والصوم والحج، فجاءت عظيمة النفع يسيرة الفهم من عامة الناس.
كما كتب في الأخلاق والآداب، وله محاضرات قيمة في ذلك.
ومع هذا كله فقد كانت عنايته بالعقيدة وأحكامها ظاهرة جلية، ولعل الذي حمله على ذلك هو كثرة الخلل فيها، وانتشار مظاهر الشرك في كثير من البلاد الإسلامية، ولما كان يتمتع به خطاب الشيخ – رحمه الله – من العموم حيث تصل أصداؤه إلى عامة البلاد الإسلامية وغيرها.(88/377)
الثانية:
عنايته بالنصيحة لولاة الأمر من الأمراء والعلماء؛ لأن لهم من القدرة والأثر في حياة الناس ما ليس لغيرهم وفي الأثر: «صنفان إذا صلحوا صلح الناس: العلماء والأمراء (1) »
أما الولاة فإنهم إذا استقاموا على طاعة الله، وأخذوا بشرعه، صلحت أحوال الناس، وانتظمت أمورهم، وقامت مصالحهم، وعاشوا حياة كريمة.
يقول الشيخ ابن باز – رحمه الله -: «ومعلوم ما يحصل من ولاة
__________
(1) روي مرفوعا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولا يصح، بل قال الألباني: موضوع، وجاء نحوه من قول سفيان الثوري – رحمه الله - انظر: أبا نعيم، حلية الأولياء (4\96) (7\5) ، دار الكتاب العربي، ط4 سنة 1405هـ. الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (1\25) المكتب الإسلامي، بيروت ط 4 سنة 1398هـ.(88/377)
الأمر المسلمين من الخير والمنفعة العظيمة؛ من إقامة الحدود، ونصر الحق، ونصر المظلوم، وحل المشاكل، وإقامة الحدود والقصاص، والعناية بأسباب الأمن، والأخذ على السفيه الظالم. . .» (1)
ولذا كانت النصيحة لهم من ألزم الأمور، وتكون بالسمع والطاعة لهم في المعروف، والدعاء لهم، والتعاون معهم على الخير، ونصيحتهم بالرفق واللين، كتابة أو مشافهة، واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم ونقدهم في وسائل الإعلام وعلى المنابر، لما في ذلك من الضرر والفساد الكبير (2)
وقد كان الشيخ – رحمه الله – يدعو إلى هذا المسلك الإيجابي الرشيد، ويأخذ به، وهذا المنهج هو المتوافق مع ما جاء به الشرع؛ فقد قال الله – عز وجل –: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (3) ، ففي الآية «توجيه من الله سبحانه لرسوليه: موسى وهارون لما بعثهما لفرعون ليتأسى بذلك الدعاة، ويتخلقوا به في دعوتهم إلى الله، لا سيما مع الرؤساء والعظماء. .» (4)
وأما العلماء بشرع الله تعالى فهم خلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أمته،
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (9\95 – 96) .
(2) انظر: المرجع السابق (7\271 – 311) (9\98) .
(3) سورة طه الآية 44
(4) ابن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (7\271) .(88/378)
والمحيون لما مات من سنته، الناطقون بالحق والداعون إليه، والعارفون بالشر والمحذرون منه، بهم يعرف الحلال والحرام، وبهم يعبد الله تعالى على نور وبصيرة.
ولمكانة العلماء، وعموم نفعهم، وعظم حاجة الناس إليهم، فقد عني الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى – باستنهاض هممهم إلى أن يقوموا بواجبهم في تبليغ دين الله تعالى، والدعوة إليه، والترغيب في الاستقامة عليه، وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، مستفيدين في ذلك كله من منجزات العصر، وما استجد من وسائل إعلامية وغيرها، وأن يصبروا على ذلك حتى يحصل بهم المقصود.
يقول الشيخ – رحمه الله -: «فالواجب على أهل العلم والإيمان، وعلى خلفاء الرسول أن يقوموا بهذا الواجب [الدعوة إلى الله] ، وأن يتكاتفوا فيه، وأن يبلغوا رسالات الله إلى عباد الله، ولا يخشوا في الله لومة لائم.
فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان بالكتابة والخطابة، وبالإذاعة وبكل وسيلة استطاعوا» (1)
ويتحدث – رحمه الله – عن دعاة الباطل من اليهود والنصارى، ومن تشبه بهم من هذه الأمة ممن ينشرون الأفكار الهدامة، والدعايات المضللة، ويدعون إلى الرذيلة، ويؤكد لزوم التصدي لهم فيقول: «وإني لأرى لزاما على الذين لم يساهموا في هذا الميدان من القراء النابهين،
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (1\331 – 333) .(88/379)
والعلماء المبرزين أن ينفضوا عنهم غبار الكسل وشبه التواكل، وأن يقتحموا الميدان بصدق وشجاعة وعلم وحلم حتى ينصروا دينهم ويحموا شريعتهم، ويهدوا الناس إليها، ويرشدوهم إلى الصراط المستقيم، ولهم بذلك مثل أجور أتباعهم إلى يوم القيامة، كما قال الصادق الأمين - صلى الله عليه وسلم -: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا (1) » (2)
__________
(1) رواه مسلم، في العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، رقم (2674) .
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (1\400) ، وانظر: (9\224) .(88/380)
الثالثة:
ومن أوجه النصيحة التي امتاز بها الشيخ – رحمه الله – وقوفه مع طلبة العلم والدعاة، والمشتغلين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشد أزرهم، والسعي في حل مشكلاتهم، وترشيد حركتهم، ورد ما يفتريه عليهم أهل الضلالة من دعاوى باطلة، وافتراءات كاذبة.
فأسهم بذلك في تنشيط الدعوة إلى الله، وتسديد سعيها، وتنمية إيجابياتها.
بل إن الشيخ – رحمه الله – تصدى لمن يقدح في طلبة العلم والدعاة إلى الله، واشتد نكيره على من يقدم على ذلك ولو كان من المنتسبين للعلم، ولا سيما لمن يعلن ذلك وينشره: «لما في ذلك من(88/380)
التنقيص للدعاة إلى الحق، وتثبيط عزائمهم، وتشجيع أهل الفسق ضدهم، في وقت تكاتف فيه دعاة الباطل والمذاهب الهدامة على نشر باطلهم وإعلان مذاهبهم» (1)
وإذا كان قد يقع من طلبة العلم أو الدعاة أخطاء، أو اجتهادات لا يوافقون عليها، فإن: «الواجب على المسلم حمل أحوال إخوانه على أحسن المحامل، وعلاج ما قد يقع من الخطأ بالطرق الشرعية التي تبني ولا تهدم، وتشجع الحق ولا تخذله، وتنصر الحق وتدمغ الباطل، لا أن يظن بهم السوء، ويشجع على إماتة دعوتهم، وتشويه سمعتهم، وتشجيع أهل الباطل ضدهم، وتحريض ولاة الأمر على إيقاف حركتهم» (2)
ولا ينسى – رحمه الله – هؤلاء المخالفين لأمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من النصيحة، فيقول: «فالذي أنصح به هؤلاء الإخوة الذين وقعوا في أعراض الدعاة ونالوا منهم أن يتوبوا إلى الله تعالى مما كتبته أيديهم، أو تلفظت به ألسنتهم مما كان سببا في إفساد قلوب بعض الشباب وشحنهم بالأحقاد والضغائن، وشغلهم عن طلب العلم النافع، وعن الدعوة إلى الله بالقيل والقال، والكلام عن فلان وفلان، والبحث عما يعتبرونه أخطاء للآخرين وتصيدها، وتكلف ذلك.
كما أنصحهم أن يكفروا عما فعلوا بكتابة أو غيرها مما يبرؤون فيه
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3\214) ، وانظر: (7\316 – 319) .
(2) المرجع السابق (3\215) ، وانظر: (7\318) .(88/381)
أنفسهم من مثل هذا الفعل، ويزيلوا ما علق بأذهان من يستمع إليه من قولهم، وأن يقبلوا على الأعمال المثمرة التي تقرب إلى الله وتكون نافعة للعباد. . .» (1)
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (7\318) .(88/382)
الرابعة:
أنه كان يتفاعل مع بيئته وأحوال مجتمعه، وقضايا أمته، ويشعر بالمسؤولية – لما رزقه الله تعالى من العلم والبصيرة – عما يخل بعقائد الناس أو يقدح في إيمانهم وأخلاقهم، ومن ذلك:
أنه إذا نزلت نازلة من النوازل، أو استجدت معاملة من المعاملات، أو انتشرت شائعة بين الناس، بادر – رحمه الله – للكتابة فيها، أو إصدار فتوى عامة ونشرها بين الناس
أنه كان يقف مع قضايا المسلمين، ويبذل الجهد في التخفيف من آلامهم ومعاناتهم، ويحث حكام المسلمين على ذلك، ويرغب عامة المسلمين في الوقوف مع إخوانهم في شدائدهم وكربهم بما يستطيعون من دعم مادي ومعنوي كما يدعم المواقف الإيجابية من حكام(88/382)
المسلمين وعلمائهم ويؤازرها (1)
__________
(1) انظر: المرجع السابق (4\185 (6\330) (8\255، 434) .(88/383)
ثالثا: الوضوح
إن من مزايا هذا الدين الوضوح والإشراق، وهذا الوضوح شامل لجميع أحكام الشريعة، ولا سيما واجباتها على كل مسلم، فهي سهلة ميسرة لا تعقيد فيها ولا غموض، فمسائل الاعتقاد؛ من الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر. . واضحة لكل مسلم.
وأركان الإسلام وعباداته وأخلاقه وآدابه كلها على قدر من الوضوح والظهور بحيث لا تحتاج إلى بيان طويل لتجليتها والتعريف بها.
وإذا كانت هذه الخصيصة هي طبيعة هذا الدين، وسمة مصدرية الكتاب والسنة، فإن من المتعين على من يتصدى لوظيفة التبليغ أن يعنى بالبيان والوضوح تأصيلا وتفصيلا، لفظا ومعنى، بما ييسر على الناس فهم حقائق الدين وأحكامه وآدابه، ويشوق القلوب إلى الاستقامة عليه، وإيثاره على ما سواه.
ولقد كان الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى – حريصا على غرس تعظيم الشريعة ومحبتها في النفوس، وتيسير فهمها والاستقامة عليها من كافة طبقات الناس، ولذا كان فيما يلقيه أو يمليه واضح البيان، سهل العبارة، فهو يبين الأحكام الشرعية بأسلوب مبسط خال من التعقيد أو الغموض، وهو يعتمد – أحيانا – التكرار المعنوي ولا سيما في مسائل الاعتقاد، ليتحقق كمال البيان، ولا يبقى في المسألة أدنى لبس أو خفاء.(88/383)
كما كان الشيخ يعنى بذكر القيود والضوابط وبالتفصيل بما يجلي حقيقة الشيء وأنواعه، ويعطي كل نوع منه ما يناسبه من الأحكام.
- ففي حديثه عن الشرك، يذكر أنه نوعان: شرك أكبر، وشرك أصغر، وأن من الشرك الأكبر طاعة المخلوق في معصية الخالق، وهو لا يكتفي بمجمل القول في هذا النوع من الشرك بل يبين أن الطاعة الموقعة في الشرك الأكبر هي ما كانت على وجه الاستحلال للمحرم، لا مطلق الطاعة في المعصية، وفي هذا يقول: «فالشرك الأكبر: هو ما يتضمن صرف العبادة لغير الله أو بعضها، أو يتضمن جحد شيء مما أوجب الله من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة؛ كالصلاة، وصوم رمضان، أو يتضمن جحد شيء مما حرم الله، مما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ كالزنى والخمر ونحوها، أو يتضمن طاعة المخلوق في معصية الخالق على وجه الاستحلال لذلك، وأنه يجوز أن يطاع فلان أو فلانة فيما يخالف دين الله عز وجل، من رئيس أو وزير أو عالم أو غيرهم.
فكل ما يتضمن صرف بعض العبادة لغير الله؛ كدعاء الأولياء، والاستغاثة بهم، والنذر لهم، أو يتضمن استحلال ما حرم الله، أو إسقاط ما أوجب الله؛ كاعتقاد أن الصلاة لا تجب، أو الصوم لا يجب، أو الحج مع الاستطاعة لا يجب، أو الزكاة لا تجب، أو اعتقد أن مثل هذا غير مشروع مطلقا، كان هذا كفرا أكبر، وشركا أكبر، لأنه يتضمن تكذيب الله ورسوله. . .» (1)
- وعن حكم التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه تفصيل؛
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (1\403) .(88/384)
فإن كان ذلك باتباعه ومحبته وطاعة أوامره وترك نواهيه والإخلاص لله في العبادة فهذا هو الإسلام وهو دين الله الذي بعث به أنبياءه، وهو الواجب على كل مكلف، وهو الوسيلة للسعادة في الدنيا والآخرة.
أما التوسل بدعائه والاستغاثة به وطلبه النصر على الأعداء والشفاء للمرضى، فهذا هو الشرك الأكبر، وهو دين أبي جهل وأشباهه من عبدة الأوثان، وهكذا فعل ذلك مع غيره من الأنبياء والأولياء، أو الجن أو الملائكة أو الأشجار أو الأحجار أو الأصنام.
وهناك نوع ثالث يسمى التوسل وهو التوسل بجاهه - صلى الله عليه وسلم -، أو بحقه، أو بذاته، مثل أن يقول الإنسان: أسألك يا الله بنبيك، أو جاه نبيك، أو حق نبيك، أو جاه الأنبياء، أو حق الأنبياء، أو جاه الأولياء والصالحين وأمثال ذلك، فهذا بدعة ومن وسائل الشرك، ولا يجوز فعله معه - صلى الله عليه وسلم - ولا مع غيره؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يشرع ذلك، والعبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما دل عليه الشرع المطهر. .» (1)
وأما عن الوضوح في خطاب الشيخ، فإن: «من خصائصه الخطابية قدرته على ترتيب أفكاره حتى لا تتشتت، وضبطه لعواطفه حتى لا تغلب عقله، ثم سلامة أسلوبه الذي لا يكاد يعتريه اللحن في صغير من القول أو كبير، وأخيرا تحرره من كل أثر للتكلف» (2)
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5\322) .
(2) محمد المجذوب، علماء ومفكرون عرفتهم (1\96) دار الاعتصام، القاهرة، ط3.(88/385)
رابعا: القوة في الحق مع الرفق واللين
إن صدق الإيمان وقوته، وكمال العلم ورسوخه يضفيان على صاحبهما قوة دافعة تظهر في أعماله كلها؛ فإذا فكر كان مطمئنا، وإذا تكلم كان واثقا، وإذا عمل كان ثابتا، يأخذ تعاليم الدين بقوة {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} (1) ، وتتجلى فيه الخيرية التي أخبر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير» . .» (2)
ومن جوانب القوة في الراسخ في العلم، القوي الإيمان، القوة في بيان الحق والصدع به، فهو يبتعد عن المداهنة المذمومة، فلا يجامل أو يصانع على حساب الحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
وهي قوة مقرونة بالصدق والإخلاص، ومحاطة بالنصح، ولذا فهي تبتعد عن مشاعر الشماتة أو قصد التشهير، كما تأتي بأسلوب الرفق واليسر واللين.
ولقد كانت القوة في الحق من أجل خصال الشيخ ابن باز – رحمه الله – فهو «من أشد الناس غيرة على حقائق الوحي، واستمرارها سليمة من كل شائبة، وفي طبعه النفور من كل شذوذ عن هذا السنن، فإذا سمع أي شيء من ذلك لم يلبث أن ينهض للتعقيب عليه بما يبين وجه الحق،
__________
(1) سورة البقرة الآية 63
(2) أخرجه مسلم، في القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستهانة، رقم (2264) .(88/386)
ولكن لا يتجاوز في أي كلام له نطاق الحكمة والموعظة الحسنة، مع أتم المراعاة لمشاعر الجانب المخالف.
فهو لا يعرف المهادنة لأي شذوذ عن مهيع الحق، ولكن في أسلوب التبليغ يقدم اللين واليسر والبعد عن كل تنفير» (1)
هذا هو الأصل الأصيل عن الشيخ ابن باز – رحمه الله -، القوة في الحق، مع الأخذ بالرفق في بيانه والدعوة إليه، يفعل ذلك حتى مع الأخطاء الكبيرة إذا صدرت عن جهل أو خطأ (2) ؛ لأن الغاية بيان الحق، وتأليف القلوب عليه، وترغيبها في قبوله والانقياد له.
إلا أنه إذا عرف من المخالف الظلم والبغي والسعي في الفساد، فإنه يجافي اللين، فتأتي كلماته – في بيان حكم الشرع – قوية مدوية تعبر بصدق عن عظيم غيرته على دين الله، وتعظيمه لشرعه، صريحة تفضح المفسدين، وتكبت الضالين الذين يجاهرون بالفساد، ويزينون للناس سبل الغواية.
فمن ذلك أنه لما نشر في بعض الصحف المحلية مقال يتضمن الاعتراض على شريعة الله عز وجل، بالطعن في قوامة الرجال على النساء، وعلى وصف النساء بنقصان العقل والدين، نهض – رحمه الله – لمدافعة هذا الباطل.
ومما قال: «ولقد دهشت لهذا المقال الشنيع، واستغربت جدا
__________
(1) محمد المجذوب، علماء ومفكرون عرفتهم (1\96) .
(2) انظر: شواهد لذلك (1\146، 403) (2\173) (8\333) .(88/387)
صدور ذلك في مهبط الوحي، وتحت سمع وبصر دولة إسلامية تحكم الشريعة، وتدعو إليها، وعجبت كثيرا من جرأة القائمين على هذه الجريدة حتى نشروا هذا المقال الذي هو غاية في الكفر والضلال، والاستهزاء بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والطعن فيهما، وليس هذا ببدع من القائمين على هذه الصحيفة، فقد عرفت بنشر المقالات الداعية إلى الفساد والإلحاد والضرر العظيم على المجتمع، كما عرفت بالحقد على علماء الإسلام والاستطالة في أعراضهم والكذب عليهم، لأنه ليس لدى القائمين عليها وازع إيماني، ولم تردع بوازع سلطاني، فلهذا أقدمت على ما أقدمت عليه من الكفر والضلال في هذا المقال الذي لا يقوله ولا ينشره من يؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يقوله وينشره من يحترم كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -» (1)
إلى أن قال: «وإن هذه الصحيفة قد تجاوزت الحدود واجترأت على محاربة الدين والطعن فيه بهذا المقال الشنيع جرأة لا يجوز السكوت عنها، ولا يحل لوزارة الإعلام، ولا للحكومة الإغضاء عنها، بل يجب قطعا معاقبتها معاقبة ظاهرة؛ بإيقافها عن الصدور، ومحاكمة صاحبة المقال، والمسؤول عن تحرير الصحيفة وتأديبهما تأديبا رادعا، واستتابتهما عما حصل منهما. . .» (2)
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3\165) .
(2) المرجع السابق (3\168 - 169) . وانظر: (2\403) ، (3\229، 268) ، (4\206) ، (6\326) ، (8\196) .(88/388)
وبمثل هذه القوة الإيمانية المستنيرة بالعلم، ينتصر الحق، ويحمي جناب الدين، وبها تسمو النفوس، وتزكو القلوب، وتنال الخيرية، يظفر بالمحبة الإلهية.(88/389)
خامسا: التواضع
التواضع هو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل والرحمة بعباده، وقد جاء الأمر به في حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد (1) »
والتواضع تذلل للمؤمنين، وهو تذلل محمود لأن باعثه المودة والرحمة، ورجاء ثواب الله في الآخرة، لا لغرض دنيوي أو منفعة عاجلة، وقد قال الله تعالى مثنيا على من تمثل بهذا الخلق: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (2) .
__________
(1) أخرجه مسلم، في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، رقم (2865) .
(2) سورة المائدة الآية 54(88/389)
والتواضع سبب للرفعة لأنه يحمل صاحبه على قبول الحق، وتعظيمه والانقياد له، كما يحمله على الرحمة بالخلق، والإحسان إليهم، وخفض الجناح لهم، ومن كان بهذه المثابة رفع الله قدره في القلوب، وطيب ذكره على الألسنة، وأعلى منزلته في الدنيا والآخرة.
ويعظم هذا الخلق وتزداد هيبته وجماله إذا صدر عمن عظم قدره، وارتفعت منزلته، واتسع علمه؛ ليكون التواضع رسول المودة له مع الخلق، ومفتاح القلوب لقبول ما يدعو إليه من الحق، وهكذا كان حال الشيخ ابن باز – رحمه الله – متمثلا لهذا الخلق، مؤثرا له، وداعيا إليه (1)
ففي صلته بالناس، لا يأتيه زائر أو سائل، أو مراجع إلا ويعطيه حقه المناسب من مجلسه وإقباله، وكان له عناية خاصة بالفقراء والضعفاء، حتى إن منهم من تأخذه نشوة الاعتزاز بما يجد من انبساطه إليه، واهتمامه بشؤونه الخاصة كأنه واحد من أقرب الناس إليه (2)
ومن تواضعه استجابته لدعوات الآخرين، فلا يستنكف عن حضورها إلا لعذر قاهر، وقد يكون الداعي تلميذا له، أو واحدا من غمار الناس (3)
وبابه مفتوح للكبير والصغير، والغريب والقريب، لا يرد طالبا، ولا ينهر
__________
(1) انظر: ابن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (6\68) (7\214) .
(2) انظر: محمد المجذوب، علماء ومفكرون عرفتهم (1\86) .
(3) المرجع السابق (1\87) .(88/390)
سائلا، يقابل الجفاء بالحلم ورحابة الصدر، رحمه الله تعالى وأعلى منزلته.(88/391)
سادسا: القدوة
القدوة الحسنة هي المثال الحي للسلوك الأمثل في الحياة، وهي الترجمة الواقعية للقيم والأخلاق والآداب.
ولأهمية القدوة وأثرها العميق في تقوية العزائم، وبعث النفوس على سلوك سبيل الخير والاستقامة عليه، جاء التوجيه إلى الاقتداء في كتاب الله عز وجل؛ فقد أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالتأسي بمن سبقه من الأنبياء في قيامهم بأمر الله عز وجل، وصبرهم على صنوف الأذى في سبيله، فقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} (1) ، وقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (2) .
كما وجه الله تعالى الأمة إلى الاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأن يجعلوا من أقواله وأعماله وسنته معيارا لما يقرب إلى الله عز وجل، وينال به الأجر والثواب منه، فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (3) .
__________
(1) سورة الأحقاف الآية 35
(2) سورة الأنعام الآية 90
(3) سورة الأحزاب الآية 21(88/391)
وفي القدوة الصالحة برهان على يسر أعمال الخير والبر، وكشف عن عظيم نفعها، وسمو أهلها.
والعالم الصادق الناصح هو من يقود الآخرين بهديه وسلوكه قبل قوله ومنطقه، وهو بذلك أكثر إقناعا بما يدعو إليه من الحديث عنه والثناء عليه.
وقد ذم الله تعالى من يخالف قوله فعله، فقال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (1) .
قال ابن سعدي – رحمه الله -: «فالعقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه، دل على عدم عقله وجهله، خصوصا إذا كان عالما بذلك قد قامت عليه الحجة، والآية عامة لكل أحد»
ومما جاء في الوعيد فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ثم يخالف قوله فعله، ما روى أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب8 بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه
__________
(1) سورة البقرة الآية 44(88/392)
أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه (1) »
وتتجسد الأسوة الحسنة في حياة الأمة المسلمة بعلمائها العاملين، الذين يخشون الله، ويبلغون رسالته، وينصرون دينه، ويجاهدون في سبيله، ويصبرون على الأذى رجاء ثوابه.
ولقد كان الشيخ ابن باز – رحمه الله – من العلماء الربانيين الذين يقومون بمسؤولياتهم، وينهضون بما استحفظوا من الدين، وما أوتوا من العلم؛ ينظر في أحوال الناس، ويتحسس عقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم، ويحيي بينهم السنن، ويحذر من البدع، ويجتهد في التبليغ، مع الرفق في الخطاب، واللين في الإرشاد، يدعو إلى الخير ويسارع إليه، ويحذر من الشر ويتباعد عنه، ويعين على الحق، وينصح للخلق، مع تحري السنة، والاجتهاد في العبادة، والاستقامة على مكارم الأخلاق، داعيا بفعله، ومربيا وهاديا بسلوكه وسمته.
فكان – بحق – إماما يقتدى به، وعلما يهتدي به من وراءه.
__________
(1) أخرجه مسلم، في الزهد، باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله (7408) .(88/393)
الخاتمة
الحمد لله وبعد فقد تبين من خلال هذا البحث النتائج الآتية:
- أن الاعتصام بالكتاب والسنة، والتمسك بهما هو السبيل إلى الوصول إلى الحق، والسلامة من التناقض والاختلاف، وبه تحصل الحياة الطيبة في الدنيا والنجاة في الآخرة، كما دلت على ذلك النصوص، وقرره الراسخون في العلم واعتمدوه، ومنهم الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى -.
- لزوم تمحيص مرويات السنة، وتمييز الصحيح منها من غيره، لأن ما صح منها هو ما يجب اتباعه، وتحرم مخالفته أو معارضته، وأما الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة فلا حجة فيها.
- أن الإعراض عن فهم الصحابة - رضي الله عنهم - للنصوص وتفسيرهم لها في مسائل الاعتقاد وغيرها من أعظم أسباب الزيغ والضلال، كما جرى للفرق المنحرفة؛ كالخوارج والمعتزلة والمرجئة وغيرهم، ممن فسروا النصوص وفق فهمهم، أو أولوها بحسب أهوائهم أو مقررات سابقة لديهم، وأعرضوا عن فهم الصحابة وبيانهم، فوقعوا في صنوف من البدع والضلالات.
- صحة الاجتهاد، وموافقته - غالبا - للحق والصواب في حال الأخذ بالقواعد والأصول المعتبرة في الاستدلال والاستنباط، كما تجلى(88/394)
هذا في فتاوى الشيخ ابن باز واختياراته واجتهاداته.
- أن الشيخ ابن باز – رحمه الله - قام بتبليغ العلم وبيانه للناس وفق منهج خلقي متين تمثل في الصدق والإخلاص والنصح، مع الوضوح في الخطاب والرفق فيه، وتعظيم الحق والتواضع للخلق، والمسارعة إلى الخيرات، فأسهم بهذا المنهج المتميز في غرس تعظيم الشريعة في القلوب، وتيسير فهمها على عموم المسلمين، كما كان له أثر عظيم في نشر السنن، ومحاربة مظاهر الشرك والبدع ومدافعتها في سائر بلاد المسلمين.(88/395)
أبان (خ، م، د، س)
ابن يزيد العطار، الحافظ، الإمام أبو يزيد البصري، من كبار علماء الحديث روى عن: الحسن البصري، وأبي عمران الجوني، وعمرو بن دينار، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، وبديل بن ميسرة.
حدث عنه: أبو داود ; ومسلم بن إبراهيم، وحبان بن هلال، وسهل بن بكار، وعفان بن مسلم، وموسى بن إسماعيل التبوذكي، وشيبان بن فروخ، وهدبة بن خالد، وخلق كثير. قال أحمد بن حنبل: كان ثبتا في كل مشايخه. وقال يحيى بن معين، وأحمد العجلي، والنسائي: كان ثقة. زاد العجلي: يرى القدر.
وقال أحمد بن زهير: سئل يحيى بن معين عن أبان وهمام، فقال: كان يحيى القطان يروي عن أبان، وكان أحب إليه من همام، وأنا: فهمام أحب إلي.
وأما محمد بن يونس الكديمي، فروى عن علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد: أنه لين أبانا، وقال: لا أحدث عنه. فإن صح هذا، فقد كان لا يروي عنه، ثم روى عنه، وتغير اجتهاده، فقد روى عباس الدوري عن يحيى بن معين، قال: مات يحيى بن سعيد وهو يروي عن أبان بن يزيد. وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
وذكره أبو أحمد بن عدي فقال: هو متماسك، يكتب حديثه. قلت: الرجل ثقة حجة، قد احتج به صاحبا " الصحيح "، ولم أقع بتاريخ موته، وهو قريب من موت رفيقه همام بن يحيى.(أعلام/1)
أبان بن تغلب (م، 4)
الإمام المقرئ أبو سعد. وقيل: أبو أمية الربعي، الكوفي، الشيعي. حدث عن الحكم بن عتيبة، وعدي بن ثابت، وفضيل بن عمرو الفقيمي، وجماعة. وهو من أسنان حمزة الزيات، لم يعد في التابعين. لكنه قديم الموت. أخذ القراءة عن طلحة بن مصرف، وعاصم بن أبي النجود، وتلقى الحفظ من الأعمش.
حدث عنه عدد كثير، منهم: إدريس بن يزيد الأودي، وشعبة، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن إدريس الأودي، وآخرون. وتلا عليه.
وهو صدوق في نفسه، عالم كبير، وبدعته خفيفة، لا يتعرض للكبار، وحديثه يكون نحو المائة، لم يخرج له البخاري، توفي في سنة إحدى وأربعين ومائة.
وفيها مات أبو إسحاق الشيباني، وسعد بن سعيد الأنصاري أخو يحيى بن سعيد، والسيد الحسين بن زين العابدين علي بن الحسين العلوي، والحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس الهاشمي، وإسحاق بن راشد، ووالد جويرية أسماء بن عبيد، وموسى بن عقبة صاحب المغازي، والقاسم بن الوليد الهمداني الكوفي، وعثمان البتي الفقيه، وعاصم بن سليمان الأحول باختلاف فيهما. وأمير الديار المصرية: موسى بن كعب التميمي.(أعلام/2)
أبان بن عثمان (م 4)
ابن عفان، الإمام الفقيه، الأمير، أبو سعد بن أمير المؤمنين أبي عمرو الأموي، المدني.
سمع أباه، وزيد بن ثابت.
حدث عنه عمرو بن دينار، والزهري، وأبو الزناد، وجماعة.
له أحاديث قليلة، ووفادة على عبد الملك.
قال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن أبان: سمعت عثمان يقول: " من قال في أول يومه وليلته: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لم يضره ذلك اليوم شيء، أو تلك الليلة ". فلما أصاب أبان الفالج قال: إني والله نسيت هذا الدعاء هذه الليلة ليمضي في أمر الله.
حديث صحيح. ورواه عن أبان منذر بن عبد الله الحزامي، ومحمد بن كعب القرظي. أخرجه الترمذي.
قال ابن سعد: ثقة، له أحاديث عن أبيه.
وكان به صمم ووضح كثير. أصابه الفالج في أواخر عمره.
قال خليفة هو أخو عمرو، وأمهما أم عمرو بنت جندب.
قال الواقدي كان ولاية أبان على المدينة سبع سنين.
وعن أبي الزناد، قال: مات أبان قبل عبد الملك بن مروان.
قال يحيى القطان: فقهاء المدينة عشرة: أبان بن عثمان، وسعيد بن المسيب، وذكر سائرهم.
قال مالك: حدثني عبد الله بن أبي بكر، أن والده أبا بكر بن حزم كان يتعلم من أبان القضاء.
وعن عمرو بن شعيب قال: ما رأيت أحدا أعلم بحديث ولا فقه من أبان بن عثمان.
وقال خليفة: إن أبان توفي سنة خمس ومائة.(أعلام/3)
أبو أحمد الحاكم
الإمام الحافظ العلامة الثبت، محدث خراسان محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي، الحاكم الكبير، مؤلف كتاب " الكنى " في عدة مجلدات.
ولد في حدود سنة تسعين ومائتين أو قبلها.
وطلب هذا الشأن وهو كبير له نيف وعشرون سنة، فسمع أحمد بن محمد الماسرجسي، ومحمد بن شادل، وإمام الأئمة ابن خزيمة، وأبا العباس السراج، وأبا بكر محمد بن محمد الباغندي، وعبد الله بن زيدان البجلي، وأبا جعفر محمد بن الحسين الخثعمي، وأبا القاسم البغوي، وابن أبي داود، ومحمد بن إبراهيم الغازي، ومحمد بن الفيض الغساني، ومحمد بن خريم، وأبا الطيب الحسين بن موسى الرقي - نزيل أنطاكية، وأبا عروبة الحراني، وعبد الرحمن بن عبيد الله بن أخي الإمام الحلبي، وأبا الجهم أحمد بن الحسين بن طلاب، ومحمد بن أحمد بن سلم الرقي، وأبا الحسن أحمد بن جوصا الحافظ، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي ثم الدمشقي، وصدقة بن منصور الكندي الحراني، ومحمد بن سفيان المصيصي الصفار، ويحيى بن محمد بن صاعد، ومحمد بن إبراهيم الديبلي، والعباس بن الفضل بن شاذان الرازي المقرئ، ومحمد بن مروان بن عبد الملك البزاز الدمشقي -كذا يسميه- وهو محمد بن خريم العقيلي، وعبد الله بن عتاب الزفتي، ومحمد بن أحمد بن المستنير المصيصي، وعلي بن عبد الحميد الغضائري، ويوسف بن يعقوب مقرئ واسط، ومحمد بن المسيب الأرغياني، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وخلقا كثيرا بالشام، والعراق، والجزيرة، والحجاز، وخراسان، والجبال.
وكان من بحور العلم.
حدث عنه: أبو عبد الله الحاكم، وأبو عبد الرحمن السلمي، ومحمد بن علي الأصبهاني الجصاص، ومحمد بن أحمد الجارودي، وأبو بكر أحمد بن علي بن منجويه، وأبو حفص بن سرور، وصاعد بن محمد القاضي، وأبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، وأبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد البحيري، وآخرون.(أعلام/4)
ذكره الحاكم ابن البيع، فقال: هو إمام عصره في هذه الصنعة، كثير التصنيف، مقدم في معرفة شروط الصحيح والأسامي والكنى
. طلب الحديث وهو ابن نيف وعشرين سنة. . . إلى أن قال: ولم يدخل مصر، وكان مقدما في العدالة أولا، ثم ولي القضاء في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. . . إلى أن قلد قضاء الشاش، فذهب وحكم أربع سنين وأشهرا، ثم قلد قضاء طوس، وكنت أدخل إليه والمصنفات بين يديه، فيحكم ثم يقبل على الكتب، ثم أتى نيسابور سنة خمس وأربعين، ولزم مسجده ومنزله مفيدا مقبلا على العبادة والتصنيف، وأريد غير مرة على القضاء والتزكية فيستعفي. قال: وكف بصره سنة ست وسبعين، ثم توفي وأنا غائب.
وقال الحاكم أيضا: كان أبو أحمد من الصالحين الثابتين على سنن السلف، ومن المنصفين فيما نعتقده في أهل البيت والصحابة. قلد القضاء في أماكن. وصنف على كتابي الشيخين، وعلى جامع أبي عيسى، قال لي. سمعت عمر بن علك، يقول: مات محمد بن إسماعيل ولم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى الترمذي في العلم والزهد والورع، بكى حتى عمي، ثم قال الحاكم أبو عبد الله: وصنف أبو أحمد كتاب " العلل "، والمخرج على " كتاب المزني "، وكتابا في الشروط، وصنف الشيوخ والأبواب. . . إلى أن قال: وهو حافظ عصره بهذه الديار.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت أبا أحمد الحافظ يقول: حضرت مع الشيوخ عند أمير خراسان نوح بن نصر، فقال: من يحفظ منكم حديث أبي بكر في الصدقات؟ فلم يكن فيهم من يحفظه، وكان علي خلقان وأنا في آخر الناس، فقلت لوزيره: أنا أحفظه، فقال: هاهنا فتى من نيسابور يحفظه، فقدمت فوقهم، ورويت الحديث، فقال الأمير: مثل هذا لا يضيع. فولاني قضاء الشاش.(أعلام/5)
قال أبو عبد الله بن البيع: تغير حفظ أبي أحمد لما كف، ولم يختلط قط، وسمعته يقول: كنت بالري وهم يقرءون على عبد الرحمن بن أبي حاتم كتاب " الجرح والتعديل "، فقلت لابن عبدويه الوراق: هذه ضحكة، أراكم تقرءون كتاب " تاريخ البخاري " على شيخكم على الوجه، وقد نسبتموه إلى أبي زرعة وأبي حاتم، فقال: يا أبا أحمد اعلم أن أبا زرعة، وأبا حاتم لما حمل إليهما " تاريخ البخاري " قالا: هذا علم لا يستغنى عنه، ولا يحسن بنا أن نذكره عن غيرنا، فأقعدا عبد الرحمن، فسألهما عن رجل بعد رجل، وزادا فيه ونقصا. وسمعته يقول: سمعت أبا الحسين الغازي، يقول: سألت البخاري عن أبي غسان، فقال: عن ما تسأل عنه؟ قلت: شأنه في التشيع، فقال: هو على مذهب أئمة أهل بلده الكوفيين، ولو رأيتم عبيد الله بن موسى، وأبا نعيم وجماعة مشايخنا الكوفيين، لما سألتمونا عن أبي غسان.
قال ابن البيع: وسمعت أبا أحمد يقول: سمعت أبا الحسين الغازي، يقول: سمعت عمرو بن علي، سمعت يحيى بن سعيد، يقول: عجبا من أيوب السختياني يدع ثابتا البناني لا يكتب عنه! .
قيل: إن بعض العلماء نازعه أبو عبد الله بن البيع في عمر بن زرارة، وعمرو بن زرارة النيسابوري، وقال: هما واحد، قال: فقلت لأبي أحمد الحاكم: ما تقول فيمن جعلهما واحدا؟ فقال: من هذا الطبل؟ .
قال الحاكم: أتينا أبا أحمد مع أبي علي الحافظ سنة أربعين، فقال أبو أحمد: قد غبت عنكم سبع عشرة سنة، فأفيدونا بكل سنة حديثا، فقال بعضهم: حديث شعبة، عن حبيب، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد مرفوعا: سبعة يظلهم الله فقال أبو أحمد: حدثناه أحمد بن عمير، حدثنا أحمد بن موسى، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، عن شعبة.(أعلام/6)
فقال السائل: عنه، عن عمرو بن مرزوق عال، فقالوا له: يا أبا أحمد إنك لم تدخل مصر، قال: فأنتم قد دخلتموها، اذكروا ما فاتني بمصر، فقال بعضهم: حديث الليث في قصة الغار فقال: حدثناه ابن داود، أخبرنا عيسى بن حماد عنه. ثم ذكر أبو علي أحاديث استفادها، فذكرت أنا حديث الجساسة من طريق أبي العميس، عن الشعبي، فقال: هذا فاتني.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام التميمي، وأحمد بن هبة الله، قالا: أخبرتنا أم المؤيد زينب بنت عبد الرحمن الشعرية إذنا، وزادنا أحمد، فقال: وأنبأنا عبد المعز بن محمد البزاز، قالا: أخبرنا زاهر بن طاهر المستملي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الخنزرودي، أخبرنا أبو أحمد الحافظ، حدثنا عبيد الله بن عثمان العثماني ببغداد، حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن طلحة التيمي، حدثني أبو سهيل نافع بن مالك، عن سعيد بن المسيب، عن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفا وأوصلها أخرجه النسائي عن حميد بن زنجويه، عن علي.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله، أخبرنا أبو الحسن المؤيد بن محمد في كتابه، أخبرنا هبة الله بن سهل السدي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد الحاكم، أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الواسطي ببغداد، حدثنا عبد الله - يعني: ابن عمران العابدي -، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم بضالته يجدها بأرض مهلكة يخاف بها العطش.(أعلام/7)
قرأت على أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا تميم بن أبي سعيد، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي سنة تسع وأربعين وأربعمائة، قال: أخبرنا الحافظ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي، حدثنا إسحاق الحنظلي، أخبرنا عبد العزيز بن محمد، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أشرك بالله فليس بمحصن قال أبو أحمد: لا أعلم حدث به غير إسحاق عن الدراوردي.
قلت: مر هذا في ترجمة الماسرجسي.
قال أبو عبد الله الحافظ: مات أبو أحمد وأنا غائب في شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة وله ثلاث وتسعون سنة.
قلت: مات معه في هذا العام قاضي سمرقند، أبو سعيد الخليل بن أحمد السجزي الحنفي الواعظ، عن تسعين سنة إلا سنة، ومفتي ما وراء النهر عبد الكريم بن محمد بن موسى البخاري الميغي الحنفي الزاهد، وشيخ المالكية صاحب التفريع، أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن الجلاب البغدادي، ومسند مصر الشيخ أبو بكر عتيق بن موسى الأزدي الحاتمي، وكان عنده " الموطأ " عن أبي الرقراق، عن يحيى بن بكير، والحافظ أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق -صاحب تلك الأمالي- وكبير هراة ومحدثها الرئيس أبو عبد الله محمد بن أبي ذهل الضبي، والقاضي أبو القاسم بشر بن محمد بن محمد بن ياسين النيسابوري - صاحب ابن خزيمة.(أعلام/8)
أبو أسماء الرحبي (م 4)
الدمشقي، والرحبة قرية عامرة بظاهر دمشق. قال الحافظ أبو سليمان بن زبر: رحبة دمشق رأيتها عامرة، بينها وبين البلد ميل.
حدث عن شداد بن أوس، وثوبان، وأبي هريرة، وأوس بن أوس، وأبي ثعلبة الخشني، ومعاوية، وعن أبي ذر الغفاري. وروايته عن أبي ذر في مسلم.
حدث عنه أبو سلام ممطور، وأبو الأشعث الصنعاني، وأبو قلابة الجرمي، وشداد أبو عمار، وربيعة بن يزيد القصير، ويحيى بن الحارث الذماري، وراشد الصنعاني.
وكان من كبار علماء الشام. وثقه أحمد العجلي وغيره، ولم يخرج له البخاري.
وفي اسم أبي أسماء اختلاف: فقيل عمرو بن مرثد، وقال أبو الحسن بن سميع وأبو زرعة النصري: اسمه عمرو بن أسماء.
لم أقع له بوفاة، وهو من كبار التابعين. أرى أنه مات في خلافة الوليد بن عبد الملك.(أعلام/9)
أبو أمامة الباهلي (ع)
صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزيل حمص.
روى علما كثيرا، وحدث عن، عمر ومعاذ، وأبي عبيدة.
روى عنه؛ خالد بن معدان، والقاسم أبو عبد الرحمن، وسالم بن أبي الجعد، وشرحبيل بن مسلم، وسليمان بن حبيب المحاربي، ومحمد بن زياد الألهاني، وسليم بن عامر، وأبو غالب حزور، ورجاء بن حيوة، وآخرون.
قال خليفة: ومن قيس عيلان، ثم من بني أعصر؛ صدي بن عجلان ابن وهب بن عريب بن وهب بن رياح بن الحارث بن معن بن مالك بن أعصر.
قال سليم بن عامر: سمعت أبا أمامة: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجة الوداع. قلت: لأبي أمامة: مثل من أنت يومئذ؟ قال: أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة.
وروي أنه بايع تحت الشجرة.
رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة، قلت: يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة، فقال: اللهم سلمهم وغنمهم. فغزونا، فسلمنا، وغنمنا، وقلت: يا رسول الله، مرني بعمل. قال: عليك بالصيام فإنه لا مثل له. فكان أبو أمامة، وامرأته، وخادمه لا يلفون إلا صياما.
الحسين بن واقد، وصدقة بن هرمز بمعناه، عن أبي غالب، عن أبي أمامة: أرسلني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى باهلة، فأتيتهم، فرحبوا بي، فقلت: جئت لأنهاكم عن هذا الطعام، وأنا رسول رسول الله لتؤمنوا به، فكذبوني، وردوني. فانطلقت وأنا جائع ظمآن، فنمت، فأتيت في منامي بشربة من لبن، فشربت، فشبعت، فعظم بطني. فقال القوم: أتاكم رجل من أشرافكم وخياركم، فرددتموه؟ قال: فأتوني بطعام وشراب. فقلت: لا حاجة لي فيه. إن الله قد أطعمني، وسقاني، فنظروا إلى حالي؛ فآمنوا.(أعلام/10)
مسعر: عن أبي العنبس، عن أبي العدبس، عن أبي مرزوق، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوكئ على عصا، فقمنا إليه؛ فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا.
ابن المبارك؛ حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا محمد بن زياد: رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد، وهو ساجد يبكي، ويدعو، فقال: أنت أنت! لو كان هذا في بيتك.
صفوان بن عمرو، حدثني سليم بن عامر قال: كنا نجلس إلى أبي أمامة، فيحدثنا حديثا كثيرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يقول: اعقلوا، وبلغوا عنا ما تسمعون.
لأبي أمامة كرامة باهرة جزع هو منها. وهي في كرامات الداكالي، وأنه تصدق بثلاثة دنانير، فلقي تحت كراجته ثلاثمائة دينار.
إسماعيل بن عياش: حدثنا عبد الله بن محمد، عن يحيى بن أبي كثير، عن سعيد الأزدي، قال: شهدت أبا أمامة وهو في النزع، فقال لي: يا سعيد! إذا أنا مت، فافعلوا بي كما أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنا: إذا مات أحدكم فنثرتم عليه التراب، فليقم رجل منكم عند رأسه، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة؛ فإنه يسمع، ولكنه لا يجيب. ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يستوي جالسا، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله. ثم ليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربا، وبمحمد نبيا، وبالإسلام دينا. فإنه إذا فعل ذلك، قال منكر ونكير: اخرج بنا من عند هذا، ما نصنع به وقد لقن حجته؟ قيل: يا رسول الله، فإن لم أعرف أمه. قال: انسبه إلى حواء.
ويروى بإسناد آخر إلى سعيد هذا.
قال المدائني وجماعة: توفي أبو أمامة سنة ست وثمانين.
وقال إسماعيل بن عياش: مات سنة إحدى وثمانين.(أعلام/11)
أبو أمامة بن سهل (ع)
ابن حنيف الأنصاري الأوسي المدني الفقيه المعمر الحجة اسمه أسعد باسم جده لأمه، النقيب السيد أسعد بن زرارة.
ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ورآه فيما قيل.
وحدث عن: أبيه، وعمر، وعثمان، وزيد بن ثابت، وابن عباس، ومعاوية، وطائفة.
حدث عنه: الزهري، وسعد بن إبراهيم، وأبو حازم الأعرج، ومحمد بن المنكدر، وأبو الزناد، ويعقوب بن عبد الله بن الأشج، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابناه محمد وسهل ابنا أبي أمامة، وآخرون. وكان أحد العلماء.
قال أبو معشر السندي: رأيت أبا أمامة وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم.
وقال الزهري: أخبرني أبو أمامة وكان من علية الأنصار وعلمائهم، ومن أبناء البدريين.
عبد الرحمن بن الحارث: عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي أمامة بن سهل قال: كتب معي عمر إلى أبي عبيدة: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له.
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
يوسف بن الماجشون: عن عتبة بن مسلم، قال: استوى عثمان على المنبر، فحصبوه حتى حيل بينه وبين الصلاة، فصلى بالناس يومئذ أبو أمامة بن سهل.
اتفقوا على وفاته في سنة مائة.(أعلام/12)
أبو أيوب الأنصاري (ع)
الخزرجي النجاري البدري السيد الكبير الذي خصه النبي - صلى الله عليه وسلم- بالنزول عليه في بني النجار إلى أن بنيت له حجرة أم المؤمنين سودة، وبني المسجد الشريف.
اسمه: خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عمرو بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن الخزرج.
حدث عنه: جابر بن سمرة، والبراء بن عازب. والمقدام بن معد يكرب، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وجبير بن نفير، وسعيد بن المسيب، وموسى بن طلحة، وعروة بن الزبير، وعطاء بن يزيد الليثي، وأفلح مولاه، وأبو رهم السماعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن ; وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وقرثع الضبي. ومحمد بن كعب، والقاسم أبو عبد الرحمن، وآخرون.
وله عدة أحاديث، ففي " مسند " بقي له مائة وخمسة وخمسون حديثا ; فمنها في البخاري ومسلم سبعة، وفي البخاري حديث، وفي مسلم خمسة أحاديث.
حرملة: حدثنا ابن وهب، أخبرنا حيوة، أخبرنا الوليد بن أبي الوليد، حدثنا أيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري، عن أبيه عن جده:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال له: اكتم الخطبة، ثم توضأ، ثم صل ما كتب الله لك، ثم احمد ربك ومجده، ثم قل: اللهم إنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. فإن رأيت لي في فلانة - تسميها- خيرا في ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي، وإن كان غيرها خيرا لي منها، فأمض لي - أو قال: اقدرها لي
وفي سيرة ابن عباس: أنه كان أميرا على البصرة لعلي، وأن أبا أيوب الأنصاري وفد عليه، فبالغ في إكرامه، وقال: لأجزينك على إنزالك النبي - صلى الله عليه وسلم- عندك، فوصله بكل ما في المنزل، فبلغ ذلك أربعين ألفا.
الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أشياخه، عن أبي أيوب، أنه قال: ادفنوني تحت أقدامكم، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.(أعلام/13)
ابن علية، عن أيوب، عن محمد، قال: شهد أبو أيوب بدرا، ثم لم يتخلف عن غزاة إلا عاما، استعمل على الجيش شاب، فقعد، ثم جعل يتلهف، ويقول: ما علي من استعمل علي. فمرض، وعلى الجيش يزيد بن معاوية، فأتاه يعوده، فقال: حاجتك؟ قال: نعم، إذا أنا مت، فاركب بي، ثم تبيغ بي في أرض العدو ما وجدت مساغا ; فإذا لم تجد مساغا، فادفني، ثم ارجع.
فلما مات، ركب به، ثم سار به، ثم دفنه. وكان يقول: قال الله: انفروا خفافا وثقالا لا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا.
وروى همام، عن عاصم ابن بهدلة، عن رجل: أن أبا أيوب قال ليزيد: أقرئ الناس مني السلام ; ولينطلقوا بي وليبعدوا ما استطاعوا. قال: ففعلوا.
قال الواقدي: توفي عام غزا يزيد في خلافة أبيه القسطنطينية فلقد بلغني: أن الروم يتعاهدون قبره، ويرمونه، ويستسقون به. وذكره عروة والجماعة في البدريين.
وقال ابن إسحاق: شهد العقبة الثانية.
قال محمد بن سيرين: النجار سمي بذلك ; لأنه اختتن بقدوم.
وعن ابن إسحاق: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- آخى بين أبي أيوب ومصعب بن عمير.
شهد أبو أيوب المشاهد كلها.
وقال أحمد بن البرقي: جاء له نحو من خمسين حديثا.
قال ابن يونس: قدم مصر في البحر سنة ست وأربعين.
وقال أبو زرعة النصري: قدم دمشق زمن معاوية.
وقال الخطيب: شهد حرب الخوارج مع علي.
جعفر بن جسر بن فرقد: أخبرنا أبي: حدثنا عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، قال: قال أهل المدينة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: ادخل المدينة راشدا مهديا، فدخلها وخرج الناس ينظرون إليه، كلما مر على قوم، قالوا: يا رسول الله، هاهنا. فقال: دعوها، فإنها مأمورة - يعني الناقة - حتى بركت على باب أبي أيوب.(أعلام/14)
يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن أبي رهم: أن أبا أيوب حدثه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نزل في بيتنا الأسفل، وكنت في الغرفة، فأهريق ماء في الغرفة، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتتبع الماء، ونزلت فقلت: يا رسول الله، لا ينبغي أن نكون فوقك، انتقل إلى الغرفة. فأمر بمتاعه فنقل - ومتاعه قليل- قلت: يا رسول الله، كنت ترسل بالطعام، فأنظر فإذا رأيت أثر أصابعك، وضعت فيه يدي.
بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن أبي أيوب، قال: أقرعت الأنصار أيهم يئوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقرعهم أبو أيوب. فكان إذا أهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- طعام، أهدي لأبي أيوب. فدخل أبو أيوب يوما، فإذا قصعة فيها بصل، فلم يأكل منها، وقال: إنه يغشاني ما لا يغشاكم.
الصنعاني: حدثنا محمد بن سابق: حدثنا حشرج بن نباتة، عن إسحاق بن إبراهيم: سمع أبا قلابة يقول: حدثني أبو عبد الله الصنابحي، أن عبادة بن الصامت حدثه، قال: خلوت برسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقلت: أي أصحابك أحب إليك؟ قال: اكتم علي حياتي؟ قلت: نعم. قال: أبو بكر، ثم عمر، ثم علي ثم سكت. فقلت: ثم من؟ قال: من عسى أن يكون بعد هؤلاء إلا الزبير، وطلحة، وسعد، وأبو عبيدة، ومعاذ، وأبو طلحة، وأبو أيوب، وأنت، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وابن عفان، وابن عوف ; ثم هؤلاء الرهط من الموالي: سلمان، وصهيب، وبلال، وسالم مولى أبي حذيفة ; هؤلاء خاصتي. هذا حديث منكر. رواه الهيثم الشاشي في " مسنده ".(أعلام/15)
الواقدي: حدثنا كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة، قال: لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بصفية، بات أبو أيوب على باب النبي، صلى الله عليه وسلم. فلما أصبح، فرأى رسول الله، كبر، ومع أبي أيوب السيف، فقال: يا رسول الله، كانت جارية حديثة عهد بعرس، وكنت قتلت أباها وأخاها وزوجها ; فلم آمنها عليك. فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم- وقال له خيرا غريب جدا، وله شويهد من حديث عيسى بن المختار، وابن أبي ليلى، عن الحكم عن مقسم، عن ابن عباس، فذكر قريبا منه. وأبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عمر بن أبي بكر، عن عبد الله بن أبي عبيدة، عن أبيه، عن مقسم، عن جابر، بنحوه.
وابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، نحوه.
عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم، قال: أعرست، فدعا أبي الناس، فيهم أبو أيوب، وقد ستروا بيتي بجنادي أخضر. فجاء أبو أيوب، فطأطأ رأسه، فنظر فإذا البيت مستر. فقال: يا عبد الله، تسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيى: غلبنا النساء يا أبا أيوب. فقال: من خشيت أن تغلبه النساء، فلم أخش أن يغلبنك. لا أدخل لكم بيتا، ولا آكل لكم طعاما! .
غريب، رواه النفيلي عن ابن علية، عنه.
ابن أبي ذئب، عن عبد العزيز بن عباس، عن محمد بن كعب، قال: كان أبو أيوب يخالف مروان، فقال: ما يحملك على هذا؟ قال: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي الصلوات، فإن وافقته، وافقناك، وإن خالفته، خالفناك.
مروان بن معاوية، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن أبيه، قال: انضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري في البحر، وكان معنا رجل مزاح، فكان يقول لصاحب طعامنا: جزاك الله خيرا وبرا، فيغضب. فقلنا لأبي أيوب: هنا من إذا قلنا له: جزاك الله خيرا يغضب. فقال: اقلبوه له. فكنا نتحدث: إن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر.(أعلام/16)
فقال له المزاح: جزاك الله شرا وعرا، فضحك، وقال: ما تدع مزاحك.
ذكر خليفة: أن عليا استعمل أبا أيوب على المدينة.
وقال الحاكم: لم يشهد أبو أيوب مع علي صفين.
الأعمش، عن أبي ظبيان: أن أبا أيوب غزا زمن معاوية، فلما احتضر، قال: إذا صاففتم العدو، فادفنوني تحت أقدامكم.
ابن فضيل: حدثنا إبراهيم الهجري، عن أبي صادق قال: قدم أبو أيوب الأنصاري العراق، فأهدت له الأزد جزرا معي. فسلمت، وقلت: يا أبا أيوب، قد أكرمك الله بصحبة نبيه وبنزوله عليك ; فمالي أراك تستقبل الناس تقاتلهم بسيفك؟ قال: إن رسول الله عهد إلينا أن نقاتل مع علي الناكثين، فقد قاتلناهم ; والقاسطين، فهذا وجهنا إليهم - يعني معاوية - والمارقين، فلم أرهم بعد. هذا خبر واه.
إسحاق بن سليمان الرازي: حدثنا أبو سنان، عن حبيب بن أبي ثابت: أن أبا أيوب قدم على ابن عباس البصرة، ففرغ له بيته، وقال: لأصنعن بك كما صنعت برسول الله - صلى الله عليه وسلم- كم عليك؟ قال: عشرون ألفا فأعطاه أربعين ألفا، وعشرين مملوكا، ومتاع البيت.
ابن عون: حدثنا محمد، وحدثنا عمر بن كثير بن أفلح، وهذا حديثه، قال: قدم أبو أيوب على معاوية، فأجلسه معه على السرير، وحادثه، وقال: يا أبا أيوب، من قتل صاحب الفرس البلقاء التي جعلت تجول يوم كذا وكذا؟ قال: أنا ; إذ أنت وأبوك على الجمل الأحمر معكما لواء الكفر. فنكس معاوية، وتنمر أهل الشام، وتكلموا. فقال معاوية: مه! وقال: ما نحن عن هذا سألناك.(أعلام/17)
أبو إسحاق الفزاري، عن إبراهيم بن كثير: سمعت عمارة بن غزية، قال: دخل أبو أيوب على معاوية، فقال: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سمعته يقول: يا معشر الأنصار، إنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا فبلغت معاوية، فصدقه، فقال: ما أجرأه! لا أكلمه أبدا، ولا يئويني وإياه سقف. وخرج من فوره إلى الغزو، فمرض ; فعاده يزيد بن معاوية، وهو على الجيش، فقال: هل لك من حاجة؟ قال: ما ازددت عنك وعن أبيك إلا غنى ; إن شئت أن تجعل قبري مما يلي العدو. . . الحديث.
الأعمش، عن أبي ظبيان، قال: أغزى أبو أيوب، فمرض، فقال: إذا مت فاحملوني، فإذا صاففتم العدو، فارموني تحت أقدامكم. أما إني سأحدثكم بحديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سمعته يقول: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة إسناده قوي.
جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه قال: أتيت مصر، فرأيت الناس قد قفلوا من غزوهم، فأخبروني أنهم لما كانوا عند انقضاء مغزاهم حيث يراهم العدو، حضر أبا أيوب الموت ; فدعا الصحابة والناس، فقال: إذا قبضت، فلتركب الخيل، ثم سيروا حتى تلقوا العدو، فيردوكم، فاحفروا لي، وادفنوني، ثم سووه! فلتطأ الخيل والرجال عليه حتى لا يعرف، فإذا رجعتم، فأخبروا الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أخبرني: أنه لا يدخل النار أحد يقول: لا إله إلا الله.
قال الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز: أغزى معاوية ابنه في سنة خمس وخمسين في البر والبحر، حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها، ثم قفل.
وعن الأصمعي، عن أبيه: أن أبا أيوب قبر مع سور القسطنطينية، وبني عليه، فلما أصبحوا، قالت الروم: يا معشر العرب، قد كان لكم الليلة شأن. قالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا، والله لئن نبش، لا ضرب بناقوس في بلاد العرب. فكانوا إذا قحطوا، كشفوا عن قبره، فأمطروا.(أعلام/18)
قال الواقدي: مات أبو أيوب سنة اثنتين وخمسين، وصلى عليه يزيد، ودفن بأصل حصن القسطنطينية. فلقد بلغني أن الروم يتعاهدون قبره، ويستسقون به.
وقال خليفة: مات سنة خمسين وقال يحيى بن بكير: سنة اثنتين وخمسين.(أعلام/19)
أبو إدريس الخولاني
عائذ الله بن عبد الله، ويقال فيه: عيذ الله بن إدريس بن عائذ بن عبد الله بن عتبة، قاضي دمشق وعالمها وواعظها ولد عام الفتح.
وحدث عن أبي ذر، وأبي الدرداء، وحذيفة، وأبي موسى، وشداد بن أوس، وعبادة بن الصامت، وأبي هريرة، وعوف بن مالك الأشجعي، وعقبة بن عامر الجهني، والمغيرة بن شعبة، وابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن حوالة، وأبي مسلم الخولاني، وعدة.
قال أبو عمر بن عبد البر سماعه من معاذ بن جبل صحيح.
وقال أبو داود: سمع أبو إدريس من أبي الدرداء وعبادة.
قلت: حدث عنه أبو سلام الأسود، ومكحول، وابن شهاب وعبد الله بن عامر اليحصبي، ويحيى بن يحيى الغساني، وعطاء بن أبي مسلم، وأبو قلابة الجرمي، ومحمد بن يزيد الرحبي، ويونس بن ميسرة بن حلبس، ويزيد بن أبي مريم، وربيعة القصير وآخرون.
وليس هو بالمكثر، لكن له جلالة عجيبة، سئل دحيم عنه وعن جبير أيهما أعلم؟ قال: أبو إدريس هو المقدم. ورفع أيضا من شأن جبير بن نفير لإسناده وأحاديثه.
قلت: هما كانا مع كثير بن مرة، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الله بن محيريز الجمحي، وأم الدرداء ; علماء الشام في عصرهم في دولة عبد الملك بن مروان، وقبل ذلك.
قال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين يقول: أبو إدريس قد سمع من أبي ذر.
يونس، عن ابن شهاب: حدثني أبو إدريس الخولاني ; وكان من فقهاء أهل الشام.
وروى عبد العزيز بن الوليد بن أبي السائب، عن أبيه، عن مكحول، قال: ما رأيت مثل أبي إدريس الخولاني.
وكذلك روى أبو مسهر، عن سعيد، عن مكحول.
وعن سعيد بن عبد العزيز، أنه قال: كان أبو إدريس عالم الشام بعد أبي الدرداء.(أعلام/20)
ابن جوصاء الحافظ: حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا محمد بن حمير، حدثني سعيد بن عبد العزيز، سمعت مكحولا يقول: كانت حلقة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يدرسون جميعا، فإذا بلغوا سجدة بعثوا إلى أبي إدريس الخولاني، فيقرأها، ثم يسجد، فيسجد أهل المدارس.
محمد بن شعيب بن شابور: أخبرني يزيد بن عبيدة، أنه رأى أبا إدريس في زمن عبد الملك بن مروان، وأن حلق المسجد بدمشق يقرءون القرآن، يدرسون جميعا، وأبو إدريس جالس إلى بعض العمد، فكلما مرت حلقة بآية سجدة بعثوا إليه يقرأ بها، وأنصتوا له وسجد بهم جميعا، وربما سجد بهم ثنتي عشرة سجدة حتى إذا فرغوا من قراءتهم قام أبو إدريس يقص. ثم قال يزيد بن عبيدة: ثم إنه قدم القصص بعد ذلك.
الوليد بن مسلم: حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، قال: كنا نجلس إلى أبي إدريس الخولاني فيحدثنا، فحدث يوما عن بعض مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى استوعب الغزاة، فقال له رجل من ناحية المجلس: أحضرت هذه الغزوة؟ فقال: لا، فقال الرجل: قد حضرتها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولأنت أحفظ لها مني.
أبو مسهر: عن سعيد بن عبد العزيز، أن عبد الملك بن مروان عزل بلالا عن القضاء - يعني وولى أبا إدريس.
وروى الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، أن عبد الملك عزل أبا إدريس عن القصص، وأقره على القضاء، فقال أبو إدريس: عزلتموني عن رغبتي، وتركتموني في رهبتي.
قلت: قد كان القاص في الزمن الأول يكون له صورة عظيمة في العلم والعمل.
قال ابن عيينة: سمعت الزهري يقول: أخبرني أبو إدريس، أنه سمع عبادة بن الصامت، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: بايعوني.
قال ابن عيينة: حفظنا من الزهري، عن أبي إدريس الخولاني، أخبره قال: أدركت أبا الدرداء ووعيت عنه، وعبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، ووعيت عنهما، وفاتني معاذ بن جبل.(أعلام/21)
قال النسائي وغير واحد: أبو إدريس ثقة.
وقال خليفة بن خياط وابن معين: مات أبو إدريس الخولاني سنة ثمانين.
قلت: فعلى مولده عام حنين. يكون عمره اثنتين وسبعين سنة -رحمه الله- ولأبيه صحبة.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أنبأنا أبو المحاسن محمد بن هبة الله الدينوري، أنبأنا عمي أبو بكر محمد بن عبد العزيز سنة تسع وثلاثين وخمس مائة، وأنبأنا إسماعيل بن الفراء، أنبأنا أبو محمد بن قدامة، أنبأنا هبة الله بن هلال، قالا: أنبأنا أبو الحسين عاصم بن الحسن (ح) ، وأنبأنا أبو المعالي، أنبأنا القاضي أبو صالح نصر بن عبد الرزاق (ح) ، وأنبأنا أحمد بن عبد الحميد سنة اثنتين وتسعين وست مائة، ومحمد بن بطيخ، وعبد الحميد بن أحمد، وأحمد بن عبد الرحمن، قالوا: أنبأنا عبد الرحمن بن نجم الواعظ، وأنبأنا عبد الخالق بن عبد السلام، وست الأهل بنت الناصح، وخديجة بنت الرضى، قالوا: أنبأنا البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم، قالوا: أخبرتنا فخر النساء شهدة بنت أبي نصر (ح) وأنبأنا أبو المعالي الزاهد، أنبأنا أبو الحسن واثلة بن كراز ببغداد، أنبأنا أبو علي أحمد بن محمد الرحبي، قال هو وشهدة: أنبأنا الحسين بن أحمد النعالي، قالا: أنبأنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد، حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي إملاء، حدثنا أحمد بن إسماعيل، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر.
هذا حديث صحيح عال، أخرجاه في " الصحيحين " من طرق عن الزهري.(أعلام/22)
أبو إسحاق الإسفراييني
الإمام العلامة الأوحد، الأستاذ، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، الإسفراييني الأصولي الشافعي، الملقب ركن الدين. أحد المجتهدين في عصره، وصاحب المصنفات الباهرة.
ارتحل في الحديث، وسمع من: دعلج السجزي، وعبد الخالق بن أبي روبا، وأبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي، ومحمد بن يزداد بن مسعود، وأبي بكر الإسماعيلي، وعدة، وأملى مجالس وقع لي منها.
حدث عنه: أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو الطيب الطبري، وتخرج به في المناظرة، وأبو السنابل هبة الله بن أبي الصهباء، وطائفة.
ومن تصانيفه كتاب " جامع الخلي في أصول الدين والرد على الملحدين "، في خمس مجلدات.
وبنيت له بنيسابور مدرسة مشهورة. توفي بنيسابور يوم عاشوراء من سنة ثماني عشرة وأربعمائة.
قال الشيخ أبو إسحاق في " الطبقات ": درس عليه شيخنا أبو الطيب، وعنه أخذ الكلام والأصول عامة شيوخ نيسابور.
وقال غيره: نقل تابوته إلى إسفرايين، ودفن هناك بمشهده.
قال عبد الغافر في " تاريخه ": كان أبو إسحاق طراز ناحية المشرق، فضلا عن نيسابور، ومن المجتهدين في العبادة، المبالغين في الورع، انتخب عليه الحاكم عشرة أجزاء، وذكره في " تاريخه " لجلالته، وانتقى له الحافظ أحمد بن علي الرازي ألف حديث، وعقد مجلس الإملاء، وكان ثقة ثبتا في الحديث.
وقال الحافظ ابن عساكر: حكى لي من أثق به: أن الصاحب إسماعيل بن عباد كان إذا انتهى إلى ذكر هؤلاء، يقول: ابن الباقلاني بحر مغرق، وابن فورك صل مطرق، والإسفراييني نار تحرق.
قال الحاكم في " تاريخه ": أبو إسحاق الأصولي الفقيه المتكلم، المتقدم في هذه العلوم، انصرف من العراق وقد أقر له العلماء بالتقدم. إلى أن قال: وبني له بنيسابور المدرسة التي لم يبن بنيسابور مثلها قبلها، فدرس فيها.(أعلام/23)
ومن كلام هذا الأستاذ قال: القول بأن كل مجتهد مصيب أوله سفسطة وآخره زندقة. فقال أبو القاسم الفقيه: كان شيخنا الأستاذ إذا تكلم في هذه المسألة، قيل: القلم عنه مرفوع حينئذ يعني: أبا إسحاق لأنه كان يشتم ويصول، ويفعل أشياء.
وحكى أبو القاسم القشيري عنه أنه كان ينكر كرامات الأولياء ولا يجوزها، وهذه زلة كبيرة.
ومات معه في سنة ثماني عشرة أبو علي أحمد بن إبراهيم بن يزداد الأصبهاني غلام محسن والوزير العلامة أبو القاسم الحسين بن علي بن المغربي بميافارقين. وقد قتل الحاكم أباه وعمه وإخوته. وأبو القاسم عبد الرحمن بن محمد النيسابوري السراج صاحب الأصم، والمحدث أبو الحسين عبد الوهاب بن جعفر الميداني الناسخ، والفقيه محمد بن زهير النسائي الشافعي الخطيب، سمع الأصم. وأبو الحسن محمد بن محمد بن أحمد الروزبهان البغدادي الراوي عن الستوري، وشيخ الصوفية معمر بن أحمد بن محمد بن زياد الأصبهاني، ومكي بن محمد بن الغمر الدمشقي مستملي الميانجي، والحافظ هبة الله بن الحسن اللالكائي.(أعلام/24)
أبو إسحاق السبيعي (ع)
عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد، وقيل: عمرو بن عبد الله بن علي الهمداني الكوفي الحافظ، شيخ الكوفة وعالمها ومحدثها لم أظفر له بنسب متصل إلى السبيع، وهو من ذرية سبيع بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيران بن نوف بن همدان. وكان -رحمه الله- من العلماء العاملين، ومن جلة التابعين.
قال: ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، ورأيت علي بن أبي طالب يخطب.
وروى عن معاوية، وعدي بن حاتم، وابن عباس، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي جحيفة السوائي، وسليمان بن صرد، وعمارة بن رويبة الثقفي، وعبد الله بن يزيد الأنصاري، وعمرو بن الحارث الخزاعي، وغيرهم من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
ورأى أيضا أسامة بن زيد النبوي، وقرأ القرآن على الأسود بن يزيد، وأبي عبد الرحمن السلمي، وكان طلابة للعلم، كبير القدر.
وروى أيضا عن علقمة بن قيس، ومسروق بن الأجدع، والضحاك بن قيس الفهري، وعمرو بن شرحبيل الهمداني، والحارث الأعور، وهبيرة بن يريم، وشمر بن ذي الجوشن، وعمر بن سعد الزهري، وعبيدة بن عمرو السلماني، وعاصم بن ضمرة، وعبد الله بن عتبة بن مسعود، وعمرو بن ميمون الأودي، وصلة بن زفر العبسي، وسعيد بن وهب الخيواني، وعبد الرحمن بن أبزى الخزاعي، وحارثة بن مضرب، وعبد الله بن معقل، وصلة بن زفر، وأبي الأحوص عوف بن مالك، ومسلم بن نذير، والأسود بن هلال، وشريح القاضي، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود الهذلي، وكميل بن زياد النخعي والمهلب بن أبي صفرة الأمير، والأسود بن هلال المحاربي وخلق كثير من كبراء التابعين. تفرد بالأخذ عن عدة منهم.(أعلام/25)
حدث عنه محمد بن سيرين وهو من شيوخه، والزهري، وقتادة، وصفوان بن سليم وهم من أقرانه، ومنصور، والأعمش، وزيد بن أبي أنيسة، وزكريا بن أبي زائدة، ومسعر، وسفيان، ومالك بن مغول، وشعبة بن الحجاج، وولده يونس بن أبي إسحاق، وحفيده إسرائيل، وزائدة بن قدامة، وإسماعيل بن أبي خالد، وأشعث بن سوار، والمسعودي، وعمار بن زريق، والحسين بن واقد، والحسن بن صالح بن حي، وإبراهيم بن طهمان، وأبو وكيع الجراح بن مليح، وجرير بن حازم، وحمزة الزيات، وفطر بن خليفة، وورقاء بن عمر، وشعيب بن صفوان، وشعيب بن خالد، ورقبة بن مصقلة، وزهير بن معاوية، وأخوه حديج بن معاوية، وأبو عوانة الوضاح، وشريك القاضي، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وأبو بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة وخلق كثير. وهو ثقة حجة بلا نزاع. وقد كبر وتغير حفظه تغير السن، ولم يختلط. قرأ عليه القرآن عرضا حمزة بن حبيب، فهو أكبر شيخ له في كتاب الله تعالى، وغزا الروم في دولة معاوية. وقال: سألني معاوية: كم عطاء أبيك؟ .
قلت: ثلاثمائة في الشهر يعني قال: ففرضها لي. قلت: نعمة طائلة. إذا حصل للفارس قديما وحديثا في الشهر ثلاثمائة درهم مع نصيبه من المغانم.
قال علي بن المديني: روى أبو إسحاق، عن سبعين رجلا أو ثمانين لم يرو عنهم غيره، وأحصيت مشيخته نحوا من ثلاثمائة شيخ، وقال علي في موضع آخر: أربعمائة شيخ، وقيل: إنه سمع من ثمانية وثلاثين صحابيا.
قال أبو حاتم: هو يشبه الزهري في الكثرة.
وقال الأعمش: كان أصحاب ابن مسعود إذا رأوا أبا إسحاق، قالوا: هذا عمرو القارئ الذي لا يلتفت. ابن فضيل، عن أبيه قال: كان أبو إسحاق يقرأ القرآن في كل ثلاث.
قال ابن سعد في " الطبقات ": هو عمرو بن عبد الله بن علي بن أحمد. ابن ذي يحمد بن السبيع. ثم قال: وأكثر من سماه لم يتجاوز أباه.(أعلام/26)
قال سفيان، عن أبي إسحاق: رأيت عليا -رضي الله عنه- أبيض الرأس واللحية.
وقال شريك: سمعته يقول: ولدت في سنتين من إمارة عثمان. وعن أبي بكر بن عياش: حدثنا أبو إسحاق، قال: غزوت في زمن زياد يعني: ابن أبيه ست غزوات أو سبع غزوات. فمات قبل معاوية، وما رأيت قط خيرا من زياد، فقال له رجل: ولا عمر بن عبد العزيز؟ قال: ما كان زمن زياد إلا عرسا. رواه أبو القاسم البغوي، عن محمد بن يزيد الكوفي عن أبي بكر. أنبأنا غير واحد سمعوا ابن طبرزد، أن عبد الوهاب الحافظ أخبره.
قال: أنبأنا أبو محمد بن هزارمرد، أنبأنا ابن حبابة، حدثنا البغوي بهذا. وبه إلى البغوي: حدثنا محمود بن غيلان، عن يحيى بن آدم قال: قال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق السبيعي، يقول: سألني معاوية، كم كان عطاء أبيك؟ قلت: ثلاثمائة، ففرض لي ثلاثمائة. وكذلك كانوا يفرضون للرجل في مثل عطاء أبيه، ثم قال أبو بكر: فأدركت أبا إسحاق، وقد بلغ عطاؤه ألف درهم من الزيادة.
وقال شعبة: كان أبو إسحاق أكبر من أبي البختري، لم يدرك أبو البختري عليا ولم يره. وبه: حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، حدثنا موسى بن عثمان الحضرمي، عن أبي إسحاق قال: ضربني علي -رضي الله عنه- بالدرة عند الميضأة.
حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: قال أبي: قم فانظر إلى أمير المؤمنين، فإذا هو على المنبر شيخا أبيض الرأس واللحية، أجلح ضخم البطن ربعة عليه إزار ورداء ليس عليه قميص، ولم يرفع يده. فقال رجل: يا أبا إسحاق أقنت؟ قال: لا.
حدثنا محمود، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر، سمعت أبا إسحاق، يقول: زعم عبد الملك أني أكبر منه بثلاث سنين يعني: ابن عمير.(أعلام/27)
حدثني شريح، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، سمعت صلة بن زفر منذ سبعين سنة، قال: هذا يدل على أنه طلب العلم في حياة عائشة وأبي هريرة.
وقال ابن عيينة: دخلت على أبي إسحاق، فإذا هو في قبة تركية ومسجد على بابها وهو في المسجد، فقلت: كيف أنت؟ قال: مثل الذي أصابه الفالج، ما ينفعني يد ولا رجل؟ فقلت: أسمعت من الحارث؟ فقال لي ابنه يوسف: هو قد رأى عليا -رضي الله عنه- فكيف لم يسمع من الحارث؟ فقلت: يا أبا إسحاق: رأيت عليا؟ قال: نعم.
قال سفيان: واجتمع الشعبي وأبو إسحاق، فقال له الشعبي: أنت خير مني يا أبا إسحاق، قال: لا والله، بل أنت خير مني، وأسن مني.
قال سفيان: وقال أبو إسحاق: كانوا يرون السعة عونا على الدين. وبه: حدثنا أحمد بن عمران الأخنسي، حدثنا أبو بكر بن عياش، سمعت أبا إسحاق، يقول: ما أقلت عيني غمضا منذ أربعين سنة.
حدثنا أحمد بن عمران، حدثنا ابن فضيل، حدثنا أبي قال: أتيت أبا إسحاق بعدما كف بصره، قال: قلت: تعرفني؟ قال: فضيل؟ قلت: نعم قال: إني والله أحبك، لولا الحياء منك لقبلتك فضمني إلى صدره، ثم قال: حدثني أبو الأحوص عن عبد الله لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم نزلت في المتحابين.
قال يونس: كان أبي يقرأ كل ليلة ألف آية. وقال أبو الأحوص: قال لنا أبو إسحاق: يا معشر الشباب اغتنموا يعني: قوتكم وشبابكم، قلما مرت بي ليلة إلا وأنا أقرأ فيها ألف آية، وإني لأقرأ البقرة في ركعة، وإني لأصوم الأشهر الحرم، وثلاثة أيام من كل شهر والاثنين والخميس.(أعلام/28)
حدثنا أحمد بن عمران، سمعت أبا بكر يقول: قال أبو إسحاق: ذهبت الصلاة مني وضعفت، وإني لأصلي فما أقرأ وأنا قائم إلا بالبقرة وآل عمران، ثم قال الأخنسي: حدثنا العلاء بن سالم العبدي قال: ضعف أبو إسحاق قبل موته بسنتين، فما كان يقدر أن يقوم حتى يقام، فإذا استتم قائما قرأ وهو قائم ألف آية.
وقال يحيى بن آدم: حدثنا الحسن بن ثابت، سمعت الأعمش، يعجب من حفظ أبي إسحاق لرجاله الذين يروي عنهم، ثم قال الحسن: وحدثنا يونس بن أبي إسحاق قال: كان الأعمش إذا جاء إلى أبي، رحمته من طول جلوس الأعمش معه. حفص بن غياث: سمعت الأعمش قال: كنت إذا خلوت بأبي إسحاق، حدثنا بأحاديث عبد الله غضا ليس عليها غبار. أبو بكر بن عياش: سألت أبا إسحاق: أين كنت أيام المختار؟ قال: كنت غائبا بخراسان.
وبه، حدثنا محمود بن غيلان، سمعت أبا أحمد الزبيري يقول: لقي أبو إسحاق من الصحابة عليا، وابن عباس، وابن عمر، ومعاوية، وعدي بن حاتم، والبراء، وزيد بن أرقم، وجابر بن سمرة، وحارثة بن وهب، وحبشي بن جنادة، وأبا جحيفة، والنعمان بن بشير، وسليمان بن صرد، وعبد الله بن يزيد، وجرير بن عبد الله، وذا الجوشن، وعمارة بن رويبة، والأشعث بن قيس، والمغيرة، وأسامة بن زيد، وعمرو بن الحارث، وعمرو بن حريث، ورافع بن خديج، والمسور بن مخرمة، وسلمة بن قيس الأشجعي، وسراقة بن مالك، وعبد الرحمن بن أبزى -رضي الله عنهم.
قال ابن عيينة: كان أبو إسحاق يخضب.
وقال يحيى بن معين: أثبت أصحاب أبي إسحاق شعبة والثوري.
قال شريك: ولد أبو إسحاق لثلاث سنين بقين من سلطان عثمان.
وقال مغيرة: كنت إذا رأيت أبا إسحاق، ذكرت به الضرب الأول.
وقال جرير بن عبد الحميد: كان يقال: من جالس أبا إسحاق، فقد جالس عليا -رضي الله عنه.(أعلام/29)
قال الإمام أحمد: كان أبو إسحاق تزوج امرأة الحارث الأعور، فوقعت إليه كتبه. شبابة، عن شعبة، ما سمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث يعني: أن أبا إسحاق، كان يدلس.
قال شعبة، عن أبي إسحاق قال: شهدت عند شريح في وصية فأجاز شهادتي وحدي. وقيل لشعبة: أسمع أبو إسحاق من مجاهد؟ قال: وما كان يصنع به، هو أحسن حديثا من مجاهد، ومن الحسن، وابن سيرين.
قال عمر بن شبيب المسلي: رأيت أبا إسحاق أعمى يسوقه إسرائيل، ويقوده ابنه يوسف.
وقال ابن عيينة: قال عون بن عبد الله لأبي إسحاق: ما بقي منك؟ قال: أقرأ البقرة في ركعة. قال: بقي خيرك، وذهب شرك.
قال علي بن المديني: حفظ العلم على الأمة ستة: فلأهل الكوفة أبو إسحاق والأعمش، ولأهل البصرة قتادة ويحيى بن أبي كثير، ولأهل المدينة الزهري.
قال أبو بكر بن عياش: ما سمعت أبا إسحاق يعيب أحدا قط، وإذا ذكر رجلا من الصحابة، فكأنه أفضلهم عنده.
قال فضيل بن مرزوق: سمعت أبا إسحاق يقول: وددت أني أنجو من علمي كفافا.
قال أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين: أبو إسحاق ثقة.
وقال يحيى بن معين: زكريا بن أبي زائدة، وزهير، وإسرائيل، حديثهم عن أبي إسحاق قريب من السواء، وإنما أصحابه شعبة والثوري.
وقال جرير، عن مغيرة: ما أفسد حديث أهل الكوفة غير أبي إسحاق والأعمش.
قلت: لا يسمع قول الأقران بعضهم في بعض، وحديث أبي إسحاق محتج به في دواوين الإسلام، ويقع لنا من عواليه.
قال يحيى بن سعيد القطان: توفي أبو إسحاق في سنة سبع وعشرين ومائة يوم دخول الضحاك بن قيس غالبا على الكوفة.(أعلام/30)
قلت: فيها ورخه الهيثم بن عدي، والواقدي، ويحيى بن بكير، وابن نمير، وأحمد، وخليفة، وأبو حفص الفلاس وغيرهم. وروى يحيى بن آدم قال: قال أبو بكر: دفنا أبا إسحاق أيام الخوارج سنة سبع وعشرين. وقال أحمد بن حنبل: مات يوم دخل الضحاك بن قيس الكوفة سنة سبع وقال محمد بن يزيد: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: دخل الضحاك الكوفة، فرأى الجنازة وكثرة ما فيها. فقال: كأن هذا فيهم رباني. وقال أبو نعيم وأبو عبيد: سنة ثمان وعشرين مات والأول أصح. عاش ثلاثا وتسعين سنة، وبيني وبينه سبعة أنفس بإجازة وثمانية بالاتصال.
أخبرنا أحمد بن سلامة وغيره في كتابهم قالوا: أنبأنا عبد المنعم بن كليب، أنبأنا علي بن أحمد بن بيان، أنبأنا محمد بن محمد بن محمد بن مخلد، أنبأنا إسماعيل بن محمد، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فأحرمنا بالحج، فلما قدمنا مكة، قال: اجعلوا حجكم عمرة. فقال الناس: يا رسول الله قد أحرمنا بالحج، فكيف نجعلها عمرة؟ فقال: انظروا الذي آمركم به، فافعلوا. فردوا عليه القول، فغضب، ثم انطلق حتى دخل على عائشة غضبان، فرأت الغضب في وجهه، فقالت: من أغضبك؟ أغضبه الله. قال: وما لي لا أغضب؟ ! وأنا آمر بالأمر فلا أتبع أخرجه النسائي عن أبي كريب، والقزويني عن ابن الصباح، كلاهما عن أبي بكر.(أعلام/31)
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أنبأنا موسى بن عبد القادر، أنبأنا سعيد بن أحمد بن البناء، أنبأنا علي بن أحمد بن البسري، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن الذهبي، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا لوين، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار بالله من النار، قالت النار: اللهم أجره من النار.
قال أحمد بن عبدة: سمعت أبا داود الطيالسي يقول: وجدنا الحديث عند أربعة: الزهري، وقتادة، وأبو إسحاق، والأعمش، وكان قتادة أعلمهم بالاختلاف، والزهري أعلمهم بالإسناد، وأبو إسحاق أعلمهم بحديث علي وابن مسعود، وكان عند الأعمش من كل هذا، ولم يكن عند واحد من هؤلاء إلا الفين الفين.(أعلام/32)
أبو إسحاق الشيرازي
الشيخ، الإمام، القدوة، المجتهد، شيخ الإسلام أبو إسحاق، إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي، الشيرازي، الشافعي، نزيل بغداد، قيل: لقبه جمال الدين.
مولده في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة.
تفقه على: أبي عبد الله البيضاوي، وعبد الوهاب بن رامين بشيراز، وأخذ بالبصرة عن الخرزي.
وقدم بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة، فلزم أبا الطيب وبرع، وصار معيده، وكان يضرب المثل بفصاحته وقوة مناظرته.
وسمع من أبي علي بن شاذان، وأبي بكر البرقاني، ومحمد بن عبيد الله الخرجوشي.
حدث عنه: الخطيب، وأبو الوليد الباجي، والحميدي، وإسماعيل بن السمرقندي، وأبو البدر الكرخي، والزاهد يوسف بن أيوب، وأبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، وأبو الحسن بن عبد السلام، وأحمد بن نصر بن حمان الهمذاني خاتمة من روى عنه.
قال السمعاني: هو إمام الشافعية، ومدرس النظامية، وشيخ العصر. رحل الناس إليه من البلاد، وقصدوه، وتفرد بالعلم الوافر مع السيرة الجميلة، والطريقة المرضية. جاءته الدنيا صاغرة فأباها، واقتصر على خشونة العيش أيام حياته. صنف في الأصول والفروع والخلاف والمذهب، وكان زاهدا، ورعا، متواضعا، ظريفا، كريما، جوادا، طلق الوجه، دائم البشر، مليح المحاورة. حدثنا عنه جماعة كثيرة.
حكي عنه قال: كنت نائما ببغداد، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله، بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار، فأريد أن أسمع منك حديثا أتشرف به في الدنيا، وأجعله ذخرا للآخرة، فقال لي: يا شيخ، - وسماني شيخا، وخاطبني به. وكان يفرح بهذا -: قل عني: من أراد السلامة، فليطلبها في سلامة غيره. قال السمعاني: سمعت هذا بمرو من أبي القاسم حيدر بن محمود الشيرازي، أنه سمع ذلك من أبي إسحاق.(أعلام/33)
وعن أبي إسحاق: أن رجلا أخسأ كلبا، فقال: مه! الطريق بينك وبينه.
وعنه: أنه اشتهى ثريدا بماء باقلاء، قال: فما صح لي أكله لاشتغالي بالدرس وأخذي النوبة.
قال السمعاني: قال أصحابنا ببغداد: كان الشيخ أبو إسحاق إذا بقي مدة لا يأكل شيئا، صعد إلى النصرية وله بها صديق، فكان يثرد له رغيفا، ويشربه بماء الباقلاء، فربما صعد إليه وقد فرغ، فيقول أبو إسحاق: تلك إذا كرة خاسرة.
قال أبو بكر الشاشي: أبو إسحاق حجة الله على أئمة العصر.
وقال الموفق الحنفي: أبو إسحاق أمير المؤمنين في الفقهاء.
قال القاضي ابن هانئ: إمامان ما اتفق لهما الحج، أبو إسحاق، وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني. أما أبو إسحاق فكان فقيرا، ولو أراده لحملوه على الأعناق. والآخر لو أراده لأمكنه على السندس والإستبرق.
السمعاني: سمعت أبا بكر محمد بن القاسم الشهرزوري بالموصل يقول: كان شيخنا أبو إسحاق إذا أخطأ أحد بين يديه قال: أي سكتة فاتتك. قال: وكان يتوسوس - يعني في الماء -. وسمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان أبو إسحاق يتوضأ في الشط، ويشك في غسل وجهه، حتى يغسله مرات، فقال له رجل: يا شيخ! ما هذا؟ قال: لو صحت لي الثلاث ما زدت عليها.
قال السمعاني: دخل أبو إسحاق يوما مسجدا ليتغدى، فنسي دينارا، ثم ذكر، فرجع، فوجده، ففكر، وقال: لعله وقع من غيري، فتركه.
قيل: إن ظاهرا النيسابوري خرج لأبي إسحاق جزءا، فقال: أخبرنا أبو علي بن شاذان. ومرة: أخبرنا الحسن بن أحمد البزاز. ومرة: أخبرنا الحسن بن أبي بكر الفارسي، فقال: من ذا؟ قال: هو ابن شاذان. فقال: ما أريد هذا الجزء، التدليس أخو الكذب.
قال القاضي أبو بكر الأنصاري: أتيت أبا إسحاق بفتيا في الطريق، فأخذ قلم خباز، وكتب، ثم مسح القلم في ثوبه.(أعلام/34)
قال السمعاني: سمعت جماعة يقولون: لما قدم أبو إسحاق نيسابور رسولا تلقوه، وحمل إمام الحرمين غاشيته، ومشى بين يديه وقال: أفتخر بهذا. وكان عامة المدرسين بالعراق والجبال تلامذته وأتباعه - وكفاهم بذلك فخرا - وكان ينشد الأشعار المليحة، ويوردها، ويحفظ منها الكثير.
وعنه قال: العلم الذي لا ينتفع به صاحبه أن يكون الرجل عالما ولا يكون عاملا.
وقال: الجاهل بالعالم يقتدي، فإذا كان العالم لا يعمل، فالجاهل ما يرجو من نفسه؟ فالله الله يا أولادي! نعوذ بالله من علم يصير حجة علينا.
قيل: إن عبد الرحيم بن القشيري جلس بجنب الشيخ أبي إسحاق، فأحس بثقل في كمه، فقال: ما هذا يا سيدنا؟ قال: قرصي الملاح، وكان يحملهما في كمه للتكلف.
قال السمعاني: رأيت بخط أبي إسحاق رقعة فيها نسخة ما رآه أبو محمد المزيدي رأيت في سنة ثمان وستين ليلة جمعة أبا إسحاق الفيروزابادي في منامي يطير مع أصحابه في السماء الثالثة أو الرابعة، فتحيرت، وقلت في نفسي: هذا هو الشيخ الإمام مع أصحابه يطير وأنا معهم، فكنت في هذه الفكرة إذ تلقى الشيخ ملك، وسلم عليه عن الرب - تعالى - وقال: إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول: ما تدرس لأصحابك؟ قال: أدرس ما نقل عن صاحب الشرع. قال له الملك: فاقرأ علي شيئا أسمعه. فقرأ عليه الشيخ مسألة لا أذكرها. ثم رجع الملك بعد ساعة إلى الشيخ، وقال: إن الله يقول: الحق ما أنت عليه وأصحابك، فادخل الجنة معهم.
قال الشيخ أبو إسحاق: كنت أعيد كل قياس ألف مرة، فإذا فرغت، أخذت قياسا آخر على هذا، وكنت أعيد كل درس ألف مرة، فإذا كان في المسألة بيت يستشهد به حفظت القصيدة التي فيها البيت.
كان الوزير ابن جهير كثيرا ما يقول: الإمام أبو إسحاق وحيد عصره، وفريد دهره، ومستجاب الدعوة.(أعلام/35)
قال السمعاني: لما خرج أبو إسحاق إلى نيسابور، خرج معه جماعة من تلامذته كأبي بكر الشاشي، وأبي عبد الله الطبري، وأبي معاذ الأندلسي، والقاضي علي الميانجي، وقاضي البصرة ابن فتيان، وأبي الحسن الآمدي، وأبي القاسم الزنجاني، وأبي علي الفارقي، وأبي العباس بن الرطبي.
قال ابن النجار: ولد أبو إسحاق بفيروزاباد - بليدة بفارس - ونشأ بها، وقرأ الفقه بشيراز على أبي القاسم الداركي، وعلى أبي الطيب الطبري صاحب الماسرجسي، وعلي الزجاجي صاحب ابن القاص، وقرأ الكلام على أبي حاتم القزويني صاحب ابن الباقلاني، وخطه في غاية الرداءة.
قال أبو العباس الجرجاني القاضي: كان أبو إسحاق لا يملك شيئا، بلغ به الفقر حتى كان لا يجد قوتا ولا ملبسا، كنا نأتيه وهو ساكن في القطيعة،
فيقوم لنا نصف قومة، كي لا يظهر منه شيء من العري وكنت أمشي معه، فتعلق به باقلاني، وقال: يا شيخ! كسرتني وأفقرتني! فقلنا: وكم لك
عنده؟ قال: حبتان من ذهب أو حبتان ونصف.
وقال ابن الخاضبة: كان ابن أبي عقيل يبعث من صور إلى الشيخ أبي إسحاق البذلة والعمامة المثمنة، فكان لا يلبس العمامة حتى يغسلها في دجلة، ويقصد طهارتها.
وقيل: إن أبا إسحاق نزع عمامته - وكانت بعشرين دينارا - وتوضأ في دجلة، فجاء لص، فأخذها، وترك عمامة رديئة بدلها، فطلع الشيخ، فلبسها، وما شعر حتى سألوه وهو يدرس، فقال: لعل الذي أخذها محتاج.
قال أبو بكر بن الخاضبة: سمعت بعض أصحاب أبي إسحاق يقول: رأيت الشيخ كان يصلي عند فراغ كل فصل من " المهذب ".
قال نظام الملك - وأثنى على أبي إسحاق، وقال: كيف حالي مع رجل لا يفرق بيني وبين نهروز الفراش في المخاطبة؟ قال لي: بارك الله فيك. وقال له لما صب عليه كذلك.(أعلام/36)
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: حكى أبي قال: حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي عزاء، فتكلم الشيخ أبو إسحاق واجلا، فلما خرجنا، قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق! لو رآه الشافعي لتجمل به.
أخبرني الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا السلفي: سألت شجاعا الذهلي عن أبي إسحاق فقال: إمام أصحاب الشافعي والمقدم عليهم في وقته ببغداد. كان ثقة، ورعا، صالحا، عالما بالخلاف علما لا يشاركه فيه أحد.
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: ندب المقتدي بالله أبا إسحاق للرسلية إلى المعسكر، فتوجه في آخر سنة خمس وسبعين، فكان يخرج إليه أهل البلد بنسائهم وأولادهم يمسحون أردانه ويأخذون تراب نعليه يستشفون به، وخرج الخبازون، ونثروا الخبز، وهو ينهاهم، ولا ينتهون، وخرج أصحاب الفاكهة والحلواء، ونثروا على الأساكفة، وعملوا مداسات صغارا، ونثروها، وهي تقع على رءوس الناس، والشيخ يعجب، وقال لنا: رأيتم النثار، ما وصل إليكم منه؟ فقالوا: يا سيدي! وأنت أي شيء كان حظك منه؟ قال: أنا غطيت نفسي بالمحفة.
قال شيرويه الديلمي في " تاريخ همذان ": أبو إسحاق إمام عصره قدم علينا رسولا إلى السلطان ملكشاه، سمعت منه، وكان ثقة فقيها زاهدا في الدنيا على التحقيق، أوحد زمانه.
قال خطيب الموصل أبو الفضل: حدثني أبي قال: توجهت من الموصل سنة 459 إلى أبي إسحاق، فلما حضرت عنده رحب بي، وقال: من أين أنت؟ [فقلت: من الموصل] قال: مرحبا أنت بلديي. قلت: يا سيدنا! أنت من فيروزاباد. قال: أما جمعتنا سفينة نوح؟ فشاهدت من حسن أخلاقه ولطافته وزهده ما حبب إلي لزومه، فصحبته إلى أن مات.(أعلام/37)
توفي ليلة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة ست وسبعين وأربعمائة ببغداد وأحضر إلى دار أمير المؤمنين المقتدي بالله، فصلى عليه، ودفن بمقبرة باب أبرز، وعمل العزاء بالنظامية، وصلى عليه صاحبه أبو عبد الله الطبري، ثم رتب المؤيد بن نظام الملك بعده في تدريس النظامية أبا سعد المتولي فلما بلغ ذلك النظام، كتب بإنكار ذلك، وقال: كان من الواجب أن تغلق المدرسة سنة من أجل الشيخ. وعاب على من تولى، وأمر أن يدرس الإمام أبو نصر عبد السيد بن الصباغ بها.
قلت: درس بها الشيخ أبو إسحاق بعد تمنع، ولم يتناول جامكية أصلا، وكان يقتصر على عمامة صغيرة وثوب قطني، ويقنع بالقوت، وكان الفقيه رافع الحمال رفيقه في الاشتغال، فيحمل شطر نهاره بالأجرة، وينفق على نفسه وعلى أبي إسحاق، ثم إن رافعا حج وجاور، وصار فقيه الحرم في حدود الأربعين وأربعمائة.
ومات أبو إسحاق، ولم يخلف درهما، ولا عليه درهم. وكذا فليكن الزهد، وما تزوج فيما أعلم، وبحسن نيته في العلم اشتهرت تصانيفه في الدنيا، " كالمهذب " و " التنبيه " و " اللمع في أصول الفقه " و " شرح اللمع "، و " المعونة في الجدل "، و " الملخص في أصول الفقه "، وغير ذلك:
ومن شعره: أحب الكأس من غير المدام وألهو بالحسان بلا حرام وما حبي لفاحشة ولكن رأيت الحب أخلاق الكرام
وقال: سألت الناس عن خل وفي فقالوا: ما إلى هذا سبيل تمسك - إن ظفرت - بود حر فإن الحر في الدنيا قليل
ولعاصم بن الحسن فيه: تراه من الذكاء نحيف جسم عليه من توقده دليل إذا كان الفتى ضخم المعاني فليس يضيره الجسم النحيل
ولأبي القاسم بن ناقياء يرثيه أجرى المدامع بالدم المهراق خطب أقام قيامة الأماق خطب شجا منا القلوب بلوعة بين التراقي ما لها من راق ما لليالي لا تؤلف شملها بعد ابن بجدتها أبي إسحاق إن قيل مات فلم يمت من ذكره حي على مر الليالي باق(أعلام/38)
وعن أبي إسحاق قال: خرجت إلى خراسان، فما دخلت بلدة إلا كان قاضيها أو خطيبها أو مفتيها من أصحابي.
قال أنو شتكين الرضواني: أنشدني أبو إسحاق الشيرازي لنفسه: ولو أني جعلت أمير جيش لما قاتلت إلا بالسؤال لأن الناس ينهزمون منه وقد ثبتوا لأطراف العوالي(أعلام/39)
أبو إسحاق الفزاري (ع)
الإمام الكبير الحافظ المجاهد إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الفزاري الشامي. ولجدهم خارجة صحبة. وهو أخو عيينة بن حصن.
حدث عن: أبي إسحاق السبيعي، وكليب بن وائل، وعطاء بن السائب، وليث بن أبي سليم، وعبد الملك بن عمير، وسهيل بن أبي صالح، وأسلم المنقري، وأبي إسحاق الشيباني، وهشام بن عروة، وحميد الطويل، وسليمان الأعمش، وخالد الحذاء، وعبيد الله بن عمر، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعاصم بن كليب، والعلاء بن المسيب، والثوري، وزائدة، وابن شوذب، وشعيب بن أبي حمزة، ومالك، وخلق. وكان من أئمة الحديث.
حدث عنه: الأوزاعي، والثوري، وهما من شيوخه، وابن المبارك، وبقية، وابن عمه مروان بن معاوية الفزاري، وأبو أسامة، وزكريا بن عدي، وعاصم بن يوسف اليربوعي، وأبو توبة الحلبي، وعبد الله بن عون الخراز، وعبد الملك بن حبيب المصيصي شيخ لأبي داود، ومحبوب بن موسى الفراء، وموسى بن أيوب النصيبي، ومعاوية بن عمرو الأزذي، وعمرو الناقد، ومحمد بن عبد الرحمن بن سهم، وأبو نعيم الحلبي، وخلق كثير. ذكره أبو حاتم، فقال: الثقة المأمون الإمام. وقال النسائي: ثقة، مأمون، أحد الأئمة.
قال الخليلي: قال الحميدي: قال لي الشافعي: لم يصنف أحد في السير مثل كتاب أبي إسحاق. وقال أبو حاتم: اتفق العلماء على أن أبا إسحاق الفزاري إمام يقتدى به بلا مدافعة.(أعلام/40)
قال: وقال الحميدي: جاء رجل إلى ابن عيينة فقال: حدثني أبو إسحاق عنك بكذا. فقال: ويحك، إذا سمعت أبا إسحاق يحدث عني فلا يضرك أن لا تسمعه مني. وقال أحمد العجلي: كان ثقة صاحب سنة صالحا، هو الذي أدب أهل الثغر، وعلمهم السنة، وكان يأمر وينهى. وإذا دخل الثغر رجل مبتدع، أخرجه، وكان كثير الحديث، وكان له فقه. أمر سلطانا ونهاه، فضربه مائتي سوط، فغضب له الأوزاعي، وتكلم في أمره. قال سفيان بن عيينة: كان إماما.
وقال محمد بن يوسف الأصبهاني البناء: حدث الأوزاعي بحديث، فقال: حدثني الصادق المصدوق، أبو إسحاق الفزاري.
وقال أبو صالح الفراء: لقيت الفضيل بن عياض فعزاني بأبي إسحاق وقال: ربما اشتقت إلى المصيصة، ما بي فضل الرباط إلا أن أرى أبا إسحاق -رحمه الله.
قلت: آخر من حدث عنه وفاة: علي بن بكار المصيصي الصغير، وبقي إلى نحو سنة ستين ومائتين.
وقيل: إن أبا إسحاق روى حديثا عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن. والصواب أن بينهما زائدة، والله أعلم. قال أبو داود: مات سنة خمس وقال البخاري: سنة ست وثمانين ومائة وأما محمد بن سعد فوهم، وقال: مات سنة ثمان وثمانين ومائة قلت: من أبناء الثمانين هو، أو جاوزها بقليل. قال أبو مسهر: قدم أبو إسحاق الفزاري دمشق، فاجتمع الناس ليسمعوا منه، فقال: اخرج إلى الناس، فقل لهم: من كان يرى القدر فلا يحضر مجلسنا، ومن كان يرى رأي فلان فلا يحضر مجلسنا، فخرجت فأخبرتهم.
وقال أبو حاتم: ثقة، مأمون، عظيم الغناء في الإسلام.
ويروى أن هارون الرشيد أخذ زنديقا ليقتله، فقال الرجل: أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك يتخللانها، فيخرجانها حرفا حرفا.
قال أبو داود الطيالسي: توفي أبو إسحاق الفزاري وليس على وجه الأرض أحد أفضل منه.(أعلام/41)
وعن سفيان بن عيينة، قال: والله ما رأيت أحدا أقدمه على أبي إسحاق الفزاري.
وقال عطاء الخفاف: كنت عند الأوزاعي، فأراد أن يكتب إلى أبي إسحاق الفزاري، فقال لكاتبه: ابدأ به، فإنه والله خير مني.
قال علي بن بكار الزاهد: رأيت ابن عون فمن بعده، ما رأيت فيهم أفقه من أبي إسحاق الفزاري.
قال عبد الرحمن بن مهدي: إذا رأيت شاميا يحب الأوزاعي وأبا إسحاق فاطمئن إليه.
قال سفيان بن عيينة: دخلت على هارون، فقال: يا أبا إسحاق، إنك في موضع، وفي شرف. قلت: يا أمير المؤمنين، ذاك لا يغني عني في الآخرة شيئا.
وقال أبو أسامة: سمعت الفضيل بن عياض يقول: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في
النوم، وإلى جنبه فرجة، فذهبت لأجلس، فقال: هذا مجلس أبي إسحاق الفزاري. أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق القرافي، أخبرنا المبارك بن أبي الجود، أخبرنا أحمد بن أبي غالب العابد، أخبرنا عبد العزيز بن علي، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا محمد بن هارون الحضرمي، حدثنا زيد بن سعد، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من أدخل على مؤمن سرورا فقد سرني، ومن سرني فقد اتخذ عند الله عهدا، ومن اتخذ عند الله عهدا فلن تمسه النار أبدا هذا حديث شبه موضوع مع لطافة إسناده، وزيد هذا لم أجد له ذكرا في دواوين الضعفاء، والآفة منه.
إبراهيم بن سعيد الجوهري: قلت لأبي أسامة: أيهما أفضل: فضيل بن عياض، أو أبو إسحاق الفزاري؟ فقال: كان فضيل رجل نفسه، وكان أبو إسحاق رجل عامة.
وقال عبيد بن جناد: قال عطاء بن مسلم: قلت لأبي إسحاق الفزاري: ألا تسب من ضربك؟ قال: إذا أحبه. فلما مات أبو إسحاق قال عطاء: ما دخل على الأمة من موت أحد ما دخل عليهم من موت أبي إسحاق.(أعلام/42)
قال ابن مهدي: كان الأوزاعي والفزاري إمامين في السنة. وروى معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق، قال الأوزاعي في الرجل يسأل: أمؤمن أنت حقا؟ قال: إن المسألة عن ذلك بدعة، والشهادة عليه تعمق لم نكلفه في ديننا، ولم يشرعه نبينا، القول فيه جدل، والمنازعة فيه حدث. وذكر فصلا نافعا.(أعلام/43)
أبو إسحاق المروزي
الإمام الكبير، شيخ الشافعية، وفقيه بغداد أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي، صاحب أبي العباس بن سريج، وأكبر تلامذته.
اشتغل ببغداد دهرا، وصنف التصانيف، وتخرج به أئمة كأبي زيد المروزي، والقاضي أبي حامد أحمد بن بشر المروروذي مفتي البصرة، وعدة.
شرح المذهب ولخصه، وانتهت إليه رئاسة المذهب.
ثم إنه في أواخر عمره تحول إلى مصر، فتوفي بها في رجب في تاسعه، وقيل في حادي عشره سنة أربعين وثلاثمائة ودفن عند ضريح الإمام الشافعي ولعله قارب سبعين سنة.
وإليه ينسب ببغداد درب المروزي الذي في قطيعة الربيع.
وذكر ابن خلكان -رحمه الله - أن أبا بكر بن الحداد صاحب " الفروع " من تلامذة أبي إسحاق المروزي فلعله جالسه وناظره، وإلا فابن الحداد أسن منه، ولكنه عاش بعد المروزي قليلا.
صنف المروزي كتابا في السنة، وقرأه بجامع مصر، وحضره آلاف، فجرت فتنة، فطلبه كافور فاختفى، ثم أدخل إلى كافور، فقال: أما أرسلت إليك أن لا تشهر هذا الكتاب فلا تظهره. وكان فيه ذكر الاستواء، فأنكرته المعتزلة.(أعلام/44)
أبو الأسود (ع)
الدؤلي، ويقال: الديلي العلامة الفاضل، قاضي البصرة واسمه ظالم بن عمرو على الأشهر ولد في أيام النبوة
وحدث عن عمر، وعلي، وأبي بن كعب، وأبي ذر، وعبد الله بن مسعود، والزبير بن العوام، وطائفة.
وقال أبو عمرو الداني: قرأ القرآن على عثمان، وعلي. قرأ عليه ولده أبو حرب ونصر بن عاصم الليثي، وحمران بن أعين، ويحيى بن يعمر.
قلت: الصحيح أن حمران هذا إنما قرأ على أبي حرب بن أبي الأسود نعم.
وحدث عنه ابنه ويحيى بن يعمر، وابن بريدة، وعمر مولى غفرة، وآخرون.
قال أحمد العجلي: ثقة، كان أول من تكلم في النحو.
وقال الواقدي: أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال غيره: قاتل أبو الأسود يوم الجمل مع علي بن أبي طالب، وكان من وجوه الشيعة، ومن أكملهم عقلا ورأيا. وقد أمره علي -رضي الله عنه- بوضع شيء في النحو لما سمع اللحن.
قال: فأراه أبو الأسود ما وضع، فقال علي: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت، فمن ثم سمي النحو نحوا.
وقيل: إن أبا الأسود أدب عبيد الله ابن الأمير زياد بن أبيه.
ونقل ابن داب أن أبا الأسود وفد على معاوية بعد مقتل علي، فأدنى مجلسه وأعظم جائزته.
قال محمد بن سلام الجمحي أبو الأسود هو أول من وضع باب الفاعل والمفعول والمضاف، وحرف الرفع والنصب والجر والجزم، فأخذ ذلك عنه يحيى بن يعمر.
قال أبو عبيدة: أخذ أبو الأسود عن علي العربية. فسمع قارئا يقرأ (أن الله بريء من المشركين ورسوله) فقال: ما ظننت أمر الناس قد صار إلى هذا، فقال لزياد الأمير: ابغني كاتبا لقنا فأتى به فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة أعلاه، وإذا رأيتني قد ضممت فمي، فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت، فانقط نقطة تحت الحرف، فإذا أتبعت شيئا من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين. فهذا نقط أبي الأسود.(أعلام/45)
وقال المبرد حدثنا المازني قال: السبب الذي وضعت له أبواب النحو أن بنت أبي الأسود قالت له: ما أشد الحر! فقال: الحصباء بالرمضاء، قالت: إنما تعجبت من شدته. فقال: أوقد لحن الناس؟ ! فأخبر بذلك عليا -رضي الله عنه- فأعطاه أصولا بنى منها، وعمل بعده عليها، وهو أول من نقط المصاحف، وأخذ عنه النحو عنبسة الفيل، وأخذ عن عنبسة ميمون الأقرن، ثم أخذه عن ميمون عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وأخذه عنه عيسى بن عمر، وأخذه عنه الخليل بن أحمد، وأخذه عنه سيبويه، وأخذه عنه سعيد الأخفش.
يعقوب الحضرمي: حدثنا سعيد بن سلم الباهلي، حدثنا أبي، عن جدي عن أبي الأسود قال: دخلت على علي، فرأيته مطرقا، فقلت: فيم تتفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: سمعت ببلدكم لحنا فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية. فقلت: إن فعلت هذا، أحييتنا. فأتيته بعد أيام، فألقى إلي صحيفة فيها:
الكلام كله اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل، ثم قال لي: زده وتتبعه، فجمعت أشياء ثم عرضتها عليه.
عمر بن شبة: حدثنا حيان بن بشر، حدثنا يحيى بن آدم، عن أبي بكر، عن عاصم، قال: جاء أبو الأسود إلى زياد فقال: أرى العرب قد خالطت العجم فتغيرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع للعرب كلاما يقيمون به كلامهم؟ قال: لا، قال: فجاء رجل إلى زياد فقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا وترك بنون. فقال: ادع لي أبا الأسود. فدعي فقال: ضع للناس الذي نهيتك عنه.
قال الجاحظ أبو الأسود مقدم في طبقات الناس، كان معدودا في الفقهاء والشعراء، والمحدثين، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والدهاة، والنحاة، والحاضري الجواب والشيعة، والبخلاء، والصلع الأشراف.(أعلام/46)
ومن تاريخ دمشق: أبو الأسود ظالم بن عمرو بن ظالم. وقيل: جده سفيان. ويقال: هو عثمان بن عمرو، ويقال: عمرو بن ظالم، وأنه ولي قضاء البصرة زمن علي.
قال الحازمي: أبو الأسود الدؤلي منسوب إلى دؤل بن حنيفة بن لجيم.
وقال أبو اليقظان: الدؤل بضم الدال وسكون الواو من بكر بن وائل، عددهم كثير، منهم فروة بن نفاثة، صاحب بعض الشام في الجاهلية. وزعم يونس أن الدؤل امرأة من كنانة، وهم رهط أبي الأسود وأما بنو عدي بن الدؤل، فلهم عدد كثير بالحجاز، منهم عمرو بن جندل والد أبي الأسود ظالم، وأمه من بني عبد الدار بن قصي.
وقال ابن حبيب: في عنزة الدؤل بن سعد مناة. وفي ضبة الدؤل بن جل.
قال أبو محمد بن قتيبة الدؤل في بني حنيفة، والديل في بني عبد القيس. والدئل بالهمز في كنانة، منهم أبو الأسود الدئلي.
وقال أبو علي الغساني أبو الأسود الدؤلي على زنة العمري -هكذا يقول البصريون - منسوب إلى دؤل حي من كنانة.
وقال عيسى بن عمر: بالكسر على الأصل، وكان جماعة يقولونه: الديلي.
وقال ابن فارس: الدؤلي بضم الدال وفتح الهمزة، قبيلة من كنانة. قال: والدئل -يعني بكسر الهمزة- في عبد القيس. وقال أبو عبد الله البخاري: الديل من بني حنيفة، والدؤل من كنانة. وقال محمد بن سلام الجمحي أبو الأسود الدئلي بضم الدال وكسر الهمزة. وقال المبرد بضم الدال وفتح الهمزة، من الدئل بالكسر وهي دابة، امتنعوا من الكسر لئلا يوالوا بين الكسرات كما قالوا في النمر: النمري.
قال ابن حبيب في تغلب الديل وفي عبد القيس، وفي إياد، وفي الأزد. انتهى ما نقله الحازمي.
فيجيء في أبي الأسود: الدولي، والديلي، والدؤلي، والدئلي.
وقال ابن السيد: الدئل بكسر الهمزة، لا أعلم فيه خلافا.(أعلام/47)
وقد قال غير واحد: إن ابن ماكولا والحازمي وهما في أن فروة بن نفاثة من الدؤل، بل هو جذامي. وجذام والدؤل لا يجتمعان إلا في سبأ بن يشجب.
قال يحيى بن معين: مات أبو الأسود في طاعون الجارف سنة تسع وستين. وهذا هو الصحيح. وقيل: مات قبيل ذلك. وعاش خمسا وثمانين سنة. وأخطأ من قال: توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز.(أعلام/48)
أبو الحسن ابن الزاغواني
الإمام العلامة، شيخ الحنابلة، ذو الفنون أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن عبيد الله بن سهل ابن الزاغوني البغدادي، صاحب التصانيف.
ولد سنة خمس وخمسين وأربعمائة.
وسمع من أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وأبي محمد بن هزارمرد، وابن النقور، وابن البسري، وعدد كثير، وعني بالحديث، وقرأ الكثير، وأسمع أخاه المعمر أبا بكر ابن الزاغوني.
حدث عنه السلفي، وابن ناصر، وابن عساكر وأبو موسى المديني، وعلي بن عساكر البطائحي، وأبو القاسم بن شدقيني، ومسعود بن غيث الدقاق، وأبو الفرج ابن الجوزي، وبركات ابن أبي غالب، وعمر بن طبرزد، وآخرون.
وكان من بحور العلم، كثير التصانيف، يرجع إلى دين وتقوى، وزهد وعبادة.
قال ابن الجوزي: صحبته زمانا، وسمعت منه، وعلقت عنه الفقه والوعظ، ومات في سابع عشر المحرم سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وكان الجمع يفوت الإحصاء.
قال ابن الزاغوني في قصيدة له:
إني سأذكر عقد ديني صادقا
نهج ابن حنبل الإمام الأوحد
منها:
عال على العرش الرفيع بذاته
سبحانه عن قول غاو ملحد
قد ذكرنا أن لفظة " بذاته " لا حاجة إليها، وهي تشغب النفوس، وتركها أولى، والله أعلم.
قلت: وقال السمعاني: سمعت حامد بن أبي الفتح، سمعت أبا بكر ابن الزاغوني يقول: حكى بعضهم ممن يوثق به أنه رأى في المنام ثلاثة، يقول واحد منهم: اخسف، وآخر يقول: أغرق، وآخر يقول: أطبق - يعني البلد - فأجاب أحدهم: لا، لأن بالقرب منا ثلاثة: عليا ابن الزاغوني، وأحمد ابن الطلاية، ومحمد بن فلان.(أعلام/49)
أملى علي القاضي عبد الرحيم بن الزريراني أنه قرأ بخط أبي الحسن ابن الزاغوني: قرأ أبو محمد الضرير علي القرآن لأبي عمرو، ورأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأت عليه القرآن من أوله إلى آخره بهذه القراءة، وهو يسمع، ولما بلغت في الحج إلى قوله: إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية، أشار بيده، أي: اسمع، ثم قال: هذه الآية من قرأها، غفر له، ثم أشار أن اقرأ، فلما بلغت أول يس، قال لي: هذه السورة من قرأها، أمن من الفقر، وذكر بقية المنام.
ورأيت لأبي الحسن بخطه مقالة في الحرف والصوت عليه فيها مآخذ، والله يغفر له، فيا ليته سكت.(أعلام/50)
أبو الدرداء (ع)
الإمام القدوة. قاضي دمشق، وصاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس ويقال: عويمر بن عامر، ويقال: ابن عبد الله. وقيل: ابن ثعلبة بن عبد الله، الأنصاري الخزرجي.
حكيم هذه الأمة. وسيد القراء بدمشق.
وقال ابن أبي حاتم: هو عويمر بن قيس بن زيد بن قيس بن أمية بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج.
قال: ويقال: اسمه عامر بن مالك.
روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- عدة أحاديث.
وهو معدود فيمن تلا على النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يبلغنا أبدا أنه قرأ على غيره.
وهو معدود فيمن جمع القرآن في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وتصدر للإقراء بدمشق في خلافة عثمان وقبل ذلك.
روى عنه: أنس بن مالك، وفضالة بن عبيد، وابن عباس، وأبو أمامة، وعبد الله بن عمرو بن العاص ; وغيرهم من جلة الصحابة، وجبير بن نفير، وزيد بن وهب، وأبو إدريس الخولاني، وعلقمة بن قيس، وقبيصة بن ذؤيب، وزوجته أم الدرداء العالمة، وابنه بلال بن أبي الدرداء، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار، ومعدان بن أبي طلحة، وأبو عبد الرحمن السلمي، وخالد بن معدان، وعبد الله بن عامر اليحصبي.
وقيل: إنه قرأ عليه القرآن ولحقه ; فإن صح، فلعله قرأ عليه بعض القرآن وهو صبي.
وقرأ عليه عطية بن قيس، وأم الدرداء.
وقال أبو عمرو الداني: عرض عليه القرآن: خليد بن سعد، وراشد بن سعد، وخالد بن معدان، وابن عامر. كذا قال الداني. وولي القضاء بدمشق، في دولة عثمان. فهو أول من ذكر لنا من قضاتها. وداره بباب البريد. ثم صارت في دولة السلطان صلاح الدين تعرف بدار الغزي.
ويروى له مائة وتسعة وسبعون حديثا.
واتفقا له على حديثين، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثمانية.(أعلام/51)
روى سعيد بن عبد العزيز، عن مغيث بن سمي: أن أبا الدرداء، عويمر بن عامر من بني الحارث بن الخزرج.
وقال ابن إسحاق مرة: هو عويمر بن ثعلبة.
مات قبل عثمان بثلاث سنين.
وقال البخاري: سألت رجلا من ولد أبي الدرداء، فقال: اسمه عامر بن مالك. ولقبه: عويمر.
وقال أبو مسهر: هو عويمر بن ثعلبة. وقال أحمد، وابن أبي شيبة، وعدة: عويمر بن عامر.
وآخر من زعم أنه رأى أبا الدرداء، شيخ عاش إلى دولة الرشيد، فقال أبو إبراهيم الترجماني: حدثنا إسحاق أبو الحارث، قال: رأيت أبا الدرداء أقنى أشهل يخضب بالصفرة.
روى الأعمش، عن خيثمة: قال أبو الدرداء: كنت تاجرا قبل المبعث، فلما جاء الإسلام، جمعت التجارة والعبادة، فلم يجتمعا، فتركت التجارة، ولزمت العبادة.
قلت: الأفضل جمع الأمرين مع الجهاد، وهذا الذي قاله، هو طريق جماعة من السلف والصوفية، ولا ريب أن أمزجة الناس تختلف في ذلك، فبعضهم يقوى على الجمع، كالصديق، وعبد الرحمن بن عوف، وكما كان ابن المبارك ; وبعضهم يعجز، ويقتصر على العبادة، وبعضهم يقوى في بدايته، ثم يعجز، وبالعكس ; وكل سائغ. ولكن لا بد من النهضة بحقوق الزوجة والعيال.
قال سعيد بن عبد العزيز: أسلم أبو الدرداء يوم بدر، ثم شهد أحدا، وأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يومئذ أن يرد من على الجبل، فردهم وحده. وكان قد تأخر إسلامه قليلا.
قال شريح بن عبيد الحمصي: لما هزم أصحاب رسول الله يوم أحد، كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله في الناس، فلما أظلهم المشركون من فوقهم، قال رسول الله: اللهم، ليس لهم أن يعلونا فثاب إليه ناس، وانتدبوا، وفيهم عويمر أبو الدرداء، حتى أدحضوهم عن مكانهم، وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء. فقال رسول الله: نعم الفارس عويمر! .
وقال: حكيم أمتي عويمر.(أعلام/52)
هذا رواه يحيى البابلتي: حدثنا صفوان بن عمرو، عن شريح.
ثابت البناني، وثمامة، عن أنس: مات النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
وقال زكريا، وابن أبي خالد، عن الشعبي: جمع القرآن على عهد رسول الله ستة، وهم من الأنصار: معاذ، وأبو الدرداء، وزيد، وأبو زيد، وأبي، وسعد بن عبيد.
وكان بقي على مجمع بن جارية سورة أو سورتان، حين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
إسماعيل، عن الشعبي، قال: كان ابن مسعود قد أخذ بضعا وسبعين سورة، يعني من النبي - صلى الله عليه وسلم- وتعلم بقيته من مجمع، ولم يجمع أحد من الخلفاء من الصحابة القرآن غير عثمان.
قال أبو الزاهرية: كان أبو الدرداء من آخر الأنصار إسلاما وكان يعبد صنما، فدخل ابن رواحة، ومحمد بن مسلمة بيته، فكسرا صنمه، فرجع فجعل يجمع الصنم، ويقول: ويحك! هلا امتنعت! ألا دفعت عن نفسك؟! ، فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أو يدفع عن أحد، دفع عن نفسه، ونفعها! .
فقال أبو الدرداء: أعدي لي ماء في المغتسل. فاغتسل، ولبس حلته، ثم ذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فنظر إليه ابن رواحة مقبلا، فقال: يا رسول الله، هذا أبو الدرداء، وما أراه إلا جاء في طلبنا؟ فقال: إنما جاء ليسلم، إن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم.
روى من قوله: " وكان يعبد. . . إلى آخره " معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير.
وروى منه، أبو صالح، عن معاوية عن أبي الزاهرية، عن جبير، عن أبي الدرداء: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: إن الله وعدني إسلام أبي الدرداء. فأسلم.
وروى أبو مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز: أن أبا الدرداء أسلم يوم بدر، وشهد أحدا. وفرض له عمر في أربع مائة - يعني في الشهر- ألحقه في البدريين.
وقال الواقدي: قيل: لم يشهد أحدا.(أعلام/53)
سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول: كانت الصحابة يقولون: أرحمنا بنا أبو بكر ; وأنطقنا بالحق عمر ; وأميننا أبو عبيدة ; وأعلمنا بالحرام والحلال معاذ ; وأقرؤنا أبي، ورجل عنده علم ابن مسعود، وتبعهم عويمر أبو الدرداء بالعقل.
وقال ابن إسحاق: كان الصحابة يقولون: أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء.
وروى عون بن أبي جحيفة، عن أبيه: أن رسول الله آخى بين سلمان وأبي الدرداء ; فجاءه سلمان يزوره، فإذا أم الدرداء متبذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك لا حاجة له في الدنيا، يقوم الليل، ويصوم النهار. فجاء أبو الدرداء، فرحب به، وقرب إليه طعاما. فقال له سلمان: كل. قال: إني صائم. قال: أقسمت عليك لتفطرن. فأكل معه. ثم بات عنده، فلما كان من الليل، أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان وقال: إن لجسدك عليك حقا. ولربك عليك حقا. ولأهلك عليك حقا ; صم، وأفطر، وصل، وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه.
فلما كان وجه الصبح، قال: قم الآن إن شئت ; فقاما، فتوضآ، ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله بالذي أمره سلمان. فقال له: يا أبا الدرداء، إن لجسدك عليك حقا، مثل ما قال لك سلمان.
البابلتي: حدثنا الأوزاعي: حدثنا حسان بن عطية، قال: قال أبو الدرداء: لو أنسيت آية لم أجد أحدا يذكرنيها إلا رجلا ببرك الغماد، رحلت إليه.
الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء، قال: سلوني، فوالله لئن فقدتموني لتفقدن رجلا عظيما من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم.
ربيعة القصير، عن أبي إدريس، عن يزيد بن عميرة، قال: لما حضرت معاذا الوفاة، قالوا: أوصنا. فقال: العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما. - قالها ثلاثا- فالتمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام، الذي كان يهوديا فأسلم.(أعلام/54)
وعن ابن مسعود: علماء الناس ثلاثة: واحد بالعراق، وآخر بالشام - يعني: أبا الدرداء - وهو يحتاج إلى الذي بالعراق - يعني: نفسه- وهما يحتاجان إلى الذي بالمدينة، يعني: عليا رضي الله عنه.
إسناده ضعيف.
ابن وهب: أخبرني يحيى بن عبد الله، عن عبد الرحمن الحجري، قال: قال أبو ذر لأبي الدرداء: ما حملت ورقاء، ولا أظلت خضراء، أعلم منك يا أبا الدرداء.
منصور، عن رجل، عن مسروق، قال: وجدت علم الصحابة انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وأبي، وزيد، وأبي الدرداء، وابن مسعود ; ثم انتهى علمهم إلى علي، وعبد الله.
وقال خالد بن معدان: كان ابن عمر يقول: حدثونا عن العاقلين. فيقال: من العاقلان؟ فيقول: معاذ، وأبو الدرداء.
وروى سعد بن إسحاق، عن محمد بن كعب، قال: جمع القرآن خمسة: معاذ، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وأبي، وأبو أيوب. فلما كان زمن عمر، كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إن أهل الشام قد كثروا، وملئوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم. فأعني برجال يعلمونهم. فدعا عمر الخمسة ; فقال: إن إخوانكم قد استعانوني من يعلمهم القرآن، ويفقههم في الدين، فأعينوني يرحمكم الله بثلاثة منكم إن أحببتم، وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا.
فقالوا: ما كنا لنتساهم، هذا شيخ كبير - لأبي أيوب- وأما هذا فسقيم - لأبي - فخرج معاذ، وعبادة، وأبو الدرداء.(أعلام/55)
فقال عمر: ابدءوا بحمص، فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة، منهم من يلقن، فإذا رأيتم ذلك، فوجهوا إليه طائفة من الناس، فإذا رضيتم منهم، فليقم بها واحد، وليخرج واحد إلى دمشق، والآخر إلى فلسطين. قال: فقدموا حمص فكانوا بها ; حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة بن الصامت ; وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين، فمات في طاعون عمواس. ثم صار عبادة بعد إلى فلسطين وبها مات. ولم يزل أبو الدرداء بدمشق حتى مات.
الأحوص بن حكيم: عن راشد بن سعد، قال: بلغ عمر أن أبا الدرداء، ابتنى كنيفا بحمص. فكتب إليه: يا عويمر، أما كانت لك كفاية فيما بنت الروم عن تزيين الدنيا، وقد أذن الله بخرابها. فإذا أتاك كتابي، فانتقل إلى دمشق.
مالك، عن يحيى بن سعيد، قال: كان أبو الدرداء، إذا قضى بين اثنين، ثم أدبرا عنه، نظر إليهما، فقال: ارجعا إلي، أعيدا علي قضيتكما.
معمر، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، قال: كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد: سلام عليك. أما بعد، فإن العبد إذا عمل بمعصية الله، أبغضه الله ; فإذا أبغضه الله، بغضه إلى عباده.
وقال أبو وائل، عن أبي الدرداء: إني لآمركم بالأمر وما أفعله، ولكن لعل الله يأجرني فيه.
شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: أن عمر قال لابن مسعود، وأبي ذر، وأبي الدرداء: ما هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب.
سعيد بن عبد العزيز، عن مسلم بن مشكم: قال لي أبو الدرداء: اعدد من في مجلسنا. قال: فجاءوا ألفا وستمائة ونيفا. فكانوا يقرءون ويتسابقون عشرة عشرة، فإذا صلى الصبح، انفتل وقرأ جزءا ; فيحدقون به يسمعون ألفاظه. وكان ابن عامر مقدما فيهم.(أعلام/56)
وقال هشام بن عمار: حدثنا يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، قال: كان أبو الدرداء يصلي، ثم يقرئ ويقرأ، حتى إذا أراد القيام، قال لأصحابه: هل من وليمة أو عقيقة نشهدها؟ فإن قالوا: نعم، وإلا قال: اللهم، إني أشهدك أني صائم. وهو الذي سن هذه الحلق للقراءة.
قال القاسم بن عبد الرحمن: كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلم.
أبو الضحى ; عن مسروق، قال: شاممت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- فوجدت علمهم انتهى إلى عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت. .
وعن يزيد بن معاوية، قال: إن أبا الدرداء من العلماء الفقهاء، الذين يشفون من الداء.
وقال الليث، عن رجل عن آخر: رأيت أبا الدرداء دخل مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم- ومعه من الأتباع مثل السلطان: فمن سائل عن فريضة، ومن سائل عن حساب، وسائل عن حديث، وسائل عن معضلة، وسائل عن شعر.
قال ربيعة بن يزيد القصير: كان أبو الدرداء إذا حدث عن رسول الله قال: اللهم إن لا هكذا، وإلا فكشكله.
منصور، عن سالم بن أبي الجعد، قال أبو الدرداء: ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون! تعلموا، فإن العالم والمتعلم شريكان في الأجر.
وعن أبي الدرداء، من وجه مرسل: لن تكون عالما حتى تكون متعلما، ولا تكون متعلما حتى تكون بما علمت عاملا ; إن أخوف ما أخاف إذا وقفت للحساب أن يقال لي: ما عملت فيما علمت؟ .
جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال أبو الدرداء: ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات.
ابن عجلان، عن عون بن عبد الله: قلت لأم الدرداء: أي عبادة أبي الدرداء كانت أكثر؟ قالت: التفكر والاعتبار.
وعن أبي الدرداء: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.(أعلام/57)
عمرو بن واقد، عن ابن حلبس: قيل لأبي الدرداء - وكان لا يفتر من الذكر-: كم تسبح في كل يوم؟ قال: مائة ألف، إلا أن تخطئ الأصابع.
الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: بينا أبو الدرداء يوقد تحت قدر له، إذ سمعت في القدر صوتا ينشج، كهيئة صوت الصبي، ثم انكفأت القدر، ثم رجعت إلى مكانها، لم ينصب منها شيء. فجعل أبو الدرداء ينادي: يا سلمان، انظر إلى ما لم تنظر إلى مثله أنت ولا أبوك! فقال له سلمان: أما إنك لو سكت، لسمعت من آيات ربك الكبرى.
الأوزاعي، عن بلال بن سعد، أن أبا الدرداء قال: أعوذ بالله من تفرقة القلب. قيل: وما تفرقة القلب؟ قال: أن يجعل لي في كل واد مال.
روي عن أبي الدرداء، قال: لولا ثلاث ما أحببت البقاء: ساعة ظمأ الهواجر، والسجود في الليل، ومجالسة أقوام ينتقون جيد الكلام كما ينتقى أطايب الثمر.
الأعمش، عن غيلان، عن يعلى بن الوليد، قال: لقيت أبا الدرداء، فقلت: ما تحب لمن تحب؟ قال: الموت. قلت: فإن لم يمت؟ قال: يقل ماله وولده.
قال معاوية بن قرة: قال أبو الدرداء: ثلاثة أحبهن، ويكرههن الناس: الفقر، والمرض، والموت. أحب الفقر تواضعا لربي، والموت اشتياقا لربي، والمرض تكفيرا لخطيئتي.
الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبيه: أن أبا الدرداء أوجعت عينه حتى ذهبت، فقيل له: لو دعوت الله؟ فقال: ما فرغت بعد من دعائه لذنوبي ; فكيف أدعو لعيني؟ .
حريز بن عثمان: حدثنا راشد بن سعد، قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال: أوصني. قال: اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء ; وإذا ذكرت الموتى، فاجعل نفسك كأحدهم، وإذا أشرفت نفسك على شيء من الدنيا، فانظر إلى ما يصير.(أعلام/58)
إبراهيم النخعي، عن همام بن الحارث: كان أبو الدرداء يقرئ رجلا أعجميا: إن شجرة الزقوم طعام الأثيم فقال: " طعام اليتيم " فرد عليه، فلم يقدر أن يقولها. فقال: قل: طعام الفاجر. فأقرأه " طعام الفاجر ".
منصور، عن عبد الله بن مرة، أن أبا الدرداء قال: اعبد الله كأنك تراه وعد نفسك في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم، واعلم أن قليلا يغنيك خير من كثير يلهيك، وأن البر لا يبلى، وأن الإثم لا ينسى.
شيبان، عن عاصم، عن أبي وائل، عن أبي الدرداء: إياك ودعوات المظلوم ; فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارات من نار.
وروى لقمان بن عامر، أن أبا الدرداء قال: أهل الأموال يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم فضول أموال ينظرون إليها، وننظر إليها معهم، وحسابهم عليها ونحن منها برآء.
وعنه، قال: الحمد لله الذي جعل الأغنياء يتمنون أنهم مثلنا عند الموت، ولا نتمنى أننا مثلهم حينئذ. ما أنصفنا إخواننا الأغنياء: يحبوننا على الدين، ويعادوننا على الدنيا.
رواه صفوان بن عمرو الحمصي، عن عبد الرحمن بن جبير.
وروى صفوان، عن ابن جبير، عن أبيه، قال: لما فتحت قبرس، مر بالسبي على أبي الدرداء، فبكى، فقلت له: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: يا جبير، بينا هذه الأمة قاهرة ظاهرة إذ عصوا الله، فلقوا ما ترى. ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه.
بقية، عن حبيب بن عمر، عن أبي عبد الصمد، عن أم الدرداء، قالت: كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم، فقلت: إني أخاف أن يحمقك الناس. فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا يحدث بحديث إلا تبسم.
أخرجه أحمد في " المسند ".(أعلام/59)
عكرمة بن عمار، عن أبي قدامة محمد بن عبيد، عن أم الدرداء، قالت: كان لأبي الدرداء ستون وثلاثمائة خليل في الله. يدعو لهم في الصلاة، فقلت له في ذلك، فقال: إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به ملكين يقولان: ولك بمثل. أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة.
وقال أبو الزاهرية: قال أبو الدرداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم.
قالت أم الدرداء: لما احتضر أبو الدرداء، جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ .
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق: أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا محمد بن عمر القاضي، ومحمد بن علي، ومحمد بن أحمد الطرائقي: قالوا: أخبرنا محمد بن أحمد بن المسلمة: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن: أخبرنا جعفر الفريابي: حدثنا محمد بن عائذ: حدثنا الهيثم بن حميد: حدثنا الوضين بن عطاء، عن يزيد بن مزيد، قال: ذكر الدجال في مجلس فيه أبو الدرداء فقال نوف البكالي إني لغير الدجال أخوف مني من الدجال. فقال أبو الدرداء: وما هو؟ قال: أخاف أن أستلب إيماني وأنا لا أشعر. فقال أبو الدرداء: ثكلتك أمك يابن الكندية! وهل في الأرض خمسون يتخوفون ما تتخوف؟ ثم قال: وثلاثون، وعشرون، وعشرة، وخمسة. ثم قال: وثلاثة. كل ذلك يقول: ثكلتك أمك! والذي نفسي بيده ما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه، أو انتزع منه فيفقده. والذي نفسي بيده ما الإيمان إلا كالقميص يتقمصه مرة ويضعه أخرى.
قال الواقدي، وأبو مسهر، وابن نمير: مات أبو الدرداء سنة اثنتين وثلاثين.
وعن خالد بن معدان، قال: مات سنة إحدى وثلاثين.
فهذا خطأ، لأن الثوري روى عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير، قال: لما جاء نعي - يعني: ابن مسعود - إلى أبي الدرداء، قال: أما إنه لم يخلف بعده مثله! ووفاة عبد الله في سنة 32.(أعلام/60)
وروى إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي عبيد الله الأشعري، قال: مات أبو الدرداء قبل مقتل عثمان، رضي الله عنهما.
وقيل: الذين في حلقة إقراء أبي الدرداء كانوا أزيد من ألف رجل، ولكل عشرة منهم ملقن، وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائما، فإذا أحكم الرجل منهم، تحول إلى أبي الدرداء - يعني يعرض عليه.
وعن أبي الدرداء، قال: من أكثر ذكر الموت قل فرحه، وقل حسده.(أعلام/61)
أبو الزناد (ع)
عبد الله بن ذكوان الإمام الفقيه الحافظ المفتي أبو عبد الرحمن القرشي المدني، ويلقب بأبي الزناد، وأبوه مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة زوجة الخليفة عثمان، وقيل: مولى عائشة بنت عثمان بن عفان، وقيل: مولى آل عثمان، وقيل: إن ذكوان كان أخا أبي لؤلؤة قاتل عمر. قاله أبو داود السجزي، عن أحمد بن صالح.
قلت: مولده في نحو سنة خمس وستين. في حياة ابن عباس.
وحدث عن أنس بن مالك، وأبي أمامة بن سهل، وأبان بن عثمان، وعروة، وابن المسيب، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعبيد بن حنين، وعلي بن الحسين، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، وعبد الرحمن الأعرج، وهو مكثر عنه، ثبت فيه، وعائشة بنت سعد، ومرقع بن صيفي، ومجالد بن عوف، ومحمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي، والشعبي وسليمان بن عبد الرحمن وعدة.
وشهد مع عبد الله بن جعفر الهاشمي جنازة، وأرسل عن ابن عمر، وكان من علماء الإسلام، ومن أئمة الاجتهاد. حدث عنه ابن عبد الرحمن، وموسى بن عقبة، وابن أبي مليكة مع تقدمه، وصالح بن كيسان، وهشام بن عروة، وعبد الوهاب بن بخت، ومحمد بن عبد الله بن حسن، وعبيد الله بن عمر، وابن عجلان، وابن إسحاق، ومالك والليث، وورقاء بن عمر، وسفيان الثوري، وزائدة، وشعيب بن أبي حمزة، والمغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، وسعيد بن أبي هلال، وسفيان بن عيينة، وخلق سواهم. وثقه أحمد وابن معين. قال حرب بن إسماعيل، عن أحمد بن حنبل،
قال: كان سفيان يسمي أبا الزناد أمير المؤمنين في الحديث. قال أحمد: هو فوق العلاء بن عبد الرحمن، وفوق سهيل، ومحمد بن عمرو.
وقال أبو زرعة الدمشقي: أخبرني أحمد بن حنبل، أن أبا الزناد أعلم من ربيعة.
وروى أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين قال: ثقة حجة.(أعلام/62)
وقال علي بن المديني: لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم من ابن شهاب، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبي الزناد، وبكير الأشج.
قال خليفة بن خياط: أبو الزناد لقي ابن عمر، وأنس بن مالك.
وقال العجلي: تابعي ثقة، سمع من أنس.
وقال أبو حاتم: ثقة فقيه صالح الحديث، صاحب سنة، وهو ممن تقوم به الحجة إذا روى عنه الثقات.
قال البخاري: أصح الأسانيد كلها: مالك، عن نافع، عن ابن عمر. وأصح أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
قال الليث عن عبد ربه بن سعيد: دخل أبو الزناد مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه من الأتباع -يعني طلبة العلم- مثل ما مع السلطان، فمن سائل عن فريضة ومن سائل عن الحساب، ومن سائل عن الشعر، ومن سائل عن الحديث، ومن سائل عن معضلة.
وروى يحيى بن بكير، عن الليث بن سعد قال: رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاثمائة تابع من طالب فقه وشعر وصنوف، ثم لم يلبث أن بقي وحده، وأقبلوا على ربيعة، وكان ربيعة يقول: شبر من حظوة خير من باع من علم.
ونقل أبو يوسف، عن أبي حنيفة قال: قدمت المدينة، فأتيت أبا الزناد، ورأيت ربيعة فإذا الناس على ربيعة، وأبو الزناد أفقه الرجلين، فقلت له: أنت أفقه أهل بلدك، والعمل على ربيعة؟ فقال: ويحك كف من حظ خير من جراب من علم.(أعلام/63)
وقال أحمد بن أبي خيثمة، عن مصعب بن عبد الله، قال: كان أبو الزناد فقيه أهل المدينة، وكان صاحب كتاب وحساب، وكان كاتبا لخالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم بالمدينة، وكان كاتبا لعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وفد على هشام بن عبد الملك بحساب ديوان المدينة، فجالس هشاما مع ابن شهاب، فسأل هشام ابن شهاب: في أي شهر كان عثمان يخرج العطاء لأهل المدينة؟ قال: لا أدري، قال أبو الزناد: كنا نرى أن ابن شهاب لا يسأل عن شيء إلا وجد علمه عنده. فسألني هشام، فقلت: في المحرم، فقال هشام لابن شهاب: يا أبا بكر هذا علم أفدته اليوم. فقال: مجلس أمير المؤمنين أهل أن يفاد فيه العلم، قال: وكان أبو الزناد معاديا لربيعة الرأي، وكانا فقيهي البلد في زمانهما. وكان الماجشون يعقوب بن أبي سلمة يعين ربيعة على أبي الزناد. وكان الماجشون أول من علم الغناء من أهل المروءة بالمدينة.
قال أبو الزناد: مثلي ومثل ذئب، كان يلح على أهل قرية، فيأكل صبيانهم ودواجنهم، فاجتمعوا له، فخرجوا في طلبه، فهرب منهم، فتقطعوا عنه إلا صاحب فخار، فألح عليه، فوقف له الذئب، وقال: هؤلاء عذرتهم، أرأيتك أنت ما لي ولك؟ ! والله ما كسرت لك فخارة قط. ثم قال: ما لي وللماجشون والله ما كسرت له كبرا ولا بربطا.
روى الأصمعي عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: كان الفقهاء بالمدينة يأتون عمر بن عبد العزيز، خلا سعيد بن المسيب، فإن عمر بن عبد العزيز كان يرضى أن يكون بينهما رسول، وأنا كنت الرسول بينهما.
وقال سليمان بن أبي شيخ: ولى عمر بن عبد العزيز أبا الزناد بيت مال الكوفة.
قال محمد بن سلام الجمحي: قيل لأبي الزناد: -لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ فقال: إنها وإن أدنتني منها، فقد صانتني عنها.
قال محمد بن سعد: كان أبو الزناد ثقة كثير الحديث، فصيحا بصيرا بالعربية، عالما عاقلا.(أعلام/64)
قال إبراهيم بن المنذر الحزامي: هو كان سبب جلد ربيعة الرأي، ثم ولي بعد ذلك المدينة فلان التيمي، فأرسل إلى أبي الزناد، فطين عليه بيتا، فشفع فيه ربيعة.
قلت: تئول الشحناء بين القرناء إلى أعظم من هذا. ولما رأى ربيعة أن أبا الزناد يهلك بسببه ما وسعه السكوت، فأخرجوا أبا الزناد، وقد عاين الموت وذبل، ومالت عنقه. نسأل الله السلامة.
وروى الليث بن سعد، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: أما أبو الزناد، فليس بثقة ولا رضي.
قلت: انعقد الإجماع على أن أبا الزناد ثقة رضي. وقيل: كان مالك لا يرضي أبا الزناد وهذا لم يصح، وقد أكثر مالك عنه في " موطئه ".
قال ابن عيينة: قلت للثوري: جالست أبا الزناد؟ قال: ما رأيت بالمدينة أميرا غيره.
