكلم صالحا أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه، فأتى صالح أباه، فقال: رجل سألني أن يأتيك، فقال: ما اسمه؟ قال: داود. قال: من أين هو؟ قال: من أصبهان. فكان صالح يروغ عن تعريفه، فما زال الإمام أحمد يفحص، حتى فطن به، فقال: هذا قد كتب إلى محمد بن يحيى في أمره أنه زعم أن القرآن محدث، فلا يقربني. فقال: يا أبه! إنه ينتفي من هذا وينكره. فقال: محمد بن يحيى أصدق منه، لا تأذن له.
قال أبو عبد الله المحاملي: رأيت داود بن علي يصلي، فما رأيت مسلما يشبهه في حسن تواضعه.
وقد كان محمد بن جرير الطبري يختلف إلى داود بن علي مدة، ثم تخلف عنه، وعقد لنفسه مجلسا، فأنشأ داود يتمثل: فلو أني بليت بهاشمي خؤولته بنو عبد المدان
صبرت على أذاه لي ولكن
تعالي فانظري بمن ابتلاني
قال أحمد بن كامل القاضي: أخبرني أبو عبد الله الوراق: أنه كان يورق على داود بن علي، وأنه سمعه يسأل عن القرآن، فقال: أما الذي في اللوح المحفوظ: فغير مخلوق، وأما الذي هو بين الناس: فمخلوق.(أعلام/1646)
قلت: هذه التفرقة والتفصيل ما قالها أحد قبله، فيما علمت، وما زال المسلمون على أن القرآن العظيم كلام الله، ووحيه وتنزيله، حتى أظهر المأمون القول: بأنه مخلوق، وظهرت مقالة المعتزلة، فثبت الإمام أحمد بن حنبل، وأئمة السنة على القول: بأنه غير مخلوق، إلى أن ظهرت مقالة حسين بن علي الكرابيسي وهي: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن ألفاظنا به مخلوقة، فأنكر الإمام أحمد ذلك، وعده بدعة، وقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن، فهو جهمي. وقال أيضا: من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع. فزجر عن الخوض في ذلك من الطرفين.
وأما داود فقال: القرآن محدث. فقام على داود خلق من أئمة الحديث، وأنكروا قوله وبدعوه، وجاء من بعده طائفة من أهل النظر، فقالوا: كلام الله معنى قائم بالنفس، وهذه الكتب المنزلة دالة عليه، ودققوا وعمقوا، فنسأل الله الهدى واتباع الحق، فالقرآن العظيم، حروفه ومعانيه وألفاظه كلام رب العالمين، غير مخلوق، وتلفظنا به وأصواتنا به من أعمالنا المخلوقة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: زينوا القرآن بأصواتكم ولكن لما كان الملفوظ لا يستقل إلا بتلفظنا، والمكتوب لا ينفك عن كتابة، والمتلو لا يسمع إلا بتلاوة تال، صعب فهم المسألة، وعسر إفراز اللفظ الذي هو الملفوظ من اللفظ الذي يعنى به التلفظ، فالذهن يعلم الفرق بين هذا وبين هذا، والخوض في هذا خطر. نسأل الله السلامة في الدين. وفي المسألة بحوث طويلة، الكف عنها أولى، ولا سيما في هذه الأزمنة المزمنة.
قال أبو العباس ثعلب: كان داود بن علي عقله أكبر من علمه.(أعلام/1647)
وقال قاسم بن أصبغ الحافظ: ذاكرت ابن جرير الطبري، وابن سريج في كتاب ابن قتيبة في الفقه، فقالا: ليس بشيء، فإذا أردت الفقه، فكتب أصحاب الفقه، كالشافعي، وداود، ونظرائهما. ثم قالا: ولا كتب أبي عبيد في الفقه، أما ترى كتابه في " الأموال "، مع أنه أحسن كتبه؟
وقال ابن حزم: كان داود عراقيا، كتب ثمانية عشر ألف ورقة، ومن أصحابه: أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن رويم، وأبو بكر بن النجار، وأبو الطيب محمد بن جعفر الديباجي، وأحمد بن مخلد الإيادي، وأبو سعيد الحسن بن عبيد الله، صاحب التصانيف، وأبو بكر محمد بن أحمد الدجاجي، وأبو نصر السجستاني ثم سرد أسماء عدة من تلامذته.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم عن أبي اليمن الكندي، أخبرنا علي بن عبد السلام، أخبرنا أبو إسحاق الفقيه، في " طبقات الفقهاء " له، قال: ذكر فقهاء بغداد، ومنهم: أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني، ولد في سنة اثنتين ومائتين ومات سنة سبعين ومائتين.
أخذ العلم عن: إسحاق ابن راهويه، وأبي ثور ; وكان زاهدا متقللا وقيل: إنه كان في مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر، وكان من المتعصبين للشافعي، وصنف كتابين في فضائله والثناء عليه، وانتهت إليه رئاسة العلم ببغداد، وأصله من أصفهان، ومولده بالكوفة، ومنشؤه ببغداد، وقبره بها في الشونيزية.
وقال أبو بكر الخلال: أخبرنا الحسين بن عبد الله، قال: سألت المروذي عن قصة داود الأصبهاني، وما أنكر عليه أبو عبد الله، فقال: كان داود خرج إلى خراسان، إلى ابن راهويه، فتكلم بكلام شهد عليه أبو نصر بن عبد المجيد وآخر، شهدا عليه أنه قال: القرآن محدث.(أعلام/1648)
فقال لي أبو عبد الله: من داود بن علي؟ لا فرج الله عنه. قلت: هذا من غلمان أبي ثور. قال: جاءني كتاب محمد بن يحيى النيسابوري أن داود الأصبهاني قال ببلدنا: إن القرآن محدث. قال المروذي: حدثني محمد بن إبراهيم النيسابوري، أن إسحاق ابن راهويه لما سمع كلام داود في بيته، وثب على داود وضربه، وأنكر عليه.
الخلال: سمعت أحمد بن محمد بن صدقة، سمعت محمد بن الحسين بن صبيح، سمعت داود الأصبهاني يقول: القرآن محدث، ولفظي بالقرآن مخلوق.
وأخبرنا سعيد بن أبي مسلم: سمعت محمد بن عبدة يقول: دخلت إلى داود، فغضب علي أحمد بن حنبل، فدخلت عليه، فلم يكلمني، فقال له رجل: يا أبا عبد الله! إنه رد عليه مسألة. قال: وما هي؟ قال: قال: الخنثى إذا مات من يغسله؟ قال داود: يغسله الخدم. فقال محمد بن عبدة: الخدم رجال، ولكن ييمم، فتبسم أحمد وقال: أصاب، أصاب، ما أجود ما أجابه!
قال محمد بن إسحاق النديم: لداود من الكتب: كتاب " الإيضاح " كتاب " الإفصاح "، كتاب " الأصول "، كتاب " الدعاوى "، كتاب كبير في الفقه، كتاب " الذب عن السنة والأخبار " أربع مجلدات، كتاب " الرد علي أهل الإفك "، " صفة أخلاق النبي "، كتاب " الإجماع "، كتاب " إبطال القياس "، كتاب " خبر الواحد وبعضه موجب للعلم "، كتاب " الإيضاح "، خمسة عشر مجلدا، كتاب " المتعة "، كتاب " إبطال التقليد "، كتاب " المعرفة "، كتاب " العموم والخصوص ". وسرد أشياء كثيرة.
قلت: للعلماء قولان في الاعتداد، بخلاف داود وأتباعه: فمن اعتد بخلافهم، قال: ما اعتدادنا بخلافهم لأن مفرداتهم حجة، بل لتحكى في الجملة، وبعضها سائغ، وبعضها قوي، وبعضها ساقط، ثم ما تفردوا به هو شيء من قبيل مخالفة الإجماع الظني، وتندر مخالفتهم لإجماع قطعي.(أعلام/1649)
ومن أهدرهم، ولم يعتد بهم، لم يعدهم في مسائلهم المفردة خارجين بها من الدين، ولا كفرهم بها، بل يقول: هؤلاء في حيز العوام، أو هم كالشيعة في الفروع، ولا نلتفت إلى أقوالهم، ولا ننصب معهم الخلاف، ولا نعتني بتحصيل كتبهم، ولا ندل مستفتيا من العامة عليهم. وإذا تظاهروا بمسألة معلومة البطلان، كمسح الرجلين، أدبناهم، وعزرناهم، وألزمناهم بالغسل جزما.
قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني: قال الجمهور: إنهم -يعني نفاة القياس- لا يبلغون رتبة الاجتهاد، ولا يجوز تقليدهم القضاء.
ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي، عن أبي علي بن أبي هريرة، وطائفة من الشافعية، أنه لا اعتبار بخلاف داود، وسائر نفاة القياس، في الفروع دون الأصول.
وقال إمام الحرمين أبو المعالي: الذي ذهب إليه أهل التحقيق: أن منكري القياس لا يعدون من علماء الأمة، ولا من حملة الشريعة، لأنهم معاندون، مباهتون فيما ثبت استفاضة وتواترا، لأن معظم الشريعة صادر عن الاجتهاد، ولا تفي النصوص بعشر معشارها، وهؤلاء ملتحقون بالعوام.(أعلام/1650)
قلت: هذا القول من أبي المعالي أداه إليه اجتهاده، وهم فأداهم اجتهادهم إلى نفي القول بالقياس، فكيف يرد الاجتهاد بمثله، وندري بالضرورة أن داود كان يقرئ مذهبه، ويناظر عليه، ويفتي به في مثل بغداد، وكثرة الأئمة بها وبغيرها، فلم نرهم قاموا عليه، ولا أنكروا فتاويه ولا تدريسه، ولا سعوا في منعه من بثه، وبالحضرة مثل إسماعيل القاضي، شيخ المالكية، وعثمان بن بشار الأنماطي، شيخ الشافعية، والمروذي، شيخ الحنبلية، وابني الإمام أحمد، وأبي العباس أحمد بن محمد البرتي شيخ الحنفية، وأحمد بن أبي عمران القاضي، ومثل عالم بغداد إبراهيم الحربي. بل سكتوا له، حتى لقد قال قاسم بن أصبغ: ذاكرت الطبري -يعني ابن جرير - وابن سريج، فقلت لهما: كتاب ابن قتيبة في الفقه أين هو عندكما؟ قالا: ليس بشيء، ولا كتاب أبي عبيد، فإذا أردت الفقه فكتب الشافعي، وداود، ونظرائهما.
ثم كان بعده ابنه أبو بكر، وابن المغلس، وعدة من تلامذة داود، وعلى أكتافهم مثل: ابن سريج، شيخ الشافعية، وأبي بكر الخلال، شيخ الحنبلية، وأبي الحسن الكرخي شيخ الحنفية، وكان أبو جعفر الطحاوي بمصر. بل كانوا يتجالسون ويتناظرون، ويبرز كل منهم بحججه، ولا يسعون بالداودية إلى السلطان. بل أبلغ من ذلك، ينصبون معهم الخلاف، في تصانيفهم قديما وحديثا.(أعلام/1651)
وبكل حال، فلهم أشياء أحسنوا فيها، ولهم مسائل مستهجنة، يشغب عليهم بها، وإلى ذلك يشير الإمام أبو عمرو ابن الصلاح، حيث يقول: الذي اختاره الأستاذ أبو منصور، وذكر أنه الصحيح من المذهب، أنه يعتبر خلاف داود. ثم قال ابن الصلاح: وهذا الذي استقر عليه الأمر آخرا، كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتأخرين، الذين أوردوا مذهب داود في مصنفاتهم المشهورة، كالشيخ أبي حامد الإسفراييني، والماوردي، والقاضي أبي الطيب، فلولا اعتدادهم به لما ذكروا مذهبه في مصنفاتهم المشهورة.
قال: وأرى أن يعتبر قوله إلا فيما خالف فيه القياس الجلي، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه، أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها، فاتفاق من سواه إجماع منعقد، كقوله في التغوط في الماء الراكد وتلك المسائل الشنيعة، وقوله: لا ربا إلا في الستة المنصوص عليها فخلافه في هذا أو نحوه غير معتد به، لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه.
قلت: لا ريب أن كل مسألة انفرد بها، وقطع ببطلان قوله فيها، فإنها هدر، وإنما نحكيها للتعجب، وكل مسألة له عضدها نص، وسبقه إليها صاحب أو تابع، فهي من مسائل الخلاف، فلا تهدر.
وفي الجملة، فداود بن علي بصير بالفقه، عالم بالقرآن، حافظ للأثر، رأس في معرفة الخلاف، من أوعية العلم، له ذكاء خارق، وفيه دين متين. وكذلك في فقهاء الظاهرية جماعة لهم علم باهر، وذكاء قوي، فالكمال عزيز، والله الموفق.
ونحن: فنحكي قول ابن عباس في المتعة وفي الصرف وفي إنكار العول وقول طائفة من الصحابة في ترك الغسل من الإيلاج وأشباه ذلك، ولا نجوز لأحد تقليدهم في ذلك.
قال ابن كامل: مات داود في شهر رمضان سنة سبعين ومائتين.(أعلام/1652)
دحية الكلبي (د)
ابن خليفة بن فروة بن فضالة. الكلبي القضاعي. صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم- ورسوله بكتابه إلى عظيم بصرى ليوصله إلى هرقل.
روى أحاديث.
حدث عنه: منصور بن سعيد الكلبي ومحمد بن كعب القرظي، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وعامر الشعبي، وخالد بن يزيد بن معاوية.
وقد شهد اليرموك، وكان على كردوس وسكن المزة.
أحمد: حدثنا محمد بن عبيد: حدثنا عمر - من آل حذيفة - عن الشعبي، عن دحية الكلبي: قلت: يا رسول الله، ألا أحمل لك حمارا على فرس، فينتج لك بغلة تركبها؟ قال: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون.
رواه عيسى بن يونس، عن عمر، عن الشعبي مرسلا: أن حذيفة قال ذلك.
قال ابن سعد: أسلم دحية قبل بدر ولم يشهدها. وكان يشبه بجبريل. بقي إلى زمن معاوية.
وقال دحيم: ذريته بالبقاع.
وقيد ابن ماكولا في أجداده " الخرج " وهو العظيم البطن.
الهيثم بن عدي، عن الكلبي، عن محمد بن أسامة بن زيد، عن أبيه، عن دحية: قدمت من الشام، فأهديت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فاكهة يابسة من فستق، ولوز، وكعك. . . الحديث.
إسناده واه.
وعن جابر الجعفي، عن الشعبي، عن دحية الكلبي، قال: أهديت لرسول الله جبة صوف وخفين. فلبسهما حتى تخرقا.
جابر واه.
وعن سلمة بن كهيل، عن عبد الله بن شداد، عن دحية، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- معي بكتاب إلى قيصر ; فقمت بالباب، فقلت: أنا رسول رسول الله، ففزعوا لذلك. فدخل عليه الآذن، فأدخلت، وأعطيته الكتاب. " من محمد رسول الله، إلى قيصر صاحب الروم ".(أعلام/1653)
فإذا ابن أخ له، أحمر أزرق، قد نخر، ثم قال: لم لم يكتب ويبدأ بك! لا تقرأ كتابه اليوم. فقال لهم: اخرجوا. فدعا الأسقف - وكانوا يصدرون عن رأيه- فلما قرئ عليه الكتاب، قال: هو - والله- رسول الله الذي بشرنا به عيسى وموسى. قال: فأي شيء ترى؟ قال: أرى أن نتبعه. قال قيصر: وأنا أعلم ما تقول، ولكن لا أستطيع أن أتبعه، يذهب ملكي، ويقتلني الروم.
رواه اثنان، عن يحيى بن سلمة، عن أبيه.
عبد الله بن أبي يحيى، عن مجاهد. قال: بعث رسول الله دحية سرية وحده.
معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عثمان النهدي، قالت أم سلمة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يحدث رجلا، فلما قام، قال: يا أم سلمة، من هذا؟ فقلت: دحية الكلبي، فلم أعلم أنه جبريل حتى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يحدث أصحابه ما كان بيننا.
فقلت لأبي عثمان: من حدثك بهذا؟ قال: أسامة.
عفير بن معدان، عن قتادة، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقول: يأتيني جبريل في صورة دحية، وكان دحية جميلا. روى نحوه يحيى بن يعمر، عن ابن عمر.
قال عبد الله بن صالح العجلي، قال رجل لعوانة بن الحكم: أجمل الناس جرير بن عبد الله البجلي. فقال: بل أجمل الناس من نزل جبريل على صورته، يعني دحية.
ويروى حديث منكر: أن دحية أسلم زمن أبي بكر.
قال أبو محمد بن قتيبة في حديث ابن عباس. كان دحية إذا قدم، لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه.
المعصر: التي دنا حيضها، كما قيل للغلام: مراهق، أي راهق الاحتلام.
ولا ريب أن دحية كان أجمل الصحابة الموجودين بالمدينة، وهو معروف، فلذا كان جبريل ربما نزل في صورته.
فأما جرير، فإنما وفد إلى المدينة قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم- بقليل.(أعلام/1654)
ومن الموصوفين بالحسن: الفضل بن عباس وقدم المدينة بعد الفتح. وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس، وأجمل قريش، وكان ريحانته الحسن بن علي يشبهه.
الليث، عن يزيد، عن أبي الخير، عن منصور الكلبي: أن دحية خرج من المزة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثم أفطر، وأفطر معه ناس، وكره الفطر آخرون، فلما رجع إلى قريته، قال: والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أني أراه: إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه - يقول ذلك للذين صاموا- ثم قال عند ذلك: اللهم، اقبضني إليك.
أخرجه أبو داود.
وصح أن صفية وقعت يوم خيبر في سهم دحية، فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم- منه، وعوضه بسبعة أرؤس.
قال خليفة بن خياط: في سنة خمس بعث النبي - صلى الله عليه وسلم- دحية إلى قيصر.
قلت: كذا قال. وإنما كان ذلك بعد الحديبية في زمن الصلح، كما ذكره أبو سفيان في الحديث الطويل الذي في " الصحيح ". ولدحية، في " مسند " بقي ثلاثة أحاديث غرائب.(أعلام/1655)
ذو الرمة
من فحول الشعراء غيلان بن عقبة بن بهيس مضري النسب، والرمة: هي الحبل، شبب بمية بنت مقاتل المنقرية، وبالخرقاء وله مدائح في الأمير بلال بن أبي بردة.
قال أبو عمرو بن العلاء: افتتح الشعراء بامرئ القيس، وختموا بذي الرمة.
وقيل: إن الفرزدق وقف عليه وهو ينشد، فأعجبه شعره. وكان يكون ببادية العراق، وفد على الوليد، وامتدحه. وحدث عن ابن عباس، روى عنه أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر النحوي. وقيل: إن الوليد قال للفرزدق: أتعلم أحدا أشعر منك؟ قال: غلام من بني عدي، يركب أعجاز الإبل، يريد ذا الرمة قلت: هو القائل:
وعينان قال الله كونا فكانتا
فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
مات ذو الرمة بأصبهان كهلا سنة سبع عشرة ومائة.(أعلام/1656)
ذو النون المصري
الزاهد، شيخ الديار المصرية، ثوبان بن إبراهيم، وقيل: فيض بن أحمد، وقيل: فيض بن إبراهيم النوبي الإخميمي يكنى أبا الفيض، ويقال: أبا الفياض. ولد في أواخر أيام المنصور.
وروى عن: مالك، والليث، وابن لهيعة، وفضيل بن عياض، وسلم الخواص، وسفيان بن عيينة، وطائفة.
وعنه: أحمد بن صبيح الفيومي، وربيعة بن محمد الطائي، ورضوان بن محيميد، وحسن بن مصعب، والجنيد بن محمد الزاهد، ومقدام بن داود الرعيني، وآخرون.
وقل ما روى من الحديث، ولا كان يتقنه. قيل: إنه من موالي قريش، وكان أبوه نوبيا.
وقال الدارقطني: روى عن مالك أحاديث فيها نظر. وكان واعظا.
قال ابن يونس: كان عالما فصيحا حكيما. توفي في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائتين.
وقال السلمي: حملوه على البريد من مصر إلى المتوكل ليعظه في سنة 244 وكان إذا ذكر بين يدي المتوكل أهل الورع، بكى.
وقال يوسف بن أحمد البغدادي: كان أهل ناحيته يسمونه الزنديق.
فلما مات، أظلت الطير جنازته، فاحترموا بعد قبره.
عن أيوب مؤدب ذي النون، قال: جاء أصحاب المطالب ذا النون، فخرج معهم إلى قفط وهو شاب، فحفروا قبرا، فوجدوا لوحا فيه اسم الله الأعظم، فأخذه ذو النون، وسلم إليهم ما وجدوا.
قال يوسف بن الحسين الرازي: حضرت ذا النون، فقيل له: يا أبا الفيض، ما كان سبب توبتك؟ قال: نمت في الصحراء، ففتحت عيني فإذا قنبرة عمياء سقطت من وكر، فانشقت الأرض، فخرج منها سكرجتان ذهب وفضة، في إحداهما سمسم، وفي الأخرى ماء، فأكلت وشربت. فقلت: حسبي، فتبت ولزمت الباب إلى أن قبلني.(أعلام/1657)
قال السلمي في " محن الصوفية ": ذو النون أول من تكلم ببلدته في. ترتيب الأحوال، ومقامات الأولياء، فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم، وهجره علماء مصر. وشاع أنه أحدث علما لم يتكلم فيه السلف، وهجروه حتى رموه بالزندقة. فقال أخوه: إنهم يقولون: إنك زنديق. فقال:
وما لي سوى الإطراق والصمت حيلة
ووضعي كفي تحت خدي وتذكاري
قال: وقال محمد بن الفرخي: كنت مع ذي النون في زورق، فمر بنا زورق آخر، فقيل لذي النون: إن هؤلاء يمرون إلى السلطان، يشهدون عليك بالكفر. فقال: اللهم إن كانوا كاذبين، فغرقهم، فانقلب الزورق، وغرقوا. فقلت له: فما بال الملاح؟ قال: لم حملهم وهو يعلم قصدهم؟ ولأن يقفوا بين يدي الله غرقى خير لهم من أن يقفوا شهود زور، ثم انتفض وتغير، وقال: وعزتك لا أدعو على أحد بعدها.
ثم دعاه أمير مصر، وسأله عن اعتقاده، فتكلم، فرضي أمره. وطلبه المتوكل، فلما سمع كلامه، ولع به وأحبه. وكان يقول: إذا ذكر الصالحون، فحيهلا بذي النون.
قال علي بن حاتم: سمعت ذا النون، يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق.
وقال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون، يقول: مهما تصور في وهمك، فالله بخلاف ذلك، وسمعته يقول: الاستغفار جامع لمعان: أولهما: الندم على ما مضى. الثاني: العزم على الترك. الثالث: أداء ما ضيعت من فرض لله. الرابع: رد المظالم في الأموال والأعراض والمصالحة عليها. الخامس: إذابة كل لحم ودم نبت على الحرام. السادس: إذاقة ألم الطاعة كما وجدت حلاوة المعصية.(أعلام/1658)
وعن عمرو بن السرح: قلت لذي النون: كيف خلصت من المتوكل، وقد أمر بقتلك؟ قال: لما أوصلني الغلام، قلت في نفسي: يا من ليس في البحار قطرات، ولا في ديلج الرياح ديلجات، ولا في الأرض خبيئات، ولا في القلوب خطرات، إلا وهي عليك دليلات، ولك شاهدات، وبربوبيتك معترفات، وفي قدرتك متحيرات، فبالقدرة التي تجير بها من في الأرضين والسماوات إلا صليت على محمد وعلى آل محمد، وأخذت قلبه عني، فقام المتوكل يخطو حتى اعتنقني، ثم قال: أتعبناك يا أبا الفيض.
وقال يوسف بن الحسين: حضرت مع ذي النون مجلس المتوكل، وكان مولعا به، يفضله على الزهاد، فقال: صف لي أولياء الله. قال: يا أمير المؤمنين، هم قوم ألبسهم الله النور الساطع من محبته، وجللهم بالبهاء من إرادة كرامته، ووضع على مفارقهم تيجان مسرته. فذكر كلاما طويلا.
وقد استوفى ابن عساكر أحوال ذي النون في " تاريخه "، وأبو نعيم في " الحلية ". ومن كلامه: العارف لا يلتزم حالة واحدة ; بل يلتزم أمر ربه في الحالات كلها.
أرخ عبيد الله بن سعيد بن عفير وفاته، كما مر، في سنة خمس وأربعين ومائتين.
وأما حيان بن أحمد السهمي، فقال: مات بالجيزة، وعدي به إلى مصر في مركب خوفا من زحمة الناس على الجسر، لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة ست وأربعين ومائتين. وقال آخر: مات سنة ثمان وأربعين.
والأول أصح. وكان من أبناء التسعين.(أعلام/1659)
رافع بن خديج (ع)
ابن رافع بن عدي بن تزيد الأنصاري الخزرجي المدني، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.
استصغر يوم بدر، وشهد أحدا والمشاهد، وأصابه سهم يوم أحد، فانتزعه، فبقي النصل في لحمه إلى أن مات، وقيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أنا أشهد لك يوم القيامة. روى جماعة أحاديث. وكان صحراويا، عالما بالمزارعة والمساقاة.
حدث عنه: بشير بن يسار، وحنظلة بن قيس، والسائب بن يزيد، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، ونافع العمري، وابنه رفاعة بن رافع، وحفيده عباية بن رفاعة، وآخرون.
وقيل: إنه ممن شهد وقعة صفين مع علي.
قال خالد بن يزيد الهدادي - وهو ثقة -: أخبرنا بشر بن حرب قال: كنت في جنازة رافع بن خديج، ونسوة يبكين ويولولن على رافع، فقال ابن عمر: إن رافعا شيخ كبير لا طاقة له بعذاب الله، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الميت يعذب ببكاء أهله عليه شعبة: عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك، قال: رأيت ابن عمر أخذ بعمودي جنازة رافع بن خديج، فجعله على منكبه، يمشي بين يدي السرير، حتى انتهى إلى القبر، وقال: إن الميت يعذب ببكاء الحي.
قلت: كان رافع بن خديج ممن يفتي بالمدينة في زمن معاوية وبعده.
توفي في سنة أربع أو ثلاث وسبعين وله ست وثمانون سنة - رضي الله عنه - وله عدة بنين.
حماد بن زيد: عن بشر بن حرب، قال: لما مات رافع بن خديج، قيل لابن عمر: أخروه ليلته ليؤذنوا أهل القرى، قال: نعم ما رأيتم.
هشام بن سعد: عن عثمان بن عبيد الله بن رافع، قال: توفي رافع، فأتي بجنازته، وعلى المدينة رجل أعرابي زمن الفتنة، فأتي به قبل أن تطلع الشمس، فقال ابن عمر: لا تصلوا عليه حتى تطلع الشمس.
وروى الواقدي عن بعض ولد رافع بن خديج، عن بشير بن يسار، قال: مات رافع بن خديج في أول سنة أربع وسبعين وهو ابن ست وثمانين.(أعلام/1660)
ربعي بن حراش (ع)
ابن جحش بن عمرو، الإمام القدوة الولي الحافظ الحجة، أبو مريم الغطفاني ثم العبسي الكوفي المعمر، أخو العبد الصالح مسعود، الذي تكلم بعد الموت.
سمع من عمر بن الخطاب يوم الجابية وعلي بن أبي طالب، وأبي موسى الأشعري، وأبي مسعود البدري، وحذيفة بن اليمان، وأبي بكرة الثقفي، وعدة.
حدث عنه أبو مالك الأشجعي، ومنصور بن المعتمر، وعبد الملك بن عمير، وحصين بن عبد الرحمن، وآخرون.
عمران بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، قال: خطبنا عمر بالجابية.
وعن الكلبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى حراش بن جحش، فخرق كتابه.
قال محمد بن علي السلمي: رأيت ربعي بن حراش مر بعشار، ومعه مال، فوضعه على قربوس سرجه، ثم غطاه ومر.
قال الأصمعي: أتى رجل الحجاج فقال: إن ربعي بن حراش زعموا لا يكذب، وقد قدم ولداه عاصيين. قال: فبعث إليه الحجاج فقال: ما فعل ابناك؟ قال: هما في البيت، والله المستعان. فقال له الحجاج بن يوسف: هما لك. وأعجبه صدقه.
ورواها الثوري عن منصور، وزاد: قالوا: من ذكرت يا أبا سفيان؟ قال: ذكرت ربعيا ; وتدرون من ربعي؟ كان ربعي من أشجع، زعم قومه أنه لم يكذب قط.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: ربعي ثقة. وقال: ابن خراش صدوق.
البرجلاني: حدثنا محمد بن جعفر بن عون، أنبأنا بكر بن محمد العابد، عن الحارث الغنوي، قال: آلى ربعي بن حراش أن لا تفتر أسنانه ضاحكا حتى يعلم أين مصيره. قال الحارث: فأخبر الذي غسله أنه لم يزل متبسما على سريره ونحن نغسله، حتى فرغنا منه، رحمة الله عليه.
قال علي ابن المديني: بنو حراش ثلاثة: ربعي، وربيع، ومسعود.(أعلام/1661)
قال منصور بن المعتمر: سعي إلى الحجاج بأنك ضربت البعث على ابني ربعي فعصيا. فبعث إليه فإذا هو شيخ منحن، فقال: ما فعل ابناك؟ قال: هما في البيت. قال: فحمله وكساه وأوصى به خيرا.
أخبرنا إسحاق الصفار، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم اللبان، أنبأنا أبو علي، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أبو أحمد الغساني، حدثنا علي بن العباس البجلي، حدثنا جعفر بن محمد بن رياح الأشجعي، حدثنا أبي، عن عبيدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، قال: كنا أربعة إخوة، فكان الربيع أكثرنا صلاة وصياما في الهواجر، وإنه توفي، فبينا نحن حوله قد بعثنا من يبتاع له كفنا، إذ كشف الثوب عن وجهه فقال: السلام عليكم، فقال القوم: عليكم السلام يا أخا عيسى، أبعد الموت؟ ! قال: نعم، إني لقيت ربي بعدكم فلقيت ربا غير غضبان، واستقبلني بروح وريحان وإستبرق، ألا وإن أبا القاسم ينتظر الصلاة علي فعجلوني. ثم كان بمنزلة حصاة رمي بها في طست. فنمي الحديث إلى عائشة - رضي الله عنها - فقالت: أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يتكلم رجل من أمتي بعد الموت ".
قال أبو نعيم ورواه عن عبد الملك زيد بن أبي أنيسة، وإسماعيل بن أبي خالد، والثوري، وابن عيينة، وما رفعه سوى عبيدة.
وبه قال أبو نعيم حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، قال: مات أخ لنا، فسجيناه، فذهبت في التماس كفنه، فرجعت وقد كشف الثوب وهو يقول. . فذكر نحوه.
وفيه: وعدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يذهب حتى أدركه. قال: فما شبهت خروج نفسه إلا كحصاة ألقيت في ماء فرسبت. فذكر ذلك لعائشة، فقالت: قد كنا نتحدث أن رجلا من هذه الأمة يتكلم بعد الموت.(أعلام/1662)
قال هارون بن حاتم: حدثونا أن ربعيا توفي سنة إحدى وثمانين وقال خليفة بعد الجماجم سنة اثنتين وثمانين.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي ابن المديني، وغيرهما: مات في خلافة عمر بن عبد العزيز: وقال ابن نمير: توفي سنة إحدى ومائة. وقال أبو عبيد: سنة مائة وقال المدائني وابن معين: سنة أربع ومائة.(أعلام/1663)
ربيعة (ع)
بن أبي عبد الرحمن فروخ، الإمام، مفتي المدينة، وعالم الوقت أبو عثمان.
ويقال: أبو عبد الرحمن القرشي التيمي، مولاهم المشهور بربيعة الرأي، من موالي آل المنكدر.
روى عن أنس بن مالك، والسائب بن يزيد، وسعيد بن المسيب، والحارث بن بلال بن الحارث، ويزيد مولى المنبعث، وحنظلة بن قيس الزرقي، وعطاء بن يسار، والقاسم بن محمد، وسليمان بن يسار، وسالم بن عبد الله، وعبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعبد الرحمن الأعرج، وعدة.
وكان من أئمة الاجتهاد.
وعنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وسليمان التيمي، وسهيل بن أبي صالح، وهم من أقرانه. وإسماعيل بن أمية، والأوزاعي، وشعبة، وعقيل بن خالد، وعمرو بن الحارث، ومالك وعليه تفقه. وسفيان الثوري، وحماد بن سلمة، وفليح بن سليمان، والليث بن سعد، ومسعر، وعمارة بن غزية، ونافع القارئ، وإسماعيل بن جعفر، وأبو بكر بن عياش، وابن المبارك، وسفيان بن عيينة، وأنس بن عياض الليثي، وخلق سواهم.
محمد بن كثير المصيصي، عن ابن عيينة قال: بكى ربيعة يوما، فقيل: ما يبكيك؟ قال: رياء حاضر، وشهوة خفية. والناس عند علمائهم كصبيان في حجور أمهاتهم، إن أمروهم ائتمروا، وإن نهوهم، انتهوا؟ ! .
وروى ضمرة بن ربيعة، عن رجاء بن جميل قال: قال ربيعة: رأيت الرأي أهون علي من تبعة الحديث.
قال الأويسي: قال مالك: كان ربيعة يقول لابن شهاب: إن حالي ليست تشبه حالك. قال: وكيف؟ قال: أنا أقول برأي من شاء أخذه، ومن شاء تركه، وأنت تحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيحفظ.
قال أبو ضمرة: وقف ربيعة على قوم يتذاكرون القدر، فقال ما معناه: إن كنتم صادقين، فلما في أيديكم أعظم مما في يدي ربكم، إن كان الخير والشر بأيديكم.(أعلام/1664)
وقال أحمد بن عبد الله العجلي في تاريخه: حدثني أبي قال: قال ربيعة: وسئل كيف استوى؟ فقال: الكيف غير معقول، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق. وصح عن ربيعة، قال: العلم وسيلة إلى كل فضيلة.
قال مالك: قدم ربيعة على أمير المؤمنين، فأمر له بجارية، فأبى، فأعطاه خمسة آلاف ليشتري بها جارية، فأبى أن يقبلها.
وعن ابن وهب: أنفق ربيعة على إخوانه أربعين ألف دينار، ثم جعل يسأل إخوانه في إخوانه.
النسائي: حدثنا أحمد بن يحيى بن وزير، حدثنا الشافعي، حدثنا سفيان: كنا إذا رأينا طالبا للحديث يغشى ثلاثة، ضحكنا منه، ربيعة، ومحمد بن أبي بكر بن حزم، وجعفر بن محمد، لأنهم كانوا لا يتقنون الحديث.
روى مطرف عن ابن أخي ابن هرمز: رأيت ربيعة، جلد وحلق رأسه ولحيته. قال إبراهيم بن المنذر: كان سببه سعاية أبي الزناد به.
قال مطرف: سمعت مالكا يقول: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة.
قلت: وكان من أوعية العلم، وثقه أحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وجماعة.
وقال أحمد: أبو الزناد أعلم منه.
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، ثبت، أحد مفتي المدينة.
قال أبو داود: ربيعة وعمر مولى غفرة ابنا خالة.
وقال مصعب الزبيري: كان يقال له: ربيعة الرأي، وكان صاحب الفتوى بالمدينة، وكان يجلس إليه وجوه الناس. كان يحصى في مجلسه أربعون معتما. وعنه أخذ مالك بن أنس.
وروى الليث عن يحيى بن سعيد قال: ما رأيت أحدا أفطن من ربيعة بن أبي عبد الرحمن.
وروى الليث عن عبيد الله بن عمر قال: هو صاحب معضلاتنا، وعالمنا، وأفضلنا.(أعلام/1665)
ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: مكث ربيعة دهرا طويلا عابدا، يصلي الليل والنهار، صاحب عبادة، ثم نزع ذلك إلى أن جالس القوم، قال: فجالس القاسم، فنطق بلب وعقل. قال: وكان القاسم إذا سئل عن شيء، قال: سلوا هذا لربيعة، فإن كان في كتاب الله، أخبرهم به القاسم، أو في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلا قال: سلوا ربيعة أو سالما.
الحارث بن مسكين، عن ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: كان يحيى بن سعيد، يجالس ربيعة، فإذا غاب ربيعة، حدثهم يحيى أحسن الحديث. وكان كثير الحديث، فإذا حضر ربيعة، كف يحيى إجلالا لربيعة، وليس ربيعة أسن منه، وهو فيما هو فيه، وكان كل واحد منهما مبجلا لصاحبه.
وروى معاذ بن معاذ عن سوار بن عبد الله العنبري، قال: ما رأيت أحدا أعلم من ربيعة الرأي. قلت: ولا الحسن وابن سيرين؟ قال: ولا الحسن وابن سيرين.
ابن وهب عن عبد العزيز بن أبي سلمة، قال: لما جئت العراق جاءني أهل العراق، فقالوا: حدثنا عن ربيعة الرأي، فقلت: يا أهل العراق، تقولون ربيعة الرأي، والله ما رأيت أحدا أحفظ لسنة منه.
ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد، قال: صار ربيعة إلى فقه وفضل، وما كان بالمدينة رجل أسخى بما في يديه لصديق، أو لابن صديق، أو لباغ يبتغيه منه. كان يستصحبه القوم، فيأبى صحبة أحد، إلا أحدا لا يتزود معه، ولم يكن في يده ما يحمل ذلك.
ابن وهب عن مالك، قال: لما قدم ربيعة على أمير المؤمنين أبي العباس، أمر له بجائزة فأبى أن يقبلها. فأعطاه خمسة آلاف درهم يشتري بها جارية حين أبى أن يقبلها، فأبى أن يقبلها.
وحدثني مالك عن ربيعة قال: قال لي حين أراد العراق: إن سمعت أني حدثتهم، أو أفتيتهم فلا تعدني شيئا. قال: فكان كما قال. لما قدمها لزم بيته، فلم يخرج إليهم، ولم يحدثهم بشيء حتى رجع.(أعلام/1666)
قال أحمد بن عمران: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: دخلت المسجد، فإذا ربيعة جالس، وقد أحدق به غلمان أهل الرأي، فسألته: أسمعت من أنس شيئا؟ قال: حديثين.
قال أبو بكر الخطيب: كان ربيعة فقيها، عالما، حافظا للفقه والحديث. قدم على السفاح الأنبار، وكان أقدمه ليوليه القضاء. فيقال: إنه توفي بالأنبار، ويقال: بل توفي بالمدينة.
وقال ابن سعد: توفي سنة ست وثلاثين ومائة بالمدينة فيما أخبرني به الواقدي.
وقال يحيى بن معين وغيره: مات بالأنبار، وكان ثقة كثير الحديث، وكانوا يتقونه لموضع الرأي. وكذا أرخه جماعة.
قال مطرف بن عبد الله: سمعت مالكا يقول: ذهبت حلاوة الفقه، منذ مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن.(أعلام/1667)
ذكر حكاية باطلة قد رويت: فأنبأنا المسلم بن محمد، أنبأنا الكندي، أنبأنا القزاز، أنبأنا الخطيب، أنبأنا أبو القاسم الأزهري، أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان، أنبأنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي بمصر، حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، حدثني مشيخة أهل المدينة: أن فروخ والد ربيعة، خرج في البعوث إلى خراسان، أيام بني أمية غازيا، وربيعة حمل في بطن أمه، وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار، فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة، وهو راكب فرس، في يده رمح، فنزل عن فرسه، ثم دفع الباب برمحه، فخرج ربيعة، فقال: يا عدو الله، أتهجم على منزلي؟ فقال: لا. وقال فروخ: يا عدو الله أنت رجل دخلت على حرمتي، فتواثبا وتلبث كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران. فبلغ مالك بن أنس والمشيخة، فأتوا يعينون ربيعة، فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان، وجعل فروخ يقول كذلك، ويقول: وأنت مع امرأتي. وكثر الضجيج، فلما أبصروا بمالك، سكت الناس كلهم. فقال مالك: أيها الشيخ: لك سعة في غير هذه الدار، فقال الشيخ: هي داري. وأنا فروخ مولى بني فلان. فسمعت امرأته كلامه، فخرجت، فقالت: هذا زوجي.
وهذا ابني الذي خلفته، وأنا حامل به، فاعتنقا جميعا، وبكيا، فدخل فروخ المنزل وقال: هذا ابني؟ قالت: نعم. قال: فأخرجي المال الذي عندك. وهذه معي أربعة آلاف دينار. قالت: المال قد دفنته، وأنا أخرجه بعد أيام.
فخرج ربيعة إلى المسجد، وجلس في حلقته، وأتاه مالك بن أنس، والحسن بن زيد، وابن أبي علي اللهبي، والمساحقي، وأشراف أهل المدينة، وأحدق الناس به.(أعلام/1668)
فقالت امرأته: اخرج صل في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فخرج فصلى، فنظر إلى حلقة وافرة، فأتاه فوقف عليه، ففرجوا له قليلا، ونكس ربيعة رأسه، يوهمه أنه لم يره، وعليه طويلة، فشك فيه أبو عبد الرحمن، فقال: من هذا الرجل؟ قالوا له: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن. فقال: لقد رفع الله ابني. فرجع إلى منزله، فقال لوالدته: لقد رأيت ولدك في حالة، ما رأيت أحدا من أهل العلم والفقه عليها. فقالت أمه: فأيما أحب إليك: ثلاثون ألف دينار، أو هذا الذي هو فيه من الجاه؟ قال: لا والله إلا هذا. قالت: فإني قد أنفقت المال كله عليه، قال: فوالله ما ضيعته.
قلت: لو صح ذلك، لكان يكفيه ألف دينار في السبع والعشرين سنة، بل نصفها، فهذه مجازفة بعيدة. ثم لما كان ربيعة ابن سبع وعشرين سنة، كان شابا لا حلقة له، بل الدست لمثل سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، ومشايخ ربيعة. وكان مالك لم يولد بعد أو هو رضيع. والطويلة: إنما أخرجها للناس المنصور بعد موت ربيعة. والحسن بن زيد وإنما كبر واشتهر بعد ربيعة بدهر. وإسنادها منقطع. ولعله قد جرى بعض ذلك.
قرأت على أبي المعالي: أنبأنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا أبو هريرة محمد بن الليث اللبان، وزيد بن هبة الله البيع ببغداد، قالا: أنبأنا أبو القاسم أحمد بن المبارك بن عبد الباقي بن قفرجل، أنبأنا عاصم بن الحسن، أنبأنا عبد الواحد بن محمد، حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي إملاء، حدثنا أحمد بن إسماعيل، حدثنا مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن حنظلة بن قيس الزرقي، أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض فقال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كراء الأرض. فقلت: أبالذهب والورق؟ قال: أما الذهب والورق، فلا بأس به.
هذا حديث صحيح عال، أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن قتيبة، كلاهما عن مالك بن أنس.(أعلام/1669)
قال ابن القاسم، عن مالك: قدم الزهري فأخذ بيد ربيعة، ودخلا المنزل، فما خرجا إلى العصر، وخرج ابن شهاب يقول: ما ظننت أن بالمدينة مثل ربيعة. وخرج ربيعة وهو يقول نحو ذلك.
قال أحمد بن صالح: حدثنا عنبسة، عن يونس، شهدت أبا حنيفة في مجلس ربيعة، مجهوده أن يفهم ما يقول ربيعة.
مطرف بن عبد الله، عن ابن أخي يزيد بن هرمز، أن رجلا سأل ابن هرمز عن بول الحمار. فقال: نجس. قال: فإن ربيعة لا يرى به بأسا، قال: لا عليك ألا تذكر هنات ربيعة، فلربما تكلمنا في المسألة نخالفه فيها، ثم نرجع إلى قوله بعد سنة.
قال مالك: اعتممت وما في وجهي شعرة، ولقد رأيت في مجلس ربيعة بضعة وثلاثين معتما.
قال عبد العزيز بن الماجشون: والله ما رأيت أحوط لسنة من ربيعة.
وقال مالك: كان ربيعة أعجل شيء جوابا.(أعلام/1670)
رجاء بن حيوة (م، 4، خت)
ابن جرول وقيل: ابن جزل، وقيل: ابن جندل، الإمام، القدوة الوزير العادل، أبو نصر الكندي الأزدي، ويقال: الفلسطيني، الفقيه، من جلة التابعين، ولجده جرول بن الأحنف صحبة فيما قيل.
حدث رجاء عن معاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وطائفة. أرسل عن هؤلاء، وعن غيرهم.
وروى أيضا عن عبد الله بن عمرو، ومعاوية، وأبي سعيد الخدري، وجابر، وأبي أمامة الباهلي، ومحمود بن الربيع، وأم الدرداء، وعبد الملك بن مروان، وأبيه حيوة، وأبي إدريس، وخلق كثير.
حدث عنه مكحول، والزهري، وقتادة، وعبد الملك بن عمير، وإبراهيم بن أبي عبلة، وابن عون، وحميد الطويل، وأشعث بن أبي الشعثاء، ومحمد بن عجلان، ومحمد بن جحادة، وعروة بن رويم، ورجاء بن أبي سلمة، وثور بن يزيد، وآخرون.
قال ابن سعد كان ثقة، عالما، فاضلا، كثير العلم.
وقال النسائي وغيره: ثقة.
قال مكحول: ما زلت مضطلعا على من ناوأني حتى عاونهم علي رجاء بن حيوة ; وذلك أنه كان سيد أهل الشام في أنفسهم.
قلت: كان ما بينهما فاسدا، وما زال الأقران ينال بعضهم من بعض، ومكحول ورجاء إمامان، فلا يلتفت إلى قول أحد منهما في الآخر.
قال يعقوب الفسوي كان رجاء قدم الكوفة مع بشر بن مروان، فسمع منه أبو إسحاق وقتادة.
ابن شوذب، عن مطر الوراق، قال: ما رأيت شاميا أفضل من رجاء بن حيوة.
وقال ضمرة، عن رجاء بن أبي سلمة: ما من رجل من أهل الشام أحب إلي أن أقتدي به من رجاء بن حيوة.
ويروى عن رجاء بن حيوة، قال: من لم يؤاخ إلا من لا عيب فيه قل صديقه، ومن لم يرض من صديقه إلا بالإخلاص له دام سخطه، ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه.
قال ربيعة بن يزيد القصير: وقف عبد الملك بن مروان في قراءته، فقال لرجاء بن حيوة: ألا فتحت علي.(أعلام/1671)
وكان عبد الله بن عون إذا ذكر من يعجبه، ذكر رجاء بن حيوة قال الأصمعي: سمعت ابن عون يقول: رأيت ثلاثة ما رأيت مثلهم: محمد بن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجاز، ورجاء بن حيوة بالشام.
الأنصاري، عن ابن عون، قال: كان إبراهيم والشعبي والحسن، يأتون بالحديث على المعاني، وكان القاسم وابن سيرين ورجاء يعيدون الحديث على حروفه.
ضمرة، عن رجاء بن أبي سلمة، قال: كان يزيد بن عبد الملك يجري على رجاء بن حيوة ثلاثين دينارا في كل شهر، فلما ولي هشام الخلافة قال: ما هذا برأي. فقطعها، فرأى هشام أباه في النوم، فعاتبه في ذلك، فأجراها.
قلت: كان في نفس هشام [منه شيء] لكونه عمل على تأخير وقت وفاة أخيه سليمان، وعقد الخلافة لابن عمه عمر بن عبد العزيز.
قال رجاء بن أبي سلمة: نظر رجاء بن حيوة إلى رجل ينعس بعد الصبح فقال: انتبه ; لا يظنون أن ذا عن سهر.
عبد الله بن بكر السهمي: حدثنا محمد بن ذكوان، عن رجاء بن حيوة، قال: كنت واقفا على باب سليمان إذ أتاني آت لم أره قبل ولا بعد، فقال: يا رجاء، إنك قد ابتليت بهذا وابتلي بك، وفي قربه الوتغ فعليك بالمعروف وعون الضعيف، يا رجاء، من كانت له منزلة من سلطان، فرفع حاجة ضعيف لا يستطيع رفعها، لقي الله وقد شد قدميه للحساب بين يديه.
قلت: كان رجاء كبير المنزلة عند سليمان بن عبد الملك، وعند عمر بن عبد العزيز، وأجرى الله على يديه الخيرات، ثم إنه بعد ذلك أخر، فأقبل على شأنه.
فعن ابن عون، قال: قيل لرجاء: إنك كنت تأتي السلطان فتركتهم! فقال: يكفيني الذي أدعهم له.(أعلام/1672)
وروى ضمرة، عن إبراهيم بن أبي عبلة، قال: كنا نجلس إلى عطاء الخراساني، فكان يدعو بعد الصبح بدعوات، فغاب فتكلم رجل من المؤذنين، فأنكر رجاء بن حيوة صوته، فقال: من هذا؟ قال: أنا يا أبا المقدام. قال: اسكت ; فإنا نكره أن نسمع الخير إلا من أهله.
قال صفوان بن صالح: حدثنا عبد الله بن كثير الدمشقي القارئ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: كنا مع رجاء بن حيوة، فتذاكرنا شكر النعم، فقال: ما أحد يقوم بشكر نعمة، وخلفنا رجل على رأسه كساء، فقال: ولا أمير المؤمنين؟ فقلنا: وما ذكر أمير المؤمنين هنا! وإنما هو رجل من الناس. قال: فغفلنا عنه، فالتفت رجاء فلم يره، فقال: أتيتم من صاحب الكساء، فإن دعيتم فاستحلفتم فاحلفوا. قال: فما علمنا إلا بحرسي قد أقبل عليه، قال: هيه يا رجاء، يذكر أمير المؤمنين، فلا تحتج له؟ ! قال: فقلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: ذكرتم شكر النعم، فقلتم: ما أحد يقوم بشكر نعمة، قيل لكم: ولا أمير المؤمنين، فقلت: أمير المؤمنين رجل من الناس! فقلت: لم يكن ذلك. قال: آلله؟ قلت: آلله.
قال: فأمر بذلك الرجل الساعي، فضرب سبعين سوطا، فخرجت وهو متلوث بدمه فقال: هذا وأنت رجاء بن حيوة. قلت: سبعين سوطا في ظهرك خير من دم مؤمن. قال ابن جابر: فكان رجاء بن حيوة بعد ذلك إذا جلس في مجلس يقول ويتلفت: احذروا صاحب الكساء.
قال مسلمة بن عبد الملك أمير السرايا: برجاء بن حيوة وبأمثاله ننصر.
قال يحيى بن معين: أدرك رجاء بن حيوة معاوية، ومات في أول إمرة هشام.
وقال أبو عبيد، وخليفة بن خياط مات سنة اثنتي عشرة ومائة.(أعلام/1673)
روح بن عبادة (ع)
ابن العلاء بن حسان بن عمرو، الحافظ الصدوق، الإمام أبو محمد القيسي البصري، من قيس بن ثعلبة.
حدث عن ابن عون، وهشام بن حسان، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وعوف الأعرابي، وحسين المعلم، وأسامة بن زيد المدني، وإسماعيل بن مسلم العبدي، وأيمن بن نابل، وزكريا بن إسحاق، وعباد بن إسحاق، وابن جريج، وعبيد الله بن الأخنس، وعلي بن سويد بن منجوف، وعمر بن سعيد بن أبي حسين، ومحمد بن أبي حفصة، وموسى بن عبيدة، وسعيد بن أبي عروبة، وحبيب بن الشهيد، وحجاج الصواف، وحاتم بن أبي صغيرة، وحماد بن سلمة، وسفيان، وشعبة وابن أبي ذئب، ومالك، وخلق كثير، وينزل إلى سفيان بن عيينة ونحوه.
وكان من كبار المحدثين.
حدث عنه علي وأحمد وإسحاق، وابن نمير، وبندار، وأحمد بن سعيد الرباطي، وزهير بن محمد المروزي، وأبو إسحاق الجوزجاني، وعبد بن حميد، وعلي بن حرب، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة، وأبو بكر الصاغاني، وأبو قلابة الرقاشي، وأحمد بن عبيد الله النرسي، ومحمد بن أحمد بن أبي العوام، ويحيى بن أبي طالب، وإسحاق الكوسج، ويعقوب بن شيبة، والحارث بن أبي أسامة، ومحمد بن يونس الكديمي، وبشر بن موسى، وخلق كثير.
قال الكديمي: سمعت علي بن المديني يقول: نظرت لروح بن عبادة في أكثر من مائة ألف حديث، كتبت منها عشرة آلاف.
وقال يعقوب بن شيبة: روح كان أحد من يتحمل الحمالات وكان سريا مريا، كثير الحديث جدا، صدوقا، سمعت عليا يقول: من المحدثين قوم لم يزالوا في الحديث، لم يشغلوا عنه، نشئوا، فطلبوا، ثم صنفوا، ثم حدثوا، منهم روح بن عبادة.(أعلام/1674)
قال يعقوب: وحدثني محمد بن عمر: سألت يحيى بن معين عن روح، فقال: صدوق ليس به بأس، حديثه يدل على صدقه، يحدث عن ابن عون، ثم يحدث عن حماد بن زيد، عن ابن عون، فقلت ليحيى: زعموا أن يحيى القطان كان يتكلم فيه، فقال: باطل، ما تكلم فيه بشيء، وهو صدوق.
قال يعقوب: وسمعت علي بن المديني فذكر هذه القصة، فلم أضبطها عنه، فحدثني عبد الرحمن بن محمد: سمعت عليا قال: كانوا يقولون: إن يحيى بن سعيد يتكلم في روح، فإني لعند يحيى، إذ جاءه روح، فسأله عن شيء من حديث أشعث، فلما قام، قلت ليحيى: أما تعرف هذا؟ قال: لا، قلت: هذا روح بن عبادة، كأنه كان يعرفه، ولكن لم يجمع بين اسمه وصفته، قال: فقال: هذا روح؟ ما زلت أعرفه يطلب الحديث ويكتبه، قال علي: ولكن كان عبد الرحمن بن مهدي، يطعن على روح، وينكر عليه أحاديث ابن أبي ذئب عن الزهري هذه المسائل، فقال لي معن: وما يصنع بها، هي عند بصري لكم كان عندنا هاهنا حين قرأ علينا ابن أبي ذئب هذا الكتاب، قال علي: فأتيت عبد الرحمن، فأخبرته، فأحسبه قال: استحله لي.
وقال يعقوب بن شيبة: قال محمد بن عمر: قال يحيى بن معين: هذا القواريري يحدث عن عشرين من الكذابين، ويقول: لا أحدث عن روح بن عبادة.
قال يعقوب: وسمعت عفان بن مسلم لا يرضى أمر روح بن عبادة.
وحدثني محمد بن عمر أنه سمع عفان ; وذكر روح بن عبادة، فقال: هو أحسن حديثا عندي من خالد بن الحارث، وأحسن حديثا من يزيد بن زريع، فلم تركناه؟ - يعني كأنه يطعن عليه - فقال له أبو خيثمة: ليس هذا بحجة، كل من تركته أنت ينبغي أن يترك، أما روح بن عبادة، فقد جاز حديثه، الشأن فيمن بقي.
قال يعقوب: وأحسب أن عفان لو كان عنده حجة مما يسقط بها روح بن عبادة لاحتج بها في ذلك الوقت.(أعلام/1675)
أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: كان القواريري لا يحدث عن روح، وأكثر ما أنكر عليه تسعمائة حديث حدث بها عن مالك سماعا.
قال أبو داود: وسمعت الحلواني يقول: أول من أظهر كتابه روح بن عبادة وأبو أسامة، قال عقيب هذا أبو بكر الخطيب يعني أنهما رويا ما خولفا فيه! فأظهرا كتبهما حجة لهما على مخالفيهما، إذ روايتهما عن حفظهما موافقة لما في كتبهما، قال: وروح كان بصريا، قدم بغداد، وحدث بها مدة طويلة، ثم انصرف إلى البصرة، فمات بها وكان كثير الحديث، صنف الكتب في السنن والأحكام، وجمع التفسير، وكان ثقة.
وقال أحمد بن الفرات: طعن على روح بن عبادة اثنا عشر أو ثلاثة عشر، فلم ينفذ قولهم فيه.
قال علي بن المديني: ذكر عبد الرحمن بن مهدي روح بن عبادة، فقلت: لا تفعل، فإن هنا قوما يحملون كلامك، فقال: أستغفر الله، ثم دخل، فتوضأ - يذهب إلى أن الغيبة تنقض الوضوء.
وقيل: إن عبد الرحمن تكلم فيه: وهم في إسناد حديث.
وهذا تعنت، وقلة إنصاف في حق حافظ قد روى ألوفا كثيرة من الحديث، فوهم في إسناد، فروح لو أخطأ في عدة أحاديث في سعة علمه، لاغتفر له ذلك أسوة نظرائه، ولسنا نقول: إن رتبة روح في الحفظ والإتقان كرتبة يحيى القطان، بل ما هو بدون عبد الرزاق، ولا أبي النضر.
وقد روى الكناني عن أبي حاتم الرازي قال: روح لا يحتج به.
وقال النسائي في " الكنى " وفي أثناء كتاب العتق: ليس بالقوي.
قال خليفة ومطين: مات سنة خمس ومائتين. زاد غيرهما فقال: في جمادى الأولى. ووهم الكديمي، فقال: مات سنة سبع.(أعلام/1676)
أخبرنا عبد الرحمن بن قدامة الفقيه وجماعة إذنا قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن الحصين، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا أحمد بن عبيد الله النرسي، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا عثمان بن غياث، حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يمر الناس على جسر جهنم، وعليه خطاطيف وحسك وكلاليب، تخطف الناس، وبجنبتيه ملائكة يقولون: اللهم سلم سلم، فمن الناس من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل الريح، ومنهم من يمر مثل الفرس المجرى، ومنهم من يسعى سعيا، ومنهم من يحبو حبوا، ومنهم من يزحف زحفا، فأما أهل النار الذين هم أهلها، فلا يموتون، ولا يحيون، وأما أناس يؤخذون بذنوب وخطايا، فيحترقون، ثم يؤذن في الشفاعة. . . الحديث.
أخرجه النسائي من حديث خالد الطحان، عن عثمان بن غياث أحد الثقات.
ابن أبي عاصم في كتاب " اللباس ": حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا شعبة، عن الشيباني، عن عبد الله بن شداد، عن ميمونة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الخمرة، وفيها تصاوير.
رواه البخاري دون: " وفيها تصاوير ".(أعلام/1677)
رويفع بن ثابت (د، ت، س)
الأنصاري النجاري المدني ثم المصري، الأمير، له صحبة ورواية. حدث عنه: بسر بن عبيد الله، وحنش الصنعاني، وزياد بن عبيد الله، وأبو الخير مرثد اليزني، ووفاء بن شريح، وآخرون. نزل مصر واختط بها. وولي طرابلس المغرب لمعاوية في سنة ست وأربعين، فغزا إفريقية في سنة سبع، ودخلها ثم انصرف. قال أحمد بن البرقي: توفي رويفع ببرقة وهو أمير عليها، وقد رأيت قبره بها.
وقال أبو سعيد بن يونس: توفي ببرقة أميرا عليها لمسلمة بن مخلد في سنة ست وخمسين قال: وقبره معروف إلى اليوم - رضي الله عنه. وأول ما غزيت إفريقية في سنة سبع وعشرين، وكان على البربر جرجير في مائتي ألف. ابن لهيعة، عن أبي الأسود، حدثني أبو إدريس: أنه غزا مع عبد الله بن سعد إفريقية، فافتتحها، فأصاب كل إنسان ألف دينار.(أعلام/1678)
زاج
الإمام المحدث الثقة، أبو صالح، أحمد بن منصور بن راشد، المروزي، زاج.
عن: النضر بن شميل، وعمر بن يونس، وحسين الجعفي، وروح، وعدة.
وعنه: ابن خزيمة، وابن صاعد، ومحمد بن مخلد، والمحاملي، وآخرون، ومسلم في غير " الصحيح ".
قال: أبو حاتم: صدوق.
قلت: توفي سنة سبع وخمسين ومائتين.(أعلام/1679)
زر بن حبيش (ع)
ابن حباشة بن أوس، الإمام القدوة، مقرئ الكوفة مع السلمي، أبو مريم الأسد الكوفي، ويكنى أيضا أبا مطرف، أدرك أيام الجاهلية.
وحدث عن عمر بن الخطاب، وأبي بن كعب، وعثمان، وعلي، وعبد الله، وعمار، والعباس، وعبد الرحمن بن عوف، وحذيفة بن اليمان، وصفوان بن عسال، وقرأ على ابن مسعود وعلي.
وتصدر للإقراء، فقرأ عليه يحيى بن وثاب، وعاصم بن بهدلة، وأبو إسحاق، والأعمش، وغيرهم.
وحدثوا عنه، هم والمنهال بن عمرو، وعبدة بن أبي لبابة، وعدي بن ثابت، وأبو إسحاق الشيباني، وأبو بردة بن أبي موسى، وإسماعيل بن أبي خالد، وآخرون.
قال ابن سعد كان ثقة، كثير الحديث.
وقال عاصم: كان زر من أعرب الناس، كان ابن مسعود يسأله عن العربية.
وقال همام: حدثنا عاصم عن زر، قال: وفدت إلى المدينة في خلافة عثمان ; وإنما حملني على ذلك الحرص على لقي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلقيت صفوان بن عسال، فقلت له: هل رأيت رسول الله؟ قال: نعم، وغزوت معه ثنتي عشرة غزوة.
شيبان النحوي: عن عاصم، عن زر، قال: خرجت في وفد من أهل الكوفة، وايم الله، إن حرضني على الوفادة إلا لقي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قدمت المدينة، أتيت أبي بن كعب، وعبد الرحمن بن عوف، فكانا جليسي وصاحبي، فقال أبي: يا زر، ما تريد أن تدع من القرآن آية إلا سألتني عنها؟ .
شعبة: عن عاصم، عن زر، قال: كنت بالمدينة في يوم عيد، فإذا عمر -رضي الله عنه- ضخم أصلع، كأنه على دابة مشرف.
حماد بن زيد: عن عاصم، عن زر، قال: لزمت عبد الرحمن بن عوف وأبيا. ثم قال عاصم: أدركت أقواما كانوا يتخذون هذا الليل جملا، يلبسون المعصفر، ويشربون نبيذ الجر، لا يرون به بأسا، منهم زر وأبو وائل.(أعلام/1680)
قال أبو بكر بن عياش عن عاصم: كان أبو وائل عثمانيا، وكان زر بن حبيش علويا، وما رأيت واحدا منهما قط تكلم في صاحبه حتى ماتا، وكان زر أكبر من أبي وائل، فكانا إذا جلسا جميعا، لم يحدث أبو وائل مع زر - يعني: يتأدب معه لسنه.
قال إسماعيل بن أبي خالد: رأيت زر بن حبيش وإن لحييه ليضطربان من الكبر، وقد أتى عليه عشرون ومائة سنة.
وعن عاصم قال: ما رأيت أحدا أقرأ من زر.
قال أبو عبيد: مات زر سنة إحدى وثمانين.
قال خليفة والفلاس: مات سنة اثنتين وثمانين.
قال إسحاق الكوسج عن يحيى بن معين: زر ثقة.
وقال لنا الحافظ أبو الحجاج في " تهذيبه " زر بن حبيش بن حباشة بن أوس بن بلال -وقيل: هلال بدل بلال- ابن سعد بن حبال بن نصر بن غاضرة بن مالك بن ثعلبة بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي، مخضرم أدرك الجاهلية.
وروى عن. . . فسمى المذكورين، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي ذر، وعائشة، وعن أبي وائل، وهو من أقرانه.
روى عنه بسرد المذكورين، وإبراهيم النخعي، وحبيب بن أبي ثابت، وزبيد اليامي، وطلحة بن مصرف، وشمر بن عطية، والشعبي، وعبد الرحمن بن مرزوق الدمشقي، وعثمان بن الجهم، وعلقمة بن مرثد، وعيسى بن عاصم الأسدي، وعيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو رزين مسعود بن مالك.
شيبان: عن عاصم، عن زر، قلت لأبي: يا أبا المنذر، اخفض لي جناحك; فإنما أتمتع منك تمتعا.
محمد بن طلحة: عن الأعمش قال: أدركت أشياخنا زرا وأبا وائل، فمنهم من عثمان أحب إليه من علي، ومنهم من علي أحب إليه من عثمان. وكانوا أشد شيء تحابا وتوادا.
قيس بن الربيع: عن عاصم، قال: مر رجل على زر وهو يؤذن، فقال: يا أبا مريم قد كنت أكرمك عن ذا. قال: إذا لا أكلمك كلمة حتى تلحق بالله.(أعلام/1681)
ابن عيينة: عن إسماعيل، قلت لزر: كم أتى عليك؟ قال: أنا ابن مائة وعشرين سنة. وقال هشيم: بلغ زر مائة واثنتين وعشرين سنة. وقال الهيثم: مات قبل الجماجم. وقال أبو نعيم: مات ابن سبع وعشرين ومائة.
وروى زكريا بن حكيم الحبطي عن الشعبي: أن زرا كتب إلى عبد الملك بن مروان كتابا يعظه.(أعلام/1682)
زفر بن الهذيل
العنبري، الفقيه المجتهد الرباني، العلامة أبو الهذيل بن الهذيل بن قيس بن سلم.
قال أبو نعيم الحافظ: كان أبوه بأصبهان في دولة يزيد بن الوليد، فكان له ثلاثة أولاد: زفر، وهرثمة، وكوثر.
قلت: ولد سنة عشر ومائة وحدث عن الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وأبي حنيفة، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطاة، وطبقتهم.
حدث عنه حسان بن إبراهيم الكرماني، وأكثم بن محمد والد يحيى بن أكثم، وعبد الواحد بن زياد، وأبو نعيم الملائي والنعمان بن عبد السلام التيمي، والحكم بن أيوب، ومالك بن فديك، وعامتهم من رفقائه وأقرانه، لأنه مات قبل أوان الرواية.
قال أبو نعيم الملائي: كان ثقة مأمونا، وقع إلى البصرة في ميراث له من أخته، فتشبث به أهل البصرة، فلم يتركوه يخرج من عندهم.
وذكره يحيى بن معين، فقال: ثقة مأمون.
قلت: هو من بحور الفقه، وأذكياء الوقت. تفقه بأبي حنيفة، وهو أكبر تلامذته، وكان ممن جمع بين العلم والعمل، وكان يدري الحديث ويتقنه.
قال علي بن مدرك، عن الحسن بن زياد الفقيه، قال: كان زفر، وداود الطائي متواخيين، فأما داود فترك الفقه وأقبل على العبادة، وأما زفر فجمعهما.
وقال الحسن بن زياد اللؤلئي: ما رأيت فقيها يناظر زفر إلا رحمته.
وقال أبو نعيم: كنت أمر على زفر، فيقول: تعال حتى أغربل لك ما سمعت.
قال أبو عاصم النبيل: قال زفر: من قعد قبل وقته، ذل.
قال أبو نعيم: كنت أعرض الأحاديث على زفر، فيقول: هذا ناسخ، هذا منسوخ، هذا يؤخذ به، هذا يرفض.
قلت: كان هذا الإمام منصفا في البحث متبعا.(أعلام/1683)
قال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: لقيت زفر - رحمه الله - فقلت له: صرتم حديثا في الناس وضحكة. قال: وما ذاك؟ قلت: تقولون: ادرءوا الحدود بالشبهات ثم جئتم إلى أعظم الحدود، فقلتم: تقام بالشبهات. قال: وما هو؟ قلت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يقتل مسلم بكافر فقلتم: يقتل به - يعني بالذمي -. قال: فإني أشهدك الساعة أني قد رجعت عنه.
قلت: هكذا يكون العالم وقافا مع النص.
قال ابن سعد مات زفر سنة ثمان وخمسين ومائة ولم يكن في الحديث بشيء.
قلت: قد حكم له إمام الصنعة بأنه ثقة مأمون.(أعلام/1684)
زياد بن أيوب (م)
ابن زياد، الإمام المتقن الحافظ الكبير شعبة الصغير، أبو هاشم الطوسي، ثم البغدادي، ويلقب أيضا: دلويه.
ولد سنة ست وستين ومائة.
وسمع هشيم بن بشير، وأبا بكر بن عياش، وزياد بن عبد الله البكائي، ومعتمر بن سليمان، وعباد بن العوام، وعبد الله بن إدريس، وإسماعيل ابن علية، وعلي بن غراب، ومروان بن شجاع، وطبقتهم. ورحل وجمع وألف، وطال عمره.
حدث عنه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وأبو القاسم البغوي، وابنه أحمد بن عبد الله، وأحمد بن علي الجوزجاني، وعمر بن بجير، وابن خزيمة، وأبو بكر بن أبي داود، ومحمد بن المسيب الأرغياني، وأبو العباس السراج، ويحيى بن صاعد، والقاضي المحاملي، وعدد سواهم. وقد حدث عنه رفيقه أحمد بن حنبل.
قال إبراهيم بن أورمة: ليس على بسيط الأرض أحد أوثق من زياد بن أيوب.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال أبو بكر المروذي: قال لنا أبو عبد الله: اكتبوا عن زياد، فإنه شعبة الصغير.
وقال أبو العباس السراج: سمعته يقول: مولدي سنة ست وستين ومائة وطلبت الحديث في سنة إحدى وثمانين [ومائة] .
قالوا: توفي زياد بن أيوب في ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين ومائتين.(أعلام/1685)
قلت: تقع عواليه في " المحامليات ". قرأت على عبد الخالق بن عبد السلام القاضي ببعلبك: أخبركم الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد سنة إحدى عشرة وستمائة، أخبرنا أحمد بن عبد الغني الباجسرائي، أخبرنا نصر بن أحمد القاري، أخبرنا عبد الله بن عبيد الله، حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي إملاء، حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا هشيم، حدثنا يعلى بن عطاء، أخبرنا عمارة بن حديد، عن صخر الغامدي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم بارك لأمتي في بكورها وكان إذا بعث سرية، أو جيشا، بعثهم من أول النهار. وكان صخر رجلا تاجرا، وكان يبعث تجارته من أول النهار، فأثرى وكثر ماله. هذا حديث حسن غريب، قاله الترمذي، فأخرجه هو عن يعقوب بن إبراهيم، وأبو داود عن سعيد بن منصور، والقزويني عن أبي بكر بن أبي شيبة، جميعا عن هشيم. ورواه النسائي نازلا عن الفلاس، عن خالد، عن شعبة، عن يعلى.
ومات معه عام اثنين محمد بن المثنى، وبندار، ويعقوب الدورقي، ومحمد بن منصور الجواز، وعبد الوارث بن عبد الصمد التنوري، وأحمد بن عبد الله بن منجوف، والمستعين قتلوه، وإسحاق بن بهلول، والأمير أشناس، وخلق.(أعلام/1686)
زياد بن سعد (ع)
الإمام الحافظ، الحجة أبو عبد الرحمن الخراساني، المجاور بمكة، وكان شريكا لابن جريج، ثم نزل قرية عك من بلاد اليمن. وحدث عن: عمرو بن دينار، وابن شهاب، وعمرو بن مسلم الجندي، وغيرهم.
روى عنه رفاقه: ابن جريج، ومالك، وسفيان بن عيينة، وأبو معاوية الضرير، وآخرون، وثقه النسائي وغيره.
قال سفيان بن عيينة: كان عالما بحديث الزهري.
وقال النسائي: ثقة ثبت.
قلت: مات كهلا، وموته قريب من موت ابن جريج.(أعلام/1687)
زياد بن علاقة (ع)
ابن مالك أبو مالك الثعلبي الكوفي، من الثقات المعمرين. يقال: إنه أدرك ابن مسعود.
وقد حدث عن عمه قطبة بن مالك، وجرير بن عبد الله البجلي، والمغيرة بن شعبة، وأسامة بن شريك، وعمرو بن ميمون الأودي، وجماعة. حدث عنه شعبة، وسفيان الثوري، وشيبان النحوي، وزائدة، وزهير بن معاوية، وإسرائيل، وأبو عوانة، وأبو الأحوص، وسفيان بن عيينة وطائفة، وهو أكبر شيخ لابن عيينة.
قال ليث بن أبي سليم: أدرك ابن مسعود، وقال النسائي وغيره: ثقة.
قال أبو حاتم: صدوق. قيل: مات سنة خمس وعشرين ومائة، وقيل: مات بعد ذلك بيسير. قلت: أحسبه جاوز المائة، وقع لي حديثه عاليا. قرأت على علي بن عيسى المعدل، أخبركم محمد بن إبراهيم الفارسي أنبأنا أحمد بن محمد، أنبأنا أبو عبد الله الثقفي، أنبأنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا إسماعيل الصفار، حدثنا سعدان، حدثنا ابن عيينة، عن زياد بن علاقة سمع أسامة بن شريك يقول: شهدت الأعراب يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل علينا من جناح في كذا وكذا؟ . فقال: عباد الله! وضع الله الحرج إلا امرءا اقترض من عرض أخيه شيئا، فذاك الذي حرج. قالوا: يا رسول الله، ما خير ما أعطي العبد؟ قال: خلق حسن.(أعلام/1688)
زيد بن أرقم (ع)
ابن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، أبو عمرو، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو سعد، ويقال: أبو أنيسة، الأنصاري الخزرجي، نزيل الكوفة، من مشاهير الصحابة.
شهد غزوة مؤتة وغيرها. وله عدة أحاديث.
حدث عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عمرو الشيباني وطاوس، والنضر بن أنس، ويزيد بن حيان التيمي، وأبو إسحاق الشيباني. وعطاء بن أبي رباح وعدة.
قال ابن إسحاق: أنبأنا عبد الله بن أبي بكر، عن بعض قومه، عن زيد بن أرقم، قال: كنت يتيما في حجر ابن رواحة، فخرج بي معه إلى مؤتة مردفي على حقيبة رحله.
وعن عروة قال: رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفرا يوم أحد استصغرهم، منهم: أسامة، وابن عمر، والبراء، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وجعلهم حرسا للذرية.
يونس بن أبي إسحاق: عن أبيه: قال زيد بن أرقم: رمدت، فعادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أرأيت يا زيد إن كانت عيناك لما بهما، كيف تصنع؟ قلت: أصبر وأحتسب. قال: إن فعلت دخلت الجنة وفي لفظ: إذا تلقى الله ولا ذنب لك.
وفي " مسند أبي يعلى " من طريق أنيسة أن أباها زيد بن أرقم عمي بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رد الله عليه بصره.
قال أبو المنهال: سألت البراء عن الصرف، فقال: سل زيد بن أرقم ; فإنه خير مني وأعلم.(أعلام/1689)
أبو إسحاق: عن زيد بن أرقم: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، فسمعت عبد الله بن أبي ابن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من عنده ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فحدثت به عمي، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فدعاني رسول الله، فأخبرته، فبعث إلى عبد الله بن أبي وأصحابه، فجاءوا، فحلفوا بالله ما قالوا، فصدقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذبني، فدخلني من ذلك هم، وقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله، ومقتك، فأنزل الله إذا جاءك المنافقون فدعاهم رسول الله، فقرأها عليهم، ثم قال: إن الله قد صدقك يا زيد.
وروى شعبة، عن الحكم، عن محمد بن كعب القرظي، عن زيد بن أرقم نحوا منه.
قال المدائني وخليفة: توفي زيد بن أرقم سنة ست وستين.
وقال الواقدي وإبراهيم بن المنذر الحزامي: مات بالكوفة سنة ثمان وستين.
وقد طول ترجمته أبو القاسم ابن عساكر.(أعلام/1690)
زيد بن أسلم (ع)
الإمام الحجة القدوة أبو عبد الله العدوي العمري المدني الفقيه حدث عن والده أسلم مولى عمر، وعن عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، وأنس بن مالك، وعن عطاء بن يسار، وعلي بن الحسين، وابن المسيب وخلق.
حدث عنه مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وهشام بن سعد، وسفيان بن عيينة، وعبد العزيز الدراوردي، وأولاده أسامة، وعبد الله، وعبد الرحمن بنو زيد، وخلق كثير. وكان له حلقة للعلم في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال أبو حازم الأعرج: لقد رأيتنا في مجلس زيد بن أسلم أربعين فقيها أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا، وما رأيت في مجلسه متماريين ولا متنازعين في حديث لا ينفعنا. وكان أبو حازم، يقول: لا أراني الله يوم زيد بن أسلم، إنه لم يبق أحد أرضى لديني ونفسي منه. قال: فأتاه نعي زيد بن أسلم، فعقر فما شهده.
وقال البخاري: كان علي بن الحسين يجلس إلى زيد بن أسلم فكلم في ذلك، فقال: إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه.
قلت: لزيد تفسير رواه عنه ابنه عبد الرحمن، وكان من العلماء العاملين. أرخ ابنه وفاته في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة ظهر لزيد من المسند أكثر من مائتي حديث.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أنبأنا ابن قدامة، أنبأنا ابن البطي، أنبأنا أبو بكر الطريثيثي، حدثنا هبة الله اللالكائي، أنبأنا محمد بن عبد الله بن القاسم، حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب، حدثني يعقوب بن شيبة، أنبأنا الحارث بن مسكين، أنبأنا ابن وهب، وابن القاسم، قالا: قال مالك: استعمل زيد بن أسلم على معدن بني سليم، وكان معذرا لا يزال يصاب فيه الناس من قبل الجن. فلما وليهم شكوا ذلك إليه، فأمرهم بالأذان أن يؤذنوا ويرفعوا أصواتهم، ففعلوا، فارتفع عنهم ذلك حتى اليوم. قال مالك: أعجبني ذلك من مشورة زيد بن أسلم.(أعلام/1691)
زيد بن الحباب
ابن الريان، وقيل: ابن رومان، الإمام الحافظ الثقة الرباني، أبو الحسين العكلي الخراساني، ثم الكوفي الزاهد، والحباب - في اللغة - هو نوع من الأفاعي.
ولد في حدود الثلاثين ومائة.
وروى عن أسامة بن زيد الليثي، وأسامة بن زيد بن أسلم العمري، وأيمن بن نابل، وسيف بن سليمان، وعكرمة بن عمار، والضحاك بن عثمان الحزامي، ومعاوية بن صالح الحمصي، وقرة بن خالد، ومالك بن مغول، وموسى بن علي بن رباح، والحسين بن واقد المروزي، وسفيان الثوري، ويحيى بن أيوب، وموسى بن عبيدة، وخلق كثير.
وجال في طلب العلم من مرو الشاهجان وإلى مصر حتى قيل: إنه دخل إلى الأندلس.
حدث عنه أحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، ومحمد بن رافع، وأبو إسحاق الجوزجاني، والحسن بن علي الحلواني، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو كريب محمد بن العلاء، وسلمة بن شبيب، وأحمد بن سليمان الرهاوي، ويحيى بن أبي طالب وعدد كثير، حتى إن يزيد بن هارون مع تقدمه قد روى عنه.
وثقه علي بن المديني وغيره.
وقال بعض الحفاظ: هو صالح الحديث، لا بأس به.
وقال أحمد بن حنبل: صاحب حديث كيس، قد رحل إلى مصر وخراسان في الحديث، ما كان أصبره على الفقر، كتبت عنه بالكوفة، وهاهنا، قال: وقد ضرب في الحديث إلى الأندلس. رواه أبو بكر المروذي عن أحمد، فقال أبو بكر الخطيب: ظن أحمد - رحمه الله - أن زيدا سمع من معاوية بن صالح بالأندلس، فقد كان على قضائها، وهذا وهم، وأحسب أنه سمع منه بمكة، فإن ابن مهدي وغيره سمعوا منه بمكة.
وقال الخطيب في كتاب " السابق " حدث عن زيد بن الحباب عبد الله بن وهب، ويحيى بن أبي طالب، وبين وفاتيهما ثمان وسبعون سنة.
وروي عن علي بن حرب الطائي قال: أتينا زيد بن الحباب، فلم يكن له ثوب يخرج فيه إلينا، فجعل الباب بيننا وبينه حاجزا، وحدثنا من ورائه - رحمه الله تعالى.(أعلام/1692)
قال مطين وغيره: توفي سنة ثلاث ومائتين. .(أعلام/1693)
زيد بن الخطاب
ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح السيد الشهيد المجاهد التقي أبو عبد الرحمن القرشي العدوي، أخو أمير المؤمنين عمر. وكان أسن من عمر، وأسلم قبله.
وكان أسمر طويلا جدا، شهد بدرا والمشاهد، وكان قد آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين معن بن عدي العجلاني.
ولقد قال له عمر يوم بدر: البس درعي. قال: إني أريد من الشهادة ما تريد. قال: فتركاها جميعا.
وكانت راية المسلمين معه يوم اليمامة فلم يزل يقدم بها في نحر العدو، ثم قاتل حتى قتل، فوقعت الراية، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة. وحزن عليه عمر، وكان يقول: أسلم قبلي، واستشهد قبلي. وكان يقول: ما هبت الصبا إلا وأنا أجد ريح زيد.
حدث عنه ابن أخيه عبد الله بن عمر خبر النهي عن قتل عوامر البيوت. وروى عنه ولده عبد الرحمن بن زيد حديثين.
استشهد في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة واستشهد يومئذ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم نحو من ست مائة، منهم: أبو حذيفة بن عتبة العبشمي، ومولاه سالم أحد القراء، وأبو مرثد كناز بن الحصين الغنوي، وثابت بن قيس بن شماس، وعبد الله بن سهيل بن عمرو القرشي العامري، وعباد بن بشر الأشهلي الذي أضاءت له عصاه ومعن بن عدي بن الجد بن العجلان الأنصاري أخو عاصم، وأبو النعمان بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي، وأبو دجانة سماك بن خرشة الساعدي الأنصاري، وعبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول الأنصاري. وعشرتهم بدريون. ويقال: إن أبا دجانة هو الذي قتل يومئذ مسيلمة الكذاب.(أعلام/1694)
زيد بن ثابت (ع)
ابن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة.
الإمام الكبير، شيخ المقرئين، والفرضيين مفتي المدينة أبو سعيد، وأبو خارجة. الخزرجي، النجاري الأنصاري. كاتب الوحي، رضي الله عنه.
حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وعن صاحبيه. وقرأ عليه القرآن بعضه أو كله، ومناقبه جمة.
حدث عنه: أبو هريرة، وابن عباس، وقرأ عليه، وابن عمر، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد، وأبو أمامة بن سهل، وعبد الله بن يزيد الخطمي، ومروان بن الحكم، وسعيد بن المسيب، وقبيصة بن ذؤيب ; وابناه: الفقيه خارجة، وسليمان، وأبان بن عثمان، وعطاء بن يسار وأخوه سليمان بن يسار، وعبيد بن السباق، والقاسم بن محمد، وعروة، وحجر المدري وطاوس، وبسر بن سعيد ; وخلق كثير.
وتلا عليه ابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، وغير واحد.
وكان من حملة الحجة، وكان عمر بن الخطاب يستخلفه إذا حج على المدينة.
وهو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك. وقد قتل أبوه قبل الهجرة يوم بعاث فربي زيد يتيما. وكان أحد الأذكياء. فلما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم- أسلم زيد، وهو ابن إحدى عشرة سنة، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يتعلم خط اليهود ; ليقرأ له كتبهم. قال: فإني لا آمنهم.
قال ابن سعد: ولد زيد بن ثابت: سعيدا، وبه كان يكنى، وأمه أم جميل.(أعلام/1695)
وولد لزيد: خارجة، وسليمان، ويحيى، وعمارة، وإسماعيل، وأسعد، وعبادة، وإسحاق، وحسنة، وعمرة، وأم إسحاق، وأم كلثوم، وأم هؤلاء: أم سعد ابنة سعد بن الربيع، أحد البدريين. وولد له: إبراهيم، ومحمد، وعبد الرحمن، وأم حسن، من عمرة بنت معاذ بن أنس. وولد له: زيد، وعبد الرحمن، وعبيد الله، وأم كلثوم ; لأم ولد. وسليط، وعمران، والحارث، وثابت، وصفية، وقريبة، وأم محمد ; لأم ولد.
قال البخاري ومسلم والنسائي: زيد: يكنى أبا سعيد. ويقال: أبو خارجة.
وقال محمد بن أحمد المقدمي: له كنيتان.
روى خارجة عن أبيه، قال: قدم النبي - عليه السلام- المدينة، وأنا ابن إحدى عشرة سنة. وأمره النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يتعلم كتابة يهود. قال: وكنت أكتب، فأقرأ إذا كتبوا إليه.
ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة، عن أبيه، قال: أتي بي النبي - صلى الله عليه وسلم- مقدمه المدينة، فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، وقد قرأ مما أنزل عليك سبع عشرة سورة. فقرأت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأعجبه ذلك، وقال: يا زيد، تعلم لي كتاب يهود ; فإني والله ما آمنهم على كتابي.
قال: فتعلمته. فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته، وكنت أكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا كتب إليهم.
الأعمش، عن ثابت بن عبيد، قال زيد: قال لي رسول الله: أتحسن السريانية؟ قلت: لا. قال: فتعلمها. فتعلمتها في سبعة عشر يوما.
الوليد بن أبي الوليد: حدثنا سليمان بن خارجة بن زيد، عن أبيه، عن جده، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحي، بعث إلي، فكتبته.
يرويه الليث عنه.
أبو إسحاق، عن البراء: قال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ادع لي زيدا، وقل له: يجئ بالكتف والدواة. قال: فقال: اكتب لا يستوي القاعدون وذكر الحديث.(أعلام/1696)
أخبرنا محمد بن عبد السلام، عن زينب بنت عبد الرحمن الشعرية، أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن زينب، وعبد المعز الهروي، قالا: أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو أحمد الحاكم، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي - هو ابن الجعد- أخبرنا ابن أبي ذئب، عن شرحبيل - يعني: ابن سعد- قال: كنت مع زيد بن ثابت بالأسواف فأجد طيرا ; فدخل زيد، قال: فدفعوا في يدي، وفروا، فأخذ الطير، فأرسله، ثم ضرب في قفاي، وقال: لا أم لك! ألم تعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حرم ما بين لابتيها.
شرحبيل فيه لين ما.
وقال عبيد بن السباق، حدثني زيد، أن أبا بكر قال له: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- فتتبع القرآن فاجمعه.
فقلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟
قال: هو والله خير.
فلم يزل أبو بكر يراجعني، حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. فكنت أتتبع القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال.
قال أنس: جمع القرآن على عهد رسول الله أربعة، كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: أفرض أمتي زيد بن ثابت.
وجاء نحوه من حديث ابن عمر.
مندل بن علي، عن ابن جريج، عن محمد بن كعب: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أفرض أمتي زيد بن ثابت.
وقال الترمذي حدثنا سفيان بن وكيع: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن داود العطار، عن معمر، عن قتادة، عن أنس: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر الحديث، وفيه: وأفرضهم زيد بن ثابت.
هذا غريب، وحديث الحذاء صححه الترمذي.(أعلام/1697)
قلت: بتقدير صحة " أفرضهم زيد، وأقرأهم أبي " لا يدل على تحتم تقليده في الفرائض، كما لا يتعين تقليد أبي في قراءته، وما انفرد به.
روى عاصم، عن الشعبي، قال: غلب زيد الناس على اثنتين: الفرائض والقرآن.
ويروى عن زيد، قال: أجازني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم الخندق، وكساني قبطية.
وعنه، قال: أجزت في الخندق، وكانت وقعة بعاث وأنا ابن ست سنين.
داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: لما توفي رسول الله، قام خطباء الأنصار، فتكلموا، وقالوا: رجل منا، ورجل منكم. فقام زيد بن ثابت، فقال: إن رسول الله كان من المهاجرين ونحن أنصاره ; وإنما يكون الإمام من المهاجرين ونحن أنصاره.
فقال أبو بكر: جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار، وثبت قائلكم، لو قلتم غير هذا ما صالحناكم.
هذا إسناد صحيح، رواه الطيالسي في " مسنده "، عن وهيب، عنه.
روى الشعبي، عن مسروق، قال: كان أصحاب الفتوى من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم: عمر، وعلي، وابن مسعود، وزيد، وأبي، وأبو موسى.
مجالد، عن الشعبي، قال: القضاة أربعة: عمر، وعلي، وزيد، وابن مسعود.
وعن القاسم بن محمد: كان عمر يستخلف زيدا في كل سفر.
وعن سالم: كنا مع ابن عمر يوم مات زيد بن ثابت، فقلت: مات عالم الناس اليوم! فقال ابن عمر: يرحمه الله، فقد كان عالم الناس في خلافة عمر وحبرها. فرقهم عمر في البلدان، ونهاهم أن يفتوا برأيهم، وحبس زيد بن ثابت بالمدينة يفتي أهلها.
وعن سليمان بن يسار، قال: ما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد أحدا في الفرائض والفتوى والقراءة والقضاء.
وعن يعقوب بن عتبة: أن عمر استخلف زيدا، وكتب إليه من الشام: إلى زيد بن ثابت، من عمر.
قال خارجة بن زيد: كان عمر يستخلف أبي، فقلما رجع إلا أقطعه حديقة من نخل.(أعلام/1698)
الواقدي: حدثنا الضحاك بن عثمان، عن الزهري، قال: قال ثعلبة بن أبي مالك: سمعت عثمان يقول: من يعذرني من ابن مسعود؟ غضب إذ لم أوله نسخ المصاحف. هلا غضب على أبي بكر وعمر إذ عزلاه عن ذلك، ووليا زيدا، فاتبعت فعلهما.
مغيرة، عن الشعبي قال: تنازع أبي وعمر في جداد نخل. فبكى أبي، ثم قال: أفي سلطانك يا عمر؟ قال: اجعل بيني وبينك رجلا. قال أبي: زيد. فانطلقا، حتى دخلا عليه، فتحاكما إليه. فقال: بينتك يا أبي؟ قال: ما لي بينة. قال: فأعف أمير المؤمنين من اليمين. فقال عمر: لا تعف أمير المؤمنين من اليمين إن رأيتها عليه.
وتابعه سيار، عن الشعبي.
عبد الواحد بن زياد: حدثنا حجاج، عن نافع، قال: استعمل عمر زيدا على القضاء، وفرض له رزقا.
الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، وآخر، قالا: لما حصر عثمان، أتاه زيد بن ثابت، فدخل عليه الدار. فقال له عثمان: أنت خارج الدار أنفع لي منك هاهنا ; فذب عني. فخرج، فكان يذب الناس، ويقول لهم فيه ; حتى رجع أناس من الأنصار. وجعل يقول: يا للأنصار، كونوا أنصارا لله - مرتين- انصروه، والله إن دمه لحرام. فجاء أبو حية المازني مع ناس من الأنصار، فقال: ما يصلح معك أمر. فكان بينهما كلام، وأخذ بتلبيب زيد، هو وأناس معه. فمر به ناس من الأنصار، فلما رأوهم، أرسلوه، وقال رجل منهم لأبي حية: أتصنع هذا برجل لو مات الليلة ما دريت ما ميراثك من أبيك! .
قال الزهري: لو هلك عثمان وزيد في بعض الزمان، لهلك علم الفرائض، لقد أتى على الناس زمان وما يعلمها غيرهما.
أخرجه الدارمي.
وقال جعفر بن برقان: سمعت الزهري يقول: لولا أن زيد بن ثابت كتب الفرائض، لرأيت أنها ستذهب من الناس.(أعلام/1699)
وروى سعيد بن عامر، عن حميد بن الأسود، قال: قال مالك: كان إمام الناس عندنا، بعد عمر، زيد بن ثابت. وكان إمام الناس عندنا، بعد زيد، ابن عمر.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: الناس على قراءة زيد، وعلى فرض زيد.
وعن ابن عباس، قال: لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن زيد بن ثابت، من الراسخين في العلم.
الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله ; أنه كان يقول في أخوات لأب وأم، وإخوة وأخوات لأب: للأخوات للأب والأم الثلثان، فما بقي فللذكور دون الإناث.
فقدم مسروق المدينة، فسمع قول زيد فيها، فأعجبه. فقال له بعض أصحابه: أتترك قول عبد الله؟ فقال: أتيت المدينة، فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم. يعني: كان زيد يشرك بين الباقين.
محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، أن ابن عباس قام إلى زيد بن ثابت فأخذ له بركابه، فقال: تنح يابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: إنا هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا.
قال علي بن المديني: لم يكن من الصحابة أحد له أصحاب حفظوا عنه، وقاموا بقوله في الفقه، إلا ثلاثة: زيد، وعبد الله، وابن عباس.
شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري: بلغنا أن زيد بن ثابت كان يقول إذا سئل عن الأمر: أكان هذا؟ فإن قالوا: نعم. حدث فيه بالذي يعلم. وإن قالوا: لم يكن. قال: فذروه حتى يكون.
موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، قال: كان زيد بن ثابت إذا سأله رجل عن شيء، قال: آلله! كان هذا؟ فإن قال: نعم، تكلم فيه، وإلا لم يتكلم.
الثوري، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي: أن مروان دعا زيد بن ثابت، وأجلس له قوما خلف ستر، فأخذ يسأله، وهم يكتبون ; ففطن زيد، فقال: يا مروان، أغدرا، إنما أقول برأيي.
رواه إبراهيم بن حميد الرؤاسي. عن ابن أبي خالد نحوه، وزاد: فمحوه.(أعلام/1700)
هشام، عن ابن سيرين، قال: حج بنا أبو الوليد، ونحن ولد سيرين سبعة ; فمر بنا على المدينة، فأدخلنا على زيد بن ثابت، فقال: هؤلاء بنو سيرين. فقال زيد: هؤلاء لأم، وهذان لأم، وهذان لأم. قال: فما أخطأ. وكان محمد، ومعبد، ويحيى لأم.
وروى الأعمش، عن ثابت بن عبيد، قال: كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في أهله، وأزمته عند القوم.
هشام، عن ابن سيرين، قال: خرج زيد بن ثابت يريد الجمعة، فاستقبل الناس راجعين، فدخل دارا، فقيل له. فقال: إنه من لا يستحيي من الناس لا يستحيي من الله.
حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، قال: لما مات زيد بن ثابت، قال أبو هريرة: مات حبر الأمة! ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفا.
حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، قال: لما مات زيد، جلسنا إلى ابن عباس في ظل، فقال: هكذا ذهاب العلماء، دفن اليوم علم كثير.
الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: لما مات زيد بن ثابت، وصلى عليه مروان، ونزل نساء العوالي. وجاء نساء الأنصار ; فجعل خارجة يذكرهن الله: لا تبكين عليه. فقلن: لا نسمع منك، ولنبكين عليه ثلاثا، وغلبنه.
قال الواقدي: وأرسل مروان بجزر، فنحرت، وأطعموا الناس. وفيه يقول حسان بن ثابت:
فمن للقوافي بعد حسان وابنه
ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت
وقال جرير بن حازم: حدثنا قيس بن سعد، عن مكحول: أن عبادة بن الصامت دعا نبطيا يمسك دابته عند بيت المقدس، فأبى. فضربه، فشجه. فاستعدى عليه عمر. فقال: ما دعاك إلى ما صنعت بهذا؟ قال: أمرته، فأبى ; وأنا في حدة، فضربته. فقال: اجلس للقصاص. فقال زيد بن ثابت: أتقيد لعبدك من أخيك؟ فترك عمر القود، وقضى عليه بالدية.(أعلام/1701)
ومن جلالة زيد: أن الصديق اعتمد عليه في كتابة القرآن العظيم في صحف، وجمعه من أفواه الرجال، ومن الأكتاف والرقاع، واحتفظوا بتلك الصحف مدة، فكانت عند الصديق ; ثم تسلمها الفاروق، ثم كانت بعد عند أم المؤمنين حفصة، إلى أن ندب عثمان زيد بن ثابت ونفرا من قريش إلى كتاب هذا المصحف العثماني الذي به الآن في الأرض أزيد من ألفي ألف نسخة. ولم يبق بأيدي الأمة قرآن سواه ; ولله الحمد.
وقد اختلفوا في وفاة زيد - رضي الله عنه- على أقوال: فقال الواقدي، وهو إمام المؤرخين: مات سنة خمس وأربعين عن ست وخمسين سنة، وتبعه على وفاته يحيى بن بكير، وشباب، ومحمد بن عبد الله بن نمير.
وقال أبو عبيد: مات سنة خمس وأربعين ثم قال: وسنة ست وخمسين أثبت.
وقال أحمد بن حنبل، وعمرو بن علي: سنة إحدى وخمسين.
وقال المدائني، والهيثم، ويحيى بن معين: سنة خمس وخمسين وقال أبو الزناد: سنة خمس وأربعين فالله أعلم.
حفص، عن عاصم، عن أبي عبد الرحمن، قال: لم أخالف عليا في شيء من قراءته، وكنت أجمع حروف علي، فألقى بها زيدا في المواسم بالمدينة. فما اختلفا إلا في " التابوت " كان زيد يقرأ بالهاء، وعلي بالتاء.(أعلام/1702)
زيد بن حارثة
ابن شراحيل - أو شرحبيل - بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان.
الأمير الشهيد النبوي المسمى في سورة الأحزاب، أبو أسامة الكلبي، ثم المحمدي، سيد الموالي، وأسبقهم إلى الإسلام، وحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو حبه، وما أحب - صلى الله عليه وسلم - إلا طيبا، ولم يسم الله - تعالى - في كتابه صحابيا باسمه إلا زيد بن حارثة وعيسى بن مريم - عليه السلام - الذي ينزل حكما مقسطا ويلتحق بهذه الأمة المرحومة في صلاته وصيامه وحجه ونكاحه وأحكام الدين الحنيف جميعها، فكما أن أبا القاسم سيد الأنبياء وأفضلهم وخاتمهم، فكذلك عيسى بعد نزوله أفضل هذه الأمة مطلقا، ويكون ختامهم، ولا يجيء بعده من فيه خير ; بل تطلع الشمس من مغربها، ويأذن الله بدنو الساعة.
أخبرنا أبو الفضل بن عساكر، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم، أنبأنا أبو سعد، أنبأنا ابن حمدان، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا بندار، حدثنا. عبد الوهاب الثقفي، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن، عن أسامة بن زيد، عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما حارا من أيام مكة وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب وقد ذبحنا له شاة فأنضجناها، فلقينا زيد بن عمرو بن نفيل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يا زيد، ما لي أرى قومك قد شنفوا لك؟ " قال: والله يا محمد إن ذلك لغير نائلة لي فيهم، لكني خرجت أبتغي هذا الدين حتى قدمت على أحبار فدك، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به. فقدمت على أحبار خيبر، فوجدتهم كذلك، فقدمت على أحبار الشام، فوجدت كذلك فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي. فقال شيخ منهم: إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله به إلا شيخ بالحيرة.(أعلام/1703)
فخرجت حتى أقدم عليه، فلما رآني قال: ممن أنت؟ قلت من أهل بيت الله. قال: إن الذي تطلب قد ظهر ببلادك، قد بعث نبي طلع نجمه، وجميع من رأيتهم في ضلال. قال: فلم أحس بشيء. قال: فقرب إليه السفرة، فقال: ما هذا يا محمد؟ قال: " شاة ذبحناها لنصب ". قال: فإني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه. وتفرقنا، فأتى رسول الله البيت، فطاف به - وأنا معه - وبالصفا والمروة، وكان عندهما صنمان من نحاس: إساف ونائلة، وكان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما، فقال النبي: " لا تمسحهما ; فإنهما رجس ". فقلت في نفسي: لأمسنهما حتى أنظر ما يقول. فمسستهما، فقال: " يا زيد، ألم تنه ".
قال: ومات زيد بن عمرو وأنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد: " إنه يبعث أمة وحده ".
في إسناده محمد لا يحتج به، وفي بعضه نكارة بينة.
عن الحسن بن أسامة بن زيد قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكبر من زيد بعشر سنين. قال: وكان قصيرا، شديد الأدمة، أفطس.
رواه ابن سعد، عن الواقدي، حدثنا محمد بن الحسن بن أسامة، عن أبيه، ثم قال ابن سعد: كذا صفته في هذه الرواية. وجاءت من وجه آخر أنه كان شديد البياض، وكان ابنه أسامة أسود، ولذلك أعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول مجزز القائف حيث يقول: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.
لوين: حدثنا حديج، عن أبي إسحاق قال: كان جبلة بن حارثة في الحي، فقالوا له: أنت أكبر أم زيد؟ قال: زيد أكبر مني، وأنا ولدت قبله، وسأخبركم: إن أمنا كانت من طيئ، فماتت، فبقينا في حجر جدنا، فقال عماي لجدنا: نحن أحق بابني أخينا. فقال: خذا جبلة، ودعا زيدا، فأخذاني، فانطلقا بي، فجاءت خيل من تهامة، فأخذت زيدا، فوقع إلى خديجة، فوهبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم.(أعلام/1704)
عبد الملك بن أبي سليمان حدثنا أبو فزارة قال: " أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة غلاما ذا ذؤابة قد أوقفه قومه بالبطحاء للبيع، فأتى خديجة، فقالت: كم ثمنه؟ قال: سبع مائة: قالت: خذ سبع مائة. فاشتراه وجاء به إليها فقال: أما إنه لو كان لي لأعتقته. قالت: فهو لك. فأعتقه ".
وعن سليمان بن يسار وغيره قالوا: أول من أسلم زيد بن حارثة.
موسى بن عقبة عن سالم، عن أبيه قال: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد. فنزلت ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله [الأحزاب: 5] .
إسماعيل بن أبي خالد: عن أبي عمرو الشيباني قال: أخبرني جبلة بن حارثة، قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله، ابعث معي أخي زيدا. قال: " هو ذا، فإن انطلق، لم أمنعه " فقال زيد: لا والله، لا أختار عليك أحدا أبدا. قال: فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي سمعه علي بن مسهر منه.
ذكره ابن إسحاق وغيره فيمن شهد بدرا.
وقال سلمة بن الأكوع: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وغزوت مع زيد بن حارثة - كان يؤمره علينا.
الواقدي: حدثنا محمد بن الحسن بن أسامة، عن أبي الحويرث قال: خرج زيد بن حارثة أميرا سبع سرايا.
الواقدي: حدثنا ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك - تعني من سرية أم قرفة - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي. فقرع زيد الباب، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجر ثوبه عريانا، ما رأيته عريانا قبلها - صلى الله عليه وسلم - حتى اعتنقه وقبله ثم ساءله، فأخبره بما ظفره الله.
ابن إسحاق: عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن محمد بن أسامة، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن حارثة: " يا زيد، أنت مولاي، ومني وإلي، وأحب القوم إلي ".(أعلام/1705)
رواه أحمد في " المسند ".
إسماعيل بن جعفر وابن عيينة، عن عبد الله بن دينار، سمع ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أسامة على قوم، فطعن الناس في إمارته، فقال: " إن تطعنوا في إمارته، فقد طعنتم في إمارة أبيه، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن ابنه هذا لأحب الناس إلي بعده ".
لفظ إسماعيل: " وإن ابنه لمن أحب ".
إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه: فذكر نحوه.
وفيه: " وإن كان أبوه لخليقا للإمارة، وإن كان لأحب الناس كلهم إلي ".
قال سالم: ما سمعت أبي يحدث بهذا الحديث قط إلا قال: والله ما حاشا فاطمة.
إبراهيم بن يحيى بن هانئ الشجري حدثني أبي، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: أتانا زيد بن حارثة، فقام إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجر ثوبه، فقبل وجهه. وكانت أم قرفة جهزت أربعين راكبا من ولدها وولد ولدها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقاتلوه، فأرسل إليهم زيدا فقتلهم وقتلها، وأرسل بدرعها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنصبه بالمدينة بين رمحين.
رواه المحاملي عن عبد الله بن شبيب عنه. وروى منه الترمذي عن البخاري، عن إبراهيم هذا وحسنه.
مجالد: عن الشعبي، عن عائشة قالت: لو أن زيدا كان حيا، لاستخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وائل بن داود، عن البهي، عن عائشة: ما بعث رسول الله زيدا في جيش قط إلا أمره عليهم، ولو بقي بعده استخلفه أخرجه النسائي.
قال ابن عمر: فرض عمر لأسامة بن زيد أكثر مما فرض لي، فكلمته في ذلك، فقال: إنه كان أحب إلى رسول الله منك، وإن أباه كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك.(أعلام/1706)
قال الواقدي: عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد على الناس في غزوة مؤتة، وقدمه على الأمراء، فلما التقى الجمعان كان الأمراء يقاتلون على أرجلهم، فأخذ زيد اللواء فقاتل وقاتل معه الناس حتى قتل طعنا بالرماح رضي الله عنه. قال: فصلى عليه رسول الله، أي دعا له، وقال: " استغفروا لأخيكم، قد دخل الجنة وهو يسعى ".
وكانت مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة.
جماعة: عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، قال: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل زيد، وجعفر، وابن رواحة، قام - صلى الله عليه وسلم - فذكر شأنهم، فبدأ بزيد، فقال: " اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد، ثلاثا، اللهم اغفر لجعفر وعبد الله بن رواحة ".
حماد بن زيد: عن خالد بن سلمة المخزومي، قال: لما جاء مصاب زيد وأصحابه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزله بعد ذلك، فلقيته بنت زيد، فأجهشت بالبكاء في وجهه، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى انتحب، فقيل: ما هذا يا رسول الله؟ قال: " شوق الحبيب إلى الحبيب " رواه مسدد وسليمان بن حرب عنه.
حسين بن واقد: عن ابن بريدة، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " دخلت الجنة، فاستقبلتني جارية شابة. فقلت: لمن أنت؟ قالت: أنا لزيد بن حارثة " إسناده حسن.(أعلام/1707)
زيد بن علي (د، ت، ق)
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسين الهاشمي العلوي المدني أخو أبي جعفر الباقر، وعبد الله، وعمر، وعلي، وحسين، وأمه أم ولد. روى عن أبيه زين العابدين، وأخيه الباقر، وعروة بن الزبير. وعنه ابن أخيه جعفر بن محمد، وشعبة، وفضيل بن مرزوق، والمطلب بن زياد، وسعيد بن خثيم، وابن أبي الزناد.
وكان ذا علم وجلالة وصلاح، هفا، وخرج، فاستشهد. وفد على متولي العراق يوسف بن عمر، فأحسن جائزته، ثم رد، فأتاه قوم من الكوفة، فقالوا: ارجع نبايعك، فما يوسف بشيء، فأصغى إليهم وعسكر، فبرز لحربه عسكر يوسف، فقتل في المعركة، ثم صلب أربع سنين.
وقال الفسوي: كلم هشاما في دين، فأبى عليه، وأغلظ له.
قال عيسى بن يونس: جاءت الرافضة زيدا، فقالوا: تبرأ من أبي بكر وعمر حتى ننصرك، قال: بل أتولاهما. قالوا: إذا نرفضك، فمن ثم قيل لهم: الرافضة. وأما الزيدية، فقالوا بقوله، وحاربوا معه. وذكر إسماعيل السدي عنه، قال: الرافضة حزبنا مرقوا علينا، وقيل: لما انتهره هشام وكذبه، قال: من أحب الحياة ذل، وقال:
إن المحكم ما لم يرتقب حسدا
ويرهب السيف أو وخز القنا هتفا
من عاذ بالسيف لاقى فرجة عجبا
موتا على عجل أو عاش فانتصفا
عاش نيفا وأربعين سنة، وقتل يوم ثاني صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة -رحمه الله.
وروى عبد الله بن أبي بكر العتكي، عن جرير بن حازم قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنه متساند إلى خشبة زيد بن علي، وهو يقول: هكذا تفعلون بولدي؟ ! .
قال عباد الرواجني: أنبأنا عمرو بن القاسم قال: دخلت على جعفر الصادق، وعنده ناس من الرافضة. فقلت: إنهم يبرءون من عمك زيد، فقال: برأ الله ممن تبرأ منه. كان والله أقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وأوصلنا للرحم، ما تركنا وفينا مثله.(أعلام/1708)
وروى هاشم بن البريد، عن زيد بن علي، قال: كان أبو بكر -رضي الله عنه- إمام الشاكرين، ثم تلا وسيجزي الله الشاكرين ثم قال: البراءة من أبي بكر هي البراءة من علي. وعن معاذ بن أسد قال: ظهر ابن لخالد القسري على زيد بن علي وجماعة، أنهم عزموا على خلع هشام، فقال هشام لزيد بن علي: بلغني عنك كذا؟ ! قال: ليس بصحيح، قال: قد صح عندي، قال: أحلف لك؟ قال: لا أصدقك. قال: إن الله لن يرفع من قدر من حلف له بالله، فلم يصدق، قال: اخرج عني، قال: إذا لا تراني إلا حيث تكره.
قلت: خرج متأولا، وقتل شهيدا، وليته لم يخرج، وكان يحيى ولده لما قتل بخراسان، فقال يحيى:
لكل قتيل معشر يطلبونه
وليس لزيد بالعراقين طالب
قلت: ثار يحيى بخراسان، وكاد أن يملك.
قال ابن سعد: قتله سلم بن أحوز، وأمه هي ريطة بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية. وقال الهيثم: لم يعقب يحيى. وكان نصر بن سيار عامل خراسان، قد بعث سلما إلى يحيى، فظفر به، فقتله بعد حروب شديدة وزحوف، ثم أصاب يحيى بن زيد سهم في صدغه فقتله، فاحتزوا رأسه، وبعثوا به إلى هشام بن عبد الملك إلى الشام، وصلبت جثته بجوزجان، ثم أنزلها أبو مسلم الخراساني، وواراه، وكتب بإقامة النياحة عليه ببلخ أسبوعا، وبمرو، وما ولد إذ ذاك ولد بخراسان من العرب والأعيان إلا سمي يحيى، ودعا أبو مسلم بديوان بني أمية، فجعل يتصفح أسماء قتلة يحيى ومن سار في ذلك البعث لقتاله. فمن كان حيا، قتله.
وقال الليث بن سعد: قتل يحيى سنة خمس وعشرين ومائة -رحمه الله.(أعلام/1709)
زيد بن وهب (ع)
الإمام الحجة، أو سليمان الجهني الكوفي، مخضرم قديم، ارتحل إلى لقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبته، فقبض -صلى الله عليه وسلم- وزيد في الطريق على ما بلغنا.
سمع عمر، وعليا، وابن مسعود، وأبا ذر الغفاري، وحذيفة بن اليمان وطائفة، وقرأ القرآن على ابن مسعود.
حدث عنه: حبيب بن أبي ثابت، وعبد العزيز بن رفيع، وحصين بن عبد الرحمن، وسليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وآخرون.
توفي بعد وقعة الجماجم في حدود سنة ثلاث وثمانين. قال ابن سعد شهد مع علي مشاهده، وغزا في أيام عمر أذربيجان.
وقال الأعمش: رأيته يصفر لحيته. وثقه ابن سعد.(أعلام/1710)
زينب أم المؤمنين (ع)
بنت جحش بن رياب، وابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أمها: أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم. وهي أخت حمنة، وأبي أحمد. من المهاجرات الأول.
كانت عند زيد، مولى النبي صلى الله عليه وسلم. وهي التي يقول الله فيها: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها.
فزوجها الله - تعالى - بنبيه بنص كتابه، بلا ولي ولا شاهد، فكانت تفخر بذلك على أمهات المؤمنين، وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق عرشه.
وفي رواية البخاري: كانت تقول: إن الله أنكحني في السماء.
وكانت من سادة النساء، دينا وورعا وجودا ومعروفا رضي الله عنها.
وحديثها في الكتب الستة.
روى عنها: ابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش، وأم المؤمنين أم حبيبة، وزينب بنت أبي سلمة، وأرسل عنها القاسم بن محمد.
توفيت في سنة عشرين وصلى عليها عمر.
محمد بن عمرو: حدثنا يزيد بن خصيفة، عن عبد الله بن رافع، عن برزة بنت رافع، قالت: أرسل عمر إلى زينب بعطائها، فقالت: غفر الله لعمر، غيري كان أقوى على قسم هذا. قالوا: كله لك. قالت: سبحان الله! واستترت منه بثوب وقالت: صبوه واطرحوا عليه ثوبا، وأخذت تفرقه في رحمها، وأيتامها؛ وأعطتني ما بقي؛ فوجدناه خمسة وثمانين درهما، ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا.(أعلام/1711)
أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: لما ماتت بنت جحش أمر عمر مناديا: ألا يخرج معها إلا ذو محرم، فقالت بنت عميس: يا أمير المؤمنين، ألا أريك شيئا رأيت الحبشة تصنعه بنسائهم؟ فجعلت نعشا وغشته ثوبا، فقال: ما أحسن هذا وأستره! فأمر مناديا، فنادى: أن اخرجوا على أمكم. رواه عارم: حدثنا حماد: حدثنا أيوب. وهي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أسرعكن لحوقا بي: أطولكن يدا وإنما عنى طول يدها بالمعروف.
قالت عائشة: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا. وكانت زينب تعمل وتتصدق. والحديث مخرج في مسلم.
وروي عن عائشة قالت: كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما رأيت امرأة خيرا في الدين من زينب، أتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة. رضي الله عنها.
وعن عمر: أنه قسم لأمهات المؤمنين في العام اثني عشر ألف درهم لكل واحدة؛ إلا جويرية، وصفية، فقرر لكل واحدة نصف ذلك. قاله الزهري.
ابن جريج، عن عطاء، سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة تزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها، فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير! أكلت مغافير! فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك. قال: بل شربت عسلا عند زينب، ولن أعود له، فنزل: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله: إن تتوبا - يعني: حفصة، وعائشة. وإذ أسر النبي قوله: بل شربت عسلا.
وعن الأعرج، قال: أطعم رسول الله زينب بنت جحش بخيبر مائة وسق.
ويروى عن عمرة، عن عائشة، قالت: يرحم الله زينب، لقد نالت في الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف، إن الله زوجها، ونطق به القرآن. وإن رسول الله قال لنا: أسرعكن بي لحوقا أطولكن باعا فبشرها بسرعة لحوقها به، وهي زوجته في الجنة.(أعلام/1712)
قلت: وأختها هي حمنة بنت جحش، التي نالت من عائشة في قصة الإفك، فطفقت تحامي عن أختها زينب. وأما زينب، فعصمها الله بورعها.
وكانت حمنة زوجة عبد الرحمن بن عوف، ولها هجرة.
وقيل: بل كانت تحت مصعب بن عمير؛ فقتل عنها، فتزوجها طلحة، فولدت له محمدا، وعمران.
وهي التي كانت تستحاض وكانت أختها أم حبيبة تستحاض أيضا. وأمهن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أميمة. قال السهيلي فيها: أم حبيب، والأول أكثر، وقال شيخنا الدمياطي، أم حبيب، واسمها: حبيبة.
وأما ابن عساكر، فعنده: أن أم حبيبة، هي حمنة المستحاضة.
وقال ابن عبد البر: بنات جحش: زينب، وحمنة، وأم حبيبة، كن يستحضن.
وقال السهيلي: كانت حمنة تحت مصعب؛ وكانت أم حبيب تحت عبد الرحمن بن عوف. وفي " الموطأ " وهم، وهو أن زينب كانت تحت عبد الرحمن، فقيل: هما زينبان.
إسماعيل بن أبي أويس: حدثني أبي، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه: يتبعني أطولكن يدا، فكنا إذا اجتمعنا بعده نمد أيدينا في الجدار، نتطاول؛ فلم نزل نفعله حتى توفيت زينب، وكانت امرأة قصيرة، لم تكن - رحمها الله - أطولنا؛ فعرفنا أنما أراد الصدقة.
وكانت صناع اليد، فكانت تدبغ، وتخرز، وتصدق.
الواقدي: أخبرنا عبد الله بن عمر، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم: قالت زينب بنت جحش حين حضرتها الوفاة: إني قد أعددت كفني؛ فإن بعث لي عمر بكفن، فتصدقوا بأحدهما؛ وإن استطعتم إذ أدليتموني أن تصدقوا بحقوتي، فافعلوا.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بزينب في ذي القعدة سنة خمس، وهي يومئذ بنت خمس وعشرين سنة. وكانت صالحة، صوامة، قوامة، بارة، ويقال لها: أم المساكين.(أعلام/1713)
سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس: أن رسول الله قال لزيد: اذكرها علي. قال: فانطلقت، فقلت لها: يا زينب، أبشري، فإن رسول الله أرسل يذكرك. قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها بغير إذن.
عبد الحميد بن بهرام، عن شهر، عن عبد الله بن شداد أن رسول الله قال لعمر: إن زينب بنت جحش أواهة. قيل: يا رسول الله، ما الأواهة؟ قال: الخاشعة، المتضرعة؛ وإن إبراهيم لحليم أواه منيب ولزينب أحد عشر حديثا، اتفقا لها على حديثين. وعن عثمان بن عبد الله الجحشي، قال: باعوا منزل زينب بنت جحش من الوليد بخمسين ألف درهم، حين هدم المسجد.(أعلام/1714)
زينب بنت أبي سلمة (ع)
ابن عبد الأسد بن هلال المخزومية. ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخت عمر، ولدتهما أم المؤمنين بالحبشة.
روت أحاديث. ولها: عن عائشة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة، وجماعة.
حدث عنها: عروة، وعلي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وأبو قلابة الجرمي، وكليب بن وائل، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعراك بن مالك، وابنها أبو عبيدة بن عبيد الله بن زمعة وآخرون.
ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب: حدثتني زينب بنت أبي سلمة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عند أم سلمة، فجعل الحسن من شق، والحسين من شق، وفاطمة في حجره، فقال: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت.
توفيت قريبا في سنة أربع وسبعين.(أعلام/1715)
زينب بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأكبر أخواتها من المهاجرات السيدات.
تزوجها في حياة أمها ابن خالتها أبو العاص؛ فولدت له: أمامة التي تزوج بها علي بن أبي طالب بعد فاطمة، وولدت له: علي بن أبي العاص، الذي يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه وراءه يوم الفتح، وأظنه مات صبيا.
وذكر ابن سعد: أن أبا العاص تزوج بزينب قبل النبوة. وهذا بعيد. أسلمت زينب، وهاجرت قبل إسلام زوجها بست سنين.
فروي عن عائشة، بإسناد واه: أن أبا العاص شهد بدرا مشركا، فأسره عبد الله بن جبير الأنصاري؛ فلما بعث أهل مكة في فداء أساراهم، جاء في فداء أبي العاص أخوه عمرو، وبعثت معه زينب بقلادة لها من جزع ظفار - أدخلتها بها خديجة - في فداء زوجها؛ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلادة عرفها، ورق لها، وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فعلتم؟ قالوا: نعم، فأخذ عليه العهد أن يخلي سبيلها إليه، ففعل
وقيل: هاجرت مع أبيها، ولم يصح.
البزار: حدثنا سهل بن بحر: حدثنا الحسن بن الربيع: حدثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة: أخبرنا بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، وكنت فيهم، فقال: إن لقيتم هبار بن الأسود؛ ونافع بن عبد عمرو، فأحرقوهما، وكانا نخسا بزينب بنت رسول الله حين خرجت، فلم تزل ضبنة حتى ماتت.
ثم قال: إن لقيتموهما، فاقتلوهما؛ فإنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله.
ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الصبح، فلما قام في الصلاة، نادت زينب: إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ما علمت بهذا؛ وإنه يجير على الناس أدناهم.
قال الشعبي: أسلمت زينب، وهاجرت، ثم أسلم بعد ذلك، وما فرق بينهما.(أعلام/1716)
وكذا قال قتادة، وقال: ثم أنزلت " براءة " بعد، فإذا أسلمت امرأة قبل زوجها؛ فلا سبيل له عليها، إلا بخطبة.
وروى حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بنكاح جديد، ومهر جديد
وقال ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته إلى أبي العاص بعد سنين بنكاحها الأول، ولم يحدث صداقا.
وعن محمد بن إبراهيم التيمي، قال: خرج أبو العاص إلى الشام في عير لقريش؛ فانتدب لها زيد في سبعين ومائة راكب؛ فلقوا العير في سنة ست، فأخذوها، وأسروا أناسا، منهم أبو العاص، فدخل على زينب سحرا، فأجارته، ثم سألت أباها، أن يرد عليه متاعه، ففعل، وأمرها ألا يقربها ما دام مشركا، فرجع إلى مكة، فأدى إلى كل ذي حق حقه؛ ثم رجع مسلما مهاجرا في المحرم سنة سبع، فرد عليه زينب بذاك النكاح الأول. الزهري، عن أنس: رأيت على زينب بنت رسول الله برد سيراء من حرير.
توفيت في أول سنة ثمان.
عاصم الأحول، عن حفصة، عن أم عطية، قالت: لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: اغسلنها وترا، ثلاثا، أو خمسا؛ واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور؛ فإذا غسلتنها، فأعلمنني، فلما غسلناها، أعطانا حقوه، فقال: أشعرنها إياه.(أعلام/1717)
سالم بن أبي الجعد (ع)
الأشجعي الغطفاني مولاهم الكوفي الفقيه أحد الثقات.
روى عن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجابر، وابن عباس، والنعمان بن بشير، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وأنس بن مالك، وأبيه أبي الجعد رافع، وجماعة، ويروي عن عمر، وعن علي، وذلك منقطع، على أن ذلك في سنن النسائي، فهو صاحب تدليس.
حدث عنه الحكم، وقتادة، ومنصور، والأعمش، وحصين بن عبد الرحمن، وآخرون.
وكان من نبلاء الموالي وعلمائهم، مات سنة مائة، ويقال: قبل المائة، وقيل: مات سنة إحدى ومائة، وحديثه مخرج في الكتب الستة، وكان طلابة للعلم، كان يكتب. قال منصور: كان سالم إذا حدث، حدث فأكثر، وكان إبراهيم إذا حدث جزم فقلت لإبراهيم، فقال: إن سالما كان يكتب.
قيس بن الربيع، عن عطاء بن السائب أن علقمة والأسود وابن نضيلة رخصوا لسالم بن أبي الجعد أن يبيع ولاء مولى له من عمرو بن حريث بعشرين ألفا يستعين بها على عبادته.
قال ابن سعد: قالوا: توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز. وقال أبو نعيم: بل مات في خلافة سليمان، وكان ثقة، كثير الحديث، ثم قال: وقالوا: كان لأبي الجعد ستة بنين: فاثنان شيعيان، واثنان مرجئان، واثنان خارجيان، فكان أبوهم يقول: قد خالف الله بينكم. قلت: وهم: عبيد وعمران، وزياد، ومسلم، وعبد الله.
قال ابن المديني: لم يلق سالم عائشة، ولقي ابن عباس، وعبد الله بن عمرو، والمغيرة بن شعبة، وابن عمر، وطائفة.(أعلام/1718)
سالم بن عبد الله (ع)
ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، الإمام الزاهد، الحافظ، مفتي المدينة، أبو عمر، وأبو عبد الله، القرشي، العدوي، المدني، وأمه أم ولد. مولده في خلافة عثمان.
أخبرنا أحمد بن هبة الله سنة اثنتين وتسعين وستمائة، أنبأنا أبو روح الهروي، أنبأنا تميم الجرجاني، أنبأنا أبو سعد الأديب، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا حوثرة بن أشرس، حدثنا عقبة بن أبي الصهباء - وسألت يحيى بن معين عنه فوثقه - عن سالم، عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح، ثم استقبل مطلع الشمس، فقال: ألا إن الفتن من هاهنا - ثلاث مرات - ومن ثم يطلع قرن الشيطان.
إسناده حسن عال، ولا يقع لنا حديث سالم أعلى من هذا.
حدث عن أبيه فجود وأكثر، وعن عائشة - وذلك في سنن النسائي - وأبي هريرة - وذلك في البخاري ومسلم - وعن زيد بن الخطاب العدوي، وأبي لبابة بن عبد المنذر - وذلك مرسل - وعن رافع بن خديج، وسفينة، وأبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسعيد بن المسيب، وامرأة أبيه صفية.
وعنه: ابنه أبو بكر، وسالم بن أبي الجعد، وعمرو بن دينار، وعمرو بن دينار القهرمان، ومحمد بن واسع، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي، وأبو بكر بن حزم، والزهري، ومحمد بن أبي حرملة، وكثير بن زيد، وفضيل بن غزوان، وحنظلة بن أبي سفيان، وصالح بن كيسان، وصالح بن محمد بن زائدة أبو واقد، وعاصم بن عبد الله، وعبد العزيز بن أبي رواد، وعبيد الله بن عمر، وعكرمة بن عمار، وابن أخيه عمر بن حمزة، وابن ابن أخيه عمر بن محمد بن زيد، وابن ابن أخيه خالد بن أبي بكر بن عبيد الله، وابن أخيه القاسم بن عبيد الله، وخلق سواهم.(أعلام/1719)
روى علي بن زيد، عن ابن المسيب، قال: قال لي ابن عمر: أتدري لم سميت ابني سالما؟ قلت: لا. قال: باسم سالم مولى أبي حذيفة - يعني أحد السابقين.
يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، قال: كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به، وكان سالم أشبه ولد عبد الله به.
روى سلمة الأبرش، عن ابن إسحاق قال: رأيت سالم بن عبد الله يلبس الصوف، وكان علج الخلق، يعالج بيديه ويعمل.
قال يحيى بن بكير: قدم جماعة من المصريين المدينة، فأتوا باب سالم بن عبد الله، فسمعوا رغاء بعير، فبينا هم كذلك خرج عليهم رجل شديد الأدمة، متزر بكساء صوف إلى ثندوته، فقالوا له: مولاك داخل؟ قال: من تريدون؟ قالوا: سالم. قال: فلما كلمهم جاء شيء غير المنظر، قال: من أردتم؟ قالوا: سالم. قال: ها أنا ذا فما جاء بكم؟ قالوا: أردنا أن نسائلك. قال: سلوا عما شئتم. وجلس ويده ملطخة بالدم والقيح الذي أصابه من البعير، فسألوه.
قال أشهب، عن مالك، قال: لم يكن أحد في زمان سالم أشبه بمن مضى من الصالحين، في الزهد والفضل والعيش منه ; كان يلبس الثوب بدرهمين، ويشتري الشمال ليحملها. قال: فقال سليمان بن عبد الملك لسالم - ورآه حسن السحنة -: أي شيء تأكل؟ قال: الخبز والزيت، وإذا وجدت اللحم أكلته. فقال له عمر: أوتشتهيه؟ قال: إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه. وروى أبو المليح الرقي، عن ميمون بن مهران قال: دخلت على ابن عمر، فقومت كل شيء في بيته، فما وجدته يسوى مائة درهم، ثم دخلت مرة أخرى، فما وجدت ما يسوى ثمن طيلسان، ودخلت على سالم من بعده، فوجدته على مثل حال أبيه.
روى زيد بن محمد بن زيد، عن نافع، قال: كان ابن عمر يقبل سالما ويقول: شيخ يقبل شيخا.
ابن سعد، عن محمد بن حرب المكي: سمع خالد بن أبي بكر يقول: بلغني أن ابن عمر كان يلام في حب سالم، فكان يقول:
يلومونني في سالم وألومهم(أعلام/1720)
وجلدة بين العين والأنف سالم
قال ابن أبي الزناد: كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم الغر السادة: علي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، ففاقوا أهل المدينة علما وتقى وعبادة وورعا، فرغب الناس حينئذ في السراري.
قال ابن المبارك: كان فقهاء أهل المدينة الذين كانوا يصدرون عن رأيهم سبعة: ابن المسيب، وسليمان بن يسار، وسالم، والقاسم، وعروة، وعبيد الله بن عبد الله، وخارجة بن زيد. وكانوا إذا جاءتهم مسألة دخلوا فيها جميعا فنظروا فيها، ولا يقضي القاضي حتى يرفع إليهم، فينظرون فيها فيصدرون.
ابن وهب: حدثنا مالك، عن يزيد بن رومان، عن سالم بن عبد الله: أنه كان يخرج إلى السوق في حوائج نفسه. واشترى شملة، فانتهى بها إلى المسجد، فرمى بها إلى عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، فحبسها عنده ساعة، ثم قال: ألا تبعث من يحملها لك؟ فقال: بل أنا أحملها.
وحدثني مالك، قال: كان ابن عمر يخرج إلى السوق فيشتري، وكان سالم دهره يشتري في الأسواق، وكان من أفضل أهل زمانه.
وروى أبو سعيد الحارثي، عن العتبي، عن أبيه، قال: دخل سالم على سليمان بن عبد الملك، وعلى سالم ثياب غليظة رثة، فلم يزل سليمان يرحب به، ويرفعه حتى أقعده معه على سريره، وعمر بن عبد العزيز في المجلس، فقال له رجل من أخريات الناس: ما استطاع خالك أن يلبس ثيابا فاخرة أحسن من هذه، يدخل فيها على أمير المؤمنين؟ ! قال: وعلى المتكلم ثياب سرية، لها قيمة، فقال له عمر: ما رأيت هذه الثياب التي على خالي وضعته في مكانك، ولا رأيت ثيابك هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: سالم بن عبد الله تابعي ثقة.
وقال أحمد وابن راهويه: أصح الأسانيد ; الزهري، عن سالم، عن أبيه.(أعلام/1721)
وروى عباس، عن يحيى بن معين، قال: سالم والقاسم حديثهما قريب من السواء، وسعيد بن المسيب - أيضا - قريب منهما، وإبراهيم أعجب إلي مرسلات منهم. قال عباس: قلت ليحيى: فسالم أعلم بابن عمر أو نافع؟ قال: يقولون: إن نافعا لم يحدث حتى مات سالم.
وقال البخاري: لم يسمع سالم من عائشة.
وقال النسائي في حديث الزهري، عن سالم، عن أبيه مرفوعا " فيما سقت السماء العشر. . " الحديث: ورواه نافع عن ابن عمر قوله، قال: واختلف سالم ونافع على ابن عمر في ثلاثة أحاديث ; هذا أحدها.
والثاني: " من باع عبدا له مال " فقال: سالم عن أبيه مرفوعا. وقال: نافع عن ابن عمر قوله.
وقال: سالم عن أبيه مرفوعا: " يخرج نار من قبل اليمن. . " ورواه نافع عن ابن عمر، عن كعب قوله. قال: وسالم أجل من نافع، وأحاديث نافع أولى بالصواب.
وقال ابن سعد كان سالم ثقة، كثير الحديث، عاليا من الرجال ورعا.
قال أبو ضمرة الليثي: حج هشام بن عبد الملك في سالم بن عبد الله، فأعجبته سحنته، فقال: أي شيء تأكل؟ فقال: الخبز والزيت. قال: فإذا لم تشتهه؟ قال: أخمره حتى أشتهيه. فعانه هشام، فمرض ومات، فشهده هشام وأجفل الناس في جنازته فرآهم هشام فقال: إن أهل المدينة لكثير. فضرب عليهم بعثا أخرج فيه جماعة منهم، فلم يرجع منه أحد، فتشاءم به أهل المدينة، فقالوا: عان فقيهنا، وعان أهل بلدنا.
قال جويرية بن أسماء: حدثني أشعب الطمع، قال: قال لي سالم: لا تسأل أحدا غير الله تعالى.
وقال فطر بن خليفة: رأيت سالم بن عبد الله أبيض الرأس واللحية.
وقال معن بن عيسى: حدثني خالد بن أبي بكر، قال: رأيت على سالم قلنسوة بيضاء، وعمامة بيضاء يسدل منها خلفه أكثر من شبر.
قال أيوب السختياني: أتينا سالم بن عبد الله وهو في قميص وجبة قد اتزر فوقها.(أعلام/1722)
قال نافع: كان سالم يركب في عهد ابن عمر بالقطيفة الأرجوان.
قال ابن سعد أخبرت عن عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، عن ابن المسيب، قال: أشبه ولد ابن عمر به سالم.
وقيل: كان سالم يركب حمارا عتيقا زريا، فعمد أولاده فقطعوا ذنبه حتى لا يعود يركبه سالم، فركب وهو أقطش الذنب، فعمدوا فقطعوا أذنه، فركبه ولم يغيره ذلك، ثم جدعوا أذنه الأخرى ; وهو مع ذلك يركبه تواضعا واطراحا للتكلف.
الأصمعي، عن أشعب، قال: دخلت على سالم بن عبد الله فقال: حمل إلينا هريسة وأنا صائم، فاقعد كل. قال: فأمعنت، فقال: ارفق فما بقي يحمل معك. قال: فرجعت، فقالت المرأة: يا مشئوم بعث عبد الله بن عمرو بن عثمان يطلبك، وقلت: إنك مريض! قال: أحسنت، فدخل حماما وتمرج بدهن وصفرة، قال: وعصبت رأسي، وأخذت قصبة أتوكأ عليها وأتيته، فقال: أشعب؟ قلت: نعم، جعلت فداك، ما قمت منذ شهرين. قال: وعنده سالم ولم أشعر، فقال: ويحك يا أشعب، وغضب وخرج، فقال عبد الله: ما غضب خالي سالم إلا من شيء، فاعترفت له، فضحك هو وجلساؤه. ووهب لي، فخرجت فإذا أشعب قد لقي سالما فقال: ويحك، ألم تأكل عندي الهريسة؟ قلت: بلى، فقال: والله لقد شككتني.
وحكى الأصمعي، أن أشعب مر في طريق، فعبث به الصبيان، فقال: ويحكم، سالم يقسم جوزا أو تمرا، فمروا يعدون، فغدا أشعب معهم، وقال: ما يدريني لعله حق.
مات سالم في سنة ست ومائة. قاله ابن شوذب، وعطاف بن خالد، وضمرة، وأبو نعيم، وعدة. زاد بعضهم: في ذي القعدة، وقال بعضهم: في ذي الحجة. فصلى عليه هشام بن عبد الملك بعد انصرافه من الحج.
وقال خليفة، وأبو أمية بن يعلى: سنة سبع ومائة.
وقال الهيثم بن عدي، وأبو عمر الضرير: سنة ثمان. والأول أصح.(أعلام/1723)
قال الحافظ ابن عساكر: قدم سالم الشام وافدا على عبد الملك ببيعة والده له، ثم قدم على الوليد، ثم على عمر بن عبد العزيز.
قال يحيى بن سعيد: قلت لسالم في حديث: أسمعته من ابن عمر؟ فقال: مرة واحدة! أكثر من مائة مرة.
قال همام، عن عطاء بن السائب: دفع الحجاج رجلا إلى سالم بن عبد الله ليقتله، فقال للرجل: أمسلم أنت؟ قال: نعم: قال: فصليت اليوم الصبح؟ قال: نعم، فرد إلى الحجاج، فرمى بالسيف، وقال: ذكر أنه مسلم، وأنه صلى الصبح، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من صلى الصبح فهو في ذمة الله " فقال: لسنا نقتله على صلاة، ولكنه ممن أعان على قتل عثمان، فقال: هاهنا من هو أولى بعثمان مني. فبلغ ذلك ابن عمر فقال: مكيس مكيس.
قال ابن عيينة: دخل هشام الكعبة، فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال: سلني حاجة. قال: إني أستحيي من الله أن أسأل في بيته غيره. فلما خرجا قال: الآن فسلني حاجة، فقال له سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ فقال: من حوائج الدنيا. قال: والله ما سألت الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها.
وكان سالم حسن الخلق، فروي عن إبراهيم بن عقبة، قال: كان سالم إذا خلا حدثنا حديث الفتيان.
وعن أبي سعد قال: كان سالم غليظا كأنه حمال. وقيل: كان على سمت أبيه في عدم الرفاهية.
حماد بن عيسى الجهني، حدثنا حنظلة، عن سالم، عن أبيه، عن عمر، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مد يديه في الدعاء، لم يرسلهما حتى يمسح بهما وجهه.
تفرد به حماد، وفيه لين.(أعلام/1724)
ست الكتبة
اسمها نعمة بنت علي بن يحيى بن علي بن الطراح.
سمعت من جدها كتاب " الكفاية " للخطيب، وكتاب " البخلاء " له، وكتاب " الجامع " وكتاب " السابق واللاحق " وكتاب " القنوت " وأشياء.
وسمعت من أبي شجاع البسطامي. وأجاز لها محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني والفراوي.
حدث عنها الضياء، وابن خليل، واليلداني، والمنذري، وابن أبي عمر، والفخر علي وجماعة.
ولدت سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وقيل: سنة ثماني عشرة وقيل سنة أربع وعشرين.
وتوفيت بدمشق في الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة أربع وستمائة.(أعلام/1725)
سحنون
الإمام العلامة، فقيه المغرب، أبو سعيد، عبد السلام بن حبيب بن حسان بن هلال بن بكار بن ربيعة بن عبد الله التنوخي، الحمصي الأصل، المغربي القيرواني المالكي، قاضي القيروان وصاحب " المدونة "، ويلقب بسحنون ارتحل وحج.
وسمع من: سفيان بن عيينة، والوليد بن مسلم، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن القاسم، ووكيع بن الجراح، وأشهب، وطائفة.
ولم يتوسع في الحديث كما توسع في الفروع.
لازم ابن وهب، وابن القاسم، وأشهب، حتى صار من نظرائهم. وساد أهل المغرب في تحرير المذهب، وانتهت إليه رئاسة العلم. وعلى قوله المعول بتلك الناحية، وتفقه به عدد كثير. وكان قد تفقه أولا بإفريقية على ابن غانم وغيره. وكان ارتحاله في سنة ثمان وثمانين ومائة، وكان موصوفا بالعقل والديانة التامة والورع، مشهورا بالجود والبذل، وافر الحرمة، عديم النظير.
أخذ عنه: ولده محمد فقيه القيروان، وأصبغ بن خليل القرطبي، وبقي بن مخلد، وسعيد بن نمر الغافقي الإلبيري الفقيه، وعبد الله بن غافق التونسي، ومحمد بن عبد الله بن عبدوس المغربي، ووهب بن نافع فقيه قرطبة، ويحيى بن القاسم بن هلال الزاهد، ومطرف بن عبد الرحمن المرواني مولاهم، ويحيى بن عمر الكناني الأندلسي، وعيسى بن مسكين، وحمديس، وابن مغيث، وابن الحداد، وعدد كثير من الفقهاء. فعن أشهب قال: ما قدم علينا أحد مثل سحنون. وعن يونس بن عبد الأعلى قال: سحنون سيد أهل المغرب.
وروي عن ابن عجلان الأندلسي قال: ما بورك لأحد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه ما بورك لسحنون في أصحابه. فإنهم كانوا في كل بلد أئمة.
وروي عن سحنون قال: من لم يعمل بعلمه، لم ينفعه علمه، بل يضره.
وقال سحنون: إذا أتى الرجل مجلس القاضي ثلاثة أيام متوالية بلا حاجة، فينبغي أن لا تقبل شهادته.(أعلام/1726)
وسئل سحنون: أيسع العالم أن يقول: لا أدري فيما يدري؟ قال: أما ما فيه كتاب أو سنة ثابتة فلا، وأما ما كان من هذا الرأي، فإنه يسعه ذلك، لأنه لا يدري أمصيب هو أم مخطئ.
قال الحافظ أحمد بن خالد: كان محمد بن وضاح لا يفضل أحدا ممن لقي على سحنون في الفقه وبدقيق المسائل.
وعن سحنون قال: أكل بالمسكنة، ولا أكل بالعلم. محب الدنيا أعمى، لم ينوره العلم. ما أقبح بالعالم أن يأتي الأمراء، والله ما دخلت على السلطان إلا وإذا خرجت حاسبت نفسي، فوجدت عليها الدرك، وأنتم ترون مخالفتي لهواه، وما ألقاه به من الغلظة، والله ما أخذت، ولا لبست لهم ثوبا.
وعن سحنون قال: كان بعض من مضى يريد أن يتكلم بالكلمة، ولو تكلم بها لانتفع بها خلق كثير، فيحبسها، ولا يتكلم بها مخافة المباهاة. وكان إذا أعجبه الصمت تكلم، ويقول: أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علما.
وعنه قال: أنا أحفظ مسائل فيها ثمانية أقاويل من ثمانية أئمة، فكيف ينبغي أن أعجل بالجواب؟ .
وقيل: إن زيادة الله الأمير بعث يسأل سحنونا عن مسألة، فلم يجبه، فقال له محمد بن عبدوس: اخرج من بلد القوم، أمس ترجع عن الصلاة خلف قاضيهم، واليوم لا تجيبهم؟ ! . قال: أفأجيب من يريد أن يتفكه، يريد أن يأخذ قولي وقول غيري، ولو كان شيئا يقصد به الدين لأجبته.
وعنه قال: ما وجدت من باع آخرته بدنيا غيره إلا المفتي.
وعن عبد الجبار بن خالد قال: كنا نسمع من سحنون بقريته، فصلى الصبح، وخرج، وعلى كتفه محراث، وبين يديه زوج بقر. فقال لنا: حم الغلام البارحة، فأنا أحرث اليوم عنه، وأجيئكم. فقلت: أنا أحرث عنك، فقرب إلي غداءه، خبز شعير وزيتا.
وعن إسماعيل بن إبراهيم قال: دخلت على سحنون، وهو يومئذ قاض، وفي عنقه تسبيح يسبح به.
وعن أبي داود العطار قال: باع سحنون زيتونا له بثمانمائة، فدفعها إلي، ففرقتها عنه صدقة.(أعلام/1727)
وقيل: كان إذا قرئت عليه " مغازي " ابن وهب تسيل دموعه، وإذا قرئ عليه " الزهد " لابن وهب يبكي.
وعن يحيى بن عون: قال: دخلت مع سحنون على ابن القصار وهو مريض، فقال: ما هذا القلق؟ قال له: الموت والقدوم على الله. قال له سحنون: ألست مصدقا بالرسل والبعث والحساب، والجنة والنار، وأن أفضل هذه الأمة أبو بكر، ثم عمر، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يرى يوم القيامة، وأنه على العرش استوى، ولا تخرج على الأئمة بالسيف، وإن جاروا. قال: إي والله، فقال: مت إذا شئت، مت إذا شئت.
وعن سحنون قال: كبرنا وساءت أخلاقنا، ويعلم الله ما أصيح عليكم إلا لأؤدبكم. وعن سحنون قال: ما عميت علي مسألة إلا وجدت فرجها في كتب ابن وهب.
وقيل: إن طالبا قال: رأيت في النوم كأن سحنونا يبني الكعبة، قال: فغدوت إليه، فوجدته يقرأ للناس " مناسك الحج " الذي جمعه.
وقيل: إنه سمع من حفص بن غياث، وإسحاق الأزرق، ووكيع، ويحيى بن سليم الطائفي، وعبد الله بن طليب المرادي، وبهلول بن راشد، وعلي بن زياد التونسي، وعبد الله بن عمر بن غانم الرعيني، وشعيب بن الليث المصري، ومعن القزاز، وأبي ضمرة الليثي، ويزيد بن هارون، وعدة.
قال أبو العرب عمن حدثه: كان الذين يحضرون مجلس سحنون من العباد أكثر من الطلبة، كانوا يأتون إليه من أقطار الأرض. ولما ولي سحنون القضاء بأخرة عوتب، فقال: ما زلت في القضاء منذ أربعين سنة، هل الفتيا إلا القضاء؟ . .! قيل: إن الرواة عن سحنون بلغوا تسعمائة.(أعلام/1728)
وأصل " المدونة " أسئلة. سألها أسد بن الفرات لابن القاسم. فلما ارتحل سحنون بها عرضها على ابن القاسم، فأصلح فيها كثيرا، وأسقط، ثم رتبها سحنون، وبوبها. واحتج لكثير من مسائلها بالآثار من مروياته، مع أن فيها أشياء لا ينهض دليلها، بل رأي محض. وحكوا أن سحنونا في أواخر الأمر علم عليها، وهم بإسقاطها وتهذيب " المدونة "، فأدركته المنية رحمه الله. فكبراء المالكية، يعرفون تلك المسائل، ويقررون منها ما قدروا عليه، ويوهنون ما ضعف دليله. فهي لها أسوة بغيرها من دواوين الفقه. وكل أحد فيؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب ذاك القبر -صلى الله عليه وسلم- تسليما. فالعلم بحر بلا ساحل، هو مفرق في الأمة، موجود لمن التمسه.
وتفسير سحنون بأنه اسم طائر بالمغرب، يوصف بالفطنة والتحرز، وهو بفتح السين وبضمها. توفي الإمام سحنون في شهر رجب سنة أربعين ومائتين. وله ثمانون سنة، وخلفه ولده محمد.
قرأت في " تاريخ القيروان " لأبي بكر عبد الله بن محمد المالكي قال: قال أبو العرب: اجتمعت في سحنون خلال قلما اجتمعت في غيره: الفقه البارع، والورع الصادق، والصرامة في الحق، والزهادة في الدنيا، والتخشن في الملبس والمطعم، والسماحة. كان ربما وصل إخوانه بالثلاثين دينارا، وكان لا يقبل من أحد شيئا. ولم يكن يهاب سلطانا في حق، شديدا على أهل البدع، انتشرت إمامته، وأجمعوا على فضله، قدم به أبوه مع جند الحمصيين، وهو من تنوخ صليبة.
وعن سحنون قال: حججت زميل ابن وهب.
وقال عيسى بن مسكين: سحنون راهب هذه الأمة، ولم يكن بين مالك وسحنون أحد أفقه من سحنون.
وعن سحنون قال: إني حفظت هذه الكتب، حتى صارت في صدري كأم القرآن. وعنه قال: إني لأخرج من الدنيا، ولا يسألني الله عن مسألة قلت فيها برأيي، وما أكثر ما لا أعرف. وعنه: سرعة الجواب بالصواب أشد فتنة من فتنة المال.(أعلام/1729)
سريج بن النعمان (خ، 4)
ابن مروان، الإمام أبو الحسين. وقيل: أبو الحسن البغدادي الجوهري اللؤلؤي.
حدث عن: فليح بن سليمان، وحماد بن سلمة، ونافع بن عمر المكي، وعبد الله بن المؤمل المخزومي، وحشرج بن نباتة، وأبي عوانة، وحماد بن زيد، وطبقتهم.
حدث عنه: البخاري، والباقون بواسطة سوى مسلم، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن منيع، ومحمد بن رافع، وإسماعيل سمويه، وأبو بكر الصاغاني، وأبو زرعة الرازي، وإبراهيم الحربي، وخلق كثير.
وقد روى البخاري -أيضا- عن رجل عنه.
وثقه أبو داود، وقد غلط في أحاديث.
وقال النسائي وغيره: ليس به بأس.
قلت: كان من أعيان المحدثين.
قال حنبل: توفي يوم الأضحى سنة سبع عشرة ومائتين.
قلت: فيها مات حجاج بن منهال وموسى بن داود الضبي وهشام بن إسماعيل العطار العابد، وعمرو بن مسعدة كاتب السر للمأمون وإسماعيل بن مسلمة القعنبي.(أعلام/1730)
سعد بن أبي وقاص (ع)
واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. الأمير أبو إسحاق القرشي الزهري المكي. أحد العشرة، وأحد السابقين الأولين، وأحد من شهد بدرا والحديبية، وأحد الستة أهل الشورى.
روى جملة صالحة من الحديث، وله في " الصحيحين " خمسة عشر حديثا، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بثمانية عشر حديثا.
حدث عنه ابن عمر، وعائشة، وابن عباس، والسائب بن يزيد، وبنوه: عامر، وعمر، ومحمد ومصعب، وإبراهيم، وعائشة، وقيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وعمرو بن ميمون، والأحنف بن قيس، وعلقمة بن قيس، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ومجاهد، وشريح بن عبيد الحمصي، وأيمن المكي، وبشر بن سعيد، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو صالح ذكوان، وعروة بن الزبير، وخلق سواهم.
أخبرنا محمد بن عبد السلام بن المطهر التميمي، أنبأنا عبد المعز بن محمد، في كتابه، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة، عن أبي عون: سمعت جابر بن سمرة قال: قال عمر لسعد: قد شكوك في كل شيء حتى في الصلاة. قال: أما أنا، فإني أمد في الأوليين وأحذف في الأخريين، وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ذاك الظن بك، أو كذاك الظن بك.
أبو عون الثقفي. هو محمد بن عبيد الله، متفق عليه.(أعلام/1731)
وبه إلى أبي يعلى، حدثنا زهير، حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثنا يونس بن أبي إسحاق، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد، حدثني والدي، عن أبيه قال: مررت بعثمان في المسجد، فسلمت عليه، فملأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام. فأتيت عمر، فقلت: يا أمير المؤمنين، هل حدث في الإسلام شيء؟ قال: وما ذاك؟ قلت: إني مررت بعثمان آنفا، فسلمت، فلم يرد علي. فأرسل عمر إلى عثمان، فأتاه، فقال: ما يمنعك أن تكون رددت على أخيك السلام؟ قال: ما فعلت. قلت: بلى، حتى حلف وحلفت، ثم إنه ذكر فقال: بلى، فأستغفر الله وأتوب إليه، إنك مررت بي آنفا، وأنا أحدث نفسي بكلمة سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا والله ما ذكرتها قط إلا يغشى بصري وقلبي غشاوة. فقال سعد: فأنا أنبئك بها. إن رسول الله، ذكر لنا أول دعوة، ثم جاءه أعرابي فشغله، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتبعته، فلما أشفقت أن يسبقني إلى منزله، ضربت بقدمي الأرض، فالتفت إلي، فالتفت، فقال: " أبو إسحاق؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: فمه؟ قلت لا والله، إلا أنك ذكرت لنا أول دعوة ثم جاء هذا الأعرابي. فقال: نعم، دعوة ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنها لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له ".
أخرجه الترمذي من طريق الفريابي، عن يونس.
ابن وهب: حدثني أسامة بن زيد الليثي، حدثني ابن شهاب أن عبد الرحمن بن المسور قال: خرجت مع أبي، وسعد، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث عام أذرح. فوقع الوجع بالشام، فأقمنا بسرغ خمسين ليلة، ودخل علينا رمضان، فصام المسور وعبد الرحمن، وأفطر سعد وأبى أن يصوم، فقلت له: يا أبا إسحاق، أنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشهدت بدرا، وأنت تفطر وهما صائمان؟ قال: أنا أفقه منهما.(أعلام/1732)
ابن جريج: حدثني زكريا بن عمرو أن سعد بن أبي وقاص وفد على معاوية، فأقام عنده شهرا يقصر الصلاة، وجاء شهر رمضان، فأفطره. منقطع.
شعبة وغيره: عن حبيب بن أبي ثابت سمعت عبد الرحمن بن المسور قال: كنا في قرية من قرى الشام يقال لها عمان، ويصلي سعد ركعتين، فسألناه، فقال: إنا نحن أعلم.
ابن عيينة، عن عمرو قال: شهد سعد وابن عمر الحكمين.
ابن عيينة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن سعد: قلت: يا رسول الله، من أنا؟ قال: سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة، من قال غير هذا، فعليه لعنة الله.
قال ابن سعد: وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
قال ابن منده: أسلم سعد ابن سبع عشرة سنة. وكان قصيرا، دحداحا، شثن الأصابع، غليظا، ذا هامة. توفي بالعقيق في قصره، على سبعة أميال من المدينة. وحمل إليها سنة خمس وخمسين.
الواقدي: عن بكير بن مسمار عن عائشة بنت سعد قالت: كان أبي رجلا قصيرا، دحداحا، غليظا، ذا هامة، شثن الأصابع، أشعر، يخضب بالسواد.
وعن إسماعيل بن محمد بن سعد قال: كان سعد جعد الشعر، أشعر الجسد، آدم، أفطس، طويلا.
يعقوب بن محمد الزهري: أنبأنا إسحاق بن جعفر، وعبد العزيز بن عمران، عن عبد الله بن جعفر بن المسور، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمير بن أبي وقاص عن بدر، استصغره، فبكى عمير، فأجازه، فعقدت عليه حمالة سيفه، ولقد شهدت بدرا وما في وجهي شعرة واحدة أمسحها بيدي.
جماعة: عن هاشم بن هاشم، عن سعيد بن المسيب، سمعت سعدا يقول: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت، ولقد مكثت سبع ليال وإني لثلث الإسلام.
وقال يوسف بن الماجشون: سمعت عائشة بنت سعد تقول: مكث أبي يوما إلى الليل وإنه لثلث الإسلام.(أعلام/1733)
إسماعيل بن أبي خالد: عن قيس قال: قال سعد بن مالك: ما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه لأحد قبلي. ولقد رأيته ليقول لي: " يا سعد، ارم فداك أبي وأمي ". وإني لأول المسلمين رمى المشركين بسهم. ولقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق السمر، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام، لقد خبت إذا وضل سعيي.
متفق عليه، رواه جماعة عن إسماعيل.
وروى المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن: أول من رمى بسهم في سبيل الله سعد، وإنه من أخوال النبي - صلى الله عليه وسلم.
حاتم بن إسماعيل: عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع له أبويه. قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين. فقال رسول الله: " ارم فداك أبي وأمي ". فنزعت بسهم ليس فيه نصل، فأصبت جبهته، فوقع وانكشفت عورته، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه.
عبد الله بن مصعب: حدثنا موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: قتل سعد يوم أحد بسهم رمي به، فقتل، فرد عليهم فرموا به، فأخذه سعد، فرمى به الثانية، فقتل، فرد عليهم، فرمى به الثالثة، فقتل، فعجب الناس مما فعل. إسناده منقطع.
ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، عن بعض آل سعد، عن سعد: أنه رمى يوم أحد، قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يناولني النبل ويقول: " ارم فداك أبي وأمي ". حتى إنه ليناولني السهم ما له من نصل، فأرمي به.
قال ابن المسيب: كان جيد الرمي، سمعته يقول: جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه يوم أحد.(أعلام/1734)
أخرجه البخاري. وقد ساقه الحافظ ابن عساكر من بضعة عشر وجها. وساق حديث ابن أبي خالد عن قيس من سبعة عشر طريقا بألفاظها، وبمثل هذا كبر تاريخه. وساق حديث عبد الله بن شداد عن علي: ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع أبويه لأحد غير سعد، من ستة عشر وجها. رواه مسعر وشعبة وسفيان، عن سعد بن إبراهيم، عنه.
ابن عيينة: عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب قال: قال علي: ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع أبويه لأحد غير سعد.
تفرد به ابن عيينة، وقد رواه شعبة وزائدة، وغيرهما عن يحيى بن سعيد، عن سعد، وهو أصح. ابن زنجويه: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن أيوب، عن عائشة بنت سعد، سمعتها تقول: أنا ابنة المهاجر الذي فداه رسول الله يوم أحد بالأبوين.
الأعمش: عن إبراهيم، قال: عبد الله بن مسعود: لقد رأيت سعدا يقاتل يوم بدر قتال الفارس في الرجال. رواه بعضهم عن الأعمش فقال: عن إبراهيم، عن علقمة.
يونس بن بكير: عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، عن الزهري قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فيها سعد بن أبي وقاص إلى جانب من الحجاز يدعى رابغ، وهو من جانب الجحفة. فانكفأ المشركون على المسلمين، فحماهم سعد يومئذ بسهامه، فكان هذا أول قتال في الإسلام، فقال سعد:
ألا هل أتى رسول الله أني
حميت صحابتي بصدور نبلي
فما يعتد رام في عدو
بسهم يا رسول الله قبلي
وفي البخاري لمروان بن معاوية: أخبرني هاشم بن هاشم، سمعت سعيد بن المسيب، سمعت سعدا يقول: نثل لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنانته يوم أحد وقال: " ارم، فداك أبي وأمي ". أنبأنا به أحمد بن سلامة، عن ابن كليب، أنبأنا ابن بيان، أنبأنا ابن مخلد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا مروان فذكره.(أعلام/1735)
القعنبي وخالد بن مخلد قالا: حدثنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن عائشة قالت: أرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فقال: " ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة ". قالت: فسمعنا صوت السلاح، فقال رسول الله: من هذا؟ قال سعد بن أبي وقاص: أنا يا رسول الله جئت أحرسك، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سمعت غطيطه.(أعلام/1736)
سعد بن الربيع
ابن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج.
الأنصاري الخزرجي الحارثي البدري النقيب الشهيد الذي آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عبد الرحمن بن عوف، فعزم على أن يعطي عبد الرحمن شطر ماله، ويطلق إحدى زوجتيه، ليتزوج بها، فامتنع عبد الرحمن من ذلك، ودعا له. وكان أحد النقباء ليلة العقبة.
ابن إسحاق: عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ فقال رجل من الأنصار: أنا. فخرج يطوف في القتلى، حتى وجد سعدا جريحا مثبتا بآخر رمق، فقال: يا سعد، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: فإني في الأموات، فأبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام وقل: إن سعدا يقول: جزاك الله عني خير ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك مني السلام، وقل لهم: إن سعدا يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف.
عبد الله بن محمد بن عقيل: عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد، فقالت: يا رسول الله، هاتان بنتا سعد، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالا، ولا تنكحان إلا ولهما مال، قال: يقضي الله في ذلك. فأنزلت آية المواريث، فبعث إلى عمهما فقال: أعط بنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك.(أعلام/1737)
عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه قال: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد أطلب سعد بن الربيع، فقال لي: إن رأيته، فأقره مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله: كيف تجدك؟ فطفت بين القتلى، فأصبته وهو في آخر رمق، وبه سبعون ضربة، فأخبرته، فقال: على رسول الله السلام وعليك، قل له: يا رسول الله، أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيكم شفر يطرف، قال: وفاضت نفسه، - رضي الله عنه -.
أخرجه البيهقي، ثم ساقه بنحوه من طريق ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة نحو ما مر.
ونقل ابن عبد البر عن مالك بن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من يأتينا بخبر سعد؟ فقال رجل: أنا. فذهب يطوف بين القتلى، فوجده وبه رمق، فقال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لآتيه بخبرك، قال: فاذهب فأقره مني السلام، وأخبره أنني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة، وقد أنفذت مقاتلي.(أعلام/1738)
سعد بن خيثمة
ابن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم أبو عبد الله الأنصاري الأوسي البدري النقيب، أخو أبي ضياح النعمان بن ثابت لأمه.
انقرض عقبه سنة مائتين.
وكان ابن الكلبي يخالف في النحاط، ويجعله الحناط بن كعب.
آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبي سلمة بن عبد الأسد.
قالوا: وكان أحد النقباء الاثني عشر.
ولما ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين يوم بدر فأسرعوا، قال خيثمة لابنه سعد: آثرني بالخروج، وأقم مع نسائك. فأبى وقال: لو كان غير الجنة، آثرتك به. فاقترعا، فخرج سهم سعد فخرج، واستشهد ببدر واستشهد أبوه خيثمة يوم أحد.(أعلام/1739)
سعد بن عبادة
ابن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج.
السيد الكبير الشريف أبو قيس الأنصاري الخزرجي الساعدي المدني، النقيب سيد الخزرج.
له أحاديث يسيرة وهي عشرون بالمكرر.
مات قبل أوان الرواية، روى عنه سعيد بن المسيب، والحسن البصري، مرسل. له عند أبي داود، والنسائي حديثان.
قال أبو الأسود: عن عروة إنه شهد بدرا، وقال جماعة: ما شهدها.
قال ابن سعد: كان يتهيأ للخروج إلى بدر، ويأتي دور الأنصار يحضهم على الخروج، فنهش، فأقام، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لإن كان سعد ما شهد بدرا، لقد كان حريصا عليها ".
قال: وكان عقبيا نقيبا سيدا جوادا.
ولما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة كان يبعث إليه كل يوم جفنة من ثريد اللحم أو ثريد بلبن أو غيره، فكانت جفنة سعد تدور مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيوت أزواجه.
وقال البخاري في " تاريخه ": إنه شهد بدرا. وتبعه ابن منده.
وممن روى عنه أولاده: قيس، وسعيد، وإسحاق، وابن عباس. وسكن دمشق - فيما نقل ابن عساكر - قال: ومات بحوران، وقيل: قبره بالمنيحة.
روى ابن شهاب: عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن سعد بن عبادة أن أمه ماتت وعليها نذر، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمرني أن أقضيه عنها.
والأكثر جعلوه من مسند ابن عباس.
أحمد في " مسنده ": حدثنا يونس، حدثنا حماد، حدثنا عبد الرحمن بن أبي شميلة، عن رجل رده إلى سعيد الصراف، عن إسحاق بن سعد بن عبادة، عن أبيه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن هذا الحي من الأنصار مجنة، حبهم إيمان، وبغضهم نفاق ".
