والرجل ليس بصاحب حديث، وإنما هو من كبار العلماء المشهورين، عنده فنون جمة، وعلوم مهمة. قرأت على مسند حلب أبي سعيد سنقر بن عبد الله أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، أخبرنا أحمد بن المبارك المرقعاتي، أخبرنا جدي لأمي ثابت بن بندار، أخبرنا عبد الله بن إسحاق اللبان، في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق الحافظ، أخبرنا الهيثم بن كليب ببخارى سنة 334، حدثنا أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، حدثني الزيادي، حدثني عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، قال: قال علي بن أبي طالب: ما كنت أرى أن أعلى القدم أحق من باطنها، حتى رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على قدميه
قال قاسم بن أصبغ: سمع ابن قتيبة يقول: أنا أكثر أوضاعا من أبي عبيد، له اثنان وعشرون وضعا، ولي سبعة وعشرون. ثم قال قاسم: وله في الفقه كتاب، وله عن ابن راهويه شيء كثير. ق.
قيل لابن أصبغ: فكتابه في الفقه كان ينفق عنه قال: لا والله، لقد ذاكرت الطبري، وابن سريج، وكانا من أهل النظر، وقلت: كيف كتاب ابن قتيبة في الفقه؟ فقالا: ليس بشيء، ولا كتاب أبي عبيد في الفقه، أما ترى كتابه في " الأموال "، وهو أحسن كتبه، كيف بني على غير أصل، واحتج بغير صحيح ثم قالا: ليس هؤلاء لهذا، بالحري أن تصح لهما اللغة، فإذا أردت الفقه، فكتب الشافعي وداود ونظرائهما.(أعلام/785)
قال قاسم بن أصبغ: كنا عند ابن قتيبة، فأتوه بأيديهم المحابر، فقال: اللهم سلمنا منهم. فقعدوا، ثم قالوا: حدثنا -رحمك الله- قال: ليس أنا ممن يحدث، إنما هذه الأوضاع، فمن أحب؟ قالوا له: ما يحل لك هذا، فحدثنا بما عندك عن إسحاق بن راهويه، فإنا لا نجد فيه إلا طبقتك، وأنت عندنا أوثق. قال: لست أحدث. ثم قال لهم: تسألون أن أحدث، وببغداد ثمانمائة محدث، كلهم مثل مشايخي! ، لست أفعل. فلم يحدثهم بشيء.(أعلام/786)
ابن قدامة
الشيخ الإمام القدوة العلامة المجتهد شيخ الإسلام موفق الدين أبو محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب " المغني " مولده بجماعيل من عمل نابلس سنة إحدى وأربعين وخمسمائة في شعبان.
وهاجر مع أهل بيته وأقاربه، وله عشر سنين، وحفظ القرآن، ولزم الاشتغال من صغره، وكتب الخط المليح، وكان من بحور العلم وأذكياء العالم. ورحل هو وابن خاله الحافظ عبد الغني في أول سنة إحدى وستين في طلب العلم إلى بغداد فأدركا نحو أربعين يوما من جنازة الشيخ عبد القادر، فنزلا عنده بالمدرسة، واشتغلا عليه تلك الأيام، وسمعا منه ومن هبة الله بن الحسن الدقاق، وأبي الفتح بن البطي، وأبي زرعة بن طاهر، وأحمد بن المقرب وعلي ابن تاج القراء ومعمر بن الفاخر، وأحمد بن محمد الرحبي، وحيدرة بن عمر العلوي، وعبد الواحد بن الحسين البارزي، وخديجة النهروانية، ونفيسة البزازة، وشهدة الكاتبة، والمبارك بن محمد البادرائي، ومحمد بن محمد بن السكن، وأبي شجاع محمد بن الحسين المادرائي، وأبي حنيفة محمد بن عبيد الله الخطيبي، ويحيى بن ثابت.
وتلا بحرف نافع على أبي الحسن البطائحي، وبحرف أبي عمرو على أستاذه أبي الفتح بن المني.
وسمع بدمشق من أبي المكارم بن هلال، وعدة. وبالموصل من خطيبها أبي الفضل الطوسي. وبمكة من المبارك بن الطباخ. وله مشيخة سمعناها.(أعلام/787)
حدث عنه البهاء عبد الرحمن والجمال أبو موسى بن الحافظ، وابن نقطة، وابن خليل، والضياء، وأبو شامة، وابن النجار، وابن عبد الدائم، والجمال بن الصيرفي، والعز إبراهيم بن عبد الله، والفخر علي، والتقي بن الواسطي، والشمس بن الكمال، والتاج عبد الخالق، والعماد بن بدران، والعز إسماعيل بن الفراء، والعز أحمد بن العماد، وأبو الفهم بن النميس، ويوسف الغسولي، وزينب بنت الواسطي، وخلق آخرهم موتا التقي أحمد بن مؤمن يروي عنه بالحضور أحاديث. وكان عالم أهل الشام في زمانه.
قال ابن النجار: كان إمام الحنابلة بجامع دمشق، وكان ثقة حجة نبيلا، غزير الفضل، نزها، ورعا عابدا، على قانون السلف، عليه النور والوقار، ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه.
وقال عمر بن الحاجب: هو إمام الأئمة ومفتي الأمة خصه الله بالفضل الوافر، والخاطر الماطر، والعلم الكامل طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار، أخذ بمجامع الحقائق النقلية والعقلية. إلى أن قال: وله المؤلفات الغزيرة، وما أظن الزمان يسمح بمثله، متواضع، حسن الاعتقاد، ذو أناة وحلم ووقار، مجلسه معمور بالفقهاء والمحدثين، وكان كثير العبادة، دائم التهجد، لم نر مثله، ولم ير مثل نفسه.
وعمل الشيخ الضياء سيرته في جزئين فقال: كان تام القامة، أبيض، مشرق الوجه، أدعج، كأن النور يخرج من وجهه لحسنه، واسع الجبين، طويل اللحية قائم الأنف، مقرون الحاجبين، صغير الرأس، لطيف اليدين والقدمين، نحيف الجسم، ممتعا بحواسه.
أقام هو والحافظ ببغداد أربع سنين فأتقنا الفقه والحديث والخلاف، أقاما عند الشيخ عبد القادر خمسين ليلة ومات، ثم أقاما عند ابن الجوزي، ثم انتقلا إلى رباط النعال، واشتغلا على ابن المني. ثم سافر في سنة سبع وستين ومعه الشيخ العماد، وأقاما سنة.(أعلام/788)
صنف " المغني " عشر مجلدات و " الكافي " أربعة، و " المقنع " مجلدا، و " العمدة " مجيليدا، و " القنعة " في الغريب مجيليدا و " الروضة " مجلدا، و " الرقة " مجلدا، و " التوابين " مجلدا، و " نسب قريش " مجيليدا، و " نسب الأنصار " مجلدا، و " مختصر الهداية " مجيليدا، و " القدر " جزءا، [و] " مسألة العلو " جزءا، و " المتحابين " جزءا، و " الاعتقاد " جزءا، و " البرهان " جزءا، و " ذم التأويل " جزءا، و " فضائل الصحابة " مجيليدا، و " فضل العشر " جزءا، [و] " عاشوراء " أجزاء، [و] " مشيخته " جزأين، [و] " وصيته " جزء، [و] " مختصر العلل للخلال " مجلدا، وأشياء.
قال الحافظ الضياء: رأيت أحمد بن حنبل في النوم فألقى علي مسألة، فقلت: هذه في الخرقي، فقال: ما قصر صاحبكم الموفق في شرح الخرقي.
قال الضياء: كان رحمه الله إماما في التفسير وفي الحديث ومشكلاته، إماما في الفقه، بل أوحد زمانه فيه، إماما في علم الخلاف، أوحد في الفرائض، إماما في أصول الفقه، إماما في النحو والحساب والأنجم السيارة، والمنازل.
وسمعت داود بن صالح المقرئ، سمعت ابن المني يقول - وعنده الإمام الموفق -: إذا خرج هذا الفتى من بغداد احتاجت إليه.
وسمعت البهاء عبد الرحمن يقول: كان شيخنا ابن المني يقول للموفق: إن خرجت من بغداد لا يخلف فيها مثلك.
وسمعت محمد بن محمود الأصبهاني يقول: ما رأى أحد مثل الشيخ الموفق.
وسمعت المفتي أبا عبيد الله عثمان بن عبد الرحمن الشافعي يقول عن الموفق: ما رأيت مثله، كان مؤيدا في فتاويه.
وسمعت المفتي أبا بكر محمد بن معالي بن غنيمة يقول: ما أعرف أحدا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الموفق.(أعلام/789)
وسمعت الحافظ أبا عبد الله اليونيني يقول: أما ما علمته من أحوال شيخنا وسيدنا موفق الدين، فإنني إلى الآن ما أعتقد أن شخصا ممن رأيته حصل له من الكمال في العلوم والصفات الحميدة التي يحصل بها الكمال سواه ; فإنه كان كاملا في صورته ومعناه من حيث الحسن والإحسان والحلم والسؤدد والعلوم المختلفة والأخلاق الجميلة، رأيت منه ما يعجز عنه كبار الأولياء، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما أنعم الله على عبد نعمة أفضل من أن يلهمه ذكره فقلت بهذا: إن إلهام الذكر أفضل من الكرامات، وأفضل الذكر ما يتعدى إلى العباد، وهو تعليم العلم والسنة، وأعظم من ذلك وأحسن ما كان جبلة وطبعا ; كالحلم والكرم والعقل والحياء، وكان الله قد جبله على خلق شريف، وأفرغ عليه المكارم إفراغا، وأسبغ عليه النعم، ولطف به في كل حال.
قال الضياء: كان الموفق لا يناظر أحدا إلا وهو يتبسم.
قلت: بل أكثر من عاينا لا يناظر أحدا إلا وينسم.
وقيل: إن الموفق ناظر ابن فضلان الشافعي الذي كان يضرب به المثل في المناظرة فقطعه.
وبقي الموفق يجلس زمانا بعد الجمعة للمناظرة، ويجتمع إليه الفقهاء، وكان يشغل إلى ارتفاع النهار، ومن بعد الظهر إلى المغرب، ولا يضجر، ويسمعون عليه، وكان يقرئ في النحو، وكان لا يكاد يراه أحد إلا أحبه. إلى أن قال الضياء: وما علمت أنه أوجع قلب طالب، وكانت له جارية تؤذيه بخلقها فما يقول لها شيئا، وأولاده يتضاربون وهو لا يتكلم. وسمعت البهاء يقول: ما رأيت أكثر احتمالا منه.(أعلام/790)
قال الضياء: كان حسن الأخلاق لا يكاد يراه أحد إلا متبسما، يحكي الحكايات ويمزح. وسمعت البهاء يقول: كان الشيخ في القراءة يمازحنا وينبسط. وكلموه مرة في صبيان يشتغلون عليه، فقال: هم صبيان ولا بد لهم من اللعب، وأنتم كنتم مثلهم. وكان لا ينافس أهل الدنيا، ولا يكاد يشكو، وربما كان أكثر حاجة من غيره، وكان يؤثر.
وسمعت البهاء يصفه بالشجاعة، وقال: كان يتقدم إلى العدو وجرح في كفه، وكان يرامي العدو.
قال الضياء: وكان يصلي بخشوع، ولا يكاد يصلي سنة الفجر والعشائين إلا في بيته، وكان يصلي بين العشائين أربعا " بالسجدة "، و " يس "، و " الدخان "، و " تبارك "، لا يكاد يخل بهن، ويقوم السحر بسبع وربما رفع صوته، وكان حسن الصوت.
وسمعت الحافظ اليونيني يقول: لما كنت أسمع شناعة الخلق على الحنابلة بالتشبيه عزمت على سؤال الشيخ الموفق، وبقيت أشهرا أريد أن أسأله، فصعدت معه الجبل فلما كنا عند دار ابن محارب قلت: يا سيدي، وما نطقت بأكثر من سيدي، فقال لي: التشبيه مستحيل، فقلت: لم؟ قال: لأن من شرط التشبيه أن نرى الشيء، ثم نشبهه، من الذي رأى الله ثم شبهه لنا؟
وذكر الضياء حكايات في كراماته.
وقال أبو شامة: كان إماما علما في العلم والعمل، صنف كتبا كثيرة، لكن كلامه في العقائد على الطريقة المشهورة عن أهل مذهبه، فسبحان من لم يوضح له الأمر فيها على جلالته في العلم ومعرفته بمعاني الأخبار.
قلت: وهو وأمثاله متعجب منكم مع علمكم وذكائكم كيف قلتم! وكذا كل فرقة تتعجب من الأخرى، ولا عجب في ذلك، ونرجو لكل من بذل جهده في تطلب الحق أن يغفر له من هذه الأمة المرحومة.(أعلام/791)
قال الضياء: وجاءه من بنت عمته مريم المجد عيسى، ومحمد، ويحيى، وصفية، وفاطمة، وله عقب من المجد. ثم تسرى بجارية، ثم بأخرى، ثم تزوج عزية فماتت قبله، وانتقل إلى رحمة الله يوم السبت يوم الفطر، ودفن من الغد سنة عشرين وستمائة، وكان الخلق لا يحصون. توفي بمنزله بالبلد. قال: وكنت فيمن غسله.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا ابن قدامة، قرأت على عبد الله بن أحمد بن النرسي ; أخبركم الحسن بن محمد التككي، أخبرنا أبو علي بن شاذان، أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر الأدمي، حدثنا أحمد بن موسى الشطوي حدثنا محمد بن كثير العبدي، حدثنا عبد الله بن المنهال، عن سليمان بن قسيم عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لما أهبط الله آدم إلى الأرض طاف بالبيت سبعا، ثم صلى خلف المقام ركعتين، ثم قال: اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي. الحديث.(أعلام/792)
ابن كامل
الشيخ الإمام العلامة الحافظ القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة، البغدادي، تلميذ محمد بن جرير الطبري.
ولد سنة ستين ومائتين. .
حدث عن: محمد بن الجهم السمري ومحمد بن سعد العوفي، وعبد الملك بن محمد الرقاشي، والحسن بن سلام السواق، ومحمد بن مسلمة الواسطي، وطبقتهم.
حدث عنه: الدارقطني، والحاكم، وابن رزقويه، وأبو العلاء محمد بن الحسن الوراق، ويحيى بن إبراهيم المزكي، وأبو الحسن الحمامي، وأبو علي بن شاذان، وآخرون.
قال أبو الحسن بن رزقويه: لم تر عيناي مثله وسمعته يذكر مولده.
قال الخطيب: كان من العلماء بالأحكام، وعلوم القرآن والنحو والشعر والتواريخ، وله في ذلك مصنفات. ولي قضاء الكوفة.
وقال الدارقطني: كان متساهلا، ربما حدث من حفظه بما ليس في كتابه، وأهلكه العجب، كان يختار لنفسه، ولا يقلد أحدا.
توفي ابن شجرة في المحرم سنة خمسين وثلاثمائة وله تسعون سنة.
وقال الدارقطني أيضا: كان لا يعد لأحد من الفقهاء وزنا، أملى كتابا في السنن، وتكلم على الأخبار.
قال ابن الذهبي وقع لي من عواليه، وكان من بحور العلم، فأخمله العجب.
وقد صنف كتابا في " القراءات "، وله مؤلف في " غريب القرآن "، وكتاب " موجز التأويل عن معجز التنزيل "، وكتاب " التاريخ "، وكتاب " الشروط ".
وفيها مات محمد بن المؤمل الماسرجسي، وأحمد بن علي بن حسنويه المقرئ، وأبو عمر محمد بن يوسف الكندي، وأبو جعفر عبد الله بن إسماعيل بن بريه، وأبو سهل بن زياد، وإسماعيل بن علي الخطبي، ومحمد بن أحمد بن خنب.(أعلام/793)
ابن ماجه
محمد بن يزيد: الحافظ، الكبير، الحجة، المفسر أبو عبد الله بن ماجه، القزويني، مصنف " السنن "، و " التاريخ " و " التفسير "، وحافظ قزوين في عصره. ولد سنة تسع ومائتين.
وسمع من: علي بن محمد الطنافسي الحافظ، أكثر عنه، ومن: جبارة بن المغلس، وهو من قدماء شيوخه، ومن: مصعب بن عبد الله الزبيري، وسويد بن سعيد، وعبد الله معاوية الجمحي، ومحمد بن رمح، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبي بكر بن أبي شيبة، وهشام بن عمار، ويزيد بن عبد الله اليمامي، وأبي مصعب الزهري، وبشر بن معاذ العقدي، وحميد بن مسعدة، وأبي حذافة السهمي، وداود بن رشيد، وأبي خيثمة، وعبد الله بن ذكوان المقرئ، وعبد الله بن عامر بن براد، وأبي سعيد الأشج، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، وعبد السلام بن عاصم الهسنجاني وعثمان بن أبي شيبة، وخلق كثير مذكورين في " سننه " وتآليفه.
حدث عنه: محمد بن عيسى الأبهري، وأبو الطيب أحمد بن روح البغدادي، وأبو عمرو أحمد بن محمد بن حكيم المديني، وأبو الحسن علي بن إبراهيم القطان، وسليمان بن يزيد الفامي، وآخرون.
قال القاضي أبو يعلى الخليلي: كان أبوه يزيد يعرف بماجه، وولاؤه لربيعة.
وعن ابن ماجه، قال: عرضت هذه " السنن " على أبي زرعة الرازي، فنظر فيه، وقال: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع، أو أكثرها. ثم قال: لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا، مما في إسناده ضعف، أو نحو ذا. قلت: قد كان ابن ماجه حافظا ناقدا صادقا، واسع العلم، وإنما غض من رتبة " سننه " ما في الكتاب من المناكير، وقليل من الموضوعات، وقول أبي زرعة -إن صح- فإنما عني بثلاثين حديثا، الأحاديث المطرحة الساقطة، وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة، فكثيرة، لعلها نحو الألف.(أعلام/794)
قال أبو يعلى الخليلي: هو ثقة كبير، متفق عليه، محتج به، له معرفة بالحديث، وحفظ، ارتحل إلى العراقين، ومكة والشام، ومصر والري لكتب الحديث. وقال الحافظ محمد بن طاهر: رأيت لابن ماجه بمدينة قزوين " تاريخا " على الرجال والأمصار، إلى عصره، وفي آخره بخط صاحبه جعفر بن إدريس: مات أبو عبد الله يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من رمضان، وصلى عليه أخوه أبو بكر، وتولى دفنه أخواه أبو بكر وأبو عبد الله، وابنه عبد الله.
قلت: مات في رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين وقيل: سنة خمس والأول أصح. وعاش أربعا وستين سنة. وقع لنا رواية " سننه " بإسناد متصل عال، وفي غضون كتابه أحاديث، يعلها صاحبه الحافظ أبو الحسن بن القطان. وقد حدث ببغداد أخوه أبو محمد الحسن بن يزيد بن ماجه القزويني، في حدود سنة ثمانين ومائتين، إذ حج عن إسماعيل بن توبة القزويني الحافظ.
سمع منه: الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر.
سمعت كتاب " سنن " ابن ماجه ببعلبك، من القاضي تاج الدين عبد الخالق بن عبد السلام ومن ذلك بقراءتي نحو الثلث الأول من الكتاب. وحدثني بالكتاب كله عن الشيخ الإمام، موفق الدين عبد الله بن قدامة، سماعا في سنة إحدى عشرة وستمائة. وسمعته كله بحلب من أبي سعيد سنقر الزيني بسماعه من الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف، بسماعهما من أبي زرعة المقدسي، عن محمد بن الحسين المقومي، عن القاسم بن أبي المنذر الخطيب، عن أبي الحسن القطان، عنه. وعدد كتب " سنن " ابن ماجه اثنان وثلاثون كتابا.(أعلام/795)
وقال أبو الحسن القطان: في " السنن " ألف وخمسمائة باب، وجملة ما فيه أربعة آلاف حديث. فبالإسناد المذكور إلى ابن ماجه، قال: حدثنا إسماعيل بن حفص، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا دخل الميت القبر، مثلت له الشمس عند غروبها، فيجلس يمسح عينيه، ويقول: دعوني أصلي أخرجه الضياء الحافظ في " المختارة " عن موفق الدين بن قدامة.(أعلام/796)
ابن ماكولا
المولى، الأمير الكبير، الحافظ، الناقد، النسابة، الحجة أبو نصر، علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علي بن محمد ابن الأمير دلف ابن الأمير الجواد قائد الجيوش أبي دلف والقاسم بن عيسى العجلي الجرباذقاني ثم البغدادي، صاحب كتاب " الإكمال في مشتبه النسبة " وغير ذلك، وهو مصنف كتاب " مستمر الأوهام ". وعجل: هم بطن من بكر بن وائل ثم من ربيعة أخي مضر ابني نزار بن معد بن عدنان.
مولده في شعبان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة بقرية عكبرا. هكذا قال.
سمع بشرى بن مسيس الفاتني، وعبيد الله بن عمر بن شاهين، ومحمد بن محمد بن غيلان، وأبا منصور محمد بن محمد السواق، وأحمد بن محمد العتيقي، وأبا بكر بن بشران، والقاضي أبا الطيب الطبري، وعبد الصمد بن محمد بن مكرم، وطبقتهم ببغداد، وأبا القاسم الحنائي، وطبقته بدمشق، وأحمد بن القاسم بن ميمون بن حمزة، وعدة بمصر، وسمع بخراسان وما وراء النهر والجبال والجزيرة والسواحل، ولقي الحفاظ والأئمة.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب شيخه، والفقيه نصر المقدسي، والحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وشجاع بن فارس الذهلي، وأبو عبد الله الحميدي، ومحمد بن طرخان التركي، وأبو علي محمد بن محمد بن المهدي، وأبو القاسم بن السمرقندي، وعلي بن أحمد بن بيان، وعلي بن عبد السلام الكاتب، وآخرون.(أعلام/797)
أخبرني أبو الحجاج يوسف بن زكي الحافظ، أخبرنا محمد بن عبد الخالق الأموي، أخبرنا علي بن المفضل، أخبرنا أحمد بن محمد الأصبهاني، وأخبرنا عبد الله بن أبي التائب، أخبرنا محمد بن أبي بكر، أنبأنا السلفي قال: أخبرنا أبو الغنائم النرسي، أخبرنا أبو نصر علي بن هبة الله العجلي الحافظ، حدثني أبو بكر أحمد بن مهدي، حدثنا أبو حازم العبدوي، حدثنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا إبراهيم بن يوسف الهسنجاني، حدثنا أبو الفضل صاحب أحمد بن حنبل، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا زهير بن حرب، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا علي بن المديني، حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: كن أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من رءوسهن حتى تكون كالوفرة.
أحمد بن مهدي هذا هو الخطيب، أخبرنا به عبد الواسع الأبهري إجازة، أخبرنا إبراهيم بن بركات، أخبرنا أبو القاسم بن عساكر، أخبرنا أبو القاسم النسيب، أخبرنا الخطيب. فذكره ثم زاد في آخره: قال الهسنجاني: حدثناه عبيد الله بن معاذ. فذكره، ثم قال الخطيب: رواه محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل، عن إبراهيم الهسنجاني، حدثنا الفضل بن زياد، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا زهير نحوه.
قلت: ففي رواية ابن ماكولا وقع خلل، وهو قوله: أبو الفضل. وإنما هو الفضل، وسقط عند يوسف الحافظ: حدثنا أحمد بن حنبل.(أعلام/798)
أنبأنا المؤمل بن محمد، وأبو الغنائم القيسي، قالا: أخبرنا زيد بن الحسن، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، قال: كتب إلي أحمد بن القاسم الحسيني من مصر، وحدثني أبو نصر علي بن هبة الله، عنه، أخبرنا أحمد بن محمد بن الأزهر السمناوي، حدثنا أحمد - هو ابن عيسى الوشا - حدثنا موسى بن عيسى بالرملة - بغدادي سنة 250 -، حدثنا يزيد، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن، فيقول: من أبكى هذا اليتيم الذي واريت والديه تحت التراب؟ من أسكته فله الجنة.
قال الخطيب: هذا منكر، رواته معروفون سوى موسى.
قلت: هو الذي افتراه.
أنبئت عن أبي محمد بن الأخضر وغيره، عن ابن ناصر، أن أبا نصر الأمير كتب إليه، (ح) ، وأنبأنا أحمد بن سلامة، عن الأرتاحي عن أبي الحسن بن الفراء، عن ابن ماكولا قال: أخبرنا مظفر بن الحسن سبط ابن لال، أخبرنا جدي أبو بكر أحمد بن علي، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ، أخبرنا محمد بن علي ابن الشاه، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم البغدادي بأنطاكية، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الحميري بمصر، حدثنا خالد بن نجيح، حدثنا سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن فأفأة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا.
وقرأته بمصر على أبي المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا عبد السلام بن فتحة السرفولي، حدثنا برقوه سنة ثماني عشرة وستمائة حضورا، أخبرنا شهردار بن شيرويه الديلمي سنة 554، أخبرنا أحمد بن عمر البيع، أخبرنا حميد بن مأمون، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي في كتاب " الألقاب " له، فذكره ثم قال: وفأفأة هو أبو معاوية الضرير. وقال ابن ماكولا: بل هو إسماعيل الكندي شيخ لبقية.(أعلام/799)
والحديث في " صحيح " البخاري حدثنا أدم، حدثنا شعبة، عن الأعمش، فهو يعلو لنا بدرجات، فكأني لقيت فيه الشيرازي.
قال شيرويه الديلمي في كتاب " الطبقات " له: كان الأمير أبو نصر يعرف بالوزير سعد الملك ابن ماكولا، قدم رسولا مرارا. سمعت منه، وكان حافظا متقنا، عني بهذا الشأن، ولم يكن في زمانه بعد الخطيب أحد أفضل منه. حضر مجلسه الكبار من شيوخنا، وسمعوا منه.
وقال أبو القاسم بن عساكر: وزر أبوه هبة الله لأمير المؤمنين القائم، وولي عمه الحسين قضاء القضاة ببغداد. . . إلى أن قال: وولد في شعبان سنة إحدى وعشرين كذا هنا سنة إحدى.
قال الحميدي: ما راجعت الخطيب في شيء إلا وأحالني على الكتاب، وقال: حتى أكشفه. وما راجعت ابن ماكولا في شيء إلا وأجابني حفظا كأنه يقرأ من كتاب.
قال أبو الحسن محمد بن مرزوق: لما بلغ الخطيب أن ابن ماكولا أخذ عليه في كتاب " المؤتنف "، وأنه صنف في ذلك تصنيفا، وحضر ابن ماكولا عنده، وسأله الخطيب عن ذلك، فأنكر، ولم يقر به، وأصر، وقال: هذا لم يخطر ببالي. وقيل: إن التصنيف كان في كمه، فلما مات الخطيب أظهره. وهو الكتاب الملقب ب " مستمر الأوهام ".
قال محمد بن طاهر المقدسي: سمعت أبا إسحاق الحبال يمدح أبا نصر بن ماكولا، ويثني عليه، ويقول: دخل مصر في زي الكتبة، فلم نرفع به رأسا، فلما عرفناه كان من العلماء بهذا الشأن.
قال أبو سعد السمعاني: كان ابن ماكولا لبيبا، عالما، عارفا، حافظا، يرشح للحفظ حتى كان يقال له: الخطيب الثاني. وكان نحويا مجودا، وشاعرا مبرزا، جزل الشعر، فصيح العبارة، صحيح النقل، ما كان في البغداديين في زمانه مثله، طاف الدنيا، وأقام ببغداد.(أعلام/800)
وقال ابن النجار: أحب العلم من الصبا، وطلب الحديث، وكان يحضر المشايخ إلى منزلهم ويسمع، ورحل وبرع في الحديث، وأتقن الأدب، وله النظم والنثر والمصنفات. نفذه المقتدي بالله رسولا إلى سمرقند وبخارى لأخذ البيعة له على ملكها طمغان الخان.
قال هبة الله بن المبارك بن الدواتي: اجتمعت بالأمير ابن ماكولا، فقال لي: خذ جزئين من الحديث، فاجعل متون هذا لأسانيد هذا، ومتون الثاني لأسانيد الأول، حتى أردها إلى الحالة الأولى.
قال أبو طاهر السلفي: سألت أبا الغنائم النرسي عن الخطيب، فقال: جبل لا يسأل عن مثله، ما رأينا مثله، وما سألته عن شيء فأجاب في الحال، إلا يرجع إلى كتابه.
قد مر أن الأمير كان يجيب في الحال، وهذا يدل على قوة حفظه، وأما الخطيب ففعله دال على ورعه وتثبته.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا أبو طاهر السلفي: سألت شجاعا الذهلي عن ابن ماكولا، فقال: كان حافظا، فهما، ثقة، صنف كتبا في علم الحديث.
قال المؤتمن الساجي الحافظ: لم يلزم ابن ماكولا طريق أهل العلم، فلم ينتفع بنفسه.
قلت: يشير إلى أنه كان بهيئة الأمراء وبرفاهيتهم.
قال الحافظ ابن عساكر: سمعت إسماعيل بن السمرقندي يذكر أن ابن ماكولا كان له غلمان ترك أحداث، فقتلوه بجرجان في سنة نيف وسبعين وأربعمائة.
وقال الحافظ ابن ناصر: قتل الحافظ ابن ماكولا، وكان قد سافر نحو كرمان ومعه مماليكه الأتراك، فقتلوه، وأخذوا ماله، في سنة خمس وسبعين وأربعمائة هكذا نقل ابن النجار هذا.
وقال الحافظ أبو سعد السمعاني: سمعت ابن ناصر يقول: قتل ابن ماكولا بالأهواز إما في سنة ست أو سنة سبع وثمانين وأربعمائة.
وقال السمعاني: خرج من بغداد إلى خوزستان، وقتل هناك بعد الثمانين.
وقال أبو الفرج الحافظ في " المنتظم ": قتل سنة خمس وسبعين وقيل: سنة ست وثمانين.(أعلام/801)
وقال غيره: قتل في سنة تسع وسبعين وقيل سنة سبع وثمانين بخوزستان. حكى هذين القولين القاضي شمس الدين بن خلكان. قال: قتله غلمانه، وأخذوا ماله، وهربوا. رحمه الله.
ومن نظمه
قوض خيامك عن دار أهنت بها
وجانب الذل إن الذل مجتنب
وارحل إذا كانت الأوطان مضيعة
فالمندل الرطب في أوطانه حطب
وله
ولما تواقفنا تباكت قلوبنا
فممسك دمع يوم ذاك كساكبه
فيا كبدي الحرى البسي ثوب حسرة
فراق الذي تهوينه قد كساك به
أخبرنا المؤمل بن محمد، والمسلم بن علان كتابة قالا: أخبرنا زيد بن حسن، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، حدثني أبو نصر علي بن هبة الله، حدثنا أبو إبراهيم أحمد بن القاسم العلوي، حدثنا أبو الفتح إبراهيم بن علي، حدثنا موسى بن نصر بن جرير، أخبرنا إسحاق الحنظلي، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا بكار بن عبد الله، سمعت ابن أبي مليكة، سمعت عائشة تقول: كانت عندي امرأة تسمعني، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي على تلك الحالة، ثم دخل عمر، ففرقت، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر: ما يضحكك يا رسول الله! ؟ فحدثه، فقال: والله لا أخرج حتى أسمع ما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأسمعته.
قال الخطيب: أبو الفتح ساقط الرواية، وأحسب موسى بن نصر اسما اختلقه.(أعلام/802)
ابن مندة
الإمام الكبير الحافظ المجود أبو عبد الله، محمد بن يحيى بن مندة، واسم مندة: إبراهيم بن الوليد بن سندة بن بطة بن أستندار بن جهاربخت العبدي مولاهم الأصبهاني، جد صاحب التصانيف الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد.
ولد في حدود العشرين ومائتين في حياة جدهم مندة.
سمع إسماعيل بن موسى السدي، وعبد الله بن معاوية الجمحي، ومحمد بن سليمان لوين، وأبا كريب محمد بن العلاء، وهناد بن السري، ومحمد بن بشار، وأبا سعيد الأشج، وأحمد بن الفرات، وطبقتهم بالكوفة والبصرة وأصبهان، وجمع وصنف.
حدث عنه: القاضي أبو أحمد العسال، وأبو القاسم الطبراني، وأبو الشيخ، وأبو إسحاق بن حمزة، ومحمد بن أحمد بن عبد الوهاب، وولده إسحاق بن محمد، وخلق سواهم من شيوخ أبي نعيم الحافظ، الذين لقيهم بأصبهان.
وكان ينازع الحافظ أحمد بن الفرات، ويذاكره، ويرادده وهو شاب.
قال أبو الشيخ في " تاريخه ": هو أستاذ شيوخنا وإمامهم، أدرك سهل بن عثمان.
قلت: سهل من شيوخ مسلم، مات سنة نيف وثلاثين ومائتين.
قال أبو الشيخ: ومات ابن مندة في رجب سنة إحدى وثلاثمائة.
أخبرنا محمد بن يوسف المقرئ: أخبرنا عبد الوهاب بن الحافظ أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن الحافظ محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة، أخبرنا أبي وعماي قالوا: أخبرنا أبونا أبو عبد الله، أخبرنا أبي، حدثني أبي، حدثنا سعيد بن عنبسة، حدثنا بقية، عن بحير، عن خالد بن معدان، عن أبي زياد، قال: سألت عائشة عن أكل البصل، فقالت: آخر طعام أكله النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه بصل.
هذا حديث غريب صالح الإسناد، رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن حيوة بن شريح عن بقية.(أعلام/803)
أخبرنا إسحاق بن أبي بكر: أخبرنا ابن خليل، أخبرنا أبو المكارم التيمي، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن يحيى بن مندة، حدثنا أبو بكر بن أبي النضر، حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو عقيل الثقفي، حدثنا مجالد، حدثنا عون بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه قال: ما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى قرأ وكتب.
قلت: لم يرد أنه -صلى الله عليه وسلم- كتب شيئا، إلا ما في " صحيح البخاري " من أنه يوم صلح الحديبية كتب اسمه " محمد بن عبد الله ". واحتج بذلك القاضي أبو الوليد الباجي وقام عليه طائفة من فقهاء الأندلس بالإنكار، وبدعوه حتى كفره بعضهم. والخطب يسير، فما خرج عن كونه أميا بكتابة اسمه الكريم، فجماعة من الملوك ما علموا من الكتابة سوى مجرد العلامة، وما عدهم الناس بذلك كاتبين، بل هم أميون، فلا عبرة بالنادر ; وإنما الحكم للغالب، والله -تعالى- فمن حكمته لم يلهم نبيه تعلم الكتابة، ولا قراءة الكتب حسما لمادة المبطلين، كما قال تعالى: وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون.
ومع هذا فقد افتروا وقالوا: أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه فانظر إلى قحة المعاند، فمن الذي كان بمكة وقت المبعث يدري أخبار الرسل والأمم الخالية؟ ما كان بمكة أحد بهذه الصفة أصلا. ثم ما المانع من تعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- كتابة اسمه واسم أبيه مع فرط ذكائه، وقوة فهمه، ودوام مجالسته لمن يكتب بين يديه الوحي والكتب إلى ملوك الطوائف، ثم هذا خاتمه في يده، ونقشه: محمد رسول الله.
فلا يظن عاقل، أنه -عليه السلام- ما تعقل ذلك، فهذا كله يقتضي أنه عرف كتابة اسمه واسم أبيه، وقد أخبر الله بأنه -صلوات الله عليه- ما كان يدري ما الكتاب؟ ثم علمه الله -تعالى- ما لم يكن يعلم. ثم الكتابة صفة مدح.(أعلام/804)
قال تعالى: الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم فلما بلغ الرسالة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، شاء الله لنبيه أن يتعلم الكتابة النادرة التي لا يخرج بمثلها عن أن يكون أميا، ثم هو القائل: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب فصدق إخباره بذلك ; إذ الحكم للغالب، فنفى عنه وعن أمته الكتابة والحساب لندور ذلك فيهم وقلته، وإلا فقد كان فيهم كتاب الوحي وغير ذلك، وكان فيهم من يحسب، وقال تعالى: ولتعلموا عدد السنين والحساب.
. ومن علمهم الفرائض، وهي تحتاج إلى حساب وعول، وهو -عليه السلام- فنفى عن الأمة الحساب، فعلمنا أن المنفي كمال علم ذلك ودقائقه التي يقوم بها القبط والأوائل، فإن ذلك ما لم يحتج إليه دين الإسلام ولله الحمد، فإن القبط عمقوا في الحساب والجبر، وأشياء تضيع الزمان. وأرباب الهيئة تكلموا في سير النجوم والشمس والقمر، والكسوف والقران بأمور طويلة لم يأت الشرع بها، فلما ذكر -صلى الله عليه وسلم- الشهور ومعرفتها، بين أن معرفتها ليست بالطرق التي يفعلها المنجم وأصحاب التقويم، وأن ذلك لا نعبأ به في ديننا، ولا نحسب الشهر بذلك أبدا. ثم بين أن الشهر بالرؤية فقط، فيكون تسعا وعشرين، أو بتكملة ثلاثين فلا نحتاج مع الثلاثين إلى تكلف رؤية.
وأما الشعر: فنزهه الله -تعالى- عن الشعر، قال تعالى: وما علمناه الشعر وما ينبغي له فما قال الشعر مع كثرته وجودته في قريش، وجريان قرائحهم به، وقد يقع شيء نادر في كلامه -عليه السلام- موزونا، فما صار بذلك شاعرا قط، كقوله: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وقوله: هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت ومثل هذا قد يقع في كتب الفقه والطب وغير ذلك مما يقع اتفاقا، ولا يقصده المؤلف ولا يشعر به، أفيقول مسلم قط: إن قوله تعالى: وجفان كالجوابي وقدور راسيات هو بيت؟ ! معاذ الله! وإنما صادف وزنا في الجملة، والله أعلم.(أعلام/805)
ابن منده
الإمام الحافظ الجوال، محدث الإسلام، أبو عبد الله، محمد بن المحدث أبي يعقوب إسحاق بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يحيى بن منده، واسم منده إبراهيم بن الوليد بن سندة بن بطة بن أستندار بن جهار بخت، وقيل: إن اسم أستندار هذا فيرزان، وهو الذي أسلم حين افتتح أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصبهان، وولاؤه لعبد القيس، وكان مجوسيا، فأسلم، وناب على بعض أعمال أصبهان، العبدي الأصبهاني الحافظ، صاحب التصانيف.
مولده في سنة عشر وثلاثمائة -أو- إحدى عشرة.
وأول سماعه في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة.(أعلام/806)
سمع من: أبيه، وعم أبيه عبد الرحمن بن يحيى بن منده، ومحمد بن القاسم بن كوفي الكراني ومحمد بن عمر بن حفص، وعبد الله بن يعقوب بن إسحاق الكرماني، وأبي علي الحسن بن محمد بن النضر، وهو ابن أبي هريرة، وعبد الله بن إبراهيم المقرئ، ومحمد بن حمزة بن عمارة، وأبي عمرو بن حكيم، وأحمد بن محمد اللنباني وخلق بأصبهان، وأبي سعيد بن الأعرابي وطبقته بمكة، وجعفر بن محمد بن موسى العلوي بالمدينة، وأحمد بن زكريا المقدسي، وعدة ببيت المقدس، وأبي حامد بن بلال، ومحمد بن الحسين القطان، وأبي علي محمد بن أحمد الميداني، وحاجب بن أحمد، وأبي العباس الأصم، وأبي عبد الله بن الأخرم، وأبي بكر محمد بن علي بن محمد، ومحمد بن علي بن عمر، والحسين بن محمد بن معاذ قوهيار، وأبي عثمان عمرو بن عبد الله البصري، وطبقتهم بنيسابور، ارتحل إليها -أولا- وعمره تسع عشرة سنة، وسمع بها نحوا من خمسمائة ألف حديث، وسمع ببخارى من الهيثم بن كليب الشاشي، وطائفة، وسمع ببغداد من إسماعيل الصفار، وأبي جعفر بن البختري الرزاز وطبقتهما، وسمع بمصر من أبي الطاهر أحمد بن عمرو المديني، والحسن بن يوسف الطرائفي، وأحمد بن بهزاد الفارسي وأقرانهم، وبسرخس من عبد الله بن محمد بن حنبل، وبمرو محمد بن أحمد بن محبوب ونظرائه، وبدمشق من إبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان القنطري، وجعفر بن محمد بن هشام، وابن أبي العقب، وخلق، وبطرابلس خيثمة بن سليمان القرشي، وبحمص الحسن بن منصور الإمام، وبتنيس عثمان بن محمد السمرقندي، وبغزة علي بن العباس الغزي، وسمع من خلق سواهم بمدائن كثيرة.
ولم أعلم أحدا كان أوسع رحلة منه، ولا أكثر حديثا منه مع الحفظ والثقة، فبلغنا أن عدة شيوخه ألف وسبعمائة شيخ.
ويروي بالإجازة عن: عبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبي العباس بن عقدة، والفضل بن الحصيب، وطائفة أجازوا له باعتناء أبيه وأهل بيته.(أعلام/807)
ولم يعمر كثيرا، بل عاش أربعا وثمانين سنة.
وأخذ عن أئمة الحفاظ كأبي أحمد العسال، وأبي حاتم بن حبان، وأبي علي النيسابوري، وأبي إسحاق بن حمزة، والطبراني، وأمثالهم.
حدث عنه: الحافظ أبو الشيخ أحد شيوخه، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو عبد الله غنجار، وأبو سعد الإدريسي، وتمام بن محمد الرازي، وحمزة بن يوسف السهمي، وأبو نعيم الأصبهاني، وأحمد بن الفضل الباطرقاني وأحمد بن محمود الثقفي وأبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن بندار الرازي، وأبو المظفر عبد الله بن شبيب، وأبو أحمد عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن يحيى بن منده البقال، وأبو طاهر عمر بن محمد المؤدب، ومحمد بن أحمد بن الحسين المقرئ، ومحمد بن عبد الملك بن محمد البزار الزاهد، وأبو الفتح طاهر بن ممويه، وأبو الحسن عدنان بن عبد الله المؤذن، وأبو مسلم محمد بن علي بن محمد الوراق، وحمد بن أحمد بن عمر بن ولكيز، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن المرزبان المقرئ الصيدلاني، وأبو الطيب أحمد بن محمد بن عمر التاجر، وأحمد بن علي بن عقبة، وأحمد بن محمد بن مسلم الصباغ الأعرج، وأحمد بن عبد العزيز بن ماشاذه الثقفي الواعظ، وأحمد بن علي بن شجاع المصقلي وأحمد بن محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني، وأبو طاهر أحمد بن محمد بن عمر النقاش، وحمد بن محمد العسال، وزياد بن محمد بن زياد البقال، وسليمان بن عبد الرحيم الحسناباذي، وشيبان بن عبد الله البرجي الواعظ، وطلحة بن أحمد بن بهرام القصار، وعبد الرحمن بن زفر الدلال، وعبد الواحد بن أحمد بن صالح المعلم، وعبد الرزاق بن سلهب، وأخوه عمر، وعلي بن محمد بن إبراهيم القطان، والفضل بن أحمد الأعمى، والفضل بن عبد الواحد النجاد، ومحمد بن عمر البقال، وأبو بكر محمد بن أحمد بن أسيد الواعظ، ومحمد بن عمر بن إبراهيم الطهراني، ومنصور بن ينال(أعلام/808)
الشاعر، وأبو طاهر منتجع بن أحمد الأنصاري، والمطهر بن عبد الواحد البزاني، وكريمة بنت أبي سعد التميمي، وعائشة بنت الحسن الوركانية من شيوخ الخلال. وعلي بن القاسم بن إبراهيم بن شبويه الخياط، وعبد الواحد بن أحمد المعداني، وأبو عثمان محمد بن أحمد بن ورقاء، وشجاع المصقلي، وخلق، وأولاده أبو القاسم عبد الرحمن، وأبو عمرو عبد الوهاب، وعبيد الله، وإسحاق.
قال الباطرقاني حدثنا أبو عبد الله بن منده إمام الأئمة في الحديث -لقاه الله رضوانه.
وقال الحاكم: التقينا ببخارى في سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وقد زاد زيادة ظاهرة، ثم جاءنا إلى نيسابور سنة خمس وسبعين ذاهبا إلى وطنه، فقال شيخنا أبو علي الحافظ: بنو منده أعلام الحفاظ في الدنيا قديما وحديثا، ألا ترون إلى قريحة أبي عبد الله.!
وقيل: إن أبا نعيم الحافظ ذكر له ابن منده، فقال: كان جبلا من الجبال. فهذا يقوله أبو نعيم مع الوحشة الشديدة التي بينه وبينه.
قال أبو عبد الله بن أبي ذهل: سمعت أبا عبد الله بن منده يقول: لا يخرج الصحيح إلا من ينزل في الإسناد أو يكذب. يعني: أن المشايخ المتأخرين لا يبلغون في الإتقان رتبة الصحة، فيقع في الكذب الحافظ إن خرج عنهم وسماه صحيحا، أو يروي الحديث بنزول درجة ودرجتين.
وقيل: كان ابن منده إذا قيل له: فاتك سماع كذا وكذا يقول: ما فاتنا من البصرة أكثر.
قلت: ما دخل البصرة، فإنه ارتحل إليها إلى مسندها علي بن إسحاق المادرائي، فبلغه موته قبل وصوله إليها، فحزن ورجع.
ومن تصانيفه: كتاب " الإيمان "، كتاب " التوحيد " كتاب " الصفات "، كتاب " التاريخ " كبير جدا، كتاب " معرفة الصحابة " كتاب " الكنى " وأشياء كثيرة.
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: لابن منده في كتاب " معرفة الصحابة " أوهام كثيرة.(أعلام/809)
وقال أبو نعيم في " تاريخ أصبهان ": ابن منده حافظ من أولاد المحدثين، اختلط في آخر عمره، فحدث عن ابن أسيد، وابن أخي أبي زرعة الرازي، وابن الجارود بعد أن سمع منه أن له عنهم إجازة، وتخبط في أماليه، ونسب إلى جماعة أقوالا في المعتقدات لم يعرفوا بها، نسأل الله الستر والصيانة.
قلت: لا نعبأ بقولك في خصمك للعداوة السائرة، كما لا نسمع -أيضا- قوله فيك، فلقد رأيت لابن منده حطا مقذعا على أبي نعيم وتبديعا، وما لا أحب ذكره، وكل منهما فصدوق في نفسه، غير متهم في نقله بحمد الله.
قال أحمد الباطرقاني: كتب إمام دهره أبو أحمد العسال إلى ابن منده وهو بنيسابور في حديث أشكل عليه، فأجابه بإيضاحه، وبيان علته.
ونقل غير واحد عن أبي إسحاق بن حمزة أنه قال: ما رأيت مثل أبي عبد الله بن منده.
أنبأني علي بن أحمد وطائفة، عن زاهر بن أحمد: أخبرنا الحسين بن عبد الملك قال: كتب إلي عبد الرحمن بن أبي عبد الله: أن والده كتب عن أربعة مشايخ أربعة آلاف جزء، وهم: أبو سعيد بن الأعرابي، وأبو العباس الأصم، وخيثمة الأطرابلسي، والهيثم الشاشي، قال: وسمعت أبي يقول: كتبت عن ألف وسبعمائة نفس.
قال جعفر بن محمد المستغفري: ما رأيت أحدا أحفظ من أبي عبد الله بن منده، سألته يوما: كم تكون سماعات الشيخ؟ فقال: تكون خمسة آلاف من.
قلت: يكون المن نحوا من مجلدين أو مجلدا كبيرا.
وقال أحمد بن جعفر الحافظ: كتبت عن أزيد من ألف شيخ، ما فيهم أحفظ من ابن منده.
وقال شيخ هراة أبو إسماعيل الأنصاري أبو عبد الله بن منده سيد أهل زمانه.(أعلام/810)
وأنبئونا عن زاهر الثقفي: أخبرنا الحسين الخلال، أنبأنا أبو الفوارس العنبري، سمع أبا الحسن علي بن الحسين الإسكاف، سمعت أبا عبد الله بن منده يقول: رأيت ثلاثين ألف شيخ، فعشرة آلاف ممن أروي عنهم، وأقتدي بهم، وعشرة آلاف أروي عنهم، ولا أقتدي بهم، وعشرة آلاف من نظرائي، وليس من الكل واحد إلا وأحفظ عنه عشرة أحاديث أقلها.
قلت: قوله: إنه كتب عن ألف وسبعمائة شيخ أصح، وهو شيء يقبله العقل، وناهيك به كثرة، وقل من يبلغ ما بلغه الطبراني، وشيوخه نحو من ألف، وكذا الحاكم، وابن مردويه، فالله أعلم.
قال الحاكم: أول خروج ابن منده إلى العراق من عندنا سنة تسع وثلاثين، فسمع بها وبالشام، وأقام بمصر سنين، وصنف التاريخ والشيوخ.
وقال عبد الله بن أحمد السوذرجاني: سمعت ابن منده يقول: كتبت عن ألف شيخ، لم أر فيهم أتقن من القاضي أبي أحمد العسال.
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، أخبرنا عبد العظيم الحافظ، أخبرنا علي بن المفضل، أخبرنا السلفي، أخبرنا طاهر المقدسي، سمعت سعد بن علي الحافظ بمكة وسئل عن الدارقطني، وابن منده، والحاكم، وعبد الغني فقال: أما الدارقطني فأعلمهم بالعلل، وأما ابن منده فأكثرهم حديثا مع المعرفة التامة، وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفا، وأما عبد الغني فأعرفهم بالأنساب.
قلت: بقي أبو عبد الله في الرحلة بضعا وثلاثين سنة، وأقام زمانا بما وراء النهر وكان ربما عمل التجارة، ثم رجع إلى بلده وقد صار في عشر السبعين، فولد له أربعة بنين: عبد الرحمن، وعبيد الله، وعبد الرحيم، وعبد الوهاب.(أعلام/811)
قال الحافظ يحيى بن عبد الوهاب: كنت مع عمي عبيد الله في طريق نيسابور، فلما بلغنا بئر مجنة، قال عمي: كنت هاهنا مرة، فعرض لي شيخ جمال، فقال: كنت قافلا من خراسان مع أبي، فلما وصلنا إلى هاهنا إذا نحن بأربعين وقرا من الأحمال، فظننا أنها منسوج الثياب، وإذا خيمة صغيرة فيها شيخ، فإذا هو والدك، فسأله بعضنا عن تلك الأحمال، فقال: هذا متاع قل من يرغب فيه في هذا الزمان، هذا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
قال الباطرقاني: سمعت أبا عبد الله يقول: طفت الشرق والغرب مرتين.
وهذه حكاية نكتبها للتعجب: قال الحسين بن عبد الملك: حكي لي عن أبي جعفر الهمذاني رئيس حجاج خراسان قال: سألت بعض خدم تربة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان من أبناء مائة وعشرين سنة، قال: رأيت يوما رجلا عليه ثياب بيض دخل الحرم وقت الظهر، فانشق حائط التربة، فدخل فيها وبيده محبرة وكاغد وقلم، فمكث ما شاء الله، ثم انشق، فخرج، فأخذت بذيله، فقلت: بحق معبودك من أنت؟ قال: أنا أبو عبد الله بن منده، أشكل علي حديث، فجئت، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجابني. وأرجع.
إسنادها منقطع.
وقد روى أبو العباس أحمد بن محمد بن زكريا النسوي في " تاريخ الصوفية "، عن رجل، عن ابن منده وهو بعد حي.
قال الباطرقاني: وكنت مع أبي عبد الله في الليلة التي توفي فيها، ففي آخر نفسه قال واحد منا: لا إله إلا الله -يريد تلقينه- فأشار بيده إليه دفعتين ثلاثة. أي: اسكت يقال لي مثل هذا؟ ! .
روى يحيى بن منده في " تاريخه "، عن أبيه وعمه: أن أبا عبد الله قال: ما افتصدت قط، ولا شربت دواء قط، وما قبلت من أحد شيئا قط.
قال يحيى: وذكر لي عمي عبيد الله قال: قفلت من خراسان ومعي عشرون وقرا من الكتب، فنزلت عند هذا البئر -يعني: بئر مجنة - فنزلت عنده اقتداء بالوالد.(أعلام/812)
قال أبو نعيم وغيره: مات ابن منده في سلخ ذي القعدة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.
وقد أفردت تأليفا بابن منده وأقاربه.
وما علمت بيتا في الرواة مثل بيت بني منده؛ بقيت الرواية فيهم من خلافة المعتصم وإلى بعد الثلاثين وستمائة، وقد ذكرنا أن والد أبي عبد الله الشيخ أبا يعقوب مات في سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، يروي عن أبي بكر بن أبي عاصم، وجماعة.
وآخر من روى عن أبي عبد الله ولده عبد الوهاب، عمر زمانا، ومات سنة خمس وسبعين وأربعمائة.
قال أبو بكر الخطيب في كتاب " السابق ": أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان الأصبهاني إجازة، حدثني محمد بن إسحاق الجوال، حدثنا أحمد بن إسحاق الصبغي، حدثنا يعقوب القزويني، حدثنا سعيد بن يحيى الأصبهاني، حدثنا سعير بن الخمس، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: من أحب أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن.
قال يحيى بن منده: وأم أولاد أبي عبد الله هي أسماء بنت أبي سعد محمد بن عبد الله الشيباني، ولها بنتان من أبي منصور، الأصبهاني.
قلت: النواحي التي لم يرحل إليها أبو عبد الله: هراة وسجستان وكرمان وجرجان والري وقزوين واليمن وغير ذلك والبصرة، ورحل إلى خراسان وما وراء النهر والعراق والحجاز ومصر والشام.
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن منده: سمعت أحمد بن الجهم المستملي يقول لجليس له بحضرتي: سألت أباه حين ولد له عبد الرحمن: أهذا الحديث في العقيقة صحيح؟ فكأنه فهم المعنى، فقال: حتى يولد الآخر، فإني رأيت جدي في المنام، وأشار إلي بأربع.(أعلام/813)
أنبأنا الثقة عن مثله، عن يحيى بن منده قال: سمعت عمي عبد الرحمن، سمعت محمد بن عبيد الله الطبراني يقول: قمت يوما في مجلس والدك -رحمه الله-، فقلت: أيها الشيخ، فينا جماعة ممن يدخل على هذا المشئوم -أعني: أبا نعيم الأشعري - فقال: أخرجوهم. فأخرجنا من المجلس فلانا وفلانا، ثم قال: على الداخل عليهم حرج أن يدخل مجلسنا، أو يسمع منا، أو يروي عنا، فإن فعل فليس هو منا في حل.
قلت: ربما آل الأمر بالمعروف بصاحبه إلى الغضب والحدة، فيقع في الهجران المحرم، وربما أفضى إلى التفكير والسعي في الدم، وقد كان أبو عبد الله وافر الجاه والحرمة إلى الغاية ببلده، وشغب على أحمد بن عبد الله الحافظ بحيث إن أحمد اختفى.
ولأبي عبد الله كتاب كبير في الإيمان في مجلد، وكتاب في النفس والروح، وكتاب في الرد على اللفظية.
وإذا روى الحديث وسكت، أجاد، وإذا بوب أو تكلم من عنده، انحرف، وحرفش بلى ذنبه وذنب أبي نعيم أنهما يرويان الأحاديث الساقطة والموضوعة، ولا يهتكانها، فنسأل الله العفو.
وقد سمعت جملة من حديث أبي عبد الله بإجازة، ولم يقع لي شيء متصلا، وكان القاضي نجم الدين بن حمدان آخر من روى حديثا عاليا.(أعلام/814)
أخبرنا أبو زكريا يحيى بن أبي منصور الفقيه في كتابه سنة أربع وسبعين وستمائة، أخبرنا عبد القادر بن عبد الله الحافظ بحران سنة خمس وستمائة، أخبرنا مسعود بن الحسن، أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن منده، أخبرنا والدي، أخبرنا الهيثم بن كليب، حدثنا عيسى بن أحمد، حدثنا ابن وهب، أخبرني ابن جريج، عن أيوب بن هانئ، عن مسروق، عن عبد الله: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يوما وخرجت معه حتى انتهينا إلى المقابر، فأمرنا، فجلسنا، ثم تخطى القبور حتى انتهينا إلى قبر منها، فجلس إليه، فناجاه طويلا، ثم ارتفع نحيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باكيا، فبكينا لبكائه، ثم أقبل إلينا، فتلقاه عمر، فقال: يا نبي الله، ما الذي أبكاك؟ فقد أبكانا وأفزعنا. فأخذ بيد عمر، ثم أومأ إلينا، فأتيناه، فقال: " أفزعكم بكائي؟ قلنا: نعم. قال: إن القبر الذي رأيتموني عنده إنما هو قبر آمنة بنت وهب، وإني استأذنت ربي في الاستغفار لها، فلم يأذن لي، ونزل علي: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآيتين، فأخذني ما يأخذ الولد لوالده من الرقة، فذاك الذي أبكاني، إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنه يزهد في الدنيا ويذكر الآخرة.
هذا من غرائب الحديث، أخرجه ابن ماجه عن الثقة عن ابن وهب مختصرا، وأيوب هذا كوفي ضعفه يحيى بن معين.(أعلام/815)
ابن نقطة
الإمام العالم الحافظ المتقن الرحال معين الدين أبو بكر محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع بن أبي نصر البغدادي الحنبلي. ولد بعد السبعين وخمسمائة.
وكان أبوه من الزهاد، فعني أبو بكر بالحديث، وجمع وألف.
سمع من يحيى بن بوش، وفاته ابن كليب، ثم طلب في سنة ستمائة وبعدها. وسمع من أبي أحمد بن سكينة، وأبي الفتح المندائي، وابن طبرزذ، وعبد الرزاق الجيلي، وابن الأخضر، ومحمد بن علي القبيطي، وعدة. وبأصبهان من عفيفة الفارفانية، وزاهر الثقفي، والمؤيد بن الإخوة، وأسعد بن روح، ومحمود بن أحمد المضري، وعائشة بنت معمر، وعدة. وبنيسابور من منصور الفراوي، والمؤيد الطوسي، وزينب، وبحران من عبد القادر الحافظ، وبدمشق من الكندي وابن الحرستاني، وبحلب من الافتخار الهاشمي، وبمصر من الحسين بن أبي الفخر، وعبد القوي بن الجباب، وبالثغر من محمد بن عماد، وبدمنهور، ودنيسر، ومكة. وكان ثقة، حسن القراءة، جيد الكتابة، متثبتا فيما يقوله، له سمت ووقار، وفيه ورع وصلاح وعفة وقناعة. سئل عنه الضياء، فقال: حافظ، دين، ثقة، ذو مروءة وكرم.
وقال البرزالي: ثقة، دين، مفيد.
قلت: أخذ عنه السيف أحمد ابن المجد، والمنذري، وعبد الكريم بن منصور الأثري، والشرف حسين الإربلي، وأبو الفتح بن عمر الحاجب، وأخوه عثمان، وعز الدين عبد الرحمن بن محمد ابن الحافظ وابنه أبو موسى ليث، والشيخ عز الدين الفاروثي. وأجاز لجماعة من مشايخنا، منهم فاطمة بنت سليمان.
وصنف كتاب " التقييد في معرفة رواة الكتب والمسانيد ". وألف مستدركا على " الإكمال " لابن ماكولا يدل على سعة معرفته، قال فيه في " المباركي ": هو سليمان بن محمد، سمع أبا شهاب الحناط، ثم(أعلام/816)
قال: وقال الأمير: هو سليمان بن داود فأخطأ، وأظن أنه نقله من تاريخ الخطيب، فإن الخطيب ذكره في تاريخه على الوهم أيضا، لكن ذكره على الصواب في ترجمة أبي شهاب عبد ربه. وقال الحاكم في " الكنى ": أبو داود المبارك سليمان بن محمد كناه وسماه لنا عبد الله بن محمد الإسفراييني، سمع أبا شهاب، ثم قال ابن نقطة: حدث عن المبارك جماعة فسموا أباه محمدا منهم خلف البزار وهو من أقرانه، وموسى بن هارون، وعبد الله بن أحمد، والمعمري، وإسحاق بن موسى، وأبو يعلى، وأحمد الصوفي. ثم قال: وقد أوردنا لكل رجل منهم حديثا في كتابنا الموسوم " بالملتقط مما في كتب الخطيب وغيره من الوهم والغلط.
قلت: سئل أبو بكر عن نقطة، فقال: هي جارية عرفنا بها، ربت شجاعا جدنا.
توفي أبو بكر في الثاني والعشرين من صفر سنة تسع وعشرين وستمائة كهلا.(أعلام/817)
ابن نمير (ع)
محمد بن عبد الله بن نمير الحافظ الحجة، شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن الهمداني ثم الخارفي مولاهم الكوفي.
ولد سنة نيف وستين ومائة، فهو من أقران أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني.
حدث عن: أبيه الحافظ عبد الله بن نمير، والمطلب بن زياد، وعمر بن عبيد الطنافسي، وإخوته، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، وابن إدريس، وأبي خالد الأحمر، وأبي معاوية، وابن فضيل، ومروان بن معاوية، وسفيان بن عيينة، وابن علية، ووكيع، وحكام بن سلم، ويزيد بن هارون، والمحاربي، ومحمد بن بشر، وأبي عاصم، وأبي أسامة، وخلق كثير.
حدث عنه: البخاري، ومسلم في " الصحيحين "، وأبو داود، وابن ماجه، وروى الباقون عن رجل عنه، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو حاتم، وأبو زرعة، ويعقوب بن شيبة، ويعقوب الفسوي، وبقي بن مخلد، وأحمد بن ملاعب، ومطين، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبو يعلى الموصلي، وخلق سواهم.
وكان رأسا في العلم والعمل.
قال أبو إسماعيل الترمذي: كان أحمد بن حنبل يعظم محمد بن عبد الله بن نمير تعظيما عجيبا، ويقول: أي فتى هو؟!
وقال إبراهيم بن مسعود الهمذاني: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: محمد بن عبد الله بن نمير درة العراق.
قال علي بن الحسين بن الجنيد الحافظ: كان أحمد، وابن معين، يقولان في شيوخ ما يقول ابن نمير فيهم، يعني: يقتديان بقوله في أهل بلده.
قال ابن الجنيد: ما رأيت بالكوفة مثل محمد بن عبد الله بن نمير، كان رجلا قد جمع العلم والفهم والسنة والزهد، وكان يلبس في الشتاء الشاتي لبادة، وفي الصيف يدير، وكان فقيرا.
وقال أحمد بن سنان القطان: ما رأيت من الكوفيين من أحداثهم رجلا أفضل عندي من ابن نمير، كان يصلي بنا الفرائض، وأبوه يصلي خلفه، قدم علينا أيام يزيد بن هارون، يعني: واسطا.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: كوفي ثقة، يعد من أصحاب الحديث.(أعلام/818)
وقال أبو حاتم: ثقة، يحتج بحديثه.
وقال أبو داود: هو أثبت من أبيه.
وقال النسائي: ثقة مأمون.
وقال أبو حاتم بن حبان: كان من الحفاظ المتقنين، وأهل الورع في الدين.
أخبرنا سليمان بن قدامة، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا السلفي، أخبرنا جعفر السراج، أخبرنا أبو محمد الخلال، حدثنا يحيى بن علي بن يحيى، حدثنا عبيد الله بن المهتدي بالله، حدثنا أحمد بن محمد بن رشدين، سمعت أحمد بن صالح المصري الحافظ، يقول: ما رأيت بالعراق مثل أحمد بن حنبل ببغداد، ومحمد بن عبد الله بن نمير بالكوفة جامعين، لم أر مثلهما بالعراق.
قال البخاري: مات في شعبان أو رمضان سنة أربع وثلاثين ومائتين.
وقال ابن حبان: في شعبان.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء قراءة عليه سنة اثنتين وتسعين وستمائة، عن أبي روح عبد المعز بن محمد الهروي، أن تميم بن أبي سعيد أخبرهم، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي، حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا عبيد الله، عن أبي بكر بن سالم، عن سالم، عن ابن عمر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أريت في النوم، أني أنزع بدلو على قليب، فجاء أبو بكر، فنزع ذنوبا أو ذنوبين، فنزع نزعا ضعيفا، والله يغفر له، ثم جاء عمر فاستقى، فاستحالت غربا. فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه حتى روي الناس، وضربوا بعطن.
هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه، ولا يكاد يعرف أبو بكر إلا بهذا الحديث. أخرجه البخاري، ومسلم عن ابن نمير فوقع موافقة عالية.(أعلام/819)
ابن وردان
الشيخ العالم المسند أبو العباس، إسماعيل بن داود بن وردان المصري البزاز.
سمع عيسى بن حماد، ومحمد بن رمح، وزكريا كاتب العمري، وغيرهم.
حدث عنه: أبو سعيد بن يونس، وأبو بكر بن المقرئ، ومحمد بن أحمد الإخميمي، وآخرون.
توفي في ربيع الآخر سنة ثماني عشرة وثلاثمائة.(أعلام/820)
ابن وضاح
الإمام الحافظ محدث الأندلس مع بقي، أبو عبد الله، محمد بن وضاح بن بزيع المرواني، مولى صاحب الأندلس عبد الرحمن بن معاوية الداخل.
ولد سنة تسع وتسعين ومائة.
وسمع: يحيى بن معين، وإسماعيل بن أبى أويس، وأصبغ بن الفرج، وزهير بن عباد، وحرملة، ويعقوب بن كاسب، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن رمح، وطبقتهم.
وقيل: إنه ارتحل قبل ذلك في حياة آدم بن أبي إياس، فلم يسمع شيئا، وقد ارتحل إلى العراق والشام ومصر، وجمع فأوعى.
روى عنه: أحمد بن خالد الجباب، وقاسم بن أصبغ، ومحمد بن أيمن، وأحمد بن عبادة، ومحمد بن المسور، وخلق.
قال ابن حزم: كان يواصل أربعة أيام.
وقال ابن الفرضي: كان عالما بالحديث، بصيرا بطرقه وعلله، كثير الحكاية عن العباد، ورعا، زاهدا، صبورا على نشر العلم، متعففا، نفع الله أهل الأندلس به، وكان ابن الجباب يعظمه، ويصف عقله وفضله، ولا يقدم عليه أحدا، غير أنه ينكر رده لكثير من الحديث.
قال ابن الفرضي: كان كثيرا ما يقول: ليس هذا من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- في شيء، ويكون ثابتا من كلامه.
قال: وله خطأ كثير محفوظ عنه، ويغلط ويصحف، ولا علم له بالعربية، ولا بالفقه.
توفي ابن وضاح في المحرم، سنة سبع وثمانين ومائتين.
أنبأنا ابن هارون، عن أبي القاسم بن بقي، عن شريح بن محمد: أن أبا محمد بن حزم أجاز له: أخبرنا أحمد بن الجسور، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم، حدثنا محمد بن وضاح، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد، أخبرنا، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عمر، قال: إنما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج، وأهللنا معه، فلما قدم، قال: من لم يكن معه هدي فليحل.(أعلام/821)
ابنه أبو جعفر الباقر (ع)
هو السيد الإمام، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي، العلوي الفاطمي، المدني، ولد زين العابدين، ولد سنة ست وخمسين. في حياة عائشة وأبي هريرة. أرخ ذلك أحمد بن البرقي.
روى عن جديه: النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي - رضي الله عنه - مرسلا، وعن جديه الحسن والحسين مرسلا أيضا، وعن ابن عباس، وأم سلمة، وعائشة مرسلا، وعن ابن عمر، وجابر، وأبي سعيد، وعبد الله بن جعفر، وسعيد بن المسيب، وأبيه زين العابدين، ومحمد بن الحنفية، وطائفة.
وعن أبي هريرة، وسمرة بن جندب مرسلا أيضا، وليس هو بالمكثر، هو في الرواية كأبيه وابنه جعفر، ثلاثتهم لا يبلغ حديث كل واحد منهم جزءا ضخما ; ولكن لهم مسائل وفتاوى.
حدث عنه ابنه، وعطاء بن أبي رباح، والأعرج مع تقدمهما، وعمرو بن دينار، وأبو إسحاق السبيعي، والزهري، ويحيى بن أبي كثير، وربيعة الرأي، وليث بن أبي سليم، وابن جريج، وقرة بن خالد، وحجاج بن أرطاة، والأعمش، ومخول بن راشد، وحرب بن سريج، والقاسم بن الفضل الحداني، والأوزاعي، وآخرون.
وروايته عن الحسن وعائشة في سنن النسائي، وذلك منقطع.
وروايته عن سمرة في سنن أبي داود، وكان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد، والشرف، والثقة، والرزانة، وكان أهلا للخلافة، وهو أحد الأئمة الاثني عشر الذين تبجلهم الشيعة الإمامية وتقول بعصمتهم وبمعرفتهم بجميع الدين. فلا عصمة إلا للملائكة والنبيين، وكل أحد يصيب ويخطئ، ويؤخذ من قوله ويترك سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فإنه معصوم، مؤيد بالوحي.
وشهر أبو جعفر بالباقر، من: بقر العلم - أي شقه - فعرف أصله وخفيه.(أعلام/822)
ولقد كان أبو جعفر إماما، مجتهدا، تاليا لكتاب الله، كبير الشأن، ولكن لا يبلغ في القرآن درجة ابن كثير ونحوه، ولا في الفقه درجة أبي الزناد، وربيعة ; ولا في الحفظ ومعرفة السنن درجة قتادة وابن شهاب. فلا نحابيه، ولا نحيف عليه، ونحبه في الله لما تجمع فيه من صفات الكمال.
قال ابن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة: سألت أبا جعفر وابنه جعفرا عن أبي بكر وعمر، فقالا لي: يا سالم، تولهما وابرأ من عدوهما ; فإنهما كانا إمامي هدى.
كان سالم فيه تشيع ظاهر، ومع هذا فيبث هذا القول الحق ; وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل، وكذلك ناقلها ابن فضيل، شيعي ثقة. فعثر الله شيعة زماننا ما أغرقهم في الجهل والكذب، فينالون من الشيخين وزيري المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ويحملون هذا القول من الباقر والصادق على التقية.
وروى إسحاق الأزرق، عن بسام الصيرفي، قال: سألت أبا جعفر عن أبي بكر وعمر، فقال: والله إني لأتولاهما وأستغفر لهما، وما أدركت أحدا من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما.
وعن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: كنت أنا وأبو جعفر نختلف إلى جابر نكتب عنه في ألواح، وبلغنا أن أبا جعفر كان يصلي في اليوم والليلة مائة وخمسين ركعة.
وقد عده النسائي وغيره في فقهاء التابعين بالمدينة، واتفق الحفاظ على الاحتجاج بأبي جعفر.
قال القطيعي في فوائده: حدثنا أبو مسلم الكجي، حدثنا أبو عاصم، عن جعفر بن محمد، حدثني أبي قال: قال عمر: ما أدري ما أصنع بالمجوس! فقام عبد الرحمن بن عوف فروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " هذا مرسل.(أعلام/823)
قال الزبير بن بكار: كان يقال لمحمد بن علي: باقر العلم، وأمه هي أم عبد الله بنت الحسن بن علي. وفيه يقول القرظي: يا باقر العلم لأهل التقى وخير من لبى على الأجبل وقال فيه مالك بن أعين إذا طلب الناس علم القرا ن كانت قريش عليه عيالا وإن قيل ابن ابن بنت الرسو ل نلت بذلك فرعا طوالا تحوم تهلل للمدلجين جبال تورث علما جبالا ابن عقدة: حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي نجيح، حدثنا علي بن حسان القرشي، عن عمه عبد الرحمن بن كثير، عن جعفر بن محمد، قال: قال أبي: أجلسني جدي الحسين في حجره، وقال لي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئك السلام.
عن أبان بن تغلب، عن محمد بن علي، قال: أتاني جابر بن عبد الله، وأنا في الكتاب. فقال لي: اكشف عن بطنك، فكشفت، فألصق بطنه ببطني، ثم قال: أمرني رسول الله أن أقرئك منه السلام.
قال ابن عدي: لا أعلم رواه عن أبان غير المفضل بن صالح أبي جميلة النخاس.
لوين: حدثنا أبو يعقوب عبد الله بن يحيى، قال: رأيت على أبي جعفر إزارا أصفر، وكان يصلي كل يوم وليلة خمسين ركعة بالمكتوبة.
وعن سلمة بن كهيل، في قوله لآيات للمتوسمين قال: كان أبو جعفر منهم.(أعلام/824)
الزبير في " النسب ": حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري، قال: حج الخليفة هشام، فدخل الحرم متكئا على يد سالم مولاه، ومحمد بن علي بن الحسين جالس، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا محمد بن علي. فقال: المفتون به أهل العراق؟ قال: نعم. قال: اذهب إليه فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ فقال له محمد: يحشر الناس على مثل قرصة النقي فيها الأنهار مفجرة. فرأى هشام أنه قد ظفر فقال: الله أكبر، اذهب إليه، فقل له: ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ! ففعل. فقال: قل له: هم في النار أشغل، ولم يشغلوا أن قالوا: أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله.
قال المطلب بن زياد: حدثنا ليث بن أبي سليم، قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي وهو يذكر ذنوبه وما يقول الناس فيه، فبكى.
وعن أبي جعفر، قال: من دخل قلبه ما في خالص دين الله، شغله عما سواه. ما الدنيا، وما عسى أن تكون! هل هي إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته، أو امرأة أصبتها.
أبو نعيم: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن المنهال بن عمرو، عن محمد بن علي، قال: اذكروا من عظمة الله ما شئتم، ولا تذكرون منها شيئا إلا وهي أعظم منه ; واذكروا من النار ما شئتم، ولا تذكرون منها شيئا إلا وهي أفضل منه ; واذكروا من الجنة ما شئتم، ولا تذكرون منها شيئا إلا وهي أفضل.
وعن جابر الجعفي، عن محمد بن علي، قال: أجمع بنو فاطمة على أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن ما يكون من القول.
قلت: أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق هي صاحبة أبي جعفر الباقر، وأم ولده جعفر الصادق.(أعلام/825)
محمد بن طلحة بن مصرف، عن خلف بن حوشب، عن سالم بن أبي حفصة وكان يترفض، قال: دخلت على أبي جعفر وهو مريض فقال - وأظن قال ذلك من أجلي: اللهم إني أتولى وأحب أبا بكر وعمر، اللهم إن كان في نفسي غير هذا، فلا نالتني شفاعة محمد يوم القيامة - صلى الله عليه وسلم.
عيسى بن يونس، عن عبد الملك بن أبي سليمان: قلت لمحمد بن علي: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا قال: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: إنهم يقولون: هو علي. قال: علي منهم.
شبابة: أنبأنا بسام: سمعت أبا جعفر يقول: كان الحسن والحسين يصليان خلف مروان يتبادران الصف، وكان الحسين يسب مروان وهو على المنبر حتى ينزل. أفتقية هذه؟ !
أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: يزعمون أني المهدي، وإني إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدعون.
قال سفيان الثوري: اشتكى بعض أولاد محمد بن علي، فجزع عليه، ثم أخبر بموته، فسري عنه. فقيل له في ذلك، فقال: ندعو الله فيما نحب، فإذا وقع ما نكره، لم نخالف الله فيما أحب.
قال ابن عيينة: حدثنا جعفر بن محمد: سمعت أبي يقول لعمته فاطمة بنت الحسين: هذه توفي لي ثمانيا وخمسين سنة. فمات فيها.
قال عفان: حدثني معاوية بن عبد الكريم، قال: رأيت على أبي جعفر محمد بن علي جبة خز ومطرف خز.
وقال عبيد الله بن موسى: حدثنا إسماعيل بن عبد الملك، قال: رأيت على أبي جعفر ثوبا معلما، فقلت له، فقال: لا بأس بالأصبعين من العلم بالإبريسم في الثوب.
وقال عمرو بن موهب: رأيت على أبي جعفر ملحفة حمراء.
وروى إسرائيل، عن عبد الأعلى، أنه رأى محمد بن علي يرسل عمامته خلفه، وسألته عن الوسمة فقال: هو خضابنا أهل البيت.(أعلام/826)
أخبرنا إسحاق الصفار، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي المقرئ، حدثنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا علي بن أحمد المصيصي، حدثنا أحمد بن خليد، حدثنا أبو نعيم، نبأنا بسام الصيرفي، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن القرآن فقال: كلام الله غير مخلوق.
وبه: حدثنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن علي بن حبيش، حدثنا إبراهيم بن شريك، حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، عن أبي عبد الله الجعفي، عن عروة بن عبد الله، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن حلية السيوف، فقال: لا بأس به، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه. قلت: وتقول الصديق؟ فوثب وثبة واستقبل القبلة، ثم قال: نعم الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل الصديق، فلا صدق الله له قولا في الدنيا والآخرة.
عن عمر مولى غفرة، عن محمد بن علي: قال: ما دخل قلب امرئ من الكبر شيء إلا نقص من عقله مقدار ذلك. وعن أبي جعفر، قال: الصواعق تصيب المؤمن وغير المؤمن، ولا تصيب الذاكر.
وعنه قال: سلاح اللئام قبح الكلام.
مات أبو جعفر سنة أربع عشرة ومائة بالمدينة. أرخه أبو نعيم وسعيد بن عفير، ومصعب الزبيري.
وقيل: توفي سنة سبع عشرة.
ومن عالي روايته: أنبأنا علي بن أحمد وطائفة، قالوا: أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي، أنبأنا أبو محمد بن هزارمرد أنبأنا ابن حبابة، أنبأنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا القاسم بن الفضل، عن محمد بن علي، قال: كانت أم سلمة تقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الحج جهاد كل ضعيف "(أعلام/827)
ابنه عبد الرحمن
العلامة، الحافظ يكنى: أبا محمد. ولد سنة أربعين ومائتين أو إحدى وأربعين.
قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الرازي الخطيب في ترجمة عملها لابن أبي حاتم: كان -رحمه الله- قد كساه الله نورا وبهاء، يسر من نظر إليه.
سمعته يقول: رحل بي أبي سنة خمس وخمسين ومائتين، وما احتلمت بعد، فلما بلغنا ذا الحليفة احتلمت، فسر أبي، حيث أدركت حجة الإسلام، فسمعت في هذه السنة من محمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ.
قلت: وسمع من: أبي سعيد الأشج، والحسن بن عرفة، والزعفراني، ويونس بن عبد الأعلى، وعلي بن المنذر الطريقي وأحمد بن سنان، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي وحجاج بن الشاعر، ومحمد بن حسان الأزرق، ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه، وإبراهيم المزني، والربيع بن سليمان المؤذن، وبحر بن نصر، وسعدان بن نصر، والرمادي، وأبي زرعة، وابن وارة، وخلائق من طبقتهم، وممن بعدهم بالحجاز والعراق والعجم، ومصر والشام والجزيرة والجبال. وكان بحرا لا تكدره الدلاء.
روى عنه: ابن عدي، وحسين بن علي التميمي، والقاضي يوسف الميانجي وأبو الشيخ ابن حيان، وأبو أحمد الحاكم، وعلي بن عبد العزيز بن مردك، وأحمد بن محمد البصير الرازي، وعبد الله بن محمد بن أسد الفقيه، وأبو علي حمد بن عبد الله الأصبهاني، إبراهيم بن محمد بن يزداد، وأخوه أحمد، وإبراهيم بن محمد النصرآباذي، وأبو سعيد بن عبد الوهاب الرازي، وعلي بن محمد القصار، وخلق سواهم.
قال أبو يعلى الخليلي: أخذ أبو محمد علم أبيه، وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال. صنف في الفقه، وفي اختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار. قال: وكان زاهدا، يعد من الأبدال.(أعلام/828)
قلت: له كتاب نفيس في " الجرح والتعديل "، أربع مجلدات، وكتاب " الرد على الجهمية "، مجلد ضخم، انتخبت منه، وله " تفسير " كبير في عدة مجلدات، عامته آثار بأسانيده، من أحسن التفاسير.
قال الحافظ يحيى بن منده: صنف ابن أبي حاتم " المسند " في ألف جزء، وكتاب " الزهد "، وكتاب " الكنى "، وكتاب " الفوائد الكبير "، وفوائد " أهل الري "، وكتاب " تقدمة الجرح والتعديل ". قلت: وله كتاب " العلل " مجلد كبير. وقال الرازي، المذكور في ترجمة عبد الرحمن: سمعت علي بن محمد المصري -ونحن في جنازة ابن أبي حاتم - يقول: قلنسوة عبد الرحمن من السماء، وما هو بعجب، رجل منذ ثمانين سنة على وتيرة واحدة، لم ينحرف عن الطريق.
وسمعت علي بن أحمد الفرضي يقول: ما رأيت أحدا ممن عرف عبد الرحمن ذكر عنه جهالة قط. وسمعت عباس بن أحمد يقول: بلغني أن أبا حاتم قال: ومن يقوى على عبادة عبد الرحمن! لا أعرف لعبد الرحمن ذنبا. وسمعت عبد الرحمن يقول: لم يدعني أبي أشتغل في الحديث حتى قرأت القرآن على الفضل بن شاذان الرازي، ثم كتبت الحديث.
قال الخليلي: يقال: إن السنة بالري ختمت بابن أبي حاتم، وأمر بدفن الأصول من كتب أبيه وأبي زرعة، ووقف تصانيفه، وأوصى إلى الدرستيني القاضي.
وسمعت أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ يحكي عن علي بن الحسين الدرستيني، أن أبا حاتم كان يعرف الاسم الأعظم، فمرض ابنه، فاجتهد أن لا يدعو به، فإنه لا ينال به الدنيا، فلما اشتدت العلة، حزن، ودعا به، فعوفي، فرأى أبو حاتم في نومه: استجبت لك ولكن لا يعقب ابنك. فكان عبد الرحمن مع زوجته سبعين سنة، فلم يرزق ولدا، وقيل: إنه ما مسها.(أعلام/829)
وقال الرازي: وسمعت علي بن أحمد الخوارزمي يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: كنا بمصر سبعة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل: النسخ والمقابلة. قال: فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا، فاشتريناه، فلما صرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس، فلم يمكنا إصلاحه، ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير، فأكلناه نيئا، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه. ثم قال: لا يستطاع العلم براحة الجسد.
قال الخطيب الرازي: كان لعبد الرحمن ثلاث رحلات: الأولى مع أبيه سنة خمسين، وسنة ست، ثم حج وسمع محمد بن حماد في سنة اثنتين، ثم رحل بنفسه إلى السواحل والشام ومصر، سنة اثنتين وستين ومائتين، ثم رحل إلى أصبهان، في سنة أربع وستين، فلقي يونس بن حبيب. سمعت الواعظ أبا عبد الله القزويني يقول: إذا صليت مع عبد الرحمن فسلم إليه نفسك، يعمل بها ما شاء. دخلنا يوما بغلس على عبد الرحمن في مرض موته، فكان على الفراش قائما يصلي، وركع فأطال الركوع.
ومن كلامه: قال: وجدت ألفاظ التعديل والجرح مراتب: فإذا قيل: ثقة: أو: متقن. احتج به، وإن قيل: صدوق، أو: محله الصدق، أو: لا بأس به، فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه وهي المنزلة الثانية، وإذا قيل: شيخ، فيكتب حديثه، وهو دون ما قبله، وإذا قيل: صالح الحديث، فيكتب حديثه وهو دون ذلك يكتب للاعتبار، وإذا قيل: لين، فدون ذلك، وإذا قالوا: ضعيف الحديث، فلا يطرح حديثه، بل يعتبر به، فإذا قالوا: متروك الحديث، أو: ذاهب الحديث، أو: كذاب، فلا يكتب حديثه.(أعلام/830)
قال عمر بن إبراهيم الهروي الزاهد: حدثنا الحسين بن أحمد الصفار، سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: وقع عندنا الغلاء، فأنفذ بعض أصدقائي حبوبا من أصبهان، فبعته بعشرين ألفا، وسألني أن أشتري له دارا عندنا، فإذا جاء ينزل فيها، فأنفقتها في الفقراء، وكتبت إليه: اشتريت لك بها قصرا في الجنة، فبعث يقول: رضيت، فاكتب على نفسك صكا، ففعلت، فأريت في المنام: قد وفينا بما ضمنت، ولا تعد لمثل هذا.
قال الإمام أبو الوليد الباجي: عبد الرحمن بن أبي حاتم ثقة حافظ. وقال أبو الربيع محمد بن الفضل البلخي: سمعت أبا بكر محمد بن مهرويه الرازي، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد، سمعت يحيى بن معين يقول: إنا لنطعن على أقوام، لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة، من أكثر من مائتي سنة.
قلت: لعلها من مائة سنة، فإن ذلك لا يبلغ في أيام يحيى هذا القدر.
قال ابن مهرويه: فدخلت على عبد الرحمن بن أبي حاتم، وهو يقرأ على الناس كتاب: " الجرح والتعديل "، فحدثته بهذا، فبكى، وارتعدت يداه، حتى سقط الكتاب، وجعل يبكي، ويستعيدني الحكاية.
قلت: أصابه على طريق الوجل وخوف العاقبة، وإلا فكلام الناقد الورع في الضعفاء من النصح لدين الله، والذب عن السنة.
وقد كتب إلي عبد الرحمن بن محمد وجماعة، سمعوا عمر بن محمد يقول: أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا محمد بن محمد بن غيلان، أخبرنا أبو إسحاق المزكي أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي، حدثنا هارون بن حميد، حدثنا الفضل بن عنبسة، أخبرنا شعبة عن الحكم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الجار أحق بسقب داره أو أرضه أخرجه النسائي، عن زكريا خياط السنة، عن هارون هذا، فوقع لنا بدلا عاليا بدرجتين.
توفي ابن أبي حاتم في المحرم، سنة سبع وعشرين وثلاثمائة بالري، وله بضع وثمانون سنة.(أعلام/831)
الآبري
الشيخ الإمام الحافظ محدث سجستان - بعد ابن حبان - أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم السجستاني الآبري - بالمد ثم الضم - مصنف كتاب " مناقب الإمام الشافعي " منسوب إلى قرية آبر من عمل سجستان.
ارتحل وسمع إمام الأئمة ابن خزيمة، وأبا العباس الثقفي، وأبا عروبة الحراني، ومكحولا البيروتي، ومحمد بن يوسف الهروي، وأبا نعيم بن عدي الجرجاني، ومحمد بن الربيع الجيزي، وزكريا بن أحمد البلخي القاضي.
حدث عنه: يحيى بن عمار الواعظ، وعلي بن بشرى الليثي، وطائفة.
مات في شهر رجب سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وأحسبه من أبناء الثمانين.
قال الآبري: حدثنا أبو عروبة، حدثنا إسحاق بن زيد، حدثنا محمد بن المبارك، حدثنا يحيى بن حمزة، حدثني العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن جابر قال: لا ألوم أحدا ينتمي عند خصلتين: عند سباقه، وعند قتاله، وذلك أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجرى فرسا، فسبق، فقال: إنه لبحر. ورأيته ضرب بسيفه، وقال: خذها وأنا ابن العواتك، انتمى إلى جداته.
أخبرنا ابن عساكر، أنبأنا أبو المظفر السمعاني، أخبرنا أبو الأسعد، أخبرنا مسعود بن ناصر، أخبرنا علي بن بشرى، حدثنا محمد بن الحسين بن إبراهيم، حدثنا عبد الملك بن محمد، حدثنا عمار بن رجاء، حدثنا الحفري، عن سفيان، عن الأسود بن قيس، عن ثعلبة بن عباد، عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، خطب حتى انكسفت الشمس، فقال: أما بعد.(أعلام/832)
الآجري
الإمام المحدث القدوة شيخ الحرم الشريف أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله البغدادي الآجري صاحب التواليف، منها: كتاب " الشريعة في السنة " كبير، وكتاب " الرؤية "، وكتاب " الغرباء "، كتاب " الأربعين "، وكتاب " الثمانين "، وكتاب " آداب العلماء "، وكتاب " مسألة الطائفين "، وكتاب " التهجد "، وغير ذلك.
سمع أبا مسلم الكجي وهو أكبر شيخ عنده، ومحمد بن يحيى المروزي، وأبا شعيب الحراني، وأحمد بن يحيى الحلواني، والحسن بن علي بن علويه القطان، وجعفر بن محمد الفريابي، وموسى بن هارون، وخلف بن عمرو العكبري، وعبد الله بن ناجية، ومحمد بن صالح العكبري، وجعفر بن أحمد بن عاصم الدمشقي، وعبد الله بن العباس الطيالسي، وحامد بن شعيب البلخي، وأحمد بن سهل الأشناني المقرئ، وأحمد بن موسى بن زنجويه القطان، وعيسى بن سليمان وراق داود بن رشيد، وأبا علي الحسن بن الحباب المقرئ، وأبا القاسم البغوي، وابن أبي داود، وخلقا سواهم.
وكان صدوقا، خيرا، عابدا، صاحب سنة واتباع.
قال الخطيب: كان دينا ثقة، له تصانيف. قلت: حدث عنه: عبد الرحمن بن عمر بن النحاس، وأبو الحسين بن بشران، وأخوه أبو القاسم بن بشران، والمقرئ أبو الحسن الحمامي، وأبو نعيم الحافظ، وخلق من الحجاج والمجاورين.(أعلام/833)
مات بمكة في المحرم سنة ستين وثلاثمائة وكان من أبناء الثمانين، رحمه الله ورضي عنه. أخبرتنا ست الأهل بنت علوان سنة سبعمائة، أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم، أخبرنا عبد الحق اليوسفي (ح) ، وأخبرنا محمد بن أبي بكر الأسدي غير مرة، أخبرنا يوسف بن محمود، أخبرنا أبو طاهر السلفي قالا: أخبرنا علي بن محمد بن العلاف، أخبرنا عبد الملك بن محمد الواعظ، أخبرنا أبو بكر الآجري، حدثنا خلف بن عمرو العكبري، حدثنا الحميدي، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا مات الرجل انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة جارية، وعلم ينتفع به.
هذا حديث صالح الإسناد على شرط مسلم لا البخاري.
أخبرنا أحمد بن هبة الله بن أحمد، أخبرنا زين الأمناء أبو البركات بن عساكر، أخبرنا المبارك بن علي البزاز، أخبرنا علي بن محمد، أخبرنا عبد الملك بن محمد، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين، حدثنا محمد بن الليث الجوهري، حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، حدثنا قبيصة بن الليث، عن مطرف بن طريف، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرفع الرجل صوته بالقراءة قبل العتمة أو بعدها غريب من الأفراد.(أعلام/834)
الأثرم
الإمام المقرئ المحدث أبو العباس، محمد بن أحمد بن أحمد بن حماد بن إبراهيم، البغدادي الأثرم هكذا نسبه جماعة.
سمع الحسن بن عرفة، وحميد بن الربيع، وبشر بن مطر، وعلي بن حرب، والعباس بن عبد الله الترقفي وطائفة. وانتخب عليه عمر البصري الحافظ.
حدث عنه: ابن المظفر، والدارقطني، وأبو حفص الكتاني، وابن جميع، والحسن بن علي النيسابوري، وعلي بن القاسم النجاد، وأبو عمر الهاشمي، وطائفة.
سكن البصرة، وحملوا عنه.
مولده بسامراء سنة أربعين ومائتين، ومات بالبصرة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة.
وقع لي حديثه في " معجم " الصيداوي.
أخبرنا المسلم بن محمد وجماعة إذنا، قالوا: أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو عمر الهاشمي، حدثنا أبو العباس الأثرم سنة ثلاثين وثلاثمائة، حدثنا أحمد بن يحيى السوسي، حدثنا علي بن عاصم، عن خالد وهاشم، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تلقوا الجلب، من تلقى جلبا، فصاحبه بالخيار إذا دخل السوق.
فيها مات المعمر أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميداني النيسابوري راوي جزء الذهلي عنه، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي الكاتب. لقي زكريا المروزي، وأبو عمرو زيد بن محمد بن خلف المصري صاحب يونس بن عبد الأعلى، وحاجب بن أحمد الطوسي، ومحمد بن الحسن أبو طاهر المحمداباذي، وأبو الحسين ابن المنادي.(أعلام/835)
الأثرم (س)
الإمام الحافظ العلامة، أبو بكر، أحمد بن محمد بن هانئ، الإسكافي الأثرم الطائي، وقيل: الكلبي أحد الأعلام، ومصنف " السنن "، وتلميذ الإمام أحمد.
ولد في دولة الرشيد.
وسمع من: عبد الله بن بكر السهمي -إن شاء الله، ومن هوذة بن خليفة، وأحمد بن إسحاق الحضرمي، وأبي نعيم، وعفان، والقعنبي، وأبي الوليد الطيالسي، وعبد الله بن صالح الكاتب الليثي، وعبد الله بن رجاء الغداني، وحرمي بن حفص، ومسدد بن مسرهد، وموسى بن إسماعيل، وعمرو بن عون، وقالون عيسى، وعبد الحميد بن موسى المصيصي، ومسلم بن إبراهيم، وأحمد بن حنبل، وأبي جعفر النفيلي، وابن أبي شيبة، وخلق.
حدث عنه: النسائي في " سننه "، وموسى بن هارون، ويحيى بن صاعد، وعلي بن أبي طاهر القزويني، وعمر بن محمد بن عيسى الجوهري، وأحمد بن محمد بن شاكر الزنجاني، وغيرهم.
وله مصنف في علل الحديث.
قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن التعريف في الأمصار، يجتمعون في المساجد يوم عرفة، فقال: أرجو أن لا يكون به بأس، فعله غير واحد: الحسن، وبكر بن عبد الله، وثابت، ومحمد بن واسع، كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة. وسألته عن القراءة بالألحان، فقال: كل شيء محدث، فإنه لا يعجبني، إلا أن يكون صوت الرجل لا يتكلفه.
قال أبو بكر الخلال: كان الأثرم جليل القدر، حافظا، وكان عاصم بن علي لما قدم بغداد، طلب رجلا يخرج له فوائد يمليها، فلم يجد في ذلك الوقت غير أبي بكر الأثرم. فكأنه لما رآه لم يقع منه موقعا لحداثة سنه. فقال له أبو بكر: أخرج كتبك، فجعل يقول له: هذا الحديث خطأ وهذا غلط، وهذا كذا. قال: فسر عاصم بن علي به، وأملى قريبا من خمسين مجلسا. وكان يعرف الحديث ويحفظ. فلما صحب أحمد بن حنبل ترك ذلك، وأقبل على مذهب أحمد.(أعلام/836)
سمعت أبا بكر المروذي يقول: قال الأثرم: كنت أحفظ -يعني: الفقه والاختلاف- فلما صحبت أحمد بن حنبل تركت ذلك كله. وكان معه تيقظ عجيب، حتى نسبه يحيى بن معين، ويحيى بن أيوب المقابري، فقال: كان أحد أبوي الأثرم جنيا.
ثم قال الخلال: وأخبرني أبو بكر بن صدقة، سمعت أبا القاسم بن الختلي قال: قام رجل فقال: أريد من يكتب لي من كتاب الصلاة ما ليس في كتب أبي بكر بن أبي شيبة. فقلنا له ليس لك إلا أبو بكر الأثرم. قال: فوجهوا إليه ورقا، فكتب ست مائة ورقة من كتاب الصلاة. قال: فنظرنا، فإذا ليس في كتاب ابن أبي شيبة منه شيء.
قلت: كان عالما بتواليف ابن أبي شيبة، لازمه مدة.
قال الخلال أبو بكر: وسمعت الحسن بن علي بن عمر الفقيه يقول: قدم شيخان من خراسان الحج، فحدثا فلما خرجا طلب قوم من أصحاب الحديث أحدهما. قال: فخرجا -يعني: إلى الصحراء- فقعد هذا الشيخ ناحية معه خلق ومستمل، وقعد الآخر ناحية كذلك، وقعد أبو بكر الأثرم بينهما، وكتب ما أملى هذا وما أملى هذا.
قال: وأخبرني عبد الله بن محمد قال: سمعت سعيد بن عتاب يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: كان أحد أبوي الأثرم جنيا.
وأخبرني أبو بكر بن صدقة، قال إبراهيم الأصبهاني، يعني: ابن أورمة فيما أحسب، يقول: أبو بكر الأثرم أحفظ من أبي زرعة الرازي وأتقن.
قلت: لم أظفر بوفاة الأثرم، ومات بمدينة إسكاف في حدود الستين ومائتين. وقبلها أو بعدها.(أعلام/837)
أخبرنا عبد الولي بن عبد الرحمن الخطيب، وعيسى بن بركة المعلم في جماعة، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا سعيد بن أحمد بن البناء حضورا، أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد الزينبي، أخبرنا أبو بكر بن عمر، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا أبو الأشعث، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا روح، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة زاد فيها أو نقص. فلما فرغ، قلنا: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ فثنى رجله فسجد سجدتين.
وبه قال ابن صاعد، وزادنا أبو بكر الأثرم عن محمد بن المنهال، عن يزيد في هذا الحديث، قلنا: صليت كذا وكذا، وذكر الحديث.
فهذا من أعلى ما يقع لنا من حديث الأثرم. ووقع لنا جزء من البيوع من " سننه ".
قرأت على الشيخ وهبان بن علي الجزري المؤذن أخبركم عبد العزيز بن أحمد بن باقا، أخبرنا علي بن عساكر المقرئ، أخبرنا عبد القادر بن محمد اليوسفي، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، أخبرنا أبو بكر بن بخيت أخبرنا عمر بن محمد الجوهري، أخبرنا أبو بكر الطائي الأثرم، حدثنا سعيد بن عفير، حدثني ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر، قال: لا يصلح الكراء بالضمان.(أعلام/838)
الأخطل
شاعر زمانه، واسمه غياث بن غوث التغلبي النصراني.
قيل للفرزدق: من أشعر الناس؟ قال: كفاك بي إذا افتخرت، وبجرير إذا هجا، وبابن النصرانية إذا امتدح.
وكان عبد الملك بن مروان يجزل عطاء الأخطل، ويفضله في الشعر على غيره.
وللأخيطل: والناس همهم الحياة ولا أرى طول الحياة يزيد غير خبال وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ذخرا يكون كصالح الأعمال
وقيل: إن الأخطل قيده الأسقف وأهانه، فليم في صبره له، فقال: إنه الدين، إنه الدين.
وقد حصل أموالا جزيلة من بني أمية، ومات قبل الفرزدق بسنوات.(أعلام/839)
الأخفش
الكبير، شيخ العربية أبو الخطاب البصري، يقال: اسمه عبد الحميد بن عبد المجيد.
تخرج به سيبويه، وحمل عنه النحو، لولا سيبويه لما اشتهر
وأخذ عنه أيضا عيسى بن عمر النحوي، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وغيرهما، وله أشياء غريبة ينفرد بنقلها عن العرب، ولم أقع له بوفاة. فأما الأخفش الأوسط تلميذ سيبويه، والأخفش الأصغر فسيأتيان.(أعلام/840)
الأردبيلي
الإمام الحافظ المفيد أبو القاسم حفص بن عمر، الأردبيلي.
سمع أبا حاتم الرازي وطبقته بالري، ويحيى بن أبي طالب، وأبا قلابة عبد الملك بن محمد، وأقرانهما ببغداد، وإبراهيم بن ديزيل بهمذان.
وكان ثقة مجودا عارفا فهما مصنفا مشهورا.
حدث عنه: أحمد بن علي بن لال، وأحمد بن طاهر بن النجم الميانجي، وآخرون.
توفي في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وقد نيف على الثمانين.
أخبرنا أبو الربيع سليمان بن قدامة الحاكم، أخبرنا جعفر بن علي. أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا علي بن أحمد الزنجاني الفقيه، أخبرنا القاضي عبد الله بن علي السفني بأردبيل، حدثنا يحيى بن محمد الجعدوي، حدثنا حفص بن عمر الحافظ، حدثنا أبو حاتم، حدثنا ثابت بن محمد الزاهد، حدثنا الحارث بن النعمان، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم أحيني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين. فقالت عائشة: لم يا رسول الله؟ قال: لأنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا وذكر الحديث.
تفرد به ثابت بن محمد الزاهد شيخ البخاري.
والحارث بن النعمان هذا، قال البخاري: منكر الحديث. قلت: روى ابن ماجه والترمذي في كتابيهما له.(أعلام/841)
الأرقم بن أبي الأرقم
ابن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة المخزومي. صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم- من السابقين الأولين اسم أبيه عبد مناف. كان الأرقم أحد من شهد بدرا. وقد استخفى النبي - صلى الله عليه وسلم- في داره، وهي عند الصفا. وكان من عقلاء قريش. عاش إلى دولة معاوية.
أبو مصعب الزهري: حدثنا يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم، عن عمه عبد الله، وأهل بيته، عن جده، عن الأرقم: أنه تجهز يريد بيت المقدس ; فلما فرغ من جهازه، جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- يودعه، فقال: ما يخرجك؟ حاجة أو تجارة؟ قال: لا والله يا نبي الله، ولكن أردت الصلاة في بيت المقدس. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام فجلس الأرقم، ولم يخرج. وقد أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم- الأرقم يوم بدر سيفا.
واستعمله على الصدقة.
وقد وهم أحمد بن زهير في قوله: إن أباه أبا الأرقم أسلم.
وغلط أبو حاتم، إذ قال: إن عبد الله بن الأرقم هو ابن هذا، ذاك زهري، ولي بيت المال لعثمان ; وهذا مخزومي.
قيل: الأرقم عاش بضعا وثمانين سنة.
توفي بالمدينة. وصلى عليه سعد بن أبي وقاص بوصيته إليه.
وقال عثمان بن الأرقم: توفي أبي سنة ثلاث وخمسين وله ثلاث وثمانون سنة.
له رواية في " مسند " أحمد بن حنبل.(أعلام/842)
الأزجي
الشيخ الإمام، المحدث المفيد أبو القاسم ; عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل بن شكر البغدادي الأزجي.
سمع الكثير من: ابن كيسان، وأبي عبد الله العسكري، وأبي الحسن بن لؤلؤ، وأبي سعيد الحرفي وعبد العزيز الخرقي، ومحمد بن أحمد الجرجرائي المفيد، وابن المظفر، والدارقطني، وخلق. وعني بالحديث.
روى عنه: الخطيب، والقاضي أبو يعلى، وعبد الله بن سبعون القيرواني، والحسين بن علي الكاشغري وحمد بن إسماعيل الهمذاني، والمبارك بن الطيوري، وخلق.
له مصنف في الصفات لم يهذبه.
قال الخطيب كتبنا عنه، وكان صدوقا كثير الكتاب. مولده في سنة ست وخمسين وثلاثمائة وتوفي في شعبان سنة أربع وأربعين وأربعمائة.(أعلام/843)
الأشعث بن قيس (ع)
ابن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة.
واسم كندة: ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
ساقه ابن سعد، قال: وقيل له: كندة؛ لأنه كند أباه النعمة، أي: كفره.
وكان اسم الأشعث: معدي كرب. وكان أبدا أشعث الرأس؛ فغلب عليه.
له صحبة، ورواية.
حدث عنه: الشعبي، وقيس بن أبي حازم، وأبو وائل. وأرسل عنه إبراهيم النخعي.
وأصيبت عينه يوم اليرموك. وكان أكبر أمراء علي يوم صفين.
منصور، والأعمش، عن أبي وائل، قال لنا الأشعث: في نزلت: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا خاصمت رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألك بينة؟ قلت: لا. قال: فيحلف؟ قلت: إذا يحلف، فقال: من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مالا، لقي الله وهو عليه غضبان.
قال ابن الكلبي: وفد الأشعث في سبعين من كندة على النبي صلى الله عليه وسلم.
مجالد، عن الشعبي، عن الأشعث، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة، فقال لي: هل لك من ولد؟ قلت: صغير، ولد مخرجي إليك. . . الحديث.
وعن إبراهيم النخعي، قال: ارتد الأشعث في ناس من كندة، فحوصر، وأخذ بالأمان، فأخذ الأمان لسبعين، ولم يأخذ لنفسه، فأتي به الصديق، فقال: إنا قاتلوك، لا أمان لك، فقال: تمن علي وأسلم؟ قال: ففعل، وزوجه أخته.
زاد غيره: فقال لأبي بكر: زوجني أختك، فزوجه فروة بنت أبي قحافة.
رواه أبو عبيد في " الأموال " فلعل أباها فوض النكاح إلى أبي بكر.(أعلام/844)
ابن أبي خالد، عن قيس، قال: لما قدم بالأشعث بن قيس أسيرا على أبي بكر: أطلق وثاقه، وزوجه أخته، فاخترط سيفه، ودخل سوق الإبل، فجعل لا يرى ناقة ولا جملا إلا عرقبه. وصاح الناس: كفر الأشعث! ثم طرح سيفه، وقال: والله ما كفرت؛ ولكن هذا الرجل زوجني أخته؛ ولو كنا في بلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه. يا أهل المدينة، انحروا وكلوا! ويا أهل الإبل، تعالوا خذوا شرواها! .
رواه عبد المؤمن بن علي، عن عبد السلام بن حرب، عنه.
إسماعيل، عن قيس، قال: شهدت جنازة فيها الأشعث، وجرير، فقدم الأشعث جريرا، وقال: إن هذا لم يرتد، وإني ارتددت.
قال أبو عبيدة: كان على ميمنة علي يوم صفين الأشعث.
مسلمة بن محارب، عن حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية. قال: حصل معاوية، في تسعين ألفا فسبق فنزل الفرات، وجاء علي، فمنعهم معاوية الماء، فبعث علي الأشعث، في ألفين وعلى الماء لمعاوية أبو الأعور في خمسة آلاف، فاقتتلوا قتالا شديدا، وغلب الأشعث على الماء.
الأعمش، عن حيان أبي سعيد التيمي قال: حذر الأشعث من الفتن، فقيل له: خرجت مع علي! فقال: ومن لك إمام مثل علي!
وعن قيس بن أبي حازم، قال: دخل الأشعث على علي في شيء، فتهدده بالموت، فقال علي: بالموت تهددني! ما أباليه، هاتوا لي جامعة وقيدا! ثم أومأ إلى أصحابه. قال: فطلبوا إليه فيه، فتركه.(أعلام/845)
أبو المغيرة الخولاني: حدثنا صفوان بن عمرو؛ حدثني أبو الصلت الحضرمي، قال: حلنا بين أهل العراق وبين الماء؛ فأتانا فارس، ثم حسر؛ فإذا هو الأشعث بن قيس، فقال: الله الله يا معاوية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم! هبوا أنكم قتلتم أهل العراق، فمن للبعوث والذراري؟ أم هبوا أنا قتلناكم، فمن للبعوث والذراري؟ إن الله يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما قال معاوية: فما تريد؟ قال: خلوا بيننا وبين الماء، فقال لأبي الأعور: خل بين إخواننا وبين الماء.
روى الشيباني عن قيس بن محمد بن الأشعث: أن الأشعث كان عاملا لعثمان على أذربيجان، فحلف مرة على شيء؛ فكفر عن يمينه بخمسة عشر ألفا.
إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: كان الأشعث حلف على يمين، ثم قال: قبحك الله من مال! أما والله ما حلفت إلا على حق، ولكنه رد على صاحبه، وكان ثلاثين ألفا.
شريك: حدثنا أبو إسحاق، قال: صليت الفجر بمسجد الأشعث، فلما سلم الإمام إذا بين يدي كيس ونعل؛ فنظرت: فإذا بين يدي كل رجل كيس ونعل! فقلت: ما هذا؟ قالوا: قدم الأشعث الليلة، فقال: انظروا! فكل من صلى الغداة في مسجدنا، فاجعلوا بين يديه كيسا وحذاء.
رواه أبو إسرائيل، عن أبي إسحاق، إلا أنه قال: حلة ونعلين.
أحمد بن حنبل: حدثنا علي بن ثابت، حدثنا أبو المهاجر، عن ميمون بن مهران، قال: أول من مشت معه الرجال، وهو راكب: الأشعث بن قيس.
روى نحوه أبو المليح، عن ميمون.
قال إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، قال: لما توفي الأشعث بن قيس، أتاهم الحسن بن علي، فأمرهم أن يوضئوه بالكافور وضوءا. وكانت بنته تحت الحسن.
قالوا: توفي سنة أربعين وزاد بعضهم: بعد علي رضي الله عنه بأربعين ليلة. ودفن في داره. وقيل: عاش ثلاثا وستين سنة.(أعلام/846)
وقال محمد بن سعد: مات بالكوفة، والحسن بها حين صالح معاوية. وهو الذي صلى عليه.
قلت: وكان ابنه محمد بن الأشعث بعده من كبار الأمراء وأشرافهم، وهو والد الأمير عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الذي خرج معه الناس، وعمل مع الحجاج تلك الحروب المشهورة التي لم يسمع بمثلها. بحيث يقال: إنه عمل معه أحدا وثمانين مصافا معظمها على الحجاج. ثم في الآخر خذل ابن الأشعث وانهزم، ثم ظفروا به وهلك.(أعلام/847)
الأشعري
العلامة إمام المتكلمين أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أمير البصرة بلال بن أبي بردة بن صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي موسى عبد الله بن قيس بن حضار، الأشعري اليماني البصري.
مولده سنة ستين ومائتين وقيل: بل ولد سنة سبعين.
وأخذ عن: أبي خليفة الجمحي، وأبي علي الجبائي، وزكريا الساجي وسهل بن نوح، وطبقتهم، يروي عنهم بالإسناد في تفسيره كثيرا.
وكان عجبا في الذكاء وقوة الفهم، ولما برع في معرفة الاعتزال كرهه وتبرأ منه، وصعد للناس، فتاب إلى الله -تعالى- منه، ثم أخذ يرد على المعتزلة، ويهتك عوارهم.
قال الفقيه أبو بكر الصيرفي: كانت المعتزلة قد رفعوا رءوسهم، حتى نشأ الأشعري ; فحجرهم في أقماع السمسم.
وعن ابن الباقلاني قال: أفضل أحوالي أن أفهم كلام الأشعري.
قلت: رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات، وقال فيها: تمر كما جاءت. ثم قال: وبذلك أقول، وبه أدين، ولا تؤول.
قلت: مات ببغداد سنة أربع وعشرين وثلاثمائة حط عليه جماعة من الحنابلة والعلماء، وكل أحد فيؤخذ من قوله ويترك، إلا من عصم الله تعالى، اللهم اهدنا وارحمنا.
ولأبي الحسن ذكاء مفرط، وتبحر في العلم، وله أشياء حسنة، وتصانيف جمة تقضي له بسعة العلم.
أخذ عنه أئمة منهم: أبو الحسن الباهلي وأبو الحسن الكرماني، وأبو زيد المروزي، وأبو عبد الله بن مجاهد البصري، وبندار بن الحسين الشيرازي، وأبو محمد العراقي، وزاهر بن أحمد السرخسي، وأبو سهل الصعلوكي، وأبو نصر الكواز الشيرازي.(أعلام/848)
قال أبو الحسن الأشعري في كتاب " العمد في الرؤية " له: صنفت " الفصول في الرد على الملحدين " وهو اثنا عشر كتابا، وكتاب " الموجز "، وكتاب " خلق الأعمال "، وكتاب " الصفات "، وهو كبير، تكلمنا فيه على أصناف المعتزلة والجهمية، وكتاب " الرؤية بالأبصار "، وكتاب " الخاص والعام "، وكتاب " الرد على المجسمة "، وكتاب " إيضاح البرهان "، وكتاب " اللمع في الرد على أهل البدع "، وكتاب " الشرح والتفصيل "، وكتاب " النقض على الجبائي " وكتاب " النقض على البلخي " وكتاب " جمل مقالات الملحدين "، وكتابا في الصفات هو أكبر كتبنا، نقضنا فيه ما كنا ألفناه قديما فيها على تصحيح مذهب المعتزلة.
لم يؤلف لهم كتاب مثله، ثم أبان الله لنا الحق فرجعنا، وكتابا في " الرد على ابن الراوندي "، وكتاب " القامع في الرد على الخالدي "، وكتاب " أدب الجدل "، وكتاب " جواب الخراسانية "، وكتاب " جواب السيرافيين "، و " جواب الجرجانيين "، وكتاب " المسائل المنثورة البغدادية "، وكتاب " الفنون في الرد على الملحدين "، وكتاب " النوادر في دقائق الكلام "، وكتاب " تفسير القرآن ".
وسمى كتبا كثيرة سوى ذلك، ثم صنف بعد العمد كتبا عدة سماها ابن فورك هي في " تبيين كذب المفتري ".
رأيت للأشعري كلمة أعجبتني وهي ثابتة رواها البيهقي، سمعت أبا حازم العبدوي، سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: اشهد علي أني لا أكفر [أحدا] من أهل القبلة ; لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات.
قلت: وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحدا من الأمة، ويقول: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم.(أعلام/849)
وقد ألف الأهوازي جزءا في مثالب ابن أبي بشر ; فيه أكاذيب.
وجمع أبو القاسم في مناقبه فوائد بعضها أيضا غير صحيح، وله المناظرة المشهورة مع الجبائي في قولهم: يجب على الله أن يفعل الأصلح. فقال الأشعري: بل يفعل ما يشاء. فما تقول في ثلاثة صغار: مات أحدهم وكبر اثنان، فآمن أحدهما وكفر الآخر، فما العلة في اخترام الطفل؟
قال: لأنه -تعالى- علم أنه لو بلغ لكفر، فكان اخترامه أصلح له. قال الأشعري: فقد أحيا أحدهما فكفر. قال: إنما أحياه ليعرضه أعلى المراتب. قال الأشعري: فلم لا أحيا الطفل ليعرضه لأعلى المراتب؟ قال الجبائي: وسوست؟ . قال: لا والله، ولكن وقف حمار الشيخ.
وبلغنا أن أبا الحسن تاب وصعد منبر البصرة، وقال: إني كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله لا يرى [بالأبصار] وأن الشر فعلي ليس بقدر، وإني تائب معتقد الرد على المعتزلة.
وكان فيه دعابة ومزح كثير. قاله ابن خلكان.
وألف كتبا كثيرة، وكان يقنع باليسير، وله بعض قرية من وقف جدهم الأمير بلال بن أبي بردة.
ويقال: بقي إلى سنة ثلاثين وثلاثمائة.(أعلام/850)
الأشيب (ع)
الإمام الفقيه الحافظ الثقة، قاضي الموصل، أبو علي، الحسن بن موسى البغدادي، الأشيب.
ولد سنة نيف وثلاثين ومائة.
سمع ابن أبي ذئب، وحريز بن عثمان، وشعبة، وشيبان، وحماد بن سلمة، وزهير بن معاوية، وحماد بن زيد، وعدة.
حدث عنه أحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، وأحمد بن منيع، وحجاج بن الشاعر، وعبد بن حميد، وأبو إسحاق الجوزجاني، ومحمد بن أحمد بن أبي العوام، والحارث بن أبي أسامة، وبشر بن موسى، وإسحاق بن الحسن الحربي، وخلق كثير.
وثقه يحيى بن معين وغيره.
ولي قضاء حمص، وقضاء طبرستان، ثم ولي قضاء الموصل، وكان من أوعية العلم لا يقلد أحدا.
قال محمد بن عبد الله بن عمار الحافظ: كان بالموصل بيعة قد خربت، فاجتمع النصارى إلى الحسن الأشيب، وجمعوا له مائة ألف درهم، على أن يحكم لهم بها، حتى تبنى، فقال: ادفعوا المال إلى بعض الشهود، فلما حضروا بالجامع، قال: اشهدوا علي بأني قد حكمت بأن لا تبنى، فنفر النصارى، ورد عليهم المال.
قال أبو حاتم: مات الأشيب بالري، فحضرت جنازته.
وقال ابن سعد: ولي قضاء حمص والموصل لهارون الرشيد، ثم قدم بغداد، إلى أن ولاه المأمون قضاء طبرستان، فتوجه إليها، فمات بالري سنة تسع ومائتين في ربيع الأول.(أعلام/851)
الأصم
محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان، الإمام المحدث مسند العصر، رحلة الوقت، أبو العباس الأموي مولاهم، السناني المعقلي النيسابوري الأصم ولد المحدث الحافظ أبي الفضل الوراق
كان أبوه من أصحاب إسحاق ابن راهويه، وعلي بن حجر، وكان كما قال أبو عبد الله الحاكم: من أحسن الناس خطا، روى عنه: محمد بن مخلد الثوري، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، ومحمد بن القاسم العتكي، وابنه أبو العباس الأصم. ومات سنة سبع وسبعين ومائتين.
وقد ارتحل بابنه أبي العباس إلى الآفاق، وسمعه الكتب الكبار.
فسمع من: أحمد بن يوسف السلمي، وأحمد بن الأزهر، وكان خاتمة أصحابهما بها لكنه عدم سماعه منهما، وسمع بأصبهان من هارون بن سليمان، وأسيد بن عاصم، وببغداد من زكريا بن يحيى أسد المروزي، صاحب سفيان بن عيينة، وعباس الدوري، ومحمد بن إسحاق الصغاني، ويحيى بن أبي طالب، ومحمد بن عبيد الله بن المنادي، وعدة. وبمصر من: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، والربيع بن سليمان المرادي، وبحر بن نصر الخولاني وأقرانهم، وبدمشق من: محمد بن هشام بن ملاس النميري، ويزيد بن عبد الصمد، وأبي زرعة النصري. وببيروت من: العباس بن الوليد العذري. وبالكوفة من: أحمد بن عبد الجبار العطاردي، وأحمد بن عبد الحميد الحارثي، والحسن بن علي بن عفان العامري.
وحدث " بكتاب الأم " للشافعي عن الربيع. وطال عمره وبعد صيته، وتزاحم عليه الطلبة. وجميع ما حدث به إنما رواه من لفظه ; فإن الصمم لحقه وهو شاب له بضع وعشرون سنة، بعد رجوعه من الرحلة، ثم تزايد به، واستحكم بحيث إنه لا يسمع نهيق الحمار، وقد حدث في الإسلام ستا وسبعين سنة.(أعلام/852)
حدث عنه: الحسين بن محمد بن زياد القباني، وأبو حامد الأعمش -وهما أكبر منه- وحسان بن محمد الفقيه، وأبو أحمد بن عدي، وأبو عمرو بن حمدان، والحافظ أبو علي النيسابوري، والإمام أبو بكر الإسماعيلي، وأبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، وأبو عبد الله بن منده، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وأبو طاهر بن محمش، ويحيى بن إبراهيم المزكي، وأبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، وأبو صادق محمد بن أحمد بن أبي الفوارس العطار، والفقيه أبو نصر محمد بن علي الشيرازي، وأبو بكر محمد بن محمد بن رجاء الأديب، وأبو العباس أحمد بن محمد الشاذياخي، وأبو نصر أحمد بن علي بن أحمد بن شبيب الفامي، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن علي بن معاوية العطار، وإسحاق بن محمد بن يوسف السوسي، والحسن بن محمد بن حبيب المفسر، وسعيد بن محمد بن محمد بن عبدان، وأبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي، وأبو أحمد عبد الله بن محمد بن حسن المهرجاني، وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي حامد أحمد بن إبراهيم المقرئ، وعبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن بالويه المزكي، وعبيد بن محمد بن محمد بن مهدي القشيري، وأبو الحسن علي بن محمد بن علي الإسفراييني المقرئ، وأبو الحسين علي بن محمد السبعي، وأبو القاسم علي بن الحسن الطهماني، وأبو نصر منصور بن الحسين المقرئ، والقاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي الحيري، وأبو بكر محمد بن علي بن محمد بن حيد، وأبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وعلي بن محمد بن أحمد بن عثمان البغدادي الطرازي، ومحمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني، وأمم سواهم، وآخرون.
روى عنه في الدنيا بالإجازة أبو نعيم الحافظ.(أعلام/853)
قال الحاكم: كان يكره أن يقال له: الأصم، فكان إمامنا أبو بكر بن إسحاق الصبغي يقول: المعقلي، قال: وإنما حدث به الصمم بعد انصرافه من الرحلة، وكان محدث عصره، ولم يختلف أحد في صدقه وصحة سماعاته، وضبط أبيه يعقوب الوراق لها، وكان يرجع إلى حسن مذهب وتدين.
وبلغني أنه أذن سبعين سنة في مسجده، قال: وكان حسن الخلق، سخي النفس، وربما كان يحتاج إلى الشيء لمعاشه، فيورق، ويأكل من كسب يده، وهذا الذي يعاب به، من أنه كان يأخذ على الحديث وإنما كان يعيبه به من لا يعرفه ; فإنه كان يكره ذلك أشد الكراهة ولا يناقش أحدا فيه، وإنما كان وراقه وابنه يطلبان الناس بذلك، فيكره هو ذلك، ولا يقدر على مخالفتهما.
سمع منه: الآباء والأبناء والأحفاد وكفاه شرفا أن يحدث طول تلك السنين، ولا يجد أحد فيه مغمزا بحجة، وما رأينا الرحلة في بلاد من بلاد الإسلام أكثر منها إليه، فقد رأيت جماعة من أهل الأندلس، وجماعة من أهل طراز وإسبيجاب على بابه، وكذا جماعة من أهل فارس، وجماعة من أهل الشرق.
سمعته غير مرة يقول: ولدت سنة سبع وأربعين ومائتين.(أعلام/854)
ورحل به أبوه على طريق أصبهان في سنة خمس وستين، فسمع بها ولم يسمع بالأهواز ولا البصرة حرفا، ثم حج، وسمع بمكة من: أحمد بن شيبان الرملي، صاحب ابن عيينة، سمع بها منه فقط، وسمع بمصر وعسقلان وبيروت ودمياط وطرسوس، سمع بها من أبي أمية الطرسوسي، وسمع بحمص من محمد بن عوف، وأبي عتبة أحمد بن الفرج، وبالجزيرة من: محمد بن علي بن ميمون الرقي. وسمع المغازي من لفظ العطاردي، وسمع مصنفات عبد الوهاب بن عطاء من يحيى بن أبي طالب، وسمع مصنفات زائدة و " السنن " لأبي إسحاق الفزاري عن أبي بكر الصاغاني، وسمع " العلل " لعلي ابن المديني من حنبل وسمع " معاني القرآن " من محمد بن الجهم السمري، وسمع " التاريخ " من عباس الدوري. ثم انصرف إلى خراسان، وهو ابن ثلاثين سنة.
سمعته يقول: حدثت بكتاب " معاني القرآن " في سنة نيف وسبعين ومائتين.
قال الحافظ أبو حامد الأعمشي: كتبنا عن أبي العباس بن يعقوب الوراق في مجلس محمد بن عبد الوهاب الفراء سنة خمس وسبعين ومائتين.
الحاكم: سمعت محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة، سمعت جدي، وسئل عن سماع " كتاب المبسوط " من أبي العباس الأصم، فقال: اسمعوا منه ; فإنه ثقة، قد رأيته يسمع مع أبيه بمصر، وأبوه يضبط سماعه.
الحاكم: سمعت يحيى بن منصور القاضي، سمعت أبا نعيم بن عدي، واجتمع جماعة يسألونه المقام بنيسابور لقراءة " المبسوط "، فقال: يا سبحان الله! عندكم راوي هذا الكتاب الثقة المأمون أبو العباس الأصم، وأنتم تريدون أن تسمعوه من غيره.
أبو أحمد الحاكم: سمعت ابن أبي حاتم يقول: ما بقي " لكتاب المبسوط " راو غير أبي العباس الوراق، وبلغنا أنه ثقة صدوق.(أعلام/855)
أبو عبد الله الحاكم: حضرت أبا العباس يوما في مسجده، فخرج ليؤذن لصلاة العصر، فوقف موضع المئذنة، ثم قال بصوت عال، أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا الشافعي، ثم ضحك، وضحك الناس، ثم أذن.
قال الحاكم: سمعت الأصم، وقد خرج ونحن في مسجده، وقد امتدت السكة من الناس في ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
وكان يملي عشية كل يوم اثنين من أصوله، فلما نظر إلى كثرة الناس والغرباء وقد قاموا يطرقون له، ويحملونه على عواتقهم من باب داره إلى مسجده، فجلس على جدار المسجد، وبكى طويلا، ثم نظر إلى المستملي، فقال: اكتب: سمعت محمد بن إسحاق الصغاني يقول: سمعت الأشج، سمعت عبد الله بن إدريس يقول: أتيت يوما باب الأعمش بعد موته فدققت الباب، فأجابتني جارية عرفتني: هاي هاي ; [تبكي] يا عبد الله، ما فعل جماهير العرب التي كانت تأتي هذا الباب؟ ثم بكى الكثير، ثم قال: كأني بهذه السكة لا يدخلها أحد منكم ; فإني لا أسمع وقد ضعف البصر، وحان الرحيل، وانقضى الأجل فما كان إلا بعد شهر أو أقل منه حتى كف بصره، وانقطعت الرحلة، وانصرف الغرباء، فرجع أمره إلى أنه كان يناول قلما، فيعلم أنهم يطلبون الرواية، فيقول: حدثنا الربيع، وكان يحفظ أربعة عشر حديثا، وسبع حكايات، فيرويها. وصار بأسوأ حال حتى توفي.
وقرأت بخط أبي علي الحافظ يحث أبا العباس الأصم على الرجوع عن أحاديث أدخلوها عليه، حديث الصغاني عن علي بن حكيم، عن حميد بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، حديث " قبض العلم " وحديث أحمد بن شيبان، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية. . . .
قال: فوقع أبو العباس: كل من روى عني هذا، فهو كذاب، وليس هذا في كتابي.
توفي أبو العباس في الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاثمائة.(أعلام/856)
ومات أبوه سنة سبع وسبعين ومائتين بنيسابور في أولها عن نحو ستين سنة، وكان ذا معرفة وفهم.
حدث عن: إسحاق ابن راهويه، ومحمد بن حميد، وعدة.
وعنه: ابنه، وابن أبي حاتم، ومحمد بن مخلد، وكان بديع الخط.(أعلام/857)
الأصم
شيخ المعتزلة، أبو بكر الأصم.
كان ثمامة بن أشرس يتغالى فيه، ويطنب في وصفه.
وكان دينا وقورا، صبورا على الفقر، منقبضا عن الدولة، إلا أنه كان فيه ميل عن الإمام علي.
مات سنة إحدى ومائتين.
وله تفسير، وكتاب " خلق القرآن "، وكتاب " الحجة والرسل "، وكتاب " الحركات "، و " الرد على الملحدة "، و " الرد على المجوس "، و " الأسماء الحسنى "، و " افتراق الأمة "، وأشياء عدة، وكان يكون بالعراق.(أعلام/858)
الأصمعي (د، ت)
الإمام العلامة الحافظ، حجة الأدب، لسان العرب أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع بن مظهر بن عبد شمس بن أعيا، بن سعد بن عبد بن غنم بن قتيبة بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، الأصمعي البصري، اللغوي الأخباري، أحد الأعلام. يقال: اسم أبيه عاصم، ولقبه قريب.
ولد سنة بضع وعشرين ومائة.
وحدث عن: ابن عون، وسليمان التيمي، وأبي عمرو بن العلاء، وقرة بن خالد، ومسعر بن كدام، وعمر بن أبي زائدة، وشعبة، ونافع بن أبي نعيم، وتلا عليه، وبكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، وسلمة بن بلال، وشبيب بن شيبة، وعدد كثير، لكنه قليل الرواية للمسندات.
حدث عنه: أبو عبيد، ويحيى بن معين، وإسحاق بن إبراهيم الموصلي، وسلمة بن عاصم، وزكريا بن يحيى المنقري، وعمر بن شبة، وأبو الفضل الرياشي، وأبو حاتم السجستاني، ونصر بن علي، وابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله الأصمعي، وأبو حاتم الرازي، وأحمد بن عبيد أبو عصيدة، وبشر بن موسى، والكديمي، وأبو العيناء، وأبو مسلم الكجي، وخلق كثير.
عباس الدوري، عن يحيى بن معين، عن الأصمعي قال: سمع مني مالك بن أنس.
وقد أثنى أحمد بن حنبل على الأصمعي في السنة.
قال الأصمعي: قال لي شعبة: لو تفرغت لجئتك.
قال إسحاق الموصلي: دخلت على الأصمعي أعوده، فإذا قمطر،
فقلت: هذا علمك كله؟ فقال: إن هذا من حق لكثير.
وقال ثعلب: قيل للأصمعي: كيف حفظت ونسوا؟ قال: درست وتركوا.
قال عمر بن شبة: سمعت الأصمعي يقول: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة.
وقال محمد بن الأعرابي: شهدت الأصمعي وقد أنشد نحوا من مائتي بيت، ما فيها بيت عرفناه.
قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: ما عبر أحد عن العرب بأحسن من عبارة الأصمعي.(أعلام/859)
وعن ابن معين قال: كان الأصمعي من أعلم الناس في فنه.
وقال أبو داود: صدوق.
قال أبو داود السنجي سمعت الأصمعي يقول: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قوله -عليه السلام-: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار.
وقال نصر الجهضمي: كان الأصمعي يتقي أن يفسر الحديث، كما يتقي أن يفسر القرآن.
قال المبرد: كان الأصمعي بحرا في اللغة، لا نعرف مثله فيها، وكان أبو زيد أنحى منه.
قيل لأبي نواس: قد أشخص الأصمعي وأبو عبيدة على الرشيد، فقال: أما أبو عبيدة: فإن مكنوه من سفره قرأ عليهم علم أخبار الأولين والآخرين، وأما الأصمعي: فبلبل يطربهم بنغماته.
قال أبو العيناء: قال الأصمعي: دخلت أنا وأبو عبيدة على الفضل بن الربيع، فقال: يا أصمعي كم كتابك في الخيل؟ قلت: جلد، فسأل أبا عبيدة عن ذلك، فقال: خمسون جلدا، فأمر بإحضار الكتابين، وأحضر فرسا، فقال لأبي عبيدة: اقرأ كتابك حرفا حرفا، وضع يدك على موضع موضع، قال: لست ببيطار إنما هذا شيء أخذته من العرب، فقال لي: قم فضع يدك. فقمت، فحسرت عن ذراعي وساقي، ثم وثبت، فأخذت بأذن الفرس، ثم وضعت يدي على ناصيته، فجعلت أقبض منه بشيء شيء، وأقول: هذا اسمه كذا، وأنشد فيه، حتى بلغت حافره، فأمر لي بالفرس، فكنت إذا أردت أن أغيظ أبا عبيدة ركبت الفرس وأتيته.
وعن ابن دريد: أن الأصمعي كان بخيلا، ويجمع أحاديث البخلاء.
وقال محمد بن سلام: كنا مع أبي عبيدة بقرب دار الأصمعي، فسمعنا منها ضجة فبادر الناس ليعرفوا ذلك، فقال أبو عبيدة: إنما يفعلون هذا عند الخبز، كذا يفعلون إذا فقدوا رغيفا.
وعن الأصمعي قال: نلت ما نلت بالملح.
قلت: كتب شيئا لا يحصى عن العرب، وكان ذا حفظ وذكاء ولطف عبارة، فساد.(أعلام/860)
وروى ثعلب، عن أحمد بن عمر النحوي قال: قدم الحسن بن سهل، فجمع أهل الأدب، وحضرت، ووقع الحسن على خمسين رقعة، وجرى ذكر الحفاظ، فذكرنا الزهري وقتادة، فقال الأصمعي: فأنا أعيد ما وقع به الأمير على التوالي، فأحضرت الرقاع، فقال: صاحب الرقعة الأولى كذا وكذا، واسمه كذا وكذا، ووقع له بكذا وكذا، والرقعة الثانية كذا، والثالثة. . . حتى مر على نيف وأربعين رقعة، فقال نصر بن علي الجهضمي: أيها المرء أبق على نفسك من العين.
وقد روى نحوها من وجه آخر، وقال: حسبك لا تقتل بالعين،
وقال: يا غلام، احمل معه خمسين ألفا.
قال عمرو بن مرزوق: رأيت الأصمعي وسيبويه يتناظران، فقال يونس: الحق مع سيبويه، وهذا يغلبه بلسانه.
وروي عن الأصمعي أن الرشيد أجازه مرة بمائة ألف.
وتصانيف الأصمعي ونوادره كثيرة، وأكثر تواليفه مختصرات، وقد فقد أكثرها.
قال خليفة وأبو العيناء مات الأصمعي سنة خمس عشرة ومائتين.
وقال محمد بن المثنى والبخاري: سنة ست عشرة ويقال: عاش ثمانيا وثمانين سنة -رحمه الله.(أعلام/861)
الأصيلي
الإمام شيخ المالكية عالم الأندلس أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي.
نشأ بأصيلا من بلاد العدوة، وتفقه بقرطبة.
سمع ابن المشاط، وابن السليم القاضي، ووهب بن مسرة - لقيه بوادي الحجارة - وأبا الطاهر الذهلي، وابن حيويه، وأبا إسحاق بن شعبان، وعدة بمصر، وكتب بمكة عن أبي زيد الفقيه " صحيح البخاري " ولحق أبا بكر الآجري، وأخذ ببغداد عن أبي بكر الشافعي، وابن الصواف، والقاضي الأبهري.
وله كتاب " الدلائل " في اختلاف مالك وأبي حنيفة والشافعي.
قال القاضي عياض: قال الدارقطني: حدثني أبو محمد الأصيلي، ولم أر مثله.
قال عياض: كان من حفاظ مذهب مالك، ومن العاملين بالحديث وعلله ورجاله، يرى أن النهي عن إتيان أدبار النساء على الكراهة، وينكر الغلو في الكرامات، ويثبت منها ما صح. ولي قضاء سرقسطة. قال: وكان نظير ابن أبي زيد بالقيروان، وعلى طريقته وهديه، وفيه زعارة. حمل الناس عنه، توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وشيعه أمم.(أعلام/862)
الأعرج (ع)
الإمام الحافظ الحجة المقرئ أبو داود عبد الرحمن بن هرمز المدني الأعرج مولى محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم.
سمع أبا هريرة، وأبا سعيد، وعبد الله بن مالك بن بحينة، وطائفة. وجود القرآن وأقرأه، وكان يكتب المصاحف. وسمع أيضا من أبي سلمة بن عبد الرحمن، وعمير مولى ابن عباس، وعدة.
حدث عنه الزهري، وأبو الزناد، وصالح بن كيسان، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الله بن لهيعة، وآخرون. وتلا عليه نافع بن أبي نعيم. وقيل: بل ولاؤه لبني مخزوم.
أخذ القراءة عرضا عن أبي هريرة، وابن عباس، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة. قال إبراهيم بن سعد: كان الأعرج يكتب المصاحف.
مالك، عن داود بن الحصين، سمع عبد الرحمن بن هرمز الأعرج يقول: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثماني ركعات، فإذا قام بها في ثنتي عشرة ركعة، رأى الناس أنه قد خفف.
ابن لهيعة، عن أبي النضر قال: كان عبد الرحمن بن هرمز أول من وضع العربية، وكان أعلم الناس بأنساب قريش، وقيل: إنه أخذ العربية عن أبي الأسود الديلي.
اتفق أن الأعرج سافر في آخر عمره إلى مصر، ومات مرابطا بالإسكندرية. أرخ وفاته مصعب الزبيري وطائفة في سنة سبع عشرة ومائة، وأظنه جاوز الثمانين.(أعلام/863)
الأعمش (ع)
سليمان بن مهران، الإمام شيخ الإسلام، شيخ المقرئين والمحدثين أبو محمد الأسدي الكاهلي، مولاهم الكوفي الحافظ. أصله من نواحي الري. فقيل ولد بقرية أمه من أعمال طبرستان في سنة إحدى وستين وقدموا به إلى الكوفة طفلا، وقيل: حملا.
قد رأى أنس بن مالك وحكى عنه، وروى عنه، وعن عبد الله بن أبي أوفى على معنى التدليس. فإن الرجل مع إمامته كان مدلسا، وروى عن أبي وائل، وزيد بن وهب، وأبي عمرو الشيباني، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير وأبي صالح السمان، ومجاهد، وأبي ظبيان، وخيثمة بن عبد الرحمن، وزر بن حبيش، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وكميل بن زياد، والمعرور بن سويد.
والوليد بن عبادة بن الصامت، وتميم بن سلمة، وسالم بن أبي الجعد، وعبد الله بن مرة الهمداني، وعمارة بن عمير الليثي، وقيس بن أبي حازم، ومحمد بن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، وهلال بن يساف، وأبي حازم الأشجعي سلمان، وأبي العالية الرياحي، وإسماعيل بن رجاء، وثابت بن عبيد، وأبي بشر، وحبيب بن أبي ثابت، والحكم، وذر بن عبد الله، وزياد بن الحصين، وسعيد بن عبيدة، والشعبي، والمنهال بن عمرو، وأبي سبرة النخعي، وأبي السفر الهمداني، وعمر بن مرة، ويحيى بن وثاب، وخلق كثير من كبار التابعين، وغيرهم.(أعلام/864)
روى عنه: الحكم بن عتيبة، وأبو إسحاق السبيعي، وطلحة بن مصرف، وحبيب بن أبي ثابت، وعاصم بن أبي النجود، وأيوب السختياني، وزيد بن أسلم، وصفوان بن سليم، وسهيل بن أبي صالح، وأبان بن تغلب، وخالد الحذاء، وسليمان التيمي، وإسماعيل بن أبي خالد، وهم كلهم من أقرانه، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وسعيد بن أبي عروبة، وابن إسحاق، وشعبة، ومعمر، وسفيان، وشيبان، وجرير بن حازم، وزائدة، وجرير بن عبد الحميد، وأبو معاوية، وحفص بن غياث، وعبد الله بن إدريس، وعلي بن مسهر، ووكيع، وأبو أسامة، وسفيان بن عيينة، وأحمد بن بشير، وإسحاق بن يوسف الأزرق، وسعد بن الصلت، وعبد الله بن نمير، وعبد الرحمن بن مغراء، وعثام بن علي، ويحيى بن سعيد الأموي، ويحيى بن سعيد القطان، ويونس بن بكير، ويعلى بن عبيد، وجعفر بن عون، والخريبي، وعبيد الله بن موسى، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وخلق كثير، آخرهم وفاة يحيى بن هاشم السمسار، أحد التلفى. وقد قرأ القرآن على يحيى بن وثاب مقرئ العراق. وقيل: إنه تلا على أبي العالية الرياحي، وذلك ممكن. قرأ عليه حمزة الزيات، وزائدة بن قدامة، وقرأ الكسائي على زائدة بحروف الأعمش. قال علي ابن المديني: له نحو من ألف وثلاثمائة حديث. قال سفيان بن عيينة: كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله، وأحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض.
وقال يحيى القطان: هو علامة الإسلام. قال وكيع بن الجراح: كان الأعمش، قريبا من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى.
وقال عبد الله الخريبي: ما خلف الأعمش أعبد منه. وقال ابن عيينة: رأيت الأعمش لبس فروا مقلوبا، وبتا تسيل خيوطه على رجليه. ثم قال: أرأيتم لولا أني تعلمت العلم، من كان يأتيني لو كنت بقالا؟ كان يقدر الناس أن يشتروا مني.
قال أبو نعيم: سمعت الأعمش يقول: كانوا يقرءون على يحيى بن وثاب، فلما مات أحدقوا بي.(أعلام/865)
وقال أبو أسامة: قال الأعمش: ما أطفتم بأحد إلا حملتموه على الكذب. الأشج: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الأعمش قال: استعان بي مالك بن الحارث في حاجة، فجئت في قباء مخرق. فقال لي: لو لبست ثوبا غيره، فقلت: امش فإنما حاجتك بيد الله، قال: فجعل يقول في المسجد: ما صرت مع سليمان إلا غلاما.
قال ابن إدريس: سئل الأعمش عن حديث فامتنع، فلم يزالوا به حتى استخرجوه منه. فلما حدث به، ضرب مثلا فقال: جاء قفاف بدراهم إلى صيرفي يريه إياها، فلما ذهب يزنها، وجدها تنقص سبعين، فقال:
عجبت عجيبة من ذئب سوء
أصاب فريسة من ليث غاب
فقف بكفه سبعين منها
تنقاها من السود الصلاب
فإن أخدع فقد يخدع ويؤخذ
عتيق الطير من جو السحاب
وقال نعيم بن حماد: حدثنا ابن عيينة قال: لو رأيت الأعمش وعليه فرو غليظ وخفان، أظنه قال: غليظان، كأنه إنسان سائل. فقال يوما: لولا القرآن، وهذا العلم عندي، لكنت من بقالي الكوفة.
أخبرنا علي بن أحمد في كتابه، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي، أنبأنا عبد الله بن محمد، أنبأنا عبيد الله بن حبابة، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا الفضل بن موسى، حدثنا الأعمش، قال: دخلت على مجاهد، فلما خرجت من عنده، تبعني بعض أصحابه فقال: سمعت مجاهدا يقول: لو كانت بي قوة، لاختلفت إلى هذا - يعني الأعمش.
وبه إلى البغوي، حدثني أبو سعيد، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، سمعت الأعمش يقول: انظروا: لا تنثروا هذه الدنانير على الكنائس.
وسمعته يقول: لا تنثروا اللؤلؤ تحت أظلاف الخنازير.(أعلام/866)
وبه حدثني زياد بن أيوب، حدثنا أبو سفيان الحميري، عن سفيان بن حسين قال: خرج الأعمش إلى بعض السواد فأتاه قوم فسألوه عن الحديث، قال: فقال له جلساؤه: لو حدثت هؤلاء المساكين؟ فقال: من يعلق الدر على الخنازير؟ ! .
حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا ابن إدريس عن الأعمش قال: جلست إلى إياس بن معاوية بواسط فذكر حديثا. فقلت: من ذكر هذا؟ فضرب لي مثل رجل من الخوارج. فقلت: أتضرب لي هذا المثل، تريد أن أكنس الطريق بثوبي، فلا أمر ببعرة ولا خنفس إلا حملتها؟ ! .
حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب القمي، عن أبي ربعي، عن الأعمش قال: العمالقة حرورية بني إسرائيل.
حدثني زياد بن أيوب، حدثنا ابن أبي زائدة، حدثنا الأعمش: دخل علي إبراهيم يعودني. وكان يمازحني، فقال: أما أنت فتعرف في منزلة: أنه ليس من القريتين عظيم.
حدثني محمد بن إسحاق، حدثنا ابن عمير، سمعت أبا خالد الأحمر، سمعت الأعمش يقول: كتبت عن أبي صالح ألف حديث.
حدثني أبو سعيد، حدثنا ابن إدريس، قال لي الأعمش: أما تعجب من عبد الملك بن أبجر قال: جاءني رجل فقال: إني لم أمرض، وأنا أشتهي أن أمرض، قال: فقلت: احمد الله على العافية. قال: أنا أشتهي أن أمرض. قال: كل سمكا مالحا، واشرب نبيذا مريسا، واقعد في الشمس، واستمرض الله. فجعل الأعمش يضحك ويقول: كأنما قال له واستشف الله -عز وجل.
حدثني أبو سعيد، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الأعمش قال: بلغني أن الرجل إذا نام حتى يصبح يعني لم يصل - توركه الشيطان فبال في أذنه. وأنا أرى أنه قد سلح في حلقي الليلة، وذلك أنه كان يسعل.(أعلام/867)
حدثني صالح، حدثني علي، سمعت يحيى يقول: دخل محمد بن إسحاق على الأعمش، فكلموه فيه ونحن قعود، ثم خرج الأعمش وتركه في البيت. فلما ذهب قال الأعمش: قلت له: شقيق، فقال: قل: أبو وائل، قال: وقال: زودني من حديثك حتى آتي به المدينة. قال: قلت: صار حديثي طعاما. وكنت آتي شقيق بن سلمة، وبنو عمه يلعبون بالنرد والشطرنج، فيقول: سمعت أسامة بن زيد، وسمعت عبد الله، وهم لا يدرون فيم نحن؟ .
حدثنا محمد بن يزيد الكوفي، أخبرنا أبو بكر بن عياش قال: كان الأعمش إذا حدث ثلاثة أحاديث، قال: قد جاءكم السيل. يقول أبو بكر: وأنا مثل الأعمش.
قال: وحدثني الأعمش قال إبراهيم: من تأتي اليوم؟ قلت: أبا وائل. قال: أما إنه قد كان يعد من خيار أصحاب عبد الله، فقال لي أبو وائل: ما يمنعك أن تأتينا، فاعتذرت إليه، قال: أما إنه ما هو بأبغض إلي أن تأتيني. فقلت له: كم أكثر من كنت ترى عند إبراهيم؟ قال: ثلاثة، أربعة، اثنين.
حدثنا محمد بن يزيد، أخبرنا أبو بكر، عن الأعمش، قال: خرج مالك إلى متنزه له، فمطرت السماء، فرفع رأسه، فقال: لئن لم تكف لأوذينك. قال: فأمسك المطر. فقيل له: أي شيء أردت أن تصنع؟ قال: أن لا أدع من يوحده إلا قتلته. فعلمت أن الله يحفظ عبده المؤمن.
حدثنا محمد، أخبرنا أبو بكر، قال لي سفيان التمار: أتتني أم الأعمش به فأسلمته إلي وهو غلام فذكرت ذلك للأعمش فقال: ويل أمه ما أكبره! . ابن الأعرابي في " معجمه ": سمعت الدقيقي، سمعت علي بن الحسن بن سليمان، سمعت أبا معاوية، سمعت الأعمش يقول: تزوج جني إلينا فقلنا: إيش تشتهون من الطعام؟ قال: الأرز. فأتينا بالأرز. فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحدا. قلت: فيكم هذه الأهواء؟ قال نعم.(أعلام/868)
حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا أبو خالد، ذكر الأعمش يعني حديث ذاك بال الشيطان في أذنه فقال: ما أرى عيني عمشت إلا من كثرة ما يبول الشيطان في أذني. وما أظنه فعل هذا قط.
قلت: يريد أن الأعمش كان صاحب ليل وتعبد.
حدثنا زياد بن أيوب، سمعت هشيما يقول: ما رأيت بالكوفة أحدا أقرأ لكتاب الله ولا أجود حديثا من الأعمش، ولا أفهم، ولا أسرع إجابة لما يسأل عنه من ابن شبرمة.
حدثني أحمد بن زهير، سمعت إبراهيم بن عرعرة، سمعت يحيى القطان، إذا ذكر الأعمش قال: كان من النساك، وكان محافظا على الصلاة في جماعة، وعلى الصف الأول، وهو علامة الإسلام. وكان يحيى يلتمس الحائط حتى يقوم في الصف الأول.
حدثنا علي بن سهل، أخبرنا عفان، أخبرنا أبو عوانة، قال: جاء رقبة إلى الأعمش، فسأله عن شيء فكلح في وجهه، فقال له رقبة: أما والله ما علمتك لدائم القطوب، سريع الملال، مستخف بحق الزوار، لكأنما تسعط الخردل إذا سئلت الحكمة.
وبه قال أبو عوانة: كانت للأعمش عندي بضاعة، فكنت آتيه فأقول: قد ربحت كذا وربحت كذا. وما حركتها.
حدثنا محمد بن هارون، أخبرنا نعيم بن حماد، أخبرنا سفيان عن عاصم، سمعت القاسم أبا عبد الرحمن يقول: ما أحد أعلم بحديث ابن مسعود من الأعمش. ثم قال نعيم: وسمعت ابن المبارك يقول: سمعت الأعمش يحلف أن لا يحدثني، ويقول: لا أحدث قوما وهذا التركي فيهم. وسمعت جريرا يقول: كنا نرقعها عند الأعمش، ولم يكن فينا أحفظ من أبي معاوية. وسمعت ابن عيينة يقول: سمعت الأعمش يقول: ليس بيننا وبين القوم إلا ستر.
حدثنا محمود بن غيلان قال: قال أبو نعيم: سمعت الأعمش يقول لأبي معاوية: أما أنت، فقد ربطت رأس كبشك. قلت: يعني وعى عنه علما جما.(أعلام/869)
حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا يحيى بن آدم، أخبرنا حفص بن غياث، سمعت الأعمش يقول: كنت إذا خلوت بأبي إسحاق حدثنا بحديث عبد الله، غضا ليس عليه غبار.
حدثنا أبو سعيد الأشج، أخبرنا ابن إدريس، قال: سألت الأعمش عن حديث، فقال: لا أجيبك إلى الأضحى. فقلت: لا آتيك إلى الأضحى. فمكثت حتى حان وقتي ووقته، ثم أتيت المسجد فلم أكلمه، وجلست ناحية، وحوله جماعة، وابنه يكتب في الأرض: سلوه عن كذا، سلوه عن كذا، فإذا دخل رجل لم يسلم، فإذا أراد أن يبزق خرج. فقلت: يا أبا محمد ما هذا الذي حدث في مجلسك؟ فقال: ابن إدريس؟ قلت: نعم. فسلم علي سلاما لم يكن ليسلمه علي قبل ذلك، وساءلني مساءلة لم يكن يسألني عنها. وكان يعجبه أن يكون للعربي مرارة.
حدثنا أبو سعيد، أخبرنا أبو خالد: كنا عند الأعمش فسألوه عن حديث. فقال لابن المختار: ترى أحدا من أصحاب الحديث؟ فغمض عينيه وقال: ما أرى أحدا يا أبا محمد. فحدث به.
حدثني أبو سعيد، أخبرنا أبو خالد الأحمر، سمعت الأعمش يقول: ما ظنكم برجل أعور، عليه قباء وملحفة موردة، جالسا مع الشرط، يعني إبراهيم.
حدثني أبو سعيد الأشج، حدثني محمد بن يحيى الجعفي، عن حفص بن غياث قال: قيل للأعمش أيام زيد: لو خرجت؟ قال: ويلكم! والله ما أعرف أحدا أجعل عرضي دونه. فكيف أجعل ديني دونه؟ ! .
حدثني أبو سعيد، أخبرنا ابن نمير، عن الأعمش قال: كنت آتي مجاهدا فيقول: لو كنت أطيق المشي لجئتك.
حدثنا محمد بن يزيد، أخبرنا أبو بكر بن عياش، أخبرنا مغيرة قال: لما مات إبراهيم، اختلفت إلى الأعمش في الفرائض.
حدثني ابن زنجويه، أخبرنا نعيم بن حماد، أخبرنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، قال: إني لأسمع الحديث فأنظر ما يؤخذ منه فآخذه وأدع سائره.(أعلام/870)
قال وكيع: جاءوا إلى الأعمش يوما، فخرج، وقال: لولا أن في منزلي من هو أبغض إلي منكم ما خرجت إليكم.
قيل: إن أبا داود الحائك سأل الأعمش: ما تقول يا أبا محمد في الصلاة خلف الحائك؟ فقال: لا بأس بها على غير وضوء. قال: وما تقول في شهادته؟ قال: يقبل مع عدلين.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: الأعمش ثقة ثبت. كان محدث الكوفة في زمانه. يقال: إنه ظهر له أربعة آلاف حديث، ولم يكن له كتاب. قال: وكان يقرئ القرآن وهو رأس فيه. وكان فصيحا. وكان أبوه من سبي الديلم، وكان عسرا سيئ الخلق، وكان لا يلحن حرفا، وكان عالما بالفرائض. وكان فيه تشيع. ولم يختم عليه سوى ثلاثة: طلحة بن مصرف وكان أسن منه وأفضل وأبان بن تغلب، وأبو عبيدة بن معن.
قلت: مراد العجلي أنهم ختموا عليه تلقينا، وإلا فقد ختم عليه حمزة وغيره عرضا.
قال عيسى بن يونس: لم نر نحن مثل الأعمش، وما رأيت الأغنياء عند أحد أحقر منهم عنده مع فقره وحاجته.
قلت: كان عزيز النفس، قنوعا، وله رزق على بيت المال، في الشهر خمسة دنانير قررت له في أواخر عمره.
وكان والد وكيع وهو الجراح بن مليح على بيت المال، فلما أتاه وكيع ليأخذ قال له: ائتني من أبيك بعطائي حتى أحدثك بخمسة أحاديث.
روى علي بن عثام بن علي، عن أبيه قال: قيل للأعمش: ألا تموت فنحدث عنك؟ فقال: كم من حب أصبهاني قد انكسر على رأسه كيزان كثيرة. وورد أن الأعمش قرأ القرآن على زيد بن وهب، وزر بن حبيش، وإبراهيم النخعي. وأنه عرض على أبي عالية الرياحي، وعلى مجاهد، وعاصم بن بهدلة، وأبي حصين. وله قراءة شاذة ليس طريقها بالمشهور.(أعلام/871)
قال أبو بكر بن عياش: كان الأعمش يعرض القرآن، فيمسكون عليه المصاحف، فلا يخطئ في حرف. التبوذكي: عن أبي عوانة قال: أعطيت امرأة الأعمش خمارا. فكنت إذا جئت، أخذت بيده، فأخرجته إلي، فقلت له: إن لي إليك حاجة، قال: ما هي؟ قلت: إن لم تقضها فلا تغضب علي. قال: ليس قلبي في يدي. قلت: أمل علي. قال: لا أفعل.
علي بن سعيد النسوي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: منصور أثبت أهل الكوفة. ففي حديث الأعمش اضطراب كثير.
إسحاق ابن راهويه: حدثنا وكيع، سمعت الأعمش يقول: لولا الشهرة، لصليت الفجر، ثم تسحرت.
قال عيسى بن يونس: أرسل الأمير عيسى بن موسى إلى الأعمش بألف درهم وصحيفة ليكتب فيها حديثا، فكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم وقل هو الله أحد ووجه بها إليه. فبعث إليه: يا ابن الفاعلة، ظننت أني لا أحسن كتاب الله؟ . فبعث إليه: أظننت أني أبيع الحديث؟ .
قال عيسى بن يونس: أتى الأعمش أضياف، فأخرج إليهم رغيفين، فأكلوهما. فدخل فأخرج لهم نصف حبل قت، فوضعه على الخوان، وقال: أكلتم قوت عيالي فهذا قوت شاتي فكلوه. .
وخرجنا في جنازة، ورجل يقوده، فلما رجعنا عدل به، فلما أصحر، قال: أتدري أين أنت؟ أنت في جبانة كذا. ولا أردك حتى تملأ ألواحي حديثا. قال: اكتب. فلما ملأ الألواح رده. فلما دخل الكوفة دفع ألواحه لإنسان. فلما أن انتهى الأعمش إلى بابه، تعلق به وقال: خذوا الألواح من الفاسق. فقال: يا أبا محمد قد فات. فلما أيس منه، قال: كل ما حدثتك به كذب. قال: أنت أعلم بالله من أن تكذب.(أعلام/872)
قال عبد الله بن إدريس ; قلت للأعمش: يا أبا محمد، ما يمنعك من أخذ شعرك؟ قال: كثرة فضول الحجامين. قلت: فأنا أجيئك بحجام لا يكلمك حتى تفرغ. فأتيت جنيدا الحجام، وكان محدثا، فأوصيته. فقال: نعم. فلما أخذ نصف شعره قال: يا أبا محمد، كيف حديث حبيب بن أبي ثابت في المستحاضة؟ فصاح صيحة، وقام يعدو. وبقي نصف شعره بعد شهر غير مجزوز. سمعها علي بن خشرم منه.
وقال عيسى بن يونس: خرج الأعمش فإذا بجندي، فسخره ليخوض به نهرا. فلما ركب الأعمش قال: سبحان الذي سخر لنا هذا فلما توسط به الأعمش قال: وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ثم رمى به.
أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا أحمد بن محمد اللبان، أنبأنا أبو علي المقرئ، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم، حدثنا الأبار، حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا زيد بن الحباب، عن حسين بن واقد قال: قرأت على الأعمش، فقلت له: كيف رأيت قراءتي؟ قال: ما قرأ علي علج اقرأ منك.
وبه إلى أبي نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن الخزز الطبراني، حدثنا أحمد بن حرب الموصلي، حدثنا محمد بن عبيد قال: جاء رجل نبيل كبير اللحية إلى الأعمش، فسأله عن مسألة خفيفة في الصلاة، فالتفت إلينا الأعمش، فقال: انظروا إليه! لحيته تحتمل حفظ أربعة آلاف حديث، ومسألته مسألة صبيان الكتاب.
قال جرير بن عبد الحميد: كان الأعمش إذا سألوه عن حديث فلم يحفظه، جلس في الشمس، فيعرك بيديه عينيه، فلا يزال حتى يذكره.
إبراهيم بن رستم الأصبهاني، حدثنا أبو عصمة، عن الأعمش قال: آية التقبل الوسوسة، لأن أهل الكتابين لا يدرون ما الوسوسة، وذلك لأن أعمالهم لا تصعد إلى السماء.
عن أبي بكر بن عياش قال: رأيت الأعمش يلبس قميصا مقلوبا ويقول: الناس مجانين يجعلون الخشن مقابل جلودهم.(أعلام/873)
وقيل: إن الأعمش كان له ولد مغفل فقال له: اذهب فاشتر لنا حبلا للغسيل. فقال: يا أبة طول كم؟ قال: عشرة أذرع. قال: في عرض كم؟ قال: في عرض مصيبتي فيك.
ذكر رواية الأعمش عن أنس بن مالك.
أخبرنا بيبرس العقيلي وأيوب الأسدي، قالا: أنبأنا محمد بن سعيد الصوفي، أنبأنا أحمد بن المقرب، أنبأنا طراد النقيب، أنبأنا علي العيسوي، أنبأنا محمد بن عمرو، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، حدثنا محمد بن فضيل، عن الأعمش قال: رأيت أنسا -رضي الله عنه- بال، فغسل ذكره غسلا شديدا، ثم توضأ، ومسح على خفيه فصلى بنا وحدثنا في بيته.
هذا حديث صالح الإسناد. بين فيه الأعمش أن أنس بن مالك حدثهم في منزله.
أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الأصبهاني، حدثنا حبيب القزاز، حدثنا يوسف القاضي، حدثنا مسدد، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا الأعمش قال: " رأيت أنس بن مالك يصلي في المسجد الحرام، إذا رفع رأسه من الركوع، رفع صلبه حتى يستوي بطنه ".
هذا حديث صحيح الإسناد.
وبه إلى أبي نعيم، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن أنس، قال: توفي رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقيل له: أبشر بالجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا تدرون؟ فلعله قد تكلم بما لا يعنيه، أو بخل بما لا ينفعه.
غريب يعد في أفراد عمر بن حفص شيخ البخاري.(أعلام/874)
وبه قال أبو نعيم، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد المعدل، حدثنا عبد الله بن محمد المخرمي، حدثنا عيسى بن جعفر، حدثنا أحمد بن داود الحراني، سمعت عيسى بن يونس، سمعت الأعمش يقول: كان أنس بن مالك يمر بي طرفي النهار، فأقول: لا أسمع منك حديثا. خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم جئت إلى الحجاج حتى ولاك؟ ثم ندمت فصرت أروي عن رجل عنه.
وبه حدثنا محمد بن محمد أبو جعفر البغدادي المقرئ، حدثنا عبد الله بن أيوب القربي، حدثنا معاذ بن أسد (ح) وبه إلى أبي نعيم، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا جعفر الفريابي، حدثنا داود بن مخراق، قالا: حدثنا الفضل بن موسى، حدثنا الأعمش، عن أنس بن مالك قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فمر على شجرة يابسة فضربها بعصا كانت في يده، فتناثر الورق، فقال: إن سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر يساقطن الذنوب كما تساقط هذه الشجرة ورقها.
هذا حديث غريب. ورواته ثقات.
وبه حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم القاضي، حدثنا علي بن أحمد بن النضر، حدثنا عاصم بن علي (ح) وحدثنا عبد الملك بن الحسن، حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا أحمد بن يونس، قالا: حدثنا أبو شهاب عبد ربه الحناط، حدثنا الأعمش، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للمالك من المملوك، وويل للمملوك من المالك، وويل للشديد من الضعيف، وويل للضعيف من الشديد، وويل للغني من الفقير، وويل للفقير من الغني.
وبه: حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا أبو مسلم قائد الأعمش، عن الأعمش، عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا جبريل، هل ترى ربك؟ قال: إن بيني وبينه تسعين حجابا من نار، أو نور، لو دنوت من أدناها، لاحترقت.
هذا حديث منكر. وأبو مسلم ليس بمعتمد.(أعلام/875)
وبه: حدثنا الحسين بن محمد الزبيري، حدثنا أحمد بن حمدون الأعمشي، ومحمد بن إبراهيم قالا: حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله، حدثنا سعيد بن الصباح، حدثنا الثوري، عن الأعمش، عن ابن أبي أوفى: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخوارج كلاب النار هذا رواه الناس عن إسحاق الأزرق، عن الأعمش.
وقد طلب الأعمش وكتب العلم بالكوفة قبل موت عبد الله بن أبي أوفى بأعوام. وهو معه ببلده. فما أبعد أن يكون سمع منه.
قرأت هذه الأحاديث السبعة على إسحاق بن النحاس: أخبركم ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم، فذكرها.(أعلام/876)
الأنصاري (ع)
الإمام العلامة المحدث، الثقة، قاضي البصرة، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك، الأنصاري الخزرجي، ثم النجاري البصري.
سمعه محمد بن المثنى العنزي يقول: ولدت سنة ثماني عشرة ومائة.
وطلب العلم وهو شاب.
فحدث عن سليمان التيمي، وحميد الطويل، وسعيد الجريري، وابن عون، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وأشعث بن عبد الله الحداني، وحبيب بن الشهيد، وأبيه عبد الله بن المثنى، وابن جريج، وإسماعيل بن مسلم المكي، وقرة بن خالد، وهشام بن حسان، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وسعيد بن أبي عروبة، وأبي خلدة خالد بن دينار، وحجاج بن أبي عثمان الصواف، وعبيد الله بن الأخنس، وعيينة بن عبد الرحمن بن جوشن، وشعبة، وهمام، والمسعودي وخلق، وينزل إلى زفر الفقيه، وسعد بن الصلت القاضي.
حدث عنه أبو الوليد الطيالسي، وأحمد، وابن معين، وبندار، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن الأزهر، والزعفراني، والفلاس، وعلي بن المديني، وقتيبة، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن يحيى، ويحيى بن جعفر البيكندي، وأبو قلابة، ومحمد بن أحمد بن أبي الخناجر، وأبو حاتم، ومحمد بن عبد الله بن جعفر الأنصاري الصغير، وأبو عمير عبد الكبير ولده، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، وإسماعيل سمويه، وعبد الله بن محمد بن أبي قريش، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وعبد العزيز بن معاوية، وخلق كثير، خاتمهم أبو مسلم الكجي.
روى الأحوص بن المفضل، عن يحيى بن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: صدوق وقال أيضا: لم أر من الأئمة إلا ثلاثة: أحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي، ومحمد بن عبد الله الأنصاري.
وقال النسائي: ليس به بأس.
وأما أبو داود، فقال: تغير تغيرا شديدا.(أعلام/877)
وقال زكريا الساجي: هو رجل جليل عالم، لم يكن عندهم من فرسان الحديث مثل يحيى القطان، ونظرائه، غلب عليه الرأي.
وعن ابن معين قال: كان يليق به القضاء، قيل: يا أبا زكريا، فالحديث؟ فقال:
إن للحرب أقواما لها خلقوا
وللدواوين كتاب وحساب
وقال أبو خيثمة: أنكر يحيى بن سعيد حديث الأنصاري عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون، عن ابن عباس: احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم صائم وقيل: وهم فيه الأنصاري، رواه سفيان بن حبيب، عن حبيب، عن ميمون بن مهران، عن يزيد بن الأصم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة، وهو محرم لكن قد روى الأنصاري حديث يزيد بن الأصم هكذا.
وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: ما كان يضع الأنصاري عند أصحاب الحديث إلا النظر في الرأي، وأما السماع فقد سمع، ثم ذكر الحديث المذكور بضعفه، وقال: ذهبت للأنصاري كتب، فكان بعد يحدث من كتب غلامه أبي حكيم.
وقال الفسوي سئل ابن المديني عن الحديث المذكور، فقال ليس من ذا شيء، إنما أراد حديث يزيد بن الأصم.
الرامهرمزي: حدثني عبد الله بن محمد بن أبان الخياط، من أهل رامهرمز، حدثنا القاسم بن نصر المخرمي، حدثنا سليمان بن داود المنقري، قال: وجه المأمون إلى الأنصاري خمسين ألف درهم، يقسمها بين الفقهاء بالبصرة، فكان هلال بن مسلم يتكلم عن أصحابه، قال الأنصاري: وكنت أتكلم عن أصحابي، فقال هلال: هي لنا، وقلت: بل هي لي ولأصحابي، فاختلفنا، فقلت لهلال: كيف تتشهد؟ فقال: أومثلي يسأل عن التشهد؟ فتشهد على حديث ابن مسعود، فقال: من حدثك به، ومن أين ثبت عندك؟ فبقي هلال، ولم يجبه، فقال الأنصاري: تصلي كل يوم، وتردد هذا الكلام، وأنت لا تدري من رواه عن نبيك؟ باعد الله بينك وبين الفقه، فقسمها الأنصاري في أصحابه.(أعلام/878)
البيان في صحة ذلك: فإن المنقري واه. وكان الأنصاري قد أخذ الفقه عن عثمان البتي، وسوار بن عبد الله، وعبيد الله بن الحسن العنبري، وولي قضاء البصرة زمن الرشيد بعد معاذ بن معاذ، ثم قدم بغداد، وولي بها القضاء، ثم رجع، فعن ابن قتيبة أن الرشيد قلده القضاء بالجانب الشرقي، بعد العوفي، فلما ولي الأمين، عزله، واستعمله على المظالم، بعد ابن علية.
قال ابن مثنى: سمعت الأنصاري: كان يأتي علي قبل اليوم عشرة أيام، لا أشرب الماء، واليوم أشرب كل يومين، وما أتيت سلطانا قط إلا وأنا كاره.
وقيل: تفقه بزفر وبأبي يوسف، فالله أعلم.
قال ابن سعد وغيره: مات الأنصاري بالبصرة في رجب سنة خمس عشرة ومائتين.
قلت: عاش سبعا وتسعين سنة، وكان أسند أهل زمانه، وله جزء مشهور من العوالي تفرد به التاج الكندي، وجزء آخر من رواية أبي حاتم الرازي عنه، سمعناه من طريق السلفي، وجزء رواه عنه أبو حاتم المهلب بن محمد بن المهلب المهلبي، ويقع حديثه عاليا في " الغيلانيات " وما في شيوخ البخاري أحد أكبر منه، ولا أعلى رواية، بلى له عند البخاري نظراء، منهم عبيد الله بن موسى، وأبو عاصم، ومكي بن إبراهيم، رحمهم الله.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد وجماعة كتابة، قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا محمد بن محمد بن غيلان، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا الأنصاري، حدثني سليمان التيمي، أن أبا عاصم حدثهم عن أسامة بن زيد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قمت على باب الجنة، فإذا عامة من يدخلها المساكين، وقمت على باب النار، فإذا عامة من يدخلها النساء.
أخرجه البخاري ومسلم من وجوه عن التيمي.(أعلام/879)
الأوزاعي (ع)
عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام، أبو عمرو الأوزاعي.
كان يسكن بمحلة الأوزاع، وهي العقيبة الصغيرة ظاهر باب الفراديس بدمشق، ثم تحول إلى بيروت مرابطا بها إلى أن مات.
وقيل: كان مولده ببعلبك.
حدث عن: عطاء بن أبي رباح، وأبي جعفر الباقر، وعمرو بن شعيب، ومكحول، وقتادة، والقاسم بن مخيمرة، وربيعة بن يزيد القصير، وبلال بن سعد، والزهري، وعبدة بن أبي لبابة، ويحيى بن أبي كثير، وأبي كثير السحيمي اليمامي، وحسان بن عطية، إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، ومطعم بن المقدام، وعمير بن هانئ العنسي، ويونس بن ميسرة ومحمد بن إبراهيم التيمي، وعبد الله بن عامر اليحصبي، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، والحارث بن يزيد الحضرمي.
وحفص بن عنان، وسالم بن عبد الله المحاربي، وسليمان بن حبيب المحاربي، وشداد أبي عمار، وعبد الله بن عبيد بن عمير، وعبد الرحمن بن القاسم، وعبد الواحد بن قيس، وأبي النجاشي عطاء بن صهيب، وعطاء الخراساني، وعكرمة بن خالد، وعلقمة بن مرثد، ومحمد بن سيرين، وابن المنكدر، وميمون بن مهران، ونافع مولى ابن عمر، والوليد بن هشام، وخلق كثير من التابعين، وغيرهم.
وكان مولده في حياة الصحابة.(أعلام/880)
روى عنه: ابن شهاب الزهري، ويحيى بن أبي كثير - وهما من شيوخه - وشعبة، والثوري، ويونس بن يزيد، وعبد الله بن العلاء بن زبر، ومالك، وسعيد بن عبد العزيز، وابن المبارك، وأبو إسحاق الفزاري، وإسماعيل بن عياش، ويحيى بن حمزة القاضي، وبقية بن الوليد، والوليد بن مسلم، والمعافى بن عمران، ومحمد بن شعيب، وشعيب بن إسحاق، ويحيى القطان، وعيسى بن يونس، والهقل بن زياد، ومحمد بن يوسف الفريابي، وأبو المغيرة الحمصي، وأبو عاصم النبيل، ومحمد بن كثير المصيصي، وعمرو بن عبد الواحد، ويحيى البابلتي، والوليد بن مزيد العذري، وخلق كثير.
قال محمد بن سعد: الأوزاع بطن من همدان، وهو من أنفسهم، وكان ثقة. قال: وولد سنة ثمان وثمانين، وكان خيرا، فاضلا، مأمونا كثير العلم والحديث والفقه، حجة. توفي سنة سبع وخمسين ومائة. وأما البخاري فقال: لم يكن من الأوزاع بل نزل فيهم.
قال الهيثم بن خارجة: سمعت أصحابنا يقولون: ليس هو من الأوزاع، هو ابن عم يحيى بن أبي عمرو السيباني لحا، إنما كان ينزل قرية الأوزاع، إذا خرجت من باب الفراديس.
قال ضمرة بن ربيعة: الأوزاع: اسم وقع على موضع مشهور بربض دمشق، سمي بذلك ; لأنه سكنه بقايا من قبائل شتى، والأوزاع: الفرق، تقول: وزعته، أي: فرقته.
قال أبو زرعة الدمشقي: اسم الأوزاعي: عبد العزيز بن عمرو بن أبي عمرو، فسمى نفسه عبد الرحمن، وكان أصله من سبي السند، نزل في الأوزاع، فغلب عليه ذلك، وكان فقيه أهل الشام، وكانت صنعته الكتابة والترسل، ورسائله تؤثر.
قال أبو مسهر وطائفة: ولد سنة ثمان وثمانين ضمرة: سمعت الأوزاعي يقول: كنت محتلما، أو شبيها بالمحتلم في خلافة عمر بن عبد العزيز. وشذ محمد بن شعيب، عن الأوزاعي، فقال: مولدي سنة ثلاث وتسعين فهذا خطأ.(أعلام/881)
قال الوليد بن مزيد: مولده ببعلبك، ومنشؤه بالكرك - قرية بالبقاع - ثم نقلته أمه إلى بيروت.
قال العباس بن الوليد: فما رأيت أبي يتعجب من شيء في الدنيا، تعجبه من الأوزاعي. فكان يقول: سبحانك تفعل ما تشاء! كان الأوزاعي يتيما فقيرا في حجر أمه، تنقله من بلد إلى بلد، وقد جرى حكمك فيه أن بلغته حيث رأيته، يا بني، عجزت الملوك أن تؤدب أنفسها وأولادها أدب الأوزاعي في نفسه، ما سمعت منه كلمة قط فاضلة إلا احتاج مستمعها إلى إثباتها عنه، ولا رأيته ضاحكا قط حتى يقهقه، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد، أقول في نفسي: أترى في المجلس قلب لم يبك؟ ! .
الفسوي: سمعت العباس بن الوليد بن مزيد، عن شيوخهم، قالوا: قال الأوزاعي: مات أبي وأنا صغير، فذهبت ألعب مع الغلمان، فمر بنا فلان - وذكر شيخا جليلا من العرب - ففر الصبيان حين رأوه، وثبت أنا، فقال: ابن من أنت؟ فأخبرته. فقال: يا ابن أخي، يرحم الله أباك. فذهب بي إلى بيته، فكنت معه حتى بلغت، فألحقني في الديوان، وضرب علينا بعثا إلى اليمامة، فلما قدمناها، ودخلنا مسجد الجامع، وخرجنا، قال لي رجل من أصحابنا: رأيت يحيى بن أبي كثير معجبا بك، يقول: ما رأيت في هذا البعث أهدى من هذا الشاب! قال: فجالسته فكتبت عنه أربعة عشر كتابا، أو ثلاثة عشر، فاحترق كله.(أعلام/882)
ابن زبر: حدثنا الحسن بن جرير، حدثنا محمد بن أيوب بن سويد، عن أبيه: أن الأوزاعي خرج في بعث اليمامة، فأتى مسجدها، فصلى، وكان يحيى بن أبي كثير قريبا منه، فجعل ينظر إلى صلاته، فأعجبته، ثم إنه جلس إليه، وسأله عن بلده، وغير ذلك، فترك الأوزاعي الديوان، وأقام عنده مدة يكتب عنه، فقال له: ينبغي لك أن تبادر البصرة لعلك تدرك الحسن وابن سيرين، فتأخذ عنهما. فانطلق إليهما، فوجد الحسن قد مات، وابن سيرين حيا، فأخبرنا الأوزاعي: أنه دخل عليه فعاده، ومكث أياما ومات، ولم يسمع منه، قال: كان به البطن.
قال محمد بن عبد الرحمن السلمي: رأيت الأوزاعي فوق الربعة، خفيف اللحم، به سمرة، يخضب بالحناء.
محمد بن كثير: عن الأوزاعي، قال: خرجت أريد الحسن ومحمدا، فوجدت الحسن قد مات، ووجدت ابن سيرين مريضا.
قال عبد الرزاق: أول من صنف ابن جريج، وصنف الأوزاعي. أبو مسهر: حدثني الهقل، قال: أجاب الأوزاعي في سبعين ألف مسألة، أو نحوها.
قال إسماعيل بن عياش: سمعت الناس في سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة. أخبرنا أبو مسهر، حدثنا سعيد، قال: الأوزاعي هو عالم أهل الشام. وسمعت محمد بن شعيب يقول: قلت لأمية بن يزيد: أين الأوزاعي من مكحول؟ قال: هو عندنا أرفع من مكحول.(أعلام/883)
قلت: بلا ريب هو أوسع دائرة في العلم من مكحول. محمد بن شعيب، قال: ثم قال أمية: كان قد جمع العبادة والعلم والقول بالحق. قال العباس بن الوليد البيروتي: حدثني رجل من ولد الأحنف بن قيس، قال: بلغ الثوري، وهو بمكة، مقدم الأوزاعي، فخرج حتى لقيه بذي طوى فلما لقيه، حل رسن البعير من القطار، فوضعه على رقبته، فجعل يتخلل به، فإذا مر بجماعة قال: الطريق للشيخ. روى نحوها المحدث سليمان بن أحمد الواسطي، حدثنا عثمان بن عاصم. وروى شبيها بها إسحاق بن عباد الختلي عن أبيه: أن الثوري. . . بنحوها.