وقال ابن عيينة: جلست إلى إسماعيل بن محمد بن سعد، فقلت: حدثنا أبو الزناد، فأخذ كفا من حصى، فحصبني به. وكنت أسأل أبا الزناد، وكان حسن الخلق.
يحيى بن بكير: حدثنا الليث، قال: جاء رجل إلى ربيعة فقال: إني أمرت أن أسألك عن مسألة، وأسأل يحيى بن سعيد، وأسأل أبا الزناد، فقال: هذا يحيى، وأما أبو الزناد، فليس بثقة.
قال يحيى بن معين: قال مالك: كان أبو الزناد كاتبا لهؤلاء، يعني: بني أمية، وكان لا يرضاه يعني: لذلك. ثم قال ابن عدي: أبو الزناد كما قال يحيى بن معين: ثقة حجة، ولم أورد له حديثا لأن كلها مستقيمة.(أعلام/65)
وقال أبو جعفر العقيلي في ترجمة عبد الله بن ذكوان: حدثنا مقدام بن داود، حدثنا الحارث بن مسكين، وابن أبي الغمر، قالا: حدثنا ابن القاسم قال: سألت مالكا عمن يحدث بالحديث الذي قالوا: إن الله خلق آدم على صورته فأنكر ذلك إنكارا شديدا، ونهى أن يتحدث به أحد، فقيل: إن ناسا من أهل العلم يتحدثون به قال: من هم؟ قيل: ابن عجلان، عن أبي الزناد، فقال: لم يكن يعرف ابن عجلان هذه الأشياء، ولم يكن عالما، ولم يزل أبو الزناد عاملا لهؤلاء حتى مات، وكان صاحب عمال يتبعهم.
قلت: الخبر لم ينفرد به ابن عجلان، بل ولا أبو الزناد، فقد رواه شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد، ورواه قتادة. عن أبي أيوب المراغي، عن أبي هريرة، ورواه ابن لهيعة، عن الأعرج وأبي يونس، عن أبي هريرة، ورواه معمر، عن همام، عن أبي هريرة، وصح أيضا من حديث ابن عمر. وقد قال إسحاق بن راهويه عالم خراسان: صح هذا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فهذا الصحيح مخرج في كتابي البخاري ومسلم. فنؤمن به ونفوض ونسلم ولا نخوض فيما لا يعنينا مع علمنا بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
قال الواقدي: مات أبو الزناد فجأة في مغتسله ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان، وهو ابن ست وستين سنة في سنة ثلاثين ومائة.(أعلام/66)
وقال ابن سعد: مات في رمضان منها. وقال خليفة وطائفة: سنة ثلاثين. وقال يحيى بن معين، وابن نمير، وعلي بن عبد الله التميمي، وغيرهم: مات سنة إحدى وثلاثين ومائة قرأت على محمد بن حسين القرشي، أنبأنا محمد بن عماد، أنبأنا ابن رفاعة، أنبأنا أبو الحسن الخلعي، أنبأنا عبد الرحمن بن عمر، أنبأنا أبو سعيد بن الأعرابي، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله عز وجل: إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها، فإن عملها فاكتبوها عشر أمثالها، فإن هم بسيئة، فلا تكتبوها، فإن عملها، فاكتبوها مثلها، وإن تركها، فاكتبوها حسنة.(أعلام/67)
أبو السائب
قاضي القضاة أبو السائب عتبة بن عبيد الله بن موسى بن عبيد الله الهمذاني الشافعي الصوفي.
كان أبوه تاجرا بهمذان، وإمام مسجد، فاشتغل هو وتصوف أولا، وتزهد، وسافر، وصحب الجنيد والعلماء.
وروى عن: عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره، وعني بفهم القرآن، وكتب الحديث والفقه، ثم ذهب إلى مراغة واتصل بابن أبي الساج الأمير، فولي القضاء له، ثم بعد صيته، وقلد قضاء ممالك أذربيجان، ثم ولي قضاء همذان، ثم قدم بغداد، وتوصل، وازدادت عظمته، وقلد قضاء العراق في سنة ثمان وثلاثين، فهو أول شافعي ولي قضاء بغداد، وعاش ستا وثمانين سنة.
مات في ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة.(أعلام/68)
أبو الشعثاء (ع)
جابر بن زيد الأزدي اليحمدي، مولاهم، البصري، الخوفي - بخاء معجمة - والخوف ناحية من عمان، كان عالم أهل البصرة في زمانه، يعد مع الحسن وابن سيرين، وهو من كبار تلامذة ابن عباس.
حدث عنه عمرو بن دينار، وأيوب السختياني، وقتادة، وآخرون.
روى عطاء عن ابن عباس، قال: لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علما عما في كتاب الله.
وروي عن ابن عباس أنه قال: تسألوني وفيكم جابر بن زيد! .
وعن عمرو بن دينار، قال: ما رأيت أحدا أعلم من أبي الشعثاء.
قال ابن الأعرابي: كانت لأبي الشعثاء حلقة بجامع البصرة يفتي فيها قبل الحسن، وكان من المجتهدين في العبادة، وقد كانوا يفضلون الحسن عليه حتى خف الحسن في شأن ابن الأشعث.
قلت: لم يخف ; بل خرج مكرها.
قال أيوب: رأيت أبا الشعثاء، وكان لبيبا.
وقال قتادة يوم موت أبي الشعثاء: اليوم دفن علم أهل البصرة - أو قال: عالم العراق.
وعن إياس بن معاوية، قال: أدركت أهل البصرة، ومفتيهم جابر بن زيد.
وعن أبي الشعثاء، قال: لو ابتليت بالقضاء، لركبت راحلتي وهربت
قال أحمد، والفلاس، والبخاري وغيرهم: توفي أبو الشعثاء سنة ثلاث وتسعين.
وشذ من قال: إنه توفي سنة ثلاث ومائة. حديثه في الدواوين المعروفة.(أعلام/69)
أبو الشيخ
الإمام الحافظ الصادق محدث أصبهان أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، المعروف بأبي الشيخ، صاحب التصانيف. ولد سنة أربع وسبعين ومائتين.
وطلب الحديث من الصغر، اعتنى به الجد، فسمع من جده محمود بن الفرج الزاهد، ومن إبراهيم بن سعدان، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن حفص الهمداني رئيس أصبهان، ومحمد بن أسد المديني صاحب أبي داود الطيالسي، وعبد الله بن محمد بن زكريا، وأبي بكر بن أبي عاصم، وأحمد بن محمد بن علي الخزاعي، وإبراهيم بن رسته، وأبي بكر أحمد بن عمرو البزار صاحب المسند، وإسحاق بن إسماعيل الرملي، سمع منه في سنة أربع وثمانين ومائتين.
وسمع في ارتحاله من خلق كأبي خليفة الجمحي، ومحمد بن يحيى المروزي، وعبدان، وقاسم المطرز، وأبي يعلى الموصلي، وجعفر الفريابي، وأحمد بن يحيى بن زهير، ومحمد بن الحسن بن علي بن بحر، وأحمد بن رسته الأصبهاني، وأحمد بن سعيد بن عروة الصفار، والمفضل بن محمد الجندي، وأحمد بن الحسن الصوفي، وأبي عروبة الحراني، ومحمد بن إبراهيم بن شبيب، ومحمود بن محمد الواسطي، وعلي بن سعيد الرازي، وإبراهيم بن علي العمري، وأبي القاسم البغوي، وأحمد بن جعفر الجمال، والوليد بن أبان، وأمم سواهم.(أعلام/70)
وعنه: ابن منده، وابن مردويه، وأبو سعد الماليني، وأبو سعيد النقاش، وأبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي، وسفيان بن حسنكويه، وأبو نعيم الحافظ، ومحمد بن علي بن سمويه، والفضل بن محمد القاشاني، ومحمد بن علي بن محمد بن بهروزمرد، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن الحسين الصالحاني، وأبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الصفار، وأبو الحسين محمد بن أحمد الكسائي، ومحمد بن علي بن محمد بن سيبويه المؤدب، ومحمد بن عبد الله بن أحمد التبان، وأبو العلاء محمد بن أحمد بن شاه المهرجاني، ومحمد بن عبد الرزاق بن أبي الشيخ وهو حفيده، وأبو ذر محمد بن إبراهيم الصالحاني، وأحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر اليزدي، وأحمد بن محمد بن يزدة الملنجي المقرئ، وأبو القاسم عبد الله بن محمد العطار المقرئ، وعبد الكريم بن عبد الواحد الصوفي، والفضل بن أحمد القصار، وأبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم الكاتب، وآخرون.
قال ابن مردويه: ثقة مأمون، صنف التفسير والكتب الكثيرة في الأحكام وغير ذلك.
وقال أبو بكر الخطيب: كان أبو الشيخ حافظا، ثبتا، متقنا.
وقال أبو القاسم السوذرجاني: هو أحد عباد الله الصالحين، ثقة مأمون.
وقال أبو موسى المديني - مع ما ذكر من عبادته -: كان يكتب كل يوم دستجة كاغد؛ لأنه كان يورق ويصنف، وعرض كتابه " ثواب الأعمال " على الطبراني، فاستحسنه. ويروى عنه أنه قال: ما عملت فيه حديثا إلا بعد أن استعملته.
وعن بعض الطلبة قال: ما دخلت على أبي القاسم الطبراني إلا وهو يمزح أو يضحك، وما دخلت على أبي الشيخ إلا وهو يصلي.
قلت: لأبي الشيخ كتاب " السنة " مجلد، كتاب " العظمة " مجلد، كتاب " السنن " في عدة مجلدات، وقع لنا منه كتاب " الأذان "، وكتاب " الفرائض "، وغير ذلك. وله كتاب " ثواب الأعمال " في خمس مجلدات.(أعلام/71)
وقال أبو نعيم: كان أحد الأعلام، صنف الأحكام والتفسير، وكان يفيد عن الشيوخ، ويصنف لهم ستين سنة. قال: وكان ثقة.
وروى أبو بكر بن المقرئ، عن أبي الشيخ فقال: حدثنا عبد الله بن محمد القصير، أنبأني علي بن عبد الغني شيخنا: أنه سمع يوسف بن خليل الحافظ يقول: رأيت في النوم كأني دخلت مسجد الكوفة، فرأيت شيخا طوالا لم أر شيخا أحسن منه، فقيل لي: هذا أبو محمد بن حيان، فتبعته وقلت له: أنت أبو محمد بن حيان؟ قال: نعم. قلت: أليس قد مت؟ قال: بلى. قلت: فبالله ما فعل الله بك؟ قال: الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض الآية. فقلت: أنا يوسف، جئت لأسمع حديثك وأحصل كتبك، فقال: سلمك الله، وفقك الله، ثم صافحته، فلم أر شيئا قط ألين من كفه، فقبلتها ووضعتها على عيني.
قلت: قد كان أبو الشيخ من العلماء العاملين، صاحب سنة واتباع، لولا ما يملأ تصانيفه بالواهيات.
قال أبو نعيم: توفي في سلخ المحرم سنة تسع وستين وثلاثمائة.
ومات معه في السنة مسند بغداد أبو محمد بن ماسي، ومخلد بن جعفر الباقرحي، والإمام أبو سهل محمد بن سليمان الصعلوكي، وآخرون، وقاضي القضاة ابن أم شيبان.
أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا مسعود الجمال، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن مهران الصالحاني، حدثنا أبو محمد بن حيان، حدثنا محمد بن زكريا، حدثنا القعنبي، حدثنا سلمة بن وردان، سمعت أنس بن مالك، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: آية الكرسي ربع القرآن.
وأجازه لنا أحمد بن سلامة عن الجمال.(أعلام/72)
أبو الطفيل (ع)
خاتم من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا، واستمر الحال على ذلك في عصر التابعين وتابعيهم وهلم جرا، لا يقول آدمي: إنني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نبغ بالهند بعد خمسمائة عام بابا رتن، فادعى الصحبة، وآذى نفسه، وكذبه العلماء. فمن صدقه في دعواه، فبارك الله في عقله، ونحن نحمد الله على العافية.
واسم أبي الطفيل؛ عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو الليثي الكناني الحجازي الشيعي.
كان من شيعة الإمام علي. مولده بعد الهجرة.
رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في حجة الوداع وهو يستلم الركن بمحجنه، ثم يقبل المحجن.
وروى عن: أبي بكر، وعمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وعلي.
حدث عنه: حبيب بن أبي ثابت، والزهري، وأبو الزبير المكي، وعلي بن زيد بن جدعان، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، ومعروف بن خربوذ، وسعيد الجريري، وفطر بن خليفة، وخلق سواهم.
قال معروف: سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا غلام شاب يطوف بالبيت على راحلته، يستلم الحجر بمحجنه.
وقال محمد بن سلام الجمحي: عن عبد الرحمن الهمداني، قال: دخل أبو الطفيل على معاوية، فقال: ما أبقى لك الدهر من ثكلك عليا؟ قال: ثكل العجوز المقلات والشيخ الرقوب. قال: فكيف حبك له؟ قال: حب أم موسى لموسى، وإلى الله أشكو التقصير.
وروي عن أبي الطفيل قال: أدركت من حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمان سنين.
وقيل: إنه كان ينشد:
وخلفت سهما في الكنانة واحدا
سيرمى به أو يكسر السهم كاسره
وقيل: إن أبا الطفيل كان حامل راية المختار لما ظهر بالعراق، وحارب قتلة الحسين.
وكان أبو الطفيل ثقة فيما ينقله، صادقا، عالما، شاعرا، فارسا، عمر دهرا طويلا. وشهد مع علي حروبه.(أعلام/73)
قال خليفة: وأقام بمكة حتى مات سنة مائة أو نحوها. كذا قال. ثم قال: ويقال: سنة سبع ومائة.
وقال البخاري حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا مبارك، عن كثير بن أعين، قال: أخبرني أبو الطفيل بمكة سنة سبع ومائة.
وقال وهب بن جرير: سمعت أبي يقول: كنت بمكة سنة عشر ومائة، فرأيت جنازة، فسألت عنها. فقالوا: هذا أبو الطفيل.
قلت: هذا هو الصحيح من وفاته لثبوته، ويعضده ما قبله. ولو عمر أحد بعده كما عمر هو بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لعاش إلى سنة بضع ومائتين.(أعلام/74)
أبو الطيب الطبري
الإمام العلامة، شيخ الإسلام، القاضي أبو الطيب ; طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر، الطبري الشافعي، فقيه بغداد.
ولد سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة بآمل.
وسمع بجرجان من: أبي أحمد بن الغطريف جزءا تفرد في الدنيا بعلوه، وبنيسابور من مفقهه أبي الحسن الماسرجسي، وببغداد من الدارقطني، وموسى بن عرفة، وعلي بن عمر السكري، والمعافى الجريري.
واستوطن بغداد، ودرس وأفتى وأفاد، وولي قضاء ربع الكرخ بعد القاضي الصيمري.
وقال: سرت إلى جرجان للقاء أبي بكر الإسماعيلي، فقدمتها يوم الخميس، فدخلت الحمام، ومن الغد لقيت ولده أبا سعد، فقال لي: الشيخ قد شرب دواء لمرض، وقال لي: تجيء غدا لتسمع منه. فلما كان بكرة السبت، غدوت، فإذا الناس يقولون: مات الإسماعيلي.
قال الخطيب: كان شيخنا أبو الطيب ورعا، عاقلا، عارفا بالأصول والفروع، محققا ; حسن الخلق، صحيح المذهب، اختلفت إليه، وعلقت عنه الفقه سنين.
قيل: إن أبا الطيب دفع خفا له إلى من يصلحه، فمطله، وبقي كلما جاء، نقعه في الماء، وقال: الآن أصلحه. فلما طال ذلك عليه، قال: إنما دفعته إليك لتصلحه لا لتعلمه السباحة.
قال الخطيب: سمعت محمد بن أحمد المؤدب، سمعت أبا محمد البافي يقول: أبو الطيب الطبري أفقه من أبي حامد الإسفراييني. وسمعت أبا حامد يقول: أبو الطيب أفقه من أبي محمد البافي.
قال القاضي ابن بكران الشامي: قلت للقاضي أبي الطيب شيخنا وقد عمر: لقد متعت بجوارحك أيها الشيخ! قال: ولم؟ وما عصيت الله بواحدة منها قط. أو كما قال. قال غير واحد: سمعنا أبا الطيب يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله: أرأيت من روى أنك قلت: نضر الله امرءا سمع مقالتي، فوعاها أحق هو؟ قال: نعم.(أعلام/75)
قال أبو إسحاق في " الطبقات ": ومنهم شيخنا وأستاذنا القاضي أبو الطيب، توفي عن مائة وسنتين، لم يختل عقله، ولا تغير فهمه، يفتي مع الفقهاء، ويستدرك عليهم الخطأ، ويقضي، ويشهد ويحضر المواكب إلى أن مات. تفقه بآمل على أبي علي الزجاجي صاحب أبي العباس بن القاص. وقرأ على أبي سعد بن الإسماعيلي، وأبي القاسم بن كج بجرجان، ثم ارتحل إلى أبي الحسن الماسرجسي وصحبه أربع سنين، ثم قدم بغداد، وعلق عن أبي محمد البافي الخوارزمي ; صاحب الداركي، وحضر مجلس أبي حامد، ولم أر فيمن رأيت أكمل اجتهادا، وأشد تحقيقا، وأجود نظرا منه. شرح " مختصر " المزني، وصنف في الخلاف المذهب والأصول والجدل كتبا كثيرة، ليس لأحد مثلها، لازمت مجلسه بضع عشرة سنة، ودرست أصحابه في مسجده سنين بإذنه، ورتبني في حلقته، وسألني أن أجلس للتدريس في سنة ثلاثين وأربعمائة، ففعلت.
قلت: من وجوه أبي الطيب في المذهب أن خروج المني ينقض الوضوء. ومنها أن الكافر إذا صلى في دار الحرب، فصلاته إسلام.
قلت: حدث عنه: الخطيب، وأبو إسحاق، وابن بكران، وأبو محمد بن الآبنوسي، وأحمد بن الحسن الشيرازي، وأبو سعد بن الطيوري، وأبو علي بن المهدي، وأبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن أحمد العكبري، وأبو العز بن كادش، وأبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك، وهبة الله بن الحصين، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، وخلق كثير.
قال الخطيب مات صحيح العقل، ثابت الفهم، في ربيع الأول، سنة خمسين وأربعمائة، وله مائة وسنتان رحمه الله.(أعلام/76)
أبو العاص بن الربيع
ابن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي العبشمي.
صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوج بنته زينب، وهو والد أمامة التي كان يحملها النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته.
واسمه لقيط، وقيل: اسم أبيه ربيعة، وهو ابن أخت أم المؤمنين خديجة، أمه هي هالة بنت خويلد، وكان أبو العاص يدعى جرو البطحاء.
أسلم قبل الحديبية بخمسة أشهر.
قال المسور بن مخرمة: أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي العاص في مصاهرته خيرا وقال: حدثني فصدقني، ووعدني، فوفى لي وكان قد وعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع إلى مكة، بعد وقعة بدر، فيبعث إليه بزينب ابنته، فوفى بوعده، وفارقها مع شدة حبه لها، وكان من تجار قريش وأمنائهم، وما علمت له رواية.
ولما هاجر، رد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجته زينب بعد ستة أعوام على النكاح الأول وجاء في رواية أنه ردها إليه بعقد جديد، وقد كانت زوجته لما أسر نوبة بدر، بعثت قلادتها لتفتكه بها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن رأيتم أن تطلقوا لهذه أسيرها فبادر الصحابة إلى ذلك.
ومن السيرة أنها بعثت في فدائه قلادة لها كانت لخديجة أدخلتها بها، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لها، وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها؟ قالوا: نعم. وأطلقوه، فأخذ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخلي سبيل زينب - وكانت من المستضعفين من النساء - واستكتمه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وبعث زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار، فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب، فتصحبانها. وذلك بعد بدر بشهر.(أعلام/77)
فلما قدم أبو العاص مكة، أمرها باللحوق بأبيها، فتجهزت، فقدم أخو زوجها كنانة - قلت: وهو ابن خالتها - بعيرا، فركبت، وأخذ قوسه وكنانته نهارا، فخرجوا في طلبها، فبرك كنانة، ونثر كنانته بذي طوى، فروعها هبار بن الأسود بالرمح، فقال كنانة: والله لا يدنو أحد إلا وضعت فيه سهما، فقال أبو سفيان: كف أيها الرجل عنا نبلك حتى نكلمك. فكف، فوقف عليه، فقال: إنك لم تصب، خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا، وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس أن ذلك عن ذل أصابنا، ولعمري ما بنا بحبسها عن أبيها من حاجة، ارجع بها، حتى إذا هدت الأصوات، وتحدث الناس أنا رددناها، فسلها سرا، وألحقها بأبيها. قال: ففعل، وخرج بها بعد ليال، فسلمها إلى زيد وصاحبه، فقدما بها.
فلما كان قبل الفتح، خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بماله ومال كثير لقريش، فلما رجع لقيته سرية، فأصابوا ما معه، وأعجزهم هربا، فقدموا بما أصابوا، وأقبل هو في الليل حتى دخل على زينب، فاستجار بها فأجارته، فلما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس في صلاة الصبح، صرخت زينب من صفة النساء: أيها الناس، قد أجرت أبا العاص بن الربيع. وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السرية الذين أصابوا ماله، فقال: إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالا، فإن تحسنوا وتردوه، فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله ; فأنتم أحق به. قالوا: بل نرده. فردوه كله.(أعلام/78)
ثم ذهب به إلى مكة، فأدى إلى كل ذي مال ماله، ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي شيء؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرا. قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا خوف أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم. ثم قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن ابن عباس قال: رد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب على النكاح الأول، لم يحدث شيئا.(أعلام/79)
أبو العالية (ع)
رفيع بن مهران، الإمام المقرئ الحافظ المفسر، أبو العالية الرياحي البصري، أحد الأعلام.
كان مولى لامرأة من بني رياح بن يربوع، ثم من بني تميم.
أدرك زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو شاب، وأسلم في خلافة أبي بكر الصديق، ودخل عليه.
وسمع من عمر، وعلي، وأبي، وأبي ذر، وابن مسعود، وعائشة، وأبي موسى، وأبي أيوب، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعدة.
وحفظ القرآن وقرأه على أبي بن كعب، وتصدر لإفادة العلم، وبعد صيته، قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء فيما قيل، وما ذاك ببعيد; فإنه تميمي، وكان معه ببلده. وأدرك من حياة أبي العالية نيفا وعشرين سنة.
قال أبو عمرو الداني: أخذ أبو العالية القراءة عرضا عن أبي، وزيد، وابن عباس. ويقال: قرأ على عمر.
روى عن القراءة عرضا شعيب بن الحبحاب وآخرون.
قال قتادة: قال أبو العالية: قرأت القرآن بعد وفاة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- بعشر سنين.
وروى معتمر بن سليمان، وغيره عن هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، قالت: قال لي أبو العالية: قرأت القرآن على عمر - رضي الله عنه- ثلاث مرار.
وعن أبي خلدة عن أبي العالية، قال: كان ابن عباس على السرير وقريش أسفل من السرير، فتغامزت بي قريش، فقال ابن عباس: هكذا العلم يزيد الشريف شرفا، ويجلس المملوك على الأسرة.
قلت: هذا كان سرير دار الإمرة لما كان ابن عباس متوليها لعلي رضي الله عنهما.
قال أبو بكر بن أبي داود: وليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية، وبعده سعيد بن جبير. وقد وثق أبا العالية الحافظان أبو زرعة وأبو حاتم.
قال خالد أبو المهاجر، عن أبي العالية: كنت بالشام مع أبي ذر.(أعلام/80)
وقال أبو خلدة خالد بن دينار: سمعت أبا العالية يقول: كنا عبيدا مملوكين، منا من يؤدي الضرائب، ومنا من يخدم أهله، فكنا نختم كل ليلة، فشق علينا حتى شكا بعضنا إلى بعض، فلقينا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعلمونا أن نختم كل جمعة، فصلينا ونمنا ولم يشق علينا.
قال أبو خلدة: ذكر الحسن البصري لأبي العالية، فقال: رجل مسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأدركنا الخير وتعلمنا قبل أن يولد. وكنت آتي ابن عباس وهو أمير البصرة فيجلسني على السرير وقريش أسفل.
وروى جرير عن مغيرة قال: كان أشبه أهل البصرة علما بإبراهيم النخعي أبو العالية.
وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه، فأتفقد صلاته، فإن وجدته يحسنها، أقمت عليه، وإن أجده يضيعها، رحلت ولم أسمع منه، وقلت: هو لما سواها أضيع.
قال شعيب بن الحبحاب: حابيت أبا العالية في ثوب، فأبى أن يشتري مني الثوب.
قال أبو خلدة: قال أبو العالية: لما كان زمان علي ومعاوية، وإني لشاب القتال أحب إلي من الطعام الطيب، فتجهزت بجهاز حسن حتى أتيتهم، فإذا صفان ما يرى طرفاهما، إذا كبر هؤلاء، كبر هؤلاء، وإذا هلل هؤلاء هلل هؤلاء، فراجعت نفسي، فقلت: أي الفريقين أنزله كافرا؟ ومن أكرهني على هذا؟ قال: فما أمسيت حتى رجعت وتركتهم.
قال عاصم الأحول: كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام فتركهم.
معمر: عن عاصم، عن أبي العالية، قال: أنتم أكثر صلاة وصياما ممن كان قبلكم ; ولكن الكذب قد جرى على ألسنتكم.
زيد بن الحباب: حدثنا خالد بن دينار، عن أبي العالية، قال: تعلمت الكتابة والقرآن فما شعر بي أهلي، ولا رئي في ثوبي مداد قط.(أعلام/81)
ابن عيينة: سمعت عاصما الأحول يحدث عن أبي العالية، قال: تعلموا القرآن ; فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وإياكم وهذه الأهواء; فإنها توقع العداوة والبغضاء بينكم، فإنا قد قرأنا القرآن قبل أن يقتل -يعني عثمان - بخمس عشرة سنة. قال: فحدثت به الحسن، فقال: قد نصحك والله، وصدقك.
أبو نعيم: حدثنا أبو خلدة، عن أبي العالية، قال: ما مسست ذكري بيميني منذ ستين أو سبعين سنة.
حماد بن سلمة: عن ثابت، أن أبا العالية قال: إني لأرجو أن لا يهلك عبد بين نعمتين: نعمة يحمد الله عليها، وذنب يستغفر الله منه.
وقال أبو خلدة: سمعت أبا العالية يقول: تعلموا القرآن خمس آيات، خمس آيات ; فإنه أحفظ عليكم، وجبريل كان ينزل به خمس آيات، خمس آيات.
قتيبة: حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: أول من أذن بما وراء النهر أبو العالية الرياحي.
أبو خلدة، قال: كان أبو العالية إذا دخل عليه أصحابه يرحب بهم ويقرأ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم الآية.
محمد بن مصعب: عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: إن الله قضى على نفسه أن من آمن به هداه، وتصديق ذلك في كتاب الله: ومن يؤمن بالله يهد قلبه ومن توكل عليه كفاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: ومن يتوكل على الله فهو حسبه ومن أقرضه جازاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ومن استجار من عذابه أجاره، وتصديق ذلك في كتاب الله: واعتصموا بحبل الله جميعا والاعتصام الثقة بالله. ومن دعاه أجابه، وتصديق ذلك في كتاب الله: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان.
ومن مراسيل أبي العالية الذي صح إسناده إليه: الأمر بإعادة الوضوء والصلاة على من ضحك في الصلاة، وبه يقول أبو حنيفة وغيره من أئمة العلم.(أعلام/82)
وقال أبو حاتم: حدثنا حرملة، سمعت الشافعي يقول: حديث أبي العالية الرياحي قال أبو حاتم -يعني ما يروى في الضحك في الصلاة.
وروى حماد بن زيد، عن شعيب بن الحبحاب، قال: قال أبو العالية: اشترتني امرأة فأرادت أن تعتقني، فقال بنو عمها: تعتقينه فيذهب إلى الكوفة فينقطع. فأتت لي مكانا في المسجد فقالت: أنت سائبة - تريد لا ولاء لأحد عليك. قال: فأوصى أبو العالية بماله كله.
وقال أبو خلدة، عن أبي العالية قال: ما تركت من مال فثلثه في سبيل الله، وثلثه في أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وثلثه في الفقراء. قلت له: فأين مواليك؟ قال: السائبة يضع نفسه حيث شاء.
همام بن يحيى: حدثنا قتادة، عن أبي العالية، قال: قرأت المحكم بعد وفاة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- بعشر سنين. فقد أنعم الله علي بنعمتين لا أدري أيهما أفضل: أن هداني للإسلام، ولم يجعلني حروريا.
قال أبو خلدة: سمعت أبا العالية يقول: زارني عبد الكريم أبو أمية وعليه ثياب صوف، فقلت له: هذا زي الرهبان، إن المسلمين إذا تزاوروا تجملوا.
وروى حماد بن سلمة، عن عاصم الأحول، أن أبا العالية أوصى مورقا العجلي أن يجعل في قبره جريدتين.
وقال مورق: وأوصى بريدة الأسلمي -رضي الله عنه- أن يوضع في قبره جريدتان.
قرأت على إسحاق الأسدي: أخبركم ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا إسحاق، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن ثابت، عن أبي العالية، قال: ما ترك عيسى ابن مريم -عليه السلام - حين رفع إلا مدرعة صوف وخفي راع وقذافة يقذف بها الطير.
قال أبو خلدة: مات أبو العالية في شوال سنة تسعين.
وقال البخاري وغيره: مات سنة ثلاث وتسعين.
وشذ المدائني فوهم وقال: مات سنة ست ومائة.(أعلام/83)
أبو العتاهية
رأس الشعراء، الأديب الصالح الأوحد أبو إسحاق، إسماعيل بن قاسم بن سويد بن كيسان العنزي مولاهم الكوفي، نزيل بغداد.
لقب بأبي العتاهية لاضطراب فيه. وقيل: كان يحب الخلاعة، فيكون مأخوذا من العتو.
سار شعره لجودته وحسنه وعدم تقعره.
وقد جمع أبو عمر بن عبد البر شعره وأخباره. تنسك بأخرة، وقال في المواعظ والزهد فأجاد.
وكان أبو نواس يعظمه، ويتأدب معه لدينه، ويقول: ما رأيته إلا توهمت أنه سماوي، وأني أرضي.
مدح أبو العتاهية المهدي، والخلفاء بعده، والوزراء، وما أصدق
قوله:
إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسده
حسبك مما تبتغيه القوت
ما أكثر القوت لمن يموت
هي المقادير فلمني أو فذر
إن كنت أخطأت فما أخطا القدر
وهو القائل:
حسناء لا تبتغي حليا إذا برزت
لأن خالقها بالحسن حلاها
قامت تمشي فليت الله صيرني
ذاك التراب الذي مسته رجلاها
وقال:
الناس في غفلاتهم
ورحى المنية تطحن
وقال:
إذا ما بدت والبدر ليلة تمه
رأيت لها وجها يدل على عذري
وتهتز من تحت الثياب كأنها
قضيب من الريحان في ورق خضر
أبى الله إلا أن أموت صبابة
بساحرة العينين طيبة النشر
توفي أبو العتاهية في جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة ومائتين.
وقيل: سنة ثلاث عشرة ومائتين وله ثلاث وثمانون سنة، أو نحوها، ببغداد.
واشتهر بمحبة عتبة فتاة المهدي، بحيث إنه كتب إليه هذين البيتين
نفسي بشيء من الدنيا معلقة
الله والقائم المهدي يكفيها
إني لأيأس منها ثم يطمعني
فيها احتقارك للدنيا وما فيها
فهم بدفعها إليه، فجزعت، واستعفت، وقالت: أتدفعني إلى سوقة قبيح المنظر؟ فعوضه بذهب.
وله في عمر بن العلاء:
إني أمنت من الزمان وصرفه
لما علقت من الأمير حبالا(أعلام/84)
لو يستطيع الناس من إجلاله
تخذوا له حر الخدود نعالا
إن المطايا تشتكيك لأنها
قطعت إليك سباسبا ورمالا
فإذا وردن بنا وردن خفائفا
وإذا صدرن بنا صدرن ثقالا
فخلع عليه، وأعطاه سبعين ألفا.
وتحتمل سيرة أبي العتاهية أن تعمل في كراريس.(أعلام/85)
أبو العلاء
هو الشيخ العلامة، شيخ الآداب أبو العلاء ; أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن مطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم بن النعمان -ويلقب بالساطع لجماله- ابن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله -الذي هو مجتمع تنوخ- ابن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عامر; وهو هود -عليه السلام- القحطاني، ثم التنوخي المعري الأعمى، اللغوي، الشاعر، صاحب التصانيف السائرة، والمتهم في نحلته.
ولد في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
وأضر بالجدري وله أربع سنين وشهر; سالت واحدة، وابيضت اليمنى، فكان لا يذكر من الألوان إلا الأحمر، لثوب أحمر ألبسوه إياه وقد جدر، وبقي خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم تزهدا فلسفيا.
وكان قنوعا متعففا، له وقف يقوم بأمره، ولا يقبل من أحد شيئا، ولو تكسب بالمديح لحصل مالا ودنيا، فإن نظمه في الذروة، يعد مع المتنبي والبحتري.
سمع جزءا من يحيى بن مسعر، رواه عن أبي عروبة الحراني.
وأخذ الأدب عن بني كوثر، وأصحاب ابن خالويه وكان يتوقد ذكاء.
ومن أردأ تواليفه " رسالة الغفران " في مجلد قد احتوت على مزدكة وفراغ، و " رسالة الملائكة " ورسالة " الطير " على ذلك الأنموذج، وديوانه " سقط الزند " مشهور، وله " لزوم ما لا يلزم " من نظمه، وكان إليه المنتهى في حفظ اللغات. ارتحل في حدود الأربعمائة إلى طرابلس وبها كتب كثيرة، واجتاز باللاذقية، فنزل ديرا به راهب متفلسف، فدخل كلامه في مسامع أبي العلاء، وحصلت له شكوك لم يكن له نور يدفعها، فحصل له نوع انحلال دل عليه ما ينظمه ويلهج به. ويقال: تاب من ذلك وارعوى.
وقد سارت الفضلاء إلى بابه، وأخذوا عنه.(أعلام/86)
وكان أخذ اللغة عن أبيه، وبحلب عن محمد بن عبد الله بن سعد النحوي.
وكانت غلته في العام نحو ثلاثين دينارا، أفرز منها نصفها لمن يخدمه.
وكان غذاؤه العدس ونحوه، وحلواه التين، وثيابه القطن، وفراشه لباد وحصير بردي وفيه قوة نفس وترك للمنن، عورض في وقفه، فسافر إلى بغداد يتظلم في سنة تسع وتسعين، وحدث بها بسقط الزند.
يقال: كان يحفظ كل ما مر بسمعه، ويلازم بيته، وسمى نفسه رهن المحبسين ; للزومه منزله وللعمى، وقال الشعر في حداثته، وكان يملي تصانيفه على الطلبة من صدره.
خرج صالح بن مرداس ملك حلب فنازل المعرة يحاصرها، ورماها بالمجانيق، فخرج إليه أبو العلاء يتشفع، فأكرمه، وقال: ألك حاجة؟ قال: الأمير -أطال الله بقاءه- كالسيف القاطع، لان مسه، وخشن حده، وكالنهار الماتع قاظ وسطه، وطاب أبرداه خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فقال: قد وهبتك المعرة، فأنشدنا من شعرك. فأنشده على البديه أبياتا، وترحل صالح.
كان لأبي العلاء خلوة يدخلها للأكل، ويقول: الأعمى عورة، والواجب استتاره. فأكل مرة دبسا، فنقط على صدره منه، فلما خرج للإفادة ; قيل له: أكلتم دبسا؟ فأسرع بيده إلى صدره، فمسحه وقال: نعم، لعن الله النهم. فعجبوا من ذكائه، وكان يعتذر إلى من يرحل إليه، ويتأوه لعدم صلته.
قال الباخرزي أبو العلاء ضرير ما له ضريب ومكفوف في قميص الفضل ملفوف، ومحجوب خصمه الألد محجوج، قد طال في ظل الإسلام آناؤه، ورشح بالإلحاد إناؤه، وعندنا خبر بصره، والله العالم ببصيرته، والمطلع على سريرته، وإنما تحدثت الألسن بإساءته بكتابه الذي عارض به القرآن، وعنونه ب " الفصول والغايات في محاذاة السور والآيات ".(أعلام/87)
قال غرس النعمة محمد بن هلال بن المحسن له شعر كثير وأدب غزير، ويرمى بالإلحاد، وأشعاره دالة على ما يزن به، ولم يأكل لحما ولا بيضا ولا لبنا، بل يقتصر على النبات، ويحرم إيلام الحيوان، ويظهر الصوم دائما. قال: ونحن نذكر مما رمي به فمنه
قران المشتري زحلا يرجى
لإيقاظ النواظر من كراها
تقضى الناس جيلا بعد جيل
وخلفت النجوم كما تراها
تقدم صاحب التوراة موسى
وأوقع بالخسار من اقتراها
فقال رجاله: وحي أتاه
وقال الآخرون: بل افتراها
وما حجي إلى أحجار بيت
كئوس الخمر تشرب في ذراها
إذا رجع الحكيم إلى حجاه
تهاون بالمذاهب وازدراها
وله
صرف الزمان مفرق الإلفين
فاحكم إلهي بين ذاك وبيني
أنهيت عن قتل النفوس تعمدا
وبعثت أنت لقبضها ملكين
وزعمت أن لها معادا ثانيا
ما كان أغناها عن الحالين
وله
عقول تستخف بها سطور
ولا يدري الفتى لمن الثبور
كتاب محمد وكتاب موسى
وإنجيل ابن مريم والزبور
ومنه
هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت
ويهود حارت والمجوس مضلله
رجلان أهل الأرض: هذا عاقل
لا دين فيه ودين لا عقل له
ومنه
قلتم لنا خالق قديم
صدقتم هكذا نقول
زعمتموه بلا زمان
ولا مكان ألا فقولوا
هذا كلام له خبيء
معناه ليست لكم عقول
ومنه
دين وكفر وأنباء تقال وفر
قان ينص وتوراة وإنجيل
في كل جيل أباطيل يدان بها
فهل تفرد يوما بالهدى جيل
فأجبته:
نعم أبو القاسم الهادي وأمته
فزادك الله ذلا يا دجيجيل
ومنه لعن:
فلا تحسب مقال الرسل حقا
ولكن قول زور سطروه
وكان الناس في عيش رغيد
فجاءوا بالمحال فكدروه
ومنه
وإنما حمل التوراة قارئها
كسب الفوائد لا حب التلاوات(أعلام/88)
وهل أبيحت نساء الروم عن عرض
للعرب إلا بأحكام النبوات
أنشدتنا فاطمة بنت علي كتابة، أخبرنا فرقد الكناني، سنة ثمان وستمائة، أنشدنا السلفي، سمعت أبا زكريا التبريزي يقول: لما قرأت على أبي العلاء بالمعرة قوله
تناقض ما لنا إلا السكوت له
وأن نعوذ بمولانا من النار
يد بخمس ميء من عسجد وديت
ما بالها قطعت في ربع دينار؟
سألته، فقال: هذا كقول الفقهاء: عبادة لا يعقل معناها.
قال كاتبه: لو أراد ذلك لقال: تعبد. ولما قال: تناقض. ولما أردفه ببيت آخر يعترض على ربه.
وبإسنادي قال السلفي: إن كان قاله معتقدا معناه، فالنار مأواه، وليس له في الإسلام نصيب. هذا إلى ما يحكى عنه في كتاب " الفصول والغايات " فقيل له: أين هذا من القرآن؟ فقال: لم تصقله المحاريب أربعمائة سنة.
وبه قال: وأخبرنا الخليل بن عبد الجبار بقزوين وكان ثقة: حدثنا أبو العلاء بالمعرة، حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين، حدثنا خيثمة، فذكر حديثا.
ثم قال السلفي: ومن عجيب رأي أبي العلاء تركه أكل ما لا ينبت حتى نسب إلى التبرهم، وأنه يرى رأي البراهمة في إثبات الصانع وإنكار الرسل، وتحريم إيذاء الحيوانات، حتى العقارب والحيات، وفي شعره ما يدل عليه، وإن كان لا يستقر به قرار، فأنشدني أبو المكارم الأسدي، أنشدنا أبو العلاء لنفسه
أقروا بالإله وأثبتوه
وقالوا: لا نبي ولا كتاب
ووطء بناتنا حل مباح
رويدكم فقد طال العتاب
تمادوا في الضلال فلم يتوبوا
ولو سمعوا صليل السيف تابوا
قال: وأنشدنا أبو تمام غالب بن عيسى بمكة، أنشدنا أبو العلاء المعري لنفسه أتتني من الإيمان ستون حجة وما أمسكت كفي بثني عنان ولا كان لي دار ولا ربع منزل وما مسني من ذاك روع جنان تذكرت أني هالك وابن هالك فهانت علي الأرض والثقلان(أعلام/89)
وبه: قال السلفي: ومما يدل على صحة عقيدته ما سمعت الخطيب حامد بن بختيار، سمعت أبا المهدي بن عبد المنعم بن أحمد السروجي، سمعت أخي أبا الفتح القاضي يقول: دخلت على أبي العلاء التنوخي بالمعرة بغتة، فسمعته ينشد
كم غودرت غادة كعاب
وعمرت أمها العجوز
أحرزها الوالدان خوفا
والقبر حرز لها حريز
يجوز أن تخطئ المنايا
والخلد في الدهر لا يجوز
ثم تأوه مرات، وتلا قوله تعالى: إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة إلى قوله: فمنهم شقي وسعيد ثم صاح وبكى، وطرح وجهه على الأرض زمانا، ثم مسح وجهه، وقال: سبحان من تكلم بهذا في القدم! سبحان من هذا كلامه! فصبرت ساعة، ثم سلمت، ثم قلت: أرى في وجهك أثر غيظ؟ قال: لا، بل أنشدت شيئا من كلام المخلوق، وتلوت شيئا من كلام الخالق، فلحقني ما ترى. فتحققت صحة دينه.
وبه: قال السلفي: سمعت أبا زكريا التبريزي يقول: أفضل من قرأت عليه أبو العلاء. وسمعت أبا المكارم بأبهر -وكان من أفراد الزمان - يقول: لما توفي أبو العلاء اجتمع على قبره ثمانون شاعرا وختم في أسبوع واحد مائتا ختمة. إلى أن قال السلفي: وفي الجملة فكان من أهل الفضل الوافر، والأدب الباهر، والمعرفة بالنسب وأيام العرب، قرأ القرآن بروايات، وسمع الحديث على ثقات، وله في التوحيد وإثبات النبوات، وما يحض على الزهد وإحياء طرق الفتوة والمروءة شعر كثير، والمشكل منه فله -على زعمه- تفسير.
قال غرس النعمة: حدثنا الوزير أبو نصر بن جهير، حدثنا المنازي الشاعر قال: اجتمعت بأبي العلاء، فقلت: ما هذا الذي يروى عنك؟ قال: حسدوني، وكذبوا علي. فقلت: على ماذا حسدوك، وقد تركت لهم الدنيا والآخرة؟ فقال: والآخرة؟ ! قلت: إي والله.(أعلام/90)
ثم قال غرس النعمة: وأذكر عند ورود الخبر بموته وقد تذاكرنا إلحاده، ومعنا غلام يعرف بأبي غالب بن نبهان من أهل الخير والفقه، فلما كان من الغد، حكى لنا قال: رأيت البارحة شيخا ضريرا على عاتقه أفعيان متدليان إلى فخذيه، وكل منهما يرفع فمه إلى وجهه، فيقطع منه لحما، ويزدرده، وهو يستغيث، فهالني، وقلت: من هذا؟ فقيل لي: هذا أبو العلاء المعري الملحد.
ولأبي العلاء.
لا تجلسن حرة موفقة
مع ابن زوج لها ولا ختن
فذاك خير لها وأسلم لل
إنسان إن الفتى من الفتن
أنشدنا أبو الحسين الحافظ ببعلبك، أنشدنا جعفر بن علي، أنشدنا السلفي، أنشدنا أبو المكارم عبد الوارث بن محمد الأسدي، أنشدنا أبو العلاء بن سليمان لنفسه
رغبت إلى الدنيا زمانا فلم تجد
بغير عناء والحياة بلاغ
وألقى ابنه اليأس الكريم وبنته
لدي فعندي راحة وفراغ
وزاد فساد الناس في كل بلدة
أحاديث مين تفترى وتصاغ
ومن شر ما أسرجت في الصبح والدجى
كميت لها بالشاربين مراغ
وبه أوحى المليك إلى من في بسيطته
من البرية جوسوا الأرض أو حوسوا
فأنتم قوم سوء لا صلاح لكم
مسعودكم عند أهل الرأي منحوس
أنشدنا موسى بن محمد ببعلبك، أنشدنا الشرف الإربلي، أنشدنا أحمد بن مدرك القاضي، أنشدني أبو جعفر محمد بن مؤيد بن أحمد بن حواري، أنشدنا جدي أبو اليقظان أحمد، أنشدنا أبو العلاء بن سليمان لنفسه:
يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر
لعل بالجزع أعوانا على السهر
وإن بخلت على الأحياء كلهم
فاسق المواطر حيا من بني مطر
ويا أسيرة حجليها أرى سفها
حمل الحلي لمن أعيى عن النظر
ما سرت إلا وطيف منك يطرحني
يسري أمامي وتأويبا على أثري
لو حط رحلي فوق النجم رافعه
ألفيت ثم خيالا منك منتظري
يود أن ظلام الليل دام له(أعلام/91)
وزيد فيه سواد القلب والبصر
لو اختصرتم من الإحسان زرتكم
والعذب يهجر للإفراط في الخصر
وهي طويلة بديعة نيف وسبعون بيتا، وشعره من هذا النمط.
قيل: إنه أوصى أن يكتب على قبره:
هذا جناه أبي علي
وما جنيت على أحد
قلت: الفلاسفة يعدون اتخاذ الولد وإخراجه إلى الدنيا جناية عليه، ويظهر لي من حال هذا المخذول أنه متحير لم يجزم بنحلة. اللهم فاحفظ علينا إيماننا.
ونقل القفطي أن أبا العلاء قال: لزمت مسكني منذ سنة أربعمائة، واجتهدت أن أتوفر على الحمد والتسبيح، إلا أن أضطر إلى غير ذلك، فأمليت أشياء تولى نسخها أبو الحسن بن أبي هاشم في الزهد والعظات والتمجيد ; فمن ذلك " الفصول والغايات " مائة كراسة ومؤلف في غريب ذلك عشرون كراسة، و " إقليد الغايات في اللغة " عشر كراريس، وكتاب " الأيك والغصون " ألف ومائتا كراسة، وكتاب " مختلف الفصول " نحو أربعمائة كراس، و " تاج الحرة في وعظ النساء " نحو أربعمائة كراسة، و " الخطب " مجلد، وكتاب في الخيل عشر كراريس، وكتاب " خطبة الفصيح " خمس عشرة كراسة، و " ترسيل الرموز " مجلد، و " لزوم ما لا يلزم " نحو مائة وعشرين كراسة، و " زجر النابح " مجلد، وكتاب " نجر الزجر " مقداره، وكتاب " شرح لزوم ما لا يلزم " ثلاث مجلدات، وكتاب " ملقى السبيل " جزء، و " مواعظ " في مجلد، و " خماسية الراح في ذم الخمر " عشر كراريس - قلت: أظنه يعني بالكراسة ثلاث ورقات - وكتاب " سقط الزند "، وكتاب " القوافي والأوزان " ستون كراسة، وسرد أشياء كثيرة أدبيات، وكتابه في الزهد، يعرف بكتاب " استغفر واستغفري " منظوم نحو عشرة آلاف بيت، المجموع خمسة وخمسون مصنفا. قال: في نحو أربعة آلاف ومائة وعشرين كراسة.
قلت: قد قدرت لك الكراسة.
قال القفطي أكثر كتبه عدمت، وسلم منها ما خرج عن المعرة قبل استباحة الكفار لها.(أعلام/92)
قلت: قبره داخل المعرة في مكان داثر، وقد حدث عنه أبو طاهر بن أبي الصقر الأنباري، وطائفة، وقد طال المقال، وما على الرجل أنس زهاد المؤمنين، والله أعلم بما ختم له. ومن خبيث قوله
أتى عيسى فبطل شرع موسى
وجاء محمد بصلاة خمس
وقالوا: لا نبي بعد هذا
فضل القوم بين غد وأمس
ومهما عشت من دنياك هذي
فما تخليك من قمر وشمس
إذا قلت المحال رفعت صوتي
وإن قلت الصحيح أطلت همسي
وممن رثاه تلميذه أبو الحسن علي، فقال
إن كنت لم ترق الدماء زهادة
فلقد أرقت اليوم من جفني دما
سيرت ذكرك في البلاد كأنه
مسك فسامعة يضمخ أو فما
وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلة
ذكراك أخرج فدية من أحرما
وممن روى عنه أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، ومات قبله، وغالب بن عيسى الأنصاري.
وكانت علته ثلاثة أيام، ومات في أوائل شهر ربيع الأول من سنة تسع وأربعين وأربعمائة وعاش ستا وثمانين سنة.(أعلام/93)
أبو الفتح الأزدي
الحافظ البارع أبو الفتح، محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بريدة الأزدي الموصلي، صاحب كتاب " الضعفاء " وهو مجلد كبير.
حدث عن: أبي يعلى الموصلي، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، ومحمد بن جرير الطبري، وعبد الله بن زيدان البجلي، وعلي بن زاطيا، وعبد الله بن إسحاق المدائني، وطريف بن عبيد الله صاحب علي بن الجعد، وعباد بن علي السيريني، وإسماعيل الحاسب، وحمدان بن عمرو الوراق الموصلي، وعلي بن سراج، ومحمد بن محمد الباغندي، والهيثم بن خلف الدوري، وأبي عروبة الحراني، وأبي القاسم البغوي، وطبقتهم.
حدث عنه: أبو نعيم الحافظ، وأبو إسحاق البرمكي، وأحمد بن الفتح بن فرغان وآخرون.
قال أبو بكر الخطيب: كان حافظا. صنف في علوم الحديث، وسألت البرقاني عنه فضعفه، وحدثني أبو النجيب عبد الغفار الأرموي، قال: رأيت أهل الموصل يوهنون أبا الفتح ولا يعدونه شيئا.
قال الخطيب: في حديثه مناكير.
قلت: وعليه في كتابه في " الضعفاء " مؤاخذات، فإنه ضعف جماعة بلا دليل. بل قد يكون غيره قد وثقهم.
مات في شوال سنة أربع وسبعين وثلاثمائة.
وفيها مات محدث دمشق أبو بكر محمد بن سليمان بن يوسف الربعي البندار، وخطيب الخطباء أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة الفارقي صاحب " الديوان " في الخطب، والقاضي أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن حسكا الحنفي بنيسابور، وأبو يعقوب إسحاق بن سعيد ابن الحافظ الحسن بن سفيان النسوي.(أعلام/94)
قرأت على إسحاق بن طارق، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا يحيى بن أسعد (ح) ، وأنبأنا أحمد بن سلامة، عن ابن أسعد، أخبرنا عبد القادر بن محمد، أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسين بن بريدة، حدثنا أبو يعلى، حدثنا خليفة بن خياط، حدثنا درست بن حمزة، عن مطر الوراق، عن قتادة، عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبدين متحابين يستقبل أحدهما صاحبه فيصافحه، ويصليان على النبي صلى الله عليه وسلم إلا لم يتفرقا حتى يغفر لهما ذنوبهما ما تقدم وما تأخر.
هذا حديث غريب منكر. أخرجه البخاري في كتاب " الضعفاء " عن خليفة في ترجمة درست، وقال: لا يتابع عليه، وقال الدارقطني: ضعيف.
أخبرنا محمد بن عبد السلام، أخبرنا أبي، قال: أخبرنا جدي أبو سعد بن أبي عصرون، أخبرنا علي بن طوق، أخبرنا أحمد بن الفتح بن فرغان، أخبرنا أبو الفتح بن بريدة، فذكر أحاديث.(أعلام/95)
أبو الفرج بن الجوزي
الشيخ الإمام العلامة، الحافظ المفسر، شيخ الإسلام مفخر العراق، جمال الدين، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله ابن الفقيه عبد الرحمن ابن الفقيه القاسم بن محمد ابن خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي بكر الصديق، القرشي التيمي البكري البغدادي، الحنبلي، الواعظ، صاحب التصانيف.
ولد سنة تسع أو عشر وخمسمائة.
وأول شيء سمع في سنة ست عشرة.
سمع من أبي القاسم بن الحصين، وأبي عبد الله الحسين بن محمد البارع، وعلي بن عبد الواحد الدينوري، وأحمد بن أحمد المتوكلي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، والفقيه أبي الحسن بن الزاغوني، وهبة الله بن الطبر الحريري، وأبي غالب بن البناء، وأبي بكر محمد بن الحسين المزرفي، وأبي غالب محمد بن الحسن الماوردي، وأبي القاسم عبد الله بن محمد الأصبهاني الخطيب، والقاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، وإسماعيل بن السمرقندي، ويحيى بن البناء، وعلي بن الموحد، وأبي منصور بن خيرون، وبدر الشيحي، وأبي سعد أحمد بن محمد الزوزني، وأبي سعد أحمد بن محمد البغدادي الحافظ، وعبد الوهاب بن المبارك الأنماطي الحافظ، وأبي السعود أحمد بن علي بن المجلي، وأبي منصور عبد الرحمن بن زريق القزاز، وأبي الوقت السجزي، وابن ناصر، وابن البطي، وطائفة مجموعهم نيف وثمانون شيخا قد خرج عنهم " مشيخة " في جزئين.
ولم يرحل في الحديث، لكنه عنده " مسند الإمام أحمد " و " الطبقات " لابن سعد، و " تاريخ الخطيب "، وأشياء عالية، و " الصحيحان "، والسنن الأربعة، و " الحلية " وعدة تواليف وأجزاء يخرج منها.
وكان آخر من حدث عن الدينوري والمتوكلي.(أعلام/96)
وانتفع في الحديث بملازمة ابن ناصر، وفي القرآن والأدب بسبط الخياط، وابن الجواليقي، وفي الفقه بطائفة.
حدث عنه: ولده الصاحب العلامة محيي الدين يوسف أستاذ دار المستعصم بالله، وولده الكبير علي الناسخ، وسبطه الواعظ شمس الدين يوسف بن قزغلي الحنفي صاحب " مرآة الزمان "، والحافظ عبد الغني، والشيخ موفق الدين ابن قدامة، وابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل، والضياء، واليلداني، والنجيب الحراني، وابن عبد الدائم، وخلق سواهم.
وبالإجازة الشيخ شمس الدين عبد الرحمن، وابن البخاري، وأحمد بن أبي الخير، والخضر بن حمويه، والقطب بن عصرون.
وكان رأسا في التذكير بلا مدافعة، يقول النظم الرائق، والنثر الفائق بديها، ويسهب ويعجب، ويطرب، ويطنب، لم يأت قبله ولا بعده مثله، فهو حامل لواء الوعظ، والقيم بفنونه، مع الشكل الحسن، والصوت الطيب، والوقع في النفوس، وحسن السيرة، وكان بحرا في التفسير، علامة في السير والتاريخ، موصوفا بحسن الحديث، ومعرفة فنونه، فقيها، عليما بالإجماع والاختلاف، جيد المشاركة في الطب، ذا تفنن وفهم وذكاء وحفظ واستحضار، وإكباب على الجمع والتصنيف، مع التصون والتجمل، وحسن الشارة، ورشاقة العبارة، ولطف الشمائل، والأوصاف الحميدة، والحرمة الوافرة عند الخاص والعام، ما عرفت أحدا صنف ما صنف.
توفي أبوه وله ثلاثة أعوام، فربته عمته، وأقاربه كانوا تجارا في النحاس، فربما كتب اسمه في السماع عبد الرحمن بن علي الصفار.
ثم لما ترعرع، حملته عمته إلى ابن ناصر، فأسمعه الكثير، وأحب الوعظ، ولهج به، وهو مراهق، فوعظ الناس وهو صبي، ثم ما زال نافق السوق معظما متغاليا فيه، مزدحما عليه، مضروبا برونق وعظه المثل، كماله في ازدياد واشتهار، إلى أن مات -رحمه الله وسامحه- فليته لم يخض في التأويل، ولا خالف إمامه.(أعلام/97)
صنف في التفسير " المغني " كبيرا، ثم اختصره في أربع مجلدات، وسماه: " زاد المسير "، وله " تذكرة الأريب " في اللغة، مجلد، " الوجوه والنظائر " مجلد، " فنون الأفنان " مجلد، " جامع المسانيد " سبع مجلدات وما استوعب ولا كاد، " الحدائق " مجلدان، " نقي النقل " مجلدان، " عيون الحكايات " مجلدان، " التحقيق في مسائل الخلاف " مجلدان، " مشكل الصحاح " أربع مجلدات، " الموضوعات " مجلدان، " الواهيات " مجلدان. " الضعفاء " مجلد، " تلقيح الفهوم " مجلد، " المنتظم في التاريخ " عشرة مجلدات.
" المذهب في المذهب " مجلد، " الانتصار في الخلافيات " مجلدان، " مشهور المسائل " مجلدان، " اليواقيت " وعظ، مجلد، " نسيم السحر " مجلد، " المنتخب " مجلد، " المدهش " مجلد، " صفوة الصفوة " أربع مجلدات " أخبار الأخيار " مجلد، " أخبار النساء " مجلد، " مثير العزم الساكن " مجلد، " المقعد المقيم " مجلد، " ذم الهوى " مجلد، " تلبيس إبليس " مجلد.
" صيد الخاطر " ثلاث مجلدات، " الأذكياء " مجلد، " المغفلين " مجلد، " منافع الطب " مجلد، " صبا نجد " مجلد، " الظرفاء " مجلد، " الملهب " مجلد، " المطرب " مجلد، " منتهى المشتهى " مجلد، " فنون الألباب " مجلد، " المزعج " مجلد، " سلوة الأحزان " مجلد، " منهاج القاصدين " مجلدان، " الوفا بفضائل المصطفى " مجلدان.(أعلام/98)
" مناقب أبي بكر " مجلد، " مناقب عمر " مجلد، " مناقب علي " مجلد، " مناقب إبراهيم بن أدهم " مجلد، " مناقب الفضيل " مجلد، " مناقب بشر الحافي " مجلد، " مناقب رابعة " جزء، " مناقب عمر بن عبد العزيز " مجلد، " مناقب سعيد بن المسيب " جزءان، " مناقب الحسن " جزءان، " مناقب الثوري " مجلد، " مناقب أحمد " مجلد، " مناقب الشافعي " مجلد، " موافق المرافق " مجلد، مناقب غير واحد جزء جزء، " مختصر فنون ابن عقيل " في بضعة عشر مجلدا، " مناقب الحبش " مجلد، " لباب زين القصص "، " فضل مقبرة أحمد "، " فضائل الأيام "، " أسباب البداية "، " واسطات العقود "، " شذور العقود في تاريخ العهود "، " الخواتيم "، " المجالس اليوسفية ".
" كنوز العمر "، " إيقاظ الوسنان بأحوال النبات والحيوان "، " نسيم الروض "، " الثبات عند الممات "، " الموت وما بعده " مجلد، " ديوانه " عدة مجلدات، " مناقب معروف "، " العزلة "، " الرياضة "، " النصر على مصر "، " كان وكان " في الوعظ، " خطب اللآلئ "، " الناسخ والمنسوخ "، " مواسم العمر "، " أعمار الأعيان " وأشياء كثيرة تركتها، ولم أرها.
وكان ذا حظ عظيم وصيت بعيد في الوعظ، يحضر مجالسه الملوك والوزراء وبعض الخلفاء والأئمة والكبراء، لا يكاد المجلس ينقص عن ألوف كثيرة، حتى قيل في بعض مجالسه: إن حزر الجمع بمائة ألف. ولا ريب أن هذا ما وقع، ولو وقع، لما قدر أن يسمعهم، ولا المكان يسعهم.
قال سبطه أبو المظفر: سمعت جدي على المنبر يقول: بأصبعي هاتين كتبت ألفي مجلدة، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفا. وكان يختم في الأسبوع، ولا يخرج من بيته إلا إلى الجمعة أو المجلس.
قلت: فما فعلت صلاة الجماعة؟(أعلام/99)
ثم سرد سبطه تصانيفه، فذكر منها كتاب " المختار في الأشعار " عشر مجلدات، " درة الإكليل " في التاريخ، أربع مجلدات، " الأمثال " مجلد، " المنفعة في المذاهب الأربعة " مجلدان، " التبصرة في الوعظ "، ثلاث مجلدات، " رءوس القوارير " مجلدان، ثم قال: ومجموع تصانيفه مائتان ونيف وخمسون كتابا.
قلت: وكذا وجد بخطه قبل موته أن تواليفه بلغت مائتين وخمسين تأليفا.
ومن غرر ألفاظه: عقارب المنايا تلسع، وخدران جسم الآمال يمنع، وماء الحياة في إناء العمر يرشح.
يا أمير: اذكر عند القدرة عدل الله فيك، وعند العقوبة قدرة الله عليك، ولا تشف غيظك بسقم دينك.
وقال لصديق: أنت في أوسع العذر من التأخر عني لثقتي بك، وفي أضيقه من شوقي إليك.
وقال له رجل: ما نمت البارحة من شوقي إلى المجلس قال: لأنك تريد الفرجة، وإنما ينبغي الليلة أن لا تنام.
وقام إليه رجل بغيض، فقال: يا سيدي: نريد كلمة ننقلها عنك، أيما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال: اجلس، فجلس، ثم قام، فأعاد مقالته، فأقعده، ثم قام، فقال: اقعد، فأنت أفضل من كل أحد.
وسأله آخر أيام ظهور الشيعة، فقال: أفضلهما من كانت بنته تحته.
وهذه عبارة محتملة ترضي الفريقين.
وسأله آخر: أيما أفضل: أسبح أو أستغفر؟ قال: الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور.
وقال في حديث " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ": إنما طالت أعمار الأوائل لطول البادية فلما شارف الركب بلد الإقامة، قيل: حثوا المطي. وقال: من قنع، طاب عيشه، ومن طمع، طال طيشه.
وقال يوما في وعظه: يا أمير المؤمنين، إن تكلمت، خفت منك، وإن سكت، خفت عليك، وأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك، فقول الناصح: اتق الله - خير من قول القائل: أنتم أهل بيت مغفور لكم.
قال: يفتخر فرعون مصر بنهر ما أجراه، ما أجرأه!(أعلام/100)
وهذا باب يطول، ففي كتبه النفائس من هذا وأمثاله.
وجعفر الذي هو جده التاسع: قال ابن دحية: جعفر هو الجوزي، نسب إلى فرضة من فرض البصرة يقال لها: جوزة. وقيل: كان في داره جوزة لم يكن بواسط جوزة سواها. وفرضة النهر ثلمته، وفرضة البحر محط السفن.
قال أبو المظفر جدي قرأ القرآن، وتفقه على أبي بكر الدينوري الحنبلي، وابن الفراء.
قلت: وقرأ القرآن على سبط الخياط.
وعني بأمره شيخه ابن الزاغوني، وعلمه الوعظ، واشتغل بفنون العلوم، وأخذ اللغة عن أبي منصور بن الجواليقي، وربما حضر مجلسه مائة ألف، وأوقع الله له في القلوب القبول والهيبة.
قال: وكان زاهدا في الدنيا، متقللا منها، وكان يجلس بجامع القصر والرصافة وبباب بدر وغيرها. إلى أن قال: وما مازح أحدا قط، ولا لعب مع صبي، ولا أكل من جهة لا يتيقن حلها.
وقال أبو عبد الله بن الدبيثي في " تاريخه " شيخنا جمال الدين صاحب التصانيف في فنون العلوم من التفسير والفقه والحديث والتواريخ وغير ذلك. وإليه انتهت معرفة الحديث وعلومه، والوقوف على صحيحه من سقيمه، وكان من أحسن الناس كلاما، وأتمهم نظاما، وأعذبهم لسانا، وأجودهم بيانا. تفقه على الدينوري، وقرأ الوعظ على أبي القاسم العلوي، وبورك له في عمره وعلمه، وحدث بمصنفاته مرارا، وأنشدني بواسط لنفسه:
يا ساكن الدنيا تأهب
وانتظر يوم الفراق
وأعد زادا للرحيل
فسوف يحدى بالرفاق
وابك الذنوب بأدمع
تنهل من سحب المآقي
يا من أضاع زمانه
أرضيت ما يفنى بباق
وسألته عن مولده غير مرة، ويقول: يكون تقريبا في سنة عشر وسألت أخاه عمر، فقال: في سنة ثمان وخمسمائة تقريبا.(أعلام/101)
ومن تواليفه " التيسير في التفسير " مجلد، " فنون الأفنان في علوم القرآن " مجلد، " ورد الأغصان في معاني القرآن " مجلد، " النبعة في القراءات السبعة " مجلد، " الإشارة في القراءات المختارة " جزء، " تذكرة المنتبه في عيون المشتبه "، " الصلف في المؤتلف والمختلف " مجلدان، " الخطأ والصواب من أحاديث الشهاب " مجلد، " الفوائد المنتقاة " ستة وخمسون جزءا.
" أسود الغابة في معرفة الصحابة "، " النقاب في الألقاب " مجيليد، " المحتسب في النسب " مجلد، " المدبج " مجلد، " المسلسلات " مجيليد، " أخاير الذخاير " مجلد، " المجتنى " مجلد، " آفة المحدثين " جزء " المقلق " مجلد، " سلوة المحزون في التاريخ " مجلدان، " المجد العضدي " مجلد، " الفاخر في أيام الناصر " مجلد، " المضيء بفضل المستضيء " مجيليد، " الأعاصر في ذكر الإمام الناصر " مجلد، " الفجر النوري " مجلد " المجد الصلاحي " مجلد، " فضائل العرب " مجلد، " كف التشبيه بأكف أهل التنزيه " مجيليد.
" البدايع الدالة على وجود الصانع " مجيليد، " منتقد المعتقد " جزء، " شرف الإسلام " جزء، " مسبوك الذهب في الفقه " مجلد، " البلغة في الفقه " مجلد، " التلخيص في الفقه " مجلد، " الباز الأشهب " مجلد، " لقطة العجلان ' مجلد، " الضيا في الرد على إلكيا " مجلد، " الجدل " ثلاثة أجزاء، " درء الضيم في صوم يوم الغيم " جزء، " المناسك "، جزء " تحريم الدبر " جزء، " تحريم المتعة "، جزء " العدة في أصول الفقه " جزء، " الفرائض " جزء، " قيام الليل " ثلاثة أجزاء، " مناجزة العمر " جزء، " الستر الرفيع " جزء، " ذم الحسد " جزء، " ذم المسكر " مجلد، " ذكر القصاص " مجلد، " الحفاظ " مجلد، " الآثار العلوية " مجلد، " السهم المصيب " جزءان.(أعلام/102)
" حال الحلاج " جزءان، " عطف الأمراء على العلماء " جزءان، " فتوح الفتوح " جزءان، " إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء " جزءان، " الحث على العلم " مجلد، " المستدرك على ابن عقيل " جزء، " لفتة الكبد " جزء، " الحث على طلب الولد " جزء، " لقط المنافع في الطب " مجلدان، " طب الشيوخ " جزء، " المرتجل في الوعظ " مجلد، " اللطائف " مجلد، " التحفة " مجلد، " المقامات " مجلد، " شاهد ومشهود " مجلد، " الأرج " مجلد، " مغاني المعاني " مجيليد، " لقط الجمان " جزءان، " زواهر الجواهر " مجيليد، " المجالس البدرية " مجيليد، " يواقيت الخطب " جزءان، " لآلئ الخطب " جزءان، " خطب الجمع " ثلاثة أجزاء، " المواعظ السلجوقية "، " اللؤلؤة "، " الياقوتة "، " تصديقات رمضان "، " التعازي الملوكية "، " روح الروح "، " كنوز الرموز ". وقيل: نيفت تصانيفه على الثلاثمائة.
ومن كلامه: ما اجتمع لامرئ أمله إلا وسعى في تفريطه أجله.
وقال عن واعظ: احذروا جاهل الأطباء، فربما سمى سما، ولم يعرف المسمى.
وكان في المجلس رجل يحسن كلامه، ويزهره له، فسكت يوما، فالتفت إليه أبو الفرج، وقال: هارون لفظك معين لموسى نطقي، فأرسله معي ردءا.
وقال يوما: أهل الكلام يقولون: ما في السماء رب، ولا في المصحف قرآن، ولا في القبر نبي، ثلاث عورات لكم.
وحضر مجلسه بعض المخالفين، فأنشد على المنبر:
ما للهوى العذري في ديارنا
أين العذيب من قصور بابل
وقال -وقد تواجد رجل في المجلس-: واعجبا، كلنا في إنشاد الضالة سواء، فلم وجدت أنت وحدك؟
قد كتمت الحب حتى شفني
وإذا ما كتم الداء قتل
بين عينيك علالات الكرى
فدع النوم لربات الحجل
وقد سقت من أخبار الشيخ أبي الفرج كراسة في " تاريخ الإسلام ".(أعلام/103)
وقد ناله محنة في أواخر عمره، ووشوا به إلى الخليفة الناصر عنه بأمر اختلف في حقيقته، فجاء من شتمه، وأهانه، وأخذه قبضا باليد، وختم على داره، وشتت عياله، ثم أقعد في سفينة إلى مدينة واسط، فحبس بها في بيت حرج، وبقي هو يغسل ثوبه، ويطبخ الشيء، فبقي على ذلك خمس سنين ما دخل فيها حماما. قام عليه الركن عبد السلام بن عبد الوهاب ابن الشيخ عبد القادر، وكان ابن الجوزي لا ينصف الشيخ عبد القادر، ويغض من قدره، فأبغضه أولاده، ووزر صاحبهم ابن القصاب، وقد كان الركن رديء المعتقد، متفلسفا، فأحرقت كتبه بإشارة ابن الجوزي، وأخذت مدرستهم، فأعطيت لابن الجوزي، فانسم الركن.
وقد كان ابن القصاب الوزير يترفض، فأتاه الركن، وقال: أين أنت عن ابن الجوزي الناصبي؟ ، وهو أيضا من أولاد أبي بكر، فصرف الركن في الشيخ، فجاء، وأهانه، وأخذه معه في مركب، وعلى الشيخ غلالة بلا سراويل، وعلى رأسه تخفيفة، وقد كان ناظر واسط شيعيا أيضا، فقال له الركن: مكني من هذا الفاعل لأرميه في مطمورة، فزجره، وقال: يا زنديق، أفعل هذا بمجرد قولك؟ هات خط أمير المؤمنين، والله لو كان على مذهبي، لبذلت روحي في خدمته، فرد الركن إلى بغداد.
وكان السبب في خلاص الشيخ أن ولده يوسف نشأ واشتغل، وعمل في هذه المدة الوعظ وهو صبي، وتوصل حتى شفعت أم الخليفة، وأطلقت الشيخ، وأتى إليه ابنه يوسف، فخرج، وما رد من واسط حتى قرأ هو وابنه بتلقينه بالعشر على ابن الباقلاني، وسن الشيخ نحو الثمانين، فانظر إلى هذه الهمة العالية.
نقل هذا الحافظ ابن نقطة عن القاضي محمد بن أحمد بن حسن.(أعلام/104)
قال الموفق عبد اللطيف في تأليف له: كان ابن الجوزي لطيف الصورة، حلو الشمائل، رخيم النغمة، موزون الحركات والنغمات، لذيذ المفاكهة، يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون، لا يضيع من زمانه شيئا، يكتب في اليوم أربع كراريس، وله في كل علم مشاركة، لكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ، وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقه كاف، وأما السجع الوعظي، فله فيه ملكة قوية، وله في الطب كتاب " اللقط " مجلدان.
قال: وكان يراعي حفظ صحته، وتلطيف مزاجه، وما يفيد عقله قوة، وذهنه حدة. جل غذائه الفراريج والمزاوير، ويعتاض عن الفاكهة بالأشربة والمعجونات، ولباسه أفضل لباس: الأبيض الناعم المطيب، وله ذهن وقاد، وجواب حاضر، ومجون ومداعبة حلوة، ولا ينفك من جارية حسناء، قرأت بخط محمد بن عبد الجليل الموقاني أن ابن الجوزي شرب البلاذر، فسقطت لحيته، فكانت قصيرة جدا، وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات.
قال: وكان كثير الغلط فيما يصنفه، فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره.
قلت: هكذا هو له أوهام وألوان من ترك المراجعة، وأخذ العلم من صحف، وصنف شيئا لو عاش عمرا ثانيا، لما لحق أن يحرره ويتقنه.
قال سبطه: جلس جدي تحت تربة أم الخليفة عند معروف الكرخي، وكنت حاضرا، فأنشد أبياتا، قطع عليها المجلس وهي:
الله أسأل أن يطول مدتي
لأنال بالإنعام ما في نيتي
لي همة في العلم ما إن مثلها
وهي التي جنت النحول هي التي
خلقت من العلق العظيم إلى المنى
دعيت إلى نيل الكمال فلبت
كم كان لي من مجلس لو شبهت
حالاته لتشبهت بالجنة
أشتاقه لما مضت أيامه
عطلا وتعذر ناقة إن حنت
يا هل لليلات بجمع عودة
أم هل على وادي منى من نظرة
قد كان أحلى من تصاريف الصبا
ومن الحمام مغنيا في الأيكة
فيه البديهات التي ما نالها(أعلام/105)
خلق بغير مخمر ومبيت
في أبيات.
ونزل، فمرض خمسة أيام، وتوفي ليلة الجمعة بين العشاءين الثالث عشر من رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة في داره بقطفتا. وحكت لي أمي أنها سمعته يقول قبل موته: أيش أعمل بطواويس؟ يرددها، قد جبتم لي هذه الطواويس.
وحضر غسله شيخنا ابن سكينة وقت السحر، وغلقت الأسواق، وجاء الخلق، وصلى عليه ابنه أبو القاسم علي اتفاقا، لأن الأعيان لم يقدروا من الوصول إليه، ثم ذهبوا به إلى جامع المنصور، فصلوا عليه، وضاق بالناس، وكان يوما مشهودا، فلم يصل إلى حفرته بمقبرة أحمد إلى وقت صلاة الجمعة، وكان في تموز، وأفطر خلق، ورموا نفوسهم في الماء. إلى أن قال: وما وصل إلى حفرته من الكفن إلا قليل، كذا قال، والعهدة عليه وأنزل في الحفرة، والمؤذن يقول الله أكبر، وحزن عليه الخلق، وباتوا عند قبره طول شهر رمضان يختمون الختمات، بالشمع والقناديل، ورآه في تلك الليلة المحدث أحمد بن سلمان السكر في النوم وهو على منبر من ياقوت، وهو جالس في مقعد صدق والملائكة بين يديه.
وأصبحنا يوم السبت عملنا العزاء، وتكلمت فيه، وحضر خلق عظيم، وعملت فيه المراثي ومن العجائب أنا كنا بعد انقضاء العزاء يوم السبت عند قبره، وإذا بخالي محيي الدين قد صعد من الشط، وخلفه تابوت، فقلنا: نرى من مات، وإذا بها خاتون أم محيي الدين، وعهدي بها ليلة وفاة جدي في عافية، فعد الناس هذا من كراماته، لأنه كان مغرى بها. وأوصى جده أن يكتب على قبره:
يا كثير العفو عمن
كثر الذنب لديه
جاءك المذنب يرجو ال
صفح عن جرم يديه
أنا ضيف وجزاء ال
ضيف إحسان إليه(أعلام/106)
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد، حدثنا أبو الفرج عبد الرحمن بن علي، أخبرنا يحيى بن ثابت، أخبرنا أبي، حدثنا أبو بكر البرقاني، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، أخبرنا ابن عبد الكريم الوزان، حدثنا الحسن بن علي الأزدي، حدثنا علي بن المديني، حدثني أحمد بن حنبل، حدثنا علي بن عياش الحمصي، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له الشفاعة.
وأنبأناه عاليا بدرجات عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا عمر بن طبرزد، أخبرنا هبة الله بن الحصن، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا أبو بكر الشافعي، أخبرنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، حدثنا على بن عياش مثله، لكن زاد فيه: إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة فكأن شيخي سمعه من أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الفقيه.
وكتب إلي أبو بكر بن طرخان، أخبرنا الإمام موفق الدين، قال: ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب فنون، كان يصنف في الفقه، ويدرس، وكان حافظا للحديث، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة، ولا طريقته فيها، وكانت العامة يعظمونه، وكانت تنفلت منه في بعض الأوقات كلمات تنكر عليه في السنة، فيستفتى عليه فيها، ويضيق صدره من أجلها.(أعلام/107)
وقال الحافظ سيف الدين بن المجد هو كثير الوهم جدا، فإن في مشيخته مع صغرها أوهاما: قال في حديث: أخرجه البخاري، عن محمد بن المثنى، عن الفضل بن هشام، عن الأعمش، وإنما هو عن الفضل بن مساور، عن أبي عوانة، عن الأعمش. وقال في آخر: أخرجه البخاري، عن عبد الله بن منير، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وبينهما أبو النضر، فأسقطه. وقال في حديث: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد الأثرم، وإنما هو محمد بن أحمد. وقال في آخر: أخرجه البخاري عن الأويسي، عن إبراهيم، عن الزهري، وإنما هو عن إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن الزهري. وقال في آخر: حدثنا قتيبة، حدثنا خالد بن إسماعيل، وإنما هو حدثنا حاتم. وفي آخر: حدثنا أبو الفتح محمد بن علي العشاري، إنما هو أبو طالب. وقال: حميد بن هلال، عن عفان بن كاهل، وإنما هو هصان بن كاهل. وقال: أخرجه البخاري، عن أحمد بن أبي إياس، وإنما هو آدم. وفي وفاة يحيى بن ثابت، وابن خضير، وابن المقرب ذكر ما خولف فيه قلت: هذه عيوب وحشة في جزئين.
قال السيف: سمعت ابن نقطة يقول: قيل لابن الأخضر: ألا تجيب عن بعض أوهام ابن الجوزي؟ قال: إنما يتتبع على من قل غلطه، فأما هذا، فأوهامه كثيرة.
ثم قال السيف: ما رأيت أحدا يعتمد عليه في دينه وعلمه وعقله راضيا عنه.
قلت: إذا رضي الله عنه فلا اعتبار بهم.
قال: وقال جدي كان أبو المظفر بن حمدي ينكر على أبي الفرج كثيرا كلمات يخالف فيها السنة.
قال السيف: وعاتبه أبو الفتح بن المنى في أشياء، ولما بان تخليطه أخيرا، رجع عنه أعيان أصحابنا وأصحابه.
وكان أبو إسحاق العلثي يكاتبه، وينكر عليه.(أعلام/108)
أنبأني أبو معتوق محفوظ بن معتوق بن البزوري في " تاريخه " في ترجمة ابن الجوزي يقول: فأصبح في مذهبه إماما يشار إليه، ويعقد الخنصر في وقته عليه، درس بمدرسة ابن الشمحل وبمدرسة الجهة بنفشا وبمدرسة الشيخ عبد القادر وبنى لنفسه مدرسة بدرب دينار ووقف عليها كتبه، برع في العلوم، وتفرد بالمنثور والمنظوم، وفاق على أدباء مصره، وعلا على فضلاء عصره، تصانيفه تزيد على ثلاثمائة وأربعين مصنفا ما بين عشرين مجلدا إلى كراس، وما أظن الزمان يسمح بمثله، وله كتاب " المنتظم "، وكتابنا ذيل عليه.
قال سبطه أبو المظفر: خلف من الولد عليا، وهو الذي أخذ مصنفات والده، وباعها بيع العبيد، ولمن يزيد، ولما أحدر والده إلى واسط، تحيل على الكتب بالليل، وأخذ منها ما أراد، وباعها ولا بثمن المداد، وكان أبوه قد هجره منذ سنين، فلما امتحن، صار ألبا عليه.
وخلف يوسف محيي الدين، فولي حسبة بغداد في سنة أربع وستمائة، وترسل عن الخلفاء إلى أن ولي في سنة أربعين أستاذ دارية الخلافة. وكان لجدي ولد أكبر أولاده اسمه عبد العزيز، سمعه من الأرموي وابن ناصر، ثم سافر إلى الموصل، فوعظ بها، وبها مات شابا وكان له بنات: رابعة أمي، وشرف النساء، وزينب، وجوهرة، وست العلماء الصغيرة.(أعلام/109)
أبو النجيب
الشيخ الإمام العالم المفتي المتفنن الزاهد العابد القدوة شيخ المشايخ أبو النجيب، عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن عمويه بن سعد بن الحسن بن القاسم بن علقمة بن النضر بن معاذ بن الفقيه عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، القرشي التيمي البكري السهروردي الشافعي الصوفي الواعظ، شيخ بغداد. ولد تقريبا بسهرورد في سنة تسعين وأربعمائة.
وقدم بغداد نحو سنة عشر، فسمع من أبي علي بن نبهان كتاب " غريب الحديث "، وسمع من زاهر الشحامي، وأبي بكر الأنصاري وجماعة، فأكثر، وحصل الأصول، وكان يعظ الناس في مدرسته.
أثنى عليه السمعاني كثيرا، وقال: تفقه في النظامية، ثم هب له نسيم الإقبال والتوفيق، فدله على الطريق، وانقطع مدة، ثم رجع، ودعا إلى الله، وتزهد به خلق، وبنى له رباطا على الشط، حضرت عنده مرات، وانتفعت بكلامه، وكتبت عنه.
وقال عمر بن علي القرشي: هو من أئمة الشافعية، وعلم من أعلام الصوفية، ذكر لي أنه دخل بغداد سنة سبع، وسمع " غريب الحديث "، وتفقه على أسعد الميهني، وتأدب على الفصيحي، ثم آثر الانقطاع، فتجرد، ودخل البرية حافيا، وحج، وجرت له قصص، وسلك طريقا وعرا في المجاهدة، ودخل أصبهان، وجال في الجبال، ثم صحب الشيخ حمادا الدباس، ثم شرع في دعاء الخلق إلى الله، فأقبل الناس عليه، وصار له قبول عظيم، وأفلح بسببه أمة صاروا سرجا، وبنى مدرسة ورباطين، ودرس وأفتى، وولي تدريس النظامية، ولم أر له أصلا يعتمد عليه ب " الغريب ".(أعلام/110)
وقال ابن النجار: كان مطرحا للتكلف في وعظه بلا سجع، وبقي سنين يستقي بالقربة بالأجرة، ويتقوت، ويؤثر من عنده، وكانت له خربة يأوي إليها هو وأصحابه، ثم اشتهر، وصار له القبول عند الملوك، وزاره السلطان، فبنى الخربة رباطا، وبنى إلى جانبه مدرسة، فصار حمى لمن لجأ إليه من الخائفين يجير من الخليفة والسلطان، ودرس بالنظامية سنة 45، ثم عزل بعد سنتين، أملى مجالس، وصنف مصنفات. . . . إلى أن قال: وصحب الشيخ أحمد الغزالي الواعظ، وسلكه.
قلت: قد أوذي عند موت السلطان مسعود، وأحضر إلى باب النوبي، فأهين، وكشف رأسه، وضرب خمس درر، وحبس مدة لأنه درس بجاه مسعود.
قال ابن النجار: وأنبأنا يحيى بن القاسم، حدثنا أبو النجيب قال: كنت أدخل على الشيخ حماد وفي فتور، فيقول: دخلت علي وعليك ظلمة، وكنت أبقى اليومين والثلاثة لا أستطعم بزاد، فأنزل في دجلة أتقلب ليسكن جوعي، ثم اتخذت قربة أستقي بها، فمن أعطاني شيئا أخذته، ومن لم يعطني لم أطالبه، ولما تعذر ذلك في الشتاء علي، خرجت إلى سوق، فوجدت رجلا بين يديه طبرزد، وعنده جماعة يدقون الأرز، فقلت: استعملني. قال: أرني يدك. فأريته، قال: هذه يد لا تصلح إلا للقلم، وأعطاني ورقة فيها ذهب، فقلت: لا آخذ إلا أجرة عملي، فإن شئت نسخت لك بالأجرة. قال: اصعد، وقال لغلامه: ناوله المدقة، فدققت معهم وهو يلحظني، فلما عملت ساعة، قال: تعال، فناولني الذهب، وقال: هذه أجرتك، فأخذته، ثم أوقع الله في قلبي الاشتغال بالعلم، فاشتغلت حتى أتقنت المذهب، وقرأت الأصلين، وحفظت " الوسيط " للواحدي في التفسير، وسمعت كتب الحديث المشهورة.(أعلام/111)
قال أبو القاسم بن عساكر: ذكر لي أبو النجيب أنه سمع من أبي علي الحداد، واشتغل بالمجاهدة، ثم استقى بالأجرة، ثم وعظ ودرس بالنظامية، قدم دمشق سنة ثمان وخمسين لزيارة بيت المقدس، فلم يتفق له لانفساخ الهدنة.
قلت: حدث عنه هو والقاسم ابنه، والسمعاني، وابن سكينة، وزين الأمناء، وأبو نصر بن الشيرازي، وابن أخيه الشيخ شهاب الدين عمر، وخلق.
مات في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وخمسمائة ودفن بمدرسته.(أعلام/112)
أبو الهذيل العلاف
ورأس المعتزلة أبو الهذيل، محمد بن الهذيل البصري العلاف، صاحب التصانيف الذي زعم أن نعيم الجنة وعذاب النار ينتهي بحيث إن حركات أهل الجنة تسكن، حتى لا ينطقون بكلمة، وأنكر الصفات المقدسة حتى العلم والقدرة، وقال: هما الله، وأن لما يقدر الله عليه نهاية وآخرا، وأن للقدرة نهاية لو خرجت إلى الفعل، فإن خرجت لم تقدر على خلق ذرة أصلا. وهذا كفر وإلحاد.
وقيل: إن المأمون قال لحاجبه: من بالباب؟ قال: أبو الهذيل، وعبد الله بن أبان الخارجي، وهشام بن الكلبي، فقال: ما بقي من رءوس جهنم إلا من حضر.
ولم يكن أبو الهذيل بالتقي، حتى لنقل أنه سكر مرة عند صديقه، فراود غلاما له، فرماه بتور، فدخل في رقبته، وصار كالطوق، فاحتاج إلى حداد يفكه.
وكان أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل تلميذ واصل بن عطاء الغزال.
وطال عمر أبي الهذيل، وجاوز التسعين، وانقلع في سنة سبع وعشرين ومائتين ويقال: بقي إلى سنة خمس وثلاثين.
أخذ عنه علي بن ياسين وغيره من المعتزلة.(أعلام/113)
أبو الوقت
الشيخ الإمام الزاهد الخير الصوفي، شيخ الإسلام، مسند الآفاق أبو الوقت، عبد الأول بن الشيخ المحدث المعمر أبي عبد الله عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق، السجزي، ثم الهروي الماليني. مولده في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة.
وسمع في سنة خمس وستين وأربعمائة من جمال الإسلام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي " الصحيح " وكتاب الدارمي، ومنتخب " مسند " عبد بن حميد ببوشنج، وسمع من أبي عاصم الفضيل بن يحيى، ومحمد بن أبي مسعود الفارسي، وأبي يعلى صاعد بن هبة الله، وبيبى بنت عبد الصمد، وعبد الرحمن بن محمد بن عفيف حدثوه عن عبد الرحمن بن أبي شريح، وسمع من أحمد بن أبي نصر كاكو، وعبد الوهاب بن أحمد الثقفي، وأحمد بن محمد العاصمي، ومحمد بن الحسين الفضلويي، وعبد الرحمن بن أبي عاصم الجوهري، وشيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري وكان من مريديه، وأبي عامر محمود بن القاسم الأزدي، وعبد الله بن عطاء البغاورداني، وحكيم بن أحمد الإسفراييني وأبي عدنان القاسم بن علي القرشي، وأبي القاسم عبد الله بن عمر الكلوذاني، ونصر بن أحمد الحنفي، وطائفة.
وحدث بخراسان وأصبهان وكرمان وهمذان وبغداد، وتكاثر عليه الطلبة، واشتهر حديثه، وبعد صيته، وانتهى إليه علو الإسناد.(أعلام/114)
حدث عنه: ابن عساكر والسمعاني، وابن الجوزي، ويوسف بن أحمد الشيرازي، وارتحل إليه إلى كرمان، وسفيان بن إبراهيم بن منده، وأبو ذر سهيل بن محمد البوشنجي، وأبو الضوء شهاب الشذباني، وعبد المعز بن محمد الهروي، والقاضي عبد الجبار بن بندار الهمذاني، وعبد الجليل بن مندويه، وأحمد بن عبد الله السلمي العطار، وعثمان بن علي الوركاني، وعثمان بن محمود الأصبهاني، ومحمد بن عبد الله الفتاح البوشنجي، ومحمد بن عطية الله الهمذاني، ومحمد بن محمد بن سرايا الموصلي، ومحمود بن واثق البيهقي، ومقرب بن علي الهمذاني، والفقيه يحيى بن سعد الرازي.(أعلام/115)
ويوسف بن عمر بن محمد بن عبيد الله بن نظام الملك، وحماد بن هبة الله الحراني، وعمر بن طبرزد، وسعيد بن محمد الرزاز، وعمر بن محمد الدينوري الصوفي، ويحيى بن عبد الله بن السهروردي، ومحمد بن أحمد بن هبة الله الروذراوري، وأحمد بن ظفر بن هبيرة، ومحمد بن هبة الله بن مكرم، ومظفر بن حركها، وعلي بن يوسف بن صبوخا، وأحمد بن يوسف بن صرما، ومحمد بن أبي القاسم الميندي، وزيد بن يحيى البيع، وعبد اللطيف بن عسكر، وعمر بن محمد بن أبي الريان، وأسعد بن صعلوك، والنفيس بن كرم، وأبو جعفر عبد الله بن شريف الرحبة، ومحمد بن عمر بن خليفة الروباني -بموحدة-، ومحمد بن هبة الله البيع، وعبد الله بن إبراهيم الهمذاني الخطيب، وأبو الحسن علي بن بورنداز وعمر بن أعز السهروردي، وأبو هريرة محمد بن ليث الوسطاني، وصاعد بن علي الواعظ، ومحمد بن المبارك المستعمل، وأبو علي بن الجواليقي، ومحمد بن النفيس بن عطاء، والمهذب بن قنيدة، وعبد السلام بن سكينة، وعبد الرحمن بن عتيق بن صيلا، وأبو الرضى محمد بن عصية، وعبد السلام الداهري.، وأبو نصر أحمد بن الحسين النرسي، وعمر بن كرم، والحسين بن الزبيدي، وأخوه الحسن، وظفر بن سالم البيطار، وعبد البر بن أبي العلاء العطار، وإبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي، وعبد الرحمن مولى ابن باقا، وزكريا العلبي، وعلي بن روزبه، ومحمد بن عبد الواحد المديني، وأبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي، وأبو المنجى عبد الله بن اللتي، وأبو بكر محمد بن مسعود بن بهروز، وأبو سعد ثابت بن أحمد الخجندي نزيل شيراز وهو آخر من سمع منه موتا بقي إلى سنة 637 وسماعه في الخامسة.
وروى عنه بالإجازة أبو الكرم محمد بن عبد الواحد المتوكلي، وكريمة بنت عبد الوهاب القرشية.(أعلام/116)
قال السمعاني: شيخ صالح، حسن السمت والأخلاق، متودد متواضع، سليم الجانب، استسعد بصحبة الإمام عبد الله الأنصاري، وخدمه مدة، وسافر إلى العراق وخوزستان والبصرة، نزل بغداد برباط البسطامي فيما حكاه لي، وسمعت منه بهراة ومالين، وكان صبورا على القراءة، محبا للرواية، حدث ب " الصحيح "، و " مسند " عبد، والدارمي عدة نوب، وسمعت أن أباه سماه محمدا، فسماه عبد الله الأنصاري عبد الأول، وكناه بأبي الوقت، ثم قال: الصوفي ابن وقته.
وقال السمعاني في " التحبير " إن والد أبي الوقت أجاز له، وإن مولده بسجستان سنة عشر وأربعمائة، وإنه سمع من علي بن بشرى الليثي " مناقب الشافعي " للآبري بفوت، ثم سكن هراة، وإنه شيخ صالح معمر، حرص على سماع الحديث، وحمل ولده أبا الوقت على عاتقه إلى بوشنج، وكان عبد الله الأنصاري يكرمه ويراعيه، مات بمالين في شوال سنة اثنتي عشرة وخمسمائة عاش مائة وثلاث سنين. وقال زكي الدين البرزالي طاف أبو الوقت العراق وخوزستان، وحدث بهراة ومالين وبوشنج وكرمان ويزد وأصبهان والكرج وفارس وهمذان، وقعد بين يديه الحفاظ والوزراء، وكان عنده كتب وأجزاء، سمع عليه من لا يحصى ولا يحصر.
وقال ابن الجوزي: كان صبورا على القراءة، وكان صالحا، كثير الذكر والتهجد والبكا، على سمت السلف، وعزم عام موته على الحج، وهيأ ما يحتاج إليه، فمات.
وقال يوسف بن أحمد الشيرازي في " أربعين البلدان " له: لما رحلت إلى شيخنا رحلة الدنيا ومسند العصر أبي الوقت، قدر الله لي الوصول إليه في آخر بلاد كرمان، فسلمت عليه، وقبلته، وجلست بين يديه، فقال لي: ما أقدمك هذه البلاد؟ قلت: كان قصدي إليك، ومعولي بعد الله عليك، وقد كتبت ما وقع إلي من حديثك بقلمي، وسعيت إليك بقدمي، لأدرك بركة أنفاسك، وأحظى بعلو إسنادك.(أعلام/117)
فقال: وفقك الله وإيانا لمرضاته، وجعل سعينا له، وقصدنا إليه، لو كنت عرفتني حق معرفتي، لما سلمت علي، ولا جلست بين يدي، ثم بكى بكاء طويلا، وأبكى من حضره، ثم قال: اللهم استرنا بسترك الجميل، واجعل تحت الستر ما ترضى به عنا. يا ولدي، تعلم أني رحلت أيضا لسماع " الصحيح " ماشيا مع والدي من هراة إلى الداودي ببوشنج ولي دون عشر سنين.
فكان والدي يضع على يدي حجرين، ويقول: احملهما. فكنت من خوفه أحفظهما بيدي، وأمشي وهو يتأملني، فإذا رآني قد عييت أمرني أن ألقي حجرا واحدا، فألقي، ويخف عني، فأمشي إلى أن يتبين له تعبي، فيقول لي: هل عييت؟ فأخافه، وأقول: لا. فيقول: لم تقصر في المشي؟ فأسرع بين يديه ساعة، ثم أعجز، فيأخذ الآخر، فيلقيه، فأمشي حتى أعطب، فحينئذ كان يأخذني ويحملني.
وكنا نلتقي جماعة الفلاحين وغيرهم، فيقولون: يا شيخ عيسى، ادفع إلينا هذا الطفل نركبه وإياك إلى بوشنج. فيقول: معاذ الله أن نركب في طلب أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل نمشي، وإذا عجز أركبته على رأسي إجلالا لحديث رسول الله ورجاء ثوابه. فكان ثمرة ذلك من حسن نيته أني انتفعت بسماع هذا الكتاب وغيره، ولم يبق من أقراني أحد سواي، حتى صارت الوفود ترحل إلي من الأمصار.
ثم أشار إلى صاحبنا عبد الباقي بن عبد الجبار الهروي أن يقدم لي حلواء، فقلت: يا سيدي، قراءتي لجزء أبي الجهم أحب إلي من أكل الحلواء. فتبسم، وقال: إذا دخل الطعام خرج الكلام. وقدم لنا صحنا فيه حلواء الفانيذ، فأكلنا، وأخرجت الجزء، وسألته إحضار الأصل، فأحضره، وقال: لا تخف ولا تحرص، فإني قد قبرت ممن سمع علي خلقا كثيرا، فسل الله السلامة.
فقرأت الجزء، وسررت به، ويسر الله سماع " الصحيح " وغيره مرارا، ولم أزل في صحبته وخدمته إلى أن توفي ببغداد في ليلة الثلاثاء من ذي الحجة.(أعلام/118)
قلت: وبيض لليوم وهو سادس الشهر- قال: ودفناه بالشونيزية. قال لي: تدفنني تحت أقدام مشايخنا بالشونيزية. ولما احتضر سندته إلى صدري، وكان مستهترا بالذكر، فدخل عليه محمد بن القاسم الصوفي، وأكب عليه، وقال: يا سيدي، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة فرفع طرفه إليه، وتلا: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين فدهش إليه هو ومن حضر من الأصحاب، ولم يزل يقرأ حتى ختم السورة، وقال: الله الله الله، وتوفي وهو جالس على السجادة.
وقال أبو الفرج بن الجوزي حدثني محمد بن الحسين التكريتي الصوفي قال: أسندته إلي، وكان آخر كلمة قالها: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ومات.
قلت: قدم بغداد في شوال، فأقام بها سنة وشهرا، وكان معه أصوله، فحدث منها.
قال ابن النجار: كان الوزير أبو المظفر بن هبيرة قد استدعاه، ونفذ إليه نفقة، ثم أنزله عنده، وأكرمه، وأحضره في مجلسه، وسمع عليه " الصحيح " في مجلس عام أذن فيه للناس، فكان الجمع يفوت الإحصاء، ثم قرأه عليه أبو محمد بن الخشاب بالنظامية، وحضر خلق كثير دون هؤلاء، وقرئ عليه بجامع المنصور، وسمعه جمع جم، وآخر من قرأه عليه شيخنا ابن الأخضر وكان شيخا صدوقا أمينا، من مشايخ الصوفية ومحاسنهم، ذا ورع وعبادة مع علو سنه، وله أصول حسنة، وسماعات صحيحة.(أعلام/119)
ثم قال: قرأت في كتاب أحمد بن صالح الجيلي: توفي شيخنا أبو الوقت ليلة الأحد سادس ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة نصف الليل، وصلي عليه ضاحي نهار اليوم برباط فيروز الذي كان نازلا فيه، ثم صلي عليه بالجامع، وأمنا الشيخ عبد القادر الجيلي وكان الجمع متوفرا، وكنت يوم خامس الشهر عنده، وقرأت عليه الحديث إلى وقت الظهر، وكان مستقيم الرأي، حاضر الذهن، ولم نر في سنه مثل سنده، وكان شيخا صالحا سنيا، قارئا للقرآن، قد صحب الأشياخ، وعاش حتى ألحق الصغار بالكبار، ورأى من رئاسة التحديث ما لم يره أحد من أبناء جنسه، وسمع منه من لم يرغب في الرواية قبله، وكان آخر من روى في الدنيا عن الداودي وبقية أشياخه، وقرأت الكتب التي معه كلها عليه والأجزاء مرات في عدة مواضع، وسمعها منه ألوف من الناس، وصل بغداد في حادي عشر شوال سنة اثنتين وخمسين، صحب شيخ الإسلام نيفا وعشرين سنة.
أنبأنا طائفة عن ابن النجار قال: أنشدنا داود بن معمر بأصبهان، أنشدنا محمد بن الفضل العقيلي لنفسه في سنة إحدى وخمسين:
أتاكم الشيخ أبو الوقت
بأحسن الأحبار عن ثبت
طوى إليكم ناشرا علمه
مراحل الأبرق والخبت
ألحق بالأشياخ أطفالكم
وقد رمى الحاسد بالكبت
فمنة الشيخ بما قد روى
كمنة الغيث على النبت
بارك فيه الله من حامل
خلاصة الفقه إلى المفتي
انتهزوا الفرصة يا سادتي
وحصلوا الإسناد في الوقت
فإن من فوت ما عنده
يصير ذا الحسرة والمقت
وفيها مات الحافظ عبد الجليل بن محمد كوتاه الأصبهاني وعلي بن عساكر بن سرور الخشاب بدمشق، والإمام أبو حفص عمر بن أحمد بن الصفار النيسابوري وأبو الفتح المبارك بن أحمد بن زريق الواسطي الحداد المقرئ وأبو المحاسن مسعود بن محمد الغانمي الهروي.(أعلام/120)
أبو الوليد الباجي
الإمام العلامة، الحافظ، ذو الفنون، القاضي أبو الوليد، سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي، الأندلسي، القرطبي، الباجي، الذهبي، صاحب التصانيف.
أصله من مدينة بطليوس فتحول جده إلى باجة - بليدة بقرب إشبيلية - فنسب إليها، وما هو من باجة المدينة التي بإفريقية التي ينسب إليها الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي الباجي، وابنه الحافظ الأوحد أبو عمر أحمد بن عبد الله بن الباجي، وهما من علماء الأندلس أيضا.
ولد أبو الوليد في سنة ثلاث وأربعمائة.
وأخذ عن: يونس بن مغيث، ومكي بن أبي طالب، ومحمد بن إسماعيل، وأبي بكر محمد بن الحسن بن عبد الوارث.
وارتحل سنة ست وعشرين، فحج، ولو مدها إلى العراق وأصبهان ; لأدرك إسنادا عاليا، ولكنه جاور ثلاثة أعوام، ملازما للحافظ أبي ذر، فكان يسافر معه إلى السراة، ويخدمه، فأكثر عنه وأخذ علم الحديث والفقه والكلام.
ثم ارتحل إلى دمشق، فسمع من: أبي القاسم عبد الرحمن بن الطبيز، والحسن بن السمسار، والحسن بن محمد بن جميع، ومحمد بن عوف المزني.
وارتحل إلى بغداد، فسمع عمر بن إبراهيم الزهري، وأبا طالب محمد بن محمد بن غيلان، وأبا القاسم الأزهري، وعبد العزيز بن علي الأزجي، ومحمد بن علي الصوري الحافظ، وصحبه مدة، ومحمد بن عبد الواحد بن رزمة، والحسن بن محمد الخلال، وخلقا سواهم.
وتفقه بالقاضي أبي الطيب الطبري، والقاضي أبي عبد الله الصيمري، وأبي الفضل بن عمروس المالكي.
وذهب إلى الموصل، فأقام بها سنة على القاضي أبي جعفر السمناني المتكلم، صاحب ابن الباقلاني، فبرز في الحديث والفقه والكلام والأصول والأدب.
فرجع إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة سنة بعلم غزير، حصله مع الفقر والتقنع باليسير.(أعلام/121)
حدث عنه: أبو عمر بن عبد البر، وأبو محمد بن حزم، وأبو بكر الخطيب، وعلي بن عبد الله الصقلي، وأبو عبد الله الحميدي، وأحمد بن علي بن غزلون، وأبو علي بن سكرة الصدفي، وأبو بكر الفهري الطرطوشي، وابنه الزاهد أبو القاسم بن سليمان، وأبو علي بن سهل السبتي، وأبو بحر سفيان بن العاص، ومحمد بن أبي الخير القاضي وخلق سواهم.
وتفقه به أئمة، واشتهر اسمه، وصنف التصانيف النفيسة.
قال القاضي عياض: أجر أبو الوليد نفسه ببغداد لحراسة درب، وكان لما رجع إلى الأندلس يضرب ورق الذهب للغزل، ويعقد الوثائق قال لي أصحابه: كان يخرج إلينا للإقراء وفي يده أثر المطرقة، إلى أن فشا علمه، وهيتت الدنيا به، وعظم جاهه، وأجزلت صلاته، حتى توفي عن مال وافر، وكان يستعمله الأعيان في ترسلهم، ويقبل جوائزهم، ولي القضاء بمواضع من الأندلس، وصنف كتاب " المنتقى في الفقه " وكتاب " المعاني في شرح الموطأ "، فجاء في عشرين مجلدا، عديم النظير.
قال: وقد صنف كتابا كبيرا جامعا، بلغ فيه الغاية، سماه " الاستيفاء "، وله كتاب " الإيماء في الفقه " خمس مجلدات، وكتاب " السراج في الخلاف " لم يتم، و " مختصر المختصر في مسائل المدونة "، وله كتاب في اختلاف الموطأت، وكتاب في الجرح والتعديل، وكتاب " التسديد إلى معرفة التوحيد "، وكتاب " الإشارة في أصول الفقه "، وكتاب " إحكام الفصول في أحكام الأصول "، وكتاب " الحدود "، وكتاب " شرح المنهاج "، وكتاب " سنن الصالحين وسنن العابدين "، وكتاب " سبل المهتدين "، وكتاب " فرق الفقهاء "، وكتاب " التفسير " لم يتمه، وكتاب " سنن المنهاج وترتيب الحجاج ".
قال الأمير أبو نصر: أما الباجي ذو الوزارتين ففقيه متكلم، أديب شاعر، سمع بالعراق، ودرس الكلام، وصنف. . . إلى أن قال: وكان جليلا رفيع القدر والخطر، قبره بالمرية.(أعلام/122)
وقال القاضي أبو علي الصدفي: ما رأيت مثل أبي الوليد الباجي، وما رأيت أحدا على سمته وهيئته وتوقير مجلسه. ولما كنت ببغداد قدم ولده أبو القاسم أحمد، فسرت معه إلى شيخنا قاضي القضاة الشامي، فقلت له: أدام الله عزك، هذا ابن شيخ الأندلس. فقال: لعله ابن الباجي؟ قلت: نعم. فأقبل عليه.
قال القاضي عياض: كثرت القالة في أبي الوليد لمداخلته للرؤساء، وولي قضاء أماكن تصغر عن قدره كأوريولة، فكان يبعث إليها خلفاءه، وربما أتاها المرة ونحوها، وكان في أول أمره مقلا حتى احتاج في سفره إلى القصد بشعره، وإيجار نفسه مدة مقامه ببغداد فيما سمعته، مستفيضا لحراسة درب، وقد جمع ولده شعره، وكان ابتدأ بكتاب " الاستيفاء " في الفقه، لم يضع منه سوى كتاب الطهارة في مجلدات. قال لي: ولما قدم من الرحلة إلى الأندلس وجد لكلام ابن حزم طلاوة، إلا أنه كان خارجا عن المذهب، ولم يكن بالأندلس من يشتغل بعلمه، فقصرت ألسنة الفقهاء عن مجادلته وكلامه، واتبعه على رأيه جماعة من أهل الجهل، وحل بجزيرة ميورقة، فرأس فيها، واتبعه أهلها، فلما قدم أبو الوليد ; كلموه في ذلك، فدخل إلى ابن حزم، وناظره، وشهر باطله. وله معه مجالس كثيرة. قال: ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي في " صحيح " البخاري. قال بظاهر لفظه، فأنكر عليه الفقيه أبو بكر بن الصائغ، وكفره بإجازته الكتب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النبي الأمي، وأنه تكذيب للقرآن، فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام، حتى أطلقوا عليه الفتنة، وقبحوا عند العامة ما أتى به، وتكلم به خطباؤهم في الجمع، وقال شاعرهم:
برئت ممن شرى دنيا بآخرة
وقال: إن رسول الله قد كتبا
فصنف القاضي أبو الوليد رسالة بين فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة، فرجع بها جماعة.(أعلام/123)
قلت: يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب اسمه ليس إلا، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا، وما من كتب اسمه من الأمراء والولاة إدمانا للعلامة يعد كاتبا، فالحكم للغالب لا لما ندر، وقد قال عليه السلام: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب أي لأن أكثرهم كذلك، وقد كان فيهم الكتبة قليلا. وقال - تعالى -: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم فقوله - عليه السلام -: لا نحسب حق، ومع هذا فكان يعرف السنين والحساب، وقسم الفيء، وقسمة المواريث بالحساب العربي الفطري لا بحساب القبط ولا الجبر والمقابلة، بأبي هو ونفسي - صلى الله عليه وسلم - وقد كان سيد الأذكياء، ويبعد في العادة أن الذكي يملي الوحي وكتب الملوك وغير ذلك على كتابه، ويرى اسمه الشريف في خاتمه، ولا يعرف هيئة ذلك مع الطول، ولا يخرج بذلك عن أميته، وبعض العلماء عد ما كتبه يوم الحديبية من معجزاته، لكونه لا يعرف الكتابة وكتب، فإن قيل: لا يجوز عليه أن يكتب، فلو كتب ; لارتاب مبطل، ولقال: كان يحسن الخط، ونظر في كتب الأولين. قلنا: ما كتب خطا كثيرا حتى يرتاب به المبطلون، بل قد يقال: لو قال مع طول مدة كتابة الكتاب بين يديه: لا أعرف أن أكتب اسمي الذي في خاتمي، لارتاب المبطلون أيضا، ولقالوا: هو غاية في الذكاء، فكيف لا يعرف ذلك؟ بل عرفه، وقال: لا أعرف. فكان يكون ارتيابهم أكثر وأبلغ في إنكاره - والله أعلم.
وأما الحافظ أبو القاسم بن عساكر، فذكر أن أبا الوليد قال: كان أبي من باجة القيروان، تاجرا يختلف إلى الأندلس.
قلت: فعلى هذا هو وأبو عمر بن الباجي وأله كلهم من باجة القيروان - فالله أعلم.
ومن نظم أبي الوليد:
إذا كنت أعلم علما يقينا
بأن جميع حياتي كساعه
فلم لا أكون ضنينا بها
وأجعلها في صلاح وطاعه(أعلام/124)
أخبرنا ابن سلامة كتابة، عن القاسم بن علي بن الحسن، أخبرنا أبي، أخبرنا رزين بن معاوية بمكة، أخبرنا الفقيه علي بن عبد الله الصقلي بمكة، حدثنا أبو الوليد القاضي، حدثنا يونس بن عبد الله القرطبي، حدثنا يحيى بن عبد الله، عن أبيه، عن يحيى بن يحيى، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة، وصلى بها.
كذا رواه ابن عساكر.
أنبأنا ابن علان وجماعة، عن أبي طاهر الخشوعي، عن أبي بكر محمد بن الوليد الفهري (ح) وأخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الوهاب الزهري، أخبرنا جدي أبو الطاهر بن عوف، أخبرنا محمد بن الوليد الفهري، أخبرنا أبو الوليد سليمان بن خلف، أخبرنا يونس بن عبد الله مناولة، أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله الليثي، أخبرنا عم أبي عبيد الله بن يحيى بن يحيى، أخبرنا أبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الذي تفوته صلاة العصر، كأنما وتر أهله وماله.
وسمعته عاليا من أحمد بن هبة الله، عن المؤيد بن محمد، أخبرنا هبة الله بن سهل، أخبرنا سعيد بن محمد، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، حدثنا مالك بهذا.
وسمعناه في جزء أبي الجهم من حديث الليث، عن نافع.
قال أبو علي بن سكرة: مات أبو الوليد بالمرية في تاسع عشر رجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة فعمره إحدى وسبعون سنة سوى أشهر، فإن مولده في ذي الحجة من سنة ثلاث وأربعمائة.(أعلام/125)
ومات معه في العام مسند العراق أبو القاسم علي بن أحمد بن البسري البندار وشيخ المالكية بسبتة أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن العجوز الكتامي ومحدث نيسابور أبو بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم بن محمد بن المزكي ومعمر بغداد أبو بكر أحمد بن هبة الله بن صدقة الدباس. وكان يذكر أن أصوله على أبي الحسين بن سمعون والمخلص ذهبت في النهب.
أخبرنا محمد بن عبد الكريم المقرئ، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد سنة خمس وثلاثين، أخبرنا أبو الطاهر إسماعيل بن مكي الزهري قراءة عليه سنة 572، أخبرنا أبو بكر الفهري، أخبرنا أبو الوليد الباجي، أخبرنا يونس بن عبد الله القاضي، أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله، عن عم أبيه عبيد الله [بن] يحيى بن يحيى، عن أبيه، عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس أنه سمعه يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق ولا بالأدم، ولا بالجعد القطط ولا بالسبط، بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء - صلى الله عليه وسلم -.(أعلام/126)
أبو الوليد الطيالسي (ع)
هشام بن عبد الملك، الإمام الحافظ الناقد، شيخ الإسلام أبو الوليد الباهلي، مولاهم البصري، الطيالسي.
ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة وهو أكبر من عبد الرحمن بن مهدي.
حدث عن: عكرمة بن عمار، وعمر بن أبي زائدة، وشعبة، وهشام الدستوائي، ويزيد بن إبراهيم، وهمام بن يحيى، وداود بن أبي الفرات، وإسرائيل، وزائدة، وأبي هاشم الزعفراني، والمثنى بن سعيد الضبعي، وعاصم بن محمد العمري، وسلم بن زرير، وعمر بن مرقع بن صيفي، وجرير بن حازم، وسليمان بن المغيرة، وسلام بن مسكين، وسلام بن أبي مطيع، وابن الماجشون، وعبد الرحمن بن الغسيل، ومالك، والليث، ومهدي بن ميمون، وخلق كثير.
وعنه: البخاري، وأبو داود، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن سعد، وبندار، ومحمد بن مثنى، والذهلي، وإسحاق الكوسج، وأبو إسحاق الجوزجاني، وأحمد بن سنان، والحسن بن علي الخلال، وأبو محمد الدارمي، وأحمد بن الفرات، وعبد بن حميد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن وارة، وتمتام، ومحمد بن حيان المازني، ومحمد بن محمد التمار، ومعاذ بن المثنى، ومحمد بن أيوب بن الضريس، والعباس بن الفضل الأسفاطي، ومحمد بن يعقوب بن سورة، وعلي بن عبد العزيز البغوي، وأحمد بن عمرو القطراني، وعثمان بن عمر الضبي، ومحمد بن الربيع بن شاهين، وأحمد بن إبراهيم بن عنبر البصري، ومحمد بن إبراهيم بن بكير الطيالسي، وأبو بكر بن أبي عاصم، وأبو مسلم الكجي، وأحمد بن داود المكي، وأحمد بن محمد بن علي الخزاعي الأصبهاني والحسن بن سهل المجوز وخلق كثير خاتمتهم أبو خليفة الفضل بن الحباب.
قال أحمد بن حنبل: أبو الوليد متقن. وقال: هو أكبر من ابن مهدي بثلاث سنين، أبو الوليد اليوم شيخ الإسلام، ما أقدم عليه اليوم أحدا من المحدثين.(أعلام/127)
وقال محمد بن مسلم بن وارة الحافظ: قلت لأحمد بن حنبل: أبو الوليد أحب إليك في شعبة أو أبو النضر؟ قال: إن كان أبو الوليد يكتب عند شعبة، فأبو الوليد. قلت: فإني سمعت أبا الوليد يقول: بينا أنا أكتب عند شعبة، إذ بصر بي، فقال: وتكتب؟ فوضعت الألواح من يدي، وجعلت أنظر إليه.
قلت: كأنه كره الكتابة، لأنه كان قادرا على أن يحفظ.
وقال ابن وارة أيضا: قال لي علي بن المديني: اكتب عن أبي الوليد الأصول، فإن غير الأصول تصيب، وقال لي أبو نعيم: لولا أبو الوليد ما أشرت عليك أن تقدم البصرة، فإن دخلتها لا تجد فيها إلا مغفلا إلا أبا الوليد.
قلت: عفا الله عن أبي نعيم، فقد كان إذ ذاك بالبصرة مثل علي بن المديني، وعمرو بن علي، وطائفة من أعلام الحديث.
قال ابن وارة: حدثني أبو الوليد وما أراني أدركت مثله.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: أبو الوليد شيخ الإسلام.
وقال الحافظ أبو حفص المروزي: سمعت محمد بن غالب، سمعت أبا الوليد يقول: لو كنت عبدا لكم لاستبعت، إلى متى؟ ! هو ذا أحدث منذ سبعين سنة، أول من كتب عني جرير بن عبد الحميد، كتب عني حديث القلادة.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: أبو الوليد بصري ثقة ثبت في الحديث، كان يروي عن سبعين امرأة، وكانت إليه الرحلة بعد أبي داود الطيالسي.
ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو الوليد أمير المحدثين.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة - وذكر أبا الوليد - فقال: أدرك نصف الإسلام، وكان إماما في زمانه جليلا عند الناس.
قال: وسمعت أبي أبا حاتم يقول: أبو الوليد إمام فقيه عاقل ثقة حافظ، ما رأيت في يده كتابا قط. وسئل أبي عن أبي الوليد وحجاج بن منهال، فقال: أبو الوليد عند الناس أكبر. كان يقال: سماعه من حماد بن سلمة فيه شيء، كأنه سمع منه بأخرة، وكان حماد ساء حفظه في آخر عمره.(أعلام/128)
وقال أبو حاتم أيضا: ما رأيت قط بعده كتابا أصح من كتابه.
وروى محمد بن سلمة بن عثمان، عن معاوية بن عبد الكريم الزيادي قال: أدركت البصرة، والناس يقولون: ما بالبصرة أعقل من أبي الوليد، وبعده أبو بكر بن خلاد.
وروى أبو بكر بن أبي الدنيا، عن أبي عبد الله محمد بن حماد قال: استأذن رجل على أبي الوليد الطيالسي، فوضع رأسه على الوسادة، ثم قال للخادم: قولي له: الساعة وضع رأسه.
قال محمد بن سعد والبخاري وجماعة: مات أبو الوليد سنة سبع وعشرين ومائتين قال البخاري: في ربيع الآخر وقال غيره: في صفر منها.
قرأت على أبي الفضل أحمد بن هبة الله في شوال سنة ثلاث وتسعين، أنبأكم عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، أخبرنا محمد بن أيوب البجلي، أخبرنا أبو الوليد الطيالسي،
أخبرنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عن البراء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا سئل المسلم في القبر، فشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله فذلك قوله: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ".
وبه: قال البجلي: حدثنا أبو عمر الحوضي، حدثنا شعبة بهذا، أخرجه البخاري. عن أبي الوليد والحوضي.(أعلام/129)
أنبأنا جماعة عن أسعد بن روح، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله، أخبرنا ابن ريذة، أخبرنا سليمان بن أحمد، حدثنا أبو خليفة، حدثنا أبو الوليد. الطيالسي، حدثنا عبد الحميد بن بهرام، حدثنا شهر، سمعت أم سلمة تقول: جاءت فاطمة غدية بثريد لها تحملها في طبق، حتى وضعتها بين يديه - صلى الله عليه وسلم -، فقال لها: " أين ابن عمك؟ " قالت: هو في البيت. قال: ادعيه، وائتيني بابني. قالت: فجاءت تقود ابنيها، كل واحد منهما في يد، وعلي يمشي في أثرها، حتى دخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجلسهما في حجره، وجلس علي على يمينه، وجلست فاطمة عن يساره، قالت أم سلمة: فأخذت من تحتي كساء كان بساطنا على المنامة في البيت، ببرمة فيها خزيرة فجلسوا يأكلون من تلك البرمة، وأنا أصلي في تلك الحجرة، فنزلت هذه الآية: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فأخذ فضل الكساء، فغشاهم، ثم أخرج يده اليمنى من الكساء، وألوى بها إلى السماء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي. قالت: فأدخلت رأسي، فقلت: يا رسول الله، وأنا معكم، قال: أنت إلى خير مرتين.
رواه الترمذي مختصرا، وصححه من طريق الثوري، عن زبيد، عن شهر بن حوشب.(أعلام/130)
أبو اليمان (ع)
الحكم بن نافع، الحافظ الإمام الحجة أبو اليمان البهراني الحمصي مولى امرأة بهرانية تدعى أم سلمة، كانت عند عمر بن روبة التغلبي.
ولد في حدود سنة بضع وثلاثين ومائة وطلب العلم سنة بضع وخمسين.
فروى عن: صفوان بن عمرو، وحريز بن عثمان، وأبي بكر بن أبي مريم، وشعيب بن أبي حمزة، وسعيد بن عبد العزيز، وعفير بن معدان، وأرطاة بن المنذر، وإسماعيل بن عياش، ويزيد بن سعيد بن ذي عصوان، وأبي مهدي سعيد بن سنان، وطائفة، وما علمت له رحلة.
حدث عنه: أحمد، وابن معين، ومحمد بن يحيى، وعمرو بن منصور النسائي، وعبيد الله بن فضالة، وعمران بن بكار، وأبو محمد الدارمي، وأبو عبد الله البخاري، وعثمان الدارمي، وأبو حاتم، ومحمد بن عوف، وأبو زرعة الدمشقي، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وموسى بن عيسى بن المنذر، وعلي بن محمد الحكاني، وأحمد بن الفرات، وخلق سواهم.
قال أحمد بن حنبل: أما حديث أبي اليمان عن حريز وصفوان بن عمرو فصحيح ثم قال أحمد: هو يقول: أخبرنا شعيب، واستحل ذلك بشيء عجيب، كان أمر شعيب في الحديث عسرا جدا، وكان علي بن عباس سمع منه، وذكر قصة لأهل حمص أراها أنهم سألوه أن يأذن لهم في أن يرووا عنه، فقال لهم: لا ترووا هذه الأحاديث عني - يعني شعيبا - قال أبو عبد الله: ثم كلموه، وحضر ذلك أبو اليمان، فقال لهم: ارووا تلك الأحاديث عني. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: مناولة؟ ، قال: لو كان مناولة، كان لم يعطهم كتبا ولا شيئا، إنما سمع هذا فقط، فكان ولد شعيب يقول: إن أبا اليمان جاءني، فأخذ كتب شعيب مني بعد، وهو يقول:
أخبرنا، فكأنه استحل ذلك، بأن سمع شعيبا يقول لقوم: ارووه عني(أعلام/131)
قال إبراهيم بن ديزيل: سمعت أبا اليمان يقول: قال لي أحمد بن حنبل: كيف سمعت الكتب من شعيب؟ قلت: قرأت عليه بعضه، وبعضه قرأه علي، وبعضه أجاز لي، وبعضه مناولة، قال: فقال في كله: أخبرنا شعيب.
وقال ابن معين: سألت أبا اليمان عن حديث شعيب بن أبي حمزة، فقال: ليس هو مناولة، المناولة لم أخرجها إلى أحد.
وروى أبو زرعة النصري عن أبي اليمان قال: كان شعيب عسرا في الحديث، فدخلنا عليه حين حضرته الوفاة، فقال: هذه كتبي، وقد صححتها، فمن أراد أن يأخذها، فليأخذها، ومن أراد أن يعرض، فليعرض، ومن أراد أن يسمعها من ابني، فليسمعها، فإنه قد سمعها مني.
سعيد بن عمرو البرذعي، عن أبي زرعة الرازي قال: لم يسمع أبو اليمان من شعيب إلا حديثا واحدا، والباقي إجازة.
قال أبو داود: سمعت محمد بن عوف يقول: لم يسمع أبو اليمان من شعيب بن أبي حمزة إلا كلمة.
وقال أبو زرعة الدمشقي: سألت أحمد بن حنبل عن حديث الزهري، عن أنس، عن أم حبيبة، فقال: ليس هذا من حديث الزهري، هذا من حديث ابن أبي حسين، فسألت أحمد بن صالح عنه، فقال: ليس له أصل عن الزهري وأنكره.
قلت: قرئ هذا على إبراهيم بن الدرجي، وأجازه لي عن أبي جعفر الصيدلاني، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله، أخبرنا ابن ريذة، أخبرنا أبو القاسم الطبراني، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، عن أنس، عن أم حبيبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أريت ما تلقى أمتي من بعدي، وسفك بعضهم دماء بعض، وكان ذلك سابقا من الله، فسألته أن يوليني شفاعة فيهم، ففعل.
رواه عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن أبي اليمان، فقال: عن شعيب، عن ابن أبي حسين، عن أنس ثم قال عبد الله: فقلت: هاهنا قوم يحدثون به عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، فقال: ليس ذا من حديث الزهري.(أعلام/132)
قال أبو زرعة: قال لي أحمد بن حنبل: كتاب شعيب عن ابن أبي حسين ملصق بكتاب الزهري، فبلغني أن أبا اليمان حدثهم به عن شعيب، عن الزهري، وليس له أصل، كأنه يذهب إلى أنه اختلط بكتاب الزهري، فرأيته كأنه يعذر أبا اليمان ولا يحمل عليه فيه.
وقال مكحول البيروتي عن جعفر بن محمد بن أبان الحراني: سألت يحيى بن معين عن حديث أبي اليمان - يعني المذكور - فقال: أنا سألت أبا اليمان، فقال: الحديث حديث الزهري، فمن كتبه عني، فقد أصاب، ومن كتبه عني من حديث ابن أبي حسين، فهو خطأ، إنما كتب في آخر حديث ابن أبي حسين، فغلطت، فحدثت به من حديث ابن أبي حسين، وهو صحيح من حديث الزهري.
وروى ابن صاعد، عن إبراهيم بن هانئ النيسابوري، قال لنا أبو اليمان: الحديث حديث الزهري، والذي حدثتكم عن ابن أبي حسين غلطت فيه بورقة قلبتها.
قلت: تعين أن الحديث وهم فيه أبو اليمان، وصمم على الوهم، لأن الكبار حكموا بأن الحديث ما هو عند الزهري، والله أعلم.
عباس الدوري: سمعت يحيى يقول في حديث أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن عقبة بن سويد، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يغزو جيش الكعبة " فقال يحيى: إنما هو عن سحيم مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة.
قال أبو حاتم: كان أبو اليمان يسمى كاتب إسماعيل بن عياش، كما يسمى أبو صالح كاتب الليث، وهو ثقة نبيل صدوق.
وقال العجلي: لا بأس به.
وقال ابن عمار الموصلي: كان ثقة، وكان بسلمية وكان إذا جاءه أهل الحديث قال لهم: القطوا لي الزعفران، وثمت ينبت الزعفران، فكانوا يلقطون، ثم يحدثهم.
وقال محمد بن عيسى الطرسوسي: سمعت أبا اليمان يقول: صرت إلى مالك، فرأيت ثم من الحجاب والفرش شيئا عجيبا، فقلت: ليس ذا من أخلاق العلماء، فمضيت وتركته، ثم ندمت بعد.(أعلام/133)
وبلغنا أن أبا اليمان كتب كتب إسماعيل بن عياش، ولم يدع منها شيئا في القراطيس. وفي " الصحيحين " نحو من أربعين حديثا عند البخاري، عن أبي اليمان قد أخرجها مسلم عن الدارمي، عن أبي اليمان، وجميعها يقول فيها: أخبرنا شعيب، ما قال قط: حدثنا، فهذا يوضح لك أنها بالإجازة، وهي منقولة جزما من خط شعيب، وكان من أثبت أصحاب الزهري. والمقصود من الرواية إنما هو العلم الحاصل بأن هذا الخبر حدث به فلان على أي صفة كان من صفات الأداء. وقد كان أبو اليمان عالم وقته بحمص، استقدمه المأمون ليوليه قضاء حمص.
وروينا بإسناد قوي عن أبي اليمان أنه قال: ولدت سنة ثمان وثلاثين ومائة.
قال محمد بن مصفى، وأبو زرعة النصري، والفسوي: مات أبو اليمان سنة إحدى وعشرين ومائتين.
وقال ابن سعد والبخاري ومطين: سنة اثنتين وعشرين. زاد ابن سعد: في ذي الحجة بحمص.(أعلام/134)
أبو بردة (ع)
ابن أبي موسى الأشعري، الإمام، الفقيه، الثبت، حارث - ويقال عامر، ويقال: اسمه كنيته. ابن صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن قيس بن حضار الكوفي الفقيه. وكان قاضي الكوفة للحجاج، ثم عزله بأخيه أبي بكر.
حدث عن أبيه، وعلي، وعائشة، وأسماء بنت عميس، وعبد الله بن سلام، وحذيفة، ومحمد بن مسلمة، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، والبراء، ومعاوية، والأغر المزني، وعدة.
وينزل إلى عروة بن الزبير، والربيع بن خثيم، وزر بن حبيش، وطائفة.
حدث عنه بنوه: سعيد ويوسف والأمير بلال، وحفيده بريد بن عبد الله بن أبي بردة، والشعبي، والقاسم بن مخيمرة، وأبو مجلز، وأبو إسحاق السبيعي، ومكحول الشامي، وقتادة، وعمرو بن مرة، وطلحة بن مصرف، وعبد الملك بن عمير، وعدي بن ثابت، وعون بن عبد الله، والنضر بن أنس، وأبو إسحاق الشيباني، وأبو صخرة جامع بن شداد، وثابت البناني، وأشعث بن أبي الشعثاء، وحكيم بن الديلم، وحميد بن هلال، وطلحة بن يحيى بن طلحة، وأبو حصين، وفرات بن السائب، وليث بن أبي سليم، وبكير بن عبد الله بن الأشج، ويونس بن أبي إسحاق، وخلق كثير، وكان من أئمة الاجتهاد.
قال ابن سعد كان ثقة، كثير الحديث. وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة.(أعلام/135)
أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: حدثنا عمي، حدثني عبد الله بن عياش، عن أبيه، أن يزيد بن المهلب لما ولي خراسان قال: دلوني على رجل كامل لخصال الخير، فدل على أبي بردة الأشعري. فلما جاء، رآه رجلا فائقا، فلما كلمه رأى من مخبرته أفضل من مرآته، فقال: إني وليتك كذا وكذا من عملي، فاستعفاه، فأبى أن يعفيه، فقال: أيها الأمير، ألا أخبرك بشيء حدثنيه أبي، إنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هاته. قال: إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من تولى عملا وهو يعلم أنه ليس لذلك العمل بأهل، فليتبوأ مقعده من النار " وأنا أشهد أيها الأمير أني لست بأهل لما دعوتني إليه.
فقال: ما زدت على أن حرضتنا على نفسك ورغبتنا فيك، فاخرج إلى عهدك فإني غير معفيك.
فخرج ثم أقام فيهم ما شاء الله أن يقيم، فاستأذن في القدوم عليه، فأذن له، فقال: أيها الأمير ألا أحدثك بشيء حدثنيه أبي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قال: " ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله، ما لم يسأل هجرا " وأنا سائلك بوجه الله إلا ما أعفيتني أيها الأمير من عملك. فأعفاه.
رواه الروياني في " مسنده " عن أحمد.
قال ابن عيينة: سأل عمر بن عبد العزيز أبا بردة بن أبي موسى: كم أتى عليك؟ قال: أشدان - يعني أربعين وأربعين. ذكر الاختلاف في وفاة أبي بردة:
روى الهيثم بن عدي، عن ابن عياش المنتوف أنه مات سنة ثلاث ومائة.
وقال أبو عبيد، وخليفة، وطائفة: مات سنة أربع ومائة.
وقيل: إنه مات وله بضع وثمانون سنة.
ووهم من قال: مات سنة سبع ومائة.(أعلام/136)
أبو بردة بن نيار (ع)
ابن عمرو بن عبيد بن عمرو بن كلاب بن دهمان البلوي القضاعي الأنصاري من حلفاء الأوس.
واسمه: هانئ. وهو خال البراء بن عازب.
شهد العقبة وبدرا والمشاهد النبوية. وبقي إلى دولة معاوية. وحديثه في الكتب الستة.
حدث عنه: ابن أخته البراء، وجابر بن عبد الله، وبشير بن يسار، وغيرهم.
وكان أحد الرماة الموصوفين.
وقيل: توفي سنة اثنتين وأربعين.(أعلام/137)
أبو برزة الأسلمي (ع)
صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - نضلة بن عبيد على الأصح. وقيل: نضلة بن عمرو. وقيل: نضلة بن عائذ، ويقال: ابن عبد الله. وقيل: عبد الله بن نضلة. ويقال: خالد بن نضلة. روى عدة أحاديث. روى عنه: ابنه المغيرة، وحفيدته منية بنت عبيد، وأبو عثمان النهدي، وأبو المنهال سيار، وأبو الوضيء عباد بن نسيب، وكنانة بن نعيم، وأبو الوازع جابر بن عمرو، وعبد الله بن بريدة، وآخرون. نزل البصرة، وأقام مدة مع معاوية. قال ابن سعد: أسلم قديما، وشهد فتح مكة. قلت: وشهد خيبر. وكان آدم ربعة، وحضر حرب الحرورية مع علي. قال أبو نعيم: هو الذي قتل عبد العزى بن خطل تحت أستار الكعبة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم.
يحيى الحماني: حدثنا حماد، عن الأزرق بن قيس قال: كنا على شاطئ نهر بالأهواز، فجاء أبو برزة يقود فرسا، فدخل في صلاة العصر. فقال رجل: انظروا إلى هذا الشيخ، وكان انفلت فرسه، فاتبعها في القبلة حتى أدركها، فأخذ بالمقود، ثم صلى. قال: فسمع أبو برزة قول الرجل، فجاء فقال: ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله غير هذا، إني شيخ كبير، ومنزلي متراخ، ولو أقبلت على صلاتي، وتركت فرسي، ثم ذهبت أطلبها، لم آت أهلي إلا في جنح الليل. لقد صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت من يسره. فأقبلنا نعتذر مما قال الرجل. وكذا رواه شعبة، عن الأزرق قال: كنت مع أبي برزة بالأهواز، فقام يصلي العصر، وعنان فرسه بيده، فجعلت ترجع، وجعل أبو برزة ينكص معها. قال: ورجل من الخوارج يشتمه، فلما فرغ، قال: إني غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستا أو سبعا، وشهدت تيسيره.(أعلام/138)
همام، عن ثابت البناني، أن أبا برزة كان يلبس الصوف، فقيل له: إن أخاك عائذ بن عمرو يلبس الخز، قال: ويحك! ومن مثل عائذ!؟ فانصرف الرجل، فأخبر عائذا، فقال: ومن مثل أبي برزة!؟ قلت: هكذا كان العلماء يوقرون أقرانهم.
عن أبي برزة قال: كنا نقول في الجاهلية: من أكل الخمير سمن، فأجهضنا القوم يوم خيبر عن خبزة لهم، فجعل أحدنا يأكل منه الكسرة، ثم يمس عطفيه، هل سمن؟ وقيل: كانت لأبي برزة جفنة من ثريد غدوة وجفنة عشية، للأرامل واليتامى والمساكين وكان يقوم إلى صلاة الليل، فيتوضأ، ويوقظ أهله - رضي الله عنه -. وكان يقرأ بالستين إلى المائة. يقال: مات أبو برزة بالبصرة. وقيل: بخراسان. وقيل: بمفازة بين هراة وسجستان. وقيل: شهد صفين مع علي. يقال: مات قبل معاوية في سنة ستين وقال الحاكم: توفي سنة أربع وستين.
وقال ابن سعد: مات بمرو. قيل: كان أبو برزة وأبو بكرة متواخيين.
الأنصاري: حدثنا عوف، حدثنا أبو المنهال قال: لما فر ابن زياد، ورتب مروان بالشام، وابن الزبير بمكة، اغتم أبي، وقال: انطلق معي إلى أبي برزة الأسلمي ; فانطلقنا إليه في داره، فقال: يا أبا برزة، ألا ترى؟ فقال: إني أحتسب عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش. وذكر الحديث.(أعلام/139)
أبو بشر (ع)
جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري البصري ثم الواسطي أحد الأئمة والحفاظ.
حدث عن الشعبي، وسعيد بن جبير، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، ومجاهد، وطاوس، وعطاء، وعكرمة، وأبي الضحى، وميمون بن مهران، ونافع العمري، وعدة. وروى عن عباد بن شرحبيل اليشكري، وله صحبة.
وحدث عنه الأعمش، وشعبة، وأبو عوانة، وهشيم، وخالد بن عبد الله وآخرون. وثقه أبو حاتم الرازي وغيره.
وقال أحمد بن حنبل: أبو بشر أحب إلينا من المنهال بن عمرو وأوثق. وقال يحيى القطان: كان شعبة يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد، وقال: لم يسمع منه شيئا، وقال شعبة أيضا: أحاديث أبي بشر، عن حبيب بن سالم ضعيفة.
وقال أبو أحمد بن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
قال نوح بن حبيب: كان أبو بشر ساجدا خلف المقام حين مات رحمه الله. مات سنة أربع وعشرين ومائة وقال مطين وغيره: مات سنة، ثلاث وعشرين ومائة وقال علي بن محمد المدائني وجماعة: توفي سنة خمس وعشرين ومائة.(أعلام/140)
أبو بكر الرازي
الإمام العلامة المفتي المجتهد، عالم العراق أبو بكر، أحمد بن علي الرازي الحنفي، صاحب التصانيف.
تفقه بأبي الحسن الكرخي، وكان صاحب حديث ورحلة، لقي أبا العباس الأصم، وطبقته بنيسابور، وعبد الباقي بن قانع، ودعلج بن أحمد، وطبقتهما ببغداد، والطبراني، وعدة بأصبهان.
وصنف وجمع وتخرج به الأصحاب ببغداد، وإليه المنتهى في معرفة المذهب.
قدم بغداد في صباه فاستوطنها.
وكان مع براعته في العلم ذا زهد وتعبد، عرض عليه قضاء القضاة فامتنع منه، ويحتج في كتبه بالأحاديث المتصلة بأسانيده.
قال الخطيب: حدثنا أبو العلاء الواسطي، قال: امتنع القاضي أبو بكر الأبهري المالكي من أن يلي القضاء، قالوا له: فمن يصلح؟ قال: أبو بكر الرازي. قال: وكان الرازي يزيد حاله على منزلة الرهبان في العبادة، فأريد على القضاء، فامتنع رحمه الله وقيل كان يميل إلى الاعتزال، وفي تواليفه ما يدل على ذلك في رؤية الله وغيرها، نسأل الله السلامة.
مات في ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة وله خمس وستون سنة.
وفيها مات أحمد بن منصور اليشكري الدينوري، ومسند خراسان أبو سهل بشر بن أحمد بن بشر الإسفراييني المحدث، ومحدث حلب أبو محمد الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي الحافظ، ومحدث مصر أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري، وشيخ العربية أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه، ومسند أصبهان أبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن فورك القباب، وإمام اللغة أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهري الهروي، وأبو بكر محمد بن جعفر البغدادي غندر الوراق، والمقرئ أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الرازي الديبلي، وعبد الله بن محمد بن أحمد الصائغ بأصبهان، ارتحل إلى الفريابي.(أعلام/141)
أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
اسمه عبد الله - ويقال عتيق بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي رضي الله عنه
روى عنه خلق من الصحابة وقدماء التابعين، من آخرهم: أنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وقيس بن أبي حازم، ومرة الطيب.
قال ابن أبي مليكة وغيره، إنما كان عتيق لقبا له.
وعن عائشة، قالت: اسمه الذي سماه أهله به " عبد الله " ولكن غلب عليه " عتيق ".
وقال ابن معين: لقبه عتيق؛ لأن وجهه كان جميلا، وكذا قال الليث بن سعد.
وقال غيره: كان أعلم قريش بأنسابها.
وقيل: كان أبيض، نحيفا، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب شيبه بالحناء والكتم.
وكان أول من آمن من الرجال.
وقال ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة: عتيق.
وعن عائشة، قالت: ما أسلم أبو أحد من المهاجرين إلا أبو بكر.
وعن الزهري، قال: كان أبو بكر أبيض أصفر لطيفا جعدا مسترق الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه.
وجاء أنه اتجر إلى بصرى غير مرة، وأنه أنفق أمواله على النبي صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر ".
وقال عروة بن الزبير: أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف دينار.
وقال عمرو بن العاص: يا رسول الله، أي الرجال أحب إليك؟ قال: " أبو بكر ".
وقال أبو سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن، ولا يحبهما منافق ".(أعلام/142)
وقال الشعبي، عن الحارث، عن علي، أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر، فقال: " هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين، ولا تخبرهما يا علي " وروي نحوه من وجوه مقاربة عن زر بن حبيش، وعن عاصم بن ضمرة، وهرم، عن علي. وقال طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس مثله.
وقال محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس مثله. أخرجه الترمذي قال: حديث حسن غريب. ثم رواه من حديث الموقري، عن الزهري، ولم يصح.
قال ابن مسعود: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ".
روى مثله ابن عباس، فزاد: " ولكن أخي وصاحبي في الله، سدوا كل خوجة الخوخة: باب صغير كالنافذة. في المسجد غير خوخة أبي بكر ".
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن عمر أنه قال: أبو بكر سيدنا وخيرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صححه الترمذي. وصحح من حديث الجريري، عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قالت: عمر، قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة، قلت: ثم من؟ فسكتت.(أعلام/143)
مالك في " الموطأ " عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر، فقال: " إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده " فقال أبو بكر: فديناك يا رسول الله بآبائنا وأمهاتنا، قال: فعجبنا، فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا به، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: " إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر " متفق على صحته.
وقال أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أبي المعلى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، والأول أصح. وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن صاحبكم خليل الله " قال الترمذي: حديث حسن غريب.
وكذا قال في حديث كثير النواء، عن جميع بن عمير، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: " أنت صاحبي على الحوض، وصاحبي في الغار ".
وروى عن القاسم، عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره " تفرد به عيسى بن ميمون، عن القاسم، وهو متروك الحديث.(أعلام/144)
وقال محمد بن جبير بن مطعم: أخبرني أبي أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء فأمرها بأمر، فقالت: أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال: " إن لم تجديني فأتي أبا بكر " متفق على صحته.
وقال أبو بكر الهذلي، عن الحسن، عن علي، قال: لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس، وإني لشاهد وما بي مرض، فرضينا لدنيانا من رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا.
وقال صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: " ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ". هذا حديث صحيح.
وقال نافع بن عمر: حدثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: " ادعوا لي أبا بكر وابنه فليكتب، لكيلا يطمع في أمر أبي بكر طامع ولا يتمنى متمن " ثم قال: " يأبى الله ذلك والمسلمون " تابعه غير واحد، منهم عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، ولفظه: " معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر ".
وقال زائدة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر فأم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر، رضي الله عنه.(أعلام/145)
وأخرج البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني، قال: سمعت أبا الدرداء يقول: كان بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضبا، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو الدرداء: ونحن عنده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أما صاحبكم هذا فقد غامر ". قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ إني قلت: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت ".
وأخرج أبو داود من حديث عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني، قال: حدثني أبو خالد مولى جعدة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أتاني جبريل فأخذ بيدي، فأراني الباب الذي تدخل منه أمتي الجنة " فقال أبو بكر: وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه، قال: " أما إنك أول من يدخل الجنة من أمتي " أبو خالد مولى جعدة لا يعرف إلا بهذا الحديث.
وقال إسماعيل بن سميع، عن مسلم البطين، عن أبي البختري، قال: قال عمر لأبي عبيدة: ابسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أنت أمين هذه الأمة "، فقال: ما كنت لأتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنا، فأمنا حتى مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.(أعلام/146)
وقال أبو بكر بن عياش: أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن؛ لأن في القرآن في المهاجرين: أولئك هم الصادقون [الحجرات] فمن سماه الله صادقا لم يكذب، هم سموه، وقالوا: يا خليفة رسول الله.
وقال إبراهيم بن طهمان، عن خالد الحذاء، عن حميد بن هلال، قال: لما بويع أبو بكر أصبح وعلى ساعده أبراد، فقال عمر: ما هذا؟ قال: يعني لي عيال، فقال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة. فانطلقنا إلى أبي عبيدة، فقال: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين وكسوته، ولك ظهرك إلى البيت.
وقالت عائشة: لما استخلف أبو بكر ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت المال، وقال: قد كنت أتجر فيه وألتمس به، فلما وليتهم شغلوني. وقال عطاء بن السائب: لما استخلف أبو بكر أصبح وعلى رقبته أثواب يتجر فيها، فلقيه عمر وأبو عبيدة فكلماه، فقال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا: انطلق حتى نفرض لك. قال: ففرضوا له كل يوم شطر شاة، وماكسوه في الرأس والبطن. وقال عمر: إلي القضاء، وقال أبو عبيدة: إلي الفيء. فقال عمر: لقد كان يأتي علي الشهر ما يختصم إلي فيه اثنان.