قال موسى بن عقبة والجماعة: إنه أحد النقباء ليلة العقبة.(أعلام/1740)
وعن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل، قال: جاء سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، يمتاران لأهل العقبة وقد خرج القوم، فنذر بهما أهل مكة. فأخذ سعد، وأفلت المنذر. قال سعد: فضربوني حتى تركوني كأني نصب أحمر - يحمر النصب من دم الذبائح عليه - قال: فخلا رجل كأنه رحمني، فقال: ويحك! أما لك بمكة من تستجير به؟ قلت: لا، إلا أن العاص بن وائل قد كان يقدم علينا المدينة فنكرمه. فقال رجل من القوم: ذكر ابن عمي، والله لا يصل إليه أحد منكم. فكفوا عني، وإذا هو عدي بن قيس السهمي.
حجاج بن أرطاة: عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: كان لواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع علي، ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة.
رواه أبو غسان النهدي، عن إبراهيم بن الزبرقان، عنه.
معمر: عن عثمان الجزري، عن مقسم - لا أعلمه إلا عن ابن عباس -: إن راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت تكون مع علي، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة.
حماد بن سلمة: عن ثابت، عن أنس، قال: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إقفال أبي سفيان قال: " أشيروا علي ". فقام أبو بكر، فقال: اجلس. فقام سعد بن عبادة. فقال: لو أمرتنا يا رسول الله أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا.
أبو حذيفة: حدثنا سفيان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: " من جاء بأسير فله سلبه ". فجاء أبو اليسر بأسيرين، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله، حرسناك مخافة عليك. فنزلت يسألونك عن الأنفال.
ورواه عبد الرزاق، عن سفيان.(أعلام/1741)
علي بن بحر: حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل، حدثنا أبي عن جدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب المرأة ويصدقها، ويشرط لها " صحفة سعد تدور معي إذا درت إليك ". فكان يرسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصحفة كل ليلة.
محمد بن إسحاق بن يسار، عن أبيه مرسلا نحوه.
الأوزاعي: عن يحيى بن أبي كثير: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - من سعد كل يوم جفنة تدور معه حيث دار، وكان سعد يقول: اللهم ارزقني مالا ; فلا تصلح الفعال إلا بالمال.
أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما نزلت والذين يرمون المحصنات قال سعد سيد الأنصار: هكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يا معشر الأنصار، ألا تسمعون إلى ما يقول سيدكم؟ " قالوا: لا تلمه ; فإنه غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا، ولا طلق امرأة قط، فاجترأ أحد يتزوجها. فقال سعد: يا رسول الله، والله لأعلم أنها حق، وأنها من الله، ولكني قد تعجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، فلا آتي بهم حتى يقضي حاجته. الحديث.
وفي حديث الإفك: قالت عائشة: فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية فقال: كلا والله لا تقتله ولا تقدر على ذلك.
يعني يرد على سعد بن معاذ سيد الأوس. وهذا مشكل ; فإن ابن معاذ كان قد مات.
جرير بن حازم، عن ابن سيرين: كان سعد بن عبادة يرجع كل ليلة إلى أهله بثمانين من أهل الصفة يعشيهم.
قال عروة: كان سعد بن عبادة يقول: اللهم هب لي حمدا ومجدا، اللهم لا يصلحني القليل، ولا أصلح عليه.(أعلام/1742)
قلت: كان ملكا شريفا مطاعا، وقد التفت عليه الأنصار يوم وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليبايعوه، وكان موعوكا، حتى أقبل أبو بكر والجماعة، فردوهم عن رأيهم، فما طاب لسعد.
الواقدي: حدثنا محمد بن صالح عن الزبير بن المنذر بن أبي أسيد الساعدي أن الصديق بعث إلى سعد بن عبادة: أقبل فبايع ; فقد بايع الناس. فقال: لا والله، لا أبايعكم حتى أقاتلكم بمن معي. فقال بشير بن سعد: يا خليفة رسول الله، إنه قد أبى ولج، فليس يبايعكم حتى يقتل، ولن يقتل حتى يقتل معه ولده وعشيرته، فلا تحركوه ما استقام لكم الأمر، وإنما هو رجل وحده ما ترك. فتركه أبو بكر.
فلما ولي عمر، لقيه فقال: إيه يا سعد! فقال: إيه يا عمر! فقال عمر: أنت صاحب ما أنت صاحبه؟ قال: نعم. وقد أفضى إليك هذا الأمر، وكان صاحبك - والله - أحب إلينا منك، وقد أصبحت كارها لجوارك. قال: من كره ذلك تحول عنه. فلم يلبث إلا قليلا حتى انتقل إلى الشام، فمات بحوران.
إسنادها كما ترى.
ابن عون، عن ابن سيرين أن سعدا بال قائما فمات، فسمع قائل يقول:
قد قتلنا سيد الخز
رج سعد بن عباده
ورميناه بسهمي
ن فلم نخط فؤاده
وقال سعد بن عبد العزيز: أول ما فتحت بصرى، وفيها مات سعد بن عبادة.
وقال أبو عبيد: مات سنة أربع عشرة بحوران.
وروى ابن أبي عروبة: عن ابن سيرين أن سعد بن عبادة بال قائما، فمات، وقال: إني أجد دبيبا.
الأصمعي: حدثنا سلمة بن بلال عن أبي رجاء، قال: قتل سعد بن عبادة بالشام، رمته الجن بحوران.
الواقدي: حدثنا يحيى بن عبد العزيز، من ولد سعد، عن أبيه، قال: توفي سعد بحوران لسنتين ونصف من خلافة عمر، فما علم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان قائلا من بئر يقول:
قد قتلنا سيد الخز
رج سعد بن عباده
ورميناه بسهمي
ن فلم نخط فؤاده(أعلام/1743)
فذعر الغلمان، فحفظ ذلك اليوم، فوجدوه اليوم الذي مات فيه.
وإنما جلس يبول في نفق، فمات من ساعته. ووجدوه قد اخضر جلده.
وقال يحيى بن بكير وابن عائشة وغيرهما: مات بحوران سنة ست عشرة.
وروى المدائني: عن يحيى بن عبد العزيز، عن أبيه، قال: مات في خلافة أبي بكر.
قال ابن سعد: كان سعد يكتب في الجاهلية، ويحسن العوم والرمي.
وكان من أحسن ذلك، سمي الكامل. وكان سعد وعدة آباء له قبله ينادى على أطمهم: من أحب الشحم واللحم، فليأت أطم دليم بن حارثة.(أعلام/1744)
سعد بن معاذ
ابن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل.
السيد الكبير الشهيد أبو عمرو الأنصاري الأوسي الأشهلي، البدري الذي اهتز العرش لموته. ومناقبه مشهورة في الصحاح، وفي السيرة، وغير ذلك.
وقد أوردت جملة من ذلك في تاريخ الإسلام في سنة وفاته.
نقل ابن الكلبي، عن عبد الحميد بن أبي عيسى بن جبر، عن أبيه أن قريشا سمعت هاتفا على أبي قبيس يقول:
فإن يسلم السعدان يصبح محمد
بمكة لا يخشى خلاف المخالف
فقال أبو سفيان: من السعدان؟ سعد بكر، سعد تميم؟ فسمعوا في الليل، الهاتف يقول:
أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا
ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا
على الله في الفردوس منية عارف
فإن ثواب الله للطالب الهدى
جنان من الفردوس ذات رفارف
فقال أبو سفيان: هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة.
أسلم سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير. فقال ابن إسحاق: لما أسلم وقف على قومه، فقال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا فضلا، وأيمننا نقيبة. قال: فإن كلامكم علي حرام، رجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله. قال: فوالله ما بقي في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وأسلموا.(أعلام/1745)
أبو إسحاق: عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود، قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا، فنزل على أمية بن خلف - وكان أمية إذا انطلق إلى الشام يمر بالمدينة فينزل عليه - فقال أمية له: انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس طفت. فبينا سعد يطوف إذ أتاه أبو جهل، فقال: من الذي يطوف آمنا؟ قال: أنا سعد. فقال: أتطوف آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه؟ قال: نعم. فتلاحيا. فقال أمية: لا ترفع صوتك على أبي الحكم ; فإنه سيد أهل الوادي. فقال سعد: والله لو منعتني، لقطعت عليك متجرك بالشام. قال: فجعل أمية يقول: لا ترفع صوتك. فغضب وقال: دعنا منك، فإني سمعت محمدا - صلى الله عليه وسلم - يقول: يزعم أنه قاتلك. قال: إياي؟ قال: نعم. قال: والله ما يكذب محمد. فكاد يحدث فرجع إلى امرأته، فقال: أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي؟ زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي. قالت: والله ما يكذب محمد. فلما خرجوا لبدر قالت امرأته: ما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟ فأراد أن لا يخرج. فقال له أبو جهل: إنك من أشراف أهل الوادي، فسر معنا يوما أو يومين. فسار معهم، فقتله الله.
قال ابن شهاب: وشهد بدرا سعد بن معاذ. ورمي يوم الخندق. فعاش شهرا، ثم انتقض جرحه فمات.
ابن إسحاق: حدثني أبو ليلى عبد الله بن سهل أن عائشة كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق وأم سعد معها، فعبر سعد عليه درع مقلصة قد خرجت منه ذراعه كلها وفي يده حربة يرفل بها ويقول:
لبث قليلا يشهد الهيجا حمل
لا بأس بالموت إذا حان الأجل(أعلام/1746)
يعني: حمل بن بدر. فقالت له أمه: أي بني، قد أخرت. فقلت لها: يا أم سعد، لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي. فرمي سعد بسهم قطع منه الأكحل، رماه ابن العرقة، فلما أصابه قال: خذها مني وأنا ابن العرقة. فقال: عرق الله وجهك في النار. اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي من أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا نبيك وكذبوه وأخرجوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.
هشام: عن أبيه، عن عائشة قالت: رمى سعدا رجل من قريش يقال له: حبان بن العرقة، فرماه في الأكحل، فضرب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيمة في المسجد ليعوده من قريب. قالت: ثم إن كلمه تحجر للبرء. قالت: فدعا سعد، فقال في ذلك: وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل موتتي فيها. فانفجر من لبته، فلم يرعهم إلا والدم يسيل، فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا؟ فإذا جرحه يغذو، فمات منها.
متفق عليه بأطول من هذا.
الليث: عن أبي الزبير، عن جابر، قال: رمي سعد يوم الأحزاب، فقطعوا أكحله، فحسمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنار، فانتفخت يده فتركه، فنزفه الدم، فحسمه أخرى، فانتفخت يده، فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة. فاستمسك عرقه، فما قطرت منه قطرة حتى نزلوا على حكم سعد، فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحكم أن يقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم، قال: وكانوا أربع مائة، فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه.(أعلام/1747)
يزيد بن عبد الله بن الهاد: عن معاذ بن رفاعة، عن جابر، قال: جلس النبي - صلى الله عليه وسلم - على قبر سعد وهو يدفن، فقال: سبحان الله، مرتين. فسبح القوم. ثم قال: الله أكبر، الله أكبر. فكبروا، فقال: عجبت لهذا العبد الصالح، شدد عليه في قبره، حتى كان هذا حين فرج له.
ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم، عن الحسن البصري، قال: كان سعد بادنا، فلما حملوه، وجدوا له خفة. فقال رجال من المنافقين: والله إن كان لبادنا، وما حملنا أخف منه. فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " إن له حملة غيركم. والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد، واهتز له العرش ".
يزيد بن هارون: أنبأنا محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جده، عن عائشة قالت: خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس، فسمعت وئيد الأرض ورائي، فإذا سعد ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه. فجلست، فمر سعد وعليه درع قد خرجت منه أطرافه. وكان من أطول الناس وأعظمهم، فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر فيهم عمر، فقال: ما جاء بك؟ والله إنك لجريئة! ما يؤمنك أن يكون بلاء؟ فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض اشتقت ساعتئذ، فدخلت فيها، وإذا رجل عليه مغفر، فيرفعه عن وجهه، فإذا هو طلحة. فقال: ويحك! قد أكثرت، وأين التحوز والفرار إلا إلى الله.(أعلام/1748)
محمد بن عمرو: عن محمد بن إبراهيم، حدثني علقمة بن وقاص، عن عائشة قالت: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قافلين من مكة حتى إذا كنا بذي الحليفة وأسيد بن حضير بيني وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فيلقى غلمان بني عبد الأشهل من الأنصار. فسألهم أسيد، فنعوا له امرأته. فتقنع يبكي، قلت له: غفر الله لك، أتبكي على امرأة وأنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد قدم الله لك من السابقة ما قدم؟ فقال: ليحق لي أن لا أبكي على أحد بعد سعد بن معاذ. وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ما يقول، قال: قلت: وما سمعت؟ قال: قال: " لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ ".
إسماعيل بن مسلم العبدي: حدثنا أبو المتوكل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الحمى، فقال: من كانت به، فهو حظه من النار. فسألها سعد بن معاذ ربه، فلزمته، فلم تفارقه حتى مات.
أبو الزبير: عن جابر، قال: رمي سعد بن معاذ يوم الأحزاب، فقطعوا أكحله، فحسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنار. فانتفخت يده فنزفه، فحسمه أخرى.
أبو إسحاق: عن عمرو بن شرحبيل، قال: لما انفجر جرح سعد، عجل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأسنده إلى صدره والدماء تسيل عليه. فجاء أبو بكر، فقال: وانكسار ظهراه على سعد! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مهلا أبا بكر ". فجاء عمر فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون رواه شعبة عنه.(أعلام/1749)
محمد بن عمرو: عن أبيه، عن جده، عن عائشة قالت: حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر، سعد بن معاذ، وهو يموت في القبة التي ضربها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد. قالت: والذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، وإني لفي حجرتي، فكانا كما قال الله رحماء بينهم قال علقمة فقلت: أي أمه، كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع؟ قالت: كان لا تدمع عينه على أحد، ولكنه كان إذا وجد، فإنما هو آخذ بلحيته.
يزيد بن هارون: أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل من الأنصار، قال: لما قضى سعد في بني قريظة، ثم رجع، انفجر جرحه، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه فوضع رأسه في حجره، وسجي بثوب أبيض، وكان رجلا أبيض جسيما. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم إن سعدا قد جاهد في سبيلك، وصدق رسولك، وقضى الذي عليه، فتقبل روحه بخير ما تقبلت به روحا ". فلما سمع سعد كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح عينيه، ثم قال: السلام عليك يا رسول الله، إني أشهد أنك رسول الله. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل البيت: " استأذن الله من ملائكته عددكم في البيت ليشهدوا وفاة سعد ". قال: وأمه تبكي وتقول:
ويل أمك سعدا
حزامة وجدا
فقيل لها: أتقولين الشعر على سعد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " دعوها فغيرها من الشعراء أكذب " هذا مرسل.
الواقدي: أنبأنا معاذ بن محمد، عن عطاء بن أبي مسلم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما انفجرت يد سعد بالدم، قام إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتنقه، والدم ينفح من وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولحيته، حتى قضى.(أعلام/1750)
عاصم بن عمر: عن محمود بن لبيد، قال: لما أصيب أكحل سعد، فثقل، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة تداوي الجرحى. فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا مر به يقول: " كيف أمسيت، وكيف أصبحت؟ " فيخبره، حتى كانت الليلة التي نقله قومه فيها وثقل، فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم، وجاء رسول الله، فقيل: انطلقوا به. فخرح وخرجنا معه، وأسرع حتى تقطعت شسوع نعالنا، وسقطت أرديتنا، فشكا ذلك إليه أصحابه، فقال: " إني أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة ". فانتهى إلى البيت، وهو يغسل، وأمه تبكيه وتقول:
ويل أم سعد سعدا
حزامة وجدا
فقال: " كل باكية تكذب إلا أم سعد ". ثم خرج به، قال: يقول له القوم: ما حملنا يا رسول الله ميتا أخف علينا منه. قال: " ما يمنعه أن يخف وقد هبط من الملائكة كذا وكذا لم يهبطوا قط قبل يومهم، قد حملوه معكم ".
شعبة: عن سماك، سمع عبد الله بن شداد يقول: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سعد وهو يكيد نفسه، فقال: " جزاك الله خيرا من سيد قوم، فقد أنجزت ما وعدته، ولينجزنك الله ما وعدك ".
حماد بن سلمة: عن محمد بن زياد، عن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ أن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل إلى سعد، فجيء به محمولا على حمار، وهو مضنى من جرحه، فقال له: " أشر علي في هؤلاء ". قال: إني أعلم أن الله قد أمرك فيهم بأمر أنت فاعله. قال: " أجل، ولكن أشر ". قال: لو وليت أمرهم، لقتلت مقاتلتهم، وسبيت ذراريهم. فقال: " والذي نفسي بيده لقد أشرت علي فيهم بالذي أمرني الله به ".(أعلام/1751)
محمد بن صالح التمار: عن سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: لما حكم سعد في بني قريظة أن يقتل من جرت عليه المواسي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات ".
إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، قال: لم يرق دم سعد حتى أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بساعده، فارتفع الدم إلى عضده. فكان سعد يقول: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من بني قريظة.
الواقدي: حدثني سعيد بن محمد، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن جده، قال: كنت ممن حفر لسعد قبره بالبقيع، فكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا، حتى انتهينا إلى اللحد.
ثم قال ربيح: وأخبرني محمد بن المنكدر، عن محمد بن شرحبيل بن حسنة، قال: أخذ إنسان قبضة من تراب قبر سعد، فذهب بها، ثم نظر فإذا هي مسك. ورواها محمد بن عمرو بن علقمة، عن ابن المنكدر.
الواقدي: أنبأنا عبيد بن جبيرة، عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، قال: كان سعد بن معاذ رجلا أبيض، طوالا، جميلا، حسن الوجه، أعين حسن اللحية، فرمي يوم الخندق، سنة خمس من الهجرة، فمات من رميته تلك وهو يومئذ ابن سبع وثلاثين سنة. فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودفن بالبقيع.(أعلام/1752)
ابن سعد: أنبأنا محمد بن عمر، حدثني إبراهيم بن الحصين، عن داود بن الحصين، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه، قال: لما انتهوا إلى قبر سعد، نزل فيه أربعة: الحارث بن أوس، وأسيد بن الحضير، وأبو نائلة سلكان، وسلمة بن سلامة بن وقش، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقف. فلما وضع في قبره، تغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسبح ثلاثا، فسبح المسلمون حتى ارتج البقيع، ثم كبر ثلاثا، وكبر المسلمون، فسئل عن ذلك، فقال: " تضايق على صاحبكم القبر، وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا هو، ثم فرج الله عنه ".
قلت: هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء ; بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا، وكما يجد من ألم مرضه، وألم خروج نفسه، وألم سؤاله في قبره وامتحانه، وألم تأثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار، ونحو ذلك.
فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد وما هي من عذاب القبر، ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد التقي يرفق الله به في بعض ذلك أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه.
قال الله تعالى: وأنذرهم يوم الحسرة وقال: وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر فنسأل الله - تعالى - العفو واللطف الخفي. ومع هذه الهزات، فسعد ممن نعلم أنه من أهل الجنة، وأنه من أرفع الشهداء - رضي الله عنه -. كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين، ولا روع ولا ألم ولا خوف، سل ربك العافية، وأن يحشرنا في زمرة سعد.
شعبة: حدثنا سعد بن إبراهيم، عن نافع، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن للقبر ضغطة، ولو كان أحد ناجيا منها، نجا منها سعد بن معاذ إسناده قوي.(أعلام/1753)
عقبة بن مكرم: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو نجا أحد من ضمة القبر، لنجا منها سعد.
يزيد بن هارون: أنبأنا محمد بن عمرو، عن واقد بن عمرو بن سعد، قال: دخلت على أنس بن مالك - وكان واقد من أعظم الناس وأطولهم - فقال لي: من أنت؟ قلت: أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ. قال: إنك بسعد لشبيه، ثم بكى، فأكثر البكاء، ثم قال: يرحم الله سعدا، كان من أعظم الناس وأطولهم. بعث رسول الله جيشا إلى أكيدر دومة، فبعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجبة من ديباج منسوج فيها الذهب. فلبسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعلوا يمسحونها وينظرون إليها. فقال: " أتعجبون من هذه الجبة؟ قالوا: يا رسول الله، ما رأينا ثوبا قط أحسن منه. قال: فوالله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن مما ترون ".
قيل: كان سعد بن معاذ وأسعد بن زرارة ابني خالة.(أعلام/1754)
سعد بن ناصر بن عبد العزيز أبو حبيب الشثري
البيانات الشخصية
الاسم: سعد بن ناصر بن عبد العزيز أبو حبيب الشثري
العمل: أستاذ مشارك بكلية الشريعة بالرياض جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
المؤهل: دكتوراه في أصول الفقه مع حفظ القرآن.
من المؤلفات المطبوعة:
1 - المسابقات في الشريعة الإسلامية
2- التقليد وأحكامه في الشريعة
3- عقد الإيجار المنتهي بالتمليك
4- القطع والظن عند الأصوليين
5- تقسيم الشريعة إلى أصول وفروع
6- قوادح الاستدلال بالإجماع
7- مختصر صحيح البخاري
8- التفريق بين الأصول والفروع
9- مقدمة في مقاصد الشريعة
10- عبادات الحج
11- شرح الورقات
12- أخلاقيات الطبيب المسلم
13- مفهوم الغذاء الحلال
14- حقيقة الإيمان وبدع الإرجاء في القديم والحديث
15- حكم زيارة أماكن السيرة
16- آراء الصوفية في أركان الإيمان
17- شرح المنظومة السعدية في القواعد الفقهية
18- القواعد الأصولية المتعلقة بالمسلم غير المجتهد
19- الطرق الشرعية لإنشاء المباني الحكومية
20- العلماء الذين لهم إسهام في الأصول والقواعد الفقهية (1300- 1375) .
الكتب المحققة:
1- روضة الناظر لابن قدامة ومعه نزهة الخاطر العاطر لابن بدران
2- المطالب العالية لابن حجر
3- سنن ابن ماجه
4- مصنف ابن أبي شيبة
من البحوث العلمية المنشورة في المجلات العلمية:
1- المصلحة عند الحنابلة (مجلة البحوث الإسلامية (الإفتاء) .
2- آراء الإمام ابن ماجه الأصولية (مجلة البحوث الإسلامية (الإفتاء) .
3- الاستدلال بالقدر المشترك (مجلة جامعة الإمام) .
4- آراء الإمام البخاري الأصولية (مجلة جامعة الإمام) .
5- التخريج بين الأصول والفروع (مجلة البحوث الفقهية المعاصرة) .
6- تطبيق القواعد الأصولية على حكم الإسراف في الماء (مجلة البحوث الفقهية المعاصرة) .
7- مقاصد الشريعة ووسائلها في المحافظة على ضرورة العرض (مجلة البحوث الفقهية المعاصرة) .(أعلام/1755)
8- المؤلفون في القواعد الفقهية في القرن (14) (مجلة الدرعية) .
9- العلماء الذين لهم إسهام في أصول الفقه (مجلة الدرعية) .
10- قياس العكس (مجلة جامعة أم القرى) .
11- القواعد الأصولية التي يمكن تطبيقها على بحوث الخلايا الجذرية (مجلة المجمع الفقهي بمكة) .
من البحوث التي شارك بها في المؤتمرات:
1- مقاصد الشريعة في محاربات الشائعات (أكاديمية/ صنعاء) .
2-القواعد الأصولية التي تهم العامي في الغرب (وزارة الشئون الإسلامية/ أدنبرة) .
3- استنباط أحكام الجرائم الحديثة (أكاديمية نايف/ الرياض) .
4- الرعاية الشرعية للسجناء (إدارة السجون) .
5- أخلاقيات الطبيب المسلم (المستشفى العسكري بالرياض) .
6- القواعد الفقهية المتعلقة ببحوث الخلايا الجذرية (مدينة الملك عبد العزيز) .
7- الضوابط الشرعية لبحوث الجينات والاستنساخ (مستشفى الملك فيصل التخصصي/ الرياض) .
8- معالجة العقم بالاستنساخ (وزارة الصحة/ جدة) .
9- تغيير جنس الجنين وأثر الصبغات الوراثية في ذلك (وزارة الصحة/ جدة) .
10- التقنية الحيوية: مشروعيتها وضوابطها الشرعية (مستشفى الملك فيصل التخصصي/ جدة) .
التعاون وعضوية اللجان:
1- عضو اللجنة التحضيرية للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية
2- عضو اللجنة الفنية والطلابية للمعاهد العلمية
3- عضو لجنة البحوث الشرعية والاقتصادية بجامعة الإمام
4- عضو مجلس إدارة مؤسسة الحرمين الخيرية
5- عضو اللجنة العلمية بجهاز الإرشاد والتوجيه
6- متعاون مع وزارة الشئون الإسلامية في البرامج الدعوية
7- متعاون مع وزارة الثقافة والإعلام في إعداد بعض البرامج
8- مستشار في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية
9- خطيب جمعة بمدينة الرياض
بقية الأعمال العلمية:
1- لتدريس بجامعة الإمام لمقررات (أصول الفقه – مقاصد الشريعة – القواعد الفقهية) في كليات الشريعة وأصول الدين والدعوة.
2- الإشراف على الرسائل العلمية ومناقشتها.(أعلام/1756)
3- المشاركة في إلقاء الدروس والمحاضرات العامة والدورات التدريبية
4- تحكيم البحوث العلمية للمؤتمرات والمجلات العلمية(أعلام/1757)
سعيد المقبري (ع)
الإمام المحدث الثقة أبو سعد سعيد بن أبي سعيد كيسان الليثي مولاهم المدني المقبري، كان يسكن بمقبرة البقيع.
حدث عن أبيه، وعن عائشة، وأبي هريرة، وسعد بن أبي وقاص وأم سلمة، وابن عمر، وأبي شريح الخزاعي، وأبي سعيد الخدري وعدة وكان من أوعية الحديث.
حدث عنه أولاده عبد الله وسعد، وابن أبي ذئب، وإسماعيل بن أمية، وزيد بن أبي أنيسة، وعبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس، وإبراهيم بن طهمان، والليث بن سعد، وخلق سواهم.
وحديثه مخرج في الصحاح. قال أبو حاتم: صدوق، وقال عبد الرحمن بن حراش: ثقة جليل، وأثبت الناس فيه الليث، وقال ابن سعد: ثقة لكنه اختلط قبل موته بأربع سنين.
قلت: ما أحسبه روى شيئا في مدة اختلاطه، وكذلك لا يوجد له شيء منكر.
توفي سنة خمس وعشرين ومائة، وقيل: توفي سنة ثلاث وعشرين. وقيل: سنة ست وعشرين، وكان من أبناء التسعين.
وقع لنا من عواليه: أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا أكمل بن أبي الأزهر أنبأنا أبو القاسم ابن البناء، أنبأنا محمد بن محمد، أنبأنا أبو بكر بن زنبور، حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا عيسى بن حماد، أنبأنا الليث عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة.(أعلام/1758)
سعيد بن أبي أيوب (ع)
الإمام الحافظ، الثقة أبو يحيى، المصري الفقيه الخزاعي، مولاهم. واسم والده مقلاص. ولد سعيد سنة مائة وحدث عن: أبي عقيل زهرة بن معبد، ويزيد بن أبي حبيب، وجعفر بن ربيعة، وعقيل بن خالد، وعبد الرحيم بن ميمون، وكعب بن علقمة، وطبقتهم. وكان من أوعية العلم.
حدث عنه: ابن جريج، وهو أكبر منه، وابن المبارك، وعبد الله بن وهب، وأبو عبد الرحمن المقرئ، وروح بن صلاح، وطائفة. وثقه يحيى بن معين وغيره. توفي سنة إحدى وستين ومائة.(أعلام/1759)
سعيد بن أبي هلال (ع)
الإمام الحافظ الفقيه أبو العلاء الليثي، مولاهم المصري أحد الثقات.
روى عن نعيم المجمر، وعون بن عبد الله بن عتبة، والقاسم بن أبي بزة، وقتادة، وزيد بن أسلم، وعمارة بن غزية، وأبي بكر بن حزم، ونافع، وابن شهاب. وأرسل عن جابر وغيره.
حدث عنه: خالد بن يزيد، وعمرو بن الحارث، وهشام بن سعد، والليث بن سعد.
قال أبو حاتم: لا بأس به.
مولده سنة سبعين وتوفي سنة خمس وثلاثين ومائة قاله ابن يونس. وقال ابن حبان توفي سنة تسع وأربعين ومائة وقيل: إنه نشأ بالمدينة، وقد حدث عنه سعيد المقبري أحد شيوخه.(أعلام/1760)
سعيد بن أبي هند (ع)
حجازي جليل، من موالي سمرة بن جندب.
حدث عن أبي موسى الأشعري، وابن عباس، وأبي هريرة، وعن عبيدة السلماني، ومطرف بن عبد الله.
حدث عنه ابنه عبد الله، ويزيد بن أبي حبيب، وابن إسحاق، ونافع بن عمر الجمحي، وطائفة.
قال ابن سعد: توفي في خلافة هشام في أولها. قلت: لعله توفي في حدود سنة عشر ومائة.
اتفقوا على الاحتجاج به ومات ابنه عبد الله بن سعيد بن أبي هند سنة سبع وأربعين ومائة. روى البخاري عن رجل عنه، فذلك من عوالي صحيحه.(أعلام/1761)
سعيد بن العاص (م، س)
ابن أبي أحيحة، سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي، والد عمرو بن سعيد الأشدق، ووالد يحيى، القرشي الأموي المدني الأمير. قتل أبوه يوم بدر مشركا، وخلف سعيدا طفلا.
قال أبو حاتم: له صحبة.
قلت: لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عن عمر؛ وعائشة، وهو مقل.
حدث عنه: ابناه، وعروة، وسالم بن عبد الله.
وكان أميرا، شريفا، جوادا، ممدحا، حليما، وقورا، ذا حزم وعقل، يصلح للخلافة.
ولي إمرة المدينة غير مرة لمعاوية. وقد ولي إمرة الكوفة لعثمان بن عفان. وقد اعتزل الفتنة، فأحسن، ولم يقاتل مع معاوية. ولما صفا الأمر لمعاوية، وفد سعيد إليه، فاحترمه، وأجازه بمال جزيل.
ولما كان على الكوفة، غزا طبرستان، فافتتحها، وفيه يقول الفرزدق:
ترى الغر الجحاجح من قريش
إذا ما الأمر ذو الحدثان عالا
قياما ينظرون إلى
كأنهم يرون به هلالا
قال ابن سعد: توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولسعيد تسع سنين أو نحوها. ولم يزل في صحابة عثمان لقرابته منه، فولاه الكوفة لما عزل عنها الوليد بن عقبة، فقدمها وهو شاب مترف، فأضر بأهلها، فوليها خمس سنين إلا أشهرا. ثم قام عليه أهلها، وطردوه، وأمروا عليهم أبا موسى، فأبى، وجدد البيعة في أعناقهم لعثمان، فولاه عثمان عليهم.
وكان سعيد بن العاص يوم الدار مع المقاتلة عن عثمان. ولما سار طلحة والزبير، فنزلوا بمر الظهران، قام سعيد خطيبا، وقال: أما بعد: فإن عثمان عاش حميدا، وذهب فقيدا شهيدا، وقد زعمتم أنكم خرجتم تطلبون بدمه، فإن كنتم تريدون ذا، فإن قتلته على هذه المطي، فميلوا عليهم. فقال مروان: لا بل نضرب بعضهم ببعض. فقال المغيرة: الرأي ما رأى سعيد. ومضى إلى الطائف، وانعزل سعيد بمن اتبعه بمكة، حتى مضت الجمل وصفين.(أعلام/1762)
قال قبيصة بن جابر: سألوا معاوية؛ من ترى للأمر بعدك؟ قال: أما كريمة قريش فسعيد بن العاص، وذكر جماعة.
ابن سعد: حدثنا علي بن محمد، عن يزيد بن عياض، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: خطب سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي بعد عمر، وبعث إليها بمائة ألف، فدخل عليها أخوها الحسين، وقال: لا تزوجيه. فقال الحسن: أنا أزوجه. واتعدوا لذلك، فحضروا، فقال سعيد: وأين أبو عبد الله؟ فقال الحسن: سأكفيك. قال: فلعل أبا عبد الله كره هذا. قال: نعم. قال: لا أدخل في شيء يكرهه. ورجع، ولم يأخذ من المال شيئا.
قال سعيد بن عبد العزيز الدمشقي: إن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن الواقدي: أن سعيدا أصيب بمأمومة يوم الدار، فكان إذا سمع الرعد، غشي عليه.
وقال هشيم: قدم الزبير الكوفة، وعليها سعيد بن العاص، فبعث إلى الزبير بسبعمائة ألف، فقبلها.
وقال صالح بن كيسان: كان سعيد بن العاص يخف بعض الخفة من المأمومة التي أصابته، وهو على ذلك من أوفر الرجال وأحلمهم.
ابن عون: عن عمير بن إسحاق قال: كان مروان يسب عليا رضي الله عنه في الجمع. فعزل بسعيد بن العاص، فكان لا يسبه.
قال ابن عيينة: كان سعيد بن العاص إذا قصده سائل وليس عنده شيء، قال: اكتب علي سجلا بمسألتك إلى الميسرة.
وذكر عبد الأعلى بن حماد: أن سعيد بن العاص استسقى من بيت، فسقوه، واتفق أن صاحب المنزل أراد بيعه لدين عليه، فأدى عنه أربعة آلاف دينار. وقيل: إنه أطعم الناس في قحط حتى نفد ما في بيت المال، وادان، فعزله معاوية.
وقيل: مات وعليه ثمانون ألف دينار.
وعن سعيد، قال: القلوب تتغير، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحا اليوم ذاما غدا.(أعلام/1763)
قال الزبير بن بكار: توفي سعيد بن العاص بقصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة، وحمل إلى البقيع في سنة تسع وخمسين. كذا أرخه خليفة وغيره.
وقال مسدد: مات مع أبي هريرة سنة سبع أو ثمان وخمسين وقال أبو معشر: سنة ثمان.
وقيل: إن عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق سار بعد موت أبيه إلى معاوية، فباعه منزله وبستانه الذي بالعرصة بثلاثمائة ألف درهم. ويقال: بألف ألف درهم. قاله الزبير. وفي ذلك المكان يقول عمرو بن الوليد بن عقبة:
القصر ذو النخل والجمار فوقهما
أشهى إلى النفس من أبواب جيرون
وقد كان سعيد بن العاص أحد من ندبه عثمان لكتابة المصحف لفصاحته، وشبه لهجته بلهجة الرسول - صلى الله عليه وسلم.(أعلام/1764)
سعيد بن المسيب (ع)
ابن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة، الإمام العلم، أبو محمد القرشي المخزومي، عالم أهل المدينة، وسيد التابعين في زمانه. ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه وقيل: لأربع مضين منها بالمدينة.
رأى عمر، وسمع عثمان، وعليا، وزيد بن ثابت، وأبا موسى، وسعدا، وعائشة وأبا هريرة، وابن عباس، ومحمد بن مسلمة، وأم سلمة، وخلقا سواهم. وقيل: إنه سمع من عمر.
وروى عن أبي بن كعب مرسلا، وبلال كذلك، وسعد بن عبادة كذلك، وأبي ذر وأبي الدرداء كذلك، وروايته عن علي، وسعد، وعثمان، وأبي موسى، وعائشة، وأم شريك، وابن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس، وحكيم بن حزام، وعبد الله بن عمرو، وأبيه المسيب، وأبي سعيد في " الصحيحين " وعن حسان بن ثابت، وصفوان بن أمية، ومعمر بن عبد الله، ومعاوية، وأم سلمة، في صحيح مسلم. وروايته عن جبير بن مطعم وجابر، وغيرهما في البخاري. وروايته عن عمر في السنن الأربعة.
وروى -أيضا- عن زيد بن ثابت، وسراقة بن مالك، وصهيب، والضحاك بن سفيان، وعبد الرحمن بن عثمان التيمي، وروايته عن عتاب بن أسيد في السنن الأربعة، وهو مرسل. وأرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أبي بكر الصديق وكان زوج بنت أبي هريرة، وأعلم الناس بحديثه.(أعلام/1765)
روى عنه خلق: منهم إدريس بن صبيح، وأسامة بن زيد الليثي، وإسماعيل بن أمية، وبشير وعبد الرحمن بن حرملة وعبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن، وعبد الكريم الجزري، وعبد المجيد بن سهيل، وعبيد الله بن سليمان العبدي، وعثمان بن حكيم، وعطاء الخراساني، وعقبة بن حريث وعلي بن جدعان، وعلي بن نفيل الحراني، وعمارة بن عبد الله بن طعمة، وعمرو بن شعيب، وعمرو بن دينار، وعمرو بن مرة، وعمرو بن مسلم الليثي، وغيلان بن جرير، والقاسم بن عاصم، وابنه محمد بن سعيد، وقتادة، ومحمد بن صفوان، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة، وأبو جعفر محمد بن علي، ومحمد بن عمرو بن عطاء، والزهري، وابن المنكدر، ومعبد بن هرمز، ومعمر بن أبي حبيبة، وموسى بن وردان، وميسرة الأشجعي، وميمون بن مهران، وأبو سهيل نافع بن مالك، وأبو معشر نجيح السندي، وهو عند الترمذي، وهاشم بن هاشم الوقاصي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويزيد بن قسيط، ويزيد بن نعيم بن هزال، ويعقوب بن عبد الله بن الأشج، ويونس بن سيف، وأبو جعفر الخطمي وأبو قرة الأسدي، من " التهذيب ".
وعنه: الزهري، وقتادة، وعمرو بن دينار، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وبكير بن الأشج، وداود بن أبي هند، وسعد بن إبراهيم، وعلي بن زيد بن جدعان، وشريك بن أبي نمر، وعبد الرحمن بن حرملة وبشر كثير.
وكان ممن برز في العلم والعمل، وقع لنا جملة من عالي حديثه.(أعلام/1766)
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق القرافي، أنبأنا الفتح بن عبد الله الكاتب، أنبأنا محمد بن عمر الشافعي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، ومحمد بن علي بن الداية، قالوا: أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة، أنبأنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري سنة ثمانين وثلاث مائة، أنبأنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي، حدثنا حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلم: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان.
هذا صحيح، عال، فيه دليل على أن هذه الخصال من كبار الذنوب.
أخرجه مسلم عن أبي نصر التمار، عن حماد بن سلمة، فوقع لنا بدلا عاليا مع علوه في نفسه لمسلم ولنا ; فإن أعلى أنواع الإبدال أن يكون الحديث من أعلى حديث صاحب ذلك الكتاب، ويقع لك بإسناد آخر أعلى بدرجة أو أكثر. والله أعلم.
أخبرنا إسحاق الأسدي، أنبأنا يوسف الآدمي (ح) وأنبأنا أحمد بن سلامة قالا: أنبأنا أبو المكارم الأصبهاني، قال يوسف سماعا، وقال الآخر إجازة: أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن داود المكي، حدثنا حبيب كاتب مالك، حدثنا ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال لي جبريل: ليبك الإسلام على موت عمر.
هذا حديث منكر، وحبيب ليس بثقة، مع أن سعيدا عن أبي منقطع.(أعلام/1767)
عبد العزيز بن المختار، عن علي بن زيد، حدثني سعيد بن المسيب بن حزن أن جده حزنا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما اسمك؟ قال: حزن. قال: بل أنت سهل. قال: يا رسول الله، اسم سماني به أبواي وعرفت به في الناس، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال سعيد: فما زلنا تعرف الحزونة فينا أهل البيت.
هذا حديث مرسل، ومراسيل سعيد محتج بها، لكن علي بن زيد ليس بالحجة، وأما الحديث فمروي بإسناد صحيح، متصل، ولفظه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ما اسمك؟ قال: حزن. قال: أنت سهل. فقال لا أغير اسما سمانيه أبي قال سعيد: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد.
العطاف بن خالد: عن أبي حرملة، عن ابن المسيب قال: ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة.
سفيان الثوري: عن عثمان بن حكيم، سمعت سعيد بن المسيب يقول: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد. إسناده ثابت.
حماد بن زيد: حدثنا يزيد بن حازم، أن سعيد بن المسيب كان يسرد الصوم.
مسعر عن سعيد بن إبراهيم، سمع ابن المسيب يقول: ما أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أبو بكر، ولا عمر مني. أسامة بن زيد: عن نافع، أن ابن عمر ذكر سعيد بن المسيب فقال: هو -والله- أحد المفتين.
قال أحمد بن حنبل وغير واحد: مرسلات سعيد بن المسيب صحاح.
وقال قتادة، ومكحول، والزهري، وآخرون، واللفظ لقتادة: ما رأيت أعلم من سعيد بن المسيب.
قال علي بن المديني: لا أعلم في التابعين أحدا أوسع علما من ابن المسيب، هو عندي أجل التابعين.
عبد الرحمن بن حرملة: سمعت ابن المسيب يقول: حججت أربعين حجة.
قال يحيى بن سعيد الأنصاري: كان سعيد يكثر أن يقول في مجلسه: اللهم سلم سلم.
معن: سمعت مالكا يقول: قال ابن المسيب: إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد.(أعلام/1768)
ابن عيينة: عن إبراهيم بن طريف، عن حميد بن يعقوب، سمع سعيد بن المسيب يقول: سمعت من عمر كلمة ما بقي أحد سمعها غيري.
أبو إسحاق الشيباني: عن بكير بن الأخنس، عن سعيد بن المسيب، قال: سمعت عمر على المنبر وهو يقول: لا أجد أحدا جامع فلم يغتسل، أنزل أو لم ينزل، إلا عاقبته.
ابن عيينة: عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، قال: ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر وكانت خلافته عشر سنين وأربعة أشهر.(أعلام/1769)
سعيد بن بشير (4)
الإمام المحدث الصدوق الحافظ أبو عبد الرحمن الأزدي، مولاهم البصري، نزيل دمشق، وقيل: دمشقي رحل به أبوه إلى البصرة. حدث عن: قتادة، وعمرو بن دينار، والزهري، وأبي الزبير.
وعنه: الوليد بن مسلم، وأبو مسهر، وأسد بن موسى، وأبو الجماهر، ويحيى الوحاظي، ومحمد بن بكار بن بلال، وخلق.
قال أبو مسهر: لم يكن في بلدنا أحد أحفظ منه، وهو منكر الحديث. وقال أبو حاتم: محله الصدق سألت أحمد بن صالح: كيف هذه الكثرة له عن قتادة؟ قال: كان أبوه شريكا لأبي عروبة، فأقدم ابنه سعيدا البصرة، فبقي يطلب مع سعيد بن أبي عروبة. وقال ابن سعد: كان قدريا. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي. وقال بقية: سألت شعبة عن سعيد بن بشير، فقال: ذاك صدوق اللسان.
وقال مروان الطاطري: سمعت ابن عيينة يقول: حدثنا سعيد بن بشير، وكان حافظا. وقال دحيم: يوثقونه، كان حافظا. وأما ابن مهدي فروى عنه، ثم ترك. وقال أبو زرعة: لا يحتج به ومحله الصدق. وقال البخاري: يتكلمون في حفظه. وقال ابن معين والنسائي: ضعيف. وقال أبو الجماهر: ما كان قدريا، معاذ الله!
مات سنة ثمان وستين ومائة قاله أبو الجماهر، ومحمد بن بكار. وقال هشام بن عمار: سنة تسع.(أعلام/1770)
سعيد بن جبير (ع)
ابن هشام، الإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله الأسدي الوالبي، مولاهم الكوفي، أحد الأعلام.
روى عن ابن عباس فأكثر وجود، وعن عبد الله بن مغفل، وعائشة، وعدي بن حاتم، وأبي موسى الأشعري في سنن النسائي، وأبي هريرة، وأبي مسعود البدري - وهو مرسل - وعن ابن عمر، وابن الزبير، والضحاك بن قيس، وأنس، وأبي سعيد الخدري.
وروى عن التابعين، مثل أبي عبد الرحمن السلمي. وكان من كبار العلماء.
قرأ القرآن على ابن عباس. قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء وطائفة.(أعلام/1771)
وحدث عنه أبو صالح السمان، وآدم بن سليمان والد يحيى، وأشعث بن أبي الشعثاء، وأيوب السختياني وبكير بن شهاب، وثابت بن عجلان، وأبو المقدام ثابت بن هرمز، وجعفر بن أبي المغيرة، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية، وحبيب بن أبي ثابت، وحبيب بن أبي عمرة، وحسان بن أبي الأشرس، وحصين، والحكم، وحماد، وخصيف الجزري، وزر الهمداني، وزيد العمي، وسالم الأفطس، وسلمة بن كهيل، وسليمان بن أبي المغيرة، وسليمان الأحول، وسليمان الأعمش، وسماك بن حرب، وأبو سنان ضرار بن مرة، وطارق بن عبد الرحمن، وطلحة بن مصرف، وأبو سنان طلحة بن نافع، وأبو حريز عبد الله بن حسين، وابنه عبد الله بن سعيد، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وعبد الله بن عيسى بن أبي ليلى، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وعبد الكريم الجزري، وعبد الكريم أبو أمية البصري، وابنه عبد الملك بن سعيد، وعبد الملك بن أبي سليمان، وعبد الملك بن ميسرة، وعثمان بن حكيم، وعثمان بن أبي سليمان، وعثمان بن قيس، وعدي بن ثابت، وعزرة بن عبد الرحمن، وعطاء بن السائب، وعكرمة بن خالد، وعلي بن بذيمة، وعمار الدهني، وعمرو بن دينار، وعمرو بن سعيد البصري، وعمرو بن عمرو المدني، وعمرو بن مرة، وعمرو بن هرم، وفرقد السبخي، وفضيل بن عمرو الفقيمي، والقاسم بن أبي أيوب، والقاسم بن أبي بزة، وكثير بن كثير بن المطلب، وكلثوم بن جبر، ومالك بن دينار، ومجاهد رفيقه، ومحمد بن سوقة، ومحمد بن أبي محمد، والزهري، ومحمد بن واسع، ومسعود بن مالك، ومسلم البطين، والمغيرة بن النعمان، ومنصور بن حيان، ومنصور بن المعتمر، والمنهال بن عمرو، وموسى بن أبي عائشة، وأبو شهاب الحناط الأكبر موسى بن نافع، وميمون بن مهران، وهشام بن حسان، وهلال بن خباب، ووبرة بن عبد الرحمن، ووهب بن مأنوس، وأبو هبيرة يحيى بن عباد، ويحيى بن ميمون أبو المعلى العطار، ويعلى بن(أعلام/1772)
حكيم، ويعلى بن مسلم، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو حصين الأسدي، وأبو الزبير المكي، وأبو الصهباء الكوفي، وأبو عون الثقفي، وأبو هاشم الرماني، وخلق كثير.
روى ضمرة بن ربيعة، عن أصبغ بن زيد، قال: كان لسعيد بن جبير ديك، كان يقوم من الليل بصياحه، فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح، فلم يصل سعيد تلك الليلة، فشق عليه، فقال: ما له قطع الله صوته؟ فما سمع له صوت بعد. فقالت له أمه: يا بني، لا تدع على شيء بعدها.
قال أبو الشيخ: قدم سعيد أصبهان زمن الحجاج، وأخذوا عنه.
وعن عمر بن حبيب قال: كان سعيد بن جبير بأصبهان لا يحدث، ثم رجع إلى الكوفة فجعل يحدث، فقلنا له في ذلك فقال: انشر بزك حيث تعرف.
قال عطاء بن السائب: كان سعيد بن جبير بفارس، وكان يتحزن، يقول: ليس أحد يسألني عن شيء. وكان يبكينا، ثم عسى أن لا يقوم حتى نضحك.
شعبة، عن القاسم بن أبي أيوب: كان سعيد بن جبير بأصبهان، وكان غلام مجوسي يخدمه، وكان يأتيه بالمصحف في غلافه.
قال القاسم بن أبي أيوب: سمعت سعيدا يردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله.
أنبأنا أحمد بن أبي الخير، عن اللبان، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا سعيد بن أبي الربيع السمان، حدثنا أبو عوانة، عن إسحاق مولى عبد الله بن عمر، عن هلال بن يساف، قال: دخل سعيد بن جبير الكعبة فقرأ القرآن في ركعة.
الحسن بن صالح، عن وقاء بن إياس، قال: كان سعيد بن جبير يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في شهر رمضان، وكانوا يؤخرون العشاء.
قلت: هذا خلاف السنة، وقد صح النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث.
يزيد: أنبأنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير، أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين.(أعلام/1773)
يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة: كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه، يقول: أليس فيكم ابن أم الدهماء؟ يعني سعيد بن جبير.
قال ابن مهدي، عن سفيان، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه قال: لقد مات سعيد بن جبير وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.
وقال ضرار بن مرة، عن سعيد بن جبير، قال: التوكل على الله جماع الإيمان.
وكان يدعو: اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك، وحسن الظن بك.
أبو عوانة، عن هلال بن خباب، قال: خرجت مع سعيد بن جبير في رجب، فأحرم من الكوفة بعمرة، ثم رجع من عمرته، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة، وكان يحرم في كل سنة مرتين، مرة للحج، ومرة للعمرة.
ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، قال: إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك، فتلك الخشية، والذكر طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن.
وروي عن حبيب بن أبي ثابت: قال لي سعيد بن جبير: لأن أنشر علمي أحب إلي من أن أذهب به إلى قبري.
قال هلال بن خباب: قلت لسعيد بن جبير: ما علامة هلاك الناس؟ قال: إذا ذهب علماؤهم.
وقال عمر بن ذر: كتب سعيد بن جبير إلى أبي كتابا أوصاه بتقوى الله وقال: إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة، فذكر الفرائض والصلوات وما يرزقه الله من ذكره.
أحمد حدثنا معتمر، عن الفضيل بن ميسرة، عن أبي حريز، أن سعيد بن جبير قال: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر. تعجبه العبادة ويقول: أيقظوا خدمكم يتسحرون لصوم يوم عرفة.
عباد بن العوام: أنبأنا هلال بن خباب: خرجنا مع سعيد بن جبير في جنازة، فكان يحدثنا في الطريق ويذكرنا، حتى بلغ، فلما جلس، لم يزل يحدثنا حتى قمنا، فرجعنا، وكان كثير الذكر لله.
وعن سعيد، قال: وددت الناس أخذوا ما عندي ; فإنه مما يهمني.(أعلام/1774)
أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، قال: أتيت سعيد بن جبير بمكة، فقلت: إن هذا الرجل قادم - يعني خالد بن عبد الله - ولا آمنه عليك، فأطعني واخرج. فقال: والله لقد فررت حتى استحييت من الله. قلت: إني لأراك كما سمتك أمك سعيدا. فقدم خالد مكة، فأرسل إليه فأخذه.
أحمد: حدثنا إبراهيم بن خالد، حدثنا أمية بن شبل، عن عثمان بن برذويه قال: كنت مع وهب وسعيد بن جبير يوم عرفة بنخيل ابن عامر، فقال له وهب: يا أبا عبد الله، كم لك منذ خفت من الحجاج؟ قال: خرجت عن امرأتي وهي حامل، فجاءني الذي في بطنها وقد خرج وجهه. فقال وهب: إن من قبلكم كان إذا أصاب أحدهم بلاء عده رخاء، وإذا أصابه رخاء عده بلاء.
قال سالم بن أبي حفصة لما أتي الحجاج بسعيد بن جبير قال: أنا سعيد بن جبير، قال: أنت شقي بن كسير، لأقتلنك. قال: فإذا أنا كما سمتني أمي، ثم قال: دعوني أصل ركعتين. قال: وجهوه إلى قبلة النصارى. قال: فأينما تولوا فثم وجه الله وقال: إني أستعيذ منك بما عاذت به مريم. قال: وما عاذت به؟ قال: قالت: إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا.
رواها ابن عيينة، عن سالم. ثم قال ابن عيينة: لم يقتل بعد سعيد إلا رجلا واحدا.
وعن عتبة مولى الحجاج، قال: حضرت سعيدا حين أتي به الحجاج بواسط، فجعل الحجاج يقول: ألم أفعل بك؟ ! ألم أفعل بك؟ ! فيقول: بلى. قال: فما حملك على ما صنعت من خروجك علينا؟ قال: بيعة كانت علي - يعني لابن الأشعث - فغضب الحجاج وصفق بيديه، وقال: فبيعة أمير المؤمنين كانت أسبق وأولى. وأمر به، فضربت عنقه.
وقيل: لو لم يواجهه سعيد بن جبير بهذا، لاستحياه كما عفا عن الشعبي لما لاطفه في الاعتذار.(أعلام/1775)
حامد بن يحيى البلخي: حدثنا حفص أبو مقاتل السمرقندي، حدثنا عون بن أبي شداد: بلغني أن الحجاج لما ذكر له سعيد بن جبير أرسل إليه قائدا يسمى المتلمس بن أحوص في عشرين من أهل الشام. فبينما هم يطلبونه إذا هم براهب في صومعته، فسألوه عنه فقال: صفوه لي، فوصفوه فدلهم عليه، فانطلقوا فوجدوه ساجدا يناجي بأعلى صوته، فدنوا وسلموا، فرفع رأسه، فأتم بقية صلاته، ثم رد السلام، فقالوا: إنا رسل الحجاج إليك، فأجبه، قال: ولا بد من الإجابة؟ قالوا: لا بد. فحمد الله وأثنى عليه وقام معهم حتى انتهى إلى دير الراهب، فقال الراهب: يا معشر الفرسان أصبتم صاحبكم؟ قالوا: نعم. فقال: اصعدوا، فإن اللبؤة والأسد يأويان حول الدير. ففعلوا وأبى سعيد أن يدخل. فقالوا: ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا، قال: لا، ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدا، قالوا: فإنا لا ندعك، فإن السباع تقتلك، قال: لا ضير، إن معي ربي يصرفها عني ويجعلها حرسا تحرسني، قالوا: فأنت من الأنبياء؟ قال: ما أنا من الأنبياء، ولكن عبد من عبيد الله مذنب. قال الراهب: فليعطني ما أثق به على طمأنينة. فعرضوا على سعيد أن يعطي الراهب ما يريد، قال: إني أعطي العظيم الذي لا شريك له، لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله. فرضي الراهب بذلك، فقال لهم: اصعدوا وأوتروا القسي لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح ; فإنه كره الدخول في الصومعة لمكانكم. فلما صعدوا وأوتروا القسي، إذا هم بلبؤة قد أقبلت، فلما دنت من سعيد، تحككت به وتمسحت به، ثم ربضت قريبا منه. وأقبل الأسد يصنع كذلك. فلما رأى الراهب ذلك وأصبحوا، نزل إليه، فسأله عن شرائع دينه، وسنن رسوله، ففسر له سعيد ذلك كله، فأسلم.(أعلام/1776)
وأقبل القوم على سعيد يعتذرون إليه ويقبلون يديه ورجليه، ويأخذون التراب الذي وطئه فيقولون: يا سعيد، حلفنا الحجاج بالطلاق والعتاق، إن نحن رأيناك لا ندعك حتى نشخصك إليه، فمرنا بما شئت، قال: امضوا لأمركم، فإني لائذ بخالقي ولا راد لقضائه، فساروا حتى بلغوا واسطا فقال سعيد: قد تحرمت بكم وصحبتكم، ولست أشك أن أجلي قد حضر فدعوني الليلة آخذ أهبة الموت، وأستعد لمنكر ونكير، وأذكر عذاب القبر، فإذا أصبحتم فالميعاد بيننا المكان الذي تريدون. فقال بعضهم: لا تريدون أثرا بعد عين، وقال بعضهم: قد بلغتم أمنكم واستوجبتم جوائز الأمير، فلا تعجزوا عنه. وقال بعضهم: يعطيكم ما أعطى الراهب، ويلكم أما لكم عبرة بالأسد؟ ! ونظروا إلى سعيد قد دمعت عيناه، وشعث رأسه، واغبر لونه، ولم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ يوم لقوه وصحبوه، فقالوا: يا خير أهل الأرض، ليتنا لم نعرفك، ولم نسرح إليك، الويل لنا ويلا طويلا، كيف ابتلينا بك! اعذرنا عند خالقنا يوم الحشر الأكبر، فإنه القاضي الأكبر، والعدل الذي لا يجور. قال: ما أعذرني لكم وأرضاني لما سبق من علم الله في. فلما فرغوا من البكاء والمجاوبة، قال كفيله: أسألك بالله لما زودتنا من دعائك وكلامك، فإنا لن نلقى مثلك أبدا. ففعل ذلك، فخلوا سبيله، فغسل رأسه ومدرعته وكساءه وهم محتفون الليل كله، ينادون بالويل واللهف. فلما انشق عمود الصبح، جاءهم سعيد فقرع الباب، فنزلوا وبكوا معه، وذهبوا به إلى الحجاج، وآخر معه، فدخلا، فقال الحجاج: أتيتموني بسعيد بن جبير؟ قالوا نعم، وعاينا منه العجب. فصرف بوجهه عنهم. فقال: أدخلوه علي. فخرج المتلمس فقال لسعيد أستودعك الله، وأقرأ عليك السلام. فأدخل عليه. فقال: ما اسمك؟ قال: سعيد بن جبير، قال: أنت شقي بن كسير. قال: بل أمي كانت أعلم باسمي منك. قال: شقيت أنت وشقيت أمك.(أعلام/1777)
قال: الغيب يعلمه غيرك. قال: لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى. قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها. قال: فما قولك في محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: نبي الرحمة، إمام الهدى. قال: فما قولك في علي، في الجنة هو أم في النار؟ قال: لو دخلتها، فرأيت أهلها عرفت. قال: فما قولك في الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل. قال: فأيهم أعجب إليك؟ قال: أرضاهم لخالقي. قال: فأيهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عنده. قال: أبيت أن تصدقني. قال: إني لم أحب أن أكذبك. قال: فما بالك لم تضحك؟ قال: لم تستو القلوب.
قال: ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والياقوت والزبرجد فجمعه بين يدي سعيد، فقال: إن كنت جمعته لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شيء جمع للدنيا، إلا ما طاب وزكا. ثم دعا الحجاج بالعود والناي، فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى، فقال الحجاج: ما يبكيك؟ هو اللهو. قال: بل هو الحزن، أما النفخ، فذكرني يوم نفخ الصور، وأما العود، فشجرة قطعت من غير حق، وأما الأوتار فأمعاء شاة يبعث بها معك يوم القيامة.(أعلام/1778)
فقال الحجاج: ويلك يا سعيد. قال: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار. قال: اختر أي قتلة تريد أن أقتلك، قال: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة. قال: فتريد أن أعفو عنك؟ قال: إن كان العفو، فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر. قال: اذهبوا به فاقتلوه. فلما خرج من الباب، ضحك، فأخبر الحجاج بذلك، فأمر برده، فقال: ما أضحكك؟ قال: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك! فأمر بالنطع فبسط، فقال: اقتلوه. فقال: إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض قال: شدوا به لغير القبلة. قال: فأينما تولوا فثم وجه الله قال: كبوه لوجهه. قال: منها خلقناكم وفيها نعيدكم قال: اذبحوه قال: إني أشهد وأحاج أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة. ثم دعا سعيد الله وقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي. فذبح على النطع.
وبلغنا أن الحجاج عاش بعده خمس عشرة ليلة، وقعت في بطنه الأكلة فدعا بالطبيب لينظر إليه، فنظر إليه، ثم دعا بلحم منتن، فعلقه في خيط ثم أرسله في حلقه، فتركه ساعة ثم استخرجه وقد لزق به من الدم، فعلم أنه ليس بناج.
هذه حكاية منكرة، غير صحيحة. رواها أبو نعيم في " الحلية "، فقال: حدثنا أبي، حدثنا خالي أحمد بن محمد بن يوسف، أخبرني أبو أمية محمد بن إبراهيم كتابة، حدثنا حامد بن يحيى.(أعلام/1779)
هارون الحمال حدثنا محمد بن مسلمة المخزومي، حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن كاتب الحجاج قال مالك - هو أخ لأبي سلمة الذي كان على بيت المال - قال: كنت أكتب للحجاج وأنا يومئذ غلام يستخفني ويستحسن كتابتي، وأدخل عليه بغير إذن، فدخلت عليه يوما بعدما قتل سعيد بن جبير وهو في قبة له، لها أربعة أبواب، فدخلت عليه مما يلي ظهره، فسمعته يقول: ما لي ولسعيد بن جبير، فخرجت رويدا وعلمت أنه إن علم بي قتلني، فلم ينشب إلا قليلا حتى مات.
أبو حذيفة النهدي: حدثنا سفيان، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، قال: دعا سعيد بن جبير حين دعي للقتل فجعل ابنه يبكي، فقال: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟
ابن حميد: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد، قال: قحط الناس في زمان ملك من ملوك بني إسرائيل ثلاث سنين، فقال الملك: ليرسلن علينا السماء أو لنؤذينه، قالوا: كيف تقدر على أن تؤذيه، وهو في السماء وأنت في الأرض؟ قال: أقتل أولياءه من أهل الأرض فيكون ذلك أذى له. قال: فأرسل الله عليهم السماء.
وروى أصبغ بن زيد، عن القاسم الأعرج، قال: كان سعيد بن جبير يبكي بالليل حتى عمش.
وروي عن ابن شهاب، قال: كان سعيد بن جبير يؤمنا، يرجع صوته بالقرآن.
وروى الثوري، عن حماد، قال: قال سعيد: قرأت القرآن في ركعتين في الكعبة.
جرير الضبي، عن أشعث بن إسحاق، قال: كان يقال: سعيد بن جبير جهبذ العلماء.
ابن عيينة، عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير، قال: لدغتني عقرب، فأقسمت علي أمي أن أسترقي، فأعطيت الراقي يدي التي لم تلدغ، وكرهت أن أحنثها.
جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، قال: قال سعيد بن جبير: ما رأيت أرعى لحرمة هذا البيت، ولا أحرص عليه، من أهل البصرة، لقد رأيت جارية ذات ليلة تعلقت بأستار الكعبة تدعو وتضرع وتبكي حتى ماتت.(أعلام/1780)
سعيد بن زيد (ع)
ابن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو الأعور القرشي العدوي.
أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن السابقين الأولين البدريين، ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
شهد المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشهد حصار دمشق وفتحها، فولاه عليها أبو عبيدة بن الجراح، فهو أول من عمل نيابة دمشق من هذه الأمة.
وله أحاديث يسيرة. فله حديثان في الصحيحين. وانفرد البخاري له بحديث.
روى عنه ابن عمر، وأبو الطفيل، وعمرو بن حريث، وزر بن حبيش، وأبو عثمان النهدي، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن ظالم، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وطائفة.
قرأت على أحمد بن عبد الحميد، أخبركم الإمام أبو محمد بن قدامة سنة ثمان عشرة وست مائة، أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة، بقراءتي، أنبأنا طراد بن محمد الزينبي، أنبأنا ابن رزقويه، أنبأنا أبو جعفر محمد بن يحيى الطائي، سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة، حدثنا علي بن حرب، حدثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن عمرو بن حريث، عن سعيد بن زيد بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الكمأة من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل، وماؤها شفاء للعين ".
أخرجه البخاري من طريق ابن عيينة، فوقع لنا بدلا عاليا.
قرأت على علي بن عيسى التغلبي، أخبركم محمد بن إبراهيم الصوفي سنة عشرين وست مائة، أنبأنا أبو طاهر السلفي، أنبأنا عبد الله الثقفي، أنبأنا أحمد بن الحسن، أنبأنا حاجب بن أحمد، حدثنا عبد الرحيم، هو ابن منيب، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن طلحة عن سعيد بن زيد يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من ظلم من الأرض شبرا طوقه من سبع أرضين، ومن قتل دون ماله فهو شهيد ".(أعلام/1781)
هذا حديث صالح الإسناد، لكنه فيه انقطاع ; لأن طلحة بن عبد الله بن عوف لم يسمعه من سعيد. رواه مالك، ويونس، وجماعة، عن الزهري فأدخلوا بين طلحة وسعيد: عبد الرحمن بن عمرو بن سهل الأنصاري. أخرجه البخاري عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري.
كان والده زيد بن عمرو ممن فر إلى الله من عبادة الأصنام، وساح في أرض الشام يتطلب الدين القيم، فرأى النصارى واليهود، فكره دينهم، وقال: اللهم إني على دين إبراهيم ولكن لم يظفر بشريعة إبراهيم - عليه السلام - كما ينبغي، ولا رأى من يوقفه عليها، وهو من أهل النجاة، فقد شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه يبعث أمة وحده وهو ابن عم الإمام عمر بن الخطاب، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعش حتى بعث.
فنقل يونس بن بكير، وهو من أوعية العلم بالسير، عن محمد بن إسحاق قال: قد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وعثمان بن الحارث بن أسد، وعبيد الله بن جحش، وأميمة ابنة عبد المطلب حضروا قريشا عند وثن لهم، كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم، فلما اجتمعوا، خلا أولئك النفر بعضهم إلى بعض، وقالوا: تصادقوا وتكاتموا، فقال قائلهم: تعلمن والله ما قومكم على شيء، لقد أخطئوا دين إبراهيم وخالفوه، فما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع، فابتغوا لأنفسكم.
قال: فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض، يلتمسون أهل كتاب من اليهود والنصارى والملل كلها يتطلبون الحنيفية، فأما ورقة فتنصر، واستحكم في النصرانية، وحصل الكتب، وعلم علما كثيرا، ولم يكن فيهم أعدل شأنا من زيد ; اعتزل الأوثان والملل إلا دين إبراهيم، يوحد الله - تعالى - ولا يأكل من ذبائح قومه، وكان الخطاب عمه قد آذاه، فنزح عنه إلى أعلى مكة، فنزل حراء، فوكل به الخطاب شبابا سفهاء لا يدعونه يدخل مكة، فكان لا يدخلها إلا سرا.(أعلام/1782)
وكان الخطاب أخاه أيضا من أمه، فكان يلومه على فراق دينه. فسار زيد إلى الشام والجزيرة والموصل يسأل عن الدين.
أخبرنا يوسف بن أحمد بن أبي بكر الحجار، أنبأنا موسى بن عبد القادر، أنبأنا سعيد بن أحمد بن البنا، (ح) وأنبأنا أحمد بن المؤيد، أنبأنا الحسن بن إسحاق، أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الزاغوني. وقرأت على عمر بن المنعم، في سنة ثلاث وتسعين، عن أبي اليمن الكندي، إجازة في سنة ثمان وست مائة، أنبأنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المهتدي بالله، قالوا: أنبأنا محمد بن محمد الزينبي، أنبأنا محمد بن عمر الوراق، حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا عيسى بن حماد، أنبأنا الليث بن سعد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش، والله ما فيكم أحد على دين إبراهيم غيري. وكان يحيي الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: مه! لا تقتلها. أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت، قال لأبيها: إن شئت، دفعتها إليك، وإن شئت، كفيتك مؤنتها.
هذا حديث صحيح غريب، تفرد به الليث ; وإنما يرويه عن هشام كتابة، وقد علقه البخاري في " صحيحه " فقال: وقال الليث: كتب إلي هشام، فذكره. وقد سمعه ابن إسحاق من هشام.
وعندي بالإسناد المذكور إلى الليث، عن هشام نسخة، فمن أنكر ما فيها: عن أبيه عروة أنه قال: مر ورقة بن نوفل على بلال وهو يعذب، يلصق ظهره بالرمضاء وهو يقول: أحد أحد، فقال ورقة: أحد أحد يا بلال، صبرا يا بلال. لم تعذبونه؟ فوالذي نفسي بيده، لإن قتلتموه، لأتخذنه حنانا. يقول: لأتمسحن به. هذا مرسل. وورقة لو أدرك هذا، لعد من الصحابة، وإنما مات الرجل في فترة الوحي بعد النبوة وقبل الرسالة كما في الصحيح.(أعلام/1783)
يونس بن بكير: عن ابن إسحاق، حدثني هشام، عن أبيه، عن أسماء أن ورقة كان يقول: اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك، عبدتك به، ولكني لا أعلم، ثم يسجد على راحته.
يونس بن بكير، وعدة: عن المسعودي، عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد، عن أبيه، عن جده، قال: مر زيد بن عمرو على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وزيد بن حارثة، فدعواه إلى سفرة لهما، فقال: يا ابن أخي، إني لا آكل مما ذبح على النصب، فما رئي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك اليوم يأكل مما ذبح على النصب المسعودي ليس بحجة.
أخرجه الإمام أحمد في " مسنده "، عن يزيد، عن المسعودي، ثم زاد في آخره: قال سعيد فقلت: يا رسول الله، إن أبي كان كما قد رأيت وبلغك ولو أدركك لآمن بك واتبعك فاستغفر له. قال: " نعم، فأستغفر له، فإنه يبعث أمة وحده ".
وقد رواه إبراهيم الحربي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا أبو قطن، عن المسعودي، عن نفيل، عن أبيه، عن جده قال: مر زيد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبابن حارثة وهما يأكلان في سفرة فدعواه، فقال: إني لا آكل مما ذبح على النصب. قال: وما رئي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، آكلا مما ذبح على النصب.(أعلام/1784)
فهذا اللفظ مليح يفسر ما قبله، وما زال المصطفى محفوظا محروسا قبل الوحي وبعده ولو احتمل جواز ذلك، فبالضرورة ندري أنه كان يأكل من ذبائح قريش قبل الوحي، وكان ذلك على الإباحة ; وإنما توصف ذبائحهم بالتحريم بعد نزول الآية، كما أن الخمرة كانت على الإباحة، إلى أن نزل تحريمها بالمدينة بعد يوم أحد، والذي لا ريب فيه أنه كان معصوما قبل الوحي، وبعده وقبل التشريع من الزنا قطعا، ومن الخيانة، والغدر، والكذب، والسكر، والسجود لوثن، والاستقسام بالأزلام، ومن الرذائل، والسفه، وبذاء اللسان، وكشف العورة، فلم يكن يطوف عريانا، ولا كان يقف يوم عرفة مع قومه بمزدلفة، بل كان يقف بعرفة. وبكل حال لو بدا منه شيء من ذلك لما كان عليه تبعة ; لأنه كان لا يعرف، ولكن رتبة الكمال تأبى وقوع ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - تسليما.
أبو معاوية: عن هشام، عن أبيه، عن عائشة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " دخلت الجنة، فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين ".
غريب. رواه الباغندي عن الأشج، عنه.
عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء قالت: رأيت زيد بن عمرو شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة وهو يقول: ويحكم يا معشر قريش، إياكم والزنا ; فإنه يورث الفقر.
أبو الحسن المدائني: عن إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: قال زيد بن عمرو: شاممت النصرانية واليهودية، فكرهتهما، فكنت بالشام، فأتيت راهبا، فقصصت عليه أمري، فقال: أراك تريد دين إبراهيم - عليه السلام - يا أخا أهل مكة، إنك لتطلب دينا ما يوجد اليوم، فالحق ببلدك، فإن الله يبعث من قومك من يأتي بدين إبراهيم، بالحنيفية، وهو أكرم الخلق على الله.(أعلام/1785)
وبإسناد ضعيف: عن حجير بن أبي إهاب قال: رأيت زيد بن عمرو يراقب الشمس، فإذا زالت، استقبل الكعبة، فصلى ركعة، وسجد سجدتين.
وأنشد الضحاك بن عثمان الحزامي لزيد:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له
المزن تحمل عذبا زلالا
إذا سقيت بلدة من بلاد
سيقت إليها فسحت سجالا
وأسلمت نفسي لمن أسلمت
له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما استوت شدها
سواء وأرسى عليها الجبالا
وروى هشام بن عروة فيما نقله عنه ابن أبي الزناد، أنه بلغه أن زيد بن عمرو كان بالشام. فلما بلغه خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أقبل يريده، فقتله أهل ميفعة بالشام.
وروى الواقدي أنه مات فدفن بأصل حراء، وقال ابن إسحاق: قتل ببلاد لخم.
عبد العزيز بن المختار: أنبأنا موسى بن عقبة، أخبرني سالم، سمع ابن عمر يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه لقي زيد بن عمرو أسفل بلدح قبل الوحي. فقدم إلى زيد سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل، وقال: لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، أنا لا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه.
أخرجه البخاري وزاد في آخره: وكان يعيب على قريش ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله؟ .(أعلام/1786)
أبو أسامة وغيره قالا: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن، عن أسامة بن زيد، عن زيد بن حارثة قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب، فذبحنا له - ضمير له راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - شاة، ووضعناها في التنور، حتى إذا نضجت، جعلناها في سفرتنا، ثم أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير، وهو مردفي، في أيام الحر، حتى إذا كنا بأعلى الوادي، لقي زيد بن عمرو، فحيى أحدهما الآخر، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما لي أرى قومك قد شنفوا لك، أي: أبغضوك؟ قال: أما والله إن ذلك مني لغير نائرة كانت مني إليهم، ولكني أراهم على ضلالة، فخرجت أبتغي الدين، حتى قدمت على أحبار أيلة، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، فدللت على شيخ بالجزيرة، فقدمت عليه، فأخبرته، فقال: إن كل من رأيت في ضلالة، إنك لتسأل عن دين هو دين الله وملائكته، وقد خرج في أرضك نبي، أو هو خارج، ارجع إليه، واتبعه. فرجعت، فلم أحس شيئا، فأناخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البعير، ثم قدمنا إليه السفرة، فقال: ما هذه؟ قلنا: شاة ذبحناها للنصب كذا. قال: فقال إني لا آكل مما ذبح لغير الله، ثم تفرقا، ومات زيد قبل المبعث، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يأتي أمة وحده ".
رواه إبراهيم الحربي في " الغريب " عن شيخين له، عن أبي أسامة، ثم قال: في ذبحها على النصب وجهان: إما أن زيدا فعله عن غير أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنه كان معه، فنسب ذلك إليه ; لأن زيدا لم يكن معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه الله لنبيه، وكيف يجوز ذلك وهو - عليه السلام - قد منع زيدا أن يمس صنما، وما مسه هو قبل نبوته، فكيف يرضى أن يذبح للصنم، هذا محال.
الثاني: أن يكون ذبح لله واتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون عنده.(أعلام/1787)
قلت: هذا حسن ; فإنما الأعمال بالنية، أما زيد، فأخذ بالظاهر، وكان الباطن لله، وربما سكت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإفصاح خوف الشر، فإنا مع علمنا بكراهيته للأوثان، نعلم أيضا أنه ما كان قبل النبوة مجاهرا بذمها بين قريش، ولا معلنا بمقتها قبل المبعث، والظاهر أن زيدا - رحمه الله - توفي قبل المبعث، فقد نقل ابن إسحاق أن ورقة بن نوفل رثاه بأبيات، وهي:
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما
تجنبت تنورا من النار حاميا
بدينك ربا ليس رب كمثله
وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وإدراكك الدين الذي قد طلبته
ولم تك عن توحيد ربك ساهيا
فأصبحت في دار كريم مقامها
تعلل فيها بالكرامة لاهيا
وقد تدرك الإنسان رحمة ربه
ولو كان تحت الأرض سبعين واديا
نعم، وعد عروة سعيد بن زيد في البدريين فقال: قدم من الشام بعد بدر، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فضرب له بسهمه وأجره وكذلك قال موسى بن عقبة وابن إسحاق.
وامرأته هي ابنة عمه فاطمة، أخت عمر بن الخطاب.
أسلم سعيد قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم.
وأخرج البخاري من ثلاثة أوجه، عن إسماعيل، عن قيس بن أبي حازم قال: قال سعيد بن زيد: لقد رأيتني، وإن عمر لموثقي على الإسلام وأخته، ولو أن أحدا انقض بما صنعتم بعثمان لكان حقيقا.
وقد ذكرنا في إسلام عمر فصلا في المعنى.(أعلام/1788)
وذكر ابن سعد في " طبقاته " عن الواقدي، عن رجاله قالوا: لما تحين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصول عير قريش من الشام، بعث طلحة وسعيد بن زيد قبل خروجه من المدينة بعشر، يتحسسان خبر العير، فبلغا الحوراء، فلم يزالا مقيمين هناك، حتى مرت بهم العير، فتساحلت، فبلغ نبي الله الخبر قبل مجيئهما، فندب أصحابه، وخرح يطلب العير، فتساحلت وساروا الليل والنهار، ورجع طلحة وسعيد ليخبرا، فوصلا المدينة يوم الوقعة، فخرجا يؤمانه، وضرب لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهمهما وأجورهما، وشهد سعيد أحدا والخندق والحديبية والمشاهد.
وقد تقدمت عدة أحاديث في أنه من أهل الجنة، وأنه من الشهداء.
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن الشهادة لأبي بكر وعمر أنهما في الجنة، فقال: نعم، اذهب إلى حديث سعيد بن زيد.
هشام بن عروة، عن أبيه أن أروى بنت أويس ادعت أن سعيد بن زيد أخذ شيئا من أرضها، فخاصمته إلى مروان، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من رسول الله؟ سمعته يقول: " من أخذ شيئا من الأرض طوقه إلى سبع أرضين " قال مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة، فأعم بصرها، واقتلها في أرضها. فما ماتت حتى عميت، وبينا هي تمشي في أرضها، إذ وقعت في حفرة فماتت.
أخرجه مسلم. وروى عبد العزيز بن أبي حازم، عن العلاء بن عبد الرحمن نحوه عن أبيه. وروى المغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، نحوه.
وقال ابن أبي حازم في حديثه: سألت أروى سعيدا أن يدعو لها، وقالت: قد ظلمتك. فقال: لا أرد على الله شيئا أعطانيه.(أعلام/1789)
قلت: لم يكن سعيد متأخرا عن رتبة أهل الشورى في السابقة والجلالة ; وإنما تركه عمر رضي الله عنه؛ لئلا يبقى له فيه شائبة حظ ; لأنه ختنه وابن عمه، ولو ذكره في أهل الشورى لقال الرافضي: حابى ابن عمه. فأخرج منها ولده وعصبته. فكذلك فليكن العمل لله.
خالد الطحان: عن عطاء بن السائب. عن محارب بن دثار قال: كتب معاوية إلى مروان والي المدينة، ليبايع لابنه يزيد، فقال رجل من جند الشام: ما يحبسك؟ قال: حتى يجيء سعيد بن زيد فيبايع، فإنه سيد أهل البلد، وإذا بايع، بايع الناس، قال: أفلا أذهب فآتيك به؟ وذكر الحديث.
أنبئنا وأخبرنا عن حنبل سماعا، أنبأنا ابن الحصين، أنبأنا ابن المذهب، أنبأنا القطيعي، حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن حصين ومنصور، عن هلال بن يساف، عن سعيد بن زيد - وقال حصين: عن ابن ظالم، عن سعيد بن زيد - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " اسكن حراء ; فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ". وعليه النبي، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن، وسعيد بن زيد.
ابن سعد: أنبأنا أبو ضمرة، عن يحيى بن سعيد، أخبرني نافع، عن ابن عمر أنه استصرخ على سعيد بن زيد يوم الجمعة بعدما ارتفع النهار، فأتاه ابن عمر بالعقيق، وترك الجمعة. أخرجه البخاري.
وقال إسماعيل بن أمية: عن نافع قال: مات سعيد بن زيد وكان يذرب.
فقالت أم سعيد لعبد الله بن عمر: أتحنطه بالمسك؟ فقال: وأي طيب أطيب من المسك! فناولته مسكا.
سليمان بن بلال حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن، عن عائشة بنت سعد قالت: مات سعيد بن زيد بالعقيق، فغسله سعد بن أبي وقاص، وكفنه، وخرج معه.(أعلام/1790)
وروى غير واحد، عن مالك قال: مات سعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص بالعقيق. قال الواقدي: توفي سعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة، وقبر بالمدينة. نزل في قبره سعد، وابن عمر، وكذا قال أبو عبيد، ويحيى بن بكير، وشهاب. قال الواقدي: كان سعيد رجلا، آدم، طويلا، أشعر. وقد شذ الهيثم بن عدي فقال: مات بالكوفة. وقال عبيد الله بن سعد الزهري: مات سنة اثنتين وخمسين رضي الله عنه.
فهذا ما تيسر من سيرة العشرة، وهم أفضل قريش، وأفضل السابقين المهاجرين، وأفضل البدريين، وأفضل أصحاب الشجرة، وسادة هذه الأمة في الدنيا والآخرة. فأبعد الله الرافضة، ما أغواهم وأشد هواهم، كيف اعترفوا بفضل واحد منهم وبخسوا التسعة حقهم، وافتروا عليهم بأنهم كتموا النص في علي أنه الخليفة. فوالله ما جرى من ذلك شيء، وإنهم زوروا الأمر عنه بزعمهم، وخالفوا نبيهم، وبادروا إلى بيعة رجل من بني تيم يتجر ويتكسب، لا لرغبة في أمواله ولا لرهبة من عشيرته ورجاله، ويحك! أيفعل هذا من له مسكة عقل؟ ولو جاز هذا على واحد لما جاز على جماعة، ولو جاز وقوعه من جماعة، لاستحال وقوعه، والحالة هذه، من ألوف من سادة المهاجرين والأنصار، وفرسان الأمة، وأبطال الإسلام، لكن لا حيلة في برء الرفض ; فإنه داء مزمن، والهدى نور يقذفه الله في قلب من يشاء، فلا قوة إلا بالله.(أعلام/1791)
حديث مشترك، وهو منكر جدا. رواه الطبراني في " المعجم الكبير " حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، وقال أبو عمرو بن حمدان: حدثنا الحسن بن سفيان، في مسنده، قالا: حدثنا نصر بن علي، حدثنا عبد المؤمن بن عباد العبدي، حدثنا يزيد بن معن، حدثني عبد الله بن شرحبيل، عن رجل من قريش، عن زيد بن أبي أوفى - رضي الله عنه -، قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجد المدينة، فجعل يقول: " أين فلان، أين فلان؟ فلم يزل يتفقدهم ويبعث إليهم حتى اجتمعوا، فقال: إني محدثكم بحديث فاحفظوه، وعوه: إن الله اصطفى من خلقه خلقا يدخلهم الجنة، وإني مصطف منكم ومؤاخ بينكم كما آخى الله بين الملائكة. قم يا أبا بكر، فقام، فقال: إن لك عندي يدا، إن الله يجزيك بها، فلو كنت متخذا خليلا لاتخذتك، فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي، ادن يا عمر، فدنا، فقال: قد كنت شديد الشغب علينا، فدعوت الله أن يعز بك الدين أو بأبي جهل، ففعل الله بك ذلك، وأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة، ثم آخى بينه وبين أبي بكر، ثم دعا عثمان، فلم يزل يدنيه حتى ألصق ركبته بركبته، ثم نظر إلى السماء، فسبح ثلاثا، ثم قال: إن لك شأنا في أهل السماء، أنت ممن يرد علي الحوض، وأوداجه تشخب.(أعلام/1792)
فأقول: من فعل بك هذا؟ فتقول: فلان، ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: ادن يا أمين الله، والأمين في السماء، يسلطك الله على مالك بالحق، أما إن لك عندي دعوة قد أخرتها، قال: خر لي يا رسول الله. قال: حملتني أمانة، أكثر الله مالك، وآخى بينه وبين عثمان، ثم دعا طلحة والزبير، فدنوا منه، فقال: أنتما حواري كحواري عيسى، وآخى بينهما، ثم دعا سعدا وعمارا. فقال: يا عمار، تقتلك الفئة الباغية، ثم آخى بينهما، ثم دعا أبا الدرداء وسلمان، فقال: يا سلمان، أنت منا أهل البيت، وقد آتاك الله العلم الأول والعلم الآخر، يا أبا الدرداء، إن تنقدهم ينقدوك، وإن تتركهم يتركوك، وإن تهرب منهم يدركوك، فأقرضهم عرضك ليوم فقرك، ثم آخى بينهما، ثم نظر إلى ابن عمر، فقال: الحمد لله الذي يهدي من الضلالة، فقال علي: يا رسول الله، ذهب روحي، وانقطع ظهري حين تركتني. قال: ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت عندي بمنزلة هارون من موسى، ووارثي. قال: ما أرث منك؟ قال: كتاب الله وسنة نبيه، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ". وتلا إخوانا على سرر متقابلين.
زيد لا يعرف إلا في هذا الحديث الموضوع. وقد رواه محمد بن جرير الطبري، عن حسين الدارع، عن عبد المؤمن. فأسقط منه عن رجل.
وقال محمد بن الجهم السمري حدثنا عبد الرحيم بن واقد، حدثنا شعيب بن يونس، حدثنا موسى بن صهيب، عن يحيى بن زكريا، عن عبد الله بن شرحبيل. عن رجل، عن زيد.
ورواه مطين مختصرا، حدثنا ثابت بن يعقوب، حدثنا ثابت بن حماد النصري، عن موسى بن صهيب، عن عبادة بن نسي، عن عبد الله بن أبي أوفى.(أعلام/1793)
وقال الحسن بن علي الحلواني: حدثنا شبابة بن سوار، حدثنا أبو عبد الله الباهلي - يقال اسمه جعفر بن مرزوق - عن غياث بن شقير، عن عبد الرحمن بن سابط، عن سعيد بن عامر الجمحي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم: يا أبا بكر، تعال، ويا عمر، تعال. وذكر حديث المؤاخاة، إلا أنه خالف في أسماء الإخوان، وزاد ونقص منهم.
تفرد به شبابة ولا يصح.
والمحفوظ أنه آخى بين المهاجرين والأنصار، ليحصل بذلك مؤازرة ومعاونة لهؤلاء بهؤلاء.
لسعيد بن زيد ثمانية وأربعون حديثا، اتفقا له على حديثين. وانفرد البخاري بثالث.(أعلام/1794)
سعيد بن منصور (ع)
ابن شعبة، الحافظ الإمام، شيخ الحرم أبو عثمان الخراساني المروزي، ويقال: الطالقاني، ثم البلخي، ثم المكي المجاور مؤلف كتاب " السنن ".
سمع بخراسان والحجاز والعراق ومصر والشام والجزيرة وغير ذلك من مالك بن أنس، والليث بن سعد، وفليح بن سليمان، وأبي معشر السندي، وعبيد الله بن إياد بن لقيط، وأبي عوانة الوضاح، والوليد بن أبي ثور، وفرج بن فضالة، وهشيم، وحماد بن زيد، وحزم بن أبي حزم.
وأبي الأحوص، وخالد بن عبد الله، وإسماعيل بن عياش، وخلف بن خليفة، وفضيل بن عياض، ومهدي بن ميمون، وحديج بن معاوية، وعبد الله بن جعفر المديني، وسفيان بن عيينة، وجرير بن عبد الحميد، ويحيى بن أبي زائدة، وأبي شهاب الحناط، وشريك القاضي، وإسماعيل بن زكريا، وحماد بن يحيى الأبح، وعتاب بن بشير، وعبد العزيز بن محمد، وأبي معاوية، وداود العطار، وعبد العزيز بن أبي حازم، وخلق سواهم.
وكان ثقة صادقا من أوعية العلم.
روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو ثور الكلبي، وأبو محمد الدارمي، وسلمة بن شبيب، وأبو بكر الأثرم، وأبو داود، ومسلم، وإسماعيل سمويه، ومحمد بن يحيى الذهلي، وبشر بن موسى، ومحمد بن علي الصائغ، وأبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني، وبهلول بن إسحاق الأنباري، وأبو زرعة الدمشقي، وأبو حاتم الرازي، وعثمان بن خرزاذ، وأبو الموجه محمد بن عمرو المروزي، والعباس الأسفاطي، وعلي بن عبد العزيز البغوي، والحسين بن إسحاق التستري، وخلف بن عمرو العكبري، وسعيد بن مسعدة العطار، وعمير بن مرداس، وخلق سواهم.
قال سلمة بن شبيب: ذكرت سعيد بن منصور لأحمد بن حنبل، فأحسن الثناء عليه، وفخم أمره.
وقال أبو حاتم الرازي: هو ثقة من المتقنين الأثبات ممن جمع وصنف.
وقال حرب الكرماني: أملى علينا سعيد بن منصور نحوا من عشرة آلاف حديث من حفظه.(أعلام/1795)
قلت: كان من أبناء ثمانين سنة أو أزيد، وتوفي بمكة في شهر رمضان سنة سبع وعشرين ومائتين وقد كان محمد بن عبد الرحيم صاعقة الحافظ إذا حدث عن سعيد، أثنى عليه، وأطراه، فكان يقول: حدثنا سعيد بن منصور، وكان ثبتا.
أخبرنا شيخ الإسلام شمس الدين عبد الرحمن بن محمد المقدسي في كتابه، أخبرنا عمر بن محمد المعلم، أخبرنا هبة الله بن محمد الشيباني، أخبرنا أبو طالب بن غيلان، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله البزاز، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا سفيان، عن ابن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن أبيه قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هو يأكل طعاما فيه دباء، فقلت: ما هذا يا رسول الله؟ قال: " نكثر به طعامنا ".
أخرجه النسائي والقزويني من غير وجه، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم، عن أبيه جابر بن حكيم، أو ابن طارق الأحمسي، وإسناده صالح.
وأخبرنا المقرئ المجود محمد بن جوهر التلعفري وعبد الله بن محمد الأديب قالا: أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا أبو جعفر محمد بن إسماعيل الطرسوسي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة بقراءتي (ح) وأنبأني أحمد بن سلامة، عن أبي جعفر هذا، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن إسحاق الأنماطي بعسكر، حدثنا أحمد بن سهل هو ابن أيوب الأهوازي، حدثنا سعيد بن منصور، عن حفص بن ميسرة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يقول ابن آدم: مالي مالي، وإنما له ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأمضى ".
أخرجه مسلم عن سويد بن سعيد، عن حفص، فوقع بدلا عاليا ولله الحمد.(أعلام/1796)
وبه إلى أبي نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا بهلول بن إسحاق الأنباري، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، وعبد العزيز، عن أبي حازم، عن عبيد الله بن مقسم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يأخذ الله سماواته وأراضيه بيمينه، ثم يقول: أنا الله، ويقبض أصابعه ويبسطها: أنا الرحمن، أنا الملك ". حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول: أساقط هو برسول الله - صلى الله عليه وسلم.
أخرجه مسلم عن سعيد، فوافقناه بعلو.
وقد روى كتاب " السنن " عن سعيد محدث هراة أحمد بن نجدة بن العريان.
وقال حنبل بن إسحاق: قال أبو عبد الله: كان سعيد من أهل الفضل والصدق.
قال أبو زرعة الدمشقي: أخبرني أحمد بن صالح ودحيم أنهما حضرا يحيى بن حسان مقدما لسعيد بن منصور يرى له حفظه. وكان حافظا.
وقال أبو عبد الله الحاكم: سكن سعيد مكة مجاورا، فنسب إليها، وهو راوية سفيان بن عيينة، وأحد أئمة الحديث، له مصنفات كثيرة متفق على إخراجه في " الصحيحين ".
قلت: أما في " صحيح " البخاري، فروى عن يحيى بن موسى خت البلخي عنه.
وقال حرب بن إسماعيل: صنف الكتب، وكان موسعا عليه.
وقال يعقوب الفسوي: كان إذا رأى في كتابه خطأ، لم يرجع عنه.
قلت: أين هذا من قرينه يحيى بن يحيى الخراساني الإمام الذي كان إذا شك في حرف، أو تردد، ترك الحديث كله ولم يروه.
قال ابن سعد، وأبو داود، وحاتم بن الليث وجماعة: مات بمكة سنة سبع وعشرين زاد أبو سعيد بن يونس فقال: في رمضان. وقال أبو زرعة الدمشقي: سنة ست والأول الصحيح. وصحف موسى بن هارون فقال: في سنة تسع وعشرين ومائتين.(أعلام/1797)
أنبأونا عن محمد بن أحمد الصيدلاني وجماعة قالوا: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله، أخبرنا ابن ريذة، أخبرنا الطبراني، حدثنا محمد بن علي الصائغ، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق قال: قال عبد الله: من هاجر يبتغي شيئا، فهو له. قال: هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها: أم قيس، فكان يقال له: مهاجر أم قيس. إسناده صحيح.(أعلام/1798)
سفيان (ع)
ابن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة بن أبي بن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وكذا نسبه ابن أبي الدنيا عن محمد بن خلف التيمي، غير أنه أسقط منه منقذا والحارث، وزاد بعد مسروق حمزة، والباقي سواء. وكذلك ذكر نسبه الهيثم بن عدي، وابن سعد، وأنه من ثور طابخة، وبعضهم قال: هو من ثور همدان، وليس بشيء.
هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه، أبو عبد الله الثوري الكوفي المجتهد، مصنف كتاب " الجامع ".
ولد سنة سبع وتسعين اتفاقا، وطلب العلم وهو حدث باعتناء والده، المحدث الصادق: سعيد بن مسروق الثوري، وكان والده من أصحاب الشعبي، وخيثمة بن عبد الرحمن، ومن ثقات الكوفيين، وعداده في صغار التابعين. روى له الجماعة الستة في دواوينهم، وحدث عنه أولاده: سفيان الإمام، وعمر، ومبارك، وشعبة بن الحجاج، وزائدة، وأبو الأحوص، وأبو عوانة، وعمر بن عبيد الطنافسي، وآخرون. ومات سنة ست وعشرين ومائة.(أعلام/1799)
معجم شيوخ أبي عبد الله: إبراهيم بن عبد الأعلى، وإبراهيم بن عقبة، وإبراهيم بن محمد بن المنتشر، وإبراهيم بن مهاجر، وإبراهيم بن ميسرة، وإبراهيم بن مزيد الخوزي، وأجلح بن عبد الله، وآدم بن سليمان، وأسامة بن زيد، وإسرائيل أبو موسى، وأسلم المنقري، وإسماعيل بن إبراهيم المخزومي، وإسماعيل السدي، وإسماعيل بن كثير، والأسود بن قيس. وأشعث بن أبي الشعثاء، والأغر بن الصباح، وأفلت بن خليفة، وإياد بن لقيط، وأيوب السختياني، وأيوب بن موسى، والبختري بن المختار، وبرد بن سنان، وبريد بن عبد الله بن أبي بردة، وبشير أبو إسماعيل، وبشير صاحب ابن الزبير، وبكير بن عطاء، وبهز بن حكيم، وبنان بن بشر، وتوبة العنبري، وثابت بن عبيد، وأبو المقدام ثابت بن هرمز، وثور بن يزيد، وثوير بن أبى فاختة، وجابر الجعفي، وجامع بن أبي راشد، وجامع بن شداد، وجبلة بن سحيم، وجعفر بن برقان، وجعفر الصادق، وجعفر بن ميمون، وحبيب بن أبي ثابت - وهو من كبار شيوخه - وحبيب بن الشهيد، وحبيب بن أبي عمرة، وحجاج بن فرافصة، والحسن بن عبيد الله، والحسن بن عمرو الفقيمي، وحصين بن عبد الرحمن، وحكيم بن جبير، وحكيم بن الديلم، وحماد بن أبي سليمان، وحمران بن أعين، وحميد بن قيس، وحميد الطويل، وحنظلة بن أبي سفيان، وخالد بن سلمة الفأفاء، وخالد الحذاء، وخصيف بن عبد الرحمن، وأبو الجحاف داود بن أبي عوف، وداود بن أبي هند، وراشد بن كيسان، ورباح بن أبي معروف، والربيع بن أنس، والربيع بن صبيح، وربيعة الرأي، والركين بن الربيع، وزبيد اليامي، والزبير بن عدي، وزياد بن إسماعيل، وزياد بن علاقة، - وهو من كبار مشيخته - وزيد بن أسلم.(أعلام/1800)
وزيد بن جبير، وزيد العمي، وسالم الأفطس، وسالم أبو النضر، وسعد بن إبراهيم، وسعد بن إسحاق بن كعب، وسعيد الجريري، وأبو سنان سعيد بن سنان الشيباني الصغير، وأبوه سعيد، وسلم العلوي، وأبو حازم سلمة بن دينار، وسلمة بن كهيل - وهو من كبارهم - وسلمة بن نبيط، وسليمان الأعمش، وسليمان التيمي، وسماك، وسمي، وسهيل، وشبيب بن غرقدة.(أعلام/1801)
وشريك بن أبي نمر، وشعبة بن الحجاج - وذلك في النسائي - وصالح بن صالح بن حي، وصالح مولى التوأمة، وصفوان بن سليم، والضحاك بن عثمان، وأبو سنان ضرار بن مرة، وطارق بن عبد الرحمن، وطريف أبو سفيان السعدي، وطعمة بن غيلان، وطلحة بن يحيى، وعاصم بن أبي النجود، وعاصم بن عبيد الله، وعاصم بن كليب، وعاصم الأحول، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وعبد الله بن جابر البصري، وعبد الله بن حسن بن حسن، وعبد الله بن دينار، وأبو الزناد عبد الله، وعبد الله بن الربيع بن خثيم، وعبد الله بن السائب الكوفي، وعبد الله بن سعيد المقبري، وعبد الله بن شبرمة، وعبد الله بن شداد الأعرج، وعبد الله بن طاوس، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وعبد الله بن عطاء، وعبد الله بن عون، وعبد الله بن عيسى، وعبد الله بن أبي لبيد، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعبد الله بن أبي نجيح، وعبد الأعلى بن عامر، وعبد الرحمن بن ثروان، وعبد الرحمن بن الحارث، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وعبد الرحمن بن عابس، وعبد الرحمن بن الأصبهاني، وعبد الرحمن بن علقمة، وعبد الرحمن بن القاسم، وعبد العزيز بن رفيع، وعبد الكريم بن مالك، وعبد الكريم أبو أمية، وعبد الملك بن أبي بشير، وعبد الملك بن أبي سليمان، وابن جريج، وعبد الملك بن عمير، وعبدة بن أبي لبابة، وعبيد الله بن أبي زياد، وعبيد الله بن عمر، وعبيد بن الحسن، وعبيد بن مهران المكتب، وعبيد الصيد، وعثمان بن الحرب، وعثمان بن حكيم، وأبو حصين عثمان بن عاصم، وأبو اليقظان عثمان بن عمير، وعثمان بن المغيرة، وعثمان البتي، وعطاء بن السائب، وعكرمة بن عمار، وعلقمة بن مرثد، وعلي بن الأقمر، وعلي بن بذيمة، وعلي بن زيد بن جدعان، وعمار الدهني، وعمارة بن القعقاع، وعمر بن سعيد بن أبي حسين، وعمر بن محمد بن زيد، وعمر بن يعلى.(أعلام/1802)
وعمرو بن دينار، وعمرو بن عامر الأنصاري، وعمرو بن قيس الملائي، وعمرو بن مرة - وهو من قدماء شيوخه - وعمرو بن ميمون بن مهران، وعمرو بن يحيى بن عمارة، وعمران بن مسلم الثقفي، وعمران بن مسلم الجعفي، وعمران البارقي، وعمران القصير، وعمير بن عبد الله الخثعمي، وعون بن أبي جحيفة، والعلاء بن خالد، والعلاء بن عبد الرحمن. والعلاء بن عبد الكريم، وعياش العامري، وعيسى بن عبد الرحمن، وعيسى بن أبي عزة، وعيسى بن موسى الحرشي، وغالب أبو الهذيل، وغيلان بن جامع، وفرات القزاز، وفراس بن يحيى، وفضيل بن غزوان، وفضيل بن مرزوق، وفطر بن خليفة، وقابوس بن أبي ظبيان، وأبو هاشم القاسم بن كثير، وقيس بن مسلم - وهو من قدمائهم - وقيس بن وهب، وكليب بن وائل، وليث بن أبي سليم، ومحارب بن دثار، وابن إسحاق، ومحمد بن أبي أيوب الثقفي، ومحمد بن أبي بكر بن حزم، ومحمد بن أبي حفصة، ومحمد بن راشد المكحولي، ومحمد بن الزبير الحنظلي، ومحمد بن سعيد الطائفي، ومحمد بن طارق المكي، وابن أبي ذئب، وابن أبي ليلى.
ومحمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، ومحمد بن عجلان، ومحمد بن عقبة، ومحمد بن عمر بن علي، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وأبو الزبير محمد بن مسلم، ومحمد بن المنكدر - وهو من كبارهم - ومخارق الأحمسي، والمختار بن فلفل، ومخول بن راشد، ومزاحم بن زفر، ومصعب بن محمد بن شرحبيل، ومطرف بن طريف، ومعاوية بن إسحاق بن طلحة، ومعاوية بن صالح.(أعلام/1803)
ومعبد بن خالد، ومعمر بن راشد، ومغيرة بن مقسم، ومغيرة بن النعمان، والمقدام بن شريح، ومنصور بن حيان، ومنصور بن صفية، ومنصور بن المعتمر، وموسى بن أبي عائشة، وموسى بن عبيدة، وموسى بن عقبة، وميسرة بن حبيب، وميسرة الأشجعي، وأبو حمزة ميمون الأعور، ونسير بن ذعلوق، ونهشل بن مجمع، ونوح بن أبي بلال، وهارون بن عنترة، وهشام بن إسحاق، وهشام بن حسان، وهشام بن عائد، وهشام بن عروة، وهشام بن أبي يعلى، وواصل الأحدب، ووبر بن أبي دليلة.
وورقاء بن إياس، والوليد بن قيس السكوني، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن هانئ بن عروة، ويزيد بن أبي زياد، ويزيد بن يزيد بن جابر، ويعلى بن عطاء، ويونس بن عبيد، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو إسحاق الشيباني، وأبو بكر بن عبد الله بن أبي الجهم، وأبو جعفر الفراء، وأبو حنان الكلبي، وأبو الجويرية الجرمي.
وأبو حيان التيمي، وأبو خالد الدالاني، وأبو روق الهمداني، وأبو السوداء النهدي، وأبو شهاب الحناط الكبير موسى، وأبو عقيل مولى عمر بن الخطاب، وأبو فروة الهمداني، وأبو مالك الأشجعي، وأبو هارون العبدي، وأبو هاشم الرماني، وأبو يحيى القتات، وأبو يعفور العبدي.
ويقال: إن عدد شيوخه ست مائة شيخ، وكبارهم الذين حدثوه عن أبي هريرة، وجرير بن عبد الله، وابن عباس، وأمثالهم، وقد قرأ الختمة عرضا على حمزة الزيات أربع مرات.(أعلام/1804)
سفيان بن عيينة (ع)
ابن أبي عمران ميمون مولى محمد بن مزاحم، أخي الضحاك بن مزاحم الإمام الكبير حافظ العصر، شيخ الإسلام أبو محمد الهلالي الكوفي، ثم المكي. مولده: بالكوفة في سنة سبع ومائة.
وطلب الحديث، وهو حدث، بل غلام، ولقي الكبار، وحمل عنهم علما جما، وأتقن، وجود، وجمع وصنف، وعمر دهرا، وازدحم الخلق عليه، وانتهى إليه علو الإسناد، ورحل إليه من البلاد، وألحق الأحفاد بالأجداد.(أعلام/1805)
سمع في سنة تسع عشرة ومائة، وسنة عشرين، وبعد ذلك، فسمع من عمرو بن دينار، وأكثر عنه، ومن زياد بن علاقة، والأسود بن قيس، وعبيد الله بن أبي يزيد، وابن شهاب الزهري، وعاصم بن أبي النجود، وأبي إسحاق السبيعي، وعبد الله بن دينار، وزيد بن أسلم، وعبد الملك بن عمير، ومحمد بن المنكدر، وأبي الزبير، وحصين بن عبد الرحمن، وسالم أبي النضر، وشبيب بن غرقدة، وعبدة بن أبي لبابة، وعلي بن زيد بن جدعان، وعبد الكريم الجزري، وعطاء بن السائب، وأيوب السختياني، والعلاء بن عبد الرحمن، وقاسم الرجال، ومنصور بن المعتمر، ومنصور بن صفية الحجبي، ويزيد بن أبي زياد، وهشام بن عروة، وحميد الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبي يعفور العبدي، وابن عجلان، وابن أبي ليلى، وسليمان الأعمش، وموسى بن عقبة، وسهيل بن أبي صالح، وعبد الله بن أبي نجيح، وعبد الرحمن بن القاسم، وأمية بن صفوان الجمحي، وجامع بن أبي راشد، وحكيم بن جبير، وسعد بن إبراهيم قاضي المدينة، وصالح مولى التوأمة -وقال: سمعت منه ولعابه يسيل- وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وأبي الزناد عبد الله بن ذكوان، وعبد العزيز بن رفيع، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وإسماعيل بن محمد بن سعد، وأيوب بن موسى، وبرد بن سنان، وبكر بن وائل، وبيان بن بشر، وسالم بن أبي حفصة، وأبى حازم الأعرج، وسمي مولى أبي صالح، وصدقة بن يسار، وصفوان بن سليم، وعاصم بن كليب الجرمي، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وعبد الله بن طاوس، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، ومحمد بن جحادة، ومحمد بن السائب بن بركة، ويزيد بن يزيد بن جابر الدمشقي، ويونس بن عبيد، وسفيان، وشعبة، وزياد بن سعد، وزائدة بن قدامة، وخلق كثير، وتفرد بالرواية عن خلق من الكبار.(أعلام/1806)
حدث عنه: الأعمش، وابن جريج، وشعبة -وهؤلاء من شيوخه- وهمام بن يحيى، والحسن بن حي، وزهير بن معاوية، وحماد بن زيد، وإبراهيم بن سعد، وأبو إسحاق الفزاري، ومعتمر بن سليمان، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، والشافعي، وعبد الرزاق، والحميدي، وسعيد بن منصور، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وإبراهيم بن بشار الرمادي، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وإسحاق ابن راهويه، وأبو جعفر النفيلي، وأبو كريب، ومحمد بن المثنى، وعمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، وعمرو بن محمد الناقد، وأحمد بن منيع، وإسحاق بن منصور الكوسج، وزهير بن حرب، ويونس بن عبد الأعلى، والحسن بن محمد الزعفراني، والحسن بن الصباح البزار، وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم، ومحمد بن عاصم الثقفي، وعلي بن حرب، وسعدان بن نصر، وزكريا بن يحيى المروزي، وبشر بن مطر، والزبير بن بكار، وأحمد بن شيبان الرملي، ومحمد بن عيسى بن حبان المدائني، وأمم سواهم، خاتمهم في الدنيا شيخ مكي يقال له: أبو نصر اليسع بن زيد الزينبي، عاش إلى سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وما هو بالقوي. ولقد كان خلق من طلبة الحديث يتكلفون الحج، وما المحرك لهم سوى لقي سفيان بن عيينة، لإمامته وعلو إسناده. وجاور عنده غير واحد من الحفاظ. ومن كبار أصحابه المكثرين عنه: الحميدي، والشافعي، وابن المديني، وأحمد، وإبراهيم الرمادي.
قال الإمام الشافعي. لولا مالك وسفيان بن عيينة، لذهب علم الحجاز.(أعلام/1807)
وعنه قال: وجدت أحاديث الأحكام كلها عند ابن عيينة سوى ستة أحاديث، ووجدتها كلها عند مالك سوى ثلاثين حديثا. فهذا يوضح لك سعة دائرة سفيان في العلم، وذلك لأنه ضم أحاديث العراقيين إلى أحاديث الحجازيين. وارتحل ولقي خلقا كثيرا ما لقيهم مالك. وهما نظيران في الإتقان، ولكن مالكا أجل وأعلى، فعنده نافع وسعيد المقبري.
قال عبد الرحمن بن مهدي: كان ابن عيينة من أعلم الناس بحديث الحجاز.
وقال أبو عيسى الترمذي: سمعت محمدا -يعني البخاري - يقول: ابن عيينة أحفظ من حماد بن زيد.
قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت أحدا فيه من آلة العلم ما في سفيان بن عيينة، وما رأيت أكف عن الفتيا منه. قال: وما رأيت أحدا أحسن تفسيرا للحديث منه.
قال عبد الله بن وهب: لا أعلم أحدا أعلم بتفسير القرآن من ابن عيينة، وقال: أحمد بن حنبل أعلم بالسنن من سفيان.
قال وكيع: كتبنا عن ابن عيينة أيام الأعمش.
قال علي ابن المديني: ما في أصحاب الزهري أحد أتقن من سفيان بن عيينة.
قال ابن عيينة: حج بي أبي وعطاء بن أبي رباح حي.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان ابن عيينة ثبتا في الحديث ; وكان حديثه نحوا من سبعة آلاف، ولم تكن له كتب.
قال بهز بن أسد: ما رأيت مثل سفيان بن عيينة. فقيل له: ولا شعبة؟ قال: ولا شعبة.
قال يحيى بن معين: هو أثبت الناس في عمرو بن دينار.
وقال ابن مهدي: عند ابن عيينة من معرفته بالقرآن وتفسير الحديث، ما لم يكن عند سفيان الثوري.(أعلام/1808)
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا إسماعيل بن عبد الجبار، أخبرنا أبو يعلى الخليلي، سمعت علي بن أحمد بن صالح المقرئ، سمعت الحسن بن علي الطوسي، سمعت محمد بن إسماعيل السلمي، سمعت البويطي، سمعت الشافعي يقول: أصول الأحكام نيف وخمس مائة حديث، كلها عند مالك إلا ثلاثين حديثا، وكلها عند ابن عيينة إلا ستة أحاديث. رواته ثقات.
القاضي أبو العلاء الواسطي، مما سمعته منه، الخطيب، أنبأنا عبد الله بن موسى السلامي، سمعت عمار بن علي اللوري، سمعت أحمد بن النضر الهلالي، سمعت أبي يقول: كنت في مجلس سفيان بن عيينة، فنظر إلى صبي، فكأن أهل المسجد تهاونوا به لصغره، فقال سفيان: كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ثم قال: يا نضر لو رأيتني ولي عشر سنين، طولي خمسة أشبار، ووجهي كالدينار، وأنا كشعلة نار، ثيابي صغار، وأكمامي قصار، وذيلي بمقدار، ونعلي كأذان الفار، أختلف إلى علماء الأمصار، كالزهري، وعمرو بن دينار، أجلس بينهم كالمسمار، محبرتي كالجوزة، ومقلمتي كالموزة، وقلمي كاللوزة، فإذا أتيت قالوا: أوسعوا للشيخ الصغير، ثم ضحك. في صحة هذا نظر، وإنما سمع من المذكورين وهو ابن خمس عشرة سنة أو أكثر.
قال أحمد بن حنبل: دخل سفيان بن عيينة على معن بن زائدة -يعني أمير اليمن - ولم يكن سفيان تلطخ بعد بشيء من أمر السلطان، فجعل يعظه.
قال علي بن حرب الطائي: سمعت أبي يقول: أحب أن تكون لي جارية في غنج سفيان بن عيينة إذا حدث.
قال رباح بن خالد الكوفي: سألت ابن عيينة فقلت: يا أبا محمد، إن أبا معاوية يحدث عنك بشيء ليس تحفظه اليوم، وكذلك وكيع، فقال: صدقهم، فإني كنت قبل اليوم أحفظ مني اليوم.
قال محمد بن المثنى العنزي: سمعت ابن عيينة يقول ذلك لرباح في سنة إحدى وتسعين ومائة.(أعلام/1809)
قال حامد بن يحيى البلخي: سمعت ابن عيينة يقول: رأيت كأن أسناني سقطت، فذكرت ذلك للزهري، فقال: تموت أسنانك، وتبقى أنت. قال: فمات أسناني وبقيت أنا، فجعل الله كل عدو لي محدثا.
قلت: قال هذا من شدة ما كان يلقى من ازدحام أصحاب الحديث عليه حتى يبرموه.
قال غياث بن جعفر: سمعت ابن عيينة يقول: أول من أسندني إلى الأسطوانة، مسعر بن كدام، فقلت له: إني حدث. قال: إن عندك الزهري، وعمرو بن دينار.
قال أبو محمد الرامهرمزي: حدثنا موسى بن زكريا، حدثنا زياد بن عبد الله بن خزاعي، سمعت سفيان بن عيينة يقول: كان أبي صيرفيا بالكوفة، فركبه دين فحملنا إلى مكة، فصرت إلى المسجد، فإذا عمرو بن دينار، فحدثني بثمانية أحاديث، فأمسكت له حماره حتى صلى، وخرج، فعرضت الأحاديث عليه، فقال: بارك الله فيك.
وروى أبو مسلم المستملي: قال ابن عيينة: سمعت من عمرو ما لبث نوح في قومه -يعني تسع مائة وخمسين سنة. قال مجاهد بن موسى: سمعت ابن عيينة يقول: ما كتبت شيئا إلا حفظته قبل أن أكتبه.
قال ابن المبارك: سئل سفيان الثوري عن سفيان بن عيينة، فقال: ذاك أحد الأحدين ما أغربه.
وقال ابن المديني: قال لي يحيى القطان. ما بقي من معلمي أحد غير سفيان بن عيينة، وهو إمام منذ أربعين سنة.
وقال علي: سمعت بشر بن المفضل يقول: ما بقي على وجه الأرض أحد يشبه ابن عيينة. وحكى حرملة بن يحيى أن ابن عيينة قال له -وأراه خبز شعير-: هذا طعامي منذ ستين سنة.
الحميدي، سمع سفيان يقول: لا تدخل هذه المحابر بيت رجل إلا أشقى أهله وولده.
وقال سفيان مرة لرجل: ما حرفتك؟ قال: طلب الحديث. قال: بشر أهلك بالإفلاس.
وروى علي بن الجعد عن ابن عيينة قال: من زيد في عقله، نقص من رزقه.(أعلام/1810)
ونقل سنيد بن داود عن ابن عيينة قال: من كانت معصيته في الشهوة فارج له، ومن كانت معصيته في الكبر، فاخش عليه، فإن آدم عصى مشتهيا، فغفر له، وإبليس عصى متكبرا فلعن. ومن كلام ابن عيينة قال: الزهد: الصبر وارتقاب الموت. وقال: العلم إذا لم ينفعك ضرك.
قال عثمان بن زائدة: قلت لسفيان الثوري: ممن نسمع؟ قال: عليك بابن عيينة وزائدة.
قال نعيم بن حماد: ما رأيت أحدا أجمع لمتفرق من سفيان بن عيينة.
وقال علي بن نصر الجهضمي: حدثنا شعبة بن الحجاح قال: رأيت ابن عيينة غلاما، معه ألواح طويلة عند عمرو بن دينار، وفي أذنه قرط، أو قال: شنف.
وقال ابن المديني: سمعت ابن عيينة يقول: جالست عبد الكريم الجزري سنتين، وكان يقول لأهل بلده: انظروا إلى هذا الغلام يسألني وأنتم لا تسألوني.
قال ذؤيب بن عمامة السهمي: سمعت ابن عيينة يقول: سمعت من صالح مولى التوأمة هكذا وهكذا، وأشار بيديه - يعني كثرة - سمعت منه، ولعابه يسيل، فقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: فلا نعلمه روى عنه شيئا، كان منتقدا للرواة.
قال علي: سمعت سفيان يقول: عمرو بن دينار أكبر من الزهري، سمع من جابر، وما سمع الزهري منه.
قال أحمد بن سلمة النيسابوري: حدثنا سليمان بن مطر، قال: كنا على باب سفيان بن عيينة، فاستأذنا عليه، فلم يأذن لنا، فقلنا: ادخلوا حتى نهجم عليه، قال: فكسرنا بابه، ودخلنا وهو جالس، فنظر إلينا، فقال: سبحان الله، دخلتم داري بغير إذني، وقد حدثنا الزهري عن سهل بن سعد أن رجلا اطلع في جحر، من باب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومع النبي -صلى الله عليه وسلم- مدرى يحك به رأسه فقال: لو علمت أنك تنظرني لطعنت بها في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر.(أعلام/1811)
قال: فقلنا له: ندمنا يا أبا محمد. فقال: ندمتم؟ حدثنا عبد الكريم الجزري عن زياد، عن عبد الله بن معقل، عن عبد الله بن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الندم توبة. اخرجوا فقد أخذتم رأس مال ابن عيينة.
سليمان هذا هو أخو قتادة بن مطر، صدوق إن شاء الله. وزياد المذكور في الحديث هو ابن أبي مريم.
قال محمد بن يوسف الفريابي: كنت أمشي مع ابن عيينة، فقال لي: يا محمد، ما يزهدني فيك إلا طلب الحديث. قلت: فأنت يا أبا محمد، أي شيء كنت تعمل إلا طلب الحديث؟ فقال: كنت إذ ذاك صبيا لا أعقل. قلت: إذا كان مثل هذا الإمام يقول هذه المقالة في زمن التابعين أو بعدهم بيسير، وطلب الحديث مضبوط بالاتفاق، والأخذ عن الأثبات الأئمة، فكيف لو رأى سفيان -رحمه الله- طلبة الحديث في وقتنا، وما هم عليه من الهنات والتخبيط، والأخذ عن جهلة بني آدم، وتسميع ابن شهر.
أما الخيام فإنها كخيامهم
وأرى نساء الحي غير نسائها
قال عبد الرحمن بن يونس: حدثنا ابن عيينة قال: أول من جالست عبد الكريم أبو أمية وأنا ابن خمس عشرة سنة. قال: وقرأت القرآن وأنا ابن أربع عشرة سنة.
قال يحيى بن آدم: ما رأيت أحدا يختبر الحديث إلا ويخطئ، إلا سفيان بن عيينة.
قال أحمد بن زهير: حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي، حدثنا سفيان قال: قال حماد بن أبي سليمان، ولم أسمعه منه: إذا قال لامرأته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، بانت بالأولى، وبطلت الثنتان.
قال سفيان: رأيت حمادا قد جاء إلى طبيب على فرس.
قال أبو حاتم الرازي: سفيان بن عيينة إمام ثقة، كان أعلم بحديث عمرو بن دينار من شعبة، قال: وأثبت أصحاب الزهري، هو ومالك.
وقال عبد الرزاق: ما رأيت بعد ابن جريج مثل ابن عيينة في حسن المنطق.(أعلام/1812)
وروى إسحاق الكوسج عن يحيى: ثقة. وعن ابن عيينة قال: الورع طلب العلم الذي به يعرف الورع. روى سليمان بن أيوب، سمعت سفيان بن عيينة يقول: شهدت ثمانين موقفا.(أعلام/1813)
سلام بن أبي مطيع (خ، م، ت، س)
الإمام الثقة القدوة أبو سعيد الخزاعي، مولاهم البصري. عن: قتادة، وشعيب بن الحبحاب، وأيوب، وعثمان بن عبد الله بن موهب، وهشام بن عروة، وأبي عمران الجوني، وأسماء بن عبيد، وعدة، وينزل إلى معمر بن راشد، ونحوه.
وعنه: ابن المبارك، وابن مهدي، وسعيد بن عامر الضبعي، ويونس بن محمد، وأبو الوليد، وسليمان بن حرب، وعلي بن الجعد، وموسى بن إسماعيل، وإبراهيم بن الحجاج السامي، ومسدد، وهدبة، وعبد الأعلى بن حماد، وخلق سواهم.
قال أحمد بن حنبل: ثقة، صاحب سنة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال أبو سلمة التبوذكي: كان يقال: هو أعقل أهل البصرة. قال أبو داود السجزي: هو القائل: لأن ألقى الله بصحيفة الحجاج، أحب إلي من أن ألقى الله بصحيفة عمرو بن عبيد وقال النسائي: ليس به بأس، وقال مرة: ثقة. وقال ابن عدي: ليس بمستقيم الحديث، عن قتادة خاصة وله أحاديث حسان غرائب وأفرادات، وهو يعد من خطباء أهل البصرة، ومن عقلائهم، وكان كثير الحج، ومات في طريق مكة، ولم أر أحدا من المتقدمين نسبه إلى الضعيف. قال محمد بن محبوب: مات وهو مقبل من مكة، سنة أربع وستين ومائة وقال خليفة، وابن قانع: مات سنة ثلاث وسبعين ومائة قلت: هذا أصح. وقال ابن حبان: كثير الوهم لا يحتج به إذا انفرد.
قلت: قد احتج به الشيخان، ولا ينحط حديثه عن درجة الحسن قال زهير البابي: سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: الجهمية كفار، لا يصلى خلفهم. قلت: وكذا يقول أحمد بن حنبل في أقوى الروايتين عنه، وهم الذين جحدوا الصفات المقدسة، وقالوا بخلق القرآن.(أعلام/1814)
سلمة بن الأكوع (ع)
هو سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع: سنان بن عبد الله، أبو عامر وأبو مسلم. ويقال: أبو إياس الأسلمي الحجازي المدني.
قيل: شهد مؤتة، وهو من أهل بيعة الرضوان.
روى عدة أحاديث.
حدث عنه؛ ابنه إياس، ومولاه يزيد بن أبي عبيد، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والحسن بن محمد بن الحنفية، ويزيد بن خصيفة.
قال مولاه يزيد: رأيت سلمة يصفر لحيته. وسمعته يقول: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت، وغزوت معه سبع غزوات.
ابن مهدي: حدثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: بيتنا هوازن مع أبي بكر الصديق، فقتلت بيدي ليلتئذ سبعة أهل أبيات.
عكرمة بن عمار: حدثنا إياس، عن أبيه، قال: خرجت أنا ورباح غلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرجت بفرس لطلحة فأغار عبد الرحمن بن عيينة على الإبل، فقتل راعيها، وطرد الإبل هو وأناس معه في خيل. فقلت: يا رباح! اقعد على هذا الفرس، فألحقه بطلحة، وأعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقمت على تل، ثم ناديت ثلاثا: يا صباحاه! واتبعت القوم، فجعلت أرميهم، وأعقر بهم، وذلك حين يكثر الشجر فإذا رجع إلي فارس، قعدت له في أصل شجرة، ثم رميته، وجعلت أرميهم، وأقول.
أنا ابن الأكوع
واليوم يوم الرضع(أعلام/1815)
وأصبت رجلا بين كتفيه، وكنت إذا تضايقت الثنايا، علوت الجبل، فردأتهم بالحجارة، فما زال ذلك شأني وشأنهم حتى ما بقي شيء من ظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا خلفته وراء ظهري، واستنقذته. ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا، وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون منها، ولا يلقون شيئا إلا جعلت عليه حجارة، وجمعته على طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا امتد الضحى، أتاهم عيينة بن بدر مددا لهم، وهم في ثنية ضيقة، ثم علوت الجبل، فقال عيينة: ما هذا؟ قالوا: لقينا من هذا البرح، ما فارقنا بسحر إلى الآن، وأخذ كل شيء كان في أيدينا. فقال عيينة: لولا أنه يرى أن وراءه طلبا لقد ترككم، ليقم إليه نفر منكم. فصعد إلي أربعة، فلما أسمعتهم الصوت، قلت: أتعرفوني؟ قالوا: ومن أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع. والذي أكرم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يطلبني رجل منكم فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني.
فقال رجل منهم: إني أظن. فما برحت ثم، حتى نظرت إلى فوارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخللون الشجر وإذا أولهم الأخرم الأسدي، وأبو قتادة، والمقداد؛ فولى المشركون. فأنزل، فأخذت بعنان فرس الأخرم، لا آمن أن يقتطعوك، فاتئد حتى يلحقك المسلمون؛ فقال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة، فخليت عنان فرسه، ولحق بعبد الرحمن بن عيينة، فاختلفا طعنتين، فعقر الأخرم بعبد الرحمن فرسه، ثم قتله عبد الرحمن، وتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم، فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن، فاختلفا طعنتين فعقر بأبي قتادة، فقتله أبو قتادة، وتحول على فرسه.(أعلام/1816)
وخرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار أصحابنا شيئا، ويعرضون قبيل المغيب إلى شعب فيه ماء يقال له: " ذو قرد " فأبصروني أعدو وراءهم، فعطفوا عنه، وأسندوا في الثنية، وغربت الشمس، فألحق رجلا، فأرميه؛ فقلت: خذها وأنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرضع. فقال: يا ثكل أمي أكوعي بكرة؟ قلت: نعم يا عدو نفسه. وكان الذي رميته بكرة، فأتبعته سهما آخر، فعلق به سهمان. ويخلفون فرسين، فسقتهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على الماء الذي جليتهم عنه - " ذو قرد " - وهو في خمسمائة، وإذا بلال نحر جزورا مما خلفت، فهو يشوي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله! خلني فأنتخب من أصحابك مائة، فآخذ عليهم بالعشوة، فلا يبقى منهم مخبر. قال: أكنت فاعلا يا سلمة؟ قلت: نعم. فضحك حتى رأيت نواجذه في ضوء النار. ثم قال: إنهم يقرون الآن بأرض غطفان.
قال: فجاء رجل، فأخبر أنهم مروا على فلان الغطفاني، فنحر لهم جزورا، فلما أخذوا يكشطون جلدها، رأوا غبرة، فهربوا. فلما أصبحنا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة. وأعطاني سهم الراجل والفارس جميعا. ثم أردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة.
فلما كان بيننا وبينها قريبا من ضحوة، وفي القوم رجل كان لا يسبق جعل ينادي: ألا رجل يسابق إلى المدينة؟ فأعاد ذلك مرارا. فقلت: ما تكرم كريما ولا تهاب شريفا؟ قال: لا، إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله بأبي وأمي، خلني أسابقه. قال: إن شئت. وقلت: امض. وصبرت عليه شرفا أو شرفين حتى استبقيت نفسي، ثم إني عدوت حتى ألحقه، فأصك بين كتفيه، وقلت: سبقتك والله، أو كلمة نحوها، فضحك، وقال: إن أظن، حتى قدمنا المدينة. أخرجه مسلم مطولا.(أعلام/1817)
العطاف بن خالد: عن عبد الرحمن بن رزين، قال: أتينا سلمة بن الأكوع بالربذة، فأخرج إلينا يدا ضخمة كأنها خف البعير، فقال: بايعت بيدي هذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فأخذنا يده، فقبلناها.
الحميدي: حدثنا علي بن يزيد الأسلمي، حدثنا إياس بن سلمة، عن أبيه قال: أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرارا، ومسح على وجهي مرارا، واستغفر لي مرارا عدد ما في يدي من الأصابع.
قال يزيد بن أبي عبيد: عن سلمة: أنه استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في البدو، فأذن له.
رواه أحمد في " مسنده " عن حماد بن مسعدة، عنه.
ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن زياد بن ميناء، قال: كان ابن عباس، وأبو هريرة، وجابر، ورافع بن خديج، وسلمة بن الأكوع مع أشباه لهم يفتون بالمدينة، ويحدثون من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا.
وعن عبادة بن الوليد أن الحسن بن محمد بن الحنفية قال: اذهب بنا إلى سلمة بن الأكوع، فلنسأله، فإنه من صالحي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - القدم، فخرجنا نريده، فلقيناه يقوده قائده. وكان قد كف بصره.
وعن يزيد بن أبي عبيد، قال: لما قتل عثمان، خرج سلمة إلى الربذة، وتزوج هناك امرأة، فولدت له أولادا، وقبل أن يموت بليال، نزل إلى المدينة.
قال الواقدي وجماعة: توفي سنة أربع وسبعين.
قلت: كان من أبناء التسعين، وحديثه من عوالي صحيح البخاري.(أعلام/1818)
سلمة بن سلامة
ابن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل، أبو عوف الأشهلي، ابن عمة محمد بن مسلمة.
شهد العقبتين، وبدرا وأحدا، والمشاهد.
وله حديث في " مسند " الإمام أحمد من رواية محمود بن لبيد عنه.
قيل: توفي سنة أربع وثلاثين.
وقال ابن سعد: مات سنة خمس وأربعين وهو ابن سبعين سنة. ودفن بالمدينة. وقد انقرض عقبه.
آخى النبي - صلى الله عليه وسلم- بينه وبين أبي سبرة بن أبي رهم العامري. وقيل: بينه وبين الزبير بن العوام.(أعلام/1819)
سلمة بن شبيب (م، 4)
الإمام الحافظ الثقة أبو عبد الرحمن، الحجري المسمعي النسائي، نزيل مكة.
سمع يزيد بن هارون، وزيد بن الحباب، وأبا داود الطيالسي، وحجاج بن محمد، وعبد الرزاق، وحفص بن عبد الرحمن النيسابوري، ومحمد بن يوسف الفريابي، وأبا المغيرة الخولاني، وخلقا كثيرا من هذا الضرب فمن بعدهم.
حدث عنه: مسلم، وأرباب السنن، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وعبد الله بن أحمد، وعلي بن أحمد علان، ومحمد بن هارون الروياني، والحسن بن دكة الأصبهاني، وحاتم بن محبوب الهروي، وعدة. وحدث عنه من شيوخه الإمام أحمد.
قال النسائي: ليس به بأس.
وقال أبو نعيم: قدم أصبهان، وحدث في سنة اثنتين وأربعين.
وعن سلمة بن شبيب، قال: بعت داري بنيسابور، وأردت التحول إلى مكة بعيالي، فقلت: أصلي أربع ركعات، وأودع عمار الدار. فصليت، وقلت: يا عمار الدار، سلام عليكم، فإنا خارجون نجاور بمكة. فسمعت هاتفا يقول: عليك السلام، يا سلمة. ونحن خارجون من الدار، فإنه بلغنا أن الذي اشتراها يقول: القرآن مخلوق.
قال ابن أبي داود: توفي سلمة من أكلة فالوذج.
وقال ابن يونس: قدم مصر، وحدث سنة ست، ومات في رمضان سنة سبع وأربعين ومائتين.
قال أبو حاتم: صدوق.
أخبرنا شيخان، قالا: أخبرنا موسى الجيلي، أخبرنا ابن البناء، أخبرنا ابن البسري، أخبرنا المخلص، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا عبد الحميد الحماني، حدثنا أبو سعد عن أنس، قال: أرسلني أبو طلحة أدعو النبي -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنا ومن معي؟ قلت: نعم. . . الحديث.(أعلام/1820)
سلمة بن كهيل (ع)
بن حصين الإمام الثبت الحافظ أبو يحيى الحضرمي ثم التنعي الكوفي وتنعة: بطن من حضرموت، وروي عن ابن الكلبي أن تنعة قرية فيها بئر برهوت.
دخل على ابن عمر، وعلى زيد بن أرقم. وحدث عن أبي جحيفة السوائي، وجندب البجلي، وابن أبي أوفى، وأبي الطفيل، وسويد بن غفلة، وأبي وائل، وحبة بن جوين، وحجية بن عدي، وزيد بن وهب، وسعيد بن جبير، والشعبي، وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، وعلقمة بن قيس، وكريب، ومجاهد، وعدة.
وعنه ابنه يحيى بن سلمة، ومنصور، والأعمش، وهلال بن يساف، وهو من شيوخه، والعوام بن حوشب، وزيد بن أبي أنيسة، وشعبة، والثوري، والحسن بن صالح بن حي، وأخوه علي بن صالح، ومسعر، وعقيل بن خالد، وخلق كثير.
قال علي ابن المديني: له مائتان وخمسون حديثا. وقال أحمد بن حنبل: كان متقنا للحديث. وقال أحمد العجلي: تابعي ثقة ثبت في الحديث وفيه تشيع قليل، وحديثه أقل من مائتي حديث. وقال أبو حاتم: ثقة متقن. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت على تشيعه. وقال جرير بن عبد الحميد: لما قدم شعبة البصرة، قالوا: حدثنا عن ثقات أصحابك، فقال: إن حدثتكم عن ثقات أصحابي، فإنما أحدثكم عن نفر يسير من هذه الشيعة، الحكم، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور.
وروى خلف بن حوشب، عن طلحة بن مصرف، قال: ما اجتمعنا في مكان إلا غلبنا هذا القصير على أمرنا يعني: سلمة بن كهيل.
وقال ابن المبارك، عن سفيان: حدثنا سلمة بن كهيل، وكان ركنا من الأركان وشد قبضته.
قال عبد الرحمن بن مهدي: لم يكن بالكوفة أثبت من أربعة: منصور، وأبي حصين، وسلمة بن كهيل، وعمرو بن مرة.
قال يحيى بن سلمة: ولد أبي في سنة سبع وأربعين. ومات يوم عاشوراء سنة إحدى وعشرين ومائة وكذلك قال جماعة في تاريخ وفاته.(أعلام/1821)
وقال أحمد بن حنبل: مات سنة إحدى وعشرين. في آخرها يوما. وقال الهيثم وابن سعد، وأبو عبيد: مات سنة اثنتين وعشرين ومائة وقال مطين وهارون بن حاتم: سنة ثلاث وعشرين ومائة.(أعلام/1822)
سليم بن عامر (م، 4)
الكلاعي الخبائري الحمصي. حدث عن أبي الدرداء، وتميم الداري، والمقداد بن الأسود، وعوف بن مالك، وأبي هريرة، وعمرو بن عبسة، وطائفة، ويجوز أن روايته عن المقداد ونحوه مرسلة، وأنه ما شافههم.
حدث عنه محمد بن الوليد الزبيدي، وحريز بن عثمان، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وعفير بن معدان، ومعاوية بن صالح، وآخرون، وعمر دهرا. وكان يقول: استقبلت الإسلام من أوله، فهذا يدل على أنه ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم.
وثقه أحمد بن عبد الله العجلي، وقال أبو حاتم: لا بأس به. روى شعبة، عن يزيد بن خمير، قال: سمعت سليم بن عامر، وكان قد أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم.
وقال يحيى بن معين: سليم بن عامر الكلاعي زعم أنه قرأ عليهم كتاب عمر -رضي الله عنه.
وقال أبو القاسم بن عساكر: شهد فتح القادسية.
قال أحمد بن محمد بن عيسى الحمصي: عاش سليم بعد سنة اثنتي عشرة ومائة. قلت: جاوز المائة بسنتين، فأما قول محمد بن سعد وخليفة بن خياط إنه مات سنة ثلاثين ومائة، فهو بعيد، ما أعتقد أنه بقي إلى هذا الوقت، ولو عاش إلى هذا الوقت، لسمع منه إسماعيل بن عياش وأقرانه.(أعلام/1823)
سليمان بن المغيرة (ع)
الإمام الحافظ، القدوة أبو سعيد القيسي، البصري، مولى بني قيس بن ثعلبة، من بكر بن وائل.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله، أو ابن أبي عصرون، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا أبو سعد الكنجروذي، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا شيبان، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: كنا عند عمر -رضي الله عنه- بالمدينة، فتراءينا الهلال، وكنت رجلا حديد البصر، فرأيته، وليس أحد يزعم أنه رآه غيري، فجعلت أقول لعمر: أما تراه؟ فجعل لا يراه، قال: يقول عمر: سأراه وأنا مستلق على فراشي. . . وذكر الحديث. أخبرنا عمر بن عبد المنعم: أنبأنا أبو القاسم بن الحرستاني حضورا، أنبأنا أبو الحسن بن مسلم، أنبأنا ابن طلاب، أنبأنا ابن جميع، حدثني محمد بن عبد الرحيم بن سعيد الدينوري ببغداد، حدثنا عبد الله بن سنان بن مالك السعدي، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحلاق يحلقه، وقد اجتمع أصحابه، فما تسقط من شعرة إلا بيد رجل ويقع في " الجعديات " من عواليه
حدث عن: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وحميد بن هلال، وثابت بن أسلم والجريري، وأبي موسى الهلالي، ووالده المغيرة لم يزد شيخنا المزي على هؤلاء
روى عنه: الثوري، وأبو أسامة، وبهز بن أسد، وأبو داود، وأبو عامر العقدي، وابن مهدي، وعبد الصمد التنوري، وأسد بن موسى، وحبان بن هلال، وعبد السلام بن مطهر، وعمرو بن عاصم، وعلي بن عبد الحميد المعني، وموسى بن إسماعيل التبوذكي، ويحيى بن آدم، ومسلم بن إبراهيم، وشيبان بن فروخ، وخلق.(أعلام/1824)
روى موسى بن إسماعيل، عن سليمان بن المغيرة: قال أيوب السختياني: ليس أحد أحفظ لحديث حميد بن هلال من سليمان بن المغيرة وقال وهيب: كان يقول لنا أيوب: خذوا عن سليمان بن المغيرة. وكنا نأتيه في ناحية، وأبوه قاعد في ناحية. وقال قراد أبو نوح: سمعت شعبة يقول: سليمان بن المغيرة سيد أهل البصرة. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا سليمان بن المغيرة، وكان خيارا من الرجال. قال يعلى بن منصور الفقيه: سألت ابن علية عن حافظ أهل البصرة، فذكر سليمان بن المغيرة.
قال خالد بن نزار: سمعت سليمان بن المغيرة يقول: قدم علينا البصرة سفيان الثوري، فأرسل إلي، فقال: بلغني عنك أحاديث، وأنا على ما ترى من الحال، فأتني إن خف عليك. فأتيته، فسمع مني.
قال الخريبي: ما رأيت بالبصرة أفضل من سليمان بن المغيرة، ومرحوم بن عبد العزيز.
وروى أبو طالب عن أحمد بن حنبل قال: هو ثبت، ثبت. وروى الكوسج، عن يحيى بن معين، قال: ثقة ثقة. وقال ابن المديني: لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة ثم سليمان بن المغيرة، ثم حماد بن زيد وقال محمد بن سعد: كان سليمان بن المغيرة ثقة ثبتا.
قال أبو داود الطيالسي، قال: كنا عند شعبة، فجاء سليمان بن المغيرة يبكي، قال: مات حماري، وذهبت مني الجمعة، وذهبت حوائجي. فقال شعبة: بكم أخذته؟ قال: بثلاثة دنانير. قال شعبة: فعندي ثلاثة دنانير، والله ما أملك غيرها، ثم دفعها إليه.
قال محمد بن محبوب: مات سليمان بن المغيرة سنة خمس وستين ومائة.(أعلام/1825)
سليمان بن بلال (ع)
الإمام المفتي الحافظ أبو محمد القرشي التيمي، مولاهم المدني، وقيل: كنيته أبو أيوب، مولى عبد الله بن أبي عتيق، محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. ويقال: مولى القاسم بن محمد.
مولده في حدود سنة مائة.
وحدث عن: عبد الله بن دينار، وزيد بن أسلم، وربيعة الرأي، وسهيل بن أبي صالح، وأبي طوالة، وهشام بن عروة، وثور بن زيد، وأبي حازم الأعرج، والعلاء بن عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد، وأخيه سعد بن سعيد، وعمارة بن غزية، ومعاوية بن أبي مزرد، وخثيم بن عراك، وشريك بن أبى نمر، وعبيد الله بن عمر، ويونس بن يزيد، وأبي وجزة السعدي، وعمرو بن أبي عمرو، ومحمد بن عبد الله بن أبي عتيق، وخلق سواهم، وكان من أوعية العلم.
روى عنه ابنه أيوب شيئا يسيرا، وروى عن رجل عنه نسخة.
روى عنه: أبو بكر عبد الحميد بن أبي أويس، وخالد بن مخلد، وأبو وهب، وسعيد بن عفير، وأبو عامر العقدي، ومروان بن محمد الطاطري، وموسى بن داود، ومنصور بن سلمة الخزاعي، ويحيى بن حسان، ويحيى بن صالح الوحاظي، ويحيى بن يحيى، وسعيد بن أبي مريم، والقعنبي، وعبد الله بن المبارك مع تقدمه، ومحمد بن خالد بن عثمة، ولوين، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي، وإسحاق الفروي، وإسماعيل بن أبي أويس، وخلق غيرهم. وثقه أحمد، وابن معين، والنسائي.
قال أحمد بن حنبل: لا بأس به، ثقة. وقال يحيى بن معين: هو أحب إلي من الدراوردي. وقال محمد بن سعد: كان بربريا جميلا، حسن الهيئة، عاقلا، وكان يفتي بالمدينة، وولي خراجها وكان ثقة، كثير الحديث.
قال محمد بن يحيى الذهلي: ابن أبي عتيق يقال له: محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، لم يرو عنه فيما علمت غير سليمان بن بلال. قال لي أيوب بن سليمان: ما علمت أحدا روى عنه بالمدينة غير أبي.(أعلام/1826)
قال الذهلي: لولا أن سليمان قام بحديثه، لذهب حديثه، ولا أعلمه كتب عن سليمان حديث ابن أبي عتيق هذا، سوى عبد الحميد بن أبي أويس الأعشى، وما ظننت أن عند سليمان بن بلال من الحديث ما عنده، حتى نظرت في كتاب ابن أبي أويس، فإذا هو قد تبحر حديث المدنيين، وإذا هو قد روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري قطيعا من حديث الزهري، وعن يونس الأيلي.
وقال أبو زرعة الرازي: سليمان بن بلال أحب إلي من هشام بن سعد.
وقال أبو حاتم: سليمان متقارب. قال ابن سعد: توفي بالمدينة سنة اثنتين وسبعين ومائة.
وروى البخاري عن هارون بن محمد أنه توفي سنة سبع وسبعين والأول أصح، ولو تأخر للقيه قتيبة وطائفة.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن غالية، قالا: أنبأنا موسى بن عبد القادر، أنبأنا سعيد بن أحمد، أنبأنا علي بن البسري، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا يحيى بن سليمان بن نضلة، حدثنا سليمان بن بلال، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا بنصف الليل، أو الثلث الآخر، فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ ومن ذا الذي يسألني فأعطيه؟ ومن ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر، أو ينصرف القارئ من صلاة الصبح.(أعلام/1827)
سليمان بن حرب (ع)
ابن بجيل، الإمام الثقة الحافظ، شيخ الإسلام أبو أيوب الواشحي الأزدي، البصري، قاضي مكة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد وغيره إجازة، قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا ابن غيلان، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من سمع بي من يهودي أو نصراني، ثم لم يسلم، دخل النار ".
حدث عن: شعبة، وحوشب بن عقيل، والأسود بن شيبان، ويزيد بن إبراهيم، ومبارك بن فضالة، وحماد بن سلمة، وبسطام بن حريث، والسري بن يحيى، وجرير بن حازم، وسليمان بن المغيرة، وسلام بن أبي مطيع، ومحمد بن طلحة بن مصرف وعدة.
وعنه: البخاري، وأبو داود، والحميدي، ومات قبله، وعمرو بن علي الفلاس، ويحيى بن موسى خت، ومحمد بن يحيى الذهلي، والحسن بن علي الخلال، وحجاج بن الشاعر، وأحمد بن سعيد الدارمي، وعباس الدوري، وعبد بن حميد، والدارمي، وأبو زرعة، ومحمد بن الضريس، وأبو مسلم الكجي، وأبو خليفة، وخلق كثير، ومن القدماء: يحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل.(أعلام/1828)
قال أبو حاتم: سليمان بن حرب إمام من الأئمة، كان لا يدلس، ويتكلم في الرجال، وفي الفقه وليس بدون عفان، ولعله أكبر منه، وقد ظهر له نحو من عشرة آلاف حديث، وما رأيت في يده كتابا قط، وهو أحب إلي من أبي سلمة التبوذكي في حماد بن سلمة وفي كل شيء، ولقد حضرت مجلس سليمان بن حرب ببغداد، فحزروا من حضر مجلسه أربعين ألف رجل، وكان مجلسه عند قصر المأمون، فبنى له شبه منبر، فصعد سليمان، وحضر حوله جماعة من القواد عليهم السواد، والمأمون فوق قصره، وقد فتح باب القصر، وقد أرسل ستر شف وهو خلفه، وكتب ما يملي. فسئل سليمان أول شيء حديث حوشب بن عقيل، فلعله قد قال: حدثنا حوشب بن عقيل أكثر من عشر مرات، وهم يقولون: لا نسمع، فقام مستمل ومستمليان وثلاثة، كل ذلك يقولون: لا نسمع، حتى قالوا: ليس الرأي إلا أن يحضر هارون المستملي، فلما حضر قال: من ذكرت؟ فإذا صوته خلاف الرعد، فسكتوا، وقعد المستملون كلهم، فاستملى هارون، وكان لا يسأل عن حديث إلا حدث من حفظه. وسئل عن حديث فتح مكة، فحدثنا به من حفظه، فقمنا فأتينا عفان، فقال: ما حدثكم أبو أيوب؟ فإذا هو يعظمه.
قال أبو حاتم الرازي أيضا: كان سليمان بن حرب قل من يرضى من المشايخ، فإذا رأيته قد روى عن شيخ، فاعلم أنه ثقة.
قال يعقوب الفسوي: سمعت سليمان بن حرب يقول: طلبت الحديث سنة ثمان وخمسين ومائة، واختلفت إلى شعبة، فلما مات جالست حماد بن زيد تسع عشرة سنة حتى مات، وأعقل موت ابن عون، وكنت لا أكتب عن حماد بن زيد حديث ابن عون، كنت أقول: رجل قد أدركت موته، ثم إني كتبته بعد.(أعلام/1829)
قال محمد بن يحيى الصولي: حدثنا المقدمي القاضي، حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن أكثم، قال: قال لي المأمون: من تركت بالبصرة؟ فوصفت له مشايخ منهم سليمان بن حرب، وقلت: هو ثقة حافظ للحديث، عاقل، في نهاية الستر والصيانة، فأمرني بحمله إليه، فكتبت إليه في ذلك، فقدم، فاتفق أني أدخلته إليه، وفي المجلس ابن أبي دؤاد، وثمامة، وأشباه لهما، فكرهت أن يدخل مثله بحضرتهم، فلما دخل، سلم، فأجابه المأمون، ورفع مجلسه، ودعا له سليمان بالعز والتوفيق، فقال ابن أبي دؤاد: يا أمير المؤمنين، نسأل الشيخ عن مسألة؟ فنظر المأمون إليه نظر تخيير له، فقال سليمان: يا أمير المؤمنين، حدثنا حماد بن زيد قال: قال رجل لابن شبرمة: أسألك؟ قال: إن كانت مسألتك لا تضحك الجليس، ولا تزري بالمسئول، فسل، وحدثنا وهيب قال: قال إياس بن معاوية: من المسائل ما لا ينبغي للسائل أن يسأل عنها، ولا للمجيب أن يجيب فيها. فإن كانت مسألته من غير هذا، فليسأل، وإن كانت من هذا فليمسك. قال: فهابوه، فما نطق أحد منهم حتى قام، وولاه قضاء مكة، فخرج إليها.
قال أحمد بن سنان: حدثنا المسعري قال: جاء رجل إلى سليمان بن حرب، فقال: إن مولاك فلانا مات، وخلف قيمة عشرين ألف درهم، قال: فلان أقرب إليه مني، المال لذاك دوني. قال: وهو يومئذ محتاج إلى درهم.
قال الخطيب: ولي سليمان قضاء مكة سنة أربع عشرة ومائتين، ثم عزل سنة تسع عشرة ومائتين.(أعلام/1830)
أنبأنا ابن علان وطائفة سمعوا أبا اليمن الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا البرقاني، حدثنا الحسين بن علي التميمي، حدثنا أبو عوانة الإسفراييني، حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بكر المقدمي، سمعت علي بن المديني سنة عشرين ومائتين، وقد ذكر له سليمان بن حرب، فجعل يكثره، فقال: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، قال: ما أخاف على أيوب وابن عون إلا الحديث.
أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: كان سليمان بن حرب يحدث بحديث، ثم يحدث به كأنه ليس ذاك.
قال الخطيب: كان يحدث على المعنى، فتتغير ألفاظ الحديث في روايته.
قال الإمام أحمد: كتبنا عن سليمان بن حرب وابن عيينة حي.
قال يعقوب بن شيبة: حدثنا سليمان بن حرب، وكان ثقة ثبتا، صاحب حفظ.
وقال النسائي: ثقة مأمون.
وقال البخاري: قال سليمان بن حرب: ولدت في صفر سنة أربعين ومائة.
وقال ابن سعد وغيره: رجع من مكة، وصرف من قضائها، ومات بالبصرة في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائتين.(أعلام/1831)
سليمان بن موسى (4)
الإمام الكبير مفتي دمشق أبو أيوب، ويقال: أبو هشام، وأبو الربيع الدمشقي الأشدق، مولى آل معاوية بن أبي سفيان.
يروي عن جابر بن عبد الله، وأبي أمامة، ومالك بن يخامر، وأبي سيارة المتعي، وواثلة بن الأسقع، وغالبه مرسل. ويروي عن كثير بن مرة، فلعله أدركه، وعن طاوس، ونافع بن جبير، وكريب، والقاسم بن محمد، وعطاء بن أبي رباح، ونافع، وعمرو بن شعيب، ومكحول، وابن شهاب، ونصير مولى معاوية وعدة.
روى عنه ابن جريج، وثور بن يزيد، ورجاء بن أبي سلمة، وزيد بن واقد، وعبد الرحمن بن الحارث المخزومي، ومحمد بن راشد المكحول، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وأبو معيد حفص بن غيلان، وابن لهيعة، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ومسرة بن معبد، ومعاوية بن يحيى الصدفي: وهمام بن يحيى، والزبيدي، وخلق كثير.
قال سعيد بن عبد العزيز: كان سليمان بن موسى أعلم أهل الشام بعد مكحول، ولو قيل لي: من أفضل الناس؟ لأخذت بيد سليمان.
وكان عطاء إذا جاء سليمان بن موسى، يقول: كفوا عن المسألة، فقد جاءكم من يكفيكم المسألة.
قال أبو مسهر: قال لي سعيد بن عبد العزيز: ما رأيت أحسن مسألة منك بعد سليمان بن موسى.
قال سعيد: قال سليمان بن موسى: حسن المسألة نصف العلم.
قال ابن عيينة: لا نعلم مكحولا خلف بالشام مثل يزيد بن يزيد، إلا ما ذكره ابن جريج من سليمان بن موسى.
وقال مطعم بن المقدام: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: سيد شباب أهل الحجاز ابن جريج، وسيد شباب أهل العراق الحجاج بن أرطاة، وسيد شباب أهل الشام سليمان بن موسى.
وقال شعيب عن الزهري: إن مكحولا يأتينا، وسليمان بن موسى، وايم الله أحفظ الرجلين.
وقال مروان الطاطري: سمعت ابن لهيعة يقول: ما لقيت مثله يعني: سليمان بن موسى. فقلت له: ولا الأعرج؟ قال: ما رأيت مثل سليمان بن موسى.(أعلام/1832)
قال زيد بن واقد: عاش سليمان بن موسى بعد مكحول سنتين، فكنا نجلس إليه بعد مكحول. فكان يأخذ كل يوم في باب من العلم، فلا يقطعه حتى يفرغ منه، ثم يأخذ في باب غيره، فقلت له يوما: يا أبا الربيع جزاك الله عنا خيرا، فإنك تحدثنا بما نريد وما لا نعقله. فلو بقي لنا لكفانا الناس.
قال أبو مسهر: كان أعلى أصحاب مكحول سليمان بن موسى، ومعه يزيد بن يزيد بن جابر.
قال دحيم: هو ثقة.
وقال أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى: سليمان بن موسى، عن مالك بن يخامر مرسلا، وعن جابر مرسلا.
وقال أبو مسهر: لم يدرك سليمان كثير بن مرة، ولا عبد الرحمن بن غنم.
وقال عثمان الدارمي: قلت ليحيى بن معين: سليمان بن موسى ما حاله في الزهري؟ قال: ثقة. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وفي حديثه بعض الاضطراب، ولا أعلم أحدا من أصحاب مكحول أفقه منه ولا أثبت منه.
وقال أيضا: أختار من أهل الشام بعد الزهري ومكحول للفقه سليمان بن موسى.
وقال البخاري: عنده مناكير.
وقال النسائي: هو أحد الفقهاء، وليس بالقوي في الحديث. وقال مرة: في حديثه شيء.
وقال ابن عدي: هو فقيه راو، حدث عنه الثقات، وهو أحد العلماء. روى أحاديث ينفرد بها لا يرويها غيره، وهو عندي ثبت صدوق.
قال أبو مسهر: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، حدثنا سليمان بن موسى بصحيفة حفظها، فأعجبه ذلك، فقال له مكحول: أتعجب؟ ! ما سمعت شيئا فاستودعته صدري إلا وجدته حين أريده.
وقال عباس بن محمد: قلت ليحيى: حديث لا نكاح إلا بولي يرويه ابن جريج، فقال: لا يصح في هذا شيء إلا حديث سليمان بن موسى.
قال أحمد بن أبي يحيى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: حديث أفطر الحاجم والمحجوم ولا نكاح إلا بولي أحاديث يشبه بعضها بعضا وأنا أذهب إليها.(أعلام/1833)
قلت: روى الثقات عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل،. ولها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له.
وعيسى بن يونس، عن ابن جريج نحوه، ولفظه لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل ثم قال ابن عدي: رواه مع سليمان يزيد بن أبي حبيب، وحجاج بن أرطاة، وقرة بن حيوئيل، وأيوب بن موسى، وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن سعد، وكلها طرق غريبة، سوى حجاج، وطريقه مشهور.
قلت: وهو صاحب حديث زمارة الراعي عن نافع، عن ابن عمر.
وروى ابن جريج عنه، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة مرفوعا: المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه.
قال دحيم: مات سنة خمس عشرة ومائة وقال أبو عبيد، وابن سعد، وخليفة، وجماعة: مات سنة تسع عشرة ومائة وله شيء في مقدمة مسلم.(أعلام/1834)
سليمان بن يسار (ع)
الفقيه، الإمام، عالم المدينة ومفتيها، أبو أيوب، وقيل: أبو عبد الرحمن وأبو عبد الله، المدني، مولى أم المؤمنين ميمونة الهلالية، وأخو عطاء بن يسار، وعبد الملك وعبد الله. وقيل: كان سليمان مكاتبا لأم سلمة. ولد في خلافة عثمان.
وحدث عن زيد بن ثابت، وابن عباس، وأبي هريرة، وحسان بن ثابت، وجابر بن عبد الله، ورافع بن خديج، وابن عمر، وعائشة، وأم سلمة، وميمونة، وأبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمزة بن عمرو الأسلمي، والمقداد بن الأسود، وذلك في أبي داود والنسائي وابن ماجه - وما أراه لقيه - وسلمة بن صخر البياضي - مرسل - وعبد الله بن حذافة السهمي - مرسل - والفضل بن العباس - مرسل - وأبي سعيد الخدري، والربيع بنت معوذ، وعدد من الصحابة.
ويروي أيضا عن عروة، وكريب، وعراك بن مالك، وأبي مراوح، وعمرة، ومسلم بن السائب، وغيرهم.
وكان من أوعية العلم ; بحيث إن بعضهم قد فضله على سعيد بن المسيب.
حدث عنه أخوه عطاء، والزهري، وبكير بن الأشج، وعمرو بن دينار وعمرو بن ميمون بن مهران، وسالم أبو النضر، وربيعة الرأي، وأبو الأسود يتيم عروة، ويعلى بن حكيم، ويعقوب بن عتبة، وأبو الزناد، وصالح بن كيسان، ومحمد بن عمرو بن عطاء، ومحمد بن يوسف الكندي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويونس بن يوسف، وعبد الله بن الفضل الهاشمي، وعمرو بن شعيب، ومحمد بن أبي حرملة، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وخثيم بن عراك، وخلق سواهم.
قال الزهري: كان من العلماء.
وقال أبو الزناد: كان ممن أدركت من فقهاء المدينة وعلمائهم ممن يرضى وينتهى إلى قولهم: سعيد بن المسيب، وعروة، والقاسم، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، في مشيخة أجلة سواهم من نظرائهم أهل فقه وصلاح وفضل.(أعلام/1835)
قال الحسن بن محمد بن الحنفية: سليمان بن يسار عندنا أفهم من سعيد بن المسيب.
الواقدي عن عبد الله بن يزيد الهذلي: سمعت سليمان بن يسار يقول: سعيد بن المسيب بقية الناس. وسمعت السائل يأتي سعيد بن المسيب فيقول: اذهب إلى سليمان بن يسار ; فإنه أعلم من بقي اليوم.
وقال مالك: كان سليمان بن يسار من علماء الناس بعد سعيد بن المسيب، وكان كثيرا ما يوافق سعيدا، وكان سعيد لا يجترئ عليه.
قال مصعب الزبيري، عن مصعب بن عثمان: كان سليمان بن يسار أحسن الناس وجها، فدخلت عليه امرأة، فسامته نفسه، فامتنع عليها، فقالت: إذا أفضحك، فخرج إلى خارج وتركها في منزله وهرب منها، قال سليمان: فرأيت يوسف - عليه السلام - وكأني أقول له: أنت يوسف؟ قال: نعم، أنا يوسف الذي هممت، وأنت سليمان الذي لم تهم.
إسنادها منقطع.
قال ابن معين: سليمان ثقة.
وقال أبو زرعة: ثقة، مأمون، فاضل عابد. وقال النسائي: أحد الأئمة.
وقال ابن سعد كان ثقة، عالما، رفيعا، فقيها، كثير الحديث، مات سنة سبع ومائة.
وكذا أرخه مصعب بن عبد الله، وابن معين، والفلاس، وعلي بن عبد الله التميمي، والبخاري، وطائفة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة.
قلت: فيكون مولده في أواخر أيام عثمان في سنة أربع وثلاثين.
وقال يحيى بن بكير: توفي سنة تسع وهذا وهم ; لعله تصحف.
وقال خليفة: مات سنة أربع وقال الهيثم بن عدي: سنة مائة. وهذا شاذ، وأشذ منه رواية البخاري عن هارون بن محمد، عن رجل أنه مات هو وابن المسيب وعلي بن الحسين وأبو بكر بن عبد الرحمن، سنة الفقهاء سنة أربع وتسعين.(أعلام/1836)
أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة عن أبي المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا ابن خلاد، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا ابن جريج، أخبرني يونس بن يوسف عن سليمان بن يسار، قال: تفرق الناس عن أبي هريرة، فقال له ناتل أخو أهل الشام: يا أبا هريرة، حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلت في سبيلك حتى استشهدت. فقال: كذبت ; إنما أردت أن يقال فلان جريء، فقد قيل. فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ; ورجل تعلم العلم، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وقرأت القرآن وعلمته فيك. قال: كذبت ; إنما أردت أن يقال فلان عالم، وفلان قارئ، فقد قيل. فأمر به فسحب على وجهه إلى النار ; ورجل آتاه الله من أنواع المال، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: ما عملت فيها؟ قال: ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت فيه لك. فقال: كذبت ; إنما أردت أن يقال فلان جواد، فقد قيل. فأمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار " هذا حديث صحيح.
قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: قدم علينا سليمان بن يسار دمشق، فدعاه أبي إلى الحمام، وصنع له طعاما. وكان أبوه يسار فارسيا.
وقال الواقدي: ولي سليمان سوق المدينة لأميرها عمر بن عبد العزيز.
قال ابن المديني والبخاري ومسلم: يكنى أبا أيوب.
وعن قتادة: قال: قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها بالطلاق، فقيل: سليمان بن يسار.
وعن أبي الزناد، قال: كان سليمان بن يسار يصوم الدهر، وكان أخوه عطاء يصوم يوما ويفطر يوما.(أعلام/1837)
سماك بن الفضل (د، ت، س)
الخولاني الصنعاني فشيخ صدوق، يروي عن مجاهد، ووهب بن منبه وجماعة.
روى عنه معمر، وشعبة وغيرهما، روى عبد الرزاق، عن الثوري، قال: لا يكاد يسقط لسماك بن الفضل حديث لصحة حديثه، ووثقه النسائي.
روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي حديثا واحدا عن وهب، عن عبد الله بن عمرو حديث: في كم أقرأ القرآن وساقه النسائي أيضا، عن وهب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.(أعلام/1838)
سماك بن حرب (م، 4)
ابن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية بن حارثة. الحافظ الإمام الكبير أبو المغيرة الذهلي البكري الكوفي أخو محمد وإبراهيم.
حدث عن ثعلبة بن الحكم الليثي، وله صحبة، وابن الزبير، والنعمان بن بشير، وجابر بن سمرة، والضحاك بن قيس، وأنس بن مالك، وعن قبيصة بن هلب، وعلقمة بن وائل، ومحمد بن حاطب الجمحي، ومري بن قطري، وموسى بن طلحة، وعكرمة، وهو مكثر عنه، ومصعب بن سعد، وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وتميم بن طرفة.
وأبي صالح باذام، وسويد بن قيس، وسعيد بن جبير، وأبي سلامة عبد الله بن حصن، وهو عبد الله بن عميرة بن حصن، وأبي المهاجر عبد الله بن عميرة القيسي، وعبد الله بن عميرة صاحب الأحنف، وعبد الله بن عميرة قائد الأعشى في الجاهلية، وإبراهيم النخعي، وثروان بن ملحان، وجعفر بن أبي ثور، والحسن البصري، وأبي ظبيان الجنبي، وسليمان بن أبي صالح مولى عقيل بن أبي طالب، وحميد ابن أخت صفوان بن أمية، وحسن الكناني، وسيار بن معرور المازني، والشعبي، وعباد بن حبيش، وعبد الله بن جبير الخزاعي، وعبد الله بن ظالم المازني وخلق. وينزل إلى الرواية عن القاسم بن مخيمرة، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد، وكان من حملة الحجة ببلده.