قال أحمد بن حنبل: دخل سفيان الثوري والأوزاعي على مالك، فلما خرجا قال: أحدهما أكثر علما من صاحبه، ولا يصلح للإمامة، والآخر يصلح للإمامة - يعني الأوزاعي للإمامة. مسلمة بن ثابت: عن مالك، قال: الأوزاعي إمام يقتدى به. الشاذكوني: سمعت ابن عيينة يقول: كان الأوزاعي والثوري بمنى، فقال الأوزاعي للثوري: لم لا ترفع يديك في خفض الركوع ورفعه؟ . فقال: حدثنا يزيد بن أبي زياد. . . فقال الأوزاعي: روى لك الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعارضني بيزيد رجل ضعيف الحديث، وحديثه مخالف للسنة، فاحمر وجه سفيان. فقال الأوزاعي: كأنك كرهت ما قلت؟ قال: نعم. فقال: قم بنا إلى المقام نلتعن أينا على الحق. قال: فتبسم سفيان لما رآه قد احتد.
علي بن بكار: سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: ما رأيت مثل الأوزاعي والثوري! . فأما الأوزاعي، فكان رجل عامة، وأما الثوري، فكان رجل خاصة نفسه، ولو خيرت لهذه الأمة لاخترت لها الأوزاعي - يريد الخلافة.
قال علي بن بكار: لو خيرت لهذه الأمة، لاخترت لها أبا إسحاق الفزاري.
قال الخريبي: كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه.(أعلام/884)
وعن نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، قال: لو قيل لي: اختر لهذه الأمة، لاخترت سفيان الثوري والأوزاعي، ولو قيل لي: اختر أحدهما، لاخترت الأوزاعي ; لأنه أرفق الرجلين. وكذا قال في هذا المعنى أبو أسامة.
قال عبد الرحمن بن مهدي: إنما الناس في زمانهم أربعة: حماد بن زيد بالبصرة، والثوري بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام.
قال أحمد بن حنبل: حديث الأوزاعي عن يحيى مضطرب. الربيع المرادي: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت رجلا أشبه فقهه بحديثه من الأوزاعي.
قال إبراهيم الحربي: سألت أحمد بن حنبل: ما تقول في مالك؟ قال: حديث صحيح، ورأي ضعيف. قلت: فالأوزاعي؟ قال: حديث ضعيف، ورأي ضعيف. قلت: فالشافعي؟ قال: حديث صحيح، ورأي صحيح. قلت: ففلان؟ قال: لا رأي ولا حديث. قلت: يريد أن الأوزاعي حديثه ضعيف من كونه يحتج بالمقاطيع، وبمراسيل أهل الشام، وفي ذلك ضعف، لا أن الإمام في نفسه ضعيف.
قال الوليد بن مسلم: رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه، يذكر الله حتى تطلع الشمس، ويخبرنا عن السلف: أن ذلك كان هديهم، فإذا طلعت الشمس، قام بعضهم إلى بعض، فأفاضوا في ذكر الله، والتفقه في دينه. عمر بن عبد الواحد: عن الأوزاعي، قال: دفع إلي الزهري صحيفة، فقال: اروها عني. ودفع إلي يحيى بن أبي كثير صحيفة، فقال: اروها عني. فقال ابن ذكوان: حدثنا الوليد قال: قال الأوزاعي: نعمل بها، ولا نحدث بها - يعني الصحيفة.
قال الوليد: كان الأوزاعي يقول: كان هذا العلم كريما، يتلاقاه الرجال بينهم، فلما دخل في الكتب، دخل فيه غير أهله. وروى مثلها ابن المبارك، عن الأوزاعي.(أعلام/885)
ولا ريب أن الأخذ من الصحف وبالإجازة يقع فيه خلل، ولا سيما في ذلك العصر، حيث لم يكن بعد نقط ولا شكل، فتتصحف الكلمة بما يحيل المعنى، ولا يقع مثل ذلك في الأخذ من أفواه الرجال، وكذلك التحديث من الحفظ يقع فيه الوهم، بخلاف الرواية من كتاب محرر. محمد بن عوف: حدثنا هشام بن عمار: سمعت الوليد يقول: احترقت كتب الأوزاعي زمن الرجفة ثلاثة عشر قنداقا فأتاه رجل بنسخها، فقال: يا أبا عمرو، هذه نسخة كتابك، وإصلاحك بيدك، فما عرض لشيء منها حتى فارق الدنيا.
وقال بشر بن بكر التنيسي: قيل للأوزاعي: يا أبا عمرو، الرجل يسمع الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه لحن، أيقيمه على عربيته؟ قال: نعم، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتكلم إلا بعربي. قال الوليد بن مسلم: سمعت الأوزاعي يقول: لا بأس بإصلاح اللحن والخطأ في الحديث.
منصور بن أبي مزاحم، عن أبي عبيد الله كاتب المنصور، قال: كانت ترد على المنصور كتب من الأوزاعي نتعجب منها، ويعجز كتابه عنها، فكانت تنسخ في دفاتر، وتوضع بين يدي المنصور، فيكثر النظر فيها استحسانا لألفاظها، فقال لسليمان بن مجالد - وكان من أحظى كتابه عنده -: ينبغي أن تجيب الأوزاعي عن كتبه جوابا تاما. قال: والله يا أمير المؤمنين، ما أحسن ذلك، وإنما أرد عليه ما أحسن، وإن له نظما في الكتب لا أظن أحدا من جميع الناس يقدر على إجابته عنه، وأنا أستعين بألفاظه على من لا يعرفها ممن نكاتبه في الآفاق.
قلت: كان الأوزاعي مع براعته في العلم، وتقدمه في العمل كما ترى رأسا في الترسل - رحمه الله.
الوليد بن مزيد: سئل الأوزاعي عن الخشوع في الصلاة، قال: غض البصر، وخفض الجناح، ولين القلب، وهو الحزن، الخوف.
قال: وسئل الأوزاعي عن إمام ترك سجدة ساهيا حتى قام وتفرق الناس. قال: يسجد كل إنسان منهم سجدة وهم متفرقون.(أعلام/886)
وسمعت الأوزاعي يقول: وسألته: من الأبله؟ قال: العمي عن الشر، البصير بالخير. سليمان بن عبد الرحمن، حدثنا الوليد، سمعت الأوزاعي يقول: ما أخطأت يد الحاصد، أو جنت يد القاطف، فليس لصاحب الزرع عليه سبيل، إنما هو للمارة وابن السبيل.
روى أبو مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: ولي الأوزاعي القضاء ليزيد بن الوليد، فجلس مجلسا، ثم استعفى، فأعفي، وولى يزيد ابن أبي ليلى الغساني، فلم يزل حتى قتل بالغوطة.
قال إسحاق بن راهويه: إذا اجتمع الثوري والأوزاعي ومالك على أمر فهو سنة.
قلت: بل السنة ما سنه النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون من بعده. والإجماع: هو ما أجمعت عليه علماء الأمة قديما وحديثا ; إجماعا ظنيا أو سكوتيا، فمن شذ عن هذا الإجماع من التابعين أو تابعيهم لقول باجتهاده احتمل له. فأما من خالف الثلاثة المذكورين من كبار الأئمة، فلا يسمى مخالفا للإجماع، ولا للسنة، وإنما مراد إسحاق: أنهم إذا اجتمعوا على مسألة فهو حق غالبا، كما نقول اليوم: لا يكاد يوجد الحق فيما اتفق أئمة الاجتهاد الأربعة على خلافه، مع اعترافنا بأن اتفاقهم على مسألة لا يكون إجماع الأمة، ونهاب أن نجزم في مسألة اتفقوا عليها بأن الحق في خلافها.
ومن غرائب ما انفرد به الأوزاعي: أن الفخذ ليست في الحمام عورة، وأنها في المسجد عورة. وله مسائل كثيرة حسنة ينفرد بها، وهي موجودة في الكتب الكبار، وكان له مذهب مستقل مشهور، عمل به فقهاء الشام مدة، وفقهاء الأندلس، ثم فني.
سليمان بن عبد الرحمن، قال: قال عقبة بن علقمة البيروتي: أرادوا الأوزاعي على القضاء، فامتنع وأبى، فتركوه.
وقال الأوزاعي: من أكثر ذكر الموت، كفاه اليسير، ومن عرف أن منطقه من عمله، قل كلامه.(أعلام/887)
أبو صالح كاتب الليث: عن الهقل بن زياد، عن الأوزاعي: أنه وعظ، فقال في موعظته: أيها الناس، تقووا بهذه النعم التي أصبحتم فيها على الهرب من نار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فإنكم في دار الثواء فيها قليل، وأنتم مرتحلون وخلائف بعد القرون، الذين استقالوا من الدنيا زهرتها كانوا أطول منكم أعمارا، وأجد أجساما، وأعظم آثارا، فجددوا الجبال، وجابوا الصخور ونقبوا في البلاد، مؤيدين ببطش شديد، وأجسام كالعماد، فما لبثت الأيام والليالي أن طوت مدتهم، وعفت آثارهم، وأخوت منازلهم، وأنست ذكرهم، فما تحس منهم من أحد، ولا تسمع لهم ركزا. كانوا بلهو الأمل آمنين، ولميقات يوم غافلين، ولصباح قوم نادمين، ثم إنكم قد علمتم ما نزل بساحتهم بياتا من عقوبة الله، فأصبح كثير منهم في ديارهم جاثمين، وأصبح الباقون ينظرون في آثار نقمه وزوال نعمه، ومساكن خاوية، فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم، وعبرة لمن يخشى، وأصبحتم في أجل منقوص، ودنيا مقبوضة، في زمان قد ولى عفوه، وذهب رخاؤه، فلم يبق منه إلا حمة شر، وصبابة كدر، وأهاويل غير، وأرسال فتن، ورذالة خلف.
الحكم بن موسى: حدثنا الوليد بن مسلم قال: ما كنت أحرص على السماع من الأوزاعي حتى رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام، والأوزاعي إلى جنبه، فقلت: يا رسول الله، عمن أحمل العلم؟ قال: عن هذا. وأشار إلى الأوزاعي.
قلت: كان الأوزاعي كبير الشأن.
قال عمرو بن أبي سلمة التنيسي: حدثنا الأوزاعي، قال: رأيت كأن ملكين عرجا بي، وأوقفاني بين يدي رب العزة، فقال لي: أنت عبدي عبد الرحمن الذي تأمر بالمعروف؟ فقلت: بعزتك أنت أعلم. قال: فهبطا بي حتى رداني إلى مكاني. رواها عبد الله بن أحمد، عن الحسن بن عبد العزيز، عنه.(أعلام/888)
العباس بن الوليد البيروتي: حدثنا عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، قال: جلست إلى شيخ في الجامع، فقال: أنا ميت يوم كذا وكذا. فلما كان ذلك اليوم، أتيته، فإذا به يتفلى في الصحن، فقال: ما أخذتم السرير؟ - يعني النعش - خذوه قبل أن تسبقوا إليه. قلت: ما تقول - رحمك الله؟ قال: هو الذي أقول لك، رأيت في المنام كأن طائرا وقع على ركن من أركان هذه القبة، فسمعته يقول: فلان قدري، وفلان كذا، وعثمان بن أبي العاتكة: نعم الرجل، وعبد الرحمن الأوزاعي خير من يمشي على الأرض، وأنت ميت يوم كذا وكذا، قال: فما جاءت الظهر حتى مات، وأخرج بجنازته.
قال الوليد بن مزيد: كان الأوزاعي من العبادة على شيء ما سمعنا بأحد قوي عليه، ما أتى عليه زوال قط إلا وهو قائم يصلي.
قال مروان الطاطري: قال الأوزاعي: من أطال قيام الليل، هون الله عليه وقوف يوم القيامة.
صفوان بن صالح، قال: كان الوليد بن مسلم يقول: ما رأيت أكثر اجتهادا في العبادة من الأوزاعي.
محمد بن سماعة الرملي: سمعت ضمرة بن ربيعة يقول: حججنا مع الأوزاعي سنة خمسين ومائة، فما رأيته مضطجعا في المحمل في ليل ولا نهار قط، كان يصلي، فإذا غلبه النوم، استند إلى القتب.
وعن سلمة بن سلام قال: نزل الأوزاعي على أبي، ففرشنا له فراشا، فأصبح على حاله، ونزعت خفيه، فإذا هو مبطن بثعلب.
قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: حدثنا بشر بن المنذر، قال: رأيت الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع.
ابن زبر: حدثنا إسحاق بن خالد، سمعت أبا مسهر يقول: ما رئي الأوزاعي باكيا قط، ولا ضاحكا حتى تبدو نواجذه، وإنما كان يتبسم أحيانا، كما روي في الحديث. وكان يحيي الليل صلاة وقرآنا وبكاء. وأخبرني بعض إخواني من أهل بيروت، أن أمه كانت تدخل منزل الأوزاعي، وتتفقد موضع مصلاه، فتجده رطبا من دموعه في الليل.(أعلام/889)
أبو مسهر: حدثني محمد بن الأوزاعي قال: قال لي أبي: يا بني، لو كنا نقبل من الناس كل ما يعرضون علينا، لأوشك أن نهون عليهم.(أعلام/890)
الإسماعيلي
الإمام الحافظ الحجة الفقيه شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيلي الشافعي صاحب " الصحيح "، وشيخ الشافعية.
مولده في سنة سبع وسبعين ومائتين.
وكتب الحديث بخطه وهو صبي مميز، وطلب في سنة تسع وثمانين وبعدها.
روى عن: إبراهيم بن زهير الحلواني، وحمزة بن محمد الكاتب، ويوسف بن يعقوب القاضي - مصنف " السنن " - وأحمد بن محمد بن مسروق، ومحمد بن يحيى المروزي، والحسن بن علويه القطان، وجعفر بن محمد الفريابي، ومحمد بن عبد الله مطين، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن شريك، وجعفر بن محمد بن الليث البصري، ومحمد بن حيان بن أزهر، ومحمد بن عثمان بن أبي سويد، وعمران بن موسى السختياني، ومحمد بن إسماعيل بن سماعة، والفضل بن الحباب الجمحي، وبهلول بن إسحاق خطيب الأنبار، وعبد الله بن ناجية، والحسن بن سفيان، وأبي يعلى الموصلي، وابن خزيمة، والسراج، والبغوي، وطبقتهم بخراسان والحجاز والعراق والجبال.
وصنف تصانيف تشهد له بالإمامة في الفقه والحديث، عمل " مسند عمر " رضي الله عنه في مجلدتين، و " المستخرج على الصحيح ": أربع مجلدات، وغير ذلك، و " معجمه " في مجيليد يكون عن نحو ثلاثمائة شيخ.
حدث عنه: الحاكم، وأبو بكر البرقاني، وحمزة السهمي، وأبو حازم العبدوي، والحسين بن محمد الباشاني، وأبو سعيد النقاش، وأبو الحسن محمد بن علي الطبري، والحافظ أبو بكر محمد بن إدريس الجرجرائي، وعبد الصمد بن منير العدل، وأبو عمرو عبد الرحمن بن محمد الفارسي سبطه، وخلق سواهم.
قال حمزة بن يوسف: سمعت الدارقطني يقول: قد كنت عزمت غير مرة أن أرحل إلى أبي بكر الإسماعيلي فلم أرزق.
قلت: إنما كان يرحل إليه لعلمه لا لعلو بالنسبة إلى أبي الحسن.(أعلام/891)
قال حمزة: سمعت الحسن بن علي الحافظ بالبصرة يقول: كان الواجب للشيخ أبي بكر أن يصنف لنفسه سننا ويختار ويجتهد، فإنه كان يقدر عليه لكثرة ما كتب، ولغزارة علمه وفهمه وجلالته، وما كان ينبغي له أن يتقيد بكتاب محمد بن إسماعيل البخاري فإنه كان أجل من أن يتبع غيره، أو كما قال.
قلت: من جلالة الإسماعيلي أن عرف قدر " صحيح البخاري " وتقيد به.
قال الحاكم: كان الإسماعيلي واحد عصره، وشيخ المحدثين والفقهاء، وأجلهم في الرئاسة والمروءة والسخاء، ولا خلاف بين العلماء من الفريقين وعقلائهم في أبي بكر.
قال حمزة السهمي: سألني الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات بمصر عن الإسماعيلي وسيرته وتصانيفه، فكنت أخبره بما صنف من الكتب، وبما جمع من المسانيد والمقلين، وتخريجه على " صحيح البخاري "، وجميع سيرته، فتعجب من ذلك، وقال: لقد كان رزق من العلم والجاه والصيت الحسن.
قال حمزة: وسمعت جماعة منهم الحافظ ابن المظفر يحكون جودة قراءة أبي بكر. وقالوا: كان مقدما في جميع المجالس، كان إذا حضر مجلسا لا يقرأ غيره.
قال الإسماعيلي في " معجمه ": كتبت في صغري الإملاء بخطي في سنة ثلاث وثمانين ومائتين، ولي يومئذ ست سنين. فهذا يدلك على أن أبا بكر حرص عليه أهله في الصغر.
وقد حمل عنه الفقه ولده أبو سعد، وعلماء جرجان.(أعلام/892)
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن الفراء، أخبرنا الشيخ موفق الدين عبد الله، أخبرنا مسعود بن عبد الواحد، أخبرنا صاعد بن سيار، أخبرنا علي بن محمد الجرجاني، أخبرنا حمزة بن يوسف، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي قال: اعلموا - رحمكم الله - أن مذاهب أهل الحديث الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقبول ما نطق به كتاب الله، وما صحت به الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا معدل عن ذلك. ويعتقدون بأن الله مدعو بأسمائه الحسنى، وموصوف بصفاته التي وصف بها نفسه، ووصفه بها نبيه، خلق آدم بيديه، ويداه مبسوطتان بلا اعتقاد (كيف) ، واستوى على العرش بلا (كيف) ، وذكر سائر الاعتقاد.
قال القاضي أبو الطيب الطبري: دخلت جرجان قاصدا إلى أبي بكر الإسماعيلي وهو حي، فمات قبل أن ألقاه.
قال حمزة: وسمعت أبا بكر الإسماعيلي يقول: لما ورد نعي محمد بن أيوب الرازي، بكيت وصرخت، ومزقت القميص، ووضعت التراب على رأسي، فاجتمع علي أهلي، وقالوا: ما أصابك؟ قلت: نعي إلي محمد بن أيوب، منعتموني الارتحال إليه، فسلوني وأذنوا لي في الخروج إلى نسا إلى الحسن بن سفيان، ولم يكن هاهنا شعرة، وأشار إلى وجهه.
قلت: مات ابن أيوب سنة أربع وتسعين، وليس الحسن بن سفيان في طبقته في العلو.
قال: وخرجت إلى العراق في سنة ست وتسعين في صحبة أقربائي.
قال حمزة السهمي: سمعت الإسماعيلي يقول: كتبت بخطي عن أحمد بن خالد الدامغاني إملاء في سنة ثلاث وثمانين، ولا أذكر صورته. قال حمزة: مات أبو بكر في غرة رجب سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة عن أربع وتسعين سنة.(أعلام/893)
الإصطخري
الإمام القدوة العلامة، شيخ الإسلام أبو سعيد، الحسن بن أحمد بن يزيد، الإصطخري الشافعي، فقيه العراق، ورفيق ابن سريج.
سمع سعدان بن نصر، وحفص بن عمرو الربالي، وأحمد بن منصور الرمادي، وعباسا الدوري وحنبل بن إسحاق، وعدة.
وعنه: محمد بن المظفر، والدارقطني، وابن شاهين، وأبو الحسن بن الجندي، وآخرون.
وتفقه به أئمة.
قال أبو إسحاق المروزي لما دخلت بغداد، لم يكن بها من يستحق أن يدرس عليه إلا ابن سريج، وأبو سعيد الإصطخري.
وقال الخطيب: ولي قضاء قمر وولي حسبة بغداد، فأحرق مكان الملاهي.
قال: وكان ورعا زاهدا متقللا من الدنيا، له تصانيف مفيدة، منها كتاب " أدب القضاء " ليس لأحد مثله.
قلت: وهو صاحب وجه. وقيل: إن ثوبه وعمامته وطيلسانه وسراويله كان من شقة واحدة.
وقد استقضاه المقتدر على سجستان.
واستفتاه القاهر في الصابئين، فأفتاه بقتلهم ; لأنهم يعبدون الكواكب، فعزم الخليفة على ذلك، فجمعوا مالا جزيلا وقدموه ففتر عنهم.
مات الإصطخري في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وله نيف وثمانون سنة.
تفقه بأصحاب المزني والربيع.(أعلام/894)
الإمام الشافعي (خت، 4)
محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام، عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه الملة أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي، الغزي المولد، نسيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وابن عمه، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب.
اتفق مولد الإمام بغزة، ومات أبوه إدريس شابا، فنشأ محمد يتيما في حجر أمه، فخافت عليه الضيعة، فتحولت به إلى محتده وهو ابن عامين، فنشأ بمكة، وأقبل على الرمي، حتى فاق فيه الأقران، وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة، ثم أقبل على العربية والشعر، فبرع في ذلك وتقدم. ثم حبب إليه الفقه، فساد أهل زمانه.
وأخذ العلم ببلده عن: مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة، وداود بن عبد الرحمن العطار، وعمه محمد بن علي بن شافع، فهو ابن عم العباس جد الشافعي، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وسعيد بن سالم، وفضيل بن عياض، وعدة. ولم أر له شيئا عن نافع بن عمر الجمحي ونحوه، وكان معه بمكة.
وارتحل -وهو ابن نيف وعشرين سنة وقد أفتى وتأهل للإمامة- إلى المدينة، فحمل عن مالك بن أنس " الموطأ " عرضه من حفظه، -وقيل: من حفظه لأكثره- وحمل عن: إبراهيم بن أبي يحيى فأكثر، وعبد العزيز الدراوردي، وعطاف بن خالد، وإسماعيل بن جعفر، وإبراهيم بن سعد وطبقتهم.
وأخذ باليمن عن: مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف القاضي، وطائفة، وببغداد عن: محمد بن الحسن، فقيه العراق، ولازمه، وحمل عنه وقر بعير، وعن إسماعيل ابن علية، وعبد الوهاب الثقفي وخلق.
وصنف التصانيف، ودون العلم، ورد على الأئمة متبعا الأثر، وصنف في أصول الفقه وفروعه، وبعد صيته، وتكاثر عليه الطلبة.(أعلام/895)
حدث عنه: الحميدي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو يعقوب يوسف البويطي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وحرملة بن يحيى، وموسى بن أبي الجارود المكي، وعبد العزيز المكي صاحب " الحيدة " وحسين بن علي الكرابيسي، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، والحسن بن محمد الزعفراني، وأحمد بن محمد الأزرقي، وأحمد بن سعيد الهمداني، وأحمد بن أبي شريح الرازي، وأحمد بن يحيى بن وزير المصري، وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي، وابن عمه إبراهيم بن محمد الشافعي، وإسحاق بن راهويه، وإسحاق بن بهلول، وأبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي المتكلم، والحارث بن سريج النقال، وحامد بن يحيى البلخي، وسليمان بن داود المهري، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص، وعلي بن معبد الرقي.
وعلي بن سلمة اللبقي، وعمرو بن سواد، وأبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني، ومحمد بن يحيى العدني، ومسعود بن سهل المصري، وهارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن سنان القطان، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، ويونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وبحر بن نصر الخولاني، وخلق سواهم.
وقد أفرد الدارقطني كتاب من له رواية عن الشافعي في جزأين، وصنف الكبار في مناقب هذا الإمام قديما وحديثا ونال بعض الناس منه غضا، فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالة، ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوى، وقل من برز في الإمامة ورد على من خالفه إلا وعودي، نعوذ بالله من الهوى، وهذه الأوراق تضيق عن مناقب هذا السيد.(أعلام/896)
فأما جدهم السائب المطلبي، فكان من كبراء من حضر بدرا مع الجاهلية، فأسر يومئذ، وكان يشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ووالدته هي الشفاء بنت أرقم بن نضلة، ونضلة هو أخو عبد المطلب جد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيقال: إنه بعد أن فدى نفسه، أسلم.
وابنه شافع له رؤية، وهو معدود في صغار الصحابة.
وولده عثمان تابعي، لا أعلم له كبير رواية.
وكان أخوال الشافعي من الأزد.
عن ابن عبد الحكم قال: لما حملت والدة الشافعي به، رأت كأن المشتري خرج من فرجها، حتى انقض بمصر، ثم وقع في كل بلدة منه شظية، فتأوله المعبرون أنها تلد عالما، يخص علمه أهل مصر، ثم يتفرق في البلدان.
هذه رواية منقطعة.
وعن أبي عبد الله الشافعي، فيما نقله ابن أبي حاتم، عن ابن أخي ابن وهب عنه، قال: ولدت باليمن -يعني القبيلة، فإن أمه أزدية- قال: فخافت أمي علي الضيعة، وقالت: الحق بأهلك، فتكون مثلهم، فإني أخاف عليك أن تغلب على نسبك، فجهزتني إلى مكة، فقدمتها يومئذ وأنا ابن عشر سنين، فصرت إلى نسيب لي، وجعلت أطلب العلم، فيقول لي: لا تشتغل بهذا، وأقبل على ما ينفعك، فجعلت لذتي في العلم.
قال ابن أبي حاتم: سمعت عمرو بن سواد: قال لي الشافعي: ولدت بعسقلان، فلما أتى علي سنتان، حملتني أمي إلى مكة.
وقال ابن عبد الحكم: قال لي الشافعي: ولدت بغزة سنة خمسين ومائة وحملت إلى مكة ابن سنتين.
قال المزني: ما رأيت أحسن وجها من الشافعي -رحمه الله- وكان ربما قبض على لحيته فلا يفضل عن قبضته.
قال الربيع المؤذن: سمعت الشافعي يقول: كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي: أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر، قال: وكنت أصيب من العشرة تسعة.(أعلام/897)
قال الحميدي: سمعت الشافعي يقول: كنت يتيما في حجر أمي، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب، وأخفف عنه.
وعن الشافعي قال: كنت أكتب في الأكتاف والعظام، وكنت أذهب إلى الديوان، فأستوهب الظهور، فأكتب فيها.
قال عمرو بن سواد: قال لي الشافعي: كانت نهمتي في الرمي وطلب العلم، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة، وسكت عن العلم، فقلت: أنت والله في العلم أكبر منك في الرمي.
قال أحمد بن إبراهيم الطائي الأقطع: حدثنا المزني، سمع الشافعي يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت " الموطأ " وأنا ابن عشر.
الأقطع مجهول.
وفي " مناقب الشافعي " للآبري سمعت الزبير بن عبد الواحد الهمذاني، أخبرنا علي بن محمد بن عيسى، سمعت الربيع بن سليمان يقول: ولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة -رحمهما الله تعالى.
وعن الشافعي قال: أتيت مالكا وأنا ابن ثلاث عشرة سنة -كذا قال، والظاهر أنه كان ابن ثلاث وعشرين سنة - قال: فأتيت ابن عم لي والي المدينة، فكلم مالكا، فقال: اطلب من يقرأ لك. قلت: أنا أقرأ، فقرأت عليه، فكان ربما قال لي لشيء قد مر: أعده، فأعيده حفظا، فكأنه أعجبه، ثم سألته عن مسألة، فأجابني، ثم أخرى، فقال: أنت تحب أن تكون قاضيا.
ويروى عن الشافعي: أقمت في بطون العرب عشرين سنة، آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد، ما خلا حرفين، أحدهما: دساها.
إسنادها فيه مجهول.(أعلام/898)
قال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قرأت القرآن على إسماعيل بن قسطنطين، وقال: قرأت على شبل، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وقرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس. قال الشافعي: وكان إسماعيل يقول: القرآن اسم ليس بمهموز، ولم يؤخذ من: " قرأت " ولو أخذ من " قرأت " كان كل ما قرئ قرآنا، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل.
الأصم وابن أبي حاتم: حدثنا الربيع: سمعت الشافعي يقول: قدمت على مالك، وقد حفظت " الموطأ " ظاهرا، فقلت: أريد سماعه، قال: اطلب من يقرأ لك. فقلت: لا عليك أن تسمع قراءتي، فإن سهل عليك قرأت لنفسي.
أحمد بن الحسن الحماني: حدثنا أبو عبيد، قال: رأيت الشافعي عند محمد بن الحسن، وقد دفع إليه خمسين دينارا، وقد كان قبل ذلك دفع إليه خمسين درهما، وقال: إن اشتهيت العلم، فالزم. قال أبو عبيد: فسمعت الشافعي يقول: كتبت عن محمد وقر بعير، ولما أعطاه محمد، قال له: لا تحتشم. قال: لو كنت عندي ممن أحشمك ما قبلت برك.
ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: حملت عن محمد بن الحسن حمل بختي ليس عليه إلا سماعي.
قال أحمد بن أبي سريج: سمعت الشافعي يقول: قد أنفقت على كتب محمد ستين دينارا، ثم تدبرتها، فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثا -يعني: رد عليه.
قال هارون بن سعيد: قال لي الشافعي: أخذت اللبان سنة للحفظ، فأعقبني صب الدم سنة.
قال أبو عبيد: ما رأيت أحدا أعقل من الشافعي، وكذا قال يونس بن عبد الأعلى، حتى إنه قال: لو جمعت أمة لوسعهم عقله.(أعلام/899)
قلت: هذا على سبيل المبالغة، فإن الكامل العقل لو نقص من عقله نحو الربع، لبان عليه نقص ما، ولبقي له نظراء، فلو ذهب نصف ذلك العقل منه، لظهر عليه النقص، فكيف به لو ذهب ثلثا عقله! فلو أنك أخذت عقول ثلاثة أنفس مثلا، وصيرتها عقل واحد، لجاء منه كامل العقل وزيادة.
جماعة: حدثنا الربيع، سمعت الحميدي، سمعت مسلم بن خالد الزنجي يقول للشافعي: أفت يا أبا عبد الله، فقد والله آن لك أن تفتي - وهو ابن خمس عشرة سنة. وقد رواها محمد بن بشر الزنبري، وأبو نعيم الإسترآباذي، عن الربيع، عن الحميدي قال: قال الزنجي. وهذا أشبه، فإن الحميدي يصغر عن السماع من مسلم، وما رأينا له في " مسنده " عنه رواية.
جماعة: حدثنا الربيع، قال الشافعي: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب إلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الأهواء.
الزبير الإسترآباذي: حدثني محمد بن يحيى بن آدم بمصر، حدثنا ابن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء، لفروا منه كما يفرون من الأسد.
قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة.
قلت: هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام، وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون.(أعلام/900)
البتاني
صاحب الزيج المشهور أبو عبد الله، محمد بن جابر بن سنان الحراني البتاني، الحاسب المنجم، له أعمال وأرصاد وبراعة في فنه، وكان صابئا ضالا، فكأنه أسلم وتسمى بمحمد، وله تصانيف في علم الهيئة.
وبتان -بمثناة مثقلة - قرية من نواحي حران، مات راجعا من بغداد بقصر الحضر وهي بليدة بقرب تكريت، وفي ذلك يقول عدي بن زيد:
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج
لة تجبى إليه والخابور
وهو الملك ضيزن، ويلقب بالساطرون، لفظة سريانية، معناه الملك، وكان هذا من ملوك الطوائف، أقام أزدشير يحاصره أربع سنين ولا يقدر عليه.
وكانت لضيزن بنت فائقة الجمال، فلمحت من الحصن أزدشير، فأعجبها وهويته، فأرسلت إليه يتزوجها، وتفتح له الحصن، فقيل: كان عليه طلسم، فلا يفتح حتى تؤخذ حمامة تخضب رجلاها بحيض بكر زرقاء، ثم تسيب الحمامة فتحط على السور، فيقع الطلسم، ففعل ذلك، وأخذ الحصن، ثم لما رآها أزدشير قد أسلمت أباها مع فرط كرامتها عليه قال: أنت أسرع إلي بالغدر. فربط ضفائرها بذنب فرس، وركضه، فهلكت.
توفي البتاني سنة سبع عشرة وثلاثمائة.(أعلام/901)
البحتري
شاعر الوقت وصاحب الديوان المشهور، أبو عبادة، الوليد بن عبيد بن يحيى بن عبيد الطائي البحتري المنبجي. مدح الخلفاء والوزراء وصاحب مصر خمارويه.
حكى عنه: القاضي المحاملي، والصولي، وأبو الميمون راشد، وعبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي. وعاش نيفا وسبعين سنة. ونظمه في أعلى الذروة.
وقد اجتمع بأبي تمام الطائي، وأراه شعره، فأعجب به، وقال: أنت أمير الشعر بعدي. قال: فسررت بقوله.
وقال المبرد: أنشدنا شاعر دهره، ونسيج وحده، أبو عبادة البحتري.
وقيل: كان في صباه يمدح أصحاب البصل والبقل.
وقيل: أنشد أبا تمام قصيدة له، فقال: نعيت إلي نفسي.
وقيل: سئل أبو العلاء المعري: من أشعر الثلاثة: أبو تمام، والبحتري، والمتنبي؟ فقال: حكيمان، والشاعر: البحتري.
وللبحتري " حماسة " ك " حماسة " أبي تمام، وكتاب " معاني الشعر ".
مات بمنبج وقيل: بحلب، سنة ثلاث أو أربع وثمانين ومائتين.
وله أملاك بمنبج وحفيدان، هما: أبو عبادة، وعبيد الله، ابنا يحيى بن البحتري اللذان مدحهما المتنبي، وكانا رئيسين في زمانهما.
مات معه: شاعر زمانه أبو الحسن علي بن العباس بن الرومي صاحب التشبيهات البديعة.(أعلام/902)
البراء بن عازب (ع)
ابن الحارث، الفقيه الكبير أبو عمارة الأنصاري الحارثي المدني، نزيل الكوفة، من أعيان الصحابة.
روى حديثا كثيرا، وشهد غزوات كثيرة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - واستصغر يوم بدر، وقال: كنت أنا وابن عمر لدة. وروى أيضا عن أبي بكر الصديق، وخاله أبي بردة بن نيار.
حدث عنه: عبد الله بن يزيد الخطمي، وأبو جحيفة السوائي الصحابيان، وعدي بن ثابت، وسعد بن عبيدة، وأبو عمر زاذان، وأبو إسحاق السبيعي، وطائفة سواهم.
توفي سنة اثنتين وسبعين وقيل: توفي سنة إحدى وسبعين عن بضع وثمانين سنة.
وأبوه من قدماء الأنصار، قال الواقدي: لم نسمع له بذكر في المغازي.
وروى أبو إسحاق، عن البراء، قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة غزوة.
الأعمش: حدثنا أبو إسحاق: رأيت على البراء خاتما من ذهب فيه ياقوتة.
مسنده ثلاثمائة وخمسة أحاديث. له في " الصحيحين " اثنان وعشرون حديثا، وانفرد البخاري بخمسة عشر حديثا، ومسلم بستة.(أعلام/903)
البراء بن معرور
ابن صخر بن خنساء بن سنان.
السيد النقيب أبو بشر الأنصاري الخزرجي أحد النقباء ليلة العقبة.
وهو ابن عمة سعد بن معاذ، وكان نقيب قومه بني سلمة، وكان أول من بايع ليلة العقبة الأولى، وكان فاضلا، تقيا، فقيه النفس.
مات في صفر قبل قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة بشهر.
محمد بن إسحاق: حدثني معبد بن كعب، عن أخيه عبد الله، عن أبيه قال: خرجنا من المدينة نريد النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة وخرج معنا حجاج قومنا من أهل الشرك، حتى إذا كنا بذي الحليفة قال لنا البراء بن معرور - وكان سيدنا وذا سننا -: تعلمن والله لقد رأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر، وأن أصلي إليها. فقلنا: والله لا نفعل، ما بلغنا أن نبينا يصلي إلا إلى الشام، فما كنا لنخالف قبلته. فلقد رأيته إذا حضرت الصلاة يصلي إلى الكعبة. قال: فعبنا عليه وأبى إلا الإقامة عليه، حتى قدمنا مكة، فقال لي: يا ابن أخي، لقد صنعت في سفري شيئا ما أدري ما هو، فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلنسأله عما صنعت. وكنا لا نعرف رسول الله، فخرجنا نسأل عنه، فلقينا بالأبطح رجلا، فسألناه عنه.
فقال: هل تعرفانه؟ قلنا: لا. قال: فهل تعرفان العباس؟ قلنا: نعم. فكان العباس يختلف إلينا بالتجارة فعرفناه، فقال: هو الرجل الجالس معه الآن في المسجد، فأتيناهما فسلمنا وجلسنا، فسألنا العباس: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من هذان يا عم؟ " قال: هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الشاعر؟ " فقال البراء: يا رسول الله، والله لقد صنعت كذا وكذا. فقال: " قد كنت على قبلة لو صبرت عليها ". فرجع إلى قبلته، ثم واعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة الأوسط. . وذكر القصة بطولها.(أعلام/904)
وروى يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أمه، عن أبيه أن البراء بن معرور أوصى بثلثه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكان أوصى بثلث في سبيل الله، وأوصى بثلث لولده، فقيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - فرده على الورثة، فقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد مات. فسأل عن قبره فأتاه، فصف عليه وكبر، وقال: اللهم اغفر له وارحمه، وأدخله الجنة، وقد فعلت.
وكان البراء ليلة العقبة هو أجل السبعين، وهو أولهم مبايعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ابنه:(أعلام/905)
البرساني (ع)
الإمام المحدث الثقة أبو عبد الله، وأبو عثمان، محمد بن بكر بن عثمان البرساني الأزدي البصري. وبرسان: بطن من الأزد.
حدث عن ابن جريج، وهشام بن حسان، ويونس بن يزيد الأيلي، وسعيد بن أبي عروبة، وعبيد الله بن أبي زياد، وأيمن بن نابل، وشعبة، وحماد بن سلمة، وعدة.
حدث عنه أحمد، وإسحاق، وبندار، وإسحاق الكوسج، ومحمد بن يحيى الذهلي، وهارون الحمال، وأبو محمد الدارمي، وعبد بن حميد، وأحمد بن منصور الرمادي، وعدد كثير.
قال يحيى بن معين: حدثنا البرساني، وكان - والله - ظريفا صاحب أدب ثقة.
وقال ابن سعد: ثقة. مات في ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين بالبصرة.
قلت: مات في عشر الثمانين.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا عبد الصمد بن محمد حضورا، أخبرنا علي بن المسلم، أخبرنا الحسين بن طلاب، أخبرنا محمد بن أحمد الغساني، حدثنا واهب بن محمد بالبصرة، حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا محمد بن بكر البرساني، عن ابن جريج، عن ابن المنكدر، عن أبي أيوب، عن مسلمة بن مخلد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من ستر مسلما، ستره الله - عز وجل - في الدنيا والآخرة، ومن فك عن مكروب، فك الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته.
هذا حديث غريب فرد.(أعلام/906)
البرقاني
الإمام العلامة الفقيه، الحافظ الثبت، شيخ الفقهاء والمحدثين، أبو بكر، أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب، الخوارزمي، ثم البرقاني الشافعي، صاحب التصانيف.
سمع في سنة خمسين وثلاثمائة بخوارزم من: أبي العباس بن حمدان الحيري النيسابوري أخي أبي عمرو، حدثه عن محمد بن الضريس، والكبار، وسمع بها من محمد بن علي الحساني، وأحمد بن إبراهيم بن جناب الخوارزميين. وسمع بهراة من أبي الفضل بن خميرويه. وبجرجان من الإمام أبي بكر الإسماعيلي، وأبي أحمد بن الغطريف. وببغداد من أبي علي بن الصواف، ومحمد بن جعفر البندار، وأبي بحر بن كوثر، وأحمد بن جعفر الختلي، وأبي بكر القطيعي، وأبي محمد بن ماسي، وابن كيسان، وخلق، وبنيسابور من أبي عمرو بن حمدان، وأبي أحمد الحاكم، وعدة. وبدمشق من أبي بكر بن أبي الحديد. وبمصر من الحافظ عبد الغني، وعبد الرحمن بن عمر المالكي.
حدث عنه: أبو عبد الله الصوري، وأبو بكر البيهقي، وأبو بكر الخطيب، والفقيه أبو إسحاق الشيرازي، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وأبو القاسم علي بن أبي العلاء المصيصي، وأبو طاهر أحمد بن الحسن، الكرجي، وأبو الفضل بن خيرون، ويحيى بن بندار البقال، ومحمد بن عبد السلام الأنصاري، وعبد العزيز بن أحمد الكتاني، وعدد كثير. واستوطن بغداد دهرا.(أعلام/907)
قال الخطيب كان البرقاني ثقة ورعا ثبتا فهما، لم نر في شيوخنا أثبت منه، عارفا بالفقه، له حظ من علم العربية، كثير الحديث، صنف " مسندا " ضمنه ما اشتمل عليه " صحيح " البخاري ومسلم، وجمع حديث سفيان الثوري، وأيوب، وشعبة، وعبيد الله بن عمر، وعبد الملك بن عمير، وبيان بن بشر، ومطر الوراق، وغيرهم، ولم يقطع التصنيف إلى حين وفاته، ومات وهو يجمع حديث مسعر، وكان حريصا على العلم، منصرف الهمة إليه، سمعته يقول يوما لرجل من الفقهاء معروف بالصلاح: ادع الله تعالى أن ينزع شهوة الحديث من قلبي، فإن حبه قد غلب علي، فليس لي اهتمام إلا به.
قال أبو القاسم الأزهري: البرقاني إمام، إذا مات ذهب هذا الشأن.
قال الخطيب: سمعت محمد بن يحيى الكرماني الفقيه يقول: ما رأيت في أصحاب الحديث أكثر عبادة من البرقاني. وسألت الأزهري: هل رأيت شيخا أتقن من البرقاني؟ قال: لا. وذكره أبو محمد الحسن بن محمد الخلال، فقال: هو نسيج وحده.
قال الخطيب: أنا ما رأيت شيخا أثبت منه. وقال أبو الوليد الباجي: البرقاني ثقة حافظ.
وذكره الشيخ أبو إسحاق في " طبقات الشافعية "، فقال: ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وسكن بغداد، وبها مات في أول رجب سنة خمس وعشرين وأربعمائة
ثم قال: تفقه في حداثته، وصنف في الفقه، ثم اشتغل بعلم الحديث، فصار فيه إماما.
قال البرقاني: دخلت إسفرايين ومعي ثلاثة دنانير ودرهم، فضاعت الدنانير، وبقي الدرهم، فدفعته إلى خباز، فكنت آخذ منه كل يوم رغيفين، وآخذ من بشر بن أحمد الإسفراييني جزءا فأكتبه، وأفرغه بالعشي، فكتبت ثلاثين جزءا، ونفد ما عند الخباز، فسافرت.
قلت: كان الخبز رخيصا إلى الغاية.
قال أبو بكر الخطيب: حدثني أحمد بن غانم وكان صالحا قال: نقلت البرقاني من بيته، فكان معه ثلاثة وستون سفطا وصندوقان، كل ذلك مملوء كتبا.(أعلام/908)
قلت: ومن همته أنه سمع من تلميذه أبي بكر الخطيب، وحدث عنه في حياته، وقد سمعنا المصافحة له في مجلد بإسناد عال.
قال الخطيب: كنت أذاكر الأحاديث، فيكتبها عني، ويضمنها جموعه، وسمعته يقول: كان الإمام أبو بكر الإسماعيلي يقرأ لكل واحد ممن يحضره ورقة بلفظه، ثم يقرأ عليه، وكان يقرأ لي ورقتين، ويقول للحاضرين: إنما أفضله عليكم لأنه فقيه.
قلت: قد روى عن الإسماعيلي " صحيحه ".
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن: أخبرنا أبو محمد بن قدامة، أخبرنا أبو الفتح بن البطي، أخبرنا أبو الفضل بن خيرون، أخبرنا أبو بكر البرقاني قرأت على أبي حاتم محمد بن يعقوب، أخبركم محمد بن عبد الرحمن السامي، حدثنا خلف بن هشام، حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن أبيه، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم كتاب يهود، فما مر بي نصف شهر حتى تعلمت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله إني لا آمن اليهود على كتابي. قال: فلما تعلمت كنت أكتب له إلى يهود إذا كتب إليهم، فإذا كتبوا إليه، قرأت كتابهم له.
ذكره البخاري تعليقا فقال: وقال خارجة بن زيد عن أبيه، لأن ابن أبي الزناد ليس من شرطه، ومع هذا فذكره بصيغة جزم لصدق عبد الرحمن ومعرفته بعلم أبيه.(أعلام/909)
البزار
الشيخ، الإمام، الحافظ الكبير أبو بكر، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، البصري، البزار، صاحب المسند الكبير، الذي تكلم على أسانيده. ولد سنة نيف عشرة ومائتين.
وسمع: هدبة بن خالد، وعبد الأعلى بن حماد، وعبد الله بن معاوية الجمحي، ومحمد بن يحيى بن فياض الزماني، ومحمد بن معمر القيسي، وبشر بن معاذ العقدي، وعيسى بن هارون القرشي، وسعيد بن يحيى الأموي، وعبد الله بن جعفر البرمكي.
وعمرو بن علي الفلاس، وزياد بن أيوب، وأحمد بن المقدام العجلي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وبندار، وابن مثنى، وعبد الله بن الصباح، وعبد الله بن شبيب، ومحمد بن مرداس الأنصاري، ومحمد بن عبد الرحمن بن الفضل الحراني، وخلقا كثيرا.
حدث عنه: ابن قانع، وابن نجيع، وأبو بكر الختلي، وأبو القاسم الطبراني، وأبو الشيخ، وأحمد بن الحسن بن أيوب التميمي، وعبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، وأحمد بن جعفر بن سلم الفرساني، وعبد الله بن خالد بن رستم الراراني.
وأحمد بن إبراهيم بن يوسف الضرير، ومحمد بن أحمد بن الحسن الثقفي، وأحمد بن جعفر بن معبد السمسار، وعبد الرحمن بن محمد بن جعفر الكسائي، وأبو بكر محمد بن الفضل بن الخصيب.
وأبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن سياه، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن عطاء القباب، ومحمد بن أحمد بن يعقوب، ومحمد بن عبد الله بن ممشاذ القارئ، ومحمد بن عبد الله بن حيويه النيسابوري، وخلق سواهم.
وقد أملى أبو سعيد النقاش مجلسا عن نحو من عشرين شيخا، حدثوه عن أبي بكر البزار.
وقد ارتحل في الشيخوخة ناشرا لحديثه، فحدث بأصبهان عن الكبار، وببغداد، ومصر، ومكة، والرملة.
وأدركه بالرملة أجله، فمات في سنة اثنتين وتسعين ومائتين.
وقد ذكره أبو الحسن الدارقطني، فقال: ثقة، يخطئ ويتكل على حفظه.
وقال أبو أحمد الحاكم: يخطئ في الإسناد والمتن.(أعلام/910)
وقال الحاكم أبو عبد الله: سألت الدارقطني عن أبي بكر البزار، فقال: يخطئ في الإسناد والمتن، حدث بالمسند بمصر حفظا، ينظر في كتب الناس، ويحدث من حفظه، ولم يكن معه كتب، فأخطأ في أحاديث كثيرة.
جرحه النسائي.
وقال أبو سعيد بن يونس: حافظ للحديث. توفي بالرملة. ثم أرخ كما مر.
أخبرنا علي بن بقاء، وعبد الدائم بن أحمد الوزان قالا: أخبرنا علي بن محمود، سنة سبع وعشرين وست مائة أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا محمد بن عبد الواحد المصري، أخبرنا محمد بن علي الحافظ إملاء، سنة عشر وأربع مائة، أخبرنا جدي أبو الحسن أحمد بن الحسن بن أيوب التميمي، حدثنا أحمد بن عمرو البزار. حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن الفضل الحراني، حدثنا الوليد بن المهلب الحراني، حدثنا النضر بن محرز، حدثنا محمد بن المنكدر، عن أنس بن مالك، قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ناقته العضباء، وليست بالجدعاء، فقال: يا أيها الناس، كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وكأن من نشيع من الموتى سفر عما قليل إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم، ونأكل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهم، قد نسيتم كل واعظة، وأمنتم كل جائحة. طوبى لمن شغله عيبه عن عيب أخيه، وتواضع لله في غير منقصة، وأنفق من مال جمعه من غير معصية، وخالط أهل الفقه والحكمة، وجانب أهل الشك والبدعة، وحسنت سريرته، وصلحت علانيته، وأمن الناس شره.
هذا حديث واهي الإسناد، فالنضر: قال أبو حاتم: مجهول.
والوليد: لا يعرف، ولا يصح لهذا المتن إسناد.(أعلام/911)
أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة، عن مسعود الجمال، أخبرنا أبو علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب، حدثنا أحمد بن عمرو البزار، حدثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي الكوفي، حدثنا أبو يحيى التيمي، حدثنا سيف بن وهب، عن أبي الطفيل، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنا محمد، وأنا أحمد وأبو القاسم، والماحي، والحاشر.(أعلام/912)
البزدوي
ويلقب بالقاضي الصدر. هو العلامة شيخ الحنفية بعد أخيه الكبير، أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين ابن المحدث عبد الكريم بن موسى بن مجاهد النسفي وبزدة: قلعة حصينة.
قال عمر بن محمد في " القند " كان أبو اليسر إمام الأئمة على الإطلاق، والموفود إليه من الآفاق، ملأ الكون بتصانيفه في الأصول والفروع، وولي قضاء سمرقند أملى الحديث مدة.
توفي ببخارى في تاسع رجب سنة ثلاث وتسعين.
وقال ابن السمعاني: مولده سنة إحدى وعشرين.
وحدثنا عنه عثمان بن علي البيكندي، وأحمد بن نصر البخاري، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وأبو رجاء محمد بن محمد، وآخرون. قلت: ما سمى شيوخه.(أعلام/913)
البغوي
الشيخ الإمام، العلامة القدوة الحافظ، شيخ الإسلام، محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي المفسر، صاحب التصانيف، ك " شرح السنة " و " معالم التنزيل " و " المصابيح " وكتاب " التهذيب " في المذهب و " الجمع بين الصحيحين "، و " الأربعين حديثا "، وأشياء.
تفقه على شيخ الشافعية القاضي حسين بن محمد المروروذي، صاحب " التعليقة " قبل الستين وأربعمائة.
وسمع منه، ومن أبي عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي، وأبي الحسن محمد بن محمد الشيرزي، وجمال الإسلام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، وأبي الحسن علي بن يوسف الجويني، وأبي الفضل زياد بن محمد الحنفي، وأحمد بن أبي نصر الكوفاني، وحسان المنيعي، وأبي بكر محمد بن أبي الهيثم الترابي وعدة، وعامة سماعاته في حدود الستين وأربعمائة، وما علمت أنه حج.
حدث عنه أبو منصور محمد بن أسعد العطاري عرف بحفدة، وأبو الفتوح محمد بن محمد الطائي، وجماعة، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو المكارم فضل الله بن محمد النوقاني، الذي عاش إلى سنة ستمائة، وأجاز لشيخنا الفخر بن علي البخاري.
وكان البغوي يلقب بمحيي السنة وبركن الدين، وكان سيدا إماما، عالما علامة، زاهدا قانعا باليسير، كان يأكل الخبز وحده، فعذل في ذلك، فصار يأتدم بزيت، وكان أبوه يعمل الفراء ويبيعها، بورك له في تصانيفه، ورزق فيها القبول التام، لحسن قصده، وصدق نيته، وتنافس العلماء في تحصيلها، وكان لا يلقي الدرس إلا على طهارة، وكان مقتصدا في لباسه، له ثوب خام، وعمامة صغيرة على منهاج السلف حالا وعقدا، وله القدم الراسخ في التفسير، والباع المديد في الفقه رحمه الله.
توفي بمرو الروذ مدينة من مدائن خراسان في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة ودفن بجنب شيخه القاضي حسين، وعاش بضعا وسبعين سنة رحمه الله.(أعلام/914)
ومات أخوه العلامة المفتي أبو علي الحسن بن مسعود ابن الفراء سنة تسع وعشرين، وله إحدى وسبعون سنة، روى عن أبي بكر بن خلف الأديب وجماعة.
أخبرنا عمر بن إبراهيم الأديب، وعبد الخالق بن علوان القاضي، وأحمد بن محمد بن سعد، وإسماعيل بن عميرة، وأحمد بن عبد الحميد القدامي، وأحمد بن عبد الرحمن الصوري، وخديجة بنت عبد الرحمن قالوا: أخبرنا محمد بن الحسين بن بهرام الصوفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة، أخبرنا محمد بن أسعد الفقيه سنة سبع وستين وخمسمائة، أخبرنا محيي السنة حسين بن مسعود، أخبرنا محمد بن محمد الشيرزي، أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد، أخبرنا أبو مصعب الزهري، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، أنها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح، فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس.(أعلام/915)
البغوي
عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان بن سابور بن شاهنشاه، الحافظ الإمام الحجة المعمر، مسند العصر أبو القاسم البغوي الأصل، البغدادي الدار والمولد.
منسوب إلى مدينة بغشور من مدائن إقليم خراسان، وهي على مسيرة يوم من هراة. كان أبوه وعمه الحافظ علي بن عبد العزيز البغوي منها.
وهو أبو القاسم بن منيع نسبة إلى جده لأمه الحافظ أبي جعفر أحمد بن منيع البغوي الأصم، صاحب " المسند " ونزيل بغداد، ومن حدث عنه: مسلم، وأبو داود، وغيرهما.
ولد أبو القاسم يوم الاثنين أول يوم من شهر رمضان، سنة أربع عشرة ومائتين هكذا أملاه أبو القاسم على عبيد الله بن محمد بن حبابة البزاز، وأخبره أنه رآه بخط جده -يعني أحمد بن منيع.
حرص عليه جده، وأسمعه في الصغر، بحيث إنه كتب بخطه إملاء، في ربيع الأول، سنة خمس وعشرين ومائتين، فكان سنه يومئذ عشر سنين ونصفا، ولا نعلم أحدا في ذلك العصر طلب الحديث وكتبه أصغر من أبي القاسم، فأدرك الأسانيد العالية، وحدثه جماعة عن صغار التابعين.
سمع من: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وعلي بن الجعد، وأبي نصر التمار، وخلف بن هشام البزار، وهدبة بن خالد، وشيبان بن فروخ، ومحمد بن عبد الواهب الحارثي، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، وبشر بن الوليد الكندي، وعبيد الله بن محمد العيشي، وحاجب بن الوليد، وأبي الأحوص محمد بن حيان، البغوي.
ومحرز بن عون، وسويد بن سعيد، وداود بن عمرو الضبي، وداود بن رشيد، وأبي بكر بن شيبة، ومحمد بن حسان السمتي، وأبي الربيع الزهراني، وعبيد الله بن عمر القواريري، ومحمد بن جعفر الوركاني، وهارون بن معروف، وسريج بن يونس، وأبي خيثمة، وعبد الجبار بن عاصم، ومحمد بن أبي سمينة، وجده أحمد بن منيع. .(أعلام/916)
ومصعب بن عبد الله الزبيري، ومحمد بن بكار بن الريان، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وعمرو بن محمد الناقد، والعلاء بن موسى الباهلي، وطالوت بن عباد الصيرفي، ونعيم بن الهيصم، وقطن بن نسير الغبري، وكامل بن طلحة، وعبد الأعلى بن حماد، وعبيد الله بن معاذ، وإسحاق بن أبي إسرائيل المروزي، وعمار بن نصر، وخلق كثير، حتى إنه كتب عن أقرانه. وصنف كتاب: " معجم الصحابة " وجوده، وكتاب: " الجعديات " وأتقنه. وكان علي بن الجعد أكبر شيخ له، وهو ثبت فيه، مكثر عنه.
حدث عنه: يحيى بن صاعد، وابن قانع، وأبو علي النيسابوري، وأبو حاتم بن حبان، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الشافعي، ودعلج السجزي، والطبراني، وأبو بكر الجعابي، وأبو علي بن السكن، وأبو بكر بن السني، وأبو أحمد حسينك النيسابوري، وأبو أحمد الحاكم، ومحمد بن المظفر. .
وأبو حفص بن الزيات، وأبو عمر بن حيويه، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو بكر بن شاذان، وأبو حفص بن شاهين، وأبو القاسم بن حبابة، وأبو بكر بن المهندس المصري، لقيه بمكة سنة عشر وثلاث مائة، وأبو الفتح القواس، وأبو عبد الله بن بطة، وزاهر بن أحمد السرخسي، وأبو بكر محمد بن محمد الطرازي، وأبو القاسم عيسى بن علي الوزير، وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح الهروي، وأبو حفص الكتاني، وأبو طاهر المخلص، وأبو بكر بن المقرئ الأصبهاني، وأبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق، وأبو سليمان بن زبر، وأبو بكر أحمد بن عبدان الشيرازي محدث الأهواز، والمعافى بن زكريا الجريري، وأبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب بمصر - خاتمة أصحابه، وخلق كثير إلى الغاية، وبقي حديثه عاليا بالاتصال إلى سنة خمس وثلاثين وستمائة عند أبي المنجا بن اللتي، وبعد ذلك بالإجازة العالية عند أبي الحسن بن المقير.(أعلام/917)
ثم كان في الدور الآخر المعمر شهاب الدين أحمد بن أبي طالب الحجار، فكان خاتمة من روى حديثه عاليا بالسماع، بل وبالإجازة، كان بينه وبينه أربعة أنفس، نعم وبعده يمكن اليوم أن يسمع حديثه بعلو بثلاث إجازات متواليات، لا بل بإجازتين، فإن عجيبة الباقدارية لها إجازة هبة الله بن الشبلي، والله أعلم.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بمصر، أخبرنا الفتح بن عبد الله الكاتب، أخبرنا هبة الله بن أبي شريك، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور قال: حدثنا عيسى بن علي الوزير إملاء، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا زهير -هو ابن معاوية-، عن سماك، وزياد بن علاقة، وحصين، كلهم عن جابر بن سمرة -رضي الله عنهما-: أن رسول الله قال: " يكون بعدي اثنا عشر أميرا ثم تكلم بشيء لم أفهمه، فسألت أبي -وقال بعضهم في حديثه: فسألت القوم-، فقالوا: قال: كلهم من قريش هذا حديث صحيح من العوالي لنا ولصاحب الترجمة.
أخبرنا أبو محمد عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد بقراءتي قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد بن الحسن، أخبرنا، علي بن أحمد بن البسري، أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص، حدثنا أبو القاسم البغوي عبد الله بن محمد، أخبرنا أحمد بن محمد بن حنبل، وعبيد الله بن عمر القواريري قالا: حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا نبي الله، إني شيخ كبير، شق علي القيام، فمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر. فقال: عليك بالسابعة قال البغوي: لفظ أحمد بن حنبل، ولا أعلمه روى هذا الحديث بهذا الإسناد غير معاذ.(أعلام/918)
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد المحسن العلوي بالثغر، أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر المؤرخ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن الزاغوني (ح) ، وأخبرنا أبو المعالي أحمد بن أبي محمد الزاهد: أخبرنا شيخنا أبو حفص عمر بن محمد السهروردي، أخبرنا أبو المظفر هبة الله بن أحمد القصار قالا: أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن الذهبي، وقال الشيخ رشيد الدين أحمد بن مسلمة: أنبأنا أبو الفتح بن البطي، عن أبي نصر الزينبي، أخبرنا الذهبي، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، أخبرني أبو جمرة، سمعت ابن عباس، يقول: قدم وفد عبد القيس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمرهم بالإيمان بالله قال: تدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم متفق على ثبوته أخرجه أبو داود عن الإمام أحمد.
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد اليونيني وأبو العباس أحمد بن محمد الحلبي، ومحمد بن إبراهيم النحوي، وسليمان بن قدامة الحاكم، وأخوه داود، وعبد المنعم بن عبد اللطيف، وعبد الرحمن بن عمر، وعيسى بن أبي محمد، وعبد الحميد بن أحمد، وإبراهيم بن صدقة، وعيسى بن حمد قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر (ح) وأخبرنا أحمد بن إسحاق الأبرقوهي، أخبرنا زكريا بن حسان، قالا: أخبرنا أبو الوقت السجزي أخبرتنا أم الفضل بيبى بنت عبد الصمد، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الأنصاري، أخبرنا عبد الله محمد البغوي، حدثنا مصعب بن عبد الله، حدثني مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن عائشة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " الولاء لمن أعتق ".(أعلام/919)
أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن الحسيني، وأحمد بن محمد الحافظ قالا: أخبرنا أبو المنجا عبد الله بن عمر الحريمي، أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد البوشنجي، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الهروي، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر قال: سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش خمسمائة حديث -أو ذكر أكثر - فأخبرني حمزة قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فعرضتها عليه، فما عرف منها إلا اليسير، خمسة أو ستة أحاديث، فتركت الحديث عنه. أخرجها مسلم في مقدمة صحيحه عن سويد، فوافقناه بعلو.
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن بقاء، وجماعة قالوا: أخبرنا الحسين بن المبارك، وعبد الله بن عمر، وأخبرنا علي بن عثمان، وجماعة، قالوا: أخبرنا الحسين بن المبارك، وأخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا موسى بن عبد القادر، وأخبرنا أحمد بن بيان الديرمقري، وخلق، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، وأخبرنا أحمد بن المؤيد، أخبرنا عبد اللطيف بن عسكر، ونفيس بن كرم، وحسن بن أبي بكر اليمني قالوا جميعا:
أخبرنا أبو الوقت السجزي، أخبرنا محمد بن أبي مسعود، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا العلاء بن موسى الباهلي، حدثنا الليث، عن نافع، عن عبد الله، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ".
هذا حديث صحيح متفق عليه وإسناده كالشمس وضوحا.(أعلام/920)
قال الحافظ أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي: سمعت أحمد بن يعقوب الأموي يقول: سمعت ابن منيع يقول: رأيت أبا عبيد القاسم بن سلام، إلا أني لم أسمع منه شيئا، وشهدت جنازته في سنة أربع وعشرين ومائتين. قلت: الأموي كذبه أبو بكر البيهقي. وقال أبو بكر بن شاذان: سمعت البغوي يقول: ولدت سنة ثلاث عشرة ومائتين.
قال الخطيب: وقال ابن شاهين: سمعته يقول: ولدت سنة أربع عشرة قال الخطيب: وابن شاهين أتقن.
قال ابن شاهين: وسمعته يقول: أول ما كتبت الحديث سنة خمس وعشرين، عن إسحاق بن إسماعيل الطالقاني.
قال أبو محمد الرامهرمزي: لا يعرف في الإسلام محدث وازى البغوي في قدم السماع.
قلت: أما إلى وقته فنعم، وأما بعده فاتفق ذلك لطائفة منهم: عبد الواحد الزبيري -مسند ما وراء النهر - ولأبي علي الحداد، وبالأمس لأبي العباس بن الشحنة.
قال أبو أحمد الحاكم: قال لي البغوي: ما خبر شيخكم ذاك؟ قلت: عن أي الشيخين تسأل؟ قال: الذي يحدث عن قتيبة -يعني أبا العباس السراج - قلت، خلفته حيا، قال: كم عنده عن قتيبة؟ قلت: جملة. قال: كم عنده عن إسحاق بن راهويه؟ قلت: كثير. قال: عمن كتب من مشايخنا؟ ففكرت -قلت: إن ذكرت له شيخا كتب عنه يزري به- قلت: كتب عن محمد بن إسحاق المسيبي، ومحفوظ بن أبي توبة، وعيسى بن مساور الجوهري، قال: أي سنة دخل بغداد، قلت: سنة أربع وثلاثين ومائتين أظن، فاهتز لذاك وقال: أمرت أن يثبت لي أسماء مشايخي الذين لا يحدث عنهم غيري اليوم، فبلغوا سبعة وثمانين شيخا. قال الحاكم: وكان إذ ذاك ببغداد الباغندي، وأبو الليث الفرائضي، والحسين بن محمد بن عفير، وعلي بن المبارك المسروري، وغيرهم.
قلت: عاش البغوي بعد قوله ستة أعوام، وتفرد عن خلق سوى من ذكر.(أعلام/921)
وقيل: إنه لم يرو عن يحيى بن معين غير قوله: لما خرج من عند يحيى بن عبد الحميد، فقلنا: ما تقول في الرجل؟ فقال: الثقة وابن الثقة.
قال أحمد بن عبدان الحافظ: سمعت أبا القاسم البغوي يقول: كنت يوما ضيق الصدر، فخرجت إلى الشط، وقعدت وفي يدي جزء عن يحيى بن معين أنظر فيه، فإذا بموسى بن هارون، فقال لي: أيش معك؟ قلت: جزء عن ابن معين، فأخذه من يدي، فرماه في دجلة وقال: تريد أن تجمع بين أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني!
قلت: بئس ما صنع موسى! عفا الله عنه.
وروينا عن البغوي قال: حضرت مع عمي مجلس عاصم بن علي.
أخبرنا أبو الغنائم القيسي، ومؤمل بن محمد، ويوسف الشيباني إجازة قالوا: أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الحافظ قال: حدثنا علي بن أبي علي المعدل، حدثنا علي بن الحسن بن جعفر البزاز، حدثني البغوي قال: كنت أورق، فسألت جدي أحمد بن منيع أن يمضي معي إلى سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، يسأله أن يعطيني الجزء الأول من المغازي، عن أبيه، حتى أورقه عليه، فجاء معي، وسأله، فأعطاني، فأخذته وطفت به، فأول ما بدأت بأبي عبد الله بن مغلس، أريته الكتاب، وأعلمته أني أريد أن أقرأ المغازي على الأموي، فدفع إلي عشرين دينارا وقال: اكتب لي منه نسخة. ثم طفت بعده بقية يومي، فلم أزل آخذ من عشرين دينارا وإلى عشرة دنانير وأكثر وأقل إلى أن حصل معي في ذلك اليوم مائتا دينار، فكتبت نسخا لأصحابها بشيء يسير، وقرأتها لهم، واستفضلت الباقي.(أعلام/922)
وبه: إلى الحافظ أبي بكر: حدثني أبو الوليد الدربندي: سمعت عبدان بن أحمد الخطيب -سبط أحمد بن عبدان الشيرازي - سمعت جدي يقول: اجتاز أبو القاسم البغوي بنهر طابق على باب مسجد، فسمع صوت مستمل، فقال: من هذا؟ فقالوا: ابن صاعد. قال: ذاك الصبي؟ قالوا: نعم. قال: والله لا أبرح حتى أملي هاهنا. فصعد دكة وجلس، ورآه أصحاب الحديث، فقاموا وتركوا ابن صاعد.
ثم قال: حدثنا أحمد بن حنبل قبل أن يولد المحدثون، وحدثنا طالوت قبل أن يولد المحدثون، وحدثنا أبو نصر التمار. فأملى ستة عشر حديثا عن ستة عشر شيخا، ما بقي من يروي عنهم سواه.
وبه: أخبرنا أحمد بن أحمد بن محمد القصري، سمعت أبا زيد، الحسين بن الحسن بن عامر الكوفي يقول: قدم البغوي إلى الكوفة، فاجتمعنا مع ابن عقدة إليه لنسمع منه، فسألنا عنه، فقالت الجارية: قد أكل سمكا، وشرب فقاعا ونام، فعجب ابن عقدة من ذلك لكبر سنه.
ثم أذن لنا، فدخلنا، فقال: يا أبا العباس، حدثتني أختي أنها كانت نازلة في بني حمان، وكان في الموضع طحان، فكان يقول لغلامه: اصمد أبا بكر. فيصمد البغل إلى أن يذهب بعض الليل، ثم يقول: اصمد عمر. فيصمد الآخر. فقال له ابن عقدة: يا أبا القاسم، لا تحملك عصبيتك لأحمد بن حنبل أن تقول في أهل الكوفة ما ليس فيهم، ما روى: خير هذه الأمة بعد نبيها، أبو بكر وعمر عن علي إلا أهل الكوفة، ولكن أهل المدينة رووا: " أن عليا لم يبايع أبا بكر إلا بعد ستة أشهر ".
فقال له أبو القاسم: " يا أبا العباس، لا تحملك عصبيتك لأهل الكوفة على أن تتقول على أهل المدينة. ثم بعد ذلك أخرج الكتب، وانبسط، وحدثنا.(أعلام/923)
وبه: حدثني علي بن محمد: سمعت حمزة بن يوسف، سمعت أبا الحسين يعقوب الأردبيلي يقول: سألت أحمد بن طاهر، قلت: أيش كان موسى بن هارون يقول في ابن بنت منيع؟ فقال: أيش كان يقول ابن بنت منيع في موسى بن هارون؟ قلت: كيف هذا؟ قال: لأنه كان يرضى منه رأسا برأس.
قال الخطيب المحفوظ عن موسى توثيق البغوي، وثناؤه عليه، ومدحه له. قال عمر بن الحسن الأشناني: سألت موسى بن هارون عن البغوي، فقال: ثقة صدوق، لو جاز لإنسان أن يقال له: فوق الثقة، لقيل له. قلت: يا أبا عمران، إن هؤلاء يتكلمون فيه؟ فقال: يحسدونه، سمع من ابن عائشة ولم نسمع. ابن منيع لا يقول إلا الحق.
وبه: إلى أبي بكر: حدثني العلاء بن أبي المغيرة الأندلسي، أخبرنا علي بن بقاء، أخبرنا عبد الغني بن سعيد قال: سألت أبا بكر محمد بن علي النقاش: تحفظ شيئا مما أخذ على ابن بنت منيع؟ فقال: غلط في حديث عن محمد بن عبد الواهب، عن أبي شهاب، عن أبي إسحاق الشيباني، عن نافع، عن ابن عمر. حدث به عن ابن عبد الواهب، وإنما سمعه من إبراهيم بن هانئ عنه، فأخذه عبد الحميد الوراق بلسانه، ودار على أصحاب الحديث، فبلغ ذلك أبا القاسم، فخرج إلينا يوما، فعرفنا أنه غلط فيه، وأنه أراد أن يكتب: حدثنا إبراهيم بن هانئ، فمرت يده.
قلت: هذه الحكاية تدل على تثبت أبي القاسم وورعه، وإلا فلو كاشر -ورواه عن محمد بن عبد الواهب - شيخه على سبيل التدليس من كان يمنعه؟!
ثم قال النقاش: ورأيت فيه الانكسار والغم، وكان ثقة.
قلت: متن الحديث: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتناجى اثنان دون الثالث إذا كانوا جميعا.
ورواه أبو العباس السراج: أخبرنا إبراهيم بن هانئ فذكره.
وقال الأردبيلي: سئل ابن أبي حاتم عن أبي القاسم البغوي: أيدخل في الصحيح؟ قال: نعم.(أعلام/924)
وقال حمزة السهمي: سألت أبا بكر بن عبدان عن البغوي، فقال: لا شك أنه يدخل في الصحيح.
وبه قال أبو بكر: حدثنا حمزة بن محمد الدقاق: سمعت الدارقطني يقول: كان أبو القاسم بن منيع قل ما يتكلم على الحديث، فإذا تكلم كان كلامه كالمسمار في الساج.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عن البغوي، فقال: ثقة جبل، إمام من الأئمة ثبت، أقل المشايخ خطأ، وكلامه في الحديث أحسن من كلام ابن صاعد.
ابن الطيوري: سمعت ابن المذهب، سمعت ابن شاهين، سمعت البغوي، وقال له مستمليه: أرجو أن أستملي عليك سنة عشرين وثلاثمائة، قال: قد ضيقت علي عمري، أنا رأيت رجلا في الحرم له مائة وست وثلاثون سنة يقول: رأيت الحسن وابن سيرين، أو كما قال.
قلت: كان يسر البغوي أن لو قال له مستمليه: أرجو أن أستملي عليك سنة خمسين وثلاث مائة.
قال أبو أحمد بن عدي في " الكامل " له: كان أبو القاسم صاحب حديث، وكان وراقا من ابتداء أمره، يورق على جده وعمه وغيرهما، وكان يبيع أصل نفسه كل وقت.
ووافيت العراق سنة سبع وتسعين ومائتين، وأهل العلم والمشايخ منهم مجتمعون على ضعفه، وكانوا زاهدين في حضور مجلسه، وما رأيت في مجلسه قط -في ذلك الوقت- إلا دون العشرة غرباء، بعد أن يسأل بنوه الغرباء مرة بعد مرة حضور مجلس أبيهم، فيقرأ عليهم لفظا. قال: وكان مجانهم يقولون: في دار ابن منيع سحرة تحمل داود بن عمر الضبي من كثرة ما يروي عنه، وما علمت أحدا حدث عن علي بن الجعد أكثر مما حدث هو.(أعلام/925)
قال: وسمعه قاسم المطرز يقول: حدثنا عبيد الله العيشي، فقال: في حر أم من يكذب. وتكلم فيه قوم، ونسبوه إلى الكذب عند عبد الحميد الوراق، فقال: هو أنعش من أن يكذب -يعني ما يحسن-، قال: وكان بذيء اللسان، يتكلم في الثقات، سمعته يقول يوم مات محمد بن يحيى المروزي: أنا قد ذهب بي عمي إلى أبي عبيد، وعاصم بن علي، وسمعت منهما. قال: ولما مات أصحابه احتمله الناس، واجتمعوا عليه، ونفق عندهم، ومع نفاقه وإسناده كان مجلس ابن صاعد أضعاف مجلسه.
قلت: قد أسرف ابن عدي وبالغ، ولم يقدر أن يخرج له حديثا غلط فيه سوى حديثين، وهذا مما يقضي له بالحفظ والإتقان ; لأنه روى أزيد من مائة ألف حديث لم يهم في شيء منها، ثم عطف وأنصف، وقال: وأبو القاسم كان معه طرف من معرفة الحديث، ومن معرفة التصانيف، وطال عمره، واحتاجوا إليه، وقبله الناس، ولولا أني شرطت أن كل من تكلم فيه متكلم ذكرته -يعني في الكامل- وإلا كنت لا أذكره.
قال أبو يعلى الخليلي: أبو القاسم البغوي من العلماء المعمرين، سمع داود بن رشيد، والحكم بن موسى، وطالوت بن عباد، وابني أبي شيبة. إلى أن قال: وعنده مائة شيخ لم يشاركه أحد فيهم، في آخر عمره لم ينزل إلى الشيوخ.
قال: وهو حافظ عارف، صنف مسند عمه علي بن عبد العزيز، وقد حسدوه في آخر عمره، فتكلموا فيه بشيء لا يقدح فيه، وقد سمعت عبد الرحمن بن محمد يقول: سمعت أبا أحمد الحاكم، سمعت البغوي يقول: ورقت لألف شيخ.
قال أحمد بن علي السليماني الحافظ: البغوي يتهم بسرقة الحديث.
قلت: هذا القول مردود، وما يتهم أبا القاسم أحد يدري ما يقول ; بل هو ثقة مطلقا.
قال إسماعيل بن علي الخطبي: مات أبو القاسم البغوي الوراق ليلة الفطر من سنة سبع عشرة وثلاثمائة، ودفن يوم الفطر، وقد استكمل مائة سنة وثلاث سنين وشهرا واحدا.(أعلام/926)
قال الخطيب ودفن في مقبرة باب التبن، رحمه الله.
قلت: قد سمعوا عليه يوم وفاته، فذكر محمد بن أبي شريح -في غالب ظني- قال: كنا نسمع على البغوي ورأسه بين ركبتيه، فرفع رأسه وقال: كأني بهم يقولون: مات أبو القاسم البغوي، ولا يقولون: مات مسند الدنيا. ثم مات عقيب ذلك أو يومئذ، رحمه الله.
قلت: وهو من الذين جاوزوا المائة -بيقين- كالطبراني والسلفي، وقد أفردتهم في جزء ختمته بالشيخ شهاب الدين الحجار.
ومات مع البغوي في سنة سبع عشرة أبو حامد أحمد بن جعفر الأشعري الأصبهاني، وشيخ الحنفية أبو سعيد أحمد بن الحسين البرذعي ببغداد، وأبو عمرو أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص الحيري النيسابوري، وحرمي بن أبي العلاء المكي ببغداد، والقاضي أبو القاسم بدر الدين بن الهيثم بن خلف الكوفي، ومسند أصبهان أبو علي الحسن بن محمد بن دكة الفرضي.
وشيخ الشافعية الزبير بن أحمد بن سليمان البصري الزبيري، ومحدث مصر أبو الحسن علي بن أحمد بن سليمان بن الصيقل علان، والثقة أبو العباس الفضل بن أحمد بن منصور الزبيدي -صاحب أحمد بن حنبل - والحافظ أبو الحسن محمد بن أحمد بن زهير الطوسي، والحافظ الشهيد أبو الفضل محمد بن أبي الحسين أحمد بن محمد بن عمار الهروي بمكة، ومسند مصر أبو بكر محمد بن زبان بن حبيب الحضرمي، والزاهد الواعظ أبو عبد الله محمد بن الفضل البلخي - خاتمة أصحاب قتيبة بن سعيد.(أعلام/927)
البهاء
الشيخ الإمام العالم المفتي المحدث بهاء الدين أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي الحنبلي شارح " المقنع "، وابن عم الحافظ الضياء والشمس أحمد والد الفخر بن البخاري.
ولد بقرية الساويا - وكان أبوه يؤم بها - في سنة خمس وخمسين وخمسمائة أو في سنة ست.
هاجر به أبوه من حكم الفرنج، فسافر تاجرا إلى مصر - أعني الأب - ثم ماتت الأم فكفلته عمته فاطمة زوجة الشيخ أبي عمر، وختم القرآن سنة سبعين، وتنبه بالحافظ عبد الغني، ثم ارتحل في سنة اثنتين وسبعين في صحبة الشيخ العماد فسمع بحران من أحمد بن أبي الوفاء، وجرد بها الختمة، وصلى التراويح، فجمعوا له فطرة واشتروا له بهيمة وسار إلى بغداد، وقد سبقه العماد ومعه ابن راجح وعبد الله بن عمر بن أبي بكر. وسمع بالموصل من خطيبها، فسمع ببغداد من شهدة الكاتبة كثيرا، ومن عبد الحق وأبي هاشم الدوشابي، ومحمد بن نسيم، وأحمد بن الناعم، وأبي الفتح بن شاتيل، وعبد المحسن بن تريك وطبقتهم، ونسخ الأجزاء، وحصل، وسمع بدمشق من محمد بن بركة الصلحي، وعبد الرحمن بن أبي العجائز، والقاضي كمال الدين الشهرزوري وجماعة، وروى الكثير بدمشق وبنابلس وبعلبك، وكان بصيرا بالمذهب. قال الضياء: كان فقيها إماما مناظرا، اشتغل على ابن المني، وسمع الكثير، وكتبه، وأقام سنين بنابلس بعد الفتوح بجامعها الغربي، وانتفع به خلق، وكان سمحا كريما جوادا حسن الأخلاق متواضعا، رجع إلى دمشق قبل وفاته بيسير، واجتهد في كتابة الحديث وتسميعه، وشرح كتاب " المقنع " وكتاب " العمدة " لشيخنا موفق الدين ووقف مسموعاته.(أعلام/928)
وقال الحاجب: كان مليح المنظر، مطرحا للتكلف، كثير الفائدة، قوالا بالحق، ذا دين وخير، لا يخاف في الله لومة لائم، راغبا في الحديث، كان ينزل من الجبل قاصدا لمن يسمع عليه، وربما أطعم غداءه لمن يقرأ عليه، وانقطع بموته حديث كثير - يعني من دمشق. ومات في سابع ذي الحجة سنة أربع وعشرين وستمائة.
قلت: روى عنه البرزالي، والضياء، وابن المجد، والشرف بن النابلسي، والجمال بن الصابوني، والشمس بن الكمال، والتاج عبد الخالق، ومحمد بن بلغزا، وداود بن محفوظ، وعبد الكريم بن زيد، والعز بن الفراء، والعز بن العماد، والعماد عبد الحافظ والتقي ابن مؤمن، وست الأهل بنت الناصح، وإسحاق بن سلطان، وأبو جعفر بن الموازيني، وآخرون. وقد سقت من تفاصيل أحواله في " تاريخ الإسلام ". وأقدم شيء سمعه بدمشق في سنة سبع وستين وخمسمائة من عبد الله بن عبد الواحد الكناني، سمعت الكثير على أصحابه.
وفيها مات القدوة أبو أحمد جعفر بن عبد الله بن سيد بونه الخزاعي صاحب ابن هذيل، وداود بن الفاخر، وطاغية التتار جنكزخان، وقاضي حران، وأبو بكر عبد الله بن نصر الحنبلي، وعبد البر بن أبي العلاء الهمذاني، وعبد الجبار بن الحرستاني، وأبو بكر عبد العزيز بن علي السماتي والحجة عبد المحسن بن أبي العميد الخفيفي، والمعظم عيسى بن العادل، والمسند الفتح بن عبد السلام، وأبو هريرة محمد بن الليث الوسطاني.(أعلام/929)
البوزجاني
الأستاذ أبو الوفاء، محمد بن محمد بن يحيى البوزجاني الحاسب، حامل لواء الهندسة.
وله عدة تصانيف مهذبة.
كان الكمال بن يونس يخضع له، ويعتمد كلامه.
مات سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وله تسع وخمسون سنة.
وبوزجان: بليدة بقرب هراة.(أعلام/930)
البوسي
المسند، المعمر أبو محمد، الحسن بن عبد الأعلى بن إبراهيم بن عبيد الله الأبناوي اليمني الصنعاني البوسي، صاحب عبد الرزاق، سمع منه نحو خمسين حديثا، قاله الخليلي.
قال أبو الحسن بن سلمة القطان، عنه: ولدت سنة أربع وتسعين ومائة وسمعت من عبد الرزاق سنة عشر ومائتين.
قلت: روى عنه أبو عوانة في " صحيحه "، وأحمد بن شعيب الأنطاكي، وأبو جعفر محمد بن محمد الجمال، نزيل بخارى، وحفيده عبد الأعلى بن محمد بن حسن البوسي، وأبو الحسن بن سلمة، وأبو القاسم الطبراني، وعدة. وما علمت به بأسا.
والبوسي: بباء مفتوحة وسين مهملة.
قال أبو القاسم بن منده: توفي سنة ست وثمانين ومائتين.(أعلام/931)
البيضاء عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أم حكيم، بنت عبد المطلب، ما أظنها أدركت نبوة المصطفى. تزوجها كريز بن ربيعة العبشمي، فولدت له: عامرا، والد الأمير عبد الله؛ وأروى والدة الشهيد عثمان.
ثم خلف عليها: عقبة بن أبي معيط، فولدت له: الوليد، وخالدا، وأم كلثوم. وللثلاثة صحبة.(أعلام/932)
البيهقي
هو الحافظ العلامة، الثبت، الفقيه، شيخ الإسلام أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي الخراساني. وبيهق: عدة قرى من أعمال نيسابور على يومين منها.
ولد في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة في شعبان.(أعلام/933)
وسمع وهو ابن خمس عشرة سنة من: أبي الحسن محمد بن الحسين العلوي ; صاحب أبي حامد بن الشرقي، وهو أقدم شيخ عنده، وفاته السماع من أبي نعيم الإسفراييني ; صاحب أبي عوانة، وروى عنه بالإجازة في البيوع، وسمع من الحاكم أبي عبد الله الحافظ، فأكثر جدا، وتخرج به، ومن أبي طاهر بن محمش الفقيه، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وأبي علي الروذباري، وأبي عبد الرحمن السلمي، وأبي بكر بن فورك المتكلم، وحمزة بن عبد العزيز المهلبي، والقاضي أبي بكر الحيري، ويحيى بن إبراهيم المزكي، وأبي سعيد الصيرفي، وعلي بن محمد بن السقا، وظفر بن محمد العلوي، وعلي بن أحمد بن عبدان، وأبي سعد أحمد بن محمد الماليني الصوفي، والحسن بن علي المؤملي، وأبي عمر محمد بن الحسين البسطامي، ومحمد بن يعقوب الفقيه، بالطابران وخلق سواهم. ومن أبي بكر محمد بن أحمد بن منصور، بنوقان. وأبي نصر محمد بن علي الشيرازي، ومحمد بن محمد بن أحمد بن رجاء الأديب، وأحمد بن محمد الشاذياخي، وأحمد بن محمد بن مزاحم الصفار، وأبي نصر أحمد بن علي بن أحمد الفامي، وإبراهيم بن محمد الطوسي الفقيه، وإبراهيم بن محمد بن معاوية العطار، وإسحاق بن محمد بن يوسف السوسي، والحسن بن محمد بن حبيب المفسر، وسعيد بن محمد بن محمد بن عبدان، وأبي الطيب الصعلوكي، وعبد الله بن محمد المهرجاني وعبد الرحمن بن أبي حامد المقرئ، وعبد الرحمن بن محمد بن بالويه، وعبيد بن محمد بن مهدي، وعلي بن محمد بن علي الإسفراييني، وعلي بن محمد السبعي، وعلي بن حسن الطهماني، ومنصور بن الحسين المقرئ، ومسعود بن محمد الجرجاني ; وهؤلاء العشرون من أصحاب الأصم. وسمع ببغداد من هلال بن محمد بن جعفر الحفار، وعلي بن يعقوب الإيادي، وأبي الحسين بن بشران، وطبقتهم. وبمكة من الحسن بن أحمد بن فراس، وغيره. وبالكوفة من جناح بن نذير القاضي، وطائفة.(أعلام/934)
وبورك له في علمه، وصنف التصانيف النافعة، ولم يكن عنده " سنن النسائي "، ولا " سنن ابن ماجه "، ولا " جامع أبي عيسى "، بلى عنده عن الحاكم وقر بعير أو نحو ذلك، وعنده " سنن أبي داود " عاليا، وتفقه على ناصر العمري، وغيره.
وانقطع بقريته مقبلا على الجمع والتأليف، فعمل " السنن الكبير " في عشر مجلدات ليس لأحد مثله، وألف كتاب " السنن والآثار " في أربع مجلدات وكتاب " الأسماء والصفات " في مجلدتين وكتاب " المعتقد " مجلد، وكتاب " البعث " مجلد، وكتاب " الترغيب والترهيب " مجلد، وكتاب " الدعوات " مجلد، وكتاب " الزهد " مجلد، وكتاب " الخلافيات " ثلاث مجلدات، وكتاب " نصوص الشافعي " مجلدان، وكتاب " دلائل النبوة " أربع مجلدات وكتاب " السنن الصغير " مجلد ضخم، وكتاب " شعب الإيمان " مجلدان وكتاب " المدخل إلى السنن " مجلد، وكتاب " الآداب " مجلد، وكتاب " فضائل الأوقات " مجيليد، وكتاب " الأربعين الكبرى " مجيليد، وكتاب " الأربعين الصغرى "، وكتاب " الرؤية " جزء، وكتاب " الإسراء " وكتاب " مناقب الشافعي " مجلد وكتاب " مناقب أحمد " مجلد، وكتاب " فضائل الصحابة " مجلد، وأشياء لا يحضرني ذكرها.
قال الحافظ عبد الغافر بن إسماعيل في " تاريخه ": كان البيهقي على سيرة العلماء، قانعا باليسير، متجملا في زهده وورعه.(أعلام/935)
وقال أيضا: هو أبو بكر الفقيه، الحافظ الأصولي، الدين الورع، واحد زمانه في الحفظ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط، من كبار أصحاب الحاكم، ويزيد على الحاكم بأنواع من العلوم، كتب الحديث، وحفظه من صباه، وتفقه وبرع، وأخذ فن الأصول، وارتحل إلى العراق والجبال والحجاز، ثم صنف، وتواليفه تقارب ألف جزء مما لم يسبقه إليه أحد، جمع بين علم الحديث والفقه، وبيان علل الحديث، ووجه الجمع بين الأحاديث، طلب منه الأئمة الانتقال من بيهق إلى نيسابور، لسماع الكتب، فأتى في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وعقدوا له المجلس لسماع كتاب " المعرفة " وحضره الأئمة.
قال شيخ القضاة أبو علي إسماعيل بن البيهقي: حدثنا أبي قال: حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب -يعني كتاب " المعرفة في السنن والآثار " - وفرغت من تهذيب أجزاء منه، سمعت الفقيه محمد بن أحمد -وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم تلاوة وأصدقهم لهجة - يقول: رأيت الشافعي -رحمه الله- في النوم، وبيده أجزاء من هذا الكتاب، وهو يقول: قد كتبت اليوم من كتاب الفقيه أحمد سبعة أجزاء. أو قال: قرأتها. ورآه يعتد بذلك. قال: وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من إخواني الشافعي قاعدا في الجامع على سرير وهو يقول: قد استفدت اليوم من كتاب الفقيه حديث كذا وكذا.
وأخبرنا أبي قال: سمعت الفقيه أبا محمد الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ يقول: سمعت الفقيه محمد بن عبد العزيز المروزي يقول: رأيت في المنام كأن تابوتا علا في السماء يعلوه نور، فقلت: ما هذا؟ قال: هذه تصنيفات أحمد البيهقي. ثم قال شيخ القضاة: سمعت الحكايات الثلاث من الثلاثة المذكورين.(أعلام/936)
قلت: هذه رؤيا حق، فتصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قل من جود تواليفه مثل الإمام أبي بكر، فينبغي للعالم أن يعتني بهؤلاء سيما " سننه الكبير " وقد قدم قبل موته بسنة أو أكثر إلى نيسابور، وتكاثر عليه الطلبة، وسمعوا منه كتبه، وجلبت إلى العراق والشام والنواحي، واعتنى بها الحافظ أبو القاسم الدمشقي، وسمعها من أصحاب البيهقي، ونقلها إلى دمشق هو وأبو الحسن المرادي.
وبلغنا عن إمام الحرمين أبي المعالي الجويني قال: ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي، فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه.
قلت: أصاب أبو المعالي، هكذا هو، ولو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهبا يجتهد فيه، لكان قادرا على ذلك، لسعة علومه، ومعرفته بالاختلاف، ولهذا تراه يلوح بنصر مسائل مما صح فيها الحديث. ولما سمعوا منه ما أحبوا في قدمته الأخيرة، مرض وحضرت المنية، فتوفي في عاشر شهر جمادى الأولى، سنة ثمان وخمسين وأربعمائة فغسل وكفن، وعمل له تابوت، فنقل ودفن ببيهق، وهي ناحية قصبتها خسروجرد، هي محتده، وهي على يومين من نيسابور، وعاش أربعا وسبعين سنة.
ومن الرواة عنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري، بالإجازة، وولده إسماعيل بن أحمد، وحفيده أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن أحمد، وأبو زكريا يحيى بن منده الحافظ، وأبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي، وزاهر بن طاهر الشحامي، وأبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي، وعبد الجبار بن عبد الوهاب الدهان، وعبد الجبار بن محمد الخواري وأخوه عبد الحميد بن محمد الخواري، وأبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن البحيري النيسابوري، المتوفى سنة أربعين وخمسمائة، وطائفة سواهم.(أعلام/937)
ومات معه الطيب عبد الرزاق بن عمر بن شمة الأصبهاني صاحب ابن المقرئ، وإمام اللغة أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده وشيخ الحنابلة القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي.
أخبرنا الشيخ أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد سماعا، عن زينب بنت عبد الرحمن، أخبرنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أخبرنا أبو بكر البيهقي، أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد، أخبرنا أبو بكر بن حجة، حدثنا أبو الوليد، حدثنا عمرو بن العلاء اليشكري، عن صالح بن سرج، عن عمران بن حطان، عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة، فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط غريب جدا.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد، ومحمد بن عبد الوهاب بن الشيرجي، وابن غسان قالوا: أخبرنا علي بن الحسن الحافظ، أخبرنا أبو القاسم المستملي، أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا ابن الأعرابي، حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثني أبو علي المدائني، حدثنا فطر بن حماد بن واقد، حدثنا أبي: سمعت مالك بن دينار يقول: يقولون: مالك زاهد! أي زهد عند مالك وله جبة وكساء؟ إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز، أتته الدنيا فاغرة فاها فأعرض عنها.(أعلام/938)
الترمذي
محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك، وقيل: هو محمد بن عيسى بن يزيد بن سورة بن السكن: الحافظ، العلم، الإمام، البارع ابن عيسى السلمي الترمذي الضرير، مصنف " الجامع "، وكتاب " العلل "، وغير ذلك.
اختلف فيه، فقيل: ولد أعمى، والصحيح أنه أضر في كبره، بعد رحلته وكتابته العلم. ولد في حدود سنة عشر ومائتين وارتحل، فسمع بخراسان والعراق والحرمين، ولم يرحل إلى مصر والشام.
حدث عن: قتيبة بن سعيد، وإسحاق ابن راهويه، ومحمد بن عمرو السواق البلخي، ومحمود بن غيلان، وإسماعيل بن موسى الفزاري، وأحمد بن منيع، وأبي مصعب الزهري، وبشر بن معاذ العقدي، والحسن بن أحمد بن أبي شعيب، وأبي عمار الحسين بن حريث، والمعمر عبد الله بن معاوية الجمحي، وعبد الجبار بن العلاء، وأبي كريب، وعلي بن حجر، وعلي بن سعيد بن مسروق الكندي، وعمرو بن علي الفلاس، وعمران بن موسى القزاز، ومحمد بن أبان المستملي، ومحمد بن حميد الرازي، ومحمد بن عبد الأعلى، ومحمد بن رافع، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ومحمد بن يحيى العدني، ونصر بن علي، وهارون الحمال، وهناد بن السري، وأبي همام الوليد بن شجاع، ويحيى بن أكثم، ويحيى بن حبيب بن عربي، ويحيى بن درست البصري، ويحيى بن طلحة اليربوعي، ويوسف بن حماد المعني، وإسحاق بن موسى الخطمي، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وسويد بن نصر المروزي.
فأقدم ما عنده حديث مالك والحمادين، والليث، وقيس بن الربيع، وينزل حتى إنه أكثر عن البخاري، وأصحاب هشام بن عمار ونحوه.(أعلام/939)
حدث عنه: أبو بكر أحمد بن إسماعيل السمرقندي، وأبو حامد أحمد بن عبد الله بن داود المروزي، وأحمد بن علي بن حسنويه المقرئ، وأحمد بن يوسف النسفي، وأسد بن حمدويه النسفي، والحسين بن يوسف الفربري وحماد بن شكر الوراق، وداود بن نصر بن سهيل البزدوي والربيع بن حيان الباهلي، وعبد الله بن نصر أخو البزدوي، وعبد بن محمد بن محمود النسفي، وعلي بن عمر بن كلثوم السمرقندي، والفضل بن عمار الصرام، وأبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب، راوي " الجامع "، وأبو جعفر محمد بن أحمد النسفي، وأبو جعفر محمد بن سفيان بن النضر النسفي الأمين، ومحمد بن محمد بن يحيى الهروي القراب، ومحمد بن محمود بن عنبر النسفي، ومحمد بن مكي بن نوح النسفي، ومسبح بن أبي موسى الكاجري ومكحول بن الفضل النسفي، ومكي بن نوح، ونصر بن محمد بن سبرة، والهيثم بن كليب الشاشي الحافظ، راوي " الشمائل " عنه، وآخرون. وقد كتب عنه شيخه أبو عبد الله البخاري، فقال الترمذي في حديث عطية، عن أبي سعيد، يا علي: لا يحل لأحد أن يجنب في المسجد غيري وغيرك سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث. وقال ابن حبان في " الثقات ": كان أبو عيسى ممن جمع، وصنف، وحفظ، وذاكر.(أعلام/940)
وقال أبو سعد الإدريسي: كان أبو عيسى يضرب به المثل في الحفظ. وقال الحاكم: سمعت عمر بن علك يقول: مات البخاري، فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى، في العلم والحفظ، والورع والزهد. بكى حتى عمي، وبقي ضريرا سنين. ونقل أبو سعد الإدريسي بإسناد له، أن أبا عيسى قال: كنت في طريق مكة، فكتبت جزأين من حديث شيخ، فوجدته فسألته، وأنا أظن أن الجزأين معي، فسألته، فأجابني، فإذا معي جزآن بياض، فبقي يقرأ علي من لفظه، فنظر، فرأى في يدي ورقا بياضا، فقال: أما تستحي مني؟ فأعلمته بأمري، وقلت: أحفظه كله. قال: اقرأ. فقرأته عليه، فلم يصدقني، وقال: استظهرت قبل أن تجيء؟ فقلت: حدثني بغيره. قال: فحدثني بأربعين حديثا، ثم قال: هات. فأعدتها عليه، ما أخطأت في حرف. قال شيخنا أبو الفتح القشيري الحافظ: ترمذ، بالكسر، وهو المستفيض على الألسنة حتى يكون كالمتواتر. وقال المؤتمن الساجي: سمعت عبد الله بن محمد الأنصاري يقول: هو بضم التاء. ونقل الحافظ أبو الفتح بن اليعمري أنه يقال فيه: ترمذ، بالفتح
وعن أبي علي منصور بن عبد الله الخالدي، قال: قال أبو عيسى صنفت هذا الكتاب، وعرضته على علماء الحجاز، والعراق وخراسان، فرضوا به، ومن كان هذا الكتاب -يعني " الجامع " - في بيته، فكأنما في بيته نبي يتكلم. قلت: في " الجامع " علم نافع، وفوائد غزيرة، ورءوس المسائل، وهو أحد أصول الإسلام، لولا ما كدره بأحاديث واهية، بعضها موضوع، وكثير منها في الفضائل.(أعلام/941)
وقال أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق: " الجامع " على أربعة أقسام: قسم مقطوع بصحته، وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بينا، وقسم أخرجه للضدية، وأبان عن علته، وقسم رابع أبان عنه، فقال: ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثا قد عمل به بعض الفقهاء، سوى حديث: فإن شرب في الرابعة فاقتلوه وسوى حديث: جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، من غير خوف ولا سفر قلت: " جامعه " قاض له بإمامته وحفظه وفقهه، ولكن يترخص في قبول الأحاديث، ولا يشدد، ونفسه في التضعيف رخو. وفي " المنثور " لابن طاهر: سمعت أبا إسماعيل شيخ الإسلام يقول: " جامع " الترمذي أنفع من كتاب البخاري ومسلم، لأنهما لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم، و " الجامع " يصل إلى فائدته كل أحد.
قال غنجار وغيره: مات أبو عيسى في ثالث عشر رجب، سنة تسع وسبعين ومائتين بترمذ.(أعلام/942)
الثعالبي
أما الثعالبي العلامة شيخ الأدب، فهو أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري، الشاعر مصنف كتاب " يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر " وله كتاب " فقه اللغة " وكتاب " سحر البلاغة ". وكان رأسا في النظم والنثر. مات سنة ثلاثين وأربعمائة، وله ثمانون سنة.(أعلام/943)
الثعلبي
الإمام الحافظ العلامة، شيخ التفسير، أبو إسحاق، أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري. كان أحد أوعية العلم. له كتاب " التفسير الكبير " وكتاب " العرائس " في قصص الأنبياء.
قال السمعاني: يقال له: الثعلبي والثعالبي، وهو لقب له لا نسب.
حدث عن أبي بكر بن مهران المقرئ، وأبي طاهر محمد بن الفضل بن خزيمة، والحسن بن أحمد المخلدي، وأبي الحسين الخفاف، وأبي بكر بن هانئ، وأبي محمد بن الرومي، وطبقتهم. وكان صادقا موثقا، بصيرا بالعربية، طويل الباع في الوعظ.
حدث عنه: أبو الحسن الواحدي وجماعة.
قال عبد الغافر بن إسماعيل: قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: رأيت رب العزة في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه، فكان في أثناء ذلك أن قال الرب جل اسمه: أقبل الرجل الصالح. فالتفت فإذا أحمد الثعلبي مقبل.
توفي الثعلبي في المحرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة وفيها مات أبو النعمان تراب بن عمر بن عبيد الكاتب، ومحمد بن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي المحدث، وأبو عمرو محمد بن عبد الله بن أحمد الرزجاهي والظاهر علي بن الحاكم صاحب مصر، والهيثم بن محمد بن عبد الله الخراط، وأبو نصر منصور بن رامش.(أعلام/944)
الجاحظ
العلامة المتبحر، ذو الفنون، أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب البصري المعتزلي، صاحب التصانيف. أخذ عن النظام.
وروى عن: أبي يوسف القاضي، وثمامة بن أشرس.
روى عنه: أبو العيناء، ويموت بن المزرع ابن أخته، كان أحد الأذكياء.
قال ثعلب: ما هو بثقة.
وقال يموت: كان جده جمالا أسود.
وعن الجاحظ: نسيت كنيتي ثلاثة أيام، حتى عرفني أهلي.
قلت: كان ماجنا قليل الدين، له نوادر.
قال المبرد: دخلت عليه، فقلت: كيف أنت؟ قال: كيف من نصفه مفلوج، ونصفه الآخر منقرس؟ لو طار عليه ذباب لآلمه، والآفة في هذا أني جزت التسعين.
وقيل: طلبه المتوكل، فقال: وما يصنع أمير المؤمنين بشق مائل، ولعاب سائل؟ !! .
قال ابن زبر: مات سنة خمسين ومائتين. وقال الصولي: مات سنة خمس وخمسين ومائتين.
قلت: كان من بحور العلم، وتصانيفه كثيرة جدا. قيل: لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته، حتى إنه كان يكتري دكاكين الكتبيين، ويبيت فيها للمطالعة، وكان باقعة في قوة الحفظ.
وقيل: كان الجاحظ ينوب عن إبراهيم بن العباس الصولي مدة في ديوان الرسائل.
وقال في مرضه للطبيب: اصطلحت الأضداد على جسدي، إن أكلت باردا أخذ برجلي، وإن أكلت حارا أخذ برأسي.(أعلام/945)
ومن كلام الجاحظ إلى محمد بن عبد الملك: المنفعة توجب المحبة، والمضرة توجب البغضة، والمضادة عداوة، والأمانة طمأنينة، وخلاف الهوى يوجب الاستثقال، ومتابعته توجب الألفة. العدل يوجب اجتماع القلوب، والجور يوجب الفرقة. حسن الخلق أنس، والانقباض وحشة. التكبر مقت، والتواضع مقة، الجود يوجب الحمد، والبخل يوجب الذم، التواني يوجب الحسرة، والحزم يوجب السرور، والتغرير ندامة، ولكل واحدة من هذه إفراط وتقصير، وإنما تصح نتائجها إذا أقيمت حدودها ; فإن الإفراط في الجود تبذير، والإفراط في التواضع مذلة، والإفراط في الغدر يدعو إلى أن لا تثق بأحد، والإفراط في المؤانسة يجلب خلطاء السوء.
وله: وما كان حقي - وأنا واضع هذين الكتابين في خلق القرآن، وهو المعنى الذي يكثره أميرالمؤمنين ويعزه، وفي فضل ما بين بني هاشم، وعبد شمس ومخزوم - إلا أن أقعد فوق السماكين، بل فوق العيوق، أو أتجر في الكبريت الأحمر، وأقود العنقاء بزمام إلى الملك الأكبر.
وله كتاب " الحيوان " سبع مجلدات، وأضاف إليه كتاب " النساء " وهو فرق ما بين الذكر والأنثى، وكتاب " البغال " وقد أضيف إليه كتاب سموه كتاب " الجمال ". ليس من كلام الجاحظ، ولا يقاربه.
قال رجل للجاحظ: ألك بالبصرة ضيعة؟ قال: فتبسم، وقال: إنما إناء وجارية ومن يخدمها، وحمار، وخادم. أهديت كتاب " الحيوان " إلى ابن الزيات، فأعطاني ألفي دينار، وأهديت إلى فلان فذكر نحوا من ذلك، يعني: أنه في خير وثروة.
قال يموت بن المزرع: سمعت خالي، يقول: أمليت على إنسان مرة: أخبرنا عمرو، فاستملى: أخبرنا بشر، وكتب: أخبرنا زيد.
قلت: يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق.(أعلام/946)
قال إسماعيل الصفار: حدثنا أبو العيناء، قال: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك فأدخلناه على الشيوخ ببغداد، فقبلوه إلا ابن شيبة العلوي ; فإنه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوله. ثم قال الصفار: كان أبو العيناء يحدث بهذا بعدما تاب.
قيل للجاحظ: كيف حالك؟ قال: يتكلم الوزير برأيي، وصلات الخليفة متواترة إلي، وآكل من الطير أسمنها، وألبس من الثياب ألينها، وأنا صابر حتى يأتي الله بالفرج. قيل: بل الفرج ما أنت فيه. قال: بل أحب أن ألي الخلافة، ويختلف إلي محمد بن عبد الملك يعني الوزير، وهو القائل:
سقام الحرص ليس له دواء
وداء الجهل ليس له طبيب
وقال: أهديت إلى محمد بن عبد الملك كتاب " الحيوان "، فأعطاني خمسة آلاف دينار. وأهديت كتاب " البيان والتبيين " إلى أحمد بن أبي دوااد، فأعطاني كذلك، وأهديت كتاب " الزرع والنخل " إلى إبراهيم الصولي، فأعطاني مثلها. فرجعت إلى البصرة، ومعي ضيعة لا تحتاج إلى تحديد، ولا إلى تسميد.
وقد روى عنه ابن أبي داود حديثا واحدا.
وتصانيف الجاحظ كثيرة جدا: منها " الرد على أصحاب الإلهام "، و " الرد على المشبهة "، و " الرد على النصارى "، " الطفيلية "، " فضائل الترك "، " الرد على اليهود "، " الوعيد "، " الحجة والنبوة "، " المعلمين "، " البلدان "، " حانوت عطار "، " ذم الزنا " وأشياء.(أعلام/947)
أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، عن أحمد بن طارق، أخبرنا السلفي، أخبرنا المبارك بن الطيوري، حدثنا محمد بن علي الصوري إملاء، حدثنا خلف بن محمد الحافظ بصور، أخبرنا أبو سليمان بن زبر، حدثنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أتيت الجاحظ، فاستأذنت عليه، فاطلع علي من كوة في داره، فقال: من أنت؟ فقلت: رجل من أصحاب الحديث. فقال: أو ما علمت أني لا أقول بالحشوية؟ فقلت: إني ابن أبي داود. فقال: مرحبا بك وبأبيك، ادخل. فلما دخلت، قال لي: ما تريد؟ فقلت: تحدثني بحديث واحد. فقال: اكتب: حدثنا حجاج بن المنهال، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على طنفسة.
فقلت: زدني حديثا آخر، فقال: ما ينبغي لابن أبي داود أن يكذب.
قلت: كفانا الجاحظ المؤونة، فما روى من الحديث إلا النزر اليسير، ولا هو بمتهم في الحديث، بلى في النفس من حكاياته ولهجته، فربما جازف، وتلطخه بغير بدعة أمر واضح، ولكنه أخباري علامة، صاحب فنون وأدب باهر، وذكاء بين، عفا الله عنه.(أعلام/948)
الجبائي
شيخ المعتزلة وصاحب التصانيف، أبو علي، محمد بن عبد الوهاب البصري. مات بالبصرة سنة ثلاث وثلاثمائة.
أخذ عن: أبي يعقوب الشحام، وعاش ثمانيا وستين سنة، ومات فخلفه ابنه العلامة أبو هاشم الجبائي، وأخذ عنه فن الكلام أيضا أبو الحسن الأشعري، ثم خالفه ونابذه وتسنن.
وكان أبو علي -على بدعته- متوسعا في العلم، سيال الذهن، وهو الذي ذلل الكلام وسهله، ويسر ما صعب منه.
وكان يقف في أبي بكر وعلي: أيهما أفضل؟ .
وله كتاب: " الأصول "، وكتاب: " النهي عن المنكر "، وكتاب: " التعديل والتجويز "، وكتاب: " الاجتهاد "، وكتاب: " الأسماء والصفات "، وكتاب: " التفسير الكبير "، وكتاب: " النقض على ابن الراوندي "، وكتاب: " الرد على ابن كلاب "، وكتاب: " الرد على المنجمين "، وكتاب: " من يكفر ومن لا يكفر "، وكتاب: " شرح الحديث "، وأشياء كثيرة.
قيل: سأل الأشعري أبا علي: ثلاثة إخوة، أحدهم تقي، والثاني كافر، والثالث مات صبيا؟ فقال: أما الأول ففي الجنة، والثاني ففي النار، والصبي فمن أهل السلامة.
قال: فإن أراد أن يصعد إلى أخيه؟ قال: لا، لأنه يقال له: إن أخاك إنما وصل إلى هناك بعمله. قال: فإن قال الصغير: ما التقصير مني، فإنك ما أبقيتني، ولا أقدرتني على الطاعة، قال: يقول الله له: كنت أعلم أنك لو بقيت لعصيت، ولاستحقيت العذاب، فراعيت مصلحتك. قال: فلو قال الأخ الأكبر: يا رب كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلم راعيت مصلحته دوني؟ فانقطع الجبائي.(أعلام/949)
الجعد بن درهم
مؤدب مروان الحمار هو أول من ابتدع بأن الله ما اتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم موسى، وأن ذلك لا يجوز على الله.
قال المدائني: كان زنديقا. وقد قال له وهب: إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله أن له يدا، وأن له عينا ما قلنا ذلك، ثم لم يلبث الجعد أن صلب.(أعلام/950)
الجنيد
ابن محمد بن الجنيد النهاوندي، ثم البغدادي القواريري، والده الخزاز.
هو شيخ الصوفية ولد سنة نيف وعشرين ومائتين وتفقه على أبي ثور، وسمع من السري السقطي وصحبه، ومن الحسن بن عرفة، وصحب أيضا الحارث المحاسبي وأبا حمزة البغدادي، وأتقن العلم، ثم أقبل على شأنه، وتأله وتعبد، ونطق بالحكمة، وقل ما ورى.
حدث عنه: جعفر الخلدي، وأبو محمد الجريري، وأبو بكر الشبلي، ومحمد بن علي بن حبيش، وعبد الواحد بن علوان، وعدة.
قال ابن المنادي: سمع الكثير، وشاهد الصالحين، وأهل المعرفة، ورزق الذكاء وصواب الجواب. لم ير في زمانه مثله في عفة وعزوف عن الدنيا.
قيل لي: إنه قال مرة: كنت أفتي في حلقة أبي ثور الكلبي ولي عشرون سنة.
وقال أحمد بن عطاء: كان الجنيد يفتي في حلقة أبي ثور.
عن الجنيد قال: ما أخرج الله إلى الأرض علما وجعل للخلق إليه سبيلا، إلا وقد جعل لي فيه حظا.
وقيل: إنه كان في سوقه، وورده كل يوم ثلاثمائة ركعة، وكذا كذا ألف تسبيحة.
أبو نعيم: حدثنا علي بن هارون وآخر، قالا: سمعنا الجنيد غير مرة يقول: علمنا مضبوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث، ولم يتفقه لا يقتدى به.
قال عبد الواحد بن علوان: سمع الجنيد يقول: علمنا -يعني التصوف- مشبك بحديث رسول الله.
وعن أبي العباس بن سريج: أنه تكلم يوما فعجبوا، فقال: ببركة مجالستي لأبي القاسم الجنيد.
وعن أبي القاسم الكعبي أنه قال مرة: رأيت لكم شيخا ببغداد يقال له الجنيد، ما رأت عيناي مثله، كان الكتبة -يعني البلغاء- يحضرونه لألفاظه، والفلاسفة يحضرونه لدقة معانيه، والمتكلمون لزمام علمه، وكلامه بائن عن فهمهم وعلمهم.
قال الخلدي: لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم وحال غير الجنيد. كانت له حال خطيرة، وعلم غزير، إذا رأيت حاله رجحته على علمه، وإذا تكلم رجحت علمه على حاله.(أعلام/951)
أبو سهل الصعلوكي: سمعت أبا محمد المرتعش يقول: قال الجنيد: كنت بين يدي السري ألعب وأنا ابن سبع سنين، فتكلموا في الشكر، فقال: يا غلام، ما الشكر؟ قلت: أن لا يعصى الله بنعمه، فقال: أخشى أن يكون حظك من الله لسانك. قال الجنيد: فلا أزال أبكي على قوله.
السلمي: حدثنا جدي ابن نجيد قال: كان الجنيد يفتح حانوته ويدخل، فيسبل الستر ويصلي أربعمائة ركعة.
وعنه قال: أعلى الكبر أن ترى نفسك، وأدناه أن تخطر ببالك - يعني نفسك.
أبو جعفر الفرغاني: سمعت الجنيد يقول: أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب جل جلاله من القلب، والقلب إذا عري من الهيبة عري من الإيمان.
قيل: كان نقش خاتم الجنيد: إن كنت تأمله فلا تأمنه.
وعنه: من خالفت إشارته معاملته، فهو مدع كذاب.
وعنه: سألت الله أن لا يعذبني بكلامي؟ وربما وقع في نفسي: أن زعيم القوم أرذلهم.
وعنه: أعطي أهل بغداد الشطح والعبارة، وأهل خراسان القلب والسخاء، وأهل البصرة الزهد والقناعة، وأهل الشام الحلم والسلامة، وأهل الحجاز الصبر والإنابة.
وقيل لبعض المتكلمين -ويقال: هو ابن كلاب ولم يصح-: قد ذكرت الطوائف، وعارضتهم، ولم تذكر الصوفية، فقال: لم أعرف لهم علما ولا قولا، ولا ما راموه. قيل: بل هم السادة.(أعلام/952)
وذكروا له الجنيد، ثم أتوا الجنيد فسألوه عن التصوف، فقال: هو إفراد القديم عن الحدث، والخروج عن الوطن، وقطع المحاب، وترك ما علم أو جهل، وأن يكون المرء زاهدا فيما عند الله، راغبا فيما لله عنده، فإذا كان كذلك حظاه إلى كشف العلوم، والعبارة عن الوجوه، وعلم السرائر، وفقه الأرواح. فقال المتكلم: هذا -والله- علم حسن، فلو أعدته حتى نكتبه، قال: كلا، مر إلى المكان الذي منه بدأ النسيان، وذكر فصلا طويلا، فقال المتكلم: إن كان رجل يهدم ما يثبت بالعقل بكلمة من كلامه، فهذا، فإن كلامه لا يحتمل المعارضة.
قال أبو محمد الجريري: سمعت الجنيد يقول: ما أخذنا التصوف عن القال والقيل ; بل عن الجوع، وترك الدنيا، وقطع المألوفات.
قلت: هذا حسن، ومراده: قطع أكثر المألوفات، وترك فضول الدنيا، وجوع بلا إفراط. أما من بالغ في الجوع كما يفعله الرهبان، ورفض سائر الدنيا، ومألوفات النفس، من الغذاء والنوم والأهل، فقد عرض نفسه لبلاء عريض، وربما خولط في عقله، وفاته بذلك كثير من الحنيفية السمحة، وقد جعل الله لكل شيء قدرا، والسعادة في متابعة السنن، فزن الأمور بالعدل، وصم وأفطر، ونم وقم، والزم الورع في القوت، وارض بما قسم الله لك، واصمت إلا من خير، فرحمة الله على الجنيد، وأين مثل الجنيد في علمه وحاله؟ .
قال ابن نجيد: ثلاثة لا رابع لهم، الجنيد ببغداد، وأبو عثمان بنيسابور، وأبو عبد الله بن الجلاء بالشام.
وقد كان الجنيد يأنس بصديقه الأستاذ أبي الحسين:(أعلام/953)
الجنيد بن محمد
الإمام القدوة المحدث أبو القاسم القايني نزيل هراة، وشيخ الصوفية.
سمع أبا بكر بن ماجه، وسليمان الحافظ بأصبهان، وأبا الفضل محمد بن أحمد العارف وغيره بطبس، وسمع بهراة محمد بن علي العميري، ونجيب بن ميمون، وبمرو من أبي المظفر السمعاني.
قال أبو سعد السمعاني: سمعت جماعة كتب منه، مولده سنة ست وستين وأربعمائة ومات في رابع عشر شوال سنة سبع وأربعين وخمسمائة.
وقال ابن النجار: كان فقيها فاضلا، محدثا صدوقا، موصوفا بالعبادة، تفقه على أبي المظفر، وحصل الأصول، وسمع بقاين من الحسن بن إسحاق التوني. روى عنه ابن ناصر، وابن عساكر.
قلت: وزنكي بن أبي الوفاء المروزي، وأبو روح الهروي، وعبد الرحيم بن السمعاني، وطائفة.(أعلام/954)
الجياني
الإمام الحافظ المجود، الحجة الناقد، محدث الأندلس أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الغساني، الأندلسي، الجياني صاحب كتاب " تقييد المهمل ".
مولده في المحرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة.
حدث عن: حكم بن محمد الجذامي، وهو أعلى شيخ له، وحاتم بن محمد الطرابلسي، وأبي عمر بن عبد البر، وأبي عبد الله محمد بن عتاب، والمحدث أبي عمر بن الحذاء، وأبي شاكر عبد الواحد القبري وسراج بن عبد الله القاضي، وأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، وأبي العباس أحمد بن عمر بن دلهاث، وطائفة سواهم.
ولم يرحل من الأندلس، وكان من جهابذة الحفاظ، قوي العربية، بارع اللغة، مقدما في الآداب والشعر والنسب. له تصانيف كثيرة في هذه الفنون، نعته بهذا وأكثر منه خلف بن عبد الملك الحافظ، وقال: أخبرنا عنه غير واحد، ووصفوه بالجلالة، والحفظ، والنباهة والتواضع، والصيانة.
قال أبو زيد السهيلي في " الروض الأنف ": حدثنا أبو بكر بن طاهر، عن أبي علي الغساني، أن أبا عمر بن عبد البر قال له: أمانة الله في عنقك ; متى عثرت على اسم من أسماء الصحابة لم أذكره ; إلا ألحقته في كتابي، يعني " الاستيعاب ".
قال ابن بشكوال سمعت أبا الحسن بن مغيث قال: كان أبو علي الجياني من أكمل من رأيت علما بالحديث، ومعرفة بطرقه، وحفظا لرجاله، عانى كتب اللغة، وأكثر من رواية الأشعار، وجمع من سعة الرواية ما لم يجمعه أحد أدركناه، وصحح من الكتب ما لم يصححه غيره من الحفاظ، فكتبه حجة بالغة، جمع كتابا في رجال الصحيحين سماه " تقييد المهمل وتمييز المشكل "، وهو كتاب حسن مفيد، أخذه الناس عنه، قال ابن بشكوال: سمعناه على القاضي أبي عبد الله بن الحجاج عنه. . . لزم بيته مدة لزمانة لحقته.(أعلام/955)
قلت: وروى عنه أيضا: محمد بن محمد بن حكم الباهلي، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم الجياني، الملقب بالبغدادي، والقاضي أبو علي بن سكرة، وأبو العلاء زهر بن عبد الملك الإيادي، وعبد الله بن أحمد بن سماك الغرناطي، والحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن أبي ليلى، ويوسف بن يبقى النحوي، ومحمد بن عبد الله بن خليل القيسي مسند مراكش، فحدث عنه بصحيح مسلم في سنة سبعين وخمسمائة.
توفي الأستاذ الحافظ أبو علي في ليلة الجمعة، ثاني عشر شعبان سنة ثمان وتسعين وأربعمائة.
أخبرنا الحسن بن علي الأمين، أخبرنا جعفر بن منير المالكي، أخبرنا أبو محمد العثماني، أخبرنا محمد بن محمد بن حكم، أخبرنا الحافظ أبو علي الغساني، حدثنا حكم بن محمد، حدثنا أبو بكر بن إسماعيل، حدثنا أبو القاسم البغوي بمكة إملاء، سنة عشر وثلاثمائة، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا مبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما تحاب رجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه ".
هذا حديث حسن الإسناد.
ومات مع أبي علي الحافظ، مفيد بغداد أبو علي أحمد بن محمد بن أحمد البرداني عن سبعين سنة، والحافظ مفيد أصبهان أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه ومسند خراسان أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي وشيخ الحرم المفتي أبو عبد الله الحسين بن علي الطبري الشافعي ومقرئ بغداد أبو المعالي ثابت بن بندار البقال، ومسند بغداد الشريف أبو الفضل محمد بن عبد السلام الأنصاري.(أعلام/956)
الحارث الأعور (4)
هو العلامة الإمام أبو زهير، الحارث بن عبد الله بن كعب بن أسد الهمداني الكوفي صاحب علي وابن مسعود، كان فقيها كثير العلم على لين في حديثه.
حدث عنه الشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن مرة، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم.
وقد جاء أن أبا إسحاق سمع من الحارث أربعة أحاديث، وباقي ذلك مرسل.
قال أبو بكر بن أبي داود: كان الحارث أفقه الناس، وأحسب الناس. تعلم الفرائض من علي رضي الله عنه.
قال محمد بن سيرين: أدركت أهل الكوفة وهم يقدمون خمسة: من بدأ بالحارث الأعور، ثنى بعبيدة السلماني، ومن بدأ بعبيدة، ثنى بالحارث، ثم علقمة، ثم مسروق، ثم شريح.
قلت: قد كان الحارث من أوعية العلم، ومن الشيعة الأول. كان يقول: تعلمت القرآن في سنتين، والوحي في ثلاث سنين.
فأما قول الشعبي: الحارث كذاب، فمحمول على أنه عنى بالكذب الخطأ، لا التعمد ; وإلا فلماذا يروي عنه ويعتقده بتعمد الكذب في الدين. وكذا قال علي بن المديني وأبو خيثمة: هو كذاب.
وأما يحيى بن معين فقال: هو ثقة. وقال مرة: ليس به بأس.
وكذا قال الإمام النسائي: ليس به بأس. وقال أيضا: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: لا يحتج به. ثم إن النسائي وأرباب السنن احتجوا بالحارث، وهو ممن عندي وقفة في الاحتجاج به.
قال علباء بن أحمر: خطب علي الناس فقال: يا أهل الكوفة، غلبكم نصف رجل.
قال شعبة: لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث.
وروى منصور عن إبراهيم قال: الحارث اتهم.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: ما سمع من الحارث -يعني أبا إسحاق - إلا أربعة أحاديث، وسائر ذلك كتاب أخذه.
وروى أبو بكر بن عياش، عن مغيرة، قال: لم يكن الحارث يصدق عن علي في الحديث. وقال جرير بن عبد الحميد: كان زيفا.(أعلام/957)
وقال ابن معين أيضا في رواية ثالثة عنه: ضعيف. وكذا قال الدارقطني. وقال أبو أحمد بن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ.
وروى يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، ترجيح حديث عاصم بن ضمرة، على حديث الحارث فقال: كنا نعرف فضل حديث عاصم، على حديث الحارث.
قال عثمان الدارمي: لا يتابع يحيى بن معين على قوله في الحارث: إنه ثقة.
قال حصين عن الشعبي: ما كذب على أحد من هذه الأمة، ما كذب على علي.
وروى مفضل بن مهلهل، عن مغيرة، سمع الشعبي يقول: حدثني الحارث الأعور وأشهد أنه أحد الكذابين.
قال بندار: أخذ يحيى بن سعيد وابن مهدي القلم من يدي، فضربا على نحو من أربعين حديثا من حديث الحارث عن علي.
وقال أبو حاتم بن حبان: كان الحارث غاليا في التشيع، واهيا في الحديث، هو الراوي عن علي، قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تفتحن على الإمام في الصلاة رواه الفريابي عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عنه. وإنما ذا قول علي.
وخرج البخاري في كتاب " الضعفاء " لمحمد بن يعقوب بن عباد، عن محمد بن داود، عن إسماعيل، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنين المريض تسبيحه، وصياحه تهليله، ونومه عبادة، ونفسه صدقة، وتقلبه قتال لعدوه الحديث.
فهذا حديث منكر جدا، وما أظن أن إسرائيل حدث بذا، وقد استوفيت ترجمة الحارث في " ميزان الاعتدال " وأنا متحير فيه. وتوفي سنة خمس وستين. بالكوفة.(أعلام/958)
أخبرنا محمد بن عبد السلام الشافعي، عن عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أنبأنا أحمد بن علي، حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا حماد بن زيد، عن مجالد، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي قال: لعن محمد -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله، وشاهديه، وكاتبه، والواشمة والمستوشمة، والحال والمحلل له، ومانع الصدقة، ونهى عن النوح مجالد أيضا لين.(أعلام/959)
الحارث بن سويد (ع)
التيمي الكوفي، إمام ثقة رفيع المحل.
حدث عن عمر وابن مسعود، وعلي. يكنى أبا عائشة.
روى عنه إبراهيم التيمي، وأشعث بن أبي الشعثاء، وعمارة بن عمير، وجماعة، وهو قليل الحديث، قديم الموت، قد ذكره أحمد بن حنبل فعظم شأنه، ورفع من قدره. وقال ابن معين: ثقة. وقال ابن سعد مات في آخر خلافة ابن الزبير.(أعلام/960)
الحازمي
الإمام الحافظ، الحجة الناقد، النسابة البارع أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن موسى بن عثمان بن حازم الحازمي الهمذاني.
مولده في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
سمع من أبي الوقت السجزي حضورا وله أربع سنين، وسمع من شهردار بن شيرويه الديلمي، وأبي زرعة بن طاهر المقدسي الحافظ، وأبي العلاء العطار، ومعمر بن الفاخر، وأبي الحسين عبد الحق اليوسفي، وعبد الله بن الصمد العطار، وشهدة الكاتبة، وأبي الفضل عبد الله بن أحمد خطيب الموصل، وأبي طالب محمد بن علي الكتاني الواسطي، ومحمد بن طلحة البصري المالكي بها، وأبي العباس أحمد بن ينال الترك، وأبي الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي، وأبي موسى محمد بن أبي عيسى المديني، وأقرانهم بالعراق وأصبهان والجزيرة والشام والحجاز.
وجمع، وصنف، وبرع في فن الحديث خصوصا في النسب. واستوطن بغداد.
قال أبو عبد الله الدبيثي تفقه ببغداد في مذهب الشافعي، وجالس العلماء، وتميز، وفهم، وصار أحفظ الناس للحديث ولأسانيده ورجاله، مع زهد، وتعبد، ورياضة، وذكر. صنف في الحديث عدة مصنفات، وأملى عدة مجالس، وكان كثير المحفوظ حلو المذاكرة، يغلب عليه معرفة أحاديث الأحكام. أملى طرق الأحاديث التي في " المهذب " للشيخ أبي إسحاق، وأسندها، ولم يتمه.(أعلام/961)
وقال أبو عبد الله بن النجار في " تاريخه " كان الحازمي من الأئمة الحفاظ العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله. ألف كتاب " الناسخ والمنسوخ "، وكتاب " عجالة المبتدئ في النسب "، وكتاب " المؤتلف والمختلف في أسماء البلدان ". وأسند أحاديث " المهذب "، وكان ثقة، حجة، نبيلا، زاهدا، عابدا، ورعا، ملازما للخلوة والتصنيف وبث العلم، أدركه الأجل شابا، وسمعت محمد بن محمد بن محمد بن غانم الحافظ يقول: كان شيخنا الحافظ أبو موسى المديني يفضل أبا بكر الحازمي على عبد الغني المقدسي، ويقول: ما رأينا شابا أحفظ من الحازمي، له كتاب " في الناسخ والمنسوخ " دال على إمامته في الفقه والحديث ليس لأحد مثله.
قال ابن النجار: وسمعت بعض الأئمة يذكر أن الحازمي كان يحفظ كتاب " الإكمال " في المؤتلف والمختلف ومشتبه النسبة، كان يكرر عليه، ووجدت بخط الإمام أبي الخير القزويني وهو يسأل الحازمي: ماذا يقول سيدنا الإمام الحافظ في كذا وكذا؟ وقد أجاب أبو بكر الحازمي بأحسن جواب.
ثم قال ابن النجار: سمعت أبا القاسم المقرئ جارنا يقول، وكان صالحا: كان الحازمي -رحمه الله- في رباط البديع، فكان يدخل بيته في كل ليلة، ويطالع، ويكتب إلى طلوع الفجر، فقال البديع للخادم: لا تدفع إليه الليلة بزرا للسراج لعله يستريح الليلة. قال: فلما جن الليل، اعتذر إليه الخادم لأجل انقطاع البزر، فدخل بيته، وصف قدميه يصلي، ويتلو، إلى أن طلع الفجر، وكان الشيخ قد خرج ليعرف خبره، فوجده في الصلاة.
مات أبو بكر الحازمي في شهر جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وخمسمائة وله ست وثلاثون سنة.(أعلام/962)
قرأت على أبي الحمد أقش الافتخاري، أخبركم عبد الله بن الحسن الدمياطي الخطيب سنة ست وأربعين وستمائة، أخبرنا محمد بن موسى الحافظ، أخبرنا محمد بن ذاكر بقراءتي، أخبركم حسن بن أحمد القارئ، أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب، أخبرنا علي بن عمر، حدثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز، حدثنا العباس بن يزيد، حدثنا غسان بن مضر، حدثنا أبو مسلمة، قال: سألت أنس بن مالك: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح ب " الحمد لله رب العالمين "؟ فقال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه، وما سألني عنه أحد قبلك، قلت: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في النعلين؟ قال: نعم.
هذا حديث حسن غريب، وهو ظاهر في أن أبا مسلمة سعيد بن يزيد سأل أنسا عن الصلوات الخمس، أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستفتح -يعني أول ما يحرم بالصلاة- بدعاء الاستفتاح أم بالاستعاذة، أم ب الحمد لله رب العالمين؟ فأجابه أنه لا يحفظ في ذلك شيئا.
فأما الجهر وعدمه بالبسملة فقد صح عنه من حديث قتادة وغيره عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم.
وقد روى عن الحازمي المقرئ تقي الدين بن باسويه الواسطي، والفقيه عبد الخالق النشتبري وجلال الدين عبد الله بن الحسن الدمياطي الخطيب، وآخرون.(أعلام/963)
ومات معه في سنة أربع الأمير الكبير مؤيد الدولة مجد الدين أبو المظفر أسامة بن مرشد بن منقذ الكناني الشيزري الشاعر عن سبع وتسعين سنة وأبو المقيم ظاعن بن محمد الزبيري الخياط، وأبو محمد عبد الله بن علي بن سويدة التكريتي، وأبو القاسم بن حبيش الأنصاري، وأبو القبائل عشير بن علي الجبلي بمصر، وشمس الأئمة عماد الدين عمر بن بكر الأنصاري البخاري شيخ الحنفية، وتاج الدين محمد بن عبد الرحمن المسعودي المحدث، وشاعر العراق أبو الفتح محمد بن عبيد الله بن التعاويذي، وأبو عبد الله محمد بن علي بن صدقة الحراني السفار، وأبو الفتوح محمد بن المطهر بن يعلى الفاطمي الهروي، والعبد الصالح محمد بن أبي المعالي بن قايد الأواني، ويحيى بن محمود الثقفي، والمبارك بن أبي بكر بن النقور.(أعلام/964)
الحاكم
محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم، الإمام الحافظ، الناقد العلامة، شيخ المحدثين، أبو عبد الله بن البيع الضبي الطهماني النيسابوري، الشافعي، صاحب التصانيف.
مولده في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الأول، سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة بنيسابور.
وطلب هذا الشأن في صغره بعناية والده وخاله، وأول سماعه كان في سنة ثلاثين، وقد استملى على أبي حاتم بن حبان في سنة أربع وثلاثين وهو ابن ثلاث عشرة سنة.
ولحق الأسانيد العالية بخراسان والعراق وما وراء النهر، وسمع من نحو ألفي شيخ، ينقصون أو يزيدون، فإنه سمع بنيسابور وحدها من ألف نفس، وارتحل إلى العراق وهو ابن عشرين سنة، فقدم بعد موت إسماعيل الصفار بيسير.(أعلام/965)
وحدث عن أبيه وكان أبوه قد رأى مسلما صاحب " الصحيح "، وعن محمد بن علي المذكر، ومحمد بن يعقوب الأصم، ومحمد بن يعقوب الشيباني بن الأخرم، ومحمد بن أحمد بن بالويه الجلاب، وأبي جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي صاحب ابن واره، ومحمد بن عبد الله بن أحمد الصفار، وصاحبي الحسن بن عرفة: علي بن الفضل الستوري، وعلي بن عبد الله الحكيمي، وإسماعيل بن محمد الرازي، ومحمد بن القاسم العتكي، وأبي جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي الجمال، ومحمد بن المؤمل الماسرجسي، ومحمد بن أحمد بن محبوب محدث مرو، وأبي حامد أحمد بن علي بن حسنويه، والحسن بن يعقوب البخاري، والقاسم بن القاسم السياري، وأبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي، وأحمد بن محمد بن عبدوس العنزي، ومحمد بن أحمد الشعيبي الفقيه، وإسماعيل بن محمد بن الشعراني، وأبي أحمد بكر بن محمد المروزي الصيرفي، وأبي الوليد حسان بن محمد الفقيه، وأبي علي الحسين بن علي النيسابوري الحافظ، وحاجب بن أحمد الطوسي، لكن عدم سماعه منه، وعلي بن حمشاد العدل، ومحمد بن صالح بن هانئ، وأبي النضر محمد بن محمد الفقيه، وأبي عمرو وعثمان بن أحمد الدقاق البغدادي، وأبي بكر النجاد، وعبد الله بن درستويه، وأبي سهل بن زياد، وعبد الباقي بن قانع، وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب شيخ همذان، والحسين بن الحسن الطوسي، وعلي بن محمد بن محمد بن عقبة الشيباني، ومحمد بن حاتم بن خزيمة الكشي - شيخ زعم أنه لقي عبد بن حميد - وأمم سواهم بحيث إنه روى عن أبي طاهر الزيادي، والقاضي أبي بكر الحيري.(أعلام/966)
حدث عنه: الدارقطني وهو من شيوخه، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو العلاء الواسطي، ومحمد بن أحمد بن يعقوب، وأبو ذر الهروي، وأبو يعلى الخليلي، وأبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو صالح المؤذن، والزكي عبد الحميد البحيري، ومؤمل بن محمد بن عبد الواحد، وأبو الفضل محمد بن عبيد الله الصرام، وعثمان بن محمد المحمي، وأبو بكر أحمد بن علي بن خلف، الشيرازي، وخلق سواهم.
وصنف وخرج، وجرح وعدل، وصحح وعلل، وكان من بحور العلم على تشيع قليل فيه.
وقد قرأ بالروايات على ابن الإمام ومحمد بن أبي منصور الصرام، وأبي علي بن النقار مقرئ الكوفة، وأبي عيسى بكار مقرئ بغداد.
وتفقه على أبي علي بن أبي هريرة، وأبي الوليد حسان بن محمد، وأبي سهل الصعلوكي.
وأخذ فنون الحديث عن أبي علي الحافظ والجعابي، وأبي أحمد الحاكم والدارقطني، وعدة.
وقد أخذ عنه من شيوخه: أبو إسحاق المزكي، وأحمد بن أبي عثمان الحيري، ورأيت عجيبة وهي أن محدث الأندلس أبا عمر الطلمنكي قد كتب كتاب " علوم الحديث " للحاكم في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، عن شيخ سماه، عن رجل آخر، عن الحاكم.
وقد صحب الحاكم من مشايخ الطريق إسماعيل بن نجيد، وجعفرا الخلدي، وأبا عثمان المغربي.
وقع لي حديثه عاليا بإسناد فيه إجازة.
قرأت على أبي علي بن الخلال: أخبركم جعفر بن علي، أخبرنا السلفي، أخبرنا إسماعيل بن عبد الجبار، سمعت الخليل بن عبد الله الحافظ ذكر الحاكم وعظمه، وقال: له رحلتان إلى العراق والحجاز، الثانية في سنة ثمان وستين، وناظر الدارقطني، فرضيه، وهو ثقة واسع العلم، بلغت تصانيفه قريبا من خمسمائة جزء، يستقصي في ذلك، يؤلف الغث والسمين. ثم يتكلم عليه، فيبين ذلك.
قال: وتوفي في سنة ثلاث وأربعمائة كذا قال.(أعلام/967)
قال: وسألني في اليوم الثاني لما دخلت عليه، ويقرأ عليه في فوائد العراقيين: سفيان الثوري، عن أبي سلمة، عن الزهري، عن سهل حديث الاستئذان، فقال لي: من أبو سلمة هذا؟ فقلت من وقتي: المغيرة بن مسلم السراج. قال: وكيف يروي المغيرة عن الزهري؟ فبقيت ثم قال لي: قد أمهلتك أسبوعا حتى تتفكر فيه. قال: فتفكرت ليلتي حتى بقيت أكرر التفكر، فلما وقعت إلى أصحاب، الجزيرة من أصحاب الزهري، تذكرت محمد بن أبي حفصة، فإذا كنيته أبو سلمة، فلما أصبحت، حضرت مجلسه، ولم أذكر شيئا حتى قرأت عليه نحو مائة حديث، قال: هل تفكرت فيما جرى؟ فقلت: نعم هو محمد بن أبي حفصة، فتعجب، وقال لي: نظرت في حديث سفيان لأبي عمرو البحيري؟ فقلت: لا، وذكرت له ما أممت في ذلك، فتحير، وأثنى علي، ثم كنت أسأله، فقال: أنا إذا ذاكرت اليوم في باب لا بد من المطالعة لكبر سني. فرأيته في كل ما ألقي عليه بحرا، وقال لي: أعلم بأن خراسان وما وراء النهر، لكل بلدة تاريخ صنفه عالم منها، ووجدت نيسابور مع كثرة العلماء بها لم يصنفوا فيه شيئا، فدعاني ذلك إلى أن صنفت " تاريخ النيسابوريين " فتأملته، ولم يسبقه إلى ذلك أحد وصنف لأبي علي بن سيمجور كتابا في أيام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأزواجه وأحاديثه، وسماه " الإكليل "، لم أر أحدا رتب ذلك الترتيب، وكنت أسأله عن الضعفاء الذين نشئوا بعد الثلاثمائة بنيسابور وغيرها من شيوخ خراسان، وكان يبين من غير محاباة.(أعلام/968)
أخبرنا المؤمل بن محمد وغيره كتابة قالوا: أخبرنا زيد بن الحسن، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: كان أبو عبد الله بن البيع الحاكم ثقة، أول سماعه سنة ثلاثين وثلاثمائة، وكان يميل إلى التشيع، فحدثني إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور وكان صالحا عالما قال: جمع أبو عبد الله الحاكم أحاديث، وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم، منها حديث الطير وحديث: من كنت مولاه فعلي مولاه فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك، ولم يلتفتوا إلى قوله.
أبو نعيم الحداد: سمعت الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، سمعت أبا عبد الرحمن الشاذياخي الحاكم يقول: كنا في مجلس السيد أبي الحسن، فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير، فقال: لا يصح، ولو صح لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي -صلى الله عليه وسلم.
فهذه حكاية قوية، فما باله أخرج حديث الطير في " المستدرك "؟ فكأنه اختلف اجتهاده، وقد جمعت طرق حديث الطير في جزء، وطرق حديث: " من كنت مولاه " وهو أصح، وأصح منهما ما أخرجه مسلم عن علي قال: إنه لعهد النبي الأمي -صلى الله عليه وسلم- إلي: إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق وهذا أشكل الثلاثة، فقد أحبه قوم لا خلاق لهم، وأبغضه بجهل قوم من النواصب، فالله أعلم.(أعلام/969)
أنبئت عن أبي سعد الصفار: عن عبد الغافر بن إسماعيل قال: الحاكم أبو عبد الله هو إمام أهل الحديث في عصره، العارف به حق معرفته، يقال له: الضبي، لأن جد جدته هو عيسى بن عبد الرحمن الضبي، وأم عيسى هي منويه بنت إبراهيم بن طهمان الفقيه، وبيته بيت الصلاح والورع والتأذين في الإسلام، وقد ذكر أباه في " تاريخه "، فأغنى عن إعادته، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة قال: ولقي عبد الله بن محمد بن الشرقي، وأبا علي الثقفي، وأبا حامد بن بلال، ولم يسمع منهم، وسمع من أبي طاهر المحمداباذي، وأبي بكر القطان، ولم يظفر بمسموعه منهما، وتصانيفه المشهورة تطفح بذكر شيوخه، وقرأ بخراسان على قراء وقته، وتفقه على أبي الوليد، والأستاذ أبي سهل، واختص بصحبة الإمام أبي بكر الصبغي، وكان الإمام يراجعه في السؤال والجرح والتعديل، وأوصى إليه في أمور مدرسته دار السنة. وفوض إليه تولية أوقافه في ذلك، وذاكر مثل الجعابي، وأبي علي الماسرجسي الحافظ الذي كان أحفظ زمانه، وقد شرع الحاكم في التصنيف سنة سبع وثلاثين، فاتفق له من التصانيف ما لعله يبلغ قريبا من ألف جزء من تخريج " الصحيحين "، والعلل والتراجم والأبواب والشيوخ، ثم المجموعات مثل " معرفة علوم الحديث " و " مستدرك الصحيحين " و " تاريخ النيسابوريين "، وكتاب " مزكي الأخبار "، و " المدخل إلى علم الصحيح "، وكتاب " الإكليل "، و " فضائل الشافعي "، وغير ذلك. ولقد سمعت مشايخنا يذكرون أيامه، ويحكون أن مقدمي عصره مثل أبي سهل الصعلوكي والإمام ابن فورك وسائر الأئمة يقدمونه على أنفسهم، ويراعون حق فضله، ويعرفون له الحرمة الأكيدة.(أعلام/970)
ثم أطنب عبد الغافر في نحو ذلك من تعظيمه، وقال: هذه جمل يسيرة هي غيض من فيض سيره وأحواله، ومن تأمل كلامه في تصانيفه، وتصرفه في أماليه، ونظره في طرق الحديث أذعن بفضله، واعترف له بالمزية على من تقدمه، وإتعابه من بعده، وتعجيزه اللاحقين عن بلوغ شأوه، وعاش حميدا، ولم يخلف في وقته مثله، مضى إلى رحمة الله في ثامن صفر سنة خمس وأربعمائة
قال أبو حازم عمر بن أحمد العبدويي الحافظ: سمعت الحاكم أبا عبد الله إمام أهل الحديث في عصره يقول: شربت ماء زمزم، وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف.
قال العبدويي: وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: كتبت على ظهر جزء من حديث أبي الحسين الحجاجي الحافظ، فأخذ القلم، وضرب على الحافظ، وقال: أيش أحفظ أنا؟ أبو عبد الله بن البياع أحفظ مني، وأنا لم أر من الحفاظ إلا أبا علي النيسابوري، وأبا العباس بن عقدة. وسمعت السلمي يقول: سألت الدارقطني: أيهما أحفظ: ابن منده أو ابن البيع؟ فقال: ابن البيع أتقن حفظا.
قال أبو حازم: أقمت عند أبي عبد الله العصمي قريبا من ثلاث سنين، ولم أر في جملة مشايخنا أتقن منه ولا أكثر تنقيرا، وكان إذا أشكل عليه شيء، أمرني أن أكتب إلى الحاكم أبي عبد الله، فإذا ورد جواب كتابه، حكم به، وقطع بقوله.(أعلام/971)
قال الحافظ أبو صالح المؤذن: أخبرنا مسعود بن علي السجزي، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن فورك، حدثنا الحافظ أبو عمرو محمد بن أحمد بن جعفر البحيري، حدثنا أحمد بن محمد بن الفضل بن مطرف الكرابيسي في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، حدثنا محمد بن عبد الله بن حمدويه الحافظ، حدثنا النجاد، حدثنا محمد بن عثمان، حدثنا يحيى الحماني، حدثنا سعير بن الخمس، عن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن بلالا يؤذن بليل. . . وذكر الحديث ثم قال مسعود: وحدثنيه الحاكم غير مرة، وقد كان الحاكم لما روى عنه الكرابيسي هذا شابا طريا.
أنبأنا ابن سلامة عن الحافظ عبد الغني، أخبرنا أبو موسى المديني، أخبرنا هبة الله بن عبد الله الواسطي، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو القاسم الأزهري، حدثنا الدارقطني، حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري، حدثنا محمد بن جعفر النسوي، حدثنا الخليل بن أحمد النسوي، حدثنا خداش بن مخلد، حدثنا يعيش بن هشام، حدثنا مالك، عن الزهري، عن أنس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما أحسن الهدية أمام الحاجة! .
قلت: هذا ملصق بمالك، وقد حدث به الوليد الموقري أحد الضعفاء، عن الزهري مرسلا.(أعلام/972)
أبو موسى: حدثنا الحسين بن عبد الملك، عن سعد بن علي الزنجاني، سمع أبا نصر الوائلي يقول: لما ورد أبو الفضل الهمذاني نيسابور، تعصبوا له، ولقبوه: بديع الزمان، فأعجب بنفسه إذ كان يحفظ المائة بيت إذا أنشدت مرة، وينشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة، فأنكر على الناس قولهم: فلان الحافظ في الحديث، ثم قال: وحفظ الحديث مما يذكر؟ ! فسمع به الحاكم ابن البيع، فوجه إليه بجزء، وأجل له جمعة في حفظه فرد إليه الجزء بعد الجمعة، وقال: من يحفظ هذا؟ محمد بن فلان، وجعفر بن فلان، عن فلان؟ أسامي مختلفة، وألفاظ متباينة؟ فقال له الحاكم: فاعرف نفسك، واعلم أن هذا الحفظ أصعب مما أنت فيه.
ثم روى أبو موسى المديني: أن الحاكم دخل الحمام، فاغتسل، وخرج. وقال: آه. وقبضت روحه وهو متزر لم يلبس قميصه بعد، ودفن بعد العصر يوم الأربعاء، وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري.
قال الحسن بن أشعث القرشي: رأيت الحاكم في المنام على فرس في هيئة حسنة وهو يقول: النجاة. فقلت له: أيها الحاكم، في ماذا؟ قال: في كتبة الحديث.
الخطيب في " تاريخه " حدثني الأزهري قال: ورد ابن البيع بغداد قديما، فقال: ذكر لي أن حافظكم -يعني: الدارقطني - خرج لشيخ واحد خمسمائة جزء، فأروني بعضها. فحمل إليه منها، وذلك مما خرجه لأبي إسحاق الطبري، فنظر في أول الجزء الأول حديثا لعطية العوفي، فقال: استفتح بشيخ ضعيف. ورمى الجزء، ولم ينظر في الباقي.
قال ابن طاهر: سألت سعد بن علي الحافظ عن أربعة تعاصروا: أيهم أحفظ؟ قال: من؟ قلت: الدارقطني، وعبد الغني، وابن منده، والحاكم. فقال: أما الدارقطني فأعلمهم بالعلل، وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب، وأما ابن منده فأكثرهم حديثا مع معرفة تامة، وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفا.(أعلام/973)
أنبأني أحمد بن سلامة، عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي، عن ابن طاهر: أنه سأل أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي، عن أبي عبد الله الحاكم، فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث.
قلت: كلا ليس هو رافضيا، بل يتشيع.
قال ابن طاهر: كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان منحرفا غاليا عن معاوية - رضي الله عنه - وعن أهل بيته، يتظاهر بذلك، ولا يعتذر منه، فسمعت أبا الفتح سمكويه بهراة، سمعت عبد الواحد المليحي، سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: دخلت على الحاكم وهو في داره، لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن كرام وذلك أنهم كسروا منبره، ومنعوه من الخروج، فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثا، لاسترحت من المحنة، فقال: لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي.
وسمعت المظفر بن حمزة بجرجان، سمعت أبا سعد الماليني، يقول: طالعت كتاب " المستدرك على الشيخين "، الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره، فلم أر فيه حديثا على شرطهما.
قلت: هذه مكابرة وغلو، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا، بل في " المستدرك " شيء كثير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها، كنت قد أفردت منها جزءا، وحديث الطير بالنسبة إليها سماء، وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرته، ويعوز عملا وتحريرا.
قال ابن طاهر: قد سمعت أبا محمد بن السمرقندي يقول: بلغني أن " مستدرك " الحاكم ذكر بين يدي الدارقطني، فقال: نعم، يستدرك عليهما حديث الطير! فبلغ ذلك الحاكم، فأخرج الحديث من الكتاب.(أعلام/974)
قلت: هذه حكاية منقطعة، بل لم تقع، فإن الحاكم إنما ألف " المستخرج " في أواخر عمره، بعد موت الدارقطني بمدة، وحديث الطير ففي الكتاب لم يحول منه، بل هو أيضا في " جامع " الترمذي.
قال ابن طاهر: ورأيت أنا حديث الطير جمع الحاكم بخطه في جزء ضخم، فكتبته للتعجب.
قال الحاكم في " تاريخه ": ذكرنا يوما ما روى سليمان التيمي عن أنس، فمررت أنا في الترجمة، وكان بحضرة أبي علي الحافظ وجماعة من المشايخ، إلى أن ذكرت حديث: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن فحمل بعضهم علي، فقال أبو علي: لا تفعل، فما رأيت أنت ولا نحن في سنه مثله، وأنا أقول: إذا رأيته رأيت ألف رجل من أصحاب الحديث.
قد مر أن الحاكم مات فجأة في صفر سنة خمس، وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري.
وفيها مات مسند مكة أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس العبقسي ومسند بغداد أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى المجبر وحافظ شيراز أبو علي الحسن بن أحمد بن محمد بن الليث الشيرازي المقرئ، ومسند دمشق أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد السلمي، وقاضي بغداد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الأكفاني وشيخ الشافعية أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كج الدينوري، وشيخ الشافعية بالبصرة أبو القاسم عبد الواحد بن الحسين الصيمري.(أعلام/975)
الحجاج
أهلكه الله في رمضان سنة خمس وتسعين. كهلا، وكان ظلوما، جبارا، ناصبيا، خبيثا، سفاكا للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة، وتعظيم للقرآن. قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير، وحصاره لابن الزبير بالكعبة، ورميه إياها بالمنجنيق، وإذلاله لأهل الحرمين، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة، وحروب ابن الأشعث له، وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله. فنسبه ولا نحبه، بل نبغضه في الله ; فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.
وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله، وله توحيد في الجملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء.(أعلام/976)
الحسن البصري (4)
هو الحسن بن أبي الحسن يسار، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت الأنصاري، ويقال مولى أبي اليسر كعب بن عمرو السلمي، قاله عبد السلام أبى مطهر، عن غاضرة بن قرهد العوفي، ثم قال: وكانت أم الحسن مولاة لأم سلمة أم المؤمنين المخزومية، ويقال: كان مولى جميل بن قطبة.
ويسار أبوه من سبي ميسان سكن المدينة وأعتق، وتزوج بها في خلافة عمر، فولد له بها الحسن - رحمة الله عليه - لسنتين بقيتا من خلافة عمر واسم أمه خيرة، ثم نشأ الحسن بوادي القرى، وحضر الجمعة مع عثمان، وسمعه يخطب، وشهد يوم الدار وله يومئذ أربع عشرة سنة.
قال حجاج بن نصير: سبيت أم الحسن البصري من ميسان وهي حامل به، وولدته بالمدينة.
وقال سويد بن سعيد: حدثني أبو كرب، قال: كان الحسن وابن سيرين موليين لعبد الله بن رواحة، وقدما البصرة مع أنس.
قلت: القولان شاذان.
قال محمد بن سلام: حدثنا أبو عمرو الشعاب بإسناد له، قال: كانت أم سلمة تبعث أم الحسن في الحاجة، فيبكي وهو طفل، فتسكته أم سلمة بثديها وتخرجه إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير، وكانت أمه منقطعة إليها، فكانوا يدعون له، فأخرجته إلى عمر فدعا له، وقال: اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس.
قلت: إسنادها مرسل.
يونس، عن الحسن، عن أمه، أنها كانت ترضع لأم سلمة.
قال المدائني: قال الحسن: كان أبي وأمي لرجل من بني النجار، فتزوج امرأة من بني سلمة، فساق أبي وأمي في مهرها فأعتقتنا السلمية.
يونس، عن الحسن، قال لي الحجاج: ما أمدك يا حسن؟ قلت: سنتان من خلافة عمر
وكان سيد أهل زمانه علما وعملا. قال معتمر بن سليمان: كان أبي يقول: الحسن شيخ أهل البصرة.
وروي أن ثدي أم سلمة در عليه ورضعها غير مرة.
رأى عثمان، وطلحة، والكبار.(أعلام/977)
وروى عن عمران بن حصين، والمغيرة بن شعبة، وعبد الرحمن بن سمرة، وسمرة بن جندب، وأبي بكرة الثقفي، والنعمان بن بشير، وجابر، وجندب البجلي، وابن عباس، وعمرو بن تغلب، ومعقل بن يسار، والأسود بن سريع، وأنس، وخلق من الصحابة.
وقرأ القرآن على حطان بن عبد الله الرقاشي، وروى عن خلق من التابعين.
وعنه أيوب وشيبان النحوي، ويونس بن عبيد، وابن عون، وحميد الطويل، وثابت البناني، ومالك بن دينار، وهشام بن حسان، وجرير بن حازم، والربيع بن صبيح، ويزيد بن إبراهيم التستري، ومبارك بن فضالة، وأبان بن يزيد العطار، وقرة بن خالد، وحزم القطعي، وسلام بن مسكين، وشميط بن عجلان، وصالح أبو عامر الخزاز، وعباد بن راشد، وأبو حريز عبد الله بن حسين قاضي سجستان، ومعاوية بن عبد الكريم الضال وواصل أبو حرة الرقاشي، وهشام بن زياد، وشبيب بن شيبة، وأشعث بن براز، وأشعث بن جابر الحداني، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وأشعث بن سوار، وأبو الأشهب، وأمم سواهم.
وقد روى بالإرسال عن طائفة: كعلي، وأم سلمة ولم يسمع منهما، ولا من أبي موسى، ولا من ابن سريع، ولا من عبد الله بن عمرو، ولا من عمرو بن تغلب، ولا من عمران، ولا من أبي برزة، ولا من أسامة بن زيد، ولا من ابن عباس، ولا من عقبة بن عامر ولا من أبي ثعلبة، ولا من أبي بكرة، ولا من أبي هريرة، ولا من جابر، ولا من أبي سعيد. قاله يحيى بن معين.
وقال البخاري: لم يعرف للحسن سماع من دغفل.
وقال غيره: لم يسمع من سلمة بن المحبق، ولا من العباس، ولا من أبي.
قال يعقوب بن شيبة: قلت لابن المديني: يقال عن الحسن: أخذت بحجزة سبعين بدريا، فقال: هذا باطل، أحصيت أهل بدر الذين يروى عنهم فلم يبلغوا خمسين، منهم من المهاجرين أربعة وعشرون.
وقال شعيب بن الحبحاب، عنه: رأيت عثمان يصب عليه من إبريق.(أعلام/978)
وقال يحيى القطان: أحاديثه عن سمرة، سمعنا أنها كتاب.
قلت: قد صح سماعه في حديث العقيقة وفي حديث النهي عن المثلة من سمرة.
وقال قتادة: ما شافه الحسن بدريا بحديث.
قال يحيى القطان في أحاديث سمرة رواية الحسن: سمعنا أنها من كتاب معن القزاز.
حدثنا محمد بن عمرو: سمعت الحسن يقول: سمعت أبا هريرة يقول: الوضوء مما غيرت النار. فقال الحسن: لا أدعه أبدا.
مسلم: حدثنا أبو هلال، سمعت الحسن يقول: كان موسى نبي الله - عليه السلام - لا يغتسل إلا مستترا. فقال له ابن بريدة: ممن سمعت هذا؟ قال: من أبي هريرة.
قال يونس وعلي بن جدعان: لم يسمع الحسن من أبي هريرة.
همام، عن قتادة، عن الحسن: سمعت عثمان - رضي الله عنه - يقول في خطبته، أراه قال: اقتلوا الكلاب والحمام.
شعيب بن الحبحاب، عن الحسن: شهدت عثمان جمعا تباعا يأمر بذبح الحمام وقتل الكلاب.
عفان: حدثنا مبارك بن فضالة، وآخر عن الحسن بمثله.
بهز بن أسد: حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس، عن الحسن، قال: رأيت عثمان نائما في المسجد، حتى جاءه المؤذن فقام، فرأيت أثر الحصى على جنبه.
حماد بن زيد، عن أيوب: سمعت الحسن يقول: خرج علينا عثمان، فكان بينهم تخليط، فتراموا بالحصباء.
وعن أبي موسى، عن الحسن، قال: شهدت عثمان يوم الجمعة قام يخطب، فقام إليه رجل فقال: أنشدك كتاب الله. فقال عثمان: اجلس، أما لكتاب الله منشد غيرك! قال: فجلس ثم قام، أو قام رجل غيره فقال مثل مقالته، فقال له: اجلس، أما لكتاب الله منشد غيرك، فأبى أن يجلس، فبعث إليه الشرط ليجلسوه، فقام الناس فحالوا بينهم وبينه، ثم تراموا بالبطحاء حتى يقول القائل: ما أكاد أرى السماء من البطحاء، فنزل عن منبره ودخل داره، ولم يصل الجمعة يومئذ.(أعلام/979)
مسلم: حدثنا أبو عقيل، حدثنا الحسن، قال: خرج عثمان فقام يخطب، فذكر بعض حديث أبي موسى.
سليم بن أخضر، عن ابن عون: أنبأنا الحسن، قال: كان عثمان يوما يخطب، فقام رجل فقال: إنا نسألك كتاب الله. ثم ذكر نحوه، فحصبوه، فحصبوا الذين حصبوه، ثم تحاصب القوم والله، فأنزل الشيخ يهادى بين رجلين، ما كاد أن يقيم عنقه حتى أدخل الدار، فقال: لو جئتم بأم المؤمنين عسى أن يكفوا عنه. قال: فجاءوا بأم حبيبة بنت أبي سفيان، فنظرت إليها وهي على بغلة بيضاء في محفة فلما جاءوا بها إلى الدار، صرفوا وجه البغلة حتى ردوها.
حريث بن السائب: حدثنا الحسن، قال: كنت أدخل بيوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خلافة عثمان أتناول سقفها بيدي وأنا غلام محتلم يومئذ.
ضمرة، عن ابن شوذب، قال: قال الحسن: كنت يوم قتل عثمان ابن أربع عشرة سنة، ثم قال الحسن: لولا النسيان كان العلم كثيرا.
حماد بن زيد، عن أيوب، عن الحسن، قال: دخلت على عثمان بن أبي العاص.
جرير بن حازم: حدثنا الحسن، حدثنا عمرو بن تغلب مرفوعا: تقاتلون قوما ينتعلون الشعر.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أنبأنا موسى بن عبد القادر، أنبأنا سعيد بن البناء، أنبأنا أبو القاسم بن البسري، أنبأنا أبو طاهر المخلص حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا مبارك بن فضالة، حدثنا الحسن، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة، يسند ظهره إليها ; فلما كثر الناس، قال: ابنوا لي منبرا له عتبتان. فلما قام على المنبر يخطب حنت الخشبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وأنا في المسجد، فسمعت الخشبة تحن حنين الواله، فما زالت تحن حتى نزل إليها، فاحتضنها فسكنت.(أعلام/980)
وكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى، ثم قال: يا عباد الله، الخشبة تحن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شوقا إليه، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه.
هذا حديث حسن غريب ما وقع لي من رواية الحسن أعلى منه سوى حديث آخر سأسوقه.
أخبرنا أحمد بن إسحاق الهمذاني، أنبأنا الفتح بن عبد الله بن محمد الكاتب، أنبأنا الأرموي ومحمد الطرائفي، وأبو غالب بن الداية، قالوا: أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة، أنبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، أنبأنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا مبارك بن فضالة، حدثنا الحسن في هذه الآية: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه. قال: هو المنافق لا يهوى شيئا إلا ركبه.
أخبرنا محمد بن عبد الوهاب بن الحباب الكاتب، أنبأنا علي بن مختار، أنبأنا أبو طاهر السلفي، أنبأنا القاسم بن الفضل، وأنبأنا إسماعيل بن الفراء، أنبأنا أبو محمد بن قدامة، أخبرتنا شهدة الإبرية وتجني الوهبانية قالتا: أخبرنا طراد الزينبي قال: حدثنا هلال بن محمد الحفار، أنبأنا الحسين بن يحيى القطان، حدثنا أبو الأشعث، حدثنا حزم القطعي، سمعت الحسن يقول: بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: رحم الله عبدا تكلم فغنم، أو سكت فسلم.
وبه، حدثنا حزم، قال: رأيت الحسن قدم مكة فقام خلف المقام فصلى، فجاء عطاء وطاوس ومجاهد، وعمرو بن شعيب، فجلسوا إليه.
هذا أعلى ما يقع لنا عن الحسن البصري رحمه الله.
قال أحمد بن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: لم يسمع الحسن من أبي هريرة. قيل له: ففي بعض الحديث: حدثنا أبو هريرة. قال: ليس بشيء.
موسى بن إسماعيل: حدثنا ربيعة بن كلثوم، عن الحسن، قال: نبأنا أبو هريرة، قال: عهد إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا: الغسل يوم الجمعة، والوتر قبل أن أنام، وصيام ثلاثة من كل شهر ربيعة صدوق، خرج له مسلم.(أعلام/981)
الوليد بن مسلم، عن سالم الخياط: سمعت الحسن وابن سيرين يقولان: سمعنا أبا هريرة، فذكر حديثا.
سالم واه، والحسن مع جلالته فهو مدلس، ومراسيله ليست بذاك، ولم يطلب الحديث في صباه، وكان كثير الجهاد، وصار كاتبا لأمير خراسان الربيع بن زياد.
وقال سليمان التيمي: كان الحسن يغزو، وكان مفتي البصرة جابر بن زيد أبو الشعثاء، ثم جاء الحسن فكان يفتي.
قال محمد بن سعد كان الحسن - رحمه الله - جامعا، عالما، رفيعا، فقيها، ثقة، حجة، مأمونا، عابدا، ناسكا، كثير العلم، فصيحا، جميلا، وسيما. وما أرسله فليس بحجة.
الأصمعي عن أبيه، قال: ما رأيت زندا أعرض من زند الحسن البصري، كان عرضه شبرا.
قلت: كان رجلا تام الشكل، مليح الصورة بهيا، وكان من الشجعان الموصوفين.
ضمرة بن ربيعة، عن الأصبغ بن زيد: سمع العوام بن حوشب، قال: ما أشبه الحسن إلا بنبي.
وعن أبي بردة، قال: ما رأيت أحدا أشبه بأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - منه.
حميد بن هلال: قال لنا أبو قتادة: الزموا هذا الشيخ ; فما رأيت أحدا أشبه رأيا بعمر منه - يعني الحسن.
وعن أنس بن مالك، قال: سلوا الحسن ; فإنه حفظ ونسينا.
وقال مطر الوراق: لما ظهر الحسن جاء كأنما كان في الآخرة، فهو يخبر عما عاين.
مجالد، عن الشعبي قال: ما رأيت الذي كان أسود من الحسن.
عن أمة الحكم، قالت: كان الحسن يجيء إلى حطان الرقاشي، فما رأيت شابا قط كان أحسن وجها منه.
وعن جرثومة قال: رأيت الحسن يصفر لحيته في كل جمعة.
أبو هلال: رأيت الحسن يغير بالصفرة.
وقال عارم: حدثنا حماد بن سلمة، قال: رأيت الحسن يصفر لحيته.
وقال قتادة: ما جمعت علم الحسن إلى أحد من العلماء إلا وجدت له فضلا عليه، غير أنه إذا أشكل عليه شيء، كتب فيه إلى سعيد بن المسيب يسأله، وما جالست فقيها قط إلا رأيت فضل الحسن.(أعلام/982)
قال أيوب السختياني: كان الرجل يجلس إلى الحسن ثلاث حجج ما يسأله عن المسألة هيبة له.
وقال معاذ بن معاذ: قلت للأشعث: قد لقيت عطاء وعندك مسائل، أفلا سألته؟ ! قال: ما لقيت أحدا بعد الحسن إلا صغر في عيني.
وقال أبو هلال: كنت عند قتادة، فجاء الخبر. بموت الحسن، فقلت: لقد كان غمس في العلم غمسة. قال قتادة: بل نبت فيه وتحقبه وتشربه، والله لا يبغضه إلا حروري.
محمد بن سلام الجمحي، عن همام، عن قتادة، قال: يقال: ما خلت الأرض قط من سبعة رهط، بهم يسقون، وبهم يدفع عنهم، وإني لأرجو أن يكون الحسن أحد السبعة.
قال قتادة: ما كان أحد أكمل مروءة من الحسن.
وقال حميد ويونس: ما رأينا أحدا أكمل مروءة من الحسن.
وعن علي بن زيد، قال: سمعت من ابن المسيب، وعروة، والقاسم وغيرهم، ما رأيت مثل الحسن، ولو أدرك الصحابة وله مثل أسنانهم ما تقدموه.
حماد بن زيد، عن حجاج بن أرطاة: سألت عطاء. عن القراءة على الجنازة ; قال: ما سمعنا ولا علمنا أنه يقرأ عليها. قلت: إن الحسن يقول: يقرأ عليها. قال عطاء: عليك بذاك، ذاك إمام ضخم يقتدى به.
وقال يونس بن عبيد: أما أنا فإني لم أر أحدا أقرب قولا من فعل من الحسن.
أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، قال: اختلفت إلى الحسن عشر سنين أو ما شاء الله، فليس من يوم إلا أسمع منه ما لم أسمع قبل ذلك.
مسلم بن إبراهيم: حدثنا سلام بن مسكين: رأيت على الحسن قباء مثل الذهب يتألق.
وقال ابن علية: عن يونس: كان الحسن يلبس في الشتاء قباء حبرة، وطيلسانا كرديا، وعمامة سوداء، وفي الصيف إزار كتان، وقميصا وبردا حبرة.
وروى حوشب، عن الحسن، قال: المؤمن يداري دينه بالثياب.
يونس، عن الحسن، أنه كان من رءوس العلماء في الفتن والدماء والفروج.
وقال عوف: ما رأيت رجلا أعلم بطريق الجنة من الحسن.(أعلام/983)
حماد بن زيد، عن يزيد بن حازم، قال: قام الحسن من الجامع، فاتبعه ناس، فالتفت إليهم وقال: إن خفق النعال حول الرجال قلما يلبث الحمقى.
وروى حوشب عن الحسن، قال: يا ابن آدم، والله إن قرأت القرآن ثم آمنت به، ليطولن في الدنيا حزنك، وليشتدن في الدنيا خوفك، وليكثرن في الدنيا بكاؤك.
وقال إبراهيم بن عيسى اليشكري: ما رأيت أحدا أطول حزنا من الحسن ; ما رأيته إلا حسبته حديث عهد بمصيبة.
الثوري، عن عمران القصير، قال: سألت الحسن عن شيء قلت: إن الفقهاء يقولون كذا وكذا. فقال: وهل رأيت فقيها بعينك؟ ! إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه.
عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا محمد بن ذكوان، حدثنا خالد بن صفوان، قال: لقيت مسلمة بن عبد الملك فقال: يا خالد، أخبرني عن حسن أهل البصرة؟ قلت: أصلحك الله، أخبرك عنه بعلم، أنا جاره إلى جنبه، وجليسه في مجلسه، وأعلم من قبلي به: أشبه الناس سريرة بعلانية، وأشبهه قولا بفعل، إن قعد على أمر قام به، وإن قام على أمر قعد عليه، وإن أمر بأمر كان أعمل الناس به، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له، رأيته مستغنيا عن الناس، ورأيت الناس محتاجين إليه، قال: حسبك، كيف يضل قوم هذا فيهم.
هشام بن حسان: سمعت الحسن يحلف بالله، ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله.
وقال حزم بن أبي حزم: سمعت الحسن يقول: بئس الرفيقان، الدينار والدرهم ; لا ينفعانك حتى يفارقاك.
وقال أبو زرعة الرازي: كل شيء قال الحسن: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجدت له أصلا ثابتا ما خلا أربعة أحاديث.(أعلام/984)
الحسن بن الربيع (ع)
الإمام الحافظ الحجة العابد أبو علي البجلي القسري الكوفي البوراني ويقال أيضا: البواري الخشاب، الحصري.
حدث عن: عبيد الله بن إياد بن لقيط، وحماد بن زيد، وعبد الجبار بن الورد، وأبي الأحوص، وشريك، ومهدي بن ميمون، وأبي إسحاق الحميسي، وخالد بن عبد الله الطحان، وعدة.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والباقون بواسطة، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان وأبو حازم بن أبي غرزة، وعثمان بن سعيد الدارمي، وعلي بن عبد العزيز البغوي، وإسماعيل سمويه، وخلق كثير.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: ثقة صالح متعبد، كان يبيع البواري.
وقال أبو حاتم الرازي: كان من أوثق أصحاب عبد الله بن إدريس.
وقال ابن سعد: من أصحاب عبد الله بن المبارك. مات في رمضان سنة إحدى وعشرين ومائتين.
وقال بعضهم: كان يبيع الخشب والقصب.
وكان من العلماء العاملين - رحمه الله - وهو من كبار مشيخة مسلم.(أعلام/985)
الحسن بن زياد
العلامة فقيه العراق، أبو علي الأنصاري، مولاهم الكوفي اللؤلؤي، صاحب أبي حنيفة.
نزل بغداد، وصنف وتصدر للفقه.
أخذ عنه محمد بن شجاع الثلجي، وشعيب بن أيوب الصيريفيني.
وكان أحد الأذكياء البارعين في الرأي، ولي القضاء بعد حفص بن غياث، ثم عزل نفسه.
قال محمد بن سماعة: سمعته يقول: كتبت عن ابن جريج اثني عشر ألف حديث، كلها يحتاج إليها الفقيه.
وقال أحمد بن عبد الحميد الحارثي: ما رأيت أحسن خلقا من الحسن اللؤلؤي، وكان يكسو مماليكه كما يكسو نفسه.
قلت: لينه ابن المديني، وطول ترجمته الخطيب.
مات سنة أربع ومائتين. - رحمه الله -.(أعلام/986)
الحسن بن سفيان
ابن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء، الإمام الحافظ الثبت أبو العباس الشيباني الخراساني النسوي، صاحب المسند.
ولد سنة بضع وثمانين ومائتين وهو أسن من بلديه الإمام أبي عبد الرحمن النسائي، وماتا معا في عام.
ارتحل إلى الآفاق، وروى عن: أحمد بن حنبل، وإبراهيم بن يوسف البلخي، وقتيبة بن سعيد، ويحيى بن معين، وشيبان بن فروخ، وهدبة بن خالد، وعبد الله بن محمد بن أسماء، وعبد الأعلى بن حماد، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وعبد الرحمن بن سلام الجمحي، وسهل بن عثمان، وإسحاق بن راهويه، وسعد بن يزيد الفراء، وحبان بن موسى، وهشام بن عمار، وصفوان بن صالح، وإبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، وعيسى بن حماد، ومحمد بن رمح، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وعبد الواحد بن غياث، وأبي كامل الجحدري، وسويد بن سعيد، وعبيد الله بن معاذ، ومحمد بن عبد الله بن عمار، وخلق كثير.
وهو من أقران أبي يعلى ; ولكن أبو يعلى أعلى إسنادا منه، وأقدم لقاء، فإنه سمع من علي بن الجعد، وقد سمع الحسن تصانيف الإمام أبي بكر بن أبي شيبة منه، وسمع " السنن " من أبي ثور الفقيه، وتفقه به، ولازمه، وبرع، وكان يفتي بمذهبه.
حدث عنه: إمام الأئمة ابن خزيمة، يحيى بن منصور القاضي، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم، وأبو علي الحافظ، ومحمد بن الحسن النقاش المقرئ، وأبو عمرو بن حمدان، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو حاتم ابن حبان، وحفيده إسحاق بن سعد النسوي، ومحمد بن إبراهيم الهاشمي، وعبد الله بن محمد النسوي، وخلق سواهم، رحلوا إليه وتكاثروا عليه.
قال محمد بن جعفر البستي: سمعت الحسن بن سفيان يقول: لولا اشتغالي بحبان بن موسى لجئتكم بأبي الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب - يعني أنه تعوق بإكبابه على تصانيف ابن المبارك عند حبان.(أعلام/987)
قال أبو علي الحافظ: سمعت الحسن بن سفيان يقول: إنما فاتني يحيى بن يحيى بالوالدة ; لم تدعني أخرج إليه. قال: فعوضني الله بأبي خالد الفراء، وكان أسند من يحيى بن يحيى.
قال الحاكم: كان الحسن بن سفيان -محدث خراسان، في عصره- مقدما في الثبت، والكثرة، والفهم، والفقه، والأدب.
وقال أبو حاتم بن حبان: كان الحسن ممن رحل، وصنف، وحدث، على تيقظ مع صحة الديانة، والصلابة في السنة.
وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الرازي: ليس للحسن في الدنيا نظير.
قال الحاكم: سمعت محمد بن داود بن سليمان يقول: كنا عند الحسن بن سفيان، فدخل ابن خزيمة، وأبو عمرو الحيري، وأحمد بن علي الرازي، وهم متوجهون إلى فراوة فقال الرازي: كتبت هذا الطبق من حديثك. قال: هات. فقرأ عليه، ثم أدخل إسنادا في إسناد، فرده الحسن، ثم بعد قليل فعل ذلك، فرده الحسن، فلما كان في الثالثة قال له الحسن: ما هذا؟ ! قد احتملتك مرتين وأنا ابن تسعين سنة، فاتق الله في المشايخ، فربما استجيبت فيك دعوة. فقال له ابن خزيمة: مه! لا تؤذ الشيخ. قال: إنما أردت أن تعلم أن أبا العباس يعرف حديثه.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: الحسن بن سفيان سمع حبان بن موسى، وقتيبة، وابن أبي شيبة، كتب إلي وهو صدوق.
قال أبو الوليد حسان بن محمد: كان الحسن بن سفيان أديبا فقيها، أخذ الأدب عن أصحاب النضر بن شميل، والفقه عن أبي ثور، وكان يفتي بمذهبه.
وقال غيره: سمع الحسن من ابن راهويه أكثر " مسنده "، وسمع من محمد بن أبي بكر المقدمي " تفسيره ".
قال ابن حبان: حضرت دفنه في شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثمائة مات بقريته بالوز، وهي على ثلاثة فراسخ من مدينة نسا، رحمه الله تعالى.(أعلام/988)
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء بأربعين الحسن سماعا، عن المؤيد بن محمد الطوسي، وزينب بنت عبد الرحمن بن حسن الشعري قال: أخبرتنا أم الخير فاطمة بنت علي بن زعبل سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان في صفر سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، حدثنا أبو العباس الحسن بن سفيان الحافظ، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن سالم عن أبيه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.
أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي عن قتيبة، فوافقناهم بعلو.
وبه: إلى الحسن بن سفيان: حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري، حدثنا هشيم، عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إلا من عذر أخرجه ابن ماجه، عن عبد الحميد، فوافقناه بعلو.