وعن ميمون بن مهران، قال: جعلوا له ألفين وخمسمائة.
وقال محمد بن سيرين: كان أبو بكر أعبر هذه الأمة لرؤيا بعد النبي، صلى الله عليه وسلم.
وقال الزبير بن بكار، عن بعض أشياخه، قال: خطباء الصحابة: أبو بكر، وعلي.
وقال عنبسة بن عبد الواحد: حدثني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها كانت تدعو على من زعم أن أبا بكر قال هذه الأبيات، وقالت: والله ما قال أبو بكر شعرا في جاهلية ولا في إسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية.
وقال كثير النواء، عن أبي جعفر الباقر: إن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا [الحجر] الآية.(أعلام/147)
وقال حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر صعد المنبر، ثم قال: ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، فمن قال غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مفتر، عليه ما على المفتري.
وقال أبو معاوية وجماعة: حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب أبو بكر، وعمر، وعثمان استوى الناس، فيبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره.
وقال علي، رضي الله عنه: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعمر. هذا والله العظيم قاله علي، وهو متواتر عنه؛ لأنه قاله على منبر الكوفة، فلعن الله الرافضة ما أجهلهم.
وقال السدي، عن عبد خير، عن علي، قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. إسناده حسن.
وقال عقيل، عن الزهري أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إن فيها لسم سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحد، قال: فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة.
وعن عائشة، قالت: أول ما بدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل، وكان يوما باردا فحم خمسة عشر يوما لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة، وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه. وتوفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة. وكانت خلافته سنتين ومائة يوم.
وقال أبو معشر: سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، عن ثلاث وستين سنة.(أعلام/148)
وقال الواقدي: أخبرني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن أبي سلمة. قال: وأخبرنا بردان بن أبي النضر، عن محمد بن إبراهيم التيمي. وأخبرنا عمرو بن عبد الله، عن أبي النضر، عن عبد الله النخعي، دخل حديث بعضهم في بعض: أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، قال: وإن، فقال: هو والله أفضل من رأيك فيه. ثم دعا عثمان فسأله عن عمر، فقال: علمي فيه أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله. فقال: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد، وأسيد بن الحضير وغيرهما، فقال قائل: ما تقول لربك إذا سألك عن استخلافك عمر وقد ترى غلظته؟ فقال: أجلسوني، أبالله تخوفوني؟ أقول: استخلفت عليهم خير أهلك.
ثم دعا عثمان، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرا، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون [الشعراء]
وقال بعضهم في الحديث: لما أن كتب عثمان الكتاب أغمي على أبي بكر، فكتب عثمان من عنده اسم عمر، فلما أفاق أبو بكر قال: اقرأ ما كتبت، فقرأ، فلما ذكر عمر كبر أبو بكر، وقال: أراك خفت إن افتلتت نفسي الاختلاف، فجزاك الله عن الإسلام خيرا، والله إن كنت لها أهلا.(أعلام/149)
وقال علوان بن داود البجلي، عن حميد بن عبد الرحمن، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه. وقد رواه الليث بن سعد، عن علوان، عن صالح نفسه، قال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه فسلمت عليه وسألته: كيف أصبحت؟ فقال: بحمد الله بارئا، أما إني على ما ترى وجع، وجعلتم لي شغلا مع وجعي، جعلت لكم عهدا بعدي، واخترت لكم خيركم في نفسي، فكلكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له.
ثم قال: أما إني لا آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتهن، وثلاث لم أفعلهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن: وددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الخرب، وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق عمر أو أبي عبيدة، ووددت أني كنت وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة وأقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون وإلا كنت لهم مددا وردءا، ووددت أني يوم أتيت بالأشعث أسيرا ضربت عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يكون شر إلا طار إليه، ووددت أني يوم أتيت بالفجاءة السلمي لم أكن حرقته وقتلته أو أطلقته، ووددت أني حيث وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فأكون قد بسطت يميني وشمالي في سبيل الله. ووددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في من هذا الأمر ولا ينازعه أهله، وأني سألته هل للأنصار في هذا الأمر شيء؟ وأني كنت سألته عن العمة وبنت الأخ، فإن في نفسي منها حاجة. رواه هكذا، وأطول من هذا ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن صالح بن كيسان، أخرجه كذلك ابن عائذ.
وقال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبيه، عن جده، أن عائشة قالت: حضرت أبي وهو يموت فأخذته غشية فتمثلت:
من لا يزال دمعه مقنعا
فإنه لا بد مرة مدفوق(أعلام/150)
فرفع رأسه وقال: يا بنية ليس كذلك، ولكن كما قال الله تعالى: وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد (ق) وقال موسى الجهني، عن أبي بكر بن حفص بن عمر أن عائشة تمثلت لما احتضر أبو بكر:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال: ليس كذلك، ولكن: وجاءت سكرة الموت بالحق إني قد نحلتك حائطا وإن في نفسي منه شيئا فرديه على الميراث، قالت: نعم، قال: أما إنا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما، ولكنا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المسلمين شيء إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر، ففعلت.
وقال القاسم، عن عائشة أن أبا بكر حين حضره الموت قال: إني لا أعلم عند آل أبي بكر غير هذه اللقحة وغير هذا الغلام الصيقل، كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا، فإذا مت فادفعيه إلى عمر، فلما دفعته إلى عمر قال: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده.
وقال الزهري: أوصى أبو بكر أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، فإن لم تستطع استعانت بابنه عبد الرحمن.
وقال عبد الواحد بن أيمن وغيره، عن أبي جعفر الباقر، قال: دخل علي على أبي بكر بعدما سجي، فقال: ما أحد ألقى الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجى.
وعن القاسم، قال: أوصى أبو بكر أن يدفن إلى جنب رسول الله فحفر له، وجعل رأسه عند كتفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس عمر عند حقوي أبي بكر.
وقالت عائشة: مات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح.
وعن مجاهد، قال: كلم أبو قحافة في ميراثه من ابنه، فقال: قد رددت ذلك على ولده، ثم لم يعش بعده إلا ستة أشهر وأياما.(أعلام/151)
وجاء أنه ورثه أبوه وزوجتاه أسماء بنت عميس، وحبيبة بنت خارجة والدة أم كلثوم، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم.
ويقال: إن اليهود سمته في أرزة فمات بعد سنة، وله ثلاث وستون سنة، رضي الله عنه وأرضاه.(أعلام/152)
أبو بكر بن عبد الرحمن (ع)
ابن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، الإمام، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة النبوية، أبو عبد الرحمن، والصحيح أن اسمه كنيته، وهو من سادة بني مخزوم، وهو والد عبد الله، وسلمة، وعبد الملك، وعمر، وأخو عبد الله، وعبد الملك، وعكرمة، ومحمد، ومغيرة، ويحيى، وعائشة، وأم الحارث، وكان ضريرا.
حدث عن أبيه، وعمار بن ياسر، وأبي مسعود الأنصاري، وعائشة، وأم سلمة، وأبي هريرة، ونوفل بن معاوية، ومروان بن الحكم، وعبد الرحمن بن مطيع، وأبي رافع النبوي، وأسماء بنت عميس، وطائفة.
وعنه ابناه عبد الله وعبد الملك، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، والشعبي، وعراك بن مالك، وعمرو بن دينار، والزهري، وعبد ربه بن سعيد، وعكرمة بن خالد، وسمي مولاه، وإبراهيم بن مهاجر، وعبد الله بن كعب الحميري، وعبد الواحد بن أيمن، وابن أخته القاسم بن محمد بن عبد الرحمن، وخلق كثير.
قال الواقدي: اسمه كنيته، وقد أضر، وقد استصغر يوم الجمل فرد هو وعروة. وكان ثقة، فقيها، عالما سخيا، كثير الحديث.
قال ابن سعد ولد في خلافة عمر، وكان يقال له: راهب قريش لكثرة صلاته، وكان مكفوفا.
وقال العجلي وغيره: تابعي ثقة.
وقال ابن خراش: هو أحد أئمة المسلمين، هو وإخوته يضرب بهم المثل.
قال أبو داود: كان إذا سجد يضع يده في طشت ماء من علة كان يجدها.
وقال الزبير بن بكار: هو أحد فقهاء المدينة السبعة، وكان يسمى الراهب، وكان من سادات قريش.
قال إبراهيم بن المنذر: حدثنا معن، عن ابن أبي الزناد، أن الفقهاء السبعة الذين كان أبو الزناد يذكرهم: سعيد بن المسيب، وعروة، والقاسم، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار.(أعلام/153)
وروى الشعبي عن عمر بن عبد الرحمن أن أخاه أبا بكر كان يصوم ولا يفطر. . في حديث ذكره.
قلت: كان أبو بكر بن عبد الرحمن ممن جمع العلم والعمل والشرف، وكان ممن خلف أباه في الجلالة.
قال الهيثم بن عدي، وعلي بن عبد الله التميمي، وابن نمير، وابن معين، وأبو عمر الضرير، والفلاس، وأبو عبيد: مات سنة أربع وتسعين.
وروى الواقدي، عن عبد الله بن جعفر المخرمي، قال: صلى أبو بكر بن عبد الرحمن العصر، فدخل مغتسله فسقط، فجعل يقول: والله ما أحدثت في صدر نهاري هذا شيئا. فما علمت أن الشمس غربت حتى مات، وذلك في سنة أربع وتسعين بالمدينة.
قال الواقدي يقال لها: سنة الفقهاء لكثرة من مات منهم. وقيل: مات سنة خمس وتسعين.
أخبرنا محمد بن الحسين القرشي، أنبأنا محمد بن عماد، أنبأنا عبد الله بن رفاعة، أنبأنا أبو الحسن الخلعي، أنبأنا أبو محمد بن النحاس، أنبأنا أبو الطاهر المديني، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبي مسعود، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن.
وبه إلى يونس: حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب، عن أبي بكر أن أبا مسعود عقبة بن عمرو حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ثلاث هن سحت: ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن ".
وأخرجه أصحاب الأمهات الستة من حديث ابن عيينة، ومالك، والليث، عن الزهري.
وكان والده عبد الرحمن بن الحارث من كبار التابعين وأشراف قومه.
يوصف بالعقل والفضل، ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وما علمت له صحبة. له رواية في صحيح البخاري.(أعلام/154)
أبو بكر بن عياش (خ، 4)
ابن سالم الأسدي، مولاهم الكوفي الحناط -بالنون- المقرئ، الفقيه، المحدث، شيخ الإسلام، وبقية الأعلام مولى واصل الأحدب.
وفي اسمه أقوال: أشهرها شعبة، فإن أبا هاشم الرفاعي، وحسين بن عبد الأول، سألاه عن اسمه، فقال: شعبة. وسأله يحيى بن آدم وغيره عن اسمه، فقال: اسمي كنيتي. وأما النسائي فقال: اسمه محمد. وقيل: اسمه مطرف. وقيل رؤبة. وقيل: عتيق. وقيل: سالم. وقيل: أحمد، وعنترة، وقاسم، وحسين، وعطاء، وحماد، وعبد الله.
قال هارون بن حاتم: سمعته يقول: ولدت سنة خمس وتسعين.
قرأ أبو بكر القرآن، وجوده ثلاث مرات على عاصم بن أبي النجود، وعرضه أيضا فيما بلغنا على عطاء بن السائب، وأسلم المنقري.
وحدث عن: عاصم، وأبي إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير، وإسماعيل السدي، وصالح مولى عمرو بن حريث، حدثه عن أبي هريرة، وحصين بن عبد الرحمن، وأبي حصين عثمان بن عاصم، وحميد الطويل، والأعمش، وهشام بن حسان، ومنصور بن المعتمر، ومغيرة بن مقسم، ومطرف بن طريف، ويحيى بن هانئ المرادي، ودهثم بن قران، وسفيان التمار، وحبيب بن أبي ثابت، وهو من كبار شيوخه، وعبد العزيز بن رفيع، وهشام بن عروة، وخلق سواهم.
حدث عنه: ابن المبارك، والكسائي، ووكيع، وأبو داود، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وإسحاق ابن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، وعلي بن محمد الطنافسي، والحسن بن عرفة، وأبو هشام الرفاعي، ويحيى الحماني، وهناد بن السري، وخلق كثير، آخرهم موتا: أحمد بن عبد الجبار العطاردي.(أعلام/155)
وتلا عليه جماعة، منهم: أبو الحسن الكسائي، ومات قبله، ويحيى العليمي، وأبو يوسف الأعشى، وعبد الحميد بن صالح البرجمي، وعروة بن محمد الأسدي، وعبد الرحمن بن أبي حماد، وأخذ عنه الحروف تحريرا وإتقانا: يحيى بن آدم. ذكره أحمد بن حنبل فقال: ثقة، ربما غلط، صاحب قرآن وخير.
قال أبو حاتم: سمعت علي بن صالح الأنماطي، سمعت أبا بكر بن عياش يقول: القرآن كلام الله ألقاه إلى جبريل، وألقاه جبريل إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-، منه بدأ، وإليه يعود.
وقال ابن المبارك: ما رأيت أحدا أسرع إلى السنة من أبي بكر بن عياش وقال يحيى بن معين: ثقة. وقال غير واحد: إنه صدوق، وله أوهام. وقال أحمد: كان يحيى بن سعيد لا يعبأ بأبي بكر، وإذا ذكر عنده، كلح وجهه.
وروى مهنا بن يحيى، عن أحمد بن حنبل، قال: أبو بكر كثير الغلط جدا، وكتبه ليس فيها خطأ.
قال علي ابن المديني: سمعت يحيى القطان، يقول: لو كان أبو بكر بن عياش بين يدي ما سألته عن شيء. ثم قال: إسرائيل فوقه.
قال محمد بن عبد الله بن نمير: أبو بكر ضعيف في الأعمش وغيره.
وقال عثمان الدارمي: أبو بكر وأخوه حسن ليسا بذاك.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي بكر، وأبي الأحوص. فقال: ما أقربهما، لا أبالي بأيهما بدأت. وقال أبي: أبو بكر وشريك في الحفظ سواء، غير أن أبا بكر أصح كتابا.
وقال نعيم بن حماد: سمعت أبا بكر يقول: سخاء الحديث كسخاء المال.(أعلام/156)
قلت: فأما حاله في القراءة، فقيم بحرف عاصم، وقد خالفه حفص في أزيد من خمسمائة حرف، وحفص أيضا حجة في القراءة، لين في الحديث. وقد وقع لي حديث أبي بكر عاليا، فأنبأنا أحمد بن سلامة، والخضر بن عبد الله بن حمويه، وأحمد بن أبي عصرون، عن أبي الفرج بن كليب، أخبرنا علي بن بيان، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا إسماعيل بن محمد، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فأحرمنا بالحج، فلما قدمنا مكة قال: اجعلوا حجكم عمرة، فقال الناس: يا رسول الله، فكيف نجعلها عمرة، وقد أحرمنا بالحج؟ قال: انظروا الذي آمركم به فافعلوا، فردوا عليه القول فغضب، ثم انطلق حتى دخل على عائشة غضبان، فرأت الغضب في وجهه فقالت: من أغضبك أغضبه الله. قال: وما لي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أتبع هذا حديث صحيح من العوالي، يرويه عدة في وقتنا عن النجيب، وابن عبد الدائم بسماعهما من ابن كليب. أخرجه ابن ماجه عن الثقة عن أبي بكر.
قال عثمان بن أبي شيبة: أحضر هارون الرشيد أبا بكر بن عياش من الكوفة، فجاء ومعه وكيع، فدخل ووكيع يقوده، فأدناه الرشيد، وقال له: قد أدركت أيام بني أمية وأيامنا، فأينا خير؟ قال: أنتم أقوم بالصلاة، وأولئك كانوا أنفع للناس. قال: فأجازه الرشيد بستة آلاف دينار، وصرفه، وأجاز وكيعا بثلاثة آلاف. رواها محمد بن عثمان عن أبيه.
قال أبو داود: حدثنا حمزة بن سعيد المروزي، وكان ثقة، قال: سألت أبا بكر بن عياش. فقلت: قد بلغك ما كان من أمر ابن علية في القرآن. قال: ويلك، من زعم أن القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق عدو الله لا نجالسه ولا نكلمه.(أعلام/157)
روى يحيى بن أيوب، عن أبي عبد الله النخعي، قال: لم يفرش لأبي بكر بن عياش فراش خمسين سنة. ابن أبي شيخ: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: زاملت أبا بكر بن عياش إلى مكة، فما رأيت أورع منه، لقد أهدى له رجل رطبا، فبلغه أنه من بستان أخذ من خالد بن سلمة المخزومي، فأتى آل خالد، فاستحلهم، وتصدق بثمنه.
قال أبو عبد الله المعيطي: رأيت أبا بكر بن عياش بمكة جاءه سفيان بن عيينة، فبرك بين يديه، فجاء رجل يسأل سفيان عن حديث، فقال: لا تسألني عن حديث ما دام هذا الشيخ قاعدا. رواها يعقوب بن شيبة عن المعيطي، وقال: فجعل أبو بكر يقول: يا سفيان، كيف أنت؟ وكيف عائلة أبيك؟
قال أحمد بن حنبل: سمعت أبا بكر يقول: قال لي عبد الملك بن عمير: حدثني. وكنت أحدث أبا إسحاق السبيعي، فيستمع إلي، وكنت أحدث الأعمش، فيستعيدني.
قال أبو هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر يقول: أنا أكبر من سفيان الثوري بسنتين. وقال سفيان بن عيينة: أبو بكر أكبر مني بعشر سنين. وقال الأخنسي: سمعت أبا بكر يقول: والله لو أعلم أن أحدا يطلب الحديث بمكان كذا وكذا، لأتيت منزله حتى أحدثه.
وعن محمد بن عيسى بن الطباع، قال: شهد أبو بكر بن عياش عند شريك، فكأنه رأى من شريك استخفافا. فقال: أعوذ بالله أن أكون جبارا، قال: فقال شريك: ما كنت أظن أن هذا الحناط هكذا أحمق.
وقال أبو أحمد الزبيري: كنت عند الثوري، وكان أبو بكر بن عياش غائبا، فجاءه أخوه الحسن بن عياش، فقال سفيان: أيش حال شعبة، قدم بعد؟ يعني أخاه.
وقال بشر الحافي: قال عيسى بن يونس: سألت أبا بكر بن عياش عن الحديث، فقال: إن كنت تحب أن تحدث فلست بأهل أن تؤتى، وإن كنت تكره أن تؤتى، فبالحري أن تنجو.(أعلام/158)
قال يعقوب الفسوي: سمعت أحمد بن يونس، وذكروا له حديثا أنكروه من حديث أبي بكر، عن الأعمش. فقال: كان الأعمش يضرب هؤلاء ويشتمهم ويطردهم، وكان يأخذ بيد أبي بكر، فيجلس معه في زاوية لحال القرآن.
وقال أبو هشام الرفاعي: قال أبو بكر بن عياش للحسن بن الحسن بالمدينة: ما أبقت الفتنة منك؟ فقال: وأي فتنة رأيتني فيها؟ قال: رأيتهم يقبلون يدك ولا تمنعهم.
أبو هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: أبو بكر الصديق خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نص القرآن، لأن الله تعالى يقول: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون [الحشر: 8] قال: فمن سماه الله صادقا فليس يكذب، هم قالوا: يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -.
قال يعقوب بن شيبة الحافظ: كان أبو بكر معروفا بالصلاح البارع، وكان له فقه، وعلم الأخبار، وفي حديثه اضطراب.
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطا من أبي بكر.
وقال يزيد بن هارون: كان أبو بكر بن عياش خيرا فاضلا، لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة.
وقال يحيى بن عبد الحميد الحماني: حدثني أبو بكر بن عياش قال: جئت ليلة إلى زمزم، فاستقيت منه دلوا لبنا وعسلا.
قال أبو هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر يقول: الخلق أربعة: معذور، ومخبور، ومجبور، ومثبور. فالمعذور: البهائم، والمخبور: ابن آدم، والمجبور: الملك، والمثبور: الجن.
وعن أبي بكر بن عياش قال: أدنى نفع السكوت السلامة، وكفى به عافية، وأدنى ضرر المنطق الشهرة، وكفى بها بلية.
روى عثمان بن سعيد الدارمي، عن يحيى بن معين، قال: الحسن بن عياش، وأخوه أبو بكر: ثقتان.(أعلام/159)
قال أحمد بن يزيد: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: سمعت الأعمش يقول لأصحاب الحديث، إذا حدث بثلاثة أحاديث: قد جاءكم السيل، وأنا اليوم مثل الأعمش.
فقلت: من فوائد أبي عمرو أحمد بن محمد النيسابوري، حدثنا أبو تراب محمد بن الفرج، قال: سمعت خالد بن عبد الله الكوفي يقول: كان في سكة أبي بكر بن عياش كلب، إذا رأى صاحب محبرة حمل عليه، فأطعمه أصحاب الحديث شيئا فقتلوه، فخرج أبو بكر، فلما رآه ميتا قال: إنا لله، ذهب الذي كان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.
قال يحيى بن آدم: قال لي أبو بكر: تعلمت من عاصم القرآن كما يتعلم الصبي من المعلم، فلقي مني شدة، فما أحسن غير قراءته. وهذا الذي أحدثك به من القراءات، إنما تعلمته من عاصم تعلما. وفي رواية عن أبي بكر قال: أتيت عاصما، وأنا حدث.
وقال هارون بن حاتم: سمعت رجلا أنه سأل أبا بكر: أقرأت على أحد غير عاصم؟ قال: نعم، على عطاء بن السائب، وأسلم المنقري. هذا إسناد لم يصح.
قال يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش قال: تعلمت القرآن من عاصم خمسا خمسا، ولم أتعلم من غيره، ولا قرأت على غيره. يحيى، عن أبي بكر قال: اختلفت إلى عاصم نحوا من ثلاث سنين، في الحر والشتاء والمطر، حتى ربما استحييت من أهل مسجد بني كاهل.
وقال لي عاصم: احمد الله -تعالى- فإنك جئت وما تحسن شيئا، فقلت: إنما خرجت من المكتب ثم جئت إليك. قال: فلقد فارقت عاصما، وما أسقط من القرآن حرفا. قال عبيد بن يعيش: سمعت أبا بكر يقول: ما رأيت أحدا أقرأ من عاصم، فقرأت عليه، وما رأيت أحدا أفقه من المغيرة فلزمته.
وعن أبي بكر بن عياش قال: الدخول في العلم سهل، لكن الخروج منه إلى الله شديد.
وعن بشر بن الحارث، سمع أبا بكر بن عياش يقول: يا ملكي ادعوا الله لي، فإنكما أطوع لله مني.(أعلام/160)
وقد روي من وجوه متعددة، أن أبا بكر بن عياش مكث نحوا من أربعين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة. وهذه عبادة يخضع لها، ولكن متابعة السنة أولى. فقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. وقال عليه السلام: لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث.
قال أبو العباس بن مسروق: حدثنا يحيى الحماني، قال: لما حضرت أبا بكر الوفاة، بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك؟ انظري إلى تلك الزاوية، فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة.
قال سفيان بن عيينة: قال لي أبو بكر بن عياش: رأيت الدنيا في النوم عجوزا مشوهة.
وروى ابن أبي الدنيا، عن محمد بن عبيد القرشي - وهو والده، إن شاء الله - قال: قال أبو بكر بن عياش: وددت أنه صفح لي عما كان مني في الشباب، وأن يدي قطعتا. سئل أبو بكر عن القرآن فقال: هو كلام الله غير مخلوق. وعن أبي بكر قال: إمامنا يهمز (مؤصدة) فأشتهي أن أسد أذني إذا همزها.
قال أحمد بن يونس: قلت لأبي بكر بن عياش: لي جار رافضي قد مرض. قال: عده مثل ما تعود اليهودي والنصراني، لا تنوي فيه الأجر.
قال يوسف بن يعقوب الصفار: سمعت أبا بكر يقول: ولدت سنة سبع وتسعين. وأخذت رزق عمر بن عبد العزيز، ومكثت خمسة أشهر، ما شربت ماء، ما أشرب إلا النبيذ. قلت: النبيذ الذي هو نقيع التمر، ونقيع الزبيب، ونحو ذلك، والفقاع، حلال شربه، وأما نبيذ الكوفيين الذي يسكر كثيره، فحرام الإكثار منه عند الحنفية وسائر العلماء، وكذلك يحرم يسيره عند الجمهور، ويترخص فيه الكوفيون، وفي تحريمه عدة أحاديث.(أعلام/161)
وكان الإمام أبو بكر قد قطع الإقراء قبل موته بنحو من عشرين سنة، ثم كان يروي الحروف، فقيدها عنه يحيى بن آدم عالم الكوفة، واشتهرت قراءة عاصم من هذا الوجه وتلقتها الأمة بالقبول، وتلقاها أهل العراق. وأما الحديث، فيأتي أبو بكر فيه بغرائب، ومناكير.
قال محمد بن المثنى: ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي حديث أبى بكر بن عياش عن منصور، عن مجاهد، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عمر: لا تقطع الخمس إلا في خمس، وحديث مطرف عن الشعبي، أن عمر قال: لا يرث قاتل خطأ ولا عمدا. حدث بهما أبو بكر، فأيهما أنكر عندك؟ -وكان حديث مطرف عندي أنكر- فقال: حديث منصور، ثم قال عبد الرحمن: قد سمعتهما منه منذ أربعين سنة.
قال أحمد بن عبد الله بن يونس: حدثنا أبو بكر، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: أتى رجل أهله، فرأى ما بهم من الخصاصة، فخرج إلى البرية، فقالت امرأته: اللهم ارزقنا ما يعتجن، ويختبز، قال: فإذا الجفنة ملأى عجينا، وإذا الرحى تطحن، وإذا التنور ملأى جنوب شواء. فجاء زوجها، فقال: عندكم شيء؟ قالت: نعم رزق الله، فجاء فكنس ما حول الرحى، فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: لو تركها لدارت أو لطحنت إلى يوم القيامة فهذا حديث منكر.
قال أحمد بن حنبل: كان يحيى بن سعيد ينكر حديث أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: ذكر عند ابن مسعود امرأة، فقالوا: إنها تغتسل ثم تتوضأ. فقال: أما إنها لو كانت عندي لم تفعل ذلك. قال أحمد: نراه وهم أبو بكر، وإنما هذا يرويه الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة.(أعلام/162)
الحسن بن عليل العنزي: حدثنا محمد بن إسماعيل القرشي، عن أبي بكر بن عياش قال: قال لي الرشيد: كيف استخلف أبو بكر -رضي الله عنه-؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سكت الله، وسكت رسوله، وسكت المؤمنون. فقال: والله ما زدتني إلا عمى. قلت: مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانية أيام، فدخل عليه بلال، فقال: مروا أبا بكر يصلي بالناس، فصلى بالناس ثمانية أيام، والوحي ينزل، فسكت رسول الله لسكوت الله، وسكت المؤمنون لسكوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعجبه ذلك. وقال: بارك الله فيك.
زكريا الساجي: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثني محمد بن عبد الله، حدثني إبراهيم بن أبي بكر بن عياش، قال: طلب الرشيد أبي، فمضى إليه، فقال: إن أبا معاوية حدثني بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يكون قوم بعدي ينبزون بالرافضة، فاقتلوهم فإنهم مشركون فوالله لئن كان الحديث حقا لأقتلنهم، فلما رأيت ذلك خفت وقلت: يا أمير المؤمنين، لئن كان ذلك، فإنهم ليحبونكم أشد من بني أمية، وهم إليكم أميل. قال: فسري عنه وأمر لي بأربع بدر، فأخذتها. قلت: محمد بن عبد الله مجهول.
قال أبو سعيد الأشج: قدم جرير بن عبد الحميد، فأخلي له مجلس أبي بكر بن عياش، فقال أبو بكر: والله لأخرجن غدا من رجالي رجلين لا يبقى عند جرير أحد. قال: فأخرج أبا إسحاق السبيعي، وأبا حصين. الأحمسي: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من أبي بكر بن عياش. قال نعيم بن حماد: كان أبو بكر بن عياش يبزق في وجوه أصحاب الحديث. وقد اعتنى أبو أحمد بن عدي بأمر أبي بكر، وقال: لم أر له حديثا منكرا من رواية ثقة عنه.(أعلام/163)
قال يوسف بن يعقوب الصفار وغيره، ويحيى بن آدم، وأحمد بن حنبل: مات أبو بكر في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة قلت: عاش ستا وتسعين سنة. أخبرنا ابن قوام، وجماعة قالوا: أخبرنا ابن الزبيدي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا الداودي، أخبرنا ابن حمويه، أخبرنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا يوسف بن راشد، حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا أبو بكر، عن حميد، عن أنس سمعه يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا كان يوم القيامة شفعت. فقلت: يا رب أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة، فيدخلون، ثم أقول: يا رب أدخل الجنة من كان في قلبه أدنى شيء. فقال أنس: كأني أنظر إلى أصابع رسول الله. هذا من أغرب ما في الصحيح. ويوسف: هو القطان، نسبه إلى جده وأحمد: هو اليربوعي.(أعلام/164)
أبو بكرة الثقفي الطائفي (ع)
مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - اسمه نفيع بن الحارث، وقيل: نفيع بن مسروح.
تدلى في حصار الطائف ببكرة، وفر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسلم على يده، وأعلمه أنه عبد، فأعتقه.
روى جملة أحاديث.
حدث عنه بنوه الأربعة: عبيد الله، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، ومسلم، وأبو عثمان النهدي، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعقبة بن صهبان، وربعي بن حراش، والأحنف بن قيس، وغيرهم. سكن البصرة. وكان من فقهاء الصحابة ووفد على معاوية، وأمه سمية، فهو أخو زياد بن أبيه لأمه.
قال ابن المديني: اسمه نفيع بن الحارث، وكذا سماه ابن سعد. قال ابن عساكر أبو بكرة بن الحارث بن كلدة بن عمرو. وقيل: كان عبدا للحارث بن كلدة، فاستلحقه، وسمية: هي مولاة الحارث، تدلى من الحصن ببكرة، فمن يومئذ كني بأبي بكرة.
وممن روى عنه: ولداه رواد، وكيسة. وكان أبو بكرة ينكر أنه ولد الحارث، ويقول: أنا أبو بكرة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أبى الناس إلا أن ينسبوني، فأنا نفيع بن مسروح.
وقصة عمر مشهورة في جلده أبا بكرة ونافعا، وشبل بن معبد، لشهادتهم على المغيرة بالزنى، ثم استتابهم، فأبى أبو بكرة أن يتوب، وتاب الآخران. فكان إذا جاءه من يشهده يقول: قد فسقوني.
قال البيهقي إن صح هذا، فلأنه امتنع من التوبة من قذفه، وأقام على ذلك. قلت: كأنه يقول: لم أقذف المغيرة، وإنما أنا شاهد، فجنح إلى الفرق بين القاذف والشاهد، إذ نصاب الشهادة لو تم بالرابع، لتعين الرجم، ولما سموا قاذفين.(أعلام/165)
قال أبو كعب صاحب الحرير حدثنا عبد العزيز بن أبي بكرة، أن أباه تزوج امرأة، فماتت، فحال إخوتها بينه وبين الصلاة عليها، فقال: أنا أحق بالصلاة عليها، قالوا: صدق صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إنه دخل القبر، فدفعوه بعنف، فغشي عليه، فحمل إلى أهله، فصرخ عليه عشرون من ابن وبنت، وأنا أصغرهم، فأفاق، فقال: لا تصرخوا فوالله ما من نفس تخرج أحب إلي من نفسي، ففزع القوم، وقالوا: لم يا أبانا؟ قال: إني أخشى أن أدرك زمانا لا أستطيع أن آمر بمعروف ولا أنهى عن منكر، وما خير يومئذ. هذا من معجم الطبراني.
ابن مهدي: حدثنا أبو خشينة، عن عمه الحكم بن الأعرج، قال: جلب رجل خشبا، فطلبه زياد، فأبى أن يبيعه، فغصبه إياه، وبنى صفة مسجد البصرة. قال: فلم يصل أبو بكرة فيها حتى قلعت. ابن إسحاق: عن الزهري، عن سعيد، أن عمر جلد أبا بكرة، ونافع ابن الحارث، وشبلا، فتابا فقبل عمر شهادتهما وأبى أبو بكرة، فلم يقبل شهادته وكان أفضل القوم.
سفيان بن عيينة عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه قال: لما جلد أبو بكرة، أمرت جدتي أم كلثوم بنت عقبة بشاة فسلخت ثم ألبس مسكها فهل ذا إلا من ضرب شديد؟
بقية: عن سليمان الأنصاري، عن الحسن، عن الأحنف، قال: بايعت عليا - رضي الله عنه - فرآني أبو بكرة وأنا متقلد السيف، فقال: ما هذا يا ابن أخي؟ قلت: بايعت عليا. قال: لا تفعل، إنهم يقتتلون على الدنيا ; وإنما أخذوها بغير مشورة.
هوذة: حدثنا عوف، عن أبي عثمان النهدي قال: كنت خليلا لأبي بكرة، فقال لي: أيرى الناس أني إنما عتبت على هؤلاء للدنيا وقد استعملوا ابني عبيد الله على فارس، واستعملوا روادا على دار الرزق، واستعملوا عبد الرحمن على بيت المال ; أفليس في هؤلاء دنيا؟ إني إنما عتبت عليهم لأنهم كفروا.(أعلام/166)
هوذة: وحدثنا هشام، عن الحسن، قال: مر بي أنس، وقد بعثه زياد بن أبيه إلى أبي بكرة يعاتبه، فانطلقت معه، فدخلنا عليه، وهو مريض، وذكر له أنه استعمل أولاده، فقال: هل زاد على أنه أدخلهم النار؟ فقال أنس: إني لا أعلمه إلا مجتهدا. قال: أهل حروراء اجتهدوا، أفأصابوا أم أخطأوا؟ فرجعنا مخصومين.
ابن علية: عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: لما اشتكى أبو بكرة، عرض عليه بنوه أن يأتوه بطبيب، فأبى، فلما نزل به الموت، قال: أين طبيبكم؟ ليردها إن كان صادقا! وقيل: إن أبا بكرة أوصى، فكتب في وصيته: هذا ما أوصى به نفيع الحبشي، وساق الوصية. قال أبو سعد مات أبو بكرة في خلافة معاوية بن أبي سفيان بالبصرة. فقيل: مات سنة إحدى وخمسين وقيل: مات سنة اثنتين وخمسين قاله خليفة بن خياط وصلى عليه أبو برزة الأسلمي الصحابي.
وروينا عن الحسن البصري قال: لم ينزل البصرة أفضل من أبي بكرة، وعمران بن حصين.
مغيرة: عن شباك، عن رجل ; أن ثقيفا سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد إليهم أبا بكرة عبدا، فقال: لا، هو طليق الله وطليق رسوله.
يزيد بن هارون: أخبرنا عيينة بن عبد الرحمن، أخبرني أبي، أنه رأى أبا بكرة - رضي الله عنه - عليه مطرف خز سداه حرير.(أعلام/167)
أبو تميلة (ع)
يحيى بن واضح المروزي الحافظ.
حدث عن: محمد بن إسحاق، وموسى بن عبيدة، وحسين بن واقد المروزي، وأبي طيبة عبد الله بن مسلم، والأوزاعي وطبقتهم.
وعنه: أحمد بن حنبل، وابن راهويه، وسعيد الجرمي، وزياد بن أيوب، ومحمد بن عمرو زنيج، والحسن بن عرفة، وخلق كثير.
قال يحيى بن معين: ثقة.
وقال أحمد: كتبنا عنه على باب هشيم، ليس به بأس - إن شاء الله -.
ووهم أبو حاتم حيث حكى أن البخاري تكلم في أبي تميلة ومشى على ذلك أبو الفرج بن الجوزي. ولم أر ذكرا لأبي تميلة في كتاب " الضعفاء " للبخاري: لا في الكبير ولا الصغير، ثم إن البخاري قد احتج بأبي تميلة، وقد كان محدث مرو مع الفضل بن موسى السيناني. مات سنة نيف وتسعين ومائة. . .(أعلام/168)
أبو ثعلبة الخشني (ع)
صاحب النبي، صلى الله عليه وسلم. روى عدة أحاديث. وله عن معاذ بن جبل، وأبي عبيدة.
حدث عنه: أبو إدريس الخولاني، وجبير بن نفير. وأبو رجاء العطاردي، وأبو أسماء الرحبي، وسعيد بن المسيب، وأبو الزاهرية، ومكحول - إن كان سمع منه - وعمير بن هانئ ; وآخرون.
نزل الشام. وقيل: سكن داريا. وقيل: قرية البلاط وله بها ذرية.
اختلف في اسمه فقيل: جرهم بن ناشم. قاله أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن المديني، وابن سعد، وأبو بكر بن زنجويه.
وقال سعيد بن عبد العزيز: جرثوم بن لاشر.
وقال هشام بن عمار: جرثوم بن عمرو.
وقال ابن سميع: اسمه: جرثوم.
وقال الحافظ عبد الغني الأزدي جرثوم بن ناشر.
وقال البخاري: اسمه جرهم. ويقال: جرثوم بن ناشم. ويقال: ابن ناشب. ويقال: ابن عمرو.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: اسمه: لاشر بن حمير، واعتمده الدولابي.
وقال بقية بن الوليد: شومة بن جرثومة.
وقال خليفة بن خياط: اسمه: لاشق بن جرهم. قال: ويقال: جرثومة بن ناشج. ويقال: جرهم.
وقال البردنجي في " الأسماء المفردة ": اسمه: جرثومة.
وقيل غير ذلك، ولا يكاد يعرف إلا بكنيته.
وقال الدارقطني وغيره: هو من أهل بيعة الرضوان. وأسهم له النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر، وأرسله إلى قومه، وأخوه عمرو بن جرهم، أسلم على عهد النبي، صلى الله عليه وسلم.
أحمد في " مسنده ": حدثنا عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي ثعلبة، قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، اكتب لي بأرض كذا وكذا بالشام، لم يظهر عليها النبي - صلى الله عليه وسلم- حينئذ، فقال: ألا تسمعون ما يقول هذا؟ فقال أبو ثعلبة: والذي نفسي بيده، لنظهرن عليها. فكتب له بها.(أعلام/169)
ورواه أبو عبيد في " الأموال ": حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي قلابة: أن أبا ثعلبة قال. فذكر نحوه، ورواه سعيد بن أبي عروبة، عن أيوب، نحوه.
عمر بن عبد الواحد الدمشقي، عن ابن جابر، عن إسماعيل بن عبيد الله، قال: بينا أبو ثعلبة الخشني، وكعب جالسين ; إذ قال أبو ثعلبة: يا أبا إسحاق، ما من عبد تفرغ لعبادة الله إلا كفاه الله مئونة الدنيا.
قال كعب: فإن في كتاب الله المنزل: من جعل الهموم هما واحدا، فجعله في طاعة الله، كفاه الله ما همه، وضمن السماوات والأرض، فكان رزقه على الله وعمله لنفسه. ومن فرق همومه، فجعل في كل واد هما، لم يبال الله في أيها هلك.
قلت: من التفرغ للعبادة السعي في السبب، ولا سيما لمن له عيال، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: إن أفضل ما أكل الرجل من كسب يمينه.
أما من يعجز عن السبب لضعف أو لقلة حيلة، فقد جعل الله له حظا في الزكاة.
ابن أبي عاصم: حدثنا عمرو بن عثمان: حدثنا أبي: حدثنا خالد بن محمد الكندي وهو والد أحمد بن خالد الوهبي: سمع أبا الزاهرية: سمعت أبا ثعلبة يقول: إني لأرجو ألا يخنقني الله كما أراكم تخنقون.
فبينا هو يصلي في جوف الليل قبض، وهو ساجد. فرأت بنته أن أباها قد مات، فاستيقظت فزعة، فنادت أمها: أين أبي؟ قالت: في مصلاه. فنادته، فلم يجبها، فأنبهته، فوجدته ميتا.
قال أبو حسان الزيادي، وأبو عبيد: توفي سنة خمس وسبعين.(أعلام/170)
أبو ثور (د، ق)
إبراهيم بن خالد، الإمام الحافظ الحجة المجتهد، مفتي العراق أبو ثور، الكلبي البغدادي الفقيه، ويكنى أيضا أبا عبد الله. ولد في حدود سنة سبعين ومائة.
وسمع من: سفيان بن عيينة، وعبيدة بن حميد، وأبي معاوية الضرير، ووكيع بن الجراح وابن علية، ويزيد بن هارون، ومعاذ بن معاذ، وروح بن عبادة، وأبي قطن، وأبي عبد الله الشافعي، وطبقتهم.
حدث عنه: أبو داود، وابن ماجه. وقيل: إن مسلما روى عنه في مقدمة " صحيحه "، وإنما روى عن إبراهيم بن خالد اليشكري، وهو آخر إن شاء الله. وروى عنه أيضا: قاسم بن زكريا المطرز، وأحمد بن الحسن الصوفي، وأبو القاسم البغوي، ومحمد بن إسحاق السراج، ومحمد بن صالح بن ذريح العكبري، وخلق سواهم. وجمع وصنف.
قال أبو بكر الأعين: سألت أحمد بن حنبل عنه، فقال: أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة، وهو عندي في مسلاخ، سفيان الثوري.
وقال النسائي: ثقة مأمون، أحد الفقهاء.
وقال أبو حاتم بن حبان: كان أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وورعا وفضلا. صنف الكتب، وفرع على السنن، وذب عنها، رحمه الله تعالى. ذكره الخطيب، وأثنى عليه، وقال: توفي في صفر سنة أربعين ومائتين.
قلت: عاش سبعين سنة أو أكثر.(أعلام/171)
قرأت على عمر بن عبد المنعم، عن أبي اليمن زيد بن الحسن (ح) وأنبأنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه وجماعة، قالوا: أخبرنا أبو اليمن، وأبو حفص المعلم (ح) ، وأخبرنا المقداد بن أبي القاسم إجازة، أخبرنا عبد العزيز بن الأخضر (ح) ، وأنبأنا يحيى بن أبي منصور الحنبلي، أخبرنا أبو اليمن الكندي، وعبد العزيز بن منينا، قالوا أربعتهم: أخبرنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري، أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي في الرابعة، أخبرنا عبد الله بن إبراهيم بن ماسي، حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي، حدثنا أبو ثور الكلبي، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن حميد، عن بكر بن عبد الله، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقيه في طريق من طرق المدينة، وهو جنب، فانسل، فذهب، فاغتسل، ففقده رسول الله، فلما جاء، قال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: يا رسول الله، لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك، قال:: إن المؤمن، لا ينجس. صحيح، تفرد به حميد الطويل، أخرجه أصحاب الكتب الستة من طريق ابن علية، وجماعة عنه.
وقد كان أحمد يكره تدوين المسائل، ويحض على كتابة الأثر، فقال عبد الرحمن بن خاقان: سألت أحمد بن حنبل عن أبي ثور، فقال: لم يبلغني عنه إلا خير، إلا أنه لا يعجبني الكلام الذي يصيرونه في كتبهم.
وقيل: سئل أحمد عن مسألة، فقال للسائل: سل غيرنا، سل الفقهاء سل أبا ثور.
وقال بدر بن مجاهد: قال لي سليمان الشاذكوني: اكتب رأي الشافعي، واخرج إلى أبي ثور، ولا يفوتنك بنفسه.
قال الخطيب: كان أبو ثور يتفقه أولا بالرأي، ويذهب إلى قول العراقيين، حتى قدم الشافعي، فاختلف إليه، ورجع عن الرأي إلى الحديث.
وقال أبو حاتم يتكلم بالرأي، فيخطئ ويصيب، ليس محله محل المسمعين في الحديث.
قلت: بل هو حجة بلا تردد.
مات في صفر سنة أربعين ومائتين.(أعلام/172)
أبو جحيفة السوائي الكوفي (ع)
صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - واسمه وهب بن عبد الله، ويقال له: وهب الخير، من صغار الصحابة.
ولما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان وهب مراهقا - هو من أسنان ابن عباس - وكان صاحب شرطة علي رضي الله عنه.
حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن علي، والبراء.
روى عنه، علي بن الأقمر، والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل، وولده عون بن أبي جحيفة، وإسماعيل بن أبي خالد، وآخرون.
وقيل: إن علي بن أبي طالب كان إذا خطب، يقوم أبو جحيفة تحت منبره.
اختلفوا في موته ; والأصح موته في سنة أربع وسبعين ويقال: عاش إلى ما بعد الثمانين، فالله أعلم.
حديثه في الكتب الستة، وآخر من حدث عنه ابن أبي خالد.(أعلام/173)
أبو جعفر
المحدث الثقة محمد بن علي بن عفان، العامري الكوفي المقرئ.
تلا على: عبد الله بن موسى.
وحدث عن الحسن بن عطية، وغيره.
حدث عنه: ابن عقدة علي بن كاس القاضي، وابن الزبير القرشي، وآخرون.
مات في صفر سنة سبع وسبعين ومائتين.
وثقه الدارقطني.
وبالإسناد الماضي إلى علي بن محمد القرشي: أخبرنا أبو محمد الحسن، وأبو جعفر محمد ابنا علي بن عفان، قالا: حدثنا الحسن بن عطية القرشي، عن الحسن بن صالح، سمعت عبد الله بن دينار، سمعت ابن عمر قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الولاء وعن هبته.(أعلام/174)
أبو جعفر الرازي (4)
عيسى بن ماهان، عالم الري يقال: إنه ولد بالبصرة، وكان يتجر إلى الري، ويقيم به.
ولد في حدود التسعين في حياة بقايا الصحابة.
حدث عن: عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وقتادة، والربيع بن أنس، وجماعة.
حدث عنه: ابنه عبد الله، وأبو أحمد الزبيري، وعبد الله بن داود الخريبي، وعبيد الله بن موسى، وخلف بن الوليد، ويحيى بن أبي بكير، وعلي بن الجعد، وعدة.
قال يحيى بن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: ثقة صدوق.
وقال أحمد بن حنبل والنسائي وغيرهما: ليس بالقوي.
وقال أبو زرعة: يهم كثيرا. وقال ابن المديني: هو عيسى بن أبي عيسى، ثقة، كان يخلط. وقال مرة: يكتب حديثه، إلا أنه يخطئ.
وقال حنبل، عن أحمد: صالح الحديث.
وروى عبد الله بن علي بن المديني، عن أبيه، قال: هو نحو موسى بن عبيدة.
وروى محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن ابن المديني، قال: كان عندنا ثقة.
وقال عمرو بن علي: فيه ضعف.
وقال الساجي: صدوق، ليس بمتقن.
قال عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي: سمعت أبا جعفر يقول: لم أكتب عن الزهري ; لأنه كان يخضب بالسواد. ثم قال الدشتكي: زامل أبو جعفر الرازي المهدي، ولبس السواد قلت: زامل المهدي إلى مكة. ومما تفرد به حديث: " القنوت ".(أعلام/175)
قال ابن حبان: أصله من مرو، انتقل إلى الري، كان ممن يتفرد بالمناكير عن المشاهير. قلت: توفي في حدود سنة ستين ومائة أنبأني علي بن أحمد وطائفة، قالوا: أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا عبد الوهاب الحافظ، أنبأنا أبو محمد بن هزارمرد، أنبأنا ابن حبابة، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي، أنبأنا أبو جعفر الرازي، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا وبه: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: إذا رفع رأسه من آخر سجدة، ثم أحدث فقد تمت صلاته.
أخبرنا أبو جعفر، عن قتادة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن أعظم الناس خطبا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل.(أعلام/176)
أبو جمرة (ع)
نصر بن عمران الضبعي البصري، أحد الأئمة الثقات.
حدث عن ابن عباس، وابن عمر، وزهدم الجرمي، وعائذ بن عمرو المزني، وطائفة.
حدث عنه أيوب السختياني ومعمر، وشعبة، والحمادان، وإبراهيم بن طهمان، وعباد بن عباد المهلبي، وآخرون. استصحبه معه الأمير يزيد بن المهلب إلى خراسان، فأقام بها مدة، ثم رجع إلى البصرة.
قال مخلد بن يزيد: رأيت أبا جمرة مضبب الأسنان بالذهب.
قال يحيى بن معين: أبو جمرة وأبو حمزة رويا عن ابن عباس.
فأبو جمرة الضبعي نصر بن عمران، وأبو حمزة: عمران بن أبي عطاء واسطي، ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد في كتابه، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا ابن خيرون، وعبد الوهاب الحافظ، قالا: أنبأنا أبو محمد بن هزارمرد، أنبأنا عبيد الله بن حبابة، أنبأنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة، عن أبي جمرة، قال: كنت أقعد مع ابن عباس، وكان يجلسني معه على سريره، فقال لي: أقم عندي حتى أجعل لك سهما من مالي، فأقمت معه شهرين.
قال ابن سعد: أبو جمرة ثقة. مات في ولاية يوسف بن عمر على العراق، وقال غيره: مات بسرخس في آخر سنة سبع وعشرين ومائة، ويقال: سنة ثمان.(أعلام/177)
أبو حاتم الرازي وابنه (د، س، ت)
محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران: الإمام، الحافظ، الناقد، شيخ المحدثين الحنظلي الغطفاني، من تميم بن حنظلة بن يربوع، وقيل: عرف بالحنظلي لأنه كان يسكن في درب حنظلة، بمدينة الري. كان من بحور العلم. طوف البلاد، وبرع في المتن والإسناد، وجمع وصنف، وجرح وعدل، وصحح وعلل.
مولده سنة خمس وتسعين ومائة وأول كتابه للحديث كان في سنة تسع ومائتين، وهو من نظراء البخاري، ومن طبقته، ولكنه عمر بعده أزيد من عشرين عاما.
سمع: عبيد الله بن موسى، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، والأصمعي، وقبيصة، وأبا نعيم، وعفان، وعثمان بن الهيثم المؤذن، وأبا مسهر الغساني، وأبا اليمان، وسعيد بن أبي مريم، وزهير بن عباد، ويحيى بن بكير، وأبا الوليد، وآدم بن أبي إياس، وثابت بن محمد الزاهد، وأبا زيد الأنصاري النحوي، وعبد الله بن صالح العجلي، وعبد الله بن صالح الكاتب، وأبا الجماهر محمد بن عثمان، وهوذة بن خليفة، ويحيى الوحاظي، وأبا توبة الحلبي، وخلقا كثيرا. وينزل إلى بندار، وأبي حفص الفلاس، والربيع المرادي، ثم إلى ابن وارة، ومحمد بن عوف.
ويتعذر استقصاء سائر مشايخه. فقد قال الخليلي: قال لي أبو حاتم اللبان الحافظ: قد جمعت من روى عنه أبو حاتم الرازي، فبلغوا قريبا من ثلاثة آلاف.(أعلام/178)
حدث عنه: ولده الحافظ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، ويونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان المؤذن شيخاه، وأبو زرعة الرازي رفيقه وقرابته، وأبو زرعة الدمشقي، وإبراهيم الحربي، وأحمد الرمادي، وموسى بن إسحاق الأنصاري، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وأبو عبد الله البخاري -فيما قيل- وأبو داود، وأبو عبد الرحمن النسائي في " سننهما "، وابن صاعد، وأبو عوانة الإسفراييني، وحاجب بن أركين، ومحمد بن إبراهيم الكناني، وزكريا بن أحمد البلخي، والقاضي المحاملي، ومحمد بن مخلد العطار، وأبو الحسن علي بن إبراهيم القطان، وأبو عمرو محمد بن أحمد بن حكيم، وسليمان بن يزيد الفامي والقاسم بن صفوان، وأبو بشر الدولابي، وأبو حامد بن حسنويه، وخلق كثير.
وقد حدث في رحلاته بأماكن، وارتحل بابنه، ولقي به أصحاب ابن عيينة ووكيع.
قال الحافظ أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي: حدثنا الربيع المرادي، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا داود الجعفري، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خير نساء العالمين مريم، وآسية امرأة فرعون، وخديجة، وفاطمة ثم قال ابن عدي: وحدثناه أبو حاتم.
قال صالح بن أحمد الهمذاني الحافظ: حدثنا القاسم بن أبي صالح، وسليمان بن يزيد، قالا: حدثنا أبو حاتم، قال: حدثني أبو زرعة عني، عن أبي الجماهر، أخبرنا إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله، عن مجاهد، عن ابن عباس، يرفعه، قال: رفع القلم عن ثلاثة.
قال أبو حاتم: كان عندي هذا في قرطاس فضاع. رواه الحافظ أبو بكر الخطيب، حدثنا علي بن طلحة، حدثنا صالح.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت موسى بن إسحاق القاضي يقول: ما رأيت أحفظ من والدك. وكان قد لقي أبا بكر بن أبي شيبة، وابن نمير، وابن معين، ويحيى الحماني.(أعلام/179)
قال الخطيب: كان أبو حاتم أحد الأئمة الحفاظ الأثبات. . أول سماعه سنة تسع ومائتين.
قال أبو الشيخ الحافظ: حكى لنا عبد الله بن محمد بن يعقوب: سمعت أبا حاتم يقول: نحن من أهل أصبهان، من قرية جروكان وأهلنا كانوا يقدمون علينا في حياة أبي، ثم انقطعوا عنا.
قال الخليلي: كان أبو حاتم عالما باختلاف الصحابة، وفقه التابعين، ومن بعدهم، سمعت جدي وجماعة، سمعوا علي بن إبراهيم القطان يقول: ما رأيت مثل أبي حاتم! فقلنا له: قد رأيت إبراهيم الحربي، وإسماعيل القاضي؟ قال: ما رأيت أجمع من أبي حاتم، ولا أفضل منه.
علي بن إبراهيم الرازي: حدثنا أحمد بن علي الرقام سمعت الحسن بن الحسين الدارستيني قال: سمعت أبا حاتم يقول: قال لي أبو زرعة: ما رأيت أحرص على طلب الحديث منك. فقلت له: إن عبد الرحمن ابني لحريص، فقال: من أشبه أباه فما ظلم. قال الرقام: فسألت عبد الرحمن عن اتفاق كثرة السماع له، وسؤالاته لأبيه، فقال: ربما. كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه. قال أحمد بن سلمة النيسابوري: ما رأيت بعد إسحاق، ومحمد بن يحيى أحفظ للحديث من أبي حاتم الرازي، ولا أعلم بمعانيه.
قال ابن عدي: سمعت القاسم بن صفوان، سمعت أبا حاتم يقول: أورع من رأيت أربعة: آدم وأحمد بن حنبل، وثابت بن محمد الزاهد، وأبو زرعة الرازي. قال القاسم: فذكرته لعثمان بن خرزاذ. فقال: أنا أقول أحفظ من رأيت أربعة: محمد بن المنهال الضرير، وإبراهيم بن عرعرة، وأبو زرعة، وأبو حاتم.
قال ابن أبي حاتم: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان، ودعا لهما، وقال: بقاؤهما صلاح للمسلمين.(أعلام/180)
وقال محمد بن الحسين بن مكرم: سمعت حجاج بن الشاعر، وذكرت له أبا زرعة، وابن وارة، وأبا جعفر الدارمي، فقال: ما بالمشرق أنبل منهم.
ابن أبي حاتم: سمعت أبي، قال لي هشام بن عمار، أي شيء تحفظ من الأذواء؟ قلت: ذو الأصابع، وذو الجوشن، وذو الزوائد، وذو اليدين، وذو اللحية الكلابي، وعددت له ستة، فضحك، وقال: حفظنا نحن ثلاثة، وزدت أنت ثلاثة.
قال الحافظ عبد الرحمن بن خراش: كان أبو حاتم من أهل الأمانة والمعرفة.
وقال هبة الله اللالكائي كان أبو حاتم إماما حافظا متثبتا. وذكره اللالكائي في شيوخ البخاري.
وقال النسائي: ثقة.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: جرى بيني وبين أبي زرعة يوما تمييز الحديث ومعرفته، فجعل يذكر أحاديث وعللها، وكذلك كنت أذكر أحاديث خطأ وعللها، وخطأ الشيوخ، فقال لي: يا أبا حاتم! قل من يفهم هذا، ما أعز هذا! إذا رفعت هذا من واحد واثنين فما أقل من تجد من يحسن هذا! وربما أشك في شيء، أو يتخالجني في حديث، فإلى أن ألتقي معك لا أجد من يشفيني منه. قال أبي: وكذلك كان أمري.
صالح بن أحمد الحافظ: حدثنا القاسم بن أبي صالح، سمعت أبا حاتم يقول: قال لي أبو زرعة: ترفع يديك في القنوت؟ قلت: لا، فترفع أنت؟ قال: نعم قلت: فما حجتك؟ قال: حديث ابن مسعود.
قلت رواه ليث بن أبي سليم. قال فحديث أبي هريرة؟ قلت رواه ابن لهيعة. قال: حديث ابن عباس؟ قلت: رواه عوف. قال: فما حجتك في تركه؟ قلت: حديث أنس بن مالك: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء، إلا في الاستسقاء فسكت.(أعلام/181)
وقال ابن أبي حاتم في أول كتاب " الجرح والتعديل " له: سمعت أبي يقول: جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي، من أهل الفهم منهم، ومعه دفتر، فعرضه علي، فقلت في بعضه: هذا حديث خطأ، قد دخل لصاحبه حديث في حديث، وهذا باطل، وهذا منكر، وسائر ذلك صحاح، فقال: من أين علمت أن ذاك خطأ، وذاك باطل، وذاك كذب؟ أأخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت، أو بأني كذبت في حديث كذا؟ قلت: لا، ما أدري هذا الجزء من راويه، غير أني أعلم أن هذا الحديث خطأ، وأن هذا باطل فقال: تدعي الغيب؟ قلت: ما هذا ادعاء غيب. قال: فما الدليل على ما قلت؟ قلت: سل عما قلت من يحسن مثل ما أحسن، فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم. قال: ويقول أبو زرعة كقولك؟ قلت: نعم، قال: هذا عجب. قال: فكتب في كاغد ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إلي، وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث، فقال: ما قلت إنه كذب، قال أبو زرعة: هو باطل. قلت: الكذب والباطل واحد، قال: وما قلت: إنه منكر، قال: هو منكر، كما قلت، وما قلت: إنه صحيح، قال: هو صحيح. ثم قال: ما أعجب هذا! تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما. قلت: فعند ذلك علمت أنا لم نجازف وأنا قلنا بعلم ومعرفة قد أوتيناه، والدليل على صحة ما نقوله أن دينارا بهرجا يحمل إلى الناقد، فيقول: هذا بهرج. فإن قيل له: من أين قلت: إن هذا بهرج؟ هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار؟ قال: لا. وإن قيل: أخبرك الذي بهرجه؟ قال: لا. قيل: فمن أين قلت؟ قال: علما رزقته. وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك، وكذلك إذا حمل إلى جوهري فص ياقوت وفص زجاج، يعرف ذا من ذا، ويقول كذلك.(أعلام/182)
وكذلك نحن رزقنا علما، لا يتهيأ له أن نخبرك كيف علمنا بأن هذا كذب، أو هذا منكر، فنعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون كلام النبوة، ونعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته. قال: وسمعت أبي يقول: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: من أغرب علي حديثا غريبا مسندا لم أسمع به صحيحا، فله علي درهم يتصدق به، وكان ثم خلق: أبو زرعة، فمن دونه، وإنما كان مرادي أن يلقى علي ما لم أسمع به، فيقولون: هو عند فلان، فأذهب وأسمعه فلم يتهيأ لأحد أن يغرب علي حديثا. وسمعت أبي يقول: كان محمد بن يزيد الأسفاطي قد ولع بالتفسير وتحفظه، فقال يوما: ما تحفظون في قوله تعالى: فنقبوا في البلاد (ق: 36) . فبقي أصحاب الحديث ينظر بعضهم إلى بعض، فقلت: حدثنا أبو صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: ضربوا في البلاد. فاستحسن. سمعت أبي يقول: قدم محمد بن يحيى النيسابوري الري، فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثا، من حديث الزهري، فلم يعرف منها إلا ثلاثة أحاديث، وسائر ذلك لم تكن عنده، ولم يعرفها. سمعت أبي يقول: أول سنة خرجت في طلب الحديث، أقمت سبع سنين، أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ.
قلت: مسافة ذلك نحو أربعة أشهر، سير الجادة. قال: ثم تركت العدد بعد ذلك، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيا، ثم إلى الرملة ماشيا، ثم إلى دمشق، ثم أنطاكية وطرسوس، ثم رجعت إلى حمص، ثم إلى الرقة، ثم ركبت إلى العراق، كل هذا في سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة. خرجت من الري، فدخلت الكوفة في رمضان سنة ثلاث عشرة، وجاءنا نعي المقرئ وأنا بالكوفة، ثم رحلت ثانيا سنة اثنتين وأربعين، ثم رجعت إلى الري سنة خمس وأربعين، وحججت رابع حجة في سنة خمس وخمسين. وحج فيها عبد الرحمن ابنه.(أعلام/183)
سمعت أبي يقول: كتب عني محمد بن مصفى جزءا انتخبه. وكلمني دحيم في حديث أهل طبرية، وكانوا سألوني التحديث، فقلت: بلدة يكون فيها مثل دحيم القاضي أحدث أنا بها؟ ! فكلمني دحيم، فقال: إن هذه بلدة نائية عن جادة الطريق، فقل من يقدم عليهم يحدثهم. سمعت أبي يقول: بقيت في سنة أربع عشرة ثمانية أشهر بالبصرة، وكان في نفسي أن أقيم سنة، فانقطعت نفقتي، فجعلت أبيع ثيابي حتى نفدت، وبقيت بلا نفقة، ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة، وأسمع إلى المساء، فانصرف رفيقي، ورجعت إلى بيتي، فجعلت أشرب الماء من الجوع، ثم أصبحت، فغدا علي رفيقي، فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد، وانصرفت جائعا، فلما كان من الغد، غدا علي، فقال: مر بنا إلى المشايخ. قلت: أنا ضعيف لا يمكنني.(أعلام/184)
قال: ما ضعفك؟ قلت: لا أكتمك أمري، قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا، فقال: قد بقي معي دينار، فنصفه لك، ونجعل النصف الآخر في الكراء، فخرجنا من البصرة، وأخذت منه النصف دينار. وسمعت أبي يقول: خرجنا من المدينة، من عند داود الجعفري، وصرنا إلى الجار وركبنا البحر، فكانت الريح في وجوهنا، فبقينا في البحر ثلاثة أشهر، وضاقت صدورنا، وفني ما كان معنا وخرجنا إلى البر نمشي أياما، حتى فني ما تبقى معنا من الزاد والماء، فمشينا يوما لم نأكل ولم نشرب، ويوم الثاني كمثل، ويوم الثالث، فلما كان يكون المساء صلينا، وكنا نلقي بأنفسنا حيث كنا، فلما أصبحنا في اليوم الثالث، جعلنا نمشي على قدر طاقتنا، وكنا ثلاثة أنفس: شيخ نيسابوري، وأبو زهير المروروذي، فسقط الشيخ مغشيا عليه، فجئنا نحركه وهو لا يعقل، فتركناه، ومشينا قدر فرسخ، فضعفت، وسقطت مغشيا علي، ومضى صاحبي يمشي، فبصر من بعد قوما، قربوا سفينتهم من البر، ونزلوا على بئر موسى، فلما عاينهم، لوح بثوبه إليهم، فجاءوه معهم ماء في إداوة. فسقوه وأخذوا بيده، فقال لهم: الحقوا رفيقين لي، فما شعرت إلا برجل يصب الماء على وجهه، ففتحت عيني، فقلت: اسقني، فصب من الماء في مشربة قليلا، فشربت، ورجعت إلي نفسي، ثم سقاني قليلا، وأخذ بيدي، فقلت: ورائي شيخ ملقي، فذهب جماعة إليه، وأخذ بيدي، وأنا أمشي وأجر رجلي، حتى إذا بلغت إلى عند سفينتهم، وأتوا بالشيخ، وأحسنوا إلينا، فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا، ثم كتبوا لنا كتابا إلى مدينة يقال لها: راية إلى واليهم، وزودونا من الكعك والسويق والماء.(أعلام/185)
فلم نزل نمشي حتى نفد ما كان معنا من الماء والقوت، فجعلنا نمشي جياعا على شط البحر، حتى دفعنا إلى سلحفاة مثل الترس، فعمدنا إلى حجر كبير، فضربنا على ظهرها، فانفلق، فإذا فيها مثل صفرة البيض، فتحسيناه حتى سكن عنا الجوع، ثم وصلنا إلى مدينة الراية، وأوصلنا الكتاب إلى عاملها، فأنزلنا في داره، فكان يقدم لنا كل يوم القرع، ويقول لخادمه: هاتي لهم اليقطين المبارك. فيقدمه مع الخبز أياما، فقال واحد منا: ألا تدعو باللحم المشئوم؟ ! فسمع صاحب الدار، فقال: أنا أحسن بالفارسية، فإن جدتي كانت هروية، وأتانا بعد ذلك باللحم، ثم زودنا إلى مصر. وسمعت أبي يقول: كتبت الحديث سنة تسع، وأنا ابن أربع عشرة سنة، وكتبت عن عتاب بن زياد المروزي سنة عشر، فلما قدم علينا حاجا وكنت أفيد الناس عن أبي عبد الرحمن المقرئ، وأنا بالري، فيخرج الناس إليه، فيسمعون منه، ويرجعون وأنا بالري. وسمعت أبي يقول: كتبت عند عارم وهو يقرأ. وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو يقرأ، وسرت من الكوفة إلى بغداد، ما لا أحصي كم مرة.
ابن حبان: أخبرني محمد بن المنذر، حدثنا محمد بن إدريس، قال: كان أبو نعيم يوما جالسا، ورجل في ناحية المجلس يقول: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا ابن جريج، قال: فنظر إليه أبو نعيم، وقال: كذب الدجال، ما سمعت من ابن جريج شيئا.(أعلام/186)
ابن حبان: أخبرني محمد بن المنذر، حدثنا محمد بن إدريس، حدثنا مؤمل بن يهاب، عن يزيد بن هارون، قال: كان بواسط رجل يروي عن أنس بن مالك، أحرفا، ثم قيل: إنه أخرج كتابا عن أنس، فأتيناه، فقلنا له: هل عندك من شيء من تلك الأحرف؟ فقال: نعم، عندي كتاب عن أنس. فقلنا: أخرجه، فأخرجه، فنظرنا، فإذا هي أحاديث شريك بن عبد الله فجعل يقول: حدثنا أنس. فقلنا: هذه أحاديث شريك. فقال: صدقتم، حدثنا أنس بن مالك، عن شريك، قال: فأفسد علينا تلك الأحرف التي سمعناها منه، وقمنا عنه.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب " الرد على الجهمية "، له: حدثنا أبي، وأبو زرعة، قال: كان يحكى لنا أن هنا رجلا من قصته هذا، فحدثني أبو زرعة، قال: كان بالبصرة رجل، وأنا مقيم سنة ثلاثين ومائتين، فحدثني عثمان بن عمرو بن الضحاك عنه، أنه قال: إن لم يكن القرآن مخلوقا فمحا الله ما في صدري من القرآن. وكان من قراء القرآن. فنسي القرآن، حتى كان يقال له: قل: (بسم الله الرحمن الرحيم) . فيقول: معروف، معروف. ولا يتكلم به. قال أبو زرعة: فجهدوا به أن أراه، فلم أره.
وقال الحافظ أبو القاسم اللالكائي: وجدت في كتاب أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي، مما سمع منه، يقول: مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين، والتمسك بمذاهب أهل الأثر، مثل الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، ولزوم الكتاب والسنة، ونعتقد أن الله -عز وجل- على عرشه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأن الإيمان يزيد وينقص، ونؤمن بعذاب القبر، وبالحوض، وبالمساءلة في القبر، وبالشفاعة، ونترحم على جميع الصحابة. . . . وذكر أشياء.(أعلام/187)
إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسك بقوله، فإنه لا يوثق إلا رجلا صحيح الحديث، وإذا لين رجلا، أو قال فيه: لا يحتج به. فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثقه أحد، فلا تبن على تجريح أبي حاتم، فإنه متعنت في الرجال قد قال في طائفة من رجال " الصحاح ": ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو ذلك. وآخر من حدث عنه هو: محمد بن إسماعيل بن موسى الرازي، عاش إلى بعد سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة.(أعلام/188)
أخبرنا أحمد بن إسحاق بن المؤيد أخبرنا زيد بن يحيى بن هبة الله ببغداد، أخبرنا أبو القاسم أحمد بن المبارك بن قفرجل، أخبرنا عاصم بن الحسن، قال: أخبرنا أبو عمر بن مهدي الفارسي، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل إملاء، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا أبو مسهر، أخبرنا إسماعيل بن عياش، حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله -عز وجل-: ابن آدم! اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره أخبرنا المؤمل بن محمد وابن علان كتابة، قالا: أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا عبد الرحمن الشيباني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو عمر بن مهدي، أخبرنا ابن مخلد، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا خالد بن الحباب بالشام، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن أبي موسى، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: احتج آدم وموسى، فحج آدم موسى أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن سنة اثنتين وتسعين وستمائة، أخبرنا محمد بن خلف الحنبلي سنة ست عشرة وستمائة، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا محمد وأحمد ابنا عبد الله بن أحمد، قالا: أخبرنا علي بن محمد الفرضي، أخبرنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن حكيم، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا محمد بن عبد الله، حدثني حميد، عن أنس بن مالك، قال: افتتح أبو بكر -رضي الله عنه- (البقرة) ، في يوم عيد فطر أو أضحى، فقلت: يقرأ عشر آيات، فلما جاوز العشر، قلنا: يقرأ مائة آية، حتى قرأها، فرأيت أشياخ أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يميلون هذا حديث صحيح غريب.
قال أبو الحسين بن المنادي وغيره: مات الحافظ أبو حاتم في شعبان، سنة سبع وسبعين ومائتين وقيل: عاش ثلاثا وثمانين سنة. ولأبي محمد الإيادي الشاعر مرثية طويلة في أبي حاتم، رواها عنه ابن أبي حاتم، أولها.(أعلام/189)
أنفسي ما لك لا تجزعينا
وعيني ما لك لا تدمعينا
ألم تسمعي بكسوف العلوم
من شهر شعبان محقا مدينا
ألم تسمعي خبر المرتضى
أبي حاتم أعلم العالمينا(أعلام/190)
أبو حاتم السجستاني (د، س)
الإمام العلامة أبو حاتم، سهل بن محمد بن عثمان، السجستاني ثم البصري، المقرئ النحوي اللغوي صاحب التصانيف. أخذ عن: يزيد بن هارون، ووهب بن جرير، وأبي عبيدة بن المثنى، وأبي زيد الأنصاري، وأبي عامر العقدي، والأصمعي، ويعقوب الحضرمي، وقرأ عليه القرآن، وتصدر للإقراء والحديث والعربية.
حدث عنه: أبو داود، والنسائي في كتابيهما، وأبو بكر البزار في " مسنده "، ومحمد بن هارون الروياني، وابن صاعد، وأبو بكر بن دريد، وأبو روق الهزاني، وعدد كثير.
وتخرج به أئمة، منهم أبو العباس المبرد، وكان جماعة للكتب يتجر فيها. وله باع طويل في اللغات والشعر، والعروض، واستخراج المغمى. وقيل: لم يكن باهرا بالنحو.
وله كتاب " إعراب القرآن "، وكتاب " ما يلحن فيه العامة "، وكتاب " المقصور والممدود "، وكتاب " المقاطع والمبادئ "، وكتاب " القراءات "، وكتاب " الفصاحة "، وكتاب " الوحوش "، وكتاب " اختلاف المصاحف "، وغير ذلك. وكان يقول: قرأت " كتاب " سيبويه على الأخفش مرتين.
قلت: عاش ثلاثا وثمانين سنة، ومات في آخر سنة خمس وخمسين ومائتين. وقيل: مات سنة خمسين.(أعلام/191)
أبو حامد الإسفراييني
الأستاذ العلامة، شيخ الإسلام، أبو حامد، أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الإسفراييني، شيخ الشافعية ببغداد.
ولد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
وقدم بغداد وله عشرون سنة، فتفقه على أبي الحسن بن المرزبان، وأبي القاسم الداركي. وبرع في المذهب، وأربى على المتقدمين، وعظم جاهه عند الملوك.
حدث عن: عبد الله بن عدي، وأبي بكر الإسماعيلي، وسمع " السنن " من الدارقطني.
حدث عنه تلامذته أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي والفقيه سليم الرازي، وأبو علي السنجي، وأبو الحسن المحاملي وآخرون.
قال الشيخ أبو إسحاق في " الطبقات ": انتهت إليه رئاسة الدين والدنيا ببغداد، وعلق عنه تعاليق في شرح المزني، وطبق الأرض بالأصحاب، وجمع مجلسه ثلاثمائة متفقه.
وقال الشيخ محيي الدين النواوي: تعليقة الشيخ أبي حامد في نحو من خمسين مجلدا، ذكر فيها مذاهب العلماء، وبسط أدلتها والجواب عنها، تفقه عليه جماعة منهم: أبو علي السنجي، وقد تفقه السنجي على القفال أيضا، وهما شيخا طريقتي العراق وخراسان، وعنهما انتشر المذهب.
قال الخطيب حدثونا عن أبي حامد، وكان ثقة، حضرت تدريسه في مسجد ابن المبارك، وسمعت من يذكر أنه كان يحضر درسه سبعمائة فقيه، وكان الناس يقولون: لو رآه الشافعي لفرح به.
قال الخطيب وحدثني أبو إسحاق الشيرازي قال: سألت القاضي أبا عبد الله الصيمري: من أنظر من رأيت من الفقهاء؟ فقال: أبو حامد الإسفراييني.
قال أبو حيان التوحيدي في رسالة له: سمعت الشيخ أبا حامد يقول لطاهر العباداني: لا تعلق كثيرا مما تسمع هنا في مجالس الجدل، فإن الكلام يجري فيها على ختل الخصم ومغالطته ودفعه ومغالبته، فلسنا نتكلم لوجه الله خالصا، ولو أردنا، لكان خطونا إلى الصمت أسرع من تطاولنا في الكلام، وإن كنا في كثير من هذا نبوء بغضب الله، فإنا نطمع في سعة رحمة الله.(أعلام/192)
قلت: أبو حيان غير معتمد.
قال ابن الصلاح: وعلى الشيخ أبي حامد تأول بعض العلماء حديث: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها فكان الشافعي على رأس المائتين، وابن سريج على رأس الثلاثمائة، وأبو حامد على رأس الأربعمائة.
وروي عن سليم الرازي قال: كان أبو حامد في أول أمره يحرس في درب، وكان يطالع على زيت الحرس وإنه أفتى وهو ابن سبع عشرة سنة.
قال الخطيب مات أبو حامد في شوال، سنة ست وأربعمائة، وكان يوما مشهودا، ودفن في داره، ثم نقل بعد أربع سنين، ودفن بباب حرب - رحمه الله.
ومات معه باديس بن منصور الحميري، صاحب المغرب، وشيخ الصوفية أبو علي الدقاق وأبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر، وحمزة بن عبد العزيز المهلبي وشيخ مكة عبيد الله بن محمد السقطي وشيخ بغداد أبو أحمد بن أبي مسلم الفرضي وأبو الفرج عثمان بن أحمد البرجي بأصبهان، وشيخ المتكلمين أبو بكر بن فورك.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أخبرنا إلياس بن أحمد، أخبرنا حمزة بن كروس، أخبرنا الفقيه نصر بن إبراهيم، حدثنا سليم بن أيوب، حدثنا أبو حامد أحمد بن أبي طاهر، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الشعراني، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا حبان بن موسى، حدثنا ابن المبارك، عن كهمس، عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر قال: ظهر هاهنا معبد الجهني، وهو أول من قال في القدر هاهنا، وذكر الحديث.(أعلام/193)
أبو حذيفة
السيد الكبير الشهيد أبو حذيفة ابن شيخ الجاهلية عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي العبشمي البدري.
أحد السابقين واسمه مهشم فيما قيل. أسلم قبل دخولهم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة مرتين. وولد له بها محمد بن أبي حذيفة، ذاك الثائر على عثمان بن عفان، ولدته له سهلة بنت سهيل بن عمرو، وهي المستحاضة. وقد تزوج بها عبد الرحمن بن عوف، وهي التي أرضعت سالما، وهو كبير، لتظهر عليه. وخصا بذاك الحكم عند جمهور العلماء.
وعن أبي الزناد أن أبا حذيفة بن عتبة دعا يوم بدر أباه إلى البراز، فقالت أخته أم معاوية هند بنت عتبة:
الأحول الأثعل المذموم طائره
أبو حذيفة شر الناس في الدين
أما شكرت أبا رباك من صغر
حتى شببت شبابا غير محجون
قال: وكان أبو حذيفة طويلا، حسن الوجه، مرادف الأسنان، وهو الأثعل.
استشهد أبو حذيفة - رضي الله عنه - يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة هو ومولاه سالم.
وتأخر إسلام أخيه أبي هاشم بن عتبة، فأسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وجاهد، وسكن الشام. وكان صالحا، دينا، له رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. مات في خلافة عثمان، وهو أخو الشهيد مصعب بن عمير لأمه، وخال الخليفة معاوية.
روى منصور بن المعتمر، عن أبي وائل، حدثنا سمرة بن سهم، قال: قدمت على أبي هاشم بن عتبة، وهو طعين، فدخل عليه معاوية يعوده، فبكى، فقال: ما يبكيك يا خال؟ أوجع أو حرص على الدنيا؟ قال: كلا لا، ولكن عهد إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهدا لم آخذ به. قال لي: " يا أبا هاشم! لعلك أن تدرك أموالا تقسم بين أقوام، وإنما يكفيك من جمع الدنيا خادم، ومركب في سبيل الله ". وقد وجدت وجمعت.
وفي رواية مرسلة: فيا ليتها بعرا محيلا.
قيل: عاش أبو حذيفة ثلاثا وخمسين سنة.(أعلام/194)
أبو حكيم
العلامة القدوة أبو حكيم، إبراهيم بن دينار النهرواني الحنبلي، أحد أئمة بغداد.
إمام زاهد ورع خير حليم، إليه المنتهى في علم الفرائض.
أنشأ بباب الأزج مدرسة، وانقطع بها يتعبد.
وكان يؤثر الخمول والقنوع، ويقتات من الخياطة، فيأخذ على القميص حبتين فقط، ولقد جهد جماعة في إغضابه، فعجزوا، وكان يخدم الزمنى والعجائز بوجه طلق، وسماعه صحيح.
سمع أبا الحسن بن العلاف، وأبا القاسم بن بيان.
وعنه: ابن الجوزي، وابن الأخضر، وأبو نصر عمر بن محمد.
عاش خمسا وسبعين سنة، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وخمسمائة.(أعلام/195)
أبو حميد الساعدي (ع)
الأنصاري المدني. قيل: اسمه عبد الرحمن. وقيل: المنذر بن سعد.
من فقهاء أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم.
روى عنه جابر بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وعمرو بن سليم الزرقي، وعباس بن سهل بن سعد، وخارجة بن زيد، ومحمد بن عمرو بن عطاء ; وغيرهم.
توفي سنة ستين. وقيل: توفي سنة بضع وخمسين.
وله حديث في وصفه هيئة صلاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وقع له في " مسند " بقي ستة وعشرون حديثا.(أعلام/196)
أبو حنيفة (ت، س)
الإمام، فقيه الملة، عالم العراق أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي، الكوفي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة يقال: إنه من أبناء الفرس.
ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة، ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة. ولم يثبت له حرف عن أحد منهم، وروى عن عطاء بن أبي رباح، وهو أكبر شيخ له وأفضلهم على ما قال. وعن الشعبي، وعن طاوس ولم يصح، وعن جبلة بن سحيم، وعدي بن ثابت، وعكرمة، وفي لقيه له نظر، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعمرو بن دينار، وأبي سفيان طلحة بن نافع، ونافع مولى ابن عمر، وقتادة، وقيس بن مسلم، وعون بن عبد الله بن عتبة، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، ومحارب بن دثار، وعبد الله بن دينار، والحكم بن عتيبة، وعلقمة بن مرثد، وعلي بن الأقمر، وعبد العزيز بن رفيع، وعطية العوفي، وحماد بن أبي سليمان وبه تفقه، وزياد بن علاقة، وسلمة بن كهيل، وعاصم بن كليب، وسماك بن حرب، وعاصم ابن بهدلة، وسعيد بن مسروق، وعبد الملك بن عمير، وأبي جعفر الباقر، وابن شهاب الزهري، ومحمد بن المنكدر، وأبي إسحاق السبيعي، ومنصور بن المعتمر، ومسلم البطين، ويزيد بن صهيب الفقير، وأبي الزبير، وأبي حصين الأسدي، وعطاء بن السائب، وناصح المحلمي، وهشام بن عروة، وخلق سواهم. حتى إنه روى عن شيبان النحوي وهو أصغر منه، وعن مالك بن أنس وهو كذلك.
وعني بطلب الآثار، وارتحل في ذلك، وأما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه، فإليه المنتهى والناس عليه عيال في ذلك.(أعلام/197)
حدث عنه خلق كثير، ذكر منهم شيخنا أبو الحجاج في تهذيبه هؤلاء على المعجم: إبراهيم بن طهمان عالم خراسان، وأبيض بن الأغر بن الصباح المنقري، وأسباط بن محمد، وإسحاق الأزرق، وأسد بن عمرو البجلي، وإسماعيل بن يحيى الصيرفي، وأيوب بن هانئ، والجارود بن يزيد النيسابوري، وجعفر بن عون، والحارث بن نبهان، وحيان بن علي العنزي، والحسن بن زياد اللؤلؤي، والحسن بن فرات القزاز، والحسين بن الحسن بن عطية العوفي، وحفص بن عبد الرحمن القاضي، وحكام بن سلم، وأبو مطيع الحكم بن عبد الله، وابنه حماد بن أبي حنيفة، وحمزة الزيات وهو من أقرانه، وخارجة بن مصعب، وداود الطائي، وزفر بن الهذيل التميمي الفقيه، وزيد بن الحباب، وسابق الرقي، وسعد بن الصلت القاضي، وسعيد بن أبي الجهم القابوسي، وسعيد بن سلام العطار، وسلم بن سالم البلخي، وسليمان بن عمرو النخعي، وسهل بن مزاحم، وشعيب بن إسحاق، والصباح بن محارب، والصلت بن الحجاج، وأبو عاصم النبيل، وعامر بن الفرات، وعائذ بن حبيب، وعباد بن العوام، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وأبو يحيى عبد الحميد الحماني، وعبد الرزاق، وعبد العزيز بن خالد ترمذي، وعبد الكريم بن محمد الجرجاني، وعبد المجيد بن أبي رواد، وعبد الوارث التنوري، وعبيد الله بن الزبير القرشي، وعبيد الله بن عمرو الرقي، وعبيد الله بن موسى، وعتاب بن محمد، وعلي بن ظبيان القاضي، وعلي بن عاصم، وعلي بن مسهر القاضي، وعمرو بن محمد العنقزي، وأبو قطن عمرو بن الهيثم، وعيسى بن يونس، وأبو نعيم، والفضل بن موسى، والقاسم بن الحكم العرني، والقاسم بن معن، وقيس بن الربيع، ومحمد بن أبان العنبري كوفي، ومحمد بن بشر، ومحمد بن الحسن بن أتش، ومحمد بن الحسن الشيباني، ومحمد بن خالد الوهبي، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، ومحمد بن الفضل بن عطية، ومحمد بن القاسم(أعلام/198)
الأسدي، ومحمد بن مسروق الكوفي، ومحمد بن يزيد الواسطي، ومروان بن سالم، ومصعب بن المقدام، والمعافى بن عمران، ومكي بن إبراهيم، ونصر بن عبد الكريم البلخي الصيقل، ونصر بن عبد الملك العتكي، وأبو غالب النضر بن عبد الله الأزدي، والنضر بن محمد المروزي، والنعمان بن عبد السلام الأصبهاني، ونوح بن دراج القاضي، ونوح بن أبي مريم الجامع، وهشيم، وهوذة، وهياج بن بسطام، ووكيع، ويحيى بن أيوب المصري، ويحيى بن نصر بن حاجب، ويحيى بن يمان، ويزيد بن زريع، ويزيد بن هارون، ويونس بن بكير، وأبو إسحاق الفزاري، وأبو حمزة السكري، وأبو سعد الصاغاني، وأبو شهاب الحناط، وأبو مقاتل السمرقندي، والقاضي أبو يوسف.
قال أحمد العجلي: أبو حنيفة تيمي من رهط حمزة الزيات. كان خزازا يبيع الخز.
وقال عمر بن حماد بن أبي حنيفة: أما زوطى فإنه من أهل كابل، وولد ثابت على الإسلام. وكان زوطى مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتق فولاؤه لهم، ثم لبني قفل. قال: وكان أبو حنيفة خزازا، ودكانه معروف في دار عمرو بن حريث.
وقال النضر بن محمد المروزي، عن يحيى بن النضر قال: كان والد أبي حنيفة من نسا.
وروى سليمان بن الربيع، عن الحارث بن إدريس قال: أبو حنيفة أصله من ترمذ.
وقال أبو عبد الرحمن المقري: أبو حنيفة من أهل بابل.
وروى أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول عن أبيه، عن جده قال: ثابت والد أبي حنيفة من أهل الأنبار.
مكرم بن أحمد القاضي: حدثنا أحمد بن عبد الله بن شاذان المروزي، عن أبيه، عن جده، سمعت إسماعيل يقول: أنبأنا إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن المرزبان من أبناء فارس الأحرار، والله ما وقع علينا رق قط. ولد جدي في سنة ثمانين، وذهب ثابت إلى علي وهو صغير، فدعا له بالبركة فيه، وفي ذريته، ونحن نرجو من الله أن يكون استجاب ذلك لعلي -رضي الله عنه- فينا.(أعلام/199)
قال: والنعمان بن المرزبان والد ثابت هو الذي أهدى لعلي الفالوذج في يوم النيروز فقال علي: نورزونا كل يوم، وقيل كان ذلك في المهرجان، فقال: مهرجونا كل يوم.
قال محمد بن سعد العوفي: سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو حنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه، ولا يحدث بما لا يحفظ.
وقال صالح بن محمد: سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو حنيفة ثقة في الحديث، وروى أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز، عن ابن معين: كان أبو حنيفة لا بأس به. وقال مرة: هو عندنا من أهل الصدق، ولم يتهم بالكذب. ولقد ضربه ابن هبيرة على القضاء، فأبى أن يكون قاضيا.
أخبرنا ابن علان كتابة، أنبأنا الكندي، أنبأنا القزاز، أنبأنا الخطيب، أنبأنا، الخلال، أنبأنا علي بن عمرو الحريري، حدثنا علي بن محمد بن كاس النخعي، حدثنا محمد بن محمود الصيدناني، حدثنا محمد بن شجاع بن الثلجي، حدثنا الحسن بن أبي مالك، عن أبي يوسف قال: قال أبو حنيفة: لما أردت طلب العلم، جعلت أتخير العلوم وأسأل عن عواقبها. فقيل: تعلم القرآن. فقلت: إذا حفظته فما يكون آخره؟ قالوا: تجلس في المسجد فيقرأ عليك الصبيان والأحداث، ثم لا يلبث أن يخرج فيهم من هو أحفظ منك أو مساويك، فتذهب رئاستك.
قلت: من طلب العلم للرئاسة قد يفكر في هذا، وإلا فقد ثبت قول المصطفى -صلوات الله عليه- أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه يا سبحان الله! وهل محل أفضل من المسجد؟ وهل نشر العلم يقارب تعليم القرآن؟ كلا والله. وهل طلبه خير من الصبيان الذين لم يعملوا الذنوب؟ وأحسب هذه الحكاية موضوعة. ففي إسنادها من ليس بثقة.(أعلام/200)
تتمة الحكاية: قال: قلت: فإن سمعت الحديث وكتبته حتى لم يكن في الدنيا أحفظ مني؟ قالوا: إذا كبرت وضعفت، حدثت واجتمع عليك هؤلاء الأحداث والصبيان. ثم لم تأمن أن تغلط فيرموك بالكذب، فيصير عارا عليك في عقبك. فقلت: لا حاجة لي في هذا.
قلت: الآن كما جزمت بأنها حكاية مختلقة، فإن الإمام أبا حنيفة طلب الحديث وأكثر منه في سنة مائة وبعدها ولم يكن إذ ذاك يسمع الحديث الصبيان، هذا اصطلاح وجد بعد ثلاث مائة سنة، بل كان يطلبه كبار العلماء، بل لم يكن للفقهاء علم بعد القرآن سواه ولا كانت قد دونت كتب الفقه أصلا.
ثم قال: قلت: أتعلم النحو. فقلت: إذا حفظت النحو والعربية، ما يكون آخر أمري؟ قالوا: تقعد معلما فأكثر رزقك ديناران إلى ثلاثة. قلت: وهذا لا عاقبة له. قلت: فإن نظرت في الشعر فلم يكن أحد أشعر مني؟ قالوا: تمدح هذا فيهب لك أو يخلع عليك، وإن حرمك هجوته. قلت: لا حاجة فيه.
قلت: فإن نظرت في الكلام، ما يكون آخر أمره؟ قالوا: لا يسلم من نظر في الكلام من مشنعات الكلام، فيرمى بالزندقة، فيقتل، أو يسلم مذموما.
قلت: قاتل الله من وضع هذه الخرافة، وهل كان في ذلك الوقت وجد علم الكلام؟ ! .
قال: قلت: فإن تعلمت الفقه؟ قالوا: تسأل وتفتي الناس، وتطلب للقضاء وإن كنت شابا. قلت: ليس في العلوم شيء أنفع من هذا، فلزمت الفقه وتعلمته.(أعلام/201)
وبه إلى ابن كاس، حدثني جعفر بن محمد بن حازم، حدثنا الوليد بن حماد، عن الحسن بن زياد، عن زفر بن الهذيل، سمعت أبا حنيفة يقول: كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغا يشار إلي فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان، فجاءتني امرأة يوما فقالت لي: رجل له امرأة أمة، أراد أن يطلقها للسنة، كم يطلقها؟ فلم أدر ما أقول. فأمرتها أن تسأل حمادا، ثم ترجع تخبرني. فسألته فقال: يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض حيضتين، فإذا اغتسلت فقد حلت للأزواج. فرجعت فأخبرتني، فقلت: لا حاجة لي في الكلام. وأخذت نعلي فجلست إلى حماد، فكنت أسمع مسائله، فأحفظ قوله، ثم يعيدها من الغد فأحفظها، ويخطئ أصحابه. فقال: لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة. فصحبته عشر سنين. ثم نازعتني نفسي الطلب للرئاسة، فأحببت أن أعتزله وأجلس في حلقة لنفسي. فخرجت يوما بالعشي وعزمي أن أفعل، فلما رأيته لم تطب نفسي أن أعتزله. فجاءه تلك الليلة نعي قرابة له قد مات بالبصرة، وترك مالا، وليس له وارث غيره. فأمرني أن أجلس مكانه، فما هو إلا أن خرج حتى وردت علي مسائل لم أسمعها منه، فكنت أجيب وأكتب جوابي، فغاب شهرين ثم قدم، فعرضت عليه المسائل، وكانت نحوا من ستين مسألة، فوافقني في أربعين، وخالفني في عشرين فآليت على نفسي ألا أفارقه حتى يموت.
وهذه أيضا الله أعلم بصحتها، وما علمنا أن الكلام في ذلك الوقت كان له وجود، والله أعلم.
قال أحمد بن عبد الله العجلي، حدثني أبي قال: قال أبو حنيفة: قدمت البصرة فظننت أني لا أسأل عن شيء إلا أجبت فيه. فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب، فجعلت على نفسي ألا أفارق حمادا حتى يموت، فصحبته ثماني عشرة سنة.(أعلام/202)
شعيب بن أيوب الصريفيني، حدثنا أبو يحيى الحماني، سمعت أبا حنيفة يقول: رأيت رؤيا أفزعتني، رأيت كأني أنبش قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتيت البصرة، فأمرت رجلا يسأل محمد بن سيرين فسأله، فقال: هذا رجل ينبش أخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
المحدث محمود بن محمد المروزي، حدثنا حامد بن آدم، حدثنا أبو وهب محمد بن مزاحم، سمعت عبد الله بن المبارك يقول: لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسفيان، كنت كسائر الناس.
أحمد بن زهير، حدثنا سليمان بن أبي شيخ، حدثني حجر بن عبد الجبار قال: قيل للقاسم بن معن: ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة؟ قال: ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبي حنيفة. وقال له القاسم: تعال معي إليه، فلما جاء إليه لزمه وقال: ما رأيت مثل هذا.
محمد بن أيوب بن الضريس، حدثنا أحمد بن الصباح، سمعت الشافعي قال: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم. رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.
وعن أسد بن عمرو، أن أبا حنيفة -رحمه الله- صلى العشاء والصبح بوضوء أربعين سنة.
وروى بشر بن الوليد، عن القاضي أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة، إذ سمعت رجلا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل. فقال أبو حنيفة: والله لا يتحدث عني بما لم أفعل. فكان يحيي الليل صلاة وتضرعا ودعاء.
وقد روي من وجهين: أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله في ركعة.
قال عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة: رأيت أبا حنيفة شيخا يفتي الناس بمسجد الكوفة، على رأسه قلنسوة سوداء طويلة.(أعلام/203)
وعن النضر بن محمد قال: كان أبو حنيفة جميل الوجه، سري الثوب، عطر الريح. أتيته في حاجة وعلي كساء قرمسي، فأمر بإسراج بغله، وقال: أعطني كساءك وخذ كسائي، ففعلت. فلما رجع قال: يا نضر خجلتني بكسائك، هو غليظ. قال: وكنت أخذته بخمسة دنانير. ثم إني رأيته وعليه كساء قومته ثلاثين دينارا.
وعن أبي يوسف قال: كان أبو حنيفة ربعة، من أحسن الناس صورة، وأبلغهم نطقا، وأعذبهم نغمة، وأبينهم عما في نفسه.
وعن حماد بن أبي حنيفة قال: كان أبي جميلا، تعلوه سمرة، حسن الهيئة، كثير التعطر، هيوبا، لا يتكلم إلا جوابا، ولا يخوض -رحمه الله- فيما لا يعنيه.
وعن ابن المبارك قال: ما رأيت رجلا أوقر في مجلسه، ولا أحسن سمتا وحلما من أبي حنيفة.
إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن المثنى بن رجاء قال: جعل أبو حنيفة على نفسه، إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار. وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها.
وروى جبارة بن المغلس، عن قيس بن الربيع قال: كان أبو حنيفة، ورعا تقيا، مفضلا على إخوانه.
قال الخريبي: كنا عند أبي حنيفة، فقال رجل: إني وضعت كتابا على خطك إلى فلان، فوهب لي أربعة آلاف درهم. فقال أبو حنيفة: إن كنتم تنتفعون بهذا فافعلوه.
وعن شريك قال: كان أبو حنيفة طويل الصمت، كثير العقل.
وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته.
وروى ابن إسحاق السمرقندي، عن القاضي أبي يوسف قال: كان أبو حنيفة يختم القرآن كل ليلة في ركعة.
يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن أبيه أنه صحب أبا حنيفة ستة أشهر، قال: فما رأيته صلى الغداة إلا بوضوء عشاء الآخرة، وكان يختم كل ليلة عند السحر.
وعن يزيد بن كميت، سمع رجلا يقول لأبي حنيفة: اتق الله، فانتفض، واصفر، وأطرق، وقال: جزاك الله خيرا. ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا.(أعلام/204)
ويروى أن أبا حنيفة ختم القرآن سبعة آلاف مرة.
قال مسعر بن كدام: رأيت أبا حنيفة قرأ القرآن في ركعة.
ابن سماعة، عن محمد بن الحسن، عن القاسم بن معن، أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله تعالى: بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ويبكي ويتضرع إلى الفجر.
وقد روي من غير وجه أن الإمام أبا حنيفة ضرب غير مرة، على أن يلي القضاء فلم يجب.
قال يزيد بن هارون: ما رأيت أحدا أحلم من أبي حنيفة.
وعن الحسن بن زياد اللؤلؤي قال: قال أبو حنيفة: إذا ارتشى القاضي، فهو معزول، وإن لم يعزل.
وروى نوح الجامع، عن أبي حنيفة أنه قال: ما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة اخترنا، وما كان من غير ذلك، فهم رجال ونحن رجال.
قال وكيع: سمعت أبا حنيفة يقول: البول في المسجد أحسن من بعض القياس.
وقال أبو يوسف: قال أبو حنيفة: لا ينبغي للرجل أن يحدث إلا بما يحفظه من وقت ما سمعه.
وعن أبي معاوية الضرير قال: حب أبي حنيفة من السنة.
قال إسحاق بن إبراهيم الزهري، عن بشر بن الوليد قال: طلب المنصور أبا حنيفة فأراده على القضاء، وحلف ليلين فأبى، وحلف: إني لا أفعل. فقال الربيع الحاجب: ترى أمير المؤمنين يحلف، وأنت تحلف؟ قال: أمير المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني، فأمر به إلى السجن، فمات فيه ببغداد.
وقيل: دفعه أبو جعفر إلى صاحب شرطته حميد الطوسي. فقال: يا شيخ، إن أمير المؤمنين يدفع إلي الرجل فيقول لي: اقتله أو اقطعه، أو اضربه، ولا أعلم بقصته، فماذا أفعل؟ فقال: هل يأمرك أمير المؤمنين بأمر قد وجب؟ أو بأمر لم يجب؟ قال: بل بما قد وجب. قال: فبادر إلى الواجب.(أعلام/205)
وعن مغيث بن بديل قال: دعا المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فامتنع، فقال: أترغب عما نحن فيه؟ فقال: لا أصلح. قال: كذبت. قال: فقد حكم أمير المؤمنين علي أني لا أصلح، فإن كنت كاذبا فلا أصلح، وإن كنت صادقا فقد أخبرتكم أني لا أصلح، فحبسه. وروى نحوها إسماعيل بن أبي أويس، عن الربيع الحاجب، وفيها قال أبو حنيفة: والله ما أنا بمأمون الرضا. فكيف أكون مأمون الغضب؟ فلا أصلح لذلك. قال المنصور: كذبت. بل تصلح. فقال كيف يحل أن تولي من يكذب؟ .
وقيل: إن أبا حنيفة ولي له، فقضى قضية واحدة، وبقي يومين، ثم اشتكى ستة أيام وتوفي.
وقال الفقيه أبو عبد الله الصيمري: لم يقبل العهد بالقضاء، فضرب وحبس، ومات في السجن. وروى حيان بن موسى المروزي، قال: سئل ابن المبارك: مالك أفقه، أو أبو حنيفة؟ قال: أبو حنيفة. وقال الخريبي: ما يقع في أبي حنيفة إلا حاسد أو جاهل.
وقال يحيى بن سعيد القطان: لا نكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله.
وقال علي بن عاصم: لو وزن علم الإمام أبي حنيفة بعلم أهل زمانه، لرجح عليهم.
وقال حفص بن غياث: كلام أبي حنيفة في الفقه أدق من الشعر، لا يعيبه إلا جاهل.
وروي عن الأعمش أنه سئل عن مسألة، فقال: إنما يحسن هذا النعمان بن ثابت الخزاز، وأظنه بورك له في علمه.
وقال جرير: قال لي مغيرة: جالس أبا حنيفة تفقه، فإن إبراهيم النخعي لو كان حيا لجالسه.
وقال ابن المبارك: أبو حنيفة أفقه الناس.
وقال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة. قلت: الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام. وهذا أمر لا شك فيه.
وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
وسيرته تحتمل أن تفرد في مجلدين، رضي الله عنه ورحمه.(أعلام/206)
توفي شهيدا مسقيا في سنة خمسين ومائة وله سبعون سنة، وعليه قبة عظيمة ومشهد فاخر ببغداد، والله أعلم.
وابنه الفقيه حماد بن أبي حنيفة: كان ذا علم ودين وصلاح وورع تام. لما توفي والده، كان عنده ودائع كثيرة، وأهلها غائبون، فنقلها حماد إلى الحاكم ليتسلمها، فقال: بل دعها عندك فإنك أهل. فقال: زنها واقبضها حتى تبرأ منها ذمة الوالد، ثم افعل ما ترى. ففعل القاضي ذلك. وبقي في وزنها وحسابها أياما، واستتر حماد فما ظهر حتى أودعها القاضي عند أمين.
توفي حماد سنة ست وسبعين ومائة كهلا. له رواية عن أبيه وغيره. حدث عنه ولده الإمام إسماعيل بن حماد قاضي البصرة.(أعلام/207)
أبو حيان التوحيدي
الضال الملحد أبو حيان، علي بن محمد بن العباس، البغدادي الصوفي، صاحب التصانيف الأدبية والفلسفية، ويقال: كان من أعيان الشافعية.
قال ابن بابي في كتاب " الخريدة والفريدة ": كان أبو حيان هذا كذابا قليل الدين والورع عن القذف والمجاهرة بالبهتان، تعرض لأمور جسام من القدح في الشريعة والقول بالتعطيل، ولقد وقف سيدنا الوزير الصاحب كافي الكفاة على بعض ما كان يدغله ويخفيه من سوء الاعتقاد، فطلبه ليقتله، فهرب، والتجأ إلى أعدائه، ونفق عليهم تزخرفه وإفكه، ثم عثروا منه على قبيح دخلته وسوء عقيدته، وما يبطنه من الإلحاد، ويرومه في الإسلام من الفساد، وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح، ويضيفه إلى السلف الصالح من الفضائح، فطلبه الوزير المهلبي، فاستتر منه، ومات في الاستتار، وأراح الله، ولم يؤثر عنه إلا مثلبة أو مخزية.
وقال أبو الفرج بن الجوزي: زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراوندي، وأبو حيان التوحيدي، وأبو العلاء المعري، وأشدهم على الإسلام أبو حيان، لأنهما صرحا، وهو مجمج ولم يصرح.
قلت: وكان من تلامذة علي بن عيسى الرماني ورأيته يبالغ في تعظيم الرماني في كتابه الذي ألفه في تقريظ الجاحظ، فانظر إلى المادح والممدوح! وأجود الثلاثة الرماني مع اعتزاله وتشيعه.
وأبو حيان له مصنف كبير في تصوف الحكماء، وزهاد الفلاسفة، وكتاب سماه " البصائر والذخائر " وكتاب " الصديق والصداقة " مجلد، وكتاب " المقابسات " وكتاب: " مثالب الوزيرين " -يعني: ابن العميد وابن عباد - وغير ذلك.
وهو الذي نسب نفسه إلى التوحيد، كما سمى ابن تومرت أتباعه بالموحدين، وكما يسمي صوفية الفلاسفة نفوسهم بأهل الوحدة وبالاتحادية.(أعلام/208)
أنبأني أحمد بن أبي الخير، عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي، عن ابن طاهر: سمعت أبا الفتح عبد الوهاب الشيرازي بالري يقول: سمعت أبا حيان التوحيدي يقول: أناس مضوا تحت التوهم، وظنوا أن الحق معهم، وكان الحق وراءهم.
قلت: أنت حامل لوائهم.
قال الشيخ محيي الدين في " تهذيب الأسماء ": أبو حيان من أصحابنا المصنفين، فمن غرائبه أنه قال في بعض رسائله: لا ربا في الزعفران. ووافقه عليه أبو حامد المروذي.
وقال ابن النجار: له المصنفات الحسنة كالبصائر وغيرها. قال: وكان فقيرا صابرا متدينا، صحيح العقيدة. سمع جعفرا الخلدي، وأبا بكر الشافعي، وأبا سعيد السيرافي، والقاضي أحمد بن بشر العامري.
روى عنه: علي بن يوسف الفامي، ومحمد بن منصور بن جيكان وعبد الكريم بن محمد الداودي، ونصر بن عبد العزيز الفارسي، ومحمد بن إبراهيم بن فارس الشيرازيون، وقد لقي الصاحب بن عباد وأمثاله.
قلت: قد سمع منه أبو سعد عبد الرحمن بن ممجة الأصبهاني، وذلك في سنة أربعمائة، وهو آخر العهد به.
وقال السلفي: كان نصر بن عبد العزيز ينفرد عن أبي حيان بنكت عجيبة.
وقال أبو نصر السجزي الحافظ فيما يأثره عنه جعفر الحكاك: سمعت أبا سعد الماليني يقول: قرأت الرسالة -يعني: المنسوبة إلى أبي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى علي -رضي الله عنه- على أبي حيان، فقال: هذه الرسالة عملتها ردا على الرافضة، وسببه أنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء، وكانوا يغلون في حال علي، فعملت هذه الرسالة.
قلت: قد باء بالاختلاف على علي الصفوة، وقد رأيتها وسائرها كذب بين.(أعلام/209)
أبو خالد الأحمر (ع)
الإمام الحافظ سليمان بن حيان الأزدي الكوفي. كان مولده بجرجان في سنة أربع عشرة ومائة.
حدث عن: حميد الطويل، وسليمان التيمي، وهشام بن عروة، وليث بن أبي سليم، وأبي مالك الأشجعي، وإسماعيل بن أبي خالد وعدة.
وعنه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأبو كريب، وأبو سعيد الأشج، ويوسف بن موسى، وهناد، والحسن بن حماد سجادة، والحسن بن حماد الضبي، والحسن بن حماد المرادي، وخلق.
قال العجلي: ثقة، يؤاجر نفسه من التجار.
وقال أبو حاتم: صدوق، ووثقه جماعة.
وقال ابن معين: صدوق، وليس بحجة، وتابعه على هذا ابن عدي.
وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: هو ثقة، وليس بثبت.
قلت: كان موصوفا بالخير والدين، وله هفوة، وهي خروجه، مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن وحديثه محتج به في سائر الأصول.
توفي سنة تسع وثمانين ومائة.
قال محمد بن مثنى السمسار: قال بشر الحافي: سمعت أبا خالد الأحمر يقول: يأتي زمان، تعطل فيه المصاحف، يطلبون الحديث والرأي، فإياكم وذلك، فإنه يصفق الوجه، ويشغل القلب، ويكثر الكلام.
وقع لي من عوالي أبي خالد في " المحامليات " وغير ذلك.
وكان من أئمة الحديث، منافرا للكلام والرأي والجدال.(أعلام/210)
أبو خيثمة (خ، م، د، س، ق)
زهير بن حرب بن شداد الحرشي النسائي، ثم البغدادي الحافظ الحجة، أحد أعلام الحديث، مولى بني الحريش بن كعب بن عامر بن صعصعة، وكان اسم جده أشتال، فعرب، وقيل: شداد.
نزل بغداد بعد أن أكثر التطواف في العلم، وجمع وصنف، وبرع في هذا الشأن هو وابنه وحفيده محمد بن أحمد، وقل أن اتفق هذا لثلاثة على نسق.
ولد أبو خيثمة سنة ستين ومائة قاله ابنه أبو بكر.
وحدث عن: جرير بن عبد الحميد، وهشيم، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، وعبدة بن سليمان، والوليد بن مسلم، وسفيان بن عيينة، وأبي معاوية الضرير، ووكيع، ويحيى القطان، وأبي سفيان محمد بن حميد، ومروان بن معاوية، ويزيد بن هارون، وحفص بن غياث، والقاسم بن مالك، وابن فضيل، وعبد الرزاق، وبشر بن السري، وروح، وشبابة، ومعن بن عيسى، وابن علية، وخلائق. وينزل إلى عفان، ومعلى بن منصور، وكامل بن طلحة الجحدري، ونحوهم.
روى عنه: الشيخان، وأبو داود، وابن ماجه، وروى النسائي عن رجل عنه، وروى عنه أبو زرعة، وأبو حاتم، وإبراهيم الحربي، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وبقي بن مخلد، وأحمد بن علي المروزي، وأبو يعلى الموصلي، وموسى بن هارون، وأبو القاسم البغوي، وخلق.
وثقه يحيى بن معين.
وروى علي بن الحسين بن الجنيد، عن يحيى بن معين، قال: أبو خيثمة يكفي قبيلة.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال يعقوب بن شيبة: هو أثبت من ابن أبي شيبة، كان في عبد الله - يعني: ابن أبي شيبة - تهاون في الحديث لم يكن يفصل هذه الأشياء ; يعني: الألفاظ.
وقال جعفر الفريابي: سألت محمد بن عبد الله بن نمير: أيما أحب إليك أبو خيثمة، أو أبو بكر بن أبي شيبة؟ فقال: أبو خيثمة، وجعل يطري أبا خيثمة، ويضع من أبي بكر.
وقال أبو عبيد الآجري: قلت لأبي داود: أبو خيثمة حجة في الرجال؟ قال: ما كان أحسن علمه.(أعلام/211)
وقال النسائي: ثقة مأمون.
وقال الحسين بن قهم: ثقة ثبت.
قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان ثقة ثبتا حافظا متقنا.
قلت: من المكثرين عنه ولده، وأبو يعلى. ووقع لي من عواليه.
قال أبو بكر: مات أبي في خلافة المتوكل، ليلة الخميس لسبع خلون من شعبان، سنة أربع وثلاثين ومائتين، وهو ابن أربع وسبعين سنة، رحمه الله.
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، وأبو العباس أحمد بن محمد، ومحمد بن إبراهيم النحوي، وطائفة، قالوا: أخبرنا أبو المنجى عبد الله بن عمر العتابي (ح) ، وأخبرنا أحمد بن إسحاق الهمذاني، أخبرنا زكريا بن علي، قالا: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرتنا بيبى بنت عبد الصمد الهرثمية، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرني روح بن القاسم، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبرز لحاجته، فآتيه بماء يغتسل به.
أخرجه مسلم عن أبي خيثمة، فوقع عاليا من الموافقات.
أخبرنا علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني قراءة عليه، أخبرنا محمد بن أحمد بن عمر الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن الزاغواني، أخبرنا محمد بن محمد بن علي الزينبي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلص، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، وشجاع بن مخلد، والحسن بن عرفة، قالوا: أخبرنا هشيم، أخبرنا حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اعتدلوا في صفوفكم وتراصوا ; فإني أراكم من وراء ظهري زاد شجاع، والحسن: قال أنس: فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، فلو ذهبت أفعل هذا اليوم، لنفر أحدكم كأنه بغل شموس.(أعلام/212)
هذا حديث صحيح غريب. وقد وقع لنا شيء كثير من موافقات أبي خيثمة في " مسند " أبي يعلى الموصلي.
ذكر ولده: هو الحافظ الكبير المجود أبو بكر: أحمد بن أبي خيثمة.(أعلام/213)
أبو داود (ت، س)
وابنه
سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن عامر. كذا أسماه عبد الرحمن بن أبي حاتم. وقال محمد بن عبد العزيز الهاشمي: سليمان بن الأشعث بن بشر بن شداد. وقال ابن داسة وأبو عبيد الآجري: سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد. وكذلك قال أبو بكر الخطيب في " تاريخه ". وزاد: ابن عمرو بن عمران. الإمام، شيخ السنة، مقدم الحفاظ أبو داود، الأزدي السجستاني، محدث البصرة.
ولد سنة اثنتين ومائتين ورحل، وجمع، وصنف، وبرع في هذا الشأن.
قال أبو عبيد الآجري: سمعته يقول: ولدت سنة اثنتين وصليت على عفان سنة عشرين، ودخلت البصرة وهم يقولون: أمس مات عثمان بن الهيثم المؤذن. فسمعت من أبي عمر الضرير مجلسا واحدا.
قلت: مات في شعبان من سنة عشرين، ومات عثمان قبله بشهر، قال: وتبعت عمر بن حفص بن غياث إلى منزله، ولم أسمع منه وسمعت من سعيد بن سليمان مجلسا واحدا، ومن عاصم بن علي مجلسا واحدا.
قلت: وسمع بمكة من القعنبي، وسليمان بن حرب.
وسمع من: مسلم بن إبراهيم، وعبد الله بن رجاء، وأبي الوليد الطيالسي، وموسى بن إسماعيل، وطبقتهم بالبصرة.
ثم سمع بالكوفة من: الحسن بن الربيع البوراني، وأحمد بن يونس اليربوعي، وطائفة. وسمع من: أبي توبة الربيع بن نافع بحلب، ومن: أبي جعفر النفيلي، وأحمد بن أبي شعيب، وعدة، بحران. ومن حيوة بن شريح، ويزيد بن عبد ربه، وخلق بحمص. ومن صفوان بن صالح، وهشام بن عمار، بدمشق.
ومن إسحاق ابن راهويه وطبقته بخراسان. ومن أحمد بن حنبل وطبقته ببغداد. ومن قتيبة بن سعيد ببلخ.
ومن أحمد بن صالح وخلق بمصر. ومن إبراهيم بن بشار الرمادي، وإبراهيم بن موسى الفراء، وعلي بن المديني، والحكم بن موسى، وخلف بن هشام، وسعيد بن منصور، وسهل بن بكار، وشاذ بن فياض، وأبي معمر عبد الله بن عمرو المقعد.(أعلام/214)
وعبد الرحمن بن المبارك العيشي، وعبد السلام بن مطهر، وعبد الوهاب بن نجدة، وعلي بن الجعد، وعمرو بن عون، وعمرو بن مرزوق، ومحمد بن الصباح الدولابي، ومحمد بن المنهال الضرير، ومحمد بن كثير العبدي، ومسدد بن مسرهد، ومعاذ بن أسد، ويحيى بن معين، وأمم سواهم.
حدث عنه: أبو عيسى، في " جامعه "، والنسائي، فيما قيل، وإبراهيم بن حمدان العاقولي وأبو الطيب أحمد بن إبراهيم ابن الأشناني البغدادي، نزيل الرحبة، راوي " السنن " عنه وأبو حامد أحمد بن جعفر الأشعري الأصبهاني، وأبو بكر النجاد، وأبو عمرو أحمد بن علي بن حسن البصري، راوي " السنن " عنه.
وأحمد بن داود بن سليم، وأبو سعيد ابن الأعرابي راوي " السنن " بفوت له، وأبو بكر أحمد بن محمد الخلال الفقيه، وأحمد بن محمد بن ياسين الهروي، وأحمد بن المعلى الدمشقي، وإسحاق بن موسى الرملي الوراق.
وإسماعيل بن محمد الصفار، وحرب بن إسماعيل الكرماني، والحسن بن صاحب الشاشي، والحسن بن عبد الله الذارع، والحسين بن إدريس الهروي، وزكريا بن يحيى الساجي، وعبد الله بن أحمد الأهوازي عبدان، وابنه أبو بكر ابن أبي داود، وأبو بكر ابن أبي الدنيا، وعبد الله ابن أخي أبي زرعة، وعبد الله بن محمد بن يعقوب، وعبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي، وعلي بن الحسن بن العبد الأنصاري، أحد رواة " السنن " وعلي بن عبد الصمد ما غمه وعيسى بن سليمان البكري، والفضل بن العباس بن أبي الشوارب.
وأبو بشر الدولابي الحافظ، وأبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي، راوي " السنن " ومحمد بن أحمد بن يعقوب المتوثي البصري، راوي كتاب " القدر " له، ومحمد بن بكر بن داسة التمار، من رواة " السنن " ومحمد بن جعفر بن الفريابي، ومحمد بن خلف بن المرزبان، ومحمد بن رجاء البصري، وأبو سالم محمد بن سعيد الأدمي.(أعلام/215)
وأبو بكر محمد بن عبد العزيز الهاشمي المكي، وأبو أسامة محمد بن عبد الملك الرواس، راوي " السنن " بفواتات، وأبو عبيد محمد بن علي بن عثمان الآجري الحافظ، ومحمد بن مخلد العطار الخضيب ومحمد بن المنذر شكر، ومحمد بن يحيى بن مرداس السلمي، وأبو بكر محمد بن يحيى الصولي، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني.
وقد روى النسائي في " سننه " مواضع يقول: حدثنا أبو داود، حدثنا سليمان بن حرب، وحدثنا النفيلي، وحدثنا عبد العزيز بن يحيى المدني، وعلي بن المديني، وعمرو بن عون، ومسلم بن إبراهيم، وأبو الوليد، فالظاهر أن أبا داود في كل الأماكن هو السجستاني، فإنه معروف بالرواية عن السبعة، لكن شاركه أبو داود سليمان بن سيف الحراني في الرواية عن بعضهم، والنسائي فمكثر عن الحراني.
وقد روى النسائي في كتاب " الكنى "، عن سليمان بن الأشعث، ولم يكنه، وذكر الحافظ ابن عساكر في " النبل " أن النسائي يروي عن أبي داود السجستاني.
أنبأني جماعة سمعوا ابن طبرزد، أخبرنا أبو البدر الكرخي، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو عمر الهاشمي، أخبرنا أبو علي اللؤلؤي، أخبرنا أبو دواد، حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن عوف، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: السلام عليكم. فرد عليه، ثم جلس، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- " عشر ". ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال: " عشرون ". ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فرد عليه، فجلس، وقال: " ثلاثون "(أعلام/216)
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد -فيما أظن- وعمر بن محمد الفارسي وجماعة، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو الحسن الداودي، أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا عيسى بن عمر السمرقندي، أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن الحافظ، أخبرنا محمد بن كثير، فذكره بنحوه.
أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي، عن أبي داود، عن محمد بن كثير، وأخرجه أبو عيسى في " جامعه " عن الحافظ عبد الله الدارمي، فوافقناهما بعلو.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحليم الفقيه بقراءتي، أخبرنا علي بن مختار، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الصوفي، أخبرنا علي بن أحمد الرزاز، حدثنا أحمد بن سلمان الفقيه، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث، بالبصرة، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تلقي الجلب، فإن تلقاه متلق فاشتراه، فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق هذا حديث صحيح غريب وأخرجه الترمذي من طريق عبيد الله بن عمرو، وهو من أفراده.
وقع لنا عدة أحاديث عالية لأبي داود، وكتاب " الناسخ " له. وسكن البصرة بعد هلاك الخبيث طاغية الزنج، فنشر بها العلم، وكان يتردد إلى بغداد.
قال الخطيب أبو بكر: يقال: إنه صنف كتابه " السنن " قديما، وعرضه على أحمد بن حنبل، فاستجاده، واستحسنه.
قال أبو عبيد: سمعت أبا داود يقول: رأيت خالد بن خداش، ولم أسمع منه، ولم أسمع من يوسف الصفار، ولا من ابن الأصبهاني، ولا من عمرو بن حماد، والحديث رزق.
قال أبو عبيد الآجري: وكان أبو داود لا يحدث عن ابن الحماني، ولا عن سويد، ولا عن ابن كاسب، ولا عن محمد بن حميد، ولا عن سفيان بن وكيع.(أعلام/217)
وقال أبو بكر بن داسة: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب -يعني كتاب " السنن "، جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح، وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث، أحدها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: الأعمال بالنيات والثاني: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والثالث: قوله: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه والرابع: الحلال بين الحديث.
رواها الخطيب: حدثني أبو بكر محمد بن علي بن إبراهيم القاري الدينوري بلفظه: سمعت أبا الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن الفرضي، سمع ابن داسة.
قوله: يكفي الإنسان لدينه، ممنوع، بل يحتاج المسلم إلى عدد كثير من السنن الصحيحة مع القرآن.
قال أبو بكر الخلال: أبو داود الإمام المقدم في زمانه، رجل لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم، وبصره بمواضعه أحد في زمانه، رجل ورع مقدم، سمع منه أحمد بن حنبل حديثا واحدا، كان أبو داود يذكره.
قلت: هو حديث أبي داود، عن محمد بن عمرو الرازي، عن عبد الرحمن بن قيس، عن حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، عن أبيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن العتيرة، فحسنها.
وهذا حديث منكر، تكلم في ابن قيس من أجله وإنما المحفوظ عند حماد بهذا السند حديث: أما تكون الذكاة إلا من اللبة. .
ثم قال الخلال: وكان إبراهيم الأصبهاني ابن أورمة، وأبو بكر بن صدقة يرفعون من قدره، ويذكرونه بما لا يذكرون أحدا في زمانه مثله.
وقال أحمد بن محمد بن ياسين: كان أبو داود أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلمه وعلله وسنده في أعلى درجة النسك والعفاف، والصلاح والورع، من فرسان الحديث.(أعلام/218)
وقال أبو بكر محمد بن إسحاق الصاغاني، وإبراهيم الحربي: لما صنف أبو داود كتاب " السنن " ألين لأبي داود الحديث، كما ألين لداود، -عليه السلام- الحديد.
الحاكم: سمعت الزبير بن عبد الله بن موسى، سمعت محمد بن مخلد يقول: كان أبو داود يفي بمذاكرة مائة ألف حديث، ولما صنف كتاب " السنن "، وقرأه على الناس، صار كتابه لأصحاب الحديث كالمصحف، يتبعونه ولا يخالفونه، وأقر له أهل زمانه بالحفظ والتقدم فيه.
وقال الحافظ موسى بن هارون: خلق أبو داود في الدنيا للحديث، وفي الآخرة للجنة.
وقال علان بن عبد الصمد: سمعت أبا داود، وكان من فرسان الحديث.
قال أبو حاتم بن حبان: أبو داود أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وحفظا، ونسكا وورعا وإتقانا جمع وصنف وذب عن السنن.
قال الحافظ أبو عبد الله بن منده: الذين خرجوا وميزوا الثابت من المعلول، والخطأ من الصواب أربعة: البخاري، ومسلم، ثم أبو داود، والنسائي.
وقال أبو عبد الله الحاكم: أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة، سمع بمصر والحجاز، والشام والعراقين وخراسان. وقد كتب بخراسان قبل خروجه إلى العراق، في بلده وهراة. وكتب ببغلان عن قتيبة، وبالري عن إبراهيم بن موسى، إلا أن أعلى إسناده: القعنبي، ومسلم بن إبراهيم. . . وسمى جماعة. قال: وكان قد كتب قديما بنيسابور، ثم رحل بابنه أبي بكر إلى خراسان.
روى أبو عبيد الآجري، عن أبي داود، قال: دخلت الكوفة سنة إحدى وعشرين، وما رأيت بدمشق مثل أبي النضر الفراديسي، وكان كثير البكاء، كتبت عنه سنة اثنتين وعشرين.(أعلام/219)
قال القاضي الخليل بن أحمد السجزي: سمعت أحمد بن محمد بن الليث قاضي بلدنا يقول: جاء سهل بن عبد الله التستري إلى أبي داود السجستاني، فقيل: يا أبا داود: هذا سهل بن عبد الله جاءك زائرا، فرحب به، وأجلسه، فقال سهل: يا أبا داود! لي إليك حاجة. قال: وما هي؟ قال: حتى تقول: قد قضيتها مع الإمكان. قال: نعم. قال: أخرج إلي لسانك الذي تحدث به أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أقبله. فأخرج إليه لسانه فقبله.
روى إسماعيل بن محمد الصفار، عن الصاغاني، قال: لين لأبي داود السجستاني الحديث، كما لين لداود الحديد.
وقال موسى بن هارون: ما رأيت أفضل من أبي داود.
قال ابن داسة: سمعت أبا داود يقول: ذكرت في " السنن " الصحيح وما يقاربه، فإن كان فيه وهن شديد بينته(أعلام/220)
قلت: فقد وفى -رحمه الله- بذلك بحسب اجتهاده، وبين ما ضعفه شديد، ووهنه غير محتمل، وكاسر عن ما ضعفه خفيف محتمل، فلا يلزم من سكوته -والحالة هذه- عن الحديث أن يكون حسنا عنده، ولا سيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولد الحادث، الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح، الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء، أو الذي يرغب عنه أبو عبد الله البخاري، ويمشيه مسلم، وبالعكس، فهو داخل في أداني مراتب الصحة، فإنه لو انحط عن ذلك لخرج عن الاحتجاج، ولبقي متجاذبا بين الضعف والحسن، فكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه الشيخان، وذلك نحو من شطر الكتاب، ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين، ورغب عنه الآخر، ثم يليه ما رغبا عنه، وكان إسناده جيدا، سالما من علة وشذوذ، ثم يليه ما كان إسناده صالحا، وقبله العلماء لمجيئه من وجهين لينين فصاعدا، يعضد كل إسناد منهما الآخر، ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص حفظ راويه، فمثل هذا يمشيه أبو داود، ويسكت عنه غالبا، ثم يليه ما كان بين الضعف من جهة راويه، فهذا لا يسكت عنه، بل يوهنه غالبا، وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته، والله أعلم.
قال الحافظ زكريا الساجي: كتاب الله أصل الإسلام، وكتاب أبي داود عهد الإسلام.
قلت: كان أبو داود مع إمامته في الحديث وفنونه من كبار الفقهاء، فكتابه يدل على ذلك، وهو من نجباء أصحاب الإمام أحمد، لازم مجلسه مدة، وسأله عن دقاق المسائل في الفروع والأصول.
وكان على مذهب السلف في اتباع السنة والتسليم لها، وترك الخوض في مضائق الكلام.
روى الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: كان عبد الله بن مسعود يشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في هديه ودله. وكان علقمة يشبه بعبد الله في ذلك.
قال جرير بن عبد الحميد: وكان إبراهيم النخعي يشبه بعلقمة في ذلك، وكان منصور يشبه بإبراهيم.(أعلام/221)
وقيل: كان سفيان الثوري يشبه بمنصور، وكان وكيع يشبه بسفيان، وكان أحمد يشبه بوكيع، وكان أبو داود يشبه بأحمد.
قال الخطابي: حدثني عبد الله بن محمد المسكي، حدثني أبو بكر بن جابر خادم أبي داود -رحمه الله- قال: كنت مع أبي داود ببغداد، فصلينا المغرب، فجاءه الأمير أبو أحمد الموفق -يعني ولي العهد- فدخل، ثم أقبل عليه أبو داود، فقال: ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت؟ قال: خلال ثلاث. قال: وما هي؟ قال: تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطنا، ليرحل إليك طلبة العلم، فتعمر بك، فإنها قد خربت، وانقطع عنها الناس، لما جرى عليها من محنة الزنج. فقال: هذه واحدة. قال: وتروي لأولادي " السنن ". قال: نعم، هات الثالثة. قال: وتفرد لهم مجلسا، فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة. قال: أما هذه فلا سبيل إليها، لأن الناس في العلم سواء.
قال ابن جابر: فكانوا يحضرون ويقعدون في كم حيري، عليه ستر، ويسمعون مع العامة. قال ابن داسة: كان لأبي داود كم واسع وكم ضيق، فقيل له في ذلك، فقال: الواسع للكتب، والآخر لا يحتاج إليه.
قال أبو بكر ابن أبي داود: سمعت أبي يقول: خير الكلام ما دخل الأذن بغير إذن.
قال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: الليث روى عن الزهري، وروى عن أربعة، عن الزهري، حدث عن: خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري.
وسمعت أبا داود يقول: كان عمير بن هانئ قدريا، يسبح كل يوم مائة ألف تسبيحة، قتل صبرا بداريا أيام يزيد بن الوليد، وكان يحرض عليه.
قال أبو داود: مسلمة بن محمد حدثنا عنه مسدد، قال أبو عبيد: فقلت لأبي داود: حدث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: " إياكم والزنج، فإنه خلق مشوه "؟ فقال: من حدث بهذا، فاتهمه.(أعلام/222)
وقال أبو داود: يونس بن بكير ليس هو عندي حجة، هو والبكائي سمعا من ابن إسحاق بالري.
قال الحاكم: سليمان بن الأشعث السجستاني مولده بسجستان، وله ولسلفه إلى الآن بها عقد وأملاك وأوقاف، خرج منها في طلب الحديث إلى البصرة، فسكنها، وأكثر بها السماع عن سليمان بن حرب، وأبي النعمان، وأبي الوليد، ثم دخل إلى الشام ومصر، وانصرف إلى العراق، ثم رحل بابنه أبي بكر إلى بقية المشايخ، وجاء إلى نيسابور، فسمع ابنه من إسحاق بن منصور، ثم خرج إلى سجستان. وطالع بها أسبابه، وانصرف إلى البصرة واستوطنها.
وحدثنا محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني، حدثنا أبو بكر ابن أبي داود، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عمرو الرازي، حدثنا عبد الرحمن بن قيس، عن حماد بن سلمة، عن أبي العشراء الدارمي، عن أبيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن العتيرة، فحسنها.
قيل: إن أحمد كتب عن أبي هذا، فذكرت له، فقال: نعم. قلت: وكيف كان ذلك؟ فقال: ذكرنا يوما أحاديث أبي العشراء، فقال أحمد: لا أعرف له إلا ثلاثة أحاديث، ولم يرو عنه إلا حماد حديث اللبة وحديث: رأيت على أبي العشراء عمامة. فذكرت لأحمد هذا، فقال: أمله علي. ثم قال: لمحمد بن أبي سمينة عند أبي داود حديث غريب. فسألني، فكتبه عني محمد بن يحيى بن أبي سمينة.
قال الحاكم: وأخبرنا أبو حاتم بن حبان: سمعت ابن أبي داود، سمعت أبي يقول: أدركت من أهل الحديث من أدركت، لم يكن فيهم أحفظ للحديث، ولا أكثر جمعا له من ابن معين، ولا أورع ولا أعرف بفقه الحديث من أحمد، وأعلمهم بعلله علي بن المديني، ورأيت إسحاق -على حفظه ومعرفته- يقدم أحمد بن حنبل، ويعترف له.(أعلام/223)
وحدثني أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، حدثني عبد الكريم ابن النسائي، حدثني أبي، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث بالبصرة، قال: سمع الزهري من ثلاثة عشر رجلا، من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنس، سهل، السائب، سنين أبي جميلة محمود بن الربيع، رجل من بلي، ابن أبي صعير، أبي أمامة بن سهل، وقالوا: ابن عمر؟ فقال: رأيت ابن عمر سن على وجهه الماء سنا. وقالوا: إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم قبض، وعبد الرحمن بن أزهر.
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد وإسماعيل بن عبد الرحمن ومحمد بن بيان بقراءتي، أخبركم الحسن بن صباح، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا علي بن الحسن القاضي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر النحاس، قال: حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الأعرابي، حدثنا أبو داود سليمان بن حرب، ومسدد، قالا: أخبرنا حماد، عن ثابت، عن أبي بردة، عن الأغر -وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة.
أخرجه مسلم أيضا من حديث حماد هذا، وهو ابن زيد، وأخرجه مسلم من حديث عمرو بن مرة، عن أبي بردة، عن الأغر بن يسار المزني، وقيل: الجهني، وما علمته روى شيئا سوى هذا الحديث.
وأخبرناه أبو سعيد الثغري، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، أخبرنا عبد الحق، أخبرنا علي بن محمد، أخبرنا أبو الحسن الحمامي، أخبرنا ابن قانع، حدثنا علي بن محمد بن أبي الشوارب، حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، قال: عمرو بن مرة أخبرني، قال: سمعت أبا بردة يحدث عن رجل من جهينة، يقال له: الأغر، وكان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: يا أيها الناس! توبوا إلى ربكم، فإني أتوب إلى الله في كل يوم مائة مرة.(أعلام/224)
قال أبو داود في " سننه ": شبرت قثاءة بمصر ثلاثة عشر شبرا، ورأيت أترجة على بعير، وقد قطعت قطعتين، وعملت مثل عدلين.
فأما سجستان، الإقليم الذي منه الإمام أبو داود: فهو إقليم صغير منفرد، متاخم لإقليم السند، غربيه بلد هراة، وجنوبيه مفازة، بينه وبين إقليم فارس وكرمان، وشرقيه مفازة وبرية بينه وبين مكران التي هي قاعدة السند، وتمام هذا الحد الشرقي بلاد الملتان، وشماليه أول الهند.
فأرض سجستان كثيرة النخل والرمل، وهي من الإقليم الثالث من السبعة، وقصبة سجستان هي: زرنج، وعرضه اثنتان وثلاثون درجة، وتطلق زرنج، على سجستان، ولها سور، وبها جامع عظيم، وعليها نهر كبير، وطولها من جزائر الخالدات تسع وثمانون درجة، والنسبة إليها أيضا: " سجزي "، وهكذا ينسب أبو عوانة الإسفراييني، أبا داود فيقول: السجزي، وإليها ينسب مسند الوقت أبو الوقت السجزي. وقد قيل -وليس بشيء-: إن أبا داود من سجستان قرية من أعمال البصرة، ذكره القاضي شمس الدين في " وفيات الأعيان " فأبو داود أول ما قدم من البلاد، دخل بغداد، وهو ابن ثمان عشرة سنة، وذلك قبل أن يرى البصرة، ثم ارتحل من بغداد إلى البصرة.
قال أبو عبيد الآجري: توفي أبو داود في سادس عشر شوال، سنة خمس وسبعين ومائتين.
قلت: كان أخوه محمد بن الأشعث أسن منه بقليل، وكان رفيقا له في الرحلة.
يروي عن: أصحاب شعبة.
روى عنه: ابن أخيه أبو بكر بن أبي داود. ومات كهلا قبل أبي دواد بمدة.(أعلام/225)
أبو دجانة الأنصاري
سماك بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد الساعدي.
كان يوم أحد عليه عصابة حمراء، يقال: آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عتبة بن غزوان.
قال الواقدي: ثبت أبو دجانة يوم أحد مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبايعه على الموت. وهو ممن شارك في قتل مسيلمة الكذاب، ثم استشهد يومئذ.
قال محمد بن سعد: لأبي دجانة عقب بالمدينة وببغداد إلى اليوم.
وقال زيد بن أسلم: دخل على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل. فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما.
وعن أنس بن مالك قال: رمى أبو دجانة بنفسه يوم اليمامة إلى داخل الحديقة، فانكسرت رجله، فقاتل وهو مكسور الرجل حتى قتل - رضي الله عنه.
وقيل: هو سماك بن أوس بن خرشة.
صالح بن موسى، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: لما وضعت الحرب أوزارها، افتخر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأيامهم، وطلحة ساكت لا ينطق، وسماك بن خرشة أبو دجانة ساكت لا ينطق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رأى سكوتهما: " لقد رأيتني يوم أحد وما في الأرض قربي مخلوق غير جبريل عن يميني، وطلحة عن يساري.
وكان سيف أبي دجانة غير دميم " ; وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض ذلك السيف حتى قال: " من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فأحجم الناس عنه، فقال أبو دجانة: وما حقه يا رسول الله؟ قال: تقاتل به في سبيل الله حتى يفتح الله عليك أو تقتل ". فأخذه بذلك الشرط، فلما كان قبل الهزيمة يوم أحد خرج بسيفه مصلتا وهو يتبختر، ما عليه إلا قميص وعمامة حمراء قد عصب بها رأسه، وإنه ليرتجز ويقول:
إني امرؤ عاهدني خليلي
إذ نحن بالسفح لدى النخيل
أن لا أقيم الدهر في الكبول
أضرب بسيف الله والرسول(أعلام/226)
قال: يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنها لمشية يبغضها الله ورسوله إلا في مثل هذا الموطن ".
وحرز أبي دجانة شيء لم يصح ما أدري من وضعه.(أعلام/227)
أبو ذر (ع)
جندب بن جنادة الغفاري، وقيل: جندب بن سكن. وقيل: برير بن جنادة. وقيل: برير بن عبد الله.
ونبأني الدمياطي: أنه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار - أخي ثعلبة - ابني مليل بن ضمرة، أخي ليث والديل، أولاد بكر، أخي مرة، والد مدلج بن مرة، ابني عبد مناة بن كنانة.
قلت: أحد السابقين الأولين من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
قيل: كان خامس خمسة في الإسلام. ثم إنه رد إلى بلاد قومه، فأقام بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، فلما أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، هاجر إليه أبو ذر رضي الله عنه، ولازمه، وجاهد معه.
وكان يفتي في خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان.
روى عنه: حذيفة بن أسيد الغفاري، وابن عباس، وأنس بن مالك، وابن عمر، وجبير بن نفير، وأبو مسلم الخولاني، وزيد بن وهب، وأبو الأسود الدئلي، وربعي بن حراش، والمعرور بن سويد، وزر بن حبيش، وأبو سالم الجيشاني سفيان بن هانئ، وعبد الرحمن بن غنم، والأحنف بن قيس، وقيس بن عباد، وعبد الله بن الصامت، وأبو عثمان النهدي، وسويد بن غفلة، وأبو مراوح، وأبو إدريس الخولاني، وسعيد بن المسيب، وخرشة بن الحر، وزيد بن ظبيان، وصعصعة بن معاوية، وأبو السليل ضريب بن نفير، وعبد الله بن شقيق، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبيد بن عمير، وغضيف بن الحارث، وعاصم بن سفيان، وعبيد بن الخشخاش، وأبو مسلم الجذمي، وعطاء بن يسار، وموسى بن طلحة، وأبو الشعثاء المحاربي، ومورق العجلي، ويزيد بن شريك التيمي، وأبو الأحوص المدني - شيخ الزهري - وأبو أسماء الرحبي، وأبو بصرة الغفاري، وأبو العالية الرياحي، وابن الحوتكية، وجسرة بنت دجاجة.
فاتته بدر، قاله أبو داود.
وقيل: كان آدم ضخما جسيما، كث اللحية.(أعلام/228)
وكان رأسا في الزهد، والصدق، والعلم والعمل، قوالا بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، على حدة فيه.
وقد شهد فتح بيت المقدس مع عمر.
أخبرنا الخضر بن عبد الرحمن الأزدي وأحمد بن هبة الله قالا: أخبرنا زين الأمناء حسن بن محمد: أخبرنا علي بن الحسن الحافظ: حدثنا علي بن إبراهيم الحسيني: أخبرنا محمد بن علي بن سلوان: أخبرنا الفضل بن جعفر التميمي، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم الهاشمي: حدثنا أبو مسهر:
حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر الغفاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن الله - تبارك وتعالى - أنه قال: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا. يا عبادي، إنكم الذين تخطئون بالليل والنهار، وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم، وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل منكم، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم، وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل منكم، لم يزد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم، وجنكم، كانوا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل واحد منهم ما سأل، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا، إلا كما ينقص البحر أن يغمس المخيط غمسة واحدة. يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحفظها عليكم، فمن وجد خيرا، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه.
قال سعيد: كان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه.
أخرجه مسلم. نقل الواقدي، عن خالد بن حيان، قال: كان أبو ذر، وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق.
وقال أحمد بن البرقي: أبو ذر اسمه: يزيد بن جنادة.(أعلام/229)
وقال سعيد بن عبد العزيز: اسمه: برير.
قال أبو قلابة، عن رجل عامري، قال: كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك في نفسي، فنعت لي أبو ذر، فحججت، فدخلت مسجد منى، فعرفته، فإذا شيخ معروق آدم عليه حلة قطري.
وقال حميد بن هلال: حدثني الأحنف بن قيس، قال: قدمت المدينة، فدخلت مسجدها، فبينما أنا أصلي، إذ دخل رجل طوال، آدم أبيض الرأس واللحية، محلوق، يشبه بعضه بعضا، فاتبعته فقلت: من هذا؟ قالوا: أبو ذر.
سليمان بن المغيرة، وابن عون، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا وأحسن، فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك يخالفك إليهم أنيس، فجاء خالنا، فذكر لنا ما قيل له، فقلت: أما ما مضى من معروفك، فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد، فقدمنا صرمتنا فاحتملنا عليها، وجعل خالنا يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن فخير أنيسا فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها.
قال: وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين. قلت: لمن؟ قال: لله. قلت: أين توجه؟ قال: حيث وجهني الله، أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس.(أعلام/230)
فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة، فاكفني، فانطلق أنيس حتى أتى مكة، [فراث علي] ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك، يزعم أنه مرسل. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر. قال: وكان أنيس أحد الشعراء، فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقوال الشعراء فما يلتئم على لسان أحد أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون! قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر! .
فأتيت مكة، فتضعفت رجلا منهم، فقلت: من هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي، فقال: الصابئ. قال: فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم، حتى خررت مغشيا علي، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها.
ولقد لبثت - يا ابن أخي - ثلاثين، بين ليلة ويوم ما لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع.
فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان جاءت امرأتان تطوفان، وتدعوان إسافا ونائلة فأتتا علي في طوافهما، فقلت: أنكحا أحدهما الآخر، فما تناهتا عن قولهما فأتتا علي، فقلت: هن مثل الخشبة، غير أني لا أكني، فانطلقتا تولولان، تقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا! فاستقبلهما رسول الله، وأبو بكر، وهما هابطتان، فقال: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قال: فما قال لكما؟ قالتا: إنه قال كلمة تملأ الفم.
قال: وجاء رسول الله حتى استلم الحجر، ثم طاف بالبيت، هو وصاحبه، ثم صلى. وكنت أول من حياه بتحية الإسلام. قال: عليك ورحمة الله، من أين أنت؟ قلت: من غفار، فأهوى بيده، ووضع أصابعه على جبهته.
فقلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده، فدفعني صاحبه، وكان أعلم به مني.(أعلام/231)
قال: ثم رفع رأسه، فقال: متى كنت هاهنا؟ قلت: منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم. قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت، وما أجد على بطني سخفة جوع. قال: إنها مباركة، إنها طعام طعم.
فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في طعامه الليلة، فانطلقنا، ففتح أبو بكر بابا، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف: فكان أول طعام أكلته بها.
وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك، لعل الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم؟ .
قال: فانطلقت، فلقيت أنيسا، فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني أسلمت وصدقت. قال: ما بي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت، فأسلمت أمنا، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفار، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة، وكان سيدهم. وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله المدينة أسلمنا، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأسلم نصفهم الباقي.
وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله، إخواننا، نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غفار غفر الله لها، وأسلم، سالمها الله. أخرجه مسلم.
قال أبو جمرة: قال لنا ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قلنا: بلى. قال: قال أبو ذر: بلغني أن رجلا بمكة قد خرج، يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه، فقلت: انطلق إلى هذا الرجل، فكلمه، فانطلق فلقيه، ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ قال: والله، لقد رأيت رجلا يأمر بالخير، وينهى عن الشر. قلت: لم تشفني، فأخذت جرابا وعصا، ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد، فمر علي بن أبي طالب فقال: هذا رجل غريب؟ قلت: نعم. قال: انطلق إلى المنزل، فانطلقت معه، لا أسأله عن شيء، ولا يخبرني.(أعلام/232)
فلما أصبح الغد، جئت إلى المسجد لا أسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء، فمر بي علي فقال: أما آن للرجل أن يعود؟ قلت: لا. قال: ما أمرك، وما أقدمك؟ قلت: إن كتمت علي أخبرتك؟ قال: أفعل. قلت: قد بلغنا أنه قد خرج نبي. قال: أما قد رشدت! هذا وجهي إليه، فاتبعني وادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك، قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامض أنت.
فمضى، ومضيت معه، فدخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، اعرض علي الإسلام، فعرض علي، فأسلمت مكاني، فقال لي: يا أبا ذر، اكتم هذا الأمر، وارجع إلى قومك، فإذا بلغك ظهورنا، فأقبل، فقلت: والذي بعثك بالحق، لأصرخن بها بين أظهرهم.
فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ، فقاموا، فضربت لأموت، فأدركني العباس، فأكب علي، وقال: ويلكم تقتلون رجلا من غفار، ومتجركم وممركم على غفار! فأطلقوا عني، فلما أصبحت، رجعت، فقلت مثلما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ، فصنع بي كذلك، وأدركني العباس، فأكب علي.