حدث عنه زكريا بن أبي زائدة، وحاتم بن أبي صغيرة، ومالك بن مغول، وشعبة، والثوري، وزائدة، والحسن بن صالح، وسليمان بن قرم بن معاذ، وشيبان النحوي، وعمر بن موسى بن وجيه الوجيهي، والوليد بن أبي ثور، وشريك، وأبو عوانة ومعتقه يزيد بن عطاء اليشكري، وحماد بن سلمة، وأبو الأحوص، وزهير بن معاوية، وعمر بن عبيد، وقيس بن الربيع، وإسرائيل، وأسباط بن نصر، وإبراهيم بن طهمان وآخرون، ومن القدماء الأعمش، وابن أبي خالد.(أعلام/1839)
قال علي ابن المديني: له نحو مائتي حديث، وروى حماد بن سلمة عنه: أدركت ثمانين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان قد ذهب بصري، فدعوت الله تعالى، فرد علي بصري.
قال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: عليكم بعبد الملك بن عمير، وسماك بن حرب وقال سفيان الثوري: ما سقط لسماك بن حرب حديث. وقال أحمد بن حنبل: هو أصح حديثا من عبد الملك بن عمير، وذلك أن عبد الملك يختلف عليه الحفاظ. هذه رواية صالح بن أحمد، عن أبيه، وروى أبو طالب، عن أحمد، قال: مضطرب الحديث.
وروى أحمد بن سعد، عن ابن معين: ثقة، وكان شعبة يضعفه. وكان يقول في التفسير عكرمة، ولو شئت أن أقول له: ابن عباس لقاله. ثم قال يحيى: فكان شعبة لا يروي تفسيره إلا عن عكرمة يعني: لا يذكر فيه ابن عباس. وقال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين سئل عن سماك: ما الذي عابه؟ قال: أسند أحاديث لم يسندها غيره، وهو ثقة. وقال محمد بن عبد الله بن عمار: ربما خلط، ويختلفون في حديثه. وقال أحمد بن عبد الله: جائز الحديث إلا أنه كان في حديث عكرمة ربما وصل الشيء عن ابن عباس، وربما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما كان عكرمة يحدث عن ابن عباس. وكان الثوري يضعفه بعض الضعف، ولم يرغب عنه أحد، وكان عالما بالشعر وأيام الناس، فصيحا.
وقال أبو حاتم: صدوق ثقة. قال ابنه: فقلت لأبي: قال أحمد: هو أصلح حديثا من عبد الملك بن عمير، فقال: هو كما قال.
وقال ابن المديني: أحاديثه عن عكرمة مضطربة.
فشعبة وسفيان يجعلونها عن عكرمة، وغيرهما أبو الأحوص وإسرائيل يقول: عن ابن عباس.
زكريا بن عدي، عن ابن المبارك، قال: سماك ضعيف في الحديث.(أعلام/1840)
وقال يعقوب السدوسي: روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع منه قديما مثل شعبة وسفيان، فحديثهم عنه صحيح مستقيم. وقال صالح بن محمد: يضعف.
وقال النسائي: ليس به بأس، وفي حديثه شيء، وقال عبد الرحمن بن خراش: في حديثه لين.
قلت: ولهذا تجنب البخاري إخراج حديثه، وقد علق له البخاري استشهادا به.
فسماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس نسخة عدة أحاديث، فلا هي على شرط مسلم لإعراضه عن عكرمة، ولا هي على شرط البخاري، لإعراضه عن سماك، ولا ينبغي أن تعد صحيحة، لأن سماكا إنما تكلم فيه من أجلها.
قال جرير بن عبد الحميد: أتيت سماك بن حرب فرأيته يبول قائما، فرجعت ولم أسأله وقلت: خرف.
قال جناد المكتب: كنا نأتي سماكا نسأله عن الشعر، ويأتيه أصحاب الحديث، فيقبل علينا ويقول: سلوا، فإن هؤلاء ثقلاء.
روى مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، سمع سماكا يقول: ذهب بصري، فرأيت إبراهيم الخليل عليه السلام في النوم، فقلت: ذهب بصري، فقال: انزل في الفرات فاغمس رأسك، وافتح عينيك وسل أن يرد الله عليك بصرك، ففعلت ذلك، فرد الله علي بصري.
قال أبو عبد الرحمن النسائي: إذا انفرد سماك بأصل لم يكن حجة ; لأنه كان يلقن فيتلقن. وروى حجاج، عن شعبة، قال: كانوا يقولون لسماك: عكرمة عن ابن عباس، فيقول: نعم، فأما أنا فلم أكن ألقنه.
وروى قتادة، عن أبي الأسود، قال: إن سرك أن يكذب صاحبك فلقنه.
وقال آخر: كان سماك بن حرب فصيحا مفوها، يزين الحديث منطقه وفصاحته.
قال أبو الحسين بن قانع: مات سنة ثلاث وعشرين ومائة قلت: ما سمع منه سفيان بن عيينة.(أعلام/1841)
سمرة بن جندب (ع)
ابن هلال الفزاري من علماء الصحابة نزل البصرة. له أحاديث صالحة.
حدث عنه: ابنه سليمان، وأبو قلابة الجرمي، وعبد الله بن بريدة، وأبو رجاء العطاردي، وأبو نضرة العبدي، والحسن البصري، وابن سيرين، وجماعة.
وبين العلماء - فيما روى الحسن عن سمرة اختلاف في الاحتجاج بذلك، وقد ثبت سماع الحسن من سمرة، ولقيه بلا ريب، صرح بذلك في حديثين.
معاذ بن معاذ: حدثنا شعبة، عن أبي مسلمة عن أبي نضرة، عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعشرة - في بيت - من أصحابه: آخركم موتا في النار. فيهم سمرة بن جندب. قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتا.
هذا حديث غريب جدا، ولم يصح لأبي نضرة سماع من أبي هريرة، وله شويهد.
روى إسماعيل بن حكيم، عن يونس، عن الحسن، عن أنس بن حكيم، قال: كنت أمر بالمدينة، فألقى أبا هريرة، فلا يبدأ بشيء حتى يسألني عن سمرة، فإذا أخبرته بحياته، فرح، فقال: إنا كنا عشرة في بيت، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجوهنا، ثم قال: آخركم موتا في النار. فقد مات منا ثمانية، فليس شيء أحب إلي من الموت
. وروى نحوه حماد بن سلمة، عن علي بن جدعان، عن أوس بن خالد، قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة، سألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة، سألني عن أبي محذورة، فقلت لأبي محذورة في ذلك، فقال: إني كنت أنا وهو وأبو هريرة في بيت، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: آخركم موتا في النار. فمات أبو هريرة، ثم مات أبو محذورة.
معمر: عن ابن طاوس وغيره، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة، وسمرة بن جندب، وآخر: آخركم موتا في النار فمات الرجل قبلهما، فكان إذا أراد الرجل أن يغيظ أبا هريرة، يقول: مات سمرة، فيغشى عليه، ويصعق. فمات قبل سمرة.
وقتل سمرة بشرا كثيرا.(أعلام/1842)
سليمان بن حرب: حدثنا عامر بن أبي عامر، قال: كنا في مجلس يونس بن عبيد، فقالوا: ما في الأرض بقعة نشفت من الدم ما نشفت هذه، يعنون دار الإمارة، قتل بها سبعون ألفا، فسألت يونس، فقال: نعم من بين قتيل وقطيع، قيل: من فعل ذلك؟ قال: زياد، وابنه، وسمرة.
قال أبو بكر البيهقي: نرجو له بصحبته.
وعن ابن سيرين، قال: كان سمرة عظيم الأمانة، صدوقا.
وقال هلال بن العلاء: حدثنا عبد الله بن معاوية، عن رجل ; أن سمرة استجمر، فغفل عن نفسه، حتى احترق. فهذا إن صح، فهو مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني نار الدنيا.
مات سمرة سنة ثمان وخمسين وقيل: سنة تسع وخمسين.
ونقل ابن الأثير: أنه سقط في قدر مملوءة ماء حارا، كان يتعالج به من الباردة، فمات فيها.
وكان زياد بن أبيه يستخلفه على البصرة إذا سار إلى الكوفة، ويستخلفه على الكوفة إذا سار إلى البصرة.
وكان شديدا على الخوارج، قتل منهم جماعة. وكان الحسن وابن سيرين يثنيان عليه - رضي الله عنه.(أعلام/1843)
سهل بن حنيف (ع)
أبو ثابت، الأنصاري الأوسي العوفي.
والد أبي أمامة بن سهل. وأخو عثمان بن حنيف. شهد بدرا والمشاهد.
حدث عنه ابناه: أبو أمامة، وعبد الله ; وعبيد بن السباق، وأبو وائل، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ويسير بن عمرو ; وآخرون.
وكان من أمراء علي، رضي الله عنه.
مات بالكوفة، في سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه علي.
وحديثه في الكتب الستة.
الحاكم في " مستدركه "، من طريق عبد الواحد بن زياد: حدثنا عثمان بن حكيم: حدثتنا الرباب جدتي، عن سهل بن حنيف: اغتسلت في سيل، فخرجت محموما، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: مروا أبا ثابت فليتصدق.
مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل، قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف، فقال: والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة! فلبط بسهل، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقيل: يا رسول الله، هل لك في سهل؟ والله ما يرفع رأسه! قال: هل تتهمون به أحدا؟ قالوا: نتهم عامر بن ربيعة. فدعاه، فتغيظ عليه، وقال: علام يقتل أحدكم أخاه! ألا بركت! اغتسل له.
فغسل وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره، في قدح، ثم صب عليه. فراح سهل مع الناس ما به بأس.
أبو صالح: حدثني أبو شريح: أنه سمع سهل بن أبي أمامة بن سهل يحدث عن أبيه، عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: لا تشددوا على أنفسكم ; فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات.
إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن عبد الله بن معقل، قال: صلى علي على سهل بن حنيف ; فكبر ستا.
رواه الأعمش، عن يزيد، عن ابن معقل، فقال: كبر خمسا، ثم التفت إلينا، فقال: إنه بدري.(أعلام/1844)
قال ابن سعد: سهل بن حنيف بن واهب بن عكيم بن ثعلبة بن عمرو بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن حنش بن عوف بن عمرو بن عوف ; أبو سعد، وأبو عبد الله.
وله من الولد: أبو أمامة أسعد، وعثمان، وسعد. وعقبه اليوم بالمدينة، وببغداد.
قال: وقالوا: آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سهل وبين علي.
شهد بدرا، وثبت يوم أحد. وبايع على الموت، وجعل ينضح بالنبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله: نبلوا سهلا فإنه سهل.
قال الزهري: لم يعط رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من أموال بني النضير أحدا من الأنصار إلا سهل بن حنيف، وأبا دجانة. كانا فقيرين.
الأعمش، عن يزيد بن زياد - مدني- عن عبد الله بن معقل، قال: كبر علي - رضي الله عنه- في سلطانه كله أربعا أربعا على الجنازة، إلا على سهل بن حنيف، فإنه كبر عليه خمسا، ثم التفت إليهم، فقال: إنه بدري.
أبو نعيم: حدثنا أبو جناب: سمعت عمير بن سعيد يقول: صلى علي على سهل، فكبر خمسا. فقالوا: ما هذا؟ فقال: لأهل بدر فضل على غيرهم ; فأردت أن أعلمكم فضله.
عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: دخل علي بسيفه على فاطمة وهي تغسل الدم عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: خذيه، فلقد أحسنت به القتال. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: إن كنت أحسنت فلقد أحسن سهل بن حنيف.
وروي نحوه مرسلا.(أعلام/1845)
سهل بن سعد (ع)
ابن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة، الإمام، الفاضل، المعمر بقية أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو العباس الخزرجي الأنصاري الساعدي.
وكان أبوه من الصحابة الذين توفوا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم.
كان سهل يقول: شهدت المتلاعنين عند رسول الله وأنا ابن خمس عشرة سنة.
روى سهل عدة أحاديث.
حدث عنه: ابنه عباس، وأبو حازم الأعرج، وعبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذباب، وابن شهاب الزهري، ويحيى بن ميمون الحضرمي، وغيرهم.
وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة. وكان من أبناء المائة.
عبد المهيمن بن عباس بن سهل، عن أبيه، عن جده، قال: كان اسم سهل بن سعد حزنا، فغيره النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال عبيد الله بن عمر: تزوج سهل بن سعد خمس عشرة امرأة. ويروى أنه حضر مرة وليمة، فكان فيها تسع من مطلقاته، فلما خرج، وقفن له، وقلن: كيف أنت يا أبا العباس؟
قلت: بعض الناس أسقط من نسبه " سعدا " الثاني. وبعضهم كناه أبا يحيى.
ذكر عدد كبير وفاته في سنة إحدى وتسعين.
وقال أبو نعيم وتلميذه البخاري: سنة ثمان وثمانين.
قرأت على يحيى بن أحمد بالثغر، ومحمد بن الحسين القرشي بمصر، أخبركما محمد بن عماد، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا علي بن الحسن القاضي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر المالكي، أخبرنا أبو الطاهر أحمد بن محمد المديني، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سهل بن سعد سمعه يقول: اطلع رجل من جحر في حجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - مدرى يحك به رأسه فقال: لو أعلم أنك تنظرني، لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر متفق عليه.(أعلام/1846)
سهل بن عبد الله
ابن يونس: شيخ العارفين أبو محمد التستري، الصوفي الزاهد.
صحب خاله محمد بن سوار، ولقي في الحج ذا النون المصري وصحبه.
روى عنه الحكايات: عمر بن واصل، وأبو محمد الجريري، وعباس بن عصام، ومحمد بن المنذر الهجيمي وطائفة.
له كلمات نافعة، ومواعظ حسنة ; وقدم راسخ في الطريق.
روى أبو زرعة الطبري، عن ابن درستويه، صاحب سهل، قال: قال سهل، ورأى أصحاب الحديث، فقال: اجتهدوا أن لا تلقوا الله إلا ومعكم المحابر.
وروي في كتاب " ذم الكلام " سئل سهل: إلى متى يكتب الرجل الحديث؟ قال: حتى يموت، ويصب باقي حبره في قبره.
أخبرنا أبو علي بن الخلال أخبرنا ابن اللتي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، أخبرنا عبد الرحمن بنيسابور، حدثنا الحسن بن أحمد الأديب بتستر، حدثنا علي بن الحسين الدقيقي، سمعت سهل بن عبد الله يقول: من أراد الدنيا والآخرة فليكتب الحديث، فإن فيه منفعة الدنيا والآخرة.
وقيل: إن سهل بن عبد الله أتى أبا داود، فقال: أخرج لي لسانك هذا الذي حدثت به أحاديث رسول الله - -صلى الله عليه وسلم- - حتى أقبله. فأخرجه له.
ومن كلام سهل: لا معين إلا الله، ولا دليل إلا رسول الله، ولا زاد إلا التقوى، ولا عمل إلا الصبر عليه.
وعنه قال: الجاهل ميت، والناسي نائم، والعاصي سكران، والمصر هالك.
وعنه قال: الجوع سر الله في أرضه، لا يودعه عند من يذيعه.(أعلام/1847)
قال إسماعيل بن علي الأبلي: سمعت سهل بن عبد الله بالبصرة في سنة ثمانين ومائتين يقول: العقل وحده لا يدل على قديم أزلي فوق عرش محدث، نصبه الحق دلالة وعلما لنا، لتهتدي القلوب به إليه ولا تتجاوزه، ولم يكلف القلوب علم ماهية هويته، فلا كيف لاستوائه عليه، ولا يجوز أن يقال: كيف الاستواء لمن أوجد الاستواء؟ وإنما على المؤمن الرضى والتسليم، لقول النبي - -صلى الله عليه وسلم- -: إنه على عرشه.
وقال: إنما سمي الزنديق زنديقا، لأنه وزن دق الكلام بمخبول عقله وقياس هوى طبعه، وترك الأثر والاقتداء بالسنة، وتأول القرآن بالهوى، فسبحان من لا تكيفه الأوهام، في كلام نحو هذا.
قال أبو نعيم في " الحلية ": حدثنا أبي، حدثنا أبو بكر الجوربي، سمعت سهل بن عبد الله يقول: أصولنا ستة: التمسك بالقرآن، والاقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق.
عن سهل: من تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق، ومن اشتغل بالفضول حرم الورع، ومن ظن ظن السوء حرم اليقين، ومن حرم هذه الثلاثة هلك.
وعنه قال: من أخلاق الصديقين أن لا يحلفوا بالله، وأن لا يغتابوا، ولا يغتاب عندهم، وأن لا يشبعوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، ولا يمزحون أصلا.
قال ابن سالم الزاهد، شيخ البصرة: قال عبد الرحمن لسهل بن عبد الله: إني أتوضأ فيسيل الماء من يدي، فيصير قضبان ذهب، فقال: الصبيان يناولون خشخاشة.
قيل: توفي سهل بن عبد الله في سنة ثلاث وسبعين وليس بشيء، بل الصواب: موته في المحرم سنة ثلاث وثمانين ومائتين ويقال: عاش ثمانين سنة أو أكثر.
سميه: الزاهد المحدث:(أعلام/1848)
سهيل ابن بيضاء الفهري
من المهاجرين، يكنى أبا موسى، هاجر الهجرتين إلى الحبشة، في رواية ابن إسحاق والواقدي.
وعن عاصم بن عمر بن قتادة قال: لما هاجر سهيل وصفوان ابنا بيضاء من مكة نزلا على كلثوم بن الهدم.
قال ابن سعد: قالوا: وشهد سهيل بدرا وهو ابن أربع وثلاثين سنة، وشهد أحدا. إلى أن قال: ومات بعد رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك بالمدينة سنة تسع ولم يعقب.
قلت: وهو الذي صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد.
ولهما أخ اسمه سهل ابن بيضاء الفهري، وشهد بدرا وشهد أحدا.(أعلام/1849)
سهيل بن عمرو أبوهما
يكنى أبا يزيد. وكان خطيب قريش وفصيحهم، ومن أشرافهم.
لما أقبل في شأن الصلح، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " سهل أمركم ".
تأخر إسلامه إلى يوم الفتح، ثم حسن إسلامه. وكان قد أسر يوم بدر وتخلص. قام بمكة وحض على النفير، وقال: يال غالب، أتاركون أنتم محمدا والصباة يأخذون عيركم؟ من أراد مالا فهذا مال، ومن أراد قوة فهذه قوة.
وكان سمحا جوادا مفوها، وقد قام بمكة خطيبا عند وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو من خطبة الصديق بالمدينة، فسكنهم وعظم الإسلام.
قال الزبير بن بكار: كان سهيل بعد كثير الصلاة والصوم والصدقة، خرج بجماعته إلى الشام مجاهدا، ويقال: إنه صام وتهجد حتى شحب لونه وتغير، وكان كثير البكاء إذا سمع القرآن، وكان أميرا على كردوس يوم اليرموك.
قال المدائني وغيره: استشهد يوم اليرموك وقال الشافعي، والواقدي: مات في طاعون عمواس.
حدث عنه يزيد بن عميرة الزبيدي وغيره.(أعلام/1850)
سودة أم المؤمنين (خ، د، س)
بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية.
وهي أول من تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، وانفردت به نحوا من ثلاث سنين أو أكثر، حتى دخل بعائشة.
وكانت سيدة جليلة نبيلة ضخمة. وكانت - أولا - عند السكران بن عمرو، أخي سهيل بن عمرو العامري.
وهي التي وهبت يومها لعائشة؛ رعاية لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت قد فركت رضي الله عنها.
لها أحاديث. وخرج لها البخاري.
حدث عنها: ابن عباس، ويحيى بن عبد الله الأنصاري.
توفيت في آخر خلافة عمر بالمدينة.
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة، من امرأة، فيها حدة، فلما كبرت جعلت يومها من النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة.
وروى الواقدي، عن ابن أخي الزهري، عن أبيه، قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بسودة في رمضان سنة عشر من النبوة، وهاجر بها. وماتت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين.
وقال الواقدي: وهذا الثبت عندنا.
وروى عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال: أن سودة رضي الله عنها - توفيت زمن عمر.
قال ابن سعد: أسلمت سودة وزوجها؛ فهاجرا إلى الحبشة.
وعن بكير بن الأشج: أن السكران قدم من الحبشة بسودة، فتوفي عنها، فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: أمري إليك. قال: مري رجلا من قومك يزوجك، فأمرت حاطب بن عمرو العامري، فزوجها، وهو مهاجري بدري.
هشام الدستوائي: حدثنا القاسم بن أبي بزة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى سودة بطلاقها، فجلست على طريقه، فقالت: أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه، لم طلقتني؟ ألموجدة؟ قال: لا. قالت: فأنشدك الله لما راجعتني؛ فلا حاجة لي في الرجال؛ ولكني أحب أن أبعث في نسائك، فراجعها. قالت: فإني قد جعلت يومي لعائشة.(أعلام/1851)
الأعمش، عن إبراهيم، قالت سودة: يا رسول الله، صليت خلفك البارحة؛ فركعت بي، حتى أمسكت بأنفي مخافة أن يقطر الدم، فضحك. وكانت تضحكه الأحيان بالشيء.
صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: هذه ثم ظهور الحصر.
قال صالح: فكانت سودة تقول: لا أحج بعدها.
وقالت عائشة: استأذنت سودة ليلة المزدلفة، أن تدفع قبل حطمة الناس وكانت امرأة ثبطة - أي ثقيلة - فأذن لها حماد بن زيد، عن هشام، عن ابن سيرين: أن عمر بعث إلى سودة بغرارة دراهم، فقالت: ما هذه؟ قالوا: دراهم. قالت: في الغرارة مثل التمر؛ يا جارية: بلغيني القنع، ففرقتها.
يروى لسودة خمسة أحاديث: منها في " الصحيحين ": حديث واحد عن البخاري.
الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن عبد الرحمن، عن ريطة، عن عمرة، عن عائشة، قالت: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بعث زيدا، وبعث معه أبا رافع مولاه، وأعطاهما بعيرين، وخمسمائة درهم، فخرجنا جميعا. وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة، وبأم كلثوم، وبسودة بنت زمعة، وبأم أيمن، وأسامة ابنه(أعلام/1852)
سويد (ت، ق)
ابن عبد العزيز قاضي بعلبك، أبو محمد السلمي، مولاهم الدمشقي، الفقيه المقرئ.
تلا على يحيى الذماري وغيره.
أخذ القراءة عنه أبو مسهر، والربيع بن ثعلب، وهشام.
وحدث عن: أيوب، وأبي الزبير، وحصين، وعاصم الأحول، وعدة.
وعنه: دحيم، وابن عائذ، وابن ذكوان، وداود بن رشيد، ومحمد بن أبي السري.
ولد سنة ثمان ومائة وتوفي سنة أربع وتسعين ومائة.
قال ابن معين: هو واسطي، سكن دمشق، ليس حديثه بشيء.
وقال أبو حاتم: ليس بالقوي.
وقال الدارقطني: يعتبر به.(أعلام/1853)
سويد بن غفلة (ع)
ابن عوسجة بن عامر، الإمام، القدوة، أبو أمية الجعفي الكوفي.
قيل: له صحبة، ولم يصح، بل أسلم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسمع كتابه إليهم، وشهد اليرموك.
وحدث عن أبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي بن كعب، وبلال، وأبي ذر، وابن مسعود، وطائفة.
روى عنه أبو ليلى الكندي، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وسلمة بن كهيل، وعبدة بن أبي لبابة، وعبد العزيز بن رفيع، وميسرة أبو صالح، وجماعة سواهم.
وقيل: إنه من أقران رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السن، فقال نعيم بن ميسرة: حدثني بعضهم عن سويد بن غفلة: أنا لدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ; ولدت عام الفيل.
زياد بن خيثمة، عن عامر الشعبي، قال: قال سويد بن غفلة: أنا أصغر من النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنتين.
أحمد: حدثنا هشيم، أنبأنا هلال بن خباب، حدثنا ميسرة أبو صالح، عن سويد بن غفلة، قال: أتانا مصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- فجلست إليه وسمعت عهده.
سفيان بن وكيع، عن يونس بن بكير، عن عمرو بن شمر، عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة، قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أهدب الشعر، مقرون الحاجبين، واضح الثنايا، أحسن شعر وضعه الله على رأس إنسان.
أخرجه ابن منده في " معرفة الصحابة ".
مبشر بن إسماعيل: عن سليمان بن عبد الله بن الزبرقان، عن أسامة بن أبي عطاء قال: كنت عند النعمان بن بشير، فدخل عليه سويد بن غفلة، فقال له النعمان بن بشير: ألم يبلغني أنك صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة؟ قال: لا، بل مرارا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا نودي بالأذان كأنه لا يعرف أحدا من الناس.
هذا حديث ضعيف الإسناد كالذي قبله.(أعلام/1854)
وقد قال زهير بن معاوية: حدثنا الحارث بن مسلم بن الرحيل الجعفي، قال: قدم الرحيل وسويد بن غفلة حين فرغوا من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
محمد بن طلحة بن مصرف: عن عمران بن مسلم، قال: مر رجل من صحابة الحجاج على مؤذن قبيلة جعفى وهو يؤذن، فأتى الحجاج فقال: ألا تعجب من أني سمعت مؤذن الجعفيين يؤذن بالهجير؟ قال: فأرسل، فجيء به، فقال: ما هذا؟ قال: ليس لي أمر ; إنما سويد بن غفلة الذي أمرني بهذا قال: فأرسل إلى سويد، فجيء به، فقال: ما هذه الصلاة؟ قال: صليتها مع أبي بكر وعمر وعثمان، فلما ذكر عثمان جلس، وكان مضطجعا، فقال: أصليتها مع عثمان؟ قال: نعم. قال: لا تؤمن قومك، وإذا رجعت إليهم، فسب فلانا. قال: نعم، سمع وطاعة. فلما أدبر، قال الحجاج: لقد عهد الشيخ الناس وهم يصلون الصلاة هكذا! .
الخريبي: حدثنا علي بن صالح، قال: بلغ سويد بن غفلة عشرين ومائة سنة، لم ير محتبيا قط، ولا متساندا، وأصاب بكرا، يعني في العام الذي توفي فيه.
وقال عاصم بن كليب: تزوج سويد بن غفلة بكرا وهو ابن مائة وست عشرة سنة.
وعن عمران بن مسلم، قال: كان سويد بن غفلة إذا قيل له: أعطي فلان وولي فلان قال: حسبي كسرتي وملحي.
عن علي بن المديني قال: دخلت منزل أحمد بن حنبل، فما شبهته إلا بما وصف من بيت سويد بن غفلة، من زهده وتواضعه رحمه الله.
عن ميسرة: عن سويد بن غفلة، قال: صليت مع مصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أتانا. وروى الوليد بن علي عن أبيه، قال: كان سويد بن غفلة يؤمنا في شهر رمضان في القيام، وقد أتى عليه عشرون ومائة سنة.
قال أبو عبيد ومحمد بن عبد الله بن نمير وهارون بن حاتم: مات سويد سنة إحدى وثمانين. وقال أبو حفص الفلاس: مات سنة اثنتين وثمانين. وقد ذكره صاحب الحلية مختصرا.(أعلام/1855)
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران بنابلس، أنبأنا عبد الله بن أحمد الفقيه سنة خمس عشرة وست مائة، أنبأنا أبو شجاع محمد بن الحسين المادرائي بقراءتي، أنبأنا طراد بن محمد أنبأنا محمد بن أحمد بن محمد النرسي، حدثنا محمد بن عمرو الرزاز، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد العزيز بن رفيع، عن سويد بن غفلة، عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من مات لا يشرك بالله شيئا، دخل الجنة قلت: يا رسول الله، وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق ثلاث مرات.
هذا حديث عال، متصل الإسناد، وهو في " الصحيحين " من طريق زيد بن وهب، وأبي الأسود الدؤلي، عن أبي ذر ; وإنما المحفوظ رواية شعبة وجرير الضبي عن عبد العزيز بن رفيع، عن زيد بن وهب والله أعلم.(أعلام/1856)
سيبويه
إمام النحو، حجة العرب، أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر، الفارسي، ثم البصري. وقد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الكبير الذي لا يدرك شأوه فيه.
استملى على حماد بن سلمة، وأخذ النحو عن عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، والخليل، وأبي الخطاب الأخفش الكبير. وقد جمع يحيى البرمكي ببغداد بينه وبين الكسائي للمناظرة، بحضور سعيد الأخفش، والفراء، وجرت مسألة الزنبور، وهي كذب: أظن الزنبور أشد لسعا من النحلة فإذا هو إياها. فقال سيبويه: ليس المثل كذا، بل: فإذا هو هي. وتشاجرا طويلا، وتعصبوا للكسائي دونه، ثم وصله يحيى بعشرة آلاف، فسار إلى بلاد فارس، فاتفق موته بشيراز فيما قيل. وكان قد قصد الأمير طلحة بن طاهر الخزاعي.
وقيل: كان فيه مع فرط ذكائه حبسة في عبارته، وانطلاق في قلمه.
قال إبراهيم الحربي: سمي سيبويه، لأن وجنتيه كانتا كالتفاحتين، بديع الحسن.
قال أبو زيد الأنصاري: كان سيبويه يأتي مجلسي، وله ذؤابتان، فإذا قال: حدثني من أثق به فإنما يعنيني.
وقال العيشي كنا نجلس مع سيبويه في المسجد، وكان شابا جميلا نظيفا، قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب بسهم في كل أدب مع حداثة سنه.
وقيل: عاش اثنتين وثلاثين سنة، وقيل: نحو الأربعين. قيل: مات سنة ثمانين ومائة وهو أصح، وقيل: سنة ثمان وثمانين ومائة.(أعلام/1857)
سيرة أبي الحسنين علي رضي الله عنه
علي بن أبي طالب
علي بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أمير المؤمنين، أبو الحسن القرشي الهاشمي.
وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي بنت عم أبي طالب. كانت من المهاجرات، توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
قال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي: قلت لأمي اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك هي الطحن والعجن. وهذا يدل على أنها توفيت بالمدينة.
روى الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه القرآن وأقرأه.
عرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو الأسود الدؤلي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
وروى عن علي: أبو بكر، وعمر، وبنوه: الحسن، والحسين، ومحمد، وعمر، وابن عمه ابن عباس، وابن الزبير، وطائفة من الصحابة، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس، وعبيدة السلماني، ومسروق، وأبو رجاء العطاردي، وخلق كثير.
وكان من السابقين الأولين، شهد بدرا وما بعدها، وكان يكنى أبا تراب أيضا.(أعلام/1858)
قال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل، أن رجلا من آل مروان استعمل على المدينة، فدعاني وأمرني أن أشتم عليا فأبيت، فقال: أما إذا أبيت فالعن أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه منه، إن كان ليفرح إذا دعي به، فقال له: أخبرنا عن قصته لم سمي أبا تراب؟ فقال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد عليا في البيت، فقال: أين ابن عمك؟ فقالت: قد كان بيني وبينه شيء فغاظني، فخرج ولم يقل عندي، فقال لإنسان: " اذهب انظر أين هو " فجاء فقال: يا رسول الله هو راقد في المسجد، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه، فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عنه التراب ويقول: " قم أبا تراب، قم أبا تراب " أخرجه مسلم.
وقال أبو رجاء العطاردي: رأيت عليا شيخا أصلع كثير الشعر، كأنما اجتاب إهاب شاة، ربعة عظيم البطن، عظيم اللحية.
وقال سوادة بن حنظلة: رأيت عليا أصفر اللحية.
وعن محمد بن الحنفية، قال: اختضب علي بالحناء مرة ثم تركه.
وعن الشعبي، قال: رأيت عليا ورأسه ولحيته بيضاء، كأنهما قطن.
وقال الشعبي: رأيت عليا أبيض اللحية، ما رأيت أعظم لحية منه، وفي رأسه زغيبات.
وقال أبو إسحاق: رأيته يخطب، وعليه إزار ورداء، أنزع، ضخم البطن، أبيض الرأس واللحية.
وعن أبي جعفر الباقر، قال: كان علي آدم، شديد الأدمة، ثقيل العينين، عظيمهما، وهو إلى القصر أقرب.
قال عروة: أسلم علي وهو ابن ثمان.
وقال الحسن بن زيد بن الحسن: أسلم وهو ابن تسع.
وقال المغيرة: أسلم وله أربع عشرة سنة. رواه جرير عنه.
وثبت عن ابن عباس، قال: أول من أسلم علي.(أعلام/1859)
وعن محمد القرظي، قال: أول من أسلم خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام، وكان علي يكتم الإسلام فرقا من أبيه، حتى لقيه أبو طالب، فقال: أسلمت؟ قال: نعم. قال: وازر ابن عمك وانصره. وأسلم علي قبل أبي بكر.
وقال قتادة: إن عليا كان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وفي كل مشهد.
وقال أبو هريرة وغيره: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويفتح الله على يديه " قال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ، قال: فدعا عليا فدفعها إليه، وذكر الحديث، كما تقدم في غزوة خيبر بطرقه.
وقال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المنهال، عن عبد الله بن أبي ليلى، قال: كان أبي يسمر مع علي، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقلت لأبي: لو سألته، فسأله، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر، فقلت: يا رسول الله إني أرمد، فتفل في عيني، وقال: " اللهم اذهب عنه الحر والبرد " فما وجدته حرا ولا بردا منذ يومئذ.
وقال جرير، عن مغيرة، عن أم موسى: سمعت عليا يقول: ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهي وتفل في عيني.
وقال المطلب بن زياد، عن ليث، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله: أن عليا حمل الباب على ظهره يوم خيبر، حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها يعني خيبر، وأنهم جروه بعد ذلك، فلم يحمله إلا أربعون رجلا. تفرد به إسماعيل ابن بنت السدي، عن المطلب.(أعلام/1860)
وقال ابن إسحاق في " المغازي ": حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته، فلما دنا من الحصن، خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود، فطرح ترسه من يده، فتناول علي بابا عند الحصن، فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل، حتى فتح الله علينا، ثم ألقاه، فلقد رأيتنا ثمانية نفر، نجهد أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه.
وقال غندر: حدثنا عوف، عن ميمون أبي عبد الله، عن البراء، وزيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت مني كهارون من موسى، غير أنك لست بنبي " ميمون صدوق.
وقال بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: أمر معاوية سعدا، فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ قال: ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وخلف عليا في بعض مغازيه، فقال: يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان؟ قال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي " أخرجه الترمذي، وقال: صحيح غريب.
وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فدفعها إليه، ففتح الله عليه.
ولما نزلت هذه الآية: فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم [آل عمران] دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال: " اللهم هؤلاء أهلي ". بكير احتج به مسلم.(أعلام/1861)
وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثنا إبراهيم بن مهاجر بن مسمار، عن أبيه، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: أما والله أشهد لقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم غدير خم، وأخذ بضبعيه: " أيها الناس من مولاكم؟ قالوا: الله ورسوله. قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه " الحديث.
إبراهيم هذا، قال النسائي: ضعيف.
ويروى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة: " قد زوجتك أعظمهم حلما، وأقدمهم سلما، وأكثرهم علما " وروى نحوه جابر الجعفي وهو متروك عن ابن بريدة، عن أبيه.
وقال الأجلح الكندي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بريدة لا تقعن في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي.
وقال الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كنت وليه فعلي وليه ".
وقال غندر: حدثنا شعبة، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " هذا حديث صحيح.
وقال أبو الجواب: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مجنبتين على إحداهما علي، وعلى الآخرة خالد بن الوليد، وقال: " إذا كان قتال فعلي على الناس " فافتتح علي حصنا، فأخذ جارية لنفسه، فكتب خالد في ذلك، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، قال: " ما تقول في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله؟ " قلت: أعوذ بالله من غضب الله.
أبو الجواب ثقة، أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن.
قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق: أخبركم الفتح بن عبد الله بن محمد.(أعلام/1862)
[ح] وأخبرنا يحيى بن أبي منصور، وجماعة إجازة، قالوا: أخبرنا أبو الفتوح محمد بن علي بن الجلاجلي، قالا: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحسين الحاسب، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور، قال: حدثنا عيسى بن علي بن الجراح إملاء سنة تسع وثمانين وثلاث مائة، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد، قال: حدثنا سويد بن سعيد، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا أو هو " رواه ابن ماجه عن سويد، ورواه الترمذي، عن إسماعيل بن موسى، عن شريك، وقال: صحيح غريب. ورواه يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن جده، أخرجه النسائي في الخصائص.(أعلام/1863)
وقال جعفر بن سليمان الضبعي: حدثنا يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، واستعمل عليهم عليا، وكان المسلمون إذا قدموا من سفر أو غزو أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتوا رحالهم، فأخبروه بمسيرهم، فأصاب علي جارية، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنخبرنه، قال: فقدمت السرية، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بمسيرهم، فقام إليه أحد الأربعة، فقال: يا رسول الله قد أصاب علي جارية، فأعرض عنه، ثم قام الثاني، فقال: صنع كذا وكذا، فأعرض عنه، ثم الثالث كذلك، ثم الرابع، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مغضبا، فقال: " ما تريدون من علي، علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي " أخرجه أحمد في " المسند " والترمذي وحسنه، والنسائي. وقالت زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيد، قال: اشتكى الناس عليا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا، فقال: " لا تشكوا عليا، فوالله إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله " رواه سعد بن إسحاق، وابن عمه سليمان بن محمد ابنا كعب، عن عمتهما.
ويروى عن عمرو بن شاس الأسلمي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من آذى عليا فقد آذاني ".
وقال فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل، قال: جمع علي رضي الله الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للناس: " أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم " قالوا: نعم يا رسول الله. قال: " من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه " ثم قال لي زيد بن أرقم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له.(أعلام/1864)
سيرة ذي النورين عثمان رضي الله عنه
ذو النورين عثمان
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أمير المؤمنين، أبو عمرو، وأبو عبد الله، القرشي الأموي.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الشيخين.
قال الداني: عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، والمغيرة بن أبي شهاب، وأبو الأسود، وزر بن حبيش.
روى عنه: بنوه: أبان وسعيد وعمرو، ومولاه حمران، وأنس، وأبو أمامة بن سهل، والأحنف بن قيس، وسعيد بن المسيب، وأبو وائل، وطارق بن شهاب، وعلقمة، وأبو عبد الرحمن السلمي، ومالك بن أوس بن الحدثان، وخلق سواهم.
أحد السابقين الأولين، وذو النورين، وصاحب الهجرتين، وزوج الابنتين. قدم الجابية مع عمر، وتزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، فولدت له عبد الله، وبه كان يكنى، وبابنه عمرو.
وأمه أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم، فهاجر برقية إلى الحبشة، وخلفه النبي صلى الله عليه وسلم عليها في غزوة بدر ليداويها في مرضها، فتوفيت بعد بدر بليال، وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه من بدر وأجره، ثم زوجه بالبنت الأخرى أم كلثوم.
ومات ابنه عبد الله، وله ست سنين، سنة أربع من الهجرة.
وكان عثمان فيما بلغنا لا بالطويل ولا بالقصير، حسن الوجه، كبير اللحية، أسمر اللون، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، يخضب بالصفرة، وكان قد شد أسنانه بالذهب.
وعن أبي عبد الله مولى شداد، قال: رأيت عثمان يخطب، وعليه إزار غليظ ثمنه أربعة دراهم، وريطة كوفية ممشقة، ضرب اللحم أي: خفيفه طويل اللحية، حسن الوجه.
وعن عبد الله بن حزم، قال: رأيت عثمان، فما رأيت ذكرا ولا أنثى أحسن وجها منه.
وعن الحسن، قال: رأيته وبوجهه نكتات جدري، وإذا شعره قد كسا ذراعيه.(أعلام/1865)
وعن السائب، قال: رأيته يصفر لحيته، فما رأيت شيخا أجمل منه.
وعن أبي ثور الفهمي، قال: قدمت على عثمان، فقال: لقد اختبأت عند ربي عشرا: إني لرابع أربعة في الإسلام، وما تعتيت ولا تمنيت، ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مرت بي جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة، إلا أن لا يكون عندي فأعتقها بعد ذلك، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط.
وعن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم ".
وعن عائشة نحوه إن صحا.
وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عثمان عند باب المسجد فقال: " يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية، وعلى مثل صحبتها ". أخرجه ابن ماجه.
ويروى عن أنس أو غيره، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أبو أيم، ألا أخو أيم يزوج عثمان، فإني قد زوجته ابنتين، ولو كان عندي ثالثة لزوجته، وما زوجته إلا بوحي من السماء ".
وعن الحسن، قال: إنما سمي عثمان ذا النورين لأنا لا نعلم أحدا أغلق بابه على ابنتي نبي غيره.
وروى عطية، عن أبي سعيد، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان.
وعن عبد الرحمن بن سمرة، قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه، حين جهز جيش العسرة، فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقلبها بيده ويقول: " ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم " رواه أحمد في مسنده، وغيره.
وفي مسند أبي يعلى، من حديث عبد الرحمن بن عوف، أنه جهز جيش العسرة بسبع مائة أوقية من ذهب.
وقال خليد، عن الحسن، قال: جهز عثمان بسبع مائة وخمسين ناقة وخمسين فرسا، يعني في غزوة تبوك.(أعلام/1866)
وعن حبة العرني، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله عثمان تستحييه الملائكة.
وقال المحاربي، عن أبي مسعود، عن بشر بن بشير الأسلمي، عن أبيه، قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تبيعها بعين في الجنة؟ " فقال: ليس لي يا رسول الله عين غيرها، لا أستطيع ذلك. فبلغ ذلك عثمان، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي مثل الذي جعلت له عينا في الجنة إن اشتريتها؟ قال: " نعم " قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين.
وعن أبي هريرة، قال: اشترى عثمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين: يوم رومة، ويوم جيش العسرة.
وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، ثم عمر، وهو على تلك الحال فتحدثا، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه، فدخل فتحدث، فلما خرج قلت: يا رسول الله دخل أبو بكر، فلم تجلس له، ثم دخل عمر، فلم تهش له، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، قال: " ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة؟ " رواه مسلم.
وروي نحوه من حديث علي، وأبي هريرة، وابن عباس.
وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان "
وعن طلحة بن عبيد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكل نبي رفيق، ورفيقي عثمان ". أخرجه الترمذي.
وفي حديث القف: ثم جاء عثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ".(أعلام/1867)
وقال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: قال الوليد بن سويد: إن رجلا من بني سليم، قال: كنت في مجلس فيه أبو ذر، وأنا أظن في نفسي أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لإنزاله إياه بالربذة، فلما ذكر له عثمان، عرض له بعض أهل المجلس بذلك، فقال أبو ذر: لا تقل في عثمان إلا خيرا، فإني أشهد لقد رأيت منظرا، وشهدت مشهدا لا أنساه، كنت التمست خلوات النبي صلى الله عليه وسلم لأسمع منه، فجاء أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيات، فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النحل، ثم ناولهن أبا بكر، فسبحن في كفه، ثم وضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عمر، فسبحن في كفه، ثم أخذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه، ثم أخذهن منه، فوضعهن فخرسن.
وقال سليمان بن يسار: أخذ جهجاه الغفاري عصا عثمان التي كان يتخصر بها، فكسرها على ركبته، فوقعت في ركبته الأكلة.
وقال ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. رواه جماعة عن ابن عمر.
وقال الشعبي: لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء من الصحابة غير عثمان، ولقد فارق علي الدنيا وما جمعه.
وقال ابن سيرين: كان أعلمهم بالمناسك عثمان، وبعده ابن عمر.
وقال ربعي: عن حذيفة: قال لي عمر بمنى: من ترى الناس يولون بعدي؟ قلت: قد نظروا إلى عثمان.(أعلام/1868)
وقال أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب، قال: حججت مع عمر، فكان الحادي يحدو: إن الأمير بعده ابن عفان وحججت مع عثمان، فكان الحادي يحدو: إن الأمير بعده علي وقال الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن الأقرع مؤذن عمر، أن عمر دعا الأسقف، فقال: هل تجدونا في كتبكم؟ قال: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم. قال: كيف تجدني؟ قال: قرن من حديد، قال: ما قرن من حديد؟ قال: أمير شديد، قال عمر: الله أكبر، قال: فالذي بعدي؟ قال: رجل صالح يؤثر أقرباءه، قال عمر: يرحم الله ابن عفان، قال: فالذي من بعده؟ قال: صدع وكان حماد بن سلمة يقول: صدأ من حديد. فقال عمر: وادفراه وادفراه، قال: مهلا يا أمير المؤمنين، إنه رجل صالح، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء.
وقال حماد بن زيد: لئن قلت إن عليا أفضل من عثمان، لقد قلت إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خانوا.
وقال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، قال: كان نقش خاتم عثمان " آمنت بالذي خلق فسوى ".
وقال ابن مسعود حين استخلف عثمان: أمرنا خير من بقي ولم نأل.
وقال مبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: رأيت عثمان نائما في المسجد، ورداؤه تحت رأسه، فيجيء الرجل فيجلس إليه، ويجيء الرجل فيجلس إليه، كأنه أحدهم، وشهدته يأمر في خطبته بقتل الكلاب، وذبح الحمام.
وعن حكيم بن عباد، قال: أول منكر ظهر بالمدينة طيران الحمام، والرمي يعني بالبندق فأمر عثمان رجلا فقصها، وكسر الجلاهقات.
وصح من وجه، أن عثمان قرأ القرآن كله في ركعة.
وقال عبد الله بن المبارك، عن الزبير بن عبد الله، عن جدته، أن عثمان كان يصوم الدهر.(أعلام/1869)
وقال أنس: إن حذيفة قدم على عثمان، وكان يغزو مع أهل العراق قبل إرمينية، فاجتمع في ذلك الغزو أهل الشام، وأهل العراق، فتنازعوا في القرآن حتى سمع حذيفة من اختلافهم ما يكره، فركب حتى أتى عثمان، فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى في الكتب، ففزع لذلك عثمان، فأرسل إلى حفصة أم المؤمنين: أن أرسلي إلي بالصحف التي جمع فيها القرآن، فأرسلت إليه بها، فأمر زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن ينسخوها في المصاحف، وقال: إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن إنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى كتبت المصاحف، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل إليهم به، فذلك زمان حرقت فيه المصاحف بالنار.
وقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص خطب عثمان الناس، فقال: أيها الناس، عهدكم بنبيكم بضع عشرة، وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون قراءة أبي، وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك، فأعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به، فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثيرا، ثم دخل عثمان، فدعاهم رجلا رجلا، فناشدهم: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمله عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك، قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد، فكتب مصاحف ففرقها في الناس.
وروى رجل، عن سويد بن غفلة، قال: قال علي في المصاحف: لو لم يصنعه عثمان لصنعته.(أعلام/1870)
وقال أبو هلال: سمعت الحسن يقول: عمل عثمان اثنتي عشرة سنة، ما ينكرون من إمارته شيئا.
وقال سعيد بن جمهان، عن سفينة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يكون ملكا ".
وقال قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن مرة البهزي، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " تهيج فتنة كالصياصي، فهذا ومن معه على الحق " قال: فذهبت وأخذت بمجامع ثوبه فإذا هو عثمان.
ورواه الأشعث الصنعاني، عن مرة. ورواه محمد بن سيرين، عن كعب بن عجرة. وروي عن ابن عمر.
وقال قيس بن أبي حازم، عن أبي سهلة مولى عثمان، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يسار عثمان، ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر فيها، قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا، وإني صابر نفسي عليه.
أبو سهلة وثقه أحمد العجلي.
وقال الجريري: حدثني أبو بكر العدوي، قال: سألت عائشة: هل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد من الصحابة عند موته؟ قالت: معاذ الله إلا أنه سار عثمان، أخبره أنه مقتول، وأمره أن يكف يده.
وقال شعبة: أخبرني أبو حمزة: سمعت أبي يقول: سمعت عليا يقول: الله قتل عثمان وأنا معه، قال أبو حمزة: فذكرته لابن عباس، فقال: صدق، يقول: الله قتل عثمان ويقتلني معه.
قلت: قد كان علي يقول: عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم: لتخضبن هذه من هذه.
وقد روى شعبة، عن حبيب بن الزبير، عن عبد الرحمن بن الشرود، أن عليا قال: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين [الحجر] .
ورواه عبد الله بن الحارث، عن علي.(أعلام/1871)
وقال مطرف بن الشخير: لقيت عليا، فقال: يا أبا عبد الله ما بطأ بك، أحب عثمان؟ ثم قال: لئن قلت ذاك، لقد كان أوصلنا للرحم، وأتقانا للرب.
وقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: لو انقض أحد لما صنعتم بابن عفان لكان حقيقا.
وقال هشام: حدثنا محمد بن سيرين، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو، قال: يكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة، منهم أبو بكر الصديق، أصبتم اسمه، وعمر الفاروق قرن من حديد، أصبتم اسمه، وعثمان ذو النورين، أوتي كفلين من الرحمة، قتل مظلوما، أصبتم اسمه. رواه غير واحد عن محمد.
وقال عبد الله بن شوذب: حدثني زهدم الجرمي، قال: كنت في سمر عند ابن عباس، فقال: لأحدثنكم حديثا: إنه لما كان من أمر هذا الرجل يعني عثمان ما كان، قلت لعلي: اعتزل هذا الأمر، فوالله لو كنت في جحر لأتاك الناس حتى يبايعوك، فعصاني، وايم الله ليتأمرن عليه معاوية، ذلك بأن الله يقول: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا [الإسراء] .
وقال أبو قلابة الجرمي: لما بلغ ثمامة بن عدي قتل عثمان وكان أميرا على صنعاء بكى فأطال البكاء، ثم قال: هذا حين انتزعت خلافة النبوة من أمة محمد، فصار ملكا وجبرية، من غلب على شيء أكله.
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: قال أبو حميد الساعدي وكان بدريا لما قتل عثمان: اللهم إن لك علي أن لا أضحك حتى ألقاك.
قال قتادة: ولي عثمان اثنتي عشرة سنة، غير اثني عشر يوما. وكذا قال خليفة بن خياط، وغيره.
وقال أبو معشر السندي: قتل لثماني عشرة خلت من ذي الحجة، يوم الجمعة، زاد غيره، فقال: بعد العصر، ودفن بالبقيع بين العشائين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. وهو الصحيح. وقيل: عاش ستا وثمانين سنة.(أعلام/1872)
وعن عبد الله بن فروخ، قال: شهدته ودفن في ثيابه بدمائه، ولم يغسل. رواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند، وقيل: صلى عليه مروان، ولم يغسل.
وجاء من رواية الواقدي: أن نائلة خرجت وقد شقت جيبها وهي تصرخ، ومعها سراج، فقال جبير بن مطعم: أطفئي السراج لا يفطن بنا، فقد رأيت الغوغاء. ثم انتهوا إلى البقيع، فصلى عليه جبير بن مطعم، وخلفه أبو جهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم، وزوجتا عثمان نائلة، وأم البنين، وهما دلتاه في حفرته على الرجال الذين نزلوا في قبره، ولحدوا له وغيبوا قبره، وتفرقوا.
ويروى أن جبير بن مطعم صلى عليه في ستة عشر رجلا، والأول أثبت.
وروي أن نائلة بنت الفرافصة كانت مليحة الثغر، فكسرت ثناياها بحجر، وقالت: والله لا يجتليكن أحد بعد عثمان، فلما قدمت على معاوية الشام، خطبها، فأبت.
وقال فيها حسان بن ثابت.
قتلتم ولي الله في جوف داره
وجئتم بأمر جائر غير مهتدي
فلا ظفرت أيمان قوم تعاونوا
على قتل عثمان الرشيد المسدد
وقال كعب بن مالك:
يا للرجال لأمر هاج لي حزنا
لقد عجبت لمن يبكي على الدمن
إني رأيت قتيل الدار مضطهدا
عثمان يهدى إلى الأجداث في كفن
وقال بعضهم:
لعمر أبيك فلا تكذبن
لقد ذهب الخير إلا قليلا
لقد سفه الناس في دينهم
وخلى ابن عفان شرا طويلا(أعلام/1873)
سيرة عمر الفاروق، رضي الله عنه
عمر الفاروق
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، أمير المؤمنين، أبو حفص القرشي العدوي، الفاروق رضي الله عنه.
استشهد في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وأمه حنتمة بنت هشام المخزومية أخت أبي جهل، أسلم في السنة السادسة من النبوة وله سبع وعشرون سنة.
روى عنه: علي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو هريرة، وعدة من الصحابة، وعلقمة بن وقاص، وقيس بن أبي حازم، وطارق بن شهاب، ومولاه أسلم، وزر بن حبيش، وخلق سواهم.
وعن عبد الله بن عمر قال: كان أبي أبيض تعلوه حمرة، طوالا، أصلع، أشيب.
وقال غيره: كان أمهق، طوالا، أصلع، آدم، أعسر يسر.
وقال أبو رجاء العطاردي: كان طويلا جسيما، شديد الصلع، شديد الحمرة، في عارضيه خفة، وسبلته كبيرة، وفي أطرافها صهبة، إذا حزبه أمر فتلها.
وقال سماك بن حرب: كان عمر أروح، كأنه راكب والناس يمشون، كأنه من رجال بني سدوس. والأروح: الذي يتدانى قدماه إذا مشى.
وقال أنس: كان يخضب بالحناء.
وقال سماك: كان عمر يسرع في مشيته.
ويروى عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: كان عمر يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ويثب على فرسه فكأنما خلق على ظهره.
وعن ابن عمر وغيره من وجوه جيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب " وقد ذكرنا إسلامه في " الترجمة النبوية ".
وقال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر.
وقال سعيد بن جبير: وصالح المؤمنين [التحريم] نزلت في عمر خاصة.
وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.(أعلام/1874)
وقال شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر: إن الناس يزيدهم حرصا على الإسلام أن يروا عليك زيا حسنا من الدنيا. فقال: " أفعل، وايم الله لو أنكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدا ".
وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض، فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر. وروي نحوه من وجهين عن أبي سعيد الخدري.
قال الترمذي في حديث أبي سعيد: حديث حسن.
قلت: وكذلك حديث ابن عباس حسن.
وعن محمد بن ثابت البناني، عن أبيه، عن أنس نحوه.
وفي " مسند أبي يعلى من حديث أبي ذر يرفعه: " إن لكل نبي وزيرين، ووزيراي أبو بكر وعمر ".
وعن أبي سلمة، عن أبي أروى الدوسي، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلع أبو بكر وعمر، فقال: " الحمد لله الذي أيدني بكما ". تفرد به عاصم بن عمر، وهو ضعيف.
وقد مر في ترجمة الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين، فقال: " هذان سيدا كهول أهل الجنة " الحديث.
وروى الترمذي من حديث ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم فدخل المسجد، وأبو بكر وعمر معه وهو آخذ بأيديهما، فقال: " هكذا نبعث يوم القيامة ". إسناده ضعيف.
وقال زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر ".
ورواه سالم أبو العلاء - وهو ضعيف - عن عمرو بن هرم، عن ربعي. وحديث زائدة حسن.
وروى عبد العزيز بن المطلب بن حنطب، عن أبيه، عن جده قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر، فقال: " هذان السمع والبصر ".(أعلام/1875)
ويروى نحوه من حديث ابن عمر وغيره.
وقال يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أقرئ عمر السلام، وأخبره أن غضبه عز وجل ورضاه حكم ". المرسل أصح، وبعضهم يصله عن ابن عباس.
وقال محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إيها يا ابن الخطاب فوالذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك ".
وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الشيطان يفرق من عمر ". رواه مبارك بن فضالة، عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة.
وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زفن الحبشة لما أتى عمر: " إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس فقد فروا من عمر ". صححه الترمذي.
وقال حسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن أمة سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رجع من غزاة، فقالت: إني نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب عندك بالدف، قال: " إن كنت نذرت فافعلي فضربت " فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عمر فجعلت دفها خلفها وهي مقعية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان ليفرق منك يا عمر ".
وقال يحيى بن يمان، عن الثوري، عن عمر بن محمد، عن سالم بن عبد الله قال: أبطأ خبر عمر على أبي موسى الأشعري، فأتى امرأة في بطنها شيطان فسألها عنه، فقالت: حتى يجيء شيطاني، فجاء فسألته عنه، فقال: تركته مؤتزرا، وذاك رجل لا يراه شيطان إلا خر لمنخريه، الملك بين عينيه، وروح القدس ينطق بلسانه ".
وقال زر: كان ابن مسعود يخطب ويقول: إني لأحسب الشيطان يفرق من عمر أن يحدث حدثا فيرده، وإني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه.(أعلام/1876)
وقالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب ". رواه مسلم.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه ". رواه جماعة عن نافع، عنه. وروي نحوه عن جماعة من الصحابة.
وقال الشعبي: قال علي رضي الله عنه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر.
وقال أنس: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي قوله: عسى ربه إن طلقكن [التحريم] .
وقال حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن مشرح، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو كان بعدي نبي لكان عمر ".
وجاء من وجهين مختلفين عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله؛ صلى الله عليه وسلم: " إن الله باهى بأهل عرفة عامة، وباهى بعمر خاصة ".
ويروى مثله عن ابن عمر، وعقبة بن عامر.
وقال معن القزاز: حدثنا الحارث بن عبد الملك الليثي، عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن أخيه الفضل، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الحق بعدي مع عمر حيث كان ".
وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بينا أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر ". قالوا: فما أولت ذلك؟ قال: " العلم ".
وقال أبو سعيد: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر علي عمر عليه قميص يجره ". قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: " الدين ".
وقال أنس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر ".(أعلام/1877)
وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دخلت الجنة فرأيت قصرا من ذهب فقلت: لمن هذا؟ فقيل: لشاب من قريش، فظننت أني أنا هو، فقيل: لعمر بن الخطاب ".
وفي الصحيح أيضا من حديث جابر مثله.
وقال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " بينما أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة توضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرة عمر، فوليت مدبرا ". قال: فبكى عمر، وقال: بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار؟
وقال الشعبي وغيره: قال علي رضي الله عنه: بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر، فقال: " هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي ".
هذا الحديث سمعه الشعبي من الحارث الأعور، وله طرق حسنة عن علي منها: عاصم، عن زر. وأبو إسحاق، عن عاصم بن ضمرة. قال الحافظ بن عساكر: والحديث محفوظ عن علي رضي الله عنه.
قلت: وروي نحوه من حديث أبي هريرة، وابن عمر، وأنس، وجابر.
وقال مجالد، عن أبي الوداك، وقاله جماعة عن عطية كلاهما عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أهل الدرجات العلا ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما ".
وعن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وعن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر، فقال: " هكذا نبعث يوم القيامة ". تفرد به سعيد بن مسلمة الأموي، وهو ضعيف عن إسماعيل.
وقال علي رضي الله عنه بالكوفة على منبرها في ملأ من الناس أيام خلافته: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وخيرها بعد أبي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميته. وهذا متواتر عن علي رضي الله عنه، فقبح الله الرافضة.(أعلام/1878)
وقال الثوري، عن أبي هاشم القاسم بن كثير، عن قيس الخارفي، قال: سمعت عليا يقول: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر، وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة فكان ما شاء الله. ورواه شريك، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، عن علي مثله.(أعلام/1879)
شاذان (ع)
الإمام الحافظ الصدوق أبو عبد الرحمن، أسود بن عامر، شاذان، الشامي ثم البغدادي.
ولد سنة بضع وعشرين ومائة.
وسمع: هشام بن حسان، وطلحة بن عمرو، وذواد بن علبة، وجرير بن حازم، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وعبد العزيز بن الماجشون، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد وعدة.
حدث عنه: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأبو ثور الكلبي، وعمرو الناقد، وعبد الله الدارمي، ويعقوب بن شيبة، وأحمد بن الوليد الفحام، وأحمد بن الخليل البرجلاني، والحارث بن أبي أسامة وخلق كثير.
وثقه ابن المديني وغيره، وحدث عنه من القدماء بقية بن الوليد.
توفي في أول سنة ثمان ومائتين ببغداد.
أنبأنا أحمد بن عبد السلام، والمسلم بن علان وجماعة قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا محمد بن محمد بن غيلان، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا محمد بن الفرج الأزرق، حدثنا شاذان، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أنس بن مالك، قال: إذا أذن المؤذن، فقال الرجل: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، أعط محمدا سؤله يوم القيامة، إلا نالته شفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة.
أنبأنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه، أخبرنا أبو الفتح المندائي، أخبرنا عبيد الله بن محمد بن أحمد، أخبرنا جدي أبو بكر البيهقي في كتاب " الصفات " له، أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا عبد الله بن عدي، أخبرني الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن رافع، حدثنا أسود بن عامر، حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " رأيت ربي -يعني في المنام-. . " وذكر الحديث.(أعلام/1880)
وهو بتمامه في تأليف البيهقي، وهو خبر منكر، نسأل الله السلامة في الدين، فلا هو على شرط البخاري ولا مسلم، ورواته وإن كانوا غير متهمين، فما هم بمعصومين من الخطأ والنسيان، فأول الخبر: قال: " رأيت ربي " وما قيد الرؤية بالنوم، وبعض من يقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه ليلة المعراج يحتج بظاهر الحديث. والذي دل عليه الدليل عدم الرؤية مع إمكانها فنقف عن هذه المسألة، فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه فإثبات ذلك أو نفيه صعب، والوقوف سبيل السلامة، والله أعلم. وإذا ثبت شيء قلنا به، ولا نعنف من أثبت الرؤية لنبينا في الدنيا، ولا من نفاها، بل نقول: الله ورسوله أعلم. بلى نعنف ونبدع من أنكر الرؤية في الآخرة، إذ رؤية الله في الآخرة ثبت بنصوص متوافرة.(أعلام/1881)
شداد بن أوس (ع)
ابن ثابت بن المنذر بن حرام. أبو يعلى، وأبو عبد الرحمن، الأنصاري، النجاري، الخزرجي. أحد بني مغالة، وهم بنو عمرو بن مالك بن النجار.
وشداد هو ابن أخي حسان بن ثابت، شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
من فضلاء الصحابة، وعلمائهم. نزل بيت المقدس.
حدث عنه ابنه يعلى ; وأبو إدريس الخولاني، وأبو أسماء الرحبي، وأبو الأشعث الصنعاني، وعبد الرحمن بن غنم، وجبير بن نفير، وكثير بن مرة، وبشير بن كعب، وآخرون.
قال عبد الحميد بن بهرام، عن شهر، سمع عبد الرحمن بن غنم يقول: لما دخلنا مسجد الجابية أنا وأبو الدرداء، لقينا عبادة بن الصامت، فأخذ بشماله يميني، وبيمينه شمال أبي الدرداء، فقال: إن طال بكما عمر أحدكما أو كلاكما، فيوشك أن تريا الرجل من ثبج المسلمين قد قرأ القرآن، أعاده وأبداه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، ونزل عند منازله، أو قرأ به على لسان أحد لا يحور فيكم إلا كما يحور رأس الحمار الميت.
فبينا نحن كذلك، إذ طلع علينا شداد بن أوس، وعوف بن مالك، فجلسا إلينا، فقال شداد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس، لما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول في الشهوة الخفية والشرك. فقال عبادة، وأبو الدرداء: اللهم غفرا، أولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قد حدثنا أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب. فأما الشهوة الخفية، فقد عرفناها، فهي شهوات الدنيا، من نسائها وشهواتها، فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا شداد؟
قال: أرأيتكم لو رأيتم أحدا يصلي لرجل، أو يصوم له، أو يتصدق له، أترون أنه قد أشرك؟ قالوا: نعم. قال: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك.(أعلام/1882)
فقال عوف: أولا يعمد الله إلى ما ابتغي فيه وجهه من ذلك العمل كله، فيقبل منه ما خلص له، ويدع ما أشرك به فيه؟ قال شداد: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول عن الله، قال: أنا خير قسيم، فمن أشرك بي شيئا، فإن جسده وعمله، قليله وكثيره، لشريكه الذي أشرك به. أنا عنه غني.
شداد، كناه مسلم، وأحمد، والنسائي: أبا يعلى.
ابن جوصاء حدثني محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عمرو بن محمد بن شداد بن أوس الأنصاري: حدثنا أبي، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، قال: كنية شداد بن أوس: أبو يعلى
وكان له خمسة أولاد، منهم بنته خزرج، تزوجت في الأزد. وكان أكبرهم يعلى، ثم محمدا، ثم عبد الوهاب، والمنذر.
فمات شداد، وخلف عبد الوهاب، والمنذر، صغيرين، وأعقبوا، سوى يعلى.
ونسأ لابنته نسل إلى سنة ثلاثين ومائة.
وكانت الرجفة التي كانت بالشام في هذه السنة. وكان أشدها ببيت المقدس، ففني كثير ممن كان فيها من الأنصار وغيرهم، ووقع منزل شداد عليهم، وسلم محمد، وقد ذهبت رجله تحت الردم.
وكانت النعل زوجا، خلفها شداد عند ولده، فصارت إلى محمد بن شداد ; فلما أن رأت أخته خزرج ما نزل به وبأهله، جاءت، فأخذت فرد النعلين وقالت: يا أخي، ليس لك نسل، وقد رزقت ولدا، وهذه مكرمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أحب أن تشرك فيها ولدي، فأخذتها منه.
وكان ذلك في أول أوان الرجفة، فمكثت النعل عندها حتى أدرك أولادها فلما جاء المهدي إلى بيت المقدس، أتوه بها، وعرفوه نسبها من شداد، فعرف ذلك، وقبله، وأجاز كل واحد منهما بألف دينار، وأمر لكل واحد منهما بضيعة، وبعث إلى محمد بن شداد، فأتي به يحمل لزمانته فسأله عن خبر النعل، فصدق مقالة الرجلين، فقال له المهدي: ائتني بالأخرى. فبكى، وناشده الله، فرق له، وخلاها عنده.(أعلام/1883)
معان بن رفاعة، عن أبي يزيد الغوثي، عمن حدثه، عن أبي الدرداء، قال: إن لكل أمة فقيها، وإن فقيه هذه الأمة شداد بن أوس.
لم يصح.
وقال سفيان بن عيينة، قال أبو الدرداء: إن شداد بن أوس أوتي علما وحلما.
وقال سعيد بن عبد العزيز: فضل شداد بن أوس الأنصار بخصلتين: ببيان إذا نطق، وبكظم إذا غضب.
عن شداد أبي عمار، عن شداد بن أوس، وكان بدريا. فذكر حديثا.
وقال البخاري: شداد له صحبة. قال: وقال بعضهم: شهد بدرا. ولم يصح.
وقال ابن سعد: نزل فلسطين. وله عقب، مات سنة ثمان وخمسين وهو ابن خمس وسبعين سنة. وكانت له عبادة واجتهاد.
وقال أحمد بن البرقي: كان أبوه أوس بن ثابت بدريا، واستشهد يوم أحد.
ابن سعد: أخبرني من سمع ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، قال: لم يبق بالشام أحد كان أوثق ولا أفقه ولا أرضى من عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس.
قال المفضل الغلابي: زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء، وعمير بن سعد، وشداد بن أوس.
علي بن المديني: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن رجل، عن مطرف بن الشخير، عن رجل - أحسبه من بني مجاشع - قال: انطلقنا نؤم البيت، فإذا نحن بأخبية بينها فسطاط ; فقلت لصاحبي: عليك بصاحب الفسطاط، فإنه سيد القوم. فلما انتهينا إلى باب الفسطاط، سلمنا. فرد السلام. ثم خرج إلينا شيخ. فلما رأيناه، هبناه مهابة لم نهبها والدا قط ولا سلطانا. فقال: ما أنتما؟ قلنا: فتية نؤم البيت. قال: وأنا قد حدثتني نفسي بذلك، وسأصحبكم، ثم نادى. فخرج إليه من تلك الأخبية شباب! فجمعهم، ثم خطبهم، وقال: إني ذكرت بيت ربي، ولا أراني إلا زائره.
فجعلوا ينتحبون عليه بكاء. فالتفت إلى شاب منهم. فقلت: من هذا الشيخ؟ قال: شداد بن أوس، كان أميرا، فلما أن قتل عثمان، اعتزلهم.
قال: ثم دعا لنا بسويق، فجعل يبس لنا، ويطعمنا ويسقينا.(أعلام/1884)
ثم خرجنا معه ; فلما علونا في الأرض، قال لغلام له: اصنع لنا طعاما يقطع عنا الجوع - يصغره- كلمة قالها; فضحكنا. فقال: ما أراني إلا مفارقكما. قلنا: رحمك الله، إنك كنت لا تكاد تتكلم بكلمة، فلما تكلمت، لم نتمالك أن ضحكنا. فقال: أزودكما حديثا كان رسول الله يعلمنا في السفر والحضر. فأملى علينا، وكتبناه: اللهم، إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك يقينا صادقا، وقلبا سليما، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب.
وروي الدعاء بإسناد آخر.
قتيبة: حدثنا فرج بن فضالة، عن أسد بن وداعة، عن شداد بن أوس: أنه كان إذا دخل الفراش، يتقلب على فراشه، لا يأتيه النوم فيقول: اللهم، إن النار أذهبت مني النوم. فيقوم، فيصلي حتى يصبح.
رواه جماعة، عن فرج، عن أسد.
قال سلام بن مسكين: حدثنا قتادة: أن شداد بن أوس خطب، فقال: أيها الناس، إن الدنيا أجل حاضر، يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة أجل مستأخر، يحكم فيها ملك قادر. ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة ; وإن الشر كله بحذافيره في النار.
اتفقوا على موته كما قلنا في سنة ثمان وخمسين إلا ما يروى عن بعض أهل بيته: أنه في سنة أربع وستين.
خرجوا له في الكتب الستة.
وعدد أحاديثه في " مسند بقي " خمسون حديثا. أعني بالمكرر.(أعلام/1885)
شريح القاضي (س)
هو الفقيه أبو أمية، شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، قاضي الكوفة. ويقال: شريح بن شراحيل أو ابن شرحبيل. ويقال: هو من أولاد الفرس الذين كانوا باليمن. يقال: له صحبة، ولم يصح ; بل هو ممن أسلم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وانتقل من اليمن زمن الصديق.
حدث عن عمر وعلي، وعبد الرحمن بن أبي بكر. وهو نزر الحديث.
حدث عنه: قيس بن أبي حازم، ومرة الطيب، وتميم بن سلمة، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وابن سيرين، وغيرهم. وثقه يحيى بن معين.
قال أبو إسحاق الشيباني، عن الشعبي، قال: كتب عمر إلى شريح: إذا أتاك أمر في كتاب الله، فاقض به، فإن لم يكن في كتاب الله وكان في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاقض به ; فإن لم يكن فيهما، فاقض بما قضى به أئمة الهدى، فإن لم يكن فأنت بالخيار، إن شئت تجتهد رأيك، وإن شئت تؤامرني، ولا أرى مؤامرتك إياي إلا أسلم لك.
صح أن عمر ولاه قضاء الكوفة. فقيل: أقام على قضائها ستين سنة. وقد قضى بالبصرة سنة، وفد زمن معاوية إلى دمشق، وكان يقال له: قاضي المصرين.
قال أحمد بن علي الأبار: حدثنا علي بن عبد الله بن معاوية بن ميسرة بن شريح القاضي، حدثنا أبي عن أبيه معاوية، عن شريح أنه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسلم وقال: يا رسول الله، إن لي أهل بيت ذوي عدد باليمن. قال: جئ بهم فجاء بهم والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد قبض.
روى عباس عن يحيى قال: شريح القاضي هو ابن شرحبيل ثقة.
أبو معشر البراء، عن هشام، عن محمد قلت لشريح: ممن أنت؟ قال: ممن أنعم الله عليه بالإسلام وعدادي في كندة.
وقيل: إنه إنما خرج من اليمن ; لأن أمه تزوجت بعد أبيه، فاستحيا من ذلك، فخرج وكان شاعرا قائفا.
قال أبو نعيم: حدثتنا أم داود الوابشية قالت: خاصمت إلى شريح وكان ليس له لحية.(أعلام/1886)
روى أشعث، عن ابن سيرين، قال: أدركت الكوفة وبها أربعة ممن يعد بالفقه، فمن بدأ بالحارث، ثنى بعبيدة، ومن بدأ بعبيدة، ثنى بالحارث، ثم علقمة، ثم شريح. وإن أربعة أخسهم شريح لخيار.
وقال الشعبي: كان شريح أعلمهم بالقضاء، وكان عبيدة يوازيه في علم القضاء.
قال أبو وائل: كان شريح يقل غشيان ابن مسعود للاستغناء عنه.
وقال الشعبي: بعث عمر بن سور على قضاء البصرة، وبعث شريحا على قضاء الكوفة.
مجالد: عن الشعبي، أن عمر رزق شريحا مائة درهم على القضاء.
الثوري: عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، أن عليا جمع الناس في الرحبة، وقال: إني مفارقكم، فاجتمعوا في الرحبة، فجعلوا يسألونه حتى نفد ما عندهم ولم يبق إلا شريح، فجثا على ركبتيه، وجعل يسأله. فقال له علي: اذهب فأنت أقضى العرب.
قال إبراهيم النخعي: كان شريح يقضي بقضاء عبد الله.
أخبرنا عمر بن محمد وجماعة سمعوا ابن اللتي أنبأنا أبو الوقت، أنبأنا الداودي، أنبأنا ابن حمويه أنبأنا عيسى بن عمر، حدثنا أبو محمد الدارمي، حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا إسماعيل عن عامر، قال: جاءت امرأة إلى علي -رضي الله عنه- تخاصم زوجها طلقها فقالت: قد حضت في شهرين ثلاث حيض. فقال علي لشريح: اقض بينهما: قال: يا أمير المؤمنين، وأنت هاهنا؟ ! قال: اقض بينهما. قال: إن جاءت من بطانة أهلها من يرضى دينه وأمانته يزعم أنها حاضت ثلاث حيض تطهر عند كل قرء، وتصلي، جاز لها، وإلا فلا. قال علي: قالون. وقالون بلسان الروم: أحسنت.
جرير: عن مغيرة، قال: عزل ابن الزبير شريحا عن القضاء، فلما ولي الحجاج رده.
الثوري: عن أبي هاشم، أن فقيها جاء إلى شريح فقال: ما الذي أحدثت في القضاء؟ قال: إن الناس أحدثوا، فأحدثت.(أعلام/1887)
قال سفيان عن أبي حصين، قال: قال خصم لشريح: قد علمت من أين أتيت، فقال شريح: لعن الله الراشي والمرتشي والكاذب.
وقال ابن سيرين: كان شريح يقول للشاهدين: إنما يقضي على هذا الرجل أنتما، وإني لمتق بكما فاتقيا.
واختصم إليه غزالون، فقال بعضهم: إنه سنة بيننا، قال: بل سنتكم بينكم.
زهير بن معاوية، حدثنا عطاء بن السائب قال: مر علينا شريح فقلت: رجل جعل داره حبسا على قرابته، قال: فأمر حبيبا، فقال: أسمع الرجل: لا حبس عن فرائض الله.
قال الحسن بن حي، عن ابن أبي ليلى: بلغنا أن عليا رزق شريحا خمس مائة.
قال واصل، مولى أبي عيينة: كان نقش خاتم شريح: الخاتم خير من الظن.
قال ابن أبي خالد: رأيت شريحا يقضي، وعليه مطرف خز وبرنس، ورأيته معتما قد أرسلها من خلفه.
وروى الأعمش عن شريح قال: زعموا، كنية الكذب.
وقال منصور: كان شريح إذا أحرم كأنه حية صماء.
تميم بن عطية: سمعت مكحولا يقول: اختلفت إلى شريح أشهرا لم أسأله عن شيء، أكتفي بما أسمعه يقضي به.
حجاج بن أبي عثمان، عن ابن سيرين: كان إذا قيل لشريح: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت وشطر الناس علي غضاب.
حماد بن سلمة: حدثنا شعيب بن الحبحاب عن إبراهيم قال شريح: ما شددت لهواتي على خصم، ولا لقنت خصما حجة قط.
ابن عيينة: عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: اختصم إلى شريح في ولد هرة، فقالت امرأة: هو ولد هرتي. وقالت الأخرى: بل هو ولد هرتي، فقال شريح: ألقها مع هذه، فإن هي قرت ودرت واسبطرت فهي لها، وإن هي هرت وفرت واقشعرت، فليس لها. وفي رواية: وازبأرت، أي انتفشت، وقوله اسبطرت، أي امتدت للرضاع.
ابن عون عن إبراهيم، قال: أقر رجل عند شريح، ثم ذهب ينكر، فقال: قد شهد عليك ابن أخت خالتك.
قال أبو إسحاق السبيعي: خرجت قرحة بإبهام شريح، فقيل: ألا أريتها طبيبا؟ قال: هو الذي أخرجها.(أعلام/1888)
وعن الشعبي، قال شريح: إني لأصاب بالمصيبة، فأحمد الله عليها أربع مرات، أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني.
قال مغيرة: كان لشريح بيت يخلو فيه يوم الجمعة، لا يدري الناس ما يصنع فيه.
وقال ميمون بن مهران: لبث شريح في الفتنة -يعني فتنة ابن الزبير - تسع سنين لا يخبر، فقيل له: قد سلمت. قال: كيف بالهوى.
وقيل: كان شريح قائفا عائفا، أي: يزجر الطير، ويصيب الحدس.
وروي لشريح:
رأيت رجالا يضربون نساءهم
فشلت يميني حين أضرب زينبا
وزينب شمس والنساء كواكب
إذا طلعت لم تبق منهن كوكبا
وعن أشعث، أن شريحا عاش مائة وعشر سنين.
وقال أبو نعيم: عاش مائة وثماني سنين. وقال هو والمدائني والهيثم: توفي سنة ثمان وسبعين.
وقال خليفة وابن نمير: مات سنة ثمانين.
وقيل: إنه استعفى من القضاء قبل موته بسنة، رحمه الله تعالى.(أعلام/1889)
شريح بن هانئ (م، 4)
أبو المقدام الحارثي، المذحجي، الكوفي، الفقيه، الرجل الصالح، صاحب علي رضي الله عنه.
حدث عن أبيه، وعلي، وعمر، وعائشة، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة.
وعنه: ابناه محمد، والمقدام، والشعبي، والقاسم بن مخيمرة، وحبيب بن أبي ثابت ويونس بن أبي إسحاق.
قال أبو المقدام (م) : سألت عائشة عن المسح على الخفين، فقالت: ائت عليا ; فإنه أعلم بذلك، وذكر الحديث.
وقد شهد تحكيم الحكمين، ووفد على معاوية شافعا في كثير بن شهاب، فأطلقه له.
فعن مجالد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر، أن عليا بعث أبا موسى في أربع مائة عليهم شريح بن هانئ، ومعهم ابن عباس يصلي بهم إلى دومة الجندل.
قال سليمان بن أبي شيخ، كان شريح بن هانئ جاهليا إسلاميا، وهو القائل في إمرة الحجاج
أصبحت ذا بث أقاسي الكبرا
قد عشت بين المشركين أعصرا
ثمت أدركت النبي المنذرا
وبعده صديقه وعمرا
والجمع في صفينهم والنهرا
ويوم مهران ويوم تسترا
ويا جميراوات والمشقرا
هيهات ما أطول هذا عمرا
قال القاسم بن مخيمرة: ما رأيت حارثيا أفضل من شريح بن هانئ.
وقال يحيى بن معين وغيره: ثقة.
قال أبو حاتم السجستاني: عاش شريح بن هانئ مائة وعشرين سنة.
قيس بن الربيع، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن جده هانئ أنه وفد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكنى أبا الحكم فقال: لم يكنيك هؤلاء أبا الحكم؟ قال: يا رسول الله، إني أحكم بين قومي في الشيء، فيرضى هؤلاء وهؤلاء. قال: هل لك من ولد؟ قال: نعم. قال: فما اسم أكبرهم؟ قال: شريح. قال: فأنت أبو شريح.
تابعه بشار بن موسى الخفاف، عن يزيد بن المقدام، عن أبيه، عن جده، نحوه.(أعلام/1890)
قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله بن حنبل: شريح بن هانئ صحيح الحديث؟ قال: نعم، هذا متقدم جدا.
قال خليفة بن خياط وفي سنة ثمان وتسعين ولى الحجاج عبيد الله بن أبي بكرة سجستان، فوجه عبيد الله ابنه أبا برذعة، فأخذ عليه بالمضيق وقتل شريح بن هانئ، وأصاب المسلمين ضيق وجوع شديد، فهلك عامة ذلك الجيش.(أعلام/1891)
شريك (4)
ابن عبد الله، العلامة الحافظ، القاضي أبو عبد الله النخعي، أحد الأعلام، على لين ما في حديثه. توقف بعض الأئمة عن الاحتجاج بمفاريده.
قال أبو أحمد الحاكم: شريك بن عبد الله بن سنان بن أنس. ويقال: شريك بن عبد الله بن أبي شريك بن مالك بن النخع، وجده قاتل الحسين - رضوان الله عليه. أدرك شريك عمر بن عبد العزيز، وسمع سلمة بن كهيل، ومنصور بن المعتمر، وأبا إسحاق. ليس بالمتين عندهم.
وقال أبو بكر الخطيب: شريك بن عبد الله بن الحارث بن أوس القاضي أدرك عمر بن عبد العزيز.
قلت: وروى أيضا عن أبي صخرة جامع بن شداد، وجامع بن أبي راشد، وزياد بن علاقة، وسماك بن حرب، وعبد العزيز بن رفيع، وزبيد بن الحارث، وبيان بن بشر، ويعلى بن عطاء، وإبراهيم بن مهاجر، وعثمان بن أبي زرعة، وعاصم الأحول، وسالم الأفطس، وسليمان الأعمش، وعطاء بن السائب، ونسير بن ذعلوق، وعبد الملك بن عمير، وسلمة بن المحبق، وأشعث بن أبي الشعثاء، وعبد الكريم بن مالك الجزري، والمقدام بن شريح، وسعيد بن مسروق، وهشام بن عروة، وعاصم بن بهدلة، وعلي بن بذيمة، وزيد بن جبير، وحكيم بن جبير، وشبيب بن غرقدة، ومخول بن راشد، وابن عقيل، وإبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي، وعمار الدهني، وحبيب بن أبي ثابت، وخلق سواهم.
وعنه: أبان بن تغلب، ومحمد بن إسحاق، وهما من شيوخه، وشعبة، وسفيان، والليث بن سعد، وابن المبارك، ويحيى بن آدم، وأبو نعيم، ويزيد بن هارون، وإسحاق بن يوسف الأزرق، ويقال: إن إسحاق الأزرق أخذ عنه تسعة آلاف حديث.(أعلام/1892)
وممن يروي عنه: أحمد بن يونس، وعلي بن الجعد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان، وهناد بن السري، ولوين، ويحيى بن يحيى، ومحمد بن سليمان لوين، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، وعباد بن يعقوب الرواجني، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وعلي بن حجر، وأمم سواهم. وقد وثقه يحيى بن معين. وقال: هو أثبت من أبي الأحوص. قلت: مع أن أبا الأحوص من رجال " الصحيحين "، وما أخرج لشريك سوى مسلم في المتابعات قليلا. وخرج له البخاري تعليقا.
قال ابن المبارك: شريك أعلم بحديث بلده من الثوري. فذكر هذا لابن معين، فقال: ليس يقاس بسفيان أحد، لكن شريك أروى منه في بعض المشايخ. وقال النسائي: ليس به بأس.
وقال الجوزجاني: سيئ الحفظ مضطرب الحديث مائل. قلت: فيه تشيع خفيف على قاعدة أهل بلده. وكان من كبار الفقهاء، وبينه وبين الإمام أبي حنيفة وقائع. مولده: في سنة خمس وتسعين. وقيل: إنه ولد ببخارى، أو نقل إلى الكوفة. وقد سمى البخاري جده سنانا، وسماه شيخه أبو نعيم: الحارث. قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: أخطأ شريك في أربع مائة حديث.
وعن عبد الرحمن بن شريك، قال: كان عند أبي عن جابر الجعفي: عشرة آلاف مسألة، وعن ليث بن أبي سليم: عشرة آلاف مسألة.
قال أبو نعيم: سمعت شريكا يقول: قدم عثمان يوم قدم، وهو أفضل القوم. قلت: ما بعد هذا إنصاف من رجل كوفي.(أعلام/1893)
قال منصور بن أبي مزاحم: سمعت شريكا يقول في مجلس أبي عبيد الله - يعني وزير المهدي - وفيه الحسن بن زيد بن الحسن، ووالد مصعب الزبيري، وابن أبي موسى، والأشراف، فتذاكروا النبيذ، فرخص من حضر من العراقيين فيه، وشدد الباقون، فقال شريك: حدثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: قال عمر: " إنا لنأكل لحوم هذه الإبل، ليس يقطعها في بطوننا إلا هذا النبيذ الشديد ". فقال الحسن بن زيد: ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق فقال شريك: أجل! شغلك الجلوس على الطنافس في صدور المجالس عن استماع هذا ومثله، فلم يجبه الحسن بشيء. وأسكت القوم، فتحدثوا بعد في النبيذ، وشريك ساكت. فقال له أبو عبيد الله: حدثنا يا أبا عبد الله بما عندك. فقال: كلا! الحديث أعز على أهله من أن يعرض للتكذيب. فقال بعضهم: شرب سفيان الثوري، فقال قائل منهم: لا، بلغنا أن سفيان تركه، فقال شريك: أنا رأيته يشرب في بيت خير أهل الكوفة في زمانه، مالك بن مغول.
قال عيسى بن يونس: ما رأيت أحدا أورع في علمه من شريك.
قال محمد بن معاوية النيسابوري: سمعت عبادا يقول: قدم علينا معمر وشريك واسط. فكان شريك أرجح عندنا منه.
قال عباس: ذكرت لابن معين، إسرائيل، وشريكا، فقال: ما فيهما إلا ثبت. وقال: شريك أثبت من أبي الأحوص، ثم سمعت ابن معين يقول: إسرائيل أثبت من شريك. وقال: كان يحيى القطان لا يحدث عن هذين.
قال منجاب بن الحارث: قال رجل لشريك: كيف تجدك يا أبا عبد الله؟ قال: أجدني شاكيا غير شاكي الله.
أحمد بن أبي خيثمة: حدثنا يحيى بن أيوب، قال: كنا عند شريك يوما، فظهر من أصحاب الحديث جفاء، فانتهر بعضهم، فقال له رجل: يا أبا عبد الله، لو رفقت. فوضع شريك يده على ركبة الشيخ، وقال: النبل عون على الدين.(أعلام/1894)
قال ابن عيينة: قيل لشريك: ما تقول فيمن يفضل عليا على أبي بكر؟ قال: إذا يفتضح، يقول: أخطأ المسلمون.
وعن وكيع قال: ما كتبت عن شريك بعد ما ولي القضاء، فهو عندي على حدة.
وقال أبو نعيم: لم أكتب عنه بعد القضاء غير حديث واحد. البغوي: حدثنا عباس بن محمد، سمعت يحيى يقول: قضى شريك على ابن إدريس بشيء. فقال ابن إدريس: القضاء فيه كذا وكذا - يعني الذي حكمت به - فقال له شريك: اذهب فأفت بهذا حاكة الزعافر، وكان شريك قد حبسه في القضية، وكان ابن إدريس ينزل في الزعافر.
منصور بن أبي مزاحم: سمعت شريكا يقول: ترك الجواب في موضعه إذابة القلب.
قال إبراهيم بن أعين: قلت لشريك: أرأيت من قال: لا أفضل أحدا. قال: هذا أحمق، أليس قد فضل أبو بكر وعمر؟ وروى أبو داود الرهاوي، أنه سمع شريكا يقول: علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر.
قلت: ما ثبت هذا عنه. ومعناه حق. يعني: خير بشر زمانه، وأما خيرهم مطلقا، فهذا لا يقوله مسلم.
قال عبد الرحمن بن يحيى العذري: أعلم أهل الكوفة سفيان، وأحضرهم جوابا شريك، وذكر باقي الحكاية.
قال الفضل بن زياد: قلت لأبي عبد الله في إسرائيل وشريك قياس، كان يحدث الحديث بالتوهم.
ابن أبي خيثمة: حدثنا سليمان بن أبي شيخ: قال شريك لبعض إخوانه: أكرهت على القضاء. قال: فأكرهت على أخذ الرزق؟
ثم قال سليمان: حكى لي عبد الله بن صالح بن مسلم، قال: كان شريك على قضاء الكوفة، فخرج يتلقى الخيزران، فبلغ شاهي وأبطأت الخيزران، فأقام ينتظرها ثلاثا، ويبس خبزه، فجعل يبله بالماء ويأكله، فقال العلاء بن المنهال الغنوي:
فإن كان الذي قد قلت حقا
بأن قد أكرهوك على القضاء
فما لك موضعا في كل يوم
تلقى من يحج من النساء؟
مقيما في قرى شاهي ثلاثا
بلا زاد سوى كسر وماء(أعلام/1895)
قال سليمان: وحدثني عبد الرحمن بن شريك قال: كانت أم شريك من خراسان، فرآها أعرابي وهي على حمار، وشريك صبي بين يديها، فقال: إنك لتحملين جندلة من الجنادل.
وقال موسى بن عيسى لشريك: يا أبا عبد الله، عزلوك عن القضاء، ما رأينا قاضيا عزل. قال: هم الملوك، يعزلون ويخلعون، يعرض أن أباه خلع - يعني من ولاية العهد.
قال سليمان: قال أبو مطرف: قال لي شريك: حملت إلى أبي جعفر، فقال لي: قد وليتك قضاء الكوفة. فقلت: لا أحسن. فقال: قد بلغني ما صنعت بعيسى، والله ما أنا كعيسى. يا ربيع، يكون عندك حتى يقبل، فخرجت مع الربيع، فقال: إنه لا يعفيك. فقبلت.
قال ابن أبي خيثمة: وأخبرني سليمان، قال: لقي عبد الله بن مصعب الزبيري شريكا، فقال: بلغني أنك تنال من أبي بكر وعمر. فقال شريك: والله ما أنتقص الزبير، فكيف أنال من أبي بكر وعمر؟
ثم قال سليمان: وأخبرني أبي، قال: قيل لأبي شيبة القاضي: قد ولي شريك قضاء الكوفة.
فقال: الحمد لله الذي لم يجعله من أصحاب حماد.
ابن المديني، عن يحيى القطان، قال: أحدث عن شريك أعجب إلي من أن أحدث عن موسى بن عبيدة، وضعف شريكا، وقال: أتيته بالكوفة، فأملى علي، فإذا هو لا يدري.
قال سليمان بن أبي شيخ: حدثني أبي، قال: لما وجه شريك إلى قضاء الأهواز جلس على القضاء، فجعل لا يتكلم حتى قام، ثم هرب واختفى. ويقال: إنه اختفى عند الوالي. فحدثني يحيى بن سعيد الأموي، قال: كنت عند الحسن بن عمارة حين بلغه أن شريكا هرب، فقال: الخبيث استصغر قضاء الأهواز.(أعلام/1896)
محمد بن يزيد الرفاعي: حدثني حمدان بن الأصبهاني، قال: كنت عند شريك، فأتاه بعض ولد المهدي، فاستند، فسأله عن حديث، فلم يلتفت إليه، وأقبل علينا، ثم أعاد، فعاد بمثل ذلك. فقال: كأنك تستخف بأولاد الخليفة. قال: لا، ولكن العلم أزين عند أهله من أن تضيعوه. قال: فجثا على ركبتيه، ثم سأله، فقال شريك: هكذا يطلب العلم.
قال عباد بن العوام: قال شريك: أثر فيه بعض الضعف أحب إلي من رأيهم.
قال علي بن سهل: سمعت عفان يقول: كان شريك يخضب بالحمرة.
قيل: إن شريكا أدخل على المهدي، فقال: لا بد من ثلاث: إما أن تلي القضاء، أو تؤدب ولدي وتحدثهم، أو تأكل عندي أكلة. ففكر ساعة، ثم قال: الأكلة أخف علي، فأمر المهدي الطباخ أن يصلح ألوانا من المخ المعقود بالسكر وغير ذلك، فأكل. فقال الطباخ: يا أمير المؤمنين ليس يفلح بعدها. قال: فحدثهم بعد ذلك، وعلمهم، وولي القضاء. ولقد كتب له برزقه على الصيرفي، فضايقه في النقد، فقال: إنك لم تبع به بزا. فقال شريك: والله بعت أكبر من البز، بعت به ديني.
قال علي بن الحسين بن الجنيد الرازي: سمعت أبا توبة الحلبي يقول: كنا بالرملة، فقالوا: من رجل الأمة؟ فقال قوم: ابن لهيعة. وقال قوم: مالك، فقدم علينا عيسى بن يونس، فسألناه، فقال: رجل الأمة شريك، وكان شريك يومئذ حيا.
قال محمد بن إسحاق الصاغاني: حدثنا سلم بن قادم، حدثنا موسى بن داود، حدثنا عباد بن العوام، قال: قدم علينا شريك من نحو خمسين سنة، فقلنا له: إن عندنا قوما من المعتزلة، ينكرون هذه الأحاديث: إن أهل الجنة يرون ربهم وإن الله ينزل إلى السماء الدنيا فحدث شريك بنحو من عشرة أحاديث في هذا، ثم قال: أما نحن، فأخذنا ديننا عن أبناء التابعين، عن الصحابة، فهم عمن أخذوا؟(أعلام/1897)
قال شريك، عن أشعث، عن محمد بن سيرين، قال: أدركت بالكوفة أربعة آلاف شاب يطلبون العلم.
قال أبو نعيم النخعي: سمعت شريكا يقول: ترى أصحاب الحديث هؤلاء يطلبونه لله؟! إنما يتظرفون به.
قال عمرو بن علي الفلاس: كان يحيى لا يحدث عن شريك، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه.
قال معاوية بن صالح الأشعري: سألت أحمد بن حنبل عن شريك، فقال: كان عاقلا، صدوقا، محدثا، وكان شديدا على أهل الريب والبدع، قديم السماع من أبي إسحاق قبل زهير، وقبل إسرائيل: فقلت له: إسرائيل أثبت منه؟ قال: نعم. قلت له: يحتج به؟ قال: لا تسألني عن رأيي في هذا. قلت: فإسرائيل يحتج به؟ قال: إي لعمري. قال: وولد شريك سنة خمس وتسعين. قلت له: كيف كان مذهبه في علي وعثمان - رضي الله عنهما؟ قال: لا أدري.
قال حفص بن غياث ; من طريق علي بن خشرم، عنه: سمعت شريكا يقول: قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - واستخار المسلمون أبا بكر، فلو علموا أن فيهم أحدا أفضل منه كانوا قد غشونا، ثم استخلف أبو بكر عمر، فقام بما قام به من الحق والعدل، فلما حضرته الوفاة، جعل الأمر شورى بين ستة، فاجتمعوا على عثمان. فلو علموا أن فيهم أفضل منه كانوا قد غشونا.
قال علي بن خشرم: فأخبرني بعض أصحابنا من أهل الحديث، أنه عرض هذا على عبد الله بن إدريس، فقال ابن إدريس: أنت سمعت هذا من حفص؟ قلت: نعم. قال: الحمد لله الذي أنطق بهذا لسانه، فوالله إنه لشيعي، وإن شريكا لشيعي.(أعلام/1898)
قلت: هذا التشيع الذي لا محذور فيه - إن شاء الله - إلا من قبيل الكلام فيمن حارب عليا - رضي الله عنه - من الصحابة، فإنه قبيح يؤدب فاعله. ولا نذكر أحدا من الصحابة إلا بخير، ونترضى عنهم، ونقول: هم طائفة من المؤمنين بغت على الإمام علي، وذلك بنص قول المصطفى - صلوات الله عليه - لعمار: تقتلك الفئة الباغية. فنسأل الله أن يرضى عن الجميع، وألا يجعلنا ممن في قلبه غل للمؤمنين. ولا نرتاب أن عليا أفضل ممن حاربه، وأنه أولى بالحق - رضي الله عنه.
العقيلي: حدثنا محمد بن عثمان، حدثنا الحسن، سمعت أبا نعيم يقول: شهد ابن إدريس شهادة عند شريك، أو تقدم إليه في شيء، فأمر به شريك، فأقيم، ودفع في قفاه، أو وجئ في قفاه. وقال شريك: من أهل بيت حمق ما علمت.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: قد كتبت عن يحيى بن سعيد، عن شريك على غير وجه الحديث - يعني في المذاكرة.
قال عبد الله: سمعت أبي يقول: كان شريك لا يبالي كيف حدث. حسن بن صالح أثبت منه في الحديث.
قال خليفة بن خياط: شريك بن عبد الله بن أبي شريك، وهو الحارث بن أوس بن الحارث بن الأذهل بن وهبيل بن سعد بن مالك بن النخع يكنى أبا عبد الله. مات سنة سبع أو ثمان وسبعين ومائة.
وقال أبو نعيم الفضل وغيره: مات سنة سبع وسبعين ومائة. قلت: مات بالكوفة في أول شهر ذي القعدة سنة سبع، عاش اثنتين وثمانين سنة.(أعلام/1899)
قرأت على عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر سنة ثمان عشرة وست مائة، أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد بن البسري، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سويد بن سعيد الحدثاني، حدثنا شريك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن أبيه، قال: رأيت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - دباء، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا الدباء نكثر به طعامنا. هذا حديث صالح الإسناد.
وبه أخبرنا المخلص أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا محمد بن سليمان بن حبيب لوين، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء، في قوله - عز وجل -: وذللت قطوفها تذليلا قال: أهل الجنة يأكلون منها قياما، وقعودا، ومضطجعين، وعلى أي حال شاءوا.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا هبة الله بن أبي شريك، أخبرنا أبو الحسين بن النقور، حدثنا عيسى بن علي إملاء، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة. قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا أو هو هذا حديث حسن غريب رواه ابن ماجه في " سننه " عن سويد، فوافقناه بعلو.
أخبرنا الشيخ تاج الدين محمد بن عبد السلام، مدرس الشامية وزينب بنت كندي سماعا عن زينب بنت عبد الرحمن بن حسن الشعرية أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم القارئ سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة، أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي أخبرنا أبو سهل بشر بن أحمد أخبرنا داود بن الحسين حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على شريك عن محمد بن قيس عن رجل يكنى أبا موسى قال: رأيت عليا - رضي الله عنه - سجد سجدة الشكر حين وجد المخدج. وقال: والله ما كذبت ولا كذبت.(أعلام/1900)
قال أبو داود: شريك ثقة، يخطئ على الأعمش.
وقال صالح جزرة: قل ما يحتاج إلى شريك في الأحاديث التي يحتج بها، ولما ولي القضاء اضطرب حفظه.
قال يعقوب بن شيبة: دعا المنصور شريكا، فقال: إني أريد أن أوليك القضاء، فقال: أعفني يا أمير المؤمنين. قال: لست أعفيك. قال: فأنصرف يومي هذا وأعود، فيرى أمير المؤمنين رأيه. قال: تريد أن تتغيب؟ ولئن فعلت لأقدمن على خمسين من قومك بما تكره، فولاه القضاء. فبقي إلى أيام المهدي، فأقره المهدي ثم عزله، قال: وكان شريك ثقة مأمونا، كثير الحديث، أنكر عليه الغلط والخطأ.
قال عيسى بن يونس: من يفلت من الخطأ؟ ربما رأيت شريكا يخطئ، ويصحف حتى أستحيي.
يعقوب السدوسي: حدثنا سليمان بن منصور، حدثنا إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، قال: قلت لمحمد بن الحسن: أما ترى كثرة قول الناس في شريك؟ يعني في حمده مع كثرة خطئه وخطله. قال: اسكت ويحك، أهل الكوفة كلهم معه، يتعصب للعرب، فهم معه، ويتشيع لهؤلاء الموالي الحمقى فهم معه.
قال عيسى بن يونس: ما رأيت في أصحابنا أشد تقشفا من شريك ربما رأيته يأخذ شاته، يذهب بها إلى الناس، وربما حزرت ثوبيه قبل القضاء بعشرة دراهم، وربما دخلت بيته، فإذا ليس فيه إلا شاة يحلبها، ومطهرة، وبارية وجرة، فربما بل الخبز في المطهرة فيلقي إلي كتبه، فيقول: اكتب حديث جدك، ومن أردت.
قال يعقوب السدوسي: وحدثني الهيثم بن خالد، قال: حدث شريك يوما بحديث: " وضعت في كفة " فقال رجل لشريك: فأين كان علي - عليه السلام -؟ قال: مع الناس في الكفة الأخرى.(أعلام/1901)
قال أحمد بن عبد الله العجلي: سمعت بعض الكوفيين يقول: قال شريك: قدم علينا سالم الأفطس، فأتيته ومعي قرطاس فيه مائة حديث. فسألته، فحدثني بها، وسفيان يسمع، فلما فرغ قال لي سفيان: أرني قرطاسك، فأعطيته، فخرقه، قال: فرجعت إلى منزلي فاستلقيت على قفاي، فحفظت منها سبعة وتسعين حديثا، وحفظها سفيان كلها.
قال الحافظ بن عدي: حدثنا أبو العلاء محمد بن أحمد، بمصر، حدثنا محمد بن الصباح الدولابي، حدثنا نصر بن المجدر قال: كنت شاهدا حين أدخل شريك، ومعه أبو أمية، وكان أبو أمية رفع إلى المهدي أن شريكا حدثه عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإذا زاغوا عن الحق فضعوا سيوفكم على عواتقكم، ثم أبيدوا خضراءهم.
قال المهدي: أنت حدثت بهذا؟ قال: لا. فقال أبو أمية: علي المشي إلى بيت الله، وكل مالي صدقة، إن لم يكن حدثني. فقال شريك: وعلي مثل الذي عليه إن كنت حدثته. فكأن المهدي رضي. فقال أبو أمية: يا أمير المومنين، عندك أدهى العرب، إنما يعني مثل الذي علي من الثياب. قل له يحلف كما حلفت. فقال: احلف. فقال شريك: قد حدثته. فقال المهدي: ويلي على شارب الخمر - يعني الأعمش، وذلك أنه كان يشرب المنصف - لو علمت موضع قبره لأحرقته.
قال شريك: لم يكن يهوديا، كان رجلا صالحا، قال: بل زنديق. قال: للزنديق علامات: بتركه الجمعات، وجلوسه مع القيان، وشربه الخمر. فقال: والله لأقتلنك. قال: ابتلاك الله بمهجتي. قال: أخرجوه، فأخرج، وجعل الحرس يشققون ثيابه، وخرقوا قلنسوته. قال نصر: فقلت لهم: أبو عبد الله. فقال المهدي: دعهم.(أعلام/1902)
أحمد بن عثمان بن حكيم: أخبرنا أبي، قال: كان شريك لا يجلس للحكم حتى يتغدى ويشرب أربعة أرطال نبيذ، ثم يصلي ركعتين، ثم يخرج رقعة فينظر فيها، ثم يدعو بالخصوم. فقيل لابنه عن الرقعة، فأخرجها إلينا، فإذا فيها: يا شريك، اذكر الصراط وحدته، يا شريك، اذكر الموقف بين يدي الله - تعالى.
روى محمد بن يحيى القطان عن أبيه، قال: رأيت تخليطا في أصول شريك.
وقال أبو يعلى: سمعت ابن معين يقول: شريك ثقة إلا أنه يغلط ولا يتقن، ويذهب بنفسه على سفيان وشعبة.
وقال الدارقطني: ليس شريك بقوي فيما ينفرد به.(أعلام/1903)
شعبة (ع)
ابن الحجاج بن الورد، الإمام الحافظ، أمير المؤمنين في الحديث أبو بسطام الأزدي العتكي، مولاهم الواسطي، عالم أهل البصرة وشيخها، سكن البصرة من الصغر، ورأى الحسن، وأخذ عنه مسائل.
وحدث عن: أنس بن سيرين، وإسماعيل بن رجاء، وسلمة بن كهيل، وجامع بن شداد، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وجبلة بن سحيم، والحكم بن عتيبة، وعمرو بن مرة، وزبيد بن الحارث اليامي، وقتادة بن دعامة، ومعاوية بن قرة، وأبي جمرة الضبعي، وعمرو بن دينار، ويحيى بن أبي كثير، وعبيد بن الحسن، وعدي بن ثابت، وطلحة بن مصرف، والمنهال بن عمرو، وسعيد بن أبي بردة، وسماك بن الوليد، وأيوب السختياني، ومنصور بن المعتمر، وخلق كثير سواهم. ورأى ناجية بن كعب شيخ أبي إسحاق السبيعي.
وكان من أوعية العلم، لا يتقدمه أحد في الحديث في زمانه، وهو من نظراء الأوزاعي ومعمر والثوري في الكثرة. قال علي بن المديني: له نحو من ألفي حديث.
قلت: ما أظنه إلا يروي أكثر من ذلك بكثير.
قيل: ولد سنة ثمانين في دولة عبد الملك بن مروان. وقال أبو زيد الهروي: ولد سنة اثنتين وثمانين.
روى عنه عالم عظيم، وانتشر حديثه في الآفاق. حدث عنه: أيوب السختياني، وسعيد الجريري، ومنصور بن المعتمر، ومطر الوراق، ومنصور بن زاذان - وهؤلاء هم أحد شيوخه - وابن إسحاق، وأبان بن تغلب، وسفيان الثوري، وإبراهيم بن طهمان، وإبراهيم بن سعد، وأبو حمزة محمد بن ميمون السكري، وزائدة بن قدامة، وزهير بن معاوية، وعلي بن حمزة الكسائي، وعبد السلام بن حرب، وإسماعيل بن علية، وعبد الله بن المبارك، وعباد بن عباد، وعباد بن العوام، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، وعبيد الله الأشجعي، ومحمد بن جعفر غندر، وعبدة بن سليمان.(أعلام/1904)
وأبو إسحاق الفزاري، وأبو معاوية الضرير، ومحمد بن سواء، ومحمد بن فضيل، ومحمد بن يزيد الواسطي، وأحمد بن بشير، وبشر بن المفضل، وخالد بن الحارث، وخالد بن عبد الله الطحان، وبشر بن السري، وبشر بن منصور، وبقية بن الوليد، والحمادان، وزافر بن سليمان، وأبو خالد الأحمر، وسفيان بن عيينة، وشريك القاضي، وعبد الله بن إدريس، وعبد الله بن داود الخريبي، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو عبيدة عبد الواحد الحداد.
وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، وعلي بن عاصم، وعيسى بن يونس، ومعتمر بن سليمان، ومعاذ بن معاذ، ومعاذ بن هشام، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، ومعاوية بن هشام القصار، ومصعب بن سلام، ومصعب بن المقدام، والمعافى بن عمران، ومسكين بن بكير، ومخلد بن يزيد، وورقاء، ووكيع، وهشيم، والنضر بن شميل، وهارون الرشيد، ويحيى بن أبي زائدة، ويحيى بن سليم، ويحيى بن حمزة القاضي، ويزيد بن زريع، ويزيد بن هارون، ويونس بن بكير، والقاضي أبو يوسف، ويعقوب الحضرمي، وأبو داود الطيالسي، ومحمد بن أبي عدي، وآدم بن أبي إياس.
وأمية بن خالد، ومحمد بن عرعرة، وأسود بن عامر، وأسد بن موسى، وعفان، وأبو جابر محمد بن عبد الملك، وأبو عامر عبد الملك العقدي، ومحمد بن كثير العبدي، وسليمان بن حرب، والقعنبي، وأبو الوليد الطيالسي، وبكر بن بكار، وبدل بن المحبر، وبهز بن أسد، والحسن بن موسى الأشيب، وحفص بن عمر الحوضي، وحجاج بن محمد، وحجاج بن نصير، وحجاج بن منهال، والحكم بن عبد الله أبو النعمان، وحرمي بن عمارة، وحبان بن هلال، وحسان بن حسان البصري، وخلف بن الوليد، ووهب بن جرير، وروح بن عبادة، والربيع بن يحيى الأشناني، ومسلم بن إبراهيم، وسعد بن الربيع أبو زيد الهروي، وسعيد بن أوس أبو زيد اللغوي، وشعيث بن محرز.(أعلام/1905)
وشاذ بن فياض، وأبو عاصم النبيل، وعبد الله بن خيران، وأبو عبد الرحمن المقرئ، وعبد الله بن عثمان عبدان، وعبد الله بن رجاء الغداني، وعبد الله بن أبي بكر العتكي، وعبيد الله بن موسى، وعبد الملك الأصمعي، وعبد السلام بن مطهر، وعثمان بن عمر بن فارس، وعلي بن قادم، وعلي بن حفص المدائني، وعمرو بن حكام، وعمرو بن عاصم الكلابي، وعمرو بن مرزوق، وعاصم بن علي، وعصام بن يوسف البلخي، وأبو نعيم الملائي، وقرة بن حبيب، وموسى بن إسماعيل التبوذكي، شيئا يسيرا، وموسى بن مسعود النهدي، ومظفر بن مدرك الحافظ، ويحيى بن آدم، ويحيى بن أبي بكير، ويحيى بن كثير أبو غسان، ويحيى بن عبد ربه، وعلي بن الجعد، وشيبان بن فروخ حكاية، وأمم سواهم. ذكرت عامتهم في " تاريخ الإسلام ".
استفدت أسماءهم من خط الحافظ أبي عبد الله بن منده، فإنه سود كتاب الرواة عن شعبة، وخرج لكثير منهم. ومن جلالته قد روى مالك الإمام، عن رجل، عنه، وهذا قل أن عمله مالك.
قال أبو حاتم البستي: حدثنا الهيثم بن خلف، والحسين بن عبد الله القطان، قالا: حدثنا إسحاق بن موسى، حدثنا معن القزاز، عن مالك، عن ابن إدريس، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، قال: بعث عمر إلى ابن مسعود، وأبي الدرداء، وأبي مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فحبسهم بالمدينة حتى استشهد.
وكان أبو بسطام إماما ثبتا حجة، ناقدا، جهبذا، صالحا، زاهدا، قانعا بالقوت، رأسا في العلم والعمل، منقطع القرين، وهو أول من جرح وعدل، أخذ عنه هذا الشأن يحيى بن سعيد القطان، وابن مهدي، وطائفة. وكان سفيان الثوري يخضع له ويجله، ويقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث.
وقال الشافعي: لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق.(أعلام/1906)
قال أبو عبد الله الحاكم: شعبة إمام الأئمة بالبصرة في معرفة الحديث، رأى أنس بن مالك، وعمرو بن سلمة الجرمي، وسمع من أربعمائة شيخ من التابعين، قال: وحدث عنه من شيوخه: منصور، والأعمش، وأيوب، وداود بن أبي هند، وسعد بن إبراهيم - يعني قاضي المدينة.
قال حماد بن زيد: إذا خالفني شعبة في حديث، صرت إليه.
وقال أبو داود الطيالسي: سمعت من شعبة سبعة آلاف حديث، وسمع منه غندر سبعة آلاف.
قلت: يعني بالآثار والمقاطيع.
قال أبو قطن: كتب لي شعبة إلى أبي حنيفة يحدثني فأتيته، فقال: كيف أبو بسطام؟ قلت: بخير. قال: نعم حشو المصر هو.
أحمد بن زهير: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرحمن، عن شعبة، سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول: كلما نعق بهم ناعق اتبعوه.
قال: وحدثنا أحمد، حدثنا عبد الصمد، حدثنا شعبة: رأيت الحسن قام إلى الصلاة وقال: لا بد لهؤلاء الناس من وزعة.
قرأت على أحمد بن محمد الحافظ بمصر، وأحمد بن عبد الرحمن العلوي بدمشق، قالا: أنبأنا عبد الله بن عمر، أنبأنا عبد الأول بن عيسى، أنبأنا عبد الرحمن بن محمد بن عفيف البوشنجي في سنة سبع وسبعين وأربع مائة، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري، بهراة، أنبأنا أبو القاسم البغوي سنة سبع عشرة وثلاث مائة، حدثني أحمد بن زهير، حدثنا سليمان بن أبي شيخ، حدثني صالح بن سليمان، قال: كان شعبة مولى للأزد، ومولده ومنشؤه بواسط، وعلمه كوفي. كان له ابن يقال له سعد، وكان له أخوان: بشار، وحماد، وكانا يعالجان الصرف. وكان شعبة يقول لأصحاب الحديث: ويلكم الزموا السوق، فإنما أنا عيال على أخوي. قال: وما أكل شعبة من كسبه درهما قط.(أعلام/1907)
وبه: قال البغوي: حدثني جدي أحمد بن منيع: سمعت أبا قطن يقول: ما رأيت شعبة ركع قط إلا ظننت أنه نسي، ولا قعد بين السجدتين إلا ظننت أنه نسي. وحدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه، سمعت أبا الوليد، سمعت شعبة يقول: إذا كان عندي دقيق وقصب ما أبالي ما فاتني من الدنيا.
حدثني عباس بن محمد، حدثني قراد أبو نوح قال: رأى علي شعبة قميصا، فقال: بكم اشتريت هذا؟ فقلت: بثمانية دراهم. فقال لي: ويحك أما تتقي الله؟ ! ألا اشتريت قميصا بأربعة دراهم، وتصدقت بأربعة كان خيرا لك؟ قلت: يا أبا بسطام، إنا مع قوم نتجمل لهم. قال: أيش نتجمل لهم! ؟
حدثنا علي بن سهل النسائي، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن زيد، قال: قال أيوب: الآن يقدم عليكم رجل من أهل واسط، يقال له: شعبة، هو فارس في الحديث، فإذا قدم فخذوا عنه. قال حماد: فلما قدم أخذنا عنه.
حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، حدثنا وليد بن حماد: سمعت عبد الله بن إدريس، قال: ما جعلت بينك وبين الرجال مثل سفيان وشعبة.
حدثنا ابن زنجويه، حدثنا عبد الرزاق، عن أبي أسامة، قال: وافقنا من شعبة طيب نفس، فقلنا له: حدثنا، ولا تحدثنا إلا عن ثقة، فقال: قوموا.
حدثنا عبد الله بن عمر القواريري: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قال لي شعبة: كل من كتبت عنه حديثا، فأنا له عبد.
حدثنا ابن زنجويه، حدثنا يعقوب الحضرمي، قال: قال سفيان: شعبة أمير المؤمنين في الحديث. وروى عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، نحوه.
حدثنا ابن شبويه، حدثنا عبدان بن عثمان، عن أبيه، قال: قومنا حمار شعبة، وسرجه ولجامه، بضعة عشر درهما.
حدثنا أبو بكر الأعين، حدثنا قراد: أنه سمع شعبة يقول: كل شيء ليس في الحديث " سمعت " فهو خل وبقل. حدثنا أبو بكر الأعين، حدثنا محمد بن جعفر المدائني، عن ورقاء:(أعلام/1908)
قلت لشعبة: لم تركت حديث أبي الزبير؟ قال: رأيته يزن، فاسترجح في الميزان، فتركته.
حدثنا علي بن سهل، حدثنا عفان: سمعت شعبة يقول: لولا حوائج لنا إليكم، ما جلست لكم. قال عفان: كان حوائجه: يسأل لجيرانه الفقراء.
وسمعت شعبة يقول: من ذهبنا إلى أبيه، فأكرمنا، فجاءنا ابنه، أكرمناه، ومن أتيناه، فأهاننا، أتانا ابنه، أهناه. حدثنا عمر بن شبة، حدثنا عفان قال: قال يحيى بن سعيد: ما رأيت أحدا قط أحسن حديثا من شعبة.
قال أبو بحر البكراوي: ما رأيت أحدا أعبد لله من شعبة، لقد عبد الله حتى جف جلده على عظمه واسود.
قال حمزة بن زياد الطوسي: سمعت شعبة - وكان ألثغ، قد يبس جلده من العبادة - يقول: لو حدثتكم عن ثقة ما حدثتكم عن ثلاثة.
وقال عمر بن هارون: كان شعبة يصوم الدهر كله. ذكر شيخنا أبو الحجاج في " تهذيبه " لشعبة ثلاث مائة شيخ، سماهم.(أعلام/1909)
شعيب (4)
ما علمت به بأسا، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال روى عن جده، وأبيه محمد، ومعاوية.
قلت: مع أن روايته عن أبيه محمد في سنن أبي داود والنسائي والترمذي، والمتن هو: لا يحل سلف وبيع.
حدث عنه ابناه عمرو، وعمر، وثابت البناني، فنسبه إلى جده، فقال: شعيب بن عبد الله بن عمرو، وممن روى عنه أيضا عثمان بن حكيم، وعطاء الخراساني، وقد ذكر البخاري وأبو داود وغير واحد، أنه سمع من جده ومن ابن عباس وابن عمر، ولم نعلم متى توفي فلعله مات بعد الثمانين في دولة عبد الملك.
وأما أبو شعيب.(أعلام/1910)
شعيب بن أبي حمزة (ع)
الإمام، الثقة، المتقن، الحافظ أبو بشر الأموي، مولاهم الحمصي، الكاتب، واسم أبيه دينار.
سمع الزهري فأكثر، ونافعا وعكرمة بن خالد، ومحمد بن المنكدر، وزيد بن أسلم وأبا الزناد، وأبا طوالة عبد الله بن عبد الرحمن، وعبد الوهاب بن بخت، وعدة.
وعنه: ابنه بشر، وبقية، والوليد بن مسلم، ومحمد بن حمير، وأبو حيوة شريح بن يزيد، وأبو اليمان، وعلي بن عياش، وآخرون.
وكان بديع الكتابة، وافر المهابة، سمعه محمد بن حمير يقول: رافقت الزهري إلى مكة، فكنت أدرس أنا وهو القرآن جميعا.
قال أبو داود: أبوه دينار مولى زياد.
وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: فشعيب في الزهري؟
قال: هو مثل يونس وعقيل. كتب عن الزهري إملاء للسلطان، كان كاتبا.
قلت: يعني بالسلطان هشام بن عبد الملك.
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي: كيف سماع شعيب من الزهري؟
قال: حديثه يشبه حديث الإملاء. ثم قال أبي: الشأن فيمن سمع من شعيب، كان رجلا ضيقا في الحديث. قلت: كيف سماع أبي اليمان منه؟ قال: كان يقول: أنبأنا شعيب. قلت: فسماع ابنه بشر؟ قال: كان يقول: حدثني أبي.
قلت: فسماع بقية؟ قال: شيء يسير. ثم قال: ولما حضرته الوفاة، جمع جماعة بقية وابنه، فقال: هذه كتبي، ارووها عني.
قال أبو زرعة الدمشقي: حدثني أحمد بن حنبل قال: رأيت كتب شعيب، فرأيت كتبا مضبوطة مقيدة. ورفع أحمد من ذكره. قلت: فأين هو من يونس؟ قال: فوقه. قلت: فأين هو من عقيل؟ قال: فوقه. قلت: فأين هو من الزبيدي؟ قال: مثله.
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: كان شعيب بن أبي حمزة قليل السقط.
وقال الأثرم: قال أحمد: نظرت في كتب شعيب، كان ابنه يخرجها إلي، فإذا بها من الحسن والصحة ما لا يقدر - فيما أرى - بعض الشباب أن يكتب مثلها صحة وشكلا، ونحو ذا.(أعلام/1911)
قال المفضل الغلابي: كان عند شعيب عن الزهري نحو ألف وسبعمائة حديث.
وقال عباس، عن يحيى بن معين: أثبتهم في الزهري، مالك، ومعمر وعقيل، ويونس، وشعيب بن أبي حمزة، وابن عيينة.
قال علي بن عياش: كان شعيب بن أبي حمزة عندنا من كبار الناس، وكنت أنا وعثمان بن سعيد بن كثير من ألزم الناس له، وكان ضنينا بالحديث، كان يعدنا المجلس، فنقيم نقتضيه إياه، فإذا فعل، فإنما كتابه بيده ما يأخذه أحد، وكان من صنف آخر في العبادة، وكان من كتاب هشام على نفقاته، وكان الزهري معهم بالرصافة، وسمعه يقول لبقية: يا أبا محمد! قد مجلت يدي من العمل.
قال أبو زرعة: قلت لعلي: ما كان يعمل؟ قال: كانت له أرض يعالجها بيده، فلما حضرته الوفاة، قال: اعرضوا علي كتبي، فعرض عليه كتاب نافع وأبي الزناد.
روى أبو زرعة الدمشقي، عن دحيم، قال: شعيب ثقة، ثبت، يشبه حديثه حديث عقيل. ثم قال: والزبيدي فوقه.
قال أبو زرعة: قال لنا علي بن عياش: قيل لشعيب: يا أبا بشر! ما لبشر لا يحضر معنا؟ قال: شغله الطب.
قال يعقوب الفسوي في " تاريخه ": حدثني سليمان بن الكوفي، قال: قلت لأبي اليمان: ما لي أسمعك إذا ذكرت صفوان بن عمرو تقول: حدثنا صفوان، وإذا ذكرت أبا بكر بن أبي مريم تقول: حدثنا أبو بكر، وإذا ذكرت شعيب بن أبي حمزة، قلت: أخبرنا شعيب؟ فغضب، فلما سكن، قال لي: مرض شعيب مرضه الذي مات فيه، فأتاه إسماعيل بن عياش، وبقية بن الوليد، ومحمد بن حمير في رجال من أهل حمص، أنا أصغرهم، فقالوا: كنا نحب أن نكتب عنك، وكنت تمنعنا. فدعا بقفة له، فقال: ما في هذه إلا ما سمعته من الزهري، وكتبته، وصححته، فلم يخرج من يدي، فإن أحببتم، فاكتبوها. قالوا: فنقول ماذا؟ قال: تقولون: أنبأنا شعيب، وأخبرنا شعيب، وإن أحببتم أن تكتبوها عن ابني، فقد قرأتها عليه.(أعلام/1912)
قال أبو زرعة الدمشقي: حدثنا أبو اليمان، قال: دخلنا على شعيب حين احتضر، فقال: هذه كتبي، فمن أراد أن يأخذها، فليأخذها، ومن أراد أن يعرض فليعرض، ومن أراد أن يسمع، فليسمعها من ابني، فإنه سمعها مني.
قلت: فهذا يدلك على أن عامة ما يرويه أبو اليمان عنه بالإجازة، ويعبر عن ذلك " بأخبرنا "، وروايات أبي اليمان عنه ثابتة في " الصحيحين "، وذلك بصيغة: أخبرنا. ومن روى شيئا من العلم بالإجازة عن مثل شعيب بن أبي حمزة في إتقان كتبه وضبطه، فذلك حجة عند المحققين، مع اشتراط أن يكون الراوي بالإجازة ثقة ثبتا أيضا، فمتى فقد ضبط الكتاب المجاز، وإتقانه، وتحريره، أو إتقان المجيز أو المجاز له، انحط المروي عن رتبة الاحتجاج به، ومتى فقدت الصفات كلها لم تصح الرواية عند الجمهور. وشعيب - رحمه الله - فقد كانت كتبه نهاية في الحسن والإتقان والإعراب، وعرف هو ما يجيز ولمن أجاز، بل رواية كتبه بالوجادة كاف في الحجة، وفي رواية أبي اليمان عنه بذلك دليل على إطلاق " أخبرنا " في الإجازة كما يتعاناه فضلاء المحدثين بالمغرب، وهو ضرب من التدليس، فإنه يوهم أنه بالسماع. والله أعلم.
قال يزيد بن عبد ربه: مات شعيب سنة اثنتين وستين ومائة وقال يحيى الوحاظي وغيره: مات سنة ثلاث وستين.
قلت: مات قبل حريز بن عثمان بسنة. وعند ابن طبرزد نسخة لبشر بن شعيب عن أبيه.(أعلام/1913)
أخبرنا جماعة كتابة، قالوا: أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا ابن الحصين، أنبأنا ابن غيلان، أنبأنا أبو بكر الشافعي، حدثنا إبراهيم بن الهيثم، حدثنا علي بن عياش، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن ابن المنكدر، عن جابر، قال: كان الآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار أخبرنا ابن الفراء، ومحمد بن علي قالا: أنبأنا ابن أبي لقمة، أنبأنا الخضر بن عيدان، أنبأنا علي بن محمد، أنبأنا أبو نصر بن هارون، حدثنا خيثمة، حدثنا محمد بن عوف، حدثنا عثمان بن سعيد، أنبأنا شعيب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الخيل معقود في نواصيها الخير ".(أعلام/1914)
شقيق بن سلمة (ع)
الإمام الكبير شيخ الكوفة، أبو وائل الأسدي أسد خزيمة الكوفي، مخضرم أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- وما رآه.
وحدث عن عمر، وعثمان، وعلي، وعمار، ومعاذ، وابن مسعود، وأبي الدرداء، وأبي موسى، وحذيفة، وعائشة، وخباب، وأسامة بن زيد، والأشعث بن قيس، وسلمان بن ربيعة، وسهل بن حنيف، وشيبة بن عثمان، وعمرو بن الحارث المصطلقي، وقيس بن أبي غرزة، وأبي هريرة، وأبي الهياج الأسدي، وخلق سواهم.
ويروي عن أقرانه: كمسروق، وعلقمة، وحمران بن أبان، وكان من أئمة الدين، وقيل: إنه روى عن أبي بكر الصديق.
حدث عنه: عمرو بن مرة، وحبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عتيبة، وواصل الأحدب، وحماد الفقيه، وعبدة بن أبي لبابة، وعاصم بن بهدلة، وأبو حصين، وأبو إسحاق، ونعيم بن أبي هند، ومنصور والأعمش، ومغيرة، وعطاء بن السائب، وزبيد اليامي، وسيار أبو الحكم، ومحمد بن سوقة، والعلاء بن خالد، وأبو هاشم الرماني، وأبو بشر، وخلق كثير.
روى الزبرقان السراج عن أبي وائل قال: إني أذكر وأنا ابن عشر في الجاهلية أرعى غنما -أو قال: إبلا- لأهلي حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم.
عاصم بن بهدلة: عن أبي وائل قال: أدركت سبع سنين من سني الجاهلية.
وكيع: عن أبي العنبس، قلت لأبي وائل: هل أدركت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وأنا غلام أمرد، ولم أره.
وروى مغيرة عن أبي وائل، قال: أتانا مصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتيته بكبش، فقلت: خذ صدقة هذا، قال: ليس في هذا صدقة.
وقال الأعمش: قال لي شقيق بن سلمة: يا سليمان لو رأيتنا ونحن هراب من خالد بن الوليد يوم بزاخة فوقعت عن البعير، فكادت تندق عنقي، فلو مت يومئذ كانت النار. قال: وكنت يومئذ ابن إحدى عشرة سنة، وفي نسخة: ابن إحدى وعشرين سنة، وهو أشبه.(أعلام/1915)
قلت: كونه جاء بالكبش ثم هرب من خالد، يؤذن بارتداده، ثم من الله عليه بالإسلام ; ألا تراه يقول: لو مت يومئذ كانت النار، فكانت لله به عناية.
وروى يزيد بن أبي زياد، عن أبي وائل: أنا أكبر من مسروق.
محمد بن فضيل: عن أبيه، عن أبي وائل، أنه تعلم القرآن في شهرين.
وقال عمرو بن مرة: من أعلم أهل الكوفة بحديث ابن مسعود؟ قال: أبو وائل.
قال الأعمش: قال لي إبراهيم النخعي، عليك بشقيق ; فإني أدركت الناس وهم متوافرون، وإنهم ليعدونه من خيارهم.
وروى مغيرة، عن إبراهيم، وذكر عنده أبو وائل، فقال: إني لأحسبه ممن يدفع عنا به، وعنه قال: أما إنه خير مني.
قال عاصم بن أبي النجود: ما سمعت أبا وائل سب إنسانا قط، ولا بهيمة.
قال الثوري: عن أبيه، سمع أبا واصل سئل: أنت أكبر أو الربيع بن خثيم؟ قال: أنا أكبر منه سنا، وهو أكبر مني عقلا.
وقال عاصم: كان عبد الله إذا رأى أبا وائل قال: التائب، قال: كان أبو وائل يحب عثمان.
روى حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة قال: قيل لأبي وائل: أيهما أحب إليك، علي أو عثمان؟ قال: كان علي أحب إلي، ثم صار عثمان أحب إلي من علي.
وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: أبو وائل ثقة، لا يسأل عن مثله.
وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث.
أبو معاوية، عن الأعمش، قال لي أبو وائل: يا سليمان، ما في أمرائنا هؤلاء واحدة من اثنتين: ما فيهم تقوى أهل الإسلام، ولا عقول أهل الجاهلية.
عمرو بن عبد الغفار، عن الأعمش، قال لي شقيق: نعم الرب ربنا ; لو أطعناه ما عصانا.(أعلام/1916)
أخبرنا إسحاق بن طارق، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا اللبان، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا معرف بن واصل، قال: كنا عند أبي وائل، فذكروا قرب الله من خلقه، فقال: نعم، يقول الله تعالى: ابن آدم، ادن مني شبرا أدن منك ذراعا، ادن مني ذراعا، أدن منك باعا، امش إلي، أهرول إليك.
وبه إلى أبي نعيم، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا أبو يحيى الرازي، حدثنا هناد، حدثنا عبدة، عن الزبرقان، قال: كنت عند أبي وائل، فجعلت أسب الحجاج وأذكر مساوئه، فقال: لا تسبه ; وما يدريك لعله قال: اللهم اغفر لي، فغفر له.
وبه، حدثنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني يوسف بن يعقوب الصفار، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم قال: كان أبو وائل إذا صلى في بيته ينشج نشيجا، ولو جعلت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه، ما فعله.
قال مغيرة: كان إبراهيم التيمي يذكر في منزل أبي وائل، وكان أبو وائل ينتفض انتفاض الطير.
قال عاصم بن بهدلة: كان أبو وائل يقول لجاريته، إذا جاء يحيى -يعني ابنه- بشيء , فلا تقبليه، وإذا جاء أصحابي بشيء، فخذيه. وكان ابنه قاضيا على الكناسة. قال: وكان لأبي وائل -رحمه الله- خص من قصب، يكون فيه هو وفرسه، فإذا غزا، نقضه وتصدق به، فإذا رجع، أنشأ بناءه.
قلت: قد كان هذا السيد رأسا في العلم والعمل.
قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: مات في زمن الحجاج بعد الجماجم. وقال خليفة: مات بعد الجماجم سنة اثنتين وثمانين.
وأما قول الواقدي: مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، فوهم.
مات في عشر المائة.
قال عاصم بن أبي النجود: قلت لأبي وائل: شهدت صفين؟ قال: نعم، وبئست الصفون كانت. فقيل له: أيهما أحب إليك، علي أو عثمان؟ قال: علي، ثم صار عثمان أحب إلي.(أعلام/1917)
عامر بن شقيق عن أبي وائل: استعملني ابن زياد على بيت المال، فأتاني رجل بصك أن أعط صاحب المطبخ ثمان مائة درهم، فأتيت ابن زياد، فكلمته في الإسراف فقال: ضع المفاتيح واذهب.
أخبرنا أحمد بن عبد الحميد، وإسماعيل بن عبد الرحمن، قالا: أنبأنا عبد الله بن قدامة، أنبأنا أبو بكر بن النقور، أنبأنا علي بن محمد العلاف، أنبأنا أبو الحسن الحمامي، حدثنا عثمان بن أحمد، حدثنا محمد بن عبيد الله بن أبي داود، حدثنا أبو بدر، حدثنا سليمان بن مهران، عن شقيق بن سلمة، قال: قال عبد الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك.(أعلام/1918)
شهاب بن خراش (د)
ابن حوشب بن يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم بن عبد الله بن سعد بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة. الإمام القدوة العالم أبو الصلت الشيباني، ثم الحوشبي، الواسطي، أخو عبد الله، وابن أخي العوام بن حوشب. أصله كوفي تحول إلى الرملة.
وحدث عن عمرو بن مرة، وأبان بن أبي عياش، وعبد الملك بن عمير، وعبد الكريم الجزري، ومنصور بن المعتمر، ومحمد بن زياد القرشي، وقتادة، وعاصم بن بهدلة، وعمه العوام، وحماد بن أبي سليمان، وشعيب بن رزيق الطائفي، والقاسم بن غزوان، وينزل إلى الثوري، والربيع بن صبيح، وعدة.
وعنه: ابن مهدي، وعبد الله بن ميمون القداح، وابن أبي فديك، والهيثم بن خارجة، وآدم بن أبي إياس، وعثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وسعيد بن منصور، والحكم بن موسى، وقتيبة، وعلي بن حجر، ويزيد بن موهب، وسويد بن سعيد، وخلق كثير. وثقه ابن المبارك، وابن معين، وابن عمار، وأبو زرعة. وقال أحمد وغيره: لا بأس به. قال أحمد العجلي: ثقة، نزل الرملة. قال أبو زرعة: ثقة صاحب سنة. وقال أبو حاتم: صدوق لا بأس به.
وقال ابن عدي: له أحاديث ليست كثيرة. وفي بعض رواياته ما ينكر عليه، ولا أعرف للمتقدمين فيه كلاما فأذكره. قلت: وذلك لانزوائه بفلسطين.
قال أبو بكر بن أبي الأسود: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: لم أر أحدا أجمع من عبد الله بن المبارك، ولم أر أحدا أقدمه على بشر بن منصور، ولم أر أحدا أحسن وصفا للسنة من شهاب بن خراش، ولم أر أحدا أعلم بالسنة من حماد بن زيد، ولسفيان علمه وزهده.
بهلول بن إسحاق: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا شهاب بن خراش قال: أدركت من أدركت من صدرة هذه الأمة، وهم يقولون: اذكروا مجلس أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تأتلف عليه القلوب، ولا تذكروا الذي شجر بينهم، فتحرشوا عليهم الناس.(أعلام/1919)
محمد بن سعيد الخريمي، عن هشام بن عمار: سمعت شهاب بن خراش يقول: إن القدرية أرادوا أن يصفوا الله بعدله، فأخرجوه من فضله.
قال هشام: لقيت شهابا وأنا شاب في سنة أربع وسبعين ومائة فقال لي: إن لم تكن قدريا ولا مرجئا، حدثتك، وإلا لم أحدثك، فقلت: ما في من هذين شيء.
وقال مسلم في مقدمة كتابه: حدثنا محمد بن عبد الله بن قهزاد، عن أبي إسحاق الطالقاني، قال: قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن، الحديث الذي جاء: إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك فقال: يا أبا إسحاق، عمن هذا؟ قلت: هذا من حديث شهاب بن خراش، قال: ثقة، عمن؟ قلت: عن الحجاج بن دينار، قال: ثقة، عمن؟ قلت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن بين الحجاج وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف.
خرج أبو داود لشهاب في سننه حديثين.
ومات قبل سنة ثمانين ومائة، فقد لحقه علي بن حجر.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن زينب الشعرية، أخبرتنا فاطمة بنت زعبل، أخبرنا أبو الحسين الفارسي، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا شهاب بن خراش، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله لعن المرجئة والقدرية على لسان سبعين نبيا.(أعلام/1920)
أخبرنا الحافظ أبو الحسين علي بن محمد، أخبرنا الحسن بن صباح، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا علي بن الحسن القاضي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر البزاز سنة ثلاث عشرة وأربع مائة، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد العامري، حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني، حدثنا سعيد الآدم، حدثنا شهاب بن خراش، حدثنا يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أخوف ما أخاف على أمتي تصديق بالنجوم وتكذيب بالقدر، ولا يؤمن عبد بالله حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وأخذ رسول الله بلحيته، وقال: آمنت بالقدر كله خيره وشره، حلوه ومره وأخذ أنس بلحيته، وقال: آمنت بالقدر كله خيره وشره، حلوه ومره، وأخذ يزيد الرقاشي بلحيته، وقال: آمنت بالقدر كله، خيره وشره، حلوه ومره، وتسلسل إلي هذا الكلام. وهو كلام صحيح، لكن الحديث واه لمكان الرقاشي.(أعلام/1921)
شهدة
بنت المحدث أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري، ثم البغدادي الإبري الجهة، المعمرة، الكاتبة، مسندة العراق، فخر النساء.
ولدت بعد الثمانين وأربعمائة.
وسمعت من: أبي الفوارس طراد الزينبي، وابن طلحة النعالي، وأبي الحسن بن أيوب، وأبي الخطاب بن البطر، وعبد الواحد بن علوان، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي، وثابت بن بندار، ومنصور بن حيد، وجعفر السراج، وعدة.
ولها مشيخة سمعناها.
حدث عنها: ابن عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي، وعبد الغني، وعبد القادر الرهاوي، وابن الأخضر، والشيخ الموفق، والشيخ العماد، والشهاب بن راجح، والبهاء عبد الرحمن، والناصح، والفخر الإربلي، وتاج الدين عبد الله بن حمويه، وأعز بن العليق، وإبراهيم بن الخير، وبهاء الدين بن الجميزي، ومحمد بن المني، وأبو القاسم بن قميرة، وخلق كثير.
قال ابن الجوزي قرأت عليها، وكان لها خط حسن، وتزوجت ببعض وكلاء الخليفة، وخالطت الدور والعلماء، ولها بر وخير، وعمرت حتى قاربت المائة، توفيت في رابع عشر المحرم سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وحضرها خلق كثير وعامة العلماء.
وقال الشيخ الموفق: انتهى إليها إسناد بغداد، وعمرت حتى ألحقت الصغار بالكبار، وكانت تكتب خطا جيدا، لكنه تغير لكبرها.
ومات معها أحمد بن علي بن الناعم الوكيل، وأسعد بن بلدرك بن أبي اللقاء البواب، والأمير شهاب الدين سعد بن محمد بن سعد بن صيفي الشاعر الحيص بيص، وأبو صالح سعد الله بن نجا بن الوادي الدلال، وأبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني، وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف، وعمر بن محمد العليمي، وأبو عبد الله بن المجاهد الإشبيلي الزاهد، ومحمد بن نسيم العيشوني.(أعلام/1922)
شهر بن حوشب (4 م مقرونا)
أبو سعيد الأشعري الشامي، مولى الصحابية أسماء بنت يزيد الأنصارية. كان من كبار علماء التابعين.
حدث عن مولاته أسماء، وعن أبي هريرة، وعائشة، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وأم سلمة، وأبي سعيد الخدري، وعدة.
وقرأ القرآن على ابن عباس، ويرسل عن بلال، وأبي ذر، وسلمان، وطائفة.
حدث عنه قتادة، ومعاوية بن قرة، والحكم بن عتيبة، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية، ومقاتل بن حيان، وداود بن أبي هند، وأشعث بن عبد الله الحداني، وأبو بكر الهذلي، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وعبيد الله بن زياد المكي، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وعبد الحميد بن بهرام، وخلق سواهم.
أبان بن صمعة قال: قلت لشهر: يا أبا سعيد. . . . وبها كناه مسلم والنسائي.
وعن حنظلة، عن شهر، قال: عرضت القرآن على ابن عباس سبع مرات.
وعن ابن أبي نهيك، قال: قرأت القرآن على ابن عباس، وابن عمر وجماعة، فما رأيت أحدا أقرأ من شهر بن حوشب.
رواه البخاري في ترجمة شهر، ثم قال: سمع من أبي هريرة، وأبي سعيد، وأم سلمة، وجندب بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو.
علي بن عياش: حدثنا عبد الحميد بن بهرام، قال: أتى على شهر بن حوشب ثمانون سنة، ورأيته يعتم بعمامة سوداء، طرفها بين كتفيه، وعمامة أخرى قد أوثق بها وسطه سوداء، ورأيته مخضوبا خضابة سوداء في حمرة.
ووفد على بلال بن مرداس الفزاري بحولايا فأجازه بأربعة آلاف درهم فأخذها.
إسماعيل بن عياش: حدثنا عثمان بن نويرة، قال: دعي شهر بن حوشب إلى وليمة وأنا معه، فدخلنا، فأصبنا من طعامهم، فلما سمع شهر المزمار، وضع أصبعيه في أذنيه وخرج.
روى حرب الكرماني، عن أحمد بن حنبل: شهر ثقة، ما أحسن حديثه.
وقال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول: شهر ليس به بأس.(أعلام/1923)
وقال الترمذي: قال محمد - يعني البخاري -: شهر حسن الحديث، وقوى أمره وقال: إنما تكلم فيه ابن عون، ثم إنه روى عن رجل عنه.
وقال أحمد العجلي: ثقة. وروى عباس، عن يحيى بن معين: شهر ثبت.
وقال أبو زرعة وغيره: لا بأس به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: لا يحتج به، ولا يتدين بحديثه. وقال أبو حاتم الرازي: ليس هو بدون أبي الزبير المكي، ولا يحتج به.
وروى معاوية بن صالح، وأحمد بن زهير، عن يحيى بن معين: ثقة.
وروى النضر بن شميل، عن عبد الله بن عون، قال: إن شهرا تركوه.
وقال صالح بن محمد جزرة: قدم شهر على الحجاج، فحدث بالعراق ولم يوقف منه على كذب، وكان رجلا يتنسك. وقال: قال أبو حفص الفلاس: كان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عن شهر. وكان عبد الرحمن يحدث عنه.
قلت: يعني الاحتجاج وعدمه.
وروى يحيى بن أبي بكير الكرماني، عن أبيه، قال: كان شهر بن حوشب على بيت المال، فأخذ خريطة فيها دراهم فقيل فيه:
لقد باع شهر دينه بخريطة
فمن يأمن القراء بعدك يا شهر
أخذت بها شيئا طفيفا
وبعته من ابن جرير إن هذا هو الغدر
قلت: إسنادها منقطع، ولعلها وقعت، وتاب منها، أو أخذها متأولا أن له في بيت مال المسلمين حقا، نسأل الله الصفح.
فأما رواية يحيى القطان، عن عباد بن منصور، قال: حججت مع شهر بن حوشب فسرق عيبتي: فما أدري ما أقول.
ومن مليح قول شهر: من ركب مشهورا من الدواب، ولبس مشهورا من الثياب، أعرض الله عنه، وإن كان كريما.
قلت: من فعله ليعز الدين، ويرغم المنافقين، ويتواضع مع ذلك للمؤمنين، ويحمد رب العالمين، فحسن. ومن فعله بذخا وتيها وفخرا أذله الله وأعرض عنه ; فإن عوتب ووعظ فكابر وادعى أنه ليس بمختال ولا تياه فأعرض عنه فإنه أحمق، مغرور بنفسه.(أعلام/1924)
قال أبو بشر الدولابي: شهر لا يشبه حديثه حديث الناس، كأنه مولع بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قاله أبو إسحاق السعدي.
الطيالسي: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عقبة بن عامر، قال شعبة: فلقيت عبد الله بن عطاء فسألته، فقال: حدثني زياد بن مخراق، فقدمت على زياد، فسألته، فقال: حدثني رجل من بني ليث، عن مجاهد، عن شهر، عن حديث عقبة، عن عمر في الوضوء.
وقال معاذ بن معاذ: سألت ابن عون عن حديث هلال بن أبي زينب، عن شهر، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى تبتدره زوجتاه "؟ فقال ابن عون: ما يصنع بشهر، إن شعبة قد ترك شهرا.
وقال علي بن حفص المدائني: سألت شعبة عن عبد الحميد بن بهرام؟ فقال: صدوق إلا أنه يحدث عن شهر.
وقال أحمد بن حنبل: عبد الحميد بن بهرام، حديثه مقارب من حديث شهر، وكان يحفظها كأنه يقرأ سورة وهي سبعون حديثا.
قال سيار بن حاتم: حدثنا جعفر بن سليمان، عن أبي بكر الهذلي، عن شهر بن حوشب، قال: لما قتل ابن آدم أخاه، مكث آدم مائة سنة لا يضحك، ثم أنشأ يقول: تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح تغير كل ذي لون وطعم وقل بشاشة الوجه المليح
إسحاق بن المنذر شيخ صدوق، قال: حدثنا عبد الحميد بن بهرام، عن شهر، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لكل نبي حرم، وحرمي المدينة ".
ثابت البناني، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ: إنه عمل غير صالح.
الحكم بن عتيبة، عن شهر، عن أم سلمة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كل مسكر ومفتر.
ثابت البناني، عن شهر، عن أم سلمة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ: إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي.(أعلام/1925)
فهذا ما استنكر من حديث شهر في سعة روايته، وما ذاك بالمنكر جدا.
يعقوب بن شيبة: شهر ثقة، طعن فيه بعضهم.
وقال يعقوب بن سفيان: شهر وإن تكلم فيه ابن عون، فهو ثقة.
قلت: الرجل غير مدفوع عن صدق وعلم، والاحتجاج به مترجح.
ذكر الاختلاف في تاريخ موته: قال صاحبه عبد الحميد بن بهرام: توفي سنة مائة، وتبعه على ذلك المدائني والهيثم بن عدي وخليفة وآخرون.
ويروى أنه توفي سنة ثمان وتسعين. ولم يصح.
وأما يحيى بن بكير فقال: مات سنة إحدى عشرة ومائة فالله أعلم.
وقال الواقدي وكاتبه: سنة اثنتي عشرة ويعضده، أن شعبة يقول: أدركت شهر بن حوشب، وتركته عمدا، لم آخذ عنه.
قلت: ومولده في خلافة عثمان رضي الله عنه وطلب العلم بعد الخمسين في أيام معاوية.(أعلام/1926)
شيبان بن فروخ (م، د)
وهو شيبان بن أبي شيبة المحدث الحافظ الصدوق، أبو محمد الحبطي مولاهم الأبلي البصري، مسند عصره.
ولد سنة أربعين ومائة.
وسمع حماد بن سلمة، وجرير بن حازم، ومبارك بن فضالة، وأبان بن يزيد العطار، ومحمد بن راشد المكحولي، وأبا الأشهب العطاردي، وسلام بن مسكين وطبقتهم. وكان من أوعية العلم.
حدث عنه: مسلم، وأبو داود، وجعفر الفريابي، ومحمد بن عبد الله مطين، والحسن بن سفيان، وأبو يعلى الموصلي، وعبدان الأهوازي، ومحمد بن محمد الباغندي، وأبو القاسم البغوي، ومحمد بن شادل، وابن أبي عاصم، ومحمد بن جابر المروزي، وأحمد بن النصر النيسابوري، وزكريا بن يحيى خياط السنة، ومحمد بن نصر المروزي الفقيه، ويوسف بن يعقوب القاضي، والحسن بن علي بن شبيب المعمري، وخلق كثير.
وما علمت به بأسا، ولا استنكروا شيئا من أمره; ولكنه ليس في الذروة.
قال عبدان: كان عنده خمسون ألف حديث، وكان أثبت عندهم من هدبة بن خالد.
وذكره أبو زرعة، فقال: صدوق. وأما أبو حاتم، فقال: كان يرى القدر، واضطر الناس إليه بأخرة، يعني: أنه تفرد بالأسانيد العالية.
قال موسى بن هارون: سألته عن مولده، فقال: سنة أربعين ومائة ثم شك شيئا في أن مولده قبلها بسنة أو سنتين.
ومات سنة ست وثلاثين ومائتين. على الصحيح. وقيل: مات سنة خمس وهو في عشر المائة.(أعلام/1927)
قرأت على عبد الحافظ بن بدران بنابلس، وسمعت على يوسف بن أحمد الحجار بدمشق، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، حدثنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد البندار، أخبرنا أبو طاهر المخلص، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا شيبان، حدثنا جرير بن حازم، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن سالم بن منقذ، عن عمرو بن أوس الثقفي قال: دخلت على عنبسة بن أبي سفيان، وهو ينزع، فقال: ما أحب أنك وراءك إني محدثك حديثا حدثتنيه أم حبيبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من صلى ثنتي عشرة ركعة مع صلاة النهار، بنى الله له بيتا في الجنة.
وفي سنة ست توفي أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الترجماني في المحرم، والحارث بن سريج النقال، وهدبة بن خالد القيسي في أولها، ومحمد بن مقاتل العباداني، وأحمد بن إبراهيم الموصلي ببغداد، ومحمد بن إسحاق بن محمد المسيبي، وأبو معمر إسماعيل بن إبراهيم القطيعي، وأبو علي الفضل بن غانم والنعمان بن شبل الباهلي بالبصرة، وعبد الله بن عمر الخطابي بالبصرة، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف ببغداد، ومحمد بن الفرج أبو جعفر، وسعيد بن عبد الجبار الكرابيسي ومعلى بن مهدي بالموصل، وصالح بن حاتم بن وردان البصري، وإبراهيم بن المنذر في أول العام، ومصعب بن عبد الله الزبيري، وأبو جعفر محمد بن بشير الدعاء.(أعلام/1928)
شيبة بن عثمان (خ، د، ق)
ابن أبي طلحة، عبد الله بن عبد العزى القرشي العبدري المكي الحجبي حاجب الكعبة - رضي الله عنه.
كان مشاركا لابن عمه عثمان الحجبي في سدانة بيت الله - تعالى -. وهو أبو صفية، وقيل: كنيته أبو عثمان، وكان مصعب بن عمير العبدري الشهيد خاله. وحجبة البيت بنو شيبة من ذريته. قتل أبوه يوم أحد كافرا، قتله علي - رضي الله عنه.
فلما كان عام الفتح، من النبي - صلى الله عليه وسلم - على شيبة وأمهله، وخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين على شركه. وقيل: إنه نوى أن يغتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم من الله عليه بالإسلام وحسن إسلامه، وقاتل يوم حنين وثبت مع النبي - صلى الله عليه وسلم. وحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أبي بكر، وعمر.
روى عنه ابناه: مصعب بن شيبة، وصفية بنت شيبة، وأبو وائل، وعكرمة مولى ابن عباس، وحفيده مسافع بن عبد الله بن شيبة. وله حديث في " صحيح البخاري " عن عمر بن الخطاب وروى له أيضا أبو داود وابن ماجه. وكانت وفاته في سنة تسع وخمسين وقيل: في سنة ثمان وخمسين بمكة. وصفية بنته ولدت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقال: لها صحبة، ولم يثبت ذلك.(أعلام/1929)
شيخ الإسلام
الإمام القدوة، الحافظ الكبير أبو إسماعيل، عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور بن مت الأنصاري الهروي، مصنف كتاب " ذم الكلام "، وشيخ خراسان من ذرية صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أبي أيوب الأنصاري.
مولده في سنة ست وتسعين وثلاثمائة.
وسمع من: عبد الجبار بن محمد الجراحي " جامع " أبي عيسى كله أو أكثره، والقاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي، وأبي الفضل محمد بن أحمد الجارودي الحافظ، وأبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد السرخسي، خاتمة أصحاب محمد بن إسحاق القرشي، وأبي الفوارس أحمد بن محمد بن أحمد بن الحويص البوشنجي الواعظ، وأبي الطاهر أحمد بن محمد بن حسن الضبي، وأحمد بن محمد بن مالك البزاز - لقي أبا بحر البربهاري - وأبا عاصم محمد بن محمد المزيدي وأحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني الحافظ، وأبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وعلي بن محمد بن محمد الطرازي.
وأبا نصر منصور بن الحسين بن محمد المفسر، وأحمد بن محمد بن الحسن السليطي، وأبا بكر أحمد بن الحسن الحيري لكنه لم يرو عنه، ومحمد بن جبرائيل بن ماحي، وأبا منصور أحمد بن محمد بن العالي، وعمر بن إبراهيم الهروي، وعلي بن أبي طالب، ومحمد بن محمد بن يوسف، والحسين بن محمد بن علي، ويحيى بن عمار بن يحيى الواعظ، ومحمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الشيرازي لقيه بنيسابور، وأبا يعقوب القراب الحافظ إسحاق بن إبراهيم بن محمد الهروي، وأحمد بن محمد بن إبراهيم الوراق، وسعيد بن العباس القرشي، وغالب بن علي بن محمد.(أعلام/1930)
ومحمد بن المنتصر الباهلي المعدل، وجعفر بن محمد الفريابي الصغير، ومحمد بن علي بن الحسين الباشاني، صاحب أحمد بن محمد بن ياسين، ومنصور بن رامش - قدم علينا في سنة سبع وأربعمائة - وأحمد بن أحمد بن حمدين، والحسين بن إسحاق الصائغ، ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، وعلي بن بشرى الليثي، ومحمد بن محمد بن يوسف بن يزيد، وأبي صادق إسماعيل بن جعفر، ومحمد بن محمد بن محمود، وعلي بن أحمد بن محمد بن خميرويه، ومحمد بن الفضل بن محمد بن مجاشع، ومحمد بن الفضل الطاقي الزاهد، وعدد كثير، ومن أقدم شيخ له الجراحي، سمع منه في حدود سنة عشر وأربعمائة. وينزل إلى أن يروي عن أبي بكر البيهقي بالإجازة. وقد سمع من أربعة أو أكثر من أصحاب أبي العباس الأصم.
حدث عنه: المؤتمن الساجي، ومحمد بن طاهر، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وعبد الله بن عطاء الإبراهيمي، وعبد الصبور بن عبد السلام الهروي، وأبو الفتح عبد الملك الكروخي، وحنبل بن علي البخاري، وأبو الفضل محمد بن إسماعيل الفامي، وعبد الجليل بن أبي سعد المعدل، وأبو الوقت عبد الأول السجزي خادمه، وآخرون.
وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيار. وبقي إلى سنة نيف وسبعين وخمسمائة.
قال السلفي: سألت المؤتمن الساجي عن أبي إسماعيل الأنصاري، فقال: كان أية في لسان التذكير والتصوف، من سلاطين العلماء، سمع ببغداد من أبي محمد الحسن بن محمد الخلال، وغيره. يروي في مجالس وعظه الأحاديث بالإسناد، وينهى عن تعليقها عنه. قال: وكان بارعا في اللغة، حافظا للحديث، قرأت عليه كتاب " ذم الكلام "، روى فيه حديثا، عن علي بن بشرى، عن ابن منده، عن إبراهيم بن مرزوق. فقلت له: هذا هكذا؟ قال: نعم، وابن مرزوق هو شيخ الأصم وطبقته، وهو إلى الآن في كتابه على الخطأ.(أعلام/1931)
قلت: نعم: وكذا أسقط رجلين من حديثين خرجهما من " جامع " الترمذي، نبهت عليهما في نسختي، وهي على الخطأ في غير نسخة.
قال المؤتمن: كان يدخل على الأمراء والجبابرة، فما يبالي، ويرى الغريب من المحدثين، فيبالغ في إكرامه، قال لي مرة: هذا الشأن شأن من ليس له شأن سوى هذا الشأن - يعني طلب الحديث - وسمعته يقول: تركت الحيري لله. قال: وإنما تركه، لأنه سمع منه شيئا يخالف السنة.
قلت: كان يدري الكلام على رأي الأشعري، وكان شيخ الإسلام أثريا قحا، ينال من المتكلمة، فلهذا أعرض عن الحيري، والحيري: فثقة عالم، أكثر عنه البيهقي والناس.
قال الحسين بن علي الكتبي: خرج شيخ الإسلام لجماعة الفوائد بخطه إلى أن ذهب بصره، فكان يأمر فيما يخرجه لمن يكتب، ويصحح هو، وقد تواضع بأن خرج لي فوائد، ولم يبق أحد ممن خرج له سواي.
قال محمد بن طاهر: سمعت أبا إسماعيل الأنصاري يقول: إذا ذكرت التفسير، فإنما أذكره من مائة وسبعة تفاسير. وسمعته ينشد على منبره:
أنا حنبلي ما حييت وإن أمت
فوصيتي للناس أن يتحنبلوا
قلت: وقد قال في قصيدته النونية التي أولها:
نزل المشيب بلمتي فأراني
نقصان دهر طالما أرهاني
أنا حنبلي ما حييت وإن أمت
فوصيتي ذاكم إلى الإخوان
إذ دينه ديني وديني دينه
ما كنت إمعة له دينان(أعلام/1932)
قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: قصدت أبا الحسن الخرقاني الصوفي، ثم عزمت على الرجوع، فوقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالري، وألتقيه - وكان مقدم أهل السنة بالري، وذلك أن السلطان محمود بن سبكتكين لما دخل الري، وقتل بها الباطنية، منع الكل من الوعظ غير أبي حاتم، وكان من دخل الري يعرض عليه اعتقاده، فإن رضيه، أذن له في الكلام على الناس، وإلا فمنعه - قال: فلما قربت من الري ; كان معي رجل في الطريق من أهلها، فسألني عن مذهبي، فقلت: حنبلي، فقال: مذهب ما سمعت به! - وهذه بدعة. وأخذ بثوبي، وقال: لا أفارقك إلى الشيخ أبي حاتم. فقلت: خيرة، فذهب بي إلى داره، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم، فقال: هذا سألته عن مذهبه، فذكر مذهبا لم أسمع به قط. قال: وما قال؟ فقال: قال: أنا حنبلي. فقال: دعه، فكل من لم يكن حنبليا، فليس بمسلم. فقلت في نفسي: الرجل كما وصف لي. ولزمته أياما، وانصرفت.
قال شيخ الإسلام في " ذم الكلام "، في أوله عقيب حديث اليوم أكملت لكم دينكم ونزولها بعرفة: سمعت أحمد بن الحسن بن محمد البزاز الفقيه الحنبلي الرازي في داره بالري يقول: كل ما أحدث بعد نزول هذه الأية فهو فضلة وزيادة وبدعة.
قلت: قد كان أبو حاتم أحمد بن الحسن بن خاموش صاحب سنة واتباع، وفيه يبس وزعارة العجم، وما قاله، فمحل نظر.(أعلام/1933)
ولقد بالغ أبو إسماعيل في " ذم الكلام " على الاتباع فأجاد، ولكنه له نفس عجيب لا يشبه نفس أئمة السلف في كتابه " منازل السائرين " ففيه أشياء مطربة، وفيه أشياء مشكلة، ومن تأمله لاح له ما أشرت إليه، والسنة المحمدية صلفة، ولا ينهض الذوق والوجد إلا على تأسيس الكتاب والسنة. وقد كان هذا الرجل سيفا مسلولا على المتكلمين، له صولة وهيبة واستيلاء على النفوس ببلده، يعظمونه، ويتغالون فيه، ويبذلون أرواحهم فيما يأمر به. كان عندهم أطوع وأرفع من السلطان بكثير، وكان طودا راسيا في السنة لا يتزلزل ولا يلين، لولا ما كدر كتابه " الفاروق في الصفات " بذكر أحاديث باطلة يجب بيانها وهتكها، والله يغفر له بحسن قصده، وصنف " الأربعين " في التوحيد، و " أربعين " في السنة، وقد امتحن مرات، وأوذي، ونفي من بلده.
قال ابن طاهر: سمعته يقول: عرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك. لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك. فأقول: لا أسكت. وسمعته يقول: أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سردا.
قال الحافظ أبو النضر الفامي: كان شيخ الإسلام أبو إسماعيل بكر الزمان، وواسطة عقد المعاني، وصورة الإقبال في فنون الفضائل وأنواع المحاسن، منها نصرة الدين والسنة، من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان ولا وزير، وقد قاسى بذلك قصد الحساد في كل وقت، وسعوا في روحه مرارا، وعمدوا إلى إهلاكه أطوارا، فوقاه الله شرهم، وجعل قصدهم أقوى سبب لارتفاع شأنه.(أعلام/1934)
قلت: قد انتفع به خلق، وجهل آخرون، فإن طائفة من صوفة الفلسفة والاتحاد يخضعون لكلامه في " منازل السائرين "، وينتحلونه، ويزعمون أنه موافقهم. كلا، بل هو رجل أثري، لهج بإثبات نصوص الصفات، منافر للكلام وأهله جدا وفي " منازله " إشارات إلى المحو والفناء، وإنما مراده بذلك الفناء هو الغيبة عن شهود السوى، ولم يرد محو السوى في الخارج، ويا ليته لا صنف ذلك، فما أحلى تصوف الصحابة والتابعين! ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس، بل عبدوا الله، وذلوا له وتوكلوا عليه، وهم من خشيته مشفقون، ولأعدائه مجاهدون، وفي الطاعة مسارعون، وعن اللغو معرضون، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وقد جمع هذا سيرة للإمام أحمد في مجلد، سمعناها من أبي حفص بن القواس بإجازته من الكندي، أخبرنا الكروخي، أخبرنا المؤلف.