روى بشرويه بن محمد المغفلي: أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد الإسفراييني، قال: حدثنا أبو الحسن الصفار الفقيه، قال: كنا عند الحسن بن سفيان، وقد اجتمع إليه طائفة من أهل الفضل، ارتحلوا إليه، فخرج يوما فقال: اسمعوا ما أقول لكم قبل الإملاء: قد علمنا أنكم من أبناء النعم، هجرتم الوطن، فلا يخطرن ببالكم أنكم رضيتم بهذا التجشم للعلم حقا، فإني أحدثكم ببعض ما تحملته في طلب العلم:(أعلام/989)
ارتحلت من وطني، فاتفق حصولي بمصر في تسعة من أصحابي طلبة العلم، وكنا نختلف إلى شيخ أرفع أهل عصره في العلم منزلة، فكان يملي علينا كل يوم قليلا، حتى خفت النفقة، وبعنا أثاثنا، فطوينا ثلاثا، وأصبحنا لا حراك بنا، فأحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة وبذل الوجه، فلم تسمح أنفسنا، فوقع الاختيار على قرعة، فوقعت علي، فتحيرت وعدلت، فصليت ركعتين، ودعوت، فلم أفرغ حتى دخل المسجد شاب معه خادم، فقال: من منكم الحسن بن سفيان؟
قلت: أنا، قال: إن الأمير طولون يقرئكم السلام ويعتذر من الغفلة عن تفقد أحوالكم، وقد بعث بهذا، وهو زائركم غدا. ووضع بين يدي كل واحد مائة دينار، فتعجبنا وقلنا: ما القصة؟ . . قال: دخلت عليه بكرة فقال: أحب أن أخلو اليوم فانصرفنا، فبعد ساعة طلبني، فأتيته، فإذا به يده على خاصرته لوجع ممض اعتراه، فقال لي: تعرف الحسن بن سفيان وأصحابه؟ قلت: لا. قال: اقصد المسجد الفلاني، واحمل هذه الصرر إليهم ; فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع، ومهد عذري لديهم.
فسألته، فقال: انفردت فنمت، فرأيت فارسا في الهواء في يده رمح، فنزل إلى باب هذا البيت، ووضع سافلة رمحه على خاصرتي وقال: قم فأدرك الحسن بن سفيان وأصحابه، قم فأدركهم، فإنهم منذ ثلاث جياع في المسجد الفلاني. فقلت له: من أنت؟ قال: أنا رضوان صاحب الجنة. فمنذ أصاب رمحه خاصرتي أصابني وجع شديد، فعجل إيصال هذا المال إليهم ليزول هذا الوجع عني.
قال الحسن: فعجبنا وشكرنا الله، وخرجنا تلك الليلة من مصر لئلا نشتهر، وأصبح كل واحد منا واحد عصره، وقريع دهره في العلم والفضل.
قال: فلما أصبح الأمير طولون فأحس بخروجنا، أمر بابتياع تلك المحلة، ووقفها على المسجد، وعلى من ينزل به من الغرباء وأهل الفضل، نفقة لهم، لئلا تختل أمورهم، وذلك كله من قوة الدين وصفاء العقيدة.(أعلام/990)
رواها الحافظ عبد الغني في الرابع من الحكايات، عن أبي زرعة إذنا، عن الحسن بن أحمد السمرقندي، عن بشرويه، فالله أعلم بصحتها. ولم يل طولون مصر، وأما ابنه أحمد بن طولون فيصغر عن الحكاية، ولا أعرف ناقلها، وذلك ممكن.(أعلام/991)
الحسن بن صالح (م، 4)
ابن صالح بن حي، واسم حي: حيان بن شفي بن هني بن رافع، الإمام الكبير، أحد الأعلام، أبو عبد الله الهمداني الثوري الكوفي، الفقيه العابد أخو الإمام علي بن صالح.
وأما البخاري، فنسبه فقال: الحسن بن صالح بن صالح بن مسلم بن حيان. وقال أبو أحمد بن عدي: الحسن بن صالح بن صالح بن حي بن مسلم بن حيان. قلت: هو من أئمة الإسلام، لولا تلبسه ببدعة.
قال وكيع: ولد سنة مائة.
روى عن: أبيه، وسلمة بن كهيل، وعبد الله بن دينار، وعلي بن الأقمر، وسماك بن حرب، وإسماعيل السدي، وبيان بن بشر، وعاصم بن بهدلة، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وأبي إسحاق السبيعي، وعاصم الأحول، وبكير بن عامر، وقيس بن مسلم، وليث بن أبي سليم، ومنصور بن المعتمر، وجابر الجعفي، وسهيل بن أبي صالح، وعطاء بن السائب، وعدة، وينزل إلى شعبة، وسعيد بن أبي عروبة، وهو صحيح الحديث.
روى عنه: ابن المبارك، ووكيع، ومصعب بن المقدام، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، وأبو نعيم، وعبيد الله بن موسى، وأسود بن عامر، وإسحاق بن منصور السلولي، وقبيصة بن عقبة، ويحيى بن آدم، ويحيى بن أبي بكير، وأبو غسان النهدي، وأحمد بن يونس، وعلي بن الجعد، وخلق سواهم.
أخبرنا عبد الرحمن بن أبي عمر الفقيه كتابة، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا أحمد بن الحسن، أنبأنا الحسن بن علي الجوهري، أنبأنا أحمد بن جعفر المالكي، حدثنا إسحاق الحربي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا الحسن بن صالح، عن موسى الجهني، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء بنت عميس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس بعدي نبي.(أعلام/992)
قال يحيى القطان: كان سفيان الثوري سيئ الرأي في الحسن بن حي. وقال زكريا الساجي، عن أحمد بن محمد البغدادي: قال المزي شيخنا -أظنه أبا بكر الأثرم: سمعت أبا نعيم يقول: دخل الثوري يوم الجمعة من الباب القبلي، فإذا الحسن بن صالح يصلي، فقال: نعوذ بالله من خشوع النفاق. وأخذ نعليه، فتحول إلى سارية أخرى.
وقال العلاء بن عمرو الحنفي، عن زافر بن سليمان: أردت الحج، فقال لي الحسن بن صالح: إن لقيت أبا عبد الله سفيان الثوري بمكة، فأقره مني السلام، وقل: أنا على الأمر الأول. فلقيت سفيان في الطواف، فقلت: إن أخاك الحسن بن صالح يقرأ عليك السلام، ويقول: أنا على الأمر الأول.
قال: فما بال الجمعة؟
قلت: كان يترك الجمعة، ولا يراها خلف أئمة الجور، بزعمه. عبيد بن يعيش، عن خلاد بن يزيد، قال: جاءني سفيان، فقال: الحسن بن صالح مع ما سمع من العلم وفقه، يترك الجمعة. ثم قام فذهب.
أبو سعيد الأشج: سمعت ابن إدريس: ما أنا وابن حي؟ لا يرى جمعة ولا جهادا.
محمد بن غيلان، عن أبي نعيم قال: ذكر الحسن بن صالح عند الثوري، فقال: ذاك رجل يرى السيف على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
قال يوسف بن أسباط: كان الحسن بن حي يرى السيف. وقال الخريبي: شهدت حسن بن صالح وأخاه وشريك معهم، فاجتمعوا إليه إلى الصباح في السيف. بشر بن الحارث، وذكر له أبو بكر عبد الرحمن بن عفان الصوفي،
فقال: سمعت حفص بن غياث يقول: هؤلاء يرون السيف، أحسبه عنى ابن حي وأصحابه. ثم قال بشر: هات من لم ير السيف من أهل زمانك كلهم إلا قليل، ولا يرون الصلاة أيضا. ثم قال: كان زائدة يجلس في المسجد يحذر الناس من ابن حي وأصحابه. قال: وكانوا يرون السيف.(أعلام/993)
قال أبو صالح الفراء: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئا من أمر الفتن، فقال: ذاك يشبه أستاذه -يعني الحسن بن حي - فقلت ليوسف: أما تخاف أن تكون هذه غيبة؟ فقال: لم يا أحمق؟ أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم، كان أضر عليهم. .
عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبا معمر يقول: كنا عند وكيع، فكان إذا حدث عن حسن بن صالح أمسكنا أيدينا، فلم نكتب. فقال: ما لكم لا تكتبون حديث حسن؟ فقال له أخي بيده هكذا -يعني أنه كان يرى السيف- فسكت وكيع. وقال جعفر بن محمد بن عبيد الله بن موسى: سمعت جدي يقول: كنت أقرأ على علي بن صالح، فلما بلغت إلى قوله: فلا تعجل عليهم سقط الحسن يخور كما يخور الثور، فقام إليه علي، فرفعه، ومسح وجهه، ورش عليه الماء، وأسنده إليه. أبو سعيد الأشج: سمعت ابن إدريس، وذكر له صعق الحسن بن صالح، فقال: تبسم سفيان أحب إلينا من صعق الحسن. .
قال أبو أسامة: أتيت حسن بن صالح، فجعل أصحابه يقولون: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله. . .، فقلت: ما لي، كفرت؟ قال: لا، ولكن ينقمون عليك صحبة مالك بن مغول، وزائدة. قلت: وأنت تقول هذا؟ لا جلست إليك أبدا. محمد بن إسماعيل الأصبهاني، عن علي بن الجعد، قال: كنت مع زائدة في طريق مكة، فقال لنا يوما: أيكم يحفظ عن مغيرة، عن إبراهيم: أنه توضأ بكوز الحب مرتين؟ قال: فلو قلت: حدثنا شريك أو سفيان، كنت قد استرحت، ولكن قلت: حدثنا الحسن بن صالح، عن مغيرة. قال: والحسن بن صالح أيضا؟ لا حدثتك بحديث أبدا.(أعلام/994)
أبو أسامة: سمعت زائدة يقول: ابن حي قد استصلب منذ زمان، وما نجد أحدا يصلبه. وقال خلف بن تميم: كان زائدة يستتيب من أتى حسن بن صالح. وقال أحمد بن يونس اليربوعي: لو لم يولد الحسن بن صالح كان خيرا له ; يترك الجمعة، ويرى السيف، جالسته عشرين سنة، ما رأيته رفع رأسه إلى السماء، ولا ذكر الدنيا.
قال محمد بن المثنى: ما سمعت يحيى بن سعيد، ولا عبد الرحمن حدثا عن الحسن بن صالح بشيء قط، ولا عن علي بن صالح. وقال الفلاس: سألت عبد الرحمن عن حديث من حديث الحسن بن صالح، فأبى أن يحدثني به، وقد كان يحدث عنه ثلاثة أحاديث، ثم تركه.
قال: وذكره يحيى بن سعيد، فقال: لم يكن بالسكة.
وروى علي بن حرب الطائي، عن أبيه، قال: قلت لعبد الله بن داود الخريبي: إنك لكثير الحديث عن ابن حي. قال: أفضى به ذمام أصحاب الحديث، لم يكن بشيء.
وقال نصر بن علي الجهضمي: كنت عند الخريبي، وعند أبي أحمد الزبيري، فجعل أبو أحمد يفخم الحسن بن صالح، فقال الخريبي: متعت بك، نحن أعلم بحسن منك، إن حسنا كان معجبا، والمعجب الأحمق.
أبو عبيدة بن أبي السفر: حدثنا عبد الله بن محمد بن سالم، سمعت رشيدا الخباز -وكان عبدا صالحا- وقد رآه أبو عبيدة، قال: خرجت مع مولاي إلى مكة، فجاورنا، فلما كان ذات يوم، جاء إنسان فقال لسفيان: يا أبا عبد الله! قدم اليوم حسن وعلي ابنا صالح. قال: وأين هما؟ قال: في الطواف.(أعلام/995)
قال: إذا مرا، فأرنيهما. فمر أحدهما، فقلت: هذا علي، ومر الآخر فقلت: هذا حسن. فقال: أما الأول، فصاحب آخرة، وأما الآخر، فصاحب سيف، لا يملأ جوفه شيء. قال: فيقوم إليه رجل ممن كان معنا، فأخبر عليا، ثم مضى مولاي إلى علي يسلم عليه، وجاء سفيان يسلم عليه، فقال له علي: يا أبا عبد الله! ما حملك على أن ذكرت أخي أمس بما ذكرته؟ ما يؤمنك أن تبلغ هذه الكلمة ابن أبي جعفر، فيبعث إليه، فيقتله؟ قال: فنظرت إلى سفيان وهو يقول: أستغفر الله. وجادتا عيناه. الحميدي: عن سفيان: حدثنا صالح بن حي، وكان خيرا من ابنيه، وكان علي خيرهما.
قال محمد بن علي الوراق: سألت أحمد بن حنبل عن الحسن بن صالح: كيف حديثه؟ فقال: ثقة، وأخوه ثقة، ولكنه قدم موته.
وروى علي بن الحسن الهسنجاني، عن أحمد بن حنبل، قال: الحسن بن صالح صحيح الرواية، يتفقه، صائن لنفسه في الحديث والورع.
وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه: هو أثبت من شريك.
وروى ابن أبي خيثمة عن يحيى: ثقة.
وروى إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد، عن يحيى: ثقة مأمون.
وروى أحمد بن أبي مريم، عن يحيى: ثقة، مستقيم الحديث.
وروى عباس، عن يحيى: يكتب رأي الحسن بن صالح، والأوزاعي: هؤلاء ثقات.
وروى عثمان بن سعيد، عن يحيى، قال: ابنا صالح ثقتان مأمونان. وقال أبو زرعة: اجتمع في حسن إتقان وفقه وعبادة وزهد. وقال أبو حاتم: ثقة، حافظ متقن. وقال النسائي: ثقة.
الساجي: عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن حنبل: قال وكيع: حدثنا الحسن، قيل: من الحسن؟ قال: الحسن بن صالح الذي لو رأيته ذكرت سعيد بن جبير، أو شبهته بسعيد بن جبير. قلت: بينهما قدر مشترك، وهو العلم والعبادة والخروج على الظلمة تدينا
أحمد بن أبي الحواري: سمعت وكيعا يقول: لا يبالي من رأى الحسن بن صالح ألا يرى الربيع بن خثيم.(أعلام/996)
أحمد بن عثمان الأودي: عن أبي يزيد عبد الرحمن بن مصعب المعني، قال: صحبت السادة: سفيان الثوري وصحبت ابني حي، عليا والحسن، وصحبت وهيب بن الورد. وقال يحيى بن أبي بكير: قلت للحسن بن صالح: صف لنا غسل الميت. فما قدر عليه من البكاء. وعن عبدة بن سليمان، قال: إني أرى الله يستحي أن يعذب الحسن بن صالح. وقال أبو نعيم: حدثنا الحسن بن صالح، وما كان دون الثوري في الورع والقوة. الحنيني: سمعت أبا غسان يقول: الحسن بن صالح خير من شريك، من هنا إلى خراسان.
قال محمد بن عبد الله بن نمير: كان أبو نعيم، يقول: ما رأيت أحدا إلا وقد غلط في شيء، غير الحسن بن صالح. وقال أحمد بن يونس: سأل الحسن بن صالح رجلا عن شيء؟ فقال: لا أدري. فقال: الآن حين دريت.
وقال ابن أبي الحواري عن عبد الرحيم بن مطرف: كان الحسن بن صالح إذا أراد أن يعظ أحدا، كتب في ألواحه، ثم ناوله.
وقال محمد بن زياد الرازي، عن أبي نعيم: سمعت الحسن بن صالح يقول: فتشت الورع، فلم أجده في شيء أقل من اللسان. وقال علي بن المنذر الطريفي، عن أبي نعيم، قال: كتبت عن ثمان مائة محدث، فما رأيت أفضل من الحسن بن صالح.
قال ابن عدي: للحسن بن صالح قوم يحدثون عنه بنسخ، فعند سلمة بن عبد الملك العوصي عنه نسخة، وعند أبي غسان النهدي عنه نسخة، وعند يحيى بن فضيل عنه نسخة. . . إلى أن قال: ولم أجد له حديثا منكرا مجاوز المقدار، وهو عندي من أهل الصدق.
قلت: ما له رواية في " صحيح البخاري "، بل ذكره في الشهادات وكان من أئمة الاجتهاد. وقد قال وكيع: كان الحسن بن صالح وأخوه وأمهما قد جزءوا الليل ثلاثة أجزاء، فكل واحد يقوم ثلثا، فماتت أمهما، فاقتسما الليل، ثم مات علي، فقام الحسن الليل كله.(أعلام/997)
وعن أبي سليمان الداراني قال: ما رأيت أحدا الخوف أظهر على وجهه والخشوع من الحسن بن صالح، قام ليلة: ب عم يتساءلون فغشي عليه، فلم يختمها إلى الفجر. وقال الحسن بن صالح: ربما أصبحت وما معي درهم، وكأن الدنيا قد حيزت لي.
وعن الحسن بن صالح، قال: إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين بابا من الخير، يريد بها بابا من الشر.
وعنه: أنه باع مرة جارية، فقال: إنها تنخمت عندنا مرة دما.
قال وكيع: حسن بن صالح عندي إمام. فقيل له: إنه لا يترحم على عثمان. فقال: أفتترحم أنت على الحجاج؟ قلت: لا بارك الله في هذا المثال. ومراده: أن ترك الترحم سكوت، والساكت لا ينسب إليه قول، ولكن من سكت عن ترحم مثل الشهيد أمير المؤمنين عثمان، فإن فيه شيئا من تشيع، فمن نطق فيه بغض وتنقص هو شيعي جلد يؤدب، وإن ترقى إلى الشيخين بذم، فهو رافضي خبيث، وكذا من تعرض للإمام علي بذم، فهو ناصبي يعزر، فإن كفره، فهو خارجي مارق، بل سبيلنا أن نستغفر للكل ونحبهم، ونكف عما شجر بينهم.
قال أحمد بن أبي الحواري: حدثنا إسحاق بن جبلة، قال: دخل الحسن بن صالح يوما السوق، وأنا معه، فرأى هذا يخيط، وهذا يصبغ، فبكى وقال: انظر إليهم يتعللون حتى يأتيهم الموت. .
وروي عن الحسن بن صالح أنه كان إذا نظر إلى المقبرة يصرخ، ويغشى عليه. .
قال حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي: كنت عند ابني صالح -ورجل يقرأ: لا يحزنهم الفزع الأكبر - فالتفت علي إلى أخيه الحسن، وقد اخضر واصفر، فقال: يا حسن: إنها أفزاع فوق أفزاع، ورأيت الحسن أراد أن يصيح، ثم جمع ثوبه، فعض عليه حتى سكن عنه، وقد ذبل فمه واخضار واصفار.(أعلام/998)
أحمد بن عمران بن جعفر البغدادي: حدثنا يحيى بن آدم، قال: قال الحسن بن صالح: قال لي أخي -وكنت أصلي-: يا أخي اسقني. قال: فلما قضيت صلاتي، أتيته بماء، فقال: قد شربت الساعة، قلت: من سقاك وليس في الغرفة غيري وغيرك؟ قال: أتاني الساعة جبريل بماء، فسقاني وقال: أنت وأخوك وأمك مع الذين أنعم الله عليهم. وخرجت نفسه.
قلت: كان يرى الحسن الخروج على أمراء زمانه لظلمهم وجورهم، ولكن ما قاتل أبدا، وكان لا يرى الجمعة خلف الفاسق.
قال عبد الله بن داود الخريبي: ترك الحسن بن صالح الجمعة، فجاء فلان، فجعل يناظره ليلة إلى الصباح، فذهب الحسن إلى ترك الجمعة معهم، له وإلى الخروج عليهم، وهذا مشهور عن الحسن بن صالح، ودفع الله عنه أن يؤخذ، فيقتل بدينه وعبادته.
قال البخاري: قال أبو نعيم: مات الحسن بن صالح سنة تسع وستين ومائة قلت: عاش تسعا وستين سنة، وكان هو وأخوه علي توأما.(أعلام/999)
الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)
ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، الإمام السيد، ريحانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسبطه، وسيد شباب أهل الجنة أبو محمد القرشي الهاشمي المدني الشهيد.
مولده في شعبان سنة ثلاث من الهجرة وقيل: في نصف رمضانها. وعق عنه جده بكبش.
وحفظ عن جده أحاديث، وعن أبيه، وأمه.
حدث عنه: ابنه الحسن بن الحسن، وسويد بن غفلة، وأبو الحوراء السعدي، والشعبي، وهبيرة بن يريم، وأصبغ بن نباتة، والمسيب بن نجبة.
وكان يشبه جده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله أبو جحيفة.
أحمد: حدثنا غندر، حدثنا شعبة، سمعت بريد بن أبي مريم يحدث عن أبي الحوراء ; قلت للحسن: ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة، فجعلتها في في، فنزعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلعابها، فجعلها في التمر. فقيل: يا رسول الله! وما كان عليك من هذه التمرة لهذا الصبي؟ قال: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة. قال: وكان يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة. وكان يعلمنا هذا الدعاء: اللهم اهدني فيمن هديت. . . الحديث.
ابن سعد: أخبرنا عبيد الله، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء، عن الحسن، قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في القنوت: اللهم اهدني فيمن هديت.
إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن هانئ، عن علي، قال: لما ولد الحسن، جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أروني ابني ; ما سميتموه؟ قلت: حرب. قال: بل هو حسن. . . وذكر الحديث.(أعلام/1000)
يحيى بن عيسى التميمي: حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، قال علي: كنت رجلا أحب الحرب، فلما ولد الحسن، هممت أن أسميه حربا، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن، فلما ولد الحسين، هممت أن أسميه حربا، فسماه الحسين، وقال: إنني سميت ابني هذين باسم ابني هارون شبر وشبير.
عبد الله بن محمد بن عقيل: عن محمد بن علي، عن أبيه: أنه سمى ابنه الأكبر حمزة، وسمى حسينا بعمه جعفر، فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: قد غيرت اسم ابني هذين. فسمى حسنا وحسينا.
ابن عيينة عن: عمرو، عن عكرمة، قال: لما ولدت فاطمة حسنا، أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسماه حسنا، فلما ولدت الآخر، سماه حسينا، وقال: هذا أحسن من هذا. فشق له من اسمه.
ذكر الزبير بن بكار: أنه - أعني الحسن - ولد في نصف رمضان سنة ثلاث وفي شعبان أصح.
السفيانان: عن عاصم بن عبيد الله، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن في أذن الحسن بالصلاة حين ولد.
أيوب: عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا.
شريك: عن ابن عقيل، عن علي بن الحسين، عن أبي رافع، قال: لما ولدت فاطمة حسنا، قالت: يا رسول الله! ألا أعق عن ابني بدم؟ قال: لا، ولكن احلقي رأسه، وتصدقي بوزن شعره فضة على المساكين. ففعلت.
جعفر الصادق عن أبيه، قال: وزنت فاطمة شعر حسن وحسين، وأم كلثوم، فتصدقت بزنته فضة.
حدثنا أبو عاصم، عن عمر بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث، قال: صلى بنا أبو بكر العصر، ثم قام وعلي يمشيان، فرأى الحسن يلعب مع الغلمان، فأخذه أبو بكر، فحمله على عنقه، وقال: بأبي شبيه النبي ليس شبيها بعلي وعلي يتبسم.(أعلام/1001)
علي بن عابس، حدثنا يزيد بن أبي زياد عن البهي، قال: دخل علينا ابن الزبير، فقال: رأيت الحسن يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد، يركب على ظهره، ويأتي وهو راكع، فيفرج له بين رجليه، حتى يخرج من الجانب الآخر.
وقال الزهري قال أنس: كان أشبههم بالنبي - عليه السلام - الحسن بن علي.
إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن هانئ، عن علي، قال: الحسن أشبه الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه به ما كان أسفل من ذلك.
عاصم بن كليب: عن أبيه، عن ابن عباس: أنه شبه الحسن بالنبي - صلى الله عليه وسلم.
قال أسامة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذني والحسن، ويقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما
وفي " الجعديات " لفضيل بن مرزوق: عن عدي بن ثابت، عن البراء ; قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه صححه الترمذي.
أحمد: حدثنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن نافع بن جبير، عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للحسن: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه.
ورواه نعيم المجمر، عن أبي هريرة، فزاد: قال: فما رأيت الحسن إلا دمعت عيني.
وروى نحوه ابن سيرين عنه، وفي ذلك عدة أحاديث، فهو متواتر.
قال أبو بكرة: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر والحسن إلى جنبه، وهو يقول: إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.
يزيد بن أبي زياد: عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد مرفوعا: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
صححه الترمذي.(أعلام/1002)
وحسن الترمذي من حديث أسامة بن زيد قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة وهو مشتمل على شيء ; قلت: ما هذا؟ فكشف، فإذا حسن وحسين على وركيه، فقال: هذان ابناي وابنا بنتي، اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما
. تفرد به عبد الله بن أبي بكر بن زيد بن المهاجر المدني، عن مسلم بن أبي سهل النبال، عن الحسن بن أسامة، عن أبيه. ولم يروه غير موسى بن يعقوب الزمعي عن عبد الله. فهذا مما ينتقد تحسينه على الترمذي.
وحسن أيضا ليوسف بن إبراهيم، عن أنس: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: الحسن والحسين. وكان يشمهما، ويضمهما إليه.
ميسرة بن حبيب: عن المنهال بن عمرو، عن زر، عن حذيفة سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: هذا ملك لم ينزل قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي، ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
حسنه الترمذي.
وصحح للبراء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبصر الحسن والحسين، فقال: اللهم إني أحبهما فأحبهما.
قال قابوس بن أبي ظبيان: عن أبيه، عن ابن عباس ; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرج بين فخذي الحسن، وقبل زبيبه.(أعلام/1003)
الحسين الشهيد (ع)
الإمام الشريف الكامل سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وريحانته من الدنيا، ومحبوبه. أبو عبد الله الحسين ابن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي.
حدث عن جده، وأبويه، وصهره عمر، وطائفة.
حدث عنه: ولداه علي وفاطمة، وعبيد بن حنين، وهمام الفرزدق، وعكرمة، والشعبي، وطلحة العقيلي، وابن أخيه زيد بن الحسن، وحفيده محمد بن علي الباقر، ولم يدركه، وبنته سكينة، وآخرون.
قال الزبير: مولده في خامس شعبان سنة أربع من الهجرة.
قال جعفر الصادق: بين الحسن والحسين في الحمل طهر واحد.
قد مرت في ترجمة الحسن عدة أحاديث متعلقة بالحسين.
روى هانئ بن هانئ، عن علي، قال: الحسين أشبه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صدره إلى قدميه.
وقال حماد بن زيد، عن هشام، عن محمد، عن أنس، قال: شهدت ابن زياد حيث أتي برأس الحسين، فجعل ينكت بقضيب معه، فقلت: أما إنه كان أشبههما بالنبي صلى الله عليه وسلم. .
ورواه جرير بن حازم، عن محمد.
وأما النضر بن شميل، فرواه عن هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، حدثني أنس، وقال: ينكت بقضيب في أنفه.
ابن عيينة: عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: رأيت الحسين بن علي أسود الرأس واللحية إلا شعرات في مقدم لحيته.
ابن جريج: عن عمر بن عطاء: رأيت الحسين يصبغ بالوسمة كان رأسه ولحيته شديدي السواد.
محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن ابن أبي نعم، قال: كنت عند ابن عمر، فسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق. قال: انظر إلى هذا يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: هما ريحانتاي من الدنيا.
رواه جرير بن حازم، ومهدي بن ميمون عنه.(أعلام/1004)
عن أبي أيوب الأنصاري، قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحسن والحسين يلعبان على صدره، فقلت: يا رسول الله! أتحبهما؟ ! قال: كيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا.
رواه الطبراني في " المعجم ".
وعن الحارث، عن علي مرفوعا: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
ويروى عن شريح، عن علي. وفي الباب عن ابن عمر، وابن عباس، وعمر، وابن مسعود، ومالك بن الحويرث، وأبي سعيد، وحذيفة، وأنس، وجابر من وجوه يقوي بعضها بعضا.
موسى بن عثمان الحضرمي - شيعي واه - عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: كان الحسين عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان يحبه حبا شديدا، فقال: اذهب إلى أمك. فقلت: أذهب معه؟ فقال: لا. فجاءت برقة، فمشى في ضوئها حتى بلغ إلى أمه.
وكيع: حدثنا ربيع بن سعد، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر، أنه قال - وقد دخل الحسين المسجد -: من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة، فلينظر إلى هذا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
تابعه عبد الله بن نمير، عن ربيع الجعفي، أخرجه أحمد في مسنده.
وقال شهر: عن أم سلمة: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلل عليا وفاطمة وابنيهما بكساء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيت بنتي وحامتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فقلت: يا رسول الله! أنا منهم؟ قال: إنك إلى خير.
إسناده جيد، روي من وجوه عن شهر. وفي بعضها يقول: دخلت عليها أعزيها على الحسين.
وروى نحوه الأعمش، عن جعفر بن عبد الرحمن، عن حكيم بن سعد، عن أم سلمة.(أعلام/1005)
وروى شداد أبو عمار، عن واثلة بن الأسقع، قصة الكساء. أحمد: حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى العامري ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حسين سبط من الأسباط، من أحبني فليحب حسينا وفي لفظ: أحب الله من أحب حسينا.
أبو بكر بن عياش: عن عاصم، عن زر، عن عبد الله: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد الحسن والحسين، ويقول: هذان ابناي ; فمن أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.
وروى مثله أبو الجحاف، وسالم بن أبي حفصة وغيرهما، عن أبي حازم الأشجعي، عن أبي هريرة مرفوعا.
وفي الباب عن أسامة، وسلمان الفارسي، وابن عباس، وزيد بن أرقم.
عبد العزيز الدراوردي وغيره، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: قعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موضع الجنائز، فطلع الحسن والحسين فاعتركا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إيها حسن. فقال علي: يا رسول الله! أعلى حسين تواليه؟ فقال: هذا جبريل يقول: إيها حسين.
ويروى عن أبي هريرة مرفوعا نحوه.
وفي مراسيل يزيد بن أبي زياد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع حسينا يبكي، فقال لأمه: ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني.
حماد بن زيد: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبيد بن حنين عن الحسين، قال: صعدت المنبر إلى عمر، فقلت: أنزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك. فقال: إن أبي لم يكن له منبر! فأقعدني معه، فلما نزل، قال: أي بني! من علمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد. قال: أي بني! وهل أنبت على رءوسنا الشعر إلا الله ثم أنتم! ووضع يده على رأسه، وقال: أي بني! لو جعلت تأتينا وتغشانا. إسناده صحيح.(أعلام/1006)
الحسين بن إدريس
ابن مبارك بن الهيثم، الإمام المحدث الثقة الرحال أبو علي الأنصاري الهروي، كان صاحب حديث وفهم.
حدث عن: سعيد بن منصور، وخالد بن هياج، وداود بن رشيد، وهشام بن عمار، وسويد بن سعيد، ومحمد بن عبد الله بن عمار، وعثمان بن أبي شيبة، وطبقتهم.
حدث عنه: بشر بن محمد المزني، ومنصور بن العباس، وأبو حاتم بن حبان، وأبو بكر النقاش المفسر، ومحمد بن عبد الله بن خميرويه، والهرويون.
وله تاريخ كبير وتصانيف.
وثقه الدارقطني.
وقال أبو الوليد الباجي: لا بأس به.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم يعرف بابن خرم، كتب إلي بجزء من حديثه، عن خالد بن هياج بن بسطام، فيه بواطيل، فلا أدري البلاء منه، أو من خالد؟ قلت: بل من خالد ; فإنه ذو مناكير عن أبيه، وأما الحسين فثقة حافظ.
أرخ موته أبو النضر الفامي، في سنة إحدى وثلاثمائة ولعله جاوز التسعين.(أعلام/1007)
الحسين بن الفضل
ابن عمير: العلامة، المفسر، الإمام، اللغوي، المحدث أبو علي البجلي الكوفي، ثم النيسابوري، عالم عصره. ولد قبل الثمانين ومائة.
وسمع: يزيد بن هارون، وعبد الله بن بكر السهمي، والحسن بن قتيبة المدائني، وشبابة بن سوار، وأبا النضر هاشم بن القاسم، وهوذة بن خليفة، وإسماعيل بن أبان، وطائفة.
حدث عنه: أبو الطيب محمد بن عبد الله بن المبارك، ومحمد بن صالح بن هانئ، ومحمد بن القاسم العتكي، ومحمد بن علي العدل، وعمرو بن محمد بن منصور، وأحمد بن شعيب الفقيه، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم، وآخرون.
قال الحاكم: الحسين بن الفضل بن عمير بن قاسم بن كيسان البجلي، المفسر: إمام عصره في معاني القرآن، أقدمه ابن طاهر معه نيسابور، وابتاع دار غزرة، فسكنها، وهذا في سنة سبع عشرة ومائتين، فبقي يعلم الناس، ويفتي في تلك الدار إلى أن توفي، ودفن في مقبرة الحسين بن معاذ، في سنة اثنتين وثمانين ومائتين وهو ابن مائة وأربع سنين، وقبره مشهور يزار، وشيعه خلق عظيم. وسمعت محمد بن أبي القاسم المذكر يقول: سمعت أبي يقول: لو كان الحسين بن الفضل في بني إسرائيل لكان ممن يذكر في عجائبهم.
وسمعت محمد بن يعقوب الحافظ يقول: ما رأيت أفصح لسانا من الحسين بن الفضل.
قال محمد بن يعقوب الكرابيسي: كان الحسين بن الفضل في آخر عمره يأمرنا أن نبسط بحذاء سكة عمار، فكنا نحمله في المحفة فمر به جماعة من الفرسان على زي أهل العلم، فرفع حاجبه، ثم قال لي: من هؤلاء؟ قلت: هذا أبو بكر ابن خزيمة وجماعة معه، فقال: يا سبحان الله! بعد أن كان يزورنا في هذه الدار إسحاق بن راهويه، ومحمد بن رافع، يمر بنا ابن خزيمة فلا يسلم.
الحاكم: سمعت إبراهيم بن مضارب، سمعت أبي يقول: كان علم الحسين بن الفضل بالمعاني إلهاما من الله، فإنه كان قد تجاوز حد التعليم.(أعلام/1008)
قال: وكان يركع في اليوم والليلة ست مائة ركعة، ويقول: لولا الضعف والسن لم أطعم بالنهار.
وسمعت أبا زكريا العنبري: سمعت أبي يقول: لما قلد المأمون عبد الله بن طاهر خراسان، قال: يا أمير المؤمنين! حاجة. قال: مقضية. قال: تسعفني بثلاثة: الحسين بن الفضل، وأبو سعيد الضرير، وأبو إسحاق القرشي، قال: أسعفناك، وقد أخليت العراق من الأفراد.
ثم إن الحاكم ساق في ترجمته بضعة عشر حديثا غرائب، فيها حديث باطل، رواه عن محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من فرج عن مؤمن كربة، جعل الله له يوم القيامة شعبتين من نور على الصراط يستضيء بهما، من لا يحصيهم إلا رب العزة.
قال محمد بن صالح بن هانئ: توفي الحسين في شعبان، سنة اثنتين وثمانين ومائتين وهو ابن مائة وأربع سنين، وصلى عليه محمد بن النضر الجارودي.(أعلام/1009)
الحكم بن عتيبة (ع)
الإمام الكبير عالم أهل الكوفة، أبو محمد الكندي، مولاهم الكوفي، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الله.
حدث عن أبي جحيفة السوائي، وشريح القاضي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبي وائل شقيق بن سلمة، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، ومصعب بن سعد، وطاوس، وعكرمة، ومجاهد، وأبي الضحى، وعلي بن الحسين، وأبي الشعثاء المحاربي، وعامر الشعبي، وعطاء بن أبي رباح، والحسن بن مسلم، وعمرو بن ميمون الأودي، ومقسم، وأبي عمر الصيني، وعراك بن مالك، ويحيى بن الجزار، وخيثمة بن عبد الرحمن، وسالم بن أبي الجعد، وقيس بن أبي حازم، وعمرو بن نافع، وأبي صالح السمان، وإبراهيم التيمي، وخلق سواهم.
وعنه منصور، والأعمش، وزيد بن أبي أنيسة، وأبان بن تغلب، ومسعر بن كدام، ومالك بن مغول، والأوزاعي، وحمزة بن حبيب الزيات، وشعبة، وقيس بن الربيع، وأبو عوانة، ومعقل بن عبيد الله، وآخرون.
قال أحمد بن حنبل: هو من أقران إبراهيم النخعي، ولدا في عام واحد، قلت: ما عين السنة، وهي نحو سنة ست وأربعين كتب إلى من سمع أبا حفص المعلم، أنبأنا ابن المبارك، أنبأنا أبو محمد الخطيب، أنبأنا ابن حبابة، حدثنا البغوي، حدثنا محمد بن غيلان، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، قال: كان ابن شهاب في أصحابه بمنزلة الحكم في أصحابه.
قال الأوزاعي: حججت فلقيت عبدة ابن أبي لبابة، فقال لي: هل لقيت الحكم؟ ، قلت: لا، قال: فالقه، فما بين لابتيها أفقه منه.
قال أحمد بن حنبل: هو أثبت الناس في إبراهيم.
قال سفيان بن عيينة: ما كان بالكوفة مثل الحكم، وحماد بن أبي سليمان.
قال عباس الدوري: كان الحكم صاحب عبادة وفضل، وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان الحكم ثقة ثبتا فقيها من كبار أصحاب إبراهيم، وكان صاحب سنة واتباع.(أعلام/1010)
قال سليمان الشاذكوني، حدثنا يحيى بن سعيد، سمعت شعبة يقول: كان الحكم يفضل عليا على أبي بكر وعمر، قلت: الشاذكوني ليس بمعتمد وما أظن أن الحكم يقع منه هذا.
وروى أبو إسرائيل الملائي، عن مجاهد بن رومي، قال: ما كنت أعرف فضل الحكم إلا إذا اجتمع علماء الناس في مسجد منى 72 نظرت إليهم فإذا هم عيال عليه. وبإسنادي إلى البغوي: حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا ابن نمير، حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، قال: رأيت الحكم وحمادا في مجلس محارب وهو على القضاء أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، فينظر إلى هذا مرة، وإلى هذا مرة. وقال شعبة: أحاديث الحكم عن مقسم كتاب سوى خمسة أحاديث، ثم قال يحيى القطان: هي حديث الوتر، وحديث القنوت، وحديث عزيمة الطلاق، وجزاء الصيد، وإتيان الحائض. ثم قال يحيى: والحجامة للصائم ليس بصحيح. حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا بهز وأبو داود قالا: حدثنا شعبة عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو صائم بالقاحة لم يقل بهز: بالقاحة.
حدثنا أحمد بن حنبل قال: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع الحكم من مقسم، يعني حديث الحجامة.
حدثنا أبو خيثمة، حدثنا محمد بن خازم، حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله قال: والله إن الذي يفتي الناس في كل ما يسألونه لمجنون، قال الأعمش: قال لي الحكم: لو سمعت هذا منك قبل اليوم ما كنت أفتي في كثير مما كنت أفتي.
حدثنا أحمد بن محمد القاضي، حدثنا مسلم، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: خرجت على جنازة وأنا غلام، فصلى عليها زيد بن أرقم، فسمعت الناس يقولون: كبر عليها أربعا.
وقال معقل بن عبيد الله: قلت للحكم يا أبا محمد.
قال علي ابن المديني: قلت ليحيى: أي أصحاب إبراهيم أحب إليك؟ .
قال: الحكم ومنصور ما أقربهما، قال المدائني: الحكم بن عتيبة كندي ويقال: أسدي مولى.(أعلام/1011)
قال حجاج بن محمد: سمعت أبا إسرائيل يقول: إن أول يوم عرفت فيه الحكم يوم مات الشعبي، جاء إنسان يسأل عن مسألة فقالوا: عليك بالحكم بن عتيبة.
أحمد بن زهير، حدثنا ابن معين، حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: كان الحكم إذا قدم المدينة، فرغت له سارية النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي إليها.
حميد بن عبد الرحمن: سمعت ابن أبي ليلى يقول: كان الشعبي يقول: ما قالت الصعافقة ما قال الناس، يعني الحكم.
وقال ضمرة عن الأوزاعي: لقيت الحكم بمنى فإذا رجل حسن السمت متقنعا.
وقال أبو همام: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني الأوزاعي قال: قال لي يحيى بن أبي كثير ونحن بمنى: لقيت الحكم بن عتيبة؟ قلت: نعم، قال: ما بين لابتيها أحد أفقه منه. قال: وبها عطاء وأصحابه.
قال أبو نعيم: حدثنا الأعمش، عن الحكم قال لرجل: أنت مثل الطير الذي يرى الكواكب في السماء يحسب أنها سمك.
قال ابن إدريس: سألت شعبة متى مات الحكم؟ قال: سنة خمس عشرة ومائة، قال ابن إدريس: فيها ولدت، وفيها أرخه أبو نعيم وغيره، وقيل سنة أربع عشرة، وليس بشيء.(أعلام/1012)
أخبرنا القاضي أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام، أنبأنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أنبأنا أحمد بن عبد الغني، أنبأنا نصر بن أحمد، أنبأنا عبد الله بن عبيد الله، حدثنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا محمد بن الوليد، حدثنا محمد هو ابن جعفر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي رافع، عن أبي رافع، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع: اصحبني كيما تصيب منها، فقال: حتى آتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسأله، فانطلق إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله، فقال: إن الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم من أنفسهم. هذا حديث صحيح غريب، أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي من رواية شعبة، فوقع لنا عاليا، وابن أبي رافع، هو عبيد الله.(أعلام/1013)
الحكم بن عمرو الغفاري (خ، 4)
الأمير أخو رافع بن عمرو، وهما، من بني ثعيلة، وثعيلة أخو غفار.
نزل الحكم البصرة. وله صحبة ورواية، وفضل وصلاح، ورأي وإقدام.
حدث عنه: أبو الشعثاء جابر بن زيد، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسوادة بن عاصم ; وآخرون.
روايته في الكتب، سوى " صحيح " البخاري.
روى هشام، عن الحسن: أن زياد بن أبيه بعث الحكم بن عمرو على خراسان، فغنموا، فكتب إليه: أما بعد، فإن أمير المؤمنين كتب إلي أن أصطفي له الصفراء والبيضاء لا تقسم بين الناس ذهبا ولا فضة. فكتب إليه الحكم: أقسم بالله، لو كانت السماوات والأرض رتقا على عبد، فاتقى الله، يجعل له من بينهما مخرجا، والسلام. ثم قال للناس: اغدوا على فيئكم، فاقسموه.
ويروى: أن عمر نظر إلى الحكم بن عمرو، وقد خضب بصفرة، فقال: هذا خضاب الإيمان.
معتمر بن سليمان: حدثنا أبي، عن أبي حاجب، قال: كنت عند الحكم الغفاري، إذ جاءه رسول علي - رضي الله عنه- فقال: إن أمير المؤمنين يقول: إنك أحق من أعاننا. قال: إني سمعت خليلي - صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا كان الأمر هكذا اتخذ سيفا من خشب.
أبو إسحاق الفزاري، عن هشام، عن الحسن، قال: بعث زياد الحكم، فأصابوا غنائم كثيرة، فكتب زياد: إن أمير المؤمنين أمر أن تصطفى له الصفراء والبيضاء.
فكتب إليه: إني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين. وأمر مناديا، فنادى: أن اغدوا على فيئكم. فقسمه بينهم.
فوجه معاوية من قيده، وحبسه. فمات، فدفن في قيوده، وقال: إني مخاصم.(أعلام/1014)
حماد بن سلمة: حدثنا حميد، ويونس، عن الحسن: أن زيادا استعمل الحكم بن عمرو، فلقيه عمران بن حصين، فقال: أما تذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لما بلغه الذي قال له أميره: قع في النار، فقام ليقع فيها فأدركه، فأمسكه. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: لو وقع فيها، لدخل النار، لا طاعة لمخلوق في معصية الله.
قال الحكم: بلى. قال: إنما أردت أن أذكرك هذا الحديث.
جميل بن عبيد الطائي: حدثنا أبو المعلى، عن الحسن، قال: قال الحكم بن عمرو: يا طاعون، خذني إليك. فقيل له: لم تقول هذا؟ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: لا يتمنين أحدكم الموت قال: أبادر ستا: بيع الحكم، وكثرة الشرط، وإمارة الصبيان، وسفك الدماء، وقطيعة الرحم، ونشأ يكونون في آخر الزمان يتخذون القرآن مزامير.
قال أحمد بن سيار: كان سبب موت والي خراسان الحكم، أنه دعا على نفسه وهو بمرو، لكتاب ورد إليه من زياد. ومات قبله بريدة الأسلمي، فدفنا جميعا.
قال خليفة: مات بخراسان واليا سنة إحدى وخمسين.
وقال الواقدي: سنة خمسين، رضي الله عنه.(أعلام/1015)
الحكم بن موسى (م، س، ق)
الإمام المحدث القدوة الحجة أبو صالح البغدادي القنطري الزاهد.
سمع العطاف بن خالد، وإسماعيل بن عياش، وعبد الرحمن بن أبي الرجال، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن حمزة، وطبقتهم.
حدث عنه: مسلم، وبواسطة النسائي وابن ماجه، وأحمد بن حنبل، وأبو محمد الدارمي، والحارث بن أبي أسامة، وأبو يعلى الموصلي، وعثمان بن سعيد، وأبو القاسم البغوي، وخلق سواهم.
وثقه يحيى بن معين.
قال الحسين بن فهم: كان رجلا صالحا ثبتا في الحديث.
وقال علي بن محمد الحبيبي: سألت صالحا جزرة عن سريج بن يونس، والحكم بن موسى، ويحيى بن أيوب، فوثقهم جدا، وقال: هؤلاء الثلاثة تقطعوا من العبادة.
قال عثمان بن سعيد الدارمي: قدم علي بن المديني بغداد، فحدثه الحكم بن موسى بحديث أبي قتادة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته فقال ابن المديني: لو غيرك حدث به، ما صنع به.
قلت: رواه الناس عنه، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، فذكره.
قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن حديث الحكم بن موسى في الصدقات، فقال: لا أحدث به.
قلت: ساقه أبو داود في كتاب " المراسيل " عن يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود، كذا قال، وصوابه: سليمان بن أرقم، كما قد بسطناه في كتاب " الميزان ".
مات الحكم في شوال، سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ليومين بقيا من الشهر.
وفيها توفي إبراهيم بن الحجاج النيلي وحوثرة بن أشرس وعبد الله بن عون الخراز، وعبد الوهاب بن نجدة، وعمرو الناقد، والواثق، ويوسف بن عدي، وعيسى بن سالم الشاشي، وكثير بن يحيى صاحب البصري، وإبراهيم بن دينار ببغداد، وأحمد بن أبي شعيب الحراني.(أعلام/1016)
الحلاج
هو الحسين بن منصور بن محمي أبو عبد الله، ويقال: أبو مغيث، الفارسي البيضاوي الصوفي.
والبيضاء مدينة ببلاد فارس.
وكان جده محمي مجوسيا.
نشأ الحسين بتستر، فصحب سهل بن عبد الله التستري، وصحب ببغداد الجنيد، وأبا الحسين النوري، وصحب عمرو بن عثمان المكي. وأكثر الترحال والأسفار والمجاهدة.
وكان يصحح حاله أبو العباس بن عطاء، ومحمد بن خفيف، وإبراهيم أبو القاسم النصرآباذي.
وتبرأ منه سائر الصوفية والمشايخ والعلماء لما سترى من سوء سيرته ومروقه، ومنهم من نسبه إلى الحلول، ومنهم من نسبه إلى الزندقة، وإلى الشعبذة والزوكرة، وقد تستر به طائفة من ذوي الضلال والانحلال، وانتحلوه، وروجوا به على الجهال. نسأل الله العصمة في الدين.
أنبأني ابن علان وغيره: أن أبا اليمن الكندي أخبرهم، قال: أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثني مسعود بن ناصر السجزي، حدثنا ابن باكويه، أخبرني حمد بن الحلاج قال: مولد أبي بطور البيضاء، ومنشؤه تستر، وتلمذ لسهل سنتين، ثم صعد إلى بغداد.
كان يلبس المسوح، ووقتا يلبس الدراعة، والعمامة والقباء، ووقتا يمشي بخرقتين، فأول ما سافر من تستر إلى البصرة كان له ثماني عشرة سنة، ثم خرج إلى عمرو المكي، فأقام معه ثمانية عشر شهرا، ثم إلى الجنيد، ثم وقع بينه وبين الجنيد لأجل مسألة، ونسبه الجنيد إلى أنه مدع، فاستوحش وأخذ والدتي، ورجع إلى تستر، فأقام سنة، ووقع له القبول التام، ولم يزل عمرو بن عثمان يكتب الكتب فيه بالعظائم حتى حرد أبي ورمى بثياب الصوفية، ولبس قباء، وأخذ في صحبة أبناء الدنيا.(أعلام/1017)
ثم إنه خرج وغاب عنا خمس سنين، بلغ إلى ما وراء النهر، ثم رجع إلى فارس، وأخذ يتكلم على الناس، ويعمل المجلس، ويدعو إلى الله تعالى، وصنف لهم تصانيف، وكان يتكلم على ما في قلوب الناس، فسمي بذلك حلاج الأسرار، ولقب به.
ثم قدم الأهواز وطلبني، فحملت إليه، ثم خرج إلى البصرة، ثم خرج إلى مكة ولبس المرقعة، وخرج معه خلق، وحسده أبو يعقوب النهرجوري، وتكلم فيه، ثم جاء إلى الأهواز، وحمل أمي وجماعة من كبار أهل الأهواز إلى بغداد، فأقام بها سنة. ثم قصد إلى الهند وما وراء النهر ثانيا، ودعا إلى الله، وألف لهم كتبا، ثم رجع، فكانوا يكاتبونه من الهند بالمغيث، ومن بلاد ماصين وتركستان بالمقيت، ومن خراسان بأبي عبد الله الزاهد، ومن خوزستان بالشيخ حلاج الأسرار.
وكان ببغداد قوم يسمونه المصطلم، وبالبصرة المحير، ثم كثرت الأقاويل عليه بعد رجوعه من هذه السفرة، فقام وحج ثالثا، وجاور سنتين، ثم رجع وتغير عما كان عليه في الأول، واقتنى العقار ببغداد، وبني دارا، ودعا الناس إلى معنى لم أقف عليه، إلا على شطر منه، ثم وقع بينه وبين الشبلي وغيره من مشايخ الصوفية، فقيل: هو ساحر. وقيل: هو مجنون. وقيل: هو ذو كرامات، حتى أخذه السلطان. انتهى كلام ولده.
وقال السلمي: إنما قيل له: الحلاج لأنه دخل واسطا إلى حلاج، وبعثه في شغل، فقال: أنا مشغول بصنعتي. فقال: اذهب أنت حتى أعينك. فلما رجع وجد كل قطن عنده محلوجا.
قال إبراهيم بن عمر بن حنظلة الواسطي السماك، عن أبيه: قال: دخل الحسين بن منصور واسطا، فاستقبله قطان، فكلفه الحسين إصلاح شغله والرجل يتثاقل فيه، فقال: اذهب فإني أعينك. فذهب، فلما رجع رأى كل قطن عنده محلوجا مندوفا، وكان أربعة وعشرين ألف رطل.
وقيل: بل لتكلمه على الأسرار.
وقيل: كان أبوه حلاجا.(أعلام/1018)
وقال أبو نصر السراج: صحب الحلاج عمرو بن عثمان، وسرق منه كتبا فيها شيء من علم التصوف، فدعا عليه عمرو: اللهم اقطع يديه ورجليه.
قال ابن الوليد: كان المشايخ يستثقلون كلامه، وينالون منه ; لأنه كان يأخذ نفسه بأشياء تخالف الشريعة، وطريقة الزهاد، وكان يدعي المحبة لله، ويظهر منه ما يخالف دعواه.
قلت: ولا ريب أن اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- علم لمحبة الله ; لقوله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. أبو عبد الرحمن السلمي: أخبرنا محمد بن الحضرمي، عن أبيه، قال: كنت جالسا عند الجنيد، إذ ورد شاب عليه خرقتان، فسلم وجلس ساعة، فأقبل عليه الجنيد، فقال له: سل ما تريد أن تسأل. فقال له: ما الذي باين الخليقة عن رسوم الطبع؟ فقال الجنيد له: أرى في كلامك فضولا، لم لا تسأل عما في ضميرك من الخروج والتقدم على أبناء جنسك؟ فأقبل الجنيد يتكلم، وأخذ هو يعارضه، إلى أن قال له الجنيد، أي خشبة تفسدها؟ يريد أنه يصلب.
قال السلمي: وسمعت أبا علي الهمذاني يقول: سألت إبراهيم بن شيبان عن الحلاج، فقال: من أحب أن ينظر إلى ثمرات الدعاوى الفاسدة فلينظر إلى الحلاج وما صار إليه.
أبو عبد الله بن باكويه: حدثنا أبو الفوارس الجوزقاني: حدثنا إبراهيم بن شيبان، قال: سلم أستاذي أبو عبد الله المغربي على عمرو بن عثمان، فجاراه في مسألة، فجرى في عرض الكلام أن قال: هاهنا شاب على جبل أبي قبيس. فلما خرجنا من عند عمرو صعدنا إليه، وكان وقت الهاجرة، فدخلنا عليه، فإذا هو جالس في صحن الدار على صخرة في الشمس، والعرق يسيل منه على الصخرة، فلما نظر إليه المغربي رجع وأشار بيده: ارجع؛ فنزلنا المسجد، فقال لي أبو عبد الله: إن عشت ترى ما يلقى هذا، قد قعد بحمقه يتصبر مع الله. فسألنا عنه، فإذا هو الحلاج.(أعلام/1019)
قال السلمي: حدثنا محمد بن عبد الله بن شاذان: سمعت محمد بن علي الكتاني يقول: دخل الحلاج مكة، فجهدنا حتى أخذنا مرقعته، فأخذنا منها قملة، فوزناها، فإذا فيها نصف دانق من شدة مجاهدته.
قلت: ابن شاذان متهم، وقد سمعنا بكثرة القمل، أما كبر القمل فما وقع، ولو كان يقع لتداوله الناس.
قال علي بن المحسن التنوخي أخبرنا أبي: حدثني محمد بن عمر القاضي قال: حملني خالي معه إلى الحلاج، فقال لخالي: قد عملت على الخروج من البصرة. قال: ولم؟ قال: قد صيرني أهلها حديثا، حتى إن رجلا حمل إلي دراهم وقال: اصرفها إلى الفقراء، فلم يكن بحضرتي أحد، فجعلتها تحت بارية، فلما كان من غد احتف بي قوم من الفقراء، فشلت البارية وأعطيتهم تلك الدراهم، فشنعوا، وقالوا: إني أضرب بيدي إلى التراب فيصير دراهم. وأخذ يعدد مثل هذا، فقام خالي وقال: هذا متنمس.(أعلام/1020)
الحميدي (خ، د، ت، س)
عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله بن أسامة بن عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى.
وقيل: جده هو عيسى بن عبد الله بن الزبير بن عبيد الله بن حميد، الإمام الحافظ الفقيه، شيخ الحرم أبو بكر القرشي الأسدي الحميدي المكي، صاحب " المسند ".
حدث عن: إبراهيم بن سعد، وفضيل بن عياض، وسفيان بن عيينة، فأكثر عنه وجود، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي، وعبد العزيز بن أبي حازم، والوليد بن مسلم، ومروان بن معاوية، ووكيع، والشافعي، وليس هو بالمكثر، ولكن له جلالة في الإسلام.
حدث عنه: البخاري، والذهلي، وهارون الحمال، وأحمد بن الأزهر، وسلمة بن شبيب، ومحمد بن سنجر، ويعقوب الفسوي، وإسماعيل سمويه، ومحمد بن عبد الله بن البرقي، وأبو زرعة الرازي، وبشر بن موسى، وأبو حاتم، ويعقوب بن شيبة، وأبو بكر محمد بن إدريس المكي وراقه، وخلق سواهم.
قال أحمد بن حنبل: الحميدي عندنا إمام.
وقال أبو حاتم: أثبت الناس في ابن عيينة الحميدي، وهو رئيس أصحاب ابن عيينة، وهو ثقة إمام.
قال الحميدي: جالست سفيان بن عيينة تسع عشرة سنة أو نحوها.
وقال يعقوب الفسوي: حدثنا الحميدي، وما لقيت أنصح للإسلام وأهله منه.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي، قال: قدمت مكة سنة ثمان وتسعين، ومات في أولها سفيان بن عيينة قبل قدومنا بسبعة أشهر، فسألت عن أجل أصحاب ابن عيينة، فذكر لي الحميدي، فكتبت حديث ابن عيينة عنه.(أعلام/1021)
وروى يعقوب الفسوي عن الحميدي قال: كنت بمصر، وكان لسعيد بن منصور حلقة في مسجد مصر، ويجتمع إليه أهل خراسان وأهل العراق، فجلست إليهم، فذكروا شيخا لسفيان، فقالوا: كم يكون حديثه؟ فقلت: كذا وكذا. فسبح سعيد بن منصور، وأنكر ذلك، وأنكر ابن ديسم، وكان إنكار ابن ديسم أشد علي، فأقبلت على سعيد، فقلت: كم تحفظ عن سفيان عنه؟ فذكر نحو النصف مما قلت، وأقبلت على ابن ديسم، فقلت: كم تحفظ عن سفيان عنه؟ فذكر زيادة على ما قال سعيد نحو الثلاثين مما قلت أنا. فقلت لسعيد: تحفظ ما كتبت عن سفيان عنه؟ فقال: نعم. قلت: فعد. وقلت لابن ديسم: فعد ما كتبت. قال: فإذا سعيد يغرب على ابن ديسم بأحاديث، وابن ديسم يغرب على سعيد في أحاديث كثيرة، فإذا قد ذهب عليهما أحاديث يسيرة، فذكرت ما ذهب عليهما، فرأيت الحياء والخجل في وجوههما.
قال ابن سعد: الحميدي من بني أسد بن عبد العزى بن قصي صاحب ابن عيينة، وراويته، ثقة كثير الحديث. مات بمكة سنة تسع عشرة وكذا أرخ البخاري. وقيل: سنة عشرين.
وله رواية في مقدمة " صحيح مسلم ".
وقال محمد بن سهل القهستاني حدثنا الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت صاحب بلغم أحفظ من الحميدي، كان يحفظ لسفيان بن عيينة عشرة آلاف حديث.
وقال محمد بن إسحاق المروزي: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: الأئمة في زماننا: الشافعي والحميدي وأبو عبيد.
وقال علي بن خلف: سمعت الحميدي يقول: ما دمت بالحجاز، وأحمد بن حنبل بالعراق، وإسحاق بخراسان، لا يغلبنا أحد.
وقال أبو العباس السراج: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: الحميدي إمام في الحديث.
قال الفربري: حدثنا محمد بن المهلب البخاري، حدثنا الحميدي قال: والله لأن أغزو هؤلاء الذين يردون حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي من أن أغزو عدتهم من الأتراك.(أعلام/1022)
قلت: لما توفي الشافعي أراد الحميدي أن يتصدر موضعه، فتنافس هو وابن عبد الحكم على ذلك، وغلبه ابن عبد الحكم على مجلس الإمام، ثم إن الحميدي رجع إلى مكة، وأقام بها ينشر العلم - رحمه الله.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الفقيه، أخبرنا أبو المكارم المبارك بن محمد، أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن، أخبرنا عثمان بن محمد، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا الحميدي، أخبرنا سفيان، عن الزهري، أنه سمع أنس بن مالك يقول: آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كشف الستارة يوم الاثنين والناس صفوف خلف أبي بكر، فلما رأوه كأنهم تحركوا، فأشار إليهم رسول الله أن امضوا، فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف، وألقى السجف، وتوفي من آخر ذلك اليوم متفق عليه. ورواه مسلم عن الحلواني وعبد عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح، عن الزهري.
وقوله: وتوفي من آخر ذلك اليوم، غريب، إنما المحفوظ أنه توفي في أوائل النهار قبل الظهر يوم الاثنين.
ويقع حديث أبي بكر الحميدي عاليا في " الغيلانيات ".
أخبرنا يوسف بن أبي نصر، وعبد الله بن قوام، وعدة، قالوا: أخبرنا ابن الزبيدي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا الداوودي، أخبرنا ابن حمويه، أخبرنا ابن مطر، حدثنا البخاري، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، أخبرني محمد بن إبراهيم أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر - رضي الله عنه - يقول على المنبر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إنما الأعمال بالنيات. . . " وذكر الحديث.(أعلام/1023)
هذا أول شيء افتتح به البخاري " صحيحه " فصيره كالخطبة له، وعدل عن روايته افتتاحا بحديث مالك الإمام إلى هذا الإسناد لجلالة الحميدي وتقدمه، ولأن إسناده هذا عزيز المثل جدا ليس فيه عنعنة أبدا، بل كل واحد منهم صرح بالسماع له.(أعلام/1024)
الحوضي (خ، د، س)
حفص بن عمر بن الحارث بن سخبرة، الإمام المجود الحافظ أبو عمر الأزدي النمري من النمر بن غيمان البصري، المشهور بالحوضي.
حدث عن: هشام الدستوائي، وأبي حرة الرقاشي واصل بن عبد الرحمن، وشعبة، وهمام، ويزيد بن إبراهيم التستري، ومحمد بن راشد المكحولي، وطبقتهم.
حدث عنه: البخاري، وأبو داود، والبخاري أيضا والنسائي بواسطة، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة، وأحمد بن الفرات، وأحمد بن داود المكي، وإسماعيل القاضي، وعبد الله بن أحمد الدورقي، وعثمان بن عبد الله بن خرزاذ، ومحمد بن أيوب الرازي، وأبو خليفة، ومعاذ بن المثنى، وأحمد بن محمد بن علي الخزاعي، وخلق كثير.
روى أبو طالب، عن أحمد بن حنبل، قال: هو ثبت متقن لا يؤخذ عليه حرف واحد.
وقال علي بن المديني: اجتمع أهل البصرة على عدالة أبي عمر الحوضي وعبد الله بن رجاء.
قال عبيد الله بن جرير بن جبلة: أبو عمر هو مولى النمريين، صاحب كتاب متقن، رأيته أبيض الرأس واللحية. قال: وتوفي في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين
وقال أبو حاتم: متقن صدوق أعرابي فصيح.(أعلام/1025)
الخرائطي
الإمام الحافظ الصدوق المصنف أبو بكر، محمد بن جعفر بن محمد بن سهل بن شاكر، السامري الخرائطي.
صاحب كتاب " مكارم الأخلاق "، وكتاب " مساوئ الأخلاق "، وكتاب " اعتلال القلوب "، وغير ذلك.
سمع الحسن بن عرفة، وعلي بن حرب، وعمر بن شبة، وسعدان بن نصر، وسعدان بن يزيد، وحميد بن الربيع، وأحمد بن منصور الرمادي، وأحمد بن بديل، وشعيب بن أيوب، وعدة.
حدث عنه: أبو سليمان بن زبر، وأبو علي بن مهنا الدراني ومحمد وأحمد ابنا موسى السمسار، والقاضي يوسف الميانجي، وعبد الوهاب الكلابي، ومحمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد، وآخرون.
وحدث بدمشق وبعسقلان.
قال ابن ماكولا: صنف الكثير، وكان من الأعيان الثقات.
وقال الخطيب: كان حسن الأخبار، مليح التصانيف.
قيل: مات بيافا في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.(أعلام/1026)
الخراز
شيخ الصوفية، القدوة أبو سعيد، أحمد بن عيسى البغدادي الخراز.
أخذ عن: إبراهيم بن بشار الخراساني، ومحمد بن منصور الطوسي.
روى عنه: علي بن محمد الواعظ المصري، وأبو محمد الجريري، وعلي بن حفص الرازي، ومحمد بن علي الكتاني، وآخرون.
وقد صحب سريا السقطي، وذا النون المصري.
ويقال: إنه أول من تكلم في علم الفناء والبقاء فأي سكتة فاتته، قصد خيرا، فولد أمرا كبيرا، تشبث به كل اتحادي ضال به.
قال أبو القاسم عثمان بن مردان النهاوندي: أول ما لقيت أبا سعيد الخراز سنة اثنتين وسبعين، فصحبته أربع عشرة سنة.
قال: وتوفي سنة ست وثمانين ومائتين وقال غيره: بل توفي سنة سبع وسبعين ومائتين.
قال السلمي: هو إمام القوم في كل فن من علومهم، له في مبادئ أمره عجائب وكرامات، وهو أحسن القوم كلاما، خلا الجنيد، فإنه الإمام.
قال القشيري صحب ذا النون، والسري، والنباجي، وبشرا الحافي.
قال: ومن كلامه: كل باطن يخالفه ظاهر، فهو باطل.
وقال ابن الطرسوسي: أبو سعيد الخراز قمر الصوفية.
وعنه قال: أوائل الأمر التوبة، ثم ينتقل إلى مقام الخوف، ثم إلى مقام الرجاء، ثم منه إلى مقام الصالحين، ثم إلى مقام المريدين، ثم إلى مقام المطيعين، ثم منه إلى المحبين، ثم ينتقل إلى مقام المشتاقين، ثم منه إلى مقام الأولياء، ثم منه إلى مقام المقربين.
قال السلمي: أنكر أهل مصر على أبي سعيد، وكفروه بألفاظ. فإنه قال في كتاب " السر ": فإذا قيل لأحدهم: ما تقول؟ قال: الله. وإذا تكلم قال: الله، وإذا نظر قال: الله، فلو تكلمت جوارحه، قالت: الله، وأعضاؤه مملوءة من الله. فأنكروا عليه هذه الألفاظ، وأخرجوه من مصر. قال: ثم رد بعد عزيزا.(أعلام/1027)
ويروى عن الجنيد، قال: لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد لهلكنا. فقيل لإبراهيم بن شيبان: ما كان حاله؟ قال: أقام سنين ما فاته الحق بين الخرزتين.
وعن المرتعش قال: الخلق عيال على أبي سعيد الخراز إذا تكلم في الحقائق.
وقال الكتاني: سمعت أبا سعيد يقول: من ظن أنه يصل بغير بذل المجهود فهو متمن، ومن ظن أنه يصل ببذل المجهود فهو متعن. سمعها السلمي، والماليني، وأبو حازم العبدوي، من محمد بن عبد الله الرازي، عن الكتاني.
له ترجمة في " تاريخ دمشق " طويلة.(أعلام/1028)
الخرقي
العلامة شيخ الحنابلة أبو القاسم، عمر بن الحسين بن عبد الله، البغدادي الخرقي الحنبلي، صاحب المختصر المشهور في مذهب الإمام أحمد.
كان من كبار العلماء، تفقه بوالده الحسين صاحب المروذي وصف التصانيف.
قال القاضي أبو يعلى: كانت لأبي القاسم مصنفات كثيرة لم تظهر ; لأنه خرج من بغداد لما ظهر بها سب الصحابة، فأودع كتبه في دار فاحترقت الدار.
قلت: وقدم دمشق، وبها توفي، وقبره ظاهر يزار بمقبرة باب الصغير.
قال أبو بكر الخطيب: زرت قبره.
وتوفي في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة.
قلت: لم يقع لنا حديث من طريقه. وقد حكى عنه عبد الله بن عثمان الصفار.
وظهر في هذا الوقت الرفض والاعتزال بالعراق ببني بويه.(أعلام/1029)
الخطابي
الإمام العلامة، الحافظ اللغوي، أبو سليمان، حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي، صاحب التصانيف.
ولد سنة بضع عشرة وثلاثمائة.
وسمع من: أبي سعيد بن الأعرابي بمكة، ومن إسماعيل بن محمد الصفار وطبقته ببغداد، ومن أبي بكر بن داسة وغيره بالبصرة، ومن أبي العباس الأصم، وعدة بنيسابور. وعني بهذا الشأن متنا وإسنادا.
وروى أيضا عن أبي عمرو بن السماك، ومكرم القاضي، وأبي عمر غلام ثعلب وحمزة بن محمد العقبي وأبي بكر النجاد، وجعفر بن محمد الخلدي.
وأخذ الفقه على مذهب الشافعي عن أبي بكر القفال الشاشي، وأبي علي بن أبي هريرة، ونظرائهما.
حدث عنه: أبو عبد الله الحاكم وهو من أقرانه في السن والسند، والإمام أبو حامد الإسفراييني وأبو عمرو محمد بن عبد الله الرزجاهي والعلامة أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي، وأبو مسعود الحسين بن محمد الكرابيسي، وأبو ذر عبد بن أحمد، وأبو نصر محمد بن أحمد البلخي الغزنوي، وجعفر بن محمد بن علي المروذي المجاور، وأبو بكر محمد بن الحسين الغزنوي المقرئ، وعلي بن الحسن السجزي الفقيه، ومحمد بن علي بن عبد الملك الفارسي الفسوي، وأبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، وطائفة سواهم.(أعلام/1030)
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الفقيه، وشهدة بنت حسان قالا: أخبرنا جعفر بن علي المالكي، أخبرنا أبو طاهر السلفي قال: وأما أبو سليمان الشارح لكتاب أبي داود، فإذا وقف منصف على مصنفاته، واطلع على بديع تصرفاته في مؤلفاته، تحقق إمامته وديانته فيما يورده وأمانته. وكان قد رحل في الحديث وقراءة العلوم، وطوف، ثم ألف في فنون من العلم، وصنف، وفي شيوخه كثرة، وكذلك في تصانيفه، منها " شرح السنن "، الذي عولنا على الشروع في إملائه وإلقائه، وكتابه في غريب الحديث، ذكر فيه ما لم يذكره أبو عبيد، ولا ابن قتيبة في كتابيهما، وهو كتاب ممتع مفيد، ومحصله بنية موفق سعيد، ناولنيه القاضي أبو المحاسن بالري، وشيخه فيه عبد الغافر الفارسي يرويه عن أبي سليمان، ولم يقع لي من تواليفه سوى هذين الكتابين مناولة لا سماعا عند اجتماعي بأبي المحاسن، لعارضة قد برحت بي، وبلغت مني، لولاها لما توانيت في سماعهما، وقد روى لنا الرئيس أبو عبد الله الثقفي كتاب " العزلة ". عن أبي عمرو الرزجاهي، عنه، وأنا أشك هل سمعته كاملا أو بعضه. . .
إلى أن قال السلفي: وحدث عنه أبو عبيد الهروي في كتاب: " الغريبين "، فقال: أحمد بن محمد الخطابي، ولم يكنه. ووافقه على ذلك أبو منصور الثعالبي كما قال الجم الغفير، لا كما قالاه، وقال أحد الأدباء ممن أخذ عن ابن خرزاذ النجيرمي في كتاب " اليتيمة "، لكنه كناه، وقال: أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم البستي صاحب " غريب الحديث "، والصواب في اسمه: حمد وهو أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي من ولد زيد بن الخطاب، وله -رحمه الله- شعر هو سحر.
قلت: وله " شرح الأسماء الحسنى " وكتاب: " الغنية عن الكلام وأهله "، وغير ذلك.(أعلام/1031)
أخبرنا أبو الحسن وشهدة قالا: أخبرنا جعفر، أخبرنا السلفي، أخبرنا أبو المحاسن الروياني، سمعت أبا نصر البلخي، سمعت أبا سليمان الخطابي، سمعت أبا سعيد بن الأعرابي ونحن نسمع عليه هذا الكتاب -يعني: " سنن " أبي داود - يقول: لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله، ثم هذا الكتاب، لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بتة.
قال أبو يعقوب القراب: توفي الخطابي ببست في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.
قلت: وفيها مات محدث إسفرايين، أبو النضر شافع بن محمد بن أبي عوانة الإسفراييني في عشر التسعين، ومحدث بروجرد القاضي أبو الحسين عبيد الله بن سعيد البروجردي في عشر المائة، يروي عن ابن جرير، والباغندي. ومسند نيسابور أبو الفضل عبيد الله بن محمد الفامي، ومقرئ مصر أبو حفص عمر بن عراك الحضرمي، ومقرئ العراق أبو الفرج محمد بن أحمد الشنبوذي، وشيخ الأدب أبو علي محمد بن الحسن بن المظفر الحاتمي ببغداد، ومسند مرو أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي الفقيه عن مائة عام، وعالم مصر أبو بكر محمد بن علي الأدفوي المقرئ المفسر، ومحدث مكة أبو يعقوب يوسف بن أحمد بن الدخيل.
أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، عن عبد الغني بن سرور الحافظ، أخبرنا إسماعيل بن غانم، أخبرنا عبد الواحد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن أحمد البلخي، حدثنا حمد بن محمد، حدثنا محمد بن زكريا، حدثنا أبو داود، حدثنا محمد بن حزابة، حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا أسباط، عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن.
وهو القائل:
وما غربة الإنسان في شقة النوى
ولكنها والله في عدم الشكل
وإني غريب بين بست وأهلها
وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي(أعلام/1032)
الخطيب
الإمام الأوحد، العلامة المفتي، الحافظ الناقد، محدث الوقت أبو بكر، أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، صاحب التصانيف، وخاتمة الحفاظ.
ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
وكان أبوه أبو الحسن خطيبا بقرية درزيجان وممن تلا القرآن على أبي حفص الكتاني، فحض ولده أحمد على السماع والفقه، فسمع وهو ابن إحدى عشرة سنة، وارتحل إلى البصرة وهو ابن عشرين سنة، وإلى نيسابور وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وإلى الشام وهو كهل، وإلى مكة، وغير ذلك. وكتب الكثير، وتقدم في هذا الشأن، وبذ الأقران، وجمع وصنف وصحح، وعلل وجرح، وعدل وأرخ وأوضح، وصار أحفظ أهل عصره على الإطلاق.
سمع أبا عمر بن مهدي الفارسي، وأحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي، وأبا الحسين بن المتيم، وحسين بن الحسن الجواليقي ابن العريف يروي عن ابن مخلد العطار، وسعد بن محمد الشيباني سمع من أبي علي الحصائري وعبد العزيز بن محمد الستوري حدثه عن إسماعيل الصفار وإبراهيم بن مخلد بن جعفر الباقرحي وأبا الفرج محمد بن فارس الغوري، وأبا الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي، وأبا بكر محمد بن عبد الله بن أبان الهيتي ومحمد بن عمر بن عيسى الحطراني حدثه عن أحمد بن إبراهيم البلدي، وأبا نصر أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون النرسي، وأبا القاسم الحسن بن الحسن بن المنذر، والحسين بن عمر بن برهان، وأبا الحسن بن رزقويه، وأبا الفتح هلال بن محمد الحفار، وأبا الفتح بن أبي الفوارس، وأبا العلاء محمد بن الحسن الوراق، وأبا الحسين بن بشران. وينزل إلى أن يكتب عن عبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن النقور، بل نزل إلى أن روى عن تلامذته كنصر المقدسي، وابن ماكولا، والحميدي. وهذا شأن كل حافظ يروي عن الكبار والصغار.
وسمع بعكبرا من الحسين بن محمد الصائغ حدثه عن نافلة علي بن حرب.(أعلام/1033)
ولحق بالبصرة أبا عمر الهاشمي شيخه في " السنن "، وعلي بن القاسم الشاهد، والحسن بن علي السابوري وطائفة.
وسمع بنيسابور القاضي أبا بكر الحيري، وأبا سعيد الصيرفي، وأبا القاسم عبد الرحمن السراج، وعلي بن محمد الطرازي، والحافظ أبا حازم العبدوي، وخلقا.
وبأصبهان: أبا الحسن بن عبدكويه، وأبا عبد الله الجمال، ومحمد بن عبد الله بن شهريار، وأبا نعيم الحافظ.
وبالدينور: أبا نصر الكسار.
وبهمذان: محمد بن عيسى، وطبقته.
وسمع بالري والكوفة وصور ودمشق ومكة.
وكان قدومه إلى دمشق في سنة خمس وأربعين، فسمع من محمد بن عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي، وطبقته واستوطنها، ومنها حج، وقرأ صحيح البخاري على كريمة في أيام الموسم.
وأعلى ما عنده حديث مالك، وحماد بن زيد، بينه وبين كل منهما ثلاثة أنفس.(أعلام/1034)
حدث عنه: أبو بكر البرقاني ; وهو من شيوخه، وأبو نصر بن ماكولا، والفقيه نصر، والحميدي، وأبو الفضل بن خيرون، والمبارك بن الطيوري، وأبو بكر بن الخاضبة، وأبي النرسي، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، والمرتضى محمد بن محمد الحسيني، ومحمد بن مرزوق الزعفراني، وأبو القاسم النسيب، وهبة الله بن الأكفاني، ومحمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، وغيث بن علي الأرمنازي، وأحمد بن أحمد المتوكلي، وأحمد بن علي بن المجلي، وهبة الله بن عبد الله الشروطي، وأبو الحسن بن سعيد، وطاهر بن سهل الإسفراييني، وبركات النجاد، وعبد الكريم بن حمزة، وأبو الحسن علي بن أحمد بن قبيس المالكي، وأبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي، وقاضي المارستان أبو بكر، وأبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن السمرقندي، وأبو بكر محمد بن الحسين المزرفي وأبو منصور الشيباني ; راوي " تاريخه "، وأبو منصور بن خيرون المقرئ، وبدر بن عبد الله الشيحي، والزاهد يوسف بن أيوب الهمذاني، وهبة الله بن علي المجلي، وأخوه أبو السعود أحمد وأبو الحسين بن أبي يعلى، وأبو الحسين بن بويه، وأبو البدر الكرخي، ومفلح الدومي، ويحيى بن الطراح، وأبو الفضل الأرموي، وعدد يطول ذكرهم.
وكان من كبار الشافعية، تفقه على أبي الحسن بن المحاملي والقاضي أبي الطيب الطبري.
قال أبو منصور بن خيرون حدثنا الخطيب أنه ولد في جمادى الآخرة سنة 392 وأول ما سمع في المحرم سنة ثلاث وأربعمائة.
قال أحمد بن صالح الجيلي: تفقه الخطيب، وقرأ بالقراءات، وارتحل وقرب من رئيس الرؤساء فلما قبض عليه البساسيري استتر الخطيب، وخرج إلى صور، وبها عز الدولة، أحد الأجواد، فأعطاه مالا كثيرا. عمل نيفا وخمسين مصنفا، وانتهى إليه الحفظ، شيعه خلق عظيم، وتصدق بمائتي دينار، وأوقف كتبه، واحترق كثير منها بعده بخمسين سنة.(أعلام/1035)
وقال الخطيب: استشرت البرقاني في الرحلة إلى أبي محمد بن النحاس بمصر، أو إلى نيسابور إلى أصحاب الأصم، فقال: إنك إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى واحد، إن فاتك، ضاعت رحلتك، وإن خرجت إلى نيسابور، ففيها جماعة، إن فاتك واحد أدركت من بقي. فخرجت إلى نيسابور.
قال الخطيب في " تاريخه ": كنت أذاكر أبا بكر البرقاني بالأحاديث، فيكتبها عني، ويضمنها جموعه. وحدث عني وأنا أسمع وفي غيبتي، ولقد حدثني عيسى بن أحمد الهمذاني، أخبرنا أبو بكر الخوارزمي سنة عشرين وأربعمائة، حدثنا أحمد بن علي بن ثابت، حدثنا محمد بن موسى الصيرفي، حدثنا الأصم. فذكر حديثا.
قال ابن ماكولا: كان أبو بكر آخر الأعيان ممن شاهدناه، معرفة، وحفظا، وإتقانا، وضبطا لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتفننا في علله وأسانيده، وعلما بصحيحه وغريبه، وفرده ومنكره ومطروحه، ولم يكن للبغداديين -بعد أبي الحسن الدارقطني - مثله. سألت أبا عبد الله الصوري عن الخطيب وأبي نصر السجزي: أيهما أحفظ؟ ففضل الخطيب تفضيلا بينا.
قال المؤتمن الساجي: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من أبي بكر الخطيب.
وقال أبو علي البرداني: لعل الخطيب لم ير مثل نفسه.
أنبأني بالقولين المسلم بن محمد، عن القاسم بن عساكر، حدثنا أبي، حدثنا أخي هبة الله، حدثنا أبو طاهر السلفي، عنهما.
وقال أبو إسحاق الشيرازي الفقيه: أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه.
وقال أبو الفتيان الحافظ: كان الخطيب إمام هذه الصنعة، ما رأيت مثله.(أعلام/1036)
قال أبو القاسم النسيب: سمعت الخطيب يقول: كتب معي أبو بكر البرقاني كتابا إلى أبي نعيم الحافظ يقول فيه: وقد رحل إلى ما عندك أخونا أبو بكر -أيده الله وسلمه- ليقتبس من علومك، وهو -بحمد الله- ممن له في هذا الشأن سابقة حسنة، وقدم ثابت، وقد رحل فيه وفي طلبه، وحصل له منه ما لم يحصل لكثير من أمثاله، وسيظهر لك منه عند الاجتماع من ذلك مع التورع والتحفظ ما يحسن لديك موقعه.
قال عبد العزيز بن أحمد الكتاني: سمع من الخطيب شيخه أبو القاسم عبيد الله الأزهري في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. وكتب عنه شيخه البرقاني، وروى عنه. وعلق الفقه عن أبي الطيب الطبري، وأبي نصر بن الصباغ، وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري، رحمه الله.
قلت: صدق. فقد صرح الخطيب في أخبار الصفات أنها تمر كما جاءت بلا تأويل.
قال الحافظ أبو سعد السمعاني في " الذيل ": كان الخطيب مهيبا وقورا، ثقة متحريا، حجة، حسن الخط، كثير الضبط، فصيحا، ختم به الحفاظ، رحل إلى الشام حاجا، ولقي بصور أبا عبد الله القضاعي، وقرأ " الصحيح " في خمسة أيام على كريمة المروزية، ورجع إلى بغداد، ثم خرج منها بعد فتنة البساسيري لتشويش الوقت إلى الشام، سنة إحدى وخمسين، فأقام بها، وكان يزور بيت المقدس، ويعود إلى صور، إلى سنة اثنتين وستين، فتوجه إلى طرابلس، ثم منها إلى حلب، ثم إلى الرحبة، ثم إلى بغداد، فدخلها في ذي الحجة. وحدث بحلب وغيرها.(أعلام/1037)
السمعاني: سمعت الخطيب مسعود بن محمد بمرو، سمعت الفضل بن عمر النسوي يقول: كنت بجامع صور عند أبي بكر الخطيب، فدخل علوي وفي كمه دنانير، فقال: هذا الذهب تصرفه في مهماتك. فقطب في وجهه، وقال: لا حاجة لي فيه، فقال: كأنك تستقله، وأرسله من كمه على سجادة الخطيب. وقال: هذه ثلاثمائة دينار. فقام الخطيب خجلا محمرا وجهه، وأخذ سجادته، ورمى الدنانير، وراح. فما أنى عزه وذل العلوي وهو يلتقط الدنانير من شقوق الحصير.
ابن ناصر: حدثنا أبو زكريا التبريزي اللغوي قال: دخلت دمشق، فكنت أقرأ على الخطيب بحلقته بالجامع كتب الأدب المسموعة، وكنت أسكن منارة الجامع، فصعد إلي، وقال: أحببت أن أزورك في بيتك. فتحدثنا ساعة. ثم أخرج ورقة، وقال: الهدية مستحبة، تشتري بهذا أقلاما. ونهض، فإذا خمسة دنانير مصرية، ثم صعد مرة أخرى، ووضع نحوا من ذلك. وكان إذا قرأ الحديث في جامع دمشق يسمع صوته في آخر الجامع، وكان يقرأ معربا صحيحا.
قال السمعاني: سمعت من ستة عشر نفسا من أصحابه، وحدثنا عنه يحيى بن علي الخطيب، سمع منه بالأنبار، قرأت بخط أبي، سمعت أبا محمد بن الآبنوسي، سمعت الخطيب يقول: كلما ذكرت في التاريخ رجلا اختلفت فيه أقاويل الناس في الجرح والتعديل، فالتعويل على ما أخرت وختمت به الترجمة.
قال ابن شافع: خرج الخطيب إلى صور، وقصدها وبها عز الدولة، الموصوف بالكرم، فتقرب منه، فانتفع به، وأعطاه مالا كثيرا. قال: وانتهى إليه الحفظ والإتقان، والقيام بعلوم الحديث.
قال الحافظ ابن عساكر: سمعت الحسين بن محمد يحكي، عن ابن خيرون أو غيره، أن الخطيب ذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله ثلاث حاجات، أن يحدث ب " تاريخ بغداد " بها، وأن يملي الحديث بجامع المنصور، وأن يدفن عند بشر الحافي. فقضيت له الثلاث.(أعلام/1038)
قال غيث بن علي: حدثنا أبو الفرج الإسفراييني قال: كان الخطيب معنا في الحج، فكان يختم كل يوم ختمة قراءة ترتيل، ثم يجتمع الناس عليه وهو راكب يقولون: حدثنا، فيحدثهم. أو كما قال.
قال المؤتمن: سمعت عبد المحسن الشيحي يقول: كنت عديل أبي بكر الخطيب من دمشق إلى بغداد، فكان له في كل يوم وليلة ختمة.
قال الخطيب في ترجمة إسماعيل بن أحمد النيسابوري الضرير حج وحدث، ونعم الشيخ كان، ولما حج، كان معه حمل كتب ليجاور، منه: صحيح البخاري ; سمعه من الكشميهني، فقرأت عليه جميعه في ثلاثة مجالس، فكان المجلس الثالث من أول النهار وإلى الليل، ففرغ طلوع الفجر.
قلت: هذه -والله- القراءة التي لم يسمع قط بأسرع منها.
وفي " تاريخ " محمد بن عبد الملك الهمذاني: توفي الخطيب في كذا، ومات هذا العلم بوفاته. وقد كان رئيس الرؤساء تقدم إلى الخطباء والوعاظ أن لا يرووا حديثا حتى يعرضوه عليه، فما صححه أوردوه، وما رده لم يذكروه. وأظهر بعض اليهود كتابا ادعى أنه كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادة الصحابة، وذكروا أن خط علي -رضي الله عنه - فيه. وحمل الكتاب إلى رئيس الرؤساء، فعرضه على الخطيب، فتأمله، وقال: هذا مزور، قيل: من أين قلت؟ قال: فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح، وفتحت خيبر سنة سبع، وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات يوم بني قريظة قبل خيبر بسنتين. فاستحسن ذلك منه.
قال السمعاني: سمعت يوسف بن أيوب بمرو يقول: حضر الخطيب درس شيخنا أبي إسحاق، فروى أبو إسحاق حديثا من رواية بحر بن كنيز السقاء، ثم قال للخطيب: ما تقول فيه؟ فقال: إن أذنت لي ذكرت حاله. فانحرف أبو إسحاق، وقعد كالتلميذ، وشرع الخطيب يقول، وشرح أحواله شرحا حسنا، فأثنى الشيخ عليه، وقال: هذا دارقطني عصرنا.(أعلام/1039)
قال أبو علي البرداني: حدثنا حافظ وقته أبو بكر الخطيب، وما رأيت مثله، ولا أظنه رأى مثل نفسه.
وقال السلفي: سألت شجاعا الذهلي عن الخطيب، فقال: إمام مصنف حافظ، لم ندرك مثله.
وعن سعيد المؤدب قال: قلت لأبي بكر الخطيب عند قدومي: أنت الحافظ أبو بكر؟ قال: انتهى الحفظ إلى الدارقطني.
قال ابن الآبنوسي: كان الحافظ الخطيب يمشي وفي يده جزء يطالعه.
وقال المؤتمن: كان الخطيب يقول: من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس.
محمد بن طاهر: حدثنا مكي بن عبد السلام الرميلي قال: كان سبب خروج الخطيب من دمشق إلى صور، أنه كان يختلف إليه صبي مليح، فتكلم الناس في ذلك، وكان أمير البلد رافضيا متعصبا، فبلغته القصة، فجعل ذلك سببا إلى الفتك به، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل، فيقتله، وكان صاحب الشرطة سنيا، فقصده تلك الليلة في جماعة، ولم يمكنه أن يخالف الأمير، فأخذه، وقال: قد أمرت فيك بكذا وكذا، ولا أجد لك حيلة إلا أني أعبر بك عند دار الشريف بن أبي الجن فإذا حاذيت الدار، اقفز وادخل، فإني لا أطلبك، وأرجع إلى الأمير، فأخبره بالقصة. ففعل ذلك، ودخل دار الشريف، فأرسل الأمير إلى الشريف أن يبعث به، فقال: أيها الأمير! أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله، وليس في قتله مصلحة، هذا مشهور بالعراق، إن قتلته، قتل به جماعة من الشيعة، وخربت المشاهد. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن ينزح من بلدك. فأمر بإخراجه، فراح إلى صور، وبقي بها مدة.
قال أبو القاسم بن عساكر: سعى بالخطيب حسين بن علي الدمنشي إلى أمير الجيوش، فقال: هو ناصبي يروي فضائل الصحابة وفضائل العباس في الجامع.(أعلام/1040)
وروى ابن عساكر عمن ذكره أن الخطيب وقع إليه جزء فيه سماع القائم بأمر الله، فأخذه، وقصد دار الخلافة، وطلب الإذن، في قراءته، فقال الخليفة: هذا رجل كبير في الحديث، وليس له في السماع حاجة، فلعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك، فسلوه ما حاجته؟ فقال: حاجتي أن يؤذن لي أن أملي بجامع المنصور. فأذن له، فأملى.
قال ابن طاهر: سألت هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي: هل كان الخطيب كتصانيفه في الحفظ؟ قال: لا، كنا إذا سألناه عن شيء أجابنا بعد أيام، وإن ألححنا عليه غضب، كانت له بادرة وحشة، ولم يكن حفظه على قدر تصانيفه.
وقال أبو الحسين بن الطيوري: أكثر كتب الخطيب - سوى " تاريخ بغداد " - مستفادة من كتب الصوري كان الصوري ابتدأ بها، وكانت له أخت بصور، خلف أخوها عندها اثني عشر عدلا من الكتب، فحصل الخطيب من كتبه أشياء. وكان الصوري قد قسم أوقاته في نيف وثلاثين شيئا.
قلت: ما الخطيب بمفتقر إلى الصوري، هو أحفظ وأوسع رحلة وحديثا ومعرفة.(أعلام/1041)
الخلال
الإمام العلامة الحافظ الفقيه، شيخ الحنابلة وعالمهم أبو بكر، أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد البغدادي الخلال.
ولد في سنة أربع وثلاثين ومائتين أو في التي تليها، فيجوز أن يكون رأى الإمام أحمد، ولكنه أخذ الفقه عن خلق كثير من أصحابه، وتلمذ لأبي بكر المروذي.
وسمع من الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر، ويحيى بن أبي طالب، وحرب بن إسماعيل الكرماني، ويعقوب بن سفيان الفسوي -لقيه بفارس -، وأحمد بن ملاعب، والعباس بن محمد الدوري، وأبي داود السجستاني، وعلي بن سهل بن المغيرة البزاز، وأحمد بن منصور الرمادي، وأبي يحيى زكريا بن يحيى الناقد، وأبي جعفر محمد بن عبيد الله بن المنادي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، والحسن بن ثواب المخرمي، وأبي الحسن الميموني، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، ومحمد بن عوف الطائي، وإسحاق بن سيار النصيبي، وأبي بكر الصاغاني، وخلق كثير.
ورحل إلى فارس، وإلى الشام، والجزيرة يتطلب فقه الإمام أحمد وفتاويه وأجوبته، وكتب عن الكبار والصغار، حتى كتب عن تلامذته، وجمع فأوعى، ثم إنه صنف كتاب: " الجامع في الفقه " من كلام الإمام، بأخبرنا وحدثنا، يكون عشرين مجلدا، وصنف كتاب: " العلل " عن أحمد في ثلاثة مجلدات، وألف كتاب: " السنة، وألفاظ أحمد، والدليل على ذلك من الأحاديث " في ثلاثة مجلدات تدل على إمامته وسعة علمه، ولم يكن قبله للإمام مذهب مستقل، حتى تتبع هو نصوص أحمد، ودونها، وبرهنها بعد الثلاثمائة، فرحمه الله تعالى.
قال أبو بكر بن شهريار: كلنا تبع لأبي بكر الخلال، لم يسبقه إلى جمع علم الإمام أحمد أحد.
قلت: الرواية عزيزة عنه.
حدث عنه: الإمام أبو بكر عبد العزيز بن جعفر - غلام الخلال، وأبو الحسين محمد بن المظفر، وطائفة.(أعلام/1042)
قال الخطيب في " تاريخه " جمع الخلال علوم أحمد وتطلبها، وسافر لأجلها، وكتبها، وصنفها كتبا، لم يكن -فيمن ينتحل مذهب أحمد - أحد أجمع لذلك منه. قال لي أبو يعلى بن الفراء: دفن أبو بكر الخلال إلى جنب أبي بكر المروذي.
قلت: توفي في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وله سبع وسبعون سنة، ويقال: بل نيف على الثمانين.
أخبرنا الحسن بن يونس، وعيسى بن عبد الرحمن قالا: أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، أخبرنا عبد العزيز بن علي، أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، أخبرنا أحمد بن محمد بن هارون، حدثنا المروذي، حدثنا أحمد بن حنبل: سمعت سفيان بن عيينة يقول: فكرك في رزق غد يكتب عليك خطيئة.(أعلام/1043)
الخليل
الإمام، صاحب العربية، ومنشئ علم العروض أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد الفراهيدي، البصري، أحد الأعلام حدث عن: أيوب السختياني، وعاصم الأحول، والعوام بن حوشب، وغالب القطان.
أخذ عنه سيبويه النحو، والنضر بن شميل، وهارون بن موسى النحوي، ووهب بن جرير، والأصمعي، وآخرون.
وكان رأسا في لسان العرب، دينا، ورعا، قانعا، متواضعا، كبير الشأن، يقال: إنه دعا الله أن يرزقه علما لا يسبق إليه، ففتح له بالعروض، وله كتاب: " العين "، في اللغة. وثقه ابن حبان. وقيل: كان متقشفا متعبدا. قال النضر: أقام الخليل في خص له بالبصرة، لا يقدر على فلسين، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال، وكان كثيرا ما ينشد:
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد
ذخرا يكون كصالح الأعمال
وكان -رحمه الله- مفرط الذكاء. ولد سنة مائة ومات سنة بضع وستين ومائة وقيل: بقي إلى سنة سبعين ومائة وكان هو ويونس إمامي أهل البصرة في العربية، ومات ولم يتمم كتاب " العين "، ولا هذبه، ولكن العلماء يغرفون من بحره. قال ابن خلكان: الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الأزدي قيل: كان يعرف علم الإيقاع والنغم، ففتح له ذلك علم العروض. وقيل: مر بالصفارين فأخذه من وقع مطرقة على طست وهو معدود في الزهاد، كان يقول: إني لأغلق علي بابي، فما يجاوزه همي.
وقال: أكمل ما يكون الإنسان عقلا وذهنا عند الأربعين وعنه قال: لا يعرف الرجل خطأ معلمه، حتى يجالس غيره قال أيوب بن المتوكل: كان الخليل إذا أفاد إنسانا شيئا، لم يره بأنه أفاده، وإن استفاد من أحد شيئا، أراه بأنه استفاد منه. قلت: صار طوائف في زماننا بالعكس.(أعلام/1044)
الدارقطني
الإمام الحافظ المجود، شيخ الإسلام، علم الجهابذة أبو الحسن، علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله البغدادي المقرئ المحدث، من أهل محلة دار القطن ببغداد.
ولد سنة ست وثلاثمائة هو أخبر بذلك.
وسمع وهو صبي من أبي القاسم البغوي، ويحيى بن محمد بن صاعد، وأبي بكر بن أبي داود، ومحمد بن نيروز الأنماطي، وأبي حامد محمد بن هارون الحضرمي، وعلي بن عبد الله بن مبشر الواسطي، وأبي علي محمد بن سليمان المالكي، ومحمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، وأبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب القاضي، وأبي بكر بن زياد النيسابوري، والحسن بن علي العدوي البصري، ويوسف بن يعقوب النيسابوري، وأبي بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي، وعمر بن أحمد بن علي الديربي، وإسحاق بن محمد الزيات، وجعفر بن أبي بكر، وإسماعيل بن العباس الوراق، والحسين بن إسماعيل المحاملي، وأخيه أبي عبيد القاسم، وأبي العباس بن عقدة، ومحمد بن مخلد العطار، وأبي صالح عبد الرحمن بن سعيد الأصبهاني، ومحمد بن إبراهيم بن حفص، وجعفر بن محمد بن يعقوب الصيدلي، وأبي طالب أحمد بن نصر الحافظ، والحسين بن يحيى بن عياش، ومحمد بن سهل بن الفضيل، وأحمد بن عبد الله وكيل أبي صخرة.
وأحمد بن محمد بن أبي بكر الواسطي، والحسين بن محمد المطبقي، وأبي جعفر بن البختري، وإسماعيل الصفار، وخلق كثير، وينزل إلى أبي بكر الشافعي، وإلى ابن المظفر، وارتحل في الكهولة إلى الشام ومصر، وسمع من ابن حيويه النيسابوري، وأبي الطاهر الذهلي، وأبي أحمد بن الناصح، وخلق كثير.
وكان من بحور العلم، ومن أئمة الدنيا، انتهى إليه الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله، مع التقدم في القراءات وطرقها، وقوة المشاركة في الفقه، والاختلاف، والمغازي، وأيام الناس، وغير ذلك.(أعلام/1045)
قال أبو عبد الله الحاكم في كتاب " مزكي الأخبار ": أبو الحسن صار واحد عصره في الحفظ والفهم والورع. وإماما في القراء والنحويين، أول ما دخلت بغداد، كان يحضر المجالس وسنه دون الثلاثين، وكان أحد الحفاظ.
قلت: وهم الحاكم، فإن الحاكم إنما دخل بغداد سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وسن أبي الحسن خمس وثلاثون سنة.
صنف التصانيف، وسار ذكره في الدنيا، وهو أول من صنف القراءات، وعقد لها أبوابا قبل فرش الحروف.
تلا على أبي الحسين أحمد بن بويان، وأبي بكر النقاش، وأحمد بن محمد الديباجي، وعلي بن ذؤابة القزاز وغيرهم، وسمع حروف السبعة من أبي بكر بن مجاهد، وتصدر في آخر أيامه للإقراء، لكن لم يبلغنا ذكر من قرأ عليه، وسأفحص عن ذلك إن شاء الله تعالى.
قال ابن طاهر: له مذهب في التدليس، يقول فيما لم يسمعه من البغوي: قرئ على أبي القاسم البغوي حدثكم فلان.
حدث عنه: الحافظ أبو عبد الله الحاكم، والحافظ عبد الغني، وتمام بن محمد الرازي، والفقيه أبو حامد الإسفراييني، وأبو نصر بن الجندي، وأحمد بن الحسن الطيان، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو مسعود الدمشقي، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو بكر البرقاني، وأبو الحسن العتيقي، وأحمد بن محمد بن الحارث الأصبهاني النحوي، والقاضي أبو الطيب الطبري، وعبد العزيز بن علي الأزجي، وأبو بكر محمد بن عبد الملك بن بشران.
وأبو الحسن بن السمسار الدمشقي، وأبو حازم بن الفراء أخو القاضي أبي يعلى، وأبو النعمان تراب بن عمر المصري، وأبو الغنائم عبد الصمد بن المأمون، وأبو الحسين بن المهتدي بالله، وأبو الحسين بن الآبنوسي محمد بن أحمد بن محمد، وأبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون النرسي، وحمزة بن يوسف السهمي، وخلق سواهم من البغاددة والدماشقة والمصريين والرحالين.(أعلام/1046)
قال الحاكم: حج شيخنا أبو عبد الله بن أبي ذهل فكان يصف حفظه وتفرده بالتقدم في سنة ثلاث وخمسين، حتى استنكرت وصفه إلى أن حججت في سنة سبع وستين فجئت بغداد، وأقمت بها أزيد من أربعة أشهر، وكثر اجتماعنا بالليل والنهار فصادفته فوق ما وصفه ابن أبي ذهل، وسألته عن العلل والشيوخ، وله مصنفات يطول ذكرها.
قال أبو بكر الخطيب: كان الدارقطني فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علو الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال، مع الصدق والثقة، وصحة الاعتقاد، والاضطلاع من علوم سوى الحديث، منها القراءات، فإنه له فيها كتاب مختصر، جمع الأصول في أبواب عقدها في أول الكتاب، وسمعت بعض من يعتني بالقراءات، يقول: لم يسبق أبو الحسن إلى طريقته في هذا، وصار القراء بعده يسلكون ذلك، قال: ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء، فإن كتابه " السنن " يدل على ذلك، وبلغني أنه درس فقه الشافعي على أبي سعيد الإصطخري، وقيل: على غيره، ومنها المعرفة بالأدب والشعر، حدثني حمزة بن محمد بن طاهر: أن الدارقطني كان يحفظ ديوان السيد الحميري، فنسب لذا إلى التشيع.
قال أبو الفتح بن أبي الفوارس: كنا نمر إلى البغوي، والدارقطني صبي يمشي خلفنا بيده رغيف عليه كامخ.
قال الخطيب: حدثنا الأزهري قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار، فجعل ينسخ جزءا كان معه، وإسماعيل يملي، فقال رجل: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال الدارقطني: فهمي للإملاء خلاف فهمك، كم تحفظ أملى الشيخ؟ فقال: لا أحفظ، فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثا، الأول عن فلان عن فلان ومتنه كذا وكذا، والحديث الثاني عن فلان عن فلان، ومتنه كذا وكذا. ومر في ذلك حتى أتى على الأحاديث، فتعجب الناس منه أو كما قال.(أعلام/1047)
قال الحافظ أبو ذر الهروي: سمعت أن الدارقطني قرأ كتاب " النسب " على مسلم العلوي، فقال له المعيطي الأديب بعد القراءة: يا أبا الحسن، أنت أجرأ من خاصي الأسد، تقرأ مثل هذا الكتاب مع ما فيه من الشعر والأدب، فلا يؤخذ فيه عليك لحنة! وتعجب منه، هذه حكاها الخطيب عن الأزهري، فقال مسلم بن عبيد الله: وإنه كان يروي كتاب " النسب " عن الخضر بن داود عن الزبير.
قال رجاء بن محمد المعدل: قلت للدارقطني: رأيت مثل نفسك؟ فقال: قال الله: فلا تزكوا أنفسكم فألححت عليه، فقال: لم أر أحدا جمع ما جمعت، رواها أبو ذر، والصوري، عن رجاء المصري، وقال أبو ذر: قلت لأبي عبد الله الحاكم: هل رأيت مثل الدارقطني؟ فقال: هو ما رأى مثل نفسه، فكيف أنا؟ ! .
وكان الحافظ عبد الغني الأزدي، إذا حكى عن الدارقطني، يقول: قال أستاذي.
وقال الصوري: سمعت الحافظ عبد الغني، يقول: أحسن الناس كلاما على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: ابن المديني في وقته، وموسى بن هارون -يعني: ابن الحمال - في وقته، والدارقطني في وقته.
وقال القاضي أبو الطيب الطبري: كان الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث.
وقال الأزهري: كان الدارقطني ذكيا، إذا ذكر شيئا من العلم أي نوع كان، وجد عنده منه نصيب وافر، لقد حدثني محمد بن طلحة النعالي أنه حضر مع أبي الحسن دعوة عند بعض الناس ليلة، فجرى شيء من ذكر الأكلة، فاندفع أبو الحسن يورد أخبار الأكلة وحكاياتهم ونوادرهم، حتى قطع أكثر ليلته بذلك، قال الأزهري: ورأيت ابن أبي الفوارس سأل الدارقطني عن علة حديث أو اسم، فأجاب، ثم قال: يا أبا الفتح ليس بين الشرق والغرب من يعرف هذا غيري.
قال القاضي أبو الطيب الطبري: حضرت الدارقطني وقد قرئت الأحاديث التي جمعها في مس الذكر عليه، فقال: لو كان أحمد بن حنبل حاضرا لاستفاد هذه الأحاديث.(أعلام/1048)
وقال أبو بكر البرقاني: كان الدارقطني يملي علي العلل من حفظه.
قلت: إن كان كتاب " العلل " الموجود، قد أملاه الدارقطني من حفظه، كما دلت عليه هذه الحكاية، فهذا أمر عظيم، يقضى به للدارقطني أنه أحفظ أهل الدنيا، وإن كان قد أملى بعضه من حفظه فهذا ممكن، وقد جمع قبله كتاب " العلل " علي بن المديني حافظ زمانه.
قال رجاء بن محمد المعدل: كنا عند الدارقطني يوما والقارئ يقرأ عليه وهو يتنفل فمر حديث فيه نسير بن ذعلوق، فقال القارئ: بشير، فسبح الدارقطني، فقال: بشير، فسبح فقال: يسير. فتلا الدارقطني: ن والقلم.
وقال حمزة بن محمد بن طاهر: كنت عند الدارقطني وهو قائم يتنفل، فقرأ عليه أبو عبد الله بن الكاتب: عمرو بن شعيب، فقال: عمرو بن سعيد، فسبح الدارقطني، فأعاد، وقال: ابن سعيد ووقف، فتلا الدارقطني: يا شعيب أصلاتك تأمرك فقال ابن الكاتب: شعيب.
قال أبو الحسن العتيقي: حضرت أبا الحسن، وجاءه أبو الحسين البيضاوي بغريب ليقرأ له شيئا، فامتنع واعتل ببعض العلل، فقال: هذا غريب، وسأله أن يملي عليه أحاديث، فأملى عليه أبو الحسن من حفظه مجلسا تزيد أحاديثه على العشرين، متن جميعها: " نعم الشيء الهدية أمام الحاجة " قال: فانصرف الرجل، ثم جاءه بعد، وقد أهدى له شيئا، فقربه وأملى عليه من حفظه سبعة عشر حديثا، متون جميعها: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.
قلت: هذه حكاية صحيحة، رواها الخطيب عن العتيقي، وهي دالة على سعة حفظ هذا الإمام، وعلى أنه لوح بطلب شيء، وهذا مذهب لبعض العلماء، ولعل الدارقطني كان إذ ذاك محتاجا، وكان يقبل جوائز دعلج السجزي وطائفة، وكذا وصله الوزير ابن حنزابة بجملة من الذهب لما خرج له المسند.
قال الحاكم: دخل الدارقطني الشام ومصر على كبر السن، وحج واستفاد وأفاد، ومصنفاته يطول ذكرها.(أعلام/1049)
وقال أبو عبد الرحمن السلمي فيما نقله عنه الحاكم: وقال: شهدت بالله إن شيخنا الدارقطني لم يخلف على أديم الأرض مثله في معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة والتابعين وأتباعهم، قال: وتوفي يوم الخميس لثمان خلون من ذي القعدة من سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وكذا أرخ الخطيب وفاته.
وقال الخطيب في ترجمته: حدثني أبو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا، قال: رأيت كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة، فقيل لي: ذاك يدعى في الجنة الإمام.
وصح عن الدارقطني أنه قال: ما شيء أبغض إلي من علم الكلام.
قلت: لم يدخل الرجل أبدا في علم الكلام ولا الجدال، ولا خاض في ذلك، بل كان سلفيا، سمع هذا القول منه أبو عبد الرحمن السلمي.
وقال الدارقطني: اختلف قوم من أهل بغداد، فقال قوم: عثمان أفضل، وقال قوم: علي أفضل، فتحاكموا إلي، فأمسكت، وقلت: الإمساك خير، ثم لم أر لديني السكوت، وقلت للذي استفتاني: ارجع إليهم، وقل لهم: أبو الحسن يقول: عثمان أفضل من علي باتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا قول أهل السنة، وهو أول عقد يحل في الرفض.
قلت: ليس تفضيل علي برفض ولا هو ببدعة، بل قد ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين، فكل من عثمان وعلي ذو فضل وسابقة وجهاد، وهما متقاربان في العلم والجلالة، ولعلهما في الآخرة متساويان في الدرجة، وهما من سادة الشهداء رضي الله عنهما، ولكن جمهور الأمة على ترجيح عثمان على الإمام علي وإليه نذهب. والخطب في ذلك يسير، والأفضل منهما بلا شك أبو بكر وعمر، من خالف في ذا فهو شيعي جلد، ومن أبغض الشيخين واعتقد صحة إمامتهما فهو رافضي مقيت، ومن سبهما واعتقد أنهما ليسا بإمامي هدى فهو من غلاة الرافضة، أبعدهم الله.
قال الدارقطني: يقدم في " الموطأ " معن، وابن وهب، والقعنبي.
قال: وأبو مصعب: ثقة في " الموطأ ".(أعلام/1050)
قال حمزة السهمي: سئل أبو الحسن: إذا حدث النسائي وابن خزيمة بحديث، أيهما نقدم؟ فقال: النسائي فإنه لم يكن مثله، ولا أقدم عليه أحدا.
الرواية عنه: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي، وجماعة إجازة قالوا: أخبرنا داود بن أحمد الوكيل، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر القاضي، أخبرنا عبد الصمد بن علي، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثني سريج بن يونس، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر، عن أبيه، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل، قال: خطبنا عمار، فأبلغ وأوجز، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة.
أخرجه مسلم عن سريج، فوافقناه بعلو.
أخبرنا أبو القاسم الخضر بن عبد الرحمن الأزدي سنة سبعمائة، أخبرنا المسلم بن أحمد، أخبرنا علي بن الحسن الحافظ، أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن، أخبرنا عبد الصمد بن علي، أخبرنا علي بن عمر الدارقطني، حدثنا محمد بن يحيى بن هارون الإسكاف، حدثنا إسحاق بن شاهين، حدثنا خالد بن عبد الله، عن يونس بن عبيد، عن عبد الرحمن بن عتبة، عن ابن مسعود، قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة، فقال: إن من الصدقة أن تفك الرقبة، وتعتق النسمة. فقال رجل: يا رسول الله أليستا واحدة؟ فقال: لا، عتقها أن تعتقها، وفكاكها أن تعين في ثمنها. قال: أرأيت إن لم أستطع ذلك؟ قال: تطعم جائعا، وتسقي ظمآنا، قال: أرأيت إن لم أجد؟ قال: تأمر بالمعروف، وتنهي عن المنكر، قال: أرأيت إن لم أستطع؟ قال: فكف إذا شرك غريب تفرد به خالد الطحان.(أعلام/1051)
أخبرنا عبد الخالق بن عبد السلام القاضي، وست الأهل بنت علوان، قالا: أخبرنا عبد الرحيم بن إبراهيم الفقيه، أخبرنا عبد المغيث بن زهير، أخبرنا أحمد بن عبيد الله العكبري، أخبرنا أبو طالب محمد بن علي الحربي، حدثنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا ابن صاعد، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد، سمعت أبا أمامة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب، مع كل ألف سبعين ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل ".
وحدثنا ابن صاعد، حدثنا محمد بن حرب بواسط، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا إسماعيل نحوه.
وروى بقية، عن محمد بن زياد نحوه، فإسناده قوي.
قال الخطيب: سألت البرقاني: هل كان أبو الحسن يملي عليك العلل من حفظه؟ قال: نعم، أنا الذي جمعتها، وقرأها الناس من نسختي.
ولحمزة بن محمد بن طاهر في الدارقطني:
جعلناك فيما بيننا ورسولنا
وسيطا فلم تظلم ولم تتحوب
فأنت الذي لولاك لم يعرف الورى
ولو جهدوا ما صادق من مكذب
قلت: يقع للدارقطني أحاديث رباعيات منها.
حدثنا البغوي، حدثنا طالوت، حدثنا فضال بن جبير، عن أبي أمامة الباهلي، وكذا بينه وبين شعبة اثنان، وبينه وبين الثوري كذلك.(أعلام/1052)
الدارمي
عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد: الإمام، العلامة، الحافظ، الناقد شيخ تلك الديار، أبو سعيد، التميمي، الدارمي، السجستاني، صاحب " المسند " الكبير والتصانيف.
ولد قبل المائتين بيسير وطوف الأقاليم في طلب الحديث.
وسمع: أبا اليمان، ويحيى بن صالح الوحاظي، وسعيد بن أبي مريم، ومسلم بن إبراهيم، وعبد الغفار بن داود الحراني، وسليمان بن حرب، وأبا سلمة التبوذكي، ونعيم بن حماد، وعبد الله بن صالح، كاتب الليث.
ومحمد بن كثير، ومسدد بن مسرهد، وأبا توبة الحلبي، وعبد الله بن رجاء الغداني، وأبا جعفر النفيلي، وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وفروة بن المغراء، وأبا بكر بن أبي شيبة، ويحيى الحماني، وسهل بن بكار، وأبا الربيع الزهراني، ومحمد بن المنهال.
والهيثم بن خارجة، وخلقا كثيرا، بالحرمين والشام، ومصر والعراق، والجزيرة وبلاد العجم.
وصنف كتابا في " الرد على بشر المريسي " وكتابا في " الرد على الجهمية "، رويناهما.
وأخذ علم الحديث وعلله عن علي ويحيى وأحمد، وفاق أهل زمانه، وكان لهجا بالسنة، بصيرا بالمناظرة.
حدث عنه: أبو عمرو: أحمد بن محمد الحيري، ومحمد بن إبراهيم الصرام ومؤمل بن الحسين، وأحمد بن محمد بن الأزهر، ومحمد بن يوسف الهروي، وأبو إسحاق بن ياسين، ومحمد بن إسحاق الهروي.
وأحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي وأبوالنضر محمد بن محمد الطوسي الفقيه، وحامد الرفاء، وأحمد بن محمد العنبري، وأبو الفضل يعقوب القراب، وخلق كثير من أهل هراة، وأهل نيسابور.(أعلام/1053)
قال الحاكم: سمعت محمد بن العباس الضبي، سمعت أبا الفضل يعقوب بن إسحاق القراب يقول: ما رأينا مثل عثمان بن سعيد، ولا رأى عثمان مثل نفسه، أخذ الأدب عن ابن الأعرابي، والفقه عن أبي يعقوب البويطي، والحديث عن ابن معين وابن المديني، وتقدم في هذه العلوم -رحمه الله.
وقال أبو حامد الأعمشي: ما رأيت في المحدثين مثل محمد بن يحيى وعثمان بن سعيد، ويعقوب الفسوي.
وقال أبو عبد الله بن أبي ذهل: قلت لأبي الفضل القراب: هل رأيت أفضل من عثمان بن سعيد الدارمي؟ فأطرق ساعة، ثم قال: نعم، إبراهيم الحربي، وقد كنا في مجلس الدارمي غير مرة، ومر به الأمير عمرو بن الليث، فسلم عليه، فقال: وعليكم، حدثنا مسدد. . . . ولم يزد على رد السلام.
قال ابن عبدوس الطرائفي: لما أردت الخروج إلى عثمان بن سعيد -يعني إلى هراة - أتيت ابن خزيمة، فسألته أن يكتب لي إليه، فكتب إليه، فدخلت هراة في ربيع الأول، سنة ثمانين ومائتين، فأوصلته الكتاب، فقرأه، ورحب بي، وسأل عن ابن خزيمة، ثم قال: يا فتى! متى قدمت؟ قلت: غدا. قال: يا بني! فارجع اليوم، فإنك لم تقدم بعد، حتى تقدم غدا.
قال أحمد بن محمد بن الأزهر: سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول: أتاني محمد بن الحسين السجزي، وكان قد كتب عن يزيد بن هارون، وجعفر بن عون، فقال: يا أبا سعيد! إنهم يجيئوني، فيسألوني أن أحدثهم، وأنا أخشى أن لا يسعني ردهم. قلت: ولم؟ قال: لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: من سئل عن علم، فكتمه، ألجم بلجام من نار فقال: إنما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن علم تعلمه وأنت لا تعلمه.
قال يعقوب القراب: سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول: قد نويت أن لا أحدث عن أحد أجاب إلى خلق القرآن. قال: فتوفي قبل ذلك.
قلت: من أجاب تقية، فلا بأس عليه، وترك حديثه لا ينبغي.(أعلام/1054)
قلت: كان عثمان الدارمي جذعا في أعين المبتدعة، وهو الذي قام على محمد بن كرام وطرده عن هراة، فيما قيل.
قال عثمان بن سعيد: من لم يجمع حديث شعبة وسفيان ومالك، وحماد بن زيد، وسفيان ابن عيينة، فهو مفلس في الحديث -يريد أنه ما بلغ درجة الحفاظ.
وبلا ريب، أن من جمع علم هؤلاء الخمسة، وأحاط بسائر حديثهم، وكتبه عاليا ونازلا، وفهم علله، فقد أحاط بشطر السنة النبوية، بل بأكثر من ذلك، وقد عدم في زماننا من ينهض بهذا، وببعضه، فنسأل الله المغفرة.
وأيضا فلو أراد أحد أن يتتبع حديث الثوري وحده، ويكتبه بأسانيد نفسه على طولها، ويبين صحيحه من سقيمه، لكان يجيء " مسنده " في عشر مجلدات، وإنما شأن المحدث اليوم الاعتناء بالدواوين الستة، و " مسند " أحمد بن حنبل، و " سنن " البيهقي، وضبط متونها وأسانيدها، ثم لا ينتفع بذلك حتى يتقي ربه، ويدين بالحديث.
فعلى علم الحديث وعلمائه ليبك من كان باكيا، فقد عاد الإسلام المحض غريبا كما بدأ فليسع امرؤ في فكاك رقبته من النار، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم العلم ليس هو بكثرة الرواية، ولكنه نور يقذفه الله في القلب، وشرطه الاتباع، والفرار من الهوى والابتداع. وفقنا الله وإياكم لطاعته.
قال المحدث يحيى بن أحمد بن زياد الهروي، صاحب ابن معين: رأيت في النوم كأن قائلا يقول: إن عثمان -يعني الدارمي - لذو حظ عظيم.
وقال محمد بن المنذر شكر: سمعت أبا زرعة الرازي، وسألته عن عثمان بن سعيد، فقال: ذاك رزق حسن التصنيف.
وقال أبو الفضل الجارودي: كان عثمان بن سعيد إماما يقتدى به في حياته وبعد مماته.
قال محمد بن إبراهيم الصرام: سمعت عثمان بن سعيد يقول: لا نكيف هذه الصفات، ولا نكذب بها، ولا نفسرها.
وبلغنا عن عثمان الدارمي، أنه قال له رجل كبير يحسده: ماذا أنت لولا العلم؟ فقال له: أردت شينا فصار زينا.(أعلام/1055)
أخبرنا الحسن بن علي أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا أبو الوقت السجزي، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، حدثنا محمد بن أحمد الجارودي، ويحيى بن عمار، ومحمد بن جبريل أملوه، وأخبرنا محمد بن عبد الرحمن.
قالوا: أخبرنا أبو يعلى أحمد بن محمد الواشقي هروي، أخبرنا عثمان بن سعيد الدارمي، أخبرنا يحيى الحماني، عن ابن نمير عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان حيا ثم أدرك نبوتي لاتبعني
هذا حديث غريب، ومجالد ضعيف الحديث.
ومن كلام عثمان -رحمه الله- في كتاب " النقض " له: اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله -تعالى- فوق عرشه، فوق سماواته.
قلت: أوضح شيء في هذا الباب قوله -عز وجل-: الرحمن على العرش استوى فليمر كما جاء، كما هو معلوم من مذهب السلف، وينهى الشخص عن المراقبة والجدال، وتأويلات المعتزلة، ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول.
قال يعقوب بن إسحاق: سمعت عثمان بن سعيد يقول: ما خاض في هذا الباب أحد ممن يذكر إلا سقط، فذكر الكرابيسي فسقط حتى لا يذكر، وكان معنا رجل حافظ بصير، وكان سليمان بن حرب والمشايخ بالبصرة يكرمونه، وكان صاحبي ورفيقي -يعني فتكلم فيه- فسقط.
وقال الحسن بن صاحب الشاشي: سألت أبا داود السجستاني عن عثمان بن سعيد، فقال: منه تعلمنا الحديث.
قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن يونس: توفي عثمان الدارمي في ذي الحجة سنة ثمانين ومائتين.
وهكذا أرخه إسحاق القراب وغيره، وما رواه أبو عبد الله الضبي عن شيوخه، أنه مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين فوهم ظاهر.(أعلام/1056)
أخبرنا عمر بن عبد المنعم قراءة، عن أبي القاسم بن الحرستاني، عن أبي نصر أحمد بن عمر الحافظ، أخبرنا عبد الرحمن بن الأحنف، أخبرنا إسحاق بن يعقوب القراب، أخبرنا محمد بن الفضل المزكي، أخبرنا محمد بن إبراهيم الصرام. . .
حدثنا عثمان بن سعيد الحافظ، حدثنا عبد الله بن صالح، عن ليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن خالد بن أبي عمران، عن أبي عياش بن أبي مهران، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنما قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن -عز وجل.
هذا حديث غريب جدا، والمتن قد روي من وجوه، وهو في " صحيح " مسلم.
قال الحاكم أبو عبد الله: والدارمي سجزي، سكن هراة، سمع: ابن أبي مريم، وأبا صالح بمصر، وابن أبي أويس بالحجاز، وسليمان بن حرب، ومحمد بن كثير، وأبا سلمة بالبصرة، وأبا غسان، وأحمد بن يونس بالكوفة، ويحيى بن صالح، والربيع بن روح، ويزيد بن عبد ربه بالشام.(أعلام/1057)
الدارمي (م، د، ت)
عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام بن عبد الله، الحافظ الإمام، أحد الأعلام أبو محمد التميمي، ثم الدارمي السمرقندي، ودارم هو ابن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم، طوف أبو محمد الأقاليم، وصنف التصانيف.
وحدث عن: يزيد بن هارون، ويعلى بن عبيد، وجعفر بن عون، وبشر بن عمر الزهراني، وأبي علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، وأخيه أبي بكر عبد الكبير، ومحمد بن بكر البرساني، ووهب بن جرير، والنضر بن شميل، وهو أقدمهم موتا، وأبي النضر هاشم بن القاسم، وعثمان بن عمر بن فارس، وسعيد بن عامر الضبعي، والأسود بن عامر، وأحمد بن إسحاق الحضرمي، وأبي عاصم، وعبيد الله بن موسى، وأبي المغيرة الخولاني، وأبي مسهر الغساني، ومحمد بن يوسف الفريابي، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وأبي نعيم، وعفان، وأبي الوليد، ومسلم، وزكريا بن عدي، ويحيى بن حسان وخلق، وينزل الى دحيم، وخليفة بن خياط.
حدث عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي وعبد بن حميد، وهو أقدم منه، ورجاء بن مرجى، والحسن بن الصباح البزار، ومحمد بن بشار بندار، ومحمد بن يحيى، وهم أكبر منه، وقد روى الترمذي أيضا عن محمد بن إسماعيل عنه، وبقي بن مخلد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وصالح بن محمد جزرة، وإبراهيم بن أبي طالب، وجعفر بن أحمد بن فارس، وجعفر الفريابي، وعبد الله بن أحمد، وعمر بن محمد بن بجير، ومحمد بن النضر الجارودي، وعيسى بن عمر السمرقندي راوي " مسنده " عنه، وآخرون.
قال عبد الصمد بن سليمان البلخي، سألت أحمد بن حنبل عن يحيى الحماني، فقال: تركناه لقول عبد الله بن عبد الرحمن، لأنه إمام.(أعلام/1058)
وقال إسحاق بن داود السمرقندي: قدم قريب لي من الشاش، فقال: أتيت أحمد بن حنبل، فجعلت أصف له أبا المنذر، وجعلت أمدحه، فقال: لا أعرف هذا، فقد طالت غيبة إخواننا عنا، لكن أين أنت عن عبد الله بن عبد الرحمن؟ عليك بذاك السيد، عليك بذاك السيد.
روى نعيم بن ناعم، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: غلبنا عبد الله بن عبد الرحمن بالحفظ والورع.
قال إسحاق بن إبراهيم الوراق: سمعت محمد بن عبد الله المخرمي يقول: يا أهل خراسان، ما دام عبد الله بن عبد الرحمن بين أظهركم فلا تشتغلوا بغيره.
قال: وسمعت أبا سعيد الأشج يقول: عبد الله بن عبد الرحمن إمامنا.
وسمعت عثمان بن أبي شيبة يقول: أمر عبد الله بن عبد الرحمن أظهر من ذلك فيما يقولون من البصر والحفظ وصيانة النفس. عافاه الله.
وقال محمد بن بشار: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبد الله بن عبد الرحمن بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى.
قلت: كان بندار يفتخر بكونهم حملوا عنه.
وروى إسحاق بن أحمد بن زبرك، عن أبي حاتم الرازي، قال: محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق، ومحمد بن يحيى أعلم من بخراسان اليوم، ومحمد بن أسلم أورعهم، وعبد الله بن عبد الرحمن أثبتهم.
وروى عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه، قال: عبد الله بن عبد الرحمن إمام أهل زمانه.
وقال أبو حامد بن الشرقي: إنما أخرجت خراسان من أئمة الحديث خمسة: محمد بن يحيى، ومحمد بن إسماعيل، وعبد الله بن عبد الرحمن، ومسلم بن الحجاج، وإبراهيم بن أبي طالب.
وقال محمد بن إبراهيم بن منصور الشيرازي: كان عبد الله على غاية من العقل والديانة من يضرب به المثل في الحلم والدراية والحفظ والعبادة والزهادة، أظهر علم الحديث والآثار بسمرقند، وذب عنها الكذب، وكان مفسرا كاملا، وفقيها عالما.(أعلام/1059)
وقال أبو حاتم بن حبان: كان الدارمي من الحفاظ المتقنين، وأهل الورع في الدين ممن حفظ وجمع، وتفقه، وصنف وحدث، وأظهر السنة ببلده، ودعا إليها، وذب عن حريمها، وقمع من خالفها.
وقال أبو بكر الخطيب: كان أحد الرحالين في الحديث، والموصوفين بحفظه وجمعه والإتقان له، مع الثقة والصدق، والورع والزهد، واستقضي على سمرقند، فأبى، فألح السلطان عليه حتى يقلده، وقضى قضية واحدة، ثم استعفى، فأعفي، وكان على غاية العقل، ونهاية الفضل، يضرب به المثل في الديانة والحلم والرزانة، والاجتهاد والعبادة، والزهادة والتقلل. وصنف " المسند " و " التفسير "، و " الجامع ".
قال إسحاق بن إبراهيم الوراق: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: ولدت في سنة مات ابن المبارك، سنة إحدى وثمانين ومائة.
وقال أحمد بن سيار المروزي الحافظ: كان الدارمي حسن المعرفة، قد دون " المسند "، و " التفسير ".
مات في سنة خمس وخمسين ومائتين. يوم التروية بعد العصر، ودفن يوم عرفة يوم الجمعة، وهو ابن خمس وسبعين سنة.
وقال الحافظ مكي بن محمد بن أحمد بن ماهان البلخي تلميذه في تاريخ وفاته نحو ذلك. ووهم من قال: وفاته في سنة خمسين. فقد أرخه جماعة على الأول.
قال إسحاق بن أحمد بن خلف: كنا عند محمد بن إسماعيل البخاري، فورد عليه كتاب فيه نعي عبد الله بن عبد الرحمن، فنكس رأسه، ثم رفع واسترجع، وجعل تسيل دموعه على خديه، ثم أنشأ يقول:
إن تبق تفجع بالأحبة كلهم
وفناء نفسك لا أبا لك أفجع
ثم قال إسحاق: ما سمعناه ينشد إلا يجيء في الحديث.
قلت: قد كان الدارمي ركنا من أركان الدين، قد وثقه أبو حاتم الرازي والناس، وحدث عنه بندار والكبار، وبلغنا عن أحمد بن حنبل، وذكر الدارمي، فقال: عرضت عليه الدنيا، فلم يقبل.(أعلام/1060)
قال رجاء بن مرجى: رأيت سليمان الشاذكوني، وإسحاق بن راهويه، وسمى جماعة، فما رأيت أحفظ من عبد الله الدارمي.(أعلام/1061)
الدبري
الشيخ، العالم، المسند، الصدوق أبو يعقوب، إسحاق بن إبراهيم بن عباد الصنعاني الدبري: راوية عبد الرازق، سمع تصانيفه منه في سنة عشر ومائتين باعتناء أبيه به، وكان حدثا، فإن مولده -على ما ذكره الخليلي - في سنة خمس وتسعين ومائة وسماعه صحيح.
حدث عنه: أبو عوانة الإسفرييني في " صحيحه "، وخيثمة بن سليمان، ومحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة الحمال، ومحمد بن عبد الله النقوي وأبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي، وأبو القاسم الطبراني، وخلق كثير من المغاربة والرحالة.
قال ابن عدي: استصغر في عبد الرزاق، أحضره أبوه عنده وهو صغير جدا فكان يقول: قرأنا على عبد الرزاق أي قرأ غيره، وهو يسمع. قال: وحدث عنه بأحاديث منكرة.
قلت: ساق له ابن عدي حديثا واحدا من طريق ابن أنعم الإفريقي يحتمل مثله، فأين المناكير؟ والرجل قد سمع كتبا، فأداها كما سمعها، ولعل النكارة من شيخه، فإنه أضر بأخرة، فالله أعلم.
قال الحاكم: سألت الدارقطني عن إسحاق الدبري: أيدخل في الصحيح؟ قال: إي والله، هو صدوق، ما رأيت فيه خلافا.
قلت: مات بصنعاء في سنة خمس وثمانين ومائتين وله تسعون سنة.
وألف القاضي أبو عبد الله بن مفرج كتابا في الحروف التي أخطأ فيها الدبري، وصحف في " جامع " عبد الرزاق.
وقد كان المغاربة يدعون للدبري، ويعدونه بأنهم يطوفون عنه، إذا أتوا مكة، ويعتمرون عنه، فيسر بذلك.(أعلام/1062)
الدبيثي
الإمام العالم الثقة الحافظ شيخ القراء حجة المحدثين أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي سعيد بن يحيى بن علي بن حجاج الدبيثي ثم الواسطي الشافعي المعدل صاحب التصانيف.
ولد سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وسمع من أبي طالب الكتاني، وهبة الله بن قسام، وعدة بواسط بعد سنة سبعين.
وتلا بالعشر على خطيب شافيا وابن الباقلاني صاحبي أبي العز القلانسي. وسمع ببغداد من أبي الفتح ب شاتيل، وعبد المنعم بن الفراوي، إذ حج، ونصر الله بن عبد الرحمن القزاز، وأبي العلاء بن عقيل وطبقتهم، وينزل إلى أن يروي عن أصحاب أبي الوقت وأبي الفتح بن البطي.
وتلا بالروايات على جماعة، وتفقه على أبي الحسن البوقي. وقرأ العربية والأصول والخلاف وعني بالحديث وبالغ، وكتب العالي والنازل، وصنف تاريخا كبيرا لواسط وذيل على تاريخ بغداد المذيل لابن السمعاني على تاريخ الخطيب، وعمل المعجم لنفسه، وخرج لغير واحد، وكان مشرف الأوقاف، ومن كبراء العدول، ثم استعفى من العدالة ضجرا من كلفتها، فإن العدالة ببغداد كانت منصبا ورتبة كبيرة وإذا عزل الرجل منها لا يفسق، ثم لازم العلم والإقراء والتسميع.
قال الحافظ محب الدين بن النجار: سكن أبو عبد الله بغداد، وحدث بتصانيفه، وقل أن جمع شيئا إلا وأكثره على ذهنه، وله معرفة بالحديث والأدب والشعر، وهو سخي بكتبه وأصوله، صحبته عدة سنين فما رأيت منه إلا الجميل والديانة وحسن الطريقة، وما رأت عيناي مثله في حفظ السير والتواريخ وأيام الناس رحمه الله.
قلت: حدث عنه ابن النجار، وأبو بكر بن نقطة، وأبو عبد الله البرزالي، والمؤرخ علي بن محمد الكازروني، وعز الدين أحمد الفاروثي الواعظ، وجمال الدين الشريشي المفسر، وتاج الدين علي بن أحمد الغرافي وآخرون.
وقد سمع منه من شيوخه المحدث أحمد بن طارق، وأبو طالب بن عبد السميع.(أعلام/1063)
وروى عنه بالإجازة القاضي تقي الدين سليمان بن أبي عمر الحنبلي.
قال ابن النجار: لقد مات عديم النظير في فنه وأضر بأخرة. توفي في ثامن ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة.
قلت: وفيها مات قاضي دمشق شمس الدين أبو العباس أحمد بن الخليل بن سعادة الخويي الأصولي، ومسند الوقت بشيراز الإمام علاء الدين أبو سعد ثابت بن أحمد بن الخجندي الأصبهاني، وهو آخر من حدث " بالصحيح " عن أبي الوقت حضورا، ومقرئ بغداد عبد العزيز بن دلف الناسخ الخازن، والعدل الأمين أبو الغنائم سالم بن الحافظ أبي المواهب بن صصرى، والرئيس صفي الدين أبو العلاء أحمد بن أبي اليسر شاكر التنوخي الدمشقي، وراوي " مسند ابن راهويه " أبو البقاء إسماعيل بن محمد بن يحيى المؤدب ببغداد، وأبو علي حسين بن يوسف الشاطبي ثم الإسكندراني، والقاضي عبد الحميد بن عبد الرشيد سبط أبي العلاء الهمذاني.
وأبو القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل بمصر، وإمام الربوة أبو محمد عبد العزيز بن بركات بن الخشوعي، والمحتسب رشيد الدين محمد بن عبد الكريم بن الهادي القيسي، والزاهد أبو طالب محمد بن أبي المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن صابر السلمي، وفخر الدين محمد بن محمد بن علي بن أبي نصر النوقاني الفقيه، وتقي الدين محمد بن طرخات بن أبي الحسن السلمي، والمحدث الأديب شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم الكاتب البغدادي ; ستتهم بدمشق ومحدث إربل وعالمها الإمام شرف الدين أبو البركات المبارك بن أحمد بن المستوفي، والصاحب الأوحد ضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد بن الأثير الجزري صاحب " المثل السائر " وآخرون.
قرأت على علي بن أحمد العلوي، أخبرنا محمد بن سعيد الحافظ سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، فذكر جزءا فيه نوادر وحكايات.(أعلام/1064)
الدوري (ع)
الإمام الحافظ الثقة الناقد، أبو الفضل، عباس بن محمد بن حاتم بن واقد، الدوري ثم البغدادي، مولى بني هاشم، أحد الأثبات المصنفين.
ولد سنة خمس وثمانين ومائة.
سمع حسين بن علي الجعفي، ومحمد بن بشر، وجعفر بن عون، وأبا داود الطيالسي، وعبد الوهاب بن عطاء، ويحيى بن أبي بكير، وشبابة بن سوار، وعبيد الله بن موسى، وهاشم بن القاسم، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، وعفان، وخلقا كثيرا. ولازم يحيى بن معين، وتخرج به، وسأله عن الرجال، وهو في مجلد كبير.
حدث عنه: أرباب السنن الأربعة، ووثقه النسائي. ومن الرواة عنه ابن صاعد، وأبو عوانة، وأبو بكر بن زياد، وأبو جعفر بن البختري، وإسماعيل الصفار، وحمزة بن محمد الدهقاني، وأبو العباس الأصم، وخلق.
قال الأصم: لم أر في مشايخي أحسن حديثا منه.
قلت: يحتمل أنه أراد بحسن الحديث الإتقان، أو أنه يتبع المتون المليحة، فيرويها، أو أنه أراد علو الإسناد، أو نظافة الإسناد، وتركه رواية الشاذ والمنكر، والمنسوخ ونحو ذلك. فهذه أمور تقضي للمحدث إذا لازمها أن يقال: ما أحسن حديثه.
قال إسماعيل الصفار: سمعت عباسا الدوري، يقول: كتب لي يحيى بن معين وأحمد بن حنبل إلى أبي داود الطيالسي كتابا، فقالا فيه: إن هذا فتى يطلب الحديث، وما قالا: من أهل الحديث.
قلت: كان مبتدئا له سبع عشرة سنة، ثم إنه صار صاحب حديث، ثم صار من حفاظ وقته.
وقد عاش الدوري بعد رفيقه ونظيره أبي بكر الصاغاني سنة واحدة.
توفي في صفر سنة إحدى وسبعين ومائتين.
وفيها مات محمد بن سنان القزاز، ومحمد بن حماد الطهراني، وكربزان الحارثي ويوسف بن سعيد بن مسلم.(أعلام/1065)
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا عبد الصمد بن محمد حضورا، أخبرنا علي بن المسلم، أخبرنا الحسين بن طلاب، أخبرنا محمد بن أحمد الغساني، حدثنا علي بن محمد بن عبيد الحافظ، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا أزهر السمان، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا. قالوا: وفي نجدنا؟ قال: هناك الزلازل والفتن، وبها -أو قال: منها- يطلع قرن الشيطان.(أعلام/1066)
الدولابي
الإمام الحافظ البارع أبو بشر، محمد بن أحمد بن حماد بن سعيد بن مسلم الأنصاري الدولابي الرازي الوراق.
سمعه الحسن بن رشيق يقول: ولدت في سنة أربع وعشرين ومائتين.
سمع محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، وأحمد بن أبي سريج الرازي، وزياد بن أيوب، ومحمد بن منصور الجواز، وهارون بن سعيد الأيلي، وموسى بن عامر المري، وأبا غسان زنيجا، ومحمد بن إسماعيل ابن علية، وأبا إسحاق الجوزجاني، وأبا بكر محمد بن عبد الرحمن الجعفي، ويزيد بن عبد الصمد، ومحمد بن عوف الحمصي، وطبقتهم.
حدث عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو أحمد بن عدي، وأبو القاسم الطبراني، وأبو الحسن بن حيويه، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو بكر أحمد بن محمد المهندس، وأبو حاتم بن حبان، وهشام بن محمد بن قرة الرعيني، وآخرون.
قال الدارقطني: يتكلمون فيه، وما يتبين من أمره إلا خير.
وقال ابن عدي: هو متهم فيما يقوله في نعيم بن حماد لصلابته في أهل الرأي.
وقال ابن يونس: كان أبو بشر من أهل الصنعة، وكان يضعف، قال: ومات بالعرج -بين مكة والمدينة - في ذي القعدة سنة عشر وثلاثمائة. أخبرنا علي بن محمد، وإسماعيل بن عميرة، قالا: أخبرنا الحسن بن صباح، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا علي بن الحسن القاضي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر، أخبرنا أحمد بن بهزاد الفارسي، حدثنا أبو بشر الدولابي، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أبدأ بما بدأ الله به: إن الصفا والمروة من شعائر الله.(أعلام/1067)
أخبرنا ابن طارق، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا المؤيد بن الأخوة، أخبرنا سعيد بن أبي الرجاء، أخبرنا أحمد بن محمود، ومنصور بن الحسين، قالا: حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم، حدثنا أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد، حدثنا محمد بن عمرو أبو غسان، حدثنا حكام بن سلم، حدثنا عثمان بن زائدة، عن الزبير بن عدي، عن أنس، قال: " قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وعمر وهو ابن ثلاث وستين أخرجه مسلم عن أبي غسان.
قال السمعاني: فتح دال الدولابي أصح، ودولاب: من قرى الري.(أعلام/1068)
الراغب
العلامة الماهر، المحقق الباهر أبو القاسم ; الحسين بن محمد بن المفضل الأصبهاني، الملقب بالراغب، صاحب التصانيف.
كان من أذكياء المتكلمين، لم أظفر له بوفاة ولا بترجمة.
وكان إن شاء الله في هذا الوقت حيا، يسأل عنه، لعله في " الألقاب " لابن الفوطي.(أعلام/1069)
الرامهرمزي
الإمام الحافظ البارع محدث العجم أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الفارسي الرامهرمزي القاضي، مصنف كتاب " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي " في علوم الحديث، وما أحسنه من كتاب. قيل: إن السلفي كان لا يكاد يفارق كمه، يعني في بعض عمره.
سمع أباه، ومحمد بن عبد الله مطينا الحضرمي، وأبا حصين الوادعي، ومحمد بن حيان المازني، وأبا خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، وأبا شعيب الحراني، والحسن بن المثنى العنبري، وعبيد بن غنام، ويوسف بن يعقوب القاضي، وزكريا الساجي، وجعفر بن محمد الفريابي، وموسى بن هارون، وعمر بن أبي غيلان، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وعبدان الأهوازي، وأبا القاسم البغوي، فمن بعدهم وأول طلبه لهذا الشأن في سنة تسعين ومائتين - وهو حدث - فكتب وجمع وصنف، وساد أصحاب الحديث، وكتابه المذكور ينبئ بإمامته.
حدث عنه: أبو الحسين محمد بن أحمد الصيداوي في " معجمه "، والحسن بن الليث الشيرازي، وأبو بكر محمد بن موسى بن مردويه، والقاضي أحمد بن إسحاق النهاوندي وآخرون.
لم أظفر بترجمته كما ينبغي، وأظنه بقي إلى بعد الخمسين وثلاثمائة وكان أحد الأثبات، أخباريا شاعرا. له: كتاب " ربيع المتيم في أخبار العشاق "، وكتاب " الأمثال " سمعناه، وكتاب " النوادر "، وكتاب " رسالة السفر "، وكتاب " الرقا والتعازي "، وكتاب " أدب الناطق "، وقد ذكر أبو القاسم بن منده في " الوفيات " له أنه عاش إلى قريب الستين وثلاثمائة بمدينة رامهرمز.
سمعنا كتابه " المحدث الفاصل " من أبي الحسين علي بن محمد، عن جعفر بن علي، عن السلفي، عن أبي الحسين بن الطيوري، عن أبي الحسن الفالي، عن القاضي أبي عبد الله النهاوندي عنه، ويقع لنا حديثه أعلى من هذا.(أعلام/1070)
فأخبرنا عمر بن عبد المنعم بن عمر غير مرة، أخبرنا عبد الصمد بن محمد القاضي في سنة تسع وستمائة، وأنا حاضر، أخبرنا الشيخ جمال الإسلام علي بن المسلم، أخبرنا الحسين بن طلاب الخطيب، أخبرنا محمد بن أحمد الغساني، حدثنا الحسن بن عبد الرحمن بالرامهرمز، حدثنا أحمد بن حماد بن سفيان، حدثنا عبد الله بن حفص البراد، حدثنا يحيى بن ميمون، حدثنا أبو الأشهب العطاردي، عن الحسن، عن أبي أيوب قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا أيوب، ألا أدلك على عمل يرضاه الله عز وجل؟ أصلح بين الناس إذا تفاسدوا، وحبب بينهم إذا تباغضوا.
يحيى بن ميمون بصري سكن بغداد، تركه الدارقطني مع أن أبا داود خرج له في " سننه " مات قبل وكيع.(أعلام/1071)
الربيع بن أنس (4)
ابن زياد البكري، الخراساني، المروزي. بصري.
سمع أنس بن مالك وأبا العالية الرياحي وأكثر عنه، والحسن البصري.
وعنه: سليمان التيمي، والأعمش، والحسين بن واقد، وأبو جعفر الرازي، وعبد العزيز بن مسلم، وابن المبارك وآخرون.
وكان عالم مرو في زمانه، وقد روى الليث عن عبيد الله بن زحر عنه. ولقيه سفيان الثوري. قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن أبي داود: سجن بمرو ثلاثين سنة.
قلت: سجنه أبو مسلم تسعة أعوام، وتحيل ابن المبارك حتى دخل إليه فسمع منه. يقال: توفي سنة تسع وثلاثين ومائة حديثه في السنن الأربعة.(أعلام/1072)
الربيع بن خثيم (خ، م)
ابن عائذ، الإمام القدوة العابد، أبو يزيد الثوري الكوفي، أحد الأعلام. أدرك زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأرسل عنه.
وروى عن عبد الله بن مسعود، وأبي أيوب الأنصاري، وعمرو بن ميمون وهو قليل الرواية ; إلا أنه كبير الشأن.
حدث عنه: الشعبي، وإبراهيم النخعي، وهلال بن يساف، ومنذر الثوري، وهبيرة بن خزيمة، وآخرون. وكان يعد من عقلاء الرجال.
روي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، قال: كان الربيع بن خثيم إذا دخل على ابن مسعود لم يكن له إذن لأحد حتى يفرغ كل واحد من صاحبه، فقال له ابن مسعود: يا أبا يزيد، لو رآك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين.
فهذه منقبة عظيمة للربيع، أخبرني بها إسحاق الأسدي، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي المقرئ، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا الطبراني، حدثنا عبدان بن أحمد، حدثنا أزهر بن مروان، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عبد الله بن الربيع بن خثيم، حدثنا أبو عبيدة.
أبو الأحوص: عن سعيد بن مسروق، عن منذر الثوري، قال: كان الربيع إذا أتاه الرجل يسأله قال: اتق الله فيما علمت، وما استؤثر به عليك، فكله إلى عالمه، لأنا عليكم في العمد أخوف مني عليكم في الخطأ، وما خيركم اليوم بخير، ولكنه خير من آخر شر منه، وما تتبعون الخير حق اتباعه، وما تفرون من الشر حق فراره، ولا كل ما أنزل الله على محمد -صلى الله عليه وسلم- أدركتم، ولا كل ما تقرءون تدرون ما هو، ثم يقول: السرائر السرائر اللاتي يخفين من الناس وهن لله بواد التمسوا دواءهن، وما دواؤهن إلا أن يتوب ثم لا يعود.
روى منصور عن إبراهيم، قال: قال فلان: ما أرى الربيع بن خثيم تكلم بكلام منذ عشرين سنة إلا بكلمة تصعد.
وعن بعضهم، قال: صحبت الربيع عشرين عاما ما سمعت منه كلمة تعاب.(أعلام/1073)
وروى الثوري عن رجل، عن أبيه، قال: جالست الربيع بن خثيم سنين، فما سألني عن شيء مما فيه الناس إلا أنه قال لي مرة: أمك حية؟ .
وروى الثوري، عن أبيه قال: كان الربيع بن خثيم إذا قيل له: كيف أصبحتم؟ قال: ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا.
وعنه قال: كل ما لا يراد به وجه الله يضمحل.
وروى الأعمش عن منذر الثوري، أن الربيع أخذ يطعم مصابا خبيصا، فقيل له: ما يدريه ما أكل، قال: لكن الله يدري.
الثوري: عن سرية للربيع، أنه كان يدخل عليه الداخل وفي حجره المصحف فيغطيه.
وعن ابنة للربيع، قالت كنت أقول: يا أبتاه، ألا تنام؟! فيقول: كيف ينام من يخاف البيات.
الثوري: عن أبي حيان، عن أبيه، قال: كان الربيع بن خثيم يقاد إلى الصلاة وبه الفالج، فقيل له: قد رخص لك. قال: إني أسمع: " حي على الصلاة " فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبوا. وقيل: إنه قال: ما يسرني أن هذا الذي بي بأعتى الديلم على الله.
قال سفيان الثوري: وقيل له: لو تداويت، قال: ذكرت عادا وثمودا وأصحاب الرس، وقرونا بين ذلك كثيرا، كانت فيهم أوجاع، وكانت لهم أطباء، فما بقي المداوي ولا المداوى إلا وقد فني.
قال الشعبي: ما جلس ربيع في مجلس منذ اتزر بإزار، يقول: أخاف أن أرى أمرا، أخاف أن لا أرد السلام، أخاف أن لا أغمض بصري.
قال نسير بن ذعلوق: ما تطوع الربيع بن خثيم في مسجد الحي إلا مرة.
قال الشعبي: حدثنا الربيع وكان من معادن الصدق.
وعن منذر، أن الربيع كان إذا أخذ عطاءه، فرقه وترك قدر ما يكفيه.
وعن ياسين الزيات قال: جاء ابن الكواء إلى الربيع بن خثيم، فقال: دلني على من هو خير منك. قال: نعم، من كان منطقه ذكرا، وصمته تفكرا ومسيره تدبرا فهو خير مني.
وعن الشعبي، قال: كان الربيع أورع أصحاب عبد الله.(أعلام/1074)
أخبرنا أحمد بن أبي الخير في كتابه، عن أحمد بن محمد التيمي، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا محمد بن غالب، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا زائدة، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن الربيع بن خثيم، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن امرأة من الأنصار، عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيعجز أحدكم أن يقرأ ليلة بثلث القرآن؟ فأشفقنا أن يأمرنا بأمر نعجز عنه، قال: فسكتنا. قالها ثلاث مرات: أيعجز أحدكم أن يقرأ بثلث القرآن؟ فإنه من قرأ: الله الواحد الصمد، فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن.
ورواه الشعبي عن الربيع بن خثيم، قد تجمع في إسناده خمسة تابعيون. أخرجه الترمذي والنسائي من طريق زائدة، وحسنه الترمذي، وقد رواه غندر عن شعبة، عن منصور، عن هلال، عن ربيع، فقال: عن عمرو، عن امرأة من الأنصار فحذف منه ابن أبي ليلى. ورواه جرير عن منصور، فحذف منه ابن أبي ليلى والمرأة.
قال سفيان الثوري: عن العلاء بن المسيب، عن أبي يعلى الثوري، قال: كان في بني ثور ثلاثون رجلا، ما منهم رجل دون الربيع بن خثيم.
قال ابن عيينة: سمعت مالكا يقول: قال الشعبي: ما رأيت قوما قط أكثر علما، ولا أعظم حلما، ولا أكف عن الدنيا من أصحاب عبد الله، ولولا ما سبقهم به الصحابة، ما قدمنا عليهم أحدا.
حماد بن زيد: عمن ذكره، عن ابن سيرين قال: ما رأيت قوما سود الرءوس أفقه من أهل الكوفة من قوم فيهم جرة.
قيل: توفي الربيع بن خثيم قبل سنة خمس وستين.(أعلام/1075)
الربيع بن صبيح (ت، ق)
البصري العابد، الإمام مولى بني سعد، من أعيان مشايخ البصرة،
حدث عن: الحسن، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وثابت البناني، وجماعة.
وعنه: وكيع، وابن مهدي، وأبو داود الطيالسي، وعلي بن الجعد، وأبو الوليد، وآخرون.
روى عباس، عن ابن معين: ثقة. وقال أحمد: لا بأس به. وذكره شعبة فقال: هو عندي من سادات المسلمين.
قلت: كان كبير الشأن، إلا أن النسائي ضعفه.
وقال حجاج: سألت شعبة عن مبارك والربيع بن صبيح، فقال: مبارك أحب إلي. وقال علي: جهدت بيحيى بن سعيد أن يحدثني بحديث عن الربيع بن صبيح، فأبى علي. وقال أبو الوليد: كان يدلس.
قال ابن حبان: كنيته: أبو جعفر. حدث عنه: الثوري، وابن المبارك، ووكيع، وكان من عباد أهل البصرة وزهادهم، كان يشبه بيته بالليل بالنحل، إلا أن الحديث لم يكن من صناعته، فكان يهم كثيرا، توفي بالسند سنة ستين ومائة.
محمود بن غيلان: حدثنا أبو داود: قال شعبة: لقد بلغ الربيع بن صبيح في مصرنا هذا، ما لا يبلغه الأحنف بن قيس. قال أبو داود: يعني في الارتفاع.
قال أبو محمد الرامهرمزي أول من صنف وبوب، فيما أعلم، الربيع بن صبيح بالبصرة، ثم ابن أبي عروبة.
قلت: توفي غازيا بأرض الهند، وله في " الجعديات ".
قال علي: حدثنا الربيع، عن الحسن، قال: ليس الفرار من الزحف من الكبائر، إنما كان ذاك يوم بدر. قال عباس: سألت ابن معين عن الربيع والمبارك، فقال: ما أقربهما! لا بأس بهما.
قال محمد بن سلام الجمحي: قال الوثيق بن يوسف الثقفي: ما رأيت رجلا أسود من الربيع بن صبيح.
وقال علي بن المديني: كان الربيع بن صبيح إنما يقول: سمعت الحسن، سألت الحسن.(أعلام/1076)
قال يحيى بن سعيد: كتبت عنه حديثا، عن أبي نضرة، في الصرف، هو أحسنها كلها. وحديث عطاء، عن جابر في الحج بطوله، عن عكرمة. قلت له: ما حدث عنه بشيء؟ قال: لا.
قال غسان بن المفضل الغلابي: سمعت من يذكر أن الربيع بن صبيح كان بالأهواز، ومعه صاحب له، فتعرضت لهما امرأة، فبكى الشيخ، قال له صاحبه: ما يبكيك؟ قال: إنها لم تطمع في شيخين إلا وقد رأت شيوخا قبلنا يتابعونها، فلذا أبكي.
قال يحيى بن معين: كانت وقعة بارنل سنة ستين ومائة وفيها مات الربيع بن صبيح - رحمه الله.(أعلام/1077)
الربيع بنت معوذ (ع)
ابن عفراء الأنصارية من بني النجار. لها صحبة ورواية، وقد زارها النبي - صلى الله عليه وسلم - صبيحة عرسها صلة لرحمها. عمرت دهرا، وروت أحاديث.
حدث عنها: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعبادة بن الوليد بن عبادة، وعمرو بن شعيب، وخالد بن ذكوان، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وآخرون.
وأبوها من كبار البدريين، قتل أبا جهل.
توفيت في خلافة عبد الملك سنة بضع وسبعين رضي الله عنها.
وحديثها في الكتب الستة.
الواقدي، حدثنا عبد الحميد بن جعفر وآخر، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار، عن الربيع، قالت: أخذت طيبا من أسماء بنت مخربة أم أبي جهل، فقالت: اكتبي لي عليك، فقلت: نعم، أكتب على ربيع بنت معوذ، فقالت: حلقى وإنك لابنة قاتل سيده، قلت: بل ابنة قاتل عبده. قالت: والله لا أبيعك شيئا أبدا.
والربيع: هي والدة محمد بن إياس بن البكير.
قال حماد بن سلمة: عن خالد بن ذكوان، قال: دخلنا على الربيع بنت معوذ، فقالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم عرسي، فقعد على موضع فراشي هذا، وعندنا جاريتان تضربان بدف، وتندبان آبائي الذين قتلوا يوم بدر، وقالتا فيما تقولان:
وفينا نبي يعلم ما في غد فقال: أما هذا فلا تقولاه.
ابن سعد: حدثنا يحيى بن عباد، حدثنا فليح بن سليمان، حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ، قالت: كان بيني وبين ابن عمي كلام - وهو زوجها - فقلت له: لك كل شيء لي وفارقني، قال: قد فعلت، قالت: فأخذ - والله - كل شيء لي حتى فراشي، فجئت عثمان - رضي الله عنه - فذكرت ذلك له، وقد حصر فقال: الشرط أملك، خذ كل شيء لها حتى عقاص رأسها إن شئت.(أعلام/1078)
الرشيد
الخليفة أبو جعفر هارون بن المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي.
استخلف بعهد معقود له بعد الهادي من أبيهما المهدي في سنة سبعين ومائة بعد الهادي.
روى عن أبيه وجده، ومبارك بن فضالة.
روى عنه: ابنه المأمون وغيره.
وكان من أنبل الخلفاء، وأحشم الملوك، ذا حج وجهاد، وغزو وشجاعة، ورأي.
وأمه أم ولد، اسمها خيزران.
وكان أبيض طويلا، جميلا، وسيما، إلى السمن، ذا فصاحة وعلم وبصر بأعباء الخلافة، وله نظر جيد في الأدب والفقه، قد وخطه الشيب.
أغزاه أبوه بلاد الروم، وهو حدث في خلافته.
وكان مولده بالري في سنة ثمان وأربعين ومائة.
قيل: إنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق بألف، وكان يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيما إذا وعظ.
وكان يحب المديح، ويجيز الشعراء، ويقول الشعر.
وقد دخل عليه مرة ابن السماك الواعظ، فبالغ في إجلاله، فقال: تواضعك في شرفك أشرف من شرفك، ثم وعظه، فأبكاه.
ووعظه الفضيل مرة حتى شهق في بكائه.
ولما بلغه موت ابن المبارك، حزن عليه، وجلس للعزاء، فعزاه الأكابر.
وكان يقتفي آثار جده إلا في الحرص.
قال أبو معاوية الضرير: ما ذكرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بين يدي الرشيد إلا قال: صلى الله على سيدي، ورويت له حديثه: وددت أني أقاتل في سبيل الله، فأقتل، ثم أحيا ثم أقتل فبكى حتى انتحب.
وعن خرزاذ العابد قال: حدث أبو معاوية الرشيد بحديث: احتج آدم وموسى فقال رجل شريف: فأين لقيه؟ فغضب الرشيد، وقال: النطع والسيف، زنديق يطعن في الحديث، فما زال أبو معاوية يسكنه ويقول: بادرة منه يا أمير المؤمنين، حتى سكن.(أعلام/1079)
وعن أبي معاوية الضرير قال: صب على يدي بعد الأكل شخص لا أعرفه، فقال الرشيد: تدري من يصب عليك؟ قلت: لا، قال: أنا؛ إجلالا للعلم.
وعن الأصمعي: قال لي الرشيد وأمر لي بخمسة آلاف دينار: وقرنا في الملأ، وعلمنا في الخلاء، سمعها أبو حاتم من الأصمعي.
قال الثعالبي في " اللطائف ": قال الصولي: خلف الرشيد مائة ألف ألف دينار.
وقال المسعودي في " مروجه ": رام الرشيد أن يوصل ما بين بحر الروم وبحر القلزم مما يلي الفرما فقال له يحيى البرمكي: كان يختطف الروم الناس من الحرم، وتدخل مراكبهم إلى الحجاز.
وعن إسحاق الموصلي أن الرشيد أجازه مرة بمائتي ألف درهم.
قال عبد الرزاق: كنت مع الفضيل بمكة، فمر هارون، فقال الفضيل: الناس يكرهون هذا، وما في الأرض أعز علي منه، لو مات لرأيت أمورا عظاما.
يحيى بن أبي طالب: حدثنا عمار بن ليث الواسطي، سمعت الفضيل بن عياض يقول: ما من نفس تموت أشد علي موتا من أمير المؤمنين هارون، ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره. قال: فكبر ذلك علينا، فلما مات هارون، وظهرت الفتن، وكان من المأمون ما حمل الناس على خلق القرآن، قلنا: الشيخ كان أعلم بما تكلم.
قال الجاحظ: اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره، وزراؤه البرامكة، وقاضيه القاضي أبو يوسف، وشاعره مروان بن أبي حفصة، ونديمه العباس بن محمد عم والده، وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس، ومغنيه إبراهيم الموصلي، وزوجته زبيدة.
قيل: إن هارون أعطى ابن عيينة مائة ألف درهم، وأعطى مرة أبا بكر بن عياش ستة آلاف دينار.
ومحاسنه كثيرة، وله أخبار شائعة في اللهو واللذات والغناء، الله يسمح له.
قال ابن حزم: أراه كان يشرب النبيذ المختلف فيه لا الخمر المتفق على حرمتها، قال: ثم جاهر جهارا قبيحا.(أعلام/1080)
قلت: حج غير مرة، وله فتوحات ومواقف مشهودة، ومنها فتح مدينة هرقلة ومات غازيا بخراسان، وقبره بمدينة طوس، عاش خمسا وأربعين سنة، وصلى عليه ولده صالح، توفي في ثالث جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة.
وزر له يحيى بن خالد مدة، وأحسن إلى العلوية، وحج سنة (173) ، وعزل عن خراسان جعفر بن أشعث بولده العباس بن جعفر، وحج أيضا في العام الآتي، وعقد بولاية العهد لولده الأمين صغيرا، فكان أقبح وهن تم في الإسلام، وأرضى الأمراء بأموال عظيمة، وتحرك عليه بأرض الديلم يحيى بن عبد الله بن حسن الحسني وعظم أمره، وبادر إليه الرافضة، فتنكد عيش الرشيد واغتم، وجهز له الفضل بن وزيره في خمسين ألفا، فخارت قوى يحيى، وطلب الأمان، فأجابه ولاطفه، ثم ظفر به، وحبسه، ثم تعلل ومات، ويقال: ناله من الرشيد أربعمائة ألف دينار. وثار بالشام أبو الهندام المري.
واصطدمت قيس ويمن، وقتل خلق، فولى موسى بن يحيى البرمكي، فجاء، وأصلح بينهم.
وفي سنة (175) ولى خراسان الغطريف بن عطاء وولى مصر جعفرا البرمكي، واشتد الحرب بين القيسية واليمانية بالشام، ونشأ بينهم أحقاد وإحن إلى اليوم. وافتتح العسكر مدينة دبسة.
وفي سنة (77) عزل جعفر عن مصر، وولي أخوه الفضل خراسان مع سجستان والري، وحج الرشيد.
وفي سنة ثمان هاجت الحوف بمصر، فحاربهم نائب مصر إسحاق، وأمده الرشيد بهرثمة بن أعين، ثم وليها هرثمة، ثم عزل بعبد الملك بن صالح العباسي.
وهاجت المغاربة فقتلوا أميرهم الفضل بن روح المهلبي، فسار إليهم هرثمة، فهذبهم.
وثار بالجزيرة الوليد بن طريف الخارجي، وعظم، وكثرت جيوشه، وقتل إبراهيم بن خازم الأمير، وأخذ إرمينية. وعدل عن الخبر.(أعلام/1081)
وغزا الفضل بجيش عظيم ما وراء النهر، ومهد الممالك، وكان بطلا شجاعا جوادا، ربما وصل الواحد بألف ألف، وولي بعده خراسان منصور الحميري، وعظم الخطب بابن طريف، ثم سار لحربه يزيد بن مزيد الشيباني، وتحيل عليه حتى بيته، وقتله، ومزق جموعه. وفي سنة (79) اعتمر الرشيد في رمضان، واستمر على إحرامه إلى أن حج ماشيا من بطن مكة.
وتفاقم الأمر بين قيس ويمن بالشام، وسالت الدماء.
واستوطن الرشيد في سنة ثمانين الرقة، وعمر بها دار الخلافة.
وجاءت الزلزلة التي رمت رأس منارة الإسكندرية.
وخرجت المحمرة بجرجان.
وغزا الرشيد، ووغل في أرض الروم، فافتتح الصفصاف، وبلغ جيشه أنقرة.
واستعفى يحيى وزيره، وجاور سنة. ووثبت الروم، فسملوا ملكهم قسطنطين، وملكوا أمه.
وفي (183) خرجت الخزر، وكانت بنت ملكهم قد تزوج بها الفضل البرمكي، فماتت ببرذعة، فقيل: قتلت غيلة فخرج الخاقان من باب الأبواب، وأوقع بالأمة، وسبوا أزيد من مائة ألف، وتم على الإسلام أمر لم يسمع بمثله، ثم سارت جيوش هارون، فدفعوا الخزر، وأغلقوا باب إرمينية الذي في الدربند.
وفي سنة (185) ظهر بعبادان أحمد بن عيسى بن زيد بن علي العلوي، وبناحية البصرة، وبويع ثم عجز وهرب، وطال اختفاؤه أزيد من ستين عاما.
وثار بخراسان أبو الخصيب، وتمكن، فسار لحربه علي بن عيسى بن ماهان، فالتقوا بنسا، فقتل أبو الخصيب، وتمزقت عساكره.
وحج سنة ست وثمانين الرشيد بولديه: الأمين والمأمون، وأغنى أهل الحرمين.
وفي سنة سبع قتل الرشيد جعفر بن يحيى البرمكي، وسجن أباه وأقاربه، بعد أن كانوا قد بلغوا رتبة لا مزيد عليها وفيها انتقض الصلح مع الروم، وملكوا عليهم نقفور، فيقال: إنه من ذرية جفنة الغساني، وبعث يتهدد الرشيد، فاستشاط غضبا، وسار في جيوشه حتى نازله هرقلة، وذلت الروم، وكانت غزوة مشهودة.(أعلام/1082)
وفي سنة ثمان كانت الملحمة العظمى، وقتل من الروم عدد كثير، وجرح النقفور ثلاث جراحات، وتم الفداء حتى لم يبق في أيدي الروم أسير.
وفي سنة تسعين خلع الطاعة رافع بن الليث، وغلب على سمرقند، وهزم عسكر الرشيد وفيها غزا الروم في مائة ألف فارس، وافتتح هرقلة، وبعث إليه نقفور بالجزية ثلاثمائة ألف دينار.
وفي سنة (191) عزل والي خراسان ابن ماهان بهرثمة بن أعين، وصادر الرشيد ابن ماهان، فأدى ثمانين ألف ألف درهم، وكان عاتيا متمردا عسوفا. وفيها أول ظهور الخرمية بأذربيجان.
وسار الرشيد في سنة اثنتين إلى جرجان ليهذب خراسان، فنزل به الموت في سنة ثلاث.
وخلف عدة أولاد، فمنهم تسعة بنين اسمهم محمد، أجلهم الأمين، والمعتصم، وأبو عيسى الذي كان مليح زمانه ببغداد، وله نظم حسن، مات سنة تسع ومائتين. وأبو أيوب، وله نظم رائق، وأبو أحمد كان ظريفا نديما شاعرا، طال عمره إلى أن مات في رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين. وأبو علي توفي سنة 231 وأبو العباس، وكان بليدا مغفلا، دمنوه مدة في قول: أعظم الله أجركم، فذهب ليعزي فأرتج عليه، وقال: ما فعل فلان؟ قالوا: مات، قال: جيد، وأيش فعلتم به؟ قالوا: دفناه، قال: جيد. وأبو يعقوب وتوفي سنة 223، وتاسعهم أبو سليمان. ذكره ابن جرير الطبري.(أعلام/1083)
الرفاعي (م، ت، ق)
الإمام الفقيه الحافظ العلامة، قاضي بغداد أبو هشام، محمد بن يزيد بن محمد بن كثير بن رفاعة، العجلي الرفاعي الكوفي المقرئ.
حدث عن: أبي الأحوص سلام، والمطلب بن زياد، وأبي بكر بن عياش، وحفص بن غياث، وعبد الله بن الأجلح، ويحيى بن يمان وطبقتهم. وأخذ القراءة عن جماعة، وصنف كتابا في القراءات فيه شذوذ كثير، وهو صاحب غرائب في الحديث.
حدث عنه: مسلم، والترمذي وابن ماجه، وأحمد بن زهير، وابن خزيمة، وابن صاعد، ومحمد بن هارون الحضرمي، وعمر بن بجير، وجعفر بن محمد الجروي، والحسين المحاملي، وآخرون.
قال أحمد العجلي: لا بأس به، صاحب قرآن، قرأ على سليم، ولي قضاء المدائن.
وقال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه.
وقال ابن عقدة: حدثنا مطين، عن محمد بن عبد الله بن نمير، أن أبا هشام كان يسرق الحديث. وروى أبو حاتم عن ابن نمير، قال: كان أضعفنا طلبا. وأكثرنا غرائب.
وقال طلحة بن محمد بن جعفر: استقضي أبو هشام، يعني: ببغداد في سنة 242 وهو من أهل القرآن والعلم والفقه والحديث. له كتاب في القراءات. قرأ علينا ابن صاعد أكثره.
وقال أحمد بن محمد بن محرز: سألت يحيى بن معين، عن أبي هشام، فقال: ما أرى به بأسا.
وقال البرقاني: هو ثقة، أمرني الدارقطني أن أخرج حديثه في " الصحيح ".
وقال النسائي: ضعيف.
وقال أبو عمرو الداني: أخذ القراءة عن جماعة، وله عنهم شذوذ كثير.
قلت: حمل الحروف عن الكسائي، وعن حسين الجعفي، ويحيى بن آدم، وأبي يوسف الأعشى، وقيد أحرفا عن أبي بكر بن عياش، فإنه سمع على أبي بكر ختمة بقراءة الأعشى.
روى عنه القراءة موسى بن إسحاق القاضي، وعلي بن الحسن القطعي، وأحمد بن سعيد المروزي، وقاسم بن داود، وعثمان بن خرزاذ، وعلي بن قربة، وجماعة. وما هو بالمجود لرواياته.(أعلام/1084)
قال أبو العباس السراج: مات في شعبان سنة ثمان وأربعين ومائتين. أخبرنا أحمد بن عبد الحميد، ومحمد بن أبي بكر بن بطيخ، وأحمد بن مؤمن، وعبد الحميد بن أحمد، قالوا: أخبرنا عبد الرحمن بن نجم الواعظ، أخبرتنا فخر النساء شهدة، أخبرنا ابن طلحة النعالي، وأخبرنا الأبرقوهي، أخبرنا محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدينوري، أخبرنا عمي محمد بن عبد العزيز، أخبرنا عاصم بن الحسن، قالا: أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد، حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي، حدثنا أبو هشام الرفاعي سنة أربع وأربعين ومائتين، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا الأعمش، عن أبي سبرة النخعي، عن محمد بن كعب القرظي، عن العباس بن عبد المطلب، قال: كنا نلقى النفر من قريش، وهم يتحدثون، فيقطعون حديثهم. فذكرنا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: والله لا يدخل قلب رجل الإيمان، حتى يحبكم لله عز وجل، ولقرابتكم مني.(أعلام/1085)
الرمادي (ق)
الإمام الحافظ الضابط، أبو بكر، أحمد بن منصور بن سيار بن معارك، الرمادي البغدادي.
حدث عن: عبد الرزاق بكتبه، وعن زيد بن الحباب، ويزيد بن هارون، وأبي داود الطيالسي، وهاشم بن القاسم، وعبيد الله بن موسى، والأسود بن عامر، وعفان، ويحيى بن أبي بكير، وعثمان بن عمر بن فارس، وأبي عاصم النبيل، وسعيد بن أبي مريم، ومحمد بن وهب الدمشقي، وخلق كثير بالحجاز واليمن، والعراق والشام ومصر. وكان من أوعية العلم.
حدث عنه: ابن ماجه، وإسماعيل القاضي، وابن أبي الدنيا، وأبو العباس بن سريج، وأبو عوانة، وأبو نعيم بن عدي، وابن أبي حاتم، والمحاملي، وابن مخلد، ومحمد بن عقيل البلخي، وأبو بكر بن زياد، وإسماعيل الصفار، والحسين بن يحيى بن عياش القطان، وخلق كثير.
وقال في " تاريخه ": سمعت من عبد الرزاق سنة أربع ومائتين. وصنف " المسند الكبير ".
وكان عباس الدوري يقول: أنا أسكت من أمر الرمادي على شيء أخاف أن لا يسعني، كنت ربما سمعت يحيى بن معين يقول: قال أبو بكر الرمادي، يعني يذكره بكنيته، وقد كان رفيقا وصاحبا ليحيى في رحلته.
وروي عن إبراهيم بن أورمة، قال: لو أن رجلين قال أحدهما: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وقال الآخر: حدثنا الرمادي، كانا سواء.
قال الدارقطني: هو ثقة.
وقال ابن أبي حاتم: كان أبي يوثقه.
قال ابن مخلد: كان الرمادي إذا مرض يستشفي بأن يسمعوا عليه الحديث.
قال أبو الحسين بن المنادي: مات الرمادي لأربع بقين من ربيع الآخر سنة خمس وستين ومائتين. وقد استكمل ثلاثا وثمانين سنة.
قلت: سمعنا من طريقه جماعة أجزاء عن عبد الرزاق.(أعلام/1086)
وفيها مات إبراهيم بن الحارث البغدادي، وإبراهيم بن هانئ النيسابوري، وسعدان بن نصر المخرمي، وصالح بن أحمد بن حنبل، وعلي بن حرب، وعبد الله بن محمد بن أيوب المخرمي، والقدوة أبو حفص النيسابوري، وهارون بن سليمان، والمنتظر محمد بن الحسن، والرافضة تقول: لم يمت، بل اختفى في السرداب.(أعلام/1087)
الزبير بن العوام (ع)
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.
حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى، وأول من سل سيفه في سبيل الله، أبو عبد الله - رضي الله عنه -، أسلم وهو حدث، له ست عشرة سنة.
وروى الليث، عن أبي الأسود، عن عروة قال: أسلم الزبير، ابن ثمان سنين، ونفحت نفحة من الشيطان أن رسول الله أخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام، ابن اثنتي عشرة سنة، بيده السيف، فمن رآه عجب، وقال: الغلام معه السيف، حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " ما لك يا زبير "؟ فأخبره وقال: أتيت أضرب بسيفي من أخذك.
وقد ورد أن الزبير كان رجلا طويلا إذا ركب خطت رجلاه الأرض، وكان خفيف اللحية والعارضين.
روى أحاديث يسيرة.
حدث عنه بنوه: عبد الله، ومصعب، وعروة، وجعفر، ومالك بن أوس بن الحدثان، والأحنف بن قيس، وعبد الله بن عامر بن كريز، ومسلم بن جندب، وأبو حكيم مولاه، وآخرون.
اتفقا له على حديثين، وانفرد له البخاري بأربعة أحاديث، ومسلم بحديث.(أعلام/1088)
أخبرنا المسلم بن محمد وجماعة، إذنا، قالوا: أنبأنا حنبل، أنبأنا ابن الحصين، حدثنا ابن المذهب. أنبأنا أبو بكر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي (ح) وأنبأنا محمد بن عبد السلام، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم، أنبأنا أبو سعد الطبيب، أنبأنا أبو عمرو الحيري، أنبأنا أبو يعلى، حدثنا زهير، قالا: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة، عن جامع بن شداد عن عامر ولفظ أبي يعلى: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: قلت لأبي: ما لك لا تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يحدث عنه فلان وفلان؟ قال: ما فارقته منذ أسلمت، ولكن سمعت منه كلمة، سمعته يقول: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " لم يقل أبو يعلى متعمدا. أخبرنا أبو سعيد سنقر بن عبد الله الحلبي، أنبأنا عبد اللطيف بن يوسف، أنبأنا عبد الحق اليوسفي، أنبأنا علي بن محمد، أنبأنا علي بن أحمد المقرئ، حدثنا عبد الباقي بن قانع، حدثنا أحمد بن علي بن مسلم، حدثنا أبو الوليد (ح) وحدثنا بشر، حدثنا عمرو بن حكام، قالا: حدثنا شعبة، عن جامع بن شداد، عن عامر بن عبد الله، عن أبيه، قال: قلت لأبي: ما لك لا تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يحدث ابن مسعود؟ قال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت، ولكن سمعته يقول: " من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار ".
رواه خالد بن عبد الله الطحان، عن بيان بن بشر عن وبرة، عن عامر بن عبد الله نحوه. أخرج طريق شعبة البخاري، وأبو داود، والنسائي، والقزويني.
قال إسحاق بن يحيى: عن موسى بن طلحة قال: كان علي، والزبير، وطلحة، وسعد، عذار عام واحد، يعني ولدوا في سنة.
وقال المدائني: كان طلحة، والزبير، وعلي، أترابا.(أعلام/1089)
وقال يتيم عروة: هاجر الزبير وهو ابن ثمان عشرة سنة، وكان عمه يعلقه ويدخن عليه، وهو يقول: لا أرجع إلى الكفر أبدا.
قال عروة: جاء الزبير بسيفه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ما لك؟ قال: أخبرت أنك أخذت. قال: فكنت صانعا ماذا؟ قال: كنت أضرب به من أخذك. فدعا له ولسيفه ".