فهذا أول إسلام أبي ذر. أخرجه: البخاري ومسلم من طريق المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة.(أعلام/233)
أبو ذر الهروي
الحافظ الإمام المجود، العلامة، شيخ الحرم، أبو ذر، عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير بن محمد، المعروف ببلده بابن السماك، الأنصاري الخراساني الهروي المالكي، صاحب التصانيف، وراوي " الصحيح " عن الثلاثة: المستملي، والحموي، والكشميهني.
قال: ولدت سنة خمس أو ست وخمسين وثلاثمائة.
سمع أبا الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه، وبشر بن محمد المزني، وعدة بهراة، وأبا بكر هلال بن محمد بن محمد، وشيبان بن محمد الضبعي بالبصرة، وعبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، وأبا عمر بن حيويه، وعلي بن عمر السكري، وأبا الحسن الدارقطني، وطبقتهم ببغداد، وعبد الوهاب الكلابي ونحوه بدمشق، وأبا مسلم الكاتب وطبقته بمصر، وزاهر بن أحمد الفقيه بسرخس، وأبا إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي ببلخ، وأبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن عثمان الدينوري، وغيره بمكة. وألف " معجما " لشيوخه، وحدث بخراسان وبغداد والحرم.
حدث عنه: ابنه أبو مكتوم عيسى، وموسى بن علي الصقلي، وعلي بن محمد بن أبي الهول، والقاضي أبو الوليد الباجي، وأبو عمران موسى بن أبي حاج الفارسي، وأبو العباس بن دلهاث، ومحمد بن شريح، وأبو عبد الله بن منظور، وعبد الله بن الحسن التنيسي، وأبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن، وعلي بن بكار الصوري، وأحمد بن محمد القزويني، وأبو الطاهر إسماعيل بن سعيد النحوي، وعبد الله بن سعيد الشنتجالي وعبد الحق بن هارون السهمي، وأبو الحسين بن المهتدي بالله، وعلي بن عبد الغالب البغدادي، وأبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي، وأبو شاكر أحمد بن علي العثماني، وعنده عنه فرد حديث، وعدة.
وروى عنه بالإجازة: أبو عمر بن عبد البر، وأبو بكر الخطيب، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن غلبون الخولاني المتوفى في سنة ثمان وخمسمائة.(أعلام/234)
أخبرنا المسلم بن محمد في كتابه، عن القاسم بن علي، أخبرنا أبي، أخبرنا علي بن أحمد الجرباذقاني بهراة (ح) وأخبرنا أبو الحسن الغرافي، أخبرنا علي بن روزبه ببغداد، أخبرنا أبو الوقت السجزي قالا: أخبرنا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري قال: عبد بن أحمد السماك الحافظ صدوق، تكلموا في رأيه، سمعت منه حديثا واحدا عن شيبان بن محمد الضبعي، عن أبي خليفة، عن علي بن المديني حديث جابر بطوله في الحج قال لي: اقرأه علي حتى تعتاد قراءة الحديث، وهو أول حديث قرأته على الشيخ، وناولته الجزء، فقال: لست على وضوء، فضعه.
قال أبو ذر: سمعت الحديث من ابن خميرويه.
قلت: هو أقدم شيخ له.
قال: ودخلت على أبي حاتم بن أبي الفضل قبل ذلك، وسمعته يملي يقول: حدثنا الحسين بن إدريس، قال أبو بكر الخطيب: قدم أبو ذر بغداد، وحدث بها وأنا غائب، وخرج إلى مكة، وجاور، ثم تزوج في العرب، وأقام بالسروات، فكان يحج كل عام، ويحدث، ثم يرجع إلى أهله، وكان ثقة ضابطا دينا، مات بمكة في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وأربعمائة.
وقال الأمين ابن الأكفاني: حدثني أبو علي الحسين بن أبي حريصة.
قال: بلغني أن أبا ذر مات سنة أربع بمكة، وكان على مذهب مالك ومذهب الأشعري.
قلت: أخذ الكلام ورأي أبي الحسن عن القاضي أبي بكر بن الطيب، وبث ذلك بمكة، وحمله عنه المغاربة إلى المغرب، والأندلس، وقبل ذلك كانت علماء المغرب لا يدخلون في الكلام، بل يتقنون الفقه أو الحديث أو العربية، ولا يخوضون في المعقولات، وعلى ذلك كان الأصيلي، وأبو الوليد بن الفرضي، وأبو عمر الطلمنكي، ومكي القيسي، وأبو عمرو الداني، وأبو عمر بن عبد البر، والعلماء.
وقد مدح إسماعيل بن سعيد النحوي أبا ذر بقصيدة.(أعلام/235)
قال أبو الوليد الباجي في كتاب " اختصار فرق الفقهاء " من تأليفه في ذكر القاضي ابن الباقلاني: لقد أخبرني الشيخ أبو ذر وكان يميل إلى مذهبه، فسألته: من أين لك هذا؟ قال: إني كنت ماشيا ببغداد مع الحافظ الدارقطني، فلقينا أبا بكر بن الطيب فالتزمه الشيخ أبو الحسن، وقبل وجهه وعينيه، فلما فارقناه، قلت له: من هذا الذي صنعت به ما لم أعتقد أنك تصنعه وأنت إمام وقتك؟ فقال: هذا إمام المسلمين، والذاب عن الدين، هذا القاضي أبو بكر محمد بن الطيب. قال أبو ذر: فمن ذلك الوقت تكررت إليه مع أبي، كل بلد دخلته من بلاد خراسان وغيرها لا يشار فيها إلى أحد من أهل السنة إلا من كان على مذهبه وطريقه.
قلت: هو الذي كان ببغداد يناظر عن السنة وطريقة الحديث بالجدل والبرهان، وبالحضرة رءوس المعتزلة والرافضة والقدرية وألوان البدع، ولهم دولة وظهور بالدولة البويهية، وكان يرد على الكرامية، وينصر الحنابلة عليهم، وبينه وبين أهل الحديث عامر، وإن كانوا قد يختلفون في مسائل دقيقة، فلهذا عامله الدارقطني بالاحترام، وقد ألف كتابا سماه: " الإبانة "، يقول فيه: فإن قيل: فما الدليل على أن لله وجها ويدا؟ قال: قوله: ويبقى وجه ربك وقوله: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي فأثبت تعالى لنفسه وجها ويدا. . . إلى أن قال: فإن قيل: فهل تقولون: إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ الله! بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه. . . إلى أن قال: وصفات ذاته التي لم يزل ولا يزال موصوفا بها: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والوجه واليدان والعينان والغضب والرضى. فهذا نص كلامه. وقال نحوه في كتاب " التمهيد " له، وفي كتاب " الذب عن الأشعري " وقال: قد بينا دين الأمة وأهل السنة أن هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف ولا تحديد ولا تجنيس ولا تصوير.(أعلام/236)
قلت: فهذا المنهج هو طريقة السلف، وهو الذي أوضحه أبو الحسن وأصحابه، وهو التسليم لنصوص الكتاب والسنة، وبه قال ابن الباقلاني، وابن فورك، والكبار إلى زمن أبي المعالي، ثم زمن الشيخ أبي حامد، فوقع اختلاف وألوان، نسأل الله العفو.
ولأبي ذر الهروي مصنف في الصفات على منوال كتاب أبي بكر البيهقي بحدثنا وأخبرنا.
قال الحسن بن بقي المالقي: حدثني شيخ قال: قيل لأبي ذر: أنت هروي فمن أين تمذهبت بمذهب مالك ورأي أبي الحسن؟ قال: قدمت بغداد. فذكر نحوا مما تقدم في ابن الطيب. قال: فاقتديت بمذهبه.
قال عبد الغافر بن إسماعيل في " تاريخ نيسابور ": كان أبو ذر زاهدا، ورعا عالما، سخيا لا يدخر شيئا، وصار من كبار مشيخة الحرم، مشارا إليه في التصوف، خرج على " الصحيحين " تخريجا حسنا، وكان حافظا، كثير الشيوخ.
قلت: له " مستدرك " لطيف في مجلد على " الصحيحين " علقت منه، يدل على معرفته، وله كتاب " السنة "، وكتاب " الجامع "، وكتاب " الدعاء "، وكتاب " فضائل القرآن "، وكتاب " دلائل النبوة "، وكتاب " شهادة الزور "، وكتاب " العيدين " ; الكل بأسانيده، وله كتاب " فضائل مالك "، كبير، وكتاب " الصحيح المسند المخرج على الصحيحين "، و " مسانيد الموطأ " و " كرامات الأولياء "، و " المناسك "، و " الربا "، و " اليمين الفاجرة "، وكتاب " مشيخته "، وأشياء. وهذه التواليف لم أرها، بل سماها القاضي عياض.(أعلام/237)
وقال علي بن المفضل الحافظ: روى لنا السلفي شيخنا أحاديث عن أبي بكر الطريثيثي بسماعه من أبي ذر، وعن أبي شاكر العثماني حديثا واحدا بسماعه منه. وسمعنا من السلفي جميع " صحيح " البخاري بإجازته من أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر، وكان شيخنا أبو عبيد نعمة بن زيادة الله الغفاري سمع الكتاب بمكة من أبي مكتوم، فسمعت عليه أكثره، وأجاز لي ما بقي من آخره، وآخر من حدث عن أبي مكتوم أبو الحسن علي بن حميد بن عمار الأنصاري بمكة، وأجازه لي.
قال: وقرأت الكتاب كله على شيخنا أبي طالب صالح بن سند بسماعه من الطرطوشي، عن أبي الوليد الباجي، عن أبي ذر، وقرأته على أبي القاسم مخلوف بن علي القروي، عن أبي الحجاج يوسف بن نادر اللخمي، عن علي بن سلمان النقاش، عن أبي ذر، عن شيوخه الثلاثة.
قال الحافظ أبو علي الغساني: أخبرنا أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد الباجي، أخبرنا أبي أن الفقيه أبا عمران الفاسي مضى إلى مكة، وقد كان، قرأ على أبي ذر شيئا، فوافق أبا ذر في السراة موضع سكناه، فقال لخازن كتبه: أخرج إلي من كتب الشيخ ما أنسخه ما دام غائبا، فإذا حضر، قرأته عليه. فقال الخازن: لا أجترئ على هذا، ولكن هذه المفاتيح إن شئت أنت، فخذ وافعل ذلك. فأخذها، وأخرج ما أراد، فسمع أبو ذر بالسراة بذلك، فركب، وطرق مكة، وأخذ كتبه، وأقسم أن لا يحدثه. فلقد أخبرت أن أبا عمران كان بعد إذا حدث عن أبي ذر، يوري عن اسمه، فيقول: أخبرنا أبو عيسى. وبذلك كانت العرب تكنيه باسم ولده.
قلت: قد مات أبو عمران الفاسي قبل أبي ذر، وكان قد لقي القاضي ابن الباقلاني والكبار، وما لانزعاج أبي ذر وجه، والحكاية دالة على زعارة الشيخ والتلميذ رحمهما الله.(أعلام/238)
وكان ولده أبو مكتوم يحج من السراة، ويروي، إلى أن قدم فلان المرابط من أمراء المغرب، فجاور وسمع " صحيح " البخاري من أبي مكتوم، وأعطاه ذهبا جيدا، فأباعه نسخة " الصحيح "، وذهب بها إلى المغرب. وحج أبو مكتوم في سنة سبع وتسعين وأربعمائة وله بضع وثمانون سنة، وحج فيها أبو طاهر السلفي، وأبو بكر السمعاني، وجمعهم الموقف، فقال السمعاني للسلفي: اذهب بنا نسمع منه. قال السلفي: فقلت له: دعنا نشتغل بالدعاء، ونجعله شيخ مكة. قال: فاتفق أنه نفر من منى في النفر الأول مع السرويين وذهب، وفاتهما الأخذ عنه. قال السلفي: فلامني ابن السمعاني، فقلت: أنت قد سمعت " الصحيح " مثله من أبي الخير بن أبي عمران صاحب الكشميهني، وما كان معه من مروياته سواه.
قلت: ولم يسمع لأبي مكتوم بعد هذا العام بذكر ولا ورخ لنا موته.
وقد أرخ القاضي عياض موت أبي ذر في سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. والصواب: في سنة أربع.
قال أبو علي بن سكرة: توفي عقب شوال.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا أحمد بن طاوس سنة 617، أخبرنا حمزة بن كروس، أخبرنا نصر بن إبراهيم الفقيه، أخبرنا أبو ذر عبد بن أحمد كتابة، أن بشر بن محمد المزني حدثهم إملاء، حدثنا الحسين بن إدريس، حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي، حدثنا الوليد بن الوليد، حدثنا ابن ثوبان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الجنة لتزخرف لرمضان من رأس الحول، فإذا كان أول يوم من شهر رمضان، هبت ريح من تحت العرش، فشققت ورق الجنة عن الحور العين. فقلن: يا رب، اجعل لنا من عبادك أزواجا تقر بهم أعيننا، وتقر أعينهم بنا.
قال الفقيه نصر: تفرد به الوليد بن الوليد العنسي، وقد تركوه.
قلت: وهاه الدارقطني، وقواه أبو حاتم الرازي.(أعلام/239)
وفيها أعني: سنة أربع توفي شعيب بن عبد الله بن المنهال بمصر، وأبو طالب عمر بن إبراهيم الزهري وهارون بن محمد بن أحمد بن هارون في رمضان.(أعلام/240)
أبو رجاء العطاردي (ع)
الإمام الكبير، شيخ الإسلام، عمران بن ملحان التميمي البصري، من كبار المخضرمين، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد فتح مكة، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم.
أورده أبو عمر بن عبد البر في كتاب " الاستيعاب ". وقيل: إنه رأى أبا بكر الصديق.
حدث عن عمر، وعلي، وعمران بن حصين، وعبد الله بن عباس، وسمرة بن جندب، وأبي موسى الأشعري -وتلقن عليه القرآن، ثم عرضه على ابن عباس، وهو أسن من ابن عباس.
وكان خيرا تلاء لكتاب الله.
قرأ عليه أبو الأشهب العطاردي وغيره.
وحدث عنه: أيوب، وابن عون وعوف الأعرابي، وسعيد بن أبي عروبة، وسلم بن زرير، وصخر بن جويرية، ومهدي بن ميمون، وخلق كثير.
قال جرير بن حازم: سمعته يقول: هربنا من النبي صلى الله عليه وسلم. فقلت له: ما طعم الدم؟ قال: حلو.
قال الأصمعي: حدثنا أبو عمرو بن العلاء، قلت لأبي رجاء: ما تذكر؟ قال: أذكر قتل بسطام، ثم أنشد:
وخر على الألاءة لم يوسد
كأن جبينه سيف صقيل
ثم قال الأصمعي: قتل بسطام قبل الإسلام بقليل.
أبو سلمة المنقري: حدثنا أبو الحارث الكرماني -وكان ثقة- قال: سمعت أبا رجاء يقول: أدركت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا شاب أمرد، ولم أر ناسا كانوا أضل من العرب، كانوا يجيئون بالشاة البيضاء فيعبدونها، فيختلسها الذئب، فيأخذون أخرى مكانها يعبدونها، وإذا رأوا صخرة حسنة، جاءوا بها، وصلوا إليها، فإذا رأوا أحسن منها رموها. فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أرعى الإبل على أهلي، فلما سمعنا بخروجه، لحقنا بمسيلمة.
وقيل: إن اسم أبي رجاء العطاردي عمران بن تيم، وبنو عطارد: بطن من تميم، وكان أبو رجاء -فيما قيل- يخضب رأسه دون لحيته.(أعلام/241)
قال ابن الأعرابي: كان أبو رجاء عابدا، كثير الصلاة وتلاوة القرآن كان يقول: ما آسى على شيء من الدنيا إلا أن أعفر في التراب وجهي كل يوم خمس مرات.
قال ابن عبد البر كان رجلا فيه غفلة، وله عبادة، عمر عمرا طويلا أزيد من مائة وعشرين سنة.
ذكر الهيثم بن عدي، عن أبي بكر بن عياش، قلت: اجتمع في جنازة أبي رجاء الحسن البصري والفرزدق، فقال الفرزدق: يا أبا سعيد، يقول الناس: اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشرهم. فقال الحسن: لست بخير الناس ولست بشرهم، لكن ما أعددت هذا اليوم يا أبا فراس؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وعبده ورسوله، ثم انصرف وقال:
ألم تر أن الناس مات كبيرهم
وقد كان قبل البعث بعث محمد
ولم يغن عنه عيش سبعين حجة
وستين لما بات غير موسد
إلى حفرة غبراء يكره وردها
سوى أنها مثوى وضيع وسيد
ولو كان طول العمر يخلد واحدا
ويدفع عنه عيب عمر عمرد
لكان الذي راحوا به يحملونه مقيما
ولكن ليس حي بمخلد
نروح ونغدو والحتوف أمامنا
يضعن بنا حتف الردى كل مرصد(أعلام/242)
أخبرنا إسحاق بن طارق، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا أحمد بن محمد، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، أنبأنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب، حدثنا أبو العباس السراج، حدثنا المفضل بن غسان، حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، سمعت أبا رجاء يقول: بلغنا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن على ماء لنا يقال له سند فانطلقنا نحو الشجرة هاربين بعيالنا، فبينا أنا أسوق القوم، إذ وجدت كراع ظبي، فأخذته فأتيت المرأة، فقلت: هل عندك شعير؟ فقالت: قد كان في وعاء لنا عام أول شيء من شعير، فما أدري بقي منه شيء أم لا، فأخذته فنفضته فاستخرجت منه ملء كف من شعير، ورضخته بين حجرين، وألقيته والكراع في برمة لنا، ثم قمت إلى بعير، ففصدته إناء من دم، وأوقدت تحته، ثم أخذت عودا فلبكته به لبكا شديدا حتى أنضجته، ثم أكلنا. فقال له رجل: وكيف طعم الدم؟ قال: حلو.
محرز بن عون: حدثنا يوسف بن عطية، عن أبيه: دخلت على أبي رجاء فقال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان لنا صنم مدور، فحملناه على قتب، وتحولنا ففقدنا الحجر، انسل فوقع في رمل، فرجعنا في طلبه فإذا هو في رمل قد غاب فيه، فاستخرجته، فكان ذلك أول إسلامي، فقلت: إن إلها لم يمتنع من تراب يغيب فيه لإله سوء وإن العنز لتمنع حياها بذنبها، فكان ذلك أول إسلامي. فرجعت إلى المدينة وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عمارة المعولي: سمعت أبا رجاء يقول: كنا نعمد إلى الرمل فنجمعه ونحلب عليه فنعبده، وكنا نعمد إلى الحجر الأبيض فنعبده.
قال أبو الأشهب: كان أبو رجاء العطاردي يختم بنا في قيام لكل عشرة أيام.
قال ابن عبد البر وغيره: مات أبو رجاء سنة خمس ومائة وله أزيد من مائة وعشرين سنة.
وقال غير واحد من المؤرخين: مات سنة سبع ومائة وقيل: سنة ثمان.(أعلام/243)
أبو زرعة الدمشقي (د)
الشيخ، الإمام، الصادق، محدث الشام أبو زرعة، عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو النصري -بنون- الدمشقي، وكانت داره عند باب الجابية.
ولد قبل المائتين.
وروى عن: أبي نعيم الفضل بن دكين، وهوذة بن خليفة، وعفان بن مسلم، وأبي مسهر الغساني، وأحمد بن خالد الوهبي، وسليمان بن حرب، وعلي بن عياش، وأبي اليمان الحكم بن نافع، وأبي بكر الحميدي، وأبي غسان النهدي، وسعيد بن سليمان سعدويه، وعبد الغفار بن داود، وأبي الجماهر محمد بن عثمان التنوخي. وإسحاق بن إبراهيم الفراديسي
وسعيد بن منصور، وسليمان بن داود الهاشمي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وهشام بن عمار، ويحيى بن صالح الوحاظي، وخلق كثير بالشام والعراق والحجاز. وجمع وصنف، وذاكر الحفاظ، وتميز، وتقدم على أقرانه، لمعرفته وعلو سنده.
حدث عنه: أبو داود في " سننه "، ويعقوب الفسوي، وأحمد بن المعلى القاضي، وأبو بكر بن أبي داود، وإسحاق بن أبي الدرداء الصرفندي وأبو الحسن بن جوصا، ويحيى بن صاعد، وأبو العباس الأصم، وأبو الحسن بن حذلم، وأبو يعقوب الأذرعي، وعلي بن أبي العقب، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو القاسم الطبراني، وخلق كثير.
أنبأنا أحمد بن سلامة عن أبي المكارم أحمد بن محمد، عن عبد الغفار بن محمد بن شيرويه، أخبرنا أبو بكر الحيري، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا ابن إسحاق، عن عياض بن دينار، قال: دخلت المسجد وأبو هريرة يخطب الناس خليفة لمروان أيام الحج، في يوم الجمعة، فقال: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم التي تليها على أشد نجوم السماء إضاءة.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: كان أبو زرعة الدمشقي رفيق أبي، وكتبت عنه أنا وأبي، وكان ثقة صدوقا.(أعلام/244)
قال أبو الميمون بن راشد: سمعت أبا زرعة يقول: أعجب أبو مسهر بمجالستي إياه صغيرا.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، قال: ذكر أحمد بن أبي الحواري أبا زرعة الدمشقي، فقال: هو شيخ الشباب. وسئل أبي عنه، فقال: صدوق.
قلت: لأبي زرعة " تاريخ " مفيد في مجلد ولما قدم أهل الري إلى دمشق، أعجبهم علم أبي زرعة، فكنوا صاحبهم الحافظ عبيد الله بن عبد الكريم بكنيته.
أخبرتنا نخوة بنت محمد أخبرنا ابن خليل، أخبرنا محمد بن إسماعيل الطرسوسي، وأنبأني أحمد بن أبي الخير، عن الطرسوسي، أخبرنا أبو علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، قال: قال طاوس: قلت لابن عباس: ذكروا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: اغتسلوا يوم الجمعة، واغسلوا رءوسكم، وإن لم تكونوا جنبا، وأصيبوا من الطيب فقال: أما الغسل: فنعم، وأما الطيب: فلا أدري.
أخرجه البخاري، عن أبي اليمان.
قال أبو القاسم بن عساكر: قرأت في كتاب أبي الحسين الرازي -يعني والد تمام - قال: سمعت جماعة قالوا: لما اتصل الخبر بأبي أحمد الواثق، أن أحمد بن طولون قد خلعه بدمشق، أمر بلعن أحمد بن طولون على المنابر، فلما بلغ أحمد، أمر بلعن الموفق على المنابر بمصر والشام.
وكان أبو زرعة محمد بن عثمان القاضي ممن خلع الموفق - يعني من ولاية العهد - ولعنه، ووقف عند المنبر بدمشق، ولعنه، وقال: نحن أهل الشام، نحن أهل صفين، وقد كان فينا من حضر الجمل، ونحن القائمون بمن عاند أهل الشام، وأنا أشهدكم أني قد خلعت أبا أحمق -يعني أبا أحمد- كما يخلع الخاتم من الإصبع، فالعنوه، لعنه الله.(أعلام/245)
قال الرازي: وحدثني إبراهيم بن محمد بن صالح، قال: لما رجع أحمد بن الموفق من وقعة الطواحين إلى دمشق، من محاربة خمارويه بن أحمد بن طولون -يعني بعد موت أبيه أحمد، وذلك في سنة إحدى وسبعين- قال لأبي عبد الله الواسطي: انظر ما انتهى إليك ممن كان يبغضنا فليحمل.
فحمل يزيد بن عبد الصمد، وأبو زرعة الدمشقي، والقاضي أبو زرعة بن عثمان، حتى صاروا بهم مقيدين إلى أنطاكية، فبينا أحمد بن أبي الموفق -وهو المعتضد- يسير يوما، إذ بصر بمحامل هؤلاء، فقال للواسطي: من هؤلاء؟ قال: أهل دمشق. قال: وفي الأحياء هم؟ إذا نزلت فاذكرني بهم.
قال ابن صالح: فحدثنا أبو زرعة الدمشقي، قال: فلما نزل، أحضرنا بعد أن فكت القيود، وأوقفنا مذعورين، فقال: أيكم القائل: قد نزعت أبا أحمق؟ قال: فربت ألسنتنا حتى خيل إلينا أننا مقتولون فأما أنا: فأبلست وأما ابن عبد الصمد: فخرس، وكان تمتاما، وكان أبو زرعة القاضي أحدثنا سنا، فقال: أصلح الله الأمير. فالتفت إليه الواسطي، فقال: أمسك حتى يتكلم أكبر منك.
ثم عطف علينا، وقال: ماذا عندكم؟ فقلنا: أصلحك الله! هذا رجل متكلم يتكلم عنا، قال: تكلم: فقال: والله ما فينا هاشمي، ولا قرشي صحيح، ولا عربي فصيح، ولكنا قوم ملكنا حتى قهرنا.
وروى أحاديث كثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في السمع والطاعة، في المنشط والمكره، وأحاديث في العفو والإحسان، وكان هو الذي تكلم بالكلمة التي نطالب بخزيها، ثم قال: أصلح الله الأمير، وأشهدك أن نسواني طوالق، وعبيدي أحرار، ومالي حرام إن كان في هؤلاء القوم أحد قال هذه الكلمة، ووراءنا عيال وحرم، وقد تسامع الناس بهلاكنا، وقد قدرت، وإنما العفو بعد المقدرة.(أعلام/246)
فقال للواسطي: يا أبا عبد الله! أطلقهم، لا كثر الله في الناس مثلهم. فأطلقنا، فاشتغلت أنا ويزيد بن عبد الصمد عند عثمان بن خرزاذ في نزه أنطاكية وطيبها وحماماتها، وسبق أبو زرعة القاضي إلى حمص.
قال ابن زبر والدمشقيون: مات أبو زرعة النصري سنة إحدى وثمانين ومائتين وغلط من قال: سنة ثمانين.(أعلام/247)
أبو زرعة الرازي (م، ت، س، ق)
الإمام، سيد الحفاظ عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ: محدث الري. ودخول " الزاي " في نسبته غير مقيس، كالمروزي.
مولده بعد نيف ومائتين.
وقد ذكر ابن أبي حاتم أن أبا زرعة سمع من: عبد الله بن صالح العجلي، والحسن بن عطية بن نجيح وهما ممن توفي سنة إحدى عشرة ومائتين، فيما بلغني. فإما وقع غلط في وفاتهما، وإما في مولده، وإما في لقيه لهما.
وقد سمع من: محمد بن سابق، وقرة بن حبيب، وأبي نعيم، والقعنبي، وخلاد بن يحيى، وعمرو بن هاشم، وعيسى بن مينا قالون، وإسحاق بن محمد الفروي، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي، ويحيى بن بكير، وعبد الحميد بن بكار، وصفوان بن صالح، وسليمان ابن بنت شرحبيل، وأحمد بن حنبل، وطبقتهم.
قال لنا أبو الحجاج في " تهذيبه " هو مولى عياش بن مطرف بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي. . . . ثم سرد شيوخه، ومنهم: أحمد بن يونس اليربوعي، والحسن بن بشر البجلي، والحسن بن الربيع البوراني، وأبو عمر الحوضي، والربيع بن يحيى الأشناني، وسهل بن بكار الدارمي، وشاذ بن فياض، وقبيصة بن عقبة، ومحمد بن الصلت الأسدي، ومسلم بن إبراهيم، وموسى بن إسماعيل، وأبو الوليد الطيالسي، وآخرون.
وذكر شيخنا أبو الحجاج فيهم أبا عاصم النبيل، وهذا وهم، لم يدركه، ولا سمع منه، ولا دخل البصرة، إلا بعد موته بأعوام.
وطلب هذا الشأن وهو حدث، وارتحل إلى الحجاز والشام، ومصر والعراق والجزيرة وخراسان، وكتب ما لا يوصف كثرة.(أعلام/248)
حدث عنه: أبو حفص الفلاس، وحرملة بن يحيى، وإسحاق بن موسى الخطمي، ومحمد بن حميد الرازي، ويونس بن عبد الأعلى، والربيع المرادي -وهم من شيوخه- وابن وارة، وأبو حاتم، ومسلم بن الحجاج، وخلق من أقرانه، وعبد الله بن أحمد، وأبو بكر بن أبي داود، وأبو عوانة الإسفراييني، وأبو بكر بن زياد، وأحمد بن محمد بن أبي حمزة الذهبي، ومحمد بن حمدون النيسابوري، وعدي بن عبد الله والد الحافظ أبي أحمد، وموسى بن العباس الجويني، ومحمد بن الحسين القطان، والحسن بن محمد الداركي، وخلق كثير. وابن سابق -شيخه- وهو: محمد بن سعيد بن سابق.
فذكر سعيد بن عمرو البرذعي، أن أبا زرعة قال: لا أعلم صفا لي رباط يوم قط، أما بيروت: فأردنا العباس بن الوليد بن مزيد، وأما عسقلان ; فأردنا محمد بن أبي السري، وأما قزوين: فمحمد بن سعيد بن سابق.
قال ابن أبي حاتم: فروخ جد أبي زرعة هو مولى عباس بن مطرف القرشي.
قال أبو بكر الخطيب: سمع أبو زرعة من مسلم بن إبراهيم، وأبي نعيم، وقبيصة، وأبي الوليد، ويحيى بن بكير. قال: وكان إماما ربانيا، حافظا متقنا مكثرا. . جالس أحمد بن حنبل، وذاكره، وحدث عنه من أهل بغداد: إبراهيم الحربي، وعبد الله بن أحمد، وقاسم المطرز.
قال تمام الرازي: أخبرنا جعفر بن محمد الكندي، حدثنا أبو زرعة الدمشقي قال: قدم علينا جماعة من أهل الري دمشق قديما، منهم: أبو يحيى فرخويه، فلما انصرفوا -فيما أخبرني غير واحد، منهم: أبو حاتم الرازي - رأوا هذا الفتى قد كاس -يعني أبا زرعة الرازي - فقالوا له: نكنيك بكنية أبي زرعة الدمشقي. ثم لقيني أبو زرعة الرازي بدمشق، وكان يذكرني هذا الحديث، ويقول: بكنيتك اكتنيت.(أعلام/249)
قال أبو عبد الله بن بطة: سمعت النجاد، سمعت عبد الله بن أحمد يقول: لما ورد علينا أبو زرعة، نزل عندنا، فقال لي أبي: يا بني! قد اعتضت بنوافلي مذاكرة هذا الشيخ.
وقال صالح بن محمد جزرة: سمعت أبا زرعة يقول: كتبت عن إبراهيم بن موسى الرازي مائة ألف حديث، وعن أبي بكر بن أبي شيبة مائة ألف فقلت له: بلغني أنك تحفظ مائة ألف حديث، تقدر أن تملي علي ألف حديث من حفظ؟ قال: لا، ولكن إذا ألقي علي عرفت.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: قلت لأبي زرعة: يجوز ما كتبت عن إبراهيم بن موسى مائة ألف؟ قال: مائة ألف كثير. قلت: فخمسين ألفا؟ قال: نعم، وستين وسبعين ألفا. حدثني من عد كتاب الوضوء والصلاة، فبلغ ثمانية عشر ألف حديث.
وقال أبو عبد الله بن منده الحافظ: سمعت أبا العباس محمد بن جعفر بن حمكويه بالري يقول: سئل أبو زرعة عن رجل حلف بالطلاق: أن أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث هل حنث؟ فقال: لا. ثم قال أبو زرعة: أحفظ مائتي ألف حديث، كما يحفظ الإنسان: قل هو الله أحد وفي المذاكرة ثلاث مائة ألف حديث.
هذه حكاية مرسلة، وحكاية صالح جزرة أصح. روى الخطيب هذه عن عبد الله بن أحمد السوذرجاني، أنه سمع ابن منده يقول ذلك.
قال الحافظ أبو أحمد بن عدي: سمعت أبي يقول كنت بالري، وأنا غلام في البزازين، فحلف رجل بطلاق امرأته: أن أبا زرعة يحفظ مائة ألف حديث. فذهب قوم -أنا فيهم- إلى أبي زرعة، فسألناه، فقال: ما حمله على الحلف بالطلاق؟ قيل: قد جرى الآن منه ذلك. فقال أبو زرعة: ليمسك امرأته، فإنها لم تطلق عليه. أو كما قال.
قال ابن عدي: سمعت الحسن بن عثمان التستري، سمعت أبا زرعة يقول: كل شيء: قال الحسن: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجدت له أصلا، إلا أربعة أحاديث.
وقال ابن أبي حاتم: قال أبو زرعة: عجبت ممن يفتي في مسائل الطلاق، يحفظ أقل من مائة ألف حديث.(أعلام/250)
وقال ابن أبي شيبة: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة.
وقال أبو عبد الله الحاكم: سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد الرازي يقول: سمعت محمد بن مسلم بن وارة قال: كنت عند إسحاق بنيسابور، فقال رجل من العراق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صح من الحديث سبعمائة ألف حديث وكسر، وهذا الفتى -يعني أبا زرعة - قد حفظ ستمائة ألف حديث.
قلت: أبو جعفر ليس بثقة.
ابن عدي: سمعت أحمد بن محمد بن سعيد، حدثني الحضرمي، سمعت أبا بكر بن أبي شيبة، وقيل له: من أحفظ من رأيت؟ قال: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة الرازي.
ابن المقرئ: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني: سمعت محمد بن إسحاق الصاغاني يقول: أبو زرعة يشبه بأحمد بن حنبل.
وقال علي بن الحسين بن الجنيد: ما رأيت أحدا أعلم بحديث مالك بن أنس مسندها ومنقطعها من أبي زرعة، وكذلك سائر العلوم.
قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن أبي زرعة: فقال: إمام.
قال عمر بن محمد بن إسحاق القطان: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، سمعت أبي يقول: ما جاوز الجسر أحد أفقه من إسحاق ابن راهويه، ولا أحفظ من أبي زرعة.
ابن عدي: سمعت أبا يعلى الموصلي يقول: ما سمعنا بذكر أحد في الحفظ، إلا كان اسمه أكبر من رؤيته، إلا أبا زرعة الرازي، فإن مشاهدته كانت أعظم من اسمه، وكان قد جمع حفظ الأبواب والشيوخ والتفسير، كتبنا بانتخابه بواسط ستة آلاف حديث.
وقال صالح جزرة: حدثنا سلمة بن شبيب، حدثني الحسن بن محمد بن أعين، حدثنا زهير، حدثتنا أم عمرو بنت شمر، سمعت سويد بن غفلة يقول " وعيس عين ". يريد: وحور عين [الواقعة: 22] قال صالح: فألقيت هذا على أبي زرعة، فبقي متعجبا، فقال: أنا أحفظ في القراءات عشرة آلاف حديث. قلت: فتحفظ هذا؟ قال: لا.(أعلام/251)
ابن عدي: سمعت الحسن بن عثمان، سمعت ابن وارة، سمعت إسحاق ابن راهويه يقول: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي، فليس له أصل.
وقال الحاكم: سمعت الفقيه أبا حامد أحمد بن محمد، سمعت أبا العباس الثقفي يقول: لما انصرف قتيبة بن سعيد إلى الري، سألوه أن يحدثهم، فامتنع، فقال أحدثكم بعد أن حضر مجلسي أحمد، وابن معين، وابن المديني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة؟ قالوا له: فإن عندنا غلاما يسرد كل ما حدثت به، مجلسا مجلسا، قم يا أبا زرعة، قال: فقام، فسرد كل ما حدث به قتيبة، فحدثهم قتيبة.
قال سعيد بن عمرو الحافظ: سمعت أبا زرعة يقول: دخلت البصرة، فحضرت سليمان الشاذكوني يوم الجمعة، فروى حديثا فرددت عليه. ثم قال: حدثنا ابن أبي غنية عن أبيه، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع بن جبير، عن أبيه، قال: لا حلف في الإسلام.
فقلت: هذا وهم وهم فيه إسحاق بن سليمان وإنما هو: سعد، عن أبيه، عن جبير قال: من يقول هذا؟ قلت: حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا ابن أبي غنية فغضب ثم قال: ما تقول فيمن جعل الأذان مكان الإقامة؟
قلت: يعيد. قال: من قال هذا؟ قلت: الشعبي. قال: من عن الشعبي؟ قلت: حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن جابر، عن الشعبي. قال: ومن غير هذا؟ قلت: إبراهيم وحدثنا أبو نعيم، حدثنا منصور بن أبي الأسود، عن مغيرة، عنه. قال: أخطأت. قلت: حدثنا أبو نعيم، حدثنا جعفر الأحمر، حدثنا مغيرة. قال: أخطأت. قلت: حدثنا أبو نعيم، حدثنا أبو كدينة، عن مغيرة. قال: أصبت. ثم قال أبو زرعة: اشتبه علي، وكتبت هذه الأحاديث الثلاثة عن أبي نعيم، فما طالعتها منذ كتبتها. ثم قال: وأي شيء غير هذا؟ قلت: معاذ بن هشام، عن أشعث، عن الحسن. قال: هذا سرقته مني -وصدق- كان ذاكرني به رجل ببغداد، فحفظته عنه.(أعلام/252)
قال أبو علي جزرة: قال لي أبو زرعة: مر بنا إلى سليمان الشاذكوني نذاكره. قال: فذهبنا، فما زال يذاكره حتى عجز الشاذكوني عن حفظه، فلما أعياه، ألقى عليه حديثا من حديث الرازيين، فلم يعرفه أبو زرعة، فقال سليمان: يا سبحان الله حديث بلدك هذا مخرجه من عندكم!؟ وأبو زرعة ساكت، والشاذكوني يخجله ويري من حضر أنه قد عجز. فلما خرجنا، رأيت أبا زرعة قد اغتم، ويقول: لا أدري من أين جاء بهذا؟ فقلت له: وضعه في الوقت كي تعجز وتخجل. قال: هكذا؟ قلت: نعم، فسري عنه.
ابن عدي: سمعت محمد بن إبراهيم المقرئ، سمعت فضلك الصائغ يقول: دخلت المدينة، فصرت إلى باب أبي مصعب، فخرج إلي شيخ مخضوب، وكنت ناعسا، فحركني، وقال: يا مردريك! من أين أنت؟ أي شيء تنام؟ قال: أصلحك الله، أنا من الري، من بعض شاكردي أبي زرعة فقال: تركت أبا زرعة وجئتني؟ ! لقيت مالكا وغيره، فما رأت عيناي مثل أبي زرعة.
قال: ودخلت على الربيع بمصر، فقال: من أين؟ قلت: من الري. قال: تركت أبا زرعة وجئت؟ إن أبا زرعة آية، وإن الله إذا جعل إنسانا آية، أبانه من شكله، حتى لا يكون له ثان.
قال ابن أبي حاتم: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: ما رأيت أكثر تواضعا من أبي زرعة، هو وأبو حاتم إماما خراسان.
وقال يوسف الميانجي سمعت عبد الله بن محمد القزويني القاضي يقول: حدثنا يونس بن عبد الأعلى يوما، قال: حدثني أبو زرعة، فقيل له: من هذا؟ فقال: إن أبا زرعة أشهر في الدنيا من الدنيا.
ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن أحمد، سمع أحمد بن حنبل يدعو الله لأبي زرعة. وسمعت عبد الواحد بن غياث يقول: ما رأى أبو زرعة مثل نفسه.
سعيد بن عمرو البرذعي: سمعت محمد بن يحيى يقول: لا يزال المسلمون بخير ما أبقى الله لهم مثل أبي زرعة، يعلم الناس، وما كان الله ليترك الأرض إلا وفيها مثل أبي زرعة، يعلم الناس ما جهلوه.(أعلام/253)
علقها ابن أبي حاتم عن سعيد.
ابن عدي: حدثنا أحمد بن محمد بن سلمان القطان، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثني أبو زرعة عبيد الله، وما خلف بعده مثله، علما وفهما وصيانة وحذقا، وهذا ما لا يرتاب فيه ولا أعلم من المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله.
ابن عدي: سمعت القاسم بن صفوان، سمعت أبا حاتم يقول: أزهد من رأيت أربعة: آدم بن أبي إياس، وثابت بن محمد الزاهد، وأبو زرعة الرازي، وذكر آخر.
قال النسائي: أبو زرعة رازي ثقة.
وقال أبو نعيم بن عدي: سمعت ابن خراش يقول: كان بيني وبين أبي زرعة موعد أن أبكر عليه، فأذاكره، فبكرت، فمررت بأبي حاتم وهو قاعد وحده ; فأجلسني معه يذاكرني، حتى أضحى النهار. فقلت: بيني وبين أبي زرعة موعد، فجئت إلى أبي زرعة والناس منكبون عليه، فقال لي: تأخرت عن الموعد. قلت: بكرت، فمررت بهذا المسترشد، فدعاني، فرحمته لوحدته، وهو أعلى إسنادا منك، وصرت أنت بالدست. أو كما قال.(أعلام/254)
أبو زيد
هو من كبار الصحابة وممن حفظ القرآن كله في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم.
قال ابن سعد: هو ثابت بن زيد بن قيس بن زيد بن النعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج.
حدثنا أبو زيد النحوي سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن أبي زيد الأنصاري ثابت بن زيد، قال النحوي: هو جدي.
شهد أحدا، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن، نزل البصرة واختط بها، ثم قدم المدينة فمات بها، فوقف عمر على قبره، فقال: رحمك الله أبا زيد ; لقد دفن اليوم أعظم أهل الأرض أمانة. وقتل ابنه بشير يوم الحرة.
العقدي: حدثنا علي بن المبارك، عن الحسن أبي محمد قال: دخلنا على أبي زيد، وكانت رجله أصيبت يوم أحد، فأذن وأقام قاعدا.
وقيل: اسم أبي زيد أوس، وقيل: معاذ. والأول أصح.(أعلام/255)
أبو سعيد الخدري (ع)
الإمام المجاهد، مفتي المدينة سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج. واسم الأبجر: خدرة، وقيل: بل خدرة هي أم الأبجر.
وأخو أبي سعيد لأمه هو قتادة بن النعمان الظفري أحد البدريين.
استشهد أبوه مالك يوم أحد، وشهد أبو سعيد الخندق، وبيعة الرضوان.
وحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأكثر وأطاب، وعن أبي بكر، وعمر، وطائفة، وكان أحد الفقهاء المجتهدين.
حدث عنه: ابن عمر، وجابر، وأنس، وجماعة من أقرانه، وعامر بن سعد، وعمرو بن سليم، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ونافع العمري، وبسر بن سعيد، وبشر بن حرب الندبي، وأبو الصديق الناجي، وأبو الوداك، وأبو المتوكل الناجي، وأبو نضرة العبدي، وأبو صالح السمان، وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن خباب، وعبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وعبد الرحمن بن أبي نعم، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعطاء بن يزيد الليثي، وعطاء بن يسار، وعطية العوفي، وأبو هارون العبدي، وعياض بن عبد الله، وقزعة بن يحيى، ومحمد بن علي الباقر، وأبو الهيثم سليمان بن عمرو العتواري، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وخلق كثير.
وعن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، قال: عرضت يوم أحد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن ثلاث عشرة، فجعل أبي يأخذ بيدي ويقول: يا رسول الله! إنه عبل العظام. وجعل نبي الله يصعد في النظر، ويصوبه، ثم قال: رده، فردني.
إسماعيل بن عياش: أنبأنا عقيل بن مدرك، يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: عليك بتقوى الله فإنه رأس كل شيء. وعليك بالجهاد، فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه روحك في أهل السماء، وذكرك في أهل الأرض. وعليك بالصمت إلا في حق، فإنك تغلب الشيطان.(أعلام/256)
وروى حنظلة بن أبي سفيان، عن أشياخه: أنه لم يكن أحد من أحداث أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم من أبي سعيد الخدري.
قال أبو عقيل الدورقي: سمعت أبا نضرة يحدث قال: دخل أبو سعيد يوم الحرة غارا، فدخل عليه فيه رجل، ثم خرج، فقال لرجل من أهل الشام: أدلك على رجل تقتله؟ فلما انتهى الشامي إلى باب الغار، وفي عنق أبي سعيد السيف، قال لأبي سعيد: اخرج، قال: لا أخرج، وإن تدخل أقتلك، فدخل الشامي عليه، فوضع أبو سعيد السيف، وقال: بؤ بإثمي وإثمك، وكن من أصحاب النار. قال: أنت أبو سعيد الخدري؟ قال: نعم. قال: فاستغفر لي، غفر الله لك.
عبد الله بن عمر: عن وهب بن كيسان، قال: رأيت أبا سعيد الخدري يلبس الخز.
ابن عجلان: عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، قال: رأيت أبا سعيد يحفي شاربه كأخي الحلق.
وقد روى بقي بن مخلد في " مسنده الكبير " لأبي سعيد الخدري بالمكرر ألف حديث ومائة وسبعين حديثا.
قال الواقدي وجماعة: مات سنة أربع وسبعين.
ولابن المديني مع جلالته في وفاة أبي سعيد قولان شذ بهما ووهم، فقال إسماعيل القاضي: سمعه يقول: مات سنة ثلاث وستين وقال البخاري: قال علي: مات بعد الحرة بسنة.(أعلام/257)
أخبرنا إسحاق بن طارق، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا اللبان، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو، أخبرنا أبو حصين، أخبرنا يحيى بن عبد الحميد، أخبرنا حماد بن زيد، عن المعلى بن زياد، عن العلاء بن بشير، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد، قال: أتى علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن أناس من ضعفة المسلمين ما أظن رسول الله يعرف أحدا منهم، وإن بعضهم ليتوارى من بعض من العري. فقال رسول الله بيده، فأدارها شبه الحلقة، قال: فاستدارت له الحلقة، فقال: بما كنتم تراجعون؟ قالوا: هذا رجل يقرأ لنا القرآن، ويدعو لنا، قال: فعودوا لما كنتم فيه، ثم قال: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم. ثم قال: ليبشر فقراء المؤمنين بالفوز يوم القيامة قبل الأغنياء بمقدار خمسمائة عام، هؤلاء في الجنة يتنعمون، وهؤلاء يحاسبون.
تابعه جعفر بن سليمان عن المعلى، أخرجه أبو داود وحده.
مسند أبي سعيد ألف ومائة وسبعون حديثا، ففي البخاري ومسلم ثلاثة وأربعون، وانفرد البخاري بستة عشر حديثا، ومسلم باثنين وخمسين.(أعلام/258)
أبو سفيان
صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، رأس قريش وقائدهم يوم أحد ويوم الخندق وله هنات وأمور صعبة، لكن تداركه الله بالإسلام يوم الفتح فأسلم شبه مكره خائف. ثم بعد أيام صلح إسلامه.
وكان من دهاة العرب ومن أهل الرأي والشرف فيهم، فشهد حنينا، وأعطاه صهره رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنائم مائة من الإبل، وأربعين أوقية من الدراهم يتألفه بذلك، ففرغ عن عبادة " هبل "، ومال إلى الإسلام.
وشهد قتال الطائف، فقلعت عينه حينئذ، ثم قلعت الأخرى يوم اليرموك. وكان يومئذ قد حسن - إن شاء الله - إيمانه، فإنه كان يومئذ يحرض على الجهاد. وكان تحت راية ولده يزيد، فكان يصيح: يا نصر الله اقترب. وكان يقف على الكراديس يذكر، ويقول: الله الله، إنكم أنصار الإسلام ودارة العرب، وهؤلاء أنصار الشرك ودارة الروم؛ اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك.
فإن صح هذا عنه، فإنه يغبط بذلك. ولا ريب أن حديثه عن هرقل وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم يدل على إيمانه، ولله الحمد.
وكان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين. وعاش بعده عشرين سنة.
وكان عمر يحترمه؛ وذلك لأنه كان كبير بني أمية.
وكان حمو النبي صلى الله عليه وسلم. وما مات حتى رأى ولديه: يزيد، ثم معاوية، أميرين على دمشق.
وكان يحب الرياسة والذكر، وكان له سورة كبيرة في خلافة ابن عمه عثمان.
توفي بالمدينة سنة إحدى وثلاثين وقيل: سنة اثنتين وقيل: سنة ثلاث أو أربع وثلاثين وله نحو التسعين.(أعلام/259)
أبو سفيان بن الحارث
هو ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، أخو نوفل وربيعة.
تلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطريق قبل أن يدخل مكة مسلما، فانزعج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعرض عنه ; لأنه بدت منه أمور في أذية النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتذلل للنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى رق له، ثم حسن إسلامه، ولزم، هو والعباس رسول الله يوم حنين إذ فر الناس، وأخذ بلجام البغلة، وثبت معه.
وقد روى عنه ولده عبد الملك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا بني هاشم، إياكم والصدقة ".
وكان أخا النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، أرضعتهما حليمة.
سماه هشام بن الكلبي، والزبير: مغيرة. وقال طائفة: اسمه كنيته ; وإنما المغيرة أخوهم.
وقيل: كان الذين يشبهون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - جعفر، والحسن بن علي، وقثم بن العباس، وأبو سفيان بن الحارث.
وكان أبو سفيان من الشعراء، وفيه يقول حسان:
ألا أبلغ أبا سفيان عني
مغلغلة فقد برح الخفاء
هجوت محمدا فأجبت عنه
وعند الله في ذاك الجزاء
ابن إسحاق: عن عاصم بن عمر، عمن حدثه، قال: تراجع الناس يوم حنين. ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب أبا سفيان هذا، وشهد له بالجنة، وقال: " أرجو أن يكون خلفا من حمزة ".
قيل: إن أبا سفيان حج، فحلقه الحلاق، فقطع ثؤلولا في رأسه، فمرض منه ومات بعد قدومه بالمدينة، وصلى عليه عمر. ويقال: مات بعد أخيه نوفل بن الحارث بأربعة أشهر.
قال أبو إسحاق السبيعي: لما احتضر أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قال: لا تبكوا علي ; فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت.
قال ابن إسحاق: ولأبي سفيان يرثي النبي - صلى الله عليه وسلم -:
أرقت فبات ليلي لا يزول
وليل أخي المصيبة فيه طول(أعلام/260)
وأسعدني البكاء وذاك فيما
أصيب المسلمون به قليل
فقد عظمت مصيبتنا وجلت
عشية قيل قد قبض الرسول
فقدنا الوحي والتنزيل فينا
يروح به ويغدو جبرئيل
وذاك أحق ما سالت عليه
نفوس الخلق أو كادت تسيل
نبي كان يجلو الشك عنا
بما يوحى إليه وما يقول
ويهدينا فلا نخشى ضلالا
علينا، والرسول لنا دليل
فلم نر مثله في الناس حيا
وليس له من الموتى عديل
أفاطم إن جزعت فذاك عذر
وإن لم تجزعي فهو السبيل
فعودي بالعزاء فإن فيه
ثواب الله والفضل الجزيل
وقولي في أبيك ولا تملي
وهل يجزي بفضل أبيك قيل
فقبر أبيك سيد كل قبر
وفيه سيد الناس الرسول
وقد انقرض نسل أبي سفيان
. قاله ابن سعد.
حماد بن سلمة: عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب أن أبا سفيان بن الحارث كان يصلي في الصيف نصف النهار حتى تكره الصلاة، ثم يصلي من الظهر إلى العصر.
حماد بن سلمة: عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبو سفيان بن الحارث سيد فتيان أهل الجنة فحج، فحلقه الحلاق، وفي رأسه ثؤلول فقطعه فمات. فيرونه شهيدا.
ويقال مات سنة عشرين بالمدينة.(أعلام/261)
أبو سليمان الداراني
الإمام الكبير، زاهد العصر أبو سليمان، عبد الرحمن بن أحمد، وقيل: عبد الرحمن بن عطية. وقيل: ابن عسكر العنسي الداراني.
ولد في حدود الأربعين ومائة.
وروى عن: سفيان الثوري، وأبي الأشهب العطاردي، وعبد الواحد بن زيد البصري، وعلقمة بن سويد، وصالح بن عبد الجليل.
روى عنه: تلميذه أحمد بن أبي الحواري، وهاشم بن خالد، وحميد بن هشام العنسي، وعبد الرحيم بن صالح الداراني، وإسحاق بن عبد المؤمن، وعبد العزيز بن عمير، وإبراهيم بن أيوب الحوراني.
أبو الجهم بن طلاب: أخبرنا أحمد بن أبي الحواري قال: اسم أبي سليمان: عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العنسي، من صليبة العرب.
وروى أبو أحمد الحاكم، عن أبي الجهم أيضا، عن ابن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان واسمه عبد الرحمن بن عسكر.
قال ابن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان يقول: صل خلف كل مبتدع إلا القدري، لا تصل خلفه، وإن كان سلطانا.
وسمعته يقول: كنت بالعراق أعمل، وأنا بالشام أعرف.
وسمعته يقول: ليس لمن ألهم شيئا من الخيرات أن يعمل به حتى يسمعه من الأثر.
الخلدي، عن الجنيد قال: قال أبو سليمان الداراني: ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة.
وعن أبي سليمان: أفضل الأعمال خلاف هوى النفس.
وقال: لكل شيء علم، وعلم الخذلان ترك البكاء، ولكل شيء صدأ، وصدأ القلب الشبع.
ابن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان يقول: أصل كل خير الخوف من الدنيا، ومفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع.
أبو عبد الله الحاكم: أخبرنا الخلدي، حدثني الجنيد، سمعت السري السقطي، حدثني أحمد بن أبي الحواري، سمعت أبا سليمان يقول: قدم إلي أهلي مرة خبزا وملحا، فكان في الملح سمسمة، فأكلتها، فوجدت رانها على قلبي بعد سنة.(أعلام/262)
أحمد بن أبي الحواري: وسمعته يقول: من رأى لنفسه قيمة لم يذق حلاوة الخدمة.
وعنه: إذا تكلف المتعبدون أن يتكلموا بالإعراب ذهب الخشوع من قلوبهم.
وعنه: إن من خلق الله خلقا لو زين لهم الجنان ما اشتاقوا إليها، فكيف يحبون الدنيا وقد زهدهم فيها.
قال أحمد: وسمعته يقول: لولا الليل لما أحببت البقاء في الدنيا، ولربما رأيت القلب يضحك ضحكا.
قال أحمد: ورأيت أبا سليمان حين أراد أن يلبي غشي عليه، فلما أفاق، قال: بلغني أن العبد إذ حج من غير وجهه، فقال: لبيك، قيل له: لا لبيك ولا سعديك حتى تطرح ما في يديك، فما يؤمنا أن يقال لنا مثل هذا؟ ثم لبى.
قال الجنيد: شيء يروى عن أبي سليمان، أنا أستحسنه كثيرا: من اشتغل بنفسه شغل عن الناس، ومن اشتغل بربه شغل عن نفسه وعن الناس.
ابن بحر الأسدي: سمعت أحمد بن أبي الحواري، سمعت أبا سليمان يقول: من وثق بالله في رزقه زاد في حسن خلقه، وأعقبه الحلم، وسخت نفسه، وقلت وساوسه في صلاته.
وعنه: الفتوة أن لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك.
ولأبي سليمان من هذا المعنى كثير في ترجمته من " تاريخ دمشق " وفي " الحلية ".
أنبأني المسلم بن محمد، عن القاسم بن علي، أخبرنا أبي، أخبرنا طاهر بن سهل، أخبرنا عبد الدائم الهلالي، أخبرنا عبد الوهاب الكلابي، حدثنا محمد بن خريم، سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: تمنيت أن أرى أبا سليمان الداراني في المنام، فرأيته بعد سنة، فقلت له: يا معلم، ما فعل الله بك؟ قال: يا أحمد، دخلت من باب صغير، فلقيت وسق شيح، فأخذت منه عودا، فلا أدري تخللت به أم رميت به؟ فأنا في حسابه من سنة.
قال سعيد بن حمدون، والسلمي، وأبو يعقوب القراب: توفي أبو سليمان سنة خمس عشرة ومائتين.
وقال أحمد بن أبي الحواري: مات سنة خمس ومائتين.(أعلام/263)
أبو طلحة الأنصاري (ع)
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بني أخواله، وأحد أعيان البدريين، وأحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة.
واسمه: زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، الخزرجي النجاري.
له أحاديث.
روى عنه ربيبه: أنس بن مالك، وزيد بن خالد الجهني، وابن عباس، وابنه أبو إسحاق عبد الله بن أبي طلحة.
وكان قد سرد الصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو الذي كان لا يرى بابتلاع البرد للصائم بأسا. ويقول: ليس بطعام ولا شراب.
وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة. ومناقبه كثيرة.
قيل: إنه غزا بحر الروم، فتوفي في السفينة. والأشهر: أنه مات بالمدينة، وصلى عليه عثمان في سنة أربع وثلاثين رضي الله عنه.
ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس: كان أبو طلحة، ومعاذ، وأبو عبيدة، يشربون بالشام الطلاء: ما طبخ على الثلث وذهب ثلثاه.
وقلت: هو الدبس.
وذكر عروة، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق: أن أبا طلحة ممن شهد العقبة وبدرا.
قال أبو زرعة الدمشقي: إن أبا طلحة عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة يسرد الصوم.
وقلت: بل عاش بعده نيفا وعشرين سنة.
قال أحمد بن البرقي: أبو طلحة بدري، نقيب، صلى عليه عثمان، جاء له نحو عشرين حديثا.
حماد بن سلمة، عن ثابت، وعلي بن زيد، عن أنس: أن أبا طلحة قال له بنوه: قد غزوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فنحن نغزو عنك، فأبى، فغزا في البحر، فمات.
جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، قال: خطب أبو طلحة أم سليم؟ فقالت: أما إني فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك كافر، فإن تسلم فذلك مهري، لا أسألك غيره، فأسلم، وتزوجها.(أعلام/264)
قال ثابت: فما سمعنا بمهر كان قط أكرم من مهر أم سليم: الإسلام.
الطيالسي: حدثنا سليمان بن المغيرة، وحماد، وجعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس. قال أبو داود: وحدثناه شيخ سمعه من النضر بن
أنس: قال مالك -والد أنس - لامرأته: أرى هذا الرجل يحرم الخمر، فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك، فجاء أبو طلحة يخطب أم سليم، فقالت: ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، ولا أريد مهرا إلا الإسلام. قال: فمن لي بذلك؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق يريده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: جاءكم أبو طلحة وغرة الإسلام بين عينيه.
قال: فتزوجها على ذلك. . . الحديث بطوله، وكيف مات ابنه منها، وكتمته، وتصنعت له حتى أصابها، ثم أخبرته وقالت: إن الله كان أعارك عارية فقبضها، فاحتسب ابنك.
قال أنس: قال أبو طلحة: لقد سقط السيف مني يوم بدر، لما غشينا من النعاس.
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن أبا طلحة صام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى.
غريب، على شرط مسلم. وبه: أن أبا طلحة قال: لا أتأمرن على اثنين، ولا أذمهما.
ثابت، عن أنس: أن أبا طلحة كان يرمي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكان رجلا راميا. وكان رسول الله إذا رمى أبو طلحة، رفع بصره ينظر أين يقع سهمه. وكان يدفع صدر رسول الله بيده، ويقول: يا رسول الله، هكذا، لا يصيبك سهم.
عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: لما كان يوم أحد، انهزم ناس عن رسول الله، وأبو طلحة بين يديه مجوبا عليه بحجفة، وكان راميا شديد النزع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة. وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل، فيقول صلى الله عليه وسلم: انثرها لأبي طلحة. ثم يشرف إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت، لا تشرف، لا يصيبك سهم، نحري دون نحرك! .(أعلام/265)
قال: فلقد رأيت عائشة وأم سليم وإنهما لمشمرات أرى خدم سوقهما، تنقزان، القرب على متونهما، وتفرغانها في أفواه القوم، وترجعان، فتملآنها، فلقد وقع السيف من يد أبي طلحة مرتين أو ثلاثا من النعاس.
ابن عيينة: حدثنا علي بن زيد، عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة وكان إذا بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم، جثا بين يديه، وقال: نفسي لنفسك الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء.
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله: لصوت أبي طلحة أشد على المشركين من فئة.
الثوري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر - أو أنس - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل.
حماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يوم حنين: من قتل قتيلا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا، وأخذ أسلابهم.
هشام، عن ابن سيرين، عن أنس: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلق، فناول الحلاق شقه الأيمن، فحلقه، ثم دعا أبا طلحة، فأعطاه إياه، ثم ناوله شقه الأيسر، وقال: احلق، وأعطاه أبا طلحة فقسمه بين الناس.
ورواه ابن عون، عن محمد فأرسله.
قال أنس: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل، فقال: يا رسول الله، إن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال: بخ! ذلك مال رابح، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين.
حميد، عن أنس، قال: كان أبو طلحة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا يفطر إلا في سفر أو مرض.(أعلام/266)
قتادة، وحميد، عن أنس: كان أبو طلحة يأكل البرد وهو صائم، ويقول: ليس بطعام ولا بشراب، وإنما هو بركة. تفرد به فيه علي بن جدعان، عن أنس: فأخبرت رسول الله، فقال: خذ عن عمك.
حماد بن سلمة، عن ثابت وعلي بن زيد، عن أنس: أن أبا طلحة قرأ: انفروا خفافا وثقالا فقال: استنفرنا الله، وأمرنا شيوخنا وشبابنا، جهزوني، فقال بنوه: يرحمك الله! إنك قد غزوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، ونحن نغزو عنك الآن.
قال: فغزا البحر، فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها، إلا بعد سبعة أيام، فلم يتغير.
مات سنة أربع وثلاثين وقال خليفة وحده: سنة اثنتين وثلاثين.
قال لنا الحافظ أبو محمد: حلق النبي صلى الله عليه وسلم شق رأسه فوزعه على الناس، ثم حلق شقه الآخر، فأعطاه أبا طلحة.
قال: وكان جلدا، صيتا، آدم، مربوعا، لا يغير شيبه.
صلى عليه عثمان. وقيل: مات سنة إحدى وخمسين.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم نيفا وعشرين حديثا، منها في " الصحيحين " حديثان. وتفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديث.(أعلام/267)
أبو عبد الرحمن السلمي (ع)
مقرئ الكوفة، الإمام العلم، عبد الله بن حبيب بن ربيعة الكوفي، من أولاد الصحابة، مولده في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
قرأ القرآن، وجوده، ومهر فيه، وعرض على عثمان فيما بلغنا، وعلى علي، وابن مسعود.
وحدث عن عمر، وعثمان، وطائفة.
قال أبو عمرو الداني: أخذ القراءة عرضا عن عثمان، وعلي، وزيد، وأبي، وابن مسعود.
أخذ عنه القرآن: عاصم بن أبي النجود، ويحيى بن وثاب، وعطاء بن السائب وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ومحمد بن أبي أيوب، والشعبي، وإسماعيل بن أبي خالد، وعرض عليه الحسن والحسين رضي الله عنهما.
وحدث عنه: عاصم، وأبو إسحاق، وعلقمة بن مرثد، وعطاء بن السائب، وعدد كثير.
روى حسين الجعفي عن محمد بن أبان، عن علقمة بن مرثد، أن أبا عبد الرحمن السلمي تعلم القرآن من عثمان، وعرض على علي.
محمد ليس بحجة.
قال أبو إسحاق: كان أبو عبد الرحمن السلمي يقرئ الناس في المسجد الأعظم أربعين سنة.
وقال سعد بن عبيدة: أقرأ أبو عبد الرحمن في خلافة عثمان، وإلى أن توفي في زمن الحجاج.
قال شعبة: لم يسمع من عثمان كذا قال شعبة، ولم يتابع.
وروى أبان العطار، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي عبد الرحمن، قال: أخذت القراءة عن علي.
وروى منصور عن تميم بن سلمة، أن أبا عبد الرحمن كان إمام المسجد، وكان يحمل في اليوم المطير.
حماد بن زيد عن عطاء بن السائب، أن أبا عبد الرحمن قال: أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن، فكنا نتعلم القرآن والعمل به، وسيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم.(أعلام/268)
عبد الحميد بن أبي جعفر الفراء: عن أبيه، عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه جاء وفي الدار جلال وجزر ; فقالوا: بعث بها عمرو بن حريث لأنك علمت ابنه القرآن. فقال: رد، إنا لا نأخذ على كتاب الله أجرا.
وروى أبو إسحاق السبيعي، عن أبي عبد الرحمن، قال: والدي علمني القرآن، وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد غزا معه.
وروى سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن عثمان بن عفان، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه.
قال أبو عبد الرحمن: فذلك الذي أقعدني هذا المقعد.
قال إسماعيل بن أبي خالد: كان أبو عبد الرحمن السلمي يعلمنا القرآن، خمس آيات، خمس آيات.
قال أبو حصين عثمان بن عاصم: كنا نذهب بأبي عبد الرحمن من مجلسه، وكان أعمى.
أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي عبد الرحمن، أنه قرأ على علي.
وعن أبي عبد الرحمن، قال: خرج علينا علي -رضي الله عنه- وأنا أقرئ.
وروى أبو جناب الكلبي، قال: حدثنا أبو عون الثقفي قال: كنت أقرأ على أبي عبد الرحمن، وكان الحسن بن علي -رضي الله عنهما- يقرأ عليه.
قال عبد الواحد بن أبي هاشم: حدثنا محمد بن عبيد الله المقرئ حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا أبي، حدثنا حفص أبو عمر، عن عاصم بن بهدلة، وعطاء بن السائب، ومحمد بن أبي أيوب، وعبد الله بن عيسى، أنهم قرءوا على أبي عبد الرحمن السلمي، وذكروا أنه أخبرهم أنه قرأ على عثمان عامة القرآن، وكان يسأله عن القرآن، فيقول: إنك تشغلني عن أمر الناس، فعليك بزيد بن ثابت ; فإنه يجلس للناس، ويتفرغ لهم، ولست أخالفه في شيء من القرآن. قال: وكنت ألقى عليا، فأسأله، فيخبرني ويقول: عليك بزيد، فأقبلت على زيد، فقرأت عليه القرآن ثلاث عشرة مرة.
قلت: ليس إسنادها بالقائم.(أعلام/269)
وروي عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثني الذين كانوا يقرئوننا عثمان، وابن مسعود، وأبي، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرئهم العشر، فذكر الحديث.
أحمد بن أبي خيثمة: حدثنا يحيى بن السري، حدثنا وكيع، عن عطاء بن السائب، قال: كان رجل يقرأ على أبي عبد الرحمن، فأهدى له قوسا فردها وقال: ألا كان هذا قبل القراءة! .
كذا عندي وكيع، عن عطاء، ولم يلحقه.
وعن عطاء بن السائب، قال: دخلنا على أبي عبد الرحمن نعوده فذهب بعضهم يرجيه، فقال: أنا أرجو ربي، وقد صمت له ثمانين رمضان.
قلت: ما أعتقد صام ذلك كله. وقد كان ثبتا في القراءة، وفي الحديث، حديثه مخرج في الكتب الستة.
يقال: توفي سنة أربع وسبعين. وقيل: مات في إمرة بشر بن مروان على العراق. وقيل: مات سنة ثلاث وسبعين. وقيل: مات قبل سنة ثمانين.
وقيل: مات في أوائل ولاية الحجاج على العراق. وغلط ابن قانع حيث قال في وفاته إنها سنة خمس ومائة.(أعلام/270)
أبو عبد الله البخاري (ت، س)
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه، وقيل بذدزبه، وهي لفظة بخارية، معناها الزراع. أسلم المغيرة على يدي اليمان الجعفي والي بخارى، وكان مجوسيا، وطلب إسماعيل بن إبراهيم العلم.
فأخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا أبو طاهر بن سلفة، أخبرنا أبو علي البرداني، أخبرنا هناد بن إبراهيم، أخبرنا محمد بن أحمد الحافظ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد، ومحمد بن الحسين، قالا: حدثنا إسحاق بن أحمد بن خلف، أنه سمع البخاري يقول: سمع أبي من مالك بن أنس، ورأى حماد بن زيد، وصافح ابن المبارك بكلتا يديه.
قلت: وولد أبو عبد الله في شوال سنة أربع وتسعين ومائة قاله أبو جعفر محمد بن أبي حاتم البخاري، وراق أبي عبد الله في كتاب: " شمائل البخاري "، جمعه، وهو جزء ضخم. أنبأني به أحمد بن أبي الخير، عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي، أن محمد بن طاهر الحافظ أجاز له، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن خلف، أخبرنا أبو طاهر أحمد بن عبد الله بن مهرويه الفارسي المؤدب، قدم علينا من مرو لزيارة أبي عبد الله السلمي، أخبرنا أبو محمد أحمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن مطر الفربري، حدثنا جدي، قال: سمعت محمد بن أبي حاتم، فذكر الكتاب فما أنقله عنه، فبهذا السند.(أعلام/271)
ثم إن أبا عبد الله فيما أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه سنة ست عشرة وستمائة أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، أخبرنا هبة الله بن الحسن الحافظ، أخبرنا أحمد بن محمد بن حفص، أخبرنا محمد بن أحمد بن سليمان، أخبرنا خلف بن محمد، حدثنا محمد بن أحمد بن الفضل البلخي، سمعت أبي يقول: ذهبت عينا محمد بن إسماعيل في صغره، فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل -عليه السلام-، فقال لها: يا هذه، قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك، أو كثرة دعائك -شك البلخي - فأصبحنا وقد رد الله عليه بصره.
وبالسند، الماضي إلى محمد بن أبي حاتم، قال: قلت لأبي عبد الله: كيف كان بدء أمرك؟ قال: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب. فقلت: كم كان سنك؟ فقال: عشر سنين، أو أقل. ثم خرجت من الكتاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره. فقال يوما فيما كان يقرأ للناس: سفيان، عن أبي الزبير، عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم. فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل. فدخل فنظر فيه، ثم خرج، فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي، عن إبراهيم، فأخذ القلم مني، وأحكم كتابه، وقال: صدقت. فقيل للبخاري: ابن كم كنت حين رددت عليه؟ قال ابن إحدى عشرة سنة. فلما طعنت في ست عشرة سنة، كنت قد حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء، ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججت رجع أخي بها، وتخلفت في طلب الحديث.(أعلام/272)
أبو عبس (خ، ت، س)
ابن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث الأوسي، واسمه عبد الرحمن.
بدري كبير له ذرية بالمدينة وببغداد، وكان يكتب بالعربية، وكان هو وأبو بردة بن نيار يكسران أصنام بني حارثة.
آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين خنيس بن حذافة السهمي. شهد بدرا والمشاهد، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف وكان عمر وعثمان يبعثانه مصدقا.
حدث عنه ابنه زيد، وحفيده أبو عبس بن محمد بن أبي عبس، وعباية بن رفاعة. مات بالمدينة سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان، وعاش سبعين سنة، وقبره بالبقيع.(أعلام/273)
أبو عبيد (د)
الإمام الحافظ المجتهد ذو الفنون أبو عبيد، القاسم بن سلام بن عبد الله.
كان أبوه سلام مملوكا روميا لرجل هروي. يروى أنه خرج يوما وولده أبو عبيد مع ابن أستاذه في المكتب، فقال للمعلم: علمي القاسم فإنها كيسة.
مولد أبي عبيد سنة سبع وخمسين ومائة.
وسمع: إسماعيل بن جعفر، وشريك بن عبد الله، وهشيما، وإسماعيل بن عياش، وسفيان بن عيينة، وأبا بكر بن عياش، وعبد الله بن المبارك، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، وعبيد الله الأشجعي، وغندرا، وحفص بن غياث، ووكيعا، وعبد الله بن إدريس، وعباد بن عباد، ومروان بن معاوية، وعباد بن العوام، وجرير بن عبد الحميد، وأبا معاوية الضرير، ويحيى القطان، وإسحاق الأزرق، وابن مهدي، ويزيد بن هارون، وخلقا كثيرا، إلى أن ينزل إلى رفيقه هشام بن عمار، ونحوه.
وقرأ القرآن على أبي الحسن الكسائي، وإسماعيل بن جعفر، وشجاع بن أبي نصر البلخي، وسمع الحروف من طائفة.
وأخذ اللغة عن أبي عبيدة، وأبي زيد، وجماعة.
وصنف التصانيف المونقة التي سارت بها الركبان. وله مصنف في القراءات لم أره، وهو من أئمة الاجتهاد، له كتاب " الأموال " في مجلد كبير سمعناه بالاتصال. وكتاب " الغريب " مروي أيضا، وكتاب " فضائل القرآن " وقع لنا، وكتاب " الطهور "، وكتاب " الناسخ والمنسوخ " وكتاب " المواعظ "، وكتاب " الغريب المصنف في علم اللسان "، وغير ذلك وله بضعة وعشرون كتابا.
حدث عنه: نصر بن داود، وأبو بكر الصاغاني، وأحمد بن يوسف التغلبي، والحسن بن مكرم، وأبو بكر بن أبي الدنيا، والحارث بن أبي أسامة، وعلي بن عبد العزيز البغوي، ومحمد بن يحيى المروزي، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وعباس الدوري، وأحمد بن يحيى البلاذري، وآخرون.(أعلام/274)
قال ابن سعد كان أبو عبيد مؤدبا صاحب نحو وعربية، وطلب للحديث والفقه، ولي قضاء طرسوس أيام الأمير ثابت بن نصر الخزاعي ولم يزل معه ومع ولده، وقدم بغداد، ففسر بها غريب الحديث، وصنف كتبا، وحدث، وحج، فتوفي بمكة سنة أربع وعشرين.
وقال أبو سعيد بن يونس في " تاريخه ": قدم أبو عبيد مصر مع يحيى بن معين سنة ثلاث عشرة ومائتين، وكتب بها.
وقال علي بن عبد العزيز: ولد بهراة، وكان أبوه عبدا لبعض أهلها. وكان يتولى الأزد.
قال عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي: ومن علماء بغداد المحدثين النحويين على مذهب الكوفيين، ورواة اللغة والغريب عن البصريين، والعلماء بالقراءات، ومن جمع صنوفا من العلم، وصنف الكتب في كل فن أبو عبيد. وكان مؤدبا لأهل هرثمة وصار في ناحية عبد الله بن طاهر، وكان ذا فضل ودين وستر، ومذهب حسن، روى عن أبي زيد، وأبي عبيدة، والأصمعي، واليزيدي، وغيرهم من البصريين، وروى عن ابن الأعرابي، وأبي زياد الكلابي، والأموي، وأبي عمرو الشيباني، والأحمر.
نقل الخطيب في " تاريخه " وغيره: أن طاهر بن الحسين حين سار إلى خراسان، نزل بمرو، فطلب رجلا يحدثه ليلة، فقيل: ما هاهنا إلا رجل مؤدب، فأدخلوا عليه أبا عبيد، فوجده أعلم الناس بأيام الناس والنحو واللغة والفقه. فقال له: من المظالم تركك أنت بهذه البلدة، فأعطاه ألف دينار، وقال له: أنا متوجه إلى حرب، وليس أحب استصحابك شفقا عليك، فأنفق هذه إلى أن أعود إليك، فألف أبو عبيد " غريب المصنف " وعاد طاهر بن الحسين من ثغر خراسان، فحمل معه أبا عبيد إلى سر من رأى، وكان أبو عبيد ثقة دينا ورعا كبير الشأن.(أعلام/275)
قال ابن درستويه: ولأبي عبيد كتب لم يروها، قد رأيتها في ميراث بعض الطاهرية تباع كثيرة في أصناف الفقه كله، وبلغنا أنه كان إذا ألف كتابا أهداه إلى ابن طاهر، فيحمل إليه مالا خطيرا. وذكر فصلا إلى أن قال: و " الغريب المصنف " من أجل كتبه في اللغة، احتذى فيه كتاب النضر بن شميل، المسمى بكتاب " الصفات " بدأ فيه بخلق الإنسان، ثم بخلق الفرس، ثم بالإبل، وهو أكبر من كتاب أبي عبيد وأجود.
قال: ومنها كتابه في " الأمثال " أحسن تأليفه، وكتاب " غريب الحديث " ذكره بأسانيده، فرغب فيه أهل الحديث، وكذلك كتابه في " معاني القرآن " حدث بنصفه، ومات.
وله كتب في الفقه، فإنه عمد إلى مذهب مالك والشافعي، فتقلد أكثر ذلك، وأتى بشواهده، وجمعه من رواياته، وحسنها باللغة والنحو. وله في القراءات كتاب جيد، ليس لأحد من الكوفيين قبله مثله، وكتابه في " الأموال " من أحسن ما صنف في الفقه وأجوده.
أنبأنا ابن علان، أخبرنا الكندي، أخبرنا الشيباني، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو العلاء القاضي، أخبرنا محمد بن جعفر التميمي، أخبرنا أبو علي النحوي، حدثنا الفسطاطي، قال: كان أبو عبيد مع ابن طاهر، فوجه إليه أبو دلف بثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها، وقال: أنا في جنبة رجل ما يحوجني إلى صلة غيره، ولا آخذ ما علي فيه نقص، فلما عاد ابن طاهر وصله بثلاثين ألف دينار، فقال له: أيها الأمير قد قبلتها، ولكن قد أغنيتني بمعروفك، وبرك عنها، وقد رأيت أن أشتري بها سلاحا وخيلا، وأوجه بها إلى الثغر ليكون الثواب متوفرا على الأمير، ففعل.(أعلام/276)
قال عبيد الله بن عبد الرحمن السكري: قال أحمد بن يوسف - إما سمعته منه، أو حدثت به عنه - قال: لما عمل أبو عبيد كتاب " غريب الحديث " عرض على عبد الله بن طاهر، فاستحسنه، وقال: إن عقلا بعث صاحبه على عمل مثل هذا الكتاب لحقيق أن لا يحوج إلى طلب المعاش، فأجرى له عشرة آلاف درهم في الشهر. كذا في هذه الرواية، عشرة آلاف درهم.
وروى غيره بمعناه عن الحارث بن أبي أسامة، قال: حمل " غريب " أبي عبيد إلى ابن طاهر، فقال: هذا رجل عاقل. وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم بأن يجري عليه في كل شهر خمسمائة درهم. فلما مات ابن طاهر، أجرى عليه إسحاق من ماله ذلك، فلما مات أبو عبيد بمكة، أجراها على ولده.
ذكر وفاة ابن طاهر هنا وهم، لأنه عاش مدة بعد أبي عبيد.
وعن أبي عبيد أنه كان يقول: كنت في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال، فأضعها في الكتاب، فأبيت ساهرا فرحا مني بتلك الفائدة. وأحدكم يجيئني، فيقيم عندي أربعة أشهر، خمسة أشهر، فيقول: قد أقمت الكثير.
وقيل: إن أول من سمع " الغريب " من أبي عبيد يحيى بن معين.
الطبراني: سمعت عبد الله بن أحمد يقول: عرضت كتاب " غريب الحديث " لأبي عبيد على أبي، فاستحسنه، وقال: جزاه الله خيرا.
وروى ابن الأنباري، عن موسى بن محمد: أنه سمع عبد الله بن أحمد يقول: كتب أبي " غريب الحديث " الذي ألفه أبو عبيد أولا.
قال عبد الله بن محمد بن سيار: سمعت ابن عرعرة يقول: كان طاهر بن عبد الله ببغداد، فطمع في أن يسمع من أبي عبيد، وطمع أن يأتيه في منزله، فلم يفعل أبو عبيد، حتى كان هو يأتيه. فقدم علي بن المديني، وعباس العنبري، فأرادا أن يسمعا " غريب الحديث " فكان يحمل كل يوم كتابه، ويأتيهما في منزلهما، فيحدثهما فيه.(أعلام/277)
قال جعفر بن محمد بن علي بن المديني: سمعت أبي يقول: خرج أبي إلى أحمد بن حنبل يعوده وأنا معه، فدخل إليه، وعنده يحيى بن معين وجماعة، فدخل أبو عبيد، فقال له يحيى: اقرأ علينا كتابك الذي عملته للمأمون " غريب الحديث " فقال: هاتوه، فجاءوا بالكتاب، فأخذه أبو عبيد فجعل يبدأ يقرأ الأسانيد، ويدع تفسير الغريب، فقال أبي: دعنا من الإسناد، نحن أحذق بها منك. فقال يحيى بن معين لأبي: دعه يقرأ على الوجه، فإن ابنك معك، ونحن نحتاج أن نسمعه على الوجه. فقال أبو عبيد: ما قرأته إلا على المأمون، فإن أحببتم أن تقرءوه، فاقرءوه. فقال له ابن المديني: إن قرأته علينا، وإلا لا حاجة لنا فيه، ولم يعرف أبو عبيد علي بن المديني، فقال ليحيى: من هذا؟ فقال: هذا علي بن المديني. فالتزمه، وقرأه علينا. فمن حضر ذلك المجلس، جاز أن يقول: حدثنا. وغير ذلك، فلا يقول.
رواها إبراهيم بن علي الهجيمي، عن جعفر.
قال أبو بكر بن الأنباري: كان أبو عبيد - رحمه الله - يقسم الليل أثلاثا فيصلي ثلثه، وينام ثلثه، ويصنف الكتب ثلثه.
قال عبد الله بن أبي مقاتل البلخي، عن أبي عبيد: دخلت البصرة لأسمع من حماد بن زيد، فقدمت فإذا هو قد مات، فشكوت ذلك إلى عبد الرحمن بن مهدي فقال: مهما سبقت به، فلا تسبقن بتقوى الله.(أعلام/278)
وقال أبو حامد الصاغاني: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول: فعلت بالبصرة فعلتين أرجو بهما الجنة: أتيت يحيى القطان وهو يقول: أبو بكر وعمر. فقلت: معي شاهدان من أهل بدر يشهدان أن عثمان أفضل من علي. قال: من؟ قلت: أنت حدثتنا عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة، قال: خطبنا ابن مسعود، فقال: أمرنا خير من بقي، ولم نأل. قال: ومن الآخر؟ قلت: الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن المسور، قال: سمعت عبد الرحمن بن عوف يقول: شاورت المهاجرين الأولين، وأمراء الأجناد، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم أر أحدا يعدل بعثمان. قال: فترك يحيى قوله، وقال: أبو بكر وعمر وعثمان.
قال: وأتيت عبد الله الخريبي، فإذا بيته بيت خمار. فقلت: ما هذا؟
قال: ما اختلف فيه أولنا ولا آخرنا. قلت: اختلف فيه أولكم وآخركم.
قال: من؟ قلت: أيوب السختياني، عن محمد، عن عبيدة قال: اختلف علي في الأشربة، فما لي شراب منذ عشرين سنة إلا عسل أو لبن أو ماء.
قال: ومن آخرنا؟ قلت: عبد الله بن إدريس. قال: فأخرج كل ما في منزله، فأهراقه.
أبو عبيد قال: سمعني ابن إدريس أتلهف على بعض الشيوخ، فقال لي: يا أبا عبيد، مهما فاتك من العلم، فلا يفوتنك من العمل.
الحاكم: سمعت أبا الحسن الكارزي سمعت علي بن عبد العزيز، سمعت أبا عبيد يقول: المتبع السنة كالقابض على الجمر، هو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله.
وعن أبي عبيد، قال: مثل الألفاظ الشريفة، والمعاني الظريفة مثل القلائد اللائحة في الترائب الواضحة.
قال عباس الدوري: سمعت أبا عبيد يقول: إني لأتبين في عقل الرجل أن يدع الشمس، ويمشي في الظل.(أعلام/279)
وبإسنادي إلى الخطيب: أخبرنا أحمد بن علي البادا أخبرنا عبد الله بن جعفر الزبيبي، حدثنا عبد الله بن العباس الطيالسي، سمعت الهلال بن العلاء الرقي يقول: من الله على هذه الأمة بأربعة في زمانهم: بالشافعي تفقه بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبأحمد ثبت في المحنة، لولا ذلك كفر الناس، وبيحيى بن معين نفى الكذب عن الحديث، وبأبي عبيد فسر الغريب من الحديث، ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطأ.
وقال إبراهيم بن أبي طالب: سألت أبا قدامة عن الشافعي، وأحمد، وإسحاق وأبي عبيد، فقال: أما أفقههم فالشافعي، لكنه قليل الحديث، وأما أورعهم فأحمد، وأما أحفظهم فإسحاق، وأما أعلمهم بلغات العرب فأبو عبيد.
قال الحسن بن سفيان: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: أبو عبيد أوسعنا علما وأكثرنا أدبا، وأجمعنا جمعا، إنا نحتاج إليه، ولا يحتاج إلينا. - سمعها الحاكم من أبي الوليد الفقيه: سمعت الحسن.
وقال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: الحق يحبه الله عز وجل: أبو عبيد القاسم بن سلام أفقه مني وأعلم مني.
الخطيب في " تاريخه ": حدثني مسعود بن ناصر، أخبرنا علي بن بشرى، حدثنا محمد بن الحسين الآبري، سمعت ابن خزيمة: سمعت أحمد بن نصر المقرئ يقول: قال إسحاق: إن الله لا يستحي من الحق: أبو عبيد أعلم مني، ومن ابن حنبل، والشافعي.
قال أبو العباس ثعلب: لو كان أبو عبيد في بني إسرائيل، لكان عجبا.
وقال أحمد بن كامل القاضي: كان أبو عبيد فاضلا في دينه وفي علمه، ربانيا، مفننا في أصناف علوم الإسلام من القرآن، والفقه والعربية والأخبار، حسن الرواية، صحيح النقل، لا أعلم أحدا طعن عليه في شيء من أمره ودينه.
وبلغنا عن عبد الله بن طاهر أمير خراسان قال: الناس أربعة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والقاسم بن معن في زمانه، وأبو عبيد في زمانه.(أعلام/280)
قال إبراهيم بن محمد النساج: سمعت إبراهيم الحربي يقول: أدركت ثلاثة تعجز النساء أن يلدن مثلهم: رأيت أبا عبيد، ما مثلته إلا بجبل نفخ فيه روح، ورأيت بشر بن الحارث، ما شبهته إلا برجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلا، ورأيت أحمد بن حنبل، فرأيت كأن الله قد جمع له علم الأولين، فمن كل صنف يقول ما شاء، ويمسك ما شاء.
قال مكرم بن أحمد: قال إبراهيم الحربي: كان أبو عبيد كأنه جبل نفخ فيه الروح، يحسن كل شيء إلا الحديث صناعة أحمد ويحيى.
وكان أبو عبيد يؤدب غلاما في شارع بشر، ثم اتصل بثابت بن نصر الخزاعي يؤدب ولده، ثم ولي ثابت طرسوس ثماني عشرة سنة، فولى أبا عبيد قضاء طرسوس ثماني عشرة سنة، فاشتغل عن كتابة الحديث. كتب في حداثته عن هشيم وغيره، فلما صنف، احتاج إلى أن يكتب عن يحيى بن صالح، وهشام بن عمار.
وأضعف كتبه كتاب " الأموال " يجيء إلى باب فيه ثلاثون حديثا، وخمسون أصلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيجيء بحديث، حديثين، يجمعهما من حديث الشام، ويتكلم في ألفاظهما، وليس له كتاب ك " غريب المصنف ".
وانصرف يوما من الصلاة، فمر بدار إسحاق الموصلي، فقالوا له: يا أبا عبيد، صاحب هذه الدار يقول: إن في كتابك " غريب المصنف " ألف حرف خطأ. فقال: كتاب فيه أكثر من مائة ألف يقع فيه ألف ليس بكثير؟ ! ولعل إسحاق عنده رواية، وعندنا رواية، فلم يعلم، فخطأنا، والروايتان صواب، ولعله أخطأ في حروف، وأخطأنا في حروف، فيبقى الخطأ يسيرا.
وكتاب " غريب الحديث " فيه أقل من مائتي حرف: سمعت، والباقي: قال الأصمعى، وقال أبو عمرو، وفيه خمسة وأربعون حديثا لا أصل لها، أتي فيها أبو عبيد من أبي عبيدة معمر بن المثنى.
قال الخطيب فيما أنبأنا ابن علان، أخبرنا الكندي، عن الشيباني، عنه، حدثني العلاء بن أبي المغيرة، أخبرنا علي بن بقاء(أعلام/281)
أخبرنا عبد الغني الحافظ قال: في كتاب الطهارة لأبي عبيد حديثان ما حدث بهما غير أبي عبيد، ولا عنه سوى محمد بن يحيى المروزي:
أحدهما: حديث شعبة عن عمرو بن أبي وهب.
والآخر: عبيد الله بن عمر، عن المقبري، حدث به القطان، عن عبيد الله ورواه الناس عن القطان، عن ابن عجلان.
محمد بن يحيى: حدثنا أبو عبيد: أخبرنا حجاج عن شعبة، عن عمرو بن أبي وهب الخزاعي عن موسى بن ثروان عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ يخلل لحيته.
إبراهيم بن أحمد المستملي: حدثنا عبد الله بن محمد بن طرخان: سمعت محمد بن عقيل: سمعت حمدان بن سهل يقول: سألت يحيى بن معين عن الكتبة عن أبي عبيد فقال - وتبسم -: مثلي يسأل عن أبي عبيد؟ ! أبو عبيد يسأل عن الناس، لقد كنت عند الأصمعي يوما، إذ أقبل أبو عبيد، فشق إليه بصره حتى اقترب منه، فقال: أترون هذا المقبل؟
قالوا: نعم. قال: لن تضيع الدنيا أو الناس ما حيي هذا. روى عبد الخالق بن منصور، عن ابن معين، قال: أبو عبيد ثقة.
وقال عباس بن محمد، عن أحمد بن حنبل: أبو عبيد ممن يزداد عندنا كل يوم خيرا.
وقال أبو داود: أبو عبيد ثقة مأمون.
وقال أبو قدامة: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أبو عبيد أستاذ.
وقال الدارقطني: ثقة إمام جبل.
وقال الحاكم: كان ابن قتيبة يتعاطى التقدم في علوم كثيرة، ولم يرضه أهل علم منها، وإنما الإمام المقبول عند الكل أبو عبيد.
قال عباس الدوري: سمعت أبا عبيد يقول: عاشرت الناس، وكلمت أهل الكلام، فما رأيت قوما أوسخ وسخا، ولا أضعف حجة من. . . . ولا أحمق منهم، ولقد وليت قضاء الثغر، فنفيت ثلاثة، جهميين. . . . .،. . . . . . وجهميا.
وقيل: كان أبو عبيد أحمر الرأس واللحية بالخضاب، وكان مهيبا وقورا.(أعلام/282)
قال الزبيدي: عددت حروف " غريب المصنف "، فوجدته سبعة عشر ألفا وتسعمائة وسبعين حرفا.
قلت: يريد بالحرف اللفظة اللغوية.
أخبرنا أبو محمد بن علوان، أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم، أخبرنا عبد المغيث بن زهير، حدثنا أحمد بن عبيد الله، حدثنا محمد بن علي العشاري، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني، أخبرنا محمد بن مخلد، أخبرنا العباس الدوري، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام - وذكر الباب الذي يروى فيه الرؤية، والكرسي موضع القدمين وضحك ربنا، وأين كان ربنا - فقال: هذه أحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف يضحك؟ وكيف وضع قدمه؟ قلنا: لا نفسر هذا، ولا سمعنا أحدا يفسره.
قلت: قد فسر علماء السلف المهم من الألفاظ وغير المهم، وما أبقوا ممكنا، وآيات الصفات وأحاديثها لم يتعرضوا لتأويلها أصلا، وهي أهم الدين، فلو كان تأويلها سائغا أو حتما، لبادروا إليه، فعلم قطعا أن قراءتها وإمرارها على ما جاءت هو الحق، لا تفسير لها غير ذلك، فنؤمن بذلك، ونسكت اقتداء بالسلف، معتقدين أنها صفات لله تعالى، استأثر الله بعلم حقائقها، وأنها لا تشبه صفات المخلوقين، كما أن ذاته المقدسة لا تماثل ذوات المخلوقين، فالكتاب والسنة نطق بها، والرسول - صلى الله عليه وسلم - بلغ، وما تعرض لتأويل، مع كون الباري قال: لتبين للناس ما نزل إليهم فعلينا الإيمان والتسليم للنصوص، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
قال عبدان بن محمد المروزي: أخبرنا أبو سعيد الضرير قال: كنت عند الأمير عبد الله بن طاهر، فورد عليه نعي أبي عبيد، فأنشأ يقول:
يا طالب العلم قد مات ابن سلام
وكان فارس علم غير محجام
مات الذي كان فينا ربع أربعة
لم يلق مثلهم أستاذ أحكام
خير البرية عبد الله أولهم
وعامر، ولنعم التلو يا عام(أعلام/283)
هما اللذان أنافا فوق غيرهما
والقاسمان ابن معن وابن سلام
ذكر أبا عبيد أبو عمرو الداني في " طبقات القراء " فقال: أخذ القراءة عرضا وسماعا عن الكسائي وعن شجاع، وعن إسماعيل بن جعفر، وعن حجاج بن محمد، وأبي مسهر. إلى أن قال: وهو إمام أهل دهره في جميع العلوم، ثقة، مأمون، صاحب سنة، روى عنه القراءات وراقه أحمد بن إبراهيم، وأحمد بن يوسف، وعلي بن عبد العزيز، ونصر بن داود، وثابت بن أبي ثابت.
قال البخاري وغيره: مات سنة أربع وعشرين ومائتين بمكة.
قال الخطيب: وبلغني أنه بلغ سبعا وستين سنة - رحمه الله.
ولم يتفق وقوع رواية لأبي عبيد في الكتب الستة، لكن نقل عنه أبو داود شيئا في تفسير أسنان الإبل في الزكاة وحكى أيضا عنه البخاري في كتاب " أفعال العباد ".
أخبرنا أبو بكر محفوظ بن معتوق البزار سنة اثنتين وتسعين وستمائة، أخبرنا عبد اللطيف بن محمد (ح) وأخبرنا أحمد بن إسحاق الغرافي أخبرنا عبد العزيز بن باقا قالا: أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد، أخبرنا محمد بن الحسين المقومي حضورا، أخبرنا الزبير بن محمد الأسدي، أخبرنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني، أخبرنا علي بن عبد العزيز، أخبرنا أبو عبيد، أخبرنا هشيم، أخبرنا منصور، عن ابن سيرين، عن ابن عمر، عن عمر ; أنه سجد في الحج سجدتين، وقال: إن هذه السورة فضلت على السور بسجدتين.
وبه: حدثنا أبو عبيد، حدثنا ابن أبي زائدة، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن شتير بن شكل، عن علي، قال: لما كان يوم الأحزاب، شغلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة العصر، فصلاها بين صلاتي العشاء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا ".
وبه: حدثنا أبو عبيد: حدثنا ابن أبي زائدة، ويزيد، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة. عن علي مثل ذلك.(أعلام/284)
أخبرنا أبو سعيد سنقر بن عبد الله الزيني بحلب، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف (ح) وأخبرنا أبو جعفر بن علي السلمي، أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم الفقيه سنة ثلاث وعشرين وستمائة، قالا: أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة، أخبرنا طراد بن محمد، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن علي سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، أخبرنا حامد بن محمد الهروي، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو عبيد، حدثنا عباد بن عباد، أخبرنا أبو جمرة عن ابن عباس، قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله، إنا من هذا الحي من ربيعة، وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر، فلا نخلص إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نعمل به، وندعو إليه من وراءنا. فقال: " آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع، الإيمان بالله - ثم فسرها لهم - شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن الدباء، والحنتم، والنقير، والمقير " متفق عليه.(أعلام/285)
أبو عبيدة
الإمام العلامة البحر، أبو عبيدة، معمر بن المثنى التيمي، مولاهم البصري، النحوي، صاحب التصانيف.
ولد في سنة عشر ومائة، في الليلة التي توفي فيها الحسن البصري.
حدث عن هشام بن عروة، ورؤبة بن العجاج، وأبي عمرو بن العلاء وطائفة.
ولم يكن صاحب حديث، وإنما أوردته لتوسعه في علم اللسان، وأيام الناس.
حدث عنه علي بن المديني، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو عثمان المازني، وعمر بن شبة، وعلي بن المغيرة الأثرم، وأبو العيناء وعدة.
حدث ببغداد بجملة من تصانيفه.
قال الجاحظ: لم يكن في الأرض جماعي ولا خارجي أعلم بجميع العلوم من أبي عبيدة.
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني ذكر أبا عبيدة، فأحسن ذكره، وصحح روايته، وقال: كان لا يحكي عن العرب إلا الشيء الصحيح.
وقال يحيى بن معين: ليس به بأس.
قال المبرد: كان هو والأصمعي متقاربين في النحو، وكان أبو عبيدة أكمل القوم.
وقال ابن قتيبة: كان الغريب وأيام الغريب أغلب عليه، وكان لا يقيم البيت إذا أنشده، ويخطئ إذا قرأ القرآن نظرا، وكان يبغض العرب، وألف في مثالبها كتبا، وكان يرى رأي الخوارج.
وقيل: إن الرشيد أقدم أبا عبيدة، وقرأ عليه بعض كتبه، وهي تقارب مائتي مصنف، منها كتاب " مجاز القرآن " وكتاب " غريب الحديث " وكتاب " مقتل عثمان " وكتاب " أخبار الحج "، وكان ألثغ بذيء اللسان، وسخ الثوب.
وقال أبو حاتم السجستاني: كان يكرمني بناء على أنني من خوارج سجستان.
وقيل: كان يميل إلى المرد ; ألا ترى أبا نواس حيث يقول:
صلى الإله على لوط وشيعته
أبا عبيدة قل بالله آمينا
فأنت عندي بلا شك بقيتهم
منذ احتلمت وقد جاوزت سبعينا
قلت: قارب مائة عام، أو كملها، فقيل: مات سنة تسع ومائتين، وقيل: مات سنة عشر.(أعلام/286)
قلت: قد كان هذا المرء من بحور العلم، ومع ذلك فلم يكن بالماهر بكتاب الله، ولا العارف بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا البصير بالفقه واختلاف أئمة الاجتهاد، بلى وكان معافى من معرفة حكمة الأوائل، والمنطق وأقسام الفلسفة، وله نظر في المعقول، ولم يقع لنا شيء من عوالي روايته.(أعلام/287)
أبو عبيدة بن الجراح (م، ق)
عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، القرشي الفهري المكي.
أحد السابقين الأولين، ومن عزم الصديق على توليته الخلافة، وأشار به يوم السقيفة، لكمال أهليته عند أبي بكر يجتمع في النسب هو والنبي - صلى الله عليه وسلم - في فهر، شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وسماه أمين الأمة، ومناقبه شهيرة جمة.
روى أحاديث معدودة وغزا غزوات مشهودة.
حدث عنه العرباض بن سارية، وجابر بن عبد الله، وأبو أمامة الباهلي، وسمرة بن جندب، وأسلم مولى عمر، وعبد الرحمن بن غنم، وآخرون.
له في " صحيح مسلم " حديث واحد، وله في " جامع أبي عيسى " حديث، وفي " مسند بقي " له خمسة عشر حديثا.
الرواية عنه: أخبرنا أبو المعالي محمد بن عبد السلام التميمي، قراءة عليه في سنة أربع وتسعين وست مائة، أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد البزاز، أنبأنا تميم بن أبي سعيد أبو القاسم المعري، في رجب سنة تسع وعشرين وخمس مائة بهراة، أنبأنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي، حدثنا عبد الله بن معاوية القرشي، حدثنا حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن عبد الله بن سراقة، عن أبي عبيدة بن الجراح: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: " إنه لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر قومه الدجال، وإني أنذركموه ". فوصفه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: " لعله سيدركه بعض من رآني أو سمع كلامي. قالوا: يا رسول الله، كيف قلوبنا يومئذ؟ أمثلها اليوم؟ قال: أو خير ".(أعلام/288)
أخرجه الترمذي عن عبد الله الجمحي فوافقناه بعلو. وقال: وفي الباب عن عبد الله بن بسر وغيره. وهذا حديث حسن غريب من حديث أبي عبيدة - رضي الله عنه.
قال ابن سعد في " الطبقات ": أخبرنا محمد بن عمر، حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن مالك بن يخامر أنه وصف أبا عبيدة فقال: كان رجلا نحيفا، معروق الوجه، خفيف اللحية، طوالا، أحنى أثرم الثنيتين.
وأخبرنا محمد بن عمر، حدثنا محمد بن صالح، عن يزيد بن رومان قال: انطلق ابن مظعون، وعبيدة بن الحارث، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وأبو عبيدة بن الجراح حتى أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعرض عليهم الإسلام، وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا في ساعة واحدة، وذلك قبل دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم.
وقد شهد أبو عبيدة بدرا، فقتل يومئذ أباه، وأبلى يوم أحد بلاء حسنا، ونزع يومئذ الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ضربة أصابته، فانقلعت ثنيتاه، فحسن ثغره بذهابهما، حتى قيل: ما رئي هتم قط أحسن من هتم أبي عبيدة.
وقال أبو بكر الصديق وقت وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسقيفة بني ساعدة: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين: عمر، وأبا عبيدة.
قال الزبير بن بكار: قد انقرض نسل أبي عبيدة، وولد إخوته جميعا، وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة. قاله ابن إسحاق، والواقدي.
قلت: إن كان هاجر إليها، فإنه لم يطل بها اللبث.
وكان أبو عبيدة معدودا فيمن جمع القرآن العظيم.(أعلام/289)
قال موسى بن عقبة في " مغازيه ": غزوة عمرو بن العاص هي غزوة ذات السلاسل من مشارف الشام، فخاف عمرو من جانبه ذلك، فاستمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانتدب أبا بكر وعمر في سراة من المهاجرين، فأمر نبي الله عليهم أبا عبيدة، فلما قدموا على عمرو بن العاص قال: أنا أميركم، فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأميرنا أبو عبيدة. فقال عمرو: إنما أنتم مدد أمددت بكم. فلما رأى ذلك أبو عبيدة بن الجراح، وكان رجلا حسن الخلق، لين الشيمة، متبعا لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعهده، فسلم الإمارة لعمرو.
وثبت من وجوه عن أنس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ".
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه وغيره، إجازة، قالوا: أخبرنا حنبل بن عبد الله، أنبأنا هبة الله بن محمد، أنبأنا أبو علي بن المذهب، أخبرنا أبو بكر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان، عن شريح بن عبيد، وراشد بن سعد، وغيرهما قالوا: لما بلغ عمر بن الخطاب سرغ حدث أن بالشام وباء شديدا، فقال: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي، استخلفته، فإن سألني الله - عز وجل -: لم استخلفته على أمة محمد؟ قلت: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ". قال: فأنكر القوم ذلك، وقالوا: ما بال علياء قريش؟ يعنون بني فهر. ثم قال: وإن أدركني أجلي وقد توفي أبو عبيدة، أستخلف معاذ بن جبل، فإن سألني ربي، قلت: إني سمعت نبيك يقول: " إنه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة ".(أعلام/290)
وروى حماد بن سلمة، عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن عمرو بن العاص قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. قيل من الرجال؟ قال: أبو بكر، قيل: ثم من؟ قال: ثم أبو عبيدة بن الجراح.
كذا يرويه حماد، وخالفه جماعة. فرووه عن الجريري، عن عبد الله قال: سألت عائشة: أي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر، ثم عمر، ثم أبو عبيدة بن الجراح. أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل، أنبأنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أنبأنا محمد بن عبد الباقي، أنبأنا أبو الفضل بن خيرون، أنبأنا أحمد بن محمد بن غالب، بقراءته على أبي العباس بن حمدان، حدثكم محمد بن أيوب، أنبأنا أبو الوليد، أنبأنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمعت صلة بن زفر. عن حذيفة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إني أبعث إليكم رجلا أمينا "، فاستشرف لها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبعث أبا عبيدة بن الجراح.
اتفقا عليه من حديث شعبة.
واتفقا من حديث خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ".(أعلام/291)
أخبرنا أحمد بن محمد المعلم، أنبأنا أبو القاسم بن رواحة، أنبأنا أبو طاهر الحافظ، أنبأنا أحمد بن علي الصوفي، وأبو غالب الباقلاني، وجماعة، قالوا: أنبأنا أبو القاسم بن بشران، أنبأنا أبو محمد الفاكهي بمكة، حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى الواسطي، أنبأنا يحيى بن أبي زكريا، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كنت في الجيش الذين مع خالد، الذين أمد بهم أبا عبيدة وهو محاصر دمشق، فلما قدمنا عليهم، قال لخالد: تقدم فصل; فأنت أحق بالإمامة؛ لأنك جئت تمدني. فقال خالد: ما كنت لأتقدم رجلا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ".
أبو بكر بن أبي شيبة: أنبأنا عبد الرحيم بن سليمان، عن زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن حذيفة قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - أسقفا نجران: العاقب والسيد، فقالا: ابعث معنا أمينا حق أمين. فقال: " لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين "، فاستشرف لها الناس، فقال: قم يا أبا عبيدة، فأرسله معهم.
قال: وحدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق نحوه.(أعلام/292)
الترقفي في " جزئه " حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثنا أبو حسبة مسلم بن أكيس مولى ابن كريز، عن أبي عبيدة قال: ذكر لي من دخل عليه فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك يا أبا عبيدة؟ قال: يبكيني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوما ما يفتح الله على المسلمين، حتى ذكر الشام فقال: " إن نسأ الله في أجلك فحسبك من الخدم ثلاثة: خادم يخدمك، وخادم يسافر معك، وخادم يخدم أهلك، وحسبك من الدواب ثلاثة: دابة لرحلك، ودابة لثقلك، ودابة لغلامك ". ثم هأنذا أنظر إلى بيتي قد امتلأ رقيقا، وإلى مربطي قد امتلأ خيلا، فكيف ألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدها؟ وقد أوصانا: " إن أحبكم إلي، وأقربكم مني، من لقيني على مثل الحال التي فارقتكم عليها ".
حديث غريب رواه أيضا أحمد في " مسنده " عن أبي المغيرة.
وكيع بن الجراح، حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما منكم من أحد إلا لو شئت لأخذت عليه بعض خلقه، إلا أبا عبيدة ". هذا مرسل.
وكان أبو عبيدة موصوفا بحسن الخلق، وبالحلم الزائد والتواضع.
قال محمد بن سعد: حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، قال عمر لجلسائه: تمنوا، فتمنوا، فقال عمر: لكني أتمنى بيتا ممتلئا رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح.
وقال ابن أبي شيبة: قال [ابن] علية، عن يونس، عن الحسن، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما من أصحابي أحد إلا لو شئت أخذت عليه، إلا أبا عبيدة ".
وسفيان الثوري: عن أبي إسحاق; عن أبي عبيدة قال: قال ابن مسعود: " أخلائي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة: أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة ".
خالفه غيره ففي " الجعديات ": أنبأنا زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله فذكره.(أعلام/293)
قال خليفة بن خياط: وقد كان أبو بكر ولى أبا عبيدة بيت المال.
قلت: يعني أموال المسلمين; فلم يكن بعد عمل بيت مال، فأول من اتخذه عمر.
قال خليفة: ثم وجهه أبو بكر إلى الشام سنة ثلاث عشرة أميرا، وفيها استخلف عمر، فعزل خالد بن الوليد، وولى أبا عبيدة.
قال القاسم بن يزيد: حدثنا سفيان، عن زياد بن فياض، عن تميم بن سلمة، أن عمر لقي أبا عبيدة، فصافحه، وقبل يده، وتنحيا يبكيان.
وقال ابن المبارك في " الجهاد " له: عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: بلغ عمر أن أبا عبيدة حصر بالشام، ونال منه العدو، فكتب إليه عمر: أما بعد، فإنه ما نزل بعبد مؤمن شدة، إلا جعل الله بعدها فرجا، وإنه لا يغلب عسر يسرين يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا الآية.
قال: فكتب إليه أبو عبيدة: أما بعد، فإن الله يقول: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو إلى قوله: متاع الغرور قال: فخرج عمر بكتابه، فقرأه على المنبر فقال: يا أهل المدينة، إنما يعرض بكم أبو عبيدة أو بي، ارغبوا في الجهاد.
ابن أبي فديك; عن هشام بن سعد، عن زيد، عن أبيه قال: بلغني أن معاذا سمع رجلا يقول: لو كان خالد بن الوليد، ما كان بالناس دوك وذلك في حصر أبي عبيدة. فقال معاذ: فإلى أبي عبيدة تضطر المعجزة لا أبا لك! والله إنه لخير من بقي على الأرض.
رواه البخاري في " تاريخه "، وابن سعد.
وفي " الزهد " لابن المبارك: حدثنا معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: قدم عمر الشام، فتلقاه الأمراء والعظماء، فقال: أين أخي أبو عبيدة؟ قالوا: يأتيك الآن. قال: فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه، ثم قال للناس: انصرفوا عنا. فسار معه حتى أتى منزله، فنزل عليه، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: لو اتخذت متاعا، أو قال شيئا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن هذا سيبلغنا المقيل.(أعلام/294)
ابن وهب: حدثني عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن عمر حين قدم الشام، قال لأبي عبيدة: اذهب بنا إلى منزلك، قال: وما تصنع عندي؟ ما تريد إلا أن تعصر عينيك علي. قال: فدخل، فلم ير شيئا، قال: أين متاعك؟ لا أرى إلا لبدا وصحفة وشنا، وأنت أمير، أعندك طعام؟ فقام أبو عبيدة إلى جونة، فأخذ منها كسيرات، فبكى عمر، فقال له أبو عبيدة: قد قلت لك: إنك ستعصر عينيك علي يا أمير المؤمنين، يكفيك ما يبلغك المقيل. قال عمر: غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة.
أخرجه أبو داود في " سننه " من طريق ابن الأعرابي.
وهذا والله هو الزهد الخالص، لا زهد من كان فقيرا معدما.
معن بن عيسى، عن مالك: أن عمر أرسل إلى أبي عبيدة بأربعة آلاف، أو بأربع مائة دينار، وقال للرسول: انظر ما يصنع بها، قال: فقسمها أبو عبيدة، ثم أرسل إلى معاذ بمثلها، قال: فقسمها، إلا شيئا قالت له امرأته نحتاج إليه، فلما أخبر الرسول عمر، قال: الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا.
الفسوي حدثنا أبو اليمان، عن جرير بن عثمان، عن أبي الحسن عمران بن نمران، أن أبا عبيدة كان يسير في العسكر فيقول: ألا رب مبيض لثيابه، مدنس لدينه! ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين! بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات.
وقال ثابت البناني: قال أبو عبيدة: يا أيها الناس، إني امرؤ من قريش، وما منكم من أحمر ولا أسود يفضلني بتقوى، إلا وددت أني في مسلاخه.
معمر: عن قتادة، قال أبو عبيدة بن الجراح: وددت أني كنت كبشا، فيذبحني أهلي، فيأكلون لحمي، ويحسون مرقي.
وقال عمران بن حصين: وددت أني رماد تسفيني الريح.(أعلام/295)
شعبة: عن قيس بن مسلم عن طارق، أن عمر كتب إلى أبي عبيدة في الطاعون: إنه قد عرضت لي حاجة، ولا غنى بي عنك فيها، فعجل إلي. فلما قرأ الكتاب، قال: عرفت حاجة أمير المؤمنين، إنه يريد أن يستبقي من ليس بباق، فكتب: إني قد عرفت حاجتك، فحللني من عزيمتك; فإني في جند من أجناد المسلمين، لا أرغب بنفسي عنهم. فلما قرأ عمر الكتاب بكى، فقيل له: مات أبو عبيدة؟ قال: لا. وكأن قد.
قال: فتوفي أبو عبيدة، وانكشف الطاعون.
قال أبو الموجه محمد بن عمرو المروزي: زعموا أن أبا عبيدة كان في ستة وثلاثين ألفا من الجند، فلم يبق منهم إلا ستة آلاف رجل.
أخبرنا محمد بن عبد السلام، عن أبي روح، أنبأنا أبو سعد، أنبأنا ابن حمدان، أنبأنا أبو يعلى، حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا واصل مولى أبي عيينة، عن ابن أبي سيف المخزومي، عن الوليد بن عبد الرحمن، شامي فقيه، عن عياض بن غطيف، قال: دخلت على أبي عبيدة بن الجراح في مرضه، وامرأته تحيفة جالسة عند رأسه، وهو مقبل بوجهه على الجدار، فقلت: كيف بات أبو عبيدة؟ قالت: بات بأجر. فقال: إني والله ما بت بأجر! فكأن القوم ساءهم، فقال: ألا تسألوني عما قلت؟ قالوا: إنا لم يعجبنا ما قلت، فكيف نسألك؟ قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله، فبسبع مائة، ومن أنفق على عياله، أو عاد مريضا، أو ماز أذى فالحسنة بعشر أمثالها، والصوم جنة ما لم يخرقها، ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده، فهو له حطة ".(أعلام/296)
أنبأنا جماعة قالوا: أنبأنا ابن طبرزد، أنبأنا ابن الحصين، أنبأنا ابن غيلان، أنبأنا أبو بكر الشافعي، أنبأنا عبد الله بن أحمد، حدثنا محمد بن أبان الواسطي، حدثني جرير بن حازم، حدثني بشار بن أبي سيف، حدثني الوليد بن عبد الرحمن، عن عياض بن غطيف، قال: مرض أبو عبيدة، فدخلنا عليه نعوده، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " الصيام جنة ما لم يخرقها ".
وقد استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا عبيدة غير مرة، منها المرة التي جاع فيها عسكره، وكانوا ثلاث ما ئة، فألقى لهم البحر الحوت الذي يقال له العنبر، فقال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا، نحن رسل رسول الله، وفي سبيل الله، فكلوا، وذكر الحديث، وهو في " الصحيحين ". ولما تفرغ الصديق من حرب أهل الردة، وحرب مسيلمة الكذاب، جهز أمراء الأجناد لفتح الشام، فبعث أبا عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، فتمت وقعة أجنادين بقرب الرملة، ونصر الله المؤمنين، فجاءت البشرى، والصديق في مرض الموت، ثم كانت وقعة فحل ووقعة مرج الصفر وكان قد سير أبو بكر خالدا لغزو العراق، ثم بعث إليه لينجد من بالشام، فقطع المفاوز على برية السماوة، فأمره الصديق على الأمراء كلهم، وحاصروا دمشق، وتوفي أبو بكر، فبادر عمر بعزل خالد، واستعمل على الكل أبا عبيدة، فجاءه التقليد، فكتمه مدة، وكل هذا من دينه ولينه وحلمه، فكان فتح دمشق على يده، فعند ذلك أظهر التقليد؛ ليعقد الصلح للروم، ففتحوا له باب الجابية صلحا، وإذا بخالد قد افتتح البلد عنوة من الباب الشرقي، فأمضى لهم أبو عبيدة الصلح.
فعن المغيرة: أن أبا عبيدة صالحهم على أنصاف كنائسهم ومنازلهم، ثم كان أبو عبيدة رأس الإسلام يوم وقعة اليرموك، التي استأصل الله فيها جيوش الروم، وقتل منهم خلق عظيم.(أعلام/297)
روى ابن المبارك في " الزهد " له، قال: أنبأنا عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، قال: حدثني عبد الرحمن بن غنم، عن حديث الحارث بن عميرة قال: أخذ بيدي معاذ بن جبل، فأرسله إلى أبي عبيدة، فسأله كيف هو؟ وقد طعنا، فأراه أبو عبيدة طعنة، خرجت في كفه، فتكاثر شأنها في نفس الحارث، وفرق منها حين رآها، فأقسم أبو عبيدة بالله: ما يحب أن له مكانها حمر النعم.
وعن الأسود: عن عروة: أن وجع عمواس كان معافى منه أبو عبيدة وأهله، فقال: اللهم نصيبك في آل أبي عبيدة. قال: فخرجت بأبي عبيدة في خنصره بثرة، فجعل ينظر إليها، فقيل له: إنها ليست بشيء. فقال: أرجو أن يبارك الله فيها; فإنه إذا بارك في القليل كان كثيرا.
الوليد بن مسلم: حدثني أبو بكر بن أبي مريم، عن صالح بن أبي المخارق قال: انطلق أبو عبيدة من الجابية إلى بيت المقدس للصلاة، فاستخلف على الناس معاذ بن جبل.
قال الوليد: فحدثني من سمع عروة بن رويم قال: فأدركه أجله بفحل، فتوفي بها بقرب بيسان.
طاعون عمواس منسوب إلى قرية عمواس، وهي بين الرملة وبين بيت المقدس، وأما الأصمعي فقال هو من قولهم زمن الطاعون: عم وآسى.
قال أبو حفص الفلاس: توفي أبو عبيدة في سنة ثمان عشرة، وله ثمان وخمسون سنة، وكان يخضب بالحناء، والكتم وكان له عقيصتان. وقال كذلك في وفاته جماعة، وانفرد ابن عائذ، عن أبي مسهر أنه قرأ في كتاب يزيد بن عبيدة، أن أبا عبيدة توفي سنة سبع عشرة.(أعلام/298)
أبو عثمان النهدي (ع)
الإمام، الحجة، شيخ الوقت، عبد الرحمن بن مل -وقيل: ابن ملي- ابن عمرو بن عدي البصري. مخضرم معمر، أدرك الجاهلية والإسلام. وغزا في خلافة عمر وبعدها غزوات.
وحدث عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وبلال، وسعد بن أبي وقاص، وسلمان الفارسي، وحذيفة بن اليمان، وأبي موسى الأشعري، وأسامة بن زيد، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبي هريرة، وابن عباس، وطائفة سواهم.
حدث عنه قتادة، وعاصم الأحول، وحميد الطويل، وسليمان التيمي، وأيوب السختياني، وداود بن أبي هند، وخالد الحذاء، وعمران بن حدير، وعلي بن جدعان، وحجاج بن أبي زينب، وخلق.
وشهد وقعة اليرموك، وثقه علي بن المديني، وأبو زرعة، وجماعة.
وقيل: أصله كوفي، وتحول إلى البصرة، وكانت هجرته من أرض قومه وقت استخلاف عمر، وكان من سادة العلماء العاملين.
روى حميد الطويل عنه قال: بلغت مائة وثلاثين سنة.
قلت: فعلى هذا هو أكبر من أنس بن مالك ومن سهل بن سعد الساعدي، نعم، ومن ابن عباس، وعائشة.
قال الحافظ أبو نصر الكلاباذي: أسلم أبو عثمان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يره ; لكنه أدى إلى عماله الزكاة.
قال يزيد بن هارون: حدثنا حجاج بن أبي زينب، سمعت أبا عثمان يقول: كنا في الجاهلية نعبد حجرا، فسمعنا مناديا ينادي: يا أهل الرحال، إن ربكم قد هلك، فالتمسوا ربا. فخرجنا على كل صعب وذلول، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا مناديا ينادي: إنا قد وجدنا ربكم أو شبهه، فجئنا فإذا حجر فنحرنا عليه الجزر.
وروى عاصم الأحول، عن أبي عثمان قال: رأيت يغوث صنما من رصاص يحمل على جمل أجرد، فإذا بلغ واديا، برك فيه، وقالوا: قد رضي لكم ربكم هذا الوادي.
أبو قتيبة: حدثنا أبو حبيب المروزي: سمعت أبا عثمان النهدي يقول: حججت في الجاهلية حجتين.(أعلام/299)
عبد الرحيم بن سليمان، عن عاصم الأحول قال: سئل أبو عثمان النهدي وأنا أسمع: هل أدركت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وأديت إليه ثلاث صدقات ولم ألقه، وغزوت على عهد عمر، وشهدت اليرموك، والقادسية، وجلولاء، وتستر، ونهاوند، وأذربيجان، ومهران، ورستم.
عبد القاهر بن السري: عن أبيه، عن جده، قال: كان أبو عثمان من قضاعة، وسكن الكوفة، فلما قتل الحسين، تحول إلى البصرة وقال: لا أسكن بلدا قتل فيه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وحج ستين مرة، ما بين حجة وعمرة، وقال: أتت علي ثلاثون ومائة سنة وما شيء إلا وقد أنكرته، خلا أملي; فإنه كما هو.
زهير بن محمد بن عاصم: عن أبي عثمان، قال: صحبت سلمان الفارسي ثنتي عشرة سنة.
حماد: عن علي بن زيد، عن أبي عثمان النهدي، قال: أتيت عمر بالبشارة يوم نهاوند.
معتمر عن أبيه، قال: كان أبو عثمان النهدي يصلي حتى يغشى عليه.
وقال معاذ بن معاذ: كانوا يرون أن عبادة سليمان التيمي، من أبي عثمان النهدي أخذها.
أبو عمر الضرير: حدثنا معتمر عن أبيه، قال: إني لأحسب أن أبا عثمان كان لا يصيب دنيا، كان ليله قائما، ونهاره صائما، وإن كان ليصلي حتى يغشى عليه.
عن عاصم الأحول، قال: بلغني أن أبا عثمان النهدي كان يصلي ما بين المغرب والعشاء مائة ركعة.
قال أبو حاتم كان ثقة، وكان عريف قومه.
أبو نعيم: حدثنا أبو طالوت عبد السلام، رأيت أبا عثمان النهدي شرطيا.
قال المدائني وخليفة بن خياط وابن معين: مات سنة مائة وشذ أبو حفص الفلاس فقال: مات سنة خمس وتسعين. وقيل غير ذلك.
يقع حديثه عاليا في جزء الأنصاري، وفي الغيلانيات وغير ذلك، والله أعلم.(أعلام/300)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن الفقيه وجماعة إذنا قالوا: أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا هبة الله بن محمد، أنبأنا ابن غيلان، أنبأنا أبو بكر الشافعي، حدثنا موسى بن سهل، حدثنا علي بن عاصم، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن حذيفة بن اليمان قال: خرج فتية يتحدثون، فإذا هم بإبل معطلة، فقال بعضهم: كأن أرباب هذه ليسوا معها، فأجابه بعير منها فقال: إن أربابها حشروا ضحى.
وبه، قال أبو بكر الشافعي، حدثنا محمد بن مسلمة، حدثنا يزيد، أنبأنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: وقفت على باب الجنة، فإذا أكثر من يدخلها الفقراء، وإن أهل الجد محبوسون.(أعلام/301)
أبو علي الفارسي
أخوه: الشيخ أبو علي عبد الملك بن محمد الفارسي.
قال ابن النجار عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مهدي بن خشنام بن النعمان بن مخلد، سمع إسماعيل الصفار، وعثمان بن السماك، وجماعة.
وحدث ببغداد والري وقزوين وهمذان في التجارة.
وعنه: علي بن بشرى الليثي، وأبو يعلى الخليلي، وأبو سعد السمان.
وسكن قزوين، وكان صدوقا.
مات في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة رحمه الله.(أعلام/302)
أبو عمرو الداني
الإمام الحافظ، المجود المقرئ، الحاذق، عالم الأندلس أبو عمرو ; عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي، مولاهم الأندلسي، القرطبي ثم الداني، ويعرف قديما بابن الصيرفي، مصنف " التيسير " و " جامع البيان "، وغير ذلك.
ذكر أن والده أخبره أن مولدي في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة فابتدأت بطلب العلم في أول سنة ست وثمانين، ورحلت إلى المشرق سنة سبع وتسعين، فمكثت بالقيروان أربعة أشهر، ثم توجهت إلى مصر، فدخلتها في شوال من السنة، فمكثت بها سنة، وحججت.
قال: ورجعت إلى الأندلس في ذي القعدة سنة تسع، وخرجت إلى الثغر في سنة ثلاث وأربعمائة، فسكنت سرقسطة سبعة أعوام، ثم رجعت إلى قرطبة. قال: وقدمت دانية سنة سبع عشرة وأربعمائة.
قلت: فسكنها حتى مات.
سمع أبا مسلم محمد بن أحمد الكاتب ; صاحب البغوي، وهو أكبر شيخ له، وأحمد بن فراس المكي، وعبد الرحمن بن عثمان القشيري الزاهد، وعبد العزيز بن جعفر بن خواستي الفارسي، نزيل الأندلس، وخلف بن إبراهيم بن خاقان المصري، وتلا عليهما، وحاتم بن عبد الله البزاز، وأحمد بن فتح بن الرسان، ومحمد بن خليفة بن عبد الجبار، وأحمد بن عمر بن محفوظ الجيزي، وسلمة بن سعيد الإمام، وسلمون بن داود القروي وأبا محمد بن النحاس المصري، وعلي بن محمد بن بشير الربعي، وعبد الوهاب بن أحمد بن منير، ومحمد بن عبد الله بن عيسى الأندلسي، وأبا عبد الله بن أبي زمنين، وأبا الحسن علي بن محمد القابسي، وعدة.
وتلا أيضا على أبي الحسن طاهر بن غلبون، وأبي الفتح فارس بن أحمد الضرير، وسمع سبعة ابن مجاهد من أبي مسلم الكاتب بسماعه منه، وصنف التصانيف المتقنة السائرة.(أعلام/303)
حدث عنه وقرأ عليه عدد كثير، منهم: ولده أبو العباس، وأبو داود سليمان بن أبي القاسم نجاح، وأبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن الدش، وأبو الحسين يحيى بن أبي زيد بن البياز، وأبو الذواد مفرج الإقبالي، وأبو بكر محمد بن المفرج البطليوسي، وأبو بكر بن الفصيح، وأبو عبد الله محمد بن مزاحم، وأبو علي الحسين بن محمد بن مبشر، وأبو القاسم خلف بن إبراهيم الطليطلي، وأبو عبد الله محمد بن فرج المغامي وأبو إسحاق إبراهيم بن علي ; نزيل الإسكندرية، وأبو القاسم ابن العربي، وأبو عبد الله محمد بن عيسى بن الفرج التجيبي المغامي، وأبو تمام غالب بن عبيد الله القيسي، ومحمد بن أحمد بن سعود الداني، وخلف بن محمد المريي بن العريبي، وخلق كثير.
وروى عنه بالإجازة: أحمد بن محمد الخولاني، وأبو العباس أحمد بن عبد الملك بن أبي حمزة المرسي ; خاتمة من روى عنه في الدنيا، وعاش بعده سبعا وثمانين سنة، وهذا نادر ولا سيما في المغرب.
قال المغامي: كان أبو عمرو مجاب الدعوة، مالكي المذهب.
وقال الحميدي هو محدث مكثر، ومقرئ متقدم، سمع بالأندلس والمشرق.
قلت: المشرق في عرف المغاربة مصر وما بعدها من الشام والعراق، وغير ذلك، كما أن المغرب في عرف العجم وأهل العراق أيضا مصر، وما تغرب عنها.
قال أبو القاسم بن بشكوال كان أبو عمرو أحد الأئمة في علم القرآن: رواياته وتفسيره ومعانيه، وطرقه وإعرابه، وجمع في ذلك كله تواليف حسانا مفيدة، وله معرفة بالحديث وطرقه، وأسماء رجاله ونقلته، وكان حسن الخط، جيد الضبط، من أهل الذكاء والحفظ، والتفنن في العلم، دينا فاضلا، ورعا سنيا.(أعلام/304)
وفي فهرس ابن عبيد الله الحجري قال: والحافظ أبو عمرو الداني، قال بعض الشيوخ: لم يكن في عصره ولا بعد عصره أحد يضاهيه في حفظه وتحقيقه، وكان يقول: ما رأيت شيئا قط إلا كتبته، ولا كتبته إلا وحفظته، ولا حفظته فنسيته. وكان يسأل عن المسألة مما يتعلق بالآثار وكلام السلف، فيوردها بجميع ما فيها مسندة من شيوخه إلى قائلها.
قلت: إلى أبي عمرو المنتهى في تحرير علم القراءات، وعلم المصاحف، مع البراعة في علم الحديث والتفسير والنحو، وغير ذلك.
ألف كتاب " جامع البيان في السبع " ثلاثة أسفار في مشهورها وغريبها، وكتاب " التيسير " وكتاب " الاقتصاد " في السبع، و " إيجاز البيان " في قراءة ورش، و " التلخيص " في قراءة ورش أيضا، و " المقنع " في الرسم، وكتاب " المحتوى في القراءات الشواذ "، فأدخل فيها قراءة يعقوب وأبي جعفر، وكتاب " طبقات القراء " في مجلدات، و " الأرجوزة في أصول الديانة "، وكتاب " الوقف والابتداء "، وكتاب " العدد "، وكتاب " التمهيد في حرف نافع " مجلدان، وكتاب " اللامات والراءات " لورش، وكتاب " الفتن الكائنة " ; مجلد يدل على تبحره في الحديث، وكتاب " الهمزتين " مجلد، وكتاب " الياءات " مجلد، وكتاب " الإمالة " لابن العلاء مجلد. وله تواليف كثيرة صغار في جزء وجزئين.
وقد كان بين أبي عمرو، وبين أبي محمد بن حزم وحشة ومنافرة شديدة، أفضت بهما إلى التهاجي، وهذا مذموم من الأقران، موفور الوجود. نسأل الله الصفح. وأبو عمرو أقوم قيلا، وأتبع للسنة، ولكن أبا محمد أوسع دائرة في العلوم، بلغت تواليف أبي عمرو مائة وعشرين كتابا.
وهو القائل في أرجوزته السائرة:
تدري أخي أين طريق الجنه
طريقها القرآن ثم السنه
كلاهما ببلد الرسول
وموطن الأصحاب خير جيل
فاتبعن جماعة المدينه
فالعلم عن نبيهم يروونه
وهم فحجة على سواهم(أعلام/305)
في النقل والقول وفي فتواهم
واعتمدن على الإمام مالك
إذ قد حوى على جميع ذلك
في الفقه والفتوى إليه المنتهى
وصحة النقل وعلم من مضى
منها:
وحك ما تجد للقياس
داود في دفتر أو قرطاس
من قوله إذ خرق الإجماعا
وفارق الأصحاب والأتباعا
واطرح الأهواء والمراء
وكل قول ولد الآراء
منها:
ومن عقود السنة الإيمان
بكل ما جاء به القرآن
وبالحديث المسند المروي
عن الأئمة عن النبي
وأن ربنا قديم لم يزل
وهو دائم إلى غير أجل
منها:
كلم موسى عبده تكليما
ولم يزل مدبرا حكيما
كلامه وقوله قديم
وهو فوق عرشه العظيم
والقول في كتابه المفصل
بأنه كلامه المنزل
على رسوله النبي الصادق
ليس بمخلوق ولا بخالق
من قال فيه: إنه مخلوق
أو محدث فقوله مروق
والوقف فيه بدعة مضله
ومثل ذاك اللفظ عند الجله
كلا الفريقين من الجهميه
الواقفون فيه واللفظيه
أهون بقول
جهم الخسيس وواصل وبشر المريسي
ذي السخف والجهل وذي العناد معمر
وابن أبي دواد وابن عبيد شيخ الاعتزال
وشارع البدعة والضلال
والجاحظ القادح في الإسلام
وجبت هذي الأمة النظام
والفاسق المعروف بالجبائي
ونجله السفيه ذي الخناء
واللاحقي وأبي هذيل مؤيدي الكفر
بكل ويل وذي العمى ضرار المرتاب
وشبههم من أهل الارتياب
وبعد فالإيمان قول وعمل
ونية عن ذاك ليس ينفصل
فتارة يزيد بالتشمير
وتارة ينقص بالتقصير
وحب أصحاب النبي فرض
ومدحهم تزلف وفرض
وأفضل الصحابة الصديق
وبعده المهذب الفاروق
منها:
ومن صحيح ما أتى به الخبر
وشاع في الناس قديما وانتشر
نزول ربنا بلا امتراء
في كل ليلة إلى السماء(أعلام/306)
من غير ما حد ولا تكييف
سبحانه من قادر لطيف
ورؤية المهيمن الجبار
وأننا نراه بالأبصار
يوم القيامة بلا ازدحام
كرؤية البدر بلا غمام
وضغطة القبر على المقبور
وفتنة المنكر والنكير
فالحمد لله الذي هدانا
لواضح السنة واجتبانا
وهي أرجوزة طويلة جدا.
مات أبو عمرو يوم نصف شوال سنة أربع وأربعين وأربعمائة ودفن ليومه بعد العصر بمقبرة دانية، ومشى سلطان البلد أمام نعشه، وشيعه خلق عظيم، رحمه الله تعالى.(أعلام/307)
أبو عمرو الشيباني (ع)
اسمه سعد بن إياس الكوفي، من بني شيبان بن ثعلبة بن عكابة، أدرك الجاهلية وكاد أن يكون صحابيا.
حدث عن علي، وابن مسعود، وحذيفة، وطائفة.
روى عنه منصور، والأعمش، وسليمان التيمي، والوليد بن العيزار،
وإسماعيل بن أبي خالد، وأبو معاوية عمرو بن عبد الله النخعي، وآخرون.
وعاش مائة عام وعشرين عاما، فعنه قال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا أرعى إبلا بكاظمة. قال: وكنت يوم القادسية ابن أربعين سنة.
قال عاصم بن أبي النجود: كان أبو عمر والشيباني يقرئ القرآن في المسجد الأعظم، فقرأت عليه، ثم سألته عن آية، فاتهمني بهوى.
وقال يحيى بن معين: كوفي، ثقة.
قلت: هو من رجال الكتب الستة. ومات في خلافة الوليد بن عبد الملك فيما أحسب.(أعلام/308)
أبو عمرو بن العلاء
ابن عمار بن العريان التميمي، ثم المازني البصري شيخ القراء والعربية وأمه من بني حنيفة.
اختلف في اسمه على أقوال: أشهرها زبان، وقيل العريان. استوفينا من أخباره في " طبقات القراء ". مولده في نحو سنة سبعين.
حدث باليسير عن أنس بن مالك، ويحيى بن يعمر، ومجاهد، وأبي صالح السمان، وأبي رجاء العطاردي، ونافع العمري، وعطاء بن أبي رباح، وابن شهاب. وقرأ القرآن على سعيد بن جبير. ومجاهد، ويحيى بن يعمر، وعكرمة، وابن كثير، وطائفة. وورد أنه تلا على أبي العالية الرياحي. وقد كان معه بالبصرة.
برز في الحروف، وفي النحو، وتصدر للإفادة مدة. واشتهر بالفصاحة والصدق وسعة العلم.
تلا عليه يحيى اليزيدي، والعباس بن الفضل، وعبد الوارث بن سعيد، وشجاع البلخي، وحسين الجعفي، ومعاذ بن معاذ، ويونس بن حبيب النحوي، وسهل بن يوسف، وأبو زيد الأنصاري سعيد بن أوس، وسلام الطويل وعدة.
وحدث عنه: شعبة، وحماد بن زيد، وأبو أسامة، والأصمعي، وشبابة بن سوار، ويعلى بن عبيد، وأبو عبيدة اللغوي، وآخرون. وانتصب للإقراء في أيام الحسن البصري.
قال أبو عبيدة. كان أعلم الناس بالقراءات والعربية، والشعر وأيام العرب. وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف، ثم تنسك فأحرقها.
وكان من أشراف العرب، مدحه الفرزدق وغيره.
قال يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ليس به بأس. وقال أبو عمرو الشيباني: ما رأيت مثل أبي عمرو.
روى أبو العيناء، عن الأصمعي: قال لي أبو عمرو بن العلاء: لو تهيأ أن أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت، ولقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كتبت ما قدر الأعمش على حملها، ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ لقرأت حرف كذا، وذكر حروفا.(أعلام/309)
قال نصر بن علي الجهضمي، عن أبيه، عن شعبة قال: انظر ما يقرأ به أبو عمرو مما يختاره فاكتبه، فإنه سيصير للناس أستاذا.
قال إبراهيم الحربي وغيره: كان أبو عمرو من أهل السنة.
قال اليزيدي وآخر: تكلم عمرو بن عبيد في الوعيد سنة، فقال أبو عمرو: إنك لألكن الفهم، إذ صيرت الوعيد الذي في أعظم شيء مثله في أصغر شيء، فاعلم أن النهي عن الصغير والكبير ليسا سواء، وإنما نهى الله عنهما لتتم حجته على خلقه، ولئلا يعدل عن أمره. ووراء وعيده عفوه وكرمه ثم أنشد:
ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي
ولا أختتي من صولة المتهدد
وإني وإن أوعدته ووعدته
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
فقال عمرو بن عبيد: صدقت. إن العرب تتمدح بالوفاء بالوعد والوعيد، وقد يمتدح بهما المرء. تسمع إلى قولهم؟ ! .
لا يخلف الوعد والوعيد ولا
يبيت من ثأره على فوت
فقد وافق هذا قوله تعالى: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم.
قال أبو عمرو: قد وافق الأول أخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحديث يفسر القرآن.
قال الأصمعي: قال لي أبو عمرو: كن على حذر من الكريم إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن العاقل إذا أحرجته، ومن الأحمق إذا مازحته، ومن الفاجر إذا عاشرته. وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك، أو تسأل من لا يجيبك، أو تحدث من لا ينصت لك.
قال الأصمعي: سألت أبا عمرو: ما اسمك؟ قال: زبان وروي عن الأصمعي أيضا قال: لا اسم لأبي عمرو. وأما يحيى اليزيدي، فعنه أن اسم أبي عمرو العريان. ورواية أخرى عنه أن اسمه: يحيى. قال الأصمعي: سمعته يقول: كنت رأسا والحسن حي.
أبو حاتم، عن أبي عبيدة: قال أبو عمرو بن العلاء: أنا زدت هذا البيت في قصيدة الأعشى، وأستغفر الله منه:
وأنكرتني وما كان الذي نكرت(أعلام/310)
من الحوادث إلا الشيب والصلعا
وعن الطيب بن إسماعيل قال: شهدت ابن أبي العتاهية، وقد كتب عن اليزيدي قريبا من ألف جلد، عن أبي عمرو بن العلاء خاصة. قال: ويكون ذلك عشرة آلاف ورقة.
قال الأصمعي: كنت إذا سمعت أبا عمرو بن العلاء يتكلم ظننته لا يعرف شيئا، كان يتكلم كلاما سهلا.
قال اليزيدي: سمعت أبا عمرو يقول: سمع سعيد بن جبير قراءتي فقال: الزم قراءتك هذه.
قال الأصمعي: كان لأبي عمرو كل يوم يشترى كوز وريحان بفلسين فإذا أمسى تصدق بالكوز، وقال للجارية: جففي الريحان ودقيه في الأشنان.
قال أبو عبيد: حدثني عدة أن أبا عمرو قرأ على مجاهد. وزاد بعضهم: وعلى سعيد بن جبير. وروينا أن أبا عمرو وأباه هربا من الحجاج ومن عسفه. وحديثه قليل. ذكر غير واحد أن وفاته كانت في سنة أربع وخمسين ومائة.
قال الأصمعي: عاش أبو عمرو ستا وثمانين سنة. وقال خليفة بن خياط وحده: مات أبو عمرو وأبو سفيان ابنا العلاء سنة سبع وخمسين ومائة.(أعلام/311)
أبو عمرو بن منده
الشيخ، المحدث، الثقة، المسند الكبير أبو عمرو عبد الوهاب بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن الحافظ محمد بن يحيى بن منده، العبدي، الأصبهاني، أحد الإخوة، وكان أصغر من أخويه الحافظ عبد الرحمن وعبيد الله.
سمع أباه، فأكثر، وأبا إسحاق بن خرشيد قولة وأبا عمر بن عبد الوهاب السلمي، وأبا محمد الحسن بن يوه، وجعفر بن محمد الفقيه، ومحمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبا بكر بن مردويه، وخلقا بأصبهان، وأبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وطبقته بنيسابور، وسمع بشيراز وهمذان ومكة والري.
وكان يسافر في التجارة، وله فوائد في عدة أجزاء مروية.
حدث عنه: المؤتمن الساجي، وابنه يحيى بن عبد الوهاب الحافظ، ومحمد بن طاهر، وإسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وأخوه خالد بن عمر، وأبو سعد أحمد بن محمد بن البغدادي، وأحمد بن محمد بن الفتح الملقب بالغيج، والحسين بن عبد الملك الخلال، والحسن بن العباس الرستمي، ومسعود بن الحسن الثقفي، وأبو الخير محمد بن أحمد الباغبان، وخلق كثير.
وكان طويل الروح على الطلبة، طيب الخلق، محسنا، متواضعا.
كان يقال له: أبو الأرامل.
قال ولده يحيى: فضائله كثيرة. ولد سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة وكان رحيما للفقراء، وله أولاد: محمد وإسحاق، وعبد الملك، وإبراهيم، ويحيى، وعائشة. وأمهم هي فاطمة بنت الشيباني. سمعت أبي أبا عمرو: كان أبي ربما أنامني إلى جنبه في الفراش، وكان أسمر، وكنت أبيض، فكان يمازحني، ويعانقني.
قال أبو سعد السمعاني: رأيتهم بأصبهان مجتمعين على الثناء على أبي عمرو والمدح له، وكان شيخنا إسماعيل الحافظ مكثرا عنه، وكان يثني عليه، ويفضله على أخيه عبد الرحمن.
وقال المؤتمن الساجي: لم أر شيخا أقعد ولا أثبت من عبد الوهاب في الحديث، وقرأت عليه حتى فاضت نفسه، وفجعت به.(أعلام/312)
قال يحيى: مات أبي في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وسبعين وأربعمائة.
أخبرنا سليمان بن قدامة، وفاطمة بنت سليمان، عن محمود بن إبراهيم، أخبرنا محمد بن أحمد المؤذن سنة ست وخمسين وخمسمائة أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق، أخبرنا أبي، أخبرنا محمد بن الحسين القطان، حدثنا عبد الرحمن بن بشر، حدثنا أزهر، عن ابن عون،
عن ابن سيرين: أن أنس بن مالك كان إذا دخل الخلاء وضع له أشنان وماء.
هذا خبر صحيح موقوف.
ومات معه أبو بكر محمد بن أحمد بن علي السمسار وأبو الفضل المطهر بن عبد الواحد البزاني وأبو أحمد جعفر بن عبد الله بن أحمد الطليطلي عن بضع وثمانين سنة، وسهل بن عبد الله بن علي الغازي، وفيها - باختلاف - الحافظ الأمير أبو نصر بن ماكولا.(أعلام/313)
أبو عوانة
الإمام الحافظ الكبير الجوال أبو عوانة، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد النيسابوري الأصل، الإسفراييني، صاحب " المسند الصحيح " الذي خرجه على " صحيح مسلم " وزاد أحاديث قليلة في أواخر الأبواب.
مولده بعد الثلاثين ومائتين وسمع بالحرمين، والشام، ومصر، واليمن، والثغور، والعراق، والجزيرة، وخراسان، وفارس، وأصبهان، وأكثر الترحال، وبرع في هذا الشأن، وبذ الأقران.
سمع يونس بن عبد الأعلى، وعلي بن حرب الطائي، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب، وشعيب بن حرب الضبعي، وزكريا بن يحيى بن أسد المروزي، وسعد بن مسعود المروزي، وسعدان بن نصر، وعمر بن شبة، وعيسى بن أحمد البلخي، وعلي بن إشكاب، وعبد السلام بن أبي فروة النصيبي -صاحبا لابن عيينة، وعطية بن بقية بن الوليد، وأبا ثور عمرو بن سعد بن عمرو الشعباني -صاحبا لابن وهب، ومحمد بن سليمان ابن بنت مطر، وأبا زرعة الرازي، وأبا جعفر بن المنادي.
ومحمد بن عقيل النيسابوري، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، ومحمد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني، وموسى بن نصر الرازي، وأبا سلمة المسلم [بن] محمد بن المسلم بن عفان الصنعاني الفقيه، حدثه عن عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري، وموهب بن يزيد بن موهب الرملي: حدثني ابن وهب. وأحمد بن محمد بن أبي رجاء المصيصي، وأحمد بن يوسف السلمي، وأحمد بن سعيد الدارمي، وأحمد بن شيبان الرملي، وأحمد بن محمد بن عثمان الثقفي: عن الوليد بن مسلم.(أعلام/314)
وأخطل بن الحكم: عن بقية، وإسماعيل بن عباد الأرسوفي: عن ضمرة، وأحمد بن ملاعب، وأحمد بن الجبار العطاردي، وأحمد بن حسن بن عبد القاسم رسول نفسه - من أصحاب ابن عيينة، وبحر بن نصر الخولاني، والربيع المرادي، وبشر بن مطر، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وخلقا كثيرا. وينزل إلى أن يروي عن عبد الله بن أحمد، وعبد الرحمن بن خراش، وعبدان.