قال ابن طاهر: حكى لي أصحابنا أن السلطان ألب أرسلان قدم هراة ومعه وزيره نظام الملك، فاجتمع إليه أئمة الحنفية وأئمة الشافعية للشكوى من الأنصاري، ومطالبته بالمناظرة، فاستدعاه الوزير، فلما حضر، قال: إن هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك، فإن يكن الحق معك رجعوا إلى مذهبك، وإن يكن الحق معهم رجعت أو تسكت عنهم. فوثب الأنصاري، وقال: أناظر على ما في كمي. قال: وما في كمك؟ قال: كتاب الله. - وأشار إلى كمه اليمين - وسنة رسول الله - وأشار إلى كمه اليسار - وكان فيه " الصحيحان ". فنظر الوزير إليهم مستفهما لهم، فلم يكن فيهم من ناظره من هذا الطريق.(أعلام/1935)
وسمعت خادمه أحمد بن أميرجه يقول: حضرت مع الشيخ للسلام على الوزير نظام الملك، وكان أصحابنا كلفوه الخروج إليه، وذلك بعد المحنة ورجوعه إلى وطنه من بلخ - يعني أنه كان قد غرب - قال: فلما دخل عليه أكرمه وبجله، وكان هناك أئمة من الفريقين، فاتفقوا على أن يسألوه بين يدي الوزير، فقال العلوي الدبوسي: يأذن الشيخ الإمام أن أسأل؟ قال: سل. قال: لم تلعن أبا الحسن الأشعري؟ فسكت الشيخ، وأطرق الوزير، فلما كان بعد ساعة ; قال الوزير: أجبه. فقال: لا أعرف أبا الحسن، وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء، وأن القرآن في المصحف، ويقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اليوم ليس بنبي. ثم قام وانصرف فلم يمكن أحدا أن يتكلم من هيبته، فقال الوزير للسائل: هذا أردتم! أن نسمع ما كان يذكره بهراة بأذاننا، وما عسى أن أفعل به؟ ثم بعث إليه بصلة وخلع، فلم يقبلها، وسافر من فوره إلى هراة.(أعلام/1936)
قال: وسمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السلطان ألب أرسلان هراة في بعض قدماته، اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل، وسلموا عليه، وقالوا: ورد السلطان ونحن على عزم أن نخرج، ونسلم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك، وكانوا قد تواطئوا على أن حملوا معهم صنما من نحاس صغيرا، وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ، وخرجوا، وقام الشيخ إلى خلوته، ودخلوا على السلطان، واستغاثوا من الأنصاري، وأنه مجسم، وأنه يترك في محرابه صنما يزعم أن الله - تعالى - على صورته، وإن بعث السلطان الآن يجده. فعظم ذلك على السلطان، وبعث غلاما وجماعة، فدخلوا، وقصدوا المحراب، فأخذوا الصنم، فألقى الغلام الصنم، فبعث السلطان من أحضر الأنصاري، فأتى فرأى الصنم والعلماء، وقد اشتد غضب السلطان، فقال له السلطان: ما هذا؟ قال: صنم يعمل من الصفر شبه اللعبة. قال: لست عن ذاك أسألك. قال: فعم يسألني السلطان؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا، وأنك تقول: إن الله على صورته. فقال شيخ الإسلام بصولة وصوت جهوري: سبحانك! هذا بهتان عظيم. فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به، فأخرج إلى داره مكرما، وقال لهم: اصدقوني. وهددهم، فقالوا: نحن في يد هذا في بلية من استيلائه علينا بالعامة، فأردنا أن نقطع شره عنا. فأمر بهم، ووكل بهم، وصادرهم، وأخذ منهم وأهانهم.
قال أبو الوقت السجزي: دخلت نيسابور، وحضرت عند الأستاذ أبي المعالي الجويني، فقال: من أنت؟ قلت: خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري، فقال: - رضي الله عنه.
قلت: اسمع إلى عقل هذا الإمام، ودع سب الطغام إن هم إلا كالأنعام.(أعلام/1937)
قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: كتاب أبي عيسى الترمذي عندي أفيد من كتاب البخاري ومسلم. قلت: ولم؟ قال: لأنهما لا يصل إلى الفائدة منهما إلا من يكون من أهل المعرفة التامة، وهذا كتاب قد شرح أحاديثه، وبينها، فيصل إلى فائدته كل فقيه وكل محدث.
قال أبو سعد السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن عبد الله بن محمد الأنصاري، فقال: إمام حافظ.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل: كان أبو إسماعيل الأنصاري على حظ تام من معرفة العربية والحديث والتواريخ والأنساب، إماما كاملا في التفسير، حسن السيرة في التصوف، غير مشتغل بكسب، مكتفيا بما يباسط به المريدين والأتباع من أهل مجلسه في العام مرة أو مرتين على رأس الملأ، فيحصل على ألوف من الدنانير وأعداد من الثياب والحلي، فيأخذها، ويفرقها على اللحام والخباز، وينفق منها، ولا يأخذ من السلطان ولا من أركان الدولة شيئا، وقلما يراعيهم ولا يدخل عليهم، ولا يبالي بهم، فبقي عزيزا مقبولا قبولا أتم من الملك، مطاع الأمر نحوا من ستين سنة من غير مزاحمة، وكان إذا حضر المجلس لبس الثياب الفاخرة، وركب الدواب الثمينة، ويقول: إنما أفعل هذا إعزازا للدين، ورغما لأعدائه، حتى ينظروا إلى عزي وتجملي، فيرغبوا في الإسلام. ثم إذا انصرف إلى بيته ; عاد إلى المرقعة والقعود مع الصوفية في الخانقاه يأكل معهم، ولا يتميز بحال، وعنه أخذ أهل هراة التبكير بالفجر، وتسمية الأولاد غالبا بعبد المضاف إلى أسماء الله - تعالى -.
قال أبو سعد السمعاني: كان أبو إسماعيل مظهرا للسنة، داعيا إليها، محرضا عليها، وكان مكتفيا بما يباسط به المريدين، ما كان يأخذ من الظلمة شيئا، وما كان يتعدى إطلاق ما ورد في الظواهر من الكتاب والسنة، معتقدا ما صح، غير مصرح بما يقتضيه تشبيه، وقال مرة: من لم ير مجلسي وتذكيري، وطعن في، فهو مني في حل.(أعلام/1938)
قلت: غالب ما رواه في كتاب " الفاروق " صحاح وحسان، وفيه باب إثبات استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة بائنا من خلقه من الكتاب والسنة، فساق دلائل ذلك من الأيات والأحاديث إلى أن قال: وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش، وعلمه وقدرته واستماعه ونظره ورحمته في كل مكان.
قيل: إن شيخ الإسلام عقد على تفسير قوله: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ثلاثمائة وستين مجلسا.
قال أبو النضر الفامي: توفي شيخ الإسلام في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمائة عن أربع وثمانين سنة وأشهر.
وفيها مات مسند أصبهان أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن ماجه الأبهري ومسند نيسابور أبو عمرو عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي المزكي وراوي " جامع " الترمذي أبو بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي.(أعلام/1939)
أخبرنا علي بن أحمد الحسيني، أخبرنا علي بن أبي بكر بن روزبه ببغداد، وكتب إلي غير واحد، منهم إبراهيم بن علي قال: أخبرنا محمد بن أبي الفتح، وزكريا العلبي، وابن صيلا قالوا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد، حدثني أحمد بن محمد بن منصور بن الحسين وقال: هو أعلى حديث عندي، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن كثير بن ديسم أبو سعيد بهراة، حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سلمة بن وردان (ح) ، وأخبرنا الحسن بن علي، ومحمد بن قايماز الدقيقي، وجماعة قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر بن اللتي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا أبو إسماعيل، أخبرنا عبد الجبار بن الجراح، حدثنا محمد بن أحمد بن محبوب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا ابن أبي فديك، أخبرني سلمة بن وردان الليثي، عن أنس بن مالك، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من ترك الكذب وهو باطل، بني له في رياض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق، بني له في وسطها، ومن حسن خلقه، بني له في أعلاها.
سلمة سيئ الحفظ، وقد روى عنه ابن المبارك والقعنبي، مات سنة ست وخمسين ومائة ومن مناكيره ما رواه سريج بن يونس، حدثنا ابن أبي فديك، عن سلمة، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: هل تزوجت؟ قال: ليس عندي ما أتزوج. قال: أليس معك قل هو الله أحد؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن، أليس معك قل يا أيها؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن، أليس معك إذا زلزلت؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن، تزوج تزوج.
قال أبو حاتم البستي: خرج عن حد الاحتجاج به.(أعلام/1940)
أخبرنا أبو الحسن الغرافي أخبرنا ابن أبي روزبه، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، أخبرنا شعيب بن محمد، أخبرنا حامد الرفاء، أخبرنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة غنما.
أخرجه البخاري عن أبي نعيم، وهو من نمط الثلاثيات.
قرأت على أبي الحسين علي بن محمد الفقيه، ومحمد بن قايماز، وجماعة قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، أخبرنا عبد الجبار، أخبرنا ابن محبوب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر - هو الخزاز - عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الأية: هو الذي أنزل عليك الكتاب فقال: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، أولئك الذين سمى الله فاحذروهم.
وبه: قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يزيد بن إبراهيم، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذه الأية: فأما الذين في قلوبهم زيغ قال: هم الذين سمى الله فاحذروهم هذا أو قريب منه. فهذان الحديثان اللذان أسقط منهما أبو إسماعيل رجلا رجلا، فالأول: سقط فوق ابن بشار أبو داود الطيالسي، والثاني: سقط منه رجل وهو أبو الوليد الطيالسي، عن يزيد.
وأخرجه أبو داود عاليا، عن القعنبي عن يزيد، به.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا ابن اللتي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثنا عمر بن إبراهيم إملاء، حدثنا عبد الله بن محمد الحياني، سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم، سمعت الربيع بن سليمان، سمعت الشافعي يقول: قراءة الحديث خير من صلاة التطوع.
إسناده صحيح عن الشافعي، ولفظه غريب، والمحفوظ: طلب العلم.(أعلام/1941)
صاحب الأغاني
العلامة الأخباري أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد القرشي الأموي الأصبهاني الكاتب، مصنف كتاب " الأغاني ". يذكر أنه من ذرية الخليفة هشام بن عبد الملك. قاله محمد بن إسحاق النديم، بل الصواب أنه من ولد مروان الحمار.
كان بحرا في نقل الآداب.
سمع مطينا، ومحمد بن جعفر القتات، وعلي بن العباس البجلي، وأبا الحسين بن أبي الأحوص، وأبا بكر بن دريد، وجحظة، ونفطويه، وخلائق.
وجده محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الله بن الخليفة مروان الحمار.
حدث عنه: الدارقطني، وإبراهيم بن أحمد الطبري، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وعلي بن أحمد بن داود الرزاز، وآخرون.
وكان بصيرا بالأنساب وأيام العرب، جيد الشعر.
قال أبو علي التنوخي: كان أبو الفرج يحفظ من الشعر والأخبار والأغاني والمسندات والنسب ما لم أر قط من يحفظ مثله، ويحفظ اللغة والنحو والمغازي. وله تصانيف عديدة، بعثها إلى صاحب الأندلس الأموي سرا، وجاءه الإنعام. وله " نسب عبد شمس "، و " نسب بني شيبان "، و " نسب آل المهلب " جمعه للوزير المهلبي، وكان ملازمه، وله " مقاتل الطالبيين "، وكتاب " أيام العرب " في خمسة أسفار.
والعجب أنه أموي شيعي.
قال ابن أبي الفوارس: خلط قبل موته.
قلت: لا بأس به.
وكان وسخا زريا، وكانوا يتقون هجاءه. وله حكاية مع الجهني المحتسب: كان يجازف، فقال مرة: بالبلد الفلاني نعنع يطول حتى يعمل منه سلالم. فبدر أبو الفرج وقال: عجائب الدنيا ألوان، والقدرة صالحة، فعندنا ما هو أعجب من ذا، زوج حمام يبيض بيضتين، فنأخذهما، ونضع بدلهما سنجتين نحاسا، فتفقس عن طست ومسينه فتضاحكوا، وخجل الجهني.
مات في ذي الحجة سنة ست وخمسين وثلاثمائة وله اثنتان وسبعون سنة.(أعلام/1942)
صاحب الأندلس
الملك الملقب بأمير المؤمنين الناصر لدين الله، أبو المطرف عبد الرحمن بن الأمير محمد بن صاحب الأندلس عبد الله بن صاحب الأندلس محمد بن صاحب الأندلس عبد الرحمن بن صاحبها الحكم بن صاحبها هشام ابن الأمير الداخل عبد الرحمن بن معاوية بن أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك بن مروان، المرواني الأندلسي.
باني مدينة الزهراء والذي دامت دولته خمسين سنة، وصاحب الفتوحات الكثيرة، والغزوات المشهورة، وهو أول من تلقب بألقاب الخلافة ; وذلك لما بلغه قتل المقتدر، ووهن الخلافة العباسية، فقال: أنا أولى بالاسم والنعت.
قتل أبو هذا شابا ولهذا عشرون يوما، فكفله جده، فلما مات جده، بويع هذا سنة ثلاثمائة مع وجود الأكابر من أعمامه وأعمام أبيه، فولي وأمره اثنتان وعشرون سنة، فضبط الممالك، وخافته الأعداء، وعمل الزهراء على بريد من قرطبة، فشيدها وزخرفها، وأنفق عليها قناطير من الذهب، وكان لا يمل من الغزو، فيه سؤدد وحزم وإقدام، وسجايا حميدة، أصابهم قحط، فجاء رسول قاضيه منذر البلوطي يحركه للخروج، فلبس ثوبا خشنا، وبكى واستغفر، وتذلل لربه، وقال: ناصيتي بيدك، لا تعذب الرعية بي، لن يفوتك مني شيء. فبلغ القاضي، فتهلل وجهه، وقال: إذا خشع جبار الأرض، يرحم جبار السماء، فاستسقوا ورحموا.
وكان -رحمه الله- ينطوي على دين، وحسن خلق ومزاح، وكان دسته في وقته فوق دست ملوك الإسلام. ووزر له أبو مروان بن شهيد، وغيره.(أعلام/1943)
ونقل بعضهم أن وزيرا له قدم له هدية سنية منها: خمسمائة ألف دينار، وأربعمائة رطل تبرا وألفا ألف درهم، ومائة وثمانون رطلا من العود، ومائة أوقية من المسك، وخمسمائة أوقية عنبر، وثلاثمائة أوقية كافور، وثلاثون ثوبا خاما، وست سرادقات وعشرة قناطير سمور وأربعة آلاف رطل حرير، وألف ترس، وثمانمائة تجفاف وخمسة عشر حصانا، وعشرون بغلا، وأربعون مملوكا، ومائة فرس، وعشرون سرية وضيعتان، وألف جسر، كل جسر قيمته ألف درهم، فلقبه ذا الوزارتين، ورفع قدره.
وقد توفي الناصر قبل تتمة زخرفة مدينة الزهراء، فأتمها ابنه المستنصر، وبها جامع عديم المثل، وكذا منارته.
قال ابن عبد ربه: لي أرجوزة ذكرت فيها غزواته.
افتتح سبعين حصنا من أعظم الحصون، وقد مدحته الشعراء.
قلت: توفي في شهر رمضان سنة خمسين وثلاثمائة وله اثنتان وسبعون عاما، رحمه الله.
وقد كنت ذكرت ترجمته مع جدهم، فأعدتها بزوائد وفوائد، وإذا كان الرأس عالي الهمة في الجهاد، احتملت له هنات، وحسابه على الله، أما إذا أمات الجهاد، وظلم العباد، وللخزائن أباد، فإن ربك لبالمرصاد.(أعلام/1944)
صالح بن أبي الأخضر (4)
محدث مشهور من أهل اليمامة، سكن البصرة. وحدث عن: ابن أبي مليكة، ونافع العمري، وابن المنكدر، والزهري.
وعنه: عبد الرحمن بن مهدي، وروح، وأبو داود، ومسلم بن إبراهيم، وجماعة.
ضعفه ابن معين. وقال البخاري: لين. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، كان عنده عن الزهري كتابان، أحدهما عرض، والآخر مناولة فاختلطا جميعا، فلا يعرف هذا من هذا.
قلت: توفي قبل شعبة.(أعلام/1945)
صالح بن أحمد
ابن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد، الإمام المحدث الحافظ الفقيه القاضي، أبو الفضل، الشيباني البغدادي، قاضي أصبهان.
سمع أباه، وتفقه عليه، وسمع عفان، وأبا الوليد، وإبراهيم بن، أبي سويد، وعلي بن المديني، وطبقتهم.
حدث عنه: ابنه زهير، وأبو بكر بن أبي عاصم، والبغوي، وابن صاعد، ومحمد بن مخلد، وأبو علي الحصائري، ومحمد بن جعفر الخرائطي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأحمد بن محمد بن يحيى القصار، شيخ لأبي نعيم الحافظ.
قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه بأصبهان، وهو صدوق ثقة.
قلت: ولد سنة ثلاث ومائتين، وهو أكبر إخوته.
قال الخلال في " أدب القضاء ": أخبرنا محمد بن العباس، حدثني محمد بن علي قال: لما صار صالح إلى أصبهان قرئ عهده بالجامع، فبكى كثيرا، وبكى بعض الشيوخ، فلما فرغ جعلوا يدعون له، ويقولون: ما ببلدنا إلا من يحب أباك. قال: أبكاني أني ذكرته، ويراني في هذه الحالة، وكان عليه السواد. ثم قال: كان أبي يبعث خلفي إذا جاءه رجل زاهد أو متقشف لأنظر إليه، يحب أن أكون مثله. ولكن الله يعلم، ما دخلت في هذا الأمر إلا لدين غلبني، وكثرة عيال.
قال الخلال: كان صالح سخيا جدا.
قال ابن المنادي: توفي بأصبهان في رمضان سنة ست وستين ومائتين.
وقال أبو نعيم: مات سنة خمس وستين.(أعلام/1946)
صالح بن فوزان الفوزان (1)
فضيلة الشيخ د / صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، من آل فوزان من أهل الشماسية، الوداعين من قبيلة الدواسر.
الوظيفة: عضو اللجنة الدائمة وعضو هيئة كبار العلماء.
المرتبة: الممتازة.
تاريخ التعيين: 15/7/1412 هـ.
المناصب التي عمل بها: عمل أستاذا مشاركا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
نشأته ودراسته:
ولد عام 1363 هـ، وتوفي والده وهو صغير، فتربى في أسرته، وتعلم القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة على يد إمام مسجد البلد، وكان قارئا متقنا وهو فضيلة الشيخ: حمود بن سليمان التلال، الذي تولى القضاء أخيرا في بلدة ضرية في منطقة القصيم.
ثم التحق بمدرسة الحكومة حين افتتاحها في الشماسية عام 1369 هـ، وأكمل دراسته الابتدائية في المدرسة الفيصلية ببريدة عام 1371 هـ، وتعين مدرسا في الابتدائي، ثم التحق بالمعهد العلمي ببريدة عند افتتاحه عام 1373 هـ، وتخرج منه عام 8 1377 هـ، والتحق بكلية الشريعة بالرياض، وتخرج منها عام 1381 هـ، ثم نال درجة الماجستير في الفقه، ثم درجة الدكتوراه من هذه الكلية في تخصص الفقه أيضا.
أعماله الوظيفية:
بعد تخرجه من كلية الشريعة عين مدرسا في المعهد العلمي في الرياض، ثم نقل للتدريس في كلية الشريعة، ثم نقل للتدريس في الدراسات العليا بكلية أصول الدين، ثم في المعهد العالي للقضاء، ثم عين مديرا للمعهد العالي للقضاء، ثم عاد للتدريس فيه بعد انتهاء مدة الإدارة، ثم نقل عضوا في اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث العلمية، ولا يزال على رأس العمل.
أعماله الأخرى:(أعلام/1947)
فضيلة الشيخ عضو في هيئة كبار العلماء، وعضو في المجمع الفقهي بمكة المكرمة التابع للرابطة، وعضو في لجنة الإشراف على الدعاة في الحج، إلى جانب عمله عضوا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وإمام وخطيب ومدرس في جامع الأمير متعب بن عبد العزيز آل سعود في الملز، ويشارك في الإجابة في برنامج (نور على الدرب) في الإذاعة، كما أن لفضيلته مشاركات منتظمة في المجلات العلمية على هيئة بحوث ودراسات ورسائل وفتاوى، جمع وطبع بعضها، كما أن فضيلته يشرف على الكثير من 9 الرسائل العلمية في درجتي الماجستير والدكتوراه، وتتلمذ على يديه العديد من طلبة العلم الذين يرتادون مجالسه ودروسه العلمية المستمرة.
مشايخه:
تتلمذ فضيلة الشيخ على أيدي عدد من العلماء والفقهاء البارزين، ومن أشهرهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وسماحة الشيخ عبد الله بن حميد، حيث كان يحضر دروسه في جامع بريدة، وفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وفضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي، وفضيلة الشيخ صالح بن عبد الرحمن السكيتي، وفضيلة الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي، وفضيلة الشيخ محمد بن سبيل، وفضيلة الشيخ عبد الله بن صالح الخليفي، وفضيلة الشيخ إبراهيم بن عبيد العبد المحسن، وفضيلة الشيخ حمود بن عقلا، والشيخ صالح العلي الناصر.
وتتلمذ على غيرهم من شيوخ الأزهر المنتدبين في الحديث والتفسير واللغة العربية.
مؤلفاته:
لفضيلة الشيخ مؤلفات كثيرة، من أبرزها:
[التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية] في المواريث، وهو رسالته في الماجستير، مجلد. 10 ... 1-
[أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية] ، وهو رسالته في الدكتوراه، مجلد. ... 2-
[الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد] مجلد صغير. ... 3-
[شرح العقيدة الواسطية] مجلد صغير. ... 4-
[البيان فيما أخطأ فيه بعض الكتاب] مجلد كبير. ... 5-
[مجموع محاضرات في العقيدة والدعوة] مجلدان. ... 6-(أعلام/1948)
[الخطب المنبرية في المناسبات العصرية] في أربع مجلدات. ... 7-
[من أعلام المجددين في الإسلام] . ... 8-
رسائل في مواضيع مختلفة. ... 9-
[مجموع فتاوى في العقيدة والفقه] مفرغة من نور على الدرب، وقد أنجز منه أربعة أجزاء. ... 10-
[نقد كتاب الحلال والحرام في الإسلام] . ... 11-
[شرح كتاب التوحيد- للشيخ محمد بن عبد الوهاب] ، شرح مدرسي. ... 12-
[التعقيب على ما ذكره الخطيب في حق الشيخ محمد بن عبد الوهاب] . ... 13-
[الملخص الفقهي] مجلدان. ... 14-
[إتحاف أهل الإيمان بدروس شهر رمضان] . ... 15-
[الضياء اللامع من الأحاديث القدسية الجوامع] . 11 ... 16-
[بيان ما يفعله الحاج والمعتمر] . ... 17-
[كتاب التوحيد] جزآن مقرران في المرحلة الثانوية بوزارة المعارف. ... 18-
[فتاوى ومقالات نشرت في مجلة الدعوة] ، وهو هذا الذي نشر ضمن [كتاب الدعوة] . علاوة على العديد من الكتب والبحوث والرسائل العلمية، منها ما هو مطبوع، ومنها ما هو في طريقه للطبع. ... 19-
نسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعله في موازين حسنات شيخنا الجليل، إنه سميع مجيب.
---
(1) كتب الترجمة: عبد العزيز بن عبد الكريم العيسي.(أعلام/1949)
صالح بن كيسان (ع)
الإمام الحافظ الثقة أبو محمد، ويقال: أبو الحارث المدني المؤدب مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، يقال: مولى بني غفار، ويقال: مولى بني عامر، ويقال: مولى آل معيقيب الدوسي.
رأى عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر. وقد قال يحيى بن معين: إنه سمع منهما.
وحدث عن عبيد الله بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وسالم بن عبد الله، ونافع بن جبير، ونافع مولى ابن عمر، ونافع مولى أبي قتادة، والقاسم بن محمد، وابن شهاب رفيقه. وينزل إلى ابن عجلان، وإسماعيل بن محمد بن سعد، وعدة. وكان من أئمة الأثر.
حدث عنه عمرو بن دينار وهو أكبر منه، وموسى بن عقبة وهو من طبقته، وابن عجلان، وابن إسحاق، وابن جريج، ومعمر، ومالك، وسليمان بن بلال، وابن عيينة، والدراوردي، وحماد بن زيد، وإبراهيم بن سعد، وأبو ضمرة الليثي، وخلق سواهم.
قال مصعب بن عبد الله: كان مولى امرأة من دوس، وكان عالما ضمه عمر بن عبد العزيز إلى نفسه، وهو أمير يعني: بالمدينة، قال: فكان يأخذ عنه، ثم بعث إليه الوليد بن عبد الملك فضمه إلى ابنه عبد العزيز بن الوليد. وكان صالح جامعا من الحديث والفقه والمروءة.
قال حرب الكرماني: سئل أحمد بن حنبل، عن صالح بن كيسان، فقال: بخ بخ. قال عبد الله بن أحمد عن صالح: أكبر من الزهري، قد رأى صالح بن عمر.
وروى إسحاق الكوسج، عن يحيى بن معين: ثقة. وروى عباس، عن يحيى قال: ليس به بأس في الزهري. وقد سمع من ابن عمر، وعن يحيى قال: معمر أحب إلي في الزهري.(أعلام/1950)
وروى يعقوب بن شيبة، حدثنا أحمد بن العباس قال: قال يحيى بن معين: ليس في أصحاب الزهري أثبت من مالك، ثم صالح بن كيسان، ثم معمر، ثم يونس. وقال يعقوب: صالح ثقة ثبت. وقال علي بن المديني: كان أسن من الزهري، رأى ابن عمر. وقال ابن أبي حاتم، عن أبيه، قال: صالح أحب إلي من عقيل ; لأنه حجازي، وهو أسن رأى ابن عمر، وهو ثقة، يعد في التابعين. وقال النسائي وابن خراش وغيرهما: ثقة.
روى معمر، عن صالح. قال: اجتمعت أنا وابن شهاب ونحن نطلب العلم، فاجتمعنا على أن نكتب السنن، فكتبنا كل شيء سمعنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: نكتب ما جاء عن أصحابه، فقلت: ليس بسنة، فقال: بل هو سنة، فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت. الحميدي، عن سفيان قال: كان عمرو يحدث حديث صالح بن كيسان في نزول النبي -صلى الله عليه وسلم- الأبطح يعني: عن نافع مولى أبي قتادة، عن أبي قتادة، قال: ثم قدم صالح، فقال لنا عمرو: اذهبوا فسلوه عن هذا الحديث فذهبنا إليه، فسألناه. يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، قال: كان صالح بن كيسان مؤدب ابن شهاب، فربما ذكر صالح الشيء، فيرد عليه ابن شهاب، فيقول: حدثنا فلان، وحدثنا فلان بخلاف ما قال، فيقول له صالح: تكلمني وأنا أقمت أود لسانك.
عبد العزيز الأويسي: سمعت إبراهيم بن سعد، جئت صالح بن كيسان في منزله، وهو يكسر لهرة له يطعمها، ثم يفت لحمامات له أو لحمام يطعمه.
وهم الحاكم وهمين في قوله، فقال: مات زيد بن أبي أنيسة وهو ابن ثلاثين سنة، وصالح بن كيسان وهو ابن مائة ونيف وستين سنة، وكان قد لقي جماعة من الصحابة، ثم تلمذ بعد للزهري، وتلقن عنه العلم وهو ابن تسعين سنة، ابتدأ بالعلم وهو ابن سبعين سنة.(أعلام/1951)
والجواب: أن زيدا مات كهلا من أبناء أربعين سنة أو أكثر. وصالح عاش نيفا وثمانين سنة ما بلغ التسعين، ولو عاش كما زعم أبو عبد الله لعد في شباب الصحابة فإنه مدني، ولكان ابن نيف وثلاثين سنة وقت وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو طلب العلم كما قال الحاكم، وهو ابن سبعين سنة، لكان قد عاش بعدها نيفا وتسعين سنة، ولسمع من سعد بن أبي وقاص وعائشة، فتلاشى ما زعمه.
قال الواقدي: مات صالح بن كيسان بعد الأربعين والمائة وقبل مخرج محمد بن عبد الله بن حسن. قال: وكان ثقة كثير الحديث.(أعلام/1952)
صفوان بن أمية (م، 4)
ابن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، القرشي الجمحي المكي.
أسلم بعد الفتح، وروى أحاديث، وحسن إسلامه، وشهد اليرموك أميرا على كردوس.
ويقال: إنه وفد على معاوية، وأقطعه زقاق صفوان.
حدث عنه: ابنه عبد الله، وابن أخته حميد. وسعيد بن المسيب. وطاوس، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وعطاء بن أبي رباح ; وجماعة.
وكان من كبراء قريش. قتل أبوه مع أبي جهل.
مالك، عن ابن شهاب، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان: أن صفوان - يعني جده- قيل له: من لم يهاجر هلك. فقدم المدينة، فنام في المسجد، وتوسد رداءه، فجاء سارق، فأخذه. فأخذ صفوان السارق، فجاء به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأمر به أن يقطع. فقال صفوان: إني لم أرد هذا، هو عليه صدقة، قال: فهلا قبل أن تأتيني به.
محمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن صفوان بن عبد الله، عن أبيه، قال - يعني أباه-: أتيت، فقلت: يا رسول الله، من لم يهاجر هلك؟ قال: لا، يا أبا وهب، فارجع إلى أباطح مكة.
قلت: ثبت قوله، صلى الله عليه وسلم: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية.
وخرج الترمذي من حديث ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم أحد: اللهم العن أبا سفيان! اللهم العن الحارث بن هشام! اللهم العن صفوان بن أمية! .
فنزلت: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم فتاب عليهم، فأسلموا، فحسن إسلامهم.
قلت: أحسنهم إسلاما الحارث.(أعلام/1953)
وروى الزهري، عن بعض آل عمر، عن عمر: أنه لما كان يوم الفتح، أرسل رسول الله إلى صفوان بن أمية، وأبي سفيان، والحارث بن هشام. قال عمر: فقلت: لئن أمكنني الله منهم، لأعرفنهم. حتى قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: مثلي ومثلكم، كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم فانفضخت حياء من رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
مالك، عن ابن شهاب: بلغه أن نساء كن أسلمن، وأزواجهن كفار، منهن بنت الوليد بن المغيرة، وكانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم الفتح، وهرب هو. فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ابن عمه بردائه أمانا لصفوان، ودعاه إلى الإسلام وأن يقدم، فإن رضي أمرا ; وإلا سيره شهرين.
فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم- ناداه على رءوس الناس: يا محمد، هذا جاءني بردائك، ودعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت، وإلا سيرتني شهرين. فقال: انزل أبا وهب. فقال: لا والله حتى تبين لي. قال: لك تسيير أربعة أشهر.
فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قبل هوازن بحنين ; فأرسل إلى صفوان يستعيره أداة وسلاحا كان عنده. فقال: طوعا أو كرها؟ قال: لا، بل طوعا.
ثم خرج معه كافرا، فشهد حنينا والطائف كافرا، وامرأته مسلمة ; فلم يفرق بينهما حتى أسلم، واستقرت عنده بذلك النكاح.
وفي " مغازي " ابن عقبة: فر صفوان عامدا للبحر، وأقبل عمير بن وهب بن خلف، إلى رسول الله، فسأله أمانا لصفوان، وقال: قد هرب، وأخشى أن يهلك، وإنك قد أمنت الأحمر والأسود. قال: أدرك ابن عمك فهو آمن.
وعن ابن الزبير: أن صفوان أعار النبي - صلى الله عليه وسلم- مائة درع بأداتها، فأمره رسول الله بحملها إلى حنين، إلى أن رجع النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى الجعرانة.(أعلام/1954)
فبينا هو يسير ينظر إلى الغنائم، ومعه صفوان، فجعل ينظر إلى شعب ملأى نعما وشاء ورعاء ; فأدام النظر، ورسول الله يرمقه، فقال: أبا وهب، يعجبك هذا؟ قال: نعم. قال: هو لك. فقال: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي! أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
وروى الواقدي، عن رجاله: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- استقرض من صفوان بن أمية بمكة خمسين ألفا فأقرضه.
شريك، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، عن أمية بن صفوان، عن أبيه، أن النبي استعار منه أدرعا، فهلك بعضها. فقال: إن شئت، غرمتها لك؟ قال: لا، أنا أرغب في الإسلام من ذلك.
الزهري، عن ابن المسيب، عن صفوان، قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم- فأعطاني، فما زال يعطيني، حتى إنه لأحب الخلق إلي.
وعن أبي الزناد، قال: اصطف سبعة يطعمون الطعام، وينادون إليه كل يوم: عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة، وآباؤه.
وقيل: كان إلى صفوان الأزلام في الجاهلية، وكان سيد بني جمح.
وقال أبو عبيدة: قالوا: إن صفوان بن أمية قنطر في الجاهلية، إلى أن صار له قنطار من الذهب، وكذلك أبوه.
قال الهيثم، والمدائني: توفي سنة إحدى وأربعين.(أعلام/1955)
صفوان بن المعطل
ابن رحضة بن المؤمل. أبو عمرو السلمي، ثم الذكواني، المذكوربالبراءة من الإفك.
وفي قصة الإفك، قال فيه النبي، صلى الله عليه وسلم: ما علمت إلا خيرا.
وكان يسير في ساقة الجيش، فمر، فرأى سواد إنسان، فقرب، فإذا هو بأم المؤمنين عائشة، قد ذهبت لحاجتها، فانقطع لها عقد، فردت تفتش عليه، وحمل الناس، فحملوا هودجها يظنونها فيه، وكانت صغيرة، لها اثنا عشر عاما، وساروا، فردت إلى المنزلة، فلم تلق أحدا، فقعدت، وقالت: سوف يفقدونني. فلما جاء صفوان رآها، وكان يراها قبل الحجاب، وكان الحجاب قد نزل من نحو سنة. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! لم ينطق بغيرها. وأناخ بعيره، وركبها، وسار يقود بها، حتى لحق الناس نازلين في المضحى، فتكلم أهل الإفك، وجهلوا، حتى أنزل الله الآيات في براءتها، ولله الحمد.
وقال صفوان: إن كشفت كنف أنثى قط.
وقد روي له حديثان.
حدث عنه: سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وسعيد المقبري، وسلام أبو عيسى. وروايتهم عنه مرسلة، لم يلحقوه فيما أرى، إن كان مات سنة تسع عشرة.
قال ابن سعد: أسلم صفوان بن المعطل قبل المريسيع. وكان على ساقة النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى أن قال: مات بسميساط في آخر خلافة معاوية حدثني بذلك محمد بن عمر.
وقال خليفة: مات بناحية سميساط من الجزيرة، وقبره هناك.(أعلام/1956)
القواريري، وعلي بن حجر: حدثنا عبد الله بن جعفر المديني: أخبرنا محمد بن يوسف، عن عبد الله بن الفضل، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن صفوان بن المعطل السلمي، قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في سفر، فرمقت صلاته ليلة، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام، فلما كان نصف الليل، استنبه، فتلا العشر من آخر آل عمران، ثم نام، ثم قام، ثم تسوك، ثم توضأ، وصلى ركعتين، فلا أدري: أقيامه أم ركوعه أم سجوده كان أطول ; ثم انصرف، فنام، ثم استيقظ، فتلا ذلك العشر، ثم تسوك، وتوضأ، وصلى ركعتين.
قال: فلم يزل يفعل كما فعل أول مرة ; حتى صلى إحدى عشرة ركعة.
وبإسناد غير متصل في " تاريخ دمشق ": أن صفوان بن المعطل حمل بداريا على رجل من الروم عليه حلية الأعاجم، فطعنه، فصرعه، فصاحت امرأته، وأقبلت نحوه، فقال صفوان:
ولقد شهدت الخيل يسطع نقعها
ما بين داريا دمشق إلى نوى
فطعنت ذا حلي فصاحت عرسه
يا بن المعطل ما تريد بما أرى
فأجبتها أني سأترك بعلها
بالدير منعفر المضاحك بالثرى
وإذا عليه حلية فشهرتها
إني كذلك مولع بذوي الحلى
وفي " مسند " الهيثم بن كليب، من طريق عامر بن صالح بن رستم عن أبيه عن الحسن عن سعد مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال:
شكي صفوان بن المعطل إلى رسول الله، قال: وكان يقول هذا الشعر.
فقال: دعوا صفوان، فإنه خبيث اللسان طيب القلب.
وفيه، عن سعد، قال: وكنا في مسير لنا، ومعنا تمر، فجاءني صفوان بن المعطل، فقال: أطعمني من ذلك التمر. قلت: إنما هو تمر قليل، ولست آمن أن يدعو به - أظنه أراد النبي - صلى الله عليه وسلم- فإذا نزلوا، فأكلوا، أكلت معهم. قال: أطعمني، فقد أصابني الجهد. فلم يزل بي حتى أخذ السيف، فعقر الراحلة. فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: قولوا لصفوان: فليذهب.(أعلام/1957)
فلما نزلوا، لم يبت تلك الليلة، يطوف في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- حتى أتى عليا، فقال: أين أذهب؟ أذهب إلى الكفر! فدخل علي على رسول الله، فقال: إن هذا لم يدعنا نبيت هذه الليلة، قال: أين يذهب؟ إلى الكفر؟ قال: قولوا لصفوان: فليلحق. .
روى نحوه القواريري، عن سليم بن أخضر، عن ابن عون، عن الحسن، عن صاحب زاد النبي - صلى الله عليه وسلم- نحوه.
عروة، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- في قصة الإفك حمد الله، ثم قال: أما بعد: أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي، وايم الله إن علمت على أهلي من سوء قط، وأبنوهم بمن والله إن علمت عليه سوءا قط.
ابن يونس: أخبرنا يونس، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن صفوان بن المعطل، قال: ضرب حسان بن ثابت بالسيف في هجاء هجاه به، فأتى حسان النبي - صلى الله عليه وسلم- فاستعداه عليه. فلم يقده منه، وعقل له جرحه، وقال: إنك قلت قولا سيئا.
رواه معمر، فلم يذكر ابن المسيب.
قلت: الذي قاله حسان:
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا
وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
فغضب صفوان، وقال: يعرض بي! ووقف له ليلة، حتى مر حسان، فيضربه بالسيف ضربة كشط جلدة رأسه. فكلم النبي - صلى الله عليه وسلم- حسان، ورفق به، حتى عفا ; فأعطاه - صلى الله عليه وسلم- سيرين أخت مارية لعفوه، فولدت له ابنه عبد الرحمن.
وقد روي: أن صفوان شكته زوجته أنه ينام حتى تطلع الشمس. فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم- عن ذلك. فقال: إنا أهل بيت معروفون بذلك.
فهذا بعيد من حال صفوان أن يكون كذلك، وقد جعله النبي - صلى الله عليه وسلم- على ساقة الجيش: فلعله آخر باسمه.
قال الواقدي: مات صفوان بن المعطل سنة ستين بسميساط.
وقال خليفة: مات بالجزيرة. وكان على ساقة النبي - صلى الله عليه وسلم- وكان شاعرا.(أعلام/1958)
وقال ابن إسحاق: قتل في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة قال: وكان أحد الأمراء يومئذ.
قلت: فهذا تباين كثير في تاريخ موته، فالظاهر أنهما اثنان. والله أعلم.(أعلام/1959)
صفوان بن سليم (ع)
الإمام الثقة الحافظ الفقيه أبو عبد الله، وقيل: أبو الحارث القرشي الزهري المدني مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف.
حدث عن ابن عمر، وأنس، وأم سعد بنت عمرو الجمحية، وجابر بن عبد الله وعن حميد مولاه، وعطاء بن يسار، ونافع بن جبير بن مطعم، وطاوس، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن سلمة الأزرقي، وسلمان الأغر، والقاسم بن محمد، وأبي بسرة الغفاري (تابعي مجهول) وخلق سواهم.
وعنه يزيد بن أبي حبيب، وموسى بن عقبة، وابن جريج، وابن عجلان، ومالك، والليث، وعبد العزيز الدراوردي، والسفيانان، وخلق كثير آخرهم وفاة أبو ضمرة الليثي.
قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، عابدا، وقال ابن المديني: ثقة. وعن أحمد بن حنبل قال: من الثقات، يستشفى بحديثه، وينزل القطر من السماء بذكره. وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه: ثقة من خيار عباد الله الصالحين.
وقال أبو حاتم والعجلي والنسائي: ثقة.
وقال المفضل بن غسان: كان يقول بالقدر.
وقال يعقوب بن شيبة: ثبت ثقة مشهور بالعبادة، سمعت علي بن عبد الله يقول: كان صفوان بن سليم يصلي على السطح في الليلة الباردة لئلا يجيئه النوم.
إسحاق بن محمد، عن مالك بن أنس قال: كان صفوان بن سليم يصلي في الشتاء في السطح، وفي الصيف في بطن البيت، يتيقظ بالحر والبرد، حتى يصبح، ثم يقول: هذا الجهد من صفوان وأنت أعلم، وإنه لترم رجلاه حتى يعود كالسقط من قيام الليل، ويظهر فيه عروق خضر.
وروى محمد بن يزيد الآدمي، عن أنس بن عياض قال: رأيت صفوان بن سليم ولو قيل له: غدا القيامة، ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة.
وقال يعقوب بن محمد الزهري، عن عبد العزيز بن أبي حازم قال: عادلني صفوان بن سليم إلى مكة، فما وضع جنبه في المحمل حتى رجع.(أعلام/1960)
قال ابن عيينة: حج صفوان، فذهبت بمنى فسألت عنه، فقيل لي: إذا دخلت مسجد الخيف فأت المنارة، فانظر أمامها قليلا شيخا، إذا رأيته علمت أنه يخشى الله -تعالى- فهو صفوان بن سليم، فما سألت عنه أحدا حتى جئت كما قالوا، فإذا أنا بشيخ كما رأيته علمت أنه يخشى الله، فجلست إليه ; فقلت: أنت صفوان بن سليم؟ قال: نعم.
قال: وحج صفوان بن سليم وليس معه إلا سبعة دنانير فاشترى بها بدنة، فقيل له في ذلك، فقال: إني سمعت الله يقول: والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير.
محمد بن يعلى الثقفي، عن المنكدر بن محمد قال: كنا مع صفوان بن سليم في جنازة وفيها أبي وأبو حازم، وذكر نفرا من العباد، فلما صلي عليها، قال صفوان: أما هذا، فقد انقطعت عنه أعماله، واحتاج إلى دعاء من خلف بعده، قال: فأبكى والله القوم جميعا.
يعقوب بن محمد الزهري، عن أبي زهرة مولى بني أمية، سمعت صفوان بن سليم يقول: في الموت راحة للمؤمن من شدائد الدنيا، وإن كان ذا غصص وكرب، ثم ذرفت عيناه.
قدامة بن محمد الخشرمي، عن محمد بن صالح التمار قال: كان صفوان بن سليم يأتي البقيع في الأيام فيمر بي، فاتبعته ذات يوم، وقلت: لأنظرن ما يصنع، فقنع رأسه، وجلس إلى قبر منها، فلم يزل يبكي حتى رحمته، وظننت أنه قبر بعض أهله، ومر بي مرة أخرى، فاتبعته، فقعد إلى جنب قبر غيره، ففعل مثل ذلك. فذكرت ذلك لمحمد بن المنكدر، وقلت: إنما ظننت أنه قبر بعض أهله، فقال محمد: كلهم أهله وإخوته، إنما هو رجل يحرك قلبه بذكر الأموات كلما عرضت له قسوة. قال: ثم جعل محمد يمر بي، فيأتي البقيع، فسلمت عليه ذات يوم، فقال: أما نفعك موعظة صفوان؟ فظننت أنه انتفع بما ألقيت إليه منها.(أعلام/1961)
قال أبو غسان النهدي: سمعت سفيان بن عيينة وأعانه على الحديث أخوه، قال: حلف صفوان ألا يضع جنبه بالأرض حتى يلقى الله. فمكث على ذلك أكثر من ثلاثين عاما، فلما حضرته الوفاة، واشتد به النزع والعلز وهو جالس، فقالت ابنته: يا أبة لو وضعت جنبك، فقال: يا بنية إذا ما وفيت لله بالنذر والحلف، فمات، وإنه لجالس.
قال سفيان: فأخبرني الحفار الذي يحفر قبور أهل المدينة، قال: حفرت قبر رجل، فإذا أنا قد وقعت على قبر فوافيت جمجمة، فإذا السجود قد أثر في عظام الجمجمة، فقلت لإنسان: قبر من هذا؟ فقال: أوما تدري؟ هذا قبر صفوان بن سليم.
وروى سهل بن عاصم، عن محمد بن منصور قال: قال صفوان بن سليم: أعطي الله عهدا أن لا أضع جنبي على فراش حتى ألحق بربي، فبلغني أن صفوان عاش بعد ذلك أربعين سنة لم يضع جنبه، فلما نزل به الموت، قيل له: رحمك الله ألا تضطجع؟ قال: ما وفيت لله بالعهد إذا، فأسند، فما زال كذلك حتى خرجت نفسه. قال: ويقول أهل المدينة: إنه بقيت جبهته من كثرة السجود.(أعلام/1962)
وقال ابن أبي حازم: دخلت مع أبي على صفوان وهو في مصلاه، فما زال به أبي حتى رده إلى فراشه، فأخبرته مولاته قالت: ساعة خرجتم مات. وروى كثير بن يحيى، عن أبيه قال: قدم سليمان بن عبد الملك المدينة، وعمر بن عبد العزيز عامل عليها، قال: فصلى بالناس بالظهر، ثم فتح باب المقصورة، واستند إلى المحراب، واستقبل الناس بوجهه، فنظر إلى صفوان بن سليم، فقال لعمر: من هذا؟ ما رأيت أحسن سمتا منه. قال: صفوان، قال: يا غلام كيس فيه خمسمائة دينار فأتاه به، فقال لخادمه: اذهب بها إلى ذلك القائم، فأتى حتى جلس إلى صفوان وهو يصلي، ثم سلم، فأقبل عليه، فقال: ما حاجتك؟ قال: يقول أمير المؤمنين: استعن بهذه على زمانك وعيالك، فقال صفوان: لست الذي أرسلت إليه، قال: ألست صفوان بن سليم؟ قال: بلى. قال: فإليك أرسلت، قال: اذهب فاستثبت، فولى الغلام، وأخذ صفوان نعليه وخرج، فلم ير بها حتى خرج سليمان من المدينة.
قال الواقدي وابن سعد وخليفة وابن نمير وعدة: مات صفوان سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
قال أبو حسان الزيادي: عاش اثنتين وسبعين سنة. وعن ابن عيينة قال: آلى صفوان أن لا يضع جنبه إلى الأرض حتى يلقى الله تعالى.(أعلام/1963)
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر بسفح قاسيون، أنبأنا المؤيد بن محمد الطوسي إجازة، أنبأنا هبة الله بن سهل، أنبأنا أبو عثمان سعيد بن محمد البحيري، أنبأنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه، أنبأنا إبراهيم بن عبد الصمد، حدثنا أبو مصعب أحمد بن بكر الزهري، أنبأنا مالك، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: غسل الجمعة واجب على كل محتلم أخرجه مسلم وأبو داود، عن أصحاب مالك، ورواه النسائي عن هارون بن عبد الله الحمال، عن الحسن بن سوار، عن الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي بكر بن المنكدر، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه -رضي الله عنه-. فاعتبار العدد كأن شيخنا رواه بالإجازة، عن النسائي. ولله المنة.(أعلام/1964)
صفوان بن صالح (د، ت، س)
ابن صفوان بن دينار الحافظ المحدث الثقة، مؤذن جامع دمشق، أبو عبد الملك الثقفي مولاهم الدمشقي.
سمع سفيان بن عيينة، ومروان بن معاوية، والوليد بن مسلم، وسويد بن عبد العزيز، ووكيع بن الجراح، ومحمد بن شعيب، وطبقتهم.
حدث عنه: أبو داود، وبواسطة الترمذي، والنسائي، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو زرعة النصري، وأحمد بن أنس بن مالك، وأحمد بن المعلى، وجعفر الفريابي، ومحمد بن الحسن بن قتيبة، وآخرون.
مولده في سنة ثمان أو تسع وستين ومائة.
قال عمرو بن دحيم: مات في ربيع الأول سنة تسع وثلاثين ومائتين.
وثقه أبو عيسى الترمذي.
وقال سلم بن معاذ: قلت لسليمان بن عبد الرحمن: إن صفوان بن صالح يأبى أن يحدثنا، قال: فدخل صفوان، فسلم عليه، فقال سليمان: بلغني أنك تأبى أن تحدث؟ فقال: يا أبا أيوب، منعنا السلطان.
قال: ويحك حدث ; فإنه بلغني أن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء في الجنة، كما يحتاجون إليهم في الدنيا. فحدث لعلك أن تكون منهم، فحدثنا صفوان. وقد ذكر أبو زرعة الرازي إبراهيم بن موسى الفراء الحافظ، فقال: هو أحفظ من صفوان بن صالح. فما قال أبو زرعة هذا، وقرن بينهما إلا لاشتراكهما في الحفظ.(أعلام/1965)
صفوان بن عمرو (م، 4، تخ)
ابن هرم، الإمام المحدث، الحافظ أبو عمرو السكسكي، الحمصي، محدث حمص مع حريز بن عثمان.
حدث عن عبد الله بن بسر المازني وأمه أم هجرس بنت عوسجة المقرائي - وجبير بن نفير، وراشد بن سعد، وخالد بن معدان، وعبد الرحمن بن عائد الثمالي، وأيفع بن عبد الكلاعي، وحجر بن مالك الكندي، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، وعبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي، وعقيل بن مدرك الخولاني، وعكرمة مولى ابن عباس، وسليم بن عامر الخبائري، وأبي اليمان عامر بن عبد الله بن لحي الهوزني، وحوشب بن سيف السكسكي، ويزيد بن خمير الرحبي، وخلق كثير غير مشهورين.
حدث عنه: معاوية بن صالح الحضرمي وإسماعيل بن عياش، وعيسى بن يونس، وبقية بن الوليد، وابن المبارك، والوليد بن مسلم، ومحمد بن حمير، ومروان بن سالم، وأبو المغيرة الخولاني، وأبو اليمان، ويحيى البابلتي، وخلق سواهم.
قال أحمد: ليس به بأس. وقال ابن المديني: كان عند يحيى القطان أرفع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر.
وقال أبو حاتم: سألت يحيى بن معين عنه، فأثنى عليه خيرا. وقال الفلاس: ثبت في الحديث. وقال ابن سعد: كان ثقة، مأمونا. قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لدحيم: من الثبت بحمص؟ قال: صفوان، وحريز، وبحير، وثور، وأرطاة.
روى أبو اليمان، عن صفوان قال: أدركت من خلافة عبد الملك، وخرجنا في زحف كان بحمص، وعلينا أيفع بن عبد، سنة أربع وتسعين. قال يزيد بن عبد ربه، وغيره: مات سنة خمس وخمسين ومائة. وقال الوليد بن عتبة: مات وقد جاوز الثمانين. فحدثني أبو اليمان أنه مات قبل الأوزاعي. وقال أحمد بن محمد بن عيسى، صاحب تاريخ حمص: مات وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، في سنة خمس وخمسين. أدرك أبا أمامة. وقال سليمان بن سلمة الخبائري: مات سنة ثمان وخمسين ومائة.(أعلام/1966)
الطبراني: حدثنا أبو شعيب، حدثنا يحيى البابلتي عن صفوان بن عمرو، عن عبد الله بن بسر -رضي الله عنه- قال: قال أبي لأمي: لو صنعت طعاما لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصنعت ثريدة، فانطلق أبي، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوضع النبي -صلى الله عليه وسلم- يده على ذروتها، وقال: خذوا بسم الله، فأخذوا من نواحيها فلما طعموا قال: اللهم ارحمهم، واغفر لهم، وبارك لهم في رزقهم.
قال دحيم: صفوان أكبر من حريز، وقدمه وأثنى عليه. وقال أبو حاتم: ثقة. وقال الدارقطني: يعتبر به.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا محمد بن عمر، وأبو غالب محمد بن علي، ومحمد بن أحمد الطرائفي قالوا: أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد، أنبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن، حدثنا جعفر بن محمد، حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي، حدثنا بقية، حدثني صفوان بن عمرو، حدثني سليم بن عامر، حدثني جبير بن نفير، أنه سمع أبا الدرداء، وهو في آخر صلاته، وقد فرغ من التشهد، يتعوذ بالله من النفاق. فأكثر التعوذ منه. فقال جبير: وما لك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟ ! فقال: دعنا عنك، دعنا عنك. فوالله إن الرجل ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه. إسناده صحيح.
ومن النفاق الأصغر الرجل يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا، ولا يظن أنها تبلغ ما بلغت يهوي بها في النار سبعين خريفا.
وأما النفاق الأكبر، وإن كان الرجل يعلم من نفسه أنه مسلم، فعليه أن يتعوذ بالله من النفاق والشرك، فإنه لا يدري بما يختم له، فربما أصبح مؤمنا وأمسى كافرا، نعوذ بوجه الله الكريم من ذلك.(أعلام/1967)
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أنبأنا أبو طاهر السلفي، أنبأنا أبو منصور محمد بن أحمد المقرئ، حدثنا أبو القاسم بن بشران، أنبأنا أبو سهل بن زياد، حدثنا عبد الكريم بن الهيثم، حدثنا أبو اليمان، حدثنا صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما، وعنده نفر من قريش: ألا إنكم ولاة هذا الأمر من بعدي، فلا أعرفني ما شققتم على أمتي من بعدي. اللهم من شق على أمتي، فشق عليه مرسل جيد.(أعلام/1968)
صفوان بن عيسى (م، 4)
الإمام المحدث أبو محمد الزهري البصري القسام.
حدث عن يزيد بن أبي عبيد، وابن عجلان، وثور بن يزيد، ومعمر بن راشد، وجماعة.
وعنه أحمد بن حنبل، وابن راهويه، وأبو حفص الفلاس، وأبو قدامة السرخسي، ومحمد بن يحيى الذهلي، وآخرون.
قال محمد بن سعد: كان ثقة صالحا.
وقال البخاري: مات سنة ثمان وتسعين ومائة وقيل: توفي سنة مائتين.(أعلام/1969)
صفية أم المؤمنين (ع)
بنت حيي بن أخطب بن سعية، من سبط اللاوي بن نبي الله إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلام. ثم من ذرية رسول الله هارون - عليه السلام.
تزوجها قبل إسلامها: سلام بن أبي الحقيق، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق، وكانا من شعراء اليهود، فقتل كنانة يوم خيبر عنها، وسبيت، وصارت في سهم دحية الكلبي؛ فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم عنها؛ وأنها لا ينبغي أن تكون إلا لك، فأخذها من دحية، وعوضه عنها سبعة أرؤس.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما طهرت، تزوجها، وجعل عتقها صداقها.
حدث عنها: علي بن الحسين، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث، وكنانة مولاها، وآخرون.
وكانت شريفة عاقلة، ذات حسب، وجمال، ودين رضي الله عنها.
قال أبو عمر بن عبد البر: روينا أن جارية لصفية أتت عمر بن الخطاب، فقالت: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود، فبعث عمر يسألها، فقالت: أما السبت، فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة؛ وأما اليهود، فإن لي فيهم رحما، فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: الشيطان: قالت: فاذهبي، فأنت حرة.
وقد مر في المغازي: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بها، وصنعتها له أم سليم، وركبها وراءه على البعير، وحجبها، وأولم عليها، وأن البعير تعس بهما، فوقعا، وسلمهما الله - تعالى.
وفي جامع أبي عيسى، من طريق هاشم بن سعيد الكوفي: حدثنا كنانة: حدثتنا صفية بنت حيي، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام، فذكرت له ذلك، فقال: ألا قلت: وكيف تكونان خيرا مني، وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى وكان بلغها، أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها، نحن أزواجه، وبنات عمه.(أعلام/1970)
قال ثابت البناني: حدثتني سمية - أو شميسة - عن صفية بنت حيي: أن النبي صلى الله عليه وسلم حج بنسائه، فبرك بصفية جملها؛ فبكت، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبروه، فجعل يمسح دموعها بيده، وهي تبكي، وهو ينهاها، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس؛ فلما كان عند الرواح، قال لزينب بنت جحش: أفقري أختك جملا - وكانت من أكثرهن ظهرا - فقالت: أنا أفقر يهوديتك! .
فغضب صلى الله عليه وسلم، فلم يكلمها، حتى رجع إلى المدينة، ومحرم وصفر؛ فلم يأتها، ولم يقسم لها، ويئست منه.
فلما كان ربيع الأول دخل عليها؛ فلما رأته، قالت: يا رسول الله، ما أصنع؟ قال: وكانت لها جارية تخبؤها من رسول الله، فقالت: هي لك. قال: فمشى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سريرها، وكان قد رفع، فوضعه بيده، ورضي عن أهله.
الحسين بن الحسن: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مالك بن مالك، عن صفية بنت حيي، قالت: قلت: يا رسول الله، ليس من نسائك أحد إلا ولها عشيرة؛ فإن حدث بك حدث، فإلى من ألجأ؟ قال: إلى علي رضي الله عنه.
هذا غريب.
قيل: توفيت سنة ست وثلاثين وقيل: توفيت سنة خمسين.
وكانت صفية ذات حلم، ووقار.
معن، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم: أن نبي الله في وجعه الذي توفي فيه، قالت صفية بنت حيي: والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي، فغمزها أزواجه؛ فأبصرهن، فقال: مضمضن. قلن: من أي شيء؟ قال: من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة.
سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: قالت صفية: رأيت كأني، وهذا الذي يزعم أن الله أرسله، وملك يسترنا بجناحيه. قال: فردوا عليها رؤياها، وقالوا لها في ذلك قولا شديدا.(أعلام/1971)
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم صفية من دحية بسبعة أرؤس، ودفعها إلى أم سليم، حتى تهيئها، وتصنعها، وتعتد عندها، فكانت وليمته: السمن، والأقط، والتمر؛ وفحصت الأرض أفاحيص، فجعل فيها الأنطاع، ثم جعل ذلك فيها.
عبد العزيز بن المختار، عن يحيى بن أبي إسحاق، قال لي أنس: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبو طلحة، وصفية رديفته، فعثرت الناقة، فصرع، وصرعت، فاقتحم أبو طلحة عن راحلته، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا نبي الله، هل ضرك شيء؟ قال: لا، عليك بالمرأة، فألقى أبو طلحة ثوبه على وجهه، وقصد نحوها، فنبذ الثوب عليها، فقامت، فشدها على راحلته؛ فركبت، وركب النبي صلى الله عليه وسلم -.
ابن جريج، عن زياد بن إسماعيل، عن سليمان بن عتيق، عن جابر: أن صفية لما أدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فسطاطه، حضرنا، فقال: قوموا عن أمكم، فلما كان العشي حضرنا، ونحن نرى أن ثم قسما، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي طرف ردائه نحو من مد ونصف من تمر عجوة، فقال: كلوا من وليمة أمكم.
زياد ضعيف.
أحمد بن محمد الأ زرقي: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن ابن عمر، قال: لما اجتلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية، رأى عائشة متنقبة في وسط النساء، فعرفها، فأدركها، فأخذ بثوبها، فقال: يا شقيراء، كيف رأيت؟ قالت: رأيت يهودية بين يهوديات.
وعن عطاء بن يسار، قال: لما قدم رسول الله من خيبر، ومعه صفية، أنزلها، فسمع بجمالها نساء الأنصار، فجئن ينظرن إليها، وكانت عائشة متنقبة حتى دخلت، فعرفها، فلما خرجت، خرج، فقال: كيف رأيت؟ قالت: رأيت يهودية. قال: لا تقولي هذا، فقد أسلمت.(أعلام/1972)
مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن ابن المسيب، قال: قدمت صفية، وفي أذنيها خرصة من ذهب، فوهبت لفاطمة منه، ولنساء معها.
الحسن بن موسى الأشيب: حدثنا زهير: حدثنا كنانة، قال: كنت أقود بصفية لترد عن عثمان، فلقيها الأشتر، فضرب وجه بغلتها حتى مالت؛ فقالت: ذروني، لا يفضحني هذا! ثم وضعت خشبا من منزلها إلى منزل عثمان، تنقل عليه الماء والطعام.
الواقدي: حدثنا محمد بن موسى، عن عمارة بن المهاجر، عن آمنة بنت قيس الغفارية، قالت: أنا إحدى النساء اللائي زففن صفية يوم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعتها تقول: ما بلغت سبع عشرة سنة يوم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقبرها بالبقيع.
وقد أوصت بثلثها لأخ لها يهودي، وكان ثلاثين ألفا.
ورد لها من الحديث عشرة أحاديث، منها واحد متفق عليه.(أعلام/1973)
صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بنت عبد المطلب، الهاشمية. وهي شقيقة حمزة، وأم حواري النبي صلى الله عليه وسلم: الزبير. وأمها من بني زهرة.
تزوجها الحارث، أخو أبي سفيان بن حرب؛ فتوفي عنها.
وتزوجها العوام. أخو سيدة النساء خديجة بنت خويلد، فولدت له: الزبير، [والسائب] وعبد الكعبة.
والصحيح: أنه ما أسلم من عمات النبي صلى الله عليه وسلم سواها.
ولقد وجدت على مصرع أخيها حمزة، وصبرت، واحتسبت.
وهي من المهاجرات الأول وما أعلم هل أسلمت مع حمزة أخيها، أو مع الزبير ولدها؟ .
وقد كانت يوم الخندق في حصن حسان بن ثابت. قالت: وكان حسان معنا في الذرية، فمر بالحصن يهودي، فجعل يطيف بالحصن والمسلمون في نحور عدوهم. . . .
ثم ساقت الحديث، وأنها نزلت، وقتلت اليهودي بعمود.
فروى هشام، عن أبيه، عنها، قالت: أنا أول امرأة قتلت رجلا: كان حسان معنا، فمر بنا يهودي، فجعل يطيف بالحصن؛ فقلت لحسان: إن هذا لا آمنه أن يدل على عورتنا؛ فقم فاقتله.
قال: يغفر الله لك! لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، فاحتجزت، وأخذت عمودا، ونزلت، فضربته، حتى قتلته.
توفيت صفية في سنة عشرين ودفنت بالبقيع. ولها بضع وسبعون سنة.
وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لما نزلت: وأنذر عشيرتك الأقربين قام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئا؛ سلوني من مالي ما شئتم.
ذكر أولاد - صفية رضي الله عنها -:
ولدت صفية: الزبير، والسائب، وعبد الكعبة، بني العوام. وهي القائلة تندب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عين جودي بدمعة وسهود
واندبي خير هالك مفقود
واندبي المصطفى بحزن شديد
خالط القلب فهو كالمعمود
كدت أقضي الحياة لما أتاه
قدر خط في كتاب مجيد(أعلام/1974)
فلقد كان بالعباد رؤوفا
ولهم رحمة، وخير رشيد
رضي الله عنه حيا، وميتا
وجزاه الجنان يوم الخلود
فهذا مما أورد لصفية، فالله أعلم بصحته.(أعلام/1975)
صلاح الدين وبنوه
السلطان الكبير، الملك الناصر صلاح الدين، أبو المظفر، يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب، الدويني ثم التكريتي المولد.
ولد في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة إذ أبوه نجم الدين متولي تكريت نيابة.
ودوين: بليدة بطرف أذربيجان من جهة أران والكرج، أهلها أكراد هذبانية.
سمع من أبي طاهر السلفي، والفقيه علي ابن بنت أبي سعد، وأبي الطاهر بن عوف، والقطب النيسابوري. وحدث.
وكان نور الدين قد أمره، وبعثه في عسكره مع عمه أسد الدين شيركوه، فحكم شيركوه على مصر، فما لبث أن توفي، فقام بعده صلاح الدين، ودانت له العساكر، وقهر بني عبيد، ومحا دولتهم، واستولى على قصر القاهرة بما حوى من الأمتعة والنفائس، منها الجبل الياقوت الذي وزنه سبعة عشر درهما ; قال مؤلف " الكامل " ابن الأثير: أنا رأيته ووزنته
وخلا القصر من أهله وذخائره، وأقام الدعوة العباسية. وكان خليقا للإمارة، مهيبا، شجاعا حازما، مجاهدا كثير الغزو، عالي الهمة، كانت دولته نيفا وعشرين سنة.
وتملك بعد نور الدين، واتسعت بلاده. ومنذ تسلطن، طلق الخمر واللذات، وأنشأ سورا على القاهرة ومصر وبعث أخاه شمس الدين في سنة ثمان وستين، فافتتح برقة، ثم افتتح اليمن، وسار صلاح الدين، فأخذ دمشق من ابن نور الدين.
وفي سنة إحدى وسبعين حاصر عزاز ووثبت عليه الباطنية، فجرحوه.
وفي سنة ثلاث كسرته الفرنج على الرملة، وفر في جماعة، ونجا.
وفي سنة خمس التقاهم وكسرهم.
وفي سنة ست أمر ببناء قلعة الجبل.
وفي سنة ثمان عدى الفرات، وأخذ حران، وسروج، والرقة، والرها، وسنجار، والبيرة، وآمد، ونصيبين، وحاصر الموصل، ثم تملك حلب، وعوض عنها صاحبها زنكي بسنجار، ثم إنه حاصر الموصل ثانيا وثالثا، ثم صالحه صاحبها عز الدين مسعود، ثم أخذ شهرزور والبوازيج.(أعلام/1976)
وفي سنة ثلاث وثمانين فتح طبرية، ونازل عسقلان، ثم كانت وقعة " حطين " بينه وبين الفرنج، وكانوا أربعين ألفا، فحال بينهم وبين الماء على تل، وسلموا نفوسهم، وأسرت ملوكهم، وبادر، فأخذ عكا وبيروت وكوكب، وسار فحاصر القدس، وجد في ذلك فأخذها بالأمان.
وسار عسكر لابن أخيه تقي الدين عمر فأخذوا أوائل المغرب، وخطبوا بها لبني العباس.
ثم إن الفرنج قامت قيامتهم على بيت المقدس، وأقبلوا كقطع الليل المظلم برا وبحرا وأحاطوا بعكا ليستردوها وطال حصارهم لها، وبنوا على نفوسهم خندقا، فأحاط بهم السلطان، ودام الحصار لهم وعليهم نيفا وعشرين شهرا، وجرى في غضون ذلك ملاحم وحروب تشيب النواصي، وما فكوا حتى أخذوها، وجرت لهم وللسلطان حروب وسير. وعندما ضرس الفريقان، وكل الحزبان، تهادن الملتان.
وكانت له همة في إقامة الجهاد، وإبادة الأضداد ما سمع بمثلها لأحد في دهر.
قال ابن واصل في حصار عزاز كانت لجاولي خيمة كان السلطان يحضر فيها، ويحض الرجال، فحضر باطنية في زي الأجناد، فقفز عليه واحد ضربه بسكين لولا المغفر الزرد الذي تحت القلنسوة، لقتله فأمسك السلطان يد الباطني بيديه، فبقي يضرب في عنق السلطان ضربا ضعيفا، والزرد تمنع، وبادر الأمير بازكوج، فأمسك السكين، فجرحته، وما سيبها الباطني حتى بضعوه، ووثب آخر، فوثب عليه ابن منكلان، فجرحه الباطني في جنبه، فمات، وقتل الباطني، وقفز ثالث، فأمسكه الأمير علي بن أبي الفوارس، فضمه تحت إبطه فطعنه صاحب حمص فقتله، وركب السلطان إلى مخيمه، ودمه يسيل على خده، واحتجب في بيت خشب، وعرض جنده، فمن أنكره، أبعده.(أعلام/1977)
قال الموفق عبد اللطيف: أتيت، وصلاح الدين بالقدس، فرأيت ملكا يملأ العيون روعة، والقلوب محبة، قريبا بعيدا، سهلا محببا، وأصحابه يتشبهون به، يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا وأول ليلة حضرته وجدت مجلسه حفلا بأهل العلم يتذاكرون، وهو يحسن الاستماع والمشاركة، ويأخذ في كيفية بناء الأسوار، وحفر الخنادق، ويأتي بكل معنى بديع، وكان مهتما في بناء سور بيت المقدس وحفر خندقه، ويتولى ذلك بنفسه، وينقل الحجارة على عاتقه، ويتأسى به الخلق حتى القاضي الفاضل، والعماد إلى وقت الظهر، فيمد السماط، ويستريح، ويركب العصر، ثم يرجع في ضوء المشاعل، قال له صانع: هذه الحجارة التي تقطع من أسفل الخندق رخوة، قال: كذا تكون الحجارة التي تلي القرار والنداوة، فإذا ضربتها الشمس، صلبت. وكان يحفظ " الحماسة "، ويظن أن كل فقيه يحفظها، فإذا أنشد، وتوقف، استطعم فلا يطعم، وجرى له ذلك مع القاضي الفاضل، لم يكن يحفظها، وخرج، فما زال حتى حفظها، وكتب لي صلاح الدين بثلاثين دينارا في الشهر، وأطلق أولاده لي رواتب، فأشغلت بجامع دمشق.
وكان أبوه ذا صلاح، لم يكن صلاح الدين بأكبر أولاده.
وكان صلاح الدين شحنة دمشق، فكان يشرب الخمر، ثم تاب، وكان محببا إلى نور الدين يلاعبه بالكرة.
وكانت وقعته بمصر مع السودان، وكانوا نحو مائتي ألف، فنصر عليهم، وقتل أكثرهم. وفي هذه الأيام استولى ملك الخزر على دوين، وقتل من المسلمين ثلاثين ألفا.
حم صلاح الدين، ففصده من لا خبرة له، فخارت القوة، ومات، فوجد الناس عليه شبيها بما يجدونه على الأنبياء، وما رأيت ملكا حزن الناس لموته سواه، لأنه كان محببا، يحبه البر والفاجر، والمسلم والكافر، ثم تفرق أولاده وأصحابه أيادي سبأ، وتمزقوا. ولقد صدق العماد في مدحه حيث يقول:
وللناس بالملك الناصر الصلا(أعلام/1978)
ح صلاح ونصر كبير
هو الشمس أفلاكه في البلا
د ومطلعه سرجه والسرير
إذا ما سطا أو حبا واحتبى
فما الليث من حاتم ما ثبير
قال ابن خلكان بلغني أن صلاح الدين قدم به أبوه وهو رضيع، فناب أبوه ببعلبك إلى آخذها أتابك زنكي وقيل: إنهم خرجوا من تكريت في ليلة مولد صلاح الدين، فتطيروا به، فقال شيركوه أو غيره: لعل فيه الخير وأنتم لا تعلمون. إلى أن قال وكان شيركوه أرفع منزلة عند نور الدين، فإنه كان مقدم جيوشه.
وولي صلاح الدين وزارة العاضد، وكانت كالسلطنة فولي بعد عمه سنة 564، ثم مات العاضد سنة 67، فاستقل بالأمر مع مداراة نور الدين ومراوغته، فإن نور الدين عزم على قصد مصر ; ليقيم غير صلاح الدين، ثم فتر، ولما مات نور الدين، أقبل صلاح الدين ليقيم نفسه أتابكا لولد نور الدين، فدخل البلد بلا كلفة، واستولى على الأمور في ربيع الأول سنة سبعين، ونزل بدار العقيقي، ثم تسلم القلعة، وشال الصبي من الوسط ثم سار، فأخذ حمص، ثم نازل حلب، وهي الوقعة الأولى، فجهز السلطان غازي من الموصل أخاه عز الدين مسعودا في جيش، فرحله، وقدم حمص، فأقبل مسعود ومعه الحلبيون، فالتقوا على قرون حماة، فانهزم مسعود، وأسر أمراؤه، وساق صلاح الدين، فنازل حلب ثانيا، فصالحوه ببذل المعرة وكفر طاب، وبلغ غازيا كسرة أهله وأخيه، فعبر الفرات، وقدم حلب، فتلقاه ابن عمه الملك الصالح، ثم التقوا هم وصلاح الدين، فكانت وقعة " تل السلطان "، ونصر صلاح الدين أيضا، ورجع صاحب الموصل. ثم أخذ صلاح الدين منبج وعزاز، ونازل حلب ثالثا، فأخرجوا إليه بنت نور الدين، فوهبها عزاز. ورد إلى مصر، واستناب على دمشق أخاه صاحب اليمن تورانشاه، ثم خرج من مصر سنة ثلاث وسبعين، فالتقى الفرنج، فانكسر.(أعلام/1979)
ثم في سنة تسع وسبعين نازل حلب، وأخذها، وعوض عنها عماد الدين زنكي بسنجار وسروج، ورتب بحلب ولده الملك الظاهر. ثم حاصر الكرك، وجاءت إمدادات الفرنج.
وفي شعبان سنة إحدى وثمانين نازل صلاح الدين الموصل، وترددت الرسل بينه وبين صاحبها عز الدين، وتمرض، وتأخر إلى حران، واشتد مرضه، وحلفوا لأولاده بأمره وأوصى عليهم أخاه العادل ثم مر بحمص، وقد مات صاحبها ناصر الدين محمد ابن عمه، فأعطاها لولده المجاهد شيركوه وله ثنتا عشرة سنة.
وفي سنة ثلاث وثمانين افتتح صلاح الدين بلاد الفرنج، وقهرهم، وأباد خضراءهم، وأسر ملوكهم على " حطين ". وكان قد نذر أن يقتل أرناط صاحب الكرك، فأسره يومئذ، كان قد مر به قوم من مصر في حال الهدنة، فغدر بهم، فناشدوه الصلح، فقال ما فيه استخفاف بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وقتلهم، فاستحضر صلاح الدين الملوك، ثم ناول الملك جفري شربة جلاب ثلج، فشرب، فناول أرناط، فشرب، فقال السلطان للترجمان: قل لجفري: أنت الذي سقيته، وإلا أنا فما سقيته، ثم استحضر البرنس أرناط في مجلس آخر، وقال: أنا أنتصر لمحمد -صلى الله عليه وسلم- منك، ثم عرض عليه الإسلام، فأبى، فحل كتفه بالنيمجاه. وافتتح عامه ما لم يفتحه ملك، وطار صيته في الدنيا، وهابته الملوك.
ثم وقع النوح والمأتم في جزائر البحر وإلى رومية، ونودي بالنفير إلى نصرة الصليب، فأتى السلطان من عساكر الفرنج ما لا قبل له به، وأحاطوا بعكا.(أعلام/1980)
وقال آخر: أول فتوحاته الإسكندرية في سنة اثنتين وستين، وقاتل معه أهلها لما حاصرتهم الفرنج أربعة أشهر، ثم كشفهم عنه عمه أسد الدين، فتركها، وقدما الشام. ثم تملك وزارة العاضد، واستتب له الأمر، وأباد آل عبيد وعبيدهم، وتملك دمشق ثم حمص، وحماة، وحلب، وآمد، وميافارقين، وعدة بلاد بالجزيرة. وديار بكر. وبعث أخاه، فافتتح له اليمن، وسار بعض عسكره. فافتتح له بعض المغرب، ولم يزل سلطانه في ارتقاء إلى أن كسر الفرنج نوبة حطين. ثم افتتح عكا، وبيروت، وصيدا، ونابلس، وقيسارية، وصفورية، والشقيف، والطور، وحيفا، وطبرية، وتبنين، وجبيل، وعسقلان، وغزة، والقدس، وحاصر صور مدة، وافتتح أنطرطوس، وهونين، وكوكب، وجبلة، واللاذقية، وصهيون، وبلاطنس والشغر، وبكاس، وسرمانية، وبرزية ودربسان وبغراس، ثم هادن برنس أنطاكية، ثم افتتح الكرك بالأمان والشوبك وصفد وشقيف أرنون وحضر عدة وقعات.
وخلف من الأولاد: صاحب مصر الملك العزيز عثمان، وصاحب حلب الظاهر غازيا، وصاحب دمشق الأفضل عليا، والملك المعز فتح الدين إسحاق، والملك المؤيد مسعودا، والملك الأعز يعقوب، والملك المظفر خضرا، والملك الزاهر مجير الدين داود، والملك المفضل قطب الدين موسى، والملك الأشرف عزيز الدين محمدا، والملك المحسن جمال المحدثين ظهير الدين أحمد، والمعظم فخر الدين تورانشاه، والملك الجواد ركن الدين أيوب، والملك الغالب نصير الدين ملكشاه، وعماد الدين شاذي، ونصرة الدين مروان، والملك المظفر أبا بكر، والسيدة مؤنسة زوجة الملك الكامل.
وحدث عنه: يونس الفارقي، والقاضي العماد الكاتب.
مرض بحمى صفراوية، واحتد المرض، وحدث به في التاسع رعشة وغيبة، ثم حقن مرتين، فاستراح، وسرب، ثم عرق حتى نفذ من الفراش، وقضى في الثاني عشر.(أعلام/1981)
توفي بقلعة دمشق بعد الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة.
محاسن صلاح الدين جمة، لا سيما الجهاد، فله فيه اليد البيضاء ببذل الأموال والخيل المثمنة لجنده. وله عقل جيد، وفهم، وحزم، وعزم.
قال العماد: أطلق في مدة حصار عكا اثني عشر ألف فرس. قال: وما حضر اللقاء إلا استعار فرسا، ولا يلبس إلا ما يحل لبسه كالكتان والقطن، نزه المجالس من الهزل، ومحافله آهلة بالفضلاء، ويؤثر سماع الحديث بالأسانيد، حليما، مقيلا للعثرة، تقيا نقيا، وفيا صفيا، يغضي ولا يغضب، ما رد سائلا، ولا خجل قائلا، كثير البر والصدقات، أنكر علي تحلية دواتي بفضة، فقلت: في جوازه وجه ذكره أبو محمد الجويني. وما رأيته صلى إلا في جماعة.
قلت: وحضر وفاته القاضي الفاضل.
وذكر أبو جعفر القرطبي إمام الكلاسة إنني انتهيت في القراءة إلى قوله تعالى: هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة فسمعت صلاح الدين، وهو يقول: صحيح. وكان ذهنه قبل ذلك غائبا ثم مات، وغسله الخطيب الدولعي، وأخرج في تابوت، فصلى عليه القاضي محيي الدين ابن الزكي، وأعيد إلى الدار التي في البستان التي كان متمرضا فيها، ودفن في الصفة، وارتفعت الأصوات بالبكاء، وعظم الضجيج، حتى إن العاقل ليخيل له أن الدنيا كلها تصيح صوتا واحدا، وغشي الناس ما شغلهم عن الصلاة عليه، وتأسف الناس عليه حتى الفرنج لما كان من صدق وفائه. ثم بنى ولده الأفضل قبة شمالي الجامع، نقله إليها بعد ثلاث سنين، فجلس هناك للعزاء ثلاثا.
وكان شديد القوى، عاقلا، وقورا، مهيبا، كريما، شجاعا.(أعلام/1982)
وفي " الروضتين " لأبي شامة أن السلطان لم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهما، ودينارا صوريا، ولم يخلف ملكا ولا عقارا -رحمه الله- ولم يختلف عليه في أيامه أحد من أصحابه، وكان الناس يأمنون ظلمه، ويرجون رفده، وأكثر ما كان يصل عطاؤه إلى الشجعان، وإلى العلماء، وأرباب البيوتات، ولم يكن لمبطل ولا لمزاح عنده نصيب.
قال الموفق: وجد في خزانته بعد موته دينار وثلاثون درهما، وكان إذا نازل بلدا، وأشرف على أخذه، ثم طلبوا منه الأمان، آمنهم، فيتألم لذلك جيشه، لفوات حظهم.
قال القاضي بهاء الدين بن شداد قال لي السلطان في بعض محاوراته في عقد الصلح: أخاف أن أصالح، وما أدري أيش يكون مني، فيقوى هذا العدو، وقد بقيت لهم بلاد، فيخرجون لاستعادة ما في أيدي المسلمين، وترى كل واحد من هؤلاء -يعني أخاه وأولادهم- قد قعد في رأس تله -يعني قلعته- ويقول: لا أنزل، ويهلك المسلمون.
قال ابن شداد: فكان -والله- كما قال، اختلفوا، واشتغل كل واحد بناحيته، وبعد، فكان الصلح مصلحة.
قلت: من لطف الله لما تنازع بنو أيوب، واختلفوا يسر الله بنقص همة الأعداء، وزالت تلك الشهامة منهم.(أعلام/1983)
وكتب القاضي الفاضل تعزية إلى صاحب حلب لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [الأحزاب: 21] إن زلزلة الساعة شيء عظيم [الحج: 1] كتبت إلى مولانا الملك الظاهر أحسن الله عزاءه، وجبر مصابه، وجعل فيه الخلف من السلف في الساعة المذكورة وقد زلزل المسلمون زلزالا شديدا، وقد حضرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر , وقد ودعت أباك ومخدومي وداعا لا تلاقي بعده وقبلت وجهه عني وعنك، وأسلمته إلى الله وحده مغلوب الحيلة، ضعيف القوة، راضيا عن الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وبالباب من الجنود المجندة، والأسلحة المعمدة ما لم يدفع البلاء، ولا ما يرد القضاء، تدمع العين، ويخشع القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بك يا يوسف لمحزونون. وأما الوصايا، فما تحتاج إليها، والأراء، فقد شغلني المصاب عنها، وأما لائح الأمر، فإنه إن وقع اتفاق، فما عدمتم إلا شخصه الكريم، وإن كان غير ذلك، فالمصائب المستقبلة أهونها موته.
وللعلم الشاتاني فيه قصيدة مطلعها:
أرى النصر مقرونا برايتك الصفرا
فسر واملك الدنيا فأنت بها أحرى
وبعث إليه ابن التعاويذي بقصيدته الطنانة التي أولها:
إن كان دينك في الصبابة ديني
فقف المطي برملتي يبرين
والثم ثرى لو شارفت بي هضبه
أيدي المطي لثمته بجفوني
وانشد فؤادي في الظباء معرضا
فبغير غزلان الصريم جنوني
ونشيدتي بين الخيام وإنما
غالطت عنها بالظباء العين
لله ما اشتملت عليه فتاتهم
يوم النوى من لؤلؤ مكنون
من كل تائهة على أترابها
في الحسن غانية عن التحسين
خود يرى قمر السماء إذا رنت
ما بين سالفة لها وجبين
يا سلم إن ضاعت عهودي عندكم
فأنا الذي استودعت غير أمين
هيهات ما للبيض في ود امرئ
أرب وقد أربى على الخمسين
ليت البخيل على المحب بوصله(أعلام/1984)
لقن السماحة من صلاح الدين(أعلام/1985)
صهيب بن سنان (ع)
أبو يحيى النمري. من النمر بن قاسط. ويعرف بالرومي؛ لأنه أقام في الروم مدة. وهو من أهل الجزيرة، سبي من قرية نينوى، من أعمال الموصل. وقد كان أبوه، أو عمه، عاملا لكسرى. ثم إنه جلب إلى مكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان القرشي التيمي. ويقال: بل هرب، فأتى مكة، وحالف ابن جدعان.
كان من كبار السابقين البدريين.
حدث عنه بنوه: حبيب، وزياد وحمزة؛ وسعيد بن المسيب، وكعب الحبر، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وآخرون.
روى أحاديث معدودة. خرجوا له في الكتب؛ وكان فاضلا وافر الحرمة. له عدة أولاد.
ولما طعن عمر استنابه على الصلاة بالمسلمين إلى أن يتفق أهل الشورى على إمام. وكان موصوفا بالكرم، والسماحة رضي الله عنه.
مات بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين وكان ممن اعتزل الفتنة، وأقبل على شأنه رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن عساكر: صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر، أبو يحيى - ويقال: أبو غسان - النمري الرومي البدري المهاجري.
روى عنه بنوه، وابن عمر، وجابر، وابن المسيب، وعبيد بن عمير، وابن أبي ليلى. وبنوه الثمانية: عثمان، وصيفي، وحمزة، وسعد، وعباد، وحبيب، وصالح، ومحمد.
وذكره ابن سعد، فسرد نسبه إلى أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط، من ربيعة. حليف عبد الله بن جدعان التيمي القرشي.
وأمه: سلمى بنت قعيد. وكان رجلا أحمر، شديد الحمرة، ليس بالطويل.
وذكر شباب نسبه إلى النمر - بزيادة آباء، وحذف آخرين. وكذا فعل أحمد بن البرقي.
`عن حمزة بن صهيب عن أبيه قال: كناني النبي صلى الله عليه وسلم: أبا يحيى.
عن صيفي بن صهيب عن أبيه، قال: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه.(أعلام/1986)
وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار، عن أبيه: قال عمار: لقيت صهيبا على باب دار الأرقم، وفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلنا، فعرض علينا الإسلام: فأسلمنا. ثم مكثنا يوما على ذلك حتى أمسينا، فخرجنا ونحن مستخفون.
روى يونس، عن الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صهيب سابق الروم.
وجاء هذا بإسناد جيد من حديث أبي أمامة وجاء من حديث أنس، وأم هانئ.
قال مجاهد: أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب. . . مختصر.
قال أبو عمر بن عبد البر: كان أبو صهيب، أو عمه: عاملا لكسرى على الأبلة، وكانت منازلهم بأرض الموصل فأغارت الروم عليهم، فسبت صهيبا وهو غلام، فنشأ بالروم. ثم اشترته كلب، وباعوه بمكة لعبد الله بن جدعان، فأعتقه.
وأما أهله فيزعمون أنه هرب من الروم، وقدم مكة.
مصعب بن عبد الله، عن أبيه، عن ربيعة بن عثمان، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: خرجت مع عمر حتى دخل حائطا لصهيب، فلما رآه صهيب، قال: يا ناس، يا أناس، فقال عمر: ما له يدعو الناس؟ قلت: بل هو غلام له يدعى يحنس، فقال له عمر: لولا ثلاث خصال فيك يا صهيب. . . الحديث.
الواقدي: حدثنا عثمان بن محمد، عن عبد الحكم بن صهيب، عن عمر بن الحكم، قال: كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول، وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول، في قوم من المسلمين، حتى نزلت: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا.(أعلام/1987)
قال مجاهد: فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه عمه، وأما أبو بكر فمنعه قومه. وأخذ الآخرون - سمى منهم صهيبا - فألبسوهم أدراع الحديد، صهروهم في الشمس، حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ؛ فأعطوهم ما سألوا - يعني: التلفظ بالكفر - فجاء كل رجل قومه بأنطاع فيها الماء، فألقوهم فيها، إلا بلالا. الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: ومن الناس من يشري نفسه نزلت في صهيب، ونفر من أصحابه، أخذهم أهل مكة يعذبونهم؛ ليردوهم إلى الشرك.
أحمد في " مسنده ": حدثنا أسباط: حدثنا أشعث، عن كردوس، عن ابن مسعود، قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده خباب، وصهيب، وبلال، وعمار، فقالوا: أرضيت بهؤلاء؟ فنزل فيهم القرآن: وأنذر به الذين يخافون إلى قوله والله أعلم بالظالمين.
عوف الأعرابي، عن أبي عثمان: أن صهيبا حين أراد الهجرة، قال له أهل مكة: أتيتنا صعلوكا حقيرا، فتغير حالك! قال: أرأيتم إن تركت مالي، أمخلون أنتم سبيلي؟ قالوا: نعم، فخلع لهم ماله، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ربح صهيب، ربح صهيب! .
يعقوب بن محمد الزهري: حدثنا حصين بن حذيفة بن صيفي حدثنا أبي وعمومتي، عن سعيد بن المسيب، عن صهيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرة، فإما أن تكون هجر، أو يثرب.(أعلام/1988)
قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقد كنت هممت بالخروج معه، فصدني فتيان من قريش، فجعلت ليلتي تلك أقوم لا أقعد، فقالوا: قد شغله الله عنكم ببطنه - ولم أكن شاكيا - فناموا، فذهبت، فلحقني ناس منهم على بريد، فقلت لهم: أعطيكم أواقي من ذهب وتخلوني؟ ففعلوا، فقلت: احفروا تحت أسكفة الباب تجدوها، وخذوا من فلانة الحلتين، وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء فلما رآني، قال: يا أبا يحيى، ربح البيع، ثلاثا، فقلت: ما أخبرك إلا جبريل.
حماد بن سلمة: حدثنا علي بن زيد، عن ابن المسيب، قال: أقبل صهيب مهاجرا، واتبعه نفر، فنزل عن راحلته، ونثل كنانته، وقال: لقد علمتم أني من أرماكم، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي، ثم أضربكم بسيفي، فإن شئتم دللتكم على مالي، وخليتم سبيلي؟ قالوا: نفعل، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال: ربح البيع أبا يحيى! ونزلت: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله.
وقال مصعب الزبيري: هرب صهيب من الروم بمال، فنزل مكة، فعاقد ابن جدعان. وإنما أخذته الروم من نينوى.
عبد الحكيم بن صهيب، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، عن صهيب، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء، وقد رمدت في الطريق وجعت، وبين يديه رطب، فوقعت فيه، فقال عمر: يا رسول الله: ألا ترى صهيبا يأكل الرطب وهو أرمد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لي ذلك. قلت: إنما آكل على شق عيني الصحيحة، فتبسم.
ذكر عروة، وموسى بن عقبة وغيرهما: صهيبا فيمن شهد بدرا.
أبو زرعة: حدثنا يوسف بن عدي، حدثنا يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي، عن أبيه، عن جده، عن أبي جده، عن صهيب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحب صهيبا حب الوالدة لولدها.(أعلام/1989)
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن معاوية بن قرة، عن عائذ بن عمرو: أن سلمان، وصهيبا، وبلالا، كانوا قعودا، فمر بهم أبو سفيان، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها بعد، فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها؟ قال: فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك، فرجع إليهم، فقال: أي إخواننا، لعلكم غضبتم؟ قالوا: لا يا أبا بكر، يغفر الله لك.
عبد الله بن محمد بن عقيل، `عن حمزة بن صهيب، عن أبيه، قال: قال عمر لصهيب: أي رجل أنت لولا خصال ثلاث فيك! قال: وما هن؟ قال: اكتنيت وليس لك ولد، وانتميت إلى العرب وأنت من الروم! وفيك سرف في الطعام. قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى، وأنا من النمر بن قاسط، سبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام قد عرفت نسبي، وأما قولك في سرف الطعام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خيركم من أطعم الطعام.
وروى محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه: أن عمر قال لصهيب: لولا ثلاث فيك؟ وبعضهم يرويه بحذف " عن أبيه " وزاد: ولو انفلقت عني روثة لانتسبت إليها.
وحماد بن سلمة، عن زيد بن أسلم: أن عمر قال لصهيب: لولا ثلاث خصال. قال: وما هن؟ فوالله ما تزال تعيب شيئا. قال: اكتناؤك وليس لك ولد؛ وادعاؤك إلى النمر بن قاسط، وأنت رجل ألكن؛ وأنك لا تمسك المال. . . . الحديث. وفيه: واسترضع لي بالأبلة فهذه من ذاك. وأما المال، فهل تراني أنفق إلا في حق؟ .
وروى سالم، عن أبيه: أن عمر قال: إن حدث بي حدث فليصل بالناس صهيب، ثلاثا، ثم أجمعوا أمركم في اليوم الثالث.
قال الواقدي: مات صهيب بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين عن سبعين سنة. وكذلك قال المدائني وغيره في وفاته.(أعلام/1990)
وقال المدائني: عاش ثلاثا وسبعين سنة.
وقال الفسوي: عاش أربعا وثمانين سنة رضي الله عنه.
له نحو من ثلاثين حديثا. روى له مسلم منها ثلاثة أحاديث.(أعلام/1991)
ضباعة (د، س، ق)
بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، الهاشمية.
من المهاجرات.
وكانت تحت المقداد بن الأسود، فولدت له: عبد الله، وكريمة.
لها أحاديث يسيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
روى عنها: ابنتها كريمة، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبد الرحمن الأعرج، وأنس بن مالك.
وحدث عنها من القدماء: ابن عباس، وجابر. وقتل ولدها عبد الله بن المقداد يوم الجمل مع أم المؤمنين عائشة.
معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقالت: إني أريد الحج، وأنا شاكية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني.
بقيت ضباعة إلى بعد عام أربعين، فيما أرى رضي الله عنها.(أعلام/1992)
طاوس (ع)
ابن كيسان، الفقيه القدوة عالم اليمن، أبو عبد الرحمن الفارسي، ثم اليمني الجندي الحافظ.
كان من أبناء الفرس الذين جهزهم كسرى لأخذ اليمن له، فقيل: هو مولى بحير بن ريسان الحميري، وقيل: بل ولاؤه لهمدان. أراه ولد في دولة عثمان -رضي الله عنه- أو قبل ذلك.
سمع من زيد بن ثابت، وعائشة، وأبي هريرة، وزيد بن أرقم، وابن عباس، ولازم ابن عباس مدة، وهو معدود في كبراء أصحابه.
وروى أيضا عن جابر، وسراقة بن مالك، وصفوان بن أمية، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعن زياد الأعجم، وحجر المدري، وطائفة. وروى عن معاذ مرسلا.
روى عنه عطاء، ومجاهد، وجماعة من أقرانه، وابنه عبد الله، والحسن بن مسلم، وابن شهاب، وإبراهيم بن ميسرة، وأبو الزبير المكي، وسليمان التيمي، وسليمان بن موسى الدمشقي، وقيس بن سعد المكي، وعكرمة بن عمار، وأسامة بن زيد الليثي، وعبد الملك بن ميسرة، وعمرو بن دينار، وعبد الله بن أبي نجيح، وحنظلة بن أبي سفيان، وخلق سواهم. وحديثه في دواوين من الإسلام، وهو حجة باتفاق.
فروى عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: إني لأظن طاوسا من أهل الجنة.
وقال قيس بن سعد: هو فينا مثل ابن سيرين في أهل البصرة.
سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح قال: قال مجاهد لطاوس: رأيتك يا أبا عبد الرحمن تصلي في الكعبة، والنبي صلى على بابها يقول لك: اكشف قناعك، وبين قراءتك، قال طاوس: اسكت لا يسمع هذا منك أحد، قال: ثم خيل إلي أنه انبسط في الكلام، يعني فرحا بالمنام.
عبد الرزاق، عن دواد بن إبراهيم أن الأسد حبس ليلة الناس في طريق الحج، فدق الناس بعضهم بعضا، فلما كان السحر، ذهب عنهم، فنزلوا وناموا، وقام طاوس يصلي، فقال له رجل: ألا تنام، فقال: وهل ينام أحد السحر.(أعلام/1993)
أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا أبو المكارم اللبان، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا محمد بن بدر، حدثنا حماد بن مدرك، حدثنا عثمان بن طالوت، حدثنا عبد السلام بن هاشم، عن الحر بن أبي الحصين العنبري قال: مر طاوس برواس قد أخرج رأسا فغشي عليه.
وروى عبد الله بن بشر الرقي قال: كان طاوس إذا رأى تلك الرءوس المشوية، لم يتعش تلك الليلة. سمعه منه معمر بن سليمان.
وبه إلى أبي نعيم، حدثنا الطبراني، حدثنا إسحاق، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس أو غيره أن رجلا كان يسير مع طاوس، فسمع غرابا ينعب فقال: خير، فقال طاوس: أي خير عند هذا أو شر؟ لا تصحبني، أو قال: لا تمش معي.
وبه إلى عبد الرزاق سمعت النعمان بن الزبير الصنعاني يحدث أن محمد بن يوسف، أو أيوب بن يحيى بعث إلى طاوس بسبعمائة دينار أو خمسمائة، وقيل للرسول: إن أخذها الشيخ منك، فإن الأمير سيحسن إليك ويكسوك، فقدم بها على طاوس الجند، فأراده على أخذها، فأبى فغفل طاوس، فرمى بها الرجل في كوة البيت، ثم ذهب وقال لهم: قد أخذها، ثم بلغهم عن طاوس شيء يكرهونه فقال: ابعثوا إليه، فليبعث إلينا بمالنا، فجاءه الرسول، فقال: المال الذي بعث به الأمير إليك، قال ما قبضت منه شيئا، فرجع الرسول، وعرفوا أنه صادق، فبعثوا إليه الرجل الأول، فقال: المال الذي جئتك به يا أبا عبد الرحمن، قال: هل قبضت منك شيئا؟ قال: لا، ثم نظر حيث وضعه، فمد يده فإذا بالصرة قد بنى العنكبوت عليها، فذهب بها إليهم.(أعلام/1994)
وبه قال أبو نعيم، حدثنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبو معمر، عن ابن عيينة قال: قال عمر بن عبد العزيز لطاوس: ارفع حاجتك إلى أمير المؤمنين -يعني سليمان بن عبد الملك - قال: مالي إليه حاجة، فكأن عمر عجب من ذلك. قال سفيان: وحلف لنا إبراهيم بن ميسرة وهو مستقبل الكعبة: ورب هذه البنية ما رأيت أحدا، الشريف والوضيع عنده بمنزلة، إلا طاوسا.
وبه حدثنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس قال: كنت لا أزال أقول لأبي: إنه ينبغي أن يخرج على هذا السلطان، وأن يفعل به، قال: فخرجنا حجاجا، فنزلنا في بعض القرى، وفيها عامل -يعني لأمير اليمن - يقال له: ابن نجيح، وكان من أخبث عمالهم، فشهدنا صلاة الصبح في المسجد، فجاء ابن نجيح، فقعد بين يدي طاوس، فسلم عليه، فلم يجبه، ثم كلمه فأعرض عنه، ثم عدل إلى الشق الآخر، فأعرض عنه، فلما رأيت ما به قمت إليه، فمددت بيده وجعلت أسائله، وقلت له: إن أبا عبد الرحمن لم يعرفك، فقال العامل: بلى معرفته بي فعلت ما رأيت قال: فمضى وهو ساكت لا يقول لي شيئا، فلما دخلت المنزل قال: أي لكع، بينما أنت زعمت تريد أن تخرج عليهم بسيفك، لم تستطع أن تحبس عنه لسانك.(أعلام/1995)
محمد بن المثنى العنزي، حدثنا مطهر بن الهيثم الطائي، عن أبيه، قال: حج سليمان بن عبد الملك، فخرج حاجبه فقال: إن أمير المؤمنين قال: ابغوا إلي فقيها أسأله عن بعض المناسك، قال: فمر طاوس، فقالوا: هذا طاوس اليماني، فأخذه الحاجب فقال: أجب أمير المؤمنين، قال: أعفني، فأبى، ثم أدخله عليه، قال طاوس: فلما وقفت بين يديه قلت: إن هذا المجلس يسألني الله عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين إن صخرة كانت على شفير جب في جهنم، هوت فيها سبعين خريفا، حتى استقرت قرارها، أتدري لمن أعدها الله؟ قال: لا ويلك لمن أعدها؟ قال: لمن أشركه الله في حكمه فجار قال: فكبا لها.
قال أبو عاصم النبيل: زعم لي سفيان قال: جاء ابن لسليمان بن عبد الملك، فجلس إلى جنب طاوس، فلم يلتفت إليه فقيل له: جلس إليك ابن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه! قال: أردت أن يعلم أن لله عبادا يزهدون فيما في يديه.
روى أبو أمية عن داود بن شابور قال: قال رجل لطاوس: ادع الله لنا، قال: ما أجد لقلبي خشية، فأدعو لك.
ويروى أن طاوسا جاء في السحر يطلب رجلا، فقالوا: هو نائم، قال: ما كنت أرى أن أحدا ينام في السحر ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه أن طاوسا قال له: يا أبا نجيح! من قال واتقى الله خير ممن صمت واتقى الله.
ابن عيينة عن هشام بن حجير، عن طاوس قال: لا يتم نسك الشاب حتى يتزوج. وروى سفيان الثوري عن سعيد بن محمد قال: كان من دعاء طاوس: اللهم احرمني كثرة المال والولد، وارزقني الإيمان والعمل.
قال ابن شهاب: لو رأيت طاوسا، علمت أنه لا يكذب. الأعمش، عن عبد الملك بن ميسرة، عن طاوس قال: أدركت خمسين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وعن حبيب بن أبي ثابت قال: اجتمع عندي خمسة لا يجتمع مثلهم عند أحد: عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة.(أعلام/1996)
معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: لقي عيسى عليه السلام إبليس، فقال: أما علمت أنه لا يصيبك إلا ما قدر لك، قال: نعم، قال: فارق ذروة هذا الجبل فترد منه، فانظر أتعيش أم لا، قال عيسى: إن الله يقول: لا يجربني عبدي، فإني أفعل ما شئت. ورواه معمر عن الزهري وفيه: فقال: إن العبد لا يبتلي ربه، ولكن الله يبتلي عبده، قال: فخصمه.
حفص بن غياث، عن ليث قال: كان طاوس إذا شدد الناس في شيء، رخص هو فيه، وإذا ترخص الناس في شيء، شدد فيه، قال ليث: وذلك للعلم.
عنبسة بن عبد الواحد، عن حنظلة بن أبي سفيان قال: ما رأيت عالما قط يقول: لا أدري أكثر من طاوس. وقال سفيان الثوري: كان طاوس يتشيع وقال معمر: احتبس طاوس على رفيق له حتى فاته الحج. قلت: قد حج مرات كثيرة.
وقال جرير بن حازم: رأيت طاوسا يخضب بحناء شديدة الحمرة وقال فطر بن خليفة: كان طاوس يتقنع ويصبغ بالحناء.
قال عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي: رأيت طاوسا وبين عينيه أثر السجود.
سفيان الثوري، عن رجل قال: كان من دعاء طاوس اللهم احرمني كثرة المال والولد.
قال معمر عن ابن طاوس، عن أبيه قال: عجبت لإخوتنا من أهل العراق يسمون الحجاج مؤمنا. قلت: يشير إلى المرجئة منهم الذين يقولون: هو مؤمن كامل الإيمان مع عسفه وسفكه الدماء وسبه الصحابة.
ابن جريج: حدثنا إبراهيم بن ميسرة أن محمد بن يوسف الثقفي استعمل طاوسا على بعض الصدقة، فسألت طاوسا كيف صنعت؟ قال: كنا نقول للرجل: تزكي رحمك الله مما أعطاك الله؟ فإن أعطانا أخذنا، وإن تولى، لم نقل تعال.
وبلغنا أن ابن عباس كان يجل طاوسا، ويأذن له مع الخواص ولما قدم عكرمة اليمن، أنزله طاوس عنده، وأعطاه نجيبا.
روى إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس قال: لو أن مولى ابن عباس اتقى الله وكف من حديثه، لشدت إليه المطايا.(أعلام/1997)
توفي طاوس بمكة أيام الموسم، ومن زعم أن قبر طاوس ببعلبك، فهو لا يدري ما يقول، بل ذاك شخص اسمه طاوس إن صح، كما أن قبر أبي بشرقي دمشق، وليس بأبي بن كعب البتة.
وطاوس هو الذي ينقل عنه ولده أنه كان لا يرى الحلف بالطلاق شيئا، وما ذاك إلا أن الحجاج وذويه كانوا يحلفون الناس على البيعة للإمام بالله وبالعتاق والطلاق والحج وغير ذلك. فالذي يظهر لي أن أخا الحجاج -وهو محمد بن يوسف أمير اليمن - حلف الناس بذلك، فاستفتي طاوس في ذلك، فلم يعده شيئا، وما ذاك إلا لكونهم أكرهوا على الحلف. فالله أعلم.
ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب قال: شهدت جنازة طاوس بمكة سنة خمس ومائة، فجعلوا يقولون: رحم الله أبا عبد الرحمن، حج أربعين حجة.
وروى عبد الرزاق، عن أبيه قال: مات طاوس بمكة فلم يصلوا عليه حتى بعث ابن هشام بن عبد الملك بالحرس، قال: فلقد رأيت عبد الله بن الحسن بن الحسن واضعا السرير على كاهله، فسقطت قلنسوة كانت عليه، ومزق رداؤه من خلفه، فما زايله إلى القبر، توفي بمزدلفة أو بمنى. قلت: إن كان فيه تشيع، فهو يسير لا يضر -إن شاء الله.
وقال محمد بن عمر الواقدي، ويحيى القطان، والهيثم وغيرهم: مات طاوس سنة ست ومائة، ويقال: كانت وفاته يوم التروية من ذي الحجة وصلى عليه الخليفة هشام بن عبد الملك، اتفق له ذلك، ثم بعد أيام اتفق له الصلاة بالمدينة على سالم بن عبد الله.(أعلام/1998)
قال شيخنا في " تهذيب الكمال ": حدث عنه إبراهيم بن أبي بكر الأخنسي، وإبراهيم بن ميسرة، وإبراهيم بن يزيد الخوزي، وأسامة بن زيد الليثي، وحبيب بن أبي ثابت، والحسن بن مسلم بن يناق، والحكم، وحنظلة بن أبي سفيان، وسعيد بن حسان وسعيد بن سنان أبو سنان الشيباني، وسليمان التيمي، وسليمان الأحول، وسليمان بن موسى الدمشقي، وأبو شعيب الطيالسي، وصدقة بن يسار، والضحاك بن مزاحم، وعامر بن مصعب، وابنة عبد الله بن طاوس، وعبد الله بن أبي نجيح، وعبد الكريم الجزري، وعبد الكريم أبو أمية البصري، وابن جريج مسألة، وعبد الملك بن ميسرة، وعبيد الله بن الوليد الواصفي، وعطاء بن السائب، وعكرمة بن عمار، وعمرو بن دينار، وعمرو بن شعيب، وعمرو بن قتادة، وعمرو بن مسلم الجندي، وقيس بن سعد، وليث بن أبي سليم، ومجاهد، وأبو الزبير، والزهري، والمغيرة بن حكيم الصنعاني، ومكحول، والنعمان بن أبي شيبة، وهانئ بن أيوب، وهشام بن حجير، ووهب بن منبه، وأبو عبد الله الشامي.
روى جعفر بن برقان، عن عمرو بن دينار، قال: حدثنا طاوس -ولا تحسبن فينا أحدا أصدق لهجة من طاوس -. . .
وروى حبيب بن الشهيد، عن عمرو بن دينار قال: ما رأيت قط مثل طاوس.
وقال ابن عيينة: قلت لعبيد الله بن أبي يزيد: مع من كنت تدخل على ابن عباس؟ قال: مع عطاء وأصحابه، قلت: وطاوس؟ قال: أيهان ذاك كان يدخل مع الخواص.
ليث بن أبي سليم قال: كان طاوس يعد الحديث حرفا حرفا وقال: تعلم لنفسك، فإن الناس قد ذهبت منهم الأمانة.
قال حبيب بن أبي ثابت: قال لي طاوس: إذا حدثتك الحديث، فأثبته لك، فلا تسألن عنه أحدا.
قال ابن معين وأبو زرعة: طاوس ثقة.
قال ابن حبان: كان من عباد أهل اليمن، ومن سادات التابعين، مستجاب الدعوة، حج أربعين حجة.(أعلام/1999)
وكيع، عن أبي عبد الله الشامي، وقيل: وكيع، عن أبيه، عن أبي عبد الله الشامي، قال: استأذنت على طاوس لأسأله عن مسألة، فخرج علي شيخ كبير فظننته هو فقال: لا، أنا ابنه، قلت: إن كنت ابنه، فقد خرف أبوك، قال: تقول ذاك! إن العالم لا يخرف، قال: فدخلت، فقال لي طاوس: سل وأوجز، وإن شئت علمتك في مجلسك هذا القرآن والتوراة والإنجيل، قلت: إن علمتنيهم لا أسألك عن شيء، قال: خف الله مخافة لا يكون شيء عندك أخوف منه، وارجه رجاء هو أشد من خوفك إياه، وأحب للناس ما تحب لنفسك.
وروى عبد الرزاق، عن أبيه قال: كان طاوس يصلي في غداة باردة مغيمة، فمر به محمد بن يوسف أخو الحجاج، أو أيوب بن يحيى في موكبه، وهو ساجد، فأمر بساج أو طيلسان مرتفع فطرح عليه، فلم يرفع رأسه حتى فرغ من حاجته، فلما سلم، نظر فإذا الساج عليه، فانتفض ولم ينظر إليه، ومضى إلى منزله.
ليث ; عن طاوس قال: ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا أحصي عليه، حتى أنينه في مرضه.
هشام بن حجير، عن طاوس قال: لا يتم نسك الشاب حتى يتزوج.
إبراهيم بن ميسرة قال: قال لي طاوس: تزوج أو لأقولن لك ما قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد: ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور. ابن طاوس، عن أبيه قال: البخل: أن يبخل الرجل بما في يديه، والشح: أن يحب أن يكون له ما في أيدي الناس.(أعلام/2000)
معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: كان رجل من بني إسرائيل ربما يداوي المجانين، وكانت امرأة جميلة، فجنت، فجيء بها إليه، فتركت عنده، فأعجبته، فوقع عليها، فحملت منه، فجاءه الشيطان فقال: إن علم بها، افتضحت، فاقتلها، وادفنها في بيتك، فقتلها ودفنها، فجاء أهلها بعد ذلك بزمان يسألونه عنها، فقال: ماتت، فلم يتهموه لصلاحه، فجاءهم الشيطان، فقال: إنها لم تمت، ولكن وقع عليها، فحملت، فقتلها ودفنها في بيته، فجاء أهلها فقالوا: ما نتهمك، ولكن أين دفنتها؟ أخبرنا، ومن كان معك؟ فنبشوا بيته فوجدوها، فأخذ فسجن، فجاءه الشيطان فقال: إن كنت تريد أن أخرجك مما أنت فيه فاكفر بالله، فأطاعه، فكفر فقتل، فتبرأ منه الشيطان حينئذ. قال طاوس: فلا أعلم إلا أن هذه الآية نزلت فيه كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر الآية أو بمثله.
عن ابن أبي رواد، قال: رأيت طاوسا وأصحابه إذا صلوا العصر، استقبلوا القبلة، ولم يكلموا أحدا، وابتهلوا بالدعاء.
لا ريب في وفاة طاوس في عام ستة ومائة، فأما قول الهيثم: مات سنة بضع عشرة ومائة فشاذ. والله أعلم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، ويحيى بن أبي منصور وطائفة إذنا، سمعوا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله، حدثنا محمد بن سليمان، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار أخبره أن طاوسا حدثه أن حجر بن قيس المدري حدثه أن زيد بن ثابت حدثه، أو أخبره زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: العمرى ميراث.(أعلام/2001)
طلحة بن عبد الله (خ، 4)
ابن عوف الزهري، قاضي المدينة زمن يزيد.
حدث عن عمه عبد الرحمن بن عوف، وعثمان، وسعيد بن زيد، وابن عباس. وعنه: سعد بن إبراهيم والزهري، وأبو الزناد، وجماعة.
وكان شريفا، جوادا، حجة إماما، يقال له طلحة الندى.
مات سنة تسع تسعين.(أعلام/2002)
طلحة بن عبيد الله (ع)
ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، القرشي التيمي المكي، أبو محمد
أحد العشرة المشهود لهم بالجنة له عدة أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وله في " مسند بقي بن مخلد " بالمكرر ثمانية وثلاثون حديثا.
له حديثان متفق عليهما، وانفرد له البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة أحاديث.
حدث عنه بنوه: يحيى، وموسى، وعيسى، والسائب بن يزيد، ومالك بن أوس بن الحدثان، وأبو عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم، ومالك بن أبي عامر الأصبحي، والأحنف بن قيس التميمي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وآخرون.
قال أبو عبد الله بن منده: كان رجلا آدم، كثير الشعر، ليس بالجعد القطط ولا بالسبط، حسن الوجه، إذا مشى أسرع، ولا يغير شعره.
وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن عبد العزيز بن عمران، حدثني إسحاق بن يحيى، حدثني موسى بن طلحة قال: كان أبي أبيض يضرب إلى الحمرة، مربوعا، إلى القصر هو أقرب، رحب الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم القدمين، إذا التفت التفت جميعا.
قلت: كان ممن سبق إلى الإسلام وأوذي في الله، ثم هاجر، فاتفق أنه غاب عن وقعة بدر في تجارة له بالشام وتألم لغيبته، فضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهمه وأجره.
قال أبو القاسم بن عساكر الحافظ في ترجمته: كان مع عمر لما قدم الجابية، وجعله على المهاجرين. وقال غيره: كانت يده شلاء مما وقى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد.
الصلت بن دينار: عن أبي نضرة، عن جابر قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه، فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله ".(أعلام/2003)
أخبرنيه الأبرقوهي، أنبأنا ابن أبي الجود، أنبأنا ابن الطلابة، أنبأنا عبد العزيز الأنماطي، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا البغوي، حدثنا داود بن رشيد حدثنا مكي، حدثنا الصلت.
وفي جامع أبي عيسى بإسناد حسن، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم أحد: " أوجب طلحة ".
قال ابن أبي خالد عن قيس قال: رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد شلاء. أخرجه البخاري. وأخرج النسائي من حديث يحيى بن أيوب وآخر، عن عمارة بن غزية، عن أبي الزبير، عن جابر قال: لما كان يوم أحد، وولى الناس، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناحية في اثني عشر رجلا، منهم طلحة، فأدركهم المشركون، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من للقوم؟ قال طلحة: أنا، قال: كما أنت. فقال رجل: أنا. قال: أنت، فقاتل حتى قتل، ثم التفت فإذا المشركون، فقال: من لهم؟ قال طلحة: أنا. قال: كما أنت، فقال، رجل من الأنصار: أنا، قال: أنت. فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى بقي مع نبي الله طلحة، فقال: من للقوم؟ قال طلحة: أنا، فقاتل طلحة، قتال الأحد عشر، حتى قطعت أصابعه، فقال: حس، فقال، رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو قلت: باسم الله لرفعتك الملائكة، والناس ينظرون ". ثم رد الله المشركين رواته ثقات.
أخبرنا أبو المعالي بن أبي عصرون الشافعي، أنبأنا عبد المعز بن محمد، في كتابه، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا محمد بن أحمد، أنبأنا أحمد بن علي التميمي، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، وعبد الأعلى، قالا: حدثنا المعتمر، سمعت أبي، حدثنا أبو عثمان قال: لم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الأيام التي كان يقاتل بها رسول الله غير طلحة وسعد عن حديثهما.
أخرجه الشيخان عن المقدمي.(أعلام/2004)
وبه إلى التميمي: حدثنا أبو كريب، حدثنا يونس بن بكير، عن طلحة بن يحيى، عن موسى وعيسى ابني طلحة، عن أبيهما أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا لأعرابي جاء يسأله عمن قضى نحبه: من هو، وكانوا لا يجترأون على مسألته - صلى الله عليه وسلم -، يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي، فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد - وعلي ثياب خضر - فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أين السائل عمن قضى نحبه؟ قال الأعرابي: أنا. قال: هذا ممن قضى نحبه ".
وأخرجه الطيالسي في مسنده من حديث معاوية، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " طلحة ممن قضى نحبه ".
وفي " صحيح مسلم " من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء، هو، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله: " اهدأ، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ".
سويد بن سعيد: حدثنا صالح بن موسى، عن معاوية بن إسحاق، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه، فلينظر إلى طلحة ".
قال الترمذي: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو عبد الرحمن نضر بن منصور، حدثنا عقبة بن علقمة اليشكري، سمعت عليا يوم الجمل يقول: سمعت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " طلحة والزبير جاراي في الجنة ".
وهكذا رواه ابن زيدان البجلي، وأبو بكر الجارودي، عن الأشج، وشذ أبو يعلى الموصلي، فقال عن نضر، عن أبيه، عن عقبة.
دحيم: حدثنا محمد بن طلحة، عن موسى بن محمد، عن أبيه، عن سلمة بن الأكوع قال: ابتاع طلحة بئرا بناحية الجبل، ونحر جزورا، فأطعم الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أنت طلحة الفياض ".(أعلام/2005)
سليمان بن أيوب بن عيسى بن موسى بن طلحة: حدثني أبي عن جدي، عن موسى بن طلحة، عن أبيه قال: لما كان يوم أحد، سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - طلحة الخير. وفي غزوة ذي العشيرة طلحة الفياض ويوم خيبر، طلحة الجود.
إسناده لين.
قال مجالد، عن الشعبي، عن قبيصة بن جابر قال: صحبت طلحة، فما رأيت أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه.
أبو إسماعيل الترمذي: حدثنا سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى، حدثني أبي، عن جدي، عن موسى، عن أبيه، أنه أتاه مال من حضرموت سبع مائة ألف، فبات ليلته يتململ. فقالت له زوجته: ما لك؟ قال: تفكرت منذ الليلة، فقلت: ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته؟ قالت: فأين أنت عن بعض أخلائك فإذا أصبحت، فادع بجفان وقصاع فقسمه. فقال لها: رحمك الله، إنك موفقة بنت موفق، وهي أم كلثوم بنت الصديق، فلما أصبح دعا بجفان، فقسمها بين المهاجرين والأنصار، فبعث إلى علي منها بجفنة، فقالت له زوجته: أبا محمد، أما كان لنا في هذا المال من نصيب؟ قال: فأين كنت منذ اليوم؟ فشأنك بما بقي. قالت: فكانت صرة فيها نحو ألف درهم.
أخبرنا المسلم بن علان، وجماعة، كتابة، قالوا: أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا هبة الله بن الحصين، أنبأنا ابن غيلان، أنبأنا أبو بكر الشافعي، حدثنا إبراهيم الحربي، حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا محمد بن يعلى، حدثنا الحسن بن دينار، عن علي بن زيد قال: جاء أعرابي إلى طلحة يسأله، فتقرب إليه برحم فقال: إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك، إن لي أرضا قد أعطاني بها عثمان ثلاث مائة ألف، فاقبضها، وإن شئت بعتها من عثمان، ودفعت إليك الثمن، فقال: الثمن. فأعطاه.(أعلام/2006)
الكديمي حدثنا الأصمعي، حدثنا ابن عمران قاضي المدينة، أن طلحة فدى عشرة من أسارى بدر بماله، وسئل مرة برحم، فقال: قد بعت لي حائطا بسبع مائة ألف، وأنا فيه بالخيار. فإن شئت، خذه، وإن شئت، ثمنه.
إسناده منقطع مع ضعف الكديمي.
قال ابن سعد: أنبأنا سعيد بن منصور، حدثنا صالح بن موسى، عن معاوية بن إسحاق، عن عائشة وأم إسحاق بنتي طلحة قالتا: جرح أبونا يوم أحد أربعا وعشرين جراحة، وقع منها في رأسه شجة مربعة، وقطع نساه - يعني العرق -، وشلت أصبعه، وكان سائر الجراح في جسده، وغلبه الغشي، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكسورة رباعيته، مشجوج في وجهه، قد علاه الغشي، وطلحة محتمله، يرجع به القهقرى، كلما أدركه أحد من المشركين، قاتل دونه، حتى أسنده إلى الشعب.
ابن عيينة، عن طلحة بن يحيى، حدثتني جدتي سعدى بنت عوف المرية قالت: دخلت على طلحة يوما وهو خاثر فقلت: ما لك؟ لعل رابك من أهلك شيء؟ قال: لا والله، ونعم حليلة المسلم أنت، ولكن مال عندي قد غمني. فقلت: ما يغمك؟ عليك بقومك، قال: يا غلام، ادع لي قومي. فقسمه فيهم، فسألت الخازن: كم أعطى؟ قال: أربع مائة ألف.
هشام وعوف، عن الحسن البصري أن طلحة بن عبيد الله باع أرضا له بسبع مائة ألف. فبات أرقا من مخافة ذلك المال، حتى أصبح ففرقه.
محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر، حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: كان طلحة يغل بالعراق أربع مائة ألف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار أو أقل أو أكثر، [وبالأعراض له غلات] وكان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا إلا كفاه، وقضى دينه، ولقد كان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف، ولقد قضى عن فلان التيمي ثلاثين ألفا.(أعلام/2007)
قال الزبير بن بكار: حدثني عثمان بن عبد الرحمن أن طلحة بن عبيد الله قضى عن عبيد الله بن معمر، وعبد الله بن عامر بن كريز ثمانين ألف درهم.
قال الحميدي: حدثنا ابن عيينة، حدثنا عمرو بن دينار، أخبرني مولى لطلحة قال: كانت غلة طلحة كل يوم ألف واف.
قال الواقدي: حدثنا إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة أن معاوية سأله: كم ترك أبو محمد من العين، قال: ترك ألفي ألف درهم ومائتي ألف درهم، ومن الذهب مائتي ألف دينار، فقال معاوية: عاش حميدا سخيا شريفا، وقتل فقيدا رحمه الله.
وأنشد الرياشي لرجل من قريش:
أيا سائلي عن خيار العباد
صادفت ذا العلم والخبره
خيار العباد جميعا قريش
وخير قريش ذوو الهجره
وخير ذوي الهجرة السابقون
ثمانية وحدهم نصره
علي وعثمان ثم الزبير
وطلحة واثنان من زهره
وبران قد جاورا أحمدا
وجاور قبرهما قبره
فمن كان بعدهم فاخرا
فلا يذكرن بعدهم فخره
يحيى بن معين: حدثنا هشام بن يوسف، عن عبد الله بن مصعب، أخبرني موسى بن عقبة، سمعت علقمة بن وقاص الليثي قال: لما خرج طلحة والزبير وعائشة للطلب بدم عثمان، عرجوا عن منصرفهم بذات عرق، فاستصغروا عروة بن الزبير، وأبا بكر بن عبد الرحمن فردوهما، قال: ورأيت طلحة، وأحب المجالس إليه أخلاها، وهو ضارب بلحيته على زوره، فقلت: يا أبا محمد، إني أراك وأحب المجالس إليك أخلاها، إن كنت تكره هذا الأمر، فدعه، فقال: يا علقمة، لا تلمني، كنا أمس يدا واحدة على من سوانا، فأصبحنا اليوم جبلين من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان مني شيء في أمر عثمان، مما لا أرى كفارته إلا سفك دمي، وطلب دمه.(أعلام/2008)
قلت: الذي كان منه في حق عثمان تمغفل وتأليب، فعله باجتهاد، ثم تغير عندما شاهد مصرع عثمان، فندم على ترك نصرته رضي الله عنهما، وكان طلحة أول من بايع عليا، أرهقه قتلة عثمان، وأحضروه حتى بايع.
قال البخاري: حدثنا موسى بن أعين، حدثنا أبو عوانة، عن حصين في حديث عمرو بن جاوان، قال: التقى القوم يوم الجمل، فقام كعب بن سور معه المصحف، فنشره بين الفريقين، وناشدهم الله والإسلام في دمائهم، فما زال حتى قتل. وكان طلحة من أول قتيل. وذهب الزبير ليلحق ببنيه، فقتل.
يحيى القطان: عن عوف، حدثني أبو رجاء قال: رأيت طلحة على دابته وهو يقول: أيها الناس أنصتوا، فجعلوا يركبونه ولا ينصتون، فقال: أف! فراش النار، وذباب طمع.
قال ابن سعد: أخبرني من سمع إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر قال: قال طلحة: إنا داهنا في أمر عثمان، فلا نجد اليوم أمثل من أن نبذل دماءنا فيه، اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى.
وكيع: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم، فوقع في ركبته، فما زال ينسح حتى مات.
رواه جماعة عنه، ولفظ عبد الحميد بن صالح عنه: هذا أعان على عثمان ولا أطلب بثأري بعد اليوم.
قلت: قاتل طلحة في الوزر، بمنزلة قاتل علي.
قال خليفة بن خياط: حدثنا من سمع جويرية بن أسماء، عن يحيى بن سعيد، عن عمه، أن مروان رمى طلحة بسهم، فقتله، ثم التفت إلى أبان، فقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك.
هشيم: عن مجالد، عن الشعبي قال: رأى علي طلحة في واد ملقى، فنزل، فمسح التراب عن وجهه، وقال: عزيز علي أبا محمد بأن أراك مجدلا في الأودية تحت نجوم السماء، إلى الله أشكو عجري وبجري. قال الأصمعي: معناه: سرائري وأحزاني التي تموج في جوفي.(أعلام/2009)
عبد الله بن إدريس: عن ليث، عن طلحة بن مصرف أن عليا انتهى إلى طلحة وقد مات، فنزل عن دابته وأجلسه، ومسح الغبار عن وجهه ولحيته، وهو يترحم عليه، وقال: ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة. مرسل.
وروى زيد بن أبي أنيسة، عن محمد بن عبد الله من الأنصار، عن أبيه أن عليا قال: بشروا قاتل طلحة بالنار.
أخبرنا ابن أبي عصرون، عن أبي روح، أنبأنا تميم، حدثنا أبو سعد، أنبأنا ابن حمدان، أنبأنا أبو يعلى، حدثنا عمرو الناقد، حدثنا الخضر بن محمد الحراني، حدثنا محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي. عن مالك بن أبي عامر، قال: جاء رجل إلى طلحة فقال: أرأيتك هذا اليماني هو أعلم بحديث رسول الله منكم - يعني أبا هريرة - نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم، قال: أما أن قد سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم نسمع، فلا أشك، وسأخبرك: إنا كنا أهل بيوت، وكنا إنما نأتي رسول الله غدوة وعشية، وكان مسكينا لا مال له، إنما هو على باب رسول الله، فلا أشك أنه قد سمع ما لم نسمع، وهل تجد أحدا فيه خير يقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل؟ .
وروى مجالد، عن الشعبي، عن جابر أنه سمع عمر يقول لطلحة: ما لي أراك شعثت واغبررت مذ توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ لعله أن ما بك إمارة ابن عمك - يعني أبا بكر - قال: معاذ الله، إني سمعته يقول: " إني لأعلم كلمة لا يقولها رجل يحضره الموت، إلا وجد روحه لها روحا حين تخرج من جسده، وكانت له نورا يوم القيامة ". فلم أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها، ولم يخبرني بها فذاك الذي دخلني. قال عمر: فأنا أعلمها. قال: فلله الحمد، فما هي؟ قال: الكلمة التي قالها لعمه، قال: صدقت.(أعلام/2010)
أبو معاوية وغيره: حدثنا أبو مالك الأشجعي، عن أبي حبيبة مولى لطلحة، قال: دخلت على علي مع عمران بن طلحة بعد وقعة الجمل، فرحب به وأدناه، ثم قال: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك ممن قال فيهم: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين فقال رجلان جالسان، أحدهما الحارث الأعور: الله أعدل من ذلك أن يقبلهم ويكونوا إخواننا في الجنة، قال: قوما أبعد أرض وأسحقها. فمن هو إذا لم أكن أنا وطلحة! يا ابن أخي: إذا كانت لك حاجة، فأتنا.
وعن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لقد رأيتني يوم أحد، وما قربي أحد غير جبريل عن يميني، وطلحة عن يساري " فقيل في ذلك:
وطلحة يوم الشعب آسى محمدا
لدى ساعة ضاقت عليه وسدت
وقاه بكفيه الرماح فقطعت
أصابعه تحت الرماح فشلت
وكان إمام الناس بعد محمد
أقر رحا الإسلام حتى استقرت
وعن طلحة قال: عقرت يوم أحد في جميع جسدي حتى في ذكري.
قال ابن سعد حدثنا محمد بن عمر، حدثني إسحاق بن يحيى، عن جدته سعدى بنت عوف، قالت: قتل طلحة وفي يد خازنه ألف ألف درهم ومائتا ألف درهم، وقومت أصوله وعقاره ثلاثين ألف ألف درهم.
أعجب ما مر بي قول ابن الجوزي في كلام له على حديث قال: وقد خلف طلحة ثلاث مائة حمل من الذهب.
وروى سعيد بن عامر الضبعي، عن المثنى بن سعيد قال: أتى رجل عائشة بنت طلحة فقال: رأيت طلحة في المنام، فقال: قل لعائشة تحولني من هذا المكان ; فإن النز قد آذاني. فركبت في حشمها، فضربوا عليه بناء واستثاروه. قال: فلم يتغير منه إلا شعيرات في إحدى شقي لحيته، أو قال رأسه، وكان بينهما بضع وثلاثون سنة.
وحكى المسعودي أن عائشة بنته هي التي رأت المنام.
وكان قتله في سنة ست وثلاثين في جمادى الآخرة، وقيل في رجب، وهو ابن ثنتين وستين سنة أو نحوها، وقبره بظاهر البصرة.(أعلام/2011)
قال يحيى بن بكير، وخليفة بن خياط، وأبو نصر الكلاباذي: إن الذي قتل طلحة، مروان بن الحكم.
ولطلحة أولاد نجباء، أفضلهم محمد السجاد. كان شابا، خيرا، عابدا، قانتا لله. ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قتل يوم الجمل أيضا، فحزن عليه علي، وقال: صرعه بره بأبيه.(أعلام/2012)
طلحة بن مصرف (ع)
ابن عمرو بن كعب، الإمام الحافظ المقرئ، المجود، شيخ الإسلام، أبو محمد اليامي الهمداني الكوفي. تلا على يحيى بن وثاب وغيره، وحدث عن أنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، ومرة الطيب، وزيد بن وهب، ومجاهد، وخيثمة بن عبد الرحمن، وذر الهمداني، وأبي صالح السمان وطائفة.
حدث عنه ابنه محمد بن طلحة ومنصور، والأعمش، ومالك بن مغول وشعبة، وخلق كثير.
قال أبو خالد الأحمر: أخبرت أن طلحة بن مصرف شهر بالقراءة، فقرأ على الأعمش لينسلخ ذلك الاسم عنه فسمعت الأعمش يقول: كان يأتي، فيجلس. على الباب حتى أخرج فيقرأ، فما ظنكم برجل لا يخطئ ولا يلحن.
وقال موسى الجهني: سمعت طلحة بن مصرف يقول: قد أكثرتم علي في عثمان، ويأبى قلبي إلا أن يحبه. وعن عبد الملك بن أبجر، قال: ما رأيت طلحة بن مصرف في ملأ إلا رأيت له الفضل عليهم.
وقال الحسن بن عمرو: قال لي طلحة بن مصرف: لولا أني على وضوء لأخبرتك بما تقول الرافضة.
قال فضيل بن غزوان: قيل لطلحة بن مصرف: لو ابتعت طعاما ربحت فيه، قال: إني أكره أن يعلم الله من قلبي غلا على المسلمين.
وقال فضيل بن عياض: بلغني عن طلحة أنه ضحك يوما فوثب على نفسه. قال: ولم تضحك، إنما يضحك من قطع الأهوال، وجاز الصراط، ثم قال: آليت أن لا أفتر ضاحكا حتى أعلم بم تقع الواقعة، فما رئي ضاحكا حتى صار إلى الله.
ابن عيينة، عن أبي جناب، سمعت طلحة بن مصرف يقول: شهدت الجماجم فما رميت، ولا طعنت، ولا ضربت، ولوددت أن هذه سقطت هاهنا ولم أكن شهدتها.
قال ليث بن أبي سليم: حدثت طلحة بن مصرف في مرضه أن طاوسا كره الأنين، فما سمع طلحة يئن حتى مات.
وقال شعبة: كنا في جنازة طلحة بن مصرف، فأثنى عليه أبو معشر وقال: ما خلف مثله.(أعلام/2013)
قال أحمد بن عبد الله العجلي: كان طلحة يحرم النبيذ، قلت: وكان يحب عثمان رضي الله عنه فهاتان خصلتان عزيزتان في الرجل الكوفي.
توفي طلحة في آخر سنة اثنتي عشرة ومائة.(أعلام/2014)
طلق بن حبيب العنزي (م 4)
بصري زاهد كبير، من العلماء العاملين.
حدث عن ابن عباس، وابن الزبير، وجندب بن سفيان، وجابر بن عبد الله، والأحنف بن قيس، وأنس بن مالك، وعدة.
روى عنه منصور، والأعمش، وسليمان التيمي، وعوف الأعرابي، ومصعب بن شيبة، وجماعة.
وكان طيب الصوت بالقرآن، برا بوالديه.
روي عن طاوس، قال: ما رأيت أحدا أحسن صوتا منه. وكان ممن يخشى الله تعالى.
عاصم الأحول، عن بكر المزني، قال: لما كانت فتنة ابن الأشعث قال طلق بن حبيب: اتقوها بالتقوى. فقيل له: صف لنا التقوى. فقال: العمل بطاعة الله، على نور من الله، رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله، على نور من الله، مخافة عذاب الله.
قلت: أبدع وأوجز، فلا تقوى إلا بعمل، ولا عمل إلا بترو من العلم والاتباع. ولا ينفع ذلك إلا بالإخلاص لله، لا ليقال: فلان تارك للمعاصي بنور الفقه، إذ المعاصي يفتقر اجتنابها إلى معرفتها، ويكون الترك خوفا من الله، لا ليمدح بتركها، فمن داوم على هذه الوصية فقد فاز.
وروى سعد بن إبراهيم الزهري، عن طلق بن حبيب، قال: إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد، وإن نعم الله أكثر من أن تحصى، ولكن أصبحوا تائبين، وأمسوا تائبين.
قال ابن الأعرابي: كان يقال: فقه الحسن، وورع ابن سيرين، وحلم مسلم بن يسار، وعبادة طلق، وكان طلق يتكلم على الناس ويعظ.
قال حماد بن زيد، عن أيوب، قال: ما رأيت أحدا أعبد من طلق بن حبيب.
وقيل: إن الحجاج - قاتله الله - قتل طلقا مع سعيد بن جبير. ولم يصح.
قال أبو حاتم طلق صدوق، يرى الإرجاء.
قال ابن عيينة: سمعت عبد الكريم يقول: كان طلق لا يركع إذا افتتح سورة " البقرة "، حتى يبلغ " العنكبوت " وكان يقول: أشتهي أن أقوم حتى يشتكي صلبي.(أعلام/2015)
غندر، حدثنا عوف، عن طلق بن حبيب، أنه كان يقول في دعائه: اللهم إني أسألك علم الخائفين منك، وخوف العالمين بك، ويقين المتوكلين عليك، وتوكل الموقنين بك، وإنابة المخبتين إليك، وإخبات المنيبين إليك، وشكر الصابرين لك، وصبر الشاكرين لك، ولحاقا بالأحياء المرزوقين عندك.
قال أبو زرعة: طلق سمع من ابن عباس، وهو ثقة مرجئ.
قال ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، قال: لم يكن ببلدنا أحد أحسن مداراة لصلاته من طلق بن حبيب.
وعن كلثوم بن جبر، قال: كان المتمني بالبصرة يقول: عبادة طلق بن حبيب، وحلم مسلم بن يسار.
مات طلق قبل المائة.(أعلام/2016)
طليحة بن خويلد
ابن نوفل الأسدي.
البطل الكرار صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن يضرب بشجاعته المثل، أسلم سنة تسع، ثم ارتد وظلم نفسه، وتنبأ بنجد، وتمت له حروب مع المسلمين، ثم انهزم وخذل، ولحق بآل جفنة الغسانيين بالشام، ثم ارعوى وأسلم، وحسن إسلامه لما توفي الصديق، وأحرم بالحج، فلما رآه عمر قال: يا طليحة، لا أحبك بعد قتلك عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم. وكانا طليعة لخالد يوم بزاخة، فقتلهما طليحة وأخوه.
ثم شهد القادسية، ونهاوند، وكتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص: أن شاور طليحة في أمر الحرب، ولا توله شيئا.
قال محمد بن سعد: كان طليحة يعد بألف فارس لشجاعته وشدته.
قلت: أبلى يوم نهاوند ثم استشهد - رضي الله عنه وسامحه.(أعلام/2017)
عائشة أم المؤمنين (ع)
بنت الإمام الصديق الأكبر، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، بن كعب بن لؤي؛ القرشية التيمية، المكية، النبوية، أم المؤمنين، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، أفقه نساء الأمة على الإطلاق.
وأمها هي أم رومان بنت عامر بن عويمر، بن عبد شمس، بن عتاب بن أذينة الكنانية.
هاجر بعائشة أبواها، وتزوجها نبي الله قبل مهاجره بعد وفاة الصديقة خديجة بنت خويلد، وذلك قبل الهجرة ببضعة عشر شهرا، وقيل: بعامين. ودخل بها في شوال سنة اثنتين، منصرفه - عليه الصلاة والسلام - من غزوة بدر، وهي ابنة تسع.
فروت عنه علما كثيرا طيبا مباركا فيه. وعن أبيها. وعن عمر، وفاطمة، وسعد، وحمزة بن عمرو الأسلمي، وجدامة بنت وهب.(أعلام/2018)
حدث عنها إبراهيم بن يزيد النخعي مرسلا، وإبراهيم بن يزيد التيمي كذلك، وإسحاق بن طلحة، وإسحاق بن عمر، والأسود بن يزيد، وأيمن المكي، وثمامة بن حزن، وجبير بن نفير، وجميع بن عمير. والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، والحارث بن نوفل، والحسن، وحمزة بن عبد الله بن عمر، وخالد بن سعد، وخالد بن معدان - وقيل: لم يسمع منها - وخباب صاحب المقصورة، وخبيب بن عبد الله بن الزبير، وخلاس الهجري، وخيار بن سلمة، وخيثمة بن عبد الرحمن، وذكوان السمان؛ ومولاها ذكوان، وربيعة الجرشي - وله صحبة -، وزاذان أبو عمر الكندي، وزرارة بن أوفى، وزر بن حبيش، وزيد بن أسلم، وسالم بن أبي الجعد - ولم يسمعا منها - وزيد بن خالد الجهني وسالم بن عبد الله، وسالم سبلان، والسائب بن يزيد، وسعد بن هشام، وسعيد المقبري، وسعيد بن العاص، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وسليمان بن بريدة وشريح بن أرطاة، وشريح بن هانئ، وشريق الهوزني، وشقيق أبو وائل، وشهر بن حوشب، وصالح بن ربيعة بن الهدير.(أعلام/2019)
وصعصعة عم الأحنف، وطاوس، وطلحة بن عبد الله التيمي، وعابس بن ربيعة، وعاصم بن حميد السكوني، وعامر بن سعد، والشعبي، وعباد بن عبد الله بن الزبير، وعبادة بن الوليد، وعبد الله بن بريدة، وأبو الوليد عبد الله بن الحارث البصري، وابن الزبير ابن أختها، وأخوه عروة، وعبد الله بن شداد الليثي، وعبد الله بن شقيق، وعبد الله بن شهاب الخولاني، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وابن عمر وابن عباس، وعبد الله بن فروخ، وعبد الله بن أبي مليكة، وعبد الله بن عبيد بن عمير، وأبوه، وعبد الله بن عكيم، وعبد الله بن أبي قيس، وابنا أخيها: عبد الله والقاسم، ابنا محمد، وعبد الله بن أبي عتيق محمد بن أخيها عبد الرحمن، وعبد الله بن واقد العمري، ورضيعها عبد الله بن يزيد، وعبد الله البهي وعبد الرحمن بن الأسود، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
وعبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني، وعبد الرحمن بن شماسة، وعبد الرحمن بن عبد الله بن سابط الجمحي، وعبد العزيز، والد ابن جريج، وعبيد الله بن عبد الله، وعبيد الله بن عياض وعراك - ولم يلقها - وعروة المزني، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، وعكرمة، وعلقمة وعلقمة بن وقاص، وعلي بن الحسين، وعمرو بن سعيد الأشدق، وعمرو بن شرحبيل، وعمرو بن غالب، وعمرو بن ميمون، وعمران بن حطان، وعوف بن الحارث، رضيعها، وعياض بن عروة، وعيسى بن طلحة، وغضيف بن الحارث، وفروة بن نوفل، والقعقاع بن حكيم، وقيس بن أبي حازم، وكثير بن عبيد الكوفي. رضيعها، وكريب، ومالك بن أبي عامر، ومجاهد، ومحمد بن إبراهيم التيمي - إن كان لقيها - ومحمد بن الأشعث.(أعلام/2020)
ومحمد بن زياد الجمحي، وابن سيرين، ومحمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو جعفر الباقر - ولم يلقها - ومحمد بن قيس بن مخرمة، ومحمد بن المنتشر، ومحمد بن المنكدر - وكأنه مرسل - ومروان العقيلي أبو لبابة ومسروق، ومصدع أبو يحيى ومطرف بن الشخير، ومقسم مولى ابن عباس، والمطلب بن عبد الله بن حنطب، ومكحول - ولم يلحقها - وموسى بن طلحة، وميمون بن أبي شبيب، وميمون بن مهران، ونافع بن جبير، ونافع بن عطاء، ونافع العمري، والنعمان بن بشير، وهمام بن الحارث، وهلال بن يساف، ويحيى بن الجزار ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، ويحيى بن يعمر، ويزيد بن بابنوس ويزيد بن الشخير، ويعلى بن عقبة، ويوسف بن ماهك وأبو أمامة بن سهل.
وأبو بردة بن أبي موسى، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وأبو الجوزاء الربعي، وأبو حذيفة الأرحبي، وأبو حفصة، مولاها، وأبو الزبير المكي - وكأنه مرسل - وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وأبو الشعثاء المحاربي، وأبو الصديق الناجي، وأبو ظبيان الجنبي، وأبو العالية رفيع الرياحي، وأبو عبد الله الجدلي وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وأبو عثمان النهدي، وأبو عطية الوادعي، وأبو قلابة الجرمي - ولم يلقها - وأبو المليح الهذلي، وأبو موسى، وأبو هريرة، وأبو نوفل بن أبي عقرب، وأبو يونس مولاها، وبهية مولاة الصديق، وجسرة بنت دجاجة، وحفصة بنت أخيها عبد الرحمن، وخيرة والدة الحسن البصري، وذفرة بنت غالب، وزينب بنت أبي سلمة، وزينب بنت نصر، وزينب السهمية، وسمية البصرية، وشميسة العتكية، وصفية بنت شيبة، وصفية بنت أبي عبيد، وعائشة بنت طلحة، وعمرة بنت عبد الرحمن، ومرجانة، والدة علقمة بن أبي علقمة، ومعاذة العدوية، وأم كلثوم التيمية. أختها، وأم محمد، امرأة والد علي بن زيد بن جدعان. وطائفة سوى هؤلاء.(أعلام/2021)
مسند " عائشة يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث. اتفق لها البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين.
وعائشة ممن ولد في الإسلام، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين، وكانت تقول: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين.
وذكرت أنها لحقت بمكة سائس الفيل شيخا أعمى يستعطي.
وكانت امرأة بيضاء جميلة. ومن ثم يقال لها: الحميراء. ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها، ولا أحب امرأة حبها، ولا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل ولا في النساء مطلقا، امرأة أعلم منها.
وذهب بعض العلماء إلى أنها أفضل من أبيها، وهذا مردود، وقد جعل الله لكل شيء قدرا، بل نشهد أنها زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مفخر - وإن كان للصديقة خديجة شأو لا يلحق، وأنا واقف في أيتهما أفضل -. نعم جزمت بأفضلية خديجة عليها لأمور ليس هذا موضعها.
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أريتك في المنام ثلاث ليال، جاء بك الملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه.
وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن علقمة المكي، عن ابن أبي حسين، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة: أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة.
حسنه الترمذي وقال: لا نعرفه إلا من حديث عبد الله. ورواه عبد الرحمن بن مهدي عنه مرسلا.(أعلام/2022)
بشر بن الوليد القاضي: حدثنا عمر بن عبد الرحمن عن سليمان الشيباني، عن علي بن زيد بن جدعان، عن جدته، عن عائشة أنها قالت: لقد أعطيت تسعا ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران: لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكرا، وما تزوج بكرا غيري، ولقد قبض ورأسه في حجري، ولقد قبرته في بيتي، ولقد حفت الملائكة ببيتي، وإن كان الوحي لينزل عليه وإني لمعه في لحافه، وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة عند طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما رواه أبو بكر الآجري، عن أحمد بن يحيى الحلواني عنه. وإسناده جيد وله طريق آخر سيأتي.
وكان تزويجه صلى الله عليه وسلم بها إثر وفاة خديجة، فتزوج بها وبسودة في وقت واحد، ثم دخل بسودة، فتفرد بها ثلاثة أعوام حتى بنى بعائشة في شوال بعد وقعة بدر، فما تزوج بكرا سواها، وأحبها حبا شديدا كان يتظاهر به، بحيث إن عمرو بن العاص، وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة، سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة. قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها.
وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض، وما كان عليه السلام ليحب إلا طيبا. وقد قال: لو كنت متخذا خليلا من هذه الأمة، لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام أفضل فأحب أفضل رجل من أمته وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حري أن يكون بغيضا إلى الله ورسوله.
وحبه عليه السلام لعائشة كان أمرا مستفيضا، ألا تراهم كيف كانوا يتحرون بهداياهم يومها تقربا إلى مرضاته.(أعلام/2023)
قال حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة. قالت: فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة، فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فقولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان، فذكرت أم سلمة له ذلك، فسكت، فلم يرد عليها، فعادت الثانية، فلم يرد عليها، فلما كانت الثالثة قال: يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها متفق على صحته.
وهذا الجواب منه دال على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبه لها، وأن ذلك الأمر من أسباب حبه لها.(أعلام/2024)
إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا أخي أبو بكر، عن سليمان بن بلال، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر أم سلمة وسائر أزواجه. وكانوا المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها، حتى إذا كان في بيت عائشة بعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، فتكلم حزب أم سلمة فقلن لها: كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس، فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله هدية فليهد إليه حيث كان من نسائه، فكلمته أم سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئا، فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئا، فقلن: كلميه. قالت: فكلمته حين دار إليها، فلم يقل لها شيئا، فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئا، فقلن لها: كلميه، فدار إليها فكلمته، فقال لها: لا تؤذيني في عائشة؛ فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة، فقالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقول إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر، فكلمته، فقال: يا بنية، ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى، فرجعت إليهن وأخبرتهن، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع، فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته فأغلظت، وقالت: إن نساءك ينشدنك الله العدل في ابنة أبي قحافة، فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة، وهي قاعدة، فسبتها حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تتكلم، قال: فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة، وقال: إنها ابنة أبي بكر.(أعلام/2025)
فضيلة: إسماعيل بن جعفر: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن، سمع أنسا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام متفق عليه من طرق عن أبي طوالة.
شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.(أعلام/2026)
عاصم بن أبي النجود (4، خ، م مقرونا)
الإمام الكبير مقرئ العصر، أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي واسم أبيه بهدلة، وقيل: بهدلة أمه، وليس بشيء، بل هو أبوه، مولده في إمرة معاوية بن أبي سفيان. وقرأ القرآن على أبي عبد الرحمن السلمي، وزر بن حبيش الأسدي، وحدث عنهما، وعن أبي وائل، ومصعب بن سعد، وطائفة من كبار التابعين، وروى فيما قيل عن الحارث بن حسان البكري، ورفاعة بن يثربي التميمي أو التيمي، ولهما صحبة. وهو معدود في صغار التابعين.
حدث عنه عطاء بن أبي رباح، وأبو صالح السمان، وهما من شيوخه، وسليمان التيمي، وأبو عمرو بن العلاء، وشعبة، والثوري، وحماد بن سلمة، وشيبان النحوي، وأبان بن يزيد، وأبو عوانة، وأبو بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة وعدد كثير. وتصدر للإقراء مدة بالكوفة، فتلا عليه أبو بكر، وحفص بن سليمان، والمفضل بن محمد الضبي، وسليمان الأعمش، وأبو عمرو، وحماد بن شعيب، وأبان العطار، والحسن بن صالح، وحماد بن أبي زياد، ونعيم بن ميسرة وآخرون. وانتهت إليه رئاسة الإقراء بعد أبي عبد الرحمن السلمي شيخه، قال أبو بكر بن عياش: لما هلك أبو عبد الرحمن، جلس عاصم يقرئ الناس، وكان أحسن الناس صوتا بالقرآن، حتى كأن في حنجرته جلاجل.
قال أبو خيثمة وغيره: اسم أبي النجود بهدلة، وقال أبو حفص الفلاس: بهدلة أمه.
قال أبو عبيد: كان من قراء أهل الكوفة يحيى بن وثاب، وعاصم بن أبي النجود، وسليمان الأعمش، وهم من موالي بني أسد.
ابن الأصبهاني، ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن الحارث بن حسان، قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر، وبلال قائم متقلد سيفا أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق، يقول: ما رأيت أحدا أقرأ من عاصم.(أعلام/2027)
يحيى بن آدم: حدثنا الحسن بن صالح، قال: ما رأيت أحدا قط أفصح من عاصم بن أبي النجود، إذا تكلم كاد يدخله خيلاء.
عفان: حدثنا حماد، أنبأنا عاصم بن أبي النجود، قال: ما قدمت على أبي وائل من سفر إلا قبل كفي.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن عاصم بن بهدلة، فقال: رجل صالح خير ثقة، قلت: أي القراءات أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة، فإن لم يكن، فقراءة عاصم.
أبو كريب: حدثنا أبو بكر، قال لي عاصم: مرضت سنتين، فلما قمت قرأت القرآن فما أخطأت حرفا.
منجاب بن الحارث ; حدثنا شريك، قال: كان عاصم صاحب همز ومد وقراءة شديدة.
أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن شمر بن عطية، قال: قام فينا رجلان أحدهما أقرأ القرآن لقراءة زيد وهو عاصم، والآخر أقرأ الناس لقراءة عبد الله وهو الأعمش.
قال أحمد العجلي: عاصم صاحب سنة وقراءة، كان رأسا في القرآن قدم البصرة فأقرأهم، قرأ عليه سلام أبو المنذر، وكان عثمانيا. قرأ عليه الأعمش في حداثته، ثم قرأ بعده على يحيى بن وثاب.
قال أبو بكر بن عياش: كان عاصم نحويا فصيحا إذا تكلم، مشهور الكلام، وكان هو والأعمش وأبو حصين الأسدي لا يبصرون. جاء رجل يوما يقود عاصما فوقع وقعة شديدة فما نهره، ولا قال له شيئا.
حماد بن زيد، عن عاصم، قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي، ونحن غلمة أيفاع.
قلت: هذا يوضح أنه قرأ القرآن على السلمي في صغره.
قال أبو بكر: قال عاصم: من لم يحسن من العربية إلا وجها واحدا لم يحسن شيئا، ثم قال: ما أقرأني أحد حرفا إلا أبو عبد الرحمن، وكان قد قرأ على علي -رضي الله عنه- وكنت أرجع من عنده فأعرض على زر بن حبيش، وكان زر قد قرأ على ابن مسعود، فقلت لعاصم: لقد استوثقت. رواها يحيى بن آدم عن أبي بكر، ثم قال: ما أحصي ما سمعت أبا بكر يذكر هذا عن عاصم.(أعلام/2028)
وروى جماعة عن عمرو بن الصباح، عن حفص الغاضري، عن عاصم، عن أبي عبد الرحمن، عن علي بالقراءة، وذكر عاصم أنه لم يخالف أبا عبد الرحمن في شيء من قراءته، وأن أبا عبد الرحمن لم يخالف عليا -رضي الله عنه- في شيء من قراءته. وروى أحمد بن يونس، عن أبي بكر، قال: كل قراءة عاصم قراءة أبي عبد الرحمن إلا حرفا.
أبو بكر عن عاصم، قال: كان أبو عمرو الشيباني يقرئ الناس في المسجد الأعظم، فقرأت عليه، ثم سألته عن آية، فاتهمني بهوى، فكنت إذا دخلت المسجد يشير إلي، ويحذر أصحابه مني. وروي عن حفص بن سليمان، قال: قال لي عاصم: ما كان من القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن، فهي التي أقرأتك بها، وما كان من القراءة التي أقرأت بها أبا بكر بن عياش، فهي القراءة التي عرضتها على زر عن ابن مسعود.
قال سلمة بن عاصم: كان عاصم بن أبي النجود ذا أدب ونسك وفصاحة، وصوت حسن.
يزداد بن أبي حماد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر، قال: لم يكن عاصم يعد " الم " آية، ولا " حم " آية، ولا " كهيعص " آية، ولا " طه " آية ولا نحوها.
زياد بن أيوب: حدثنا أبو بكر، قال: كان عاصم إذا صلى ينتصب كأنه عود، وكان يكون يوم الجمعة في المسجد إلى العصر، وكان عابدا خيرا يصلي أبدا، ربما أتى حاجة، فإذا رأى مسجدا، قال: مل بنا، فإن حاجتنا لا تفوت، ثم يدخل، فيصلي.
حسين الجعفي، عن صالح بن موسى، قال: سمعت أبي سأل عاصم بن أبي النجود، فقال: يا أبا بكر علام تضعون هذا من علي -رضي الله عنه- " خير هذه الأمة بعد نبيها، أبو بكر وعمر. وعلمت مكان الثالث "؟ فقال عاصم: ما نضعه إلا أنه عنى عثمان هو كان أفضل من أن يزكي نفسه.
قال أبو بكر بن عياش: دخلت على عاصم، وهو في الموت فقرأ: (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) بكسر الراء وهي لغة لهذيل.(أعلام/2029)
أبو هشام الرفاعي: حدثنا يحيى، حدثنا أبو بكر، قال: دخلت على عاصم فأغمي عليه، ثم أفاق ثم قرأ قوله تعالى: (ثم ردوا إلى الله) الآية فهمز فعلمت أن القراءة منه سجية.
قلت: كان عاصم ثبتا في القراءة، صدوقا في الحديث، وقد وثقه أبو زرعة وجماعة، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وقال الدارقطني: في حفظه شيء يعني: للحديث لا للحروف، وما زال في كل وقت يكون العالم إماما في فن مقصرا في فنون. وكذلك كان صاحبه حفص بن سليمان ثبتا في القراءة، واهيا في الحديث، وكان الأعمش بخلافه كان ثبتا في الحديث، لينا في الحروف، فإن للأعمش قراءة منقولة في كتاب " المنهج " وغيره لا ترتقي إلى رتبة القراءات السبع، ولا إلى قراءة يعقوب وأبي جعفر. والله أعلم.
قال النسائي: عاصم ليس بحافظ.
توفي عاصم في آخر سنة سبع وعشرين ومائة وقال إسماعيل بن مجالد: توفي في سنة ثمان وعشرين ومائة، قلت: حديثه في الكتب الستة، لكن في " الصحيحين " متابعة، وهذا الحديث أعلى ما وقع لي من حديث عاصم بيني وبينه سبعة أنفس. قرأت على إسحاق بن طارق، أخبركم يوسف بن خليل، أنبأنا خليل بن بدر، وعلي بن قادشاه (ح) وأنبأني عن خليل وعلي أحمد بن سلامة أن أبا علي الحداد أخبرهما، قال: أنبأنا أبو نعيم، أنبأنا عبد الله بن فارس حدثنا محمد بن عاصم، حدثنا سفيان بن عيينة، قال عاصم، عن زر، قال: أتيت صفوان بن عسال فقال لي: ما جاء بك؟ فقلت: ابتغاء العلم، قال: فإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب وذكر الحديث.(أعلام/2030)
عامر بن ربيعة (ع)
ابن كعب بن مالك. أبو عبد الله العنزي، عنز بن وائل. من حلفاء آل عمر بن الخطاب ; العدوي.
من السابقين الأولين أسلم قبل عمر، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا.
قال ابن إسحاق: أول من قدم المدينة مهاجرا: أبو سلمة بن عبد الأسد، وبعده، عامر بن ربيعة.
له أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وعن أبي بكر، وعمر.
حدث عنه: ولده عبد الله، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو أمامة بن سهل ; وغيرهم.
وكان الخطاب قد تبناه. وكان معه لواء عمر لما قدم الجابية.
قال الواقدي: كان موت عامر بن ربيعة بعد قتل عثمان بأيام. وكان لزم بيته، فلم يشعر الناس إلا بجنازته قد أخرجت.
روى يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة: أن أباه رئي في المنام حين طعنوا على عثمان، فقيل له: قم فسل الله أن يعيذك من الفتنة.
توفي عامر سنة خمس وثلاثين قبل مقتل عثمان بيسير.
جعفر بن عون: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: لما طعنوا على عثمان، صلى أبي في الليل، ودعا، فقال: اللهم قني من الفتنة بما وقيت به الصالحين من عبادك، فما أخرج، ولا أصبح، إلا بجنازته.(أعلام/2031)
عباد بن بشر
ابن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل.
الإمام أبو الربيع الأنصاري الأشهلي، أحد البدريين.
كان من سادة الأوس، عاش خمسا وأربعين سنة، وهو الذي أضاءت له عصاته ليلة انقلب إلى منزله من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
أسلم على يد مصعب بن عمير، وكان أحد من قتل كعب بن الأشرف اليهودي واستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدقات مزينة وبني سليم، وجعله على حرسه في غزوة تبوك، وكان كبير القدر - رضي الله عنه.
أبلى يوم اليمامة بلاء حسنا، وكان أحد الشجعان الموصوفين.
ابن إسحاق: عن يحيى بن عباد بن عبد الله عن أبيه، قال: قالت عائشة: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وعباد بن بشر، وأسيد بن حضير
آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة.
وروي بإسناد ضعيف عن أبي سعيد الخدري: سمع عباد بن بشر يقول: رأيت الليلة كأن السماء فرجت لي، ثم أطبقت علي، فهي إن شاء الله الشهادة. نظر يوم اليمامة وهو يصيح: احطموا جفون السيوف. وقاتل حتى قتل بضربات في وجهه - رضي الله عنه.
ابن إسحاق: عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة قال: تهجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، فسمع صوت عباد بن بشر، فقال: يا عائشة، هذا صوت عباد بن بشر؟ قلت: نعم. قال: اللهم اغفر له.
حماد بن سلمة: عن محمد بن إسحاق، عن حصين بن عبد الرحمن الخطمي، عن عبد الرحمن بن ثابت الأنصاري، عن عباد بن بشر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا معشر الأنصار، أنتم الشعار والناس الدثار.
قال علي بن المديني: لا أحفظ لعباد سواه.(أعلام/2032)
عباد بن بشر بن قيظي الأشهلي، قال ابن الأثير: وقع تخبيط في اسم جده. قال: وإنما هو عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن الأوس الأوسي.
استشهد - رضي الله عنه - يوم اليمامة.
أما عباد بن بشر بن قيظي، فهو أنصاري من بني حارثة، أم قومه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - له حديث في الاستدارة في الصلاة إلى الكعبة. والله أعلم.
قال عباد بن عبد الله بن الزبير: ما سماني أبي عبادا إلا به - يعني بالأشهلي.
ومن شعره:
صرخت له فلم يعرض لصوتي
ووافى طالعا من رأس جذر
فعدت له فقال من المنادي
فقلت أخوك عباد بن بشر
وهذي درعنا رهنا فخذها
لشهر إن وفى أو نصف شهر
فقال: معاشر سغبوا وجاعوا
وما عدموا الغنى من غير فقر
فأقبل نحونا يهوي سريعا
وقال لنا لقد جئتم لأمر
وفي أيماننا بيض حداد
مجربة، بها الكفار نفري
فعانقه ابن مسلمة المردي
به الكفار كالليث الهزبر
وشد بسيفه صلتا عليه
فقطره أبو عبس بن جبر
وكان الله سادسنا فأبنا
بأنعم نعمة وأعز نصر
لعباد حديث واحد مر، وهو لابن إسحاق، عن حصين بن عبد الرحمن الأنصاري، عن عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت، عن عباد بن بشر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا معشر الأنصار، أنتم الشعار والناس الدثار، فلا أوتين من قبلكم.(أعلام/2033)
عباد بن منصور (4)
الإمام القاضي أبو سلمة الناجي البصري.
عن: عكرمة، والقاسم، وعطاء، وأبي الضحى، وعدة.
وعنه: يحيى القطان، ويزيد بن هارون، والنضر بن شميل، وروح، وأبو عاصم، وآخرون.
قال أبو داود: ولي قضاء البصرة خمس سنين وكان يأخذ دقيق الأرز في إزاره كل عشية.
وقال أبو حاتم: ضعيف، يكتب حديثه. وقال ابن معين: هو وعباد بن كثير وعباد بن راشد ليس حديثهم بالقوي.
وقال ابن حبان: قدري، داعية، كل ما روى عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى، عن داود بن الحصين، عنه، فدلسها عن عكرمة. مات عباد على بطن أهله سنة اثنتين وخمسين ومائة.(أعلام/2034)
عبادة (خ، م)
ابن الوليد بن عبادة بن الصامت الفقيه أبو الصامت الأنصاري. مدني حجة، وهو أخو يحيى.
يروي عن جده، وأبي أيوب، وعائشة، وجماعة. وعنه أبو حزرة يعقوب بن مجاهد، ويحيى بن سعيد، وعبيد الله بن عمر، وابن إسحاق وثقه أبو زرعة.(أعلام/2035)
عبادة بن الصامت (ع)
ابن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن [عمرو بن عوف] بن الخزرج، الإمام القدوة، أبو الوليد الأنصاري، أحد النقباء ليلة العقبة، ومن أعيان البدريين سكن بيت المقدس.