وروى هشام عن أبيه عروة، أن الزبير كان طويلا تخط رجلاه الأرض إذا ركب الدابة، أشعر، وكانت أمه صفية تضربه ضربا شديدا وهو يتيم، فقيل لها: قتلته، أهلكته، قالت:
إنما أضربه لكي يدب
ويجر الجيش ذا الجلب
قال: وكسر يد غلام ذات يوم، فجيء بالغلام إلى صفية، فقيل لها ذلك، فقالت:
كيف وجدت وبرا
أأقطا أم تمرا أم مشمعلا صقرا
قال ابن إسحاق: وأسلم - على ما بلغني - على يد أبي بكر: الزبير، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن، وسعد.
وعن عمر بن مصعب بن الزبير قال: قاتل الزبير مع نبي الله، وله سبع عشرة.
أسد بن موسى، حدثنا جامع أبو سلمة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن البهي قال: كان يوم بدر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارسان: الزبير على فرس على الميمنة، والمقداد بن الأسود على فرس على الميسرة.
وقال هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزل جبريل على سيماء الزبير.
الزبير بن بكار: عن عقبة بن مكرم، حدثنا مصعب بن سلام، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر الباقر، قال: كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزلت الملائكة كذلك.
وفيه يقول عامر بن صالح بن عبد الله بن الزبير:
جدي ابن عمة أحمد ووزيره
عند البلاء وفارس الشقراء
وغداة بدر كان أول فارس
شهد الوغى في اللامة الصفراء
نزلت بسيماه الملائك نصرة
بالحوض يوم تألب الأعداء(أعلام/1090)
وهو ممن هاجر إلى الحبشة - فيما نقله موسى بن عقبة وابن إسحاق - ولم يطول الإقامة بها.
أبو معاوية، عن هشام عن أبيه، قالت عائشة: يا ابن أختي كان أبواك - يعني الزبير وأبا بكر - من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح.
لما انصرف المشركون من أحد، وأصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ما أصابهم، خاف أن يرجعوا، فقال: " من ينتدب لهؤلاء في آثارهم، حتى يعلموا أن بنا قوة "، فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين، فخرجوا في آثار المشركين، فسمعوا بهم، فانصرفوا، قال تعالى: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء الآية لم يلقوا عدوا.
وقال البخاري، ومسلم: جابر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق: " من يأتينا بخبر بني قريظة؟ فقال الزبير: أنا، فذهب على فرس، فجاء بخبرهم. ثم قال الثانية، فقال الزبير: أنا، فذهب، ثم الثالثة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لكل نبي حواري، وحواري الزبير ". رواه جماعة عن ابن المنكدر عنه.
وروى جماعة، عن هشام عن أبيه، عن ابن الزبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن لكل نبي حواريا، وإن حواري الزبير ".
أبو معاوية: عن هشام بن عروة، عن ابن المنكدر، عن جابر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الزبير ابن عمتي، وحواري من أمتي ".
يونس بن بكير: عن هشام، عن أبيه عن الزبير قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال: " لكل نبي حواري وحواري الزبير وابن عمتي ".
وبإسنادي في المسند إلى أحمد بن حنبل، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة، عن عاصم، عن زر قال: استأذن ابن جرموز على علي وأنا عنده، فقال علي: بشر قاتل ابن صفية بالنار، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لكل نبي حواري وحواري الزبير " تابعه شيبان، وحماد بن سلمة.(أعلام/1091)
وروى جرير الضبي، عن مغيرة، عن أم موسى قالت: استأذن قاتل الزبير، فذكره.
وروى يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد اليزني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " وحواري من الرجال الزبير، ومن النساء عائشة ".
ابن أبي عروبة: عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه سمع رجلا يقول: يا ابن حواري رسول الله، فقال ابن عمر: إن كنت من آل الزبير، وإلا فلا.
رواه ثقتان عنه، والحواري: الناصر.
وقال مصعب الزبيري: الحواري: الخالص من كل شيء. وقال الكلبي: الحواري: الخليل.
هشام بن عروة: عن أبيه، عن ابن الزبير عن أبيه قال: جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه.
أخبرنا ابن أبي عصرون، أنبأنا أبو روح، أنبأنا تميم المقرئ، أنبأنا أبو سعد الأديب، أنبأنا أبو عمرو الحيري، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا حوثرة بن أشرس، حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن ابن الزبير قال له: يا أبة، قد رأيتك تحمل على فرسك الأشقر يوم الخندق، قال: يا بني، رأيتني؟ قال: نعم، قال: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ ليجمع لأبيك أبويه، يقول: " ارم فداك أبي وأمي ".
أحمد في " مسنده ": حدثنا أبو أسامة، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير قال: لما كان يوم الخندق، كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الأطم الذي فيه نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - أطم حسان، فكان عمر يرفعني وأرفعه، فإذا رفعني، عرفت أبي حين يمر إلى بني قريظة، فيقاتلهم.
الرياشي، حدثنا الأصمعي، حدثنا ابن أبي الزناد قال: ضرب الزبير يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف على مغفره، فقطعه إلى القربوس فقالوا: ما أجود سيفك! فغضب الزبير، يريد أن العمل ليده لا للسيف.(أعلام/1092)
أبو خيثمة: حدثنا محمد بن الحسن المديني، حدثتني أم عروة بنت جعفر، عن أختها عائشة، عن أبيها عن جدها الزبير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاه يوم فتح مكة لواء سعد بن عبادة، فدخل الزبير مكة بلواءين.
وعن أسماء قالت: عندي للزبير ساعدان من ديباج، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاهما إياه، فقاتل فيهما.
رواه أحمد في " مسنده " من طريق ابن لهيعة. علي بن حرب: حدثنا ابن وهب، عن ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزبير يلمق حرير محشو بالقز، يقاتل فيه.
وروى يحيى بن يحيى الغساني، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: قال الزبير: ما تخلفت عن غزوة غزاها المسلمون إلا أن أقبل فألقى ناسا يعقبون.
وعن الثوري قال: هؤلاء الثلاثة نجدة الصحابة: حمزة، وعلي، والزبير.
حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، أخبرني من رأى الزبير وفي صدره أمثال العيون من الطعن والرمي.
معمر، عن هشام عن عروة قال: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف: إحداهن في عاتقه، إن كنت لأدخل أصابعي فيها، ضرب ثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك.
قال عروة: قال عبد الملك بن مروان، حين قتل ابن الزبير: يا عروة، هل تعرف سيف الزبير؟ قلت: نعم. قال: فما فيه؟ قلت: فلة فلها يوم بدر، فاستله فرآها فيه، فقال: بهن فلول من قراع الكتائب ثم أغمده ورده علي، فأقمناه بيننا بثلاثة آلاف، فأخذه بعضنا، ولوددت أني كنت أخذته.
يحيى بن سعيد الأنصاري: عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء، فتحرك. فقال: " اسكن حراء ; فما عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد ". وكان عليه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير.
الحديث رواه معاوية بن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا، وذكر منهم عليا.(أعلام/1093)
وقد مر في تراجم الراشدين أن العشرة في الجنة، ومر في ترجمة طلحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " طلحة والزبير جاراي في الجنة ".
أبو جعفر الرازي: عن حصين، عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر: إنهم يقولون: استخلف علينا، فإن حدث بي حدث، فالأمر في هؤلاء الستة الذين فارقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو عنهم راض، ثم سماهم.
أحمد في " مسنده ": حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا علي بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، عن مروان، ولا إخاله متهما علينا، قال: أصاب عثمان رعاف سنة الرعاف، حتى تخلف عن الحج وأوصى، فدخل عليه رجل من قريش، فقال: استخلف، قال: وقالوه؟ قال: نعم. قال: من هو؟ فسكت، قال: ثم دخل عليه رجل آخر، فقال له مثل ذلك، ورد عليه نحو ذلك. قال: فقال عثمان: قالوا الزبير؟ قالوا: نعم. قال: أما والذي نفسي بيده، إن كان لأخيرهم ما علمت، وأحبهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم. رواه أبو مروان الغساني عن هشام نحوه.
وقال هشام، عن أبيه، قال عمر: لو عهدت أو تركت تركة، كان أحبهم إلي الزبير ; إنه ركن من أركان الدين.
ابن عيينة: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة، منهم عثمان، وابن مسعود، وعبد الرحمن، فكان ينفق على الورثة من ماله، ويحفظ أموالهم.
ابن وهب: حدثنا عمرو بن الحارث، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، أن الزبير خرج غازيا نحو مصر، فكتب إليه أمير مصر: إن الأرض قد وقع بها الطاعون، فلا تدخلها، فقال: إنما خرجت للطعن والطاعون، فدخلها، فلقي طعنة في جبهته فأفرق.
عوف: عن أبي رجاء العطاردي، قال: شهدت الزبير يوما، وأتاه رجل، فقال: ما شأنكم أصحاب رسول الله؟ أراكم أخف الناس صلاة! قال: نبادر الوسواس.(أعلام/1094)
الأوزاعي: حدثني نهيك ابن مريم، حدثنا مغيث بن سمي، قال: كان للزبير بن العوام ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فلا يدخل بيته من خراجهم شيئا.
رواه سعيد بن عبد العزيز نحوه، وزاد: بل يتصدق بها كلها.
وقال الزبير بن بكار: حدثني أبو غزية محمد بن موسى، حدثنا عبد الله بن مصعب، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن جدتها أسماء بنت أبي بكر قالت: مر الزبير بمجلس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحسان ينشدهم من شعره، وهم غير نشاط لما يسمعون منه، فجلس معهم الزبير، ثم قال: ما لي أراكم غير أذنين لما تسمعون من شعر ابن الفريعة! فلقد كان يعرض به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيحسن استماعه، ويجزل عليه ثوابه، ولا يشتغل عنه، فقال حسان يمدح الزبير:
أقام على عهد النبي وهديه
حواريه والقول بالفعل يعدل
أقام على منهاجه وطريقه
يوالي ولي الحق والحق أعدل
هو الفارس المشهور والبطل الذي
يصول إذا ما كان يوم محجل
إذا كشفت عن ساقها الحرب حشها
بأبيض سباق إلى الموت يرقل
وإن امرأ كانت صفية أمه
ومن أسد في بيتها لمؤثل
له من رسول الله قربى قريبة
ومن نصرة الإسلام مجد مؤثل
فكم كربة ذب الزبير بسيفه
عن المصطفى والله يعطي فيجزل
ثناؤك خير من فعال معاشر
وفعلك يا ابن الهاشمية أفضل(أعلام/1095)
الزبير بن بكار (ق)
العلامة الحافظ النسابة، قاضي مكة وعالمها، أبو عبد الله بن أبي بكر بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي الزبيري المدني المكي.
مولده في سنة اثنتين وسبعين ومائة.
سمع من: سفيان بن عيينة، وأبي ضمرة الليثي، والنضر بن شميل، وابن أبي فديك، وذؤيب بن عمامة، وعبد الله بن نافع الصائغ، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، وعلي بن محمد المدائني، ومحمد بن الحسن بن زبالة، ومحمد بن الضحاك بن عثمان، وإبراهيم بن المنذر، ومصعب بن عبد الله الزبيري عمه، وخلق سواهم.
حدث عنه: ابن ماجه في " سننه "، وأبو حاتم الرازي، وعبد الله بن شبيب الربعي، وأبو بكر بن أبي الدنيا، ومحمد بن أبي الأزهر، وحرمي بن أبي العلاء المكي، واسمه أحمد بن محمد، والقاضي أبو عبد الله المحاملي، وإسماعيل بن العباس الوراق، ويوسف بن يعقوب الأزرق. وحدث في أواخر أيامه ببغداد.
وهو مصنف كتاب " نسب قريش "، وهو كتاب كبير نفيس.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: أدركته ورأيته، ولم أكتب عنه.
وقال الدارقطني: ثقة.
وروي عن السري بن يحيى التميمي، قال: لقي الزبير بن بكار إسحاق بن إبراهيم الموصلي، فقال له إسحاق: يا أبا عبد الله، عملت كتابا سميته كتاب " النسب "، وهو كتاب الأخبار. فقال: وأنت يا أبا محمد، عملت كتابا سميته كتاب " الأغاني " وهو كتاب المغاني.
قال الحسين بن القاسم الكوكبي: لما قدم الزبير بن بكار بغداد قال أبو حامد المستملي عليه: من ذكرت يا ابن حواري رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأعجبه.
روى محمد بن عبد الملك التاريخي، قال: أنشدني ابن أبي طاهر لنفسه في الزبير بن بكار:
ما قال: " لا " قط إلا في تشهده
ولا جرى لفظه إلا على " نعم "(أعلام/1096)
بين الحواري والصديق نسبته
وقد جرى ورسول الله في رحم
الكوكبي: حدثنا محمد بن موسى المارستاني، حدثنا الزبير بن بكار، قال: قالت بنت أختي لأهلنا: خالي خير رجل لأهله، لا يتخذ ضرة وسرية. قال: تقول المرأة: والله هذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر.
قال محمد بن إسحاق الصيرفي: سألت الزبير: منذ كم زوجتك معك؟ قال: لا تسألني؛ ليس ترد القيامة أكثر كباشا منها، ضحيت عنها سبعين كبشا.
قال أبو بكر الخطيب: كان الزبير ثقة ثبتا عالما بالنسب وأخبار المتقدمين. له مصنف في " نسب قريش ".
قلت: الكتاب من عوالي الفخر علي عن ابن طبرزد.
وقال أحمد بن علي السليماني الحافظ: منكر الحديث. كذا قال، ولا يدري ما ينطق به.
قال أحمد بن سليمان الطوسي: توفي الزبير لتسع بقين من ذي القعدة سنة ست وخمسين ومائتين. بمكة. وقد بلغ أربعا وثمانين سنة، وصلى عليه ابنه مصعب بعد فراغنا من قراءة كتاب " النسب " عليه بثلاثة أيام.
قال: وكان سبب وفاته أنه وقع من فوق سطحه، فمكث يومين لا يتكلم، ومات؛ انكسرت ترقوته ووركه.
أخبرنا أحمد بن عبد الحميد، ومحمد بن بطيخ، وأحمد بن مؤمن، وعبد الحميد بن أحمد، قالوا: أخبرنا عبد الرحمن بن نجم الواعظ، أخبرتنا فخر النساء شهدة، أخبرنا الحسين بن طلحة، وأخبرنا أبو المعالي بن قاضي أبرقوه، أخبرنا أبو المحاسن محمد بن هبة الله، أخبرنا عمي محمد بن عبد العزيز الدينوري، أخبرنا عاصم بن الحسن، قالا: أخبرنا عبد الواحد بن محمد، أخبرنا الحسين بن إسماعيل، حدثنا الزبير بن بكار، حدثني أبو غزية، عن فليح بن سليمان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني عبده ورسوله، من لقي الله بهما غير شاك دخل الجنة.(أعلام/1097)
وبه إلى الحسين المحاملي: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أو عن جابر قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر -فذكره- وقال: لم يحجب عن الجنة.
ورواه مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة بهذا.(أعلام/1098)
الزبير بن عدي (ع (
العلامة الثقة أبو عدي الهمداني، اليامي، الكوفي، قاضي الري.
حدث عن أنس بن مالك، وأبي وائل شقيق، والحارث الأعور، وإبراهيم النخعي، ومصعب بن سعد.
وعنه: مالك بن مغول، ومسعر، وسفيان الثوري، وبشر بن الحسين، وجماعة.
وثقه أحمد، وكان فاضلا صاحب سنة. قال العجلي: ثقة، ثبت من أصحاب إبراهيم. كان مع قتيبة الباهلي، فقال له إبراهيم: اتق الله لا تقتل مع قتيبة. يقال: مات سنة إحدى وثلاثين ومائة.(أعلام/1099)
الزجاج
الإمام، نحوي زمانه، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن السري الزجاج البغدادي، مصنف كتاب: " معاني القرآن "، وله تآليف جمة.
لزم المبرد، فكان يعطيه من عمل الزجاج كل يوم درهما، فنصحه وعلمه. ثم أدب القاسم بن عبيد الله الوزير، فكان سبب غناه، ثم كان من ندماء المعتضد.
مات سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، وقيل: مات في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة عشرة.
وله كتاب: " الإنسان وأعضائه "، وكتاب: " الفرس "، وكتاب: " العروض "، وكتاب: " الاشتقاق "، وكتاب: " النوادر "، وكتاب: " فعلت وأفعلت ".
وكان عزيزا على المعتضد، له رزق في الفقهاء، ورزق في العلماء، ورزق في الندماء، نحو ثلاثمائة دينار.
ويقال: توفي سنة ست عشرة.
أخذ عنه العربية أبو علي الفارسي، وجماعة.(أعلام/1100)
الزعفراني (خ، د، ت، س)
الإمام العلامة، شيخ الفقهاء والمحدثين أبو علي، الحسن بن محمد بن الصباح، البغدادي الزعفراني، يسكن محلة الزعفراني.
ولد سنة بضع وسبعين ومائة وحج.
وسمع من: سفيان بن عيينة، وأبي معاوية الضرير، وإسماعيل بن علية، وعبيدة بن حميد، ووكيع بن الجراح، وعبد الوهاب الثقفي، ومحمد بن أبي عدي، ويزيد بن هارون، وحجاج بن محمد، وأبي عبد الله الشافعي، وخلق كثير.
وقرأ على الشافعي كتابه القديم، وكان مقدما في الفقه والحديث، ثقة جليلا، عالي الرواية، كبير المحل.
حدث عنه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والقزويني، وزكريا الساجي، وأبو العباس بن سريج، وإمام الأئمة ابن خزيمة، وأبو عوانة الإسفراييني، وعمر بن بجير، وأبو القاسم البغوي، وأبو محمد بن صاعد، وأبو بكر بن زياد، ومحمد بن مخلد، والقاضي المحاملي، وأبو سعيد بن الأعرابي، وعدد كثير.
قال النسائي: ثقة.
قال إبراهيم بن يحيى: سمعت الزعفراني يقول: ما على وجه الأرض قوم أفضل من أصحاب هذه المحابر، يتبعون آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويكتبونها كي لا تندرس.
وقال ابن حبان: كان أحمد بن حنبل وأبو ثور يحضران عند الشافعي، وكان الحسن بن محمد الزعفراني هو الذي يتولى القراءة عليه.
قال زكريا الساجي: سمعت الزعفراني يقول: قدم علينا الشافعي، واجتمعنا إليه، فقال: التمسوا من يقرأ لكم، فلم يجترئ أحد أن يقرأ عليه غيري. وكنت أحدث القوم سنا، ما كان بعد في وجهي شعرة، وإني لأتعجب اليوم من انطلاق لساني بين يدي الشافعي رحمه الله، وأعجب من جسارتي يومئذ -قلت: كان الزعفراني من الفصحاء البلغاء- قال: فقرأت عليه الكتب كلها إلا كتابين: " كتاب المناسك " و " كتاب الصلاة ".(أعلام/1101)
قال أحمد بن محمد بن الجراح: سمعت الحسن الزعفراني يقول: لما قرأت كتاب " الرسالة " على الشافعي قال لي: من أي العرب أنت؟ .
قلت: لست بعربي، وما أنا إلا من قرية، يقال لها: الزعفرانية. قال: فأنت سيد هذه القرية.
قال علي بن محمد بن عمر الفقيه بالري، حدثنا أبو عمر الزاهد.
قال: سمعت الفقيه أبا القاسم بن بشار الأنماطي يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: رأيت ببغداد نبطيا ينتحي علي حتى كأنه عربي، وأنا نبطي، فقيل له: من هو؟ قال: الزعفراني.
توفي أبو علي ببغداد في سلخ شعبان سنة ستين ومائتين. وهو في عشر التسعين.
وفيها مات عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، وعبيد الله بن سعد الزهري، وأحمد بن عثمان بن حكيم، وأيوب بن سافري، ومالك بن طوق منشئ الرحبة، والحسن بن علي بن محمد بن الرضى العلوي أحد الاثني عشر الذين تدعي الرافضة عصمتهم.(أعلام/1102)
الزمخشري
العلامة، كبير المعتزلة أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد، الزمخشري الخوارزمي النحوي صاحب " الكشاف " و " المفصل ".
رحل، وسمع ببغداد من نصر بن البطر وغيره.
وحج، وجاور، وتخرج به أئمة.
ذكر التاج الكندي أنه رآه على باب الإمام أبي منصور بن الجواليقي.
وقال الكمال الأنباري لما قدم الزمخشري للحج، أتاه شيخنا أبو السعادات بن الشجري مهنئا بقدومه، وقال:
كانت مساءلة الركبان تخبرني
عن أحمد بن علي أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت
أذني بأحسن مما قد رأى بصري
وأثنى عليه، ولم ينطق الزمخشري حتى فرغ أبو السعادات، فتصاغر له، وعظمه، وقال: إن زيد الخيل دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرفع صوته بالشهادتين، فقال له: يا زيد كل رجل وصف لي وجدته دون الصفة إلا أنت، فإنك فوق ما وصفت. وكذلك الشريف ودعا له وأثنى عليه.
قلت: روى عنه بالإجازة أبو طاهر السلفي، وزينب بنت الشعري.
وروى عنه أناشيد إسماعيل بن عبد الله الخوارزمي، وأبو سعد أحمد بن محمود الشاشي، وغيرهما.
وكان مولده بزمخشر -قرية من عمل خوارزم - في رجب سنة سبع وستين وأربعمائة.
وكان رأسا في البلاغة والعربية والمعاني والبيان، وله نظم جيد.
قال السمعاني: أنشدنا إسماعيل بن عبد الله، أنشدني الزمخشري لنفسه يرثي أستاذه أبا مضر النحوي
وقائلة ما هذه الدرر التي
تساقطها عيناك سمطين سمطين
فقلت هو الدر الذي قد حشا به
أبو مضر أذني تساقط من عيني
أنبأني عدة عن أبي المظفر بن السمعاني، أنشدنا أحمد بن محمود القاضي بسمرقند، أنشدنا أستاذي محمود بن عمر:
ألا قل لسعدى ما لنا فيك من وطر
وما تطبينا النجل من أعين البقر
فإنا اقتصرنا بالذين تضايقت
عيونهم والله يجزي من اقتصر
مليح ولكن عنده كل جفوة
ولم أر في الدنيا صفاء بلا كدر(أعلام/1103)
ولم أنس إذ غازلته قرب روضة
إلى جنب حوض فيه للماء منحدر
فقلت له جئني بورد وإنما
أردت به ورد الخدود وما شعر
فقال انتظرني رجع طرف أجئ به
فقلت له هيهات ما في منتظر
فقال ولا ورد سوى الخد حاضر
فقلت له إني قنعت بما حضر
قلت: هذا شعر ركيك لا رقيق.
قال ابن النجار: قرأت على زينب بنت عبد الرحمن بنيسابور، عن الزمخشري، أخبرنا ابن البطرة، فذكر حديثا من " المحامليات ".
قال السمعاني: برع في الآداب، وصنف التصانيف، ورد العراق وخراسان، ما دخل بلدا إلا واجتمعوا عليه، وتلمذوا له، وكان علامة نسابة، جاور مدة حتى هبت على كلامه رياح البادية. مات ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة.
وقال ابن خلكان له " الفائق " في غريب الحديث، و " ربيع الأبرار "، و " أساس البلاغة "، و " مشتبه أسامي الرواة "، وكتاب " النصائح "، و " المنهاج " في الأصول، و " ضالة الناشد ".
قيل: سقطت رجله، فكان يمشي على جاون خشب، سقطت من الثلج.
وكان داعية إلى الاعتزال، الله يسامحه.(أعلام/1104)
الزنجي (د، ق)
الإمام فقيه مكة أبو خالد مسلم بن خالد المخزومي، الزنجي المكي، مولى بني مخزوم. ولد سنة مائة، أو قبلها بيسير.
حدث عن ابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، والزهري، وأبي طوالة، وزيد بن أسلم، وعتبة بن مسلم، وعبد الله بن كثير الداري نقل عنه الحروف.
روى عنه هذه القراءة الإمام الشافعي، ولازمه، وتفقه به، حتى أذن له في الفتيا.
وحدث عنه هو والحميدي، ومسدد، والحكم بن موسى، ومروان بن محمد، وإبراهيم بن موسى الفراء، وهشام بن عمار، وجماعة. قال يحيى بن معين: ليس به بأس. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن عدي: حسن الحديث، أرجو أنه لا بأس به. وقال أبو داود: ضعيف.
قلت: بعض النقاد يرقي حديث مسلم إلى درجة الحسن.
قال سويد بن سعيد: سمي الزنجي لسواده. كذا قال: وخالفه ابن سعد وغيره، فقالوا: كان أشقر، وإنما لقب بالزنجي بالضد. قال أحمد الأزرقي: كان فقيها عابدا يصوم الدهر. قلت: تفقه بابن جريج.
قال إبراهيم الحربي: كان فقيه مكة، وكان أشقر مثل البصلة.
وقال ابن أبي حاتم: إمام في العلم والفقه، كان أبيض بحمرة، ولقب بالزنجي لحبه للتمر. قالت له جاريته: ما أنت إلا زنجي.
من " الجعديات " حدثنا الزنجي بن خالد، حدثنا زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم، فإن سقاه شرابا، فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه، فإن خشي منه فليكسره بالماء هذا حديث منكر. قلت: مات سنة ثمانين ومائة.(أعلام/1105)
السائب بن يزيد (ع)
ابن سعيد بن ثمامة، أبو عبد الله، وأبو يزيد الكندي المدني، ابن أخت نمر، وذلك شيء عرفوا به.
وكان جده سعيد بن ثمامة حليف بني عبد شمس.
قال السائب: حج بي أبي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن سبع سنين.
قلت: له نصيب من صحبة ورواية.
حدث عنه: الزهري، وإبراهيم بن عبد الله بن قارظ، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والجعيد بن عبد الرحمن، وابنه عبد الله بن السائب، وعمر بن عطاء بن أبي الخوار، وعبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن ابن عوف، وآخرون.
قال أبو معشر السندي: عن يوسف بن يعقوب، عن السائب، قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل عبد الله بن خطل يوم الفتح، أخرجوه من تحت الأستار، فضرب عنقه بين زمزم والمقام، ثم قال: لا يقتل قرشي بعد هذا صبرا.
عكرمة بن عمار: حدثنا عطاء مولى السائب قال: كان السائب رأسه أسود من هامته إلى مقدم رأسه، وسائر رأسه - مؤخره وعارضاه ولحيته - أبيض. فقلت له: ما رأيت أعجب شعرا منك! فقال لي: أوتدري مما ذاك يا بني؟ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بي وأنا ألعب، فمسح يده على رأسي، وقال: بارك الله فيك. فهو لا يشيب أبدا. يعني: موضع كفه.
يونس: عن الزهري، قال: ما اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاضيا، ولا أبو بكر، ولا عمر، حتى قال عمر للسائب ابن أخت نمر: لو روحت عني بعض الأمر. حتى كان عثمان.
قال عبد الأعلى الفروي: رأيت على السائب بن يزيد مطرف خز، وجبة خز، وعمامة خز.
يروى عن الجعيد بن عبد الرحمن، وفاة السائب بن يزيد في سنة أربع وتسعين. .
وقال الواقدي، وأبو مسهر، وجماعة: توفي سنة إحدى وتسعين.
وشذ الهيثم بن عدي فقال: مات سنة ثمانين.(أعلام/1106)
الساجي
الإمام الثبت الحافظ، محدث البصرة وشيخها ومفتيها أبو يحيى، زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن بن بحر بن عدي بن عبد الرحمن بن أبيض بن الديلم بن باسل بن ضبة الضبي البصري الشافعي.
سمع طالوت بن عباد، وأبا الربيع الزهراني، وعبيد الله بن معاذ العنبري، وعبد الواحد بن غياث، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، ومحمد بن أبي الشوارب، وأبا كامل الجحدري، وموسى بن عمر الجاري، وسليمان بن داود المهري، وهدبة بن خالد القيسي، ومحمد بن موسى الحرشي، ومحمد بن بشار، ووالده يحيى الساجي، وخلقا بالبصرة. ولم يرحل فيما أحسب.
حدث عنه: أبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، وعبد الله بن محمد بن السقاء الواسطي، وأبو الحسن علي بن إسماعيل المتكلم، ويوسف بن يعقوب البختري، وأبو القاسم الطبراني، وأبو عمرو بن حمدان والقاضي يوسف الميانجي، وعلي بن لؤلؤ الوراق، وأبو الشيخ بن حيان. وخلق سواهم.
وكان من أئمة الحديث.
أخذ عنه أبو الحسن الأشعري مقالة السلف في الصفات، واعتمد عليها أبو الحسن في عدة تآليف.
وقال الشيخ أبو إسحاق في " طبقات الشافعية " ومنهم زكريا بن يحيى الساجي، أخذ عن الربيع والمزني، وله كتاب: " اختلاف العلماء " وكتاب " علل الحديث ".(أعلام/1107)
قلت: وللساجي مصنف جليل في علل الحديث يدل على تبحره وحفظه، ولم تبلغنا أخباره كما في النفس، وقد هم بمن أدخل عليه، فقال الخليلي، سمعت عبد الرحمن بن أحمد الشيرازي الحافظ يقول: سألت ابن عدي عن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن مندة، فقال: كنا بالبصرة عند زكريا الساجي، فقرأ عليه إبراهيم حديثين، عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، عن عمه، عن مالك، فقلت: هما عن يونس، فأخذ الساجي كتابه، فتأمل وقال لي: هو كما قلت. وقال لإبراهيم: ممن أخذت هذا؟ فأحال على بعض أهل البصرة، قال: علي بصاحب الشرطة حتى أسود وجه هذا. فكلموه حتى عفا عنه، ومزق الكتاب.
مات بالبصرة سنة سبع وثلاثمائة وهو في عشر التسعين، رحمه الله.
قرأت على أبي الفضل بن عساكر، عن عبد المعز بن محمد الصوفي: أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو عمرو بن أبي جعفر قال: أخبرنا أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي -وما كتبت عنه إلا هذا الحديث الواحد- حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا سليم بن حيان، عن حميد بن هلال، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعن أحدا يمر بين يديه، فإن أبى فليدفعه، فإن معه شيطانا.
صحيح غريب، تفرد به حميد بن هلال. أخرجه الشيخان من طريق يونس بن عبيد، وسليمان بن المغيرة، عن حميد به.(أعلام/1108)
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن: أخبرنا ابن قدامة، وأخبرنا أبو جعفر السلمي، أخبرنا البهاء عبد الرحمن قالا: أخبرنا أبو الفتح بن شاتيل، أخبرنا علي بن أحمد الرزاز، أخبرنا محمد بن علي بن يعقوب القاضي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن السقاء، حدثنا زكريا الساجي، حدثنا محمد بن موسى الحرشي، حدثنا عامر بن يساف اليمامي، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن الحسن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " يا أبا هريرة، ألا أخبرك بأمر هو حق ; من تكلم به بعد الموت فقد نجا؟ " فذكر حديثا منكرا وعامر ضعيف الحديث.(أعلام/1109)
السخاوي
الشيخ الإمام العلامة شيخ القراء والأدباء علم الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد بن عطاس الهمداني، المصري، السخاوي، الشافعي، نزيل دمشق.
ولد سنة ثمان وخمسين أو سنة تسع.
وقدم الثغر في سنة اثنتين وسبعين، وسمع من أبي طاهر السلفي، ومن أبي الطاهر بن عوف، وبمصر من أبي الجيوش عساكر بن علي، وأبي القاسم البوصيري، وإسماعيل بن ياسين، وبدمشق من ابن طبرزذ، والكندي، وحنبل، وتلا بالسبع على الشاطبي، وأبي الجود، والكندي، والشهاب الغزنوي.
وأقرأ الناس دهرا، وما أسند القراءات عن الغزنوي والكندي، وكانا أعلى إسنادا من الآخرين، امتنع من ذلك لأنه تلا عليهما ب " المبهج " ولم يكن بأخرة يرى الإقراء به ولا بما زاد على السبع، فقيل: إنه اجتنب ذلك لمنام رآه.
وكان إماما في العربية، بصيرا باللغة، فقيها، مفتيا، عالما بالقراءات وعللها، مجودا لها، بارعا في التفسير. صنف وأقرأ وأفاد، وروى الكثير وبعد صيته، وتكاثر عليه القراء، تلا عليه شمس الدين أبو الفتح الأنصاري، وشهاب الدين أبو شامة، ورشيد الدين بن أبي الدر، وزين الدين الزواوي، وتقي الدين يعقوب الجرائدي، والشيخ حسن الصقلي، وجمال الدين الفاضلي، ورضي الدين جعفر بن دنوقا، وشمس الدين محمد بن الدمياطي، ونظام الدين محمد بن عبد الكريم التبريزي، والشهاب بن مزهر، وعدة.
وحدث عنه الشيخ زين الدين الفارقي، والجمال بن كثير، والرشيد بن المعلم، ومحمد بن قايماز الدقيقي، والخطيب شرف الدين الفزاري، وإبراهيم بن المخرمي، وأبو علي بن الخلال، وإبراهيم بن النصير، وإسماعيل بن مكتوم، والزين إبراهيم بن الشيرازي، وآخرون.
وكان مع سعة علومه وفضائله دينا، حسن الأخلاق، محببا إلى الناس، وافر الحرمة، مطرحا للتكلف، ليس له شغل إلا العلم ونشره.(أعلام/1110)
شرح " الشاطبية " في مجلدين، و " الرائية " في مجلد، وله كتاب " جمال القراء "، وكتاب " منير الدياجي في الآداب "، وبلغ في التفسير إلى الكهف، وذلك في أربع مجلدات، وشرح " المفصل " في أربع مجلدات، وله النظم والنثر.
وكان يترخص في إقراء اثنين فأكثر كل واحد في سورة، وفي هذا خلاف السنة، لأننا أمرنا بالإنصات إلى قارئ لنفهم ونعقل ونتدبر.
وقد وفد على السلطان صلاح الدين بظاهر عكا في سنة ست وثمانين زمن المحاصرة فامتدحه بقصيدة طويلة، واتفق أنه امتدح أيضا الرشيد الفارقي، وبين الممدوحين في الموت أزيد من مائة عام.
قال الإمام أبو شامة وفي ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة توفي شيخنا علم الدين علامة زمانه وشيخ أوانه بمنزله بالتربة الصالحية، وكان على جنازته هيبة وجلالة وإخبات، ومنه استفدت علوما جمة كالقراءات، والتفسير، وفنون العربية.
قلت: كان يقرئ بالتربة وله حلقة بالجامع.(أعلام/1111)
السراج
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران، الإمام الحافظ الثقة، شيخ الإسلام، محدث خراسان، أبو العباس الثقفي مولاهم الخراساني النيسابوري، صاحب المسند الكبير على الأبواب والتاريخ وغير ذلك، وأخو إبراهيم المحدث وإسماعيل.
مولده في سنة ست عشرة ومائتين.
رأى يحيى بن يحيى التميمي، ولم يسمعه. وسمع من إسحاق، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن بكار بن الريان، وبشر بن الوليد الكندي، وأبي معمر القطيعي، وداود بن رشيد، ومحمد بن حميد الرازي، ومحمد بن الصباح الجرجرائي، وعمرو بن زرارة، وأبي همام السكوني، وهناد بن السري، وأبي كريب، ومحمد بن أبان البلخي، والحسن بن عيسى بن ماسرجس، ومحمد بن عمرو زنيج، وأحمد بن المقدام، ومحمد بن رافع، ومجاهد بن موسى، وأحمد بن منيع، وزياد بن أيوب، ويعقوب الدورقي، وسوار بن عبد الله، وهارون الحمال، وعقبة بن مكرم العمي، وابن كرامة، وعبد الجبار بن العلاء، وعبد الله بن عمر بن أبان، وأبي سعيد الأشج، وعبد الله بن الجراح، وأحمد بن سعيد الدارمي، وعباد بن الوليد، وخلق سواهم، وينزل إلى أحمد بن محمد البرتي، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، والحسن بن سلام.
وسكن بغداد مدة طويلة، وحدث بها، ثم رد إلى وطنه.
حدث عنه البخاري ومسلم بشيء يسير خارج الصحيحين، وأبو حاتم الرازي أحد شيوخه، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وعثمان بن السماك، والحافظ أبو علي النيسابوري، وأبو حاتم البستي، وأبو أحمد بن عدي، وأبو إسحاق المزكي، وإبراهيم بن عبد الله الأصبهاني، وأبو أحمد الحاكم، وعبيد الله بن محمد الفامي، وحسينك بن علي التميمي، وأبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي، وأبو بكر محمد بن محمد بن هانئ البزاز، والخليل بن أحمد السجزي القاضي، والقاضي يوسف بن القاسم الميانجي، وعبد الله بن أحمد الصيرفي، وسهل بن شاذويه البخاري ومات قبله.(أعلام/1112)
وأبو العباس بن عقدة، وأبو سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان، ويحيى بن محمد العنبري، وأبو بكر بن مهران المقرئ، وأبو حامد أحمد بن محمد بن بالويه، وأبو الحسين أحمد بن محمد البحيري، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن محفوظ العابد، وبشر بن محمد بن محمد بن ياسين الباهلي، والحسن بن أحمد بن محمد والد أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري، والحافظ أبو علي الحسين بن محمد الماسرجسي، وعبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني، وأبو عمرو بن حمدان الحيري، وأبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن خزيمة، وأبو الحسين محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي، ومحمد بن محمد بن سمعان الواعظ، ويحيى بن إسماعيل المزكي - عرف بالحربي، وخلق آخرهم موتا الشيخ أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف القنطري - راوي بعض مسنده عنه.
قال الخطيب كان من الثقات الأثبات، عني بالحديث، وصنف كتبا كثيرة، وهي معروفة.(أعلام/1113)
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد بن عساكر قراءة عليه أنبأنا المفتي أبو بكر القاسم بن عبد الله بن عمر النيسابوري ابن الصفار، أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر الشحامي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، وأحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي قالوا: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا عبد الأعلى، حدثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي قال: سألت علقمة: هل كان عبد الله بن مسعود شهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن؟ فقال: لا، وكنا معه ليلة ففقدناه، فبتنا بشر ليلة، فلما أصبحنا إذا هو جاء من حراء، فقال: إنه أتاني داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن. فانطلق بنا حتى أرانا آثارهم ونيرانهم، فسألوه عن الزاد، فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، يقع في يد أحدكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم من الجن.
هذا حديث صحيح عال أخرجه مسلم، وأبو داود، وأبو عيسى، والنسائي، من حديث عبد الله بن إدريس، وابن علية، وجماعة سمعوه من داود بن أبي هند، وفي روايتنا اختصار، وصوابه: فقال ابن مسعود: كنا معه.
ويقع حديث السراج عاليا بالاتصال لابن البخاري.
أنبأنا المسلم بن علان، والمؤمل بن محمد، أخبرنا الكندي، أخبرنا الشيباني، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا أحمد بن أبي عمران، أخبرنا علي بن الحسن بن خالد المروزي، أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري، أخبرنا محمد بن إسحاق السراج، حدثنا أخي إبراهيم، حدثنا محمد بن أبان، حدثنا جرير بن حازم عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من أتى الجمعة فليغتسل ".(أعلام/1114)
قال أبو بكر بن جعفر المزكي: سمعت السراج يقول: نظر محمد بن إسماعيل البخاري في التاريخ لي، وكتب منه بخطه أطباقا، وقرأتها عليه.
وروي عن أبي العباس السراج: أنه أشار إلى كتب له فقال: هذه سبعون ألف مسألة لمالك، ما نفضت عنها الغبار مذ كتبتها.
قال أبو الوليد حسان بن محمد: دخل أبو العباس السراج على أبي عمرو الخفاف فقال له: يا أبا العباس، من أين جمعت هذا المال؟ قال: بغيبة دهر أنا وأخواي إبراهيم وإسماعيل، غاب أخي إبراهيم أربعين سنة، وغاب أخي إسماعيل أربعين سنة، وغبت أنا مقيما ببغداد أربعين سنة، أكلنا الجشب ولبسنا الخشن، فاجتمع هذا المال، لكن أنت يا أبا عمرو، من أين جمعت هذا المال؟ -وكان لأبي عمرو مال عظيم- ثم قال متمثلا:
أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلاك من جلد البعير
فسبحان الذي أعطاك ملكا
وعلمك الجلوس على السرير
قال أبو العباس بن حمدان شيخ خوارزم: سمعت السراج يقول: رأيت في المنام كأني أرقى في سلم طويل، فصعدت تسعا وتسعين درجة، فكل من أقصها عليه يقول: تعيش تسعا وتسعين سنة. قال ابن حمدان: فكان كذلك.
قلت: بل بلغ سبعا أو خمسا وتسعين سنة، فقد قال أبو إسحاق المزكي عنه: ولدت سنة ثماني عشرة ومائتين وختمت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اثني عشر ألف ختمة، وضحيت عنه اثني عشر ألف أضحية.
قلت: دليله حديث شريك، عن أبي الحسناء، عن الحكم، عن حنش قال: رأيت عليا -رضي الله عنه- يضحي بكبشين، فقلت له: ما هذا؟ قال: أوصاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أضحي عنه زاد الترمذي: واحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وواحد عن نفسه.(أعلام/1115)
أخبرنا المسلم بن علان، والمؤمل بن محمد كتابة قالا: أخبرنا الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا رضوان بن محمد بالدينور، أخبرنا حمد بن عبد الله الأصبهاني، حدثنا أبو العباس بن أحمد الأردستاني، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي: سمعت أحمد بن سعيد الدارمي يقول: عادني محمد بن كثير الصنعاني فقال: أقالك الله عثرتك، ورفع جنتك، وفرغك لعبادة ربك.
بلغنا أنه قيل لأبي العباس السراج، وهو يكتب في كهولته عن يحيى بن أبي طالب: إلى كم هذا؟ فقال: أما علمت أن صاحب الحديث لا يصبر؟ !
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: أبو العباس السراج صدوق ثقة.
وقال أبو إسحاق المزكي: كان السراج مجاب الدعوة.
قال محمد بن أحمد الدقاق: رأيت السراج يضحي كل أسبوع أو أسبوعين أضحية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم يصيح بأصحاب الحديث، فيأكلون.
وكان أبو سهل الصعلوكي يقول: حدثنا أبو العباس السراج، الأوحد في فنه، الأكمل في وزنه.
قال الحافظ أبو علي بن الأخرم الشيباني: استعان بي السراج في التخريج على " صحيح مسلم "، فكنت أتحير من كثرة الحديث الذي عنده، وحسن أصوله، وكان إذا وجد حديثا عاليا يقول: لا بد أن تكتبه. فأقول: ليس من شرط صاحبنا، فيقول: فشفعني في هذا الحديث الواحد.
قال إسماعيل بن نجيد: رأيت أبا العباس السراج يركب حماره، وعباس المستملي بين يديه، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يقول: يا عباس، غير كذا، اكسر كذا:
قال أبو عبد الله الحاكم: سمعت أبي يقول: لما ورد الزعفراني، وأظهر خلق القرآن، سمعت السراج يقول: العنوا الزعفراني. فيضج الناس بلعنته. فنزح إلى بخارى.
قال الصعلوكي: كنا نقول: السراج كالسراج.(أعلام/1116)
قال الحاكم: أخبرنا أبو أحمد بن أبي الحسن: أرسلني ابن خزيمة إلى السراج، فقال: قل له: أمسك عن ذكر أبي خليفة وأصحابه، فإن أهل البلد قد شوشوا. فأديت الرسالة، فزبرني.
قال الحاكم: وسمعت أبا سعيد بن أبي بكر يقول: لما وقع من أمر الكلابية ما وقع بنيسابور، كان أبو العباس السراج، يمتحن أولاد الناس، فلا يحدث أولاد الكلابية، فأقامني في المجلس مرة، فقال: قل: أنا أبرأ إلى الله -تعالى- من الكلابية. فقلت: إن قلت هذا لا يطعمني أبي الخبز، فضحك وقال: دعوا هذا.
أبو زكريا العنبري: سمعت أبا عمرو الخفاف يقول لأبي العباس السراج: لو دخلت على الأمير ونصحته. قال: فجاء وعنده أبو عمرو، فقال أبو عمرو: هذا شيخنا وأكبرنا، وقد حضر ينتفع الأمير بكلامه. فقال السراج: أيها الأمير، إن الإقامة كانت فرادى، وهي كذلك بالحرمين، وهي في جامعنا مثنى مثنى، وإن الدين خرج من الحرمين. قال: فخجل الأمير وأبو عمرو والجماعة، إذ كانوا قصدوا في أمر البلد، فلما خرج عاتبوه، فقال: استحييت من الله أن أسأل أمر الدنيا، وأدع أمر الدين.
قال أبو الوليد حسان بن محمد: سمعت أبا العباس السراج يقول: واأسفى على بغداد! فقيل له: ما حملك على فراقها؟ قال: أقام بها أخي إسماعيل خمسين سنة، فلما توفي ورفعت جنازته سمعت رجلا على باب الدرب يقول لآخر: من هذا الميت؟ قال: غريب كان هاهنا. فقلت: إنا لله، بعد طول مقام أخي بها واشتهاره بالعلم والتجارة يقال له: غريب كان هنا. فحملتني هذه الكلمة على الانصراف إلى الوطن.
قلت: كان أخوه إسماعيل السراج ثقة، عالما، مختصا بأحمد بن حنبل، يروي عن يحيى بن يحيى وجماعة. روى عنه: إسماعيل الخطبي وابن قانع، وطائفة.(أعلام/1117)
أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه: أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك، أخبرنا أبو روح بهراة، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف، حدثنا أبو العباس السراج إملاء قال: من لم يقر بأن الله تعالى يعجب، ويضحك وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، فيقول: من يسألني فأعطيه، فهو زنديق كافر، يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين.
قلت: لا يكفر إلا إن علم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قاله، فإن جحد بعد ذلك فهذا معاند، نسأل الله الهدى.
وإن اعترف أن هذا حق، ولكن لا أخوض في معانيه، فقد أحسن، وإن آمن وأول ذلك كله، أو تأول بعضه، فهو طريقة معروفة.
وقد كان السراج ذا ثروة وتجارة، وبر ومعروف، وله تعبد وتهجد، إلا أنه كان منافرا للفقهاء أصحاب الرأي، والله يغفر له.
قال الحاكم: سمعت أبا سعيد المقرئ، سمعت السراج يقول عند حركاته إذا قام أو قعد: يا بغداد، واأسفى عليك، متى يقضى لي الرجوع إليك.
نقل الحاكم وغيره: أن أبا العباس السراج مات في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة بنيسابور.(أعلام/1118)
أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، وأحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء قراءة، عن عبد المعز بن محمد البزاز، أخبرنا محمد بن إسماعيل الفضيلي، أخبرنا سعيد بن أبي سعيد العيار، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد، أخبرنا أبو العباس السراج، أخبرنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا الليث. عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة أنه قال: " قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها " أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي والنسائي، عن قتيبة.
وقال أبو يعلى الخليلي في " إرشاده ": محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران بن عبد الله بن العباس الثقفي ثقة متفق عليه من شرط الصحيح، سمع حتى كتب عن الأقران، ومن هو أصغر منه سنا، لعلمه وتبحره، سمعت أنه كتب عن ألف وخمسمائة وزيادة.
سمع منه البخاري، وأبو حاتم، والحسن بن سفيان، وابن خزيمة.
ومات مع السراج الثقة أبو العباس أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق، ومسند نيسابور أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي، والعلامة أبو القاسم ثابت بن حزم بن مطرف السرقسطي اللغوي، ومحدث الكوفة أبو محمد عبد الله بن زيدان بن بريد البجلي العابد، وأبو عمر عبد الله بن عثمان العثماني - صاحب ابن المديني، والفقيه أبو الحسن علي بن محمد بن بشار البغدادي الزاهد، والمحدث أبو جعفر محمد بن أحمد بن أبي عون النسوي، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي، وأبو لبيد محمد بن إدريس بن إياس السامي السرخسي، والحافظ أبو قريش محمد بن جمعة القهستاني، والقاضي أبو عبيد الله محمد بن عبدة بن حرب وليس بثقة، وإمام جامع واسط يوسف بن يعقوب الواسطي.(أعلام/1119)
السلطان
الملك يمين الدولة، فاتح الهند، أبو القاسم، محمود بن سيد الأمراء ناصر الدولة سبكتكين، التركي، صاحب خراسان والهند وغير ذلك.
كان والده أبو منصور قد قدم بخارى في أيام نوح بن منصور، في صحبة ابن السكين متوليا على غزنة، فعرف بالشهامة والإقدام والسمو، فلما سار ابن السكين متوليا على غزنة، ذهب في خدمته أبو منصور، فلم يلبث ابن السكين أن مات، واحتاج الناس إلى أمير، فأمروا عليهم أبا منصور، فتمكن وعظم، وأخذ يغير على أطراف الهند، وافتتح قلاعا، وتمت له ملاحم مع الهنود، وافتتح ناحية بست، واتصل بخدمته أبو الفتح البستي الكاتب وقرب منه، وكان كراميا.(أعلام/1120)
قال جعفر المستغفري كان أبو القاسم عبد الله بن عبد الله بن الحسين النضري قاضي مرو ونسف صلب المذهب، فدخل صاحب غزنة سبكتكين بلخ، ودعا إلى مناظرة الكرامية، وكان النضري يومئذ قاضيا ببلخ، فقال سبكتكين: ما تقولون في هؤلاء الزهاد الأولياء؟ فقال النضري: هؤلاء عندنا كفرة. قال: ما تقولون في؟ قال: إن كنت تعتقد مذهبهم، فقولنا فيك كذلك. فوثب، وجعل يضربهم بالدبوس حتى أدماهم، وشج النضري، وقيدهم وسجنهم، ثم أطلقهم خوف الملامة، ثم تمرض ببلخ، وسار إلى غزنة، فمات سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وعهد بالإمرة إلى ابنه إسماعيل، وكان محمود ببلخ، وكان أخوهما نصر على بست، وكان في إسماعيل خلة فطمع فيه جنده، وشغبوا، فأنفق فيهم خزائن، فدعا محمود عمه، فاتفقا، وأتاهما نصر، فقصدوا غزنة، وحاصروها، وعمل هو وأخوه مصافا مهولا، وقتل خلق، فانهزم إسماعيل، ثم آمن إسماعيل، وحبسه معززا مرفها، ثم حارب محمود النواب السامانية، وخافته الملوك. واستولى على إقليم خراسان، ونفذ إليه القادر بالله خلع السلطنة، ففرض على نفسه كل سنة غزو الهند، فافتتح بلادا شاسعة، وكسر الصنم سومنات الذي كان يعتقد كفرة الهند أنه يحيي ويميت ويحجونه، ويقربون له النفائس، بحيث إن الوقوف عليه بلغت عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزائنه من صنوف الأموال، وفي خدمته من البراهمة ألفا نفس، ومائة جوقة مغاني رجال ونساء، فكان بين بلاد الإسلام وبين قلعة هذا الصنم مفازة نحو شهر، فسار السلطان في ثلاثين ألفا، فيسر الله فتح القلعة في ثلاثة أيام، واستولى محمود على أموال لا تحصى، وقيل: كان حجرا شديد الصلابة طوله خمسة أذرع، منزل منه في الأساس نحو ذراعين، فأحرقه السلطان، وأخذ منه قطعة بناها في عتبة باب جامع غزنة، ووجدوا في أذن الصنم نيفا وثلاثين حلقة، كل حلقة يزعمون أنها عبادته ألف سنة.(أعلام/1121)
وكان السلطان مائلا إلى الأثر إلا أنه من الكرامية.
قال أبو النضر الفامي: لما قدم التاهرتي الداعي من مصر على السلطان يدعوه سرا إلى مذهب الباطنية، وكان التاهرتي يركب بغلا يتلون كل ساعة من كل لون، ففهم السلطان سر دعوتهم، فغضب، وقتل التاهرتي الخبيث، وأهدى بغله إلى القاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي شيخ هراة، وقال: كان يركبه رأس الملحدين، فليركبه رأس الموحدين.
وذكر إمام الحرمين أن محمود بن سبكتكين كان حنفيا يحب الحديث، فوجد كثيرا منه يخالف مذهبه، فجمع الفقهاء بمرو، وأمر بالبحث في أيما أقوى مذهب أبي حنيفة أو الشافعي. قال: فوقع الاتفاق على أن يصلوا ركعتين بين يديه على المذهبين. فصلى أبو بكر القفال بوضوء مسبغ وسترة وطهارة وقبلة وتمام أركان لا يجوز الشافعي دونها، ثم صلى صلاة على ما يجوزه أبو حنيفة، فلبس جلد كلب مدبوغا قد لطخ ربعه بنجاسة، وتوضأ بنبيذ، فاجتمع عليه الذبان، وكان وضوءا منكسا، ثم كبر بالفارسية، وقرأ بالفارسية: دوبركك سبز. ونقر ولم يطمئن ولا رفع من الركوع، وتشهد، وضرط بلا سلام. فقال له: إن لم تكن هذه الصلاة يجيزها الإمام، قتلتك. فأنكرت الحنفية الصلاة، فأمر القفال بإحضار كتبهم، فوجد كذلك، فتحول محمود شافعيا. هكذا ذكره الإمام أبو المعالي بأطول من هذا.
قال عبد الغافر الفارسي في ترجمة محمود: كان صادق النية في إعلاء الدين، مظفرا كثير الغزو، وكان ذكيا بعيد الغور، صائب الرأي، وكان مجلسه مورد العلماء. وقبره بغزنة يزار.(أعلام/1122)
قال أبو علي بن البناء: حكى علي بن الحسين العكبري أنه سمع أبا مسعود أحمد بن محمد البجلي قال: دخل ابن فورك على السلطان محمود، فقال: لا يجوز أن يوصف الله بالفوقية; لأن لازم ذلك وصفه بالتحتية، فمن جاز أن يكون له فوق، جاز أن يكون له تحت. فقال السلطان: ما أنا وصفته حتى يلزمني، بل هو وصف نفسه. فبهت ابن فورك، فلما خرج من عنده مات. فيقال: انشقت مرارته.
قال عبد الغافر: قد صنف في أيام محمود وأحواله لحظة لحظة، وكان في الخير ومصالح الرعية يسر له الإسار والجنود والهيبة والحشمة مما لم يره أحد.
وقال أبو النضر محمد بن عبد الجبار العتبي في كتاب " اليميني " في سيرة هذا الملك: قيل فيه:
تعالى الله ما شاء
وزاد الله إيماني
أأفريدون في التاج
أم الإسكندر الثاني
أم الرجعة قد عادت
إلينا بسليمان
أظلت شمس محمود
على أنجم سامان
وأمسى آل بهرام
عبيدا لابن خاقان
فمن واسطة الهند
إلى ساحة جرجان
ومن قاصية السند
إلى أقصى خراسان
فيوما رسل الشاه
ويوما رسل الخان
مولد محمود في سنة إحدى وستين وثلاثمائة ومات بغزنة في جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وأربعمائة وتسلطن بعده ابنه محمد مديدة، وقبض عليه أخوه مسعود، وتمكن، وحارب السلجوقية مرات إلى أن قتل في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، ثم قام ابنه. وكانت غزوات السلطان محمود مشهورة عديدة وفتوحاته المبتكرة عظيمة.(أعلام/1123)
قرأت بخط الوزير جمال الدين بن علي القفطي في سيرته: قال كاتبه الوزير ابن الميمندي: جاءنا رسول الملك بيدا على سرير كالنعش ; بأربع قوائم يحمله أربعة. وكان السلطان يعظم أمر الرسل لما يفعله أصحابهم برسله. قال: فحمل على حالته حتى صار بين يديه، فقال له الهندي: أي رجل أنت؟ قال: أدعو إلى الله، وأجاهد من يخالف دين الإسلام. قال: فما تريد منا؟ قال: أن تتركوا عبادة الأصنام، وتلتزموا شروط الدين، وتأكلوا لحم البقر. وتردد بينهما الكلام، حتى خوفه محمود وهدده، وقال الحاجب للهندي: أتدري لمن تخاطب؟ وبين يدي أي سلطان أنت؟ فقال الهندي: إن كان يدعو إلى الله كما يزعم، فليس هذا من شروط ذلك، وإن كان سلطانا قاهرا لا ينصف، فهذا أمر آخر. فقال الوزير: دعوه. ثم ورد الخبر بتشويش خراسان، وضاق على صاحب الهند الأمر، ورأى أن بلاده تخرب، فنفذ رسولا آخر، وتلطف، وقال: إن مفارقة ديننا لا سبيل إليه، وليس هنا مال نصالحك عليه، ولكن نجعل بيننا هدنة، ونكون تحت طاعتك. قال: أريد ألف فيل وألف منا ذهبا. قال: هذا لا قدرة لنا عليه. ثم تقرر بينهما تسليم خمسمائة فيل وثلاثة آلاف من فضة، واقترح محمود على الملك بيدا أن يلبس خلعته ويشد السيف والمنطقة ويضرب السكة باسمه. فأجاب، لكنه استعفي من السكة، فكانت الخلعة قباء نسج بالذهب، وعمامة قصب، وسيفا محلى، وفرسا وخفا، وخاتما عليه اسمه، وقال لرسوله: امض حتى يلبس ذلك، وينزل إلى الأرض، ويقطع خاتمه وأصبعه، ويسلمها إليك، فذلك علامة التوثقة. قال: وكان عند محمود شيء كثير من أصابع الملوك الذين هادنهم.(أعلام/1124)
قال ابن الميمندي الوزير: فذهبت في عشرة مماليك أتراك، وجئنا وصحنا: رسول رسول. فكفوا عن الرمي، فأدخلنا على الملك، وهو شاب مليح الوجه على سرير فضة، فخدمته بأن صفقت بيدي، وانحنيت عليهما، وقلت: جو. فكان جوابه: باه. وأجلسني، وقربني، وأخذ يشكو ما لحق البلاد من الخراب، ثم لبس الخلعة بعد تمنع، وتعمم له تركي، وطالبته بالحلف، قال: نحلف بالأصنام والنار، وأنتم لا تقنعون بذلك. قلت: لا بد وأحجمت عن ذكر الأصبع، فأخرج حديدة قطع بها أصبعه الصغرى ولم يكترث، وعمل على يده كافورا، ودفعت إلي وقال: قل لصاحبك: اكفف عن أذى الرعية. فرجع السلطان إلى خراسان، ونفذ إليه ابن مروان صاحب ديار بكر هدية، فردها وقال: لم أردها استقلالا، ولكن علمت أن قصدك المخالطة والمصادقة، ويقبح بي أن أصادق من لا أقدر أن أنصره، وربما طرقك عدو وأنا على ألف فرسخ منك، فلا أتمكن من نصرتك.(أعلام/1125)
ثم بلغ السلطان أن الهنود قالوا: أخرب أكثر بلاد الهند غضب الصنم الكبير سومنات على سائر الأصنام ومن حولها، فعزم على غزو هذا الوثن، وسار يطوي القفار في جيشه إليه، وكانوا يقولون: إنه يرزق ويحيي ويميت ويسمع ويعي، يحجون إليه، ويتحفونه بالنفائس، ويتغالون فيه كثيرا، فتجمع عند هذا الصنم مال يتجاوز الوصف، وكانوا يغسلونه كل يوم: بماء وعسل ولبن، وينقلون إليه الماء من نهر حيل مسيرة شهر، وثلاثمائة يحلقون رءوس حجاجه ولحاهم، وثلاثمائة يغنون. فسار الجيش من غزنة، وقطعوا مفازة صعبة، وكانوا ثلاثين ألف فارس وخلقا من الرجالة والمطوعة، وقوى المطوعة بخمسين ألف دينار، وأنفق في الجيش فوق الكفاية، وارتحل من المليا ثاني يوم الفطر سنة 416، وقاسوا مشاق، وبقوا لا يجدون الماء إلا بعد ثلاث، غطاهم في يوم ضباب عظيم، فقالت الكفرة: هذا من فعل الإله سومنات.(أعلام/1126)
ثم نازل مدينة أنهلوارة، وهرب منها ملكها إلى جزيرة، فأخرب المسلمون بلده، ودكوها، وبينها وبين الصنم مسيرة شهر في مفاوز، فساروا حتى نازلوا مدينة دبولوارة ; وهي قبل الصنم بيومين، فأخذت عنوة، وكسرت أصنامها، وهي كثيرة الفواكه، ثم نازلوا سومنات في رابع عشر ذي القعدة، ولها قلعة منيعة على البحر، فوقع الحصار، فنصبت السلالم عليها، فهرب المقاتلة إلى الصنم، وتضرعوا له، واشتد الحال وهم يظنون أن الصنم قد غضب عليهم، وكان في بيت عظيم منيع، على أبوابه الستور الديباج، وعلى الصنم من الحلي والجواهر ما لا يوصف، والقناديل تضيء ليلا ونهارا، على رأسه تاج لا يقوم، يندهش منه الناظر، ويجتمع عنده في عيدهم نحو مائة ألف كافر، وهو على عرش بديع الزخرفة، علو خمسة أذرع، وطول الصنم عشرة أذرع، وله بيت مال فيه من النفائس والذهب ما لا يحصى، ففرق محمود في الجند معظم ذلك، وزعزع الصنم بالمعاول، فخر صريعا، وكانت فرقة تعتقد أنه منات، وأنه تحول بنفسه في أيام النبوة من ساحل جدة.(أعلام/1127)
وحصل بهذا المكان ليقصد ويحج معارضة للكعبة. فلما رآه الكفار صريعا مهينا، تحسروا، وسقط في أيديهم، ثم أحرق حتى صار كلسا، وألقيت النيران في قصور القلعة، وقتل بها خمسون ألفا، ثم سار محمود لأسر الملك بهيم، ودخلوا بالمراكب، فهرب، وافتتح محمود عدة حصون ومدائن، وعاد إلى غزنة، فدخلها في ثامن صفر سنة سبع عشرة، ودانت له الملوك، فكانت مدة الغيبة مائة وثلاثة وستين يوما. وفي سنة ثمان عشرة سار إلى بلخ، وجهز جيشه إلى ما وراء النهر في نصرة الخانية، وكان علي بن تكين قد أغار على بخارى، فضاق قدرخان به ذرعا، واستنجد محمودا، ففر ابن تكين، ودخل البرية. ثم حارب محمود الغز، وقبض على ابن سلجوق مقدمهم، فثارت الغز، وأفسدوا، وتفرغوا للأذى، وتعبت بهم الرعية، واستحكم الشر، وأقام محمود بنيسابور مدة، ثم في عشرين قصد الري، وأخذها، وقبض على ملكها مجد الدولة بن بويه ; وكان ضعيف التدبير، فضرب حتى حمل ألف ألف دينار، وصلب محمود أمراء من الديلم، وجرت قبائح وظلم. ثم جهز محمود ولده مسعودا، فاستولى على أصبهان، ثم رجع السلطان إلى غزنة عليلا، فمات في ربيع الأول سنة إحدى، وأمسى وقد فارقته الجنود، وتنكست لحزنه البنود، وناح عليه الوالد والمولود، وسكن ظلمة اللحود.
وقد خطب له بالغور وبخراسان والسند والهند، وناحية خوارزم وبلخ، وهي من خراسان، وبجرجان وطبرستان والري والجبال، وأصبهان وأذربيجان، وهمدان وأرمينية.(أعلام/1128)
وكان مكرما لأمرائه وأصحابه، وإذا نقم عاجل، وكان لا يفتر ولا يكاد يقر. سار مرة في خمسين ألف فارس، وفي مائتي فيل، وأربعين ألف جمازة تحمل ثقل العساكر، وكان يعتقد في الخليفة، ويخضع لجلاله، ويحمل إليه قناطير من الذهب، وكان إلبا على القرامطة والإسماعيلية وعلى المتكلمين، على بدعة فيه فيما قيل، ويغضب للكرامية، وكان يشرب النبيذ دائما، وتصرفه على الأخلاق الزكية، وكان فيه شدة وطأة على الرعية ; ولكن كانوا في أمن وإقامة سياسة، ولازمه علة نحو ثلاث سنين، كان يعتريه إسهال، ولا يترك الركوب والسفر، قبض وهو في مجلسه ودسته ما وضع جنبه، ولما احتضر، قال لوزيره: يا أبا الحسن: ذهب شيخكم. ثم مات يوم الخمسين لتسع بقين من ربيع الآخر، فكتم موته، ثم فشى، وأتى ابنه السلطان محمد من الجوزجان، فوصل في أربعين يوما.
كان السلطان محمود ربعة، فيه سمن، تركي العين، فيه شقرة، ولحيته مستديرة، غليظ الصوت، وفي عارضيه شيب. وكان ابنه محمد في قده، وكان ابنه مسعود طويلا.
قال محمود يوما للأمير أبي طاهر الساماني: كم جمع آباؤك من الجوهر؟ قال: سمعت أنه كان عند الأمير الرضي سبعة أرطال. فسجد شكرا، وقال: أنا في خزانتي سبعون رطلا.(أعلام/1129)
وكان صمم على التوغل في بلاد الخانية، وقال: معي أربعمائة فيل مقاتلة ما يثبت لها أحد. فبلغه أن الخانية قالوا: نحن نأخذ ألف ثور تركية، وهي كبار ضخام، فنجعل عليها ألف عجلة، ونملؤها حطبا، فإذا دنت الفيلة، أوقدنا الحطب، فتطلب البقر أمامها، وتلقي النار على الأفيلة وعلى من حولها، فتتم الهزيمة، فأحجم محمود. وكان يعظم الميمندي كاتبه، لأنهم لما نازلوا مدينة بيدا حصل السلطان وكاتبه في عشرين فارسا فوق تل تجاه البلد، فبرز لهم عسكر أحاطوا بالتل، فعاينوا التلف، فتقدم كاتبه، ونادوا الهنود، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا محمود. قالوا: أنت المراد. قال: ها أنا في أيديكم، وعندي من ملوككم جماعة أفدي نفسي بهم، وأحضرهم، وأنزل على حكمكم. ففرحوا، وقالوا: فأحضر الملوك. فالتفت إلى شاب، وقال: امض إلى ولدي، وعرفه خبري. ثم قال: لا! أنت لا تنهض بالرسالة. وقال لمحمود: امض، أنت عاقل وأسرع. فلما جاوز نهرا، لقيه بعض جنده، فترجلوا. وعاين ذلك من فوق القلعة، فقالوا لكاتبه: من رسولك؟ قال: ذاكم السلطان فديته بنفسي، فافعلوا ما بدا لكم. وبلغ ذلك بيدا، فأعجبه، وقال: نعم ما فعلت، فتوسط لنا عند سلطانك. فهادنهم، وزادت عظمة الميمندي عند محمود، حتى إنه زوج أخاه يوسف بزليخا ابنة الميمندي، ثم في الآخر قبض عليه، وصادره، لأنه أراد أن يسم محمودا، ووزن له ألف ألف دينار، ومن التحف والذخائر ما لا يوصف بعد العذاب، ثم أطلق الميمندي بعد وفاة محمود، ووزر لمسعود.
أحضر إلى محمود بغزنة شخصان من النسناس من بادية بلاصيغون، وهي مملكة قدرخان، وعدو النسناس في شدة عدو الفرس، وهو في صورة آدمي، لكنه بدنه ملبس بالشعر، وكلامه صفير، ويأكل حشيشا، وأهل تلك البلاد يصطادونهم، ويأكلونهم. فسأل محمود الفقهاء عن أكل لحمهم، فنهوا عنه.(أعلام/1130)
السيف
العلامة المصنف فارس الكلام سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي الحنبلي ثم الشافعي. ولد سنة نيف وخمسين وقرأ بآمد القراءات على عمار الآمدي، ومحمد الصفار. وتلا ببغداد على ابن عبيدة. وحفظ " الهداية " وتفقه على ابن المني. وسمع من ابن شاتيل وغيره، ثم صحب ابن فضلان، واشتغل عليه في الخلاف. وبرع، وحفظ طريقة الشريف ونظر في طريقة أسعد الميهني، وتفنن في حكمة الأوائل فرق دينه واظلم، وكان يتوقد ذكاء.
قال علي بن أنجب في " أسماء المصنفين ": اشتغل بالشام على المجير البغدادي، ثم ورد إلى بغداد واشتغل ب " الشفاء " وب " الشامل " لأبي المعالي، وحفظ عدة كتب وكرر على " المستصفى " وتبحر في العلوم، وتفرد بعلم المعقولات والمنطق والكلام، وقصده الطلاب من البلاد، وكان يواسيهم بما يقدر، ويفهم الطلاب ويطول روحه.
قلت: ثم أقرأ الفلسفة والمنطق بمصر بالجامع الظافري، وأعاد بقبة الشافعي، وصنف التصانيف، ثم قاموا عليه، ورموه بالانحلال، وكتبوا محضرا بذلك.
قال القاضي ابن خلكان وضعوا خطوطهم بما يستباح به الدم، فخرج مستخفيا، ونزل حماة. وألف في الأصلين والحكمة المشئومة والمنطق، والخلاف، وله كتاب " أبكار الأفكار " في الكلام، و " منتهى السول في الأصول " و " طريقة " في الخلاف، وله نحو من عشرين تصنيفا. ثم تحول إلى دمشق، ودرس بالعزيزية مدة، ثم عزل عنها لسبب اتهم فيه، وأقام بطالا في بيته.
قال: ومات في رابع صفر سنة إحدى وثلاثين وستمائة وله ثمانون سنة.
وقال سبط الجوزي لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين وعلم الكلام، وكان يظهر منه رقة قلب وسرعة دمعة، أقام بحماة، ثم بدمشق. ومن عجيب ما يحكى عنه أنه ماتت له قطة بحماة فدفنها فلما سكن دمشق بعث ونقل عظامها في كيس ودفنها بقاسيون.(أعلام/1131)
قال: وكان أولاد العادل كلهم يكرهونه لما اشتهر عنه من علم الأوائل والمنطق، وكان يدخل على المعظم فلا يتحرك له، فقلت: قم له عوضا عني فقال: ما يقبله قلبي. ومع ذا ولاه تدريس العزيزية، فلما مات
أخرجه منها الأشرف، ونادى في المدارس: من ذكر غير التفسير والفقه، أو تعرض لكلام الفلاسفة نفيته، فأقام السيف خاملا في بيته إلى أن مات، ودفن بتربته بقاسيون.
قلت: أخذ عنه القاضيان ابن سني الدولة صدر الدين ومحيي الدين ابن الزكي.
وكان القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة يحكي عن شيخه ابن أبي عمر، قال: كنا نتردد إلى السيف، فشككنا هل يصلي أم لا؟ فنام، فعلمنا على رجله بالحبر فبقيت العلامة يومين مكانها، فعلمنا أنه ما توضأ، نسأل الله السلامة في الدين!
وقد حدث السيف ب " الغريب " لأبي عبيد عن أبي الفتح بن شاتيل.
قال لي شيخنا ابن تيمية: يغلب على الآمدي الحيرة والوقف، حتى إنه أورد على نفسه سؤالا في تسلسل العلل، وزعم أنه لا يعرف عنه جوابا، وبنى إثبات الصانع على ذلك، فلا يقرر في كتبه إثبات الصانع، ولا حدوث العالم، ولا وحدانية الله، ولا النبوات، ولا شيئا من الأصول الكبار.
قلت: هذا يدل على كمال ذهنه، إذ تقرير ذلك بالنظر لا ينهض، وإنما ينهض بالكتاب والسنة وبكل قد كان السيف غاية، ومعرفته بالمعقول نهاية، وكان الفضلاء يزدحمون في حلقته.
قال ابن خلكان: سمعت ابن عبد السلام يقول: ما سمعت من يلقي الدرس أحسن من السيف، كأنه يخطب، وكان يعظمه.(أعلام/1132)
ومات في السنة أكابر منهم: الأمير الكبير صلاح الدين أحمد بن عبد السيد الإربلي الحاجب، وله نظم رائق. والشرف أحمد بن محمد ابن الصابوني، ونجم الدين ثابت بن تاوان التفليسي، وزكريا بن علي العلبي، والمصنف رضي الدين سليمان بن مظفر الجيلي الشافعي ببغداد، والقدوة الشيخ عبد الله بن يونس الأرموي الزاهد بسفح قاسيون، وأبو نصر عبد الرحيم بن محمد بن عساكر، وشيخ القراء الزاهد محمد بن عمر بن يوسف القرطبي صاحب الشاطبي، ومحدث بخارى أبو رشيد محمد بن أبي بكر الغزال الأصبهاني، ومدرس المستنصرية محيي الدين محمد بن يحيى بن فضلان الشافعي وقد ولي قضاء القضاة قليلا، وأبو الفتوح ناصر بن عبد العزيز الأغماتي، وشيخ الطب رضي الدين يوسف بن حيدرة الرحبي أحد المصنفين، وله سبع وتسعون سنة، ومسند الوقت أبو عبد الله ابن الزبيدي، والمسلم بن أحمد المازني.(أعلام/1133)
الشاطبي
الشيخ الإمام، العالم العامل، القدوة، سيد القراء أبو محمد، وأبو القاسم القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرعيني، الأندلسي، الشاطبي، الضرير، ناظم " الشاطبية " و " الرائية ".
من كناه أبا القاسم - كالسخاوي وغيره- لم يجعل له اسما سواها. والأكثرون على أنه أبو محمد القاسم.
وذكره أبو عمرو بن الصلاح في " طبقات الشافعية ".
ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.
وتلا ببلده بالسبع على أبي عبد الله بن أبي العاص النفري، ورحل إلى بلنسية، فقرأ القراءات على أبي الحسن بن هذيل، وعرض عليه " التيسير "، وسمع منه الكتب، ومن أبي الحسن ابن النعمة، وأبي عبد الله ابن سعادة، وأبي محمد بن عاشر، وأبي عبد الله بن عبد الرحيم، وعليم بن عبد العزيز. وارتحل للحج، فسمع من أبي طاهر السلفي، وغيره.
وكان يتوقد ذكاء. له الباع الأطول في فن القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث، وله النظم الرائق، مع الورع والتقوى والتأله والوقار.
استوطن مصر، وتصدر، وشاع ذكره.
حدث عنه: أبو الحسن بن خيرة، ومحمد بن يحيى الجنجالي، وأبو بكر بن وضاح، وأبو الحسن علي بن الجميزي، وأبو محمد بن عبد الوارث قارئ مصحف الذهب.
وقرأ عليه بالسبع: أبو موسى عيسى بن يوسف المقدسي، وعبد الرحمن بن سعيد الشافعي، وأبو عبد الله محمد بن عمر القرطبي، وأبو الحسن السخاوي، والزين أبو عبد الله الكردي، والسديد عيسى بن مكي، والكمال علي شجاع، وآخرون.
قال أبو شامة أخبرنا السخاوي: أن سبب انتقال الشاطبي من بلده أنه أريد على الخطابة، فاحتج بالحج، وترك بلده، ولم يعد إليه تورعا مما كانوا يلزمون الخطباء من ذكرهم الأمراء بأوصاف لم يرها سائغة، وصبر على فقر شديد، وسمع من السلفي، فطلبه القاضي الفاضل للإقراء بمدرسته، فأجاب على شروط، وزار بيت المقدس سنة سبع وثمانين وخمسمائة.(أعلام/1134)
قال السخاوي: أقطع بأنه كان مكاشفا، وأنه سأل الله كف حاله.
قال الأبار تصدر بمصر فعظم شأنه، وبعد صيته، انتهت إليه رياسة الإقراء، وتوفي بمصر في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة.
قلت: وله أولاد رووا عنه منهم أبو عبد الله محمد.
أخبرنا أبو الحسين الحافظ ببعلبك، أخبرنا علي بن هبة الله، أخبرنا الشاطبي، أخبرنا ابن هذيل بحديث ذكرته في " التاريخ الكبير ".
وجاء عنه قال: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله، لأنني نظمتها لله.
وله قصيدة دالية نحو خمسمائة بيت، من قرأها أحاط علما ب " التمهيد " لابن عبد البر.
وكان إذا قرئ عليه " الموطأ " و " الصحيحان "، يصحح النسخ من حفظه، حتى كان يقال: إنه يحفظ وقر بعير من العلوم.
قال ابن خلكان قيل: اسمه وكنيته واحد، ولكن وجدت إجازات أشياخه له: أبو محمد القاسم. وكان نزيل القاضي الفاضل فرتبه بمدرسته لإقراء القرآن، ولإقراء النحو واللغة، وكان يتجنب فضول الكلام، ولا ينطق إلا لضرورة، ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة.(أعلام/1135)
الشعبي (ع)
عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار -وذو كبار: قيل من أقيال اليمن - الإمام، علامة العصر، أبو عمرو الهمداني ثم الشعبي.
ويقال: هو عامر بن عبد الله، وكانت أمه من سبي جلولاء.
مولده في إمرة عمر بن الخطاب لست سنين خلت منها. فهذه رواية.
وقيل: ولد سنة إحدى وعشرين. قاله شباب.
وكانت جلولاء في سنة سبع عشرة.
وروى ابن عيينة عن السري بن إسماعيل، عن الشعبي، قال: ولدت عام جلولاء فهذه رواية منكرة، وليس السري بمعتمد، قد اتهم.
وعن أحمد بن يونس: ولد الشعبي سنة ثمان وعشرين.
ويقاربها رواية حجاج الأعور عن شعبة، قال لي أبو إسحاق: الشعبي أكبر مني بسنة أو سنتين.
قلت: وإنما ولد أبو إسحاق بعد سنة اثنتين وثلاثين.
وقال محمد بن سعد هو من حمير، وعداده في همدان.
قلت: رأى عليا -رضي الله عنه- وصلى خلفه، وسمع من عدة من كبراء الصحابة.(أعلام/1136)
وحدث عن سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأبي موسى الأشعري، وعدي بن حاتم، وأسامة بن زيد، وأبي مسعود البدري، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وعائشة، وجابر بن سمرة وابن عمر، وعمران بن حصين، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن عمرو، وجرير بن عبد الله، وابن عباس، وكعب بن عجرة، وعبد الرحمن بن سمرة، وسمرة بن جندب، والنعمان بن بشير، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وبريدة بن الحصيب، والحسن بن علي، وحبشي بن جنادة، والأشعث بن قيس الكندي، ووهب بن خنبش الطائي، وعروة بن مضرس، وجابر بن عبد الله، وعمرو بن حريث، وأبي سريحة الغفاري، وميمونة، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، وفاطمة بنت قيس، وأم هانئ، وأبي جحيفة السوائي، وعبد الله بن أبي أوفى، وعبد الله بن يزيد الأنصاري، وعبد الرحمن بن أبزى، وعبد الله بن الزبير، والمقدام بن معد يكرب، وعامر بن شهر، وعروة بن الجعد البارقي، وعوف بن مالك الأشجعي، وعبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي، وأنس بن مالك، ومحمد بن صيفي، وغير هؤلاء الخمسين من الصحابة.
وحدث عن علقمة، والأسود، والحارث الأعور، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والقاضي شريح وعدة.
روى عنه الحكم، وحماد، وأبو إسحاق، وداود بن أبي هند، وابن عون وإسماعيل بن أبي خالد، وعاصم الأحول، ومكحول الشامي، ومنصور بن عبد الرحمن الغداني، وعطاء بن السائب، ومغيرة بن مقسم، ومحمد بن سوقة، ومجالد، ويونس بن أبي إسحاق، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة، وعيسى بن أبي عيسى الحناط وعبد الله بن عياش المنتوف، وأبو بكر الهذلي، وأمم سواهم.
وقبيلته: من كان منهم بالكوفة قيل: شعبي. ومن كان بمصر قيل: الأشعوبي. ومن كان باليمن قيل لهم: آل ذي شعبين، ومن كان بالشام قيل: الشعباني.
وأرى قبيلة شعبان نزلت بمرج " كفربطنا " فعرف بهم، وهم جميعا ولد حسان بن عمرو بن شعبين.(أعلام/1137)
قال الحاكم أبو عبد الله: فبنو علي بن حسان بن عمرو رهط عامر الشعبي، دخلوا في جمهور همدان. وكان الشعبي توأما ضئيلا فكان يقول: إني زوحمت في الرحم.
قال: وأقام بالمدينة ثمانية أشهر هاربا من المختار، فسمع من ابن عمر وتعلم الحساب من الحارث الأعور، وكان حافظا وما كتب شيئا قط.
قال ابن سعد أنبأنا عبد الله بن محمد بن مرة الشعباني، حدثني أشياخ من شعبان، منهم محمد بن أبي أمية -وكان عالما- أن مطرا أصاب اليمن، فجحف السيل موضعا فأبدى عن أزج عليه باب من حجارة، فكسر الغلق ودخل، فإذا بهو عظيم فيه سرير من ذهب، فإذا عليه رجل شبرناه، فإذا طوله اثنا عشر شبرا، وإذا عليه جباب من وشي منسوجة بالذهب، وإلى جنبه محجن من ذهب على رأسه ياقوتة حمراء، وإذا رجل أبيض الرأس واللحية، له ضفران، وإلى جنبه لوح مكتوب فيه بالحميرية: باسمك اللهم رب حمير أنا حسان بن عمرو القيل إذ لا قيل إلا الله، عشت بأمل، ومت بأجل، أيام وخزهيد وما وخزهيد؟ هلك فيه اثنا عشر ألف قيل، فكنت آخرهم قيلا، فأتيت جبل ذي شعبين ليجيرني من الموت فأخفرني. وإلى جنبه سيف مكتوب فيه: أنا قيل بي يدرك الثأر.
شعبة، عن منصور بن عبد الرحمن، عن الشعبي، قال: أدركت خمس مائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، قال: ما رأيت أحدا أعلم من الشعبي.
هشيم: أنبأنا إسماعيل بن سالم، عن الشعبي، قال: ما مات ذو قرابة لي وعليه دين، إلا وقضيت عنه، ولا ضربت مملوكا لي قط، ولا حللت حبوتي إلى شيء مما ينظر الناس.
أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، قال: ما رأيت أحدا قط كان أفقه من الشعبي. قلت: ولا شريح؟ فغضب وقال: إن شريحا لم أنظر أمره.(أعلام/1138)
زائدة، عن مجالد، قال: كنت مع إبراهيم في أصحاب الملا، فأقبل الشعبي، فقام إليه إبراهيم، فقال له: يا أعور، لو أن أصحابي أبصروك! ثم جاء، فجلس في موضع إبراهيم.
سليمان التيمي، عن أبي مجلز، قال: ما رأيت أحدا أفقه من الشعبي ; لا سعيد بن المسيب، ولا طاوس، ولا عطاء، ولا الحسن، ولا ابن سيرين، فقد رأيت كلهم.
عبد الله بن رجاء: حدثنا جرير بن أيوب، قال: سأل رجل الشعبي عن ولد الزنا شر الثلاثة هو؟ فقال: لو كان كذلك، لرجمت أمه وهو في بطنها، ولم تؤخر حتى تلد.
ابن حميد: حدثنا حر، عن مغيرة، قال رجل من الكيسانية عند الشعبي: كانت عائشة من أبغض زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه. قال: خالفت سنة نبيك.
علي بن القاسم، عن أبي بكر الهذلي، قال لي ابن سيرين: الزم الشعبي ; فلقد رأيته يستفتى وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوافرون.
قال أبو الحسن المدائني في كتاب الحكمة: قيل للشعبي: من أين لك كل هذا العلم؟ قال: بنفي الاغتمام، والسير في البلاد، وصبر كصبر الحمام، وبكور كبكور الغراب.
قال ابن عيينة: علماء الناس ثلاثة ; ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه.
قال ابن سعد كان الشعبي ضئيلا نحيفا، ولد هو وأخ له توأما. قال أحمد بن عبد الله العجلي: سمع الشعبي من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ولا يكاد يرسل إلا صحيحا.
روى عقيل بن يحيى: حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن منصور الغداني، عن الشعبي، قال: أدركت خمسمائة صحابي أو أكثر يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.
وأما عمرو بن مرزوق، فرواه عن شعبة، وفيه: يقولون: علي وطلحة والزبير في الجنة.
ابن فضيل، عن ابن شبرمة: سمعت الشعبي يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، ولا أحببت أن يعيده علي.(أعلام/1139)
هذا سماعنا في " مسند الدارمي ".
أنبأنا مالك بن إسماعيل، أنبأنا ابن فضيل: فكأن الشعبي يخاطبك به ; وهذا يدل على أنه أمي لا كتب ولا قرأ.
الفسوي في " تاريخه " حدثنا الحميدي حدثنا سفيان، حدثنا ابن شبرمة، سمعت الشعبي يقول: ما سمعت منذ عشرين سنة رجلا يحدث بحديث إلا أنا أعلم به منه، ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه رجل، لكان به عالما.
نوح بن قيس، عن يونس بن مسلم، عن وادع الراسبي، عن الشعبي قال: ما أروي شيئا أقل من الشعر، ولو شئت لأنشدتكم شهرا لا أعيد.
ورويت عن نوح مرة فقال: عن يونس ووادع.
محمود بن غيلان: سمعت أبا أسامة يقول: كان عمر في زمانه رأس الناس وهو جامع، وكان بعده ابن عباس في زمانه، وكان بعد الشعبي في زمانه، وكان بعده الثوري في زمانه، ثم كان بعده يحيى بن آدم.
شريك، عن عبد الملك بن عمير، قال: مر ابن عمر بالشعبي وهو يقرأ المغازي، فقال: كأن هذا كان شاهدا معنا، ولهو أحفظ لها مني وأعلم.
أشعب بن سوار، عن ابن سيرين، قال: قدمت الكوفة وللشعبي حلقة عظيمة، والصحابة يومئذ كثير.
ابن عيينة، عن داود بن أبي هند، قال: ما جالست أحدا أعلم من الشعبي.
وقال عاصم بن سليمان: ما رأيت أحدا أعلم بحديث أهل الكوفة والبصرة والحجاز والآفاق من الشعبي.
أبو معاوية: سمعت الأعمش يقول: قال الشعبي: ألا تعجبون من هذا الأعور؟ ! يأتيني بالليل فيسألني ويفتي بالنهار - يعني إبراهيم.
أبو شهاب، عن الصلت بن بهرام، قال: ما بلغ أحد مبلغ الشعبي ; أكثر منه يقول لا أدري.
أبو عاصم، عن ابن عون، قال: كان الشعبي إذا جاءه شيء اتقاه، وكان إبراهيم يقول ويقول.
جعفر بن عون، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كان إبراهيم صاحب قياس، والشعبي صاحب آثار.(أعلام/1140)
ابن المبارك، عن ابن عون: كان الشعبي منبسطا، وكان إبراهيم منقبضا ; فإذا وقعت الفتوى انقبض الشعبي، وانبسط إبراهيم.
وقال سلمة بن كهيل: ما اجتمع الشعبي وإبراهيم إلا سكت إبراهيم.
أبو نعيم: حدثنا أبو الجابية الفراء، قال: قال الشعبي: إنا لسنا بالفقهاء، ولكنا سمعنا الحديث فرويناه، ولكن الفقهاء من إذا علم عمل.
مالك بن مغول: سمعت الشعبي يقول: ليتني لم أكن علمت من ذا العلم شيئا.
قلت: لأنه حجة على العالم، فينبغي أن يعمل به، وينبه الجاهل، فيأمره وينهاه ; ولأنه مظنة أن لا يخلص فيه، وأن يفتخر به ويماري به، لينال رئاسة ودنيا فانية.
الحميدي: حدثنا سفيان، عن ابن شبرمة: سئل الشعبي عن شيء فلم يجب فيه، فقال رجل عنده: أبو عمرو يقول فيه كذا وكذا. فقال: الشعبي: هذا في المحيا، فأنت في الممات علي أكذب.
قال ابن عائشة: وجه عبد الملك بن مروان الشعبي إلى ملك الروم - يعني رسولا - فلما انصرف من عنده قال: يا شعبي، أتدري ما كتب به إلي ملك الروم؟ قال: وما كتب به يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت أتعجب لأهل ديانتك، كيف لم يستخلفوا عليهم رسولك. قلت: يا أمير المؤمنين لأنه رآني ولم يرك. أوردها الأصمعي. وفيها قال: يا شعبي، إنما أراد أن يغريني بقتلك. فبلغ ذلك ملك الروم فقال: لله أبوه، والله ما أردت إلا ذاك.(أعلام/1141)
يوسف بن بهلول الحافظ: حدثنا جابر بن نوح، حدثني مجالد عن الشعبي، قال: لما قدم الحجاج سألني عن أشياء من العلم فوجدني بها عارفا، فجعلني عريفا على قومي الشعبيين ومنكبا على جميع همدان وفرض لي، فلم أزل عنده بأحسن منزلة، حتى كان شأن عبد الرحمن بن الأشعث، فأتاني قراء أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا عمرو، إنك زعيم القراء، فلم يزالوا حتى خرجت معهم، فقمت بين الصفين أذكر الحجاج وأعيبه بأشياء، فبلغني أنه قال: ألا تعجبون من هذا الخبيث! أما لئن أمكنني الله منه، لأجعلن الدنيا عليه أضيق من مسك جمل. قال: فما لبثنا أن هزمنا، فجئت إلى بيتي، وأغلقت علي، فمكثت تسعة أشهر، فندب الناس لخراسان، فقام قتيبة بن مسلم، فقال: أنا لها، فعقد له على خراسان، فنادى مناديه: من لحق بعسكر قتيبة فهو آمن. فاشترى مولى لي حمارا، وزودني، ثم خرجت، فكنت في العسكر، فلم أزل معه حتى أتينا فرغانة فجلس ذات يوم وقد برق فنظرت إليه فقلت: أيها الأمير، عندي علم ما تريد. فقال: ومن أنت؟ قلت: أعيذك ألا تسأل عن ذاك، فعرف أني ممن يخفي نفسه، فدعا بكتاب فقال: اكتب نسخة. قلت: لا تحتاج إلى ذلك، فجعلت أمل عليه وهو ينظر حتى فرغ من كتاب الفتح.
قال: فحملني على بغلة وأرسل إلي بسرق من حرير، وكنت عنده في أحسن منزلة، فإني ليلة أتعشى معه، إذا أنا برسول الحجاج بكتاب فيه: إذا نظرت في كتابي هذا، فإن صاحب كتابك عامر الشعبي، فإن فاتك، قطعت يدك على رجلك وعزلتك.
قال: فالتفت إلي، وقال: ما عرفتك قبل الساعة، فاذهب حيث شئت من الأرض، فوالله لأحلفن له بكل يمين. فقلت: أيها الأمير إن مثلي لا يخفى. فقال: أنت أعلم. قال: فبعثني إليه وقال: إذا وصلتم إلى خضراء واسط فقيدوه، ثم أدخلوه على الحجاج.(أعلام/1142)
فلما دنوت من واسط، استقبلني ابن أبي مسلم، فقال: يا أبا عمرو، إني لأضن بك عن القتل، إذا دخلت على الأمير فقل كذا وقل كذا. فلما أدخلت عليه ورآني قال: لا مرحبا ولا أهلا، جئتني ولست في الشرف من قومك، ولا عريفا، ففعلت وفعلت، ثم خرجت علي. وأنا ساكت. فقال: تكلم. فقلت: أصلح الله الأمير، كل ما قلته حق، ولكنا قد اكتحلنا بعدك السهر، وتحلسنا الخوف، ولم نكن مع ذلك بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء، فهذا أوان حقنت لي دمي، واستقبلت بي التوبة. قال: قد فعلت ذلك.
وقال الأصمعي: لما أدخل الشعبي على الحجاج قال: هيه يا شعبي. . فقال: أحزن بنا المنزل، واستحلسنا الخوف فلم نكن فيما فعلنا بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء. فقال: لله درك.
قال ابن سعد قال أصحابنا: كان الشعبي فيمن خرج مع القراء على الحجاج، ثم اختفى زمانا، وكان يكتب إلى يزيد بن أبي مسلم أن يكلم فيه الحجاج.(أعلام/1143)
الشيخ أبو عمر
الإمام العالم الفقيه المقرئ المحدث البركة شيخ الإسلام أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجماعيلي الحنبلي الزاهد، واقف المدرسة.
مولده في سنة ثمان وعشرين وخمسمائة بقرية جماعيل من عمل نابلس، وتحول إلى دمشق هو وأبوه وأخوه وقرابته مهاجرين إلى الله، وتركوا المال والوطن لاستيلاء الفرنج، وسكنوا مدة بمسجد أبي صالح بظاهر باب شرقي ثلاث سنين، ثم صعدوا إلى سفح قاسيون، وبنوا الدير المبارك والمسجد العتيق، وسكنوا ثم، وعرفوا بالصالحية نسبة إلى ذاك المسجد. سمع أباه، وأبا المكارم بن هلال، وسلمان بن علي الرحبي، وأبا الفهم بن أبي العجائز، وعدة، وبمصر ابن بري، وإسماعيل الزيات، وكتب وقرأ، وحصل، وتقدم. وكان من العلماء العاملين، ومن الأولياء المتقين. حدث عنه أخوه الشيخ موفق الدين وابناه عبد الله وعبد الرحمن، والضياء، وابن خليل، والزكي المنذري، والقوصي، وابن عبد الدائم، والفخر علي، وطائفة. وقد جمع له الحافظ الضياء سيرة في جزئين فشفى وكفى، وقال: كان لا يسمع دعاء إلا ويحفظه في الغالب ويدعو به، ولا حديثا إلا وعمل به، ولا صلاة إلا صلاها، كان يصلي بالناس في النصف مائة ركعة وهو مسن، ولا يترك قيام الليل من وقت شبوبيته، وإذا رافق ناسا في السفر ناموا وحرسهم يصلي.(أعلام/1144)
قلت: كان قدوة صالحا، عابدا قانتا لله، ربانيا، خاشعا مخلصا، عديم النظير، كبير القدر، كثير الأوراد والذكر، والمروءة والفتوة والصفات الحميدة، قل أن ترى العيون مثله. قيل: كان ربما تهجد فإن نعس ضرب على رجليه بقضيب حتى يطير النعاس، وكان يكثر الصيام، ولا يكاد يسمع بجنازة إلا شهدها، ولا مريض إلا عاده، ولا جهاد إلا خرج فيه، ويتلو كل ليلة سبعا مرتلا في الصلاة، وفي النهار سبعا بين الصلاتين، وإذا صلى الفجر تلا آيات " الحرس " و " يس " و " الواقعة " و " تبارك "، ثم يقرئ ويلقن إلى ارتفاع النهار. ثم يصلي الضحى، فيطيل، ويصلي طويلا بين العشائين ويصلي صلاة التسبيح كل ليلة جمعة، ويصلي يوم الجمعة ركعتين بمائة قل هو الله أحد فقيل: كانت نوافله في كل يوم وليلة اثنتين وسبعين ركعة، وله أذكار طويلة، ويقرأ بعد العشاء آيات الحرس، وله أوراد عند النوم واليقظة، وتسابيح، ولا يترك غسل الجمعة، وينسخ " الخرقي " من حفظه، وله معرفة بالفقه والعربية والفرائض. وكان قاضيا لحوائج الناس، ومن سافر من الجماعة يتفقد أهاليهم، وكان الناس يأتونه في القضايا فيصلح بينهم، وكان ذا هيبة ووقع في النفوس.
قال الشيخ الموفق: ربانا أخي، وعلمنا، وحرص علينا، كان للجماعة كالوالد يحرص عليهم، ويقوم بمصالحهم، وهو الذي هاجر بنا، وهو سفرنا إلى بغداد، وهو الذي كان يقوم في بناء الدير، وحين رجعنا زوجنا وبنى لنا دورا خارج الدير، وكان قلما يتخلف عن غزاة.(أعلام/1145)
قال الشيخ الضياء: لما جرى على الحافظ عبد الغني محنته جاء أبا عمر الخبر، فخر مغشيا عليه، فلم يفق إلا بعد ساعة، وكان كثيرا ما يتصدق ببعض ثيابه، وتكون جبته في الشتاء بلا قميص، وربما تصدق بسراويله، وكانت عمامته قطعة بطانة، فإذا احتاج أحد إلى خرقة، قطع له منها، يلبس الخشن، وينام على الحصير، وربما تصدق بالشيء وأهله محتاجون إليه، وكان ثوبه إلى نصف ساقه، وكمه إلى رسغه، سمعت أمي تقول: مكثنا زمانا لا يأكل أهل الدير إلا من بيت أخي أبي عمر، وكان يقول: إذا لم تتصدقوا من يتصدق عنكم؟ والسائل إن لم تعطوه أنتم أعطاه غيركم، وكان هو وأصحابه في خيمة على حصار القدس فزاره الملك العادل، فلم يجده، فجلس ساعة، وكان الشيخ يصلي فذهبوا خلفه مرتين فلم يجئ، فأحضروا للعادل أقراصا فأكل وقام وما جاء الشيخ.
قال الصريفيني: ما رأيت أحدا قط ليس عنده تكلف غير الشيخ أبي عمر.
قال الشيخ العماد: سمعت أخي الحافظ يقول: نحن إذا جاء أحد اشتغلنا به عن عملنا، وإن خالي أبا عمر فيه للدنيا والآخرة، يخالط الناس ولا يخلي أوراده.
قلت: كان يخطب بالجامع المظفري، ويبكي الناس، وربما ألف الخطبة، وكان يقرأ الحديث سريعا بلا لحن، ولا يكاد أحد يرجع من رحلته إلا ويقرأ عليه شيئا من سماعه، وكتب الكثير بخطه المليح ك: " الحلية " و " إبانة ابن بطة " و " معالم التنزيل " و " المغني " وعدة مصاحف. وربما كتب كراسين كبارا في اليوم، وكان يشفع برقاع يكتبها إلى الوالي المعتمد وغيره. وقد استسقى مرة بالمغارة فحينئذ نزل غيث أجرى الأودية. وقال: مذ أممت ما تركت بسم الله الرحمن الرحيم.
وقد ساق له الضياء كرامات ودعوات مجابات، وذكر حكايتين في أنه قطب في آخر عمره. وكان إذا سمع بمنكر اجتهد في إزالته، ويكتب فيه إلى الملك، حتى سمعنا عن بعض الملوك أنه قال: هذا الشيخ شريكي في ملكي.(أعلام/1146)
وكان ليس بالطويل، صبيح الوجه، كث اللحية، نحيفا، أبيض، أزرق العين، عالي الجبهة، حسن الثغر، تزوج في عمره بأربع وجاءه عدة أولاد أكبرهم عمر، وبه يكنى، وأصغرهم عبد الرحمن الشيخ شمس الدين ومن شعره:
ألم تك منهاة عن الزهو أنني
بدا لي شيب الرأس والضعف والألم
ألم بي الخطب الذي لو بكيته
حياتي حتى ينفد الدمع لم ألم
وقد مات ابنه عمر فرثاه بأرجوزة حسنة.
توفي أبو عمر فقال الصريفيني: حزرت الجمع بعشرين ألفا.
قلت: ورثاه ابن سعد، وأحمد بن المزدقاني. وتوفي إلى رضوان الله عشية الاثنين في الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة سبع وستمائة، وقد استوفيت سيرته في " تاريخ الإسلام ".(أعلام/1147)
الشيخ رسلان
هو الشيخ الزاهد العابد، بقية المشايخ رسلان بن يعقوب بن عبد الرحمن الجعبري، ثم الدمشقي، النشار، من أولاد الأجناد الذين بقلعة جعبر.
صحب الشيخ أبا عامر المؤدب الذي هو مدفون مع الشيخ رسلان في قبته بظاهر باب توما -ودفن عندهما ثالث وهو أبو المجد خادم رسلان - وكان أبو عامر قد صحب الشيخ ياسين تلميذ الشيخ مسلمة. وقيل: إن مسلمة الزاهد صحب الشيخ عقيلا وهو صحب الشيخ علي بن عليم صاحب أبي سعيد الخراز.
كان نشارا في الخشب، فقيل: بقي سنين يأخذ أجرته، ويدفعها لشيخه أبي عامر، وشيخه يطعمه. وقيل: بل كان يقسم أجرته، فثلث يتصدق به، وثلث لقوته، وثلث لباقي مصالحه.
وكان يتعبد بمسجد داخل باب توما جوار بيته، ثم انتقل إلى مسجد درب الحجر، فأقام بجهته الشرقية، وكان الشيخ أبو البيان في جانبه الغربي، فتعبدا مدة، وصحب كلا منهما جماعة، ثم خرج الشيخ بأصحابه، فأقام بمسجد خالد بن الوليد الذي تجاه قبته، وعبد الله إلى أن مات في حدود سنة خمسين وخمسمائة أو بعد ذلك.
وقد سقت من أخباره في " تاريخنا الكبير ".
وكان ورعا قانتا، صاحب أحوال ومقامات، ولم تبلغني أخباره كما ينبغي، وما علمته كان له اشتغال في العلم.(أعلام/1148)
الشيخ عبد القادر
الشيخ الإمام العالم الزاهد العارف القدوة، شيخ الإسلام، علم الأولياء، محيي الدين، أبو محمد، عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست الجيلي الحنبلي، شيخ بغداد.
مولده بجيلان في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة.
وقدم بغداد شابا، فتفقه على أبي سعد المخرمي.
وسمع من: أبي غالب الباقلاني، وأحمد بن المظفر بن سوس، وأبي القاسم بن بيان، وجعفر بن أحمد السراج، وأبي سعد بن خشيش، وأبي طالب اليوسفي، وطائفة.
حدث عنه: السمعاني، وعمر بن علي القرشي، والحافظ عبد الغني، والشيخ موفق الدين ابن قدامة. وعبد الرزاق وموسى ولداه، والشيخ علي بن إدريس، وأحمد بن مطيع الباجسرائي، وأبو هريرة، محمد بن ليث الوسطاني، وأكمل بن مسعود الهاشمي، وأبو طالب عبد اللطيف بن محمد بن القبيطي، وخلق، وروى عنه بالإجازة الرشيد أحمد بن مسلمة.
أخبرنا القاضي تاج الدين عبد الخالق بن علوان ببعلبك، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الفقيه سنة إحدى عشرة وستمائة، أخبرنا شيخ الإسلام عبد القادر بن أبي صالح الجيلي، أخبرنا أحمد بن المظفر التمار، أخبرنا أبو علي بن شاذان.(أعلام/1149)
أخبرنا أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح، أخبرنا يعقوب بن يوسف القزويني، حدثنا محمد بن سعيد، حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن سماك، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود، قال: إن بني إسرائيل استخلفوا خليفة عليهم بعد موسى، فقام يصلي في القمر فوق بيت المقدس، فذكر أمورا كان صنعها، فخرج، فتدلى بسبب، فأصبح السبب معلقا في المسجد، وقد ذهب، فانطلق حتى أتى قوما على شط البحر، فوجدهم يصنعون لبنا، فسألهم: كيف تأخذون هذا اللبن؟ فأخبروه، فلبن معهم، وكان يأكل من عمل يده، فإذا كان حين الصلاة، تطهر فصلى، فرفع ذلك العمال إلى قهرمانهم، إن فينا رجلا يفعل كذا وكذا، فأرسل إليه، فأبى أن يأتيه -ثلاث مرات- ثم إنه جاءه بنفسه يسير على دابته، فلما رآه فر، واتبعه فسبقه، فقال: أنظرني أكلمك. قال: فقام حتى كلمه، فأخبره خبره، فلما أخبره خبره، وأنه كان ملكا، وأنه فر من رهبة الله، قال: إني لأظن أني لاحق بك. فلحقه، فعبدا الله حتى ماتا برملة مصر.
قال عبد الله: لو كنت ثم لاهتديت إلى قبريهما من صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي وصف.
هذا حديث غريب عال.
قال السمعاني: كان عبد القادر من أهل جيلان إمام الحنابلة وشيخهم في عصره، فقيه صالح دين خير، كثير الذكر، دائم الفكر، سريع الدمعة، تفقه على المخرمي، وصحب الشيخ حمادا الدباس، وكان يسكن بباب الأزج في مدرسة بنيت له، مضينا لزيارته، فخرج وقعد بين أصحابه، وختموا القرآن، فألقى درسا ما فهمت منه شيئا، وأعجب من ذا أن أصحابه قاموا وأعادوا الدرس، فلعلهم فهموا لإلفهم بكلامه وعبارته.(أعلام/1150)
قال ابن الجوزي كان أبو سعد المخرمي قد بنى مدرسة لطيفة بباب الأزج، ففوضت إلى عبد القادر، فتكلم على الناس بلسان الوعظ، وظهر له صيت بالزهد، وكان له سمت وصمت، وضاقت المدرسة بالناس، فكان يجلس عند سور بغداد مستندا إلى الرباط، ويتوب عنده في المجلس خلق كثير، فعمرت المدرسة، ووسعت، وتعصب في ذلك العوام، وأقام فيها يدرس ويعظ إلى أن توفي.
أنبأني أبو بكر بن طرخان، أخبرنا الشيخ موفق الدين أبو محمد بن قدامة -وسئل عن الشيخ عبد القادر - فقال: أدركناه في آخر عمره، فأسكننا في مدرسته، وكان يعنى بنا، وربما أرسل إلينا ابنه يحيى، فيسرج لنا السراج، وربما يرسل إلينا طعاما من منزله، وكان يصلي الفريضة بنا إماما، وكنت أقرأ عليه من حفظي من كتاب الخرقي غدوة، ويقرأ عليه الحافظ عبد الغني من كتاب " الهداية " في الكتاب، وما كان أحد يقرأ عليه في ذلك الوقت سوانا، فأقمنا عنده شهرا وتسعة أيام، ثم مات، وصلينا عليه ليلا في مدرسته، ولم أسمع عن أحد يحكى عنه من الكرامات أكثر مما يحكى عنه، ولا رأيت أحدا يعظمه الناس للدين أكثر منه، وسمعنا عليه أجزاء يسيرة.
قرأت بخط الحافظ سيف الدين بن المجد، سمعت محمد بن محمود المراتبي، سمعت الشيخ أبا بكر العماد رحمه الله يقول: كنت قرأت في أصول الدين، فأوقع عندي شكا، فقلت: حتى أمضي إلى مجلس الشيخ عبد القادر، فقد ذكر أنه يتكلم على الخواطر، فمضيت وهو يتكلم.
فقال: اعتقادنا اعتقاد السلف الصالح والصحابة. فقلت في نفسي: هذا قاله اتفاقا، فتكلم ثم التفت إلى ناحيتي، فأعاده، فقلت، الواعظ قد يلتفت، فالتفت إلي ثالثة، وقال: يا أبا بكر، فأعاد القول: ثم قال: قم قد جاء أبوك. وكان غائبا، فقمت مبادرا، وإذا أبي قد جاء.(أعلام/1151)
وحدثنا أبو القاسم بن محمد الفقيه، حدثني شيخنا جمال الدين يحيى بن الصيرفي، سمعت أبا البقاء النحوي قال: حضرت مجلس الشيخ عبد القادر، فقرءوا بين يديه بالألحان، فقلت في نفسي: ترى لأي شيء ما ينكر الشيخ هذا؟ فقال: يجيء واحد قد قرأ أبوابا من الفقه ينكر. فقلت في نفسي: لعل أنه قصد غيري، فقال: إياك نعني بالقول، فتبت في نفسي من اعتراضي، فقال: قد قبل الله توبتك.
وسمعت الإمام أبا العباس أحمد بن عبد الحليم، سمعت الشيخ عز الدين الفاروثي، سمعت شيخنا شهاب الدين السهروردي يقول: عزمت على الاشتغال بأصول الدين، فقلت في نفسي: أستشير الشيخ عبد القادر، فأتيته، فقال قبل أن أنطق: يا عمر، ما هو من عدة القبر، يا عمر، ما هو من عدة القبر.
قال الفقيه محمد بن محمود المراتبي: قلت للشيخ الموفق: هل رأيتم من الشيخ عبد القادر كرامة؟ قال: لا أظن، لكن كان يجلس يوم الجمعة، فكنا نتركه ونمضي لسماع الحديث عند ابن شافع فكل ما سمعناه لم ننتفع به. قال الحافظ السيف: يعني لنزول ذلك.
قال شيخنا الحافظ أبو الحسين علي بن محمد: سمعت الشيخ عبد العزيز بن عبد السلام الفقيه الشافعي يقول: ما نقلت إلينا كرامات أحد بالتواتر إلا الشيخ عبد القادر، فقيل له: هذا مع اعتقاده، فكيف هذا؟ فقال: لازم المذهب ليس بمذهب.
قلت: يشير إلى إثباته صفة العلو ونحو ذلك، ومذهب الحنابلة في ذلك معلوم، يمشون خلف ما ثبت عن إمامهم -رحمه الله- إلا من يشذ منهم، وتوسع في العبارة.(أعلام/1152)
قال ابن النجار في " تاريخه ": دخل الشيخ عبد القادر بغداد في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، فتفقه على ابن عقيل، وأبي الخطاب، والمخرمي، وأبي الحسين بن الفراء، حتى أحكم الأصول والفروع والخلاف، وسمع الحديث، وقرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي، واشتغل بالوعظ إلى أن برز فيه، ثم لازم الخلوة والرياضة والمجاهدة والسياحة والمقام في الخراب والصحراء، وصحب الدباس، ثم إن الله أظهره للخلق، وأوقع له القبول العظيم، فعقد مجلس الوعظ في سنة إحدى وعشرين، وأظهر الله الحكمة على لسانه، ثم درس، وأفتى، وصار يقصد بالزيارة والنذور، وصنف في الأصول والفروع، وله كلام على لسان أهل الطريقة عال. وكتب إلي عبد الله بن أبي الحسن الجبائي: قال لي الشيخ عبد القادر: طالبتني نفسي يوما بشهوة، فكنت أضاجرها، وأدخل في درب، وأخرج من آخر أطلب الصحراء، فرأيت رقعة ملقاة، فإذا فيها: ما للأقوياء والشهوات، وإنما خلقت الشهوات للضعفاء. فخرجت الشهوة من قلبي. قال: وكنت أقتات بخروب الشوك وورق الخس من جانب النهر.(أعلام/1153)
قال ابن النجار: قرأت بخط أبي بكر عبد الله بن نصر بن حمزة التيمي، سمعت الشيخ عبد القادر يقول: بلغت بي الضائقة في الغلاء إلى أن بقيت أياما لا آكل طعاما، بل أتبع المنبوذات، فخرجت يوما إلى الشط، فوجدت قد سبقني الفقراء، فضعفت، وعجزت عن التماسك، فدخلت مسجدا، وقعدت، وكدت أصافح الموت، ودخل شاب أعجمي ومعه خبز وشواء، وجلس يأكل، فكنت أكاد كلما رفع لقمة أن أفتح فمي، فالتفت فرآني، فقال: باسم الله، فأبيت، فأقسم علي، فأكلت مقصرا، وأخذ يسألني، ما شغلك، ومن أين أنت؟ فقلت: متفقه من جيلان. قال: وأنا من جيلان، فهل تعرف لي شابا جيلانيا اسمه عبد القادر، يعرف بسبط أبي عبد الله الصومعي الزاهد؟ فقلت: أنا هو. فاضطرب لذلك، وتغير وجهه، وقال: والله يا أخي، لقد وصلت إلى بغداد ومعي بقية نفقة لي، فسألت عنك، فلم يرشدني أحد إلى أن نفدت نفقتي، وبقيت بعدها ثلاثة أيام لا أجد ثمن قوتي إلا من مالك، فلما كان هذا اليوم الرابع، قلت: قد تجاوزتني ثلاثة أيام، وحلت لي الميتة، فأخذت من وديعتك ثمن هذا الخبز والشواء، فكل طيبا، فإنما هو لك، وأنا ضيفك الآن. فقلت: وما ذاك؟ قال: أمك وجهت معي ثمانية دنانير، والله ما خنتك فيها إلى اليوم، فسكنته، وطيبت نفسه، ودفعت إليه شيئا منها.
قال ابن النجار: كتب إلي عبد الله بن أبي الحسن الجبائي، قال: قال لي الشيخ عبد القادر: كنت في الصحراء أكرر في الفقه وأنا في فاقة، فقال لي قائل لم أر شخصه: اقترض ما تستعين به على طلب الفقه، فقلت: كيف أقترض وأنا فقير ولا وفاء لي؟ قال: اقترض وعلينا الوفاء.(أعلام/1154)
فأتيت بقالا، فقلت: تعاملني بشرط إذا سهل الله أعطيتك، وإن مت تجعلني في حل، تعطيني كل يوم رغيفا ورشادا. فبكى، وقال: أنا بحكمك. فأخذت منه مدة، فضاق صدري، فأظن أنه قال: فقيل لي: امض إلى موضع كذا، فأي شيء رأيت على الدكة، فخذه، وادفعه إلى البقال. فلما جئت رأيت قطعة ذهب كبيرة، فأعطيتها البقلي.
ولحقني الجنون مرة، وحملت إلى المارستان، فطرقتني الأحوال حتى [حسبوا أني] مت، وجاءوا بالكفن، وجعلوني على المغتسل، ثم سري عني، وقمت، ثم وقع في نفسي أن أخرج من بغداد لكثرة الفتن، فخرجت إلى باب الحلبة، فقال لي قائل: إلى أين تمشي؟ ! ودفعني دفعة خررت منها، وقال: ارجع فإن للناس فيك منفعة، قلت: أريد سلامة ديني. قال: لك ذاك -ولم أر شخصه -. ثم بعد ذلك طرقتني الأحوال، فكنت أتمنى من يكشفها لي، فاجتزت بالظفرية ففتح رجل داره، وقال: يا عبد القادر، أيش طلبت البارحة؟ فنسيت، فسكت، فاغتاظ، ودفع الباب في وجهي دفعة عظيمة، فلما مشيت ذكرت، فرجعت أطلب الباب، فلم أجده، قال: وكان حمادا الدباس، ثم عرفته بعد، وكشف لي جميع ما كان يشكل علي.
وكنت إذا غبت عنه لطلب العلم وجئت، يقول: أيش جاء بك إلينا، أنت فقيه، مر إلى الفقهاء، وأنا أسكت، فلما كان يوم جمعة خرجت مع الجماعة في شدة البرد، فدفعني ألقاني في الماء، فقلت: غسل الجمعة، باسم الله.
وكان علي جبة صوف، وفي كمي أجزاء، فرفعت كمي لئلا تهلك الأجزاء، وخلوني، ومشوا، فعصرت الجبة، وتبعتهم، وتأذيت بالبرد كثيرا، وكان الشيخ يؤذيني ويضربني، وإذا جئت يقول: جاءنا اليوم الخبز الكثير والفالوذج، وأكلنا وما خبأنا لك وحشة عليك، فطمع في أصحابه، وقالوا: أنت فقيه، أيش تعمل معنا؟ فلما رآهم يؤذونني، غار لي ; وقال: يا كلاب، لم تؤذونه؟ والله ما فيكم مثله، وإنما أوذيه لأمتحنه، فأراه جبلا، لا يتحرك.(أعلام/1155)
ثم بعد مدة، قدم رجل من همذان يقال له: يوسف الهمذاني، وكان يقال: إنه القطب، ونزل في رباط، فمشيت إليه، فلم أره، وقيل لي: هو في السرداب، فنزلت إليه، فلما رآني قام، وأجلسني، ففرشني، وذكر لي جميع أحوالي، وحل لي المشكل علي، ثم قال لي: تكلم على الناس؟ فقلت: يا سيدي، أنا رجل أعجمي قح أخرس، أتكلم على فصحاء بغداد! ؟ فقال لي: أنت حفظت الفقه وأصوله، والخلاف والنحو واللغة وتفسير القرآن لا يصلح لك أن تتكلم؟ ! اصعد على الكرسي وتكلم ; فإني أرى فيك عذقا سيصير نخلة.
قال الجبائي: وقال لي الشيخ عبد القادر: كنت أومر وأنهى في النوم واليقظة، وكان يغلب علي الكلام، ويزدحم على قلبي إن لم أتكلم به حتى أكاد أختنق، ولا أقدر أسكت، وكان يجلس عندي رجلان وثلاثة، ثم تسامع الناس بي، وازدحم علي الخلق، حتى صار يحضر مجلسي نحو من سبعين ألفا.
وقال: فتشت الأعمال كلها، فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطعام، أود لو أن الدنيا بيدي فأطعمها الجياع، كفي مثقوبة لا تضبط شيئا، لو جاءني ألف دينار لم أبيتها، وكان إذا جاءه أحد بذهب، يقول: ضعه تحت السجادة.
وقال لي: أتمنى أن أكون في الصحارى والبراري كما كنت في الأول لا أرى الخلق ولا يروني.
ثم قال: أراد الله مني منفعة الخلق، فقد أسلم على يدي أكثر من خمسمائة، وتاب على يدي أكثر من مائة ألف، وهذا خير كثير، وترد علي الأثقال التي لو وضعت على الجبال تفسخت، فأضع جنبي على الأرض، وأقول: فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ثم أرفع رأسي وقد انفرجت عني. وقال: إذا ولد لي ولد أخذته على يدي، وأقول: هذا ميت، فأخرجه من قلبي، فإذا مات لم يؤثر عندي موته شيئا.
قال عبد الرزاق ابن الشيخ: ولد لأبي تسعة وأربعون ولدا، سبعة وعشرون ذكرا، والباقي إناث.(أعلام/1156)
وقال الجبائي: كنت أسمع في " الحلية " على ابن ناصر، فرق قلبي، وقلت: اشتهيت لو انقطعت، وأشتغل بالعبادة، ومضيت، فصليت خلف الشيخ عبد القادر، فلما جلسنا، نظر إلي، وقال: إذا أردت الانقطاع، فلا تنقطع حتى تتفقه وتجالس الشيوخ وتتأدب، وإلا فتنقطع وأنت فريخ ما ريشت.
وعن أبي الثناء النهرملكي قال: تحدثنا أن الذباب ما يقع على الشيخ عبد القادر، فأتيته، فالتفت إلي، وقال: أيش يعمل عندي الذباب، لا دبس الدنيا، ولا عسل الآخرة.
قال أبو البقاء العكبري: سمعت يحيى بن نجاح الأديب يقول: قلت في نفسي: أريد أن أحصي كم يقص الشيخ عبد القادر شعر تائب، فحضرت المجلس ومعي خيط، فلما قص شعرا، عقدت عقدة تحت ثيابي من الخيط وأنا في آخر الناس، وإذا به يقول: أنا أحل وأنت تعقد؟ !
قال ابن النجار: سمعت شيخ الصوفية عمر بن محمد السهروردي يقول: كنت أتفقه في صباي، فخطر لي أن أقرأ شيئا من علم الكلام، وعزمت على ذلك من غير أن أتكلم به، فصليت مع عمي أبي النجيب، فحضر عنده الشيخ عبد القادر مسلما، فسأله عمي الدعاء لي، وذكر له أني مشتغل بالفقه، وقمت قبلت يده، فأخذ يدي، فقال: تب مما عزمت عليه من الاشتغال به، فإنك تفلح، ثم سكت، ولم يتغير عزمي عن الاشتغال بالكلام حتى شوشت علي جميع أحوالي، وتكدر وقتي، فعلمت أن ذلك بمخالفة الشيخ.
ابن النجار: سمعت أبا محمد بن الأخضر يقول: كنت أدخل على الشيخ عبد القادر في وسط الشتاء وقوة برده وعليه قميص واحد، وعلى رأسه طاقية، وحوله من يروحه بالمروحة. قال: والعرق يخرج من جسده كما يكون في شدة الحر.(أعلام/1157)
ابن النجار: سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني، سمعت الحافظ عبد الغني، سمعت أبا محمد بن الخشاب النحوي يقول: كنت وأنا شاب أقرأ النحو، وأسمع الناس يصفون حسن كلام الشيخ عبد القادر، فكنت أريد أن أسمعه ولا يتسع وقتي، فأتفق أني حضرت يوما مجلسه، فلما تكلم لم أستحسن كلامه، ولم أفهمه، وقلت في نفسي: ضاع اليوم مني. فالتفت إلى ناحيتي، وقال: ويلك، تفضل النحو على مجالس الذكر، وتختار ذلك؟ ! اصحبنا نصيرك سيبويه.
قال أحمد بن ظفر بن هبيرة: سألت جدي أن أزور الشيخ عبد القادر، فأعطاني مبلغا من الذهب لأعطيه، فلما نزل عن المنبر سلمت عليه، وتحرجت من دفع الذهب إليه في ذلك الجمع، فقال: هات ما معك ولا عليك من الناس، وسلم على الوزير.
قال صاحب " مرآة الزمان " كان سكوت الشيخ عبد القادر أكثر من كلامه، وكان يتكلم على الخواطر، وظهر له صيت عظيم وقبول تام، وما كان يخرج من مدرسته إلا يوم الجمعة أو إلى الرباط، وتاب على يده معظم أهل بغداد، وأسلم خلق، وكان يصدع بالحق على المنبر، وكان له كرامات ظاهرة.
قلت: ليس في كبار المشايخ من له أحوال وكرامات أكثر من الشيخ عبد القادر، لكن كثيرا منها لا يصح، وفي بعض ذلك أشياء مستحيلة.
قال الجبائي: كان الشيخ عبد القادر يقول: الخلق حجابك عن نفسك، ونفسك حجابك عن ربك.
عاش الشيخ عبد القادر تسعين سنة، وانتقل إلى الله في عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمسمائة، وشيعه خلق لا يحصون، ودفن بمدرسته -رحمه الله تعالى.
وفيها مات أبو المحاسن إسماعيل بن علي بن زيد بن شهريار الأصبهاني، سمع من رزق الله التميمي، والمحدث العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد الأشيري المغربي، ودفن بظاهر بعلبك، والإمام الرئيس أبو طالب عبد الرحمن بن الحسن بن العجمي واقف المدرسة بحلب.(أعلام/1158)
وعلي بن أحمد الحرستاني راوي جزء الرافقي، وأبو رشيد محمد بن علي بن محمد بن عمر الأصبهاني الباغبان، وأبو عبد الله الرستمي وأبو طاهر إبراهيم بن الحسن بن الحصني الشافعي بدمشق، والقاضي مهذب الدين الحسن بن علي بن الرشيد بن الزبير الأسواني الشاعر أخو الرشيد أحمد.
وأبو محمد عبد الله بن الحسين بن رواحة الأنصاري الحموي المقرئ الشاعر والمسند ابن رفاعة والفقيه المقرئ عبد الصمد بن الحسين بن أحمد بن تميم التميمي الدمشقي، وشيخ القراء أبو حميد عبد العزيز بن علي السماني الإشبيلي، والشيخ علي بن أحمد الحرستاني راوي جزء الرافقي.
وفي الجملة الشيخ عبد القادر كبير الشأن، وعليه مآخذ في بعض أقواله ودعاويه، والله الموعد، وبعض ذلك مكذوب عليه.(أعلام/1159)
الصائغ (د)
الإمام، المحدث، الثقة، شيخ الحرم أبو جعفر محمد بن إسماعيل بن سالم، القرشي، العباسي، مولى المهدي، البغدادي، نزيل مكة.
سمع: أباه، وأبا أسامة، وأبا داود الحفري، وروح بن عبادة، وحجاج بن محمد الأعور، وعدة.
حدث عنه: أبو داود، وابن صاعد، وابن أبي حاتم. وخلق آخرهم عبد الله بن الحسن بن بندار، شيخ أبي نعيم الحافظ.
قال ابن أبي حاتم: صدوق.
قلت: كان من أبناء التسعين.
مات في جمادى الأولى سنة ست وسبعين ومائتين.
وكان والده الحافظ أبو محمد إسماعيل بن سالم بن دينار من شيوخ مسلم، الذين روى عنهم في " صحيحه "، لقي عباد بن عباد، وهشيما.(أعلام/1160)
الصابوني
الإمام العلامة، القدوة، المفسر، المذكر، المحدث، شيخ الإسلام أبو عثمان، إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عابد بن عامر، النيسابوري، الصابوني.
ولد سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة.
وأول مجلس عقده للوعظ إثر قتل أبيه في سنة ثنتين وثمانين وهو ابن تسع سنين.
حدث عن: أبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، وأبي بكر بن مهران، وأبي محمد المخلدي، وأبي طاهر بن خزيمة، وأبي الحسين الخفاف، وعبد الرحمن بن أبي شريح، وزاهر بن أحمد الفقيه، وطبقتهم، ومن بعدهم.
حدث عنه: الكتاني، وعلي بن الحسين بن صصرى، ونجا بن أحمد، وأبو القاسم بن أبي العلاء، والبيهقي، وابنه عبد الرحمن بن إسماعيل، وخلق آخرهم أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي.
قال أبو بكر البيهقي: حدثنا إمام المسلمين حقا، وشيخ الإسلام صدقا، أبو عثمان الصابوني. ثم ذكر حكاية.
وقال أبو عبد الله المالكي: أبو عثمان ممن شهدت له أعيان الرجال بالكمال في الحفظ والتفسير.(أعلام/1161)
وقال عبد الغافر في " السياق " الأستاذ أبو عثمان إسماعيل الصابوني شيخ الإسلام، المفسر المحدث، الواعظ، أوحد وقته في طريقه، وعظ المسلمين سبعين سنة، وخطب وصلى في الجامع نحوا من عشرين سنة، وكان حافظا، كثير السماع والتصانيف، حريصا على العلم، سمع بنيسابور وهراة وسرخس والحجاز والشام والجبال، وحدث بخراسان والهند وجرجان والشام والثغور والحجاز والقدس، ورزق العز والجاه في الدين والدنيا، وكان جمالا للبلد، مقبولا عند الموافق والمخالف، مجمع على أنه عديم النظير، وسيف السنة، ودامغ البدعة، وكان أبوه الإمام أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور، ففتك به لأجل المذهب، وقتل، فأقعد ابنه هذا ابن تسع سنين، فأقعد بمجلس الوعظ، وحضره أئمة الوقت، وأخذ الإمام أبو الطيب الصعلوكي في ترتيبه وتهيئة شأنه، وكان يحضر مجلسه هو والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، والأستاذ أبو بكر بن فورك، ويعجبون من كمال ذكائه، وحسن إيراده، حتى صار ما صار إليه، وكان مشتغلا بكثرة العبادات والطاعات، حتى كان يضرب به المثل.
قال الحسين بن محمد الكتبي في " تاريخه ": في المحرم توفي أبو عثمان سنة تسع وأربعين وأربعمائة.
قال السلفي في " معجم السفر ": سمعت الحسن بن أبي الحر بسلماس يقول: قدم أبو عثمان الصابوني بعد حجه ومعه أخوه أبو يعلى في أتباع ودواب، فنزل على جدي أحمد بن يوسف الهلالي، فقام بجميع مؤنه، وكان يعقد المجلس كل يوم، وافتتن الناس به، وكان أخوه فيه دعابة، فسمعت أبا عثمان يقول وقت أن ودع الناس يا أهل سلماس! لي عندكم أشهر أعظ وأنا في تفسير آية وما يتعلق بها، ولو بقيت عندكم تمام سنة لما تعرضت لغيرها، والحمد لله.(أعلام/1162)
قال عبد الغافر في " تاريخه " حكى الثقات أن أبا عثمان كان يعظ، فدفع إليه كتاب ورد من بخارى، مشتمل على ذكر وباء عظيم بها، ليدعو لهم، ووصف في الكتاب أن رجلا أعطى خبازا درهما، فكان يزن والصانع يخبز، والمشتري واقف، فمات ثلاثتهم في ساعة. فلما قرأ الكتاب هاله ذلك، واستقرأ من القارئ أفأمن الذين مكروا السيئات الآيات، ونظائرها، وبالغ في التخويف والتحذير، وأثر ذلك فيه وتغير، وغلبه وجع البطن، وأنزل من المنبر يصيح من الوجع، فحمل إلى حمام، فبقي إلى قريب المغرب يتقلب ظهرا لبطن، وبقي أسبوعا لا ينفعه علاج، فأوصى وودع أولاده، ومات، وصلي عليه عقيب عصر الجمعة رابع المحرم، وصلى عليه ابنه أبو بكر، ثم أخوه أبو يعلى.
وأطنب عبد الغافر في وصفه، وأسهب، إلى أن قال: وقرأت في كتاب كتبه زين الإسلام من طوس في التعزية لشيخ الإسلام: أليس لم يجسر مفتر أن يكذب على رسول الله في وقته؟ أليست السنة كانت بمكانه منصورة، والبدعة لفرط حشمته مقهورة؟ أليس كان داعيا إلى الله، هاديا عباد الله، شابا لا صبوة له، كهلا لا كبوة له، شيخا لا هفوة له؟ يا أصحاب المحابر، وطئوا رحالكم، قد غيب من كان عليه إلمامكم، ويا أرباب المنابر، أعظم الله أجوركم، فقد مضى سيدكم وإمامكم.
قال الكتاني: ما رأيت شيخا في معنى أبي عثمان زهدا وعلما، كان يحفظ من كل فن لا يقعد به شيء، وكان يحفظ التفسير من كتب كثيرة، وكان من حفاظ الحديث.
قلت: ولقد كان من أئمة الأثر، له مصنف في السنة واعتقاد السلف، ما رآه منصف إلا واعترف له.
قال معمر بن الفاخر: سمعت عبد الرشيد بن ناصر الواعظ بمكة،
سمعت إسماعيل بن عبد الغافر، سمعت الإمام أبا المعالي الجويني، يقول: كنت بمكة أتردد في المذاهب، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي: عليك باعتقاد ابن الصابوني.(أعلام/1163)
قال عبد الغافر: ومما قيل في أبي عثمان قول الإمام أبي الحسن ; عبد الرحمن بن محمد الداودي: أودى الإمام الحبر إسماعيل لهفي عليه ليس منه بديل بكت السما والأرض يوم وفاته وبكى عليه الوحي والتنزيل والشمس والقمر المنير تناوحا حزنا عليه وللنجوم عويل والأرض خاشعة تبكي شجوها ويلي تولول أين إسماعيل؟ أين الإمام الفرد في آدابه ما إن له في العالمين عديل لا تخدعنك منى الحياة فإنها تلهي وتنسي والمنى تضليل وتأهبن للموت قبل نزوله فالموت حتم والبقاء قليل(أعلام/1164)
الصولي
العلامة الأديب ذو الفنون أبو بكر، محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول، الصولي البغدادي، صاحب التصانيف.
حدث عن: أبي داود السجستاني، ومحمد بن يونس الكديمي، وثعلب، والمبرد، وأبي العيناء، وخلق.
روى عنه: ابن حيويه، وأبو بكر بن شاذان، والدارقطني، وأبو الحسن بن الجندي، وعلي بن القاسم، وابن جميع، وأبو أحمد الفرضي، والحسين الغضائري، وعدة. وله النظم والنثر وكثرة الاطلاع.
نادم جماعة من الخلفاء وكان حلو الإيراد، مقبول القول، حسن المعتقد، خرج عن بغداد لإضاقة لحقته بأخرة، وله جزء سمعناه، وكان جدهم صول ملك جرجان.
توفي الصولي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة.
فذكر محمد بن إسحاق النديم أن الصولي نادم الراضي، وكان أولا يعلمه، وكان ألعب أهل زمانه بالشطرنج، ويضرب به المثل.
توفي بالبصرة مستترا ; لأنه روى خبرا في حق علي عليه السلام، فطلبته العامة لتقتله.
والصولي الكبير إبراهيم بن العباس الأديب هو أخو عبد الله جد أبي بكر هذا.
وفيها توفي أبو العباس بن القاص شيخ الشافعية، ومحمد بن جعفر المطيري، وأبو بكر بن أبي هريرة، وحمزة بن القاسم الهاشمي، وعلي بن محمد بن مهرويه القزويني، ومحمد بن عمر بن حفص السمسار الزاهد.(أعلام/1165)
الضياء المقدسي
محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور، الشيخ الإمام الحافظ القدوة المحقق المجود الحجة بقية السلف ضياء الدين أبو عبد الله السعدي المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب التصانيف والرحلة الواسعة.
ولد سنة تسع وستين وخمسمائة بالدير المبارك بقاسيون.
وأجاز له الحافظ السلفي، وشهدة الكاتبة، وعبد الحق اليوسفي، وخلق كثير.
وسمع في سنة ست وسبعين وبعدها من أبي المعالي بن صابر، والخضر بن طاوس، والفضل بن البانياسي، وعمر بن حمويه، ويحيى الثقفي، وأحمد بن علي بن حمزة بن الموازيني، ومحمد بن حمزة بن أبي الصقر، وابن صدقة الحراني، وعبد الرحمن بن علي الخرقي، وإسماعيل الجنزوي، وبركات الخشوعي، وخلق كثير، بدمشق، وأبي القاسم البوصيري، وإسماعيل بن ياسين، وعدة بمصر، وأبي جعفر الصيدلاني، والقاسم بن أبي المطهر الصيدلاني، وعفيفة الفارفانية، وخلف بن أحمد الفراء، وأسعد بن سعيد بن روح، وزاهر بن أحمد الثقفي، والمؤيد بن الإخوة، وخلق بأصبهان، والمؤيد الطوسي، وزينب الشعرية، وعدة بنيسابور، وأبي روح عبد المعز بن محمد، وطائفة، بهراة، وأبي المظفر بن السمعاني، وجماعة، بمرو، والافتخار الهاشمي بحلب، وعبد القادر الرهاوي وغيره بحران، وعلي بن هبل بالموصل، وبهمذان، وغير ذلك.
وبقي في الرحلة المشرقية مدة سنين.(أعلام/1166)
نعم ; وسمع ببغداد من المبارك بن المعطوش، وأبي الفرج بن الجوزي، وابن أبي المجد الحربي، وأبي أحمد بن سكينة، والحسين بن أبي حنيفة، والحسن بن أشنانة الفرغاني وخلق كثير ببغداد، وتخرج بالحافظ عبد الغني، وبرع في هذا الشأن، وكتب عن أقرانه، ومن هو دونه، كخطيب مردا، والزين بن عبد الدائم، وحصل الأصول الكثيرة، وجرح وعدل، وصحح وعلل، وقيد وأهمل، مع الديانة والأمانة، والتقوى والصيانة، والورع والتواضع والصدق والإخلاص وصحة النقل.
ومن تصانيفه المشهورة كتاب " فضائل الأعمال " مجلد، كتاب " الأحكام " ولم يتم في ثلاث مجلدات، " الأحاديث المختارة " وعمل نصفها في ست مجلدات، " الموافقات " في نحو من ستين جزءا، " مناقب المحدثين " ثلاثة أجزاء "، فضائل الشام " جزآن، " صفة الجنة " ثلاثة أجزاء، " صفة النار " جزآن، " سيرة المقادسة " مجلد كبير " فضائل القرآن " جزء، " ذكر الحوض " جزء " النهي عن سب الأصحاب " جزء، " سيرة شيخيه الحافظ عبد الغني والشيخ الموفق " أربعة أجزاء. " قتال الترك " جزء، " فضل العلم " جزء.
ولم يزل ملازما للعلم والرواية والتأليف إلى أن مات، وتصانيفه نافعة مهذبة. أنشأ مدرسة إلى جانب الجامع المظفري، وكان يبني فيها بيده، ويتقنع باليسير، ويجتهد في فعل الخير، ونشر السنة، وفيه تعبد وانجماع عن الناس، وكان كثير البر والمواساة، دائم التهجد، أمارا بالمعروف، بهي المنظر، مليح الشيبة، محببا إلى الموافق والمخالف، مشتغلا بنفسه رضي الله عنه.
قال عمر بن الحاجب فيما قرأت بخطه: سألت زكي الدين البرزالي عن شيخنا الضياء، فقال: حافظ، ثقة، جبل، دين، خير.
وقرأت بخط إسماعيل المؤدب أنه سمع الشيخ عز الدين عبد الرحمن بن العز يقول: ما جاء بعد الدارقطني مثل شيخنا الضياء، أو كما قال.(أعلام/1167)
وقال الحافظ شرف الدين يوسف بن بدر: رحم الله شيخنا ابن عبد الواحد، كان عظيم الشأن في الحفظ ومعرفة الرجال، هو كان المشار إليه في علم صحيح الحديث وسقيمه ما رأت عيني مثله.
وقال عمر بن الحاجب: شيخنا الضياء شيخ وقته ونسيج وحده علما وحفظا وثقة ودينا من العلماء الربانيين، وهو أكبر من أن يدل عليه مثلي.
قلت: روى عنه خلق كثير، منهم: ابن نقطة، وابن النجار، وسيف الدين بن المجد، وابن الأزهر الصريفيني، وزكي الدين البرزالي، ومجد الدين بن الحلوانية، وشرف الدين بن النابلسي، وابنا أخويه الشيخ فخر الدين علي بن البخاري والشيخ شمس الدين محمد بن الكمال عبد الرحيم، والحافظ أبو العباس بن الظاهري، وأبو عبد الله محمد بن حازم، والعز بن الفراء، وأبو جعفر بن الموازيني، ونجم الدين موسى الشقراوي، والقاضي تقي الدين سليمان بن حمزة، وأخواه محمد وداود، وإسماعيل بن إبراهيم بن الخباز، وعثمان بن إبراهيم الحمصي، وسالم بن أبي الهيجاء القاضي، ومحمد بن خطيب بيت الأبار، وأبو علي بن الخلال، وعلي بن بقاء الملقن، وأبو حفص عمر بن جعوان، وعيسى بن معالي السمسار، وعيسى بن أبي محمد العطار، وعبد الله بن أبي الطاهر المقدسي، وزينب بنت عبد الله بن الرضي، وعدة.
قال الحافظ محب الدين بن النجار في تاريخه: كتب أبو عبد الله بخطه، وحصل الأصول، وسمعنا منه وبقراءته كثيرا، ثم إنه سافر إلى أصبهان فسمع بها من أبي جعفر الصيدلاني ومن جماعة من أصحاب فاطمة الجوزدانية.(أعلام/1168)
إلى أن قال: وأقام بهراة ومرو مدة، وكتب الكتب الكبار بخطه، وحصل النسخ ببعضها بهمة عالية، وجد واجتهاد وتحقيق وإتقان، كتبت عنه ببغداد ونيسابور ودمشق، وهو حافظ متقن ثبت صدوق نبيل حجة عالم بالحديث وأحوال الرجال، له مجموعات وتخريجات، وهو ورع تقي زاهد عابد محتاط في أكل الحلال، مجاهد في سبيل الله ولعمري ما رأت عيناي مثله في نزاهته وعفته وحسن طريقته في طلب العلم.
ثم قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد، أخبرنا أبو جعفر الصيدلاني، أخبرنا أبو علي الحداد - يعني حضورا - أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا ابن خلاد، حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حميد الطويل، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط عن فرسه فجحش شقه أو فخذه وآلى من نسائه شهرا، فجلس في مشربة له درجها من جذوع فأتاه أصحابه يعودونه فصلى بهم جالسا وهم قيام، فلما سلم قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قائما فصلوا قياما، وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا ونزل التسع وعشرين، قالوا: يا رسول الله إنك آليت شهرا قال: إن الشهر تسع وعشرون.
أخبرني بهذا القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة قال: أخبرنا شيخنا الحافظ ضياء الدين محمد، فذكره.(أعلام/1169)
الطبراني
هو الإمام الحافظ الثقة الرحال الجوال محدث الإسلام علم المعمرين أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة.
مولده بمدينة عكا في شهر صفر سنة ستين ومائتين وكانت أمه عكاوية.
وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين، وارتحل به أبوه، وحرص عليه، فإنه كان صاحب حديث، من أصحاب دحيم، فأول ارتحاله كان في سنة خمس وسبعين، فبقي في الارتحال ولقي الرجال ستة عشر عاما، وكتب عمن أقبل وأدبر، وبرع في هذا الشأن، وجمع وصنف، وعمر دهرا طويلا، وازدحم عليه المحدثون، ورحلوا إليه من الأقطار.
لقي أصحاب يزيد بن هارون، وروح بن عبادة، وأبي عاصم، وحجاج بن محمد، وعبد الرزاق، ولم يزل يكتب حتى كتب عن أقرانه.
سمع من هاشم بن مرثد الطبراني، وأحمد بن مسعود الخياط، حدثه ببيت المقدس في سنة أربع وسبعين، عن عمرو بن أبي سلمة التنيسي، وسمع بطبرية من أحمد بن عبد الله اللحياني صاحب آدم، وبقيسارية من عمرو بن ثور، وإبراهيم بن أبي سفيان صاحبي الفريابي، وسمع من نحو ألف شيخ أو يزيدون.
وروى عن أبي زرعة الدمشقي، وإسحاق بن إبراهيم الدبري، وإدريس بن جعفر العطار، وبشر بن موسى، وحفص بن عمر سنجة، وعلي بن عبد العزيز البغوي المجاور، ومقدام بن داود الرعيني، ويحيى بن أيوب العلاف، وعبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، وأحمد بن عبد الوهاب الحوطي، وأحمد بن إبراهيم بن فيل البالسي، وأحمد بن إبراهيم البسري، وأحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط الأشجعي صاحب تلك النسخة الموضوعة، وأحمد بن إسحاق الخشاب، وأحمد بن داود البصري ثم المكي.(أعلام/1170)
وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة البتلهي، وأحمد بن خليد الحلبي، لقيه بها في سنة ثمان وسبعين ومائتين، ومن أحمد بن زياد الرقي الحذاء صاحب حجاج الأعور، وإبراهيم بن سويد الشبامي، وإبراهيم بن محمد بن بزة الصنعاني، والحسن بن عبد الأعلى البوسي أصحاب عبد الرزاق، وبكر بن سهل الدمياطي، وحبوش بن رزق الله المصري، وأبي الزنباع روح بن الفرج القطان، والعباس بن الفضل الأسفاطي.
وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وعبد الله بن الحسين المصيصي وعبد الرحيم بن عبد الله البرقي، سمع منه السيرة لكنه وهم، وسماه أحمد باسم أخيه، وعلي بن عبد الصمد ماغمه، وأبي مسلم الكجي، وإسحاق بن إبراهيم المصري القطان، وإدريس بن عبد الكريم الحداد، وجعفر بن محمد الرملي القلانسي، والحسن بن سهل المجوز، وزكريا بن حمدويه الصفار، وعثمان بن عمر الضبي، ومحمد بن محمد التمار، ومحمد بن يحيى بن المنذر القزاز صاحب سعيد بن عامر الضبعي، ومحمد بن زكريا الغلابي.
ومحمد بن علي الصائغ، وأبي علاثة محمد بن عمرو بن خالد الحراني، ومحمد بن أسد بن يزيد الأصبهاني، حدثه عن أبي داود الطيالسي، ومحمد بن معاذ دران، وأبي عبد الرحمن النسائي، وعبيد الله بن رماحس، وهارون بن ملول. وسمع بالحرمين، واليمن، ومدائن الشام ومصر، وبغداد، والكوفة، والبصرة، وأصبهان، وخوزستان، وغير ذلك، ثم استوطن أصبهان، وأقام بها نحوا من ستين سنة ينشر العلم ويؤلفه، وإنما وصل إلى العراق بعد فراغه من مصر والشام والحجاز واليمن، وإلا فلو قصد العراق أولا لأدرك إسنادا عظيما.(أعلام/1171)
حدث عنه: أبو خليفة الجمحي، والحافظ ابن عقدة وهما من شيوخه، وأحمد بن محمد بن إبراهيم الصحاف، وابن منده، وأبو بكر بن مردويه، وأبو عمر محمد بن الحسين البسطامي، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو الفضل محمد بن أحمد الجارودي، وأبو سعيد النقاش، وأبو بكر بن أبي علي الذكواني، وأحمد بن عبد الرحمن الأزدي، والحسين بن أحمد بن المرزبان، وأبو الحسين بن فاذشاه.
وأبو سعد عبد الرحمن بن أحمد الصفار، ومعمر بن أحمد بن زياد، وأبو بكر محمد بن عبد الله الرباطي، والفضل بن عبيد الله بن شهريار، وعبد الواحد بن أحمد الباطرقاني، وأحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني، وعلي بن يحيى بن عبدكويه، ومحمد بن عبد الله بن شمة، وبشر بن محمد الميهني، وخلق كثير، آخرهم موتا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة التاجر، ثم عاش بعده أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر الذكواني يروي عن الطبراني بالإجازة، فمات سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وأربعمائة ومات ابن ريذة عام أربعين.
ومن تواليفه " المعجم الصغير " في مجلد، عن كل شيخ حديث و " المعجم الكبير " وهو معجم أسماء الصحابة وتراجمهم وما رووه، لكن ليس فيه مسند أبي هريرة، ولا استوعب حديث الصحابة المكثرين , في ثمان مجلدات، " والمعجم الأوسط " على مشايخه المكثرين، وغرائب ما عنده عن كل واحد، يكون خمس مجلدات. وكان الطبراني - فيما بلغنا - يقول عن " الأوسط ": هذا الكتاب روحي.
وقال أبو بكر بن أبي علي: سأل أبي أبا القاسم الطبراني عن كثرة حديثه، فقال: كنت أنام على البواري ثلاثين سنة.
قال أبو نعيم: قدم الطبراني أصبهان سنة تسعين ومائتين، ثم خرج، ثم قدمها فأقام بها محدثا ستين سنة.(أعلام/1172)
قال سليمان بن إبراهيم الحافظ: قال أبو أحمد العسال القاضي: إذا سمعت من الطبراني عشرين ألف حديث، وسمع منه أبو إسحاق بن حمزة ثلاثين ألفا، وسمع منه أبو الشيخ أربعين ألفا، كملنا.
قلت: هؤلاء كانوا شيوخ أصبهان مع الطبراني.
قال أبو نعيم الحافظ: سمعت أحمد بن بندار يقول: دخلت العسكر سنة ثمان وثمانين ومائتين، فحضرت مجلس عبدان، وخرج ليملي، فجعل المستملي يقول له: إن رأيت أن تملي؟ فيقول: حتى يحضر الطبراني.
قال: فأقبل أبو القاسم بعد ساعة متزرا بإزار مرتديا بآخر، ومعه أجزاء، وقد تبعه نحو من عشرين نفسا من الغرباء من بلدان شتى حتى يفيدهم الحديث.
قال أبو بكر بن مردويه في " تاريخه ": لما قدم الطبراني قدمته الثانية سنة عشر وثلاثمائة إلى أصبهان قبله أبو علي أحمد بن محمد بن رستم العامل، وضمه إليه، وأنزله المدينة، وأحسن معونته، وجعل له معلوما من دار الخراج فكان يقبضه إلى أن مات. وقد كنى ولده محمدا أبا ذر، وهي كنية والده أحمد.
قال أبو زكريا يحيى بن منده: سمعت مشايخنا ممن يعتمد عليهم يقولون: أملى أبو القاسم الطبراني حديث عكرمة في الرؤية فأنكر عليه ابن طباطبا العلوي، ورماه بدواة كانت بين يديه، فلما رأى الطبراني ذلك واجهه بكلام اختصرته، وقال في أثناء كلامه: ما تسكتون وتشتغلون بما أنتم فيه حتى لا يذكر ما جرى يوم الحرة. فلما سمع ذلك ابن طباطبا، قام واعتذر إليه وندم، ثم قال ابن منده: وبلغني أن الطبراني كان حسن المشاهدة، طيب المحاضرة، قرأ عليه يوما أبو طاهر بن لوقا حديث: " كان يغسل حصى جماره " فصحفه وقال: خصى حماره، فقال: ما أراد بذلك يا أبا طاهر قال: التواضع، وكان هذا كالمغفل. قال له الطبراني يوما: أنت ولدي، قال: وإياك يا أبا القاسم، يعني: وأنت.(أعلام/1173)
قال ابن منده: ووجدت عن أحمد بن جعفر الفقيه، أخبرنا أبو عمر بن عبد الوهاب السلمي قال: سمعت الطبراني يقول: لما قدم أبو علي بن رستم بن فارس، دخلت عليه، فدخل عليه بعض الكتاب، فصب على رجله خمسمائة درهم، فلما خرج الكاتب أعطانيها، فلما دخلت بنته أم عدنان، صبت على رجله خمسمائة، فقمت، فقال: إلى أين؟ قلت: قمت لئلا يقول: جلست لهذا، فقال: ارفع هذه أيضا، فلما كان آخر أمره تكلم في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ببعض الشيء، فخرجت ولم أعد إليه بعد.
قال أحمد بن جعفر الفقيه: سمعت أبا عبد الله بن حمدان، وأبا الحسن المديني، وغيرهما، يقولون: سمعنا الطبراني يقول: هذا الكتاب روحي يعني: " المعجم الأوسط ".
قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي: سمعت الأستاذ ابن العميد يقول: ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها، حتى شاهدت مذاكرة أبي القاسم الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي، فكان الطبراني يغلب أبا بكر بكثرة حفظه، وكان أبو بكر يغلب بفطنته وذكائه حتى ارتفعت أصواتهما، ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه، فقال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي، فقال: هات، فقال: حدثنا أبو خليفة الجمحي، حدثنا سليمان بن أيوب، وحدث بحديث، فقال الطبراني: أخبرنا سليمان بن أيوب، ومني سمعه أبو خليفة، فاسمع مني حتى يعلو فيه إسنادك، فخجل الجعابي، فوددت أن الوزارة لم تكن، وكنت أنا الطبراني، وفرحت كفرحه، أو كما قال.(أعلام/1174)
أنبئونا عن أبي المكارم اللبان، عن غانم البرجي، أنه سمع عمر بن محمد بن الهيثم يقول: سمعت أبا جعفر بن أبي السري قال: لقيت ابن عقدة بالكوفة، فسألته يوما أن يعيد لي فوتا فامتنع، فشددت عليه، فقال: من أي بلد أنت؟ قلت: من أصبهان، فقال: ناصبة ينصبون العداوة لأهل البيت، فقلت: لا تقل هذا فإن فيهم متفقهة وفضلاء ومتشيعة، فقال: شيعة معاوية؟ قلت: لا والله، بل شيعة علي، وما فيهم أحد إلا وعلي أعز عليه من عينه وأهله، فأعاد علي ما فاتني. ثم قال لي: سمعت من سليمان بن أحمد اللخمي؟ فقلت: لا، لا أعرفه، فقال: يا سبحان الله! ! أبو القاسم ببلدكم وأنت لا تسمع منه، وتؤذيني هذا الأذى، بالكوفة ما أعرف لأبي القاسم نظيرا، قد سمعت منه، وسمع مني. ثم قال: أسمعت " مسند " أبي داود الطيالسي؟ فقلت: لا، قال: ضيعت الحزم؛ لأن منبعه من أصبهان. وقال: أتعرف إبراهيم بن محمد بن حمزة؟ قلت: نعم. قال: قل ما رأيت مثله في الحفظ.(أعلام/1175)
قال الحافظ أبو عبد الله بن منده: أبو القاسم الطبراني أحد الحفاظ المذكورين، حدث عن أحمد بن عبد الرحيم البرقي، ولم يحتمل سنه لقيه، توفي أحمد بمصر سنة ست وستين ومائتين. قلت: قد مر أن الطبرانى وهم في اسم شيخه عبد الرحيم فسماه أحمد، واستمر. وقد أرخ الحافظ أبو سعيد بن يونس وفاة أحمد بن البرقي هكذا في موضع، وأرخها في موضع آخر سنة سبعين في شهر رمضان منها، وعلى الحالين فما لقيه ولا قارب، وإنما وهم في الاسم، وحمل عنه السيرة النبوية بسماعه من عبد الملك بن هشام السدوسي، وقد كان أحمد بن البرقي يروي عن عمرو بن أبي سلمة التنيسي والكبار الذين لم يدركهم أخوه عبد الرحيم، ثم إننا رأينا الطبراني لم يذكر عبد الرحيم باسمه هذا في " معجمه "، بل تمادى على الوهم، وسماه بأحمد في حرف الألف، ولهذين أخ ثالث وهو محمد بن البرقي الحافظ، له مؤلف في الضعفاء، وهو أسن الثلاثة، توفي سنة تسع وأربعين ومائتين، ومات عبد الرحيم بن عبد الله بن البرقي الذي لقيه الطبراني وزل في تسميته بأحمد في سنة ست وثمانين ومائتين. وقد سمعنا السيرة من طريقه، وقد سئل الحافظ أبو العباس أحمد بن منصور الشيرازي عن الطبراني، فقال: كتبت عنه ثلاث مائة ألف حديث، ثم قال: وهو ثقة، إلا أنه كتب عن شيخ بمصر، وكانا أخوين، وغلط في اسمه، يعني: ابني البرقي.
قال أبو عبد الله الحاكم: وجدت أبا علي النيسابوري الحافظ سيئ الرأي في أبي القاسم اللخمي، فسألته عن السبب، فقال: اجتمعنا على باب أبي خليفة، فذكرت له طرق حديث: أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء فقلت له: يحفظ شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عباس؟ قال: بلى رواه غندر، وابن أبي عدي، قلت: من عنهما؟ قال: حدثناه عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عنهما، فاتهمته إذ ذاك، فإنه ما حدث به غير عثمان بن عمر عن شعبة. قلت: هذا تعنت على حافظ حجة.(أعلام/1176)
قال الحافظ ضياء الدين المقدسي: هذا وهم فيه الطبراني في المذاكرة، فأما في جمعه حديث شعبة فلم يروه إلا من حديث عثمان بن عمر، ولو كان كل من وهم في حديث واحد اتهم لكان هذا لا يسلم منه أحد.
قال الحافظ أبو بكر بن مردويه: دخلت بغداد، وتطلبت حديث إدريس بن جعفر العطار، عن يزيد بن هارون، وروح، فلم أجد إلا أحاديث معدودة، وقد روى الطبراني، عن إدريس، عن يزيد كثيرا. قلت: هذا لا يدل على شيء، فإن البغاددة كاثروا عن إدريس للينه، وظفر به الطبراني فاغتنم علو إسناده، وأكثر عنه، واعتنى بأمره.
وقال أحمد الباطرقاني: دخل ابن مردويه بيت الطبراني وأنا معه - وذلك بعد وفاة ابنه أبي ذر - لبيع كتب الطبراني، فرأى أجزاء الأوائل بها فاغتم لذلك، وسب الطبراني، وكان سيئ الرأي فيه.
وقال سليمان بن إبراهيم الحافظ: كان ابن مردويه في قلبه شيء على الطبراني، فتلفظ بكلام، فقال له أبو نعيم: كم كتبت يا أبا بكر عنه؟ فأشار إلى حزم، فقال: ومن رأيت مثله؟ فلم يقل شيئا.
قال الحافظ الضياء: ذكر ابن مردويه في تأريخه لأصبهان جماعة، وضعفهم، وذكر الطبراني فلم يضعفه، فلو كان عنده ضعيفا لضعفه. قال أبو بكر بن أبي علي المعدل: الطبراني أشهر من أن يدل على فضله وعلمه، كان واسع العلم كثير التصانيف، وقيل: ذهبت عيناه في آخر أيامه، فكان يقول: الزنادقة سحرتني. فقال له يوما حسن العطار - تلميذه يمتحن بصره: كم عدد الجذوع التي في السقف؟ فقال: لا أدري، لكن نقش خاتمي سليمان بن أحمد.
قلت: هذا قاله على سبيل الدعابة. قال: وقال له مرة: من هذا الآتي - يعني: ابنه -؟ فقال: أبو ذر، وليس بالغفاري.(أعلام/1177)
ولأبي القاسم من التصانيف: كتاب " السنة " مجلد، كتاب " الدعاء " مجلد، كتاب " الطوالات " مجيليد، كتاب " مسند شعبة " كبير، " مسند سفيان "، كتاب " مسانيد الشاميين "، كتاب " التفسير " كبير جدا، كتاب " الأوائل "، كتاب " الرمي "، كتاب " المناسك "، كتاب " النوادر "، كتاب " دلائل النبوة " مجلد، كتاب " عشرة النساء " وأشياء سوى ذلك لم نقف عليها، منها " مسند عائشة "، " مسند أبي هريرة "، " مسند أبي ذر "، " معرفة الصحابة "، " العلم "، " الرؤية "، " فضل العرب "، " الجود "، " الفرائض "، " مناقب أحمد "، " كتاب الأشربة "، " كتاب الألوية في خلافة أبي بكر وعمر "، وغير ذلك، وقد سماها على الولاء الحافظ يحيى بن منده. وأكثرها مسانيد حفاظ وأعيان، ولم نرها.
ولم يزل حديث الطبراني رائجا، نافقا، مرغوبا فيه، ولا سيما في زمان صاحبه ابن زيدة، فقد سمع منه خلائق، وكتب السلفي عن نحو مائة نفس منهم ومن أصحاب ابن فاذشاه، وكتب أبو موسى المديني، وأبو العلاء الهمذاني عن عدة من بقاياهم. وازدحم الخلق على خاتمتهم فاطمة الجوزدانية الميتة في سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وارتحل ابن خليل والضياء، وأولاد الحافظ عبد الغني وعدة من المحدثين في طلب حديث الطبراني، واستجازوا من بقايا المشيخة لأقاربهم وصغارهم، وجلبوه إلى الشام، ورووه، ونشروه، ثم سمعه بالإجازة العالية ابن جعوان، والحارثي، والمزي، وابن سامة، والبرزالي، وأقرانهم، ورووه في هذا العصر، وأعلى ما بقي من ذلك بالاتصال " معجمه الصغير "، فلا تفوتوه رحمكم الله.
وقد عاش الطبراني مائة عام وعشرة أشهر.
قال أبو نعيم الحافظ: توفي الطبراني لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ستين وثلاثمائة بأصبهان، ومات ابنه أبو ذر في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة عن نيف وستين سنة.(أعلام/1178)
أخبرنا عبد الملك بن عبد الرحمن العطار، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا علي بن سعيد بن فاذشاه، ومحمد بن أبي زيد قالا: أخبرنا محمود بن إسماعيل، أخبرنا أحمد بن محمد بن فاذشاه، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أبو مسلم الكشي، حدثنا أبو عاصم، عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسيرة، ومعه رجل، إذ لعن ناقته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أين اللاعن ناقته؟ قال: ها أنذا، قال: أخرها فقد أجبت فيها.
أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا مسعود بن أبي منصور، أخبرنا الحسن بن أحمد، أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن مهرة سنة خمس وعشرين وأربعمائة، أخبرنا سليمان الطبراني، حدثنا محمد بن حيان المازني، وأبو خليفة قالا: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن علي ابن بذيمة، عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله قال: " من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز ".
قرأت على سليمان بن قدامة القاضي، أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أخبرنا محمد بن أحمد، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله، أخبرنا ابن ريذة، أخبرنا الطبراني، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك، فقال: اطلبوها، فلم يجدوها، فقال: اطلبوها، فوجدوها، فإذا هي قلنسوة خلقة، فقال خالد: اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحلق رأسه، فابتدر الناس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته، فجعلتها في هذه القلنسوة، فلم أشهد قتالا وهي معي إلا رزقت النصر.(أعلام/1179)
ومات في سنة ستين الآجري وسيأتي، والمعمر أبو علي عيسى بن محمد بن أحمد الجريجي الطوماري عن تسع وتسعين سنة، وإمام جامع همذان أبو العباس الفضل بن الفضل الكندي، ومسند بغداد أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم الأنباري، والبندار، وأبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن كنانة المؤدب، والمحدث القدوة أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر النيسابوري، والوزير أبو الفضل محمد بن الحسين بن محمد بن العميد صاحب الترسل الفائق، والمعمر أبو طاهر محمد بن سليمان بن ذكوان البعلبكي المقرئ، وشيخ الزهاد أبو بكر محمد بن داود الدقي الدينوري، والذي تملك دمشق أبو القاسم بن أبي يعلى الهاشمي ثم أسر وبعث إلى مصر.(أعلام/1180)
الطبقة الثانية من التابعين
أبو سلمة بن عبد الرحمن (ع)
ابن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب القرشي الزهري، الحافظ، أحد الأعلام بالمدينة. قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، ولد سنة بضع وعشرين.
وحدث عن أبيه بشيء قليل لكونه توفي وهذا صبي، وعن أسامة بن زيد، وعبد الله بن سلام، وأبي أيوب، وعائشة، وأم سلمة، وبنتها زينب، وأم سليم، وأبي هريرة، وأبي أسيد الساعدي، ومعيقيب الدوسي، والمغيرة بن شعبة، وأبي الدرداء -ولم يدركه- وعثمان بن عفان، وحسان بن ثابت، وثوبان، وحمزة بن عمرو الأسلمي، وعبادة بن الصامت مرسل، وطلحة بن عبيد الله كذلك، وربيعة بن كعب، وعبد الله بن عمرو، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وزيد بن خالد الجهني، ونافع بن عبد الحارث وعدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم عن بسر بن سعيد، وجعفر بن عمرو بن أمية، وعروة، وعطاء بن يسار، وغيرهم. ونزل إلى أن روى عن عمر بن عبد العزيز. كان طلابة للعلم، فقيها، مجتهدا كبير القدر، حجة.
حدث عنه: ابنه عمر بن أبي سلمة، وابن أخيه سعد بن إبراهيم، وابن أخيه عبد المجيد بن سهيل، وابن أخيه زرارة بن مصعب، وعروة، وعراك بن مالك، والشعبي وسعيد المقبري، وعمرو بن دينار، وعمر بن عبد العزيز، ونافع العمري، والزهري، ويحيى بن أبي كثير، وسلمة بن كهيل، وبكير بن الأشج، وسالم أبو النضر، وأبو الزناد وأبو طوالة، وصفوان بن سليم، وعبد الله بن الفضل الهاشمي، وعبد الله بن أبي لبيد، وشريك بن أبي نمر، وأبو حازم الأعرج وصالح بن محمد بن زائدة، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد، وأخوه عبد ربه بن سعيد، وعثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، ومحمد بن أبي حرملة، ومحمد بن عمرو بن علقمة، ونوح بن أبي بلال، وخلق كثير.(أعلام/1181)
قال ابن سعد في الطبقة الثانية من المدنيين: كان ثقة، فقيها، كثير الحديث. وأمه تماضر بنت الأصبغ بن عمرو، من أهل دومة الجندل، أدركت حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي أول كلبية نكحها قرشي.
وأرضعته أم كلثوم، فعائشة خالته من الرضاعة.
وروى الزهري، عن أبي سلمة، قال: لو رفقت بابن عباس، لاستخرجت منه علما كثيرا.
قال سعد بن إبراهيم: كان أبو سلمة يخضب بالسواد.
شعبة: عن أبي إسحاق، قال: أبو سلمة في زمانه خير من ابن عمر في زمانه.
وقال أبو زرعة: ثقة، إمام.
وقال مالك: كان عندنا من رجال أهل العلم، اسم أحدهم كنيته ; منهم: أبو سلمة.
وقال محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي: قدم علينا البصرة أبو سلمة في إمارة بشر بن مروان، وكان رجلا صبيحا، كأن وجهه دينار هرقلي.
قال الزهري: أربعة من قريش وجدتهم بحورا: عروة، وابن المسيب، وأبو سلمة، وعبيد الله بن عبد الله. قال: وكان أبو سلمة كثيرا ما يخالف ابن عباس، فحرم لذلك منه علما كثيرا. قاله الزهري.
عقيل، عن ابن شهاب: قدمت مصر على عبد العزيز -يعني متوليها- وأنا أحدث عن سعيد بن المسيب، فقال لي إبراهيم بن قارظ: ما أسمعك تحدث إلا عن سعيد! فقلت: أجل. فقال: لقد تركت رجلين من قومك لا أعلم أكثر حديثا منهما: عروة، وأبو سلمة. قال: فلما رجعت إلى المدينة وجدت عروة بحرا لا تكدره الدلاء.
قلت: لم يكثر عن أبي سلمة وهو من عشيرته ; ربما كان بينهما شيء، وإلا فما أبو سلمة بدون عروة في سعة العلم.
قال ابن سعد توفي أبو سلمة بالمدينة سنة أربع وتسعين. في خلافة الوليد وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
وقال الواقدي في وفاته وسنه ما لا يتابع عليه فقال: مات سنة أربع ومائة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
وقال الهيثم بن عدي في وفاته كالأول.(أعلام/1182)
قال إسماعيل بن أبي خالد: قدم علينا أبو سلمة زمن بشر بن مروان وكان زوج بنته بمد تمر.
وقال عمرو بن دينار، قال أبو سلمة: أنا أفقه من بال، فقال ابن عباس: في المبارك. رواها ابن عيينة عنه.
ابن لهيعة، عن أبي الأسود، قال: كان أبو سلمة مع قوم، فرأوا قطيعا من غنم، فقال أبو سلمة: اللهم إن كان في سابق علمك أن أكون خليفة فاسقنا من لبنها، فانتهى إليها فإذا هي تيوس كلها.
قال عمرو بن دينار، عن عائشة أنها قالت لأبي سلمة وهو حدث: إنما مثلك مثل الفروج يسمع الديكة تصيح فيصيح.
وروي عن الشعبي قال: قدم أبو سلمة الكوفة، فكان يمشي بيني وبين رجل، فسئل عن أعلم من بقي، فتمنع ساعة ثم قال: رجل بينكما.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، وجماعة كتابة، أن عمر بن طبرزذ أخبرهم، قال: أنبأنا هبة الله بن الحصين، أنبأنا محمد بن محمد بن غيلان، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله، أنبأنا أحمد بن عبيد الله، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى.
أخبرنا عبد الخالق بن عبد السلام الشافعي، أنبأنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أنبأنا أحمد بن عبد الغني، أنبأنا نصر بن البطر أنبأنا عبد الله بن عبيد الله، حدثنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا حفص الربالي حدثنا يحيى القطان، عن يحيى بن سعيد، سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن سمعت أبا قتادة، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئا فليبزق عن شماله ثلاث مرات، وليستعذ بالله من شرها ; فإنها لن تضره.(أعلام/1183)
قال خليفة بن خياط عزل مروان عن المدينة في سنة ثمان وأربعين، ووليها سعيد بن العاص، فاستقضى أبا سلمة بن عبد الرحمن، فلم يزل قاضيا حتى عزل سعيد سنة أربع وخمسين.
سلمة الأبرش: حدثنا ابن إسحاق، قال: رأيت أبا سلمة يأتي المكتب، فينطلق بالغلام إلى بيته، فيملي عليه الحديث.(أعلام/1184)
الطبقة الخامسة من التابعين
جعفر بن محمد (ع)
ابن علي بن الشهيد أبي عبد الله، ريحانة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسبطه ومحبوبه الحسين بن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد مناف بن شيبة، وهو عبد المطلب بن هاشم، واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي، الإمام الصادق شيخ بني هاشم أبو عبد الله القرشي، الهاشمي، العلوي، النبوي، المدني، أحد الأعلام.
وأمه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي، وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، ولهذا كان يقول: ولدني أبو بكر الصديق مرتين.
وكان يغضب من الرافضة، ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر ظاهرا وباطنا. هذا لا ريب فيه، ولكن الرافضة قوم جهلة، قد هوى بهم الهوى في الهاوية فبعدا لهم، ولد سنة ثمانين ورأى بعض الصحابة أحسبه رأى أنس بن مالك، وسهل بن سعد.
حدث عن أبيه أبي جعفر الباقر وعبيد الله بن أبي رافع، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح وروايته عنه في مسلم. وجده القاسم بن محمد، ونافع العمري، ومحمد بن المنكدر، والزهري، ومسلم بن أبي مريم وغيرهم، وليس هو بالمكثر إلا عن أبيه. وكانا من جلة علماء المدينة.(أعلام/1185)
حدث عنه ابنه موسى الكاظم، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويزيد بن عبد الله بن الهاد وهما أكبر منه، وأبو حنيفة، وأبان بن تغلب، وابن جريج، ومعاوية بن عمار الدهني، وابن إسحاق في طائفة من أقرانه، وسفيان، وشعبة، ومالك، وإسماعيل بن جعفر، ووهب بن خالد، وحاتم بن إسماعيل، وسليمان بن بلال، وسفيان بن عيينة، والحسن بن صالح، والحسن بن عياش أخو أبي بكر، وزهير بن محمد، وجعفر بن غياث، وزيد بن حسن الأنماطي، وسعيد بن سفيان الأسلمي، وعبد الله بن ميمون، وعبد العزيز بن عمران الزهري، وعبد العزيز الدراوردي، وعبد الوهاب الثقفي، وعثمان بن فرقد، ومحمد بن ثابت البناني، ومحمد بن ميمون الزعفراني، ومسلم الزنجي، ويحيى القطان، وأبو عاصم النبيل، وآخرون.
قال مصعب بن عبد الله: سمعت الدراوردي يقول: لم يرو مالك عن جعفر حتى ظهر أمر بني العباس.
قال مصعب: كان مالك يضمه إلى آخر. وقال علي عن يحيى بن سعيد، قال: أملى علي جعفر بن محمد الحديث الطويل، يعني في الحج ثم قال: وفي نفسي منه شيء مجالد أحب إلي منه.(أعلام/1186)
قلت: هذه من زلقات يحيى القطان. بل أجمع أئمة هذا الشأن على أن جعفرا أوثق من مجالد. ولم يلتفتوا إلى قول يحيى. وقال إسحاق بن حكيم: قال يحيى القطان: جعفر ما كان كذوبا. وقال إسحاق ابن راهويه، قلت للشافعي في مناظرة جرت: كيف جعفر بن محمد عندك؟ قال: ثقة. وروى عباس عن يحيى بن معين: جعفر بن محمد ثقة مأمون. وروى أحمد بن زهير، والدارمي، وأحمد بن أبي مريم، عن يحيى: ثقة. وزاد ابن أبي مريم عن يحيى: كنت لا أسأل يحيى بن سعيد عن حديثه. فقال: لم لا تسألني عن حديث جعفر؟ قلت: لا أريده. فقال: إن كان يحفظ، فحديث أبيه المسند، يعني حديث جابر في الحج. ثم قال يحيى بن معين: وخرج حفص بن غياث إلى عبادان وهو موضع رباط، فاجتمع إليه البصريون، فقالوا: لا تحدثنا عن ثلاثة ; أشعث بن عبد الملك، وعمرو بن عبيد، وجعفر بن محمد. فقال: أما أشعث فهو لكم، وأما عمرو فأنتم أعلم به، وأما جعفر فلو كنتم بالكوفة لأخذتكم النعال المطرقة.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة، وسئل عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وسهيل عن أبيه، والعلاء عن أبيه، أيها أصح؟ قال: لا يقرن جعفر إلى هؤلاء. وسمعت أبا حاتم يقول: جعفر لا يسأل عن مثله.
قلت: جعفر ثقة صدوق. ما هو في الثبت كشعبة، وهو أوثق من سهيل وابن إسحاق. وهو في وزن ابن أبي ذئب ونحوه. وغالب رواياته عن أبيه مراسيل.
قال أبو أحمد بن عدي: له حديث كثير عن أبيه، عن جابر وعن آبائه، ونسخ لأهل البيت. وقد حدث عنه الأئمة. وهو من ثقات الناس كما قال ابن معين.
وعن عمرو بن أبي المقدام قال: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين. قد رأيته واقفا عند الجمرة يقول: سلوني، سلوني.
وعن صالح بن أبي الأسود، سمعت جعفر بن محمد يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي.(أعلام/1187)
ابن عقدة الحافظ، حدثنا جعفر بن محمد بن حسين بن حازم، حدثني إبراهيم بن محمد الرماني أبو نجيح، سمعت حسن بن زياد، سمعت أبا حنيفة، وسئل: من أفقه من رأيت؟ قال: ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور الحيرة، بعث إلي فقال: يا أبا حنيفة، إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد، فهيئ له من مسائلك الصعاب. فهيأت له أربعين مسألة. ثم أتيت أبا جعفر، وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت بهما، دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر، فسلمت وأذن لي، فجلست. ثم التفت إلى جعفر، فقال: يا أبا عبد الله، تعرف هذا؟ قال: نعم. هذا أبو حنيفة. ثم أتبعها: قد أتانا. ثم قال: يا أبا حنيفة، هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله فابتدأت أسأله. فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا، فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة، وربما خالفنا جميعا، حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة. ثم قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟ ! .
علي بن الجعد، عن زهير بن معاوية قال: قال أبي لجعفر بن محمد إن لي جارا يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر. فقال جعفر: برئ الله من جارك. والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر. ولقد اشتكيت شكاية فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم.
قال ابن عيينة: حدثونا عن جعفر بن محمد ولم أسمعه منه، قال: كان آل أبي بكر يدعون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن أبي عمر العدني وغيره عن جعفر بن محمد، عن أبيه، نحو ذلك.(أعلام/1188)
محمد بن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة قال: سألت أبا جعفر وابنه جعفرا عن أبي بكر وعمر، فقال: يا سالم تولهما، وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى. ثم قال جعفر: يا سالم، أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي، لا نالتني شفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما، وأبرأ من عدوهما.
وقال حفص بن غياث: سمعت جعفر بن محمد يقول: ما أرجو من شفاعة علي شيئا إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله. لقد ولدني مرتين.
كتب إلي عبد المنعم بن يحيى الزهري، وطائفة قالوا: أنبأنا داود بن أحمد، أنبأنا محمد بن عمر القاضي، أنبأنا عبد الصمد بن علي، أنبأنا أبو الحسن الدارقطني، حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي، حدثنا محمد بن الحسين الحنيني، حدثنا مخلد بن أبي قريش الطحان، حدثنا عبد الجبار بن العباس الهمداني، أن جعفر بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة، فقال: " إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم، فأبلغوهم عني: من زعم أني إمام معصوم مفترض الطاعة، فأنا منه بريء، ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر، فأنا منه بريء ".
وبه عن الدارقطني، حدثنا إسماعيل الصفار، حدثنا أبو يحيى جعفر بن محمد الرازي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا حنان بن سدير، سمعت جعفر بن محمد، وسئل عن أبي بكر وعمر، فقال: إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة.
وبه حدثنا الحسين بن إسماعيل، حدثنا محمود بن خداش، حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا عمرو بن قيس الملائي، سمعت جعفر بن محمد يقول: برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر.
قلت: هذا القول متواتر عن جعفر الصادق، وأشهد بالله إنه لبار في قوله غير منافق لأحد، فقبح الله الرافضة.
وروى معبد بن راشد، عن معاوية بن عمار، سألت جعفر بن محمد عن القرآن فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله.(أعلام/1189)
حماد بن زيد، عن أيوب سمعت جعفرا يقول: إنا -والله- لا نعلم كل ما يسألوننا عنه، ولغيرنا أعلم منا.
محمد بن عمران بن أبي ليلى، عن مسلمة بن جعفر الأحمسي: قلت لجعفر بن محمد: إن قوما يزعمون أن من طلق ثلاثا بجهالة رد إلى السنة، تجعلونها واحدة، يروونها عنكم. قال: معاذ الله! ما هذا من قولنا، من طلق ثلاثا فهو كما قال.
سويد بن سعيد، عن معاوية بن عمار، عن جعفر بن محمد قال: من صلى على محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى أهل بيته مائة مرة قضى الله له مائة حاجة.