حدث عنه: أحمد بن علي الرازي الحافظ، وأبو علي النيسابوري الحافظ، ويحيى بن منصور، وسليمان بن أحمد الطبراني، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، وحسينك بن علي التميمي، وولده أبو مصعب محمد بن أبي عوانة، وأبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي، وجماعة خاتمتهم ابن ابن أخته أبو نعيم عبد الملك بن الحسن.
وقد دخل دمشق مرات.
قال أبو عبد الله الحاكم: أبو عوانة من علماء الحديث وأثباتهم، سمعت ابنه محمدا يقول: إنه توفي سنة ست عشرة وثلاثمائة.
وقال ابن أخت أبي عوانة المحدث الحسن بن محمد الإسفراييني: توفي أبو عوانة في سلخ ذي الحجة سنة ست عشرة.
وقال غيره: بني على قبر أبي عوانة مشهد بإسفرايين يزار، وهو في داخل المدينة، وكان -رحمه الله- أول من أدخل إسفرايين مذهب الشافعي وكتبه، حملها عن الربيع المرادي والمزني.
ومن عبارة الحاكم في " تاريخه ": أبو عوانة سمع محمد بن يحيى، ومسلم بن الحجاج، وأحمد بن سعيد الدارمي، وأبا زرعة، وأبا حاتم، وابن وارة، ويعقوب بن سفيان، وسعدان، وابن عبد الحكم، والمزني، وصالح بن أحمد بن حنبل، وعمرو بن عبد الله الأودي، ومحمد بن المقرئ، وأحمد بن سنان، وأسيد بن عاصم، وهارون بن سليمان. وسمى جماعة ثم أثنى عليه.(أعلام/315)
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد قراءة عليه، عن القاسم بن أبي سعد الصفار: أخبرنا هبة الرحمن بن عبد الواحد، أخبرنا عبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري، وأخبرنا أحمد عن أبي المظفر بن السمعاني، أخبرنا عبد الله بن محمد الصاعدي، أخبرنا عثمان بن محمد المحمي، قالا: أخبرنا عبد الملك بن الحسن، أخبرنا أبو عوانة الحافظ، حدثنا بشر بن مطر، حدثنا سفيان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: " أن عمر أتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد كان ملك مائة سهم من خيبر اشتراها حتى استجمعها، فقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: قد أصبت مالا لم أصب مثله قط، وقد أردت أن أتقرب إلى الله؟ قال: فاحبس الأصل وسبل الثمر ".
وبه أخبرنا أبو عوانة: حدثنا عبد الرحمن بن بشر، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرنا يحيى بن سعيد، وسهيل، سمعا النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " من صام يوما في سبيل الله باعده الله عن النار سبعين خريفا أخرجه مسلم عن عبد الرحمن.
وبه: أخبرنا أبو عوانة، أخبرنا الزعفراني، أخبرنا عبيدة بن حميد، حدثني منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عائشة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يباشر وهو صائم. وأظنه قال: وكان يقبل وهو صائم، وكان أملككم لإربه أخرجه النسائي عن الزعفراني.
ومات معه أبو بكر بن أبي داود السجستاني، وقد مر مع والده.
وزاهد مصر أبو الحسن بنان بن محمد بن حمدان الحمال.
وصالح بن أبي مقاتل أحمد القيراطي ببغداد.
ومحدث دمشق أبو بكر محمد بن خريم بن محمد بن عبد الملك العقيلي.
وشيخ العربية أبو بكر محمد بن السري البغدادي السراج.
وحافظ بلخ أبو عبد الله محمد بن عقيل بن الأزهر البلخي.
ومسند هراة أبو جعفر محمد بن معاذ الماليني.(أعلام/316)
أبو عوانة (ع)
هو الإمام الحافظ، الثبت، محدث البصرة الوضاح بن عبد الله، مولى يزيد بن عطاء اليشكري، الواسطي، البزاز. كان الوضاح من سبي جرجان. مولده: سنة نيف وتسعين. رأى الحسن، ومحمد بن سيرين.
وروى عن: الحكم بن عتيبة، وزياد بن علاقة، وقتادة، وسماك بن حرب، والأسود بن قيس، وإسماعيل السدي، وعمرو بن دينار، وعاصم بن كليب، وأبي الزبير، وحصين بن عبد الرحمن، ويعلى بن عطاء، ومنصور بن المعتمر، وعمر بن أبي سلمة، وأبي إسحاق، ومغيرة بن مقسم، ومنصور بن زاذان العابد، وأبي بشر جعفر بن إياس، وعمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي مالك الأشجعي، وإبراهيم بن مهاجر، وسعيد بن مسروق الثوري، ويزيد بن أبي زياد، وعاصم الأحول، وعبد الملك بن عمير، وسعد بن إبراهيم الزهري، وداود الأودي، وعدة. وكان من أركان الحديث.
روى عنه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، مع تقدمه، وابن المبارك، وابن مهدي، وحبان بن هلال، وعفان بن مسلم، وخلف بن هشام، وسعيد بن منصور، ومحمد بن أبي بكر المقدم، وشيبان بن فروخ، وقتيبة بن سعيد، وأبو الوليد الطيالسي، ويحيى بن يحيى، ويحيى بن عبد الحميد، وعمرو بن عون، ومحمد بن المنهال الضرير، وأحمد بن عبد الملك الحراني، وخلق كثير. وأكثر عنه ختنه يحيى بن حماد، وأبو كامل الجحدري، وأبو الربيع الزهراني، ومحمد بن عبيد بن حساب، ومسدد، ولوين، والهيثم بن سهل خاتمتهم.
قال عفان: أبو عوانة أصح حديثا عندنا من شعبة.
وقال أحمد بن حنبل: هو صحيح الكتاب، وإذا حدث من حفظه ربما يهم.
وقال عفان بن مسلم: كان أبو عوانة صحيح الكتاب ثبتا، كثير العجم والنقط.
وقال يحيى بن سعيد القطان: ما أشبه حديثه بحديث سفيان، وشعبة.
وقال عفان: سمعت شعبة يقول: إن حدثكم أبو عوانة عن أبي هريرة فصدقوه.(أعلام/317)
قال الحافظ بن عدي: كان مولاه يزيد قد خيره بين الحرية، وكتابة الحديث، فاختار كتابة الحديث. وفوض إليه مولاه التجارة، فجاءه سائل، فقال: أعطني درهمين، فإني أنفعك، فأعطاه، فدار السائل على رؤساء البصرة، وقال: بكروا على يزيد بن عطاء، فإنه قد أعتق أبا عوانة. قال: فاجتمعوا إلى يزيد وهنئوه، فأنف من أن ينكر ذلك، فأعتقه حقيقة.
وروى أبو عمر الضرير، عن أبي عوانة، قال: دخلت على همام بن يحيى وهو مريض أعوده، فقال لي: يا أبا عوانة، ادع الله أن لا يميتني حتى يبلغ ولدي الصغار. فقلت: إن الأجل قد فرغ منه، فقال لي: أنت بعد في ضلالك.
قلت: بئس المقال هذا، بل كل شيء بقدر سابق، ولكن وإن كان الأجل قد فرغ منه، فإن الدعاء بطول البقاء قد صح. دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - لخادمه أنس بطول العمر والله يمحو ما يشاء ويثبت. فقد يكون طول العمر في علم الله مشروطا بدعاء مجاب، كما أن طيران العمر قد يكون بأسباب جعلها من جور وعسف، ولا يرد القضاء إلا الدعاء والكتاب الأول، فلا يتغير.
قال محمد بن غالب تمتام: سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو عوانة يقرأ ولا يكتب.
وروى عباس الدوري، عن يحيى قال: كان أبو عوانة أميا يستعين بمن يكتب له.
قال حجاج الأعور: قال لي شعبة: الزم أبا عوانة.
وقال جعفر بن أبي عثمان: سئل يحيى بن معين: من لأهل البصرة مثل زائدة؟ يعني في الكوفة. فقال: أبو عوانة. قال: وزهير كوهيب.
قال عبد الرحمن بن مهدي: أبو عوانة، وهشام الدستوائي كسعيد بن أبي عروبة، وهمام.
وقال يحيى القطان: أبو عوانة من كتابه أحب إلي من شعبة من حفظه.
وروى حنبل، عن ابن المديني، قال: كان أبو عوانة في قتادة ضعيفا، ذهب كتابه، وكان يتحفظ من سعيد، وقد أغرب فيها أحاديث.
قال يعقوب السدوسي: الحافظ أبو عوانة هو أثبتهم في مغيرة، وهو في قتادة ليس بذاك.(أعلام/318)
وقال عبيد الله بن موسى العبسي: قال شعبة لأبي عوانة: كتابك صالح، وحفظك لا يسوى شيئا، مع من طلبت الحديث؟ قال: مع منذر الصيرفي. قال: منذر صنع بك هذا.
قلت: استقر الحال على أن أبا عوانة ثقة. وما قلنا: إنه كحماد بن زيد، بل هو أحب إليهم من إسرائيل، وحماد بن سلمة، وهو أوثق من فليح بن سليمان، وله أوهام تجانب إخراجها الشيخان.
مات في ربيع الأول سنة ست وسبعين ومائة بالبصرة.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا محمد بن عمر، ومحمد بن علي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا أبو الفضل الزهري، حدثنا جعفر الفريابي، حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس، عن أبي موسى: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب. . . وذكر الحديث. وقد سقته في أخبار قتادة.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، بنابلس، ويوسف بن أحمد بن غالية بدمشق، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن البسري، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا العباس بن الوليد النرسي، حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تزالون تسألون حتى يقال لكم: هذا الله خلقنا، فمن خلق الله؟ قال أبو هريرة: إني لجالس يوما، إذ قال لي رجل: هذا الله خلقنا، فمن خلق الله؟ فجعلت أصبعي، في أذني، ثم صرخت: صدق الله ورسوله: الله الواحد الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. هذا حديث حسن غريب.(أعلام/319)
أبو قتادة الأنصاري السلمي (ع)
فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم- شهد أحدا، والحديبية، وله عدة أحاديث. اسمه الحارث بن ربعي، على الصحيح، وقيل: اسمه: النعمان، وقيل: عمرو.
حدث عنه أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار، وعلي بن رباح، وعبد الله بن رباح الأنصاري. وعبد الله بن معبد الزماني، وعمرو بن سليم الزرقي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومعبد بن كعب بن مالك، وابنه عبد الله بن أبي قتادة، ومولاه نافع ; وآخرون.
روى إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع.
الواقدي: حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أمه، عن أبيه، قال: قال أبو قتادة: إني لأغسل رأسي، قد غسلت أحد شقيه، إذ سمعت فرسي جروة تصهل، وتبحث بحافرها. فقلت: هذه حرب قد حضرت.
فقمت، ولم أغسل شق رأسي الآخر، فركبت، وعلي بردة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصيح: الفزع الفزع.
قال: فأدرك المقداد، فسايرته ساعة، ثم تقدمه فرسي، وكان أجود من فرسه. وأخبرني المقداد بقتل مسعدة محرزا - يعني: ابن نضلة - فقلت للمقداد: إما أن أموت، أو أقتل قاتل محرز.
فضرب فرسه، فلحقه أبو قتادة، فوقف له مسعدة، فنزل أبو قتادة فقتله، وجنب فرسه معه.
قال: فلما مر الناس، تلاحقوا، ونظروا إلى بردي، فعرفوها، وقالوا: أبو قتادة قتل! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا، ولكنه قتيل أبي قتادة عليه برده، فخلوا بينه وبين سلبه وفرسه.
قال: فلما أدركني، قال: اللهم بارك له في شعره وبشره، أفلح وجهك! قتلت مسعدة؟ قلت: نعم. قال: فما هذا الذي بوجهك؟ .
قلت: سهم رميت به ; قال: فادن مني. فبصق عليه، فما ضرب علي قط ولا قاح.
فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة ; وكأنه ابن خمس عشرة سنة.(أعلام/320)
قال: وأعطاني فرس مسعدة وسلاحه.
مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير، عن أبي محمد مولى أبي قتادة، عن أبي قتادة، قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عام حنين، فلما التقينا، رأيت رجلا قد علا المسلمين، فاستدرت له من ورائه، فضربته بالسيف على حبل عاتقه، ضربة قطعت منها الدرع، فأقبل علي، وضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أرسلني، ومات. إلى أن قال: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلا له بينة، فله سلبه. فقمت، فقلت: من يشهد لي؟ وقصصت عليه، فقال رجل: صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي. فأرضه منه. فقال أبو بكر: لا ها الله، إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه! فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: صدق فأعطانيه، فبعت الدرع، وابتعت به مخرفا في بني سلمة ; فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام.
قال ابن سعد: كانت سرية أبي قتادة إلى حضرة، وهي بنجد، سنة ثمان، وكان في خمسة عشر رجلا، فغنموا مائتي بعير وألفي شاة، وسبوا سبيا. ثم سرية أبي قتادة إلى بطن إضم بعد شهر.
الدراوردي، عن أسيد بن أبي أسيد، عن أبيه: قلت لأبي قتادة: مالك لا تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كما يحدث عنه الناس؟ فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: من كذب علي فليشهد لجنبه مضجعا من النار. وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك، ويمسح الأرض بيده.
سمعه قتيبة منه.
شعبة، عن أبي مسلمة عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: أخبرني من هو خير مني - أبو قتادة -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية.
ابن سعد: حدثنا أبو الوليد: حدثنا عكرمة بن عمار: حدثني عبد الله بن عبيد بن عمير: أن عمر بعث أبا قتادة، فقتل ملك فارس بيده، وعليه منطقة قيمتها خمسة عشر ألفا، فنفلها إياه عمر.(أعلام/321)
قال خليفة: استعمل علي على مكة أبا قتادة الأنصاري، ثم عزله بقثم بن العباس.
معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل: أن معاوية قدم المدينة، فلقيه أبو قتادة، فقال: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار، فما منعكم؟ قالوا: لم يكن لنا دواب. قال: فأين النواضح؟ . قال أبو قتادة: عقرناها في طلب أبيك يوم بدر ; إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لنا: إنكم ستلقون بعدي أثرة قال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر.
قال: فاصبروا.
وروي، أن عليا كبر على أبي قتادة سبعا. فقال أبو بكر البيهقي: هذا غلط ; فإن أبا قتادة تأخر عن علي.
وقال الواقدي: لم أر بين ولد أبي قتادة وأهل البلد عندنا اختلاف أنه توفي بالمدينة.
قال: وروى أهل الكوفة أنه توفي بها، وأن عليا صلى عليه.
قال يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، والمدائني، وسعيد بن عفير، وابن بكير، وشباب، وابن نمير: مات أبو قتادة سنة أربع وخمسين.
معمر، عن قتادة، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، إذ تأخر عن الراحلة، فدعمته بيدي، حتى استيقظ، فقال: اللهم احفظ أبا قتادة كما حفظني منذ الليلة، ما أرانا إلا قد شققنا عليك.
قال ابن سعد: أبو قتادة بن ربعي بن بلدمة بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة.
قال: وقد اختلف علينا في اسمه: فقال ابن إسحاق: الحارث ; وقال ابن عمارة والواقدي: النعمان. وقيل: عمرو.
وله أولاد، وهم: عبد الله، وعبد الرحمن، وثابت، وعبيد، وأم البنين، وأم أبان.
شهد أحدا والخندق.
أيوب، عن محمد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى أبي قتادة، فقيل: يترجل ; ثم أرسل إليه، فقيل: يترجل ; ثم أرسل إليه، فقيل: يترجل. فقال: احلقوا رأسه.(أعلام/322)
فجاء، فقال: يا رسول الله، دعني هذه المرة، فوالله لأعتبنك فكان أول ما لقي قتل رأس المشركين مسعدة معن القزاز: حدثنا محمد بن عمرو، عن محمد بن سيرين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رأى أبا قتادة يصلي، ويتقي شعره، فأراد أن يجزه، فقال: يا رسول الله، إن تركته، لأرضينك. فتركه. فأغار مسعدة الفزاري على سرح أهل المدينة. فركب أبو قتادة فقتله، وغشاه ببردته.
حماد بن سلمة: أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: من قتل كافرا فله سلبه. فقال أبو قتادة: يا رسول الله، إني ضربت رجلا على حبل عاتقه وعليه درع له، فأجهضت عنه. فقال رجل: أنا أخذتها، فأرضه منها وأعطنيها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت، فسكت. فقال عمر: لا يفيئها الله على أسد من أسده، ويعطيكها. فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقال: صدق عمر.
وروى مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد مولى أبي قتادة: أن أبا قتادة قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- عام حنين. . . الحديث بنحو منه. وفيه: فقال أبو بكر: لا ها الله! إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله، فيعطيك سلبه، فأعطاني الدرع، فبعته. قال: فابتعت به مخرفا ; فإنه لأول مال تأثلته.
الواقدي: حدثنا أسامة بن زيد الليثي، عن الأعرج، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: لما كان يوم حنين، قتلت رجلا، فجاء رجل، فنزع عنه درعه، فخاصمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقضى لي بها، فبعتها بسبع أواقي من حاطب بن أبي بلتعة.
قال قتادة: كان أبو قتادة يلبس الخز.
قال الواقدي: لم أر بين ولد أبي قتادة وأهل بلدنا اختلافا أن أبا قتادة توفي بالمدينة.(أعلام/323)
ابن نمير: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي، قال: صلى علي على أبي قتادة، فكبر عليه سبعا.(أعلام/324)
أبو قرة (س)
المحدث الإمام الحجة، أبو قرة موسى بن طارق الزبيدي، قاضي زبيد.
ارتحل، وكتب عن موسى بن عقبة، وابن جريج، وعدة.
وعنه أحمد بن حنبل، وأبو حمة محمد بن يوسف الزبيدي.
وألف سننا. روى له النسائي وحده، وما علمته إلا ثقة.
قال حمزة السهمي: سألت الدارقطني، قلت: أبو قرة لا يقول: أخبرنا أبدا، يقول: ذكر فلان، أيش العلة فيه؟ فقال: هو سماع له كله، وقد كان أصاب كتبه آفة، فتورع فيه، فكان يقول: ذكر فلان.(أعلام/325)
أبو قلابة (ع)
عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر بن ناتل بن مالك، الإمام، شيخ الإسلام، أبو قلابة الجرمي البصري. وجرم بطن من الحاف بن قضاعة، قدم الشام وانقطع بداريا، ما علمت متى ولد.
حدث عن ثابت بن الضحاك في الكتب كلها، وعن أنس كذلك، ومالك بن الحويرث كذلك، وعن حذيفة في سنن أبي داود - ولم يلحقه - وسمرة بن جندب في سنن النسائي، وعبد الله بن عباس في سنن الترمذي، وعنبسة بن سعيد بن العاص في البخاري ومسلم، وعن زهدم بن مضرب وعمه أبي المهلب الجرمي، وأبي الأشعث الصنعاني، وأبي هريرة في سنن النسائي، ومعاذة العدوية، وزينب بنت أم سلمة، وعائشة الكبرى في مسلم والترمذي والنسائي، ومعاوية في أبي داود والنسائي، وعمرو بن سلمة الجرمي في البخاري وسنن النسائي، والنعمان بن بشير في أبي داود والنسائي وابن ماجه، وقبيصة بن مخارق في أبي داود والنسائي، وعن خلق سواهم. وهو يدلس، وكان من أئمة الهدى.
حدث عنه مولاه أبو رجاء سلمان، ويحيى بن أبي كثير، وثابت البناني، وقتادة، وعمران بن حدير، والمثنى بن سعيد، وغيلان بن جرير، وميمون القناد، وأيوب السختياني، وخالد الحذاء، وعاصم الأحول، وداود بن أبي هند، وحسان بن عطية، وأبو عامر الخزار، وعمرو بن ميمون بن مهران، وخلق سواهم.
قال ابن سعد كان ثقة، كثير الحديث، وكان ديوانه بالشام.
وقال علي بن أبي حملة: قدم علينا مسلم بن يسار دمشق، فقلنا له: يا أبا عبد الله، لو علم الله أن بالعراق من هو أفضل منك، لجاءنا به. فقال: كيف لو رأيتم عبد الله بن زيد أبا قلابة الجرمي! قال: فما ذهبت الأيام والليالي حتى قدم علينا أبو قلابة.
قال القاضي عبد الجبار بن محمد الخولاني في تاريخ داريا مولد أبي قلابة بالبصرة، وقدم الشام فنزل داريا وسكن بها عند ابن عمه بيهس بن صهيب بن عامل بن ناتل.(أعلام/326)
روى أشهب، عن مالك، قال: مات ابن المسيب والقاسم ولم يتركوا كتبا، ومات أبو قلابة فبلغني أنه ترك حمل بغل كتبا.
وروى أيوب، عن مسلم بن يسار، قال: لو كان أبو قلابة من العجم لكان موبذ موبذان - يعني قاضي القضاة.
وروى حماد بن زيد، عن أبي خشينة صاحب الزيادي، قال: ذكر أبو قلابة عند ابن سيرين فقال: ذاك أخي حقا.
وقال ابن عون: ذكر أيوب لمحمد حديث أبي قلابة فقال: أبو قلابة - إن شاء الله - ثقة، رجل صالح، ولكن عمن ذكره أبو قلابة.
قال حماد: سمعت أيوب ذكر أبا قلابة، فقال: كان والله من الفقهاء ذوي الألباب. إني وجدت أعلم الناس بالقضاء أشدهم منه فرارا، وأشدهم منه فرقا، وما أدركت بهذا المصر أعلم بالقضاء من أبي قلابة. لا أدري ما محمد.
ابن علية، عن أيوب، قال: لما مات عبد الرحمن بن أذينة - يعني قاضي البصرة - زمن شريح ذكر أبو قلابة للقضاء، فهرب حتى أتى اليمامة، قال: فلقيته بعد ذلك فقلت له في ذلك، فقال: ما وجدت مثل القاضي العالم إلا مثل رجل وقع في بحر، فما عسى أن يسبح حتى يغرق.
وقال خالد الحذاء: كان أبو قلابة إذا حدثنا بثلاثة أحاديث قال: قد أكثرت.
وقال أحمد بن عبد الله: بصري، تابعي، ثقة. كان يحمل على علي ولم يرو عنه شيئا، ولم يسمع من ثوبان شيئا.
وقال عمرو بن علي: لم يسمع قتادة من أبي قلابة.
وقال علي بن المديني: أبو قلابة عربي من جرم، مات بالشام، وأدرك خلافة عمر بن عبد العزيز، ثم توفي سنة أربع ومائة.
أبو رجاء، عن مولاه أبي قلابة، قال: كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز فذكروا القسامة فحدثته عن أنس بقصة العرنيين. قال: فقال عمر: لن تزالوا بخير ما دام فيكم هذا أو مثل هذا.
قال ابن المديني: روى أبو قلابة عن سمرة وسمع منه، وروى عن هشام بن عامر ولم يسمع منه.
قلت: قد روى عن عمر بن الخطاب ولم يدركه، فكان يرسل كثيرا.(أعلام/327)
قال أيوب السختياني: رآني أبو قلابة وقد اشتريت تمرا رديئا، فقال: أما علمت أن الله قد نزع من كل رديء بركته. .
وقال أبو قلابة: ليس شيء أطيب من الروح، ما انتزع من شيء إلا أنتن.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أنبأنا ابن خليل، حدثنا اللبان، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال: قال أبو قلابة: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تحادثوهم ; فإني لا آمن أن يغمروكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون.
وعن أيوب، عن أبي قلابة، قال: إذا حدثت الرجل بالسنة، فقال: دعنا من هذا، وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال.
قلت أنا: وإذا رأيت المتكلم المبتدع يقول: دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد، وهات " العقل " فاعلم أنه أبو جهل ; وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول: دعنا من النقل ومن العقل، وهات الذوق والوجد، فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر، أو قد حل فيه، فإن جبنت منه فاهرب، وإلا فاصرعه وابرك على صدره، واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا الفتح بن عبد السلام، أنبأنا محمد بن عمر القاضي، أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة، أنبأنا عبيد الله بن عبد الرحمن، أنبأنا جعفر الفريابي، حدثنا عبيد الله القواريري، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال: دخل عمر بن عبد العزيز على أبي قلابة يعوده فقال له: يا أبا قلابة، تشدد لا يشمت بنا المنافقون.
روى الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر، قال: قيل لعبد الملك بن مروان: هذا أبو قلابة. قال: ما أقدمه؟ قالوا: متعوذا من الحجاج أراده على القضاء، فكتب إلى الحجاج بالوصاة به. فقال أبو قلابة: لن أخرج من الشام.
قال أبو حاتم لا يعرف لأبي قلابة تدليس.(أعلام/328)
قلت: معنى هذا أنه إذا روى شيئا عن عمر أو أبي هريرة مثلا مرسلا لا يدري من الذي حدثه به، بخلاف تدليس الحسن البصري ; فإنه كان يأخذ عن كل ضرب، ثم يسقطهم كعلي بن زيد تلميذه.
ويروى أن أبا قلابة عطش وهو صائم فأكرمه الله لما دعا، بأن أظلته سحابة وأمطرت على جسده، فذهب عطشه.
قال سلمة بن واصل: مات أبو قلابة - رحمه الله - بالشام، فأوصى بكتبه لأيوب السختياني، فحملت إليه.
وقال أيوب: فلما جاءتني الكتب أخبرت ابن سيرين، وقلت له: أحدث منها؟ قال: نعم، ثم قال: لا آمرك ولا أنهاك.
وقيل: إن أيوب وزن كراء حملها بضعة عشر درهما. فقال حماد بن زيد: جيء بها في عدل راحلة.
وقد أخبرني عبد المؤمن - شيخنا - أن أبا قلابة ممن ابتلي في بدنه ودينه، أريد على القضاء، فهرب إلى الشام، فمات بعريش مصر سنة أربع وقد ذهبت يداه ورجلاه، وبصره، وهو مع ذلك حامد شاكر.
وكذا أرخ موته شباب وأبو عبيد، وقال الواقدي: سنة أربع أو خمس ومائة.
وقال يحيى بن معين: مات سنة ست أو سبع ومائة. وقال الهيثم بن عدي: مات سنة سبع.
أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه في كتابه، أنبأنا عبد القادر الحافظ، أنبأنا نصر بن سيار، أنبأنا محمود الأزدي، أنبأنا عبد الجبار الجراحي، أنبأنا أبو العباس المحبوبي، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة، عن أنس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ; ألا وإن لكل أمة أمينا، ألا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " هذا حديث حسن صحيح.(أعلام/329)
وبه في سنن الترمذي حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن داود العطار، عن معمر، عن قتادة، عن أنس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ".
هذا حديث غريب، قلت: سفيان ليس بحجة.(أعلام/330)
أبو كريب (ع)
محمد بن العلاء بن كريب الحافظ الثقة الإمام، شيخ المحدثين، أبو كريب الهمداني الكوفي. ولد سنة إحدى وستين ومائة.
وحدث عن: أبي بكر بن عياش، وهشيم، ويحيى بن أبي زائدة، وابن المبارك، وعبد الرحيم بن سليمان، وعمر بن عبيد، وأبى خالد الأحمر، وأبي معاوية، وابن علية، وسفيان بن عيينة، وحفص بن غياث، وابن إدريس، وعبدة بن سليمان، وعبيد الله الأشجعي، وعبد الله بن الأجلح، وحكام بن سلم، وشعيب بن إسحاق، وزيد بن الحباب، ومحمد بن أبي عبيدة بن معن، ويحيى بن يمان، ومعتمر بن سليمان، وخلق كثير. وينزل إلى طلق بن غنام، وخالد بن مخلد القطواني. وصنف وجمع وارتحل.
وعنه: الجماعة الستة، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو زرعة، وأبو حاتم. وابن أبي الدنيا، وعثمان بن خرزاذ، وموسى بن إسحاق، وعبد الله بن أحمد، وعبد الرحمن بن خراش، وزكريا خياط السنة، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي، وقد أخرج النسائي أيضا عن هذين عنه، ومطين، وجعفر الفريابي، وأبو يعلى، وإبراهيم بن معقل، وأحمد بن إسحاق بن بهلول، وأحمد بن يحيى التستري، وإسحاق بن إبراهيم البشتي، وبدر بن الهيثم، وجعفر بن أحمد بن سنان، وحمدان بن عارم البخاري، والحسن بن سفيان، وأبو عروبة، وعبد الله بن زيدان البجلي، وابن ناجية، والقاسم المطرز، وابن خزيمة، والسراج، ومحمد بن هارون الروياني، وعلي بن محمد بن هارون الحميري، ومحمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، وأمم سواهم.
قال حجاج بن الشاعر: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: لو حدثت عمن أجاب في المحنة، لحدثت عن اثنين: أبو معمر، وأبو كريب ; أما أبو معمر، فلم يزل بعدما أجاب يذم نفسه على إجابته وامتحانه، ويحسن أمر من لم يجب. وأما أبو كريب، فأجري عليه ديناران، وهو محتاج، فتركهما لما علم أنه أجري عليه لذلك.(أعلام/331)
قال الحسن بن سفيان: قال محمد بن عبد الله بن نمير: ما بالعراق أكثر حديثا من أبي كريب، ولا أعرف بحديث بلدنا منه.
وثقه النسائي وغيره.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف: ما رأيت من المشايخ بعد إسحاق أحفظ من أبي كريب.
وقال موسى بن إسحاق: سمعت من أبي كريب مائة ألف حديث.
وقال إبراهيم بن أبي طالب: قال لي محمد بن يحيى الذهلي: من أحفظ من رأيت بالعراق؟ قلت: لم أر بعد أحمد بن حنبل أحفظ من أبي كريب.
قال الحافظ أبو علي النيسابوري: سمعت ابن عقدة يقدم أبا كريب في الحفظ والكثرة على جميع مشايخهم، ويقول: ظهر لأبي كريب بالكوفة ثلاث مائة ألف حديث.
وقال محمد بن حامد بن إدريس البخاري، عن صالح بن محمد جزرة: غلبت اليبوسة مرة على رأس أبي كريب، فجيء بالطبيب، فقال: ينبغي أن يغلف رأسه بالفالوذج. قال: ففعلوا. قال: فتناوله من رأسه، ووضعه في فيه، وقال: بطني أحوج إليه من رأسي.
قلت: بلغ في رحلته إلى دمشق، فعنه قال: أتيت يحيى بن حمزة، فوجدت عليه سواد القضاء فلم أسمع منه، وكنت سافرت أريد إفريقية.
قال مطين: أوصى أبو كريب بكتبه أن تدفن فدفنت.
قلت: فعل هذا بكتبه من الدفن والغسل والإحراق عدة من الحفاظ خوفا من أن يظفر بها محدث قليل الدين، فيغير فيها، ويزيد فيها، فينسب ذلك إلى الحافظ، أو أن أصوله كان فيها مقاطيع وواهيات ما حدث بها أبدا، وإنما انتخب من أصوله ما رواه، وما بقي، فرغب عنه، وما وجدوا لذلك سوى الإعدام. فلهذا ونحوه دفن، رحمه الله، كتبه.
قال البخاري وغيره: مات أبو كريب في يوم الثلاثاء لأربع بقين من جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين ومائتين.
وقال مطين: مات لثلاث بقين من جمادى الأولى ومن قال: مات سنة سبع، فقد أخطأ. وعاش سبعا وثمانين سنة.(أعلام/332)
أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا هبة الله بن أبي شريك، أخبرنا أبو الحسين بن النقور، أخبرنا عيسى بن علي، قال: قرئ على القاضي أبي القاسم بدر بن الهيثم، وأنا أسمع، قيل له: حدثكم محمد بن العلاء بن كريب، حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن في الجنة سوقا ما فيها بيع ولا شراء، إلا الصور من الرجال والنساء، فإذا اشتهى رجل صورة، دخل فيها. وإن فيها لمجمع الحور العين، يرفعن أصواتا لم تسمع الخلائق مثلها: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الراضيات فلا نسخط، ونحن الناعمات فلا نبؤس ; فطوبى لمن كان لنا وكنا له.
قال لنا القاضي أبو القاسم: هذا الحديث رفعه أبو معاوية، ووقفه ابن فضيل.
حدثنا القاضي أبو القاسم، حدثنا علي بن المنذر، حدثنا ابن فضيل، حدثنا عبد الرحمن، عن النعمان بن سعد، عن علي، قال: إن في الجنة لسوقا ما فيها بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء. من اشتهى صورة، دخل فيها. أخرجه الترمذي وحده عن الثقة، عن أبي معاوية، جعله حديثين.
قرأت على أحمد بن هبة الله بن أحمد، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا تميم الجرجاني، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو عمر بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى، حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره، قال: بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا أخرجه مسلم عن أبي كريب. فوافقناه.(أعلام/333)
أبو مالك الأشجعي (م، 4)
سعد بن طارق، بن أشيم. كوفي صدوق.
روى عن أبيه، وعبد الله بن أبي أوفى، وأنس بن مالك، وموسى بن طلحة، وأبي حازم الأشجعي، وربعي بن حراش.
وعنه: الثوري، وأبو عوانة، وحفص بن غياث، وخلف بن خليفة، وأبو معاوية، ويزيد بن هارون وعبيدة بن حميد، وعدة.
قال النسائي: ليس به بأس، وقال أحمد ويحيى: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، يكتب حديثه. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه في القنوت.(أعلام/334)
أبو محذورة الجمحي (م، 4)
مؤذن المسجد الحرام، وصاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أوس بن معير بن لوذان بن ربيعة بن سعد بن جمح. وقيل: اسمه سمير بن عمير بن لوذان بن وهب بن سعد بن جمح. وأمه خزاعية.
حدث عنه ابنه عبد الملك وزوجته، والأسود بن يزيد، وعبد الله بن محيريز، وابن أبي مليكة، وآخرون.
كان من أندى الناس صوتا وأطيبه.
قال ابن جريج: أخبرني عثمان بن السائب، عن أم عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبي محذورة، قال: لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من حنين، خرجت عاشر عشرة من مكة نطلبهم، فسمعتهم يؤذنون للصلاة، فقمنا نؤذن نستهزئ. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لقد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت، فأرسل إلينا، فأذنا رجلا رجلا، فكنت آخرهم، فقال حين أذنت: تعال، فأجلسني بين يديه، فمسح على ناصيتي، وبارك علي ثلاث مرات، ثم قال: اذهب فأذن عند البيت الحرام، قلت: كيف يا رسول الله؟ فعلمني الأولى كما يؤذنون بها، وفي الصبح الصلاة خير من النوم وعلمني الإقامة مرتين مرتين الحديث.
ابن جريج: أنبأنا عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، أن عبد الله بن محيريز أخبره - وكان يتيما في حجر أبي محذورة - حين جهزه إلى الشام ; فعلمه الأذان.
قال الواقدي: كان أبو محذورة، يؤذن بمكة إلى أن توفي سنة تسع وخمسين فبقي الأذان في ولده وولد ولده إلى اليوم بمكة.
وأنشد مصعب بن عبد الله لبعضهم: أما ورب الكعبة المستوره وما تلا محمد من سوره والنغمات من أبي محذوره لأفعلن فعلة منكوره(أعلام/335)
حاتم بن أبي صغيرة، عن ابن أبي مليكة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى أبا محذورة الأذان، فقدم عمر، فنزل دار الندوة، فأذن، وأتى يسلم، فقال عمر: ما أندى صوتك! أما تخشى أن ينشق مريطاؤك من شدة صوتك؟ قال: يا أمير المؤمنين، قدمت، فأحببت أن أسمعك صوتي قال: يا أبا محذورة إنك بأرض شديدة الحر، فأبرد عن الصلاة ثم أبرد عنها، ثم أذن ثم أقم، تجدني عندك.
أبو حذيفة النهدي: حدثنا أيوب بن ثابت، عن صفية بنت بحرة أن أبا محذورة كانت له قصة في مقدم رأسه، فإذا قعد أرسلها، فتبلغ الأرض.
قال ابن جريج: سمعت أصحابنا يقولون، عن ابن أبي مليكة، قال: أذن مؤذن معاوية، فاحتمله أبو محذورة، فألقاه في زمزم.(أعلام/336)
أبو مسعود
الحافظ المجود البارع أبو مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد، الدمشقي، مصنف كتاب " أطراف الصحيحين " وأحد من برز في هذا الشأن.
سمع أبا الحسن بن لؤلؤ الوراق، وعبد الله بن محمد بن السقا الواسطي، وأبا بكر عبد الله بن فورك القباب الأصبهاني، وعلي بن عبد الرحمن البكائي، وأبا بكر أحمد بن عبدان الشيرازي، وأصحاب مطين، وأصحاب أبي خليفة الجمحي، والفريابي.
وجمع فأوعى، ولكنه مات في الكهولة قبل أن ينفق ما عنده.
حدث عنه: أبو ذر الهروي، وحمزة بن يوسف السهمي، وأحمد بن محمد العتيقي، وهبة الله بن الحسن اللالكائي، وآخرون.
قال أبو بكر الخطيب سافر الكثير، وكتب ببغداد والبصرة والأهواز وواسط وخراسان وأصبهان، وكان له عناية " بالصحيحين "، روى القليل على سبيل المذاكرة.
قال وكان صدوقا دينا، ورعا فهما، صلى عليه الإمام أبو حامد الإسفراييني ببغداد وكان وصيه، حدثني العتيقي أنه مات سنة إحدى وأربعمائة.
قلت: ذكر غيره أنه مات في شهر رجب سنة أربعمائة.
وقفت على جزء فيه أحاديث معللة لأبي مسعود يقضي بإمامته.
كتب إلي المسلم بن محمد القيسي، ومؤمل بن محمد، ويوسف بن يعقوب قالوا: أخبرنا الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا هبة الله بن الحسن الطبري، أخبرنا إبراهيم بن محمد الحافظ، أخبرنا عبد الله بن محمد المزني، حدثنا الوليد بن أبان الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة، أخبرنا عبد الله بن عمر الفهري، عن عبد الله بن عمر، عن أخيه يحيى قال: حدثني أخي عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أتى وادي محسر، حرك راحلته، وقال: عليكم بحصى الخذف.
وبه قال الخطيب وحدثنا أبو العلاء الواسطي قال: حدثنا به المزني، وقال فيه: عبد الله بن عمرو الفهري.(أعلام/337)
أنبأني أحمد بن سلامة: عن يحيى بن أسعد، عن أحمد بن عبد الجبار الصيرفي قال: كتب إلي أحمد بن محمد العتيقي: حدثنا أبو مسعود الحافظ، حدثني أبو بكر أحمد بن عبد الله بن القاسم بنهر الدير، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم [بن] حمويه بالبصرة حدثنا أبو الوليد، حدثنا يعلى بن الحارث المحاربي، حدثنا إياس بن سلمة قال: قال أبي: كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة، وليس للحيطان فيء نستظل به.
رواه مسلم عن إسحاق بن راهويه عن أبي الوليد، وتابعه وكيع بن الجراح.(أعلام/338)
أبو مسعود البدري (ع)
ولم يشهد بدرا على الصحيح وإنما نزل ماء ببدر، فشهر بذلك.
وكان ممن شهد بيعة العقبة. وكان شابا من أقران جابر في السن.
روى أحاديث كثيرة. وهو معدود في علماء الصحابة. نزل الكوفة.
واسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة، الأنصاري.
وقيل: يسيرة بن عسيرة - بضمهما - بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج.
حدث عنه ولده بشير، وأوس بن ضمعج، وعلقمة، وأبو وائل، وقيس بن أبي حازم، وربعي بن حراش، وعبد الرحمن بن يزيد، وعمرو بن ميمون، والشعبي ; وعدة.
قال الواقدي: شهد العقبة، ولم يشهد بدرا.
وقال الدارقطني: جده نسيرة، بنون، فخولف.
وقال موسى بن عقبة: إنما نزل بموضع يقال له: بدر.
وروى شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: لم يكن بدريا، وقال الحكم: كان بدريا.
وروى شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني سليمان، عمن لا يتهم: أنه سمع أبا مسعود الأنصاري، وكان قد شهد بدرا.
وقال حبيب، عن ابن سيرين: قال عمر، لأبي مسعود: نبئت أنك تفتي الناس، ولست بأمير. فول حارها من تولى قارها. يدل على أن مذهب عمر أن يمنع الإمام من أفتى بلا إذن.
وقال خليفة: استعمل علي - لما حارب معاوية - على الكوفة أبا مسعود.
وكذا نقل مجالد، عن الشعبي، قال: فكان يقول: ما أود أن تظهر إحدى الطائفتين على الأخرى. قيل: فمه. قال: يكون بينهم صلح.
فلما قدم علي، أخبر بقوله: فقال: اعتزل عملنا. قال: وممه. قال: إنا وجدناك لا تعقل عقله. قال: أما أنا، فقد بقي من عقلي أن الآخر شر.
حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، قال أبو مسعود: كنت رجلا عزيز النفس، حمي الأنف، لا يستقل مني أحد شيئا، سلطان ولا غيره ; فأصبح أمرائي يخيرونني بين أن أقيم على ما أرغم أنفي وقبح وجهي ; وبين أن آخذ سيفي، فأضرب، فأدخل النار.(أعلام/339)
وقال بشير بن عمرو: قلنا لأبي مسعود: أوصنا. قال: عليكم بالجماعة فإن الله لن يجمع الأمة على ضلالة ; حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر.
قال خليفة: مات أبو مسعود قبل الأربعين. وقال ابن قانع: سنة تسع وثلاثين وقال المدائني وغيره: سنة أربعين وقيل: له وفادة على معاوية.
وعن خيثمة بن عبد الرحمن، قال: لما خرج علي، استخلف أبا مسعود على الكوفة، وتخبأ رجال لم يخرجوا مع علي ; فقال أبو مسعود على المنبر: أيها الناس، من كان تخبأ، فليظهر ; فلعمري لئن كان إلى الكثرة ; إن أصحابنا لكثير، وما نعده قبحا أن يلتقي هذان الجبلان غدا من المسلمين، فيقتل هؤلاء هؤلاء ; وهؤلاء هؤلاء. حتى إذا لم يبق إلا رجرجة من هؤلاء وهؤلاء ; ظهرت إحدى الطائفتين. ولكن نعد قبحا أن يأتي الله بأمر من عنده، يحقن به دماءهم، ويصلح به ذات بينهم.
قال يحيى القطان: مات أبو مسعود أيام قتل علي بالكوفة.
وقال الواقدي: مات بالمدينة في خلافة معاوية. .(أعلام/340)
أبو مصعب (ع)
الإمام الثقة، شيخ دار الهجرة، أبو مصعب، أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني الفقيه قاضي المدينة.
ولد سنة خمسين ومائة ولازم مالك بن أنس، وتفقه به، وسمع منه " الموطأ " وأتقنه عنه.
وسمع من: العطاف بن خالد، ويوسف بن الماجشون، ومسلم بن خالد الزنجي، وحسين بن زيد بن علي، وابن أبي حازم، ومحرز بن هارون، وإبراهيم بن سعد، ومحمد بن إبراهيم بن دينار، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وطبقتهم.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وروى النسائي عن رجل عنه، وروى عنه إسماعيل القاضي، وبقي بن مخلد، ويعقوب بن سفيان، وأبو زرعة الرازي، ومطين، ومحمد بن المعافي الصيداوي، وأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، وخلق كثير.
قال الزبير بن بكار: هو فقيه أهل المدينة غير مدافع.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الصيداوي: أتى قوم أبا مصعب الزهري، فقالوا: إن قبلنا ببغداد رجلا، يقول: لفظه بالقرآن مخلوق. فقال: هذا كلام خبيث نبطي.
وقال الزبير بن بكار: كان أبو مصعب على شرطة عبيد الله بن الحسن بن عبد الله الهاشمي عامل المأمون على المدينة، وولي القضاء. قال: وقال أبو زرعة، وأبو حاتم: صدوق.
قلت: احتج به أصحاب الصحاح.
وقال أحمد بن أبي خيثمة في " تاريخه ": خرجنا في سنة تسع عشرة ومائتين إلى مكة، فقلت لأبي: عمن أكتب؟ فقال: لا تكتب عن أبي مصعب، واكتب عمن شئت.
قلت: أظنه نهاه عنه لدخوله في القضاء والمظالم، وإلا فهو ثقة، نادر الغلط، كبير الشأن.(أعلام/341)
قال أبو محمد بن حزم: آخر شيء روي عن مالك من " الموطآت ": موطأ أبي مصعب، وموطأ أحمد بن إسماعيل السهمي، وفي هذين الموطأين نحو من مائة حديث زائدة. وهما آخر ما روي عن مالك. وفي ذلك دليل على أنه كان يزيد في الموطأ أحاديث كل وقت، كان أغفلها، ثم أثبتها وهكذا يكون العلماء رحمهم الله.
قال ابن عبد البر: مات أبو مصعب سنة إحدى وأربعين ومائتين. كذا قال.
وقال الزبير بن بكار: مات في شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين ومائتين. وهو على القضاء، وله اثنتان وتسعون سنة.
قال أبو الحسن الدارقطني: أبو مصعب ثقة في " الموطأ "، وقدمه على يحيى بن بكير.
قال أبو إسحاق في " طبقاته ": كان أبو مصعب من أعلم أهل المدينة. روي أنه قال: يا أهل المدينة، لا تزالون ظاهرين على أهل العراق ما دمت لكم حيا.
قلت: سمعت موطأه من أبي الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء، في سنة خمس وتسعين وستمائة سوى ذاك الفوت القديم، وهو المساقاة والقراض بإجازته عن المؤيد الطوسي، قال: أخبرنا هبة الله بن سهل السيدي، أخبرنا أبو عثمان البحيري، أخبرنا زاهر بن أحمد السرخسي، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب الزهري، عن مالك.(أعلام/342)
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا محمد بن أبي القاسم المفسر، ومحمد بن إبراهيم المغازلي، وعمر بن بركة، والأنجب بن أبي السعادات، وسعيد بن ياسين، وصفية بنت أبي طاهر (ح) وأخبرنا سنقر بن عبد الله الزيني بحلب، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، وعبد اللطيف بن محمد، والأنجب بن أبي السعادات، وعلي بن أبي الفخار، ومحمد بن محمد بن السباك، وغيرهم (ح) أخبرنا إسماعيل بن الفراء أيضا، وأحمد بن مؤمن، ومحمد بن علي، ومحمد بن يعقوب الأسدي، وابن عمه أيوب بن أبي بكر، وعبد الكريم بن محمد بن محمد، وبيبرس المجدي، قالوا: أخبرنا إبراهيم بن عثمان الكاشغري قالوا كلهم: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي، زاد الكاشغري، فقال: وأخبرنا علي بن عبد الرحمن الطوسي (ح) ، وأخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا محمد بن عمر الحربي، عن محمد بن ناصر الحافظ (ح) ، وأخبرنا أبو المعالي، أخبرنا أبو الوقت محاسن إجازة، إن لم يكن سماعا، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن الزعفراني، قالوا أربعتهم: أخبرنا مالك بن أحمد الفراء، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن المجبر، حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد إملاء، حدثنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية متفق عليه.
أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك.(أعلام/343)
ورواه البخاري أيضا عن مسدد، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن عمر، ومسلم عن ابن نمير، عن أبيه، عن عبيد الله، وعن حرملة، عن ابن وهب، عن يونس، وعن عبد بن حميد عن عبد الرزاق، عن معمر جميعا عن ابن شهاب.
ورواه النسائي في تصنيفه لحديث مالك، فقال: حدثنا زكريا السجزي، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، وهو ابن أبي شيبة، عن سعيد بن محبوب، عن عبثر بن القاسم، عن سفيان الثوري، عن الإمام مالك، فكأن مشايخي سمعوه من النسائي. وقد سمى أبو القاسم في " النبل " والد أبي مصعب زرارة، والصحيح أن اسمه كنيته بدليل ما أخبرني أحمد بن عساكر، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر، أنبأنا محمد، أخبرنا أبو أحمد الحاكم، أخبرنا محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي، حدثنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، وسألناه عن اسم أبيه، فقال: لا يعرف له اسم.(أعلام/344)
أبو معشر (4)
الإمام المحدث، صاحب المغازي نجيح بن عبد الرحمن السندي، ثم المدني، مولى بني هاشم، كان مكاتبا لامرأة مخزومية، فأدى، فعتق، فاشترت بنت المنصور ولاءه، وهذا لا يجوز، وقيل: بل اشترته وأعتقته ويقال: أصله حميري.
رأى أبا أمامة بن سهل بن حنيف، المتوفى سنة مائة وحدث عن: محمد بن كعب، وسعيد المقبري، ونافع العمري، وموسى بن يسار، وابن المنكدر، وأبي وهب مولى أبي هريرة، ومحمد بن قيس القاص، ومحمد بن عمرو، وهشام بن عروة، وعدة. وقيل: إنه روى عن سعيد بن المسيب، وفيه بعد، لعله سعيد المقبري، على أن ذلك في " جامع الترمذي ".
حدث عنه: ابنه محمد بن أبي معشر بالمغازي له، فكان خاتمة من روى عنه، والليث بن سعد ; وهشيم، وسفيان الثوري -مع تقدمه- ووكيع، ويزيد، ومحمد بن سواء، وعبد الرحمن بن مهدي، وأنس بن عياض الليثي، وأبو النضر، وهوذة، وعبد الرزاق، ومحمد بن بكار بن الريان، وعاصم بن علي، وسعيد بن منصور، وأبو نعيم، وأبو الوليد، وأبو الربيع الزهراني، وإسحاق بن الطباع، ومحمد بن جعفر الوركاني، وجبارة بن المغلس، ومنصور بن أبي مزاحم، وخلق كثير.
قال هشيم: ما رأيت مدنيا أكيس من أبي معشر. وروى أبو زرعة النصري، عن أبي نعيم، قال: كان أبو معشر كيسا حافظا. وقال يزيد بن هارون: ثبت حديث أبي معشر، وذهب حديث أبي جزء نصر.
وقال يزيد: سمعت أبا جزء بن طريف يقول: أبو معشر أكذب من في السماء والأرض. قلت في نفسي: هذا علمك بالأرض، فكيف علمك بالسماء؟ فوضع الله أبا جزء، ورفع أبا معشر. وقال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد. لا يحدث عن أبي معشر، ويضعفه، ويضحك إذا ذكره، وكان عبد الرحمن يحدث عنه. وقال عبيد الله بن فضالة: سمعت ابن مهدى يقول: أبو معشر، تعرف وتنكر وقال أحمد: حديثه عندي مضطرب لا يقيم الإسناد ولكن أكتب حديثه، أعتبر به(أعلام/345)
وروى أحمد بن أبي يحيى، عن أحمد بن حنبل، قال: يكتب من حديث أبي معشر أحاديثه عن محمد بن كعب، في التفسير.
وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عنه، فقال: صدوق، لكنه لا يقيم الإسناد، فسألت ابن معين عنه، فقال: ليس بقوي. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كان أحمد بن حنبل يرضاه، ويقول: كان بصيرا بالمغازي.
وقال أبو حاتم: كنت أهاب أحاديثه، حتى رأيت أحمد بن حنبل يحدث عن رجل، عنه أحاديث، فتوسعت بعد في كتابة حديثه وحدثني أبو نعيم عنه بحديث، رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عنه ثم قال أبو حاتم: هو صالح، لين الحديث.
وروى أحمد بن أبي مريم، عن ابن معين، قال: هو ضعيف، يكتب من حديثه الرقاق، كان رجلا أميا، يتقى أن يروى من حديثه المسند وروى أحمد بن زهير، عن يحيى، قال: أبو معشر ريح، أبو معشر ليس بشيء وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو داود والنسائي: ضعيف. وقال الترمذي: قد تكلم بعض أهل العلم في أبي معشر، من قبل حفظه. قال محمد: لا أروي عنه شيئا. وقال أبو زرعة: صدوق في الحديث، ليس بالقوي.
وروى محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن ابن المديني: شيخ ضعيف ضعيف وكان يحدث عن محمد بن قيس، ويحدث عن محمد بن كعب بأحاديث صالحة، وكان يحدث عن نافع والمقبري بأحاديث منكرة. وقال الفلاس: ضعيف، فما روى عن محمد بن قيس، ومحمد بن كعب، ومشايخه، فهو صالح، وما روى عن المقبري، ونافع، وهشام بن عروة، وابن المنكدر، رديئة لا تكتب.(أعلام/346)
وروى أحمد بن أبي خيثمة، عن محمد بن بكار بن الريان، قال: كان أبو معشر تغير قبل موته تغيرا شديدا، حتى كان يخرج منه الريح، ولا يشعر بها. يحيى بن بكير: عن أبي معشر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا أعرفن أحدكم متكئا، يأتيه الحديث، من حديثي فيقول: اتل علي قرآنا، ما أتاكم من خير عني، قلته، أو لم أقله، فأنا أقوله، وما أتاكم من شر فإني لا أقول الشر هذا منكر بمرة. وله شاهد رواه يحيى بن آدم، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري. قال ابن عدي: حدث عنه الثوري، والليث، ومع ضعفه يكتب حديثه.
قال أبو مسهر: كان أبو معشر أسود. وروى داود بن محمد بن أبي معشر: حدثني أبي أن أباه كان أصله من اليمن، سبي في وقعة يزيد بن المهلب باليمامة والبحرين، وكان أبيض.
وقال الحسين بن محمد بن أبي معشر: حدثني أبي، قال: كان اسم أبي معشر قبل أن يسرق: عبد الرحمن بن الوليد بن هلال، وبيع بالمدينة، فاشتراه قوم من بني أسد، فسموه نجيحا، فاشتري لأم موسى بن المهدي، فأعتقته، فصار ميراثه لبني هاشم، وعقله على حمير، قال وكان أبو معشر يذكر أنه من ولد حنظلة بن مالك، وأخبرني أبي، أنه كان ينتسب حتى يبلغ آدم، وقال لي: ولاؤنا في بني هاشم أحب إلي من نسبي في بني حنظلة.
الفضل بن هارون البغدادي: سمعت محمد بن أبي معشر يقول: كان أبي سنديا أخرم خياطا. قال: وكيف حفظ المغازي؟ قال: كان التابعون يجلسون إلى أستاذه، فكانوا يتذاكرون المغازي، فحفظ.
وروى داود بن محمد بن أبي معشر، عن أبيه قال: أشخص المهدي أبا معشر معه من المدينة إلى العراق، وأمر له بألف دينار، وذلك سنة ستين ومائة، وقال: تكون بحضرتنا، فتفقه من حولنا. وقال محمد بن سعد: كان مكاتبا لامرأة من بني مخزوم، فأدى وعتق، فاشترت أم موسى بنت منصور ولاءه.(أعلام/347)
مات ببغداد سنة سبعين ومائة وقال داود بن محمد، عن أبيه: توفي أبو معشر سنة سبعين وكان أزرق سمينا أبيض. وأرخه فيها محمد بن بكار، في رمضانها.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى التميمي، حدثنا بشر بن الوليد، حدثنا أبو معشر المدني، عن سعيد المقبري، وموسى بن سعد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تقوم الساعة، حتى يكثر الهرج قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل. ثلاث مرات.(أعلام/348)
أبو موسى (ع)
محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس بن دينار، الإمام الحافظ الثبت أبو موسى، العنزي البصري الزمن.
ولد مع بندار في عام وفاة حماد بن سلمة.
وحدث عن: عبد العزيز بن عبد الصمد العمي. وسفيان بن عيينة، ومعتمر بن سليمان، وحفص بن غياث، وابن إدريس، ومرحوم بن عبد العزيز، وأبي معاوية، والوليد بن مسلم، وغندر، ويحيى القطان، ويزيد ابن زريع، ومعاذ بن معاذ، ومحمد بن أبي عدي، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وخلق كثير. وينزل إلى عفان، وأبي الوليد، لا بل ينزل إلى تلميذه أبي جعفر أحمد بن سعيد الدارمي. جمع وصنف، وكتب الكثير.
روى عنه: الجماعة ستتهم، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وبقي، وابن أبي الدنيا، وجعفر الفريابي، وأبو يعلى، وأبو بكر بن أبي داود، وابن خزيمة، وابن صاعد، ومحمد بن هارون الروياني، وقاسم المطرز، وأبو عروبة، وزكريا الساجي، وأبو عبد الله المحاملي، وخلق كثير.
قال محمد بن يحيى الذهلي: حجة.
وقال صالح جزرة: صدوق اللهجة، في عقله شيء، وكنت أقدمه على بندار.
وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث.
وقال أبو عروبة: ما رأيت بالبصرة أثبت من أبي موسى، ويحيى بن حكيم.
وقال النسائي: كان لا بأس به، كان يغير في كتابه.
وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ; أخبرنا محمد بن المثنى، وكان من الأثبات.
وقال ابن حبان: كان صاحب كتاب، لا يقرأ إلا من كتابه.
وقال الخطيب: كان صدوقا ورعا.
وقال في موضع آخر: كان ثقة ثبتا، احتج به سائر الأئمة. ويروي أن أبا موسى مزح مرة، فقال: نحن قوم لنا شرف، صلى إلينا النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال إبراهيم بن محمد الكندي وغيره: مات أبو موسى في ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين ومائتين.(أعلام/349)
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق غير مرة، أخبرنا أبو المحاسن محمد بن هبة الله بن أبي حامد عبد العزيز الدينوري ببغداد، أخبرنا عمي أبو بكر محمد بن أبي حامد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، أخبرنا عاصم بن الحسن سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، أخبرنا أبو عمر بن مهدي الفارسي، حدثنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل، حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، حدثنا ابن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاء إلى مكة، دخلها من أعلاها، وخرج من أسفلها. أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي. خمستهم عن أبي موسى العنزي، فوافقناهم بعلو.
قال أبو أحمد بن الناصح: سمعت محمد بن حامد بن السري، وقلت له: لم لا تقول في محمد بن المثنى إذا ذكرته: الزمن، كما يقول الشيوخ؟ فقال: لم أره زمنا، رأيته يمشي، فسألته فقال: كنت في ليلة شديدة البرد، فجثوت على يدي ورجلي، فتوضأت، وصليت ركعتين، وسألت الله، فقمت أمشي. قال: فرأيته يمشي، ولم أره زمنا. حكاية صحيحة، رواها السلفي عن الرازي، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد الفارسي، حدثنا ابن الناصح.(أعلام/350)
أبو موسى الأشعري (ع)
عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب، الإمام الكبير صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أبو موسى الأشعري التميمي الفقيه المقرئ.
حدث عنه: بريدة بن الحصيب، وأبو أمامة الباهلي، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وسعيد بن المسيب، والأسود بن يزيد، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وزيد بن وهب، وأبو عثمان النهدي، وأبو عبد الرحمن النهدي، ومرذة الطيب، وربعي بن حراش، وزهدم بن مضرب، وخلق سواهم.
وهو معدود فيمن قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم-. أقرأ أهل البصرة، وفقههم في الدين. قرأ عليه حطان بن عبد الله الرقاشي، وأبو رجاء العطاردي.
ففي " الصحيحين "، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما.
وقد استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم- ومعاذا على زبيد، وعدن. وولي إمرة الكوفة لعمر، وإمرة البصرة. وقدم ليالي فتح خيبر، وغزا، وجاهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم- وحمل عنه علما كثيرا.
قال سعيد بن عبد العزيز: حدثني أبو يوسف، حاجب معاوية: أن أبا موسى الأشعري قدم على معاوية، فنزل في بعض الدور بدمشق، فخرج معاوية من الليل ليستمع قراءته.
قال أبو عبيد: أم أبي موسى هي ظبية بنت وهب ; كانت أسلمت، وماتت بالمدينة.
وقال ابن سعد: حدثنا الهيثم بن عدي، قال: أسلم أبو موسى بمكة، وهاجر إلى الحبشة. وأول مشاهده خيبر. ومات سنة اثنتين وأربعين.
قال أبو أحمد الحاكم: أسلم بمكة، ثم قدم مع أهل السفينتين بعد فتح خيبر بثلاث، فقسم لهم النبي، صلى الله عليه وسلم. ولي البصرة لعمر وعثمان ; وولي الكوفة، وبها مات.
وقال ابن منده: افتتح أصبهان زمن عمر.(أعلام/351)
وقال العجلي: بعثه عمر أميرا على البصرة ; فأقرأهم وفقههم، وهو فتح تستر. ولم يكن في الصحابة أحد أحسن صوتا منه.
قال حسين المعلم: سمعت ابن بريدة يقول: كان الأشعري قصيرا، أثط، خفيف الجسم.
وأما الواقدي فقال: حدثنا خالد بن إلياس، عن أبي بكر بن أبي جهم، قال: ليس أبو موسى من مهاجرة الحبشة، ولا حلف له في قريش، وقد كان أسلم بمكة، ورجع إلى أرضه ; حتى قدم هو وأناس من الأشعريين على رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وذكره موسى بن عقبة فيمن هاجر إلى الحبشة.
وروى أبو بردة، عن أبي موسى، قال: خرجنا من اليمن في بضع وخمسين من قومي، ونحن ثلاثة إخوة: أنا، وأبو رهم، وأبو عامر. فأخرجتنا سفينتنا إلى النجاشي، وعنده جعفر وأصحابه ; فأقبلنا حين افتتحت خيبر، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إلي.
وفي رواية: أنا وأخواي: أبو رهم، وأبو بردة، أنا أصغرهم.
أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق: حدثنا يحيى بن أيوب، عن حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يقدم عليكم غدا قوم هم أرق قلوبا للإسلام منكم، فقدم الأشعريون ; فلما دنوا جعلوا يرتجزون:
غدا نلقى الأحبه
محمدا وحزبه
فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا أول من أحدث المصافحة.
شعبة، عن سماك، عن عياض الأشعري، قال: لما نزلت: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هم قومك يا أبا موسى، وأومأ إليه.
صححه الحاكم. والأظهر: أن لعياض بن عمرو صحبة، ولكن رواه جماعة عن شعبة أيضا. (ح) وعبد الله بن إدريس، عن أبيه، كلاهما عن سماك، عن عياض، عن أبي موسى.(أعلام/352)
بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من حنين، بعث أبا عامر الأشعري على جيش أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد، وهزم الله أصحابه ; فرمى رجل أبا عامر في ركبته بسهم، فأثبته. فقلت: يا عم، من رماك؟ فأشار إليه. فقصدت له، فلحقته، فلما رآني، ولى ذاهبا. فجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألست عربيا؟ ألا تثبت؟ قال: فكف، فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا ضربتين، فقتلته. ثم رجعت إلى أبي عامر، فقلت: قد قتل الله صاحبك. قال: فانزع هذا السهم. فنزعته، فنزا منه الماء. فقال: يابن أخي، انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأقره مني السلام، وقل له: يستغفر لي. واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيرا، ثم مات. فلما قدمنا، وأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم- توضأ، ثم رفع يديه، ثم قال " اللهم اغفر لعبيد أبي عامر "، حتى رأيت بياض إبطيه. ثم قال: اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك " فقلت: ولي يا رسول الله؟ فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما.
وبه، عن أبي موسى، قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة فأتى أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ قال: أبشر. قال: قد أكثرت من البشرى. فأقبل رسول الله علي وعلى بلال، فقال: إن هذا قد رد البشرى فاقبلا أنتما، فقالا: قبلنا يا رسول الله. فدعا بقدح، فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه، ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على رءوسكما ونحوركما، ففعلا. فنادت أم سلمة من وراء الستر: أن فضلا لأمكما. فأفضلا لها منه.(أعلام/353)
مالك بن مغول وغيره، عن ابن بريدة عن أبيه، قال: خرجت ليلة من المسجد، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم- عند باب المسجد قائم، وإذا رجل يصلي، فقال لي: يا بريدة، أتراه يرائي؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: بل هو مؤمن منيب، لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود. فأتيته، فإذا هو أبو موسى ; فأخبرته.
أنبئونا عن أحمد بن محمد اللبان وغيره: أن أبا علي الحداد أخبرهم: أخبرنا أبو نعيم: أخبرنا ابن فارس: حدثنا محمد بن عاصم: حدثنا زيد بن الحباب، عن مالك بن مغول: حدثنا ابن بريدة، عن أبيه قال: جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد، وأنا على باب المسجد، فأخذ بيدي، فأدخلني المسجد، فإذا رجل يصلي يدعو، يقول: اللهم، إني أسألك، بأني أشهد أنك الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
قال: والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب، وإذا رجل يقرأ، فقال: لقد أعطي هذا مزمارا من مزامير آل داود. قلت: يا رسول الله، أخبره؟ قال: نعم، فأخبرته. فقال لي: لا تزال لي صديقا. وإذا هو أبو موسى.
رواه حسين بن واقد، عن ابن بريدة، مختصرا.
وروى أبو سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: لقد أعطي أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود.
خالد بن نافع: حدثنا سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- وعائشة مرا به، وهو يقرأ في بيته، فاستمعا لقراءته، فلما أصبح، أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: لو أعلم بمكانك لحبرته لك تحبيرا.
خالد ضعف.(أعلام/354)
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن أبا موسى قرأ ليلة، فقمن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم- يستمعن لقراءته. فلما أصبح، أخبر بذلك. فقال: لو علمت، لحبرت تحبيرا، ولشوقت تشويقا.
الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: أتينا عليا، فسألناه عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- قال: عن أيهم تسألوني؟ قلنا: عن ابن مسعود. قال: علم القرآن والسنة، ثم انتهى، وكفى به علما. قلنا: أبو موسى؟ قال: صبغ في العلم صبغة، ثم خرج منه. قلنا: حذيفة؟ قال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين. قالوا: سلمان؟ قال: أدرك العلم الأول، والعلم الآخر ; بحر لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت. قالوا: أبو ذر؟ قال: وعى علما عجز عنه. فسئل عن نفسه. قال: كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت.
أبو إسحاق: سمع الأسود بن يزيد، قال: لم أر بالكوفة أعلم من علي وأبي موسى.
وقال مسروق: كان القضاء في الصحابة إلى ستة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي، وزيد، وأبي موسى.
وقال الشعبي: يؤخذ العلم عن ستة: عمر، وعبد الله، وزيد، يشبه علمهم بعضه بعضا، وكان علي، وأبي، وأبو موسى يشبه علمهم بعضه بعضا، يقتبس بعضهم من بعض.
وقال داود، عن الشعبي: قضاة الأمة: عمر، وعلي، وزيد، وأبو موسى.
أسامة بن زيد، عن صفوان بن سليم قال: لم يكن يفتي في المسجد زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- غير هؤلاء: عمر، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى.
قال أبو بردة: قال: إني تعلمت المعجم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- فكانت كتابتي مثل العقارب.
أيوب، عن محمد، قال عمر: بالشام أربعون رجلا، ما منهم رجل كان يلي أمر الأمة إلا أجزأه، فأرسل إليهم. فجاء رهط، فيهم أبو موسى. فقال: إني أرسلك إلى قوم عسكر الشيطان بين أظهرهم. قال: فلا ترسلني. قال: إن بها جهادا ورباطا. فأرسله إلى البصرة.(أعلام/355)
قال الحسن البصري: ما قدمها راكب خير لأهلها من أبي موسى.
قال ابن شوذب: كان أبو موسى إذا صلى الصبح، استقبل الصفوف رجلا رجلا يقرئهم. ودخل البصرة على جمل أورق، وعليه خرج لما عزل.
قتادة، عن أنس: بعثني الأشعري إلى عمر، فقال لي: كيف تركت الأشعري؟ قلت: تركته يعلم الناس القرآن. فقال: أما إنه كيس! ولا تسمعها إياه.
قال أبو بردة: كتبت عن أبي أحاديث، ففطن بي، فمحاها، وقال: خذ كما أخذنا.
أبو هلال، عن قتادة، قال: بلغ أبا موسى أن ناسا يمنعهم من الجمعة أن ليس لهم ثياب، فخرج على الناس في عباءة.
قال الزهري: استخلف عثمان، فنزع أبا موسى عن البصرة، وأمر عليها عبد الله بن عامر بن كريز.
قال خليفة: ولي أبو موسى البصرة سنة سبع عشرة بعد المغيرة، فلما افتتح الأهواز استخلف عمران بن حصين بالبصرة. ويقال: افتتحها صلحا، فوظف عليها عمر عشرة آلاف ألف، وأربع مائة ألف.
وقيل: في سنة ثمان عشرة، افتتح أبو موسى الرها وسميساط وما والاها عنوة.
زهير بن معاوية: حدثنا حميد: حدثنا أنس: أن الهرمزان نزل على حكم عمر من تستر، فبعث به أبو موسى معي إلى أمير المؤمنين ; فقدمت به. فقال له عمر: تكلم، لا بأس عليك. فاستحياه ثم أسلم، وفرض له.
قال ابن إسحاق: سار أبو موسى من نهاوند، ففتح أصبهان سنة ثلاث وعشرين.
مجالد، عن الشعبي قال: كتب عمر في وصيته: ألا يقر لي عامل أكثر من سنة، وأقروا الأشعري أربع سنين.
حميد بن هلال، عن أبي بردة: سمعت أبي يقسم: ما خرج حين نزع عن البصرة إلا بست مائة درهم.
الزهري، عن أبي سلمة: كان عمر إذا جلس عنده أبو موسى، ربما قال له، ذكرنا يا أبا موسى. فيقرأ.
وفي رواية تفرد بها رشدين بن سعد: فيقرأ، ويتلاحن.(أعلام/356)
وقال ثابت، عن أنس: قدمنا البصرة مع أبي موسى، فقام من الليل يتهجد، فلما أصبح، قيل له: أصلح الله الأمير! لو رأيت إلى نسوتك وقرابتك وهم يستمعون لقراءتك. فقال: لو علمت لزينت كتاب الله بصوتي، ولحبرته تحبيرا.
قال أبو عثمان النهدي: ما سمعت مزمارا ولا طنبورا ولا صنجا أحسن من صوت أبي موسى الأشعري ; إن كان ليصلي بنا فنود أنه قرأ البقرة، من حسن صوته.
هشام بن حسان، عن واصل مولى أبي عيينة، عن لقيط، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: غزونا في البحر، فسرنا حتى إذا كنا في لجة البحر، سمعنا مناديا ينادي: يا أهل السفينة، قفوا أخبركم. فقمت، فنظرت يمينا وشمالا، فلم أر شيئا. حتى نادى سبع مرار. فقلت: ألا ترى في أي مكان نحن، إنا لا نستطيع أن نقف. فقال: ألا أخبرك بقضاء قضى الله على نفسه: إنه من عطش نفسه لله في يوم حار، كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة. قال: وكان أبو موسى لا تكاد تلقاه في يوم حار إلا صائما.
ورواه ابن المبارك في " الزهد ": حدثنا حماد بن سلمة، عن واصل.
الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: خرجنا مع أبي موسى في غزاة، فجننا الليل في بستان خرب ; فقام أبو موسى يصلي، وقرأ قراءة حسنة، وقال: اللهم، أنت المؤمن تحب المؤمن، وأنت المهيمن تحب المهيمن، وأنت السلام تحب السلام.
وروى صالح بن موسى الطلحي، عن أبيه، قال: اجتهد الأشعري قبل موته اجتهادا شديدا، فقيل له: لو أمسكت ورفقت بنفسك؟ قال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها ; والذي بقي من أجلي أقل من ذلك.
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن أبا موسى كان له سراويل يلبسه مخافة أن يتكشف.(أعلام/357)
الأعمش، عن شقيق، قال: كنا مع حذيفة جلوسا، فدخل عبد الله وأبو موسى المسجد فقال: أحدهما منافق، ثم قال: إن أشبه الناس هديا ودلا وسمتا برسول الله - صلى الله عليه وسلم- عبد الله.
قلت: ما أدري ما وجه هذا القول، سمعه عبد الله بن نمير منه، ثم يقول الأعمش: حدثناهم بغضب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- فاتخذوه دينا.
قال عبد الله بن إدريس: كان الأعمش به ديانة من خشيته.
قلت: رمي الأعمش بيسير تشيع فما أدري.
ولا ريب أن غلاة الشيعة يبغضون أبا موسى - رضي الله عنه - لكونه ما قاتل مع علي، ثم لما حكمه علي على نفسه عزله وعزل معاوية، وأشار بابن عمر، فما انتظم من ذلك حال.
قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر: حدثنا عيسى بن علقمة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: قلت لعلي يوم الحكمين: لا تحكم الأشعري ; فإن معه رجلا حذرا مرسا قارحا. فلزني إلى جنبه، فلا يحل عقدة إلا عقدتها، ولا يعقد عقدة إلا حللتها. قال: يا ابن عباس، ما أصنع؟ إنما أوتى من أصحابي، قد ضعفت نيتهم، وكلوا. هذا الأشعث يقول: لا يكون فيها مضريان أبدا، حتى يكون أحدهما يمان. قال ابن عباس: فعذرته، وعرفت أنه مضطهد.
وعن عكرمة، قال: حكم معاوية عمرا، فقال الأحنف لعلي: حكم ابن عباس، فإنه رجل مجرب. قال: أفعل. فأبت اليمانية، وقالوا: حتى يكون منا رجل. فجاء ابن عباس إلى علي، فقال: علام تحكم أبا موسى، لقد عرفت رأيه فينا، فوالله ما نصرنا ; وهو يرجو ما نحن فيه ; فتدخله الآن في معاقد أمرنا، مع أنه ليس بصاحب ذلك فإذا أبيت أن تجعلني مع عمرو، فاجعل الأحنف بن قيس ; فإنه مجرب من العرب، وهو قرن لعمرو. فقال: نعم. فأبت اليمانية أيضا. فلما غلب، جعل أبا موسى.
قال أبو صالح السمان: قال علي: يا أبا موسى، احكم ولو على حز عنقي.(أعلام/358)
زيد بن الحباب: حدثنا سليمان بن المغيرة البكري، عن أبي بردة، عن أبي موسى: أن معاوية كتب إليه: أما بعد: فإن عمرو بن العاص قد بايعني على ما أريد، وأقسم بالله، لئن بايعتني على الذي بايعني، لأستعملن أحد ابنيك على الكوفة، والآخر على البصرة ; ولا يغلق دونك باب، ولا تقضى دونك حاجة. وقد كتبت إليك بخطي، فاكتب إلي بخط يدك.
فكتب إليه: أما بعد: فإنك كتبت إلي في جسيم أمر الأمة، فماذا أقول لربي إذا قدمت عليه، ليس لي فيما عرضت من حاجة، والسلام عليك.
قال أبو بردة: فلما ولي معاوية أتيته، فما أغلق دوني بابا، ولا كانت لي حاجة إلا قضيت.
قلت: قد كان أبو موسى صواما قواما ربانيا زاهدا عابدا، ممن جمع العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر، لم تغيره الإمارة، ولا اغتر بالدنيا.(أعلام/359)
أبو نصر السجزي
الإمام العالم الحافظ المجود شيخ السنة، أبو نصر ; عبيد الله بن سعيد بن حاتم بن أحمد، الوائلي البكري السجستاني، شيخ الحرم، ومصنف " الإبانة الكبرى " في أن القرآن غير مخلوق، وهو مجلد كبير دال على سعة علم الرجل بفن الأثر.
طلب الحديث في حدود الأربعمائة، وسمع بالحجاز والشام والعراق وخراسان من: أحمد بن إبراهيم بن فراس العبقسي، وأبي أحمد الفرضي، والحافظ أبي عبد الله الحاكم، وأبي الحسن أحمد بن محمد بن الصلت المجبر، وأبي عمر بن مهدي الفارسي، وعلي بن عبد الرحيم السوسي، وأبي عبد الرحمن السلمي، وعبد الصمد بن أبي جرادة الحلبي ; حدثه عن أبي سعيد بن الأعرابي، وحمزة بن عبد العزيز المهلبي، ومحمد بن محمد بن محمد بن بكر الهزاني، وعبد الرحمن بن عمر بن النحاس المصري، وأمم سواهم.
حدث عنه: الحافظ أبو إسحاق الحبال، وسهل بن بشر الإسفراييني، وأبو معشر الطبري المقرئ، وإسماعيل بن الحسن العلوي، وأحمد بن عبد القادر بن يوسف، وجعفر بن يحيى الحكاك، وجعفر بن أحمد السراج، وخلق.
وهو راوي الحديث المسلسل بالأولية.
قال محمد بن طاهر: سألت الحافظ أبا إسحاق الحبال عن أبي نصر السجزي، وأبي عبد الله الصوري، أيهما أحفظ؟ فقال: كان السجزي أحفظ من خمسين مثل الصوري. ثم قال إسحاق: كنت يوما عند أبي نصر السجزي، فدق الباب، فقمت ففتحت، فدخلت امرأة، وأخرجت كيسا فيه ألف دينار، فوضعته بين يدي الشيخ، وقالت: أنفقها كما ترى! قال: ما المقصود؟ قالت: تتزوجني ولا حاجة لي في الزوج، لكن لأخدمك. فأمرها بأخذ الكيس، وأن تنصرف، فلما انصرفت، قال: خرجت من سجستان بنية طلب العلم، ومتى تزوجت، سقط عني هذا الاسم، وما أوثر على ثواب طلب العلم شيئا.(أعلام/360)
قلت: كأنه يريد متى تزوج للذهب، نقص أجره، وإلا فلو تزوج في الجملة، لكان أفضل، ولما قدح ذلك في طلبه العلم، بل يكون قد عمل بمقتضى العلم، لكنه كان غريبا، فخاف العيلة، وأن يتفرق عليه حاله عن الطلب.
قال أبو نصر السجزي في كتاب " الإبانة ": وأئمتنا كسفيان، ومالك، والحمادين، وابن عيينة، والفضيل، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، متفقون على أن الله سبحانه فوق العرش، وعلمه بكل مكان، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا، وأنه يغضب ويرضى، ويتكلم بما شاء.
توفي أبو نصر بمكة، في المحرم سنة أربع وأربعين وأربعمائة.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، الحسيني بقراءتي عليه بالثغر، وهو أول حديث سمعته منه، أخبرنا محمد بن أحمد القطيعي ببغداد وهو أول حديث سمعته منه، أخبرنا عبد الحق اليوسفي وهو أول حديث سمعته (ح) وأخبرنا عبد الخالق بن علوان ببعلبك، وعبد الحافظ بن بدران بنابلس قالا: أخبرنا أبو محمد بن قدامة، أخبرنا أحمد بن المقرب قالا: أخبرنا جعفر بن أحمد السراج وهو أول حديث سمعناه منه، أخبرنا أبو نصر عبيد الله بن سعيد وهو أول حديث سمعته منه، أخبرنا أبو يعلى المهلبي وهو أول حديث سمعته منه، أخبرنا أبو حامد بن بلال وهو أول حديث سمعته منه، حدثنا عبد الرحمن بن بشر وهو أول حديث سمعته منه، حدثنا سفيان بن عيينة وهو أول حديث سمعته من سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس ; مولى لعبد الله بن عمرو بن العاص، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض، يرحمكم من في السماء.(أعلام/361)
أبو نعيم (ع)
الفضل بن دكين، الحافظ الكبير، شيخ الإسلام الفضل بن عمرو بن حماد بن زهير بن درهم التيمي الطلحي القرشي مولاهم الكوفي الملائي الأحول، مولى آل طلحة بن عبيد الله.
وكان شريكا لعبد السلام بن حرب الملائي، كانا في حانوت بالكوفة يبيعان الملاء وغير ذلك، وكان كذلك غالب علماء السلف إنما ينفقون من كسبهم.
أخبرنا جماعة في كتابهم قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا أحمد بن الحسن، أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، أخبرنا أحمد بن جعفر، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام، قال: كنا جلوسا مع حذيفة، فقيل له: إن رجلا يرفع الحديث إلى عثمان. فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا يدخل الجنة قتات.
رواه أحمد والبخاري، عن أبي نعيم.
أنبأنا ابن قدامة وجماعة، عن أبي جعفر الصيدلاني، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله، أخبرنا ابن ريذة أخبرنا سليمان بن أحمد، حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث، عن النعمان بن بشير، قال: استأذن أبو بكر على النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا عائشة ترفع عليه صوتها، فقال: يا ابنة فلانة! ترفعين صوتك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! ، فحال النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبينها، ثم خرج أبو بكر، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يترضاها، فقال: ألم تريني حلت بين الرجل وبينك، ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى، فسمع تضاحكهما، فقال: أشركاني في سلمكما، كما أشركتماني في حربكما.
أخرجه أبو داود والنسائي من حديث يونس.(أعلام/362)
وبه إلى سليمان: حدثنا علي بن عبد العزيز، وبشر بن موسى قالا: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن منصور، عن الشعبي، عن المقدام أبي كريمة الشامي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم، فإن أصبح بفنائه فهو دين عليه، إن شاء اقتضاه، وإن شاء تركه.
رواهما أحمد، عن أبي نعيم.
وفي " الطبقات " لابن سعد: أخبرنا عبدوس بن كامل، قال: دفن أبو نعيم يوم سلخ شعبان، قال: وأخبرني من حضره قال: اشتكى قبل أن يموت بيوم ليلة الاثنين، فما تكلم إلى الظهر، ثم تكلم، فأوصى ابنه عبد الرحمن ببني ابن يقال له: ميثم كان مات قبله، فلما أمسى طعن في عنقه، وظهر به ورشكين في يده، فتوفي ليلتئذ، وأخرج بكرة، ولم يعلم به كثير من الناس، ثم جاء الوالي محمد بن عبد الرحمن بن عيسى بن موسى الهاشمي، فلامهم إذ لم يخبروه، ثم تنحى به عن القبر، فصلى عليه هو وأصحابه.
قال أحمد بن ملاعب: سمعت أبا نعيم يقول: ولدت في آخر سنة ثلاثين ومائة.(أعلام/363)
سمع: سليمان الأعمش، وزكريا بن أبي زائدة، وجعفر بن برقان، وعمر بن ذر، وإسماعيل بن مسلم العبدي، وطلحة بن عمرو، وعبد الواحد بن أيمن، وبشير بن المهاجر، وفطر بن خليفة، ومالك بن مغول، وأبا خلدة خالد بن دينار، وسليمان بن سيف المكي، وموسى بن علي، ويونس بن أبي إسحاق، ومسعر بن كدام، وسفيان الثوري، وشعبة، والحسن بن صالح، وعبد الله بن حبيب بن أبي ثابت، وزمعة بن صالح، وإسرائيل، وشريكا، وعبد الرحمن بن الغسيل، وابن أبي رواد، وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، وإياس بن دغفل، وأبان بن عبد الله البجلي، وإبراهيم بن نافع المكي، وإسحاق بن سعيد القرشي، وبدر بن عثمان، وحبيب بن جري، والحكم بن معاذ، وخالد بن طهمان، وسعد بن أوس، وعصام بن قدامة، والمسعودي، وإسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفيراء، وجرير بن حازم، وسعيد بن عبيد الطائي، وعبيدة بن أبي رائطة، وأبا حنيفة، وابن أبي ليلى، وشيبان النحوي، ومحمد بن قيس الأسدي، وسلمة بن نبيط، ويعلى بن الحارث المحاربي، وخلقا سواهم. وكان من أئمة هذا الشأن وأثباتهم.(أعلام/364)
حدث عنه: البخاري كثيرا، وهو من كبار مشيخته، وروى هو والجماعة عن رجل عنه، وروى عنه أحمد بن حنبل، وإسحاق، وابن معين، وأبو خيثمة، وابنا أبي شيبة، والذهلي، وأبو محمد الدارمي، وعبد بن حميد، وعباس الدوري، وأبو زرعة الرازي والدمشقي، ومحمد بن سنجر، وأبو حاتم، وابن الفرات، وعلي بن عبد العزيز البغوي، وإسماعيل بن سمويه، وعبد الله بن محمد بن النعمان، وجعفر بن محمد بن شاكر، وأحمد بن مهدي الأصبهاني، وإبراهيم الحربي، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وبشر بن موسى، وإسحاق بن الحسن الحربي، ومحمد بن سليمان الباغندي، وعمير بن مرداس، وأحمد بن الهيثم بن خالد البزاز، ويحيى بن عبدويه البغدادي شيخ الطبراني، ومحمد بن يوسف بن الطباع، وأحمد بن إسحاق الوزان، ومحمد بن يونس الكديمي، والحارث بن محمد التميمي، وفضيل بن محمد الملطي وأحمد بن خليد الحلبي، ومحمد بن الحسن بن سماعة الحضرمي، وأحمد بن محمد السوطي وأحمد بن موسى الحمار، ومحمد بن جعفر القتات وإسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن ماهان المزني، وجعفر بن محمد الأحمسي، والحسن بن علي بن جعفر الوشاء، وأمم سواهم. وتبقى صغار أصحابه إلى بعيد الثلاثمائة.
وقد حدث عنه: عبد الله بن المبارك مع تقدمه، وبينه وبين القتات في الوفاة مائة عام وعشرون عاما.
والظاهر أنه آخر من حدث عن الأعمش من الثقات.
قال أبو نعيم: شاركت سفيان الثوري في أكثر من أربعين شيخا.
وأما حنبل بن إسحاق فقال: قال أبو نعيم: كتبت عن نيف ومائة شيخ ممن كتب عنهم سفيان.
قال محمد بن عبدة بن سليمان: كنت مع أبي نعيم، فقال له أصحاب الحديث: يا أبا نعيم، إنما حملت عن الأعمش هذه الأحاديث.
فقال: ومن كنت أنا عند الأعمش؟ كنت قردا بلا ذنب.(أعلام/365)
قال صالح بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: وكيع وعبد الرحمن ويزيد بن هارون، أين يقع أبو نعيم من هؤلاء؟ قال: يجيء حديثه على النصف من هؤلاء، إلا أنه كيس يتحرى الصدق، قلت: فأبو نعيم أثبت أو وكيع؟ فقال: أبو نعيم أقل خطأ.
وقال حنبل، عن أبي عبد الله قال: أبو نعيم أعلم بالشيوخ وأنسابهم وبالرجال، ووكيع أفقه.
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت أحمد يقول: أبو نعيم أثبت من وكيع.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه قال: أخطأ وكيع في خمسمائة حديث.
أخبرنا أحمد بن الحسن الترمذي: سمعت أبا عبد الله يقول: إذا مات أبو نعيم صار كتابه إماما، إذا اختلف الناس في شيء، فزعوا إليه.
قال أبو زرعة الدمشقي: سمعت يحيى بن معين يقول: ما رأيت أحدا أثبت من رجلين، أبي نعيم وعفان.
قال أبو زرعة: وسمعت أحمد بن صالح يقول: ما رأيت محدثا أصدق من أبي نعيم.
قال يعقوب الفسوي: أجمع أصحابنا أن أبا نعيم كان غاية في الإتقان.
وقال أبو حاتم: كان حافظا متقنا، لم أر من المحدثين من يحفظ ويأتي بالحديث على لفظ واحد لا يغيره سوى قبيصة وأبي نعيم في حديث الثوري، وكان أبو نعيم يحفظ حديث الثوري حفظا جيدا -يعني الذي عنده عنه- قال: وهو ثلاثة آلاف وخمسمائة حديث، ويحفظ حديث مسعر، وهو خمسمائة حديث، وكان لا يلقن.
قال أحمد بن منصور الرمادي: خرجت مع أحمد ويحيى إلى عبد الرزاق خادما لهما، قال: فلما عدنا إلى الكوفة، قال يحيى بن معين: أريد أن أختبر أبا نعيم، فقال أحمد: لا ترد، فالرجل ثقة.(أعلام/366)
قال يحيى: لا بد لي. فأخذ ورقة، فكتب فيها ثلاثين حديثا وجعل على رأس كل عشرة منها حديثا ليس من حديثه، ثم إنهم جاءوا إلى أبي نعيم، فخرج، وجلس على دكان طين، وأخذ أحمد بن حنبل، فأجلسه عن يمينه، ويحيى عن يساره، وجلست أسفل الدكان، ثم أخرج يحيى الطبق، فقرأ عليه عشرة أحاديث، فلما قرأ الحادي عشر، قال أبو نعيم: ليس هذا من حديثي، اضرب عليه، ثم قرأ العشر الثاني، وأبو نعيم ساكت، فقرأ الحديث الثاني، فقال أبو نعيم: ليس هذا من حديثي فاضرب عليه، ثم قرأ العشر الثالث، ثم قرأ الحديث الثالث، فتغير أبو نعيم، وانقلبت عيناه، ثم أقبل على يحيى، فقال: أما هذا -وذراع أحمد بيده- فأورع من أن يعمل مثل هذا، وأما هذا -يريدني- فأقل من أن يفعل ذاك، ولكن هذا من فعلك يا فاعل وأخرج رجله، فرفس يحيى، فرمى به من الدكان، وقام، فدخل داره.
فقال أحمد بن حنبل ليحيى: ألم أمنعك وأقل لك: إنه ثبت، قال: والله، لرفسته لي أحب إلي من سفرتي.
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: شيخان كان الناس يتكلمون فيهما ويذكرونهما، وكنا نلقى من الناس في أمرهما ما الله به عليم، قاما لله بأمر لم يقم به كبير أحد: عفان وأبو نعيم.
قال أبو العباس السراج عن الكديمي قال: لما دخل أبو نعيم على الوالي ليمتحنه، وثم يونس وأبو غسان وغيرهما، فأول من امتحن فلان، فأجاب، ثم عطف على أبي نعيم، فقال: قد أجاب هذا، فما تقول؟ فقال: والله ما زلت أتهم جده بالزندقة، ولقد أخبرني يونس بن بكير أنه سمع جده يقول: لا بأس أن يرمي الجمرة بالقوارير. أدركت الكوفة وبها أكثر من سبعمائة شيخ، الأعمش فمن دونه يقولون: القرآن كلام الله وعنقي أهون من زري هذا، فقام إليه أحمد بن يونس، فقبل رأسه -وكان بينهما شحناء- وقال: جزاك الله من شيخ خيرا.(أعلام/367)
أحمد بن الحسن الترمذي وغيره، عن أبي نعيم قال: القرآن كلام الله ليس بمخلوق.
قال الطبراني: سمعت صليحة بنت أبي نعيم تقول: سمعت أبي يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: مخلوق، فهو كافر.
قال أبو المظفر في كتاب " مرآة الزمان ": قال عبد الصمد بن المهتدي: لما دخل المأمون بغداد، نادى بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لأن الشيوخ بقوا يضربون ويحبسون، فنهاهم المأمون، وقال: قد اجتمع الناس على إمام، فمر أبو نعيم، فرأى جنديا وقد أدخل يديه بين فخذي امرأة، فنهاه بعنف، فحمله إلى الوالي، فيحمله الوالي إلى المأمون. قال: فأدخلت عليه بكرة وهو يسبح، فقال: توضأ. فتوضأت ثلاثا ثلاثا على ما رواه عبد خير، عن علي فصليت ركعتين، فقال: ما تقول في رجل مات عن أبوين؟ فقلت: للأم الثلث، وما بقي للأب. قال: فإن خلف أبويه وأخاه؟
قلت: المسألة بحالها، وسقط الأخ. قال: فإن خلف أبوين وأخوين؟ قلت: للأم السدس وما بقي للأب. قال: في قول الناس كلهم؟
قلت: لا، إن جدك ابن عباس يا أمير المؤمنين ما حجب الأم عن الثلث إلا بثلاثة إخوة. فقال: يا هذا، من نهى مثلك عن الأمر بالمعروف؟ ! إنما نهينا أقواما يجعلون المعروف منكرا. ثم خرجت.
روى المروذي عن أحمد بن حنبل قال: إنما رفع الله عفان وأبا نعيم بالصدق حتى نوه بذكرهما.
قال أبو عبيد الآجري: قلت لأبي داود: كان أبو نعيم حافظا؟ قال: جدا.
قال أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء: كنا نهاب أبا نعيم أشد من هيبة الأمير.
قلت: وكان في أبي نعيم تشيع خفيف.
قال أحمد بن ملاعب: حدثني ثقة قال: قال أبو نعيم: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية. وبلغنا عن أبي نعيم أنه قال: حب علي -رضي الله عنه- عبادة، وخير العبادة ما كتم.(أعلام/368)
قال محمد بن أبان: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: إذا وافقني هذا الأحول -يعني أبا نعيم - ما أبالي من خالفني.
قال يعقوب السدوسي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: نزاحم به سفيان بن عيينة.
قلت: توفي أبو نعيم شهيدا، فإنه طعن في عنقه، وحصل له ورشكين.
قال محمد بن عبد الله مطين: رأيت أبا نعيم وكلمته. قال: ومات يوم الشك من رمضان سنة تسع عشرة ومائتين.
وقال يعقوب بن شيبة عمن حدثه: إن أبا نعيم مات بالكوفة ليلة الثلاثاء لانسلاخ شعبان سنة تسع عشرة.
قلت: شذ محمد بن المثنى الزمن، فقال: مات في آخر سنة ثمان عشرة ومائتين.
قال بشر بن عبد الواحد: رأيت أبا نعيم في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ -يعني فيما كان يأخذ على الحديث- فقال: نظر القاضي في أمري، فوجدني ذا عيال، فعفا عني.
قلت: ثبت عنه أنه كان يأخذ على الحديث شيئا قليلا لفقره.
قال علي بن خشرم: سمعت أبا نعيم يقول: يلومونني على الأخذ، وفي بيتي ثلاثة عشر نفسا، وما في بيتي رغيف.
قلت: لاموه على الأخذ يعني من الإمام، لا من الطلبة.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم الطائي، أنبأنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، حدثنا أبو محمد الجوهري إملاء، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي قراءة عليه، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا أبو نعيم، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جنة، وللصائم فرحتان، فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى الله عز وجل، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
أخرجه البخاري في التوحيد عن أبي نعيم، فوافقناه بعلو.(أعلام/369)
وحديث أبي نعيم كثير الوقوع في الكتب والأجزاء، وقد جمع أبو نعيم الحافظ ما وقع له عاليا من حديث أبي نعيم الملائي في جزء من طرق مختلفة صدره بما حدثه ابن فارس عن ابن الفرات وسمويه، كلاهما عنه، وعدة ذلك ثمانية وسبعون حديثا بعضها آثار.
أخبرنا محمد بن قيماز الدقيقي، أخبرنا محمد بن قوام، أخبرنا خليل بن بدر، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أحمد بن الفرات، حدثنا أبو نعيم، حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الدواء الخبيث.
غريب وإسناده صالح.
أخبرنا أبو إسحاق بن الواسطي وجماعة كتابة قالوا: أخبرنا ابن بهروز أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا أبو إسماعيل الحافظ، أخبرنا أبو يعقوب -يعني القراب- حدثنا بشر بن محمد، سمعت أبا العباس الأزهري، سمعت محمد بن مسلم بن وارة، سمعت أبا نعيم يقول: ينبغي أن يكتب هذا الشأن عمن كتب الحديث يوم كتب، يدري ما كتب، صدوق مؤتمن عليه، يحدث يوم يحدث، يدري ما يحدث.
قال البيهقي: أخبرك الحاكم، أخبرنا أبو زكريا العنزي، حدثنا جعفر بن محمد بن سوار، حدثنا عبد الصمد بن سليمان بن أبي مطر البلخي: سألت أحمد بن حنبل، عن يحيى بن سعيد وابن مهدي ووكيع وأبي نعيم، فقال: ما رأيت أجد من وكيع، وكفاك بعبد الرحمن معرفة وإتقانا، وما رأيت رجلا أوزن بقوم من غير محاباة، وأشد تثبتا في أمور الرجال من يحيى بن سعيد، وأبو نعيم: فأقل الأربعة خطأ، وهو عندي ثقة موضع الحجة في الحديث.
أحمد بن ملاعب: سمعت أبا نعيم يقول: لا ينبغي أن يؤخذ الحديث إلا من حافظ له، أمين له، عارف بالرجال.(أعلام/370)
قلت: وقد كان أبو نعيم ذا دعابة، فروى علي بن العباس المقانعي، سمعت الحسين بن عمرو العنقزي يقول: دق رجل على أبي نعيم الباب، فقال: من ذا؟ قال: أنا، قال: من أنا؟ قال: رجل من ولد آدم، فخرج إليه أبو نعيم، وقبله، وقال: مرحبا وأهلا، ما ظننت أنه بقي من هذا النسل أحد.
قلت: عدد شيوخه في التهذيب مائتان وثلاثة أنفس.
قال محمد بن جعفر القتات: حدثنا أبو نعيم الأحول من العينين سنة ثمان عشرة.
روى جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، عن أبي نعيم قال: عندي عن أمير المؤمنين في الحديث سفيان أربعة آلاف.
الفضل بن زياد: سألت أحمد: أيجري عندك ابن فضيل مجرى عبيد الله بن موسى؟ قال: لا، كان ابن فضيل أستر، وكان عبيد الله صاحب تخليط، روى أحاديث سوء. قلت: فأبو نعيم يجري مجراهما؟
قال: لا، أبو نعيم يقظان في الحديث، وقام في الأمر -يعني المحنة- ثم قال: إذا رفعت أبا نعيم من الحديث فليس بشيء.
وروى المروذي، عن أبي عبد الله قال: يحيى، وعبد الرحمن، وأبو نعيم الحجة الثبت.
وروى الميموني، عن أحمد أنه أثنى على أبي نعيم، وقال: كان ثقة، يقظان في الحديث، عارفا به، ثم قام في أمر الامتحان ما لم يقم غيره، عافاه الله.
قال محمد بن عبد الله بن عمار: أبو نعيم متقن حافظ، إذا روى عن الثقات، فحديثه حجة أحج ما يكون.
وقال عثمان بن أبي شيبة مرة: حدثنا الأسد. فقيل: من؟ قال: أبو نعيم.
وقال أبو حاتم: سألت عليا: من أوثق أصحاب الثوري؟ قال: يحيى وعبد الرحمن ووكيع وأبو نعيم.
وقال العجلي: ثقة ثبت في الحديث.
وقال أبو حاتم: ثقة يحفظ حديث الثوري ومسعر حفظا جيدا، كان يحزر حديث الثوري ثلاثة آلاف وخمسمائة، وحديث مسعر نحو خمسمائة، كان يأتي بحديث الثوري على لفظ واحد لا يغيره وكان لا يلقن وكان حافظا متقنا.(أعلام/371)
وعن أبي نعيم قال: نظر ابن المبارك في كتبي، فقال: ما رأيت أصح من كتبك.
أبو سهل بن زياد: سمعت الكديمي، سمعت أبا نعيم يقول: كثر تعجبي من قول عائشة:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
لكني أقول:
ذهب الناس فاستقلوا وصرنا
خلفا في أراذل النسناس
في أناس نعدهم من عديد
فإذا فتشوا فليسوا بناس
كلما جئت أبتغي النيل منهم
بدروني قبل السؤال بياس
وبكوا لي حتى تمنيت أني
منهم قد افلت رأسا براس(أعلام/372)
أبو هريرة (ع)
الإمام الفقيه المجتهد الحافظ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أبو هريرة الدوسي اليماني. سيد الحفاظ الأثبات.
اختلف في اسمه على أقوال جمة، أرجحها: عبد الرحمن بن صخر. وقيل: ابن غنم. وقيل: كان اسمه: عبد شمس، وعبد الله. وقيل: سكين. وقيل: عامر. وقيل: برير. وقيل: عبد بن غنم. وقيل: عمرو. وقيل: سعيد.
وكذا في اسم أبيه أقوال.
قال هشام بن الكلبي: هو عمير بن عامر بن ذي الشرى بن طريف بن عيان بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد
وهذا بعينه قاله خليفة بن خياط في نسبه ; لكنه قال: " عتاب " في " عيان "، وقال: " منبه " في " هنية ".
ويقال: كان في الجاهلية اسمه: عبد شمس، أبو الأسود، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عبد الله، وكناه: أبا هريرة.
والمشهور عنه أنه كني بأولاد هرة برية. قال: وجدتها، فأخذتها في كمي ; فكنيت بذلك.
قال الطبراني: وأمه - رضي الله عنها- هي: ميمونة بنت صبيح.
حمل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- علما كثيرا طيبا مباركا فيه - لم يلحق في كثرته- وعن أبي، وأبي بكر، وعمر، وأسامة، وعائشة، والفضل، وبصرة بن أبي بصرة، وكعب الحبر.
حدث عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين، فقيل: بلغ عدد أصحابه ثمان مائة، فاقتصر صاحب " التهذيب "، فذكر من له رواية عنه في كتب الأئمة الستة، وهم: إبراهيم بن إسماعيل، وإبراهيم بن عبد الله بن حنين، وإبراهيم بن عبد الله بن قارظ الزهري - ويقال: عبد الله بن إبراهيم - وإسحاق مولى زائدة، وأسود بن هلال، وأغر بن سليك، والأغر أبو مسلم، وأنس بن حكيم، وأنس بن مالك، وأوس بن خالد.(أعلام/373)
وبسر بن سعيد، وبشير بن نهيك، وبشير بن كعب، وبعجة بن عبد الله الجهني، وبكير بن فيروز.
وثابت بن عياض وثابت بن قيس الزرقي، وثور بن عفير.
وجابر بن عبد الله، وجبر بن عبيدة، وجعفر بن عياض، وجمهان الأسلمي، والجلاس.
والحارث بن مخلد، وحريث بن قبيصة، والحسن البصري، وحصين بن اللجلاج - ويقال: خالد، ويقال: قعقاع - وحصين بن مصعب، وحفص بن عاصم بن عمر، وحفص بن عبد الله بن أنس، والحكم بن ميناء، وحكيم بن سعد، وحميد بن عبد الرحمن الزهري، وحميد بن عبد الرحمن، وحميد بن مالك، وحنظلة بن علي، وحيان بن بسطام، والد سليم.
وخالد بن عبد الله، وخالد بن غلاق، وخباب صاحب المقصورة، وخلاس، وخيثمة بن عبد الرحمن.
وذهيل بن عوف.
وربيعة الجرشي، ورميح الجذامي.
وزرارة بن أوفى، وزفر بن صعصعة - بخلف- وزياد بن ثويب، وزياد بن رياح، وزياد بن قيس، وزياد الطائي، وزيد بن أسلم - مرسل- وزيد بن أبي عتاب.
وسالم العمري، وسالم بن أبي الجعد، وسالم أبو الغيث، وسالم مولى النصريين وسحيم الزهري، وسعد بن هشام، وسعيد بن الحارث، وسعيد بن أبي الحسن، وسعيد بن حيان، وسعيد المقبري، وسعيد بن سمعان، وسعيد بن عمرو بن الأشدق، وسعيد ابن مرجانة، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن أبي هند، وسعيد بن يسار، وسلمان الأغر، وسلمة بن الأزرق، وسلمة الليثي، وسليمان بن حبيب المحاربي، وسليمان بن سنان، وسليمان بن يسار، وسنان بن أبي سنان.
وشتير - وقيل: سمير - بن نهار، وشداد أبو عمار، وشريح بن هانئ، وشفي بن ماتع، وشقيق بن سلمة، وشهر بن حوشب.
وصالح بن درهم، وصالح بن أبي صالح، وصالح مولى التوأمة، وصعصعة بن مالك، وصهيب العتواري.
والضحاك بن شرحبيل، والضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم، وضمضم بن جوس.
وطارق بن محاسن وطاوس اليماني.(أعلام/374)
وعامر بن سعد بن أبي وقاص، وعامر بن سعد البجلي، وعامر الشعبي، وعباد أخو سعيد المقبري، وعباس الجشمي، وعبد الله بن ثعلبة بن صعير، وأبو الوليد عبد الله بن الحارث، وعبد الله بن رافع مولى أم سلمة، وأبو سلمة عبد الله بن رافع الحضرمي، وعبد الله بن رباح الأنصاري، وعبد الله بن سعد مولى عائشة، وعبد الله بن أبي سليمان، وعبد الله بن شقيق، وعبد الله بن ضمرة، وابن عباس، وابن ابن عمر عبيد الله - وقيل: عبد الله - وعبد الله بن عبد الرحمن الدوسي، وعبد الله بن عتبة الهذلي، وعبد الله بن عمرو بن عبد القاري، وعبد الله بن فروخ، وعبد الله بن يامين، وعبد الحميد بن سالم، وعبد الرحمن بن آدم، وعبد الرحمن بن أذينة، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الرحمن بن حجيرة، وعبد الرحمن بن أبي حدرد، وعبد الرحمن بن خالد بن ميسرة، وعبد الرحمن بن سعد مولى الأسود.
وعبد الرحمن بن سعد المقعد، وعبد الرحمن بن الصامت، وابن الهضهاض، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، وعبد الرحمن بن أبي عمرة، وعبد الرحمن بن غنم، وعبد الرحمن بن أبي كريمة، والد السدي، وعبد الرحمن بن مهران، مولى أبي هريرة، وعبد الرحمن بن أبي نعم البجلي.(أعلام/375)
وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعبد الرحمن بن يعقوب الحرقي، وعبد العزيز بن مروان، وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن - بخلف- وعبد الملك بن يسار، وعبيد الله بن أبي رافع النبوي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعبيد الله بن عبد الله بن موهب، وعبيد بن حنين، وعبيد بن سلمان، وعبيد بن أبي عبيد، وعبيد بن عمير الليثي، وعبيدة بن سفيان، وعثمان بن أبي سودة، وعثمان بن شماس - بخلف - وعثمان بن عبد الله بن موهب، وعجلان، والد محمد، وعجلان، مولى المشمعل، وعراك بن مالك، وعروة بن الزبير، وعروة بن تميم، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن أبي علقمة، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني - ولم يدركه- وعطاء بن مينا، وعطاء بن يزيد، وعطاء بن يسار، وعطاء مولى ابن أبي أحمد.
وعطاء مولى أم صبية، وعطاء الزيات - إن صح- وعكرمة بن خالد - وما أظنه لحقه- وعكرمة العباسي، وعلقمة بن بجالة، وعلي بن الحسين، وعلي بن رباح، وعلي بن شماخ - إن صح- وعمار بن أبي عمار مولى بني هاشم، وعمارة - وقيل: عمرو- بن أكيمة الليثي، وعمر بن الحكم بن ثوبان، وعمر بن الحكم بن رافع، وعمر بن خلدة قاضي المدينة، وعمرو بن دينار، وعمرو بن أبي سفيان، وعمرو بن سليم الزرقي، وعمرو بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفي، وعمرو بن عمير، وعمرو بن قهيد، وعمرو بن ميمون الأودي، وعمير بن الأسود العنسي، وعمير بن هانئ العنسي، وعنبسة بن سعيد بن العاص، وعوف بن الحارث، رضيع عائشة، والعلاء بن زياد العدوي، وعيسى بن طلحة.
والقاسم بن محمد، وقبيصة بن ذؤيب، وقسامة بن زهير، والقعقاع بن حكيم - ولم يلقه - وقيس بن أبي حازم.
وكثير بن مرة، وكعب المدني، وكليب بن شهاب، وكميل بن زياد، وكنانة مولى صفية.(أعلام/376)
ومالك بن أبي عامر الأصبحي، ومجاهد، والمحرر بن أبي هريرة، ومحمد بن إياس بن البكير، ومحمد بن ثابت، ومحمد بن زياد، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن شرحبيل، ومحمد بن أبي عائشة، ومحمد بن عباد بن جعفر، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، ومحمد بن عمار القرظ.
ومحمد بن عمرو بن عطاء - بخلف - ومحمد بن عمير، ومحمد بن قيس بن مخرمة، ومحمد بن كعب القرظي، ومحمد بن مسلم الزهري - ولم يلحقه- ومحمد بن المنكدر، ومروان بن الحكم، ومضارب بن حزن، والمطلب بن عبد الله بن حنطب، والمطوس - ويقال: أبو المطوس - ومعبد بن عبد الله بن هشام والد زهرة.
والمغيرة بن أبي بردة، ومكحول - ولم يره - والمنذر أبو نضرة العبدي، وموسى بن طلحة، وموسى بن وردان، وموسى بن يسار، وميمون بن مهران، ومينا مولى عبد الرحمن بن عوف.
ونافع بن جبير، ونافع بن عباس، مولى أبي قتادة، ونافع بن أبي نافع، مولى أبي أحمد، ونافع العمري، والنضر بن سفيان، ونعيم المجمر. وهمام بن منبه، وهلال بن أبي هلال، والهيثم بن أبي سنان، وواثلة بن الأسقع، والوليد بن رباح.
ويحيى بن جعدة، ويزيد بن الأصم، ويحيى بن أبي صالح، ويحيى بن النضر الأنصاري، ويحيى بن يعمر، ويزيد بن رومان - ولم يلحقه - ويزيد بن عبد الله بن الشخير، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، ويزيد بن عبد الرحمن الأودي - والد إدريس، ويزيد بن هرمز. ويزيد مولى المنبعث، ويعلى بن عقبة، ويعلى بن مرة، ويوسف بن ماهك.(أعلام/377)
وأبو إدريس الخولاني، وأبو إسحاق مولى بني هاشم، وأبو أمامة بن سهل، وأبو أيوب المراغي، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة وأبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو تميمة الهجيمي، وأبو ثور الأزدي، وأبو جعفر المدني - فإن كان الباقر فمرسل- وأبو الجوزاء الربعي، وأبو حازم الأشجعي، وأبو الحكم البجلي، وأبو الحكم مولى بني ليث، وأبو حميد - فيقال: هو عبد الرحمن بن سعد المقعد - وأبو حي المؤذن.
وأبو خالد البجلي، والد إسماعيل، وأبو خالد الوالبي، وأبو خالد، مولى آل جعدة، وأبو رافع الصائغ، وأبو الربيع المدني، وأبو رزين الأسدي، وأبو زرعة البجلي، وأبو زيد، وأبو السائب مولى هشام بن زهرة، وأبو سعد الخير - حمصي، ويقال: أبو سعيد - وأبو سعيد بن أبي المعلى، وأبو سعيد الأزدي وأبو سعيد المقبري. وأبو سعيد مولى ابن عامر، وأبو سفيان مولى ابن أبي أحمد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو السليل القيسي وأبو الشعثاء المحاربي، وأبو صالح الأشعري، وأبو صالح الحنفي، وأبو صالح الخوزي، وأبو صالح السمان، وأبو صالح مولى ضباعة، وأبو الصلت، وأبو الضحاك، وأبو العالية الرياحي، وأبو عبد الله الدوسي، وأبو عبد الله القراظ، وأبو عبد الله مولى الجندعيين.
وأبو عبد العزيز، وأبو عبد الملك، مولى أم مسكين. وأبو عبيد مولى ابن أزهر، وأبو عثمان التبان، وأبو عثمان النهدي، وأبو عثمان الطنبذي، وأبو عثمان آخر، وأبو علقمة مولى بني هاشم، وأبو عمر الغداني، وأبو غطفان المري، وأبو قلابة الجرمي - مرسل - وأبو كباش العيشي.(أعلام/378)
وأبو كثير السحيمي، وأبو المتوكل الناجي، وأبو مدلة، مولى عائشة، وأبو مرة مولى عقيل، وأبو مريم الأنصاري، وأبو مزاحم - مدني - وأبو مزرد، وأبو المهزم البصري، وأبو ميمونة - مدني - وأبو هاشم الدوسي، وأبو الوليد مولى عمرو بن حريث، وأبو يحيى مولى آل جعدة، وأبو يحيى الأسلمي، هو وأبو يونس مولى أبي هريرة.
وابن حسنة الجهني، وابن سيلان، وابن مكرز- شامي - وابن وثيمة النصري.
وكريمة بنت الحسحاس، وأم الدرداء الصغرى.(أعلام/379)
أبو واقد الليثي (ع)
صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم- سماه البخاري وغيره: الحارث بن عوف.
وقال البخاري وأبو أحمد الحاكم شهد بدرا.
وله عدة أحاديث.
وحدث أيضا عن أبي بكر، وعمر.
وشهد الفتح، وسكن مكة.
حدث عنه: عطاء بن يسار، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عتبة، وبسر بن سعيد، وأبو مرة، مولى عقيل.
عداده في أهل المدينة. وعاش خمسا وسبعين، فيما قيل.
والظاهر أنه عاش نحوا من ثمانين سنة ; إن كان شهد بدرا. فالله أعلم.
قال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق: حدثني أبي، عن رجل من مازن، عن أبي واقد، قال: إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر، فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أن غيري قتله.
إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي: أن أبا واقد الليثي أسلم يوم الفتح.
قلت: على هذا يكون أبو واقد صحابيين. قال يحيى بن بكير، والفلاس: توفي أبو واقد الليثي سنة ثمان وستين.
وقال الواقدي: توفي سنة خمس وستين.
قلت: حديثه في الكتب الستة.(أعلام/380)
أبو يزيد البسطامي
سلطان العارفين أبو يزيد، طيفور بن عيسى بن شروسان البسطامي، أحد الزهاد، أخو الزاهدين: آدم وعلي، وكان جدهم شروسان مجوسيا، فأسلم يقال: إنه روى عن: إسماعيل السدي، وجعفر الصادق، أي: الجد، وأبو يزيد، فبالجهد أن يدرك أصحابهما.
وقل ما روى، وله كلام نافع.
منه، قال: ما وجدت شيئا أشد علي من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لبقيت حائرا.
وعنه قال: هذا فرحي بك وأنا أخافك، فكيف فرحي بك إذا أمنتك؟ ليس العجب من حبي لك، وأنا عبد فقير، إنما العجب من حبك لي، وأنت ملك قدير.
وعنه -وقيل له: إنك تمر في الهواء- فقال: وأي أعجوبة في هذا؟ وهذا طير يأكل الميتة، يمر في الهواء.
وعنه: ما دام العبد يظن أن في الناس من هو شر منه، فهو متكبر. الجنة لا خطر لها عند المحب، لأنه مشغول بمحبته.
وقال: ما ذكروا مولاهم إلا بالغفلة، ولا خدموه إلا بالفترة.
وسمعوه يوما وهو يقول: اللهم! لا تقطعني بك عنك. العارف فوق ما نقول، والعالم دون ما نقول.
وقيل له: علمنا الاسم الأعظم. قال: ليس له حد، إنما هو فراغ قلبك لوحدانيته، فإذا كنت كذلك، فارفع له أي اسم شئت من أسمائه إليه.
وقال: لله خلق كثير يمشون على الماء، لا قيمة لهم عند الله، ولو نظرتم إلى من أعطي من الكرامات حتى يطير، فلا تغتروا به حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود والشرع.
وله هكذا نكت مليحة، وجاء عنه أشياء مشكلة لا مساغ لها، الشأن في ثبوتها عنه، أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو، فيطوى ولا يحتج بها إذ ظاهرها إلحاد، مثل: سبحاني، وما في الجبة إلا الله. ما النار؟ لأستندن إليها غدا، وأقول: اجعلني فداء لأهلها، وإلا بلعتها. ما الجنة؟ لعبة صبيان، ومراد أهل الدنيا. ما المحدثون؟ إن خاطبهم رجل عن رجل، فقد خاطبنا القلب عن الرب.(أعلام/381)
وقال في اليهود: ما هؤلاء؟ هبهم لي، أي شيء هؤلاء حتى تعذبهم؟ .
قال السلمي في " تاريخ الصوفية ": توفي أبو يزيد عن ثلاث وسبعين سنة، وله كلام حسن في المعاملات.
ثم قال: ويحكى عنه في الشطح أشياء، منها ما لا يصح، أو يكون مقولا عليه، وكان يرجع إلى أحوال سنية، ثم ساق بإسناد له، عن أبي يزيد، قال: من نظر إلى شاهدي بعين الاضطراب، وإلى أوقاتي بعين الاغتراب، وإلى أحوالي بعين الاستدراج، وإلى كلامي بعين الافتراء، وإلى عباراتي بعين الاجتراء، وإلى نفسي بعين الازدراء، فقد أخطأ النظر في.
وعنه قال: لو صفا لي تهليلة ما باليت بعدها.
توفي أبو يزيد ببسطام، سنة إحدى وستين ومائتين.(أعلام/382)
أبو يعلى
الإمام الحافظ، شيخ الإسلام أبو يعلى، أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي الموصلي، محدث الموصل، وصاحب المسند والمعجم.
ولد في ثالث شوال سنة عشر ومائتين فهو أكبر من النسائي بخمس سنين، وأعلى إسنادا منه.
لقي الكبار، وارتحل في حداثته إلى الأمصار باعتناء أبيه وخاله محمد بن أحمد بن أبي المثنى، ثم بهمته العالية.
وسمع من أحمد بن حاتم الطويل، وأحمد بن جميل، وأحمد بن عيسى التستري، وأحمد بن إبراهيم الموصلي، وأحمد بن منيع، وأحمد بن محمد بن أيوب، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وإبراهيم بن الحجاج النيلي صاحب سلام بن أبي مطيع، وإبراهيم بن محمد بن عرعرة، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وإبراهيم بن زياد سبلان، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإسحاق بن موسى الخطمي ; وإسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وأبي معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي، وأبي إبراهيم إسماعيل الترجماني، وإسماعيل بن عبد الله بن خالد القرشي، وأيوب بن يونس البصري: عن وهيب، والأزرق بن علي أبي الجهم، وأمية بن بسطام.
وبشر بن الوليد الكندي، وبشر بن هلال، وبسام بن يزيد النقال.
وجعفر بن مهران السباك، وجبارة بن المغلس، وجعفر بن حميد الكوفي.
وحوثرة بن أشرس العدوي، والحسن بن عيسى بن ماسرجس، والحكم بن موسى، والحارث بن مسكين، والحارث بن سريج، وحفص بن عبد الله الحلواني، وحجاج بن الشاعر.
وخلف بن هشام البزار، وخالد بن مرداس، وخليفة بن خياط.
وداود بن عمرو الضبي، وداود بن رشيد.
وروح بن عبد المؤمن المقرئ، والربيع بن ثعلب.
وأبي خيثمة زهير بن حرب، وزكريا بن يحيى زحمويه، وزكريا بن يحيى الرقاشي، وزكريا بن يحيى الكسائي الكوفي، وأبي الربيع الزهراني.(أعلام/383)
وأبي الربيع سليمان بن داود الختلي، وأبي أيوب سليمان بن داود الشاذكوني، وسليمان بن محمد المباركي، وسعيد بن عبد الجبار، وسعيد بن أبي الربيع السمان، وسعيد بن مطرف الباهلي، وسريج بن يونس، وسهل بن زنجلة الرازي.
وشيبان بن فروخ.
والصلت بن مسعود الجحدري، وصالح بن مالك الخوارزمي.
وعبد الله بن محمد بن أسماء، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وعبد الله بن سلمة البصري، عن أشعث بن براز الهجيمي، وعبد الله بن عون الخراز، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن بكار البصري، وعبد الله بن عمر مشكدانة وعبيد الله بن عمر القواريري، وعبيد الله بن معاذ، وعبد الرحمن بن سلام الجمحي، وعبد الرحمن بن صالح الأزدي، وأبي نصر عبد الملك بن عبد العزيز التمار، وعبد الواحد بن غياث، وعبد الغفار بن عبد الله بن الزبير، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، وعلي بن الجعد، وعلي بن حمزة المعولي، وعلي بن المديني، وعمرو الناقد، وعمرو بن الحصين، وعمرو بن أبي عاصم النبيل، وعيسى بن سالم، وعثمان بن شيبة.
وغسان بن الربيع.
والفضل بن الصباح.
وقطن بن نسير.
وكامل بن طلحة.
ومصعب بن عبد الله، ومنصور بن أبي مزاحم، ومعلى بن مهدي، ومسروق بن المرزبان، والمنتجع بن مصعب بصري، وموسى بن محمد بن حيان، ومحمد بن منهال الضرير، ومحمد بن منهال الأنماطي، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، ومحمد بن يحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن جامع العطار وضعفه، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومحمد بن بكار مولى بني هاشم، ومحمد بن بكار البصري، ومحمد بن عباد المكي، ومحمد بن إسحاق المسيبي، وأبي كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن خالد الطحان، ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي.
ونعيم بن الهيصم.
وهدبة بن خالد، وهارون بن معروف، وهاشم بن الحارث، والهذيل بن إبراهيم الجماني.
ووهب بن بقية.(أعلام/384)
ويحيى بن معين، ويحيى بن أيوب المقابري، ويحيى الحماني، وخلق كثير سواهم، مذكورين في " معجمه ". قال أبو موسى المديني: أخبرنا هبة الله الأبرقوهي عمن ذكره أن والد أبي عبد الله بن مندة رحل إلى أبي يعلى، وقال له: إنما رحلت إليك لإجماع أهل العصر على ثقتك وإتقانك.
وقال السلمي: سألت الدارقطني عن أبي يعلى، فقال: ثقة مأمون.
حدث عنه: الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في " الكنى "، فقال: حدثنا أحمد بن المثنى، نسبة إلى جده، والحافظ أبو زكريا يزيد بن محمد الأزدي، وأبو حاتم بن حبان، وأبو الفتح الأزدي، وأبو علي الحسين بن محمد النيسابوري، وحمزة بن محمد الكناني، والطبراني، وأبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، وأبو أحمد عبد الله بن عدي، وابن السني، وأبو عمرو بن حمدان الحيري، وأبوه، وأبو بكر محمد بن إبراهيم المقرئ، والقاضي يوسف بن القاسم الميانجي، ومحمد بن النضر النخاس - بمعجمه، ونصر بن أحمد بن الخليل المرجي، وأبو الشيخ، وخلق كثير.
قال يزيد بن محمد الأزدي في " تاريخ الموصل ": ومنهم أبو يعلى التميمي. فذكر نسبه وكبار شيوخه، وقال: كان من أهل الصدق والأمانة، والدين والحلم، روى عن غسان بن الربيع، ومعلى بن مهدي، وغيرهما من المواصلة. إلى أن قال: وهو كثير الحديث، صنف المسند وكتبا في الزهد، والرقائق، وخرج الفوائد، وكان عاقلا، حليما صبورا، حسن الأدب، سمعته يقول: سمعت ابن قدامة: سمعت سفيان يقول: ما تمتع متمتع بمثل ذكر الله، قال داود -عليه السلام-: ما أحلى ذكر الله في أفواه المتعبدين.
وحدثنا أبو يعلى: حدثنا ابن زنجويه: سمعت عبد الرزاق يقول: الرافضي عندي كافر.(أعلام/385)
وقد بلغنا عن أبي عمرو بن حمدان أنه كان يفضل أبا يعلى الموصلي على الحسن بن سفيان، فقيل له: كيف تفضله و " مسند " الحسن أكبر، وشيوخه أعلى؟ قال: لأن أبا يعلى كان يحدث احتسابا، والحسن بن سفيان كان يحدث اكتسابا.
وقد وثق أبا يعلى أبو حاتم البستي وغيره، قال ابن حبان: هو من المتقنين المواظبين على رعاية الدين وأسباب الطاعة.
وقال ابن عدي: ما سمعت " مسندا " على الوجه إلا " مسند " أبي يعلى ; لأنه كان يحدث لله عز وجل.
قال ابن المقرئ: سمعت أبا إسحاق بن حمزة يثني على " مسند " أبي يعلى ويقول: من كتبه قل ما يفوته من الحديث.
قال ابن المقرئ: سمعت أبا يعلى يقول: عامة سماعي بالبصرة مع أبي زرعة.
وقال الحافظ عبد الغني الأزدي: أبو يعلى أحد الثقات الأثبات، كان على رأي أبي حنيفة.
قلت: نعم ; لأنه أخذ الفقه عن أصحاب أبي يوسف.
قال ابن مندة: أحمد بن علي بن المثنى بن عيسى بن هلال بن دينار التميمي، أبو يعلى، أحد الثقات، مات سنة سبع وثلاثمائة.
وقال أبو أحمد بن عدي في " كامله " في ذكر محمد الطفاوي: سمعت أبا يعلى يقول: عندي عن أبي خيثمة المسند والتفسير والموقوفات، حديثه كله.
وقد وصف أبو حاتم البستي أبا يعلى بالإتقان والدين، ثم قال: وبينه وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أنفس.
وقال أبو عبد الله الحاكم: كنت أرى أبا علي الحافظ معجبا بأبي يعلى الموصلي وحفظه وإتقانه، وحفظه لحديثه، حتى كان لا يخفى عليه منه إلا اليسير. ثم قال الحاكم: هو ثقة مأمون.
وقال أبو علي الحافظ: لو لم يشتغل أبو يعلى بكتب أبي يوسف على بشر بن الوليد الكندي لأدرك بالبصرة سليمان بن حرب، وأبا الوليد الطيالسي.
قلت: قنع برفيقهما الحافظ علي بن الجعد.(أعلام/386)
قال أبو سعد السمعاني: سمعت إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الحافظ يقول: قرأت المسانيد كمسند العدني، ومسند أحمد بن منيع وهي كالأنهار، ومسند أبي يعلى كالبحر يكون مجتمع الأنهار.
قلت: صدق، ولا سيما " مسنده " الذي عند أهل أصبهان من طريق ابن المقرئ عنه ; فإنه كبير جدا، بخلاف " المسند " الذي رويناه من طريق أبي عمرو بن حمدان عنه، فإنه مختصر.
ويقع حديثه عاليا بالاتصال للشيخ فخر الدين بن البخاري في أمالي الجوهري، ويقع حديثه بالإجازة العالية لأولادنا في أثناء جزء مأمون، وقد قرأت سماعه في سنة خمس وعشرين ومائتين ببغداد من أحمد بن حاتم الطويل صاحب مالك، وأبو الوليد الطيالسي حي بالبصرة إلى سنة سبع وعشرين، وعاش أبو يعلى إلى أثناء سنة سبع وثلاثمائة فقيده أبو الحسين بن المنادي في رابع عشر جمادى الأولى.
قلت: وانتهى إليه علو الإسناد، وازدحم عليه أصحاب الحديث، وعاش سبعا وتسعين سنة.
ومات معه في سنة سبع عدة من الكبار، كالحافظ زكريا الساجي، وأبي عمران موسى بن سهل الجوني، شيخي الحديث بالبصرة، والحافظ محمد بن هارون الروياني، وشيخا بلد واسط: جعفر بن أحمد بن سنان، ومحمود بن محمد، ومحدث دمشق جعفر بن أبي عاصم، ومسند بغداد الحسن بن الطيب الشجاعي البلخي، ومسند أصبهان المعمر أبو جعفر محمد بن علي بن مخلد بن فرقد الأصبهاني، وشيخ القراء أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني، والحافظ أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري بمكة، والمحدث أبو زكريا يحيى بن زكريا النيسابوري صاحب قتيبة بمصر، والحافظ جعفر بن محمد بن موسى النيسابوري الأعرج بحلب، ويقال له: جعفرك، ومقرئ مصر أبو بكر بن مالك بن سيف التجيبي، وشيخ بغداد أبو محمد الهيثم بن خلف الدوري.
ورفيقه محمد بن صالح بن ذريح العكبري، رحمهم الله تعالى.(أعلام/387)
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد قراءة عليه، عن عبد المعز بن محمد البزاز: أخبرنا أبو القاسم تميم بن أبي سعيد الجرجاني سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي سنة تسع وأربعين وأربعمائة، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى الموصلي بها سنة ست وثلاثمائة، حدثنا عبد الله بن بكار، حدثنا عكرمة بن عمار، عن الهرماس بن زياد قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم العيد الأضحى يخطب على بعير هذا حديث حسن عال جدا تساعي لنا.
أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي: أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد الهروي، أخبرنا تميم بن أبي سعيد، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو عمرو الحيري، أخبرنا أبو يعلى، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة، عن أبي عون: سمعت جابر بن سمرة قال: قال عمر لسعد: قد شكوك في كل شيء حتى في الصلاة. قال: أما أنا فإني أمد في الأوليين، وأحذف في الأخريين، وما آلوا ما اقتديت به من صلاة رسول الله. قال: ذاك الظن بك، أو كذاك ظني بك.
قال يزيد بن محمد: أخبرنا أبو يعلى الموصلي: أنشدنا عمر بن شبة، عن أبي غزية:
لا يزهدنك في أخ
لك أن تراه زل زله
والمرء يطرحه الذي
ن يلونه في شر إله
ويخونه من كان من
أهل البطانة والدخله
والموت أعظم حادث
مما يمر على الجبله(أعلام/388)
أبي بن كعب
(ع)
ابن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار.
سيد القراء أبو منذر الأنصاري النجاري المدني المقرئ البدري ويكنى أيضا أبا الطفيل.
شهد العقبة وبدرا، وجمع القرآن في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعرض على النبي - عليه السلام - وحفظ عنه علما مباركا، وكان رأسا في العلم والعمل - رضي الله عنه.
حدث عنه بنوه محمد، والطفيل، وعبد الله، وأنس بن مالك، وابن عباس، وسويد بن غفلة، وزر بن حبيش، وأبو العالية الرياحي وأبو عثمان النهدي، وسليمان بن صرد، وسهل بن سعد، وأبو إدريس الخولاني، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وعبد الرحمن بن أبزى، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبيد بن عمير، وعتي السعدي، وابن الحوتكية، وسعيد بن المسيب، وكأنه مرسل، وآخرون.
فعن عيسى بن طلحة بن عبيد الله قال: كان أبي رجلا دحداحا، يعني ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير.
وعن ابن عباس بن سهل، قال: كان أبي أبيض الرأس واللحية.
وقال أنس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب: إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن. وفي لفظ: أمرني أن أقرئك القرآن. قال: الله سماني لك؟ قال: نعم. قال: وذكرت عند رب العالمين؟ قال: نعم. فذرفت عيناه
ولما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أبيا عن أي آية في القرآن أعظم، فقال أبي الله لا إله إلا هو الحي القيوم. ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - في صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر.
قال أنس بن مالك: جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي.
وقال ابن عباس: قال أبي لعمر بن الخطاب: إني تلقيت القرآن ممن تلقاه من جبريل - عليه السلام - وهو رطب.(أعلام/389)
وقال ابن عباس: قال عمر: أقضانا علي، وأقرؤنا أبي، وإنا لندع من قراءة أبي، وهو يقول: لا أدع شيئا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها [البقرة: 106] .
وروى أبو قلابة، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقرأ أمتي أبي.
وعن أبي سعيد قال: قال أبي: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جزاء الحمى؟ قال: تجري الحسنات على صاحبها. فقال: اللهم إني أسألك حمى لا تمنعني خروجا في سبيلك. فلم يمس أبي قط إلا وبه الحمى.
قلت: ملازمة الحمى له حرفت خلقه يسيرا، ومن ثم يقول زر بن حبيش: كان أبي فيه شراسة.
قال أبو نضرة العبدي: قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر طلبت حاجة إلى عمر وإلى جنبه رجل أبيض الثياب والشعر، فقال: إن الدنيا فيها بلاغنا، وزادنا إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة. فقلت: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا سيد المسلمين أبي بن كعب.
قال مغيرة بن مسلم، عن الربيع، عن أنس، عن أبي العالية قال: قال رجل لأبي بن كعب: أوصني، قال: اتخذ كتاب الله إماما، وارض به قاضيا وحكما، فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم، شفيع، مطاع، وشاهد لا يتهم، فيه ذكركم وذكر من قبلكم، وحكم ما بينكم، وخبركم وخبر ما بعدكم.
الثوري، وأبو جعفر الرازي، واللفظ له: عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم. قال: هن أربع، كلهن عذاب، وكلهن واقع لا محالة، فمضت اثنتان بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمس وعشرين سنة، فألبسوا شيعا، وذاق بعضهم بأس بعض، وبقي ثنتان واقعتان لا محالة: الخسف والرجم.(أعلام/390)
أخبرنا إسحاق الأسدي، أنبأنا يوسف الحافظ، أنبأنا أحمد بن محمد، أنبأنا أبو علي المقرئ: أنبأنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعدان، حدثنا بكر بن بكار، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، حدثني أبي، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: كنت واقفا مع أبي بن كعب في ظل أطم حسان، والسوق سوق الفاكهة اليوم، فقال أبي: ألا ترى الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا؟ قلت بلى، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فإذا سمع به الناس، وساروا إليه، فيقول من عنده: لئن تركنا الناس يأخذون منه لا يدعون منه شيئا، فيقتل الناس من كل مائة تسعة وتسعون.
أخرجه مسلم من طريق عبد الحميد، وله إسناد آخر وهو الزبيدي، عن الزهري، عن إسحاق مولى المغيرة عن أبي.
أبو صالح الكاتب: حدثنا موسى بن علي، عن أبيه أن عمر خطب بالجابية، فقال: من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيدا، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذا، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني ; فإن الله جعلني خازنا وقاسما.
ورواه الواقدي عن موسى أيضا.
أبو بكر بن عياش: عن عاصم عن زر قال: أتيت المدينة، فأتيت أبيا فقلت: يرحمك الله، اخفض لي جناحك - وكان امرءا فيه شراسة - فسألته عن ليلة القدر، فقال: ليلة سبع وعشرين.
سفيان الثوري: عن أسلم المنقري، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه قال: قال أبي بن كعب: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمرت أن أقرأ عليك القرآن. قلت: يا رسول الله، وسميت لك؟ قال: نعم. قلت لأبي: فرحت بذلك؟ قال: وما يمنعني وهو تعالى يقول: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا.
تابعه الأجلح، عن عبد الله، عن أبيه.(أعلام/391)
محمد بن عيسى بن الطباع: حدثنا معاذ بن محمد بن محمد بن أبي بن كعب، عن أبيه، عن جده، عن أبي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا المنذر، إني أمرت أن أعرض عليك القرآن. فقلت: بالله آمنت، وعلى يدك أسلمت، ومنك تعلمت. فرد القول، فقلت: يا رسول الله، وذكرت هناك؟ قال: نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى. قلت: اقرأ إذن يا رسول الله.
وقد رواه أبو حاتم الرازي، عن ابن الطباع، فقال: حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي.
سفيان عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: استقرئوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وأبي، ومعاذ، وسالم مولى أبي حذيفة.
وأخرج أبو داود من حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة، فلبس عليه، فلما انصرف، قال لأبي: أصليت معنا؟ قال: نعم. قال: فما منعك.
شعبة: عن أبي جمرة حدثنا إياس بن قتادة، عن قيس بن عباد، قال: أتيت المدينة للقاء أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن فيهم رجل ألقاه أحب إلي من أبي، فأقيمت الصلاة، وخرج فقمت في الصف الأول، فجاء رجل فنظر في وجوه القوم، فعرفهم غيري، فنحاني، وقام في مقامي، فما عقلت صلاتي، فلما صلى قال: يا بني، لا يسوءك الله ; فإني لم آت الذي أتيت بجهالة، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنا: كونوا في الصف الذي يليني وإني نظرت في وجوه القوم، فعرفتهم غيرك، وإذا هو أبي - رضي الله عنه.
الدارمي حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا عكرمة بن إبراهيم، أخبرنا يزيد بن شداد، حدثني معاوية بن قرة، حدثني عتبة بن عبد الله بن عمرو بن العاص، حدثني أبي، عن جدي قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيد، فقال: ادعوا لي سيد الأنصار. فدعوا أبي بن كعب، فقال: يا أبي، ائت بقيع المصلى، فأمر بكنسه الحديث.(أعلام/392)
الوليد بن مسلم: حدثنا عبد الله بن العلاء، عن عطية بن قيس، عن أبي إدريس الخولاني: أن أبا الدرداء ركب إلى المدينة في نفر من أهل دمشق، فقرءوا يوما على عمر: إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حموا، لفسد المسجد الحرام.
فقال عمر: من أقرأكم هذا؟ قالوا: أبي بن كعب. فدعا به، فلما أتى قال: اقرءوا. فقرءوا كذلك. فقال أبي: والله يا عمر إنك لتعلم أني كنت أحضر ويغيبون، وأدنى ويحجبون، ويصنع بي ويصنع بي، ووالله لئن أحببت، لألزمن بيتي، فلا أحدث شيئا، ولا أقرئ أحدا حتى أموت. فقال عمر: اللهم غفرا! إنا لنعلم أن الله قد جعل عندك علما فعلم الناس ما علمت.
ابن عيينة: عن عمرو، عن بجالة أو غيره قال: مر عمر بن الخطاب بغلام يقرأ في المصحف النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم. فقال: يا غلام حكها. قال: هذا مصحف أبي. فذهب إليه فسأله فقال: إنه كان يلهيني القرآن، ويلهيك الصفق بالأسواق.
عوف: عن الحسن: حدثني عتي بن ضمرة قال: رأيت أهل المدينة يموجون في سككهم. فقلت: ما شأن هؤلاء؟ فقال بعضهم: ما أنت من أهل البلد؟ قلت: لا. قال: فإنه قد مات اليوم سيد المسلمين، أبي بن كعب.
أيوب: عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن أبي قال: إنا لنقرأه في ثمان ليال - يعني القرآن.
سلام بن مسكين: حدثنا عمران بن عبد الله، قال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب: مالك لا تستعملني؟ قال: أكره أن يدنس دينك.
الأعمش: عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال عمر: اخرجوا بنا إلى أرض قومنا. فكنت في مؤخر الناس مع أبي بن كعب. فهاجت سحابة، فقال: اللهم اصرف عنا أذاها، قال: فلحقناهم وقد ابتلت رحالهم، فقال عمر: ما أصابكم الذي أصابنا، قلت: إن أبا المنذر قال: اللهم اصرف عنا أذاها، قال: فهلا دعوتم لنا معكم.(أعلام/393)
قال معمر: عامة علم ابن عباس من ثلاثة: عمر، وعلي، وأبي.
قال مسروق: سألت أبيا عن شيء، فقال: أكان بعد؟ قلت: لا. قال: فاحمنا حتى يكون، فإذا كان، اجتهدنا لك رأينا.
الجريري: عن أبي نضرة، قال: قال رجل منا يقال له: جابر أو جويبر، قال: أتيت عمر وقد أعطيت منطقا فأخذت في الدنيا، فصغرتها، فتركتها لا تسوى شيئا، وإلى جنبه رجل أبيض الرأس واللحية والثياب، فقال: كل قولك مقارب إلا وقوعك في الدنيا، هل تدري ما الدنيا؟ فيها بلاغنا - أو قال: زادنا - إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها. قلت: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا سيد المسلمين أبي بن كعب.
أصرم بن حوشب: عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: كان أبي صاحب عبادة، فلما احتاج الناس إليه، ترك العبادة وجلس للقوم.
عوف: عن الحسن، عن عتي بن ضمرة، قلت لأبي بن كعب: ما شأنكم يا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نأتيكم من الغربة نرجو عندكم الخير فتهاونون بنا؟ قال: والله لئن عشت إلى هذه الجمعة لأقولن قولا لا أبالي استحييتموني أو قتلتموني.
فلما كان يوم الجمعة، خرجت، فإذا أهل المدينة يموجون في سككها، فقلت: ما الخبر؟ قالوا: مات سيد المسلمين أبي بن كعب.
قد ذكرت أخبار أبي بن كعب في " طبقات القراء "، وأن ابن عباس وأبا العالية، وعبد الله بن السائب قرءوا عليه، وأن عبد الله بن عياش المخزومي قرأ عليه أيضا، وكان عمر يجل أبيا، ويتأدب معه، ويتحاكم إليه.
قال محمد بن عمر الواقدي: تدل أحاديث على وفاة أبي بن كعب في خلافة عمر. ورأيت أهله وغيرهم يقولون: مات في سنة اثنتين وعشرين بالمدينة، وأن عمر قال: اليوم مات سيد المسلمين.
قال: وقد سمعنا من يقول: مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين قال: وهو أثبت الأقاويل عندنا، وذلك أن عثمان أمره أن يجمع القرآن.(أعلام/394)
وقال محمد بن سعد: حدثنا عارم، حدثنا حماد، عن أيوب، عن ابن سيرين: أن عثمان جمع اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فيهم أبي بن كعب، وزيد بن ثابت في جمع القرآن.
قلت: هذا إسناد قوي، لكنه مرسل. وما أحسب أن عثمان ندب للمصحف أبيا، ولو كان كذلك لاشتهر، ولكان الذكر لأبي لا لزيد، والظاهر وفاة أبي في زمن عمر، حتى إن الهيثم بن عدي وغيره ذكرا موته سنة تسع عشرة.
وقال محمد بن عبد الله بن نمير، وأبو عبيد، وأبو عمر الضرير: مات سنة اثنتين وعشرين فالنفس إلى هذا أميل، وأما خليفة بن خياط، وأبو حفص الفلاس فقالا: مات في خلافة عثمان. وقال خليفة مرة: مات سنة اثنتين وثلاثين.
وفي سنن أبي داود: يونس بن عبيد، عن الحسن أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب في قيام رمضان، فكان يصلي بهم عشرين ركعة. وقد كان أبي التقط صرة فيها مائة دينار، فعرفها حولا وتملكها، وذلك في " الصحيحين ".
وروى عنه ابن عباس قصة موسى والخضر وذلك في " الصحيحين " أيضا.
ولأبي في الكتب الستة نيف وستون حديثا.
وأنبأني بنسبه الحافظ أبو محمد النوني، وقال مالك بن النجار: هو أخو عدي ودينار ومازن، واسم النجار والدهم تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج. قال: وأبي بن كعب هو ابن عمة أبي طلحة الأنصاري.
وكان أبي نحيفا، قصيرا، أبيض الرأس واللحية.
قال الواقدي: رأيت أهله وغير واحد يقولون: مات في سنة اثنتين وعشرين بالمدينة. وقد سمعت من يقول: مات: في خلافة عثمان سنة ثلاثين وهو أثبت الأقاويل عندنا. قال: لأن عثمان أمره أن يجمع القرآن.
روى حماد بن زيد: عن أيوب وهشام، عن ابن سيرين: أن عثمان جمع اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فيهم أبي وزيد بن ثابت في جمع القرآن.
له عند بقي بن مخلد مائة وأربعة وستون حديثا، منها في البخاري ومسلم ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بثلاثه، ومسلم بسبعة.(أعلام/395)
أحمد بن أبي دواد
القاضي الكبير، أبو عبد الله، أحمد بن فرج بن حريز الإيادي البصري ثم البغدادي ; الجهمي، عدو أحمد بن حنبل. كان داعية إلى خلق القرآن، له كرم وسخاء وأدب وافر ومكارم.
قال الصولي: أكرم الدولة البرامكة، ثم ابن أبي دواد لولا ما وضع به نفسه من محبة المحنة. ولد سنة ستين ومائة بالبصرة، ولم يضف إلى كرمه كرم.
قال حريز بن أحمد بن أبي دواد: كان أبي إذا صلى، رفع يده إلى السماء وخاطب ربه ويقول:
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما
نجح الأمور بقوة الأسباب
فاليوم حاجتنا إليك، وإنما
يدعى الطبيب لساعة الأوصاب
وقال أبو العيناء: كان ابن أبي دواد شاعرا مجيدا فصيحا بليغا، ما رأيت رئيسا أفصح منه. قال عون بن محمد الكندي: لعهدي بالكرخ، ولو أن رجلا قال: ابن أبي دواد مسلم، لقتل، ثم وقع الحريق في الكرخ، فلم يكن مثله قط. فكلم ابن أبي دواد المعتصم في الناس، ورققه إلى أن أطلق له خمسة آلاف ألف درهم، فقسمها على الناس، وغرم من ماله جملة. فلعهدي بالكرخ، ولو أن إنسانا، قال: زر أحمد بن أبي دواد وسخ، لقتل. ولما مات، رثته الشعراء، فمن ذلك:
وليس نسيم المسك ريح حنوطه
ولكنه ذاك الثناء المخلف
وليس صرير النعش ما تسمعونه
ولكنه أصلاب قوم تقصف
وقد كان ابن أبي دواد يوم المحنة إلبا على الإمام أحمد يقول: يا أمير المؤمنين، اقتله، هو ضال مضل.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي، سمعت بشر بن الوليد يقول: استتبت أحمد بن أبي دواد من قوله: القرآن مخلوق في ليلة ثلاث مرات، ثم يرجع.(أعلام/396)
قال الخلال: حدثنا محمد بن أبي هارون، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن هانئ قال: حضرت العيد مع أحمد بن حنبل، فإذا بقاص يقول: على ابن أبي دواد اللعنة، وحشا الله قبره نارا. فقال أبو عبد الله: ما أنفعهم للعامة. وقد كان ابن أبي دواد محسنا إلى علي ابن المديني بالمال، لأنه بلديه ولشيء آخر، وقد شاخ ورمي بالفالج، وعاده عبد العزيز الكناني وقال: لم آتك عائدا، بل لأحمد الله على أن سجنك في جلدك.