حدث عنه أبو أمامة الباهلي، وأنس بن مالك، وأبو مسلم الخولاني الزاهد، وجبير بن نفير، وجنادة بن أبي أمية، وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، ومحمود بن الربيع، وأبو إدريس الخولاني، وأبو الأشعث الصنعاني، وابنه الوليد بن عبادة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وخالد بن معدان - ولم يلحقاه، فهو مرسل - وابن زوجته أبو أبي، وكثير بن مرة، وحطان بن عبد الله الرقاشي، وآخرون.
قال ابن إسحاق في تسمية من شهد العقبة الأولى: عبادة بن الصامت. شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. محمد بن سابق، حدثنا حشرج بن نباتة، عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي: سمع أبا قلابة يقول: حدثني الصنابحي: أن عبادة بن الصامت حدثه، قال: خلوت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أي أصحابك أحب إليك حتى أحبه؟ قال: اكتم علي حياتي: أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم علي. ثم سكت، فقلت: ثم من يا رسول الله؟ قال: من عسى أن يكون إلا الزبير، وطلحة، وسعد، وأبو عبيدة، ومعاذ، وأبو طلحة، وأبو أيوب، وأنت يا عبادة، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وابن عوف، وابن عفان، ثم هؤلاء الرهط من الموالي: سلمان، وصهيب، وبلال، وعمار(أعلام/2036)
قال محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ، وعبادة، وأبي، وأبو أيوب، وأبو الدرداء، فلما كان عمر، كتب يزيد بن أبي سفيان إليه: إن أهل الشام كثير، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فقال: أعينوني بثلاثة، فقالوا: هذا شيخ كبير - لأبي أيوب - وهذا سقيم - لأبي - فخرج الثلاثة إلى الشام، فقال: ابدءوا بحمص، فإذا رضيتم منهم، فليخرج واحد إلى دمشق، وآخر إلى فلسطين.
برد بن سنان، عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب، عن أبيه: أن عبادة أنكر على معاوية شيئا، فقال: لا أساكنك بأرض، فرحل إلى المدينة، قال له عمر: ما أقدمك؟ فأخبره بفعل معاوية، فقال [له] : ارحل إلى مكانك، فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك، فلا إمرة له عليك.
ابن أبي أويس، عن أبيه، عن الوليد بن داود بن محمد بن عبادة بن الصامت عن ابن عمه عبادة بن الوليد، قال: كان عبادة بن الصامت مع معاوية، فأذن يوما، فقام خطيب يمدح معاوية، ويثني عليه، فقام عبادة بتراب في يده، فحشاه في فم الخطيب، فغضب معاوية، فقال له عبادة: إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة، على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومكسلنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم بالحق حيث كنا، لا نخاف في الله لومة لائم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في أفواههم التراب.
يحيى القطان: حدثنا ثور بن يزيد، حدثنا مالك بن شرحبيل، قال: قال عبادة بن الصامت: ألا تروني لا أقوم إلا رفدا ولا آكل إلا ما لوق - يعني: لين وسخن - وقد مات صاحبي منذ زمان - يعني ذكره - وما يسرني أني خلوت بامرأة لا تحل لي، وإن لي ما تطلع عليه الشمس، مخافة أن يأتي الشيطان، فيحركه، على أنه لا سمع له ولا بصر.(أعلام/2037)
إسماعيل بن عياش، عن ابن خثيم، حدثنا إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، قال: كتب معاوية إلى عثمان: إن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام وأهله، فإما أن تكفه إليك، وإما أن أخلي بينه وبين الشام.
فكتب إليه: أن رحل عبادة حتى ترجعه إلى داره بالمدينة.
قال: فدخل على عثمان، فلم يفجأه إلا به وهو معه في الدار، فالتفت إليه، فقال: يا عبادة ما لنا ولك؟ فقام عبادة بين ظهراني الناس، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى، ولا تضلوا بربكم.
يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه: أن عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة وهو بالشام، تحمل الخمر، فقال: ما هذه؟ أزيت؟ قيل: لا، بل خمر يباع لفلان، فأخذ شفرة من السوق، فقام إليها، فلم يذر فيها راوية إلا بقرها - وأبو هريرة إذ ذاك بالشام - فأرسل فلان إلى أبي هريرة، فقال: ألا تمسك عنا أخاك عبادة، أما بالغدوات، فيغدو إلى السوق يفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشي، فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا! .
قال: فأتاه أبو هريرة، فقال: يا عبادة، ما لك ولمعاوية؟ ذره وما حمل، فقال: لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا يأخذنا في الله لومة لائم، فسكت أبو هريرة، وكتب فلان إلى عثمان: إن عبادة قد أفسد علي الشام.
الوليد بن مسلم، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة: أن عبادة بن الصامت مر بقرية دمر فأمر غلامه أن يقطع له سواكا من صفصاف على نهر بردى، فمضى ليفعل ثم قال له: ارجع، فإنه إن لا يكن بثمن، فإنه ييبس، فيعود حطبا بثمن.(أعلام/2038)
وعن أبي حزرة يعقوب بن مجاهد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن أبيه، قال: كان عبادة رجلا طوالا جسيما جميلا. مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
قال ابن سعد: وسمعت من يقول: إنه بقي حتى توفي زمن معاوية في خلافته.
وقال يحيى بن بكير وجماعة: مات سنة أربع وثلاثين وقال ضمرة، عن رجاء بن أبي سلمة، قال: قبر عبادة ببيت المقدس، وقال الهيثم بن عدي: مات سنة خمس وأربعين رضي الله عنه.
قلت: ساق له بقي في مسنده مائة وأحدا وثمانين حديثا، وله في البخاري ومسلم ستة، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بحديثين.(أعلام/2039)
عباس بن سهل (خ، م، د، ت، ق)
ابن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي المدني الفقيه، أحد ثقات التابعين.
روى عن أبيه، وسعيد بن زيد العدوي، وأبي هريرة، وأبي حميد الساعدي وعدة. وكان مولده في نحو خمس وعشرين. في أول خلافة عثمان.
حدث عنه ابناه أبي وعبد المهيمن، والعلاء بن عبد الرحمن، ومحمد بن إسحاق، وعبد الرحمن بن الغسيل، وفليح بن سليمان.
وثقه يحيى بن معين وغيره. وقد آذاه الحجاج وضربه، واعتدى عليه، لكونه كان من أصحاب ابن الزبير، فجاء أبوه سهل بن سعد يشفع فيه وقال: ألا تحفظ فينا وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم فأطلقه وكاشر عنه. قيل: توفي قريبا من سنة عشرين ومائة بالمدينة.(أعلام/2040)
عبد (م، ت)
هو الإمام الحافظ الحجة الجوال أبو محمد، عبد بن حميد بن نصر، الكسي، ويقال له: الكشي، بالفتح والإعجام، يقال: اسمه عبد الحميد.
ولد بعد السبعين ومائة.
وحدث عن: علي بن عاصم الواسطي، ومحمد بن بشر العبدي، وابن أبي فديك، ويزيد بن هارون، ويحيى بن آدم، وأبي علي الحنفي، وأبي داود الحفري، وعبد الرزاق، وجعفر بن عون، وأبي أسامة، وأبي داود الطيالسي، وأبي بدر السكوني، وعبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي، وسلم بن قتيبة، وزيد بن الحباب، وعبد الله بن بكر، وعمر بن يونس اليمامي، والواقدي، ومحاضر بن المورع، ومصعب بن المقدام، وأبي عاصم، وخلق كثير مذكورين في " تفسيره الكبير "، وفي " مسنده " الذي وقع لنا المنتخب منه.
حدث عنه: مسلم، والترمذي، والبخاري تعليقا في دلائل النبوة من " صحيحه "، فقال: وقال عبد الحميد: حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا معاذ بن العلاء، عن نافع، عن ابن عمر في حنين الجذع. فقيل: هذا هو عبد. وروى أيضا ولده محمد عنه، وبكر بن المرزبان، وشريح بن أبي عبد الله النسفي الزاهد، والمكي بن نوح المقرئ، وعمر بن محمد بن بجير، ومحمد بن عبد بن عامر السمرقندي، وإبراهيم بن خزيم بن قمير الشاشي، وأبو معاذ العباس بن إدريس بن الفرج الكسي، وأبو سعيد حاتم بن حسن الشاشي، والحسن بن الفضل بن أبي البزاز، وأبو عمر حفص بن بوخاش، وسلمان بن إسرائيل بن جابر الخجندي، وسهل بن شاذويه البخاري، وأبو سعيد الشاه بن جعفر بن حبيب النسفي، وأبو بكر محمد بن عمر بن منصور الكشي، ومحمد بن موسى بن الهذيل النسفي، ومحمود بن عنبر بن نعيم الأزدي النسفي، وغيرهم من أهل ما وراء النهر ممن لا نعرف أحوالهم.(أعلام/2041)
قال أبو حاتم البستي في كتاب " الثقات ": عبد الحميد بن حميد بن نصر الكشي، وهو الذي يقال له: عبد بن حميد، وكان ممن جمع وصنف، مات سنة تسع وأربعين ومائتين.
قلت: فأما قول من قال: إنه توفي بدمشق، فإنه خطأ فاحش. فإن الرجل ما رأى دمشق لا في ارتحاله، ولا في شيخوخته. وقد وقع لنا المنتخب عاليا، ثم لصغار أولادنا.
أخبرنا أبو الحسين اليونيني، وجماعة، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا أبو الحسن الداودي، أخبرنا ابن حمويه، أخبرنا إبراهيم بن خزيم، حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا علي بن عاصم، عن الجريري، عن أبي نضرة، حدثني أبو سعيد الخدري، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة، فقال له الناس: يا رسول الله، قد كثر الناس، وإنهم يحبون أن يروك، فلو اتخذت منبرا تقوم عليه. قال: من يجعل لنا هذا؟ فقال رجل: أنا، ولم يقل: إن شاء الله، فقال: وما اسمك؟ قال: فلان. قال: اقعد، ثم عاد، فقال كقوله، فقام رجل. فقال: تجعله؟ قال: نعم، إن شاء الله. قال: ما اسمك؟ قال: إبراهيم. قال: اجعله، فلما كان يوم الجمعة، اجتمع الناس للنبي -صلى الله عليه وسلم- من آخر المسجد، فلما صعد المنبر، فاستوى عليه، واستقبل الناس، حنت النخلة، حتى أسمعتني، وأنا في آخر المسجد. قال: فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المنبر، فاعتنقها، فلم يزل حتى سكنت، ثم عاد إلى المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن هذه النخلة إنما حنت شوقا إلى رسول الله لما فارقها. فوالله لو لم أنزل إليها فأعتنقها، لما سكنت إلى يوم القيامة.
هذا حديث متصل الإسناد غريب.
ومات معه في العام عمرو بن علي الفلاس، وهشام بن خالد الأزرق، ومحمود بن خالد الدمشقي، ورجاء بن مرجى الحافظ، وخلاد بن أسلم، وسعيد بن يحيى الأموي، وآخرون.(أعلام/2042)
عبد الحميد بن جعفر (م، 4)
ابن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري المديني، الإمام المحدث الثقة أبو سعد.
حدث عن: أبيه، ونافع، ومحمد بن عمر بن عطاء، وسعيد المقبري، وعم أبيه عمر بن الحكم، ويزيد بن أبي حبيب، وجماعة. وعنه: يحيى القطان، وابن وهب، وأبو أسامة، وأبو عاصم، والواقدي، وبكر بن بكار، وآخرون.
قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس. وكذا قال النسائي.
وكان سفيان الثوري ينقم عليه خروجه مع محمد بن عبد الله بن حسن وكان من فقهاء المدينة.
قال ابن المديني: سمعت يحيى يقول: كان سفيان يحمل على عبد الحميد، فكلمته فيه، فقلت: ما شأنه؟ ثم قال يحيى: ما أدري ما شأنه وشأنه.
ونقل عباس عن ابن معين، قال: كان يحيى بن سعيد يضعف عبد الحميد بن جعفر، وقد روى عنه.
قال ابن معين: كان عبد الحميد ثقة يرمى بالقدر.
قلت: قد لطخ بالقدر جماعة، وحديثهم في " الصحيحين "، أو أحدهما ; لأنهم موصوفون بالصدق والإتقان. مات عبد الحميد في سنة ثلاث وخمسين ومائة احتج به الجماعة سوى البخاري، وهو حسن الحديث.(أعلام/2043)
عبد الرحمن (ت، ق)
ابن زيد بن أسلم العمري المدني، أخو أسامة، وعبد الله، وفيهم لين.
وكان عبد الرحمن صاحب قرآن وتفسير جمع تفسيرا في مجلد، وكتابا في الناسخ والمنسوخ. وحدث عن أبيه، وابن المنكدر.
روى عنه أصبغ بن الفرج، وقتيبة، وهشام بن عمار، وآخرون. توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة.(أعلام/2044)
عبد الرحمن (ق)
ابن حسان بن ثابت الأنصاري المدني الشاعر ابن الشاعر، وأمه هي سيرين خالة إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم -.
حدث عن أبويه، وزيد بن ثابت.
وعنه ابنه سعيد، وعبد الرحمن بن بهمان، وهو نزر الحديث. قيل: ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وعاش نيفا وتسعين سنة. وهو القائل في بنت معاوية:
هي زهراء مثل لؤلؤة الغوا
ص ميزت من جوهر مكنون
فإذا ما نسبتها لم تجدها
في سنا من المكارم دون
فقال معاوية: صدق، قيل: فإنه يقول:
ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء
تمشي في مرمر مسنون
فقال معاوية: كذب. قيل: توفي سنة أربع ومائة.(أعلام/2045)
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (ع)
شقيق أم المؤمنين عائشة.
حضر بدرا مع المشركين ; ثم إنه أسلم وهاجر قبيل الفتح. وأما جده أبو قحافة فتأخر إسلامه إلى يوم الفتح.
وكان هذا أسن أولاد الصديق. وكان من الرماة المذكورين والشجعان. قتل يوم اليمامة سبعة من كبارهم. له أحاديث نحو الثمانية. اتفق الشيخان على ثلاثة منها.
روى عنه ابناه: عبد الله، وحفصة، وابن أخيه القاسم بن محمد، وأبو عثمان النهدي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعمرو بن أوس الثقفي، وابن أبي مليكة. وآخرون.
وهو الذي أمره النبي - صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع أن يعمر أخته عائشة من التنعيم.
له ترجمة في " تاريخ دمشق ".
توفي في سنة ثلاث وخمسين.
هكذا ورخوه. ولا يستقيم ; فإن في " صحيح مسلم ": أنه دخل على عائشة يوم موت سعد، فتوضأ. فقالت له: أسبغ الوضوء. سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: ويل للأعقاب من النار.
وقد هوى ابنة الجودي، وتغزل فيها بقوله:
تذكرت ليلى والسماوة دونها
فما لابنة الجودي ليلى وماليا
وأنى تعاطي قلبه حارثية
تدمن بصرى أو تحل الجوابيا
وأنى تلاقيها بلى ولعلها
إن الناس حجوا قابلا أن توافيا
فقال عمر لأمير عسكره: إن ظفرت بهذه عنوة، فادفعها إلى ابن أبي بكر. فظفر بها، فدفعها إليه. فأعجب بها، وآثرها على نسائه، حتى شكونه إلى عائشة، فقالت له: لقد أفرطت. فقال: والله، إني لأرشف من ثناياها حب الرمان. فأصابها وجع، فسقطت أسنانها ; فجفاها، حتى شكته إلى عائشة. فكلمته. قال: فجهزها إلى أهلها. وكانت من بنات الملوك.
قال ابن أبي مليكة: توفي عبد الرحمن بالصفاح وحمل، فدفن بمكة.
وقد صح في مسلم في الوضوء: أن عبد الرحمن خرج إلى جنازة سعد بن أبي وقاص. فهذا يدل على أنه عاش بعد سعد.(أعلام/2046)
عبد الرحمن بن أبي ليلى
الإمام العلامة الحافظ، أبو عيسى الأنصاري الكوفي، الفقيه، ويقال: أبو محمد، من أبناء الأنصار، ولد في خلافة الصديق أو قبل ذلك.
وحدث عن عمر، وعلي، وأبي ذر، وابن مسعود، وبلال، وأبي بن كعب، وصهيب، وقيس بن سعد، والمقداد، وأبي أيوب، ووالده ومعاذ بن جبل - وما إخاله لقيه، مع كون ذلك في السنن الأربعة.
وقيل بل ولد في وسط خلافة عمر ورآه يتوضأ ويمسح على الخفين.
حدث عنه: عمرو بن مرة، والحكم بن عتيبة، وحصين بن عبد الرحمن، وعبد الملك بن عمير، والأعمش، وطائفة سواهم.
وقيل: إنه قرأ القرآن على علي.
قال محمد بن سيرين: جلست إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأصحابه يعظمونه كأنه أمير.
وقال ثابت البناني: كنا إذا قعدنا إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال لرجل: اقرأ القرآن ; فإنه يدلني على ما تريدون، نزلت هذه الآية في كذا، وهذه الآية في كذا.
وروى عطاء بن السائب عن ابن أبي ليلى، قال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأنصار، إذا سئل أحدهم عن شيء، ود أن أخاه كفاه.
وعن عبد الله بن الحارث، أنه اجتمع بابن أبي ليلى فقال: ما شعرت أن النساء ولدن مثل هذا.
شعبة: عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى، قال: صحبت عليا -رضي الله عنه- في الحضر والسفر، وأكثر ما يتحدثون عنه باطل.
قال الأعمش: رأيت ابن أبي ليلى وقد ضربه الحجاج، وكأن ظهره مسح وهو متكئ على ابنه وهم يقولون: العن الكذابين فيقول: لعن الله الكذابين. يقول: الله الله علي بن أبي طالب، عبد الله بن الزبير، المختار بن أبي عبيد. قال: وأهل الشام كأنهم حمير لا يدرون ما يقصد، وهو يخرجهم من اللعن.(أعلام/2047)
قلت: ثم كان عبد الرحمن من كبار من خرج مع عبد الرحمن بن الأشعث من العلماء والصلحاء، وكان له وفادة على معاوية ذكرها ولده القاضي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
أخبرنا إسحاق الصفار، حدثنا ابن خليل، حدثنا اللبان، حدثنا أبو علي، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا سفيان، عن الأعمش، قال: كان عبد الرحمن بن أبي ليلى يصلي، فإذا دخل الداخل، نام على فراشه.
وبه قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن مهران، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، قال: رأيت عبد الرحمن محلوقا على المصطبة وهم يقولون له: العن الكذابين، وكان رجلا ضخما به ربو فقال: اللهم العن الكذابين، آه -ثم يسكت- علي، وعبد الله بن الزبير، والمختار.
اسم والده أبي ليلى: يسار، وقيل: بلال. وقيل: داود بن أبي أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبي بن كلفة.
ابن عيينة: عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: كان لعبد الرحمن بن أبي ليلى بيت فيه مصاحف يجتمع إليه فيه القراء، قلما تفرقوا إلا عن طعام، فأتيته ومعي تبر، فقال: أتحلي به سيفا؟ قلت: لا. قال: فتحلي به مصحفا؟ قلت: لا. قال: فلعلك تجعلها أخراصا فإنها تكره.
قال ثابت: كان ابن أبي ليلى إذا صلى الصبح نشر المصحف، وقرأ حتى تطلع الشمس.(أعلام/2048)
شريك: عن مغيرة، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كان رجل من بني إسرائيل يعمل بمسحاة له، فأصاب أباه، فشجه، فقال: لا يصحبني من فعل بأبي ما فعل، فقطع يده، فبلغ ذلك بني إسرائيل ; ثم إن ابنة الملك أرادت أن تصلي في بيت المقدس، فقال: من نبعث بها؟ قالوا: فلان، فبعث إليه، فقال: أعفني، قال: لا، قال: فأجلني إذا أياما. قال: فذهب فقطع مذاكيره في حق ثم جاء به خاتمه عليه، فقال: هذه وديعتي عندك فاحفظها. قال: ونزلها الملك منزلا منزلا، أنزل يوم كذا وكذا، كذا وكذا ; ويوم كذا وكذا، كذا وكذا، فوقت له وقتا، فلما سار، جعلت ابنة الملك لا ترتقع به فتنزل حيث شاءت، وترتحل متى شاءت، وجعل إنما هو يحرسها وينام عندها، فلما قدم عليه، قالوا له: إنما كان ينام عندها، فقال له الملك: خالفت! وأراد قتله ; فقال: اردد علي وديعتي، فلما ردها، فتح الحق، وتكشف عن مثل الراحة، ففشا ذلك في بني إسرائيل. قال: فمات قاض لهم، فقالوا: من نجعل مكانه؟ قالوا: فلان، فأبى، فلم يزالوا به حتى قال: دعوني حتى أنظر في أمري، فكحل عينيه بشيء حتى ذهب بصره. قال: ثم جلس على القضاء فقام ليلة فدعا الله، فقال: اللهم إن كان هذا الذي صنعت لك رضى، فاردد علي خلقي أصح ما كان. فأصبح وقد رد الله عليه بصره ومقلتيه أحسن ما كانتا ويده ومذاكيره.
أنبأنا بها أحمد بن سلامة، عن أبي المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أبو أحمد -يعني العسال - في كتابه حدثنا موسى بن إسحاق، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا شريك فذكرها.(أعلام/2049)
وبه: إلى أبي نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو غسان، حدثنا إسرائيل عن عبد الأعلى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كنت جالسا عند عمر فأتاه راكب فزعم أنه رأى الهلال هلال شوال، فقال: أيها الناس أفطروا، ثم قام إلى عس من ماء، فتوضأ ومسح على موقين له ثم صلى المغرب، فقال له الراكب: ما جئتك إلا لأسألك عن هذا، أشيئا رأيت غيرك يفعله؟ قال: نعم، رأيت خيرا مني وخير الأمة، رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك. تفرد به إسرائيل.
روي عن أبي حصين، أن الحجاج استعمل عبد الرحمن بن أبي ليلى على القضاء ثم عزله، ثم ضربه ليسب أبا تراب -رضي الله عنه- وكان قد شهد النهروان مع علي.
وقال شعبة بن الحجاج: قدم عبد الله بن شداد بن الهاد، وابن أبي ليلى فاقتحم بهما فرسهما الفرات فذهبا - يعني غرقا.
وأما أبو نعيم الملائي فقال: قتل ابن أبي ليلى بوقعة الجماجم، يعني سنة اثنتين وثمانين. وقيل: سنة ثلاث.(أعلام/2050)
عبد الرحمن بن أبي نعم (ع)
الإمام الحجة القدوة الرباني أبو الحكم البجلي الكوفي.
حدث عن المغيرة بن شعبة، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وليس بالمكثر.
روى عنه ابنه الحكم، وعمارة بن القعقاع، وفضيل بن غزوان، وسعيد بن مسروق، ويزيد بن مردانبة، وفضيل بن مرزوق، وطائفة.
قال بكير بن عامر: كان لو قيل له: قد توجه إليك ملك الموت ما كان عنده زيادة عمل، وكان يمكث جمعتين لا يأكل.
وروى محمد بن فضيل عن أبيه قال: كان عبد الرحمن بن أبي نعم يحرم من السنة إلى السنة ويقول: لبيك، لو كان رياء لاضمحل. وروي أنه أنكر على الحجاج كثرة القتل، فهم به، فقال له: من في بطنها أكثر ممن على ظهرها. رواها أبو بكر بن عياش، عن مغيرة فذكرها.
وقال حفص بن غياث، عن عبد الملك بن أبي سليمان: كنا نجمع مع عبد الرحمن بن أبي نعم، وهو يلبي بصوت حزين، ثم يأتي خراسان وأطراف الأرض، ثم يوافي مكة وهو محرم. قال: وكان يفطر في الشهر مرتين.
قلت: مات بعد المائة.
قرأت على إسحاق الأسدي، أخبركم ابن خليل، أخبرنا أبو المكارم التيمي، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا يزيد بن مردانبة والحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.(أعلام/2051)
عبد الرحمن بن الأسود (ع)
ابن يزيد بن قيس، أبو حفص النخعي الكوفي، الفقيه، الإمام ابن الإمام.
حدث عن أبيه، وعمه علقمة بن قيس، وعائشة، وابن الزبير، وغيرهم. وأدرك أيام عمر.
حدث عنه الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطاة، ومالك بن مغول، وزبيد اليامي، وأبو إسرائيل الملائي، وأبو بكر النهشلي، وعبد الرحمن المسعودي، وآخرون.
قال الصقعب بن زهير، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: كان أبي يبعثني إلى أم المؤمنين عائشة، فلما احتلمت أتيتها، فناديت من وراء الحجاب: يا أم المؤمنين ما يوجب الغسل؟ فقالت: أفعلتها يا لكع؟ إذا التقت المواسي.
قال ابن أبي خالد: قلت لعبد الرحمن بن الأسود: وما منعك أن تسأل كما سأل إبراهيم؟ قال: إنه كان يقال: جردوا القرآن. قلت: كان من المتهجدين العباد.
وروى مالك بن مغول عن رجل أنه عد على ابن الأسود يوم جمعة قبل الصلاة ستا وخمسين ركعة.
وروى حفص بن غياث عن ابن إسحاق، قال: قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود حاجا، فاعتلت رجله، فصلى على قدم حتى أصبح.
وقال هلال بن خباب: كان عبد الرحمن بن الأسود، وعقبة مولى أديم، وسعد أبو هشام يحرمون من الكوفة ويصومون يوما، ويفطرون يوما حتى يرجعوا.
وعن الحكم أن عبد الرحمن بن الأسود لما احتضر بكى فقيل له؟ فقال: أسفا على الصلاة والصوم، ولم يزل يتلو حتى مات.
قال الشعبي أهل بيت خلقوا للجنة علقمة والأسود وعبد الرحمن.
وروي أن عبد الرحمن صام حتى أحرق الصوم لسانه.
قال خليفة مات سنة ثمان أو تسع وتسعين وذكر ابن عساكر أنه وفد على عمر بن عبد العزيز.(أعلام/2052)
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (، خ 4)
ابن المغيرة بن عبد الله المخزومي أبو محمد، من أشراف بني مخزوم.
كان أبوه من الطلقاء، وممن حسن إسلامه. ولا صحبة لعبد الرحمن، بل له رؤية، وتلك صحبة مقيدة.
وروى عن أبيه، وعمر، وعثمان، وعلي، وأم المؤمنين حفصة، وطائفة.
وعنه: ابنه الإمام أبو بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة، والشعبي، وأبو قلابة، وهشام بن عمرو الفزاري، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وآخرون.
وقد أرسلته عائشة إلى معاوية يكلمه في حجر بن الأدبر، فوجده قد قتله، وفرط الأمر.
قال ابن سعد كانت عائشة تقول: لأن أكون قعدت عن مسيري إلى البصرة أحب إلي من أن يكون لي عشرة أولاد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل عبد الرحمن بن الحارث.
قلت: هو ابن أخت أبي جهل. وكان من نبلاء الرجال.
توفي قبل معاوية ومات أبوه زمن عمر.(أعلام/2053)
عبد الرحمن بن القاسم (ع)
عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، ابن خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي بكر الصديق، الإمام الثبت الفقيه أبو محمد القرشي، التيمي، البكري، المدني.
سمع أباه، وأسلم العمري، ومحمد بن جعفر بن الزبير، وطائفة سواهم. وما علمت له رواية عن أحد من الصحابة، وعداده في صغار التابعين.
حدث عنه شعبة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، ومالك، وسفيان بن عيينة، وآخرون. وكان إماما، حجة، ورعا، فقيه النفس، كبير الشأن.
روى البخاري في كتاب الحج، عن علي، عن ابن عيينة: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، وكان أفضل أهل زمانه.
قلت: وهو خال جعفر بن محمد الصادق. مولده في خلافة معاوية وأنا أتعجب، كيف لم يحمل عن جابر، وسهل بن سعد.
وقد طلبه الخليفة الفاسق، الوليد بن يزيد إلى الشام، في جماعة ليستفتيهم، فأدركه أجله بحوران في سنة ست وعشرين ومائة وهو في عشر السبعين.
قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق، أخبركم محمد بن أبي الفرج هبة الله بن عبد العزيز، أخبرنا عمي محمد بن عبد العزيز الدينوري، أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن مهدي، حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي، حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: حاضت صفية بنت حيي بعدما أفاضت، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أحابستنا هي؟ فقلت: يا رسول الله، إنها قد أفاضت ثم حاضت بعد ذلك، قال: فلتنفر إذا.
وبه إلى الزعفراني: حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله إلا أنه قال: فلا، إذا أخرج الأول النسائي، والثاني مسلم كلاهما من حديث ابن عيينة.(أعلام/2054)
عبد الرحمن بن عوف (ع)
ابن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، أبو محمد.
أحد العشرة، وأحد الستة أهل الشورى، وأحد السابقين البدريين، القرشي الزهري. وهو أحد الثمانية الذين بادروا إلى الإسلام.
له عدة أحاديث.
روى عنه ابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، وبنوه: إبراهيم، وحميد، وأبو سلمة، وعمرو، ومصعب بنو عبد الرحمن، ومالك بن أوس، وطائفة سواهم. له في " الصحيحين " حديثان. وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث. ومجموع ما له في " مسند بقي " خمسة وستون حديثا.
وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن.
وحدث عنه أيضا من الصحابة: جبير بن مطعم، وجابر بن عبد الله، والمسور بن مخرمة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة.
وقدم الجابية مع عمر فكان على الميمنة، وكان في نوبة سرغ على الميسرة.(أعلام/2055)
أخبرنا محمد بن حازم بن حامد، ومحمد بن علي بن فضل، قالا: أنبأنا أبو القاسم بن صصرى، أنبأنا أبو القاسم بن البن الأسدي (ح) وأنبأنا محمد بن علي السلمي، وأحمد بن عبد الرحمن الصوري، قالا: أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله التغلبي، أنبأنا أبو القاسم بن البن، ونصر بن أحمد السوسي، قالا: أنبأنا علي بن محمد بن علي الفقيه، أنبأنا أبو منصور محمد، وأبو عبد الله أحمد، أنبأنا الحسين بن سهل بن الصباح، ببلد في ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وأربع مائة، قالا: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن أحمد الإمام، حدثنا علي بن حرب الطائي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، سمع بجالة يقول: كنت كاتبا لجزء بن معاوية، عم الأحنف بن قيس، فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة، أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة. فقتلنا ثلاث سواحر، وجعلنا نفرق بين الرجل وحريمته في كتاب الله. وصنع لهم طعاما كثيرا، ودعا المجوس، وعرض السيف على فخذه، وألقى وقر بغل أو بغلين من ورق، وأكلوا بغير زمزمة. ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر.
هذا حديث غريب مخرج في صحيح البخاري، وسنن أبي داود، والنسائي، والترمذي من طريق سفيان، فوقع لنا بدلا. ورواه حجاج بن أرطاة عن عمرو مختصرا، وروى منه أخذ الجزية من المجوس أبو داود عن الثقة، عن يحيى بن حسان، عن هشيم، عن داود بن أبي هند، عن قشير بن عمرو، عن بجالة بن عبدة، عن ابن عباس، عن ابن عوف.(أعلام/2056)
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد العلوي، أنبأنا محمد بن أحمد القطيعي، أنبأنا محمد بن عبيد الله المجلد (ح) وأنبأنا أحمد بن إسحاق الزاهد، أنبأنا أبو نصر عمر بن محمد التيمي، أنبأنا هبة الله بن أحمد الشبلي، قالا: أنبأنا محمد بن محمد الهاشمي أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله البغوي، حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا القاسم بن فضل الحداني عن النضر بن شيبان قال: قلت لأبي سلمة: حدثني بشيء سمعته من أبيك يحدث به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: حدثني أبي في شهر رمضان قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فرض الله عليكم شهر رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه ".
هذا حديث حسن غريب. أخرجه النسائي، عن ابن راهويه، عن النضر بن شميل. وابن ماجه، عن يحيى بن حكيم، عن أبي داود الطيالسي. جميعا عن الحداني. قال النسائي: الصواب حديث الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.(أعلام/2057)
أخبرنا محمد بن عبد السلام العصروني أنبأنا عبد المعز بن محمد الهروي، أنبأنا تميم الجرجاني، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن النيسابوري، أنبأنا محمد بن أحمد الحيري، أنبأنا أحمد بن علي الموصلي، حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني مكحول، عن كريب، عن ابن عباس قال: جلسنا مع عمر، فقال: هل سمعت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا أمر به المرء المسلم إذا سها في صلاته، كيف يصنع؟ فقلت: لا والله، أوما سمعت أنت يا أمير المؤمنين من رسول الله في ذلك شيئا؟ فقال: لا والله. فبينا نحن في ذلك أتى عبد الرحمن بن عوف فقال: فيم أنتما؟ فقال عمر: سألته، فأخبره. فقال له عبد الرحمن: لكني قد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر في ذلك. فقال له عمر: فأنت عندنا عدل، فماذا سمعت؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إذا سها أحدكم في صلاته حتى لا يدري أزاد أم نقص، فإن كان شك في الواحدة والثنتين، فليجعلها واحدة، وإذا شك في الثنتين أو الثلاث، فليجعلها ثنتين، وإذا شك في الثلاث والأربع، فليجعلها ثلاثا حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم يسجد سجدتين، وهو جالس، قبل أن يسلم، ثم يسلم ".
هذا حديث حسن، صححه الترمذي، ورواه عن بندار عن محمد بن خالد بن عثمة، عن إبراهيم بن سعد، فطريقنا أعلى بدرجة. ورواه الحافظ ابن عساكر في صدر ترجمة ابن عوف وفيه: فقال: فحدثنا، فأنت عندنا العدل الرضا. فأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كانوا عدولا فبعضهم أعدل من بعض وأثبت. فهنا عمر قنع بخبر عبد الرحمن، وفي قصة الاستئذان يقول: ائت بمن يشهد معك، وعلي بن أبي طالب يقول: كان إذا حدثني رجل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استحلفته، وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر. فلم يحتج على أن يستحلف الصديق، والله أعلم.(أعلام/2058)
قال المدائني: ولد عبد الرحمن بعد عام الفيل بعشر سنين.
وقال الزبير: ولد الحارث بن زهرة عبدا، وعبد الله، وأمهما قيلة. ومن ولد عبد عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد.
وكذا نسبه ابن إسحاق، وابن سعد، وأسقط البخاري والفسوي عبدا من نسبه، وقاله قبلهما عروة، والزهري.
وقال الهيثم الشاشي وأبو نصر الكلاباذي وغيرهما: عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة.
وأم عبد الرحمن هي الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة. قاله جماعة. وقال أبو أحمد الحاكم: أمه صفية بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب. ويقال: الشفاء بنت عوف.
إبراهيم بن سعد: حدثني أبي، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف قال: كان اسمي عبد عمرو، فلما أسلمت، سماني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن.
إبراهيم بن المنذر: حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت، عن سعيد بن زياد، عن حسن بن عمر، عن سهلة بنت عاصم قالت: كان عبد الرحمن بن عوف أبيض، أعين، أهدب الأشفار، أقنى، طويل النابين الأعليين، ربما أدمى نابه شفته، له جمة أسفل من أذنيه، أعنق، ضخم الكتفين.
وروى زياد البكائي عن ابن إسحاق قال: كان ساقط الثنيتين، أهتم، أعسر، أعرج. كان أصيب يوم أحد فهتم، وجرح عشرين جراحة، بعضها في رجله، فعرج.
الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن عتبة قال: وكان عبد الرحمن رجلا طوالا، حسن الوجه، رقيق البشرة، فيه جنأ، أبيض، مشربا حمرة، لا يغير شيبه.(أعلام/2059)
عبد الرحمن بن غنم (م 4)
الأشعري، الفقيه، الإمام، شيخ أهل فلسطين.
حدث عن معاذ بن جبل، وتفقه به، وعمر بن الخطاب، وأبي ذر الغفاري، وأبي مالك الأشعري، وأبي الدرداء، وغيرهم.
حدث عنه: ولده محمد، وأبو سلام ممطور، ورجاء بن حيوة، وأبو إدريس الخولاني -مع تقدمه- وشهر بن حوشب، ومكحول، وعبادة بن نسي، وصفوان بن سليم، وإسماعيل بن عبيد الله.
قال ابن سعد ثقة إن شاء الله. بعثه عمر إلى الشام يفقه الناس، وكان أبوه صحابيا، هاجر مع أبي موسى.
قال أبو القاسم البغوي: ولد عبد الرحمن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مختلف في صحبته.
قلت: روى له أحمد بن حنبل في " مسنده " أحاديث، لكنها مرسلة ويحتمل أن يكون له صحبة، فقد ذكر يحيى بن بكير، عن الليث، وابن لهيعة، أن عبد الرحمن صحابي، وقال الترمذي: له رؤية.
وأما أبو مسهر فقال: عبد الرحمن بن غنم، هو رأس التابعين، كان بفلسطين. وقيل: تفقه به عامة التابعين بالشام، وكان صادقا، فاضلا، كبير القدر. مات هو وجابر بن عبد الله في وقت.
قال الهيثم بن عدي وشباب توفي سنة ثمان وسبعين.(أعلام/2060)
عبد الرحمن بن معاوية بن هشام
ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أمير الأندلس وسلطانها، أبو المطرف الأموي المرواني، المشهور بالداخل، لأنه حين انقرضت خلافة بني أمية من الدنيا، وقتل مروان الحمار، وقامت دولة بني العباس، هرب هذا، فنجا ودخل إلى الأندلس فتملكها.
وذلك أنه فر من مصر في آخر سنة اثنتين وثلاثين إلى أرض برقة، فبقي بها خمس سنين، ثم دخل المغرب، فنفذ مولاه بدرا يتجسس له، فقال للمضرية: لو وجدتم رجلا من بيت الخلافة، أكنتم تبايعونه؟ قالوا: وكيف لنا بذلك؟ فقال: هذا عبد الرحمن بن معاوية، فأتوه فبايعوه، فتملك الأندلس ثلاثا وثلاثين سنة، وبقي الملك في عقبه إلى سنة أربع مائة. ولم يتلقب بالخلافة، لا هو ولا أكثر ذريته، إنما كان يقال: الأمير فلان. وأول من تلقب بأمير المؤمنين منهم: الناصر لدين الله، في حدود العشرين وثلاث مائة، عندما بلغه ضعف خلفاء العصر، فقال: أنا أولى بإمرة المؤمنين.
دخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس في سنة ثمان وثلاثين. ومولده بأرض تدمر سنة ثلاث عشرة ومائة في خلافة جده.(أعلام/2061)
وأما أبو القاسم بن بشكوال الحافظ، فقال: فر من المشرق عند انقراض ملكهم، هو وأخوان أصغر منه، وغلام لهم، فلم يزالوا يخفون أنفسهم، والجعائل قد جعلت عليهم، والمراصد، فسلكوا حتى وصلوا وادي بجاية فبعثوا الغلام يشتري لهم خبزا فأنكرت الدراهم، وقبض على الغلام، وضرب فأقر، فأركبوا خيلا، فرأى عبد الرحمن الفرسان، فتهيأ للسباحة، وقال لأخويه: اسبحا معي، فنجا هو وقصرا، فأشاروا إليهما بالأمان، فلما حصلا في أيديهم ذبحوهما، وأخوهما ينظر من هناك، ثم آواه شيخ كريم العهد، وقال: لأسترنك جهدي، فوقع عليه التفتيش ببجاية، إلى أن جاء الطالب إلى دار الشيخ، وكان له امرأة ضخمة، فأجلسها تتسرح، وأخفى عبد الرحمن تحت ثيابها، وصيح الشيخ: يا سبحان الله، الحرم، فقالوا: غط أهلك، وخرجوا، وستره الله مدة، ثم دخل الأندلس في قارب سماك، فحصل بمدينة المنكب.(أعلام/2062)
وكان قواد الأندلس وجندها موالي بني أمية، فبعث إلى قائد، فأعلمه بشأنه، فقبل يديه وفرح به، وجعله عنده، ثم قال: جاء الذي كنا نتحدث أنه إذا انقرض ملك بني أمية بالمشرق، نبغ منهم عبد الرحمن بالمغرب، ثم كتب إلى الموالي، وعرفهم، ففرحوا وأصفقوا على بيعته، واستوثقوا من أمراء العرب، وشيوخ البربر، فلما استحكم الأمر، أظهروا بيعته بعد ثمانية أشهر، وذلك في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائة، فقصد قرطبة، ومتولي الأندلس يومئذ: يوسف الفهري، فاستعد جهده، فالتقوا، فانهزم يوسف، ودخل عبد الرحمن بن معاوية الداخل قصر قرطبة يوم الجمعة، يوم الأضحى من العام، ثم حاربه يوسف ثانيا، ودخل قرطبة، واستولى عليها، وكر عبد الرحمن عليه، فهرب يوسف والتجأ إلى غرناطة، فامتنع بإلبيرة، فنازله عبد الرحمن وضيق عليه، ورأى يوسف اجتماع الأمر للداخل، فنزل بالأمان بمحضر من قاضي الأندلس يحيى بن يزيد التجيبي، وكان رجلا صالحا، استعمله على القضاء عمر بن عبد العزيز، فزاده الداخل إجلالا وإكراما، فبقي على قضائه إلى أن مات سنة اثنتين وأربعين ومائة، فاستعمل على القضاء معاوية بن صالح، فلما أراد معاوية هذا، الحج، وجهه الداخل إلى أختيه بالشام، وعمته رملة بنت هشام، ليعمل الحيلة في إدخالهن إلى عنده، وأنشد عند ذلك:
أيها الركب الميمم أرضي
أقر من بعضي السلام لبعضي
إن جسمي كما علمت بأرض
وفؤادي ومالكيه بأرض
قدر البين بيننا فافترقنا
فطوى البين عن جفوني غمضي
وقضى الله بالفراق علينا
فعسى باجتماعنا سوف يقضي(أعلام/2063)
فلما وصل إليهن، قلن: السفر، لا نأمن غوائله على القرب، فكيف وقد حالت بيننا بحار ومفاوز، ونحن حرم، وقد آمننا هؤلاء القوم على معرفتهم بمكاننا منه، فحسبنا أن نتملى المسرة بعزة وعافية. فانصرف بكتابهما، وبعثا إليه بأعلاق نفيسة من ذخائر الخلافة، فسر بها الأمير عبد الرحمن، وقضى لرأيهما بالرجاحة، ثم بعد وصل آخر من الشام بكتاب منهن، وبهدايا وتحف، منها رمان من رصافة جدهم هشام، فسر به الداخل، وكان بحضرته سفر بن عبيد الكلاعي من أهل الأردن، فأخذ من الرمان، وزرع من عجمه بقريته حتى صار شجرا، وزاد حسنا، وجاء بثمره إلى الأمير، وكثر هناك، ويعرف بالسفري، وغرس منه بمنية الرصافة. ورأى الداخل نخلة مفردة بالرصافة، فهاجت شجنه، وتذكر وطنه فقال:
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة
تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت شبيهي في التغرب والنوى
وطول انثنائي عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة
فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
سقتك عوادي المزن من صوبها
الذي يسح وتستمري السماكين بالوبل
قال ابن حيان: وحين افتتح المسلمون قرطبة شاطروا أهلها كنيستهم العظمى، كما فعل أبو عبيدة وخالد بأعاجم دمشق، فابتنوا فيه مسجدا، وبقي الشطر بأيدي الروم إلى أن كثرت عمارة قرطبة، وتداولتها بعوث العرب، فضاق المسجد، وعلق منه سقائف، وصار الناس ينالون مشقة لقصر السقائف إلى أن أذخر الله فيه الأجر لصحيفة الداخل، وابتاع الشطر الثاني من النصارى بمائة ألف دينار، وقبضوها على ملأ من الناس، ورضوا بعد تمنع، وعمل هذا الجامع الذي هو فخر الأرض، وشرفها من مال الأخماس، وكمل على مراده، وكان تأسيسه في سنة سبعين ومائة، فتمت أسواره في عام. وبلغ الإنفاق فيه إلى ثمانين ألف دينار، فقال دحية البلوي:
وأبرز في ذات الإله ووجهه
ثمانين ألفا من لجين وعسجد(أعلام/2064)
وأنفقها في مسجد أسه التقى
ومنحته دين النبي محمد
ترى الذهب الناري بين سموكه
يلوح كلمع البارق المتوقد
وقال أيضا:
بنيت لأهل الدين بالغرب مسجدا
ليركع للرحمن فيه ويسجدا
جمعت له الأكفاء من كل صانع
فقام بمن الله بيتا ممجدا
فما لبثوه غير حول وما خلا
إلى أن أقاموه منيعا مشيدا
وزخرف بالأصباغ منه سقوفه
كما تمم الوشاء بردا مقصدا
وبالذهب الرومي موه وجهه
فبورك من بان لذي العرش مسجدا
وكملت أبهاء الجامع سبعة أبهاء، ثم زاد من بعده حفيده الحكم الربضي بهوين، ثم زاد عبد الرحمن بن الحكم بهوين، فصارت أحد عشر بهوا، ثم زاد المنصور بن أبي عامر ثمانية أبهاء، وعمل جامع إشبيلية وسورها بعد المائتين.
قال ابن بشكوال: كان عدد القومة لجامع قرطبة في مدة المنصور وقبلها ثلاث مائة رجل.
وقال ابن مزين: في قبلته انحراف. وقد ركب الحكم المستنصر بالله مع الوزراء والقاضي منذر البلوطي وقد هم بتحريف القبلة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، قد صلى بهذه القبلة خيار الأئمة والتابعون، وإنما فضل من فضل بالاتباع، وأمير المؤمنين أولى من اتبع. فترك القبلة بحالها.(أعلام/2065)
قال ابن حيان: بلغ الإنفاق في المنبر الحكمي إلى خمسة وثلاثين ألف دينار وسبع مائة دينار ونيف، وقام من ستة وثلاثين ألف وصلة من الأبنوس، والصندل، والعناب، والبقم في مدة أربع سنين، وأول من خطب عليه منذر بن سعيد البلوطي، وبلغت أعمدة جامع قرطبة إلى ألف وأربع مائة سارية وتسع سواري، وعمل الناصر صومعة ارتفاعها من الأرض إلى موقف المؤذن أربعة وخمسون ذراعا، وعرضها ثمانية عشر ذراعا، وبأعلى ذروتها سفود طويل فيه ثلاث رمانات: إحداهما فضة، والأخرى ذهب إبريز، وفوقها سوسنة ذهب مسدسة، فهذه المنارة إحدى عجائب الدنيا، وذرع المحراب إلى داخل ثمانية أذرع ونصف، ومن الشرق إلى الغرب سبعة أذرع ونصف، وارتفاع قبوه ثلاثة عشر ذراعا ونصف، وذرع المقصورة من الشرق إلى الغرب خمسة وسبعون ذراعا، وعرضها من جدار الخشب إلى القبلة اثنان وعشرون ذراعا، وطول الجامع ثلاث مائة وثلاثون ذراعا، ومن الشرق إلى الغرب مائتان وخمسون ذراعا.
وأما الإسلام فكان عزيزا منيعا بالأندلس في دولة الداخل. فانظر إلى هذا الأمان الذي كتب عنه للنصارى:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب أمان ورحمة، وحقن دماء وعصمة، عقده الأمير الأكرم الملك المعظم عبد الرحمن بن معاوية، ذو الشرف الصميم، والخير العميم، للبطارقة والرهبان، ومن تبعهم من سائر البلدان، أهل قشتالة وأعمالها، ما داموا على الطاعة في أداء ما تحملوه، فأشهد على نفسه أن عهده لا ينسخ ما أقاموا على تأدية عشرة آلاف أوقية من الذهب، وعشرة آلاف رطل من الفضة، وعشرة آلاف رأس من خيار الخيل، ومثلها من البغال، مع ذلك ألف درع وألف بيضة، ومن الرماح الدردار مثلها في كل عام، ومتى ثبت عليهم النكث بأسير يأسرونه، أو مسلم يغدرونه، انتكث ما عوهدوا عليه، وكتب لهم هذا الأمان بأيديهم إلى خمس سنين، أولها صفر عام اثنين وأربعين ومائة.(أعلام/2066)
وذكر ابن عساكر بإسناد له، أن عبد الرحمن لما عدى إلى الجزيرة فنزلها، اتبعه أهلها، ثم مضى إلى إشبيلية، فاتبعه أهلها، ثم مضى إلى قرطبة، فاتبعه من فيها، فلما رأى يوسف الفهري العساكر قد أظلته، هرب إلى دار الشرك فتحصن هناك، وغزاه عبد الرحمن بعد ذلك، فوقعت نفرة في عسكره، فانهزم، ورد عبد الرحمن بلا حرب، وجعل لمن أتاه برأس يوسف جعلا، فأتاه رجل من أصحاب يوسف برأسه.
وقال الحميدي: دخل عبد الرحمن الأندلس، فقامت معه اليمانية، وحارب يوسف بن عبد الرحمن الفهري متولي الأندلس، فهزمه، وكان عبد الرحمن من أهل العلم على سيرة جميلة من العدل.
وقال أبو المظفر الأبيوردي في أخبار بني أمية: كان الناس يقولون: ملك الأرض ابنا بربريتين - يعني: عبد الرحمن والمنصور.
وكان المنصور يقول عن عبد الرحمن بن معاوية: ذاك صقر قريش، دخل المغرب وقد قتل قومه، فلم يزل يضرب العدنانية بالقحطانية حتى ملك.
وقال سعيد بن عثمان اللغوي المتوفى سنة أربع مائة: كانت بقرطبة جنة اتخذها عبد الرحمن بن معاوية، كان فيها نخلة أدركتها.
وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن معاوية:
يا نخل أنت غريبة مثلي
في الغرب نائية عن الأهل
فابكي، وهل تبكي ملمسة
عجماء لم تطبع على خبل
لو أنها تبكي إذن لبكت
ماء الفرات ومنبت النخل
لكنها ذهلت وأذهلني
بغضي بني العباس عن أهلي
وقد ولي على الأندلس عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي في أيام عمر بن عبد العزيز، فبنى تلك القناطر بقرطبة بقبلي القصر والجامع، وهي ثمانية عشر قوسا، طولها ثمان مائة باع، وعرضها سوى ستائرها عشرون باعا، وارتفاعها ستون ذراعا، وهي من عجائب الدنيا.(أعلام/2067)
ولما انقرضت دولة بني أمية اتفق الناس على تقديم يوسف بن عبد الرحمن بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري، فعمرت البلاد في أيامه، واتسعت، فلما أراد الله ظهور ملك بني أمية بالأندلس، ذلت لعبد الرحمن قبائل العرب، وسلم له الأمر، وقتل يوسف الفهري بوادي الزيتون، وخطب لعبد الرحمن بجميع الأمصار بها، وشيد قرطبة، وغزا عدة غزوات.
من ذلك: غزوة قشتالة، جاز إليها من نهر طليطلة، وفرت الروم أمامه، وتعلقت بالحبال، فلم يزل حتى وصل مدينة برنيقة، من مملكة قشتالة، فنزل عليها، وأمر برفع الخيام، وشرع في البناء، وأخذ الناس يبنون، فسلموا إليه بالأمان عند إياسهم من النجدة، وخرجوا بثيابهم فقط، وما يزودهم، ثم كتب لأهل قشتالة ذلك الأمان الذي تقدم، وهو بخط الوزير بشر بن سعيد الغافقي. ولما صفا الأمر لعبد الرحمن بعد مقتل عثمان بن حمزة، من ولد عمر بن الخطاب، وذلك بعد سبعة أعوام من تمنعه بطليطلة، عظم سلطانه، وامتدت أيامه وعاش ستين سنة، ثم توفي سنة اثنتين وسبعين ومائة، وأيست بنو العباس من مملكة الأندلس لبعد الشقة.(أعلام/2068)
عبد الرحمن بن مهدي (ع)
ابن حسان، بن عبد الرحمن، الإمام الناقد المجود، سيد الحفاظ أبو سعيد العنبري، وقيل: الأزدي، مولاهم البصري اللؤلؤي.
ولد سنة خمس وثلاثين ومائة قاله أحمد بن حنبل.
وطلب هذا الشأن، وهو ابن بضع عشرة سنة.
سمع أيمن بن نابل، وعمر بن أبي زائدة، ومعاوية بن صالح الحضرمي، وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وإسماعيل بن مسلم العبدي قاضي جزيرة قيس، وأبا خلدة خالد بن دينار، وسفيان، وشعبة، والمسعودي، وعبد الله بن بديل بن ورقاء، وأبا يعلى عبد الله بن عبد الرحمن الثقفي، وعبد الجليل بن عطية البصري، وعكرمة بن عمار، وعلي بن مسعدة الباهلي، وعمران القطان، والمثنى بن سعيد الضبعي، ويونس بن أبي إسحاق، وأبا حرة واصل بن عبد الرحمن، وحماد بن سلمة، وأبان بن يزيد، ومالك بن أنس، وعبد العزيز بن الماجشون، وأمما سواهم.
حدث عنه: ابن المبارك، وابن وهب - وهما من شيوخه - وعلي، ويحيى، وأحمد، وإسحاق، وابن أبي شيبة، وبندار، وأبو خيثمة، وأحمد بن سنان، والقواريري، وأبو عبيد، وأبو ثور، وعبد الله بن هاشم، وعبد الرحمن بن عمر: رستة، ومحمد بن يحيى، وهارون بن سليمان الأصبهاني، وعبد الرحمن بن محمد الحارثي كربزان، ومحمد بن ماهان زنبقة، وخلق يتعذر حصرهم.
وكان إماما حجة، قدوة في العلم والعمل.
قال الخليلي: قال الشافعي: لا أعرف له نظيرا في هذا الشأن.
قال أحمد بن حنبل: عبد الرحمن أفقه من يحيى القطان وقال: إذا اختلف عبد الرحمن ووكيع، فعبد الرحمن أثبت، لأنه أقرب عهدا بالكتاب، واختلفا في نحو من خمسين حديثا للثوري قال: فنظرنا، فإذا عامة الصواب في يد عبد الرحمن.
قال أيوب بن المتوكل: كنا إذا أردنا أن ننظر إلى الدين والدنيا، ذهبنا إلى دار عبد الرحمن بن مهدي.(أعلام/2069)
إسماعيل القاضي: سمعت ابن المديني يقول: أعلم الناس بالحديث عبد الرحمن بن مهدي. قلت له: قد كتبت حديث الأعمش، وكنت عند نفسي أنني قد بلغت فيها، فقلت: ومن يفيدني عن الأعمش؟ فقال لي: من يفيدك عن الأعمش؟ قلت: نعم. فأطرق، ثم ذكر ثلاثين حديثا ليست عندي، يتبع أحاديث الشيوخ الذين لم ألقهم أنا ولم أكتب حديثهم نازلا. قال إسماعيل: أحفظ من ذلك منصور بن أبي الأسود.
قال محمد بن أبي بكر المقدمي: ما رأيت أحدا أتقن لما سمع ولما لم يسمع ولحديث الناس من عبد الرحمن بن مهدي إمام ثبت، أثبت من يحيى بن سعيد، وأتقن من وكيع، كان عرض حديثه على سفيان.
قال عبيد الله بن عمر القواريري: أملى علي عبد الرحمن عشرين ألف حديث حفظا.
وقال عبيد الله بن سعيد: سمعت ابن مهدي يقول: لا يجوز أن يكون الرجل إماما حتى يعلم ما يصح مما لا يصح.
قال علي بن المديني: كان علم عبد الرحمن في الحديث كالسحر.
وقال أبو عبيد: سمعت عبد الرحمن يقول: ما تركت حديث رجل إلا دعوت الله له وأسميه.
قال إبراهيم بن زياد سبلان قلت لعبد الرحمن بن مهدي: ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: لو كان لي سلطان، لقمت على الجسر، فلا يمر بي أحد إلا سألته، فإذا قال: مخلوق، ضربت عنقه، وألقيته في الماء.
قال أبو داود السجستاني: التقى وكيع وعبد الرحمن في الحرم بعد العشاء، فتواقفا، حتى سمعا أذان الصبح. وروي عن ابن مهدي قال: لولا أني أكره أن يعصى الله، لتمنيت أن لا يبقى أحد في المصر إلا اغتابني! أي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته لم يعمل بها؟ ! .
وعنه قال: كنت أجلس يوم الجمعة، فإذا كثر الناس، فرحت، وإذا قلوا، حزنت، فسألت بشر بن منصور، فقال: هذا مجلس سوء، فلا تعد إليه، فما عدت إليه.(أعلام/2070)
قال عبد الرحمن رسته: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مهدي، أن أباه قام ليلة، وكان يحيي الليل كله، قال: فلما طلع الفجر رمى بنفسه على الفراش حتى طلعت الشمس، ولم يصل الصبح، فجعل على نفسه أن لا يجعل بينه وبين الأرض شيئا شهرين، فقرح فخذاه جميعا.
وقال رسته: سمعت ابن مهدي يقول لفتى من ولد الأمير جعفر بن سليمان: بلغني أنك تتكلم في الرب، وتصفه وتشبهه. قال: نعم، نظرنا، فلم نر من خلق الله شيئا أحسن من الإنسان، فأخذ يتكلم في الصفة، والقامة. فقال له: رويدك يا بني حتى نتكلم أول شيء في المخلوق، فإن عجزنا عنه، فنحن عن الخالق أعجز، أخبرني عما حدثني شعبة، عن الشيباني، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله: لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال: رأى جبريل له ستمائة جناح فبقي الغلام ينظر. فقال: أنا أهون عليك صف لي خلقا له ثلاثة أجنحة، وركب الجناح الثالث منه موضعا حتى أعلم. قال: يا أبا سعيد، عجزنا عن صفة المخلوق، فأشهدك أني قد عجزت، ورجعت.
قال أبو حاتم الرازي: سئل أحمد بن حنبل عن يحيى وابن مهدي، فقال: ابن مهدي أكثر حديثا.
قال أحمد العجلي: شرب عبد الرحمن بن مهدي البلاذر وكذا الطيالسي، فبرص عبد الرحمن، وجذم الآخر. قال: وقيل لعبد الرحمن: أيما أحب إليك، يغفر لك ذنبا، أو تحفظ حديثا؟ قال: أحفظ حديثا.
أبو الربيع الزهراني: سمعت جريرا الرازي يقول: ما رأيت مثل عبد الرحمن بن مهدي. ووصف حفظه وبصره بالحديث.
قال نعيم بن حماد: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: كيف تعرف الكذاب؟ قال: كما يعرف الطبيب المجنون.
قال محمد بن أبي صفوان: سمعت علي بن المديني يقول: لو أخذت، فحلفت بين الركن والمقام، لحلفت بالله أني لم أر أحدا قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي. سمعه أبو حاتم الرازي منه.(أعلام/2071)
أخبرنا محمد بن قيماز، وغيره، قالوا: أخبرنا عبد الله بن اللتي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، أخبرنا عبد الجبار الجراحي، أخبرنا ابن محبوب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، سمعت محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان الثقفي، سمعت علي بن المديني يقول: لو حلفت بين الركن والمقام، لحلفت أني لم أر أحدا أعلم من عبد الرحمن بن مهدي.
وبه إلى الترمذي: حدثنا أحمد بن الحسن، قال أحمد بن حنبل: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي إمام.
وقال زياد بن أيوب الطوسي: قمنا من مجلس هشيم، فأخذ أحمد وابن معين وأصحابه بيد فتى، فأدخلوه مسجدا، وكتبنا عنه، فإذا الفتى عبد الرحمن بن مهدي.
محمد بن عيسى الطرسوسي: سمعت عبد الرحمن رسته يقول: كانت لعبد الرحمن بن مهدي جارية، فطلبها منه رجل، فكان منه شبه العدة، فلما عاد إليه، قيل لعبد الرحمن: هذا صاحب الخصومات. فقال له عبد الرحمن: بلغني أنك تخاصم في الدين. فقال: يا أبا سعيد، إنا نضع عليهم لنحاجهم بها فقال: أتدفع الباطل بالباطل، إنما تدفع كلاما بكلام، قم عني، والله لا بعتك جاريتي أبدا.
قال ابن المديني: قال عبد الرحمن: اترك من كان رأسا في بدعة يدعو إليها.
وقال ابن المديني: دخلت على امرأة عبد الرحمن بن مهدي، وكنت أزورها بعد موته، فرأيت سوادا في القبلة، فقلت: ما هذا؟ قالت: موضع استراحة عبد الرحمن، كان يصلي بالليل، فإذا غلبه النوم، وضع جبهته عليه.
ويروى عن ابن مهدي قال: من طلب العربية، فآخره مؤدب، ومن طلب الشعر، فآخره شاعر، يهجو أو يمدح بالباطل، ومن طلب الكلام، فآخر أمره الزندقة، ومن طلب الحديث، فإن قام به، كان إماما، وإن فرط، ثم أناب يوما، يرجع إليه، وقد عتقت وجادت.
قال يحيى بن يحيى: كنت أسأل عبد الرحمن عن المشايخ بالبصرة.(أعلام/2072)
ونقل غير واحد عن عبد الرحمن بن مهدي قال: إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى، وأن يكون استوى على العرش، أرى أن يستتابوا، فإن تابوا، وإلا ضربت أعناقهم.
قال ابن المديني: ثم كان بعد مالك بن أنس عبد الرحمن بن مهدي، يذهب مذهب تابعي أهل المدينة، ويقتدي بطريقتهم.
وقال: نظرت، فإذا الإسناد يدور على ستة، ثم صار علمهم إلى اثني عشر نفسا، ثم صار علمهم إلى يحيى بن سعيد، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وابن المبارك، ووكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن آدم.
قال علي: وأوثق أصحاب سفيان يحيى القطان وعبد الرحمن.
قال أحمد بن حنبل: عبد الرحمن ثقة خيار صالح مسلم، من معادن الصدق.
قال ابن مهدي: كان أبو الأسود يتيم عروة أخا لهشام بن عروة من الرضاعة، وقد قال هشام: حدثنا أخي محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن أبي، قال: لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا، حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم، فقالوا فيهم بالرأي، فضلوا وأضلوا.
قال أيوب بن المتوكل: كان حماد بن زيد إذا نظر إلى عبد الرحمن بن مهدي في مجلسه، تهلل وجهه.
وقال صدقة بن الفضل المروزي الحافظ: أتيت يحيى بن سعيد أسأله، فقال لي: إلزم عبد الرحمن بن مهدي، وأفادني عنه أحاديث، فسألت عبد الرحمن عنها، فحدثني بها.
قال أحمد بن سنان القطان: سمعت مهدي بن حسان يقول: كان عبد الرحمن يكون عند سفيان عشرة أيام، خمسة عشر يوما بالليل والنهار، فإذا جاءنا ساعة، جاء رسول سفيان في أثره يطلبه، فيدعنا، ويذهب إليه.
قال أحمد بن سنان: وسمعت عبد الرحمن يقول: أفتى سفيان في مسألة، فرآني كأني أنكرت فتياه، فقال: أنت ما تقول؟ قلت: كذا وكذا، خلاف قوله، فسكت.
قال ابن المديني: حدثنا عبد الرحمن، قال لي سفيان: لو أن عندي كتبي، لأفدتك علما.(أعلام/2073)
قال أحمد بن سنان: كان لا يتحدث في مجلس عبد الرحمن، ولا يبرى قلم، ولا يتبسم أحد، ولا يقوم أحد قائما، كأن على رءوسهم الطير، أو كأنهم في صلاة، فإذا رأى أحدا منهم تبسم أو تحدث، لبس نعله، وخرج.
قال أحمد بن سنان: سمعت عبد الرحمن يقول: عندي عن المغيرة بن شعبة في المسح على الخفين ثلاثة عشر حديثا - يعني الطرق.
قال بندار: سمعت عبد الرحمن يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لكتبت تفسير الحديث إلى جنبه، ولأتيت المدينة حتى أنظر في كتب قوم سمعت منهم.
قال محمد بن عبد الرحيم صاعقة: سمعت عليا يقول: - وذكر الفقهاء السبعة - فقال: كان أعلم الناس بقولهم وحديثهم ابن شهاب، ثم بعده مالك، ثم بعده عبد الرحمن بن مهدي.
وقال أحمد بن حنبل: إذا حدث عبد الرحمن عن رجل، فهو ثقة.
وقال علي: كان ورد عبد الرحمن كل ليلة نصف القرآن.
وقال محمد بن يحيى الذهلي: ما رأيت في يد عبد الرحمن بن مهدي كتابا قط - يعني كان يحدث حفظا.
وقال رسته: سمعت عبد الرحمن يقول: كان يقال: إذا لقي الرجل الرجل فوقه في العلم، فهو يوم غنيمته، وإذا لقي من هو مثله، دارسه، وتعلم منه، وإذا لقي من هو دونه، تواضع له، وعلمه، ولا يكون إماما في العلم من حدث بكل ما سمع، ولا يكون إماما من حدث عن كل أحد، ولا من يحدث بالشاذ، والحفظ للإتقان.
وقال ابن نمير: قال عبد الرحمن بن مهدي: معرفة الحديث إلهام.
قال يوسف بن ضحاك: سمعت القواريري يقول: كان ابن مهدي يعرف حديثه وحديث غيره، وكان يحيى القطان يعرف حديثه، فسمعت حماد بن زيد يقول: لئن عاش عبد الرحمن بن مهدي، لنخرجن رجل أهل البصرة.
قال أبو بكر بن أبي الأسود: سمعت ابن مهدي يقول بحضرة يحيى القطان، وذكر الجهمية، فقال: ما كنت لأناكحهم، ولا أصلي خلفهم.(أعلام/2074)
قال عبد الرحمن بن عمر رسته: سمعت عبد الرحمن يقول: الجهمية يريدون أن ينفوا الكلام عن الله، وأن يكون القرآن كلام الله، وأن يكون كلم موسى، وقد وكده الله تعالى فقال: وكلم الله موسى تكليما.
قال عبد الرحمن رسته: سألت ابن مهدي عن الرجل يبني بأهله، أيترك الجماعة أياما؟ قال: لا، ولا صلاة واحدة. وحضرته صبيحة بني على ابنته، فخرج، فأذن، ثم مشى إلى بابهما، فقال للجارية: قولي لهما: يخرجان إلى الصلاة، فخرج النساء والجواري، فقلن: سبحان الله! أي شيء هذا؟ فقال: لا أبرح حتى يخرجا إلى الصلاة، فخرجا بعدما صلى، فبعث بهما إلى مسجد خارج من الدرب.
قلت: هكذا كان السلف في الحرص على الخير.
قال رسته: وكان عبد الرحمن يحج كل عام، فمات أخوه، وأوصى إليه، فأقام على أيتامه، فسمعته يقول: قد ابتليت بهؤلاء الأيتام، فاستقرضت من يحيى بن سعيد أربعمائة دينار احتجت إليها في مصلحة أرضهم.
ذكر أبو نعيم الحافظ لابن مهدي في " الحلية " ترجمة طويلة جدا، فروى فيها من حديثه مائتين وثمانين حديثا وقد لحق صغار التابعين كأيمن بن نابل، وصالح بن درهم، ويزيد بن أبي صالح، وجرير بن حازم، وكان قد ارتحل في آخر عمره من البصرة، فحدث بأصبهان.
قال بندار: سمعت عبد الرحمن يقول: ما نعرف كتابا في الإسلام بعد كتاب الله أصح من " موطأ مالك ".
وقال رسته: سمعت عبد الرحمن يقول: أئمة الناس في زمانهم: سفيان بالكوفة، وحماد بن زيد بالبصرة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام.
أبو حاتم بن حبان: حدثنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا عمرو بن علي، سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: حدثنا أبو خلدة، فقال له رجل: أكان ثقة؟ فقال: كان صدوقا، وكان خيارا، وكان مأمونا، الثقة سفيان وشعبة.(أعلام/2075)
ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، سمعت ابن مهدي يقول: لزمت مالكا حتى ملني، فقلت يوما: قد غبت عن أهلي هذه الغيبة الطويلة، ولا أعلم ما حدث بهم بعدي قال: يا بني، وأنا بالقرب من أهلي، ولا أدري ما حدث بهم منذ خرجت.
قال ابن حبان في صدر كتابه في " الضعفاء ": إلا إن من أكثرهم: تنقيرا عن شأن المحدثين وأتركهم للضعفاء والمتروكين حتى يجعله لهذا الشأن صناعة لهم لم يتعدوها - مع لزوم الدين، والورع الشديد، والتفقه في السنن - رجلين: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي.
قال سهل بن صالح: سمعت يزيد بن هارون يقول: وقعت بين أسدين: عبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان.
قلت: توفي ابن مهدي بالبصرة في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائة.
وعاش أبوه بعده، وكان شيخا عاميا، ربما كان يمزح بجهل، ويشير إلى الجماعة إلى ابنه، ويشير إلى متاعه، فيقول: هذا خرج من هذا.
وقال عبد الرحمن بن محمد بن سلم: سمعت عبد الرحمن بن عمر، سمعت ابن مهدي يقول: فتنة الحديث أشد من فتنة المال والولد.
قال أبو قدامة: سمعت ابن مهدي يقول: لأن أعرف علة حديث أحب إلي من أن أستفيد عشرة أحاديث.
قال عبد الله أخو رسته: سمعت ابن مهدي يقول: محرم على الرجل أن يفتي إلا في شيء سمعه من ثقة ".
وعن عبد الرحمن أنه كان يكره الجلوس إلى ذي هوى أو ذي رأي.
وقال رسته: قام ابن مهدي من المجلس، وتبعه الناس، فقال: يا قوم، لا تطؤن عقبي، ولا تمشن خلفي، حدثنا أبو الأشهب، عن الحسن، قال عمران: خفق النعال خلف الأحمق قل ما يبقي من دينه.
قال رسته: سألت ابن مهدي عن الرجل يتمنى الموت مخافة الفتنة على دينه، قال: ما أرها بذلك بأسا، لكن لا يتمناه من ضر به، أو فاقة، تمنى الموت أبو بكر وعمر ومن دونهما.(أعلام/2076)
وسمعت ابن مهدي يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فقلت: الآمر رجل، فقال: خذ بما لا يريبك حتى لا يصيبك ما يريبك - يعني الحيل.
وبلغنا عن ابن مهدي قال: ما هو - يعني الغرام بطلب الحديث - إلا مثل لعب الحمام ونطاح الكباش.
قلت: صدق والله إلا لمن أراد به الله، وقليل ما هم.
أخبرنا أبو حفص عمر بن عبد المنعم أخبرنا القاضي جمال الدين عبد الصمد بن محمد، أخبرنا علي بن المسلم، أخبرنا أبو نصر بن طلاب، أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جميع بصيدا، حدثنا عبد الملك بن أحمد ببغداد، حدثنا حفص بن عمرو الربالي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النفخ في الطعام والشراب.
قال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: قال أحمد بن سنان: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: لو كان لي عليه سلطان - على من يقرأ قراءة حمزة - لأوجعت ظهره وبطنه.
قلت: جاء نحو هذا عن جماعة وإنما ذلك عائد إلى ما فيها من قبيل الأداء، والله أعلم، وقد استقر اليوم الإجماع على تلقي قراءة حمزة بالقبول.(أعلام/2077)
عبد الرحمن بن يزيد (ع)
ابن جابر، الإمام، الحافظ، فقيه الشام مع الأوزاعي، أبو عتبة الأزدي، الدمشقي، الداراني. ولد في خلافة عبد الملك بن مروان ورأى الكبار، ورأى بعض الصحابة فيما أرى.
وحدث عن أبي سلام الأسود، وأبي الأشعث الصنعاني، ومكحول، وعبد الله بن عامر اليحصبي، وابن شهاب الزهري، وأبي كبشة السلولي، وعطية بن قيس، وخلق.
حدث عنه: ولده عبد الله، والوليد بن مسلم، وابن المبارك، وعمر بن عبد الواحد، ومحمد بن شابور، وأيوب بن سويد، وحسين الجعفي، وخلق سواهم.
وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم، وقد لحقه أبو مسهر ورآه، لكن ما سمع منه. وبلغنا أن المنصور استقدمه إلى بغداد فوفد عليه.
روى الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، قال: كنت أرتدف خلف أبي في أيام الوليد، فقدم علينا سليمان بن يسار، فدعاه أبي إلى الحمام، وصنع له طعاما، وكنت آتي المقاسم أيام هشام بن عبد الملك.
وروى صدقة بن خالد، عن ابن جابر، قال: قال خالد بن اللجلاج لمكحول: سل هذا عما كان، وعما لم يكن - يعني ابن جابر.
قال أحمد بن حنبل: ابن جابر ليس به بأس.
وقال الوليد: سمعت عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يقول: لا تكتبوا العلم إلا ممن يعرف بطلب الحديث.
قال أبو عبيد، وخليفة بن خياط: توفي سنة ثلاث وخمسين ومائة، وقال أبو مسهر وجماعة: مات سنة أربع وخمسين.(أعلام/2078)
عبد الرزاق بن عفيفي بن عطية
المولد:
ولد بشنشور التابعة لمركز أشمون محافظة المنوفية عام 1323 هـ.
الدراسة:
درس المرحلة الابتدائية ثم المرحلة الثانوية، ثم مرحلة القسم العالي، وبإتمامه دراستها اختبر ومنح الشهادة العالمية عام 1351، ثم درس مرحلة التخصص في شعبة الفقه 29 وأصوله ومنح شهادة التخصص في الفقه وأصوله بعد الاختبار، كل هذه الدراسة في الأزهر بالقاهرة.
العمل:
عين مدرسا بالمعاهد العلمية التابعة للأزهر فدرس بها سنوات ثم ندب إلى المملكة العربية السعودية للتدريس بالمعارف السعودية عام 1368 هـ الموافق 1949 م، فجعل مدرسا بدار التوحيد بالطائف، ثم نقل منها بعد سنتين إلى معهد عنيزة العلمي في شهر محرم عام 1370 هـ، ثم نقل إلى الرياض في آخر شهر شوال عام 1370 هـ للتدريس بالمعاهد العلمية التابعة لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ثم نقل للتدريس بكليتي الشريعة واللغة، ثم جعل مديرا للمعهد العالي للقضاء عام 1385 هـ، ثم نقل إلى الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عام 1391 هـ وعين بها نائبا لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء مع جعله عضوا في مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
وقد رزقه الله مواهب من قوة الحافظة والملاحظة وفقه النفس، وكرس جهوده لطلب العلم خارج أروقة الأزهر، وعني بعلوم اللغة والتفسير والأصول والعقائد والسنة والفقه، حتى أصبح إذا تحدث في علم من هذه العلوم ظن السامع أنه تخصصه الذي 30 شغل فيه كامل وقته، وقد كان له عناية خاصة في دراسة أحوال الفرق، وهذه الأمور جعلت طلاب العلم يقصدونه في كل وقت ويسمعون منه، وانتفع بعلمه خلق كثير، وكان يشرف على رسائل بعض الدارسين في الدراسات العليا ويشترك مع لجان مناقشة بعض الرسائل، ويلقي بعض الدروس في المسجد لطلبة العلم حسبما يتيسر، ويلقي المحاضرات، ويشارك في أعمال التوعية في موسم الحج.(أعلام/2079)
عبد الرزاق بن همام (ع)
ابن نافع، الحافظ الكبير، عالم اليمن، أبو بكر الحميري، مولاهم الصنعاني الثقة الشيعي.
ارتحل إلى الحجاز، والشام، والعراق، وسافر في تجارة.
حدث عن هشام بن حسان، وعبيد الله بن عمر، وأخيه عبد الله، وابن جريج، ومعمر، فأكثر عنه، وحجاج بن أرطاة، وعبد الملك بن أبي سليمان، والمثنى بن الصباح، وعمر بن ذر، ومحمد بن راشد، وزكريا بن إسحاق، وعكرمة بن عمار، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وثور بن يزيد، وأيمن بن نابل، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وسفيان الثوري، وإسرائيل بن يونس، ومالك بن أنس، ووالده همام، وخلق سواهم.
حدث عنه شيخه سفيان بن عيينة، ومعتمر بن سليمان، وأبو أسامة، وطائفة من أقرانه، وأحمد بن حنبل، وابن راهويه، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وإسحاق الكوسج، ومحمد بن يحيى، ومحمد بن رافع، وعبد بن حميد، ويحيى بن جعفر البيكندي، ويحيى بن موسى خت والحسن بن أبي الربيع، وأحمد بن منصور الرمادي، وأحمد بن يوسف السلمي، وأحمد بن الأزهر، وسلمة بن شبيب، وإسحاق بن إبراهيم الدبري، وإبراهيم بن سويد الشبامي والحسن بن عبد الأعلى البوسي وإبراهيم بن محمد بن برة الصنعاني، وأحمد بن صالح المصري، وحجاج بن الشاعر، ومحمد بن حماد الطهراني ومؤمل بن إهاب.
قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنه ولد سنة ست وعشرين ومائة.
وقال أحمد بن أبي خيثمة: قال عبد الرزاق: لزمت معمرا ثماني سنين. حدثناه أحمد بن يحيى، وابن معين.
عباس، عن ابن معين، قال: كان عبد الرزاق في حديث معمر أثبت من هشام بن يوسف، وكان هشام بن يوسف أثبت منه في حديث ابن جريج، وأقرأ لكتب ابن جريج من عبد الرزاق، وكان أعلم بحديث سفيان الثوري من عبد الرزاق.(أعلام/2080)
أبو زرعة الدمشقي، أخبرنا أحمد، قال: أتينا عبد الرزاق قبل المائتين، وهو صحيح البصر، ومن سمع منه بعدما ذهب بصره، فهو ضعيف السماع.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: إذا اختلف أصحاب معمر، فالحديث لعبد الرزاق.
قال علي بن المديني: قال لي هشام بن يوسف: كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا.
قلت: هكذا كان النظراء يعترفون لأقرانهم بالحفظ.
وقال يحيى بن معين: ما كان أعلم عبد الرزاق بمعمر، وأحفظه عنه، وكان هشام بن يوسف فصيحا، يبتدع الخطبة على المنبر.
قال عثمان بن سعيد: قلت لابن معين: فعبد الرزاق في سفيان؟ قال: مثلهم، يعني: قبيصة، والفريابي، وعبيد الله، وابن يمان.
قال أحمد العجلي: عبد الرزاق ثقة، كان يتشيع.
وفي " المسند ": قال أحمد بن حنبل: ما كان في قرية عبد الرزاق بئر، فكنا نذهب نبكر على ميلين نتوضأ، ونحمل معنا الماء.
وقال أبو عمرو المستملي: سمعت محمد بن رافع، يقول: كنت مع أحمد وإسحاق عند عبد الرزاق، فجاءنا يوم الفطر، فخرجنا مع عبد الرزاق إلى المصلى، ومعنا ناس كثير، فلما رجعنا، دعانا عبد الرزاق إلى الغداء، ثم قال لأحمد وإسحاق: رأيت اليوم منكما عجبا، لم تكبرا، فقال أحمد وإسحاق: يا أبا بكر، كنا ننتظر هل تكبر، فنكبر، فلما رأيناك لم تكبر، أمسكنا، قال: وأنا كنت أنظر إليكما، هل تكبران فأكبر.
مكي بن عبدان: حدثنا أبو الأزهر، سمعت عبد الرزاق، يقول: صار معمر هليلجة في فمي.
الحسن بن سفيان: سمعت فياض بن زهير النسائي، يقول: تشفعنا بامرأة عبد الرزاق عليه، فدخلنا، فقال: هاتوا، تشفعتم إلي بمن ينقلب معي على فراشي؟ ثم قال:
ليس الشفيع الذي يأتيك متزرا
مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا(أعلام/2081)
عباس: حدثنا يحيى، قال بشر بن السري: قال عبد الرزاق: قدمت مكة مرة، فأتاني أصحاب الحديث يومين، ثم انقطعوا عني يومين، أو ثلاثة، فقلت: يا رب ما شأني؟ أكذاب أنا؟ أي شيء أنا؟ .
قال: فجاءوني بعد ذلك.
المفضل الجندي: حدثنا سلمة بن شبيب، سمعت عبد الرزاق يقول: أخزى الله سلعة لا تنفق إلا بعد الكبر والضعف، حتى إذا بلغ أحدهم مائة سنة، كتب عنه، فإما أن يقال: كذاب، فيبطلون علمه، وإما أن يقال: مبتدع، فيبطلون عمله، فما أقل من ينجو من ذلك.
محمود بن غيلان، عن عبد الرزاق: قال لي وكيع: أنت رجل عندك حديث، وحفظك ليس بذاك، فإذا سئلت عن حديث، فلا تقل: ليس هو عندي، ولكن قل: لا أحفظه.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في " المسند ": قال يحيى بن معين قال لي عبد الرزاق: اكتب عني حديثا واحدا من غير كتاب. قلت: لا، ولا حرف.
ابن أبي خيثمة: حدثنا ابن معين، قال لي عبد الرزاق بمكة قبل أن أقدم عليه اليمن: يا فتى، ما تريد إلى هذه الأحاديث، سمعنا، وعرضنا، وكل سماع، وقال لي: إن هذه الكتب كتبها لي الوراقون سمعناها مع أبي.
عبد الله بن أحمد، وعباس - واللفظ له -: حدثنا يحيى بن معين: قال لي أبو جعفر السويدي جاءوا إلى عبد الرزاق بأحاديث كتبوها، ليست من حديثه، فقالوا له: اقرأها علينا، فقال: لا أعرفها، فقالوا: اقرأها علينا، ولا تقل فيها حدثنا، فقرأها عليهم.
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول في حديث أبي هريرة، حدث به عبد الرزاق النار جبار لم يكن في الكتب، باطل، رواها الأثرم عن أحمد، وزاد: ثم قال: ومن يحدث به عن عبد الرزاق؟ قلت: حدثنا أحمد بن شبويه، قال: هؤلاء سمعوا بعدما عمي، كان يلقن، فلقنوه، وليس في كتبه، وقد أسندوا عنه أحاديث ليست في كتبه.(أعلام/2082)
قلت: أظنها تصحفت عليهم، فإن النار قد تكتب: " النير " على الإمالة بياء على هيئة " البير "، فوقع التصحيف.
ابن أبي العقب، وأبو الميمون، حدثنا أبو زرعة، حدثني محمود بن سميع، سمع أحمد بن صالح يقول: قلت لأحمد بن حنبل: رأيت أحسن حديثا من عبد الرزاق؟ قال: لا.
قال كاتبه: ما أدري ما عنى أحمد بحسن حديثه، هل هو جودة الإسناد، أو المتن، أو غير ذلك؟ .
الفسوي: حدثنا محمد بن أبي السري، قلت لعبد الرزاق: ما رأيك أنت؟ - يعني في التفضيل - قال: فأبى أن يخبرني، وقال: كان سفيان يقول: أبو بكر وعمر، ويسكت، ثم قال لي سفيان: أحب أن أخلو بأبي عروة - يعني معمرا - فقلنا لمعمر، فقال: نعم، فخلا به، فلما أصبح، قلت: يا أبا عروة، كيف رأيته؟ قال: هو رجل، إلا أنه قلما تكاشف كوفيا إلا وجدت فيه شيئا - يريد التشيع - ثم قال عبد الرزاق: وكان مالك يقول: أبو بكر وعمر، ويسكت، وكان معمر يقول: أبو بكر وعمر وعثمان، ويسكت. ومثله كان يقول هشام بن حسان.
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي: أكان عبد الرزاق يفرط في التشيع؟ قال: أما أنا، فلم أسمع منه في هذا شيئا، ولكن كان رجلا يعجبه أخبار الناس أو الأخبار.
محمد بن أيوب بن الضريس: سألت محمد بن أبي بكر المقدمي عن حديث لجعفر بن سليمان، فقلت: روى عنه عبد الرزاق، فقال: فقدت عبد الرزاق، ما أفسد جعفرا غيره - يعني في التشيع - قلت أنا: بل ما أفسد عبد الرزاق سوى جعفر بن سليمان.
قال أبو جعفر العقيلي: حدثنا أحمد بن بكير الحضرمي، حدثنا محمد بن إسحاق بن يزيد البصري، سمعت مخلدا الشعيري، يقول: كنت عند عبد الرزاق، فذكر رجل معاوية، فقال: لا تقذر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان!(أعلام/2083)
عبد الله بن أحمد، قلت لابن معين: تخشى السن على عبد الرزاق؟ فقال: أما حيث رأيناه، فما كان بلغ الثمانين، نحو من سبعين، ثم قال يحيى: ذكر أبو جعفر السويدي أن قوما من الخراسانية، من أصحاب الحديث، جاءوا إلى عبد الرزاق بأحاديث للقاضي هشام بن يوسف، تلقطوها عن معمر، من حديث هشام، وابن ثور، وكان ابن ثور ثقة، فجاءوا بها إلى عبد الرزاق، فنظر فيها، فقال: بعضها سمعتها، وبعضها لا أعرفها، ولم أسمعها، قال: فلم يفارقوه حتى قرأها، ولم يقل لهم: حدثنا، ولا أخبرنا. حدثني السويدي بهذا.
آدم بن موسى: سمعت البخاري يقول: عبد الرزاق ما حدث من كتابه فهو أصح.
أبو زرعة الرازي، حدثنا عبد الله بن محمد المسندي، قال: ودعت ابن عيينة، فقلت: أتريد عبد الرزاق؟ قال: أخاف أن يكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا.
عباس: سمعت ابن معين: قال هشام بن يوسف: عرض معمر هذه الأحاديث على همام بن منبه، إلا أنه سمع منها نيفا وثلاثين حديثا - يعني: صحيفة همام، التي رواها عبد الرزاق، عن معمر عنه، وهي مائة ونيف وثلاثون حديثا، أكثرها في " الصحيحين ".
العقيلي في كتاب " الضعفاء " له، في ترجمة عبد الرزاق: حدثنا محمد بن أحمد بن حماد، سمعت محمد بن عثمان الثقفي، قال: لما قدم العباس بن عبد العظيم من عند عبد الرزاق من صنعاء، قال لنا - ونحن جماعة -: ألست قد تجشمت الخروج إلى عبد الرزاق، فدخلت إليه، وأقمت عنده حتى سمعت منه ما أردت؟ والله الذي لا إله إلا هو، إن عبد الرزاق كذاب، والواقدي أصدق منه.
قلت: بل والله ما بر عباس في يمينه، ولبئس ما قال، يعمد إلى شيخ الإسلام، ومحدث الوقت، ومن احتج به كل أرباب الصحاح - وإن كان له أوهام مغمورة، وغيره أبرع في الحديث منه - فيرميه بالكذب، ويقدم عليه الواقدي الذي أجمعت الحفاظ على تركه، فهو في مقالته هذه خارق للإجماع بيقين.(أعلام/2084)
قال العقيلي سمعت علي بن عبد الله بن المبارك الصنعاني يقول: كان زيد بن المبارك، قد لزم عبد الرزاق، فأكثر عنه، ثم خرق كتبه، ولزم محمد بن ثور، فقيل له في ذلك، فقال: كنا عند عبد الرزاق، فحدثنا بحديث معمر، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان. . . الحديث الطويل، فلما قرأ قول عمر لعلي والعباس: فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك، وجاء هذا يطلب ميراث امرأته، قال عبد الرزاق: انظروا إلى الأنوك، يقول: تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث زوجته من أبيها، لا يقول: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال زيد بن المبارك: فلم أعد إليه، ولا أروي عنه.
قلت: هذه عظيمة، وما فهم قول أمير المؤمنين عمر، فإنك يا هذا لو سكت، لكان أولى بك، فإن عمر إنما كان في مقام تبيين العمومة والبنوة، وإلا فعمر - رضي الله عنه - أعلم بحق المصطفى وبتوقيره وتعظيمه من كل متحذلق متنطع، بل الصواب أن نقول عنك: انظروا إلى هذا الأنوك الفاعل - عفا الله عنه - كيف يقول عن عمر هذا، ولا يقول: قال أمير المؤمنين - الفاروق -؟ ! وبكل حال فنستغفر الله لنا ولعبد الرزاق، فإنه مأمون على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صادق.
قال العقيلي: حدثنا أحمد بن محمد: سمعت أبا صالح محمد بن إسماعيل الصراري يقول: بلغنا ونحن بصنعاء عند عبد الرزاق أن أصحابنا، يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، تركوا حديث عبد الرزاق وكرهوه، فدخلنا من ذلك غم شديد، وقلنا: قد أنفقنا، ورحلنا وتعبنا، فلم أزل في غم من ذلك إلى وقت الحج، فخرجت إلى مكة، فلقيت بها يحيى بن معين، فقلت له: يا أبا زكريا، ما نزل بنا من شيء بلغنا عنكم في عبد الرزاق؟ قال: وما هو؟ قلنا: بلغنا أنكم تركتم حديثه، ورغبتم عنه، قال: يا أبا صالح، لو ارتد عبد الرزاق عن الإسلام، ما تركنا حديثه.(أعلام/2085)
أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين، وبلغه أن أحمد بن حنبل تكلم في عبيد الله بن موسى بسبب التشيع، فقال يحيى: والله العظيم، لقد سمعت من عبد الرزاق في هذا المعنى أكثر مما يقول عبيد الله بن موسى، ولكن خاف أحمد بن حنبل أن تذهب رحلته إلى عبد الرزاق، أو كما قال - رواها ثقتان عنه.
أحمد بن زهير: أنبئونا عن بركات الخشوعي، أنبأنا أبو طالب اليوسفي، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، حدثنا القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، سمعت سلمة بن شبيب، سمعت عبد الرزاق، يقول: ما انشرح صدري قط أن أفضل عليا على أبي بكر وعمر، فرحمهما الله، ورحم عثمان وعليا، من لم يحبهم فما هو بمؤمن، أوثق عملي حبي إياهم.
أبو حامد بن الشرقي، حدثنا أبو الأزهر، سمعت عبد الرزاق يقول: أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما على نفسه، كفى بي إزراء أن أخالف عليا - رضي الله عنه -.
عبد الله بن محمد بن سيار الفرهياني حدثنا عباس بن عبد العظيم، عن زيد بن المبارك قال: كان عبد الرزاق كذابا يسرق الحديث.
وذكره أبو أحمد بن عدي في " كامله " فقال: نسبوه إلى التشيع، وروى أحاديث في الفضائل لا يوافق عليها، فهذا أعظم ما ذموه به من روايته هذه الأحاديث، ولما رواه في مثالب غيرهم، مما لم أذكره، وأما الصدق، فإني أرجو أنه لا بأس به، إلا أنه قد سبق منه أحاديث في أهل البيت، ومثالب آخرين مناكير، وقد سمعت ابن حماد، سمعت أبا صالح الصراري. . . فذكر حكايته، وقول يحيى: لو ارتد ما تركنا حديثه.(أعلام/2086)
وقد أورد أبو القاسم بن عساكر ترجمة عبد الرزاق في سبع عشرة ورقة. وأفظع حديث له ما تفرد به عنه الثقة أحمد بن الأزهر في مناقب الإمام علي، فإنه شبه موضوع، وتابعه عليه محمد بن علي بن سفيان الصنعاني النجار قالا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى علي فقال: أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله، فالويل لمن أبغضك بعدي.
قال الحاكم: حدث به أبو الأزهر ببغداد في حياة يحيى بن معين، فأنكره من أنكره، حتى تبين للجماعة أن أبا الأزهر بريء الساحة منه، فإنه صادق. وحدثناه أبو علي محمد بن علي بن عمر المذكر، حدثنا أبو الأزهر، فذكره، وحدثني عبد الله بن سعد، حدثنا محمد بن حمدون، حدثنا محمد بن علي النجار، فذكره.
وسمعت أبا علي الحافظ، سمعت أحمد بن يحيى التستري يقول: لما حدث أبو الأزهر بهذا في الفضائل، أخبر يحيى بن معين بذلك، فبينا هو عنده في جماعة أصحاب الحديث، إذ قال: من هذا الكذاب النيسابوري الذي حدث بهذا عن عبد الرزاق؟ فقام أبو الأزهر فقال: هو ذا أنا، فتبسم يحيى بن معين، وقال: أما إنك لست بكذاب، وتعجب من سلامته، وقال: الذنب لغيرك فيه.
وسمعت أبا أحمد الحافظ، سمعت أبا حامد بن الشرقي، وسئل عن حديث أبي الأزهر، عن عبد الرزاق، في فضل علي، فقال: هذا باطل، والسبب فيه أن معمرا كان له ابن أخ رافضي، وكان معمر يمكنه من كتبه، فأدخل عليه هذا الحديث، وكان معمر مهيبا، لا يقدر أحد على مراجعته، فسمعه عبد الرزاق في كتاب ابن أخي معمر.
قلت: هذه حكاية منقطعة، وما كان معمر شيخا مغفلا يروج هذا عليه، كان حافظا بصيرا بحديث الزهري.(أعلام/2087)
قال مكي بن عبدان: حدثنا أبو الأزهر، قال: خرج عبد الرزاق إلى قريته، فبكرت إليه يوما، حتى خشيت على نفسي من البكور، فوصلت إليه قبل أن يخرج لصلاة الصبح، فلما خرج، رآني، فأعجبه، فلما فرغ من الصلاة، دعاني، وقرأ علي هذا الحديث، وخصني به دون أصحابي.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا سالم بن الحسن، أخبرنا أبو الفتح بن شاتيل، أخبرنا الحسين بن علي، أخبرنا عبد الله بن يحيى، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني ابن أبي مليكة قال: دخلت أنا وابن فيروز مولى عثمان على ابن عباس، فقال له ابن فيروز: يا أبا عباس يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم الآية فقال ابن عباس: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن فيروز، فقال ابن عباس: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة فقال: أسألك يا أبا عباس؟ قال: أيام سماها الله، هو أعلم بها، أكره أن أقول فيها ما لا أعلم، قال ابن أبي مليكة: فضرب الدهر حتى دخلت على سعيد بن المسيب، فسئل عنها، فلم يدر ما يقول، فقلت له: ألا أخبرك ما حضرت من ابن عباس، فأخبرته، فقال ابن المسيب للسائل: هذا ابن عباس قد اتقى أن يقول فيها، وهو أعلى مني.
وبه إلى عبد الرزاق: أخبرنا معمر، قال: كان عدي بن أرطاة يبعث إلى الحسن كل يوم قعابا من ثريد، فيأكل هو وأصحابه.
قلت: قد كان عدي أميرا على البصرة لعمر بن عبد العزيز.
وبه إلى عبد الرزاق: أخبرنا الثوري، حدثني منصور، عن مجاهد، عن عقار بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من اكتوى أو استرقى، فقد برئ من التوكل.(أعلام/2088)
وبه إلى عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعض أهله فقال: أين فلانة؟ قالوا: اشتكت عينها، فقال: استرقوا لها، فقد أعجبتني عيناها.
قرأت على أحمد بن إسحاق، أخبركم الفتح بن عبد السلام، أخبرنا عبد الله بن أبي شريك، أخبرنا أبو الحسين بن النقور، حدثنا عيسى بن علي إملاء قال: قرئ على أبي عمر محمد بن يوسف القاضي وأنا أسمع في سنة سبع عشرة وثلاثمائة، قيل له: حدثكم أحمد بن منصور بن سيار، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني أنس قال: فرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به الصلوات خمسين، ثم نقصت إلى خمس، ثم نودي: يا محمد إنه لا يبدل القول لدي، وإن لك بالخمس خمسين.
وأخبرنا أحمد بن عبد الرحمن، ومحمد بن محمد الكاتب، وعبد الرحيم بن عبد المحسن قالوا: أخبرنا عبد الرحمن بن مكي، أخبرنا جدي أبو طاهر الحافظ، أخبرنا مكي بن منصور، أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا محمد بن أحمد بن معقل، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: فرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به الصلوات خمسين، ثم نقصت حتى جعلت خمسا، ثم نودي: يا محمد إنه لا يبدل القول لدي، وإن لك بهذه الخمس خمسين ". أخرجه الترمذي عن الذهلي.(أعلام/2089)
أخبرنا أبو المعالي الهمذاني، أخبرنا أحمد بن يوسف، والفتح بن عبد الله (ح) وأخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا أبو اليمن الكندي قالوا: أخبرنا محمد بن القاضي (ح) وأخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا يوسف بن أيوب الزاهد قالا: أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، أخبرنا علي بن عمر السكري، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي، حدثنا يحيى بن معين في سنة سبع وعشرين ومائتين، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون المحصب.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو محمد بن قدامة، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا علي بن محمد بن محمد الخطيب، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، أخبرنا إسماعيل بن محمد، أخبرنا أحمد بن منصور، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال عمر: " يا أسلم، لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا. قلت: وكيف ذاك؟ قال: إذا أحببت، فلا تكلف كما يكلف الصبي، وإذا أبغضت، فلا تبغض بغضا تحب أن يتلف صاحبك ويهلك ".
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أبو الفضل بن خيرون، أخبرنا الحسين بن بطحاء، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي، حدثني الحسين بن داود بن معاذ البلخي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله - عز وجل -: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال: تنظر في وجه الرحمن - عز وجل.
توفي عبد الرزاق في شوال، سنة إحدى عشرة ومائتين.
يحيى بن معين: سمعت هشام بن يوسف يقول: كان لعبد الرزاق حين قدم ابن جريج اليمن ثماني عشرة سنة.
قال يعقوب بن شيبة: عن ابن المديني، قال لي هشام بن يوسف: كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا. قال يعقوب: وكل ثقة ثبت.(أعلام/2090)
عبد السلام (خ، 4)
ابن حرب الملائي البصري، ثم الكوفي، شريك أبي نعيم. كان صاحب حديث وحفظ وعمر دهرا.
حدث عن: أيوب السختياني، وعطاء بن السائب، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وخالد الحذاء، وجماعة.
وعنه: أبو بكر بن أبي شيبة، وهناد بن السري، وأبو سعيد الأشج والحسن بن عرفة، وآخرون.
وروى عنه من شيوخه: محمد بن إسحاق، وقيس بن الربيع. . قال الترمذي: ثقة حافظ.
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة وفي حديثه لين، وكان عسرا في الحديث. سمعت ابن المديني يقول: كان يجلس في كل عام مرة مجلسا للعامة، فقيل لعلي: أكثرت عنه؟ قال: نعم، حضرت له مجلس العامة، وقد كنت أستنكر بعض حديثه حتى نظرت في حديث من يكثر عنه، فإذا حديثه مقارب عن مغيرة والناس، وذلك أنه كان عسرا، فكانوا يجمعون غرائبه في مكان، فكنت أنظر إليها مجموعة، فاستنكرتها. وقال يحيى بن معين: ثقة. والكوفيون يوثقونه. قال القواريري: أتيته، فقلت: حدثني، فإني غريب من البصرة، فقال: كأنك تقول: جئت من السماء. فلم يحدثني. قيل: ولد في حياة أنس سنة إحدى وتسعين. ومات سنة سبع وثمانين ومائة قلت: لعله ما طلب إلا وقد تكهل.(أعلام/2091)
عبد العزيز بن أبي رواد (4)
شيخ الحرم واسم أبيه ميمون، وقيل: أيمن بن بدر مولى الأمير المهلب بن أبي صفرة، الأزدي، المكي، أحد الأئمة العباد، وله جماعة إخوة.
حدث عن: سالم بن عبد الله، والضحاك بن مزاحم، وعكرمة، ونافع العمري، وجماعة. وليس هو بالكثير للحديث.
حدث عنه: ولده فقيه مكة عبد المجيد بن أبي رواد، وحسين الجعفي، ويحيى القطان، وأبو عاصم النبيل، وعبد الرزاق، ومكي بن إبراهيم، وابن المبارك، وآخرون.
قال ابن المبارك: كان من أعبد الناس. وقال يوسف بن أسباط: مكث ابن أبي رواد أربعين سنة لم يرفع طرفه إلى السماء، فبينا هو يطوف حول الكعبة، إذ طعنه المنصور بأصبعه، فالتفت، فقال: قد علمت أنها طعنة جبار.
قال شقيق البلخي: ذهب بصر عبد العزيز عشرين سنة ولم يعلم به أهله ولا ولده.
وعن سفيان بن عيينة قال: كان ابن أبي رواد من أحلم الناس، فلما لزمه أصحاب الحديث، قال: تركوني كأني كلب هرار.
قال أبو عبد الرحمن المقرئ: ما رأيت أحدا قط أصبر على طول القيام من عبد العزيز بن أبي رواد.
خلاد بن يحيى: حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد قال: كان يقال: من رأس التواضع الرضا بالدون من شرف المجالس.(أعلام/2092)
قال عبد الصمد بن يزيد مردويه: حدثنا ابن عيينة: أن عبد العزيز بن أبي رواد قال لأخ له: أقرضنا خمسة آلاف درهم إلى الموسم. فسر التاجر، وحملها إليه. فلما جنه الليل قال: ما صنعت يا ابن أبي رواد؟ شيخ كبير، وأنا كذلك ما أدري ما يحدث بنا، فلا يعرف له ولدي حقه، لئن أصبحت، لآتينه ولأحاللنه، فلما أصبح أتاه، فأخبره، فقال: اللهم أعطه أفضل ما نوى. ودعا له، وقال: إن كنت إنما تشاورني، فإنما استقرضناه على الله، فكلما اغتممنا به كفر الله به عنا، فإذا جعلتنا في حل كأنه يسقط ذلك. فكره التاجر أن يخالفه، فما أتى الموسم حتى مات الرجل، فأتى أولاده، وقالوا: مال أبينا يا أبا عبد الرحمن.
فقال لهم: لم يتهيأ، ولكن الميعاد بيننا الموسم الآتي، فقاموا من عنده، فلما كان الموسم الآتي لم يتهيأ المال، فقالوا: أيش أهون عليك من الخشوع وتذهب بأموال الناس! فرفع رأسه، فقال: رحم الله أباكم، قد كان يخاف هذا وشبهه، ولكن الأجل بيننا الموسم الآتي، وإلا فأنتم في حل مما قلتم. قال: فبينا هو ذات يوم خلف المقام إذ ورد عليه غلام كان قد هرب له إلى الهند بعشرة آلاف درهم، فأخبره أنه اتجر، وأن معه من التجارة ما لا يحصى. قال سفيان: فسمعته يقول: لك الحمد، سألناك خمسة آلاف، فبعثت إلينا عشرة آلاف، يا عبد المجيد! احمل العشرة آلاف إليهم، خمسة لهم، وخمسة للإخاء الذي بيننا وبين أبيهم. وقال العبد: من يقبض ما معي؟ فقال: يا بني! أنت حر لوجه الله، وما معك فلك.
قال عبد العزيز: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوم يشهدون على الناس بالشرك فأنكر ذلك.
قال عبد العزيز: اللهم ما لم تبلغه قلوبنا من خشيتك فاغفره لنا يوم نقمتك من أعدائك.
وعن عبد العزيز: وسئل: ما أفضل العبادة؟ قال: طول الحزن.
قلت: كان ابن أبي رواد كثير المحاسن، لكنه مرجئ.(أعلام/2093)
قال مؤمل بن إسماعيل: مات عبد العزيز فجيء بجنازته، فوضعت عند باب الصفا، وجاء سفيان الثوري، فقال الناس: جاء سفيان، جاء سفيان. فجاء حتى خرق الصفوف، وجاوز الجنازة، ولم يصل عليها ; لأنه كان يرى الإرجاء. فقيل لسفيان، فقال: والله إني لأرى الصلاة على من هو دونه عندي، ولكن أردت أن أري الناس أنه مات على بدعة.
يحيى بن سليم: سمعت ابن أبي رواد يسأل هشام بن حسان في الطواف: ما كان الحسن يقول في الإيمان؟ قال: كان يقول: قول وعمل. قال: فما كان ابن سيرين يقول؟ قال: كان يقول: آمنا بالله وملائكته. فقال عبد العزيز: كان ابن سيرين، وكان ابن سيرين. فقال هشام: بين أبو عبد الرحمن الإرجاء، بين أبو عبد الرحمن الإرجاء.
قال ابن عيينة: غبت عن مكة، فجئت، فتلقاني الثوري، فقال لي: يا ابن عيينة عبد العزيز بن أبي رواد يفتي المسلمين. قلت: وفعل؟ قال: نعم.
قال عبد الرزاق: كنت جالسا مع الثوري، فمر عبد العزيز بن أبي رواد، فقال الثوري: أما إنه كان شابا أفقه منه شيخا. وقال أبو عاصم: جاء عكرمة بن عمار إلى ابن أبي رواد، فدق عليه بابه، وقال: أين الضال؟
قال أحمد بن حنبل: كان مرجئا، رجلا صالحا، وليس هو في التثبيت كغيره. وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال ابن حبان: روى عن نافع عن ابن عمر: نسخة موضوعة، وكان يحدث بها توهما لا تعمدا.
قلت: الشأن في صحة إسنادها إلى عبد العزيز، فلعلها قد أدخلت عليه.
توفي في سنة تسع وخمسين ومائة وله أخوان: عثمان: روى له البخاري في " صحيحه "، وجبلة.(أعلام/2094)
عبد العزيز بن باز
مولده:
ولد في ذي الحجة سنة 1330 هـ بمدينة الرياض، وكان بصيرا، ثم أصابه مرض في عينيه عام 1346 هـ وضعف بصره، ثم فقده عام 1350 هـ.
طلبه للعلم:
حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ، ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض، ولما برز في العلوم الشرعية واللغة عين في القضاء عام 1357 هـ، ولم ينقطع عن طلب العلم حتى اليوم، حيث لازم البحث والتدريس ليل نهار، ولم تشغله المناصب عن ذلك مما جعله يزداد بصيرة ورسوخا في كثير من العلوم، وقد عني عناية خاصة بالحديث وعلومه حتى أصبح حكمه على الحديث من حيث الصحة والضعف محل اعتبار، وهي درجة قل أن يبلغها أحد، خاصة في هذا العصر، وظهر أثر ذلك على كتاباته وفتواه حيث كان يتخير من الأقوال ما يسنده الدليل.
مشائخه:
تلقى العلم على أيدي كثير من العلماء، ومن أبرزهم:
الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (قاضي الرياض) .
الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
الشيخ سعد بن حمد بن عتيق (قاضي الرياض) .
الشيخ حمد بن فارس (وكيل بيت المال في الرياض) .
سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (مفتي المملكة العربية السعودية) وقد لازم حلقاته نحوا من عشر سنوات، وتلقى عنه جميع العلوم الشرعية ابتداء من سنة 1347 هـ إلى سنة 1357 هـ.
الشيخ سعد وقاص البخاري (من علماء مكة المكرمة) أخذ عنه علم التجويد في عام 1355 هـ.
آثاره:
منذ تولى القضاء في مدينة الخرج عام 1357 هـ وهو ملازم للتدريس في حلقات منتظمة إلى يومنا هذا، ففي الخرج 31 كانت حلقاته مستمرة أيام الأسبوع عدا يومي الثلاثاء والجمعة، ولديه طلاب متفرغون لطلب العلم من أبرزهم:
الشيخ عبد الله الكنهل.
الشيخ راشد بن صالح الخنين.
الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك.
الشيخ عبد اللطيف بن شديد.(أعلام/2095)
الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود.
الشيخ عبد الرحمن بن جلال.
الشيخ صالح بن هليل. وغيرهم.
في عام 1372 هـ انتقل إلى الرياض للتدريس في معهد الرياض العلمي، ثم في كلية الشريعة بعد إنشائها سنة 1373 هـ في علوم الفقه والحديث والتوحيد، إلى أن نقل نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1381 هـ، وقد أسس حلقة التدريس في الجامع الكبير بالرياض منذ انتقل إليها، ولا زالت هذه الحلقة مستمرة إلى يومنا هذا، وإن كانت في السنوات الأخيرة اقتصرت على بعض أيام الأسبوع بسبب كثرة الأعمال، ولازمها كثير من طلبة العلم، وأثناء وجوده بالمدينة المنورة من عام 1381 هـ نائبا لرئيس الجامعة ورئيسا لها من عام 1390 هـ إلى 1395 هـ عقد 33 حلقة للتدريس في المسجد النبوي، ومن الملاحظ أنه إذا انتقل إلى غير مقر إقامته استمرت إقامة الحلقة في المكان الذي ينتقل إليه مثل الطائف أيام الصيف. وقد نفع الله بهذه الحلقات.
مؤلفاته:
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، صدر منه الآن ثلاثة أجزاء وقت تحرير هذه النبذة (1)
الفوائد الجلية في- المباحث الفرضية.
التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة (توضيح المناسك) .
التحذير من البدع، ويشتمل على أربع مقالات مفيدة: (حكم الاحتفال بالمولد النبوي، وليلة الإسراء والمعارج، وليلة النصف من شعبان، وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى: الشيخ أحمد) .
رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام.
العقيدة الصحيحة وما يضادها.
وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها.
الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة.
وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه.
حكم السفور والحجاب ونكاح الشغار.
نقد القومية العربية.
الجواب المفيد في حكم التصوير.
الشيخ محمد بن عبد الوهاب، دعوته وسيرته.
__________
(1) صدر من أجزاء هذا الكتاب حتى إعادة طباعة هذا الجزء (12) جزءا.(أعلام/2096)
ثلاث رسائل في الصلاة:
(أ) كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
(ب) وجوب أداء الصلاة في جماعة.
(ج) أين يضع المصلي يديه حين الرفع من الركوع؟
حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن أو في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حاشية مفيدة على فتح الباري، وصل فيها إلى كتاب الحج.
رسالة الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب.
إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين.
الجهاد في سبيل الله.
الدروس المهمة لعامة الأمة.
فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة.
وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة.
تحفة الأخيار ببيان جملة نافعة مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة من الأدعية والأذكار.
هذا ما تم طبعه، ويوجد له تعليقات على بعض الكتب مثل:
بلوغ المرام، تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر (لم تطبع) ، التحفة الكريمة في بيان كثير من الأحاديث الموضوعة والسقيمة، تحفة أهل العلم والإيمان بمختارات من الأحاديث الصحيحة والحسان، إلى غير ذلك.
الأعمال التي يزاولها غير ما ذكر:
صدر الأمر الملكي بتعيينه رئيسا لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ثم مفتيا عاما للملكة ورئيسا لهيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء.
رئيسا للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء التي أصدرت هذه الفتاوى.
رئيسا وعضوا للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.
رئيسا للمجلس الأعلى العالمي للمساجد.
رئيسا للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي.
عضوا للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
عضوا في الهيئة العليا للدعوة الإسلامية.(أعلام/2097)
ولم يقتصر نشاطه على ما ذكر فقد كان يلقي المحاضرات ويحضر الندوات العلمية ويعلق عليها ويعمر المجالس الخاصة والعامة التي يحضرها بالقراءة والتعليق بالإضافة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح صفة ملازمة له.
نفعنا الله بعلمه ورحمه الله.
وفاته:
توفّي الشيخ رحمه الله يوم الخميس 27/1/1420 هـ عن عمر يناهز 89 سنة قضاها رحمه الله في الجد والاجتهاد والعمل الصالح وطلب العلم وتعلمه وبذله والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله وقضاء حوائج المسلمين ومساعدتهم والوقوف معهم رحمه الله وغفر له واسكنه فسيح جناته ونور ضريحه وأنزله منازل الأبرار وجمعنا به في دار كرامته ومستقر رحمته.
ولقد صلى على جثمانه بعد صلاة الجمعة خلق كثير وجموع غفيرة لا يحصيهم إلا الله عز وجل، وهذا برهان ودليل محبة الناس له، رحمه الله واسكنه فسيح جناته.(أعلام/2098)
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
12 13 سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ.
الوظيفة: مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء.
المرتبة: وزير.
تاريخ التعيين: 20/1/1414 هـ.
المناصب التي عمل بها: عمل أستاذا مشاركا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ثم عضوا باللجنة الدائمة للبحوث والفتوى.
تاريخ الميلاد: 1360 هـ.
المؤهل: شهادة الليسانس في الشريعة.
نسبه:
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ.
نشأته:
ولد في الرياض عام 1360 هـ، وكان منذ ولادته يعاني من ضعف البصر، حتى فقده عام 1381 هـ.
طلبه للعلم:
بدأ طلب العلم في دراسة القرآن الكريم في مسجد أحمد بن سنان، فحفظ القرآن وسنه اثنتا عشرة سنة، ثم طلب العلم على بعض العلماء في الحلق، وفي عام 1375 هـ التحق في معهد إمام الدعوة، وتخرج من كلية الشريعة عام 1383 هـ/ 1384 هـ، وكان يحضر بعض حلقات العلماء في المساجد.
الأعمال:
بدأ حياته العملية بعد تخرجه من كلية الشريعة عام 14 1384 هـ، حيث عمل مدرسا في معهد إمام الدعوة العلمي إلى عام 1392 هـ، حيث انتقل للتدريس في كلية الشريعة في الرياض، واستمر فيها حتى عام 1412هـ، حيث نقل عضوا للجنة الدائمة للإفتاء، وفي عام 1416 هـ عين نائبا لمفتي عام المملكة، وسبق أن عين عضوا في مجلس هيئة كبار العلماء1407 هـ.
جهوده بجانب عمله:
تولى إمامة الجمعة في مسجد الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف من 1390 هـ، ثم انتقل إلى إمامة جامع الإمام تركي بن عبد الله عام 1412هـ، وقد تولى الخطابة في مسجد نمرة يوم عرفة من عام 1402هـ.(أعلام/2099)
وكان من وقت عمله في كلية الشريعة يشرف على بعض الرسائل الجامعية، ويشارك في المناقشة، ويشارك في الفتوى في برنامج (نور على الدرب) من عام 1414 هـ، وكان يعقد بعض الحلقات في جامع الإمام تركي بالرياض، ويشارك في بعض الندوات والمحاضرات بجانب العمل في الدعوة في الرياض والطائف. 15(أعلام/2100)
عبد العزيز بن مسلم (خ، م، د، ت، س)
الإمام العابد الرباني، أبو زيد القسملي الخراساني، ثم البصري، أحد الثقات.
حدث عن عبد الله بن دينار، ومطر الوراق، وأيوب، وأبي هارون العبدي، وحصين بن عبد الرحمن، وعدة.
روى عنه: العقدي، والقعنبي، وعبيد الله بن عائشة، وحفص بن عمر الحوضي، وحفص بن عمر الضرير، وشيبان بن فروخ، وآخرون. قال أبو عامر العقدي: كان من العابدين. وقال يحيى بن إسحاق السيلحيني: سمعت منه، وكان من الأبدال. وقال يحيى بن معين وغيره: ثقة. قال العيشي: مات سنة سبع وستين ومائة.(أعلام/2101)
عبد العظيم
الإمام العلامة الحافظ المحقق شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد المنذري الشامي الأصل المصري الشافعي.
ولد في غرة شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.
وسمع من أبي عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي، وهو أول شيخ لقيه، وذلك في سنة إحدى وتسعين، ومن عمر بن طبرزذ، وهو أعلى شيخ له، ومن أبي الجود غياث المقرئ، وست الكتبة بنت علي بن الطراح، ومن يونس بن يحيى الهاشمي، لقيه بمكة، وجعفر بن محمد بن آموسان، أملى عليه بالمدينة، وعلي بن المفضل الحافظ، ولازمه مدة، وبه تخرج، وعبد المجيب بن زهير الحربي، وإبراهيم بن البتيت، وأبي روح البيهقي، وأبي عبد الله بن البناء الصوفي، وعلي بن أبي الكرم بن البناء الخلال، وأبي المعالي محمد بن الزنف وأبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، وأبي الفتوح بن الجلاجلي، وأبي المعالي أسعد بن المنجى مصنف " الخلاصة " وأحمد بن محمد بن سيدهم الأنصاري، وأحمد بن عبد الله السلمي العطار، والشيخ أبي عمر بن قدامة، وداود بن ملاعب، وأبي نزار ربيعة بن الحسن الحضرمي، والإمام موفق الدين بن قدامة، وأبي محمد عبد الله بن عبد الجبار العثماني، وموسى بن عبد القادر الجيلي، والعلامة أبي محمد عبد الله بن نجم بن شاس المالكي، والقاضي أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مجلي وعبد الجليل بن مندويه الأصبهاني، والواعظ علي بن إبراهيم بن نجا الأنصاري - سمعه يعظ - ونجيب بن بشارة السعدي سمع منه كتاب " العنوان " وعبد العزيز بن باقا، ومحمد بن عماد، وأبي المحاسن بن شداد، وأبي طالب بن حديد، وخلق كثير لقيهم بالحرمين ومصر والشام والجزيرة.(أعلام/2102)
وعمل " المعجم " في مجلد، و " الموافقات " في مجلد، واختصر " صحيح مسلم " و " سنن أبي داود "، وتكلم على رجاله، وعزاه إلى " الصحيحين " أو أحدهما أو لينه، وصنف شرحا كبيرا " للتنبيه " في الفقه وصنف " الأربعين "، وغير ذلك.
وقرأ القراءات على أبي الثناء حامد بن أحمد الأرتاجي، وتفقه على الإمام أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد القرشي الشافعي، وأخذ العربية عن أبي الحسين يحيى بن عبد الله الأنصاري.
قال الحافظ عز الدين الحسيني درس شيخنا بالجامع الظافري، ثم ولي مشيخة الدار الكاملية، وانقطع بها عاكفا على العلم، وكان عديم النظير في علم الحديث على اختلاف فنونه ثبتا حجة ورعا متحريا، قرأت عليه قطعة حسنة من حديثه وانتفعت به كثيرا.
قلت: حدث عنه أبو الحسين اليونيني، وأبو محمد الدمياطي، والشرف الميدومي، والتقي عبيد، والشيخ محمد القزاز، والفخر بن عساكر، وعلم الدين الدواداري، وقاضي القضاة ابن دقيق العيد، وعبد القادر بن محمد الصعبي، وإسحاق بن إبراهيم الوزيري، والحسين بن أسد بن الأثير، وعلي بن إسماعيل بن قريش المخزومي، والعماد بن الجرائدي، وأبو العباس بن الدفوفي، ويوسف بن عمر الختني، وخلق سواهم، ودرس بالجامع الظافري مدة قبل مشيخة الكاملة، وكان يقول: إنه سمع من الحافظ عبد الغني، ولم نظفر بذلك، وأجاز له مروياته، وكان متين الديانة، ذا نسك وورع وسمت وجلالة.
قال شيخنا الدمياطي: هو شيخي ومخرجي، أتيته مبتدئا، وفارقته معيدا له في الحديث.
ثم قال: توفي في رابع ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة ورثاه غير واحد بقصائد حسنة.
وقال الشريف عز الدين أيضا: كان شيخنا زكي الدين عالما بصحيح الحديث وسقيمه، ومعلوله وطرقه، متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيما بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، إماما حجة.(أعلام/2103)
قلت: ومات معه في هذه السنة أمير المؤمنين المستعصم بالله أبو أحمد مقتولا شهيدا عند أخذ بغداد وابناه أحمد وعبد الرحمن وأعمامه علي وحسن وسليمان ويوسف وحبيب بنو الخليفة الظاهر، وابنا عمه حسين ويحيى ولدا علي، وملك الأمراء مجاهد الدين أيبك الدويدار، وسليمان شاه، وفتح الدين بن كر وعدة أمراء كبار، والمحتسب عبد الرحمن بن الجوزي.
وأخوه تاج الدين عبد الكريم، والقاضي أبو المناقب محمود بن أحمد الزنجاني عالم الوقت، وشرف الدين محمد بن محمد بن سكينة قاتل حتى قتل، ونقيب العلوية أبو الحسن علي بن النسابة، وشيخ الشيوخ صدر الدين بن النيار، وابن أخيه عبد الله، ومهذب الدين عبد الله بن عسكر البعقوبي، والقاضي برهان الدين القزويني، والقاضي إبراهيم النهر فصلي، والخطيب عبد الله بن عباس الرشيدي، وشيخ التجويد علي بن الكتبي، وتقي الدين الموسوي نقيب المشهد، وشرف الدين محمد بن طاوس العلوي، وخلق من الصدور قتلوا صبرا، وأستاذ الدار محيي الدين يوسف بن الجوزي.
وسيد الشعراء جمال الدين يحيى بن يوسف الصرصري، وشيخ القراء عفيف الدين المرجى بن الحسن بن شقيراء الواسطي السفار، وعالم الإسكندرية أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، والحافظ صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن البكري، وشيخ اللغة شرف الدين الحسين بن إبراهيم الإربلي، والصاحب بهاء الدين زهير بن محمد المهلبي المصري الشاعر، وصاحب الكرك الملك الناصر داود بن المعظم عيسى بن العادل، وخطيب بيت الأبار عماد الدين داود بن عمر المقدسي خطيب دمشق.(أعلام/2104)
والشيخ الزاهد أبو الحسن الشاذلي علي بن عبد الله بن عبد الجبار المغربي بعيذاب، وشيخ القراء أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد الفاسي بحلب، ومقرئ الموصل الإمام محمد بن أحمد بن أحمد الحنبلي شعلة شابا، وخطيب مردا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل المقدسي الحنبلي، والمسند ابن خطيب القرافة أبو عمرو عثمان بن علي القرشي، والمحدث شمس الدين علي بن مظفر النشبي الدمشقي، وخلق سواهم في تاريخي الكبير.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المؤدب، أخبرنا عبد العظيم الحافظ أخبرنا محمد بن حمد في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، أنبأنا علي بن الحسين الموصلي، أخبرنا علي بن الحسن بن قسيم، أخبرنا علي بن محمد بن إسحاق القاضي، حدثنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا يعقوب عن عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان. أخرجه النسائي عن يعقوب الدورقي.(أعلام/2105)
عبد الغني
الإمام العالم الحافظ الكبير الصادق القدوة العابد الأثري المتبع عالم الحفاظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي المنشأ الصالحي الحنبلي، صاحب " الأحكام الكبرى " و " الصغرى ".
قرأت سيرته في جزئين جمع الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله المقدسي على الشيخ عبد الحميد بن أحمد البناء بسماعه عام ستة وعشرين وستمائة من المؤلف فعامة ما أورده فمنها.
قال: ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة بجماعيل أظنه في ربيع الآخر، قالت والدتي هو أكبر من أخيها الشيخ الموفق بأربعة أشهر، والموفق ولد في شعبان.
سمع الكثير بدمشق، والإسكندرية، وبيت المقدس، ومصر، وبغداد، وحران، والموصل، وأصبهان، وهمذان، وكتب الكثير.
سمع أبا الفتح بن البطي، وأبا الحسن علي بن رباح الفراء، والشيخ عبد القادر الجيلي، وهبة الله بن هلال الدقاق، وأبا زرعة المقدسي ومعمر بن الفاخر، وأحمد بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وأبا بكر بن النقور، وأحمد بن عبد الغني الباجسرائي، وعدة ببغداد، والحافظ أبا طاهر السلفي فكتب عنه نحوا من ألف جزء، وبدمشق أبا المكارم بن هلال، وسلمان بن علي الرحبي، وأبا المعالي بن صابر، وعدة. وبمصر محمد بن علي الرحبي، وعبد الله بن بري، وطائفة، وبأصبهان الحافظ أبا موسى، المديني، وأبا الوفاء محمود بن حمكا، وأبا الفتح الخرقي، وابن ينال الترك ومحمد بن عبد الواحد الصائغ، وحبيب بن إبراهيم الصوفي، وبالموصل أبا الفضل الطوسي، وطائفة.
ولم يزل يطلب ويسمع ويكتب، ويسهر، ويدأب، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويتقي الله، ويتعبد ويصوم، ويتهجد، وينشر العلم إلى أن مات.(أعلام/2106)
رحل إلى بغداد مرتين، وإلى مصر مرتين ; سافر إلى بغداد هو وابن خاله الشيخ الموفق في أول سنة إحدى وستين فكانا يخرجان معا ويذهب أحدهما في صحبة رفيقه إلى درسه وسماعه، كانا شابين مختطين وخوفهما الناس من أهل بغداد.
وكان الحافظ ميله إلى الحديث والموفق يريد الفقه، فتفقه الحافظ وسمع الموفق معه الكثير، فلما رآهما العقلاء على التصون وقلة المخالطة أحبوهما، وأحسنوا إليهما، وحصلا علما جما، فأقاما ببغداد نحو أربع سنين، ونزلا أولا عند الشيخ عبد القادر فأحسن إليهما، ثم مات بعد قدومهما بخمسين ليلة، ثم اشتغلا بالفقه والخلاف على ابن المنى.
ورحل الحافظ إلى السلفي في سنة ست وستين، فأقام مدة، ثم رحل أيضا إلى السلفي سنة سبعين. ثم سافر سنة نيف وسبعين إلى أصبهان، فأقام بها مدة، وحصل الكتب الجيدة.
قال الضياء: وكان ليس بالأبيض الأمهق بل يميل إلى السمرة، حسن الشعر كث اللحية، واسع الجبين، عظيم الخلق، تام القامة، كأن النور يخرج من وجهه، وكان قد ضعف بصره من البكاء والنسخ والمطالعة.
قلت: حدث عنه الشيخ موفق الدين، والحافظ عز الدين محمد والحافظ أبو موسى عبد الله والفقيه أبو سليمان، أولاده، والحافظ الضياء، والخطيب سليمان بن رحمة الأسعردي، والبهاء عبد الرحمن، والشيخ الفقيه محمد اليونيني، والزين بن عبد الدائم، وأبو الحجاج بن خليل، والتقي اليلداني، والشهاب القوصي، وعبد العزيز بن عبد الجبار القلانسي، والواعظ عثمان بن مكي الشارعي وأحمد بن حامد الأرتاحي، وإسماعيل بن عبد القوي بن عزون، وأبو عيسى عبد الله بن علاق الرزاز، وخلق آخرهم موتا سعد الدين محمد بن مهلهل الجيني. وروى عنه بالإجازة شيخنا أحمد بن أبي الخير الحداد.(أعلام/2107)
عبد الله بن أبي أوفى (ع)
علقمة بن خالد بن الحارث، الفقيه. المعمر، صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو معاوية. وقيل: أبو محمد. وقيل: أبو إبراهيم، الأسلمي الكوفي.
من أهل بيعة الرضوان، وخاتمة من مات بالكوفة من الصحابة. وكان أبوه صحابيا أيضا.
وله عدة أحاديث.
روى عنه: إبراهيم بن مسلم الهجري، وإبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي، وإسماعيل بن أبي خالد، وعطاء بن السائب، وسليمان الأعمش، وأبو إسحاق الشيباني، وطلحة بن مصرف، وعمرو بن مرة، وأبو يعفور وقدان، ومجزأة بن زاهر، وغيرهم.
وقيل: لم يشافهه الأعمش مع أنه كان معه في البلد، ولما توفي ابن أبي أوفى، كان الأعمش رجلا له بضع وعشرون سنة.
وقد فاز عبد الله بالدعوة النبوية حيث أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بزكاة والده؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اللهم صل على آل أبي أوفى.
وقد كف بصره من الكبر.
شعبة: عن سليمان الشيباني، عن ابن أبي أوفى - وكان من أصحاب الشجرة - قال: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النبيذ في الجر الأخضر.
شعبة: عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتي بصدقة، قال: اللهم صل عليهم. فأتاه أبي بصدقة قومه، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى.
وفي رواية: فأتاه أبي بصدقتنا.
شعبة: عن أبي يعفور، عن ابن أبي أوفى، قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات نأكل الجراد.
المحاربي: عن ابن أبي خالد، قال: رأيت بذراع عبد الله بن أبي أوفى ضربة، فقلت: ما هذه الضربة؟ قال: ضربتها يوم حنين.
توفي عبد الله سنة ست وثمانين وقيل: بل توفي سنة ثمان وثمانين وقد قارب مائة سنة - رضي الله عنه.(أعلام/2108)
عبد الله بن أبي طلحة
زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري، أخو أنس بن مالك لأمه.
ولد في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحنكه.
وهو الذي حملت به أم سليم ليلة مات ولدها، فكتمت أبا طلحة موته، حتى تعشى، وتصنعت له - رضي الله عنهما - حتى أتاها، وحملت بهذا، فأصبح أبو طلحة غاديا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: أعرستم الليلة؟ بارك الله لكم في ليلتكم.
ويقال: ذاك الصبي الميت هو أبو عمير صاحب النغير.
فنشأ عبد الله، وقرأ العلم. وجاءه عشرة أولاد قرءوا القرآن، وروى أكثرهم العلم، منهم إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة شيخ مالك، وعبد الله بن عبد الله.
حدث عنه ابناه، هذان، وأبو طوالة، وسليمان مولى الحسن بن علي وغيرهم.
وهو قليل الحديث، يروي عن أبيه، وعن أخيه أنس بن مالك.
ومات قبل أنس بمدة ليست بكثيرة.
روى له مسلم والنسائي.(أعلام/2109)
عبد الله بن أحمد (س)
ابن محمد بن حنبل بن هلال: الإمام، الحافظ، الناقد، محدث بغداد أبو عبد الرحمن ابن شيخ العصر أبي عبد الله الذهلي الشيباني المروزي، ثم البغدادي. ولد سنة ثلاث عشرة ومائتين فكان أصغر من أخيه صالح بن أحمد قاضي الأصبهانيين.
روى عن أبيه شيئا كثيرا، من جملته " المسند " كله، و " الزهد "، وعن يحيى بن عبدويه صاحب شعبة، وامتنع من الأخذ عن علي بن الجعد لوقفه في مسألة القرآن، وعن: شيبان بن فروخ، وحوثرة بن أشرس، وسويد بن سعيد، ويحيى بن معين، ومحمد بن الصباح الدولابي، والهيثم بن خارجة، وعبد الأعلى بن حماد، وأبي الربيع الزهراني، وأبي بكر بن أبي شيبة، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وعبيد الله القواريري، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، ومحمد بن جعفر الوركاني، وأحمد بن محمد بن أيوب، وأحمد بن إبراهيم الموصلي، وإسحاق بن موسى الخطمي، وأبي معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي، وإسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، والحكم بن موسى القنطري، وخلف بن هشام البزار، وداود بن رشيد، وداود بن عمرو الضبي، وروح بن عبد المؤمن، وأبي خيثمة، وسريج بن يونس، وعباد بن يعقوب، وعبد الله بن عون الخراز، وعبيد الله بن معاذ، وكامل بن طلحة، ومحمد بن أبان الواسطي، ومحمد بن أبان البلخي، ومحمد بن عباد المكي، ومحمد بن عبد الله بن عمار، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ومنصور بن أبي مزاحم، ووهب بن بقية، وخلق كثير.
حدث عنه: النسائي حديثين في " سننه " والبغوي، وابن صاعد، وأبو عوانة الإسفرييني، والخضر بن المثني الكندي، وأبو بكر بن زياد، ومحمد بن مخلد، والمحاملي، ودعلج، وإسحاق بن أحمد الكاذي وأبو بكر النجاد، وسليمان الطبراني، وأبو علي بن الصواف، وأبو أحمد العسال، وقاسم بن أصبغ، وأحمد بن كامل، وأبو بكر الشافعي، وأبو بكر القطيعي، وخلق كثير.(أعلام/2110)
قال إبراهيم بن محمد بن بشير: سمعت عباسا الدوري يقول: كنت يوما عند أحمد بن حنبل، فدخل ابنه عبد الله، فقال لي أحمد: يا عباس! إن أبا عبد الرحمن قد وعى علما كثيرا.
ومن شيوخه: أحمد الدورقي، وأحمد بن أيوب بن راشد، وأحمد بن بديل، وأحمد بن جناب، وأحمد بن الحسن بن جنيدب، وأحمد بن الحسن بن خراش، وأحمد بن خالد الخلال، وأحمد بن سعيد الدارمي، وأحمد بن حميد، وأحمد بن حاتم، وأحمد بن عبدة البصري، وأحمد بن عمر الوكيعي، وابن عيسى التستري، وأحمد بن محمد بن المغيرة، الحمصي، وأحمد بن محمد بن يحيى القطان، وإبراهيم بن الحسن الباهلي، وإبراهيم بن زياد سبلان، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وإبراهيم بن عبد الله بن بشار واسطي، وإبراهيم بن نصر، وهو ابن أبي الليث، وإسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وإسحاق الكوسج، وإسماعيل بن إبراهيم الترجماني، وأبو معمر الهذلي، وإسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، وإسماعيل بن محمد المعقب، وإسماعيل بن مهدي، وإسماعيل بن موسى، وحميد، وجعفر بن محمد بن فضيل، وجعفر بن مهران بن السباك، وجعفر بن أبي هريرة، وحجاج بن الشاعر، والحسن بن قزعة، والحسن بن أبي الربيع، وحوثرة بن أشرس، وأبو مسلم الخليل بن سلم -لقي عبد الوارث- وخلاد بن أسلم، وروح بن عبد المؤمن، وزكريا بن يحيى زحمويه، وزكريا بن يحيى الرقاشي، وزياد بن أيوب، وسعيد بن أبي الربيع السمان، وسعيد بن محمد الجرمي، وسعيد بن يحيى الأموي، وسفيان بن وكيع، وسليمان بن أيوب صاحب البصري، وأبو الربيع الزهراني، وسليمان بن محمد المبارك، وشجاع بن مخلد، وصالح بن عبد الله الترمذي، والصلت بن مسعود، وعاصم بن عمر المقدمي، وعباس العنبري، وعباس الدوري، والعباس بن الوليد النرسي، وعبد الله بن أبي زياد، وعبد الله بن سالم المفلوج، وعبد الله بن سعد الزهري، وعبد الله بن صندل، عن الفضيل بن عياض، وعبد(أعلام/2111)
الله بن عامر بن زرارة، وعبد الله مشكدانة، وعبد الله بن عمران الرازي، وعبد الواحد بن غياث، والقواريري، وعثمان بن أبي شيبة، وعقبة بن مكرم العمي، وعلي بن إشكاب، وأبو الشعثاء علي بن الحسن، وعلي بن حكيم، وعلي بن مسلم، وعمران بن بكار الحمصي، وعمرو الفلاس، وعمرو الناقد، وعيسى بن سالم، وأبو كامل الفضيل الجحدري، وفطر بن حماد، وقاسم بن دينار، وقتيبة بن سعيد كتابة، وقطن بن نسير، وكثير بن يحيى الحنفي، وليث بن خالد البلخي، وأبو بكر الصاغاني، ومحمد بن إسحاق المسيبي، وبندار، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، ومحمد بن بكار مولى بني هاشم، ومحمد بن تميم النهشلي، ومحمد بن ثعلبة بن سواء، ومحمد بن حسان السمتي، ومحمد بن إشكاب، ومحمد لوين، ومحمد بن صدران، ومحمد بن عبد الله -جار لهم يكنى أبا بكر - ومحمد بن عبد الله المخرمي، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومحمد بن عبد الله الرزي ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة، ومحمد بن عبيد بن حسان، ومحمد بن عبيد المحاربي، ومحمد بن عثمان العثماني، ومحمد بن علي بن الحسن بن شقيق، ومحمد بن عمرو الباهلي، وأبو كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن أبي غالب، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن المنهال أخو حجاج، ومحمد بن يحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن يحيى بن أبي سمينة، ومحمد بن يزيد العجلي، ومحمد بن يعقوب أبو الهيثم -سمع: معتمرا- ومحرز بن عون، ومخلد بن الحسن، ومصعب الزبيري، ومعاوية بن عبد الله بن معاوية الزبيري، عن سلام أبي المنذر، ونصر بن علي، ونوح بن حبيب، وهارون بن معروف، وهدبة بن خالد، وهدية بن عبد الوهاب، وهريم بن عبد الأعلى، وهناد، ويحيى بن أيوب البلخي، ويحيى بن داود الواسطي، ويحيى بن عثمان الحربي، ويعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد، ويوسف بن يعقوب الصفار، وأبو عبد الله البصري العنبري، كأنه محمد بن عبد الرحمن، وأبو عبيدة بن الفضيل،(أعلام/2112)
وأبو موسى الهروي إسحاق بن إبراهيم. وسائر هؤلاء حدث عنهم في " مسند " أبيه، سوى بعض الأحمديين.
قال أبو يعلى بن الفراء: وجدت على ظهر كتاب رواه أبو الحسين السوسنجردي، عن إسماعيل الخطبي، قال: بلغني عن أبي زرعة أنه قال: قال لي أحمد بن حنبل: ابني عبد الله محظوظ من علم الحديث، الخطبي يشك، لا يكاد يذاكرني إلا بما لا أحفظ.
قال أبو علي بن الصواف: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كل شيء أقول: قال أبي، فقد سمعته مرتين وثلاثة، وأقله مرة.
قال ابن أبي حاتم: كتب إلي عبد الله بمسائل أبيه، وبعلل الحديث.
وقال أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي: لم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه من عبد الله بن أحمد، لأنه سمع منه " المسند "، وهو ثلاثون ألفا، و " التفسير "، وهو مائة ألف وعشرون ألفا، سمع منه ثمانين ألفا، والباقي وجادة وسمع " الناسخ والمنسوخ " و " التاريخ "، و " حديث شعبة "، و " المقدم والمؤخر في كتاب الله "، و " جوابات القرآن "، و " المناسك الكبير " و " الصغير "، وغير ذلك من التصانيف، وحديث الشيوخ. قال: وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث، والأسماء والكنى، والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها، ويذكرون عن أسلافهم الإقرار له بذلك، حتى إن بعضهم أسرف في تقريظه إياه بالمعرفة، وزيادة السماع للحديث على أبيه.(أعلام/2113)
قلت: ما زلنا نسمع بهذا " التفسير الكبير " لأحمد على ألسنة الطلبة، وعمدتهم حكاية ابن المنادي هذه، وهو كبير قد سمع من جده وعباس الدوري، ومن عبد الله بن أحمد، لكن ما رأينا أحدا أخبرنا عن وجود هذا " التفسير "، ولا بعضه ولا كراسة منه، ولو كان له وجود، أو لشيء منه لنسخوه، ولاعتنى بذلك طلبة العلم، ولحصلوا ذلك، ولنقل إلينا، ولاشتهر، ولتنافس أعيان البغداديين في تحصيله، ولنقل منه ابن جرير فمن بعده في تفاسيرهم، ولا -والله- يقتضي أن يكون عند الإمام أحمد في التفسير مائة ألف وعشرون ألف حديث، فإن هذا يكون في قدر " مسنده "، بل أكثر بالضعف، ثم الإمام أحمد لو جمع شيئا في ذلك، لكان يكون منقحا مهذبا عن المشاهير، فيصغر لذلك حجمه، ولكان يكون نحوا من عشرة آلاف حديث بالجهد، بل أقل. ثم الإمام أحمد كان لا يرى التصنيف، وهذا كتاب " المسند " له لم يصنفه هو، ولا رتبه، ولا اعتنى بتهذيبه، بل كان يرويه لولده نسخا وأجزاء، ويأمره: أن ضع هذا في مسند فلان، وهذا في مسند فلان، وهذا " التفسير " لا وجود له، وأنا أعتقد أنه لم يكن، فبغداد لم تزل دار الخلفاء، وقبة الإسلام، ودار الحديث، ومحلة السنن ولم يزل أحمد فيها معظما في سائر الأعصار، وله تلامذة كبار، وأصحاب أصحاب، وهلم جرا إلى بالأمس، حين استباحها جيش المغول وجرت بها من الدماء سيول، وقد اشتهر ببغداد " تفسير " ابن جرير، وتزاحم على تحصيله العلماء، وسارت به الركبان، ولم نعرف مثله في معناه، ولا ألف قبله أكبر منه، وهو في عشرين مجلدة، وما يحتمل أن يكون عشرين ألف حديث، بل لعله خمسة عشر ألف إسناد، فخذه، فعده إن شئت.(أعلام/2114)
قال أبو أحمد بن عدي: نبل عبد الله بن أحمد بأبيه، وله في نفسه محل في العلم، أحيا علم أبيه من " مسنده " الذي قرأه عليه أبوه خصوصا قبل أن يقرأه على غيره، ومما سأل أباه عن رواة الحديث، فأخبره به ما لم يسأله غيره، ولم يكتب عن أحد، إلا من أمره أبوه أن يكتب عنه. .
قال بدر بن أبي بدر البغدادي: عبد الله بن أحمد جهبذ ابن جهبذ.
وقال الخطيب كان ثقة ثبتا فهما.
قال أبو علي بن الصواف: ولد سنة ثلاث عشرة ومات سنة تسعين ومائتين.
قلت: عاش في عمر أبيه سبعا وسبعين سنة.
قال إسماعيل الخطبي: مات يوم الأحد، ودفن في آخر النهار لتسع ليال بقين من جمادى الآخرة، سنة تسعين، وصلى عليه ابن أخيه زهير بن صالح، ودفن في مقابر باب التبن وكان الجمع كثيرا فوق المقدار.
وقيل: إن عبد الله أمرهم أن يدفنوه هناك، وقال: بلغني أن هناك قبر نبي، ولأن أكون في جوار نبي أحب إلي أن أكون في جوار أبي. ولعبد الله كتاب: " الرد على الجهمية " في مجلد، وله كتاب: " الجمل ". وكان صينا دينا صادقا، صاحب حديث واتباع وبصر بالرجال، لم يدخل في غير الحديث، وله زيادات كثيرة في " مسند " والده واضحة عن عوالي شيوخه، ولم يحرر ترتيب " المسند " ولا سهله، فهو محتاج إلى عمل وترتيب، رواه عنه جماعة، وسمع أبو نعيم الحافظ كثيرا منه من أبي علي بن الصواف، وعامته من أبي بكر القطيعي، وحدث القطيعي مرات، وقرأه عليه أبو عبد الله الحاكم، وغيره، ولم يكن القطيعي من فرسان الحديث، ولا مجودا، بل أدى ما تحمله، إن سلم من أوهام في بعض الأسانيد والمتون.(أعلام/2115)
وآخر من روى " المسند " كاملا عنه -سوى نزر يسير منه، أسقط من النسخ- الشيخ الواعظ أبو علي بن المذهب، ولم يكن صاحب حديث، بل احتيج إليه في سماع هذا الكتاب، فرواه في الجملة، وعاش بعده عشرة أعوام الشيخ أبو محمد الجوهري، فكان خاتمة أصحاب القطيعي، وتفرد عنه بعدة أجزاء عالية، وبسماع مسند العشرة من " المسند ".
ثم حدث بالكتاب كله آخر أصحاب ابن المذهب وفاة: الشيخ الرئيس الكاتب أبو القاسم هبة الله بن محمد الشيباني بن الحصين، شيخ جليل مسند، انتهى إليه علو الإسناد، بمثل قبة الإسلام بغداد، وكان عريا من معرفة هذا الشأن أيضا، روى الكتاب عنه خلق كثير، من جملتهم: أبو محمد بن الخشاب إمام العربية، والحافظ أبو الفضل بن ناصر، والإمام ذو الفنون أبو الفرج ابن الجوزي، والحافظ الكبير أبو موسى المديني، والحافظ العلامة شيخ همذان أبو العلاء العطار، والحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر، والقاضي أبو الفتح بن المندائي الواسطي، والشيخ عبد الله بن أبي المجد الحربي، والمبارك بن المعطوش، والشيخ المبارك حنبل بن عبد الله الرصافي، في آخرين.
فأما الحافظ أبو موسى: فروى منه الكثير في تآليفه، ولم يقدم على ترتيبه ولا تحريره.
وأما ابن عساكر: فألف كتابا في أسماء الصحابة الذين فيه على المعجم، ونبه على ترتيب الكتاب.
وأما ابن الجوزي: فطالع الكتاب مرات عدة، وملأ تآليفه منه، ثم صنف " جامع المسانيد "، وأودع فيه أكثر متون " المسند "، ورتب وهذب، ولكن ما استوعب.(أعلام/2116)
فلعل الله يقيض لهذا الديوان العظيم من يرتبه ويهذبه، ويحذف ما كرر فيه، ويصلح ما تصحف، ويوضح حال كثير من رجاله، وينبه على مرسله، ويوهن ما ينبغي من مناكيره، ويرتب الصحابة على المعجم، وكذلك أصحابهم على المعجم، ويرمز على رءوس الحديث بأسماء الكتب الستة، وإن رتبه على الأبواب فحسن جميل، ولولا أني قد عجزت عن ذلك لضعف البصر، وعدم النية، وقرب الرحيل، لعملت في ذلك.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه، والمسلم بن محمد الكاتب كتابة، قالا: أخبرنا حنبل بن عبد الله، أخبرنا هبة الله بن الحصين، أخبرنا أبو علي بن المذهب، أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا ابن نمير، حدثنا سفيان، عن سمي، عن النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يصوم عبد يوما في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفا وبه: حدثني أبي، أخبرنا محمد بن جعفر، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن طارق بن مرقع، عن صفوان بن أمية: أن رجلا سرق بردة له، فرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر بقطعه، فقال: يا رسول الله! قد تجاوزت عنه. قال: فلولا كان هذا قبل أن تأتيني به يا أبا وهب. فقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
أخرجهما النسائي في " سننه " عن عبد الله بن أحمد، فوقعا عاليين.(أعلام/2117)
عبد الله بن الزبير (ع)
ابن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة، أمير المؤمنين، أبو بكر؛ وأبو خبيب، القرشي الأسدي المكي ثم المدني، أحد الأعلام، ولد الحواري الإمام أبي عبد الله، ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحواريه.
مسنده نحو من ثلاثة وثلاثين حديثا. اتفقا له على حديث واحد، وانفرد البخاري بستة أحاديث، ومسلم بحديثين.
كان عبد الله أول مولود للمهاجرين بالمدينة. ولد سنة اثنتين وقيل: سنة إحدى.
وله صحبة، ورواية أحاديث. عداده في صغار الصحابة، وإن كان كبيرا في العلم، والشرف، والجهاد، والعبادة.
وقد روى أيضا عن أبيه، وجده لأمه الصديق، وأمه أسماء، وخالته عائشة، وعن عمر، وعثمان، وغيرهم.
حدث عنه أخوه عروة الفقيه، وابناه عامر، وعباد، وابن أخيه محمد بن عروة، وعبيدة السلماني، وطاوس، وعطاء، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وثابت البناني، وأبو الزبير المكي، وأبو إسحاق السبيعي، ووهب بن كيسان، وسعيد بن ميناء، وحفيداه: مصعب بن ثابت بن عبد الله، ويحيى بن عباد بن عبد الله، وهشام بن عروة، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير وآخرون.
وكان فارس قريش في زمانه، وله مواقف مشهودة. قيل: إنه شهد اليرموك وهو مراهق، وفتح المغرب، وغزو القسطنطينية، ويوم الجمل مع خالته.
وبويع بالخلافة عند موت يزيد سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز، واليمن، ومصر، والعراق، وخراسان، وبعض الشام. ولم يستوسق له الأمر، ومن ثم لم يعده بعض العلماء في أمراء المؤمنين، وعد دولته زمن فرقة، فإن مروان غلب على الشام ثم مصر، وقام عند مصرعه ابنه عبد الملك بن مروان، وحارب ابن الزبير، وقتل ابن الزبير - رحمه الله - فاستقل بالخلافة عبد الملك وآله، واستوسق لهم الأمر، إلى أن قهرهم بنو العباس بعد ملك ستين عاما.(أعلام/2118)
قيل: إن ابن الزبير أدرك من حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية أعوام وأربعة أشهر، وكان ملازما للولوج على رسول الله، لكونه من آله، فكان يتردد إلى بيت خالته عائشة.
شعيب بن إسحاق: عن هشام بن عروة، عن أبيه وزوجته فاطمة قالا: خرجت أسماء حين هاجرت حبلى، فنفست بعبد الله بقباء. قالت أسماء: فجاء عبد الله بعد سبع سنين ليبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بذلك أبوه الزبير، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - حين رآه مقبلا، ثم بايعه.
حديث غريب وإسناده قوي.
قال الواقدي: عن مصعب بن ثابت، عن يتيم عروة أبي الأسود قال: لما قدم المهاجرون، أقاموا لا يولد لهم. فقالوا: سحرتنا يهود، حتى كثرت القالة في ذلك، فكان أول مولود ابن الزبير، فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر، فأذن في أذنيه بالصلاة.
وقال مصعب بن عبد الله؛ عن أبيه، قال: كان عارضا ابن الزبير خفيفين، فما اتصلت لحيته حتى بلغ الستين.
وفي البخاري عن عروة، أن الزبير أركب ولده عبد الله يوم اليرموك فرسا وهو ابن عشر سنين، ووكل به رجلا.
التبوذكي: حدثنا هنيد بن القاسم: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير: سمعت أبي يقول: إنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحتجم، فلما فرغ، قال: يا عبد الله! اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد، فلما برز عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمد إلى الدم، فشربه، فلما رجع، قال: ما صنعت بالدم؟ قال: عمدت إلى أخفى موضع علمت، فجعلته فيه، قال: لعلك شربته؟ قال: نعم. قال: ولم شربت الدم؟ ويل للناس منك، وويل لك من الناس.
قال موسى التبوذكي: فحدثت به أبا عاصم، فقال: كانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم.
رواه أبو يعلى في " مسنده " وما علمت في هنيد جرحة.(أعلام/2119)
خالد الحذاء: عن يوسف أبي يعقوب، عن محمد بن حاطب، والحارث، قالا: طالما حرص ابن الزبير على الإمارة، قلت: وما ذلك؟ قالا: أتي رسول - صلى الله عليه وسلم - بلص، فأمر بقتله. فقيل: إنه سرق. فقال: اقطعوه. ثم جيء به في إمرة أبي بكر، وقد سرق، وقد قطعت قوائمه. فقال أبو بكر: ما أجد لك شيئا إلا ما قضى فيك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أمر بقتلك. فأمر بقتله أغيلمة من أبناء المهاجرين أنا فيهم. فقال ابن الزبير أمروني عليكم. فأمرناه، فانطلقنا به إلى البقيع، فقتلناه. . هذا خبر منكر فالله أعلم.
قال الحارث بن عبيد: حدثنا أبو عمران الجوني أن نوفا البكالي قال: إني لأجد في كتاب الله المنزل أن ابن الزبير فارس الخلفاء.
مهدي بن ميمون، حدثنا محمد بن أبي يعقوب، أن معاوية كان يلقى ابن الزبير، فيقول: مرحبا بابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن حواري رسول الله، ويأمر له بمائة ألف.
ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: ذكر ابن الزبير عند ابن عباس، فقال: قارئ لكتاب الله، عفيف في الإسلام، أبوه الزبير، وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدته صفية. والله إني لأحاسب له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر.
مسلم الزنجي: سمعت عمرو بن دينار يقول: ما رأيت مصليا قط أحسن صلاة من عبد الله بن الزبير. .
عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثتنا ماطرة المهرية، حدثتني خالتي أم جعفر بنت النعمان: أنها سلمت على أسماء بنت أبي بكر، وعندها ابن الزبير، فقالت: قوام الليل، صوام النهار، وكان يسمى حمامة المسجد.
قال ابن أبي مليكة: قال لي عمر بن عبد العزيز: إن في قلبك من ابن الزبير. قلت: لو رأيته ما رأيت مناجيا ولا مصليا مثله.(أعلام/2120)
وروى حبيب بن الشهيد، عن ابن أبي مليكة، قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، ويصبح في اليوم السابع وهو أليثنا.
قلت: لعله ما بلغه النهي عن الوصال. ونبيك - صلى الله عليه وسلم - بالمؤمنين رءوف رحيم، وكل من واصل، وبالغ في تجويع نفسه، انحرف مزاجه، وضاق خلقه، فاتباع السنة أولى، ولقد كان ابن الزبير مع ملكه صنفا في العبادة.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا أحمد بن محمد، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي، حدثنا أبو عاصم، عن عمر بن قيس، قال: كان لابن الزبير مائة غلام، يكلم كل غلام منهم بلغة أخرى، فكنت إذا نظرت إليه في أمر آخرته، قلت: هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين. وإذا نظرت إليه في أمر دنياه، قلت: هذا رجل لم يرد الله طرفة عين.
وقال مجاهد: كان ابن الزبير إذا قام إلى الصلاة، كأنه عود، وحدث أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان كذلك.
قال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير، وهو خلف المقام يصلي، كأنه خشبة منصوبة لا تتحرك.
روى يوسف بن الماجشون، عن الثقة يسنده، قال: قسم ابن الزبير الدهر على ثلاث ليال؛ فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح.
يزيد بن إبراهيم التستري: عن عبد الله بن سعيد، عن مسلم بن يناق، قال: ركع ابن الزبير يوما ركعة، فقرأنا بالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفع رأسه.
قلت: وهذا ما بلغ ابن الزبير فيه حديث النهي.
قال يزيد بن إبراهيم: عن عمرو بن دينار، قال: كان ابن الزبير يصلي في الحجر، والمنجنيق يصب توبه فما يلتفت، يعني: لما حاصروه.
وروى هشام بن عروة، عن ابن المنكدر قال: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن تصفقه الريح، وحجر المنجنيق يقع هاهنا.(أعلام/2121)
أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق قال: ما رأيت أحدا أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير.
مصعب بن عبد الله: حدثنا أبي، عن عمر بن قيس، عن أمه؛ أنها دخلت على ابن الزبير بيته، فإذا هو يصلي، فسقطت حية على ابنه هاشم، فصاحوا: الحية الحية، ثم رموها، فما قطع صلاته.
قال ميمون بن مهران: رأيت ابن الزبير يواصل من الجمعة إلى الجمعة، فإذا أفطر، استعان بالسمن حتى يلين.
ليث عن مجاهد: ما كان باب من العبادة يعجز عنه الناس إلا تكلفه ابن الزبير، ولقد جاء سيل طبق البيت، فطاف سباحة.
وعن عثمان بن طلحة، قال: كان ابن الزبير لا ينازع في ثلاثة: شجاعة، ولا عبادة، ولا بلاغة.
إبراهيم بن سعد: عن الزهري، عن أنس؛ أن عثمان أمر زيدا، وابن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوا المصاحف، وقال: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء، فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم.
قال أبو نعيم: حدثنا عبد الواحد بن أيمن قال: رأيت على ابن الزبير رداء عدنيا يصلي فيه، وكان صيتا، إذا خطب، تجاوب الجبلان. وكانت له جمة إلى العنق، ولحيته صفراء.
مصعب بن عبد الله، حدثنا أبي، والزبير بن خبيب قالا: قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير في عشرين ومائة ألف، فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفا - يعني: نوبة إفريقية.(أعلام/2122)
قال: واختلف الناس على ابن أبي سرح، فدخل فسطاطه، فرأيت غرة من جرجير؛ بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب، معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس، بينه وبين جيشه أرض بيضاء، فأتيت أميرنا ابن أبي سرح، فندب لي الناس، فاخترت ثلاثين فارسا، وقلت لسائرهم: البثوا على مصافكم، وحملت، وقلت لهم: احموا ظهري، فخرقت الصف إلى جرجير، وخرجت صامدا، وما يحسب هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه، فعرف الشر، فثابر برذونه موليا، فأدركته، فطعنته، فسقط، ثم احتززت رأسه فنصبته على رمحي، وكبرت، وحمل المسلمون، فارفض العدو ومنح الله أكتافهم.
معمر: عن هشام بن عروة، قال: أخذ ابن الزبير من وسط القتلى يوم الجمل، وبه بضع وأربعون ضربة وطعنة.
وقيل: إن عائشة أعطت يومئذ لمن بشرها بسلامته عشرة آلاف. وعن عروة، قال: لم يكن أحد أحب إلى عائشة بعد رسول الله من أبي بكر، وبعده ابن الزبير.
قال الواقدي: حدثنا ربيعة بن عثمان، وابن أبي سبرة وغيرهما قالوا: جاء نعي يزيد في ربيع الأخر سنة أربع وستين، فقام ابن الزبير، فدعا إلى نفسه، وبايعه الناس. فدعا ابن عباس، وابن الحنفية إلى بيعته، فامتنعا، وقالا: حتى يجتمع لك الناس، فداراهما سنتين، ثم إنه أغلظ لهما، ودعاهما، فأبيا.
قال مصعب بن عبد الله وغيره: كان يقال لابن الزبير: عائذ بيت الله.(أعلام/2123)
وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الله بن جعفر، عن عمته أم بكر، قال: وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وحدثنا ابن أبي الزناد وغيرهم قالوا: لما نزل ابن الزبير بالمدينة في خلافة معاوية، إلى أن قالوا: فخرج ابن الزبير إلى مكة، ولزم الحجر، ولبس المعافري، وجعل يحرض على بني أمية، ومشى إلى يحيى بن حكيم الجمحي والي مكة فبايعه ليزيد، فلم يرض يزيد حتى يؤتى به في جامعة ووثاق، فقال له ولده معاوية بن يزيد: ادفع عنك الشر ما اندفع، فإن ابن الزبير لجوج لا يطيع لهذا أبدا، فكفر عن يمينك، فغضب، وقال: إن في أمرك لعجبا! قال: فادع عبد الله بن جعفر، فاسأله عما أقول.
فدعاه، فقال له: أصاب ابنك أبو ليلى. فأبى أن يقبل، وامتنع ابن الزبير أن يذل نفسه، وقال: اللهم إني عائذ بيتك، فقيل له: عائذ البيت. وبقي لا يعرض له أحد. فكتب يزيد إلى عمرو الأشدق والي المدينة أن يجهز إلى ابن الزبير جندا، فندب لقتاله أخاه عمرو بن الزبير في ألف، فظفر ابن الزبير بأخيه بعد قتال، فعاقبه. وأخر عن الصلاة بمكة الحارث بن يزيد، وقرر مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، وكان لا يقطع أمرا دون المسور بن مخرمة، ومصعب بن عبد الرحمن، وجبير بن شيبة، وعبد الله بن صفوان بن أمية، فكان يشاورهم في أمره كله، ويريهم أن الأمر شورى بينهم لا يستبد بشيء منه دونهم ويصلي بهم الجمعة، ويحج بهم بلا إمرة. وكانت الخوارج وأهل الفتن قد أتوه، وقالوا: عائذ بيت الله، ثم دعا إلى نفسه، وبايعوه، وفارقته الخوارج.(أعلام/2124)
فولى على المدينة أخاه مصعبا، وعلى البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى الكوفة عبد الله بن مطيع، وعلى مصر عبد الرحمن بن جحدم الفهري، وعلى اليمن، وعلى خراسان، وأمر على الشام الضحاك بن قيس، فبايع له عامة أهل الشام، وأبت طائفة، والتفت على مروان بن الحكم، وجرت أمور طويلة، وحروب مزعجة، وجرت وقعة مرج راهط وقتل ألوف من العرب، وقتل الضحاك، واستفحل أمر مروان إلى أن غلب على الشام، وسار في جيش عرمرم، فأخذ مصر، واستعمل عليها ولده عبد العزيز، ثم دهمه الموت، فقام بعده ولده الخليفة عبد الملك، فلم يزل يحارب ابن الزبير حتى ظفر به بعد أن سار إلى العراق، وقتل مصعب بن الزبير.
قال شعيب بن إسحاق: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه؛ أن يزيد كتب إلى ابن الزبير: إني قد بعثت إليك بسلسلة فضة، وقيدا من ذهب، وجامعة من فضة، وحلفت لتأتيني في ذلك، فألقى الكتاب، وأنشد:
ولا ألين لغير الحق أسأله
حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
قلت: ثم جهز يزيد جيشا ستة آلاف، إذ بلغه أن أهل المدينة خلعوه، فجرت وقعة الحرة وقتل نحو ألف من أهل المدينة، ثم سار الجيش، عليهم حصين بن نمير، فحاصروا الكعبة، وبها ابن الزبير، وجرت أمور عظيمة، فقلع الله يزيد، وبايع حصين وعسكره ابن الزبير بالخلافة، ورجعوا إلى الشام.
قال شباب: حضر ابن الزبير الموسم سنة ثنتين وسبعين، فحج بالناس، وحج بأهل الشام الحجاج، ولم يطوفوا بالبيت.
قال هشام بن عروة: أول من كسا الكعبة الديباج ابن الزبير، وكان يطيبها حتى يوجد ريحها من طرف الحرم، وكانت كسوتها قبله الأنطاع.
قال عبد الله بن شعيب الحجبي: إن المهدي لما جرد الكعبة، كان فيما نزع عنها كسوة ابن الزبير من ديباج مكتوب عليها " لعبد الله أبي بكر أمير المؤمنين ".
وقال الأعمش: عن أبي الضحى: رأيت على رأس ابن الزبير مسكا يساوي مالا.(أعلام/2125)
قلت: عيب ابن الزبير - رضي الله عنه - بشح، فروى الثوري، عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عبد الله بن مساور؛ سمع ابن عباس يعاتب ابن الزبير في البخل، ويقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليس المؤمن الذي يبيت [شبعان] وجاره جائع.