أجاز لنا أحمد بن سلامة، عن أبي المكارم اللبان، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا محمد بن العباس، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، حدثنا مالك بن أنس، عن جعفر بن محمد قال، لما قال له سفيان: لا أقوم حتى تحدثني. قال: أما إني أحدثك وما كثرة الحديث لك بخير. يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها، فإن الله قال في كتابه: لئن شكرتم لأزيدنكم وإذا استبطأت الرزق، فأكثر من الاستغفار، فإن الله قال في كتابه: استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال الآية. يا سفيان ; إذا حزبك أمر من السلطان أو غيره، فأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها مفتاح الفرج، وكنز من كنوز الجنة. فعقد سفيان بيده وقال: ثلاث وأي ثلاث! قال جعفر: عقلها والله أبو عبد الله ولينفعنه الله بها.
قلت: حكاية حسنة إن لم يكن ابن غزوان وضعها فإنه كذاب.(أعلام/1190)
وبه قال أبو نعيم: حدثنا أبو أحمد الغطريفي، حدثنا محمد بن أحمد بن مكرم الضبي، حدثنا علي بن عبد الحميد، حدثنا موسى بن مسعود، حدثنا سفيان قال: دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبة خز دكناء وكساء خز أيدجاني فجعلت أنظر إليه تعجبا، فقال: ما لك، يا ثوري؟ قلت: يا ابن رسول الله، ليس هذا من لباسك، ولا لباس آبائك، فقال: كان ذاك زمانا مقترا، وكانوا يعملون على قدر إقتاره وإفقاره، وهذا زمان قد أسبل كل شيء فيه عزاليه ثم حسر عن ردن جبته، فإذا فيها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل، وقال: لبسنا هذا لله، وهذا لكم، فما كان لله أخفيناه، وما كان لكم أبديناه.
وقيل: كان جعفر يقول: كيف أعتذر وقد احتججت؟ وكيف أحتج وقد علمت؟ .
روى يحيى بن أبي بكر عن هياج بن بسطام قال: كان جعفر بن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء.
عن بعض أصحاب جعفر بن محمد، عن جعفر، وسئل: لم حرم الله الربا؟ قال: لئلا يتمانع الناس المعروف.
وعن هشام بن عباد، سمعت جعفر بن محمد يقول: الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين، فاتهموهم.
وبه حدثنا الطبراني، حدثنا أحمد بن زيد بن الجريش، حدثنا الرياشي، حدثنا الأصمعي قال: قال جعفر بن محمد: الصلاة قربان كل تقي، والحج جهاد كل ضعيف، وزكاة البدن الصيام، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، واستنزلوا الرزق بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة. وما عال من اقتصد، والتقدير نصف العيش، وقلة العيال أحد اليسارين، ومن أحزن والديه، فقد عقهما، ومن ضرب بيده على فخذه عند مصيبة فقد حبط أجره، والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، والله ينزل الصبر على قدر المصيبة وينزل الرزق على قدر المؤنة، ومن قدر معيشته، رزقه الله، ومن بذر معيشته، حرمه الله.(أعلام/1191)
وعن رجل، عن بعض أصحاب جعفر بن محمد قال: رأيت جعفرا يوصي موسى، يعني ابنه: يا بني من قنع بما قسم له استغنى، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا، ومن لم يرض بما قسم له، اتهم الله في قضائه ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه، ومن كشف حجاب غيره انكشفت عورته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر بئرا لأخيه، أوقعه الله فيه، ومن داخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء اتهم. يا بني إياك أن تزري بالرجال. فيزرى بك، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك، يا بني قل الحق لك وعليك تستشار من بين أقربائك، كن للقرآن تاليا، وللإسلام فاشيا، وللمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا، ولمن قطعك واصلا، ولمن سكت عنك مبتدئا، ولمن سألك معطيا، وإياك والنميمة، فإنها تزرع الشحناء في القلوب، وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة المتعرض لعيوب الناس كمنزلة الهدف. إذا طلبت الجود، فعليك بمعادنه فإن للجود معادن، وللمعادن أصولا، وللأصول فروعا، وللفروع ثمرا. ولا يطيب ثمر إلا بفرع، ولا فرع إلا بأصل، ولا أصل إلا بمعدن طيب. زر الأخيار ولا تزر الفجار، فإنهم صخرة لا يتفجر ماؤها، وشجرة لا يخضر ورقها، وأرض لا يظهر عشبها.
عن عائذ بن حبيب، قال جعفر بن محمد: لا زاد أفضل من التقوى، ولا شيء أحسن من الصمت، ولا عدو أضر من الجهل، ولا داء أدوأ من الكذب.
وعن يحيى بن الفرات، أن جعفرا الصادق قال: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: بتعجيله، وتصغيره، وستره.
كتب إلي أحمد بن أبي الخير، عن أبي المكارم اللبان، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم، حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا عنبسة الخثعمي، وكان من الأخيار، سمعت جعفر بن محمد يقول: إياكم والخصومة في الدين، فإنها تشغل القلب، وتورث النفاق.(أعلام/1192)
ويروى أن أبا جعفر المنصور وقع عليه ذباب، فذبه عنه، فألح فقال لجعفر: لم خلق الله الذباب؟ قال: ليذل به الجبابرة.
وعن جعفر بن محمد: إذا بلغك عن أخيك ما يسوءك، فلا تغتم، فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عجلت، وإن كان على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها.
قال موسى عليه السلام: يا رب أسألك ألا يذكرني أحد إلا بخير قال: ما فعلت ذلك بنفسي.
أخبرنا وحدثنا عن سعيد بن محمد بن محمد بن عطاف، أنبأنا أبو القاسم بن السمرقندي، حدثني الحميدي، أنبأنا الحسين بن محمد المالكي القيسي بمصر، أنبأنا عبد الكريم بن أحمد بن أبي جدار، أخبرنا أبو علي الحسن بن رخيم، حدثنا هارون بن أبي الهيذام، أنبأنا سويد بن سعيد، قال، قال الخليل بن أحمد: سمعت سفيان الثوري يقول: قدمت مكة فإذا أنا بأبي عبد الله جعفر بن محمد قد أناخ بالأبطح، فقلت: يا ابن رسول الله، لم جعل الموقف من وراء الحرم؟ ولم يصير في المشعر الحرام؟ فقال: الكعبة بيت الله، والحرم حجابه، والموقف بابه. فلما قصده الوافدون، أوقفهم بالباب يتضرعون، فلما أذن لهم في الدخول، أدناهم من الباب الثاني وهو المزدلفة. فلما نظر إلى كثرة تضرعهم وطول اجتهادهم رحمهم، فلما رحمهم، أمرهم بتقريب قربانهم، فلما قربوا قربانهم، وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت حجابا بينه وبينهم، أمرهم بزيارة بيته على طهارة. قال: فلم كره الصوم أيام التشريق؟ قال: لأنهم في ضيافة الله. ولا يجب على الضيف أن يصوم عند من أضافه. قلت: جعلت فداك فما بال الناس يتعلقون بأستار الكعبة وهي خرق لا تنفع شيئا؟ قال: ذاك مثل رجل بينه وبين رجل جرم، فهو يتعلق به، ويطوف حوله رجاء أن يهب له ذلك، ذاك الجرم.
ومن بليغ قول جعفر، وذكر له بخل المنصور فقال: الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما بذل لأجله دينه.(أعلام/1193)
أخبرنا علي بن أحمد في كتابه، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري، أنبأنا أبو الحسن بن المهتدي بالله، أنبأنا عبيد الله بن أحمد الصيدلاني، حدثنا أبو طالب علي بن أحمد الكاتب، حدثنا عيسى بن أبي حرب الصفار، عن الفضل بن الربيع، عن أبيه، قال: دعاني المنصور فقال: إن جعفر بن محمد يلحد في سلطاني قتلني الله إن لم أقتله. فأتيته، فقلت: أجب أمير المؤمنين. فتطهر ولبس ثيابا، أحسبه قال جددا فأقبلت به فاستأذنت له، فقال: أدخله، قتلني الله إن لم أقتله. فلما نظر إليه مقبلا قام من مجلسه فتلقاه وقال:(أعلام/1194)
مرحبا بالنقي الساحة، البريء من الدغل والخيانة، أخي وابن عمي، فأقعده معه على سريره وأقبل عليه بوجهه، وسأله عن حاله، ثم قال: سلني عن حاجتك فقال: أهل مكة والمدينة قد تأخر عطاؤهم فتأمر لهم به. قال: أفعل. ثم قال: يا جارية ائتني بالتحفة. فأتته بمدهن زجاج فيه غالية فغلفه بيده وانصرف. فاتبعته، فقلت: يا ابن رسول الله ; أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك، فكان منه ما رأيت. وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول فما هو؟ قال: قلت: اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام، واحفظني بقدرتك علي، ولا تهلكني. وأنت رجائي. رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري، وكم من بلية ابتليتني بها قل لها عندك صبري؟ ! فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا، ويا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، أعني على ديني بدنيا، وعلى آخرتي بتقوى، واحفظني فيما غبت عنه ولا تكلني إلى نفسي فيما خطرت. يا من لا تضره الذنوب، ولا تنقصه المغفرة، اغفر لي ما لا يضرك، وأعطني ما لا ينقصك، يا وهاب أسألك فرجا قريبا، وصبرا جميلا، والعافية من جميع البلايا، وشكر العافية.
فأعلى ما يقع لنا من حديث جعفر الصادق، ما أنبأنا الإمام أبو محمد بن قدامة الحاكم، وطائفة قالوا: أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا أحمد بن الحسن، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو بكر القطيعي، حدثنا أبو مسلم الكجي، حدثنا أبو عاصم، عن جعفر بن محمد، حدثني أبي: قال عمر بن الخطاب: ما أدري ما أصنع بالمجوس؟ فقام عبد الرحمن بن عوف قائما، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: سنوا بهم سنة أهل الكتاب.
هذا حديث عال، في إسناده انقطاع.(أعلام/1195)
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن المؤيد، أنبأنا زكريا بن علي بن حسان (ح) وأنبأنا أحمد بن محمد، ومحمد بن إبراهيم وعلي بن محمد، وجماعة قالوا: أنبأنا أبو المنجى عبد الله بن عمر قالا: أنبأنا عبد الأول بن عيسى قال: أخبرتنا أم الفضل بيبى بنت عبد الصمد الهرثمية، أنبأنا عبد الرحمن بن أحمد الأنصاري، أنبأنا عبد الله بن محمد، حدثنا مصعب بن عبد الله. حدثني مالك عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا وقف على الصفا كبر ثلاثا ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير يصنع ذلك ثلاث مرات، ويصنع على المروة مثل ذلك، وكان إذا نزل من الصفا، مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي، سعى حتى يخرج منه رواه مسلم.
وبه إلى عبد الرحمن بن أحمد: حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا عبد الوهاب بن فليح المقرئ بمكة، حدثنا عبد الله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يؤمن مؤمن حتى يؤمن بالقدر كله، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
هذا حديث غريب فيه نكارة. تفرد به القداح. وقد قال البخاري: ذاهب الحديث. أخرجه أبو عيسى عن زياد بن يحيى عنه، فوقع بدلا بعلو درجة.
قال المدائني، وشباب العصفري وعدة: مات جعفر الصادق في سنة ثمان وأربعين ومائة وقد مر أن مولده سنة ثمانين أرخه الجعابي وأبو بكر بن منجويه، وأبو القاسم اللالكائي فيكون عمره ثمانيا وستين سنة -رحمه الله.
لم يخرج له البخاري في الصحيح، بل في كتاب الأدب وغيره.(أعلام/1196)
وله عدة أولاد: أقدمهم إسماعيل بن جعفر ومات شابا في حياة أبيه، سنة ثمان وثلاثين ومائة. وخلف محمدا وعليا وفاطمة. فكان لمحمد من الولد جعفر وإسماعيل فقط. فولد جعفر محمدا، وأحمد، درج ولم يعقب، فولد لمحمد بن جعفر، جعفر وإسماعيل وأحمد وحسن، فولد لحسن جعفر الذي مات بمصر سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وخلف ابنه محمدا، فجاءه خمسة بنين، وولد لإسماعيل بن محمد، أحمد ويحيى ومحمد وعلي درج ولم يعقب، فولد لأحمد جماعة بنين، منهم إسماعيل بن أحمد المتوفى بمصر سنة خمس وعشرين وثلاثمائة.
فبنو محمد بن إسماعيل بن جعفر عدد كثير كانوا بمصر، وبدمشق قد استوعبهم الشريف العابد أبو الحسين محمد بن علي بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق. ويعرف هذا بأخي محسن. كان يسكن بباب توما. مات قبل الأربعمائة. وذكر منهم قوما بالكوفة. وبالغ في نفي عبيد الله المهدي من أن يكون من هذا النسب الشريف، وألف كتابا في أنه دعي، وأن نحلته خبيثة، مدارها على المخرقة والزندقة.
رجعنا إلى تتمة آل جعفر الصادق. فأجلهم وأشرفهم ابنه: موسى الكاظم(أعلام/1197)
الطبقة الرابعة من التابعين
منصور بن المعتمر (ع)
الحافظ الثبت القدوة أبو عتاب السلمي الكوفي أحد الأعلام. قال أبو عبيد القاسم بن سلام: هو من بني بهثة بن سليم من رهط العباس بن مرداس السلمي.
قلت: يروي عن أبي وائل، وربعي بن حراش، وإبراهيم النخعي، وخيثمة بن عبد الرحمن، وهلال بن يساف، وزيد بن وهب، وذر بن عبد الله، وكريب، وأبي الضحى، وأبي صالح باذام، وأبي حازم الأشجعي، وسعيد بن جبير، وعامر الشعبي، ومجاهد، وعبد الله بن مرة، وطبقتهم. وما علمت له رحلة ولا رواية عن أحد من الصحابة، وبلا شك كان عنده بالكوفة بقايا الصحابة، وهو رجل شاب مثل عبد الله بن أبي أوفى، وعمرو بن حريث إلا أنه كان من أوعية العلم، صاحب إتقان وتأله وخير. وينزل في الرواية إلى الزهري، وخالد الحذاء، ويفضلونه على الأعمش.
وقيل: أصح الأسانيد مطلقا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود.
حدث عنه خلق كثير، منهم حصين بن عبد الرحمن وهو ابن عمه، وأيوب السختياني، وسليمان الأعمش، وسليمان التيمي، وهم من أقرانه، وشعبة، وسفيان الثوري، وشيبان النحوي، وشريك القاضي، ومعمر بن راشد، وإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، وأسباط بن نصر، وإسرائيل، وجعفر بن زياد الأحمر، والحسن بن صالح بن حي، ومفضل بن مهلهل، وهريم بن سفيان، وورقاء بن عمر، وزائدة بن قدامة، ووهيب بن خالد، وأبو حمزة محمد بن ميمون المروزي، والجراح بن مليح أبو وكيع، والحكم بن هشام الثقفي، وسلام بن أبي مطيع، والقاسم بن معن المسعودي، ومعلى بن هلال الطحان، وأبو عوانة الوضاح، وأبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي، وعبدة بن حميد، وعمر بن عبد الرحمن الأبار، وأبو الأحوص سلام، وجرير بن عبد الحميد، ومعتمر بن سليمان، وسفيان بن عيينة.(أعلام/1198)
روى شعبة، عن منصور قال: ما كتبت حديثا قط. وقال عبد الرحمن بن مهدي: لم يكن بالكوفة أحد أحفظ من منصور. أجاز لنا ابن البخاري، أنبأنا ابن طبرزد، أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي، أنبأنا الصريفيني، أنبأنا ابن حبابة، حدثنا البغوي، حدثني إبراهيم بن عبد الله القصار، حدثنا مصعب بن المقدام، عن زائدة قال: قلت لمنصور بن المعتمر: اليوم الذي أصوم أقع في الأمراء؟ قال: لا. قلت: فأقع فيمن يتناول أبا بكر وعمر؟ قال: نعم.
وبه إلى البغوي: حدثني ابن زنجويه، سمعت إبراهيم بن مهدي سمعت أبا الأحوص قال: قالت بنت لجار منصور بن المعتمر:. يا أبت أين الخشبة التي كانت في سطح منصور قائمة؟ قال: يا بنية ذاك منصور، كان يقوم الليل. حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو بكر بن عياش، رأيت منصورا إذا قام في الصلاة عقد لحيته في صدره.
حدثني أبو سعيد، حدثنا عبد الله بن الأجلح. قال: رأيت منصورا أحسن الناس قياما في الصلاة، وكان يخضب بالحناء.
حدثني العباس بن محمد، حدثنا أبو بكر بن أبي الأسود، سمعت ابن مهدي يقول: لم يكن بالكوفة أثبت من أربعة فبدأ بمنصور، وأبي حصين، وسلمة بن كهيل، وعمرو بن مرة. قال: وكان منصور أثبتهم.
حدثنا أحمد بن عمران الأخنسي: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: رحم الله منصورا، كان صواما قواما.
قال يحيى بن معين: لم يكن أحد أعلم بحديث منصور من الثوري. وقد روى حصين، عن منصور، وكان حصين أسن منه.(أعلام/1199)
وقال هشيم: سئل حصين: أنت أكبر أم منصور؟ قال: إني لأذكر ليلة زفت أم منصور إلى أبيه. أبو بكر بن عياش، عن مغيرة قال: اختلف منصور إلى إبراهيم وهو من أعبد الناس، فلما أخذ في الآثار، فتر. وبه قال البغوي: حدثنا الأخنسي، سمعت أبا بكر يقول: لو رأيت منصور بن المعتمر، وربيع بن أبي راشد، وعاصم بن أبي النجود في الصلاة، قد وضعوا لحاهم على صدورهم، عرفت أنهم من أبزار الصلاة.
ابن المديني، عن يحيى، وسئل عن أصحاب إبراهيم أيهم أحب إليك؟ فقال: إذا جاءك منصور، فقد ملأت يديك لا تريد غيره.
كان سفيان يقول: كنت لا أحدث الأعمش عن أحد إلا رده، فإذا قلت: منصور، سكت حجاج بن محمد: سمعت شعبة يقول: قال منصور: وددت أني كتبت وأن علي كذا وكذا، قد ذهب مني مثل علمي.
وقال يحيى القطان: منصور أحسن حديثا عن مجاهد من ابن أبي نجيح. وبه إلى البغوي: حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا شريك، حدثنا منصور، ولو أن غير منصور حدثني ما قبلته منه، ولقد سألته عنه، فأبى أن يحدثني، فلما جرت بيني وبينه المعرفة، كان هو الذي ابتدأني، قال: حدثنا ربعي قال: حدثنا علي -رضي الله عنه- قال: اجتمعت قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيهم سهيل بن عمرو، فقالوا: يا محمد، أرقاؤنا لحقوا بك، فارددهم علينا، فغضب حتى رئي الغضب في وجهه وذكر الحديث.
حدثنا علي بن سهل، حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة قال: لما ولي منصور بن المعتمر القضاء، كان يأتيه الخصمان، فيقص ذا قصته، وذا قصته، فيقول: قد فهمت ما قلتما، ولست أدري ما أرد عليكما، فبلغ ذلك خالد بن عبد الله أو ابن هبيرة، وهو الذي كان ولاه، فقال:. هذا أمر لا ينفع إلا من أعان عليه بشهوة، قال يعني: فعزله.(أعلام/1200)
حدثنا الأخنسي، سمعت أبا بكر يقول: كنت مع منصور جالسا في منزله، فتصيح به أمه، وكانت فظة عليه، فتقول: يا منصور يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى، وهو واضع لحيته على صدره، ما يرفع طرفه إليها.
قال يحيى بن معين: منصور أثبت من الحكم.
يحيى القطان، عن الثوري قال: لو رأيت منصور بن المعتمر، لقلت: يموت الساعة.
وقال زائدة: امتنع منصور من القضاء، فدخلت عليه وقد جيء بالقيد ليقيد، فجاءه خصمان، فقعدا، فلم يسألهما ولم يكلمهما، فقيل ليوسف بن عمر: لو نثرت لحمه لم يل القضاء، فتركه. يحيى القطان عن شعبة: سألت منصورا وأيوب عن القراءة، يعني: قراءة الحديث، فقالا: جيدة. ابن معين: سمعت جريرا يقول: كان منصور إذا رأى معي رقعة، يقول: لا تكتب عني، فأتركه، وآتي مغيرة.
قال العلاء بن سالم: كان منصور يصلي في سطحه، فلما مات، قال غلام لأمه: يا أمه الجذع الذي في سطح آل فلان، ليس أراه، قالت: يا بني ليس ذاك بجذع، ذاك منصور، وقد مات -رحمه الله.
قال خلف بن تميم: حدثنا زائدة، أن منصورا صام أربعين سنة، وقام ليلها، وكان يبكي، فتقول له أمه يا بني: قتلت قتيلا؟ فيقول: أنا أعلم بما صنعت بنفسي، فإذا كان الصبح، كحل عينيه، ودهن رأسه، وبرق شفتيه وخرج إلى الناس.
وذكر سفيان بن عيينة منصورا، فقال: قد كان عمش من البكاء. وعن مفضل قال: حبس ابن هبيرة منصورا شهرا على القضاء يريده عليه، فأبى، وقيل: إنه أحضر قيدا ليقيده به، ثم خلاه.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: كان منصور أثبت أهل الكوفة، لا يختلف فيه أحد، صالح متعبد، أكره على القضاء فقضى شهرين، قال: وفيه تشيع قليل وكان قد عمش من البكاء.
قلت: تشيعه حب وولاء فقط.
قال أبو حاتم الرازي: الأعمش حافظ، يدلس ويخلط، ومنصور أتقن منه، لا يخلط ولا يدلس.(أعلام/1201)
وقال إبراهيم بن موسى الفراء: أثبت أهل الكوفة منصور، ثم مسعر.
قال أبو أحمد الحاكم في " الكنى ": أبو عتاب منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة، ويقال: ابن المعتمر بن عتاب بن عبد الله بن ربيعة، ويقال: ابن المعتمر بن عتاب بن فرقد السلمي من بهثة بن سليم بن رهط العباس بن مرداس ومجاشع بن مسعود السلميين، وجده عبد الله بن ربيعة السلمي، قد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- عداده في التابعين. سمع زيد بن وهب، وأبا وائل شقيق بن سلمة، وروى عنه عن أنس بن مالك إن كان ذلك محفوظا.
روى عنه سليمان التيمي، وحصين بن عبد الرحمن، وأيوب بن أبي تميمة السختياني، وسليمان بن مهران الكاهلي، وهو أحد متقي مشايخ الكوفيين ونساكهم. مات سنة ثنتين. ويقال: سنة ثلاث وثلاثين ومائة وهو ابن عم حصين بن عبد الرحمن وعتبة بن فرقد، قال: ومحمد بن علي السلمي أخوه لأمه.
قال أبو داود: طلب منصور الحديث قبل وقعة الجماجم والأعمش طلب بعد الجماجم.
وقال أبو حاتم الرازي: هو أتقن من الأعمش، لا يخلط ولا يدلس بخلاف الأعمش.
قال سفيان بن عيينة: كان منصور في الديوان، فكان إذا دارت نوبته لبس ثيابه وذهب فحرس. يعني: في الرباط.
قال أبو نعيم الملائي: سمعت حماد بن زيد يقول: رأيت منصور بن المعتمر صاحبكم، وكان من هذه الخشبية، وما أراه كان يكذب، قلت: الخشبية: هم الشيعة.(أعلام/1202)
قال يحيى بن سعيد القطان: كان منصور من أثبت الناس. وحكاية أبي بكر الباغندي الحافظ مشهورة، سمعناها في معجم الغساني، أنه كان ينتخب على شيخ، فكان يقول له: كم تضجرني؟ أنت أكثر حديثا مني وأحفظ، فقال: إني قد جئت إلى الحديث، بحسبك أني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم، فلم أسأله الدعاء، وإنما قلت: يا رسول الله أيما أثبت في الحديث منصور أو الأعمش؟ فقال: منصور منصور. أخبرنا إسحاق بن طارق، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم اللبان، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أبو محمد بن حيان، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أزهر بن جميل، حدثنا سفيان بن عيينة، قال: رأيت منصور بن المعتمر، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: كدت أن ألقى الله - تعالى- بعمل نبي. ثم قال سفيان: صام منصور ستين سنة، يقوم ليلها ويصوم نهارها -رحمه الله.
قال أبو نعيم الملائي: مات منصور بعدما قدم السودان، يعني: المسودة أي آل العباس. أحمد بن زهير: سمعت ابن معين يقول: مات منصور سنة ثلاث وثلاثين ومائة وفيها أرخه محمد بن عبد الله بن نمير، وشباب العصفري، وقال أبو القاسم بن منده: سنة اثنتين وثلاثين. بعد السودان بقليل، ثم أعاده في سنة ثلاث وثلاثين. فالله أعلم.(أعلام/1203)
الطبقة السادسة من التابعين
ابن أبي عروبة
سعيد بن أبي عروبة، الإمام، الحافظ عالم أهل البصرة، وأول من صنف السنن النبوية، أبو النضر بن مهران العدوي، مولاهم البصري.
حدث عن الحسن، ومحمد بن سيرين، وأبي رجاء العطاردي، والنضر بن أنس وعبد الله الداناج، وقتادة، وأبي نضرة العبدي، ومطر الوراق، وخلق سواهم. وكان من بحور العلم إلا أنه تغير حفظه لما شاخ. وأكبر شيخ له هو أبو رجاء.
حدث عنه: شعبة، والثوري، ويزيد بن زريع، وروح بن عبادة، والنضر بن شميل، وبشر بن المفضل، وإسماعيل ابن علية، ويحيى بن سعيد القطان، وخالد بن الحارث، ومحمد بن جعفر غندر، وأبو عاصم النبيل، وسعيد بن عامر الضبعي، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف راوي كتبه، ومحمد بن بكر البرساني، ويزيد بن هارون، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وخلق سواهم. وثقه يحيى بن معين، والنسائي، وجماعة. قال يزيد بن زريع: سمعت سعيد بن أبي عروبة يقول: من لم يسمع الاختلاف، فلا تعده عالما. قال أحمد بن حنبل: لم يكن لسعيد كتاب، إنما كان يحفظ ذلك كله. وقال يحيى بن معين: أثبت الناس في قتادة: سعيد، وهشام الدستوائي، وشعبة.
قال أبو عوانة: لم يكن عندنا في ذلك الزمان أحد أحفظ من سعيد بن أبي عروبة. وقال حفص بن عبد الرحمن النيسابوري: قال لي سعيد بن أبي عروبة: إذا رويت عني، فقل: حدثنا سعيد الأعرج، عن قتادة الأعمى، عن الحسن الأحدب. قلت: لم نسمع بأن الحسن البصري كان أحدب إلا في هذه الحكاية.
قال أحمد بن حنبل: كان قتادة وسعيد يقولان بالقدر ويكتمان.
قلت: لعلهما تابا ورجعا عنه كما تاب شيخهما.(أعلام/1204)
أخبرنا جماعة، منهم شيخ الإسلام شمس الدين بن أبي عمر إجازة، أن عمر بن محمد أخبرهم قال: أنبأنا هبة الله بن محمد الشيباني، أنبأنا محمد بن محمد، أنبأنا أبو بكر الشافعي، حدثنا محمد بن مسلمة الواسطي، حدثنا يزيد، حدثنا ابن أبي عروبة، عن عبد الله الداناج، عن حصين بن المنذر قال: " صلى الوليد بن عقبة أربعا وهو سكران، ثم انفتل فقال: أزيدكم؟ فرفع ذلك إلى عثمان، فقال له علي: اضربه الحد، فأمر بضربه. فقال علي للحسن: قم فاضربه. قال: فما أنت وذاك؟ قال: إنك ضعفت، ووهنت، وعجزت. قم يا عبد الله بن جعفر، فقام عبد الله بن جعفر فجعل يضربه، وعلي يعد حتى إذا بلغ أربعين، قال: كف -أو: اكفف- ثم قال: ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعين، وضرب أبو بكر أربعين، وضرب عمر صدرا من خلافته أربعين، وثمانين، وكل سنة. هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم وأبو داود، والقزويني.
روى إسحاق الكوسج عن ابن معين: ثقة. وقال أبو زرعة: ثقة مأمون. وقال أبو حاتم: ثقة قبل أن يختلط، وكان أعلم الناس بحديث قتادة. وقال أحمد بن حنبل: من سمع منه قبل الهزيمة، فسماعه جيد عنى هزيمة نوبة إبراهيم بن عبد الله بن حسن. وهي في شوال سنة خمس وأربعين ومائة.
وقال يزيد بن هارون: لقيت ابن أبي عروبة، قبل الأربعين ومائة بدهر، ورأيته سنة اثنتين وأربعين ومائة فأنكرته. وكان يحيى بن سعيد القطان يوثقه. وقال أبو نعيم: كتبت عنه بعدما اختلط حديثين. فقمت، وتركته.
قال محمد بن مثنى: حدثنا الأنصاري قال: دخلت أنا وعبد الله بن سلمة الأفطس على سعيد بن أبي عروبة بعدما تغير، فجعل ينظر في وجوهنا ولا يعرفنا.
محمد بن سلام الجمحي: كان ابن أبي عروبة يمزح، وكان يحدث، فإذا أعجبه حفظه. قال: وقال بعضهم: أتيت ابن أبي عروبة فتمارى عنده رجلان، فبقي يغري بينهما قليلا.(أعلام/1205)
قلت: وكان من المدلسين. قال أحمد بن حنبل: لم يسمع سعيد بن أبي عروبة من الحكم، ولا من الأعمش، ولا من حماد، ولا من عمرو بن دينار، ولا من هشام بن عروة، ولا من إسماعيل بن أبي خالد، ولا من عبيد الله بن عمر، ولا من أبي بشر، ولا من ابن عقيل، ولا من زيد بن أسلم، ولا من عمر بن أبي سلمة، ولا من أبي الزناد. وقد حدث عن هؤلاء، على التدليس، ولم يسمع منهم.
وقال أبو حفص الفلاس: سمعت يحيى القطان يقول: لم يسمع سعيد من يحيى بن سعيد الأنصاري، ولا من عبيد الله، ولا هشام بن عروة.
وقال عبدة بن سليمان: سمعت من سعيد في الاختلاط.
وقد قال يحيى بن معين: أثبت الناس سماعا من سعيد عبدة.
قال الجراح بن مخلد: سمعت مسلم بن إبراهيم يقول: قال لي سعيد بن أبي عروبة: مالك خازن النار من أي حي هو؟ قلت: هذا من قبيل المزاح.
عبدان الأهوازي: سمعت أصحابنا يحكون عن مسلم بن إبراهيم قال: كتبت عن سعيد التصانيف فخاصمني أبي، فسجرت التنور وطرحتها فيه. وقال عبد الرحمن بن مهدي: سمع غندر من سعيد، يعني في الاختلاط. وقال أبو عمر الحوضي: دخلت على سعيد بن أبي عروبة، أريد أن أسمع منه، فسمعت منه كلاما عجيبا. سمعته يقول:
الأزد أزد عريضه
ذبحوا شاة مريضه
أطعموني فأبيت
ضربوني فبكيت
فعلمت أنه مختلط. فلم أسمع منه.
وقال يحيى القطان: سمع خالد بن الحارث من سعيد إملاء، وكان سفيان بن حبيب عالما بشعبة وسعيد.
وعن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي قال: ليست رواية وكيع والمعافى بن عمران، عن سعيد بشيء، إنما سمع منه وكيع في الاختلاط. فقال لي وكيع: رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مستو؟
وروى وهيب، عن أيوب قال: لا يفقه رجل لا يدخل حجرة سعيد بن أبي عروبة.
روى محمد بن عبد الله الأنصاري، عن ابن أبي عروبة قال: من سب عثمان افتقر.(أعلام/1206)
شعيب بن إسحاق، عن سعيد قال: أتيت ابن سيرين مع قتادة فأنشدنا بيتا.
قال أبو أحمد بن عدي في " كامله ": سعيد بن أبي عروبة من الثقات، وله أصناف كثيرة، ومن سمع منه في الاختلاط فلا يعتمد عليه. وأرواهم عنه: عبد الأعلى الشامي، ثم شعيب بن إسحاق، وعبدة بن سليمان، وعبد الوهاب بن عطاء. قال: وأثبتهم فيه يزيد بن زريع، وخالد بن الحارث، ويحيى بن سعيد القطان. وروى جميع مصنفاته عبد الوهاب الخفاف.
قال عبد الصمد بن عبد الوارث وغيره: مات ابن أبي عروبة في ست وخمسين ومائة.
قلت: توفي في عشر الثمانين ومات معه في السنة مقرئ الكوفة حمزة الزيات، وقاضي البصرة سوار بن عبد الله العنبري ونزيل بيت المقدس عبد الله بن شوذب البلخي، ومحدث حمص أبو بكر بن أبي مريم الغساني، وعمر بن ذر بالكوفة، ومحدث المغرب عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي.
قال أحمد بن حنبل: زعموا أن سعيد بن أبي عروبة قال: لم أكتب إلا تفسير قتادة، وذلك أن أبا معشر كتب إلي أن اكتبه. وقال أبو داود الطيالسي: كان سعيد أحفظ أصحاب قتادة.(أعلام/1207)
أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أنبأنا علي بن مختار (ح) وأنبأنا أحمد بن عبد الكريم بن الأغلاقي، أنبأنا نصر بن جرو (ح) وأنبأنا أبو المعالي أحمد بن المؤيد، أنبأنا عبد القوي بن الحباب، وأنبأنا علي بن أحمد الحسيني، أنبأنا مرتضى بن حاتم، وأنبأنا أبو القاسم بن عمر الهواري وعبد الرحمن بن مخلوق وطائفة قالوا: أنبأنا جعفر بن منير، قالوا خمستهم: أنبأنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة، أنبأنا عبد الرحمن بن عمر، والحسين بن الحسين الهاشمي والمبارك بن عبد الجبار، ومحمد بن عبد الملك، ومحمد بن عبد الكريم، قالوا خمستهم: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد البزاز، أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي: إن الله أمرني أن أقرئك القرآن، أو أقرأ عليك القرآن. قال: الله سماني لك؟ قال: وذكرت عند رب العالمين؟ قال: نعم، فذرفت عيناه أخرجه البخاري عن ابن المنادي، لكن سماه أحمد.(أعلام/1208)
الطحاوي
الإمام العلامة الحافظ الكبير، محدث الديار المصرية وفقيهها أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك، الأزدي الحجري المصري الطحاوي الحنفي، صاحب التصانيف من أهل قرية طحا من أعمال مصر، مولده في سنة تسع وثلاثين ومائتين.
وسمع من: عبد الغني بن رفاعة، وهارون بن سعيد الأيلي، ويونس بن عبد الأعلى، وبحر بن نصر الخولاني، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وعيسى بن مثرود، وإبراهيم بن منقذ، والربيع بن سليمان المرادي، وخاله أبي إبراهيم المزني وبكار بن قتيبة، ومقدام بن داود الرعيني، وأحمد بن عبد الله بن البرقي، ومحمد بن عقيل الفريابي، ويزيد بن سنان البصري وطبقتهم.
وبرز في علم الحديث وفي الفقه، وتفقه بالقاضي أحمد بن أبي عمران الحنفي، وجمع وصنف.
حدث عنه: يوسف بن القاسم الميانجي، وأبو القاسم الطبراني، ومحمد بن بكر بن مطروح، وأحمد بن القاسم الخشاب وأبو بكر بن المقرئ، وأحمد بن عبد الوارث الزجاج، وعبد العزيز بن محمد الجوهري قاضي الصعيد، وأبو الحسن محمد بن أحمد الإخميمي ومحمد بن الحسن بن عمر التنوخي، ومحمد بن المظفر الحافظ، وخلق سواهم من الدماشقة والمصريين والرحالين في الحديث.
وارتحل إلى الشام في سنة ثمان وستين ومائتين، فلقي القاضي أبا خازم وتفقه أيضا عليه.
ذكره أبو سعيد بن يونس، فقال: عداده في حجر الأزد وكان ثقة ثبتا فقيها عاقلا، لم يخلف مثله. ثم ذكر مولده وموته.(أعلام/1209)
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا أبو اليمن الكندي إجازة، أخبرنا علي بن عبد السلام، أخبرنا الشيخ أبو إسحاق في " طبقات الفقهاء " قال: وأبو جعفر الطحاوي انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة بمصر أخذ العلم عن أبي جعفر بن أبي عمران، وأبي خازم وغيرهما، وكان شافعيا يقرأ على أبي إبراهيم المزني، فقال له يوما: والله لا جاء منك شيء، فغضب أبو جعفر من ذلك، وانتقل إلى ابن أبي عمران، فلما صنف مختصره، قال: رحم الله أبا إبراهيم: لو كان حيا لكفر عن يمينه.
صنف " اختلاف العلماء " و " الشروط "، و " أحكام القرآن "، و " معاني الآثار " ثم قال: ولد سنة ثمان وثلاثين ومائتين قال: ومات سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة.
قال أبو سليمان بن زبر قال لي الطحاوي: أول من كتبت عنه الحديث المزني، وأخذت بقول الشافعي، فلما كان بعد سنين، قدم أحمد بن أبي عمران قاضيا على مصر، فصحبته، وأخذت بقوله.
قلت: من نظر في تواليف هذا الإمام علم محله من العلم، وسعة معارفه. وقد كان ناب في القضاء عن أبي عبيد الله محمد بن عبدة قاضي مصر سنة بضع وسبعين ومائتين. وترقى حاله، فحكى أنه حضر رجل معتبر عند القاضي ابن عبدة فقال: أيش روى أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أمه، عن أبيه؟ فقلت أنا حدثنا بكار بن قتيبة، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا سفيان، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن أبي عبيدة، عن أمه، عن أبيه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله ليغار للمؤمن فليغر.
وحدثنا به إبراهيم بن أبي داود، حدثنا سفيان بن وكيع، عن أبيه، عن سفيان موقوفا، فقال لي الرجل: تدري ما تقول وما تتكلم به؟ قلت: ما الخبر؟ قال: رأيتك العشية مع الفقهاء في ميدانهم، ورأيتك الآن في ميدان أهل الحديث، وقل من يجمع ذلك، فقلت: هذا من فضل الله وإنعامه.
قال ابن يونس: توفي في مستهل ذي القعدة سنة إحدى وعشرين.(أعلام/1210)
كتب إلينا عبد الرحمن بن محمد الفقيه، أخبرنا عمر بن طبرزد، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، حدثنا أبو محمد الجوهري إملاء، حدثنا محمد بن المظفر، حدثنا أبو جعفر الطحاوي، حدثنا المزني، حدثنا الشافعي، حدثنا مالك، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول، لا يصوم، وما رأيته استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر بن منير، أخبرنا أبو محمد العثماني، أخبرنا علي بن المؤمل، أخبرنا محمد بن سلامة القضاعي، حدثنا محمد بن الحسن بن عمر التنوخي سنة 398، سمعت أبا جعفر الطحاوي، حدثنا يزيد بن سنان، حدثنا يزيد بن بيان، عن أبي الرحال، عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له عند سنه من يكرمه إسناده واه.
أخبرنا أحمد بن المؤيد، وأحمد بن مؤمن، قالا: أخبرنا أبو المحاسن محمد بن السيد الأنصاري، أخبرنا نصر بن أحمد السوسي، أخبرنا سهل بن بشر الإسفراييني، أخبرنا أبو القاسم سعيد بن محمد الإدريسي، حدثنا محمد بن الحسن بن عمر الناقد، أخبرنا أبو الطيب أحمد بن سليمان الحريري قال: قال أبو جعفر الطحاوي. حدثنا أبو أمية، حدثنا عبد الله بن بكر، وعبيد الله بن موسى، قالا: حدثنا مهدي بن ميمون، عن واصل الأحدب، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسير له، فلما كان في بعض الليل تنحى فلبث طويلا، ثم أتانا، فقال: أتاني آت من ربي، فأخبرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله دخل الجنة. قال: قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق.
متفق عليه من حديث شعبة عن واصل.(أعلام/1211)
مات سنة إحدى وعشرين الطحاوي، ومكحول البيروتي، وأبو حامد الأعمشي، وأحمد بن مقرئ دمشق ابن ذكوان، وأحمد بن عبد الوارث العسال، وأبو علي بن رزين الباشاني الهروي، وحاتم بن محبوب الهروي، وأبو علي الحسن بن محمد بن أبي هريرة الأصبهاني، وسعيد بن محمد أخو زبير الحافظ، وشيخ المعتزلة أبو هاشم الجبائي عبد السلام بن أبي علي، وإمام اللغة أبو بكر بن دريد، ومحمد بن نوح الجنديسابوري، وأبو حامد الحضرمي، ويوسف بن يعقوب النيسابوري الواهي. روى عن أبي بكر بن أبي شيبة.(أعلام/1212)
الطرطوشي
الإمام العلامة، القدوة الزاهد، شيخ المالكية أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري الأندلسي الطرطوشي الفقيه، عالم الإسكندرية، وطرطوشة: هي آخر حد المسلمين من شمالي الأندلس، ثم استولى العدو عليها من دهر وكان أبو بكر يعرف في وقته بابن أبي رندقه.
لازم القاضي أبا الوليد الباجي بسرقسطة، وأخذ عنه مسائل الخلاف، ثم حج، ودخل العراق.
وسمع بالبصرة " سنن أبي داود " من أبي علي التستري وسمع ببغداد من قاضيها أبي عبد الله الدامغاني، ورزق الله التميمي، وأبي عبد الله الحميدي، وعدة.
وتفقه أيضا عند أبي بكر الشاشي، ونزل بيت المقدس مدة، وتحول إلى الثغر وتخرج به أئمة.
قال ابن بشكوال: كان إماما عالما، زاهدا ورعا، دينا متواضعا، متقشفا متقللا من الدنيا، راضيا باليسير، أخبرنا عنه القاضي أبو بكر بن العربي، ووصفه بالعلم، والفضل، والزهد، والإقبال على ما يعنيه، قال لي: إذا عرض لك أمر دنيا وأمر آخرة، فبادر بأمر الآخرة، يحصل لك أمر الدنيا والأخرى.
وقال إبراهيم بن مهدي بن قلينا: كان شيخنا أبو بكر زهده وعبادته أكثر من علمه، وحكى بعض العلماء أن أبا بكر الطرطوشي أنجب عليه نحو من مائتي فقيه مفتي، وكان يأتي إلى الفقهاء وهم نيام، فيضع في أفواههم الدنانير، فيهبون، فيرونها في أفواههم.
قال القاضي شمس الدين ابن خلكان: دخل الطرطوشي على الأفضل ابن أمير الجيوش بمصر، فبسط تحته مئزره، وكان إلى جانب الأفضل نصراني، فوعظ الأفضل حتى أبكاه ثم أنشده:
يا ذا الذي طاعته قربة
وحقه مفترض واجب
إن الذي شرفت من أجله
يزعم هذا أنه كاذب
وأشار إلى ذلك النصراني، فأقام الأفضل النصراني من موضعه.(أعلام/1213)
وقد صنف أبو بكر كتاب " سراج الملوك " للمأمون بن البطائحي الذي وزر بمصر بعد الأفضل، وله مؤلف في طريقة الخلاف، وكان المأمون قد نوه باسمه، وبالغ في إكرامه.
قيل: كان مولده في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة.
ودخل بغداد في حياة أبي نصر الزينبي، وأظنه سمع منه، وقال: رأيت بها آية في سنة ثمان وسبعين بعد العصر، فسمعنا دويا عظيما، وأقبل ظلام، فإذا ريح لم أر مثلها، سوداء ثخينة، يبين لك جسمها، فاسود النهار، وذهبت آثاره، وذهب أثر الشمس، وبقينا كأننا في أشد ظلمة، لا يبصر أحد يده، وماج الناس، ولم نشك أنها القيامة، أو خسف، أو عذاب قد نزل، وبقي الأمر كذلك قدر ما ينضج الخبز، ورجع السواد حمرة كلهب النار، أو جمرا يتوقد، فلم نشك حينئذ أنها نار أرسلها الله على العباد، وأيسنا من النجاة، ثم مكثت أقل من مكث الظلام، وتجلت بحمد الله عن سلامة، ونهب الناس بعضهم بعضا في الأسواق، وخطفوا العمائم والمتاع، ثم طلعت الشمس، وبقيت ساعة إلى الغروب.
قلت: حدث عنه أبو طاهر السلفي، والفقيه سلار بن المقدم، وجوهر بن لؤلؤ المقرئ، والفقيه صالح ابن بنت معافى المالكي، وعبد الله بن عطاف الأزدي، ويوسف بن محمد القروي الفرضي، وعلي بن مهدي بن قلينا، وأبو طالب أحمد المسلم اللخمي، وظافر بن عطية، وأبو الطاهر إسماعيل بن عوف، وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن العثماني، وعبد المجيد بن دليل، وآخرون.
وبالإجازة أبو طاهر الخشوعي وغيره، وله مؤلف في تحريم الغناء، وكتاب في الزهد، وتعليقة في الخلاف، ومؤلف في البدع والحوادث، وبر الوالدين، والرد على اليهود، والعمد في الأصول، وأشياء.(أعلام/1214)
أنبأنا ابن علان عن الخشوعي عن الطرطوشي أنه كتب هذه الرسالة جوابا عن سائل سأله من الأندلس عن حقيقة أمر مؤلف " الإحياء "، فكتب إلى عبد الله بن مظفر: سلام عليك، فإني رأيت أبا حامد، وكلمته، فوجدته امرءا وافر الفهم والعقل، وممارسة للعلوم، وكان ذلك معظم زمانه، ثم خالف عن طريق العلماء، ودخل في غمار العمال، ثم تصوف، فهجر العلوم وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب القلوب، ووساوس الشيطان، ثم سابها، وجعل يطعن على الفقهاء بمذاهب الفلاسفة، ورموز الحلاج، وجعل ينتحي عن الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخ من الدين.
قال الحافظ أبو محمد: إن محمد بن الوليد هذا ذكر في غير هذه الرسالة كتاب " الإحياء ". قال: وهو - لعمرو الله - أشبه بإماتة علوم الدين، ثم رجعنا إلى تمام الرسالة.(أعلام/1215)
قال: فلما عمل كتابه " الإحياء "، عمد فتكلم في علوم الأحوال، ومرامز الصوفية، وكان غير أنيس بها، ولا خبير بمعرفتها، فسقط على أم رأسه، فلا في علماء المسلمين قر، ولا في أحوال الزاهدين استقر، ثم شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أعلم كتابا على وجه بسيط الأرض أكثر كذبا على الرسول منه، ثم شبكه بمذاهب الفلاسفة، ورموز الحلاج، ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهم يرون النبوة اكتسابا، فليس النبي عندهم أكثر من شخص فاضل، تخلق بمحاسن الأخلاق، وجانب سفسافها، وساس نفسه حتى لا تغلبه شهوة، ثم ساق الخلق بتلك الأخلاق، وأنكروا أن يكون الله يبعث إلى الخلق رسولا، وزعموا أن المعجزات حيل ومخاريق، ولقد شرف الله الإسلام، وأوضح حججه، وقطع العذر بالأدلة، وما مثل من نصر الإسلام بمذاهب الفلاسفة، والآراء المنطقية، إلا كمن يغسل الثوب بالبول، ثم يسوق الكلام سوقا يرعد فيه ويبرق، ويمني ويشوق، حتى إذا تشوفت له النفوس، قال: هذا من علم المعاملة، وما وراءه من علم المكاشفة لا يجوز تسطيره في الكتب، ويقول: هذا من سر الصدر الذي نهينا عن إفشائه. وهذا فعل الباطنية وأهل الدغل والدخل في الدين يستقل الموجود ويعلق النفوس بالمفقود، وهو تشويش لعقائد القلوب، وتوهين لما عليه كلمة الجماعة، فلئن كان الرجل يعتقد ما سطره، لم يبعد تكفيره، وإن كان لا يعتقده، فما أقرب تضليله.
وأما ما ذكرت من إحراق الكتاب، فلعمري إذا انتشر بين من لا معرفة له بسمومه القاتلة، خيف عليهم أن يعتقدوا إذا صحة ما فيه، فكان تحريقه في معنى ما حرقته الصحابة من صحف المصاحف التي تخالف المصحف العثماني، وذكر تمام الرسالة.
قال ابن المفضل: توفي بالإسكندرية في جمادى الأولى سنة عشرين وخمسمائة رحمه الله.(أعلام/1216)
وفيها مات أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن طريف القرطبي، وأبو الفتوح أحمد بن محمد بن محمد الغزالي الواعظ أخو الإمام أبي حامد، والأمير قسيم الدولة آقسنقر البرسقي الذي استولى على الموصل وعلى حلب، وأبو بحر سفيان بن العاص الأسدي بقرطبة، وصاعد بن سيار الهروي الحافظ وأبو محمد بن عتاب القرطبي، وقاضي الجماعة أبو الوليد بن رشد، ومحمد بن بركات السعيدي راوي صحيح البخاري.(أعلام/1217)
الطرقي
الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت بن محمد الأصبهاني، وطرق: من قرى أصبهان.
سكن برد، وكان متفننا، له تصانيف، إلا أنه جهل، وقال بقدم الروح.
سمع عبد الوهاب بن منده وطبقته، وجال في الطلب، ولحق أبا القاسم بن البسري.
توفي في شوال سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.(أعلام/1218)
الطلمنكي
الإمام المقرئ المحقق المحدث الحافظ الأثري، أبو عمر ; أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى لب بن يحيى، المعافري الأندلسي الطلمنكي. وطلمنك بفتحات ونون ساكنة: مدينة استولى عليها العدو قديما.
كان من بحور العلم، وأول سماعه في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة.
حدث عن: أبي عيسى يحيى بن عبد الله الليثي، وأبي بكر الزبيدي، وأبي الحسن بن بشر الأنطاكي، وأبي جعفر أحمد بن عون الله وأبي عبد الله بن مفرج، وأبي محمد الباجي، وخلف بن محمد الخولاني، وعدة، وأبي بكر أحمد بن محمد المهندس بمصر، ومحمد بن يحيى بن عمار بدمياط، وأبي الطيب بن غلبون، وأبي القاسم عبد الرحمن الجوهري، وأبي بكر محمد بن علي الأدفوي، والفقيه أبي محمد بن أبي زيد، وأبي جعفر أحمد بن رحمون، ويحيى بن الحسين المطلبي لقيه بالمدينة، وأبي الطاهر محمد بن محمد العجيفي، وأبي العلاء بن ماهان، وخلق كثير.
حدث عنه: أبو عمر بن عبد البر، وأبو محمد بن حزم، وعبد الله بن سهل المقرئ وعدة.
أدخل الأندلس علما جما نافعا، وكان عجبا في حفظ علوم القرآن: قراءاته ولغته وإعرابه وأحكامه ومنسوخه ومعانيه. صنف كتبا كثيرة في السنة يلوح فيها فضله وحفظه وإمامته واتباعه للأثر.
قال أبو عمرو الداني: أخذ القراءة عن الأنطاكي، وابن غلبون، ومحمد بن الحسين بن النعمان.
قال: وكان فاضلا ضابطا، شديدا في السنة.
وقال ابن بشكوال: كان سيفا مجردا على أهل الأهواء والبدع، قامعا لهم، غيورا على الشريعة، شديدا في ذات الله، أقرأ الناس محتسبا، وأسمع الحديث، والتزم للإمامة بمسجد منعة ثم خرج، وتحول في الثغر، وانتفع الناس بعلمه، وقصد بلده في آخر عمره، فتوفي بها. أخبرنا إسماعيل بن عيسى بن محمد بن بقي الحجاري، عن أبيه قال: خرج أبو عمر الطلمنكي علينا، ونحن نقرأ عليه، فقال: رأيت البارحة في منامي من ينشدني:(أعلام/1219)
اغتنموا البر بشيخ ثوى
ترحمه السوقة والصيد
قد ختم العمر بعيد مضى
ليس له من بعده عيد
فتوفي في ذلك العام في ذي الحجة، سنة تسع وعشرين وأربعمائة.
قلت: عاش تسعين عاما سوى أشهر، وقد امتحن لفرط إنكاره، وقام عليه طائفة من أضداده، وشهدوا عليه بأنه حروري يرى وضع السيف، في صالحي المسلمين، وكان الشهود عليه خمسة عشر فقيها، فنصره قاضي سرقسطة في سنة خمس وعشرين وأربعمائة، وأشهد على نفسه بإسقاط الشهود، وهو القاضي محمد بن عبد الله بن قرنون.
وحدث عنه أيضا قاضي سرقسطة عبد الله بن محمد بن إسماعيل، وقاضي المرية محمد بن خلف بن المرابط، والخطيب محمد بن يحيى العبدري.
رأيت له كتابا في السنة في مجلدين عامته جيد، وفي بعض تبويبه ما لا يوافق عليه أبدا مثل: باب الجنب لله، وذكر فيه: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله فهذه زلة عالم، وألف كتابا في الرد على الباطنية، فقال: ومنهم قوم تعبدوا بغير علم، زعموا أنهم يرون الجنة كل ليلة، ويأكلون من ثمارها، وتنزل عليهم الحور العين، وأنهم يلوذون بالعرش، ويرون الله بغير واسطة، ويجالسونه.(أعلام/1220)
الطوسي
الإمام الحافظ، أبو الفضل، نصر بن أبي نصر محمد بن أحمد بن يعقوب، الطوسي العطار.
ولد في حدود سنة عشر وثلاثمائة وسمع أبا محمد بن الشرقي، وأبا حامد بن بلال، وأبا عبد الله المحاملي، وابن مخلد العطار، وابن عقدة، ومحمد بن الحسين القطان، وابن الأعرابي، ومحمد بن وردان العامري، وأحمد بن زبان الكندي، وابن حبيب الحصائري وخيثمة، والربيع بن سلامة الرملي، وطبقتهم.
وكان واسع الرحلة، حسن التصانيف.
حدث عنه: الحاكم، والسلمي، وأبو نعيم، وأبو سعد الكنجروذي، وآخرون.
قال الحاكم: هو أحد أركان الحديث بخراسان مع ما يرجع إليه من الدين والزهد والسخاء والتعصب لأهل السنة، أول رحلته كانت إلى مرو، إلى الليث بن محمد المروزي. قال: وما خلف يوم مات بالطابران مثله، وأما علوم الصوفية وأخبارهم ولقي مشايخهم، فإنه ما خلف في ذلك بخراسان مثله.
قلت: وقد صحب أبا بكر الشبلي ببغداد.
توفي في المحرم سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة.
أخبرنا ابن عساكر عن عبد المعز، أخبرنا زاهر، أخبرنا أبو سعد الطبيب، أخبرنا نصر بن محمد العطار، أخبرنا أحمد بن الحسين بمصر، حدثنا يوسف بن يزيد القراطيسي، حدثنا الوليد بن موسى، حدثنا منبه بن عثمان، عن عروة بن رويم، عن الحسن، عن أنس بن مالك، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن مؤمني الجن لهم ثواب، وعليهم عقاب. فسألناه عن ثوابهم وعن مؤمنيهم، قال: على الأعراف وليسوا في الجنة. قلنا: وما الأعراف؟ قال: حائط الجنة تجري فيه الأنهار، وتنبت فيه الأشجار والثمار.
هذا حديث منكر جدا.(أعلام/1221)
الطيالسي (م، 4)
سليمان بن داود بن الجارود، الحافظ الكبير، صاحب المسند، أبو داود الفارسي، ثم الأسدي، ثم الزبيري، مولى آل الزبير بن العوام، الحافظ البصري.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد وطائفة، سمعوا عمر بن محمد، أخبرنا أحمد بن الحسن، أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا محمد بن يونس القرشي، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا عمارة بن مهران، عن ثابت، قال: صلى بنا أنس بن مالك صلاة، فأوجز فيها، فقال: هكذا كانت صلاة نبيكم - صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا سنقر بن عبد الله بحلب، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا خليل بن بدر وغيره قالوا: أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أحمد بن عصام، حدثنا أبو داود، حدثنا عبد الملك بن ميسرة، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: وصاني خليلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث لا أدعهن - إن شاء الله -: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وألا أنام إلا على وتر.
أنبأنا به أحمد بن سلامة عن خليل.
سمع أيمن بن نابل، وهو تابعي، ومعروف بن خربوذ، وطلحة بن عمرو، وهشام بن أبي عبد الله، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وبسطام بن مسلم، وأبا خلدة خالد بن دينار، وقرة بن خالد، وصالح بن أبي الأخضر، وأبا عامر الخزاز، والحمادين، وداود بن أبي الفرات، وزمعة بن صالح، وجرير بن حازم، وفليح بن سليمان، والمسعودي، وحرب بن شداد، وابن أبي ذئب، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وزائدة، وإسرائيل، وهمام بن يحيى، ومحمد بن أبي حميد، وخلقا كثيرا. وينزل إلى ابن المبارك، وابن عيينة. وقيل: إنه لقي ابن عون، وما ذاك ببعيد.(أعلام/1222)
روى عنه جرير بن عبد الحميد أحد شيوخه، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن بشار، ويعقوب الدورقي، ومحمد بن سعد الكاتب، وعباس الدوري، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وأحمد بن الفرات، والكديمي، وهارون بن سليمان، وخلق، آخرهم موتا محمد بن أسد المديني شيخ أبي الشيخ، له عنه مجلس ليس عنده سواه.
وعمر إلى سنة ثلاث وتسعين ومائتين، ولقيه الطبراني، فعاش بعد أبي داود تسعين عاما، وهذا نادر جدا، لم يتهيأ مثله إلا للبغوي، وأبي علي الحداد، وابن كليب، وأناس نحو بضعة عشر شيخا، خاتمتهم أبو العباس الحجار. قال الفلاس: ما رأيت أحدا أحفظ من أبي داود.
قلت: قال مثل هذا، وقد صحب يحيى القطان، وابن مهدي، ورافق ابن المديني.
قال عبد الرحمن بن مهدي: أبو داود هو أصدق الناس.
قلت: كانا رفيقين في الطلب بالبصرة. فاستعملا البلاذر، فجذم أبو داود، وبرص الآخر.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: رحلت - يعني من الكوفة - إلى أبي داود، فأصبته قد مات قبل قدومي بيوم. قال: وكان قد شرب البلاذر، فجذم.
قال عامر بن إبراهيم الأصبهاني: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن ألف شيخ.
وورد عن أبي داود أنه كان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث.
قال سليمان بن حرب: كان شعبة يحدث، فإذا قام، قعد أبو داود الطيالسي، وأملى من حفظه ما مر في المجلس.
وروى عبد الرحمن بن أبي حاتم، عن يونس بن حبيب قال: قال أبو داود: كنا ببغداد وكان شعبة وابن إدريس يجتمعون يتذاكرون، فذكروا باب المجذوم، فقلت: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، قال: كان معيقيب يحضر طعام عمر بن الخطاب، فقال له: يا معيقيب: كل مما يليك. فقال شعبة: يا أبا داود لم تجئ بشيء أحسن مما جئت به.
قال وكيع: ما بقي أحد أحفظ لحديث طويل من أبي داود، قال: فذكر ذلك لأبي داود، فقال: قل له: ولا قصير.(أعلام/1223)
قال علي بن أحمد بن النضر: سمعت ابن المديني يقول: ما رأيت أحفظ من أبي داود الطيالسي.
وقال عمر بن شبة: كتبوا عن أبي داود بأصبهان أربعين ألف حديث، وليس كان معه كتاب.
قلت: سمع يونس بن حبيب عدة مجالس مفرقة، فهي " المسند " الذي وقع لنا.
وقال أبو بكر الخطيب: قال لنا أبو نعيم: صنف أبو مسعود الرازي ليونس بن حبيب مسند أبي داود.
وقال حفص بن عمر المهرقاني كان وكيع يقول: أبو داود جبل العلم.
وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: أخطأ أبو داود في ألف حديث.
قلت: هذا قاله إبراهيم على سبيل المبالغة، ولو أخطأ في سبع هذا، لضعفوه.
وقد تكلم فيه محمد بن المنهال الضرير، وقال: كنت أتهمه، قال لي: لم أسمع من عبد الله بن عون، ثم سألته بعد: أسمعت من ابن عون؟ قال: نعم نحو عشرين حديثا.
قلت: الجمع بين القولين أنه سمع منه شيئا ما ضبطه، ولا حفظه، فصدق أن يقول: ما سمعت منه، وإلا فأبو داود أمين صادق، وقد أخطأ في عدة أحاديث لكونه كان يتكل على حفظه، ولا يروي من أصله، فالورع أن المحدث لا يحدث إلا من كتاب كما كان يفعل ويوصي به إمام المحدثين أحمد بن حنبل، ولم يخرج البخاري لأبي داود شيئا لأنه سمع من عدة من أقرانه، فما احتاج إليه.
قال الفلاس: سمعت أبا داود يقول: أسرد ثلاثين ألف حديث، ولا فخر، وفي صدري اثنا عشر ألفا لعثمان البري، ما سألني عنها أحد من أهل البصرة، فخرجت إلى أصبهان، فبثثتها فيهم.
قال حجاج بن يوسف بن قتيبة: سئل النعمان بن عبد السلام، وأنا حاضر عن أبي داود الطيالسي، فقال: ثقة مأمون.
عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني، عن إبراهيم الأصبهاني، سمعت بندارا يقول: ما بكيت على أحد من المحدثين ما بكيت على أبي داود، قلت له: كيف؟ قال: لما كان من حفظه ومعرفته وحسن مذاكرته.(أعلام/1224)
وقال أحمد بن الفرات: ما رأيت أحدا أكثر في شعبة من أبي داود، وسألت أحمد بن حنبل عنه، فقال: ثقة صدوق، قلت: إنه يخطئ، قال: يحتمل له.
وقال عثمان بن سعيد: سألت ابن معين عن أصحاب شعبة، قلت: أبو داود أحب إليك أو عبد الرحمن بن مهدي؟ فقال: أبو داود أعلم به، ثم قال عثمان الدارمي: عبد الرحمن أحب إلينا في كل شيء، وأبو داود أكثر رواية عن شعبة.
وقال العجلي: أبو داود ثقة، كثير الحفظ، رحلت إليه، فأصبته مات قبل قدومي بيوم.
وقال النسائي: ثقة من أصدق الناس لهجة.
وقال ابن عدي: ثقة يخطئ، ثم قال: وما هو عندي وعند غيري إلا متيقظ ثبت.
وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، ربما غلط، توفي بالبصرة سنة ثلاث ومائتين. وهو يومئذ ابن اثنتين وسبعين سنة.
وقال خليفة: مات في ربيع الأول سنة أربع ومائتين.
قلت: استشهد به البخاري في " صحيحه ".(أعلام/1225)
العباس (ع)
عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل: إنه أسلم قبل الهجرة، وكتم إسلامه، وخرج مع قومه إلى بدر، فأسر يومئذ، فادعى أنه مسلم، فالله أعلم.
وليس هو في عداد الطلقاء؛ فإنه كان قد قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح؛ ألا تراه أجار أبا سفيان بن حرب؟ ! .
وله عدة أحاديث، منها خمسة وثلاثون في مسند بقي وفي " البخاري ومسلم " حديث، وفي " البخاري " حديث، وفي " مسلم " ثلاثة أحاديث.
روى عنه ابناه: عبد الله، وكثير؛ والأحنف بن قيس، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وجابر بن عبد الله، وأم كلثوم بنت العباس، وعبد الله بن عميرة، وعامر بن سعد، وإسحاق بن عبد الله بن نوفل، ومالك بن أوس بن الحدثان، ونافع بن جبير بن مطعم، وابنه عبيد الله بن العباس، وآخرون.
وقدم الشام مع عمر.
فعن أسلم مولى عمر: أن عمر لما دنا من الشام تنحى ومعه غلامه، فعمد إلى مركب غلامه فركبه، وعليه فرو مقلوب، وحول غلامه على رحل نفسه.
وإن العباس لبين يديه على فرس عتيق، وكان رجلا جميلا، فجعلت البطارقة يسلمون عليه، فيشير: لست به، وإنه ذاك.
قال الكلبي: كان العباس شريفا، مهيبا، عاقلا، جميلا، أبيض، بضا، له ضفيرتان، معتدل القامة.
ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين.
وقلت: بل كان من أطول الرجال، وأحسنهم صورة، وأبهاهم، وأجهرهم صوتا، مع الحلم الوافر، والسؤدد.
روى مغيرة عن أبي رزين، قال: قيل للعباس: أنت أكبر أو النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو أكبر وأنا ولدت قبله.
قال الزبير بن بكار: كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم، وجفنة لجائعهم، ومنظرة لجاهلهم.
وكان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطي في النوائب.
ونديمه في الجاهلية أبو سفيان بن حرب.(أعلام/1226)
ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر: حدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان العباس قد أسلم قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
إسناده واه.
عن عمارة بن عمار بن أبي اليسر السلمي، عن أبيه، عن جده، قال: نظرت إلى العباس يوم بدر، وهو واقف كأنه صنم، وعيناه تذرفان.
فقلت: جزاك الله من ذي رحم شرا! أتقاتل ابن أخيك مع عدوه؟ .
قال: ما فعل، أقتل؟ قلت: الله أعز له وأنصر من ذلك. قال: ما تريد إلي؟ قلت: الأسر؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلك. قال: ليست بأول صلته، فأسرته، ثم جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثوري، عن أبي إسحاق، عن البراء، أو غيره، قال: جاء رجل من الأنصار بالعباس، قد أسره، فقال: ليس هذا أسرني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد آزرك الله بملك كريم.
ابن إسحاق، عمن سمع عكرمة، عن ابن عباس، قال: أسر العباس أبو اليسر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أسرته؟ قال: لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ولا بعد، هيئته كذا. قال: لقد أعانك عليه ملك كريم.
ثم قال للعباس: افد نفسك، وابن أخيك عقيلا، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن جحدم فأبى، وقال: إني كنت مسلما قبل ذلك، وإنما استكرهوني. قال: الله أعلم بشأنك، إن يك ما تدعي حقا، فالله يجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافد نفسك.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرف أن العباس أخذ معه عشرين أوقية ذهبا فقلت يا رسول الله، احسبها لي من فدائي. قال: لا، ذاك شيء أعطانا الله منك، قال: فإنه ليس لي مال. قال: فأين المال الذي وضعته بمكة عند أم الفضل، وليس معكما أحد غيركما، فقلت: إن أصبت في سفري فللفضل كذا، لقثم كذا، ولعبد الله كذا؟(أعلام/1227)
قال: فوالذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد من الناس غيرها، وإني لأعلم أنك رسول الله.
يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: بعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أسراهم، ففدى كل قوم أسيرهم، بما تراضوا. وقال العباس: يا رسول الله، إني كنت مسلما. . .
إلى أن قال: وأنزلت: يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم.
قال: فأعطاني الله مكان العشرين أوقية في الإسلام، عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به، مع ما أرجو من مغفرة الله تعالى.
قال ابن إسحاق: وكان أكثر الأسارى فداء يوم بدر العباس، افتدى نفسه بمائة أوقية من ذهب.
وعن ابن عباس، قال: أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأسارى في الوثاق، فبات ساهرا أول الليل، فقيل: يا رسول الله، مالك لا تنام؟ قال: سمعت أنين عمي في وثاقه، فأطلقوه، فسكت، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، قال: أسر العباس رجل، ووعدوه أن يقتلوه، فقال رسول الله: إني لم أنم الليلة من أجل العباس؛ زعمت الأنصار أنهم قاتلوه، فقال عمر: أآتيهم يا رسول الله؟ فأتى الأنصار فقال: أرسلوا العباس. قالوا: إن كان لرسول الله رضى فخذه.
سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: قيل: يا رسول الله - بعدما فرغ من بدر - عليك بالعير ليس دونها شيء، فقال العباس - وهو في وثاقه -: لا يصلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم؟ قال: لأن الله وعدك إحدى الطائفتين، فقد أعطاك ما وعدك.
هكذا رواه إسرائيل. ورواه عمرو بن ثابت، عن سماك، عن عكرمة، مرسلا.(أعلام/1228)
إسماعيل بن قيس، عن أبي حازم، عن سهل، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من بدر، استأذنه العباس أن يأذن له أن يرجع إلى مكة، حتى يهاجر منها، فقال: اطمئن يا عم، فإنك خاتم المهاجرين، كما أنا خاتم النبيين إسناده واه، رواه أبو يعلى، والشاشي في " مسنديهما ". ويروى نحوه من مراسيل الزهري.
قال ابن سعد الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار ممن لم يشهد بدرا: فبدأ بالعباس، قال: وأمه نتيلة بنت جناب بن كليب. وسرد نسبها إلى ربيعة بن نزار بن معد.
وعن ابن عباس: ولد أبي قبل أصحاب الفيل بثلاث سنين.
وبنوه: الفضل - وهو أكبرهم -، وعبد الله البحر وعبيد الله، وقثم - ولم يعقب -، وعبد الرحمن - توفي بالشام ولم يعقب - ومعبد - استشهد بإفريقية - وأم حبيب وأمهم: أم الفضل لبابة الهلالية، وفيها يقول ابن يزيد الهلالي:
ما ولدت نجيبة من فحل
بجبل نعلمه أو سهل
كستة من بطن أم الفضل
أكرم بها من كهلة وكهل
قال الكلبي: ما رأينا ولد أم قط أبعد قبورا من بني العباس.
ومن أولاد العباس: كثير - وكان فقيها -، وتمام - وكان من أشد قريش -، وأميمة؛ وأمهم أم ولد. والحارث بن العباس، وأمه حجيلة بنت جندب التميمية.
فعدتهم عشرة.
الواقدي: أخبرنا عبد الله بن يزيد الهذلي، عن أبي البداح بن عاصم، عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة، عن أبيه، قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: هو في منزل العباس؛ فدخلنا عليه، فسلمنا وقلنا: متى نلتقي؟ فقال العباس: إن معكم من قومكم من هو مخالف لكم، فأخفوا أمركم حتى ينصدع هذا الحاج، ونلتقي نحن وأنتم، فنوضح لكم الأمر، فتدخلون على أمر بين، فوعدهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة النفر الآخر بأسفل العقبة، وأمرهم ألا ينبهوا نائما، ولا ينتظروا غائبا.(أعلام/1229)
وعن معاذ بن رفاعة، قال: فخرجوا بعد هدأة يتسللون، وقد سبقهم إلى ذلك المكان معه عمه العباس وحده.
قال: فأول من تكلم هو، فقال: يا معشر الخزرج، قد دعوتم محمدا إلى ما دعوتموه، وهو من أعز الناس في عشيرته، يمنعه والله من كان منا على قوله ومن لم يكن، وقد أبى محمدا الناس كلهم غيركم؛ فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب، واستقلال بعداوة العرب قاطبة، فإنها سترميكم عن قوس واحدة، فارتؤوا رأيكم، وائتمروا أمركم؛ فإن أحسن الحديث أصدقه، فأسكتوا. وتكلم عبد الله بن عمرو بن حرام، فقال: نحن أهل الحرب، ورثناها كابرا عن كابر. نرمي بالنبل حتى تفنى، ثم نطاعن بالرماح حتى تكسر، ثم نمشي بالسيوف حتى يموت الأعجل منا.
قال: أنتم أصحاب حرب، هل فيكم دروع؟ قالوا: نعم، شاملة.
وقال البراء بن معرور: قد سمعنا ما قلت، إنا والله لو كان في أنفسنا غير ما نقول لقلنا، ولكنا نريد الوفاء، والصدق، وبذل المهج دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم، والعباس آخذ بيده، يؤكد له البيعة.
زكريا، عن الشعبي، قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم بالعباس، وكان العباس ذا رأي، فقال العباس للسبعين: ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة، فإن عليكم عينا.
فقال أسعد بن زرارة: سل لربك ما شئت، وسل لنفسك ولأصحابك، ثم أخبرنا بما لنا على الله وعليكم.
قال: أسألكم لربي أن تعبدوه، لا تشركوا به شيئا، وأسألكم لنفسي وأصحابي أن تؤوونا، وتنصرونا، وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم.
قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: الجنة. قال: فلك ذلك.
ابن إسحاق: حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، قال: قال أبو رافع: كنت غلاما للعباس، وكان الإسلام قد دخلنا، فأسلم العباس، وكان يهاب قومه؛ فكان يكتم إسلامه، فخرج إلى بدر، وهو كذلك.(أعلام/1230)
إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا أبي، عن ابن عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس، أن جده عباسا قدم هو وأبو هريرة، فقسم لهما النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر.
قال ابن سعد: فقال لي محمد بن عمر: هذا وهم، بل كان العباس بمكة، إذ قدم الحجاج بن علاط، فأخبر قريشا عن نبي الله بما أحبوا، وساء العباس، حتى أتاه الحجاج فأخبره بفتح خيبر، ففرح. ثم خرج العباس بعد ذلك، فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأطعمه بخيبر مائتي وسق كل سنة، ثم خرج معه إلى فتح مكة.
يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن المطلب بن ربيعة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال رجال يؤذونني في العباس، وإن عم الرجل صنو أبيه، من آذى العباس فقد آذاني.
ورواه خالد الطحان عن يزيد، فأسقط المطلب.
وثبت أن العباس كان يوم حنين، وقت الهزيمة، آخذا بلجام بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت معه حتى نزل النصر.
الأعمش، عن أبي سبرة النخعي، عن محمد بن كعب القرظي، عن العباس، قال: كنا نلقى النفر من قريش، وهم يتحدثون، فيقطعون حديثهم، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي.
إسناده منقطع.
إسرائيل، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن رجلا من الأنصار وقع في أب للعباس كان في الجاهلية، فلطمه العباس، فجاء قومه، فقالوا: والله لنلطمنه كما لطمه، فلبسوا السلاح.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فصعد المنبر، فقال: أيها الناس، أي أهل الأرض أكرم على الله؟ قالوا: أنت. قال: فإن العباس مني وأنا منه، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا.
فجاء القوم فقالوا: نعوذ بالله من غضبك يا رسول الله.
رواه أحمد في " مسنده ".(أعلام/1231)
ثور، عن مكحول، عن كريب، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل على العباس وولده كساء، ثم قال: اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة، لا تغادر ذنبا. اللهم اخلفه في ولده.
إسناده جيد. رواه أبو يعلى في " مسنده ".
إسماعيل بن قيس بن سعد، عن أبي حازم، عن سهل، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيظ، فقام لبعض حاجته، فقام العباس يستره بكساء من صوف، فقال: اللهم استر العباس وولده من النار له طرق، وإسماعيل ضعف.
سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: بعث ابن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال ثمانين ألفا من البحرين، فنثرت على حصير، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف، وجاء الناس؛ فما كان يومئذ عدد ولا وزن، ما كان إلا قبضا.
فجاء العباس بخميصة عليه، فأخذ، فذهب يقوم، فلم يستطع، فرفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ارفع علي، فتبسم رسول الله حتى خرج ضاحكه - أو نابه - فقال: أعد في المال طائفة، وقم بما تطيق، ففعل.
قال: فجعل العباس يقول - وهو منطلق - أما إحدى اللتين وعدنا الله، فقد أنجزها - يعني قوله: قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم فهذا خير مما أخذ مني. ولا أدري ما يصنع في الآخرة.
أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة ساعيا، فمنع ابن جميل، وخالد، والعباس، فقال رسول الله: ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله. وأما خالد، فإنكم تظلمون خالدا، إنه قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله؛ وأما العباس، فهي علي ومثلها.
ثم قال: أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه.(أعلام/1232)
الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي، قال: قلت لعمر: أما تذكر إذ شكوت العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه؟ .
حسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه، عن جده، عن علي، أن رسول الله قال: استوصوا بالعباس خيرا، فإنه عمي وصنو أبي إسناده واه.
محمد بن طلحة التيمي، عن أبي سهيل بن مالك، عن سعيد بن المسيب، عن سعد: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في نقيع الخيل فأقبل العباس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا العباس عم نبيكم، أجود قريش كفا، وأوصلها. رواه عدة عنه.
وثبت من حديث أنس: أن عمر استسقى فقال: اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبيك توسلنا به؛ وإنا نستسقي إليك بعم نبيك العباس.
الزبير بن بكار: حدثنا ساعدة بن عبيد الله، عن داود بن عطاء، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، قال: استسقى عمر عام الرمادة بالعباس، فقال: اللهم، هذا عم نبيك نتوجه إليك به، فاسقنا، فما برحوا حتى سقاهم الله، فخطب عمر الناس فقال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده، فيعظمه ويفخمه ويبر قسمه؛ فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس، واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم.
وقع لنا عاليا في جزء البانياسي. وداود ضعيف.
ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجل أحدا ما يجل العباس أو يكرم العباس إسناده صالح.
ويروى عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، فمنزلي ومنزل إبراهيم يوم القيامة في الجنة تجاهين، والعباس بيننا، مؤمن بين خليلين
أخرجه ابن ماجه وهو موضوع. وفي إسناده: عبد الوهاب العرضي الكذاب.(أعلام/1233)
ابن أبي فديك: حدثنا محمد بن عبد الرحمن العامري، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس: فيكم النبوة والمملكة
هذا في جزء ابن ديزيل وهو منكر.
ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن الثقة قال: كان العباس إذا مر بعمر أو بعثمان، وهما راكبان، نزلا حتى يجاوزهما إجلالا لعم رسول الله.
وروى ثمامة، عن أنس: قال عمر: اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، فاسقنا. صحيح. .
وفي ذلك يقول عباس بن عتبة بن أبي لهب:
بعمي سقى الله الحجاز وأهله
عشية يستسقي بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب راغبا
إليه فما إن رام حتى أتى المطر
ومنا رسول الله فينا تراثه
فهل فوق هذا للمفاخر مفتخر
أبو معشر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، وعن عمر مولى غفرة، وعن محمد بن نفيع. قالوا: لما استخلف عمر، وفتح عليه الفتوح، جاءه مال، ففضل المهاجرين والأنصار، ففرض لمن شهد بدرا خمسة آلاف خمسة آلاف، ولمن لم يشهدها وله سابقة أربعة آلاف، أربعة آلاف، وفرض للعباس اثني عشر ألفا.
سفيان بن حبيب: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي صالح ذكوان، عن صهيب مولى العباس، قال: رأيت عليا يقبل يد العباس ورجله، ويقول: يا عم، ارض عني.
إسناده حسن، وصهيب لا أعرفه.
عبد الوهاب بن عطاء عن ثور عن مكحول عن سعيد بن المسيب، أنه قال: العباس خير هذه الأمة، وارث النبي صلى الله عليه وسلم وعمه.
سمعه منه يحيى بن أبي طالب. وهو قول منكر.
قال الضحاك بن عثمان الحزامي: كان يكون للعباس الحاجة إلى غلمانه وهم بالغابة، فيقف على سلع، وذلك في آخر الليل، فيناديهم فيسمعهم. والغابة نحو من تسعة أميال.
قلت: كان تام الشكل، جهوري الصوت جدا، وهو الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهتف يوم حنين: يا أصحاب الشجرة.(أعلام/1234)
قال القاضي أبو محمد بن زبر: حدثنا إسماعيل القاضي، أخبرنا نصر بن علي: أخبرنا الأصمعي، قال: كان للعباس راع يرعى له على مسيرة ثلاثة أميال، فإذا أراد منه شيئا صاح به، فأسمعه حاجته.
ليث: حدثني مجاهد، عن علي بن عبد الله، قال: أعتق العباس عند موته سبعين مملوكا.
علي بن زيد، عن الحسن، قال: وبقي في بيت المال بقية، فقال العباس لعمر وللناس: أرأيتم لو كان فيكم عم موسى، أكنتم تكرمونه وتعرفون حقه؟ قالوا: نعم. قال: فأنا عم نبيكم، أحق أن تكرموني، فكلم عمر الناس، فأعطوه.
قلت: لم يزل العباس مشفقا على النبي صلى الله عليه وسلم، محبا له، صابرا على الأذى، ولما يسلم بعد، بحيث إنه ليلة العقبة عرف، وقام مع ابن أخيه في الليل، وتوثق له من السبعين، ثم خرج إلى بدر مع قومه مكرها، فأسر؛ فأبدى لهم أنه كان أسلم، ثم رجع إلى مكة، فما أدري لماذا أقام بها.
ثم لا ذكر له يوم أحد، ولا يوم الخندق، ولا خرج مع أبي سفيان، ولا قالت له قريش في ذلك شيئا، فيما علمت.
ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا قبيل فتح مكة؛ فلم يتحرر لنا قدومه.
وقد كان عمر أراد أن يأخذ له دارا بالثمن ليدخلها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فامتنع، حتى تحاكما إلى أبي بن كعب، والقصة مشهورة، ثم بذلها بلا ثمن.
وورد أن عمر عمد إلى ميزاب للعباس على ممر الناس، فقلعه، فقال له: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضعه في مكانه، فأقسم عمر: لتصعدن على ظهري، ولتضعنه موضعه.
ويروى، في خبر منكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى الثريا ثم قال: يا عم، ليملكن من ذريتك عدد نجومها
وقد عمل الحافظ أبو القاسم بن عساكر ترجمة العباس في بضع وخمسين ورقة.(أعلام/1235)
وقد عاش ثمانيا وثمانين سنة. ومات سنة اثنتين وثلاثين فصلى عليه عثمان. ودفن بالبقيع. وعلى قبره اليوم قبة عظيمة من بناء خلفاء آل العباس.
وقال خليفة، وغيره: بل مات سنة أربع وثلاثين وقال المدائني: سنة ثلاث وثلاثين.
أخبرنا المقداد بن أبي القاسم: أخبرنا عبد العزيز بن الأخضر: أخبرنا محمد بن عبد الباقي: أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، حضورا: أخبرنا عبد الله بن ماسي: أخبرنا أبو مسلم الكجي: أخبرنا الأنصاري محمد بن عبد الله: أخبرنا أبي، عن ثمامة، عن أنس: أن عمر خرج يستسقي، وخرج العباس معه يستسقي، ويقول: اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبينا صلى الله عليه وسلم توسلنا إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك.
قال الزبير بن بكار: سئل العباس: أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو أكبر مني، وأنا أسن منه، مولده بعد عقلي، أتي إلى أمي، فقيل لها: ولدت آمنة غلاما، فخرجت بي حين أصبحت آخذة بيدي، حتى دخلنا عليها، فكأني أنظر إليه يمصع برجليه في عرصته، وجعل النساء يجبذنني عليه، ويقلن: قبل أخاك. كذا ذكره بلا إسناد.
أنبأنا طائفة: أخبرنا ابن طبرزد: أخبرنا ابن الحصين: أخبرنا ابن غيلان: أخبرنا أبو بكر الشافعي: حدثنا محمد بن بشر بن مطر: حدثنا شيبان: حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس: سمعت العباس يقول: الذي أمر بذبحه إبراهيم: هو إسحاق.(أعلام/1236)
وقال الواقدي، عن ابن أبى سبرة، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أسلم العباس بمكة، قبل بدر، وأسلمت أم الفضل معه حينئذ، وكان مقامه بمكة. إنه كان لا يغبى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خبر يكون إلا كتب به إليه. وكان من هناك من المؤمنين يتقوون به، ويصيرون إليه، وكان لهم عونا على إسلامهم. ولقد كان يطلب أن يقدم؛ فكتب إليه رسول الله: إن مقامك مجاهد حسن، فأقام بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إسناده ضعيف. ولو جرى هذا لما طلب من العباس فداء يوم بدر، والظاهر أن إسلامه كان بعد بدر.
قال إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت، عن أبي حازم، عن سهل، قال: استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فكتب إليه: يا عم، أقم مكانك؛ فإن الله يختم بك الهجرة، كما ختم بي النبوة.
إسماعيل، واه.
وروى عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العباس مني وأنا منه إسناده ليس بقوي.
وقد اعتنى الحفاظ بجمع فضائل العباس رعاية للخلفاء.
وبكل حال، لو كان نبينا صلى الله عليه وسلم ممن يورث لما ورثه أحد، بعد بنته وزوجاته، إلا العباس.
وقد صار الملك في ذرية العباس، واستمر ذلك، وتداوله تسعة وثلاثون خليفة، إلى وقتنا هذا، وذلك ستمائة عام، أولهم السفاح. وخليفة زماننا المستكفي له الاسم المنبري، والعقد والحل بيد السلطان الملك الناصر - أيدهما الله.
وإذا اقتصرنا من مناقب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه النبذة، فلنذكر وفاته:(أعلام/1237)
العباس بن عبد العظيم (خت، 4)
ابن إسماعيل بن توبة، الحافظ الحجة الإمام أبو الفضل، العنبري البصري.
حدث عن: يحيى بن سعيد القطان، ومعاذ بن هشام، وعبد الرحمن بن مهدي، وعمر بن يونس، ويزيد بن هارون، والنضر بن محمد، وعبد الرزاق، وأبي عاصم النبيل، وخلق كثير. وكان واسع الرحلة، متبحرا من الآثار.
روى له البخاري: تعليقا، والباقون سماعا، وبقي بن مخلد، وأبو حاتم، وعبدان الأهوازي، وابن خزيمة، وعمر بن بجير، وزكريا الساجي، وآخرون.
قال النسائي: ثقة مأمون.
وقال محمد بن المثنى السمسار: كان من سادات المسلمين.
وقال آخر: كان من أعقل أهل زمانه، ومن أهل الفضل.
قلت: توفي في سنة ست وأربعين ومائتين.(أعلام/1238)
العدني (م، ت، ق، س)
الإمام المحدث الحافظ شيخ الحرم أبو عبد الله، محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني.
حدث عن: فضيل بن عياض، وسفيان بن عيينة، وعبد العزيز بن محمد، ومعتمر بن سليمان، وسعيد بن سالم، ووكيع بن الجراح، ومروان بن معاوية، وخلق كثير. وصنف " المسند ".
حدث عنه: مسلم والترمذي، وابن ماجه، وبواسطة النسائي، وإسحاق بن أحمد الخزاعي، والحكم بن معبد، وعبد الله بن صالح البخاري، ومحمد بن إسحاق السراج، وعلي بن عبد الحميد الغضائري، والمفضل بن محمد الجندي، وخلق سواهم.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: كان رجلا صالحا، وكانت به غفلة. رأيت عنده حديثا موضوعا، حدث به عن ابن عيينة، وكان صدوقا.
وروي عن الحسن بن أحمد بن الليث، حدثنا ابن أبي عمر العدني، وكان قد حج سبعا وسبعين حجة. وبلغني أنه لم يقعد من الطواف ستين سنة رحمه الله.
قال البخاري: مات بمكة لإحدى عشرة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
قلت: كان من أبناء التسعين، رحمه الله تعالى.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن أبي روح، أخبرنا زاهر، أخبرنا أبو سعد، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى بن معاذ النسوي، حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا رأى أحدكم من هو فوقه في المال والجسم، فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم.(أعلام/1239)
العرباض بن سارية السلمي
من أعيان أهل الصفة، سكن حمص، وروى أحاديث.
روى عنه: جبير بن نفير، وأبو رهم السمعي، وعبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحبيب بن عبيد، وحجر بن حجر، ويحيى بن أبي المطاع، وعمرو بن الأسود، والمهاصر بن حبيب، وعدة.
أحمد في مسنده: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور، حدثنا خالد بن معدان، حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر بن حجر، قالا: أتينا العرباض بن سارية. وهو ممن نزل فيه: ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه [التوبة: 93] فسلمنا، وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين. فقال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقيل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا. فإنه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافا كثيرا. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
رواه ابن المديني عن الوليد، وزاد: قال الوليد: فذكرته لعبد الله بن زبر، فقال: حدثني به يحيى بن أبي المطاع أنه سمعه من العرباض. ورواه بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد، عن عبد الرحمن وحده.(أعلام/1240)
ابن وهب: حدثنا سعيد بن أبي أيوب، عن سعد بن إبراهيم، عن عروة بن رويم، عن العرباض بن سارية، وكان يحب أن يقبض، فكان يدعو: اللهم كبرت سني، ووهن عظمي، فاقبضني إليك. قال: فبينا أنا يوما في مسجد دمشق أصلي، وأدعو أن أقبض؛ إذا أنا بفتى من أجمل الرجال، وعليه دواج أخضر، فقال: ما هذا الذي تدعو به؟ قلت: كيف أدعو يا ابن أخي؟ قال: قل اللهم حسن العمل، وبلغ الرجل. فقلت: ومن أنت يرحمك الله؟ قال: أنا رتبابيل الذي يسل الحزن من صدور المؤمنين، ثم التفت، فلم أر أحدا.
قال أحمد بن حنبل: كنية العرباض، أبو نجيح.
وقال محمد بن عوف: منزله بحمص عند قناة الحبشة، وهو وعمرو بن عبسة كل منهما يقول: أنا ربع الإسلام لا يدرى أيهما أسلم قبل صاحبه.
قلت: لم يصح أن العرباض قال ذلك.
فروى إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، قال: قال عتبة بن عبد: أتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعة من بني سليم، أكبرنا العرباض بن سارية، فبايعناه.
إسماعيل بن عياش: حدثنا أبو بكر بن عبد الله، عن حبيب بن عبيد، عن العرباض، قال: لولا أن يقال: فعل أبو نجيح؛ لألحقت مالي سبلة، ثم لحقت واديا من أودية لبنان عبدت الله حتى أموت.
شعبة: عن أبي الفيض؛ سمع أبا حفص الحمصي يقول: أعطى معاوية المقداد حمارا من المغنم، فقال له العرباض بن سارية: ما كان لك أن تأخذه، ولا له أن يعطيك، كأني بك في النار تحمله؛ فرده.
قال أبو مسهر وغيره: توفي العرباض سنة خمس وسبعين.(أعلام/1241)
العكبري
الشيخ الإمام العلامة النحوي البارع محب الدين أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن أبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري ثم البغدادي الأزجي الضرير النحوي الحنبلي الفرضي صاحب التصانيف. ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.
قرأ بالروايات على علي بن عساكر البطائحي، والعربية على ابن الخشاب، وأبي البركات بن نجاح. وتفقه على القاضي أبي يعلى الصغير محمد بن أبي خازم وأبي حكيم النهرواني، وبرع في الفقه والأصول، وحاز قصب السبق في العربية.
وسمع من أبي الفتح بن البطي، وأبي زرعة المقدسي، وأبي بكر بن النقور، وجماعة. وتخرج به أئمة.
قال ابن النجار: قرأت عليه كثيرا من مصنفاته، وصحبته مدة طويلة، وكان ثقة، متدينا، حسن الأخلاق، متواضعا، ذكر لي أنه أضر في صباه من الجدري.
ذكر تصانيفه:
صنف " تفسير القرآن " وكتاب " إعراب القرآن " وكتاب " إعراب الشواذ "، وكتاب " متشابه القرآن " و " عدد الآي " و " إعراب الحديث " جزء، وله " تعليقة في الخلاف " و " شرح لهداية أبي الخطاب "، وكتاب " المرام في المذهب " ومصنف في الفرائض، وآخر، وآخر. و " شرح الفصيح "، و " شرح الحماسة "، و " شرح المقامات " و " شرح الخطب "، وأشياء سماها ابن النجار وتركتها. حدث عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، والضياء المقدسي، والجمال بن الصيرفي، وجماعة.
قيل: كان إذا أراد أن يصنف كتابا جمع عدة مصنفات في ذلك الفن، فقرئت عليه، ثم يملي بعد ذلك، فكان يقال: أبو البقاء تلميذ تلامذته ; يعني هو تبع لهم فيما يقرءون له ويكتبونه. وقد أرادوه على أن ينتقل عن مذهب أحمد فقال، وأقسم: لو صببتم الذهب الذهب علي حتى أتوارى به، ما تركت مذهبي.
توفي العلامة أبو البقاء في ثامن ربيع الآخر سنة ست عشرة وستمائة وكان ذا حظ من دين وتعبد وأوراد.(أعلام/1242)
الغزالي
الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، الغزالي، صاحب التصانيف، والذكاء المفرط.
تفقه ببلده أولا، ثم تحول إلى نيسابور في مرافقة جماعة من الطلبة، فلازم إمام الحرمين، فبرع في الفقه في مدة قريبة، ومهر في الكلام والجدل، حتى صار عين المناظرين، وأعاد للطلبة، وشرع في التصنيف، فما أعجب ذلك شيخه أبا المعالي، ولكنه مظهر للتبجح به، ثم سار أبو حامد إلى المخيم السلطاني، فأقبل عليه نظام الملك الوزير، وسر بوجوده، وناظر الكبار بحضرته، فانبهر له، وشاع أمره، فولاه النظام تدريس نظامية بغداد، فقدمها بعد الثمانين وأربعمائة، وسنه نحو الثلاثين، وأخذ في تأليف الأصول والفقه والكلام والحكمة، وأدخله سيلان ذهنه في مضايق الكلام، ومزال الأقدام، ولله سر في خلقه.
وعظم جاه الرجل، وازدادت حشمته بحيث إنه في دست أمير، وفي رتبة رئيس كبير، فأداه نظره في العلوم وممارسته لأفانين الزهديات إلى رفض الرئاسة، والإنابة إلى دار الخلود، والتأله، والإخلاص، وإصلاح النفس، فحج من وقته، وزار بيت المقدس، وصحب الفقيه نصر بن إبراهيم بدمشق، وأقام مدة، وألف كتاب " الإحياء "، وكتاب " الأربعين "، وكتاب " القسطاس "، وكتاب " محك النظر ". وراض نفسه وجاهدها، وطرد شيطان الرعونة، ولبس زي الأتقياء، ثم بعد سنوات سار إلى وطنه، لازما لسننه، حافظا لوقته، مكبا على العلم.
ولما وزر فخر الملك، حضر أبا حامد، والتمس منه أن لا يبقى أنفاسه عقيمة، وألح على الشيخ، إلى أن لان إلى القدوم إلى نيسابور، فدرس بنظاميتها.(أعلام/1243)
فذكر هذا وأضعافه عبد الغافر في " السياق "، إلى أن قال: ولقد زرته مرارا، وما كنت أحدس في نفسي مع ما عهدته عليه من الزعارة والنظر إلى الناس بعين الاستخفاف كبرا وخيلاء، واعتزازا بما رزق من البسطة، والنطق، والذهن، وطلب العلو ; أنه صار على الضد، وتصفى عن تلك الكدورات، وكنت أظنه متلفعا بجلباب التكلف، متنمسا بما صار إليه، فتحققت بعد السبر والتنقير أن الأمر على خلاف المظنون، وأن الرجل أفاق بعد الجنون، وحكى لنا في ليال كيفية أحواله من ابتداء ما أظهر له طريق التأله، وغلبة الحال عليه بعد تبحره في العلوم، واستطالته على الكل بكلامه، والاستعداد الذي خصه الله به في تحصيل أنواع العلوم، وتمكنه من البحث والنظر، حتى تبرم بالاشتغال بالعلوم العرية عن المعاملة، وتفكر في العاقبة، وما يبقى في الآخرة، فابتدأ بصحبة الشيخ أبي علي الفارمذي فأخذ منه استفتاح الطريقة، وامتثل ما كان يأمره به من العبادات والنوافل والأذكار والاجتهاد طلبا للنجاة، إلى أن جاز تلك العقاب، وتكلف تلك المشاق، وما حصل على ما كان يرومه.
ثم حكى أنه راجع العلوم، وخاض في الفنون الدقيقة، والتقى بأربابها حتى تفتحت له أبوابها، وبقي مدة في الوقائع وتكافؤ الأدلة، وفتح عليه باب من الخوف بحيث شغله عن كل شيء، وحمله على الإعراض عما سواه، حتى سهل ذلك عليه، إلى أن ارتاض، وظهرت له الحقائق، وصار ما كنا نظن به ناموسا وتخلقا، طبعا وتحققا، وأن ذلك أثر السعادة المقدرة له.(أعلام/1244)
ثم سألناه عن كيفية رغبته في الخروج من بيته، والرجوع إلى ما دعي إليه، فقال معتذرا: ما كنت أجوز في ديني أن أقف عن الدعوة، ومنفعة الطالبين، وقد خف علي أن أبوح بالحق، وأنطق به، وأدعو إليه، وكان صادقا في ذلك، فلما خف أمر الوزير، وعلم أن وقوفه على ما كان فيه ظهور وحشة وخيال طلب جاه، ترك ذلك قبل أن يترك، وعاد إلى بيته، واتخذ في جواره مدرسة للطلبة، وخانقاه للصوفية، ووزع أوقاته على وظائف الحاضرين من ختم القرآن، ومجالسة ذوي القلوب، والقعود للتدريس، حتى توفي بعد مقاساة لأنواع من القصد، والمناوأة من الخصوم، والسعي فيه إلى الملوك، وحفظ الله له عن نوش أيدي النكبات.
إلى أن قال: وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب الحديث، ومجالسة أهله، ومطالعة " الصحيحين " ولو عاش، لسبق الكل في ذلك الفن بيسير من الأيام. قال: ولم يتفق له أن يروي، ولم يعقب إلا البنات، وكان له من الأسباب إرثا وكسبا ما يقوم بكفايته، وقد عرضت عليه أموال، فما قبلها.
قال: ومما كان يعترض به عليه وقوع خلل من جهة النحو في أثناء كلامه، وروجع فيه، فأنصف، واعترف أنه ما مارسه، واكتفى بما كان يحتاج إليه في كلامه، مع أنه كان يؤلف الخطب، ويشرح الكتب بالعبارة التي يعجز الأدباء والفصحاء عن أمثالها.(أعلام/1245)
ومما نقم عليه ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية في كتاب " كيمياء السعادة والعلوم " وشرح بعض الصور والمسائل بحيث لا توافق مراسم الشرع وظواهر ما عليه قواعد الملة، وكان الأولى به - والحق أحق ما يقال - ترك ذلك التصنيف، والإعراض عن الشرح له، فإن العوام ربما لا يحكمون أصول القواعد بالبراهين والحجج، فإذا سمعوا شيئا من ذلك، تخيلوا منه ما هو المضر بعقائدهم، وينسبون ذلك إلى بيان مذهب الأوائل، على أن المنصف اللبيب إذا رجع إلى نفسه، علم أن أكثر ما ذكره مما رمز إليه إشارات الشرع، وإن لم يبح به، ويوجد أمثاله في كلام مشايخ الطريقة مرموزة، ومصرحا بها متفرقة، وليس لفظ منه إلا وكما تشعر سائر وجوهه بما يوافق عقائد أهل الملة فلا يجب حمله إذا إلا على ما يوافق، ولا ينبغي التعلق به في الرد عليه إذا أمكن، وكان الأولى به أن يترك الإفصاح بذلك، وقد سمعت أنه سمع سنن أبي داود من القاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي وسمع من محمد بن أحمد الخواري والد عبد الجبار كتاب " المولد " لابن أبي عاصم بسماعه من أبي بكر بن الحارث عن أبي الشيخ عنه.
قلت: ما نقمه عبد الغافر على أبي حامد في الكيمياء، فله أمثاله في غضون تواليفه، حتى قال أبو بكر بن العربي: شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة، وأراد أن يتقيأهم، فما استطاع.
ومن معجم أبي علي الصدفي، تأليف القاضي عياض له، قال: والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف العظيمة، غلا في طريقة التصوف، وتجرد لنصر مذهبهم، وصار داعية في ذلك، وألف فيه تواليفه المشهورة، أخذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنون أمة، والله أعلم بسره، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها، فامتثل ذلك. مولده سنة خمسين وأربعمائة.(أعلام/1246)
قلت: ما زال العلماء يختلفون، ويتكلم العالم في العالم باجتهاده، وكل منهم معذور مأجور، ومن عاند أو خرق الإجماع، فهو مأزور، وإلى الله ترجع الأمور.
ولأبي المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في كتاب " رياض الأفهام " في مناقب أهل البيت قال: ذكر أبو حامد في كتابه " سر العالمين وكشف ما في الدارين " فقال في حديث: من كنت مولاه، فعلي مولاه أن عمر قال لعلي: بخ بخ، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة. قال أبو حامد: وهذا تسليم ورضى، ثم بعد هذا غلب عليه الهوى حبا للرياسة، وعقد البنود، وأمر الخلافة ونهيها، فحملهم على الخلاف، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون، وسرد كثيرا من هذا الكلام الفسل الذي تزعمه الإمامية، وما أدري ما عذره في هذا؟ والظاهر أنه رجع عنه، وتبع الحق، فإن الرجل من بحور العلم، والله أعلم.
هذا إن لم يكن هذا وضع هذا وما ذاك ببعيد، ففي هذا التأليف بلايا لا تتطبب، وقال في أوله: إنه قرأه عليه محمد بن تومرت المغربي سرا بالنظامية. قال: وتوسمت فيه الملك.
قلت: قد ألف الرجل في ذم الفلاسفة كتاب " التهافت "، وكشف عوارهم، ووافقهم في مواضع ظنا منه أن ذلك حق، أو موافق للملة، ولم يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل، وحبب إليه إدمان النظر في كتاب " رسائل إخوان الصفا " وهو داء عضال، وجرب مرد، وسم قتال، ولولا أن أبا حامد من كبار الأذكياء، وخيار المخلصين، لتلف.
فالحذار الحذار من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل، وإلا وقعتم في الحيرة، فمن رام النجاة والفوز، فليلزم العبودية، وليدمن الاستغاثة بالله، وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام وأن يتوفى على إيمان الصحابة، وسادة التابعين، والله الموفق، فبحسن قصد العالم يغفر له وينجو إن شاء الله.(أعلام/1247)
وقال أبو عمرو بن الصلاح: فصل لبيان أشياء مهمة أنكرت على أبي حامد: ففي تواليفه أشياء لم يرتضها أهل مذهبه من الشذوذ، منها قوله في المنطق: هو مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط به، فلا ثقة له بمعلوم أصلا. قال: فهذا مردود، إذ كل صحيح الذهن منطقي بالطبع، وكم من إمام ما رفع بالمنطق رأسا.
فأما كتاب " المضنون به على غير أهله " فمعاذ الله أن يكون له، شاهدت على نسخة به بخط القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري أنه موضوع على الغزالي، وأنه مخترع من كتاب " مقاصد الفلاسفة "، وقد نقضه الرجل بكتاب " التهافت ".
وقال أحمد بن صالح الجيلي في " تاريخه ": أبو حامد لقب بالغزالي، برع في الفقه، وكان له ذكاء وفطنة وتصرف، وقدرة على إنشاء الكلام، وتأليف المعاني، ودخل في علوم الأوائل.
إلى أن قال: وغلب عليه استعمال عباراتهم في كتبه، واستدعي لتدريس النظامية ببغداد في سنة أربع وثمانين، وبقي إلى أن غلبت عليه الخلوة، وترك التدريس، ولبس الثياب الخشنة، وتقلل في مطعومه.
إلى أن قال: وجاور بالقدس، وشرع في " الإحياء " هناك - أعني بدمشق - وحج وزار، ورجع إلى بغداد، وسمع منه كتابه " الإحياء "، وغيره، فقد حدث بها إذا، ثم سرد تصانيفه.(أعلام/1248)
وقد رأيت كتاب " الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء " للمازري، أوله: الحمد لله الذي أنار الحق وأداله، وأبار الباطل وأزاله، ثم أورد المازري أشياء مما نقده على أبي حامد، يقول: ولقد أعجب من قوم مالكية يرون مالكا الإمام يهرب من التحديد، ويجانب أن يرسم رسما، وإن كان فيه أثر ما، أو قياس ما، تورعا وتحفظا من الفتوى فيما يحمل الناس عليه، ثم يستحسنون من رجل فتاوى مبناها على ما لا حقيقة له، وفيه كثير من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم لفق فيه الثابت بغير الثابت، وكذا ما أورد عن السلف لا يمكن ثبوته كله، وأورد من نزغات الأولياء ونفثات الأصفياء ما يجل موقعه، لكن مزج فيه النافع بالضار، كإطلاقات يحكيها عن بعضهم لا يجوز إطلاقها لشناعتها، وإن أخذت معانيها على ظواهرها، كانت كالرموز إلى قدح الملحدين، ولا تنصرف معانيها إلى الحق إلا بتعسف على اللفظ مما لا يتكلف العلماء مثله إلا في كلام صاحب الشرع الذي اضطرت المعجزات الدالة على صدقه المانعة من جهله وكذبه إلى طلب التأويل، كقوله: إن القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن وكقوله: إن السماوات على إصبع وكقوله: لأحرقت سبحات وجهه وكقوله: يضحك الله إلى غير ذلك من الأحاديث الوارد ظاهرها بما أحاله العقل.
إلى أن قال: فإذا كانت العصمة غير مقطوع بها في حق الولي، فلا وجه لإضافة ما لا يجوز إطلاقه إليه، إلا أن يثبت، وتدعو ضرورة إلى نقله، فيتأول.
إلى أن قال: ألا ترى لو أن مصنفا أخذ يحكي عن بعض الحشوية مذهبه في قدم الصوت والحرف، وقدم الورق، لما حسن به أن يقول: قال بعض المحققين: إن القارئ إذا قرأ كتاب الله، عاد القارئ في نفسه قديما بعد أن كان محدثا، أو قال بعض الحذاق: إن الله محل للحوادث، إذا أخذ في حكاية مذهب الكرامية.(أعلام/1249)
وقال قاضي الجماعة أبو عبد الله محمد بن حمدين القرطبي: إن بعض من يعظ ممن كان ينتحل رسم الفقه، ثم تبرأ منه شغفا بالشرعة الغزالية، والنحلة الصوفية، أنشأ كراسة تشتمل على معنى التعصب لكتاب أبي حامد إمام بدعتهم، فأين هو من شنع مناكيره، ومضاليل أساطيره المباينة للدين؟ ! وزعم أن هذا من علم المعاملة المفضي إلى علم المكاشفة الواقع بهم على سر الربوبية الذي لا يسفر عن قناعه، ولا يفوز باطلاعه إلا من تمطى إليه ثبج ضلالته التي رفع لهم أعلامها، وشرع أحكامها. قال أبو حامد: وأدنى النصيب من هذا العلم التصديق به، وأقل عقوبته أن لا يرزق المنكر منه شيئا، فاعرض قوله على قوله، ولا يشتغل بقراءة قرآن، ولا بكتب حديث، لأن ذلك يقطعه عن الوصول إلى إدخال رأسه في كم جبته، والتدثر بكسائه، فيسمع نداء الحق، فهو يقول: ذروا ما كان السلف عليه، وبادروا ما آمركم به، ثم إن هذا القاضي أقذع، وسب، وكفر، وأسرف، نعوذ بالله من الهوى.
وقال أبو حامد: وصدور الأحرار قبور الأسرار، ومن أفشى سر الربوبية، كفر، ورأى قتل مثل الحلاج خيرا من إحياء عشرة لإطلاقه ألفاظا، ونقل عن بعضهم قال: للربوبية سر لو ظهر، لبطلت النبوة، وللنبوة سر لو كشف، لبطل العلم، وللعلم سر لو كشف، لبطلت الأحكام.
قلت: سر العلم قد كشف لصوفية أشقياء، فحلوا النظام، وبطل لديهم الحلال والحرام.
قال ابن حمدين: ثم قال الغزالي: والقائل بهذا، إن لم يرد إبطال النبوة في حق الضعفاء، فما قال ليس بحق، فإن الصحيح لا يتناقض، وإن الكامل من لا يطفئ نور معرفته نور ورعه.
وقال الغزالي في العارف: فتتجلى له أنوار الحق، وتنكشف له العلوم المرموزة المحجوبة عن الخلق، فيعرف معنى النبوة، وجميع ما وردت به ألفاظ الشريعة التي نحن منها على ظاهر لا على حقيقة.(أعلام/1250)
وقال عن بعضهم: إذا رأيته في البداية، قلت: صديقا، وإذا رأيته في النهاية، قلت: زنديقا، ثم فسره الغزالي، فقال: إذ اسم الزنديق لا يلصق إلا بمعطل الفرائض لا بمعطل النوافل. وقال: وذهبت الصوفية إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية، فيجلس فارغ القلب، مجموع الهم يقول: الله الله الله على الدوام، فليفرغ قلبه، ولا يشتغل بتلاوة ولا كتب حديث. قال: فإذا بلغ هذا الحد، التزم الخلوة في بيت مظلم، وتدثر بكسائه، فحينئذ يسمع نداء الحق: يا أيها المدثر ويا أيها المزمل.
قلت: سيد الخلق إنما سمع يا أيها المدثر من جبريل عن الله، وهذا الأحمق لم يسمع نداء الحق أبدا، بل سمع شيطانا، أو سمع شيئا لا حقيقة من طيش دماغه، والتوفيق في الاعتصام بالسنة والإجماع.(أعلام/1251)
الفارابي
شيخ الفلسفة الحكيم أبو نصر، محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ، التركي الفارابي المنطقي، أحد الأذكياء.
له تصانيف مشهورة، من ابتغى الهدى منها، ضل وحار، منها تخرج ابن سينا، نسأل الله التوفيق.
وقد أحكم أبو نصر العربية بالعراق، ولقي متى بن يونس صاحب المنطق، فأخذ عنه، وسار إلى حران، فلزم بها يوحنا بن جيلان النصراني. وسار إلى مصر، وسكن دمشق.
فقيل: إنه دخل على الملك سيف الدولة بن حمدان وهو بزي الترك. وكان فيما يقال: يعرف سبعين لسانا، وكان والده من أمراء الأتراك، فجلس في صدر المجلس، وأخذ يناظر العلماء في فنون، فعلا كلامه، وبان فضله، وأنصتوا له، ثم إذا هو أبرع من يضرب بالعود، فأخرج عودا من خريطة وشده ولعب به، ففرح كل أهل المجلس، وضحكوا من الطرب، ثم غير الضرب، فنام كل من هناك حتى البواب فيما قيل، فقام وذهب.
ويقال: إنه هو أول من اخترع القانون.
وكان يحب الوحدة، ويصنف في المواضع النزهة، وقل ما يبيض منها.
وكان يتزهد زهد الفلاسفة، ولا يحتفل بملبس ولا منزل، أجرى عليه ابن حمدان في كل يوم أربعة دراهم.
ويقال: إنهم سألوه أنت أعلم أو أرسطو؟ فقال: لو أدركته لكنت أكبر تلامذته.
ولأبي نصر نظم جيد، وأدعية مليحة على اصطلاح الحكماء.
ذكره أبو العباس بن أبي أصيبعة، وسرد أسامي مصنفاته وهي كثيرة، منها مقالة في إثبات الكيمياء، وسائر تواليفه في الرياضي والإلهي.
وبدمشق كان موته في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة عن نحو من ثمانين سنة، وصلى عليه الملك سيف الدولة بن حمدان، وقبره بباب الصغير.(أعلام/1252)
الفرزدق
شاعر عصره، أبو فراس، همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية التميمي البصري.
أرسل عن علي، ويروي عن أبي هريرة، والحسين، وابن عمر، وأبي سعيد، وطائفة.
وعنه: الكميت، ومروان الأصفر، وخالد الحذاء، وأشعث الحمراني، والصعق بن ثابت، وابنه لبطة، وحفيده أعين بن لبطة.
وفد على الوليد، وعلى سليمان، ومدحهما. ونظمه في الذروة.
كان وجهه كالفرزدق وهي الطلمة الكبيرة. فقيل: إنه سمع من علي، فكان أشعر أهل زمانه مع جرير والأخطل النصراني، ومات معه في سنة عشر ومائة من الأعيان مع الحسن البصري: أبو بكر محمد بن سيرين، وأبو الطفيل عامر بن واثلة - في قول - وجرير بن الخطفى التميمي الشاعر، ونعيم بن أبي هند الأشجعي الكوفي، وإبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التميمي.(أعلام/1253)
الفضيل بن عياض (خ، م، د، س، ت)
ابن مسعود بن بشر الإمام القدوة الثبت شيخ الإسلام، أبو علي التميمي اليربوعي الخراساني، المجاور بحرم الله. ولد بسمرقند، ونشأ بأبيورد، وارتحل في طلب العلم.
فكتب بالكوفة عن منصور، والأعمش، وبيان بن بشر، وحصين بن عبد الرحمن، وليث، وعطاء بن السائب، وصفوان بن سليم، وعبد العزيز بن رفيع، وأبي إسحاق الشيباني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن حسان، وابن أبي ليلى، ومجالد، وأشعث بن سوار، وجعفر الصادق، وحميد الطويل، وخلق سواهم من الكوفيين والحجازيين.
حدث عنه: ابن المبارك، ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وابن عيينة، والأصمعي، وعبد الرزاق، وعبد الرحمن بن مهدي بن هلال، شيخ واسطي، وحسين الجعفي، وأسد السنة والشافعي، وأحمد بن يونس، ويحيى بن يحيى التميمي، وابن وهب، ومسدد، وقتيبة، وبشر الحافي، والسري بن مغلس السقطي، وأحمد بن المقدام، وعبيد الله القواريري، ومحمد بن زنبور المكي، ولوين، ومحمد بن يحيى العدني، والحميدي، وعبد الصمد بن يزيد مردويه، وعبدة بن عبد الرحيم المروزي، ومحمد بن أبي السري العسقلاني، ومحمد بن قدامة المصيصي، ويحيى بن أيوب المقابري، وخلق كثير، آخرهم موتا الحسين بن داود البلخي.
وروى عنه سفيان الثوري أجل شيوخه، وبينهما في الموت مائة وأربعون عاما.
قال أبو عمار الحسين بن حريث، عن الفضل بن موسى، قال: كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تاليا يتلو ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم فلما سمعها قال: بلى يا رب قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خربة فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى [نصبح] فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا.(أعلام/1254)
قال: ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين هاهنا، يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام.
وقال إبراهيم بن محمد الشافعي: سمعت سفيان بن عيينة يقول: فضيل ثقة.
وقال أبو عبيد: قال ابن مهدي: فضيل رجل صالح، ولم يكن بحافظ.
وقال العجلي: كوفي ثقة متعبد، رجل صالح، سكن مكة.
وقال محمد بن عبد الله بن عمار: ليت فضيلا كان يحدثك بما يعرف، قيل لابن عمار: ترى حديثه حجة؟ قال: سبحان الله. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: ثقة مأمون، رجل صالح. وقال الدارقطني: ثقة.
قال محمد بن سعد: ولد بخراسان بكورة أبيورد، وقدم الكوفة وهو كبير، فسمع من منصور وغيره، ثم تعبد، وانتقل إلى مكة ونزلها إلى أن مات بها في أول سنة سبع وثمانين ومائة في خلافة هارون، وكان ثقة نبيلا فاضلا عابدا ورعا، كثير الحديث.
وقال أبو وهب محمد بن مزاحم: سمعت ابن المبارك يقول: رأيت أعبد الناس عبد العزيز بن أبي رواد، وأورع الناس الفضيل بن عياض، وأعلم الناس سفيان الثوري، وأفقه الناس أبا حنيفة، ما رأيت في الفقه مثله.
وروى إبراهيم بن شماس، عن ابن المبارك قال: ما بقي على ظهر الأرض عندي أفضل من الفضيل بن عياض.
قال نصر بن المغيرة البخاري: سمعت إبراهيم بن شماس يقول: رأيت أفقه الناس، وأورع الناس، وأحفظ الناس وكيعا والفضيل وابن المبارك.
وقال عبيد الله القواريري: أفضل من رأيت من المشايخ: بشر بن منصور، وفضيل بن عياض، وعون بن معمر، وحمزة بن نجيح. قلت: عون وحمزة لا يكادان يعرفان، وكانا عابدين. قال النضر بن شميل: سمعت الرشيد يقول: ما رأيت في العلماء أهيب من مالك، ولا أورع من الفضيل.(أعلام/1255)
وروى أحمد بن أبي الحواري، عن الهيثم بن جميل، سمعت شريكا يقول: لم يزل لكل قوم حجة في أهل زمانهم، وإن فضيل بن عياض حجة لأهل زمانه، فقام فتى من مجلس الهيثم، فلما توارى، قال الهيثم حجة عاش هذا الفتى يكون حجة لأهل زمانه، قيل: من كان الفتى؟ قال: أحمد بن حنبل.
قال عبد الصمد مردويه الصائغ: قال لي ابن المبارك: إن الفضيل بن عياض صدق الله فأجرى الحكمة على لسانه، فالفضيل ممن نفعه علمه.
وقال أبو بكر عبد الرحمن بن عفان: سمعت ابن المبارك يقول لأبي مريم القاضي: ما بقي في الحجاز أحد من الأبدال إلا فضيل بن عياض، وابنه علي، وعلي مقدم في الخوف، وما بقي أحد في بلاد الشام إلا يوسف بن أسباط، وأبو معاوية الأسود، وما بقي أحد بخراسان إلا شيخ حائك يقال له: معدان.
قال أبو بكر المقاريضي المذكر: سمعت بشر بن الحارث يقول: عشرة ممن كانوا يأكلون الحلال، لا يدخلون بطونهم إلا حلالا ولو استفوا التراب والرماد. قلت: من هم يا أبا نصر؟ قال: سفيان، وإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، وابنه، وسليمان الخواص، ويوسف بن أسباط، وأبو معاوية نجيح الخادم، وحذيفة المرعشي، وداود الطائي، ووهيب بن الورد.
وقال إبراهيم بن الأشعث: ما رأيت أحدا كان الله في صدره أعظم من الفضيل، كان إذا ذكر الله، أو ذكر عنده، أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن، وفاضت عيناه، وبكى حتى يرحمه من يحضره، وكان دائم الحزن، شديد الفكرة، ما رأيت رجلا يريد الله بعلمه وعمله، وأخذه وعطائه، ومنعه وبذله، وبغضه وحبه، وخصاله كلها غيره. كنا إذا خرجنا معه في جنازة لا يزال يعظ، ويذكر ويبكي كأنه مودع أصحابه، ذاهب إلى الآخرة، حتى يبلغ المقابر ; فيجلس مكانه بين الموتى من الحزن والبكاء، حتى يقوم وكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها.(أعلام/1256)
وقال عبد الصمد بن يزيد مردويه: سمعت الفضيل يقول: لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق، وطلب الحلال، فقال ابنه علي: يا أبة إن الحلال عزيز. قال: يا بني، وإن قليله عند الله كثير.
قال سري بن المغلس: سمعت الفضيل يقول: من خاف الله لم يضره أحد، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد.
وقال فيض بن إسحاق: سمعت الفضيل بن عياض، وسأله عبد الله بن مالك: يا أبا علي ما الخلاص مما نحن فيه؟ قال: أخبرني، من أطاع الله هل تضره معصية أحد؟ قال: لا. قال: فمن يعصي الله هل تنفعه طاعة أحد؟ قال: لا، قال: هو الخلاص إن أردت الخلاص.
قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت الفضيل يقول: رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله، وزهادته في الدنيا على قدر رغبته في الآخرة، من عمل بما علم استغنى عما لا يعلم، ومن عمل بما علم وفقه الله لما لا يعلم، ومن ساء خلقه شان دينه وحسبه ومروءته.
وسمعته يقول: أكذب الناس العائد في ذنبه، وأجهل الناس المدل بحسناته، وأعلم الناس بالله أخوفهم منه، لن يكمل عبد حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه.
وقال محمد بن عبدويه: سمعت الفضيل يقول: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله عنهما.
قال سلم بن عبد الله الخراساني: سمعت الفضيل يقول: إنما أمس مثل، واليوم عمل، وغدا أمل.
وقال فيض بن إسحاق: قال الفضيل: والله ما يحل لك أن تؤذي كلبا ولا خنزيرا بغير حق، فكيف تؤذي مسلما.
وعن فضيل: لا يكون العبد من المتقين حتى يأمنه عدوه.
وعنه: بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله.(أعلام/1257)
قال محرز بن عون: أتيت الفضيل بمكة، فقال لي: يا محرز، وأنت أيضا مع أصحاب الحديث، ما فعل القرآن؟ والله لو نزل حرف باليمن لقد كان ينبغي أن نذهب حتى نسمعه، والله لأن تكون راعي الحمر وأنت مقيم على ما يحب الله، خير لك من الطواف وأنت مقيم على ما يكره الله.
المفضل الجندي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الطبري، قال: ما رأيت أحدا أخوف على نفسه، ولا أرجى للناس من الفضيل. كانت قراءته حزينة، شهية، بطيئة، مترسلة، كأنه يخاطب إنسانا، وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة يردد فيها وسأل، وكانت صلاته بالليل أكثر ذلك قاعدا، يلقى له الحصير في مسجده، فيصلي من أول الليل ساعة، ثم تغلبه عينه، فيلقي نفسه على الحصير، فينام قليلا، ثم يقوم، فإذا غلبه النوم نام، ثم يقوم، هكذا حتى يصبح. وكان دأبه إذا نعس أن ينام، ويقال: أشد العبادة ما كان هكذا.
وكان صحيح الحديث، صدوق اللسان، شديد الهيبة للحديث إذا حدث، وكان يثقل عليه الحديث جدا، وربما قال لي: لو أنك طلبت مني الدنانير كان أيسر علي من أن تطلب مني الحديث. فقلت: لو حدثتني بأحاديث فوائد ليست عندي، كان أحب إلي من أن تهب لي عددها دنانير. قال: إنك مفتون، أما والله لو عملت بما سمعت، لكان لك في ذلك شغل عما لم تسمع، سمعت سليمان بن مهران يقول: إذا كان بين يديك طعام تأكله، فتأخذ اللقمة، فترمي بها خلف ظهرك متى تشبع؟(أعلام/1258)
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن أبي المكارم التيمي، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا الطبراني، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا أبو عمر الجرمي النحوي، حدثنا الفضل بن الربيع، قال: حج أمير المؤمنين -يعني هارون - فقال لي: ويحك، قد حك في نفسي شيء، فانظر لي رجلا أسأله. فقلت: هاهنا سفيان بن عيينة، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه، فقرعت بابه، فقال: من ذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعا، فقال: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إلي أتيتك. فقال: خذ لما جئتك له، فحدثه ساعة، ثم قال له: عليك دين. قال: نعم. فقال لي: اقض دينه، فلما [خرجنا] قال: ما أغنى عني صاحبك شيئا. قلت: هاهنا عبد الرزاق. قال: امض بنا إليه، فأتيناه، فقرعت الباب فخرج، وحادثه ساعة، ثم قال: عليك دين؟ قال: نعم. قال: أبا عباس، اقض دينه. فلما خرجنا قال: ما أغنى عني صاحبك شيئا، انظر لي رجلا أسأله، قلت: هاهنا الفضيل بن عياض، قال: امض بنا إليه، فأتيناه، فإذا هو قائم يصلي، يتلو آية يرددها، فقال: اقرع الباب، فقرعت، فقال: من هذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين. قال: مالي ولأمير المؤمنين؟ قلت: سبحان الله! أما عليك طاعة، فنزل ففتح الباب، ثم ارتقى إلى الغرفة، فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاوية، فدخلنا، فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف هارون قبلي إليه، فقال: يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله، فقلت في نفسي: ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي، فقال له: خذ لما جئناك له -رحمك الله- فقال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب، ورجاء بن حيوة، فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا علي. فعد الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة. فقال له سالم: إن أردت النجاة، فصم الدنيا وليكن إفطارك منها الموت.(أعلام/1259)
وقال له ابن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله، فليكن كبير المسلمين عندك أبا، وأوسطهم أخا، وأصغرهم ولدا، فوقر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك.
وقال له رجاء: إن أردت النجاة من عذاب الله، فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت، وإني أقول لك هذا، وإني أخاف عليك أشد الخوف يوما تزل فيه الأقدام، فهل معك -رحمك الله- من يشير عليك بمثل هذا. فبكى بكاء شديدا حتى غشي عليه. فقلت له: ارفق بأمير المؤمنين، فقال: يا ابن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك، وأرفق به أنا؟ ثم أفاق، فقال له: زدني -رحمك الله- قلت: بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكي إليه، فكتب إليه: يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله، فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء، فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم عليه، فقال: ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبي بكتابك، لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله، فبكى هارون بكاء شديدا فقال: يا أمير المؤمنين، إن العباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء إليه فقال: أمرني، فقال له: إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل. فبكى هارون، وقال: زدني. قال: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار، فافعل، وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة. فبكى هارون وقال له: عليك دين؟ قال: نعم، دين لربي، لم يحاسبني عليه. فالويل لي إن ساءلني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجتي. قال: إنما أعني من دين العباد. قال: إن ربي لم يأمرني بهذا، أمرني أن أصدق وعده، وأطيع أمره، فقال -عز وجل-: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الآيات.(أعلام/1260)
فقال: هذه ألف دينار خذها، فأنفقها على عيالك، وتقو بها على عبادة ربك، فقال: سبحان الله! أنا أدلك على طريق النجاة، وأنت تكافئني بمثل هذا. سلمك الله، ووفقك. ثم صمت، فلم يكلمنا، فخرجنا، فقال هارون: أبا عباس، إذا دللتني، فدلني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين. فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت: قد ترى ما نحن فيه من الضيق، فلو قبلت هذا المال. قال: إنما مثلي ومثلكم كمثل قوم لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه، فأكلوا لحمه، فلما سمع هارون هذا الكلام قال: ندخل فعسى أن يقبل المال، فلما علم الفضيل، خرج فجلس في السطح على باب الغرفة، فجاء هارون، فجلس إلى جنبه، فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء، فقالت: يا هذا، قد آذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف فانصرفنا. حكاية عجيبة، والغلابي غير ثقة، وقد رواها غيره.
أخبرتنا عائشة بنت عيسى، أخبرنا ابن راجح، أخبرنا السلفي، أخبرنا العلاف، أخبرنا أبو الحسن الحمامي، أخبرنا جعفر بن محمد بن الحجاح بالموصل، حدثنا محمد بن سعدان الحراني، حدثنا أبو عمر النحوي، هو الجرمي، عن الفضل بن الربيع، بها.
قال محمد بن علي بن شقيق: حدثنا أبو إسحاق قال: قال الفضيل: لو خيرت بين أن أعيش كلبا وأموت كلبا، ولا أرى يوم القيامة، لاخترت ذلك.
وقال فيض بن إسحاق: سمعت الفضيل يقول: والله لأن أكون ترابا أحب إلي من أن أكون في مسلاخ أفضل أهل الأرض، وما يسرني أن أعرف الأمر حق معرفته، إذا لطاش عقلي.
وقال إسحاق بن إبراهيم الطبري: سمعت الفضيل يقول: لو قلت: إنك تخاف الموت ما قبلت منك، لو خفت الموت ما نفعك طعام ولا شراب، ولا شيء، ما يسرني أن أعرف الأمر حق معرفته إذا لطاش عقلي، ولم أنتفع بشيء.(أعلام/1261)
عبد الصمد بن يزيد: سمعت الفضيل يقول: لا تجعل الرجال أوصياءك، كيف تلومهم أن يضيعوا وصيتك، وأنت قد ضيعتها في حياتك. وسمعته يقول: إذا أحب الله عبدا، أكثر غمه، وإذا أبغض عبدا، وسع عليه دنياه.
وقال إبراهيم بن الأشعث: سمعت الفضيل يقول: من أحب أن يذكر لم يذكر، ومن كره أن يذكر ذكر. وسمعته يقول: وعزته، لو أدخلني النار ما أيست. وسمعته -وقد أفضنا من عرفات- يقول: واسوأتاه -والله منك- وإن عفوت. وسمعته يقول: الخوف أفضل من الرجاء ما دام الرجل صحيحا، فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل.
قلت: وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله.(أعلام/1262)
الفلاس (ع)
عمرو بن علي بن بحر بن كنيز الحافظ الإمام المجود الناقد، أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي الفلاس، حفيد المحدث بحر بن كنيز السقاء.
ولد سنة نيف وستين ومائة.
وحدث عن: يزيد بن زريع، ومرحوم العطار، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي، وخالد بن الحارث، وغندر، وسفيان بن عيينة، وعاصم بن هلال، وعمر بن علي المقدمي، ومحمد بن سواء، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي، وعبد الله بن إدريس، وعبد الأعلى الشامي، ومعاذ بن معاذ، ووكيع، ويحيى القطان، وفضيل بن سليمان النميري، ومعتمر بن سليمان، ويزيد بن هارون، وخلق. وينزل إلى سليمان بن حرب، وكان من جملة الحجة.
حدث عنه: الأئمة الستة في كتبهم، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن أبي الدنيا، وعبد الله بن أحمد، والحسن بن سفيان، ومحمد بن يحيى بن منده، والقاسم المطرز، وجعفر الفريابي، ويحيى بن صاعد، ومحمد بن جرير، وأبو روق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني، وخلق سواهم.
قال أبو حاتم: بصري صدوق، كان أرشق من علي بن المديني، سمعت العباس العنبري، يقول: ما تعلمت الحديث إلا من عمرو بن علي.
وقال حجاج بن الشاعر: لا يبالي عمرو بن علي أحدث من كتابه، أو من حفظه.
وقال النسائي: ثقة حافظ، صاحب حديث.
وقد روى النسائي أيضا عن زكريا السجزي عنه، وحدث عنه شيخه عفان، والقاضي المحاملي.
وقد ذكره أبو زرعة، فقال: ذاك من فرسان الحديث، لم نر بالبصرة أحفظ منه ومن علي بن المديني والشاذكوني.
قال أبو حفص الفلاس: حضرت مجلس حماد بن زيد، وأنا صبي وضيء، فأخذ رجل بخدي، ففررت، فلم أعد.(أعلام/1263)
قال ابن إشكاب الحافظ: ما رأيت مثل أبي حفص الفلاس، كان يحسن كل شيء، وبلغنا عن أبي حفص قال: ما كنت فلاسا قط. وقد سافر إلى أصبهان غير مرة، وحدث بها، فقال الحافظ أبو الشيخ: قدمها في سنة ست عشرة ومائتين، وسنة أربع وعشرين، وسنة ست وثلاثين.
وحكى ابن مكرم، قال: ما قدم علينا بعد علي بن المديني مثل عمرو بن علي. مات بالعسكر في ذي القعدة سنة تسع وأربعين ومائتين.
قلت: صنف وجمع، ووقع لنا من عالي حديثه:
أخبرنا الشيخ العالم الزاهد، مسند الوقت، أبو المعالي أحمد بن القاضي الإمام المحدث، رفيع الدين أبي محمد إسحاق بن محمد المؤيد الهمذاني ثم المصري بقراءتي عليه، قال: أخبرنا المبارك بن أبي الجود ببغداد سنة عشرين وستمائة، أخبرنا أبو العباس أحمد بن الطلاية، أخبرنا عبد العزيز بن علي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلص، حدثنا محمد بن هارون، حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي صححه الترمذي.(أعلام/1264)
القاري (ع)
عبد الرحمن بن عبد القاري المدني. يقال: له صحبة; وإنما ولد في أيام النبوة.
قال أبو داود: أتي به النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صغير.
قال الزبير بن بكار: عضل والقارة ابنا يثيع بن الهون بن خزيمة بن مدركة.
قلت: روى عن عمر، وأبي طلحة، وأبي أيوب، وغيرهم.
وعنه السائب بن يزيد مع تقدمه، وعروة والأعرج، والزهري وطائفة، وابنه محمد، وثقه ابن معين.
وقال ابن سعد توفي سنة ثمانين. بالمدينة. وله ثمان وسبعون سنة.(أعلام/1265)
القاسم بن محمد (ع)
ابن خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة.
الإمام القدوة الحافظ الحجة، عالم وقته بالمدينة مع سالم وعكرمة، أبو محمد وأبو عبد الرحمن القريشي التيمي البكري المدني.
ولد في خلافة الإمام علي، فروايته عن أبيه عن جده انقطاع على انقطاع، فكل منهما لم يحق أباه، وربي القاسم في حجر عمته أم المؤمنين عائشة وتفقه منها، وأكثر عنها.
وروى عن ابن مسعود مرسلا، وعن زينب بنت جحش مرسلا، وعن فاطمة بنت قيس، وابن عباس، وابن عمر، وأسماء بنت عميس جدته، وأبي هريرة، ورافع بن خديج، وعبد الله بن خباب، وعبد الله بن عمرو، ومعاوية، وطائفة، وعن صالح بن خوات، وعبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية.
حدث عنه ابنه عبد الرحمن، والشعبي، ونافع العمري، وسالم بن عبد الله، وأبو بكر بن حزم، والزهري، وابن أبي مليكة، وسعد بن إبراهيم، وحميد الطويل، وأيوب، وربيعة الرأي، وعبيد الله بن عمر، وابن عون، وربيعة بن عطاء، وثابت بن عبيد، وجعفر بن محمد، ويحيى بن سعيد الأنصاري وأخوه سعد بن سعيد، وشيبة بن نصاح، وطلحة بن عبد الملك، وعاصم بن عبيد الله، وأبو الزناد، وعبيد الله بن أبي الزناد القداح، وعمر بن عبد الله بن عروة، وعيسى بن ميمون الواسطي، وموسى بن سرجس، وأفلح بن حميد، وحنظلة بن أبي سفيان، وأسامة بن زيد الليثي، وعبد الله بن العلاء بن زبر، وصالح بن كيسان، وأيمن بن نابل، وعباد بن منصور، وخلق كثير.
قال ابن المديني: له مائتا حديث.
وقال ابن سعد: أمه أم ولد يقال لها: سودة، وكان ثقة، عالما، رفيعا، ففيها، إماما، ورعا، كثير الحديث.(أعلام/1266)
موسى بن عقبة، عن محمد بن خالد بن الزبير قال: كنت عند عبد الله بن الزبير، فاستأذن القاسم بن محمد، فقال ابن الزبير: ائذن له، فلما دخل عليه قال له: مهيم؟ قال: مات فلان، فذكر قصته، قال: فولى، فنظر إليه ابن الزبير وقال: ما رأيت أبا بكر ولد ولدا أشبه به من هذا الفتى.
وعن القاسم قال: كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر، وإلى أن ماتت، وكنت ملازما لها مع ترهاتي وكنت أجالس البحر ابن عباس، وقد جلست مع أبي هريرة، وابن عمر فأكثرت. فكان هناك -يعني ابن عمر - ورع وعلم جم، ووقوف عما لا علم له به.
ابن شوذب، عن يحيى بن سعيد قال: ما أدركنا بالمدينة أحدا نفضله على القاسم.
وهيب، عن أيوب، وذكر القاسم فقال: ما رأيت رجلا أفضل منه، ولقد ترك مائة ألف وهي له حلال.
البخاري، حدثنا علي، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم -وكان أفضل أهل زمانه- أنه سمع أباه -وكان أفضل أهل زمانه يقول-: سمعت عائشة تقول: طيبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. . . الحديث.
وروى عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال: ما رأيت أحدا أعلم بالسنة من القاسم بن محمد، وما كان الرجل يعد رجلا حتى يعرف السنة، وما رأيت أحد ذهنا من القاسم، إن كان ليضحك من أصحاب الشبه كما يضحك الفتى.
وروى خالد بن نزار، عن ابن عيينة قال: أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة: القاسم وعروة وعمرة.
وقال جعفر بن أبي عثمان: سمعت يحيى بن معين يقول: عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة ترجمة مشبكة بالذهب.
وقال ابن عون: كان القاسم وابن سيرين ورجاء بن حيوة يحدثون بالحديث على حروفه، وكان الحسن وإبراهيم والشعبي يحدثون بالمعاني.(أعلام/1267)
يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: رأيت القاسم بن محمد يصلي، فجاء أعرابي فقال: أيما أعلم أنت أم سالم؟ فقال: سبحان الله، كل سيخبرك بما علم، فقال: أيكما أعلم؟ قال: سبحان الله، فأعاد، فقال: ذاك سالم، انطلق، فسله، فقال عنه. قال ابن إسحاق: كره أن يقول: أنا أعلم، فيكون تزكية، وكره أن يقول: سالم أعلم مني فيكذب. وكان القاسم أعلمهما.
قال ابن وهب: ذكر مالك القاسم بن محمد فقال: كان من فقهاء هذه الأمة، ثم حدثني مالك أن ابن سيرين كان قد ثقل وتخلف عن الحج، فكان يأمر من يحج أن ينظر إلى هدي القاسم ولبوسه وناحيته، فيبلغونه ذلك، فيقتدي بالقاسم.
قال مصعب الزبيري: القاسم من خيار التابعين. وقال العجلي: كان من خيار التابعين وفقهائهم، وقال: مدني تابعي ثقة، نزه، رجل صالح.
قال يحيى بن سعيد: سمعت القاسم بن محمد يقول: لأن يعيش الرجل جاهلا بعد أن يعرف حق الله عليه خير له من أن يقول ما لا يعلم.
وقال هشام بن عمار، عن مالك: قال: أتى القاسم أمير من أمراء المدينة، فسأله عن شيء، فقال: إن من إكرام المرء نفسه أن لا يقول إلا ما أحاط به علمه.
وعن أبي الزناد قال: ما كان القاسم يجيب إلا في الشيء الظاهر. ابن وهب، عن مالك أن عمر بن عبد العزيز قال: لو كان إلي من هذا الأمر شيء ما عصبته إلا بالقاسم بن محمد.
قال مالك: وكان يزيد بن عبد الملك قد ولي العهد قبل ذلك، قال: وكان القاسم قليل الحديث، قليل الفتيا، وكان يكون بينه وبين الرجل المداراة في الشيء، فيقول له القاسم: هذا الذي تريد أن تخاصمني فيه هو لك، فإن كان حقا، فهو لك، فخذه، ولا تحمدني فيه، وإن كان لي، فأنت منه في حل، وهو لك.
وروى محمد بن عبد الله البكري، عن أبيه: قال القاسم بن محمد: قد جعل الله في الصديق البار المقبل عوضا من ذي الرحم العاق المدبر.(أعلام/1268)
روى حماد بن خالد الخياط، عن عبد الله بن عمر العمري قال: مات القاسم وسالم، أحدهما سنة خمس ومائة، والآخر سنة ست وقال خليفة بن خياط: مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع.
وقال الهيثم بن عدي ويحيى بن بكير: مات سنة سبع، زاد يحيى بقديد.
وقال يحيى بن معين وعلي ابن المديني والواقدي وأبو عبيد والفلاس: سنة ثمان ومائة زاد الواقدي: وهو ابن سبعين، أو اثنتين وسبعين سنة، وقد عمي. وشذ ابن سعد، فقال: توفي سنة اثنتي عشرة ومائة، ولم يبق إلى هذا الوقت أصلا. وكذا نقل أبو الحسن بن البراء عن علي، وقيل غير ذلك.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا أحمد بن محمد، أخبرنا الحسن بن أحمد، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا يزيد حدثنا حماد بن سلمة، عن ابن سخبرة، عن القاسم، عن عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة. أخرجه النسائي عن محمد بن إسماعيل ابن علية، عن يزيد بن هارون.
قال يحيى القطان: فقهاء المدينة عشرة، فذكر منهم القاسم.
وقال مالك: ما حدث القاسم مائة حديث.
وروى محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه قال: قال عمر بن عبد العزيز: لو كان إلي أن أعهد ما عدوت صاحب الأعوص، يعني إسماعيل بن أمية، أو أعيمش بني تيم، يعني القاسم، فروى الواقدي عن أفلح بن حميد أنها بلغت القاسم، فقال: إني لأضعف عن أهلي، فكيف بأمر الأمة.
قال ابن عون: كان القاسم ممن يأتي بالحديث بحروفه.
قال يحيى بن سعيد: كان القاسم لا يكاد يعيب على أحد، فتكلم ربيعة يوما فأكثر، فلما قام القاسم، قال: وهو متكئ علي: لا أبا لغيرك، أتراهم كانوا غافلين عما يقول صاحبنا -يعني عما يقول ربيعة برأيه.(أعلام/1269)
حميد الطويل، عن سليمان بن قتة قال: أرسلني عمر بن عبيد الله التيمي إلى القاسم بخمسمائة دينار، فأبى أن يقبلها.
وقال عبيد الله بن عمر: كان القاسم لا يفسر القرآن.
وقال عكرمة بن عمار: سمعت القاسم وسالما يلعنان القدرية.
قال زيد بن يحيى: حدثنا عبد الله بن العلاء قال: سألت القاسم أن يملي علي أحاديث فمنعني، وقال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر، فناشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها، أمر بتحريقها، ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب.
روى أفلح بن حميد، عن القاسم قال: اختلاف الصحابة رحمة.
أبو نعيم: حدثنا خالد بن إلياس قال: رأيت على القاسم جبة خز، وكساء خز، وعمامة خز. وقال أفلح بن حميد: كان القاسم يلبس جبة خز. وقال عطاف بن خالد: رأيت القاسم وعليه جبة خز صفراء، ورداء مثني.
وقال معاذ بن العلاء: رأيت القاسم وعلى رحله قطيفة من خز غبراء، وعليه رداء ممصر. وقال ابن زبر: دخلت على القاسم وهو في قبة معصفرة، وتحته فراش معصفر.
وقال خالد بن أبي بكر: رأيت على القاسم عمامة بيضاء، قد سدل خلفه منها أكثر من شبر. وقيل: كان يخضب رأسه ولحيته بالحناء، وكان قد ضعف جدا. وقيل: كان يصفر لحيته. وقيل: إنه مات بقديد، فقال: كفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها، قميصي وردائي. هكذا كفن أبو بكر. وأوصى أن لا يبنى على قبره.(أعلام/1270)
القاسم بن مخيمرة (خت، م، 4)
الإمام القدوة الحافظ أبو عروة الهمداني الكوفي، نزيل دمشق. حدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي سعيد الخدري، وأبي أمامة الباهلي، وعن علقمة بن قيس، وعبد الله بن عكيم، وشريح بن هانئ ووراد كاتب المغيرة، وأبي عمار الهمداني، وسليمان بن بريدة، وأبي بردة بن أبي موسى، وأبي مريم الأزدي، وطائفة، وليس هو بالمكثر. حدث عنه أبو إسحاق السبيعي، وسلمة بن كهيل، والحكم، وسماك بن حرب، وعلقمة بن مرثد، وهلال بن يساف مع تقدمه، وأبو حصين، وابن أبي خالد، وحسان بن عطية، ويزيد بن أبي زياد، والحسن بن الحر، ويزيد بن أبي مريم الشامي، والأوزاعي، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ومحمد بن عبد الله الشعيثي، وسعيد بن عبد العزيز، وزيد بن واقد، والضحاك بن عبد الرحمن بن حوشب النصري، ويزيد بن يزيد بن جابر، وخلق سواهم.
ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل الكوفة، قال: وكان ثقة، وله أحاديث. وروى عباس عن يحيى بن معين، قال: هو كوفي، وذهب إلى الشام، ولم نسمع أنه سمع من أحد من الصحابة. وقال يحيى وأبو حاتم والعجلي: ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة صدوق كوفي، كان معلما بالكوفة ثم سكن الشام.
وقال إسماعيل بن أبي خالد: كنا في كتاب القاسم بن مخيمرة، فكان يعلمنا، ولا يأخذ منا.
وروى محمد بن كثير، عن الأوزاعي، قال: كان القاسم بن مخيمرة، يقدم علينا هاهنا متطوعا، فإذا أراد أن يرجع، استأذن الوالي، فقيل له: أرأيت إن لم يأذن لك، قال: إذا أقيم، ثم قرأ: وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه.
وروى أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي نحو ذلك، وزاد فيها ويقول: من عصى من بعثه، لم تقبل له صلاة حتى يرجع.(أعلام/1271)
وقال علي بن أبي حملة: ذكر الوليد بن هشام القاسم بن مخيمرة لعمر بن عبد العزيز، فأرسل إليه، فدخل عليه، فقال: سل حاجتك، قال: يا أمير المؤمنين، قد علمت ما يقال في المسألة، قال: ليس أنا ذاك، إنما أنا قاسم، سل حاجتك. قال: تلحقني في العطاء قال: قد ألحقناك في خمسين، فسل حاجتك، قال: تقضي عني ديني، قال: قد قضيناه، فسل حاجتك، قال: تحملني على دابة ; قال: قد حملناك فسل، قال: تلحق بناتي في العيال، قال: قد فعلنا، فسل حاجتك، قال: أي شيء بقي، فقال: قد أمرنا لك بخادم فخذها من عند أخيك الوليد بن هشام.
وروى سعيد بن عبد العزيز، عن القاسم بن مخيمرة، قال: لم يجتمع على مائدتي لونان من طعام قط، وما أغلقت بابي قط ولي خلفه هم.
قال الأوزاعي: أتى القاسم بن مخيمرة عمر بن عبد العزيز ففرض له، وأمر له بغلام، فقال: الحمد لله الذي أغناني عن التجارة، وكان له شريك، كان إذا ربح، قاسم شريكه، ثم يقعد في بيته، لا يخرج حتى يأكله.
وقال عمر بن أبي زائدة: كان القاسم بن مخيمرة إذا وقعت عنده الزيوف، كسرها ولم يبعها.
قال والأوزاعي، عن موسى بن سليمان بن موسى، عن القاسم بن مخيمرة، قال: من أصاب مالا من مأثم، فوصل به، أو تصدق به، أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك كله في نار جهنم.
وقال محمد بن عبد الله الشعيثي: كان القاسم بن مخيمرة يدعو بالموت، فلما حضره الموت، قال لأم ولده: كنت أدعو بالموت، فلما نزل بي كرهته. قلت: هكذا يتم لغالب من يتمنى الموت، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى أن يتمنى أحدنا الموت لضر نزل به، وقال: ليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي.(أعلام/1272)
قال المدائني، والهيثم، وشباب، وطائفة: مات القاسم بن مخيمرة في خلافة عمر بن عبد العزيز بدمشق. وقال الفلاس، والمفضل الغلابي: سنة مائة وقال ابن معين: سنة مائة أو إحدى ومائة.
أبو مسهر: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: قال القاسم بن مخيمرة: ما اجتمع على مائدتي لونان.
وقال ابن جابر: رأيت القاسم بن مخيمرة يجيب إذا دعي، ولا يأكل إلا من لون واحد.
قال الأوزاعي: كان القاسم يقدم علينا مرابطا متطوعا، وسمعته يقول: لأن أطأ على سنان محمي ينفذ من قدمي أحب إلي من أن أطأ على قبر مؤمن متعمدا.(أعلام/1273)
القاضي أبو يعلى
الإمام العلامة، شيخ الحنابلة، القاضي أبو يعلى ; محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي، الحنبلي، ابن الفراء، صاحب التعليقة الكبرى، والتصانيف المفيدة في المذهب.
ولد في أول سنة ثمانين وثلاثمائة.
وسمع علي بن عمر الحربي، وإسماعيل بن سويد، وأبا القاسم بن حبابة، وعيسى بن الوزير، وابن أخي ميمي، وأم الفتح بنت أحمد بن كامل، وأبا طاهر المخلص، وأبا الطيب بن منتاب، وابن معروف القاضي، وطائفة. وأملى عدة مجالس.
حدث عنه: الخطيب، وأبو الخطاب الكلوذاني، وأبو الوفاء بن عقيل، وأبو غالب بن البناء، وأخوه يحيى بن البناء، وأبو العز بن كادش، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي، وابنه القاضي أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء، وأبو سعد أحمد بن محمد الزوزني. وحدث عنه من القدماء المقرئ أبو علي الأهوازي.
أفتى ودرس، وتخرج به الأصحاب، وانتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان عالم العراق في زمانه، مع معرفة بعلوم القرآن وتفسيره، والنظر والأصول، وكان أبوه من أعيان الحنفية، ومن شهود الحضرة، فمات ولأبي يعلى عشرة أعوام، فلقنه مقرئه العبادات من " مختصر " الخرقي، فلذ له الفقه، وتحول إلى حلقة أبي عبد الله بن حامد شيخ الحنابلة، فصحبه أعواما، وبرع في الفقه عنده، وتصدر بأمره للإفادة سنة اثنتين وأربعمائة، وأول سماعه من علي بن معروف في سنة 385. وقد سمع بمكة ودمشق من عبد الرحمن بن أبي نصر، وبحلب، وجمع كتاب " إبطال تأويل الصفات "، فقاموا عليه لما فيه من الواهي والموضوع، فخرج إلى العلماء من القادر بالله المعتقد الذي جمعه، وحمل إلى القادر كتاب " إبطال التأويل "، فأعجبه، وجرت أمور وفتن -نسأل الله العافية- ثم أصلح بين الفريقين الوزير علي بن المسلمة، وقال في الملأ: القرآن كلام الله، وأخبار الصفات تمر كما جاءت.(أعلام/1274)
ثم ولي أبو يعلى القضاء بدار الخلافة والحريم، مع قضاء حران وحلوان وقد تلا بالقراءات العشر، وكان ذا عبادة وتهجد، وملازمة للتصنيف، مع الجلالة والمهابة، ولم تكن له يد طولى في معرفة الحديث، فربما احتج بالواهي.
تفقه عليه أبو الحسن البغدادي، وأبو جعفر الهاشمي، وأبو الغنائم بن الغباري، وأبو علي بن البناء، وأبو الوفاء بن القواس، وأبو الحسن النهري، وابن عقيل، وأبو الخطاب، وأبو الحسن بن جدا، وأبو يعلى الكيال، وأبو الفرج الشيرازي.
ألف كتاب " أحكام القرآن "، و " مسائل الإيمان "، و " المعتمد " ; ومختصره، و " المقتبس "، و " عيون المسائل "، و " الرد على الكرامية "، و " الرد على السالمية والمجسمة "، و " الرد على الجهمية "، و " الكلام في الاستواء "، و " العدة " في أصول الفقه ومختصرها، و " فضائل أحمد "، وكتاب " الطب "، وتواليف كثيرة سقتها في " تاريخ الإسلام ".
وكان متعففا، نزه النفس، كبير القدر، ثخين الورع.
توفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة.
ومات فيها البيهقي وقاضي سارية أبو إسحاق إبراهيم بن محمد السروي وأبو علي الحسن بن غالب المقرئ، وأبو الطيب عبد الرزاق بن شمة وأبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده صاحب " المحكم "، والقاضي أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد العبادي بهراة.(أعلام/1275)
القاضي أبو يوسف
هو الإمام المجتهد العلامة المحدث قاضي القضاة، أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير بن معاوية الأنصاري الكوفي. وسعد بن بجير له صحبة، وهو سعد بن حبتة، وهي أمه، وهو بجلي من حلفاء الأنصار، شهد الخندق وغيرها. مولد أبي يوسف في سنة ثلاث عشرة ومائة.
حدث عن: هشام بن عروة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وأبي إسحاق الشيباني، وعبيد الله بن عمر، والأعمش، وحجاج بن أرطاة، وأبي حنيفة، ولزمه وتفقه به، وهو أنبل تلامذته، وأعلمهم، تخرج به أئمة كمحمد بن الحسن، ومعلى بن منصور، وهلال الرأي، وابن سماعة، وعدة.
وحدث عنه: يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن الجعد، وأسد بن الفرات، وأحمد بن منيع، وعلي بن مسلم الطوسي، وعمرو بن أبي عمرو الحراني، وعمرو الناقد، وعدد كثير. وكان أبوه فقيرا، له حانوت ضعيف، فكان أبو حنيفة يتعاهد أبا يوسف. بالدراهم، مائة بعد مائة.
فروى علي بن حرملة التيمي عنه، قال: كنت أطلب العلم وأنا مقل، فجاء أبي فقال: يا بني لا تمدن رجلك مع أبي حنيفة، فأنت محتاج، فآثرت طاعة أبي، فأعطاني أبو حنيفة مائة درهم، وقال: الزم الحلقة، فإذا نفذت هذه، فأعلمني. ثم بعد أيام أعطاني مائة. ويقال: إنه ربي يتيما، فأسلمته أمه قصارا.
وعن محمد بن الحسن قال: مرض أبو يوسف، فعاده أبو حنيفة، فلما خرج، قال: إن يمت هذا الفتى، فهو أعلم من عليها. قال أحمد بن حنبل: أول ما كتبت الحديث اختلفت إلى أبي يوسف وكان أميل إلى المحدثين من أبي حنيفة ومحمد. قال إبراهيم بن أبي داود البرلسي: سمعت ابن معين يقول: ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث، ولا أحفظ، ولا أصح رواية من أبي يوسف.
وروى عباس، عن ابن معين: أبو يوسف صاحب حديث، صاحب سنة.(أعلام/1276)
وعن يحيى البرمكي قال: قدم أبو يوسف، وأقل ما فيه الفقه، وقد ملأ بفقهه الخافقين. قال أحمد: كان أبو يوسف منصفا في الحديث. وعن أبي يوسف قال: صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة. وعن هلال الرأي قال: كان أبو يوسف يحفظ التفسير، ويحفظ المغازي، وأيام العرب، كان أحد علومه الفقه.
وعن ابن سماعة قال: كان ورد أبي يوسف في اليوم مائتي ركعة.
قال ابن المديني: ما أخذ على أبي يوسف إلا حديثه في الحجر، وكان صدوقا.
قال يحيى بن يحيى التميمي: سمعت أبا يوسف عند وفاته يقول: كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة، وفي لفظ: إلا ما في القرآن، واجتمع عليه المسلمون.
قال بشر بن الوليد: سمعت أبا يوسف: من طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب الدين بالكلام تزندق، ومن تتبع غريب الحديث كذب. قال ابن عدي: لا بأس به. وقال النسائي في طبقات الحنفية: وأبو يوسف ثقة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه.
بكار بن قتيبة: سمعت أبا الوليد قال: لما قدم أبو يوسف البصرة مع الرشيد، اجتمع الفقهاء والمحدثون على بابه، فأشرف عليهم وقال: أنا من الفريقين جميعا، ولا أقدم فرقة على فرقة. قال: وكان قاضي الآفاق، ووزير الرشيد، وزميله في حجه.
محمد بن شجاع: حدثنا الحسن بن أبي مالك، سمعت أبا يوسف يقول: لا نصلي خلف من قال: القرآن مخلوق، ولا يفلح من استحلى شيئا من الكلام.
قلت: بلغ أبو يوسف من رئاسة العلم ما لا مزيد عليه، وكان الرشيد يبالغ في إجلاله.
قال محمد بن سعدان: حدثنا أبو سليمان الجوزجاني، سمعت أبا يوسف يقول: دخلت على الرشيد وفي يده درتان يقلبهما، فقال: هل رأيت أحسن منهما؟ قلت: نعم، يا أمير المؤمنين. قال: وما هو؟ قلت: الوعاء الذي هما فيه. فرمى بهما إلي، وقال: شأنك بهما.(أعلام/1277)
قال بشر بن الوليد: توفي أبو يوسف يوم الخميس خامس ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين ومائة.
وقال غيره: مات في غرة ربيع الآخر، وعاش تسعا وستين سنة. وقد أفردت له ترجمة في كراس.
وما أنبل قوله الذي رواه جماعة عن بشر بن الوليد، سمعت أبا يوسف يقول: العلم بالخصومة والكلام جهل. والجهل بالخصومة والكلام علم.
قلت: مثاله شبه وإشكالات من نتائج أفكار أهل الكلام، تورد في الجدال على آيات الصفات وأحاديثها، فيكفر هذا هذا، وينشأ الاعتزال والتجهم والتجسيم، وكل بلاء. نسأل الله العافية.(أعلام/1278)
القاضي عبد الجبار
ابن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن خليل، العلامة المتكلم، شيخ المعتزلة، أبو الحسن الهمذاني صاحب التصانيف، من كبار فقهاء الشافعية.
سمع من: علي بن إبراهيم بن سلمة القطان، ولعله خاتمة أصحابه، ومن عبد الله بن جعفر بن فارس بأصبهان، ومن الزبير بن عبد الواحد الحافظ، وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب.
حدث عنه: أبو القاسم التنوخي، والحسن بن علي الصيمري الفقيه، وأبو يوسف عبد السلام القزويني المفسر، وجماعة.
ولي قضاء القضاة بالري، وتصانيفه كثيرة تخرج به خلق في الرأي الممقوت.
مات في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة من أبناء التسعين.(أعلام/1279)
القاضي عبد الوهاب
هو الإمام العلامة، شيخ المالكية، أبو محمد، عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد بن حسين بن هارون بن أمير العرب مالك بن طوق التغلبي العراقي، الفقيه المالكي، من أولاد صاحب الرحبة.
صنف في المذهب كتاب " التلقين "، وهو من أجود المختصرات، وله كتاب " المعرفة " في شرح " الرسالة " وغير ذلك.
ذكره أبو بكر الخطيب، فقال: كان ثقة، روى عن الحسين بن محمد بن عبيد العسكري، وعمر بن سبنك. كتبت عنه، لم نلق أحدا من المالكيين أفقه منه، ولي قضاء بادرايا وباكسايا.
وخرج في آخر عمره إلى مصر، واجتاز بالمعرة فضيفه أبو العلاء بن سليمان، وفيه يقول أبو العلاء:
والمالكي ابن نصر زار في سفر
بلادنا فحمدنا النأي والسفرا
إذا تفقه أحيا مالكا جدلا
وينشر الملك الضليل إن شعرا
وله أشعار رائقة فمن ذلك:
ونائمة قبلتها فتنبهت
وقالت تعالوا فاطلبوا اللص بالحد
فقلت لها إني فديتك غاصب
وما حكموا في غاصب بسوى الرد
خذيها وكفي عن أثيم ظلامة
وإن أنت لم ترضي فألفا على العد
فقالت قصاص يشهد العقل أنه
على كبد الجاني ألذ من الشهد
وبانت يميني وهي هميان خصرها
وبانت يساري وهي واسطة العقد
فقالت ألم أخبر بأنك زاهد
فقلت بلى ما زلت أزهد في الزهد
قال أبو إسحاق في " الطبقات ": أدركت عبد الوهاب وسمعته يناظر، وكان قد رأى القاضي الأبهري ولم يسمع منه. وله كتب كثيرة في الفقه. خرج إلى مصر، وحصل له هناك حال من الدنيا بالمغاربة.
وقيل: كان ذهابه إلى مصر لإفلاس لحقه. فمات بها في شهر صفر سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وله ستون سنة.(أعلام/1280)
وكان أخوه من الشعراء المذكورين، ولي كتابة الإنشاء لجلال الدولة، ثم نفذه رسولا. وهو أبو الحسن محمد بن علي. مات بواسط في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة. ومات أبوهما في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة.(أعلام/1281)
القاضي عياض
الإمام العلامة الحافظ الأوحد، شيخ الإسلام القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي، ثم السبتي المالكي.
ولد في سنة ست وسبعين وأربعمائة.
تحول جدهم من الأندلس إلى فاس، ثم سكن سبتة.
لم يحمل القاضي العلم في الحداثة، وأول شيء أخذ عن الحافظ أبي علي الغساني إجازة مجردة، وكان يمكنه السماع منه، فإنه لحق من حياته اثنين وعشرين عاما.
رحل إلى الأندلس سنة بضع وخمسمائة، وروى عن القاضي أبي علي بن سكرة الصدفي، ولازمه، وعن أبي بحر بن العاص، ومحمد بن حمدين، وأبي الحسين سراج الصغير، وأبي محمد بن عتاب، وهشام بن أحمد، وعدة.
وتفقه بأبي عبد الله محمد بن عيسى التميمي، والقاضي محمد بن عبد الله المسيلي.
واستبحر من العلوم، وجمع وألف، وسارت بتصانيفه الركبان، واشتهر اسمه في الآفاق.
قال خلف بن بشكوال هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم، استقضي بسبتة مدة طويلة حمدت سيرته فيها، ثم نقل عنها إلى قضاء غرناطة، فلم يطول بها، وقدم علينا قرطبة، فأخذنا عنه.
وقال الفقيه محمد بن حماده السبتي: جلس القاضي للمناظرة وله نحو من ثمان وعشرين سنة، وولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة، كان هينا من غير ضعف، صليبا في الحق، تفقه على أبي عبد الله التميمي، وصحب أبا إسحاق بن جعفر الفقيه، ولم يكن أحد بسبتة في عصر أكثر تواليف من تواليفه، له كتاب " الشفا في شرف المصطفى " مجلد وكتاب " ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك " في مجلدات وكتاب " العقيدة "، وكتاب " شرح حديث أم زرع " وكتاب " جامع التاريخ " الذي أربى على جميع المؤلفات، جمع فيه أخبار ملوك الأندلس والمغرب، واستوعب فيه أخبار سبتة وعلمائها، وله كتاب " مشارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار ": " الموطأ " و " الصحيحين ". . .(أعلام/1282)
إلى أن قال: وحاز من الرئاسة في بلده والرفعة ما لم يصل إليه أحد قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعا وخشية لله تعالى، وله من المؤلفات الصغار أشياء لم نذكرها.
قال القاضي شمس الدين في " وفيات الأعيان " هو إمام الحديث في وقته، وأعرف الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم.
قال: ومن تصانيفه كتاب " الإكمال في شرح صحيح مسلم " كمل به كتاب " المعلم " للمازري، وكتاب " مشارق الأنوار " في تفسير غريب الحديث، وكتاب " التنبيهات " فيه فوائد وغرائب، وكل تواليفه بديعة وله شعر حسن.
قلت: تواليفه نفيسة، وأجلها وأشرفها كتاب " الشفا " لولا ما قد حشاه بالأحاديث المفتعلة، عمل إمام لا نقد له في فن الحديث ولا ذوق، والله يثيبه على حسن قصده، وينفع ب " شفائه "، وقد فعل، وكذا فيه من التأويلات البعيدة ألوان، ونبينا صلوات الله عليه وسلامه غني بمدحة التنزيل عن الأحاديث، وبما تواتر من الأخبار عن الآحاد، وبالآحاد النظيفة الأسانيد عن الواهيات، فلماذا يا قوم نتشبع بالموضوعات، فيتطرق إلينا مقال ذوي الغل والحسد، ولكن من لا يعلم معذور، فعليك يا أخي بكتاب " دلائل النبوة " للبيهقي فإنه شفاء لما في الصدور وهدى ونور.
وقد حدث عن القاضي خلق من العلماء، منهم الإمام عبد الله بن محمد الأشيري، وأبو جعفر بن القصير الغرناطي، والحافظ خلف بن بشكوال، وأبو محمد بن عبيد الله الحجري، ومحمد بن الحسن الجابري، وولده القاضي محمد بن عياض قاضي دانية.
ومن شعره:
انظر إلى الزرع وخاماته
تحكي وقد ماست أمام الرياح
كتيبة خضراء مهزومة
شقائق النعمان فيها جراح
قال القاضي ابن خلكان شيوخ القاضي يقاربون المائة توفي في سنة أربع وأربعين وخمسمائة في رمضانها، وقيل: في جمادى الآخرة منها بمراكش، ومات ابنه في سنة خمس وسبعين وخمسمائة.(أعلام/1283)
قال ابن بشكوال توفي القاضي مغربا عن وطنه في وسط سنة أربع.
وقال ولده القاضي محمد: توفي في ليلة الجمعة نصف الليلة التاسعة من جمادى الآخرة ودفن بمراكش سنة أربع.
قلت: بلغني أنه قتل بالرماح لكونه أنكر عصمة ابن تومرت.
وفيها مات شاعر زمانه القاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن حسين الأرجاني قاضي تستر، والعلامة المصنف أبو جعفرك أحمد بن علي بن أبي جعفر البيهقي والمسند بهراة أبو المحاسن أسعد بن علي بن الموفق، ومحدث حلب أبو الحسن علي بن سليمان المرادي القرطبي.
أخبرنا القاضي معين الدين علي بن أبي العباس المالكي بالإسكندرية، قال: قرأت على محمد بن إبراهيم بن الجرج، عن عبد الله بن محمد بن عبيد الله الحافظ، وأخبرني أبو القاسم محمد بن عمران الحضرمي، أخبرنا أبو إسحاق الغافقي غير مرة، أخبرنا محمد بن عبد الله الأزدي، أخبرنا محمد بن الحسن بن عطية الجابري، قالا:
أخبرنا عياض بن موسى القاضي، أخبرنا محمد بن عيسى التميمي، وهشام بن أحمد، قالا: حدثنا أبو علي الغساني، حدثنا أبو عمر النمري، حدثنا ابن عبد المؤمن، حدثنا أبو بكر التمار، حدثنا أبو داود، حدثنا محمد بن سلمة، حدثنا ابن وهب، عن حيوة وابن لهيعة وسعيد بن أبي أيوب، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو، سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة ; فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة رواه مسلم.
ومن سلالته العلامة:(أعلام/1284)
القالي
العلامة اللغوي أبو علي إسماعيل بن القاسم بن هارون بن عيذون البغدادي القالي، صاحب كتاب " الأمالي " في الأدب.
ولد سنة ثمانين ومائتين وأخذ العربية عن ابن دريد، وأبي بكر بن الأنباري، وابن درستويه، ونفطويه، وطائفة.
وسمع من أبي يعلى بالموصل، ومن أبي القاسم البغوي، وأبي بكر بن أبي داود، ويحيى بن صاعد، وعلي بن سليمان الأخفش.
وتلا على أبي بكر بن مجاهد لأبي عمرو، ثم تحول إلى الأندلس، ونشر بها علمه. دخلها في سنة ثلاثين وثلاثمائة، ففرح به صاحبها الناصر الأموي، وصنف له ولولده المستنصر تصانيف، وكان يدري " كتاب " سيبويه، قد بحثه على ابن درستويه. وأملى كتاب " النوادر ".
وله كتاب " المقصور والممدود "، وكتاب " الإبل "، وكتاب " الخيل "، و " البارع " في اللغة في بضعة عشر مجلدا، لكنه ما تممه.
وولاؤه لبني مروان، ولهذا هاجر إلى المروانية، وعظم عندهم، وتواليفه مهذبة.
أخذ عنه: عبد الله بن الربيع التميمي، وأبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي، وأحمد بن أبان بن سعيد، وطائفة.
توفي بقرطبة في ربيع الآخر سنة ست وخمسين وثلاثمائة. والقالي نسبة إلى قرية " قاليقلا " من أعمال منازكرد من إقليم أرمينية. رافق ناسا من تلك القرية، فعرف بذلك تلقيبا وشهر به.(أعلام/1285)
القرظي (ع)
محمد بن كعب بن سليم. وقال ابن سعد: محمد بن كعب بن حيان بن سليم، الإمام العلامة الصادق أبو حمزة، وقيل: أبو عبد الله القرظي المدني، من حلفاء الأوس، وكان أبوه كعب من سبي بني قريظة، سكن الكوفة، ثم المدينة، قيل: ولد محمد بن كعب في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يصح ذلك.
قال زهير بن عباد الرؤاسي، عن أبي كبير البصري، قالت أم محمد بن كعب القرظي له: يا بني! لولا أني أعرفك طيبا صغيرا وكبيرا لقلت: إنك أذنبت ذنبا موبقا لما أراك تصنع بنفسك، قال: يا أماه! وما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع علي، وأنا في بعض ذنوبي فمقتني، وقال: اذهب لا أغفر لك، مع أن عجائب القرآن ترد بي على أمور حتى إنه لينقضي الليل ولم أفرغ من حاجتي.
وروى يعقوب الفسوي، عن محمد بن فضيل البزاز قال: كان لمحمد بن كعب جلساء من أعلم الناس بالتفسير، وكانوا مجتمعين في مسجد الربذة فأصابتهم زلزلة، فسقط عليهم المسجد، فماتوا جميعا تحته.
قال أبو معشر وجماعة: توفي سنة ثمان ومائة وقال الواقدي وخليفة والفلاس وجماعة: مات سنة سبع عشرة قال الواقدي وجماعة: وهو ابن ثمان وسبعين سنة. وقال محمد بن عبد الله بن نمير: سنة تسع عشرة، وقال ابن المديني وابن معين وابن سعد: سنة عشرين ومائة وأخطأ من قال: سنة تسع وعشرين.
وحدث عن أبي أيوب الأنصاري، وأبي هريرة، ومعاوية، وزيد بن أرقم، وابن عباس، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وفضالة بن عبيد، والبراء بن عازب، وعبد الله بن جعفر، وكعب بن عجرة، وجابر، وأبي صرمة الأنصاري البدري، وأنس، وابن عمر، وعن محمد بن خثيم، وعبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، وأبان بن عثمان، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وطائفة.(أعلام/1286)
وهو يرسل كثيرا، ويروي عمن لم يلقهم، فروى عن أبي ذر، وأبي الدرداء وعلي، والعباس، وابن مسعود، وسلمان، وعمرو بن العاص، ويروي عن رجل عن أبي هريرة. وكان من أوعية العلم روى عنه أخوه عثمان، ويزيد بن الهاد، وأبو جعفر الخطمي، وأبو سبرة النخعي، والحكم بن عتيبة، وعاصم بن كليب، وأيوب بن موسى، وأسامة بن زيد الليثي، وزيادة بن محمد، وصالح بن حسان، وعاصم بن محمد العمري، وابن عجلان، وأبو المقدام هشام بن زياد، والوليد بن كثير، وأبو معشر نجيح، ومحمد بن رفاعة القرظي، وخلق كثير.
قال ابن سعد: كان ثقة عالما كثير الحديث ورعا.
وقال ابن المديني وأبو زرعة والعجلي: ثقة، وزاد العجلي: مدني تابعي رجل صالح عالم بالقرآن.
قلت: كان من أئمة التفسير، وقال البخاري: كان أبوه ممن لم ينبت يوم قريظة، فترك.
ثم قال: حدثني ابن بشار، حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا الضحاك بن عثمان، عن أيوب بن موسى، سمعت محمد بن كعب القرظي، سمعت عبد الله بن مسعود، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة قال البخاري: لا أدري أحفظه أم لا. وقال أبو داود: سمع من علي وابن مسعود.
وقال قتيبة: بلغني أنه ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- سمعه الترمذي منه.
وقال أبو داود: سمعت قتيبة يقول: بلغني أن محمد بن كعب رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-. قلت: هذا قول منقطع شاذ.
وقال يعقوب بن شيبة: ولد محمد بن كعب في آخر خلافة علي سنة أربعين، ولم يسمع من العباس.
وروى ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي صخر، عن عبد الله بن مغيث بن أبي بردة الظفري، عن أبيه، عن جده، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: يخرج من أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون من بعده.
قال نافع بن يزيد: قال ربيعة: فكنا نقول: هو محمد بن كعب.(أعلام/1287)
يعقوب بن عبد الرحمن القاري، عن أبيه: سمعت عون بن عبد الله يقول: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي. وقيل: كان له أملاك بالمدينة، وحصل مالا مرة، فقيل له: ادخر لولدك، قال: لا، ولكن أدخره لنفسي عند ربي، وأدخر ربي لولدي، وقيل: إنه كان مجاب الدعوة، كبير القدر.(أعلام/1288)
القزاز
الشيخ الجليل الثقة أبو منصور، عبد الرحمن ابن المحدث أبي غالب محمد بن عبد الواحد بن حسن بن منازل بن زريق، الشيباني البغدادي الحريمي القزاز.
راوي " تاريخ الخطيب " عنه سوى الجزء السادس بعد الثلاثين، غاب لوفاة أمه.
وسمع أبا جعفر بن المسلمة، وأبا علي بن وشاح، وعبد الصمد بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتدي بالله، وطائفة.
وله مشيخة.
حدث عنه: ابن عساكر والسمعاني، وأبو موسى المديني، وابن الجوزي، وأحمد بن بذال، وأحمد بن الحسن العاقولي، وأحمد بن الحسن الدبيقي وعمر بن طبرزد، وأبو اليمن الكندي، وعدة، وابنه أبو السعادات نصر الله القزاز. وبالإجازة المؤيد الطوسي.
وكان شيخا صالحا متوددا، سليم القلب، حسن الأخلاق، صبورا، مشتغلا بما يعنيه.
ولد في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة ظنا. وتوفي في رابع عشر شوال سنة خمس وثلاثين وخمس مائة وصلى عليه أخوه أبو الفتح، سمع الكثير، ورواه، وكان صحيح السماع، أثنى عليه السمعاني وغيره.
ومات معه القاضي أبو بكر وأبو علي أحمد بن سعد العجلي البديع والحافظ إسماعيل التيمي وجعفر بن محمد بن مكي القيسي اللغوي والمحدث رزين العبدري وعبد الجبار بن أحمد بن توبة وعبد الوهاب الشاذياخي وعطاء بن أبي سعد خادم شيخ الإسلام يوسف الهمذاني الزاهد.(أعلام/1289)
القسري (د)
الأمير الكبير أبو الهيثم خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي القسري الدمشقي أمير العراقين لهشام وولي قبل ذلك مكة للوليد بن عبد الملك، ثم لسليمان.
روى عن أبيه، وعنه سيار أبو الحكم، وإسماعيل بن أوسط البجلي وإسماعيل بن أبي خالد، وحميد الطويل. وقلما روى. له حديث في " مسند أحمد "، وفي " سنن أبي داود " حديث، رواه عن جده يزيد، وله صحبة.
وكان جوادا ممدحا معظما عالي الرتبة من نبلاء الرجال، لكنه فيه نصب معروف، وله دار كبيرة في مربعة القز بدمشق، ثم صارت تعرف بدار الشريف اليزيدي، وإليه ينسب الحمام الذي مقابل قنطرة سنان بناحية باب توما.
قال يحيى الحماني: قيل لسيار: تروي عن مثل خالد؟ فقال: إنه أشرف من أن يكذب.
قال خليفة بن خياط: عزل الوليد عن مكة نافع بن علقمة بخالد القسري سنة تسع وثمانين، فلم يزل واليها إلى سنة ست ومائة، فولاه هشام بن عبد الملك العراق مدة إلى أن عزله سنة عشرين ومائة بيوسف بن عمر الثقفي.
روى العتبي عن رجل، قال: خطب خالد بن عبد الله بواسط، فقال: إن أكرم الناس من أعطى من لا يرجوه، وأعظم الناس عفوا من عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل عن قطيعة.
ابن أبي خيثمة: حدثنا محمد بن يزيد الرفاعي، سمعت أبا بكر بن عياش يقول: رأيت خالدا القسري حين أتى بالمغيرة بن سعيد وأصحابه، وكان يريهم أنه يحيي الموتى، فقتل خالد واحدا منهم، ثم قال للمغيرة: أحيه فقال: والله ما أحيي الموتى، قال: لتحيينه أو لأضربن عنقك، ثم أمر بطن من قصب فأضرموه، وقال: اعتنقه، فأبى، فعدا رجل من أتباعه فاعتنقه، قال أبو بكر: فرأيت النار تأكله وهو يشير بالسبابة، فقال خالد: هذا والله أحق بالرئاسة منك، ثم قتله وقتل أصحابه.(أعلام/1290)
قلت: كان رافضيا خبيثا كذابا ساحرا، ادعى النبوة، وفضل عليا على الأنبياء، وكان مجسما، سقت أخباره في " ميزان الاعتدال ".
وكان خالد على هناته يرجع إلى إسلام.