قال المغيرة بن محمد المهلبي: مات هو وولده محمد منكوبين، الولد أولا، ثم مات الأب في المحرم سنة أربعين ومائتين، ودفن بداره ببغداد. قلت: صادره المتوكل، وأخذ منه ستة عشر ألف ألف درهم، وافتقر، وولى القضاء يحيى بن أكثم، ثم عزله بعد عامين، وأخذ منه مائة ألف دينار وأربعة آلاف جريب كانت له بالبصرة. فالدنيا محن.(أعلام/397)
أحمد بن أصرم
ابن خزيمة بن عباد بن عبد الله بن حسان بن الصحابي عبد الله بن مغفل المزني، المغفلي البصري، ثم الهمذاني.
حدث عن: أحمد بن حنبل، وابن معين، وعبد الله الأعلى بن حماد، والقواريري، وسريج، وأبي إبراهيم الترجماني، وعدة.
وعنه: أبو عوانة في " صحيحه "، وابن أبي حاتم، والقاسم بن أبي صالح، وأبو جعفر العقيلي، وأبو عبد الله بن مروان الدمشقي، وأبو بكر النجاد، وآخرون.
وثقه أبو بكر الخلال، وقال: حدثنا أبو بكر المروذي عنه.
وقال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وسمعت موسى بن إسحاق القاضي يعظم شأنه، ويعرف منزلته.
وقال صالح بن أحمد الحافظ: كان ثبتا، شديدا على أصحاب البدع.
قلت: توفي في جمادى الأولى، سنة خمس وثمانين ومائتين وهو من طبقة الفريابي ونحوه، وإنما قدمته لقدم وفاته. مات في عشر الثمانين.(أعلام/398)
أحمد بن حفص
الفقيه العلامة، شيخ ما وراء النهر أبو حفص البخاري الحنفي، فقيه المشرق، ووالد العلامة شيخ الحنفية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن حفص الفقيه.
ارتحل، وصحب محمد بن الحسن مدة، وبرع في الرأي، وسمع من وكيع بن الجراح، وأبي أسامة وهذه الطبقة.
قال الشيخ محمد بن أبي رجاء البخاري: سمعت أحمد بن حفص يقول: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم عليه قميص، وامرأة إلى جنبه تبكي، فقال لها: لا تبكي، فإذا مت فابكي. فلم أجد من يعبرها لي حتى قال لي إسماعيل والد البخاري: إن السنة قائمة بعد.
قال عبد الله بن محمد بن عمر الأديب: سمعت الليث بن نصر الشاعر يقول: تذاكرنا الحديث: " إن على رأس كل مائة سنة من يصلح أن يكون علم الزمان " فبدأت بأبي حفص أحمد بن حفص، فقلت: هو في فقهه وورعه وعمله يصلح أن يكون علم الزمان، ثم ثنيت بمحمد بن إسماعيل البخاري، فقلت: هو في معرفة الحديث وطرقه يصلح أن يكون علما، ثم ثلثت بأحمد بن إسحاق السرماري، فقلت: رجل يقرأ على منبر الخليفة هاهنا يقول: شهدت مرة أن رجلا وحده كسر جند العدو -عنى نفسه- فإنه يصلح أن يكون علم الزمان. قالوا: نعم. مولد أبي حفص الفقيه سنة خمسين ومائة.
وسمع أيضا من: هشيم بن بشير، وجرير بن عبد الحميد، والرواية عنه تعز.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر بن منير، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، أخبرنا هناد بن إبراهيم، أخبرنا محمد بن أحمد الحافظ، حدثنا أبو نصر أحمد بن سهل بن حمدويه، حدثنا أحمد بن عمر بن داود، حدثنا أبو حفص أحمد بن حفص، عن جرير، عن منصور، عن ربعي، عن علي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة، بالله وحده لا شريك له، وأن الله بعثني بالحق، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره. .(أعلام/399)
مات أبو حفص ببخارى في المحرم سنة سبع عشرة ومائتين.(أعلام/400)
أحمد بن حنبل (ع)
هو الإمام حقا، وشيخ الإسلام صدقا، أبو عبد الله، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي، أحد الأئمة الأعلام. هكذا ساق نسبه ولده عبد الله، واعتمده أبو بكر الخطيب في " تاريخه " وغيره.
وقال الحافظ أبو محمد بن أبي حاتم في كتاب " مناقب أحمد ": حدثنا صالح بن أحمد قال: وجدت في كتاب أبي نسبه، فساقه إلى مازن، كما مر، ثم قال: ابن هذيل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة، كذا قال: هذيل، وهو وهم وزاد بعد وائل: ابن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم، صلوات الله عليه.
وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا صالح بن أحمد فذكر النسب، فقال فيه ذهل على الصواب. وهكذا نقل إسحاق الغسيلي عن صالح. وأما قول عباس الدوري، وأبي بكر بن أبي داود: إن الإمام أحمد من بني ذهل بن شيبان فوهم، غلطهما الخطيب وقال: إنما هو من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة، ثم قال: وذهل بن ثعلبة هم عم ذهل بن شيبان بن ثعلبة. فينبغي أن يقال فيه: أحمد بن حنبل الذهلي على الإطلاق. وقد نسبه أبو عبد الله البخاري إليهما معا.
وأما ابن ماكولا فمع بصره بهذا الشأن وهم أيضا. وقال في نسبه: مازن بن ذهل بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وما تابعه على هذا أحد. وكان محمد والد أبي عبد الله من أجناد مرو، مات شابا له نحو من ثلاثين سنة. وربي أحمد يتيما، وقيل: إن أمه تحولت من مرو، وهي حامل به.
فقال صالح، قال لي أبي: ولدت في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة قال صالح: جيء بأبي حمل من مرو، فمات أبوه شابا، فوليته أمه.(أعلام/401)
وقال عبد الله بن أحمد، وأحمد بن أبي خيثمة: ولد في ربيع الآخر.
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: طلبت الحديث سنة تسع وسبعين، فسمعت بموت حماد بن زيد، وأنا في مجلس هشيم.
قال صالح: قال أبي: ثقبت أمي أذني فكانت تصر فيهما لؤلؤتين، فلما ترعرعت، نزعتهما، فكانت عندها، ثم دفعتهما إلي، فبعتهما بنحو من ثلاثين درهما.
قال أبو داود: سمعت يعقوب الدورقي، سمعت أحمد يقول: ولدت في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة.(أعلام/402)
شيوخه طلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة، في العام الذي مات فيه مالك، وحماد بن زيد. فسمع من إبراهيم بن سعد قليلا، ومن هشيم بن بشير فأكثر، وجود، ومن عباد بن عباد المهلبي، ومعتمر بن سليمان التيمي، وسفيان بن عيينة الهلالي، وأيوب بن النجار، ويحيى بن أبي زائدة، وعلي بن هاشم بن البريد وقران بن تمام، وعمار بن محمد الثوري، والقاضي أبي يوسف، وجابر بن نوح الحماني، وعلي بن غراب القاضي، وعمر بن عبيد الطنافسي، وأخويه يعلى، ومحمد، والمطلب بن زياد، ويوسف بن الماجشون، وجرير بن عبد الحميد، وخالد بن الحارث، وبشر بن المفضل، وعباد بن العوام، وأبي بكر بن عياش، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي، وعبدة بن سليمان، ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، والنضر بن إسماعيل البجلي، وأبي خالد الأحمر، وعلي بن ثابت الجزري، وأبي عبيدة الحداد، وعبيدة بن حميد الحذاء، ومحمد بن سلمة الحراني، وأبي معاوية الضرير، وعبد الله بن إدريس، ومروان بن معاوية، وغندر، وابن علية، ومخلد بن يزيد الحراني، وحفص بن غياث، وعبد الوهاب الثقفي، ومحمد بن فضيل، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، والوليد بن مسلم، ويحيى بن سليم حديثا واحدا، ومحمد بن يزيد الواسطي، ومحمد بن الحسن المزني الواسطي، ويزيد بن هارون، وعلي بن عاصم، وشعيب بن حرب، ووكيع فأكثر، ويحيى القطان فبالغ، ومسكين بن بكير، وأنس بن عياض الليثي، وإسحاق الأزرق، ومعاذ بن معاذ، ومعاذ بن هشام، وعبد الأعلى السامي، ومحمد بن أبي عدي، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن نمير، ومحمد بن بشر، وزيد بن الحباب، وعبد الله بن بكر، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأبي عاصم، وعبد الرزاق، وأبي نعيم، وعفان، وحسين بن علي الجعفي، وأبي النضر، ويحيى بن آدم، وأبي عبد الرحمن المقرئ، وحجاج بن محمد، وأبي عامر العقدي، وعبد(أعلام/403)
الصمد بن عبد الوارث، وروح بن عبادة، وأسود بن عامر، ووهب بن جرير، ويونس بن محمد، وسليمان بن حرب، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، وخلائق إلى أن ينزل في الرواية عن قتيبة بن سعيد، وعلي ابن المديني، وأبي بكر بن أبي شيبة، وهارون بن معروف، وجماعة من أقرانه. فعدة شيوخه الذين روى عنهم في " المسند " مائتان وثمانون ونيف.
قال عبد الله: حدثني أبي، قال حدثنا علي بن عبد الله، وذلك قبل المحنة. قال عبد الله: ولم يحدث أبي عنه بعد المحنة بشيء.
قلت: يريد عبد الله بهذا القول أن أباه لم يحمل عنه بعد المحنة شيئا، وإلا فسماع عبد الله بن أحمد لسائر كتاب " المسند " من أبيه كان بعد المحنة بسنوات في حدود سنة سبع وثمان وعشرين ومائتين، وما سمع عبد الله شيئا من أبيه ولا من غيره إلا بعد المحنة، فإنه كان أيام المحنة صبيا مميزا ما كان حله يسمع بعد والله أعلم.(أعلام/404)
حدث عنه البخاري حديثا، وعن أحمد بن الحسن عنه حديثا آخر في المغازي. وحدث عنه مسلم، وأبو داود بجملة وافرة، وروى أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه عن رجل عنه، وحدث عنه أيضا ولداه صالح وعبد الله، وابن عمه حنبل بن إسحاق، وشيوخه عبد الرزاق، والحسن بن موسى الأشيب، وأبو عبد الله الشافعي، لكن الشافعي لم يسمه، بل قال: حدثني الثقة. وحدث عنه علي ابن المديني، ويحيى بن معين، ودحيم، وأحمد بن صالح، وأحمد بن أبي الحواري، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وأحمد بن الفرات، والحسن بن الصباح البزار، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وحجاج بن الشاعر، ورجاء بن مرجى، وسلمة بن شبيب، وأبو قلابة الرقاشي، والفضل بن سهل الأعرج، ومحمد بن منصور الطوسي، وزياد بن أيوب، وعباس الدوري، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وحرب بن إسماعيل الكرماني، وإسحاق الكوسج، وأبو بكر الأثرم، وإبراهيم الحربي، وأبو بكر المروذي وأبو زرعة الدمشقي، وبقي بن مخلد، وأحمد بن أصرم المغفلي، وأحمد بن منصور الرمادي، وأحمد بن ملاعب، وأحمد بن أبي خيثمة، وموسى بن هارون، وأحمد بن علي الأبار، ومحمد بن عبد الله مطين وأبو طالب أحمد بن حميد، وإبراهيم بن هانئ النيسابوري، وولده إسحاق بن إبراهيم، وبدر المغازلي، وزكريا بن يحيى الناقد، ويوسف بن موسى الحربي، وأبو محمد فوران، وعبدوس بن مالك العطار، ويعقوب بن بختان، ومهنى بن يحيى الشامي، وحمدان بن علي الوراق، وأحمد بن محمد القاضي البرتي، والحسين بن إسحاق التستري، وإبراهيم بن محمد بن الحارث الأصبهاني، وأحمد بن يحيى ثعلب، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وإدريس بن عبد الكريم الحداد، وعمر بن حفص السدوسي، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي، ومحمد بن عبد الرحمن السامي، وعبد الله بن محمد البغوي، وأمم سواهم.(أعلام/405)
وقد جمع أبو محمد الخلال جزءا في تسمية الرواة عن أحمد سمعناه من الحسن بن علي، عن جعفر، عن السلفي، عن جعفر السراج عنه، فعد فيهم وكيع بن الجراح، ويحيى بن آدم.
قال الخطيب في كتاب " السابق ": أخبرنا أبو سعيد الصيرفي، حدثنا الأصم، حدثنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا الثقة من أصحابنا، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق، أن عمر قال: إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة.
قال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو زرعة أن أحمد أصله بصري، وخطته بمرو، وحدثنا صالح سمعت أبي يقول: مات هشيم فخرجت إلى الكوفة سنة ثلاث وثمانين، وأول رحلاتي إلى البصرة سنة ست. وخرجت إلى سفيان سنة سبع فقدمنا، وقد مات الفضيل بن عياض. وحججت خمس حجج، منها ثلاث راجلا، أنفقت في إحداها ثلاثين درهما. وقدم ابن المبارك في سنة تسع وسبعين، وفيها أول سماعي من هشيم، فذهبت إلى مجلس ابن المبارك، فقالوا: قد خرج إلى طرسوس، وكتبت عن هشيم أكثر من ثلاثة آلاف. ولو كان عندي خمسون درهما، لخرجت إلى جرير إلى الري. قلت: قد سمع منه أحاديث. قال: وسمعت أبي يقول: كتبت عن إبراهيم بن سعد في ألواح، وصليت خلفه غير مرة، فكان يسلم واحدة. وقد روى عن أحمد من شيوخه ابن مهدي. فقرأت على إسماعيل بن الفراء، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا المبارك بن خضير، أخبرنا أبو طالب اليوسفي، أخبرنا إبراهيم بن عمر، أخبرنا علي بن عبد العزيز، حدثنا ابن أبي حاتم، حدثنا أحمد بن سنان، سمعت، عبد الرحمن بن مهدي يقول: كان أحمد بن حنبل عندي، فقال: نظرنا فيما كان يخالفكم فيه وكيع، أو فيما يخالف وكيع الناس، فإذا هي نيف وستون حديثا.
روى صالح بن أحمد، عن أبيه، قال: مات هشيم، وأنا ابن عشرين سنة، وأنا أحفظ ما سمعت منه.(أعلام/406)
أحمد بن سنان (خ، م، د، ق)
ابن أسد بن حبان، الإمام الحافظ المجود. أبو جعفر، الواسطي القطان. ولد بعد السبعين ومائة.
سمع أبا معاوية الضرير، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، ويزيد بن هارون، وهذه الطبقة، وصنف " المسند ".
حدث عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وابنه جعفر بن أحمد، وابن خزيمة، والنسائي في جمعه لحديث مالك، ويحيى بن صاعد، وعلي بن عبد الله بن مبشر، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وخلق سواهم.
وقال فيه ابن أبي حاتم: هو إمام أهل زمانه.
وقال أبوه أبو حاتم: ثقة صدوق.
وقال إبراهيم بن أورمة: ما كتبناه عن أبي موسى، وبندار أعدناه عن أحمد بن سنان، وما كتبناه عن أحمد لم نعده عن غيره.
قال جعفر بن أحمد بن سنان: سمعت أبي يقول: ليس في الدنيا مبتدع إلا يبغض أصحاب الحديث، وإذا ابتدع الرجل [بدعة] نزعت حلاوة الحديث من قلبه.
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: توفي أحمد بن سنان سنة ست وخمسين. ويقال: سنة ثمان وخمسين. ويقال: سنة تسع وخمسين ومائتين. أخبرنا أحمد بن يوسف، وعلي بن محمد، وابن الظاهري، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا سعيد بن البناء حضورا، أخبرنا محمد بن محمد، أنبأنا محمد بن عمر، حدثنا أبو بكر بن أبي داود، حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا يزيد، أخبرنا شريك، عن محمد بن جحادة، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام.(أعلام/407)
أحمد بن شيبان
ابن الوليد بن حيان، المحدث الكبير الصدوق، أبو عبد المؤمن الرملي.
سمع سفيان بن عيينة، وعبد المجيد بن رواد، وعبد الملك الجدي، ومؤمل بن إسماعيل.
حدث عنه: يوسف بن موسى المروزي، وأبو العباس الأصم، ويحيى بن صاعد، وابن خزيمة، وعثمان بن محمد بن أحمد السمرقندي، وآخرون.
وثقه أبو عبد الله الحاكم.
وقال ابن حبان: يخطئ.
قلت: وقع لنا من عواليه في " الخلعيات " وفي " الثقفيات ".
مات في صفر سنة ثمان وستين ومائتين.(أعلام/408)
أحمد بن صالح (خ، د)
الإمام الكبير، حافظ زمانه بالديار المصرية أبو جعفر المصري، المعروف بابن الطبري. كان أبوه جنديا من آمل طبرستان.
وكان أبو جعفر رأسا في هذا الشأن، قل أن ترى العيون مثله، مع الثقة والبراعة.
ولد بمصر سنة سبعين ومائة ضبطه ابن يونس. حدث عن: ابن وهب فأكثر، وعن سفيان بن عيينة، ارتحل إليه، وحج، وسار إلى اليمن، فأكثر عن عبد الرزاق. وروى أيضا عن: ابن أبي فديك، وعنبسة بن خالد الأيلي، وحرمي بن عمارة، وأسد بن موسى، وعبد الملك بن عبد الرحمن الذماري، ويحيى بن حسان، ويحيى بن محمد الجاري، وأبي نعيم، وعفان، وسلامة بن روح، وخلق سواهم.
حدث عنه: البخاري، وأبو داود، وأبو زرعة الرازي، ومحمد بن يحيى، وموسى بن سهل الرملي، ومحمد بن المثنى الزمن، وهو أكبر منه، ومحمود بن غيلان، وهو من طبقته، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومات قبله بزمان، وأبو إسماعيل الترمذي، وأبو الأحوص محمد بن الهيثم، ويعقوب الفسوي، وإسماعيل سمويه، وصالح بن محمد جزرة، وعثمان بن سعيد الدارمي، وأبو زرعة الدمشقي، وعلي بن الحسين بن الجنيد، وعبيد بن رجال، وأحمد بن محمد بن نافع الطحان، وخلق كثير، آخرهم وفاة أبو بكر بن أبي داود، وقد سمع منه النسائي، ولم يحدث عنه، وقع بينهما، وآذاه أحمد بن صالح، فآذى النسائي نفسه بوقوعه في أحمد.
روى علي بن عبد الرحمن بن المغيرة، عن محمد بن عبد الله بن نمير، سمعت أبا نعيم يقول: ما قدم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتى، يريد أحمد بن صالح.
وقال الحافظ ابن عدي: سمعت أحمد بن عاصم الأقرع بمصر، سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول: قدمت العراق، فسألني أحمد بن حنبل: من خلفت بمصر؟ قلت: أحمد بن صالح، فسر بذكره، وذكر خيرا، ودعا الله له.(أعلام/409)
محمد بن حمدون بن خالد النيسابوري: سمعت أبا الحسن علي بن محمود الهروي يقول: قلت لأحمد بن حنبل: من أعرف الناس بأحاديث ابن شهاب؟ قال: أحمد بن صالح، ومحمد بن يحيى النيسابوري.
وقال عبد الله بن إسحاق النهاوندي الحافظ: سمعت يعقوب بن سفيان يقول: كتبت عن ألف شيخ وكسر، كلهم ثقات، ما أحد أتخذه عند الله حجة، إلا رجلين: أحمد بن صالح بمصر، وأحمد بن حنبل بالعراق.
قلت: في صحة هذا نظر، فإن يعقوب ما كتب عن ألف شيخ ولا شطر ذلك. وهذه مشيخته موجودة في مجلد لطيف، وشتان ما بين الأحمدين في سعة الرحلة، وكثرة المشايخ، والجلالة والفضل.
قال البخاري: أحمد بن صالح ثقة صدوق، ما رأيت أحدا يتكلم فيه بحجة، وكان أحمد بن حنبل وعلي وابن نمير وغيرهم يثنون على أحمد بن صالح. كان علي يقول: سلوا أحمد، فإنه أثبت.
خلف الخيام: سمعت صالح بن محمد، يقول: قال أحمد بن صالح: كان عند ابن وهب مائة ألف حديث، كتبت عنه خمسين ألفا.
قال صالح: ولم يكن بمصر أحد يحسن الحديث، ولا يحفظ غير أحمد بن صالح، كان يعقل الحديث، ويحسن أن يأخذ، وكان رجلا جامعا، يعرف الفقه والحديث والنحو، ويتكلم -يعني: يعرف ويذاكر- في حديث الثوري وشعبة وأهل العراق، أي يذاكر بذلك. قال: وكان قدم العراق، وكتب عن عفان وهؤلاء. وكان يذاكر بحديث الزهري، ويحفظه.
وقال أحمد بن صالح: كتبت عن ابن زبالة، يعني: محمد بن الحسن بن زبالة مائة ألف حديث ثم تبين لي أنه كان يضع الحديث، فتركت حديثه. وكان أحمد بن صالح يثني على أبي الطاهر بن السرح، ويقع في حرملة ويونس بن عبد الأعلى.
قال ابن عدي: سمعت محمد بن موسى الحضرمي -هو أخو أبي عجيبة - يقول: سمعت بعض مشايخنا يقول: قال أحمد بن صالح: صنف ابن وهب مائة ألف وعشرين ألف حديث، فعند بعض الناس منها الكل -يعني: حرملة - وعند بعض الناس منها النصف، يريد نفسه.(أعلام/410)
قال علي بن الجنيد الحافظ: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: أخبرنا أحمد بن صالح، وإذا جاوزت الفرات، فليس أحد مثله.
وقال الحافظ ابن عقدة: حدثني عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة، سمعت ابن نمير، وذكر أحمد بن صالح، فقال: هو واحد الناس في علم الحجاز والمغرب، فهم، وجعل يعظمه. وأخبرنا عنه بغير شيء.
أحمد بن سلمة النيسابوري، عن ابن وارة، قال: أحمد بن حنبل ببغداد، وابن نمير بالكوفة، والنفيلي بحران، هؤلاء أركان الدين.
قال أحمد العجلي: أحمد بن صالح مصري ثقة، صاحب سنة.
وقال أبو حاتم: ثقة. كتبت عنه بمصر وبدمشق وأنطاكية.
قال أبو زرعة الدمشقي: ذاكرت أحمد بن صالح مقدمه دمشق سنة سبع عشرة ومائتين.
وقال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: كتب أحمد بن صالح عن سلامة بن روح، وكان لا يحدث عنه، وكتب عن ابن زبالة بخمسين ألف حديث، وكان لا يحدث عنه، وحدث أحمد بن صالح قبل أن يبلغ الأربعين، وكتب عباس العنبري عن رجل عنه، وقال: كان أحمد بن صالح يقوم كل لحن في الحديث.
وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سهل الغزال: أحمد بن صالح طبري الأصل، كان من حفاظ الحديث، واعيا، رأسا في علم الحديث وعلله، وكان يصلي بالشافعي. ولم يكن في أصحاب ابن وهب أحد أعلم بالآثار منه.
قال أبو سعيد بن يونس: كان أبوه من طبرستان جنديا من العجم، وكان أحمد حافظا للحديث. ذكره النسائي يوما، فرماه، وأساء الثناء عليه، وقال: حدثنا معاوية بن صالح، سمعت يحيى بن معين يقول: أحمد بن صالح كذاب يتفلسف. ثم قال ابن يونس: لم يكن عندنا بحمد الله كما قال النسائي، ولم يكن له آفة غير الكبر.(أعلام/411)
وقال أبو أحمد بن عدي: سمعت عبدان الأهوازي يقول: سمعت أبا داود السجستاني يقول: أحمد بن صالح ليس هو كما يتوهمون، يعني. ليس بذاك في الجلالة. ثم قال ابن عدي: وسمعت القاسم بن عبد الله بن مهدي يقول: كان أحمد بن صالح يستعير مني كل جمعة الحمار، ويركبه إلى صلاة الجمعة. وكنت جالسا عند حرملة في الجامع، فجاز أحمد بن صالح على باب الجامع، فنظر إلينا وإلى حرملة، ولم يسلم، فقال حرملة: انظروا إلى هذا، بالأمس يحمل دواتي، واليوم يمر بي فلا يسلم.
وقال أيضا: سمعت محمد بن سعد السعدي يقول: سمعت أبا عبد الرحمن النسائي، سمعت معاوية بن صالح قال: سألت يحيى عن أحمد بن صالح، فقال: رأيته كذابا يخطر في جامع مصر.
وقال عبد الكريم بن النسائي عن أبيه: أحمد بن صالح ليس بثقة ولا مأمون، تركه محمد بن يحيى، ورماه يحيى بن معين بالكذب.
قال ابن عدي: كان النسائي سيئ الرأي فيه، وينكر عليه أحاديث منها، عن ابن وهب، عن مالك، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الدين النصيحة.(أعلام/412)
ثم قال ابن عدي: أحمد بن صالح من حفاظ الحديث، وخاصة لحديث الحجاز، ومن المشهورين بمعرفته. وحدث عنه البخاري مع شدة استقصائه، ومحمد بن يحيى، واعتمادهما عليه في كثير من حديث الحجاز، وعلى معرفته. وحدث عنه من حدث من الثقات، واعتمدوه حفظا وإتقانا. وكلام ابن معين فيه تحامل. وأما سوء ثناء النسائي عليه، فسمعت محمد بن هارون بن حسان البرقي يقول: هذا الخراساني يتكلم في أحمد بن صالح. وحضرت مجلس أحمد بن صالح، وطرده من مجلسه، فحمله ذلك على أن تكلم فيه. قال: وهذا أحمد بن حنبل قد أثنى عليه، فالقول ما قاله أحمد لا ما قاله غيره. وحديث: " الدين النصيحة " الذي أنكره النسائي قد رواه يونس بن عبد الأعلى أيضا، عن ابن وهب، وقد رواه عن مالك محمد بن خالد بن عثمة. قال: وأحمد بن صالح من أجلة الناس، وذاك أني رأيت جمع أبي موسى الزمن في عامة ما جمع من حديث الزهري، يقول: كتب إلي أحمد بن صالح: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري. ولولا أني شرطت في كتابي هذا أن أذكر فيه كل من تكلم فيه متكلم لكنت أجل أحمد بن صالح أن أذكره.
قال أبو عمرو الداني، عن مسلمة بن القاسم: الناس مجمعون على ثقة أحمد بن صالح، لعلمه وخيره وفضله، وإن أحمد بن حنبل وغيره كتبوا عنه ووثقوه. وكان سبب تضعيف النسائي له، أن أحمد بن صالح كان لا يحدث أحدا حتى يشهد عنده رجلان من المسلمين أنه من أهل الخير والعدالة. فكان يحدثه، ويبذل له علمه، وكان يذهب في ذلك مذهب زائدة بن قدامة. فأتى النسائي ليسمع منه، فدخل بلا إذن، ولم يأته برجلين يشهدان له بالعدالة، فلما رآه في مجلسه أنكره، وأمر بإخراجه، فضعفه النسائي لهذا.(أعلام/413)
وقال الخطيب: احتج سائر الأئمة بحديث ابن صالح سوى النسائي، فإنه ترك الرواية عنه، وكان يطلق لسانه فيه. وليس الأمر على ما ذكر النسائي. ويقال: كان فيه الكبر، وشراسة الخلق، ونال النسائي منه جفاء في مجلسه، فذلك الذي أفسد الحال بينهما. وقد ذكر ابن حبان أحمد بن صالح في الثقات. وما أورده في الضعفاء، فأحسن، ولكن ذكر في الضعفاء أحمد بن صالح المكي الشمومي وكذبه، وادعى أنه هو الذي حط عليه ابن معين. وقصد أن ينزه ابن معين عن الوقيعة في مثل أحمد بن صالح الطبري الحافظ.
قال عبد الله بن محمد بن سيار: أخبرنا بندار قال: كتبت إلى أحمد بن صالح بخمسين ألف حديث، أي إجازة، وسألته أن يجيز لي، أو يكتب إلي بحديث مخرمة بن بكير، فلم يكن عنده من المروءة ما يكتب بذلك إلي.
قال الخطيب: بلغني أن أحمد بن صالح كان لا يحدث إلا ذا لحية، ولا يترك أمرد يحضر مجلسه. فلما حمل أبو داود السجستاني إليه ابنه، ليسمع منه -وكان إذا ذاك أمرد أنكر أحمد بن صالح على أبي داود إحضاره. فقال له أبو داود: هو -وإن كان أمرد- أحفظ من أصحاب اللحى، فامتحنه، بما أردت. فسأله عن أشياء أجابه ابن أبي داود عن جميعها، فحدثه حينئذ ولم يحدث أمرد غيره.
قال: وكان أحد حفاظ الأثر، عالما بعلل الحديث، بصيرا باختلافه، ورد بغداد قديما، وجالس بها الحفاظ، وجرت بينه وبين أحمد بن حنبل مذاكرات. وكان أبو عبد الله يذكره، ويثني عليه. وقيل: إن كلا منهما كتب عن صاحبه في المذاكرة حديثا، ثم رجع ابن صالح إلى مصر، وانتشر عند أهلها، علمه، وحدث عنه الأئمة.(أعلام/414)
أنبأنا أبو الغنائم بن علان، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر الحافظ، أخبرني أحمد بن سليمان بن علي المقرئ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الخليل، أخبرنا أبو أحمد بن عدي، سمعت عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، سمعت أبا بكر بن زنجويه، يقول: قدمت مصر، فأتيت أحمد بن صالح، فسألني: من أين أنت؟ .(أعلام/415)
قلت: من بغداد. قال: أين منزلك من منزل أحمد بن حنبل؟ فقلت: أنا من أصحابه. قال: تكتب لي موضع منزلك؟ فإني أريد أوافي العراق، حتى تجمع بيننا. فكتبت له، فوافى أحمد بن صالح سنة اثنتي عشرة ومائتين إلى عفان، فسأل عني، فلقيني، فقال: الموعد الذي بيني وبينك؟ فذهبت به إلى أحمد بن حنبل، واستأذنت له، فقلت: أحمد بن صالح بالباب فأذن له، فقام إليه، ورحب به وقربه. ثم قال له: بلغني أنك جمعت حديث الزهري، فتعال حتى نذكر ما روى الزهري عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فجعلا يتذاكران، ولا يغرب أحدهما على الآخر، حتى فرغا، فما رأيت أحسن من مذاكرتهما. ثم قال أحمد بن حنبل: تعال حتى نذكر ما روى الزهري عن أولاد الصحابة. فجعلا يتذاكران، ولا يغرب أحدهما على الآخر إلى أن قال لأحمد بن صالح: عند الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما يسرني أن لي حمر النعم، وأن لي حلف المطيبين فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل: أنت الأستاذ، وتذكر مثل هذا؟! فجعل أحمد يتبسم، ويقول: رواه عن الزهري رجل مقبول أو صالح عبد الرحمن بن إسحاق. فقال: من رواه عن عبد الرحمن؟ فقال: حدثناه ثقتان: إسماعيل ابن علية، وبشر بن المفضل، فقال أحمد بن صالح: سألتك بالله إلا أمليته علي، فقال أحمد: من الكتاب. فقام ودخل، فأخرج الكتاب، وأملى عليه، فقال أحمد بن صالح: لو لم أستفد بالعراق إلا هذا الحديث لكان كثيرا، ثم ودعه وخرج.(أعلام/416)
وهذا الحديث في " مسند " الإمام أحمد عنهما. ولفظه قال -صلى الله عليه وسلم-: " شهدت غلاما مع عمومتي حلف المطيبين، فما أحب أن لي حمر النعم. وإني أنكثه " فهذا لفظ إسماعيل. ثم رواه ثانيا، فقال: حدثنا بشر بن المفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري، عن أبيه، عن عبد الرحمن، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: شهدت حلف المطيبين مع عمومتي، وأنا غلام، فما أحب أن لي حمر النعم، وإني أنكثه.
قلت: أنبأنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه، أخبرنا حنبل، أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن المذهب، أخبرنا القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي بهما.
وقد قال البخاري في التوحيد من " صحيحه " حدثنا محمد، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو، عن ابن أبي هلال، أن أبا الرجال حدثه عن أمه عمرة -وكانت في حجر عائشة - عن عائشة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب قل هو الله أحد فلما رجعوا، ذكروا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أخبروه أن الله يحبه.
فمحمد هو ابن يحيى الذهلي، قال ذلك أبو علي الغساني في كتاب " تقييد المهمل " وأنا إلى هذا أميل، إن كانت النسخ متفقة على ذلك. فإنني أخاف أن يكون محمد هو البخاري ; فإن كثيرا من النسخ في أول كل حديث منها اسم المؤلف، وفي بعضها: محمد الفربري أخبرنا محمد، فيحرر هذا.
قال أبو زرعة النصري حدثني أحمد بن صالح، قال: حدثت أحمد بن حنبل بحديث زيد بن ثابت في بيع الثمار، فأعجبه، واستزادني مثله. فقلت: ومن أين مثله؟ ! .(أعلام/417)
قال صالح بن محمد جزرة الحافظ: حضرت مجلس أحمد بن صالح، فقال: حرج على كل مبتدع وماجن أن يحضر مجلسي، فقلت: أما الماجن فأنا هو: وذاك أنه قيل له: صالح الماجن قد حضر مجلسك.
الحاكم: حدثنا أبو حامد السياري، حدثنا أبو بكر محمد بن داود الرازي: سمعت أبا زرعة الرازي، يقول: ارتحلت إلى أحمد بن صالح، فدخلت فتذاكرانا إلى أن ضاق الوقت، ثم أخرجت من كمي أطرافا فيها أحاديث، فسألته عنها. فقال لي: تعود. فعدت من الغد مع أصحاب الحديث، فأخرجت الأطراف، وسألته فقال: تعود. فقلت: أليس قلت لي بالأمس ما عندك ما يكتب، أورد علي مسندا أو مرسلا أو حرفا مما أستفيد، فإن لم أورد ذلك عمن هو أوثق منك، فلست بأبي زرعة، ثم قمت، وقلت لأصحابنا: من ها هنا ممن نكتب عنه؟ قالوا: يحيى بن بكير. فذهبت إليه.
قال ابن عدي: كان أحمد بن صالح قد سمع في كتب حرملة، فمنعه حرملة من الكتب، ولم يدفع إليه إلا نصف الكتب. فكان أحمد بن صالح بعد، كل من سمع من حرملة، وبدأ به إذا وافى مصر، لم يحدثه أحمد وقال ابن عدي: سمعت عبد الله بن محمد بن سلم المقدسي يقول: قدمت مصر، فبدأت بحرملة، فكتبت عنه كتاب عمرو بن الحارث، ويونس بن يزيد والفوائد، ثم ذهبت إلى أحمد بن صالح فلم يحدثني، فحملت كتاب يونس، فخرقته بين يديه، أرضيه بذلك وليتني لم أخرقه - فلم يرض، ولم يحدثني.
قلت: نعوذ بالله من هذه الأخلاق. صدق أبو سعيد بن يونس حيث يقول: لم يكن له آفة غير الكبر، فلو قدح في عدالته بذلك، فإنه إثم كبير.(أعلام/418)
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد، أخبرنا المبارك بن أبي الجود، أخبرنا أحمد بن أبي غالب الزاهد، أخبرنا عبد العزيز بن علي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلص، حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان، حدثنا أبو جعفر أحمد بن صالح المصري، حدثنا ابن أبي فديك، حدثني ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك حديثا كثيرا، فأنساه. قال: ابسط رداءك، فبسطته، فغرف بيده، ثم قال: ضمه فضممته، فما نسيت حديثا بعد.
رواه البخاري، عن الثقة، عن ابن أبي فديك.
وبه: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن أبي فديك قال: أخبرني ابن أبي ذئب، عن شرحبيل، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لأن يتصدق الرجل في حياته بدرهم خير من أن يتصدق بمائة دينار عند موته.
أخرجه أبو داود عن أحمد، فوافقناه بعلو. فأما حديث بيع الثمار، فأنبأناه علي بن أحمد، أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا أبو غالب بن البناء، أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن أبي داود، حدثنا أحمد، حدثنا عنبسة، حدثنا يونس بن يزيد، قال: سألت أبا الزناد عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه، وما يذكر في ذلك، فقال: كان عروة بن الزبير، يحدث عن سهل بن أبي حثمة، عن زيد بن ثابت، قال: كان الناس يتبايعون الثمار، فإذا جد الناس، وحضر تقاضيهم، قال المبتاع: إنه أصاب الثمار الدمان، وأصابه قشام، وأصابه مراض، عاهات يحتجون بها. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فإما لا فلا تبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحها كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم. قال ابن أبي داود: إني شاك، لا أدري سمعت هذه الكلمة من قول أحمد وهو في كتابي مجاز عليه. وأخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح.(أعلام/419)
قال جماعة منهم البخاري، وابن زبر: مات أحمد بن صالح في شهر ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين. وقد كان أحمد بن صالح من جلة المقرئين.
قال أبو عمرو الداني: أخذ القراءة عرضا وسماعا عن ورش، وقالون، وإسماعيل بن أبي أويس، وأخيه أبي بكر بن أبي أويس، كلهم عن نافع، قال: وروى حروف عاصم عن حرمي بن عمارة.
روى عنه القراءة: حجاج الرشديني، والحسن بن أبي مهران الجمال، والحسن بن علي بن مالك الأشناني، وحسن بن القاسم، والخضر بن الهيثم الطوسي، وأبو إسحاق الحراني، وغيرهم.
قرأت على عمر بن عبد المنعم، عن زيد بن الحسن، أنبأنا أبو الحسين بن توبة، أخبرنا أبو محمد بن هزارمرد، أخبرنا عمر بن إبراهيم الكتاني، حدثنا ابن مجاهد في كتاب " السبعة " له، قال: حدثنا الحسن بن علي، حدثنا أحمد بن صالح، عن ورش، وقالون، وأبي بكر. وإسماعيل، عن نافع بالحروف.
قال أبو داود: سألت أحمد بن صالح عمن قال: القرآن كلام الله، ولا يقول: مخلوق، ولا غير مخلوق. فقال: هذا شاك، والشاك كافر.
قلت: بل هذا ساكت. ومن سكت تورعا لا ينسب إليه قول، ومن سكت شاكا مزريا على السلف، فهذا مبتدع.
وقال محمد بن موسى المصري: سألت أحمد بن صالح، فقلت: إن قوما يقولون: إن لفظنا بالقرآن غير الملفوظ، فقال: لفظنا بالقرآن هو الملفوظ، والحكاية هي المحكي، وهو كلام الله غير مخلوق، من قال: لفظي به مخلوق فهو كافر.(أعلام/420)
قلت: إن قال: لفظي، وعنى به القرآن، فنعم، وإن قال لفظي، وقصد به تلفظي وصوتي وفعلي أنه مخلوق، فهذا مصيب، فالله تعالى خالقنا، وخالق أفعالنا وأدواتنا. ولكن الكف عن هذا هو السنة، ويكفي المرء أن يؤمن بأن القرآن العظيم كلام الله ووحيه وتنزيله على قلب نبيه، وأنه غير مخلوق، ومعلوم عند كل ذي ذهن سليم أن الجماعة إذا قرءوا السورة، أنهم جميعهم قرءوا شيئا واحدا، وأن أصواتهم وقراءاتهم، وحناجرهم أشياء مختلفة، فالمقروء كلام ربهم، وقراءتهم وتلفظهم ونغماتهم متابينة، ومن لم يتصور الفرق بين التلفظ وبين الملفوظ، فدعه وأعرض عنه.(أعلام/421)
أحمد بن علي بن أحمد سير المباركي
تاريخ ومكان الميلاد/
1368هـ - المنصورية
العنوان الدائم
* رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء
* الأمانة العلمية لهيئة كبار العلماء الرياض
* هاتف عمل مباشر: 2726798
* سنترال: 4595555 تحويلة/ 2350.
المؤهلات العلمية:
الدكتوراه
كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر عام 1397هـ (مرتبة الشرف الأولى) .
الماجستير
1) المعهد العالي للقضاء - شريعة إسلامية 1392هـ (بتقدير ممتاز) .
2) أصول الدين – جامعة الأزهر – الحديث وعلومه 1394هـ (بتقدير جيد جداً) .
الجامعية
كلية الشريعة بالرياض جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1388هـ (بتقدير ممتاز) .
الثانوية العامة
المعهد العلمي بجامعة الإمام 1382هـ (من العشرة الأوائل) .
الحياة العملية
* ملازم قضائي بوزارة العدل
* معيد بكلية الشريعة جامعة الإمام
* أستاذ مساعد بكلية الشريعة جامعة الإمام
* أستاذ مشارك بكلية الشريعة جامعة الإمام
* أستاذ بكلية الشريعة جامعة الإمام
* أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة والمعهد العالي للقضاء جامعة الإمام
* وكيل قسم أصول الفقه بكلية الشريعة جامعة الإمام لمدة (4) سنوات.
* رئيس قسم أصول الفقه بكلية الشريعة جامعة الإمام لمدة (4) سنوات.
* عضو مجلس كلية الشريعة بالرياض جامعة الإمام
* عضو مجلس المعهد العالي للقضاء بالرياض جامعة الإمام
* عضو مجلس قسم الفقه بالمعهد العالي للقضاء
* عضو مناهج كليات البنات بالمملكة
* عضو مجلس الشورى لفترتين (8 سنوات) .
* نائب رئيس لجنة الشئون الإسلامية بمجلس الشورى لثلاث فترات.
* رئيس لجنة الشئون الإسلامية بمجلس الشورى لثلاث فترات.
* شارك في بعض مجالس اتحاد البرلمانات العربية ممثلاً للملكة.
* عضو الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار سابقاً.
* رئيس اللجنة التنفيذية للهيئة الشرعية بشركة الراجحي المصرفية للاستثمار سابقاً.
* عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة.(أعلام/422)
* عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
*عضو المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
المؤلفات والبحوث
أولاً: الكتب والبحوث المنشورة
* تحقيق كتاب العدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى الحنبلي خمسة أجزاء.
* العرف وأثره في الشريعة والقانون.
* الحافظ ابن حجر وكتابه تعريف أهل التقديس.
أولاً: الكتب والبحوث غير المنشورة
* القاضي أبو يعلى الحنبلي الأصولي الفقيه
* مآلات الأفعال عند الأصوليين وأثرها الفقهي.
* الإطلاق والتقيد عند الأصوليين وأثرهما الفقهي.
* أصول الفقه للمرحلة الثانوية المطورة (بالاشتراك) .
* السياسة الشرعية للمرحلة المذكورة (بالاشتراك) .
* تقييد المباح بين الشريعة والقانون.
* الديون الممتازة في الفقه الإسلامي
* أضواء على النظم العدلية بالمملكة العربية السعودية:
* نظام المرافعات الشرعية
* نظام الإجراءات الجنائية
* نظام المحاماة
* الآراء الشاذة وأثرها على الفتيا
* حقوق المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
* مفهوم «البر» في الإسلام.
* الضوابط الشرعية للفحص الطبي.(أعلام/423)
أحمد بن منيع (ع)
ابن عبد الرحمن الإمام الحافظ الثقة، أبو جعفر البغوي ثم البغدادي، وأصله من مرو الروذ. رحل وجمع وصنف " المسند ".
حدث عن: هشيم، وعباد بن العوام، وسفيان بن عيينة، ومروان بن شجاع، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد الله بن المبارك، وهذه الطبقة فمن بعدهم.
حدث عنه: الستة، لكن البخاري بواسطة، وسبطه مسند وقته أبو القاسم البغوي، وعبد الله بن ناجية، ويحيى بن صاعد، وإسحاق بن جميل، وخلق سواهم. وثقه صالح جزرة، وغيره.
وكان مولده في سنة ستين ومائة.
قال البغوي: أخبرت عن جدي أحمد بن منيع - رحمه الله - أنه قال: أنا من نحو أربعين سنة أختم في كل ثلاث.
قال البغوي: مات جدي في شوال سنة أربع وأربعين ومائتين.
أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا محمد بن أحمد، أخبرنا أبو بكر بن الزاغوني، أخبرنا أبو نصر الزينبي، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله البغوي، حدثني جدي، حدثنا هشيم، حدثني سفيان بن حسين، عن الزهري، إن لم أكن سمعته من الزهري، عن أنس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا وضع العشاء، وأقيمت الصلاة، فابدءوا بالعشاء.(أعلام/424)
أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي (د)
الإمام الكبير الشهيد، أبو عبد الله، أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي المروزي ثم البغدادي. كان جده أحد نقباء الدولة العباسية، وكان أحمد أمارا بالمعروف، قوالا بالحق. سمع من: مالك، وحماد بن زيد، وهشيم، وابن عيينة. وروى قليلا حدث عنه: عبد الله بن الدورقي، ومحمد بن يوسف بن الطباع، ومعاوية بن صالح الأشعري، وآخرون.
قال ابن الجنيد: سمعت يحيى بن معين يترحم عليه، وقال: ختم الله له بالشهادة، قد كتبت عنه، وكان عنده مصنفات هشيم كلها، وعن مالك أحاديث. وكان يقول عن الخليفة: ما دخل عليه من يصدقه. ثم قال يحيى: ما كان يحدث، ويقول: لست هناك.(أعلام/425)
قال الصولي: كان هو وسهل بن سلامة حين كان المأمون بخراسان بايعا الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم قدم المأمون فبايعه سهل، ولزم ابن نصر بيته، ثم تحرك في آخر أيام الواثق، واجتمع إليه خلق يأمرون بالمعروف. قال: إلى أن ملكوا بغداد، وتعدى رجلان موسران من أصحابه، فبذلا مالا، وعزما على الوثوب في سنة إحدى وثلاثين، فنم الخبر إلى نائب بغداد إسحاق بن إبراهيم، فأخذ أحمد وصاحبيه وجماعة، ووجد في منزل أحدهما أعلاما، وضرب خادما لأحمد، فأقر بأن هؤلاء كانوا يأتون أحمد ليلا، ويخبرونه بما عملوا. فحملوا إلى سامراء مقيدين، فجلس الواثق لهم، وقال لأحمد: دع ما أخذت له، ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله. قال: أفمخلوق هو؟ قال: كلام الله. قال: فترى ربك في القيامة؟ قال: كذا جاءت الرواية. قال: ويحك يرى كما يرى المحدود المتجسم، ويحويه مكان ويحصره ناظر؟ أنا كفرت بمن هذه صفته، ما تقولون فيه؟ فقال قاضي الجانب الغربي: هو حلال الدم، ووافقه فقهاء، فأظهر أحمد بن أبي دواد أنه كاره لقتله. وقال: شيخ مختل، تغير عقله، يؤخر. قال الواثق: ما أراه إلا مؤديا لكفره قائما بما يعتقده، ودعا بالصمصامة، وقام. وقال: أحتسب خطاي إلى هذا الكافر. فضرب عنقه بعد أن مدوا له رأسه بحبل وهو مقيد، ونصب رأسه بالجانب الشرقي، وتتبع أصحابه فسجنوا.
قال الحسن بن محمد الحربي: سمعت جعفر بن محمد الصائغ يقول: رأيت أحمد بن نصر حين قتل قال رأسه: لا إله إلا الله.(أعلام/426)
قال المروذي: سمعت أحمد ذكر أحمد بن نصر، فقال: رحمه الله، لقد جاد بنفسه. وعلق في أذن أحمد بن نصر ورقة فيها: هذا رأس أحمد بن نصر، دعاه الإمام هارون إلى القول بخلق القرآن، ونفي التشبيه، فأبى إلا المعاندة، فعجله الله إلى ناره. وكتب محمد بن عبد الملك. وقيل: حنق عليه الواثق لأنه ذكر للواثق حديثا، فقال: تكذب. فقال: بل أنت تكذب. وقيل: إنه قال له: يا صبي، ويقول في خلوته عن الواثق: فعل هذا الخنزير. ثم إن الواثق خاف من خروجه، فقتله في شعبان سنة إحدى وثلاثين، وكان أبيض الرأس واللحية. ونقل عن الموكل بالرأس أنه سمعه في الليل يقرأ: يس وصح أنهم أقعدوا رجلا بقصبة فكانت الريح تدير الرأس إلى القبلة، فيديره الرجل.
قال السراج: سمعت خلف بن سالم يقول بعدما قتل ابن نصر، وقيل له: ألا تسمع ما الناس فيه يقولون: إن رأس أحمد بن نصر يقرأ؟ ! ! فقال: كان رأس يحيى يقرأ. وقيل: رئي في النوم، فقيل: ما فعل الله بك؟ قال: ما كانت إلا غفوة حتى لقيت الله، فضحك إلي. وقيل: إنه
قال: غضبت له فأباحني النظر إلى وجهه. بقي الرأس منصوبا ببغداد، والبدن مصلوبا بسامراء ست سنين إلى أن أنزل، وجمع في سنة سبع وثلاثين، فدفن. رحمة الله عليه.(أعلام/427)
أخبار الزهري (ع)
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام العلم، حافظ زمانه أبو بكر القرشي الزهري المدني نزيل الشام.
روى عن ابن عمر، وجابر بن عبد الله شيئا قليلا، ويحتمل أن يكون سمع منهما، وأن يكون رأى أبا هريرة وغيره، فإن مولده فيما قاله دحيم وأحمد بن صالح في سنة خمسين. وفيما قاله خليفة بن خياط: سنة إحدى وخمسين وروى عنبسة: حدثنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: وفدت إلى مروان، وأنا محتلم، فهذا مطابق لما قبله، وأبى ذلك يحيى بن بكير، وقال: ولد سنة ست وخمسين. حتى قال له يعقوب الفسوي، فإنهم يقولون: إنه وفد إلى مروان، فقال: هذا باطل، إنما خرج إلى عبد الملك بن مروان، وقال: لم يكن عنبسة موضعا لكتابة الحديث.
قال أحمد العجلي: سمع ابن شهاب من ابن عمر ثلاثة أحاديث، وقال عبد الرزاق، حدثنا معمر، قال: سمع الزهري من ابن عمر حديثين.(أعلام/428)
قلت: وروى عن سهل بن سعد، وأنس بن مالك، ولقيه بدمشق، والسائب بن يزيد، وعبد الله بن ثعلبة بن صعير، ومحمود بن الربيع، ومحمود بن لبيد، وسنين أبي جميلة وأبي الطفيل عامر، وعبد الرحمن بن أزهر، وربيعة بن عباد الديلي، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، ومالك بن أوس بن الحدثان، وسعيد بن المسيب، وجالسه ثماني سنوات، وتفقه به، وعلقمة بن وقاص، وكثير بن العباس، وأبي أمامة بن سهل، وعلي بن الحسين، وعروة بن الزبير، وأبي إدريس الخولاني، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان، وسالم بن عبد الله، ومحمد بن جبير بن مطعم، ومحمد بن النعمان بن بشير، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعثمان بن إسحاق العامري، وأبي الأحوص مولى بني ثابت، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، والقاسم بن محمد، وعامر بن سعد، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبد الله بن كعب بن مالك، وأبي عمر رجل من بلي له صحبة، وأبان بن عثمان.
فحديثه عن رافع بن خديج، وعبادة بن الصامت مراسيل، أخرجها النسائي، وله عن أبي هريرة في جامع الترمذي.
قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن الزهري،. قال. كتب عبد الملك إلى الحجاج، اقتد بابن عمر في مناسكك، قال: فأرسل إليه يوم عرفة، إذا أردت أن تروح فآذنا، قال: فجاء هو وسالم وأنا معهما حين زاغت الشمس، فقال: ما يحبسه، فلم ينشب أن خرج الحجاج، فقال: إن أمير المؤمنين، كتب إلي أن أقتدي بك، وآخذ عنك. قال: إن أردت السنة، فأوجز الخطبة والصلاة، قال الزهري: وكنت يومئذ صائما، فلقيت من الحر شدة.(أعلام/429)
قلت: حدث عنه عطاء بن أبي رباح، وهو أكبر منه، وعمر بن عبد العزيز، ومات قبله ببضع وعشرين سنة، وعمرو بن دينار، وعمرو بن شعيب، وقتادة بن دعامة، وزيد بن أسلم، وطائفة من أقرانه، ومنصور بن المعتمر، وأيوب السختياني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو الزناد، وصالح بن كيسان، وعقيل بن خالد، ومحمد بن الوليد الزبيدي، ومحمد بن أبي حفصة، وبكر بن وائل، وعمرو بن الحارث، وابن جريج، وجعفر بن برقان، وزياد بن سعد، وعبد العزيز بن الماجشون، وأبو أويس، ومعمر بن راشد، والأوزاعي، وشعيب بن أبي حمزة، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وإبراهيم بن سعد، وسعيد بن عبد العزيز، وفليح بن سليمان، وابن أبي ذئب، وابن إسحاق، وسفيان بن حسين، وصالح بن أبي الأخضر، وسليمان بن كثير، وهشام بن سعد، وهشيم بن بشير، وسفيان بن عيينة، وأمم سواهم.
قال علي بن المديني: له نحو من ألفي حديث. وقال أبو داود: حديثه ألفان ومائتا حديث، النصف منها مسند.
أبو صالح، عن الليث بن سعد، قال: ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب، يحدث في الترغيب، فتقول: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن العرب والأنساب، قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة، كان حديثه.
وقال الليث: قدم ابن شهاب على عبد الملك سنة اثنتين وثمانين. الذهلي: حدثنا أبو صالح، حدثنا العطاف بن خالد، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة، عن ابن شهاب، قال: أصاب أهل المدينة حاجة زمان فتنة عبد الملك فعمت، فقد خيل إلي أنه أصابنا أهل البيت من ذلك ما لم يصب أحدا، فتذكرت: هل من أحد أخرج إليه، فقلت: إن الرزق بيد الله ثم خرجت إلى دمشق، ثم غدوت إلى المسجد، فاعتمدت إلى أعظم مجلس رأيته، فجلست إليهم فبينا نحن كذلك إذ أتى رسول عبد الملك فذكر قصة ستأتي بمعناها، وأن عبد الملك فرض له.(أعلام/430)
قال أبو الزناد: كنا نطوف مع الزهري على العلماء ومعه الألواح والصحف، يكتب كلما سمع.
إبراهيم بن المنذر: حدثنا يحيى بن محمد بن حكم، حدثنا ابن أبي ذئب، قال: ضاقت حال ابن شهاب، ورهقه دين، فخرج إلى الشام، فجالس قبيصة بن ذؤيب، قال ابن شهاب: فبينا نحن معه نسمر فجاءه رسول عبد الملك، فذهب إليه، ثم رجع إلينا فقال: من منكم يحفظ قضاء عمر -رضي الله عنه- في أمهات الأولاد؟ قلت: أنا. قال: قم فأدخلني على عبد الملك بن مروان، فإذا هو جالس على نمرقة بيده مخصرة وعليه غلالة ملتحف بسبيبة بين يديه شمعة، فسلمت، فقال من أنت؟ فانتسبت له فقال: إن كان أبوك لنعارا في الفتن قلت: يا أمير المؤمنين عفا الله عما سلف، قال: اجلس، فجلست، قال: تقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: فما تقول في امرأة تركت زوجها وأبويها؟ .
قلت: لزوجها النصف، ولأمها السدس، ولأبيها ما بقي، قال: أصبت الفرض، وأخطأت اللفظ، إنما لأمها ثلث ما بقي، ولأبيها ما بقي. هات حديثك، قلت: حدثني سعيد بن المسيب فذكر قضاء عمر في أمهات الأولاد. فقال عبد الملك: هكذا حدثني سعيد. قلت: يا أمير المؤمنين اقض ديني، قال: نعم. قلت: وتفرض لي، قال: لا والله لا نجمعهما لأحد، قال: فتجهزت إلى المدينة. وروى نحوا منها سعيد بن عفير، عن عطاف بن خالد كما مضى.
أحمد بن شبيب، عن أبيه، عن يونس، قال ابن شهاب: قدمت دمشق زمان تحرك ابن الأشعث، وعبد الملك يومئذ مشغول بشأنه. وروى سعيد بن عفير: حدثنا حفص بن عمران، عن السري بن يحيى، عن ابن شهاب، قال: قدمت الشام: أريد الغزو فأتيت عبد الملك فوجدته في قبة على فرش، يفوت القائم، والناس تحته سماطان.(أعلام/431)
ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، سمعت الزهري، يقول: نشأت وأنا غلام، لا مال لي، ولا أنا في ديوان، وكنت أتعلم نسب قومي من عبد الله بن ثعلبة بن صعير، وكان عالما بذلك وهو ابن أخت قومي وحليفهم. فأتاه رجل، فسأله عن مسألة من الطلاق فعي بها وأشار له إلى سعيد بن المسيب. فقلت في نفسي: ألا أراني مع هذا الرجل المسن يذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح رأسه، ولا يدري ما هذا؟ ! فانطلقت مع السائل إلى سعيد بن المسيب، وتركت ابن ثعلبة، وجالست عروة، وعبيد الله، وأبا بكر بن عبد الرحمن حتى فقهت، فرحلت إلى الشام، فدخلت مسجد دمشق في السحر، وأممت حلقة وجاه المقصورة عظيمة، فجلست فيها. فنسبني القوم، فقلت: رجل من قريش، قالوا: هل لك علم بالحكم في أمهات الأولاد؟ فأخبرتهم بقول عمر بن الخطاب، فقالوا: هذا مجلس قبيصة بن ذؤيب وهو حاميك، وقد سأله أمير المؤمنين، وقد سألنا فلم يجد عندنا في ذلك علما، فجاء قبيصة فأخبروه الخبر، فنسبني فانتسبت، وسألني عن سعيد بن المسيب ونظرائه، فأخبرته. قال: فقال: أنا أدخلك على أمير المؤمنين، فصلى الصبح، ثم انصرف فتبعته، فدخل على عبد الملك، وجلست على الباب ساعة، حتى ارتفعت الشمس، ثم خرج الآذن، فقال: أين هذا المديني القرشي؟ قلت: ها أناذا، فدخلت معه على أمير المؤمنين فأجد بين يديه المصحف قد أطبقه، وأمر به فرفع، وليس عنده غير قبيصة جالسا، فسلمت عليه بالخلافة، فقال: من أنت؟ قلت: محمد بن مسلم.(أعلام/432)
وساق آباءه إلى زهرة، فقال: أوه قوم نعارون في الفتن، قال: وكان مسلم بن عبيد الله مع ابن الزبير، ثم قال: ما عندك في أمهات الأولاد؟ فأخبرته عن سعيد، فقال: كيف سعيد، وكيف حاله؟ فأخبرته، ثم قلت: وأخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فسأل عنه، ثم حدثته الحديث في أمهات الأولاد عن عمر. فالتفت إلى قبيصة فقال: هذا يكتب به إلى الآفاق، فقلت: لا أجده أخلى منه الساعة، ولعلي لا أدخل بعدها. فقلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يصل رحمي، وأن يفرض لي فعل، قال: إيها الآن انهض لشأنك، فخرجت والله مؤيسا من كل شيء خرجت له، وأنا يومئذ مقل مرمل، ثم خرج قبيصة فأقبل علي لائما لي، وقال: ما حملك على ما صنعت من غير أمري؟ قلت: ظننت والله أني لا أعود إليه، قال: ائتني في المنزل، فمشيت خلف دابته، والناس يكلمونه، حتى دخل منزله فقلما لبث حتى خرج إلي خادم بمائة دينار، وأمر لي ببغلة وغلام وعشرة أثواب، ثم غدوت إليه من الغد على البغلة، ثم أدخلني على أمير المؤمنين، وقال: إياك أن تكلمه بشيء وأنا أكفيك أمره. قال: فسلمت، فأومأ إلي أن اجلس، ثم جعل يسألني عن أنساب قريش، فلهو كان أعلم بها مني، وجعلت أتمنى أن يقطع ذلك لتقدمه علي في النسب، ثم قال لي: قد فرضت لك فرائض أهل بيتك، ثم أمر قبيصة أن يكتب ذلك في الديوان، ثم قال: أين تحب أن يكون ديوانك مع أمير المؤمنين هاهنا أم في بلدك؟(أعلام/433)
قلت: يا أمير المؤمنين أنا معك. ثم خرج قبيصة، فقال: إن أمير المؤمنين أمر أن تثبت في صحابته، وأن يجري عليك رزق الصحابة، وأن يرفع فريضتك إلى أرفع منها، فالزم باب أمير المؤمنين، وكان على عرض الصحابة رجل، فتخلفت يوما أو يومين، فجبهني جبها شديدا، فلم أتخلف بعدها، قال: وجعل يسألني عبد الملك: من لقيت؟ فأذكر من لقيت من قريش، قال: أين أنت عن الأنصار، فإنك واجد عندهم علما، أين أنت عن ابن سيدهم خارجة بن زيد، وسمى رجالا منهم.
قال: فقدمت المدينة فسألتهم، وسمعت منهم. قال: وتوفي عبد الملك، فلزمت ابنه الوليد، ثم سليمان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد، فاستقضى يزيد بن عبد الملك على قضائه الزهري، وسليمان بن حبيب المحاربي جميعا. قال: ثم لزمت هشام بن عبد الملك، وصير هشام الزهري مع أولاده، يعلمهم ويحج معهم ابن وهب: حدثني يعقوب بن عبد الرحمن، قال: رأيته رجلا قصيرا قليل اللحية، له شعيرات طوال خفيف العارضين، يعني: الزهري. معن بن عيسى، عن ابن أخي الزهري، قال: جمع عمي القرآن في ثمانين ليلة.(أعلام/434)
أخبار النجاشي
واسمه أصحمة ملك الحبشة. معدود في الصحابة رضي الله عنهم وكان ممن حسن إسلامه ولم يهاجر، ولا له رؤية، فهو تابعي من وجه، صاحب من وجه، وقد توفي في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى عليه بالناس صلاة الغائب ولم يثبت أنه صلى - صلى الله عليه وسلم - على غائب سواه، وسبب ذلك أنه مات بين قوم نصارى، ولم يكن عنده من يصلي عليه ; لأن الصحابة الذين كانوا مهاجرين عنده خرجوا من عنده مهاجرين إلى المدينة عام خيبر.
ابن إسحاق: عن الزهري قال: حدثت عروة بن الزبير بحديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة بقصة النجاشي وقوله لعمرو بن العاص: فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه، فقال عروة: أتدري ما معناه؟ قلت: لا، قال: إن عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه، ولم يكن له ولد إلا النجاشي، وكان للنجاشي عم، له من صلبه اثنا عشر رجلا، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة.
فقالت الحبشة بينها: لو أنا قتلنا أبا النجاشي، وملكنا أخاه، فإنه لا ولد له غير هذا الغلام، وإن لأخيه اثني عشر ولدا، فتوارثوا ملكه من بعده، فبقيت الحبشة بعده دهرا. فعدوا على أبي النجاشي، فقتلوه وملكوا أخاه. فمكثوا على ذلك.
ونشأ النجاشي مع عمه، وكان لبيبا حازما من الرجال، فغلب على أمر عمه، ونزل منه بكل منزلة، فلما رأت الحبشة مكانه منه، قالت بينها: والله إنا لنتخوف أن يملكه، ولئن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين، لقد عرف أنا نحن قتلنا أباه.(أعلام/435)
فمشوا إلى عمه، فقالوا له: إما أن تقتل هذا الفتى، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا، فإنا قد خفنا على أنفسنا منه. قال: ويلكم! قتلتم أباه بالأمس وأقتله اليوم! بل أخرجوه من بلادكم. فخرجوا به، فباعوه من رجل تاجر بست مائة درهم، ثم قذفه في سفينة، فانطلق به حتى إذا المساء من ذلك اليوم، هاجت سحابة من سحاب الخريف، فخرج عمه يستمطر تحتها، فأصابته صاعقة فقتلته. ففزعت الحبشة إلى ولده. فإذا هم حمقى ليس في ولده خير، فمرج على الحبشة أمرهم، فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك قال بعضهم لبعض: تعلمون والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره الذي بعتموه غدوة، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة، فأدركوه، قال: فخرجوا في طلبه. حتى أدركوه فأخذوه من التاجر، ثم جاءوا به، فعقدوا عليه التاج، وأقعدوه على سرير الملك، وملكوه.(أعلام/436)
فجاءهم التاجر، فقال: إما أن تعطوني مالي، وإما أن أكلمه في ذلك، فقالوا: لا نعطيك شيئا، قال: إذن والله لأكلمنه. قالوا: فدونك، فجاءه فجلس بين يديه، فقال: أيها الملك، ابتعت غلاما من قوم بالسوق بست مائة درهم، فأسلموه إلي، وأخذوا دراهمي، حتى إذا سرت بغلامي أدركوني، فأخذوا غلامي ومنعوني دراهمي. فقال لهم النجاشي: لتعطنه دراهمه، أو ليسلمن غلامه في يديه، فليذهبن به حيث يشاء، قالوا: بل نعطيه دراهمه، قالت: فلذلك يقول: ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه. وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعدله في حكمه، ثم قالت: لما مات النجاشي، كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور. " المسند " لأحمد بن حنبل: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، أمنا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه.
فلما بلغ ذلك قريشا، ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا إليه هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وعمرو بن العاص السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا له هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم.(أعلام/437)
قالت: فخرجا، فقدما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار عند خير جار. فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته، وقالا له: إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم، فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهم: نعم.
ثم إنهما قربا هدايا النجاشي، فقبلها منهم، ثم كلماه، فقالا له: أيها الملك إنه ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليه، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله، وعمرو من أن يسمع النجاشي كلامهم. فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك. فأسلمهم إليهما. فغضب النجاشي، ثم قال: لا ها الله إذا لا أسلمهم إليهما، ولا أكاد قوما جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم.(أعلام/438)
ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله فدعاهم، فلما جاءهم رسوله، اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا - صلى الله عليه وسلم - كائنا في ذلك ما كان. فلما جاءوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: وكان الذي يكلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، إنا كنا قوما أهل جاهلية ; نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف. فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام.
قالت: فعدد له أمور الإسلام - فصدقناه وآمنا به واتبعناه، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.
قالت: فقال: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قال: نعم. قال: فاقرأه علي، فقرأ عليه صدرا من كهيعص فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد.(أعلام/439)
فلما خرجا قال عمرو: والله لأنبئنه غدا عيبهم ثم أستأصل خضراءهم. فقال له عبد الله بن أبي ربيعة - وكان أتقى الرجلين فينا -: لا تفعل ; فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد. ثم غدا عليه، فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم، فسلهم عما يقولون فيه. فأرسل يسألهم.
قالت. ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم، ثم قالوا: نقول والله فيه ما قال الله تعالى كائنا ما كان. فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى؟ فقال له جعفر: نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فضرب النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عودا، ثم قال: ما عدا عيسى ما قلت هذا العود. فتناخرت بطارقته حوله، فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم الآمنون - من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبرى ذهبا وأني آذيت رجلا منكم - والدبر بلسانهم الجبل - ردوا عليهما هداياهما، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في، فأطيعهم فيه.(أعلام/440)
فخرجا مقبوحين، مردودا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار. فوالله إنا على ذلك، إذ نزل به، يعني من ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حربا قط كان أشد من حرب حربناه تخوفا أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه، وسار النجاشي وبينهما عرض النيل. فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ فقال الزبير: أنا، وكان من أحدث القوم سنا. فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره، ثم سبح عليها حتى خرج إلى مكان الملتقى، وحضر، فدعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده، واستوسق له أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة.
سليمان ابن بنت شرحبيل: عن عبد الرحمن بن بشير، وعبد الملك بن هشام، عن زياد البكالي، وأحمد بن محمد بن أيوب، عن إبراهيم بن سعد جميعا: عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة، عن جعفر بن أبي طالب: أن النجاشي سأله: ما دينكم؟ قال: بعث الله فينا رسولا، وذكر بعض ما تقدم.(أعلام/441)
تفرد بوصله ابن إسحاق، وأما عقيل، ويونس، وغيرهما، فأرسلوه. ورواه ابن إدريس عن ابن إسحاق فقال: عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن وعروة، وعبيد الله، عن أم سلمة. ويروى هذا الخبر عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، وعن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن أبيه. ورواه ابن شابور، عن عثمان بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس بطوله. أعلى بهم عينا: أبصر بهم. لاها الله: قسم، وأهل العربية يقولون: لاها الله ذا. والهاء بدل من واو القسم، أي: لا والله لا يكون ذا. وقيل: بل حذفت واو القسم، وفصلت " ها " من هذا فتوسطت الجلالة ونصبت لأجل حذف واو القسم. وتناخرت فالنخير: صوت من الأنف، وقيل: النخير ضرب من الكلام، وجاء في رواية: من حزن حزناه. وقولها: حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عنت نفسها وزوجها. وكذا قدم الزبير وابن مسعود وطائفة من مهاجرة الحبشة مكة، وملوا من سكنى الحبشة، ثم قدم طائفة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما عرفوا بأنه هاجر إلى المدينة، ثم قدم جعفر بمن بقي ليالي خيبر. قال أبو موسى الأصبهاني الحافظ: اسم النجاشي أصحمة، وقيل: أصحم بن بجرى. كان له ولد يسمى أرمى، فبعثه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمات في الطريق. وقيل: إن الذي كان رفيق عمرو بن العاص عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي. فقال أبو كريب ومحمد بن آدم المصيصي: حدثنا أسد بن عمرو، حدثنا مجالد عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر، عن أبيه قال: بعثت قريش عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد بهدية من أبي سفيان إلى النجاشي. فقالوا له ونحن عنده: قد جاء إليك ناس من سفلتنا وسفهائنا، فادفعهم إلينا. قال: لا، حتى أسمع كلامهم، وذكر نحوه إلى أن قال: فأمر مناديا، فنادى: من آذى أحدا منهم، فأغرموه أربعة دراهم، ثم قال: يكفيكم؟ قلنا: لا، فأضعفها.(أعلام/442)
فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وظهر بها، قلنا له: إن صاحبنا قد خرج إلى المدينة وهاجر وقتل الذي كنا حدثناك عنهم، وقد أردنا الرحيل إليه فزودنا، قال: نعم، فحملنا وزودنا وأعطانا، ثم قال: أخبر صاحبك بما صنعت إليكم، وهذا رسولي معك، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله، فقل له يستغفر لي. قال جعفر: فخرجنا حتى أتينا المدينة: فتلقاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتنقني فقال: ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح أو بقدوم جعفر. ثم جلس، فقام رسول النجاشي، فقال: هو ذا جعفر، فسله ما صنع به صاحبنا، فقلت: نعم، يعني ذكرته له، فقام رسول الله، فتوضأ، ثم دعا ثلاث مرات: اللهم اغفر للنجاشي. فقال المسلمون: آمين. فقلت للرسول: انطلق، فأخبر صاحبك ما رأيت.
ابن أبي عدي ومعاذ: عن ابن عون عن عمير بن إسحاق أن جعفرا قال: يا رسول الله، ائذن لي حتى أصير إلى أرض أعبد الله فيها، فأذن له، فأتى النجاشي.
فحدثنا عمرو بن العاص قال: لما رأيت جعفرا آمنا بها هو وأصحابه حسدته، فأتيت النجاشي، فقلت: إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد، وإنك إن لم تقتله وأصحابه لا أقطع إليك هذه النطفة أبدا ولا أحد من أصحابي. قال: اذهب إليه، فادعه. قلت: إنه لا يجيء معي، فأرسل معي رسولا. فأتيناه وهو بين ظهري أصحابه يحدثهم. قال له: أجب. فلما أتينا الباب ناديت: ائذن لعمرو بن العاص، ونادى جعفر: ائذن لحزب الله. فسمع صوته، فأذن له قبلي. الحديث.(أعلام/443)
إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننطلق مع جعفر إلى أرض النجاشي، فبلغ ذلك قريشا، فبعثوا عمرا وعمارة بن الوليد، وجمعوا للنجاشي هدية. فقدما عليه، وأتياه بالهدية، فقبلها وسجدا له، ثم قال عمرو: إن ناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك. قال: في أرضي؟ قال: نعم.
فبعث إلينا، فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد أنا خطيبكم اليوم. فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلس عظيم، وعمرو عن يمينه، وعمارة عن يساره، والقسيسون والرهبان جلوس سماطين، وقد قال له عمرو: إنهم لا يسجدون لك. فلما انتهينا بدرنا من عنده أن اسجدوا، قلنا: لا نسجد إلا لله - عز وجل.
فلما انتهينا إلى النجاشي، قال: ما منعك أن تسجد؟ قال: لا نسجد إلا لله. قال: وما ذاك؟ قال: إن الله بعث فينا رسولا وهو الذي بشر به عيسى، فقال: يأتي من بعدي اسمه أحمد، فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، وأمرنا بالمعروف، ونهانا عن المنكر. فأعجب النجاشي قوله، فلما رأى ذلك عمرو، قال: أصلح الله الملك، إنهم يخالفونك في ابن مريم. فقال النجاشي لجعفر: ما يقول صاحبكم في ابن مريم؟ قال: يقول فيه قول الله: هو روح الله وكلمته، أخرجه من البتول العذراء التي لم يقربها بشر، ولم يفرضها ولد. فتناول عودا، فرفعه فقال: يا معشر القسيسين والرهبان، ما يزيد على ما تقولون في ابن مريم ما تزن هذه. مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، فأنا أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبل نعله، امكثوا في أرضي ما شئتم. وأمر لنا بطعام وكسوة، وقال: ردوا على هذين هديتهما.(أعلام/444)
وكان عمرو رجلا قصيرا وكان عمارة رجلا جميلا، وكانا أقبلا في البحر إلى النجاشي، فشرب مع عمرو وامرأته، فلما شربوا من الخمر قال عمارة: لعمرو: مر امرأتك فلتقبلني. قال: ألا تستحي؟ فأخذ عمارة عمرا يرمي به في البحر، فجعل عمرو يناشده حتى تركه، فحقد عليه عمرو، فقال للنجاشي: إنك إذا خرجت، خلفك عمارة في أهلك. فدعا بعمارة، فنفخ في إحليله، فطار مع الوحش.
وعن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قال: مكر عمرو بعمارة فقال: يا عمارة إنك رجل جميل، فاذهب إلى امرأة النجاشي، فتحدث عندها إذا خرج زوجها، فإن ذلك عون لنا في حاجتنا. فراسلها عمارة حتى دخل عليها. فانطلق عمرو إلى النجاشي فقال: إن صاحبي صاحب نساء، وإنه يريد أهلك. فبعث النجاشي إلى بيته، فإذا هو عند أهله. فأمر به، فنفخ في إحليله، سحره، ثم ألقاه في جزيرة من جزائر البحر، فجن، واستوحش مع الوحش.
ابن إسحاق: عن يزيد بن رومان، عن عروة عن عائشة قالت: لما مات النجاشي كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور.
فأما عمارة، فإنه بقي إلى خلافة عمر مع الوحوش، فدل عليه أخوه، فسار إليه وتحين وقت وروده الماء، فلما رأى أخاه فر، فوثب وأمسكه، فبقي يصيح: أرسلني يا أخي، فلم يرسله، فخارت قوته من الخوف، ومات في الحال. فعداده في المجانين الذين يبعثون على ما كانوا عليه قبل ذهاب العقل، فيبعث هذا المعثر على الكفر والعداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسأل الله المغفرة.(أعلام/445)
وحدثني جعفر بن محمد، عن أبيه قال: اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي: فارقت ديننا. وخرجوا عليه، فأرسل إلى جعفر وأصحابه، فهيأ لهم سفنا، وقال: اركبوا، فإن هزمت، فامضوا، وإن ظفرت فاثبتوا. ثم عمد إلى كتاب، فكتب فيه: هو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم. ثم جعله في قبائه، وخرج إلى الحبشة، وصفوا له، فقال: يا معشر الحبشة: ألست أحق الناس بكم؟ قالوا: بلى. قال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا: خير سيرة، قال: فما بالكم؟ قالوا: فارقت ديننا، وزعمت أن عيسى عبد. قال: فما تقولون فيه؟ قالوا: هو ابن الله، فقال - ووضع يده على صدره على قبائه - هو يشهد أن عيسى، لم يزد على هذا شيئا، وإنما عنى على ما كتب، فرضوا وانصرفوا. فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما مات النجاشي صلى عليه، واستغفر له.(أعلام/446)
ومن محاسن النجاشي أن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية أم المؤمنين أسلمت مع زوجها عبيد الله بن جحش الأسدي قديما، فهاجر بها زوجها، فانملس بها إلى أرض الحبشة، فولدت له حبيبة ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم إنه أدركه الشقاء فأعجبه دين النصرانية فتنصر، فلم ينشب أن مات بالحبشة، فلما وفت العدة، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبها، فأجابت، فنهض في ذلك النجاشي، وشهد زواجها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأعطاها الصداق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده أربع مائة دينار، فحصل لها شيء لم يحصل لغيرها من أمهات المؤمنين، ثم جهزها النجاشي. وكان الذي وفد على النجاشي بخطبتها عمرو بن أمية الضمري، فيما نقله الواقدي بإسناد مرسل، ثم قال: وحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الله بن أبي بكر قالا: كان الذي زوجها، وخطب إليه النجاشي خالد بن سعيد بن العاص الأموي، وكان عمرها لما قدمت المدينة بضعا وثلاثين سنة. معمر: عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش، وكان رحل إلى النجاشي، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها بالحبشة، زوجه إياها النجاشي، ومهرها أربعة آلاف درهم من عنده، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة، وجهازها كله من عند النجاشي.
وأما ابن لهيعة، فنقل عن أبي الأسود، عن عروة قال: أنكحه إياها بالحبشة عثمان - رضي الله عنه - ; وهذا خطأ فإن عثمان كان بالمدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يغب عنه إلا يوم بدر، أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم، فيمرض زوجته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.(أعلام/447)
قال ابن سعد: أنبأنا محمد بن عمر، أنبأنا عبد الله بن عمرو بن زهير، عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قالت أم حبيبة: رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش بأسوأ صورة وأشوهه، ففزعت. فإذا هو يقول: حين أصبح: يا أم حبيبة، إني نظرت في الدين، فلم أر دينا خيرا من النصرانية وكنت قد دنت بها، ثم دخلت في دين محمد، فقد رجعت إليها. فأخبرته بالرؤيا، فلم يحفل بها، وأكب على الخمر حتى مات.
فأرى في النوم كأن آتيا يقول لي: يا أم المؤمنين، ففزعت فأولتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتزوجني، فما هو إلا أن انقضت عدتي، فما شعرت إلا ورسول النجاشي على بابي يستأذن، فإذا جارية له يقال لها: أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فدخلت علي، فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله كتب إلي أن أزوجكه. فقلت: بشرك الله بخير.
قالت: يقول الملك: وكلي من يزوجك. فأرسلت إلى خالد بن سعيد فوكلته، وأعطت أبرهة سوارين من فضة، وخواتيم كانت في أصابع رجليها، وخدمتين كانتا في رجليها.(أعلام/448)
فلما كان العشي، أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا، فخطب النجاشي، فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام. أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنه الذي بشر به عيسى - صلى الله عليه وسلم -. ثم خطب خالد بن سعيد، وزوجها وقبض أربع مائة دينار، ثم دعا بطعام، فأكلوا. قالت: فلما وصل إلي المال، عزلت خمسين دينارا لأبرهة، فأبت، وأخرجت حقا فيه كل ما أعطيتها فردته، وقالت: عزم علي الملك أن لا أرزأك شيئا، وقد أسلمت لله، وحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني السلام، ثم جاءتني من عند نساء الملك بعود وعنبر وزباد كثير. فقيل: بنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة ست. وقال خليفة: دخل بها سنة سبع من الهجرة. وأصحمة بالعربي: عطية. ولما توفي، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للناس: إن أخا لكم قد مات بأرض الحبشة فخرج بهم إلى الصحراء وصفهم صفوفا، ثم صلى عليه. فنقل بعض العلماء أن ذلك كان في شهر رجب سنة تسع من الهجرة.(أعلام/449)
أخوه سليمان بن بريدة
قد كان ابن عيينة يفضله على عبد الله بن بريدة. روى عن أبيه، وعائشة، وعمران بن حصين.
وعنه علقمة بن مرثد، ومحارب بن دثار، ومحمد بن جحادة، وجماعة. ثقة، مات سنة خمس ومائة، وله تسعون عاما.(أعلام/450)
أخوه عامر (ع)
ابن سعد بن أبي وقاص، إمام ثقة مدني.
سمع أباه، وأسامة بن زيد، وعائشة، وأبا هريرة، وجابر بن سمرة.
وعنه ابنه داود بن عامر، وابنا إخوته، وعمرو بن دينار، والزهري، وموسى بن عقبة، وآخرون.
مات سنة أربع ومائة.(أعلام/451)
أخوه هشام بن العاص
السهمي، الرجل الصالح المجاهد ابن أخت أبي جهل، وهي أم حرملة المخزومية، وقد مضى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ابنا العاص مؤمنان. .
قال ابن سعد: كان هشام قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى الحبشة، ثم رد إلى مكة إذ بلغه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد هاجر ليلحق به، فحبسه قومه بمكة. ثم قدم بعد الخندق مهاجرا وشهد ما بعدها. وكان عمرو أكبر منه. لم يعقب.
عمرو بن حكام: حدثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن أبي بكر بن حزم، عن عمه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ابنا العاص مؤمنان.
القعنبي: حدثنا ابن أبي حازم، عن أبيه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن ابني العاص، قالا: ما جلسنا مجلسا كنا به أشد اغتباطا من مجلس، جئنا يوما، فإذا أناس عند الحجر يتراجعون في القرآن، فاعتزلناهم، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلف الحجر يسمع كلامهم، فخرج علينا مغضبا، فقال: أي قوم! بهذا ضلت الأمم قبلكم باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتاب بعضه ببعض.
قال ابن عيينة: قالوا لعمرو بن العاص: أنت خير أم أخوك هشام؟ قال: أخبركم عني وعنه، عرضنا أنفسنا على الله، فقبله وتركني. قال سفيان: قتل يوم اليرموك أو غيره شهيدا - رضي الله عنه.(أعلام/452)
أسامة بن زيد (ع)
ابن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس، المولى الأمير الكبير حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ومولاه، وابن مولاه.
أبو زيد، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو حارثة، وقيل: أبو يزيد.
استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم- على جيش لغزو الشام، وفي الجيش عمر والكبار ; فلم يسر حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فبادر الصديق ببعثهم، فأغاروا على أبنى، من ناحية البلقاء. وقيل: إنه شهد يوم مؤتة مع والده. وقد سكن المزة مدة ; ثم رجع إلى المدينة، فمات بها. وقيل: مات بوادي القرى.
حدث عنه أبو هريرة، وابن عباس، وأبو وائل، وأبو عثمان النهدي، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة، وأبو سعيد المقبري، وعامر بن سعد، وأبو ظبيان، وعطاء بن أبي رباح، وعدة، وابناه: حسن، ومحمد.
ثبت عن أسامة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يأخذني والحسن، فيقول: اللهم، إني أحبهما، فأحبهما
قلت: هو كان أكبر من الحسن بأزيد من عشر سنين.
وكان شديد السواد، خفيف الروح، شاطرا، شجاعا. رباه النبي - صلى الله عليه وسلم- وأحبه كثيرا.
وهو ابن حاضنة النبي، صلى الله عليه وسلم: أم أيمن وكان أبوه أبيض. وقد فرح له رسول الله بقول مجزز المدلجي: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.
أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه: أخبرني أسامة بن زيد: أن عليا قال: يا رسول الله، أي أهلك أحب إليك؟ قال: فاطمة. قال: إنما أسألك عن الرجال؟ قال: من أنعم الله عليه، وأنعمت عليه: أسامة بن زيد. قال: ثم من؟ قال: ثم أنت.
وروى مغيرة، عن الشعبي: أن عائشة قالت: ما ينبغي لأحد أن يبغض أسامة، بعدما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: من كان يحب الله ورسوله، فليحب أسامة.(أعلام/453)
وقالت عائشة في شأن المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يجترئ على رسول الله يكلمه فيها إلا أسامة، حب رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
موسى بن عقبة، وغيره، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلي أسامة، ما حاشا فاطمة ولا غيرها.
قال زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: فرض عمر لأسامة ثلاثة آلاف وخمس مائة، وفرض لابنه عبد الله ثلاثة آلاف. فقال: لم فضلته علي، فوالله ما سبقني إلى مشهد؟ قال: لأن أباه كان أحب إلى رسول الله من أبيك، وهو أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- منك، فآثرت حب رسول الله على حبي.
حسنه الترمذي.
قال ابن عمر: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أسامة، فطعنوا في إمارته ; فقال: إن يطعنوا في إمارته، فقد طعنوا في إمارة أبيه، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن ابنه هذا لمن أحب الناس إلي بعده.
قلت: لما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم- على ذلك الجيش، كان عمره ثماني عشرة سنة.
ابن سعد: حدثنا يزيد: حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أخر الإفاضة من عرفة من أجل أسامة ينتظره، فجاء غلام أسود أفطس. فقال أهل اليمن: إنما جلسنا لهذا، فلذلك ارتدوا. يعني أيام الردة.
قال وكيع: سلم من الفتنة من المعروفين: سعد، وابن عمر، وأسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة.
قلت: انتفع أسامة من يوم النبي، إذ يقول له: كيف بلا إله إلا الله يا أسامة فكف يده، ولزم منزله، فأحسن.
عائشة، قالت: أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يمسح مخاط أسامة، فقلت: دعني حتى أكون أنا التي أفعل. فقال: يا عائشة، أحبيه، فإني أحبه.
قلت: كان سنه في سنها.(أعلام/454)
مجالد، عن الشعبي، عن عائشة: أمرني رسول الله أن أغسل وجه أسامة وهو صبي. قالت: وما ولدت، ولا أعرف كيف يغسل الصبيان، فآخذه، فأغسله غسلا ليس بذاك. قالت: فأخذه فجعل يغسل وجهه، ويقول: لقد أحسن بنا أسامة إذ لم يكن جارية، ولو كنت جارية، لحليتك وأعطيتك.
وفي " المسند " عن البهي، عن عائشة: قال رسول الله: لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه.
ومن غير وجه، عن عمر: أنه لم يلق أسامة قط إلا قال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله، توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأنت علي أمير جرير بن حازم: حدثنا ابن إسحاق، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله، قال: رأيت أسامة بن زيد مضطجعا عند باب حجرة عائشة رافعا عقيرته يتغنى، ورأيته يصلي عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم- فمر به مروان، فقال: أتصلي عند قبر! وقال له قولا قبيحا. فقال: يا مروان، إنك فاحش متفحش، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الله يبغض الفاحش المتفحش.
وقال قيس بن أبي حازم: إن رسول الله حين بلغه أن الراية صارت إلى خالد، قال: فهلا إلي رجل قتل أبوه؟ يعني أسامة.
إبراهيم بن طهمان، عن عتبة بن عبد الله، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال: دخلت على فاطمة بنت قيس، وقد طلقها زوجها. . . الحديث. فلما حلت، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هل ذكرك أحد؟ قالت: نعم، معاوية وأبو الجهم. فقال: أما أبو الجهم فشديد الخلق، وأما معاوية فصعلوك، لا مال له. ولكن أنكحك أسامة. فقلت: أسامة - تهاونا بأمر أسامة - ثم قلت: سمعا وطاعة لله ولرسوله.
فزوجنيه، فكرمني الله بأبي زيد، وشرفني الله، ورفعني به.
وروى معناه مالك، عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة عنها.(أعلام/455)
قال عروة بن الزبير: قال أبو بكر: والله لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فبعث أسامة، واستأذنه في عمر أن يتركه عنده.
قال: فلما بلغوا الشام، أصابتهم ضبابة شديدة، فسترتهم، حتى أغاروا، وأصابوا حاجتهم. فقدم على هرقل موت النبي - صلى الله عليه وسلم- وإغارة أسامة على أرضه في آن واحد. فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم وأن أغاروا على أرضنا.
ابن إسحاق، عن سعيد بن عبيد بن السباق، عن محمد بن أسامة، عن أبيه، قال: لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هبطت، وهبط الناس المدينة، فدخلت عليه، وقد أصمت فلا يتكلم، فجعل يضع يديه علي، ثم يرفعهما ; فأعرف أنه يدعو لي.
أحمد في " مسنده ": حدثنا حجاج: أخبرنا شريك، عن العباس بن ذريح، عن البهي، عن عائشة: أن أسامة عثر بأسكفة الباب، فشج في جبهته، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم- يمصه، ثم يمجه، وقال: لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته، حتى أنفقه شريك، عن أبي إسحاق، عن جبلة، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا لم يغز، أعطى سلاحه عليا أو أسامة.
الزبير بن بكار،: حدثنا محمد بن سلام، عن يزيد بن عياض، قال: أهدى حكيم بن حزام للنبي - صلى الله عليه وسلم- في الهدنة حلة ذي يزن، اشتراها بثلاث مائة دينار. فردها، وقال: لا أقبل هدية مشرك. فباعها حكيم. فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- من اشتراها له. فلبسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلما رآه حكيم فيها، قال:
ما ينظر الحكام بالفصل بعدما
بدا سابق ذو غرة وحجول
فكساها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد.
فرآها عليه حكيم، فقال: بخ بخ يا أسامة! عليك حلة ذي يزن! .
فقال له رسول الله: قل له: وما يمنعني وأنا خير منه، وأبي خير من أبيه.(أعلام/456)
معمر، عن الزهري، قال: لقي علي أسامة بن زيد، فقال: ما كنا نعدك إلا من أنفسنا يا أسامة، فلم لا تدخل معنا؟ قال: يا أبا حسن، إنك والله لو أخذت بمشفر الأسد، لأخذت بمشفره الآخر معك، حتى نهلك جميعا، أو نحيا جميعا ; فأما هذا الأمر الذي أنت فيه، فوالله لا أدخل فيه أبدا.
روى نحوه عمرو بن دينار، عن أبي جعفر، عن حرملة مولى أسامة قال: بعثني أسامة إلى علي. . . فذكر نحوه.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن العدل: أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه: أخبرنا محمد بن عبد الباقي: أخبرنا علي بن الحسين البزار: أخبرنا أبو علي بن شاذان: أخبرنا أبو سهل بن زياد: حدثنا أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة، عن أبيه، عن جده أسامة بن زيد، قال: أدركت رجلا أنا ورجل من الأنصار، فلما شهرنا عليه السيف، قال: لا إله إلا الله. فلم ننزع عنه، حتى قتلناه. فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم- أخبرناه خبره. فقال: يا أسامة، من لك بلا إله إلا الله؟ فقلنا: يا رسول الله، إنما قالها تعوذا من القتل. قال: من لك يا أسامة بلا إله إلا الله؟ فما زال يرددها، حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن، وأني أسلمت يومئذ، ولم أقتله.
فقلت: إني أعطي الله عهدا ألا أقتل رجلا يقول: لا إله إلا الله، أبدا. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: بعدي يا أسامة؟ قال: بعدك.
رواه شيخ آخر، عن أحمد بن عبد الجبار: فزاد فيه: قال: أدركته - يعني مرداس بن نهيك - أنا ورجل ; فلما شهرنا عليه السيف، قال: أشهد أن لا إله إلا الله.
هشام الدستوائي: حدثنا يحيى بن أبي كثير، حدثني عمر بن الحكم بن ثوبان، أن مولى قدامة بن مظعون حدثه: أن مولى أسامة قال: كان أسامة يركب إلى مال له بوادي القرى، فيصوم الاثنين والخميس في الطريق.(أعلام/457)
فقلت له: تصوم الاثنين والخميس في السفر، وقد كبرت وضعفت، أو رققت! فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يصوم الاثنين والخميس، وقال: إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس.
يونس بن بكير: حدثنا ابن إسحاق، عن بن ابن أسامة بن زيد، عن جده أسامة، قال: كنت أصوم شهرا من السنة، فذكرته للنبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: أين أنت عن شوال.
فكان أسامة إذا أفطر، أصبح الغد صائما من شوال، حتى يتم على آخره.
ابن أبي الدنيا: أخبرنا عمرو بن بكير، عن أبي عبد الرحمن الطائي، قال: قدم أسامة على معاوية، فأجلسه معه، وألطفه، فمد رجله. فقال معاوية: يرحم الله أم أيمن، كأني أنظر إلى ظنبوب ساقها بمكة، كأنه ظنبوب نعامة خرجاء. فقال: فعل الله بك يا معاوية، هي - والله- خير منك! قال: يقول معاوية: اللهم غفرا.
الظنبوب: هو العظم الظاهر. والخرجاء: فيها بياض وسواد.
له في " مسند " بقي مائة وثمانية عشر حديثا، منها في البخاري ومسلم خمسة عشر. وفي البخاري حديث. وفي مسلم حديثان.
قال الزهري: مات أسامة بالجرف.
وعن المقبري، قال: شهدت جنازة أسامة، فقال ابن عمر: عجلوا بحب رسول الله قبل أن تطلع الشمس.
قال ابن سعد: مات في آخر خلافة معاوية.(أعلام/458)
أسد السنة (خت، د، س)
هو الإمام الحافظ الثقة، ذو التصانيف أبو سعيد، أسد بن موسى بن إبراهيم بن الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان، القرشي الأموي المرواني المصري.
وقد ولي جده إبراهيم الخلافة شهرين، وخلعه مروان الحمار.
ولد أسد بالبصرة، وقيل: بمصر -وهو أشبه- سنة زالت دولة آبائه ببني العباس سنة اثنتين وثلاثين ومائة فنشأ، وطلب العلم، ولقي الكبار، ورحل، وجمع وصنف.
حدث عن: شعبة بن الحجاج، وشيبان النحوي وعبد الرحمن المسعودي، ويونس بن أبي إسحاق، وهو أسن شيخ له، وابن أبي ذئب، وفضيل بن مرزوق، وحماد بن سلمة، وعبد العزيز بن الماجشون، وعافية بن يزيد القاضي، وجرير بن عبد الحميد، وعدة.
حدث عنه: أحمد بن صالح، وعبد الملك بن حبيب الفقيه، والربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وولده سعيد بن أسد، والمقدام بن داود الرعيني، وأبو يزيد يوسف بن يزيد القراطيسي، وآخرون.
قال النسائي: ثقة، ولو لم يصنف لكان خيرا له.
وقال البخاري: هو مشهور الحديث، يقال له: أسد السنة. واستشهد به البخاري.
قال أبو سعيد بن يونس: ثقة مات بمصر في المحرم سنة اثنتي عشرة ومائتين.
قلت: عاش ثمانين سنة. وقع لنا من تواليفه كتاب " الزهد " وغير ذلك.
قال ابن يونس: روى أحاديث منكرة، وكان ثقة، وأحسب الآفة من غيره.
وقال العجلي: ثقة.
وأما ابن حزم فقال في كتاب " الإيصال " ضعيف. ذكره في الزكاة.
قال: صاحب " الإمام " يقال: هو أول من صنف المسند.(أعلام/459)
أسعد بن زرارة
ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار.
السيد نقيب بني النجار أبو أمامة الأنصاري الخزرجي، من كبراء الصحابة.
توفي شهيدا بالذبحة فلم يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده نقيبا على بني النجار وقال: " أنا نقيبكم " فكانوا يفخرون بذلك.
قال ابن إسحاق: توفي والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبني مسجده قبل بدر.
قال أبو العباس الدغولي: قيل: إنه لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل العقبة الأولى بسنة مع خمسة نفر من الخزرج، فآمنوا به، فلما قدموا المدينة تكلموا بالإسلام في قومهم، فلما كان العام المقبل، خرج منهم اثنا عشر رجلا، فهي العقبة الأولى، فانصرفوا معهم، وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، مصعب بن عمير يقرأهم ويفقههم.(أعلام/460)
قال ابن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي أمامة بن سهل، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: كنت قائد أبي حين عمي، فإذا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الأذان، صلى على أبي أمامة، واستغفر له. فقلت: يا أبة، أرأيت استغفارك لأبي أمامة كلما سمعت أذان الجمعة ما هو؟ قال: أي بني، كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت من حرة بني بياضة يقال له: نقيع الخضمات قلت: فكم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلا. فكان أسعد مقدم النقباء الاثني عشر، فهو نقيب بني النجار، وأسيد بن الحضير نقيب بني عبد الأشهل، عبد الأشهل وأبو الهيثم بن التيهان البلوي من حلفاء بني عبد الأشهل، وسعد بن خيثمة الأوسي أحد بني غنم بن سلم، وسعد بن الربيع الخزرجي الحارثي قتل يوم أحد، وعبد الله بن رواحة بن ثعلبة الخزرجي الحارثي قتل يوم مؤتة وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر السلمي نقيب بني سلمة، وسعد بن عبادة بن دليم الخزرجي الساعدي رئيس، نقيب ; والمنذر بن عمرو الساعدي النقيب قتل يوم بئر معونة، والبراء بن معرور الخزرجي السلمي، وعبادة بن الصامت الخزرجي من القواقلة ورافع بن مالك الخزرجي الزرقي - رضي الله عنهم.
وروى شعبة: عن محمد بن عبد الرحمن، أن جده أسعد بن زرارة أصابه وجع الذبح في حلقه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لأبلغن أو لأبلين في أبي أمامة عذرا. فكواه بيده فمات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ميتة سوء لليهود ; يقولون: هلا دفع عن صاحبه. ولا أملك له ولا لنفسي من الله شيئا
. وقيل: إنه مات في السنة الأولى من الهجرة - رضي الله عنه - وقد مات فيها ثلاثة أنفس من كبراء الجاهلية، ومشيخة قريش: العاص بن وائل السهمي والد عمرو، والوليد بن المغيرة المخزومي، والد خالد، وأبو أحيحة سعيد بن العاص الأموي.(أعلام/461)
الواقدي: حدثني معمر، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل، قال: هم اثنا عشر نقيبا رأسهم أسعد بن زرارة.
وعن عمر: عن عائشة، قالت: نقب النبي - صلى الله عليه وسلم - أسعد على النقباء وعن خبيب بن عبد الرحمن، قال: خرج أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس إلى مكة إلى عتبة بن ربيعة، فسمعا برسول الله، فأتياه، فعرض عليهما الإسلام، وقرأ عليهما القرآن، فأسلما، فكانا أول من قدم المدينة بالإسلام.
وعن أم خارجة: أخبرتني النوار أم زيد بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس الصلوات الخمس، يجمع بهم في مسجد بناه. قالت: فأنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم صلى في ذلك المسجد وبناه، فهو مسجده اليوم.
إسرائيل: عن منصور، عن محمد بن عبد الرحمن، قال: أخذت أسعد بن زرارة الذبحة، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: اكتو ; فإني لا ألوم نفسي عليك.
زهير بن معاوية: عن أبي الزبير، عن عمرو بن شعيب، عن بعض الصحابة، قال: كوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسعد مرتين في حلقه من الذبحة وقال: لا أدع في نفسي منه حرجا.
الثوري: عن أبي الزبير، عن جابر، قال: كواه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أكحله مرتين.
وقيل: كواه فحجر به حلقه - يعني بالكي.
وقيل: أوصى أسعد ببناته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكن ثلاثا. فكن في عيال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدرن معه في بيوت نسائه، وهن: فريعة، وكبشة، وحبيبة. فقدم عليه حلي فيه ذهب ولؤلؤ، فحلاهن منه.
وعن ابن أبي الرجال، قال: جاءت بنو النجار، فقالوا: مات نقيبنا أسعد، فنقب علينا يا رسول الله. قال: أنا نقيبكم.
قال الواقدي: الأنصار يقولون: أول مدفون بالبقيع أسعد، والمهاجرون يقولون: أول من دفن به عثمان بن مظعون(أعلام/462)
وعن أبي أمامة بن سهل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاد أسعد، وأخذته الشوكة فأمر به فطوق عنقه بالكي طوقا، فلم يلبث إلا يسيرا حتى توفي - رضي الله عنه.(أعلام/463)
أسماء بنت أبي بكر (ع)
عبد الله بن أبي قحافة عثمان أم عبد الله القرشية التيمية، المكية، ثم المدنية.
والدة الخليفة عبد الله بن الزبير، وأخت أم المؤمنين عائشة، وآخر المهاجرات وفاة.
روت عدة أحاديث. وعمرت دهرا. وتعرف بذات النطاقين وأمها: هي قتيلة بنت عبد العزى العامرية.
حدث عنها ابناها: عبد الله، وعروة، وحفيدها عبد الله بن عروة، وحفيده عباد بن عبد الله، وابن عباس، وأبو واقد الليثي، وصفية بنت شيبة، ومحمد بن المنكدر، ووهب بن كيسان، وأبو نوفل معاوية بن أبي عقرب، والمطلب بن عبد الله بن حنطب، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، ومولاها عبد الله بن كيسان، وابن أبي مليكة، ونافلتها عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، وعدة.
وكانت أسن من عائشة ببضع عشرة سنة.
هاجرت حاملا بعبد الله. وقيل: لم يسقط لها سن.
وشهدت اليرموك مع زوجها الزبير.
وهي، وأبوها، وجدها، وابنها ابن الزبير، أربعتهم صحابيون.
أخبرنا أحمد بن هبة الله: أنبأنا المؤيد الطوسي: أخبرنا أبو عبد الله الفراوي: أخبرنا عبد الغافر الفارسي، أخبرنا ابن عمرويه، أخبرنا إبراهيم بن سفيان، حدثنا مسلم، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: قالت أسماء بنت أبي بكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني على الحوض أنظر من يرد علي منكم.
شعبة، عن مسلم القري قال: دخلنا على أم ابن الزبير؛ فإذا هي امرأة ضخمة عمياء - نسألها عن متعة الحج، فقالت: قد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها.
قال عبد الرحمن بن أبي الزناد: كانت أسماء أكبر من عائشة بعشر.(أعلام/464)
هشام بن عروة، عن أبيه، وفاطمة بنت المنذر، عن أسماء، قالت: صنعت سفرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أبي حين أراد أن يهاجر، فلم أجد لسفرته ولا لسقائه ما أربطهما، فقلت لأبي: ما أجد إلا نطاقي، قال: شقيه باثنين، فاربطي بهما قال: فلذلك سميت: ذات النطاقين.
ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد عن أبيه، عن أسماء، قالت: لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم من مكة حمل أبو بكر معه جميع ماله - خمسة آلاف، أو ستة آلاف - فأتاني جدي أبو قحافة وقد عمي، فقال: إن هذا قد فجعكم بماله ونفسه، فقلت: كلا، قد ترك لنا خيرا كثيرا.
فعمدت إلى أحجار، فجعلتهن في كوة البيت، وغطيت عليها بثوب، ثم أخذت بيده، ووضعتها على الثوب، فقلت: هذا تركه لنا، فقال: أما إذ ترك لكم هذا، فنعم.
ابن إسحاق: حدثت عن أسماء، قالت: أتى أبو جهل في نفر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك؟ قلت: لا أدري - والله - أين هو؟ .
فرفع أبو جهل يده، ولطم خدي لطمة خر منها قرطي. ثم انصرفوا، فمضت ثلاث لا ندري أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ أقبل رجل من الجن يسمعون صوته بأعلى مكة، يقول
جزى الله رب الناس خير جزائه
رفيقين قالا خيمتي أم معبد
قال ابن أبي مليكة: كانت أسماء تصدع، فتضع يدها على رأسها، وتقول: بذنبي، وما يغفره الله أكثر.
وروى عروة عنها قالت: تزوجني الزبير وما له شيء غير فرسه، فكنت أسوسه وأعلفه، وأدق لناضحه النوى وأستقي وأعجن، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي - وهي على ثلثي فرسخ - فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر، فدعاني، فقال: إخ، إخ، ليحملني خلفه، فاستحييت، وذكرت الزبير وغيرته.
قالت: فمضى.(أعلام/465)
فلما أتيت، أخبرت الزبير، فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد بخادم، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني.
وعن ابن الزبير قال: نزلت هذه الآية في أسماء، وكانت أمها يقال لها: قتيلة، جاءتها بهدايا فلم تقبلها، حتى سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين.
وفي " الصحيح " قالت أسماء: يا رسول الله إن أمي قدمت، وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: نعم، صلي أمك.
عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، عن هشام، أن عروة قال: ضرب الزبير أسماء، فصاحت بعبد الله ابنها، فأقبل، فلما رآه، قال: أمك طالق إن دخلت، فقال: أتجعل أمي عرضة ليمينك؟ ! فاقتحم، وخلصها. قال: فبانت منه.
حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة: أن الزبير طلق أسماء، فأخذ عروة، وهو يومئذ صغير.
أسامة بن زيد، عن محمد بن المنكدر قال: كانت أسماء بنت أبي بكر سخية النفس.
هشام بن عروة، عن القاسم بن محمد: سمعت ابن الزبير يقول: ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء، وجودهما مختلف: أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء، فكانت لا تدخر شيئا لغد.
قال مصعب بن سعد: فرض عمر للمهاجرات: ألفا ألفا، منهن: أم عبد، وأسماء.
هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر: أن أسماء كانت تمرض المرضة، فتعتق كل مملوك لها.
قال الواقدي: كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا، أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر، وأخذت عن أبيها.
معن بن عيسى: حدثنا شعيب بن طلحة، عن أبيه: قالت أسماء لابنها: يا بني عش كريما، ومت كريما، لا يأخذك القوم أسيرا.
قال هشام بن عروة: كثر اللصوص بالمدينة، فاتخذت أسماء خنجرا زمن سعيد بن العاص: كانت تجعله تحت رأسها.(أعلام/466)
قال عروة: دخلت أنا وأخي - قبل أن يقتل - على أمنا بعشر ليال، وهي وجعة، فقال عبد الله: كيف تجدينك؟ قالت: وجعة. قال: إن في الموت لعافية. قالت: لعلك تشتهي موتي، فلا تفعل، وضحكت، وقالت: والله، ما أشتهي أن أموت، حتى تأتي على أحد طرفيك: إما أن تقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقر عيني. إياك أن تعرض على خطة فلا توافق، فتقبلها كراهية الموت.
قال: وإنما عنى أخي أن يقتل فيحزنها ذلك.
وكانت بنت مائة سنة.
ابن عيينة: حدثنا أبو المحياة، عن أمه، قال: لما قتل الحجاج ابن الزبير، دخل على أسماء وقال لها: يا أمه، إن أمير المؤمنين وصاني بك، فهل لك من حاجة؟ قالت: لست لك بأم، ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن أحدثك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج في ثقيف كذاب، ومبير فأما الكذاب فقد رأيناه - تعني المختار - وأما المبير فأنت.
فقال لها: مبير المنافقين.
أحمد بن يونس: حدثنا أبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي، عن أبيه، قال: دخلت مكة بعد قتل ابن الزبير بثلاث - وهو مصلوب - فجاءت أمه عجوز طويلة عمياء، فقالت للحجاج: أما آن للراكب أن ينزل؟ فقال: المنافق؟ قالت: والله ما كان منافقا، كان صواما قواما برا. قال: انصرفي يا عجوز، فقد خرفت. قالت: لا - والله - ما خرفت منذ سمعت رسول الله يقول: في ثقيف كذاب ومبير. . . الحديث.
ابن عيينة، عن منصور بن صفية، عن أمه، قالت: قيل لابن عمر: إن أسماء في ناحية المسجد - وذلك حين صلب ابن الزبير - فمال إليها، فقال: إن هذه الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله، فاتقي الله واصبري.
فقالت: وما يمنعني، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.(أعلام/467)
أيوب، عن ابن أبي مليكة قال: دخلت على أسماء بعدما أصيب ابن الزبير، فقالت: بلغني أن هذا صلب عبد الله، اللهم لا تمتني حتى أوتى به، فأحنطه وأكفنه.
فأتيت به بعد، فجعلت تحنطه بيدها، وتكفنه بعدما ذهب بصرها.
ومن وجه آخر - عن ابن أبي مليكة -: وصلت عليه، وما أتت عليه جمعة إلا ماتت.
شريك، عن الركين بن الربيع، قال: دخلت على أسماء بنت أبي بكر، وقد كبرت، وهي تصلي، وامرأة تقول لها: قومي، اقعدي، افعلي من الكبر.
قال ابن سعد: ماتت بعد ابنها بليال. وكان قتله لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين.
قلت: كانت خاتمة المهاجرين والمهاجرات.
إسحاق الأزرق، عن عوف الأعرابي، عن أبي الصديق الناجي: أن الحجاج دخل على أسماء فقال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب أليم. قالت: كذبت. كان برا بوالدته، صواما، قواما، ولكن قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سيخرج من ثقيف كذابان: الآخر منهما شر من الأول، وهو مبير.
مسندها ثمانية وخمسون حديثا.
اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثا. وانفرد البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بأربعة.(أعلام/468)
أسماء بنت عميس (ع)
ابن معبد بن الحارث الخثعمية. أم عبد الله.
من المهاجرات الأول.
قيل: أسلمت قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. وهاجر بها زوجها جعفر الطيار إلى الحبشة، فولدت له هناك: عبد الله، ومحمدا، وعونا.
فلما هاجرت معه إلى المدينة سنة سبع، واستشهد يوم مؤتة، تزوج بها أبو بكر الصديق، فولدت له: محمدا وقت الإحرام، فحجت حجة الوداع، ثم توفي الصديق، فغسلته. وتزوج بها علي بن أبي طالب.
سفيان بن عيينة، عن إسماعيل، عن الشعبي، قال: قدمت أسماء من الحبشة، فقال لها عمر: يا حبشية، سبقناكم بالهجرة.
فقالت: لعمري، لقد صدقت: كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعلم جاهلكم، وكنا البعداء الطرداء، أما والله لأذكرن ذلك لرسول الله، فأتته، فقال: للناس هجرة واحدة، ولكم هجرتان.
عبد الله بن نمير، عن الأجلح، عن عامر، قال: قالت أسماء بنت عميس: يا رسول الله، إن هؤلاء يزعمون أنا لسنا من المهاجرين. قال: كذب من يقول ذلك، لكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إلي.
قال الشعبي: أول من أشار بنعش المرأة - يعني المكبة - أسماء، رأت النصارى يصنعونه بالحبشة.
الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شداد، عن أسماء بنت عميس، قالت:
لما أصيب جعفر، قال: تسلبي ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت.
قال ابن المسيب: نفست أسماء بنت عميس بمحمد بذي الحليفة، وهم يريدون حجة الوداع، فأمرها أبو بكر أن تغتسل، ثم تهل بالحج.
الثوري، عن عبد الكريم، عن سعيد بن المسيب، قال: نفست بذي الحليفة، فهم أبو بكر بردها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: مرها، فلتغتسل، ثم تهل بالحج.
وروى القاسم بن محمد، عن أسماء نحوا منه.(أعلام/469)
ابن سعد: أخبرنا يزيد: أخبرنا ابن أبي خالد، عن قيس، قال: دخلت مع أبي بكر رضي الله عنه وكان أبيض، خفيف اللحم، فرأيت يدي أسماء موشومة.
زاد خالد الطحان، عن إسماعيل، عن قيس: تذب عن أبي بكر.
قال سعد بن إبراهيم قاضي المدينة: أوصى أبو بكر أن تغسله أسماء. قال قتادة: فغسلته بنت عميس امرأته.
وقيل: عزم عليها لما أفطرت، وقال: هو أقوى لك، فذكرت يمينه في آخر النهار، فدعت بماء، فشربت، وقالت: والله لا أتبعه اليوم حنثا.
مالك، عن عبد الله بن أبي بكر: أن أسماء غسلت أبا بكر؛ فسألت من حضر من المهاجرين، وقالت: إني صائمة، وهذا يوم شديد البرد، فهل علي من غسل؟ فقالوا: لا.
روى أبو إسحاق، عن مصعب بن سعد: أن عمر فرض الأعطية، ففرض لأسماء بنت عميس ألف درهم.
قال الواقدي: ثم تزوجت عليا فولدت له: يحيى، وعونا.
زكريا بن أبي زائدة: سمعت عامرا يقول: تزوج علي أسماء بنت عميس، فتفاخر ابناها: محمد بن أبي بكر، ومحمد بن جعفر، فقال كل منهما: أنا أكرم منك، وأبي خير من أبيك.
قال: فقال لها علي: اقضي بينهما، قالت: ما رأيت شابا من العرب خيرا من جعفر، ولا رأيت كهلا خيرا من أبي بكر.
فقال علي: ما تركت لنا شيئا؛ ولو قلت غير الذي قلت لمقتك. قالت: إن ثلاثة أنت أخسهم خيار.
ابن عيينة، عن إسماعيل، عن قيس، قال: قال علي رضي الله عنه: كذبتكم من النساء الحارقة فما ثبتت منهن امرأة إلا أسماء بنت عميس.
قلت: لأسماء حديث في " سنن " الأربعة.
حدث عنها: ابنها عبد الله بن جعفر. وابن أختها عبد الله بن شداد. وسعيد بن المسيب. وعروة، والشعبي، والقاسم بن محمد. وآخرون. عاشت بعد علي.(أعلام/470)
أسيد بن الحضير
ابن سماك بن عتيك بن نافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل.
الإمام أبو يحيى - وقيل: أبو عتيك - الأنصاري، الأوسي الأشهلي، أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة.
أسلم قديما، وقال: ما شهد بدرا، وكان أبوه شريفا مطاعا يدعى حضير الكتائب، وكان رئيس الأوس يوم بعاث فقتل يومئذ قبل عام الهجرة بست سنين وكان أسيد يعد من عقلاء الأشراف وذوي الرأي.
قال محمد بن سعد: آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين زيد بن حارثة، وله رواية أحاديث، روت عنه عائشة، وكعب بن مالك، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ولم يلحقه.
وذكر الواقدي أنه قدم الجابية مع عمر، وكان مقدما على ربع الأنصار، وأنه ممن أسلم على يد مصعب بن عمير، هو وسعد بن معاذ.
قال أبو هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم الرجل أبو بكر. نعم الرجل عمر، نعم الرجل أسيد بن حضير أخرجه الترمذي وإسناده جيد.
وروي أن أسيدا كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن.
ابن إسحاق: عن يحيى بن عباد بن عبد الله، عن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار من بني عبد الأشهل لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر، رضي الله عنهم.
قال ابن إسحاق: أسيد بن حضير نقيب لم يشهد بدرا، يكنى أبا يحيى. ويقال: كان في أسيد مزاح وطيب أخلاق.
روى حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أسيد بن حضير - وكان فيه مزاح - أنه كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فطعنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعود كان معه، فقال: أصبرني، فقال: اصطبر، قال: إن عليك قميصا وليس علي قميص، قال: فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - قميصه، قال: فجعل يقبل كشحه ويقول: إنما أردت هذا يا رسول الله.(أعلام/471)
أبو صالح كاتب الليث: حدثنا يحيى بن عبد الله بن سالم، عن نافع، عن ابن عمر قال: لما هلك أسيد بن الحضير، وقام غرماؤه بمالهم، سأل عمر في كم يؤدى ثمرها ليوفى ما عليه من الدين. فقيل له: في أربع سنين، فقال لغرمائه: ما عليكم أن لا تباع، قالوا: احتكم، وإنما نقتص في أربع سنين، فرضوا بذلك، فأقر المال لهم، قال: ولم يكن باع نخل أسيد أربع سنين من عبد الرحمن بن عوف، ولكنه وضعه على يدي عبد الرحمن للغرماء.
عبد الله بن عمر: عن نافع، عن ابن عمر قال: هلك أسيد، وترك عليه أربعة آلاف، وكانت أرضه تغل في العام ألفا، فأرادوا بيعها، فبعث عمر إلى غرمائه: هل لكم أن تقبضوا كل عام ألفا؟ قالوا: نعم.
قال يحيى بن بكير: مات أسيد سنة عشرين وحمله عمر بين العمودين عمودي السرير حتى وضعه بالبقيع ثم صلى عليه، وفيها أرخ موته الواقدي وأبو عبيد وجماعة.
وندم على تخلفه عن بدر، وقال: ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه غزو ما تخلفت. وقد جرح يوم أحد سبع جراحات.(أعلام/472)
أشعث بن سوار (م، ت، س، ق)
الكندي، الكوفي، النجار، التوابيتي الأفرق. وهو الذي يقال له صاحب التوابيت. وهو أشعث القاص.
وهو مولى ثقيف، وهو الأثرم، وهو قاضي الأهواز.
حدث عن الشعبي، وعكرمة، والحسن، وابن سيرين.
حدث عنه: شعبة، وعبثر بن القاسم، وهشيم، وحفص بن غياث، وعبد الله بن نمير، ويزيد بن هارون وعدة.
روى له مسلم متابعة. وقد حدث عنه من شيوخه أبو إسحاق السبيعي. وكان أحد العلماء على لين فيه.
قال الثوري: هو أثبت من مجالد. وقال يحيى القطان: هو عندي دون ابن إسحاق. وقال أبو زرعة: لين. وقال ابن خراش وغيره: هو أضعف الأشاعثة. وقال النسائي: ضعيف. وأما ابن عدي، فقال: لم أجد له حديثا منكرا، إنما يغلط في الأسانيد. وروى عباس عن يحيى: ضعيف. وروى ابن الدورقي، عن يحيى: أشعث بن سوار ثقة. وقال أحمد بن حنبل: هو أمثل من محمد بن سالم. وقال محمد بن مثنى: ما سمعت يحيى، وعبد الرحمن يحدثان عن أشعث بن سوار بشيء قط. وقال ابن حبان: فاحش الخطأ، كثير الوهم. وقال الدارقطني: ضعيف يعتبر به.
أشعث بن سوار، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: كنا نلبي عن النساء، ونرمي عن الصبيان.
قال أبو همام الدلال: كان أشعث بن سوار على قضاء الأهواز. فصلى بهم، فقرأ (النجم) فسجد من خلفه ولم يسجد هو. ثم صلى يوما فقرأ إذا السماء انشقت فسجد وما سجدوا.
شعبة، عن أشعث بن سوار، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود، قال: السنة بالنساء الطلاق والعدة.
توفي سنة ست وثلاثين ومائة أرخه الفلاس.(أعلام/473)
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أنبأنا محمد بن إسماعيل، أنبأنا محلم بن إسماعيل، حدثنا الخليل بن أحمد، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة، حدثنا عبثر بن القاسم، عن أشعث، عن محمد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من مات وعليه صيام شهر، فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين.
أخرجه النسائي: عن محمد بن يحيى، عن قتيبة. وقد روي موقوفا، وهو أصح.(أعلام/474)
أصبغ بن الفرج (خ، ت، س)
ابن سعيد بن نافع، الشيخ الإمام الكبير، مفتي الديار المصرية، وعالمها أبو عبد الله الأموي مولاهم المصري المالكي.
مولده بعد الخمسين ومائة.
وطلب العلم وهو شاب كبير، ففاته مالك والليث.
فروى عن: عبد العزيز الدراوردي، وأسامة بن زيد بن أسلم، وأخيه عبد الرحمن بن زيد، وحاتم بن إسماعيل، وعيسى بن يونس السبيعي، وعبد الله بن وهب، وابن القاسم، وبهما تفقه وحوى علما جما.
حدث عنه: البخاري، وأحمد بن الحسن الترمذي، ويحيى بن معين، وأحمد بن الفرات، والربيع بن سليمان الجيزي، وإسماعيل سمويه، ومحمد بن إسماعيل السلمي، وأبو الدرداء عبد العزيز بن منيب المروزي، ويحيى بن عثمان بن صالح، وبكر بن سهل الدمياطي، وأبو يزيد يوسف القراطيسي، وخلق كثير.
ذكره ابن معين، فقال: كان من أعلم خلق الله برأي مالك، يعرفها مسألة مسألة، متى قالها مالك، ومن خالفه فيها.
وقال أحمد بن عبد الله: أصبغ ثقة صاحب سنة.
وقال أبو حاتم: كان أجل أصحاب ابن وهب.
وقال أبو سعيد بن يونس: كان يحيى بن عثمان بن صالح يقول: هو من أولاد عبيد المسجد، كان بنو أمية يشترون للمسجد عبيدا يخدمونه، فأصبغ من أولاد أولئك، وكان مضطلعا بالفقه والنظر.
ثم قال: توفي لأربع بقين من شوال سنة خمس وعشرين ومائتين، وكان ذكر للقضاء في مجلس الأمير عبد الله بن طاهر، فسبقه سعيد بن عفير.
قال: وحدثني علي بن الحسن بن قديد، عن يحيى بن عثمان بن صالح، عن أبي يعقوب البويطي أنه كان حاضرا في مجلس ابن طاهر حين أمر بإحضار شيوخ مصر. قال: فقال لنا: إني جمعتكم لترتادوا لأنفسكم قاضيا، فكان أول من تكلم يحيى بن بكير، ثم تكلم ابن ضمرة الزهري، فقال: أصلح الله الأمير، أصبغ بن الفرج الفقيه العالم الورع، وذكر باقي الحكاية.
قال بعض العلماء: ما أخرجت مصر مثل أصبغ.(أعلام/475)
وقال أبو نصر الفقيه: سمعت المزني والربيع يقولان: كنا نأتي أصبغ قبل قدوم الشافعي، فنقول له: علمنا مما علمك الله تعالى.
قال مطرف بن عبد الله: أصبغ أفقه من عبد الله بن عبد الحكم.
وذكر علي بن قديد عمن حدثه، قال: كان بين أصبغ وابن عبد الحكم مباعدة، وكان أحدهما يرمي الآخر بالبهتان.
وقال ابن وزير: كان أصبغ خبيث اللسان، كان صاعقة.
قال ابن قديد: كتب المعتصم في أصبغ ليحمل إليه في المحنة، فهرب - رحمه الله - واختفى بحلوان وفي ذلك يقول الجمل الشاعر:
وطويت أصبغ حقبة في بيته
فسترنه جدر البيوت الستر
أبدلته برجاله وجموعه
خرقا مقاعدة النساء الخدر
فإذا أراد مع الظلام لحاجة
أخذ النقاب وفضل مرط المعجر(أعلام/476)
أم أيمن (ق)
الحبشية، مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاضنته ورثها من أبيه، ثم أعتقها عندما تزوج بخديجة.
وكانت من المهاجرات الأول.
اسمها: بركة. وقد تزوجها عبيد بن الحارث الخزرجي، فولدت له: أيمن. ولأيمن هجرة وجهاد، استشهد يوم حنين. ثم تزوجها زيد بن حارثة ليالي بعث النبي صلى الله عليه وسلم، فولدت له أسامة بن زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روي بإسناد واه مرسل: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لأم أيمن: يا أمه، ويقول: هذه بقية أهل بيتي.
جرير بن حازم: حدثنا عثمان بن القاسم، قال: لما هاجرت أم أيمن أمست بالمنصرف دون الروحاء، فعطشت وليس معها ماء وهي صائمة، وجهدت، فدلي عليها من السماء دلو من ماء برشاء أبيض، فشربت، وكانت تقول: ما أصابني بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر فما عطشت.
قال فضيل بن مرزوق، عن سفيان بن عقبة، قال: كانت أم أيمن تلطف النبي صلى الله عليه وسلم وتقوم عليه، فقال: من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة، فليتزوج أم أيمن
قال: فتزوجها زيد.
أبو نعيم: حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس: جاءت أم أيمن، فقالت: يا رسول الله، احملني. قال: أحملك على ولد الناقة. قالت: إنه لا يطيقني، ولا أريده. قال: لا أحملك إلا عليه. يعني: يمازحها.
الواقدي، عن عائذ بن يحيى، عن أبي الحويرث: أن أم أيمن قالت يوم حنين: سبت الله أقدامكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسكتي، فإنك عسراء اللسان.
وقال أبو جعفر الباقر: دخلت أم أيمن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: سلام لا عليكم، فرخص لها أن تقول: السلام.(أعلام/477)
معتمر بن سليمان، عن أبيه: حدثنا أنس: إن الرجل كان يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم من ماله النخلات، حتى فتحت قريظة والنضير، فجعل يرد. وإن أهلي أمرتني أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أهله أعطوه. أو بعضه، وكان النبي أعطى ذاك أم أيمن، فسألته فأعطانيهن، فجاءت أم أيمن، فجعلت الثوب في عنقي، وجعلت تقول: كلا والله، لا يعطيكهن، وقد أعطانيهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لك كذا، وتقول: كلا والله. . . وذكر الحديث.
الوليد: حدثنا عبد الرحمن بن نمر، عن الزهري: حدثني حرملة، مولى أسامة بن زيد: أنه بينا هو جالس مع ابن عمر، إذ دخل الحجاج بن أيمن، فصلى صلاة لم يتم ركوعها، ولا سجودها، فدعاه ابن عمر، وقال: أتحسب أنك قد صليت؟ إنك لم تصل، فعد لصلاتك فلما ولى! قال ابن عمر: من هذا؟ فقلت: الحجاج بن أيمن بن أم أيمن، فقال: لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأحبه.
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن أم أيمن بكت حين مات النبي صلى الله عليه وسلم. قيل لها: أتبكين؟ قالت: والله، لقد علمت أنه سيموت؛ ولكني إنما أبكي على الوحي إذ انقطع عنا من السماء.
وروى قيس بن مسلم، عن طارق قال: لما قتل عمر، بكت أم أيمن، وقالت: اليوم وهي الإسلام. وبكت حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: ماتت في خلافة عثمان.
ولها في مسند بقي: خمسة أحاديث.(أعلام/478)
أم الدرداء (ع)
السيدة العالمة الفقيهة، هجيمة -وقيل: جهيمة- الأوصابية الحميرية الدمشقية، وهي أم الدرداء الصغرى.
روت علما جما عن زوجها أبي الدرداء، وعن سلمان الفارسي، وكعب بن عاصم الأشعري، وعائشة، وأبي هريرة، وطائفة.
وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء. وطال عمرها، واشتهرت بالعلم والعمل والزهد.
حدث عنها جبير بن نفير، وأبو قلابة الجرمي، وسالم بن أبي الجعد، ورجاء بن حيوة، ويونس بن ميسرة، ومكحول، وعطاء الكيخاراني، وإسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، وزيد بن أسلم، وأبو حازم الأعرج، وإبراهيم بن أبي عبلة، وعثمان بن حيان المري.
قال أبو مسهر الغساني: أم الدرداء هي هجيمة بنت حيي الوصابية وأم الدرداء الكبرى هي خيرة بنت أبي حدرد، لها صحبة.
قال محمد بن سليمان بن أبي الدرداء: اسم أم الدرداء الفقيهة التي مات عنها أبو الدرداء وخطبها معاوية، هجيمة بنت حيي الأوصابية.
وقال ابن جابر وعثمان بن أبي العاتكة: كانت أم الدرداء يتيمة في حجر أبي الدرداء، تختلف معه في برنس، تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حلق القراء تعلم القرآن، حتى قال لها أبو الدرداء يوما: الحقي بصفوف النساء.
عبد الله بن صالح، حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أم الدرداء، أنها قالت لأبي الدرداء عند الموت: إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحوك، وأنا أخطبك إلى نفسك في الآخرة. قال: فلا تنكحين بعدي. فخطبها معاوية فأخبرته بالذي كان، فقال: عليك بالصيام.
ورويت من وجه عن لقمان بن عامر، وزاد: وكان لها جمال وحسن.
وروى ميمون بن مهران عنها، قالت: قال لي أبو الدرداء: لا تسألي أحدا شيئا. فقلت: إن احتجت؟ قال: تتبعي الحصادين، فانظري ما يسقط منهم فخذيه فاخبطيه ثم اطحنيه وكليه.
قال مكحول: كانت أم الدرداء فقيهة.(أعلام/479)
وعن عون بن عبد الله، قال: كنا نأتي أم الدرداء فنذكر الله عندها.
وقال يونس بن ميسرة: كن النساء يتعبدن مع أم الدرداء، فإذا ضعفن عن القيام، تعلقن بالحبال.
وقال عثمان بن حيان: سمعت أم الدرداء تقول: إن أحدهم يقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن الله لا يمطر عليه ذهبا ولا دراهم ; وإنما يرزق بعضهم من بعض، فمن أعطي شيئا فليقبل، فإن كان غنيا فليضعه في ذي الحاجة، وإن كان فقيرا فليستعن به.
قال إسماعيل بن عبيد الله: كان عبد الملك بن مروان جالسا في صخرة بيت المقدس وأم الدرداء معه جالسة، حتى إذا نودي للمغرب قام وقامت تتوكأ على عبد الملك حتى يدخل بها المسجد، فتجلس مع النساء، ويمضي عبد الملك إلى المقام يصلي بالناس.
وعن يحيى بن يحيى الغساني، قال: كان عبد الملك بن مروان كثيرا ما يجلس إلى أم الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق.
وعن عبد ربه بن سليمان، قال: حجت أم الدرداء في سنة إحدى وثمانين.(أعلام/480)
أم الفضل (ع)
بنت الحارث بن حزن بن بجير، الهلالية، الحرة الجليلة زوجة العباس، عم النبي - صلى الله عليه وسلم- وأم أولاده الرجال الستة النجباء.
اسمها: لبابة. وهي أخت أم المؤمنين ميمونة، وخالة خالد بن الوليد، وأخت أسماء بنت عميس لأمها.
قديمة الإسلام ; فكان ابنها عبد الله يقول: كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان. أخرجه البخاري.
فهذا يؤذن بأنهما أسلما قبل العباس، وعجزا عن الهجرة.
وكانت أم الفضل من علية النساء، تحول بها العباس بعد الفتح إلى المدينة.
وروت أحاديث.
حدث عنها: ولداها: عبد الله، وتمام، وأنس بن مالك، وعبد الله بن الحارث، وغيرهم.
خرجوا لها في الكتب الستة.
أحسبها توفيت في خلافة عثمان.
ولها في مسند بقي بن مخلد: ثلاثون حديثا. أعني بالمكرر. واتفق البخاري ومسلم لها على حديث واحد، وآخر عند البخاري، وثالث عند مسلم.
وقيل: لم يسلم من النساء أحد قبلها. يعني: بعد خديجة.(أعلام/481)
أم حبيبة أم المؤمنين (ع)
السيدة المحجبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي.
مسندها خمسة وستون حديثا. واتفق لها البخاري ومسلم على حديثين، وتفرد مسلم بحديثين.
وهي من بنات عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس في أزواجه من هي أقرب نسبا إليه منها، ولا في نسائه من هي أكثر صداقا منها، ولا من تزوج بها وهي نائية الدار أبعد منها.
عقد له صلى الله عليه وسلم عليها بالحبشة، وأصدقها عنه صاحب الحبشة أربع مائة دينار، وجهزها بأشياء.
روت عدة أحاديث.
حدث عنها، أخواها: الخليفة معاوية، وعنبسة، وابن أخيها عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان، وعروة بن الزبير، وأبو صالح السمان، وصفية بنت شيبة، وزينب بنت أبي سلمة، وشتير بن شكل، وأبو المليح عامر الهذلي. وآخرون. وقدمت دمشق زائرة أخاها.
ويقال: قبرها بدمشق. وهذا لا شيء، بل قبرها بالمدينة. وإنما التي بمقبرة باب الصغير: أم سلمة أسماء بنت يزيد الأنصارية.
قال ابن سعد: ولد أبو سفيان: حنظلة، المقتول يوم بدر؛ وأم حبيبة، توفي عنها زوجها الذي هاجر بها إلى الحبشة: عبيد الله بن جحش بن رياب الأسدي، مرتدا متنصرا.
عقد عليها للنبي صلى الله عليه وسلم بالحبشة سنة ست، وكان الولي عثمان بن عفان. كذا قال.
وعن عثمان الأخنسي: أن أم حبيبة ولدت حبيبة بمكة، قبل هجرة الحبشة.
وعن أبي جعفر الباقر: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية إلى النجاشي يخطب عليه أم حبيبة، فأصدقها من عنده أربعمائة دينار.
وعن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، وآخر، قالا: كان الذي زوجها، وخطب إليه النجاشي: خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، فكان لها يوم قدم بها المدينة بضع وثلاثون سنة.(أعلام/482)
معمر، عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة: أنها كانت تحت عبيد الله، وأن رسول الله تزوجها بالحبشة، زوجها إياه النجاشي، ومهرها أربعة آلاف درهم؛ وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة، وجهازها كله من عند النجاشي.
ابن لهيعة، عن الأسود، عن عروة، قال: أنكحه إياها بالحبشة عثمان.
ابن سعد: أخبرنا الواقدي: أخبرنا عبد الله بن عمرو بن زهير، عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد، قال: قالت أم حبيبة: رأيت في النوم عبيد الله زوجي بأسوأ صورة وأشوهها؛ ففزعت وقلت: تغيرت والله حاله! فإذا هو يقول حيث أصبح: إني نظرت في الدين، فلم أر دينا خيرا من النصرانية، وكنت قد دنت بها، ثم دخلت في دين محمد، وقد رجعت، فأخبرته بالرؤيا، فلم يحفل بها؛ وأكب على الخمر، قالت: فأريت قائلا يقول: يا أم المؤمنين، ففزعت؛ فأولتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني. وذكرت القصة بطولها، وهي منكرة. حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قال: نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
إسناده صالح، وسياق الآيات دال عليه.
وقيل: إن أم حبيبة لما جاء أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليؤكد عقد الهدنة، دخل عليها، فمنعته أن يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمكان الشرك.
وأما ما ورد من طلب أبي سفيان من النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه بأم حبيبة، فما صح. ولكن الحديث في مسلم. وحمله الشارحون على التماس تجديد العقد.
وقيل: بل طلب منه أن يزوجه بابنته الأخرى، واسمها عزة فوهم راوي الحديث، وقال: أم حبيبة.
وقد كان لأم حبيبة حرمة وجلالة، ولا سيما في دولة أخيها؛ ولمكانه منها قيل له: خال المؤمنين.
قال الواقدي، وأبو عبيد، والفسوي: ماتت أم حبيبة سنة أربع وأربعين وقال المفضل الغلابي: سنة اثنتين وأربعين.(أعلام/483)
وشذ أحمد بن زهير، فقال: توفيت قبل معاوية بسنة.
الواقدي: أخبرنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون، قال: لما بلغ أبا سفيان نكاح النبي صلى الله عليه وسلم ابنته، قال: ذاك الفحل، لا يقرع أنفه.
الواقدي: حدثنا محمد بن عبد الله، عن الزهري، قال: لما قدم أبو سفيان المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم يريد غزو مكة، فكلمه في أن يزيد في الهدنة، فلم يقبل عليه، فقام فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، طوته دونه، فقال: يا بنية، أرغبت بهذا الفراش عني، أم بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله، وأنت امرؤ نجس مشرك، فقال: يا بنية، لقد أصابك بعدي شر.
قال عطاء: أخبرني ابن شوال: أن أم حبيبة أخبرته: أن رسول الله أمرها أن تنفر من جمع بليل.
الواقدي: حدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عوف بن الحارث: سمعت عائشة تقول: دعتني أم حبيبة عند موتها، فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك، فقلت: غفر الله لك ذلك كله وحللك من ذلك، فقالت: سررتني سرك الله، وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك.(أعلام/484)
أم سلمة أم المؤمنين (ع)
السيدة المحجبة، الطاهرة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة، المخزومية، بنت عم خالد بن الوليد، سيف الله؛ وبنت عم أبي جهل بن هشام.
من المهاجرات الأول. كانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أخيه من الرضاعة: أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، الرجل الصالح، دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة أربع من الهجرة. وكانت من أجمل النساء وأشرفهن نسبا.
وكانت آخر من مات من أمهات المؤمنين. عمرت حتى بلغها مقتل الحسين، الشهيد، فوجمت لذلك، وغشي عليها، وحزنت عليه كثيرا. لم تلبث بعده إلا يسيرا، وانتقلت إلى الله. ولها أولاد صحابيون: عمر، وسلمة، وزينب. ولها جملة أحاديث.
روى عنها: سعيد بن المسيب، وشقيق بن سلمة، والأسود بن يزيد، والشعبي، وأبو صالح السمان ومجاهد، ونافع بن جبير بن مطعم، ونافع مولاها، ونافع مولى ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وشهر بن حوشب، وابن أبي مليكة، وخلق كثير.
عاشت نحوا من تسعين سنة.
وأبوها: هو زاد الراكب أحد الأجواد - قيل: اسمه - حذيفة.
وقد وهم من سماها: رملة؛ تلك أم حبيبة.
وكانت تعد من فقهاء الصحابيات.
الواقدي: حدثنا عمر بن عثمان، عن عبد الملك بن عبيد، عن سعيد بن يربوع، عن عمر بن أبي سلمة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي إلى أبي قطن في المحرم سنة أربع، فغاب تسعا وعشرين ليلة، ثم رجع في صفر، وجرحه الذي أصابه يوم أحد منتقض؛ فمات منه، لثمان خلون من جمادى الآخرة. وحلت أمي في شوال، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلى أن قال: وتوفيت سنة تسع وخمسين في ذي القعدة.(أعلام/485)
ابن سعد: أخبرنا أحمد بن إسحاق الحضرمي: حدثنا عبد الواحد بن زياد: حدثنا عاصم الأحول، عن زياد بن أبي مريم: قالت أم سلمة لأبي سلمة: بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها، وهو من أهل الجنة، ثم لم تزوج، إلا جمع الله بينهما في الجنة، فتعال أعاهدك ألا تزوج بعدي، ولا أتزوج بعدك. قال: أتطيعينني؟ قالت: نعم. قال: إذا مت تزوجي. اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلا خيرا مني، لا يحزنها ولا يؤذيها، فلما مات، قلت: من خير من أبي سلمة؟ فما لبثت، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام على الباب فذكر الخطبة إلى ابن أخيها، أو ابنها، فقالت: أرد على رسول الله، أو أتقدم عليه بعيالي. ثم جاء الغد فخطب.
عفان: حدثنا حماد: حدثنا ثابت: حدثني ابن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه: أن أم سلمة لما انقضت عدتها، خطبها أبو بكر، فردته؛ ثم عمر، فردته، فبعث إليها رسول الله، فقالت: مرحبا، أخبر رسول الله أني غيرى، وأني مصبية وليس أحد من أوليائي شاهدا.
فبعث إليها: أما قولك: إني مصبية؛ فإن الله سيكفيك صبيانك. وأما قولك: إني غيرى، فسأدعو الله أن يذهب غيرتك، وأما الأولياء؛ فليس أحد منهم إلا سيرضى بي.
قالت: يا عمر، قم فزوج رسول الله.
وقال رسول الله: أما إني لا أنقصك مما أعطيت فلانة. . . الحديث.
عبد الله بن نمير: حدثنا أبو حيان التيمي، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: قالت أم سلمة: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمني، وبيننا حجاب، فخطبني، فقلت: وما تريد إلي؟ ما أقول هذا إلا رغبة لك عن نفسي؛ إني امرأة قد أدبر من سني، وإني أم أيتام، وأنا شديدة الغيرة، وأنت يا رسول الله تجمع النساء.
قال: أما الغيرة، فيذهبها الله. وأما السن، فأنا أكبر منك. وأما أيتامك؛ فعلى الله وعلى رسوله، فأذنت، فتزوجني.(أعلام/486)
أبو نعيم: حدثنا عبد الواحد بن أيمن: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أم سلمة، فقالت: في خصال ثلاث: كبيرة، ومطفل، وغيور. . . الحديث.
وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب، قال: دخلت أيم العرب على سيد المسلمين أول العشاء عروسا، وقامت آخر الليل تطحن - يعني: أم سلمة.
مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: لما بنى رسول الله بأم سلمة، قال: ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وسبعت عندهن - يعني نساءه - وإن شئت ثلاثا، ودرت؟
قالت: ثلاثا.
روح بن عبادة: حدثنا ابن جريج: أخبرني حبيب بن أبي ثابت: أن عبد الحميد بن عبد الله، والقاسم بن محمد، حدثاه: أنهما سمعا أبا بكر بن عبد الرحمن يخبر: أن أم سلمة أخبرته: أنها لما قدمت المدينة أخبرتهم: أنها بنت أبي أمية، فكذبوها، حتى أنشأ ناس منهم الحج، فقالوا: أتكتبين إلى أهلك؟ فكتبت معهم، فرجعوا، فصدقوها، وازدادت عليهم كرامة.
قالت: فلما وضعت زينب، جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطبني، فقلت: ما مثلي ينكح.
قال: فتزوجها، فجعل يأتيها، فيقول: أين زناب؟ حتى جاء عمار فاختلجها وقال: هذه تمنع رسول الله. وكانت ترضعها.
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أين زناب؟ فقيل: أخذها عمار، فقال: إني آتيكم الليلة.
قالت: فوضعت ثفالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرتي، وأخرجت شحما، فعصدته له، ثم بات، ثم أصبح، فقال: إن بك على أهلك كرامة، إن شئت، سبعت لك؟ وإن أسبع لك، أسبع لنسائي.
قال مصعب الزبيري: هي أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة؛ فشهد أبو سلمة بدرا؛ وولدت له عمر، وسلمة، وزينب، ودرة.(أعلام/487)
أبو أسامة، عن الأعمش، عن شقيق، عن أم سلمة، قالت: لما توفي أبو سلمة، أتيت - النبي صلى الله عليه وسلم -، فقلت: كيف أقول؟ قال: قولي: اللهم اغفر لنا وله، وأعقبني منه عقبى صالحة، فقلتها، فأعقبني الله محمدا صلى الله عليه وسلم.
وروى مسلم في " صحيحه " أن عبد الله بن صفوان دخل على أم سلمة في خلافة يزيد.
وروى إسماعيل بن نشيط، عن شهر، قال: أتيت أم سلمة أعزيها بالحسين.
ومن فضل أمهات المؤمنين قوله تعالى: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن إلى قوله: وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة فهذه آيات شريفة في زوجات نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال زيد بن الحباب: حدثنا حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قال: نزلت في نساء - النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال عكرمة: من شاء باهلته، أنها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
إسحاق السلولي: حدثنا عيسى بن عبد الرحمن السلمي، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن حذيفة: أنه قال لامرأته: إن سرك أن تكوني زوجتي في الجنة، فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا؛ فلذلك حرم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده؛ لأنهن أزواجه في الجنة.
روى عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار: أن أم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد، أحد العشرة.
وهذا منقطع. وقد كان سعيد توفي قبلها بأعوام، فلعلها أوصت في وقت ثم عوفيت، وتقدمها هو.
وروي، أن أبا هريرة صلى عليها. ولم يثبت، وقد مات قبلها. ودفنت بالبقيع.(أعلام/488)
قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر: أخبرنا ابن أبي الزناد: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة، حزنت حزنا شديدا؛ لما ذكروا لنا من جمالها، فتلطفت حتى رأيتها، فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن؛ فذكرت ذلك لحفصة - وكانتا يدا واحدة - فقالت: لا والله، إن هذه إلا الغيرة ما هي كما تقولين، وإنها لجميلة، فرأيتها بعد، فكانت كما قالت حفصة، ولكني كنت غيرى.