وروى عبيد الله بن عمر، عن ليث، قال: كان ابن عباس يكثر أن يعنف ابن الزبير بالبخل، فقال: كم تعيرني.
يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى، عن عثمان: أن ابن الزبير قال له حيث حصر: إن عندي نجائب، فهل لك أن تتحول إلى مكة، فيأتيك من أراد أن يأتيك؟ قال: لا. إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد الله، عليه مثل نصف أوزار الناس.
رواه أحمد في " مسنده " وفي إسناده مقال.
عباس الترقفي، حدثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يلحد بمكة رجل من قريش، يقال له: عبد الله، عليه نصف عذاب العالم " فوالله لا أكونه، فتحول منها، وسكن الطائف.
قلت: محمد هو المصيصي لين واحتج به أبو داود والنسائي.
أبو النضر: حدثنا إسحاق بن سعيد، أخبرنا سعيد بن عمرو قال: أتى عبد الله بن عمرو عبد الله بن الزبير، فقال: إياك والإلحاد في حرم الله، فأشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يحلها - وتحل به - رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها.
قال: فانظر يا ابن عمرو لا تكونه. وذكر الحديث.
شعيب بن أبي حمزة: عن الزهري، أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا [الحجرات: 9] قال: قلت لأبي: من هم؟ قال: ابن الزبير بغى على أهل الشام.
ورواه يونس، عن الزهري، وفيه: بغى على هؤلاء، ونكث عهدهم.(أعلام/2126)
الزبير بن بكار: حدثني خالد بن وضاح، حدثني أبو الخصيب نافع مولى آل الزبير، عن هشام بن عروة، قال: رأيت الحجر من المنجنيق يهوي حتى أقول: لقد كاد أن يأخذ لحية ابن الزبير. وسمعته يقول: والله إن أبالي إذا وجدت ثلاثمائة يصبرون صبري لو أجلب علي أهل الأرض. قلت: قد كان يضرب بشجاعته المثل.
وعن المنذر بن جهم قال: رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد خذله من كان معه خذلانا شديدا، وجعلوا يتسللون إلى الحجاج، وجعل الحجاج يصيح: أيها الناس! علام تقتلون أنفسكم؟ من خرج إلينا، فهو آمن، لكم عهد الله وميثاقه ورب هذه البنية. لا أغدر بكم، ولا لنا حاجة في دمائكم.
قال: فتسلل إليه نحو من عشرة آلاف، فلقد رأيت ابن الزبير وما معه أحد.
وعن إسحاق بن أبي إسحاق قال: حضرت قتل ابن الزبير؛ جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد، فكلما دخل قوم من باب، حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينا هو على تلك الحال، إذ وقعت شرفة من شرفات المسجد على رأسه، فصرعته، وهو يتمثل:
أسماء يا أسماء لا تبكيني
لم يبق إلا حسبي وديني
وصارم لاثت به يميني
قلت: ما إخال أولئك العسكر إلا لو شاءوا، لأتلفوه بسهامهم، ولكن حرصوا على أن يمسكوه عنوة، فما تهيأ لهم، فليته كف عن القتال لما رأى الغلبة، بل ليته لا التجأ إلى البيت، ولا أحوج أولئك الظلمة والحجاج لا بارك الله فيه إلى انتهاك حرمة بيت الله وأمنه. فنعوذ بالله من الفتنة الصماء.
الواقدي، حدثنا فروة بن زبيد، عن عباس بن سهل: سمعت ابن الزبير يقول: ما أراني اليوم إلا مقتولا، لقد رأيت في ليلتي كأن السماء فرجت لي، فدخلتها، فقد والله مللت الحياة وما فيها، ولقد قرأ يومئذ في الصبح ن والقلم حرفا حرفا، وإن سيفه لمسلول إلى جنبه.(أعلام/2127)
الواقدي: حدثنا عبد الله بن نافع، عن أبيه، قال: سمع ابن عمر التكبير فيما بين المسجد إلى الحجون حين قتل ابن الزبير، فقال: لمن كبر حين ولد أكثر وخير ممن كبر لقتله.
معمر: عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: قال ابن الزبير: ما شيء كان يحدثنا كعب إلا قد أتى على ما قال، إلا قوله: فتى ثقيف يقتلني. وهذا رأسه بين يدي، يعني: المختار الكذاب.
زياد الجصاص: عن علي بن زيد، عن مجاهد، أن ابن عمر قال لغلامه: لا تمر بي على ابن الزبير، يعني: وهو مصلوب. قال: فغفل الغلام، فمر به، فرفع رأسه، فرآه، فقال: رحمك الله أبا خبيب، ما علمتك إلا صواما قواما، وصولا لرحمك. أما والله إني لأرجو مع مساوئ ما قد عملت أن لا يعذبك الله. ثم قال: حدثني أبو بكر الصديق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من يعمل سوءا يجز به في الدنيا.
قال ابن أبي الدنيا في كتاب " الخلفاء ": صلبوا ابن الزبير منكسا، وكان آدم، نحيفا، ليس بالطويل، بين عينيه أثر السجود. بعث عماله إلى المشرق كله والحجاز.
قال جويرية بن أسماء: عن جدته؛ أن أسماء بنت أبي بكر غسلت ابن الزبير بعد ما تقطعت أوصاله، وجاء الإذن من عبد الملك بن مروان عندما أبى الحجاج أن يأذن لها، فحنطته، وكفنته، وصلت عليه، وجعلت فيه شيئا حين رأته يتفسخ إذا مسته.
وقال مصعب بن عبد الله: حملته أمه فدفنته بالمدينة في دار صفية أم المؤمنين، ثم زيدت دار صفية في المسجد، فهو مدفون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني بقربه.
قال ابن إسحاق وعدة: قتل في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين.
ووهم ضمرة وأبو نعيم فقالا: قتل سنة اثنتين.
عاش نيفا وسبعين سنة - رضي الله عنه.
وماتت أمه بعده بشهرين أو نحو ذلك، ولها قريب من مائة عام.(أعلام/2128)
هي آخر من ماتت من المهاجرات الأول - رضي الله عنها -، ويقال لها: ذات النطاقين. كانت أسن من عائشة بسنوات.
روت عدة أحاديث.
حدث عنها أولادها؛ عبد الله، وعروة، وابن عباس، وفاطمة بنت المنذر، وابن أبي مليكة، ووهب بن كيسان، وابن المنكدر، والمطلب بن عبد الله، وخلق.
وهي وابنها عبد الله، وأبوها أبو بكر، وجدها أبو قحافة صحابيون، أضرت بأخرة.
قال ابن أبي الزناد: كانت أكبر من عائشة بعشر سنين. قلت: فعلى هذا يكون عمرها إحدى وتسعين سنة.
وأما هشام بن عروة، فقال: عاشت مائة سنة، ولم يسقط لها سن. وقد طلقها الزبير قبل موته زمن عثمان.
وقال القاسم بن محمد: كانت أسماء لا تدخر شيئا لغد.
وقيل: أعتقت عدة مماليك، وقد استوفيت ترجمتها في " تاريخ الإسلام " رضي الله عنها. ومن أولادها، عروة بن الزبير الفقيه. ومنهم:(أعلام/2129)
عبد الله بن السائب (بخ، م، 4)
ابن أبي السائب، صيفي بن عابد بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة، أبو عبد الرحمن وأبو السائب القرشي المخزومي المكي.
مقرئ مكة. وله صحبة ورواية عداده في صغار الصحابة. وكان أبوه شريك النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل المبعث.
قرأ عبد الله القرآن على أبي بن كعب، وحدث عنه أيضا، وعن عمر عرض عليه القرآن مجاهد، ويقال: إن عبد الله بن كثير تلا عليه. فالله أعلم.
وحدث عنه: ابن أبي مليكة، وعطاء، وابن بنته محمد بن عباد بن جعفر، وولده محمد بن عبد الله، ومحمد بن عبد الرحمن المخزومي، وغيرهم.
وصلى خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فقرأ بسورة المؤمنين.
قال مسلم وغيره: له صحبة.
وروى أنس بن عياض، عن رجل، عن عبد الله بن السائب، قال: اكتنيت بكنية جدي أبي السائب. وكان خليطا للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم الخليط؛ كان لا يشاري، ولا يماري.
ابن عيينة: عن داود بن شابور، عن مجاهد، قال: كنا نفخر على الناس بقارئنا عبد الله بن السائب، وبفقيهنا عبد الله بن عباس، وبمؤذننا أبي محذورة، وبقاضينا عبيد بن عمير.
قيل: مات ابن السائب في إمارة ابن الزبير.
وقال ابن أبي مليكة: رأيت ابن عباس قام على قبر عبد الله بن السائب، فدعا له.(أعلام/2130)
عبد الله بن المبارك (ع)
ابن واضح الإمام شيخ الإسلام، عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته أبو عبد الرحمن الحنظلي، مولاهم التركي، ثم المروزي، الحافظ، الغازي، أحد الأعلام، وكانت أمه خوارزمية. مولده في سنة ثمان عشرة ومائة فطلب العلم وهو ابن عشرين سنة. فأقدم شيخ لقيه: هو الربيع بن أنس الخراساني، تحيل ودخل إليه إلى السجن، فسمع منه نحوا من أربعين حديثا، ثم ارتحل في سنة إحدى وأربعين ومائة، وأخذ عن بقايا التابعين، وأكثر من الترحال والتطواف إلى أن مات في طلب العلم، وفي الغزو، وفي التجارة، والإنفاق على الإخوان في الله، وتجهيزهم معه إلى الحج.
سمع من: سليمان التيمي، وعاصم الأحول، وحميد الطويل، وهشام بن عروة، والجريري، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وبريد بن عبد الله بن أبي بردة، وخالد الحذاء، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الله بن عون، وموسى بن عقبة، وأجلح الكندي، وحسين المعلم، وحنظلة السدوسي، وحيوة بن شريح المصري، وكهمس، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وابن جريج، ومعمر، والثوري، وشعبة، وابن أبي ذئب، ويونس الأيلي، والحمادين، ومالك، والليث، وابن لهيعة، وهشيم، وإسماعيل بن عياش، وابن عيينة، وبقية بن الوليد، وخلق كثير. وصنف التصانيف النافعة الكثيرة.(أعلام/2131)
حدث عنه: معمر، والثوري، وأبو إسحاق الفزاري، وطائفة من شيوخه، وبقية، وابن وهب، وابن مهدي، وطائفة من أقرانه، وأبو داود، وعبد الرزاق بن همام، والقطان، وعفان، وابن معين، وحبان بن موسى، وأبو بكر بن أبي شيبة، ويحيى بن آدم، وأبو أسامة، وأبو سلمة المنقري، ومسلم بن إبراهيم، وعبدان، والحسن بن الربيع البوراني، وأحمد بن منيع، وعلي بن حجر، والحسن بن عيسى بن ماسرجس، والحسين بن الحسن المروزي، والحسن بن عرفة، وإبراهيم بن مجشر، ويعقوب الدورقي، وأمم يتعذر إحصاؤهم، ويشق استقصاؤهم. وحديثه حجة بالإجماع، وهو في المسانيد والأصول. ويقع لنا حديثه عاليا. وبيني وبينه بالإجازة العالية ستة أنفس.
أنبأنا أحمد بن سلامة وعدة، عن عبد المنعم بن كليب، أخبرنا ابن بيان، أخبرنا ابن مخلد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا ابن عرفة، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي، عن أبي بن كعب، قال: إنما كانت الفتيا في الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها.
أخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع، عن ابن المبارك، ورواته ثقات. لكن له علة، لم يسمعه ابن شهاب من سهل. ارتحل ابن المبارك إلى الحرمين، والشام، ومصر، والعراق والجزيرة، وخراسان، وحدث بأماكن. قال قعنب بن المحرر: ابن المبارك مولى بني عبد شمس من تميم. وقال البخاري: ولاؤه لبني حنظلة. وقال العباس بن مصعب في " تاريخ مرو ": كانت أم عبد الله بن المبارك خوارزمية، وأبوه تركي، وكان عبدا لرجل تاجر من همذان، من بني حنظلة، فكان عبد الله إذا قدم همذان يخضع لوالديه، ويعظمهم.(أعلام/2132)
أخبرنا أبو الغنائم المسلم بن محمد القيسي، وغيره كتابة، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، حدثنا أبو بكر الخطيب، حدثني أبو عبد الله أحمد بن أحمد السيبي، حدثنا محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان بالكوفة، حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، سمعت أبي، سمعت ابن المبارك يقول: نظر أبو حنيفة إلى أبي، فقال: أدت أمه إليك الأمانة، وكان أشبه الناس بعبد الله. قال أبو حفص الفلاس، وأحمد بن حنبل: ولد ابن المبارك سنة ثمان عشرة ومائة. وأما الحاكم، فروى عن أبي أحمد الحمادي، سمعت محمد بن موسى الباشاني، سمعت عبدان بن عثمان يقول: سمعت عبد الله يقول: ولدت سنة تسع عشرة ومائة.
وقال الفسوي: حدثنا بشر بن أبي الأزهر، قال: قال ابن المبارك: ذاكرني عبد الله بن إدريس السنن، فقلت: إن العجم لا يكادون يحفظون ذلك، لكني أذكر أني لبست السواد وأنا صغير عندما خرج أبو مسلم، وكان أخذ الناس كلهم بلبس السواد، الصغار والكبار.
نعيم بن حماد قال: كان ابن المبارك يكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؟ !
قال أحمد بن سنان القطان: بلغني أن ابن المبارك أتى حماد بن زيد، فنظر إليه، فأعجبه سمته فقال: من أين أنت؟ قال: من أهل خراسان، من مرو. قال: تعرف رجلا يقال له: عبد الله بن المبارك؟ قال: نعم. قال: ما فعل؟ قال: هو الذي يخاطبك، قال: فسلم عليه، ورحب به.(أعلام/2133)
وقال إسماعيل الخطبي: بلغني عن ابن المبارك أنه حضر عند حماد بن زيد، فقال أصحاب الحديث لحماد: سل أبا عبد الرحمن أن يحدثنا. فقال: يا أبا عبد الرحمن، تحدثهم، فإنهم قد سألوني؟ قال: سبحان الله، يا أبا إسماعيل، أحدث وأنت حاضر؟ ! فقال: أقسمت عليك لتفعلن. فقال: خذوا. حدثنا أبو إسماعيل حماد بن زيد، فما حدث بحرف إلا عن حماد.
قال أبو العباس بن مسروق: حدثنا ابن حميد، قال: عطس رجل عند ابن المبارك، فقال له ابن المبارك: أيش يقول الرجل إذا عطس؟ قال: الحمد لله، فقال له: يرحمك الله.
قال أحمد العجلي: ابن المبارك ثقة ثبت في الحديث، رجل صالح يقول الشعر، وكان جامعا للعلم.
قال العباس بن مصعب: جمع عبد الله الحديث، والفقه، والعربية، وأيام الناس، والشجاعة، والسخاء، والتجارة، والمحبة عند الفرق.
قال محمد بن عبد الوهاب الفراء: ما أخرجت خراسان مثل هؤلاء الثلاثة: ابن المبارك، والنضر بن شميل، ويحيى بن يحيى.
عثمان الدارمي: سمعت نعيم بن حماد، سمعت يحيى بن آدم يقول: كنت إذا طلبت دقيق المسائل، فلم أجده في كتب ابن المبارك، أيست منه. علي بن زيد الفرائضي: حدثنا علي بن صدقة، سمعت شعيب بن حرب قال: ما لقي ابن المبارك رجلا إلا وابن المبارك أفضل منه. وقال: وسمعت أبا أسامة يقول: ابن المبارك في المحدثين مثل أمير المؤمنين في الناس.(أعلام/2134)
عبد الله بن المقفع
أحد البلغاء والفصحاء، ورأس الكتاب وأولي الإنشاء من نظراء عبد الحميد الكاتب. وكان من مجوس فارس فأسلم على يد الأمير عيسى عم السفاح وكتب له واختص به. قال الهيثم بن عدي: قال له: أريد أن أسلم على يدك بمحضر الأعيان. ثم قعد يأكل ويزمزم بالمجوسية. فقال: ما هذا؟ قال: أكره أن أبيت على غير دين. وكان ابن المقفع يتهم بالزندقة. وهو الذي عرب كليلة ودمنة. وروي عن المهدي قال: ما وجدت كتاب زندقة إلا وأصله ابن المقفع.
وغضب المنصور منه، لأنه كتب في توثق عبد الله بن علي من المنصور يقول: ومتى غدر بعمه، فنساؤه طوالق، وعبيده أحرار، ودوابه حبس، والناس في حل من بيعته. فكتب إلى عامله سفيان المهلبي يأمره بقتل ابن المقفع.
وكان ابن المقفع مع سعة فضله، وفرط ذكائه فيه طيش. فكان يقول عن سفيان المهلبي: ابن المغتلمة فأمر له بتنور فسجر ثم قطع أربعته ورماها في التنور وهو ينظر. وعاش ستا وثلاثين سنة. وأهلك في سنة خمس وأربعين ومائة وقيل بعد الأربعين. واسم أبيه ذادويه، قد ولي خراج فارس للحجاج، فخان، فعذبه الحجاج فتقفعت يده. وقيل: بل كان يعمل قفاع الخوص وهي كالقفة.
قيل لابن المقفع: من أدبك؟ قال: نفسي. إذا رأيت من أحد حسنا أتيته، وإن رأيت قبيحا أبيته.
وقيل: اجتمع بالخليل، فلما تفرقا قيل للخليل: كيف رأيته؟ قال: علمه أكثر من عقله. وسئل هو: كيف رأيت الخليل؟ قال: عقله أكثر من علمه. وقيل: إن والي البصرة سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب قال يوما: ما ندمت على سكوت قط. فقال ابن المقفع: فالخرس زين لك. وقال له مرة: ما تقول في رجل مات عن زوج وزوجة؟ فأحنقه.
قال الأصمعي: صنف ابن المقفع " الدرة اليتيمة " التي ما صنف مثلها. ومن قوله: شربت من الخطب ريا ولم أضبط لها رويا، فغاضت ثم فاضت فلا هي هي نظاما ولا هي غيرها كلاما.(أعلام/2135)
عبد الله بن بريدة (ع)
ابن الحصيب الحافظ الإمام، شيخ مرو وقاضيها أبو سهل الأسلمي المروزي، أخو سليمان بن بريدة، وكانا توأمين، ولدا سنة خمس عشرة.
حدث عن أبيه فأكثر، وعمران بن الحصين، وعبد الله بن مغفل المزني، وأبي موسى، وعائشة، وأم سلمة، وذلك في السنن. وفي الترمذي أيضا عن أمه، عن أم سلمة، وعن عبد الله بن عمرو السهمي، وابن عمر، وسمرة بن جندب، وأبي هريرة، وابن عباس، والمغيرة بن شعبة، ومعاوية، وعبد الله بن مسعود مرسلا، وعدة، وعن أبي الأسود الديلي، وبشير بن كعب، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، ويحيى بن يعمر، وحنظلة بن علي، وطائفة. وكان من أوعية العلم.
حدث عنه ابناه صخر وسهل، ومطر الوراق، ومحارب بن دثار، والشعبي، وقتادة، وسعد بن عبيدة، والمغيرة بن سبيع، والوليد بن ثعلبة الطائي، وأبو ربيعة الإيادي، وأبو هاشم الرماني، وأجلح بن عبد الله وبشير بن المهاجر، وثواب بن عتبة، وحسين المعلم، وحسين بن واقد، وداود بن أبي الفرات، وسعيد الجريري، وصالح بن حيان القرشي، وعبد المؤمن بن خالد الحنفي، وعثمان بن غياث، وعطاء الخراساني، وعطاء بن السائب، وعيسى بن عبيد الكندي، وفائد أبو العوام، وكهمس بن الحسن، ومالك بن مغول، ومقاتل بن حيان، ومقاتل بن سليمان المفسر، وأبو هلال محمد بن سليم، ومعاوية بن عبد الكريم الثقفي، وخلق سواهم.
قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله: ابنا بريدة؟ قال: أما سليمان، فليس في نفسي منه شيء، وأما عبد الله! ثم سكت. ثم قال: كان وكيع يقول: كانوا لسليمان بن بريدة أحمد منهم لعبد الله، أو ما هذا معناه.
وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه قال: عبد الله بن بريدة الذي روى عنه حسين بن واقدة ما أنكرها! وأبو المنيب أيضا، قال: يقول: كأنها من قبل هؤلاء.(أعلام/2136)
وروى إسحاق الكوسج، عن يحيى بن معين: ثقة، وكذا قال أبو حاتم والعجلي.
أبو تميلة، عن رميح بن هلال الطائي، عن عبد الله بن بريدة قال: ولدت لثلاث خلون من خلافة عمر -رضي الله عنه- فجاء عبد لنا، فبشر أبي وهو عند عمر، فقال: أنت حر، وولد أخي سليمان بعدي، وكانا توأما، فجاء غلام آخر لنا إلى أبي وهو عند عمر، فقال: ولد لك غلام، قال: سبقك فلان، قال: إنه آخر، قال: فقال عمر: وهذا أيضا، أي: أعتقه.
قال ابن حبان: ولد ابنا بريدة في السنة الثالثة من خلافة عمر سنة خمس عشرة، ومات سليمان بن بريدة بمرو، وهو على القضاء بها سنة خمس ومائة، وولي أخوه بعده القضاء بها، فكان على القضاء إلى أن مات سنة خمس عشرة ومائة، فيكون عمر عبد الله مائة عام، وأخطأ من زعم أنهما ماتا في يوم واحد.
قال أبو تميلة: حدثنا عبد المؤمن بن خالد، عن ابن بريدة قال: ينبغي للرجل أن يتعاهد من نفسه ثلاثة أشياء لا يدعها: المشي، فإن احتاجه وجده، وأن لا يدع الأكل فإن أمعاءه تضيق، وأن لا يدع الجماع، فإن البئر إذا لم تنزع ذهب ماؤها. قلت: يفعل هذه الأشياء باقتصاد، ولا سيما الجماع، إذا شاخ، فتركه أولى.
أحمد في " مسنده ": حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حسين، حدثني ابن بريدة قال: دخلت أنا وأبي على معاوية، فأجلسنا على الفراش، ثم أكلنا، ثم شرب معاوية فناول أبي، ثم قال: ما شربته منذ حرمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال معاوية: كنت أجمل شباب قريش، وأجوده ثغرا، وما شيء كنت أجد له لذة -وأنا شاب- أجده غير اللبن، أو إنسان حسن الحديث يحدثني.(أعلام/2137)
عبد الله بن جعفر (ع)
ابن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم. السيد العالم، أبو جعفر القرشي الهاشمي، الحبشي المولد، المدني الدار، الجواد بن الجواد ذي الجناحين.
له صحبة ورواية، عداده في صغار الصحابة.
استشهد أبوه يوم مؤتة فكفله النبي - صلى الله عليه وسلم - ونشأ في حجره.
وروى أيضا عن عمه علي، وعن أمه أسماء بنت عميس.
حدث عنه: أولاده إسماعيل، وإسحاق، ومعاوية، وأبو جعفر الباقر، وسعد بن إبراهيم، والقاسم بن محمد، وابن أبي مليكة، والشعبي، وعروة، وعباس بن سهل بن سعد، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وآخرون.
وهو آخر من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه من بني هاشم.
وله وفادة على معاوية، وعلى عبد الملك. وكان كبير الشأن، كريما، جوادا، يصلح للإمامة.
مهدي بن ميمون: حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر، قال: أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم خلفه، فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا، فدخل حائطا، فإذا جمل، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - حن، وذرفت عيناه.
ضمرة بن ربيعة، عن علي بن أبي حملة، قال: وفد عبد الله بن جعفر على يزيد، فأمر له بألفي ألف.
قلت: ما ذاك بكثير، جائزة ملك الدنيا لمن هو أولى بالخلافة منه.
قال مصعب الزبيري: هاجر جعفر إلى الحبشة؛ فولدت له أسماء؛ عبد الله، وعونا ومحمدا.
إسماعيل بن عياش: عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عبد الله بن جعفر وابن الزبير بايعا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهما ابنا سبع سنين، فلما رآهما النبي - صلى الله عليه وسلم - تبسم، وبسط يده، وبايعهما.(أعلام/2138)
محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله ابن جعفر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاهم بعد ما أخبرهم بقتل جعفر بعد ثالثة، فقال: لا تبكوا أخي بعد اليوم. ثم قال: ائتوني ببني أخي، فجيء بنا كأننا أفرخ، فقال: ادعوا لي الحلاق. فأمره، فحلق رءوسنا، ثم قال: أما محمد؛ فشبه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله؛ فشبه خلقي وخلقي. ثم أخذ بيدي، فأشالها. ثم قال: اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقته. قال: فجاءت أمنا، فذكرت يتمنا. فقال: العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة؟ .
رواه أحمد في " مسنده ".
وروى أيضا لعاصم الأحول، عن مورق العجلي، عن عبد الله بن جعفر، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفر، تلقي بالصبيان من أهل بيته، وإنه قدم مرة من سفر، فسبق بي إليه، فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة، فأردفه خلفه، فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة.
فطر بن خليفة: عن أبيه، عن عمرو بن حريث، قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بن جعفر وهو يلعب بالتراب، فقال: اللهم بارك له في تجارته.
قال الشعبي: كان ابن عمر إذا سلم على عبد الله بن جعفر، قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.
عن أبان بن تغلب، قال: ذكر لنا أن عبد الله بن جعفر قدم على معاوية، وكانت له منه وفادة في كل سنة، يعطيه ألف ألف درهم، ويقضي له مائة حاجة.
قيل: إن أعرابيا قصد مروان، فقال: ما عندنا شيء، فعليك بعبد الله بن جعفر، فأتى الأعرابي عبد الله، فأنشأ يقول:
أبو جعفر من أهل بيت نبوة
صلاتهم للمسلمين طهور
أبا جعفر ضن الأمير بماله
وأنت على ما في يديك أمير
أبا جعفر يا ابن الشهيد الذي
له جناحان في أعلى الجنان يطير
أبا جعفر ما مثلك اليوم أرتجي
فلا تتركني بالفلاة أدور(أعلام/2139)
فقال: يا أعرابي سار الثقل، فعليك بالراحلة بما عليها، وإياك أن تخدع عن السيف، فإني أخذته بألف دينار.
ويروى أن شاعرا جاء إلى عبد الله بن جعفر، فأنشده:
رأيت أبا جعفر في المنام كساني
من الخز دراعه
شكوت إلى صاحبي أمرها فقال ستوتى بها الساعه
سيكسوكها الماجد الجعفري
ومن كفه الدهر نفاعه
ومن قال للجود: لا تعدني
فقال له: السمع والطاعه
فقال عبد الله لغلامه: أعطه جبتي الخز. ثم قال له: ويحك كيف لم تر جبتي الوشي؟ اشتريتها بثلاثمائة دينار منسوجة بالذهب. فقال: أنام، فلعلي أراها. فضحك عبد الله، وقال: ادفعوها إليه.
قال أبو عبيدة: كان على قريش وأسد وكنانة يوم صفين عبد الله بن جعفر.
حماد بن زيد: أخبرنا هشام، عن محمد، قال: مر عثمان بسبخة فقال: لمن هذه؟ فقيل: اشتراها عبد الله بن جعفر بستين ألفا، فقال: ما يسرني أنها لي بنعل. فجزأها عبد الله ثمانية أجزاء؛ وألقى فيها العمال. ثم قال عثمان لعلي: ألا تأخذ على يدي ابن أخيك، وتحجر عليه؟ اشترى سبخة بستين ألفا. قال: فأقبلت. فركب عثمان يوما، فرآها، فبعث إليه، فقال: ولني جزءين منها. قال: أما والله دون أن ترسل إلي من سفهتني عندهم، فيطلبون إلي ذلك، فلا أفعل. ثم أرسل إليه أني قد فعلت. قال: والله لا أنقصك جزءين من مائة ألف وعشرين ألفا. قال: قد أخذتها.(أعلام/2140)
وعن العمري؛ أن ابن جعفر أسلف الزبير ألف ألف، فلما توفي الزبير، قال ابن الزبير لابن جعفر: إني وجدت في كتب الزبير أن له عليك ألف ألف. قال: هو صادق. ثم لقيه بعد، فقال: يا أبا جعفر، وهمت؛ المال لك عليه. قال: فهو له. قال: لا أريد ذلك. عن الأصمعي؛ أن امرأة أتت بدجاجة مسموطة، فقالت لابن جعفر: بأبي أنت! هذه الدجاجة كانت مثل بنتي، فآليت أن لا أدفنها إلا في أكرم موضع أقدر عليه؛ ولا والله ما في الأرض أكرم من بطنك. قال: خذوها منها، واحملوا إليها، فذكر أنواعا من العطاء، حتى قالت: بأبي أنت! إن الله لا يحب المسرفين.
هشام، عن ابن سيرين؛ أن رجلا جلب سكرا إلى المدينة، فكسد، فبلغ عبد الله بن جعفر، فأمر قهرمانه أن يشتريه، وأن ينهبه الناس.
ذكر الزبير بن بكار، أن عبيد الله بن أبي مليكة، عن أبيه، عن جده، قال: دخل ابن أبي عمار وهو يومئذ فقيه أهل الحجاز على نخاس، فعرض عليه جارية، فعلق بها، وأخذه أمر عظيم، ولم يكن معه مقدار ثمنها، فمشى إليه عطاء، وطاوس، ومجاهد، يعذلونه. وبلغ خبره عبد الله، فاشتراها بأربعين ألفا، وزينها، وحلاها، ثم طلب ابن أبي عمار، فقال: ما فعل حبك فلانة؟ قال: هي التي هام قلبي بذكرها، والنفس مشغولة بها، فقال: يا جارية، أخرجيها، فأخرجتها ترفل في الحلي والحلل. فقال: شأنك بها، بارك الله لك فيها. فقال: لقد تفضلت بشيء ما يتفضل به إلا الله. فلما ولى بها، قال: يا غلام! احمل معه مائة ألف درهم. فقال: لئن والله وعدنا نعيم الآخرة، فقد عجلت نعيم الدنيا.
ولعبد الله بن جعفر أخبار في الجود والبذل.
وكان وافر الحشمة، كثير التنعم، وممن يستمع الغناء.
قال الواقدي ومصعب الزبيري: مات في سنة ثمانين.
وقال المدائني: توفي سنة أربع أو خمس وثمانين.
وقال أبو عبيد: سنة أربع وثمانين ويقال سنة تسعين.(أعلام/2141)
عبد الله بن دينار (ع)
الإمام المحدث الحجة أبو عبد الرحمن العدوي العمري مولاهم المدني. سمع ابن عمر، وأنس بن مالك، وسليمان بن يسار، وأبا صالح السمان، وجماعة.
حدث عنه شعبة، ومالك، وسفيان الثوري، وورقاء بن عمر، وسليمان بن بلال، وابنه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وإسماعيل بن جعفر، وسفيان بن عيينة، وخلق كثير.
وقد تفرد بحديث عن ابن عمر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: نهى عن بيع الولاء، وعن هبته متفق على إخراجه في " الصحيحين ".
وقد أساء أبو جعفر العقيلي بإيراده في " كتاب الضعفاء " له، فقال: في رواية المشايخ عن عبد الله بن دينار اضطراب، ثم إنه أورد له حديثين مضطربي الإسناد ولا ذنب لعبد الله، وإنما الاضطراب من الرواة عنه. وقد وثقه جماعة.
توفي في سنة سبع وعشرين ومائة قال الحافظ أحمد بن علي الأصبهاني: حديثه نحو مائتي حديث.(أعلام/2142)
عبد الله بن رواحة
ابن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة، الأمير السعيد الشهيد أبو عمرو الأنصاري الخزرجي البدري النقيب الشاعر.
له عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن بلال.
حدث عنه أنس بن مالك، والنعمان بن بشير، وأرسل عنه قيس بن أبي حازم، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار، وعكرمة، وغيرهم.
شهد بدرا والعقبة. يكنى أبا محمد، وأبا رواحة، وليس له عقب، وهو خال النعمان بن بشير، وكان من كتاب الأنصار.
استخلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة في غزوة بدر الموعد وبعثه النبي - عليه السلام - سرية في ثلاثين راكبا إلى أسير بن رزام اليهودي بخيبر فقتله.
قال الواقدي: وبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - خارصا على خيبر.
قلت: جرى ذلك مرة واحدة، ويحتمل على بعد مرتين.
قال قتيبة: ابن رواحة وأبو الدرداء أخوان لأم.
أحمد في " مسنده ": حدثنا عبد الصمد، حدثنا عمارة، عن زياد النميري، عن أنس قال: كان ابن رواحة إذا لقي الرجل من أصحابه يقول: تعال نؤمن ساعة. فقاله يوما لرجل، فغضب، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، ألا ترى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة، فقال: " رحم الله ابن رواحة ; إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة ".
حماد بن زيد: حدثنا ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن رواحة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب، فسمعه وهو يقول: " اجلسوا ". فجلس مكانه خارج المسجد حتى فرغ من خطبته، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: زادك الله حرصا على طواعية الله ورسوله.
وروي بعضه عن عروة، عن عائشة.(أعلام/2143)
حماد بن سلمة: أنبأنا أبو عمران الجوني، أن عبد الله بن رواحة أغمي عليه، فأتاه النبي، فقال: " اللهم إن كان حضر أجله فيسر عليه، وإلا فاشفه ". فوجد خفة، فقال: يا رسول الله، أمي قالت: واجبلاه، واظهراه! وملك رفع مرزبة من حديد يقول: أنت كذا، فلو قلت: نعم لقمعني بها.
قال أبو الدرداء: إن كنا لنكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر في اليوم الحار ما في القوم أحد صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعبد الله بن رواحة.
رواه غير واحد عن أم الدرداء عنه.
معمر: عن ثابت، عن ابن أبي ليلى قال: تزوج رجل امرأة ابن رواحة، فقال لها: تدرين لم تزوجتك؟ لتخبريني عن صنيع عبد الله في بيته. فذكرت له شيئا لا أحفظه، غير أنها قالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين، وإذا دخل صلى ركعتين، لا يدع ذلك أبدا.
قال عروة: لما نزلت والشعراء يتبعهم الغاوون قال ابن رواحة: أنا منهم؟ . فأنزل الله إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
قال ابن سيرين: كان شعراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك.
قيل: لما جهز النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مؤتة الأمراء الثلاثة، فقال: " الأمير زيد، فإن أصيب فجعفر، فإن أصيب، فابن رواحة ". فلما قتلا، كره ابن رواحة الإقدام، فقال:
أقسمت يا نفس لتنزلنه
طائعة أو لا لتكرهنه
فطالما قد كنت مطمئنه
ما لي أراك تكرهين الجنه
فقاتل حتى قتل.
قال مدرك بن عمارة: قال ابن رواحة: مررت بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجلست بين يديه، فقال: " كيف تقول الشعر إذا أردت أن تقول؟ " قلت: أنظر في ذاك، ثم أقول. قال: فعليك بالمشركين، ولم أكن هيأت شيئا. ثم قلت:
فخبروني أثمان العباء متى
كنتم بطارق أو دانت لكم مضر(أعلام/2144)
فرأيته قد كره هذا أن جعلت قومه أثمان العباء فقلت:
يا هاشم الخير إن الله فضلكم
على البرية فضلا ما له غير
إني تفرست فيك الخير أعرفه
فراسة خالفتهم في الذي نظروا
ولو سألت إن استنصرت بعضهم
في حل أمرك ما آووا ولا نصروا
فثبت الله ما آتاك من حسن
تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
فأقبل - صلى الله عليه وسلم - بوجهه مستبشرا وقال: " وإياك فثبت الله "
وقال ابن سيرين: كان حسان وكعب يعارضان المشركين بمثل قولهم بالوقائع والأيام والمآثر، وكان ابن رواحة يعيرهم بالكفر، وينسبهم إليه، فلما أسلموا وفقهوا، كان أشد عليهم.
ثابت: عن أنس قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة في عمرة القضاء، وابن رواحة بين يديه يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله
اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
فقال عمر: يا ابن رواحة، في حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " خل يا عمر ; فهو أسرع فيهم من نضح النبل " وفي لفظ: " فوالذي نفسي بيده، لكلامه عليهم أشد من وقع النبل ".
ورواه معمر، عن الزهري، عن أنس.
قال الترمذي
وجاء في غير هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة في عمرة القضاء وكعب يقول ذلك.
قال: وهذا أصح عند بعض أهل العلم ; لأن ابن رواحة قتل يوم مؤتة، وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك.
قلت: كلا، بل مؤتة بعدها بستة أشهر جزما.
قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لأحمد بن حنبل: فحديث أنس: دخل النبي - عليه السلام - مكة وابن رواحة آخذ بغرزه. فقال: ليس له أصل.
وعن قيس بن أبي حازم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لابن رواحة: " انزل فحرك الركاب ". قال: يا رسول الله، لقد تركت قولي. فقال له عمر: اسمع وأطع. فنزل وقال:(أعلام/2145)
تالله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
. وساق باقيها.
إسماعيل بن أبي خالد: عن قيس قال: بكى ابن رواحة، وبكت امرأته، فقال: ما لك؟ قالت: بكيت لبكائك. فقال: إني قد علمت أني وارد النار، وما أدري أناج منها أم لا.
الزهري: عن سليمان بن يسار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث ابن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود، فجمعوا حليا من نسائهم فقالوا: هذا لك وخفف عنا. قال: يا معشر يهود، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، والرشوة سحت. فقالوا: بهذا قامت السماء والأرض.
وحماد بن سلمة، عن عبد الله - فيما نحسب - عن نافع، عن ابن عمر، نحوه.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أنبأنا محمد بن المسند، بالمزة، أنبأنا عبدان بن رزين، حدثنا نصر بن إبراهيم الفقيه، أنبأنا عبد الوهاب بن الحسين، حدثنا الحسين بن محمد بن عبيد، حدثنا محمد بن العباس الزيدي، حدثنا محمد بن حرب، حدثنا محمد بن عياذ، حدثنا عبد العزيز ابن أخي الماجشون: بلغنا أنه كانت لعبد الله بن رواحة جارية يستسرها عن أهله، فبصرت به امرأته يوما قد خلا بها، فقالت: لقد اخترت أمتك على حرتك؟ فجاحدها ذلك، قالت: فإن كنت صادقا، فاقرأ آية من القرآن. قال:
شهدت بأن وعد الله حق
وأن النار مثوى الكافرينا
قالت: فزدني آية، فقال:
وأن العرش فوق الماء طاف
وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة كرام
ملائكة الإله مقربينا
فقالت: آمنت بالله، وكذبت البصر، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحدثه، فضحك ولم يغير عليه.
ابن وهب: حدثني أسامة بن زيد أن نافعا حدثه قال: كانت لابن رواحة امرأة، وكان يتقيها، وكانت له جارية، فوقع عليها، فقالت له، فقال: سبحان الله! قالت: اقرأ علي إذا ; فإنك جنب. فقال:(أعلام/2146)
شهدت بإذن الله أن محمدا
رسول الذي فوق السموات من عل
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما
له عمل من ربه متقبل
وقد رويا لحسان.
شريك: عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة: كان يتمثل النبي - صلى الله عليه وسلم - بشعر عبد الله بن رواحة، وربما قال:. ابن إسحاق: حدثنا محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة قال: " ثم أخذ الراية - يعني بعد قتل صاحبه - قال: فالتوى بعض الالتواء، ثم تقدم بها على فرسه، فجعل يستنزل نفسه، ويتردد بها بعض التردد ".
قال: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنه قال عند ذلك:
أقسمت بالله لتنزلنه
طائعة أو لا لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنه
ما لي أراك تكرهين الجنه
قد طال ما قد كنت مطمئنه
هل أنت إلا نطفة في شنه
ثم نزل فقاتل حتى قتل.
وقال أيضا:
يا نفس إن لا تقتلي تموتي
هذا حمام الموت قد لقيت
وما تمنيت فقد أعطيت
إن تفعلي فعلهما هديت
وإن تأخرت فقد شقيت
قال الوليد بن مسلم: فسمعت أنهم ساروا بناحية معان، فأخبروا أن الروم قد جمعوا لهم جموعا كثيرة، فاستشار زيد أصحابه فقالوا: قد وطئت البلاد وأخفت أهلها. فانصرف، وابن رواحة ساكت، فسأله فقال: إنا لم نسر لغنائم، ولكنا خرجنا للقاء، ولسنا نقاتلهم بعدد ولا عدة، والرأي المسير إليهم.
قال عروة بن الزبير: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " فإن أصيب ابن رواحة، فليرتض المسلمون رجلا " ثم ساروا حتى نزلوا بمعان، فبلغهم أن هرقل قد نزل بمآب في مائة ألف من الروم، ومائة ألف من المستعربة، فشجع الناس ابن رواحة، وقال: يا قوم، والله إن الذي تكرهون للتي خرجتم لها: الشهادة. وكانوا ثلاثة آلاف.(أعلام/2147)
عبد الله بن زيد (4)
ابن عبد ربه بن ثعلبة، الأنصاري الخزرجي المدني البدري. من سادة الصحابة. شهد العقبة وبدرا. وهو الذي أري الأذان وكان ذلك في السنة الأولى من الهجرة. له أحاديث يسيرة، وحديثه في السنن الأربعة. وقيل: إن ذكر " ثعلبة " في نسبه خطأ.
حدث عنه، سعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى - ولم يلقه- ومحمد بن عبد الله ولده.
توفي سنة اثنتين وثلاثين.
إسحاق الفروي: حدثنا عبد الله بن عمر العمري، عن بشر بن محمد بن عبد الله بن زيد، قال: قدمت على عمر بن عبد العزيز، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا ابن صاحب العقبة وبدر، وابن الذي أري النداء. فقال عمر: يا أهل الشام:
هذي المكارم لا قعبان من لبن
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
الأعمش عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثنا أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم: أن عبد الله بن زيد جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إني رأيت في المنام كأن رجلا قام على جذم حائط، فأذن مثنى، وأقام مثنى ; وقعد قعدة، وعليه بردان أخضران.(أعلام/2148)
عبد الله بن سلام (ع)
ابن الحارث. الإمام الحبر، المشهود له بالجنة أبو الحارث الإسرائيلي، حليف الأنصار. من خواص أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم.
حدث عنه أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن معقل، وعبد الله بن حنظلة بن الغسيل، وابناه: يوسف ومحمد، وبشر بن شغاف، وأبو سعيد المقرئ، وأبو بردة بن أبي موسى، وقيس بن عباد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار، وزرارة بن أوفى، وآخرون.
وكان فيما بلغنا: ممن شهد فتح بيت المقدس. نقله الواقدي.
قال محمد بن سعد: اسمه: الحصين، فغيره النبي - صلى الله عليه وسلم- بعبد الله.
وروى قيس بن الربيع - وهو ضعيف - عن عاصم، عن الشعبي، قال: أسلم عبد الله بن سلام قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعامين. فهذا قول شاذ مردود بما في " الصحيح " من أنه أسلم وقت هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم- وقدومه.
قال ابن سعد: هو من ولد يوسف بن يعقوب - عليهما السلام- وهو حليف القواقلة.
قال: وله إسلام قديم بعد أن قدم النبي - صلى الله عليه وسلم- المدينة، وهو من أحبار اليهود.
قال عوف الأعرابي: حدثنا زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن سلام، قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم- المدينة، انجفل الناس عليه، وكنت فيمن انجفل، فلما رأيته، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. فكان أول شيء سمعته يقول: يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.
وروى حميد، عن أنس: أن عبد الله بن سلام أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مقدمه إلى المدينة، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمها إلا نبي. ما أول أشراط الساعة؟ وما أول ما يأكل أهل الجنة؟ ومن أين يشبه الولد أباه وأمه؟ .
فقال: أخبرني بهن جبريل آنفا. قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة.(أعلام/2149)
قال: أما أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق، فتحشر الناس إلى المغرب، وأما أول ما يأكله أهل الجنة، فزيادة كبد حوت، وأما الشبه، فإذا سبق ماء الرجل، نزع إليه الولد. وإذا سبق ماء المرأة، نزع إليها. قال: أشهد أنك رسول الله.
وقال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت ; وإنهم إن يعلموا بإسلامي بهتوني، فأرسل إليهم، فسلهم عني.
فأرسل إليهم. فقال: أي رجل ابن سلام فيكم؟ قالوا: حبرنا، وابن حبرنا ; وعالمنا، وابن عالمنا. قال: أرأيتم إن أسلم، تسلمون؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك. قال: فخرج عبد الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله; وأن محمدا رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا ; وجاهلنا وابن جاهلنا. فقال: يا رسول الله، ألم أخبرك أنهم قوم بهت.
عبد الوارث: حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، قال: أقبل نبي الله إلى المدينة. فقالوا: جاء نبي الله. فاستشرفوا ينظرون، وسمع ابن سلام - وهو في نخل يخترف- فعجل قبل أن يضع التي يخترف فيها، فسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم رجع إلى أهله. فلما خلا نبي الله، جاء، فقال: أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بحق. ولقد علمت اليهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فسلهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في، فأرسل إليهم فجاءوا، فقال: يا معشر اليهود، ويلكم! اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتكم بحق. فأسلموا. قالوا: ما نعلمه. قال: فأي رجل فيكم ابن سلام؟ قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشى لله، ما كان ليسلم. فقال: اخرج عليهم. فخرج عليهم، وقال: ويلكم اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقا. قالوا: كذبت. فأخرجهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم.(أعلام/2150)
ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في ابن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسد بن عبيد: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة الآيتين.
مالك، عن سالم أبي النضر، عن عامر بن سعد، عن أبيه: قال: ما سمعت رسول الله يقول لأحد إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، وفيه نزلت: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله.
حماد: حدثنا عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: يدخل من هذا الفج رجل من أهل الجنة. فجاء ابن سلام.
وجاء من غير وجه: أنه رأى رؤيا، فقصها على النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال له: تموت وأنت مستمسك بالعروة الوثقى إسنادها قوي.
قال ابن سعد: أخبرنا حماد بن عمرو: حدثنا زيد بن رفيع، عن معبد الجهني، عن يزيد بن عميرة: أنه لما احتضر معاذ، قعد يزيد عند رأسه يبكي. فقال: ما يبكيك؟ قال: أبكي لما فاتني من العلم. قال: إن العلم كما هو لم يذهب، فاطلبه عند أربعة. فسماهم، وفيهم: عبد الله بن سلام، الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيه: هو عاشر عشرة في الجنة.
البخاري في " تاريخه " حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة الزبيدي، قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت، قيل له: أوصنا يا أبا عبد الرحمن. قال: التمسوا العلم عند أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام الذي أسلم، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة ومن عنده علم الكتاب قال مجاهد: هو عبد الله بن سلام.(أعلام/2151)
قال إبراهيم بن أبي يحيى: حدثنا معاذ بن عبد الرحمن، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه: أنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: إني قد قرأت القرآن والتوراة. فقال: اقرأ بهذا ليلة، وبهذا ليلة إسناده ضعيف.
فإن صح، ففيه رخصة في التكرار على التوراة التي لم تبدل، فأما اليوم، فلا رخصة في ذلك ; لجواز التبديل على جميع نسخ التوراة الموجودة، ونحن نعظم التوراة التي أنزلها الله على موسى - عليه السلام- ونؤمن بها. فأما هذه الصحف التي بأيدي هؤلاء الضلال فما ندري ما هي أصلا. ونقف فلا نعاملها بتعظيم ولا بإهانة، بل نقول: آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله. ويكفينا في ذلك الإيمان المجمل، ولله الحمد.
عكرمة بن عمار، عن محمد بن القاسم، قال: زعم عبد الله بن حنظلة أن عبد الله بن سلام مر في السوق، عليه حزمة من حطب. فقيل له: أليس أغناك الله؟ قال: بلى، ولكن أردت أن أقمع الكبر. سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر.
اتفقوا على أن ابن سلام توفي سنة ثلاث وأربعين.
وقد ساق الحافظ ابن عساكر ترجمته في بضع عشرة ورقة.
الواقدي، عن أبي معشر، عن المقبري، وآخر: أن ابن سلام كان اسمه الحصين، فغيره النبي - صلى الله عليه وسلم- بعبد الله.
يزيد بن هارون، وجماعة، قالوا: حدثنا حميد، عن أنس: أن عبد الله بن سلام أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة الحديث. وفيه قالوا: شرنا، وابن شرنا. ونحو ذلك.
قال: يقول عبد الله: يا رسول الله، هذا الذي كنت أخاف.
حماد بن سلمة، عن ثابت، وحميد عن أنس، قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم- فأتاه ابن سلام، فقال: سائلك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي، فإن أخبرتني بها، آمنت بك. . . الحديث.(أعلام/2152)
هوذة: حدثنا عوف، عن الحسن، قال عبد الله بن سلام: قال أشهد أن اليهود يجدونك عندهم في التوراة. ثم أرسل إلى فلان، وفلان - نفر سماهم- فقال: ما عبد الله بن سلام فيكم؟ وما أبوه؟ قالوا: سيدنا، وابن سيدنا، وعالمنا، وابن عالمنا. قال: أرأيتم إن أسلم، أتسلمون؟ قالوا: إنه لا يسلم. فدعاه، فخرج عليهم، وتشهد. فقالوا: يا عبد الله، ما كنا نخشاك على هذا، وخرجوا.
وأنزل الله: قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم.
إسحاق الأزرق: حدثنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن قيس بن عباد، قال: كنت في مسجد المدينة، فجاء رجل بوجهه أثر من خشوع، فقال القوم: هذا من أهل الجنة. فصلى ركعتين، فأوجز فيهما. فلما خرج، اتبعته حتى دخل منزله، فدخلت معه، فحدثته ; فلما استأنس، قلت: إنهم قالوا لما دخلت المسجد: كذا وكذا. قال: سبحان الله! ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم. وسأحدثك: إني رأيت رؤيا، فقصصتها على النبي - صلى الله عليه وسلم- رأيت كأني في روضة خضراء، وسطها عمود حديد، أسفله في الأرض، وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: اصعد عليه. فصعدت حتى أخذت بالعروة. فقيل: استمسك بالعروة. فاستيقظت وإنها لفي يدي. فلما أصبحت، أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقصصتها عليه. فقال: أما الروضة، فروضة الإسلام، وأما العمود، فعمود الإسلام، وأما العروة ; فهي العروة الوثقى ; أنت على الإسلام حتى تموت قال: وهو عبد الله بن سلام.(أعلام/2153)
حماد بن زيد، عن عاصم ابن بهدلة، عن المسيب بن رافع، عن خرشة بن الحر، قال: قدمت المدينة، فجلست إلى شيخة في المسجد، فجاء شيخ يتوكأ على عصا له، فقال رجل: هذا رجل من أهل الجنة. فقام خلف سارية، فصلى ركعتين، فقمت إليه، فقلت: زعم هؤلاء أنك من أهل الجنة، فقال: الجنة لله يدخلها من يشاء، إني رأيت على عهد رسول الله رؤيا: رأيت كأن رجلا أتاني، فقال: انطلق. فسلك بي في منهج عظيم. فبينا أنا أمشي، إذ عرض لي طريق عن شمالي، فأردت أن أسلكها، فقال: إنك لست من أهلها. ثم عرضت لي طريق عن يميني، فسلكتها، حتى انتهيت إلى جبل زلق، فأخذ بيدي، فرحل بي، فإذا أنا على ذروته ; فلم أتقار، ولم أتماسك. وإذا عمود من حديد، في أعلاه عروة من ذهب، فأخذ بيدي، فرحل بي، حتى أخذت بالعروة، فقال لي: استمسك بالعروة. فقصصتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: رأيت خيرا. أما المنهج العظيم، فالمحشر، وأما الطريق التي عرضت عن شمالك، فطريق أهل النار، ولست من أهلها، وأما التي عن يمينك، فطريق أهل الجنة. وأما الجبل الزلق، فمنزل الشهداء، وأما العروة، فعروة الإسلام، فاستمسك بها حتى تموت وهو عبد الله بن سلام.
جرير، عن الأعمش، عن سليمان بن مسهر، عن خرشة، قال: كنت جالسا في حلقة، فيهم ابن سلام يحدثهم ; فلما قام، قالوا: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا. فتبعته فسألته. فذكر الحديث بطوله وهو صحيح.
وروى بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام: أنه شهد فتح نهاوند.
قال أيوب، عن ابن سيرين، قال: نبئت أن عبد الله بن سلام قال: إن أدركني، وليس لي ركوب فاحملوني، حتى تضعوني بين الصفين. يعني قبال الأعماق.(أعلام/2154)
محمد بن مصعب: حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: كان عبد الله بن سلام إذا دخل المسجد، سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم- وقال: اللهم افتح لنا أبواب رحمتك. وإذا خرج، سلم على النبى - صلى الله عليه وسلم- وتعوذ من الشيطان.
حفص بن غياث، عن أشعث، عن أبي بردة بن أبي موسى، قال: أتيت المدينة، فإذا عبد الله بن سلام جالس في حلقة متخشعا عليه سيماء الخير، فقال: يا أخي. جئت ونحن نريد القيام. فأذنت له، أو قلت: إذا شئت. فقام، فاتبعته، فقال: من أنت؟ قلت: أنا ابن أخيك ; أنا أبو بردة بن أبي موسى. فرحب بي، وسألني، وسقاني سويقا، ثم قال: إنكم بأرض الريف، وإنكم تسالفون الدهاقين، فيهدون لكم حملان القت والدواخل ; فلا تقربوها، فإنها نار.
قد مر موت عبد الله في سنة ثلاث وأربعين بالمدينة. وأرخه جماعة.
أخبرنا عمر بن محمد العمري، وجماعة، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر: أخبرنا أبو الوقت السجزي، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو محمد بن حمويه، أخبرنا عيسى بن عمر، أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن سلام، قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله، لعملنا. فأنزل الله: سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون حتى ختمها.(أعلام/2155)
قال: فقرأها علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حتى ختمها، قال أبو سلمة: فقرأها علينا عبد الله بن سلام، قال يحيى: فقرأها علينا أبو سلمة، فقرأها علينا يحيى، فقرأها علينا الأوزاعي، فقرأها علينا محمد، فقرأها علينا الدارمي، فقرأها علينا عيسى، فقرأها علينا ابن حمويه، فقرأها علينا الداودي، فقرأها علينا أبو الوقت، فقرأها علينا عبد الله بن عمر.
قلت: فقرأها علينا شيوخنا.
صفوان بن عمرو الحمصي: حدثنا عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن عوف بن مالك، قال: انطلق نبي الله، وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود، فقال: أروني يا معشر يهود اثني عشر رجلا يشهدون أن محمدا رسول الله، يحط الله عنكم الغضب، فأسكتوا. ثم أعاد عليهم، فلم يجبه أحد.
قال: فوالله، لأنا الحاشر، وأنا العاقب وأنا المصطفى، آمنتم أو كذبتم. فلما كاد يخرج، قال رجل: كما أنت يا محمد. أي رجل تعلمونني فيكم؟ قالوا: ما فينا أعلم منك. قال: فإني أشهد بالله أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة. فقالوا: كذبت. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كذبتم.
قال: فخرجنا ونحن ثلاثة. وأنزلت: أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد الآية.
وفي " الصحيح " نحوه من حديث أنس بن مالك، وهو عبد الله. يعني ابن سلام.(أعلام/2156)
عبد الله بن شبرمة (م، د، س، ق)
الإمام العلامة، فقيه العراق أبو شبرمة. قاضي الكوفة.
حدث عن أنس بن مالك، وأبي الطفيل عامر بن واثلة، وأبي وائل شقيق، وعامر الشعبي، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وإبراهيم التيمي، وإبراهيم النخعي، وسالم بن عبد الله، والحسن البصري، ونافع، وسالم بن أبي الجعد، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وأبي زرعة، وطائفة.
حدث عنه: الثوري، والحسن بن صالح، وابن المبارك، وهشيم، وعبد الواحد بن زياد، وسفيان بن عيينة، وعبد الوارث بن سعيد، وأحمد بن بشير، ووهيب بن خالد، وشعيب بن صفوان، وخلق سواهم.
وثقه أحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، وغيرهما. وكان من أئمة الفروع، وأما الحديث، فما هو بالمكثر منه، له نحو من ستين أو سبعين حديثا.
وهو عبد الله بن شبرمة بن طفيل بن حسان الضبي. وهو عم عمارة بن القعقاع، ولكن عمارة أسن منه. وآخر أصحابه موتا أبو بدر السكوني.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: كان ابن شبرمة عفيفا صارما، عاقلا، خيرا، يشبه النساك. وكان شاعرا، كريما، جوادا. له نحو من خمسين حديثا.
روى ابن فضيل، عن ابن شبرمة قال: كنت إذا اجتمعت أنا والحارث العكلي على مسألة لم نبال من خالفنا.
وقال فضيل بن غزوان: كنا نجلس أنا وابن شبرمة، والحارث بن يزيد العكلي، والمغيرة، والقعقاع بن يزيد بالليل نتذاكر الفقه، فربما لم نقم حتى نسمع النداء بالفجر.
وقال عبد الوارث: ما رأيت أحدا أسرع جوابا من ابن شبرمة.
وقال معمر: رأيت ابن شبرمة إذا قال له الرجل: جعلت فداك، يغضب، ويقول: قل: غفر الله لك.(أعلام/2157)
وروى ابن السماك، عن ابن شبرمة قال: من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصر فيها خصم. ولا يطيق الحق من بالى على من دار الأمر. وروى ابن المبارك، عن ابن شبرمة قال: عجبت للناس يحتمون من الطعام مخافة الداء ولا يحتمون من الذنوب مخافة النار.
قال أحمد العجلي: كان عيسى بن موسى لا يقطع أمرا دون ابن شبرمة. قال: فبعث أبو جعفر المنصور إلى عيسى بعمه عبد الله بن علي ليحبسه، ثم كتب إليه أن اقتله، فإنه. . . . وإنه. . . فاستشار ابن شبرمة، فقال له: لم يرد المنصور غيرك؟! وكان عيسى ولي العهد. فقال: ما ترى؟ قال: احبسه واكتب إليه أنك قتلته. ففعل. فجاء أخوه عبد الله إلى عيسى فقال: إن أمير المؤمنين كتب إلي أن اقتله، فقد قتلته، فرجعوا إلى أبي جعفر فقال: كذب، لأقيدنه به. فارتفعوا إلى القاضي. فلما حققوا على عيسى أخرجه إليهم. فقال أبو جعفر: قتلني الله إن لم أقتل الأعرابي -يريد ابن شبرمة - فإن عيسى لا يعرف هذا. قال: فما زال ابن شبرمة مختفيا حتى مات بخراسان. سيره إليها عيسى بن موسى.
روى ابن فضيل عن أبيه، قال: كان ابن شبرمة، ومغيرة، والحارث العكلي يسهرون في الفقه، فربما لم يقوموا إلى الفجر. توفي سنة أربع وأربعين ومائة أرخه أبو نعيم والمدائني.(أعلام/2158)
عبد الله بن شداد (ع)
ابن الهاد الليثي الفقيه أبو الوليد المدني ثم الكوفي.
وأمه هي سلمى أخت أسماء بنت عميس. وكانت سلمى تحت حمزة - رضي الله عنه - فلما استشهد، تزوجها شداد - رضي الله عنه - فولدت له عبد الله في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم.
حدث: عن أبيه، ومعاذ بن جبل، وعلي، وابن مسعود، وطلحة بن عبيد الله، وعائشة، وأم سلمة، وجماعة.
حدث عنه: الحكم بن عتيبة، ومنصور بن المعتمر، وعبد الله بن شبرمة، وأبو إسحاق الشيباني، وسعد بن إبراهيم، وذر الهمداني، ومعاوية بن عمار الدهني، وآخرون.
عده خليفة في تابعي أهل الكوفة.
وقال ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة: روى عن عمر، وعلي، وكان ثقة، قليل الحديث، شيعيا.
قال محمد بن عمر: كان يأتي الكوفة كثيرا، فنزلها، وخرج مع ابن الأشعث، فقتل ليلة دجيل سنة اثنتين وثمانين.
قال عطاء بن السائب: سمعت عبد الله بن شداد يقول: وددت أني قمت على المنبر من غدوة إلى الظهر، فأذكر فضائل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ثم أنزل، فيضرب عنقي.
قلت: هذا غلو وإسراف. سمعها خالد الطحان من عطاء.
حديث عبد الله مخرج في الكتب الستة، ولا نزاع في ثقته.(أعلام/2159)
عبد الله بن طاوس (ع)
الإمام المحدث، الثقة أبو محمد اليماني.
سمع من أبيه وأكثر عنه، ومن عكرمة، وعمرو بن شعيب، وعكرمة بن خالد المخزومي، وجماعة، ولم يأخذ عن أحد من الصحابة، ويسوغ أن يعد في صغار التابعين لتقدم وفاته.
حدث عنه: ابن جريج، ومعمر، والثوري، وروح بن القاسم، ووهيب بن خالد، وسفيان بن عيينة، وآخرون. وثقوه.
وقال معمر: كان من أعلم الناس بالعربية، وأحسنهم خلقا، ما رأينا ابن فقيه مثله.
ذكر القاضي شمس الدين في ترجمة طاوس أن المنصور طلب ابن طاوس، ومالك بن أنس، قال: فصدعه ابن طاوس بكلام.
فهذا لا يتجه، لأن ابن طاوس مات في سنة اثنتين وثلاثين ومائة وذلك قبل دولة المنصور بل في هذه السنة قتل آخر الخلفاء الأموية، مروان الحمار، وقام فيها السفاح، والله أعلم.(أعلام/2160)
عبد الله بن عامر بن ربيعة
أبو محمد العنزي، بالسكون، المدني حليف بني عدي بن كعب. وعنز أخو بكر بن وائل. استشهد أخوه سميه عبد الله في حصار الطائف.
وكان أبوهما عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك من كبار المهاجرين البدريين.
حدث عبد الله: عن أبيه، وعمر، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وطائفة.
وكان مولده عام الحديبية.
وله حديث مرسل في سنن أبي داود.
حدث عنه: عاصم بن عبيد الله، وأبو بكر بن حفص الوقاصي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن شهاب الزهري، وآخرون.
توفي سنة خمس وثمانين.(أعلام/2161)
عبد الله بن عباس البحر
حبر الأمة، وفقيه العصر، وإمام التفسير أبو العباس عبد الله، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العباس بن عبد المطلب شيبة بن هاشم، واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي الهاشمي المكي الأمير - رضي الله عنه.
مولده بشعب بني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين.
صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوا من ثلاثين شهرا، وحدث عنه بجملة صالحة، وعن عمر، وعلي، ومعاذ، ووالده، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي سفيان صخر بن حرب، وأبي ذر، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت وخلق.
وقرأ على أبي، وزيد.
قرأ عليه مجاهد، وسعيد بن جبير، وطائفة.
روى عنه؛ ابنه علي، وابن أخيه عبد الله بن معبد، ومواليه؛ عكرمة، ومقسم، وكريب، وأبو معبد نافذ، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل، وأبو أمامة بن سهل، وأخوه كثير بن العباس، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله، وطاوس، وأبو الشعثاء جابر، وعلي بن الحسين.
وسعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، والقاسم بن محمد؛ وأبو صالح السمان، وأبو رجاء العطاردي، وأبو العالية، وعبيد بن عمير، وابنه عبد الله، وعطاء بن يسار، وإبراهيم بن عبد الله بن معبد، وأربدة التميمي صاحب التفسير، وأبو صالح باذان، وطليق بن قيس الحنفي، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي، والحسن، وابن سيرين؛ ومحمد بن كعب القرظي، وشهر بن حوشب، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وعبيد الله بن أبي يزيد، وأبو جمرة نصر بن عمران الضبعي، والضحاك بن مزاحم، وأبو الزبير المكي، وبكر بن عبد الله المزني، وحبيب بن أبي ثابت، وسعيد بن أبي الحسن، وإسماعيل السدي، وخلق سواهم.
وفي " التهذيب ": من الرواة عنه مائتان سوى ثلاثة أنفس. وأمه هي أم الفضل لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالية من هلال بن عامر.(أعلام/2162)
وله جماعة أولاد؛ أكبرهم العباس، وبه كان يكنى، وعلي أبو الخلفاء، وهو أصغرهم، والفضل، ومحمد، وعبيد الله، ولبابة، وأسماء.
وكان وسيما، جميلا، مديد القامة، مهيبا، كامل العقل، ذكي النفس، من رجال الكمال.
وأولاده؛ الفضل، ومحمد، وعبيد الله، ماتوا ولا عقب لهم. ولبابة ولها أولاد وعقب من زوجها علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وبنته الأخرى أسماء وكانت عند ابن عمها عبد الله بن عبيد الله بن العباس، فولدت له حسنا، وحسينا.
انتقل ابن عباس مع أبويه إلى دار الهجرة سنة الفتح، وقد أسلم قبل ذلك، فإنه صح عنه أنه قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين؛ أنا من الولدان، وأمي من النساء.
روى خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسي، ودعا لي بالحكمة.
شبيب بن بشر: عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخرج وخرج، فإذا تور مغطى؛ قال: من صنع هذا؟ فقلت: أنا. فقال: اللهم علمه تأويل القرآن.
قال ابن شهاب: عن عبيد الله؛ عن ابن عباس، قال: أقبلت على أتان، وقد ناهزت الاحتلام، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى.
وروى أبو بشر، عن سعيد بن جبير: عن ابن عباس، قال: توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن عشر.
رواه شعبة وغيره عنه.
وقال هشيم: أخبرنا أبو بشر عن سعيد، عنه: جمعت المحكم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبض وأنا ابن عشر حجج.
وقال شعبة: عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن خمس عشرة سنة، وأنا ختين.(أعلام/2163)
قال الواقدي: لا خلاف أنه ولد في الشعب، وبنو هاشم محصورون، فولد قبل خروجهم منه بيسير، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين. ألا تراه يقول: وقد راهقنا الاحتلام. وهذا أثبت مما نقله أبو بشر في سنه.
قال أحمد بن حنبل فيما رواه ابنه عبد الله عنه: حديث أبي بشر عندي واه، قد روى أبو إسحاق، عن سعيد فقال: خمس عشرة، وهذا يوافق حديث عبيد الله بن عبد الله.
قال الزبير بن بكار: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولابن عباس ثلاث عشرة سنة.
قال أبو سعيد بن يونس: غزا ابن عباس إفريقية مع ابن أبي سرح؛ وروى عنه من أهل مصر خمسة عشر نفسا.
قال أبو عبد الله بن منده: أمه هي أم الفضل أخت أم المؤمنين ميمونة، ولد قبل الهجرة بسنتين.
وكان أبيض، طويلا، مشربا صفرة، جسيما، وسيما، صبيح الوجه، له وفرة، يخضب بالحناء، دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحكمة.
قلت: وهو ابن خالة خالد بن الوليد المخزومي.
سعيد بن سالم، حدثنا ابن جريج قال: كنا جلوسا مع عطاء في المسجد الحرام، فتذاكرنا ابن عباس؛ فقال عطاء: ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة إلا ذكرت وجه ابن عباس.
إبراهيم بن الحكم بن أبان؛ عن أبيه، عن عكرمة، قال: كان ابن عباس إذا مر في الطريق، قلن النساء على الحيطان: أمر المسك، أم مر ابن عباس؟
الزبير: حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني، عن داود بن عطاء، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر؛ أن عمر دعا ابن عباس، فقربه. وكان يقول: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاك يوما، فمسح رأسك، وتفل في فيك، وقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل.
داود مدني ضعيف.(أعلام/2164)
حماد بن سلمة وغيره، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله، قال: بت في بيت خالتي ميمونة، فوضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا، فقال: من وضع هذا؟ قالوا: عبد الله. فقال: اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين.
أخبرنا إسحاق الأسدي، أخبرنا ابن خليل أخبرنا اللبان، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن جعفر بن الهيثم، حدثنا ابن أبي العوام، حدثنا عبد الله بن بكر، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن عمرو بن دينار: أن كريبا أخبره عن ابن عباس، قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - من آخر الليل، فجعلني حذاءه، فلما انصرف، قلت: وينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله؟ فدعا الله أن يزيدني فهما وعلما.
حاتم بن أبي صغيرة: عن عمرو بن دينار، عن كريب، عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا له أن يزيده الله فهما، وعلما.
ورقاء: سمعت عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس: وضعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضوءا، فقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل.
وعن ابن عباس: دعا لي رسول الله بالحكمة مرتين.
كوثر بن حكيم - واه - عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا: إن حبر هذه الأمة ابن عباس.
تفرد به عنه محمد بن يزيد الرهاوي.
عبد المؤمن بن خالد: عن ابن بريدة، عن ابن عباس: انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده جبريل، فقال له جبريل: إنه كائن هذا حبر الأمة، فاستوص به خيرا.
حديث منكر. تفرد به سعدان بن جعفر، عن عبد المؤمن.(أعلام/2165)
حماد بن سلمة: عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، قال: كنت مع أبي عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان كالمعرض عن أبي، فخرجنا من عنده، فقال: ألم تر ابن عمك كالمعرض عني؟ فقلت: إنه كان عنده رجل يناجيه. قال: أو كان عنده أحد؟ قلت: نعم. فرجع إليه، فقال: يا رسول الله، هل كان عندك أحد؟ فقال لي: هل رأيته يا عبد الله "؟ قال: نعم. قال: ذاك جبريل فهو الذي شغلني عنك.
أخرجه أحمد في " مسنده ".
المنهال بن بحر: حدثنا العلاء بن محمد، عن الفضل بن حبيب، عن فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قال: مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثياب بيض نقية، وهو يناجي دحية بن خليفة الكلبي، وهو جبريل وأنا لا أعلم؛ فقال: من هذا؟ فقال: ابن عمي. قال: ما أشد وسخ ثيابه، أما إن ذريته ستسود بعده. ثم قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رأيت من يناجيني؟ قلت: نعم. قال: أما إنه سيذهب بصرك.
إسناده لين.
ثور بن زيد الديلي، عن موسى بن ميسرة؛ أن العباس بعث ابنه عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة، فوجد عنده رجلا، فرجع، ولم يكلمه. فلقي العباس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك، فقال: أرسلت إليك ابني، فوجد عندك رجلا، فلم يستطع أن يكلمه. فقال: يا عم! تدري من ذاك الرجل؟ قال: لا. قال: ذاك جبريل لقيني، لن يموت ابنك حتى يذهب بصره، ويؤتى علما.
روى سليمان بن بلال والدراوردي عن ثور نحوه، وقد رواه محمد بن زياد الزيادي، عن الدراوردي فقال: عن أيوب، عن موسى بن ميسرة، عن بعض ولد العباس: فذكره.(أعلام/2166)
زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي: دخل العباس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ير عنده أحدا، فقال له ابنه عبد الله: لقد رأيت عنده رجلا؛ فسأل العباس النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ذاك جبريل. هذا مرسل.(أعلام/2167)
عبد الله بن عبد الحكم (س)
ابن أعين بن ليث، الإمام الفقيه مفتي الديار المصرية أبو محمد المصري المالكي، صاحب مالك، ويقال: إنه من موالي عثمان -رضي الله عنه.
ولد سنة خمس وخمسين ومائة.
سمع الليث بن سعد، ومالك بن أنس، ومفضل بن فضالة، ومسلم بن خالد الزنجي، ويعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني، وبكر بن مضر وابن القاسم، وابن وهب، وعدة.
حدث عنه: بنوه الأئمة محمد وسعد وعبد الرحمن وعبد الحكم، وأبو محمد الدارمي، ومحمد بن البرقي، وخير بن عرفة ومقدام بن داود الرعيني، وأبو يزيد القراطيسي، ومحمد بن عمرو أبو الكروس ومالك بن عبد الله بن سيف التجيبي، وعدة.
وثقه أبو زرعة.
وقال ابن وارة: كان شيخ أهل مصر.
وقال أحمد العجلي: لم أر بمصر أعقل منه ومن سعيد بن أبي مريم.
وقال ابن حبان: كان ممن عقل مذهب مالك، وفرع على أصوله.
قلت: لم يثبت قول ابن معين: إنه كذاب.
قال أبو عمر الكندي: سكن أبوه وجده أعين جميعا بالإسكندرية، وبها ماتا.
وقال ابن عبد البر: صنف عبد الله بن عبد الحكم كتابا اختصر فيه أسمعته من ابن القاسم، وابن وهب، وأشهب، ثم اختصر من ذلك كتابا صغيرا، وعلى الكتابين مع غيرهما معول البغداديين المالكية في المدارسة، وإياهما شرح القاضي أبو بكر الأبهري.
قلت: وذكروا أنه صنف كتاب " الأموال "، وكتاب " مناقب عمر بن عبد العزيز " وسارت بتصانيفه الركبان، وكان وافر الجلالة، كثير المال، رفيع المنزلة.
قال الشيخ أبو إسحاق الفيروزآباذي كان ابن عبد الحكم أعلم أصحاب مالك بمختلف قوله، أفضت إليه الرئاسة بمصر بعد أشهب.
قيل: إنه أعطى الشافعي ألف دينار، وأخذ له من رئيسين ألفي دينار، وكان يزكي العدول، ويجرحهم، وما كان يشهد، ودفن إلى جنب الشافعي.
قلت: وكان يحرض ولده محمد بن عبد الله على ملازمة الشافعي.(أعلام/2168)
مات في شهر رمضان سنة أربع عشرة ومائتين وله نحو من ستين سنة -رحمه الله.
أخبرنا عمر بن محمد المذهب في جماعة قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا أبو الحسن الداوودي، أخبرنا أبو محمد بن حمويه، أخبرنا عيسى بن عمر، أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن صالح هو ابن عطاء، عن جابر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أنا قائد المرسلين ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر.
هذا حديث صالح الإسناد، وصالح هذا مصري، ما علمت به بأسا.(أعلام/2169)
عبد الله بن عكيم الجهني (م، 4)
قيل: له صحبة، وقد أسلم بلا ريب في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلى خلف أبي بكر الصديق.
وهو القائل: أتانا كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بشهرين: أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب.
حدث عنه بذلك الحكم.
وقد حدث عن: عمر، وعلي، وابن مسعود.
روى عنه: هلال الوزان ومسلم الجهني، والحكم، وجماعة.
روى موسى الجهني، عن بنت عبد الله بن عكيم، قالت: كان أبي يحب عثمان، وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يحب عليا - رضي الله عنهما - قالت: وكانا متواخيين، فما سمعتهما يذكرانهما بشيء قط، إلا أني سمعت أبي يقول: لو أن صاحبك صبر، أتاه الناس.
قيل: إن عبد الله بن عكيم توفي سنة ثمان وثمانين شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن ابن عكيم قال: كتب إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا غلام شاب بأرض جهينة: أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب.
قال هلال الوزان: سمعت عبد الله بن عكيم يقول: بايعت عمر بيدي هذه.
ابن فضيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الله القرشي، عن ابن أبي ليلى، وعبد الله بن عكيم، عن علي: أنه كان إذا قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: وإن الذين كذبوا محمدا لجاحدون.
وعن الحكم؛ أن عبد الرحمن بن أبي ليلى قدم عبد الله بن عكيم في الصلاة على أمه وكان إمامهم.
وذكر هلال بن أبي حميد، عن ابن عكيم قال: لا أعين على دم خليفة أبدا بعد عثمان، فقيل له: يا أبا معبد! أو أعنت عليه؟ قال: كنت أعد ذكر مساويه عونا على دمه.
توفي ابن عكيم في ولاية الحجاج.(أعلام/2170)
عبد الله بن عمر (ع)
ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح، بن عدي، بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي، ثم المدني.
أسلم وهو صغير، ثم هاجر مع أبيه لم يحتلم، واستصغر يوم أحد، فأول غزواته الخندق، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وأمه وأم أم المؤمنين حفصة، زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون الجمحي.
روى علما كثيرا نافعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أبيه، وأبي بكر، وعثمان، وعلي، وبلال، وصهيب، وعامر بن ربيعة، وزيد بن ثابت، وزيد عمه، وسعد، وابن مسعود، وعثمان بن طلحة، وأسلم، وحفصة أخته، وعائشة. وغيرهم.
روى عنه: آدم بن علي، وأسلم مولى أبيه، وإسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب، وأمية بن عبد الله الأموي، وأنس بن سيرين، وبسر بن سعيد، وبشر بن حرب، وبشر بن عائذ، وبشر بن المحتفز، وبكر المزني، وبلال بن عبد الله ابنه، وتميم بن عياض، وثابت البناني، وثابت بن عبيد، وثابت بن محمد، وثوير بن أبي فاختة، وجبلة بن سحيم، وجبير بن أبي سليمان، وجبير بن نفير، وجميع بن عمير، وجنيد وحبيب بن أبي ثابت، وحبيب بن أبي مليكة، والحر بن الصياح، وحرملة مولى أسامة، وحريز أو أبو حريز، والحسن البصري، والحسن بن سهيل وحسين بن الحارث الجدلي، وابن أخيه حفص بن عاصم، والحكم بن ميناء، وحكيم بن أبي حرة.(أعلام/2171)
وحمران مولى العبلات، وابنه حمزة بن عبد الله، وحميد بن عبد الرحمن الزهري، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، وخالد بن أسلم، وأخوه زيد، وخالد بن دريك وهذا لم يلقه، وخالد بن أبي عمران الإفريقي ولم يلحقه، وخالد بن كيسان، وداود بن سليك، وذكوان السمان، ورزين بن سليمان الأحمري، وأبو عمر زاذان، والزبير بن عربي، والزبير بن الوليد، شامي، وأبو عقيل زهرة بن معبد، وزياد بن جبير الثقفي، وزياد بن صبيح الحنفي، وأبو الخصيب زياد القرشي، وزيد بن جبير الطائي، وابنه زيد، وابنه سالم، وسالم بن أبي الجعد، والسائب والد عطاء، وسعد بن عبيدة، وسعد مولى أبي بكر، وسعد مولى طلحة، وسعيد بن جبير، وسعيد بن الحارث الأنصاري، وسعيد بن حسان، وسعيد بن عامر، وسعيد بن عمرو الأشدق، وسعيد بن مرجانة، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن وهب الهمداني، وسعيد بن يسار وسليمان بن أبي يحيى، وسليمان بن يسار، وشهر بن حوشب.
وصدقة بن يسار، وصفوان بن محرز، وطاوس، والطفيل بن أبي، وطيسلة بن علي، وطيسلة بن مياس، وعامر بن سعد، وعباس بن جليد وعبد الله بن بدر اليمامي، وعبد الله بن بريدة، وأبو الوليد عبد الله بن الحارث، وعبد الله بن دينار، وعبد الله بن أبي سلمة الماجشون، وعبد الله بن شقيق، وعبد الله بن عبد الله بن جبر وابنه عبد الله، وابن أبي مليكة، وعبد الله بن عبيد بن عمير، وعبد الله بن عصم، وعبد الله بن أبي قيس، وعبد الله بن كيسان، وعبد الله بن مالك الهمداني، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعبد الله بن مرة الهمداني، وعبد الله بن موهب الفلسطيني، وحفيده عبد الله بن واقد العمري، وعبد الرحمن بن التيلماني وعبد الرحمن بن سعد مولاه، وعبد الرحمن بن سمير.(أعلام/2172)
وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن أبي نعم، وعبد الرحمن بن هنيدة، وعبد الرحمن بن يزيد الصنعاني، وعبد العزيز بن قيس، وعبد الملك بن نافع، وعبدة بن أبي لبابة، وابنه عبيد الله بن عبد الله، وعبيد الله بن مقسم، وعبيد بن جريج، وعبيد بن حنين، وعبيد بن عمير، وعثمان بن الحارث، وعثمان بن عبد الله بن موهب، وعراك بن مالك، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، وعطية العوفي، وعقبة بن حريث، وعكرمة بن خالد، وعكرمة العباسي، وعلي بن عبد الله البارقي، وعمر بن عبد الرحمن المعاوي، وابنه عمر بن عبد الله إن صح، وعمرو بن دينار، وعمران بن الحارث، وعمران بن حطان، وعمران الأنصاري، وعمير بن هانئ، وعنبسة بن عمار، وعون بن عبد الله بن عتبة، والعلاء بن عرار، والعلاء بن اللجلاج، وعلاج بن عمرو، وغطيف أو أبو غطيف الهذلي، والقاسم بن ربيعة، والقاسم بن عوف، والقاسم بن محمد، وقدامة بن إبراهيم، وقزعة بن يحيى، وقيس بن عباد.(أعلام/2173)
وكثير بن جمهان، وكثير بن مرة، وكليب بن وائل، ومجاهد بن جبر، ومجاهد بن رياح، ومحارب بن دثار، وحفيده محمد بن زيد، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن عباد بن جعفر، وأبو جعفر الباقر، وابن شهاب الزهري، ومحمد بن المنتشر، ومروان بن سالم المقفع، ومروان الأصفر، ومسروق، ومسلم بن جندب، ومسلم بن المثنى، ومسلم بن أبي مريم، ومسلم بن يناق، ومصعب بن سعد، والمطلب بن عبد الله بن حنطب، ومعاوية بن قرة، ومغراء العبدي، ومغيث بن سمي، ومغيث الحجازي، والمغيرة بن سلمان، ومكحول الأزدي، ومنقذ بن قيس، ومهاجر الشامي، ومورق العجلي، وموسى بن دهقان، وموسى بن طلحة، وميمون بن مهران، ونابل صاحب العباء، ونافع مولاه، ونسير بن ذعلوق، ونعيم المجمر، ونميلة أبو عيسى، وواسع بن حبان، ووبرة بن عبد الرحمن، والوليد الجرشي وأبو مجلز لاحق، ويحنس مولى آل الزبير، ويحيى بن راشد، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، ويحيى بن وثاب ويحيى بن يعمر، ويحيى البكاء.
ويزيد بن أبي سمية، وأبو البزرى يزيد بن عطارد، ويسار مولاه، ويوسف بن ماهك، ويونس بن جبير، وأبو أمامة التيمي، وأبو البختري الطائي، وأبو بردة بن أبي موسى، وأبو بكر بن حفص، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة وحفيده أبو بكر بن عبد الله، وأبو تميمة الهجيمي، وأبو حازم الأعرج ولم يلحقه، وأبو حية الكلبي، وأبو الزبير، وأبو سعيد بن رافع، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو سهل، وأبو السوداء، وأبو الشعثاء المحاربي، وأبو شيخ الهنائي، وأبو الصديق الناجي، وأبو طعمة، وأبو العباس الشاعر، وأبو عثمان النهدي، وأبو العجلان المحاربي، وأبو عقبة، وأبو غالب، وأبو الفضل، وأبو المخارق إن كان محفوظا، وأبو المنيب الجرشي، وأبو نجيح المكي، وأبو نوفل بن أبي عقرب، وأبو الوليد البصري، وأبو يعفور العبدي، ورقية بنت عمرو بن سعيد.(أعلام/2174)
قدم الشام والعراق والبصرة وفارس غازيا.
روى حجاج بن أرطاة، عن نافع: أن ابن عمر بارز رجلا في قتال أهل العراق، فقتله، وأخذ سلبه.
وروى عبيد الله بن عمر، عن نافع: أن ابن عمر كان يصفر لحيته.
سليمان بن بلال: عن زيد بن أسلم: أن ابن عمر كان يصفر حتى يملأ ثيابه منها، فقيل له: تصبغ بالصفرة؟ فقال: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بها.
شريك: عن محمد بن زيد ; رأى ابن عمر يصفر لحيته بالخلوق والزعفران.
ابن عجلان: عن نافع: كان ابن عمر يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة.
وقال هشام بن عروة: رأيت شعر ابن عمر يضرب منكبيه وأتي بي إليه، فقبلني.
قال أبو بكر بن البرقي: كان ربعة يخضب بالصفرة. توفي بمكة.
وقال ابن يونس: شهد ابن عمر فتح مصر، واختط بها، وروى عنه أكثر من أربعين نفسا من أهلها.(أعلام/2175)
عبد الله بن عمرو بن العاص (ع)
ابن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب.
الإمام الحبر العابد، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن صاحبه، أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن. وقيل: أبو نصير القرشي السهمي.
وأمه هي رائطة بنت الحجاج بنت منبه السهمية، وليس أبوه أكبر منه إلا بإحدى عشرة سنة أو نحوها.
وقد أسلم قبل أبيه في ما بلغنا، ويقال: كان اسمه العاص، فلما أسلم، غيره النبي - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله.
وله مناقب وفضائل ومقام راسخ في العلم والعمل، حمل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علما جما.
يبلغ ما أسند سبعمائة حديث اتفقا له على سبعة أحاديث، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بعشرين.
وكتب الكثير بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - وترخيصه له في الكتابة بعد كراهيته للصحابة أن يكتبوا عنه سوى القرآن وسوغ ذلك - صلى الله عليه وسلم - ثم انعقد الإجماع بعد اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم - على الجواز والاستحباب لتقييد العلم بالكتابة.
والظاهر أن النهي كان أولا لتتوفر هممهم على القرآن وحده، وليمتاز القرآن بالكتابة عما سواه من السنن النبوية، فيؤمن اللبس فلما زال المحذور واللبس، ووضح أن القرآن لا يشتبه بكلام الناس أذن في كتابة العلم، والله أعلم.
وقد روى عبد الله أيضا عن أبي بكر، وعمر، ومعاذ، وسراقة بن مالك، وأبيه عمرو، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي الدرداء، وطائفة، وعن أهل الكتاب، وأدمن النظر في كتبهم، واعتنى بذلك.(أعلام/2176)
حدث عنه: ابنه محمد على نزاع في ذلك، ورواية محمد عنه في أبي داود والترمذي والنسائي، ومولاه أبو قابوس، وحفيده شعيب بن محمد، فأكثر عنه، وخدمه ولزمه، وتربى في حجره، لأن أباه محمدا مات في حياة والده عبد الله، وحدث عنه أيضا مولاه إسماعيل، ومولاه سالم، وأنس بن مالك، وأبو أمامة بن سهل، وجبير بن نفير، وسعيد بن المسيب، وعروة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وزر بن حبيش، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، وخيثمة بن عبد الرحمن الجعفي، وأبو العباس السائب بن فروخ الشاعر، والسائب الثقفي والد عطاء، وطاوس، والشعبي، وعكرمة وعطاء، والقاسم، ومجاهد، ويزيد بن الشخير، وأبو المليح بن أسامة، والحسن البصري، وأبو الجوزاء أوس الربعي، وعيسى بن طلحة، وابن أخيه إبراهيم بن محمد بن طلحة، وبشر بن شغاف.
وجنادة بن أبي أمية، وربيعة بن سيف، وريحان بن يزيد العامري، وسالم بن أبي الجعد، وأبو السفر سعيد بن يحمد، وسلمان الأغر، وشفعة السمعي، وشفي بن ماتع، وشهر بن حوشب، وطلق بن حبيب، وعبد الله بن باباه، وعبد الله بن بريدة، وعبد الله بن رباح الأنصاري، وعبد الله بن صفوان بن أمية، وابن أبي مليكة، وعبد الله بن فيروز الديلمي، وأبو عبد الرحمن الحبلي، وعبد الرحمن بن جبير، وعبد الرحمن بن حجيرة، وعبد الرحمن بن رافع قاضي إفريقية، وعبد الرحمن بن شماسة، وعبد الرحمن بن عبد رب الكعبة، وعبدة بن أبي لبابة ولم يدركه، وعطاء بن يسار، وعطاء العامري، وعقبة بن أوس، وعقبة بن مسلم، وعمارة بن عمرو بن حزم، وعمر بن الحكم بن رافع، وأبو عياض عمرو بن الأسود العنسي، وعمرو بن أوس الثقفي، وعمرو بن حريش الزبيدي، وعمرو بن دينار.(أعلام/2177)
وعمرو بن ميمون الأودي، وعمران بن عبد المعافري، وعيسى بن هلال الصدفي، والقاسم بن ربيعة الغطفاني، والقاسم بن مخيمرة، وقزعة بن يحيى، وكثير بن مرة، ومحمد بن هدية الصدفي، وأبو الخير اليزني، ومسافع بن شيبة الحجبي، ومسروق بن الأجدع، وأبو يحيى مصدع، وناعم مولى أم سلمة، ونافع بن عاصم بن عروة بن مسعود الطائفي، وأخوه يعقوب، وأبو العريان الهيثم النخعي، والوليد بن عبدة، ووهب بن جابر الخيواني، ووهب بن منبه ويحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية، ويوسف بن ماهك، وأبو أيوب المراغي، وأبو بردة بن أبي موسى، وأبو حازم الأعرج ولم يلقه، وأبو حرب بن أبي الأسود وأبو راشد الحبراني وأبو الزبير المكي وأبو زرعة بن عمرو بن حريز، وأبو سالم الجيشاني، وأبو فراس مولى والده عمرو، وأبو قبيل المعافري، وأبو كبشة السلولي، وأبو كثير الزبيدي، وأبو المليح بن أسامة، وخلق سواهم.
قال قتادة: كان رجلا سمينا.
وروى حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن العريان بن الهيثم، قال: وفدت مع أبي إلى يزيد، فجاء رجل طوال، أحمر عظيم البطن، فجلس، فقلت: من هذا؟ قيل: عبد الله بن عمرو.
أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا نافع بن عمر، وعبد الجبار بن ورد، عن ابن أبي مليكة، قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: نعم أهل البيت عبد الله، وأبو عبد الله، وأم عبد الله.
وروى ابن لهيعة ; عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر، مرفوعا نحوه.
ابن جريج: حدثنا ابن أبي مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو، قال: جمعت القرآن، فقرأته كله في ليلة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقرأه في شهر. قلت: يا رسول الله، دعني أستمتع من قوتي وشبابي. قال: اقرأه في عشرين. قلت: دعني أستمتع. قال: اقرأه في سبع ليال. قلت: دعني يا رسول الله أستمتع. قال: فأبى.(أعلام/2178)
رواه النسائي.
وصح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نازله إلى ثلاث ليال، ونهاه أن يقرأه في أقل من ثلاث وهذا كان في الذي نزل من القرآن، ثم بعد هذا القول نزل ما بقي من القرآن. فأقل مراتب النهي أن تكره تلاوة القرآن كله في أقل من ثلاث، فما فقه ولا تدبر من تلا في أقل من ذلك. ولو تلا ورتل في أسبوع، ولازم ذلك، لكان عملا فاضلا، فالدين يسر، فوالله إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الراتبة، والضحى، وتحية المسجد، مع الأذكار المأثورة الثابتة، والقول عند النوم واليقظة، ودبر المكتوبة والسحر، مع النظر في العلم النافع والاشتغال به مخلصا لله، مع الأمر بالمعروف، وإرشاد الجاهل وتفهيمه، وزجر الفاسق، ونحو ذلك، مع أداء الفرائض في جماعة بخشوع وطمأنينة وانكسار وإيمان، مع أداء الواجب، واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار، والصدقة وصلة الرحم، والتواضع، والإخلاص في جميع ذلك، لشغل عظيم جسيم، ولمقام أصحاب اليمين وأولياء الله المتقين، فإن سائر ذلك مطلوب. فمتى تشاغل العابد بختمة في كل يوم، فقد خالف الحنيفية السمحة، ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه ولا تدبر ما يتلوه.
هذا السيد العابد الصاحب كان يقول لما شاخ: ليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك قال له - عليه السلام - في الصوم، وما زال يناقصه حتى قال له: صم يوما وأفطر يوما، صوم أخي داود عليه السلام.
وثبت أنه قال: أفضل الصيام صيام داود ونهى - عليه السلام - عن صيام الدهر وأمر - عليه السلام - بنوم قسط من الليل، وقال: لكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني.(أعلام/2179)
وكل من لم يذم نفسه في تعبده وأوراده بالسنة النبوية، يندم ويترهب ويسوء مزاجه، ويفوته خير كثير من متابعة سنة نبيه الرءوف الرحيم بالمؤمنين، الحريص على نفعهم، وما زال - صلى الله عليه وسلم - معلما للأمة أفضل الأعمال، وآمرا بهجر التبتل والرهبانية التي لم يبعث بها، فنهى عن سرد الصوم، ونهى عن الوصال، وعن قيام أكثر الليل إلا في العشر الأخير، ونهى عن العزبة للمستطيع، ونهى عن ترك اللحم إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي. فالعابد بلا معرفة لكثير من ذلك معذور مأجور، والعابد العالم بالآثار المحمدية. المتجاوز لها مفضول مغرور، وأحب الأعمال إلى الله - تعالى - أدومها وإن قل. ألهمنا الله وإياكم حسن المتابعة، وجنبنا الهوى والمخالفة.
قال أحمد في مسنده: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن واهب بن عبد الله المعافري، عن عبد الله بن عمرو، قال: رأيت فيما يرى النائم كأن في أحد أصبعي سمنا، وفي الأخرى عسلا، فأنا ألعقهما، فلما أصبحت، ذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تقرأ الكتابين ; التوراة والفرقان. فكان يقرأهما.
ابن لهيعة ضعيف الحديث، وهذا خبر منكر، ولا يشرع لأحد بعد نزول القرآن أن يقرأ التوراة ولا أن يحفظها، لكونها مبدلة محرفة منسوخة العمل، قد اختلط فيها الحق بالباطل، فلتجتنب. فأما النظر فيها للاعتبار وللرد على اليهود، فلا بأس بذلك للرجل العالم قليلا، والإعراض أولى.
فأما ما روي من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لعبد الله أن يقوم بالقرآن ليلة وبالتوراة ليلة، فكذب موضوع قبح الله من افتراه. وقيل: بل عبد الله هنا هو ابن سلام. وقيل: إذنه في القيام بها أي يكرر على الماضي لا أن يقرأ بها في تهجده.
كامل بن طلحة: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن عمرو، عن شفي، عن عبد الله بن عمرو، قال: حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف مثل.(أعلام/2180)
يحيى بن أيوب، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو، قال: كنا عند رسول الله نكتب ما يقول.
هذا حديث حسن غريب رواه سعيد بن عفير عنه.
وهو دال على أن الصحابة كتبوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أقواله، وهذا علي - رضي الله عنه - كتب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث في صحيفة صغيرة، قرنها بسيفه وقال - عليه السلام -: اكتبوا لأبي شاة وكتبوا عنه كتاب الديات، وفرائض الصدقة وغير ذلك.
ابن إسحاق: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يا رسول الله! أكتب ما أسمع منك؟ قال: نعم. قلت: في الرضا والغضب؟ قال: نعم، فإني لا أقول إلا حقا.
يحيى بن سعيد القطان، وهو في المسند عنه، عن عبيد الله بن الأخنس، عن الوليد بن عبد الله، عن يوسف بن ماهك ; عن عبد الله بن عمرو نحوه.
وقد روي عن عقيل بن خالد وغيره عن عمرو بن شعيب نحوه. وثبت عن عمرو بن دينار، عن وهب بن منبه، عن أخيه همام، سمع أبا هريرة يقول: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب.
وهو في صحيفة معمر عن همام.
ويرويه ابن إسحاق ; عن عمرو بن شعيب، عن مجاهد وآخر، عن أبي هريرة، مثله.
أبو النضر هاشم بن القاسم، وسعدويه، قالا: حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن مجاهد، قال: دخلت على عبد الله بن عمرو، فتناولت صحيفة تحت رأسه، فتمنع علي. فقلت: تمنعني شيئا من كتبك؟ فقال: إن هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه أحد، فإذا سلم لي كتاب الله وهذه الصحيفة والوهط، لم أبال ما ضيعت الدنيا.
الوهط: بستان عظيم بالطائف، غرم مرة على عروشه ألف ألف درهم.(أعلام/2181)
قتيبة: حدثنا الليث، وآخر، عن عياش بن عباس، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، سمعت عبد الله بن عمرو يقول: لأن أكون عاشر عشرة مساكين يوم القيامة أحب إلي من أن أكون عاشر عشرة أغنياء، فإن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا، يقول: يتصدق يمينا وشمالا.
هشيم: عن مغيرة وحصين، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: زوجني أبي امرأة من قريش، فلما دخلت علي، جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة، فجاء أبي إلى كنته، فقال: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير رجل من رجل لم يفتش لها كنفا، ولم يقرب لها فراشا، قال: فأقبل علي، وعضني بلسانه، ثم قال: أنكحتك امرأة ذات حسب، فعضلتها وفعلت، ثم انطلق، فشكاني إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فطلبني، فأتيته، فقال لي: أتصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: نعم. قال: لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمس النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني.
قلت: ورث عبد الله من أبيه قناطير مقنطرة من الذهب المصري، فكان من ملوك الصحابة.
الأسود بن عامر: حدثنا شعبة ; عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، قال: كنت أصنع الكحل لعبد الله بن عمرو، وكان يطفئ السراج بالليل، ثم يبكي حتى رسعت عيناه.(أعلام/2182)
محمد بن عمرو: عن أبي سلمة: عن عبد الله بن عمرو، قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيتي هذا، فقال: يا عبد الله! ألم أخبر أنك تكلفت قيام الليل وصيام النهار؟ قلت: إني لأفعل. فقال: إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فالحسنة بعشر أمثالها، فكأنك قد صمت الدهر كله. قلت: يا رسول الله، إني أجد قوة، وإني أحب أن تزيدني. فقال: فخمسة أيام قلت: إني أجد قوة. قال: سبعة أيام، فجعل يستزيده، ويزيده حتى بلغ النصف. وأن يصوم نصف الدهر: (إن لأهلك عليك حقا، وإن لعبدك عليك حقا) وإن لضيفك عليك حقا فكان بعد ما كبر وأسن يقول: ألا كنت قبلت رخصة النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي من أهلي ومالي.
وهذا الحديث له طرق مشهورة.
وقد أسلم عبد الله، وهاجر بعد سنة سبع، وشهد بعض المغازي.
قال أبو عبيد: كان على ميمنة جيش معاوية يوم صفين.
وذكره خليفة بن خياط في تسمية عمال معاوية على الكوفة. قال: ثم عزله وولى المغيرة بن شعبة.
وفي " مسند أحمد ": حدثنا يزيد، أنبأنا العوام، حدثني أسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد العنبري، قال: بينما أنا عند معاوية، إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار - رضي الله عنه - فقال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: تقتله الفئة الباغية. فقال معاوية: يا عمرو! ألا تغني عنا مجنونك، فما بالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أطع أباك ما دام حيا. فأنا معكم، ولست أقاتل.(أعلام/2183)
وروى نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: قال عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -: ما لي ولصفين، ما لي ولقتال المسلمين، لوددت أني مت قبلها بعشرين سنة - أو قال بعشر سنين - أما والله على ذلك ما ضربت بسيف، ولا رميت بسهم. وذكر أنه كانت الراية بيده.
يزيد بن هارون: حدثنا عبد الملك بن قدامة، حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن أباه عمرا قال له يوم صفين: اخرج فقاتل. قال: يا أبه! كيف تأمرني أخرج فأقاتل، وقد سمعت من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلي ما سمعت؟! فقال: نشدتك بالله! أتعلم أن آخر ما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليك أن أخذ بيدك، فوضعها في يدي، فقال: أطع عمرو بن العاص ما دام حيا. قال: نعم. قال: فإني آمرك أن تقاتل.
عبد الملك ضعف.
عفان: حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن ابن بريدة، عن سليمان بن الربيع قال: انطلقت في رهط من نساك أهل البصرة إلى مكة، فقلنا: لو نظرنا رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدللنا على عبد الله بن عمرو، فأتينا منزله، فإذا قريب من ثلاثمائة راحلة. فقلنا: على كل هؤلاء حج عبد الله بن عمرو؟ قالوا: نعم. هو ومواليه وأحباؤه. قال: فانطلقنا إلى البيت، فإذا نحن برجل أبيض الرأس واللحية، بين بردين قطريين، عليه عمامة وليس عليه قميص.(أعلام/2184)
رواه حسين المعلم، عن ابن بريدة، فقال: عن سلمان بن ربيعة الغنوي أنه حج زمن معاوية في عصابة من القراء، فحدثنا أن عبد الله في أسفل مكة. فعمدنا إليه، فإذا نحن بثقل عظيم يرتحلون ثلاثمائة راحلة، منها مائة راحلة ومائتا زاملة وكنا نحدث أنه أشد الناس تواضعا. فقلنا: ما هذا؟ قالوا: لإخوانه يحملهم عليها ولمن ينزل عليه، فعجبنا، فقالوا: إنه رجل غني. ودلونا عليه أنه في المسجد الحرام، فأتيناه، فإذا هو رجل قصير أرمص بين بردين وعمامة، قد علق نعليه في شماله.
مسلم الزنجي: عن ابن خثيم، عن عبيد بن سعيد: أنه دخل مع عبد الله بن عمرو المسجد الحرام، والكعبة محترقة حين أدبر جيش حصين بن نمير، والكعبة تتناثر حجارتها. فوقف وبكى حتى إني لأنظر إلى دموعه تسيل على وجنتيه. فقال: أيها الناس! والله لو أن أبا هريرة أخبركم أنكم قاتلو ابن نبيكم، ومحرقو بيت ربكم، لقلتم: ما أحد أكذب من أبي هريرة. فقد فعلتم، فانتظروا نقمة الله فليلبسنكم شيعا، ويذيق بعضكم بأس بعض.
شعبة: عن يعلى بن عطاء، عن أمه ; أنها كانت تصنع الكحل لعبد الله بن عمرو. وكان يكثر من البكاء يغلق عليه بابه، ويبكي حتى رمصت عيناه.
قال أحمد بن حنبل: مات عبد الله ليالي الحرة سنة ثلاث وستين.
وقال يحيى بن بكير: توفي عبد الله بن عمرو بمصر، ودفن بداره الصغيرة سنة خمس وستين وكذا قال في تاريخ موته: خليفة، وأبو عبيد، والواقدي، والفلاس وغيرهم.
وقال خليفة: مات بالطائف، ويقال: بمكة.
وقال ابن البرقي أبو بكر: فأما ولده فيقولون: مات بالشام.(أعلام/2185)
عبد الله بن عمرو بن حرام
ابن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، الأنصاري السلمي، أبو جابر أحد النقباء ليلة العقبة شهد بدرا واستشهد يوم أحد.
شعبة: عن ابن المنكدر، عن جابر: لما قتل أبي يوم أحد، جعلت أكشف عن وجهه وأبكي، وجعل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهوني وهو لا ينهاني، وجعلت عمتي تبكيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه.
شريك: عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر قال: أصيب أبي وخالي يوم أحد، فجاءت أمي بهما قد عرضتهما على ناقة، فأقبلت بهما إلى المدينة، فنادى مناد: ادفنوا القتلى في مصارعهم، فردا حتى دفنا في مصارعهما. قال مالك: كفن هو وعمرو بن الجموح في كفن واحد.
وقال الأوزاعي: عن الزهري، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج لدفن شهداء أحد، قال: زملوهم بجراحهم، فأنا شهيد عليهم. وكفن أبي في نمرة.
قال ابن سعد: قالوا: وكان عبد الله أول من قتل يوم أحد، وكان أحمر أصلع ليس بالطويل، وكان عمرو بن الجموح طويلا، فدفنا معا عند السيل، فحفر السيل عنهما، وعليهما نمرة، وقد أصاب عبد الله جرح في وجهه فيده على جرحه، فأميطت يده، فانبعث الدم، فردت، فسكن الدم.
قال جابر: فرأيت أبي في حفرته، كأنه نائم، وما تغير من حاله شيء، وبين ذلك ست وأربعون سنة، فحولا إلى مكان آخر، وأخرجوا رطابا يتثنون.
أبو الزبير: عن جابر قال: صرخ بنا إلى قتلانا، حين أجرى معاوية العين، فأخرجناهم لينة أجسادهم، تتثنى أطرافهم.
ابن أبي نجيح: عن عطاء، عن جابر قال: دفن رجل مع أبي، فلم تطب نفسي، حتى أخرجته ودفنته وحده.(أعلام/2186)
سعيد بن يزيد أبو مسلمة: عن أبي نضرة، عن جابر، قال أبي: أرجو أن أكون في أول من يصاب غدا، فأوصيك ببناتي خيرا، فأصيب، فدفنته مع آخر، فلم تدعني نفسي حتى استخرجته ودفنته وحده بعد ستة أشهر، فإذا الأرض لم تأكل منه شيئا، إلا بعض شحمة أذنه.
الشعبي: حدثني جابر، أن أباه توفي، وعليه دين، قال: فأتيت رسول الله فقلت: إن أبي ترك عليه دينا، وليس عندنا إلا ما يخرج من نخله، فانطلق معي لئلا يفحش علي الغرماء. قال: فمشى حول بيدر من بيادر التمر، ودعا، ثم جلس عليه، فأوفاهم الذي لهم، وبقي مثل الذي أعطاهم.
وفي الصحيح أحاديث في ذلك.
وقال ابن المديني: حدثنا موسى بن إبراهيم، حدثنا طلحة بن خراش، سمع جابرا يقول: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي، سلني أعطك. قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل فيك ثانيا، فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب، فأبلغ من ورائي. فأنزل الله: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون [آل عمران: 169] .
وروي نحوه من حديث عائشة.
ابن إسحاق: حدثنا عاصم بن عمر، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا ذكر أصحاب أحد: والله لوددت أني غودرت مع أصحاب فحص الجبل.
يقول: قتلت معهم - صلى الله عليه وسلم.(أعلام/2187)
عبد الله بن عياش (م، س)
ابن عباس، الإمام العالم الصدوق أبو حفص القتباني المصري.
حدث عن: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وأبي عشانة المعافري ويزيد بن أبي حبيب، ووالده، وجماعة. وعنه: ابن وهب، وزيد بن الحباب، وأبو عبد الرحمن المقرئ، وآخرون. احتج به مسلم والنسائي، وقال أبو حاتم: صدوق ليس بالمتين. وقال أيضا: هو قريب من ابن لهيعة. وقال أبو داود، والنسائي: ضعيف. قلت: حديثه في عداد الحسن. توفي في سنة سبعين ومائة.
وقول أبي حاتم: هو قريب من ابن لهيعة، تصليح لحال ابن لهيعة، إذ يقارب في الوزن بشيخ خرج له مسلم، ولا ريب أنه أوثق من ابن لهيعة، وأن ابن لهيعة أعلم بكثير منه.(أعلام/2188)
عبد الله بن غديان
عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرزاق الغديان التميمي
من آل محدث من بني العنبر من بني عمرو بن تميم، وينتهي نسبه إلى عمود (طابخة) ابن إلياس بن مضر من أسرة العدنانيين، ومن جهة الأم يرجع نسبه إلى آل راشد من عتيبة، وترجع عتيبة إلى هوازن. 41
الميلاد: ولد عام 1345 هـ في مدينة الزلفي.
الدراسة:
تلقى مبادئ القراءة والكتابة في صغره على عبد الله بن عبد العزيز السحيمي، وعبد الله بن عبد الرحمن الغيث، وفالح الرومي، وتلقى مبادئ الفقه والتوحيد والنحو والفرائض على حمدان بن أحمد الباتل، ثم سافر إلى الرياض عام 1363 هـ فدخل المدرسة السعودية الابتدائية (مدرسة الأيتام سابقا) عام 1366 هـ تقريبا، وتخرج فيها عام 1368 هـ.
المناصب التي عمل بها:
عمل أستاذ مساعد بالكليات والمعاهد عين مدرسا في المدرسة العزيزية، وفي عام 1371 هـ دخل المعهد العلمي، وكان أثناء هذه المدة يتلقى العلم على سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، كما يتلقى علم الفقه على الشيخ سعود بن رشود (قاضي الرياض) ، والشيخ إبراهيم بن سليمان في علم التوحيد، والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم في علم النحو والفرائض، ثم واصل دراسته إلى أن تخرج في كلية الشريعة عام 1376 هـ، وعين رئيسا لمحكمة الخبر، ثم نقل للتدريس بالمعهد العلمي عام 1378 هـ، وفي عام 1380 هـ عين مدرسا في كلية الشريعة، وفي عام 1386 هـ نقل كعضو للإفتاء في دار الإفتاء، وفي عام 1391 هـ عين عضوا للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالإضافة إلى عضوية هيئة كبار العلماء.
الوظيفة: عضو اللجنة الدائمة وعضو هيئة كبار العلماء
المرتبة: الممتازة
تاريخ التعين: 18 / 8 / 1413 هـ
المؤهل: ليسانس شريعة
مشائخه:
تلقى العلم على مجموعة من طلبة العلم في 42 مختلف الفنون، ومن أبرزهم بالإضافة إلى من سبق:
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز تلقى عليه علم الفقه. ... 1-(أعلام/2189)
الشيخ عبد الله الخليفي في الفقه أيضا. ... 2-
الشيخ عبد العزيز بن رشيد في الفقه والتوحيد والفرائض. ... 3-
الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أصول الفقه وعلوم القرآن والتفسير. ... 4-
الشيخ عبد الرحمن الأفريقي علم المصطلح والحديث. ... 5-
الشيخ عبد الرزاق عفيفي. ... 6-
عبد الفتاح قاري البخاري أخذ عنه القرآن برواية حفص عن عاصم، يسنده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وغيرهم. ... 7-
آثاره:
إضافة إلى ما سبق كان أثناء عمله من عام 1389 هـ إلى اليوم وهو يقوم بتدريس الفقه وأصوله وقواعده، والحديث ومصطلحه، والتفسير وعلومه، والعقيدة، والفقه في حلقات منتظمة غالب أيام الأسبوع حسب الظروف بعد المغرب وبعد العشاء، وأحيانا بعد الفجر وبعد العصر، ومن عام 1395 هـ كان - بالإضافة إلى عمله في الإفتاء- يلقي دروسا على طلبة الدراسات العليا في جامعة الإمام وكلية الشريعة في الفقه والأصول 43 وقواعد الفقه وقاعة البحث ويشرف ويشترك في مناقشة بعض الرسائل، ومن خلال هذه الفترة تلقى عليه العلم عدد كثير من طلاب العلم، كما رشح عام 1381 هـ ضمن من ينتدبون إلى التوعية والإفتاء في موسم الحج إلى الوقت الحاضر، ولما توفي سماحة الشيخ عبد الله بن حميد عام 1402هـ، تولى الإفتاء في برنامج نور على الدرب.(أعلام/2190)
عبد الله بن قعود
عبد الله بن حسن بن محمد بن حسن بن عبد الله القعود
مولده:
ولد في ليلة 17 رمضان عام 1343 هـ ببلدة الحريق الواقعة بوادي نعام أحد أودية اليمامة التي قال فيها عمرو بن كلثوم:
تعرضت اليمامة واشمخرت ... كأسياف بأيدي مصلتينا
الدراسة:
نشأ بها بين أبوين كريمين ببيت ثراء، فوالده أثناء نشأته أحد أثرياء البلد، وتعلم مبادئ الكتابة والقراءة من 37 المصحف لدى محمد بن سعد آل سليمان، وذلك في آخر العقد الأول من عمره وأول الثاني، وقرأ القرآن بعد ذلك عن ظهر قلب وبعض مختصرات شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله على قاضي بلدته آنذاك الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم آل عبد اللطيف رحمه الله، بعد هذا قويت رغبته في تحصيل العلم فرحل في 27 صفر 1367 هـ مفارقا ذلك البيت الغني بأنواع الأموال إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في الخرج، ولازمه أربع سنوات ما عدا فترات الإجازات ونحوها، فكان يعود فيها إلى والديه اللذين يتعاهدانه أثناء تلك الفترة بما يحتاجه من مال- جزاهما الله عنه وعن العلم خيرا- وقد سمع على شيخه المذكور أشياء كثيرة من أمهات الكتب وغيرها من كتب الحديث والفقه وعلوم الأدلة، وحفظ أثناء وجوده لديه مختصرات كثيرة منها بلوغ المرام، وكان ميالا كثيرا للأخذ بالدليل- أي: لمسلك أهل الحديث- ولما فتح المعهد العلمي في الرياض في مطلع عام 1371 هـ الذي هو نواة جامعة الإمام التحق به وتخرج في كلية الشريعة في عام 1377 هـ، وكان من مشائخه في الدراسة النظامية المذكورة الشيخ عبد العزيز بن باز- ختم الله له بالصالحات-، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبد الرحمن الأفريقي- رحمهم الله. 38
العمل:(أعلام/2191)
في 4 / 5 / 1375 هـ عين مدرسا بالمعاهد، وفي 9 / 5 / 1379 هـ انتقل إلى وزارة المعارف وعمل بها مفتشا للمواد الدينية بالمرحلة الثانوية، وفي 8 / 11 / 1380 هـ انتقل إلى ديوان المظالم وعمل به عضوا قضائيا شرعيا، وفي 1 / 4 / 1397 هـ انتقل إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء وعمل بها عضوا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء المنبثقة من هيئة كبار العلماء، بجانب عضويته في هيئة كبار العلماء، وفي 1 / 1 / 1406 هـ خرج للتقاعد، وله الآن مشاركات في لقاءات ونشاطات ثقافية وفتاوى شخصية وتعاون مع جامعة الملك سعود رحمه الله بإلقاء محاضرات لطلاب الدراسات العليا بقسم الثقافة الإسلامية، وفي 20 / 8 / 1378 هـ عين إماما وخطيبا بجامع المشيقيق بالرياض، وفي 1 / 1 / 1391 هـ عين خطيبا لجامع الملك عبد العزيز (المربع) ولا يزال خطيبا فيه- أعانه الله وقواه، وله من المؤلفات مجموعة خطب صدرت في أربعة أجزاء في أزمان متفاوتة باسم [أحاديث الجمعة] ، وله تعليق على بعض مقررات الحديث والفقه في المرحلة الثانوية والمتوسطة بالمعارف آنذاك بالاشتراك مع بعض المفتشين، ولديه كلمات ومحاضرات ونصائح سبق أن كتبها، وسيخرجها إن شاء الله.(أعلام/2192)
عبد الله بن لهيعة (د، ت، ق)
ابن عقبة بن فرعان بن ربيعة بن ثوبان القاضي الإمام العلامة، محدث ديار مصر مع الليث، أبو عبد الرحمن الحضرمي الأعدولي ويقال: الغافقي، المصري، ويقال: يكنى أبا النضر، ولم يصح. ولد سنة خمس أو ست وتسعين. وطلب العلم في صباه، ولقي الكبار بمصر والحرمين. وسمع من عبد الرحمن بن هرمز الأعرج صاحب أبي هريرة، ومن موسى بن وردان، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن شعيب، وعمرو بن دينار، ويزيد بن أبي حبيب، وأبي وهب الجيشاني، ومشرح بن هاعان، وعبيد الله بن أبي جعفر، وعكرمة مولى ابن عباس - إن صح ذلك - وكعب بن علقمة، وقيس بن الحجاج، وأبي الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة ومحمد بن المنكدر، وأبي الزبير، ويزيد بن عمرو المعافري، وأبي يونس مولى أبي هريرة، وأبي عشانة المعافري، وأبي قبيل المعافري، وأحمد بن خازم المعافري، وبكر بن عمرو المعافري، وشرحبيل بن شريك المعافري، وعامر بن يحيى المعافري، وبكير بن الأشج، وجعفر بن ربيعة، ودراج أبي السمح، وعقيل بن خالد، وعمرو بن جابر الحضرمي، وخلق كثير.(أعلام/2193)
وعنه: حفيده أحمد بن عيسى بن عبد الله، وعمرو بن الحارث، والأوزاعي، وشعبة، والثوري - وماتوا قبله - والليث بن سعد، ومالك - ولم يصرح باسمه - وابن المبارك، والوليد بن مسلم، وابن وهب، وأشهب، وزيد بن الحباب، وأبو عبد الرحمن المقرئ، ومروان بن محمد، وبشر بن عمر الزهراني، والحسن بن موسى الأشيب، وأسد بن موسى، وإسحاق بن عيسى بن الطباع، وسعيد بن أبي مريم، وسعيد بن عفير، وعثمان بن صالح، والنضر بن عبد الجبار، ويحيى بن إسحاق، ويحيى بن بكير، وحسان بن عبد الله الواسطي، وأبو صالح الكاتب، والقعنبي، وعمرو بن خالد، وكامل بن طلحة، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن رمح، ومحمد بن الحارث صدرة، وخلق كثير، خاتمتهم ابن رمح. وكان من بحور العلم على لين في حديثه.
قال روح بن صلاح: لقي ابن لهيعة اثنين وسبعين تابعيا.
قلت: لقي جماعة من أصحاب أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وعقبة بن عامر.
قال أحمد بن حنبل: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه؟!
حدثني إسحاق بن عيسى أنه لقيه في سنة أربع وستين، وأن كتبه احترقت سنة تسع وستين ومائة.
وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة.
وقال أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلابا للعلم.
وقال زيد بن الحباب: قال سفيان الثوري: عند ابن لهيعة الأصول، وعندنا الفروع.
وقال عثمان بن صالح السهمي: احترقت دار ابن لهيعة وكتبه، وسلمت أصوله، كتبت كتاب عمارة بن غزية من أصله.
ولما مات ابن لهيعة قال الليث: ما خلف مثله.(أعلام/2194)
لا ريب أن ابن لهيعة كان عالم الديار المصرية هو والليث معا، كما كان الإمام مالك في ذلك العصر عالم المدينة، والأوزاعي عالم الشام، ومعمر عالم اليمن، وشعبة والثوري عالما العراق، وإبراهيم بن طهمان عالم خراسان، ولكن ابن لهيعة تهاون بالإتقان، وروى مناكير، فانحط عن رتبة الاحتجاج به عندهم.
وبعض الحفاظ يروي حديثه، ويذكره في الشواهد، والاعتبارات، والزهد والملاحم لا في الأصول.
وبعضهم يبالغ في وهنه، ولا ينبغي إهداره، وتتجنب تلك المناكير، فإنه عدل في نفسه.
وقد ولي قضاء الإقليم في دولة المنصور دون السنة، وصرف. أعرض أصحاب الصحاح عن رواياته، وأخرج له أبو داود، والترمذي، والقزويني. وما رواه عنه ابن وهب، والمقرئ، والقدماء، فهو أجود. وقع لي من عوالي حديثه.
وكان يحيى بن سعيد القطان لا يراه شيئا. قاله علي بن المديني، ثم قال علي: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، وقيل له: تحمل عن عبد الله بن يزيد القصير عن ابن لهيعة؟ فقال: لا أحمل عن ابن لهيعة قليلا ولا كثيرا، ثم قال عبد الرحمن: كتب إلي ابن لهيعة كتابا فيه: حدثنا عمرو بن شعيب، فقرأته على ابن المبارك، فأخرج إلي ابن المبارك من كتابه عن ابن لهيعة، قال: أخبرني إسحاق بن أبي فروة، عن عمرو بن شعيب.
وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن مهدي يقول: ما أعتد بشيء سمعت من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه.
وقال أحمد بن حنبل: كان ابن لهيعة كتب عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، وكان بعد يحدث بها عن عمرو نفسه. وكان الليث أكبر منه بسنتين.(أعلام/2195)
روى يعقوب الفسوي عن سعيد بن أبي مريم، قال: كان حيوة بن شريح أوصى إلى رجل، وصارت كتبه عنده، وكان لا يتقي الله، يذهب فيكتب من كتب حيوة الشيوخ الذين شاركه فيهم ابن لهيعة، ثم يحمل إليه، فيقرأ عليهم، وحضرت ابن لهيعة وقد جاءه قوم حجوا يسلمون عليه، فقال: هل كتبتم حديثا طريفا؟ فجعلوا يذاكرونه، حتى قال بعضهم: حدثنا القاسم العمري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا رأيتم الحريق فكبروا، فإن التكبير يطفئه فقال: هذا حديث طريف. قال: فكان يقول: حدثنا به صاحبنا فلان، فلما طال ذلك نسي الشيخ، فكان يقرأ عليه، ويرويه عن عمرو بن شعيب.
ميمون بن أصبغ: سمعت ابن أبي مريم يقول: حدثنا القاسم بن عبد الله بن عمر، عن عمرو بن شعيب بحديث الحريق. ثم قال سعيد: هذا سمعه ابن لهيعة من زياد بن يونس الحضرمي، عن القاسم، فكان ابن لهيعة يستحسنه. ثم إنه بعد قال: إنه يرويه عن عمرو بن شعيب.
وقال يحيى بن بكير: قيل لابن لهيعة: إن ابن وهب يزعم أنك لم تسمع هذه الأحاديث من عمرو بن شعيب، فضاق ابن لهيعة، وقال: وما يدري ابن وهب؟ سمعت هذه الأحاديث من عمرو قبل أن يلتقي أبواه.
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتبه أعتبر به، وهو يقوى بعضه ببعض.
أبو عبيد الآجري، عن أبي داود، قال لي ابن أبي مريم: لم تحترق كتب ابن لهيعة ولا كتاب، إنما أرادوا أن يعفو عليه أمير فأرسل إليه أمير بخمسمائة دينار.
وسمعت قتيبة يقول: كنا لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب ابن أخيه، أو كتب ابن وهب، إلا ما كان من حديث الأعرج.
جعفر الفريابي: سمعت بعض أصحابنا يذكر أنه سمع قتيبة يقول: قال لي أحمد بن حنبل: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح، فقلت: لأنا كنا نكتب من كتاب ابن وهب، ثم نسمعه من ابن لهيعة.(أعلام/2196)
قال أبو صالح الحراني: قال لي ابن لهيعة: ما تركت ليزيد بن أبي حبيب حرفا.
قال عثمان بن صالح السهمي، عن إبراهيم بن إسحاق قاضي مصر، قال: أنا حملت رسالة الليث إلى مالك، وأخذت جوابها، فكان مالك يسألني عن ابن لهيعة، فأخبره بحاله، فقال: ليس يذكر الحج؟ فسبق إلى قلبي أنه يريد السماع منه.
قال الثوري: حججت حججا لألقى ابن لهيعة.
وقال محمد بن معاوية: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: وددت أني سمعت من ابن لهيعة خمسمائة حديث، وأني غرمت مودى، كأنه يعني دية.
أبو الطاهر بن السرح: سمعت ابن وهب يقول: حدثني - والله - الصادق البار عبد الله بن لهيعة، قال أبو الطاهر: فما سمعته يحلف بهذا قط، وروى حنبل عن أبي عبد الله، قال: ابن لهيعة أجود قراءة لكتبه من ابن وهب. قال أبو داود عن أحمد: ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة. البخاري عن يحيى بن بكير: احترق منزل ابن لهيعة وكتبه في سنة سبعين.
قلت: الظاهر أنه لم يحترق إلا بعض أصوله.(أعلام/2197)
يعقوب الفسوي: سمعت أحمد بن صالح يقول: ابن لهيعة صحيح الكتاب، كان أخرج كتبه، فأملى على الناس حتى كتبوا حديثه إملاء، فمن ضبط كان حديثه حسنا صحيحا، إلا أنه كان يحضر من يضبط ويحسن، ويحضر قوم يكتبون ولا يضبطون ولا يصححون، وآخرون نظارة، وآخرون سمعوا مع آخرين، ثم لم يخرج ابن لهيعة بعد ذلك كتابا، ولم ير له كتاب. وكان من أراد السماع منه ذهب فاستنسخ ممن كتب عنه، وجاءه فقرأه عليه، فمن وقع على نسخة صحيحة فحديثه صحيح، ومن كتب من نسخة لم تضبط جاء فيه خلل كثير. ثم ذهب قوم، فكل من روى عنه عن عطاء بن أبي رباح فإنه سمع من عطاء، وروى عن رجل عنه وعن رجل عن آخر عنه، وعن ثلاثة عن عطاء. قال: فتركوا من بينه وبين عطاء وجعلوه عن عطاء. قال يعقوب: كتبت عن ابن رمح كتابا، عن ابن لهيعة، وكان فيه نحو مما وصف أحمد بن صالح، فقال: هذا وقع على رجل ضبط إملاء ابن لهيعة. فقلت له في حديث ابن لهيعة؟ فقال: لم تعرف مذهبي في الرجال، إني أذهب إلى أنه لا يترك حديث محدث حتى يجتمع أهل مصره على ترك حديثه. وسمعت أحمد بن صالح يقول: كتبت حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود في الرق، وكنت أكتب عن أصحابنا في القراطيس، وأستخير الله فيه. فكتبت حديث النضر بن عبد الجبار في الرق، قال: فذكرت له سماع القديم وسماع الحديث، فقال: كان ابن لهيعة طلابا للعلم، صحيح الكتاب.
قال: وظننت أن أبا الأسود كتب من كتاب صحيح، فحديثه صحيح يشبه حديث أهل العلم.
إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين يقول: ابن لهيعة أمثل من رشدين بن سعد، وقد كتبت حديث ابن لهيعة. قال أهل مصر: ما احترق له كتاب قط، وما زال ابن وهب يكتب عنه حتى مات.(أعلام/2198)
وكان النضر بن عبد الجبار راوية عنه، وكان شيخ صدق، وكان ابن أبي مريم سيئ الرأي في ابن لهيعة، فلما كتبوها عنه، وسألوه عنها، سكت عن ابن لهيعة. قلت ليحيى: فسماع القدماء والآخرين منه سواء؟ قال: نعم، سواء واحد.
قال الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن في " التاريخ ": قدم ابن لهيعة الشام غازيا مع صالح بن علي سنة ثمان وثلاثين ومائة، واجتاز بساحل دمشق أو بها، حكاه القطربلي عن الواقدي. وقال ابن بكير: ولد سنة ست وتسعين. وتفرد نوح بن حبيب بأن كنيته: أبو النضر.
وقال ابن سعد ابن لهيعة حضرمي من أنفسهم، كان ضعيفا، وعنده حديث كثير، ومن سمع منه في أول أمره أحسن حالا. وأما أهل مصر فيذكرون أنه لم يختلط، لكنه كان يقرأ عليه ما ليس من حديثه، فيسكت عليه. فقيل له في ذلك، فقال: وما ذنبي؟ إنما يجيئون بكتاب يقرءونه ويقومون، ولو سألوني لأخبرتهم أنه ليس من حديثي. . . إلى أن قال: ومات بمصر في نصف ربيع الأول سنة أربع وسبعين ومائة. قال مسلم بن الحجاج: ابن لهيعة تركه وكيع ويحيى وابن مهدي.
وقال ابن يونس: مولده سنة سبع وتسعين. ورأيته في ديوان حضرموت بمصر، فيمن دعي به سنة ست وعشرين ومائة في أربعين من العطاء.
قال ابن وهب: حديث: لو أن القرآن في إهاب، ما مسته النار ما رفعه لنا ابن لهيعة في أول عمره قط. وقال أبو حفص الفلاس: من كتب عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه، فهو أصح، كابن المبارك، والمقرئ. وهو ضعيف الحديث. وقال إسحاق بن عيسى: ما احترقت أصوله، إنما احترق بعض ما كان يقرأ منه. يريد ما نسخ منها.(أعلام/2199)
ابن عدي حدثنا موسى بن العباس، حدثنا أبو حاتم، سمعت سعيد بن أبي مريم يقول: رأيت ابن لهيعة يعرض ناس عليه أحاديث من أحاديث العراقيين: منصور، وأبي إسحاق، والأعمش، وغيرهم، فأجازه لهم. فقلت: يا أبا عبد الرحمن، ليست هذه من حديثك. قال: هي أحاديث مرت على مسامعي. ورواها ابن أبي حاتم عن أبيه. وروى الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل، قال: من كتب عن ابن لهيعة قديما فسماعه صحيح.
قلت: لأنه لم يكن بعد تساهل، وكان أمره مضبوطا، فأفسد نفسه. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال عبد الرحمن بن خراش: لا يكتب حديثه.
وقال أبو زرعة: لا يحتج به، قيل: فسماع القدماء؟ قال: أوله وآخره سواء، إلا أن ابن وهب وابن المبارك كانا يتتبعان أصوله يكتبان منها. عباس، عن يحيى بن معين قال: ابن لهيعة لا يحتج به. قال ابن عدي أحاديثه أحاديث حسان مع ما قد ضعفوه، فيكتب حديثه، وقد حدث عنه مالك، وشعبة، والليث.
قال أحمد بن سعيد الدارمي: سمعت قتيبة يقول: حضرت موت ابن لهيعة، فسمعت الليث يقول: ما خلف بعده مثله.
محمد بن قدامة، حدثنا زيد بن الحباب، عن شعبة، عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن القاسم، وسالم، في الأمة تصلي يدركها العتق؟ قالا: تقنع، وتمضي في صلاتها. وفي " الموطأ ": بلغني عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع العربان. قالوا: هذا ما رواه عن عمرو سوى ابن لهيعة.
عبد الملك بن شعيب بن الليث، حدثنا أبي، حدثني الليث، حدثني ابن لهيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من أصبح صائما فنسي فأكل وشرب، فالله أطعمه وسقاه.(أعلام/2200)
قال أبو حاتم بن حبان البستي: كان من أصحابنا يقولون: سماع من سمع من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه مثل العبادلة: ابن المبارك، وابن وهب، والمقرئ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، فسماعهم صحيح. ومن سمع بعد احتراق كتبه فسماعه ليس بشيء. وكان ابن لهيعة من الكتابين للحديث، والجماعين للعلم، والرحالين فيه. ولقد حدثني شكر، حدثنا يوسف بن مسلم، عن بشر بن المنذر، قال: كان ابن لهيعة يكنى أبا خريطة. كانت له خريطة معلقة في عنقه، فكان يدور بمصر، فكلما قدم قوم كان يدور عليهم، فكان إذا رأى شيخا سأله: من لقيت؟ وعمن كتبت؟ فإن وجد عنده شيئا كتب عنه، فلذلك كان يكنى أبا خريطة.
قال ابن حبان: قد سبرت أخبار ابن لهيعة من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه، فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه موجودا، وما لا أصل له في رواية المتقدمين كثيرا، فرجعت إلى الاعتبار فرأيته كان يدلس عن أقوام ضعفى، على أقوام رآهم هو ثقات، فألزق تلك الموضوعات به.
وقال يحيى القطان: قال لي بشر بن السري: لو رأيت ابن لهيعة لم تحمل عنه حرفا.
وقال نعيم بن حماد: سمعت يحيى بن حسان يقول: جاء قوم ومعهم جزء، فقالوا: سمعناه من ابن لهيعة، فنظرت فيه، فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث ابن لهيعة، فقمت إليه، فقلت: أي شيء هذا؟! قال: فما أصنع بهم، يجيئون بكتاب، فيقولون: هذا من حديثك، فأحدثهم به.(أعلام/2201)
ابن حبان: حدثنا أبو يعلى، حدثنا كامل بن طلحة، حدثنا ابن لهيعة، حدثني حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في مرضه: ادعوا لي أخي، فدعي له أبو بكر، فأعرض عنه، ثم قال: ادعوا لي أخي، فدعي له عمر، فأعرض عنه، ثم قال: ادعوا لي أخي، فدعي له عثمان، فأعرض عنه، ثم دعي له علي، فستره بثوبه، وأكب عليه. فلما خرج من عنده قيل له: ما قال؟ قال: علمني ألف باب، كل باب يفتح ألف باب. هذا حديث منكر، كأنه موضوع.
قال عثمان بن صالح: لا أعلم أحدا أخبر بسبب علة ابن لهيعة مني. أقبلت أنا وعثمان بن عتيق بعد انصرافنا من الصلاة يوم الجمعة، فوافينا ابن لهيعة أمامنا راكبا على حمار يريد إلى منزله، فأفلج، وسقط عن حماره، فبدرني ابن عتيق إليه، فأجلسه، وصرنا به إلى منزله.
قال عمرو بن خالد الحراني: سمعت زهيرا يقول لمسكين بن بكير الحذاء: يا أبا عبد الرحمن ما كتب إليك ابن لهيعة؟ قال: كتب إلى غيري: أن عقيلا أخبره عن ابن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بصوم آخر اثنين من شعبان.
وقال العقيلي: حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا خالد بن خداش قال: قال لي ابن وهب، ورآني لا أكتب حديث ابن لهيعة: إني لست كغيري في ابن لهيعة فاكتبها.
وقال سعيد بن أبي مريم: لم يسمع ابن لهيعة من يحيى بن سعيد شيئا، لكن كتب إليه يحيى هذا الحديث - يعني حديث السائب بن يزيد ابن أخت نمر - قال: صحبت سعدا كذا وكذا سنة، فلم أسمعه يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا حديثا واحدا، وكنت في عقبه على أثره: لا يفرق بين مجتمع، ويجمع بين متفرق في الصدقة. فظن ابن لهيعة أنه من حديث سعد، وإنما كان هذا كلاما مبتدأ من مسائل كتب بها إليه.(أعلام/2202)
عفان، حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن السائب بن يزيد أنه صحب سعدا من المدينة إلى مكة فلم يسمعه يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى رجع. ونقلوا أن عبد الله بن لهيعة ولاه أبو جعفر القضاء بمصر، في سنة خمس وخمسين ومائة، تسعة أشهر، وأجرى عليه في كل شهر ثلاثين دينارا. فأما قول أبي أحمد بن عدي في الحديث الماضي: " علمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب " فلعل البلاء فيه من ابن لهيعة، فإنه مفرط في التشيع، فما سمعنا بهذا عن ابن لهيعة، بل ولا علمت أنه غير مفرط في التشيع، ولا الرجل متهم بالوضع، بل لعله أدخل على كامل، فإنه شيخ محله الصدق، لعل بعض الرافضة أدخله في كتابه، ولم يتفطن هو، فالله أعلم.
قال قتيبة بن سعيد: لما احترقت كتب ابن لهيعة بعث إليه الليث بن سعد من الغد بألف دينار.
وقال أبو سعيد بن يونس: ذكر أبو عبد الرحمن النسائي يوما ابن لهيعة، فقال: ما أخرجت من حديثه شيئا قط إلا حديثا واحدا: حديث عمرو بن الحارث، عن مشرح، عن عقبة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: في الحج سجدتان. أخبرناه هلال بن العلاء عن معافى بن سليمان، عن موسى بن أعين، عن عمرو بن الحارث.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد البندار، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن كثير بن مروان الفهري، حدثني عبد الله بن لهيعة، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من عطس أو تجشأ، فقال: الحمد لله على كل حال من الحال، دفع عنه بها سبعون داء، أهونها الجذام وهذا خبر منكر لا يحتمله ابن لهيعة، ولا أتى به سوى الفهري، وهو شيخ واه جدا.(أعلام/2203)
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا محمد بن عمر القاضي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، وأبو غالب محمد بن علي، قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أكثر منافقي أمتي قراؤها. هذا حديث محفوظ، قد تابع فيه الوليد بن المغيرة ابن لهيعة، عن مشرح.
وقد رواه عبد الله بن المبارك، عن عبد الرحمن بن شريح المعافري، عن شراحيل بن يزيد، عن محمد بن هدية الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وبالإسناد إلى الفريابي: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ويل للعرب من شر قد اقترب، فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا، ويمسي كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، المتمسك منهم يومئذ على دينه كالقابض على خبط الشوك، أو جمر الغضا.
وبه قال: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران، قال: سمعت أبا أيوب الأنصاري يقول: " ليأتين على الرجل أحايين وما في جلده موضع إبرة من النفاق، وإنه ليأتي عليه أحايين وما فيه موضع إبرة من إيمان ".
رواه بنحوه ابن وهب عن حيوة بن شريح عن يزيد.(أعلام/2204)
قرأت على أبي الفضل بن تاج الأمناء، عن عبد المعز بن محمد البزاز، أن محمد بن إسماعيل الهروي أخبره، قال: أخبرنا محلم بن إسماعيل الضبي، أخبرنا أبو سعيد الخليل بن أحمد القاضي، حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد الثقفي، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله يقول: من أظلم ممن صور صورتي أو شبه بها فليخلقوا حبة أو ذرة هذا حديث غريب جدا وفيه رجل مجهول أيضا.
وبه قال قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها عليكم قبورا، كما اتخذت اليهود والنصارى في بيوتهم قبورا، وإن البيت ليتلى فيه القرآن فيتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض هذا حديث نظيف الإسناد، حسن المتن، فيه النهي عن الدفن في البيوت وله شاهد من طريق آخر، وقد نهى عليه السلام أن يبنى على القبور، ولو اندفن الناس في بيوتهم، لصارت المقبرة والبيوت شيئا واحدا، والصلاة في المقبرة، فمنهي عنها نهي كراهية، أو نهي تحريم، وقد قال عليه السلام: أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة. فناسب ذلك ألا تتخذ المساكن قبورا.
وأما دفنه في بيت عائشة صلوات الله عليه وسلامه فمختص به، كما خص ببسط قطيفة تحته في لحده، وكما خص بأن صلوا عليه فرادى بلا إمام، فكان هو إمامهم حيا وميتا في الدنيا والآخرة، وكما خص بتأخير دفنه يومين، ويكره تأخير أمته، لأنه هو أمن عليه التغير بخلافنا، ثم إنهم أخروه حتى صلوا كلهم عليه داخل بيته، فطال لذلك الأمر، ولأنهم ترددوا شطر اليوم الأول في موته حتى قدم أبو بكر الصديق من السنح، فهذا كان سبب التأخير.(أعلام/2205)
قال أبو إسحاق الجوزجاني: ابن لهيعة لا نور على حديثه، ولا ينبغي أن يحتج به، ولا أن يعتد به.
البخاري، حدثني أحمد بن عبد الله، أخبرنا صدقة بن عبد الرحمن، حدثنا ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لو تمت البقرة ثلاثمائة آية لتكلمت
وعن أبي الوليد بن أبي الجارود، عن يحيى بن معين قال: يكتب عن ابن لهيعة ما كان قبل احتراق كتبه.
قلت: عاش ثمانيا وسبعين سنة، ومر أنه توفي سنة أربع وسبعين ومائة.
وكان من أوعية العلم، ومن رؤساء أهل مصر، ومحتشميهم، أطلق المنصور بن عمار الواعظ أراضي له.
الرمادي في " تاريخه ": حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن حديج بن أبي عمرو، سمعت المستورد بن شداد يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لكل أمة أجل، وإن لأمتي مائة سنة، فإذا مر عليها مائة سنة، أتاها ما وعدها الله.
ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن عمرو المعافري، عن ابن حجيرة، قال: استظل سبعون نفسا من قوم موسى تحت قحف رجل من العمالقة.
هذا من الإسرائيليات، والقدرة صالحة، ولو استظل بذلك القحف أربعة لكان عظيما.(أعلام/2206)
أ. د عبد الله بن محمد المطلق
الاسم/ أ. د عبد الله بن محمد المطلق
مكان الميلاد / الأفلاج تاريخه: 1374هـ
تخرج من جامعة الإمام محمد بن سعود من مرحلة الدكتوراة عام 1404هـ من قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء عمل باحثاً بوزارة العدل ثم محاضراً في المعهد العالي للدعوى الإسلامية بالرياض ثم وكيلاً للمعهد العالي للقضاء ثم رئيساً لقسم الدعوى والاحتساب بكلية الدعوى والإعلام ثم رئيساً للفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء ثم عضوا في اللجنة الدائمة للإفتاء وعضوا بهيئة كبار العلماء ولا يزال على رأس العمل.
من مؤلفاته
1-التحقيق في جرائم الأعراض
2-شهادة الكرأة في القضاء
3-بيع المزاد
4-عقد التوريد
5-حسن الخاتمة
6-فقه السنة الميسر(أعلام/2207)
عبد الله بن محمد بن أسماء (خ، م، د، س)
ابن عبيد بن مخارق - أو ابن مخراق - الإمام الحافظ القدوة الرباني، أبو عبد الرحمن الضبعي البصري.
ولد سنة بضع وأربعين ومائة.
وسمع من: عمه جويرية ابن أسماء، ومهدي بن ميمون، وجعفر بن سليمان الضبعي، وعبد الله بن المبارك، وليس هو بالمكثر.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو بكر بن أبي عاصم، وأبو عبد الله البوشنجي، وموسى بن هارون، ويوسف القاضي، وأبو خليفة الجمحي، وأبو يعلى الموصلي، وآخرون. وروى النسائي عن رجل عنه.
وثقه أبو حاتم وغيره.
قال ابن وارة: حدثني عبد الله بن محمد ابن أسماء، وقيل: هو أفضل أهل البصرة، فذكرته لعلي بن المديني، فعظم شأنه.
وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي: لم أر بالبصرة أفضل منه.
قلت: في " مسند أبي يعلى " عنه عدة أحاديث.
توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين وله نسخة مشهورة سمعناها.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، وتميم بن أبي سعيد قالا: أخبرنا أبو سعد الأديب، أخبرنا أبو عمرو بن أبي جعفر، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، حدثنا جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من حمل علينا السلاح فليس منا ".(أعلام/2208)
عبد الله بن محيريز (ع)
ابن جنادة بن وهب، الإمام، الفقيه، القدوة الرباني، أبو محيريز القرشي، الجمحي، المكي.
حدث عن عبادة بن الصامت، وأبي محذورة المؤذن زوج أمه، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبي سعيد الخدري، والصنابحي وطائفة.
واسم زوج أمه سمرة، ولا أعلم أحدا ذكر محيريزا في الصحابة، والظاهر أنه من الطلقاء.
حدث عن ابن محيريز خالد بن معدان، ومكحول، وحسان بن عطية، والزهري، وأبو زرعة يحيى السيباني، وإسماعيل بن عبيد الله، وإبراهيم بن أبي عبلة، وآخرون.
وكان من العلماء العاملين، ومن سادة التابعين.
قال الأوزاعي: كان ابن أبي زكريا يقدم فلسطين، فيلقى ابن محيريز، فتتقاصر إليه نفسه لما يرى من فضل ابن محيريز.
قال عمرو بن عبد الرحمن بن محيريز: كان جدي يختم في كل جمعة، وربما فرشنا له فلم ينم عليه. .
وقال رجاء بن حيوة: إن يفخر علينا أهل المدينة بعابدهم ابن عمر، فإنا نفخر عليهم بعابدنا ابن محيريز.
قال: وكان ابن محيريز صموتا، معتزلا في بيته.
وقيل: كان ابن محيريز من أحرص شيء أن يكتم من نفسه أحسن ما عنده
وقيل: إنه رأى على خالد بن يزيد بن معاوية جبة خز، فقال: أتلبس الخز؟ قال: إنما ألبس لهؤلاء وأشار إلى الخليفة، فغضب، وقال: ما ينبغي أن يعدل خوفك من الله بأحد من خلقه.
وعن الأوزاعي، قال: من كان مقتديا، فليقتد بمثل ابن محيريز، إن الله لم يكن ليضل أمة فيها ابن محيريز.
قال يحيى السيباني: قال لنا ابن محيريز: إني أحدثكم، فلا تقولوا: حدثنا ابن محيريز، إني أخشى أن يصرعني ذلك القول مصرعا يسوءني.
وقال عبد الواحد بن موسى: سمعت ابن محيريز يقول: اللهم إني أسألك ذكرا خاملا.
وعن رجاء بن حيوة، قال: بقاء ابن محيريز أمان للناس.
مات في دولة الوليد.(أعلام/2209)
عبد الله بن مسعود
(ع)
عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
الإمام الحبر، فقيه الأمة، أبو عبد الرحمن الهذلي المكي المهاجري البدري، حليف بني زهرة.
كان من السابقين الأولين، ومن النجباء العالمين، شهد بدرا، وهاجر الهجرتين، وكان يوم اليرموك على النفل، ومناقبه غزيرة، روى علما كثيرا.
حدث عنه أبو موسى، وأبو هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وعمران بن حصين، وجابر، وأنس، وأبو أمامة، في طائفة من الصحابة، وعلقمة، والأسود، ومسروق، وعبيدة، وأبو وائلة، وقيس بن أبي حازم، وزر بن حبيش، والربيع، بن خثيم، وطارق بن شهاب، وزيد بن وهب، وولداه أبو عبيدة وعبد الرحمن، وأبو الأحوص عوف بن مالك، وأبو عمرو الشيباني، وخلق كثير.
وروى عنه القراءة أبو عبد الرحمن السلمي، وعبيد بن نضيلة، وطائفة.
اتفقا له في الصحيحين على أربعة وستين، وانفرد له البخاري بإخراج أحد وعشرين حديثا، ومسلم بإخراج خمسة وثلاثين حديثا، وله عند بقي بالمكرر ثماني مائة وأربعون حديثا.
قال قيس بن أبي حازم: رأيته آدم خفيف اللحم، وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: كان عبد الله رجلا نحيفا، قصيرا، شديد الأدمة، وكان لا يغير شيبه.
وروى الأعمش، عن إبراهيم قال: كان عبد الله لطيفا، فطنا.
قلت: كان معدودا في أذكياء العلماء.
وعن ابن المسيب قال: رأيت ابن مسعود عظيم البطن، أحمش الساقين.
قلت: رآه سعيد لما قدم المدينة عام توفي سنة اثنتين وثلاثين وكان يعرف أيضا بأمه، فيقال له: ابن أم عبد.
قال محمد بن سعد: أمه هي أم عبد بنت عبد ود بن سوي من بني زهرة.
وروي عن علقمة: عن عبد الله، قال: كناني النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا عبد الرحمن قبل أن يولد لي.(أعلام/2210)
وروى المسعودي: عن سليمان بن مينا، عن نويفع مولى ابن مسعود، قال: كان عبد الله من أجود الناس ثوبا أبيض، وأطيب الناس ريحا.
يعقوب بن شيبة: حدثني بشر بن مهران، حدثنا شريك، عن عثمان بن المغيرة، عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله: إن أول شيء علمته من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قدمت مكة مع عمومة لي أو أناس من قومي، نبتاع منها متاعا، وكان في بغيتنا شراء عطر، فأرشدونا على العباس، فانتهينا إليه، وهو جالس إلى زمزم، فجلسنا إليه، فبينا نحن عنده، إذ أقبل رجل من باب الصفا، أبيض، تعلوه حمرة، له وفرة جعدة، إلى أنصاف أذنيه، أشم، أقنى، أذلف، أدعج العينين، براق الثنايا، دقيق المسربة، شثن الكفين والقدمين، كث اللحية، عليه ثوبان أبيضان، كأنه القمر ليلة البدر، يمشي على يمينه غلام حسن الوجه، مراهق أو محتلم، تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها، حتى قصد نحو الحجر، فاستلم، ثم استلم الغلام، واستلمت المرأة، ثم طاف بالبيت سبعا، وهما يطوفان معه، ثم استقبل الركن، فرفع يده وكبر، وقام ثم ركع، ثم سجد ثم قام. فرأينا شيئا أنكرناه، لم نكن نعرفه بمكة.
فأقبلنا على العباس، فقلنا: يا أبا الفضل، إن هذا الدين حدث فيكم، أو أمر لم نكن نعرفه؟ قال: أجل والله ما تعرفون هذا، هذا ابن أخي محمد بن عبد الله، والغلام علي بن أبي طالب، والمرأة خديجة بنت خويلد امرأته، أما والله ما على وجه الأرض أحد نعلمه يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة.
قال ابن شيبة لا نعلم روى هذا إلا بشر الخصاف وهو رجل صالح.
محمد بن أبي عبيدة بن معن المسعودي: عن أبيه، عن الأعمش، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: قال عبد الله: لقد رأيتني سادس ستة وما على ظهر الأرض مسلم غيرنا.(أعلام/2211)
وقال ابن إسحاق: أسلم ابن مسعود بعد اثنين وعشرين نفسا، وعن يزيد بن رومان قال: أسلم عبد الله قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم.
أخبرنا أحمد بن سلامة وأحمد بن عبد السلام، إجازة، عن عبد المنعم بن كليب، أنبأنا علي بن بيان، أنبأنا محمد بن محمد، أنبأنا إسماعيل بن محمد (ح) وقرأت على أحمد بن إسحاق، وعبد الحافظ بن بدران، أخبركما أبو البركات الحسن بن محمد، أنبأنا محمد بن الخليل بن فارس، في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة، وأنا في الخامسة (ح) وأنبأنا علي بن محمد، وعمر بن عبد المنعم، وعبد المنعم بن عساكر، وأبو علي بن الجلال، وابن مؤمن، قالوا: أنبأنا محمد بن هبة الله القاضي، أنبأنا حمزة بن علي الثعلبي (ح) وأنبأنا أبو جعفر محمد بن علي، وأحمد بن عبد الرحمن قالا:
أنبأنا أبو القاسم بن صصرى، أنبأنا أبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي، وأبو يعلى بن الحبوبي (ح) وأنبأنا إبراهيم بن أحمد الطائي، ومحمد بن الحسن الأرموي، والحسن بن علي الدمشقي، وإسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي، وأحمد بن مؤمن، وست الفخر بنت عبد الرحمن، قالوا: أخبرتنا كريمة بنت عبد الوهاب القرشية، أنبأنا أبو يعلى حمزة بن الحبوبي، قالوا: أنبأنا علي بن محمد بن علي الفقيه، أنبأنا عبد الرحمن بن عثمان التميمي، أنبأنا إبراهيم بن أبي ثابت قالا:(أعلام/2212)
أنبأنا الحسن بن عرفة العبدي (ح) وأنبأنا عبد الرحمن بن محمد، والمسلم بن محمد، وعلي بن أحمد، قالوا: أنبأنا حنبل، أنبأنا ابن الحصين، أنبأنا ابن المذهب، أنبأنا أبو بكر القطيعي، أنبأنا عبد الله بن أحمد الشيباني، حدثني أبي قالا: أنبأنا أبو بكر بن عياش، حدثني عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، فقال: يا غلام، هل من لبن؟ قلت: نعم، ولكني مؤتمن، قال: فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟ فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلب في إناء، فشرب، وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: اقلص، فقلص. زاد أحمد قال: ثم أتيته بعد هذا، ثم اتفقا - فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا القول، فمسح رأسي، وقال: يرحمك الله إنك غليم معلم.
هذا حديث صحيح الإسناد ورواه أبو عوانة عن عاصم ابن بهدلة، وفيه زيادة منها: فلقد أخذت من فيه - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة ما نازعني فيها بشر، ورواه إبراهيم بن الحجاج السامي عن سلام أبي المنذر، عن عاصم، وفيه: قال: فأتيته بصخرة منقعرة، فحلب فيها، قال: فأسلمت وأتيته.(أعلام/2213)
عبد الله بن مغفل (ع)
ابن عبد نهم بن عفيف المزني. صحابي جليل من أهل بيعة الرضوان تأخر.
وكان يقول: إني لممن رفع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من أغصان الشجرة يومئذ.
سكن المدينة، ثم البصرة، وله عدة أحاديث.
حدث عنه الحسن البصري، ومطرف بن الشخير، وابن بريدة، وسعيد بن جبير، ومعاوية بن قرة، وحميد بن هلال، وثابت البناني ; وغيرهم.
وقال أبو داود: لم يسمع منه سعيد بن جبير.
قال الحسن البصري: كان عبد الله بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر بن الخطاب يفقهون الناس.
قلت: توفي سنة ستين.
وكان أبوه من الصحابة، فتوفي عام الفتح في الطريق.
وقيل: كان عبد الله من البكائين.
قال عوف الأعرابي، عن خزاعي بن زياد المزني، قال: أري عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه- أن الساعة قد قامت، وأن الناس حشروا، وثم مكان من جازه فقد نجا، وعليه عارض، فقال لي قائل: أتريد أن تنجو وعندك ما عندك؟ فاستيقظت فزعا.
قال: فأيقظ أهله، وعنده عيبة مملوءة دنانير، ففرقها كلها.
كنيته: أبو سعيد. وقيل: أبو زياد.(أعلام/2214)
عبد الله بن منيع
عبد الله بن سليمان بن محمد بن منيع
من قبيلة بني زيد التي ينتهي نسبها إلى قضاعة من قحطان، وأهم مساكنها شقراء.
الميلاد:
ولد في شقراء عاصمة منطقة الوشم وذلك في 15 / 7 /1349 هـ.
الدراسة:
الشهادة الابتدائية من مدرسة شقراء عام 1365 هـ.
الشهادة الجامعية من جامعة الإمام محمد بن سعود عام 1377 هـ.
ماجستير من المعهد العالي للقضاء والتابع لجامعة الإمام محمد بن سعود عام 1389 هـ.
الأعمال:
عمل مدرسا في مدرسة شقراء الابتدائية مدة ثلاث سنوات ابتداء من عام 1369 هـ، مدرسا في المعهد العلمي في المجمعة وشقراء عام 1375 هـ و 1376 هـ، ثم أمينا لدار 44 الكتب السعودية عام 1377 هـ، ثم عضوا في الإفتاء من آخر عام 1377 هـ حتى عام 1396 هـ، وفي الأعوام 1390، 1391، 1392، 1394 هـ، انتدب للعمل القضائي في الهيئة العلمية وفي الهيئة القضائية العليا اللتين حل محلهما المجلس الأعلى للقضاء، وفي عامي 1396 و 1397 هـ عمل نائبا عاما لسماحة الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وفي آخر عام 1397 هـ تعين قاضي تمييز في المنطقة الغربية في مكة المكرمة ولا يزال هذا عمله الرسمي حتى إعداد هذه الترجمة.
الأعمال الإضافية:
عضو هيئة كبار العلماء، وعضو في المجلس الأعلى للأوقاف، وعضو في المجلس الأعلى لرعاية الأربطة، وعضو في المجلس الأعلى لدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، وعضو في المراقبة والفتوى في مجموعة من المصارف الإسلامية.
آثاره العلمية:
له مجموعة من الكتب بعضها تم طبعه وهي:
الورق النقدي: حقيقته وتاريخه وحكمه (طبع مرتين) . ... 1-
حوار مع المالكي في رد ضلالاته ومنكراته (طبع خمس مرات) ، وترجم إلى اللغة الأردية، وطبع بها ووزع في الهند وباكستان وغيرهما. ... 2-
العقد الفريد في نسب الحراقيص من بني زيد. 45 ... 3-
وبعضها لا يزال مخطوطا وفي طريقه إلى الطبع إن شاء الله ومنها:
أحاديث في الإذاعة. ... 1-(أعلام/2215)
فتاوى في الصلاة والصوم والحج. ... 2-
بحوث اقتصادية. ... 3-
رسالة في زكاة عروض التجارة. ... 4-
حوار مع الاشتراكيين في أضواء الشريعة الإسلامية. ... 5-
وله مشاركات في مجالات الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزة، كما أن له مشاركة في مناقشة الرسائل العلمية من ماجستير ودكتوراه، وله إشراف على بعض الرسائل العلمية - دكتوراه -.(أعلام/2216)
عبد الله بن نافع الصائغ (م، 4)
. من كبار فقهاء المدينة بالغ القاضي عياض في تقريظه، وذكره في صدر كتاب " المدارك " له، فقال ولقد بعث سحنون في محمد بن رزين، وقد بلغه أنه يروي عن عبد الله بن نافع، فقال له: أنت سمعت من ابن نافع؟ فقال: أصلحك الله إنما هو الزبيري وليس بالصائغ، فقال له: فلم دلست؟ ثم قال سحنون: ماذا يخرج بعدي من العقارب؟ ! فقد رأى سحنون وجوب بيانهما، وإن كانا ثقتين إمامين، حتى لا تختلط رواياتهما، فإن الصائغ أكبر وأقدم وأثبت في مالك لطول صحبته له، وهو الذي خلفه في مجلسه بعد ابن كنانة، وهو الذي يحكي عنه يحيى بن يحيى وسحنون، ويرويان عنه، ولم يسمع منه سحنون سماعه وإنما سمعه من أشهب كما نذكره بعد. ووفاته سنة ست وثمانين ومائة.
قلت: هذا قد قيل في وفاته، والأصح ما سنذكره بعد فيها.
قال ومات الزبيري سنة ست عشرة ومائتين، وهو شيخ ابن حبيب، وسعيد بن حسان، وكثيرا ما تختلط روايتهم عند الفقهاء، حتى لا علم عند أكثرهم بأنهما رجلان، وربما جاءت رواية أحدهما مخالفة لرواية الآخر، فيقولون: في ذلك اختلاف عن ابن نافع. وقد وهم فيهما عظيم من شيوخ الأندلسيين بعد أن فرق بينهما ; لكنه زعم أن أحدهما ولد نافع مولى ابن عمر، وإنما عبد الله بن نافع العمري شيخ قديم يذكر مع ابن أبي ذئب ونحوه.
قلت: وعبد الله الصائغ حديثه مخرج في الكتب الستة سوى " صحيح البخاري " وهو من موالي بني مخزوم.
ولد سنة نيف وعشرين ومائة.
وحدث عن: محمد بن عبد الله بن حسن الذي قام بالمدينة وقتل وأسامة بن زيد الليثي، ومالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وسليمان بن يزيد الكعبي صاحب أنس، وكثير بن عبد الله بن عوف، وداود بن قيس الفراء وخلق سواهم وليس هو بالمتوسع في الحديث جدا، بل كان بارعا في الفقه.(أعلام/2217)
حدث عنه: محمد بن عبد الله بن نمير، وأحمد بن صالح، وسحنون بن سعيد، وسلمة بن شبيب، والحسن بن علي الخلال، ويونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، والزبير بن بكار، وأحمد بن الحسن الترمذي، وعدة.
روى أبو طالب عن أحمد بن حنبل قال: كان صاحب رأي مالك.
وكان يفتي أهل المدينة، ولم يكن صاحب حديث، كان ضيقا فيه.
وقال يحيى بن معين: ثقة.
وقال البخاري: تعرف وتنكر.
وقال أبو حاتم: هو لين في حفظه، وكتابه أصح.
وقال النسائي: ليس به بأس.
وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب.
وقال ابن سعد: كان قد لزم مالكا لزوما شديدا، ثم قال: وهو دون معن، قال: وتوفي في شهر رمضان سنة ست ومائتين.
قلت: فهذا الصواب في وفاته، وما عداه، فوهم وتصحيف.
وقد أخطأ الإمام أبو أحمد بن عدي في ترجمته خطأ لا يحتمل منه، وذلك أنه لم يرو في ترجمته سوى حديث واحد، فساقه بإسناده، إلى عبد الوهاب بن بخت المكي، عن عبد الله بن نافع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، فذكر حديثا، ثم إنه قال: وإذا روى عن عبد الله مثل عبد الوهاب بن بخت، يكون ذلك دليلا على جلالته، وهو من رواية الكبار عن الصغار.
قلت: من أين يمكن أن يروي عبد الله بن نافع الصائغ عن هشام، ولم يأخذ عن أحد حتى مات هشام؟ ومن أين يمكن أن يحدث عبد الوهاب عن الصائغ، وإنما ولد الصائغ بعد موت عبد الوهاب بأعوام عديدة؟ وإنما عبد الله بن نافع المذكور في الحديث مولى ابن عمر، مات قديما في دولة أبي جعفر المنصور.(أعلام/2218)
عبد الله بن وهب (ع)
ابن مسلم، الإمام شيخ الإسلام أبو محمد الفهري، مولاهم المصري الحافظ.
مولده: سنة خمس وعشرين ومائة أرخه ابن يونس، وقال: قيل: ولاؤه للأنصار.
طلب العلم، وله سبع عشرة سنة.
روى عن: ابن جريج، ويونس بن يزيد، وحنظلة بن أبي سفيان، وحيي بن عبد الله المعافري، وحيوة بن شريح، وعمرو بن الحارث، وأسامة بن زيد الليثي، وعمر بن محمد العمري، وعبد الحميد بن جعفر، وموسى بن علي بن رباح، وعبد الله بن عامر الأسلمي، وأبي صخر حميد بن زياد، وموسى بن أيوب الغافقي، وأفلح بن حميد، وعبد الله بن زياد بن سمعان، ومالك، والليث، وابن لهيعة، وحرملة بن عمران، وسلمة بن وردان المدني، والضحاك بن عثمان، وعبد الله بن عياش القتباني، وعبد الرحمن بن زياد الإفريقي وخلق كثير.
لقي بعض صغار التابعين، وكان من أوعية العلم، ومن كنوز العمل.
ذكر ابن عبد البر في كتاب " العلم " له: قال ابن وهب: كان أول أمري في العبادة قبل طلب العلم، فولع بي الشيطان في ذكر عيسى ابن مريم - عليه السلام - كيف خلقه الله - تعالى -؟ ونحو هذا، فشكوت ذلك إلى شيخ، فقال لي: ابن وهب، قلت: نعم قال: اطلب العلم. فكان سبب طلبي العلم.