وقال القاضي ابن خلكان: كان يتهم في دينه بنى لأمه كنيسة، تتعبد فيها وفيه يقول الفرزدق:
ألا قبح الرحمن ظهر مطية
أتتنا تهادى من دمشق بخالد
وكيف يؤم الناس من كان أمه
تدين بأن الله ليس بواحد
بنى بيعة فيها الصليب لأمه
ويهدم من بغض منار المساجد
قال الأصمعي: حرم القسري الغناء، فأتاه حنين في أصحاب المظالم ملتحفا على عود، فقال: أصلح الله الأمير، شيخ ذو عيال كانت له صناعة، حلت بينه وبينها، قال: وما ذاك؟ فأخرج عوده وغنى:
أيها الشامت المعير بالشي
ب أقلن بالشباب افتخارا
قد لبست الشباب قبلك حينا
فوجدت الشباب ثوبا معارا
فبكى خالد، وقال: صدق والله، عد، ولا تجالس شابا ولا معربدا. الأصمعي، عن ابن نوح: سمعت خالدا يقول على المنبر: إني لأطعم كل يوم ستة وثلاثين ألفا من الأعراب تمرا وسويقا. الأصمعي: أن أعرابيا قال لخالد القسري: أصلحك الله، لم أصن وجهي عن مسألتك، فصنه عن الرد، وضعني من معروفك حيث وضعتك من رجائي، فوصله.(أعلام/1291)
وقال أعرابي: يأمر الأمير لي بملء جرابي دقيقا؟ قال: املئوه له دراهم، فقيل للأعرابي، فقال: سألت الأمير ما أشتهي، فأمر لي بما يشتهي. ابن أبي الدنيا: أخبرني محمد بن الحسين، حدثني عبد الله بن شمر الخولاني، حدثني عبد الملك مولى خالد بن عبد الله، قال: إني لأسير بين يدي خالد بالكوفة ومعه الوجوه، فقام إليه رجل، فقال: أصلح الله الأمير، فوقف، وكان كريما، فقال: ما لك؟ قال: تأمر بضرب عنقي؟ قال: لم؟ قطعت طريقا؟ قال: لا، قال: فنزعت يدا من طاعة؟ قال: لا. قال: فعلام أضرب عنقك؟ قال: الفقر والحاجة، قال: تمن؟ قال: ثلاثين ألفا، فالتفت إلى أصحابه فقال: هل علمتم تاجرا ربح الغداة ما ربحت؟ نويت له مائة ألف، فتمنى ثلاثين ألفا، ثم أمر له بها.
وقيل: كان خالد يجلس ثم يدعو بالبدر، ويقول: إنما هذه الأموال ودائع لا بد من تفريقها. وقيل: أنشده أعرابي:
أخالد بين الحمد والأجر حاجتي
فأيهما يأتي فأنت عماد
أخالد إني لم أزرك لحاجة
سوى أنني عاف وأنت جواد
فقال: سل، قال: مائة ألف، قال: أسرفت يا أعرابي، قال: فأحط للأمير؟ . قال: نعم. قال: قد حططتك تسعين ألفا، فتعجب منه، فقال: سألتك على قدرك، وحططتك على قدري، وما أستأهله في نفسي، قال: لا والله لا تغلبني، يا غلام أعطه مائة ألف.
قال الأصمعي: أنشده أعرابي في مجلس الشعراء
تعرضت لي بالجود حتى نعشتني
وأعطيتني حتى ظننتك تلعب
فأنت الندى وابن الندى وأخو الندى
حليف الندى ما للندى عنك مذهب
فأعطاه مائة ألف. الأصمعي عن يونس بن حبيب نحوها وزاد، فقام أعرابي آخر فقال:
قد كان آدم قبل حين وفاته
أوصاك وهو يجود بالحوباء
ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم
فكفيت آدم عيلة الأبناء(أعلام/1292)
فتمنى أن يعطيه عشرين ألفا، فأعطاه أربعين ألفا، وأن يضرب خمسين جلدة، وأن ينادى عليه: هذا جزاء من لا يحسن قيمة الشعر. وعنه قال: لا يحتجب الأمير عن الناس إلا لثلاث: لعي، أو لبخل، أو اشتمال على سوءة.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت ابن معين يقول: خالد بن عبد الله القسري رجل سوء يقع في علي، وقال فضل بن الزبير: سمعت القسري يقول في علي ما لا يحل ذكره.
وقال الأصمعي: خبرت أن القسري ذم زمزم، وقال: يقال: إن زمزم لا تنزح ولا تذم، بلى والله إنها تنزح وتذم، ولكن هذا أمير المؤمنين قد ساق لكم قناة بمكة.
قال أبو عاصم النبيل: ساق خالد ماء إلى مكة، فنصب طستا إلى جنب زمزم، وقال: قد جئتكم بماء العاذبة لا تشبه أم الخنافس، يعني: زمزم، فسمعت عمر بن قيس يقول: لما أخذ خالد بن عبد الله سعيد بن جبير وطلق بن حبيب، خطب، فقال: كأنكم أنكرتم ما صنعت، والله لو كتب إلي أمير المؤمنين، لنقضتها حجرا حجرا يعني: الكعبة. الأصمعي: سمعت شبيب بن شيبة، يقول: كان سبب عزل خالد أن امرأة قالت له: إن غلامك المجوسي أكرهني على الفجور، وغصبني نفسي.
قال: كيف وجدت قلفته؟ فكتب بذلك حسان النبطي إلى هشام، فعزله. وكان خطب يوما، فقال: تسومونني أن أقيد من قائد لي، ولئن أقدت منه، أقدت من نفسي، ولئن أقدت من نفسي، لقد أقاد أمير المؤمنين من نفسه، ولئن أقاد، لقد أقاد رسول الله من نفسه، ولئن أقاد، ليقيدن هاه هاه، ويومئ بيده إلى فوق.
عن أبي سفيان الحميري، قال: أراد الوليد بن يزيد الحج،. فاتعد فتية أن يفتكوا به في طريقه، وسألوا خالدا القسري الدخول معهم فأبى، ثم أتى خالد فقال: يا أمير المؤمنين: دع الحج. قال: ومن تخاف سمهم، قال: قد نصحتك ولن أسميهم قال: إذا أبعث بك إلى عدوك يوسف بن عمر، قال: وإن، فبعث به إليه، فعذبه حتى قتله.(أعلام/1293)
ابن خلكان قال: لما أراد هشام عزل خالد عن العراق، وعنده رسول يوسف بن عمر من اليمن، قال: إن صاحبك قد تعدى طوره، وفعل وفعل، ثم أمر بتخريق ثيابه وضربه أسواطا، وقال: امض إلى صاحبك فعل الله به، ثم دعا بسالم كاتبه، وقال: اكتب إلى يوسف، سر إلى العراق واليا سرا، واشفني من ابن النصرانية وعماله، ثم أمسك الكتاب بيده، وجعله في طي كتاب آخر، ولم يشعر الرسول، فقدم اليمن، فقال يوسف: ما وراءك؟ قال: الشر، ضربني أمير المؤمنين، وخرق ثيابي، ولم يكتب إليك، بل إلى صاحب ديوانك. ففض الكتاب وقرأه، ثم وجد الكتاب الصغير، فاستخلف على اليمن ابنه. . الصلت، وسار إلى العراق، وجاءت العيون إلى خالد، فأشار عليه نائبه طارق ائذن لي إلى أمير المؤمنين، وأضمن له مالي السنة مائة ألف ألف، وآتيك بعهدك، قال: ومن أين هذه الأموال؟ قال: أتحمل أنا وسعيد بن راشد أربعين ألف ألف، وأبان والزينبي عشرين ألف ألف، ويفرق الباقي على باقي العمال، فقال: إني إذا للئيم أسوغهم شيئا، ثم أرجع فيه، قال: إنما نقيك، ونقي أنفسنا ببعض أموالنا، وتبقى النعمة علينا، فأبى، فودعه طارق، ووافى يوسف، فمات طارق في العذاب، ولقي خالد كل بلاء، ومات في العذاب جماعة من عماله بعد أن استخرج منهم يوسف تسعين ألف ألف درهم.(أعلام/1294)
وقيل: إن هشاما حقد على خالد بكثرة أمواله وأملاكه، ولأنه كان يطلق لسانه في هشام، وكتب إلى يوسف أن سر إليه في ثلاثين راكبا. فقدم الكوفة في سبع عشرة ليلة، فبات بقرب الكوفة وقد ختن واليها طارق ولده، فأهدوا لطارق ألف عتيق وألف وصيف، وألف جارية، سوى الأموال والثياب، فأتى رجل طارقا، فقال: إني رأيت قوما أنكرتهم، وزعموا أنهم سفار، وصار يوسف إلى دور بني ثقيف، فأمر رجلا، فجمع له من قدر عليه من مضر، ودخل المسجد الفجر، فأمر المؤذن بالإقامة، فقال: لا حتى يأتي الإمام، فانتهره وأقام، وصلى، وقرأ (إذا وقعت) و (سأل سائل) ثم أرسل إلى خالد وأصحابه، فأخذوا وصادرهم.
قال أشرس الأسدي: أتى كتاب هشام يوسف فكتمنا، وقال: أريد العمرة، فخرج وأنا معه، فما كلم أحدا منا بكلمة، حتى أتى العذيب، فقال: ما هي بأيام عمرة، وسكت حتى أتى الحيرة، ثم استلقى على ظهره، وقال:
فما لبثتنا العيس أن قذفت بنا
نوى غربة والعهد غير قديم
ثم دخل الكوفة فصلى الفجر، وكان فصيحا طيب الصوت.
وقيل: إن هشام بن عبد الملك كتب إلى يوسف: لئن شاكت خالدا شوكة لأقتلنك، فأتى خالد الشام، فلم يزل بها يغزو الصوائف حتى مات هشام. وقيل: بل عذبه يوسف يوما واحدا، وسجنه، بضعة عشر شهرا، ثم أطلق، فقدم الشام سنة اثنتين وعشرين.
ونقل ابن خلكان أن يوسف عصره حتى كسر قدميه وساقيه،. ثم عصره على صلبه، فلما انقصف مات، وهو في ذلك لا يتأوه ولا ينطق، وهذا لم يصح، فإنه جاء إلى الشام وبقي بها حتى قتله الوليد الفاسق.
قال ابن جرير: لبث خالد بن عبد الله في العذاب يوما، ثم وضع على صدره المضرسة، فقتل من الليل في المحرم سنة ست وعشرين ومائة في قول الهيثم بن عدي، فأقبل عامر بن سهلة الأشعري، فعقر فرسه على قبره، فضربه يوسف بن عمر سبعمائة سوط.
وقال فيه أبو الأشعث العبسي:(أعلام/1295)
ألا إن خير الناس حيا وميتا
أسير ثقيف عندهم في السلاسل
لعمري لقد أعمرتم السجن خالدا
وأوطأتموه وطأة المتثاقل
فإن سجنوا القسري لا يسجنوا اسمه
ولا يسجنوا معروفه في القبائل
لقد كان نهاضا بكل ملمة
ومعطي اللهى غمرا كثير النوافل
قتيبة بن سعيد وغيره، قالا: حدثنا القاسم بن محمد، عن عبد الرحمن بن محمد بن حبيب، عن أبيه، عن جده، قال: شهدت خالدا القسري في يوم أضحى، يقول: ضحوا تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا، ثم نزل فذبحه. قلت: هذه من حسناته، هي، وقتله مغيرة الكذاب.(أعلام/1296)
القصار
شيخ المالكية، القاضي أبو الحسن، علي بن عمر بن أحمد، البغدادي بن القصار.
حدث عن علي بن الفضل الستوري وغيره.
روى عنه: أبو ذر الحافظ، وأبو الحسين بن المهتدي بالله.
ووثقه الخطيب.
وكان من كبار تلامذة القاضي أبي بكر الأبهري، يذكر مع أبي القاسم الجلاب.
قال أبو إسحاق الشيرازي: له كتاب في مسائل الخلاف كبير، لا أعرف لهم كتابا في الخلاف أحسن منه.
قال القاضي عياض كان أصوليا نظارا، ولي قضاء بغداد.
وقال أبو ذر: هو أفقه من لقيت من المالكيين، وكان ثقة قليل الحديث.
قال ابن أبي الفوارس: مات في ثامن ذي القعدة، سنة سبع وتسعين وثلاثمائة ويقال: مات سنة ثمان، والأول أصح.(أعلام/1297)
القطيعي
الشيخ العالم المحدث مسند الوقت أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب البغدادي القطيعي الحنبلي، راوي " مسند الإمام أحمد " و " الزهد " و " الفضائل " له.
ولد في أول سنة أربع وسبعين ومائتين.
سمع محمد بن يونس الكديمي، وبشر بن موسى، وإسحاق بن الحسن الحربي، وأبا مسلم الكجي، وإبراهيم الحربي، وأحمد بن علي الأبار، وإدريس بن عبد الكريم الحداد، وأبا خليفة الجمحي، وأبا شعيب الحراني، والحسين بن عمر الثقفي، وموسى بن إسحاق الأنصاري، وعبد الله بن أحمد، وإبراهيم بن شريك، وجعفر بن محمد الفريابي، وأحمد بن محمد بن قيس المنقري، وأحمد بن الحسن الصوفي، وعبد الله بن العباس الطيالسي، والحسن بن الطيب البلخي، وخلقا سواهم
. ورحل، وكتب، وخرج، وله أنس بعلم الحديث.
حدث عنه الدارقطني، وابن شاهين، والحاكم، وابن رزقويه، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وخلف بن محمد الواسطي، وأبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، وأبو عمر محمد بن الحسين البسطامي، وأبو بكر البرقاني، وأبو نعيم الأصبهاني، ومحمد بن الحسين بن بكير، وأبو القاسم بن بشران، والمحدث علي بن عمر الأسداباذي، والحسن بن شهاب العكبري، وأبو عبد الله بن باكويه، وبشرى الفاتني، وأبو طالب عمر بن إبراهيم الزهري، ومحمد بن المؤمل الوراق، وأبو القاسم عبيد الله بن أحمد الأزهري، والحسن بن محمد الخلال، وعبيد الله بن عمر بن شاهين، وأبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن العلاف الواعظ، وأبو علي الحسن بن علي بن المذهب، وأبو محمد الحسن بن علي الجوهري خاتمة أصحابه.
قال ابن بكير: سمعته يقول: كان عبد الله بن أحمد يجيئنا فيقرأ عليه أبو عبد الله بن الخصاص عم أمي فيقعدني في حجره، حتى يقال له: يؤلمك؟ فيقول: إني أحبه.(أعلام/1298)
وقال أبو الحسن بن الفرات. هو كثير السماع إلا أنه خلط في آخر عمره، وكف بصره، وخرف حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه.
وقال الخطيب: سمعت الفقيه أحمد بن أحمد القصري يقول: قال لي ابن اللبان الفرضي: لا تذهبوا إلى القطيعي، قد ضعف واختل، وقد منعت ابني من السماع منه.
وقال ابن أبي الفوارس: لم يكن بذاك، له في بعض المسند أصول فيها نظر، ذكر أنه كتبها بعد الغرق، وكان مستورا صاحب سنة. وقال السلمي: سألت الدارقطني عنه، فقال: ثقة زاهد قديم، سمعت أنه مجاب الدعوة.
وقال البرقاني: كان صالحا، ولأبيه اتصال بالدولة، فقرئ لابن ذلك السلطان على عبد الله بن أحمد المسند فحضر القطيعي، ثم غرقت قطعة من كتبه بعد ذلك، فنسخها من كتاب ذكروا أنه لم يكن فيه سماعه، فغمزوه وثبت عندي أنه صدوق، وإنما كان فيه بله. وقد لينته عند الحاكم فأنكر علي وحسن حاله، وقال: كان شيخي.
مات لسبع بقين من ذي الحجة سنة ثمان وستين وله خمس وتسعون سنة.(أعلام/1299)
القعنبي (خ، م، د)
عبد الله بن مسلمة بن قعنب، الإمام الثبت القدوة، شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن الحارثي القعنبي المدني، نزيل البصرة، ثم مكة.
مولده بعد سنة ثلاثين ومائة بيسير.
وسمع من: أفلح بن حميد، وابن أبي ذئب، وشعبة بن الحجاج، وأسامة بن زيد بن أسلم، وداود بن قيس الفراء، وسلمة بن وردان، ويزيد بن إبراهيم التستري، ومالك بن أنس، ونافع بن عمر الجمحي، والليث بن سعد، والدراوردي، وإبراهيم بن سعد، وإسحاق بن أبي بكر المدني، والحكم بن الصلت، وحماد بن سلمة، وسليمان بن بلال، وعيسى بن حفص بن عاصم بن عمر، وسليمان بن المغيرة، وهشام بن سعد، وعدة.
وعنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والخريبي وهو من شيوخه، ومحمد بن سنجر الحافظ، ومحمد بن يحيى الذهلي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وأبو حاتم الرازي، وعبد بن حميد، وعمرو بن منصور النسائي، وأبو زرعة الرازي، ومحمد بن غالب تمتام، وإسماعيل القاضي، ومحمد بن أيوب بن الضريس، وعثمان بن سعيد الدارمي، ومحمد بن معاذ دران، وإسحاق بن الحسن الحربي، ومعاذ بن المثنى، وأبو مسلم الكجي، وأبو خليفة الجمحي، وخلق كثير.
وروى مسلم أيضا، وأبو عيسى الترمذي، وأبو عبد الرحمن النسائي حديثه بواسطة.
قال أبو زرعة الرازي: ما كتبت عن أحد أجل في عيني من القعنبي.
قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: القعنبي أحب إليك في " الموطأ " أو إسماعيل بن أبي أويس؟ قال: بل القعنبي، لم أر أخشع منه.
وروى عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني الواهي، عن الميموني: سمعت القعنبي يقول: اختلفت إلى مالك ثلاثين سنة، ما من حديث في " الموطأ " إلا لو شئت قلت: سمعته مرارا.
وعن عبد الصمد بن الفضل: ما رأت عيناي مثل أربعة، فذكر منهم القعنبي.(أعلام/1300)
أنبأنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا حنبل، أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن المذهب، أخبرنا أبو بكر القطيعي، حدثنا الفضل بن الحباب، حدثنا القعنبي، حدثنا شعبة، حدثنا منصور، عن ربعي، عن أبي مسعود: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح، فاصنع ما شئت.
وروى محمد بن علي بن المديني، عن أبيه قال: لا يقدم أحد من رواة " الموطأ " على القعنبي.
قلت: حد الولي الرسوخ في العلم والعمل مثل القعنبي.
وقال أبو حاتم: ثقة حجة لم أر أخشع منه، سألناه أن يقرأ علينا " الموطأ " فقال: تعالوا بالغداة، فقلنا: لنا مجلس عند حجاج بن منهال، قال: فإذا فرغتم منه. قلنا: نأتي حينئذ مسلم بن إبراهيم. قال فإذا فرغتم. قلنا: نأتي أبا حذيفة النهدي. قال: فبعد العصر. قلنا: نأتي عارما أبا النعمان، قال: فبعد المغرب. فكان يأتينا بالليل، فيخرج علينا، وعليه كبل ما تحته شيء في الصيف، فكان يقرأ علينا في الحر الشديد حينئذ.
قال يحيى بن معين: ما رأيت رجلا يحدث لله إلا وكيعا والقعنبي.
قال الحافظ أبو عمرو أحمد بن محمد الحيري: سمعت أبي يقول: قلت للقعنبي: ما لك لا تروي عن شعبة غير هذا الحديث؟ قال: كان شعبة يستثقلني، فلا يحدثني. يعني حديث: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
والحديث يقع عاليا في جزء الغطريف لابن البخاري.
قال عبد الله الخريبي -وكان كبير القدر-: حدثني القعنبي، عن مالك، وهو والله عندي خير من مالك.
قال عمرو بن علي الفلاس: كان القعنبي مجاب الدعوة.
وقال عثمان بن سعيد: سمعت علي بن المديني وذكر أصحاب مالك، فقيل له: معن ثم القعنبي، قال: لا بل القعنبي ثم معن.(أعلام/1301)
ويروى عن أبي سبرة المديني قال: قلت للقعنبي: حدثت ولم تكن تحدث! قال: إني أريت كأن القيامة قد قامت، فصيح بأهل العلم، فقاموا، وقمت معهم، فنودي بي: اجلس. فقلت: إلهي ألم أكن أطلب؟ قال: بلى، ولكنهم نشروا، وأخفيته. قال: فحدثت.
وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء: سمعتهم بالبصرة يقولون: عبد الله بن مسلمة من الأبدال.
وقال إسماعيل القاضي: كان القعنبي من المجتهدين في العبادة.
وقال الإمام ابن خزيمة: سمعت نصر بن مرزوق يقول: أثبت الناس في " الموطأ " القعنبي، وعبد الله بن يوسف بعده.
قال إسماعيل القاضي: كان القعنبي لا يرضى قراءة حبيب، فما زال حتى قرأ لنفسه " الموطأ " على مالك.
قال محمد بن سعد الكاتب: كان القعنبي عابدا فاضلا، قرأ على مالك كتبه.
قال أبو بكر الشيرازي في كتاب " الألقاب " له: سمعت أبا إسحاق المستملي، سمعت أحمد بن منير البلخي، سمعت حمدان بن سهل البلخي الفقيه يقول: ما رأيت أحدا إذا روئي ذكر الله تعالى إلا القعنبي رحمه الله، فإنه كان إذا مر بمجلس يقولون: لا إله إلا الله. وقيل: كان يسمى الراهب لعبادته وفضله.
وروى عبد الله بن أحمد بن الهيثم، عن جده قال: كنا إذا أتينا القعنبي، خرج إلينا كأنه مشرف على جهنم.
قال محمد بن عبد الله الزهيري، عن الجنيني قال: كنا عند مالك، فقدم ابن قعنب من سفر، فقال مالك: قوموا بنا إلى خير أهل الأرض.
وقال أبو عبد الله الحاكم: قال الدارقطني: يقدم في " الموطأ " معن بن عيسى، وابن وهب، والقعنبي، ثم قال: وأبو مصعب ثقة في " الموطأ ".(أعلام/1302)
وقد رويت حكاية في سماع القعنبي لذاك الحديث من شعبة لا تصح، وأنه هجم عليه بيته، فوجده يبول في بلوعة، فقال: حدثني، فلامه، وعنفه، وقال: تهجم على داري، ثم تقول: حدثني وأنا على هذه الحالة؟ ! قال: إني أخشى الفوت، فروى له الحديث في قلة الحياء، وحلف أن لا يحدثه بسواه.
وفي الجملة لم يدرك القعنبي شعبة إلا في آخر أيامه، فلم يكثر عنه. وقد حدثه أفلح عن القاسم بن محمد، وأفلح أكبر من شعبة قليلا.
وقد سمعت " الموطأ " بحلب وبعلبك من رواية القعنبي، عن مالك.
وهو أكبر شيخ لمسلم، سمع منه في أيام الموسم في ذي الحجة سنة عشرين، ولم يكثر عنه.
ومات القعنبي في المحرم سنة إحدى وعشرين ومائتين.
قال محمد بن عمر بن لبابة الأندلسي: حدثنا مالك بن علي القرشي، حدثنا القعنبي، قال: دخلت على مالك، فوجدته باكيا، فقلت: يا أبا عبد الله، ما الذي يبكيك؟ قال: يا ابن قعنب على ما فرط مني، ليتني جلدت بكل كلمة تكلمت بها في هذا الأمر بسوط، ولم يكن فرط مني ما فرط من هذا الرأي، وهذه المسائل قد كان لي سعة فيما سبقت إليه.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد وجماعة إجازة قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن الحصين، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا القعنبي، حدثنا أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة قالت: طيبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحرمه حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت.
هذا حديث حسن عال، أخرجه مسلم عن القعنبي، وهو من أعلى شيء في " صحيحه ".(أعلام/1303)
الكسائي
الإمام، شيخ القراءة والعربية أبو الحسن علي بن حمزة، بن عبد الله، بن بهمن، بن فيروز الأسدي، مولاهم الكوفي، الملقب بالكسائي لكساء أحرم فيه.
تلا على ابن أبي ليلى عرضا، وعلى حمزة.
وحدث عن جعفر الصادق، والأعمش، وسليمان بن أرقم، وجماعة.
وتلا أيضا على عيسى بن عمر المقرئ.
واختار قراءة اشتهرت، وصارت إحدى السبع.
وجالس في النحو الخليل، وسافر في بادية الحجاز مدة للعربية، فقيل: قدم وقد كتب بخمس عشرة قنينة حبر. وأخذ عن يونس.
قال الشافعي: من أراد أن يتبحر في النحو، فهو عيال على الكسائي.
قال ابن الأنباري: اجتمع فيه أنه كان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم في الغريب، وأوحد في علم القرآن، كانوا يكثرون عليه حتى لا يضبط عليهم، فكان يجمعهم ويجلس على كرسي، ويتلو وهم يضبطون عنه حتى الوقوف.
قال إسحاق بن إبراهيم: سمعت الكسائي يقرأ القرآن على الناس مرتين.
وعن خلف، قال: كنت أحضر بين يدي الكسائي وهو يتلو، وينقطون على قراءته مصاحفهم.
تلا عليه: أبو عمر الدوري، وأبو الحارث الليث، ونصير بن يوسف الرازي، وقتيبة بن مهران الأصبهاني، وأحمد بن أبي سريج، وأحمد بن جبير الأنطاكي، وأبو حمدون الطيب، وعيسى بن سليمان الشيزري، وعدة.
ومن النقلة عنه: يحيى الفراء، وأبو عبيد، وخلف البزار.
وله عدة تصانيف منها: معاني القرآن، وكتاب في القراءات، وكتاب (النوادر الكبير) ، ومختصر في النحو، وغير ذلك.
وقيل: كان أيام تلاوته على حمزة يلتف في كساء، فقالوا: الكسائي.
ابن مسروق: حدثنا سلمة، عن عاصم، قال الكسائي: صليت بالرشيد، فأخطأت في آية ما أخطأ فيها صبي، قلت: " لعلهم يرجعين " فوالله ما اجترأ الرشيد أن يقول: أخطأت، لكن قال: أي لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين، قد يعثر الجواد. قال: أما هذا، فنعم.(أعلام/1304)
وعن سلمة، عن الفراء: سمعت الكسائي يقول: ربما سبقني لساني باللحن.
وعن خلف بن هشام: أن الكسائي قرأ على المنبر: " أنا أكثر منك مالا " بالنصب، فسألوه عن العلة، فثرت في وجوههم، فمحوه فقال لي: يا خلف، من يسلم من اللحن؟ .
وعن الفراء قال: إنما تعلم الكسائي النحو على كبر ولزم معاذا الهراء مدة، ثم خرج إلى الخليل.
قلت: كان الكسائي ذا منزلة رفيعة عند الرشيد، وأدب ولده الأمين، ونال جاها وأموالا، وقد ترجمته في أماكن.
سار مع الرشيد، فمات بالري بقرية أرنبوية سنة تسع وثمانين ومائة عن سبعين سنة، وفي تاريخ موته أقوال، فهذا أصحها.(أعلام/1305)
اللؤلؤي
الإمام الحافظ البارع أبو عبد الله محمد بن أبي يعقوب إسحاق بن حرب البلخي اللؤلؤي.
حدث عن: مالك، وخارجة بن مصعب، ويحيى بن يمان، وجماعة.
روى عنه: أبو بكر بن أبي الدنيا، والحسين بن أبي الأحوص، وآخرون.
قال أحمد بن سيار المروزي: كان آية من الآيات في الحفظ. كان لا يكلمه أحد إلا علاه في كل فن. وزعموا أنه ذاكر سليمان الشاذكوني، فانتصف منه.
ذكره الخطيب، وأشار إلى تضعيفه.
يقع لي من روايته في تصانيف، ابن أبي الدنيا.
لعله مات بعد الثلاثين ومائتين.(أعلام/1306)
اللالكائي
الإمام الحافظ المجود، المفتي أبو القاسم، هبة الله بن الحسن بن منصور، الطبري الرازي، الشافعي اللالكائي، مفيد بغداد في وقته.
سمع عيسى بن علي الوزير، وأبا طاهر المخلص، وجعفر بن فناكي الرازي، وأبا الحسن بن الجندي، وعلي بن محمد القصار، والعلاء بن محمد، وأبا أحمد الفرضي، وعدة. وتفقه بالشيخ أبي حامد، وبرع في المذهب.
روى عنه: أبو بكر الخطيب، وابنه محمد بن هبة الله، وأبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي، ومكي الكرجي السلار، وعدة.
قال الخطيب: كان يفهم ويحفظ، وصف كتابا في السنة وعاجلته المنية، خرج إلى الدينور، فأدركه أجله بها في شهر رمضان سنة ثمان عشرة وأربعمائة.
ثم قال: حدثني علي بن الحسين بن جداء العكبري قال: رأيت هبة الله الطبري في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: بماذا؟ فقال كلمة خفية: بالسنة.
وقال شجاع الذهلي: لم يخرج عنه شيء من الحديث إلا اليسير.
قلت: قد روى عنه أبو بكر الطريثيثي كتابه في " شرح السنة ".(أعلام/1307)
الليث بن سعد (ع)
ابن عبد الرحمن، الإمام الحافظ شيخ الإسلام، وعالم الديار المصرية أبو الحارث الفهمي مولى خالد بن ثابت بن ظاعن. وأهل بيته يقولون: نحن من الفرس، من أهل أصبهان. ولا منافاة بين القولين.
مولده: بقرقشندة - قرية من أسفل أعمال مصر - في سنة أربع وتسعين. قاله يحيى بن بكير. وقيل: سنة ثلاث وتسعين. ذكره سعيد بن أبي مريم. والأول أصح، لأن يحيى يقول: سمعت الليث يقول: ولدت في شعبان سنة أربع. قال الليث: وحججت سنة ثلاث عشرة ومائة.
سمع عطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، ونافعا العمري، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وابن شهاب الزهري، وأبا الزبير المكي، ومشرح بن هاعان، وأبا قبيل المعافري، ويزيد بن أبي حبيب، وجعفر بن ربيعة، وعبيد الله بن أبي جعفر، وبكير بن عبد الله بن الأشج، وعبد الرحمن بن القاسم، والحارث بن يعقوب، ودراجا أبا السمح الواعظ، وعقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، وحكيم بن عبد الله بن قيس، وعامر بن يحيى المعافري، وعمر مولى غفرة، وعمران بن أبي أنس، وعياش بن عباس، وكثير بن فرقد، وهشام بن عروة، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وأيوب بن موسى، وبكر بن سوادة، وأبا كثير الجلاح، والحارث بن يزيد الحضرمي، وخالد بن يزيد، وصفوان بن سليم، وخير بن نعيم، وأبا الزناد وقتادة، ومحمد بن يحيى بن حبان، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وخلقا كثيرا. حتى إنه يروي عن تلامذته، وحتى إنه روى عن نافع، ثم روى حديثا بينه وبينه فيه أربعة أنفس، وكذلك فعل في شيخه ابن شهاب، روى غير حديث بينه وبينه فيه ثلاثة رجال.(أعلام/1308)
روى عنه خلق كثير. منهم ابن عجلان شيخه، وابن لهيعة، وهشيم، وابن وهب، وابن المبارك، وعطاف بن خالد، وشبابة، وأشهب، وسعيد بن شرحبيل، وسعيد بن عفير، والقعنبي، وحجين بن المثنى، وسعيد بن أبي مريم، وآدم بن أبي إياس، وأحمد بن يونس، وشعيب بن الليث، ولده، ويحيى بن بكير، وعبد الله بن عبد الحكم، ومنصور بن سلمة، ويونس بن محمد، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ويحيى بن يحيى الليثي، ويحيى بن يحيى التميمي، وأبو الجهم العلاء بن موسى، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن رمح، ويزيد بن موهب الرملي، وكامل بن طلحة، وعيسى بن حماد زغبة، وعبد الله بن صالح الكاتب، وعمرو بن خالد، وعبد الله بن يوسف التنيسي.
ولحقه الحارث بن مسكين، وسأله عن مسألة، ورآه يعقوب بن إبراهيم الدورقي ببغداد وهو صبي.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح، أخبرنا الأرموي، وابن الداية، والطرائفي، قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن، حدثنا جعفر بن محمد الحافظ، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد بن سنان، عن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا.
هذا الحديث حسن عال. أخرجه الترمذي عن قتيبة، فوافقناه بعلو.(أعلام/1309)
أخبرنا أبو علي يوسف بن أحمد الصالحي، أخبرنا موسى بن عبد القادر الجيلي، أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن البناء (ح) وأخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد القرافي الزاهد بمصر، أخبرنا أبو علي الحسن بن إسحاق بن موهوب بن الجواليقي سنة عشرين وست مائة ببغداد (ح) وقرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم الطائي، عن أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المهتدي بالله في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة ; قالوا: أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الوراق، حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث الحافظ، حدثنا عيسى بن حماد التجيبي، أخبرنا الليث بن سعد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش، والله ما فيكم أحد على دين إبراهيم غيري، وكان يحيي الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: مه، لا تقتلها، أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت، قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت، كفيتك مؤنتها. هذا حديث صحيح، وإنما يرويه الليث عن هشام بالإجازة، لأن البخاري، أخرجه في صحيحه تعليقا، فقال: وقال الليث: كتب إلي هشام بن عروة: فذكر الحديث. فهو في الصحيح وجادة على إجازة.
أخبرنا أحمد بن إسحاق: أخبرنا أكمل بن أبي الأزهر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا محمد بن عمر بن زنبور، حدثنا أبو بكر بن أبي داود، حدثنا عيسى بن حماد، أخبرنا الليث، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة.(أعلام/1310)
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا موسى بن عبد القادر، والحسين بن المبارك، وأخبرنا أحمد بن المؤيد، أخبرنا عبد اللطيف بن عسكر، وحسن بن أبي بكر بن الزبيدي، والنفيس بن كرم، وأخبرنا أحمد بن أبي طالب، وخلق، قالوا: أخبرنا أبو المنجا عبد الله بن عمر بن اللتي، قالوا ستتهم: أخبرنا أبو الوقت السجزي، أخبرنا محمد بن أبي مسعود، أخبرنا أبو محمد بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم البغوي، أخبرنا العلاء بن موسى الباهلي، حدثنا الليث، عن نافع، أن ابن عمر كان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية، قال: إن الله حرم المشركات على المسلمين، ولا أعلم من الإشراك شيئا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عبيد الله. أخرجه البخاري عن قتيبة، عن الليث.(أعلام/1311)
أخبرنا القاضي تاج الدين أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان ببعلبك، بقراءتي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم (ح) وأخبرنا عز الدين إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي، أخبرنا محمد بن خلف الفقيه، سنة ست عشرة وست مائة (ح) وأخبرنا بيبرس المجدي بحلب، أخبرنا عبد الله بن عمر بن النخال، قالوا: أخبرتنا فخر النساء شهدة بنت أحمد الكاتبة أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد السلام الأنصاري، (ح) وأخبرنا أبو الفداء إسماعيل بن الفراء، أخبرنا أبو محمد بن قدامة الفقيه، أخبرنا أبو الفتح بن البطي، ويحيى بن ثابت البقال، قال أبو الفتح: أخبرنا أبو الفضل أحمد بن الحسن الحافظ، وقال البقال: أخبرنا أبي، قالوا: أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب الحافظ، قال: قرأت على أبي العباس بن حمدان، حدثكم محمد بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن بكير، حدثني الليث بن سعد، عن يزيد بن الهاد، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: فذكر الحديث: بينا أنا نائم رأيتني على قليب، فنزعت ما شاء الله أن أنزع.(أعلام/1312)
أخبرناه إسماعيل بن عبد الرحمن، وأحمد بن عبد الحميد، قالا: أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أخبرنا أبو بكر بن النقور، أخبرنا علي بن محمد العلاف، أخبرنا أبو الحسن بن الحمامي، حدثنا دعلج بن أحمد، حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يزيد بن الهاد، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: بينا أنا نائم رأيتني على قليب، فنزعت منها ما شاء الله، ثم نزع ابن قحافة ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، وليغفر الله له، ثم استحالت غربا، فأخذ ابن الخطاب، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزعه حتى ضرب. الناس بعطن
رواه من حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد، مسلم في " صحيحه "، عن أبيه، عن صالح نحوه، والبخاري، عن يسرة، عن إبراهيم، عن الزهري بنفسه.
أخبرنا أبو المعالي القرافي، أخبرنا الفتح بن عبد الله، أخبرنا الأرموي، وابن الداية، والطرائفي، قالوا: أخبرنا ابن المسلمة، أخبرنا أبو الفضل الزهري، حدثنا الفريابي، حدثنا يزيد بن خالد الرملي، حدثنا الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب، أن أبا إدريس عائذ الله الخولاني، أخبره أن يزيد بن عميرة، وكان من أصحاب معاذ بن جبل، قال: كان معاذ لا يجلس مجلسا إلا قال حين يجلس: الله حكم قسط تبارك اسمه، هلك المرتابون.
كان الليث - رحمه الله - فقيه مصر، ومحدثها، ومحتشمها، ورئيسها، ومن يفتخر بوجوده الإقليم، بحيث إن متولي مصر وقاضيها وناظرها، من تحت أوامره، ويرجعون إلى رأيه، ومشورته، ولقد أراده المنصور على أن ينوب له على الإقليم، فاستعفى من ذلك.
ومن غرائب حديث الليث، عن الزهري، عن أنس، حديث: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار صححه أبو عيسى وغربه.(أعلام/1313)
قال أبو مسهر الغساني شيخ أهل دمشق: قدم علينا الليث، فكان يجالس سعيد بن عبد العزيز، فأتاه أصحابنا، فعرضوا عليه، فلم أر أنا أخذ ذلك عرضا حتى قدمت على مالك.
عبد الله بن أحمد بن شبويه: سمعت سعيد بن أبي مريم، سمعت ليث بن سعد يقول: بلغت الثمانين، وما نازعت صاحب هوى قط.
قلت: كانت الأهواء والبدع خاملة في زمن الليث، ومالك، والأوزاعي، والسنن ظاهرة عزيزة. فأما في زمن أحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي عبيد، فظهرت البدعة، وامتحن أئمة الأثر، ورفع أهل الأهواء رءوسهم بدخول الدولة معهم، فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة، ثم كثر ذلك، واحتج عليهم العلماء أيضا بالمعقول، فطال الجدال، واشتد النزاع، وتولدت الشبه. نسأل الله العافية.
قال ابن بكير: سمعت الليث يقول: سمعت بمكة سنة ثلاث عشرة ومائة من الزهري وأنا ابن عشرين سنة. وقال عيسى بن زغبة، عن الليث قال: أصلنا من أصبهان، فاستوصوا بهم خيرا.
قال يحيى بن بكير: أخبرني من سمع الليث يقول: كتبت من علم ابن شهاب علما كثيرا، وطلبت ركوب البريد إليه، إلى الرصافة، فخفت أن لا يكون ذلك لله، فتركته، ودخلت على نافع، فسألني، فقلت: أنا مصري. فقال: ممن؟ قلت: من قيس؟ قال: ابن كم؟ قلت: ابن عشرين سنة. قال: أما لحيتك، فلحية ابن أربعين.
قال أبو صالح: خرجت مع الليث إلى العراق سنة إحدى وستين ومائة. خرجنا في شعبان، وشهدنا الأضحى ببغداد، قال: وقال لي الليث ونحن ببغداد: سل عن منزل هشيم الواسطي، فقل له: أخوك ليث المصري يقرئك السلام، ويسألك أن تبعث إليه شيئا من كتبك، فلقيت هشيما، فدفع إلي شيئا، فكتبنا منه، وسمعتها مع الليث.(أعلام/1314)
قال الحسن بن يوسف بن مليح: سمعت أبا الحسن الخادم، وكان قد عمي من الكبر في مجلس يسر، قال: كنت غلاما لزبيدة، وأتي بالليث بن سعد تستفتيه، فكنت واقفا على رأس ستي زبيدة، خلف الستارة، فسأله الرشيد، فقال له: حلفت إن لي جنتين، فاستحلفه الليث ثلاثا: إنك تخاف الله؟ فحلف له، فقال: قال الله: ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: فأقطعه قطائع كثيرة بمصر. قلت: إن صح هذا، فهذا كان قبل خلافة هارون. قال محمد بن إبراهيم العبدي: سمعت ابن بكير يحدث عن يعقوب بن داود وزير المهدي، قال: قال أمير المؤمنين لما قدم الليث العراق: الزم هذا الشيخ، فقد ثبت عندي أنه لم يبق أحد أعلم بما حمل منه.
الفسوي: حدثنا ابن بكير، قال: قال الليث: قال لي أبو جعفر: تلي لي مصر؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين، إني أضعف عن ذلك، إني رجل من الموالي، فقال: ما بك ضعف معي، ولكن ضعفت نيتك في العمل لي.
وحدثنا ابن بكير، قال: قال عبد العزيز بن محمد: رأيت الليث عند ربيعة يناظرهم في المسائل، وقد فرفر أهل الحلقة.
أبو إسحاق بن يونس الهروي: حدثنا الدارمي، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا شرحبيل بن جميل قال: أدركت الناس أيام هشام الخليفة، وكان الليث بن سعد حدث السن، وكان بمصر عبيد الله بن أبي جعفر، وجعفر بن ربيعة، والحارث بن يزيد، ويزيد بن أبي حبيب، وابن هبيرة، وإنهم يعرفون لليث فضله وورعه وحسن إسلامه عن حداثة سنه، ثم قال ابن بكير: لم أر مثل الليث.
وروى عبد الملك بن يحيى بن بكير، عن أبيه، قال: ما رأيت أحدا أكمل من الليث.(أعلام/1315)
وقال ابن بكير: كان الليث فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، حسن المذاكرة، فما زال يذكر خصالا جميلة، ويعقد بيده، حتى عقد عشرة: لم أر مثله. ونقل الخطيب في " تاريخه " عن محمد بن إبراهيم البوشنجي، سمع ابن بكير يقول: أخبرت عن سعيد بن أبي أيوب، قال: لو أن مالكا والليث اجتمعا، لكان مالك عند الليث أخرس، ولباع الليث مالكا فيمن يزيد.
قلت: لا يصح إسنادها لجهالة من حدث عن سعيد بها، أو أن سعيدا ما عرف مالكا حق المعرفة.
أخبرنا المؤمل بن محمد، والمسلم بن علان كتابة، قالا: أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الحافظ، أخبرنا ابن رزق، أخبرنا علي بن محمد المصري، حدثنا محمد بن أحمد بن عياض بن أبي طيبة المفرض حدثنا هارون بن سعيد: سمعت ابن وهب يقول: كل ما كان في كتب مالك: وأخبرني من أرضى من أهل العلم، فهو الليث بن سعد. وبه إلى أبي بكر: حدثنا الصوري، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر التجيبي، أخبرنا الحسن بن يوسف بن صالح بن مليح الطرائفي، سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال ابن وهب: لولا مالك، والليث، لضل الناس.
قال أحمد الأبار: حدثنا أبو طاهر، عن ابن وهب، قال: لولا مالك، والليث، هلكت، كنت أظن كل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل به.
جعفر بن محمد الرسعني: حدثنا عثمان بن صالح، قال: كان أهل مصر ينتقصون عثمان، حتى نشأ فيهم الليث، فحدثهم بفضائله، فكفوا. وكان أهل [حمص] ينتقصون عليا حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش، فحدثهم بفضائل علي، فكفوا عن ذلك.(أعلام/1316)
المأمون
الخليفة أبو العباس، عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور العباسي.
ولد سنة سبعين ومائة.
وقرأ العلم والأدب والأخبار والعقليات وعلوم الأوائل، وأمر بتعريب كتبهم، وبالغ، وعمل الرصد فوق جبل دمشق، ودعا إلى القول بخلق القرآن وبالغ نسأل الله السلامة.
وسمع من: هشيم، وعبيد بن العوام، ويوسف بن عطية، وأبي معاوية، وطائفة.
روى عنه: ولده الفضل، ويحيى بن أكثم، وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي، وعبد الله بن طاهر الأمير، ودعبل الشاعر، وأحمد بن الحارث الشيعي.
وكان من رجال بني العباس حزما وعزما ورأيا وعقلا وهيبة وحلما، ومحاسنه كثيرة في الجملة.
قال ابن أبي الدنيا: كان أبيض ربعة، حسن الوجه، تعلوه صفرة، قد وخطه الشيب، وكان طويل اللحية، أعين، ضيق الجبين، على خده شامة.
أتته وفاة أبيه وهو بمرو سائرا لغزو ما وراء النهر، فبايع من قبله لأخيه الأمين، ثم جرت بينهما أمور وخطوب وبلاء وحروب تشيب النواصي، إلى أن قتل الأمين، وبايع الناس المأمون في أول سنة ثمان وتسعين ومائة.
قال الخطبي كنيته أبو العباس، فلما استخلف، اكتنى بأبي جعفر، واسم أمه مراجل، ماتت في نفاسها به.
قال: ودعي له بالخلافة في آخر سنة خمس وتسعين، إلى أن قتل الأمين، فاجتمع الناس عليه، فاستعمل على العراق الحسن بن سهل، ثم بايع بالعهد لعلي بن موسى الرضي، ونوه بذكره، ونبذ السواد، وأبدله بالخضرة فهاجت بنو العباس، وخلعوا المأمون، ثم بايعوا عمه إبراهيم بن المهدي ولقبوه المبارك، وعسكروا، فحاربهم الحسن بن سهل، فهزموه، فتحيز إلى واسط، ثم سار جيش المأمون عليهم حميد الطوسي، وعلي بن هشام، فالتقوا إبراهيم، فهزموه، فاختفى زمانا وانقطع خبره إلى أن ظفر به بعد ثمان سنين، فعفا عنه المأمون.(أعلام/1317)
وكان المأمون عالما فصيحا مفوها، وكان يقول: معاوية بن أبي سفيان بعمره، وعبد الملك بحجاجه، وأنا بنفسي. وقد رويت هذه أن المنصور قالها.
وعن المأمون: أنه تلا في رمضان ثلاثا وثلاثين ختمة.
الحسين بن فهم: حدثنا يحيى بن أكثم: قال لي المأمون: أريد أن أحدث. قلت: ومن أولى بهذا منك؟ قال: ضعوا لي منبرا، ثم صعد.
قال: فأول ما حدثنا عن هشيم، عن أبي الجهم، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا: امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار ثم حدث بنحو من ثلاثين حديثا. ونزل، فقال: كيف رأيت أبا يحيى مجلسنا؟ قلت: أجل مجلس، تفقه الخاصة والعامة. قال: ما رأيت له حلاوة، إنما المجلس لأصحاب الخلقان والمحابر.
أبو العباس السراج: حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال: تقدم رجل غريب بيده محبرة إلى المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث منقطع به. فقال: ما تحفظ في باب كذا وكذا؟ فلم يذكر شيئا.
فقال: حدثنا هشيم، وحدثنا يحيى، وحدثنا حجاج بن محمد، حتى ذكر الباب، ثم سأله عن باب آخر، فلم يذكر شيئا. فقال: حدثنا فلان، وحدثنا فلان. ثم قال لأصحابه: يطلب أحدهم الحديث ثلاثة أيام، ثم يقول: أنا من أصحاب الحديث، أعطوه ثلاثة دراهم.
قلت: وكان جوادا ممدحا معطاء، ورد عنه أنه فرق في جلسة ستة وعشرين ألف ألف درهم، وكان يشرب نبيذ الكوفة، وقيل: بل يشرب الخمر -فالله أعلم.
وقيل: إنه أعطى أعرابيا مدحه ثلاثين ألف دينار.(أعلام/1318)
مسروق بن عبد الرحمن الكندي: حدثني محمد بن المنذر الكندي جار لعبد الله بن إدريس، قال: حج الرشيد، فدخل الكوفة، فلم يتخلف إلا ابن إدريس وعيسى بن يونس، فبعث إليهما الأمين والمأمون، فحدثهما ابن إدريس بمائة حديث، فقال المأمون: يا عم أتأذن لي أن أعيدها حفظا؟ قال: افعل. فأعادها، فعجب من حفظه. ومضيا إلى عيسى، فحدثهما، فأمر له المأمون بعشرة آلاف درهم، فأبى، وقال: ولا شربة ماء على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
روى محمد بن عون، عن ابن عيينة، أن المأمون جلس، فجاءته امرأة، فقالت: مات أخي، وخلف ستمائة دينار، فأعطوني دينارا واحدا، وقالوا: هذا ميراثك. فحسب المأمون، وقال: هذا خلف أربع بنات. قالت: نعم. قال: لهن أربعمائة دينار. قالت: نعم. قال: وخلف أما فلها مائة دينار، وزوجة لها خمسة وسبعون دينارا. بالله ألك اثنا عشر أخا؟ قالت: نعم. قال: لكل واحد ديناران، ولك دينار.
قال ابن الأعرابي: قال لي المأمون: خبرني عن قول هند بنت عتبة:
نحن بنات طارق
نمشي على النمارق
من هو طارق؟ فنظرت في نسبها، فلم أجده، فقلت: لا أعرف.
قال: إنما أرادت النجم: انتسبت إليه لحسنها. ثم دحا إلي بعنبرة، بعتها بخمسة آلاف درهم.
وعن المأمون: من أراد أن يكتب كتابا سرا، فليكتب بلبن حلب لوقته، ويرسله، فيعمد إلى قرطاس، فيحرقه، ويذر رماده على الكتابة، فيقرأ له.
قال الصولي: اقترح المأمون في الشطرنج أشياء، وكان يحب اللعب بها، ويكره أن يقول: نلعب بها، بل نتناقل بها.(أعلام/1319)
وعن يحيى بن أكثم قال: كان المأمون يجلس للمناظرة يوم الثلاثاء، فجاء رجل قد شمر ثيابه، ونعله في يده، فوقف على طرف البساط، وقال: السلام عليكم. فرد المأمون، فقال: أتاذن لي في الدنو؟ قال: ادن، وتكلم، قال: أخبرني عن هذا المجلس الذي أنت فيه، جلسته باجتماع الأمة أم بالغلبة والقهر؟ قال: لا بهذا ولا بهذا، بل كان يتولى أمر الأمة من عقد لي ولأخي، فلما صار الأمر إلي، علمت أني محتاج إلى اجتماع كلمة المسلمين على الرضى بي، فرأيت أني متى خليت الأمر، اضطرب حبل الإسلام، ومرج عهدهم، وتنازعوا، وبطل الحج والجهاد، وانقطعت السبل، فقمت حياطة للمسلمين، إلى أن يجمعوا على من يرضونه، فأسلم إليه. فقال: السلام عليك ورحمة الله. وذهب، فوجه المأمون من يكشف خبره، فرجع، فقال: مضى إلى مسجد فيه خمسة عشر رجلا في هيئته، فقالوا: لقيت الرجل؟ قال: نعم، وأخبرهم بما جرى، فقالوا: ما نرى بما قال بأسا، وافترقوا. فقال المأمون: كفينا مؤنة هؤلاء بأيسر الخطب.
وقيل: إن المأمون استخرج كتب الفلاسفة واليونان من جزيرة قبرس، وقدم دمشق مرتين.
قال أبو معشر المنجم: كان أمارا بالعدل، محمود السيرة، ميمون النقيبة، فقيه النفس، يعد من كبار العلماء.
وروى عن الرشيد، قال: إني لأعرف في عبد الله ابني حزم المنصور، ونسك المهدي، وعزة الهادي، ولو أشاء أن أنسبه إلى الرابع -يعني نفسه- لفعلت، وقد قدمت محمدا عليه، وإني لأعلم أنه منقاد إلى هواه، مبذر لما حوته يداه، يشارك في رأيه الإماء، ولولا أم جعفر وميل الهاشميين إليه، لقدمت عليه عبد الله.
عن المأمون قال: لو عرف الناس حبي للعفو، لتقربوا إلي بالجرائم وأخاف أن لا أوجر فيه.(أعلام/1320)
وعن يحيى بن أكثم: كان المأمون يحلم حتى يغيظنا، قيل: مر ملاح، فقال: أتظنون أن هذا ينبل عندي وقد قتل أخاه الأمين؟ ! فسمعها المأمون، فتبسم، وقال: ما الحيلة حتى أنبل في عين هذا السيد الجليل؟ .
قيل: أهدى ملك الروم للمأمون نفائس، منها مائة رطل مسك، ومائة حلة سمور. فقال المأمون: أضعفوها له ليعلم عز الإسلام.
وقيل: أدخل خارجي على المأمون، فقال: ما حملك على الخلاف؟ قال: قوله: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال: ألك علم بأنها منزلة؟ قال: نعم. قال: وما دليلك؟
قال: إجماع الأمة. قال: فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل، فارض بإجماعهم في التأويل. قال: صدقت. السلام عليك يا أمير المؤمنين.
الغلابي: حدثنا مهدي بن سابق قال: دخل المأمون ديوان الخراج، فرأى غلاما جميلا على أذنه قلم، فأعجبه جماله، فقال: من أنت؟ قال: الناشئ في دولتك، وخريج أدبك، والمتقلب في نعمتك يا أمير المؤمنين، حسن بن رجاء، فقال: يا غلام، بالإحسان في البديهة تفاضلت العقول، ثم أمر برفع رتبته، وأمر له بمائة ألف. وعن المأمون قال: أعياني جواب ثلاثة:
صرت إلى أم ذي الرياستين الفضل بن سهل أعزيها فيه، وقلت: لا تأسي عليه، فإني عوضه لك، قالت: يا أمير المؤمنين، وكيف لا أحزن على ولد أكسبني مثلك.
قال: وأتيت بمتنبئ، فقلت: من أنت؟ قال: أنا موسى بن عمران. قلت: ويحك، موسى كانت له آيات، فائتني بها حتى أومن بك. قال: إنما أتيت بالمعجزات فرعون، فإن قلت: أنا ربكم الأعلى كما قال، أتيتك بالآيات.(أعلام/1321)
وأتى أهل الكوفة يشكون عاملهم، فقال خطيبهم: هو شر عامل، أما في أول سنة، فبعنا الأثاث والعقار، وفي الثانية بعنا الضياع، وفي الثالثة نزحنا وأتيناك، قال: كذبت، بل هو محمود، وعرفت سخطكم على العمال. قال: صدقت يا أمير المؤمنين، وكذبت، قد خصصتنا به مدة دون باقي البلاد، فاستعمله على بلد آخر ليشملهم من عدله وإنصافه ما شملنا. فقلت: قم في غير حفظ الله، قد عزلته.
أول قدوم المأمون من خراسان سنة أربع ومائتين، فدخل بغداد في محمل لم يسمع بمثله.
قال إبراهيم نفطويه: حكى داود بن علي، عن يحيى بن أكثم قال: كنت عند المأمون وعنده قواد خراسان، وقد دعا إلى القول بخلق القرآن، فقال لهم: ما تقولون في القرآن؟ فقالوا: كان شيوخنا يقولون: ما كان فيه من ذكر الحمير والجمال والبقر فهو مخلوق، فأما إذ قال أمير المؤمنين: هو مخلوق، فنحن نقول: كله مخلوق. فقلت للمأمون: أتفرح بموافقة هؤلاء؟
قلت: وكان شيعيا.
قال نفطويه: بعث المأمون مناديا، فنادى في الناس ببراءة الذمة ممن ترحم على معاوية، أو ذكره بخير. وكان كلامه في القرآن سنة اثنتي عشرة ومائتين، فأنكر الناس ذلك، واضطربوا، ولم ينل مقصوده، ففتر إلى وقت.
وعن المأمون قال: الناس ثلاثة: رجل منهم مثل الغذاء لا بد منه، ومنهم كالدواء يحتاج إليه في حال المرض، ومنهم كالداء مكروه على كل حال.
وعنه قال: لا نزهة ألذ من النظر في عقول الرجال.
وعنه: غلبة الحجة أحب إلي من غلبة القدرة.
وعنه: الملك يغتفر كل شيء إلا القدح في الملك، وإفشاء السر، والتعرض للحرم.
وعنه: أعيت الحيلة في الأمر إذا أقبل أن يدبر، وإذا أدبر أن يقبل.
وقيل له: أي المجالس أحسن؟ قال: ما نظر فيه إلى الناس، فلا منظر أحسن من الناس.
أبو داود المصاحفي حدثنا النضر بن شميل قال: دخلت على المأمون، فقلت: إني قلت اليوم هذا:(أعلام/1322)
أصبح ديني الذي أدين به
ولست منه الغداة معتذرا
حب علي بعد النبي ولا
أشتم صديقه ولا عمرا
وابن عفان في الجنان مع ال
أبرار ذاك القتيل مصطبرا
وعائش الأم لست أشتمها
من يفتريها فنحن منه برا
قيل: إن المأمون لتشيعه أمر بالنداء بإباحة المتعة -متعة النساء- فدخل عليه يحيى بن أكثم، فذكر له حديث علي -رضي الله عنه- بتحريمها، فلما علم بصحة الحديث، رجع إلى الحق، وأمر بالنداء بتحريمها.
أما مسألة القرآن، فما رجع عنها، وصمم على امتحان العلماء في سنة ثمان عشرة، وشدد عليهم، فأخذه الله.
وكان كثير الغزو، وفي ثاني سنة من خلافته خرج عليه بالكوفة محمد بن طباطبا العلوي، يدعو إلى الرضى من آل محمد، والعمل بالسنة، وكان مدير دولته أبو السرايا الشيباني، ويسرع الناس إليه، وبادر إليه الأعراب، فالتقاه عسكر المأمون، عليهم زهير بن المسيب، فانهزموا، وقوي أمر العلوي، ثم أصبح ميتا فجأة، فقيل: سمه أبو السرايا، وأقام في الحال مكانه أمرد علويا، ثم تجهز لحربهم جيش، فكسروا، وقتل مقدمهم عبدوس المروروذي، وقوي الطالبيون، وأخذوا واسطا والبصرة، وعظم الخطب، ثم حشد الجيش عليهم هرثمة، وجرت فصول طويلة.
والتقوا غير مرة، ثم هرب أبو السرايا والطالبيون من الكوفة، ثم قتل أبو السرايا سنة مائتين، وهاجت العلوية بمكة، وحاربوا، وعظم هرثمة بن أعين، وأعطي إمرة الشام، فلم يرض بها، وذهب إلى مرو، فقتلوه.
ثم في سنة إحدى ومائتين: جعل المأمون ولي عهده عليا الرضي ولبس الخضرة وثارت العباسية، فخلعوه وفيها تحرك بابك الخرمي بأذربيجان وقتل وسبى، وذكر الرضي للمأمون ما الناس فيه من الحرب والفتن منذ قتل الأمين، وبما كان الفضل بن سهل يخفيه عنه من الأخبار، وأن أهل بيته قد خرجوا، ونقموا أشياء، يقولون: هو مسحور، هو مجنون.(أعلام/1323)
قال: ومن يعرف هذا؟ قال: عدة من أمرائك، فاسألهم، فأبوا أن ينطقوا إلا بأمان من الفضل، فضمن ذلك، فبينوا له، وأن طاهر بن الحسين، قد أبلى في طاعتك، وفتح الأمصار، وقاد إلى أمير المؤمنين الخلافة، ثم أخرج من ذلك كله، وصير في الرقة، ولو كان على العراق حاكما لضبطها بخلاف الحسن بن سهل، وقالوا له: فسر إلى العراق، فلو رآك القواد، لأذعنوا بالطاعة، فقال: سيروا.
فلما علم الفضل، ضرب بعضهم، وحبس آخرين، وما أمكن المأمون مبادرته، فسار من مرو إلى سرخس، فشد قوم على الفضل، فقتلوه في حمام في شعبان سنة اثنتين ومائتين عن ستين سنة، فجعل المأمون لمن جاء بقاتليه عشرة آلاف دينار -وكانوا أربعة من مماليك المأمون - فقالوا: أنت أمرتنا بقتله، فأنكر، وضرب أعناقهم.
وضعف أمر إبراهيم بن المهدي بعد محاربة وبلاء.
وفي سنة 203: مات الرضي فجأة.
وفي سنة أربع: وصل المأمون، فتلقاه إلى النهروان بنو العباس، وبنو أبي طالب، وعتبوا عليه في لبس الخضرة، فتوقف، ثم أعاد السواد.
وفيها التقى يحيى بن معاذ أمير الجزيرة بابك الخرمي وولي طاهر جميع خراسان، وأمر له بعشرة آلاف ألف درهم. وفيها -أعني سنة 205- نصر المسلمون على بابك، وبيتوه.
وفي سنة سبع: خرج باليمن علوي فأمنه المأمون وقدم.
ومات طاهر، ويقال: إنه كان قد قطع دعوة المأمون قبل موته، وخرج، فقام بعده ابنه طلحة، فولاه المأمون خراسان، فبقي سبعة أعوام، ومات، فوليها أخوه عبد الله بن طاهر.
وكانت الحروب شديدة بين عسكر الإسلام بين بابك، وظهر باليمن الصناديقي، وقتل، وسبى، وادعى النبوة، ثم هلك بالطاعون.
وخرج حسن أخو طاهر بن الحسين بكرمان، فظفر به المأمون، وعفا عنه.
وكان المأمون يجل أهل الكلام، ويتناظرون في مجلسه، وسار صدقة بن علي لحرب " بابك "، فأسره " بابك " وتمرد وعتا.(أعلام/1324)
وفي سنة عشر: دخل المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل بواسط، وأقام عندها بجيشه سبعة عشر يوما، فكانت نفقة الحسن على العرس وتوابعه خمسين ألف ألف درهم، فملكه المأمون مدينة، وأعطاه من المال خمسمائة ألف دينار.
وفي سنة إحدى عشرة: قهر ابن طاهر المتغلبين على مصر، وأسر جماعة.
وفي سنة اثنتي عشرة: سار محمد بن حميد الطوسي لمحاربة بابك، وأظهر المأمون تفضيل علي على الشيخين، وأن القرآن مخلوق، واستعمل على مصر والشام أخاه المعتصم، فقتل طائفة، وهذب مصر، ووقع المصاف مع بابك مرات.
وفي سنة خمس عشرة: سار المأمون لغزو الروم، ومن غزوته عطف إلى دمشق.
وفي سنة ست عشرة: كر غازيا في الروم، وجهز أخاه المعتصم، ففتح حصونا، ودخل سنة سبع عشرة مصر، وقتل المتغلب عليها عبدوسا الفهري، ثم كر إلى أذنة، وسار، فنازل " لؤلؤة " وحاصرها مائة يوم، وترحل.
وأقبل توفيل طاغية الروم ثم وقعت الهدنة بعد أن كتب توفيل، فبدأ بنفسه، وأغلظ في المكاتبة فغضب المأمون، وعزم على المسير إلى قسطنطينية، فهجم الشتاء.
وفيها وقع حريق عظيم بالبصرة أذهب أكثرها.
وفي سنة " 218 ": اهتم المأمون ببناء طوانة، وحشد لها الصناع، وبناها ميلا في ميل، وهي وراء " طرسوس "، وافتتح عدة حصون وبالغ في محنة القرآن، وحبس إمام الدمشقيين أبا مسهر، بعد أن وضعه في النطع للقتل، فتلفظ مكرها.(أعلام/1325)
وكتب المأمون إلى نائبه على العراق إسحاق بن إبراهيم الخزاعي كتابا يمتحن العلماء، يقول فيه: " وقد عرفنا أن الجمهور الأعظم والسواد من حشو الرعية وسفلة العامة، ممن لا نظر لهم ولا روية، أهل جهالة وعمى عن أن يعرفوا الله كنه معرفته، ويقدروه حق قدره، ويفرقوا بينه وبين خلقه، فساووا بين الله وبين خلقه، وأطبقوا على أن القرآن قديم، لم يخترعه الله، وقد قال: إنا جعلناه قرآنا فكل ما جعله فقد خلقه، كما قال: وجعل الظلمات والنور وقال: نقص عليك من أنباء ما قد سبق فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها.
وقال: أحكمت آياته ثم فصلت والله محكم له، فهو خالقه ومبدعه. . . إلى أن قال: فمال قوم من أهل السمت الكاذب والتخشع لغير الله إلى موافقتهم، فرأى أمير المؤمنين أنهم شر الأمة ولعمرو أمير المؤمنين، إن أكذب الناس من كذب على الله ووحيه، ولم يعرف الله حق معرفته. فاجمع القضاة، وامتحنهم، فيما يقولون، وأعلمهم أني غير مستعين في عمل، ولا واثق بمن لا يوثق بدينه، فإن وافقوا فمرهم بنص من بحضرتهم من الشهود، ومسألتهم عن علمهم في القرآن، ورد شهادة من لم يقر أنه مخلوق.(أعلام/1326)
وكتب المأمون -أيضا- في أشخاص سبعة، محمد بن سعد، وابن معين، وأبي خيثمة، وأبي مسلم المستملي، وإسماعيل بن داود، وأحمد الدورقي، فامتحنوا فأجابوا -قال ابن معين: جبنا خوفا من السيف - وكتب بإحضار من امتنع منهم: أحمد بن حنبل، وبشر بن الوليد، وأبي حسان الزيادي، والقواريري، وسجادة، وعلي بن الجعد، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وعلي بن أبي مقاتل، وذيال بن الهيثم، وقتيبة بن سعيد، وسعدويه، في عدة، فتلكأ طائفة، وصمم أحمد وابن نوح، فقيدا، وبعث بهما، فلما بلغا الرقة، تلقاهم موت المأمون، وكان مرض بأرض الثغر، فلما احتضر، طلب ابنه العباس ليقدم، فوافاه بآخر رمق، وقد نفذت الكتب إلى البلدان، فيها: " من المأمون وأخيه أبي إسحاق الخليفة من بعده " فقيل: وقع ذلك بغير أمر المأمون، وقيل: بل بأمره.(أعلام/1327)
وأشهد على نفسه عند الموت أن عبد الله بن هارون أشهد عليه أن الله وحده لا شريك له، وأنه خالق، وما سواه مخلوق، ولا يخلو القرآن من أن يكون شيئا له مثل، والله لا مثل له، والبعث حق، وإني مذنب، أرجو وأخاف، وليصل علي أقربكم، وليكبر خمسا، فرحم الله عبدا اتعظ وفكر فيما حتم الله على جميع خلقه من الفناء، فالحمد لله الذي توحد بالبقاء، ثم لينظر امرؤ ما كنت فيه من عز الخلافة، هل أغنى عني شيئا إذ نزل أمر الله بي؟ لا والله، لكن أضعف به على الحساب، فيا ليتني لم أك شيئا، يا أخي، ادن مني، واتعظ بما ترى، وخذ بسيرة أخيك في القرآن، واعمل في الخلافة إذ طوقكها الله عمل المريد لله، الخائف من عقابه، ولا تغتر فكأن قد نزل بك الموت، ولا تغفل أمر الرعية، الرعية الرعية، فإن الملك بهم، الله الله فيهم وفي غيرهم، يا أبا إسحاق، عليك عهد الله، لتقومن بحقه في عباده، ولتؤثرن طاعته على معصيته، فقال: اللهم نعم. هؤلاء بنو عمك من ذرية علي -رضي الله عنه-، أحسن صحبتهم، وتجاوز عن مسيئهم.
ثم مات في رجب، في ثاني عشره، سنة ثمان عشرة ومائتين وله ثمان وأربعون سنة، توفي بالبذندون فنقله ابنه العباس، ودفنه بطرسوس في دار خاقان خادم أبيه.
قال الأصمعي: كان نقش خاتمه: عبد الله بن عبيد الله.
وله من الأولاد: محمد الكبير، والعباس، وعلي، ومحمد، وعبيد الله، والحسن، وأحمد، وعيسى، وإسماعيل، والفضل، وموسى، وإبراهيم، ويعقوب، وحسن، وسليمان، وهارون، وجعفر، وإسحاق، وعدة بنات.(أعلام/1328)
المؤيد بالله
إبراهيم بن المتوكل بن المعتصم.
عقد له أخوه بولاية عهد الخلافة من بعده، ودعي له في الأمصار، ثم بلغ المعتز عنه أمر، فضربه، وخلعه من العهد، وحبسه يوما، ثم أخرج ميتا. فقيل: أجلس في الثلج حتى مات بردا، وبعث به إلى أمه، فبعثت تقول لقبيحة أم المعتز: عن قريب ترين المعتز ابنك هكذا.
قلت: كذا وقع، وما أمهله الله. قتل المؤيد في رجب سنة اثنتين وخمسين ومائتين. وكان شابا مليحا.(أعلام/1329)
الماجشون (ع)
عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، ميمون -وقيل: دينار- الإمام المفتي الكبير أبو عبد الله، وأبو الأصبغ التيمي مولاهم المدني، الفقيه، والد المفتي عبد الملك بن الماجشون، صاحب مالك، وابن عم يوسف بن يعقوب الماجشون.
سكن مدة ببغداد، وحدث عن: الزهري، وابن المنكدر، ووهب بن كيسان، وهلال بن أبي ميمونة، وعمه يعقوب بن أبي سلمة، وسهيل بن أبي صالح، وعبد الرحمن بن القاسم، وعبد الله بن الفضل الهاشمي، وعبد الله بن دينار، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وسعد بن إبراهيم، وعمرو بن يحيى بن عمارة، وهشام بن عروة، وعبيد الله بن عمر، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، وعمر بن حسين، وعدة من علماء بلده، ولم يكن بالمكثر من الحديث، لكنه فقيه النفس، فصيح، كبير الشأن.
حدث عنه: إبراهيم بن طهمان، وزهير بن معاوية، والليث بن سعد، ووكيع، وابن مهدي، وشبابة، وابن وهب، وأبو داود، وأبو عامر العقدي، ويحيى بن حسان، وعمرو بن الهيثم أبو قطن، وهاشم بن القاسم، وحجين بن المثنى، وأسد بن موسى، وأحمد بن يونس، وإسماعيل بن أبي أويس، وحجاج بن منهال، وبشر بن الوليد الكندي، وسعدويه الواسطي، وعبد الله بن صالح العجلي، وعبد الله بن صالح الجهني الكاتب، وعلي بن الجعد، وغسان بن الربيع، وأبو سلمة التبوذكي، وأبو الوليد الطيالسي، وخلق سواهم.
ونقل ابن أبي خيثمة أن أصله من أصبهان، نزل المدينة، فكان يلقى الناس، فيقول: جوني، جوني.(أعلام/1330)
قال: وسئل أحمد بن حنبل: كيف لقب بالماجشون؟ قال: تعلق من الفارسية بكلمة، وكان إذا لقي الرجل يقول: شوني، شوني، فلقب: الماجشون. وقال إبراهيم الحربي: الماجشون فارسي، وإنما سمي الماجشون ; لأن وجنتيه كانتا حمراوين، فسمي بذلك، وهو الخمر، فعربه أهل المدينة. وقيل: أصل الكلمة: الماه كون فهو وولده يعرفون بذلك. وقال غيره: هذا اللقب عليه وعلى أهل بيته.
قال علي بن الحسين بن حيان: وجدت في كتاب جدي بخطه: قيل لأبي بكر: حدثنا ابن معين: عبد العزيز بن الماجشون هو مثل الليث وإبراهيم بن سعد؟ قال: لا، هو دونهما، إنما كان رجلا يقول بالقدر والكلام، ثم تركه وأقبل إلى السنة، ولم يكن من شأنه الحديث، فلما قدم بغداد، كتبوا عنه فكان بعد يقول: جعلني أهل بغداد محدثا، وكان صدوقا ثقة -يعني لم يكن من فرسان الحديث، كما كان شعبة ومالك.
وروى أبو داود، عن أبي الوليد، قال: كان يصلح للوزارة. وقال أبو حاتم والنسائي وجماعة: ثقة.
وروى أحمد بن سنان، عن عبد الرحمن، قال: قال بشر بن السري: لم يسمع ابن أبي ذئب، ولا الماجشون من الزهري. قال ابن سنان: معناه عندي أنه عرض.
أبو الطاهر بن السرح: عن ابن وهب، قال: حججت سنة ثمان وأربعين ومائة، وصائح يصيح: لا يفتي الناس إلا مالك، وعبد العزيز بن أبي سلمة.
قال عمرو بن خالد الحراني: حج أبو جعفر المنصور، فشيعه المهدي، فلما أراد الوداع، قال: يا بني استهدني. قال: أستهديك رجلا عاقلا. فأهدى له عبد العزيز بن أبي سلمة.(أعلام/1331)
قال محمد بن سعد: كان عبد العزيز ثقة، كثير الحديث، وأهل العراق أروى عنه من أهل المدينة، قدم بغداد، وأقام بها إلى أن توفي سنة أربع وستين ومائة وصلى عليه المهدي. وكذا أرخه جماعة. وأما ابن حبان فقال: مات سنة ست وستين ومائة قال: وكان فقيها ورعا متابعا لمذاهب أهل الحرمين، مفرعا على أصولهم، ذابا عنهم.
أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة، عن يحيى بن أسعد، أنبأنا عبد القادر بن محمد، أنبأنا أبو إسحاق البرمكي، أنبأنا أبو بكر بن بخيت، أنبأنا عمر بن محمد الجوهري، حدثنا أبو بكر الأثرم، حدثنا عبد الله بن صالح، عن عبد العزيز بن الماجشون، أنه سئل عما جحدت به الجهمية؟ فقال: أما بعد. . . فقد فهمت ما سألت عنه، فيما تتابعت الجهمية في صفة الرب العظيم، الذي فاتت عظمته الوصف والتقدير، وكلت الألسن عن تفسير صفته، وانحسرت العقول دون معرفة قدره، فلما تجد العقول مساغا، فرجعت خاسئة حسيرة، وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق.
وإنما يقال: كيف؟ لمن لم يكن مرة، ثم كان، أما من لا يحول ولم يزل، وليس له مثل، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو، والدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه، لا يكاد يراه صغرا، يحول ويزول، ولا يرى له بصر ولا سمع، فاعرف غناك عن تكليف صفة ما لم يصف الرب من نفسه، بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها.
فأما من جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكليفا، فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران، ولم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فقال: لا يرى يوم القيامة. . . وذكر فصلا طويلا في إقرار الصفات وإمرارها، وترك التعرض لها.(أعلام/1332)
وقيل: إنه نظر مرة في شيء من سلب الصفات لبعضهم، فقال: هذا الكلام هدم بلا بناء، وصفة بلا معنى. وذكر عبد الملك بن الماجشون الفقيه، أن المهدي أجاز أباه بعشرة آلاف دينار. وقال أحمد بن كامل: له كتب مصنفة، رواها عنه ابن وهب.(أعلام/1333)
الماوردي
الإمام العلامة، أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري، الماوردي، الشافعي، صاحب التصانيف.
حدث عن: الحسن بن علي الجبلي صاحب أبي خليفة الجمحي. وعن محمد بن عدي المنقري، ومحمد بن معلى، وجعفر بن محمد بن الفضل.
حدث عنه:. أبو بكر الخطيب، ووثقه، وقال: مات في ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة وقد بلغ ستا وثمانين سنة، وولي القضاء ببلدان شتى، ثم سكن بغداد.
قال أبو إسحاق في " الطبقات " ومنهم أقضى القضاة الماوردي، تفقه على أبي القاسم الصيمري بالبصرة، وارتحل إلى الشيخ أبي حامد الإسفراييني، ودرس بالبصرة وبغداد سنين، وله مصنفات كثيرة في الفقه والتفسير، وأصول الفقه والأدب، وكان حافظا للمذهب. مات ببغداد.
وقال القاضي شمس الدين في " وفيات الأعيان " من طالع كتاب " الحاوي " له يشهد له بالتبحر ومعرفة المذهب، ولي قضاء بلاد كثيرة، وله تفسير القرآن سماه: " النكت " و " أدب الدنيا والدين " و " الأحكام السلطانية " و " قانون الوزارة وسياسة الملك " و " الإقناع "، مختصر في المذهب.
وقيل: إنه لم يظهر شيئا من تصانيفه في حياته، وجمعها في موضع، فلما دنت وفاته، قال لمن يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي، وإنما لم أظهرها لأني لم أجد نية خالصة، فإذا عاينت الموت، ووقعت في النزع، فاجعل يدك في يدي، فإن قبضت عليها وعصرتها، فاعلم أنه لم يقبل مني شيء منها، فاعمد إلى الكتب، وألقها في دجلة وإن بسطت يدي، فاعلم أنها قبلت.
قال الرجل: فلما احتضر وضعت يدي في يده، فبسطها، فأظهرت كتبه.
قلت: آخر من روى عنه أبو العز بن كادش.
قال أبو الفضل بن خيرون: كان رجلا عظيم القدر، متقدما عند السلطان، أحد الأئمة، له التصانيف الحسان في كل فن، بينه وبين القاضي أبي الطيب في الوفاة أحد عشر يوما.(أعلام/1334)
وقال أبو عمرو بن الصلاح: هو متهم بالاعتزال وكنت أتأول له، وأعتذر عنه، حتى وجدته يختار في بعض الأوقات أقوالهم، قال في تفسيره: لا يشاء عبادة الأوثان. وقال في: جعلنا لكل نبي عدوا معناه: حكمنا بأنهم أعداء، أو تركناهم على العداوة فلم نمنعهم منها. فتفسيره عظيم الضرر، وكان لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة، بل يتكتم، ولكنه لا يوافقهم في خلق القرآن، ويوافقهم في القدر. قال في قوله: إنا كل شيء خلقناه بقدر أي بحكم سابق. وكان لا يرى صحة الرواية بالإجازة.
وروى خطيب الموصل، عن ابن بدران الحلواني، عن الماوردي.
وفيها مات القاضي أبو الطيب الطبري وأبو عبد الله الحسين بن محمد الوني والمحدث علي بن بقاء الوراق، وأبو القاسم عمر بن الحسين الخفاف ورئيس الرؤساء علي بن المسلمة الوزير، وأبو الفتح منصور بن الحسين التاني.(أعلام/1335)
المبرد
إمام النحو أبو العباس، محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي، البصري، النحوي، الأخباري، صاحب " الكامل ".
أخذ عن: أبي عثمان المازني، وأبي حاتم السجستاني.
وعنه: أبو بكر الخرائطي، ونفطويه، وأبو سهل القطان، وإسماعيل الصفار، والصولي، وأحمد بن مروان الدينوري، وعدة.
وكان إماما، علامة، جميلا، وسيما، فصيحا، مفوها، موثقا، صاحب نوادر وطرف.
قال ابن حماد النحوي: كان ثعلب أعلم باللغة، وبنفس النحو من المبرد، وكان المبرد أكثر تفننا في جميع العلوم من ثعلب، قلت: له تصانيف كثيرة، يقال: إن المازني أعجبه جوابه، فقال له: قم فأنت المبرد، أي: المثبت للحق، ثم غلب عليه: بفتح الراء.
وكان آية في النحو. كان إسماعيل القاضي يقول: ما رأى المبرد مثل نفسه.
مات المبرد في أول سنة ست وثمانين ومائتين.(أعلام/1336)
المتنبي
شاعر الزمان أبو الطيب أحمد بن حسين بن حسن الجعفي الكوفي الأديب الشهير بالمتنبي.
ولد سنة ثلاث وثلاثمائة وأقام بالبادية، يقتبس اللغة والأخبار، وكان من أذكياء عصره.
بلغ الذروة في النظم، وأربى على المتقدمين، وسار ديوانه في الآفاق. ومدح سيف الدولة ملك الشام، والخادم كافورا صاحب مصر، وعضد الدولة ملك فارس والعراق.
وكان يركب الخيل بزي العرب، وله شارة وغلمان وهيئة. وكان أبوه سقاء بالكوفة، يعرف بعبدان.
روى عنه أبو الحسين محمد بن أحمد المحاملي، وعلي بن أيوب القمي، وأبو عبد الله بن باكويه، وأبو القاسم بن حبيش، وكامل العزائمي، والحسن بن علي العلوي من نظمه.
قيل: إنه جلس عند كتب، فطول المطالعة في كتاب للأصمعي، فقال صاحبه: يا هذا أتريد أن تحفظه؟ فقال: فإن كنت قد حفظته؟ قال: أهبه لك، قال: فأخذ يقرؤه حتى فرغه، وكان ثلاثين ورقة.
قال التنوخي: خرج المتنبي إلى بني كلب، وأقام فيهم، وزعم أنه علوي، ثم تنبأ، فافتضح وحبس دهرا، وأشرف على القتل، ثم تاب.
وقيل: تنبأ ببادية السماوة، فأسره لؤلؤ أمير حمص بعد أن حارب.
وقد نال بالشعر مالا جليلا، يقال: وصل إليه من ابن العميد ثلاثون ألف دينار. وناله من عضد الدولة مثلها.
أخذ عند النعمانية فقاتل، فقتل هو وولده محسد. وفاته في رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
وكان يبخل.
وقد طولت أمره في " تاريخ الإسلام ".
وهو القائل
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال
وله هكذا عدة أبيات فائقة، يضرب بها المثل.
وكان معجبا بنفسه، كثير البأو والتيه، فمقت لذلك.(أعلام/1337)
المتوكل على الله
الخليفة، أبو الفضل، جعفر بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون بن المهدي بن المنصور، القرشي العباسي البغدادي. ولد سنة خمس ومائتين. وبويع عند موت أخيه الواثق في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين:
حكى عن: أبيه، ويحيى بن أكثم. وكان أسمر جميلا، مليح العينين، نحيف الجسم، خفيف العارضين، ربعة، وأمه اسمها شجاع.
قال خليفة بن خياط: استخلف المتوكل، فأظهر السنة، وتكلم بها في مجلسه، وكتب إلى الآفاق برفع المحنة، وبسط السنة، ونصر أهلها. وقد قدم المتوكل دمشق في صفر سنة 244 فأعجبته، وعزم على المقام بها، ونقل دواوين الملك إليها، وأمر بالبناء بها، وأمر للأتراك بمال رضوا به، وأنشأ قصرا كبيرا بداريا مما يلي المزة.
قال علي بن الجهم: كانت للمتوكل جمة إلى شحمة أذنيه مثل أبيه والمأمون.
وقال الفسوي: رجع من دمشق بعد شهرين إلى سامراء.
وقيل: نعتت له دمشق، وأنها توافق مزاجه، وتذهب علله التي تعرض له بالعراق.
قال خليفة وحج بالناس قبل الخلافة. وكان قاضي البصرة إبراهيم بن محمد التيمي يقول: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر يوم الردة، وعمر بن عبد العزيز في رد المظالم من بني أمية، والمتوكل في محو البدع، وإظهار السنة.
وقال يزيد بن محمد المهلبي: قال لي المتوكل: إن الخلفاء كانت تتصعب على الناس ليطيعوهم، وأنا ألين لهم ليحبوني ويطيعوني.
وحكى الأعسم أن علي بن الجهم دخل على المتوكل، وبيده درتان يقلبهما، فأنشده قصيدة له، فدحا إليه بالواحدة فقلبتها، فقال: تستنقص بها؟ هي والله خير من مائة ألف. فقلت: لا والله، لكني فكرت في أبيات آخذ بها الأخرى. وأنشأت أقول:
بسر من رأى إمام عدل
تغرف من بحره البحار
يرجى ويخشى لكل خطب
كأنه جنة ونار
الملك فيه وفي بنيه
ما اختلف الليل والنهار
لم تأت منه اليمين شيئا(أعلام/1338)
إلا أتت مثلها اليسار
فدحا بها إلي، وقال: خذها، لا بارك الله لك فيها.
قال الخطيب ورويت هذه للبحتري في المتوكل.
وعن مروان بن أبي الجنوب أنه مدح المتوكل بقصيدة، فوصله بمائة وعشرين ألفا وثياب.
قال علي بن الجهم: كان المتوكل مشغوفا بقبيحة لا يصبر عنها. فوقفت له وقد كتبت على خدها بالغالية " جعفر "، فتأملها، ثم أنشأ يقول:
وكاتبة بالمسك في الخد جعفرا
بنفسي محط المسك من حيث أثرا
لئن أودعت سطرا من المسك خدها
لقد أودعت قلبي من الحب أسطرا
وفي أول خلافته كانت الزلزلة بدمشق، سقط شرفات الجامع، وانصدع حائط المحراب، وهلك خلق تحت الردم، دامت ثلاث ساعات، وهرب الناس إلى المصلى يستغيثون.
وقال أحمد بن كامل في " تاريخه ": ومات تحت الهدم معظم أهلها، كذا قال، وامتدت إلى الجزيرة، وهلك بالموصل خمسون ألفا، وبأنطاكية عشرون ألفا، وبلي ابن أبي دواد بالفالج. وفي سنة 234 أظهر المتوكل السنة، وزجر عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الأمصار، واستقدم المحدثين إلى سامراء، وأجزل صلاتهم، ورووا أحاديث الرؤية والصفات. ونزع الطاعة محمد بن البعيث نائب أذربيجان وأرمينية، فسار لحربه بغا الشرابي، ثم بعد فصول أسر. وفي سنة 235 ألزم المتوكل النصارى بلبس العسلي. وفي سنة ست أحضر القضاة من البلدان ليعقد بولاية العهد لبنيه: المنتصر محمد، ثم للمعتز، ثم للمؤيد إبراهيم. وكانت الوقعة بين المسلمين والروم، ونصر الله. وفي سنة ست وثلاثين هدم المتوكل قبر الحسين -رضي الله عنه-. فقال البسامي أبياتا منها: أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا في قتله فتتبعوه رميما وكان المتوكل فيه نصب وانحراف، فهدم هذا المكان وما حوله من الدور، وأمر أن يزرع، ومنع الناس من انتيابه.(أعلام/1339)
قال ابن خلكان: هكذا قاله أرباب التواريخ. وفي سنة سبع قتلت الأمراء عامل أرمينية يوسف، فسار لحربهم بغا الكبير، فالتقوا، وبلغت المقتلة ثلاثين ألفا. وعفى قبر الشهيد الحسين وما حوله من الدور. فكتب الناس شتم المتوكل على الحيطان، وهجته الشعراء كدعبل وغيره. وبعث المتوكل إلى نائبه بمصر، فحلق لحية قاضي القضاة محمد بن أبي الليث، وضربه، وطوف به على حمار في رمضان، وسجن، وكان ظلوما جهميا، ثم ولي القضاء الحارث بن مسكين، فكان يضربه كل حين عشرين سوطا ليؤدي ما وجب عليه، فإنا لله. وغضب المتوكل على أحمد بن أبي دواد، وصادره، وسجن أصحابه، وحمل ستة عشر ألف ألف درهم، وافتقر هو وآله. وولى يحيى بن أكثم القضاء، وأطلق من تبقى في الاعتقال ممن امتنع من القول بخلق القرآن، وأنزلت عظام أحمد بن نصر الشهيد، ودفنها أقاربه، وبنى قصر العروس بسامراء، وأنفق عليه ثلاثون ألف ألف درهم. والتمس المتوكل من أحمد بن حنبل أن يأتيه، فذهب إلى سامراء ولم يجتمع به، استعفى، فأعفاه، ودخل على ولده المعتز، فدعا له.(أعلام/1340)
وفي سنة ثمان وثلاثين، عصى متولي تفليس، فنازلها بغا، وقتل متوليها وأحرقها، وفعل القبائح، وافتتح عدة حصون. وأقبلت الروم في ثلاثمائة مركب، فكبسوا دمياط، وسبوا ستمائة امرأة، وأحرقوا، وردوا مسرعين، فحصنها المتوكل. وفي سنة 239 غزا يحيى بن علي الأرمني بلاد الروم، حتى قرب من القسطنطينية، وأحرق ألف قرية، وسبى عشرين ألفا، وقتل نحو العشرة آلاف، وعزل يحيى بن أكثم من القضاء، وأخذ منه أربعة آلاف جريب ومائة ألف دينار. وفي سنة أربعين فيها سمع أهل خلاط صيحة من السماء، مات منها جماعة كثيرة. وفي سنة 241 ماجت النجوم، وتناثرت شبه الجراد أكثر الليل، فكان ذلك آية مزعجة. وفيها خرج ملك البجاة، وسار المصريون لحربه، فحملوا على البجاة، فنفرت جمالهم، وكانوا يقاتلون، ثم تمزقوا، وقتل خلق، وجاء ملكهم بأمان إلى المتوكل، وهم يعبدون الأصنام. وفي سنة 242 الزلزلة بقومس والدامغان، والري وطبرستان، ونيسابور، وأصبهان، وهلك منها بضعة وأربعون ألفا، وانهد نصف مدينة الدامغان. وفي سنة 244 نفى المتوكل طبيبه بختيشوع. واتفق عيد النحر وعيد النصارى وعيد الفطير في يوم واحد. وفي سنة 245 عمت الزلزلة الدنيا، ومات منها خلائق. وبنى المتوكل الماحوزة، وسماها الجعفري، وأنفق عليها بعد معاونة الجيش له ألفي ألف دينار، وتحول إليها، وفيها وقع بناحية بلخ مطر كالدم العبيط.
وكان المتوكل جوادا ممدحا لعابا، وأراد أن يعزل من العهد المنتصر، ويقدم عليه المعتز لحبه أمه قبيحة، فأبى المنتصر، فغضب أبوه وتهدده، وأغرى به، وانحرفت الأتراك على المتوكل لمصادرته وصيفا وبغا حتى اغتالوه.
قال المبرد: قال المتوكل لعلي بن محمد بن الرضا: ما يقول ولد أبيك في العباس؟ .(أعلام/1341)
قال: ما تقول يا أمير المؤمنين في رجل فرض الله طاعته على نبيه، وذكر حكاية طويلة، وبكى المتوكل، وقال له: يا أبا الحسن، لينت منا قلوبا قاسية، أعليك دين؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار، فأمر له بها.
حكى المسعودي أن بغا الصغير دعا بباغر التركي، فكلمه، وقال: قد صح عندي أن المنتصر عامل على قتلي، فاقتله. قال: كيف بقتله والمتوكل باق؟ إذا يقيدكم به، قال: فما الرأي؟ قال: نبدأ به، قال: ويحك وتفعل؟ ! قال: نعم. قال: فادخل على أثري، فإن قتلته، وإلا فاقتلني، وقل: أراد أن يقتل مولاه. فتم التدبير، وقتل المتوكل.(أعلام/1342)
وحدث البحتري قال: اجتمعنا في مجلس المتوكل، فذكر له سيف هندي، فبعث إلى اليمن، فاشتري له بعشرة آلاف، فأعجبه. وقال للفتح: ابغني غلاما أدفع إليه هذا السيف لا يفارقني به، فأقبل باغر، فقال الفتح بن خاقان: هذا موصوف بالشجاعة والبسالة، فأعطاه السيف، وزاد في أرزاقه. فما انتضى السيف إلا ليلة، ضربه به باغر، فلقد رأيت من المتوكل في ليلته عجبا، رأيته يذم الكبر، ويتبرأ منه. ثم سجد وعفر وجهه، ونثر التراب على رأسه، وقال: إنما أنا عبد، فتطيرت له، ثم جلس، وعمل فيه النبيذ، وغني صوتا أعجبه، فبكى، فتطيرت من بكائه. فإنا في ذلك إذ بعثت له قبيحة خلعة استعملها دراعة حمراء من خز ومطرف خز، فلبسهما، ثم تحرك في المطرف، فانشق، فلفه، وقال: اذهبوا به ليكون كفني. فقلت: إنا لله، انقضت والله المدة. وسكر المتوكل سكرا شديدا. ومضى من الليل إذ أقبل باغر في عشرة متلثمين تبرق أسيافهم، فهجموا علينا، وقصدوا المتوكل، وصعد باغر وآخر إلى السرير، فصاح الفتح: ويلكم مولاكم. وتهارب الغلمان والجلساء والندماء، وبقي الفتح، فما رأيت أحدا أقوى نفسا منه، بقي يمانعهم، فسمعت صيحة المتوكل إذ ضربه باغر بالسيف المذكور على عاتقه، فقده إلى خاصرته، وبعج آخر الفتح بسيفه، فأخرجه من ظهره، وهو صابر لا يزول، ثم طرح نفسه على المتوكل، فماتا، فلفا في بساط، ثم دفنا معا. وكان بغا الصغير استوحش من المتوكل لكلام، وكان المنتصر يتألف الأتراك، لا سيما من يبعده أبوه.
قال المسعودي: ونقل في مقتله غير ذلك. قال: وقد أنفق المتوكل فيما قيل على الجوسق والجعفري والهاروني أكثر من مائتي ألف ألف درهم.(أعلام/1343)
ويقال: إنه كان له أربعة آلاف سرية وطئ الجميع. وقتل وفي بيت المال أربعة آلاف ألف دينار، وسبعة آلاف ألف درهم، ولا يعلم أحد من رءوس الجد والهزل إلا وقد حظي بدولته، واستغنى، وقد أجاز الحسين بن الضحاك الخليع على أربعة أبيات أربعة آلاف دينار. وفيه يقول يزيد بن محمد المهلبي:
جاءت منيته والعين هاجعة
هلا أتته المنايا والقنا قصد
خليفة لم ينل من ماله
أحد ولم يصغ مثله روح ولا جسد
قال علي بن الجهم: أهدى ابن طاهر إلى المتوكل وصائف عدة، فيها محبوبة، وكانت شاعرة عالمة بصنوف من العلم عوادة، فحلت من المتوكل محلا يفوت الوصف، فلما قتل ضمت إلى بغا الكبير، فدخلت عليه يوما للمنادمة، فأمر بهتك الستر، وأمر القيان، فأقبلن يرفلن في الحلي والحلل، وأقبلت هي في ثياب بيض، فجلست منكسرة، فقال: غني، فاعتلت، فأقسم عليها، وأمر بالعود فوضع في حجرها، فغنت ارتجالا:
أي عيش يلذ لي
لا أرى في هـ جعفرا
ملك قد رأيته
في نجيع معفرا
كل من كان ذا خبا
ل وسقم فقد برا
غير محبوبة التي لو
ترى الموت يشترى
لاشترته بما حوت
هـ يداها لتقبرا
فغضب بغا، وأمر بسحبها، وكان آخر العهد بها. وبويع المنتصر من الغد بالقصر الجعفري يوم خامس شوال سنة سبع وأربعين ومائتين. وقيل: لم يصح عنه النصب، وقد بكى من وعظ علي بن محمد العسكري العلوي، وأعطاه أربعة آلاف دينار. فالله أعلم.
للمتوكل من البنين: المنتصر محمد، وموسى، وأمهما حبشية، وأبو عبد الله المعتز، وإسماعيل، وأمهما قبيحة، والمؤيد إبراهيم، وأحمد وهو المعتمد، وأبو الحميد، وأبو بكر، وآخرون. وقد ماتت أمه شجاع قبله بسنة، وخلفت أموالا لا تحصر، من ذلك خمسة آلاف ألف دينار من العين وحده.(أعلام/1344)
المحاسبي
الزاهد العارف، شيخ الصوفية أبو عبد الله، الحارث بن أسد البغدادي المحاسبي، صاحب التصانيف الزهدية يروي عن يزيد بن هارون يسيرا.
روى عنه: ابن مسروق، وأحمد بن القاسم، والجنيد، وأحمد بن الحسن الصوفي، وإسماعيل بن إسحاق السراج، وأبو علي بن خيران الفقيه، إن صح.
قال الخطيب: له كتب كثيرة في الزهد، وأصول الديانة، والرد على المعتزلة والرافضة.
قال الجنيد: خلف له أبوه مالا كثيرا فتركه، وقال: لا يتوارث أهل ملتين. وكان أبوه واقفيا.
قال أبو الحسن بن مقسم: أخبرنا أبو علي بن خيران، قال: رأيت المحاسبي متعلقا بأبيه يقول: طلق أمي، فإنك على دين، وهي على غيره.
قال الجنيد: قال لي الحارث: كم تقول: عزلتي أنسي، لو أن نصف الخلق تقربوا مني، ما وجدت لهم أنسا، ولو أن النصف الآخر نأوا عني، ما استوحشت. واجتاز الحارث يوما بي، فرأيت في وجهه الضر من الجوع، فدعوته وقدمت له ألوانا، فأخذ لقمة، فرأيته يلوكها، فوثب وخرج، ولفظ اللقمة، فلقيته فعاتبته، فقال: أما الفاقة فكانت شديدة، ولكن إذا لم يكن الطعام مرضيا، ارتفع إلى أنفي منه زفرة، فلم أقبله.
وعن حارث: قال: جوهر الإنسان الفضل، وجوهر العقل التوفيق.
وعنه: قال: ترك الدنيا مع ذكرها صفة الزاهدين، وتركها مع نسيانها صفة العارفين.
قلت: المحاسبي كبير القدر، وقد دخل في شيء يسير من الكلام، فنقم عليه. وورد أن الإمام أحمد أثنى على حال الحارث من وجه، وحذر منه.
قال سعيد بن عمرو البرذعي: شهدت أبا زرعة الرازي، وسئل عن المحاسبي وكتبه، فقال: إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات. عليك بالأثر تجد غنية، هل بلغكم أن مالكا والثوري والأوزاعي صنفوا في الخطرات والوساوس؟ ما أسرع الناس إلى البدع! .(أعلام/1345)
قال ابن الأعرابي: تفقه الحارث، وكتب الحديث، وعرف مذاهب النساك، وكان من العلم بموضع، إلا أنه تكلم في مسألة اللفط ومسألة الإيمان. وقيل هجره أحمد، فاختفى مدة.
ومات سنة ثلاث وأربعين ومائتين.(أعلام/1346)
المختار بن أبي عبيد الثقفي
الكذاب، كان والده الأمير أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن عنزة بن عوف بن ثقيف قد أسلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم نعلم له صحبة.
استعمله عمر بن الخطاب على جيش، فغزا العراق، وإليه تنسب وقعة جسر أبي عبيد.
ونشأ المختار، فكان من كبراء ثقيف، وذوي الرأي، والفصاحة، والشجاعة، والدهاء، وقلة الدين، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يكون في ثقيف كذاب ومبير فكان الكذاب هذا، ادعى أن الوحي يأتيه، وأنه يعلم الغيب، وكان المبير الحجاج، قبحهما الله.
قال أحمد في " مسنده ": حدثنا ابن عمير، حدثنا عيسى بن عمر حدثنا السدي، عن رفاعة الفتياني قال: دخلت على المختار، فألقى لي وسادة، وقال: لولا أن جبريل قام عن هذه، لألقيتها لك، فأردت أن أضرب عنقه، فذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله، فأنا من القاتل بريء.
وروى مجالد، عن الشعبي قال: أقرأني الأحنف كتاب المختار إليه يزعم أنه نبي، وكان المختار قد سار من الطائف بعد مصرع الحسين إلى مكة، فأتى ابن الزبير، وكان قد طرد لشره إلى الطائف، فأظهر المناصحة، وتردد إلى ابن الحنفية، فكانوا يسمعون منه ما ينكر. فلما مات يزيد، استأذن ابن الزبير في الرواح إلى العراق، فركن إليه، وأذن له.
وكتب إلى نائبه بالعراق عبد الله بن مطيع يوصيه به، فكان يختلف إلى ابن مطيع، ثم أخذ يعيب في الباطن ابن الزبير، ويثني على ابن الحنفية، ويدعو إليه، وأخذ يشغب على ابن مطيع، ويمكر ويكذب، فاستغوى جماعة، والتفت عليه الشيعة، فخافه ابن مطيع، وفر من الكوفة، وتمكن هو، ودعا ابن الزبير إلى مبايعة محمد ابن الحنفية، فأبى، فحصره، وضيق عليه، وتوعده، فتألمت الشيعة له، ورد المختار إلى مكة.(أعلام/1347)
ثم بعث معه ابن الزبير إبراهيم بن محمد بن طلحة على خراج الكوفة، فقدم المختار وقد هاجت الشيعة للطلب بالثأر، وعليهم سليمان بن صرد، فأخذ المختار يفسدهم، ويقول: إني جئت من قبل المهدي ابن الوصي، يريد ابن الحنفية، فتبعه خلق، وقال: إن سليمان لا يصنع شيئا، إنما يلقي بالناس إلى التهلكة، ولا خبرة له بالحرب.
وخاف عمر بن سعد بن أبي وقاص، فذهب عبد الله بن يزيد الخطمي نائب ابن الزبير وإبراهيم بن محمد إلى ابن صرد فقالا: إنكم أحب أهل بلدنا إلينا، فلا تفجعونا بأنفسكم، ولا تنقصوا عددنا بخروجكم، قفوا حتى نتهيأ. قال ابن صرد: قد خرجنا لأمر ولا نرانا إلا شاخصين.
فسار، ومعه كل مستميت، ومروا بقبر الحسين، فبكوا، وأقاموا يوما عنده وقالوا: يا رب قد خذلناه، فاغفر لنا، وتب علينا، ثم نزلوا قرقيسيا، فتم المصاف بعين الوردة، وقتل ابن صرد وعامة التوابين، ومرض عبيد الله بالجزيرة، فاشتغل بذلك وبقتال أهلها عن العراق سنة وحاصر الموصل.
وأما المختار فسجن مدة، ثم خرج، فحاربه أهل الكوفة، فقتل رفاعة بن شداد، وعبد الله بن سعد، وعدة. وغلب على الكوفة، وهرب منه نائب ابن الزبير، فقتل جماعة ممن قاتل الحسين، وقتل الشمر بن ذي الجوشن، وعمر بن سعد، وقال: إن جبريل ينزل علي بالوحي، واختلق كتابا عن ابن الحنفية إليه يأمره بنصر الشيعة، وثار إبراهيم بن الأشتر في عشيرته، فقتل صاحب الشرطة، وسر به المختار، وقوي، وعسكروا بدير هند، فحاربهم نائب ابن الزبير، ثم ضعف واختفى، وأخذ المختار في العدل، وحسن السيرة.(أعلام/1348)
وبعث إلى النائب بمال، وقال: اهرب. ووجد المختار في بيت المال سبعة آلاف ألف درهم، فأنفق في جيشه، وكتب إلى ابن الزبير: إني رأيت عاملك مداهنا لبني أمية، فلم يسعني أن أقره، فانخدع له ابن الزبير، وكتب إليه بولاية الكوفة، فجهز ابن الأشتر لحرب عبيد الله بن زياد في آخر سنة ست وستين، ومعه كرسي على بغل أشهب.
وقال المختار: هذا فيه سر، وهو آية لكم، كما كان التابوت لبني إسرائيل. فحفوا به يدعون، فتألم ابن الأشتر، وقال: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا سنة بني إسرائيل إذ عكفوا على العجل.
فعن طفيل بن جعدة بن هبيرة، قال: كان لي جار زيات له كرسي، فاحتجت فقلت للمختار: إني كنت أكتمك شيئا، والآن أذكره.
قال: وما هو؟ قلت: كرسي كان أبي يجلس عليه، كان يرى أن فيه أثارة من علم. قال: سبحان الله! لم أخرته؟ فجيء به وعليه ستر، فأمر لي باثني عشر ألفا، ودعا بالصلاة جامعة، فاجتمعوا، فقال: إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن فيكم، وقد كان في بني إسرائيل التابوت، وإن فينا مثله. اكشفوا هذا، فكشفوا الأثواب، وقامت السبائية. فرفعوا أيديهم، فأنكر شبث بن ربعي، فضرب، فلما انتصروا على عبيد الله افتتنوا بالكرسي، وتغالوا فيه، فقلت: إنا لله، وندمت. فلما زاد كلام الناس، غيب. وكان المختار يربطهم بالمحال والكذب، ويتألفهم بقتل النواصب.(أعلام/1349)
عن الشعبي قال: خرجت أنا وأبي مع المختار، فقال لنا: أبشروا، فإن شرطة الله قد حسوهم بالسيوف بقرب نصيبين. فدخلنا المدائن، فوالله إنه ليخطبنا، إذ جاءته البشرى بالنصر، فقال: ألم أبشركم بهذا؟ قالوا: بلى، فقال لي همداني: أتؤمن الآن؟ قلت: بماذا؟ قال: بأن المختار يعلم الغيب، ألم يقل لنا: إنهم هزموا؟ قلت: إنما زعم أن ذلك بنصيبين، وإنما وقع ذلك بالخازر من الموصل. قال: والله لا تؤمن يا شعبي حتى ترى العذاب الأليم.
وقيل: كان رجل يقول: قد وضع لنا اليوم وحي ما سمع الناس بمثله فيه نبأ ما يكون.
وعن موسى بن عامر قال: إنما كان يضع لهم عبد الله بن نوف، يقول: إن المختار أمرني به، ويتبرأ من ذلك المختار، فقال سراقة البارقي:
كفرت بوحيكم وجعلت نذرا
علي هجاءكم حتى الممات
أري عيني ما لم ترأياه
كلانا عالم بالترهات
ووقع المصاف، فقتل ابن زياد، قده ابن الأشتر نصفين. وكان بطل النخع، وفارس اليمانية فدخل الموصل، واستولى على الجزيرة.
ثم وجه المختار أربعة آلاف فارس في نصر محمد ابن الحنفية، فكلموا ابن الزبير، وأخرجوه من الشعب، وأقاموا في خدمته أشهرا، حتى بلغهم قتل المختار، فإن ابن الزبير علم مكره، فندب لحربه أخاه مصعبا، فقدم محمد بن الأشعث، وشبث بن ربعي إلى البصرة يستصرخان الناس على الكذاب، ثم التقى مصعب وجيش المختار، فقتل ابن الأشعث، وعبيد الله بن علي بن أبي طالب، وانفل الكوفيون، فحصرهم مصعب في دار الإمارة، فكان المختار يبرز في فرسانه، ويقاتل حتى قتله طريف الحنفي وأخوه طراف في رمضان سنة سبع وستين، وأتيا برأسه مصعبا، فوهبهما ثلاثين ألفا، وقتل من الفريقين سبعمائة.(أعلام/1350)
وقيل: كان المختار في عشرين ألفا. ثم إن مصعبا أساء، فأمن بقصر الإمارة خلقا، ثم قتلهم غدرا، وذبحت عمرة بنت النعمان بن بشير صبرا؛ لأنها شهدت أن زوجها المختار عبد صالح. وأقبل في نجدة مصعب المهلب بن أبي صفرة في الرجال والأموال، ولما خذل المختار قال لصاحبه: ما من الموت بد، وحبذا مصارع الكرام. وقل عليه القوت في الحصار والماء، وجاعوا في القصر، فبرز المختار للموت في تسعة عشر مقاتلا.
فقال المختار: أتؤمنوني؟ قالوا: لا، إلا على الحكم، قال: لا أحكم في نفسي. وقاتل حتى قتل، وأمكن أهل القصر من أنفسهم، فبعث إليهم عباد بن حصين، فكان يخرجهم مكتفين، ويقتلهم. فقال رجل لمصعب بن الزبير: الحمد لله الذي ابتلانا بالأسر، وابتلاك أن تعفو، وهما منزلتان إحداهما رضى الله والأخرى سخطه، من عفا، عفا الله عنه، ومن قتل، لم يأمن القصاص، نحن أهل قبلتكم وعلى ملتكم، لسنا تركا ولا ديلما، قاتلنا إخواننا كما اقتتل أهل الشام بينهم، ثم اصطلحوا، وقد ملكتم فأسجحوا، فرق مصعب، وهم أن يدعهم، فوثب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وقال: اخترنا أو اخترهم، وقال آخر: قتل أبي في خمسمائة من همدان وتخليهم؟ ! . وسمرت كف المختار إلى جانب المسجد.
وروى إسحاق بن سعيد، عن أبيه قال: جاء مصعب يزور ابن عمر، فقال: أي عم اسألك عن قوم خلعوا الطاعة، وقاتلوا حتى إذا غلبوا، تحصنوا، وطلبوا الأمان، فأعطوا، ثم قتلوا. قال: كم العدد؟ قال: خمسة آلاف، فسبح ابن عمر، ثم قال: يا مصعب لو أن امرءا أتى ماشية الزبير، فذبح منها خمسة آلاف شاة في غداة أكنت تعده مسرفا؟ قال: نعم، قال: فتراه إسرافا في البهائم. وقتلت من وحد الله. أما كان فيهم مكره أو جاهل ترجى توبته، اصبب يا ابن أخي من الماء البارد ما استطعت في دنياك.(أعلام/1351)
وقد كان المختار معظما لابن عمر ينفذ إليه بالأموال، وكان ابن عمر تحته صفية أخت المختار.
ونشأ المختار بالمدينة يعرف بالميل إلى بني هاشم، ثم سار إلى البصرة يظهر بها ذكر الحسين في أيام معاوية، فأخبر به عبيد الله بن زياد، فأمسك، وضربه مائة ودرعه عباءة، ونفاه إلى الطائف. فلما عاذ ابن الزبير بالبيت، خرج إليه.(أعلام/1352)
المختار بن فلفل (م، د، ت، س)
كوفي، ثقة، بكاء، عابد عن أنس بن مالك، وإبراهيم التيمي. وعنه: الثوري، وجرير الضبي، وابن إدريس، وحفص بن غياث، ومحمد بن فضيل وجماعة. وثقه أحمد وغيره. عاش إلى حدود سنة أربعين ومائة.(أعلام/1353)
المرغيناني
العلامة، عالم ما وراء النهر برهان الدين، أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني الحنفي، صاحب كتابي " الهداية " و " البداية " في المذهب.
كان في هذا الحين لم تبلغنا أخباره، وكان من أوعية العلم -رحمه الله.(أعلام/1354)
المروذي
الإمام، القدوة، الفقيه، المحدث، شيخ الإسلام أبو بكر، أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي ; نزيل بغداد، وصاحب الإمام أحمد، وكان والده خوارزميا، وأمه مروذية.
ولد في حدود المائتين.
وحدث عن: أحمد بن حنبل، ولازمه، وكان أجل أصحابه. وعن: هارون بن معروف، ومحمد بن المنهال الضرير، وعبيد الله بن عمر القواريري، وسريج بن يونس، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وعثمان بن أبي شيبة، والعباس بن عبد العظيم ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، وخلق سواهم.
روى عنه: أبو بكر الخلال، ومحمد بن عيسى بن الوليد، ومحمد بن مخلد العطار، وعبد الله الخرقي والد الفقيه أبي القاسم، وأبو حامد أحمد بن عبد الله الحذاء، وآخرون.
قال الخلال: أخبرنا محمد بن جعفر الراشدي، سمعت، إسحاق بن داود يقول: لا أعلم أحدا أقوم بأمر الإسلام من أبي بكر المروذي.
وقال أبو بكر بن صدقة: ما علمت أحدا أذب عن دين الله من المروذي.
قال الخلال: سمعت المروذي يقول: كان أبو عبد الله يبعث بي في الحاجة، فيقول: قل ما قلت، فهو على لساني، فأنا قلته.
قال الخلال: خرج أبو بكر إلى الغزو فشيعوه إلى سامراء، فجعل يردهم فلا يرجعون. قال: فحزروا فإذا هم بسامراء، سوى من رجع، نحو خمسين ألفا، فقيل له: يا أبا بكر: احمد الله! فهذا علم قد نشر لك، فبكى وقال: ليس هذا العلم لي، إنما هو لأبي عبد الله أحمد.
قال الخطيب في المروذي: هو المقدم من أصحاب أحمد لورعه وفضله، وكان أحمد يأنس به، وينبسط إليه وهو الذي تولى إغماضه لما مات، وغسله. وقد روى عنه مسائل كثيرة.
وقيل لعبد الوهاب الوراق: إن تكلم أحد في أبي طالب، والمروذي، أما البعد منه أفضل؟ قال: نعم، من تكلم في أصحاب أحمد فاتهمه ثم اتهمه، فإن له خبئة سوء، وإنما يريد أحمد.(أعلام/1355)
الخلال: حدثنا أحمد بن حمدون، قال المروذي: رأيت كأن القيامة قد قامت، والملائكة حول بني آدم، ويقولون: قد أفلح الزاهدون اليوم في الدنيا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: يا أحمد! هلم إلى العرض على الله. قال: فرأيت أحمد والمروذي وحده خلفه، وقد رئي أحمد راكبا، فقيل: إلى أين يا أبا عبد الله؟ قال: إلى شجرة طوبى نجلو أبا بكر المروذي.
قال الخلال: المروذي أول أصحاب أبي عبد الله، وأورعهم. روى عن أبي عبد الله مسائل مشبعة كثيرة، وأغرب على أصحابه في دقاق المسائل وفي الورع، وهو الذي غمض أبا عبد الله وغسله، ولم يكن أبو عبد الله يقدم عليه أحدا.
توفي أبو بكر في جمادى الأولى سنة خمس وسبعين ومائتين.
وكان إماما في السنة، شديد الاتباع، له جلالة عجيبة ببغداد.
حدثنا إبراهيم بن إسماعيل القرشي في كتابه، عن أسعد بن روح، وعائشة بنت معمر، قالا: أخبرنا سعيد بن أبي الرجاء، أخبرنا أحمد بن محمود، أخبرنا أبو بكر بن المقرئ، حدثنا محمد بن دبيس ببغداد، حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي، حدثنا محمد بن أبي بكر البصري، حدثنا سلام، عن ثابت، عن أنس، قال: أوحى الله -تعالى- إلى يوسف: يا يوسف: من نجاك من القتل إذ هم إخوتك بقتلك؟ قال: أنت يا رب. قال: فمن نجاك من المرأة إذ هممت بها؟ قال: أنت. قال: فما بالك نسيتني، وذكرت مخلوقا؟ قال: يا رب! كلمة تكلم بها لساني، ووجب قلبي. قال: وعزتي لأخلدنك في السجن سنين. غريب موقوف.(أعلام/1356)
أنبأنا شيخ الإسلام عبد الرحمن بن أبي عمر أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا يحيى بن علي، أخبرنا محمد بن علي العباسي، أخبرنا عمر بن إبراهيم الكتاني، حدثنا أحمد بن عبد الله الحذاء، حدثنا أحمد بن أصرم، وأبو بكر المروذي، قالا: حدثنا محمد بن نوح، رفيق أحمد بن حنبل، حدثنا إسحاق الأزرق، عن عبد الله، عن نافع عن ابن عمر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كل أمة بعضها في الجنة، وبعضها في النار، إلا هذه الأمة، فإنها كلها في الجنة.
ومات سنة 75 مع المروذي: أحمد بن ملاعب والحسين بن محمد بن أبي معشر، وأبو داود صاحب " السنن " وأبو عوف البزوري ويحيى بن أبي طالب وأحمد بن محمد بن غالب غلام خليل، ومحمد بن أصبغ بن الفرج، وفهد بن سليمان الدلال.(أعلام/1357)
المروزي
الشيخ المحدث أبو بكر، محمد بن يحيى بن سليمان المروزي ثم البغدادي.
سمع عاصم بن علي، وأبا عبيد القاسم بن سلام، وعلي بن الجعد، وخلف بن هشام، وبشر بن الوليد، وهو مكثر عن عاصم.
حدث عنه النجاد، وأبو بكر الشافعي، ومخلد الباقرحي، والطبراني، وابن عبيد العسكري، وأبو بكر الإسماعيلي، وآخرون.
قال الدارقطني: صدوق.
قلت: مات في شوال سنة ثمان وتسعين ومائتين.(أعلام/1358)
المريسي
المتكلم المناظر البارع أبو عبد الرحمن، بشر بن غياث بن أبي كريمة العدوي مولاهم البغدادي المريسي، من موالي آل زيد بن الخطاب -رضي الله عنه.
كان بشر من كبار الفقهاء، أخذ عن القاضي أبي يوسف، وروى عن حماد بن سلمة، وسفيان بن عيينة.
ونظر في الكلام، فغلب عليه، وانسلخ من الورع والتقوى، وجرد القول بخلق القرآن، ودعا إليه، حتى كان عين الجهمية في عصره وعالمهم، فمقته أهل العلم، وكفره عدة، ولم يدرك جهم بن صفوان، بل تلقف مقالاته من أتباعه.
قال البويطي: سمعت الشافعي يقول: ناظرت المريسي فقال: القرعة قمار، فذكرت له حديث عمران بن حصين في القرعة ثم ذكرت قوله لأبي البختري القاضي، فقال: شاهدا آخر وأصلبه.
وقال أبو النضر هاشم بن القاسم: كان والد بشر يهوديا قصارا صباغا في سويقة نصر. وللمريسي تصانيف جمة.
ذكره النديم، وأطنب في تعظيمه، وقال: كان دينا ورعا متكلما. ثم حكى أن البلخي قال: بلغ من ورعه أنه كان لا يطأ أهله ليلا مخافة الشبهة، ولا يتزوج إلا من هي أصغر منه بعشر سنين مخافة أن تكون رضيعته.
وكان جهميا له قدر عند الدولة، وكان يشرب النبيذ، وقال مرة لرجل اسمه كامل: في اسمه دليل على أن الاسم غير المسمى.
وصنف كتابا في التوحيد، وكتاب " الإرجاء "، وكتاب " الرد على الخوارج "، وكتاب " الاستطاعة "، و " الرد على الرافضة في الإمامة "، وكتاب " كفر المشبهة "، وكتاب " المعرفة "، وكتاب " الوعيد "، وأشياء غير ذلك في نحلته.
ونقل غير واحد أن رجلا قال ليزيد بن هارون: عندنا ببغداد رجل، يقال له: المريسي، يقول: القرآن مخلوق، فقال: ما في فتيانكم من يفتك به؟
قلت: قد أخذ المريسي في دولة الرشيد، وأهين من أجل مقالته.(أعلام/1359)
روى أبو داود، عن أحمد بن حنبل، أنه سمع ابن مهدي أيام صنع ببشر ما صنع يقول: من زعم أن الله لم يكلم موسى يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه.
وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله، وذكر المريسي، فقال: كان أبوه يهوديا، أي شيء تراه يكون؟ !
وقال أبو عبد الله: كان بشر يحضر مجلس أبي يوسف، فيصيح، ويستغيث، فقال له أبو يوسف مرة: لا تنتهي أو تفسد خشبة. ثم قال أبو عبد الله: ما كان صاحب حجج، بل صاحب خطب.
وقال أبو بكر الأثرم: سئل أحمد عن الصلاة خلف بشر المريسي، فقال: لا تصل خلفه.
وقال قتيبة: بشر المريسي كافر.
قلت: وقع كلامه إلى عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ، فصنف مجلدا في الرد عليه.
ومات في آخر سنة ثماني عشرة ومائتين وقد قارب الثمانين. فهو بشر الشر، وبشر الحافي بشر الخير، كما أن أحمد بن حنبل هو أحمد السنة، وأحمد بن أبي دواد أحمد البدعة.
ومن كفر ببدعة وإن جلت، ليس هو مثل الكافر الأصلي، ولا اليهودي والمجوسي، أبى الله أن يجعل من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر، وصام وصلى وحج وزكى وإن ارتكب العظائم وضل وابتدع، كمن عاند الرسول، وعبد الوثن، ونبذ الشرائع وكفر، ولكن نبرأ إلى الله من البدع وأهلها.(أعلام/1360)
المسور بن مخرمة (ع)
ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن قصي بن كلاب، الإمام الجليل، أبو عبد الرحمن، وأبو عثمان، القرشي الزهري.
وأمه عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف زهرية أيضا.
له صحبة ورواية. وعداده في صغار الصحابة كالنعمان بن بشير، وابن الزبير.
وحدث أيضا عن، خاله، وأبي بكر، وعمر، وعثمان.
حدث عنه: علي بن الحسين، وعروة، وسليمان بن يسار، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وولداه عبد الرحمن وأم بكر، وطائفة.
قدم دمشق بريدا من عثمان يستصرخ بمعاوية.
وكان ممن يلزم عمر، ويحفظ عنه.
وقد انحاز إلى مكة مع ابن الزبير، وسخط إمرة يزيد، وقد أصابه حجر منجنيق في الحصار.
قال الزبير بن بكار: كانت الخوارج تغشاه، وينتحلونه.
قال يحيى بن معين: مسور ثقة.
عقيل: عن ابن شهاب، عن عروة أن المسور أخبره أنه قدم على معاوية، فقال: يا مسور! ما فعل طعنك على الأئمة؟ قال: دعنا من هذا، وأحسن فيما جئنا له. قال: لتكلمني بذات نفسك بما تعيب علي؟ قال: فلم أترك شيئا إلا بينته، فقال: لا أبرأ من الذنب. فهل تعد لنا مما نلي من الإصلاح في أمر العامة، أم تعد الذنوب، وتترك الإحسان؟ قلت: نعم. قال: فإنا نعترف لله بكل ذنب. فهل لك ذنوب في خاصتك تخشاها؟ قال: نعم. قال: فما يجعلك الله برجاء المغفرة أحق مني، فوالله ما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولا أخير بين الله وبين غيره إلا اخترت الله على سواه، وإني لعلى دين يقبل فيه العمل، ويجزى فيه بالحسنات، قال: فعرفت أنه قد خصمني، قال عروة: فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه.
عن أم بكر، أن أباها كان يصوم الدهر. وكان إذا قدم مكة، طاف لكل يوم غاب عنها سبعا، وصلى ركعتين.(أعلام/1361)
الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن عمته أم بكر بنت المسور؛ عن أبيها، أنه وجد يوم القادسية إبريق ذهب بالياقوت والزبرجد، فنفله سعد إياه، فباعه بمائة ألف.
وفي " مسند أحمد "، ورواه مسلم عنه؛ حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن الوليد بن كثير، حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة، أن ابن شهاب حدثه أن علي بن الحسين حدثه أنهم قدموا المدينة من عند يزيد مقتل الحسين، فلقيه المسور بن مخرمة، فقال: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ قلت: لا. قال: هل أنت معطي سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه. وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدا حتى تبلغ نفسي. إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل، فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم، فقال: إن فاطمة بضعة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها. ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إياه، فأحسن، قال: حدثني فصدقني، ووعدني، فوفى لي، وإني لست أحرم حلالا، ولا أحل حراما، ولكن - والله - لا تجتمع ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابنة عدو الله مكانا واحدا أبدا.
ففيه أن المسور كان كبيرا محتلما إذ ذاك. وعن عطاء بن يزيد قال: كان ابن الزبير لا يقطع أمرا دون المسور بمكة.
وعن أبي عون، قال: لما دنا الحصين بن نمير لحصار مكة، أخرج المسور سلاحا قد حمله من المدينة ودروعا، ففرقها في موال له فرس جلد، فلما كان القتال، أحدقوا به، ثم انكشفوا عنه، والمسور يضرب بسيفه، وابن الزبير في الرعيل الأول. وقتل موالي مسور من الشاميين نفرا. وقيل: أصابه حجر المنجنيق فانفلقت منه قطعة أصابت خد المسور وهو يصلي، فمرض، ومات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد.
فعن أم بكر قالت: كنت أرى العظام تنزع من خده. بقي خمسة أيام، ومات.(أعلام/1362)
وقيل: أصابه الحجر، فحمل مغشيا عليه، وبقي يوما لا يتكلم، ثم أفاق. وجعل عبيد بن عمير يقول: يا أبا عبد الرحمن! كيف ترى في قتال هؤلاء؟ فقال: على ذلك قتلنا.
قال: وولي ابن الزبير غسله، وحمله إلى الحجون وإنا لنطأ به القتلى، ونمشي بين أهل الشام، فصلوا معنا عليه.
قلت: كانوا قد علموا بموت يزيد، وبايعوا ابن الزبير.
وعن أم بكر، قالت: ولد المسور بمكة بعد الهجرة بعامين وبها توفي لهلال ربيع الآخر سنة أربع وستين وكذا أرخه فيها جماعة.
وغلط المدائني، فقال: مات في سنة ثلاث وسبعين من حجر المنجنيق.(أعلام/1363)
المطلب بن عبد الله (4)
ابن حنطب القرشي المخزومي المدني أحد الثقات، وكان جده حنطب بن الحارث بن عبيد المخزومي من مسلمة الفتح. أرسل المطلب عن عمر بن الخطاب وغيره، وحدث عن عبد الله بن عمرو وابن عباس، وجابر، وأبي هريرة، وعدة. روى عنه ابناه الحكم وعبد العزيز، وعمرو بن أبي عمرو مولاهم، وعبد الله بن طاوس، وابن جريج، والأوزاعي، وزهير بن محمد وآخرون. وثقه أبو زرعة، والدارقطني، وهو ابن أخت مروان بن الحكم، وابن أخت أبي سلمة بن عبد الرحمن.
قال أبو حاتم: لم يدرك عائشة، وعامة حديثه مراسيل، وقال أبو زرعة: أرجو أن يكون سمع منها. وقال ابن سعد: ليس يحتج بحديثه، لأنه يرسل كثيرا.
قلت: وفد على الخليفة هشام، فوصله بسبعة عشر ألف دينار. كان حيا في حدود سنة عشرين ومائة.(أعلام/1364)
المعافى
ابن زكريا بن يحيى بن حميد، العلامة، الفقيه الحافظ القاضي المتفنن، عالم عصره أبو الفرج النهرواني الجريري، نسبة إلى رأي ابن جرير الطبري، ويقال له: ابن طرارا.
سمع أبا القاسم البغوي، وأبا محمد بن صاعد، وأبا بكر بن أبي داود، وأبا سعيد العدوي، وأبا حامد الحضرمي، والقاضي المحاملي، وخلقا كثيرا.
وتلا على ابن شنبوذ، وأبي مزاحم الخاقاني.
قرأ عليه: القاضي أبو تغلب الملحمي، وأحمد بن مسرور الخباز، ومحمد بن عمر النهاوندي، وطائفة.
وحدث عنه: أبو القاسم عبيد الله الأزهري، والقاضي أبو الطيب الطبري، وأحمد بن علي التوزي، وأحمد بن عمر بن روح، وأبو علي محمد بن الحسين الجازري، وأبو الحسين محمد بن أحمد بن حسنون النرسي، وخلق سواهم.
قال الخطيب: كان من أعلم الناس في وقته بالفقه، والنحو، واللغة، وأصناف الأدب، ولي القضاء بباب الطاق، وكان على مذهب ابن جرير، وبلغنا عن أبي محمد البافي الفقيه، أنه كان يقول: إذا حضر القاضي أبو الفرج فقد حضرت العلوم كلها.
قال الخطيب: وحدثني القاضي أبو حامد الدلوي، قال: كان أبو محمد البافي، يقول: لو أوصى رجل بثلث ماله أن يدفع إلى أعلم الناس لوجب أن يدفع إلى المعافى بن زكريا.
قال الخطيب: سألت البرقاني عن المعافى، فقال: كان أعلم الناس، وكان ثقة، لم أسمع منه.
وحكى أبو حيان التوحيدي، قال: رأيت المعافى بن زكريا قد نام مستدبر الشمس في جامع الرصافة في يوم شات، وبه من أثر الضر والفقر والبؤس أمر عظيم مع غزارة علمه.(أعلام/1365)
قال أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي: قرأت بخط المعافى بن زكريا، قال: حججت وكنت بمنى، فسمعت مناديا ينادي: يا أبا الفرج المعافى، قلت: من يريدني؟ وهممت أن أجيبه ثم نادى: يا أبا الفرج المعافى بن زكريا النهرواني، فقلت: ها أنا ذا، ما تريد؟ فقال: لعلك من نهروان العراق، قلت: نعم، قال: نحن نريد نهروان الغرب، قال: فعجبت من هذا الاتفاق، وعلمت أن بالمغرب مكانا يسمى النهروان.
مات المعافى بالنهروان في ذي الحجة سنة تسعين وثلاثمائة وله خمسة وثمانون سنة.
وله تفسير كبير في ست مجلدات جم الفوائد، وله كتاب " الجليس والأنيس " في مجلدين.
وكان من بحور العلم.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا محمد بن أحمد النرسي، أخبرنا المعافى، حدثنا البغوي، حدثنا وهب، حدثنا خالد، عن الشيباني، عن عون بن عبد الله، عن أخيه عبيد الله، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجمعة لساعة لا يسأل الله فيها عبد مؤمن شيئا إلا استجاب له.
وفيها توفي أبو حفص الكتاني، وأمة السلام بنت القاضي أحمد بن كامل، ونائب دمشق حبيش بن محمد بن صمصام البربري، وعبد الله بن محمد بن عبد المؤمن القرطبي، ومحمد بن جعفر بن رهيل، وأبو زرعة محمد بن يوسف الكشي، وأبو عبد الله بن أخي ميمي الدقاق.(أعلام/1366)
المعرور بن سويد (ع)
الإمام المعمر أبو أمية الأسدي الكوفي.
حدث عن ابن مسعود، وأبي ذر، وجماعة، وعنه: واصل الأحدب، وسالم بن أبي الجعد، وعاصم بن بهدلة، ومغيرة اليشكري، وسليمان الأعمش.
وثقه يحيى بن معين. قال أبو حاتم قال الأعمش: رأيته وهو ابن مائة وعشرين سنة، أسود الرأس واللحية.
قلت: توفي سنة بضع وثمانين.(أعلام/1367)
المغازلي
الإمام، الولي أبو بكر بن المنذر المغازلي البغدادي، العابد، صاحب الإمام أحمد. اسمه: بدر، وقيل: أحمد.
حدث عن: معاوية بن عمرو الأزدي، وغيره. وعنه: النجاد، وأحمد بن يوسف العطار، وأبو بكر الشافعي. وكان ثقة، ربانيا، قانعا بكسرة.
قال أبو نعيم الحافظ: أطبقت الألسنة من الحنابلة والمحدثين أنه كان من البدلاء، له أحوال عجيبة.
وكان الخلال يقول: كان أبو عبد الله يقدم بدرا ويكرمه، وكنت إذا رأيته ورأيت منزله شهدت له بالصبر والصلاح.
وقيل: كان أحمد يتعجب منه، ويقول: من مثله؟ ! ، قد ملك لسانه.
ويقال: باعت زوجة بدر بيتها بثلاثين دينارا، فأشار عليها، فتصدقت بها، وصبرا على قوت يوم بيوم.
توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين كان يتقوت من كسبه.(أعلام/1368)
المغيرة (ع)
ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد، القرشي، الأسدي، الحزامي، المدني الفقيه، النسابة ويعرف بقصي.
لازم أبا الزناد، وأكثر عنه، وعن سالم أبي النضر، والمطلب بن عبد الله بن حنطب، وعبد المجيد بن سهيل، وطائفة.
حدث عنه: القعنبي، وسعيد بن أبي مريم، وسعيد بن منصور، ويحيى بن يحيى التميمي، ويحيى بن بكير، وخالد بن خداش، وقتيبة بن سعيد، وجماعة. وكان شريفا، وافر الحرمة، علامة بالنسب، صادقا، عالما. قال أبو داود وغيره: لا بأس به. وعن يحيى بن معين قال: ليس حديثه بشيء.
قلت: احتج به أرباب الصحاح، لكن له ما ينكر. فأخرج له النسائي حديثه، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قضى باليمين مع الشاهد وقد قال محمد بن عوف الحافظ: قال أحمد بن حنبل: ليس في الباب شيء أصح من هذا الحديث. وبالإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اتقوا المجذوم كما يتقى الأسد وهذا خبر منكر.
توفي قصي هذا في حدود سنة ثمانين ومائة بالمدينة.(أعلام/1369)
المغيرة بن شعبة (ع)
ابن أبي عامر بن مسعود بن معتب. الأمير أبو عيسى، ويقال: أبو عبد الله، وقيل: أبو محمد. من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة شهد بيعة الرضوان. كان رجلا طوالا مهيبا، ذهبت عينه يوم اليرموك، وقيل: يوم القادسية.
روى مغيرة بن الريان، عن الزهري، قالت عائشة: كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام المغيرة بن شعبة ينظر إليها، فذهبت عينه.
قال ابن سعد كان المغيرة أصهب الشعر جدا، يفرق رأسه فروقا أربعة، أقلص الشفتين. مهتوما، ضخم الهامة، عبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين. وكان داهية، يقال له: مغيرة الرأي. وعن الشعبي: أن المغيرة سار من دمشق إلى الكوفة خمسا. حدث عنه بنوه: عروة، وحمزة، وعقار، والمسور بن مخرمة، وأبو أمامة الباهلي، وقيس بن أبي حازم، ومسروق، وأبو وائل، وعروة بن الزبير، والشعبي، وأبو إدريس الخولاني، وعلى بن ربيعة الوالبي، وطائفة خاتمتهم زياد بن علاقة.
الوليد بن مسلم: أخبرنا أبو النضر، حدثنا يونس بن ميسرة، سمع أبا إدريس قال: قدم المغيرة بن شعبة دمشق، فسألته، فقال: وضأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فمسح على خفيه.
معمر، عن الزهري قال: كان دهاة الناس في الفتنة خمسة، فمن قريش: عمرو، ومعاوية. ومن الأنصار: قيس بن سعد. ومن ثقيف: المغيرة. ومن المهاجرين: عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. فكان مع علي قيس وابن بديل، واعتزل المغيرة بن شعبة. زيد بن أسلم، عن أبيه، عن المغيرة قال: كناني النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي عيسى.(أعلام/1370)
وروى حبيب بن الشهيد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه ; أن عمر قال لابنه عبد الرحمن: ما أبو عيسى؟ قال: يا أمير المؤمنين! اكتنى بها المغيرة بن شعبة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم. حماد بن سلمة، عن زيد بن أسلم ; أن عمر غير كنية المغيرة بن شعبة، وكناه أبا عبد الله وقال: هل لعيسى من أب؟ وعن أبي موسى الثقفي قال: كان المغيرة رجلا طوالا، أعور، أصيبت عينه يوم اليرموك. وعن غيره: ذهبت عينه يوم القادسية، وقيل: بالطائف، ومر أنها ذهبت من كسوف الشمس.
وروى الواقدي ; عن محمد بن يعقوب بن عتبة، عن أبيه، وعن جماعة قالوا: قال المغيرة بن شعبة: كنا متمسكين بديننا ونحن سدنة اللات، فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم. فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس وإهداء هدايا له، فأجمعت الخروج معهم، فاستشرت عمي عروة بن مسعود، فنهاني، وقال: ليس معك من بني أبيك أحد، فأبيت، وسرت معهم، وما معهم من الأحلاف غيري ; حتى دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر، فركبت زورقا حتى حاذيت مجلسه، فأنكرني، وأمر من يسألني، فأخبرته بأمرنا وقدومنا، فأمر أن ننزل في الكنيسة، وأجرى علينا ضيافة، ثم أدخلنا عليه، فنظر إلى رأس بني مالك، فأدناه، وأجلسه معه، ثم سأله، أكلكم من بني مالك؟(أعلام/1371)
قال: نعم، سوى رجل واحد، فعرفه بي. فكنت أهون القوم عليه، وسر بهداياهم، وأعطاهم الجوائز، وأعطاني شيئا لا ذكر له. وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم، ولم يعرض علي أحد منهم مواساة، وخرجوا، وحملوا معهم الخمر، فكنا نشرب، فأجمعت على قتلهم، فتمارضت، وعصبت رأسي، فوضعوا شرابهم، فقلت: رأسي يصدع ولكني أسقيكم، فلم ينكروا، فجعلت أصرف لهم وأترع لهم الكأس، فيشربون ولا يدرون، حتى ناموا سكرا، فوثبت، وقتلتهم جميعا، وأخذت ما معهم. فقدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجده جالسا في المسجد مع أصحابه، وعلي ثياب سفري، فسلمت، فعرفني أبو بكر ; فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الحمد لله الذي هداك للإسلام، قال أبو بكر: أمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم، قال: ما فعل المالكيون؟ قلت: قتلتهم، وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول الله ليخمسها. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أما إسلامك فنقبله، ولا آخذ من أموالهم شيئا، لأن هذا غدر، ولا خير في الغدر. فأخذني ما قرب وما بعد، وقلت: إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت الساعة، قال: فإن الإسلام يجب ما كان قبله.
وكان قتل منهم ثلاثة عشر فبلغ ثقيفا بالطائف، فتداعوا للقتال، ثم اصطلحوا على أن يحمل عني عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية. وأقمت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى اعتمر عمرة الحديبية، فكانت أول سفرة خرجت معه فيها. وكنت أكون مع الصديق وألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن يلزمه.(أعلام/1372)
قال: وبعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليكلمه، فأتاه، فكلمه، وجعل يمس لحيته، وأنا قائم على رأس رسول الله مقنع في الحديد، فقال المغيرة لعروة: كف يدك قبل أن لا تصل إليك، فقال: من ذا يا محمد؟ ما أفظه وأغلظه، قال: ابن أخيك، فقال: يا غدر، والله ما غسلت عني سوءتك إلا بالأمس.
ابن إسحاق، عن عامر بن وهب، قال: خرج المغيرة في ستة من بني مالك إلى مصر تجارا، حتى إذا كانوا ببزاق عدا عليهم، فذبحهم، واستاق العير، وأسلم.
هشيم: حدثنا مجالد عن الشعبي عن المغيرة، قال: أنا آخر الناس عهدا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دفن خرج علي بن أبي طالب من القبر، فألقيت خاتمي، فقلت: يا أبا الحسن، خاتمي! قال: انزل فخذه، قال: فمسحت يدي على الكفن، ثم خرجت.
ورواه محاضر عن عاصم الأحول، عن الشعبي. قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن جده: قال علي لما ألقى المغيرة خاتمه: لا يتحدث الناس أنك نزلت في قبر نبي الله، ولا يتحدثون أن خاتمك في قبره، ونزل علي، فناوله إياه. حسين بن حفص، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه ; أن عمر استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين، فكرهوه، فعزله عمر، فخافوا أن يرده. فقال دهقانهم إن فعلتم ما آمركم لم يرده علينا. قالوا: مرنا. قال: تجمعون مائة ألف حتى أذهب بها إلى عمر، فأقول: إن المغيرة اختان هذا، فدفعه إلي. قال: فجمعوا له مائة ألف، وأتى عمر، فقال ذلك. فدعا المغيرة، فسأله، قال: كذب أصلحك الله، إنما كانت مائتي ألف، قال: فما حملك على هذا؟ قال: العيال والحاجة. فقال عمر للعلج: ما تقول؟ قال: لا والله لأصدقنك ما دفع إلي قليلا ولا كثيرا. فقال عمر للمغيرة: ما أردت إلى هذا؟ قال: الخبيث كذب علي، فأحببت أن أخزيه.(أعلام/1373)
سلمة بن بلال، عن أبي رجاء العطاردي قال: كان فتح الأبلة على يد عتبة بن غزوان، فلما خرج إلى عمر، قال للمغيرة بن شعبة: صل بالناس. فلما هلك عتبة، كتب عمر إلى المغيرة بإمرة البصرة، فبقي عليها ثلاث سنين.
عبد الوهاب بن عطاء: أخبرنا سعيد، عن قتادة ; أن أبا بكرة، ونافع بن الحارث وشبل بن معبد، شهدوا على المغيرة أنهم رأوه يولجه ويخرجه، وكان زياد رابعهم، وهو الذي أفسد عليهم. فأما الثلاثة فشهدوا، فقال أبو بكرة: والله لكأني بأير جدري في فخذها. فقال عمر حين رأى زيادا: إني لأرى غلاما لسنا، لا يقول إلا حقا، ولم يكن ليكتمني، فقال: لم أر ما قالوا، لكني رأيت ريبة، وسمعت نفسا عاليا. فجلدهم عمر، وخلاه. وهو زياد بن أبيه. ذكر القصة سيف بن عمر، وأبو حذيفة النجاري مطولة بلا سند.(أعلام/1374)
وقال أبو عتاب الدلال: حدثنا أبو كعب صاحب الحرير، عن عبد العزيز بن أبي بكرة قال: كنا جلوسا وأبو بكرة وأخوه نافع، وشبل، فجاء المغيرة، فسلم على أبي بكرة، فقال: أيها الأمير! ما أخرجك من دار الإمارة؟ قال: أتحدث إليكم. قال: بل تبعث إلى من تشاء. ثم دخل، فأتى باب أم جميل العشية، فدخل. فقال أبو بكرة: ليس على هذا صبر. وقال لغلام: ارتق غرفتي، فانظر من الكوة. فانطلق، فنظر وجاء، فقال: وجدتهما في لحاف، فقال للقوم: قوموا معي، فقاموا، فنظر أبو بكرة فاسترجع، ثم قال لأخيه: انظر ; فنظر، فقال: رأيت الزنا محضا؟ قال: وكتب إلى عمر بما رأى، فأتاه أمر فظيع. فبعث على البصرة أبا موسى، وأتوا عمر، فشهدوا حتى قدموا زيادا، فقال: رأيتهما في لحاف واحد، وسمعت نفسا عاليا ولا أدري ما وراءه. فكبر عمر، وضرب القوم إلا زيادا. شعبة، عن مغيرة، عن سماك بن سلمة قال: أول من سلم عليه بالإمرة المغيرة بن شعبة. يعني قول المؤذن عند خروج الإمام إلى الصلاة: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته.
عن ابن سيرين، كان الرجل يقول للآخر: غضب الله عليك كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة، عزله عن البصرة، فولاه الكوفة. قال الليث: وقعة أذربيجان كانت سنة اثنتين وعشرين، وأميرها المغيرة بن شعبة. وقيل: افتتح المغيرة همذان عنوة.
قال الليث: وحج بالناس المغيرة سنة أربعين. جرير بن عبد الحميد: عن مغيرة ; أن المغيرة بن شعبة قال لعلي حين قتل عثمان: اقعد في بيتك ولا تدع إلى نفسك، فإنك لو كنت في جحر بمكة لم يبايعوا غيرك. وقال لعلي: إن لم تطعني في هذه الرابعة، لأعتزلنك، ابعث إلى معاوية عهده، ثم اخلعه بعد. فلم يفعل، فاعتزله المغيرة باليمن. فلما شغل علي ومعاوية، فلم يبعثوا إلى الموسم أحدا ; جاء المغيرة، فصلى بالناس، ودعا لمعاوية.(أعلام/1375)
سعيد بن داود الزنبري: حدثنا مالك، عن عمه أبي سهيل، عن أبيه ; قال: لقي عمار المغيرة في سكك المدينة، وهو متوشح سيفا، فناداه يا مغيرة! فقال: ما تشاء؟ قال: هل لك في الله؟ قال: وددت والله أني علمت ذلك، إني والله ما رأيت عثمان مصيبا، ولا رأيت قبله صوابا، فهل لك يا أبا اليقظان أن تدخل بيتك، وتضع سيفك حتى تنجلي هذه الظلمة، ويطلع قمرها فنمشي مبصرين؟ قال: أعوذ بالله أن أعمى بعد إذ كنت بصيرا. قال: يا أبا اليقظان، إذا رأيت السيل، فاجتنب جريته.
حجاج بن أبي منيع: حدثنا جدي، عن الزهري ; قال: دعا معاوية عمرو بن العاص بالكوفة، فقال: أعني على الكوفة، قال: كيف بمصر؟ قال: أستعمل عليها ابنك عبد الله بن عمرو، قال: فنعم. فبينا هم على ذلك جاء المغيرة بن شعبة - وكان معتزلا بالطائف - فناجاه معاوية. فقال المغيرة: تؤمر عمرا على الكوفة، وابنه على مصر، وتكون كالقاعد بين لحيي الأسد. قال: ما ترى؟ قال: أنا أكفيك الكوفة. قال: فافعل. فقال معاوية لعمرو حين أصبح: إني قد رأيت كذا، ففهم عمرو، فقال: ألا أدلك على أمير الكوفة؟ قال: بلى، قال: المغيرة، واستغن برأيه وقوته عن المكيدة، واعزله عن المال، قد كان قبلك عمر وعثمان ففعلا ذلك، قال: نعم ما رأيت. فدخل عليه المغيرة، فقال: إني كنت أمرتك على الجند والأرض، ثم ذكرت سنة عمر وعثمان قبلي، قال: قد قبلت. قال الليث: كان المغيرة قد اعتزل، فلما صار الأمر إلى معاوية كاتبه المغيرة.(أعلام/1376)
طلق بن غنام: حدثنا شريك، عن عبد الملك بن عمير قال: كتب المغيرة إلى معاوية، فذكر فناء عمره، وفناء أهل بيته، وجفوة قريش له. فورد الكتاب على معاوية وزياد عنده، فقال: يا أمير المؤمنين، ولني إجابته، فألقى إليه الكتاب، فكتب: أما ما ذكرت من ذهاب عمرك ; فإنه لم يأكله غيرك. وأما فناء أهل بيتك، فلو أن أمير المؤمنين قدر أن يقي أحدا لوقى أهله، وأما جفوة قريش ; فأنى يكون ذاك وهم أمروك. قال ابن شوذب: أحصن المغيرة أربعا من بنات أبي سفيان، وكان آخر من تزوج منهن بها عرج. ابن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي: سمعت قبيصة بن جابر يقول: صحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب، لا يخرج من باب منها إلا بمكر، لخرج من أبوابها كلها.
يونس بن أبي إسحاق، عن أبي السفر ; قيل للمغيرة: إنك تحابي، قال: إن المعرفة تنفع عند الجمل الصؤول، والكلب العقور، فكيف بالمسلم. عاصم الأحول، عن بكر بن عبد الله، عن المغيرة بن شعبة قال: لقد تزوجت سبعين امرأة أو أكثر.
أبو إسحاق الطالقاني: حدثنا ابن المبارك قال: كان تحت المغيرة بن شعبة أربع نسوة. قال: فصفهن بين يديه وقال: أنتن حسنات الأخلاق، طويلات الأعناق، ولكني رجل مطلاق، فأنتن الطلاق.(أعلام/1377)
ابن وهب: حدثنا مالك قال: كان المغيرة نكاحا للنساء، ويقول: صاحب الواحدة إن مرضت مرض، وإن حاضت حاض، وصاحب المرأتين بين نارين تشعلان، وكان ينكح أربعا جميعا ويطلقهن جميعا. شعبة، عن زياد بن علاقة، سمعت جريرا يقول حين مات المغيرة بن شعبة: أوصيكم بتقوى الله، وأن تسمعوا وتطيعوا حتى يأتيكم أمير، استغفروا للمغيرة غفر الله له، فإنه كان يحب العافية. وفي لفظ أبي عوانة عن زياد: فإنه كان يحب العفو. أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن هلال بن يساف، عن عبد الله بن ظالم قال: كان المغيرة ينال في خطبته من علي، وأقام خطباء ينالون منه، وذكر الحديث في العشرة المشهود لهم بالجنة، لسعيد بن زيد. حجاج الصواف: حدثني إياس بن معاوية، عن أبيه قال: لما كان يوم القادسية، ذهب المغيرة بن شعبة في عشرة إلى صاحب فارس، فقال: إنا قوم مجوس، وإنا نكره قتلكم لأنكم تنجسون علينا أرضنا. فقال: إنا كنا نعبد الحجارة حتى بعث الله إلينا رسولا، فاتبعناه، ولم نجئ لطعام، بل أمرنا بقتال عدونا، فجئنا لنقتل مقاتلتكم، ونسبي ذراريكم. وأما ما ذكرت من الطعام فما نجد ما نشبع منه ; فجئنا فوجدنا في أرضكم طعاما كثيرا وماء، فلا نبرح حتى يكون لنا ولكم. فقال العلج: صدق. قال: وأنت تفقأ عينك غدا، ففقئت عينه بسهم. قال عبد الملك بن عمير: رأيت زيادا واقفا على قبر المغيرة يقول:
إن تحت الأحجار حزما وعزما
وخصيما ألد ذا معلاق
حية في الوجار أربد لا ين
فع منه السليم نفثة راق
وقال الجماعة: مات أمير الكوفة المغيرة في سنة خمسين في شعبان وله سبعون سنة. وله في " الصحيحين " اثنا عشر حديثا، وانفرد له البخاري بحديث، ومسلم بحديثين.(أعلام/1378)
المقداد بن عمرو
(ع)
صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحد السابقين الأولين وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة القضاعي الكندي البهراني.
ويقال له: المقداد بن الأسود ; لأنه ربي في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبناه، وقيل: بل كان عبدا له أسود اللون فتبناه، ويقال: بل أصاب دما في كندة، فهرب إلى مكة، وحالف الأسود.
شهد بدرا والمشاهد، وثبت أنه كان يوم بدر فارسا، واختلف يومئذ في الزبير.
له جماعة أحاديث.
حدث عنه علي، وابن مسعود، وابن عباس، وجبير بن نفير، وابن أبي ليلى، وهمام بن الحارث، وعبيد الله بن عدي بن الخيار، وجماعة.
وقيل: كان آدم طوالا، ذا بطن، أشعر الرأس، أعين، مقرون الحاجبين، مهيبا. عاش نحوا من سبعين سنة.
مات في سنة ثلاث وثلاثين، وصلى عليه عثمان بن عفان، وقبره بالبقيع - رضي الله عنه.
حديثه في الستة، له حديث في " الصحيحين ". وانفرد له مسلم بأربعة أحاديث.
أخبرنا إسحاق الأسدي: أنبأنا ابن خليل، أنبأنا اللبان، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، أنبأنا أحمد بن المسندي، حدثنا موسى بن هارون، حدثنا عباس بن الوليد، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق، عن المقداد بن الأسود قال: استعملني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عمل، فلما رجعت، قال: كيف وجدت الإمارة؟ قلت: يا رسول الله، ما ظننت إلا أن الناس كلهم خول لي، والله لا ألي على عمل ما دمت حيا.
بقية: حدثنا حريز بن عثمان، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة، حدثني أبو راشد الحبراني قال: وافيت المقداد فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحمص على تابوت من توابيت الصيارفة، قد أفضل عليها من عظمه، يريد الغزو، فقلت له: قد أعذر الله إليك. فقال: أبت علينا سورة البحوث انفروا خفافا وثقالا [التوبة: 41] .(أعلام/1379)
يحيى الحماني: حدثنا ابن المبارك، عن صفوان بن عمرو، حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: جلسنا إلى المقداد يوما، فمر به رجل، فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت، فاستمعت، فجعلت أعجب، ما قال إلا خيرا، ثم أقبل عليه، فقال: ما يحمل أحدكم على أن يتمنى محضرا غيبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه. والله لقد حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقوام كبهم الله على مناخرهم في جهنم، لم يجيبوه ولم يصدقوه، أولا تحمدون الله، لا تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم، وقد كفيتم البلاء بغيركم؟ والله لقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - على أشد حال بعث عليه نبي في فترة وجاهلية، ما يرون دينا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان حتى إن الرجل ليرى والده، أو ولده، أو أخاه كافرا، وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان، ليعلم أنه قد هلك من دخل النار، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حميمه في النار، وأنها للتي قال الله تعالى ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين [الفرقان: 74] .
وفي " مسند أحمد " لبريدة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عليكم بحب أربعة: علي، وأبي ذر، وسلمان، والمقداد.
وعن كريمة بنت المقداد، أن المقداد أوصى للحسن والحسين بستة وثلاثين ألفا، ولأمهات المؤمنين لكل واحدة بسبعة آلاف درهم، وقيل: إنه شرب دهن الخروع، فمات.(أعلام/1380)
المقدام بن معد يكرب (خ، 4)
ابن عمرو بن يزيد أبو كريمة، وقيل: أبو يزيد. وقيل: أبو صالح. ويقال: أبو بشر، ويقال: أبو يحيى، نزيل حمص، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
روى عدة أحاديث.
حدث عنه: جبير بن نفير، والشعبي، وخالد بن معدان، وشريح بن عبيد، وأبو عامر الهوزني، والحسن ويحيى ابنا جابر، وعبد الرحمن بن أبي عوف، وسليم بن عامر، ومحمد بن زياد الألهاني، وابنه يحيى بن المقدام، وحفيده صالح بن يحيى، وآخرون.
أبو مسهر وغيره، عن يزيد بن سنان، عن أبي يحيى الكلاعي، قال: أتيت المقدام في المسجد، فقلت: يا أبا يزيد! إن الناس يزعمون أنك لم تر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: سبحان الله؛ والله لقد رأيته وأنا أمشي مع عمي، فأخذ بأذني هذه، وقال لعمي: أترى هذا؟ يذكر أباه وأمه.
محمد بن حرب الأبرش: حدثنا سليمان بن سليم، عن صالح بن يحيى، عن جده المقدام، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفلحت يا قديم إن مت ولم تكن أميرا، ولا جابيا، ولا عريفا.
قال جماعة: توفي سنة سبع وثمانين زاد أبو حفص الفلاس: وهو ابن إحدى وتسعين سنة. وقيل: قبره بحمص.
وقال علي بن عبد الله التميمي: توفي سنة ثمان وثمانين - رضي الله عنه.(أعلام/1381)
المنصور
الخليفة أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي الهاشمي العباسي المنصور، وأمه سلامة البربرية.
ولد في سنة خمس وتسعين أو نحوها. ضرب في الآفاق ورأى البلاد، وطلب العلم.
قيل: كان في صباه يلقب بمدرك التراب.
وكان أسمر طويلا نحيفا مهيبا، خفيف العارضين، معرق الوجه، رحب الجبهة، كأن عينيه لسانان ناطقان، تخالطه أبهة الملك بزي النساك، تقبله القلوب، وتتبعه العيون، أقنى الأنف، بين القنا، يخضب بالسواد.
وكان فحل بني العباس هيبة وشجاعة، ورأيا وحزما، ودهاء وجبروتا، وكان جماعا للمال، حريصا، تاركا للهو واللعب، كامل العقل، بعيد الغور، حسن المشاركة في الفقه والأدب والعلم.
أباد جماعة كبارا حتى توطد له الملك، ودانت له الأمم على ظلم فيه وقوة نفس، ولكنه يرجع إلى صحة إسلام وتدين في الجملة، وتصون وصلاة وخير، مع فصاحة وبلاغة وجلالة. وقد ولي بليدة من فارس لعاملها سليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة، ثم عزله وضربه وصادره، فلما استخلف قتله. وكان يلقب: أبا الدوانيق، لتدنيقه ومحاسبته الصناع، لما أنشأ بغداد.
وكان يبذل الأموال في الكوائن المخوفة، ولا سيما لما خرج عليه محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة، وأخوه إبراهيم بالبصرة.
قال أبو إسحاق الثعالبي: على شهرة المنصور بالبخل، ذكر محمد بن سلام أنه لم يعط خليفة قبل المنصور عشرة آلاف ألف درهم، دارت بها الصكاك، وثبتت في الدواوين، فإنه أعطى في يوم واحد، كل واحد من عمومته عشرة آلاف ألف. وقيل: إنه خلف يوم موته في بيوت الأموال تسع مائة ألف ألف درهم ونيف.
زهير بن معاوية: حدثنا ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، سمع ابن عباس يقول: منا السفاح، ومنا المنصور، ومنا المهدي. إسناده جيد.(أعلام/1382)
روى إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، عن أبيه، عن جده: أن أباه قال: قال لنا المنصور: رأيت كأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عممني بعمامة كورها ثلاثة وعشرون، وقال: خذها، وأوصاني بأمته.
وعن المنصور قال: الملوك أربعة: معاوية، وعبد الملك، وهشام بن عبد الملك، وأنا.
حج المنصور مرات، منها في خلافته مرتين، وفي الثالثة مات ببئر ميمون قبل أن يدخل مكة.
أبو العيناء: حدثنا الأصمعي: أن المنصور صعد المنبر، فشرع، فقام رجل، فقال: يا أمير المؤمنين! اذكر من أنت في ذكره. فقال: مرحبا، لقد ذكرت جليلا، وخوفت عظيما، وأعوذ بالله أن أكون ممن إذا قيل له: اتق الله، أخذته العزة بالإثم، والموعظة منا بدت، ومن عندنا خرجت، وأنت يا قائلها فأحلف بالله: ما الله أردت، إنما أردت أن يقال: قام، فقال، فعوقب، فصبر، فأهون بها من قائلها، واهتبلها من الله، ويلك إني قد غفرتها! . وعاد إلى خطبته كأنما يقرأ من كتاب.
قال مبارك الطبري: حدثنا أبو عبيد الله الوزير، سمع المنصور يقول: الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.
وقيل: إن عمرو بن عبيد وعظ المنصور فأبكاه، وكان يهاب عمرا ويكرمه، وكان أمر له بمال فرده.
وقيل: إن عبد الصمد عمه قال: يا أمير المؤمنين، لقد هجمت بالعقوبة، حتى كأنك لم تسمع بالعفو. قال: لأن بني أمية لم تبل رممهم، وآل علي لم تغمد سيوفهم، ونحن بين قوم قد رأونا أمس سوقة، ولا تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو.(أعلام/1383)
وقيل: دخل عليه هشام بن عروة فقال: اقض ديني. قال: وكم هو؟ . قال: مائة ألف، قال: وأنت في فقهك وفضلك تأخذ مائة ألف، ليس عندك قضاؤها! ؟ قال: شب فتيان لي، فأحببت أن أبوئهم، وخشيت أن ينتشر علي أمرهم، واتخذت لهم منازل، وأولمت عليهم، ثقة بالله وبأمير المؤمنين
قال: فردد عليه: مائة ألف، استكثارا لها، ثم قال: قد أمرنا لك بعشرة آلاف. قال: فأعطني ما تعطي وأنت طيب النفس، فقد سمعت أبي يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أعطى عطية وهو بها طيب النفس، بورك للمعطي والمعطى ".
قال: فإني طيب النفس بها. فأهوى ليقبل يده، فمنعه، وقال: إنا نكرمك عنها، ونكرمها عن غيرك.
وعن الربيع الحاجب قال: درنا في الخزائن بعد موت المنصور، أنا والمهدي فرأينا في بيت أربع مائة حب مسددة الرءوس، فيها أكباد مملحة معدة للحصار.
وقيل رأت جارية للمنصور قميصه مرقوعا، فكلمته فقال:
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه
خلق، وجيب قميصه مرقوع.
وعن المدائني: أن المنصور لما احتضر قال: اللهم إني قد ارتكبت عظائم، جرأة مني عليك، وقد أطعتك في أحب الأشياء إليك، شهادة أن لا إله إلا الله، منا منك لا منا عليك، ثم مات. وقيل: رأى ما يدل على قرب موته، فسار للحج. وقيل: مات مبطونا، وعاش أربعا وستين سنة.
قال الصولي: دفن بين الحجون وبئر ميمون في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة.(أعلام/1384)
قال عباد بن كثير لسفيان: قلت لأبي جعفر: أتؤمن بالله؟ قال: نعم. قلت: حدثني عن الأموال التي اصطفيتموها من بني أمية، فلئن صارت إليكم ظلما وغصبا، فما رددتموها إلى أهلها الذين ظلموا، ولئن كانت لبني أمية، لقد أخذتم ما لا يحل لكم، إذا دعيت غدا بنو أمية بالعدل، جاءوا بعمر بن عبد العزيز، وإذا دعيتم أنتم، لم تجيئوا بأحد، فكن أنت ذاك الأحد، فقد مضت من خلافتك ست عشرة سنة. قال: ما أجد أعوانا. قلت: عونك علي بلا مرزئة، أنت تعلم أن أبا أيوب المورياني يريد منك كل عام بيت مال، وأنا أجيئك بمن يعمل بغير رزق، آتيك بالأوزاعي، وآتيك بالثوري، وأنا أبلغك عن العامة. فقال: حتى أستكمل بناء بغداد، وأوجه خلفك. فقال له سفيان: ولم ذكرتني له؟ . قال: والله ما أردت إلا النصح. قال سفيان: ويل لمن دخل عليهم، إذا لم يكن كبير العقل، كثير الفهم، كيف يكون فتنة عليهم وعلى الأمة.
قال نوبخت المجوسي: سجنت بالأهواز، فرأيت المنصور وقد سجن - يعني وهو شاب - قال: فرأيت من هيبته وجلالته وحسنه ما لم أره لأحد، فقلت: وحق الشمس والقمر إنك لمن ولد صاحب المدينة؟ فقال: لا، ولكني من عرب المدينة. قال: فلم أزل أتقرب إليه وأخدمه حتى سألته عن كنيته. فقال: أبو جعفر. قلت: وحق المجوسية لتملكن. قال: وما يدريك! ؟ . قلت: هو كما أقول لك. وساق قصة. وقد كان المنصور يصغي إلى أقوال المنجمين، وينفقون عليه، وهذا من هناته مع فضيلته.
وقد خرج عليه في أول ولايته عمه عبد الله بن علي فرماه بنظيره أبي مسلم صاحب الدولة، وقال: لا أبالي أيهما أصيب. فانهزم عمه، وتلاشى أمره، ثم فسد ما بينه وبين أبي مسلم، فلم يزل يتحيل عليه، حتى استأصله وتمكن.
ثم خرج عليه ابنا عبد الله بن حسن وكاد أن تزول دولته، واستعد للهرب، ثم قتلا في أربعين يوما، وألقى عصاه، واستقر.(أعلام/1385)
وكان حاكما على ممالك الإسلام بأسرها، سوى جزيرة الأندلس. وكان ينظر في حقير المال ويثمره، ويجتهد بحيث إنه خلف في بيوت الأموال من النقدين أربعة عشر ألف ألف دينار، فيما قيل، وست مائة ألف ألف درهم، وكان كثيرا ما يتشبه بالثلاثة في سياسته وحزمه، وهم: معاوية، وعبد الملك، وهشام.
وقيل: إنه أحس شغبا عند قتله أبا مسلم، فخرج بعد أن فرق الأموال، وشغلهم برأسه، فصعد المنبر وقال: أيها الناس، لا تخرجوا من أنس الطاعة، إلى وحشة المعصية، ولا تسروا غش الأئمة، يظهر الله ذلك على فلتات الألسنة، وسقطات الأفعال، فإن من نازعنا عروة قميص الإمامة، أوطأناه ما في هذا الغمد، وإن أبا مسلم بايعنا على أنه إن نكث بيعتنا، فقد أباح دمه لنا، ثم نكث، فحكمنا عليه لأنفسنا حكمه على غيره، ولم يمنعنا رعاية حقه من إقامة الحق عليه، فلا تمشوا في ظلمة الباطل، بعد سعيكم في ضياء الحق، ولو علم بحقيقة حال أبي مسلم، لعنفنا على إمهاله من أنكر منا قتله والسلام.(أعلام/1386)
المهرواني
الشيخ الإمام، الزاهد، العابد، الصادق، بقية المشايخ أبو القاسم، يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد المهرواني، الهمذاني نزيل بغداد، من صوفية رباط الزوزني. سمع أبا أحمد الفرضي، وأبا الحسن بن الصلت، وأبا عمر بن مهدي، وأبا محمد بن البيع، وعلي بن محمد بن بشران، وطبقتهم. وانتقى عليه أبو بكر الخطيب خمسة أجزاء مشهورة، وابن خيرون ثلاثة أجزاء ; لم تقع لي، وكان من ثقات النقلة.
حدث عنه: أبو بكر قاضي المارستان، ويوسف بن أيوب الهمذاني، وأبو القاسم إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الرحمن بن محمد القزاز، ويحيى بن الطراح، وأبو الفضل الأموي، وآخرون.
مات في رابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وستين وأربعمائة في عشر التسعين، ودفن على باب رباط الزوزني، رحمه الله.(أعلام/1387)
وفيها توفي الإمام أبو العباس أحمد بن منصور بن قبيس الغساني. الداراني الدمشقي المالكي، وأول سماعه بداريا في سنة اثنتين وأربعمائة. وأبو محمد الحسن بن أحمد بن موسى الغندجاني ومقرئ واسط أبو علي الحسن بن القاسم غلام الهراس عن نيف وتسعين سنة، وأبو الفتح عبد الجبار بن عبد الله بن برزة الجوهري الواعظ، وأبو نصر عبد الرحمن بن علي التاجر النيسابوري وشيخ التفسير أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي والإمام أبو الحسن علي بن الحسين بن جدا العكبري الحنبلي وأبو القاسم علي بن عبد الرحمن بن عليك النيسابوري وأبو الفرج علي بن محمد البجلي الجريري بهمذان، والحافظ أبو الحسن علي بن محمد الزبحي الجرجاني والعلامة أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الله البيضاوي ببغداد، وأبو الحسن محمد بن محمد بن مخلد الأزدي الواسطي البزاز والحافظ أبو بكر مكي بن جابار الدينوري وخطيب همذان أبو القاسم يوسف بن محمد بن يوسف المحدث وصاحب ابن أبي شريح أبو صاعد يعلى بن هبة الله الفضيلي الهروي، والمحدث اللغوي ناصر بن محمد بن علي البغدادي، التركي الأصل، والد الحافظ ابن ناصر، وله إحدى وثلاثون سنة، ومحدث غزنة أبو الحسن علي بن محمد بن نصر الدينوري، ابن اللبان.(أعلام/1388)
النجاد
الإمام المحدث الحافظ الفقيه المفتي، شيخ العراق أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل، البغدادي الحنبلي النجاد.
ولد سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
سمع أبا داود السجستاني -ارتحل إليه، وهو خاتمة أصحابه- وأحمد بن ملاعب، ويحيى بن أبي طالب، والحسن بن مكرم، وأحمد بن محمد البرتي، وهلال بن العلاء الرقي -وارتحل إليه- وإسماعيل القاضي، ويزيد بن جهور، وأبا بكر بن أبي الدنيا القرشي -صاحب الكتب - وإبراهيم الحربي، والحارث بن أبي أسامة، والكديمي، وعبد الملك بن محمد الرقاشي، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي ومعاذ بن المثنى، وبشر بن موسى، ومحمد بن عبد الله مطينا، وخلقا كثيرا.
وصنف ديوانا كبيرا في السنن.
حدث عنه: أبو بكر القطيعي، وأبو بكر عبد العزيز الفقيه، وابن شاهين، والدارقطني، وابن منده، وأبو بكر محمد بن يوسف الرقي، وأبو الحسن بن الفرات، وأبو سليمان الخطابي، وأبو عبد الله الحاكم، وابن رزقويه، وأبو الحسين بن بشران، وأبو القاسم الخرقي، وأبو بكر بن مردويه، وأبو علي بن شاذان، وابن عقيل الباوردي، وأبو القاسم بن بشران، وعدد كثير.
وكان أبو الحسن بن رزقويه يقول: النجاد ابن صاعدنا.
وقال أبو إسحاق الطبري: كان النجاد يصوم الدهر، ويفطر كل ليلة على رغيف، فيترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة تصدق برغيفه، واكتفى بتلك اللقم.
وقال أبو بكر الخطيب: كان النجاد صدوقا عارفا، صنف السنن وكان له بجامع المنصور حلقة قبل الجمعة للفتوى، وحلقة بعد الجمعة للإملاء.
وقال الدارقطني: حدث النجاد من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله.
قال الخطيب: كان قد أضر، فلعل بعضهم قرأ عليه ذلك.
مات النجاد -رحمه الله تعالى- في ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.(أعلام/1389)
وفيها مات شيخ الصوفية المحدث جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ببغداد، وقاضي مصر أبو بكر عبد الله بن محمد بن الحسن بن الخصيب، ومسند الكوفة أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي، وأبو بكر محمد بن الحارث بن أبيض.
أخبرنا الفقيه أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحليم بالإسكندرية، أخبرنا علي بن مختار العابدي، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي أخبرنا علي بن أحمد الرزاز، حدثنا أبو بكر النجاد، قال: قرئ على أبي داود سليمان بن الأشعث، وأنا أسمع، حدثنا رجاء بن مرجى، حدثنا أبو همام الدلال، حدثنا سعيد بن السائب، عن محمد بن عبد الله بن عياض، عن عثمان بن أبي العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طواغيتهم.
وقع لي من رواية النجاد " كتاب الناسخ " لأبي داود، وجزء التراجم "، والثاني من " فوائد الحاج "، وخمسة مجالس، ومجلس مفرد، وجزء سقت منه الخبر المذكور، وفي الأمالي البشرانية، وفي أمالي أبي المطيع، وفي مستخرج أبي علي بن شاذان، وفي الأول والثاني لأبي الحسين بن بشران وفيهما انتقاء اللالكائي، وفي عشرة مجالس الحرفي، وفي الثقفيات وأجزاء يحيى المزكي، وفي البلفسة وأماكن.(أعلام/1390)
النسائي
الإمام الحافظ الثبت، شيخ الإسلام، ناقد الحديث أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني النسائي، صاحب السنن.
ولد بنسا في سنة خمس عشرة ومائتين، وطلب العلم في صغره، فارتحل إلى قتيبة في سنة ثلاثين ومائتين، فأقام عنده ببغلان سنة، فأكثر عنه.
وسمع من: إسحاق بن راهويه، وهشام بن عمار، ومحمد بن النضر بن مساور، وسويد بن نصر، وعيسى بن حماد زغبة، وأحمد بن عبدة الضبي، وأبي الطاهر بن السرح، وأحمد بن منيع، وإسحاق بن شاهين، وبشر بن معاذ العقدي، وبشر بن هلال الصواف، وتميم بن المنتصر، والحارث بن مسكين، والحسن بن الصباح، البزار، وحميد بن مسعدة، وزياد بن أيوب، وزياد بن يحيى الحساني، وسوار بن عبد الله العنبري، والعباس بن عبد العظيم العنبري، وأبي حصين عبد الله بن أحمد اليربوعي، وعبد الأعلى بن واصل، وعبد الجبار بن العلاء العطار، وعبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي، ابن أخي الإمام.(أعلام/1391)
وعبد الملك بن شعيب بن الليث، وعبدة بن عبد الله الصفار، وأبي قدامة عبيد الله بن سعيد، وعتبة بن عبد الله المروزي، وعلي بن حجر، وعلي بن سعيد بن مسروق الكندي، وعمار بن خالد الواسطي، وعمران بن موسى القزاز، وعمرو بن زرارة الكلابي، وعمرو بن عثمان الحمصي، وعمرو بن علي الفلاس، وعيسى بن محمد الرملي، وعيسى بن يونس الرملي، وكثير بن عبيد، ومحمد بن أبان البلخي، ومحمد بن آدم المصيصي، ومحمد بن إسماعيل بن علية قاضي دمشق، ومحمد بن بشار، ومحمد بن زنبور المكي، ومحمد بن سليمان لوين، ومحمد بن عبد الله بن عمار، ومحمد بن عبد الله المخرمي، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ومحمد بن عبيد المحاربي، ومحمد بن العلاء الهمداني، ومحمد بن قدامة المصيصي الجوهري. ومحمد بن مثنى، ومحمد بن مصفى، ومحمد بن معمر القيسي، ومحمد بن موسى الحرشي، ومحمد بن هاشم البعلبكي، وأبي المعافى محمد بن وهب، ومجاهد بن موسى، ومحمود بن غيلان، ومخلد بن حسن الحراني.
ونصر بن علي الجهضمي، وهارون بن عبد الله الحمال، وهناد بن السري، والهيثم بن أيوب الطالقاني، وواصل بن عبد الأعلى، ووهب بن بيان، ويحيى بن درست البصري، ويحيى بن موسى خت، ويعقوب الدورقي، ويعقوب بن ماهان البناء، ويوسف بن حماد المعني، ويوسف بن عيسى الزهري، ويوسف بن واضح المؤدب، وخلق كثير، وإلى أن يروي عن رفقائه.
وكان من بحور العلم، مع الفهم، والإتقان، والبصر، ونقد الرجال، وحسن التأليف.
جال في طلب العلم في خراسان، والحجاز، ومصر، والعراق، والجزيرة، والشام، والثغور، ثم استوطن مصر، ورحل الحفاظ إليه، ولم يبق له نظير في هذا الشأن.(أعلام/1392)
حدث عنه: أبو بشر الدولابي، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو علي النيسابوري، وحمزة بن محمد الكناني، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس النحوي، وأبو بكر محمد بن أحمد بن الحداد الشافعي، وعبد الكريم بن أبي عبد الرحمن النسائي، والحسن بن الخضر الأسيوطي، وأبو بكر أحمد بن محمد بن السني، وأبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ومحمد بن معاوية بن الأحمر الأندلسي، والحسن بن رشيق، ومحمد بن عبد الله بن حيويه النيسابوري، ومحمد بن موسى المأموني، وأبيض بن محمد بن أبيض، وخلق كثير.
وكان شيخا مهيبا، مليح الوجه، ظاهر الدم، حسن الشيبة.
قال قاضي مصر أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أبي العوام السعدي: حدثنا أحمد بن شعيب النسائي، أخبرنا إسحاق بن راهويه، حدثنا محمد بن أعين قال: قلت لابن المبارك: إن فلانا يقول: من زعم أن قوله تعالى: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني مخلوق، فهو كافر. فقال ابن المبارك: صدق، قال النسائي: بهذا أقول.
وعن النسائي قال: أقمت عند قتيبة بن سعيد سنة وشهرين.
وكان النسائي يسكن بزقاق القناديل بمصر.
وكان نضر الوجه مع كبر السن، يؤثر لباس البرود النوبية والخضر، ويكثر الاستمتاع، له أربع زوجات، فكان يقسم لهن، ولا يخلو -مع ذلك- من سرية، وكان يكثر أكل الديوك، تشترى له وتسمن وتخصى.
قال مرة بعض الطلبة: ما أظن أبا عبد الرحمن إلا أنه يشرب النبيذ للنضرة التي في وجهه.
وقال آخر: ليت شعري ما يرى في إتيان النساء في أدبارهن؟ قال: فسئل عن ذلك، فقال: النبيذ حرام، ولا يصح في الدبر شيء. لكن حدث محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس قال: " اسق حرثك حيث شئت ". فلا ينبغي أن يتجاوز قوله.
قلت: قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أدبار النساء، وجزمنا بتحريمه، ولي في ذلك مصنف كبير.(أعلام/1393)
وقال الوزير ابن حنزابة سمعت محمد بن موسى المأموني -صاحب النسائي - قال: سمعت قوما ينكرون على أبي عبد الرحمن النسائي كتاب: " الخصائص " لعلي -رضي الله عنه -، وتركه تصنيف فضائل الشيخين، فذكرت له ذلك، فقال: دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير، فصنفت كتاب: " الخصائص "، رجوت أن يهديهم الله تعالى.
ثم إنه صنف بعد ذلك فضائل الصحابة، فقيل له -وأنا أسمع-: ألا تخرج فضائل معاوية -رضي الله عنه؟ فقال: أي شيء أخرج؟ حديث: اللهم لا تشبع بطنه فسكت السائل.
قلت: لعل أن يقال: هذه منقبة لمعاوية لقوله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة. .
قال مأمون المصري المحدث: خرجنا إلى طرسوس مع النسائي سنة الفداء، فاجتمع جماعة من الأئمة: عبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن إبراهيم مربع، وأبو الآذان، وكيلجة فتشاوروا: من ينتقي لهم على الشيوخ؟ فأجمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي، وكتبوا كلهم بانتخابه.
قال الحاكم: كلام النسائي على فقه الحديث كثير، ومن نظر في سننه تحير في حسن كلامه.
قال ابن الأثير في أول " جامع الأصول " كان شافعيا، له مناسك على مذهب الشافعي، وكان ورعا متحريا.
قيل: إنه أتى الحارث بن مسكين في زي أنكره، عليه قلنسوة وقباء، وكان الحارث خائفا من أمور تتعلق بالسلطان، فخاف أن يكون عينا عليه، فمنعه، فكان يجيء فيقعد خلف الباب ويسمع، ولذلك ما قال: حدثنا الحارث، وإنما يقول: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
قال ابن الأثير: وسأل أمير أبا عبد الرحمن عن سننه: أصحيح كله؟
قال: لا. قال: فاكتب لنا منه الصحيح. فجرد المجتنى.
قلت: هذا لم يصح ; بل المجتنى اختيار ابن السني.
قال الحافظ أبو علي النيسابوري: أخبرنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي.(أعلام/1394)
وقال أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ: من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟ عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة -يعني عن قتيبة، عن ابن لهيعة - قال: فما حدث بها.
قال أبو الحسن الدارقطني: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.
قال الحافظ بن طاهر: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل، فوثقه، فقلت: قد ضعفه النسائي، فقال: يا بني، إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم.
قلت: صدق ; فإنه لين جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم.
قال محمد بن المظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار، وأنه خرج إلى الفداء مع أمير مصر، فوصف، من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين، واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه، والانبساط في المأكل، وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد بدمشق من جهة الخوارج.