مسلم الزنجي، عن موسى بن عقبة، عن أمه، عن أم كلثوم، قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة، قال لها: إني قد أهديت إلى النجاشي أواقي من مسك وحلة، وإني أراه قد مات، ولا أرى الهدية إلا سترد، فإن ردت، فهي لك. قالت: فكان كما قال، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية، وأعطى سائره أم سلمة والحلة.
القعنبي: حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن رسول الله أمر أم سلمة أن تصلي الصبح بمكة يوم النحر، وكان يومها، فأحب أن توافيه.
الواقدي، عن ابن جريج، عن نافع، قال: صلى أبو هريرة على أم سلمة.
قلت: الواقدي ليس بمعتمد - والله أعلم - ولا سيما وقد خولف.
وفي " صحيح مسلم ": أن عبد الله بن صفوان دخل على أم سلمة في خلافة يزيد.
وبعضهم أرخ موتها في سنة تسع وخمسين فوهم أيضا، والظاهر وفاتها في سنة إحدى وستين رضي الله عنها.
وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم حين حلت في شوال سنة أربع.
ويبلغ مسندها ثلاثمائة وثمانية وسبعين حديثا.
واتفق البخاري، ومسلم لها على ثلاثة عشر. وانفرد البخاري بثلاثة. ومسلم بثلاثة عشر.(أعلام/489)
أم سليم الغميصاء
ويقال: الرميصاء. ويقال: سهلة. ويقال: أنيفة. ويقال: رميثة.
بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ; الأنصارية الخزرجية.
أم خادم النبي، صلى الله عليه وسلم: أنس بن مالك.
فمات زوجها مالك بن النضر، ثم تزوجها أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري، فولدت له: أبا عمير، وعبد الله.
شهدت: حنينا، وأحدا. من أفاضل النساء.
قال محمد بن سيرين: كانت أم سليم مع النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم أحد، ومعها خنجر.
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فقال أبو طلحة: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر! فقالت: يا رسول الله، إن دنا مني مشرك بقرت به بطنه.
همام بن يحيى، عن إسحاق بن عبد الله، عن جدته أم سليم: أنها آمنت برسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالت: فجاء أبو أنس، وكان غائبا، فقال: أصبوت؟ فقالت: ما صبوت، ولكني آمنت.
وجعلت تلقن أنسا: قل: لا إله إلا الله، قل: أشهد أن محمدا رسول الله. ففعل. فيقول لها أبوه: لا تفسدي علي ابني. فتقول: إني لا أفسده.
فخرج مالك، فلقيه عدو له، فقتله. فقالت: لا جرم، لا أفطم أنسا حتى يدع الثدي ; ولا أتزوج حتى يأمرني أنس.
فخطبها أبو طلحة، وهو يومئذ مشرك، فأبت.
خالد بن مخلد: حدثنا محمد بن موسى، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: إني قد آمنت ; فإن تابعتني تزوجتك، قال: فأنا على مثل ما أنت عليه. فتزوجته أم سليم، وكان صداقها الإسلام.(أعلام/490)
سليمان بن المغيرة: حدثنا ثابت، عن أنس، قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: إنه لا ينبغي أن أتزوج مشركا، أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها عبد آل فلان، وأنكم لو أشعلتم فيها نارا لاحترقت؟ قال: فانصرف وفي قلبه ذلك، ثم أتاها وقال: الذي عرضت علي قد قبلت. قال: فما كان لها مهر إلا الإسلام.
مسلم بن إبراهيم: أخبرنا ربعي بن عبد الله بن الجارود الهذلي: حدثني الجارود: حدثنا أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يزور أم سليم، فتتحفه بالشيء تصنعه له، وأخ لي أصغر مني يكنى أبا عمير، فزارنا يوما، فقال: ما لي أرى أبا عمير خاثر النفس؟ قالت: ماتت صعوة له كان يلعب بها. فجعل النبي يمسح رأسه، ويقول: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ .
همام: حدثنا إسحاق بن عبد الله، عن أنس، قال: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يدخل بيتا غير بيت أم سليم. فقيل له. فقال: إني أرحمها، قتل أخوها معي.
قلت: أخوها، هو حرام بن ملحان، الشهيد الذي قال يوم بئر معونة فزت ورب الكعبة، لما طعن من ورائه، فطلعت الحربة من صدره، رضي الله عنه.
أيوب، عن ابن سيرين، عن أم سليم، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقيل في بيتي، وكنت أبسط له نطعا، فيقيل عليه، فيعرق، فكنت آخذ سكا فأعجنه بعرقه.
قال ابن سيرين: فاستوهبت من أم سليم من ذلك السك، فوهبت لي منه.
قال أيوب: فاستوهبت من محمد من ذلك السك، فوهب لي منه ; فإنه عندي الآن.
قال: ولما مات محمد حنط بذلك السك.
رواه ابن سعد، عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد الله بن عمرو، عنه.(أعلام/491)
ابن سعد: أخبرنا عبد الله بن جعفر: حدثنا عبيد الله، عن عبد الكريم، عن البراء بن زيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال في بيت أم سليم على نطع، فعرق، فاستيقظ، وهي تمسح العرق، فقال: ما تصنعين؟ قالت: آخذ هذه البركة التي تخرج منك.
ابن جريج، عن عبد الكريم بن مالك: أخبرني البراء ابن بنت أنس، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- دخل على أم سليم، وقربة معلقة، فشرب منها قائما، فقامت إلى في السقاء، فقطعته.
رواه عبيد الله بن عمرو، فزاد: وأمسكته عندها.
عفان: حدثنا حماد: أخبرنا ثابت، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما أراد أن يحلق رأسه بمنى، أخذ أبو طلحة شق شعره، فجاء به إلى أم سليم، فكانت تجعله في سكها.
قالت: وكان يقيل عندي على نطع، وكان معراقا - صلى الله عليه وسلم - فجعلت أسلت العرق في قارورة. فاستيقظ، فقال: ما تجعلين؟ قلت: أريد أن أدوف بعرقك طيبي.
حميد الطويل: عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- دخل على أم سليم، فأتته بسمن وتمر. فقال: إني صائم. ثم قام، فصلى، ودعا لأم سليم ولأهل بيتها، فقالت: إن لي خويصة قال: ما هي؟ قالت: خادمك أنس، فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، وبعثت معي بمكتل من رطب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وروى ثابت، عن أنس، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة، فسمعت خشفة بين يدي ; فإذا أنا بالغميصاء بنت ملحان
وروى عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، قال: ولدت أمي، فبعثت بالولد معي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقلت: هذا أخي. فأخذه، فمضغ له تمرة فحنكه بها.(أعلام/492)
قال حميد: قال أنس: ثقل ابن لأم سليم، فخرج أبو طلحة إلى المسجد، فتوفي الغلام. فهيأت أم سليم أمره، وقالت: لا تخبروه. فرجع، وقد سيرت له عشاءه، فتعشى، ثم أصاب من أهله. فلما كان من آخر الليل، قالت: يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل أبي فلان استعاروا عارية، فمنعوها، وطلبت منهم، فشق عليهم. فقال: ما أنصفوا. قالت: فإن ابنك كان عارية من الله، فقبضه. فاسترجع، وحمد الله.
فلما أصبح غدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلما رآه، قال: بارك الله لكما في ليلتكما.
فحملت بعبد الله بن أبي طلحة، فولدت ليلا، فأرسلت به معي، وأخذت تمرات عجوة، فانتهيت به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو يهنأ أباعر له، ويسمها، فقلت: يا رسول الله، ولدت أم سليم الليلة.
فمضغ بعض التمرات بريقه، فأوجره إياه، فتلمظ الصبي، فقال: حب الأنصار التمر. فقلت: سمه يا رسول الله. قال: هو عبد الله.
سمعه الأنصاري، وعبد الله بن بكر، منه.
وروى سعيد بن مسروق الثوري، عن عباية بن رفاعة، قال: كانت أم أنس تحت أبي طلحة، فذكر نحوه. وفيه: فقال رسول الله: اللهم بارك لهما في ليلتهما.
قال عباية: فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين، كلهم قد ختم القرآن. رواه أبو الأحوص عنه.
روت: أربعة عشر حديثا. اتفقا لها على حديث، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين.(أعلام/493)
أم عطية الأنصارية (ع)
اسمها: نسيبة بنت الحارث. وقيل: نسيبة بنت كعب. من فقهاء الصحابة لها عدة أحاديث.
وهي التي غسلت بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب.
حدث عنها: محمد بن سيرين، وأخته حفصة بنت سيرين، وأم شراحيل، وعلي بن الأقمر، وعبد الملك بن عمير، وإسماعيل بن عبد الرحمن ; وعدة. عاشت إلى حدود سنة سبعين.
وهي القائلة: نهينا عن اتباع الجنازة، ولم يعزم علينا.
حديثها مخرج في الكتب الستة.(أعلام/494)
أم كلثوم
بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، الهاشمية، شقيقة الحسن والحسين. ولدت في حدود سنة ست من الهجرة ورأت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ترو عنه شيئا.
خطبها عمر بن الخطاب وهي صغيرة، فقيل له: ما تريد إليها؟ قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي.
وروى عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده؛ أن عمر تزوجها فأصدقها أربعين ألفا.
قال أبو عمر بن عبد البر: قال عمر لعلي: زوجنيها أبا حسن، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصد أحد، قال: فأنا أبعثها إليك، فإن رضيتها، فقد زوجتكها - يعتل بصغرها - قال: فبعثها إليه ببرد، وقال لها: قولي له: هذا البرد الذي قلت لك؛ فقالت له ذلك. فقال: قولي له: قد رضيت رضي الله عنك، ووضع يده على ساقها، فكشفها، فقالت: أتفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين، لكسرت أنفك، ثم مضت إلى أبيها، فأخبرته وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء! قال: يا بنية إنه زوجك.
وروى نحوها ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي مرسلا.
ونقل الزهري وغيره: أنها ولدت لعمر زيدا. وقيل: ولدت له رقية.
قال ابن إسحاق: توفي عنها عمر، فتزوجها عون بن جعفر بن أبي طالب، فحدثني أبي قال: دخل الحسن والحسين عليها لما مات عمر، فقالا: إن مكنت أباك من رمتك أنكحك بعض أيتامه، وإن أردت أن تصيبي بنفسك مالا عظيما، لتصيبنه.
فلم يزل بها علي حتى زوجها بعون، فأحبته، ثم مات عنها.
قال ابن إسحاق: فزوجها أبوها بمحمد بن جعفر فمات، ثم زوجها أبوها بعبد الله بن جعفر فماتت عنده.
قلت: فلم يولدها أحد من الإخوة الثلاثة.
وقال الزهري: ولدت جارية لمحمد بن جعفر اسمها بثنة.
وروى ابن أبي خالد، عن الشعبي، قال: جئت وقد صلى ابن عمر على أخيه زيد بن عمر، وأمه أم كلثوم بنت علي.(أعلام/495)
وروى حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار: أن أم كلثوم وزيد بن عمر ماتا، فكفنا وصلى عليهما سعيد بن العاص، يعني أمير المدينة.
وكان ابنها زيد من سادة أشراف قريش، توفي شابا، ولم يعقب.
وعن رجل قال: وفدنا مع زيد على معاوية، فأجلسه معه، وكان زيد من أجمل الناس، فأسمعه بسر كلمة؛ فنزل إليه زيد، فصرعه، وخنقه، وبرك على صدره، وقال لمعاوية: إني لأعلم أن هذا عن رأيك، وأنا ابن الخليفتين، ثم خرج إلينا قد تشعث رأسه وعمامته. واعتذر إليه معاوية، وأمر له بمائة ألف ولعشر من أتباعه بمبلغ.
يقال: وقعت هوسة بالليل، فركب زيد فيها، فأصابه حجر فمات منه، وذلك في أوائل دولة معاوية - رحمه الله.(أعلام/496)
أم كلثوم بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم، البضعة الرابعة النبوية.
يقال، تزوجها عتيبة بن أبي لهب، ثم فارقها.
وأسلمت، وهاجرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فلما توفيت أختها رقية تزوج بها عثمان - وهي بكر - في ربيع الأول سنة ثلاث، فلم تلد له. وتوفيت في شعبان سنة تسع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كن عشرا لزوجتهن عثمان حكاه ابن سعد.
وروى صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن أنس: أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء.
الواقدي: حدثنا فليح، عن هلال بن أسامة، عن أنس: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جالسا على قبرها - يعني أم كلثوم - وعيناه تدمعان، فقال: فيكم أحد لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا، قال: انزل.(أعلام/497)
أم هانئ (ع)
السيدة الفاضلة أم هانئ بنت عم النبي - صلى الله عليه وسلم- أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم. الهاشمية المكية.
أخت: علي، وجعفر.
اسمها: فاختة. وقيل: هند. تأخر إسلامها.
دخل النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى منزلها يوم الفتح، فصلى عندها ثمان ركعات ضحى.
روت أحاديث.
حدث عنها: حفيدها جعدة، ومولاها أبو صالح باذام، وكريب مولى ابن عباس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، وعروة بن الزبير ; وآخرون.
كانت تحت هبيرة بن عمرو بن عائذ المخزومي، فهرب يوم الفتح إلى نجران. أولدها: عمرو بن هبيرة، وجعدة، وهانئا، ويوسف.
وأسلمت يوم الفتح.
قال ابن إسحاق: لما بلغ هبيرة إسلامها، قال أبياتا منها.
وعاذلة هبت بليل تلومني
وتعذلني بالليل ضل ضلالها
وتزعم أني إن أطعت عشيرتي
سأوذى وهل يؤذيني إلا زوالها
فإن كنت قد تابعت دين محمد
وقطعت الأرحام منك حبالها
فكوني على أعلى سحيق بهضبة
ململمة غبراء يبس بلالها
قلت: لم يذكر أحد أن هبيرة أسلم.
عاشت أم هانئ إلى بعد سنة خمسين.
القعنبي، عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله: أن أبا مرة مولى أم هانئ أخبره: أنه سمع أم هانئ تقول: ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة تستره بثوب، فسلمت. فقال: من هذه؟ قلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب. فقال: مرحبا بأم هانئ.
فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد. فقلت: يا رسول الله، زعم ابن أمي - تعني عليا - أنه قاتل رجلا قد أجرته: فلان بن هبيرة. فقال: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ. وذلك ضحى.
قال الدغولي: كان ابنها جعدة بن هبيرة، قد ولاه علي بن أبي طالب خراسان، وهو ابن أخته.(أعلام/498)
وقيل: إن أم هانئ لما بانت عن هبيرة بإسلامها، خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني امرأة مصبية. فسكت عنها.
بلغ مسندها: ستة وأربعين حديثا. لها من ذلك حديث واحد أخرجاه.(أعلام/499)
أمامة بنت أبي العاص
التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحملها في صلاته.
هي بنت بنته، تزوج بها علي بن أبي طالب في خلافة عمر، وبقيت عنده مدة، وجاءته الأولاد منها، وعاشت بعده حتى تزوج بها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، فتوفيت عنده بعد أن ولدت له يحيى بن المغيرة.
ماتت في دولة معاوية بن أبي سفيان ولم ترو شيئا.(أعلام/500)
أنس بن مالك (ع)
بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.
الإمام، المفتي، المقرئ، المحدث، راوية الإسلام، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني، خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرابته من النساء، وتلميذه، وتبعه، وآخر أصحابه موتا.
روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علما جما، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاذ، وأسيد بن الحضير، وأبي طلحة، وأمه أم سليم بنت ملحان، وخالته أم حرام، وزوجها عبادة بن الصامت، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبي هريرة، وفاطمة النبوية، وعدة.
وعنه خلق عظيم، منهم؛ الحسن، وابن سيرين، والشعبي، وأبو قلابة، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز، وثابت البناني، وبكر بن عبد الله المزني، والزهري، وقتادة، وابن المنكدر، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وعبد العزيز بن صهيب، وشعيب بن الحبحاب، وعمرو بن عامر الكوفي، وسليمان التيمي، وحميد الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وكثير بن سليم، وعيسى بن طهمان، وعمر بن شاكر.
وبقي أصحابه الثقات إلى بعد الخمسين ومائة، وبقي ضعفاء أصحابه إلى بعد التسعين ومائة، وبقي بعدهم ناس لا يوثق بهم، بل اطرح حديثهم جملة؛ كإبراهيم بن هدبة. ودينار أبو مكيس، وخراش بن عبد الله، وموسى الطويل، عاشوا مديدة بعد المائتين، فلا اعتبار بهم.
وإنما كان بعد المائتين بقايا من سمع من ثقات أصحابه كيزيد بن هارون، وعبد الله بن بكر السهمي، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وأبي عاصم النبيل، وأبي نعيم. وقد سرد صاحب " التهذيب " نحو مائتي نفس من الرواة عن أنس. وكان أنس يقول: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين. وكن أمهاتي يحثثنني على خدمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.(أعلام/501)
فصحب أنس نبيه - صلى الله عليه وسلم - أتم الصحبة، ولازمه أكمل الملازمة منذ هاجر، وإلى أن مات، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة.
وقد روى محمد بن سعد في " طبقاته ": حدثنا الأنصاري، عن أبيه، عن مولى لأنس؛ أنه قال لأنس: أشهدت بدرا؟ فقال: لا أم لك، وأين أغيب عن بدر. ثم قال الأنصاري: خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر، وهو غلام يخدمه.
وقد رواه عمر بن شبة، عن الأنصاري، عن أبيه عن ثمامة، قال: قيل لأنس:. . فذكر نحوه. .
قلت: لم يعده أصحاب المغازي في البدريين لكونه حضرها صبيا ما قاتل، بل بقي في رحال الجيش. فهذا وجه الجمع.
وعن أنس، قال: كناني النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا حمزة ببقلة اجتنيتها.
وروى علي بن زيد - وفيه لين - عن ابن المسيب، عن أنس، قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وأنا ابن ثمان سنين، فأخذت أمي بيدي، فانطلقت بي إليه، فقالت: يا رسول الله! لم يبق رجل ولا امرأة من الأنصار إلا وقد أتحفك بتحفة، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا ابني هذا، فخذه، فليخدمك ما بدا لك. قال: فخدمته عشر سنين، فما ضربني، ولا سبني، ولا عبس في وجهي رواه الترمذي.
عكرمة بن عمار: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، حدثنا أنس قال: جاءت بي أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أزرتني بنصف خمارها، وردتني ببعضه، فقالت: يا رسول الله! هذا أنيس ابني أتيتك به يخدمك، فادع الله له. فقال: اللهم أكثر ماله وولده. فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي يتعادون على نحو من مائة اليوم.
روى نحوه جعفر بن سليمان، عن ثابت.
وروى شعبة: عن قتادة، عن أنس؛ أن أم سليم قالت: يا رسول الله! خادمك أنس، ادع الله له. فقال: اللهم أكثر ماله، وولده. فأخبرني بعض أهلي أنه دفن من صلبي أكثر من مائة.(أعلام/502)
حسين بن واقد: عن ثابت، عن أنس، قال: دعا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: اللهم أكثر ماله وولده، وأطل حياته، فالله أكثر مالي حتى إن كرما لي لتحمل في السنة مرتين، وولد لصلبي مائة وستة.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل في سنة اثنتين وتسعين وستمائة، أخبرنا محمد بن خلف، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا أحمد ومحمد، أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا علي بن محمد القرظي، حدثنا أبو عمرو بن حكيم، أخبرنا أبو حاتم الرازي، حدثنا الأنصاري، حدثني حميد، عن أنس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم سليم، فأتته بتمر وسمن، فقال: أعيدوا تمركم في وعائكم، وسمنكم في سقائكم، فإني صائم. ثم قام في ناحية البيت، فصلى بنا صلاة غير مكتوبة، فدعا لأم سليم وأهل بيتها. فقالت: يا رسول الله! إن لي خويصة. قال: وما هي؟ قالت: خادمك أنس. فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، ثم قال: اللهم ارزقه مالا وولدا، وبارك له فيه. قال: فإني لمن أكثر الأنصار مالا، وحدثتني أمينة ابنتي: أنه دفن من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة تسعة وعشرون ومائة.
الطيالسي: عن أبي خلدة قلت لأبي العالية: سمع أنس من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: خدمه عشر سنين، ودعا له، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيها ريحان يجيء منه ريح المسك.
أبو خلدة ثقة.
عن موسى بن أنس: أن أنسا غزا ثمان غزوات.
وقال ثابت البناني: قال أبو هريرة: ما رأيت أحدا أشبه بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ابن أم سليم - يعني أنسا.
وقال أنس بن سيرين: كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر.
وروى الأنصاري عن أبيه، عن ثمامة، قال: كان أنس يصلي حتى تفطر قدماه دما، مما يطيل القيام - رضي الله عنه.(أعلام/503)
ثابت البناني قال: جاء قيم أرض أنس، فقال: عطشت أرضوك، فتردى أنس، ثم خرج إلى البرية، ثم صلى، ودعا، فثارت سحابة، وغشيت أرضه ومطرت، حتى ملأت صهريجه وذلك في الصيف، فأرسل بعض أهله، فقال: انظر أين بلغت؟ فإذا هي لم تعد أرضه إلا يسيرا.
روى نحوه الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة.
قلت: هذه كرامة بينة ثبتت بإسنادين.
قال همام بن يحيى: حدثني من صحب أنس بن مالك قال: لما أحرم أنس، لم أقدر أن أكلمه حتى حل من شدة إبقائه على إحرامه.
ابن عون: عن موسى بن أنس أن أبا بكر الصديق بعث إلى أنس ليوجهه على البحرين ساعيا، فدخل عليه عمر، فقال: إني أردت أن أبعث هذا على البحرين وهو فتى شاب. قال: ابعثه فإنه لبيب كاتب، فبعثه. فلما قبض أبو بكر، قدم أنس على عمر، فقال: هات ما جئت به. قال: يا أمير المؤمنين، البيعة أولا، فبسط يده.
حماد بن سلمة: أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس، قال: استعملني أبو بكر على الصدقة، فقدمت، وقد مات، فقال عمر: يا أنس أجئتنا بظهر؟ قلت: نعم. قال: جئنا به، والمال لك. قلت: هو أكثر من ذلك. قال: وإن كان، فهو لك. وكان أربعة آلاف.
روى ثابت، عن أنس، قال: صحبت جرير بن عبد الله، فكان يخدمني، وقال: إني رأيت الأنصار يصنعون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا، لا أرى أحدا منهم إلا خدمته.
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأنس: يا ذا الأذنين.
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخصه ببعض العلم. فنقل أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طاف على تسع نسوة في ضحوة بغسل واحد.
قال خليفة بن خياط: كتب ابن الزبير بعد موت يزيد إلى أنس بن مالك؛ فصلى بالناس بالبصرة أربعين يوما. وقد شهد أنس فتح تستر. فقدم على عمر بصاحبها الهرمزان فأسلم، وحسن إسلامه - رحمه الله.(أعلام/504)
قال الأعمش: كتب أنس إلى عبد الملك بن مروان - يعني لما آذاه الحجاج -: إني خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين، والله لو أن النصارى أدركوا رجلا خدم نبيهم، لأكرموه.
قال جعفر بن سليمان: حدثنا علي بن زيد قال: كنت بالقصر، والحجاج يعرض الناس ليالي ابن الأشعث، فجاء أنس، فقال الحجاج: يا خبيث، جوال في الفتن، مرة مع علي، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفسي بيده، لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة، ولأجردنك كما يجرد الضب. قال: يقول أنس: من يعني الأمير؟ قال: إياك أعني، أصم الله سمعك. قال: فاسترجع أنس، وشغل الحجاج. فخرج أنس، فتبعناه إلى الرحبة، فقال: لولا أني ذكرت ولدي وخشيت عليهم بعدي، لكلمته بكلام لا يستحييني بعده أبدا.
قال سلمة بن وردان: رأيت على أنس عمامة سوداء قد أرخاها من خلفه.
وقال أبو طالوت عبد السلام: رأيت على أنس عمامة.
حماد بن سلمة: عن حميد، عن أنس: نهى عمر أن نكتب في الخواتيم عربيا. وكان في خاتم أنس ذئب أو ثعلب.
وقال ابن سيرين: كان نقش خاتم أنس، أسد رابض.
قال ثمامة بن عبد الله: كان كرم أنس يحمل في السنة مرتين.
قال سليمان التيمي: سمعت أنسا يقول: ما بقي أحد صلى القبلتين غيري.
قال المثنى بن سعيد: سمعت أنسا يقول: ما من ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيبي. ثم يبكي.
حماد بن سلمة: عن ثابت، عن أنس - وقيل له: ألا تحدثنا؟ - قال: يا بني إنه من يكثر يهجر.
همام: عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس أنه نقش في خاتمه: " محمد رسول الله " فكان إذا دخل الخلاء، نزعه.
قال ابن عون: رأيت على أنس مطرف خز، وعمامة خز، وجبة خز.(أعلام/505)
روى عبد الله بن سالم الأشعري، عن أزهر بن عبد الله، قال: كنت في الخيل الذين بيتوا أنس بن مالك، وكان فيمن يؤلب على الحجاج، وكان مع ابن الأشعث، فأتوا به الحجاج، فوسم في يده: عتيق الحجاج.
قال الأعمش: كتب أنس إلى عبد الملك: قد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وإن الحجاج يعرض بي حوكة البصرة، فقال: يا غلام، اكتب إلى الحجاج: ويلك قد خشيت أن لا يصلح على يدي أحد، فإذا جاءك كتابي، فقم إلى أنس حتى تعتذر إليه، فلما أتاه الكتاب، قال للرسول: أمير المؤمنين كتب بما هنا؟ قال: إي والله؛ وما كان في وجهه أشد من هذا. قال: سمعا وطاعة، وأراد أن ينهض إليه، فقلت: إن شئت، أعلمته. فأتيت أنس بن مالك، فقلت: ألا ترى قد خافك، وأراد أن يجيء إليك، فقم إليه. فأقبل أنس يمشي حتى دنا منه، فقال: يا أبا حمزة غضبت؟ قال: نعم. تعرضني بحوكة البصرة؟ قال: إنما مثلي ومثلك كقول الذي قال: " إياك أعني واسمعي يا جارة " أردت أن لا يكون لأحد علي منطق.
وروى عمرو بن دينار، عن أبي جعفر قال: كان أنس بن مالك أبرص وبه وضح شديد، ورأيته يأكل، فيلقم لقما كبارا.
قال حميد عن أنس: يقولون: لا يجتمع حب علي وعثمان في قلب، وقد جمع الله حبهما في قلوبنا.
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: عن أمه: أنها رأت أنسا متخلقا بخلوق، وكان به برص، فسمعني وأنا أقول لأهله: لهذا أجلد من سهل بن سعد، وهو أسن من سهل، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا لي.
قال أبو اليقظان: مات لأنس في طاعون الجارف ثمانون ابنا. وقيل: سبعون.
وروى معاذ بن معاذ، حدثنا عمران، عن أيوب، قال: ضعف أنس عن الصوم، فصنع جفنة من ثريد، ودعا ثلاثين مسكينا، فأطعمهم.
قلت: ثبت مولد أنس قبل عام الهجرة بعشر سنين(أعلام/506)
وأما موته فاختلفوا فيه، فروى معمر، عن حميد أنه مات سنة إحدى وتسعين وكذا أرخه قتادة، والهيثم بن عدي، وسعيد بن عفير، وأبو عبيد.
وروى معن بن عيسى، عن ابن لأنس بن مالك: سنة اثنتين وتسعين وتابعه الواقدي.
وقال عدة - وهو الأصح -: مات سنة ثلاث وتسعين قاله ابن علية، وسعيد بن عامر، والمدائني، وأبو نعيم، وخليفة، والفلاس، وقعنب،
فيكون عمره على هذا مائة وثلاث سنين.
قال الأنصاري: اختلف علينا في سن أنس، فقال بعضهم: بلغ مائة وثلاث سنين. وقال بعضهم: بلغ مائة وسبع سنين.
مسنده ألفان ومائتان وستة وثمانون، اتفق له البخاري ومسلم على مائة وثمانين حديثا، وانفرد البخاري بثمانين حديثا، ومسلم بتسعين.(أعلام/507)
أويس القرني
هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني.
وقرن بطن من مراد، وفد على عمر وروى قليلا عنه، وعن علي.
روى عنه يسير بن عمرو، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عبد رب الدمشقي وغيرهم، حكايات يسيرة، ما روى شيئا مسندا ولا تهيأ أن يحكم عليه بلين، وقد كان من أولياء الله المتقين ومن عباده المخلصين.
عفان (م) : حدثنا حماد بن سلمة عن الجريري، عن أبي نضرة عن أسير بن جابر، قال: لما أقبل أهل اليمن، جعل عمر -رضي الله عنه- يستقرئ الرفاق فيقول: هل فيكم أحد من قرن، فوقع زمام عمر أو زمام أويس فناوله -أو ناول أحدهما الآخر- فعرفه، فقال عمر: ما اسمك؟ قال: أنا أويس. قال: هل لك والدة؟ قال: نعم. قال: فهل كان بك من البياض شيء؟ قال: نعم، فدعوت الله فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به ربي. قال له عمر: استغفر لي. قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال عمر: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة وكان به بياض، فدعا الله، فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته، فاستغفر له، ثم دخل في غمار الناس فلم ندر أين وقع قال: فقدم الكوفة. قال: فكنا نجتمع في حلقة، فنذكر الله، فيجلس معنا. فكان إذا ذكر هو، وقع في قلوبنا، لا يقع حديث غيره. فذكر الحديث. هكذا اختصره.(أعلام/508)
(م) : حدثنا ابن مثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى عن أسير بن جابر، قال: كان عمر بن الخطاب، إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم. [قال: فكان بك برص، فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم] قال: ألك والدة؟ قال نعم. قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة، هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " فاستغفر لي. قال: فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة. قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبرات الناس أحب إلي، قال: فلما كان من العام المقبل، حج رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله عن أويس، فقال: تركته رث الهيئة قليل المتاع. قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فأتى أويسا فقال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي. قال: استغفر لي. قال: لقيت عمر؟ قال: نعم. قال: فاستغفر له، قال: ففطن له الناس، فانطلق على وجهه، قال أسير: وكسوته بردة. وكان كل من رآه قال من أين لأويس هذه البردة؟!
(م) : حدثنا محمد بن مثنى، حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أسير، عن عمر، سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة، وكان به بياض، فمروه فليستغفر لكم قال ابن المديني: هذا حديث بصري.(أعلام/509)
قلت: تفرد به أسير بن جابر. ويقال: يسير بن عمرو أبو الخباز بصري روى عنه ابنه قيس، وأبو إسحاق الشيباني، وابن سيرين، وأبو عمران الجوني.
قال ابن المديني: أسير بن جابر من أصحاب ابن مسعود. سمعت سفيان يقول: قدم أسير البصرة، فجعل يحدثهم، فقالوا: هذا هكذا. فكيف النهر الذي شرب منه -يعنون ابن مسعود - قال علي: وأهل البصرة يقولون: أسير بن جابر، وأهل الكوفة يقولون: ابن عمرو. ويقال: يسير.
وقال العوام بن حوشب: ولد في مهاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- ومات سنة خمس وثمانين.
أبو النضر (م) : حدثنا سليمان بن المغيرة عن أبي نضرة، عن أسير بن جابر، عن عمر، سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: خير التابعين رجل يقال له: أويس، وكان به بياض، فدعا الله، فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته لا يدع باليمن غير أم له، فمن لقيه منكم فمروه، فليستغفر لكم.
قال عمر: فقدم علينا رجل فقلت له: من أين أنت؟ قال: من اليمن. قلت: ما اسمك؟ قال: أويس، قلت: فمن تركت باليمن؟ قال: أما لي. قلت: أكان بك بياض، فدعوت الله فأذهبه عنك؟ قال: نعم. قلت: فاستغفر لي. قال: أويستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين؟ ! قال:(أعلام/510)
فاستغفر لي وقلت له: أنت أخي لا تفارقني. قال: فانملس مني. فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة. قال فجعل رجل كان يسخر بأويس بالكوفة ويحقره، يقول: ما هذا منا ولا نعرفه. قال عمر: بلى إنه رجل كذا وكذا فقال -كأنه يضع شأنه-: فينا رجل يا أمير المؤمنين يقال له أويس. فقال عمر: أدرك فلا أراك تدركه قال: فأقبل ذلك الرجل حتى دخل على أويس، قبل أن يأتي أهله، فقال له أويس: ما هذه عادتك، فما بدا لك؟ قال: سمعت عمر يقول فيك كذا وكذا، فاستغفر لي، قال: لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي فيما بعد، وأن لا تذكر ما سمعته من عمر لأحد. قال: نعم، فاستغفر له. قال أسير: فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة. قال: فدخلت عليه فقلت: يا أخي! ألا أراك العجب ونحن لا نشعر؟ فقال: ما كان في هذا ما أتبلغ به في الناس، وما يجزى كل عبد بعمله. قال: وانملس مني فذهب.
وبالإسناد إلى أسير بن جابر، قال: كان بالكوفة رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحدا يتكلم به ففقدته، فسألت عنه، فقالوا: ذاك أويس. فاستدللت عليه وأتيته فقلت: ما حبسك عنا؟ قال: العري، قال: وكان أصحابه يسخرون به ويؤذونه، قلت: هذا برد، فخذه. قال: لا تفعل، فإنهم إذا يؤذونني. فلم أزل به حتى لبسه. فخرج عليهم، فقالوا: من ترون خدع عن هذا البرد؟ قال: فجاء، فوضعه. فأتيت فقلت: ما تريدون من هذا الرجل، فقد آذيتموه، الرجل يعرى مرة، ويكتسي أخرى، وآخذتهم بلساني.
فقضي أن أهل الكوفة وفدوا على عمر، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: ما هاهنا رجل من القرنيين؟ فقام ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن رجلا يأتيكم من اليمن، يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض، فدعا الله، فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم.(أعلام/511)
قال عمر: فقدم علينا هاهنا. فقلت: ما أنت؟ قال: أنا أويس. قلت: من تركت باليمن؟ قال: أما لي، قلت: هل كان بك بياض فدعوت الله فأذهبه عنك؟ قال: نعم. قلت: استغفر لي. قال: يا أمير المؤمنين يستغفر مثلي لمثلك؟ ! قلت: أنت أخي لا تفارقني. فانملس مني، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة. قال: وجعل الرجل يحقره عما يقول فيه عمر. فجعل يقول: ماذا فينا، ولا نعرف هذا. قال عمر: بلى ; إنه رجل كذا، فجعل يضع من أمره فقال: ذاك رجل عندنا نسخر به، فقال له: أويس؟ قال: هو هو، أدرك ولا أراك تدرك. فأقبل الرجل حتى دخل عليه من قبل أن يأتي أهله، فقال أويس: ما كانت هذه عادتك، فما بدا لك؟ أنشدك الله، قال: لقيت عمر فقال كذا وقال كذا، فاستغفر لي، قال: لا أستغفر لك حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي، ولا تذكر ما سمعت من عمر إلى أحد، قال: لك ذاك، قال: فاستغفر له. قال أسير: فما لبث أن فشا حديثه بالكوفة، فأتيته فقلت: يا أخي، ألا أراك، أنت العجب وكنا لا نشعر، قال: ما كان في هذا ما أتبلغ به إلى الناس وما يجزى كل عبد إلا بعمله. فلما فشا الحديث هرب فذهب.
ورواه أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة، وفي لفظ " أويستغفر لمثلك؟ " وروى نحوا من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه، وزاد فيها: ثم إنه غزا أذربيجان فمات، فتنافس أصحابه في حفر قبره.(أعلام/512)
أخبرنا أبو الفضل، أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا أبو سعيد الكنجروذي، أنبأنا أبو عمرو الحيري، حدثنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا مبارك بن فضالة، حدثني أبو الأصفر، عن صعصعة بن معاوية قال: كان أويس بن عامر رجلا من قرن، وكان من أهل الكوفة، وكان من التابعين، فخرج به وضح، فدعا الله أن يذهبه عنه، فأذهبه الله، قال: دع في جسدي منه ما أذكر به نعمك علي. فترك له ما يذكر به نعمه عليه. وكان رجل يلزم المسجد في ناس من أصحابه، وكان ابن عم له يلزم السلطان، يولع به، فإن رآه مع قوم أغنياء، قال: ما هو إلا يستأكلهم، وإن رآه مع قوم فقراء، قال: ما هو إلا يخدعهم، وأويس لا يقول في ابن عمه إلا خيرا، غير أنه إذا مر به، استتر منه مخافة أن يأثم في سببه، وكان عمر يسأل الوفود إذا هم قدموا عليه من الكوفة: هل تعرفون أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا. فقدم وفد من أهل الكوفة، فيهم ابن عمه ذاك، فقال: هل تعرفون أويسا؟ قال ابن عمه: يا أمير المؤمنين، هو ابن عمي، وهو رجل نذل فاسد لم يبلغ ما أن تعرفه أنت. قال: ويلك هلكت، ويلك هلكت، إذا قدمت فأقرئه مني السلام ومره فليفد إلي، فقدم الكوفة، فلم يضع ثياب سفره عنه حتى أتى المسجد، فرأى أويسا فلم به فقال: استغفر لي يا ابن عمي. قال: غفر الله لك يا ابن عم. قال: وأنت فغفر الله لك يا أويس، أمير المؤمنين يقرئك السلام، قال: ومن ذكرني لأمير المؤمنين؟ قال: هو ذكرك وأمرني أن أبلغك أن تفد إليه.(أعلام/513)
قال: سمعا وطاعة لأمير المؤمنين. فوفد عليه، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال: أنت الذي خرج بك وضح فدعوت الله أن يذهبه عنك فأذهبه، فقلت: اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك علي، فترك لك في جسدك ما تذكر به نعمه عليك؟ قال: وما أدراك يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما اطلع على هذا بشر. قال: أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له: أويس بن عامر، يخرج به وضح، فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه فيقول: اللهم دع لي في جسدي ما أذكر به نعمتك علي، فيدع له ما يذكر به نعمه عليه، فمن أدركه منكم، فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له فاستغفر لي يا أويس. قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين، قال: وأنت غفر الله لك يا أويس بن عامر، قال: فلما سمعوا عمر قال عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال رجل: استغفر لي يا أويس، وقال آخر: استغفر لي يا أويس، فلما كثروا عليه، انساب، فذهب فما رئي حتى الساعة.
هذا حديث غريب تفرد به مبارك بن فضالة، عن أبي الأصفر، وأبو الأصفر ليس بمعروف.
معلل بن نفيل: حدثنا محمد بن محصن، عن إبراهيم بن أبي عبلة عن سالم، عن أبيه، عن جده، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا عمر، إذا رأيت أويسا القرني، فقل له، فليستغفر لك; فإنه يشفع يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر، بين كتفيه علامة وضح مثل الدرهم.
أخرجه الإسماعيلي في مسند عمر. ومحمد بن محصن، هو العكاشي تالف.(أعلام/514)
أنبئت عن أبي المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي المقرئ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ قال: فمن الطبقة الأولى من التابعين سيد العباد، وعلم الأصفياء من الزهاد، أويس بن عامر القرني، بشر النبي -صلى الله عليه وسلم- به وأوصى به، إلى أن قال في الترجمة: ورواه الضحاك بن مزاحم، عن أبي هريرة بزيادة ألفاظ لم يتابع عليها. وما رواه أحد سوى مخلد بن يزيد، عن نوفل بن عبد الله عنه. ومن ألفاظه: فقالوا يا رسول الله، وما أويس؟ قال: أشهل، ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين، معتدل القامة، آدم شديد الأدمة، ضارب بذقنه على صدره، رام ببصره إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يتلو القرآن، يبكي على نفسه، ذو طمرين، لا يؤبه له، يتزر بإزار صوف، ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض، معروف في السماء، لو أقسم على الله لأبره، ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة، ويقال لأويس: قف فاشفع، فيشفعه الله في مثل عدد ربيعة ومضر. يا عمر ويا علي إذا رأيتماه، فاطلبا إليه يستغفر لكما، يغفر الله لكما.
فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه. فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر، قام على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أويس من مراد؟ فقام شيخ كبير فقال: إنا لا ندري من أويس، ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكرا وأقل مالا وأهون أمرا من أن نرفعه إليك، وإنه ليرعى إبلنا بأراك عرفات فذكر اجتماع عمر به وهو يرعى فسأله الاستغفار، وعرض عليه مالا فأبى.
وهذا سياق منكر، لعله موضوع.(أعلام/515)
أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا أبو المكارم المعدل، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا خالد بن يزيد العمري، حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن علقمة بن مرثد، قال: انتهى الزهد إلى ثمانية: عامر بن عبد الله بن عبد قيس وأويس القرني، وهرم بن حيان، والربيع بن خثيم، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبي مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن.(أعلام/516)
وروي عن هرم بن حيان، قال: قدمت الكوفة، فلم يكن لي هم إلا أويس أسأل عنه، فدفع إليه بشاطئ الفرات، يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت، فإذا رجل آدم، محلوق الرأس، كث اللحية، مهيب المنظر، فسلمت عليه، ومددت إليه يدي لأصافحه، فأبى أن يصافحني، فخنقتني العبرة لما رأيت من حاله، فقلت: السلام عليك يا أويس، كيف أنت يا أخي، قال: وأنت فحياك الله يا هرم، من دلك علي؟ قلت: الله -عز وجل- قال: سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا قلت: يرحمك الله، من أين عرفت اسمي، واسم أبي ; فوالله ما رأيتك قط، ولا رأيتني؟ قال: عرفت روحي روحك، حيث كلمت نفسي نفسك; لأن الأرواح لها أنس كأنس الأجساد وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله، وإن نأت بهم الدار، وتفرقت بهم المنازل، قلت: حدثني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحديث أحفظه عنك. فبكى، وصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: إني لم أدرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولعله قد رأيت من رآه، عمر وغيره، ولست أحب أن أفتح هذا الباب على نفسي، لا أحب أن أكون قاصا أو مفتيا. ثم سأله هرم أن يتلو عليه شيئا من القرآن. فتلا عليه قوله تعالى: إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم ثم قال: يا هرم بن حيان، مات أبوك ويوشك أن تموت، فإما إلى جنة وإما إلى نار. ومات آدم وماتت حواء، ومات إبراهيم وموسى ومحمد -عليهم السلام-، ومات أبو بكر خليفة المسلمين، ومات أخي وصديقي وصفيي عمر، واعمراه، واعمراه، قال: وذلك في آخر خلافة عمر. قلت: يرحمك الله، إن عمر لم يمت. قال: بلى، إن ربي قد نعاه لي، وقد علمت ما قلت، وأنا وأنت غدا في الموتى، ثم دعا بدعوات خفية.
وذكر القصة، أوردها أبو نعيم في " الحلية " ولم تصح، وفيها ما ينكر.(أعلام/517)
عن أصبغ بن زيد، قال: إنما منع أويسا أن يقدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- بره بأمه.
عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار، عن محارب بن دثار قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العري يحجزه إيمانه أن يسأل الناس، منهم أويس القرني وفرات بن حيان.
عبد الله بن أحمد: حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة، قال: إن كان أويس القرني ليتصدق بثيابه، حتى يجلس عريانا لا يجد ما يروح فيه إلى الجمعة.
أبو زرعة الرازي: حدثنا سعيد بن أسد، حدثنا ضمرة عن أصبغ بن زيد، قال: كان أويس إذا أمسى يقول: هذه ليلة الركوع، فيركع حتى يصبح، وكان إذا أمسى يقول: هذه ليلة السجود، فيسجد حتى يصبح. وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والشراب ثم قال: اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذني به، ومن مات عريا فلا تؤاخذني به.
أبو نعيم: حدثنا مخلد بن جعفر، حدثنا ابن جرير، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا زافر بن سليمان، عن شريك عن جابر، عن الشعبي، قال: مر رجل من مراد على أويس القرني فقال: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحمد الله عز وجل. قال: كيف الزمان عليك؟ قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسى ظن أنه لا يصبح، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار. يا أخا مراد، إن الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحا، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له في ماله فضة ولا ذهبا، وإن قيامه لله بالحق لم يترك له صديقا.
شريك عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟ قلنا: نعم، وما تريد منه؟ قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي رضي الله عنه.(أعلام/518)
رواه عبد الله بن أحمد عن علي بن حكيم الأودي، أنبأنا شريك، وزاد بعض الثقات فيه عن يزيد، عن ابن أبي ليلى، قال: فوجد في قتلى صفين.
أنبأنا وخبرنا عن أبي المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا محمد بن يحيى، حدثني أحمد بن معاوية بن الهذيل حدثنا محمد بن أبان العنبري، حدثنا عمرو -شيخ كوفي- عن أبي سنان، سمعت حميد بن صالح، سمعت أويسا القرني يقول: قال النبي: احفظوني في أصحابي ; فإن من أشراط الساعة، أن يلعن آخر هذه الأمة أولها، وعند ذلك يقع المقت على الأرض وأهلها، فمن أدرك ذلك، فليضع سيفه على عاتقه، ثم ليلق ربه تعالى شهيدا، فمن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه.
هذا حديث منكر جدا، وإسناده مظلم وأحمد بن معاوية تالف.
ويروى عن علقمة بن مرثد عن عمر، قال: قال رسول الله: يدخل الجنة بشفاعة أويس مثل ربيعة ومضر.
فضيل بن عياض: حدثنا أبو قرة السدوسي عن سعيد بن المسيب، قال: نادى عمر بمنى على المنبر: يا أهل قرن، فقام مشايخ. فقال: أفيكم من اسمه أويس؟ فقال شيخ: يا أمير المؤمنين، ذاك مجنون يسكن القفار، لا يألف ولا يؤلف. قال: ذاك الذي أعنيه، فإذا عدتم فاطلبوه وبلغوه سلامي وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال، فقال: عرفني أمير المؤمنين وشهر باسمي. اللهم صل على محمد وعلى آله، السلام على رسول الله. ثم هام على وجهه، فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهرا، ثم عاد في أيام علي -رضي الله عنه-، فاستشهد معه بصفين، فنظروا، فإذا عليه نيف وأربعون جراحة.
وروى هشام بن حسان، عن الحسن، قال: يخرج من النار بشفاعة أويس أكثر من ربيعة ومضر.
وروى خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق عن ابن أبي الجدعاء، سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم.(أعلام/519)
قال أبو أحمد بن عدي في " الكامل ": أويس ثقة صدوق، ومالك ينكر أويسا، ثم قال: ولا يجوز أن يشك فيه.
أخبار أويس مستوعبة في تاريخ الحافظ أبي القاسم ابن عساكر.
الحاكم في " مستدركه " من طريق إسماعيل بن عمرو البجلي، عن حبان بن علي، عن سعد بن طريف عن أصبغ بن نباتة: شهدت عليا يوم صفين يقول: من يبايعني على الموت؟ فبايعه تسعة وتسعون، فقال: أين التمام؟ جاء رجل على أطمار صوف، محلوق الرأس، فبايع، فقيل: هذا أويس القرني فما زال يحارب بين يديه حتى قتل. سنده ضعيف.
أبو الأحوص سلام بن سليم: حدثني فلان، قال: جاء رجل من مراد فقال له أويس: يا أخا مراد، إن الموت لم يبق لمؤمن فرحا، وإن عرفان المؤمن بحق الله، لم يبق له فضة ولا ذهبا، ولم يبق له صديقا.
وعن عطاء الخراساني قال: قيل لأويس: أما حججت؟ فسكت، فأعطوه نفقة وراحلة، فحج.
أبو بكر الأعين: حدثنا أبو صالح، حدثنا الليث، عن المقبري، عن أبي هريرة مرفوعا: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من مضر وتميم. قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: أويس القرني.
هذا حديث منكر تفرد به الأعين وهو ثقة.(أعلام/520)
أيوب السختياني (ع)
الإمام الحافظ، سيد العلماء أبو بكر بن أبي تميمة كيسان، العنزي، مولاهم، البصري، الأدمي ويقال: ولاؤه لطهية، وقيل: لجهينة. عداده في صغار التابعين.
سمع من أبي بريد عمرو بن سلمة الجرمي، وأبي عثمان النهدي، وسعيد بن جبير، وأبي العالية الرياحي، وعبد الله بن شقيق، وأبي قلابة الجرمي، ومجاهد بن جبر، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، ومعاذة العدوية، وقيس بن عباية الحنفي، وأبي رجاء عمران بن ملحان العطاردي، وعكرمة مولى ابن عباس، وأبي مجلز لاحق بن حميد، وحفصة بنت سيرين، ويوسف بن ماهك، وعطاء بن أبي رباح، ونافع مولى ابن عمر، وأبي الشعثاء جابر بن زيد، وحميد بن هلال، وأبي الوليد عبد الله بن الحارث، والأعرج، وعمرو بن شعيب، والقاسم بن عاصم، والقاسم بن محمد، وابن أبي مليكة، وقتادة، وخلق سواهم.
حدث عنه: محمد بن سيرين، وعمرو بن دينار، والزهري، وقتادة -وهم من شيوخه- ويحيى بن أبي كثير، وشعبة، وسفيان، ومالك، ومعمر، وعبد الوارث، وحماد بن سلمة، وسليمان بن المغيرة، وحماد بن زيد، ومعتمر بن سليمان ووهيب، وعبيد الله بن عمرو، وإسماعيل ابن علية، وعبد السلام بن حرب، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي، ونوح بن قيس الحداني، وهشيم بن بشير، ويزيد بن زريع، وخالد بن الحارث، وسفيان بن عيينة، وعبد الوهاب الثقفي، وأمم سواهم.
مولده عام توفي ابن عباس، سنة ثمان وستين وقد رأى أنس بن مالك، وما وجدنا له عنه رواية، مع كونه معه في بلد، وكونه أدركه وهو ابن بضع وعشرين سنة.
قرأت على إسحاق بن أبي بكر: أنبأنا ابن خليل، أنبأنا اللبان، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني عباس النرسي، حدثنا وهيب، حدثنا الجعد أبو عثمان، سمعت الحسن يقول: أيوب سيد شباب أهل البصرة.(أعلام/521)
وبه إلى أبي نعيم: حدثنا أبو علي الصواف، حدثنا بشر، حدثنا الحميدي قال: لقي ابن عيينة ستة وثمانين من التابعين، وكان يقول: ما رأيت مثل أيوب.
حدثنا حبيب بن الحسن حدثنا يسر بن أنس البغدادي، حدثنا أبو يونس المديني، حدثني إسحاق بن محمد، سمعت مالكا يقول: كنا ندخل على أيوب السختياني، فإذا ذكرنا له حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بكى حتى نرحمه.
حدثنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن الصباح، حدثنا سعيد بن عامر، عن سلام، قال: كان أيوب السختياني، يقوم الليل كله، فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح، رفع صوته، كأنه قام تلك الساعة.
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا الفريابي، حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا ابن مهدي، حدثنا حماد بن زيد، سمعت أيوب، وقيل له: مالك لا تنظر في هذا؟ يعني الرأي. فقال: قيل للحمار ألا تجتر؟ فقال: أكره مضغ الباطل.
حدثنا سليمان، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عارم، حدثنا حماد قال: ما رأيت رجلا قط أشد تبسما في وجوه الرجال من أيوب.
حدثنا سليمان، حدثنا محمد بن محمد الجذوعي، حدثنا هدبة، حدثنا سلام بن مسكين، سمعت أيوب يقول: لا خبيث أخبث من قارئ فاجر.
قال أبو أحمد في " الكنى ": أيوب روى عنه ابن سيرين، وقتادة، وحميد الطويل، والأعمش وعمرو بن دينار، وابن عون، ويحيى بن أبي كثير، وعبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس.
أخبرنا الفخر علي بن أحمد وغيره، قالا: أنبأنا ابن طبرزذ، أنبأنا عبد الوهاب الحافظ، أخبرنا أبو محمد بن هزارمرد، أخبرنا ابن حبابة، أخبرنا البغوي، حدثنا عمي، حدثنا عارم، حدثنا حماد بن زيد قال: ولد أيوب قبل طاعون الجارف بسنة قال البغوي: بلغني أن مولد أيوب، سنة ثمان وستين.
قلت: وكان الطاعون في سنة تسع وستين يقال: مات بالبصرة فيه في ثلاثة أيام أو نحوها مائتا ألف نفس.(أعلام/522)
وبه قال البغوي: حدثنا عبد الواحد بن غياث، حدثنا حماد، قال: رأيت أيوب وضع يده على رأسه وقال: الحمد لله الذي عافاني من الشرك، ليس بيني وبينه إلا أبو تميمة.
وبه: حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا حماد، حدثنا ميمون الغزال قال: جاء أيوب، فسأل الحسن عن أشياء، فلما قام، قال لنا الحسن: هذا سيد الفتيان.
وعن سفيان الثوري قال: قال الحسن لأيوب: هذا سيد شباب أهل البصرة.
وبه: أخبرنا الصلت بن مسعود، حدثنا سفيان، سمعت هشام بن عروة يقول: ما رأيت بالبصرة مثل أيوب السختياني، ولا بالكوفة مثل مسعر.
وبه: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، حدثنا الوليد، سمعت شعبة يقول حدثني أيوب سيد الفقهاء.
وبه: حدثنا علي بن مسلم، حدثنا أبو داود، عن شعبة: ما رأيت قط مثل أيوب، ويونس، وابن عون.
وعن الثوري قال: ما رأيت بالبصرة مثل أربعة، فبدأ بأيوب.
وقال أبو عوانة: رأيت الناس ما رأيت مثل هؤلاء: أيوب، ويونس، وابن عون.
وبه حدثنا علي بن مسلم، حدثني حبان مولى بني أمية، سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: ما فقنا أهل الأمصار في عصر قط، إلا في زمن أيوب، ويونس، وابن عون، لم يكن في الأرض مثلهم.
وبه: حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي، حدثنا حماد بن زيد، كان أيوب لا يقف على آية إلا إذا قال: إن الله وملائكته يصلون على النبي سكت سكتة.
وحدثنا أحمد، حدثنا حماد، عن أيوب قال: أدركت الناس هاهنا وكلامهم: إن قضي وإن قدر. وكان يقول: ليتق الله رجل. فإن زهد، فلا يجعلن زهده عذابا على الناس، فلأن يخفي الرجل زهده خير من أن يعلنه.
وكان أيوب ممن يخفي زهده، دخلنا عليه، فإذا هو على فراش مخمس أحمر، فرفعته، أو رفعه بعض أصحابنا، فإذا خصفة محشوة بليف.(أعلام/523)
وبه: حدثنا علي بن مسلم، حدثنا أبو داود، قال: قال شعبة: ما واعدت أيوب موعدا قط، إلا قال حين يفارقني: ليس بيني وبينك موعد. فإذا جئت، وجدته قد سبقني.
وبه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي، حدثنا النضر بن شميل، أخبرني الخليل بن أحمد، قال: لحن أيوب في حرف، فقال: أستغفر الله.
وبه: حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا حماد بن زيد، أخبرني رجل أنه رأى أيوب بين قبري الحسن ومحمد، قائما يبكي، ينظر إلى هذا مرة، وإلى هذا مرة.
وبه: حدثنا أحمد، حدثنا حماد، حدثنا أيوب قال: رأيت الحسن في النوم مقيدا، ورأيت ابن سيرين مقيدا في سجن. قال: كأنه أعجبه ذلك.
قال مخلد بن الحسين: قال أيوب: ما صدق عبد قط فأحب الشهرة.
روى مؤمل، عن شعبة قال: من أراد أيوب، فعليه بحماد بن زيد.
قلت: صدق، أثبت الناس في أيوب هو.
وقال حماد: لم يكن أحد أكرم على ابن سيرين من أيوب.
وقال يونس بن عبيد: ما رأيت أحدا أنصح للعامة من أيوب والحسن.
وروى سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، قال: كان أيوب في مجلس، فجاءته عبرة، فجعل يمتخط ويقول: ما أشد الزكام.
وقال ابن عون: مات ابن سيرين، فقلنا من ثم؟ قلنا: أيوب.
قال محمد بن سعد الكاتب: كان أيوب ثقة، ثبتا في الحديث، جامعا، كثير العلم، حجة، عدلا.
وقال أبو حاتم وسئل عن أيوب، فقال: ثقة، لا يسأل عن مثله.
قلت: إليه المنتهى في الإتقان.
قال ابن المديني: له نحو من ثمانمائة حديث. وأما ابن علية، فقال: كنا نقول: حديث أيوب ألفا حديث، فما أقل ما ذهب علي منها. وسئل ابن المديني عن أصحاب نافع، فقال: أيوب وفضله، ومالك وإتقانه، وعبيد الله وحفظه.(أعلام/524)
روى ضمرة عن ابن شوذب، قال: كان أيوب يؤم أهل مسجده في شهر رمضان، ويصلي بهم في الركعة قدر ثلاثين آية، ويصلي لنفسه فيما بين الترويحتين بقدر ثلاثين آية. وكان يقول هو بنفسه للناس: الصلاة، ويوتر بهم، ويدعو بدعاء القرآن، ويؤمن من خلفه، وآخر ذلك، يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقول: اللهم استعملنا بسنته، وأوزعنا بهديه، واجعلنا للمتقين إماما، ثم يسجد. وإذا فرغ من الصلاة دعا بدعوات.
قال حماد بن زيد: أيوب عندي أفضل من جالسته، وأشده اتباعا للسنة.
قال سعيد بن عامر الضبعي، عن سلام بن أبي مطيع، قال: رأى أيوب رجلا من أصحاب الأهواء فقال: إني لأعرف الذلة في وجهه، ثم تلا: سينالهم غضب من ربهم وذلة ثم قال: هذه لكل مفتر. وكان يسمي أصحاب الأهواء خوارج، ويقول: إن الخوارج اختلفوا في الاسم، واجتمعوا على السيف.
وقال له رجل من أصحاب الأهواء: يا أبا بكر، أسألك عن كلمة؟ فولى وهو يقول: ولا نصف كلمة. مرتين.
وروى جرير الضبي عن أشعث، قال: كان أيوب جهبذ العلماء. قال سلام بن أبي مطيع: كان أفقههم في دينه أيوب. وعن هشام بن حسان: أن أيوب السختياني حج أربعين حجة.
وقال وهيب: سمعت أيوب يقول: إذا ذكر الصالحون، كنت عنهم بمعزل.
وقال حماد بن زيد: كان أيوب صديقا ليزيد بن الوليد، فلما ولي الخلافة، قال أيوب: اللهم أنسه ذكري. وكان يقول: ليتق الله رجل وإن زهد فلا يجعلن زهده عذابا على الناس.
وقال حماد: غلبه البكاء مرة، فقال: الشيخ إذا كبر، مج.
قال معمر: كان في قميص أيوب بعض التذييل. فقيل له، فقال: الشهرة اليوم في التشمير.
قال صالح بن أبي الأخضر: قلت لأيوب: أوصني، قال: أقل الكلام.(أعلام/525)
قال حماد بن زيد: لو رأيتم أيوب، ثم استقاكم شربة على نسكه، لما سقيتموه، له شعر وافر، وشارب وافر، وقميص جيد هروي، يشم الأرض، وقلنسوة متركة جيدة، وطيلسان كردي جيد، ورداء عدني. يعني: ليس عليه شيء من سيما النساك، ولا التصنع.
قال شعبة: قال أيوب: ذكرت، ولا أحب أن أذكر.
قال حماد بن زيد: كان لأيوب برد أحمر يلبسه إذا أحرم، وكان يعده كفنا. وكنت أمشي معه، فيأخذ في طرق إني لأعجب له كيف يهتدي لها، فرارا من الناس أن يقال: هذا أيوب.
وقال شعبة: ربما ذهبت مع أيوب لحاجة، فلا يدعني أمشي معه، ويخرج من هاهنا، وهاهنا لكي لا يفطن له. وفي " شمائل الزهاد " لابن عقيل البلخي: حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا أبو الربيع، سمعت أبا يعمر بالري يقول: كان أيوب في طريق مكة، فأصاب الناس عطش حتى خافوا. فقال أيوب: أتكتمون علي؟ قالوا: نعم. فدور رداءه ودعا، فنبع الماء، وسقوا الجمال، ورووا، ثم أمر يده على الموضع فصار كما كان، قال أبو الربيع: فلما رجعت إلى البصرة، حدثت حماد بن زيد بالقصة، فقال: حدثني عبد الواحد بن زيد، أنه كان مع أيوب في هذه السفرة التي كان هذا فيها.
أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، عن أبي المكارم اللبان، أخبرنا أبو علي، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا عثمان بن محمد العثماني، حدثنا خالد بن النضر، حدثنا محمد بن موسى الحرشي، حدثنا النضر بن كثير السعدي، حدثنا عبد الواحد بن زيد قال: كنت مع أيوب السختياني على حراء، فعطشت عطشا شديدا، حتى رأى ذلك في وجهي، وقلت له، قد خفت على نفسي. قال: تستر علي؟ قلت نعم. فاستحلفني، فحلفت له ألا أخبر أحدا ما دام حيا. فغمز برجله على حراء، فنبع الماء، فشربت حتى رويت، وحملت معي من الماء.
قلت: لا يثبت هذا، وعثمان تالف.(أعلام/526)
وبه إلى أبي نعيم: حدثنا فاروق، حدثنا هشام بن علي، حدثنا عون بن الحكم الباهلي، حدثنا حماد بن زيد، قال: غدا علي ميمون أبو حمزة يوم الجمعة، قبل الصلاة، فقال: إني رأيت البارحة أبا بكر، وعمر رضي الله عنهما في النوم، فقلت لهما: ما جاء بكما؟ قالا: جئنا نصلي على أيوب السختياني. قال: ولم يكن علم بموته. فقيل له: قد مات أيوب البارحة.
قال أبو نعيم الحافظ: أسند أيوب عن أنس بن مالك، وعمرو بن سلمة، وأبي العالية، وأبي رجاء وآخرين.
بلغنا أنهم قالوا لمالك: إنك تتكلم في حديث أهل العراق، وتروي مع هذا عن أيوب، فقال: ما حدثتكم عن أحد، إلا وأيوب أوثق منه.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن محمد بن أبي زيد الكراني أخبرنا محمود بن إسماعيل، أخبرنا ابن قادشاه، أخبرنا أبو القاسم الطبراني، حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، حدثنا سليمان بن حرب، سمعت حماد بن زيد، سمعت أيوب، وذكر المعتزلة، وقال: إنما مدار القوم على أن يقولوا: ليس في السماء شيء.
قال علي ابن المديني: لأيوب نحو من ثمانمائة حديث.
قلت: اتفقوا على أنه توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة بالبصرة، زمن الطاعون، وله ثلاث وستون سنة. وآخر من روى حديثه عاليا، أبو الحسن بن البخاري.
أخبرنا أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد الفقيه، وأبو المعالي أحمد بن عبد السلام، وجماعة إجازة قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا محمد بن محمد بن غيلان، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، أخبرنا موسى بن سهل الوشاء، حدثنا إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم أخرجه مسلم.(أعلام/527)
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن أحمد البندار، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا أبو الأشعث، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، قال: كنت جالسا إلى ابن عمر فسئل عنها. فقال: تقيم، حتى يكون آخر عهدها بالبيت، قال طاوس: فلا أدري: ابن عمر نسيه أم لم يسمع ما سمع أصحابه؟ فقال: نبئت أنه رخص لهن، يعني الحائض في حجها.
وبه إلى المخلص: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدثنا أبو نصر عبد الملك بن عبد العزيز التمار، حدثنا حماد عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه الآية: يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: يقومون حتى يبلغ الرشح أطراف آذانهم.
أنبأنا طائفة عن أبي جعفر الصيدلاني، أخبرنا أبو علي الحداد حضورا، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا أبو القاسم الطبراني، حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور، حدثنا خالد بن خداش، حدثنا حماد، عن يحيى بن عتيق، عن محمد بن سيرين، عن أيوب السختياني، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام، قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أبيع ما ليس عندي.
أخرجه النسائي عن الحسن بن إسحاق المروزي، عن خالد بن خداش المهلبي، وهو صدوق، مكثر عن حماد بن زيد، ينفرد عنه بغرائب.(أعلام/528)
أيوب بن سويد (د، ت، ق)
محدث الرملة، أبو مسعود الحميري السيباني الرملي.
حدث عن أبي زرعة يحيى بن أبي عمرو السيباني، وابن جريج، والأوزاعي، ويونس بن يزيد، وأسامة بن زيد الليثي، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وعدة.
حدث عنه أبو الطاهر أحمد بن السرح، ودحيم، وكثير بن عبيد، والربيع بن سليمان المرادي، وبحر بن نصر، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وآخرون.
وكان سيئ الحفظ لينا.
روى عباس عن يحيى: ليس بشيء، يسرق الحديث.
وقال إبراهيم بن عبد الله: سألت يحيى بن معين عنه، فقال: ليس بشيء حدثهم بالرملة بأحاديث عن ابن المبارك، ثم جعلها بعد عن نفسه عن شيوخ ابن المبارك.
وقال أبو حاتم: لين الحديث.
وقال النسائي ليس بثقة.
وقال ابن عدي: يكتب حديثه في جملة الضعفاء.
وذكره ابن حبان في " الثقات " لكن قال: كان رديء الحفظ.
وقال البخاري: يتكلمون فيه.
قلت: وممن روى عنه بقية بن الوليد، والشافعي، ومحمد بن أبي السري.
قال ابن أبي عاصم: توفي سنة اثنتين ومائتين.
وقال البخاري: قال لي محمد بن إسحاق: سمعت عبد الله بن أيوب يقول: غرق أيوب بن سويد في البحر سنة ثلاث وتسعين ومائة.
قلت: الأول هو الصحيح.(أعلام/529)
إبراهيم الحربي
هو: الشيخ، الإمام، الحافظ، العلامة، شيخ الإسلام أبو إسحاق، إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير البغدادي، الحربي، صاحب التصانيف.
مولده في سنة ثمان وتسعين ومائة.
وطلب العلم وهو حدث، فسمع من: هوذة بن خليفة، وهو أكبر شيخ لقيه، وعفان بن مسلم، وأبي نعيم وعمرو بن مرزوق، وعبد الله بن صالح العجلي، وأبي عمر الحوضي، وعمر بن حفص، وعاصم بن علي، ومسدد بن مسرهد.
وموسى بن إسماعيل المنقري، وشعيب بن محرز، وأبي عبد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن شبيب، وابن نمير، والحكم بن موسى، وأبي معمر المقعد، وأبي الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب، وسريج بن النعمان، وعلي بن الجعد، ومحمد بن الصباح، وخلف بن هشام، وأبي بكر بن أبي شيبة، وبندار، وخلق كثير.
حدث عنه خلق كثير، منهم: أبو محمد بن صاعد، وأبو عمرو بن السماك، وأبو بكر النجاد، وأبو بكر الشافعي، وعمر بن جعفر الختلي، وأبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، وعبد الرحمن بن العباس والد المخلص، وسليمان بن إسحاق الجلاب، ومحمد بن مخلد العطار، وجعفر الخلدي، ومحمد بن جعفر الأنباري، وأبو بحر محمد بن الحسن البربهاري، وأمثالهم.
قال أبو بكر الخطيب: كان إماما في العلم، رأسا في الزهد، عارفا بالفقه، بصيرا بالأحكام، حافظا للحديث، مميزا لعلله، قيما بالأدب، جماعة للغة، صنف " غريب الحديث "، وكتبا كثيرة، وأصله من مرو.
روى المخلص، عن أبيه، قال: كان إسماعيل القاضي يشتهي أن يلتقي إبراهيم، فالتقيا يوما، وتذاكرا، فلما افترقا، سئل إبراهيم عن إسماعيل، فقال: إسماعيل جبل نفخ فيه الروح. وقال إسماعيل: ما رأيت مثل إبراهيم.
قلت: إسماعيل هو ابن إسحاق القاضي، عالم العراق.(أعلام/530)
ويروى أن أبا إسحاق الحربي لما دخل على إسماعيل القاضي، بادر أبو عمر محمد بن يوسف القاضي إلى نعله، فأخذها، فمسحها من الغبار، فدعا له، وقال: أعزك الله في الدنيا والآخرة، فلما توفي أبو عمر، رئي في النوم، فقيل: ما فعل الله بك؟ قال: أعزني في الدنيا والآخرة بدعوة الرجل الصالح.
قال محمد بن مخلد العطار: سمعت إبراهيم الحربي يقول: لا أعلم عصابة خيرا من أصحاب الحديث، إنما يغدو أحدهم، ومعه محبرة، فيقول: كيف فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وكيف صلى، إياكم أن تجلسوا إلى أهل البدع، فإن الرجل إذا أقبل ببدعة ليس يفلح.
وقال أبو أيوب الجلاب سليمان بن إسحاق: قال لي إبراهيم الحربي: ينبغي للرجل إذا سمع شيئا من أدب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتمسك به. قال: فقيل لإبراهيم: إنهم يقولون: صاحب السوداء يحفظ؟ قال: لا، هي أخت البلغم، صاحبها لا يحفظ شيئا، إنما يحفظ صاحب الصفراء.
وقال عثمان بن حمدويه البزاز: سمعت إبراهيم الحربي يقول: خرج أبو يوسف القاضي يوما -وأصحاب الحديث على الباب- فقال: ما على الأرض خير منكم، قد جئتم أو بكرتم تسمعون حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
هبة الله اللالكائي: سمعت أحمد بن محمد بن الصقر، سمعت أبا الحسن بن قريش يقول: حضرت إبراهيم الحربي -وجاءه يوسف القاضي، ومعه ابنه أبو عمر - فقال له: يا أبا إسحاق، لو جئناك على مقدار واجب حقك، لكانت أوقاتنا كلها عندك. فقال: ليس كل غيبة جفوة، ولا كل لقاء مودة، وإنما هو تقارب القلوب.(أعلام/531)
الحاكم: سمعت محمد بن عبد الله الصفار، سمعت إبراهيم الحربي -وحدث عن حميد بن زنجويه، عن عبد الله بن صالح العجلي بحديث- فقال: اللهم لك الحمد، ورفع يديه فحمد الله، ثم قال: عندي عن عبد الله بن صالح قمطر، وليس عندي عن حميد غير هذا الطبق، وأنا أحمد الله على الصدق. زادني فيه بعض أصحابنا: عن الصفار، فقال رجل: يا أبا إسحاق، لو قلت فيما لم تسمع: سمعت، لما أقبل الله بهذه الوجوه عليك.
ثم قال الحاكم: وسمعت محمد بن صالح القاضي يقول: لا نعلم بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي، في الأدب والفقه والحديث والزهد.
ثم ذكر له كتابا في غريب الحديث، لم يسبق إليه.
قال القاضي أبو المطرف بن فطيس: سمعت أبا الحسن المقرئ، سمعت محمد بن جعفر بن محمد بن بيان البغدادي، سمعت إبراهيم الحربي -ولم يكن في وقته مثله- يقول، وقد سئل عن الاسم والمسمى: لي مذ أجالس أهل العلم سبعون سنة، ما سمعت أحدا منهم يتكلم في الاسم والمسمى.
عمر بن عراك المقرئ: حدثنا إبراهيم بن المولد، حدثنا أحمد بن عبد الله بن خالد، حدثني إبراهيم الحربي، قال: كنا عند عبيد الله بن عائشة في مسجده، إذ طرقه سائل، فسأله شيئا، فلم يكن معه ما يعطيه، فدفع إليه خاتمه، فلما أن ولى السائل دعاه، فقال له: لا تظن أني دعوتك ضنة مني بما أعطيتك، إن هذا الفص شراؤه علي خمس مائة دينار، فانظر كيف تخرجه. فضرب السائل بيده إلى الخاتم، فكسره، ورمى بالفص إليه، وقال: بارك الله لك في فصك، هذه الفضة تكفيني لقوتي وقوت عيالي اليوم.
قال أبو العباس ثعلب: ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس لغة ولا نحو، من خمسين سنة.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عن إبراهيم الحربي، فقال: كان يقاس بأحمد بن حنبل في زهده وعلمه وورعه.
وقيل: إن المعتضد نفذ إلى إبراهيم الحربي بعشرة آلاف، فردها.(أعلام/532)
ثم سير له مرة أخرى ألف دينار، فردها.
وروى أبو الفضل عبيد الله الزهري، عن أبيه عبد الرحمن، عن إبراهيم الحربي، قال: ما أنشدت بيتا قط إلا قرأت بعده: قل هو الله أحد ثلاثا.
قال أبو الحسن الدارقطني: وإبراهيم إمام بارع في كل علم، صدوق.(أعلام/533)
إبراهيم النخعي (ع)
الإمام، الحافظ، فقيه العراق، أبو عمران، إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن سعد بن مالك بن [النخع] النخعي، اليماني ثم الكوفي، أحد الأعلام، وهو ابن مليكة أخت الأسود بن يزيد.
روى عن خاله، ومسروق، وعلقمة بن قيس، وعبيدة السلماني، وأبي زرعة البجلي، وخيثمة بن عبد الرحمن، والربيع بن خثيم، وأبي الشعثاء المحاربي، وسهم بن منجاب، وسويد بن غفلة، والقاضي شريح، وشريح بن أرطاة، وأبي معمر عبد الله بن سخبرة، وعبيد بن نضيلة، وعمارة بن عمير، وأبي عبيدة بن عبد الله، وأبي عبد الرحمن السلمي، وخاله عبد الرحمن بن يزيد، وهمام بن الحارث، وخلق سواهم من كبار التابعين.
ولم نجد له سماعا من الصحابة المتأخرين الذين كانوا معه بالكوفة كالبراء وأبي جحيفة وعمرو بن حريث.
وقد دخل على أم المؤمنين عائشة وهو صبي، ولم يثبت له منها سماع ; على أن روايته عنها في كتب أبي داود والنسائي والقزويني، فأهل الصنعة يعدون ذلك غير متصل مع عدهم كلهم لإبراهيم في التابعين، ولكنه ليس من كبارهم، وكان بصيرا بعلم ابن مسعود، واسع الرواية، فقيه النفس، كبير الشأن، كثير المحاسن، رحمه الله تعالى.(أعلام/534)
روى عنه الحكم بن عتيبة، وعمرو بن مرة، وحماد بن أبي سليمان تلميذه، وسماك بن حرب، ومغيرة بن مقسم تلميذه، وأبو معشر بن زياد بن كليب، وأبو حصين عثمان بن عاصم، ومنصور بن المعتمر، وعبيدة بن معتب وإبراهيم بن مهاجر، والحارث العكلي، وسليمان الأعمش، وابن عون، وشباك الضبي، وشعيب بن الحبحاب، وعبيدة بن معتب، وعطاء بن السائب، وعبد الرحمن بن أبي الشعثاء المحاربي، وعبد الله بن شبرمة، وعلي بن مدرك، وفضيل بن عمرو الفقيمي، وهشام بن عائذ الأسدي، وواصل بن حيان الأحدب، وزبيد اليامي، ومحمد بن خالد الضبي، ومحمد بن سوقة، ويزيد بن أبي زياد، وأبو حمزة الأعور ميمون، وخلق سواهم.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: لم يحدث عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أدرك منهم جماعة، ورأى عائشة.
وكان مفتي أهل الكوفة هو والشعبي في زمانهما، وكان رجلا صالحا، فقيها، متوقيا، قليل التكلف وهو مختف من الحجاج.
روى أبو أسامة، عن الأعمش، قال: كان إبراهيم صيرفي الحديث.
وروى جرير عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: كان الشعبي وإبراهيم وأبو الضحى يجتمعون في المسجد يتذاكرون الحديث، فإذا جاءهم شيء ليس فيه عندهم رواية، رموا إبراهيم بأبصارهم.
قال يحيى بن معين: مراسيل إبراهيم أحب إلي من مراسيل الشعبي. قاله عباس عنه.
قال ابن عون: وصفت إبراهيم لابن سيرين، قال: لعله ذاك الفتى الأعور الذي كان يجالسنا عند علقمة، كان في القوم وكأنه ليس فيهم.
شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، قال: ما كتبت شيئا قط.
قال مغيرة: كنا نهاب إبراهيم هيبة الأمير.
وقال طلحة بن مصرف: ما بالكوفة أعجب إلي من إبراهيم وخيثمة.
قال فضيل الفقيمي: قال لي إبراهيم: ما كتب إنسان كتابا إلا اتكل عليه.(أعلام/535)
قال أبو قطن: حدثنا شعبة، عن الأعمش: قلت لإبراهيم: إذا حدثتني عن عبد الله فأسند، قال: إذا قلت: قال عبد الله، فقد سمعته من غير واحد من الصحابة، وإذا قلت: حدثني فلان، فحدثني فلان.
وقال مغيرة: كره إبراهيم أن يستند إلى سارية.
حماد بن زيد، عن ابن عون: جلست إلى إبراهيم، فقال في المرجئة قولا غيره أحسن منه.
وجاء ذم الإرجاء من وجوه عنه.
وقال سعيد بن جبير: أتستفتوني وفيكم إبراهيم؟ .
قال الحاكم: كان إبراهيم النخعي يحج مع عمه وخاله علقمة والأسود.
وكان يبغض المرجئة ويقول: لأنا على هذه الأمة - من المرجئة - أخوف عليهم من عدتهم من الأزارقة.
توفي وله تسع وأربعون سنة.
حماد بن زيد: حدثنا شعيب بن الحبحاب، حدثتني هنيدة امرأة إبراهيم، أن إبراهيم كان يصوم يوما ويفطر يوما.
قال سعيد بن صالح الأشج، عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم، قال: ما بها عريف إلا كافر.
عفان: حدثنا يعقوب بن إسحاق، حدثنا ابن عون، قال: كان إبراهيم يأتي السلطان، فيسألهم الجوائز.
وقال محمد بن ربيعة الكلابي عن العلاء بن زهير، قال: قدم إبراهيم على أبي وهو على حلوان، فحمله على برذون، وكساه أثوابا، وأعطاه ألف درهم فقبله.
قال الأعمش: ربما رأيت إبراهيم يصلي ثم يأتينا، فيمكث ساعة كأنه مريض.
قال أبو حنيفة عن حماد، قال: بشرت إبراهيم بموت الحجاج، فسجد، ورأيته يبكي من الفرح.
وقال سلمة بن كهيل: ما رأيت إبراهيم في صيف قط إلا وعليه ملحفة حمراء وإزار أصفر.
وقال مغيرة: رأيت إبراهيم يرخي عمامته من ورائه.
وقال يحيى القطان: [مات وهو] ابن نيف وخمسين بعد الحجاج بأربعة أشهر أو خمسة.
قال محمد بن سعد: دخل إبراهيم على أم المؤمنين عائشة، وسمع زيد بن أرقم، والمغيرة بن شعبة، وأنس بن مالك.(أعلام/536)
روى عنه الشعبي، ومنصور، والمغيرة بن مقسم، والأعمش وغيرهم من التابعين.
عبد الله بن جعفر الرقي: حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن طلحة بن مصرف، قال: قلت لإبراهيم النخعي: يا أبا عمران، من أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: دخلت على أم المؤمنين عائشة.
سليمان بن داود المباركي: حدثنا أبو شهاب، عن الحسن بن عمرو، عن أبيه، أنه دخل على إبراهيم فقال: يا أبا عمران.
وقال ضمره بن ربيعة: سمعت رجلا يذكر أن حماد بن أبي سليمان قدم عليهم البصرة، فجاءه فرقد السبخي وعليه ثوب صوف، فقال له: ضع عنك نصرانيتك هذه، فلقد رأيتني ننتظر إبراهيم فيخرج عليه معصفرة، ونحن نرى أن الميتة قد حلت له.
شعبة، عن أبي معشر، عن النخعي، أنه كان يدخل على عائشة فيرى عليها ثيابا حبرا، فقال أيوب: وكيف كان يدخل عليها؟ ! قال: كان يخرج مع عمه وخاله حاجا وهو غلام قبل أن يحتلم، وكان بينهم ود وإخاء، وكان بينهما وبين عائشة ود وإخاء.
شريك، عن سليمان بن يسير، عن إبراهيم: أدخلني خالي الأسود على عائشة وعلي أوضاح.
جرير، عن مغيرة، قال: كان إبراهيم يدخل على عائشة مع الأسود وعلقمة، ومات وله سبع وخمسون سنة أو نحوه.
وقال سليم بن أخضر: حدثنا ابن عون، قال: مات إبراهيم وهو ما بين الخمسين إلى الستين.
علي بن عاصم: حدثنا مغيرة، قال: قيل لإبراهيم: قتل الحجاج سعيد بن جبير. قال: يرحمه الله، ما ترك بعده خلف، قال: فسمع بذلك الشعبي فقال: هو بالأمس يعيبه بخروجه على الحجاج، ويقول اليوم هذا! فلما مات إبراهيم، قال الشعبي: ما ترك بعده خلف.
نعيم بن حماد: حدثنا جرير، عن عاصم، قال: تبعت الشعبي، فمررنا بإبراهيم، فقام له إبراهيم عن مجلسه، فقال له الشعبي: أما إني أفقه منك حيا، وأنت أفقه مني ميتا، وذاك أن لك أصحابا يلزمونك، فيحيون علمك.(أعلام/537)
محمد بن طلحة بن مصرف: حدثني ميمون أبو حمزة الأعور، قال: قال لي إبراهيم: تكلمت، ولو وجدت بدا لم أتكلم، وإن زمانا أكون فيه فقيها لزمان سوء.
قال أبو حمزة الثمالي: كنت عند إبراهيم النخعي، فجاء رجل فقال: يا أبا عمران، إن الحسن البصري يقول: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. فقال رجل: هذا من قاتل على الدنيا، فأما قتال من بغى، فلا بأس به. فقال إبراهيم: هكذا قال أصحابنا عن ابن مسعود. فقالوا له: أين كنت يوم الزاوية؟ قال: في بيتي. قالوا: فأين كنت يوم الجماجم؟ قال: في بيتي. قالوا: فإن علقمة شهد صفين مع علي. فقال: بخ بخ، من لنا مثل علي بن أبي طالب ورجاله.
عن شعيب بن الحبحاب، قال: كنت فيمن دفن إبراهيم النخعي ليلا سابع سبعة أو تاسع تسعة. فقال الشعبي: أدفنتم صاحبكم؟ قلت: نعم. قال: أما إنه ما ترك أحدا أعلم منه، أو أفقه منه. قلت: ولا الحسن ولا ابن سيرين؟ قال: نعم، ولا من أهل البصرة، ولا من أهل الكوفة، ولا من أهل الحجاز. وفي رواية: ولا من أهل الشام.
روى الترمذي من طريق شعبة عن الأعمش، قال: قلت لإبراهيم النخعي: أسند لي عن ابن مسعود. فقال: إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله بن مسعود، فهو الذي سمعت، وإذا قلت: قال عبد الله، فهو عن غير واحد عن عبد الله.
في سن إبراهيم قولان: أحدهما عاش تسعا وأربعين سنة. الثاني أنه عاش ثمانيا وخمسين سنة.
مات سنة ست وتسعين.(أعلام/538)
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، وعبد الولي بن عبد الرحمن، وأحمد بن هبة الله، وعيسى بن بركة، وجماعة، قالوا: أنبأنا عبد الله بن عمر، أنبأنا سعيد بن أحمد بن البناء حضورا في سنة تسع وأربعين وخمسمائة، أنبأنا محمد بن محمد الزينبي، أنبأنا محمد بن عمر بن زنبور، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قال عبد الله: " لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله ". فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب كانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: ما حديث بلغني عنك، أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله؟ قال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله. فقالت: والله لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته.
قال أبو عبيد الآجري: حدثنا أبو داود، حدثونا عن الأشجعي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كانوا يرون أن كثيرا من حديث أبي هريرة منسوخ.
قلت: وكان كثير من حديثه ناسخا ; لأن إسلامه ليالي فتح خيبر، والناسخ والمنسوخ في جنب ما حمل من العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزر قليل، وكان من أئمة الاجتهاد، ومن أهل الفتوى رضي الله عنه. فالسنن الثابتة لا ترد بالدعاوى.
قال أبو داود: حدثنا ابن أبي السري، حدثنا يونس بن بكير، عن الأعمش، قال: ما رأيت أحدا أرد لحديث لم يسمعه من إبراهيم.
وقيل: إن إبراهيم لما احتضر جزع جزعا شديدا، فقيل له في ذلك، فقال: وأي خطر أعظم مما أنا فيه، أتوقع رسولا يرد علي من ربي إما بالجنة وإما بالنار، والله لوددت أنها تلجلج في حلقي إلى يوم القيامة.(أعلام/539)
روى ابن عيينة، عن الأعمش، قال: جهدنا أن نجلس إبراهيم النخعي إلى سارية، وأردناه على ذلك فأبى، وكان يأتي المسجد وعليه قباء وريطة معصفرة. قال: وكان يجلس مع الشرط.
قال أحمد بن حنبل: كان إبراهيم ذكيا، حافظا، صاحب سنة.
قال مغيرة: كان إبراهيم إذا طلبه إنسان لا يحب لقاءه خرجت الجارية فقالت: اطلبوه في المسجد.
روى قيس عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: أتى رجل، فقال: إني ذكرت رجلا بشيء، فبلغه عني، فكيف أعتذر إليه؟ قال: تقول: والله إن الله ليعلم ما قلت من ذلك من شيء.
قال أبو عمرو الداني: أخذ إبراهيم القراءة عرضا عن علقمة، والأسود.
قرأ عليه الأعمش، وطلحة بن مصرف.
وروى وكيع عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بدعة.(أعلام/540)
إبراهيم بن أبي يحيى (ق)
هو الشيخ العالم المحدث أحد الأعلام المشاهير، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، مولاهم المدني الفقيه ولد في حدود سنة مائة، أو قبل ذلك.
وحدث عن: صالح مولى التوأمة، وابن شهاب، ومحمد بن المنكدر، وموسى بن وردان، وصفوان بن سليم، ويحيى بن سعيد، وخلق كثير. وصنف " الموطأ " -وهو كبير- أضعاف موطأ الإمام مالك.
حدث عنه جماعة قليلة منهم: الشافعي، وإبراهيم بن موسى الفراء، والحسن بن عرفة، وقد كان الشافعي -مع حسن رأيه فيه- إذا روى عنه ربما دلسه، ويقول: أخبرني من لا أتهم. فتجد الشافعي لا يوثقه، وإنما هو عنده ليس بمتهم بالكذب، وقد اعترف الشافعي بأنه كان قدريا، ونهى ابن عيينة عن الكتابة عنه.
وقال أبو همام السكوني: سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يشتم بعض السلف.
وقال بشر بن عمر: نهاني مالك عن إبراهيم بن أبي يحيى. فقلت: من أجل القدر تنهاني؟ فقال: ليس هو في حديثه بذاك.
وقال القاضي هارون بن عبد الله الزهري: حدثنا إبراهيم بن سعد قال: كنا نسمي إبراهيم بن أبي يحيى -ونحن نطلب الحديث- خرافة.
وقال سفيان بن عبد الملك: سألت ابن المبارك، لم تركت حديث إبراهيم بن أبي يحيى؟ قال: كان مجاهرا بالقدر، وكان صاحب تدليس.
إبراهيم بن محمد بن عرعرة: سمعت يحيى القطان يقول: سألت مالكا عن إبراهيم بن أبي يحيى: أثقة في الحديث؟ قال: لا، ولا في دينه.
وقال أحمد بن حنبل عن المعيطي، عن يحيى بن سعيد قال: كنا نتهمه بالكذب -يعني ابن أبي يحيى - ثم قال أحمد: قدري جهمي، كل بلاء فيه، تركوا حديثه، وأبوه ثقة.
وروى عباس عن ابن معين قال: هو رافضي قدري. وقال مرة: كذاب. وقال أبو داود نحو ذلك. وقال البخاري: قدري جهمي، تركه ابن المبارك والناس. وقال مؤمل بن إسماعيل: سمعت يحيى القطان يقول: أشهد على إبراهيم بن أبي يحيى أنه يكذب.(أعلام/541)
وقال محمد بن عبد الله بن البرقي: كان يرى، أو قال: يرمى بالقدر والتشيع والكذب. وقال النسائي وغيره: متروك الحديث.
وقال العقيلي: حدثنا محمد بن أحمد بن النضر، حدثنا أبو بكر بن عفان، قال: خرج علينا ابن عيينة، فقال: ألا فاحذروا ابن أبي رواد المرجئ، لا تجالسوه، واحذروا إبراهيم بن أبي يحيى لا تجالسوه.
قال أبو محمد الدارمي: سمعت يزيد بن هارون يكذب زياد بن ميمون، وإبراهيم بن أبي يحيى، وخالد بن محدوج.
قال ابن حبان: اسم جده أبي يحيى: سمعان. كان مالك وابن المبارك ينهيان عنه. وتركه القطان، وابن مهدي، إلى أن قال ابن حبان: وكان يكذب في الحديث.
حجاج الأعور، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن أبي عطاء، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من مات مريضا مات شهيدا، ووقي فتان القبر، وغدي عليه، وريح برزقه من الجنة. قال يحيى بن معين: إبراهيم بن أبي عطاء هو إبراهيم بن أبي يحيى. قلت: لعله " مرابطا " بدل " مريضا "
وقال علي بن خشرم: كان عيسى بن يونس إذا مر بأحاديث إسماعيل بن عياش، وإبراهيم بن أبي يحيى يقول: يضرب عليه.
قال ابن حبان: كان الشافعي يجالس ابن أبي يحيى في حداثته، ويحفظ عنه حفظ الصبي، فلما دخل مصر في آخر عمره أخذ يصنف، واحتاج إلى الأخبار، ولم تكن معه كتبه، فأكثر ما أودع الكتب من حفظه، وربما كنى عن إبراهيم، ولا يسميه. قال: وروى عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالط. رواه عنه بسطام بن جعفر.
وروى عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: استأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أبني كنيفا بمنى فلم يأذن لي.(أعلام/542)
قال ابن عدي: لم أجد لإبراهيم حديثا منكرا إلا عن شيوخ يحتملون، وقد حدث عنه ابن جريج، والثوري، والكبار، وموطأه أضعاف موطأ مالك، وأحاديثه كثيرة. وقال أبو إسحاق الجوزجاني: لا يشتغل بحديثه. قلت: لا يرتاب في ضعفه. بقي: هل يترك أم لا؟
ابن خزيمة: حدثنا ابن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: كان ابن أبي يحيى أحمق -أو قال: أبله- كان لا يمكنه الجماع، فأخبرني من رآه، معه فأس، فقال: بلغني أنه من بال في ثقب فأس أمكنه الجماع، فدخل خربة، فبال في الفأس. قلت: توفي سنة أربع وثمانين ومائة يقع لي حديثه في مسند الشافعي.(أعلام/543)
إبراهيم بن أدهم
ابن منصور بن يزيد بن جابر، القدوة الإمام العارف، سيد الزهاد أبو إسحاق العجلي، وقيل: التميمي، الخراساني البلخي، نزيل الشام. مولده في حدود المائة.
حدث عن: أبيه، ومحمد بن زياد الجمحي -صاحب أبي هريرة - وأبي إسحاق السبيعي، ومنصور بن المعتمر، ومالك بن دينار، وأبي جعفر محمد بن علي، وسليمان الأعمش، وابن عجلان، ومقاتل بن حيان.
حدث عنه: رفيقه سفيان الثوري، وشقيق البلخي، وبقية بن الوليد، وضمرة بن ربيعة، ومحمد بن حمير، وخلف بن تميم، ومحمد بن يوسف الفريابي، وإبراهيم بن بشار الخراساني خادمه، وسهل بن هاشم، وعتبة بن السكن، وحكى عنه الأوزاعي، وأبو إسحاق الفزاري.
قال البخاري: قال لي قتيبة: إبراهيم بن أدهم تميمي يروي عن منصور. قال: ويقال له: العجلي. وقال ابن معين: هو من بني عجل. وذكر المفضل الغلابي: أنه هرب من أبي مسلم، صاحب الدعوة.
قال النسائي: هو ثقة مأمون، أحد الزهاد. وعن الفضل بن موسى، قال: حج والد إبراهيم بن أدهم وزوجته، فولدت له إبراهيم بمكة.(أعلام/544)
وعن يونس البلخي قال: كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف، وكان أبوه كثير المال والخدم، والمراكب والجنائب والبزاة فبينا إبراهيم في الصيد على فرسه يركضه، إذا هو بصوت من فوقه: يا إبراهيم: ما هذا العبث؟ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا اتق الله، عليك بالزاد ليوم الفاقة. فنزل عن دابته، ورفض الدنيا. وفي " رسالة القشيري "، قال: هو من كورة بلخ، من أبناء الملوك، أثار ثعلبا أو أرنبا، فهتف به هاتف: ألهذا خلقت؟ أم بهذا أمرت؟ فنزل، وصادف راعيا لأبيه، فأخذ عباءته، وأعطاه فرسه، وما معه، ودخل البادية، وصحب الثوري والفضيل بن عياض، ودخل الشام، وكان يأكل من الحصاد وحفظ البساتين، ورأى في البادية رجلا، علمه الاسم الأعظم فدعا به، فرأى الخضر، وقال: إنما علمك أخي داود. رواها على بن محمد المصري الواعظ.
حدثنا أبو سعيد الخراز، حدثنا إبراهيم بن بشار، حدثني إبراهيم بن أدهم بذلك، لما سألته عن بدء أمره. ورويت عن ابن بشار بإسناد آخر، وزاد،
قال: فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال: عليكم بالشام، فصرت إلى المصيصة فعملت بها أياما، ثم قيل لي: عليك بطرسوس فإن بها المباحات، فبينا أنا على باب البحر، اكتراني رجل أنطر بستانه، فمكثت مدة.
قال المسيب بن واضح: حدثنا أبو عتبة الخواص: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: من أراد التوبة، فليخرج من المظالم، وليدع مخالطة الناس، وإلا لم ينل ما يريد.
قال خلف بن تميم: سمعت إبراهيم يقول: رآني ابن عجلان، فاستقبل القبلة ساجدا، وقال: سجدت لله شكرا حين رأيتك. .(أعلام/545)
قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لابن المبارك: إبراهيم بن أدهم ممن سمع؟ قال: قد سمع من الناس، وله فضل في نفسه، صاحب سرائر، وما رأيته يظهر تسبيحا، ولا شيئا من الخير، ولا أكل مع قوم قط، إلا كان آخر من يرفع يده. أبو نعيم: سمعت سفيان يقول: كان إبراهيم بن أدهم يشبه إبراهيم الخليل، ولو كان في الصحابة، لكان رجلا فاضلا.
قال بشر الحافي: ما أعرف عالما إلا وقد أكل بدينه، إلا وهيب بن الورد وإبراهيم بن أدهم، ويوسف بن أسباط، وسلما الخواص. .
قال شقيق بن إبراهيم: قلت لإبراهيم بن أدهم: تركت خراسان؟ قال: ما تهنأت بالعيش إلا في الشام، أفر بديني من شاهق إلى شاهق، فمن رآني يقول: موسوس، ومن رآني يقول: جمال، يا شقيق: ما نبل عندنا من نبل بالجهاد ولا بالحج، بل كان بعقل ما يدخل بطنه.
قال خلف بن تميم: سألت إبراهيم: منذ كم قدمت الشام؟ قال: منذ أربع وعشرين سنة، ما جئت لرباط ولا لجهاد، جئت لأشبع من خبز الحلال.
وعن إبراهيم، قال: الزهد فرض، وهو الزهد في الحرام. وزهد سلامة، وهو: الزهد في الشبهات. وزهد فضل، وهو: الزهد في الحلال. يحيى بن عثمان البغدادي: حدثنا بقية، قال: دعاني إبراهيم بن أدهم إلى طعامه، فأتيته، فجلس، فوضع رجله اليسرى تحت أليته، ونصب اليمنى، ووضع مرفقه عليها، ثم قال: هذه جلسة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يجلس جلسة العبد، خذوا بسم الله. فلما أكلنا، قلت لرفيقه: أخبرني عن أشد شيء مر بك منذ صحبته. قال: كنا صياما، فلم يكن لنا ما نفطر عليه، فأصبحنا، فقلت: هل لك يا أبا إسحاق أن نأتي الرستن فنكري أنفسنا مع الحصادين؟ قال: نعم. قال: فاكتراني رجل بدرهم، فقلت: وصاحبي؟(أعلام/546)
قال: لا حاجة لي فيه، أراد ضعيفا. فما زلت به حتى اكتراه بثلثين، فاشتريت من كرائي حاجتي، وتصدقت بالباقي، فقربت إليه الزاد، فبكى وقال: أما نحن فاستوفينا أجورنا، فليت شعري أوفينا صاحبنا أم لا؟ فغضبت، فقال: أتضمن لي أنا وفيناه. فأخذت الطعام فتصدقت به.
وبالإسناد عن بقية، قال: كنا مع إبراهيم في البحر، فهاجت ريح، واضطربت السفينة، وبكوا، فقلنا: يا أبا إسحاق! ما ترى؟ فقال: يا حي حين لا حي، ويا حي قبل كل حي، ويا حي بعد كل حي، يا حي، يا قيوم، يا محسن، يا مجمل! قد أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك. فهدأت السفينة من ساعته.
ضمرة: سمعت ابن أدهم، قال: أخاف أن لا أؤجر في تركي أطايب الطعام ; لأني لا أشتهيه. وكان إذا جلس على طعام طيب، قدم إلى أصحابه، وقنع بالخبز والزيتون. محمد بن ميمون المكي: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: قيل لإبراهيم بن أدهم: لو تزوجت؟ قال: لو أمكنني أن أطلق نفسي لفعلت. .
عن خلف بن تميم، قال: دخل إبراهيم الجبل، واشترى فأسا، فقطع حطبا، وباعه، واشترى ناطفا وقدمه إلى أصحابه، فأكلوا، فقال يباسطهم: كأنكم تأكلون في رهن.
عصام بن رواد بن الجراح: حدثنا أبي، قال: كنت ليلة مع إبراهيم بن أدهم، فأتاه رجل بباكورة، فنظر حوله هل يرى ما يكافئه، فنظر إلى سرجي، فقال: خذ ذاك السرج، فأخذه، فسررت حين نزل مالي بمنزلة ماله. .
قال علي بن بكار: كان إبراهيم من بني عجل كريم الحسب، وإذا حصد، ارتجز، وقال:
اتخذ الله صاحبا
ودع الناس جانبا
وكان يلبس فروا بلا قميص، وفي الصيف شقتين بأربعة دراهم: إزار ورداء، ويصوم في الحضر والسفر، ولا ينام الليل، وكان يتفكر، ويقبض أصحابه أجرته، فلا يمسها بيده، ويقول: كلوا بها شهواتكم، وكان ينطر وكان يطحن بيد واحدة مدين من قمح(أعلام/547)
قال أبو يوسف الغسولي: دعا الأوزاعي إبراهيم بن أدهم، فقصر في الأكل، فقال: لم قصرت؟ قال: رأيتك قصرت في الطعام. بشر الحافي: حدثنا يحيى بن يمان، قال: كان سفيان إذا قعد مع إبراهيم بن أدهم، تحرز من الكلام. عبد الرحمن بن مهدي، عن طالوت: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ما صدق الله عبد أحب الشهرة.
قلت: علامة المخلص الذي قد يحب شهرة، ولا يشعر بها، أنه إذا عوتب في ذلك، لا يحرد ولا يبرئ نفسه، بل يعترف، ويقول: رحم الله من أهدى إلي عيوبي، ولا يكن معجبا بنفسه، لا يشعر بعيوبها، بل لا يشعر أنه لا يشعر، فإذا هذا داء مزمن.
عصام بن رواد: سمعت عيسى بن خازم النيسابوري يقول: كنا بمكة مع إبراهيم بن أدهم، فنظر إلى أبي قبيس، فقال: لو أن مؤمنا، مستكمل الإيمان، يهز الجبل لتحرك، فتحرك أبو قبيس فقال: اسكن، ليس إياك أردت.
قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن منصور، حدثنا الحارث بن النعمان، قال: كان إبراهيم بن أدهم يجتني الرطب من شجر البلوط. وعن مكي بن إبراهيم، قال: قيل لابن أدهم: ما تبلغ من كرامة المؤمن؟ قال: أن يقول للجبل: تحرك، فيتحرك. قال فتحرك الجبل، فقال: ما إياك عنيت. .
وعن إبراهيم بن أدهم، قال: كل ملك لا يكون عادلا، فهو واللص سواء، وكل عالم لا يكون تقيا، فهو والذئب سواء، وكل من ذل لغير الله، فهو والكلب سواء.(أعلام/548)
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الجلودي وغيره: أن عبد الله بن اللتي أخبرهم، قال أنبأنا جعفر بن المتوكل، أنبأنا أبو الحسن بن العلاف، حدثنا الحمامي، حدثنا جعفر الخلدي، حدثني إبراهيم بن نصر، حدثنا إبراهيم بن بشار: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: وأي دين لو كان له رجال! من طلب العلم لله، كان الخمول أحب إليه من التطاول، والله ما الحياة بثقة، فيرجى نومها، ولا المنية بعذر، فيؤمن عذرها، ففيم التفريط والتقصير والاتكال والإبطاء؟ قد رضينا من أعمالنا بالمعاني، ومن طلب التوبة بالتواني، ومن العيش الباقي بالعيش الفاني.(أعلام/549)
وبه: قال ابن بشار: أمسينا مع إبراهيم ليلة، ليس لنا ما نفطر عليه، فقال: يا ابن بشار! ماذا أنعم الله على الفقراء والمساكين من النعيم والراحة، لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة، ولا حج، ولا صدقة، ولا صلة رحم! لا تغتم، فرزق الله سيأتيك، نحن -والله- الملوك الأغنياء، تعجلنا الراحة، لا نبالي على أي حال كنا إذا أطعنا الله. ثم قام إلى صلاته، وقمت إلى صلاتي، فإذا برجل قد جاء بثمانية أرغفة، وتمر كثير، فوضعه، فقال: كل يا مغموم. فدخل سائل، فأعطاه ثلاثة أرغفة مع تمر، وأعطاني ثلاثة، وأكل رغيفين. وكنت معه، فأتينا على قبر مسنم، فترحم عليه، وقال: هذا قبر حميد بن جابر، أمير هذه المدن كلها، كان غارقا في بحار الدنيا، ثم أخرجه الله منها. بلغني أنه سر ذات يوم بشيء، ونام، فرأى رجلا بيده كتاب، ففتحه، فإذا هو كتاب بالذهب: لا تؤثرن فانيا على باق، ولا تغترن بملكك، فإن ما أنت فيه جسيم لولا أنه عديم، وهو ملك لولا أن بعده هلك، وفرح وسرور لولا أنه غرور، وهو يوم لو كان يوثق له بغد، فسارع إلى أمر الله، فإن الله قال: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين فانتبه فزعا، وقال: هذا تنبيه من الله وموعظة. فخرج من ملكه، وقصد هذا الجبل، فعبد الله فيه حتى مات.
وروي أن إبراهيم بن أدهم حصد ليلة ما يحصده عشرة، فأخذ أجرته دينارا.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن عبد الرحيم بن محمد، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا السراج: سمعت إبراهيم بن بشار يقول: قلت لإبراهيم بن أدهم: كيف كان بدء أمرك؟ قال: غير ذا أولى بك.(أعلام/550)
قال: قلت: أخبرني لعل الله أن ينفعنا به يوما. قال: كان أبي من الملوك المياسير، وحبب إلينا الصيد، فركبت، فثار أرنب أو ثعلب، فحركت فرسي، فسمعت نداء من ورائي: ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت. فوقفت أنظر يمنة ويسرة، فلم أر أحدا، فقلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي، فأسمع نداء أجهر من ذلك: يا إبراهيم! ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت فوقفت أنظر فلا أرى أحدا، فقلت: لعن الله إبليس، فأسمع نداء من قربوس سرجي بذاك، فقلت: أنبهت، أنبهت، جاءني نذير، والله لا عصيت الله بعد يومي ما عصمني الله، فرجعت إلى أهلي، فخليت فرسي، ثم جئت إلى رعاة لأبي، فأخذت جبة كساء، وألقيت ثيابي إليه، ثم أقبلت إلى العراق، فعملت بها أياما، فلم يصف لي منها الحلال، فقيل لي: عليك بالشام، فذكر حكاية نطارته الرمان، وقال الخادم له: أنت تأكل فاكهتنا، ولا تعرف الحلو من الحامض؟ قلت: والله ما ذقتها. فقال: أتراك لو أنك إبراهيم بن أدهم، فانصرف، فلما كان من الغد، ذكر صفتي في المسجد، فعرفني بعض الناس، فجاء الخادم ومعه عنق من الناس، فاختفيت خلف الشجر، والناس داخلون، فاختلطت معهم وأنا هارب.
قد سقت أخبار إبراهيم في " تاريخي " أزيد مما هنا، وأخباره في: " تاريخ دمشق " وفي: " الحلية " وتآليف لابن جوصا، وأخباره التي رواها ابن اللتي، وأشياء. وثقه الدارقطني.
وتوفي سنة اثنتين وستين ومائة وقبره يزار، وترجمته في " تاريخ دمشق " في ثلاثة وثلاثين ورقة.(أعلام/551)
إبراهيم بن الحارث
بن إسماعيل: الحافظ الثقة أبو إسحاق. البغدادي، نزيل نيسابور.
سمع: يزيد بن هارون، وحجاج بن محمد، وأبا النضر، ويحيى بن أبي بكير، وعبد العزيز بن أبان.
حدث عنه: البخاري، وإبراهيم بن أبي طالب، وابن خزيمة، وأبو حامد ابن الشرقي، وأبو بكر محمد بن الحسين القطان، وجماعة.
يقع لنا حديثه بعلو من طريق السلفي.
توفي في أول سنة خمس وستين ومائتين ولعله جاوز الثمانين، رحمه الله.(أعلام/552)
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
39 إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الإمام محمد بن عبد الوهاب
الولادة: عام 1344 هـ.
التعليم:
قرأ القرآن وحفظه في الصغر في مدرسة عبد الله بن مفيريج رحمه الله، وفي مدرسة علي بن عبد الله اليماني، ودرس علم التجويد على الشيخ سعد وقاص رحمه الله في مكة المكرمة، ولازم مجالس والده رحمه الله وقرأ عليه في كتب التوحيد والفقه والنحو، ثم التحق بالمعهد العلمي وتخرج في كلية الشريعة بالرياض في عام 1376 هـ، والتحق بالسلك الوظيفي مديرا لإدارة الإفتاء، ثم نائبا للمفتي، وبعد وفاة والده رحمه الله تعين رئيسا للإفتاء والإشراف على الشؤون الدينية، وقد نظمت دار الإفتاء في عهده، وسميت: رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، واستمر رئيسا لها لمدة ست سنوات، وتم تشكيل هيئة كبار العلماء واختير عضوا فيها ورئيسا للهيئة الدائمة، وقد رأس التوعية في الحج لعدة سنوات.
مشائخه:(أعلام/553)
ومن مشايخه الذين أخذ العلم عنهم بالإضافة إلى والده: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وسماحة الشيخ محمد الأمين الشنقيطى رحمه الله، وغيرهم، وكان يشرف بنفسه على أعمال الدعاة في الخارج وأعمال المرشدين في داخل المملكة، وعين وزيرا للعدل، وبعد وفاة 40 سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله رئيس مجلس القضاء الأعلى عين رئيسا لمجلس القضاء الأعلى بالنيابة، وكان يتابع أعمال القضاة وكتاب العدل ويشرف على أعمالهم، وقد سار القضاء في عهده سيرا حسنا، وافتتحت محاكم شرعية في سائر أنحاء المملكة، وقد اشترك في كثير من المؤتمرات الإسلامية وبذل الجهد في هذه المؤتمرات في الحث على التمسك بالشريعة الإسلامية في بلاد المسلمين ووجوب تطبيقها وإحلالها محل القوانين الوضعية، وشارك في كثير من اللجان المختلفة في الدولة، وبعد خدماته الطويلة التي أمضاها في العمل في هذه الدولة الكريمة طلب من ولي الأمر حفظه الله إحالته على التقاعد؛ نظرا لظروفه الصحية في آخر عام 1409 هـ، وكان يتصف بدماثة الخلق ويحب بذل الخير للناس.(أعلام/554)
إسحاق الأزرق (ع)
هو الإمام الحافظ الحجة أبو محمد إسحاق بن يوسف بن مرداس القرشي الواسطي الأزرق.
مولده سنة سبع عشرة ومائة.
حدث عن: الأعمش، وابن عون، وفضيل بن غزوان، ومسعر بن كدام، وسفيان، وشريك، وعدة.
وكان من جلة المقرئين، تلا على حمزة الزيات، وأخذ الحروف عن أبي بكر بن عياش وغيره. وله اختيار معروف، حمله عنه: إسماعيل بن هود الواسطي، وعبد الله بن هانئ وغيرهما.
وكان من أئمة الحديث، روى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأحمد بن منيع، ومحمد بن المثنى، وسعدان بن نصر، وأبو جعفر بن المنادي، وخلق.
وكان حجة وفاقا، له قدم راسخ في التقوى، قيل: إنه مكث عشرين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء - رحمة الله عليه. وكان من أعلم الناس بشريك.
قالوا: توفي سنة خمس وتسعين ومائة.
روى عن شريك ستة آلاف حديث.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا هبة الله بن هلال، أخبرنا عبد الله بن علي الدقاق سنة أربع وثمانين وأربعمائة، أخبرنا علي بن محمد المعدل، أخبرنا محمد بن عمرو الرزاز، حدثنا محمد بن عبيد الله، حدثنا إسحاق بن الأزرق، حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع بن جبير، عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية، لم يزده الإسلام إلا شدة. .(أعلام/555)
إسحاق بن راهويه (خ، م، د، س)
هو الإمام الكبير، شيخ المشرق، سيد الحفاظ، أبو يعقوب.
فأنبأني أبو الغنائم القيسي، أخبرنا الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني أبو الخطاب العلاء بن أبي المغيرة بن أحمد بن حزم، عن ابن عمه أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، قال: هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن مطر بن عبيد الله بن غالب بن وارث بن عبيد الله بن عطية بن مرة بن كعب بن همام بن أسد بن مرة بن عمرو بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي ثم الحنظلي المروزي، نزيل نيسابور.
قلت: مولده في سنة إحدى وستين ومائة.
وسمع من ابن المبارك، فما أقدم على الرواية عنه - لكونه كان مبتدئا - لم يتقن الأخذ عنه، وقد ارتحل في سنة أربع وثمانين ومائة، ولقي الكبار، وكتب عن خلق من أتباع التابعين، وسمع الفضل بن موسى السيناني، والفضيل بن عياض، ومعتمر بن سليمان، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وأبا خالد الأحمر، وجرير بن عبد الحميد، وسفيان بن عيينة، وعيسى بن يونس، وأبا تميلة يحيى بن واضح، وعتاب بن بشير الجزري، وأبا معاوية الضرير، ومرحوم بن عبد العزيز، وعبد الله بن وهب، ومخلد بن يزيد، وحاتم بن إسماعيل، وعمر بن هارون البلخي، ومحمد بن جعفر غندرا، والوليد بن مسلم، وإسماعيل ابن علية، ووكيع بن الجراح، وبقية بن الوليد، وحفص بن غياث، وعبد الله بن إدريس، والوليد بن مسلم، وشعيب بن إسحاق، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، والنضر بن شميل، ومحمد بن فضيل، ويزيد بن هارون، وأسباط بن محمد، وعبد الوهاب الثقفي، ويحيى بن سعيد القطان، وأبا بكر بن عياش، وعبيدة بن حميد، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرزاق، وأمما سواهم بخراسان والعراق والحجاز واليمن والشام.(أعلام/556)
حدث عنه: بقية بن الوليد، ويحيى بن آدم، وهما من شيوخه، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وهما من أقرانه، وإسحاق بن منصور، ومحمد بن يحيى، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج في " صحيحيهما "، وأبو داود، والنسائي في " سننهما "، ومحمد بن عيسى السلمي في " جامعه "، وأحمد بن سلمة، وإبراهيم بن أبي طالب، وموسى بن هارون، ومحمد بن نصر المروزي، وداود بن علي الظاهري، وعبد الله بن محمد بن شيرويه، وولده محمد بن إسحاق، وجعفر الفريابي، وإسحاق بن إبراهيم البشتي - بشين معجمة - والحسين بن محمد القباني، ومحمد بن النضر الجارودي، وأبو العباس الحسن بن سفيان، وأبو العباس السراج خاتمة أصحابه، وخلق سواهم.
وقد وقع لي حديثه عاليا.
فأخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد الله الكاتب، أخبرنا محمد بن عمر الأرموي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، ومحمد بن علي قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا إسحاق بن راهويه، أخبرنا عيسى بن يونس، حدثنا الأوزاعي، عن هارون بن رئاب، أن عبد الله بن عمرو لما حضرته الوفاة، خطب إليه رجل ابنته، فقال له: إني قد قلت فيه قولا شبيها بالعدة، وإني أكره أن ألقى الله بثلث النفاق.(أعلام/557)
أخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء، عن عبد الرحيم بن عبد الكريم الشافعي في كتابه من مرو، قال: أخبرنا سعيد بن حسين الريوندي سنة أربع وأربعين وخمسمائة، أخبرنا الفضل بن المحب، وأخبرنا أحمد عن عبد الرحيم، أخبرنا هبة الرحمن بن عبد الواحد، أخبرنا جدي أبو القاسم القشيري، قالا: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد القنطري، أخبرنا محمد بن إسحاق السراج، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا المعتمر، سمعت أبي يحدث عن أبي مجلز، عن أنس - رضي الله عنه - قال: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان، ويقول: عصية عصت الله ورسوله أخرجه مسلم عن إسحاق، فوافقناه بعلو درجة.
أخبرنا عبد الله بن يحيى المفيد في كتابه، أخبرنا إبراهيم بن بركات، أخبرنا علي بن الحسن الحافظ، أخبرنا أبو القاسم النسيب، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا علي بن أحمد الرزاز، أخبرنا جعفر بن محمد بن الحكم، حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا الوليد بن شجاع، حدثني بقية، عن إسحاق بن راهويه، أخبرنا المعتمر، عن ابن فضاء، عن أبيه، عن علقمة بن عبد الله، عن أبيه، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن زينب بنت عبد الرحمن، أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدا تحت نخلة، فهاجت ريح، فقام فزعا. فقيل له، فقال: إني تخوفت الساعة إسناده ثقات، لكن الأعمش مدلس مع أنه قد رأى أنس بن مالك وحكى عنه.(أعلام/558)
أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي، أخبرنا أبو الفرج بن عبد السلام، أخبرنا أبو الفضل الأرموي، وأبو غالب بن الداية، وأبو عبد الله الطرائفي، أخبرنا محمد بن أحمد، أخبرنا عبيد الله الزهري، أخبرنا جعفر الفريابي، حدثنا إسحاق بن راهويه، أخبرنا النضر بن شميل، أخبرنا أبو معشر، عن سعيد - هو - المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ثلاث من كن فيه فهو منافق: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان. قال رجل: يا رسول الله، ذهبت اثنتان، وبقيت واحدة؟ قال: فإن عليه شعبة من نفاق ما بقي فيه منهن شيء هذا حديث حسن الإسناد. وأبو معشر نجيح السندي صدوق في نفسه، وما هو بالحجة. وأما المتن، فقد رواه جماعة عن أبي هريرة. وفيه دليل على أن النفاق يتبعض ويتشعب، كما أن الإيمان ذو شعب ويزيد وينقص، فالكامل الإيمان من اتصف بفعل الخيرات، وترك المنكرات وله قرب ماحية لذنوبه، كما قال تعالى: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم إلى قوله: أولئك هم المؤمنون حقا وقال قد أفلح المؤمنون إلى قوله: أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس ودون هؤلاء خلق من المؤمنين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، ودونهم عصاة المسلمين، ففيهم إيمان ينجون به من خلود عذاب الله تعالى وبالشفاعة. ألا تسمع إلى الحديث المتواتر أنه يخرج من النار من في قلبه وزن ذرة من إيمان وكذلك شعب النفاق من الكذب والخيانة والفجور والغدر والرياء، وطلب العلم ليقال، وحب الرئاسة والمشيخة، وموادة الفجار والنصارى. فمن ارتكبها كلها، وكان في قلبه غل النبي - صلى الله عليه وسلم - أو حرج من قضاياه، أو يصوم رمضان غير محتسب، أو يجوز أن دين النصارى أو اليهود دين مليح، ويميل إليهم.(أعلام/559)
فهذا لا ترتب في أنه كامل النفاق، وأنه في الدرك الأسفل من النار، وصفاته الممقوتة عديدة في الكتاب والسنة من قيامه إلى الصلاة كسلان، وأدائه الزكاة وهو كاره، وإن عامل الناس فبالمكر والخديعة، قد اتخذ إسلامه جنة، نعوذ بالله من النفاق، فقد خافه سادة الصحابة على نفوسهم.
فإن كان فيه شعبة من نفاق الأعمال، فله قسط من المقت حتى يدعها، ويتوب منها، أما من كان في قلبه شك من الإيمان بالله ورسوله، فهذا ليس بمسلم وهو من أصحاب النار، كما أن من في قلبه جزم بالإيمان بالله ورسله وملائكته وكتبه وبالمعاد، وإن اقتحم الكبائر، فإنه ليس بكافر.
قال تعالى: هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن.
وهذه مسألة كبيرة جليلة، قد صنف فيها العلماء كتبا، وجمع فيها الإمام أبو العباس شيخنا مجلدا حافلا قد اختصرته. نسأل الله - تعالى - أن يحفظ علينا إيماننا حتى نوافيه به.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي، سمعت إسحاق بن راهويه يحدث عن عيسى بن يونس، قال: لو أردت أبا بكر بن أبي مريم على أن يجمع لي فلانا وفلانا لفعل، يعني: يقول: عن راشد بن سعد، وحبيب بن عبيد، وضمرة. ثم قال عبد الله: ما روى أبي عن إسحاق سوى هذا.
قال موسى بن هارون: قلت لإسحاق: من أكبر أنت أو أحمد بن حنبل؟ قال: هو أكبر مني في السن وغيره. ثم قال موسى: كان مولد إسحاق سنة ست وستين ومائة فيما يرى موسى.
قلت: قد قدمنا أن مولده قبل هذا بمدة، فموسى لم يحرر ذلك.
قال محمد بن رافع: قال لي إسحاق: كتب عني يحيى بن آدم ألفي حديث.
قال حاشد بن إسماعيل: سمعت وهب بن جرير يقول: جزى الله إسحاق بن راهويه، وصدقة بن الفضل، ويعمر عن الإسلام خيرا، أحيوا السنة بالمشرق. قلت: يعمر: هو ابن بشر.(أعلام/560)
قال أبو حاتم البستي في مقدمة كتاب " الضعفاء " أخبرنا محمد بن عمر بن محمد الهمذاني، حدثنا أبو يحيى المستملي، حدثنا أبو جعفر الجوزجاني، حدثني أبو عبد الله البصري، قال: أتيت إسحاق بن راهويه، فسألته شيئا، فقال: صنع الله لك. قلت: لم أسألك صنع الله، إنما سألتك صدقة، فقال: لطف الله لك، قلت: لم أسألك لطف الله، إنما سألتك صدقة. فغضب وقال: الصدقة لا تحل لك. قلت: ولم؟ قال: لأن جريرا حدثنا عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي فقلت: ترقق، يرحمك الله، فمعي حديث في كراهية العمل. قال إسحاق: وما هو؟ قلت: حدثني أبو عبد الله الصادق الناطق، عن أفشين، عن إيتاخ، عن سيماء الصغير، عن عجيف بن عنبسة، عن زغلمج بن أمير المؤمنين، أنه قال: العمل شؤم، وتركه خير، تقعد تمنى خير من أن تعمل تعنى، فضحك إسحاق، وذهب غضبه. وقال: زدنا فقلت: وحدثنا الصادق الناطق بإسناده عن عجيف، قال: قعد زغلمج في جلسائه، فقال: أخبروني بأعقل الناس، فأخبر كل واحد بما عنده، فقال: لم تصيبوا. بل أعقل الناس الذي لا يعمل ; لأن من العمل [يجيء] التعب، ومن التعب يجيء المرض، ومن المرض يجيء الموت، ومن عمل فقد أعان على نفسه. والله يقول: ولا تقتلوا أنفسكم. فقال: زدنا من حديثك، فقال: وحدثني [أبو عبد الله] الصادق الناطق بإسناده عن زغلمج، قال: من أطعم أخاه شواء غفر الله له عدد النوى، ومن أطعم أخاه هريسة غفر له مثل الكنيسة، ومن أطعم أخاه جنبا غفر الله له كل ذنب. فضحك إسحاق، وأمر له بدرهمين ورغيفين. أوردها ابن حبان، ولم يضعفها.(أعلام/561)
قال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق يقول: قال لي الأمير عبد الله بن طاهر: لم قيل لك: ابن راهويه؟ وما معنى هذا؟ وهل تكره أن يقال لك ذلك؟ قال: اعلم أيها الأمير أن أبي ولد في طريق مكة، فقالت المراوزة: راهويه ; لأنه ولد في الطريق، وكان أبي يكره هذا. وأما أنا، فلا أكرهه.
قال الحاكم: أخبرني الحسن بن خالد بن محمد الصائغ، حدثنا نصر بن زكريا، سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: سألني يحيى بن معين، عن حديث الفضل بن موسى. . .، حديث ابن عباس: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلحظ في الصلاة، ولا يلوي عنقه خلف ظهره.
قال: فحدثته به، فقال له رجل: يا أبا زكريا، رواه وكيع بخلاف هذا. فقال: اسكت إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتشك فيه؟ . وعن محمد بن يحيى الصفار، قال: لو كان الحسن البصري في الأحياء، لاحتاج إلى إسحاق في أشياء كثيرة.
وقال الحاكم: سمعت يحيى بن محمد العنبري، سمعت محمد بن أحمد بن بالويه، سمعت إسحاق يقول: دخلت على ابن طاهر، وإذا عنده إبراهيم بن أبي صالح فقال له: يا إبراهيم، ما تقول في غسيل الثياب؟ قال: فريضة، قال: من أين تقول؟ قال من قوله تعالى: وثيابك فطهر فكأن عبد الله بن طاهر استحسنه.
فقلت: أعز الله الأمير، كذب هذا، أخبرنا وكيع، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: وثيابك فطهر قال: قلبك فنقه.
وأخبرنا روح، حدثنا ابن أبي عروبة، عن قتادة: وثيابك فطهر قال: عملك فأصلحه. ثم ذكر إسحاق قول ابن عباس: " من قال في القرآن برأيه، فليتبوأ مقعده من النار ". فقال ابن طاهر: يا إبراهيم، إياك أن تنطق في القرآن بغير علم.
قال قائل: ما دلت الآية على واحد من الأقوال المذكورة، بل هي نص في غسل النجاسة من الثوب، فنعوذ بالله من تحريف كتابه.(أعلام/562)
قال الحاكم: حدثنا أبو زكريا العنبري، حدثنا أحمد بن سلمة، سمعت إسحاق، يقول: قال لي عبد الله بن طاهر: بلغني أنك شربت البلاذر للحفظ؟ قلت: ما هممت بذلك، ولكن أخبرني معتمر بن سليمان، قال: أخبرنا عثمان بن ساج، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خذ مثقالا من كندر، ومثقالا من سكر، فدقهما ثم اقتحمهما على الريق ; فإنه جيد للنسيان والبول. فدعا عبد الله بقرطاس فكتبه.
وسمعت العنبري، سمعت أبي، سمعت عبد الله بن محمد الفراء قال: دخلت على يحيى بن يحيى، فسألته عن إسحاق، فقال: ليوم من إسحاق أحب إلي من عمري.
وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء: رحم الله إسحاق، ما كان أفقهه وأعلمه.
قال داود بن الحسين البيهقي: سمعت إسحاق الحنظلي، وسئل عن الجماعة: أفريضة هي؟ قال: نعم. عبد الله بن الخوارزمي: سمعت إسحاق الحنظلي، يقول: أخرجت خراسان ثلاثة لا نظير لهم في البدعة والكذب: جهم، وعمر بن صبيح، ومقاتل. محمد بن صالح بن هانئ: سمعت إبراهيم بن محمد الصيدلاني، يقول: كنت في مجلس إسحاق، فسأله سلمة بن شبيب عمن يحدث بالأجر؟ قال: لا تكتب عنه. أخبرنا حكام بن سلم، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: مكتوب في الكتب: علم مجانا كما علمت مجانا.
بخط أبي عمرو المستملي: سمعت أبا أحمد محمد بن عبد الوهاب، سمعت إسحاق بن إبراهيم، وسئل عن رجل ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقال: من ترك " ب "، أو " س " أو " م " منها، فصلاته فاسدة ; لأن الحمد سبع آيات.
وقال ابن المبارك: من تركها، فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية من كتاب الله تعالى.
قال الحاكم: إسحاق بن راهويه إمام عصره في الحفظ والفتوى، سكن نيسابور، ومات بها. وقيل: إن أصله مروزي، خرج إلى العراق في سنة أربع وثمانين، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة.(أعلام/563)
قال محمد بن نعيم: سمعت إسحاق الحنظلي، يقول: أدخل الحمام، وأنا شيخ، وأخرج وأنا شاب.
قال الحاكم: أصحاب إسحاق عندنا على ثلاث طبقات: فالأولى محمد بن يحيى، وإبراهيم بن عبد الله السعدي، ومحمد بن عبد الوهاب العبدي، وأحمد بن يوسف السلمي، وإسحاق بن إبراهيم العفصي، وعلي بن الحسن الداربجردي. وحامد بن أبي حامد المقرئ، وخشنام بن الصديق، وعبد الله بن محمد الفراء، ويحيى بن الذهلي.
الطبقة الثانية: مسلم بن الحجاج، وسرد جماعة.
الطبقة الثالثة: خاتمتهم أبو العباس السراج.
قال حرب الكرماني: قلت لإسحاق: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم كيف تقول فيه؟ قال: حيثما كنت، فهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو بائن من خلقه، وأبين شيء في ذلك قوله: الرحمن على العرش استوى.
وقال أبو بكر المروذي، حدثنا محمد بن الصباح النيسابوري، حدثنا أبو داود سليمان بن داود الخفاف، قال: قال إسحاق بن راهويه: إجماع أهل العلم أنه تعالى على العرش استوى، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة.
قال نعيم بن حماد: إذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه، فاتهمه في دينه. وقال أحمد بن حفص السعدي، شيخ ابن عدي: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء ; فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضا.(أعلام/564)
إسماعيل القاضي
الإمام العلامة، الحافظ، شيخ الإسلام أبو إسحاق، إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن محدث البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي، مولاهم البصري، المالكي، قاضي بغداد، وصاحب التصانيف.
مولده سنة تسع وتسعين ومائة واعتنى بالعلم من الصغر.
وسمع من: محمد بن عبد الله الأنصاري، ومسلم بن إبراهيم، والقعنبي، وعبد الله بن رجاء الغداني، وحجاج بن منهال، وإسماعيل بن أبي أويس، وسليمان بن حرب، وعارم، ويحيى الحماني، ومسدد بن مسرهد، وأبي مصعب الزهري، وقالون عيسى، وتلا عليه بحرف نافع.
وأخذ الفقه عن أحمد بن المعذل، وطائفة، وصناعة الحديث عن علي بن المديني، وفاق أهل عصره في الفقه.
روى عنه: أبو القاسم البغوي، وابن صاعد، والنجاد، وإسماعيل الصفار ; وأبو سهل بن زياد، وأبو بكر الشافعي، والحسن بن محمد بن كيسان، وأبو بحر محمد بن الحسن البربهاري وعدد كثير.
وقد روى النسائي، في كتاب " الكنى "، عن إبراهيم بن موسى، عنه. وتفقه به مالكية العراق.
قال أبو بكر الخطيب كان عالما متقنا فقيها، شرح المذهب واحتج له، وصنف " المسند " وصنف علوم القرآن، وجمع حديث أيوب، وحديث مالك.
ثم صنف " الموطأ "، وألف كتابا في الرد على محمد بن الحسن يكون نحو مائتي جزء ولم يكمل.
استوطن بغداد، وولي قضاءها إلى أن توفي. وتقدم حتى صار علما، ونشر مذهب مالك بالعراق.
وله كتاب " أحكام القرآن "، لم يسبق إلى مثله، وكتاب " معاني القرآن "، وكتاب في القراءات.
قال ابن مجاهد: سمعت المبرد يقول: إسماعيل القاضي أعلم مني، بالتصريف.
وعن إسماعيل القاضي، قال: أتيت يحيى بن أكثم، وعنده قوم يتناظرون، فلما رآني، قال: قد جاءت المدينة.(أعلام/565)
قال نفطويه: كان إسماعيل كاتب محمد بن عبد الله بن طاهر، فحدثني أن محمدا سأله عن حديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى وحديث: من كنت مولاه فقلت: الأول أصح، والآخر دونه، قال: فقلت لإسماعيل: فيه طرق، رواه البصريون والكوفيون؟ ، فقال: نعم، وقد خاب وخسر من لم يكن علي مولاه.
قال محمد بن إسحاق النديم: إسماعيل هو أول من عين الشهادة ببغداد لقوم، ومنع غيرهم، وقال: قد فسد الناس.
قال أبو سهل القطان: حدثنا يوسف القاضي، قال: خرج توقيع المعتضد إلى وزيره: استوص بالشيخين الخيرين الفاضلين خيرا، إسماعيل بن إسحاق، وموسى بن إسحاق، فإنهما ممن إذا أراد الله بأهل الأرض عذابا، صرف عنهم بدعائهما.
قلت: ولي قضاء بغداد ثنتين وعشرين سنة، وولي قبلها قضاء الجانب الشرقي، في سنة ست وأربعين ومائتين، وكان وافر الحرمة، ظاهر الحشمة، كبير الشأن، يقع حديثه عاليا في " الغيلانيات =. "
توفي فجأة في شهر ذي الحجة، سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
قال عوف الكندي: خرج علينا إسماعيل القاضي لصلاة العشاء، وعليه جبة وشي يمانية، تساوي مائتي دينار. وفيها مات: جعفر بن أبي عثمان الطيالسي والحارث بن أبي أسامة وخمارويه صاحب مصر والفضل بن محمد الشعراني ومحمد بن الفرج الأزرق ومحمد بن القاسم أبو العيناء ومحمد بن مسلمة الواسطي ويحيى بن عثمان بن صالح.(أعلام/566)
إسماعيل بن أبي أويس (خ، م)
عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر، الإمام الحافظ الصدوق أبو عبد الله الأصبحي المدني، أخو أبي بكر عبد الحميد بن أبي أويس.
قرأ القرآن وجوده على نافع، فكان آخر تلامذته وفاة.
تلا عليه أحمد بن صالح المصري وغيره.
وحدث عن: أبيه عبد الله، وأخيه أبي بكر، وخاله مالك بن أنس، وعبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون، وسلمة بن وردان صاحب أنس، وسليمان بن بلال، وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، وكثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وعدة.
حدث عنه: البخاري ومسلم، ثم مسلم وأبو داود والترمذي والقزويني بواسطة، وأحمد بن صالح، وأحمد بن يوسف السلمي، وأبو محمد الدارمي، ويعقوب الفسوي، ومحمد بن نصر الصائغ، وعلي بن جبلة الأصبهاني، والحسن بن علي السري، وعثمان بن سعيد الدارمي، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، والفضل بن محمد الشعراني، وخلق سواهم.
وكان عالم أهل المدينة ومحدثهم في زمانه على نقص في حفظه وإتقانه، ولولا أن الشيخين احتجا به، لزحزح حديثه عن درجة الصحيح إلى درجة الحسن. هذا الذي عندي فيه.
قال أحمد بن حنبل: لا بأس به.
وروى أحمد بن زهير عن ابن معين: صدوق، ضعيف العقل، ليس بذاك. يعني أنه لا يحسن الحديث، ولا يعرف أن يؤديه، أو أنه يقرأ من غير كتابه.
وقال أبو حاتم الرازي: محله الصدق، وكان مغفلا.
وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة فبالغ: ليس بثقة.
وقال الدارقطني: ليس أختاره في الصحيح.
وقال أبو أحمد بن عدي: روى عن خاله غرائب لا يتابعه عليها أحد، وهو خير من أبيه.
قلت: الرجل قد وثب إلى ذاك البر، واعتمده صاحبا " الصحيحين " ولا ريب أنه صاحب أفراد ومناكير تنغمر في سعة ما روى، فإنه من أوعية العلم، وهو أقوى من عبد الله كاتب الليث.
مولده في سنة تسع وثلاثين ومائة(أعلام/567)
ذكره أحمد بن حنبل مرة، فوثقه وقال: قام في أمر المحنة مقاما محمودا.
وقال محمد بن وضاح: قال لي إسماعيل: ليس اليوم بالمدينة أحد قرأ على نافع غيري.
وقال الفضل بن زياد: سمعت أحمد بن حنبل، وقيل له: من بالمدينة اليوم؟ فقال: إسماعيل بن أبي أويس هو عالم كثير العلم، أو نحو هذا.
قال البرقاني: قلت للدارقطني: لم ضعف النسائي إسماعيل بن أبي أويس؟ فقال: ذكر محمد بن موسى الهاشمي - وهو إمام كان النسائي يخصه - قال: حكى لي النسائي أنه حكى له سلمة بن شبيب عن إسماعيل قال، ثم توقف النسائي، فما زلت أداريه أن يحكي لي الحكاية حتى قال: قال لي سلمة: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم.
قال أبو بكر البرقاني: فقلت للدارقطني: من حكى لك هذا عن ابن موسى؟ قال: الوزير - يعني ابن حنزابه - وكتبتها من كتابه.
وروى أحمد بن أبي خيثمة أيضا عن يحيى: ليس بشيء. ثم قال يحيى: قال لنا عبد الله بن عبيد الله الهاشمي صاحب اليمن: خرجت معي بإسماعيل بن أبي أويس إلى اليمن، فدخل إلي يوما ومعه ثوب وشي، فقال: امرأتي طالق ثلاثا إن لم تشتر من هذا الرجل ثوبه بمائة دينار، فقلت للغلام: زن له، فوزن له، وإذا بالثوب يساوي خمسين دينارا، فسأله بعد، فقال: إن الرجل أعطاني منها عشرين دينارا.
قلت: هذه سخافة عقل واضحة.
مات في سنة ست وعشرين ومائتين وقيل: سنة سبع في رجب، - رحمه الله بمنه.(أعلام/568)
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أبو الفضل بن خيرون، أخبرنا أبو بكر البرقاني، قرأت على أبي العباس بن حمدان، حدثكم الحسن بن علي السري، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد أخبرني عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم، عن ابن عباس أنه قال: ذكر المتلاعنان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا، ثم انصرف، فأتاه رجل من قومه، فذكر أنه وجد مع امرأته رجلا، فقال عاصم: ما ابتليت بهذا إلا لقولي، فذهب به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، وكان ذلك الرجل مصفرا، قليل اللحم، جعدا قططا. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم بين "، فوضعت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجد عندها، فلاعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما، فقال رجل لابن عباس في المجلس: هي التي قال رسول الله: " لو كنت راجما بغير بينة، لرجمت هذه؟ " قال: لا، تلك امرأة كانت تظهر السوء في الإسلام.
أخرجه مسلم عن أحمد بن يوسف عن إسماعيل.(أعلام/569)
إسماعيل بن أبي خالد (ع)
الحافظ، الإمام الكبير أبو عبد الله البجلي، الأحمسي، مولاهم الكوفي. واسم أبيه هرمز، وقيل سعد، وقيل: كثير. وله من الإخوة: أشعب، وخالد، وسعيد. كان محدث الكوفة في زمانه مع الأعمش، بل هو أسند من الأعمش.
حدث عن عبد الله بن أبي أوفى، وأبي جحيفة وهب السوائي، وعمرو بن حريث المخزومي، وأبي كاهل قيس بن عائذ، ولهم صحبة، وعداده في صغار التابعين، وروى أيضا عن قيس بن أبي حازم، وزيد بن وهب، وزر بن حبيش، والحارث بن شبيل، وحكيم بن جابر، وطارق بن شهاب، والشعبي، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، وينزل إلى أبي إسحاق، والزبير بن عدي، وسلمة بن كهيل، وخلق. ويروي عن أبيه وأخيه خالد، وأخيه سعيد، وكان من أوعية العلم.
روى عنه الحكم بن عتيبة، ومالك بن مغول، وشعبة، وسفيان، وشريك، وجرير، وعباد بن العوام، وعبد الله بن نمير، وعيسى بن يونس، والفضل بن موسى، وأبو معاوية، ووكيع، ويحيى القطان، ويزيد بن هارون، وابن إدريس، وحفص بن غياث، ومحمد بن بشر العبدي، ومحمد بن خالد الوهبي، وعبيد الله بن موسى، ويحيى بن هاشم السمسار، وهو على ضعفه آخر من روى عنه.
روى البخاري عن علي قال: له نحو ثلاثمائة حديث. روى ابن المبارك عن سفيان: حفاظ الناس ثلاثة: إسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن أبي سليمان، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وإسماعيل أعلم الناس بالشعبي، وأثبتهم فيه.
وروى الوليد بن عتبة، عن مروان بن معاوية، قال: كان إسماعيل يسمى الميزان. وروى مجالد عن الشعبي قال: ابن أبي خالد يزدرد العلم ازدرادا.
وقال أبو إسحاق عن الشعبي: إسماعيل يحسو العلم حسوا.
قال ابن المديني: قلت ليحيى القطان: ما حملت عن إسماعيل، عن عامر، صحاح؟ قال: نعم.
وقال القطان: كان سفيان به معجبا.(أعلام/570)
قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: أصح الناس حديثا عن الشعبي ابن أبي خالد، ابن أبي خالد يشرب العلم شربا.
وقال يحيى بن معين: ثقة. وكذا وثقه ابن مهدي وجماعة. قال يعقوب بن شيبة: ثقة، ثبت.
وقال أبو حاتم: لا أقدم عليه أحدا من أصحاب الشعبي. وقال أحمد بن عبد الله: كوفي، تابعي، ثقة.
وكان رجلا صالحا. سمع من خمسة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان طحانا.
وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي: حجة، إذا لم يكن إسماعيل حجة، فمن يكون حجة؟ ! .
قلت: أجمعوا على إتقانه، والاحتجاج به، ولم ينبز بتشيع ولا بدعة، ولله الحمد. يقع لنا من عواليه جملة، وحديثه من أعلى ما يكون في صحيح البخاري.
قال أبو نعيم: مات سنة ست وأربعين ومائة وهذا أصح من قول من قال: سنة خمس والله أعلم.
كتبت إلى ابن أبي عمر، وابن علان، وطائفة سمعوا عمر بن محمد، أنبأنا هبة الله بن محمد، أنبأنا محمد بن محمد بن غيلان، أنبأنا أبو بكر الشافعي، حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن عبادة بن الصامت، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: الذهب بالذهب مثلا بمثل، يدا بيد، والشعير بالشعير مثلا بمثل، يدا بيد، والتمر بالتمر، مثلا بمثل، يدا بيد، حتى ذكر الملح. . . فقال معاوية: إن هذا لا يقول شيئا. فقال عبادة: أي والله ما أبالي أن لا أكون بأرضكم هذه أخرجه النسائي وحده. له علة جاء عن حكيم، قال: أخبرت عن عبادة.(أعلام/571)
إسماعيل بن جعفر (ع)
ابن أبي كثير الإمام، الحافظ الثقة، أبو إسحاق الأنصاري، مولاهم المدني. ولد سنة بضع ومائة.
وسمع من عبد الله بن دينار، وأبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن، والعلاء بن عبد الرحمن الحرقي، وحميد الطويل، وعمرو بن أبي عمرو، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهشام بن عروة، وطبقتهم.
وقرأ القرآن على شيبة بن نصاح، ثم عرض على نافع الإمام، وسليمان بن مسلم بن جماز، وبرع في الأداء، وتصدر للحديث والإقراء، ومنهم من يكنيه أبا إبراهيم، وكان مقرئ المدينة في زمانه.
وقيل: إنه أخذ عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع سماعا، ثم إنه تحول في آخر عمره إلى بغداد، ونشر بها علمه. فأخذ عنه القراءة الإمام أبو الحسن الكسائي، وأبو عبيد، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو عمر الدوري، وآخرون.
وروى عنه قتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، ومحمد بن سلام البيكندي، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وداود بن عمرو الضبي، ومحمد بن الصباح الدولابي، وعيسى بن سليمان الشيزري وأبو همام الوليد بن شجاع، ومحمد بن زنبور، وخلق سواهم.
قال يحيى بن معين: ثقة مأمون، قليل الخطأ، وهو وأخواه: محمد وكثير يدينون. ورواه أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى. وقيل: هو آخر من روى عن شيبة. وقد كان يؤدب ببغداد عليا ولد الخليفة المهدي، فعظمت حرمته لذلك. وقع لنا نسخة عالية من حديثه.(أعلام/572)
أخبرنا علي بن أحمد العلوي بالثغر، أخبرنا محمد بن أحمد القطيعي، أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي، وقرأت على عيسى بن يحيى، عن أبي الحسن بن المعتز سماعا، عن العباسي كتابة، أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن الشافعي، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن فراس، حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي حدثنا أبو صالح محمد بن أبي الأزهر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه أخرجه مسلم عن غير واحد، عن إسماعيل. فوقع بدلا عاليا. قال علي بن المديني: إسماعيل ثقة. قلت: توفي سنة ثمانين ومائة، وفات أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن عرفة السماع منه.(أعلام/573)
إسماعيل بن عياش (د، ت، س، ق)
ابن سليم الحافظ الإمام، محدث الشام، بقية الأعلام، أبو عتبة الحمصي العنسي، مولاهم. ولد سنة ثمان ومائة.
وسمع من: شرحبيل بن مسلم الخولاني، ومحمد بن زياد الألهاني، وعبد الله بن دينار البهراني، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، إن صح ذلك وهو في سنن أبي داود، وضمضم بن زرعة، وتميم بن عطية العنسي، وأسيد بن عبد الرحمن الخثعمي، وبحير بن سعد، والزبيدي، وحبيب بن صالح الطائي، وثور بن يزيد، وحريز بن عثمان، وعاصم بن رجاء بن حيوة، وعبد الله بن بسر الحضرمي، وصفوان بن عمرو، وثابت بن عجلان، وسليمان بن سليم الكناني، وخلق من الشاميين. إلى أن ينزل فيروي عن ضمرة بن ربيعة. وروى أيضا عن: زيد بن أسلم، وسهيل بن أبي صالح، وأبي طوالة، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وعمارة بن غزية، وموسى بن عقبة، وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد، وابن جريج، وليث بن أبي سليم، وخلق من الحجازيين والعراقيين. وهو فيهم كثير الغلط بخلاف أهل بلده، فإنه يحفظ حديثهم، ويكاد أن يتقنه، إن شاء الله. وكان من بحور العلم، صادق اللهجة، متين الديانة، صاحب سنة واتباع، وجلالة ووقار.(أعلام/574)
حدث عنه: ابن إسحاق، وسفيان الثوري، والأعمش، وهم من شيوخه، والليث بن سعد، وأبيض بن الأغر المنقري، وموسى بن أعين، وجماعة ماتوا قبله، وبقية بن الوليد، وابن المبارك، والوليد بن مسلم، وفرج بن فضالة، ويزيد بن هارون، وحجاج بن محمد، وحيوة بن شريح، وأبو اليمان، وسعيد بن منصور، وأبو الجماهر الكفرسوسي، ومروان بن محمد، والهيثم بن خارجة، والحكم بن موسى، وأبو مسهر، وعثمان بن أبي شيبة، وأخوه أبو بكر، ومحمد بن سلام البيكندي، وأبو عبيد، وهناد بن السري، ويحيى بن معين، ومحمد بن عبيد المحاربي، والحسن بن عرفة، وعمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي، ويحيى بن يحيى التميمي، وأمم سواهم.