قلت: مع أنه طلب العلم في الحداثة، نعم، وحدث عنه خلق كثير، وانتشر علمه، وبعد صيته.(أعلام/2219)
روى عنه: الليث بن سعد شيخه، وعبد الرحمن بن مهدي، وأصبغ بن الفرج، وسعيد بن أبي مريم، وعبد الله بن صالح، وأحمد بن عيسى التستري، وحرملة بن يحيى، وأحمد بن صالح، والحارث بن مسكين، وأبو الطاهر بن السرح، وعمرو بن سواد، وهارون بن سعيد الأيلي، ويحيى بن أيوب المقابري، وسحنون بن سعيد عالم المغرب، ويحيى بن يحيى الليثي، وعبد الله بن محمد بن رمح، ويونس بن عبد الأعلى، وبحر بن نصر الخولاني، وإبراهيم بن منقذ الخولاني، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وابن أخيه أحمد بن عبد الرحمن الوهبي، وعلي بن خشرم وعيسى بن مثرود الغافقي، والربيع بن سليمان المرادي، وعبد الملك بن شعيب بن الليث، وأحمد بن سعيد الهمداني، وغيرهم.
وعن ابن وهب قال: رأيت عبيد الله بن عمر قد عمي، وقطع الحديث، ورأيت هشام بن عروة جالسا في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: آخذ عن ابن سمعان، ثم أصير إلى هشام، فلما فرغت قمت إلى منزل هشام، فقالوا: قد نام، فقلت: أحج، وأرجع، فرجعت، فوجدته قد مات. كذا هذه الرواية، وإنما مات هشام ببغداد، فلعله سار إلى بغداد بعد.
قال محمد بن سلمة: سمعت ابن القاسم يقول: لو مات ابن عيينة، لضربت إلى ابن وهب أكباد الإبل، ما دون العلم أحد تدوينه.
وروى يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب قال: أقرأني نافع بن أبي نعيم.
وقال أبو زرعة: نظرت في نحو من ثلاثين ألف حديث لابن وهب، ولا أعلم أني رأيت له حديثا لا أصل له، وهو ثقة، وقد سمعت يحيى بن بكير يقول: ابن وهب أفقه من ابن القاسم.
قلت: موطأ ابن وهب كبير لم أره، وله كتاب " الجامع " وكتاب " البيعة " وكتاب " المناسك " وكتاب " المغازي " وكتاب " الردة "، وكتاب " تفسير غريب الموطأ " وغير ذلك.(أعلام/2220)
قال أحمد بن صالح الحافظ: حدث ابن وهب بمائة ألف حديث، ما رأيت أحدا أكثر حديثا منه، وقع عندنا سبعون ألف حديث عنه.
قلت: كيف لا يكون من بحور العلم، وقد ضم إلى علمه علم مالك، والليث، ويحيى بن أيوب، وعمرو بن الحارث، وغيرهم!
قال علي بن الجنيد الحافظ: سمعت أبا مصعب الزهري يعظم ابن وهب، ويقول: مسائله عن مالك صحيحة.
وقال أبو حاتم الرازي: هو صدوق صالح الحديث.
وقال أبو أحمد بن عدي في " كامله " هو من الثقات، لا أعلم له حديثا منكرا، إذا حدث عنه ثقة.
وروى أبو طالب، عن أحمد بن حنبل، قال: ابن وهب يفصل السماع من العرض، ما أصح حديثه، وأثبته، وقد كان يسيء الأخذ، لكن ما رواه أو حدث به، وجدته صحيحا.
وقال يحيى بن معين: ثقة.
قال خالد بن خداش: قرئ على عبد الله بن وهب كتاب أهوال يوم القيامة - تأليفه - فخر مغشيا عليه، قال: فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد أيام - رحمه الله تعالى -.
وعن سحنون الفقيه قال: كان ابن وهب قد قسم دهره أثلاثا، ثلثا في الرباط، وثلثا يعلم الناس بمصر، وثلثا في الحج، وذكر أنه حج ستا وثلاثين حجة.
وعن عبد الله بن وهب، قال: دعوت يونس بن يزيد إلى وليمة عرسي.
وبلغنا أن مالكا - الإمام - كان يكتب إليه: إلى عبد الله بن وهب مفتي أهل مصر، ولم يفعل هذا مع غيره. وقد ذكر عنده ابن وهب وابن القاسم، فقال مالك: ابن وهب عالم، وابن القاسم فقيه.
قال أحمد بن سعيد الهمداني: دخل ابن وهب الحمام، فسمع قارئا يقرأ وإذ يتحاجون في النار فغشي عليه.
قال أبو زيد بن أبي الغمر: كنا نسمي ابن وهب ديوان العلم.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة: نظرت لابن وهب في نحو ثمانين ألف حديث.
قلت: هذه رواية أخرى عن أبي زرعة.
قال أبو عمر بن عبد البر: جد عبد الله بن وهب هو مسلم مولى ريحانة مولاة عبد الرحمن بن يزيد بن أنيس الفهري.(أعلام/2221)
وقال أحمد بن عبد الرحمن بحشل: طلب عباد بن محمد الأمير عمي ليوليه القضاء، فتغيب عمي، فهدم عباد بعض دارنا، فقال الصباحي لعباد: متى طمع هذا الكذا وكذا أن يلي القضاء؟! فبلغ ذلك عمي، فدعا عليه بالعمى. قال: فعمي الصباحي بعد جمعة.
قال حجاج بن رشدين: سمعت عبد الله بن وهب يتذمر ويصيح، فأشرفت عليه من غرفتي، فقلت: ما شأنك يا أبا محمد؟ قال: يا أبا الحسن، بينما أنا أرجو أن أحشر في زمرة العلماء، أحشر في زمرة القضاة. قال: فتغيب في يومه، فطلبوه.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا حرملة: سمعت ابن وهب يقول: نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما، فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة.
قلت: هكذا والله كان العلماء وهذا هو ثمرة العلم النافع، وعبد الله حجة مطلقا، وحديثه كثير في الصحاح، وفي دواوين الإسلام، وحسبك بالنسائي وتعنته في النقد حيث يقول: وابن وهب ثقة، ما أعلمه روى عن الثقات حديثا منكرا.
قلت: أكثر في تواليفه من المقاطيع والمعضلات، وأكثر عن ابن سمعان وبابته، وقد تمعقل بعض الأئمة على ابن وهب في أخذه للحديث، وأنه كان يترخص في الأخذ، وسواء ترخص ورأى ذلك سائغا، أو تشدد، فمن يروي مائة ألف حديث، وينذر المنكر في سعة ما روى، فإليه المنتهى في الإتقان.
قال أبو الطاهر بن عمرو: جاءنا نعي ابن وهب، ونحن في مجلس سفيان بن عيينة، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أصيب به المسلمون عامة، وأصبت به خاصة.
قلت: قد كان ابن وهب له دنيا وثروة، فكان يصل سفيان، ويبره، فلهذا يقول: أصبت به خاصة.
قال يونس بن عبد الأعلى: كانوا أرادوا ابن وهب على القضاء، فتغيب. قال: ومات في شعبان سنة سبع تسعين ومائة.(أعلام/2222)
قلت: عاش اثنتين وسبعين سنة. وقد وقع لنا جملة من عالي حديثه في " الخلعيات " وفي " الثقفيات " وغير ذلك.
قال ابن عبد البر: أخبرني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، حدثني أبي، حدثنا محمد بن عمر بن لبابة، سمعت محمد بن أحمد العتبي يقول: حدثني سحنون بن سعيد أنه رأى عبد الرحمن بن القاسم في النوم، فقال: ما فعل الله بك؟ فقال: وجدت عنده ما أحب. قال له: فأي أعمالك وجدت أفضل؟ قال: تلاوة القرآن. قال: قلت له: فالمسائل؟ فكان يشير بأصبعه يلشيها. قال: فكنت أسأله عن ابن وهب، فيقول لي: هو في عليين.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن البسري، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلص، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا إبراهيم بن منقذ الخولاني (ح) وأخبرنا أحمد بن المؤيد، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا هبة الله بن الحسين، أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور، حدثنا عيسى بن علي إملاء، قال: قرئ على عبد الله بن سليمان بن الأشعث، وأنا أسمع: حدثكم أحمد بن صالح قالا: حدثنا ابن وهب - وهذا لفظ أحمد - أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، سمعت يونس بن سيف، عن سعيد بن المسيب، قال: قالت عائشة: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة زاد فيه إبراهيم بن منقذ: وإنه - عز وجل - ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة.(أعلام/2223)
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، وأبو الحسين علي بن محمد، قالا: أخبرنا الحسن بن يحيى المخزومي، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا أبو الحسن الخلعي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر بن النحاس، أخبرنا أبو الطاهر أحمد بن محمد بن عمرو المديني، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني أفلح بن حميد، عن أبي بكر بن حزم، عن سلمان الأغر، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صلاة في مسجدي هذا كألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة الجماعة خمس وعشرون درجة على صلاة الفذ.
روى عباس الدوري، عن يحيى بن معين، سمع ابن وهب يقول لسفيان: يا أبا محمد، الذي عرض عليك فلان أمس أجزها لي، قال: نعم.
قلت: هذا الفعل مذهب طائفة، وإن الرواية سائغة به، وبه يقول الزهري، وابن عيينة.
وروى ابن عدي، حدثنا إبراهيم بن عبد الله المخزومي، عن أبيه، قال: كنت عند سفيان، وعنده ابن معين، فجاءه ابن وهب بجزء، فقال: يا أبا محمد، أحدث بما فيه عنك؟ فقال له ابن معين: يا شيخ، هذا والريح سواء، ادفع الجزء إليه حتى ننظر في حديثه.
قال عبد الله بن الدورقي: سمعت ابن معين يقول: ابن وهب ليس بذاك في ابن جريج، كان يستصغر. وقد ورد أن الليث بن سعد سمع من ابن وهب أحاديث ابن جريج.
فمن غرائبه عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر: أن رجلا زنى، فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فجلد، ثم أخبر أنه محصن فرجمه لكن هذا تابعه عليه أبو عاصم، وأخرجه أبو داود والنسائي.
قال هارون بن معروف: سمعت ابن وهب يقول: قال لي عبد الرحمن بن مهدي: اكتب لي أحاديث عمرو بن الحارث، فكتبت له مائتين، وحدثته بها.
عمرو بن سواد: قال لي ابن وهب: سمعت من ثلاثمائة وسبعين شيخا، فما رأيت أحفظ من عمرو بن الحارث، وذلك أنه كان يتحفظ كل يوم ثلاثة أحاديث.(أعلام/2224)
يونس، عن ابن وهب، قال: ولدت سنة خمس وعشرين ومائة، وطلبت العلم وأنا ابن سبع عشرة، ودعوت يونس يوم عرسي.
قال عثمان بن سعيد: سألت يحيى بن معين عن ابن وهب، قال: أرجو أن يكون صدوقا.
قال عبد الله بن عدي: حدثنا ابن يعلى، حدثنا ابن معين، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا الليث، عن عبد الله بن وهب، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد يوم ذي اليدين سجدتي السهو.
وعن أحمد بن صالح قال: صنف ابن وهب مائة ألف وعشرين ألف حديث، كله سوى حديثين عند حرملة.
قلت: ومع هذه الكثرة فيعترف ابن عدي، ويقول: لا أعلم له حديثا منكرا من رواية ثقة عنه.
وروى أبو طالب، عن أحمد بن حنبل، قال: ما أصح حديث ابن وهب وأثبته، يفصل السماع من العرض، والحديث من الحديث، فقيل له: أليس كان سييء الأخذ؟ قال: بلى، ولكن إذا نظرت في حديثه، وما روى عن مشايخه، وجدته صحيحا - مر هذا مختصرا.
وعن الحارث بن مسكين قال: شهدت سفيان بن عيينة، ومعه ابن وهب، فسئل عن شيء، فسأل ابن وهب، ثم قال: هذا شيخ أهل مصر أخبر عن مالك بكذا.
قال أبو حاتم البستي: ابن وهب هو الذي عني بجمع ما روى أهل الحجاز وأهل مصر، وحفظ عليهم حديثهم، وجمع وصنف، وكان من العباد.
قال يونس الصدفي: عرض على ابن وهب القضاء، فجنن نفسه، ولزم بيته.
ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد ابن أخي ابن وهب، حدثني عمي قال: كنت عند مالك، فسئل عن تخليل الأصابع، فلم ير ذلك، فتركت حتى خف المجلس، فقلت: إن عندنا في ذلك سنة: حدثنا الليث وعمرو بن الحارث، عن أبي عشانة، عن عقبة بن عامر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا توضأت، خلل أصابع رجليك فرأيته بعد ذلك يسأل عنه، فيأمر بتخليل الأصابع، وقال لي: ما سمعت بهذا الحديث قط إلى الآن.(أعلام/2225)
سمعنا في " إرشاد " الخليلي: حدثني جدي، وعلي بن عمر الفقيه، والقاسم بن علقمة، ومحمد بن سليمان، وصالح بن عيسى قالوا: حدثنا ابن أبي حاتم.(أعلام/2226)
عبد الله بن يزيد (ع)
ابن زيد بن حصين الأمير العالم الأكمل أبو موسى الأنصاري الأوسي الخطمي المدني ثم الكوفي.
أحد من بايع بيعة الرضوان، وكان عمره يومئذ سبع عشرة سنة.
له أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن زيد بن ثابت، وحذيفة بن اليمان.
حدث عنه: سبطه عدي بن ثابت، والشعبي، ومحارب بن دثار، وأبو إسحاق السبيعي وآخرون.
مسعر: عن ثابت بن عبيد قال: رأيت على عبد الله بن يزيد خاتما من ذهب وطليسانا مدبجا.
الواقدي: حدثنا جحاف بن عبد الرحمن، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد: أن الفيل لما برك على أبي عبيد الثقفي يوم الجسر فقتله، هرب الناس فسبقهم عبد الله بن يزيد الخطمي، فقطع الجسر، وقال: قاتلوا عن أميركم، ثم ساق مسرعا، فأخبر عمر الخبر.
وقد كان والده يزيد من الصحابة الذين توفوا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد شهد عبد الله مع الإمام علي صفين والنهروان، وولي إمرة الكوفة لابن الزبير، فجعل الشعبي كاتب سره في سنة خمس وستين، ثم عزل بعبد الله بن مطيع.
مات قبل السبعين وله نحو من ثمانين سنة - رضي الله عنه.(أعلام/2227)
عبد الملك بن أبي سليمان (خت م 4)
الإمام الحافظ أبو محمد، وقيل أبو عبد الله، وأبو سليمان العرزمي الكوفي نزل جبانة عرزم فنسب إليها. وعرزم إنسان أسود. واسم أبي سليمان ميسرة.
حدث عن أنس بن مالك، وسعيد بن جبير، وعطاء، وأنس بن سيرين، وأبي الزبير، وعبد الله بن كيسان، وعبد الملك بن أعين، ومسلم بن يناق، وزبيد اليامي، وسلمة بن كهيل، وعبد الله بن عطاء، وأبي حمزة اليماني. لم يزد صاحب تهذيب الكمال على هؤلاء.
وعنه: الثوري، وزائدة، وابن المبارك، وعيسى بن يونس، وعلي بن مسهر، وهشيم، ويحيى القطان، وخالد بن عبد الله، وحفص بن غياث، وإسحاق بن يوسف، وابن نمير، وابن فضيل، ويزيد بن هارون، ويعلى بن عبيد، وخلق آخرهم موتا عبد الرزاق. وليس هو بالمكثر، وكان يوصف بالحفظ.
ابن المديني، عن عبد الرحمن قال: كان شعبة يعجب من حفظ عبد الملك.
وروى نوفل بن المطهر، عن ابن المبارك، عن سفيان، قال: حفاظ الناس: إسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن أبي سليمان، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وحفاظ البصريين ثلاثة: سليمان التيمي، وعاصم الأحول، وداود بن أبي هند، وكان عاصم أحفظهم.
وقال سفيان الثوري: حدثني الميزان، عبد الملك بن أبي سليمان -أشار سفيان بيده كأنه يزن- وقال ابن المبارك: عبد الملك بن أبي سليمان ميزان.
وقال أبو داود: قلت لأحمد: عبد الملك بن أبي سليمان؟ قال: ثقة. قلت: يخطئ؟ قال: نعم، وكان من أحفظ أهل الكوفة، إلا أنه رفع أحاديث عن عطاء.
وسئل يحيى بن معين، عن حديث عطاء، عن جابر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشفعة فقال: لم يحدث به إلا عبد الملك، وقد أنكره عليه الناس، ولكن عبد الملك ثقة، صدوق، لا يرد على مثله، قلت: تكلم فيه شعبة لهذا الحديث.(أعلام/2228)
وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه، قال: هذا حديث منكر. قال محمد بن عثمان بن أبي صفوان، عن أمية بن خالد، قلت لشعبة: مالك لا تحدث عن عبد الملك بن أبي سليمان، فقال: تركت حديثه. قلت: تحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي، وتدع عبد الملك، وقد كان حسن الحديث؟ قال: من حسنها فررت.
قال الخطيب: أساء شعبة في اختياره لمحمد، وتركه عبد الملك، لأن محمد بن عبيد الله لم يختلف أئمة الأثر في ذهاب حديثه، وسقوط روايته، وثناؤهم على عبد الملك مستفيض.
وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه: أنه ثقة. وقال العجلي: ثقة ثبت. وقال ابن عمار: ثقة حجة. وقال أبو نعيم: حدثنا سفيان عن عبد الملك. ثم قال الفسوي: ثقة، متقن، فقيه.
قال أبو نعيم: مات سنة خمس وأربعين ومائة.
أخبرنا أحمد بن عبد الكريم، أنبأنا نصر بن جرو، أنبأنا أبو طاهر السلفي، أنبأنا أبو البقاء الحبال، أنبأنا زيد بن جعفر، حدثنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا أحمد بن حازم، أنبأنا يعلى بن عبيد، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تتخذوا بيوتكم قبورا وصلوا فيها.(أعلام/2229)
عبد الملك بن مروان
ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية، الخليفة الفقيه، أبو الوليد الأموي. ولد سنة ست وعشرين.
سمع عثمان، وأبا هريرة، وأبا سعيد، وأم سلمة، ومعاوية، وابن عمر، وبريرة، وغيرهم.
ذكرته لغزارة علمه.
حدث عنه عروة، وخالد بن معدان، ورجاء بن حيوة، وإسماعيل بن عبيد الله، والزهري، وربيعة بن يزيد، ويونس بن ميسرة، وآخرون.
تملك بعد أبيه الشام ومصر، ثم حارب ابن الزبير الخليفة، وقتل أخاه مصعبا في وقعة مسكن واستولى على العراق، وجهز الحجاج لحرب ابن الزبير، فقتل ابن الزبير سنة اثنتين وسبعين، واستوسقت الممالك لعبد الملك.
قال ابن سعد كان قبل الخلافة عابدا ناسكا بالمدينة، شهد مقتل عثمان وهو ابن عشر، واستعمله معاوية على المدينة. كذا قال ; وإنما استعمل أباه.
وكان أبيض طويلا، مقرون الحاجبين، أعين، مشرف الأنف، رقيق الوجه، ليس بالبادن، أبيض الرأس واللحية.
عبد الله بن العلاء بن زبر، عن يونس بن ميسرة، عن عبد الملك، أنه قال على المنبر: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما من مسلم لا يغزو، أو يجهز غازيا، أو يخلفه بخير إلا أصابه الله بقارعة قبل الموت.
قال عبادة بن نسي: قال ابن عمر: إن لمروان ابنا فقيها فسلوه.
وقيل: إن أبا هريرة نظر إلى عبد الملك وهو غلام فقال: هذا يملك العرب.
جرير بن حازم، عن نافع، قال: لقد رأيت المدينة وما بها شاب أشد تشميرا ولا أفقه ولا أنسك ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك.
وقال أبو الزناد: فقهاء المدينة: سعيد بن المسيب، وعبد الملك، وعروة، وقبيصة بن ذؤيب.
وعن ابن عمر: ولد الناس أبناء، وولد مروان أبا.
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري: أول من صلى بين الظهر والعصر عبد الملك بن مروان وفتيان معه كانوا يصلون إلى العصر.(أعلام/2230)
إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: ما جالست أحدا إلا وجدت لي عليه الفضل إلا عبد الملك، وقيل: إنه تأوه من تنفيذ يزيد جيشه إلى حرب ابن الزبير، فلما ولي الأمر، جهز إليه الحجاج الفاسق.
قال ابن عائشة: أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف بين يديه، فأطبقه وقال: هذا آخر العهد بك.
قلت: اللهم لا تمكر بنا.
قال الأصمعي: قيل لعبد الملك: عجل بك الشيب. قال: وكيف لا وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة.
قال مالك: أول من ضرب الدنانير عبد الملك، وكتب عليها القرآن.
وقال يوسف بن الماجشون: كان عبد الملك إذا جلس للحكم قيم على رأسه بالسيوف.
وعن يحيى بن يحيى الغساني، قال: كان عبد الملك كثيرا ما يجلس إلى أم الدرداء في مؤخر مسجد دمشق، فقالت: بلغني أنك شربت الطلاء بعد النسك والعبادة! فقال: إي والله، والدماء.
وقيل: كان أبخر.
قال الشعبي: خطب عبد الملك، فقال: اللهم إن ذنوبي عظام، وهي صغار في جنب عفوك يا كريم، فاغفرها لي.
قلت: كان من رجال الدهر ودهاة الرجال، وكان الحجاج من ذنوبه.
توفي في شوال سنة ست وثمانين. عن نيف وستين سنة.(أعلام/2231)
عبد الملك بن مسلمة
الفقيه أبو مروان الأموي، مولاهم البصري.
ولد سنة أربعين ومائة وأخذ عن مالك، والليث، وجماعة.
وعنه: سمويه، والحسن بن قتيبة العسقلاني، ويحيى بن عثمان بن صالح.
ضعفه ابن يونس، وابن حبان.
قال يحيى بن بكير: أبطأ حبيب، فقال مالك: ليقرأ بعضكم، فقرأ عبد الملك بن مسلمة، فلما مر بابن شهاب، قال: شهاب - فعل ذلك مرارا - وضجر مالك، وكان يغيب، فيكتب في ألواحه ما يسمع من مالك، فيقول: أنا كتبته. فيعجب من تغفله. وقرأ لنا على مالك في النذور قال: فقربت إليه " جزءا وفتى مكسورا " فضحك مالك، وقال: " جرو قثاء مكسورا " عافاك الله. رواها ابن يونس، حدثنا عبد الوهاب بن سعد، حدثنا عمرو بن أحمد بن السرح، حدثنا ابن بكير، فذكرها كلها.
مات في ذي الحجة سنة أربع وعشرين ومائتين.
وجده هو يزيد مولى جزء بن عبد العزيز بن مروان.(أعلام/2232)
عبد الملك بن هشام
ابن أيوب العلامة النحوي الأخباري أبو محمد الذهلي السدوسي، وقيل: الحميري، المعافري، البصري، نزيل مصر.
هذب السيرة النبوية، وسمعها من زياد البكائي صاحب ابن إسحاق، وخفف من أشعارها، وروى فيها مواضع عن عبد الوارث بن سعيد، وأبي عبيدة. رواها عنه محمد بن حسن القطان، وعبد الرحيم بن عبد الله بن البرقي، وأخوه أحمد بن البرقي. وله مصنف في أنساب حمير وملوكها.
والأصح أنه ذهلي كما ذكره أبو سعيد بن يونس، وأرخ وفاته في ثالث عشر ربيع الآخر سنة ثمان عشرة ومائتين.
قال الدارقطني: حدثني عبيد الله بن محمد المطلبي بالرملة، حدثنا زكريا بن يحيى بن حيويه، سمعت المزني يقول: قدم علينا الشافعي، وكان بمصر عبد الملك بن هشام صاحب " المغازي "، وكان علامة أهل مصر بالعربية والشعر، فقيل له في المصير إلى الشافعي، فتثاقل، ثم ذهب إليه، فقال: ما ظننت أن الله يخلق مثل الشافعي.
وفي " الروض الأنف " أن ابن هشام مات سنة ثلاث عشرة ومائتين فهذا وهم فيه أبو القاسم السهيلي، بل الصواب ما تقدم.(أعلام/2233)
عبد الوهاب بن عطاء (م، 4)
الإمام الصدوق العابد المحدث، أبو نصر البصري الخفاف، مولى بني عجل، سكن بغداد.
وحدث عن حميد الطويل، وسعيد الجريري، وسليمان التيمي، وابن عون، وخالد الحذاء، وثور بن يزيد، وسعيد بن أبي عروبة، فأكثر عنه، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وأبي عمرو بن العلاء، وروى عنه حرفه.
حمل عنه القراءة أحمد بن جبير الأنطاكي، وخلف بن هشام.
وحدث عنه أحمد بن حنبل، وعمرو الناقد، والحسن بن محمد الزعفراني، وعباس الدوري، ويحيى بن جعفر، والحارث بن أبي أسامة وخلق كثير.
قال ابن سعد: كان كثير الحديث، لزم ابن أبي عروبة، وعرف بصحبته.
وقال يحيى بن معين: ثقة. وكذا قال الدارقطني وغيره.
وروي أنه كان عبدا صالحا بكاء.
وقال البخاري: ليس بالقوي.
وقال أحمد بن حنبل: كان عبد الوهاب يقرأ عند سعيد تصانيفه، فكان عبد الله الأفطس يقول: حدثنا عبد الوهاب طرب طرب. قال: وكان يحيى بن سعيد القطان حسن الرأي فيه.
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: أعبد الوهاب ثقة؟ قال: تدري ما تقول؟ الثقة يحيى القطان! .
وروى الأثرم عن أحمد قال: كان عبد الوهاب عالما بسعيد.
وقال يحيى بن جعفر: بلغنا أنه كان مستملي سعيد، وكان أكثر الناس بكاء.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه.
وقال أبو زرعة: هو أصلح من علي بن عاصم روى عن ثور حديثين ليسا من حديثه.
قلت: أحدهما في العباس: " اللهم اخلفه في ولده " حسنه الترمذي.
توفي في آخر سنة أربع ومائتين.
وروى الميموني عن أحمد قال: ضعيف الحديث مضطرب.
قلت: حديثه في درجة الحسن.(أعلام/2234)
عبدة بن سليمان (ع)
الحافظ الحجة القدوة أبو محمد الكلابي الكوفي.
حدث عن: عاصم الأحول، وهشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وطائفة.
وعنه: أحمد، وابن راهويه، وأبو خيثمة، وأبو كريب، وأبو سعيد الأشج، وآخرون.
قال أحمد بن حنبل: هو ثقة ثقة وزيادة، مع صلاح وشدة فقر، عليه فروة خلقة لا تساوي كبير شيء. وقال أحمد العجلي: ثقة صالح، صاحب قرآن. كان يقرئ.
قلت: توفي في ثالث رجب سنة ثمان وثمانين ومائة بالكوفة، وصلى عليه قرابته المحدث محمد بن ربيعة الكلابي.(أعلام/2235)
عبيد الله بن أبي جعفر (ع)
الإمام الحافظ، فقيه مصر أبو بكر المصري، الكناني، مولاهم، الليثي، وقيل: ولاؤه لبني أمية، واسم أبيه يسار.
قال ابن ماكولا: يسار مولى عروة بن شييم، الليثي، رأى عبد الله بن الحارث بن جزء الصحابي.
وحدث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، والشعبي، وعطاء، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وحمزة بن عبد الله بن عمر، ونافع مولى ابن عمر، وأبي الأسود يتيم عروة، وأبي عبد الرحمن الحبلي، وعبد الله بن أبي قتادة، ومحمد بن جعفر بن الزبير، وسالم بن أبي سالم الجيشاني، وبكير بن الأشج، وطائفة.
وعنه: عمرو بن مالك الشرعبي، وعمارة بن غزية، وسعيد بن أبي أيوب، وحيوة بن شريح، وعبد الرحمن بن شريح، وابن إسحاق، ويحيى بن أيوب، والليث بن سعد، وابن لهيعة، وعمرو بن الحارث، وخالد بن حميد المهري وآخرون.
قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس، كان يتفقه.
وقال أبو حاتم: ثقة، بابة يزيد بن أبي حبيب، وقال النسائي: ثقة. وقال ابن سعد: ثقة، فقيه زمانه، وقال أبو نصر الكلاباذي: كان فقيها في زمانه، وقال ابن يونس: كان عالما، زاهدا، عابدا.
سعيد بن زكريا الأدم: كان سليمان بن أبي داود يقول: ما رأت عيناي عالما، زاهدا، إلا عبيد الله بن أبي جعفر.
وروى إبراهيم بن نشيط الوعلاني عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: كان يقال: ما استعان عبد على دينه، بمثل الخشية من الله.
وقال عبد الرحمن بن شريح، عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: غزونا القسطنطينية فكسر بنا مركبنا، فألقانا الموج على خشبة في البحر، وكنا خمسة أو ستة. فأنبت الله لنا بعددنا، ورقة لكل رجل منا، فكنا نمصها فتشبعنا وتروينا، فإذا أمسينا، أنبت الله لنا مكانها.(أعلام/2236)
قال رشدين بن سعد: حدثنا الحجاج بن شداد، سمع عبيد الله بن أبي جعفر، وكان أحد الحكماء، قال: إذا كان المرء يحدث في مجلس، فأعجبه الحديث، فليمسك. وإذا كان ساكتا، فأعجبه السكوت، فليتحدث.
قال ابن لهيعة: ولد ابن أبي جعفر سنة ستين وهو من سبي طرابلس المغرب.
وقال غيره: توفي مدخل المسودة -يعني بني العباس في ذي الحجة، سنة اثنتين وثلاثين ومائة وصلى عليه أبو عون عبد الملك بن يزيد، أمير مصر. وقال خليفة: مات سنة أربع وثلاثين وقيل: سنة خمس أو ست وقال أبو سعيد بن يونس: توفي سنة ست وثلاثين ومائة.
وقد قال أحمد بن حنبل مرة: ليس بالقوي، واستنكر له حديثا ثابتا في " الصحيحين " في من مات وعليه صوم، صام عنه وليه.(أعلام/2237)
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (ع)
الإمام، الفقيه، مفتي المدينة وعالمها، وأحد الفقهاء السبعة، أبو عبد الله الهذلي، المدني، الأعمى، وهو أخو المحدث عون. وجدهما عتبة هو أخو عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. ولد في خلافة عمر أو بعيدها.
وحدث عن عائشة، وأبي هريرة وفاطمة بنت قيس، وأبي واقد الليثي، وزيد بن خالد الجهني، وابن عباس - ولازمه طويلا - وابن عمر، وأبي سعيد، والنعمان بن بشير، وميمونة، وأم سلمة، وأم قيس بنت محصن، ووالده، وطائفة، وعن عمر، وعمار بن ياسر، وعثمان بن حنيف، وغيرهم مرسلا.
وعنه: أخوه، والزهري، وضمرة بن سعيد المازني، وعراك بن مالك وموسى بن أبي عائشة، وأبو الزناد، وصالح بن كيسان، وخصيف الجزري، وسعد بن إبراهيم، وسالم أبو النضر، وطلحة بن يحيى بن طلحة، وعبد المجيد بن سهيل، وأبو بكر بن أبي الجهم العدوي، وآخرون.
قال الواقدي: كان ثقة، عالما، فقيها، كثير الحديث والعلم بالشعر، وقد ذهب بصره.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان أعمش، وكان أحد فقهاء المدينة ثقة، رجلا صالحا، جامعا للعلم، وهو معلم عمر بن عبد العزيز.
وقال أبو زرعة الرازي: ثقة، مأمون، إمام.
يونس بن محمد المؤدب عن عمارة بن زيد، عن معمر، عن الزهري، قال: كان أبو سلمة يسأل ابن عباس، وكان يخزن عنه، وكان عبيد الله يلطفه، فكان يعزه عزا.
عبد الله بن شبيب، عن يعقوب بن محمد، عن إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز، عن أبيه، عن الزهري، قال: ما جالست أحدا من العلماء إلا وأرى أني قد أتيت على ما عنده، وقد كنت أختلف إلى عروة بن الزبير حتى ما كنت أسمع منه إلا معادا ما خلا عبيد الله ; فإنه لم آته إلا وجدت عنده علما طريفا.
وروى يعقوب بن عبد الرحمن القاري، عن أبيه، قال: كنت أسمع عبيد الله بن عبد الله يقول: ما سمعت حديثا قط فأشاء أن أعيه إلا وعيته.(أعلام/2238)
وروى يعقوب هذا، عن الزهري، قال: كان عبيد الله بن عبد الله لا أشاء أن أقع منه على ما لا أجده إلا عنده، إلا وقعت عليه.
محمد بن الحسن - وهو واه - عن مالك، عن ابن شهاب، قال: كنت أخدم عبيد الله بن عبد الله حتى أن كنت أستقي له الماء المالح، وكان يقول لجاريته: من بالباب؟ فتقول: غلامك الأعمش.
أخبرنا إسحاق الصفار، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا سليمان الطبراني، حدثنا جعفر بن سليمان النوفلي، حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: كتب عبيد الله بن عبد الله بن عتبة إلى عمر بن عبد العزيز:
بسم الذي أنزلت من عنده السور
والحمد لله أما بعد يا عمر
إن كنت تعلم ما تأتي وما تذر
فكن على حذر قد ينفع الحذر
واصبر على القدر المحتوم وارض به
وإن أتاك بما لا تشتهي القدر
فما صفا لامرئ عيش يسر به
إلا سيتبع يوما صفوه كدر
قال الزهري: كان عبيد الله بن عبد الله بحرا من بحور العلم.
وقال محمد بن الضحاك الحزامي، قال مالك: كان ابن شهاب يأتي عبيد الله بن عبد الله، وكان من العلماء، فكان يحدثه ويستقي هو له الماء من البئر، وكان عبيد الله يطول الصلاة، ولا يعجل عنها لأحد، قال: فبلغني أن علي بن الحسين جاءه وهو يصلي، فجلس ينتظره، وطول عليه، فعوتب عبيد الله في ذلك وقيل: يأتيك ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتحبسه هذا الحبس! فقال: اللهم غفرا، لا بد لمن طلب هذا الشأن أن يعنى.(أعلام/2239)
أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ. أنبأنا يوسف بن عبد المعطي، أنبأنا أبو طاهر السلفي، أنبأنا نصر بن أحمد، قال: أنبأنا أبو حفص عمر بن أحمد البزار أنبأنا أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب، حدثني علي بن حرب، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، حدثه عبيد الله بن عبد الله، سمع ابن عباس يقول: جئت أنا والفضل على أتان يوم عرفة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس، فمررنا على بعض الصف فنزلنا عنها وتركناها ترتع، ولم يقل لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا.
وبه، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من بات وفي يده غمر فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه ".
هذا مرسل قوي الإسناد فيه الحض على غسل اليد من الزفر.
قال الواقدي ومحمد بن عبد الله بن نمير والترمذي: مات عبيد الله سنة ثمان وتسعين.
وقال الهيثم بن عدي، وعلي بن المديني: مات سنة تسع وتسعين. وقيل غير ذلك.(أعلام/2240)
عبيد الله بن عمر (ع)
ابن حفص بن عاصم ابن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب. الإمام المجود الحافظ أبو عثمان القرشي العدوي ثم العمري المدني.
ولد بعد السبعين أو نحوها ولحق أم خالد بنت خالد الصحابية، وسمع منها، فهو من صغار التابعين. وسمع من سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد ونافع، وسعيد المقبري، وخاله حبيب بن عبد الرحمن، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن شعيب، والزهري، ووهب بن كيسان، وعبد الله بن دينار، وعبد الرحمن بن القاسم، وثابت البناني، وأبي الزناد، وسمي، وسهيل، وسالم أبي النضر، وعمرو بن دينار، وطلحة بن عبد الملك، وخلق.
وعنه: ابن جريج، ومعمر وشعبة، وسفيان، وحماد بن سلمة، وزائدة، وسليمان بن بلال، وابن المبارك، وعبد الله بن نمير، وعلي بن مسهر، ويحيى بن سعيد، ومحمد بن بشر، وعيسى بن يونس، وعباد بن عباد، ومحمد بن عيسى بن سميع، وابن إدريس، ومحمد بن عبيد، وعبد الرزاق، وأمم سواهم.
قال أبو حاتم: سألت أحمد بن حنبل عن مالك، وأيوب، وعبيد الله بن عمر: أيهم أثبت في نافع؟ قال: عبيد الله أثبتهم وأحفظهم، وأكثرهم رواية. وقال يحيى بن معين: عبيد الله من الثقات. وقال عثمان بن سعيد: قلت لابن معين: مالك عن نافع أحب إليك، أو عبيد الله؟ قال: كلاهما، ولم يفضل.
وروى جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي، سمعت يحيى بن معين يقول: عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة: الذهب المشبك بالدر.(أعلام/2241)
قلت: هو أحب إليك، أو الزهري، عن عروة، عن عائشة؟ فقال: هو أحب إلي. وروى علي بن الحسن الهسنجاني عن أحمد بن صالح، قال: عبيد الله في نافع أحب إلي من مالك. وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ثقة. وقال النسائي: ثقة ثبت. قلت: كان ابن شهاب يقدم قريشا على الناس وعلى مواليهم، فقال قطن بن إبراهيم النيسابوري، عن الحسين بن الوليد قال: كنا عند مالك، فقال: كنا عند الزهري ومعنا عبيد الله بن عمر، ومحمد بن إسحاق، فأخذ الكتاب ابن إسحاق فقرأ. فقال: انتسب. قال: أنا محمد بن إسحاق بن يسار. قال: ضع الكتاب من يدك. قال: فأخذه مالك، فقال: انتسب. قال: أنا مالك بن أنس الأصبحي. فقال: ضع الكتاب. فأخذه عبيد الله فقال: انتسب. قال: أنا عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب. قال: اقرأ. فجميع ما سمع أهل المدينة يومئذ بقراءة عبيد الله.
وروى محمد بن عبد العزيز، عن عبد الرزاق، سمعت عبيد الله بن عمر قال: لما نشأت، فأردت أن أطلب العلم، فجعلت آتي أشياخ آل عمر رجلا رجلا، فأقول: ما سمعت من سالم؟ فكلما أتيت رجلا منهم قال: عليك بابن شهاب، فإن ابن شهاب كان يلزمه. قال: وابن شهاب بالشام حينئذ. فلزمت نافعا، فجعل الله في ذلك خيرا كثيرا، وروي عن سفيان بن عيينة قال: قدم علينا عبيد الله بن عمر الكوفة، فاجتمعوا عليه، فقال: شنتم العلم، وأذهبتم نوره لو أدركنا عمر وإياكم أوجعنا ضربا.
قال أبو بكر بن منجويه: كان عبيد الله من سادات أهل المدينة، وأشراف قريش فضلا وعلما وعبادة، وشرفا وحفظا، وإنفاقا.
قلت: كان أخوه عبد الله بن عمر يهابه، ويجله، ويمتنع من الرواية مع وجود عبيد الله. فما حدث حتى توفي عبيد الله.
قال الهيثم بن عدي: مات سنة سبع وأربعين ومائة وقال غيره: مات سنة خمس وأربعين أو في التي قبلها.(أعلام/2242)
أخبرنا عمر بن عبد المنعم مرات، أنبأنا عبد الصمد بن محمد قراءة، وأنا في الرابعة، أنبأنا علي بن المسلم، أنبأنا الحسين بن طلاب، أنبأنا محمد بن أحمد الغساني، حدثنا محمد بن عبيد بن العلاء ببغداد، حدثنا أحمد بن بديل، حدثنا جابر بن نوح الحماني، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: أتى عمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بفرس فقال: احمل على هذا في سبيل الله. ثم رآه عمر بعد ذلك يقام في السوق. فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أشتريه يا رسول الله؟ فقال: لا تشتره ولا ترجع في هبتك.
أخبرنا أحمد بن محمد الآنمي، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا مسعود بن أبي منصور الجمال (ح) وأنبأني أحمد بن سلامة عن مسعود، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أحمد بن جعفر السمسار، حدثنا أحمد بن عصام، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن آطام المدينة أن تهدم.
قيل: إن حديث عبيد الله يبلغ أربعمائة حديث، وأظنه أكثر من ذلك.(أعلام/2243)
عبيد بن عمير (ع)
ابن قتادة الليثي الجندعي المكي، الواعظ المفسر ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحدث عن أبيه، وعن عمر بن الخطاب، وعلي، وأبي ذر، وعائشة، وأبي موسى الأشعري، وابن عباس، وطائفة حدث عنه ابنه عبد الله بن عبيد، وعطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وعبد العزيز بن رفيع، وأبو الزبير، وجماعة.
وكان من ثقات التابعين وأئمتهم بمكة، وكان يذكر الناس، فيحضر ابن عمر -رضي الله عنهما- مجلسه.
روى حماد بن سلمة، عن ثابت، قال: أول من قص عبيد بن عمير على عهد عمر بن الخطاب.
أبو بكر بن عياش: عن عبد الملك، عن عطاء، قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت له: خفف; فإن الذكر ثقيل - تعني إذا وعظت.
وقال عبد الواحد بن أيمن: رأيت عبيد بن عمير وله جمة إلى قفاه، ولحيته صفراء. قلت: هو من خضاب السنة.
توفي قبل ابن عمر بأيام يسيرة وقيل: توفي في سنة أربع وسبعين.
وكان ابنه عبد الله من علماء المكيين. وكان حفيده محمد بن عبد الله -المعروف بالمحرم - ضعيفا. حدث عن عطاء وجماعة، لحقه داود بن عمرو الضبي.(أعلام/2244)
عبيدة بن الحارث
ابن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي. وأمه من ثقيف.
وكان أحد السابقين الأولين، وهو أسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعشر سنين، هاجر هو وأخواه الطفيل وحصين.
وكان ربعة من الرجال، مليحا، كبير المنزلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي بارز رأس المشركين يوم بدر فاختلفا ضربتين، فأثبت كل منهما الآخر، وشد علي وحمزة على عتبة فقتلاه، واحتملا عبيدة وبه رمق.
ثم توفي بالصفراء في العشر الأخير من رمضان، سنة اثنتين رضي الله عنه.
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره على ستين راكبا من المهاجرين، وعقد له لواء، فكان أول لواء عقد في الإسلام، فالتقى قريشا وعليهم أبو سفيان عند ثنية المرة، وكان ذاك أول قتال جرى في الإسلام. قاله ابن إسحاق.(أعلام/2245)
عثمان البتي (4)
فقيه البصرة أبو عمرو، بياع البتوت اسم أبيه مسلم، وقيل: أسلم، وقيل: سليمان، وأصله من الكوفة حدث عن أنس بن مالك، والشعبي، وعبد الحميد بن سلمة، والحسن.
وعنه: شعبة، وسفيان، وهشيم ويزيد بن زريع، وابن علية، وعيسى بن يونس.
وثقه أحمد، والدارقطني، وابن سعد، وابن معين، فيما نقله عباس عنه.
وروى معاوية بن صالح عن ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه.
وقال ابن سعد: له أحاديث، كان صاحب رأي وفقه.(أعلام/2246)
عثمان بن أبي العاص (م، 4)
الأمير الفاضل المؤتمن أبو عبد الله الثقفي الطائفي.
قدم في وفد ثقيف على النبي - صلى الله عليه وسلم- في سنة تسع. فأسلموا، وأمره عليهم لما رأى من عقله وحرصه على الخير والدين. وكان أصغر الوفد سنا.
ثم أقره أبو بكر على الطائف، ثم عمر، ثم استعمله عمر على عمان والبحرين، ثم قدمه على جيش، فافتتح توج، ومصرها، وسكن البصرة.
ذكره الحسن البصري، فقال: ما رأيت أحدا أفضل منه.
قلت: له أحاديث في " صحيح مسلم " وفي " السنن ".
وكانت أمه قد شهدت ولادة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
حدث عنه: سعيد بن المسيب، ونافع بن جبير بن مطعم، ويزيد، ومطرف: ابنا عبد الله بن الشخير، وموسى بن طلحة، وآخرون.
سالم بن نوح، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن عثمان بن أبي العاص: أنه بعث غلمانا له تجارا ; فلما جاءوا، قال: ما جئتم به؟ قالوا: جئنا بتجارة يربح الدرهم عشرة. قال: وما هي؟ قالوا: خمر. قال: خمر! وقد نهينا عن شربها وبيعها. فجعل يفتح أفواه الزقاق، ويصبها.
يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص، فذكره نحوه.
توفي - رضي الله عنه- سنة إحدى وخمسين.(أعلام/2247)
عثمان بن أبي شيبة (خ، م، د، ق)
هو الإمام الحافظ الكبير المفسر، أبو الحسن، عثمان بن محمد بن القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خواستى العبسي مولاهم الكوفي، صاحب التصانيف، وأخو الحافظ أبي بكر. ولد بعيد الستين ومائة وحدث عن: شريك، وأبي الأحوص، وجرير بن عبد الحميد، وهشيم بن بشير، وسفيان بن عيينة، وحميد بن عبد الرحمن، وطلحة بن يحيى الزرقي، وعبد الله بن المبارك، وعلي بن مسهر، وعبدة بن سليمان، وإسماعيل ابن علية، وأبي معاوية، ووكيع، وابن فضيل، ويحيى بن آدم، وعفان، وأبي نعيم، ويزيد بن هارون، وخلق كثير.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، واحتجا به في كتابيهما، وأبو داود، وابن ماجه في " سننهما "، وأبو حاتم، والفسوي، وإبراهيم الحربي، وإبراهيم بن أبي طالب، وبقي بن مخلد، وعبد الله بن أحمد، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي، وزكريا خياط السنة، وأبو يعلى، والفريابي، والبغوي، وأحمد بن الحسن الصوفي، وولده الحافظ محمد بن عثمان، ومطين، وعدد كثير. سئل عنه أحمد بن حنبل، فأثنى عليه، وقال: ما علمت إلا خيرا.
وقال يحيى بن معين: ثقة مأمون.
قلت: لا ريب أنه كان حافظا متقنا، وقد تفرد في سعة علمه به بخبرين منكرين عن جرير الضبي ذكرتهما في كتاب " ميزان الاعتدال ". غضب أحمد بن حنبل منه لكونه حدث بهما. وهو مع ثقته صاحب دعابة حتى فيما يتصحف من القرآن العظيم، سامحه الله.(أعلام/2248)
قال إبراهيم بن أبي طالب: جئته فقال لي: إلى متى لا يموت إسحاق بن راهويه؟ فقلت له: شيخ مثلك يتمنى هذا؟! قال: دعني، فلو مات، لصفا لي جرير بن عبد الحميد. قلت: فما عاش بعد إسحاق سوى خمسة أشهر. الدارقطني: أخبرنا أحمد بن كامل، حدثني الحسن بن الحباب، أن عثمان بن أبي شيبة، قرأ عليهم في التفسير: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل فقالها: ألف لام ميم. قلت هو: إما سبق لسان، أو انبساط محرم.
وقال القاضي علي بن محمد بن كاس، حدثنا إبراهيم الخصاف،
قال: قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير: فلما جهزهم بجهازهم جعل السفينة، فنادوا: السقاية فقال: أنا وأخي لا نقرأ لعاصم. وقد أكثر عنه البخاري في " صحيحه ". قلت: وكان شيخا لا يخضب، وأخوه أحفظ منه.
قال مطين: مات عثمان في ثالث المحرم سنة تسع وثلاثين ومائتين. وفيها مات عبد الله بن عمر بن أبان بالكوفة، وحكيم بن سيف بالرقة، والحسن بن حماد الوراق الصيني، ومحمد بن العباس صاحب الشامة، ومحمد بن مهران الرازي الجمالي، ووهب بن بقية، والصلت بن مسعود الجحدري، قاضي سامراء، وداود بن رشيد، ومحمود بن غيلان، ومحمد بن النضر بن مساور، وإبراهيم بن يوسف البلخي.
أخبرنا عبد الحافظ، ويوسف الحجار، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا ابن إدريس وجرير عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله تعالى فيها خيرا إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة أخرجه مسلم عن عثمان.(أعلام/2249)
عثمان بن حنيف (ت، س، ق)
ابن واهب بن عكيم بن ثعلبة بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن حنش بن عوف بن عمرو بن عوف. الأنصاري الأوسي القبائي.
أخو سهل بن حنيف. ووالد: عبد الله، وحارثة، والبراء، ومحمد، وعبد الله.
وأم سهل من جلة الأنصار.
ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي مجلز: أن عمر وجه عثمان بن حنيف على خراج السواد، ورزقه كل يوم ربع شاة وخمسة دراهم. وأمره أن يمسح السواد، عامره وغامره ولا يمسح سبخة. ولا تلا، ولا أجمة، ولا مستنقع ماء.
فمسح كل شيء دون جبل حلوان إلى أرض العرب، وهو أسفل الفرات. وكتب إلى عمر: إني وجدت كل شيء بلغه الماء، غامرا وعامرا، ستة وثلاثين ألف جريب - وكان ذراع عمر الذي ذرع به السواد ذراعا وقبضة والإبهام مضجعة.
وكتب إليه: أن افرض الخراج على كل جريب، عامر أو غامر، درهما وقفيزا وافرض على الكرم، على كل جريب عشرة دراهم، وأطعمهم النخل والشجر، وقال: هذا قوة لهم على عمارة بلادهم.
وفرض على الموسر ثمانية وأربعين درهما، وعلى من دون ذلك أربعة وعشرين درهما، وعلى من لم يجد شيئا اثني عشر درهما، ورفع عنهم الرق بالخراج الذي وضعه في رقابهم.
فحمل من خراج سواد الكوفة إلى عمر في أول سنة ثمانون ألف ألف درهم، ثم حمل من قابل مائة وعشرون ألف ألف درهم. فلم يزل على ذلك.
حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن ميمون، قال: جئت فإذا عمر واقف على حذيفة، وعثمان بن حنيف، وهو يقول: تخافان أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق؟ قال عثمان: لو شئت لأضعفت على أرضي. وقال حذيفة: لقد حملت الأرض شيئا هي له مطيقة. فجعل يقول: انظرا ما لديكما، والله لئن سلمني الله لأدعن أرامل العراق لا يحتجن. فما أتت عليه رابعة حتى أصيب.(أعلام/2250)
قال ابن سعد: قتل عثمان، وفارق ابن كريز البصرة، فبعث علي عليها عثمان بن حنيف واليا ; فلم يزل حتى قدم عليه طلحة والزبير، فقاتلهما ومعه حكيم بن جبلة العبدي. ثم توادعوا، حتى يقدم علي.
ثم كانت ليلة ذات ريح وظلمة، فأقبل أصحاب طلحة، فقتلوا حرس عثمان بن حنيف ودخلوا عليه، فنتفوا لحيته وجفون عينيه، وقالوا: لولا العهد لقتلناك. فقال: إن أخي وال لعلي على المدينة، ولو قتلتموني لقتل من بالمدينة من أقارب طلحة والزبير.
ثم سجن. وأخذوا بيت المال.
وكان يكنى: أبا عبد الله. توفي في خلافة معاوية وله عقب.
ولعثمان حديث لين في " مسند أحمد ".(أعلام/2251)
عثمان بن خرزاذ (س)
هو: الحافظ، الثبت، شيخ الإسلام أبو عمرو بن أبي أحمد، وهو: عثمان بن عبد الله بن محمد بن خرزاذ الطبري، ثم البصري، نزيل أنطاكية وعالمها.
ولد قبل المائتين.
وسمع من: عفان بن مسلم، وقرة بن حبيب، وعمرو بن مرزوق، وعمرو بن خالد الحراني، وفروة بن أبي المغراء، وأبي الوليد الطيالسي، وسعيد بن منصور، وعبد السلام بن مطهر، وموسى بن إسماعيل، ويحيى بن بكير، ويحيى الحماني.
وإبراهيم بن الحجاج السامي، وإبراهيم بن محمد بن عرعرة، وأحمد بن جناب، وأحمد بن يونس، وأمية بن بسطام، وبكار بن محمد السيريني والحكم بن موسى، وسعيد بن كثير بن عفير، وسهل بن بكار، وشيبان بن فروخ، وسليمان بن بنت شرحبيل، وأبي معمر المقعد، وعبيد الله ابن عائشة، وعمرو بن عون الواسطي، ومحمد بن سنان العوقي، ومسدد، وعدة. وجمع وصنف.
حدث عنه: النسائي، وأبو حاتم الرازي -مع تقدمه- وأبو عوانة في " صحيحه "، ومحمد بن المنذر شكر، وحاجب بن أركين، وأحمد بن عمرو بن جابر الرملي، وأبو الحسن بن جوصا، وخيثمة الأطرابلسي، وعلي بن الحسن بن العبد البصري
صاحب أبي داود، وأبو بكر محمد بن أحمد بن محمويه الأهوازي، ومحمد بن إسماعيل الفارسي، ومحمد بن علي بن حمزة الأنطاكي، وهشام بن محمد بن جعفر الكندي، وأبو القاسم الطبراني بالإجازة، وخلق كثير.
قال عبد الغني بن سعيد الحافظ: عثمان بن خرزاذ هو عثمان بن عبد الله. كذا يقول أبو عبد الرحمن -وهو عثمان بن صالح- كما حدثني أبو طاهر السدوسي: حدثنا أبي، حدثني عثمان بن صالح، ويعرف صالح بخرزاذ.
وقال ابن أبي حاتم: كان رفيق أبي في كتابة الحديث، في بعض الجزيرة والشام، وهو صدوق، أدركته ولم أسمع منه.
وقال أبو بكر بن محمويه الأهوازي: أحفظ من رأيت عثمان بن خرزاذ.
قال ابن منده: كان أحد الحفاظ.
وقال الحاكم: ثقة مأمون.(أعلام/2252)
قال محمد بن بركة الحلبي: سمعت عثمان بن خرزاذ يقول: يحتاج صاحب الحديث إلى خمس، فإن عدمت واحدة، فهي نقص، يحتاج إلى عقل جيد، ودين وضبط وحذاقة بالصناعة، مع أمانة تعرف منه.
قلت: الأمانة جزء من الدين، والضبط داخل في الحذق، فالذي يحتاج إليه الحافظ أن يكون تقيا ذكيا، نحويا لغويا، زكيا حييا، سلفيا، يكفيه أن يكتب بيده مائتي مجلد، ويحصل من الدواوين المعتبرة خمسمائة مجلد، وأن لا يفتر من طلب العلم إلى الممات، بنية خالصة وتواضع، وإلا فلا يتعن.
قال سليمان بن أحمد الطبراني: أخبرنا عثمان بن خرزاذ في كتابه - وقد رأيته-: دخلنا عليه بأنطاكية وهو عليل مسبوت، فلم أسمع منه شيئا، وعاش بعد خروجي من أنطاكية ثلاث سنين ونيفا.
وقال أبو يعقوب الأذرعي: توفي عثمان بن خرزاذ بأنطاكية في ذي الحجة، سنة إحدى وثمانين ومائتين.
وأما أبو سعيد بن يونس، فقال: مات في المحرم سنة اثنتين وثمانين وكذا أرخه عمرو بن دحيم.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن عذير الدمشقي مرات، أخبرنا عبد الصمد بن محمد القاضي، سنة تسع وستمائة، وأنا في الرابعة، أخبرنا علي بن المسلم الفقيه، أخبرنا الحسين بن طلاب، أخبرنا محمد بن أحمد الغساني، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن صدقة، حدثنا عثمان بن خرزاذ، حدثنا المشرف بن أبان، حدثنا عمرو بن جرير، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خير موضع في المسجد خلف الإمام.
عمرو بن جرير هو: أبو سعيد البجلي، كذبه أبو حاتم.(أعلام/2253)
عثمان بن طلحة (م، د)
ابن أبي طلحة، عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدري الحجبي. حاجب البيت الحرام وأحد المهاجرين هاجر مع خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص إلى المدينة.
له رواية خمسة أحاديث ; منها واحد في " صحيح مسلم " ثم دفع إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة يوم الفتح. حدث عنه: ابن عمر، وعروة بن الزبير، وابن عمه شيبة بن عثمان الحاجب.
قالت صفية بنت شيبة: أخبرتني امرأة من بني سليم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من الكعبة، أمر عثمان بن طلحة أن يغيب قرني الكبش، يعني كبش الذبيح، وقال: لا ينبغي للمصلي أن يصلي وبين يديه شيء يشغله.
وقد قتل أبوه طلحة يوم أحد مشركا.
وروى عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم - يعني الحجابة.
قال الهيثم والمدائني: توفي سنة إحدى وأربعين.
وقال خليفة: توفي سنة اثنتين وأربعين.(أعلام/2254)
عثمان بن مظعون
ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب الجمحي، أبو السائب.
من سادة المهاجرين، ومن أولياء الله المتقين الذين فازوا بوفاتهم في حياة نبيهم فصلى عليهم، وكان أبو السائب - رضي الله عنه - أول من دفن بالبقيع.
روى كثير بن زيد المدني: عن المطلب بن عبد الله، قال: لما دفن النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن مظعون، قال لرجل: " هلم تلك الصخرة، فاجعلها عند قبر أخي، أعرفه بها، أدفن إليه من دفنت من أهلي "، فقام الرجل فلم يطقها، فقال - يعني الذي حدثه -: فلكأني أنظر إلى بياض ساعدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين احتملها، حتى وضعها عند قبره هذا مرسل.
قال سعيد بن المسيب: سمعت سعدا يقول: رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا.
قال أبو عمر النمري: أسلم أبو السائب بعد ثلاثة عشر رجلا، وهاجر الهجرتين، وتوفي بعد بدر، وكان عابدا مجتهدا، وكان هو، وعلي، وأبو ذر هموا أن يختصوا.
وروي من مراسيل عبيد الله بن أبي رافع قال: أول من دفن ببقيع الغرقد عثمان بن مظعون، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند رأسه حجرا، وقال: " هذا قبر فرطنا ".
وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية.
ابن المبارك: عن عمر بن سعيد، عن ابن سابط: قال عثمان بن مظعون: لا أشرب شرابا يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي. فلما حرمت الخمر قال: تبا لها، قد كان بصري فيها ثاقبا.(أعلام/2255)
هذا خبر منقطع لا يثبت، وإنما حرمت الخمر بعد موته. سفيان بن وكيع، حدثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، حدثني أبو النضر، عن زياد، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، دخل على عثمان بن مظعون حين مات، فأكب عليه، فرفع رأسه، فكأنهم رأوا أثر البكاء، ثم جثا الثانية، ثم رفع رأسه، فرأوه يبكي، ثم جثا الثالثة، فرفع رأسه وله شهيق، فعرفوا أنه يبكي، فبكى القوم، فقال: " مه، هذا من الشيطان. ثم قال: أستغفر الله. أبا السائب، لقد خرجت منها ولم تلبس منها بشيء ".
حماد بن سلمة: عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: لما مات ابن مظعون قالت امرأته: هنيئا لك الجنة. فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر غضب، وقال: " ما يدريك؟ قالت: فارسك وصاحبك. قال: إني رسول الله، وما أدري ما يفعل بي ولا به. فأشفق الناس على عثمان بن مظعون، فبكى النساء، فجعل عمر يسكتهن، فقال: مهلا يا عمر. ثم قال: إياكن ونعيق الشيطان، مهما كان من العين فمن الله ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان ".
يعلى بن عبيد: حدثنا الإفريقي، عن سعد بن مسعود أن عثمان بن مظعون قال: يا رسول الله، لا أحب أن ترى امرأتي عورتي. قال: " ولم؟ " قال: أستحيي من ذلك. قال: " إن الله قد جعلها لك لباسا، وجعلك لباسا لها " هذا منقطع.
ابن أبي ذئب، عن الزهري أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي، ويسيح في الأرض، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أليس لك في أسوة حسنة، وليس من أمتي من اختصى أو خصى ".(أعلام/2256)
أبو إسحاق السبيعي: عن أبي بردة: دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرأينها سيئة الهيئة، فقلن لها: ما لك؟ فما في قريش أغنى من بعلك. قالت: أما ليله فقائم، وأما نهاره فصائم، فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " أما لك بي أسوة ". . . الحديث.
قال: فأتتهن بعد ذلك عطرة كأنها عروس.
حماد بن زيد: حدثنا معاوية بن عياش، عن أبي قلابة أن عثمان بن مظعون قعد يتعبد، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " يا عثمان، إن الله لم يبعثني بالرهبانية، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة ".
عن عائشة بنت قدامة قالت: نزل عثمان، وقدامة، وعبد الله، بنو مظعون، ومعمر بن الحارث، حين هاجروا، على عبد الله بن سلمة العجلاني. قال الواقدي: آل مظعون ممن أوعب في الخروج إلى الهجرة، وغلقت بيوتهم بمكة.
وعن عبيد الله بن عتبة قال: خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لآل مظعون موضع دارهم اليوم بالمدينة.
ومات في شعبان سنة ثلاث.
الثوري: عن عاصم بن عبيد الله عن القاسم بن محمد، عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل عثمان بن مظعون وهو ميت، ودموعه تسيل على خد عثمان بن مظعون صححه الترمذي.
مالك: عن أبي النضر قال: لما مر بجنازة عثمان بن مظعون قال رسول الله: " ذهبت ولم تلبس منها بشيء ".(أعلام/2257)
إبراهيم بن سعد: عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد، عن أم العلاء من المبايعات، فذكرت أن عثمان بن مظعون اشتكى عندهم، فمرضناه حتى توفي، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: شهادتي عليك أبا السائب. لقد أكرمك الله. فقال رسول الله: " وما يدريك؟ قلت: لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله فمن؟ قال: أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، وإني لرسول الله، وما أدري ما يفعل بي. قالت: فوالله لا أزكي بعده أحدا. قالت: فأحزنني ذلك، فنمت، فرأيت لعثمان عينا تجري، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ذاك عمله ".
حماد بن سلمة: حدثنا علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس بنحوه، وزاد: فلما ماتت بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: " الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون ".
الواقدي: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله أن عمر قال: لما توفي عثمان بن مظعون ولم يقتل، هبط من نفسي، حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: ويك إن خيارنا يموتون، ثم توفي أبو بكر، قال: فرجع عثمان في نفسي إلى المنزلة.
وعن عائشة بنت قدامة قالت: كان بنو مظعون متقاربين في الشبه. كان عثمان شديد الأدمة، كبير اللحية - رضي الله عنه -.(أعلام/2258)
عدي
الشيخ الإمام الصالح القدوة، زاهد وقته أبو محمد، عدي بن صخر الشامي، وقيل: عدي بن مسافر -وهذا أشهر- بن إسماعيل بن موسى الشامي، ثم الهكاري مسكنا.
قال الحافظ عبد القادر: ساح سنين كثيرة، وصحب المشايخ، وجاهد أنواعا من المجاهدات، ثم إنه سكن بعض جبال الموصل في موضع ليس به أنيس، ثم آنس الله تلك المواضع به، وعمرها ببركاته، حتى صار لا يخاف أحد بها بعد قطع السبل، وارتد جماعة من مفسدي الأكراد ببركاته، وعمر حتى انتفع به خلق، وانتشر ذكره. وكان معلما للخير، ناصحا متشرعا، شديدا في الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، عاش قريبا من ثمانين سنة، ما بلغنا أنه باع شيئا ولا اشترى، ولا تلبس بشيء من أمر الدنيا، كانت له غليلة يزرعها بالقدوم في الجبل، ويحصدها، ويتقوت، وكان يزرع القطن، ويكتسي منه، ولا يأكل من مال أحد شيئا، وكانت له أوقات لا يرى فيها محافظة على أوراده، وقد طفت معه أياما في سواد الموصل، فكان يصلي معنا العشاء، ثم لا نراه إلى الصبح.
ورأيته إذا أقبل إلى قرية يتلقاه أهلها من قبل أن يسمعوا كلامه تائبين رجالهم ونساؤهم إلا من شاء الله منهم، ولقد أتينا معه على دير رهبان، فتلقانا منهم راهبان، فكشفا رأسيهما، وقبلا رجليه، وقالا: ادع لنا فما نحن إلا في بركاتك، وأخرجا طبقا فيه خبز وعسل، فأكل الجماعة.
وخرجت إلى زيارة الشيخ أول مرة، فأخذ يحادثنا، ويسأل الجماعة، ويوانسهم، وقال: رأيت البارحة في النوم كأننا في الجنة ونحن ينزل علينا شيء كالبرد. ثم قال: الرحمة، فنظرت إلى فوق رأسي، فرأيت ناسا، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل: أهل السنة والصيت للحنابلة، وسمعت شخصا يقول له: يا شيخ، لا بأس بمداراة الفاسق. فقال: لا يا أخي، دين مكتوم دين ميشوم.(أعلام/2259)
وكان يواصل الأيام الكثيرة على ما اشتهر عنه، حتى إن بعض الناس كان يعتقد أنه لا يأكل شيئا قط، فلما بلغه ذلك أخذ شيئا، وأكله بحضرة الناس، واشتهر عنه من الرياضات والسير والكرامات والانتفاع به ما لو كان في الزمان القديم لكان أحدوثة.
ورأيته قد جاء إلى الموصل في السنة التي مات فيها، فنزل في مشهد خارج الموصل، فخرج إليه السلطان وأصحاب الولايات والمشايخ والعوام حتى آذوه مما يقبلون يده، فأجلس في موضع بينه وبين الناس شباك بحيث لا يصل إليه أحد إلا رؤية، فكانوا يسلمون عليه، وينصرفون، ثم رجع إلى زاويته.
وقال ابن خلكان أصله من بيت فار من بلاد بعلبك، وتوجه إلى جبل الهكارية، وانقطع، وبنى له زاوية، ومال إليه أهل البلاد ميلا لم يسمع بمثله، وسار ذكره في الآفاق، وتبعه خلق جاوز اعتقادهم فيه الحد، حتى جعلوه قبلتهم التي يصلون إليها، وذخيرتهم في الآخرة، صحب الشيخ عقيلا المنبجي، والشيخ حمادا الدباس وغيرهما، وعاش تسعين سنة، وتوفي سنة سبع وخمسين وخمسمائة.
قال مظفر الدين صاحب إربل: رأيت الشيخ عدي بن مسافر وأنا صغير بالموصل، وهو شيخ ربعة، أسمر اللون، رحمه الله.
قلت: نقل الحافظ الضياء عن شيخ له أن وفاته كانت في يوم عاشوراء من السنة.(أعلام/2260)
عدي بن حاتم (ع)
ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي، الأمير الشريف، أبو وهب وأبو طريف الطائي، صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولد حاتم طيئ. الذي يضرب بجوده المثل.
وفد عدي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في وسط سنة سبع، فأكرمه واحترمه.
له أحاديث.
روى عنه: الشعبي، ومحل بن خليفة، وسعيد بن جبير، وخيثمة بن عبد الرحمن، وتميم بن طرفة، وعبد الله بن معقل المزني، ومصعب بن سعد، وهمام بن الحارث، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون.
وكان أحد من قطع برية السماوة مع خالد بن الوليد إلى الشام، وقد وجهه خالد بالأخماس إلى الصديق. . نزل الكوفة مدة ثم قرقيسيا من الجزيرة.
أيوب السختياني: عن ابن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، قال: كنت أسأل الناس عن حديث عدي بن حاتم وهو إلى جنبي لا آتيه، ثم أتيته فسألته، فقال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فكرهته، ثم كنت بأرض الروم، فقلت: لو أتيت هذا الرجل، فإن كان صادقا، تبعته، فلما قدمت المدينة، استشرفني الناس، فقال لي: يا عدي! أسلم تسلم، قلت: إن لي دينا، قال: أنا أعلم بدينك منك، ألست ترأس قومك؟ قلت: بلى قال: ألست ركوسيا تأكل المرباع؟ قلت: بلى. قال: فإن ذلك لا يحل لك في دينك. فتضعضعت لذلك. ثم قال: يا عدي! أسلم تسلم. فأظن مما يمنعك أن تسلم خصاصة تراها بمن حولي، وأنك ترى الناس علينا إلبا واحدا. هل أتيت الحيرة؟ قلت: لم آتها، وقد علمت مكانها. قال: توشك الظعينة أن ترتحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، ولتفتحن علينا كنوز كسرى. قلت: كسرى بن هرمز! قال: كسرى بن هرمز، وليفيضن المال حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة.
قال عدي: فلقد رأيت اثنتين، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة، يعني فيض المال.(أعلام/2261)
روى قيس بن أبي حازم، أن عدي بن حاتم جاء إلى عمر، فقال: أما تعرفني؟ قال: أعرفك، أقمت إذ كفروا، ووفيت إذ غدروا، وأقبلت إذ أدبروا.
قال ابن عيينة: حدثت عن الشعبي، عن عدي، قال: ما دخل وقت صلاة حتى أشتاق إليها.
وعنه: ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء.
قال أبو عبيدة: كان عدي بن حاتم على طيئ يوم صفين مع علي.
وروى سعيد بن عبد الرحمن، عن ابن سيرين، قال: لما قتل عثمان، قال عدي: لا ينتطح فيها عنزان ففقئت عينه يوم صفين، فقيل له: أما قلت: لا ينتطح فيها عنزان، قال: بلى وتفقأ عيون كثيرة. وقيل: قتل ولده يومئذ.
قال أبو إسحاق: رأيت عديا رجلا جسيما أعور، يسجد على جدار ارتفاعه نحو ذراع.
قال أبو حاتم السجستاني: قالوا: عاش عدي بن حاتم مائة وثمانين سنة.
جرير: عن مغيرة قال: خرج عدي، وجرير البجلي وحنظلة الكاتب من الكوفة، فنزلوا قرقيسياء، وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان.
قال ابن الكلبي: مات عدي سنة سبع وستين وله مائة وعشرون سنة.
وقال ابن سعد: سنة ثمان وستين وقيل: سنة ست وستين.(أعلام/2262)
عدي بن زيد
ابن الحمار العبادي التميمي النصراني فجاهلي من فحول الشعراء، ذكرته للتمييز، وهو أحد الفحول الأربعة الذين هم: هو وطرفة بن العبد وعبيد بن الأبرص وعلقمة بن عبدة.
وأما صاحب الأغاني فقيد جده الخمار بمعجمة مضمومة. وهو القائل:
أين أهل الديار من قوم نوح
ثم عاد من بعدهم وثمود
أين آباؤنا وأين بنوهم
أين آباؤهم وأين الجدود
سلكوا منهج المنايا فبادوا
وأرانا قد حان منا ورود
بينما هم على الأسرة والأنما
ط أفضت إلى التراب الخدود
ثم لم ينقض الحديث ولكن
بعد ذاك الوعيد والموعود
وأطباء بعدهم لحقوهم
ضل عنهم صعوطهم واللدود
وصحيح أضحى يعود مريضا
هو أدنى للموت ممن يعود
وهذه الكلمة السائرة له أيضا: أيها الشامت المعير بالده ر أأنت المبرأ الموفور فذكر القصيدة وأظنه مات في الفترة. والله أعلم.(أعلام/2263)
عراك بن مالك (ع)
الغفاري المدني، أحد العلماء العاملين.
روى عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وزينب بنت أبي سلمة، وعن عائشة. فقيل: لم يسمع فيها.
حدث عنه ولده خثيم، ويزيد بن أبي حبيب، وبكير بن الأشج، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وجعفر بن ربيعة، وعدة.
وثقه أبو حاتم وغيره.
وكان يسرد الصوم. وقال عمر بن عبد العزيز: ما أعلم أحدا أكثر صلاة من عراك بن مالك. قيل: وكان عراك يحرض عمر بن عبد العزيز على انتزاع ما بأيدي بني أمية من الأموال والفيء، فلما استخلف يزيد بن عبد الملك نفى عراكا إلى جزيرة دهلك من غربي اليمن. فمات هناك -رحمه الله- في إمرة يزيد المذكور. حديثه في الكتب كلها، وليس هو بالكثير الرواية، لعله توفي في سنة أربع ومائة أو قبلها.(أعلام/2264)
عروة (ع)
ابن حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمته صفية، الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، الإمام، عالم المدينة، أبو عبد الله القرشي الأسدي، المدني، الفقيه، أحد الفقهاء السبعة.
حدث عن أبيه بشيء يسير لصغره، وعن أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وعن خالته أم المؤمنين عائشة، ولازمها وتفقه بها.
وعن سعيد بن زيد، وعلي بن أبي طالب، وسهل بن أبي حثمة، وسفيان بن عبد الله الثقفي، وجابر، والحسن، والحسين، ومحمد بن مسلمة، وأبي حميد، وأبي هريرة وابن عباس، وزيد بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، والمغيرة بن شعبة، وأسامة بن زيد، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وابنه عبد الله بن عمرو، وأم هانئ بنت أبي طالب، وقيس بن سعد بن عبادة، وحكيم بن حزام، وابن عمر، وخلق سواهم.
وعنه بنوه: يحيى وعثمان وهشام ومحمد، وسليمان بن يسار، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابن شهاب، وصفوان بن سليم، وبكر بن سوادة، ويزيد بن أبي حبيب، وأبو الزناد، ومحمد بن المنكدر، وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن، وهو يتيم عروة، وصالح بن كيسان، وحفيده عمر بن عبد الله بن عروة، وابن أخيه محمد بن جعفر بن الزبير، وخلق سواهم.
قال خليفة ولد عروة سنة ثلاث وعشرين. فهذا قول قوي، وقيل: مولده بعد ذلك.
قال مصعب بن عبد الله: ولد لست سنين خلت من خلافة عثمان.
وقال مرة: ولد سنة تسع وعشرين.(أعلام/2265)
ويشهد لهذا ما رواه هشام بن عروة عن أبيه قال: أذكر أن أبي الزبير كان ينقزني ويقول: مبارك من ولد الصديق أبيض من آل أبي عتيق ألذه كما ألذ ريقي قال الزبير بن بكار: حدثنا محمد بن الضحاك، قال: قال عروة: وقفت وأنا غلام أنظر إلى الذين قد حصروا عثمان - رضي الله عنه - وقد مشى أحدهم على الخشبة ليدخل إلى عثمان، فلقيه عليها أخي عبد الله بن الزبير، فضربه ضربة طاح قتيلا على البلاط، فقلت لصبيان معي: قتله أخي. فوثب علي الذين حصروا عثمان، فكشفوني، فوجدوني لم أنبت، فخلوني. هذه حكاية منقطعة.
أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، قال: رددت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن يوم الجمل، استصغرنا.
قال يحيى بن معين: كان عمره يومئذ ثلاث عشرة سنة، فكل هذا مطابق ; لأنه ولد في سنة ثلاث وعشرين.
وقال الزبير: حدثني علي بن صالح، حدثني عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير، عن هشام بن عروة عن أبيه، أنه قدم البصرة على ابن عباس وهو عامل عليها، فيقال أنشده:
أمت بأرحام إليك قريبة
ولا قرب بالأرحام ما لم تقرب
فقال لعروة: من قال هذا؟ قال: أبو أحمد بن جحش. قال ابن عباس: فهل تدري ما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. قال: قال له: " صدقت " ثم قال لي: ما أقدمك البصرة؟ قلت: اشتدت الحال، وأبى عبد الله أن يقسم سبع حجج وتألى حتى يقضي دين الزبير، قال: فأجازني وأعطاني، ثم لحق عروة بمصر، فأقام بها بعد.
ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، قال: كنت أتعلق بشعر في ظهر أبي.(أعلام/2266)
ويروى عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، قال: كنا في خلافة معاوية، وإلى آخرها، نجتمع في حلقة بالمسجد، بالليل، أنا، ومصعب وعروة ابنا الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبد الملك بن مروان، وعبد الرحمن بن المسور، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وكنا نتفرق بالنهار، فكنت أنا أجالس زيد بن ثابت وهو مترئس بالمدينة في القضاء، والفتوى، والقراءة، والفرائض، في عهد عمر، وعثمان، وعلي، ثم كنت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن نجالس أبا هريرة، وكان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة.
قال هشام، عن أبيه: ما ماتت عائشة حتى تركتها قبل ذلك بثلاث سنين.
مبارك بن فضالة، عن هشام. عن أبيه، أنه كان يقول لنا ونحن شباب: ما لكم لا تعلمون، إن تكونوا صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار قوم، وما خير الشيخ أن يكون شيخا وهو جاهل. لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج وأنا أقول: لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته، ولقد كان يبلغني عن الصحابي الحديث فآتيه، فأجده قد قال، فأجلس على بابه، ثم أسأله عنه.
عثمان بن عبد الحميد اللاحقي: حدثنا أبي قال: قال عمر بن عبد العزيز: ما أجد أعلم من عروة بن الزبير، وما أعلمه يعلم شيئا أجهله.
قال أبو الزناد: فقهاء المدينة أربعة: سعيد، وعروة، وقبيصة، وعبد الملك بن مروان.
ابن المديني، عن سفيان، عن الزهري، قال: رأيت عروة بحرا لا تكدره الدلاء.
يحيى بن أيوب، عن هشام، قال: والله ما تعلمنا جزءا من ألفي جزء أو ألف جزء من حديث أبي. الأصمعي، عن مالك، عن الزهري، قال: سألت ابن صعير عن شيء من الفقه، فقال: عليك بهذا، وأشار إلى ابن المسيب، فجالسته سبع سنين لا أرى أن عالما غيره، ثم تحولت إلى عروة، ففجرت به ثبج بحر.(أعلام/2267)
ابن أبي الزناد: حدثني عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن، قال: دخلت مع أبي المسجد، فرأيت الناس قد اجتمعوا على رجل، فقال أبي: انظر من هذا ; فنظرت فإذا هو عروة، فأخبرته وتعجبت، فقال: يا بني، لا تعجب ; لقد رأيت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه.
ابن عيينة، عن الزهري، قال: كان عروة يتألف الناس على حديثه.
وقال ابن نمير، عن هشام، عن أبيه، قال: كان يقال: أزهد الناس في عالم أهله. معمر، عن هشام، عن أبيه، أنه أحرق كتبا له فيها فقه، ثم قال: لوددت لو أني كنت فديتها بأهلي ومالي.
ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: ما رأيت أحدا أروى للشعر من عروة. فقيل له: ما أرواك للشعر! فقال: ما روايتي ما في رواية عائشة، ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا.
ضمرة، عن ابن شوذب، قال: كان عروة يقرأ ربع القرآن كل يوم في المصحف نظرا، ويقوم به الليل، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله ; وكان وقع فيها الآكلة فنشرت، وكان إذا كان أيام الرطب يثلم حائطه، ثم يأذن للناس فيه، فيدخلون يأكلون ويحملون.
الزبير في " النسب ": حدثنا يحيى بن عبد الملك الهديري، عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله المخزومي، عن أبيه، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال: العلم لواحد من ثلاثة: لذي حسب يزينه به، أو ذي دين يسوس به دينه، أو مختبط سلطانا يتحفه بعلمه، ولا أعلم أحدا أشرط لهذه الخلال من عروة، وعمر بن عبد العزيز.
أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، قال: لما اتخذ عروة قصره بالعقيق قال له الناس: جفوت مسجد رسول الله! قال: رأيت مساجدهم لاهية، وأسواقهم لاغية، والفاحشة في فجاجهم عالية ; فكان فيما هنالك - عما هم فيه - عافية.(أعلام/2268)
مصعب الزبيري، عن جده، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: بعث إلي معاوية مقدمه المدينة، فكشفني وسألني، واستنشدني، ثم قال لي: أتروي قول جدتك صفية بنت عبد المطلب: خالجت آباد الدهور عليهم وأسماء لم تشعر بذلك أيم فلو كان زبر مشركا لعذرته ولكنه - قد يزعم الناس - مسلم
قلت: نعم، وأروي قولها:
ألا أبلغ بني عمي رسولا
ففيم الكيد فينا والإمار
وسائل في جموع بني علي
إذا كثر التناشد والفخار
بأنا لا نقر الضيم فينا
ونحن لمن توسمنا نضار
متى نقرع بمروتكم نسؤكم
وتظعن من أماثلكم ديار
ويظعن أهل مكة وهي سكن
هم الأخيار إن ذكر الخيار
مجازيل العطاء إذا وهبنا
وأيسار إذا حب القتار
ونحن الغافرون إذا قدرنا
وفينا عند عدوتنا انتصار
وأنا والسوابح يوم جمع
بأيديها وقد سطع الغبار
قال: وإنما قالت ذلك في قتل أبي أزيهر - تعير به أبا سفيان بن حرب، وكان صهره. قتله هشام بن الوليد وذكر القصة. فقال معاوية: حسبك يا ابن أخي، هذه بتلك.
ولعروة في قصره بالعقيق: بنيناه فأحسنا بناه بحمد الله في خير العقيق تراهم ينظرون إليه شزرا يلوح لهم على وضح الطريق فساء الكاشحين وكان غيظا لأعدائى وسر به صديقي يراه كل مختلف وسار ومعتمد إلى البيت العتيق
وقيل: لما فرغ من بنائه وبئاره دعا جماعة، فطعم الناس، وجعلوا يبركون وينصرفون.
الزبير: حدثني محمد بن حسن، عن محمد بن يعقوب بن عتبة، عن عبد الله بن عكرمة، عن عروة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يكون في آخر أمتي مسخ وخسف وقذف، وذلك عند ظهور شيء من عمل قوم لوط " قال عروة: فبلغني أنه قد ظهر شيء منه، فتنحيت عنها، وخشيت أن يقع وأنا بها، وبلغني أنه لا يصيب إلا أهل القصبة.
قال الزبير: وأخبرني إبراهيم بن حمزة مثله بمثل إسناده.(أعلام/2269)
وبئر عروة مشهور بالعقيق، طيب الماء، وفيه يقول الشاعر:
لو يعلم الشيخ غدوي بالسحر قصدا
إلى البئر التي كان حفر
في فتية مثل الدنانير غرر
وقاهم الله النفاق والضجر
بين أبي بكر وزيد وعمر
ثم الحواري لهم جد أغر
قد شمخ المجد هناك وازمخر
فهم عليها بالعشي والبكر
يسقون من جاء ولا يؤذى بشر
لزاد في الشكر وإن كان شكر
قال الزبير: حدثنا عمي مصعب بن عبد الله، قال: كان عبد الله بن الزبير قد باع ماله بالغابة الذي يعرف بالسقاية من معاوية بمائة ألف دينار، ثم قسمها في بني أسد وتيم، فاشتري مجاح لعروة من ذلك بألوف دنانير.
الزبير: حدثنا مصعب بن عثمان، عن عامر بن صالح، عن هشام بن عروة، قال: قدم عروة على عبد الملك بن مروان، فأجلسه معه على السرير، فجاء قوم فوقعوا في عبد الله بن الزبير، فخرج عروة وقال للآذن: إن عبد الله أخي، فإذا أردتم أن تقعوا فيه فلا تأذنوا لي عليكم. فذكروا ذلك لعبد الملك، فقال له عبد الملك: حدثوني بما قلت، وإن أخاك لم نقتله لعداوة ; ولكنه طلب أمرا وطلبناه، فقتلناه، وإن أهل الشام من أخلاقهم أن لا يقتلوا رجلا إلا شتموه، فإذا أذنا لأحد قبلك، فقد جاء من يشتمه، فانصرف. ثم إن عروة قدم على الوليد حين شئفت رجله فقيل: اقطعها، قال: أكره أن أقطع مني طائفا، فارتفعت إلى الركبة، فقيل له: إنها إن وقعت في ركبتك قتلتك. فقطعها، فلم يقبض وجهه. وقيل له قبل أن يقطعها: نسقيك دواء لا تجد لها ألما؟ فقال: ما يسرني أن هذا الحائط وقاني أذاها.
معمر، عن الزهري، قال: وقعت الآكلة في رجل عروة، فصعدت في ساقه، فبعث إليه الوليد، فحمل إليه ودعا الأطباء فقالوا: ليس له دواء إلا القطع. فقطعت فما تضور وجهه.(أعلام/2270)
عمرو بن عبد الغفار، حدثنا هشام، أن أباه وقعت في رجله الآكلة، فقيل: ألا ندعو لك طبيبا؟ قال: إن شئتم. فقالوا: نسقيك شرابا يزول فيه عقلك؟ فقال: امض لشأنك، ما كنت أظن أن خلقا يشرب ما يزيل عقله حتى لا يعرف به. فوضع المنشار على ركبته اليسرى، فما سمعنا له حسا، فلما قطعها جعل يقول: لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت. وما ترك جزءه بالقرآن تلك الليلة.
يعقوب الدورقي حدثنا عامر بن صالح، عن هشام بن عروة، أن أباه خرج إلى الوليد بن عبد الملك، حتى إذا كان بوادي القرى، وجد في رجله شيئا، فظهرت به قرحة، ثم ترقى به الوجع. وقدم على الوليد وهو في محمل، فقال: يا أبا عبد الله اقطعها، قال: دونك. فدعا له الطبيب، وقال: اشرب المرقد، فلم يفعل، فقطعها من نصف الساق، فما زاد أن يقول: حس، حس. فقال الوليد: ما رأيت شيخا قط أصبر من هذا.
وأصيب عروة بابنه محمد في ذلك السفر، ركضته بغلة في إصطبل، فلم يسمع منه في ذلك كلمة. فلما كان بوادي القرى قال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا اللهم كان لي بنون سبعة، فأخذت واحدا وأبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة، فأخذت طرفا وأبقيت ثلاثة ; ولئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت.
وعن عبد الله بن عروة، قال: نظر أبي إلى رجله في الطست، فقال: إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط، وأنا أعلم.
حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، أن أباه كان يسرد الصوم، وأنه قال: يا بني، سلوني ; فلقد تركت حتى كدت أنسى، وإني لأسأل عن الحديث، فيفتح لي حديث يومين.
قال الزهري: كان عروة يتألف الناس على حديثه.
أبو أسامة، عن هشام، أن أباه مات وهو صائم، وجعلوا يقولون له: أفطر. فلم يفطر.(أعلام/2271)
سليمان بن معبد: حدثنا الأصمعي، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: اجتمع في الحجر مصعب، وعبد الله، وعروة بنو الزبير، وابن عمر، فقالوا: تمنوا، فقال عبد الله: أما أنا، فأتمنى الخلافة. وقال عروة: أتمنى أن يؤخذ عني العلم. وقال مصعب: أما أنا، فأتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة، وسكينة بنت الحسين. وأما ابن عمر فقال: أتمنى المغفرة. فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غفر له.
معمر، عن الزهري، قال: كنت آتي عروة، فأجلس ببابه مليا، ولو شئت أن أدخل دخلت، فأرجع وما أدخل إعظاما له.
وعن أبي الأسود، عن عروة، قال: خطبت إلى ابن عمر بنته سودة ونحن في الطواف، فلم يجبني بشيء، فلما دخلت المدينة بعده، مضيت إليه، فقال: أكنت ذكرت سودة؟ قلت: نعم. قال: إنك ذكرتها ونحن في الطواف يتخايل الله بين أعيننا، أفلك فيها حاجة؟ قلت: أحرص ما كنت. قال: يا غلام، ادع عبد الله بن عبد الله، ونافعا مولى عبد الله. قال: قلت له: وبعض آل الزبير؟ قال: لا. قلت: فمولى خبيب؟ قال: ذاك أبعد. ثم قال لهما: هذا عروة بن أبي عبد الله، وقد علمتما حاله، وقد خطب إلي سودة، وقد زوجته إياها بما جعل الله للمسلمات على المسلمين من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعلى أن يستحلها بما يستحل به مثلها، أقبلت يا عروة؟ قلت: نعم قال: بارك الله لك.
قال هشام بن عروة: أقام ابن الزبير بمكة تسع سنين وعروة معه.(أعلام/2272)
وقال ابن عيينة: لما قتل ابن الزبير خرج عروة إلى المدينة بالأموال، فاستودعها وسار إلى عبد الملك، فقدم عليه قبل البريد بالخبر، فلما انتهى إلى الباب قال للبواب: قل لأمير المؤمنين: أبو عبد الله بالباب. فقال: من أبو عبد الله؟ قال: قل له كذا. فدخل فقال: ها هنا رجل عليه أثر السفر. قال: كيت وكيت، فقال: ذاك عروة فائذن له. فلما رآه زال له عن موضعه، وجعل يسأله: كيف أبو بكر؟ - يعني عبد الله بن الزبير - فقال: قتل رحمه الله. فنزل عبد الملك عن السرير، فسجد. فكتب إليه الحجاج: إن عروة قد خرج والأموال عنده. قال: فقال له عبد الملك في ذلك. فقال: ما تدعون الرجل حتى يأخذ سيفه فيموت كريما! فلما رأى ذلك، كتب إلى الحجاج: أن أعرض عن ذلك.
قال ابن خلكان: هو الذي حفر بئر عروة بالمدينة، وما بالمدينة أعذب من مائها.
جرير، عن هشام بن عروة، قال: ما سمعت أحدا من أهل الأهواء يذكر أبي بسوء.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: عروة بن الزبير تابعي ثقة، رجل صالح، لم يدخل في شيء من الفتن.
وقال ابن خراش: ثقة.
قال معاوية بن إسحاق، عن عروة، قال: ما بر والده من شد الطرف إليه.
عامر بن صالح، عن هشام بن عروة، قال: سقط أخي محمد - وأمه بنت الحكم بن أبي العاص - من أعلى سطح في إصطبل الوليد، فضربته الدواب بقوائمها فقتلته فأتى عروة رجل يعزيه، فقال: إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها. قال: بل أعزيك بمحمد ابنك. قال: وما له؟ فأخبره، فقال: اللهم أخذت عضوا وتركت أعضاء، وأخذت ابنا وتركت أبناء. فلما قدم المدينة أتاه ابن المنكدر، فقال: كيف كنت؟ قال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا.(أعلام/2273)
قال الزبير بن بكار: حدثني غير واحد أن عيسى بن طلحة جاء إلى عروة حين قدم، فقال عروة لبعض بنيه: اكشف لعمك رجلي، ففعل فقال عيسى: إنا والله - يا أبا عبد الله - ما أعددناك للصراع، ولا للسباق، ولقد أبقى الله منك لنا ما كنا نحتاج إليه، رأيك وعلمك. فقال: ما عزاني أحد مثلك.
قال ابن خلكان كان أحسن من عزاه إبراهيم بن محمد بن طلحة، فقال: والله ما بك حاجة إلى المشي، ولا أرب في السعي، وقد تقدمك عضو من أعضائك، وابن من أبنائك إلى الجنة، والكل تبع للبعض إن شاء الله. وقد أبقى الله لنا منك ما كنا إليه فقراء، من علمك ورأيك، والله ولي ثوابك والضمين بحسابك.
قال الزبير: توفي عروة وهو ابن سبع وستين سنة.
وقال ابن المديني، وأبو نعيم، وشباب: مات عروة سنة ثلاث وتسعين.
وقال الهيثم، والواقدي، وأبو عبيد، ويحيى بن معين، والفلاس: سنة أربع وتسعين.
وقال يحيى بن بكير: سنة خمس وقيل غير ذلك، ويقال: سنة إحدى ومائة، وليس هذا بشيء.
ذكر شيخنا أبو الحجاج في " تهذيبه ": من شيوخ عروة: أمه أسماء، وخالته، وأسماء بنت عميس، وأم حبيبة، وأم سلمة، وأم هانئ، وأم شريك فاطمة بنت قيس، وضباعة بنت الزبير، وبسرة بنت صفوان، وزينب بنت أبي سلمة، وعمرة الأنصارية.(أعلام/2274)
ومن الرواة عنه: بكر بن سوادة، وتميم بن سلمة، وجعفر الصادق، وجعفر بن مصعب، وحبيب بن أبي ثابت، وحبيب مولى عروة، وخالد بن أبي عمران قاضي إفريقية، وداود بن مدرك، والزبرقان بن عمرو بن أمية، وزميل مولى عروة، وسعد بن إبراهيم، وسعيد بن خالد الأموي، وسليمان بن عبد الله بن عويمر، وسليمان بن يسار، وشيبة الخضري، وصالح بن حسان، وصالح بن كيسان، وصفوان بن سليم، وعاصم بن عمر، وعبد الله بن إنسان الطائفي، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وأبو الزناد، وعبد الله الماجشون، وابن أبي مليكة، وابنه عبد الله بن عروة، وعبد الله بن نيار، وعبد الله البهي، وعبد الرحمن بن حميد الزهري، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وابنه عثمان، وعثمان بن الوليد، وعراك بن مالك، وعطاء بن أبي رباح، وعلي بن جدعان، وحفيده عمر بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز، وعمرو بن دينار، وعمران بن أبي أنس، ومجاهد بن وردان، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وابن أخيه محمد بن جعفر بن الزبير، وأبو الأسود يتيم عروة، وابنه محمد بن عروة، والزهري، وابن المنكدر، ومخلد بن خفاف، ومسافع بن شيبة، ومسلم بن قرط، ومعاوية بن إسحاق، ومنذر بن المغيرة، وموسى بن عقبة، وهشام ابنه، وهلال الوزان، والوليد بن أبي الوليد، ووهب بن كيسان، ويحيى بن أبي كثير - وقيل لم يسمع منه - ويزيد بن رومان، ويزيد بن خصيفة، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، ويزيد بن أبي يزيد، وأبو بردة بن أبي موسى، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وهما من أقرانه، وأبو بكر بن حفص الزهري. وقد روى رفيقه أبو سلمة أيضا عن عمر بن عبد العزيز، عن عروة.
قال ابن سعد كان عروة ثقة، ثبتا، مأمونا، كثير الحديث فقيها، عالما.
وقال أحمد العجلي: مدني ثقة، رجل صالح، لم يدخل في شيء من الفتن.(أعلام/2275)
وروى يوسف بن الماجشون، عن ابن شهاب، قال: كان إذا حدثني عروة، ثم حدثتني عمرة، صدق عندي حديث عمرة حديث عروة، فلما تبحرتهما إذا عروة بحر لا ينزف
الأصمعي: عن ابن أبي الزناد، قال: قال عروة: كنا نقول: لا نتخذ كتابا مع كتاب الله، فمحوت كتبي، فوالله لوددت أن كتبي عندي، إن كتاب الله قد استمرت مريرته.
علي بن المبارك الهنائي، عن هشام بن عروة، أن أباه كان يصوم الدهر إلا يوم الفطر ويوم النحر، ومات وهو صائم.
وقال هشام: قال أبي: رب كلمة ذل احتملتها أورثتني عزا طويلا.
وقال: ما حدثت أحدا بشيء من العلم قط لا يبلغه عقله إلا كان ضلالة عليه.
قال غير واحد: ولد عروة في آخر خلافة عمر وكان أصغر من أخيه عبد الله بعشرين سنة، وقيل غير ذلك.
يعقوب الفسوي عن عيسى بن هلال، عن شريح بن يزيد، عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عروة، قال: كنت غلاما، لي ذؤابتان، فقمت أركع ركعتين بعد العصر، فبصر بي عمر ومعه الدرة، فلما رأيته فررت منه، فلحقني، فأخذ بذؤابتي، قال: فنهاني. قلت: لا أعود.
الأشبه أن هذا جرى لأخيه عبد الله، أو جرى له مع عثمان.(أعلام/2276)
عطاء الخراساني (ع)
هو عطاء بن أبي مسلم المحدث، الواعظ نزيل دمشق والقدس.
أرسل عن أبي الدرداء، وابن عباس، والمغيرة بن شعبة وطائفة، وروى عن ابن المسيب، وعروة، وعطاء بن أبي رباح، وابن بريدة، ونافع، وعمرو بن شعيب، وعدة.
روى عنه: معمر، وشعبة، وسفيان، ومالك، وحماد بن سلمة، وإسماعيل بن عياش، وعدد كثير. حتى إن شيخه عطاء حدث عنه.
وثقه ابن معين، وقال الدارقطني: هو في نفسه ثقة، لكن لم يلق ابن عباس، يعني أنه يدلس.
وقال ابن معين: هو عطاء بن ميسرة، سمع من ابن عمر. وقال مالك: هو عطاء بن عبد الله. وقال النسائي: هو أبو أيوب، عطاء بن عبد الله، بلخي سكن الشام ليس به بأس. وقال مرة: هو عطاء بن ميسرة، وقال أحمد: ثقة. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة معروف بالفتوى والجهاد. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال حجاح بن محمد: حدثنا شعبة، حدثنا عطاء الخراساني، وكان نسيا. قال عثمان بن عطاء عن أبيه: قدمت المدينة وقد فاتني عامة الصحابة. وذكره البخاري في الضعفاء، والعقيلي، وابن حبان.
وقال الترمذي في " علله ": قال محمد -يعني البخاري: ما أعرف لمالك رجلا يروي عنه يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني. قلت: ما شأنه؟ قال: عامة أحاديثه مقلوبة، ثم قال الترمذي: هو ثقة، روى عنه مثل مالك، ومعمر، ولم أسمع أحدا من المتقدمين تكلم فيه.
قيل: إن الذي في تفسير سورة نوح من صحيح البخاري، هو عطاء الخراساني. وليس بجيد. بل هو عطاء بن أبي رباح. فعلى هذا لا شيء للخراساني في صحيح البخاري.
وقال ابن حبان: أصله من بلخ، وعداده في البصريين، وإنما قيل له: الخراساني، لأنه دخل إلى خراسان، وأقام، ثم رجع إلى العراق، وكان من خيار عباد الله. غير أنه كان رديء الحفظ، كثير الوهم. فلما كثر ذلك في روايته، بطل الاحتجاح به.
قلت: هذا القول فيه نظر.(أعلام/2277)
عثمان بن عطاء عن أبيه: أوثق عملي في نفسي نشر العلم. وكان يجلس أبي مع المساكين، فيعلمهم ويحدثهم. قال يزيد بن سمرة: سمعت عطاء الخراساني يقول: مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام.
قال إسماعيل بن عياش: قلت لعطاء الخراساني: من أين معاشك؟ قال: من صلة الإخوان، وجوائز السلطان.
قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: كنا نغازي عطاء الخراساني، وننزل متقاربين فكان يحيي الليل، ثم يخرج رأسه من خيمته فيقول: يا عبد الرحمن، يا هشام بن الغاز، يا فلان، قيام الليل، وصيام النهار أيسر من شرب الصديد، ولبس الحديد، وأكل الزقوم، والنجاء النجاء!
قال سعيد بن عبد العزيز: توفي بأريحا ودفن ببيت المقدس. وقال ابنه عثمان: مات أبي سنة خمس وثلاثين ومائة وقيل مولده سنة خمسين.(أعلام/2278)
عطاء بن أبي رباح (ع)
أسلم، الإمام شيخ الإسلام، مفتي الحرم، أبو محمد القرشي مولاهم المكي، يقال: ولاؤه لبني جمح، كان من مولدي الجند ونشأ بمكة، ولد في أثناء خلافة عثمان.
حدث عن عائشة، وأم سلمة، وأم هانئ، وأبي هريرة، وابن عباس، وحكيم بن حزام، ورافع بن خديج، وزيد بن أرقم، وزيد بن خالد الجهني، وصفوان بن أمية، وابن الزبير، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وجابر، ومعاوية، وأبي سعيد، وعدة من الصحابة. وأرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أبي بكر، وعتاب بن أسيد، وعثمان بن عفان، والفضل بن عباس، وطائفة.
وحدث أيضا عن عبيد بن عمير، ويوسف بن ماهك، وسالم بن شوال، وصفوان بن يعلى بن أمية، ومجاهد، وعروة، وابن الحنفية، وعدة. حتى إنه ينزل إلى أبي الزبير المكي، وابن أبي مليكة، وعبد الكريم أبي أمية البصري، وكان من أوعية العلم.(أعلام/2279)
حدث عنه مجاهد بن جبر، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو الزبير، وعمرو بن دينار، والقدماء، والزهري، وقتادة، وعمرو بن شعيب، ومالك بن دينار، والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل، والأعمش، وأيوب السختياني، ومطر الوراق، ومنصور بن زاذان، ومنصور بن المعتمر، ويحيى بن أبي كثير، وخلق من صغار التابعين، وأبو حنيفة، وجرير بن حازم، ويونس بن عبيد، وأسامة بن زيد الليثي، وإسماعيل بن مسلم المكي، والأسود بن شيبان، وأيوب بن موسى الفقيه، وأيوب بن عتبة اليمامي، وبديل بن ميسرة، وبرد بن سنان، وجعفر بن برقان، وجعفر الصادق، وحبيب بن الشهيد، وحجاج بن أرطاة، وحسين المعلم، وخصيف الجزري، ورباح بن أبي معروف المكي، ورقبة بن مصقلة، والزبير بن خريق، وزيد بن أبي أنيسة، وطلحة بن عمرو المكي، وعباد بن منصور الناجي، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وعبد الله بن أبي نجيح، وعبد الله بن المؤمل المخزومي، والأوزاعي، وعبد الملك بن أبي سليمان، وابن جريج، وعبد الواحد بن سليم البصري، وعبد الوهاب بن بخت، وعبيد الله بن عمر، وعثمان بن الأسود، وعسل بن سفيان، وعطاء الخراساني، وعفير بن معدان، وعقبة بن عبد الله الأصم، وعكرمة بن عمار، وعلي بن الحكم، وعمارة بن ثوبان، وعمارة بن ميمون، وعمر بن سعيد بن أبي حسين، وعمر بن قيس سندل، وفطر بن خليفة، وقيس بن سعد، وكثير بن شنظير، والليث بن سعد، ومبارك بن حسان، وابن إسحاق، ومحمد بن جحادة، ومحمد بن سعيد الطائفي، ومحمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، ومسلم البطين، ومعقل بن عبيد الله الجزري، ومغيرة بن زياد الموصلي.، وموسى بن نافع أبو شهاب الكوفي، وهمام بن يحيى، وعبد الله بن لهيعة، ويزيد بن إبراهيم التستري، وأبو عمرو بن العلاء، وأبو المليح الرقي، وأمم سواهم.(أعلام/2280)
قال علي ابن المديني: اسم أبي رباح أسلم مولى حبيبة بنت ميسرة بن أبي خثيم. وقال ابن سعد: هو مولى لبني فهر أو بني جمح، انتهت فتوى أهل مكة إليه وإلى مجاهد، وأكثر ذلك إلى عطاء. سمعت بعض أهل العلم يقول: كان عطاء أسود أعور أفطس أشل أعرج، ثم عمي، وكان ثقة، فقيها، عالما، كثير الحديث.
قال أبو داود: أبوه نوبي، وكان يعمل المكاتل، وكان عطاء أعور أشل أفطس أعرج أسود، قال: وقطعت يده مع ابن الزبير.
قال أبو عمرو بن العلاء: قلت لعطاء: إنك يومئذ لخنشليل بالسيف، قال: إنهم دخلوا علينا.
وقال جرير بن حازم: رأيت يد عطاء شلاء، ضربت أيام ابن الزبير.
وقال أبو المليح الرقي: رأيت عطاء أسود يخضب بالحناء.
وروى عباس عن ابن معين قال: كان عطاء معلم كتاب.
وعن خالد بن أبي نوف عن عطاء قال: أدركت مائتين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -.
الثوري، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن أمه أنها أرسلت إلى ابن عباس تسأله عن شيء، فقال: يا أهل مكة! تجتمعون علي وعندكم عطاء. وقال قبيصة عن سفيان بهذه ولكن جعله عن ابن عمر.
وقال بشر بن السري، عن عمر بن سعيد، عن أمه أنها رأت النبي -صلى الله عليه وسلم- في منامها فقال لها: سيد المسلمين عطاء بن أبي رباح.
وقال أبو عاصم الثقفي: سمعت أبا جعفر الباقر يقول للناس -وقد اجتمعوا-: عليكم بعطاء، هو -والله- خير لكم مني.
وعن أبي جعفر قال: خذوا من عطاء ما استطعتم.
وروى أسلم المنقري، عن أبي جعفر قال: ما بقي على ظهر الأرض أحد أعلم بمناسك الحج من عطاء.
عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه قال: ما أدركت أحدا أعلم بالحج من عطاء بن أبي رباح.(أعلام/2281)
أبو حفص الأبار، عن ابن أبي ليلى قال: دخلت على عطاء فجعل يسألني، فكأن أصحابه أنكروا ذلك، وقالوا: تسأله؟ قال: ما تنكرون؟ وهو أعلم مني، قال ابن أبي ليلى -وكان عالما بالحج-: قد حج زيادة على سبعين حجة. قال: وكان يوم مات ابن نحو مائة سنة، رأيته يشرب الماء في رمضان ويقول: قال ابن عباس: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له إني أطعم أكثر من مسكين.
ابن وهب، عن مالك قال: عمرو بن دينار، ومجاهد، وغيرهما من أهل مكة، لم يزالوا متناظرين حتى خرج عطاء بن أبي رباح إلى المدينة، فلما رجع إلينا استبان فضله علينا.
وروى إبراهيم بن عمر بن كيسان قال: أذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحج مناديا يصيح: لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح، فإن لم يكن عطاء، فعبد الله بن أبي نجيح.
قال أبو حازم الأعرج: فاق عطاء أهل مكة في الفتوى.
وروى همام عن قتادة قال: قال لي سليمان بن هشام: هل بالبلد -يعني مكة - أحد؟ قلت: نعم، أقدم رجل في جزيرة العرب علما، فقال: من؟ قلت: عطاء بن أبي رباح.
ابن أبي عروبة، عن قتادة -فيما يظن الراوي- قال: إذا اجتمع لي أربعة، لم ألتفت إلى غيرهم، ولم أبال من خالفهم: الحسن، وابن المسيب، وإبراهيم، وعطاء، هؤلاء أئمة الأمصار.
ضمرة، عن عثمان بن عطاء قال: كان عطاء أسود شديد السواد، ليس في رأسه شعر إلا شعرات، فصيحا إذا تكلم، فما قال بالحجاز قبل منه.
وقال ابن عيينة، عن إسماعيل بن أمية قال: كان عطاء يطيل الصمت، فإذا تكلم يخيل لنا أنه يؤيد.
وقال أسلم المنقري: جاء أعرابي يسأل، فأرشد إلى سعيد بن جبير، فجعل الأعرابي يقول: أين أبو محمد؟ فقال سعيد: ما لنا هاهنا مع عطاء شيء.(أعلام/2282)
وروى عبد الحميد الحماني، عن أبي حنيفة قال: ما رأيت فيمن لقيت أفضل من عطاء بن أبي رباح، ولا لقيت أكذب من جابر الجعفي، ما أتيته قط بشيء إلا جاءني فيه بحديث، وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث، من رأيي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينطق بها.
وقال محمد بن عبد الله الديباج ما رأيت مفتيا خيرا من عطاء، إنما كان مجلسه ذكر الله لا يفتر، وهم يخوضون، فإن تكلم أو سئل عن شيء أحسن الجواب.
وروى أيوب بن سويد، عن الأوزاعي قال: مات عطاء بن أبي رباح يوم مات، وهو أرضى أهل الأرض عند الناس، وما كان يشهد مجلسه إلا تسعة أو ثمانية.
وقال الثوري، عن سلمة بن كهيل: ما رأيت أحدا يريد بهذا العلم وجه الله غير هؤلاء الثلاثة: عطاء، وطاوس، ومجاهد.
قال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة، وكان من أحسن الناس صلاة.
وقال إسماعيل بن عياش: قلت لعبد الله بن عثمان بن خثيم: ما كان معاش عطاء؟ قال: صلة الإخوان، ونيل السلطان.
قال الأصمعي: دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك، وهو جالس على السرير، وحوله الأشراف، وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته، فلما بصر به عبد الملك، قام إليه فسلم عليه، وأجلسه معه على السرير، وقعد بين يديه، وقال: يا أبا محمد: حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين! اتق الله في حرم الله، وحرم رسوله، فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار، فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور، فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين، فإنك وحدك المسئول عنهم، واتق الله فيمن على بابك، فلا تغفل عنهم، ولا تغلق دونهم بابك، فقال له: أفعل، ثم نهض وقام، فقبض عليه عبد الملك وقال: يا أبا محمد! إنما سألتنا حوائج غيرك، وقد قضيناها، فما حاجتك؟ قال: ما لي إلى مخلوق حاجة، ثم خرج، فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشرف، هذا وأبيك السؤدد.(أعلام/2283)
محمد بن حميد: حدثنا أبو تميلة، حدثنا مصعب بن حيان أخو مقاتل قال: كنت عند عطاء بن أبي رباح فسئل عن شيء، فقال: لا أدري نصف العلم، ويقال: نصف الجهل.
الوليد الموقري عن الزهري: قال لي عبد الملك بن مروان: من أين قدمت؟ قلت: من مكة، قال: فمن خلفت يسودها؟ قلت: عطاء، قال: أمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: فيم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية، قال: إن أهل الديانة والرواية ينبغي أن يسودوا، فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاوس، قال: فمن العرب أو الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: فمن يسود أهل الشام؟ قلت: مكحول، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل، قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران، وهو من الموالي، قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قلت: الضحاك بن مزاحم من الموالي، قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قلت: الحسن من الموالي، قال: فمن يسود أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم النخعي، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من العرب. قال: ويلك، فرجت عني، والله ليسودن الموالي على العرب في هذا البلد حتى يخطب لها على المنابر، والعرب تحتها. قلت: يا أمير المؤمنين: إنما هو دين، من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط.
الحكاية منكرة، والوليد بن محمد واه فلعلها تمت للزهري مع أحد أولاد عبد الملك، وأيضا ففيها: من يسود أهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب، وهو من الموالي. فيزيد كان ذاك الوقت شابا لا يعرف بعد. والضحاك، فلا يدري الزهري من هو في العالم، وكذا مكحول يصغر عن ذاك.
قال عبد العزيز بن رفيع: سئل عطاء عن شيء، فقال: لا أدري، قيل: ألا تقول برأيك؟ قال: إني أستحيي من الله أن يدان في الأرض برأيي.(أعلام/2284)
يعلى بن عبيد قال: دخلنا على ابن سوقة، فقال: يا ابن أخي! أحدثكم بحديث لعله ينفعكم، فقد نفعني. قال لنا عطاء بن أبي رباح: إن من قبلكم كانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو أن تنطق في معيشتك التي لا بد لك منها، أتنكرون أن عليكم حافظين كراما كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد أما يستحي أحدكم لو نشرت صحيفته التي أملى صدر نهاره، وليس فيها شيء من أمر آخرته.
قال ابن جريج عن عطاء: إن الرجل ليحدثني بالحديث، فأنصت له كأني لم أسمعه، وقد سمعته قبل أن يولد.
روى علي، عن يحيى بن سعيد القطان قال: مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء بكثير، كان عطاء يأخذ عن كل ضرب.
الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل قال: ليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح، كانا يأخذان عن كل أحد، ومرسلات ابن المسيب أصح المرسلات، ومرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها.
وروى محمد بن عبد الرحيم، عن علي ابن المديني قال: كان عطاء اختلط بأخرة، تركه ابن جريج وقيس بن سعد. قلت: لم يعن علي بقوله تركه هذان الترك العرفي، ولكنه كبر وضعفت حواسه، وكانا قد تكفيا منه وتفقها وأكثرا عنه، فبطلا، فهذا مراده بقوله: تركاه.
ولم يكن يحسن العربية، روى العلاء بن عمر الحنفي، عن عبد القدوس، عن حجاج، قال عطاء: وددت أني أحسن العربية، قال: وهو يومئذ ابن تسعين سنة.
وعن عطاء قال: أعقل مقتل عثمان.
وقال عمر بن قيس: سألت عطاء: متى ولدت؟ قال: لعامين خلوا من خلافة عثمان.
وعن ابن جريج قال: لزمت عطاء ثماني عشرة سنة، وكان بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة، فيقرأ مائتي آية من البقرة وهو قائم لا يزول منه شيء ولا يتحرك.(أعلام/2285)
قال عمر بن ذر: ما رأيت مثل عطاء بن أبي رباح، وما رأيت عليه قميصا قط، ولا رأيت عليه ثوبا يساوي خمسة دراهم.
وقال ابن جريج: سمعت عطاء يقول: إذا تناهقت الحمير بالليل، فقولوا: بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وعن عطاء قال: لو ائتمنت على بيت مال لكنت أمينا، ولا آمن نفسي على أمة شوهاء. قلت: صدق -رحمه الله- ففي الحديث: ألا لا يخلون رجل بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان.
روى عفان، عن حماد بن سلمة قال: قدمت مكة، وعطاء حي، فقلت: إذا أفطرت، دخلت عليه، قال: فمات في رمضان. وكان ابن أبي ليلى يدخل عليه، فقال لي عمارة بن ميمون: الزم قيس بن سعد، فإنه أفقه من عطاء.
قال الهيثم، وأبو المليح الرقي، وأحمد، وأبو عمر الضرير، وغيرهم: مات عطاء سنة أربع عشرة ومائة وقال يحيى القطان: سنة أربع أو خمس عشرة وقال ابن جريج وابن عيينة والواقدي وأبو نعيم والفلاس: سنة خمس عشرة ومائة وقال الواقدي: عاش ثمانيا وثمانين سنة. وقال شباب: مات سنة سبع عشرة فهذا خطأ وابن جريج وابن عيينة أعلم بذلك. وقد كان بمكة مع عطاء من أئمة التابعين مجاهد، وطاوس، وعبيد بن عمير الليثي، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير المكي، وآخرون.(أعلام/2286)
عطاء بن السائب (4)
الإمام الحافظ، محدث الكوفة أبو السائب، وقيل: أبو زيد، وقيل: أبو يزيد، وأبو محمد الكوفي.
عن أبيه السائب بن زيد، وقيل: ابن يزيد، وقيل: ابن مالك الثقفي، مولاهم، وعن أنس بن مالك - ولم يثبت أنه سمع منه، وقد جاء بإدخال يزيد الرقاشي بينهما - وعن عبد الله بن أبي أوفى، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبي وائل، ومرة الطيب، وعمرو بن ميمون الأودي، ومجاهد وأبي البختري الطائي، وذر بن عبد الله، وأبي عبد الرحمن السلمي، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن بريدة، وعكرمة، والحسن، وأبي ظبيان، وسالم البراد وخلق كثير.
وكان من كبار العلماء، لكنه ساء حفظه قليلا في أواخر عمره.
حدث عنه إسماعيل بن أبي خالد، وهو من طبقته، والثوري، وابن جريج، وأبو جعفر الرازي، وروح بن القاسم، والحمادان، وموسى بن أعين، وأبو عوانة، وجعفر بن سليمان، وأبو الأحوص، وشعبة، وشريك، وعبيدة بن حميد، وابن فضيل، وجرير بن عبد الحميد، وزائدة، وزهير بن معاوية، وابن عيينة، وهشيم، وأبو إسحاق الفزاري، وعلي بن عاصم، وابن علية، وخلق كثير.
قال ابن عيينة: حدثني بعض أصحابنا، أن أبا إسحاق كان يسأل عن عطاء بن السائب، فيقول: إنه من البقايا.
وروى إبراهيم بن مهدي، عن حماد بن زيد قال: أتينا أيوب، فقال: اذهبوا، فقد قدم عطاء بن السائب من الكوفة. وهو ثقة، اذهبوا إليه، فسلوه عن حديث أبيه في التسبيح.
علي ابن المديني، عن يحيى بن سعيد قال: ما سمعت أحدا يقول في عطاء بن السائب شيئا قط في حديثه القديم، وما حدث سفيان وشعبة عنه صحيح، إلا حديثين. كان شعبة يقول: سمعتهما بأخرة عن زاذان.
أحمد بن سنان عن عبد الرحمن قال: ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، ليث أحسنهم حالا عندي.(أعلام/2287)
وروى عثمان بن أبي، شيبة، عن جرير، وذكر الثلاثة، فقال: يزيد أحسنهم استقامة في الحديث ثم عطاء. قال أحمد بن حنبل: عطاء ثقة ثقة، رجل صالح، وقال: من سمع منه قديما كان صحيحا، ومن سمع منه حديثا لم يكن بشيء، سمع منه قديما شعبة، وسفيان. وسمع منه حديثا: جرير وخالد بن عبد الله، وإسماعيل وعلي بن عاصم، وكان يرفع عن سعيد بن جبير أشياء لم يكن يرفعها.
قال: وقال وهيب لما قدم عطاء البصرة قال: كتبت عن عبيدة ثلاثين حديثا، ولم يسمع من عبيدة شيئا، وهذا اختلاط شديد.
أبو داود عن أحمد قال: كان عطاء بن السائب من خيار عباد الله، كان يختم القرآن كل ليلة. وقال شعبة: حدثنا عطاء وكان نسيا. وقال يحيى: لم يسمع عطاء بن السائب من يعلى بن مرة، قال: واختلط عطاء فما سمع منه قديما فهو صحيح، وقد سمع منه أبو عوانة، في الصحة وفي الاختلاط جميعا، ولا يحتج بحديثه.
ابن عدي، أنبأنا ابن أبي عصمة، حدثنا أحمد بن أبي يحيى سمعت يحيى بن معين يقول: ليث بن أبي سليم ضعيف مثل عطاء بن السائب. وجميع من روى عن عطاء ففي الاختلاط، إلا شعبة وسفيان.
قال ابن عدي: عطاء اختلط في آخر عمره، فمن سمع منه قديما مثل الثوري وشعبة، فحديثه مستقيم. ومن سمع منه بعد الاختلاط فأحاديثه فيها بعض النكرة. وقال العجلي: كان شيخا قديما ثقة، روى عن ابن أبي أوفى، ومن سمع منه قديما فهو صحيح، منهم الثوري، فأما من سمع منه بأخرة، فهو مضطرب الحديث، منهم هشيم وخالد بن عبد الله، وكان عطاء بأخرة يتلقن إذا لقن، لأنه كان غير صالح الكتاب، وأبوه تابعي ثقة.
وقال أبو حاتم: كان محله الصدق قديما قبل أن يختلط، ثم تغير حفظه، في حديثه تخاليط كثيرة، وما روى عنه ابن فضيل ففيه غلط واضطراب، رفع أشياء كان يرويها عن التابعين، فرفعها إلى الصحابة.(أعلام/2288)
وقال النسائي: ثقة في حديثه القديم إلا أنه تغير، ورواية حماد بن زيد، وشعبة، وسفيان عنه جيدة.
الحميدي عن سفيان قال: كنت سمعت من عطاء بن السائب قديما. ثم قدم علينا قدمة، فسمعته يحدث ببعض ما كنت سمعته، فخلط فيه، فاتقيته واعتزلته.
وقال أبو النعمان عن يحيى بن سعيد: عطاء بن السائب تغير حفظه بعد، وحماد بن زيد سمع منه قبل أن يتغير.
وقال أبو قطن عن شعبة: ثلاثة في القلب منهم هاجس: عطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وآخر.
إسماعيل بن بهرام، عن أبي بكر بن عياش قال: كنت إذا رأيت عطاء بن السائب، وضرار بن مرة، رأيت أثر البكاء على خدودهما.
قال ابن سعد وغيره: مات عطاء بن السائب سنة ست وثلاثين ومائة.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة، فقلت: ما هذه الرائحة يا جبريل؟ قال: هذه ماشطة بنت فرعون، كانت تمشطها فوقع المشط من يدها. قالت: بسم الله. قالت ابنة فرعون: أبي؟ قالت: ربي ورب أبيك. قالت: أقول له إذا، قالت: قولي له. قال لها: أو لك رب غيري؟ قالت: ربي وربك الذي في السماء. قال: فأحمى لها بقرة من نحاس. فقالت: إن لي إليك حاجة. قال: وما حاجتك؟ قالت: أن تجمع عظامي وعظام ولدي. قال: ذلك لك علينا، لما لك علينا من الحق. فألقى ولدها في البقرة واحدا واحدا. فكان آخرهم صبي. فقال: يا أمه اصبري فإنك على الحق.
قال ابن عباس: فأربعة تكلموا وهم صبيان: ابن ماشطة فرعون، وصبي جريج، وعيسى ابن مريم، والرابع لا أحفظه.(أعلام/2289)
عطاء بن يسار (ع)
وكان أخوه إماما، فقيها، واعظا، مذكرا، ثبتا، حجة، كبير القدر.
حدث عن أبي أيوب، وزيد، وعائشة، وأبي هريرة، وأسامة بن زيد وعدة.
روى عنه زيد بن أسلم، وصفوان بن سليم، وعمرو بن دينار، وهلال بن علي، وشريك بن أبي نمر.
روى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، أن أبا حازم قال: ما رأيت رجلا كان ألزم لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عطاء بن يسار.
قال أبو داود: سمع عطاء من ابن مسعود.
ويقال: مات سنة ثلاث ومائة وقيل: مات قبل المائة، فالله أعلم.(أعلام/2290)
Introduction:
Learning Visual Basic (VB) will be very useful for any computer user ages ranging from 12 to anything really!
What the word ‘Basic’ stands for is, 'Beginner's All-purpose Symbolic Instruction Code'. The reason why the word ‘Visual’ is in front of it is because unlike most programming languages where you would normally have to type coding in to create a command button or a text box, Visual Basic is basically just a "click and drag" method.
You can buy your very own version of Visual Basic 6 from any good computer software store for around £ (research prices) .
The minimum system requirements needed to run Visual Basic are as followed:
- A CD-ROM drive;
- More than 24mb of RAM;
... - More than 48mb of free hard disk space.
Following the Visual Basic installation process is pretty simple but if you encounter any problems, like most people do, then please feel free to e-mail me at, jamesjd9@hotmail.com.
First Steps:
When you load Visual Basic a pop-up window should appear asking what project you would like to create. Selecting ‘Standard EXE’ is the best choice for the time being.
When the project loads you should see a window saying, “Project1 - Form1 (Form) ”. This is what we call a Form. To the left of the form is a window which we call the Tool-Box. To the right is the Properties window and above the Properties window is a Project window.
The windows you see should be similar to these.
Now I will explain some of the controls you can use in your Projects to start and build-up your very own applications.(أعلام/2291)
Command Buttons: ... Command Buttons is very user because it places the user in control of the ... program so they can tell it what to do.
... To insert a Command Button you’ll have to click on the icon and click and ... drag where you want it to be positioned and then just release the mouse ... when you are happy with its positioning. You can change the Command ... Buttons caption by selecting, “Caption” in the Properties and then changing ... it to suit your needs.
Labels: ... Labels are used to display text which can’t be edited. For example it might ... inform the user about something.
... To insert a Label you’ll have to click on the icon and click and drag where ... you want it to be positioned and then just release the mouse when you ... are ... happy with its positioning. You can change the Labels caption by ... selecting, “Caption” in the Properties and then changing it to suit your ... needs.
Text Boxes: ... Text boxes are used to display text and edit text during runtime. They can ... store large amounts of data which can be very useful.
... To insert a Text Box you’ll have to click on the icon and click and drag ... where you want it to be positioned and then just release the mouse when ... you are happy with its positioning. You can change the Text Boxes text by ... selecting, “Text” in the Properties and then changing it to suit your needs.
Picture Boxes: ... Picture boxes can contain images and you can also draw pictures into one.(أعلام/2292)
. To insert a Picture Box you’ll have to click on the icon and click and drag ... where you want it to be positioned and then just release the mouse when ... you are happy with its positioning. You can change the Pictures Boxes ... image by selecting, “Picture” in the Properties and then search for the ... image which you choose to use.(أعلام/2293)
عقبة بن عامر الجهني (ع)
الإمام، المقرئ أبو عبس - ويقال: أبو حماد، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو الأسد المصري، صاحب النبي، صلى الله عليه وسلم.
حدث عنه: أبو الخير مرثد اليزني، وجبير بن نفير، وسعيد بن المسيب، وأبو إدريس الخولاني، وعلي بن رباح، وأبو عمران أسلم التجيبي، وعبد الرحمن بن شماسة، ومشرح بن هاعان، وأبو عشانة حي بن يؤمن. وأبو قبيل المعافري، وسعيد المقبري، وبعجة الجهني، وخلق سواهم.
وكان عالما مقرئا فصيحا فقيها فرضيا شاعرا كبير الشأن. وهو كان البريد إلى عمر بفتح دمشق. وله دار بخط باب توما.
علي بن رباح، عن عقبة، قال: خرجت من الشام يوم الجمعة، ودخلت المدينة يوم الجمعة. فقال لي عمر: هل نزعت خفيك؟ قلت: لا.
قال: أصبت السنة.
قال ابن سعد: شهد صفين مع معاوية.
وقال ابن يونس: شهد فتح مصر، واختط بها. وولي الجند بمصر لمعاوية، ثم عزله بعد ثلاث سنين، وأغزاه البحر. وكان يخضب بالسواد.
وقبره بالمقطم. مات سنة ثمان وخمسين.
وعن عقبة، قال: بايعت رسول الله على الهجرة، وأقمت معه.
وقال عقبة: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ونحن في الصفة وكنت من أصحاب الصفة. وكان عقبة من الرماة المذكورين.
وعن أبي عبد الرحمن الحبلي: أن عقبة كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن. فقال له عمر: اعرض علي. فقرأ. فبكى عمر.
ابن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عقبة بن عامر: وكان من رفعاء أصحاب محمد.
قلت: ولي إمرة مصر. وكان يخضب بالسواد.
مات سنة ثمان وخمسين.
له في " مسند بقي " خمسة وخمسون حديثا.(أعلام/2294)
عكاشة بن محصن
السعيد الشهيد أبو محصن الأسدي حليف قريش، من السابقين الأولين البدريين أهل الجنة.
استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على سرية الغمر فلم يلقوا كيدا.
وروي عن أم قيس بنت محصن قالت: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعكاشة ابن أربع وأربعين سنة.
قال: وقتل بعد ذلك بسنة ببزاخة في خلافة أبي بكر الصديق سنة اثنتي عشرة، وكان من أجمل الرجال، - رضي الله عنه.
كذا هذا القول، والصحيح أن مقتله كان في سنة إحدى عشرة، قتله طليحة الأسدي الذي ارتد، ثم أسلم بعد وحسن إسلامه.
وقد أبلى عكاشة يوم بدر بلاء حسنا، وانكسر سيفه في يده، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عرجونا من نخل أو عودا، فعاد - بإذن الله - في يده سيفا، فقاتل به وشهد به المشاهد.
حدث عنه أبو هريرة، وابن عباس، وغيرهما.
وكان خالد بن الوليد قد جهزه مع ثابت بن أقرم الأنصاري العجلاني طليعة له على فرسين، فظفر بهما طليحة فقتلهما، وكان ثابت بدريا كبير القدر، ولم يرو شيئا.
وقيل: إن ابن رواحة الأمير يوم مؤتة لما أصيب، دفع الراية إلى ثابت بن أقرم، فلم يطق، فدفعها إلى خالد، وقال: أنت أعلم بالحرب مني.(أعلام/2295)
عكرمة (خ، 4، م مقرونا)
العلامة، الحافظ، المفسر، أبو عبد الله القرشي، مولاهم المدني، البربري الأصل.
قيل: كان لحصين بن أبي الحر العنبري، فوهبه لابن عباس.
حدث عن ابن عباس، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعقبة بن عامر، وعلي بن أبي طالب، وذلك في النسائي، وأظنه مرسلا، وصفوان بن أمية، والحجاج بن عمرو الأنصاري، وجابر بن عبد الله، وحمنة بنت جحش، وأبي سعيد الخدري، وأم عمارة الأنصارية، وعدة. وعن يحيى بن يعمر، وعبد الله بن رافع.
قال ابن المديني: سمع من عائشة، وأبي هريرة، وأبي قتادة، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر.(أعلام/2296)
حدث عنه إبراهيم النخعي، والشعبي، وماتا قبله، وعمرو بن دينار، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وحبيب بن أبي ثابت، وحصين بن عبد الرحمن، والحكم بن عتيبة، وعبد الله بن كثير الداري، وعبد الكريم الجزري، وعبد الكريم أبو أمية البصري، وعلي بن الأقمر، وقتادة، ومطر الوراق، وموسى بن عقبة، وأبو إسحاق الهمداني، وأبو إسحاق الشيباني، وأبو صالح مولى أم هانئ مع تقدمه، وأبو الزبير المكي، وخلق كثير من جلة التابعين، وأيوب السختياني، وأشعث بن سوار، وثور بن زيد الديلي، وثور بن يزيد الحمصي، وجابر الجعفي، وأبو بشر جعفر، وحجاج بن أرطاة، والحسن بن زيد والد الست نفيسة، وحسين بن عبد الله العباسي، وحسين بن قيس الرحبي، وحسين بن واقد المروزي، والحكم بن أبان، وحميد الطويل، وخالد الحذاء، وداود بن الحصين.(أعلام/2297)
، وأبو الجحاف داود بن أبي عوف، وداود بن أبي هند، والزبير بن الحريث، وزيد أبو أسامة الحجام، وزيد مولى قيس الحذاء، وسعيد بن مسروق، وسفيان بن دينار التمار، وسفيان بن زياد العصفري والأعمش، وسلمة بن وهرام، وسماك بن حرب، وصالح بن رستم الخزاز، وصفوان بن عمرو الحمصي، وعاصم بن بهدلة، وعاصم الأحول، وعباد بن منصور، وعبد الله بن حسن بن حسن، وأبو حريز عبد الله بن الحسين، وابن طاوس، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن كيسان، وعبد الرحمن ابن الأصبهاني، وعبد الرحمن ابن الغسيل، وعبد العزيز بن أبي رواد، وابن جريج مرسلا، وعبد الملك بن أبي بشير، وعبد الواحد بن صفوان، وعثمان بن سعد الكاتب، وعثمان الشحام، وعثمان بن غياث، وعطاء بن السائب، وعقيل الأيلي، وعلباء بن أحمر، وعلي بن بذيمة، وعمارة ابن أبي حفصة، وعمر بن عطاء بن وراز، وعمر بن فروخ العبدي وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، وعمرو بن مسلم الجندي، وعمرو بن هرم، والفضل بن ميمون، وفضل بن غزوان، وفطر بن خليفة، وقباث بن رزين اللخمي، وليث بن أبي سليم، وأبو الأسود يتيم عروة، وابن شهاب، ومغيرة بن مقسم، ومقاتل بن حيان، ومنصور بن النعمان اليشكري، ومهدي بن حرب، وموسى بن أيوب الغافقي، وموسى بن مسلم الطحان، ونزار بن حيان، والنضر أبو عمر الخزاز ونوح بن ربيعة، وهشام بن حسان، ويزيد بن أبي سعيد النحوي، وأبو الأشهب العطاردي، وأمم سواهم.
روى حرمي بن عمارة، عن عبد الرحمن بن حسان: سمعت عكرمة يقول: طلبت العلم أربعين سنة، وكنت أفتي بالباب، وابن عباس في الدار.
وروى الزبير بن الخريت عن عكرمة قال: كان ابن عباس يضع في رجلي الكبل على تعليم القرآن والسنن.(أعلام/2298)
وروى يزيد النحوي، عن عكرمة أن ابن عباس قال: انطلق فأفت الناس وأنا لك عون، قلت: لو أن هذا الناس مثلهم مرتين، لأفتيتهم.
قال: انطلق فأفتهم فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه، فلا تفته، فإنك تطرح عنك ثلثي مؤنة الناس.
قال عبد الحميد بن بهرام: رأيت عكرمة أبيض اللحية عليه عمامة بيضاء، طرفها بين كتفيه، قد أدارها تحت لحيته، وقميصه إلى الكعبين، وكان رداؤه أبيض، وقدم على بلال بن مرداس، وكان على المدائن فأجازه بثلاثة آلاف، فقبضها منه.
قال أبو سعيد بن يونس: عكرمة من سكان المدينة، وقد كان سكن مكة، قدم مصر. قلت: كان كثير الأسفار، قال: ونزل على عبد الرحمن بن الحساس الغافقي، وصار إلى إفريقية.
قال العباس بن مصعب المروزي: كان أعلم شاكردي ابن عباس بالتفسير وكان يدور البلدان يتعرض. وقدم مرو على مخلد بن يزيد بن المهلب، وكان يجلس في السراجين في دكان أبي سلمة السراج مغيرة بن مسلم، فحمله على بغلة خضراء.
وقال أبو تميلة، عن ضماد بن عامر القسملي، عن الفرزدق بن جواس الحماني، قال: كنا مع شهر بن حوشب بجرجان، فقدم علينا عكرمة، فقلنا لشهر: ألا نأتيه؟ قال: ائتوه، فإنه لم تكن أمة إلا كان لها حبر، وإن مولى ابن عباس حبر هذه الأمة.
قال عبد الصمد بن معقل: لما قدم عكرمة الجند، أهدى له طاوس نجبا بستين دينارا، فقيل لطاوس: ما يصنع هذا العبد بنجب بستين دينارا؟ ، قال: أتروني لا أشتري علم ابن عباس بستين دينارا لعبد الله بن طاوس.
قال يحيى بن معين: مات ابن عباس، وعكرمة عبد لم يعتق، فباعه علي بن عبد الله، فقيل له: تبيع علم أبيك؟ فاسترده.(أعلام/2299)
روى الواقدي عن أبي بكر بن أبي سبرة، قال: باع علي بن عبد الله بن عباس عكرمة من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فقال له عكرمة: ما خير لك، بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار؟ ! فاستقاله فأقاله وأعتقه.
داود بن أبي هند، عن عكرمة قال: قرأ ابن عباس هذه الآية لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قال ابن عباس: لم أدر أنجا القوم أم هلكوا؟ قال: فما زلت أبين له أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا قال: فكساني حلة.
ابن فضيل، عن عثمان بن حكيم قال: كنت جالسا مع أبي أمامة بن سهل إذ جاء عكرمة، فقال: يا أبا أمامة أذكرك الله: هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب علي، فقال أبو أمامة: نعم.
قال أيوب عن عمرو بن دينار: دفع إلي جابر بن زيد مسائل، أسأل عكرمة، وجعل يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه ابن عيينة، عن عمرو سمع أبا الشعثاء يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس، قال سفيان: الوجه الذي عليه فيه عكرمة المغازي، إذا تكلم فسمعه إنسان قال كأنه مشرف عليهم يراهم.
مغيرة: قيل لسعيد بن جبير: تعلم أحدا أعلم منك؟ قال: نعم، عكرمة.
قال مصعب بن عبد الله: تزوج عكرمة أم سعيد بن جبير، فلما قتل سعيد قال إبراهيم: ما خلف بعده مثله.
وقال إسماعيل بن أبي خالد: سمعت الشعبي يقول: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة.
وقال قتادة: أعلم الناس بالحلال والحرام الحسن، وأعلمهم بالمناسك عطاء، وأعلمهم بالتفسير عكرمة.
وروى سعيد عن قتادة قال: كان أعلم التابعين أربعة، كان عطاء أعلمهم بالمناسك، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، وكان عكرمة أعلمهم بسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام.(أعلام/2300)
روى حاتم بن وردان، عن أيوب، قال: اجتمع حفاظ ابن عباس، منهم سعيد بن جبير، وعطاء، وطاوس، على عكرمة، قأقعدوه، فجعلوا يسألونه عن حديث ابن عباس، فكلما حدثهم حديثا قال سعيد: هكذا، يعقد ثلاثين، حتى سئل عن الحوت فقال عكرمة: كان يسايرهما في ضحضاح من الماء، فقال سعيد: أشهد على ابن عباس أنه قال: كانا يحملانه في مكتل، فقال أيوب: أراه كان يقول القولين جميعا.
قال أبو بكر الهذلي: قلت للزهري: إن عكرمة وسعيد بن جبير اختلفا في رجل من المستهزئين، فقال سعيد: الحارث بن غيطلة وقال عكرمة: الحارث بن قيس، فقال: صدقا جميعا، كانت أمه تدعى غيطلة، وكان أبوه يدعى قيسا.
أبو سنان عن حبيب بن أبي ثابت قال: اجتمع عندي خمسة لا يجتمع مثلهم أبدا: عطاء وطاوس، ومجاهد وسعيد بن جبير، وعكرمة فأقبل مجاهد وسعيد يلقيان على عكرمة التفسير، فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما، فلما نفذ ما عندهما جعل يقول: أنزلت آية كذا وآية كذا في كذا، قال: ثم دخلوا الحمام ليلا.
قال يحيى القطان: أصحاب ابن عباس ستة: مجاهد، وطاوس، وعطاء، وسعيد، وعكرمة، وجابر بن زيد.
ابن عيينة، سمعت أيوب يقول: لو قلت لك: إن الحسن ترك كثيرا من التفسير حين دخل علينا عكرمة البصرة حتى خرج منها لصدقت.
قال الثوري: خذوا التفسير عن أربعة: عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك. قال أيوب: قال عكرمة: إني لأخرج إلى السوق، فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة، فينفتح لي خمسون بابا من العلم.
قال يحيى بن أيوب: قال لي ابن جريج: قدم عليكم عكرمة؟ قلت: بلى، قال فكتبتم عنه؟ قلت: لا قال: فاتكم ثلثا العلم. وقال أبو مسلمة سعيد بن يزيد: سمعت عكرمة يقول: ما لكم لا تسألوني، أفلستم؟ .
أمية بن شبل عن معمر، عن أيوب قال: قدم علينا عكرمة، فاجتمع الناس عليه حتى صعد فوق ظهر بيت.(أعلام/2301)
معمر عن أيوب قال: كنت أريد أن أرحل إلى عكرمة، إلى أفق من الآفاق، فإني لفي سوق البصرة، إذا رجل على حمار، فقيل لي: عكرمة، فاجتمع الناس إليه، فقمت إليه، فما قدرت على شيء أسأله، ذهبت مني المسائل، فقمت إلى جنب حماره، فجعل الناس يسألونه وأنا أحفظ. وعن أيوب -وسئل عن عكرمة - فقال: لو لم يكن عندي ثقة لم أكتب عنه، وقال حماد بن زيد: قيل لأيوب: أكنتم تتهمون عكرمة؟ قال: أما أنا فلم أكن أتهمه.
الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت قال: مر عكرمة بعطاء، وسعيد بن جبير يحدثهم، فلما قام، قلت لهم: ما تنكران مما حدث شيئا؟ قالا: لا.
شيبان، عن أبي إسحاق: سمعت سعيد بن جبير يقول: إنكم لتحدثون عن عكرمة بأحاديث لو كنت عنده ما حدث بها، قال: فجاء عكرمة، فحدث بتلك الأحاديث كلها، والقوم سكوت، فما تكلم سعيد، ثم قام عكرمة فقالوا: يا أبا عبد الله ما شأنك؟ قال: فعقد ثلاثين،. وقال: أصاب الحديث.
قال أيوب: قال عكرمة: أرأيت هؤلاء الذين يكذبونني من خلفي، أفلا يكذبونني في وجهي؟ ! .
حجاح الصواف، عن أرطاة بن أبي أرطاة، أنه سمع عكرمة يحدث القوم وفيهم سعيد بن جبير وغيره، فقال: إن للعلم ثمنا، فأعطوه ثمنه، قالوا: وما ثمنه يا أبا عبد الله؟ قال: أن تضعه عند من يحسن حفظه ولا يضيعه.
وقال سليمان الأحول: لقيت عكرمة ومعه ابن له، قلت: أيحفظ هذا من حديثك شيئا؟ قال: إنه يقال: أزهد الناس في عالم أهله.
قال حماد، عن أيوب: سمعت رجلا قال لعكرمة: فلان قذفني في النوم، قال: اضرب ظله ثمانين.(أعلام/2302)
عن عكرمة أنه كان إذا رأى السؤال يوم الجمعة سبهم، ويقول: كان ابن عباس يسبهم، ويقول: لا تشهدون جمعة ولا عيدا إلا للمسألة والأذى، وإذا كانت رغبة الناس إلى الله، كانت رغبتهم إلى الناس، قلت: فكيف إذا انضاف إلى ذلك غنى ما عن السؤال، وقوة على التكسب. وقد نقموا على هذا العالم أخلاقا وآراء، وروى حميد الطويل عن عكرمة أنه ذكر عنده كراهة الحجامة للصائم قال: أفلا تكره له الخراءة.
ابن لهيعة، عن أبي الأسود: أنا أول من هيج عكرمة على المسير إلى إفريقية، قلت له: أنا أعرف قوما لو أتيتهم، قال: فلقيني جليس له، فقال: هو ذا عكرمة يتجهز إلى إفريقية، فلما قدم عليهم، اتهموه قال: وكان قليل العقل خفيفا، كان قد سمع الحديث من رجلين، وكان إذا سئل حدث به عن واحد، ثم يسأل عنه بعد، فيحدث به عن الآخر، فكانوا يقولون: ما أكذبه، فشكوا ذلك إلى إسماعيل بن عبيد الأنصاري، وكان له فضل وورع، فقال: لا بأس أنا أشفيكم منه، فبعث إليه، فقال له: كيف سمعت ابن عباس يقول في كذا وكذا؟ قال: كذا وكذا، فقال إسماعيل: صدقت، سألت عنها ابن عباس فقال: هكذا. قال ابن لهيعة: وكان يحدث برأي نجدة الحروري وأتاه، فأقام عنده ستة أشهر، ثم أتى ابن عباس فسلم، فقال ابن عباس: قد جاء الخبيث.
سعيد بن أبي مريم، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود قال: كنت أول من سبب لعكرمة الخروج إلى المغرب، وذلك أني قدمت من مصر إلى المدينة، فلقيني عكرمة، وسألني عن أهل المغرب، فأخبرته بغفلتهم، قال فخرج إليهم، وكان أول ما أحدث فيهم رأي الصفرية.
قال يحيى بن بكير قدم عكرمة مصر ونزل هذه الدار، وخرج إلى المغرب، فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا.
قال علي ابن المديني: كان عكرمة يرى رأي نجدة الحروري.(أعلام/2303)
وقال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين يقول: إنما لم يذكر مالك عكرمة -يعني في " الموطأ " - قال: لأن عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية.
وروى عمر بن قيس المكي، عن عطاء قال: كان عكرمة إباضيا. وعن أبي مريم قال: كان عكرمة بيهسيا.
وقال إبراهيم الجوزجاني: سألت أحمد بن حنبل عن عكرمة، أكان يرى رأي الإباضية؟ فقال: يقال: إنه كان صفريا، قلت: أتى البربر؟ قال: نعم، وأتى خراسان يطوف على الأمراء يأخذ منهم.
وقال علي ابن المديني: حكي عن يعقوب الحضرمي، عن جده قال: وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما فيه إلا كافر. قال: وكان يرى رأي الإباضية.
وروى خلاد بن سليمان الحضرمي، عن خالد بن أبي عمران قال: دخل علينا عكرمة مولى ابن عباس بإفريقية في وقت الموسم، فقال: وددت أني اليوم بالموسم بيدي حربة أضرب بها يمينا وشمالا، وفي رواية: فأعترض بها من شهد الموسم. قال خالد: فمن يومئذ رفضه أهل إفريقية.
قال مصعب بن عبد الله: كان عكرمة يرى رأي الخوارج، وادعى على ابن عباس أنه كان يرى رأي الخوارج. هذه حكاية بلا إسناد.
قال أبو خلف عبد الله بن عيسى الخزاز، عن يحيى البكاء سمعت ابن عمر يقول لنافع: اتق الله، ويحك، لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس، كما أحل الصرف، وأسلم ابنه صيرفيا. البكاء واه.
إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول لغلام له: يا برد، لا تكذب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس.
قال إسحاق ابن الطباع: سألت مالكا: أبلغك أن ابن عمر قال لنافع: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على عبد الله؟ قال: لا، ولكن بلغني أن سعيد بن المسيب قال ذلك لبرد مولاه.
قلت: هذا أشبه، ولم يكن لعكرمة ذكر في أيام ابن عمر، ولا كان تصدى للرواية.(أعلام/2304)
جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد قال: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس، وعكرمة مقيد على باب الحش، قال: قلت: ما لهذا كذا، قال: إنه يكذب على أبي.(أعلام/2305)
عكرمة بن أبي جهل (ت)
عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي، الشريف الرئيس الشهيد، أبو عثمان القرشي المخزومي المكي.
لما قتل أبوه، تحولت رئاسة بني مخزوم إلى عكرمة، ثم إنه أسلم وحسن، إسلامه بالمرة.
قال ابن أبي مليكة: كان عكرمة إذا اجتهد في اليمين قال: لا والذي نجاني يوم بدر.
ولما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هرب منها عكرمة وصفوان بن أمية بن خلف، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤمنهما، وصفح عنهما، فأقبلا إليه.
استوعب أخباره أبو القاسم ابن عساكر.
أخرجه الترمذي من طريق مصعب بن سعد، عن عكرمة - ولم يدركه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: مرحبا بالراكب المهاجر، قال: فقلت: يا رسول الله، والله لا أدع نفقة أنفقتها عليك، إلا أنفقت مثلها في سبيل الله.
ولم يعقب عكرمة.
قال الشافعي: كان محمود البلاء في الإسلام - رضي الله عنه.
قال أبو إسحاق السبيعي: نزل عكرمة يوم اليرموك، فقاتل قتالا شديدا، ثم استشهد، فوجدوا به بضعا وسبعين من طعنة ورمية وضربة.
وقال عروة وابن سعد وطائفة: قتل يوم أجنادين.(أعلام/2306)
علي ابن المديني (خ، د، م، س)
الشيخ الإمام الحجة، أمير المؤمنين في الحديث، أبو الحسن، علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بن بكر بن سعد السعدي، مولاهم البصري، المعروف بابن المديني، مولى عروة بن عطية السعدي كان أبوه محدثا مشهورا لين الحديث.
مات سنة ثمان وسبعين ومائة. يروي عن عبد الله بن دينار وطبقته من علماء المدينة. وقد روى والده جعفر بن نجيح يسيرا عن عبد الرحمن بن القاسم التيمي.
سمع علي: أباه، وحماد بن زيد، وجعفر بن سليمان، ويزيد بن زريع، وعبد الوارث، وهشيم بن بشير، وعبد العزيز الدراوردي. ومعتمر بن سليمان، وسفيان بن عيينة، وجرير بن عبد الحميد، والوليد بن مسلم، وبشر بن المفضل، وغندرا، ويحيى بن سعيد، وخالد بن الحارث، ومعاذ بن معاذ، وحاتم بن وردان، وابن وهب، وعبد الأعلى السامي، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز العمي، وعمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص الليثي، وفضيل بن سليمان النميري، ومحمد بن طلحة التيمي، ومرحوم بن عبد العزيز، ومعاوية بن عبد الكريم ويوسف بن الماجشون، وعبد الوهاب الثقفي، وهشام بن يوسف، وعبد الرزاق، وخلقا كثيرا. وبرع في هذا الشأن، وصنف، وجمع، وساد الحفاظ في معرفة العلل. ويقال: إن تصانيفه بلغت مائتي مصنف.(أعلام/2307)
حدث عنه: أحمد بن حنبل، وأبو يحيى صاعقة، والزعفراني، وأبو بكر الصاغاني، وأبو عبد الله البخاري، وأبو حاتم، وحنبل بن إسحاق، ومحمد بن يحيى، وعلي بن أحمد بن النضر، ومحمد بن أحمد بن البراء، والحسن بن شبيب المعمري، وولده عبد الله بن علي، والبخاري فأكثر، وأبو داود، وحميد بن زنجويه، وصالح بن محمد جزرة، وعبيد الله بن عثمان العثماني، وهلال بن العلاء، والحسن البزار، وأبو داود الحراني، وإسماعيل القاضي، وأبو مسلم الكجي، وعلي بن غالب البتلهي وأبو خليفة الفضل بن الحباب، ومحمد بن جعفر بن الإمام بدمياط، وابن يعلى الموصلي، ومحمد بن محمد الباغندي، وأبو القاسم البغوي، وعبد الله بن محمد بن أيوب الكاتب خاتمة من روى عنه.
وقد روى عنه من شيوخه جماعة: منهم سفيان بن عيينة، وعاش هذا الكاتب بعد سفيان مائة وثمانيا وعشرين سنة.
مولد علي في سنة إحدى وستين ومائة قاله علي بن أحمد بن النصر، ولد بالبصرة.
قال أبو حاتم الرازي: كان ابن المديني علما في الناس في معرفة الحديث والعلل. وكان أحمد بن حنبل لا يسميه، إنما يكنيه تبجيلا له، ما سمعت أحمد سماه قط.
أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، عن زينب بنت أبي القاسم، وأخبرنا ابن عساكر عن زينب، وعبد المعز البزاز، قالا: أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعد الأديب، أخبرنا محمد بن محمد الحافظ، حدثنا عبيد الله بن عثمان العثماني ببغداد، حدثنا علي بن عبد الله المديني، حدثنا محمد بن طلحة التيمي، حدثني أبو سهيل نافع بن مالك، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفا وأوصلها.
أخرجه النسائي عن حميد بن زنجويه النسائي، عن علي ابن المديني، فوقع بدلا عاليا بدرجتين.(أعلام/2308)
أنبأنا المسلم بن علان، والمؤمل بن محمد قالا: أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الحافظ أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا ابن عدي، حدثنا ابن ناجية، وعلي بن أحمد بن مروان، ومحمد بن خالد البردعي، قالوا: أخبرنا أبو رفاعة عبد الله بن محمد العدوي، حدثنا إبراهيم بن بشار، حدثنا سفيان بن عيينة، حدثني علي ابن المديني، عن أبي عاصم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، فذكر حديثا. ثم قال سفيان: تلومني على حب علي، والله لقد كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني.
وروى الحسين بن محمد بن عفير، حدثنا أحمد بن سنان قال: كان ابن عيينة يقول لعلي ابن المديني - ويسميه حية الوادي -: إذا استثبت سفيان أو سئل عن شيء، يقول: لو كان حية الوادي.
وقال العباس العنبري: كان سفيان يسمي علي ابن المديني حية الوادي. وعن ابن عيينة قال: إني لأرغب عن مجالستكم، ولولا علي ابن المديني ما جلست.
وقال خلف بن الوليد الجوهري: خرج علينا ابن عيينة يوما، ومعنا علي ابن المديني، فقال: لولا علي، لم أخرج إليكم.
وروى علي بن سعيد الرازي، عن سهل بن زنجلة قال: كنا عند ابن عيينة وعنده رؤساء أصحاب الحديث، فقال: الرجل الذي روينا عنه أربعة أحاديث الذي يحدث عن الصحابة؟ فقال ابن المديني: زياد بن علاقة؟ فقال نعم.
قال الساجي: سمعت العباس بن عبد العظيم يقول: سمعت روح بن عبد المؤمن، سمعت ابن مهدي يقول: علي ابن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخاصة بحديث ابن عيينة.
وقال ابن عدي: حدثنا عبد الرحمن بن أبي قرصافة، حدثنا محمد بن علي ابن أخت غزال، سمعت القواريري، سمعت يحيى بن سعيد يقول: الناس يلومونني في قعودي مع علي، وأنا أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني. روى نحوها صالح جزرة، عن القواريري.(أعلام/2309)
وقال عباس العنبري: كان يحيى القطان ربما قال: لا أحدث شهرا ولا أحدث كذا، فحدثت أنه حدث ابن المديني قبل انقضاء الشهر. قال: فكلمت يحيى في ذلك، فقال: إني أستثني عليا، ونحن نستفيد منه أكثر مما يستفيد منا.
وقال يحيى بن معين: علي من أروى الناس عن يحيى القطان، أرى عنده أكثر من عشرة آلاف، عنده عنه أكثر من مسدد. كان يحيى يدني عليا وكان صديقه.
قال أبو قدامة السرخسي: سمعت عليا يقول: رأيت كأن الثريا تدلت حتى تناولتها.
قال أبو قدامة: صدق الله رؤياه، بلغ في الحديث مبلغا لم يبلغه أحد.
قال يعقوب الفسوي: سمعت عبد الرحمن بن أبي عباد القلزمي - وكان من أصحاب علي - قال: جاءنا علي ابن المديني يوما، فقال: رأيت في هذه الليلة كأني مددت يدي فتناولت أنجما. فمضينا معه إلى معبر، فقال: ستنال علما، فانظر كيف تكون. فقال له بعض أصحابنا: لو نظرت في الفقه - كأنه يريد الرأي - فقال: إن اشتغلت بذاك انسلخت مما أنا فيه.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن ابن بوش، عن أبي سعد الصيرفي، عن محمد بن علي الصوري، سمعت عبد الغني بن سعيد، سمعت وليد بن القاسم سمعت أبا عبد الرحمن النسائي يقول: كأن الله خلق علي ابن المديني لهذا الشأن.
قال إبراهيم بن معقل: سمعت البخاري يقول: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي ابن المديني.
قال عباس العنبري: بلغ علي ما لو قضي أن يتم على ذلك، لعله كان يقدم على الحسن البصري، كان الناس يكتبون قيامه وقعوده ولباسه، وكل شيء يقول أو يفعل أو نحو هذا. يعقوب الفسوي: قال علي ابن المديني: صنفت " المسند " مستقصى، وخلفته في المنزل، وغبت في الرحلة، فخالطته الأرضة، فلم أنشط بعد لجمعه.(أعلام/2310)
قال أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم: كان علي إذا قدم بغداد، تصدر في الحلقة، وجاء ابن معين، وأحمد بن حنبل، والمعيطي، والناس يتناظرون. فإذا اختلفوا في شيء، تكلم فيه علي.
قال أحمد بن أبي خيثمة: سمعت ابن معين يقول: كان علي ابن المديني إذا قدم علينا، أظهر السنة، وإذا ذهب إلى البصرة أظهر التشيع.
قلت: كان إظهاره لمناقب الإمام علي بالبصرة لمكان أنهم عثمانية، فيهم انحراف على علي.
أخبرنا أبو الحسين اليونيني أخبرنا جعفر، أخبرنا السلفي، أخبرنا المبارك الطيوري أخبرنا الفالي أخبرنا أحمد بن خربان، حدثنا أبو محمد الرامهرمزي حدثنا زنجويه بن محمد النيسابوري بمكة، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، سمعت علي ابن المديني يقول: التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم.
قال أبو العباس السراج: سمعت محمد بن يونس، سمعت علي ابن المديني يقول: تركت من حديثي مائة ألف حديث، منها ثلاثون ألفا لعباد بن صهيب.
وعن البخاري: وقيل له: ما تشتهي؟ قال: أن أقدم العراق، وعلي ابن المديني حي، فأجالسه. سمعها أبو العباس السراج من البخاري.
قال أبو عبيد الآجري: قيل لأبي داود: أحمد بن حنبل أعلم أم علي؟ فقال: علي أعلم باختلاف الحديث من أحمد.
قال عبد المؤمن النسفي: سألت صالح بن محمد: هل كان يحيى بن معين يحفظ؟ فقال: لا إنما كان عنده معرفة. قلت: فعلي؟ قال: كان يحفظ ويعرف.
قال أبو داود: علي ابن المديني خير من عشرة آلاف مثل الشاذكوني.
قال عبد الله بن أبي زياد القطواني: سمعت أبا عبيد يقول: انتهى العلم إلى أربعة: أبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له، وأحمد بن حنبل أفقههم فيه، وعلي ابن المديني أعلمهم به، ويحيى بن معين أكتبهم له. قال الفرهياني وغيره من الحفاظ: أعلم أهل زمانه بعلل الحديث علي.(أعلام/2311)
يعقوب الفسوي في " تاريخه " حدثني بكر بن خلف قال: قدمت مكة وبها شاب حافظ، كان يذاكرني المسند بطرقها. فقلت له: من أين لك هذا؟ قال: أخبرك، طلبت إلى علي أيام سفيان أن يحدثني بالمسند، فقال: قد عرفت، إنما تريد بذلك المذاكرة. فإن ضمنت لي أنك تذاكر ولا تسميني، فعلت، قال: فضمنت له، واختلفت إليه، فجعل يحدثني بذا الذي أذاكرك به حفظا.
قال الفسوي: فذكرت هذا لبعض من كان يلزم عليا، فقال: سمعت عليا يقول: غبت عن البصرة في مخرجي إلى اليمن - أظنه ذكر ثلاث سنين - وأمي حية. فلما قدمت، قالت: يا بني: فلان لك صديق، وفلان لك عدو. قلت: من أين علمت يا أمه؟ قالت: كان فلان وفلان، فذكرت منهم يحيى بن سعيد يجيئون مسلمين، فيعزوني، ويقولون: اصبري، فلو قدم عليك، سرك الله بما ترين.
فعلمت أن هؤلاء أصدقاء. وفلان وفلان إذا جاءوا، يقولون لي: اكتبي إليه، وضيقي عليه ليقدم.
فأخبرني العباس بن عبد العظيم أو غيره، قال: قال علي: كنت صنفت " المسند " على الطرق مستقصى، كتبته في قراطيس وصيرته في قمطر كبير، وخلفته في المنزل، وغبت هذه الغيبة. قال: فجئت فحركت القمطر، فإذا هو ثقيل بخلاف ما كانت، ففتحتها، فإذا الأرضة قد خالطت الكتب، فصارت طينا.
قال أحمد بن يوسف البجيري: سمعت الأعين يقول: رأيت علي ابن المديني مستلقيا، وأحمد عن يمينه، وابن معين عن يساره، وهو يملي عليهما.
قال أبو أمية الطرسوسي: سمعت عليا يقول: ربما أذكر الحديث في الليل، فآمر الجارية تسرج السراج فأنظر فيه.
البخاري: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي قال: قال علي: ما نظرت في كتاب شيخ فاحتجت إلى السؤال به عن غيري.
وعن العباس بن سورة قال: سئل يحيى بن معين، عن علي ابن المديني والحميدي، فقال: ينبغي للحميدي أن يكتب عن آخر عن علي ابن المديني.(أعلام/2312)
قال محمد بن طالب بن علي النسفي: سمعت صالح بن محمد يقول: أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي ابن المديني، وأفقههم في الحديث أحمد، وأمهرهم بالحديث سليمان الشاذكوني. وقال عبد المؤمن بن خلف: سمعت صالح بن محمد، سمعت إبراهيم بن محمد بن عرعرة، سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول لابن المديني: ويحك يا علي، إني أراك تتبع الحديث تتبعا لا أحسبك تموت حتى تبتلى.
الفسوي: سمعت عليا، وقوم يختلفون إليه يقرأ عليهم أبواب السجدة، كان يذكر له طرف حديث، فيمر على الصفحة والورقة، فإذا تعايى في شيء، لقنوه الحرف والشيء منه، ثم يمر ويقول: الله المستعان، هذه الأبواب أيام نطلب كنا نتلاقى به المشايخ، ونذاكرهم بها، ونستفيد ما يذهب علينا منها، وكنا نحفظها. وقد احتجنا اليوم إلى أن نلقن في بعضها.
قال أزهر بن جميل: كنا عند يحيى بن سعيد أنا وعبد الرحمن، وسفيان الرؤاسي وعلي ابن المديني، وغيرهم، إذ جاء عبد الرحمن بن مهدي منتقع اللون أشعث، فسلم. فقال له يحيى: ما حالك أبا سعيد؟ قال: خير. رأيت البارحة في المنام كأن قوما من أصحابنا قد نكسوا. قال علي ابن المديني: يا أبا سعيد هو خير. قال الله - تعالى -: ومن نعمره ننكسه في الخلق قال: اسكت، فوالله إنك لفي القوم.(أعلام/2313)
علي بن الجعد (خ، د)
ابن عبيد، الإمام الحافظ الحجة مسند بغداد أبو الحسن البغدادي الجوهري مولى بني هاشم.
ولد سنة أربع وثلاثين ومائة.
وسمع من: شعبة، وابن أبي ذئب، وحريز بن عثمان أحد صغار التابعين، وجرير بن حازم، وسفيان الثوري، والمسعودي، وفضيل بن مرزوق، والقاسم بن الفضل الحداني، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، ومبارك بن فضالة، ويزيد بن إبراهيم التستري، ومعروف بن واصل، وهمام بن يحيى، وبحر بن كنيز السقاء، وجسر بن الحسن.
والحسن بن صالح بن حي، والحمادين، والربيع بن صبيح، وسليمان بن المغيرة، وسلام بن مسكين، وشيبان النحوي، وصخر بن جويرية، وعاصم بن محمد العمري، وعبد الحميد بن بهرام، وعبد العزيز بن الماجشون، ومالك بن أنس، وعلي بن علي الرفاعي، وقيس بن الربيع، ومحمد بن راشد، ومحمد بن طلحة بن مصرف، ومحمد بن مطرف، وورقاء بن عمر، وأبي الأشهب العطاردي، وأبي عقيل يحيى بن المتوكل، وخلق سواهم.