قال الدارقطني: كان أبو بكر بن الحداد الشافعي كثير الحديث، ولم يحدث عن غير النسائي، وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله تعالى.
قال الطبراني في " معجمه " حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي القاضي بمصر. فذكر حديثا.
وقال أبو عوانة في " صحيحه ": حدثنا أحمد بن شعيب النسائي قاضي حمص: حدثنا محمد بن قدامة، فذكر حديثا.
روى أبو عبد الله بن مندة، عن حمزة العقبي المصري وغيره، أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية، وما جاء في فضائله، فقال: لا يرضى رأسا برأس حتى يفضل؟ قال: فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة فتوفي بها. كذا قال، وصوابه: إلى الرملة.
قال الدارقطني: خرج حاجا فامتحن بدمشق، وأدرك الشهادة، فقال: احملوني إلى مكة. فحمل وتوفي بها، وهو مدفون بين الصفا والمروة، وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة.(أعلام/1395)
قال: وكان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعلمهم بالحديث والرجال.
قال أبو سعيد بن يونس في " تاريخه ": كان أبو عبد الرحمن النسائي إماما حافظا ثبتا، خرج من مصر في شهر ذي القعدة من سنة اثنتين وثلاثمائة، وتوفي بفلسطين في يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر، سنة ثلاث.
قلت: هذا أصح ; فإن ابن يونس حافظ يقظ، وقد أخذ عن النسائي، وهو به عارف. ولم يكن أحد في رأس الثلاث مائة أحفظ من النسائي، هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم، ومن أبي داود، ومن أبي عيسى، وهو جار في مضمار البخاري، وأبي زرعة، إلا أن فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي، كمعاوية وعمرو، والله يسامحه.
وقد صنف " مسند علي " وكتابا حافلا في الكنى، وأما كتاب: " خصائص علي " فهو داخل في " سننه الكبير "، وكذلك كتاب: " عمل يوم وليلة " وهو مجلد، هو من جملة " السنن الكبير " في بعض النسخ، وله كتاب " التفسير " في مجلد، وكتاب " الضعفاء " وأشياء، والذي وقع لنا من سننه هو الكتاب المجتنى منه، انتخاب أبي بكر بن السني، سمعته ملفقا من جماعة سمعوه من ابن باقا بروايته عن أبي زرعة المقدسي، سماعا لمعظمه، وإجازة لفوت له محدد في الأصل. قال: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمد الدوني قال: أخبرنا القاضي أحمد بن الحسين الكسار، حدثنا ابن السني عنه.
ومما يروى اليوم في عام أربعة وثلاثين وسبع مائة من السنن عاليا جزآن، الثاني من الطهارة والجمعة، تفرد البوصيري بعلوهما في وقته، وقد أنبأني أحمد بن أبي الخير بهما، عن البوصيري، فبيني وبين النسائي فيهما خمسة رجال.
وعندي جزء من حديث الطبراني، عن النسائي، وقع لنا بعلو أيضا.(أعلام/1396)
ووقع لنا جزء كبير انتخبه السلفي من السنن، سمعناه من الشيخ أبي المعالي بن المنجا التنوخي: أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا الدوني، وبدر بن دلف الفركي بسماعهما من الكسار قال: أخبرنا أبو بكر بن السني، أخبرنا أحمد بن شعيب، أخبرنا قتيبة، أخبرنا الليث عن أبي الزبير، عن جابر، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنه نهى عن البول في الماء الراكد.
أخبرنا علي بن حجر: أخبرنا عبيدة بن حميد، عن يوسف بن صهيب، عن حبيب بن يسار، عن زيد بن أرقم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من لم يأخذ شاربه فليس منا. .
قال أبو علي الحافظ: سألت النسائي: ما تقول في بقية؟ فقال: إن قال: حدثنا وأخبرنا، فهو ثقة.
وقال جعفر بن محمد المراغي: سمعت النسائي يقول: محمد بن حميد الرازي كذاب.
قرأت على علي بن محمد، وشهدة العامرية: أخبرنا جعفر، أخبرنا السلفي، أخبرنا محمد بن طاهر بهمذان، أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق قال: قال لي أبو عبد الله بن مندة: الذين أخرجوا الصحيح، وميزوا الثابت من المعلول، والخطأ من الصواب أربعة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو عبد الرحمن النسائي.
وممن مات معه: المحدث أبو الحسن أحمد بن الحسين بن إسحاق الصوفي الصغير ببغداد.
والمفسر أبو جعفر أحمد بن فرح البغدادي الضرير المقرئ.
والمفسر أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق النيسابوري الأنماطي الحافظ.
والمسند أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الجوزي.
والمحدث إسحاق بن إبراهيم بن نصر النيسابوري البشتي.
والحافظ جعفر بن أحمد بن نصر الحصيري. والحسن بن سفيان الحافظ.
والمحدث أبو الحسين عبد الله بن محمد بن يونس السمناني.
والمحدث عمر بن أيوب السقطي ببغداد.
ورأس المعتزلة أبو علي الجبائي.
والحافظ محمد بن المنذر الهروي شكر.(أعلام/1397)
النشبي
الإمام المحدث شمس الدين علي بن المظفر بن القاسم الربعي النشبي الدمشقي العدل.
طلب الحديث في كبره، فسمع الخشوعي والقاسم وحنبلا وطبقتهم، وكان فصيحا طيب الصوت معربا، كان يؤدب، ثم صار شاهدا.
روى عنه الدمياطي، وابن الحلوانية، وابن الخلال، ومحمد بن خطيب بيت الأبار، وآخرون وناب في الحسبة.
مات في ربيع الأول سنة ست وخمسين وستمائة وله تسعون سنة وأشهر.(أعلام/1398)
النضر بن شميل (ع)
ابن خرشة بن زيد بن كلثوم بن عنزة بن زهير بن عمرو بن حجر بن خزاعي بن مازن بن عمرو بن تميم، وقيل: إن يزيد - بدل زيد - بن كلثوم بن عنزة بن عروة بن جلهمة بن جحدر بن خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر بن أد بن طابخة، العلامة الإمام الحافظ أبو الحسن المازني البصري النحوي، نزيل مرو وعالمها.
ولد في حدود سنة اثنتين وعشرين ومائة.
وحدث عن هشام بن عروة، وعثمان بن غياث، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وبهز بن حكيم، وإسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن حسان، والهرماس بن حبيب، والنهاس بن قهم، وعوف الأعرابي، وابن عون، وحميد الطويل، وأبي نعامة العدوي، وابن أبي عروبة، وداود بن أبي الفرات، وعباد بن منصور، وكهمس، وشعبة، والمسعودي، وحماد بن سلمة، وخلق كثير.
وعنه يحيى بن معين، يحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهويه، وإسحاق الكوسج، وأحمد بن سعيد الدارمي، وأحمد بن سعيد الرباطي، والحسين بن حريث، ورجاء بن مرجى، وسليمان بن سلم المصاحفي، وبيان بن عمرو البخاري، وسليمان بن معبد السنجي، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وعبد الله بن منير المروزي، وعبيد الله بن سعيد السرخسي، وعلي بن الحسن الذهلي، ومحمد بن رافع القشيري، ومحمود بن غيلان، ومحمد بن يوسف البيكندي، وأمم سواهم.
وثقه يحيى بن معين وابن المديني والنسائي.
وقال أبو حاتم: ثقة صاحب سنة.
حمدويه بن محمد، عن محمد بن خاقان، قال: سئل ابن المبارك عن النضر بن شميل، فقال: درة بين مروين ضائعة، يعني كورة مرو، وكورة مرو الروذ.(أعلام/1399)
قال العباس بن مصعب: بلغني أن ابن المبارك سئل عن النضر بن شميل، فقال: ذاك أحد الأحدين لم يكن أحد من أصحاب الخليل بن أحمد يدانيه. ثم قال العباس: كان النضر إماما في العربية والحديث، وهو أول من أظهر السنة بمرو وجميع خراسان، وكان أروى الناس عن شعبة، وخرج كتبا كثيرة لم يسبقه إليها أحد، ولي قضاء مرو.
قال أحمد بن سعيد الدارمي: سمعت النضر بن شميل يقول: في كتاب الخليل كذا وكذا مسألة كفر.
وقال العباس بن مصعب: سئل النضر عن الكتاب الذي ينسب، إلى الخليل، ويقال له: كتاب " العين "، فأنكره، فقيل له: لعله ألفه بعدك؟ فقال: أوخرجت من البصرة حتى دفنت الخليل بن أحمد؟ .
أحمد الدارمي: سمعت النضر بن شميل يقول: خرج بي أبي من مرو الروذ إلى البصرة سنة ثمان وعشرين ومائة، وأنا ابن خمس سنين أو ست، هرب من مرو الروذ حين كانت الفتنة - يعني ظهور أبي مسلم صاحب الدولة -
قال: وسمعت النضر قبل موته بقليل يقول: أنا ابن ثمانين، وكان مرضه نحوا من ستة أشهر، قال: ومات في أول سنة أربع ومائتين.
وقال أبو بكر بن منجويه في وفاته نحوا من ذلك، وقال: قبره بمرو. وكان من فصحاء الناس وعلمائهم بالأدب وأيام الناس.
وقال محمد بن عبد الله بن قهزاذ: مات في آخر يوم من ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين. ودفن في أول المحرم.(أعلام/1400)
أخبرنا القاضي أبو محمد عبد الخالق بن علوان سنة أربع وتسعين وستمائة، أخبرنا الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي سنة إحدى عشرة وستمائة، أخبرنا أبو المعالي أحمد بن عبد الغني، أخبرنا نصر بن أحمد القارئ، أخبرنا عبد الله بن عبيد الله، حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي، حدثنا أحمد بن منصور زاج، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا يونس، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم قال: رمدت، فعادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا زيد، أرأيت لو أن عينيك كانتا لما بهما؟ قلت: يا رسول الله، إذا أصبر وأحتسب، فقال: إذا لقيت الله - عز وجل -، ولا ذنب لك.
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود من حديث يونس بن أبي إسحاق، ورواه الحافظ ضياء الدين في كتاب " المختارة " عن خاله الشيخ الموفق، فوافقناه.(أعلام/1401)
النعمان بن بشير (ع)
ابن سعد بن ثعلبة، الأمير العالم، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن صاحبه، أبو عبد الله. ويقال: أبو محمد، الأنصاري الخزرجي، ابن أخت عبد الله بن رواحة.
مسنده مائة وأربعة عشر حديثا. اتفقا له على خمسة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بأربعة.
شهد أبوه بدرا.
وولد النعمان سنة اثنتين وسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - وعد من الصحابة الصبيان باتفاق.
حدث عنه: ابنه محمد، والشعبي، وحميد بن عبد الرحمن الزهري، وأبو سلام ممطور، وسماك بن حرب، وسالم بن أبي الجعد، وأبو قلابة، وأبو إسحاق السبيعي، ومولاه حبيب بن سالم، وعدة.
وكان من أمراء معاوية، فولاه الكوفة مدة، ثم ولي قضاء دمشق بعد فضالة ثم ولي إمرة حمص.
قال البخاري: ولد عام الهجرة.
قيل: وفد أعشى همدان على النعمان وهو أمير حمص، فصعد المنبر، فقال: يا أهل حمص - وهم في الديوان عشرون ألفا - هذا ابن عمكم من أهل العراق والشرف جاء يسترفدكم، فما ترون؟ قالوا: أصلح الله الأمير، احتكم له، فأبى عليهم. قالوا: فإنا قد حكمنا له على أنفسنا بدينارين دينارين. قال: فعجلها له من بيت المال أربعين ألف دينار.
قال سماك بن حرب: كان النعمان بن بشير - والله - من أخطب من سمعت.
قيل: إن النعمان لما دعا أهل حمص إلى بيعة ابن الزبير ذبحوه.
وقيل: قتل بقرية بيرين قتله خالد بن خلي بعد وقعة مرج راهط في آخر سنة أربع وستين - رضي الله عنه.(أعلام/1402)
النعمان بن مقرن
أبو حكيم ; وقيل: أبو عمرو المزني ; الأمير صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
كان إليه لواء قومه يوم فتح مكة. ثم كان أمير الجيش الذين افتتحوا نهاوند. فاستشهد يومئذ.
وكان مجاب الدعوة، فنعاه عمر على المنبر إلى المسلمين، وبكى.
حدث عنه: ابنه معاوية، ومعقل بن يسار، ومسلم بن الهيضم، وجبير بن حية الثقفي.
وكان مقتله في سنة إحدى وعشرين، يوم جمعة، رضي الله عنه.
زائدة: حدثنا عاصم بن كليب الجرمي: حدثني أبي: أنه أبطأ على عمر خبر نهاوند وابن مقرن، وأنه كان يستنصر، وأن الناس كانوا، مما يرون من استنصاره، ليس همهم إلا نهاوند وابن مقرن ; فجاء إليهم أعرابي مهاجر ; فلما بلغ البقيع، قال: ما أتاكم عن نهاوند؟ قالوا: وما ذاك؟ قال: لا شيء. فأرسل إليه عمر، فأتاه، فقال: أقبلت بأهلي مهاجرا حتى وردنا مكان كذا وكذا، فلما صدرنا إذا نحن براكب على جمل أحمر، ما رأيت مثله، فقلت: يا عبد الله، من أين أقبلت؟ قال: من العراق. قلت: ما خبر الناس؟ قال: اقتتل الناس بنهاوند، ففتحها الله، وقتل ابن مقرن ; والله ما أدري أي الناس هو؟ ولا ما نهاوند؟ فقال: أتدري أي يوم ذاك من الجمعة؟ قال: لا. قال عمر: لكني أدري! عد منازلك. قال: نزلنا مكان كذا، ثم ارتحلنا، فنزلنا منزل كذا، حتى عد. فقال عمر: ذاك يوم كذا وكذا من الجمعة ; لعلك تكون لقيت بريدا من برد الجن، فإن لهم بردا.
فلبث ما لبث، ثم جاء البشير: بأنهم التقوا ذلك اليوم.(أعلام/1403)
النقاش
الإمام الحافظ، البارع الثبت، أبو سعيد، محمد بن علي بن عمرو بن مهدي، الأصبهاني، الحنبلي النقاش.
ولد بعد الثلاثين وثلاثمائة.
وسمع من: جده لأمه أحمد بن الحسن بن أيوب التميمي، وعبد الله بن جعفر بن فارس، وأحمد بن معبد السمسار، وعبد الله بن عيسى الخشاب، وأبي أحمد العسال، والطبراني، وخلق. وببغداد من أبي بكر الشافعي، وابن مقسم وأبي علي بن الصواف، وابن محرم. وبالبصرة من أبي إسحاق إبراهيم بن علي الهجيمي، وفاروق الخطابي، وحبيب القزاز، وبالكوفة من القاضي نذير بن جناح المحاربي، وصباح بن محمد النهدي وعدة. وبمرو من حاضر بن محمد الفقيه. وبجرجان من أبي بكر الإسماعيلي. وبهراة من أحمد بن محمد بن حسنويه، وأبي منصور الأزهري. وبالدينور من ابن السني. وبالحرمين ونيسابور ونهاوند وإسفرايين وعسكر مكرم. وصنف وأملى.
حدث عنه: الفضل بن علي الحنفي، وأبو العباس ابن أشته، وأبو مطيع محمد بن عبد الواحد، وسليمان الحافظ، وأبو الفتح أحمد بن عبد الله السوذرجاني.
وقع لنا جزآن من أماليه، وكتاب " القضاة "، وكتاب " طبقات الصوفية "، وغير ذلك.
مات في رمضان سنة أربع عشرة وأربعمائة.
كان من أئمة الأثر رحمه الله ورضي عنه. مات في عشر التسعين.(أعلام/1404)
الهذباني
الأمير الكبير الإمام العالم شرف الدين يعقوب بن محمد بن الحسن بن عيسى الكردي الموصلي، من أعيان أمراء مصر.
قرأ على أبي السعادات بن الأثير تصانيفه.
وسمع من يحيى الثقفي، ومنصور الطبري، والقاسم بن عساكر، وعدة.
وحدث " بمسند أبي يعلى " و " بجامع الأصول ".
وكان بيته مأوى الفضلاء.
روى عنه الصدر القونوي، والدمياطي، وناصر الدين الماكسيني، والعماد خطيب المصلى.
توفي في ربيع الأول سنة خمس وأربعين وستمائة وله اثنتان وثمانون سنة.(أعلام/1405)
الهمداني
الكوفي الذي سكن واسطا.
وحدث عن الأعمش، وجماعة.
وعنه أحمد بن منيع، وسريج بن يونس وطائفة. فهو واه جدا.(أعلام/1406)
الهيثم بن عدي
ابن عبد الرحمن بن زيد بن أسيد بن جابر الأخباري العلامة أبو عبد الرحمن الطائي الكوفي المؤرخ.
حدث عن: هشام بن عروة، ومجالد، وابن أبي ليلى، وسعيد بن أبي عروبة وجماعة.
روى عنه: محمد بن سعد، وأبو الجهم الباهلي، وعلي بن عمرو الأنصاري، وأحمد بن عبيد أبو عصيدة، وآخرون. وهو من بابة الواقدي. وقل ما روى من المسند.
قال علي بن المديني: هو عندي أصلح من الواقدي.
قال عباس الدوري: حدثنا بعض أصحابنا، قال: قالت جارية الهيثم بن عدي: كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي، فإذا أصبح جلس يكذب.
وقال ابن معين وأبو داود: كذاب.
وقال البخاري: سكتوا عنه.
وقال النسائي وغيره: متروك الحديث.
قلت: توفي بفم الصلح في سنة سبع ومائتين وله ثلاث وتسعون سنة.(أعلام/1407)
الواقدي
محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي المديني القاضي، صاحب التصانيف والمغازي، العلامة الإمام أبو عبد الله، أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه.
ولد بعد العشرين ومائة.
وطلب العلم عام بضعة وأربعين، وسمع من صغار التابعين، فمن بعدهم بالحجاز والشام وغير ذلك.
حدث عن محمد بن عجلان، وابن جريج، وثور بن يزيد، ومعمر بن راشد، وأسامة بن زيد الليثي، وكثير بن زيد، وعبد الحميد بن جعفر، والضحاك بن عثمان، وابن أبي ذئب، وأفلح بن حميد، والأوزاعي، وهشام بن الغاز، وأبي بكر بن أبي سبرة، ومالك، وفليح بن سليمان، وخلق كثير، إلى الغاية من عوام المدنيين.
وجمع، فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدر الثمين، فاطرحوه لذلك، ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي، وأيام الصحابة وأخبارهم.
حدث عنه محمد بن سعد كاتبه، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو حسان الحسن بن عثمان الزيادي، ومحمد بن شجاع الثلجي، وسليمان بن داود الشاذكوني، ومحمد بن يحيى الأزدي، وأحمد بن عبيد بن ناصح، وأبو بكر الصاغاني، والحارث بن أبي أسامة، ومحمد بن الفرج الأزرق، وأحمد بن الوليد الفحام، وأحمد بن الخليل البرجلاني، وعبد الله بن الحسن الهاشمي، وعدة.
الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم نزل ندافع أمر الواقدي حتى روى عن معمر، عن الزهري، عن نبهان، عن أم سلمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أفعمياوان أنتما فجاء بشيء لا حيلة فيه، فهذا حديث يونس، ما رواه غيره عن الزهري.
قال الحافظ ابن عساكر: ورواه الذهلي، أخبرنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا نافع بن يزيد، عن عقيل، عن الزهري.(أعلام/1408)
وقال الرمادي: لما حدثني سعيد بن أبي مريم بهذا، ضحكت، فقال: مم تضحك؟ فأخبرته بما قال علي بن المديني: وكتب إليه أحمد يقول: هذا حديث تفرد به يونس، وهذا أنت تحدث به عن نافع بن زيد، عن عقيل، فقال: إن شيوخنا المصريين لهم عناية بحديث الزهري. قال: وفيما كتب أحمد إلى ابن المديني: كيف تستحل تروي عن رجل يروي عن معمر حديث نبهان مكاتب أم سلمة؟ .
رواه الحافظ محمد بن المظفر، عن عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني، عن الرمادي.
إبراهيم بن جابر الحافظ: سمعت الرمادي، وحدث بحديث عقيل، عن ابن شهاب، فقال: هذا مما ظلم فيه الواقدي.
قال محمد بن سعد: محمد بن عمر الواقدي مولى لبني أسلم، ثم بني سهم بطن من أسلم، ولي القضاء ببغداد للمأمون أربع سنين، وكان عالما بالمغازي والسيرة والفتوح والأحكام واختلاف الناس، وقد فسر ذلك في كتب استخرجها ووضعها، وحدث بها، أخبرني أنه ولد سنة ثلاثين ومائة.
وقال ابن سعد في " الطبقات الكبير ": هو مولى عبد الله بن بريدة الأسلمي، قدم بغداد في دين لحقه سنة ثمانين ومائة، فلم يزل بها، وخرج إلى الشام والرقة، ثم رجع، فولاه المأمون القضاء، إذ قدم من خراسان، ولاه القضاء بعسكر المهدي، فلم يزل قاضيا حتى مات ببغداد لإحدى عشرة خلت من ذي الحجة سنة سبع ومائتين.
وذكره البخاري، فقال: سكتوا عنه، تركه أحمد وابن نمير.
وقال مسلم وغيره: متروك الحديث.
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال الخطيب: هو ممن طبق ذكره شرق الأرض وغربها، وسارت بكتبه الركبان في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات والفقه، وكان جوادا كريما مشهورا بالسخاء.
قال محمد بن سلام الجمحي: الواقدي عالم دهره.
وقال إبراهيم الحربي: الواقدي أمين الناس على أهل الإسلام، كان أعلم الناس بأمر الإسلام. قال: فأما الجاهلية، فلم يعلم فيها شيئا.(أعلام/1409)
وقال موسى بن هارون: سمعت مصعبا الزبيري يذكر الواقدي، فقال: والله ما رأينا مثله قط.
وعن الدراوردي وذكر الواقدي فقال: ذاك أمير المؤمنين في الحديث. رواها يعقوب الفسوي، عن عبيد بن أبي الفرج، عن يعقوب مولى آل عبيد الله، عنه.
وعن الواقدي قال: كانت ألواحي تضيع، فأوتى بها من شهرتها بالمدينة، يقال: هذه ألواح ابن واقد.
قد كانت للواقدي في وقته جلالة عجيبة، ووقع في النفوس بحيث إن أبا عامر العقدي قال: نحن نسأل عن الواقدي؟ ما كان يفيدنا الشيوخ والحديث إلا الواقدي.
وقال مصعب الزبيري: حدثني من سمع عبد الله بن المبارك يقول: كنت أقدم المدينة، فما يفيدني ويدلني على الشيوخ إلا الواقدي.
وقال معاوية بن صالح الدمشقي: حدثني سنيد بن داود قال: كنا عند هشيم، فدخل الواقدي، فسأله هشيم عن باب ما يحفظ فيه، فقال: ما لا عندك يا أبا معاوية، فذكر خمسة أحاديث أو ستة في الباب، ثم قال هشيم للواقدي: ما عندك؟ فحدثه بثلاثين حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين، ثم قال: وسألت مالكا، وسألت ابن أبي ذئب، وسألت وسألت، فرأيت وجه هشيم يتغير، فلما خرج، قال هشيم: لئن كان كذابا، فما في الدنيا مثله، وإن كان صادقا، فما في الدنيا مثله.
أحمد بن علي الأبار: سمعت مجاهد بن موسى يقول: ما كتبنا عن أحد أحفظ من الواقدي.
وقال إبراهيم الحربي: قال سليمان الشاذكوني: كتبت ورقة من حديث الواقدي، وجعلت فيها حديثا عن مالك لم يروه إلا ابن مهدي عنه، ثم أتيت بها الواقدي، فحدثني إلى أن بلغ الحديث، فتركني وقام، ثم أتى فقال لي: هذا الحديث سأل عنه إنسان بغيض لمالك، فلم أكتبه، ثم حدثني به.
قال محمد بن جرير: قال ابن سعد: كان الواقدي يقول: ما من أحد إلا وكتبه أكثر من حفظه، وحفظي أكثر من كتبي.(أعلام/1410)
قال يعقوب بن شيبة: لما انتقل الواقدي من جانب الغربي يقال: إنه حمل كتبه على عشرين ومائة وقر.
وعن أبي حذافة السهمي قال: كان للواقدي ست مائة قمطر كتب.
قال إبراهيم الحربي: سمعت المسيبي يقول: رأينا الواقدي يوما جالسا إلى أسطوانة في مسجد المدينة، وهو يدرس، فقلنا: أي شيء تدرس؟ فقال: جزئي من المغازي. وقلنا يوما له: هذا الذي تجمع الرجال تقول: حدثنا فلان وفلان، وجئت بمتن واحد، لو حدثتنا بحديث كل واحد على حدة، فقال: يطول. قلنا له: قد رضينا، فغاب عنا جمعة، ثم جاءنا بغزوة أحد، في عشرين جلدا، فقلنا: ردنا إلى الأمر الأول.
قال أبو بكر الخطيب: كان الواقدي مع ما ذكرناه من سعة علمه، وكثرة حفظه لا يحفظ القرآن. فأنبأني الحسين بن محمد الرافقي حدثنا أحمد بن كامل القاضي، حدثني محمد بن موسى البربري قال: قال المأمون للواقدي: أريد أن تصلي الجمعة غدا بالناس، فامتنع، قال: لا بد، فقال: والله ما أحفظ سورة الجمعة، قال: فأنا أحفظك، فجعل المأمون يلقنه سورة الجمعة حتى بلغ النصف منها، فإذا حفظه، ابتدأ بالنصف الثاني، فإذا حفظه، نسي الأول، فأتعب المأمون، ونعس، فقال لعلي بن صالح: حفظه أنت، قال علي: ففعلت، فبقي كلما حفظته شيئا، نسي شيئا، فاستيقظ المأمون، فقال لي: ما فعلت؟ فأخبرته، فقال: هذا رجل يحفظ التأويل، ولا يحفظ التنزيل، اذهب فصل بهم، واقرأ أي سورة شئت.
فهذه حكاية مرسلة، والبربري: فحافظ.
قال إبراهيم بن جابر الفقيه: سمعت أبا بكر الصاغاني - وذكر الواقدي - فقال: والله لولا أنه عندي ثقة، ما حدثت عنه، قد حدث عنه أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو عبيد، وسمى غيرهما.
وقال إبراهيم الحربي: سمعت مصعب بن عبد الله يقول: الواقدي ثقة مأمون.(أعلام/1411)
وسئل معن بن عيسى عن الواقدي، فقال: أنا أسأل عن الواقدي؟ الواقدي يسأل عني. وسألت ابن نمير عنه، فقال: أما حديثه هاهنا، فمستو، وأما حديث أهل المدينة، فهم أعلم به.
وروى جابر بن كردي، عن يزيد بن هارون قال: الواقدي ثقة.
الحربي: سمعت أبا عبد الله يقول: الواقدي ثقة، قال الحربي: أما فقه أبي عبيد، فمن كتب الواقدي، الاختلاف والإجماع كان عنده، ثم قال إبراهيم الحربي: وهو إمام كبير، له إن أخطأ في اجتهاده هذا، من قال: إن مسائل مالك وابن أبي ذئب تؤخذ عمن هو أوثق من الواقدي، فلا يصدق، لأنه قال: سألت مالكا، وسألت ابن أبي ذئب.
قال أبو داود السجستاني: أخبرني من سمع علي بن المديني يقول: روى الواقدي ثلاثين ألف حديث غريب.
وروى عبد الله بن علي بن المديني، عن أبيه، قال: عند الواقدي عشرون ألف حديث لم أسمع بها، ثم قال: لا يروى عنه، وضعفه.
وعن يحيى بن معين قال: أغرب الواقدي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرين ألف حديث.
وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: كتب الواقدي كذب.
المغيرة بن محمد المهلبي: سمعت ابن المديني يقول: الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي.
قلت: أجمعوا على ضعف الهيثم.
أحمد بن زهير، عن ابن معين قال: ليس الواقدي بشيء وقال مرة: لا يكتب حديثه.
الدولابي: حدثنا معاوية بن صالح، قال لي أحمد بن حنبل: الواقدي كذاب.
النسائي في " الكنى ": أخبرنا عبد الله بن أحمد الخفاف، قال: قال إسحاق: هو عندي ممن يضع الحديث - يعني الواقدي -.
أبو إسحاق الجوزجاني: لم يكن الواقدي مقنعا، ذكرت لأحمد موته يوم مات ببغداد، فقال: جعلت كتبه ظهائر للكتب منذ حين.
وقال البخاري: ما عندي للواقدي حرف، وما عرفت من حديثه، فلا أقنع به.(أعلام/1412)
وقال أبو داود: لا أكتب حديثه، ما أشك أنه كان ينقل الحديث، لا ينظر للواقدي في كتاب إلا تبين أمره فيه، روى في فتح اليمن وخبر العنسي أحاديث عن الزهري ليست من حديثه. وكان أحمد لا يذكر عنه كلمة.
قال النسائي: المعروفون بوضع الحديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بخراسان، ومحمد بن سعيد بالشام.
وقال أبو زرعة: ترك الناس حديث الواقدي.
قلت: لا شيء للواقدي في الكتب الستة إلا حديث واحد، عند ابن ماجه حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا شيخ لنا، فما جسر ابن ماجه أن يفصح به، وما ذاك إلا لوهن الواقدي عند العلماء، ويقولون: إن ما رواه عنه كاتبه في " الطبقات "، هو أمثل قليلا من رواية الغير عنه.(أعلام/1413)
قال أبو بكر بن الأنباري: حدثنا أبي، حدثنا أبو عكرمة الضبي، حدثنا العنبري قال: قال الواقدي: كنت حناطا بالمدينة في يدي مائة ألف درهم للناس، أضارب بها، فتلفت الدراهم، فشخصت إلى العراق، فأتيت يحيى بن خالد البرمكي في دهليزه، وآنست الخدم، وسألتهم أن يوصلوني إليه، فقالوا: إذا قدم الطعام إليه لم يحجب عنه أحد، ونحن ندخلك، قال: فأدخلوني، فأجلسوني على المائدة، فقال: من أنت؟ وما قصتك؟ فأخبرته، فلما رفع الطعام، دنوت لأقبل رأسه، فاشمأز من ذلك، فلما خرجت، لحقني خادم بألف دينار، وقال: الوزير يقرأ عليك السلام، ويقول: استعن بهذه، وعد إلينا، قال: فعدت من الغد، فوصلني بألف دينار أخرى، وفي اليوم الثالث بألف، وقال: لم يمنعني أن أدعك تقبل رأسي إلا أنه لم يكن وصلك من معروفنا ما يوجب ذلك، يا غلام: أعطه الدار الفلانية، وأعطه مائتي ألف درهم، ثم قال: الزمني، وكن عندي، فقلت: أعز الله الوزير، لو أذنت لي في الشخوص إلى المدينة، لأقضي الناس أموالهم وأعود، قال: قد فعلت، وأمر بتجهيزي، قال: فقضيت ديني، ورجعت، فلم أزل في ناحيته.(أعلام/1414)
وروى حسين بن فهم عن أحمد بن مسبح: حدثنا عبيد الله بن عبد الله، قال: قال لي الواقدي: حج هارون الرشيد، فورد المدينة، فقال ليحيى بن خالد: ارتد لي رجلا عارفا بالمدينة والمشاهد، وكيف كان نزول جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن أي وجه كان يأتيه، وقبور الشهداء، فسأل يحيى، فكل أحد دله علي، فبعث إلي فأتيته، فواعدني إلى عشاء الآخرة، فإذا شموع، فلم أدع مشهدا ولا موضعا إلا أريتهما، فجعلا يصليان، ويجتهدان في الدعاء، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر، ثم أمر لي بكرة بعشرة آلاف درهم، وقال لي الوزير: لا عليك أن تلقانا حيث كنا، قال: فاتسعنا، وزوجنا بعض الولد، ثم إن الدهر أعضنا، فقالت لي أم عبد الله: ما قعودك؟ فقدمت العراق، فسألت عن أمير المؤمنين، فقالوا: هو بالرقة، فمضيت إليها، وطلبت الإذن على يحيى، فصعب، فأتيت أبا البختري، وهو في عارف، فقال: أخطأت على نفسك، وسأذكرك له، وقلت نفقتي، وتخرقت ثيابي، فرجعت مرة في سفينة، ومرة أمشي حتى وردت السيلحين.(أعلام/1415)
فبينا أنا في سوقها، إذ بقافلة من بغداد من أهل المدينة، وإن صاحبهم بكارا الزبيري أخرجه أمير المؤمنين ليوليه قضاء المدينة، وهو أصدق الناس لي، فقلت: أدعه حتى ينزل ويستقر، ثم أتيته، فاستخبرني أمري، فقال: أما علمت أن أبا البختري لا يحب أن يذكرك لأحد، قلت: أصير إلى المدينة، قال: هذا رأي خطأ، ولكن صر معي، فأنا الذاكر ليحيى بن خالد أمرك، قال: فصرت معهم إلى الرقة، فلما كان من الغد، ذهبت إلى باب الوزير، فإذا الزبيري قد خرج، فقال: أبا عبد الله أنسيت أمرك، قف حتى أدخل إليه فدخل ثم خرج الحاجب، فقال لي: ادخل، فدخلت في حال خسيسة، وقد بقي من رمضان ثلاثة أو أربعة أيام، فلما رآني يحيى في تلك الحال، رأيت الغم في وجهه، فقرب مجلسي، وعنده قوم يحادثونه، فجعل يذاكرني الحديث بعد الحديث، وقال: أفطر عندنا، فأفطرت عنده، وأعطاني خمس مائة دينار، وقال: عد إلينا، فذهبت، فتجملت، واكتسيت، ولقيت الزبيري، فلما رآني بتلك الحال، سر، وأخبرته الخبر، ولم يزل الوزير يقربني، ويوصلني كل ليلة خمس مائة دينار إلى ليلة العيد، فقال لي: يا أبا عبد الله، تزين غدا لأمير المؤمنين بأحسن زي للقضاة، واعترض له، فإنه سيسألني عن خبرك، فأخبره، ففعلت، قال: وجعل أمير المؤمنين يلحظني في الموكب، ثم نزلنا، ومضيت مع يحيى بن خالد، فقال لي: يا أبا عبد الله ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك، فأخبرته بخبر حجنا، وقد أمر بثلاثين ألف درهم، ثم تجهزت إلى المدينة. وكيف ألام على حب يحيى؟ وساق حكاية طويلة.(أعلام/1416)
قال أبو عكرمة الضبي: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، حدثنا الواقدي قال: أضقت مرة، وأنا مع يحيى بن خالد، وحضر عيد، فجاءتني الجارية، فقالت: ليس عندنا من آلة العيد شيء، فمضيت إلى تاجر صديق لي ليقرضني، فأخرج إلي كيسا مختوما فيه ألف دينار ومائتا درهم، فأخذته، فما استقررت في منزلي حتى جاءني صديق لي هاشمي، فشكا إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض، فدخلت، إلى زوجتي، فأخبرتها، فقالت: على أي شيء عزمت؟ قلت: على أن أقاسمه الكيس، قالت: ما صنعت شيئا، أتيت رجلا سوقة، فأعطاك ألفا ومائتي درهم، وجاءك رجل من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تعطيه نصف ما أعطاك السوقة؟ فأخرجت الكيس كله إليه، فمضى، فذهب صديقي التاجر إلى الهاشمي - وكان صاحبه - فسأله القرض، فأخرج الهاشمي إليه الكيس بعينه، فعرفه التاجر، وانصرف إلي، فحدثني بالأمر. قال: وجاءني رسول يحيى يقول: إنما تأخر رسولنا عنك لشغلي، فركبت إليه، فأخبرته أمر الكيس، فقال: يا غلام، هات تلك الدنانير، فجاءه بعشرة آلاف دينار، فقال: خذ ألفي دينار لك، وألفي دينار للتاجر، وألفين للهاشمي، وأربعة آلاف لزوجتك، فإنها أكرمكم.
رواها المعافى والدارقطني، عن ابن الأنباري، حدثنا أبي، حدثنا أبو عكرمة.
وقد روي بإسناد آخر إلى الواقدي نحو منها، لكن أمر له بخمس مائة دينار، ولكل من الثلاثة بمائتي دينار، وهذا أشبه.
قال الحسن بن شاذان عنه صار إلي من السلطان ست مائة ألف درهم، ما وجبت علي زكاة فيها.
قال عباس الدوري: مات الواقدي وهو على القضاء، وليس له كفن، فبعث المأمون بأكفانه.
وقال البخاري: مات الواقدي في ذي الحجة سنة سبع ومائتين.(أعلام/1417)
قرأت على المؤيد علي بن إبراهيم بن يحيى الكاتب، أخبرنا عبد الرحيم بن نجم، أخبرتنا فخر النساء شهدة، وأخبرنا المؤيد، أخبرنا علي بن باسويه المقرئ، أخبرنا أبو السعادات القزاز قالا: أخبرنا محمد بن عبد الكريم الخشيشي، أخبرنا الحسن بن أحمد، أخبرنا محمد بن جعفر الآدمي القارئ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبيد، حدثنا محمد بن عمر الواقدي، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من مولود يولد إلا الشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم.
قرأت على أبي الفهم بن أحمد السلمي، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا مالك بن أحمد البانياسي، حدثنا علي بن محمد المعدل، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا محمد بن الفرج، حدثنا الواقدي، حدثنا عاصم بن عمر، عن سهيل بن أبي صالح، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة، عن أبي أروى السدوسي قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا، فطلع أبو بكر وعمر، فقال: الحمد لله الذي أيدني بكما.
أخبرنا إسماعيل بن الفراء، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا ابن البطي، أخبرنا النعالي، أخبرنا ابن بشران، أخبرنا ابن البختري، حدثنا أحمد بن الخليل، حدثنا الواقدي، حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سب أسعد الحميري، قال: هو أول من كسا البيت.(أعلام/1418)
وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يحتاج إليه في الغزوات، والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج، أما في الفرائض، فلا ينبغي أن يذكر، فهذه الكتب الستة، ومسند أحمد، وعامة من جمع في الأحكام، نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء، بل ومتروكين، ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئا، مع أن وزنه عندي أنه مع ضعفه يكتب حديثه، ويروى، لأني لا أتهمه بالوضع، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه، كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه، كيزيد، وأبي عبيد، والصاغاني، والحربي، ومعن، وتمام عشرة محدثين، إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي، - رحمه الله -.(أعلام/1419)
الوليد
الخليفة، أبو العباس الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، الدمشقي الذي أنشأ جامع بني أمية.
بويع بعهد من أبيه، وكان مترفا، دميما، سائل الأنف، طويلا أسمر، بوجهه أثر جدري، في عنفقته شيب، يتبختر في مشيه، وكان قليل العلم، نهمته في البناء.
أنشأ - أيضا - مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزخرفه، ورزق في دولته سعادة.
ففتح بوابة الأندلس، وبلاد الترك، وكان لحنة، وحرص على النحو أشهرا، فما نفع. وغزا الروم مرات في دولة أبيه. وحج.
وقيل: كان يختم في كل ثلاث، وختم في رمضان سبع عشرة ختمة.
وكان يقول: لولا أن الله ذكر قوم لوط ما شعرت أن أحدا يفعل ذلك.
قال ابن أبي عبلة: رحم الله الوليد، وأين مثل الوليد! افتتح الهند والأندلس، وكان يعطيني قصاع الفضة أقسمها على القراء.
وقيل: إنه قرأ على المنبر " يا ليتها " بالضم. وكان فيه عسف وجبروت، وقيام بأمر الخلافة، وقد فرض للفقهاء والأيتام والزمنى والضعفاء، وضبط الأمور، فالله يسامحه.
وقد ساق ابن عساكر أخباره.
مات في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين. وله إحدى وخمسون سنة.
وكان في الخلافة عشر سنين سوى أربعة أشهر، وقبره بباب الصغير.
وقام بعده أخوه سليمان بعهد له من أبيهما عبد الملك.
وقد كان عزم على خلع سليمان من ولاية العهد لولده عبد العزيز، فامتنع عليه عمر بن عبد العزيز وقال: لسليمان بيعة في أعناقنا. فأخذه الوليد وطين عليه، ثم فتح عليه بعد ثلاث وقد مالت عنقه، وقيل: خنقه بمنديل حتى صاحت أخته أم البنين. فشكر سليمان لعمر ذلك، وعهد إليه بالخلافة.
وله ترجمة طويلة في تاريخ دمشق، وغير ذلك.(أعلام/1420)
الوليد بن عتبة
ابن أبي سفيان بن حرب. ولي لعمه معاوية المدينة. وكان ذا جود، وحلم، وسؤدد، وديانة. وولي الموسم مرات.
ولما جاءه نعي معاوية، وبيعة يزيد، لم يشدد على الحسين وابن الزبير، فانملسا منه، فلامه مروان، فقال: ما كنت لأقتلهما، ولا أقطع رحمهما.
وقيل: إنهم أرادوه على الخلافة بعد معاوية بن يزيد، فأبى.
وقال يعقوب الفسوي: أراد أهل الشام الوليد بن عتبة على الخلافة، فطعن، فمات بعد موت معاوية بن يزيد.
ويقال: قدم للصلاة على معاوية بن يزيد، فأخذه الطاعون في الصلاة، فلم يرفع إلا وهو ميت.(أعلام/1421)
الوليد بن عقبة
ابن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، الأمير، أبو وهب الأموي.
له صحبة قليلة، ورواية يسيرة.
وهو أخو أمير المؤمنين عثمان لأمه، من مسلمة الفتح، بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صدقات بني المصطلق وأمر بذبح والده صبرا يوم بدر.
روى عنه أبو موسى الهمداني، والشعبي.
وولي الكوفة لعثمان، وجاهد بالشام، ثم اعتزل بالجزيرة بعد قتل أخيه عثمان، ولم يحارب مع أحد من الفريقين. وكان سخيا، ممدحا، شاعرا، وكان يشرب الخمر، وقد بعثه عمر على صدقات بني تغلب. وقبره بقرب الرقة.
قال علقمة: كنا بالروم وعلينا الوليد، فشرب، فأردنا أن نحده، فقال حذيفة بن اليمان: أتحدون أميركم، وقد دنوتم من عدوكم، فيطمعون فيكم؟ وقال هو:
لأشربن وإن كانت محرمة
وأشربن على رغم انف من رغما
وقال حضين بن المنذر: صلى الوليد بالناس الفجر أربعا وهو سكران، ثم التفت، وقال: أزيدكم؟ فبلغ عثمان، فطلبه، وحده.
وهذا مما نقموا على عثمان أن عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة، وولى هذا.
وكان مع فسقه - والله يسامحه - شجاعا قائما بأمر الجهاد.
روى ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال الوليد بن عقبة لعلي: أنا أحد منك سنانا، وأبسط لسانا وأملأ للكتيبة. فقال علي: اسكت، فإنما أنت فاسق. فنزلت. أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا.
قلت: إسناده قوي، لكن سياق الآية يدل على أنها في أهل النار.
وقيل: بل كان السباب بين علي وبين عقبة نفسه، قاله ابن لهيعة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس. .
وله أخبار طويلة في " تاريخ دمشق " ولم يذكر وفاته.
وروى جرير بن حازم: حدثنا عيسى بن عاصم: أن الوليد أرسل إلى ابن مسعود: أن اسكت عن هؤلاء الكلمات: أحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها.(أعلام/1422)
الوليد بن مسلم (ع)
الإمام، عالم أهل الشام أبو العباس الدمشقي، الحافظ مولى بني أمية. قرأ القرآن على يحيى بن الحارث الذماري، وعلى سعيد بن عبد العزيز.
وحدث عنهما، وعن ابن عجلان، وثور بن يزيد، وابن جريج، ومروان بن جناح، والأوزاعي، وأبي بكر بن أبي مريم الغساني، وعفير بن مروان، وعثمان بن أبي العاتكة، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وعبد الله بن العلاء بن زبر، وسليمان بن موسى، وإسماعيل بن رافع، وحنظلة بن أبي سفيان، وصفوان بن عمرو، وشيبة بن الأحنف، وعبد الرحمن بن حسان الكناني، وحريز بن عثمان، وهشام بن حسان، وعبد الرزاق بن عمر الثقفي، ومعان بن رفاعة، وشيبان النحوي، وسفيان الثوري، ومالك، والليث، وابن لهيعة، والمثنى بن الصباح، ويزيد بن أبي مريم، وسعيد بن بشير، وعدد كثير.
وارتحل في هذا الشأن، وصنف التصانيف، وتصدى للإمامة، واشتهر اسمه.
وكان من أوعية العلم، ثقة حافظا، لكن رديء التدليس، فإذا قال: حدثنا، فهو حجة. هو في نفسه أوثق من بقية وأعلم.
حدث عنه: الليث بن سعد، وبقية بن الوليد - وهما من شيوخه - وعبد الله بن وهب، وأبو مسهر، وأحمد بن حنبل، ودحيم، وأبو خيثمة، وإسحاق بن موسى، وعلي بن محمد الطنافسي، وأحمد بن أبي الحواري، ونعيم بن حماد، ومحمد بن عائذ، وداود بن رشيد، وسويد بن سعيد، وعمرو بن عثمان، وإبراهيم بن موسى، ومحمد بن المثنى، وأبو قدامة السرخسي، وكثير بن عبيد، ومحمد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني، ويحيى بن موسى خت، وأبو عمير بن النحاس، ومحمد بن مصفى، وموسى بن عامر المري، ومحمود بن غيلان، وأمم سواهم، آخرهم وفاة حجاج بن الريان الدمشقي المتوفى سنة أربع وستين ومائتين.
قال محمد بن سعد: كان الوليد ثقة كثير الحديث والعلم، حج سنة أربع وتسعين ومائة، ثم رجع، فمات بالطريق.(أعلام/1423)
قال دحيم: كان مولده في سنة تسع عشرة ومائة.
قال الحافظ ابن عساكر: قرأ عليه القرآن هشام بن عمار، والربيع بن ثعلب.
قال الفسوي: سألت هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم، فأقبل يصف علمه وورعه وتواضعه، وقال: كان أبوه من رقيق الإمارة، وتفرقوا على أنهم أحرار، وكان للوليد أخ جلف متكبر، يركب الخيل، ويركب معه غلمان كثير، ويتصيد، وقد حمل الوليد دية، فأدى ذلك إلى بيت المال، أخرجه عن نفسه إذ اشتبه عليه أمر أبيه. قال: فوقع بينه وبين أخيه في ذلك شغب وجفاء وقطيعة، وقال: فضحتنا، ما كان حاجتك إلى ما فعلت؟ ! .
قال أبو التقي اليزني: حدثنا سعيد بن مسلمة القرشي: أنا أعتقت الوليد بن مسلم، كان عبدي.
وروى محمد بن سعد عن رجل، أن الوليد كان من الأخماس، فصار لآل مسلمة بن عبد الملك، فلما قدم بنو العباس في دولتهم، قبضوا رقيق الأخماس وغيره، فصار الوليد بن مسلم وأهل بيته للأمير صالح بن علي، فوهبهم لابنه الفضل، ثم إن الوليد اشترى نفسه منهم، فأخبرني سعد بن مسلمة قال: جاءني الوليد، فأقر لي بالرق، فأعتقته، وكان له أخ اسمه جبلة، كان له قدر وجاه.
قال أحمد بن حنبل: ليس أحد أروى لحديث الشاميين من الوليد بن مسلم، وإسماعيل بن عياش.
وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: قدمت البصرة، فجاءني علي بن المديني، فقال: أول شيء أطلب أن تخرج إلي حديث الوليد بن مسلم. فقلت: يا ابن أم! سبحان الله! وأين سماعي من سماعك؟ فجعلت آبى، ويلح، فقلت له: أخبرني عن إلحاحك ما هو؟ قال: أخبرك: أن الوليد رجل أهل الشام، وعنده علم كثير، ولم أستمكن منه، وقد حدثكم بالمدينة في المواسم، وتقع عندكم الفوائد ; لأن الحجاج يجتمعون بالمدينة من الآفاق، فيكون مع هذا بعض فوائده، ومع هذا شيء، قال: فأخرجت إليه، فتعجب من كتابه، كاد أن يكتبه على الوجه. سمعها يعقوب الفسوي من إبراهيم.(أعلام/1424)
قال أبو اليمان: ما رأيت مثل الوليد بن مسلم.
وقيل لأبي زرعة الرازي: الوليد أفقه أم وكيع؟ فقال: الوليد بأمر المغازي، ووكيع بحديث العراقيين.
قال أبو مسهر: كان الوليد من حفاظ أصحابنا.
وقال أبو حاتم الرازي: صالح الحديث.
وقال أبو أحمد بن عدي: الثقات من أهل الشام مثل الوليد بن مسلم.
قال ابن جوصا الحافظ: لم نزل نسمع أنه من كتب مصنفات الوليد، صلح أن يلي القضاء، ومصنفاته سبعون كتابا.
قلت: كتبه أجزاء، ما أظن فيها ما يبلغ مجلدا.
الفسوي: عن الحميدي: قال: خرجت يوم الصدر، والوليد في مسجد منى، وعليه زحام كثير، وجئت في آخر الناس، فوقفت بالبعد، وعلي بن المديني بجنبه، فجعلوا يسألونه، ويحدثهم، وأنا لا أفهم، فجمعت جماعة من المكيين، وقلت لهم: جلبوا، وأفسدوا على من بالقرب منه، فجعلوا يصيحون، ويقولون: لا نسمع، وجعل ابن المديني يقول: اسكتوا نسمعكم. قال: فاعترضت، وصحت، ولم أكن بعد حلقت، فنظر ابن المديني إلي ولم يثبتني فقال: لو كان فيك خير، لم يكن شعرك على ما أرى، قال: فتفرقوا، ولم يحدثهم بشيء.
قال أبو مسهر: كان الوليد يأخذ من ابن أبي السفر حديث الأوزاعي، وكان كذابا، والوليد يقول فيها: قال الأوزاعي.
قال صالح بن محمد جزرة: سمعت الهيثم بن خارجة قال: قلت للوليد: قد أفسدت حديث الأوزاعي. قال: وكيف؟ قلت: تروي عن الأوزاعي، عن نافع، وعن الأوزاعي، عن الزهري، وعن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي، وبينه وبين الزهري قرة وغيره، فما يحملك على هذا؟ قال: أنبل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء الضعفاء. قلت: فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء الضعفاء مناكير، فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات، ضعف الأوزاعي. قال: فلم يلتفت إلى قولي.(أعلام/1425)
قال أحمد بن حنبل: ما رأيت في الشاميين أحدا أعقل من الوليد بن مسلم.
وقال علي بن المديني: ما رأيت في الشاميين مثل الوليد، وقد أغرب أحاديث صحيحة لم يشركه فيها أحد.
قال صدقة بن الفضل المروزي: ما رأيت رجلا أحفظ للحديث الطويل وأحاديث الملاحم من الوليد بن مسلم، وكان يحفظ الأبواب.
وقال أبو مسهر: ربما دلس الوليد بن مسلم عن كذابين.
قلت: البخاري ومسلم قد احتجا به، ولكنهما ينتقيان حديثه، ويتجنبان ما ينكر له وقد كان في آخر عمره ذهب إلى الرملة، فأكثر عنه أهلها.
قال الدارقطني: الوليد يروي عن الأوزاعي أحاديث، هي عند الأوزاعي عن ضعفاء، عن شيوخ أدركهم الأوزاعي، كنافع وعطاء والزهري، فيسقط أسماء الضعفاء مثل عبد الله بن عامر الأسلمي، وإسماعيل بن مسلم.
قلت: روى جماعة عن الوليد قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اسمح يسمح لك فهذا شنع بعض المحدثين أن الوليد تفرد به، وليس كذلك، هو عند يوسف بن موسى القطان، حدثنا حفص بن غياث، عن ابن جريج، ورواه الحافظ سليمان بن عبد الرحمن، عن إسماعيل بن عياش، أن ابن جريج حدثهم، وقد رواه مندل بن علي، وخارجة بن مصعب، عن ابن جريج، فأرسلاه.(أعلام/1426)
قلت: أنكر ما له حديث رواه عثمان بن سعيد الدارمي، وأحمد بن الحسن، واللفظ له قالا: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جريج، عن عطاء وعكرمة، عن ابن عباس قال: بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه علي، فقال: بأبي أنت وأمي، تفلت هذا القرآن من صدري، فما أجدني أقدر عليه. فقال: يا أبا الحسن، أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، ويثبت ما تعلمت في صدرك؟ قال: أجل يا رسول الله. قال: إذا بت ليلة الجمعة، فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر، فإنها ساعة مشهودة، والدعاء فيها مستجاب، وقد قال أخي يعقوب لبنيه: سوف أستغفر لكم ربي حتى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع، فقم في وسطها، فإن لم تستطع، ففي أولها، فصل أربع ركعات، تقرأ في الأولى بالفاتحة و " يس "، وفي الثانية بالفاتحة والدخان، وفي الثالثة ب آلم السجدة، وفي الرابعة تبارك، فإذا فرغت، فاحمد الله، وأحسن الثناء، وصل علي، وعلى سائر النبيين، واستغفر للمؤمنين، وقل: اللهم ارحمني بترك المعاصي، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك. . . في دعاء فيه طويل إلى أن قال: يا أبا الحسن، تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا، تجاب بإذن الله. قال: فما لبث علي إلا خمسا أو سبعا حتى جاء في مثل ذلك المجلس، فقال: يا رسول الله! ما لي كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات ونحوهن، وأنا أتعلم اليوم أربعين آية، ولقد كنت أسمع الأحاديث، إذا رددته، تفلت، وأنا اليوم أسمع الأحاديث، فإذا حدثت، لم أحرف منها حرفا. فقال له عند ذلك: مؤمن ورب الكعبة أبا الحسن. قال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد.(أعلام/1427)
قلت: هذا عندي موضوع والسلام، ولعل الآفة دخلت على سليمان ابن بنت شرحبيل فيه، فإنه منكر الحديث، وإن كان حافظا، فلو كان قال فيه: عن ابن جريج، لراج، ولكن صرح بالتحديث، فقويت الريبة، وإنما هذا الحديث يرويه هشام بن عمار، عن محمد بن إبراهيم القرشي، عن أبي صالح، عن عكرمة، عن ابن عباس، ومحمد هذا ليس بثقة، وشيخه لا يدرى من هو.
أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي: أخبرنا الفتح بن عبد الله الكاتب، أخبرنا هبة الله بن أبي شريك، أخبرنا أبو الحسين بن النقور، حدثنا عيسى بن علي الوزير، قرئ على أبي بكر عبد الله بن سليمان، وأنا أسمع، قيل له: حدثكم عمرو بن عثمان، حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن اعتمر معه من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهم.
أخبرنا أحمد بن عبد الحميد، وأحمد بن مؤمن، وأحمد بن محمد الحافظ، وأحمد بن يوسف البسطي، وسنقر الزيني، وعبد المنعم بن زين الأمناء، وعلي بن محمد الفقيه، وجماعة، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا سعيد بن أحمد بن البناء حضورا في الرابعة (ح) وقرأت على أحمد بن إسحاق: أخبركم أكمل بن أبي الأزهر العلوي، أخبرنا ابن البناء، أخبرنا محمد بن محمد الزينبي، أخبرنا محمد بن عمر الوراق، حدثنا أبو بكر بن أبي داود، حدثنا محمد بن وزير، حدثنا الوليد، حدثنا عمر بن محمد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة، أيقنوا بالخلود، ويا أهل النار، أيقنوا بالخلود، قال: فيزداد أهل النار حزنا، وأهل الجنة سرورا.
قال حرملة بن عبد العزيز الجهني: نزل علي الوليد بن مسلم بذي المروة قافلا من الحج، فمات عندي بذي المروة.(أعلام/1428)
قال محمد بن مصفى الحمصي وغيره: مات الوليد في شهر المحرم سنة خمس وتسعين ومائة. .(أعلام/1429)
اليوسفي
الشيخ الصالح أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي الخياط. روى عن ابن نبهان، وابن بيان، وأبي طالب اليوسفي.
وعنه ابن الأخضر، والشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمن، والشمس البخاري، وكتائب بن مهدي، وعبد الحق الفيالي، وعبد الحق بن خلف، وآخرون.
توفي بمكة قبل أخيه في سنة أربع وسبعين وخمسمائة وله تسع وستون سنة، وكان دينا خيرا، ذا مروءة تامة.(أعلام/1430)
برد بن سنان (4)
الفقيه أبو العلاء الدمشقي، نزيل البصرة، من كبار العلماء.
حدث عن واثلة بن الأسقع، وعطاء بن أبي رباح، وعبادة بن نسي، وعمرو بن شعيب، ومكحول.
حدث عنه السفيانان، والحمادان، ويزيد بن زريع، وابن علية، وعلي بن عاصم، وآخرون.
وثقه النسائي وغيره. قال يزيد بن زريع: ما قدم علينا شامي خير من برد، قال يحيى بن معين: هرب برد من مروان الحمار إلى البصرة. قيل: توفي برد في سنة خمس وثلاثين ومائة رحمه الله.(أعلام/1431)
بريدة بن الحصيب (ع)
ابن عبد الله بن الحارث بن الأعرج بن سعد. أبو عبد الله - وقيل: أبو سهل، وأبو ساسان، وأبو الحصيب- الأسلمي.
قيل: إنه أسلم عام الهجرة، إذ مر به النبي - صلى الله عليه وسلم- مهاجرا.
وشهد غزوة خيبر والفتح، وكان معه اللواء. واستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم- على صدقة قومه.
وكان يحمل لواء الأمير أسامة حين غزا أرض البلقاء، إثر وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
له جملة أحاديث، نزل مرو، ونشر العلم بها.
حدث عنه ابناه: سليمان، وعبد الله، وأبو نضرة العبدي، وعبد الله بن مولة، والشعبي، وأبو المليح الهذلي. وطائفة.
وسكن البصرة مدة. ثم غزا خراسان زمن عثمان، فحكى عنه من سمعه يقول وراء نهر جيحون:
قال عاصم الأحول: قال مورق: أوصى بريدة أن يوضع في قبره جريدتان. وكان مات بخراسان، فلم توجدا إلا في جوالق حمار.
وروى مقاتل بن حيان، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: شهدت خيبر، وكنت فيمن صعد الثلمة، فقاتلت حتى رئي مكاني، وعلي ثوب أحمر، فما أعلم أني ركبت في الإسلام ذنبا أعظم علي منه، أي: الشهرة.
قلت: بلى، جهال زماننا يعدون اليوم مثل هذا الفعل من أعظم الجهاد ; وبكل حال فالأعمال بالنيات، ولعل بريدة - رضي الله عنه- بإزرائه على نفسه، يصير له عمله ذلك طاعة وجهادا، وكذلك يقع في العمل الصالح، ربما افتخر به الغر ونوه به، فيتحول إلى ديوان الرياء. قال الله تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا.
وكان بريدة من أمراء عمر بن الخطاب في نوبة سرغ.
وقال ابن سعد، وأبو عبيد: مات بريدة سنة ثلاث وستين.
وقال آخر: توفي سنة اثنتين وستين وهذا أقوى. روي لبريدة نحو من مائة وخمسين حديثا.(أعلام/1432)
بشر بن البراء
من أشراف قومه، وقد روي من حديث أبي هريرة وجابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا: الجد بن قيس ; على أن فيه بخلا. فقال: وأي داء أدوى من البخل؟ بل سيدكم الأبيض الجعد بشر بن البراء ".
قلت: هو الذي أكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشاة المسمومة يوم خيبر فأصيب. وهو من كبار البدريين.(أعلام/1433)
بشر بن الحارث
ابن عبد الرحمن بن عطاء، الإمام العالم المحدث الزاهد الرباني القدوة، شيخ الإسلام أبو نصر المروزي، ثم البغدادي، المشهور بالحافي، ابن عم المحدث علي بن خشرم
ولد سنة اثنتين وخمسين ومائة.
وارتحل في العلم، فأخذ عن: مالك وشريك، وحماد بن زيد، وإبراهيم بن سعد، وأبي الأحوص، وخالد بن عبد الله الطحان، وفضيل بن عياض، والمعافى بن عمران، وابن المبارك، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وعدة.
حدث عنه: أحمد الدورقي، ومحمد بن يوسف الجوهري، ومحمد بن مثنى السمسار لا العنزي، وسري السقطي، وعمر بن موسى الجلاء، وإبراهيم بن هانئ النيسابوري، وخلق سواهم.
وقل ما روى من المسندات. كان يزم نفسه، فقد كان رأسا في الورع والإخلاص، ثم إنه دفن كتبه.
أخبرنا المؤمل بن محمد إذنا، أخبرنا زيد بن الحسن، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرني أبو سعد الماليني، أخبرنا عبد العزيز بن جعفر، حدثنا جعفر بن محمد الصندلي، حدثنا محمد بن المثنى السمسار، سمعت بشر بن الحارث يقول: سمعت العوفي، عن الزهري، عن أنس، قال: اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتما، فلبسه، ثم ألقاه العوفي: هو إبراهيم بن سعد. روي عن بشر أنه قيل له: ألا تحدث؟ قال: أنا أشتهي أن أحدث، وإذا اشتهيت شيئا، تركته.
وقال إسحاق الحربي: سمعت بشر بن الحارث يقول: ليس الحديث من عدة الموت. فقلت له: قد خرجت إلى أبي نعيم فقال: أتوب إلى الله.
وعن أيوب العطار: أنه سمع بشرا يقول: حدثنا حماد بن زيد. . ثم
قال: أستغفر الله، إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء.
قال أبو بكر المروزى: سمعت بشرا يقول: الجوع يصفي الفؤاد، ويميت الهوى، ويورث العلم الدقيق.
وقال أبو بكر بن عثمان: سمعت بشر بن الحارث يقول: إني لأشتهي شواء منذ أربعين سنة، ما صفا لي درهمه.(أعلام/1434)
قال محمد بن عبد الوهاب الفراء: حدثنا علي بن عثام، قال: أقام بشر بن الحارث بعبادان يشرب ماء البحر، ولا يشرب من حياض السلطان، حتى أضر بجوفه، ورجع إلى أخته وجعا، وكان يعمل المغازل ويبيعها، فذاك كسبه.
قال الحافظ موسى بن هارون: حدثنا محمد بن نعيم، قال: رأيتهم جاءوا إلى بشر، فقال: يا أهل الحديث، علمتم أنه يجب عليكم فيه زكاة، كما يجب على من ملك مائتي درهم خمسة.
قلت: هذا على المبالغة، وإلا فإن كانت الأحاديث في الواجبات فهي موجبة، وإن كانت في فضائل الأعمال فهي فاضلة، لكن يتأكد العمل بها على المحدث.
قال أبو نشيط: نهاني بشر عن الحديث وأهله.
وقال: أتيت يحيى القطان، فبلغني أنه قال: أحب هذا الفتى لطلبه الحديث.
وقال يعقوب بن بختان: سمعت بشر بن الحارث يقول: لا أعلم أفضل من طلب الحديث لمن اتقى الله، وحسنت نيته فيه، وأما أنا، فأستغفر الله من طلبه، ومن كل خطوة خطوت فيه.
قيل: كان بشر يلحن، ولا يدري العربية.
قال أحمد بن حنبل: لو كان بشر تزوج، لتم أمره.
قال إبراهيم الحربي: ما أخرجت بغداد أتم عقلا من بشر، ولا أحفظ للسانه، كان في كل شعرة منه عقل، وطئ الناس عقبه خمسين سنة، ما عرف له غيبة لمسلم، ما رأيت أفضل منه.
وعن بشر قال: المتقلب في جوعه كالمتشحط في دمه في سبيل الله.
وعنه: شاطر سخي أحب إلى الله من صوفي بخيل.
وعنه: أمس قد مات، واليوم في السياق، وغدا لم يولد.
لا يفلح من ألف أفخاذ النساء.
إذا أعجبك الكلام، فاصمت، وإذا أعجبك الصمت، فتكلم.
وقيل: سمعه رجل يقول: اللهم إنك تعلم أن الذل أحب إلي من العز، وأن الفقر أحب إلي من الغنى، وأن الموت أحب إلي من البقاء.
وعنه قال: قد يكون الرجل مرائيا بعد موته، يحب أن يكثر الخلق في جنازته.
لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سدا.(أعلام/1435)
أخبرنا أبو محمد بن علوان، أخبرنا الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد سنة إحدى عشرة وستمائة، قال: حدثني ابني أبو المجد عيسى، أخبرنا أبو طاهر بن المعطوش، أخبرنا أبو الغنائم محمد بن محمد، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، حدثني حمزة بن الحسين البزاز، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد، حدثني حمزة بن دهقان، قال: قلت لبشر بن الحارث: أحب أن أخلو معك. قال: إذا شئت فيكون يوما. فرأيته قد دخل قبة، فصلى فيها أربع ركعات لا أحسن أصلي مثلها، فسمعته يقول في سجوده: اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل أحب إلي من الشرف، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أني لا أوثر على حبك شيئا. فلما سمعته، أخذني الشهيق والبكاء، فقال: اللهم أنت تعلم أني لو أعلم أن هذا هاهنا، لم أتكلم.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثنا محمد بن المثنى صاحب بشر
قال: قال رجل لبشر وأنا حاضر: إن هذا الرجل - يعني أحمد بن حنبل - قيل له: أليس الله قديما وكل شيء دونه مخلوق؟ قال: فما ترك بشر الرجل يتكلم حتى قال: لا، كل شيء مخلوق إلا القرآن.
قال أحمد بن بشر المرثدي: حدثنا إبراهيم بن هاشم، قال: دفنا لبشر بن الحارث ثمانية عشر ما بين قمطر إلى قوصرة - يعني من الحديث.
وقيل لأحمد: مات بشر. قال: مات والله وما له نظير، إلا عامر بن عبد قيس، فإن عامرا مات ولم يترك شيئا. ثم قال أحمد: لو تزوج! .
قال ابن أبي داود: قلت لعلي بن خشرم لما أخبرني أن سماعه وسماع بشر من عيسى بن يونس واحد، قلت له: فأين حديث أم زرع؟ قال: سماعي معه، وكنت كتبت إليه أن يوجه به إلي، فكتب إلي: هل عملت بما عندك حتى تطلب ما ليس عندك؟ ثم قال علي: ولد بشر في هذه القرية، وكان في أول أمره يتفتى، وقد جرح.(أعلام/1436)
قال حسن المسوحي، عن بشر: أتيت باب المعافى، فدققت، فقيل: من؟ قلت: بشر الحافي. فقالت جويرية: لو اشتريت نعلا بدانقين ذهب عنك اسم الحافي.
وقال السلمي: كان بشر من أولاد الرؤساء، فصحب الفضيل، سألت الدارقطني عنه، فقال: زاهد جبل ثقة، ليس يروي إلا حديثا صحيحا.
قال جعفر النهرواني: سمعت بشر بن الحارث يقول: إن عوج بن عنق كان يخوض البحر، ويحتطب الساج، كان أول من دل على الساج، وكان يأخذ من البحر حوتا، فيشويه في عين الشمس.
قال إبراهيم الحربي: لو قسم عقل بشر على أهل بغداد، صاروا عقلاء.
قلت: قد روى لبشر أبو عبد الرحمن النسائي في " مسند علي ".
قيل: جاء رجل إلى بشر، فقبله، وجعل يقول: يا سيدي أبا نصر. فلما ذهب، قال بشر لأصحابه: رجل أحب رجلا على خير توهمه، لعل المحب قد نجا، والمحبوب لا يدرى ما حاله.
مات بشر الحافي - رحمة الله عليه - يوم الجمعة في شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين قبل المعتصم الخليفة بستة أيام، وعاش خمسا وسبعين سنة.
وقد أفرد ابن الجوزي مناقبه في كتاب.
وفيها مات سهل بن بكار البصري وأبو الوليد الطيالسي الحافظ وسعيد بن منصور صاحب " السنن "، وإسماعيل بن أبي أويس المدني ومحمد بن الصباح الدولابي والهيثم بن خارجة، والعلاء بن عمرو الحنفي، ومحمد بن عبد الواهب الحارثي، وأبو الأحوص محمد بن حيان البغوي.
قال محمد بن المثنى، عن بشر: ليس أحد يحب الدنيا إلا لم يحب الموت، ومن زهد فيها، أحب لقاء مولاه.
وعنه: ما اتقى الله من أحب الشهرة.
وعنه قال: لا تعمل لتذكر، اكتم الحسنة كما تكتم السيئة.(أعلام/1437)
أبو العباس السراج: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا بشر بن الحارث، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا هشام بن عروة، عن أخيه، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كنت لك كأبي زرع لأم زرع. ثم أنشأ يحدث حديث أم زرع. قالت: اجتمع إحدى عشرة نسوة.
القطيعي: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: وجدت في كتاب بشر بن الحارث بخطه، عن وكيع، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن عبد الله بن شقيق، أن أبا ذر - رضي الله عنه - دعوه إلى طعام، فقال: إني صائم. فرئي من آخر النهار يأكل، فقيل له، فقال: إني أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فذلك صيام الدهر.(أعلام/1438)
بشر بن السري (ع)
الأفوه، هو الواعظ الزاهد العابد الإمام الحجة، أبو عمرو البصري، نزيل مكة.
سمع مسعر بن كدام، وحماد بن سلمة، وسفيان الثوري، وزائدة بن قدامة، ومالكا، وطائفة.
حدث عنه أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأبو حفص الفلاس، وجماعة سواهم.
وما علمت وقع لي حديث من عواليه.
قال أحمد بن حنبل: كان متقنا للحديث عجبا.
وقال أبو حاتم: صالح ثبت.
وقال يحيى بن معين: ثقة.
وقال ابن عدي: يقع في حديثه ما ينكر، وهو في نفسه لا بأس به.
وقال العقيلي: هو في الحديث مستقيم. حدثنا الأبار، حدثنا عوام، قال: قال الحميدي: كان جهميا، لا يحل أن يكتب حديثه.
قلت: بل حديثه حجة، وصح أنه رجع عن التجهم.
قال: وحدثنا الفريابي، حدثنا أحمد بن محمد المقدمي، حدثنا سليمان بن حرب، قال: سأل بشر بن السري حماد بن زيد عن حديث ينزل ربنا أيتحول؟ فسكت، ثم قال: هو في مكانه، يقرب من خلقه كيف شاء.
وقال أحمد بن حنبل: تكلم بشر بشيء بمكة، فوثب عليه إنسان، فذل بمكة حتى جاء، فجلس إلينا مما أصابه من الذل.
وكان الثوري يستثقله، لأنه سأل سفيان عن أطفال المشركين فقال: ما أنت وذا يا صبي؟ .
قلت: هكذا كان السلف يزجرون عن التعمق، ويبدعون أهل الجدال.
توفي سنة خمس أو ست وتسعين ومائة.
ومات قبله بخمس عشرة سنة بشر بن منصور السليمي أحد العلماء العاملين.(أعلام/1439)
بشر بن المفضل (ع)
ابن لاحق، الإمام الحافظ المجود أبو إسماعيل الرقاشي، مولاهم البصري.
حدث عن أبيه، وحميد الطويل، ومحمد بن المنكدر، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعاصم بن كليب، وخالد الحذاء، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وخالد بن ذكوان، وداود بن أبي هند، وحاتم بن أبي صغيرة، وسعيد الجريري، وسعيد بن يزيد أبي مسلمة، وابن أبي عروبة، وسهيل بن أبي صالح، وأبي ريحانة عبد الله بن مطر، وعبيد الله بن عمر، ومحمد بن زيد بن المهاجر، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي، وابن جدعان، وعمارة بن غزية وخلق.
وعنه: أبو الوليد، ومسدد، ويحيى بن يحيى، وبشر بن معاذ العقدي، وزياد بن يحيى الحساني، وعلي ابن المديني، وعمرو الفلاس، ونصر بن علي، وأحمد بن حنبل، والقواريري، ووهب بن بقية، وخلق سواهم. روى أبو بكر الأسدي، عن أحمد بن حنبل، قال: إلى بشر المنتهى في التثبت بالبصرة.
وقال معاوية بن صالح: قلت لابن معين: من أثبت شيوخ البصرة؟ قال: بشر بن المفضل مع جماعة سماهم.
وقال ابن أبي داود: سمعت أبي يقول: ليس من العلماء أحد إلا وقد أخطأ في حديثه إلا بشر بن المفضل، وابن علية.
وقال محمد بن عبد الرحيم، عن علي ابن المديني، قال: كان بشر يصلي كل يوم أربعمائة ركعة، ويصوم يوما، ويفطر يوما، وذكر عنده إنسان من الجهمية فقال: لا تذكروا ذاك الكافر.
قال أبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو عبد الرحمن النسائي: هو ثقة.
وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وكان عثمانيا، توفي سنة ست وثمانين ومائة.
وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: دخلت البصرة أول دخلة في رجب سنة ست وثمانين، واعتقل لسان بشر بن المفضل قبل أن يخرج، ومات سنة سبع وثمانين.
قلت: كان من أبناء الثمانين. وقع لي من عواليه:(أعلام/1440)
قرأت على إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل، أخبركم الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد في سنة ست عشرة وستمائة، أخبرنا خطيب الموصل أبو الفضل بن الطوسي، وشهدة الكاتبة وتجني الوهبانية قالوا: أخبرنا طراد بن محمد الزينبي، وقرأت على محمد بن عبد الوهاب السعدي، أخبركم علي بن مختار، قال: أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا القاسم بن الفضل قالا: أخبرنا هلال بن محمد الحفار، أخبرنا الحسين بن يحيى بن عياش، حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي سنة تسع وأربعين ومائتين، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا شعبة، عن جبلة بن سحيم، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من جر ثوبه من مخيلة، فإن الله لا ينظر إليه.
وبه حدثنا شعبة، عن محارب بن دثار: سمعت ابن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من جر ثوبه من مخيلة، فإن الله لا ينظر إليه.
وبه: حدثنا شعبة، عن مسلم بن يناق: رأيت ابن عمر في دار خالد، فرأى رجلا يجر إزاره فقال: ممن أنت؟ فقال: من بني ليث، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأذني هاتين يقول: من جر إزاره، لا يريد بذلك إلا المخيلة، لم ينظر الله إليه.
بشر بن المفضل، عن بشير بن ميمون الشقري، عن عمه أسامة بن أخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: ما اسمك؟ قال: أصرم، فقال: أنت زرعة.
هذا صحيح غريب معدود في أفراد بشر، خرجه أبو داود.(أعلام/1441)
بشر بن الوليد
ابن خالد الإمام العلامة المحدث الصادق، قاضي العراق أبو الوليد الكندي، الحنفي.
ولد في حدود الخمسين ومائة.
وسمع من: عبد الرحمن بن الغسيل وهو أكبر شيخ له، ومن مالك بن أنس، وحماد بن زيد، وحشرج بن نباتة، وصالح المري، والقاضي أبي يوسف وبه تفقه وتميز.
حدث عنه: الحسن بن علويه، وحامد بن شعيب البلخي، وموسى بن هارون، وأبو القاسم البغوي، وأبو يعلى الموصلي، وأبو العباس الثقفي، وخلق.
وكان حسن المذهب، وله هفوة لا تزيل صدقه وخيره إن شاء الله.
ولي القضاء بعسكر المهدي في سنة ثمان ومائتين ثم ولي قضاء مدينة المنصور، واستمر إلى سنة 213، وبلغنا أنه كان إماما، واسع الفقه، كثير العلم، صاحب حديث وديانة وتعبد. قيل: كان ورده في اليوم مائتي ركعة، وكان يحافظ عليها بعدما فلج واندك - رحمه الله.
قال محمد بن سعد العوفي: روى بشر بن الوليد الكندي عن أبي يوسف كتبه، وولي قضاء بغداد في الجانبين، فسعى به رجل إلى الدولة، وقال: إنه لا يقول بخلق القرآن، فأمر به المعتصم أن يحبس في داره، ووكل ببابه. فلما استخلف المتوكل أمر بإطلاقه، وعاش وطال عمره، ثم إنه قال: كما أني قلت: القرآن كلام الله، ولم أقل: إنه مخلوق، فكذلك لا أقول: إنه غير مخلوق، بل أقف، ولزم الوقف في المسألة، فنفر منه أصحاب الحديث للوقف، وتركوا الأخذ عنه، وحمل عنه آخرون.
قال صالح بن محمد جزرة: بشر بن الوليد صدوق، لكنه لا يعقل، كان قد خرف.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت أبا الحسن الدارقطني عن بشر بن الوليد، فقال: ثقة.
وقال غيره: كان بشر خشنا في أحكامه، صالحا، وكان يجري في مجلس سفيان بن عيينة مسائل، فيقول: سلوا بشر بن الوليد.
مات بشر في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين ومائتين.(أعلام/1442)
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا أبو القاسم بن البسري، أخبرنا أبو طاهر الذهبي، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا بشر بن الوليد، حدثنا محمد بن طلحة، عن ابن شبرمة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة: أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الناس أحق مني بحسن الصحبة؟ قال: " أمك "، قال: ثم من؟ قال: " ثم أمك "، قال: ثم من؟ قال: " ثم أمك "، قال: ثم من؟ قال: " ثم أبوك ".
أخرجه مسلم، واتفقا عليه من طريق عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة
وفي سنة ثمان موت إسحاق بن راهويه، وعبيد الله بن معاذ، ومحمد بن بكار بن الريان، وأحمد بن جواس، والعباس بن الوليد النرسي، ومحمد بن عبيد بن حساب، وعمرو بن زرارة، والهيثم بن أيوب الطالقاني، وطالوت بن عباد، ومحمد بن أبي السري العسقلاني، وخلق.(أعلام/1443)
بشير بن يسار (ع)
مدني، إمام، ثقة، من موالي الأنصار، وما هو بأخي عطاء بن يسار، ولا سليمان بن يسار.
وثقه ابن معين. وقال ابن سعد كان فقيها، أدرك عامة الصحابة.
قلت: روى عن سويد بن النعمان، ومحيصة بن مسعود، وسهل بن أبي حثمة، ورافع بن خديج.
له أحاديث، روى عنه: يحيى بن سعيد، وربيعة الرأي، والوليد بن كثير، وابن إسحاق، وجماعة.
توفي سنة بضع ومائة، والله أعلم.(أعلام/1444)
بقي بن مخلد
بن يزيد: الإمام، القدوة، شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن الأندلسي القرطبي، الحافظ، صاحب " التفسير " و " المسند " اللذين لا نظير لهما.
ولد في حدود سنة مائتين أو قبلها بقليل.
وسمع من: يحيى بن يحيى الليثي، ويحيى بن عبد الله بن بكير، ومحمد بن عيسى الأعشى، وأبي مصعب الزهري، وصفوان بن صالح، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وهشام بن عمار، وزهير بن عباد الرؤاسي، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأحمد بن حنبل -مسائل وفوائد- ولم يرو له شيئا مسندا، لكونه كان قد قطع الحديث، وسمع من: أبي بكر بن أبي شيبة، فأكثر.
ومن: جبارة بن المغلس، ويحيى بن بشر الحريري، وشيبان بن فروخ، وسويد بن سعيد، وهدبة بن خالد ومحمد بن رمح، وداود بن رشيد، ومحمد بن أبان الواسطي، وحرملة بن يحيى، وإسماعيل بن عبيد الحراني، ويعقوب بن حميد بن كاسب، وعيسى بن حماد زغبة، وسحنون بن سعيد الفقيه، وهريم بن عبد الأعلى، ومنجاب بن الحارث، وعثمان بن أبي شيبة، وعبيد الله القواريري، وأبي كريب، وبندار، وهناد، والفلاس، وكثير بن عبيد، وخلق. وعني بهذا الشأن عناية لا مزيد عليها، وأدخل جزيرة الأندلس علما جما، وبه، وبمحمد بن وضاح صارت تلك الناحية دار حديث، وعدة مشيخته الذين حمل عنهم مائتان وأربعة وثمانون رجلا.
حدث عنه: ابنه أحمد، وأيوب بن سليمان المري، وأحمد بن عبد الله الأموي، وأسلم بن عبد العزيز، ومحمد بن وزير، ومحمد بن عمر بن لبابة، والحسن بن سعد الكناني، وعبد الله بن يونس المرادي القبري، وعبد الواحد بن حمدون، وهشام بن الوليد الغافقي، وآخرون. وكان إماما مجتهدا صالحا، ربانيا صادقا مخلصا، رأسا في العلم والعمل، عديم المثل، منقطع القرين، يفتي بالأثر، ولا يقلد أحدا.(أعلام/1445)
وقد تفقه بإفريقية على سحنون بن سعيد. ذكره أحمد بن أبي خيثمة، فقال: ما كنا نسميه إلا المكنسة، وهل احتاج بلد فيه بقي إلى أن يرحل إلى هاهنا منه أحد؟ ! قال طاهر بن عبد العزيز الأندلسي: حملت معي جزءا من " مسند " بقي بن مخلد إلى المشرق، فأريته محمد بن إسماعيل الصائغ، فقال: ما اغترف هذا إلا من بحر. وعجب من كثرة علمه.
وقال إبراهيم بن حيون، عن بقي بن مخلد، قال: لما رجعت من العراق، أجلسني يحيى بن بكير إلى جنبه، وسمع مني سبعة أحاديث.
وقال أبو الوليد بن الفرضي في " تاريخه ": ملأ بقي بن مخلد الأندلس حديثا، فأنكر عليه أصحابه الأندلسيون: أحمد بن خالد ومحمد بن الحارث، وأبو زيد، ما أدخله من كتب الاختلاف، وغرائب الحديث، فأغروا به السلطان وأخافوه به، ثم إن الله أظهره عليهم، وعصمه منهم، فنشر حديثه وقرأ للناس روايته. ثم تلاه ابن وضاح، فصارت، الأندلس دار حديث وإسناد. ومما انفرد به، ولم يدخله سواه " مصنف " أبي بكر بن أبي شيبة بتمامه، و " كتاب الفقه " للشافعي بكماله -يعني " الأم " - و " تاريخ " خليفة، و " طبقات " خليفة، وكتاب " سيرة عمر بن عبد العزيز "، لأحمد بن إبراهيم الدورقي. . . . وليس لأحد مثل " مسنده ".
وكان ورعا فاضلا زاهدا. . . قد ظهرت له إجابات الدعوة في غير ما شيء.
قال: وكان المشاهير من أصحاب ابن وضاح لا يسمعون منه، للذي بينهما من الوحشة. . . ولد في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.
وقال الحافظ أبو القاسم الدمشقي: لم يقع إلي حديث مسند من حديث بقي.
قلت: عمل له ترجمة حسنة في " تاريخه ".
قال الإمام أبو محمد بن حزم الظاهري: أقطع أنه لم يؤلف في الإسلام مثل " تفسير " بقي، لا " تفسير محمد بن جرير، ولا غيره.(أعلام/1446)
قال: وكان محمد بن عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس محبا للعلوم عارفا، فلما دخل بقي الأندلس " بمصنف " أبي بكر بن أبي شيبة، وقرئ عليه، أنكر جماعة من أهل الرأي ما فيه من الخلاف، واستبشعوه ونشطوا العامة عليه، ومنعوه من قراءته، فاستحضره صاحب الأندلس محمد وإياهم، وتصفح الكتاب كله جزءا جزءا، حتى أتى على آخره، ثم قال لخازن الكتب: هذا كتاب لا تستغني خزانتنا عنه، فانظر في نسخه لنا. ثم قال لبقي: انشر علمك، وارو ما عندك. ونهاهم أن يتعرضوا له.
قال أسلم بن عبد العزيز: حدثنا بقي بن مخلد، قال: لما وضعت " مسندي "، جاءني عبيد الله بن يحيى بن يحيى، وأخوه إسحاق ; فقالا: بلغنا أنك وضعت " مسندا "، قدمت فيه أبا مصعب الزهري، ويحيى بن بكير، وأخرت أبانا؟ فقال: أما تقديمي أبا مصعب، فلقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدموا قريشا، ولا تقدموها وأما تقديمي ابن بكير، فلقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كبر كبر -يريد السن- ومع أنه سمع " الموطأ " من مالك سبع عشرة مرة، وأبوكما لم يسمعه إلا مرة واحدة.
قلت: وله فيه فوت معروف.(أعلام/1447)
قال: فخرجا، ولم يعودا، وخرجا إلى حد العداوة. وألف أبو عبد الملك أحمد بن محمد بن عبد البر القرطبي، الميت في عام ثمانية وثلاثين وثلاثمائة كتابا في أخبار علماء قرطبة، ذكر فيه بقي بن مخلد، فقال: كان فاضلا تقيا، صواما قواما متبتلا، منقطع القرين في عصره، منفردا عن النظير في مصره، كان أول طلبه عند محمد بن عيسى الأعشى، ثم رحل، فحمل عن أهل الحرمين، ومصر، والشام، والجزيرة، وحلوان، والبصرة، والكوفة، وواسط وبغداد، وخراسان -كذا قال، فغلط، لم يصل إلى خراسان، بل ولا إلى همذان، وما أدري هل دخل الجزيرة أم لا؟ ويظهر ذلك لمن تأمل شيوخه- ثم قال: وعدن والقيروان -قلت: وما دخل الرجل إلى اليمن -قال: وذكر عبد الرحمن بن أحمد، عن أبيه: أن امرأة جاءت إلى بقي، فقالت: إن ابني في الأسر، ولا حيلة لي، فلو أشرت إلى من يفديه، فإنني والهة. قال: نعم، انصرفي حتى أنظر في أمره. ثم أطرق، وحرك شفتيه، ثم بعد مدة جاءت المرأة بابنها، فقال: كنت في يد ملك، فبينا أنا في العمل، سقط قيدي. قال: فذكر اليوم والساعة، فوافق وقت دعاء الشيخ. قال: فصاح على المرسم بنا، ثم نظر وتحير، ثم أحضر الحداد وقيدني، فلما فرغه ومشيت سقط القيد، فبهتوا، ودعوا رهبانهم، فقالوا: ألك والدة؟ قلت: نعم، قالوا: وافق دعاءها الإجابة
. هذه الواقعة حدث بها الحافظ حمزة السهمي، عن أبي الفتح نصر بن أحمد بن عبد الملك، قال: سمعت عبد الرحمن بن أحمد، حدثنا أبي. . . فذكرها، وفيها: ثم قالوا: قد أطلقك الله، فلا يمكننا أن نقيدك. فزودوني، وبعثوا بي.(أعلام/1448)
قال: وكان بقي أول من كثر الحديث بالأندلس ونشره، وهاجم به شيوخ الأندلس، فثاروا عليه، لأنهم كان علمهم بالمسائل ومذهب مالك، وكان بقي يفتي بالأثر، فشذ عنهم شذوذا عظيما، فعقدوا عليه الشهادات، وبدعوه، ونسبوا إليه الزندقة، وأشياء نزهه الله منها. وكان بقي يقول: لقد غرست لهم بالأندلس غرسا لا يقلع إلا بخروج الدجال.
قال: وقال بقي: أتيت العراق، وقد منع أحمد بن حنبل من الحديث، فسألته أن يحدثني، وكان بيني وبينه خلة، فكان يحدثني بالحديث في زي السؤال، ونحن خلوة، حتى اجتمع لي عنه نحو من ثلاثمائة حديث.
قلت: هذه حكاية منقطعة.
قال ابن حزم: و " مسند " بقي روى فيه عن ألف وثلاثمائة صاحب ونيف، ورتب حديث كل صاحب على أبواب الفقه، فهو مسند ومصنف، وما أعلم هذه الرتبة لأحد قبله، مع ثقته وضبطه، وإتقانه واحتفاله في الحديث. وله مصنف في فتاوى الصحابة والتابعين فمن دونهم، الذي قد أربى فيه على " مصنف " ابن أبي شيبة، وعلى " مصنف " عبد الرزاق، وعلى " مصنف " سعيد بن منصور. . . . ثم إنه نوه بذكر " تفسيره "، وقال: فصارت تصانيف هذا الإمام الفاضل قواعد الإسلام، لا نظير لها، وكان متخيرا لا يقلد أحدا، وكان ذا خاصة من أحمد بن حنبل، وجاريا في مضمار البخاري ومسلم والنسائي.
وقال أبو عبد الملك المذكور في " تاريخه ": كان بقي طوالا أقنى ذا لحية مضبرا قويا جلدا على المشي، لم ير راكبا دابة قط، وكان ملازما لحضور الجنائز، متواضعا، وكان يقول إني لأعرف رجلا، كان تمضي عليه الأيام في وقت طلبه العلم، ليس له عيش إلا ورق الكرنب الذي يرمى، وسمعت من كل من سمعت منه في البلدان ماشيا إليهم على قدمي.(أعلام/1449)
قال ابن لبابة الحافظ: كان بقي من عقلاء الناس وأفاضلهم، وكان أسلم بن عبد العزيز يقدمه على جميع من لقيه بالمشرق، ويصف زهده، ويقول: ربما كنت أمشي معه في أزقة قرطبة، فإذا نظر في موضع خال إلى ضعيف محتاج أعطاه أحد ثوبيه.
وذكر أبو عبيدة صاحب القبلة قال: كان بقي يختم القرآن كل ليلة، في ثلاث عشرة ركعة، وكان يصلي بالنهار مائة ركعة، ويصوم الدهر.
وكان كثير الجهاد، فاضلا، يذكر عنه أنه رابط اثنتين وسبعين غزوة.
ونقل بعض العلماء من كتاب لحفيد بقي عبد الرحمن بن أحمد: سمعت أبي يقول: رحل أبي من مكة إلى بغداد، وكان رجلا بغيته ملاقاة أحمد بن حنبل. قال: فلما قربت بلغتني المحنة، وأنه ممنوع، فاغتممت غما شديدا، فاحتللت بغداد، واكتريت بيتا في فندق، ثم أتيت الجامع وأنا أريد أن أجلس إلى الناس، فدفعت إلى حلقة نبيلة، فإذا برجل يتكلم في الرجال، فقيل لي: هذا يحيى بن معين. ففرجت لى فرجة، فقمت إليه، فقلت: يا أبا زكريا: -رحمك الله- رجل غريب ناء عن وطنه، يحب السؤال، فلا تستجفني، فقال: قل. فسألت عن بعض من لقيته، فبعضا زكى، وبعضا جرح، فسألته عن هشام بن عمار، فقال لي: أبو الوليد، صاحب صلاة دمشق، ثقة، وفوق الثقة، لو كان تحت ردائه كبر، أو متقلدا كبرا، ما ضره شيئا لخيره وفضله، فصاح أصحاب الحلقة: يكفيك -رحمك الله- غيرك له سؤال.
فقلت -وأنا واقف على قدم: اكشف عن رجل واحد: أحمد بن حنبل، فنظر إلي كالمتعجب، فقال لي: ومثلنا، نحن نكشف عن أحمد؟ ! ذاك إمام المسلمين، وخيرهم وفاضلهم. فخرجت أستدل على منزل أحمد بن حنبل، فدللت عليه، فقرعت بابه، فخرج إلي.(أعلام/1450)
فقلت: يا أبا عبد الله: رجل غريب، نائي الدار، هذا أول دخولي هذا البلد، وأنا طالب حديث ومقيد سنة، ولم تكن رحلتي إلا إليك، فقال: ادخل الأصطوان ولا يقع عليك عين. فدخلت، فقال لي: وأين موضعك؟ قلت: المغرب الأقصى. فقال: إفريقية؟ قلت: أبعد من إفريقية، أجوز من بلدي البحر إلى إفريقية، بلدي الأندلس، قال: إن موضعك لبعيد، وما كان شيء أحب إلي من أن أحسن عون مثلك، غير أني ممتحن بما لعله قد بلغك.
فقلت: بلى، قد بلغني، وهذا أول دخولي، وأنا مجهول العين عندكم، فإن أذنت لي أن آتي كل يوم في زي السؤال، فأقول عند الباب ما يقوله السؤال، فتخرج إلى هذا الموضع، فلو لم تحدثني كل يوم إلا بحديث واحد، لكان لي فيه كفاية. فقال لي: نعم، على شرط أن لا تظهر في الخلق، ولا عند المحدثين.
فقلت: لك شرطك، فكنت آخذ عصا بيدي، وألف رأسي بخرقة مدنسة، وآتي بابه فأصيح: الأجر -رحمك الله- والسؤال هناك كذلك، فيخرج إلي، ويغلق، ويحدثني بالحديثين والثلاثة والأكثر، فالتزمت ذلك حتى مات الممتحن له، وولي بعده من كان على مذهب السنة، فظهر أحمد، وعلت إمامته، وكانت تضرب إليه آباط الإبل، فكان يعرف لي حق صبري، فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي، ويقص على أصحاب الحديث قصتي معه، فكان يناولني الحديث مناولة ويقرؤه علي وأقرؤه عليه، واعتللت في خلق معه. ذكر الحكاية بطولها.
نقلها القاسم بن بشكوال في بعض تآليفه، ونقلتها أنا من خط شيخنا أبي الوليد بن الحاج، وهي منكرة، وما وصل ابن مخلد إلى الإمام أحمد إلا بعد الثلاثين ومائتين، وكان قد قطع الحديث من أثناء سنة ثمان وعشرين، وما روى بعد ذلك ولا حديثا واحدا، إلى أن مات(أعلام/1451)
ولما زالت المحنة سنة اثنتين وثلاثين، وهلك الواثق، واستخلف المتوكل، وأمر المحدثين بنشر أحاديث الرؤية وغيرها، امتنع الإمام أحمد من التحديث، وصمم على ذلك، ما عمل شيئا غير أنه كان يذاكر بالعلم والأثر، وأسماء الرجال والفقه، ثم لو كان بقي سمع منه ثلاثمائة حديث، لكان طرز بها " مسنده "، وافتخر بالرواية عنه. فعندي مجلدان من " مسنده "، وما فيهما عن أحمد كلمة.
ثم بعدها حكاية أنكر منها، فقال: نقلت من خط حفيده عبد الرحمن بن أحمد بن بقي، حدثني أبي، أخبرتني أمي أنها رأت أبي مع رجل طوال جدا، فسألته عنه، فقال: أرجو أن تكوني امرأة صالحة، ذاك الخضر -عليه السلام.
ونقل عبد الرحمن هذا عن جده أشياء، الله أعلم بصحتها، ثم قال: كان جدي قد قسم أيامه على أعمال البر: فكان إذا صلى الصبح قرأ حزبه من القرآن في المصحف، سدس القرآن، وكان أيضا يختم القرآن في الصلاة في كل يوم وليلة، ويخرج كل ليلة في الثلث الأخير إلى مسجده، فيختم قرب انصداع الفجر.
وكان يصلي بعد حزبه من المصحف صلاة طويلة جدا، ثم ينقلب إلى داره -وقد اجتمع في مسجده الطلبة- فيجدد الوضوء، ويخرج إليهم، فإذا انقضت الدول، صار إلى صومعة المسجد، فيصلي إلى الظهر، ثم يكون هو المبتدئ بالأذان، ثم يهبط ثم يسمع إلى العصر، ويصلي ويسمع، وربما خرج في بقية النهار، فيقعد بين القبور يبكي ويعتبر.
فإذا غربت الشمس أتى مسجده، ثم يصلي، ويرجع إلى بيته فيفطر، وكان يسرد الصوم إلا يوم الجمعة، ويخرج إلى المسجد، فيخرج إليه جيرانه، فيتكلم معهم في دينهم ودنياهم، ثم يصلي العشاء، ويدخل بيته، فيحدث أهله، ثم ينام نومة قد أخذتها نفسه، ثم يقوم. هذا دأبه إلى أن توفي.
وكان جلدا، قويا على المشي، قد مشى مع ضعيف في مظلمة إلى إشبيلية، ومشى مع آخر إلى إلبيرة، ومع امرأة ضعيفة إلى جيان.(أعلام/1452)
قلت: وهم بعض الناس، وقال: مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين.
بل الصواب أنه توفي لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة، سنة ست وسبعين ومائتين ورخه عبد الله بن يونس وغيره.
ومن مناقبه أنه كان من كبار المجاهدين في سبيل الله، يقال: شهد سبعين غزوة.
ومن حديثه: أخبرني محمد بن عطاء الله بالإسكندرية، أخبرنا عبد الرحمن بن مكي في سنة ست وأربعين وستمائة، أنبأنا خلف بن عبد الملك الحافظ، أخبرنا أبو محمد بن عتاب، أخبرنا الحافظ أبو عمر النمري، أخبرنا محمد بن عبد الملك، حدثنا عبد الله بن] يونس، حدثنا بقي بن مخلد، حدثنا هانئ بن المتوكل، عن معاوية بن صالح، عن رجل، عن مجاهد، عن علي -رضي الله عنه- قال: لولا أني أنسى ذكر الله، ما تقربت إلى الله إلا بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال جبريل: يا محمد! إن الله يقول: من صلى عليك عشر مرات استوجب الأمان من سخطه.(أعلام/1453)
بقية بن الوليد (خت، م، 4)
ابن صائد بن كعب بن حريز الحافظ العالم، محدث حمص أبو يحمد الحميري، الكلاعي، ثم الميتمي الحمصي، أحد المشاهير الأعلام. ولد سنة عشر ومائة سمع ذلك منه يزيد بن عبد ربه الجرجسي.
وروى عن: محمد بن زياد الألهاني، وصفوان بن عمرو السكسكي، وبحير بن سعد، وثور بن يزيد، وبشر بن عبد الله بن يسار، وحبيب بن صالح الطائي، وحصين بن مالك الفزاري، والسري بن ينعم الجبلاني، وضبارة بن مالك، وعثمان بن زفر، وعتبة بن أبي حكيم، ومحمد بن عبد الرحمن بن عرق اليحصبي، ومحمد بن الوليد الزبيدي، ومسلم بن زياد، ويونس بن يزيد الأيلي، والوضين بن عطاء، ويزيد بن عوف، وأبي بكر بن أبي مريم، وحريز بن عثمان، وأمم سواهم. والأوزاعي، وشعبة، ومالك، وابن المبارك، وينزل إلى يزيد بن هارون، وأقرانه. وقد روى عن تلميذه إسحاق ابن راهويه. وكان من أوعية العلم، لكنه كدر ذلك بالإكثار عن الضعفاء والعوام، والحمل عمن دب ودرج.
روى عنه: شعبة، والحمادان، والأوزاعي، وابن جريج، وهم من شيوخه، وابن المبارك، ويزيد بن هارون، والوليد بن مسلم، ووكيع، وهم من أقرانه، وإسماعيل بن عياش وهو أكبر منه، وحيوة بن شريح، ويزيد بن عبد ربه، وأسد بن موسى، وداود بن رشيد، وإسحاق ابن راهويه، وعلي بن حجر، ونعيم بن حماد، وهشام بن عمار، وإبراهيم بن موسى الفراء، وسويد بن سعيد، وعمرو بن عثمان بن سعيد، وأخوه يحيى، وأبو التقي هشام بن عبد الملك، ومحمد بن مصفى، وعيسى بن أحمد العسقلاني، ومحمد بن عمرو بن حنان، ومهنا بن يحيى، وهشام بن خالد الأزرق، ويعقوب الدورقي، وعبدة بن عبد الرحيم المروزي، وخلق كثير، خاتمتهم: أبو عتبة أحمد بن الفرج الحجازي. روى رباح بن زيد الكوفي، عن ابن المبارك قال: إذا اجتمع إسماعيل بن عياش وبقية بن الوليد، فبقية أحب إلي.(أعلام/1454)
وروى سفيان بن عبد الملك، عن ابن المبارك قال: بقية كان صدوقا، لكنه يكتب عمن أقبل وأدبر.
وقال يحيى بن المغيرة الرازي، عن ابن عيينة: لا تسمعوا من بقية ما كان في سنة، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره.
قلت: لهذا أكثر الأئمة على التشديد في أحاديث الأحكام، والترخيص قليلا، لا كل الترخص في الفضائل والرقائق، فيقبلون في ذلك ما ضعف إسناده، لا ما اتهم رواته، فإن الأحاديث الموضوعة، والأحاديث الشديدة الوهن لا يلتفتون إليها، بل يروونها للتحذير منها، والهتك لحالها، فمن دلسها أو غطى تبيانها، فهو جان على السنة، خائن لله ورسوله. فإن كان يجهل ذلك، فقد يعذر بالجهل، ولكن سلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
قال أبو معين الرازي، عن يحيى بن معين قال: كان شعبة مبجلا لبقية حيث قدم بغداد.
عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سئل أبي عن بقية وإسماعيل، فقال: بقية أحب إلي، وإذا حدث عن قوم ليسوا بمعروفين، فلا تقبلوه.
قال أحمد بن زهير: سئل ابن معين عن بقية، فقال: إذا حدث عن الثقات مثل صفوان بن عمرو وغيره، وأما إذا حدث عن أولئك المجهولين، فلا، وإذا كنى الرجل أو لم يسم اسمه، فليس يساوي شيئا.
وسئل: أيما أثبت هو أو إسماعيل؟ قال: كلاهما صالحان.
يعقوب بن شيبة عن أحمد بن العباس، سمع يحيى بن معين يقول: بقية يحدث عمن هو أصغر منه، وعنده ألفا حديث عن شعبة صحاح، كان يذاكر شعبة بالفقه. ولقد قال لي أبو نعيم: كان بقية يضن بحديثه عن الثقات. طلبت منه كتاب صفوان قال: كتاب صفوان؟ ثم قال ابن معين: كان يحدث عن الضعفاء بمائة حديث، قبل أن يحدث عن الثقة بحديث.
قال يعقوب بن شيبة: بقية ثقة، حسن الحديث إذا حدث عن المعروفين، ويحدث عن قوم متروكي الحديث وضعفاء، ويحيد عن أسمائهم إلى كناهم، وعن كناهم إلى أسمائهم ويحدث عمن هو أصغر منه. حدث عن سويد بن سعيد الحدثاني.(أعلام/1455)
قال ابن سعد: كان بقية ثقة في الرواية عن الثقات، ضعيفا في روايته عن غير الثقات.
قلت: وهو أيضا ضعيف الحديث إذا قال: " عن " فإنه مدلس. وقال أحمد العجلي: ثقة عن المعروفين، فإذا روى عن مجهول، فليس بشيء.
وقال أبو زرعة: بقية عجب. إذا روى عن الثقات، فهو ثقة، ويحدث عن قوم لا يعرفون ولا يضبطون. وقال: ما له عيب إلا كثرة روايته عن المجهولين، فأما الصدق، فلا يؤتى من الصدق.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وهو أحب إلي من إسماعيل بن عياش.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي: إذا قال: حدثنا، وأخبرنا، فهو ثقة، وإذا قال: عن فلان فلا يؤخذ عنه، لأنه لا يدرى عمن أخذه.
وقال أبو أحمد بن عدي: يخالف في بعض رواياته الثقات، وإذا روى عن أهل الشام، فإنه ثبت، وإذا روى عن غيرهم، خلط، وإذا روى عن المجهولين، فالعهدة منهم لا منه، وهو صاحب حديث، يروي عن الصغار والكبار، ويروي عنه الكبار من الناس، وهذه صفة بقية.
وقال ابن حبان: سمع بقية من شعبة ومالك وغيرهما أحاديث مستقيمة، ثم سمع من أقوام كذابين عن شعبة ومالك، فروى عن الثقات بالتدليس ما أخذ عن الضعفاء.
قال أبو مسهر الغساني: أحاديث بقية ليست نقية، فكن منها على تقية.
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: رحم الله بقية ما كان يبالي إذا وجد خرافة عمن يأخذه، فإن حدث عن الثقات فلا بأس به. وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن ضمرة وبقية فقال: ضمرة أحب إلينا، ضمرة ثقة، رجل صالح.
قال أبو داود: بقية أحسن حالا من الوليد بن مسلم، وليس هذا عند الناس كذا.
قال حجاج بن الشاعر: سئل سفيان بن عيينة عن حديث من هذه الملح، فقال: أبو العجب أخبرنا بقية بن الوليد أخبرنا.(أعلام/1456)
قال إمام الأئمة ابن خزيمة: لا أحتج ببقية. ثم قال: حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: توهمت أن بقية لا يحدث المناكير إلا عن المجاهيل، فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير، فعلمت من أين أتي.
قال أبو حاتم بن حبان: دخلت حمص، وأكبر همي شأن بقية، فتتبعت حديثه، وكتبت النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه، فرأيته ثقة، مأمونا، ولكنه كان مدلسا، يدلس على عبيد الله بن عمر، وشعبة، ومالك، ما أخذه عن مثل مجاشع بن عمرو، والسري بن عبد الحميد، وعمر بن موسى الميتمي وأشباههم، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضعفاء عنهم، فكان يقول: قال عبيد الله، وقال مالك، فحملوا عن بقية عن عبيد الله، وعن بقية عن مالك، وسقط الواهي بينهما، فالتزق الموضوع ببقية، وتخلص الواضع من الوسط. وكان ابن معين يوثقه.
وحدثنا سليمان بن محمد الخزاعي بدمشق، حدثنا هشام بن خالد، حدثنا بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: من أدمن على حاجبه بالمشط، عوفي من الوباء. وبه: إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا جامع أحدكم زوجته فلا ينظر إلى فرجها، فإن ذلك يورث العمى.
وبه: قال -عليه السلام-: تربوا الكتاب وسحوه من أسفله، فإنه أنجح للحاجة. وبه: من أصيب بمصيبة، فاحتسب ولم يشك إلى الناس، كان حقا على الله أن يغفر له. وحديث لا تأكلوا بالخمس فإنها أكلة الأعراب، ولا بالمشيرة والإبهام، ولكن بثلاث فإنها سنة وهذه بواطيل.
وقال أبو حاتم في حديث: يورث العمى، وحديث: المصيبة، وحديث: الأكل بالخمس: هذه موضوعات لا أصل لها.
أحمد بن يونس الحمصي: حدثنا الوليد بن مسلم عن بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دم الحبون.(أعلام/1457)
عمر بن سنان المنبجي، وعبدان: حدثنا أبو التقي هشام بن عبد الملك، حدثنا بقية، حدثني مالك بن أنس، عن عبد الكريم الهمداني، عن أبي حمزة قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رجل نسي الأذان والإقامة، فقال: إن الله يجاوز عن أمتي السهو في الصلاة ثم قال ابن حبان عقيبه: عبد الكريم هو الجزري، وأبو حمزة هو أنس بن مالك، حدثناه عبدان، وابن سنان.
قلت: هذا الحديث لا يحتمل، وقد رواه الوليد بن عتبة المقرئ، قال: حدثنا بقية، حدثنا عبيد رجل من همدان، عن قتادة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس قال: قيل: يا رسول الله، الرجل ينسى الأذان والإقامة. فهذا أشبه، مع أن عبيدا لا يدرى من هو، فهو آفته.
محمد بن محمد الباغندي: حدثنا سليمان بن سلمة الخبائري، حدثنا بقية، حدثنا مالك، عن الزهري، عن أنس، عن النبي -عليه السلام-: انتظار الفرج عبادة وهذا باطل، ما رواه مالك بل ولا بقية، بل المتهم به سليمان.
وكذلك الآفة في حديث الخضر: بينما هو يمشي في سوق بني إسرائيل بطوله. رواه عبد الوهاب بن الضحاك، ذاك العرضي المتهم، وسليمان بن عبيد الله الرقي الذي قال فيه يحيى بن معين: ليس بشيء، كلاهما عن بقية، حدثنا محمد بن زياد، عن أبي أمامة الباهلي مرفوعا.
ولبقية عن يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر مرفوعا: من أدرك ركعة من الجمعة وتكبيرتها فقط فقد أدرك الصلاة فهذا منكر، وإنما يروي الثقات عن الزهري بعض هذا بدون ذكر الجمعة، ودون قوله: وتكبيرتها فقط.
ولبقية: حدثنا ابن المبارك، عن جرير بن حازم، عن الزبير بن الخريت، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا: نهى عن طعام المتباريين وهذا الصواب مرسل.
عباس الدوري: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يحيى بن معين، عن يزيد الجرجسي، حدثنا بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، رفعه ; أنه سلم تسليمة.(أعلام/1458)
فحاصل الأمر أن لبقية عن الثقات أيضا ما ينكر، وما لا يتابع عليه.
مهنا بن يحيى: حدثنا بقية، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن أبي هريرة مرفوعا: يحشر الحكارون، وقتلة الأنفس إلى جهنم في درجة واحدة. تفرد به مهنا، وهو صدوق. وفي سنده انقطاع.
بقية بن الوليد: قال شريك، عن كليب بن وائل، عن ابن عمر، مرفوعا: لا تساكنوا الأنباط في بلادهم، ولا تناكحوا الخوز، فإن لهم أصولا تدعوهم إلى غير الوفاء وهذا منكر جدا، قد أسقط بقية من حدثه به عن شريك.
قال العقيلي: حدثنا محمد بن سعيد، حدثنا عبد الرحمن بن الحكم، عن وكيع قال: ما سمعت أحدا أجرأ على أن يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بقية.
قال عبد الحق في " الأحكام " له في مواضع: بقية لا يحتج به. وروى أيضا له أحاديث ساكتا عن تليينها.
قال الحافظ أبو الحسن بن القطان: بقية يدلس عن الضعفاء، ويستبيح ذلك، وهذا إن صح مفسد لعدالته.
قلت: نعم، تيقنا أنه كان يفعله، وكذلك رفيقه الوليد بن مسلم، وغير واحد، ولكنهم ما يظن بهم أنهم اتهموا من حدثهم بالوضع لذلك، فالله أعلم.
أخبرنا عبد الخالق بن عبد السلام ببعلبك، أخبرنا أبو محمد بن قدامة الفقيه، أخبرنا طاهر بن محمد، أخبرنا عبدوس بن عبد الله الهمداني، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الطوسي، حدثنا محمد بن يعقوب الأصم، حدثنا أبو عتبة حدثنا بقية، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثني أزهر بن عبد الله، سمعت عبد الله بن بسر صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: كنا نسمع أنه يقال: إذا اجتمع عشرون رجلا أو أكثر، أو أقل، فلم يكن فيهم من يهاب في الله، فقد حضر الأمر.
كثير بن عبيد: حدثنا بقية، حدثنا شعبة، حدثني عاصم الأحول، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان مرفوعا: من تكفل لي أن لا يسأل امرءا شيئا، أتكفل له بالجنة. غريب جدا.(أعلام/1459)
محمد بن مصفى، وآخر، قالا: حدثنا بقية عن الأوزاعي، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعا: مجوس هذه الأمة القدرية.
عطية بن بقية: حدثنا أبي، عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: السباق أربعة: أنا سابق العرب، وبلال سابق الحبشة، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق الفرس. وهذا حديث منكر فرد والأظهر أن بلالا ليس بحبشي، وأما صهيب، فعربي من النمر بن قاسط. صح من غير وجه عن ابن المبارك قال: بقية أحب إلي من إسماعيل بن عياش.
وروى مسلم عن ابن راهويه، عمن حدثه: أن ابن المبارك قال: نعم الرجل بقية لولا أنه يكني الأسماء، ويسمي الكنى، كان دهرا يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي، فنظرنا فإذا هو عبد القدوس.
أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل قال: روى بقية عن عبيد الله مناكير.
وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: أيما أحب إليك: بقية أو محمد بن حرب؟ فقال: ثقة، وثقة قلت: وكان بقية شيخا حمصيا مزاحا. قال أبو التقي اليزني: سمعت بقية يقول: ما أرحمني ليوم الثلاثاء ما يصومه أحد.
ابن عدي: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق، سمعت بركة بن محمد الحلبي يقول: كنا عند بقية في غرفة، فسمع الناس يقولون: لا، لا. فأخرج رأسه من الروزنة، وجعل يصيح معهم: لا، لا. فقلنا: يا أبا يحمد -سبحان الله- أنت إمام يقتدى بك! قال: اسكت، هذه سنة بلدنا. بركة واه.(أعلام/1460)
وقال أبو علي النيسابوري الحافظ: أخبرنا محمد بن خالد البردعي بمكة، حدثنا عطية بن بقية قال: قال أبي: دخلت على هارون الرشيد، فقال لي: يا بقية، إني أحبك. فقلت: ولأهل بلدي يا أمير المؤمنين؟ قال: إنهم جند سوء لهم كذا كذا غدرة. ثم قال: حدثني. فقلت: حدثنا محمد بن زياد، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنا سابق العرب وذكر الحديث. فقال: زدني. فقلت: حدثني محمد بن زياد، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا مع كل ألف سبعين ألفا، وثلاث حثيات من حثيات ربي. قال: فامتلأ من ذلك فرحا وقال: يا غلام، الدواة، وكان القيم بأمره الفضل بن الربيع، ومرتبته بعيده، فناداني: يا بقية، ناول أمير المؤمنين الدواة بجنبك. قلت: ناوله أنت يا هامان، فقال: أسمعت ما قال يا أمير المؤمنين؟ قال: اسكت. فما كنت عنده هامان حتى أكون أنا عنده فرعون.
محمد بن مصفى: حدثنا بقية قال: قال لي شعبة: بحر لنا، بحر لنا، أي: حدثنا عن بحير بن سعد. وقال حيوة بن شريح: حدثنا بقية، قال لي شعبة: أهد لي حديث بحير. فبعث بها إليه، يعني صحيفة بحير، فمات شعبة ولم تصل إليه.
عمر بن سنان المنبجي: حدثنا عبد الوهاب بن الضحاك، قال لي بقية: قال لي شعبة: يا أبا يحمد، نحن أبصر بالحديث وأعلم به منكم. قلت: أتقول ذا يا أبا بسطام؟ قال: نعم. قلت: فما تقول في رجل ضرب على أنفه فذهب شمه؟ فتفكر فيها، وجعل ينظر، وقال: أيش تقول يا أبا يحمد؟ فقلت: حدثنا ابن ذي حماية قال: كان مشيختنا يقولون: يجعل في أنفه الخردل، فإن حركه علمنا أنه كاذب، وإن لم يحركه فقد صدق.(أعلام/1461)
ابن أبي السري العسقلاني، عن بقية، قال لي شعبة: ما أحسن حديثك، ولكن ليس له أركان. فقلت: حديثكم أنتم ليس له أركان: تجيئني بغالب القطان، وحميد الأعرج، وأبي التياح، وأجيئك بمحمد بن زياد الألهاني، وأبي بكر بن أبي مريم الغساني، وصفوان بن عمرو السكسكي، يا أبا بسطام، أيش تقول لو ضرب رجل رجلا فذهب شمه؟ قال: ما عندي فيها شيء. الحديث.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء، عن عبد الرحيم بن أبي سعد، أخبرنا عبد الله بن محمد الفراوي، أخبرنا محمد بن عبيد الله، أخبرنا عبد الملك بن حسن، أخبرنا أبو عوانة الحافظ، حدثنا سعيد بن عمرو السكوني، وعطية بن بقية، وأبو عتبة، الحمصيون، قالوا: حدثنا بقية، حدثنا الزبيدي، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب.
وبه: أخبرنا أبو عوانة، حدثنا الدبري، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا دعا أحدكم أخاه، فليجب، عرسا كان أو غيره.
وبه: أخبرنا أبو عوانة، حدثنا أبو أمية، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا ليث، عن محمد بن عبد الرحمن بن غنج، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا دعا أحدكم أخاه، فليأته، عرسا، أو نحوه وهذا صحيح، ولم يخرجه مسلم، وأخرج الأول عن ابن راهويه، عن عيسى بن المنذر، عن بقية، وليس لبقية في الصحيح سواه.
قال أبو الحسن الدارقطني: كنية بقية أبو يحمد، وأهل الحديث تقوله بفتح الياء.
قال حيوة بن شريح: سمعت بقية يقول: لما قرأت على شعبة أحاديث بحير بن سعد فقال: يا أبا يحمد، لو لم أسمعها منك، لطرت.(أعلام/1462)
أبو أحمد بن عدي: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، حدثنا مسهر، حدثنا بقية، عن محمد بن زياد، عن أبي راشد، قال: أخذ بيدي أبو أمامة، وقال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي ثم قال: يا أبا أمامة، إن من المؤمنين من يلين له قلبي.
قال أبو التقي اليزني: من قال: إن بقية قال: حدثنا فقد كذب، ما قال قط إلا: حدثني فلان.
قال ابن سعد ومطين وطائفة: مات بقية سنة سبع وتسعين ومائة قلت: وفيها مات حافظ العراق وكيع، وحافظ مصر ابن وهب، وهشام بن يوسف قاضي اليمن، وشعيب بن حرب بالمدائن، وعثمان بن سعيد ورش مقرئ مصر. وعاش بقية سبعا وثمانين سنة -رحمه الله.(أعلام/1463)
بكر بن بكار
المحدث العالم الكبير أبو عمرو القيسي البصري.
حدث عن ابن عون، وعباد بن منصور، وقرة بن خالد، وحمزة الزيات، وهشام الدستوائي ومسعر بن كدام، وشعبة بن الحجاج، وجماعة، وله جزء مشهور.
حدث عنه رفيقه أبو داود الطيالسي، والحسن بن علي الحلواني وإسماعيل بن عبد الله سمويه، ومحمد بن إبراهيم الجيراني وإبراهيم بن سعدان، وآخرون.
وثقه أبو عاصم النبيل.
وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي.
وقال ابن حبان: هو ثقة ما يخطئ.
وأما يحيى بن معين، فقال: ليس بشيء، قاله عباس الدوري عنه.
وقال أبو نعيم الحافظ قدم بكر أصبهان سنة ست ومائتين، وحدث بها في سنة سبع ومائتين.
قلت: لم يقع له شيء في الكتب الستة.
قرأت على أحمد بن عبد المنعم القزويني، أخبرك إدريس بن محمد العطار إذنا عاما، أخبرنا محمد بن علي بن أبي ذر، أخبرنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، أخبرنا عبد الله بن محمد بن فورك، حدثنا محمد بن إبراهيم بن أبان، حدثنا بكر بن بكار، حدثنا عائذ بن شريح، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو دعيت إلى كراع لأجبت هذا حديث غريب، وعائذ ضعيف الحديث، من صغار التابعين.(أعلام/1464)
بكر بن عبد الله (ع)
ابن عمرو، الإمام، القدوة، الواعظ، الحجة، أبو عبد الله المزني، البصري، أحد الأعلام، يذكر مع الحسن وابن سيرين.
حدث عن المغيرة بن شعبة، وابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، وأبي رافع الصائغ، وعدة.
حدث عنه ثابت البناني، وعاصم الأحول، وسليمان التيمي، وحبيب العجمي، وحميد الطويل، وقتادة، وغالب القطان، وأبو عامر صالح الخزاز، ومبارك بن فضالة، وصالح المري، وابنه عبد الله بن بكر، وآخرون.
قال محمد بن سعد الكاتب كان بكر المزني ثقة، ثبتا، كثير الحديث، حجة، فقيها.
قال سليمان التيمي: الحسن شيخ البصرة، وبكر المزني فتاها.
وقال عبد الله بن بكر: أخبرتني أختي قالت: كان أبوك قد جعل على نفسه أن لا يسمع رجلين يتنازعان في القدر إلا قام فصلى ركعتين.
قلت: هذا يدل على أن البصرة كانت تغلي في ذلك الوقت بالقدر، وإلا فلو جعل الفقيه اليوم على نفسه ذلك لأوشك أن يبقى السنة والسنتين لا يسمع متنازعين في القدر ولله الحمد، ولا يتظاهر أحد بالشام ومصر بإنكار القدر.
عن بكر المزني - وهو في " الزهد " لأحمد - قال: كان الرجل في بني إسرائيل إذا بلغ المبلغ، فمشى في الناس، تظله غمامة.
قلت: شاهده أن الله قال: وظللنا عليكم الغمام ففعل بهم - تعالى - ذلك عاما، وكان فيهم الطائع والعاصي.
فنبينا - صلوات الله عليه - أكرم الخلق على ربه، وما كانت له غمامة تظله ولا صح ذلك ; بل ثبت أنه لما رمى الجمرة كان بلال يظله بثوبه من حر الشمس.
ولكن كان في بني إسرائيل الأعاجيب والآيات، ولما كانت هذه الأمة خير الأمم، وإيمانهم أثبت، لم يحتاجوا إلى برهان، ولا إلى خوارق، فافهم هذا.
وكلما ازداد المؤمن علما ويقينا، لم يحتج إلى الخوارق ; وإنما الخوارق للضعفاء، ويكثر ذلك في اقتراب الساعة.(أعلام/1465)
عبد الملك بن مروان الحذاء: حدثنا يزيد بن زريع، عن حميد الطويل، قال: قومت كسوة بكر بن عبد الله أربعة آلاف.
وساقها أبو نعيم بإسناد آخر عن حميد.
عبد الله بن بكر: سمعت إنسانا يحدث عن أبي أنه كان واقفا بعرفة، فرق فقال: لولا أني فيهم لقلت: قد غفر لهم.
قلت: كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها.
أبو هلال، عن غالب القطان، عن بكر: أنه لما ذهب به للقضاء قال: إني سأخبرك عني: إني لا علم لي - والله - بالقضاء، فإن كنت صادقا، فما ينبغي لك أن تستعملني، وإن كنت كاذبا فلا تول كاذبا.
روى حميد الطويل، عن بكر قال: إني لأرجو أن أعيش عيش الأغنياء وأموت موت الفقراء.
فكان - رحمه الله - كذلك، يلبس كسوته، ثم يجيء إلى المساكين، فيجلس معهم يحدثهم ويقول: لعلهم يفرحون بذلك.
قال سليمان التيمي: كانت قيمة كسوة بكر أربعة آلاف ; كانت أمه ذات ميسرة، وكان لها زوج كثير المال.
وروى عبيد الله بن عمرو الرقي، عن كلثوم بن جوشن، قال: اشترى بكر بن عبد الله طيلسانا بأربع مائة درهم، فأراد الخياط أن يقطعه، فذهب ليذر عليه ترابا، فقال له بكر: كما أنت، فأمر بكافور، فسحق ثم ذره عليه.
عمرو بن عاصم الكلابي، حدثنا عتبة بن عبد الله العنبري: سمعت بكرا المزني يقول في دعائه: أصبحت لا أملك ما أرجو، ولا أدفع عن نفسي ما أكره، أمري بيد غيري، ولا فقير أفقر مني.
قال أبو الأشهب: سمعت بكرا يقول: اللهم ارزقنا رزقا يزيدنا لك شكرا وإليك فاقة وفقرا، وبك عمن سواك غنى.
قال حميد الطويل: كان بكر بن عبد الله مجاب الدعوة.
قال مبارك بن فضالة: حضر الحسن جنازة بكر بن عبد الله على حمار، فرأى الناس يزدحمون فقال: ما يوزرون أكثر مما يؤجرون، كانوا ينظرون، فإن قدروا على حمل الجنازة أعقبوا إخوانهم.(أعلام/1466)
قال غالب القطان، قال بكر: إياك من الكلام ; ما إن أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت توزر ; وذلك سوء الظن بأخيك.
قال أبو الوليد الطيالسي: حدثنا زياد بن أبي مسلم، قال: رأيت بكر بن عبد الله يخضب بالسواد.
قال مؤمل بن إسماعيل: مات بكر بن عبد الله سنة ست ومائة، وقال غير واحد: - وهو أصح - إنه مات سنة ثمان ومائة.
قال قتيبة: حدثنا معاوية بن عبد الكريم الثقفي، سمعت بكر بن عبد الله يقول يوم الجمعة: لو قيل لي: خذ بيد خير أهل المسجد، لقلت: دلوني على أنصحهم لعامتهم. فإذا قيل: هذا. أخذت بيده، ولو قيل لي: خذ بيد شرهم، لقلت: دلوني على أغشهم لعامتهم، ولو أن مناديا نادى من السماء: إنه لا يدخل الجنة منكم إلا رجل واحد، لكان ينبغي لكل إنسان أن يلتمس أن يكون هو، ولو أن مناديا نادى: إنه لا يدخل النار منكم إلا رجل واحد لكان ينبغي لكل إنسان أن يفرق أن يكون ذلك الواحد.
قرأت على إسحاق بن طارق، أخبركم ابن خليل، أنبأنا أحمد بن محمد، أنبأنا أبو علي، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أحمد بن جعفر بن معبد، حدثنا يحيى بن مطرف، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا عبيد الرحمن بن فضالة أخو مبارك، حدثنا بكر بن عبد الله، عن أنس: أن امرأة دخلت على عائشة ومعها صبيان لها، فأعطتها ثلاث تمرات، فأعطت كل صبي تمرة، فأكلا تمرتيهما ثم نظرا إلى أمهما، فأخذت التمرة فشقتها نصفين فأعطت ذا نصفا وذا نصفا، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته عائشة فقال: " ما أعجبك من ذلك؟ فإن الله قد رحمها برحمتها صبييها ".
غريب تفرد به عبيد الرحمن وهو صدوق مقل، روى عنه ابن المبارك وابن مهدي، ولا شيء له في الكتب الستة، قال أبو نعيم الحافظ: تفرد به عنه مسلم بن إبراهيم.(أعلام/1467)
بكر بن عبد الله أبو زيد (1)
نسبه:
بكر بن عبد الله أبو زيد بن محمد بن عبد الله بن بكر بن عثمان بن يحيى بن غيهب بن محمد، ينتهي نسبه إلى بني زيد الأعلى، وهو زيد بن سويد بن زيد بن سويد بن زيد بن حرام بن سويد بن زيد القضاعي، من قبيلة بني زيد القضاعية المشهورة في حاضرة الوشم، وعالية نجد، وفيها ولد عام 1365 هـ.
حياته العلمية:
درس في الكتاب حتى السنة الثانية الابتدائي، ثم انتقل إلى الرياض عام 1375 هـ، وفيه واصل دراسته الابتدائية، ثم المعهد العلمي، ثم كلية الشريعة، حتى تخرج عام 87 هـ / 88 هـ من كلية الشريعة بالرياض منتسبا، وكان ترتيبه الأول.
وفي عام 1384 هـ انتقل إلى المدينة المنورة فعمل أمينا للمكتبة العامة بالجامعة الإسلامية. 16
وكان بجانب دراسته النظامية يلازم حلق عدد من المشايخ في الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة.
ففي الرياض أخذ علم الميقات من الشيخ القاضي صالح بن مطلق، وقرأ عليه خمسا وعشرين مقامة من مقامات الحريري، وكان- رحمه الله- يحفظها، وفي الفقه: زاد المستقنع للحجاوي، كتاب البيوع فقط.
وفي مكة قرأ على سماحة شيخه، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز كتاب الحج، من [المنتقى] للمجد ابن تيمية، في حج عام 1385 هـ بالمسجد الحرام.
واستجاز المدرس بالمسجد الحرام الشيخ: سليمان بن عبد الرحمن بن حمدان، فأجازه إجازة مكتوبة بخطه لجميع كتب السنة، وإجازة في المُد النبوي.
في المدينة قرأ على سماحة شيخه الشيخ ابن باز في [فتح الباري] و [بلوغ المرام] ، وعددا من الرسائل في الفقه والتوحيد والحديث في بيته، إذ لازمه نحو سنتين وأجازه.(أعلام/1468)
ولازم سماحة شيخه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي نحو عشر سنين، منذ انتقل إلى المدينة المنورة، حتى توفي الشيخ في حج عام 1393 هـ- رحمه الله تعالى- فقرأ عليه في تفسيره [أضواء البيان] 17 ورسالته [آداب البحث والمناظرة] ، وانفرد بأخذ علم النسب عنه، فقرأ عليه [القصد والأمم] لابن عبد البر، وبعض [الإنباه] لابن عبد البر أيضا. وقرأ عليه بعض الرسائل، وله معه مباحثات واستفادات، ولديه نحو عشرين إجازة من علماء الحرمين والرياض والمغرب والشام والهند وإفريقيا وغيرها، وقد جمعها في ثبت مستقل.
وفي عام 1399 هـ / 1400 هـ، درس في المعهد العالي للقضاء منتسبا، فنال شهادة العالمية (الماجستير) ، وفي عام 1403 هـ تحصل على شهادة العالمية العالية (الدكتوراه) .
حياته العملية:
وفي عام 87 هـ / 88 هـ لما تخرج من كلية الشريعة اختير للقضاء في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فصدر أمر ملكي كريم بتعيينه في القضاء في المدينة المنورة، فاستمر في قضائها حتى عام 1400 هـ.
وفي عام 1390 هـ عين مدرسا في المسجد النبوي الشريف، فاستقر حتى عام 1400 هـ.
وفي عام 1391 هـ صدر أمر ملكي بتعيينه إماما وخطيبا في المسجد النبوي الشريف، فاستمر حتى مطلع عام 1396 هـ.
وفي عام 1400 هـ اختير وكيلا عاما لوزارة العدل، فصدر 18 قرار مجلس الوزراء بذلك، واستمر حتى نهاية عام 1412 هـ، وفيه صدر أمر ملكي كريم بتعيينه بالمرتبة الممتازة، عضوا في لجنة الفتوى، وهيئة كبار العلماء.
وفي عام 1405 هـ صدر أمر ملكي كريم بتعيينه ممثلا للمملكة في مجمع الفقه الإسلامي الدولي، المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، واختير رئيسا للمجمع.
وفى عام 1406هـ عين عضوا في المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، وكانت له في أثناء ذلك مشاركة في عدد من اللجان والمؤتمرات داخل المملكة وخارجها، ودرس في المعهد العالي للقضاء، وفي الدراسات العليا في كلية الشريعة بالرياض.
مؤلفاته:(أعلام/1469)
وله مشاركة في التأليف في: الحديث والفقه واللغة والمعارف العامة، طبع منها ما يأتي:
أولا- ... في الفقه:
(1- 15) فقه القضايا المعاصرة: [فقه النوازل] ثلاثة مجلدات فيها خمس عشرة قضية فقهية مستجدة في خمس عشرة رسالة:
1- ... التقنين والإلزام. 19
2- ... [المواضعة في الاصطلاح] .
3- ... [أجهزة الإنعاش وعلامة الوفاة] .
4- ... [طفل الأنابيب] .
5- ... [خطاب الضمان البنكي] .
6- ... [الحساب الفلكي] .
7- ... [البوصلة] .
8- ... [التأمين] .
9- ... [التشريع وزراعة الأعضاء] .
10- ... [تغريب الألقاب العلمية] .
11- ... -[بطاقة الائتمان] .
12- ... [بطاقة التخفيض] .
13- ... [اليوبيل] .
14- ... [المثامنة في العقار] .
15- ... [التمثيل] .
16- ... [التقريب لعلوم ابن القيم] مجلد.
17- ... [الحدود والتعزيرات] مجلد.
18- ... [الجناية على النفس وما دونها] مجلد.
19- ... [اختيارات ابن تيمية] للبرهان ابن القيم، تحقيق.
20- ... [حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية] مجلد. 20
21- ... [معجم المناهي اللفظية] مجلد.
22- ... [لا جديد في أحكام الصلاة] .
23- ... [تصنيف الناس بين الظن واليقين] .
24- ... [التعالم] .
25- ... [حلية طالب العلم] .
26- ... [آداب طالب الحديث من الجامع للخطيب] .
27- ... [الرقابة على التراث] .
28- ... [تسمية المولود] .
29- ... [أدب الهاتف] .
30- ... [الفرق بين حد الثوب والأزرة] .
31- ... [أذكار طرفي النهار] .
32- ... [المدخل المفصل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل] مجلدان.
33- ... [البلغة في فقه الإمام أحمد بن حنبل] للفخر ابن تيمية، مجلد، تحقيق.
34- ... [فتوى السن، عن مهمات المسائل] .
ثانيا- ... في الحديث وعلومه:
35- ... [التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل] . ثلاثة مجلدات، طبع منها الأول. 21
36- ... [معرفة النسخ والصحف الحديثة] .
37- ... [التحديث بما لا يصح فيه حديث] .(أعلام/1470)
38- ... [الجد الحثيث في معرفة ما ليس بحديث] للغزي، تحقيق.
(39- 43) [الأجزاء الحديثية] مجلد، فيه خمس رسائل هي:
39- ... [مرويات دعاء ختم القرآن الكريم] جزء.
40- ... [نصوص الحوالة] جزء.
41- ... [زيارة النساء للقبور] جزء.
42- ... [مسح الوجه باليدين بعد رفعهما بالدعاء] جزء.
43- ... [ضعف حديث العجن] جزء.
ثالثا- ... في المعارف العامة:
(44 - 47) [النظائر] مجلد، ويحتوي على أربع رسائل:
44- ... [العزاب من العلماء وغيرهم] .
45- ... [التحول المذهبي] .
46- ... [التراجم الذاتية] .
47- ... [لطائف الكلم في العلم] .
48- ... [طبقات النسابين] مجلد.
49- ... [ابن القيم: حياته، آثاره، موارده] مجلد. 22
(50 - 54) [الردود] مجلد، ويحتوي على خمس رسائل هي:
50- ... [الرد على المخالف] .
51- ... [تحريف النصوص] .
52- ... [براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة] .
53- ... [عقيدة ابن أبي زيد القيرواني وعبث بعض المعاصرين بها] .
54- ... [التحذير من مختصرات الصابوني في التفسير] .
55- ... [بدع القراء] رسالة.
56- ... [خصائص جزيرة العرب] .
57- ... [السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة] ، 3 مجلدات، للشيخ محمد بن عبد الله بن حميد مفتي الحنابلة بمكة ت سنة 1296 هـ- رحمه الله تعالى- تحقيق بالاشتراك.
58- ... [تسهيل السابلة إلى معرفة علماء الحنابلة] للشيخ / صالح بن عبد العزيز بن عثيمين المكي- رحمه الله تعالى- تحقيق في مجلدين.
59- ... [علماء الحنابلة من الإمام أحمد إلى وفيات القرن الخامس عشر الهجري] ، مجلد على طريقة: [الأعلام] للزركلي.
60- ... [دعاء القنوت] . 23
61- ... [فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد] للشيخ حامد بن محمد الشارقي- رحمه الله تعالى- مجلد، تحقيق.
62- ... [نظرية الخلط بين الإسلام وغيره من الأديان] .
63- ... [تقريب آداب البحث والمناظرة] .
64- ... [جبل إلال بعرفات] ، تحقيقات تاريخية وشرعية.(أعلام/1471)
65- ... [مدينة النبي صلى الله عليه وسلم رأي العين] .
66- ... [قبة الصخرة، تحقيقات في تاريخ عمارتها وترميمها] .
---
(1) أعد الترجمة عبد الله بن بكر أبو زيد، القاضي بديوان المظالم.(أعلام/1472)
بكير بن عبد الله بن الأشج (ع)
الإمام الثقة، الحافظ أبو عبد الله. ويقال أبو يوسف القرشي، المدني، ثم المصري، مولى بني مخزوم، أحد الأعلام، وهو والد المحدث مخرمة بن بكير، وأخو يعقوب وعمر.
معدود في صغار التابعين لأنه روى عن السائب بن يزيد، وأبي أمامة بن سهل. وروى عن سليمان بن يسار، ومحمود بن لبيد الذي عقل المجة النبوية، وكريب، وأبي سلمة، وبسر بن سعيد، وأبي صالح السمان، وعفيف بن عمرو السهمي، والمنذر بن المغيرة، وعراك بن مالك، ونافع العمري، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وأبي بردة بن أبي موسى، وخلق، وينزل إلى يزيد بن أبي عبيد، وسهيل بن أبي صالح، وكان من أئمة الإسلام.
روى عنه: يزيد بن أبي حبيب، وأيوب بن موسى، وابن عجلان، وابن إسحاق، وعبيد الله بن أبي جعفر، وبكر بن عمرو المعافري، والقدماء من أقرانه، وغيرهم. وابنه مخرمة، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، ويحيى بن أيوب، والضحاك بن عثمان، وابن لهيعة، وآخرون.
قال ابن وهب: ما ذكر مالك بكيرا إلا قال: كان من العلماء، وقال محمد بن عيسى بن الطباع: سمعت معن بن عيسى يقول: ما ينبغي لأحد أن يفوق، أو يفضل بكير بن الأشج في الحديث.
وقال أحمد بن حنبل: ثقة صالح. وقال يحيى بن معين وغيره: ثقة. قال أبو الحسن بن البراء: لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلى من ابن شهاب، وبكير بن الأشج، ويحيى بن سعيد.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: ثقة، مدني، لم يسمع منه مالك شيئا خرج إلى مصر قديما فنزل بها.
وقال النسائي: ثقة، ثبت. وقال الواقدي وابن نمير: مات سنة سبع وعشرين ومائة وقال أبو حفص الفلاس: مات سنة اثنتين وعشرين ومائة.(أعلام/1473)
قلت: بل هذا تاريخ وفاة أخيه يعقوب. وقد اشتبه بكير بن عبد الله هذا على طائفة ببكير بن عبد الله الطائي الكوفي، ويقال: بكير بن أبي عبد الله الطويل الضخم، وهما متعاصران. روى الضخم، عن مجاهد، وكريب، وسعيد بن جبير، وهو مقل. روى عنه سلمة بن كهيل، وأشعث بن سوار، وإسماعيل بن سميع الحنفي. وكأنه مات شابا.
أخرج مسلم وابن ماجه من حديث سلمة بن كهيل، عن بكير هذا، عن كريب، عن ابن عباس، حديث: بت عند خالتي ميمونة الحديث. ثم قال سلمة: فلقيت كريبا، فحدثني عن ابن عباس بهذا.
أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، وأحمد بن هبة الله بن عساكر، قراءة عليهما منفردين، عن عبد المعز بن محمد البزاز (ح) وأنبأنا إسماعيل بن ركاب، وموسى بن إبراهيم، قالا: أنبأنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنبأنا عبد المعز (ح) أنبأنا رشيد بن كامل، ومحمد بن أبي بكر، قالا: أنبأنا أحمد بن المفرج، حدثنا علي بن الحسن الحافظ، قالا: أنبأنا محمد بن إسماعيل الفضيلي، أنبأنا محلم بن إسماعيل الضبي، أنبأنا الخليل بن أحمد القاضي، حدثنا أبو العباس الثقفي، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث عن بكير، عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع، عن سلمة قال: لما نزلت هذه الآية: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان من أراد منا أن يفطر، ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها، فنسختها. هذا حديث صحيح، نازل الإسناد، وإنما عززه ورفعه وقوعه من الموافقات العالية، فقد رواه الشيخان، وأبو داود، وأبو عيسى، وأبو عبد الرحمن، جميعا عن قتيبة بن سعيد الثقفي -رحمه الله. تفرد به بكير بن الأشج، عن يزيد بن أبي عبيد، ومات قبل يزيد بمدة، ولم يروه عن بكير سوى عمرو بن الحارث. وقد رواه ابن وهب متابعا لبكر بن مضر، عن عمرو نحوه. والله أعلم.(أعلام/1474)
بلال بن رباح (ع)
مولى أبي بكر الصديق، وأمه حمامة، وهو مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله، شهد بدرا، وشهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - على التعيين بالجنة، وحديثه في الكتب.
حدث عنه ابن عمر، وأبو عثمان النهدي، والأسود، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وجماعة.
ومناقبه جمة استوفاها الحافظ ابن عساكر، وعاش بضعا وستين سنة.
يقال: إنه حبشي، وقيل: من مولدي الحجاز.
وفي وفاته أقوال: أحدها بداريا في سنة عشرين.
عاصم: عن زر، عن عبد الله، أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وبلال، وصهيب، والمقداد. فأما النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر فمنعهما الله بقومهما، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلال ; فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد، أحد وله إسناد آخر صحيح.
أبو حيان التيمي: عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال عند صلاة الصبح: حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ; فإني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين يدي في الجنة. قال: ما عملت عملا أرجى من أني لم أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كتب لي أن أصلي.(أعلام/1475)
حسين بن واقد: حدثنا ابن بريدة سمعت أبي يقول: أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بلالا، فقال: بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، إني دخلت الجنة البارحة، فسمعت خشخشتك أمامي، وأتيت على قصر من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر. فقال بلال: ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث إلا توضأت، ورأيت أن لله علي ركعتين أركعهما، فقال: بها
حماد بن سلمة: عن ثابت، عن أنس مرفوعا: دخلت الجنة، فسمعت خشفة، فقلت: ما هذه؟ قيل: بلال.
عمارة بن زاذان: عن ثابت، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: السباق أربعة: أنا سابق العرب، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة، وصهيب سابق الروم.
المسعودي: عن القاسم بن عبد الرحمن، قال: أول من أذن بلال.
ابن المنكدر: عن جابر، قال عمر: أبو بكر سيدنا أعتق بلالا سيدنا.
عمر بن حمزة: عن سالم: أن شاعرا مدح بلال بن عبد الله بن عمر، فقال:
وبلال عبد الله خير بلال
فقال ابن عمر: كذبت، بل وبلال رسول الله خير بلال.
وفي حديث عمرو بن عبسة فقلت: من اتبعك؟ قال: حر وعبد. فإذا معه أبو بكر وبلال.
وفي كنية بلال ثلاثة أقوال: أبو عبد الكريم، وأبو عبد الله، وأبو عمرو، نقلها الحافظ أبو القاسم.
وقال: حدث عنه أبو بكر، وعمر، وأسامة بن زيد، وابن عمر، وكعب بن عجرة، والصنابحي، والأسود، وأبو إدريس الخولاني، وسعيد بن المسيب، وابن أبي ليلى، والحكم بن مينا، وأبو عثمان النهدي.
قال أيوب بن سيار - أحد التلفى - عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن أبي بكر، عن بلال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أصبحوا بالصبح ; فإنه أعظم للأجر.
وقال محمد بن سعد: بلال بن عبد الله من مولدي السراة، كانت أمه حمامة لبني جمح.(أعلام/1476)
وقال البخاري: بلال أخو خالد وغفرة مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات بالشام، وذكر الكنى الثلاثة.
قال عطاء الخراساني: كنت عند ابن المسيب فذكر بلالا، فقال: كان شحيحا على دينه، وكان يعذب في الله، فلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لو كان عندنا شيء، ابتعنا بلالا، فلقي أبو بكر العباس، فقال اشتر لي بلالا، فاشتراه العباس، وبعث به إلى أبي بكر، فأعتقه.
محمد بن خالد الطحان: أنبأنا أبي، عن داود، عن الشعبي قال: كان موالي بلال يضجعونه على بطنه، ويعصرونه، ويقولون: دينك اللات والعزى، فيقول: ربي الله أحد أحد، ولو أعلم كلمة أحفظ لكم منها لقلتها. فمر أبو بكر بهم، فقالوا: اشتر أخاك في دينك، فاشتراه بأربعين أوقية، فأعتقه، فقالوا: لو أبى إلا أوقية لبعناه، فقال: وأقسم بالله لو أبيتم إلا بكذا وكذا - لشيء كثير - لاشتريته.
وفي السيرة أن أبا بكر اشتراه بعبد أسود مشرك من أمية بن خلف.
هشام بن عروة: عن أبيه قال: مر ورقة بن نوفل ببلال، وهو يعذب على الإسلام، يلصق ظهره بالرمضاء، وهو يقول: أحد أحد، فقال: يا بلال صبرا، والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا.
هذا مرسل. ولم يعش ورقة إلى ذلك الوقت.
هشام: عن ابن سيرين أن بلالا لما ظهر مواليه على إسلامه مطوه في الشمس، وعذبوه، وجعلوا يقولون: إلهك اللات والعزى، وهو يقول: أحد أحد. فبلغ أبا بكر، فأتاهم، فقال: علام تقتلونه؟ فإنه غير مطيعكم. قالوا: اشتره. فاشتراه بسبع أواق، فأعتقه.
وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: الشركة يا أبا بكر. قال: قد أعتقته.
ابن عيينة: عن إسماعيل، عن قيس قال: اشترى أبو بكر بلالا وهو مدفون في الحجارة بخمس أواق ذهبا، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناكه، قال: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته. إسناده قوي.(أعلام/1477)
إسرائيل عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة نفر، فقال المشركون: اطرد هؤلاء عنك فلا يجترئون علينا، وكنت أنا وابن مسعود وبلال ورجل من هذيل وآخران، فأنزل الله ولا تطرد الذين يدعون ربهم الآيتين [الأنعام: 52، 53] .
ابن علية: عن يونس، عن الحسن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بلال سابق الحبشة.
قالت عائشة: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وعك أبو بكر وبلال، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:
كل امرئ مصبح في أهله
والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة
وهل يبدون لي شامة وطفيل
اللهم العن عتبة، وشيبة، وأمية بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء.
الحسن بن صالح: عن أبي ربيعة، عن الحسن، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي، وعمار، وبلال.
أبو ربيعة عمر بن ربيعة الإيادي ضعيف.
حسام بن مصك عن قتادة، عن القاسم بن ربيعة، عن زيد بن أرقم يرفعه: نعم المرء بلال سيد المؤذنين يوم القيامة، والمؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة.
وله طرق أخر ضعيفة. ويروى بإسناد واه من مراسيل كثير بن مرة: " يؤتى بلال بناقة من نوق الجنة فيركبها ".
ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سادة السودان: لقمان والنجاشي وبلال ومهجع
رواه معاوية بن صالح، عن الأوزاعي معضلا.
هشام بن عروة عن أبيه قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا وقت الفتح، فأذن فوق الكعبة.(أعلام/1478)
وقال ابن سعد: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار المؤذن، حدثني ابن عمي عبد الله بن محمد وعمار بن حفص، وأخوه عمر، عن آبائهم، عن أجدادهم: أن النجاشي بعث بثلاث عنزات إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطى عليا واحدة، وعمر واحدة، وأمسك واحدة، فكان بلال يمشي بها بين يديه في العيدين حتى يأتي المصلى، فيركزها بين يديه، فيصلي إليها، ثم كان يمشي بها بين يدي أبي بكر، ثم كان سعد القرظ يمشي بها بين يدي عمر وعثمان.
قالوا: ولما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء بلال يريد الجهاد إلى أبي بكر الصديق، فقال له: يا خليفة رسول الله، إني سمعت رسول الله وهو يقول: أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله فقال أبو بكر: فما تشاء يا بلال؟ قال: أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت.
قال أبو بكر: أنشدك بالله يا بلال، وحرمتي وحقي، فقد كبرت وضعفت، واقترب أجلي. فأقام معه حتى توفي.
ثم أتى عمر، فرد عليه، فأبى بلال، فقال: إلى من ترى أن أجعل النداء؟ قال: إلى سعد فقد أذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم. فجعله عمر إلى سعد وعقبه.
حماد بن سلمة: عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، أن أبا بكر لما قعد على المنبر يوم الجمعة، قال له بلال: أعتقتني لله أو لنفسك؟ قال: لله. قال: فائذن لي في الغزو. فأذن له، فذهب إلى الشام، فمات ثم.(أعلام/1479)
محمد بن نصر المروزي: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، أخبرني سعيد بن عبد العزيز، وابن جابر وغيرهما أن بلالا لم يؤذن لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأراد الجهاد، فأراد أبو بكر منعه، فقال: إن كنت أعتقتني لله، فخل سبيلي. قال: فكان بالشام حتى قدم عمر الجابية، فسأل المسلمون عمر أن يسأل لهم بلالا يؤذن لهم، فسأله، فأذن يوما، فلم ير يوما كان أكثر باكيا من يومئذ، ذكرا منهم للنبي - صلى الله عليه وسلم.
قال الوليد: فنحن نرى أن أذان أهل الشام عن أذانه يومئذ.
هشام بن سعد: عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: قدمنا الشام مع عمر، فأذن بلال، فذكر الناس النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم أر يوما أكثر باكيا منه.
أبو أحمد الحاكم أنبأنا محمد بن الفيض بدمشق، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سليمان بن أبي الدرداء، حدثني أبي عن جدي سليمان، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: لما دخل عمر الشام، سأل بلال أن يقره به، ففعل، قال: وأخي أبو رويحة الذي آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينه، فنزل بداريا في خولان، فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان، فقالوا: إنا قد أتيناكم خاطبين، وقد كنا كافرين فهدانا الله، ومملوكين فأعتقنا الله، وفقيرين فأغنانا الله، فإن تزوجونا فالحمد لله، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله. فزوجوهما.(أعلام/1480)
ثم إن بلالا رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني؟ فانتبه حزينا، وركب راحلته، وقصد المدينة، فأتى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل يبكي عنده، ويمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين، فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: يا بلال، نشتهي أن نسمع أذانك. ففعل، وعلا السطح، ووقف، فلما أن قال: الله أكبر، الله أكبر ارتجت المدينة، فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ازداد رجتها، فلما قال: أشهد أن محمدا رسول الله، خرجت العواتق من خدورهن، وقالوا: بعث رسول الله، فما رئي يوم أكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك اليوم.
إسناده لين وهو منكر.
قتيبة: حدثنا الليث، عن يحيى بن سعيد قال: ذكر عمر فضل أبي بكر، فجعل يصف مناقبه، ثم قال: وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته.
أبو هشام الرفاعي: حدثنا ابن فضيل، حدثنا إسماعيل، عن قيس، قال: بلغ بلالا أن ناسا يفضلونه على أبي بكر، فقال: كيف يفضلوني عليه وإنما أنا حسنة من حسناته.
الواقدي: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول قال: حدثني من رأى بلالا رجلا آدم، شديد الأدمة، نحيفا، طوالا، أجنأ، له شعر كثير، وخفيف العارضين، به شمط كثير، وكان لا يغير.
وقيل: كان بلال ترب أبي بكر.
قال سعيد بن عبد العزيز: لما احتضر بلال قال: غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه، قال: تقول امرأته: واويلاه! فقال: وافرحاه! .
قال محمد بن إبراهيم التيمي، وابن إسحاق، وأبو عمر الضرير، وجماعة: توفي بلال سنة عشرين بدمشق.
قال الواقدي: ودفن بباب الصغير وهو ابن بضع وستين سنة.
وقال علي بن عبد الله التميمي: دفن بباب كيسان.
وقال ابن زيد: حمل من داريا، فدفن بباب كيسان. وقيل: مات سنة إحدى وعشرين.(أعلام/1481)
وقال مروان بن محمد الطاطري: مات بلال في داريا، وحمل فقبر في باب الصغير.
وقال عبد الجبار بن محمد في " تاريخ داريا ": سمعت جماعة من خولان يقولون: إن قبره بداريا بمقبرة خولان.
وأما عثمان بن خرزاذ فقال: حدثنا محمد بن أبي أسامة الحلبي، حدثنا أبو سعد الأنصاري عن علي بن عبد الرحمن: قال مات بلال بحلب، ودفن بباب الأربعين.
جاء عنه أربعة وأربعون حديثا، منها في " الصحيحين " أربعة، المتفق عليها واحد.
وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بحديث موقوف.(أعلام/1482)
بهز بن حكيم (4)
ابن معاوية بن حيدة، الإمام المحدث أبو عبد الملك القشيري، البصري. له عدة أحاديث عن أبيه، عن جده، وعن زرارة بن أوفى.
وعنه الحمادان، ويحيى القطان، وروح، وأبو أسامة، وأبو عاصم، والأنصاري ومكي بن إبراهيم، وعدة.
وثقه ابن معين، وعلي، وأبو داود، والنسائي. وقال أبو داود أيضا: هو عندي حجة. وقال البخاري: يختلفون في بهز. وقال الحاكم: هي نسخة شاذة. وقال ابن حبان: يخطئ كثيرا. وهو ممن أستخير الله فيه.
وقال أحمد بن بشير: رأيته يلعب بالشطرنج. وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال الخطيب: روى عنه الزهري.
قلت: توفي قبل الخمسين ومائة.(أعلام/1483)
تميم الداري (م، 4)
صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أبو رقية، تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن جذيمة اللخمي، الفلسطيني. والدار: بطن من لخم، ولخم: فخذ من يعرب بن قحطان.
وفد تميم الداري سنة تسع، فأسلم، فحدث عنه النبي - صلى الله عليه وسلم- على المنبر بقصة الجساسة في أمر الدجال.
ولتميم عدة أحاديث. وكان عابدا ; تلاء لكتاب الله.
حدث عنه: ابن عباس. وابن موهب عبد الله، وأنس بن مالك، وكثير بن مرة، وعطاء بن يزيد الليثي، وزرارة بن أوفى، وشهر بن حوشب ; وآخرون.
قال ابن سعد: لم يزل بالمدينة حتى تحول بعد قتل عثمان إلى الشام.
قال البخاري: هو أخو أبي هند الداري. قال ابن سعد: كان وفد الداريين عشرة، فيهم: تميم.
قال ابن جريج: قال عكرمة: لما أسلم تميم، قال: يا رسول الله، إن الله مظهرك على الأرض كلها، فهب لي قريتي من بيت لحم. قال: هي لك. وكتب له بها.
قال: فجاء تميم بالكتاب إلى عمر، فقال: أنا شاهد ذلك فأمضاه. وذكر الليث أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال له: ليس لك أن تبيع.
قال: فهي في أيدي أهله إلى اليوم.
قال الواقدي: ليس للنبي - صلى الله عليه وسلم- قطيعة سوى حبرى، وبيت عينون. أقطعهما تميما وأخاه نعيما.
وفي " الصحيح "، من حديث ابن عباس، قال: خرج سهمي مع تميم الداري، وعدي بن بداء ; فمات بأرض كفر، فقدما بتركته، ففقدوا جاما من فضة، فأحلفهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم وجدوا الجام بمكة، فقيل: اشتريناه من تميم وعدي.
فقام رجلان من أولياء السهمي، فحلفا: لشهادتنا أحق من شهادتهما ; وأن الجام لصاحبهم. وفيهم نزلت آية: شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت.
قال قتادة: ومن عنده علم الكتاب قال: سلمان، وابن سلام، وتميم الداري.(أعلام/1484)
وروى قرة، عن ابن سيرين، قال: جمع القرآن على عهد رسول الله: أبي، وعثمان، وزيد، وتميم الداري.
وروى أبو قلابة، عن أبي المهلب: كان تميم يختم القرآن في سبع.
وروى عاصم الأحول، عن ابن سيرين: أن تميما الداري، كان يقرأ القرآن في ركعة.
وروى أبو الضحى، عن مسروق: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري: صلى ليلة حتى أصبح أو كاد، يقرأ آية يرددها، ويبكي: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات.
أبو نباتة يونس بن يحيى، عن المنكدر بن محمد، عن أبيه: أن تميما الداري نام ليلة لم يقم يتهجد، فقام سنة لم ينم فيها، عقوبة للذي صنع.
سعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن رجل قال: أتيت تميما الداري، فحدثنا. فقلت: كم جزؤك؟ قال: لعلك من الذين يقرأ أحدهم القرآن، ثم يصبح، فيقول: قد قرأت القرآن في هذه الليلة فوالذي نفسي بيده لأن أصلي ثلاث ركعات نافلة أحب إلي من أن أقرأ القرآن في ليلة، ثم أصبح، فأخبر به. فلما أغضبني، قلت: والله إنكم معاشر صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من بقي منكم لجدير أن تسكتوا، فلا تعلموا وأن تعنفوا من سألكم. فلما رآني قد غضبت لان، وقال: ألا أحدثك يابن أخي؟ : أرأيت إن كنت أنا مؤمنا قويا، وأنت مؤمن ضعيف ; فتحمل قوتي على ضعفك، فلا تستطيع، فتنبت. أو رأيت إن كنت أنت مؤمنا قويا، وأنا مؤمن ضعيف حين أحمل قوتك على ضعفي، فلا أستطيع، فأنبت، ولكن خذ من نفسك لدينك، ومن دينك لنفسك، حتى يستقيم لك الأمر على عبادة تطيقها.
حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن معاوية بن حرمل، قال: قدمت المدينة، فلبثت في المسجد ثلاثا لا أطعم، فأتيت عمر، فقلت: تائب من قبل أن تقدر عليه قال: من أنت؟ قلت. معاوية بن حرمل. قال: اذهب إلى خير المؤمنين، فانزل عليه.(أعلام/1485)
قال: وكان تميم الداري إذا صلى، ضرب بيديه على يمينه وشماله، فذهب برجلين. فصليت إلى جنبه، فأخذني، فأتينا بطعام. فبينا نحن ذات ليلة، إذ خرجت نار بالحرة، فجاء عمر إلى تميم، فقال: قم إلى هذه النار. فقال: يا أمير المؤمنين، ومن أنا! وما أنا! .
فلم يزل به حتى قام معه، وتبعتهما. فانطلقا إلى النار. فجعل تميم يحوشها بيده حتى دخلت الشعب، ودخل تميم خلفها. فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير! قالها ثلاثا.
سمعها عفان من حماد، وابن حرمل لا يعرف.
قتادة، عن ابن سيرين. وقتادة أيضا، عن أنس: أن تميما الداري اشترى رداء بألف درهم، يخرج فيه إلى الصلاة.
وروى حماد، عن ثابت: أن تميما أخذ حلة بألف، يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.
وروى الزهري، عن السائب بن يزيد، قال: أول من قص تميم الداري، استأذن عمر، فأذن له، فقص قائما.
أسامة بن زيد، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن: أن تميما استأذن عمر في القصص سنين، ويأبى عليه ; فلما أكثر عليه، قال: ما تقول؟ قال: أقرأ عليهم القرآن، وآمرهم بالخير، وأنهاهم عن الشر. قال عمر: ذاك الربح. ثم قال: عظ قبل أن أخرج للجمعة.
فكان يفعل ذلك. فلما كان عثمان، استزاده، فزاده يوما آخر.
خالد بن عبد الله، عن بيان، عن وبرة، قال: رأى عمر تميما الداري يصلي بعد العصر، فضربه بدرته على رأسه. فقال له تميم: يا عمر، تضربني على صلاة صليتها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم! قال: يا تميم، ليس كل الناس يعلم ما تعلم.
وأخرج ابن ماجه بإسناد ضعيف، عن أبي سعيد، قال: أول من أسرج في المساجد تميم الداري.
يقال: وجد على بلاطة قبر تميم الداري: مات سنة أربعين. وحديثه يبلغ ثمانية عشر حديثا. منها في " صحيح مسلم " حديث واحد.(أعلام/1486)
ثابت بن أسلم (ع)
الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو محمد البناني، مولاهم البصري، وبنانة هم بنو سعد بن لؤي بن غالب، ويقال: هم بنو سعد بن ضبيعة بن نزار. ولد في خلافة معاوية. وحدث عن عبد الله بن عمر، وذلك في مسلم، وعبد الله بن مغفل المزني، وذلك في سنن النسائي، وعن عبد الله بن الزبير، وذلك في البخاري، وأبي برزة الأسلمي، وعمر بن أبي سلمة المخزومي ربيب النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك في الترمذي والنسائي، وأنس بن مالك، ومطرف بن عبد الله وأبي رافع الصائغ، وأبي بردة الأشعري، وصفوان بن محرز، وأبي عثمان النهدي، والجارود بن أبي سبرة.
وشعيب بن محمد، وولده عمرو بن شعيب، وعبد الله بن رباح الأنصاري، وكنانة بن نعيم، وأبي أيوب المراغي، وأبي ظبية الكلاعي، وأبي العالية، وحبيب بن أبي ضبيعة الضبعي، وعبد الرحمن بن عباس القرشي، وواقع بن سحبان، ومعاوية بن قرة، وشهر بن حوشب، وبكر بن عبد الله المزني، وخلق سواهم.
وكان من أئمة العلم والعمل، -رحمة الله عليه.
حدث عنه عطاء بن أبي رباح مع تقدمه، وقتادة، وابن جدعان، ويونس بن عبيد، وحبيب بن الشهيد، وحميد الطويل، وسليمان التيمي، وسيار أبو الحكم، وعبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، وعبد الله بن المثنى، وأشعث بن براز، وداود بن أبي هند، وعبيد الله بن عمر، ويزيد بن أبي زياد، وابن شوذب، ومعمر، وشعبة وجرير بن حازم، وسليمان بن المغيرة، وسلام بن مسكين، وحاتم بن ميمون، والحكم بن عطية.(أعلام/1487)
وحماد بن سلمة، وحماد بن يحيى الأبح، وبكر بن خنيس، وبكر بن الحكم أبو البشر المزلق، وبحر بن كنيز، وحماد بن زيد، وديلم بن غزوان، وسعيد بن زربي، وسهيل بن أبي حزم، وأبو المنذر سلام بن سليمان القاري، والضحاك بن نبراس، وعبد الله بن الزبير الباهلي، وعبد العزيز بن المختار، ومبارك بن فضالة، ومرحوم بن عبد العزيز العطار، وهارون بن موسى النحوي، وأبو عوانة الوضاح، وعمارة بن زاذان، وابنه محمد بن ثابت، وجعفر بن سليمان الضبعي وخلق كثير.
قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن ثابت وقتادة، فقال: ثابت تثبت في الحديث، وكان يقص، وقتادة كان يقص، وكان أذكر، وكان محدثا من الثقات المأمونين، صحيح الحديث.
وقال أحمد العجلي: ثقة رجل صالح، وقال النسائي: ثقة، وقال أبو حاتم الرازي: أثبت أصحاب أنس بن مالك الزهري، ثم ثابت، ثم قتادة.
وقال ابن عدي: هو من تابعي أهل البصرة وزهادهم ومحدثيهم، كتب عنه الأئمة، وأروى الناس عنه حماد بن سلمة، وأحاديثه مستقيمة، إذا روى عنه ثقة، وما وقع في حديثه من النكرة إنما هو من الراوي عنه، فقد روى عنه جماعة مجهولون ضعفاء.
قال علي ابن المديني: حدثني عبد الرحمن أو بهز عن حماد بن سلمة.
قال: كنت أسمع أن القصاص لا يحفظون الحديث، فكنت أقلب الأحاديث على ثابت أجعل أنسا لابن أبي ليلى وبالعكس، أشوشها عليه، فيجيء بها على الاستواء.
حماد بن زيد، عن أبيه قال: قال أنس: إن للخير أهلا، وإن ثابتا هذا من مفاتيح الخير.
عفان، عن حماد بن سلمة، قال: كان ثابت يقول: اللهم إن كنت أعطيت أحدا الصلاة في قبره فأعطني الصلاة في قبري، فيقال: إن هذه الدعوة استجيبت له، وإنه رئي بعد موته يصلي في قبره فيما قيل.(أعلام/1488)
قال علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن ثابت حدثني عبد الله بن مغفل في شأن الحديبية، وصحبت أنس بن مالك أربعين سنة ما رأيت أعبد منه. وقيل: بنانة هي والدة سعد بن لؤي بن غالب. واختلفوا في وفاة ثابت، فعن جعفر بن سليمان مما رواه البخاري في " تاريخه الأوسط " عن محمد بن محبوب، عن شيخ له، عنه قال: مات ثابت، ومالك بن دينار، ومحمد بن واسع سنة ثلاث وعشرين ومائة.
قال سعيد بن عامر عن الثلاثة: ماتوا في سنة واحدة قبل الطاعون أراه بسنتين.
قال البخاري: حدثنا أحمد بن سليمان: سمعت ابن علية قال: مات ثابت سنة سبع وعشرين ومائة ومات ابن جدعان بعده. وعن محمد بن ثابت قال: مات ثابت سنة سبع وعشرين ومائة، وهو ابن ست وثمانين سنة.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا الفتح بن عبد الله، أنبأنا هبة الله بن الحسين، أنبأنا أبو الحسين بن النقور، حدثنا عيسى بن الجراح، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد إملاء، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا سهيل بن أبي حزم، عن ثابت عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في هذه الآية هو أهل التقوى وأهل المغفرة قال: يقول ربكم -عز وجل-: أنا أهل أن أتقى فلا يشرك بي غيري، وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي أن أغفر له هذا حديث حسن غريب أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه، ثلاثتهم من طريق زيد بن الحباب عن سهيل القطعي، فوقع لنا بعلو درجتين. أخبرنا إسحاق الأسدي، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا اللبان، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا ابن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد القواريري، حدثنا حماد بن زيد، أخبرني أبي قال: قال أنس بن مالك يوما: إن للخير مفاتيح، وإن ثابتا من مفاتيح الخير.(أعلام/1489)
وقال غالب القطان عن بكر المزني: من أراد أن ينظر إلى أعبد أهل زمانه فلينظر إلى ثابت البناني، فما أدركنا الذي هو أعبد منه، ومن أراد أن ينظر إلى أحفظ أهل زمانه فلينظر إلى قتادة.
وعن ابن أبي رزين، أن ثابتا قال: كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة.
روح: حدثنا شعبة قال: كان ثابت البناني يقرأ القرآن في كل يوم وليلة، ويصوم الدهر.
وقال حماد بن زيد: رأيت ثابتا يبكي حتى تختلف أضلاعه.
وقال جعفر بن سليمان: بكى ثابت حتى كادت عينه تذهب ; فنهاه الكحال عن البكاء، فقال: فما خيرهما إذا لم يبكيا، وأبى أن يعالج.
قال حماد بن سلمة: قرأ ثابت أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا وهو يصلي صلاة الليل ينتحب ويرددها.
قال سليمان بن المغيرة: رأيت ثابتا يلبس الثياب الثمينة والطيالس والعمائم.
قال مبارك بن فضالة: دخلت على ثابت فقال: يا إخوتاه لم أقدر أن أصلي البارحة كما كنت أصلي، ولم أقدر أن أصوم، ولا أنزل إلى أصحابي فأذكر معهم، اللهم إذ حبستني عن ذلك فلا تدعني في الدنيا ساعة.(أعلام/1490)
ثابت بن قرة
الصابئ، الشقي، الحراني، فيلسوف عصره كان صيرفيا، فصحب ابن شاكر، وكان يتوقد ذكاء، فبرع في علم الأوائل، وصار منجم المعتضد، فكان يجلس مع الخليفة، ووزيره واقف، ونال من الرئاسة والأموال فنونا.
قال ابن أبي أصيبعة: لم يكن في زمانه من يماثله في الطب وجميع الفلسفة. وتصانيفه فائقة، أقطعه المعتضد ضياعا جليلة.
ومن تلامذته: عيسى بن أسيد، النصراني المشهور.
قلت: كان عجبا في الرياضي، إليه المنتهى في ذلك، وكان ابنه إبراهيم رأس الأطباء، وكذلك حفيده ثابت بن سنان الطبيب، صاحب " التاريخ " المشهور. ماتوا على ضلالهم، ولهم عقب صابئة، فابن قرة هو أصل رئاسة الصابئة المتجددة بالعراق فتنبه الأمر.
مات سنة ثمان وثمانين ومائتين.(أعلام/1491)
ثابت بن قيس
ابن شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن.
خطيب الأنصار كان من نجباء أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يشهد بدرا، شهد أحدا، وبيعة الرضوان.
وأمه هند الطائية، وقيل: بل كبشة بنت واقد بن الإطنابة، وإخوته لأمه عبد الله بن رواحة، وعمرة بنت رواحة.
وكان زوج جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول، فولدت له محمدا.
قال ابن إسحاق: قيل: آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عمار، وقيل: بل المؤاخاة بين عمار وحذيفة. وكان جهير الصوت، خطيبا، بليغا.
الأنصاري: حدثني حميد، عن أنس، قال: خطب ثابت بن قيس مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فقال: نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا، فما لنا؟ قال: الجنة. قالوا: رضينا.
مالك وغيره: عن ابن شهاب، عن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس أن ثابت بن قيس قال: يا رسول الله، إني أخشى أن أكون قد هلكت، ينهانا الله أن نحب أن نحمد بما لا نفعل، وأجدني أحب الحمد. وينهانا الله عن الخيلاء، وإني امرؤ أحب الجمال، وينهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك، وأنا رجل رفيع الصوت، فقال: يا ثابت، أما ترضى أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة؟ .
أيوب، عن عكرمة، قال: لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي الآية، قال ثابت بن قيس: أنا كنت أرفع صوتي فوق صوته، فأنا من أهل النار. فقعد في بيته، فتفقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ما أقعده فقال: بل هو من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة، انهزم الناس، فقال ثابت: أف لهؤلاء ولما يعبدون! وأف لهؤلاء ولما يصنعون! يا معشر الأنصار، خلوا سنني لعلي أصلى بحرها ساعة، ورجل قائم على ثلمة، فقتله وقتل.(أعلام/1492)
أيوب، عن ثمامة بن عبد الله، عن أنس، قال: أتيت على ثابت بن قيس يوم اليمامة وهو يتحنط، فقلت: أي عم، ألا ترى ما لقي الناس؟ فقال: الآن يا ابن أخي.
ابن عون: حدثنا موسى بن أنس، عن أنس، قال: جئته وهو يتحنط، فقلت: ألا ترى؟ فقال: الآن يا ابن أخي. ثم أقبل، فقال: هكذا عن وجوهنا نقارع القوم، بئس ما عودتم أقرانكم، ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاتل حتى قتل.
حماد بن سلمة: أنبأنا ثابت، عن أنس أن ثابت بن قيس جاء يوم اليمامة وقد تحنط، ولبس ثوبين أبيضين، فكفن فيهما، وقد انهزم القوم، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، وأعتذر من صنيع هؤلاء، بئس ما عودتم أقرانكم! خلوا بيننا وبينهم ساعة، فحمل، فقاتل حتى قتل، وكانت درعه قد سرقت، فرآه رجل في النوم، فقال له: إنها في قدر تحت إكاف، بمكان كذا وكذا، وأوصاه بوصايا، فنظروا فوجدوا الدرع كما قال. وأنفذوا وصاياه.
سهيل: عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس.
وعن الزهري: أن وفد تميم قدموا، وافتخر خطيبهم بأمور، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس: قم فأجب خطيبهم. فقام، فحمد الله وأبلغ، وسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون بمقامه.
وهو الذي أتت زوجته جميلة تشكوه وتقول: يا رسول الله: لا أنا ولا ثابت بن قيس. قال: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فاختلعت منه
وقيل: ولدت محمدا بعد، فجعلته في لفيف وأرسلت به إلى ثابت، فأتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحنكه وسماه محمدا. فاتخذ له مرضعا.(أعلام/1493)
قال الحاكم: كان ثابت على الأنصار يوم اليمامة، ثم روى في ترجمته أحاديث منها لعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثني عطاء الخراساني قال: قدمت المدينة، فأتيت ابنة ثابت بن قيس، فذكرت قصة أبيها، قالت: لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم جلس أبي يبكي. فذكرت الحديث.
وفيه: فلما استشهد رآه رجل، فقال: إني لما قتلت، انتزع درعي رجل من المسلمين وخبأه، فأكب عليه برمة، وجعل عليها رحلا، فائت الأمير فأخبره، وإياك أن تقول: هذا حلم، فتضيعه، وإذا أتيت المدينة فقل لخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن علي من الدين كذا وكذا، وغلامي فلان عتيق، وإياك أن تقول: هذا حلم، فتضيعه. فأتاه فأخبره الخبر، فنفذ وصيته، فلا نعلم أحدا بعد ما مات أنفذت وصيته غير ثابت بن قيس - رضي الله عنه.
وقد قتل محمد، ويحيى، وعبد الله بنو ثابت بن قيس يوم الحرة.
ومن الاتفاق أن بني ثابت بن قيس بن الخطيم الأوسي الظفري وهم: عمر، ومحمد، ويزيد، قتلوا أيضا يوم الحرة، وله أيضا صحبة، ورواية في السنن وأبوه من فحول شعراء الأوس، مات قبل فشو الإسلام بالمدينة، ومن ذريته عدي بن ثابت محدث الكوفة، وإنما هو عدي بن أبان بن ثابت بن قيس بن الخطيم بن عمرو بن يزيد بن سواد بن ظفر الظفري. نسب إلى جده.(أعلام/1494)
ثوبان النبوي (م، 4)
مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبي من أرض الحجاز، فاشتراه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأعتقه، فلزم النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه، وحفظ عنه كثيرا من العلم، وطال عمره، واشتهر ذكره. يكنى أبا عبد الله، ويقال: أبا عبد الرحمن. وقيل: هو يماني. واسم أبيه جحدر، وقيل: بجدد.
حدث عنه: شداد بن أوس، وجبير بن نفير، ومعدان بن طلحة، وأبو الخير اليزني، وأبو أسماء الرحبي، وأبو إدريس الخولاني، وأبو كبشة السلولي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وخالد بن معدان، وراشد بن سعد. نزل حمص. وقال مصعب الزبيري: سكن الرملة، وله بها دار ولم يعقب. وكان من ناحية اليمن. وقال ابن سعد نزل حمص، وله بها دار، وبها مات سنة أربع وخمسين يذكرون أنه من حمير. وذكر عبد الصمد بن سعيد في تاريخ حمص: أنه من ألهان وقبض بحمص، وداره بها حبسا على فقراء ألهان. وقال ابن يونس: شهد فتح مصر، واختط بها.
وقال ابن منده: له بحمص دار، وبالرملة دار، وبمصر دار. عاصم الأحول: عن أبي العالية، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من تكفل لي أن لا يسأل أحدا شيئا وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدا شيئا.(أعلام/1495)
إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، قال شريح بن عبيد: مرض ثوبان بحمص، وعليها عبد الله بن قرط فلم يعده، فدخل على ثوبان رجل يعوده، فقال له ثوبان: أتكتب؟ قال: نعم. قال: اكتب، فكتب: للأمير عبد الله بن قرط، من ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما بعد: فإنه لو كان لموسى وعيسى مولى بحضرتك لعدته. فأتي بالكتاب، فقرأه، وقام فزعا. قال الناس: ما شأنه أحضر أمر؟ فأتاه، فعاده، وجلس عنده ساعة، ثم قام، فأخذ ثوبان بردائه، وقال: اجلس حتى أحدثك ; سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفا.
أخرجه أحمد في " مسنده ". عن ثور بن يزيد، أن ثوبان مات بحمص سنة أربع وخمسين.(أعلام/1496)
جابر بن سمرة (ع)
ابن جنادة بن جندب، جابر بن سمرة أبو خالد السوائي، ويقال: أبو عبد الله.
له صحبة مشهورة، ورواية أحاديث، وله أيضا عن عمر، وسعد، وأبي أيوب، ووالده، شهد الخطبة بالجابية، وسكن الكوفة ; حدث عنه الشعبي، وتميم بن طرفة، وسماك بن حرب، وعبد الملك بن عمير، وأبو خالد الوالبي، وزياد بن علاقة، وحصين بن عبد الرحمن، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي، وابن خاله عامر بن سعد بن أبي وقاص.
وهو وأبوه من حلفاء زهرة. وله بالكوفة دار وعقب.
وشهد فتح المدائن، وخلف من الأولاد ; خالدا، وطلحة، وسالما.
شعبة: عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر بنا، فيمسح خدودنا، فمر ذات يوم، فمسح خدي، فكان الخد الذي مسحه أحسن.
قال ابن سعد مات جابر بن سمرة في ولاية بشر بن مروان على العراق.
وقال خليفة: توفي سنة ست وسبعين.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: مات سنة ست وستين والأول أصح.
وبكل حال مات قبل جابر بن عبد الله. يقع لي من عواليهما.(أعلام/1497)
جابر بن عبد الله (ع)
ابن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة، الإمام الكبير، المجتهد الحافظ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو عبد الله، وأبو عبد الرحمن، الأنصاري الخزرجي السلمي المدني الفقيه.
من أهل بيعة الرضوان، وكان آخر من شهد ليلة العقبة الثانية موتا.
روى علما كثيرا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر، وعلي، وأبي بكر، وأبي عبيدة، ومعاذ بن جبل، والزبير، وطائفة.
حدث عنه: ابن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وسالم بن أبي الجعد، والحسن البصري، والحسن بن محمد ابن الحنفية، وأبو جعفر الباقر، ومحمد بن المنكدر، وسعيد بن ميناء، وأبو الزبير، وأبو سفيان طلحة بن نافع، ومجاهد، والشعبي، وسنان بن أبي سنان الديلي، وأبو المتوكل الناجي، ومحمد بن عباد بن جعفر، ومعاذ بن رفاعة، ورجاء بن حيوة، ومحارب بن دثار، وسليمان بن عتيق، وشرحبيل بن سعد، وطاوس، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبيد الله بن مقسم، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعمرو بن دينار، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وأبو بكر المدني، وطلحة بن خراش، وعثمان بن سراقة، وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، وعبد الله بن أبي قتادة، وخلق. وكان مفتي المدينة في زمانه. عاش بعد ابن عمر أعواما وتفرد. شهد ليلة العقبة مع والده. وكان والده من النقباء البدريين، استشهد يوم أحد وأحياه الله - تعالى - وكلمه كفاحا وقد انكشف عنه قبره إذ أجرى معاوية عينا عند قبور شهداء أحد، فبادر جابر إلى أبيه بعد دهر، فوجده طريا لم يبل. وكان جابر قد أطاع أباه يوم أحد وقعد لأجل أخواته، ثم شهد الخندق وبيعة الشجرة. وشاخ وذهب بصره، وقارب التسعين.
روى حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: استغفر لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة البعير خمسا وعشرين مرة. وقد ورد أنه شهد بدرا.(أعلام/1498)
قال محمد بن عبيد: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: كنت أمتح لأصحابي يوم بدر.
قال ابن عيينة: لقي عطاء وعمرو جابر بن عبد الله سنة جاور بمكة.
وقيل: إنه عاش أربعا وتسعين سنة، فعلى هذا، كان عمره يوم بدر ثماني عشرة سنة.
الواقدي: أخبرنا إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، عن جابر، قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ست عشرة غزوة، لم أقدر أن أغزو حتى قتل أبي بأحد، كان يخلفني على أخواتي، وكن تسعا، فكان أول ما غزوت معه حمراء الأسد.
وروى ابن عجلان، عن عبيد الله بن مقسم، قال: رحل جابر بن عبد الله في آخر عمره إلى مكة في أحاديث سمعها، ثم انصرف إلى المدينة.
ويروى ; أن جابرا رحل في حديث القصاص إلى مصر ليسمعه من عبد الله بن أنيس.
سليمان بن داود المنقري: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني خارجة بن الحارث قال: مات جابر بن عبد الله سنة ثمان وسبعين وهو ابن أربع وتسعين سنة. وكان قد ذهب بصره، ورأيت على سريره بردا، وصلى عليه أبان بن عثمان وهو والي المدينة.
وروي عن جابر، قال: كنت في جيش خالد في حصار دمشق.
قال ابن سعد: شهد جابر العقبة مع السبعين، وكان أصغرهم.
وقال جابر: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية: أنتم اليوم خير أهل الأرض، وكنا ألفا وأربعمائة.
وقال جابر: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا لا أعقل، فتوضأ وصب علي من وضوئه فعقلت.
وقال زيد بن أسلم: كف بصر جابر.
وروى الواقدي عن أبي بن عباس، عن أبيه، قال: كنا بمنى، فجعلنا نخبر جابرا بما نرى من إظهار قطف الخز والوشي، يعني السلطان وما يصنعون، فقال: ليت سمعي قد ذهب، كما ذهب بصري، حتى لا أسمع من حديثهم شيئا ولا أبصره.(أعلام/1499)
ويروى أن جابرا دخل على عبد الملك بن مروان لما حج، فرحب به، فكلمه في أهل المدينة أن يصل أرحامهم، فلما خرج أمر له بخمسة آلاف درهم، فقبلها.
وعن أبي الحويرث، قال: هلك جابر بن عبد الله، فحضرنا في بني سلمة، فلما خرج سريره من حجرته، إذا حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب بين عمودي السرير، فأمر به الحجاج أن يخرج من بين العمودين، فيأبى عليهم، فسأله بنو جابر إلا خرج، فخرج، وجاء الحجاج حتى وقف بين العمودين، حتى وضع فصلى عليه، ثم جاء إلى القبر، فإذا حسن بن حسن قد نزل في القبر، فأمر به الحجاج أن يخرج، فأبى فسأله بنو جابر بالله، فخرج، فاقتحم الحجاج الحفرة حتى فرغ منه.
هذا حديث غريب، رواه محمد بن عباد المكي، عن حنظلة بن عمرو الأنصاري، عن أبي الحويرث.
وفي وقت وفاة جابر كان الحجاج على إمرة العراق، فيمكن أن يكون قد وفد حاجا أو زائرا.
وكان آخر من شهد العقبة موتا، رضي الله عنه.
قال الواقدي ويحيى بن بكير وطائفة: مات سنة ثمان وسبعين.
وقال أبو نعيم: سنة سبع وسبعين.
قيل: إنه عاش أربعا وتسعين سنة. وأضر بأخرة.
مسنده بلغ ألفا وخمسمائة وأربعين حديثا، اتفق له الشيخان على ثمانية وخمسين حديثا، وانفرد له البخاري بستة وعشرين حديثا، ومسلم بمائة وستة وعشرين حديثا.
التبوذكي: حدثنا محمد بن دينار، عن سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، قال: كان جابر بن عبد الله عريفا، عرفه عمر.
يعلى بن عبيد: حدثنا أبو بكر المدني قال: كان جابر لا يبلغ إزاره كعبه، وعليه عمامة بيضاء، رأيته قد أرسلها من ورائه.
وقال عاصم بن عمر: أتانا جابر وعليه ملاءتان - وقد عمي - مصفرا لحيته ورأسه بالورس، وفي يده قدح.
الواقدي: أخبرنا سلمة بن وردان: رأيت جابرا أبيض الرأس واللحية - رضي الله عنه.(أعلام/1500)
جبر بن عتيك
ابن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري، أبو عبد الله.
بدري كبير وقيل: اسمه جابر.
وله أولاد: عتيك، وعبد الله، وأم ثابت.
آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين خباب بن الأرت.
شهد بدرا والمشاهد، وكانت إليه راية بني معاوية بن مالك يوم الفتح.
قال الواقدي، وابن سعد، وخليفة، وابن زبر وابن منده: توفي سنة إحدى وستين.
قيل: عاش إحدى وتسعين سنة.
وفي " الموطأ " عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن جده لأمه عتيك بن الحارث، قال أخبرني جابر بن عتيك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت، فوجده قد غلب، فاسترجع، وقال: غلبنا عليك.
قلت: الصحيح: أن جابر بن عتيك هو صاحب هذا الخبر، وصاحب تاريخ الوفاة، وأن جبرا قديم الوفاة، وأن جابرا، من بني غنم بن سلمة -والله أعلم.
وعمهما الحارث بن قيس بن هيشة الأوسي. بدري جليل، عده الواقدي، وعبد الله بن محمد بن عمارة. ولم يذكره ابن عقبة، ولا ابن إسحاق، ولا أبو معشر. بل قال ابن إسحاق، وأبو معشر: جبر بن عتيك بن الحارث بن قيس بن هيشة.(أعلام/1501)
جبلة بن الأيهم الغساني
أبو المنذر، ملك آل جفنة بالشام، أسلم وأهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - هدية فلما كان زمن عمر، ارتد، ولحق بالروم.
وكان داس رجلا، فلكمه الرجل، فهم بقتله. فقال عمر: الطمه بدلها، فغضب، وارتحل، ثم ندم على ردته، نعوذ بالله من العتو والكبر.(أعلام/1502)
جبير بن مطعم (ع)
ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي. شيخ قريش في زمانه، أبو محمد، ويقال: أبو عدي القرشي النوفلي، ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم.
من الطلقاء الذين حسن إسلامهم، وقد قدم المدينة في فداء الأسارى من قومه. وكان موصوفا بالحلم، ونبل الرأي كأبيه.
وكان أبوه هو الذي قام في نقض صحيفة القطيعة. وكان يحنو على أهل الشعب، ويصلهم في السر. ولذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: لو كان المطعم بن عدي حيا، وكلمني في هؤلاء النتنى، لتركتهم له وهو الذي أجار النبي - صلى الله عليه وسلم - حين رجع من الطائف حتى طاف بعمرة.
ثم كان جبير شريفا مطاعا، وله رواية أحاديث.
روى عنه ولداه الفقيهان محمد ونافع، وسليمان بن صرد، وسعيد بن المسيب وآخرون، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن أزهر، وعبد الله بن باباه، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
ووفد على معاوية في أيامه.
ابن وهب: حدثنا أسامة بن زيد، عن ابن شهاب، أن محمد بن جبير أخبره عن أبيه، أنه جاء في فداء أسارى بدر. قال: فوافقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب والطور وكتاب مسطور فأخذني من قراءته كالكرب.(أعلام/1503)
ابن لهيعة: عن يزيد بن أبي حبيب، عن عامر بن يحيى، عن علي بن رباح، عن جبير بن مطعم قال: كنت أكره أذى قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما ظننا أنهم سيقتلونه لحقت بدير من الديارات، فذهب أهل الدير إلى رأسهم، فأخبروه، فاجتمعت به، فقصصت عليه أمري، فقال: تخاف أن يقتلوه؟ قلت: نعم. قال: وتعرف شبهه لو رأيته مصورا؟ قلت: نعم. قال: فأراه صورة مغطاة كأنها هو، وقال: والله لا يقتلوه، ولنقتلن من يريد قتله، وإنه لنبي. فمكثت عندهم حينا، وعدت إلى مكة، وقد ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فتنكر لي أهل مكة، وقالوا: هلم أموال الصبية التي عندك استودعها أبوك. فقلت: ما كنت لأفعل حتى تفرقوا بين رأسي وجسدي، ولكن دعوني أذهب، فأدفعها إليهم، فقالوا: إن عليك عهد الله وميثاقه أن لا تأكل من طعامه، فقدمت المدينة، وقد بلغ رسول الله الخبر، فدخلت عليه، فقال لي فيما يقول: إني لأراك جائعا هلموا طعاما. قلت: لا آكل خبزك، فإن رأيت أن آكل أكلت ; وحدثته. قال: فأوف بعهدك.
ابن إسحاق: حدثنا عبد الله بن أبي بكر وغيره، قالوا.: أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم. فأعطى جبير بن مطعم مائة من الإبل.
قال مصعب بن عبد الله: كان جبير من حلماء قريش وسادتهم، وكان يؤخذ عنه النسب.
ابن إسحاق: حدثنا يعقوب بن عتبة، عن شيخ، قال: لما قدم على عمر بسيف النعمان بن المنذر، دعا جبير بن مطعم بن عدي، فسلحه إياه. وكان جبير أنسب العرب للعرب، وكان يقول: إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق، وكان أبو بكر أنسب العرب.
عد خليفة جبيرا في عمال عمر على الكوفة. وأنه ولاه قبل المغيرة بن شعبة.(أعلام/1504)
قال ابن سعد: أم أم جبير، هي جدته أم حبيب بنت العاص بن أمية بن عبد شمس. ومات أبوه المطعم بمكة قبل بدر، وله نيف وتسعون سنة، فرثاه حسان بن ثابت فيما قيل، فقال:
فلو كان مجد يخلد اليوم واحدا
من الناس أنجى مجده اليوم مطعما
أجرت رسول الله منهم فأصبحوا
عبيدك ما لبى ملب وأحرما
الزبير: حدثنا المؤملي، عن زكريا بن عيسى، عن الزهري، أن عمرو بن العاص قال لأبي موسى لما رأى كثرة مخالفته له: هل أنت مطيعي؟ فإن هذا الأمر لا يصلح أن ننفرد به حتى نحضره رهطا من قريش نستشيرهم، فإنهم أعلم بقومهم. قال: نعم ما رأيت. فبعثا إلى خمسة: ابن عمرو، وأبي جهم بن حذيفة، وابن الزبير، وجبير بن مطعم، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فقدموا عليهم.
قال محمد بن عمرو: عن أبي سلمة: أن جبير بن مطعم تزوج امرأة، فسمى لها صداقها، ثم طلقها قبل الدخول، فتلا هذه الآية: إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فقال: أنا أحق بالعفو منها. فسلم إليها الصداق كاملا.
قال الهيثم بن عدي، وخليفة، وغيرهما: توفي جبير بن مطعم سنة تسع وخمسين وقال المدائني: سنة ثمان وخمسين.(أعلام/1505)
جبير بن نفير (م، 4)
ابن مالك بن عامر، الإمام الكبير، أبو عبد الرحمن الحضرمي الحمصي.
أدرك حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحدث عن أبي بكر -فيحتمل أنه لقيه- وعن عمر والمقداد، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وعائشة، وأبي هريرة، وعدة.
روى عنه ولده عبد الرحمن، ومكحول، وخالد بن معدان، وأبو الزاهرية حدير بن كريب، وربيعة بن يزيد، وشرحبيل بن مسلم، وسليم بن عامر، وآخرون.
روى سليم بن عامر عنه قال: استقبلت الإسلام من أوله، فلم أزل أرى في الناس صالحا وطالحا. وكان جبير من علماء أهل الشام.
سعيد بن منصور: حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثني بشير بن كريب الأملوكي، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، قال: دخلت على أبي الدرداء وبين يديه جفنة من لحم فقال: اجلس، فكل ; فإن كنيسة في ناحيتنا أهدى لنا أهلها مما ذبحوا لها، فأكلت معه.
فيه: أن ما ذبح لمعبد مباح ; وإنما يحرم علينا ما ذبح على نصب.
بقية: حدثنا علي بن زبيد الخولاني، عن مرثد بن سمي، عن جبير بن نفير، أن يزيد بن معاوية كتب إلى أبيه، أن جبير بن نفير قد نشر في مصري حديثا، فقد تركوا القرآن، قال: فبعث إلى جبير، فجاء، فقرأ عليه كتاب يزيد، فعرف بعضه وأنكر بعضه، قال معاوية: لأضربنك ضربا أدعك لمن بعدك نكالا، قال: يا معاوية لا تطغ في ; إن الدنيا قد انكسرت عمادها، وانخسفت أوتادها، وأحبها أصحابها، قال: فجاء أبو الدرداء، فأخذ بيد جبير وقال: لئن كان تكلم به جبير لقد تكلم به أبو الدرداء، ولو شاء جبير أن يخبر أنما سمعه مني، لفعل، ولو ضربتموه، لضربكم الله بقارعة تترك دياركم بلاقع.
هذا خبر منكر لم يكن لجبير ذكر بعد في زمن أبي الدرداء ; بل كان شابا يتطلب العلم، وأيضا فكان يزيد في آخر مدة أبي الدرداء طفلا عمره خمس سنين، ولعل قد جرى شيء من ذلك.(أعلام/1506)
وممن روى جبير عنهم مالك بن يخامر السكسكي، وأبو مسلم الخولاني، وأم الدرداء، وكان هو وكثير بن مرة من أئمة التابعين بحمص وبدمشق، قال بتوثيقهما غير واحد.
قال أبو عبيد وأبو حسان الزيادي: مات جبير بن نفير في سنة خمس وسبعين.
وأما ابن سعد، وشباب، وعلي بن عبد الله التميمي، فقالوا: توفي سنة ثمانين.(أعلام/1507)
جرير بن حازم (ع)
ابن زيد بن عبد الله بن شجاع، الإمام الحافظ الثقة، المعمر، أبو النضر الأزدي، ثم العتكي البصري.
حدث عن: الحسن، وابن سيرين، وأبي رجاء العطاردي - وهو أكبر شيخ له، وحديثه عنه في " الصحيحين " - ونافع مولى ابن عمر، وأبي فزارة العبسي، وعطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، وسالم بن عبد الله، وطاوس، وحميد بن هلال، وعمه جرير بن يزيد، وزبيد اليامي، وأبي إسحاق، وزيد بن أسلم، وجميل بن مرة، وثابت، وأيوب، والزبير بن الحريث، والزبير بن سعيد الهاشمي، وسهيل بن أبي صالح، وأسماء بن عبيد الضبعي، وإبراهيم بن يزيد الثاتي المصري القاضي - وثات، بمثلثة ثم مثناة: قبيل من حمير - وحرملة بن عمران المصري، وحميد الطويل، وحنظلة السدوسي، والأعمش، وعبد الله بن عبيد بن عمير، وعبد الله بن ملاذ الأشعري، وعبد الرحمن بن عبد الله السراج، وعدي بن عدي الكندي، وغيلان بن جرير، وقتادة، وقيس بن سعد، وكلثوم بن جبر، ومحمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، ومنصور بن زاذان، والنعمان بن راشد، ويزيد بن رومان، ويعلى بن حكيم، ويونس بن يزيد، وجماعة من أقرانه، ويحيى بن أيوب المصري - وهو أصغر منه -. وقيل: إنه روى عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، والمحفوظ أنه رأى جنازته بمكة. ورأيت غير واحد يعد جريرا في صغار التابعين. حدثنا علي، أنه سمع من أبي الطفيل خاتمة الصحابة، وهو خاتمة من لحق أبا الطفيل، وكان من أوعية العلم.
حدث عنه: ولده وهب بن جرير الحافظ، وأيوب السختياني، والأعمش، وهشام بن حسان، ويزيد بن أبي حبيب - وهم من شيوخه - والثوري، والليث بن سعد، وطائفة من أقرانه. وقيل: إن ابن عون روى عنه.(أعلام/1508)
وممن روى عنه: ابن وهب، ويحيى القطان، وابن المبارك، وابن مهدي، ويحيى بن آدم، ومسلم بن إبراهيم، ومحمد بن عرعرة، وعارم أبو النعمان، وأبو عاصم، وأبو سلمة المنقري، ويزيد بن هارون، وشيبان، وهدبة، وأبو النصر التمار، وأمم سواهم.
قال أبو نوح قراد: قال لي شعبة: عليك بجرير بن حازم فاسمع منه. وروى محمود بن غيلان، عن وهب قال: كان شعبة يأتي أبي، فسأله عن أحاديث الأعمش، فإذا حدثه. قال: هكذا - والله - سمعته من الأعمش. ابن المديني: قلت ليحيى: أيما أحب إليك، أبو الأشهب أو جرير بن حازم؟ قال: ما أقربهما! ولكن جرير كان أكثرهما وهما. قلت: اغتفرت أوهامه في سعة ما روى، وقد ارتحل في الكهولة إلى مصر، وحمل الكثير، وحدث بها.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: جرير أثبت عندي من قرة بن خالد.
وقال أحمد بن زهير، عن يحيى بن معين: هو أمثل من أبي هلال، وكان صاحب كتاب. وروى عثمان بن سعيد، عن يحيى: ثقة. وروى عباس، عن يحيى: هو أحسن حديثا من ابن أبي الأشهب، وأسند. وقال العجلي: بصري ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق، صالح، قدم هو والسري بن يحيى مصر، وهو أحسن حديثا من السري، والسري أحلى منه.
وقال النسائي وغيره: ليس به بأس.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت يحيى بن معين عن جرير بن حازم فقال: ليس به بأس. فقلت: إنه يحدث عن قتادة، عن أنس أحاديث مناكير. فقال: هو عن قتادة ضعيف.
وروى يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد، عن وهب بن جرير،
قال: قرأ أبي على أبي عمرو بن العلاء، فقال: أنت أفصح من معد.
قال سليم بن منصور بن عمار، عن أبي نصر التمار، قال: كان جرير بن حازم يحدث، فإذا جاءه إنسان لا يشتهي أن يحدثه، ضرب بيده إلى ضرسه، وقال: أوه.(أعلام/1509)
قال ابن عدي: جرير من أجلة أهل البصرة ورفعائهم، اشترى والد حماد بن زيد وأعتقه، فحماد مولى جرير. قال: وقد حدث عن جرير من الكبار: أيوب السختياني، والليث بن سعد نسخة طويلة. قال: وهو من ثقات المسلمين. حدث عنه الأئمة: أيوب، وابن عون، والثوري، وحماد بن زيد، والليث، ويحيى بن أيوب، وابن لهيعة، وهو مستقيم الحديث إلا في روايته عن قتادة، فإنه يروي عنه أشياء لا يرويها غيره.
وقال أبو بكر الخطيب: حدث عنه: يزيد بن أبي حبيب، وشيبان بن فروخ، وبين وفاتيهما مائة وثمان سنين.
قال أبو نصر الكلاباذي: حكى عن جرير ابنه وهب، قال: مات أنس سنة تسعين ولي خمس سنين، ومات جرير سنة سبعين ومائة.
وروى أحمد بن سنان القطان، عن عبد الرحمن بن مهدي قال: اختلط جرير بن حازم، وكان له أولاد أصحاب حديث، فلما أحسوا ذلك منه حجبوه، فلم يسمع منه أحد في حال اختلاطه شيئا.
قال أبو حاتم الرازي: تغير قبل موته بسنة. قال أبو سلمة التبوذكي: ما رأيت حماد بن سلمة يكاد يعظم أحدا تعظيمه لجرير بن حازم.(أعلام/1510)
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا الفتح بن عبد السلام، أنبأنا هبة الله بن الحسين، أنبأنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا عيسى بن علي إملاء، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا جرير بن حازم، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال: خطبنا عمر - رضي الله عنه - بالجابية فقال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " أحسنوا إلى أصحابي، ثم الذين يلونهم ". . . الحديث. وأخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا أبو سعيد الكنجروذي، أنبأنا أبو عمرو محمد بن أحمد، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا شيبان وعلي بن حمزة البصري، قالا: حدثنا جرير عن عبد الملك، ولفظ شيبان: سمعت عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال: خطبنا عمر بن الخطاب بالجابية فقال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقامي فيكم اليوم، فقال: " أحسنوا إلى أصحابي ثم الذين يلونهم ".(أعلام/1511)
وأخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف الغسولي، قالا: أنبأنا موسى بن عبد القادر، أنبأنا سعيد بن أحمد، أنبأنا علي بن أحمد، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال: خطب عمر الناس بالجابية، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام في مثل مقامي هذا فقال: " أحسنوا إلى أصحابي، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم يحلف أحدهم على اليمين قبل أن يستحلف عليها، ويشهد على الشهادة قبل أن يستشهد، فمن أحب منكم أن ينال بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ألا لا يخلون رجل بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان، ومن كان منكم تسره حسنته، وتسوءه سيئته فهو مؤمن " هذا حديث صحيح، اتفق الجريران على روايته، عن عبد الملك بن عمير. أخرجه النسائي والقزويني من طريق جرير بن عبد الحميد، فوقع لنا بدلا عاليا. وأخرجه النسائي من حديث ابن حازم، فقال: حدثنا عبد الله بن الصباح، عن عبد الأعلى السامي، عن هشام بن حسان، عن جرير بن حازم: فوقع لنا عاليا جدا.
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله ذكر قول حماد بن زيد: كان جرير أحفظنا، ثم نظر إلي أبو عبد الله فتبسم، وقال: ولكنه بأخرة. فقلت: يحفظ عن يحيى، عن عمرة، عن عائشة، قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين فأنكره، وقال: من رواه؟ قلت: جرير. قال: جرير كان يحدث بالتوهم. قلت: أكان يحدثهم بالتوهم بمصر خاصة، أو غيرها؟ .
قال: في غيرها وفيها. وقال أبو عبد الله: أشياء يسندها عن قتادة باطل.
قلت: قدمت جريرا، وإن كانت وفاته تأخرت، والخطب يسير في مثل هذا.(أعلام/1512)
جرير بن عبد الله (ع)
ابن جابر بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن حشم بن عوف، الأمير النبيل الجميل أبو عمرو - وقيل: أبو عبد الله- البجلي القسري، وقسر: من قحطان.
من أعيان الصحابة.
حدث عنه: أنس، وقيس بن أبي حازم، وأبو وائل، والشعبي، وهمام بن الحارث ; وأولاده الأربعة: المنذر، وعبيد الله، وإبراهيم - لم يدركه - وأيوب، وشهر بن حوشب، وزياد بن علاقة، وحفيده أبو زرعة بن عمرو بن جرير، وأبو إسحاق السبيعي ; وجماعة.
وبايع النبي - صلى الله عليه وسلم- على النصح لكل مسلم.
أحمد: حدثنا إسحاق الأزرق: حدثنا يونس، عن المغيرة بن شبل، قال: قال جرير: لما دنوت من المدينة، أنخت راحلتي، وحللت عيبتي، ولبست حلتي، ثم دخلت المسجد ; فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم- يخطب، فرماني الناس بالحدق. فقلت لجليسي: يا عبد الله، هل ذكر رسول الله من أمري شيئا؟ قال: نعم، ذكرك بأحسن الذكر ; بينما هو يخطب، إذ عرض له في خطبته، فقال: إنه سيدخل عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن ; ألا وإن على وجهه مسحة ملك. قال: فحمدت الله.
قلت: كان بديع الحسن، كامل الجمال.
ابن عيينة: حدثنا إسماعيل، عن قيس: سمعت جرير بن عبد الله يقول: ما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا تبسم في وجهي، وقال: يطلع عليكم من هذا الباب رجل من خير ذي يمن، على وجهه مسحة ملك سوار بن مصعب، عن مجالد، عن الشعبي. عن عدي بن حاتم، قال: لما دخل، يعني جريرا، على النبي - صلى الله عليه وسلم- ألقى له وسادة، فجلس على الأرض. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: أشهد أنك لا تبغي علوا في الأرض ولا فسادا. فأسلم. ثم قال النبي، صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم كريم قوم، فأكرموه.(أعلام/1513)
الواقدي: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: قدم جرير البجلي المدينة في رمضان سنة عشر، ومعه من قومه خمسون ومائة. فقال رسول الله: يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن. فطلع جرير على راحلته، ومعه قومه. فأسلموا.
أبو العباس السراج: حدثنا أبو بكر بن خلف: حدثنا يزيد بن نصر - بصري ثقة- حدثنا حفص بن غياث، عن معبد بن خالد بن أنس بن مالك، عن أبيه، عن جده: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم- فأقبل جرير بن عبد الله، فضن الناس بمجالسهم، فلم يوسع له أحد ; فرمى إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ببردة كانت معه حباه بها ; وقال: دونكها يا أبا عمرو، فاجلس عليها. فتلقاها بصدره ونحره، وقال: أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.
ورواه جعفر بن أحمد بن بسام، عن أبي صفوان المدني، عن حفص بهذا.
وروى نحوه مسلم بن إبراهيم، عن عون بن عمرو، عن الجريري، عن ابن بريدة، عن يحيى بن معمر، عن جرير.
وروى إبراهيم النخعي، عن همام: أنه رأى جريرا بال، ثم توضأ، ومسح على خفيه. فسألته. فقال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- يفعله.
ثم قال إبراهيم: فكان يعجبهم هذا ; لأن جريرا من آخر من أسلم.
ابن أبي خالد، عن قيس، عن جرير: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال له: ألا تريحني من ذي الخلصة - بيت خثعم. وكان يسمى: الكعبة اليمانية.
قال: فخربناه، أو حرقناه حتى تركناه كالجمل الأجرب. وبعث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- يبشره، فبرك على خيل أحمس ورجالها خمس مرات.
قال: وقلت: يا رسول الله، إني رجل لا أثبت على الخيل. فوضع يده على وجهي - وفي لفظ يحيى القطان: فوضع يده في صدري- وقال: اللهم، اجعله هاديا مهديا.
وفيه: فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس.(أعلام/1514)
أبو غسان النهدي: حدثنا سليمان بن إبراهيم بن جرير، عن أبان بن عبد الله البجلي، عن أبي بكر بن حفص، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: جرير منا أهل البيت، ظهرا لبطن. قالها ثلاثا.
هذا منكر. وصوابه من قول علي.
الزيادي، وغيره، قالا: حدثنا خالد بن عمرو الأموي: حدثنا مالك بن مغول، عن أبي زرعة، عن جرير، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تأتيه وفود العرب، فيبعث إلي، فألبس حلتي، ثم أجيء، فيباهي بي.
وروي عن جرير: قال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنك امرؤ قد حسن الله خلقك، فحسن خلقك.
وعن عيسى بن يزيد: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يعجب من عقل جرير وجماله.
خالد بن عبد الله، عن بيان، عن قيس، عن جرير، قال: رآني عمر بن الخطاب متجردا، فناداني: خذ رداءك، خذ رداءك. فأخذت ردائي ; ثم أقبلت إلى القوم، فقلت: ما له؟ قالوا: لما رآك متجردا، قال: ما أرى أحدا من الناس صور صورة هذا، إلا ما ذكر من يوسف - عليه السلام.
عمر بن إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن بيان، عن قيس، عن جرير: أنه مشى في إزار بين يدي عمر، فقال: خذ رداءك. وقال للقوم: ما رأيت رجلا أحسن من هذا إلا ما بلغنا من صورة يوسف.
أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير: حدثني إبراهيم بن جرير: أن عمر قال: جرير يوسف هذه الأمة.
مغيرة، عن الشعبي، عن جرير، قال: كنت عند عمر، فتنفس رجل - يعني: أحدث- فقال عمر: عزمت على صاحب هذه، لما قام، فتوضأ. فقال جرير: اعزم علينا جميعا. فقال: عزمت علي وعليكم، لما قمنا. فتوضأنا، ثم صلينا.
ورواه يحيى القطان، عن مجالد، عن الشعبي، وله طرق، وزاد بعضهم: فقال عمر: يرحمك الله، نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد كنت في الإسلام.(أعلام/1515)
مجالد، عن الشعبي: كان على ميمنة سعد بن أبي وقاص يوم القادسية جرير بن عبد الله.
قال ابن عساكر: سكن جرير الكوفة، ثم سكن قرقيسياء وقدم رسولا من علي إلى معاوية.
الزبير بن بكار: حدثني محمد بن يحيى: حدثني عمران بن عبد العزيز الزهري، قال: بلغني أن جريرا قال: بعثني علي إلى معاوية يأمره بالمبايعة، فخرجت لا أرى أحدا سبقني إليه ; فإذا هو يخطب، والناس يبكون حول قميص عثمان، وهو معلق في رمح.
قال ابن سعد: قال محمد بن عمر: لم يزل جرير معتزلا لعلي ومعاوية بالجزيرة ونواحيها، حتى توفي بالشراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة.
أبو نعيم، والفريابي: حدثنا أبان بن عبد الله البجلي: حدثني إبراهيم بن جرير عن أبيه، قال: بعث علي إلى ابن عباس، والأشعث، وأنا بقرقيسياء، فقالا: أمير المؤمنين يقرئك السلام، ويقول: نعم ما رأيت من مفارقتك معاوية، وإني أنزلك بمنزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- التي أنزلكها. فقال جرير: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعثني إلى اليمن أقاتلهم حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا، حرمت دماؤهم وأموالهم. فلا أقاتل من يقول: لا إله إلا الله.
قال الهيثم بن عدي: ذهبت عين جرير بهمدان، إذ وليها لعثمان.
قال الهيثم، وخليفة، ومحمد بن مثنى: توفي جرير سنة إحدى وخمسين.
وقال ابن الكلبي: مات سنة أربع وخمسين.
ومسند جرير نحو من مائة حديث، بالمكرر. اتفق له الشيخان على ثمانية أحاديث وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بستة.(أعلام/1516)
جعفر بن أبي طالب
السيد الشهيد، الكبير الشأن، علم المجاهدين أبو عبد الله، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الهاشمي، أخو علي بن أبي طالب، وهو أسن من علي بعشر سنين.
هاجر الهجرتين، وهاجر من الحبشة إلى المدينة، فوافى المسلمين وهم على خيبر إثر أخذها، فأقام بالمدينة أشهرا، ثم أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك، فاستشهد. وقد سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا بقدومه، وحزن - والله - لوفاته.
روى شيئا يسيرا، وروى عنه ابن مسعود، وعمرو بن العاص، وأم سلمة، وابنه عبد الله.
حديج بن معاوية: عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود، قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي ثمانين رجلا: أنا، وجعفر، وأبو موسى، وعبد الله بن عرفطة، وعثمان بن مظعون. وبعثت قريش عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد بهدية. فقدما على النجاشي، فلما دخلا سجدا له وابتدراه، فقعد واحد عن يمينه، والآخر عن شماله، فقالا: إن نفرا من قومنا نزلوا بأرضك، فرغبوا عن ملتنا. قال: وأين هم؟ قالوا: بأرضك.
فأرسل في طلبهم، فقال جعفر: أنا خطيبكم. فاتبعوه، فدخل فسلم، فقالوا: ما لك لا تسجد للملك؟ قال: إنا لا نسجد إلا لله. قالوا: ولم ذاك؟ قال: إن الله أرسل فينا رسولا، وأمرنا أن لا نسجد إلا لله، وأمرنا بالصلاة والزكاة. فقال عمرو: إنهم يخالفونك في ابن مريم وأمه. قال: ما تقولون في ابن مريم وأمه؟ قال جعفر: نقول كما قال الله: روح الله، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر.(أعلام/1517)
قال: فرفع النجاشي عودا من الأرض وقال: يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان، ما تريدون، ما يسوءني هذا، أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى في الإنجيل، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته، فأكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضئه.
وقال: انزلوا حيث شئتم. وأمر بهدية الآخرين فردت عليهما، قال: وتعجل ابن مسعود، فشهد بدرا.
وروى نحوا منه مجالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر، عن أبيه. وروى نحوه ابن عون، عن عمير بن إسحاق، عن عمرو بن العاص.
محمد بن إسحاق: عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة، قالت: لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء، وأن رسول الله لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان هو في منعة من قومه وعمه، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده ; فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا ".
فخرجنا إليه أرسالا، حتى اجتمعنا فنزلنا بخير دار إلى خير جار أمنا على ديننا.
قال الشعبي: تزوج علي أسماء بنت عميس، فتفاخر ابناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر، فقال كل منهما: أبي خير من أبيك. فقال علي: يا أسماء، اقضي بينهما. فقالت: ما رأيت شابا كان خيرا من جعفر، ولا كهلا خيرا من أبي بكر. فقال علي: ما تركت لنا شيئا، ولو قلت غير هذا لمقتك. فقالت: والله إن ثلاثة أنت أخسهم لخيار.
مجالد: عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر، قال: ما سألت عليا شيئا بحق جعفر إلا أعطانيه.(أعلام/1518)
ابن مهدي، حدثنا الأسود بن شيبان، عن خالد بن شمير، قال: قدم علينا عبد الله بن رباح، فاجتمع إليه ناس، فقال: حدثنا أبو قتادة، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش الأمراء، وقال: " عليكم زيد، فإن أصيب فجعفر، فإن أصيب جعفر، فابن رواحة ". فوثب جعفر، وقال: بأبي أنت وأمي، ما كنت أرهب أن تستعمل زيدا علي. قال: امضوا ; فإنك لا تدري أي ذلك خير.
فانطلق الجيش، فلبثوا ما شاء الله، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صعد المنبر، وأمر أن ينادى: " الصلاة جامعة ". قال - صلى الله عليه وسلم -: " ألا أخبركم عن جيشكم، إنهم لقوا العدو، فأصيب زيد شهيدا، فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء جعفر، فشد على الناس حتى قتل، ثم أخذه ابن رواحة، فأثبت قدميه حتى أصيب شهيدا، ثم أخذ اللواء خالد، ولم يكن من الأمراء - هو أمر نفسه - فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصبعيه وقال: اللهم هو سيف من سيوفك فانصره - فيومئذ سمي سيف الله -. ثم قال: انفروا فامددوا إخوانكم، ولا يتخلفن أحد " فنفر الناس في حر شديد.
ابن إسحاق: حدثنا يحيى بن عباد، عن أبيه، قال: حدثني أبي الذي أرضعني - وكان من بني مرة بن عوف - قال: لكأني أنظر إلى جعفر يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل حتى قتل.
قال ابن إسحاق: وهو أول من عقر في الإسلام، وقال:
يا حبذا الجنة واقترابها
طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها
علي إن لاقيتها ضرابها
الواقدي: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، قال: ضربه رومي فقطعه بنصفين. فوجد في نصفه بضعة وثلاثون جرحا.
أبو أويس عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: فقدنا جعفرا يوم مؤتة، فوجدنا بين طعنة ورمية بضعا وتسعين، وجدنا ذلك فيما أقبل من جسده.(أعلام/1519)
أسامة بن زيد الليثي، عن نافع، أن ابن عمر قال: جمعت جعفرا على صدري يوم مؤتة، فوجدت في مقدم جسده بضعا وأربعين من بين ضربة وطعنة.
أبو أحمد الزبيري، عن عمرو بن ثابت، عن أبيه: سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جعفر، فقال رجل: رأيته حين طعنه رجل، فمشى إليه في الرمح، فضربه، فماتا جميعا.
سعدان بن الوليد: عن عطاء، عن ابن عباس: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وأسماء بنت عميس قريبة إذ قال: " يا أسماء، هذا جعفر مع جبريل وميكائيل مر، فأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا فسلم، فردي عليه السلام، وقال: إنه لقي المشركين، فأصابه في مقاديمه ثلاث وسبعون، فأخذ اللواء بيده اليمنى فقطعت، ثم أخذ باليسرى فقطعت. قال: فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل في الجنة آكل من ثمارها ".
وعن أسماء، قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا بني جعفر، فرأيته شمهم، وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله، أبلغك عن جعفر شيء؟ قال: " نعم، قتل اليوم. فقمنا نبكي، ورجع، فقال: اصنعوا لآل جعفر طعاما ; فقد شغلوا عن أنفسهم ".
وعن عائشة، قالت: لما جاءت وفاة جعفر، عرفنا في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - الحزن.
أبو شيبة العبسي: حدثنا الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا في الجنة، مضرجة قوادمه بالدماء، يطير في الجنة ".
عبد الله بن جعفر المديني: عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا: " رأيت جعفرا له جناحان في الجنة ".
وجاء نحوه عن ابن عباس والبراء عن النبي - صلى الله عليه وسلم.
ويقال عاش بضعا وثلاثين سنة - رضي الله عنه.(أعلام/1520)
عبد الله بن نمير: عن الأجلح، عن الشعبي، قال: لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر تلقاه جعفر، فالتزمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبل بين عينيه، وقال: " ما أدري بأيهما أنا أفرح: بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر ".
وفي رواية محمد بن ربيعة، عن أجلح: فقبل ما بين عينيه، وضمه واعتنقه.(أعلام/1521)
جندب (ع)
ابن عبد الله بن سفيان، الإمام أبو عبد الله البجلي العلقي، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.
نزل الكوفة والبصرة. وله عدة أحاديث.
روى عنه: الحسن، وابن سيرين، وأبو عمران الجوني، وأنس بن سيرين، وعبد الملك بن عمير، والأسود بن قيس، وسلمة بن كهيل، وأبو السوار العدوي، وآخرون.
شعبة وهشام: عن قتادة، عن يونس بن جبير، قال: شيعنا جندبا، فقلت له: أوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالقرآن، فإنه نور بالليل المظلم، وهدى بالنهار، فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة، فإن عرض بلاء، فقدم مالك دون دينك، فإن تجاوز البلاء، فقدم مالك ونفسك دون دينك، فإن المخروب من خرب دينه، والمسلوب من سلب دينه. واعلم أنه لا فاقة بعد الجنة، ولا غنى بعد النار.
حماد بن نجيح: عن أبي عمران الجوني، عن جندب، قال: كنا غلمانا حزاورة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيمانا.
عاش جندب البجلي - وقد ينسب إلى جده - وبقي إلى حدود سنة سبعين.
وهو غير. . . .(أعلام/1522)
جندب الأزدي (ت)
فذاك جندب بن عبد الله، ويقال: جندب بن كعب، أبو عبد الله الأزدي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.
روى عن النبي، وعن علي، وسلمان الفارسي.
حدث عنه: أبو عثمان النهدي، والحسن البصري، وتميم بن الحارث، وحارثة بن وهب.
قدم دمشق، ويقال له: جندب الخير، وهو الذي قتل المشعوذ.
روى خالد الحذاء، عن أبي عثمان النهدي: أن ساحرا كان يلعب عند الوليد بن عقبة الأمير، فكان يأخذ سيفه، فيذبح نفسه ولا يضره، فقام جندب إلى السيف، فأخذه، فضرب عنقه، ثم قرأ: أفتأتون السحر وأنتم تبصرون.
إسماعيل بن مسلم: عن الحسن، عن جندب الخير، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حد الساحر ضربه بالسيف.
ابن لهيعة، عن أبي الأسود، أن الوليد كان بالعراق، فلعب بين يديه ساحر، فكان يضرب رأس الرجل، ثم يصيح به، فيقوم خارجا، فيرتد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله سبحان الله، ورآه رجل من صالحي المهاجرين، فلما كان من الغد اشتمل على سيفه، فذهب ليلعب، فاخترط الرجل سيفه، فضرب عنقه، وقال: إن كان صادقا، فليحي نفسه. فسجنه الوليد، فهربه السجان لصلاحه.
وعن أبي مخنف لوط، عن خاله، عن رجل، قال: جاء ساحر من بابل، فأخذ يري الناس الأعاجيب، يريهم حبلا في المسجد وعليه فيل يمشي، ويري حمارا يشتد حتى يجيء فيدخل في فمه ويخرج من دبره، ويضرب عنق رجل، فيقع رأسه، ثم يقول له: قم، فيعود حيا. فرأى جندب بن كعب ذلك، فأخذ سيفا، وأتى والناس مجتمعون على الساحر، فدنا منه، فضربه، فأذرى رأسه، وقال: أحي نفسك، فأراد الوليد بن عقبة قتله، فلم يستطع، وحبسه.
وجندب بن عبد الله بن زهير وقيل: جندب بن زهير بن الحارث الغامدي الأزدي الكوفي. قيل: له صحبة وما روى شيئا. شهد صفين مع علي أميرا، كان على الرجالة، فقتل يومئذ.(أعلام/1523)
وقال أبو عبيد: جندب الخير: هو جندب بن عبد الله بن ضبة، وجندب بن كعب: هو قاتل الساحر، وجندب بن عفيف، وجندب بن زهير قتل بصفين، وكان على الرجالة، فالأربعة من الأزد.
وجندب بن جندب بن عمرو بن حممة الدوسي الأزدي، قتل يوم صفين مع معاوية نقله ابن عساكر، وأن جده من المهاجرين.(أعلام/1524)
جهم بن صفوان
أبو محرز الراسبي، مولاهم، السمرقندي، الكاتب المتكلم أس الضلالة، ورأس الجهمية، كان صاحب ذكاء وجدال، كتب للأمير حارث بن سريج التميمي. وكان ينكر الصفات، وينزه الباري عنها بزعمه، ويقول بخلق القرآن. ويقول: إن الله في الأمكنة كلها.
قال ابن حزم: كان يخالف مقاتلا في التجسيم.
وكان يقول: الإيمان عقد بالقلب، وإن تلفظ بالكفر.
قيل: إن سلم بن أحوز قتل الجهم، لإنكاره أن الله كلم موسى.(أعلام/1525)
جويرية أم المؤمنين (ع)
بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية.
سبيت يوم غزوة المريسيع في السنة الخامسة وكان اسمها: برة، فغير. وكانت من أجمل النساء.
أتت النبي تطلب منه إعانة في فكاك نفسها، فقال: أوخير من ذلك؟ أتزوجك " فأسلمت، وتزوج بها؛ وأطلق لها الأسارى من قومها.
وكان أبوها سيدا مطاعا.
حدث عنها: ابن عباس، وعبيد بن السباق، وكريب، ومجاهد. وأبو أيوب يحيى بن مالك الأزدي، وآخرون.
عن عائشة، قالت: كانت جويرية امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه. الحديث بطوله.
زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية، واستنكحها، وجعل صداقها عتق كل مملوك من بني المصطلق. وكانت من ملك اليمين، فأعتقها، وتزوجها.
قال ابن سعد وغيره: بنو المصطلق من خزاعة. وكان زوجها، قبل أن يسلم، ابن عمها مسافع بن صفوان بن أبي الشفر.
وقد قدم أبوها الحارث على النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم.
وعن جويرية، قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا بنت عشرين سنة.
توفيت أم المؤمنين جويرية في سنة خمسين. وقيل: توفيت سنة ست وخمسين رضي الله عنها.
جاء لها سبعة أحاديث: منها عند البخاري حديث. وعند مسلم حديثان.
أيوب، عن أبي قلابة، قال: أتى والد جويرية فقال: إن بنتي لا يسبى مثلها، فأنا أكرم من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن خيرناها؟ فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيرك، فلا تفضحينا، فقالت: فإني قد اخترته، قال: قد والله فضحتنا.
زكريا، عن الشعبي، قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم - جويرية، واستنكحها، وجعل صداقها عتق كل مملوك من بني المصطلق.(أعلام/1526)
همام، وغيره، عن قتادة، عن أبي أيوب الهجري، عن جويرية بنت الحارث: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم جمعة، وهي صائمة، فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا. قال: أتريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا. قال: فأفطري.
رواه شعبة، وله علة غير مؤثرة، رواه سعيد، عن قتادة، عن ابن المسيب، عن عبد الله بن عمرو.
شعبة وجماعة، عن محمد بن عبد الرحمن، مولى آل طلحة: سمعت كريبا، عن ابن عباس، عن جويرية، قالت: أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوة وأنا أسبح؛ ثم انطلق لحاجته؛ ثم رجع قريبا من نصف النهار، فقال: أما زلت قاعدة؟ قلت: نعم. قال: ألا أعلمك كلمات لو عدلن بهن عدلتهن، أو وزن بهن وزنتهن - يعني جميع ما سبحت -: سبحان الله عدد خلقه، ثلاث مرات، سبحان الله زنة عرشه، ثلاث مرات، سبحان الله رضا نفسه، ثلاث مرات، سبحان الله مداد كلماته، ثلاث مرات.
يونس، عن ابن إسحاق: حدثنا محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة، قالت: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية في سهم رجل، فكاتبته، وكانت حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه؛ فكرهتها - يعني لحسنها - فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث، سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، وقد كاتبت، فأعني.
فقال: أوخير من ذلك: أؤدي عنك، وأتزوجك؟ فقالت: نعم، ففعل، فبلغ الناس، فقالوا: أصهار رسول الله! فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق، فلقد أعتق بها مائة أهل بيت، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها.(أعلام/1527)
حاطب بن أبي بلتعة
عمرو بن عمير بن سلمة، اللخمي المكي، حليف بني أسد بن عبد العزى بن قصي.
من مشاهير المهاجرين شهد بدرا والمشاهد.
وكان رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس، صاحب مصر.
وكان تاجرا في الطعام، له عبيد. وكان من الرماة الموصوفين.
ذكره الحاكم في " مستدركه " فقال: كان حسن الجسم، خفيف اللحية، أجنى إلى القصر ما هو، شثن الأصابع. قاله الواقدي.
روى هارون بن يحيى الحاطبي، قال: حدثني أبو ربيعة، عن عبد الحميد بن أبي أنس، عن صفوان بن سليم، عن أنس، سمع حاطبا يقول: إنه اطلع على النبي صلى الله عليه وسلم بأحد، قال: وفي يد علي الترس، والنبي صلى الله عليه وسلم يغسل وجهه من الماء، فقال حاطب: من فعل هذا؟ قال: عتبة بن أبي وقاص، هشم وجهي، ودق رباعيتي بحجر! فقلت: إني سمعت صائحا على الجبل: قتل محمد! فأتيت إليك - وكأن قد ذهبت روحي - فأين توجه عتبة؟ فأشار إلى حيث توجه، فمضيت حتى ظفرت به، فضربته بالسيف، فطرحت رأسه! فنزلت فأخذت رأسه وسلبه وفرسه، وجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسلم ذلك إلي، ودعا لي، فقال: رضي الله عنك! مرتين. إسناد مظلم.
الليث، عن أبي الزبير، عن جابر: أن عبدا لحاطب شكا حاطبا فقال: يا نبي الله، ليدخلن النار! قال: كذبت، لا يدخلها أبدا وقد شهد بدرا والحديبية. صحيح.(أعلام/1528)
إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن حاطب: أن أباه كتب إلى كفار قريش كتابا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير، فقال: انطلقا حتى تدركا امرأة معها كتاب فائتياني به، فلقياها، وطلبا الكتاب، وأخبراها أنهما غير منصرفين حتى ينزعا كل ثوب عليها. قالت: ألستما مسلمين؟ قالا: بلى، ولكن رسول الله حدثنا أن معك كتابا، فحلته من رأسها. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا حتى قرئ عليه الكتاب، فاعترف، فقال: ما حملك؟ قال: كان بمكة قرابتي وولدي، وكنت غريبا فيكم معشر قريش، فقال عمر: ائذن لي - يا رسول الله - في قتله. قال: لا، إنه قد شهد بدرا، وإنك لا تدري، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فإني غافر لكم. إسناده صالح. وأصله في " الصحيحين ".
وقد أتى بعض مواليه إلى عمر بن الخطاب يشكون منه من أجل النفقة عليهم؛ فلامه في ذلك.
وعبد الرحمن ولده، ممن ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وله رؤية.
يروي عنه ولده الفقيه يحيى، وعروة بن الزبير، وغيرهما. توفي سنة ثمان وستين.
ومات حاطب سنة ثلاثين.(أعلام/1529)
حبيب (ع)
المعلم من موالي معقل بن يسار. وهو ابن أبي قريبة دينار. يكنى أبا محمد، من ثقات البصريين.
حدث عن الحسن، وعطاء، وعمرو بن شعيب.
روى عنه: حماد بن سلمة، ويزيد بن زريع، وعبد الوهاب الثقفي، وعبد الوارث، وآخرون.
قيل: كان يحيى القطان لا يروي عنه. وقال النسائي: ليس بالقوي، وأما أحمد بن حنبل فقال: ما أصح حديثه! . وقال ابن معين وأبو زرعة: ثقة.
وقيل: هو حبيب بن زيد، وقيل: حبيب بن زائدة، وقيل: حبيب بن أبي بقية. فالله أعلم.(أعلام/1530)
حبيب بن أبي ثابت (ع)
الإمام الحافظ، فقيه الكوفة أبو يحيى القرشي الأسدي مولاهم، واسم أبيه قيس بن دينار، وقيل: قيس بن هند، ويقال: هند.
حدث عن ابن عمر، وابن عباس، وأم سلمة، وقيل: لم يسمع منهما، وحديثه عنهما في ابن ماجه، وحكيم بن حزام وحديثه عنه في الترمذي. قال الترمذي: وعندي لم يسمع منه، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وأبي وائل، وزيد بن وهب، وعاصم بن ضمرة، وأبي الطفيل، وأبي عبد الرحمن السلمي، وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، وذر الهمداني، وأبي صالح ذكوان، والسائب بن فروخ، وطاوس، وأبي المنهال عبد الرحمن بن مطعم، ونافع بن جبير، وكريب، وعروة في المستحاضة، وقيل: بل هو عروة المري، وينزل إلى عبدة بن أبي لبابة، وعمارة بن عمير، وكان من أئمة العلم.
روى عنه عطاء بن أبي رباح، وهو من شيوخه، وحصين، ومنصور، والأعمش، وأبو حصين، وأبو الزبير، وطائفة من الكبار، وابن جريج، وحاتم بن أبي صغيرة، ومسعر، وعبد العزيز بن سياه، وشعبة، والثوري، والمسعودي، وقيس بن الربيع، وحمزة الزيات، وخلق.
قال ابن المديني: له نحو مائتي حديث. وقال أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش: كان بالكوفة ثلاثة، ليس لهم رابع: حبيب بن أبي ثابت، والحكم، وحماد، كانوا من أصحاب الفتيا، ولم يكن أحد بالكوفة، إلا يذل لحبيب. وقال أحمد العجلي: كوفي تابعي ثقة، كان مفتي الكوفة قبل حماد بن أبي سليمان.
وقال ابن المبارك، عن سفيان: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، وكان دعامة، أو كلمة نحوها. وروى أبو بكر بن عياش، عن أبي يحيى القتات، قال: قدمت الطائف مع حبيب بن أبي ثابت، فكأنما قدم عليهم نبي.(أعلام/1531)
قال أحمد بن سعيد بن أبي مريم، عن يحيى: ثقة حجة. فقيل ليحيى: حبيب ثبت؟ قال: نعم. إنما روى حديثين، ثم قال: أظن يحيى يريد منكرين: حديث تصلي المستحاضة، وإن قطر الدم على الحصير، وحديث القبلة للصائم.
وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، لم يسمع من أم سلمة.
وروى الترمذي، عن البخاري، قال: لم يسمع حبيب من عروة شيئا. وقال أبو داود: روي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني.
قلت: قد حدث عنه عطاء بن أبي رباح. وذلك في النسائي، وابن ماجه، وأبو بكر بن عياش وهو خاتمة أصحابه، فقال هو ومحمد بن عبد الله بن نمير، والبخاري: مات سنة تسع عشرة ومائة.
وأما ابن سعد، فروى عن الهيثم، عن يحيى بن سلمة بن كهيل: مات حبيب سنة اثنتين وعشرين ومائة في ولاية يوسف بن عمر.
قلت: كان من أبناء الثمانين وهو ثقة بلا تردد. وقد تناكد الدولابي بذكره في الضعفاء له لمجرد قول ابن عون فيه: كان أعور، وإنما هذا نعت لبصره لا جرح له.
قال فيه البخاري: سمع ابن عمر وابن عباس.
قال زافر بن سليمان، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: من وضع جبينه لله، فقد برئ من الكبر.
وقال أبو بكر بن عياش: رأيت حبيب بن أبي ثابت ساجدا فلو رأيته قلت ميت: يعني: من طول السجود. أخبرنا إسماعيل بن عميرة، أنبأنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أنبأنا أبو بكر بن النقور، أنبأنا أبو القاسم الربعي، أنبأنا محمد بن محمد بن مخلد، أنبأنا جعفر الخلدي، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا الحسن بن قتيبة، حدثنا مسعر، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد أخرجه البخاري ومسلم من طريق الأعمش عن حبيب، واسم أبي العباس: السائب بن فروخ.(أعلام/1532)
حبيب بن مسلمة (د ح ق)
ابن مالك، الأمير أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو مسلمة القرشي الفهري.
له صحبة ورواية يسيرة.
حدث عنه: جنادة بن أبي أمية، وزياد بن جارية، وقزعة بن يحيى، وابن أبي مليكة، ومالك بن شرحبيل.
وجاهد في خلافة أبي بكر، وشهد اليرموك أميرا. وسكن دمشق. وكان مقدم ميسرة معاوية نوبة صفين.
وهو القائل: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - نفل الثلث.
وكان في غزوة تبوك ابن إحدى عشرة سنة. وقيل: كان يقال له: حبيب الروم، لكثرة دخوله بغزوهم. وولي أرمينية لمعاوية، فمات بها سنة اثنتين وأربعين وله نكاية قوية في العدو.
له أخبار في " تاريخ دمشق ".(أعلام/1533)
حجاج بن أبي عثمان الصواف (خ، م)
بصري ثقة مشهور.
توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة.
روى عنه الحمادان، والقطان، وروح، وخلق. وأقدم ما عنده الحسن.
ومنهم:(أعلام/1534)
حجاج بن أرطاة (4، م)
ابن ثور بن هبيرة بن شراحيل بن كعب، الإمام العلامة، مفتي الكوفة مع الإمام أبي حنيفة، والقاضي ابن أبي ليلى، أبو أرطاة النخعي الكوفي الفقيه، أحد الأعلام.
ولد في حياة أنس بن مالك، وغيره من صغار الصحابة.
وروى عن: عكرمة، وعطاء، والحكم، ونافع، ومكحول، وجبلة بن سحيم، والزهري، وقتادة، والقاسم بن أبي بزة، وعمرو بن شعيب، وابن المنكدر، وزيد بن جبير الطائي، وعطية العوفي، والمنهال بن عمرو، وأبي مطر، ورياح بن عبيدة، وأبي إسحاق، وسماك، وعون بن أبي جحيفة، وخلق سواهم.
وكان من بحور العلم، تكلم فيه لبأو فيه، ولتدليسه، ولنقص قليل في حفظه، ولم يترك.
حدث عنه: منصور بن المعتمر - وهو من شيوخه - وقيس بن سعد، وابن إسحاق، وشعبة - وهم من أقرانه - والحمادان، والثوري، وشريك، وزياد البكائي، وعباد بن العوام، والمحاربي، وهشيم، ومعتمر، وغندر، ويزيد بن هارون، وعبد الله بن نمير، وخلق كثير.
قال سفيان بن عيينة: سمعت ابن أبي نجيح يقول: ما جاءنا منكم مثله - يعني حجاج بن أرطاة - وقال حفص بن غياث: قال لنا سفيان الثوري يوما: من تأتون؟ قلنا: الحجاج بن أرطاة. قال: عليكم به، فإنه ما بقي أحد أعرف بما يخرج من رأسه منه.
وقال حماد بن زيد: حجاج بن أرطاة أقهر عندنا بحديثه من سفيان.
وقال ابن حميد الرازي، عن جرير: رأيت الحجاج يخضب بالسواد.
وقال أحمد العجلي: كان فقيها، أحد مفتي الكوفة، وكان فيه تيه، فكان يقول: أهلكني حب الشرف.(أعلام/1535)
ولي قضاء البصرة، وكان جائز الحديث، إلا أنه صاحب إرسال، كان يرسل عن يحيى بن أبي كثير، ولم يسمع منه شيئا، ويرسل عن مكحول، ولم يسمع منه، وإنما يعيبون منه التدليس. روى نحوا من ست مائة حديث. قال: ويقال: إن سفيان أتاه يوما ليسمع منه، فلما قام من عنده، قال حجاج: يرى بني ثور أنا نحفل به؟ ! لا نبالي جاءنا أو لم يجئنا.
وكان حجاج تياها، وكان قد ولي الشرطة. ويقال عن حماد بن زيد،
قال: قدم علينا حماد بن أبي سليمان، وحجاج بن أرطاة، فكان الزحام على حجاج أكثر، وكان حجاج راوية عن عطاء، سمع منه. وروى أبو طالب، عن أحمد بن حنبل: كان من الحفاظ، قيل: فلم ليس هو عند الناس بذاك؟ قال: لأن في حديثه زيادة على حديث الناس، ليس يكاد له حديث إلا فيه زيادة.
وقال ابن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين، قال: هو صدوق، ليس بالقوي، يدلس عن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن عمرو بن شعيب - يعني فيسقط العرزمي.
وروى ابن المديني، عن يحيى بن سعيد، قال: الحجاج بن أرطاة، وابن إسحاق عندي سواء، تركت الحجاج عمدا، ولم أكتب عنه حديثا قط.
وقال أبو زرعة: صدوق مدلس. وقال أبو حاتم: صدوق يدلس عن الضعفاء، يكتب حديثه، فإذا قال: حدثنا، فهو صالح، لا يرتاب في صدقه وحفظه، ولا يحتج بحديثه، لم يسمع من الزهري، ولا من هشام بن عروة ولا من عكرمة.
قال هشيم: قال لي حجاج بن أرطاة: صف لي الزهري، فإني لم أره.
وقال ابن المبارك: كان الحجاج يدلس، فكان يحدثنا بالحديث عن عمرو بن شعيب مما يحدثه العرزمي، والعرزمي متروك.(أعلام/1536)
وقال حماد بن زيد: حدثنا جرير بن حازم، حدثنا قيس بن سعد، عن الحجاج بن أرطاة، فلبثنا ما شاء الله، ثم قدم علينا الحجاج ابن ثلاثين، أو إحدى وثلاثين سنة، فرأيت عليه من الزحام ما لم أر على حماد بن أبي سليمان، ورأيت عنده مطرا الوراق، وداود بن أبي هند، ويونس بن عبيد جثاة على أرجلهم، يقولون: يا أبا أرطاة ما تقول في كذا؟ يا أبا أرطاة ما تقول في كذا؟ .
قال هشيم بن بشير: سمعت الحجاج يقول: استفتيت وأنا ابن ست عشرة سنة.
وقال حفص بن غياث: سمعت حجاجا يقول: ما خاصمت أحدا قط، ولا جلست إلى قوم يختصمون. وروى عباس عن يحيى بن معين قال: سمع من مكحول، وفي بعض حديثه يقول: سمعت مكحولا.
وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال عبد الرحمن بن خراش: كان حافظا للحديث، وكان مدلسا.
وقال ابن عدي: إنما عاب الناس عليه تدليسه عن الزهري وغيره، وربما أخطأ في بعض الروايات، فأما أن يتعمد الكذب فلا، وهو ممن يكتب حديثه.
وقال يعقوب بن شيبة: واهي الحديث، في حديثه اضطراب كثير، وهو صدوق، وكان أحد الفقهاء.
قال أبو بكر الخطيب: الحجاج أحد العلماء بالحديث، والحفاظ له.
وقال خليفة بن خياط: مات بالري.
قلت: وقد روى عن الشعبي حديثا واحدا.
قال يحيى بن يعلى المحاربي: أمرنا زائدة أن نترك حديث الحجاج بن أرطاة.
وقال أحمد بن حنبل: سمعت يحيى بن سعيد يذكر أن حجاج بن أرطاة لم ير الزهري، وكان سيئ الرأي فيه جدا، ما رأيته أسوأ رأيا في أحد منه، في حجاج وابن إسحاق، وليث، وهمام، لا نستطيع أن نراجعه فيهم.
وقال أبو الحسن الدارقطني وغيره: لا يحتج بحجاج.
قلت: قد يترخص الترمذي، ويصحح لابن أرطاة، وليس بجيد.
قال معمر بن سليمان: تسألونا عن حديث حجاج بن أرطاة، وعبد الله بن بشر الرقي عندنا أفضل منه!(أعلام/1537)
قال عثمان بن سعيد، عن ابن معين: حجاج في قتادة صالح. وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال حجاح بن أرطاة: لا تتم مروءة الرجل حتى يترك الصلاة في الجماعة.
قلت: لعن الله هذه المروءة، ما هي إلا الحمق والكبر، كيلا يزاحمه السوقة! وكذلك تجد رؤساء وعلماء يصلون في جماعة في غير صف، أو تبسط له سجادة كبيرة حتى لا يلتصق به مسلم. فإنا لله! .
قال الأصمعي: أول من ارتشى بالبصرة من القضاة: حجاج بن أرطاة.
وقال يوسف بن واقد: رأيت حجاج بن أرطاة عليه سواد، وهو مخضوب بالسواد.
وقال عبد الله بن إدريس: كنت أرى الحجاج بن أرطاة يفلي ثيابه، ثم خرج إلى المهدي، ثم قدم معه أربعون راحلة، عليها أحمالها.
قال حفص بن غياث: سمعت حجاج بن أرطاة يقول: ما خاصمت أحدا ولا جادلته.
قال أحمد بن حنبل: كان حجاج يدلس، فإذا قيل له: من حدثك؟ يقول: لا تقولوا هذا، قولوا: من ذكرت؟ . وروى عن الزهري ولم يره.
قال شعبة: اكتبوا عن حجاج وابن إسحاق، فإنهما حافظان. عمرو بن علي المقدمي، عن حجاج، عن مكحول، عن ابن محيريز: سألت فضالة بن عبيد: أرأيت تعليق اليد في العنق من السنة؟ قال: نعم، أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسارق، فأمر به، فقطع، ثم أمر بيده فعلقت في عنقه.
قال ابن حبان كان حجاج صلفا، خرج مع المهدي إلى خراسان، فولاه القضاء. قال: ومات منصرفه من الري سنة خمس وأربعين ومائة تركه ابن المبارك، ويحيى القطان، وعبد الرحمن، وابن معين، وأحمد. كذا قال ابن حبان، وهذا ليس بجيد. وقد قدمنا عبارات هؤلاء في حجاج، نعوذ به - تعالى - من التهور في وزن العلماء.(أعلام/1538)
قال ابن حبان: سمعت محمد بن الليث الوراق، سمعت محمد بن نصر، سمعت إسحاق الحنظلي، عن عيسى بن يونس، قال: كان حجاج بن أرطاة لا يحضر الجماعة، فقيل له في ذلك، فقال: أحضر مسجدكم حتى يزاحمني فيه الحمالون والبقالون؟ . ونقل غير واحد: أن الحجاج بن أرطاة قيل له: ارتفع إلى صدر المجلس، فقال: أنا صدر حيث كنت. وكان يقول: أهلكني حب الشرف. وقد طول ابن حبان وابن عدي ترجمته.
قال النسائي: ذكر المدلسين: الحسن، قتادة، حجاج بن أرطاة، حميد، سليمان التيمي، يونس بن عبيد، يحيى بن أبي كثير، أبو إسحاق الحكم بن عتيبة، مغيرة، إسماعيل بن أبي خالد، أبو الزبير، ابن أبي نجيح، ابن جريج، ابن أبي عروبة، هشيم، سفيان بن عيينة. وزدت أنا: الأعمش، مكحول، بقية بن الوليد، الوليد بن مسلم، وآخرون.
وكان آخر من حدث عن حجاج عبد الرزاق بن همام.
قال الهيثم بن عدي: مات الحجاج بن أرطاة بخراسان مع المهدي. وفي ذهني أنه بقي إلى سنة تسع وأربعين ومائة وقد مر قول ابن حبان في ذلك.
فصل
في طبقة حجاج جماعة باسمه فتراهم يجيئون في الإسناد فيقع الاشتباه في الاسم(أعلام/1539)
حجاج بن منهال (ع)
الحافظ الإمام القدوة العابد الحجة أبو محمد البصري الأنماطي أخو محمد.
حدث عن: قرة بن خالد، وشعبة، وجويرية بن أسماء، وهمام بن يحيى، ويزيد بن إبراهيم التستري، والحمادين، وعبد العزيز بن الماجشون، ومالك، وعدة.
حدث عنه: البخاري، والباقون بواسطة، وإسحاق الكوسج، وأبو محمد الدارمي، وعبد بن حميد، وأحمد بن الفرات، وإسحاق بن إبراهيم شاذان، ومحمد بن يحيى الذهلي، وعلي بن عبد العزيز، وأبو مسلم الكجي، وهلال بن العلاء الرقي، وإسماعيل القاضي، وخلق كثير.
قال أبو حاتم: ثقة فاضل.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: ثقة، رجل صالح، كان سمسارا يأخذ من كل دينار حبة، فجاء خراساني موسر من أصحاب الحديث، فاشترى له أنماطا، فأعطاه التاجر ثلاثين دينارا، فقال: ما هذه؟ قال: سمسرتك. قال: دنانيرك أهون علي من هذا التراب. هات من كل دينار حبة، فأخذ منه دينارا وكسرا.
قال خلف كردوس: كان حجاج صاحب سنة يظهرها، مات في سنة ست عشرة ومائتين
وقال ابن سعد والبخاري: مات سنة سبع عشرة في شوال.
وفي عصره: حجاج بن محمد الرقي. وقد مر.
وحجاج بن نصير الفساطيطي يروي أيضا عن قرة بن خالد، وهو لين.
وحجاج بن أبي منيع الرصافي الذي يروي عن جده عبيد الله بن أبي زياد نسخة عن الزهري. صدوق، لقيه الذهلي وابن وارة والفسوي.(أعلام/1540)
حذيفة بن اليمان (ع)
من نجباء أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- وهو صاحب السر.
واسم اليمان: حسل - ويقال: حسيل- بن جابر العبسي اليماني، أبو عبد الله. حليف الأنصار، من أعيان المهاجرين.
حدث عنه: أبو وائل ; وزر بن حبيش، وزيد بن وهب، وربعي بن حراش، وصلة بن زفر، وثعلبة بن زهدم، وأبو العالية الرياحي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومسلم بن نذير، وأبو إدريس الخولاني، وقيس بن عباد، وأبو البختري الطائي، ونعيم بن أبي هند، وهمام بن الحارث ; وخلق سواهم.
له في " الصحيحين " اثنا عشر حديثا، وفي " البخاري " ثمانية، وفي مسلم سبعة عشر حديثا.
وكان والده " حسل " قد أصاب دما في قومه، فهرب إلى المدينة، وحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه " اليمان " لحلفه لليمانية، وهم الأنصار.
شهد هو وابنه حذيفة أحدا، فاستشهد يومئذ. قتله بعض الصحابة غلطا، ولم يعرفه ; لأن الجيش يختفون في لأمة الحرب، ويسترون وجوههم ; فإن لم يكن لهم علامة بينة، وإلا ربما قتل الأخ أخاه، ولا يشعر.
ولما شدوا على اليمان يومئذ بقي حذيفة يصيح: أبي! أبي! يا قوم! فراح خطأ. فتصدق حذيفة عليهم بديته.
قال الواقدي: آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بين حذيفة وعمار. وكذا قال ابن إسحاق.
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل، عن حذيفة: أنه أقبل هو وأبوه، فلقيهم أبو جهل، قال: إلى أين؟ قالا: حاجة لنا. قال: ما جئتم إلا لتمدوا محمدا. فأخذوا عليهما موثقا ألا يكثرا عليهم. فأتيا رسول الله، فأخبراه.
ابن جريج: أخبرني أبو حرب بن أبي الأسود، عن أبي الأسود ; قال: وعن رجل، عن زاذان: أن عليا سئل عن حذيفة، فقال: علم المنافقين، وسأل عن المعضلات ; فإن تسألوه تجدوه بها عالما.(أعلام/1541)
أبو عوانة، عن سليمان، عن ثابت أبي المقدام، عن أبي يحيى، قال: سأل رجل حذيفة، وأنا عنده، فقال: ما النفاق؟ قال: أن تتكلم بالإسلام ولا تعمل به.
سلام بن مسكين، عن ابن سيرين: أن عمر كتب في عهد حذيفة على المدائن: اسمعوا له وأطيعوا، وأعطوه ما سألكم. فخرج من عند عمر على حمار موكف، تحته زاده. فلما قدم استقبله الدهاقين وبيده رغيف، وعرق من لحم.
ولي حذيفة إمرة المدائن لعمر، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان، وتوفي بعد عثمان بأربعين ليلة.
قال حذيفة: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي، فأخذنا كفار قريش، فقالوا: إنكم تريدون محمدا؟ فقلنا: ما نريد إلا المدينة ; فأخذوا العهد علينا: لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: نفي بعهدهم، ونستعين الله عليهم.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- قد أسر إلى حذيفة أسماء المنافقين، وضبط عنه الفتن الكائنة في الأمة.
وقد ناشده عمر: أأنا من المنافقين؟ فقال: لا، ولا أزكي أحدا بعدك.
وحذيفة هو الذي ندبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ليلة الأحزاب ليجس له خبر العدو. وعلى يده فتح الدينور عنوة. ومناقبه تطول، رضي الله عنه.
أبو إسحاق، عن مسلم بن نذير، عن حذيفة، قال: أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم- بعضلة ساقي فقال: الائتزار هاهنا، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت فلا حق للإزار فيما أسفل من الكعبين.
وفي لفظ: فلا حق للإزار في الكعبين.
عقيل، ويونس، عن الزهري: أخبرني أبو إدريس: سمع حذيفة يقول: والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة.
قال حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني.(أعلام/1542)
الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: قام فينا رسول الله مقاما، فحدثنا بما هو كائن إلى قيام الساعة، فحفظه من حفظه، ونسيه من نسيه.
قلت: قد كان - صلى الله عليه وسلم- يرتل كلامه ويفسره ; فلعله قال في مجلسه ذلك ما يكتب في جزء ; فذكر أكبر الكوائن، ولو ذكر أكثر ما هو كائن في الوجود، لما تهيأ أن يقوله في سنة، بل ولا في أعوام، ففكر في هذا.
مات حذيفة بالمدائن سنة ست وثلاثين، وقد شاخ.
قال ابن سيرين: بعث عمر حذيفة على المدائن، فقرأ عهده عليهم، فقالوا: سل ما شئت. قال: طعاما آكله، وعلف حماري هذا - ما دمت فيكم- من تبن.
فأقام فيهم، ما شاء الله ; ثم كتب إليه عمر: اقدم.
فلما بلغ عمر قدومه، كمن له على الطريق ; فلما رآه على الحال التي خرج عليها، أتاه فالتزمه، وقال: أنت أخي، وأنا أخوك.
مالك بن مغول، عن طلحة: قدم حذيفة المدائن على حمار سادلا رجليه، وبيده عرق ورغيف.
سعيد بن مسروق الثوري، عن عكرمة: هو ركوب الأنبياء، يسدل رجليه من جانب.
أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق يقول: كان حذيفة يجيء كل جمعة من المدائن إلى الكوفة. قال أبو بكر: فقلت له: يمكن هذا؟ قال: كانت له بغلة فارهة.
ابن سعد: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي: حدثنا عبد الجبار بن العباس، عن أبي عاصم الغطفاني، قال: كان حذيفة لا يزال يحدث الحديث يستفظعونه. فقيل له: يوشك أن تحدثنا: أنه يكون فينا مسخ! قال: نعم! ليكونن فيكم مسخ: قردة وخنازير.
أبو وائل، عن حذيفة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس. فكتبنا له ألفا وخمسمائة.
سفيان، عن الأعمش، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن أمه: قالت: كان في خاتم حذيفة: كركيان، بينهما: الحمد لله.(أعلام/1543)
عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن موسى، عن أمه، قالت: كان خاتم حذيفة من ذهب فيه فص ياقوت أسمانجونه ; فيه: كركيان متقابلان ; بينهما: الحمد لله.
حماد بن سلمة: أخبرنا علي بن زيد، عن الحسن، عن جندب: أن حذيفة قال: ما كلام أتكلم به، يرد عني عشرين سوطا، إلا كنت متكلما به.
خالد، عن أبي قلابة، عن حذيفة، قال: إني لأشتري ديني بعضه ببعض، مخافة أن يذهب كله.
أبو نعيم: حدثنا سعد بن أوس، عن بلال بن يحيى، قال: بلغني أن حذيفة كان يقول: ما أدرك هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشترى بعض دينه ببعض. قالوا: وأنت؟ قال: وأنا والله، إني لأدخل على أحدهم - وليس أحد إلا فيه محاسن ومساوئ - فأذكر من محاسنه، وأعرض عما سوى ذلك، وربما دعاني أحدهم إلى الغداء، فأقول: إني صائم، ولست بصائم.
جماعة، عن الحسن، قال: لما حضر حذيفة الموت، قال: حبيب جاء على فاقة ; لا أفلح من ندم! أليس بعدي ما أعلم! الحمد لله الذي سبق بي الفتنة! قادتها وعلوجها.
شعبة: أخبرنا عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة، قال: قلت لأبي مسعود الأنصاري: ماذا قال حذيفة عند موته؟ قال: لما كان عند السحر، قال: أعوذ بالله من صباح إلى النار. ثلاثا. ثم قال: اشتروا لي ثوبين أبيضين ; فإنهما لن يتركا علي إلا قليلا حتى أبدل بهما خيرا منهما، أو أسلبهما سلبا قبيحا.
شعبة - أيضا- عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: ابتاعوا لي كفنا. فجاءوا بحلة ثمنها ثلاثمائة، فقال: لا، اشتروا لي ثوبين أبيضين.
وعن جزي بن بكير، قال: لما قتل عثمان، فزعنا إلى حذيفة، فدخلنا عليه.
قال ابن سعد: مات حذيفة بالمدائن بعد عثمان وله عقب، وقد شهد أخوه صفوان بن اليمان أحدا.(أعلام/1544)
حرب
الإمام، العلامة أبو محمد، حرب بن إسماعيل الكرماني، الفقيه، تلميذ أحمد بن حنبل. رحل، وطلب العلم: وأخذ عن: أبي الوليد الطيالسي، وأبي بكر الحميدي، وأبي عبيد، وسعيد بن منصور، وأحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه.
روى عنه: القاسم بن محمد الكرماني، نزيل طرسوس، وعبد الله بن إسحاق النهاوندي، وعبد الله بن يعقوب الكرماني، وأبو حاتم الرازي رفيقه، وأبو بكر الخلال، وآخرون.
قال الخلال: كان رجلا جليلا، حثني المروذي على الخروج إليه.
قلت: " مسائل " حرب من أنفس كتب الحنابلة، وهو كبير في مجلدين. قيد تاريخ وفاته عبد الباقي بن قانع، في سنة ثمانين ومائتين قلت: عمر وقارب التسعين، وما علمت به بأسا -رحمه الله تعالى.(أعلام/1545)
حسان بن ثابت (ع)
ابن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار. سيد الشعراء المؤمنين، المؤيد بروح القدس أبو الوليد ; يقال: أبو الحسام. الأنصاري الخزرجي النجاري المدني، ابن الفريعة.
شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وصاحبه.
حدث عنه ابنه عبد الرحمن، والبراء بن عازب، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة، وآخرون. وحديثه قليل.
قال ابن سعد: عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام.
قال ابن سعد، عن الواقدي: لم يشهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم- مشهدا. كان يجبن. وأمه الفريعة بنت خنيس.
قال مسلم: كنيته أبو عبد الرحمن. وقيل: أبو الوليد.
وقال ابن منده: حدث عنه عمر، وعائشة، وأبو هريرة.
قال ابن إسحاق: سألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان: ابن كم كان حسان وقت الهجرة؟ قال: ابن ستين سنة، وهاجر رسول الله ابن ثلاث وخمسين.
الزهري، عن ابن المسيب، قال: كان حسان في حلقة فيهم أبو هريرة، فقال: أنشدك الله يا أبا هريرة، هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: أجب عني، أيدك الله بروح القدس؟ فقال: اللهم نعم.
وروى عدي بن ثابت، عن البراء: أن رسول الله قال لحسان: اهجهم وهاجهم وجبريل معك.
وقال سعيد بن المسيب: مر عمر بحسان، وهو ينشد الشعر في المسجد، فلحظه. فقال حسان: قد كنت أنشد فيه، وفيه خير منك. قال: صدقت.
ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان حسان يضع له النبي - صلى الله عليه وسلم- منبرا في المسجد، يقوم عليه قائما ينافح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ورسول الله يقول: إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم. أخرجه أبو داود والترمذي.(أعلام/1546)
مجالد، عن عامر، عن جابر، قال: لما كان يوم الأحزاب، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: من يحمي أعراض المسلمين؟ قال كعب بن مالك: أنا. وقال ابن رواحة: أنا. وقال حسان: أنا. قال: نعم، اهجهم أنت، وسيعينك عليهم روح القدس.
وعن عروة، قال: سببت ابن فريعة عند عائشة، فقالت: يابن أخي، أقسمت عليك لما كففت عنه ; فإنه كان ينافح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
عمر بن حوشب، عن عطاء بن أبي رباح، سمعه يقول: دخل حسان على عائشة، بعدما عمي، فوضعت له وسادة، فدخل أخوها عبد الرحمن، فقال: أجلستيه على وسادة، وقد قال ما قال - يريد مقالته نوبة الإفك - فقالت: إنه - تعني أنه كان يجيب عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويشفي صدره من أعدائه - وقد عمي، وإني لأرجو ألا يعذب في الآخرة.
وروي عن عائشة قالت: قدم رسول الله المدينة، فهجته قريش، وهجوا معه الأنصار. فقال لحسان: اهجهم، وإني أخاف أن تصيبني معهم بهجو بني عمي.
قال: لأسلنك منهم سل الشعرة من العجين، ولي مقول يفري ما لا تفريه الحربة. ثم أخرج لسانه، فضرب به أنفه، كأنه لسان شجاع بطرفه شامة سوداء، ثم ضرب به ذقنه.
يحيى بن أيوب: حدثنا عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة: أن حسان قال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني هذا. ثم أطلع لسانه، كأنه لسان حية.
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن لي فيهم نسبا، فائت أبا بكر، فإنه أعلم قريش بأنسابها، فيخلص لك نسبي. قال: والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم ونسبك سل الشعرة من العجين. فهجاهم. فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لقد شفيت واشتفيت.(أعلام/1547)
محمد بن السائب بن بركة، عن أمه: أنها طافت مع عائشة، ومعها نسوة، فوقعن في حسان، فقالت: لا تسبوه، قد أصابه ما قال الله: أولئك لهم عذاب أليم وقد عمي، والله إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بكلمات قالهن لأبي سفيان بن الحارث:
هجوت محمدا فأجبت عنه
وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء
أتهجوه ولست له بكفء
فشركما لخيركما الفداء
عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: اهج قريشا، فإنه أشد عليهم من رشق النبل.
وسمعته يقول: هجاهم حسان، فشفى.
قال حسان: هجوت محمدا. . . فذكر أبياته، ومنها:
ثكلت بنيتي إن لم تروها
تثير النقع موعدها كداء
ينازعن الأعنة مصعدات
على أكتافها الأسل الظماء
تظل جيادها متمطرات
يلطمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتم عنا اعتمرنا
وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم
يعز الله فيه من يشاء
وقال الله قد أرسلت عبدا
يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله قد سيرت جندا
هم الأنصار عرضتها اللقاء
يلاقوا كل يوم من معد
سبابا أو قتالا أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منكم
ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا
وروح القدس ليس له كفاء
أبو الضحى، عن مسروق، قال: كنت عند عائشة، فدخل حسان - بعدما عمي- فقال:
حصان رزان ما تزن بريبة
وتصبح غرثي من لحوم الغوافل
فقالت: لكن أنت لست كذاك. فقلت لها: تأذنين له، وقد قال الله: والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فقالت: وأي عذاب أشد من العمى.
وقالت: إنه كان ينافح، أو يهاجي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.(أعلام/1548)
وعن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في حسان: لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق.
هذا حديث منكر، من " مسند " الروياني، من رواية أبي ثمامة - مجهول- عن عمر بن إسماعيل - مجهول- عن هشام بن عروة. وله شويهد، رواه الواقدي، عن سعيد بن أبي زيد الأنصاري، عن رجل، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة، سمع حمزة بن عبد الله بن عمر، سمع عائشة تقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: حسان حجاز بين المؤمنين والمنافقين، لا يحبه منافق، ولا يبغضه مؤمن.
فهذا اللفظ أشبه. ويبقى قسم ثالث، وهو حبه، سكت عنه.
حديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، قال: قيل لابن عباس قدم حسان اللعين. فقال ابن عباس: ما هو بلعين، قد جاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بنفسه ولسانه.
قلت: هذا دال على أنه غزا.
عبدة بن سليمان، عن أبي حيان التيمي، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: أنشد حسان النبي، صلى الله عليه وسلم:
شهدت بإذن الله أن محمدا
رسول الذي فوق السماوات من عل
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما
له عمل من ربه متقبل
وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم
يقول بذات الله فيهم ويعدل
فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: وأنا.
هذا مرسل. وروى أبو غسان النهدي: حدثنا عمر بن زياد، عن عبد الملك بن عمير: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنشده حسان. فذكرها وزاد:
وأن الذي عادى اليهود ابن مريم
نبي أتى من عند ذي العرش مرسل
قال ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، وعبد الله بن حزم: إن حسان لما قال هذه الأبيات:
منع النوم بالعشاء الهموم
وخيال إذا تغور النجوم
من حبيب أصاب قلبك منه
سقم فهو داخل مكتوم
يا لقوم هل يقتل المرء مثلي
واهن البطش والعظام سؤوم
شأنها العطر والفراش ويعلوها
لجين ولؤلؤ منظوم(أعلام/1549)
لو يدب الحولي من ولد الذر
عليها لأندبتها الكلوم
لم تفقها شمس النهار بشيء
غير أن الشباب ليس يدوم
زاد بعضهم:
رب حلم أضاعه عدم المال
وجهل غطى عليه النعيم
نادى بأعلى صوته على أطمة فارع: يا بني قيلة، فلما اجتمعوا، قالوا: ما لك ويلك؟ قال: قلت قصيدة لم يقل أحد من العرب مثلها، ثم أنشدها لهم، فقالوا: ألهذا جمعتنا؟ فقال: وهل يصبر من به وحر الصدر.
الأصمعي وغيره، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، قال: كان الغناء يكون في العريسات، ولا يحضره شيء من السفه كاليوم، كان في بني نبيط مدعاة كان فيها حسان بن ثابت وابنه - وقد عمي - وجاريتان تنشدان:
انظر خليلي بباب جلق
هل تؤنس دون البلقاء من أحد
أجمال شعثاء إذ ظعن من المحبس
بين الكثبان والسند
فجعل حسان يبكي وهذا شعره، وابنه يقول للجارية: زيدي، وفيه:
يحملن حور العيون ترفل في الريط
حسان الوجوه كالبرد
من دون بصرى وخلفها جبل الثلج
عليه السحاب كالقدد
والبدن إذ قربت لمنحرها
حلفة بر اليمين مجتهد
ما حلت عن عهد ما علمت ولا
أحببت حبي إياك من أحد
أهوى حديث الندمان في وضح الفجر
وصوت المسامر الغرد
فطرب حسان، وبكى.
قال ابن الكلبي: كان حسان لسنا شجاعا ; فأصابته علة أحدثت فيه الجبن.
قال سليمان بن يسار رأيت حسان له ناصية قد سدلها بين عينيه.(أعلام/1550)
إسحاق الفروي، وآخر، عن أم عروة بنت جعفر بن الزبير بن العوام، عن أبيها، عن جدها، قال: لما خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نساءه يوم أحد خلفهن في فارع وفيهن صفية بنت عبد المطلب، وخلف فيهن حسان ; فأقبل رجل من المشركين ليدخل عليهن. فقالت صفية لحسان: عليك الرجل. فجبن، وأبى عليها. فتناولت السيف، فضربت به المشرك حتى قتلته. فأخبر بذلك ; فضرب لها بسهم.
- وزاد الفروي فيه: أنه قال: لو كان ذاك في، لكنت مع رسول الله.
قالت: فقطعت رأسه، وقلت لحسان: قم، فاطرحه على اليهود، وهم تحت الحصن. قال: والله ما ذاك في. فأخذت رأسه، فرميت به عليهم. فقالوا: قد علمنا والله إن هذا لم يكن ليترك أهله خلوفا، ليس معهم أحد. فتفرقوا.
فقوله: " يوم أحد " وهم.
وروى نحوه ابن إسحاق: حدثنا يحيى بن عباد، عن أبيه، وفيه: فقالت لحسان: قم فاسلبه، فإني امرأة وهو رجل. فقال: ما لي بسلبه يا بنت عبد المطلب من حاجة.
وروى يونس بن بكير، عن هشام، عن أبيه، عن صفية، مثله.
قال ابن إسحاق: توفي حسان سنة أربع وخمسين وأما الهيثم بن عدي، والمدائني فقالا: توفي سنة أربعين.
قلت: له وفادة على جبلة بن الأيهم، وعلى معاوية.
قال ابن سعد: توفي زمن معاوية.(أعلام/1551)
حسان بن عطية (ع)
الإمام الحجة أبو بكر المحاربي مولاهم الدمشقي. حدث عن أبي أمامة الباهلي، وسعيد بن المسيب، وأبي كبشة السلولي، وأبي الأشعث الصنعاني، ومحمد بن أبي عائشة وطائفة. حدث عنه الأوزاعي، وأبو معيد حفص بن غيلان، وأبو غسان محمد بن مطرف. وقد أخطأ من زعم أن الوليد بن مسلم روى عنه، أنى يكون ذلك؟ ! وقال الأوزاعي: ما رأيت أحدا أكثر عملا في الخير من حسان بن عطية. وقيل: كان حسان من أهل بيروت. وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين. وقد رمي بالقدر قال مروان بن محمد الطاطري، عن سعيد بن عبد العزيز ذلك، فبلغ الأوزاعي كلام سعيد فيه، فقال: ما أغر سعيدا بالله، ما أدركت أحدا أشد اجتهادا، ولا أعمل من حسان بن عطية. ضمرة، عن رجاء بن أبي سلمة، سمع يونس بن سيف، يقول: ما بقي من القدرية إلا كبشان: أحدهما حسان بن عطية. وروى عقبة بن علقمة، عن الأوزاعي، وذكر شيئا من مناقب حسان. الوليد بن مزيد: سمعت الأوزاعي يقول: كان لحسان غنم، فسمع ما جاء في المنائح فتركها. فقلت: كيف الذي سمع؟ قال: يوم له ويوم لجاره. وروى عبد الملك الصنعاني، عن الأوزاعي، قال: كان حسان بن عطية إذا صلى العصر، يذكر الله -تعالى- في المسجد حتى تغيب الشمس.
ومن دعائه: اللهم إني أعوذ بك أن أتعزز بشيء من معصيتك، وأن أتزين للناس بما يشينني عندك.
بقي حسان إلى حدود سنة ثلاثين ومائة قال يحيى بن معين: كان قدريا. قلت: لعله رجع وتاب.(أعلام/1552)
حسين المعلم (ع)
هو أبو عبد الله الحسين بن ذكوان، العوذي، البصري، المؤدب.
حدث عن عبد الله بن بريدة، وعطاء بن أبي رباح، وبديل بن ميسرة، وعمرو بن شعيب، ويحيى بن أبي كثير، وقتادة، وطائفة سواهم.
حدث عنه: إبراهيم بن طهمان، وعبد الله بن المبارك، وغندر، وعبد الوارث بن سعيد، ويحيى بن سعيد القطان ويزيد بن زريع، وروح بن عبادة وآخرون.
وثقه أبو حاتم الرازي، والنسائي، والناس. وقد ذكره العقيلي في كتاب " الضعفاء " له بلا مستند. وقال: هو مضطرب الحديث. وقال أبو بكر بن خلاد: سمعت يحيى بن سعيد القطان -وذكر حسينا المعلم - فقال: فيه اضطراب. قلت: الرجل ثقة. وقد احتج به صاحبا " الصحيحين " ومات في حدود سنة خمسين ومائة وذكر له العقيلي حديثا واحدا تفرد بوصله، وغيره من الحفاظ أرسله. فكان ماذا؟ فليس من شرط الثقة أن لا يغلط أبدا. فقد غلط شعبة، ومالك، وناهيك بهما ثقة ونبلا، وحسين المعلم ممن وثقه يحيى بن معين، ومن تقدم مطلقا، وهو من كبار أئمة الحديث. والله أعلم.(أعلام/1553)
حفص بن غياث (ع)
ابن طلق بن معاوية بن مالك بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن جشم بن وهبيل بن سعد بن مالك بن النخع.
الإمام الحافظ العلامة القاضي أبو عمر النخعي الكوفي، قاضي الكوفة، ومحدثها، وولي القضاء ببغداد أيضا.
مولده سنة سبع عشرة ومائة.
وسمع من: عاصم الأحول، وسليمان التيمي، ويحيى بن سعيد، وهشام بن عروة، ويزيد بن أبي عبيد، والعلاء بن المسيب، والأعمش، ومحمد بن زيد بن المهاجر، وابن جريج، وأبي إسحاق الشيباني، وأبي مالك الأشجعي، وحبيب بن أبي عمرة، وبريد بن عبد الله بن أبي بردة، وعبيد الله بن عمر، وليث بن أبي سليم، وهشام بن حسان، والعلاء بن خالد، وجده طلق، وخلق سواهم.
وعنه: يحيى بن سعيد القطان رفيقه، وابن مهدي، وابن عمه طلق بن غنام، وابنه عمر بن حفص، ويحيى بن يحيى، وأحمد، وإسحاق، ويحيى، وعلي، وابنا أبي شيبة، وأحمد الدورقي، وسفيان بن وكيع، وسلم بن جنادة، وسهل بن زنجلة، وصدقة بن الفضل، وأبو سعيد الأشج، وعلي بن خشرم، وعمرو الناقد، وابن نمير، وهارون بن إسحاق، وهناد، وأبو كريب، وأبو هشام الرفاعي، وأمم سواهم، آخرهم أحمد بن عبد الجبار العطاردي.
قال أحمد بن كامل: ولى الرشيد قضاء الشرقية ببغداد حفصا، ثم نقله إلى قضاء الكوفة.
قال أبو جعفر الجمال: آخر القضاة بالكوفة حفص بن غياث، يعني الأكابر.
وقال يحيى بن معين وغيره: ثقة.
قال عبد الخالق بن منصور: سئل يحيى: أيهما أحفظ: ابن إدريس أو حفص؟ فقال: ابن إدريس كان حافظا، وكان حفص صاحب حديث، له معرفة. قيل: فابن فضيل؟ قال: كان ابن إدريس أحفظ.
وقال العجلي: ثقة مأمون فقيه كان وكيع ربما يسأل عن الشيء، فيقول: اذهبوا إلى قاضينا، فاسألوه وكان شيخا عفيفا مسلما.
وقال يعقوب بن شيبة: حفص ثقة ثبت إذا حدث من كتابه، ويتقى بعض حفظه.(أعلام/1554)
وروي عن يحيى القطان قال: حفص أوثق أصحاب الأعمش.
وقال محمد بن عبد الله بن نمير: حفص أعلم بالحديث من ابن إدريس.
أبو حاتم، عن أحمد بن أبي الحواري، قال: حدثت وكيعا بحديث، فعجب، فقال: من جاء به؟ قلت: حفص بن غياث، قال: إذا جاء به أبو عمر، فأي شيء نقول نحن؟
وقال أبو زرعة: ساء حفظه بعدما استقضي، فمن كتب عنه من كتابه، فهو صالح.
وقال أبو حاتم: هو أتقن وأحفظ من أبي خالد الأحمر.
محمد بن عبد الرحيم صاعقة، عن ابن المديني قال: كان يحيى يقول: حفص ثبت، قلت: إنه يهم؟ فقال: كتابه صحيح.
قال يحيى: لم أر بالكوفة مثل هؤلاء الثلاثة: حزام، وحفص، وابن أبي زائدة، كان هؤلاء أصحاب حديث. قال علي: فلما أخرج حفص كتبه، كان كما قال يحيى، إذا فيها أخبار وألفاظ.
عباس، عن يحيى، قال: حفص أثبت من عبد الواحد بن زياد، وأثبت من ابن إدريس.
وقال النسائي وغيره: ثقة.
وقال ابن معين: جميع ما حدث به حفص ببغداد والكوفة إنما هو من حفظه، ولم يخرج كتابا، كتبوا عنه ثلاثة آلاف حديث أو أربعة آلاف من حفظه.
وقال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يقدم بعد الكبار من أصحاب الأعمش غير حفص بن غياث، وكان عيسى بن شاذان يقدم حفصا، وبعض الحفاظ قدم أبا معاوية.
وقال داود بن رشيد: حفص كثير الغلط.(أعلام/1555)
وقال ابن عمار: كان حفص لا يرد على أحد حرفا، يقول: لو كان قلبك فيه، لفهمته. وكان عسرا في الحديث جدا، لقد استفهمه إنسان حرفا في الحديث، فقال: والله لا سمعتها مني، وأنا أعرفك. وقلت له: ما لكم! حديثكم عن الأعمش إنما هو عن فلان عن فلان، ليس فيه: حدثنا ولا سمعت؟ قال: فقال: حدثنا الأعمش قال: سمعت أبا عمار عن حذيفة يقول: ليأتين أقوام يقرءون القرآن، يقيمونه إقامة القدح، لا يدعون منه ألفا ولا واوا، ولا يجاوز إيمانهم حناجرهم. قال: وذكر حديثا آخر مثله، قال: وكان عامة حديث الأعمش عند حفص على الخبر والسماع.
قال ابن عمار: وكان بشر الحافي إذا جاء إلى حفص بن غياث، وإلى أبي معاوية، اعتزل ناحية ولا يسمع منهما، فقلت له؟ فقال: حفص هو قاض، وأبو معاوية مرجئ يدعو إليه، وليس بيني وبينهم عمل.
قال إبراهيم بن مهدي: سمعت حفص بن غياث، وهو قاض بالشرقية يقول لرجل يسأل عن مسائل القضاء: لعلك تريد أن تكون قاضيا؟ لأن يدخل الرجل أصبعه في عينه، فيقتلعها، فيرمي بها، خير له من أن يكون قاضيا.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: سمعت حفص بن غياث يقول: والله ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة.
ومات يوم مات ولم يخلف درهما، وخلف عليه تسعمائة درهم دينا.
قال سجادة كان يقال: ختم القضاء بحفص بن غياث.
قال سعيد بن سعيد الحارثي، عن طلق بن غنام قال: خرج حفص يريد الصلاة، وأنا خلفه في الزقاق، فقامت امرأة حسناء، فقالت: أصلح الله القاضي، زوجني، فإن إخوتي يضرون بي، فالتفت إلي، وقال: يا طلق! اذهب، فزوجها إن كان الذي يخطبها كفؤا، فإن كان يشرب النبيذ حتى يسكر، فلا تزوجه، وإن كان رافضيا، فلا تزوجه. فقلت: لم قلت هذا؟ قال: إن كان رافضيا، فإن الثلاث عنده واحدة، وإن كان يشرب النبيذ حتى يسكر، فهو يطلق ولا يدري.(أعلام/1556)
وعن وكيع، قال: أهل الكوفة اليوم بخير، أميرهم داود بن عيسى، وقاضيهم حفص بن غياث، ومحتسبهم حفص الدورقي.
وقال محمد بن أبي صفوان الثقفي: سمعت معاذ بن معاذ يقول: ما كان أحد من القضاة يأتيني كتابه أحب إلي من كتاب حفص، وكان إذا كتب إلي، كتب: أما بعد، أصلحنا الله وإياك بما أصلح به عباده الصالحين، فإنه هو الذي أصلحهم. فكان ذلك يعجبني من كتابه.
قال يحيى بن زكريا بن حيويه: قدم إلينا محمد بن طريف البجلي رطبا، فسألنا أن نأكل، فأبيت عليه، فقال: سمعت حفص بن غياث يقول: من لم يأكل طعامنا، لم نحدثه.
قال عمر بن حفص: سمعت أبي يقول: مررت بطاق اللحامين، فإذا بعليان جالس، فسمعته يقول: من أراد سرور الدنيا وحزن الآخرة، فليتمن ما هذا فيه , فوالله لقد تمنيت أني كنت مت قبل أن ألي القضاء.
وقال بشر الحافي: قال حفص بن غياث: لو رأيت أني أسر بما أنا فيه، لهلكت.(أعلام/1557)
أخبرنا المسلم بن محمد في كتابه، أخبرنا الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا القاضي أبو الطيب وابن روح، قالا: أخبرنا المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن مخلد، حدثني أبو علي بن علان إملاء سنة 266، حدثني يحيى بن الليث، قال: باع رجل من أهل خراسان جمالا بثلاثين ألف درهم من مرزبان المجوسي وكيل أم جعفر، فمطله بثمنها، وحبسه، فطال ذلك على الرجل، فأتى بعض أصحاب حفص بن غياث، فشاوره، فقال: اذهب إليه، فقل له: أعطني ألف درهم، وأحيل عليك بالمال الباقي، وأخرج إلى خراسان، فإذا فعل هذا، فالقني حتى أشير عليك. ففعل الرجل، وأعطاه مرزبان ألف درهم. قال: فأخبره. فقال: عد إليه، فقل: إذا ركبت غدا، فطريقك على القاضي، تحضر، وأوكل رجلا يقبض المال، وأخرج. فإذا جلس إلى القاضي، فادع عليه بمالك، فإذا أقر، حبسه حفص، وأخذت مالك. فرجع إلى مرزبان، وسأله، فقال: انتظرني بباب القاضي فلما ركب من الغد، وثب إليه الرجل، فقال: إن رأيت أن تنزل إلى القاضي حتى أوكل بقبض المال، وأخرج. فنزل مرزبان، فتقدما إلى حفص بن غياث، فقال الرجل: أصلح الله القاضي، لي على هذا الرجل تسعة وعشرون ألف درهم، فقال حفص: ما تقول يا مجوسي؟ قال: صدق، أصلح الله القاضي. قال: ما تقول يا رجل فقد أقر لك؟ قال: يعطيني مالي. فقال ما تقول؟ قال: هذا المال على السيدة. قال: أنت أحمق تقر ثم تقول: هو على السيدة! ما تقول يا رجل؟ .(أعلام/1558)
قال: أصلح الله القاضي، إن أعطاني مالي، وإلا حبسته. قال: ما تقول يا مجوسي؟ قال: المال على السيدة. قال القاضي: خذوا بيده إلى الحبس. فلما حبس، بلغ الخبر أم جعفر، فغضبت، وبعثت إلى السندي: وجه إلي مرزبان - وكانت القضاة تحبس الغرماء في الحبس - فعجل السندي، فأخرجه، وبلغ حفصا الخبر، فقال: أحبس أنا ; ويخرج السندي! ! لا جلست أو يرد مرزبان الحبس. فجاء السندي إلى أم جعفر، فقال: الله الله في، إنه حفص بن غياث، وأخاف من أمير المؤمنين أن يقول لي: بأمر من أخرجت؟ رديه إلى الحبس، وأنا أكلم حفصا في أمره. فأجابته، فرجع مرزبان إلى الحبس، فقالت أم جعفر لهارون: قاضيك هذا أحمق، حبس وكيلي، واستخف به، فمره لا ينظر في الحكم، وتولي أمره إلى أبي يوسف، فأمر لها بالكتاب، وبلغ حفصا الخبر، فقال للرجل: أحضرني شهودا حتى أسجل لك على المجوسي بالمال، فجلس حفص، فسجل على المجوسي بالمال، وورد كتاب هارون مع خادم له، فقال: هذا كتاب أمير المؤمنين، قال: مكانك، نحن في شيء حتى نفرغ منه. فقال: كتاب أمير المؤمنين. قال: انظر ما يقال لك. فلما فرغ حفص من السجل، أخذ الكتاب من الخادم، فقرأه، فقال: اقرأ على أمير المؤمنين السلام، وأخبره أن كتابه ورد، وقد أنفذت الحكم.(أعلام/1559)
فقال الخادم: قد والله عرفت ما صنعت ; أبيت أن تأخذ كتاب أمير المؤمنين حتى تفرغ مما تريد، والله لأخبرنه بما فعلت، قال له: قل له ما أحببت، فجاء الخادم، فأخبر هارون، فضحك، وقال للحاجب: مر لحفص بثلاثين ألف درهم، فركب يحيى بن خالد، فاستقبل حفصا منصرفا من مجلس القضاء، فقال: أيها القاضي، قد سررت أمير المؤمنين اليوم، وأمر لك بمال، فما كان السبب في هذا؟ قال: تمم الله سرور أمير المؤمنين، وأحسن حفظه وكلاءته، ما زدت على ما أفعل كل يوم قال: على ذلك؟ قال: ما أعلم إلا أن يكون سجلت على مرزبان المجوسي بما وجب عليه. قال: فمن هذا سر أمير المؤمنين. فقال حفص: الحمد لله كثيرا. فقالت أم جعفر لهارون: لا أنا ولا أنت إلا أن تعزل حفصا، فأبى عليها، ثم ألحت عليه، فعزله عن الشرقية، وولاه قضاء الكوفة، فمكث عليها ثلاث عشرة سنة.
قال: وكان أبو يوسف لما ولي حفص، قال لأصحابه: تعالوا نكتب نوادر حفص، فلما وردت أحكامه وقضاياه على أبي يوسف، قال له أصحابه: أين النوادر التي زعمت تكتبها؟ ، قال: ويحكم، إن حفصا أراد الله، فوفقه.
قال أحمد بن حنبل: رأيت مقدم فم حفص بن غياث مضببة أسنانه بالذهب.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول في حديث حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: خمروا وجوه موتاكم، ولا تشبهوا باليهود فأنكره أبي،
وقال: أخطأ، قد حدثناه حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء مرسلا.
وسئل يحيى بن معين عن حديث لحفص بن غياث، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: كنا نأكل ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نمشي فقال: لم يحدث به إلا حفص، كأنه وهم فيه، سمع حديث عمران بن حدير، فغلط بهذا.
ويروى عن أحمد أنه قال: كان حفص يخلط في حديثه.(أعلام/1560)
قلت: احتج بهذه الكلمة بعض قضاتنا على أن حفصا لا يحتج به في تفرده عن رفاقه بخبر: فينادى بصوت إن الله يأمرك أن تبعث بعثا إلى النار فهذه اللفظة ثابتة في " صحيح البخاري " وحفص فحجة، والزيادة من الثقة فمقبولة، والله أعلم.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بقراءتي، أخبرنا أحمد بن يوسف الدقاق، والفضل بن عبد الله، قالا: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر القاضي، وقرأت على أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا يوسف بن أيوب الزاهد قالا: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد البزاز، أخبرنا علي بن عمر الحربي، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أقال مسلما عثرته، أقاله الله عز وجل يوم القيامة.
أخرجه أبو داود عن يحيى، فوقع موافقة عالية، ورواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند عن يحيى، وهو يعد في أفراد يحيى بن معين.
أنبأنا الخضر بن عبد السلام الجويني، وأحمد بن عبد السلام، وأحمد بن أبي الخير إجازة، عن عبد المنعم بن كليب، وقرأت على محمود بن أبي بكر اللغوي، أخبرنا النجيب عبد اللطيف بن الصيقل، أخبرنا ابن كليب، أخبرنا علي بن أحمد الرزاز، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني حفص بن غياث، عن حجاج بن أرطاة، عن محمد بن عبد العزيز الراسبي، عن مولى لأبي بكرة، عن أبي بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ذنبان يعجلان، ولا يغفران: البغي وقطيعة الرحم.(أعلام/1561)
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا سالم بن الحسن، أخبرنا نصر الله القزاز، أخبرنا أبو سعد بن خشيش، أخبرنا أبو علي بن شاذان، أخبرنا أبو عمرو بن السماك، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا حفص بن غياث، حدثنا الحجاج، عن معروف، قال: خرجنا بأكلب لنا، فاستقبلنا عبد الله بن عمر فقال: إذا أرسلتموها، فقولوا: بسم الله، اللهم اهد صدورها.
قال هارون بن حاتم: سمعت حفص بن غياث يقول: ولدت سنة سبع عشرة ومائة.
قال هارون: وفلج حفص حين مات ابن إدريس، فمكث في البيت إلى أن مات سنة أربع وتسعين ومائة في العشر، وصلى عليه الفضل بن العباس أمير الكوفة يومئذ.
وفيها أرخ موته خليفة، وابن نمير، وأبو سعيد الأشج، والعطاردي.
وأما سلم بن جنادة، فقال: مات سنة خمس وتسعين.
وقال محمد بن المثنى وأبو حفص الفلاس: مات سنة ست وتسعين. والصحيح الأول.(أعلام/1562)
حفصة أم المؤمنين (ع)
الستر الرفيع، بنت أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء عدتها من خنيس بن حذافة السهمي أحد المهاجرين، في سنة ثلاث من الهجرة.
قالت عائشة: هي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم -.
وروي أن مولدها كان قبل المبعث بخمس سنين فعلى هذا يكون دخول النبي صلى الله عليه وسلم بها ولها نحو من عشرين سنة.
روت عنه عدة أحاديث.
روى عنها: أخوها ابن عمر، وهي أسن منه بست سنين، وحارثة بن وهب، وشتير بن شكل والمطلب بن أبي وداعة، وعبد الله بن صفوان الجمحي، وطائفة.
وكانت لما تأيمت، عرضها أبوها على أبي بكر، فلم يجبه بشيء؛ وعرضها على عثمان، فقال: بدا لي ألا أتزوج اليوم، فوجد عليهما، وانكسر، وشكا حاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان؛ ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة، ثم خطبها، فزوجه عمر.
وزوج رسول الله عثمان بابنته رقية بعد وفاة أختها.
ولما أن زوجها عمر، لقيه أبو بكر، فاعتذر، وقال: لا تجد علي، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد ذكر حفصة؛ فلم أكن لأفشي سره، ولو تركها، لتزوجتها.
وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم، طلق حفصة تطليقة، ثم راجعها بأمر جبريل - عليه السلام - له بذلك، وقال: إنها صوامة، قوامة، وهي زوجتك في الجنة إسناده صالح. يرويه موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر الجهني.
وحفصة، وعائشة هما اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله فيهما: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل الآية.(أعلام/1563)
موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة، قال: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة؛ فبلغ ذلك عمر، فحثا على رأسه التراب، وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته، فنزل جبريل من الغد، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر رضي الله عنهما.
توفيت حفصة سنة إحدى وأربعين عام الجماعة.
وقيل: توفيت سنة خمس وأربعين بالمدينة وصلى عليها والي المدينة مروان. قاله الواقدي، عن معمر، عن الزهري، عن سالم.
ومسندها في كتاب بقي بن مخلد ستون حديثا.
اتفق لها الشيخان على أربعة أحاديث. وانفرد مسلم بستة أحاديث.
ويروى عن عمر: أن حفصة ولدت إذ قريش تبني البيت.
وقيل: بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة ثلاث.
قال الواقدي: حدثني علي بن مسلم، عن أبيه: رأيت مروان فيمن حمل سرير حفصة؛ وحملها أبو هريرة من دار المغيرة إلى قبرها.
حماد بن سلمة: أخبرنا أبو عمران الجوني، عن قيس بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم، طلق حفصة؛ فدخل عليها خالاها: قدامة، وعثمان؛ فبكت، وقالت: والله ما طلقني عن شبع. وجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قال لي جبريل: راجع حفصة فإنها صوامة، قوامة، وإنها زوجتك في الجنة.
وروى نحوه من كلام جبريل الحسن بن أبي جعفر، عن ثابت، عن أنس، مرفوعا.(أعلام/1564)
حكيم بن حزام (ع)
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو خالد القرشي الأسدي. أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه. وغزا حنينا والطائف. وكان من أشراف قريش، وعقلائها، ونبلائها وكانت خديجة عمته، وكان الزبير ابن عمه.
حدث عنه: ابناه هشام الصحابي وحزام، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وسعيد بن المسيب، وعروة، وموسى بن طلحة، ويوسف بن ماهك، وآخرون. وعراك بن مالك، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، فأظن رواية هؤلاء عنه مرسلة. وقدم دمشق تاجرا. قيل: إنه كان إذا اجتهد في يمينه، قال: لا والذي نجاني يوم بدر من القتل. قال إبراهيم بن المنذر: عاش مائة وعشرين سنة. وولد قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة.
وقال أحمد بن البرقي: كان من المؤلفة، أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - من غنائم حنين مائة بعير، فيما ذكر ابن إسحاق. وأولاده هم: هشام، وخالد، وحزام، وعبد الله، ويحيى، وأم سمية، وأم عمرو، وأم هشام. وقال البخاري في " تاريخه ": عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام. قلت: لم يعش في الإسلام إلا بضعا وأربعين سنة. قال عروة عمن حدثه: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا حكيم، إن الدنيا خضرة حلوة قال: فما أخذ حكيم من أبي بكر، ولا ممن بعده ديوانا ولا غيره. وقيل: قتل أبوه يوم الفجار الأخير.
قال ابن منده: ولد حكيم في جوف الكعبة، وعاش مائة وعشرين سنة. مات سنة أربع وخمسين.
روى الزبير، عن مصعب بن عثمان قال: دخلت أم حكيم في نسوة الكعبة، فضربها المخاض، فأتيت بنطع حين أعجلتها الولادة، فولدت في الكعبة. وكان حكيم من سادات قريش. قال الزبير: كان شديد الأدمة، خفيف اللحم.(أعلام/1565)
مسند أحمد: حدثنا عتاب بن زياد، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا الليث، حدثني عبيد الله بن المغيرة، عن عراك بن مالك أن حكيم بن حزام قال: كان محمد - صلى الله عليه وسلم - أحب الناس إلي في الجاهلية، فلما نبئ وهاجر، شهد حكيم الموسم كافرا، فوجد حلة لذي يزن تباع ; فاشتراها بخمسين دينارا ليهديها إلى رسول الله، فقدم بها عليه المدينة، فأراده على قبضها هدية، فأبى. قال عبيد الله: حسبته قال: إنا لا نقبل من المشركين شيئا، ولكن إن شئت بالثمن قال: فأعطيته حين أبى علي الهدية.
رواه الطبراني: حدثنا مطلب بن شعيب، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث، فالطبراني وأحمد فيه طبقة. وفي رواية ابن صالح زيادة: فلبسها، فرأيتها عليه على المنبر، فلم أر شيئا أحسن منه يومئذ فيها، ثم أعطاها أسامة فرآها حكيم على أسامة، فقال: يا أسامة! أتلبس حلة ذي يزن؟ قال: نعم، والله لأنا خير منه، ولأبي خير من أبيه. فانطلقت إلى مكة، فأعجبتهم بقوله.
الواقدي، عن الضحاك بن عثمان، عن أهله قالوا: قال حكيم: كنت تاجرا أخرج إلى اليمن وآتي الشام، فكنت أربح أرباحا كثيرة، فأعود على فقراء قومي. وابتعت بسوق عكاظ زيد بن حارثة لعمتي بستمائة درهم، فلما تزوج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهبته زيدا، فأعتقه. فلما حج معاوية، أخذ معاوية مني داري بمكة بأربعين ألف دينار، فبلغني أن ابن الزبير قال: ما يدري هذا الشيخ ما باع، فقلت: والله ما ابتعتها إلا بزق من خمر. وكان لا يجيء أحد يستحمله في السبيل إلا حمله.(أعلام/1566)
الزبير: أخبرنا إبراهيم بن حمزة قال: كان مشركو قريش لما حصروا بني هاشم في الشعب، كان حكيم تأتيه العير بالحنطة فيقبلها الشعب، ثم يضرب أعجازها، فتدخل عليهم، فيأخذون ما عليها. عن ابن جريج، عن عطاء ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لما قرب من مكة: " أربعة أربأ بهم عن الشرك، عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو.
قلت: أسلموا وحسن إسلامهم.
حماد بن سلمة، عن هشام، عن أبيه ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الفتح: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم بن حزام، فهو آمن، ومن دخل دار بديل بن ورقاء فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.
ابن أبي خيثمة: حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن أبا سفيان، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، أسلموا وبايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعثهم إلى أهل مكة يدعونهم إلى الإسلام.
معمر، عن الزهري، عن سعيد وعروة ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى حكيما يوم حنين فاستقله، فزاده، فقال: يا رسول الله! أي عطيتك خير؟ قال: الأولى. وقال: يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس وحسن أكلة، بورك له فيه، ومن أخذه باستشراف نفس وسوء أكلة، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع " قال: ومنك يا رسول الله؟ قال: ومني قال: فوالذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا. قال: فلم يقبل ديوانا ولا عطاء حتى مات. فكان عمر يقول: اللهم إني أشهدك على حكيم أني أدعوه لحقه وهو يأبى. فمات حين مات، وإنه لمن أكثر قريش مالا. رواه هكذا عبد الرزاق ورواه الواقدي عن معمر ; وفيه: قالا حدثنا حكيم.
هشام بن عروة، عن أبيه، عن حكيم: أعتقت في الجاهلية أربعين محررا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أسلمت على ما سلف لك من خير.(أعلام/1567)
لفظ ابن عيينة.
أبو معاوية، عن هشام بهذا، وفيه: أسلمت على صالح ما سلف لك. فقلت: يا رسول الله، لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية إلا صنعت لله في الإسلام مثله وكان أعتق في الجاهلية مائة رقبة، وأعتق في الإسلام مثلها. وساق في الجاهلية مائة بدنة، وفي الإسلام مثلها. الزبير: أخبرنا مصعب بن عثمان ; سمعتهم يقولون: لم يدخل دار الندوة للرأي أحد حتى بلغ أربعين سنة، إلا حكيم بن حزام، فإنه دخل للرأي وهو ابن خمس عشرة. وهو أحد النفر الذين دفنوا عثمان ليلا. يحيى بن بكير: حدثنا عبد الحميد بن سليمان، سمعت مصعب بن ثابت يقول: بلغني - والله - أن حكيم بن حزام حضر يوم عرفة، ومعه مائة رقبة، ومائة بدنة، ومائة بقرة، ومائة شاة، فقال: الكل لله. وعن أبي حازم قال: ما بلغنا أنه كان بالمدينة أكثر حملا في سبيل الله من حكيم.(أعلام/1568)
وقيل: إن حكيما باع دار الندوة من معاوية بمائة ألف. فقال له ابن الزبير: بعت مكرمة قريش، فقال: ذهبت المكارم يا ابن أخي إلا التقوى، إني اشتريت بها دارا في الجنة، أشهدكم أني قد جعلتها لله. الوليد بن مسلم: حدثنا شعبة قال: لما توفي الزبير، لقي حكيم عبد الله بن الزبير، فقال: كم ترك أخي من الدين؟ قال: ألف ألف، قال: علي خمسمائة ألف. مصعب بن عبد الله، عن أبيه، قال ابن الزبير: قتل أبي، وترك دينا كثيرا، فأتيت حكيم بن حزام أستعين برأيه، فوجدته يبيع بعيرا. . . الحديث. الأصمعي: حدثنا هشام بن سعد صاحب المحامل، عن أبيه قال: قال حكيم بن حزام: ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة، إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها. قال الهيثم، والمدائني، وأبو عبيد، وشباب: مات سنة أربع وخمسين - رضي الله عنه. وقيل: إنه دخل على حكيم عند الموت وهو يقول: لا إله إلا الله قد كنت أخشاك، وأنا اليوم أرجوك. وكان حكيم علامة بالنسب فقيه النفس، كبير الشأن. يبلغ عدد مسنده أربعين حديثا، له في " الصحيحين " أربعة أحاديث متفق عليها.(أعلام/1569)
حماد بن أبي سليمان (4، قرنه م)
العلامة الإمام فقيه العراق، أبو إسماعيل بن مسلم الكوفي مولى الأشعريين، أصله من أصبهان.
روى عن أنس بن مالك، وتفقه بإبراهيم النخعي، وهو أنبل أصحابه وأفقههم، وأقيسهم وأبصرهم بالمناظرة والرأي، وحدث أيضا عن أبي وائل، وزيد بن وهب، وسعيد بن المسيب، وعامر الشعبي وجماعة. وليس هو بالمكثر من الرواية، لأنه مات قبل أوان الرواية، وأكبر شيخ له: أنس بن مالك، فهو في عداد صغار التابعين.
روى عنه تلميذه الإمام أبو حنيفة، وابنه إسماعيل بن حماد، والحكم بن عتيبة، وهو أكبر منه، والأعمش، وزيد بن أبي أنيسة، ومغيرة، وهشام الدستوائي، ومحمد بن أبان الجعفي، وحمزة الزيات، ومسعر بن كدام، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وحماد بن سلمة، وأبو بكر النهشلي، وخلق.
وكان أحد العلماء الأذكياء، والكرام الأسخياء، له ثروة وحشمة وتجمل.
قال محمد بن عبد الله بن نمير: كان أبو سليمان والد حماد مولى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه.
قال الحميدي: حدثنا سفيان قال: رأيت حماد بن أبي سليمان جاء إلى أبي طلحة الكحال يستنعته من شيء بعينه وهو على فرس، فرأيته أشهب اللحية.
قال ابن إدريس، عن أبي إسحاق الشيباني، عن عبد الملك بن إياس الشيباني: قال: قلت لإبراهيم النخعي: من نسأل بعدك؟ قال: حمادا، قال ابن إدريس: فما سمعت الشيباني ذكر حمادا إلا أثنى عليه.
قال ابن عون: رأيت حمادا وقد دخل على إبراهيم ومعه أطراف فجعل يسأل إبراهيم عنها، فقال له إبراهيم: ما هذا؟ ألم أنه عن هذا؟ فقال: إنما هي أطراف. روى منصور، عن إبراهيم قال: لا بأس بكتابة الأطراف، وروى شريك عن جامع أبي صخرة قال: رأيت حمادا يكتب عند إبراهيم، ويقول: إنا لا نريد بذلك دنيا، وعليه كساء أنبجاني.(أعلام/1570)
قال ابن عيينة: كان معمر يقول: لم أر من هؤلاء أفقه من الزهري وحماد، وقتادة.
قال ابن عيينة: وكان حماد أبصر بإبراهيم من الحكم.
ابن إدريس: سمعت أبي عن ابن شبرمة قال: ما أحد أمن علي بعلم من حماد.
أبو بكر بن عياش، عن مغيرة، قال: أتينا إبراهيم نعوده حين اختفى، فقال: عليكم بحماد، فإنه قد سألني عن جميع ما سألني عنه الناس. يحيى بن معين: حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: كنا نرى أن بعد إبراهيم الأعمش، حتى جاء حماد بما جاء به.
وقال شعبة: كان حماد ومغيرة أحفظ من الحكم، وقال يحيى بن سعيد: حماد أحب إلي من مغيرة.
وقال معمر: كنا نأتي أبا إسحاق فيقول: من أين جئتم؟ فنقول: من عند حماد، فيقول: ما قال لكم أخو المرجئة؟ فكنا إذا دخلنا على حماد، قال: من أين جئتم؟ قلنا: من عند أبي إسحاق، قال: الزموا الشيخ فإنه يوشك أن يطفى. قال: فمات حماد قبله.
قال معمر: قلت لحماد: كنت رأسا، وكنت إماما في أصحابك، فخالفتهم فصرت تابعا، قال: إني أن أكون تابعا في الحق خير من أن أكون رأسا في الباطل.
قلت: يشير معمر إلى أنه تحول مرجئا إرجاء الفقهاء، وهو أنهم لا يعدون الصلاة والزكاة من الإيمان، ويقولون: الإيمان إقرار باللسان، ويقين في القلب، والنزاع على هذا لفظي -إن شاء الله-، وإنما غلو الإرجاء من قال: لا يضر مع التوحيد ترك الفرائض، نسأل الله العافية.
روى حماد بن زيد أن حماد بن أبي سليمان قال: من أمن أن يستثقل ثقل.(أعلام/1571)
قال شعبة: سألت حماد بن أبي سليمان عن عين الأضحية يكون فيها البياض، فلم يكرهها. وسألته عن الرجل يحلف على الشيء كاذبا وهو يرى أنه صادق، قال: لا يكفر. وسألته عن التربع في الصلاة، فقال: لا بأس به. وسألت حمادا عن الرجل يسرق من بيت المال، فقال: يقطع. وسألته عن رجل قال: إن فارقت غريمي، فمالي عليه في المساكين، قال: ليس بشيء. وسألته عن الصفر بالحديد نسيئة.
قال مغيرة بن مقسم: قلت لإبراهيم: إن حمادا قد جلس يفتي، قال: وما يمنعه وقد سألني عما لم تسألني عن عشره؟ .
وقال شعبة: سمعت الحكم يقول: ومن فيهم مثل حماد يعني أهل الكوفة.
قال أبو إسحاق الشيباني: حماد بن أبى سليمان أفقه من الشعبي، ما رأيت أفقه من حماد، وقال شعبة: كان حماد صدوق اللسان لا يحفظ الحديث.
وقال النسائي: ثقة مرجئ.
وقال أبو حاتم الرازي: هو مستقيم في الفقه، فإذا جاء الأثر شوش.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان أفقه أصحاب إبراهيم، وكانت ربما تعتريه موتة وهو يحدث.
وبلغنا أن حمادا كان ذا دنيا متسعة، وأنه كان يفطر في شهر رمضان خمسمائة إنسان، وأنه كان يعطيهم بعد العيد لكل واحد مائة درهم.
وحديثه في كتب السنن، ما أخرج له البخاري، وخرج له مسلم حديثا واحدا مقرونا بغيره. ولا يلتفت إلى ما رواه أبو بكر بن عياش عن الأعمش، قال: حدثني حماد -وكان غير ثقة- عن إبراهيم وفي لفظ: وما كنا نثق بحديثه. وقال أبو بكر عن مغيرة: أنه ذكر له عن حماد شيئا، فقال: كذب.
يوسف بن موسى: حدثنا جرير، عن مغيرة قال: حج حماد بن أبي سليمان، فلما قدم أتيناه نسلم عليه فقال: أبشروا يا أهل الكوفة، فإني قدمت على أهل الحجاز، فرأيت عطاء وطاوسا ومجاهدا،. فصبيانكم بل صبيان صبيانكم أفقه منهم. قال مغيرة: فرأينا أن ذاك بغي منه.(أعلام/1572)
خلف بن خليفة عن أبي هاشم قال: أتيت حماد بن أبي سليمان فقلت: ما هذا الرأي الذي أحدثت لم يكن على عهد إبراهيم النخعي، فقال: لو كان حيا، لتابعني عليه، يعني الإرجاء.
الفريابي وعبيد الله، عن سفيان، قال: ما كنا نأتي حماد إلا خفية من أصحابنا.
عبد الرزاق، عن معمر، قال: كان حماد بن أبي سليمان يصرع، وإذا أفاق، توضأ، قلت: نعم ; لأنه نوع من الإغماء وهو أخو النوم، فينقض الوضوء.
وروى جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة قال: كان حماد يصيبه المس، فإذا أصابه شيء من ذلك، ثم ذهب عنه، عاد إلى الموضع الذي كان فيه.
حجاج بن محمد: حدثنا شعبة، عن منصور قال: حدثنا حماد قبل أن يحدث ما أحدث.
قال العقيلي في ترجمة حماد الفقيه وطولها: حدثنا أحمد بن أصرم، حدثنا القواريري، حدثنا حماد بن زيد قال: قدم علينا حماد بن أبي سليمان البصرة، فخرج وعليه ملحفة حمراء، فجعل صبيان البصرة يسخرون به، فقال له رجل: ما تقول في رجل وطئ دجاجة ميتة، فخرجت من بطنها بيضة؟ وقال له آخر: ما تقول في رجل طلق امرأته ملء سكرجة؟ .
وقال: حدثنا أحمد الأبار، حدثنا عبيد بن هشام، حدثنا أبو المليح قال: قدم علينا حماد بن أبي سليمان الرقة، فخرجت لأسمع منه. فإذا عليه ملحفة معصفرة حمراء، وقد خضب لحيته بالسواد، فرجعت، فلم أسمع منه.
حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا مسلم، حدثنا حماد بن سلمة قال: كنت أسأل حماد بن أبي سليمان عن أحاديث المسند والناس يسألونه عن رأيه فكنت إذا جئت قال: لا جاء الله بك.
قال أبو داود: سمعت أبا عبد الله أحمد يقول: حماد مقارب الحديث، ما روى عنه سفيان، وشعبة، ولكن حماد بن سلمة عنده عنه تخليط. فقلت لأحمد: أبو معشر أحب إليك أم حماد في إبراهيم، قال: ما أقربهما.(أعلام/1573)
وقال الأثرم عن أبي عبد الله: أما روايات القدماء عن حماد فمقاربة، كشعبة وسفيان وهشام، وأما غيرهم فقد جاءوا عنه بأعاجيب، قلت له: حجاج وحماد بن سلمة؟ فقال: حماد على ذاك لا بأس به، ثم قال أحمد: وقد سقط فيه غير واحد مثل محمد بن جابر وذاك وأشار بيده، فظننا أنه عنى سلمة الأحمر أو عنى غيره.
قال كاتبه: إنما التخليط فيها من سوء حفظ الراوي عنه.
وقال ابن عدي: يقع في رواية حماد بن أبي سليمان أفراد وغرائب، وهو لا بأس به، متماسك في الحديث. مات حماد سنة عشرين ومائة، أرخه خليفة، وقيل: سنة تسع عشرة ومائة، فأفقه أهل الكوفة علي وابن مسعود، وأفقه أصحابهما علقمة، وأفقه أصحابه إبراهيم، وأفقه أصحاب إبراهيم حماد، وأفقه أصحاب حماد أبو حنيفة، وأفقه أصحابه أبو يوسف، وانتشر أصحاب أبي يوسف في الآفاق، وأفقههم محمد، وأفقه أصحاب محمد أبو عبد الله الشافعي، -رحمهم الله تعالى.
وقال أبو نعيم الكوفي: مات حماد سنة عشرين ومائة، قلت: مات كهلا -رحمه الله.
أخبرنا علي بن أحمد كتابة، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك، أنبأنا عبد الله بن محمد، أنبأنا عبيد الله بن حبابة، أنبأنا عبد الله بن محمد، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة، عن حماد، عن أبي وائل، عن عبد الله، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بالتشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبه إلى البغوي، عبد الله، حدثنا أحمد بن إبراهيم العبدي، حدثنا عثمان بن عمر، أنبأنا شعبة، عن حماد، سمعت أنس بن مالك يقول: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار.(أعلام/1574)
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، ومحمد بن علي، وأحمد بن مؤمن، قالوا: أنبأنا أبو المحاسن محمد بن السيد الأنصاري بالمزة، أنبأنا أبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي، وهبة الله بن طاوس سنة أربع وثلاثين وخمسمائة قراءة عليهما، قالا: أنبأنا علي بن محمد بن علي الفقيه، أنبأنا عبد الرحمن بن عثمان، حدثنا عمي أبو علي محمد بن القاسم بن معروف، حدثنا أبو بكر أحمد بن علي القاضي، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة عن حماد عن إبراهيم عن أصحاب عبد الله قالوا: الميت يغسل وترا، ويكفن وترا، ويجمر وترا.
وبه عن حماد، سمعت سعيد بن جبير ومجاهدا وإبراهيم يقولون: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر، والصوم أفضل يعنون رمضان في السفر. وبه عن حماد: سألت سعيد بن المسيب عن الجنب يقرأ القرآن؟ قال: أوليس هو في جوفه.
قال محمد بن الحسين البرجلاني، عن إسحاق السلولي، سمعت داود الطائي يقول: كان حماد بن أبي سليمان سخيا على الطعام، جوادا بالدنانير والدراهم.
قال أيضا عن زكريا بن عدي، عن الصلت بن بسطام، عن أبيه قال: كان حماد بن أبي سليمان يزورني، فيقيم عندي سائر نهاره، فإذا أراد أن ينصرف قال: انظر الذي تحت الوسادة فمرهم ينتفعون به، فأجد الدراهم الكثيرة.
وعن الصلت بن بسطام قال: وكان يفطر كل يوم في رمضان خمسين إنسانا، فإذا كان ليلة الفطر، كساهم ثوبا ثوبا.
روى عثمان بن زفر التيمي: سمعت محمد بن صبيح يقول: لما قدم أبو الزناد الكوفة على الصدقات، كلم رجل حماد بن أبي سليمان فيمن يكلم أبا الزناد يستعين به في بعض أعماله، فقال حماد: كم يؤمل صاحبك من أبي الزناد أن يصيب معه؟ قال: ألف درهم. قال: قد أمرت له بخمسة آلاف درهم ولا يبذل وجهي إليه، قال: جزاك الله خيرا.(أعلام/1575)
قال البخاري في " صحيحه " قال حماد: إذا أقر مرة عند الحاكم، رجم يعني الزاني. وروى له في كتاب الأدب، وأخرج له مسلم مقرونا بغيره والباقون.(أعلام/1576)
حماد بن زيد (ع)
ابن درهم، العلامة، الحافظ الثبت، محدث الوقت أبو إسماعيل الأزدي، مولى آل جرير بن حازم البصري، الأزرق الضرير، أحد الأعلام، أصله من سجستان، سبي جده درهم منها.
سمع من: أنس بن سيرين، وعمرو بن دينار، وأبي عمران الجوني، ومحمد بن زياد القرشي الجمحي، وأبي جمرة الضبعي، وثابت البناني، وبديل بن ميسرة، وأيوب السختياني، وعبد العزيز بن صهيب، وبشر بن حرب، وسلم بن قيس العلوي، وشعيب بن الحبحاب، وعاصم بن أبي النجود، وعامر بن عبد الواحد الأحول، وعباس بن فروخ الجريري، وعبيد الله بن أبي يزيد المكي.
وكثير بن زياد الأزدي، ومحمد بن واسع، ومطر الوراق، وهارون بن رئاب، وواصل مولى أبي عيينة بن المهلب، وأبي التياح الضبعي، ويزيد. الرشك وإسحاق بن سويد، وجميل بن مرة، وحاجب بن المهلب بن أبي صفرة، والزبير بن الخريت، والزبير بن عربي، والصقعب بن زهير، وكثير بن شنظير، ومنصور بن المعتمر، وبرد بن سنان، وداود بن أبي هند، ويونس بن عبيد، وأبي حازم الأعرج، وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس وخلق كثير.(أعلام/1577)
روى عنه: إبراهيم بن أبي عبلة، وسفيان، وشعبة -وهم من شيوخه- وعبد الوارث بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن المبارك، وأبو النعمان عارم، ومسدد، وسليمان بن حرب، وعبيد الله القواريري، ومحمد بن عبيد بن حساب، وعلي بن المديني -وهو أكبر شيخ عنده- وزكريا بن عدي، ومحمد بن عيسى بن الطباع، وقتيبة بن سعيد، وسهل بن عثمان العسكري، وإبراهيم بن يوسف البلخي الفقيه، وداود بن عمرو الضبي، وسنيد بن داود المصيصي، وسليمان بن أيوب صاحب البصري، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وأبو الربيع الزهراني، ومحمد بن موسى الحرشي، ومحمد بن زنبور، ومحمد بن النضر المروزي، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأحمد بن عبدة، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وأبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي ; والهيثم بن سهل، خاتمة من روى عنه، وأمم سواهم. قد استوعب كثيرا منهم شيخنا أبو الحجاج في " تهذيبه ".
قال عبد الرحمن بن مهدي: أئمة الناس في زمانهم أربعة: سفيان الثوري بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام وحماد بن زيد بالبصرة.
وقال يحيى بن معين: ليس أحد أثبت من حماد بن زيد. وقال يحيى بن يحيى النيسابوري: ما رأيت شيخا أحفظ من حماد بن زيد.
وقال أحمد بن حنبل: حماد بن زيد من أئمة المسلمين، من أهل الدين، هو أحب إلي من حماد بن سلمة.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: لم أر أحدا قط أعلم بالسنة، ولا بالحديث الذي يدخل في السنة من حماد بن زيد.
وروي عن سفيان الثوري، قال: رجل البصرة بعد شعبة ذاك الأزرق -يعني حمادا.
قال وكيع بن الجراح: ما كنا نشبه حماد بن زيد إلا بمسعر. قال سليمان بن حرب: لم يكن لحماد بن زيد كتاب، إلا كتاب يحيى بن سعيد الأنصاري.(أعلام/1578)
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: حماد بن زيد ثقة، وحديثه أربعة آلاف حديث، كان يحفظها، ولم يكن له كتاب. وقال عبد الرحمن بن خراش الحافظ: لم يخطئ حماد بن زيد في حديث قط، وفيه يقول ابن المبارك
أيها الطالب علما
إيت حماد بن زيد
تقتبس حلما وعلما
ثم قيده بقيد
قال عبد الرحمن بن مهدي: ما رأيت أعلم من حماد بن زيد، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وما رأيت بالبصرة أحدا أفقه منه -يعني حماد بن زيد. وقال آخر: هو أجل أصحاب أيوب السختياني وأثبتهم. وعن حماد بن زيد، قال: جالست أيوب عشرين سنة. وقال أحمد بن سعيد الدارمي: سمعت أبا عاصم النبيل يقول: مات حماد بن زيد يوم مات، ولا أعلم له في الإسلام نظيرا في هيئته ودله، أظنه قال: وسمته.
قلت: تأخر موته عن مالك قليلا ولذلك قال أبو عاصم ذلك، ولما سمع يزيد بن زريع بموت حماد بن زيد، قال: مات اليوم سيد المسلمين. قال أبو حاتم بن حبان: كان ضريرا يحفظ حديثه كله. قلت: إنما أضر بأخرة. قال أبو بكر الخطيب: قد روى عنه: إبراهيم بن أبي عبلة، والثوري، وخلق، آخرهم وفاة: الهيثم بن سهل التستري.
قال محمد بن مصفى: حدثنا بقية بن الوليد، قال: ما رأيت بالعراق مثل حماد بن زيد. وقال خلف بن هشام البزار: المدلس متشبع بما لم يعط. قلت: هو داخل في قوله تعالى: ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا قلت: والمدلس فيه شيء من الغش، وفيه عدم نصح للأمة، لا سيما إذا دلس الخبر الواهي، يوهم أنه صحيح، فهذا لا يحل بوجه، بخلاف باقي أقسام التدليس، وما أحسن قول عبد الوارث بن سعيد: التدليس ذل.
جماعة سمعوا سليمان بن حرب: سمعت حماد بن زيد يقول في قوله: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي قال: أرى رفع الصوت عليه بعد موته، كرفع الصوت عليه في حياته، إذا قرئ حديثه، وجب عليك أن تنصت له كما تنصت للقرآن يعمر.(أعلام/1579)
وروى سليمان بن أيوب صاحب البصري، وهو صادق: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما رأيت أحدا أعلم من حماد بن زيد، لا سفيان ولا مالك.
وقال محمد بن عيسى بن الطباع: ما رأيت أعقل من حماد بن زيد. قال محمد بن وزير الواسطي: سمعت يزيد بن هارون يقول: قلت لحماد بن زيد: هل ذكر الله أصحاب الحديث في القرآن؟ قال: بلى، الله تعالى يقول: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية.
قال أبو العباس بن مسروق: حدثنا أيوب العطار: سمعت بشر بن الحارث -رحمه الله- يقول: حدثنا حماد بن زيد، ثم قال: أستغفر الله، إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء.
قال سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، قال: جاءني أبان بن أبي عياش، فقال: أحب أن تكلم شعبة، أن يكف عني. فكلمته، فكف عنه أياما، وأتاني في الليل، فقال: إنه لا يحل الكف عن أبان، فإنه يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الحافظ: حدثنا أبي، حدثنا سليمان بن حرب: سمعت حماد بن زيد يقول: إنما يدورون على أن يقولوا: ليس في السماء إله -يعني الجهمية - وعن أبي النعمان عارم، قال: قال حماد بن زيد: القرآن كلام الله، أنزله جبريل من عند رب العالمين.
قلت: لا أعلم بين العلماء نزاعا، في أن حماد بن زيد من أئمة السلف، ومن أتقن الحفاظ وأعدلهم، وأعدمهم غلطا، على سعة ما روى -رحمه الله- مولده في سنة ثمان وتسعين.
قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: سمعت أبا أسامة يقول: كنت إذا رأيت حماد بن زيد، قلت: أدبه كسرى، وفقهه عمر -رضي الله عنه.
قال الخليلي: سمعت عبد الله بن محمد الحافظ، سمعت أبا عبيد محمد بن محمد بن أخي هلال الرأي، سمعت هشام بن علي، يقول: كانوا يقولون: كان علم حماد بن سلمة أربعة دوانيق وعقله: دانقين، وعلم حماد بن زيد دانقين، وعقله أربعة دوانيق.(أعلام/1580)
قلت: مات في سنة تسع وسبعين ومائة وفاقا في شهر رمضان. وقال أبو حفص الفلاس: مات في يوم الجمعة تاسع عشر شهر رمضان. وقال عارم: مات لعشر ليال خلون من رمضان، يوم الجمعة، وقال أبو داود: مات قبله مالك بشهرين وأيام.
قلت: هذا وهم، بل مات قبله بستة أشهر فرحمهما الله. فلقد كانا ركني الدين، ما خلفهما مثلهما.
ومات فيها بواسط الحافظ الحجة، العابد القدوة، خالد بن عبد الله الطحان. ومحدث الكوفة أبو الأحوص سلام بن سليم. ومفتي دمشق الهقل بن زياد، صاحب الأوزاعي. ومحدث حمص عبد الله بن سالم الأشعري. وفيها كان مصرع ملك الخوارج، الذي يضرب بشجاعته المثل: الوليد بن طريف الشاري.
ومن عوالي حماد -وقد أفردتها-: أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أنبأنا موسى بن عبد القادر، أنبأنا سعيد بن أحمد بن البناء، أنبأنا علي بن أحمد، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا حماد بن زيد، عن أبي عمران الجوني: سمعت جندب بن عبد الله -ولا أعلمه، إلا أنه قد رفعه- قال: اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه، فقوموا عنه.
أخبرنا علي بن أحمد بن عبد المحسن العلوي: أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي حضورا، أنبأنا محمد بن عبيد الله بن الزاغوني وأنبأنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا عمر بن محمد الزاهد، أنبأنا هبة الله بن أحمد الشبلي، قالا: أنبأنا أبو نصر محمد بن محمد ; أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا. أبو القاسم البغوي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن بلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بين العمودين، تلقاء وجهه في جوف الكعبة أخرجه مسلم عن الزهراني.(أعلام/1581)
وبه إلى الزهراني: حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن بلال، قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في البيت وقال ابن عباس: لم يصل فيه، إنما كبر في نواحيه وهذا إسناد صحيح، وإنما العبرة بقول من أثبت الصلاة، فإن معه زيادة علم.
روى أبو حاتم الرازي، عن مقاتل بن محمد، سمع وكيعا يقول: حماد بن زيد أحفظ من ابن سلمة، ما كنا نشبه حماد بن زيد إلا بمسعر. إسحاق الكوسج، عن يحيى قال: حماد بن زيد أثبت من عبد الوارث، وابن علية، وعبد الوهاب الثقفي، وابن عيينة.
قال أبو زرعة: سمعت أبا الوليد يقول: يرون أن حماد بن زيد دون شعبة في الحديث.
وقال عارم: سألت أم حماد بن زيد وعمته، فقالت إحداهما: ولد زمن سليمان بن عبد الملك. وقالت الأخرى: ولد زمن عمر بن عبد العزيز. وقال خالد بن خداش: ولد سنة ثمان وتسعين قال محمد بن سعد: حماد بن زيد يكنى أبا إسماعيل، وكان عثمانيا، وكان ثقة ثبتا حجة، كثير الحديث.
فصل(أعلام/1582)
اشترك الحمادان في الرواية عن كثير من المشايخ، وروى عنهما جميعا جماعة من المحدثين، فربما روى الرجل منهم عن حماد، لم ينسبه، فلا يعرف أي الحمادين هو إلا بقرينة، فإن عري السند من القرائن -وذلك قليل- لم نقطع بأنه ابن زيد، ولا أنه ابن سلمة، بل نتردد، أو نقدره ابن سلمة، ونقول: هذا الحديث على شرط مسلم. إذ مسلم قد احتج بهما جميعا. فمن شيوخهما معا: أنس بن سيرين، وأيوب، والأزرق بن قيس، وإسحاق بن سويد، وبرد بن سنان، وبشر بن حرب، وبهز بن حكيم، وثابت، والجعد أبو عثمان، وحميد الطويل، وخالد الحذاء، وداود بن أبي هند، والجريري، وشعيب بن الحبحاب، وعاصم بن أبي النجود، وابن عون، وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس، وعبيد الله بن عمر، وعطاء بن السائب، وعلي بن زيد، وعمرو بن دينار، ومحمد بن زياد، ومحمد بن واسع، ومطر الوراق، وأبو جمرة الضبعي، وهشام بن عروة، وهشام بن حسان، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن عتيق، ويونس بن عبيد.
وحدث عن الحمادين: عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع، وعفان، وحجاج بن منهال، وسليمان بن حرب، وشيبان، والقعنبي، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وعبد الأعلى بن حماد، وأبو النعمان عارم، وموسى بن إسماعيل -لكن ماله عن حماد بن زيد سوى حديث واحد- ومؤمل بن إسماعيل، وهدبة، ويحيى بن حسان، ويونس بن محمد المؤدب، وغيرهم. والحفاظ المختصون بالإكثار، وبالرواية عن حماد بن سلمة: بهز بن أسد، وحبان بن هلال، والحسن الأشيب، وعمر بن عاصم.(أعلام/1583)
والمختصون بحماد بن زيد، الذين ما لحقوا ابن سلمة، فهم أكثر وأوضح: كعلي بن المديني، وأحمد بن عبدة، وأحمد بن المقدام، وبشر بن معاذ العقدي، وخالد بن خداش، وخلف بن هشام. وزكريا بن عدي، وسعيد بن منصور، وأبي الربيع الزهراني، والقواريري، وعمرو بن عون، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، ولوين، ومحمد بن عيسى بن الطباع، ومحمد بن عبيد بن حساب، ومسدد، ويحيى بن حبيب، ويحيى بن يحيى التميمي، وعدة من أقرانهم.
فإذا رأيت الرجل من هؤلاء الطبقة، قد روى عن حماد وأبهمه، علمت أنه ابن زيد، وأن هذا لم يدرك حماد بن سلمة، وكذا إذا روى رجل ممن لقيهما، فقال: حدثنا حماد، وسكت، نظرت في شيخ حماد من هو. فإن رأيته من شيوخهما على الاشتراك، ترددت، وإن رأيته من شيوخ أحدهما على الاختصاص والتفرد عرفته بشيوخه المختصين به، ثم عادة عفان لا يروي عن حماد بن زيد إلا وينسبه، وربما روى عن حماد بن سلمة فلا ينسبه، وكذلك يفعل حجاج بن منهال، وهدبة بن خالد، فأما سليمان بن حرب، فعلى العكس من ذلك، وكذلك عارم يفعل، فإذا قالا: حدثنا حماد، فهو ابن زيد، ومتى قال موسى التبوذكي: حدثنا حماد. فهو ابن سلمة، فهو راويته، والله أعلم.
ويقع مثل هذا الاشتراك سواء في السفيانين، فأصحاب سفيان الثوري كبار قدماء، وأصحاب ابن عيينة صغار، لم يدركوا الثوري، وذلك أبين، فمتى رأيت القديم قد روى، فقال: حدثنا سفيان، وأبهم، فهو الثوري، وهم كوكيع، وابن مهدي، والفريابي، وأبي نعيم. فإن روى واحد منهم عن ابن عيينة بينه، فأما الذي لم يلحق الثوري، وأدرك ابن عيينة، فلا يحتاج أن ينسبه لعدم الإلباس، فعليك بمعرفة طبقات الناس.(أعلام/1584)
حماد بن سلمة (خ، م، 4)
ابن دينار، الإمام القدوة، شيخ الإسلام أبو سلمة البصري، النحوي، البزاز، الخرقي، البطائني، مولى آل ربيعة بن مالك، وابن أخت حميد الطويل.
سمع: ابن أبي مليكة -وهو أكبر شيخ له- وأنس بن سيرين، ومحمد بن زياد القرشي، وأبا جمرة نصر بن عمران الضبعي، وثابتا البناني، وعمار بن أبي عمار، وعبد الله بن كثير الداري المقرئ، وأبا عمران الجوني، وأبا غالب حزورا، صاحب أبي أمامة، وقتادة بن دعامة، وسماك بن حرب، وحميدا خاله، وحماد بن أبي سليمان الفقيه، وسعد بن جمهان، وأبا العشراء الدارمي، ويعلى بن عطاء، وسهيل بن أبي صالح، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وإياس بن معاوية، وبشر بن حرب الندبي وعلي بن زيد، وخالد بن ذكوان، وشعيب بن الحبحاب، وعاصم بن العجاج الجحدري، وأيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وعمرو بن دينار، وأبا الزبير المكي، ومحمد بن واسع، ومطر بن طهمان الوراق، ويزيد الرقاشي، وأبا التياح الضبعي يزيد، وعطاء بن عجلان، وعطاء بن السائب، وأمما سواهم.
حدث عنه: ابن جريج، وابن المبارك، ويحيى القطان، وحرمي بن عمارة، وابن مهدي، وأبو نعيم، وعفان، والقعنبي، وموسى بن إسماعيل، وشيبان بن فروخ، وهدبة بن خالد، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وعبد الواحد بن غياث، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وعبيد الله بن عائشة التيمي، وأبو كامل مظفر بن مدرك الحافظ، والحسن الأشيب، ويحيى بن إسحاق السيلحيني، والأسود بن عامر، والهيثم بن جميل، وأسد السنة، وسعيد بن سليمان، وخلق كثير وآخر من زعم أنه سمع منه: أحمد بن أبي سليمان القواريري، المتروك، المتهم، الذي لقيه محمد بن مخلد العطار، في سنة سبعين ومائتين.
وقد روى الحروف عن عاصم، وابن كثير.
أخذ عنه الحروف حرمي بن عمارة، وأبو سلمة التبوذكي.(أعلام/1585)
قال شعبة: كان حماد بن سلمة يفيدني عن عمار بن أبي عمار. وقال وهيب بن خالد: حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا.
قال أحمد بن حنبل: هو أعلم من غيره بحديث علي بن زيد بن جدعان. قال علي بن المديني: كان عند يحيى بن ضريس الرازي، عن حماد بن سلمة، عشرة آلاف حديث. قلت: يعني بالمقاطيع والآثار. قال أحمد: أعلم الناس بثابت البناني حماد بن سلمة، وهو أثبتهم في حميد الطويل.
وروى إسحاق الكوسج، عن ابن معين، قال: حماد بن سلمة ثقة وقال علي بن المديني: هو عندي حجة في رجال، وهو أعلم الناس بثابت البناني، وعمار بن أبي عمار، ومن تكلم في حماد فاتهموه في الدين.
قلت: كان بحرا من بحور العلم، وله أوهام في سعة ما روى، وهو صدوق حجة، إن شاء الله، وليس هو في الإتقان كحماد بن زيد، وتحايد البخاري إخراج حديثه، إلا حديثا خرجه في الرقاق، فقال: قال لي أبو الوليد: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أبي. ولم ينحط حديثه عن رتبة الحسن، ومسلم روى له في الأصول، عن ثابت، وحميد، لكونه خبيرا بهما.
قال عمرو بن عاصم كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفا جعفر الطيالسي: سمعت عفان يقول: كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفا.
وقال حجاج بن منهال: حدثنا حماد بن سلمة، وكان من أئمة الدين. قال أبو عبد الله الحاكم: قد قيل في سوء حفظ حماد بن سلمة، وجمعه بين جماعة في الإسناد بلفظ واحد، ولم يخرج له مسلم في الأصول، إلا من حديثه عن ثابت، وله في كتابه أحاديث في الشواهد عن غير ثابت.
قال عبد الله بن معاوية الجمحي: حدثنا الحمادان، وفضل ابن سلمة على ابن زيد، كفضل الدينار على الدرهم -يعني الذي اسم جده دينار أفضل من حماد بن زيد، الذي اسم جده درهم-. وهذا محمول، على جلالته ودينه، وأما الإتقان فمسلم إلى ابن زيد، هو نظير مالك في التثبت.(أعلام/1586)
قال شهاب بن معمر البلخي: كان حماد بن سلمة يعد من الأبدال.
قلت: وكان مع إمامته في الحديث، إماما كبيرا في العربية، فقيها فصيحا، رأسا في السنة، صاحب تصانيف.
قال عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدا، ما قدر أن يزيد في العمل شيئا.
قلت: كانت أوقاته معمورة بالتعبد والأوراد.
وقال عفان: قد رأيت من هو أعبد من حماد بن سلمة، لكن ما رأيت أشد مواظبة على الخير، وقراءة القرآن، والعمل لله -تعالى- منه. وقال عباس عن ابن معين: حديثه في أول أمره وآخره واحد.
وروى أحمد بن زهير، عن يحيى، قال: إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة، وحماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام.
وقال ابن المديني وغيره: لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة. قال موسى بن إسماعيل التبوذكي: لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا لصدقت، كان مشغولا، إما أن يحدث، أو يقرأ، أو يسبح، أو يصلي، قد قسم النهار على ذلك.
قال أحمد بن زهير: سمعت ابن معين يقول: أثبت الناس في ثابت: حماد بن سلمة.
وقال محمد بن مطهر: سألت أحمد بن حنبل، فقال: حماد بن سلمة عندنا من الثقات، ما نزداد فيه كل يوم إلا بصيرة
قال أحمد بن عبد الله العجلي: حدثني أبي قال: كان حماد بن سلمة لا يحدث، حتى يقرأ مائة آية، نظرا في المصحف. .
قال يونس بن محمد المؤدب: مات حماد بن سلمة في الصلاة في المسجد. .
قال سوار بن عبد الله: حدثنا أبي، قال: كنت آتي حماد بن سلمة في سوقه، فإذا ربح في ثوب حبة أو حبتين، شد جونته ولم يبع شيئا فكنت أظن ذلك يقوته.(أعلام/1587)
قال التبوذكي: سمعت حماد بن سلمة يقول: إن دعاك الأمير لتقرأ عليه: قل هو الله أحد فلا تأته قال إسحاق بن الطباع: سمعت حماد بن سلمة يقول: من طلب الحديث لغير الله -تعالى- مكر به. وقال حماد: ما كان من نيتي أن أحدث، حتى قال لي أيوب السختياني في النوم: حدث. حاتم بن الليث: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن زيد، قال: ما كنا نأتي أحدا نتعلم شيئا بنية في ذلك الزمان، إلا حماد بن سلمة.
قال أبو الشيخ: حدثنا الحسن بن محمد التاجر، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: عاد حماد بن سلمة سفيان الثوري فقال سفيان: يا أبا سلمة! أترى الله يغفر لمثلي؟ فقال حماد: والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي، وبين محاسبة أبوي، لاخترت محاسبة الله، وذلك لأن الله أرحم بي من أبوي. المفضل الغلابي: حدثنا قريش بن أنس، عن حماد بن سلمة، قال: ما كان من شأني أن أروي أبدا، حتى رأيت أيوب في النوم، فقال لي: حدث، فإن الناس يقبلون.
قال إسحاق بن الجراح: حدثنا محمد بن الحجاج، قال: كان رجل يسمع معنا عند حماد بن سلمة، فركب إلى الصين، فلما رجع، أهدى إلى حماد هدية، فقال له حماد إن قبلتها، لم أحدثك بحديث، وإن لم أقبلها، حدثتك. قال: لا تقبلها وحدثني.(أعلام/1588)
قال ابن حبان: حماد بن سلمة الخزاز، كنية أبي حماد: أبو صخرة، مولى حميد بن كراته، ويقال: مولى قريش. وقيل: هو حميري من العباد المجابي الدعوة في الأوقات، لم ينصف من جانب حديثه، واحتج بأبي بكر بن عياش، وبابن أخي الزهري، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، فإن كان تركه إياه لما كان يخطئ، فغيره من أقرانه مثل الثوري، وشعبة ودونهما كانوا يخطئون، فإن زعم أن خطأه قد كثر من تغير حفظه، فكذلك أبو بكر، ولم يكن مثل حماد بالبصرة، ولم يكن يثلبه إلا معتزلي أو جهمي، لما كان يظهر من السنن الصحيحة، وأنى يبلغ أبو بكر بن عياش مبلغ حماد بن سلمة في إتقانه، أم في جمعه، أم في علمه، أم في ضبطه.
قال حماد بن زيد: ما كنا نرى من يتعلم بنية غير حماد بن سلمة، وما نرى اليوم من يعلم بنية غيره.
قال مسلم بن إبراهيم: سمعت حماد بن سلمة يقول: كنت أسأل حماد بن أبي سليمان عن أحاديث مسندة، والناس يسألونه عن رأيه، فكنت إذا جئته، قال: لا جاء الله بك. قال أبو سلمة المنقري: سمعت حماد بن سلمة يقول: إن الرجل ليثقل حتى يخف.
وقال عفان بن مسلم: حدثنا حماد بن سلمة، قال: قدمت مكة - وعطاء بن أبي رباح حي- في شهر رمضان، فقلت: إذا أفطرت، دخلت عليه، فمات في رمضان.
قال شيخ الإسلام في: " الفاروق " له: قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام، فإنه كان شديدا على المبتدعة. قال يونس: من حماد بن سلمة تعلمت العربية. وليحيى اليزيدي مرثية يقول فيها:
يا طالب النحو ألا فابكه
بعد أبي عمرو وحماد
ونقل بعضهم، أن حماد بن سلمة تزوج سبعين امرأة، ولم يولد له ولد.
قال البخاري: حدثنا آدم، قال: شهدت حماد بن سلمة، ودعوه -يعني الدولة- فقال: أحمل لحية حمراء إلى هؤلاء؟ والله لا فعلت. وروي أن حماد بن سلمة كان مجاب الدعوة.(أعلام/1589)
قال أبو داود: لم يكن لحماد بن سلمة كتاب، سوى كتاب قيس بن سعد. وروى عبد العزيز بن المغيرة، عن حماد بن سلمة: أنه حدثهم بحديث نزول الرب -عز وجل- فقال: من رأيتموه ينكر هذا، فاتهموه.
قال علي بن المديني قال يحيى: قال شعبة: كان حماد بن سلمة يفيدني عن محمد بن زياد -يعني القرشي صاحب أبي هريرة -فقلت ليحيى: كان حماد يفيده؟ قال: فيما أعلم. ثم قال يحيى بن سعيد: حماد بن سلمة، عن زياد الأعلم، وقيس بن سعد ليس بذاك، إن كان ما حدث به عن قيس بن سعد حقا، فلم يكن قيس بشيء، ولكن حديث حماد عن ثابت، وهذا الضرب، يعني أنه ثبت فيها.
وقال ابن سعد: أخبرني أبو عبد الله التميمي، قال: أخبرني أبو خالد الرازي، عن حماد بن سلمة، قال: أخذ إياس بن معاوية بيدي وأنا غلام، فقال: لا تموت حتى تقص، أما إني قد قلت هذا لخالك -يعني حميدا الطويل- فما مات حماد حتى قص. قال أبو خالد: قلت لحماد: أنت قصصت؟ قال: نعم. قلت: القاص هو الواعظ
قال علي بن عبد الله: قلت ليحيى: حملت عن حماد بن سلمة إملاء؟ قال: نعم، إملاء كلها، إلا شيئا كنت أسأله عنه في السوق، فأتحفظ. قلت ليحيى: كان يقول: حدثني وحدثنا؟ قال نعم، كان يجيء بها عفوا، حدثني وحدثنا.
قال البيهقي في " الخلافيات ": مما جاء في كتاب " الإمام " لشيخنا، بعد إيراد حديث: ألا إن العبد نام لحماد بن سلمة، قال: فأما حماد، فإنه أحد أئمة المسلمين.(أعلام/1590)
قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت من يغمزه، فاتهمه، فإنه كان شديدا على أهل البدع، إلا أنه لما طعن في السن، ساء حفظه، فلذلك لم يحتج به البخاري، وأما مسلم، فاجتهد فيه، وأخرج من حديثه عن ثابت، مما سمع منه قبل تغيره، وأما عن غير ثابت، فأخرج نحو اثني عشر حديثا في الشواهد، دون الاحتجاج، فالاحتياط أن لا يحتج به فيما يخالف الثقات، وهذا الحديث من جملتها. قال أبو القاسم البغوي: حدثني محمد بن مطهر، قال: سألت أحمد بن حنبل، فقال: حماد بن سلمة عندنا من الثقات، ما نزداد فيه كل يوم إلا بصيرة. قال أبو سلمة التبوذكي: مات حماد بن سلمة، وقد أتى عليه ست وسبعون سنة. قلت: فعلى هذا يكون مولده في حياة أنس بن مالك. وقال أبو الحسن المدائني: مات حماد بن سلمة يوم الثلاثاء، في ذي الحجة، سنة سبع وستين ومائة وصلى عليه إسحاق بن سليمان. قلت: كذا أرخ وفاته في هذا العام غير واحد، وبعضهم قال: مات بعد عيد النحر وقال شباب العصفري في " تاريخه ": حماد بن سلمة، مولى بني ربيعة بن زيد مناة بن تميم، يكنى أبا سلمة، مات في ذي الحجة سنة سبع وأما عبد الله بن محمد العيشي، فقال: مات في ذي الحجة سنة ست وهذا وهم.
ومات مع حماد في سنة سبع أئمة كبار من العلماء، منهم: أبو حمزة محمد بن ميمون السكري محدث مرو، والحسن بن صالح بن حي الهمداني الفقيه الكوفي، والربيع بن مسلم البصري، وسلام بن مسكين البصري، والقاسم بن الفضل الحداني البصري، والسري بن يحيى البصري بخلف، وسويد بن إبراهيم الحناط البصري، وأبو بكر الهذلي البصري، سلمي، وأبو عقيل يحيى بن المتوكل البصري، وأبو هلال محمد بن سليم الراسبي البصري، وداود بن أبي الفرات البصري، وأبو الربيع أشعث السمان البصري، وعبد العزيز بن مسلم القسملي البصري، وجماعة سواهم بالبصرة. فكانت سنة فناء العلماء بالبصرة.(أعلام/1591)
وفيها مات شيخ دمشق سعيد بن عبد العزيز التنوخي الفقيه، وشيخ الإسكندرية عبد الرحمن بن شريح ومحدث الكوفة محمد بن طلحة بن مصرف وأمير الكوفة عيسى بن موسى العباسي وبشار بن برد شاعر وقته.
وقد وقع لي من أعلى رواياته بضعة عشر حديثا، أفردتها قديما في سنة بضع وتسعين وست مائة.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بمصر: أنبأنا المبارك بن أبي الجود ببغداد، أنبأنا أحمد بن أبي غالب العابد، أنبأنا عبد العزيز بن علي، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن الذهبي، حدثنا عبد الله البغوي، حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أردت أخا لي في قرية كذا وكذا. قال: هل له عليك من نعمة تربها؟ قال: لا، إلا أني أحبه في الله. قال: إني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه أخرجه مسلم عن عبد الأعلى، فوافقناه بعلو، وهو من أحاديث الصفات التي تمر كما جاءت، وشاهده في القرآن وفي الحديث كثير، قال الله -تعالى-: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وقال: واتخذ الله إبراهيم خليلا.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران بنابلس، ويوسف بن أحمد الحجار بدمشق، قالا: أنبأنا موسى بن عبد القادر سنة ثماني عشرة وست مائة، أنبأنا سعيد بن أحمد، أنبأنا علي بن أحمد البسري، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه الآية يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: يقومون حتى يبلغ الرشح أطراف آذانهم رواه مسلم عن التمار.(أعلام/1592)
أخبرنا أحمد بن إسحاق: أنبأنا الفتح بن عبد السلام ; أنبأنا هبة الله بن الحسين، أنبأنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا عيسى بن علي، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، وعبد الأعلى بن حماد، وأبو نصر التمار، وكامل بن طلحة، وعبيد الله العيشي، قالوا: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، عن أبيه، قال: قلت يا رسول الله! أما تكون الذكاة إلا من اللبة والحلق؟ فقال: لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك قال ابن حبان في كتاب " الضعفاء ": سمعت محمد بن إبراهيم بن أبي شيخ الملطي يقول: جاء يحيى بن معين إلى عفان ليسمع منه كتب حماد بن سلمة، فقال: أما سمعتها من أحد؟ قال: نعم، حدثني سبعة عشر نفسا عن حماد، قال: والله حدثتك. فقال: إنما هو درهم وأنحدر إلى البصرة، فأسمع من التبوذكي. قال: شأنك. فانحدر إلى البصرة، وجاء إلى التبوذكي، فقال له: أما سمعتها من أحد؟ قال: سمعتها على الوجه من سبعة عشر، وأنت الثامن عشر. قال: وما تصنع بهذا؟ قال: إن حماد بن سلمة كان يخطئ، فأردت أن أميز خطأه من خطأ غيره، فإذا رأيت أصحابه اجتمعوا على شيء، علمت أن الخطأ منه.
قلت: هذه حكاية منقطعة.
وقال محدث: رأيت أبا سعيد الحداد يكتب أصناف حماد بن سلمة، فذكر حكاية.(أعلام/1593)
حمزة بن حبيب (م، 4)
ابن عمارة بن إسماعيل، الإمام القدوة، شيخ القراءة أبو عمارة التيمي، مولاهم الكوفي الزيات، مولى عكرمة بن ربعي. تلا عليه حمران بن أعين، والأعمش، وابن أبي ليلى، وطائفة.
وحدث عن: عدي بن ثابت، والحكم، وعمرو بن مرة، وحبيب بن أبي ثابت، وطلحة بن مصرف، ومنصور، وعدة. ولم أجد له شيئا عن الشعبي.
وعنه أخذ القرآن عدد كثير: كسليم بن عيسى، والكسائي، وعابد بن أبي عابد، والحسن بن عطية، وعبد الله بن صالح العجلي.
وحدث عنه: الثوري، وشريك، وجرير، وابن فضيل، ويحيى بن آدم، وبكر بن بكار، وحسين الجعفي، وقبيصة، وخلق. وكان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان، ثم يجلب منها الجبن والجوز، وكان إماما قيما لكتاب الله، قانتا لله، ثخين الورع، رفيع الذكر، عالما بالحديث والفرائض. أصله فارسي.
قال الثوري: ما قرأ حمزة حرفا إلا بأثر.
قال أسود بن سالم: سألت الكسائي عن الهمز والإدغام، ألكم فيه إمام؟ . قال: نعم، حمزة كان يهمز ويكسر، وهو إمام، لو رأيته لقرت عينك من نسكه.
قال حسين الجعفي: ربما عطش حمزة، فلا يستسقي كراهية أن يصادف من قرأ عليه.
قال ابن فضيل: ما أحسب أن الله يدفع البلاء عن أهل الكوفة إلا بحمزة. وكان شعيب بن حرب يقول لأصحاب الحديث: ألا تسألوني عن الدر؟ قراءة حمزة.
قلت: كره طائفة من العلماء قراءة حمزة لما فيها من السكت، وفرط المد، واتباع الرسم والإضجاع وأشياء، ثم استقر اليوم الاتفاق على قبولها، وبعض كان حمزة لا يراه.
بلغنا أن رجلا قال له: يا أبا عمارة، رأيت رجلا من أصحابك، همز حتى انقطع زره. فقال: لم آمرهم بهذا كله.
وعنه قال: إن لهذا التحقيق حدا ينتهي إليه، ثم يكون قبيحا. وعنه: إنما الهمزة رياضة، فإذا حسنها، سلها.(أعلام/1594)
روى أحمد بن زهير، عن يحيى بن معين قال: حمزة ثقة، وقال النسائي وغيره: ليس به بأس. وقال الساجي: صدوق، سيئ الحفظ. وقيل: إن الأعمش رأى حمزة الزيات مقبلا فقال: وبشر المخبتين
قد سقت أخبار الإمام حمزة في " طبقات القراء ". وفي " التاريخ الكبير "، بأطول من هذا، وحديثه لا ينحط عن رتبة الحسن.
توفي سنة ثمان وخمسين ومائة وله ثمان وسبعون سنة فيما بلغنا. والصحيح: وفاته في سنة ست وخمسين ومائة - رحمه الله، ظهر له نحو من ثمانين حديثا، وكان من الأئمة العاملين.(أعلام/1595)
حمزة بن عبد المطلب
ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.
الإمام البطل الضرغام أسد الله أبو عمارة، وأبو يعلى القرشي الهاشمي المكي ثم المدني البدري الشهيد، عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخوه من الرضاعة.
قال ابن إسحاق لما أسلم حمزة، علمت قريش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد امتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.
قال أبو إسحاق: عن حارثة بن مضرب، عن علي: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ناد حمزة "، فقلت: من هو صاحب الجمل الأحمر؟ فقال حمزة: هو عتبة بن ربيعة. فبارز يومئذ حمزة عتبة فقتله.
وروى أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نساء الأنصار يبكين على هلكاهن، فقال: " لكن حمزة لا بواكي له ". فجئن فبكين على حمزة عنده، إلى أن قال: " مروهن لا يبكين على هالك بعد اليوم ".
وفي كتاب " المستدرك " للحاكم: عن جابر مرفوعا: " سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه، فقتله ".
قلت: سنده ضعيف.
الدغولي حدثنا أحمد بن سيار، حدثنا رافع بن أشرس، حدثنا خليد الصفار، عن إبراهيم الصائغ، عن عطاء، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب " هذا غريب.
أسامة بن زيد: عن نافع، عن ابن عمر، قال: رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يوم أحد، فسمع نساء بني عبد الأشهل يبكين على هلكاهن، فقال: " لكن حمزة لا بواكي له ". فجئن نساء الأنصار، فبكين على حمزة عنده، فرقد، فاستيقظ وهن يبكين، فقال: " يا ويحهن! أهن هاهنا حتى الآن، مروهن فليرجعن، ولا يبكين على هالك بعد اليوم ".(أعلام/1596)
ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن الفضل بن العباس بن ربيعة، عن سليمان بن يسار، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، قال: خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار في زمن معاوية غازيين، فمررنا بحمص - وكان وحشي بها - فقال ابن عدي: هل لك أن نسأل وحشيا كيف قتل حمزة. فخرجنا نريده، فسألنا عنه، فقيل لنا: إنكما ستجدانه بفناء داره على طنفسة له، وهو رجل قد غلب عليه الخمر، فإن تجداه صاحيا، تجدا رجلا عربيا، فأتيناه فإذا نحن بشيخ كبير أسود مثل البغاث على طنفسة له، وهو صاح، فسلمنا عليه، فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي، فقال: ابن لعدي والله ابن الخيار أنت؟ قال: نعم.
فقال: والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى، وهي على بعيرها، فلمعت لي قدماك. قلنا: إنا أتينا لتحدثنا كيف قتلت حمزة. قال: سأحدثكما بما حدثت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنت عبد جبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قتل يوم بدر، فقال لي: إن قتلت حمزة، فأنت حر، وكنت صاحب حربة أرمي قلما أخطئ بها، فخرجت مع الناس، فلما التقوا، أخذت حربتي، وخرجت أنظر حمزة، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ما يليق شيئا، فوالله إني لأتهيأ له إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى الخزاعي، فلما رآه حمزة، قال: هلم إلي يا ابن مقطعة البظور. ثم ضربه حمزة، فوالله لكأن ما أخطأ رأسه، ما رأيت شيئا قط كان أسرع من سقوط رأسه. فهززت حربتي، حتى إذا رضيت عنها، دفعتها عليه، فوقعت في ثنته حتى خرجت بين رجليه فوقع، فذهب لينوء فغلب، فتركته وإياها، حتى إذا مات قمت إليه، فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي حاجة بغيره.(أعلام/1597)
فلما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، هربت إلى الطائف. فلما خرج وفد الطائف ليسلموا، ضاقت علي الأرض بما رحبت، وقلت: ألحق بالشام، أو اليمن، أو بعض البلاد. فوالله إني لفي ذلك من همي، إذ قال رجل: والله إن يقتل محمد أحدا دخل في دينه. فخرجت حتى قدمت المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: " وحشي "؟ قلت: نعم. قال: " اجلس، فحدثني كيف قتلت حمزة ". فحدثته كما أحدثكما، فقال: " ويحك! غيب عني وجهك، فلا أرينك ". فكنت أتنكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان، حتى قبض.
فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة خرجت معهم بحربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس، نظرت إلى مسيلمة وفي يده السيف، فوالله ما أعرفه، وإذا رجل من الأنصار يريده من ناحية أخرى، فكلانا يتهيأ له، حتى إذا أمكنني، دفعت عليه حربتي، فوقعت فيه، وشد الأنصاري عليه، فضربه بالسيف، فربك أعلم أينا قتله، فإن أنا قتلته، فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقتلت شر الناس.
وبه عن سليمان بن يسار: عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رجلا يقول: قتله العبد الأسود يعني مسيلمة. أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أنس، قال: لما كان يوم أحد وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، على حمزة وقد جدع ومثل به، فقال: " لولا أن تجد صفية في نفسها، لتركته حتى يحشره الله من بطون السباع والطير ". وكفن في نمرة إذا خمر رأسه، بدت رجلاه، وإذا خمرت رجلاه بدا رأسه، ولم يصل على أحد من الشهداء، وقال: أنا شهيد عليكم، وكان يجمع الثلاثة في قبر، والاثنين فيسأل: " أيهما أكثر قرآنا; فيقدمه في اللحد، وكفن الرجلين والثلاثة في ثوب ".(أعلام/1598)
ابن عون: عن عمير بن إسحاق، عن سعد بن أبي وقاص، قال: كان حمزة يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسيفين ويقول: أنا أسد الله. رواه يونس بن بكير، عن ابن عون، عن عمير، مرسلا، وزاد: فعثر فصرع مستلقيا، وانكشفت الدرع عن بطنه، فزرقه العبد الحبشي، فبقره.
عبد العزيز بن الماجشون: عن عبد الله بن الفضل، عن سليمان بن يسار، عن جعفر بن عمرو الضمري، قال: خرجت مع ابن الخيار إلى الشام، فسألنا عن وحشي، فقيل: هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت. فجئنا، فسلمنا ووقفنا يسيرا. وكان ابن الخيار معتجرا بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه، فقال: يا وحشي، تعرفني؟ قال: لا والله، إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص، فولدت غلاما بمكة، فاسترضعته، فحملته مع أمه، فناولتها إياه، لكأني أنظر إلى قدميك. قال: فكشف عبيد الله عن وجهه، ثم قال: ألا تخبرنا عن قتل حمزة. قال: نعم، إنه قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر. فلما خرج الناس عن عينين - وعينون، جبل تحت أحد، بينه وبين أحد واد - قال سباع: هل من مبارز؟ فقال حمزة: يا ابن مقطعة البظور، تحاد الله ورسوله؟ ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب. فكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مر علي فرميته في ثنته حتى خرجت الحربة من وركه.
إلى أن قال: فكنت بالطائف، فبعثوا رسلا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: إنه لا يهيج الرسل. فخرجت معهم، فلما رآني، قال: " أنت وحشي؟ قلت: نعم. قال: الذي قتل حمزة؟ قلت: نعم. قد كان الأمر الذي بلغك. قال: ما تستطيع أن تغيب عني وجهك؟ " قال: فرجعت.(أعلام/1599)
فلما توفي وخرج مسيلمة قلت: لأخرجن إليه لعلي أقتله، فأكافي به حمزة. فخرجت مع الناس، وكان من أمرهم ما كان، فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق، ثائر رأسه، فأرميه بحربتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، ووثب إليه رجل من الأنصار، فضربه بالسيف على هامته.
قال سليمان بن يسار: فسمعت ابن عمر يقول: قالت جارية على ظهر بيت أمير المؤمنين: قتله العبد الأسود.
قال موسى بن عقبة: ثم انتشر المسلمون يبتغون قتلاهم فلم يجدوا قتيلا إلا وقد مثلوا به، إلا حنظلة بن أبي عامر، وكان أبوه أبو عامر مع المشركين، فترك لأجله. وزعموا أن أباه وقف عليه قتيلا، فدفع صدره برجله ثم قال: دينان قد أصبتهما، قد تقدمت إليك في مصرعك هذا يا دنيس، ولعمر الله إن كنت لواصلا للرحم برا بالوالد.
ووجدوا حمزة قد بقر بطنه، واحتمل وحشي كبده إلى هند في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر. فدفن في نمرة كانت عليه، إذا رفعت إلى رأسه، بدت قدماه، فغطوا قدميه بشيء من الشجر.
ابن إسحاق: حدثني بريدة، عن محمد بن كعب القرظي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لإن ظفرت بقريش لأمثلن بثلاثين منهم ". فلما رأى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما به من الجزع قالوا: لإن ظفرنا بهم، لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد، فأنزل الله وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به إلى آخر السورة. فعفا رسول الله، صلى الله عليه وسلم.(أعلام/1600)