حدث عنه: البخاري، وأبو داود، ويحيى بن معين، وخلف بن سالم وأحمد بن حنبل شيئا يسيرا، وأحمد بن إبراهيم الدورقى، والزعفراني، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وإبراهيم الحربي، وأبو بكر الصاغاني، وابن أبي الدنيا، وأحمد بن علي بن سعيد المروزي، وأحمد بن محمد بن خالد البراثي، وموسى بن هارون، وأحمد بن يحيى الحلواني، وصالح بن محمد جزرة، وعمر بن إسماعيل بن أبي غيلان، ومحمد بن عبدوس بن كامل، ومحمد بن يحيى المروزي، وأبو يعلى الموصلي، وأبو القاسم البغوي، وأحمد بن الحسين بن إسحاق الصوفي، وخلق كثير.
قال محمد بن عبد الله بن يوسف المهري: حدثنا أبو بكر بن أبي أيوب، سمعت أبي، سمعت علي بن الجعد يقول: رأيت الأعمش ولم أكتب عنه شيئا.
وقال موسى بن الحسن السقلي: قال لنا علي بن الجعد: قدمت البصرة سنة ست وخمسين ومائة، وكان سعيد بن أبي عروبة حيا.(أعلام/2314)
قال نفطويه كان علي بن الجعد أكبر من بغداد بعشر سنين، وكان أبو القاسم البغوي أكبر من سامرا بست سنين.
قال ابن أبي الدنيا: أخبرت عن موسى بن داود قال: ما رأيت أحفظ من علي بن الجعد، وكنا عند ابن أبي ذئب، فأملى علينا عشرين حديثا، فحفظها وأملاها علينا.
وقال صالح بن محمد: سمعت خلف بن سالم يقول: صرت أنا وأحمد بن حنبل وابن معين إلى علي بن الجعد، فأخرج إلينا كتبه، وألقاها بين أيدينا، وذهب، وظننا أنه يتخذ لنا طعاما، فلم نجد في كتبه إلا خطأ واحدا. فلما فرغنا من الطعام، قال: هاتوا، فحدث بكل شيء كتبناه حفظا.
عبد الخالق بن منصور: سمعت يحيى بن معين يقول: كتبت عن علي بن الجعد منذ أكثر من ثلاثين سنة. قاله في سنة خمس وعشرين ومائتين.
قال البغوي: سمعت علي بن الجعد يقول: كتبت عن سفيان بن عيينة سنة ستين ومائة بالكوفة، أملى علينا من صحيفة.
قال خلف بن محمد الخيام: سمعت صالح بن محمد يقول: كان علي بن الجعد يحدث بثلاثة أحاديث لكل إنسان عن شعبة، وكان عنده عن مالك ثلاثة أحاديث.
قال الحسين بن إسماعيل الفارسي: سألت عبدوس بن هانئ عن حال علي بن الجعد، فقال: ما أعلم أني لقيت أحفظ منه، فقال: كان يتهم بالجهم. قال: قد قيل هذا، ولم يكن كما قالوا، إلا أن ابنه الحسن بن علي كان على قضاء بغداد، وكان يقول بقول جهم. قال: وكان عند علي بن الجعد عن شعبة نحو من ألف ومائتي حديث، وكان قد لقي المشايخ فزهدت فيه بسبب هذا القول، ثم ندمت بعد.
قال أحمد بن جعفر بن زياد السوسي: سمعت أبا جعفر النفيلي، وذكر علي بن الجعد، فقال: لا ينبغي أن يكتب عنه، وضعف أمره جدا.
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: علي بن الجعد متشبث بغير بدعة، زائغ عن الحق.(أعلام/2315)
وقال أبو يحيى الناقد: سمعت أبا غسان الدوري يقول: كنت عند علي بن الجعد، فذكروا حديث ابن عمر: كنا نفاضل على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنقول: خير هذه الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر وعثمان، فيبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا ينكره. فقال علي: انظروا إلى هذا الصبي هو لم يحسن أن يطلق امرأته يقول: كنا نفاضل وكنت عنده فذكروا حديث: " إن ابني هذا سيد " قال: ما جعله الله سيدا.
قلت: أبو غسان لا أعرف حاله، فإن كان قد صدق، فلعل ابن الجعد قد تاب من هذه الورطة، بل جعله سيدا على رغم أنف كل جاهل، فإن من أصر على مثل هذا من الرد على سيد البشر، يكفر بلا مثنوية، وأي سؤدد أعظم من أنه بويع بالخلافة، ثم نزل عن الأمر لقرابته، وبايعه على أنه ولي عهد المؤمنين، وأن الخلافة له من بعد معاوية حسما للفتنة، وحقنا للدماء، وإصلاحا بين جيوش الأمة، ليتفرغوا لجهاد الأعداء، ويخلصوا من قتال بعضهم بعضا، فصح فيه تفرس جده - صلى الله عليه وسلم -، وعد ذلك من المعجزات، ومن باب إخباره بالكوائن بعده، وظهر كمال سؤدد السيد الحسن بن علي ريحانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبيبه، ولله الحمد.
قال أحمد بن إبراهيم الدورقي: قلت لعلي بن الجعد: بلغني أنك قلت: ابن عمر ذاك الصبي، قال: لم أقل، ولكن معاوية ما أكره أن يعذبه الله.
وقال هارون بن سفيان المستملي: كنت عند علي بن الجعد، فذكر عثمان، فقال: أخذ من بيت المال مائة ألف درهم بغير حق، فقلت: لا والله، ما أخذها إلا بحق.
وقال أبو داود: عمرو بن مرزوق أعلى عندي من علي بن الجعد، علي وسم بميسم سوء، قال: ما يسوءني أن يعذب معاوية.
قال أبو جعفر العقيلي: قلت لعبد الله بن أحمد: لم لم تكتب عن علي بن الجعد؟ قال: نهاني أبي أن أذهب إليه، وكان يبلغه عنه أنه يتناول الصحابة.(أعلام/2316)
قال زياد بن أيوب: سأل رجل أحمد بن حنبل عن علي بن الجعد، فقال الهيثم: ومثله يسأل عنه؟ ! فقال أحمد: أمسك أبا عبد الله، فذكره رجل بشر، فقال أحمد: ويقع في أصحاب رسول الله؟ فقال زياد بن أيوب: كنت عند علي بن الجعد، فسألوه عن القرآن، فقال: القرآن كلام الله، ومن قال: مخلوق، لم أعنفه، فقال أحمد: بلغني عنه أشد من هذا.
وقال أبو زرعة: كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن علي بن الجعد، ولا سعيد بن سليمان، ورأيته في كتابه مضروبا عليهما.
وقال محمد بن حماد المقرئ: سألت يحيى بن معين عن علي بن الجعد، فقال: ثقة صدوق، ثقة صدوق، قلت: فهذا الذي كان منه؟ فقال: أيش كان منه؟ ثقة صدوق.
وقال فيه مسلم: هو ثقة لكنه جهمي.
قلت: ولهذا منع أحمد بن حنبل ولديه من السماع منه.
وقد كان طائفة من المحدثين يتنطعون في من له هفوة صغيرة تخالف السنة، وإلا فعلي إمام كبير حجة، يقال: مكث ستين سنة يصوم يوما، ويفطر يوما وبحسبك أن ابن عدي يقول في " كامله ": لم أر في رواياته حديثا منكرا إذا حدث عنه ثقة.
وقد قال يحيى بن معين: هو أثبت من أبي النضر.
وعن علي بن الجعد: قال: سمعت بمكة في سنة سبع وخمسين ومائة من سفيان الثوري.
قال أبو حاتم: ما كان أحفظ علي بن الجعد لحديثه، وهو صدوق.
قال عبد الرزاق بن سليمان بن علي بن الجعد: سمعت أبي يقول: أحضر المأمون أصحاب الجوهر، فناظرهم على متاع كان معهم، ثم نهض لبعض حاجته، ثم خرج، فقام له كل من في المجلس إلا علي بن الجعد، فنظر إليه كالمغضب، ثم استخلاه، فقال: يا شيخ، ما منعك أن تقوم؟ قال: أجللت أمير المؤمنين للحديث الذي نأثره عن النبي - صلى الله عليه وسلم.(أعلام/2317)
قال: وما هو؟ قال: سمعت مبارك بن فضالة، سمعت الحسن يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من أحب أن يتمثل له الرجال قياما، فليتبوأ مقعده من النار " فأطرق المأمون، ثم رفع رأسه، فقال: لا يشترى إلا من هذا، فاشتروا منه يومئذ بثلاثين ألف دينار.
قال البغوي: توفي لست بقين من رجب سنة ثلاثين ومائتين وقد استكمل ستا وتسعين سنة.
أخبرنا أبو بكر بن خطيب بيت الآبار وعدة، قالوا: أخبرنا ابن اللتي، حدثنا أبو الوقت، أخبرنا أبو عاصم، أخبرنا ابن أبي شريح، أخبرنا البغوي، أخبرنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة، عن ابن المنكدر، سمعت جابرا يقول: استأذنت على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " من هذا؟ " فقلت: أنا. فقال: " أنا أنا! " كأنه كرهه.
أخرجه البخاري عن أبي الوليد، عن شعبة.(أعلام/2318)
علي بن الحسين. (ع)
ابن الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، السيد الإمام، زين العابدين، الهاشمي العلوي، المدني. يكنى أبا الحسين ويقال: أبو الحسن، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله. وأمه أم ولد، اسمها سلامة (سلافة) بنت ملك الفرس يزدجرد، وقيل: غزالة. ولد في سنة ثمان وثلاثين. ظنا.
وحدث عن أبيه الحسين الشهيد، وكان معه يوم كائنة كربلاء وله ثلاث وعشرون سنة، وكان يومئذ موعوكا فلم يقاتل، ولا تعرضوا له، بل أحضروه مع آله إلى دمشق، فأكرمه يزيد، ورده مع آله إلى المدينة، وحدث أيضا عن جده مرسلا، وعن صفية أم المؤمنين، وذلك في " الصحيحين " وعن أبي هريرة، وعائشة وروايته عنها في " مسلم "، وعن أبي رافع، وعمه الحسن، وعبد الله بن عباس، وأم سلمة، والمسور بن مخرمة، وزينب بنت أبي سلمة، وطائفة. وعن مروان بن الحكم، وعبيد الله بن أبي رافع، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن مرجانة، وذكوان مولى عائشة، وعمرو بن عثمان بن عفان، وليس بالمكثر من الرواية.
حدث عنه أولاده: أبو جعفر محمد، وعمر، وزيد المقتول، وعبد الله، والزهري، وعمرو بن دينار، والحكم بن عتيبة، وزيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد، وأبو الزناد، وعلي بن جدعان، ومسلم البطين، وحبيب بن أبي ثابت، وعاصم بن عبيد الله، وعاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان، وأبوه عمر والقعقاع بن حكيم، وأبو الأسود يتيم عروة، وهشام بن عروة، وأبو الزبير المكي، وأبو حازم الأعرج، وعبد الله بن مسلم بن هرمز، ومحمد بن الفرات التميمي، والمنهال بن عمرو، وخلق سواهم.
وقد حدث عنه أبو سلمة، وطاوس، وهما من طبقته.
قال ابن سعد هو علي الأصغر، وأما أخوه علي الأكبر، فقتل مع أبيه بكربلاء. وكان علي بن الحسين ثقة مأمونا، كثير الحديث، عاليا، رفيعا ورعا.(أعلام/2319)
روى ابن عيينة، عن الزهري، قال: ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين.
وقيل: إن عمر بن سعد قال يوم كربلاء: لا تعرضوا لهذا المريض - يعني عليا.
ابن وهب، عن مالك، قال: كان عبيد الله بن عبد الله من العلماء، وكان إذا دخل في صلاته، فقعد إليه إنسان، لم يقبل عليه حتى يفرغ، وإن علي بن الحسين كان من أهل الفضل، وكان يأتيه، فيجلس إليه، فيطول عبيد الله في صلاته، ولا يلتفت إليه، فقيل له: علي وهو ممن هو منه! فقال: لا بد لمن طلب هذا الأمر أن يعنى به.
وقال: قال نافع بن جبير لعلي بن الحسين: إنك تجالس أقواما دونا! قال: آتي من أنتفع بمجالسته في ديني. قال: وكان نافع يجد في نفسه، وكان علي بن الحسين رجلا له فضل في الدين.
ابن سعد، عن علي بن محمد، عن علي بن مجاهد، عن هشام بن عروة، قال: كان علي بن الحسين يخرج على راحلته إلى مكة ويرجع لا يقرعها، وكان يجالس أسلم مولى عمر، فقيل له: تدع قريشا، وتجالس عبد بني عدي! فقال: إنما يجلس الرجل حيث ينتفع.
وعن عبد الرحمن بن أردك - يقال هو أخو علي بن الحسين لأمه - قال: كان علي بن الحسين يدخل المسجد، فيشق الناس حتى يجلس في حلقة زيد بن أسلم، فقال له نافع بن جبير: غفر الله لك، أنت سيد الناس، تأتي تتخطى حتى تجلس مع هذا العبد، فقال علي بن الحسين: العلم يبتغى ويؤتى ويطلب من حيث كان.
الأعمش، عن مسعود بن مالك، قال لي علي بن الحسين: تستطيع أن تجمع بيني وبين سعيد بن جبير؟ قلت: ما حاجتك إليه؟ قال: أشياء أريد أن أسأله عنها، إن الناس يأتوننا بما ليس عندنا.
ابن عيينة، عن الزهري، قال: ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين، وما رأيت أحدا كان أفقه منه، ولكنه كان قليل الحديث.
وروى شعيب، عن الزهري، قال: كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته، وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان، وإلى عبد الملك.(أعلام/2320)
معمر، عن الزهري: لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن الحسين.
وورى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: ما رأيت فيهم مثل علي بن الحسين.
ابن وهب، عن مالك، قال: لم يكن في أهل البيت مثله، وهو ابن أمة.
حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد: سمعت علي بن الحسين - وكان أفضل هاشمي أدركته - يقول: يا أيها الناس، أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا.
أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن علي: يا أهل العراق، أحبونا حب الإسلام، ولا تحبونا حب الأصنام، فما زال بنا حبكم حتى صار علينا شينا.
قال الأصمعي: لم يكن له عقب - يعني الحسين - إلا من ابنه علي، ولم يكن لعلي بن الحسين ولد إلا من أم عبد الله بنت الحسن وهي ابنة عمه، فقال له مروان: أرى نسل أبيك قد انقطع، فلو اتخذت السراري لعل الله أن يرزقك منهن، قال: ما عندي ما أشتري. قال: فأنا أقرضك. فأقرضه مائة ألف، فاتخذ السراري وولد له جماعة من الولد. ثم أوصى مروان لما احتضر أن لا يؤخذ منه ذلك المال.
إسنادها منقطع، ومروان ما احتضر، فإن امرأته غمته تحت وسادة هي وجواريها.
قال أبو بكر بن البرقي نسل الحسين كله من قبل ابنه علي الأصغر، وكان أفضل أهل زمانه. ويقال: إن قريشا رغبت في أمهات الأولاد بعد الزهد فيهن حين نشأ علي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله.
قال العجلي: علي بن الحسين مدني، تابعي، ثقة.
وقال أبو داود: لم يسمع علي بن الحسين من عائشة، وسمعت أحمد بن صالح يقول: سنه وسن الزهري واحد.
قلت: وهم ابن صالح، بل علي أسن بكثير من الزهري.
وروي عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال: أصح الأسانيد كلها: الزهري، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي.(أعلام/2321)
عبد الله بن عمر العمري، عن الزهري، قال: حدثت علي بن الحسين بحديث، فلما فرغت قال: أحسنت! هكذا حدثناه ; قلت: ما أراني إلا حدثتك بحديث أنت أعلم به مني ; قال: لا تقل ذاك، فليس ما لا يعرف من العلم ; إنما العلم ما عرف، وتواطأت عليه الألسن.
وقيل: إن رجلا قال لابن المسيب: ما رأيت أورع من فلان. قال: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال: لا. قال: ما رأيت أورع منه.
وقال جويرية بن أسماء: ما أكل علي بن الحسين بقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - درهما قط.
ابن سعد، عن علي بن محمد، عن سعيد بن خالد، عن المقبري، قال: بعث المختار إلى علي بن الحسين بمائة ألف، فكره أن يقبلها، وخاف أن يردها، فاحتبسها عنده، فلما قتل المختار، بعث يخبر بها عبد الملك، وقال: ابعث من يقبضها. فأرسل إليه عبد الملك: يا ابن العم، خذها قد طيبتها لك، فقبلها.
محمد بن أبي معشر السندي، عن أبي نوح الأنصاري، قال: وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد، فجعلوا يقولون: يا ابن رسول الله النار. فما رفع رأسه حتى طفئت. فقيل له في ذلك فقال: ألهتني عنها النار الأخرى.
ابن سعد، عن علي بن محمد، عن عبد الله بن أبي سليمان، قال: كان علي بن الحسين إذا مشى لا تجاوز يده فخذيه ولا يخطر بها، وإذا قام إلى الصلاة، أخذته رعدة، فقيل له، فقال: تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي؟ !
وعنه، أنه كان إذا توضأ اصفر.
إبراهيم بن محمد الشافعي، عن سفيان: حج علي بن الحسين، فلما أحرم، اصفر وانتفض ولم يستطع أن يلبي، فقيل: ألا تلبي؟ قال: أخشى أن أقول: لبيك، فيقول لي: لا لبيك. فلما لبى، غشي عليه، وسقط من راحلته. فلم يزل بعض ذلك به حتى قضى حجه. إسنادها مرسل.(أعلام/2322)
وروى مصعب بن عبد الله، عن مالك: أحرم علي بن الحسين، فلما أراد أن يلبي، قالها، فأغمي عليه، وسقط من ناقته، فهشم. ولقد بلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات. وكان يسمى زين العابدين لعبادته.
ويروى عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر: كان أبي يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، فلما احتضر، بكى، فقلت: يا أبت ما يبكيك؟ قال: يا بني، إنه إذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا كان لله فيه المشيئة، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له. إسنادها تالف.
عن طاوس: سمعت علي بن الحسين وهو ساجد في الحجر يقول: عبدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك. قال: فوالله ما دعوت بها في كرب قط إلا كشف عني.
حجاج بن أرطاة، عن أبي جعفر، أن أباه قاسم الله تعالى ماله مرتين. وقال: إن الله يحب المذنب التواب.
ابن عيينة، عن أبي حمزة الثمالي، أن علي بن الحسين كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة، ويقول: إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب.
يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتون بالليل.
جرير بن عبد الحميد، عن عمرو بن ثابت: لما مات علي بن الحسين، وجدوا بظهره أثرا مما كان ينقل الجرب بالليل إلى منازل الأرامل.
وقال شيبة بن نعامة: لما مات علي وجدوه يعول مائة أهل بيت.
قلت: لهذا كان يبخل، فإنه ينفق سرا ويظن أهله أنه يجمع الدراهم.
وقال بعضهم: ما فقدنا صدقة السر، حتى توفي علي.(أعلام/2323)
وروى واقد بن محمد العمري، عن سعيد بن مرجانة، أنه لما حدث علي بن الحسين بحديث أبي هريرة: " من أعتق نسمة مؤمنة أعتق الله كل عضو منه بعضو منه من النار، حتى فرجه بفرجه " فأعتق علي غلاما له، أعطاه فيه عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم.
وروى حاتم بن أبي صغيرة، عن عمرو بن دينار، قال: دخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه ; فجعل محمد يبكي، فقال: ما شأنك؟ قال: علي دين. قال: وكم هو؟ قال: بضعة عشر ألف دينار. قال: فهي علي.
علي بن موسى الرضا: حدثنا أبي عن أبيه، عن جده، قال علي بن الحسين: إني لأستحيي من الله أن أرى الأخ من إخواني، فأسأل الله له الجنة وأبخل عليه بالدنيا، فإذا كان غدا قيل لي: لو كانت الجنة بيدك لكنت بها أبخل وأبخل.
قال أبو حازم المدني: ما رأيت هاشميا أفقه من علي بن الحسين ; سمعته وقد سئل: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار بيده إلى القبر، ثم قال: بمنزلتهما منه الساعة. رواها ابن أبي حازم عن أبيه.
يحيى بن كثير، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: جاء رجل إلى أبي فقال: أخبرني عن أبي بكر؟ قال: عن الصديق تسأل؟ قال: وتسميه الصديق؟ ! قال: ثكلتك أمك، قد سماه صديقا من هو خير مني ; رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرون، والأنصار، فمن لم يسمه صديقا، فلا صدق الله قوله، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما، فما كان من أمر ففي عنقي.
وعنه، أنه أتاه قوم فأثنوا عليه فقال: حسبنا أن نكون من صالحي قومنا.
الزبير في " النسب ": حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن قدامة الجمحي، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن علي، عن أبيه، قال قدم قوم من العراق، فجلسوا إلي، فذكروا أبا بكر وعمر فسبوهما، ثم ابتركوا في عثمان ابتراكا، فشتمتهم.(أعلام/2324)
قال ابن عيينة: قال علي بن الحسين: ما يسرني بنصيبي من الذل، حمر النعم.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا أحمد بن محمد، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبو معمر، حدثنا جرير، عن فضيل بن غزوان، قال: قال علي بن الحسين: من ضحك ضحكة، مج مجة من علم.
وبه، قال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا أحمد بن علي بن الجارود، حدثنا أبو سعيد الكندي، حدثنا حفص بن غياث، عن حجاج، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين، قال: إن الجسد إذا لم يمرض أشر، ولا خير في جسد يأشر.
وعن علي بن الحسين، قال: فقد الأحبة غربة. وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوائح العيون علانيتي، وتقبح في خفيات العيون سريرتي ; اللهم كما أسأت وأحسنت إلي ; فإذا عدت، فعد علي.
قال زيد بن أسلم ; كان من دعاء علي بن الحسين: اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها، ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني.
قال ابن أبي ذئب، عن الزهري: سألت علي بن الحسين عن القرآن فقال: كتاب الله وكلامه.
أبو عبيدة، عن ابن إسحاق الشيباني، عن القاسم بن عوف، قال: قال علي بن الحسين: جاءني رجل فقال: جئتك في حاجة، وما جئت حاجا ولا معتمرا، قلت: وما هي؟ قال: جئت لأسألك متى يبعث علي؟ فقلت: يبعث - والله - يوم القيامة، ثم تهمه نفسه.
أحمد بن عبد الأعلى الشيباني: حدثني أبو يعقوب المدني، قال: كان بين حسن بن حسن وبين ابن عمه علي بن الحسين شيء، فما ترك حسن شيئا إلا قاله، وعلي ساكت، فذهب حسن، فلما كان في الليل أتاه علي، فخرج، فقال علي: يا ابن عمي إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا، فغفر الله لك، السلام عليك. قال: فالتزمه حسن، وبكى حتى رثى له.(أعلام/2325)
قال أبو نعيم: حدثنا عيسى بن دينار - ثقة - قال: سألت أبا جعفر عن المختار، فقال: قام أبي على باب الكعبة، فلعن المختار، فقيل له: تلعنه وإنما ذبح فيكم! ؟ قال: إنه كان يكذب على الله وعلى رسوله.
وعن الحكم، عن أبي جعفر، قال: إنا لنصلي خلفهم - يعني الأموية - من غير تقية، وأشهد على أبي أنه كان يصلي خلفهم من غير تقية.
رواه أبو إسرائيل الملائي عنه.
وروى عمر بن حبيب، عن يحيى بن سعيد، قال: قال علي بن الحسين: والله ما قتل عثمان - رحمه الله - على وجه الحق.
نقل غير واحد، أن علي بن الحسين كان يخضب بالحناء والكتم.
وقيل: كان له كساء أصفر يلبسه يوم الجمعة.
وقال عثمان بن حكيم: رأيت على علي بن الحسين كساء خز، وجبة خز.
وروى حسين بن زيد بن علي، عن عمه، أن علي بن الحسين كان يشتري كساء الخز بخمسين دينارا يشتو فيه، ثم يبيعه، ويتصدق بثمنه.
وقال محمد بن هلال: رأيت علي بن الحسين يعتم، ويرخي منها خلف ظهره.
وقيل: كان يلبس في الصيف ثوبين ممشقين من ثياب مصر ويتلو: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق.
وقيل: كان علي بن الحسين إذا سار في المدينة على بغلته، لم يقل لأحد: الطريق. . ويقول: هو مشترك ليس لي أن أنحي عنه أحدا.
وكان له جلالة عجيبة، وحق له - والله - ذلك ; فقد كان أهلا للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وتألهه وكمال عقله. قد اشتهرت قصيدة الفرزدق وهي سماعنا - أن هشام بن عبد الملك حج قبيل ولايته الخلافة، فكان إذا أراد استلام الحجر زوحم عليه، وإذا دنا علي بن الحسين من الحجر تفرقوا عنه إجلالا له، فوجم لها هشام وقال: من هذا؟ فما أعرفه. فأنشأ الفرزدق يقول:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم
هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها(أعلام/2326)
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضى من مهابته
فما يكلم إلا حين يبتسم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله
بجده أنبياء الله قد ختموا
وهي قصيدة طويلة. قال: فأمر هشام بحبس الفرزدق، فحبس بعسفان، وبعث إليه علي بن الحسين باثني عشر ألف درهم وقال: اعذر أبا فراس. فردها وقال: ما قلت ذلك إلا غضبا لله ولرسوله. فردها إليه وقال: بحقي عليك لما قبلتها، فقد علم الله نيتك ورأى مكانك. فقبلها.
وقال في هشام: أيحبسني بين المدينة والتي إليها قلوب الناس يهوي منيبها يقلب رأسا لم يكن رأس سيد وعينين حولاوين باد عيوبها وكانت أم علي من بنات ملوك الأكاسرة، تزوج بها بعد الحسين - رضي الله عنه - مولاه زييد، فولدت له عبد الله بن زييد - بياءين - قاله ابن سعد.
وقيل: هي عمة أم الخليفة يزيد بن الوليد بن عبد الملك.
قال الواقدي، وأبو عبيد، والبخاري، والفلاس: مات سنة أربع وتسعين. وروي ذلك عن جعفر الصادق.
وقال يحيى أخو محمد بن عبد الله بن حسن: مات في رابع عشر ربيع الأول ليلة الثلاثاء سنة أربع
وقال أبو نعيم وشباب: توفي سنة اثنتين وتسعين.
وقال معن بن عيسى: سنة ثلاث وقال يحيى بن بكير: سنة خمس وتسعين. والأول الصحيح.
قال أبو جعفر الباقر: عاش أبي ثمانيا وخمسين سنة.
قلت: قبره بالبقيع، ولا بقية للحسين إلا من قبل ابنه زين العابدين.(أعلام/2327)
أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي أنبأنا محمد بن هبة الله الدينوري ببغداد، أنبأنا عمي محمد بن عبد العزيز سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، أنبأنا عاصم بن الحسن (ح) وأنبأنا أحمد بن عبد الحميد ومحمد بن بطيخ، وأحمد بن مؤمن، وعبد الحميد بن خولان، قالوا: أنبأنا عبد الرحمن بن نجم الواعظ، وأخبرتنا خديجة بنت عبد الرحمن، أنبأنا البهاء عبد الرحمن قالا: أخبرتنا شهدة الكاتبة، أنبأنا الحسين بن طلحة، قالا: أنبأنا أبو عمر بن مهدي، حدثنا أبو عبد الله المحاملي، أنبأنا أحمد بن إسماعيل المدني، حدثنا مالك عن ابن شهاب، عن علي بن حسين، عن عمر بن عثمان، عن أسامة بن زيد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يرث المسلم الكافر ".
كذا يقول مالك بن أنس: عمر بن عثمان. وخالفه عشرة ثقات، فرووه عن ابن شهاب. فكلهم قال: عن عمرو بن عثمان، وكذلك هو في الصحيحين عمرو.(أعلام/2328)
علي بن حجر (خ، م، ت، س)
ابن إياس بن مقاتل بن مخادش بن مشمرج الحافظ العلامة الحجة أبو الحسن السعدي المروزي، ولجده مشمرج بن خالد صحبة.
ولد علي سنة أربع وخمسين ومائة، وارتحل في طلب العلم إلى الآفاق.
وحدث عن: إسماعيل بن جعفر، وشريك القاضي، وهشيم، وعبيد الله بن عمرو، وابن المبارك، والربيع بن بدر السعدي، وإسماعيل بن عياش، والهقل بن زياد، ويحيى بن حمزة، وعبد الله بن جعفر المديني، وعبد الحميد بن الحسن الهلالي، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعلي بن مسهر، وقران بن تمام، ومعروف الخياط صاحب واثلة بن الأسقع، والوليد بن محمد الموقري، والهيثم بن حميد، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وعتاب بن بشير، وحسان بن إبراهيم، وحفص بن سليمان، وجرير بن عبد الحميد، وخلف بن خليفة، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، وبقية، وابن عيينة، ويزيد بن هارون، وخلق سواهم.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأبو عمرو المستملي، وأحمد بن علي الأبار، وعبدان بن محمد المروزي، ومحمد بن علي الحكيم، والحسن بن سفيان، ومحمد بن عبد الله بن أبي عون النسويان، وإبراهيم بن إسماعيل الطوسي العنبري، وإسحاق بن أبي عمران الإسفراييني، ومحمد بن أحمد بن أبي عون النسائي ابن عم المذكور، وإمام الأئمة ابن خزيمة، وأبو رجاء محمد بن حمدويه المروزي المؤرخ، ومحمد بن كرام السجستاني، ومحمد بن موسى الباشاني، ومحمد بن علي بن حمزة المروزي، ومحمد بن يحيى بن خالد المروزي، ومحمود بن محمد المروزي، ومحمود بن وألان العدني، وآخرون.
قال محمد بن علي بن حمزة: كان ينزل بغداد، ثم تحول إلى مرو، فنزل قرية زرزم، وكان فاضلا حافظا.
وقال محمد بن موسى الباشاني: هو من بني عبد شمس بن سعد.
وقال النسائي: ثقة مأمون حافظ.(أعلام/2329)
وقال أبو بكر الخطيب: كان ينزل بغداد قديما، ثم انتقل إلى مرو، واشتهر حديثه بها. قال: وكان صادقا متقنا حافظا.
وقال الحافظ أبو بكر محمد بن حمدويه بن سنجان المروزي: سمعت علي بن حجر، يقول: انصرفت من العراق، وأنا ابن ثلاث وثلاثين سنة، فقلت: لو بقيت ثلاثا وثلاثين سنة أخرى، فأروي بعض ما جمعته من العلم. وقد عشت بعد ثلاثا وثلاثين وثلاثا وثلاثين أخرى، وأنا أتمنى بعدما كنت أتمنى وقت انصرافي من العراق.
قلت: هذا على سبيل التقريب ; وإلا فلم يبلغ الرجل تسعا وتسعين سنة.
قال الحافظ أبو بكر الأعين: مشايخ خراسان ثلاثة: قتيبة، وعلي بن حجر، ومحمد بن مهران الرازي. ورجالها أربعة: عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، ومحمد بن إسماعيل البخاري قبل أن يظهر منه ما ظهر، ومحمد بن يحيى، وأبو زرعة.(أعلام/2330)
قلت: هذه دقة من الأعين، والذي ظهر من محمد أمر خفيف من المسائل التي اختلف فيها الأئمة في القول في القرآن، وتسمى مسألة أفعال التالين ; فجمهور الأئمة والسلف والخلف على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. وبهذا ندين الله تعالى، وبدعوا من خالف ذلك، وذهبت الجهمية والمعتزلة، والمأمون، وأحمد بن أبي دواد القاضي، وخلق من المتكلمين والرافضة إلى أن القرآن كلام الله المنزل مخلوق، وقالوا: الله خالق كل شيء، والقرآن شيء، وقالوا: تعالى الله أن يوصف بأنه متكلم. وجرت محنة القرآن، وعظم البلاء، وضرب أحمد بن حنبل بالسياط ليقول ذلك، نسأل الله السلامة في الدين، ثم نشأت طائفة، فقالوا: كلام الله تعالى منزل غير مخلوق، ولكن ألفاظنا به مخلوقة، يعنون: تلفظهم وأصواتهم به، وكتابتهم له، ونحو ذلك، وهو حسين الكرابيسي، ومن تبعه، فأنكر ذلك الإمام أحمد، وأئمة الحديث، وبالغ الإمام أحمد في الحط عليهم، وثبت عنه أن قال: اللفظية جهمية. وقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي. ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فهو مبتدع، وسد باب الخوض في هذا.
وقال أيضا: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن، فهو جهمي.
وقالت طائفة: القرآن محدث كداود الظاهري، ومن تبعه، فبدعهم الإمام أحمد، وأنكر ذلك، وثبت على الجزم بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنه من علم الله، وكفر من قال بخلقه، وبدع من قال بحدوثه، وبدع من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، ولم يأت عنه ولا عن السلف القول: بأن القرآن قديم. ما تفوه أحد منهم بهذا. فقولنا: قديم: من العبارات المحدثة المبتدعة. كما أن قولنا: هو محدث بدعة.(أعلام/2331)
وأما البخاري فكان من كبار الأئمة الأذكياء، فقال: ما قلت: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وإنما حركاتهم، وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة، والقرآن المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق.
وصنف في ذلك كتاب " أفعال العباد " مجلد، فأنكر عليه طائفة، وما فهموا مرامه كالذهلي، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأبي بكر الأعين، وغيرهم. ثم ظهر بعد ذلك مقالة الكلابية، والأشعرية، وقالوا: القرآن معنى قائم بالنفس ; وإنما هذا المنزل حكايته وعبارته ودال عليه. وقالوا: هذا المتلو معدود متعاقب، وكلام الله تعالى لا يجوز عليه التعاقب، ولا التعدد ; بل هو شيء واحد قائم بالذات المقدسة، واتسع المقال في ذلك، ولزم منه أمور وألوان، تركها - والله - من حسن الإيمان. وبالله نتأيد.
وقد كان علي بن حجر من أوعية العلم. كتب عنه بضع وسبعون ومائة بالحرمين والعراق والشام والجزيرة وخراسان، ولم يلق مالك بن أنس، فاته هو وحماد بن زيد، وكان يسمع في حياتهما بالكوفة وغيرها. وله مصنفات مفيدة، منها كتاب " أحكام القرآن ".
قال أحمد بن المبارك المستملي: سمعته، يقول: ولدت سنة أربع وخمسين ومائة.
وقال إبراهيم بن أورمة الحافظ: كتب علي بن حجر إلى بعض إخوانه:
أحن إلى كتابك غير أني
أجلك عن عتاب في كتاب
ونحن إن التقينا قبل موت
شفيت غليل صدري من عتابي
وإن سبقت بنا ذات المنايا
فكم من غائب تحت التراب
قال الحسن بن سفيان: سمعت علي بن حجر ينشد:
وظيفتنا مائة للغري
ب في كل يوم سوى ما يفاد
شريكية أو هشيمية
أحاديث فقه قصار جياد
قال: وأنشد مرة وقد سألوه الزيادة:
لكم مائة في كل يوم أعدها
حديثا حديثا لا أزيدكم حرفا
وما طال منها من حديث فإنني
به طالب منكم على قدره صرفا
فإن أقنعتكم فاسمعوها سريحة(أعلام/2332)
وإلا فجيئوا من يحدثكم ألفا
قال أبو العباس الدغولي: حدثنا عبد الله بن جعفر بن خاقان، قال: وجه بعض مشايخ مرو إلى علي بن حجر بسكر وأرز وثوب، فرده وكتب إليه:
جاءني عنك مرسل بكلام
فيه بعض الإيحاش والإحشام
فتعجبت ثم قلت: تعالى ربنا
، ذي من الأمور العظام
خاب سعيي لئن شريت خلاقي
بعد تسعين حجة بحطام
أنا بالصبر واحتمالي لإخوا ني
أرجو حلول دار السلام
والذي سمتنيه يزري بمثلي
عند أهل العقول والأحلام
قال البخاري: مات علي بن حجر في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين ومائتين. وقال الباشاني: في يوم الأربعاء منتصف الشهر.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر المستملي، أخبرنا أبو القاسم بن أبي الفضل الهراس، حدثنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن خزيمة، أخبرنا جدي أبو بكر، حدثنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
أخرجه مسلم عن علي مثله.
وفيها توفي أحمد بن منيع، وإسحاق بن موسى، ومحمد بن أبان المستملي، وأبو عمار الحسين بن حريث، والحسين بن شجاع الحافظ، وحميد بن مسعدة، وعتبة بن عبد الله المروزي، وابن أبي الشوارب، ويعقوب بن السكيت، ومجاهد بن موسى.(أعلام/2333)
علي بن زيد (4، م مقرونا)
ابن جدعان، الإمام العالم الكبير أبو الحسن القرشي، التيمي البصري الأعمى. ولد أظن في دولة يزيد، وحدث عن أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وأبي عثمان النهدي، وعروة بن الزبير، وأبي قلابة، والحسن، والقاسم بن محمد وعدة. حدث عنه شعبة، وسفيان، وحماد بن سلمة، وعبد الوارث، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل ابن علية، وشريك وعدة.
ولد أعمى كقتادة، وكان من أوعية العلم على تشيع قليل فيه، وسوء حفظ يغضه من درجة الإتقان.
قال أبو زرعة وأبو حاتم: ليس بقوي، وقال البخاري وغيره: لا يحتج به، وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه، وقال الترمذي: صدوق، وكان ابن عيينة يلينه، وقال شعبة: حدثنا علي بن زيد -وكان رفاعا- وقال مرة: حدثنا قبل أن يختلط.
وقال حماد بن زيد: أنبأنا علي بن زيد: وكان يقلب الأحاديث، وقال الفلاس: كان يحيى بن سعيد يتقيه، وقال أحمد بن حنبل: ضعيف، وروى عباس عن يحيى: ليس بشيء، ومرة قال: هو أحب إلي من ابن عقيل، وعاصم بن عبيد الله.
وروى عثمان الدارمي عن يحيى: ليس بذاك القوي، وقال العجلي: كان يتشيع، ليس بالقوي.
وقال الفسوي: اختلط في كبره، وقال الدارقطني: لا يزال عندي فيه لين.
قلت: قد استوفيت أخباره في " الميزان " وغيره، وله عجائب ومناكير، لكنه واسع العلم، قال منصور بن زاذان: لما مات الحسن، قلنا لعلي بن زيد: اجلس مكانه، وقال الجريري: أصبح فقهاء البصرة عميانا: قتادة وابن جدعان، وأشعث الحداني. مات علي سنة إحدى وثلاثين ومائة.(أعلام/2334)
علي بن عاصم (د، ت، ق)
ابن صهيب، الإمام العالم، شيخ المحدثين، مسند العراق أبو الحسن القرشي التيمي مولى قريبة أخت القاسم بن محمد بن أبي بكر الواسطي.
ولد سنة سبع ومائة فهو من أسنان سفيان بن عيينة.
وروى عن: حصين بن عبد الرحمن، وبيان بن بشر، ويحيى البكاء، وعطاء بن السائب، وسليمان التيمي، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم، وحميد الطويل، ومحمد بن سوقة، ومطرف بن طريف، وعاصم بن كليب، وسهيل بن أبي صالح، وإسماعيل بن أبي خالد، وداود بن أبي هند، وخالد الحذاء، وبهز بن حكيم، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، والجريري، وعمارة بن أبي حفصة، وعبيد الله بن عمر، وأبي هارون العبدي، وخلق سواهم.
وعنه: يزيد بن زريع مع تقدمه، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعلي بن الجعد، ومحمد بن حرب النشائي وزياد بن أيوب، ومحمد بن يحيى، وأحمد بن الأزهر، وسعدان بن نصر، ومحمد بن عيسى المدائني، ومحمد بن عبيد الله بن المنادي، وعبد بن حميد، وعبد الله بن أيوب المخرمي، ويحيى بن جعفر البيكندي، ويحيى بن أبي طالب، ويعقوب بن شيبة، ويوسف بن عيسى المروزي، وعمرو بن رافع، وعيسى بن يونس الطرسوسي، وهارون بن حاتم، وموسى بن سهل الوشاء والحسن بن مكرم، والحارث بن أبي أسامة، وخلق كثير.
قال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن عاصم على اختلاف أصحابنا فيه، منهم من أنكر عليه كثرة الخطأ والغلط، ومنهم من أنكر عليه تماديه في ذلك، وتركه الرجوع عما خالف فيه الناس، ولجاجته فيه وثباته على الخطأ، ومنهم من تكلم في سوء حفظه، واشتباه الأمر عليه في بعض ما حدث به من سوء ضبطه، وتوانيه عن تصحيح ما كتب الوراقون له، ومنهم من قصته عنده أغلظ من هذه القصص، وقد كان - رحمه الله - من أهل الدين والصلاح، والخير البارع، شديد التوقي، وللحديث آفات تفسده.(أعلام/2335)
حدثني إبراهيم بن هاشم، حدثنا عتاب بن زياد، عن ابن المبارك.
قال: قلت لعباد بن العوام: يا أبا سهل: ما بال صاحبكم؟ - يعني علي بن عاصم - قال: ليس ينكر عليه أنه لم يسمع، ولكنه كان رجلا موسرا، وكان الوراقون يكتبون له، فنراه أتي من كتبه.
قال يعقوب: وحدثنا عبيد بن يعيش قال: رجعنا مع وكيع عشية جمعة، ومعنا ابن حنبل وخلف، فكان وكيع يحدث خلفا، فقال له: من بقي عندكم؟ فذكر شيوخا، وقال، عندنا علي بن عاصم، فقال وكيع: ما زلنا نعرفه بالخير. قال خلف: إنه يغلط في أحاديث. قال: دعوا الغلط، وخذوا الصحاح، فإنا ما زلنا نعرفه بالخير.
قلت: كان علي بن عاصم أكبر من وكيع بنيف وعشرين سنة.
قال يعقوب: وحدثني العباس بن صالح، قال: سألت أسود بن سالم قلت: بلغني أن وكيعا كان يقدم علي بن عاصم، ويرفع أمره، فقال لي أسود بن سالم: إنما قال وكيع - وذكره يوما -: لو ترك ما يغلط فيه، وأخذوا غيره، لكان.
قال: وحدثني إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثني عفان قال: قدمت أنا وبهز واسطا، فدخلنا على علي بن عاصم، فقال: ممن أنتما؟ قلنا: من أهل البصرة. فقال: من بقي؟ فجعلنا نذكر حماد بن زيد والمشايخ، فلا نذكر له إنسانا إلا استصغره، فلما خرجنا، قال بهز: ما أرى هذا يفلح.
قال الخطيب: قد كان علي من ذوي الأموال والاتساع في الدنيا، ولم يزل ينفق في طلب العلم ويفضل على أهله قديما وحديثا.
أخبرنا ابن علان إذنا، أخبرنا الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، حدثني مسعود بن ناصر، أخبرنا أبو الفضل بن محمد بن الفضل المزكي، أخبرنا أبو نصر أحمد بن الحسين المرواني، سمعت زنجويه اللباد، سمعت عبد الله بن كثير البكري، سمعت أحمد بن أعين بالمصيصة، سمعت علي بن عاصم يقول: دفع إلي أبي مائة ألف درهم، وقال: اذهب فلا أرى لك وجها إلا بمائة ألف حديث.(أعلام/2336)
وبه إلى الخطيب: أخبرنا عبد الرحمن بن فضالة بالري، أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد بن جعفر ببلخ، حدثنا موسى بن محمد المؤدب، سمعت أحمد بن إبراهيم بن حرب النيسابوري، سمعت علي بن عاصم يقول: أعطاني أبي مائة ألف درهم، فأتيته بمائة ألف حديث، وكنت أردف هشيما خلفي ليسمع معي الشيء بعد الشيء.
وقال علي بن خشرم: حدثنا وكيع: أدركت الناس والحلقة لعلي بن عاصم بواسط. قيل: يا أبا سفيان، إنه يغلط. قال: دعوه وغلطه.
عبد الله بن أحمد: حدثنا أبي: قال وكيع - وذكر علي بن عاصم - فقال: خذوا حديثه ما صح، ودعوا ما غلط، أو ما أخطأ. قال عبد الله: كان أبي يحتج بهذا، ويقول: كان يغلط ويخطئ، وكان فيه لجاج، ولم يكن متهما بالكذب.
وقال أبو داود: قال أحمد - وذكر علي بن عاصم - فقال: أما أنا فأخذت عنه، وحدثنا عنه.
وقال سعيد بن عمرو البرذعي: حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري قال: قلت لأحمد بن حنبل في علي بن عاصم، وذكرت له خطأه، فقال: كان حماد بن سلمة يخطئ - وأومأ أحمد بيده - خطأ كثيرا، ولم نر بالرواية عنه بأسا.
قال أبو بكر الخطيب: وكان يستصغر الناس، ويزدريهم.(أعلام/2337)
قال الأصم: حدثنا الخضر بن أبان: سمعت علي بن عاصم يقول: خرجت من واسط أنا وهشيم إلى الكوفة للقي منصور، فلما خرجت فراسخ، لقيني أبو معاوية، فقلت: أين تريد؟ قال: أسعى في دين علي. فقلت: ارجع معي، فإن عندي أربعة آلاف، أعطيك منها ألفين، فرجعته، فأعطيته ألفين، ثم خرجت، فدخل هشيم الكوفة غداة، ودخلتها العشي، فذهب فسمع من منصور أربعين حديثا، ودخلت أنا الحمام، ثم أصبحت، فأتيت باب منصور، فإذا جنازته، فقعدت أبكي، فقال شيخ هناك: يا فتى، ما يبكيك؟ قلت: قدمت لأسمع من هذا الشيخ، فمات. قال: فأدلك على من شهد عرس أم ذا؟ قلت: نعم، قال: اكتب: حدثنا عكرمة، عن ابن عباس فجعلت أكتب شهرا، فقلت: من أنت؟ قال: أنا حصين بن عبد الرحمن، ما كان بيني وبين أن ألقى ابن عباس إلا تسعة دراهم، وكان عكرمة يسمع منه، ثم يجيء فيحدثني.
قال ابن المديني: كان علي بن عاصم كثير الغلط، وإذا رد عليه، لم يرجع، وكان معروفا في الحديث، ويروي أحاديث منكرة، وبلغني أن ابنه
قال له: هب لي من حديثك عشرين حديثا، فأبى.
وقال في موضع آخر: أتيته بواسط، فنظرت في أثلاث كثيرة، فأخرجت منها مائتي طرف، فذهبت إليه، فحدث عن مغيرة عن إبراهيم في التمتع، فقلت له: إنما هذا عن مغيرة رأي حماد. قال: من حدثكم؟ قلت: جرير. قال: ذاك الصبي، لقد رأيت ذاك ناعسا ما يعقل ما يقال له. قال: ومر شيء آخر، فقلت: يخالفونك. قال: من؟ قلت: أبو عوانة، فصاح، وقال: ذاك العبد! ومر بشيء، فقلت: يخالفونك، فقال: من؟ قلت: إسماعيل بن إبراهيم. قال: ومن ذا؟ قلت: ابن علية. قال: ما رأيت ذاك يطلب حديثا قط، وقال لشعبة: ذاك المسكين! كنت أكلم له خالدا الحذاء، فيحدثه. رواها عبد الله بن المديني عن أبيه.(أعلام/2338)
وقال صالح جزرة: علي بن عاصم ليس عندي ممن يكذب، ولكن يهم، هو سيء الحفظ، كثير الوهم، يغلط في أحاديث، يرفعها ويقلبها، وسائر حديثه صحيح مستقيم.
قال علي بن شعيب: حضرت يزيد بن هارون، وهم يسألونه حتى سمعت من فلان، وقالوا له: فعلي بن عاصم؟ وقال: سمعت منه. قالوا له: كان يغمز بشيء، أو يتكلم فيه إذ ذاك بشيء؟ قال: معاذ الله، كانت حلقته بحيال حلقة هشيم، ولكنه كان لا يجالسهم، وكتب، ولم يجالس، فوقع في كتبه الخطأ.
محمد بن المنهال، عن يزيد بن زريع، قال: لقيت علي بن عاصم، فأفادني أشياء عن خالد الحذاء، فأتيت خالدا، فسألته عنها، فأنكرها كلها.
وقال الفلاس: علي بن عاصم فيه ضعف، وكان - إن شاء الله - من أهل الصدق.
وقال يحيى بن معين: ليس بشيء.
وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم يتكلمون فيه.
أخبرنا أحمد بن محمد المؤدب وجماعة قالوا: أخبرنا يحيى بن أبي السعود، أخبرتنا تجني الوهبانية، أخبرنا الحسين بن طلحة، أخبرنا ابن رزقويه، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا يحيى بن جعفر، حدثنا علي بن عاصم، أخبرنا محمد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من عزى مصابا، فله مثل أجره.
وقد روي نحوه عن إسرائيل وقيس بن الربيع، عن ابن سوقة.(أعلام/2339)
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت إبراهيم بن هاشم يقول: قال رجل لسفيان بن عيينة: إن علي بن عاصم حدث عن ابن سوقة عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: من عزى مصابا فله مثل أجره فلم ينكر الحديث، وقال: محمد بن سوقة لم يحفظ عن إبراهيم شيئا، ثم قال يعقوب: وهو حديث كوفي الإسناد، منكر، يرون أنه لا أصل له مسندا ولا موقوفا، لا نعلم أحدا أسنده ولا وقفه غير علي بن عاصم. وقد رواه أبو بكر النهشلي، وهو صدوق ضعيف الحديث عن محمد، فلم يجاوزه به، بل قال: يرفع الحديث.
وقال أبو بكر الخطيب: قد روى حديث ابن سوقة عبد الحكيم بن منصور كرواية علي، وروي كذلك عن الثوري، وشعبة، وإسرائيل، ومحمد بن الفضل بن عطية، وعبد الرحمن بن مالك بن مغول، والحارث بن عمران الجعفري، عن ابن سوقة إلى أن قال: وليس شيء منها ثابتا.
أخبرنا عبد الرحمن بن قدامة وطائفة كتابة، أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا محمد بن غيلان، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا موسى بن سهل، حدثنا علي بن عاصم، حدثنا سليمان، عن أبي عثمان، عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: خرج فتية يتحدثون، فإذا هم بإبل معطلة، فقال بعضهم: كأن أرباب هؤلاء ليسوا معها، فأجابه بعير منها، فقال: إن أربابها حشروا ضحى.
أبو داود الطيالسي: سمعت شعبة يقول: لا تكتبوا عنه - يعني علي بن عاصم. أحمد بن محمد بن محرز: سمعت يحيى بن معين يقول: علي بن عاصم كذاب ليس بشيء.
وقال ابن أبي شيبة: فسألته - يعني يحيى بن معين - عن علي بن عاصم، فقال: ليس بشيء، ولا يحتج به، قلت: ما أنكرت منه؟ قال: الخطأ والغلط، ليس ممن كتب حديثه.
وقال عثمان بن أبي شيبة: كنا عند يزيد بن هارون أنا وأخي، فقلنا له: يا أبا خالد، علي بن عاصم ما حاله عندك؟ قال: حسبكم ما زلنا نعرفه بالكذب.(أعلام/2340)
قال الخطيب: وكذلك روى أيوب بن إسحاق بن سافري عن ابني أبي شيبة، عن يزيد، وجاء عن يزيد خلاف هذا.
قال أبو نصر الليث بن جبرويه: سمعت يحيى بن جعفر البيكندي يقول: كان يجتمع عند علي بن عاصم أكثر من ثلاثين ألفا، وكان يجلس على سطح، وكان له ثلاثة مستملين.
الزعفراني: حدثنا علي بن عاصم، عن يحيى بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة مرفوعا: لا تمسكوا علي شيئا، فإني لا أحل إلا ما أحل الله، ولا أحرم إلا ما حرم في كتابه.
محمود بن خداش: حدثنا علي بن عاصم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لما نزلت من يعمل سوءا يجز به. قال أبو بكر: يا رسول الله، نزلت قاصمة الظهر، فقال: رحمك الله. . . . الحديث، ومعناه: يجزون به ببلايا الدنيا.
عاصم بن علي: حدثنا أبي، عن خالد وهشام، عن ابن سيرين، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: صلاة المغرب وتر النهار، فأوتروا صلاة الليل.
ساق الحافظ ابن عدي في ترجمة علي عدة أحاديث إلى أن قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن سالم الباجدائي حدثنا عبد القدوس بن عبد القاهر الباجدائي، حدثنا علي بن عاصم، عن حميد، عن أنس سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من أكل من الطين وقية، فقد أكل من لحم الخنزير وقية، ولا يبالي الله على ما مات يهوديا أو نصرانيا وبه: من أكل الطين واغتسل به، فقد أكل لحم أبيه آدم، واغتسل بدمه ثم قال ابن عدي: هذان باطلان.
قلت: أجزم بأن علي بن عاصم - رحمه الله - ما حدث بهما. فقد تناكد ابن عدي حيث أوردهما هنا، وإنما هما موضوعان من الباجدائي - قبحه الله.(أعلام/2341)
ثم قال ابن عدي: حدثنا الفضل بن عبد الله بن مخلد، حدثنا العلاء بن مسلمة، حدثنا علي بن عاصم، عن حميد، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: من قرأ يس كل ليلة ابتغاء وجه الله غفر له وبه: خلق الله الجنة وغرس أشجارها بيده، وقال لها: تكلمي قالت: قد أفلح المؤمنون.
قلت: وهذان باطلان، ابن عاصم بريء منهما، والعلاء متهم بالكذب.
محمد بن حرب النشائي: حدثنا علي بن عاصم، حدثنا حميد، سمع أنسا يقول: أراد أبو طلحة أن يطلق أم سليم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن طلاق أم سليم حوب فكف فهذا خبر منكر، والنشائي صدوق.
أبو أحمد بن عدي: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن الفرج الغافقي بمصر، حدثنا محمد بن الوليد بن أبان، حدثنا خالد بن عبد الله الزيات، حدثنا حماد بن خالد الخياط، حدثنا شعبة، أخبرني علي بن عاصم، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت في النبي - صلى الله عليه وسلم - دعابة.
قلت: وهذا منكر، وروي نحوه مرسلا.
قال ابن عدي: ولعلي قدر ثلاثين حديثا لا يرويها غيره.
أخبرنا أحمد بن عبد الحميد، أخبرنا موسى بن عبد القادر، وعبد الله بن زيد قالا: أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا أبو الحسن الداوودي، أخبرنا ابن حمويه، أخبرنا إبراهيم بن خزيم، حدثنا عبد بن حميد، حدثنا علي بن عاصم، عن يحيى البكاء، قال: حدثني عبد الله بن عمر: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أربع قبل الظهر بعد الزوال، تحسب بمثلهن في صلاة السحر، وليس من شيء إلا وهو يسبح الله في تلك الساعة ثم قرأ: يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل الآية كلها.
أخرجه الترمذي عن عبد، فوافقناه بعلو.
قال بحشل في " تاريخه ": حدثنا تميم بن المنتصر قال: ولد علي بن عاصم سنة ثمان ومائة.(أعلام/2342)
وقال ابن سعد ويعقوب بن شيبة: ولد سنة تسع ومائة ومات في جمادى الأولى سنة إحدى ومائتين. وهو ابن اثنتين وتسعين سنة. زاد ابن سعد: وأشهر، بواسط.
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت عاصم بن علي يقول: أخبرني أبي أنه صام ثمانين شهر رمضان، لم يفطر فيها يوما قال: ومات وهو ابن أربع وتسعين سنة، وشذ هارون بن حاتم، وليس بحجة، قال: سألت علي بن عاصم عن مولده، فقال: سنة خمس ومائة.
وقد كان ولده: عاصم بن علي بن عاصم.(أعلام/2343)
علي بن محمد بن عبد الملك
ابن أبي الشوارب: الحافظ، الإمام، قاضي القضاة أبو الحسن الأموي البصري.
سمع: أباه، وأبا الوليد الطيالسي، وأبا سلمة المنقري، وأبا عمر الحوضي، وسهل بن بكار، وطبقتهم.
حدث عنه: يحيى بن محمد بن صاعد، وأبو بكر النجاد، وإسحاق بن أحمد الكاذي وعبد الباقي بن قانع، وأبو بكر الشافعي، وآخرون. وثقه الخطيب وغيره.
وقال طلحة الشاهد: لما مات إسماعيل القاضي مكثت بغداد ثلاثة أشهر ونصف بغير قاض، حتى ولي القضاء علي بن أبي الشوارب، مضافا إلى قضاء سامراء، وكان ولي سامراء بعد أخيه الحسن. قال: وكان علي بن محمد رجلا صالحا، عظيم الخطر، كثير الطلب للحديث، ثقة أمينا، بقي على قضاء بغداد أشهرا. مات في شوال سنة ثلاث وثمانين ومائتين -رحمه الله.(أعلام/2344)
عمار بن ياسر
(ع)
ابن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الوذيم، وقيل بين قيس والوذيم حصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس، وعنس: هو زيد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وبنو مالك بن أدد من مذحج.
قرأت هذا النسب على شيخنا الدمياطي، ونقلته من خطه، قال: قرأته على يحيى بن قميرة، عن شهدة، عن ابن طلحة، عن أبي عمر بن مهدي، عن محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، حدثنا جدي، فذكره وفيه قيس بن الحصين بن الوذيم، ولم يشك. وعنس نقطه بنون. الإمام الكبير أبو اليقظان العنسي المكي مولى بني مخزوم، أحد السابقين الأولين، والأعيان البدريين.
وأمه هي سمية مولاة بني مخزوم، من كبار الصحابيات أيضا.
له عدة أحاديث: ففي مسند بقي له اثنان وستون حديثا، ومنها في " الصحيحين " خمسة.
روى عنه علي، وابن عباس، وأبو موسى الأشعري، وأبو أمامة الباهلي، وجابر بن عبد الله، ومحمد بن الحنفية، وعلقمة، وزر، وأبو وائل، وهمام بن الحارث، ونعيم بن حنظلة، وعبد الرحمن بن أبزى، وناجية بن كعب، وأبو لاس الخزاعي، وعبد الله بن سلمة المرادي، وابن الحوتكية، وثروان بن ملحان، ويحيى بن جعدة، والسائب والد عطاء، وقيس بن عباد، وصلة بن زفر، ومخارق بن سليم، وعامر بن سعد بن أبي وقاص، وأبو البختري، وعدة.(أعلام/2345)
قال ابن سعد: قدم والد عمار ياسر بن عامر وأخواه الحارث ومالك من اليمن إلى مكة يطلبون أخا لهم، فرجع أخواه، وأقام ياسر وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فزوجه أمة له اسمها سمية بنت خباط فولدت له عمارا، فأعتقه أبو حذيفة، ثم مات أبو حذيفة، فلما جاء الله بالإسلام، أسلم عمار وأبواه وأخوه عبد الله، وتزوج بسمية بعد ياسر الأزرق الرومي غلام الحارث بن كلدة الثقفي وله صحبة، وهو والد سلمة بن الأزرق. ويقال: إن لعمار من الرواية بضعة وعشرين حديثا. ويروى عن عمار قال: كنت تربا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسنه. وروى عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمارا يوم صفين شيخا آدم، طوالا، وإن الحربة في يده لترعد، فقال: والذي نفسي بيده، لقد قاتلت بها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات وهذه الرابعة، ولو قاتلونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، لعرفت أننا على الحق، وأنهم على الباطل.
وعن الواقدي: عن عبد الله بن أبي عبيدة، عن أبيه عن لؤلؤة مولاة أم الحكم بنت عمار أنها وصفت لهم عمارا: آدم، طوالا، مضطربا، أشهل العين، بعيد ما بين المنكبين، لا يغير شيبه.
وعن كليب بن منفعة، عن أبيه قال: رأيت عمارا بالكناسة أسود جعدا وهو يقرأ.
رواه الحاكم في " المستدرك ".
وقال عروة: عمار من حلفاء بني مخزوم.
وروى الواقدي عن بعض بني عمار أن عمارا وصهيبا أسلما معا بعد بضعة وثلاثين رجلا. وهذا منقطع.
زائدة: عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد.(أعلام/2346)
فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فألبسهم المشركون أدراع الحديد، وصفدوهم في الشمس، وما فيهم أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال ; فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد.
وروى منصور: عن مجاهد: أول من أظهر إسلامه سبعة، فذكرهم، زاد فجاء أبو جهل يشتم سمية، وجعل يطعن بحربته في قبلها حتى قتلها، فكانت أول شهيدة في الإسلام. وعن عمر بن الحكم: قال: كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول، وكذا صهيب وفيهم نزلت: والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا [النحل: 41] . منصور بن أبي الأسود: عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن عثمان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صبرا آل ياسر ; فإن موعدكم الجنة.
قيل: لم يسلم أبوا أحد من السابقين المهاجرين سوى عمار وأبي بكر. مسلم بن إبراهيم والتبوذكي: عن القاسم بن الفضل، حدثنا عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد قال: دعا عثمان نفرا منهم عمار، فقال عثمان: أما إني سأحدثكم حديثا عن عمار: أقبلت أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - في البطحاء حتى أتينا على عمار وأمه وأبيه وهم يعذبون، فقال ياسر للنبي - صلى الله عليه وسلم -: الدهر هكذا. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: اصبر. ثم قال: اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت.
هذا مرسل، ورواه جعثم بن سليمان، عن القاسم الحداني، عن عمرو بن مرة، فقال: عن أبي البختري بدل سالم، عن سلمان بدل عثمان. وله إسناد آخر لين وآخر غريب.(أعلام/2347)
وروى أبو بلج عن عمرو بن ميمون قال: عذب المشركون عمارا بالنار. فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر به، فيمر يده على رأسه، ويقول: يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم. تقتلك الفئة الباغية ابن عون: عن محمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي عمارا وهو يبكي فجعل يمسح عن عينيه، ويقول: أخذك الكفار، فغطوك في النار، فقلت كذا وكذا، فإن عادوا فقل لهم ذلك.
روى عبد الكريم الجزري: عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمارا، فلم يتركوه حتى نال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله. والله ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير. قال: فكيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان. قال: فإن عادوا فعد. ورواه الجزري مرة عن أبي عبيدة، فقال: عن أبيه. وعن قتادة إلا من أكره نزلت في عمار. المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن: أول من بنى مسجدا يصلى فيه عمار. أبو إسحاق: عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: اشتركت أنا وعمار وسعد يوم بدر فيما نأتي به، فلم أجئ أنا ولا عمار بشيء، وجاء سعد برجلين.(أعلام/2348)
جرير بن حازم: عن الحسن، عن عمار قال: قاتلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجن والإنس، قيل: وكيف؟ قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلنا منزلا، فأخذت قربتي ودلوي لأستقي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما إنه سيأتيك على الماء آت يمنعك منه فلما كنت على رأس البئر إذا برجل أسود كأنه مرس، فقال: والله لا تستقي اليوم منها، فأخذني وأخذته فصرعته، ثم أخذت حجرا فكسرت وجهه وأنفه، ثم ملأت قربتي وأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: هل أتاك على الماء أحد؟ قلت: نعم فقصصت عليه القصة، فقال: أتدري من هو؟ قلت: لا. قال: ذاك الشيطان. فطر بن خليفة: عن كثير النواء، سمعت عبد الله بن مليل سمعت عليا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لم يكن نبي قط إلا وقد أعطي سبعة رفقاء نجباء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة، وأبو بكر، وعمر، وعلي، وجعفر، وحسن، وحسين، وابن مسعود، وأبو ذر، والمقداد، وحذيفة، وعمار، وبلال، وسلمان. تابعه جعفر الأحمر عن كثير. الحسن بن صالح: عن أبي ربيعة، عن الحسن عن أنس، مرفوعا، قال: ثلاثة تشتاق إليهم الجنة: علي، وسلمان، وعمار.
أبو إسحاق: عن هانئ بن هانئ، عن علي قال: استأذن عمار على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من هذا؟ قال: عمار. قال: مرحبا بالطيب المطيب أخرجه الترمذي.(أعلام/2349)
وروى عثام بن علي: عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ قال: كنا جلوسا عند علي، فدخل عمار، فقال: مرحبا بالطيب المطيب، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن عمارا ملئ إيمانا إلى مشاشه. سفيان: عن الأعمش، عن أبي عمار الهمداني، عن عمرو بن شرحبيل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عمار ملئ إيمانا إلى مشاشه. عمرو بن مرة: عن أبي البختري: سئل علي عن عمار، فقال: نسي وإن ذكرته ذكر، قد دخل الإيمان في سمعه وبصره، وذكر ما شاء الله من جسده. جماعة: عن الثوري، عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة، مرفوعا: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد.
رواه طائفة عن الثوري بإسقاط مولى ربعي، وكذا رواه زائدة وغيره عن عبد الملك، وروي عن عمرو بن هرم، عن ربعي، عن حذيفة. ابن عون: عن الحسن، قال عمرو بن العاص: إني لأرجو أن لا يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات يوم مات وهو يحب رجلا فيدخله الله النار. قالوا: قد كنا نراه يحبك ويستعملك. فقال: الله أعلم أحبني أو تألفني، ولكنا كنا نراه يحب رجلا عمار بن ياسر. قالوا: فذلك قتيلكم يوم صفين، قال: قد والله قتلناه. العوام بن حوشب: عن سلمة بن كهيل، عن علقمة، عن خالد بن الوليد قال: كان بيني وبين عمار كلام، فأغلظت له، فشكاني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: من عادى عمارا عاداه الله، ومن أبغض عمارا أبغضه الله. خرجت فما شيء أحب إلي من رضى عمار، فلقيته فرضي. أخرجه أحمد والنسائي.
شعبة: عن سلمة بن كهيل، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن الأسود قال: كان بين خالد وعمار كلام، فشكاه خالد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله: من يعاد عمارا يعاده الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله.(أعلام/2350)
عطاء بن مسلم الخفاف: عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أوس بن أوس قال: كنت عند علي فسمعته يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: دم عمار ولحمه حرام على النار هذا غريب.
سفيان: عن سلمة بن كهيل، عن مجاهد، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما لهم وما لعمار! يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، وذلك دأب الأشقياء الفجار.
عمار بن رزيق: عن عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد، جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: إن الله قد أمننا من أن يظلمنا ولم يؤمنا من أن يفتننا، أرأيت إن أدركت فتنة؟ قال: عليك بكتاب الله. قال: أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق. إسناده منقطع.
قال عمار الدهني: عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن مسعود: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما خير ابن سمية بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
رواه الثوري وغيره عنه، وبعضهم رواه عن الدهني، عن سالم، عن علي بن علقمة، عن ابن مسعود.(أعلام/2351)
عمر بن حفص بن غياث (خ، م، د، ت، س)
الحافظ عن أبيه قاضي الكوفة، وأبي بكر بن عياش، وعبد الله بن إدريس، وغيرهم.
يكنى أبا حفص، وكان من العلماء الأثبات.
حدث عنه: الشيخان في " صحيحهما "، وروى أرباب السنن سوى ابن ماجه عن رجل عنه، وممن روى عنه أحمد بن إبراهيم الدورقي، وأحمد بن يوسف السلمي، وإسماعيل سمويه، وأحمد بن ملاعب، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو حاتم، ويعقوب الفسوي، وآخرون.
وثقه أبو حاتم.
وقال أبو داود: تبعته إلى منزله، ولم يتفق لي أن أسمع منه.
قال البخاري: توفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين.
قلت: لم يخرجوا له عن غير أبيه، وكان مكثرا عنه مليا به.
مات عن بضع وخمسين سنة بالكوفة.(أعلام/2352)
عمر بن شبة (ق)
ابن عبدة بن زيد بن رائطة، العلامة الأخباري الحافظ الحجة، صاحب التصانيف، أبو زيد، النميري البصري النحوي، نزيل بغداد.
ولد سنة ثلاث وسبعين ومائة.
وسمع يحيى بن سعيد القطان، ويوسف بن عطية، وعمر بن علي المقدمي، وعبد الوهاب الثقفي، وعبد الأعلى السامي، وغندرا، ومعاذ بن معاذ، وعلي بن عاصم، ويزيد بن هارون، وأبا زكير يحيى بن محمد بن قيس، وأبا أحمد الزبيري، وعبيد بن الطفيل، وسعيد بن عامر، وأبا عاصم النبيل، وأبا أسامة، وخلقا كثيرا. وينزل إلى الرواية عن أبي خيثمة، ومحمد بن حميد، ونصر بن علي الجهضمي، والحسن بن عرفة.
حدث عنه: ابن ماجه بحديثين، وابن أبي الدنيا، وابن صاعد، وأبو العباس السراج، وأبو نعيم بن عدي، ومحمد بن أحمد الأثرم، وأبو بكر بن أبي داود، ومحمد بن جعفر الخرائطي، ومحمد بن مخلد، والقاضي المحاملي، وإسماعيل بن العباس الوراق، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وخلق سواهم.
وثقه الدارقطني وغير واحد.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق، صاحب عربية وأدب.
وقال أبو حاتم البستي: مستقيم الحديث، وكان صاحب أدب وشعر، وأخبار ومعرفة بأيام الناس.
قال أبو بكر الخطيب: كان ثقة عالما بالسير وأيام الناس، وله تصانيف كثيرة. وكان قد نزل في آخر عمره بسر من رأى، وتوفي بها.
وذكر عمر بن شبة أن اسم أبيه زيد، ولقبه شبة؛ لأن أمه كانت ترقصه، وتقول:
يا بأبي وشبا
وعاش حتى دبا
شيخا كبيرا خبا
قال ابن المنادي: مات بسر من رأى يوم الاثنين لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وستين ومائتين. وكان قد جاوز التسعين، كذا قال.(أعلام/2353)
وقال محمد بن موسى البربري: مولده أول رجب سنة ثلاث وسبعين ومائة قال: ومات يوم الخميس لأربع بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وستين ومائتين. فكمل تسعا وثمانين سنة إلا أربعة أيام.
قلت: صنف تاريخا كبيرا للبصرة لم نره، وكتابا في " أخبار المدينة "، رأيت نصفه يقضي بإمامته، وصنف " أخبار الكوفة "، و " أخبار مكة، وكتاب " الأمراء " وكتاب " الشعر والشعراء "، وكتاب " أخبار المنصور "، وكتاب " النسب "، وكتاب " التاريخ " في أشياء كثيرة.
وقد وقع لي من عالي حديث عمر بن شبة.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد البندار، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا عمر بن شبة، حدثني أبو غسان محمد بن يحيى، أخبرنا عبد العزيز بن عمران، عن أبي النعمان بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن جده، قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلم على أشراف حرم المدينة، فأعلمت شرف ذات الجيش، وعلى مشيرف وعلى أشراف محيص، وعلى الحفياء، وعلى العشراء، وعلى قلت.
وفيها مات سعدان بن يزيد البزاز، ومحمد بن عاصم الثقفي، ومحمد بن عبد الله بن ميمون بالإسكندرية، ويعقوب بن شيبة صاحب " المسند "، ومحمد بن عبد الله بن قهزاذ، وعباد بن الوليد الغبري، وحاتم بن الليث الجوهري.(أعلام/2354)
عمر بن عبد العزيز (ع)
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، الإمام الحافظ العلامة المجتهد الزاهد العابد السيد أمير المؤمنين حقا أبو حفص، القرشي الأموي المدني ثم المصري، الخليفة الزاهد الراشد أشج بني أمية.
حدث عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل بن سعد، واستوهب منه قدحا شرب منه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأم بأنس بن مالك، فقال: ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا الفتى.
وحدث أيضا عن سعيد بن المسيب، وعروة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ، وعامر بن سعد، ويوسف بن عبد الله بن سلام، وطائفة. وأرسل عن عقبة بن عامر، وخولة بنت حكيم، وغيرهم.
وكان من أئمة الاجتهاد، ومن الخلفاء الراشدين -رحمة الله عليه-.
حدث عنه أبو سلمة أحد شيوخه، وأبو بكر بن حزم، ورجاء بن حيوة، وابن المنكدر، والزهري، وعنبسة بن سعيد، وأيوب السختياني، وإبراهيم بن عبلة، وتوبة العنبري، وحميد الطويل، وصالح بن محمد بن زائدة الليثي، وابنه عبد العزيز بن عمر، وأخوه زبان، وصخر بن عبد الله بن حرملة، وابنه عبد الله بن عمر، وعثمان بن داود الخولاني، وأخوه سليمان بن داود، وعمر بن عبد الملك، وعمر بن عامر البجلي، وعمرو بن مهاجر، وعمير بن هانئ العنسي، وعيسى بن أبي عطاء الكاتب، وغيلان بن أنس، وكاتبه ليث بن أبي رقية، وأبو هاشم مالك بن زياد، ومحمد بن أبي سويد الثقفي، ومحمد بن قيس القاص، ومروان بن جناح، ومسلمة بن عبد الملك الأمير، والنضر بن عربي، وكاتبه نعيم بن عبد الله القيني، ومولاه هلال أبو طعمة، والوليد بن هشام المعيطي ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويعقوب بن عتبة بن المغيرة، وخلق سواهم.(أعلام/2355)
قال ابن سعد في الطبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة فقال: أمه هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. قالوا: ولد سنة ثلاث وستين، قال: وكان ثقة مأمونا، له فقه وعلم وورع، وروى حديثا كثيرا، وكان إمام عدل -رحمه الله- ورضي عنه.
وقال الزبير بن بكار: وإخوته من أبويه عاصم وأبو بكر ومحمد.
وقال الفلاس: سمعت الخريبي يقول: الأعمش، وهشام بن عروة، وعمر بن عبد العزيز، وطلحة بن يحيى ولدوا سنة مقتل الحسين، يعني سنة إحدى وستين، وكذلك قال خليفة بن خياط وغير واحد في مولده.
وذكر صفته سعيد بن عفير: أنه كان أسمر، رقيق الوجه، حسنه، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين، بجبهته أثر نفحة دابة، قد وخطه الشيب.
وقال إسماعيل الخطبي: رأيت صفته في بعض الكتب: كان أبيض، رقيق الوجه، جميلا، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين، بجبهته أثر حافر دابة، فلذلك سمي أشج بني أمية، وقد وخطه الشيب.
قال ضمرة بن ربيعة: دخل عمر بن عبد العزيز إلى إصطبل أبيه، وهو غلام، فضربه فرس، فشجه، فجعل أبوه يمسح عنه الدم، ويقول: إن كنت أشج بني أمية إنك إذا لسعيد.
وروى ضمام بن إسماعيل عن أبي قبيل: أن عمر بن عبد العزيز بكى وهو غلام صغير، فأرسلت إليه أمه، وقالت ما يبكيك؟ قال ذكرت الموت قال: وكان يومئذ قد جمع القرآن، فبكت أمه حين بلغها ذلك.
أبو خيثمة: حدثنا المفضل بن عبد الله، عن داود بن أبي هند قال: دخل علينا عمر بن عبد العزيز من هذا الباب - يعني بابا من أبواب المسجد بالمدينة - فقال رجل من القوم: بعث إلينا هذا الفاسق بابنه هذا يتعلم الفرائض والسنن، وزعم أنه يكون خليفة بعده، ويسير بسيرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
قال: فقال لنا داود: فوالله ما مات حتى رأينا ذلك فيه.
قيل: إن عمر بن الخطاب قال: إن من ولدي رجلا، بوجهه شتر، يملأ الأرض عدلا.(أعلام/2356)
مبارك بن فضالة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع قال: قال ابن عمر: يا ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر يملؤها عدلا، كما ملئت ظلما وجورا.
سعيد بن عفير: حدثنا يعقوب، عن أبيه أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها، وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده، وكان يلزمه الصلوات، فأبطأ يوما عن الصلاة، فقال: ما حبسك؟ قال: كانت مرجلتي تسكن شعري، فقال: بلغ من تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة، وكتب بذلك إلى والده، فبعث عبد العزيز رسولا إليه فما كلمه حتى حلق شعره وكان عمر بن عبد العزيز يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله، يسمع منه العلم، فبلغ عبيد الله أن عمر يتنقص عليا، فأقبل عليه، فقال: متى بلغك أن الله -تعالى- سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم، قال: فعرف ما أراد، فقال معذرة إلى الله وإليك، لا أعود. فما سمع عمر بعدها ذاكرا عليا -رضي الله عنه- إلا بخير.
نقل الزبير بن بكار عن العتبي: أن أول ما استبين من عمر بن عبد العزيز أن أباه ولي مصر، وهو حديث السن، يشك في بلوغه، فأراد إخراجه، فقال: يا أبت. أو غير ذلك؟ لعله أن يكون أنفع لي ولك: ترحلني إلى المدينة، فأقعد إلى فقهاء أهلها، وأتأدب بآدابهم، فوجهه إلى المدينة، فاشتهر بها بالعلم والعقل مع حداثة سنه. قال: ثم بعث إليه عبد الملك بن مروان عند وفاة أبيه، وخلطه بولده، وقدمه على كثير منهم، وزوجه بابنته فاطمة التي قيل فيها: بنت الخليفة، والخليفة جدها أخت الخلائف، والخليفة زوجها وكان الذين يعيبون عمر ممن يحسده بإفراطه في النعمة، واختياله في المشية.
وقال أبو مسهر: ولي عمر المدينة في إمرة الوليد من سنة ست وثمانين إلى سنة ثلاث وتسعين.
قلت: ليس له آثار سنة ثنتين وسبعين بالمدينة، ولا سماع من جابر بن عبد الله، ولو كان بها وهو حدث لأخذ عن جابر.(أعلام/2357)
وقال أبو بكر بن عياش حج بالناس عمر بن عبد العزيز غير مرة، أولها سنة تسع وثمانين.
ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال لما قدم عمر بن عبد العزيز المدينة واليا، فصلى الظهر دعا بعشرة: عروة، وعبيد الله، وسليمان بن يسار، والقاسم، وسالم، وخارجة، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه، ونكون فيه أعوانا على الحق، ما أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم، أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدا يتعدى، أو بلغكم عن عامل ظلامة، فأحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني فجزوه خيرا، وافترقوا.
الليث بن سعد: حدثني قادم البربري أنه ذاكر ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيئا من قضاء عمر بن عبد العزيز إذ كان بالمدينة، فقال ربيعة: كأنك تقول: أخطأ، والذي نفسي بيده ما أخطأ قط.(أعلام/2358)
عمر بن عبد الله
ابن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة، شاعر قريش في وقته، أبو الخطاب المخزومي. وكان يتغزل بالثريا العبشمية.
مولده ليلة مقتل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وشعره سائر مدون. غزا البحر، فأحرق العدو سفينته فاحترق في حدود سنة ثلاث وتسعين. وما بين رحمه الله.(أعلام/2359)
عمر بن هارون (ت، ق)
ابن يزيد بن جابر بن سلمة، الإمام عالم خراسان أبو حفص الثقفي، مولاهم البلخي المقرئ المحدث.
ولد سنة بضع وعشرين ومائة وارتحل وصنف، وجمع.
وحدث عن: سلمة بن وردان، وعيسى بن أبي عيسى الحناط، وغيرهما من صغار التابعين، وابن جريج ولازمه سنوات، وسعيد بن أبي عروبة، وجعفر الصادق، وأسامة بن زيد الليثي، وإسماعيل بن رافع المدني، وحريز بن عثمان، وصفوان بن عمرو، وعثمان بن الأسود، ومعروف بن خربوذ، وقرة بن خالد، ويونس بن يزيد الأيلي، وأبي بكر بن أبي مريم، والأوزاعي، وأيمن بن نابل، وثور بن يزيد، وحمزة الزيات، وتلا عليه، وهمام بن يحيى، وشعبة، والثوري، وخلق كثير.
وعنه: هشام بن عبيد الله الرازي، وعفان بن مسلم. وأحمد بن حنبل، وجمعة بن عبد الله البلخي، وعمرو بن رافع القزويني، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، ومحمد بن حميد، وهناد بن السري، وقتيبة بن سعيد، وأبو الطاهر بن السرح، وسريج بن يونس، وأبو سعيد الأشج، وعمرو الناقد، ونصر بن علي، وأحمد بن ناصح المصيصي، والجارود بن معاذ البلخي، وأبو داود المصاحفي البلخي سليمان بن سلم، وعلي بن الحسن الذهلي، وخلق كثير، إلا أنه على سعة علمه سيء الحفظ، فلم يروه حجة ولا عمدة.
قال البخاري: تكلم فيه يحيى بن معين، وقال ابن سعد: كتب الناس عنه كثيرا، وتركوا حديثه.
روى أحمد بن علي الأبار، عن أبي غسان زنيج قال: قال عمر بن هارون: ألقيت من حديثي سبعين ألفا: لأبي جزء عشرين ألفا، ولعثمان البري كذا وكذا، فقال: يا أبا غسان ما كان حاله؟ قال: قال بهز: أرى يحيى بن سعيد حسده، فقال: أكثر عن ابن جريج. من لزم رجلا اثني عشر سنة، لا يريد أن يكثر عنه؟ ! قال: وبلغني أن أمه كانت تعينه على الكتاب.
قلت: ما أعتقد أنه أقام بمكة هذا إلا أن يكون نحو سنة.(أعلام/2360)
قال الخطيب: وذكر مسلم بن عبد الرحمن البلخي أن ابن جريج تزوج أم عمر بن هارون فمن هنالك أكثر السماع منه.
وقال ابن عدي: يقال: إنه لقي ابن جريج، وكان حسن الوجه، فسأله ابن جريج: ألك أخت؟ قال: نعم، فتزوج بأخته، فقال: لعل هذا الحسن يكون في أخته كما هو في أخيها، فتفرد عن ابن جريج، وروى عنه أشياء لم يروها غيره.
قال ابن أبي داود، عن سعيد بن زنجل: سمعت صاحبا لنا يقال له: بور بن الفضل سمعت أبا عاصم ذكر عمر بن هارون، فقال: كان عندنا أحسن أخذا من ابن المبارك.
وقال أحمد بن سيار: كان كثير السماع، روى عنه عفان وقتيبة وغير واحد، ويقال: إن مرجئة بلخ كانوا يقعون فيه، وكان أبو رجاء يعني قتيبة - يطريه ويوثقه.
وذكر عن وكيع أنه قال: عمر بن هارون مر بنا، وبات عندنا، وكان يزن بالحفظ، وسمعت أبا رجاء يقول: كان عمر بن هارون شديدا على المرجئة، ويذكر مساوئهم وبلاياهم، فكانت بينهم عداوة لذلك، قال: وكان من أعلم الناس بالقراءات، وكان القراء يقرءون عليه، ويختلفون إليه في حروف القرآن وسمعت أبا رجاء يقول: سألت عبد الرحمن بن مهدي، فقلت: إن عمر بن هارون قد أكثرنا عنه، وبلغنا أنك تذكره، قال: أعوذ بالله، ما قلت فيه إلا خيرا، قلت: بلغنا أنك قلت: روى عن فلان، ولم يسمع منه؟ قال: يا سبحان الله! ما قلت أنا ذا قط، ولو روى، ما كان عندنا بمتهم.
علي بن الحسن الهسنجاني عن يحيى بن المغيرة الرازي قال: سمعت ابن المبارك يغمز عمر بن هارون في سماعه من جعفر بن محمد، وكان عمر يروي عنه نحو ستين حديثا.
وقال علي بن الحسين بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين يقول: عمر بن هارون كذاب، قدم مكة وقد مات جعفر بن محمد، فحدث عنه.
وقال أبو حاتم: تكلم فيه ابن المبارك، فذهب حديثه.(أعلام/2361)
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: قلت لأبي: إن أبا سعيد الأشج حدثنا عن عمر بن هارون، فقال: هو ضعيف الحديث، بخسه ابن المبارك بخسة، فقال: يروي عن جعفر بن محمد، وقد قدمت قبل قدومه، فكان جعفر قد توفي.
قلت: هذا منقطع عن ابن المبارك، ولا يصح، فقد قدم ابن المبارك، وحج قبل موت جعفر بسنوات.
العقيلي: حدثنا محمد بن زكريا البلخي، حدثنا قتيبة، قلت لجرير: حدثنا عمر بن هارون عن القاسم بن مبرور، قال: نزل جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن كاتبك هذا أمين - يعني معاوية - فقال لي جرير: اذهب إليه، فقل له: كذبت.
قال المروذي: سئل أبو عبد الله عن عمر بن هارون، فقال: ما أقدر أن أتعلق عليه بشيء، كتبت عنه حديثا كثيرا، فقيل له: قد كانت له قصة مع ابن مهدي. قال: بلغني أنه كان يحمل عليه، فقال له أبو جعفر: سمعت من يحكي عن ابن مهدي أنه قدم عليهم عمر بن هارون البصرة، وهو شاب، فذاكره عبد الرحمن، فكتب عنه ثلاثة أحاديث: منها حديث عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن عمرو بن عبد الله الحضرمي، عن عبد الله بن عمرو في شرب العصير. ومنها عن عبد الملك، عن عطاء، في الحفار ينسى الفأس في القبر. وحديث آخر، فلما كان بعد زمان، قدم فأتى رجل عبد الرحمن، فقال: إنك كتبت عن هذا أشياء، فأعطاه الرقعة، فذهب إليه، فسأله عن حديث يحيى بن أبي عمرو، فقال: لم أسمع منه شيئا، إنما كان هذا في الحداثة، وسأله عن حديث عبد الملك، فقال: لم أسمع منه، إنما حدثنيه فلان عنه، فأتى الرجل ابن مهدي، فأخبره، فنال منه، وتكلم. فقال أبو عبد الله: كان أكثر ما يحدثنا عن ابن جريج.
وروى عن الأوزاعي، قيل له: فتروي عنه؟ فقال: قد كنت رويت عنه شيئا.(أعلام/2362)
وقال أبو طالب: سمعت أحمد يقول: عمر بن هارون لا أروي عنه، وقد أكثرت عنه، ولكن كان ابن مهدي يقول: لم يكن له قيمة عندي، وبلغني أنه قال: حدثني بأحاديث، فلما قدم مرة أخرى، حدثني بها عن إسماعيل بن عياش عن أولئك، فتركت حديثه.
وقال علي بن الحسين بن حبان: وجدت بخط جدي: قال أبو زكريا: عمر بن هارون البلخي كذاب خبيث ليس حديثه بشيء، قد كتبت عنه، وبت على بابه بباب الكوفة، وذهبنا معه إلى النهروان، ثم تبين لنا أمره بعد ذلك، فحرقت حديثه كله، ما عندي عنه كلمة إلا أحاديث على ظهر دفتر، خرقتها كلها، قلت لأبي زكريا: ما تبين لكم من أمره؟ قال: قال عبد الرحمن بن مهدي - ولم أسمعه منه، ولكن هذا مشهور عن عبد الرحمن - قال: قدم علينا، فحدثنا عن جعفر بن محمد، فنظرنا إلى مولده، وإلى خروجه إلى مكة، فإذا جعفر قد مات قبل خروجه.
وروى عباس وأحمد بن زهير، عن يحيى: ليس بشيء.
وروى ابن محرز والغلابي عن يحيى: ليس بثقة. وعن يحيى أيضا: ضعيف وعنه: كان يكذب.
وسئل عنه علي بن المديني، فضعفه جدا.
وقال أبو زرعة: سمعت إبراهيم بن موسى، وقيل له: لم لا تحدث عن عمر بن هارون؟ فقال: الناس تركوا حديثه.
وعن إبراهيم بن موسى، قال: كتبت عنه حزمة، ولا أحدث عنه بشيء.
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: لم يقنع الناس بحديثه.
وقال صالح جزرة والنسائي: متروك الحديث.
وقال زكريا الساجي: فيه ضعف.
وقال أبو علي الحافظ: متروك.
وقال الدارقطني: ضعيف.
وقال أبو نعيم: لا شيء، حدث عن ابن جريج، والأوزاعي، وشعبة، بالمناكير.(أعلام/2363)
وقال أبو عيسى في " جامعه ": سمعت محمدا يقول: مقارب الحديث، لا أعرف له حديثا ليس له أصل إلا هذا، رواه الترمذي عن أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من لحيته من عرضها ومن طولها قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث عمر، ورأيت محمدا حسن الرأي فيه.
وقال أبو حاتم بن حبان: كان ممن يروي عن الثقات المعضلات، ويدعي شيوخا لم يرهم. قال: وكان ابن مهدي حسن الرأي فيه.
قلت: هذه رواية قتيبة عن ابن مهدي، وقد روى غير واحد عنه أنه اتهمه.
قال ابن حبان: قال محمد بن عمرو السويقي: شهدت عمر بن هارون ببغداد، وهو يحدثهم، فسئل عن حديث لابن جريج، رواه عنه الثوري لم يشارك فيه، فحدثهم به، فرأيتهم مزقوا عليه الكتب. ثم قال ابن حبان: كان صاحب سنة وفضل وسخاء، وكان أهل بلده يبغضونه لتعصبه في السنة وذبه عنها، ولكن كان شأنه في الحديث ما وصفت والمناكير في حديثه تدل على صحة ما قاله يحيى بن معين فيه. قال: وقد حسن القول فيه جماعة من شيوخنا، كان يصلهم في كل سنة بصلات كبيرة من الدراهم والثياب، ويبعثها إليهم من بلخ إلى بغداد في كل سنة. وقد روى عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرتاد لبوله كما يرتاد أحدكم لصلاته.
قلت: ممن قوى أمره ابن خزيمة، فروى له في " المختصر " حديثا في البسملة.
قال علي بن الفضل بن طاهر البلخي: مات عمر ببلخ يوم الجمعة أول رمضان سنة أربع وتسعين ومائة وهو ابن ست وستين سنة، وكان يخضب، هكذا أخبرني محمد بن محمد بن عبد العزيز، عن مسلم بن عبد الرحمن السلمي، ثم قال: ورأيت في كتاب أنه عاش ثمانين سنة.(أعلام/2364)
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد الأنصاري سنة ثلاث وتسعين، أخبرنا علي بن باسويه المقرئ سنة أربع وعشرين وستمائة، أخبرنا أبو علي الحسن بن مسلم الزاهد، أخبرنا إبراهيم بن محمد الكرخي، أخبرنا إسماعيل بن مسعدة، أخبرنا حمزة بن يوسف الحافظ، أخبرنا عبد الله بن عدي، حدثنا بهلول بن إسحاق، حدثنا أحمد بن حاتم الطويل، حدثنا عمر بن هارون، عن ثور، عن يزيد بن شريح، عن جبير بن نفير، عن النواس بن سمعان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا، هو لك مصدق، وأنت له كاذب يزيد وثق.
قرأت على عيسى بن يحيى، أخبرنا منصور بن سند، أخبرنا أبو طاهر الحافظ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ، أخبرنا عمر بن عبد الله بن الهيثم الواعظ سنة سبع عشرة وأربعمائة، حدثنا أبو القاسم الطبراني، حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم، حدثنا عمار بن هارون، حدثنا عمر بن هارون البلخي، حدثنا ثور بن يزيد، عن مكحول، عن النواس بن سمعان الكلابي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اللهم بارك لأمتي في بكورها.(أعلام/2365)
عمران بن حصين (ع)
ابن عبيد بن خلف. القدوة الإمام، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أبو نجيد الخزاعي.
أسلم هو وأبوه وأبو هريرة في وقت، سنة سبع. وله عدة أحاديث.
وولي قضاء البصرة، وكان عمر بعثه إلى أهل البصرة ليفقههم ; فكان الحسن يحلف: ما قدم عليهم البصرة خير لهم من عمران بن الحصين.
حدث عنه مطرف بن عبد الله بن الشخير، وأبو رجاء العطاردي، وزهدم الجرمي. وزرارة بن أوفى، والحسن، وابن سيرين، وعبد الله بن بريدة، والشعبي، وعطاء مولى عمران بن حصين، والحكم بن الأعرج ; وعدة.
قال زرارة: رأيت عمران بن حصين يلبس الخز.
وقال مطرف بن عبد الله: قال لي عمران بن حصين: أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- جمع بين الحج والعمرة، ولم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه، وأنه كان يسلم علي - يعني الملائكة- قال: فلما اكتويت، أمسك ذلك ; فلما تركته، عاد إلي.
وقد غزا عمران مع النبي - صلى الله عليه وسلم- غير مرة. وكان ينزل ببلاد قومه، ويتردد إلى المدينة.
قال أبو خشينة، عن الحكم بن الأعرج، عن عمران بن حصين، قال: ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وروى هشام، عن محمد، قال: ما قدم البصرة أحد يفضل على عمران بن حصين.
قال قتادة: بلغني أن عمران قال: وددت أني رماد تذروني الرياح.
قلت: وكان ممن اعتزل الفتنة، ولم يحارب مع علي.
أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة: قال لي عمران بن حصين: الزم مسجدك. قلت: فإن دخل علي؟ قال: الزم بيتك. قلت: فإن دخل علي؟ قال: لو دخل علي رجل يريد نفسي ومالي، لرأيت أن قد حل لي أن أقتله.
ثابت البناني: عن مطرف، عن عمران، قال: اكتوينا، فما أفلحن، ولا أنجحن - يعني المكاوي.(أعلام/2366)
قتادة، عن مطرف: قال لي عمران في مرضه: إنه قد كان يسلم علي، فإن عشت، فاكتم علي.
حميد بن هلال، عن مطرف، قلت لعمران: ما يمنعني من عيادتك إلا ما أرى من حالك. قال: فلا تفعل، فإن أحبه إلي أحبه إلى الله.
يزيد بن هارون: أخبرنا إبراهيم بن عطاء مولى عمران، عن أبيه أن عمران قضى على رجل بقضية، فقال: والله، قضيت علي بجور، وما ألوت. قال: وكيف؟ قال: شهد علي بزور. قال: فهو في مالي، ووالله لا أجلس مجلسي هذا أبدا.
وكان نقش خاتم عمران تمثال رجل.
عن أبي رجاء، قال: خرج علينا عمران في مطرف خز لم نره قط، فقال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن ترى عليه.
قال ابن سيرين: سقى بطن عمران بن حصين ثلاثين سنة، كل ذلك يعرض عليه الكي، فيأبى ; حتى كان قبل موته بسنتين، فاكتوى.
عمران بن حدير، عن أبي مجلز، قال: كان عمران ينهى عن الكي، فابتلي، فاكتوى، فكان يعج.
قال مطرف: قال لي عمران: أشعرت أن التسليم عاد إلي؟ قال: ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى مات.
ابن علية، عن مسلمة بن علقمة، عن الحسن: أن عمران بن حصين أوصى لأمهات أولاده بوصايا، وقال: من صرخت علي، فلا وصية لها.
توفي عمران سنة اثنتين وخمسين - رضي الله عنه.
" مسنده ": مائة وثمانون حديثا. اتفق الشيخان له على تسعة أحاديث وانفرد البخاري بأربعة أحاديث ومسلم بتسعة.(أعلام/2367)
عمرة (ع)
بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة بن عدس، الأنصارية النجارية المدنية، الفقيهة، تريبة عائشة وتلميذتها، قيل: لأبيها صحبة، وجدها سعد من قدماء الصحابة، وهو أخو النقيب الكبير أسعد بن زرارة.
حدثت عن عائشة، وأم سلمة، ورافع بن خديج، وأختها أم هشام بنت حارثة.
حدث عنها ولدها أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن، وابناه: حارثة ومالك، وابن أختها القاضي أبو بكر بن حزم، وابناه: عبد الله، ومحمد والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرون.
وكانت عالمة، فقيهة، حجة، كثيرة العلم.
روى أيوب بن سويد، عن يونس، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد أنه قال لي: يا غلام، أراك تحرص على طلب العلم، أفلا أدلك على وعائه؟ قلت: بلى. قال: عليك بعمرة ; فإنها كانت في حجر عائشة. قال: فأتيتها فوجدتها بحرا لا ينزف.
قلت: اختلفوا في وفاتها، فقيل: توفيت سنة ثمان وتسعين. وقيل: توفيت في سنة ست ومائة.
وحديثها كثير في دواوين الإسلام.(أعلام/2368)
عمرو بن أبي سلمة (ع)
الإمام الحافظ الصدوق أبو حفص التنيسي، من موالي بني هاشم، دمشقي، سكن تنيس، فنسب إليها.
حدث عن: الأوزاعي، وأبي معيد حفص بن غيلان، وعبد الله بن العلاء بن زبر، وصدقة بن عبد الله السمين، وزهير بن محمد التميمي، والليث بن سعد، ومالك بن أنس، وإدريس بن يزيد الأودي، وسعيد بن بشير، وسعيد بن عبد العزيز، وعدة.
حدث عنه: ولده سعيد، وأبو عبد الله الشافعي، ودحيم، وعبد الله بن محمد المسندي، وأحمد بن صالح، والذهلي، وابن وارة، ومحمد بن عبد الله بن البرقي وأخوه أحمد، وعبد الله بن محمد بن أبي مريم، وأحمد بن مسعود المقدسي، وأحمد بن عبد الواحد بن عبود، وخلق.
قال حميد بن زنجويه: لما رجعنا من مصر، دخلنا على أحمد بن حنبل، فقال: مررتم بعمرو بن أبي سلمة؟ فقلنا: وما عنده خمسون حديثا، والباقي مناولة. قال: كنتم تنظرون في المناولة، وتأخذون منها.
قال الوليد بن بكر العمري: عمرو بن أبي سلمة أحد أئمة الأخبار، من نمط ابن وهب يختار من قول مالك والأوزاعي.
قلت: حديثه في الكتب الستة، ووثقه جماعة.
وقد ضعفه يحيى بن معين وحده
مات سنة أربع عشرة ومائتين وقيل: توفي سنة ثلاث عشرة.(أعلام/2369)
عمرو بن أمية (ع)
ابن خويلد بن عبد الله بن إياس، أبو أمية الضمري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال هارون الحمال: شهد مع المشركين بدرا وأحدا.
قلت: بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية وحده وبعثه رسولا إلى النجاشي وغزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى أحاديث.
حدث عنه: ابناه، جعفر وعبد الله، وابن أخيه الزبرقان بن عبد الله.
الزهري: عن جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل من كتف يحتز منها، ثم صلى ولم يتوضأ.
قال ابن سعد: أسلم حين انصرف المشركون عن أحد. قال: وكان شجاعا مقداما، أول مشاهده بئر معونة.
ابن حميد: حدثنا سلمة، حدثنا ابن إسحاق، عن عيسى بن معمر، عن عبد الله بن علقمة بن الفغواء الخزاعي، عن أبيه، قال: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - بمال إلى أبي سفيان يفرقه في فقراء قريش، وهم مشركون يتألفهم فقال لي: التمس صاحبا، فلقيت عمرو بن أمية الضمري، فقال: أنا أخرج معك، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي دونه: يا علقمة إذا بلغت بني ضمرة، فكن من أخيك على حذر، فإني قد سمعت قول القائل: أخوك البكري ولا تأمنه. فخرجنا حتى إذا جئنا الأبواء وهي بلاد بني ضمرة، قال عمرو بن أمية: إني أريد أن آتي بعض قومي هاهنا لحاجة لي، قلت: لا عليك، فلما ولى، ضربت بعيري وذكرت ما أوصاني به النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو - والله - قد طلع بنفر منهم معه، معهم القسي والنبل، فلما رأيتهم، ضربت بعيري، فلما رآني، قد فت القوم أدركني، فقال: جئت قومي، وكانت لي إليهم حاجة، فقلت: أجل، فلما قدمت مكة، دفعت المال إلى أبي سفيان فجعل أبو سفيان يقول: من رأى أبر من هذا وأوصل، إنا نجاهده ونطلب دمه، وهو يبعث إلينا بالصلات.(أعلام/2370)
حاتم بن إسماعيل: عن يعقوب، عن جعفر بن عمرو بن أمية، قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية إلى النجاشي، فوجد لهم بابا صغيرا يدخلون منه مكفرين فدخل منه القهقرى، فشق عليهم، وهموا به، فقال له النجاشي: ما منعك؟ قال: إنا لا نصنع هذا بنبينا، قال: صدق، دعوه، فقيل للنجاشي: إنه يزعم أن عيسى عبد. قال: ما تقولون في عيسى؟ قال: كلمة الله وروحه، قال: ما استطاع عيسى أن يعدو ذلك. .
توفي عمرو بن أمية زمن معاوية.(أعلام/2371)
عمرو بن الحارث (ع)
ابن يعقوب بن عبد الله، العلامة الحافظ، الثبت أبو أمية الأنصاري، السعدي، مولاهم المدني الأصل، المصري. عالم الديار المصرية ومفتيها مولى قيس بن سعد بن عبادة.
ولد بعد التسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك وروى عن ابن أبي مليكة، وأبي يونس، مولى أبي هريرة، وعمرو بن شعيب، وأبي عشانة المعافري، وابن شهاب، وأبي الزبير، وقتادة، وعبدة بن أبي لبابة، ويزيد بن أبي حبيب، وعبيد الله بن أبي جعفر، وكعب بن علقمة، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، وبكر بن سوادة، وبكير بن الأشج، وثمامة بن شفي، وجعفر بن ربيعة، وأبيه الحارث، والجلاح أبي كثير، وحبان بن واسع، وزيد بن أسلم ودراج أبي السمح، وربيعة الرأي، وزيد بن أبي أنيسة، وسالم أبي النضر، وسعيد بن الحارث الأنصاري، وسعيد بن أبي هلال، وعامر بن يحيى المعافري، وعبد الرحمن بن القاسم، وعمرو بن دينار، وعمارة بن غزية وهشام بن عروة، وخلق كثير. وبرع في العلم، واشتهر اسمه.
حدث عنه: قتادة شيخه، وبكير بن عبد الله بن الأشج شيخه أيضا. وقيل: إن مجاهد بن جبر روى عنه، وهذا وهم لا يسوغ. وحدث عنه صالح بن كيسان وهو أكبر منه، وأسامة بن زيد الليثي وهو من طبقته وأسن، ومالك والليث، وبكر بن مضر، ويحيى بن أيوب، وموسى بن أعين، ونافع بن يزيد، وابن وهب، ومحمد بن شعيب بن شابور. ولم يشخ، إنما مات في الكهولة.(أعلام/2372)
قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله. وقال أبو داود: سمعت أحمد -رضي الله عنه- يقول: ليس فيهم -يعني أهل مصر - أصح حديثا من الليث، وعمرو بن الحارث يقاربه. وقال الأثرم، عن أحمد: ما في هؤلاء المصريين أثبت من الليث، لا عمرو بن الحارث ولا أحد، وقد كان عمرو عندي، ثم رأيت له أشياء مناكير، وقال في موضع آخر: عن أحمد: عمرو بن الحارث حمل حملا شديدا، يروي عن قتادة أحاديث يضطرب فيها ويخطئ. وقال ابن معين من طريق الكوسج، وأبو زرعة، والعجلي، والنسائي، وطائفة: ثقة.
قال يعقوب بن شيبة: كان يحيى بن معين يوثقه جدا. وقال النسائي: الذي يقول مالك في كتابه: الثقة عن بكير يشبه أن يكون عمرو بن الحارث. وروى عمرو بن سواد، عن ابن وهب قال: سمعت من ثلاثمائة شيخ وسبعين شيخا فما رأيت أحدا أحفظ من عمرو بن الحارث، وذلك أنه كان قد جعل على نفسه أنه يحفظ كل يوم ثلاثة أحاديث.
وقال ابن وهب: حدثنا عبد الجبار بن عمر قال: قال ربيعة: لا يزال بذلك المصر علم ما دام بها ذلك القصير. يعني عمرو بن الحارث -. حرملة عن ابن وهب قال: اهتدينا في العلم بأربعة: اثنان بمصر، واثنان بالمدينة. عمرو بن الحارث والليث بن سعد بمصر، ومالك وابن الماجشون بالمدينة، لولا هؤلاء لكنا ضالين.
قلت: بل لولا الله لكنا ضالين. اللهم لولا أنت ما اهتدينا.
وقال أحمد بن يحيى بن وزير، عن ابن وهب قال: لو بقي لنا عمرو بن الحارث ما احتجنا إلى مالك.
هارون بن معروف، عن ابن وهب قال: قال عبد الرحمن بن مهدي: اكتب لي من أحاديث عمرو بن الحارث فكتبت له مائتي حديث وحدثته بها.
وروى شعيب بن الليث، عن أبيه قال: كان بين عمرو بن الحارث وبين أبيه الحارث بن يعقوب كما بين السماء والأرض في الفضل. فالحارث أفضل. وكان بينه وبين أبيه يعقوب في الفضل كما بين السماء والأرض.(أعلام/2373)
وقال أبو حاتم الرازي: كان عمرو أحفظ أهل زمانه. لم يكن له نظير في الحفظ في زمانه. وقال سعيد بن عفير: كان أخطب أهل زمانه، وأبلغهم، وأرواهم للشعر. وقال مصعب الزبيري: أخرجه صالح بن علي الهاشمي من المدينة إلى مصر مؤدبا لبنيه. قال أبو سعيد بن يونس في " تاريخه ": كان فقيها أديبا، أدب لولد صالح بن علي. وروى عباس، عن يحيى قال: كان يعلم ولد صالح بن علي، وكان سيئ الحال، فلما علمهم صلح حاله، صار يلبس الوشي والخز. وروى يحيى بن بكير عن الليث قال: كنت أرى عمرو بن الحارث عليه أثواب بدينار: قميصه ورداؤه وإزاره، ثم لم تمض الأيام والليالي حتى رأيته يجر الوشي والخز، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
عمر بن شبة قال لي محمد بن منصور قال عمرو بن الحارث: الشرف شرفان: شرف العلم، وشرف السلطان، وشرف العلم أشرفهما.
قال أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين: سمعت أحمد بن صالح -وذكر الليث - فقال: إمام قد أوجب الله -تعالى- علينا حقه. فقلت له: الليث إمام؟ قال: نعم لم يكن بالبلد بعد عمرو بن الحارث مثل الليث. وقال أبو عبد الله بن الأجرم الحافظ: عمرو بن الحارث غزير عزيز الحديث جدا مع علمه وثبته، وقلما يخرج حديثه من مصر. قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان قارئا، فقيها، مفتيا، ثقة. وقال ابن ماكولا: كان قارئا، مفتيا، أفتى في زمن يزيد بن أبي حبيب، وعبيد الله بن أبي جعفر، وكان أديبا فصيحا.
قال يحيى بن بكير: ولد سنة إحدى -أو اثنتين- وتسعين. وقال سعيد بن عفير: سنة اثنتين. وقال ابن يونس: ولد سنة ثلاث. وقال الخطيب والأمير: ولد سنة أربع. وقال أبو داود: عاش ثمانيا وخمسين سنة. قال ابن عفير ويحيى بن بكير، وأحمد بن صالح، وابن يونس وغيرهم: مات سنة ثمان وأربعين ومائة. زاد ابن يونس: في شوال.(أعلام/2374)
وقال ابن سعد، ويعقوب السدوسي: مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومائة. وكذا قال أبو عبيد. وروى الغلابي عن يحيى بن معين: مات سنة تسع وأربعين ومائة.
قلت: الصحيح وفاته في شوال من سنة ثمان. مات معه الأعمش وجماعة من الكبار.
قال سعيد بن أبي مريم، عن خاله قال: كان عمرو بن الحارث المصري، يخرج من داره فيرى الناس صفوفا يسألونه عن القرآن، والحديث، والفقه، والشعر، والعربية والحساب. وكان صالح بن علي الأمير قد جعله مؤدبا لولده الفضل، فنال حشمة بذلك. وقال ابن وهب: ما رأيت أحفظ من عمرو. وقال النسائي: عمرو بن الحارث أحفظ من ابن جريج.
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، وإسماعيل بن عبد الرحمن قراءة قالا: أنبأنا الحسن بن صياح المخزومي، أنبأنا عبد الله بن رفاعة، أنبأنا علي بن الحسن القاضي، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر البزاز، أنبأنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن عمرو المديني، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن قتادة حدثه عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بالمحصب، ثم ركب إلى البيت، فطاف به صلى الله عليه وسلم هذا حديث صحيح من العوالي. وعندي بهذا الإسناد إلى عمرو عدة أحاديث، ولا يقع حديثه أعلى من هذا، ولا يقع في كتاب من الكتب الستة إلا بواسطة اثنين، حتى في " مسند أحمد " بينه وبينه رجلان.(أعلام/2375)
عمرو بن العاص
ابن وائل الإمام أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد السهمي.
داهية قريش ورجل العالم ومن يضرب به المثل في الفطنة، والدهاء، والحزم.
هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلما في أوائل سنة ثمان، مرافقا لخالد بن الوليد، وحاجب الكعبة عثمان بن طلحة، ففرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدومهم وإسلامهم، وأمر عمرا على بعض الجيش، وجهزه للغزو.
له أحاديث ليست كثيرة، تبلغ بالمكرر نحو الأربعين، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة أحاديث منها، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين. وروى أيضا عن عائشة.
حدث عنه ابنه عبد الله، ومولاه أبو قيس، وقبيصة بن ذؤيب، وأبو عثمان النهدي، وعلي بن رباح، وقيس بن أبي حازم، وعروة بن الزبير، وجعفر بن المطلب بن أبي وداعة، وعبد الله بن منين، والحسن البصري مرسلا، وعبد الرحمن بن شماسة المهري، وعمارة بن خزيمة بن ثابت، ومحمد بن كعب القرظي، وأبو مرة مولى عقيل، وأبو عبد الله الأشعري، وآخرون.
قال الزبير بن بكار: هو أخو عروة بن أثاثة لأمه. وكان عروة ممن هاجر إلى الحبشة.
وقال أبو بكر بن البرقي: كان عمرو قصيرا يخضب بالسواد. أسلم قبل الفتح سنة ثمان، وقيل: قدم هو وخالد، وابن طلحة، في أول صفر منها.
قال البخاري: ولاه النبي - صلى الله عليه وسلم - على جيش ذات السلاسل. نزل المدينة ثم سكن مصر، وبها مات.
روى محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنا العاص مؤمنان، عمرو وهشام.
وروى عبد الجبار بن الورد، عن ابن أبي مليكة، قال طلحة: ألا أحدثكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء؟ إني سمعته يقول: عمرو بن العاص من صالحي قريش، نعم أهل البيت أبو عبد الله، وأم عبد الله، وعبد الله.(أعلام/2376)
الثوري: عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي قال: عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لواء لعمرو على أبي بكر وعمر وسراة أصحابه. قال الثوري: أراه قال: في غزوة ذات السلاسل.
مجالد، عن الشعبي، عن قبيصة بن جابر: قد صحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلا أبين أو أنصع رأيا، ولا أكرم جليسا منه، ولا أشبه سريرة بعلانية منه.
قال محمد بن سلام الجمحي: كان عمر إذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه، قال: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد! .
روى موسى بن علي، عن أبيه، سمع عمرا يقول: لا أمل ثوبي ما وسعني، ولا أمل زوجتي ما أحسنت عشرتي، ولا أمل دابتي ما حملتني، إن الملال من سيئ الأخلاق.
وروى أبو أمية بن يعلى، عن علي بن زيد بن جدعان، قال رجل لعمرو بن العاص: صف لي الأمصار، قال: أهل الشام أطوع الناس لمخلوق، وأعصاه للخالق، وأهل مصر، أكيسهم صغارا وأحمقهم كبارا، وأهل الحجاز أسرع الناس إلى الفتنة، وأعجزهم عنها، وأهل العراق أطلب الناس للعلم، وأبعدهم منه.
روى مجالد، عن الشعبي قال: دهاة العرب أربعة: معاوية، وعمرو، والمغيرة، وزياد. فأما معاوية فللأناة والحلم، وأما عمرو فللمعضلات، والمغيرة للمبادهة، وأما زياد فللصغير والكبير.
وقال أبو عمر بن عبد البر كان عمرو من فرسان قريش وأبطالهم في الجاهلية، مذكورا بذلك فيهم. وكان شاعرا حسن الشعر، حفظ عنه منه الكثير في مشاهد شتى وهو القائل:
إذا المرء لم يترك طعاما يحبه
ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما
قضى وطرا منه وغادر سبة
إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
وكان أسن من عمر بن الخطاب، فكان يقول: إني لأذكر الليلة التي ولد فيها عمر - رضي الله عنه.(أعلام/2377)
وقد سقنا من أخبار عمرو في المغازي وفي مسيره إلى النجاشي، وفي سيرة عمر بن الخطاب، وفي الحوادث، وأنه افتتح إقليم مصر وولي إمرته زمن عمر، وصدرا من دولة عثمان. ثم أعطاه معاوية الإقليم، وأطلق له مغله ست سنين لكونه قام بنصرته، فلم يل مصر من جهة معاوية إلا سنتين ونيفا. ولقد خلف من الذهب قناطير مقنطرة.
وقد سقت من أخباره في " تاريخ الإسلام " جملة، وطول الحافظ ابن عساكر ترجمته.
وكان من رجال قريش رأيا، ودهاء، وحزما، وكفاءة، وبصرا بالحروب، ومن أشراف ملوك العرب، ومن أعيان المهاجرين، والله يغفر له ويعفو عنه، ولولا حبه للدنيا ودخوله في أمور لصلح للخلافة، فإن له سابقة ليست لمعاوية. وقد تأمر على مثل أبي بكر وعمر؛ لبصره بالأمور ودهائه.
ابن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن راشد مولى حبيب، عن حبيب بن أوس، قال: حدثني عمرو بن العاص قال: لما انصرفنا من الخندق، جمعت رجالا من قريش، فقلت: والله إن أمر محمد يعلو علوا منكرا، والله ما يقوم له شيء، وقد رأيت رأيا، قالوا: وما هو؟ قلت: أن نلحق بالنجاشي على حاميتنا، فإن ظفر قومنا، فنحن من قد عرفوا، نرجع إليهم، وإن يظهر محمد، فنكون تحت يدي النجاشي أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد. قالوا: أصبت. قلت: فابتاعوا له هدايا، وكان من أعجب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم، فجمعنا له أدما كثيرا، وقدمنا عليه، فوافقنا عنده عمرو بن أمية الضمري، قد بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر جعفر وأصحابه، فلما رأيته، قلت: لعلي أقتله. وأدخلت الهدايا، فقال: مرحبا وأهلا بصديقي، وعجب بالهدية. فقلت: أيها الملك! إني رأيت رسول محمد عندك، وهو رجل قد وترنا، وقتل أشرافنا، فأعطنيه أضرب عنقه ; فغضب، وضرب أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره، فلو انشقت لي الأرض دخلت فيها.(أعلام/2378)
وقلت: لو ظننت أنك تكره هذا لم أسألكه. فقال: سألتني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الذي كان يأتي موسى الأكبر تقتله؟ ! فقلت: وإن ذاك لكذلك؟ قال: نعم. والله إني لك ناصح فاتبعه، فوالله ليظهرن كما ظهر موسى وجنوده. قلت: أيها الملك، فبايعني أنت له على الإسلام، فقال: نعم. فبسط يده، فبايعته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام، وخرجت على أصحابي وقد حال رأي، فقالوا: ما وراءك؟ فقلت: خير، فلما أمسيت، جلست على راحلتي، وانطلقت، وتركتهم، فوالله إني لأهوي إذ لقيت خالد بن الوليد، فقلت: إلى أين يا أبا سليمان؟ قال: أذهب والله أسلم، إنه والله قد استقام الميسم، إن الرجل لنبي ما أشك فيه، فقلت: وأنا والله. فقدمنا المدينة، فقلت: يا رسول الله، أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولم أذكر ما تأخر فقال لي: يا عمرو بايع فإن الإسلام يجب ما كان قبله.
ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس عن قيس بن سمي أن عمرو بن العاص قال: يا رسول الله! أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي؟ قال: إن الإسلام والهجرة يجبان ما كان قبلهما. قال: فوالله إني لأشد الناس حياء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما ملأت عيني منه ولا راجعته.(أعلام/2379)
ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الله بن جعفر، عن أبي عمير الطائي، عن الزهري قال: لما رأى عمرو بن العاص أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - يظهر، خرج إلى النجاشي وأهدى له، فوافق عنده عمرو بن أمية في تزويج أم حبيبة، فلقي عمرو عمرا، فضربه وخنقه. ثم دخل على النجاشي، فأخبره، فغضب وقال: والله لو قتلته ما أبقيت منكم أحدا، أتقتل رسول رسول الله؟ فقلت: أتشهد أنه رسول الله؟ قال: نعم. فقلت: وأنا أشهد، ابسط يدك أبايعك. ثم خرجت إلى عمرو بن أمية، فعانقته، وعانقني، وانطلقت سريعا إلى المدينة، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي.
النضر بن شميل: أخبرنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق: استأذن جعفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ائذن لي أن آتي أرضا أعبد الله فيها لا أخاف أحدا فأذن له، فأتى النجاشي. قال عمير: فحدثني عمرو بن العاص قال: لما رأيت مكانه، حسدته، فقلت للنجاشي: إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا، وإنه يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد، وإنك - والله - إن لم تقتله وأصحابه، لا أقطع هذه النطفة إليك أبدا. قال: ادعه. قلت: إنه لا يجيء معي، فأرسل إليه معي رسولا، فجاء، فلما انتهينا إلى الباب، ناديت: ائذن لعمرو بن العاص، ونادى هو: ائذن لحزب الله، فسمع صوته، فأذن له ولأصحابه. ثم أذن لي، فدخلت فإذا هو جالس، فلما رأيته جئت حتى قعدت بين يديه، فجعلته خلفي، قال: وأقعدت بين كل رجلين من أصحابه رجلا من أصحابي، فقال النجاشي: نخروا فقلت: إن ابن عم هذا بأرضنا يزعم أن ليس إلا إله واحد. قال: فتشهد، فإني أول ما سمعت التشهد ليومئذ.(أعلام/2380)
وقال: صدق، هو ابن عمي وأنا على دينه. قال: فصاح صياحا، وقال: أوه، حتى قلت: ما لابن الحبشية؟ فقال: ناموس مثل ناموس موسى. ما يقول في عيسى؟ قال: يقول: هو روح الله وكلمته، فتناول شيئا من الأرض، فقال: ما أخطأ من أمره مثل هذه. وقال: لولا ملكي لاتبعتكم. وقال لعمرو: ما كنت أبالي أن لا تأتيني أنت ولا أحد من أصحابك أبدا. وقال لجعفر: اذهب فأنت آمن بأرضي، من ضربك، قتلته. قال: فلقيت جعفرا خاليا، فدنوت منه، فقلت: نعم إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وعبده. فقال: هداك الله. فأتيت أصحابي، فكأنما شهدوه معي، فأخذوني، فألقوا علي قطيفة، وجعلوا يغموني وجعلت أخرج رأسي من هنا ومن هنا، حتى أفلت وما علي قشرة فلقيت حبشية، فأخذت قناعها فجعلته على عورتي، فقالت كذا وكذا، وأتيت جعفرا، فقال: ما لك؟ قلت: ذهب بكل شيء لي، فانطلق معي إلى باب الملك، فقال: ائذن لحزب الله. فقال آذنه: إنه مع أهله. قال: استأذن لي، فأذن له. فقال: إن عمرا قد بايعني على ديني، فقال: كلا. قال: بلى. فقال لإنسان: اذهب فإن كان فعل فلا يقولن لك شيئا إلا كتبته. قال فجاء، فجعل يكتب ما أقول حتى ما تركنا شيئا حتى القدح، ولو أشاء أن آخذ من أموالهم إلى مالي لفعلت.
وعن عمرو قال: حضرت بدرا مع المشركين، ثم حضرت أحدا، فنجوت، ثم قلت: كم أوضع؟ فلحقت بالوهط ولم أحضر صلح الحديبية.
سليمان بن أيوب الطلحي: حدثنا أبي، عن إسحاق بن يحيى، عن عمه موسى بن طلحة، عن أبيه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن عمرو بن العاص لرشيد الأمر أحمد: حدثنا المقرئ، حدثنا ابن لهيعة، حدثني مشرح، سمعت عقبة، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص.(أعلام/2381)
عمرو بن حكام: حدثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ابنا العاص مؤمنان. أحمد: حدثنا ابن مهدي، عن موسى بن علي، عن أبيه، عن عمرو بن العاص قال: كان فزع بالمدينة، فأتيت سالما مولى أبي حذيفة، وهو محتب بحمائل سيفه، فأخذت سيفا، فاحتبيت بحمائله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيها الناس، ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله، ألا فعلتم كما فعل هذان المؤمنان؟ .
الليث: حدثنا يزيد، عن ابن يخامر السكسكي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم صل على عمرو بن العاص، فإنه يحبك ويحب رسولك منقطع.
أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا الليث عن يزيد، عن سويد بن قيس، عن زهير بن قيس البلوي، عن علقمة بن رمثة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عمرو بن العاص إلى البحرين، فخرج رسول الله في سرية، وخرجنا معه، فنعس، وقال: يرحم الله عمرا. فتذاكرنا كل من اسمه عمرو. قال: فنعس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: رحم الله عمرا. ثم نعس الثالثة، فاستيقظ، فقال: رحم الله عمرا. قلنا: يا رسول الله، من عمرو هذا؟ قال: عمرو بن العاص. قلنا: وما شأنه؟ قال: كنت إذا ندبت الناس إلى الصدقة، جاء فأجزل منها، فأقول: يا عمرو! أنى لك هذا؟ فقال: من عند الله، قال: وصدق عمرو ; إن له عند الله خيرا كثيرا.
الوليد بن مسلم: عن يحيى بن عبد الرحمن، عن حبان بن أبي جبلة، عن عمرو بن العاص قال: ما عدل بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبخالد منذ أسلمنا أحدا من أصحابه في حربه.(أعلام/2382)
موسى بن علي، عن أبيه، سمع عمرا يقول: بعث إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: خذ عليك ثيابك وسلاحك، ثم ائتني. فأتيته وهو يتوضأ، فصعد في البصر، وصوبه، فقال: إني أريد أن أبعثك على جيش، فيسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك رغبة صالحة من المال. قلت: يا رسول الله! ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، ولأن أكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا عمرو نعما بالمال الصالح للرجل الصالح.
إسماعيل بن أبي خالد: عن قيس قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرا في غزوة ذات السلاسل، فأصابهم برد، فقال لهم عمرو: لا يوقدن أحد نارا. فلما قدم شكوه، قال: يا نبي الله! كان فيهم قلة، فخشيت أن يرى العدو قلتهم، ونهيتهم أن يتبعوا العدو مخافة أن يكون لهم كمين. فأعجب ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وكيع: عن منذر بن ثعلبة، عن ابن بريدة قال عمر لأبي بكر: لم يدع عمرو بن العاص الناس أن يوقدوا نارا، ألا ترى إلى ما صنع بالناس، يمنعهم منافعهم؟ فقال أبو بكر: دعه، فإنما ولاه رسول الله علينا لعلمه بالحرب.
وكذا رواه يونس بن بكير عن منذر.
وصح عن أبي عثمان النهدي، عن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمله على جيش ذات السلاسل، وفيهم أبو بكر وعمر.(أعلام/2383)
عمرو بن حريث (ع)
ابن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، أخو سعيد بن حريث.
كان عمرو من بقايا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا نزلوا الكوفة.
مولده قبيل الهجرة.
له صحبة ورواية. وروى أيضا عن أبي بكر الصديق، وابن مسعود.
حدث عنه: ابنه جعفر، والحسن العرني، والمغيرة بن سبيع، والوليد بن سريع، وعبد الملك بن عمير، وإسماعيل بن أبي خالد، وآخرون. وآخر من رآه رؤية خلف بن خليفة.
توفي سنة خمس وثمانين.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا السلفي، أخبرنا أحمد بن علي الطريثيثي، أخبرنا المسيب بن منصور الدينوري بآمل، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد، حدثنا يوسف بن يعقوب بن خالد النيسابوري، أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع؛ حدثنا شريك، عن أبي إسحاق: سمعت عمرو بن حريث يقول: كنت في بطن المرأة يوم بدر.
وروى فطر بن خليفة، عن أبيه؛ سمع مولاه عمرو بن حريث يقول: انطلق بي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا غلام؛ فدعا لي بالبركة، ومسح رأسي، وخط لي دارا بالمدينة بقوس، ثم قال: ألا أزيدك.
وروى معبد بن خالد، عن عمرو بن حريث، قال: أمرني عمر - رضي الله عنه - أن أؤم النساء في رمضان.
قال الواقدي: ثم ولي الكوفة لزياد بن أبيه، ولابنه عبيد الله بن زياد: عمرو بن حريث وحصل مالا عظيما وأولادا، منهم؛ عبد الله، وجعفر، ويحيى، وخالد، وأم الوليد، وأم عبد الله، وأم سلمة، وسعيد، ومغيرة، وعثمان، وحريث.
قال الواقدي: قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعمرو بن حريث اثنتا عشرة سنة.
وشهد أخوه سعيد بن حريث فتح مكة وهو حدث.(أعلام/2384)
عمرو بن دينار البصري (ت، ق)
فهو أبو يحيى الأعور، قهرمان آل الزبير ابن شعيب البصري مقل، له حديثان أو أكثر.
حدث عن سالم بن عبد الله، وصيفي بن صهيب.
روى عنه الحمادان، وخارجة بن مصعب، وصالح المري، وعبد الوارث بن سعيد، ومعتمر بن سليمان، وجعفر بن سليمان الضبعي وآخرون.
ضعفه أحمد، والفلاس، وأبو حاتم، وقال ابن معين: ذاهب، وقال البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أيضا: ضعيف. وكذا ضعفه الدارقطني والناس.
وأسرف ابن حبان فقال: لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب، ينفرد بالموضوعات عن الأثبات.
قلت: روى له الترمذي وقال: ليس بالقوي في الحديث. تفرد عن سالم بأحاديث.
قلت: القهرمان نحو الوكيل ولهذا يقال له: وكيل آل الزبير، له حديث من دخل السوق وحديث من رأى مبتلى، فقال: الحمد لله الذي فضلني " الحديث. ومات في حدود الثلاثين ومائة.(أعلام/2385)
عمرو بن شعيب (4)
ابن محمد ابن صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل، الإمام المحدث أبو إبراهيم وأبو عبد الله القرشي السهمي الحجازي فقيه أهل الطائف، ومحدثهم، وكان يتردد كثيرا إلى مكة، وينشر العلم، وله مال بالطائف، وأمه حبيبة بنت مرة الجمحية.
حدث عن أبيه فأكثر، وعن سعيد بن المسيب، وطاوس، وسليمان بن يسار، وعمرو بن الشريد بن سويد، وعروة بن الزبير، ومجاهد، وعطاء، وسعيد المقبري وعاصم بن سفيان، والزهري. وينزل إلى عبد الله بن أبي نجيح وطائفة، وقد حدث عن الربيع بنت معوذ، وزينب بنت أبي سلمة، ولهما صحبة، وعن عمته زينب السهمية وأرسل عن أم كرز الخزاعية.
حدث عنه الزهري، وقتادة، وعطاء بن أبي رباح شيخه، وعمرو بن دينار، ومكحول، ومطر الوراق، ووهب بن منبه، وحسان بن عطية، وأيوب السختياني وابن طاوس، وعاصم الأحول، وعطاء الخراساني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن أبي كثير، ويزيد بن أبي حبيب، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، وهشام بن عروة، وعبد العزيز بن رفيع، وعبد الكريم الجزري، وثابت البناني، وبكير بن الأشج، وموسى بن أبي عائشة، وداود بن أبي هند، وحسين المعلم، وحبيب المعلم، وأسامة بن زيد الليثي، وسليمان بن موسى، وعامر الأحول، وابن عون، وعبيد الله بن عمر، والعلاء بن الحارث، والضحاك بن حمزة، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي، وعبد الرحمن بن حرملة، وعبد الله بن عامر الأسلمي، وثور بن يزيد، وداود بن شابور، وداود بن قيس الفراء، ورجاء بن أبي سلمة، وابن إسحاق، والأوزاعي، وحجاج بن أرطاة، وعمرو بن الحارث، وابن عجلان والمثنى بن الصباح، وابن لهيعة، وهشام بن سعد، وهشام بن الغاز، وخلق سواهم.(أعلام/2386)
روى صدقة بن الفضل، عن يحيى القطان، قال: إذا روى عن عمرو بن شعيب الثقات، فهو ثقة محتج به، هكذا نقل صدقة.
وقال علي ابن المديني، عن يحيى بن سعيد، قال: حديثه عندنا واه.
وروى علي، عن ابن عيينة، قال: كان إنما يحدث عن أبيه عن جده وكان حديثه عند الناس فيه شيء.
وروى أحمد بن سليمان، عن معتمر بن سليمان، سمعت أبا عمرو بن العلاء، يقول: كان لا يعاب على قتادة وعمرو من شعيب، إلا أنهما كانا لا يسمعان شيئا إلا حدثا به.
وقال أبو الحسن الميموني: سمعت أحمد بن حنبل. يقول: له أشياء مناكير، وإنما نكتب حديثه نعتبر به، فأما أن يكون حجة، فلا.
وقال محمد بن علي الجوزجاني الوراق: قلت لأحمد: عمرو بن شعيب سمع من أبيه شيئا؟ قال: يقول: حدثني أبي، قلت: فأبوه سمع من عبد الله بن عمرو؟ قال: نعم، أراه قد سمع منه.
وقال الأثرم: سئل أبو عبد الله، عن عمرو بن شعيب، فقال: ربما احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شيء، ومالك يروي عن رجل عنه.
وقال الترمذي عن البخاري: رأيت أحمد وعليا وإسحاق وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين، فمن الناس بعدهم؟ .
قلت: أستبعد صدور هذه الألفاظ من البخاري، أخاف أن يكون أبو عيسى وهم. وإلا فالبخاري لا يعرج على عمرو، أفتراه يقول: فمن الناس بعدهم، ثم لا يحتج به أصلا ولا متابعة؟
بلى احتج به أرباب السنن الأربعة، وابن خزيمة، وابن حبان في بعض الصور، والحاكم. وروى أبو داود عن أحمد، قال: أصحاب الحديث إذا شاءوا احتجوا بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وإذا شاءوا، تركوه.
قلت: هذا محمول على أنهم يترددون في الاحتجاج به، لا أنهم يفعلون ذلك على سبيل التشهي.(أعلام/2387)
وروى الكوسج، عن يحيى، قال: يكتب حديثه، وروى عباس عنه، قال: إذا حدث عن أبيه، عن جده، فهو كتاب، ويقول: أبي عن جدي، فمن هنا جاء ضعفه أو نحو هذا القول، فإذا حدث عن ابن المسيب، أو سليمان بن يسار، أو عروة، فهو ثقة عنهم، أو قريب من هذا.
وروى عباس أيضا، ومعاوية بن صالح عن يحيى: ثقة، وقال أبو حاتم: سألت يحيى عنه، فغضب وقال: ما أقول؟ روى عنه الأئمة، وروى أحمد بن زهير عن يحيى: ليس بذاك. فهذا إمام الصنعة أبو زكريا قد تلجلج قوله في عمرو، فدل على أنه ليس حجة عنده مطلقا، وأن غيره أقوى منه.
وقال أبو زرعة: إنما أنكروا عليه لكثرة روايته عن أبيه عن جده، وقالوا: إنما سمع أحاديث يسيرة، وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها، وما أقل ما تصيب عنه مما روى عن غير أبيه من المنكر، وعامة هذه المناكير التي تروى عنه، إنما هي عن المثنى بن الصباح، وابن لهيعة، والضعفاء، وهو ثقة في نفسه.
قلت: ويأتي الثقات عنه أيضا بما ينكر.
وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي أيما أحب إليك -هو أو بهز بن حكيم عن أبيه عن جده-؟ فقال: عمرو أحب إلي.
وقال أبو عبيد الآجري: قيل لأبي داود: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عندك حجة؟ قال: لا، ولا نصف حجة، ورجح بهز بن حكيم عليه.
وروى جرير، عن مغيرة، أنه كان لا يعبأ بصحيفة عبد الله بن عمرو.
قال معمر: كان أيوب السختياني إذا قعد إلى عمرو بن شعيب، غطى رأسه يعني: حياء من الناس. وقال ابن أبي شيبة: سألت علي ابن المديني، عن عمرو بن شعيب، فقال: ما روى عنه أيوب وابن جريج، فذاك كله صحيح، وما روى عمرو عن أبيه عن جده، فإنما هو كتاب وجده، فهو ضعيف.
قلت: هذا الكلام قاعد قائم.
قال جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة: كان لا يعبأ بحديث سالم بن أبي الجعد.(أعلام/2388)
وخلاس بن عمرو، وأبي الطفيل، وبصحيفة عبد الله بن عمرو، ثم قال مغيرة: ما يسرني أن صحيفة عبد الله بن عمرو عندي بتمرتين أو بفلسين. قال الحافظ أيضا: اعتبرت حديثه، فوجدت أن بعض الرواة، يسمي عبد الله، وبعضهم يروي ذلك الحديث بعينه، فلا يسميه، ورأيت في بعضها قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده محمد، عن عبد الله، وفي بعضها عمرو، عن جده محمد. قلت: جاء هذا في حديث واحد مختلف، وعمرو لم يلحق جده محمدا أبدا.
ومن الأحاديث التي جاء فيها عن جده عبد الله: حرملة، أنبأنا ابن وهب، حدثني عمرو بن الحارث، أن عمرو بن شعيب، حدثه عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، أن مزنيا قال: يا رسول الله: كيف ترى في حريسة الجبل؟ قال: هي ومثلها والنكال. قال: فإذا جمعها المراح؟ قال: قطع اليد إذا بلغ ثمن المجن.
ابن عجلان عن عمرو، عن أبيه، عن جده عبد الله بحديث في اللقطة.
أحمد، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا محمد هو ابن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل أصبع عشر من الإبل.
حسين المعلم. عن عمرو عن أبيه، عن جده عبد الله مرفوعا في المواضح خمس.
أحمد: حدثنا يزيد، أنبأنا ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده عبد الله، قال: لما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة عام الفتح، قام في الناس خطيبا، وقال: لا حلف في الإسلام الحديث.(أعلام/2389)
جرير بن عبد الحميد، عن ابن إسحاق، عن عمرو، عن أبيه، عن جده، عبد الله، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر بكلمات من الفزع: أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه، ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون كذا هذا عن جده، عن عبد الله، رواه الحاكم في " الدعوات ": حدثنا محمد بن أحمد بن بالويه، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا جرير، فذكره. ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد، متصل في موضع الخلاف. قال الحافظ الضياء: أظن " عن " فيه زائدة وإلا فيكون من رواية محمد عن أبيه، قلت: رواه أحمد في " مسنده " عن يزيد، عن ابن إسحاق، فلم يزد على قوله: عن جده.
الدارقطني في " سننه " حدثنا أبو بكر النيسابوري، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثني عمي، حدثنا مخرمة بن بكير، عن أبيه، سمعت عمرو بن شعيب، يقول: سمعت شعيبا، يقول: سمعت عبد الله بن عمرو، يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: في البيعين بالخيار.
أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا ابن جريج، قال: قال عمرو بن شعيب: عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أيما امرأة نكحت على صداق أو عدة أو حباء قبل عصمة النكاح، فهو لها.
حرملة: حدثنا ابن وهب، أخبرني أسامة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مثل الذي يسترد ما وهب، كمثل الكلب يقيء.
وعندي عدة أحاديث سوى ما مر يقول: عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، فالمطلق محمول على المقيد المفسر بعبد الله، والله أعلم.(أعلام/2390)
قال ابن عدي: هو في نفسه ثقة، إلا إذا روى عن أبيه، عن جده يكون مرسلا; لأن جده عنده محمد بن عبد الله بن عمرو، ولا صحبة له. قلت: الرجل لا يعني بجده إلا جده الأعلى عبد الله -رضي الله عنه - وقد جاء كذلك مصرحا به في غير حديث، يقول: عن جده عبد الله، فهذا ليس بمرسل، وقد ثبت سماع شعيب والده من جده عبد الله بن عمرو، ومن معاوية، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم، وما علمنا بشعيب بأسا، ربي يتيما في حجر جده عبد الله، وسمع منه، وسافر معه، ولعله ولد في خلافة علي، أو قبل ذلك، ثم لم نجد صريحا لعمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده محمد بن عبد الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن ورد نحو من عشرة أحاديث هيئتها عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، وبعضها عن عمرو، عن أبيه، عن جده عبد الله، وما أدري ; هل حفظ شعيب شيئا من أبيه أم لا؟ وأنا عارف بأنه لازم جده وسمع منه. وأما تعليل بعضهم بأنها صحيفة، وروايتها وجادة بلا سماع، فمن جهة أن الصحف يدخل في روايتها التصحيف لا سيما في ذلك العصر، إذ لا شكل بعد في الصحف، ولا نقط بخلاف الأخذ من أفواه الرجال.
قال يحيى بن معين: هو ثقة، بلي بكتاب أبيه عن جده. وممن تردد وتحير في عمرو أبو حاتم بن حبان، فقال في كتاب " الضعفاء ": إذا روى عن طاوس وابن المسيب وغيرهما من الثقات غير أبيه، فهو ثقة، يجوز الاحتجاج به، وإذا روى عن أبيه عن جده، ففيه مناكير كثيرة، فلا يجوز عندي الاحتجاح بذلك.
قال: وإذا روى عن أبيه، عن جده، فإن شعيبا لم يلق عبد الله، فيكون الخبر منقطعا، وإذا أراد به جده الأدنى، فهو محمد، ولا صحبة له، فيكون مرسلا.(أعلام/2391)
قلت: قد أجبنا عن هذا، وأعلمنا بأن شعيبا صحب جده، وحمل عنه. وأخبرنا ابن أبي عمر في كتابه عن الصيدلاني، أخبرتنا فاطمة الجوزدانية، أنبأنا ابن ريذة، أنبأنا الطبراني، حدثنا علي بن عبد العزيز والكجي، قالا: حدثنا حجاج، قال الطبراني: وحدثنا جعفر بن محمد بن حرب، حدثنا سليمان بن حرب، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن شعيب بن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: ما رئي النبي -صلى الله عليه وسلم- يأكل متكئا، ولا يطأ عقبه رجلان فهذا شعيب يخبر أنه سمع من عبد الله.
ثم إن أبا حاتم بن حبان تحرج من تليين عمرو بن شعيب، وأداه اجتهاده إلى توثيقه، فقال: والصواب في عمرو بن شعيب أن يحول من هنا إلى تاريخ الثقات; لأن عدالته قد تقدمت.
فأما المناكير في حديثه إذا كانت في روايته، عن أبيه، عن جده، فحكمه حكم الثقات إذا رووا المقاطيع والمراسيل بأن يترك من حديثهم المرسل والمقطوع، ويحتج بالخبر الصحيح. فهذا يوضح لك أن الآخر من الأمرين عند ابن حبان أن عمرا ثقة في نفسه، وأن روايته، عن أبيه، عن جده، إما منقطعة أو مرسلة، ولا ريب أن بعضها من قبيل المسند المتصل، وبعضها يجوز أن تكون روايته وجادة، أو سماعا، فهذا محل نظر واحتمال. ولسنا ممن نعد نسخة عمرو عن أبيه عن جده من أقسام الصحيح الذي لا نزاع فيه من أجل الوجادة ومن أجل أن فيها مناكير. فينبغي أن يتأمل حديثه، ويتحايد ما جاء منه منكرا، ويروى ما عدا ذلك في السنن والأحكام محسنين لإسناده، فقد احتج به أئمة كبار، ووثقوه في الجملة، وتوقف فيه آخرون قليلا، وما علمت أن أحدا تركه.(أعلام/2392)
شريك، عن ليث، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: ما يرغبني فى الحياة إلا خصلتان: الصادقة والوهطة، فأما الصادقة فصحيفة كتبتها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأما الوهطة فأرض تصدق بها عمرو بن العاص، كان يقوم عليها.
أيوب بن سويد، عن الأوزاعي، قال: ما رأيت قرشيا أفضل، وفي لفظ: ما أدركت قرشيا أكمل من عمرو بن شعيب.
قال علي ابن المديني، سمع شعيب من عبد الله بن عمرو، وسمع منه ابنه عمرو بن شعيب. وروى الحسن بن سفيان، عن ابن راهويه، قال: إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ثقة، فهو كأيوب، عن نافع، عن ابن عمر.
وقال العجلي والنسائي: ثقة، وقال النسائي مرة: ليس به بأس.
وقال أحمد بن عبد الله: عمرو بن شعيب: ثقة روى عنه الذين نظروا في الرجال مثل أيوب والزهري والحكم، واحتج أصحابنا بحديثه، وسمع أبوه من عبد الله بن عمرو، وابن عمر، وابن عباس.
وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: صح سماع عمرو بن شعيب، وصح سماع شعيب من جده عبد الله.
وقال الدارقطني: لعمرو بن شعيب ثلاثة أجداد: الأدنى منهم محمد، والأوسط عبد الله، والأعلى عمرو، وقد سمع شعيب من الأدنى محمد، ومحمد تابعي، وسمع جده عبد الله، فإذا بينه وكشف، فهو صحيح حينئذ.
قال: ولم يترك حديثه أحد من الأئمة، ولم يسمع من جده عمرو بن العاص.
وقال الدارقطني أيضا: سمعت أبا بكر النقاش، يقول: عمرو بن شعيب ليس من التابعين، وقد روى عنه عشرون من التابعين.
قلت: فسكت الدارقطني، بل عمرو تابعي، قد سمع من ربيبة النبي -صلى الله عليه وسلم- زينب ومن الربيع ولهما صحبة.
قال الحافظ ابن عدي روى عنه أئمة الناس وثقاتهم، وجماعة من الضعفاء إلا أن أحاديثه، عن أبيه، عن جده مع احتمالهم إياه، لم يدخلوها في صحاح ما خرجوا، وقالوا: هي صحيفة.(أعلام/2393)
قال يحيى بن بكير وشباب: مات عمرو بن شعيب سنة ثماني عشرة ومائة، زاد ابن بكير بالطائف.
قلت: الضعفاء الراوون عنه مثل المثنى بن الصباح، ومحمد بن عبد الله العرزمي، وحجاج بن أرطاة، وابن لهيعة، وإسحاق بن أبي فروة، والضحاك بن حمزة ونحوهم، فإذا انفرد هذا الضرب عنه بشيء ضعف نخاعه، ولم يحتج به، بل وإذا روى عنه رجل مختلف فيه كأسامة بن زيد، وهشام بن سعد، وابن إسحاق، ففي النفس منه، والأولى أن لا يحتج به بخلاف رواية حسين المعلم وسليمان بن موسى الفقيه، وأيوب السختياني فالأولى أن يحتج بذلك إن لم يكن اللفظ شاذا ولا منكرا، فقد قال أحمد بن حنبل إمام الجماعة: له أشياء مناكير.
قتيبة: حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، أنه دخل على زينب بنت أبي سلمة، فحدثته أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
حبيب المعلم، عن عمرو، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يحضر الجمعة ثلاثة: واع داع، أو لاغ، أو منصت.
قال الأوزاعي: حدثني عمرو بن شعيب، ومكحول جالس.
قال نعيم بن حماد: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، سمع أيوب يقول لليث بن أبي سليم: شد يدك بما سمعت من طاوس ومجاهد، وإياك وجواليق وهب بن منبه، وعمرو بن شعيب، فإنهما صاحبا كتب. يعني: يرويان عن الصحف.(أعلام/2394)
وقال ابن حبان: حدثنا أبو يعلى، حدثنا كامل بن طلحة، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده بنسخة طويلة وابن لهيعة نبرأ من عهدته، قال: فمنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله زادكم صلاة، فحافظوا عليها وهي الوتر. ومنها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من استودع وديعة، فلا ضمان عليه ومنها أن امرأتين أتتا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي أيديهما سواران من ذهب، فقال: أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار؟ قالتا: لا. قال: فأديا زكاته ومنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من صلى مكتوبة فليقرأ بأم القرآن، وقرآن معها. ومنها أنه -عليه السلام- قال: من أعهر بحرة أو أمة قوم، فولدت، فالولد ولد زنى، لا يرث ولا يورث.
ومنها لا تمشوا في المساجد وعليكم بالقميص وتحته الإزار.
ومنها العرافة أولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها عذاب يوم القيامة.
ومن أفراد عمرو حديث حماد بن سلمة، عن حبيب، وداود، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعا لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها.
وحديث من زوج فتاته، فلا ينظرن إلى ما بين السرة والركبة رواه سوار أبو حمزة عنه عن أبيه، عن جده مرفوعا.(أعلام/2395)
عمرو بن عاصم (ع)
الكلابي القيسي البصري، الحافظ، أحد الأثبات.
سمع جده عبيد الله بن الوازع، وشعبة، وجرير بن حازم، وهمام بن يحيى، وطبقتهم.
حدث عنه: البخاري، وأبو محمد الدارمي، وعبد بن حميد، ويعقوب الفسوي، والكديمي، وخلق كثير.
وثقه يحيى بن معين.
وقال النسائي: ليس به بأس.
قال إسحاق بن يسار: سمعته يقول: كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألف حديث.
قال البخاري: توفي سنة ثلاث عشرة ومائتين.
قلت: هو معدود في كبار شيوخ البخاري، ولا يقع لنا حديثه في الأجزاء أعلى من كتاب " الجامع الصحيح " والله أعلم.(أعلام/2396)
عمرو بن عبسة (م، 4)
ابن خالد بن حذيفة، الإمام الأمير أبو نجيح السلمي البجلي، أحد السابقين، ومن كان يقال هو: ربع الإسلام.
روى أحاديث.
روى عنه أبو أمامة الباهلي، وسهل بن سعد، وجبير بن نفير، وكثير بن مرة، وضمرة بن حبيب، والصنابحي، وعدي بن أرطاة، وحبيب بن عبيد ; وعدة.
وقيل: إن ابن مسعود روى عنه.
وكان من أمراء الجيش يوم وقعة اليرموك.
قال عمرو بن أبي سلمة التنيسي: حدثنا صدقة بن عبد الله، عن نصر بن علقمة، عن أخيه، عن ابن عائذ، عن جبير بن نفير، قال: كان أبو ذر الغفاري، وعمرو بن عبسة، كلاهما يقول: لقد رأيتني ربع الإسلام مع رسول الله، لم يسلم قبلي إلا النبي - صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وبلال - كلاهما- حتى لا يدري متى أسلم الآخر.
نزل عمرو حمص باتفاق. ويقال: شهد بدرا، وما تابع أحد عبد الصمد بن سعيد، وأحمد بن محمد بن عيسى على ذا.
وبنو بجيلة رهط من سليم.
عكرمة بن عمار: حدثنا شداد أبو عمار، ويحيى بن أبي كثير، عن أبي أمامة - وقد لقي شداد أبا أمامة - قال: قال عمرو بن عبسة: قدمت مكة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حراء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه، فقلت: ما أنت؟ قال: نبي، قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله. قلت: بما أرسلك؟ قال: بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله. قلت: من معك على هذا؟ قال: حر وعبد - قال: ومعه أبو بكر، وبلال - فقلت: إني متبعك قال: إنك لا تستطيع ذاك يومك هذا ; ألا ترى حالي؟ فإذا سمعت بي قد ظهرت، فائتني.
فذهبت إلى أهلي، وجعلت أتخبر الأخبار، حتى قدم على أهل يثرب ; فقدمت المدينة، فأتيته. . . وذكر الحديث.(أعلام/2397)
أبو صالح: حدثني معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر، وضمرة بن حبيب، وآخر. سمعوا أبا أمامة: سمع عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو نازل بعكاظ، فقلت: من معك؟ قال: أبو بكر وبلال. فأسلمت. فلقد رأيتني ربع الإسلام.
لم يؤرخوا موته.
حريز: حدثنا سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعكاظ، فقلت: من تبعك؟ قال: حر وعبد، انطلق حتى يمكن الله لرسوله.
معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة، قال: أسلمت، فقال لي النبي، صلى الله عليه وسلم: الحق بقومك. ثم أتيته قبل الفتح.
الواقدي: حدثنا حجاج بن صفوان، عن ابن أبي حسين، عن شهر، عن عمرو بن عبسة، قال: رغبت عن آلهة قومي، فلقيت يهوديا من أهل تيماء، فقلت: إني ممن يعبد الحجارة، فيترك الحي، فينزل الرجل، فيأتي بأربعة حجارة، فينصب ثلاثة لقدره، ويجعل أحسنها إلها يعبده.
فقال: يخرج من مكة رجل يرغب عن الأصنام، فإذا رأيته فاتبعه، فإنه يأتي بأفضل دين.
إلى أن قال: فأتيت مكة، فوجدته مستخفيا، ووجدت قريشا عليه أشداء. . . وذكر الحديث بطوله.
لعله مات بعد سنة ستين. فالله أعلم.(أعلام/2398)
عمرو بن عون (خ، د)
ابن أوس بن الجعد، الحافظ المجود الإمام أبو عثمان السلمي الواسطي البزاز.
حدث عن: حماد بن سلمة، وعبد العزيز بن الماجشون، وشريك بن عبد الله، وهشيم، ويحيى بن أبي زائدة، وخالد بن عبد الله، وطبقتهم.
حدث عنه: البخاري، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وعلي بن عبد العزيز البغوي، ويعقوب الفسوي، وعثمان الدارمي، وعدد كثير.
وثقه جماعة، وقال فيه يزيد بن هارون: هو ممن يزداد كل يوم خيرا.
وقال أبو زرعة الرازي: هو ثقة، قل من رأيت أثبت منه.
وقال أبو حاتم: ثقة حجة، كان يحفظ حديثه.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: ثقة، رجل صالح.
وقد حدث عنه يحيى بن معين مرة، فأطنب في الثناء عليه.
قلت: كان عالما بهشيم جدا.
قال حاتم بن الليث: مات عمرو بن عون في سنة خمس وعشرين ومائتين.
أخبرنا أحمد بن محمد بن العماد، أخبرنا إبراهيم بن عثمان، أخبرنا أحمد بن محمد الكاغدي أخبرنا أحمد بن علي الصوفي،
أخبرنا أبو علي بن شاذان، أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا عمرو بن عون، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن الركين بن الربيع بن عميلة، عن أبيه، عن ابن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما أكثر أحد من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قل ".
أخرجه القزويني عن عباس بن جعفر، عن عمرو بن عون.(أعلام/2399)
عمرو بن مرة (ع)
ابن عبد الله بن طارق بن الحارث بن سلمة بن كعب بن وائل بن جمل بن كنانة بن ناجية بن مراد، الإمام القدوة الحافظ أبو عبد الله المرادي ثم الجملي الكوفي، أحد الأئمة الأعلام.
حدث عن عبد الله بن أبي أوفى، وأرسل عن ابن عباس وغيره، وروى عن أبي وائل، وسعيد بن المسيب، وابن أبي ليلى، وعمرو بن ميمون الأودي، ومرة الطيب، وخيثمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن جبير، وهلال بن يساف، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، ويوسف بن ماهك، وأبي البختري الطائي، وإبراهيم النخعي، وأبي عمر زاذان، وسالم بن أبي الجعد، وعبد الله بن سلمة، وأبي الضحى، ومصعب بن سعد، وأبي بردة، وخلق كثير.
حدث عنه أبو إسحاق السبيعي وهو من طبقته، والأعمش، وإدريس بن يزيد، والعوام بن حوشب، ومنصور بن المعتمر، وأبو خالد الدالاني، وحصين بن عبد الرحمن وهو من أقرانه، وزيد بن أبي أنيسة، وشعبة، والثوري، وقيس بن الربيع، ومسعر، وخلق سواهم.
قال علي ابن المديني: له نحو مائتي حديث، وقال سعيد بن أبي سعيد الرازي: سئل أحمد بن حنبل عنه فزكاه، وروى الكوسج عن ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ثقة يرى الإرجاء. قال الحسن بن محمد الطنافسي، عن حفص بن غياث: ما سمعت الأعمش يثني على أحد إلا على عمرو بن مرة فإنه كان يقول: كان مأمونا على ما عنده. قال بقية: قلت لشعبة: عمرو بن مرة؟ .
قال: كان أكثرهم علما. وروى معاذ بن معاذ عن شعبة قال: ما رأيت أحدا من أصحاب الحديث إلا يدلس إلا عمرو بن مرة، وابن عون.(أعلام/2400)
أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، وأحمد بن عبد الرحمن قالا: أنبأنا عبد الله بن عمر، أنبأنا أبو الوقت السجزي، أنبأنا عبد الرحمن بن عفيف سنة سبع وسبعين وأربعمائة، أنبأنا عبد الرحمن بن أحمد الأنصاري، حدثنا أبو القاسم البغوي حدثنا أحمد بن إبراهيم العبدي، حدثنا عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح، قال: سمعت شعبة يقول: ما رأيت عمرو بن مرة في صلاة قط إلا ظننت أنه لا ينفتل حتى يستجاب له.
وبه إلى البغوي: حدثنا الأشج، حدثنا عبد العزيز القرشي، عن مسعر، قال: لم يكن بالكوفة أحب إلي ولا أفضل من عمرو بن مرة.
وبه حدثني أحمد بن زهير، حدثني نصر بن المغيرة، قال سفيان بن عيينة، قلت لمسعر: من أفضل من أدركت؟ قال: ما كان أفضل من عمرو بن مرة.
وبه حدثني أحمد، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة قال: كنت مع عمرو بن مرة إلى المسجد، وكان ضريرا.
وبه حدثني أحمد، حدثنا ابن الأصبهاني، حدثنا عبد السلام، عن أبي خالد الدالاني، قال: قلت لعمرو بن مرة: تحدث فلانا وهو كذا وكذا، قال: إنما استودعنا شيئا، فنحن نؤديه.
وبه حدثنا محمد بن حميد، حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: لم يزل في الناس بقية، حتى دخل عمرو بن مرة في الإرجاء، فتهافت الناس فيه.
وبه حدثني عبد الله بن سعيد الأشج حدثنا أحمد بن بشير، حدثنا مسعر: سمعت عبد الملك بن ميسرة ونحن في جنازة عمرو بن مرة، وهو يقول: إني لأحسبه خير أهل الأرض.
وروى مسعر عن عمر قال: عليكم بما يجمع الله عليه المتفرقين يريد - والله أعلم - الإجماع والمشهور.
روى عبد الجبار بن العلاء، عن ابن عيينة، عن مسعر، قال: كان عمرو بن مرة من معادن الصدق.(أعلام/2401)
أبو حاتم الرازي، عن حماد بن زاذان، سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: حفاظ الكوفة أربعة: عمرو بن مرة، ومنصور، وسلمة بن كهيل، وأبو حصين. أحمد بن سنان، عن عبد الرحمن قال: أربعة بالكوفة لا يختلف في حديثهم، فمن اختلف عليهم، فهو مخطئ، منهم عمرو بن مرة.
قال أبو نعيم وأحمد بن حنبل: مات عمرو سنة ست عشرة ومائة، وقيل: مات سنة ثماني عشرة.
ومن حديثه: أخبرنا ابن البخاري وجماعة كتابة قالوا: أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا عبد الوهاب الحافظ، أنبأنا ابن هزارمرد، أنبأنا ابن حبابة، أنبأنا عبد الله بن محمد، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة، عن عمرو بن مرة: سمعت عبد الله بن أبي أوفى، وكان من أصحاب الشجرة، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه قوم بصدقة قال: اللهم صل عليهم. فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى.
وبه عن عمرو بن مرة، قال: صليت خلف سعيد بن جبير فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ: ولا الضالين ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. وكان لا يتم التكبير، ويسلم تسليمة واحدة.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة، عن عمرو بن مرة، سمعت يحيى بن الجزار، عن ابن عباس قال: جئت أنا وغلام من بني هاشم على حمار، فمررنا بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، فنزلنا عنه وتركناه يأكل من بقل الأرض، أو من نبات الأرض، فدخلنا معه في الصلاة، فقال رجل: أكان بين يديه عنزة؟ قال: لا.(أعلام/2402)
عمير بن سعيد (خ، م، د، ق)
النخعي الكوفي، شيخ ثقة، فقيه، معمر، من البقايا.
حدث عن ابن مسعود، وعلي، وعمار بن ياسر، وأبي مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وطائفة.
روى عنه أبو حصين عثمان بن عاصم، والأعمش، وأشعث بن سوار، وحجاج بن أرطاة، وفطر بن خليفة، ومسعر بن كدام، وآخرون.
وثقه يحيى بن معين.
قال ابن سعد توفي سنة خمس عشرة ومائة.
قلت: لعله جاوز المائة.(أعلام/2403)
عوف بن مالك الأشجعي الغطفاني (ع)
ممن شهد فتح مكة. وله جماعة أحاديث.
في كنيته أقوال: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد الله، وأبو محمد، وأبو عمرو، وأبو حماد.
وكان من نبلاء الصحابة.
حدث عنه: أبو هريرة، وأبو مسلم الخولاني - وماتا قبله بمدة- وجبير بن نفير، وأبو إدريس الخولاني، وراشد بن سعد، ويزيد بن الأصم، وشريح بن عبيد، والشعبي، وسالم أبو النضر، وسليم بن عامر. وشداد أبو عمار.
وشهد غزوة مؤتة. وقال: رافقني مددي من أهل اليمن، ليس معه غير سيفه - الحديث بطوله - وفيه، قوله، صلى الله عليه وسلم: هل أنتم تاركو لي أمرائي؟ .
وقال ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي مسلم، قال: حدثني الحبيب الأمين، أما هو إلي فحبيب، وأما هو عندي فأمين: عوف بن مالك، قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سبعة، أو ثمانية، أو تسعة ; فقال: ألا تبايعون؟ الحديث.
قال الواقدي: كانت راية أشجع يوم الفتح مع عوف بن مالك.
بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني: حدثني عوف: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو في خيمة من أدم، فتوضأ وضوءا مكيثا. قلت: يا رسول الله، أدخل؟ قال: نعم. قلت: كلي؟ قال: كلك، ثم
قال: يا عوف، اعدد ستا بين يدي الساعة. . . وذكر الحديث. ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف، قال: عرس بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فتوسد كل إنسان منا ذراع راحلته. فانتبهت في بعض الليل ; فإذا أنا لا أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عند راحلته، فأفزعني ذلك ; فانطلقت ألتمسه ; فإذا معاذ وأبو موسى يلتمسانه، فبينا نحن على ذلك، إذ سمعنا هزيزا بأعلى الوادي كهزيز الرحى! قال: فأخبرناه بما كان من أمرنا. فقال: أتاني الليلة آت من ربي، فخيرني بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة.(أعلام/2404)
فقلت: أنشدك الله، والصحبة يا نبي الله، لما جعلتنا من أهل شفاعتك؟ قال: فإنكم من أهل شفاعتي.
جعفر بن برقان: حدثنا ثابت بن الحجاج الكلابي، قال: شتونا في حصن دون القسطنطينية، وعلينا عوف بن مالك، فأدركنا رمضان، فقال عوف:. . فذكر حديثا.
قال الواقدي، وخليفة، وأبو عبيد: مات عوف سنة ثلاث وسبعين.(أعلام/2405)
عويم بن ساعدة
ابن عائش بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية أبو عبد الرحمن الأنصاري من بني عمرو بن عوف.
بدري كبير، شهد العقبتين في قول الواقدي، وشهد الثانية بلا نزاع، وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عمر بن الخطاب، وقال ابن إسحاق: بل بينه وبين حاطب بن أبي بلتعة.
موسى بن يعقوب الزمعي: عن السري بن عبد الرحمن، عن عباد بن حمزة سمع جابرا سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: نعم العبد من عباد الله والرجل من أهل الجنة عويم بن ساعدة.
وقيل: كان أول من استنجى بالماء.
صالح بن كيسان: عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس: إن الرجلين الصالحين اللذين لقيا أبا بكر وعمر وهما يريدان سقيفة بني ساعدة، فذكرا ما تمالأ عليه القوم، وقالا: أين تريدان؟ قالا: نريد إخواننا من الأنصار. فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم، قال ابن شهاب: فأخبرني عروة أنهما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي.
وقيل: عويم ممن نزلت فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا.
قال ابن سعد: توفي عويم بن ساعدة في خلافة عمر وهو ابن خمس وستين سنة.
قلت: وقيل أصله بلوي.(أعلام/2406)
عيسى بن دينار
فقيه الأندلس ومفتيها، الإمام أبو محمد الغافقي، القرطبي. ارتحل، ولزم ابن القاسم مدة، وعول عليه، وكان صالحا خيرا ورعا، يذكر بإجابة الدعوة.
كان ابن وضاح يقول: هو الذي علم أهل الأندلس الفقه.
وقال محمد بن عبد الملك بن أيمن: هو كان أفقه من يحيى بن يحيى الليثي.
وقال الفقيه أبان بن عيسى بن دينار: كان أبي قد أجمع على ترك الفتيا بالرأي، وأحب الفتوى بالحديث، فأعجلته المنية عن ذلك.
قلت: كان من أوعية الفقه، ولكنه قليل الحديث.
توفي سنة اثنتي عشرة ومائتين في سن الكهولة - رحمه الله.(أعلام/2407)