قال ابن معين: إسماعيل بن عياش مولى عنس. وقال أبو خيثمة: كان أحول. وقال محمد بن أحمد المقدمي: كان أزرق. وقال الخطيب: قدم بغداد على المنصور، فولاه خزانة الكسوة، وروى ببغداد كثيرا.
قال محمد بن مهاجر: قال لي أخي عمرو: ليس تحسن تسأل، لم لا تسألني مسألة هذا الأزرق، ما سألني أحد أحسن مسألة منه، قلت: كيف أكون مثله وهو فقيه، يعني إسماعيل؟ وفي رواية لأبي مسهر عن محمد، قال أخي: لم لا تسألني مسألة هذا الأحمر الحمصي؟
وقال عبد الوهاب بن نجدة: سمعت إسماعيل بن عياش يقول: كان ابن أبي حسين المكي يدنيني، فقال له أصحاب الحديث: نراك تقدم هذا الغلام الشامي، وتؤثره علينا، فقال: إني أؤمله، فسألوه يوما عن حديث يحدث به عن شهر، إذا جمع الطعام أربعا فقد كمل، فذكر ثلاثة، ونسي الرابعة، فسألني عن ذلك، فقال لي: كيف حدثتكم؟ قلت: حدثتنا عن شهر بن حوشب أنه قال: إذا جمع الطعام أربعا فقد كمل، إذا كان أوله حلالا، وسمي الله عليه حين يوضع، وكثرت عليه الأيدي، وحمد الله حين يرفع، فأقبل على القوم، وقال: كيف ترون؟(أعلام/575)
سليمان بن أحمد الواسطي، عن يزيد بن هارون قال: رأيت شعبة عند فرج بن فضالة، يسأله عن حديث إسماعيل بن عياش.
محمد بن عوف، عن أبي اليمان قال: كان منزل إسماعيل إلى جانب منزلي، فكان يحيي الليل، وكان ربما قرأ، ثم يقطع، ثم رجع، فقرأ من الموضع الذي قطع منه، فلقيته يوما، فقلت: يا عم، قد رأيت منك في القراءة كيت وكيت، قال: يا بني، وما سؤالك؟ قلت: أريد أن أعلم. قال: يا بني، إني أصلي، فأقرأ، فأذكر الحديث في الباب من الأبواب التي أخرجتها، فأقطع الصلاة، فأكتبه فيه، ثم أرجع إلى صلاتي، فأبتدئ من الموضع الذي قطعت منه.
قال سليمان بن عبد الحميد، عن يحيى الوحاظي: ما رأيت رجلا كان أكبر نفسا من إسماعيل بن عياش، كنا إذا أتيناه إلى مزرعته لا يرضى لنا إلا بالخروف والخبيص. سمعته يقول: ورثت من أبي أربعة آلاف دينار، فأنفقتها في طلب العلم. جعفر بن محمد الرسعني عن عثمان بن صالح، قال: كان أهل مصر ينتقصون عثمان حتى نشأ فيهم الليث بن سعد، فحدثهم بفضائل عثمان فكفوا عن ذلك، وكان أهل حمص ينتقصون عليا، حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش، فحدثهم بفضائل علي، فكفوا عن ذلك.
عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي لداود بن عمرو، وأنا أسمع: يا أبا سليمان، كان إسماعيل بن عياش يحدثكم هذه الأحاديث حفظا؟ قال: نعم، ما رأيت معه كتابا قط، فقال: لقد كان حافظا، كم كان يحفظ؟ قال: شيئا كثيرا. قال له: كان يحفظ عشرة آلاف؟ قال: عشرة آلاف وعشرة آلاف، وعشرة آلاف. قال أبي: هذا كان مثل وكيع.
وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم: عن علي بن المديني، قال: رجلان هما صاحبا حديث بلدهما: إسماعيل بن عياش، وابن لهيعة. وروى الفضل بن زياد، عن أحمد، قال: ليس أحد أروى لحديث الشاميين من إسماعيل بن عياش، والوليد بن مسلم.(أعلام/576)
وقال يعقوب الفسوي: كنت أسمع أصحابنا يقولون: علم الشام عند إسماعيل، والوليد. فسمعت أبا اليمان يقول: كان أصحابنا لهم رغبة في العلم، وطلب شديد بالشام والمدينة ومكة، وكانوا يقولون: نجهد في الطلب، ونتعب أبداننا، ونغيب، فإذا جئنا، وجدنا كل ما كتبنا عند إسماعيل.
ثم قال الفسوي: وتكلم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة، عدل، أعلم الناس بحديث الشاميين، ولا يدفعه دافع، وأكثر ما تكلموا قالوا: يغرب عن ثقات المدنيين والمكيين. وقال الهيثم بن خارجة: سمعت يزيد بن هارون يقول: ما رأيت أحفظ من إسماعيل بن عياش، ما أدري ما سفيان الثوري؟ .
وقال سليمان بن أحمد الواسطي: سمعت يزيد يقول: ما رأيت شاميا ولا عراقيا أحفظ من إسماعيل.
قال أبو داود: قدم إسماعيل العراق قدمتين، قدم هو وحريز بن عثمان الكوفة في مساحة أرض حمص، سمع منه يزيد بن هارون في القدمة الأولى.
وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين: إسماعيل بن عياش ثقة، كان أحب إلى أهل الشام من بقية، وقد سمع إسماعيل من شرحبيل، وإسماعيل أحب إلي من فرج بن فضالة، مضيت إليه فرأيته عند دار الجوهري قاعدا على غرفة، ومعه رجلان ينظران في كتاب، فيحدثهم خمسمائة في اليوم أقل أو أكثر، وهم أسفل، وهو فوق، فيأخذون كتابه فينسخون من غدوة إلى الليل، فرجعت ولم أسمع منه شيئا. وقال أيضا: شهدته يملي إملاء، فكتبت عنه. وقال عبد الله بن أحمد: سألت يحيى بن معين عن إسماعيل بن عياش، فقال: إذا حدث عن الشيوخ الثقات مثل محمد بن زياد، وشرحبيل بن مسلم، قلت: فكتبت عنه؟ قال: نعم، سمعت منه شيئا. وقال ابن أبي خيثمة: سئل ابن معين عن إسماعيل بن عياش، فقال: ليس به بأس في أهل الشام، والعراقيون يكرهون حديثه. قيل ليحيى: أيما أثبت هو أو بقية؟ قال: كلاهما صالحان.
وروى عثمان بن سعيد عن ابن معين: أرجو أن لا يكون به بأس.(أعلام/577)
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سمعت يحيى يقول: هو ثقة فيما روى عن الشاميين، وأما روايته عن أهل الحجاز، فإن كتابه ضاع، فخلط في حفظه عنهم.
وقال مضر بن محمد عن يحيى: إذا حدث عن الشاميين، وذكر الخبر، فحديثه مستقيم، وإذا حدث عن الحجازيين والعراقيين، خلط ما شئت.
وقال أبو بكر المروذي: سألت أحمد عن إسماعيل بن عياش، فحسن روايته عن الشاميين، وقال: هو أحسن حالا فيهم مما روى عن المدنيين وغيرهم.
وقال أبو داود: سألت أحمد عنه، فقال: ما حدث عن مشايخهم، فأما ما حدث عن غيرهم، فعنده مناكير عن الثقات.
وقال أحمد بن الحسن الترمذي قال أحمد بن حنبل: هو أصلح من بقية، لبقية مناكير.
وقال عبد الله بن أحمد، عن أبيه قال: نظرت في كتاب إسماعيل، عن يحيى بن سعيد أحاديث صحاح، وأحاديث مضطربة.
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: يوثق فيما روى عن أصحابه أهل الشام، فأما ما روى عن غيرهم، ففيه ضعف.
وروى عثمان الدارمي عن دحيم، قال: إسماعيل بن عياش في الشاميين غاية، وخلط عن المدنيين.
وقال الفلاس: إذا حدث عن أهل بلده، فصحيح، وليس بشيء في المدنيين ; كان عبد الرحمن لا يحدث عنه.
وقال ابن المديني: ضرب عبد الرحمن على حديثه، وعلى حديث المبارك بن فضالة.
وقال عبد الله بن علي ابن المديني: سألت أبي عن إسماعيل بن عياش، فضعفه فيما روى عن أهل الشام وغيرهم، وسمعت أبي يقول: ما أحد أعلم منه بحديث أهل الشام لو ثبت على حديث أهل الشام، ولكنه خلط في حديثه عن أهل العراق، وحدثنا عنه عبد الرحمن، ثم ضرب على حديثه.(أعلام/578)
قال يعقوب بن شيبة: إسماعيل ثقة عند يحيى بن معين وأصحابنا، فيما روى عن الشاميين خاصة، وفي روايته عن أهل العراق وأهل المدينة اضطراب كثير، وكان عالما بناحيته. وقال البخاري: إذا حدث عن أهل بلده فصحيح، وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر. وقال مرة: ما روى عن الشاميين فهو أصح. وكذلك قال أبو بشر الدولابي.
وقال أحمد بن أبي الحواري: سمعت وكيعا يقول: قدم علينا إسماعيل بن عياش، فأخذ مني أطرافا لإسماعيل بن أبي خالد، فرأيته يخلط في أخذه.
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: سألت أبا مسهر عن إسماعيل بن عياش، وبقية، فقال: كل كان يأخذ عن غير ثقة، فإذا أخذت حديثهم عن الثقات، فهو ثقة.
قال الجوزجاني: قلت لأبي اليمان: ما أشبه حديث إسماعيل بن عياش إلا بثياب سابور، يرقم على الثوب المائة، وأقل شرائه دون عشرة دراهم. قال: كان من أروى الناس عن الكذابين، وهو في حديث الثقات عن الشاميين أحمد منه في حديث غيرهم.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث إسماعيل بن عياش فقال: هو لين يكتب حديثه، لا أعلم أحدا كف عنه إلا أبا إسحاق الفزاري.
قال مسلم: حدثنا أبو محمد الدارمي، حدثنا زكريا بن عدي، قال: قال لي أبو إسحاق الفزاري: اكتب عن بقية ما روى عن المعروفين، ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين، ولا تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن المعروفين ولا غيرهم. وقال أبو صالح الفراء: قلت لأبي إسحاق الفزاري: أكتب عن إسماعيل بن عياش؟ قال: لا، ذاك رجل لا يدري ما يخرج من رأسه.
قال أبو صالح: كان الفزاري قد روى عن إسماعيل ثم تركه، وذاك أن رجلا جاء إلى أبي إسحاق فقال: يا أبا إسحاق، ذكرت عند إسماعيل بن عياش، فقال: أيما رجل لولا أنه شكي. قلت: هذا يدل على أن إسماعيل كان لا يرى الاستثناء في الإيمان فلعله من المرجئة.(أعلام/579)
قال ابن عدي: إذا روى إسماعيل عن قوم من أهل الحجاز كيحيى بن سعيد، ومحمد بن عمرو، وهشام بن عروة، وابن جريج، وعمر بن محمد، وعبيد الله الوصافي، فلا يخلو من غلط فيغلط، إما يكون حديثا برأسه، أو مرسلا يوصله، أو موقوفا يرفعه، وحديثه عن الشاميين إذا روى عنه ثقة، فهو مستقيم، وفي الجملة هو ممن يكتب حديثه، ويحتج به من حديث الشاميين خاصة.
قلت: حديث إسماعيل عن الحجازيين والعراقيين لا يحتج به، وحديثه عن الشاميين صالح من قبيل الحسن، ويحتج به إن لم يعارضه أقوى منه. وقد قال النسائي: ضعيف الحديث. وقال ابن حبان: كثير الخطأ في حديثه فخرج عن حد الاحتجاج به.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: عرضت على أبي حديثا حدثناه الفضل بن زياد الطستي، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن فقال أبي: هذا باطل. يعني أن إسماعيل وهم.
قلت: أخبرناه أحمد بن سلامة وغيره كتابة، عن عبد المنعم بن كليب، أخبرنا ابن بيان، أخبرنا ابن مخلد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا إسماعيل، فذكره. أخرجه الترمذي عن ابن عرفة، فوافقناه بعلو.
إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن دينار، وسعيد بن يوسف، عن يحيى بن أبي كثير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله كره لكم العبث في الصلاة، والرفث في الصيام، والضحك عند المقابر رواه ابن المبارك عنه.(أعلام/580)
أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي، أخبرنا زيد بن هبة الله، أخبرنا أحمد بن قفرجل، أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا عبد الواحد بن مهدي، أخبرنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا أبو مسهر، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثني بحير، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله عز وجل: ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره. هذا حديث حسن متصل الإسناد شامي.
إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة مرفوعا: من قاء أو رعف فأحدث في صلاته فليذهب فليتوضأ ثم ليبن على صلاته. قال أحمد بن حنبل: الصواب مرسل.
يحيى بن معين: حدثنا إسماعيل، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة مرفوعا، قال: الزعيم غارم. هذا إسناد قوي.
محمد بن حرب النشائي: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا شعبة، عن فرج بن فضالة، عن إسماعيل بن عياش، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن حبيب بن عبيد، عن عوف بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- " صلى على جنازة. . الحديث. ثم قال يزيد، وقدم علينا إسماعيل بعد، فحدثناه.
قال أبو زرعة الدمشقي: لم يكن بالشام بعد الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أحفظ من إسماعيل بن عياش.
إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: تعافوا الحدود بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب.
محمد بن حمير الحمصي: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعا قال: إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه فإنه أنجح للحاجة.(أعلام/581)
إسماعيل بن عياش، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد، عن عمر بن الخطاب يرفعه، قال: يكون في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، هو أشد على أمتي من فرعون على قومه. قال أبو حاتم بن حبان: وهذا باطل، هكذا قال. وليس كما زعم بل إسناده نظيف.
إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي راشد الحبراني، عن عبد الرحمن بن شبل، قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل الضب. هذا حديث منكر، وأراه مرسلا.
ابن عياش، عن يحيى بن سعيد، وابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعا: ليس لقاتل من الميراث شيء. لا يصح هذا، فقد رواه جماعة، عن عمرو بن شعيب، عن عمر، من قوله، فهو منقطع موقوف.
أبو اليمان، عن إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك مرفوعا: خير نسائكم العفيفة الغلمة هذا حديث منكر.
وقد صحح الترمذي لإسماعيل بن عياش غير ما حديث من روايته عن أهل بلده. منها حديث: لا وصية لوارث. وحديث: بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه. اختلفوا في مولد ابن عياش ووفاته، فقال محمد بن عوف، عن يزيد بن عبد ربه: مولده سنة اثنتين ومائة.
وروى سعيد بن عمرو السكوني، عن بقية: أن إسماعيل ولد سنة خمس ومائة وولدت سنة عشر.
وروى أبو زرعة الدمشقي، عن يزيد بن عبد ربه: ولد سنة ست ومائة قلت: هذا أصح. كان كذلك.
قال أحمد بن حنبل: وروى عمرو بن عثمان الحمصي، عن أبيه، قال: قال لي ابن عيينة: مولد إسماعيل بن عياش قبلي سنة ست ومولدي سنة ثمان ومائة. قلت: يا أبا محمد أنت بكرت، يعني بالطلب.
وروى أبو التقي اليزني، عن بقية قال: ولد إسماعيل سنة ثمان ومائة ومولدي: سنة اثنتي عشرة.(أعلام/582)
وأما وفاة إسماعيل، ففي سنة إحدى وثمانين ومائة قاله يزيد بن عبد ربه، وحيوة بن شريح، وأحمد، وابن مصفى، وعدة. فزاد ابن مصفى: يوم الثلاثاء لثمان خلون من ربيع الأول وقال الحجاج بن محمد الخولاني: يوم الثلاثاء لست مضت من جمادى وقال ابن سعد، وخليفة، وأبو حسان الزيادي، وأبو عبيد، وأبو مسلم الواقدي: سنة اثنتين وثمانين. وما خرجا له في " الصحيحين " شيئا.
ومن غرائبه ما يرويه علي بن عياش عنه، قال: حدثنا مطعم بن المقدام، عن ابن غنيم الكلاعي، عن نصيح العنسي، عن ركب المصري، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: طوبى لمن تواضع من غير منقصة وذكر الحديث. وليس في الأربعين الودعانية متن أمثل منه، لكنه ساقه ابن ودعان بسند موضوع.(أعلام/583)
إياس بن معاوية
قاضي البصرة العلامة أبو واثلة.
يروي عن أبيه، وأنس، وابن المسيب، وسعيد بن جبير. وعنه خالد الحذاء، وشعبة، وحماد بن سلمة، ومعاوية بن عبد الكريم الضائع وغيرهم. وكان يضرب به المثل في الذكاء والدهاء والسؤدد والعقل. قلما روي عنه، وقد وثقه ابن معين، له شيء في مقدمة صحيح مسلم، واستوعب شيخنا المزي أخباره في " تهذيبه " وابن عساكر قبله. توفي سنة إحدى وعشرين ومائة كهلا.(أعلام/584)
ابن أبي الدنيا
عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس القرشي، مولاهم البغدادي، المؤدب، صاحب التصانيف السائرة من موالي بني أمية.
ولد سنة ثمان ومائتين.
وأقدم شيخ له سعيد بن سليمان سعدويه الواسطي.
وسمع من: علي بن الجعد، وخالد بن خداش، وعبد الله بن خيران، صاحب المسعودي، وطبقتهم.
وقد جمع شيخنا أبو الحجاج الحافظ أسماء شيوخه على المعجم، وهم خلق كثير، فمنهم: أحمد بن إبراهيم الدورقي، وأحمد بن جناب، وأحمد بن حاتم الطويل، وأحمد ابن عبدة الضبي، وأحمد بن عمران الأخنسي.
وأحمد بن عيسى المصري، وأحمد بن محمد بن أيوب، وأحمد بن محمد البرتي وأحمد بن منيع، وأحمد بن زياد سبلان، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وإبراهيم بن محمد بن عرعرة، وإبراهيم بن أورمة، وهو أصغر منه، وإسحاق بن أبي إسرائيل.
وإسماعيل بن إبراهيم الترجماني، وإسماعيل القاضي، وتأخر بعده، وإسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي، وإسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، وإسماعيل بن عيسى العطار، وبسام بن يزيد النقال، وبشار بن موسى، وبشر بن الوليد الكندي، وحاجب بن الوليد، والحارث بن سريج النقال.
والحارث بن أبي أسامة، رفيقه، والحكم بن موسى، وخالد بن خداش، وخلف بن سالم المخرمي، وخلف بن هشام البزار، وداود بن رشيد، وداود بن عمرو الضبي، والربيع بن ثعلب، وزهير بن حرب، وسريج بن يونس.
وسعيد بن زنبور الهمداني، وسعيد بن سليمان المخرمي الأحول، وسعيد بن سليمان سعدويه، وسعيد بن محمد الجرمي، وسليمان بن أيوب صاحب البصري، وسويد بن سعيد، وعبد الله بن خيران، وعبد الله بن عون الخراز.
وعبد الله بن معاوية الجمحي، وعبد الأعلى بن حماد، وعبد الصمد بن يزيد مردويه، وعبد العزيز بن بحر، وعبد المتعالي بن طالب، وأبو نصر بن عبد العزيز التمار، وعبيد الله القواريري.(أعلام/585)
وعبيد الله العيشي، وعلي بن الجعد، وعمار بن نصر، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وهو من قدماء شيوخه، وكامل بن طلحة، ومحمد بن إسماعيل بن أبي سمينة، ومحمد بن بكار بن الريان، ومحمد بن جعفر المدائني، عن حمزة الزيات في " اصطناع المعروف ".
ومحمد بن زياد بن الأعرابي، ومحمد بن سعيد الكاتب، ومحمد بن سلام الجمحي، ومحمد بن الصباح الدولابي، ومحمد بن الصباح الجرجرائي، ومحمد بن عاصم، صاحب الخان، حدثه عن: حريز بن عثمان، وعن كثير بن سليم، ومحمد بن عباد المكي.
ومحمد بن عبد الواهب الحارثي، ومحمد بن عبيد والده، ومحمد بن عمران بن أبي ليلى الأنصاري، ومحمد بن يونس الكديمي، ومحمود بن الحسن الوراق، من نظمه، ومحمود بن محمد بن محمود بن عدي بن ثابت بن قيس بن الخطيم الظفري، ومنصور بن أبي مزاحم، ومهدي بن حفص، وموسى بن محمد بن حيان البصري، والنضر بن طاهر البصري، ونعيم بن الهيصم.
وهارون بن معروف، والهيثم بن خارجة، ويحيى بن أيوب العابد، ويحيى بن درست القرشي، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، ويحيى بن عبدويه، صاحب شعبة، ويحيى بن يوسف الزمي وأبو بلال الأشعري مرداس، وأبو عبيدة بن فضيل بن عياض.
ويروي عن خلق كثير لا يعرفون، وعن طائفة من المتأخرين، كيحيى بن أبي طالب، وأبي قلابة الرقاشي، وأبي حاتم الرازي، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وعباس الدوري، لأنه كان قليل الرحلة، فيتعذر عليه رواية الشيء، فيكتبه نازلا وكيف اتفق.
وتصانيفه كثيرة جدا، فيها مخبآت وعجائب.
حدث عنه: الحارث بن أبي أسامة، أحد شيوخه، وابن أبي حاتم، وأحمد بن محمد اللنباني وأبو بكر أحمد بن سلمان النجاد، والحسين بن صفوان البرذعي.(أعلام/586)
وأحمد بن خزيمة، وأبو جعفر عبد الله بن برية الهاشمي، وأبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، وعيسى بن محمد الطوماري، وأبو علي أحمد بن محمد الصحاف، وأبو العباس بن عقدة، وأبو سهل بن زياد، وأحمد بن مروان الدينوري، وعثمان بن محمد الذهبي.
وعلي بن الفرج بن أبي روح، وإبراهيم بن موسى بن جميل الأندلسي، وإبراهيم بن عثمان الخشاب، بصري، وإبراهيم بن عبد الله بن الجنيد -ومات قبله- وأبو الحسين أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي، وابن أبي حاتم.
وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب، ومحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصفار، وأبو بشير الدولابي، وأبو جعفر بن البختري، ومحمد بن أحمد بن خنب البخاري، وابن المرزبان، ومحمد بن خلف وكيع، وآخرون.
وقد روى عنه ابن ماجه في " تفسيره ".
وقال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وقال أبي: هو صدوق.
وقال الخطيب: كان يؤدب غير واحد من أولاد الخلفاء.
وقال غيره: كان ابن أبي الدنيا إذا جالس أحدا، إن شاء أضحكه، وإن شاء أبكاه في آن واحد، لتوسعه في العلم والأخبار. .
قال أحمد بن كامل: كان ابن أبي الدنيا مؤدب المعتضد.(أعلام/587)
قال أبو بكر بن شاذان البزاز: حدثنا أبو ذر القاسم بن داود، حدثني ابن أبي الدنيا، قال: دخل المكتفي على الموفق ولوحه بيده، فقال: مالك لوحك بيدك؟ قال: مات غلامي واستراح من الكتاب. قال: ليس هذا من كلامك، كان الرشيد أمر أن تعرض عليه ألواح أولاده فعرضت عليه، فقال لابنه: ما لغلامك ليس لوحك معه؟ قال: مات واستراح من الكتاب. قال: وكأن الموت أسهل عليك من الكتاب؟ قال: نعم. قال: فدع الكتاب. قال: ثم جئته، فقال: كيف محبتك لمؤدبك؟ قلت: كيف لا أحبه، وهو أول من فتق لساني بذكر الله، وهو مع ذاك إذا شئت أضحكك، وإذا شئت أبكاك. قال: يا راشد: أحضر هذا. فأحضرني، فابتدأت في أخبار الخلفاء ومواعظهم، فبكى بكاء شديدا. . . . ثم ابتدأت، فذكرت نوادر الأعراب، فضحك ضحكا كثيرا، ثم قال لي: شهرتني شهرتني.
وقع لي من تصانيف ابن أبي الدنيا: " القناعة "، " قصر الأمل "، " مجابي الدعوة "، " التوكل "، " الوجل "، " ذم الملاهي "، " الصمت "، " الفرج بعد الشدة "، " قرى الضيف "، " من عاش بعد الموت "، " المحتضرين "، " المدارة " بفوت، " محاسبة النفس "، " ذم المسكر "، " اليقين "، " التوبة "، " الشكر "، " الموت "، " القبور "، " العزلة "، وأشياء.
ترتيب مصنفاته على المعجم: كتاب " الأدب "، " اصطناع المعروف "، " الأشراف "، " أخبار ضيغم "، " إصلاح المال "، " الأنواء "، " أخبار الملوك "، " الأخلاق "، " الإخوان "، " الانفراد "، " أخبار الثوري "، " الألوية "، " الأولياء "، " الأمر بالمعروف "، " الألحان "، " الأحزان "، " أخبار أويس "، " أخبار معاوية "،(أعلام/588)
" الأضحية "، " الإخلاص "، " الأيام والليالي "، " أهوال القيامة "، " أعلام النبوة "، " إنزال الحاجة بالله "، " أخبار قريش "، " أخبار الأعراب "، " إعطاء السائل "، " انقلاب الزمان "، " أعقاب السرور " و " الأحزان والبكاء ".
" التوبة "، " التهجد "، " التفكر والاعتبار "، " التعازي "، " تاريخ الخلفاء "، " التاريخ "، " تغير الإخوان " " تغيير الزمان "، " التقوى "، " تعبير الرؤيا "، " التشمس "، " التوكل ".
" الجوع "، " الجهاد "، " الجفاة عند الموت "، " الجيران ".
" حسن الظن "، " الحذر والشفقة "، " حلم الحكماء "، " الحلم "، " حلم الأحنف "، " حروف خلف "، " الحوائج ". " الخلفاء "، " الخافقين "، " الخمول "، " الخبز الخاتم ".
" دلائل النبوة "، " الدين والوفاء "، " الدعاء ". " ذم الدنيا "، " ذم الشهوات "، " ذم المسكر "، " ذم البغي "، " ذم الغيبة "، " ذم الحسد "، " ذم الفقر "، " ذم الرياء "، " ذم الربا "، " ذم الضحك "، " ذم البخل "، " الذكر ".
الرهبان " " الرخصة في السماع "، " الرمي "، " الرهائن "، " الرضا "، " الرقة ".
" الزهد "، " الزفير ". " السنة "، " السخاء ". " الشكر "، " الشيب "، " شرف الفقر ".
" الصمت "، " الصدقة "، " صدقة الفطر "، " الصبر "، " صفة الجنة "، " صفة النار "، " صفة النبي -صلى الله عليه وسلم "، " الصلاة على النبي " " الطبقات "، " الطواعين ".
" العزلة "، " العزاء "، " عقوبة الأنبياء "، " العقل "، " العوائد "، " العقوبات "، " العيال "، " العباد "، " العوذ "، " العيدين "، " العلم "، " عاشوراء " " العفو "، " عطاء السائل "، " العمر والشباب ".(أعلام/589)
" فضل العباس "، " الفتوى "، " الفرج بعد الشدة "،، " فضل العشر "، " فضل رمضان "، " فضائل علي "، " فضل لا إله إلا الله "، " الفوائد "، " الفنون "، " فضائل القرآن.
" القصاص "، " قضاء الحوائج "، " قصر الأمل "، " قرى الضيف "، " القبور "، " القناعة ".
" كرامات الأولياء ".
" المدارة "، " من عاش بعد الموت "، " المحتضرين "، " المرض والكفارات "، " الموت "، " المتمنين "، " مكائد الشيطان "، " المطر "، " المنامات "، " مقتل علي "، " مقتل عثمان "، " مقتل الحسين "، " مقتل طلحة "، " مقتل الزبير "، " مقتل ابن الزبير "، " مقتل ابن جبير "، " كتاب المروءة "، " المجوس "، " معارض الكلام "، " المملوكين "، " المغازي "، " المنتظم "، " المناسك "، " مكارم الأخلاق "، " مجابي الدعوة "، " محاسبة النفس "، " المعيشة ". " النوادر "، " النوازع ". " الهم والحزن "، " الهدايا ". " الورع "، " الوصايا "، " الوقف والابتداء "، " الوجل "، " اليقين ".(أعلام/590)
ابن أبي الزناد
الإمام الفقيه الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن الفقيه أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، المدني. ولد بعد المائة وسمع أباه، وسهيل بن أبي صالح، وعمرو بن أبي عمرو وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد، وطبقتهم. وكان من أوعية العلم. أخذ القراءة عرضا عن أبي جعفر القارئ. قاله أبو عمرو الداني.
وحدث عنه ابن جريج، وهو من شيوخه، وسعيد بن منصور، وأحمد بن يونس، وعلي بن حجر، وهناد بن السري، وداود بن عمرو، وعدد كبير.
قال يحيى بن معين: هو أثبت الناس في هشام بن عروة. وقال ابن سعد: كان فقيها مفتيا. وقال ابن مهدي: ضعيف.
قلت: احتج به النسائي وغيره. وحديثه من قبيل الحسن.
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت ابن المديني يقول: حديثه بالمدينة مقارب. وما حدث به بالعراق، فهو مضطرب.
وقال صالح جزرة: قد روى عن أبيه أشياء لم يروها غيره. وقد تكلم فيه مالك لروايته كتاب الفقهاء السبعة، عن أبيه. وقال: أين كنا نحن من هذا؟
قال الخطيب: تحول من المدينة، فسكن بغداد. روى عنه الوليد بن مسلم، وابن وهب، وسليمان بن داود الهاشمي.
وقال ابن المديني: ما حدث به بالمدينة صحيح، وما حدث به ببغداد أفسده البغداديون. وقال الفلاس: فيه ضعف.
وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه، قال: هو كذا وكذا - يلينه -.
وقال سليمان بن أيوب البصري: سمعت ابن معين: إني لأعجب ممن يعد فليحا وابن أبي الزناد في المحدثين.
قال ابن حبان: كان عبد الرحمن ممن ينفرد بالمقلوبات عن الأثبات. وكان ذلك من سوء حفظه، وكثرة خطئه، فلا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات، فهو صادق.
قال الداني: أخذ القراءة عرضا عن أبي جعفر. وروى الحروف عن نافع. روى عنه الحروف حجاج الأعور. وسمع منه علي الكسائي، وابن وهب. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالحافظ عندهم.
قلت: هو حسن الحديث. وبعضهم يراه حجة.(أعلام/591)
توفي في سنة أربع وسبعين ومائة.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا هبة الله الحاسب، أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا عيسى بن علي، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أخذ العباس بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العقبة، حين وافى السبعون من الأنصار، فأخذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم، واشترط له، وذلك - والله - في غرة الإسلام، وأوله، من قبل أن يعبد الله أحد علانية.(أعلام/592)
ابن أبي ذئب (ع)
محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب - واسم أبي ذئب: هشام بن شعبة - الإمام، شيخ الإسلام، أبو الحارث القرشي، العامري، المدني، الفقيه.
سمع: عكرمة وشرحبيل بن سعد، وسعيدا المقبري، ونافعا العمري، وأسيد بن أبي أسيد البراد، وصالحا مولى التوأمة، وشعبة مولى ابن عباس، وخاله الحارث بن عبد الرحمن القرشي، ومسلم بن جندب، وابن شهاب الزهري، والقاسم بن عباس، ومحمد بن قيس، وإسحاق بن يزيد الهذلي، والزبرقان بن عمرو بن أمية الضمري، وسعيد بن سمعان، وعثمان بن عبد الله بن سراقة، ومحمد بن المنكدر، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، وخلقا سواهم.
وكان من أوعية العلم، ثقة، فاضلا، قوالا بالحق، مهيبا.
حدث عنه: ابن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان، وابن أبي فديك، وشبابة بن سوار، وأبو علي الحنفي، وحجاج بن محمد، وأبو نعيم، ووكيع، وآدم بن أبي إياس، والقعنبي، وأسد بن موسى، وعاصم بن علي، وأحمد بن يونس اليربوعي، وعلي بن الجعد، وابن وهب، والمقرئ، وخلق كثير.
قال أحمد بن حنبل: كان يشبه بسعيد بن المسيب. فقيل لأحمد: خلف مثله؟ قال: لا. ثم قال: كان أفضل من مالك، إلا أن مالكا - رحمه الله - أشد تنقية للرجال منه؟ .
قلت: وهو أقدم لقيا للكبار من مالك، ولكن مالكا أوسع دائرة في العلم، والفتيا، والحديث، والإتقان منه بكثير.
قال محمد بن عمر الواقدي: ولد سنة ثمانين وكان من أورع الناس وأودعهم، ورمي بالقدر، وما كان قدريا، لقد كان يتقي قولهم ويعيبه.
ولكنه كان رجلا كريما، يجلس إليه كل أحد ويغشاه فلا يطرده، ولا يقول له شيئا، وإن مرض، عاده; فكانوا يتهمونه بالقدر، لهذا وشبهه.
قلت: كان حقه أن يكفهر في وجوههم، ولعله كان حسن الظن بالناس.(أعلام/593)
ثم قال الواقدي تلميذه: وكان يصلي الليل أجمع، ويجتهد في العبادة، ولو قيل له: إن القيامة تقوم غدا، ما كان فيه مزيد من الاجتهاد.
أخبرني أخوه قال: كان أخي يصوم يوما ويفطر يوما، ثم سرد الصوم، وكان شديد الحال يتعشى الخبز والزيت، وله قميص وطيلسان، يشتو فيه ويصيف.
قال: وكان من رجال الناس صرامة وقولا بالحق، وكان يحفظ حديثه، لم يكن له كتاب، وكان يروح إلى الجمعة باكرا، فيصلي إلى أن يخرج الإمام. ورأيته يأتي دار أجداده عند الصفا، فيأخذ كراءها، وكان لا يغير شيبه.
ولما خرج محمد بن عبد الله بن حسن لزم بيته إلى أن قتل محمد، وكان أمير المدينة الحسن بن زيد يجري على ابن أبي ذئب كل شهر خمسة دنانير، وقد دخل مرة على والي المدينة، فكلمه - وهو عبد الصمد بن علي عم المنصور - فكلمه في شيء، فقال عبد الصمد بن علي: إنى لأراك مرائيا. فأخذ عودا، وقال: من أرائي؟ فوالله للناس عندي أهون من هذا. ولما ولي المدينة جعفر بن سليمان، بعث إلى ابن أبي ذئب بمائة دينار، فاشترى منها ساجا كرديا بعشرة دنانير، فلبسه عمره، وقدم به عليهم بغداد، فلم يزالوا به حتى قبل منهم، فأعطوه ألف دينار - يعني الدولة - فلما رجع، مات بالكوفة - رحمه الله -. نقل هذا كله ابن سعد في " الطبقات " عن الواقدي، والواقدي - وإن كان لا نزاع في ضعفه - فهو صادق اللسان، كبير القدر.
وفي " مسند الشافعي " سماعنا، أخبرني أبو حنيفة بن سماك، حدثني ابن أبي ذئب، عن المقبري عن أبي شريح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من قتل له قتل فهو بخير النظرين: إن أحب أخذ العقل، وإن أحب فله القود ".(أعلام/594)
قلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا؟ فضرب صدري، وصاح كثيرا، ونال مني، وقال: أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول: تأخذ به: نعم آخذ به، وذلك الفرض علي، وعلى كل من سمعه. إن الله اختار محمدا - صلى الله عليه وسلم - من الناس فهداهم به، وعلى يديه، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخرين، لا مخرج لمسلم من ذلك.
قال أحمد بن حنبل: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث " البيعان بالخيار " فقال: يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه. ثم قال أحمد: هو أورع وأقول بالحق من مالك.
قلت: لو كان ورعا كما ينبغي، لما قال هذا الكلام القبيح في حق إمام عظيم. فمالك إنما لم يعمل بظاهر الحديث ; لأنه رآه منسوخا. وقيل: عمل به وحمل قوله: " حتى يتفرقا " على التلفظ بالإيجاب والقبول، فمالك في هذا الحديث، وفي كل حديث، له أجر ولا بد، فإن أصاب، ازداد أجرا آخر، وإنما يرى السيف على من أخطأ في اجتهاده الحرورية. وبكل حال فكلام الأقران بعضهم في بعض لا يعول على كثير منه، فلا نقصت جلالة مالك بقول ابن أبي ذئب فيه، ولا ضعف العلماء ابن أبي ذئب بمقالته هذه، بل هما عالما المدينة في زمانهما - رضي الله عنهما - ولم يسندها الإمام أحمد، فلعلها لم تصح.
كتب إلي مؤمل البالسي وغيره أن أبا اليمن الكندي أخبرهم: أنبأنا القزاز أنبأنا أبو بكر الخطيب، أنبأنا أبو سعيد الصيرفي، حدثنا الأصم، حدثنا عباس الدوري قال: سمعت يحيى بن معين يقول: ابن أبي ذئب سمع عكرمة.(أعلام/595)
وبه: قال الخطيب: أنبأنا الجوهري، أنبأنا المرزباني، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، حدثنا أبو العيناء، قال: لما حج المهدي، دخل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يبق أحد إلا قام، إلا ابن أبي ذئب، فقال له المسيب بن زهير: قم، هذا أمير المومنين. فقال: إنما يقوم الناس لرب العالمين. فقال المهدي: دعه، فلقد قامت كل شعرة في رأسي.
وبه: قال أبو العيناء: وقال ابن أبي ذئب للمنصور: قد هلك الناس، فلو أعنتهم من الفيء. فقال: ويلك، لولا ما سددت من الثغور، لكنت تؤتى فى منزلك، فتذبح. فقال ابن أبي ذئب: قد سد الثغور، وأعطى الناس من هو خير منك: عمر - رضي الله عنه - فنكس المنصور رأسه - والسيف بيد المسيب - ثم قال: هذا خير أهل الحجاز.
قال أحمد بن حنبل: ابن أبي ذئب ثقة. قد دخل على أبي جعفر المنصور، فلم يهله أن قال له الحق. وقال: الظلم ببابك فاش، وأبو جعفر أبو جعفر.
قال مصعب الزبيري: كان ابن أبي ذئب فقيه المدينة.
وقال البغوي: حدثنا هارون بن سفيان قال: قال أبو نعيم: حججت عام حج أبو جعفر ومعه ابن أبي ذئب، ومالك بن أنس، فدعا ابن أبي ذئب، فأقعده معه على دار الندوة، فقال له: ما تقول في الحسن بن زيد بن حسن - يعني أمير المدينة -؟ فقال: إنه ليتحرى العدل. فقال له: ما تقول في - مرتين -؟ فقال: ورب هذه البنية إنك لجائر. قال: فأخذ الربيع الحاجب بلحيته، فقال له أبو جعفر: كف يا ابن اللخناء ثم أمر لابن أبي ذئب بثلاث مائة دينار.
قال محمد بن المسيب الأرغياني سمعت يونس بن عبد الأعلى، سمعت الشافعي يقول: ما فاتني أحد، فأسفت عليه ما أسفت على الليث بن سعد وابن أبي ذئب.
قلت: أما فوات الليث، فنعم، وأما ابن أبي ذئب، فما فرط في الارتحال إليه ; لأنه مات وللشافعي تسعة أعوام.(أعلام/596)
علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان ابن أبي ذئب عسرا، أعسر أهل الدنيا، إن كان معك الكتاب، قال: اقرأه، وإن لم يكن معك كتاب، فإنما هو حفظ. فقلت ليحيى: كيف كنت تصنع فيه؟ قال: كنت أتحفظها وأكتبها.
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: قلت لأحمد بن حنبل: فابن أبي ذئب، سماعه من الزهري، أعرض هو؟ قال: لا يبالي كيف كان.
قلت: كان يلينه في الزهري بهذه المقالة، فإنه ليس بالمجود في الزهري.
قال أحمد بن علي الأبار: سألت مصعبا عن ابن أبي ذئب، فقال: معاذ الله أن يكون قدريا، إنما كان في زمن المهدي قد أخذوا أهل القدر، وضربوهم، ونفوهم، فجاء منهم قوم إلى ابن أبي ذئب، فجلسوا إليه، واعتصموا به من الضرب، فقيل: هو قدري لأجل ذلك. لقد حدثني من أثق به أنه ما تكلم فيه قط.
وجاء عن أحمد بن حنبل، أنه سئل عنه، فوثقه، ولم يرضه في الزهري. وقال الفضل بن زياد: سئل أحمد بن حنبل: أيما أعجب إليك: ابن عجلان، أو ابن أبي ذئب؟ فقال: ما فيهما إلا ثقة.
قدم ابن أبي ذئب بغداد، فحملوا عنه العلم، وأجازه المهدي بذهب جيد، ثم رد إلى بلاده، فأدركه الأجل بالكوفة، غريبا، وذاك في سنة تسع وخمسين ومائة.
قال البغوي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان ابن أبي ذئب رجلا صالحا قوالا بالحق، يشبه بسعيد بن المسيب، وكان قليل الحديث.(أعلام/597)
أخبرنا أبو الحسن بن البخاري وغيره كتابة، قالوا: أنبأنا عمر بن محمد الدارقزي أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي، أنبأنا أبو محمد بن هزارمرد الخطيب، أنبأنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، سمعت أبا هريرة يحدث أبا قتادة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يبايع لرجل بين الركن والمقام، ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه، فلا تسأل عن هلكة العرب. ثم تأتي الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعدها أبدا، وهم الذين يستخرجون كنزه ".
وبه أنبأنا ابن أبي ذئب، عن شعبة، هو مولى ابن عباس، قال: دخل المسور بن مخرمة على ابن عباس، وعليه ثوب إستبرق، فقال: ما هذا يا أبا العباس؟ قال: وما هو؟ قال: هذا الإستبرق. قال: ما علمت به، ولا أظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه حين نهى إلا للتجبر والتكبر ; ولسنا، بحمد الله، كذلك. قال: فما هذه الطيور في الكانون؟ - يعني تصاوير - قال: ألا ترى كيف أحرقناها بالنار. فلما خرج المسور، قال: انزعوا هذا الثوب عني، واقطعوا رأس هذه التماثيل والطيور.
أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو القاسم بن صصرى، أنبأنا أبو المكارم عبد الواحد بن محمد الأزدي، أنبأنا أبو الفضل عبد الكريم المؤمل الكفرطابي قراءة عليه وأنا حاضر، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي، أنبأنا أبو علي محمد بن القاسم بن معروف، حدثنا أبو بكر أحمد بن علي القاضي، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم يوم عاشوراء، ويأمر بصيامه.(أعلام/598)
قال الدارقطني: كان ابن أبي ذئب صنف موطأ فلم يخرج. ابن أبي مريم: عن يحيى بن معين، قال: ابن أبي ذئب ثقة، وكل من روى عنه ابن أبي ذئب فثقة، إلا أبا جابر البياضي، وكل من روى عنه مالك ثقة، إلا عبد الكريم أبا أمية.
وقال يعقوب بن شيبة: أخذه عن الزهري، عرضا، والعرض عند جميع من أدركنا صحيح. وسمعت أحمد ويحيى يتناظران في ابن أبي ذئب، وعبد الله بن جعفر المخرمي، فقدم أحمد المخرمي، فقال يحيى: المخرمي شيخ؟ وأيش عنده؟ وأطرى ابن أبي ذئب، وقدمه على المخرمي تقديما كثيرا متفاوتا، فذكرت هذا لعلي، فوافق يحيى، وسألت عليا عن سماع ابن أبي ذئب من الزهري، فقال: هي مقاربة، وهي عرض.
قال الواقدي: كان من أورع الناس، وأفضلهم وكانوا يرمونه بالقدر، وما كان قدريا. أخبرني أخوه قال: كان يصوم يوما ويفطر يوما، فقدم رجل، فجعل يسأله عن رجفة الشام فأقبل يحدثه ويستمع له، وكان ذلك اليوم إفطاره، فقلت له: قم تغد. قال: دعه اليوم، فسرد من ذلك اليوم إلى أن مات.
وكان شديد الحال، وكان من رجال الناس صرامة، وكان يتشبب في حداثته حتى كبر وطلب الحديث، وقال: لو طلب وأنا صغير كنت أدركت المشايخ، ففرطت فيهم، كنت أتهاون، وكان يحفظ حديثه ; لم يكن له كتاب.
قال حماد بن خالد: كان يشبه بابن المسيب، وما كان هو ومالك في موضع عند سلطان إلا تكلم ابن أبي ذئب بالحق والأمر والنهي، ومالك ساكت.
قال عثمان الدارمي: قلت ليحيى: ما حال ابن أبي ذئب في الزهري؟ فقال: ابن أبي ذئب ثقة.
قلت: هو ثقة مرضي. وقد قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سألت عليا عنه، فقال: كان عندنا ثقة، وكانوا يوهنونه في أشياء رواها عن الزهري. وسئل عنه أحمد فوثقه، ولم يرضه في الزهري.
قال ابن أبي فديك: مات سنة ثمان وخمسين ومائة.(أعلام/599)
وقال أبو نعيم وطائفة: مات سنة تسع وخمسين. وقال الواقدي: اشتكى بالكوفة، وبها مات.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز، أنبأنا تميم، أنبأنا أبو سعد، أنبأنا ابن حمدان، أنبأنا أبو يعلى، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيبعث بها، ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم صحيح عال. قيل: ألف ابن أبي ذئب كتابا كبيرا في السنن.(أعلام/600)
ابن أبي زمنين
الإمام القدوة الزاهد، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد، المري الأندلسي الإلبيري، شيخ قرطبة.
قرأ ببجانة على سعيد بن فحلون " مختصر " ابن عبد الحكم.
وسمع من: محمد بن معاوية الأموي، وأحمد بن المطرف، وأحمد بن الشامة، ووهب بن مسرة.
وتفقه بإسحاق الطليطلي.
وتفنن، واستبحر من العلم، وصنف في الزهد والرقائق، وقال الشعر الرائق.
وكان صاحب جد وإخلاص، ومجانبة للأمراء.
روى عنه: أبو عمرو الداني، وأبو عمر بن الحذاء، وجماعة
ولد في أول سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
وتوفي في ربيع الآخر، سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.
واختصر " المدونة " وله " منتخب الأحكام " مشهور، وكتاب " الوثائق " و " مختصر تفسير ابن سلام "، وكتاب " حياة القلوب " في الزهد، وكتاب " أدب الإسلام "، وكتاب " أصول السنة "، وأشياء كثيرة.
وكان من حملة الحجة. وزمنين بفتح الميم، ثم كسر النون.(أعلام/601)
ابن أبي زيد
الإمام العلامة القدوة الفقيه، عالم أهل المغرب، أبو محمد عبد الله بن أبي زيد، القيرواني المالكي، ويقال له: مالك الصغير.
وكان أحد من برز في العلم والعمل.
قال القاضي عياض: حاز رئاسة الدين والدنيا، ورحل إليه من الأقطار ونجب أصحابه، وكثر الآخذون عنه، وهو الذي لخص المذهب، وملأ البلاد من تواليفه، تفقه بفقهاء القيروان، وعول على أبي بكر بن اللباد. وأخذ عن: محمد بن مسرور الحجام، والعسال، وحج، فسمع من أبي سعيد بن الأعرابي، ومحمد بن الفتح، والحسن بن نصر السوسي، ودراس بن إسماعيل، وغيرهم.
سمع منه خلق كثير منهم: الفقيه عبد الرحيم بن العجوز السبتي، والفقيه عبد الله بن غالب السبتي وعبد الله بن الوليد بن سعد الأنصاري وأبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الخولاني.
صنف كتاب: " النوادر والزيادات " في نحو المائة جزء، واختصر " المدونة "، وعلى هذين الكتابين المعول في الفتيا بالمغرب، وصنف كتاب " العتبية " على الأبواب، وكتاب " الاقتداء بمذهب مالك "، وكتاب " الرسالة " وكتاب " الثقة بالله والتوكل على الله "، وكتاب " المعرفة والتفسير " وكتاب " إعجاز القرآن "، وكتاب " النهي عن الجدال "، ورسالته في الرد على القدرية، ورسالته في التوحيد، وكتاب " من تحرك عند القراءة ".
وقيل: إنه صنع " رسالته " المشهورة وله سبع عشرة سنة.
وكان مع عظمته في العلم والعمل ذا بر وإيثار وإنفاق على الطلبة وإحسان.
وقيل: إنه نفذ إلى القاضي عبد الوهاب بن نصر المالكي ألف دينار، وهذا فيه بعد؛ فإن عبد الوهاب لم يشتهر إلا بعد زمان أبي محمد.
نعم قد وصل الفقيه يحيى بن عبد العزيز العمري حين قدم القيروان. بمائة وخمسين دينارا، وجهزت بنت الشيخ أبي الحسن القابسي بأربعمائة دينار من مال ابن أبي زيد.(أعلام/602)
وقيل: إن محرزا التونسي أتي بابنة ابن أبي زيد وهي زمنة، فدعا لها، فقامت، فعجبوا، وسبحوا الله، فقال: والله، ما قلت إلا: بحرمة والدها عندك اكشف ما بها. فشفاها الله.
قلت: وكان - رحمه الله - على طريقة السلف في الأصول، لا يدري الكلام، ولا يتأول، فنسأل الله التوفيق.
وقد حدث عنه بالسيرة النبوية " تهذيب " ابن هشام عبد الله بن الوليد بسماعه من عبد الله بن جعفر بن الورد، لقيه بمصر.
ولما توفي رثاه عدة من الشعراء.
قال أبو إسحاق الحبال: مات ابن أبي زيد لنصف شعبان سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وكذا أرخه أبو القاسم بن منده، وأرخ موته القاضي عياض وغيره في سنة ست وثمانين وثلاثمائة.(أعلام/603)
ابن أبي شيبة (خ، م، د، س، ق)
عبد الله بن محمد بن القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خواستى الإمام العلم، سيد الحفاظ، وصاحب الكتب الكبار " المسند " و " المصنف "، " والتفسير "، أبو بكر العبسي مولاهم الكوفي.
أخو الحافظ عثمان بن أبي شيبة، والقاسم بن أبي شيبة الضعيف. فالحافظ إبراهيم بن أبي بكر هو ولده، والحافظ أبو جعفر محمد بن عثمان هو ابن أخيه، فهم بيت علم. وأبو بكر أجلهم.
وهو من أقران أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعلي ابن المديني في السن والمولد والحفظ. ويحيى بن معين أسن منهم بسنوات. طلب أبو بكر العلم وهو صبي، وأكبر شيخ له هو شريك بن عبد الله القاضي. سمع منه، ومن أبي الأحوص سلام بن سليم، وعبد السلام بن حرب، وعبد الله بن المبارك، وجرير بن عبد الحميد، وأبي خالد الأحمر، وسفيان بن عيينة، وعلي بن مسهر، وعباد بن العوام، وعبد الله بن إدريس، وخلف بن خليفة الذي يقال: إنه تابعي، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي، وعلي بن هاشم بن البريد، وعمر بن عبيد الطنافسي، وأخويه محمد ويعلى، وهشيم بن بشير، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، ووكيع بن الجراح، ويحيى القطان، وإسماعيل بن عياش، وعبد الرحيم بن سليمان، وأبي معاوية، ويزيد بن المقدام، ومرحوم العطار، وإسماعيل بن علية، وخلق كثير بالعراق والحجاز وغير ذلك. وكان بحرا من بحور العلم، وبه يضرب المثل في قوة الحفظ. حدث عنه: الشيخان، وأبو داود، وابن ماجه، وروى النسائي عن أصحابه، ولا شيء له في " جامع أبي عيسى ".(أعلام/604)
وروى عنه أيضا: محمد بن سعد الكاتب، ومحمد بن يحيى، وأحمد بن حنبل، وأبو زرعة، وأبو بكر بن أبي عاصم، وبقي بن مخلد. ومحمد بن وضاح، محدثا الأندلس، والحسن بن سفيان، وأبو يعلى الموصلي، وجعفر الفريابي، وأحمد بن الحسن الصوفي، وحامد بن شعيب، وصالح جزرة، والهيثم بن خلف الدوري، وعبيد بن غنام، ومحمد بن عبدوس السراج، والباغندي، ويوسف بن يعقوب النيسابوري، وعبدان، وأبو القاسم البغوي، وأمم سواهم.
قال يحيى بن عبد الحميد الحماني: أولاد ابن أبي شيبة من أهل العلم، كانوا يزاحموننا عند كل محدث.
وقال أحمد بن حنبل: أبو بكر صدوق هو أحب إلي من أخيه عثمان.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان أبو بكر ثقة، حافظا للحديث.
وقال عمرو بن علي الفلاس: ما رأيت أحدا أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة، قدم علينا مع علي ابن المديني، فسرد للشيباني أربعمائة حديث حفظا، وقام.
وقال الإمام أبو عبيد: انتهى الحديث إلى أربعة: فأبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له، وأحمد بن حنبل أفقههم فيه، ويحيى بن معين أجمعهم له، وعلي ابن المديني أعلمهم به.
قال محمد بن عمر بن العلاء الجرجاني: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة، وأنا معه في جبانة كندة، فقلت له: يا أبا بكر، سمعت من شريك وأنت ابن كم؟ .
قال: وأنا ابن أربع عشرة سنة، وأنا يومئذ أحفظ للحديث مني اليوم. قلت: صدق والله وأين حفظ المراهق من حفظ من هو في عشر الثمانين؟ .
قال الجرجاني: فسألت يحيى بن معين عن سماع أبي بكر بن أبي شيبة من شريك، فقال: أبو بكر عندنا صدوق، وما يحمله أن يقول: وجدت في كتاب أبي بخطه. وقال: وحدثت عن روح بن عبادة بحديث الدجال، وكنا نظنه سمعه من أبي هشام الرفاعي.
قال عبدان الأهوازي: كان أبو بكر يقعد عند الأسطوانة، وأخوه ومشكدانة وعبد الله بن البراد، وغيرهم، كلهم سكوت إلا أبا بكر فإنه يهدر.(أعلام/605)
قال ابن عدي: هي الأسطوانة التي يجلس إليها ابن عقدة. فقال لي ابن عقدة: هذه هي أسطوانة عبد الله بن مسعود، جلس إليها بعده علقمة، وبعده إبراهيم، وبعده منصور، وبعده سفيان الثوري، وبعده وكيع، وبعده أبو بكر بن أبي شيبة، وبعده مطين.
وقال صالح بن محمد الحافظ جزرة: أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي ابن المديني، وأعلمهم بتصحيف المشايخ يحيى بن معين، وأحفظهم عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة.
قال الحافظ أبو العباس بن عقدة: سمعت عبد الرحمن بن خراش يقول: سمعت أبا زرعة يقول: ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة فقلت: يا أبا زرعة، فأصحابنا البغداديون؟ قال: دع أصحابك، فإنهم أصحاب مخاريق، ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة.
قال الخطيب: كان أبو بكر متقنا حافظا، صنف " المسند " و " الأحكام " و " التفسير "، وحدث ببغداد هو وأخواه القاسم وعثمان.
قال إبراهيم نفطويه: في سنة أربع وثلاثين ومائتين أشخص المتوكل الفقهاء والمحدثين، فكان فيهم مصعب بن عبد الله الزبيري، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وكانا من الحفاظ. فقسمت بينهم الجوائز، وأمرهم المتوكل أن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية، قال: فجلس عثمان في مدينة المنصور، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفا، وجلس أبو بكر في مسجد الرصافة، وكان أشد تقدما من أخيه، اجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفا.
قلت: وكان أبو بكر قوي النفس بحيث إنه استنكر حديثا تفرد به يحيى بن معين، عن حفص بن غياث، فقال: من أين له هذا؟ فهذه كتب حفص، ما فيها هذا الحديث.(أعلام/606)
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد الدمشقي قراءة عليه غير مرة، أنبأنا عبد المعز بن محمد الهروي، أخبرنا زاهر بن طاهر سنة سبع وعشرين وخمسمائة بهراة، أخبرنا محمد بن محمد بن حمدون السلمي، وأخبرنا أحمد بن عبد المعز، أخبرنا زاهر، وتميم بن أبي سعيد، قالا: أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، قالا: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن بشر، عن عبيد الله، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الهلال، فقال: إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين هذا حديث صحيح غريب. تفرد به أبو الزناد عن الأعرج، ولم يروه عنه سوى عبيد الله بن عمر، ولا عن عبيد الله سوى محمد بن بشر العبدي فيما علمت.
أخرجه مسلم عن أبي بكر عنه، فوقع موافقة عالية، ولم يروه أحد من السنن سوى النسائي فرواه عن أبي بكر أحمد بن علي المروزي، عن ابن أبي شيبة، فوقع لنا بدلا بعلو درجتين.(أعلام/607)
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، حدثنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد البندار، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما تركت على أمتي بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. وبه: أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن أبيه، سمعت أسامة بن زيد، وسئل: كيف كان يسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دفع من عرفات؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص. قال هشام: والنص أرفع من العنق. أخرجهما مسلم عن أبي بكر فوافقناه.
أنبأنا ابن علان، حدثنا الكندي، أخبرنا القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أحمد بن علي المحتسب، عن محمد بن عمران الكاتب، حدثني عمر بن علي، حدثنا أحمد بن محمد بن المربع، سمعت أبا عبيد يقول: ربانيو الحديث أربعة: فأعلمهم بالحلال والحرام أحمد بن حنبل، وأحسنهم سياقة للحديث وأداء علي ابن المديني، وأحسنهم وضعا لكتاب أبو بكر بن أبي شيبة، وأعلمهم بصحيح الحديث وسقيمه يحيى بن معين.
قال البخاري ومطين: مات أبو بكر في المحرم سنة خمس وثلاثين ومائتين.
قلت: آخر من روى عنه أبو عمرو يوسف بن يعقوب النيسابوري، وبقي إلى سنة بضع وعشرين وثلاثمائة. وقد خلف أبا بكر ولده الحافظ الثبت:(أعلام/608)
ابن أبي عامر
الملك المنصور، حاجب الممالك الأندلسية، أبو عامر، محمد بن عبد الله بن أبي عامر محمد بن وليد القحطاني المعافري القرطبي، القائم بأعباء دولة الخليفة المرواني المؤيد بالله هشام بن الحكم أمير الأندلس، فإن هذا المؤيد استخلف ابن تسع سنين، وردت مقاليد الأمور إلى الحاجب هذا، فيعمد إلى خزائن كتب الحكم، فأبرز ما فيها، ثم أفرد ما فيها من كتب الفلسفة، فأحرقها بمشهد من العلماء، وطمر كثيرا منها، وكانت كثيرة إلى الغاية، فعله تقبيحا لرأي المستنصر الحكم.
وكان بطلا شجاعا، حازما سائسا، غزاء عالما، جم المحاسن، كثير الفتوحات، عالي الهمة، عديم النظير؛ وسيأتي من أخباره في ترجمة المؤيد.
دام في المملكة نيفا وعشرين سنة، ودانت له الجزيرة. وأمنت به، وقد وزر له جماعة.
وكان المؤيد معه صورة بلا معنى، بل كان محجوبا لا يجتمع به أمير ولا كبير، بل كان أبو عامر يدخل عليه قصره، ثم يخرج فيقول: رسم أمير المؤمنين بكذا وكذا، فلا يخالفه أحد، وإذا كان بعد سنة أو أكثر، أركبه فرسا، وجعل عليه برنسا، وحوله جواريه راكبات، فلا يعرفه أحد.
وقد غزا أبو عامر في مدته نيفا وخمسين غزوة، وكثر السبي حتى لأبيعت بنت عظيم ذات حسن بعشرين دينارا، ولقد جمع من غبار غزواته ما عملت منه لبنة، وألحدت على خده، أو ذر ذلك على كفنه.
توفي بأقصى الثغور بالبطن سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة.
وكان جوادا ممدحا معطاء.
وتملك بعده ابنه أبو مروان عبد الملك.(أعلام/609)
ابن أبي فديك (ع)
الإمام الثقة المحدث، أبو إسماعيل، محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك، واسمه دينار الديلي، مولاهم المدني.
حدث عن سلمة بن وردان، والضحاك بن عثمان، وابن أبي ذئب، وإبراهيم بن الفضل المخزومي، وعدة من أهل المدينة، ولم يرحل في الحديث، وكان صدوقا صاحب معرفة وطلب.
حدث عنه إبراهيم بن المنذر الحزامي، وسلمة بن شبيب، وأحمد بن الأزهر، وعبد بن حميد، وأبو عتبة أحمد بن الفرج، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وهارون الحمال، وحسين بن عيسى البسطامي، ومحمد بن مصفى، وخلق كثير.
قال أبو داود: قد سمع من محمد بن عمرو بن علقمة حديثا واحدا.
قلت: هو أقدم شيخ لقيه.
قال البخاري: توفي سنة مائتين. وقال ابن سعد: توفي سنة تسع وتسعين ومائة، وليس بحجة، كذا قال ابن سعد.
وقد احتج بابن أبي فديك الجماعة، ووثقه غير واحد، لكن معن أحفظ منه وأتقن، ووقع لنا من عواليه في أماكن.(أعلام/610)
ابن أبي ليلى (4)
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. العلامة، الإمام، مفتي الكوفة وقاضيها أبو عبد الرحمن الأنصاري، الكوفي.
ولد سنة نيف وسبعين ومات أبوه وهذا صبي لم يأخذ عن أبيه شيئا. بل أخذ عن أخيه عيسى، عن أبيه، وأخذ عن الشعبي، ونافع العمري، وعطاء بن أبي رباح، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، والمنهال بن عمرو، وعمرو بن مرة، وأبي الزبير المكي، وعطية العوفي، والحكم بن عتيبة، وحميضة بن الشمردل، وإسماعيل بن أمية، وثابت بن عبيد، وأجلح بن عبد الله، وعبد الله بن عطاء، ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، وداود بن علي الأمير، وابن أخيه عبد الله بن عيسى، وغيرهم.
حدث عنه: شعبة، وسفيان بن عيينة، وزائدة، والثوري، وقيس بن الربيع، وحمزة الزيات وقرأ عليه.
كان يحفظ كتاب الله، تلا على أخيه عيسى. وعرض على الشعبي تلاوته على علقمة، وتلا أيضا على المنهال عن سعيد بن جبير. روى عنه أيضا أحوص بن جواب، وعلي بن هاشم بن البريد، ويحيى بن أبي زائدة، وعمرو بن أبي قيس الرازي، وعقبة بن خالد، وعبد الله بن داود الخريبي، وعلي بن مسهر، وعيسى بن يونس، ومحمد بن ربيعة، وعبيد الله بن موسى، وأبو نعيم، ووكيع، وعيسى بن المختار بن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وخلق سواهم.
وكان نظيرا للإمام أبي حنيفة في الفقه.
قال أحمد: كان يحيى بن سعيد يضعف ابن أبي ليلى. قال أحمد: كان سيئ الحفظ، مضطرب الحديث، وكان فقهه أحب إلينا من حديثه. وقال أيضا: هو في عطاء أكثر خطأ. وروى أحمد بن زهير، عن يحيى بن معين قال: ليس بذاك.
أبو داود: سمعت شعبة يقول: ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابن أبي ليلى.(أعلام/611)
روح بن عبادة، عن شعبة قال: أفادني ابن أبي ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة. وروى أبو إسحاق الجوزجاني، عن أحمد بن يونس قال: كان زائدة لا يروي عن ابن أبي ليلى. كان قد ترك حديثه. وروى أبو حاتم عن أحمد بن يونس قال: ذكر زائدة ابن أبي ليلى فقال: كان أفقه أهل الدنيا. وروى ابن حميد عن جرير بن عبد الحميد: رأيت ابن أبي ليلى يخضب بالسواد.
قال العجلي: كان فقيها صاحب سنة، صدوقا، جائز الحديث. وكان قارئا للقرآن، عالما به. قرأ عليه حمزة الزيات فكان يقول: إنا تعلمنا جودة القراءة عند ابن أبي ليلى. وكان من أحسب الناس، ومن أنقط الناس للمصحف، وأخطه بقلم. وكان جميلا نبيلا. وأول من استقضاه على الكوفة الأمير يوسف بن عمر الثقفي، عامل بني أمية فكان يرزقه في كل شهر مائة درهم.
قال أبو زرعة: هو صالح، ليس بأقوى ما يكون. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وكان سيئ الحفظ، شغل بالقضاء، فساء حفظه، لا يتهم، إنما ينكر عليه كثرة الخطأ، يكتب حديثه، ولا يحتج به، هو وحجاح بن أرطاة ما أقربهما. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: رديء الحفظ، كثير الوهم. وقال أبو أحمد الحاكم: عامة أحاديثه مقلوبة.
ابن خراش: حدثنا إسحاق بن إبراهيم شاذان، عن سعد بن الصلت، قال: كان ابن أبي ليلى لا يجيز قول من لا يشرب النبيذ. قلت: هذا غلو، وعكسه أولى. وقال بشر بن الوليد: سمعت القاضي أبا يوسف يقول: ما ولي القضاء أحد أفقه في دين الله، ولا أقرأ لكتاب الله، ولا أقول حقا بالله، ولا أعف عن الأموال من ابن أبي ليلى.
قلت: فابن شبرمة قال: ذاك رجل مكثار.(أعلام/612)
قال بشر: وولي حفص بن غياث القضاء من غير مشورة أبي يوسف. فاشتد عليه. فقال لي، ولحسن اللؤلؤي: تتبعا قضاياه، فتتبعنا قضاياه، فلما نظر فيها قال: هذا من قضاء ابن أبي ليلى، ثم قال: تتبعوا الشروط والسجلات. ففعلنا. فلما نظر فيها قال: حفص ونظراؤه يعانون بقيام الليل.
يحيى بن معين: حدثنا أبو حفص الأبار، عن ابن أبي ليلى قال: دخلت على عطاء، فجعل يسألني، فكأن أصحابه أنكروا، وقالوا: تسأله؟ ! قال: وما تنكرون؟ هو أعلم مني. قال ابن أبي ليلى: وكان عطاء عالما بالحج.
روى الخريبي، عن سليمان بن سافري قال: سألت منصورا: من أفقه أهل الكوفة؟ قال: قاضيها ابن أبي ليلى.
وقال ابن حبان: كان ابن أبي ليلى رديء الحفظ، فاحش الخطأ، فكثر في حديثه المناكير، فاستحق الترك، تركه أحمد ويحيى.
قلت: لم نرهما تركاه، بل لينا حديثه. وقد قال حفص بن غياث: من جلالة ابن أبي ليلى أنه قرأ القرآن على عشرة شيوخ.
وقال يحيى بن يعلى المحاربي: طرح زائدة حديث ابن أبي ليلى. وقال أحمد بن يونس: كان ابن أبي ليلى أفقه أهل الدنيا.
وقال عائذ بن حبيب: سمعت ابن أبي ليلى يقول: ما أقرع فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو حق، وما لم يقرع فيه، فهو قمار.
قال الخريبي: سمعت الثوري يقول: فقهاؤنا: ابن أبي ليلى، وابن شبرمة.(أعلام/613)
أخبرنا محمد بن عبد السلام التيمي، أنبأنا عبد المعز بن محمد البزار، أنبأنا زاهر بن طاهر، أنبأنا عبد الرحمن بن علي، أنبأنا يحيى بن إسماعيل الحربي، أنبأنا مكي بن عبدان، أنبأنا إسحاق بن عبد الله بن رزين، حدثنا حفص بن عبد الرحمن، حدثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن الربيع بن عميلة، عن أبي سريحة الغفاري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عشر آيات بين يدي الساعة: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، والدابة، والدخان، والدجال، وابن مريم، ويأجوج ومأجوج، وريح تسفيهم، تطرحهم في البحر، وطلوع الشمس من مغربها هذا غريب. وأصل الحديث في صحيح مسلم من رواية أبي الطفيل، عن أبي سريحة.
أبو حفص الأبار، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن جابر قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحي قلت: نذير قوم أهلكوا، أو صبحهم العذاب بكرة. فإذا سري عنه فأطيب الناس نفسا، وأطلقهم وجها، وأكثرهم ضحكا. أو قال: تبسما هذا حديث منكر.
ابن حبان قال: وروى ابن أبي ليلى، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن زيد المازني قال: كان أذان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شفعا شفعا، وإقامته شفعا شفعا رواه حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عنه. ثم قال ابن حبان وهذا خبر مرسل لا أصل لرفعه.
أحمد بن أبي ظبية، حدثنا أبي عن ابن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن جابر، مرفوعا،: إذا ضحك الرجل في صلاته فعليه الوضوء والصلاة، وإذا تبسم فلا شيء عليه.
قال البخاري وغيره: مات ابن أبي ليلى في سنة ثمان وأربعين ومائة. قلت: مات في شهر رمضان.(أعلام/614)
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنبأنا أبو القاسم الحرستاني حضورا، أنبأنا ابن المسلم، أنبأنا ابن طلاب، حدثنا ابن جميع، أنبأنا الحسن بن عيسى الرقي بعرفة، حدثنا يوسف بن بحر، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي تطوعا فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك من النار.(أعلام/615)
ابن أبي مريم (د، ت، ق)
الإمام، المحدث، القدوة، الرباني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم، الغساني الحمصي، شيخ أهل حمص.
ولد في دولة عبد الملك، وفي حياة أبي أمامة.
وحدث عن: خالد بن معدان، وراشد بن سعد، وبلال بن أبي الدرداء، ومكحول، وأبي راشد الحبراني، وضمرة بن حبيب، وحكيم بن عمير، وحبيب بن عبيد، ومحمد بن زياد، وخلق كثير.
روى عنه: إسماعيل بن عياش، وبقية، وابن المبارك، والوليد، وأبو اليمان، وعلي بن عياش، وأبو المغيرة، وآخرون.
قال أبو اليمان: اسمه بكر، والظاهر أن اسمه كنيته.
ضعفه أحمد بن حنبل وغيره من قبل حفظه.
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: هو متماسك. وقال ابن عدي: أحاديثه صالحة، ولا يحتج به.
قال ابن حبان: هو رديء الحفظ، يحدث بالشيء ويهم ويفحش، حتى استحق الترك، ولم أسمع أحدا من أصحابنا يذكر له اسما.
قال يزيد بن هارون: كان من العباد المجتهدين.
وقال بقية: قال لنا رجل في قرية أبي بكر بن أبي مريم - هي كثيرة الزيتون -: ما في هذه القرية من شجرة إلا وقد قام أبو بكر إليها ليلته جمعاء. وقيل: كان في خديه أثر من الدموع - رحمة الله عليه.
قال يزيد بن عبد ربه: توفي سنة ست وخمسين ومائة يقع من عواليه في " جزء " ابن عرفة، و " معجم الطبراني ". ولا يبلغ حديثه رتبة الحسن.(أعلام/616)
ابن أبي مليكة (ع)
عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، زهير بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي. الإمام الحجة الحافظ أبو بكر وأبو محمد القرشي التيمي المكي القاضي الأحول المؤذن، ولد في خلافة علي أو قبلها.
وحدث عن عائشة أم المؤمنين، وأختها أسماء، وأبي محذورة، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو السهمي، وابن عمر، وابن الزبير، وعقبة بن الحارث، والمسور بن مخرمة، وأم سلمة، وعبد الله بن جعفر، وعن عثمان بن عفان، وهو مرسل، وعن جده أبي مليكة، وحميد بن عبد الرحمن الزهري، وذكوان مولى عائشة، وعباد بن عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن السائب، وعبد الله بن مولة، وعبيد ابن أبي مريم، وعلقمة بن وقاص، والقاسم بن محمد، ويعلى بن مملك، ويحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية، وطائفة.
وكان عالما مفتيا صاحب حديث وإتقان، معدود في طبقة عطاء، وقد ولي القضاء لابن الزبير، والأذان أيضا.
حدث عنه رفيقه عطاء بن أبي رباح، وذلك في " صحيح مسلم " وعمرو بن دينار، وعبد العزيز بن رفيع، وأيوب السختياني، وحميد الطويل، وحبيب بن الشهيد، وابن جريج، وأبو العميس عتبة بن عبد الله، وعمر بن سعيد بن أبي حسين، وعثمان بن الأسود، وعبد الواحد بن أيمن، وحاتم بن أبي صغيرة، وعبد الجبار بن الورد، وزنفل العرفي، وأبو هلال محمد بن سليم، ونافع بن عمر الجمحي، والليث، وابن لهيعة، ويزيد بن إبراهيم التستري، وأبو عامر الخزاز، وعبد الله بن المؤمل، وعبد الله بن يحيى التوأم، وابن أخيه عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وعدة. وثقه أبو زرعة، وأبو حاتم.
قال البخاري وجماعة: مات سنة سبع عشرة ومائة.
قلت: كان من أبناء الثمانين.(أعلام/617)
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن تاج الأمناء، وأبو عبد الله بن محمد بن أبي عصرون، عن عبد المعز بن محمد البزاز، أخبرنا محمد بن إسماعيل الفضيلي، أخبرنا سعيد بن أبي سعيد العباد، حدثنا عبيد الله بن محمد الفامي، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر يقول: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني، يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها أخرجه الجماعة سوى ابن ماجه عن قتيبة.(أعلام/618)
ابن أبي هريرة
الإمام شيخ الشافعية أبو علي، الحسن بن الحسين بن أبي هريرة، البغدادي القاضي من أصحاب الوجوه.
انتهت إليه رئاسة المذهب.
تفقه بابن سريج ثم بأبي إسحاق المروزي، وصنف شرحا ل " مختصر المزني ".
أخذ عنه: أبو علي الطبري، والدارقطني وغيرهما، واشتهر في الآفاق.
توفي سنة خمس وأربعين وثلاثمائة.(أعلام/619)
ابن أم مكتوم
مختلف في اسمه ; فأهل المدينة يقولون: عبد الله بن قيس بن زائدة بن الأصم بن رواحة القرشي العامري.
وأما أهل العراق، فسموه عمرا. وأمه أم مكتوم، هي عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم بن يقظة المخزومية. من السابقين المهاجرين.
وكان ضريرا مؤذنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع بلال، وسعد القرظ، وأبي محذورة، مؤذن مكة.
هاجر بعد وقعة بدر بيسير، قاله ابن سعد، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحترمه، ويستخلفه على المدينة، فيصلي ببقايا الناس.
قال الشعبي: استخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أم مكتوم يؤم الناس، وكان ضريرا وذلك في غزوة تبوك. كذا قال، والمحفوظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما استعمل على المدينة عامئذ علي بن أبي طالب.
وقال قتادة: استخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن أم مكتوم مرتين على المدينة، وكان أعمى.
وروى مجالد عن الشعبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف ابن أم مكتوم على المدينة في غزوة بدر. فهذا يبطل ما تقدم، ويبطله أيضا حديث أبي إسحاق عن البراء قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير، ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم، فقالوا له: ما فعل من وراءك؟ قال: هم أولاء على أثري.
شعبة: عن أبي إسحاق، سمع البراء يقول: أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، فجعلا يقرئان الناس القرآن.
حماد بن سلمة: حدثنا أبو ظلال، قال: كنت عند أنس، فقال: متى ذهبت عينك؟ قلت: وأنا صغير. فقال: إن جبريل أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده ابن أم مكتوم، فقال: متى ذهب بصرك؟ قال: وأنا غلام، فقال: قال الله تعالى: إذا أخذت كريمة عبدي لم أجد له جزاء إلا الجنة.
قالت عائشة: كان ابن أم مكتوم مؤذنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أعمى.(أعلام/620)
وروى حجاج بن أرطاة، عن شيخ عن بعض مؤذني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كان بلال يؤذن، ويقيم ابن أم مكتوم، وربما أذن ابن أم مكتوم، وأقام بلال. إسناده واه.
وقال ابن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم وكان أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت.
قال عروة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مع رجال من قريش منهم عتبة بن ربيعة، فجاء ابن أم مكتوم يسأل عن شيء، فأعرض عنه، فأنزلت عبس وتولى أن جاءه الأعمى [عبس: 1] .
الواقدي: حدثني عبيد الله بن نوح، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة، قال: استخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن أم مكتوم على المدينة، فكان يجمع بهم ويخطب إلى جنب المنبر يجعله على يساره.
يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه عن عبد الله بن معقل، قال: نزل ابن أم مكتوم على يهودية بالمدينة كانت ترفقه، وتؤذيه في النبي - صلى الله عليه وسلم - فتناولها فضربها، فقتلها، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال هو: أما والله إن كانت لترفقني، ولكن آذتني في الله ورسوله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبعدها الله، قد أبطلت دمها.
أبو إسحاق: عن البراء قال: لما نزلت: لا يستوي القاعدون دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - زيدا وأمره، فجاء بكتف وكتبها، فجاء ابن أم مكتوم، فشكا ضرارته، فنزلت غير أولي الضرر.
ثابت البناني: عن ابن أبي ليلى، أن ابن أم مكتوم قال: أي رب، أنزل عذري. فأنزلت غير أولي الضرر فكان بعد يغزو ويقول: ادفعوا إلي اللواء، فإني أعمى لا أستطيع أن أفر، وأقيموني بين الصفين.(أعلام/621)
عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن أبيه، قال: كنت إلى جانب النبي: - صلى الله عليه وسلم - فغشيته السكينة، فوقعت فخذه على فخذي، فما وجدت شيئا أثقل منها، ثم سري عنه، فقال لي: اكتب فكتبت في كتف " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون ". فقام عمرو بن أم مكتوم، فقال: فكيف بمن لا يستطيع، فما انقضى كلامه حتى غشيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السكينة، ثم سري عنه، فقال: اكتب غير أولي الضرر.
قال زيد: أنزلها الله وحدها، فكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع الكتف.
ابن أبي عروبة: عن قتادة، عن أنس: أن عبد الله بن أم مكتوم يوم القادسية كانت معه راية سوداء، عليه درع له.
أبو هلال: عن قتادة، عن أنس: أن عبد الله بن زائدة - وهو ابن أم مكتوم - كان يقاتل يوم القادسية وعليه درع له حصينة سابغة.
قال الواقدي: شهد القادسية معه الراية، ثم رجع إلى المدينة، فمات بها، ولم نسمع له بذكر بعد عمر.
قلت: ويقال استشهد يوم القادسية.
حدث عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسل، وأبو رزين الأسدي وغيرهما.
والقادسية ملحمة كبرى تمت بالعراق، وعلى المسلمين سعد بن أبي وقاص، وعلى المشركين رستم، وذو الحاجب، والجالينوس.
قال أبو وائل: كان المسلمون أزيد من سبعة آلاف، وكان العدو أربعين وقيل: ستين ألفا معهم سبعون فيلا.
قال المدائني: اقتتلوا ثلاثة أيام في آخر شوال سنة خمس عشرة، فقتل رستم وانهزموا.(أعلام/622)
ابن الأثير
القاضي الرئيس العلامة البارع الأوحد البليغ مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري ثم الموصلي، الكاتب ابن الأثير صاحب " جامع الأصول " و " غريب الحديث " وغير ذلك.
مولده بجزيرة ابن عمر في أحد الربيعين سنة أربع وأربعين وخمسمائة ونشأ بها، ثم تحول إلى الموصل، وسمع من يحيى بن سعدون القرطبي، وخطيب الموصل وطائفة.
وروى الكتب نازلا فأسند " صحيح البخاري " عن ابن سرايا عن أبي الوقت، و " صحيح مسلم " عن أبي ياسر بن أبي حبة، عن إسماعيل بن السمرقندي، عن التنكتي، عن أبي الحسين عبد الغافر. ثم عن ابن سكينة إجازة عن الفراوي، و " الموطأ " عن ابن سعدون، حدثنا ابن عتاب عن ابن مغيث فوهم، و " سنن أبي داود والترمذي " بسماعه من ابن سكينة، و " سنن النسائي "، أخبرنا يعيش بن صدقة عن ابن محمويه.
ثم اتصل بالأمير مجاهد الدين قيماز الخادم إلى أن توفي مخدومه، فكتب الإنشاء لصاحب الموصل عز الدين مسعود الأتابكي، وولي ديوان الإنشاء، وعظم قدره. وله اليد البيضاء في الترسل، وصنف فيه. ثم عرض له فالج في أطرافه، وعجز عن الكتابة، ولزم داره، وأنشأ رباطا في قرية وقف عليه أملاكه، وله نظم يسير.
قال الإمام أبو شامة قرأ الحديث والعلم والأدب، وكان رئيسا مشاورا، صنف " جامع الأصول " و " النهاية " وشرحا لمسند الشافعي وكان به نقرس، فكان يحمل في محفة، قرأ النحو على أبي محمد سعيد ابن الدهان، وأبي الحرم مكي الضرير. إلى أن قال: ولما حج سمع ببغداد من ابن كليب وحدث، وانتفع به الناس، وكان ورعا، عاقلا، بهيا، ذا بر وإحسان. وأخوه عز الدين علي صاحب " التاريخ "، وأخوهما الصاحب ضياء الدين مصنف كتاب " المثل السائر ".(أعلام/623)
وقال ابن خلكان لمجد الدين كتاب " الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف " تفسيري الثعلبي والزمخشري، وله كتاب " المصطفى المختار في الأدعية والأذكار " وكتاب لطيف في صناعة الكتابة، وكتاب " البديع في شرح مقدمة ابن الدهان " وله " ديوان رسائل ".
قلت: روى عنه ولده، والشهاب القوصي، والإمام تاج الدين، عبد المحسن بن محمد بن محمد بن الحامض شيخ الباجربقي وطائفة. وآخر من روى عنه بالإجازة الشيخ فخر الدين ابن البخاري.
قال ابن الشعار كان كاتب الإنشاء لدولة صاحب الموصل نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود، وكان حاسبا، كاتبا، ذكيا، إلى أن قال: ومن تصانيفه كتاب " الفروق في الأبنية " وكتاب " الأذواء والذوات " وكتاب " المختار في مناقب الأخيار " و " شرح غريب الطوال ". قال: وكان من أشد الناس بخلا.
قلت: من وقف عقاره لله فليس ببخيل، فما هو ببخيل، ولا بجواد، بل صاحب حزم واقتصاد -رحمه الله!
عاش ثلاثا وستين سنة. توفي في سنة ست وستمائة بالموصل.
حكى أخوه العز، قال: جاء مغربي عالج أخي بدهن صنعه، فبانت، ثمرته، وتمكن من مد رجليه، فقال لي: أعطه ما يرضيه واصرفه قلت: لماذا وقد ظهر النجح؟ قال: هو كما تقول، ولكني في راحة من ترك هؤلاء الدولة، وقد سكنت نفسي إلى الانقطاع والدعة، وبالأمس كنت أذل بالسعي إليهم، وهنا فما يجيئونني إلا في مشورة مهمة، ولم يبق من العمر إلا القليل.(أعلام/624)
ابن الأثير
الصاحب العلامة الوزير ضياء الدين أبو الفتح نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري المنشئ صاحب كتاب " المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ".
مولده بجزيرة بن عمر في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وتحول منها مع أبيه وإخوته، فنشأ بالموصل، وحفظ القرآن، وأقبل على النحو واللغة والشعر والأخبار.
وقال في أول كتاب " الوشي " له: حفظت من الأشعار ما لا أحصيه، ثم اقتصرت على الدواوين لأبي تمام والبحتري والمتنبي فحفظتها.
قال ابن خلكان: قصد السلطان صلاح الدين فقدمه ووصله القاضي الفاضل، فأقام عنده أشهرا، ثم بعث به إلى ولده الملك الأفضل فاستوزره، فلما توفي صلاح الدين تملك الأفضل دمشق وفوض الأمور إلى الضياء، فأساء العشرة، وهموا بقتله، فأخرج في صندوق، وسار مع الأفضل إلى مصر، فراح الملك من الأفضل، واختفى الضياء، ولما استقر الأفضل بسميساط ذهب إليه الضياء، ثم فارقه في سنة سبع وستمائة، فاتصل بصاحب حلب، فلم ينفق، فتألم، وذهب إلى الموصل فكتب لصاحبها. وله يد طولى في الترسل، كان يجاري القاضي الفاضل ويعارضه، وبينهما مكاتبات ومحاربات.
وقال ابن النجار: قدم بغداد رسولا غير مرة، وحدث بها بكتابه، ومرض فتوفي في ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة وقيل: كان بينه وبين أخيه عز الدين مقاطعة ومجانبة شديدة.(أعلام/625)
ابن الأعرابي
إمام اللغة أبو عبد الله، محمد بن زياد بن الأعرابي الهاشمي مولاهم الأحول النسابة.
يروي عن: أبي معاوية الضرير، والقاسم بن معن، وأبي الحسن الكسائي.
وعنه: إبراهيم الحربي، وعثمان الدارمي، وثعلب، وأبو شعيب الحراني، وشمر بن حمدويه، وآخرون.
ولد بالكوفة سنة خمسين ومائة.
ولم يكن في الكوفيين أشبه برواية البصريين منه، وكان يزعم أن أبا عبيدة والأصمعي لا يعرفان شيئا.
قال مرة في لفظة رواها الأصمعي: سمعتها من ألف أعرابي بخلاف هذا.
قال ثعلب: لزمت ابن الأعرابي تسع عشرة سنة، وكان يحضر مجلسه زهاء مائة إنسان، وما رأيت بيده كتابا قط. انتهى إليه علم اللغة، والحفظ.
قال الأزهري: ابن الأعرابي صالح زاهد ورع صدوق، حفظ ما لم يحفظه غيره، وسمع من بني أسد، وبني عقيل فاستكثر، وصحب الكسائي في النحو.
وأبوه عبد سندي.
قلت: له مصنفات كثيرة أدبية، وتاريخ القبائل، وكان صاحب سنة واتباع. مات بسامرا في سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
قيل: كان ربيب المفضل بن محمد الضبي صاحب " المفضليات "، فأخذ عنه.
وكان يقول: جائز في كلام العرب أن يعاقبوا بين الضاد والظاء. يقال: مات في ثالث عشر شعبان.(أعلام/626)
ابن الأكفاني
الشيخ الإمام، المفنن المحدث الأمين، مفيد الشام أبو محمد هبة الله بن أحمد بن محمد بن هبة الله بن علي بن فارس الأنصاري الدمشقي المعدل، المعروف بابن الأكفاني.
ولد سنة (444) .
وسمع وهو ابن تسع سنين، وبعد ذلك من والده، وأبي القاسم الحنائي، وأبي الحسين محمد بن مكي، وعبد الدائم بن الحسن الهلالي، وأبي بكر الخطيب، وعبد العزيز الكتاني، ولازمه مدة، وأبي نصر بن طلاب، وأبي الحسن بن أبي الحديد، وطاهر بن أحمد القايني، وعبد الجبار بن برزة الواعظ، وأبي القاسم ابن أبي العلاء، وخلق كثير، وكان أبوه قد سمع من عبد الرحمن بن الطبيز.
حدث عنه غيث الأرمنازي، وأبو بكر ابن العربي، وأبو طاهر السلفي، وابن عساكر، وأخوه الصائن، وعبد الرزاق النجار، وإسماعيل بن علي الجنزوي وأبو طاهر الخشوعي، وآخرون.
قال ابن عساكر: سمعت منه الكثير، وكان ثقة ثبتا متيقظا، معنيا بالحديث وجمعه، غير أنه كان عسرا في التحديث، وتفقه على القاضي المروزي مدة، وكان ينظر في الوقوف، ويزكي الشهود.
وقال السلفي: هو حافظ مكثر ثقة، كان تاريخ الشام، كتب الكثير.
وقال ابن عساكر: مات الأمين في سادس المحرم سنة أربع وعشرين وخمسمائة، رحمه الله.(أعلام/627)
ابن الباقلاني
الإمام العلامة، أوحد المتكلمين، مقدم الأصوليين، القاضي أبو بكر، محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم، البصري، ثم البغدادي، ابن الباقلاني، صاحب التصانيف، وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه.
سمع أبا بكر أحمد بن جعفر القطيعي، وأبا محمد بن ماسي، وطائفة.
وخرج له أبو الفتح بن أبي الفوارس.
وكان ثقة إماما بارعا، صنف في الرد على الرافضة والمعتزلة، والخوارج والجهمية والكرامية، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق، فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه.
وقد ذكره القاضي عياض في " طبقات المالكية " فقال: هو الملقب بسيف السنة، ولسان الأمة، المتكلم على لسان أهل الحديث، وطريق أبي الحسن، وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته، وكان له بجامع البصرة حلقة عظيمة.
حدث عنه: الحافظ أبو ذر الهروي، وأبو جعفر محمد بن أحمد السمناني، وقاضي الموصل، والحسين بن حاتم الأصولي.
قال أبو بكر الخطيب كان ورده في كل ليلة عشرين ترويحة في الحضر والسفر، فإذا فرغ منها، كتب خمسا وثلاثين ورقة من تصنيفه. سمعت أبا الفرج محمد بن عمران يقول ذلك. وسمعت علي بن محمد الحربي يقول: جميع ما كان يذكر أبو بكر بن الباقلاني من الخلاف بين الناس صنفه من حفظه، وما صنف أحد خلافا إلا احتاج أن يطالع كتب المخالفين، سوى ابن الباقلاني.
قلت: أخذ القاضي أبو بكر المعقول عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد الطائي صاحب أبي الحسن الأشعري.
وقد سار القاضي رسولا عن أمير المؤمنين إلى طاغية الروم، وجرت له أمور، منها أن الملك أدخله عليه من باب خوخة ليدخل راكعا للملك، ففطن لها القاضي، ودخل بظهره.
ومنها أنه قال لراهبهم: كيف الأهل والأولاد؟ فقال الملك: مه! أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا؟ فقال: تنزهونه عن هذا، ولا تنزهون رب العالمين عن الصاحبة والولد!(أعلام/628)
وقيل: إن الطاغية سأله: كيف جرى لزوجة نبيكم؟ -يقصد توبيخا- فقال: كما جرى لمريم بنت عمران، وبرأهما الله، لكن عائشة لم تأت بولد. فأفحمه.
قال الخطيب سمعت أبا بكر الخوارزمي يقول: كل مصنف ببغداد إنما ينقل من كتب الناس سوى القاضي أبي بكر، فإنما صدره يحوي علمه وعلم الناس.
وقال أبو محمد البافي: لو أوصى رجل بثلث ماله لأفصح الناس لوجب أن يدفع إلى أبي بكر الأشعري.
قال أبو حاتم محمود بن الحسين القزويني: كان ما يضمره القاضي أبو بكر الأشعري من الورع والدين أضعاف ما كان يظهره، فقيل له في ذلك، فقال: إنما أظهر ما أظهره غيظا لليهود والنصارى، والمعتزلة والرافضة، لئلا يستحقروا علماء الحق.
وعمل بعضهم في موت القاضي:
انظر إلى جبل تمشي الرجال به
وانظر إلى القبر ما يحوي من الصلف
وانظر إلى صارم الإسلام منغمدا
وانظر إلى درة الإسلام في الصدف
مات في ذي القعدة، سنة ثلاث وأربعمائة، وصلى عليه ابنه حسن، وكانت جنازته مشهودة، وكان سيفا على المعتزلة والرافضة والمشبهة، وغالب قواعده على السنة، وقد أمر شيخ الحنابلة أبو الفضل التميمي مناديا يقول بين يدي جنازته: هذا ناصر السنة والدين، والذاب عن الشريعة، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة. ثم كان يزور قبره كل جمعة.
قيل: ناظر أبو بكر أبا سعيد الهاروني، فأسهب، ووسع العبارة، ثم قال للجماعة: إن أعاد ما قلت، قنعت به عن الجواب. فقال الهاروني: بل إن أعاد ما قاله، سلمت له.(أعلام/629)
ابن البخاري
الشيخ العدل، الكبير المسند أبو البركات هبة الله بن محمد بن علي بن أحمد البغدادي ابن البخاري، وهو المبخر.
ولد سنة أربع وثلاثين وأربعمائة.
سمع أبا طالب ابن -غيلان، وأبا القاسم التنوخي، وأبا علي ابن المذهب، وأبا محمد الجوهري، وأبا الحسن الباقلاني، وأبا طالب العشاري.
وعنه: عبد الجبار بن هبة الله البندار، والصائن ابن عساكر، ويحيى بن بوش، وجماعة.
وكان صحيح السماع، توفي في رجب سنة تسع عشرة وخمسمائة ببغداد.(أعلام/630)
ابن البطي
الشيخ الجليل العالم الصدوق، مسند العراق، أبو الفتح، محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان البغدادي الحاجب بن البطي.
ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
اعتنى به والده من الصغر، أجاز له أبو نصر محمد بن محمد الزينبي.
وسمع من: عاصم بن الحسن العاصمي، ومالك بن أحمد البانياسي، وعلي بن محمد بن محمد الأنباري الخطيب، ورزق الله التميمي، وعبد الله بن علي بن زكري الدقاق، وطراد الزينبي، والحسين بن طلحة النعالي، وأبي الفضل بن خيرون، وعبد الواحد بن علي بن فهد، وثابت بن بندار، ونصر بن البطر، وأبي عبد الله الحميدي، وحمد بن أحمد الحداد سمع منه كتاب " الحلية " كله، وأحمد بن عمر السمرقندي المقرئ، وأبي بكر بن الخاضبة، وهو الذي حرص عليه وأسمعه، وحمزة بن محمد الزبيري صاحب الحرفي، وأحمد بن عبد القادر بن يوسف، وأبي الحسن علي بن الحسين بن أيوب، وأبي بكر الطريثيثي، والحسين بن علي بن البسري، وعلي بن الحسين الربعي، وأبي طاهر أحمد بن الحسن الكرخي، وعبد الجليل بن محمد الساوي، وأبي سعد محمد بن علي بن السرفرتج الأصبهاني، وجعفر السراج، والحسن بن عبد الملك اليوسفي، وجماعة سواهم.
وعمر، وتفرد، ورحل إليه، وروى شيئا كثيرا.
حدث عنه: ابن عساكر وابن الجوزي، وابن الأخضر، والحافظ عبد الغني، وأبو الفتوح بن الحصري، والشيخ الموفق، وإبراهيم بن البرني والشيخ الفخر ابن تيمية، والشهاب أبو حفص السهروردي، ومحمد بن إبراهيم المغازلي.
وعمر بن محمد بن أبي الريان، وعلي بن كبة، وتامر بن مطلق، وزهرة بنت حاضر، وإسماعيل بن باتكين، وعلي بن الجوزي وسعيد بن محمد بن ياسين، ومحمد بن محمد بن السباك، والأنجب بن أبي السعادات، ومحمد بن عماد، والحسين بن علي بن رئيس الرؤساء، وخليل الجوسقي وأحمد بن يحيى بن البراج.(أعلام/631)
والموفق عبد اللطيف بن يوسف، وداود بن الفاخر، وأبو علي بن الجواليقي، وعلي بن أبي الفخار الهاشمي، وعبد الله بن عمر بن اللتي، وعبد اللطيف بن محمد القبيطي، ومحمد بن بهروز الطبيب، وأحمد بن المعز الحراني، وجمال النساء بنت أبي بكر الغراف، وإبراهيم بن عثمان الكاشغري، وآخر من روى عنه بالإجازة الرشيد بن مسلمة، وعيسى بن سلامة الحراني.
قال ابن نقطة: حدث ابن البطي ب " حلية الأولياء " عن حمد الحداد، وهو ثقة، صحيح السماع، سمع منه الأئمة والحفاظ.
وقال الشيخ موفق الدين: هو شيخنا وشيخ أهل بغداد في وقته، وأكثر سماعاته على أبي الفضل بن خيرون، وما روى لنا عن رزق الله والحميدي وحمد غيره، وكان ثقة سهلا في السماع.
وقال ابن النجار: كان حريصا على نشر العلم، صدوقا، حصل أكثر مسموعاته شراء ونسخا، ووقفها، سمع منه الحافظ ابن ناصر، وسعد الخير، والكبار.
قال ابن مشق توفي يوم الخميس سابع وعشرين جمادى الأولى سنة أربع وستين وخمسمائة ودفن بمقبرة باب أبرز.
ومات أبو بكر أحمد بن عبد الباقي أخو ابن البطي بعده بسنة وقد شاخ، روى عن ابن طلحة النعالي، وأبي القاسم الربعي.
ومات مع ابن البطي سعد الله بن نصر الدجاجي والمظفر مجير الدين أبق بن محمد بن تاج الملوك الذي كان صاحب دمشق، فأخذها منه نور الدين، ووزير مصر شاور بن مجير السعدي ووزير مصر أسد الدين شيركوه بن شاذي، والمحدث عبد الخالق بن أسد الحنفي، وأبو مروان بن قزمان عبد الرحمن القرطبي الفقيه، وشيخ القراء ابن هذيل، وقاضي دمشق الزكي علي بن محمد بن يحيى القرشي، ومعمر بن الفاخر، والشيخ علي الهيتي.(أعلام/632)
ابن التيهان
أبو الهيثم، مالك بن التيهان بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة الأنصاري حليف بني عبد الأشهل. قاله جماعة.
وقال عبد الله بن محمد بن عمارة الأنصاري: هو من الأوس، من أنفسهم.
ثم قال: هو ابن التيهان بن مالك بن عمرو بن زيد بن عمرو بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس. وأمه من بني جشم المذكور.
قال الواقدي: كان أبو الهيثم يكره الأصنام في الجاهلية ويؤفف بها، ويقول بالتوحيد هو وأسعد بن زرارة، وكانا من أول من أسلم من الأنصار بمكة. ويجعل في الثمانية الذين لقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، ويجعل في الستة، وفي أهل العقبة الأولى الاثني عشر، وفي السبعين.
آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عثمان بن مظعون. شهد بدرا والمشاهد، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر خارصا بعد ابن رواحة.
وعن محمد بن يحيى بن حبان أن أبا الهيثم بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارصا، ثم بعثه أبو بكر، فأبى وقال: إني كنت إذا خرصت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجعت، دعا لي.
وعن صالح بن كيسان قال: توفي أبو الهيثم في خلافة عمر
وقال غيره: توفي سنة عشرين.
قال الواقدي: هذا أثبت عندنا ممن روى أنه قتل بصفين مع علي.
أخبرنا سنقر، أخبرنا عبد اللطيف، أنبأنا عبد الحق، أنبأنا أبو الحسن الحاجب، أنبأنا أبو الحسن الحمامي، أنبأنا ابن قانع، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن جامع العطار، حدثنا عبد الحكيم بن منصور، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة عن أبي الهيثم بن التيهان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " المستشار مؤتمن ".(أعلام/633)
ابن الحاجب
المحدث البارع مفيد الطلبة عز الدين عمر بن محمد بن منصور الأميني الدمشقي ابن الحاجب الجندي صاحب " المعجم الكبير " من أذكياء الطلبة وأشدهم عناية.
سمع هبة الله بن طاوس، وموسى بن عبد القادر، والموفق، والفتح، وطبقتهم، وكتب الكثير، وصنف ولم يبلغ الأربعين.
سمع منه أبو حامد ابن الصابوني وجماعة.
قرأت بخط الحافظ الضياء: وفي شعبان سنة ثلاثين وستمائة توفي صاحبنا الشاب الحافظ ابن الحاجب. قال: وكان دينا خيرا ثبتا متيقظا.(أعلام/634)
ابن الحداد
الإمام، شيخ المالكية أبو عثمان، سعيد بن محمد بن صبيح بن الحداد المغربي، صاحب سحنون وهو أحد المجتهدين، وكان بحرا في الفروع، ورأسا في لسان العرب، بصيرا بالسنن.
وكان يذم التقليد ويقول: هو من نقص العقول، أو دناءة الهمم.
ويقول: ما للعالم وملاءمة المضاجع.
وكان يقول: دليل الضبط الإقلال، ودليل التقصير الإكثار.
وكان من رءوس السنة.
قال ابن حارث: له مقامات كريمة، ومواقف محمودة في الدفع عن الإسلام، والذب عن السنة، ناظر فيها أبا العباس المعجوقي أخا أبي عبد الله الشيعي الداعي إلى دولة عبيد الله، فتكلم ابن الحداد ولم يخف سطوة سلطانهم، حتى قال له ولده أبو محمد: يا أبة، اتق الله في نفسك ولا تبالغ. قال: حسبي من له غضبت، وعن دينه ذببت.
وله مع شيخ المعتزلة الفراء مناظرات بالقيروان، رجع بها عدد من المبتدعة.
وقيل: إنه صنف في الرد على " المدونة " وألف أشياء.
قال أبو بكر بن اللباد: بينا سعيد بن الحداد جالس أتاه رسول عبيد الله -يعني المهدي - قال: فأتيته وأبو جعفر البغدادي واقف، فتكلمت بما حضرني، فقال: اجلس. فجلست، فإذا بكتاب لطيف، فقال لأبي جعفر: اعرض الكتاب على الشيخ. فإذا حديث غدير خم. قلت: وهو صحيح، وقد رويناه.
فقال عبيد الله: فما للناس لا يكونون عبيدنا؟ قلت: أعز الله السيد، لم يرد ولاية الرق، بل ولاية الدين، قال: هل من شاهد؟ قلت: قال الله تعالى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله فما لم يكن لنبي الله لم يكن لغيره. قال: انصرف لا ينالك الحر. فتبعني البغدادي فقال. اكتم هذا المجلس.(أعلام/635)
وقال موسى بن عبد الرحمن القطان: لو سمعتم سعيد بن الحداد في تلك المحافل -يعني مناظرته للشيعي - وقد اجتمع له جهارة الصوت، وفخامة المنطق، وفصاحة اللسان، وصواب المعاني، لتمنيتم أن لا يسكت.
وقيل: إن ابن الحداد تحول شافعيا من غير تقليد، ولا يعتقد مسألة إلا بحجة. وكان حسن البزة، لكنه كان يتقوت باليسير، ولم يحج، وكان كثير الرد على الكوفيين.
وقيل: إنه سار لتلقي أبي عبد الله الشيعي، فقال له: يا شيخ، بم كنت تقضي؟ فقال إبراهيم بن يونس: بالكتاب والسنة. قال: فما السنة؟ قال: السنة السنة. قال ابن الحداد: فقلت للشيعي: المجلس مشترك أم خاص؟ قال: مشترك. فقلت: أصل السنة في كلام العرب المثال، قال الشاعر:
تريك سنة وجه غير مقرفة
ملساء ليس بها خال ولا ندب
أي: صورة وجه ومثاله. والسنة محصورة في ثلاث: الائتمار بما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، والانتهاء عما نهى عنه، والائتساء بما فعل.
فقال الشيعي: فإن اختلف عليك النقل، وجاءت السنة من طرق؟ قلت: أنظر إلى أصح الخبرين، كشهود عدول اختلفوا في شهادة، قال: فلو استووا في الثبات؟ قلت: يكون أحدهما ناسخا للآخر. قال: فمن أين قلتم بالقياس؟ قلت: من كتاب الله يحكم به ذوا عدل منكم.
فالصيد معلومة عينه، فالجزاء أمرنا أن نمثله بشيء من النعم، ومثله في تثبيت القياس: لعلمه الذين يستنبطونه والاستنباط غير منصوص.(أعلام/636)
ثم عطف على موسى القطان فقال: أين وجدتم حد الخمر في كتاب الله، تقول: اضربوه بالأردية وبالأيدي ثم بالجريد؟ . فقلت أنا: إنما حد قياسا على حد القاذف ; لأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى فأوجب عليه ما يئول إليه أمره. قال: أولم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وأقضاكم علي. . فساق له موسى تمامه وهو: وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ، وأرأفكم أبو بكر، وأشدكم في دين الله عمر.
قال: كيف يكون أشدهم وقد هرب بالراية يوم خيبر؟ قال موسى: ما سمعنا بهذا. فقلت: إنما تحيز إلى فئة فليس بفار.
وقال في: لا تحزن إن الله معنا إنما نهاه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن حزنه ; لأنه كان مسخوطا. قلت: لم يكن قوله إلا تبشيرا بأنه آمن على رسول الله وعلى نفسه، فقال أين نظير ما قلت؟ قلت: قوله لموسى وهارون: لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فلم يكن خوفهما من فرعون خوفا بسخط الله.
ثم قال: يا أهل البلدة: إنكم تبغضون عليا؟ قلت: على مبغضه لعنة الله. فقال: صلى الله عليه. قلت: نعم، ورفعت صوتي: صلى الله عليه وسلم ; لأن الصلاة في خطاب العرب الرحمة والدعاء. قال: ألم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ قلت: نعم، إلا أنه قال: إلا أنه لا نبي بعدي وهارون كان حجة في حياة موسى، وعلي لم يكن حجة في حياة النبي، وهارون فكان شريكا، أفكان علي شريكا للنبي -صلى الله عليه وسلم- في النبوة؟ ! وإنما أراد التقريب والوزارة والولاية.
قال: أوليس هو أفضل؟ قلت: أليس الحق متفقا عليه؟ قال: نعم. قلت: قد ملكت مدائن قبل مدينتنا، وهي أعظم مدينة، واستفاض عنك أنك لم تكره أحدا على مذهبك، فاسلك بنا مسلك غيرنا ونهضنا.(أعلام/637)
قال ابن الحداد: ودخلت يوما على أبي العباس، فأجلسني معه في مكانه وهو يقول لرجل: أليس المتعلم محتاجا إلى المعلم أبدا؟ فعرفت أنه يريد الطعن على الصديق في سؤاله عن فرض الجدة فبدرت وقلت: المتعلم قد يكون أعلم من المعلم وأفقه وأفضل لقوله -عليه السلام-: رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. . ثم معلم الصغار القرآن يكبر أحدهم ثم يصير أعلم من المعلم.
قال: فاذكر من عام القرآن وخاصه شيئا؟ قلت: قال تعالى: ولا تنكحوا المشركات فاحتمل المراد بها العام، فقال تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فعلمنا أن مراده بالآية الأولى خاص، أراد: ولا تنكحوا المشركات غير الكتابيات من قبلكم حتى يؤمن، قال: ومن هن المحصنات؟ قلت: العفائف، قال: بل المتزوجات.
قلت: الإحصان في اللغة: الإحراز، فمن أحرز شيئا فقد أحصنه، والعتق يحصن المملوك ; لأنه يحرزه عن أن يجري عليه ما على المماليك، والتزويج يحصن الفرج ; لأنه أحرزه عن أن يكون مباحا، والعفاف إحصان للفرج.
قال: ما عندي الإحصان إلا التزويج. قلت له: منزل القرآن يأبى ذلك، قال: ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها أي أعفته. وقال: محصنات غير مسافحات عفائف، قال: فقد قال في الإماء: فإذا أحصن وهن عندك قد يكن عفائف.
قلت: سماهن بمتقدم إحصانهن قبل زناهن، قال تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم وقد انقطعت العصمة بالموت، يريد اللاتي كن أزواجكم، قال: يا شيخ، أنت تلوذ. قلت: لست ألوذ ; أنا المجيب لك، وأنت الذي تلوذ بمسألة أخرى، وصحت: ألا أحد يكتب ما أقول وتقول. قال: فوقى الله شره. وقال: كأنك تقول: أنا أعلم الناس.(أعلام/638)
قلت: أما بديني فنعم. قال: فما تحتاج إلى زيادة فيه؟ قلت: لا، قال: فأنت إذا أعلم من موسى إذ يقول: هل أتبعك على أن تعلمني قال: هذا طعن على نبوة موسى، موسى ما كان محتاجا إليه في دينه، كلا ; إنما كان العلم الذي عند الخضر دنياويا ; سفينة خرقها، وغلاما قتله، وجدارا أقامه، وذلك كله لا يزيد في دين موسى، قال: فأنا أسألك.
قلت: أورد وعلي الإصدار بالحق بلا مثنوية قال: ما تفسير الله؟ قلت: ذو الإلهية، قال: وما هي؟ قلت: الربوبية، قال: وما الربوبية؟ قلت: المالك الأشياء كلها، قال: فقريش في جاهليتها كانت تعرف الله؟ قلت: لا، قال: فقد أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله.
قلت: لما أشركوا معه غيره قالوا، وإنما يعرف الله من قال: إنه لا شريك له. وقال تعالى: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون فلو كانوا يعبدونه ما قال: لا أعبد ما تعبدون إلى أن قال: فقلت: المشركون عبدة الأصنام الذين بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم عليا ليقرأ عليهم سورة براءة. قال: وما الأصنام؟ قلت: الحجارة. قال: والحجارة أتعبد؟ قلت: نعم، والعزى كانت تعبد وهي شجرة، والشعرى كانت تعبد وهي نجم.
قال: فالله يقول: أمن لا يهدي إلا أن يهدى فكيف تقول: إنها الحجارة؟ والحجارة لا تهتدي إذا هديت ; لأنها ليست من ذوات العقول. قلت: أخبرنا الله أن الجلود تنطق وليست بذوات عقول، قال: نسب إليها النطق مجازا. قلت: منزل القرآن يأبى ذلك فقال: اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم إلى أن قال: قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وما الفرق بين جسمنا والحجارة؟ ولو لم يعقلنا لم نعقل، وكذا الحجارة إذا شاء أن تعقل عقلت.(أعلام/639)
وقيل: لم ير أغزر دمعة من سعيد بن الحداد، وكان قد صحب النساك، وكان مقلا حتى مات أخ له بصقلية، فورث منه أربعمائة دينار، فبنى منها داره بمائتي دينار، واكتسى بخمسين دينارا. وكان كريما حليما.
روى عنه ولده، أبو محمد، عبد الله شيخ ابن أبي زيد.
وكان يقول: القرب من السلطان في غير هذا الوقت حتف من الحتوف، فكيف اليوم؟
وقال: من طالت صحبته للدنيا وللناس فقد ثقل ظهره. خاب السالون عن الله، المتنعمون بالدنيا. من تحبب إلى العباد بالمعاصي بغضه الله إليهم.
وقال: لا تعدلن بالوحدة شيئا، فقد صار الناس ذئابا.
وقال: ما صد عن الله مثل طلب المحامد، وطلب الرفعة.
وله:
بعد سبعين حجة وثمان
قد توفيتها من الأزمان
يا خليلي قد دنا الموت مني
فابكياني -هديتما- وانعياني
قال القاضي عياض: مات أبو عثمان سنة اثنتين وثلاثمائة وله ثلاث وثمانون سنة، رحمه الله.(أعلام/640)
ابن الحنفية وابناه (ع)
السيد الإمام أبو القاسم وأبو عبد الله، محمد بن الإمام علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، شيبة بن هاشم، عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، القرشي الهاشمي، المدني، أخو الحسن والحسين، وأمه من سبي اليمامة زمن أبي بكر الصديق، وهي خولة بنت جعفر الحنفية.
فروى الواقدي، حدثني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء قالت: رأيت الحنفية وهي سوداء، مشرطة حسنة الشعر، اشتراها علي بذي المجاز، مقدمه من اليمن، فوهبها لفاطمة فباعتها، فاشتراها مكمل الغفاري فولدت له عونة.
وقيل: بل تزوج بها مكمل، فولدت له عونة، وقيل: إن أبا بكر وهبها عليا.
ولد في العام الذي مات فيه أبو بكر.
ورأى عمر، وروى عنه، وعن أبيه، وأبي هريرة، وعثمان، وعمار بن ياسر، ومعاوية، وغيرهم.
حدث عنه بنوه عبد الله، والحسن، وإبراهيم، وعون، وسالم بن أبي الجعد، ومنذر الثوري، وأبو جعفر الباقر، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعمرو بن دينار، ومحمد بن قيس بن مخرمة، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وآخرون.
ووفد على معاوية، وعبد الملك بن مروان، وكانت الشيعة في زمانه تتغالى فيه، وتدعي إمامته، ولقبوه بالمهدي، ويزعمون أنه لم يمت.
قال أبو عاصم النبيل: صرع محمد بن علي مروان يوم الجمل، وجلس على صدره. قال: فلما وفد على عبد الملك قال له: أتذكر يوم جلست على صدر مروان؟ قال: عفوا يا أمير المؤمنين. قال: أم والله ما ذكرته لك وأنا أريد أن أكافئك ; لكن أردت أن تعلم أني قد علمت.(أعلام/641)
الواقدي: حدثنا معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه، قال: لما صار محمد بن علي إلى المدينة، وبنى داره بالبقيع، كتب إلى عبد الملك يستأذنه في الوفود عليه، فأذن له، فوفد عليه في سنة ثمان وسبعين إلى دمشق، فأنزله بقربه، وكان يدخل على عبد الملك في إذن العامة، فيسلم مرة ويجلس، ومرة ينصرف. فلما مضى شهر، كلم عبد الملك خاليا، فذكر قرابته ورحمه، وذكر دينا، فوعده بقضائه، ثم قضاه وقضى جميع حوائجه.
قلت: كان مائلا إلى عبد الملك لإحسانه إليه، ولإساءة ابن الزبير إليه.
قال الزبير بن بكار: سمته الشيعة المهدي، فأخبرني عمي مصعب قال: قال كثير عزة:
هو المهدي أخبرناه كعب
أخو الأحبار في الحقب الخوالي
فقيل له: ألقيت كعبا؟ قال: قلته بالتوهم وقال أيضا:
ألا إن الأئمة من قريش
ولاة الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه هم
الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر
وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا تراه العين حتى
يقود الخيل يقدمها لواء
تغيب -لا يرى- عنهم زمانا
برضوى عنده عسل وماء
وقد رواها عمر بن عبيدة لكثير بن كثير السهمي.
قال الزبير كانت شيعة ابن الحنفية يزعمون أنه لم يمت، وفيه يقول السيد الحميري:
ألا قل للوصي فدتك نفسي
أطلت بذلك الجبل المقاما
أضر بمعشر والوك منا
وسموك الخليفة والإماما
وعادوا فيك أهل الأرض
طرا مقامك عنهم ستين عاما
وما ذاق ابن خولة طعم موت
ولا وارت له أرض عظاما
لقد أمسى بمورق شعب رضوى
تراجعه الملائكة الكلاما
وإن له به لمقيل صدق
وأندية تحدثه كراما
هدانا الله إذ خزتم لأمر
به وعليه نلتمس التماما
تمام مودة المهدي حتى
تروا راياتنا تترى نظاما
وللسيد الحميري:
يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى(أعلام/642)
وبنا إليه من الصبابة أولق
حتى متى، وإلى متى، وكم المدى
يا ابن الوصي وأنت حي ترزق
قال محمد بن سعد: مولده في خلافة أبي بكر.
الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: رأيت أم محمد ابن الحنفية سندية سوداء، كانت أمة لبني حنيفة، لم تكن منهم; وإنما صالحهم خالد على الرقيق، ولم يصالحهم على أنفسهم.
وكناه أبو عمر الضرير والبخاري أبا القاسم.
قال فطر بن خليفة، عن منذر، سمع ابن الحنفية يقول: كانت رخصة لعلي قال: يا رسول الله، إن ولد لي بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم.
وقال يزيد بن هارون: أنبأنا أبو مالك الأشجعي، حدثنا سالم بن أبي الجعد، أنه كان مع محمد بن الحنفية في الشعب، فقلت له ذات يوم: يا أبا عبد الله - وكناه بها.
النسائي، وأبو أحمد، وروى ابن حميد، حدثنا سلمة الأبرش، حدثنا زهير، عن يحيى بن سعيد، قلت لابن المسيب: ابن كم كنت في خلافة عمر؟ قال: ولدت لسنتين بقيتا من خلافته. فذكرت ذلك لمحمد بن الحنفية، فقال: ذاك مولدي.
روى الربيع بن منذر الثوري، عن أبيه قال: وقع بين علي وطلحة كلام، فقال طلحة: لجرأتك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سميت باسمه وكنيت بكنيته، وقد نهى أن يجمعهما أحد. قال: إن الجريء من اجترأ على الله ورسوله، اذهب يا فلان فادع لي فلانا وفلانا لنفر من قريش، فجاءوا فقال: بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: سيولد لك بعدي غلام، فقد نحلته اسمي وكنيتي، ولا تحل لأحد من أمتي بعده رواه ثقتان عن الربيع، وهو مرسل.
زيد بن الحباب: حدثنا الربيع بن منذر، حدثنا أبي، سمعت ابن الحنفية يقول: دخل عمر وأنا عند أختي أم كلثوم، فضمني وقال: ألطفيه بالحلواء.(أعلام/643)
سالم بن أبي حفصة: عن منذر، عن ابن الحنفية، قال: حسن وحسين خير مني، ولقد علما أنه كان يستخليني دونهما، وإني صاحب البغلة الشهباء.
قال إبراهيم بن الجنيد: لا نعلم أحدا أسند عن علي أكثر ولا أصح مما أسند ابن الحنفية.
إسرائيل: عن عبد الأعلى، أن محمد بن علي كان يكنى أبا القاسم.
وكان ورعا كثير العلم.
وقال خليفة قال أبو اليقظان: كانت راية علي -رضي الله عنه- لما سار من ذي قار مع ابنه محمد.
ابن سعد حدثنا أبو نعيم، حدثنا فطر عن منذر الثوري، قال: كنت عند محمد بن الحنفية فقال: ما أشهد على أحد بالنجاة، ولا أنه من أهل الجنة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا على أبي، فنظر إليه القوم، فقال: من كان في الناس مثل علي سبق له كذا، سبق له كذا.
أبو شهاب الحناط، عن ليث، عن محمد الأزدي، عن ابن الحنفية، قال: أهل بيتين من العرب يتخذهما الناس أندادا من دون الله: نحن، وبنو عمنا هؤلاء ; يريد بني أمية.
أبو نعيم: حدثنا عبثر أبو زبيد، عن سالم بن أبي حفصة، عن منذر أبي يعلى، عن محمد قال: نحن أهل بيتين من قريش نتخذ من دون الله أندادا ; نحن وبنو أمية.
أبو نعيم: حدثنا إسماعيل بن مسلم الطائي، عن أبيه قال: كتب عبد الملك: من عبد الملك أمير المؤمنين إلى محمد بن علي، فلما نظر محمد إلى عنوان الكتاب قال: إنا لله، الطلقاء ولعناء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنابر! والذي نفسي بيده إنها لأمور لم يقر قرارها.
قلت: كتب إليه يستميله فلما قتل ابن الزبير واتسق الأمر لعبد الملك بايع محمد.(أعلام/644)
الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون، قال ابن الحنفية: وفدت على عبد الملك فقضى حوائجي، وودعته، فلما كدت أن أتوارى ناداني: يا أبا القاسم، يا أبا القاسم، فرجعت، فقال: أما إن الله يعلم أنك يوم تصنع بالشيخ ما تصنع ظالم له -يعني، لما أخذ يوم الدار مروان فدغته بردائه- قال عبد الملك: وأنا أنظر يومئذ ولي ذؤابة.
إبراهيم بن بشار: حدثنا ابن عيينة، سمع الزهري يقول: قال رجل لابن الحنفية: ما بال أبيك كان يرمي بك في مرام لا يرمي فيها الحسن والحسين؟ قال: لأنهما كانا خديه وكنت يده، فكان يتوقى بيديه عن خديه.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن ابن كليب، أنبأنا ابن بيان، أنبأنا ابن مخلد، أنبأنا إسماعيل الصفار، حدثنا ابن عرفة، حدثنا ابن المبارك، عن الحسن بن عمرو، عن منذر الثوري، عن ابن الحنفية قال: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله من أمره فرجا، أو قال: مخرجا.
وعن ابن الحنفية قال: من كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قدر.
وعنه: أن الله جعل الجنة ثمنا لأنفسكم فلا تبيعوها بغيرها.(أعلام/645)
ابن الخشاب
الشيخ الإمام العلامة المحدث، إمام النحو أبو محمد، عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر، البغدادي ابن الخشاب، من يضرب به المثل في العربية، حتى قيل: إنه بلغ رتبة أبي علي الفارسي.
ولد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
وسمع من: أبي القاسم علي بن الحسين الربعي، وأبي النرسي، ويحيى بن عبد الوهاب بن منده، وأبي عبد الله البارع، وأبي غالب البناء، وهبة الله بن الحصين، وعدة.
وقرأ كثيرا، وحصل الأصول.
وأخذ الأدب عن أبي علي بن المحول شيخ اللغة، وأبي السعادات بن الشجري، وعلي بن أبي زيد الفصيحي، وأبي منصور موهوب بن الجواليقي، وأبي بكر بن جوامرد النحوي.
وفاق أهل زمانه في علم اللسان، كتب بخطه المليح المضبوط شيئا كثيرا، وبالغ في السماع حتى قرأ على أقرانه، وحصل من الكتب شيئا لا يوصف، وتخرج به في النحو خلق.
حدث عنه: السمعاني، وأبو اليمن الكندي، والحافظ عبد الغني، والشيخ الموفق، وأبو البقاء العكبري، ومحمد بن عماد، وفخر الدين بن تيمية، ومنصور بن أحمد بن المعوج.
قال السمعاني: هو شاب كامل فاضل، له معرفة تامة بالأدب واللغة والنحو والحديث، يقرأ الحديث قراءة حسنة صحيحة سريعة مفهومة، سمع الكثير، وحصل الأصول من أي وجه، كان يضن بها، سمعت بقراءته كثيرا، وكان يديم القراءة طول النهار من غير فتور، سمعت أبا شجاع البسطامي يقول: قرأ علي بن الخشاب " غريب الحديث " لأبي محمد القتبي قراءة ما سمعت قبلها مثلها في الصحة والسرعة، وحضر جماعة من الفضلاء، فكانوا يريدون أن يأخذوا عليه فلتة لسان، فما قدروا.(أعلام/646)
وقال ابن النجار: أخذ ابن الخشاب الحساب والهندسة عن أبي بكر قاضي المرستان، وأخذ الفرائض عن أبي بكر المزرفي وكان ثقة، ولم يكن في دينه بذاك، وقرأت بخط الشيخ الموفق: كان ابن الخشاب إمام أهل عصره في علم العربية، حضرت كثيرا من مجالسه، ولم أتمكن من الإكثار عنه لكثرة الزحام عليه، وكان حسن الكلام في السنة وشرحها.
قال ابن الأخضر: كنت عنده وعنده جماعة من الحنابلة، فسأله مكي الغراد: هل عندك كتاب الجبال؟ فقال: يا أبله! ما تراهم حولي؟
وقيل: إنه سئل: أيمد القفا أو يقصر؟ فقال: يمد، ثم يقصر. وكان مزاحا.
وقيل: عرض اثنان عليه شعرا لهما، فسمع للأول، ثم قال: أنت أردأ شعرا منه. قال: كيف تقول هذا ولم تسمع قول الآخر؟ قال: لأن هذا لا يكون أردأ منه.
وقال لرجل: ما بك؟ قال: فؤادي. قال: لو لم تهمزه لم يوجعك.
قال حمزة بن القبيطي: كان ابن الخشاب يتعمم بالعمامة وتبقى مدة حتى تسود وتتقطع من الوسخ وعليها ذرق العصافير.
وقال ابن الأخضر: ما تزوج ابن الخشاب ولا تسرى، وكان قذرا يستقي بجرة مكسورة، عدناه في مرضه، فوجدناه بأسوء حال، فنقله القاضي أبو القاسم بن الفراء إلى داره، وألبسه ثوبا نظيفا، وأحضر الأشربة والماورد، فأشهدنا بوقف كتبه، فتفرقت وباع أكثرها أولاد العطار حتى بقي عشرها، فترك برباط المأمونية.
قال ابن النجار كان بخيلا متبذلا، يلعب بالشطرنج على الطريق، ويقف على المشعوذ، ويمزح، ألف في الرد على الحريري في " مقاماته " وشرح " اللمع "، وصنف في الرد على أبي زكريا التبريزي.
وقال القفطي عبارته أجود من قلمه، وكان ضيق العطن، ما كمل تصنيفا.
قال ابن النجار: سمعت المبارك بن المبارك النحوي يقول: كان ابن الخشاب إذا نودي على كتاب، أخذه وطالعه، وغل ورقه، ثم يقول: هو مقطوع، فيشتريه برخص.(أعلام/647)
قلت: لعله تاب، فقد قال عبد الله بن أبي الفرج الجبائي رأيت ابن الخشاب وعليه ثياب بيض، وعلى وجهه نور، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، ودخلت الجنة، إلا أن الله أعرض عني وعن كثير من العلماء ممن لا يعمل.
مات في ثالث رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة.
أخبرنا ابن الفراء، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا أبو محمد بن الخشاب. . . فذكر حديثا.(أعلام/648)
ابن الخلال
الشيخ الجليل الثقة، الرئيس أبو بكر، محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن يحيى بن يونس، الطائي الدمشقي الداراني القطان، ويعرف بابن الخلال.
حدث عن: خيثمة الأطرابلسي، وأبي الميمون بن راشد، وأبي الحسن بن حذلم، وإسحاق بن إبراهيم الأذرعي، وجماعة.
روى عنه: علي بن محمد الحنائي، وأخوه أبو القاسم إبراهيم، وأبو علي الأهوازي، وأبو سعد السمان، والقاضي أبو يعلى بن الفراء، وعبد الواحد البري، وعبد الله بن كبيبة النجار، وعبد العزيز الكتاني، وأبو القاسم بن أبى العلاء.
وكان ذا زهد وصلاح وتقوى.
قال الكتاني: توفي شيخنا أبو بكر القطان في رابع عشر ربيع الأول، سنة ست عشرة وأربعمائة.
قال: وكان قد كف بصره في آخر عمره، وكان ثقة نبيلا. مضى على سداد وأمر جميل.(أعلام/649)
ابن الدجاجي
الشيخ الأمير المعمر أبو الغنائم ; محمد بن علي بن علي بن حسن، ابن الدجاجي البغدادي، محتسب بغداد.
حدث عن: علي بن عمر الحربي، وأبي محمد بن معروف، وإسماعيل بن سويد، وطائفة. وله إجازة من المعافى بن زكريا.
حدث عنه: أبو عبد الله الحميدي، وشجاع الذهلي، وناصر بن علي الباقلاني، وطلحة بن أحمد العاقولي، ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري، وأبو منصور القزاز، وآخرون.
قال الخطيب: كان سماعه صحيحا، مات في سلخ شعبان سنة ثلاث وستين وأربعمائة عن ثلاث وثمانين سنة.
ولي الحسبة، فلم يحمد، فصرف.
قال السمعاني: قرأت بخط هبة الله السقطي أن ابن الدجاجي كان ذا وجاهة وتقدم وحال واسعة، وعهدي به وقد أخنى عليه الزمان، وقصدته في جماعة مثرين لنسمع منه وهو مريض، فدخلنا وهو على بارية وعليه جبة قد حرقت النار فيها، وليس عنده ما يساوي درهما، فحمل على نفسه حتى قرأنا عليه بحسب شره أهل الحديث، فلما خرجنا قلت: هل معكم ما نصرفه إلى الشيخ؟ فاجتمع له نحو خمسة مثاقيل، فدعوت بنته، وأعطيتها، ووقفت لأرى تسليمها له، فلما أعطته لطم حر وجهه، ونادى: وافضيحتاه آخذ على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عوضا؟ لا والله. ونهض حافيا إلي وبكى، فأعدت الذهب إليهم فتصدقوا به.(أعلام/650)
ابن الرومي
شاعر زمانه مع البحتري، أبو الحسن، علي بن العباس بن جريج، مولى آل المنصور.
له النظم العجيب، والتوليد الغريب. رتب شعره الصولي. وكان رأسا في الهجاء، وفي المديح، وهو القائل:
آراؤكم، ووجوهكم، وسيوفكم
في الحادثات إذا دجون نجوم
منها معالم للهدى ومصابح
تجلو الدجى والأخريات رجوم
مولده: سنة إحدى وعشرين ومائتين.
ومات لليلتين بقيتا من جمادى الأولى، سنة ثلاث وثمانين وقيل: سنة أربع.
قيل: إن القاسم بن عبيد الله الوزير كان يخاف من هجو ابن الرومي، فدس عليه من أطعمه خشكناكة مسمومة، فأحس بالسم، فوثب، فقال الوزير: إلى أين؟ قال: إلى موضع بعثتني إليه. قال: سلم على أبي. قال: ما طريقي على النار. فبقي أياما، ومات.(أعلام/651)
ابن السكن
الإمام الحافظ المجود الكبير أبو علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن المصري البزاز، وأصله بغدادي.
نزل مصر بعد أن أكثر الترحال ما بين النهرين: نهر جيحون، ونهر النيل، مولده سنة أربع وتسعين ومائتين. .
سمع ببغداد من أبي القاسم البغوي، وابن أبي داود، وطبقتهما، وبحران من الحافظ أبي عروبة وطائفة، وبدمشق من أحمد بن عمير بن جوصا، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي وأقرانهما، وبخراسان " صحيح البخاري " من محمد بن يوسف الفربري، فكان أول من جلب الصحيح إلى مصر، وحدث به، وقد لحق بمصر محمد بن محمد بن بدر الباهلي، وعلي بن أحمد علان، وأبا جعفر الطحاوي، وسمع بدمشق أيضا من محمد بن خريم، وجماعة من بقايا أصحاب هشام بن عمار، وسمع بنيسابور من أبي حامد بن الشرقي، ومكي بن عبدان، وأعانه على سعة الرحلة التكسب بالتجارة.
جمع وصنف، وجرح وعدل، وصحح وعلل. ولم نر تواليفه، هي عند المغاربة.
حدث عنه: أبو سليمان بن زبر، وأبو عبد الله بن منده، وعبد الغني الأزدي، وعلي بن محمد الدقاق، وعبد الرحمن بن عمر بن النحاس، وعبد الله بن محمد بن أسد القرطبي، وأبو جعفر بن عون الله، والقاضي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مفرج.
كان ابن حزم يثني على " صحيحه " المنتقى، وفيه غرائب.
توفي في المحرم سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.
وحديثه يعز وقوعه لنا، ويعسر إلا بنزول.(أعلام/652)
كتب إلى أحمد بن سلامة المقرئ، عن محمد بن حمد، عن علي بن الحسين الموصلي، أنبأنا عبد الرحيم بن أحمد الحافظ، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر المالكي، حدثنا أبو علي سعيد بن عثمان الحافظ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن سعيد ومحمد ابني عبيد، عن أبي حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. .
قال أبو علي: أبو حاتم هذا صحابي، ما روى شيئا سوى هذا الحديث.
وممن مات معه في العام: مسند أصبهان أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن أفرجه، وحافظ الوقت أبو إسحاق بن حمزة المذكور، ومقرئ بغداد أبو عيسى بكار بن أحمد، والمسند جعفر بن محمد الواسطي المؤدب، ومسند العصر أبو الفوارس شجاع بن جعفر البغدادي الوراق في عشر المائة، ومسند العجم عبد الله بن الحسن بن بندار المديني شيخ أبي نعيم، ومسند دمشق أبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب الهمداني، ومحدث دمشق أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري.(أعلام/653)
ابن السكيت
شيخ العربية، أبو يوسف، يعقوب بن إسحاق بن السكيت، البغدادي النحوي المؤدب، مؤلف كتاب " إصلاح المنطق "، دين خير، حجة في العربية. أخذ عن: أبي عمرو الشيباني، وطائفة.
روى عنه: أبو عكرمة الضبي، وأحمد بن فرح المفسر، وجماعة. وكان أبوه مؤدبا، فتعلم يعقوب، وبرع في النحو واللغة، وأدب أولاد الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر، ثم ارتفع محله، وأدب ولد المتوكل. وله من التصانيف نحو من عشرين كتابا. روى أبو عمر عن ثعلب، قال: ما عرفنا لابن السكيت خربة قط.
وقيل: إنه أدب مع أبيه الصبيان. وروى عن الأصمعي، وأبي عبيدة، والفراء، وكتبه صحيحة نافعة.
قال ثعلب: لم يكن له نفاذ في النحو، وكان يتشيع. وقال أحمد بن عبيد: شاورني يعقوب في منادمة المتوكل، فنهيته، فحمل قولي على الحسد، ولم ينته.
وقيل: كان إليه المنتهى في اللغة، وأما التصريف فقد سأله المازني عن وزن " نكتل "، فقال: " نفعل "، فرده. فقال: " نفتعل "، فقال: أتكون أربعة أحرف وزنها خمسة أحرف؟ فوقف يعقوب. فبين المازني أن وزنه " نفتل ". فقال الوزير ابن الزيات: تأخذ كل شهر ألفين ولا تدري ما وزن " نكتل "؟ فلما خرجا قال ابن السكيت للمازني: هل تدري ما صنعت بي؟ فاعتذر. ولابن السكيت شعر جيد. ويروى أن المتوكل نظر إلى ابنيه المعتز والمؤيد، فقال لابن السكيت: من أحب إليك: هما، أو الحسن والحسين؟ فقال: بل قنبر. فأمر الأتراك، فداسوا بطنه، فمات بعد يوم. وقيل: حمل ميتا في بساط. وكان في المتوكل نصب، نسأل الله العفو. مات سنة أربع وأربعين ومائتين.
قال ابن السكيت: كتب رجل إلى صديق له: قد عرضت حاجة إليك، فإن نجحت فالفاني منها حظي، والباقي حظك. وإن تعذرت فالخير مظنون بك، والعذر مقدم لك، والسلام.(أعلام/654)
قال ثعلب: أجمعوا أنه لم يكن أحد بعد ابن الأعرابي أعلم باللغة من ابن السكيت. وكان المتوكل قد ألزمه تأديب ولده المعتز، فلما حضر، قال له ابن السكيت: بم تحب أن تبدأ؟ قال: بالانصراف.
قال: فأقوم. قال المعتز: فأنا أخف منك، وبادر، فعثر، فسقط وخجل، فقال يعقوب:
يموت الفتى من عثرة بلسانه
وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته بالقول تذهب رأسه
وعثرته بالرجل تبرا على مهل
قيل: كتاب " إصلاح المنطق " كتاب بلا خطبة، وكتاب " أدب الكاتب " خطبة بلا كتاب.
قال أبو سهل بن زياد: سمعت ثعلبا يقول: عدي بن زيد العبادي أمير المؤمنين في اللغة. وكان يقول: قريبا من ذلك في ابن السكيت. قلت: " إصلاح المنطق " كتاب نفيس مشكور في اللغة.(أعلام/655)
ابن السني
الإمام الحافظ الثقة الرحال أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط الهاشمي الجعفري مولاهم الدينوري، المشهور بابن السني.
ولد في حدود سنة ثمانين ومائتين.
وارتحل فسمع من أبي خليفة الجمحي وهو أكبر مشايخه، ومن أبي عبد الرحمن النسائي وأكثر عنه، وأبي يعقوب إسحاق المنجنيقي، وعمر بن أبي غيلان البغدادي، ومحمد بن محمد بن الباغندي، وزكريا الساجي، وأبي القاسم البغوي، وعبد الله بن زيدان البجلي، وأبي عروبة الحراني، وجماهر بن محمد الزملكاني، وسعيد بن عبد العزيز، ومحمد بن خريم، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وخلق كثير.
وجمع وصنف كتاب " يوم وليلة "، وهو من المرويات الجيدة.
حدث عنه: أبو علي أحمد بن عبد الله الأصبهاني، وأبو الحسن محمد بن علي العلوي، وعلي بن عمر الأسداباذي، والقاضي أبو نصر الكسار، وعدة.
قال الحافظ عبد الغني الأزدي: كان حمزة الكناني يرفع بابن السني. قال يحيى بن عبد الوهاب بن منده: حدثنا عمي أبو القاسم، سمعت القاضي روح بن محمد الرازي سبط أبي بكر بن السني، سمعت عمي علي بن أحمد بن محمد بن إسحاق يقول: كان أبي رحمه الله يكتب الأحاديث، فوضع القلم في أنبوبة المحبرة، ورفع يديه يدعو الله عز وجل فمات. وسئل عن وفاته، فقال: في آخر سنة أربع وستين وثلاثمائة.
قلت: هو الذي اختصر " سنن " النسائي، واقتصر على رواية المختصر، وسماه " المجتنى " سمعناه عاليا من طريقه.(أعلام/656)
ومات معه الحافظ أبو الفرج أحمد بن القاسم الخشاب البغدادي بطرسوس، وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء النيسابوري الأبزاري الوراق، وأبو هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد السلمي المؤدب بدمشق، والمسند أبو الحسن علي بن أحمد بن علي المصيصي، وأمير المؤمنين الطائع لله الفضل بن المقتدر جعفر العباسي، والأمير محمد بن بدر الحمامي، وأبو الحسن محمد بن عبد الله بن إبراهيم السليطي.
قرأت على إسحاق بن طارق، أخبرنا أبو القاسم بن رواحة، أخبرنا السلفي، أخبرنا أحمد بن محمد بن مردويه، أخبرنا علي بن عمر الأسداباذي، أخبرنا أبو بكر بن السني، أخبرني إبراهيم بن محمد بن الضحاك، حدثنا محمد بن سنجر، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا بكر بن خنيس، عن ضرار بن عمرو، عن ابن سيرين أو غيره، عن الأحنف بن قيس سمع عمر رضي الله عنه يقول لحفصة: أنشدك بالله، هل تعلمين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يضع ثيابه ليغتسل، فيأتيه بلال فيؤذنه للصلاة، فما يجد ثوبا يخرج فيه إلى الصلاة حتى يلبس ثوبه، فيخرج فيه إلى الصلاة؟ إسناده واه.
أخبرنا جعفر بن محمد العلوي، أخبرنا ابن باقا، أخبرنا أبو زرعة، أخبرنا ابن حمد، أخبرنا أحمد بن الحسين، أخبرنا أبو بكر بن السني، حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي، أخبرنا محمد بن النضر بن مساور، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد، ولكنك كافر وأنا مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها. قال ثابت: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرا من أم سليم - الإسلام - فدخل بها، فولدت له.(أعلام/657)
ابن الصلاح
الإمام الحافظ العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان بن المفتي صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي، صاحب " علوم الحديث ".
مولده في سنة سبع وسبعين وخمسمائة.
وتفقه على والده بشهرزور، ثم اشتغل بالموصل مدة، وسمع من عبيد الله بن السمين، ونصر بن سلامة الهيتي، ومحمود بن علي الموصلي، وأبي المظفر بن البرني، وعبد المحسن بن الطوسي، وعدة، بالموصل. من أبي أحمد بن سكينة، وأبي حفص بن طبرزذ وطبقتهما ببغداد، ومن أبي الفضل بن المعزم بهمذان، ومن أبي الفتح منصور بن عبد المنعم بن الفراوي، والمؤيد بن محمد بن علي الطوسي، وزينب بنت أبي القاسم الشعرية، والقاسم بن أبي سعد الصفار، ومحمد بن الحسن الصرام، وأبي المعالي بن ناصر الأنصاري، وأبي النجيب إسماعيل القارئ، وطائفة بنيسابور. ومن أبي المظفر بن السمعاني بمرو، ومن أبي محمد بن الأستاذ وغيره بحلب، ومن الإمامين فخر الدين بن عساكر وموفق الدين بن قدامة وعدة بدمشق، ومن الحافظ عبد القادر الرهاوي بحران.
نعم، وبدمشق أيضا من القاضي أبي القاسم عبد الصمد بن محمد بن الحرستاني، ثم درس بالمدرسة الصلاحية ببيت المقدس مديدة، فلما أمر المعظم بهدم سور المدينة نزح إلى دمشق فدرس بالرواحية مدة عندما أنشأها الواقف، فلما أنشئت الدار الأشرفية صار شيخها، ثم ولي تدريس الشامية الصغرى.
وأشغل، وأفتى، وجمع وألف، تخرج به الأصحاب، وكان من كبار الأئمة.(أعلام/658)
حدث عنه الإمام شمس الدين بن نوح المقدسي والإمام كمال الدين سلار، والإمام كمال الدين إسحاق، والقاضي تقي الدين بن رزين، وتفقهوا به. وروى عنه أيضا العلامة تاج الدين عبد الرحمن، وأخوه الخطيب شرف الدين، ومجد الدين بن المهتار، وفخر الدين عمر الكرجي، والقاضي شهاب الدين بن الخويي، والمحدث عبد الله بن يحيى الجزائري، والمفتي جمال الدين محمد بن أحمد الشريشي، والمفتي فخر الدين عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي، وناصر الدين محمد بن عربشاه، ومحمد بن أبي الذكر، والشيخ أحمد بن عبد الرحمن الشهرزوري الناسخ، وكمال الدين أحمد بن أبي الفتح الشيباني، والشهاب محمد بن مشرف، والصدر محمد بن حسن الأرموي، والشرف محمد بن خطيب بيت الأبار، وناصر الدين محمد بن المجد بن المهتار، والقاضي أحمد بن علي الجيلي، والشهاب أحمد بن العفيف الحنفي، وآخرون.
قال القاضي شمس الدين بن خلكان بلغني أنه كرر على جميع " المهذب " قبل أن يطر شاربه، ثم أنه صار معيدا عند العلامة عماد الدين بن يونس. وكان تقي الدين أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه، وله مشاركة في عدة فنون، وكانت فتاويه مسددة، وهو أحد شيوخي الذين انتفعت بهم، أقمت عنده للاشتغال، ولازمته سنة، وهي سنة اثنتين وثلاثين، وله إشكالات على " الوسيط ".
وذكره المحدث عمر بن الحاجب في " معجمه " فقال: إمام ورع، وافر العقل، حسن السمت، متبحر في الأصول والفروع، بالغ في الطلب حتى صار يضرب به المثل، وأجهد نفسه في الطاعة والعبادة.(أعلام/659)
قلت: كان ذا جلالة عجيبة، ووقار وهيبة، وفصاحة، وعلم نافع، وكان متين الديانة، سلفي الجملة، صحيح النحلة، كافا عن الخوض في مزلات الأقدام، مؤمنا بالله، وبما جاء عن الله من أسمائه ونعوته، حسن البزة، وافر الحرمة، معظما عند السلطان، وقد سمع الكثير بمرو من محمد بن إسماعيل الموسوي، وأبي جعفر محمد بن محمد السنجي، ومحمد بن عمر المسعودي، وكان قدومه دمشق في حدود سنة ثلاث عشرة بعد أن فرغ من خراسان والعراق والجزيرة. وكان مع تبحره في الفقه مجودا لما ينقله، قوي المادة من اللغة والعربية، متفننا في الحديث متصونا، مكبا على العلم، عديم النظير في زمانه، وله مسألة ليست من قواعده شذ فيها وهي صلاة الرغائب قواها ونصرها مع أن حديثها باطل بلا تردد، ولكن له إصابات وفضائل.
ومن فتاويه أنه سئل عمن يشتغل بالمنطق والفلسفة فأجاب: الفلسفة أس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، ومن تفلسف، عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين، ومن تلبس بها، قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان، وأظلم قلبه عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: واستعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية من المنكرات المستبشعة، والرقاعات المستحدثة، وليس بالأحكام الشرعية - ولله الحمد - افتقار إلى المنطق أصلا، هو قعاقع قد أغنى الله عنها كل صحيح الذهن، فالواجب على السلطان أعزه الله أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم، ويخرجهم من المدارس ويبعدهم.(أعلام/660)
توفي الشيخ تقي الدين رحمه الله في سنة الخوارزمية في سحر يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة وحمل على الرءوس، وازدحم الخلق على سريره، وكان على جنازته هيبة وخشوع، فصلي عليه بجامع دمشق، وشيعوه إلى داخل باب الفرج فصلوا عليه بداخله ثاني مرة، ورجع الناس لمكان حصار دمشق بالخوارزمية وبعسكر الملك الصالح نجم الدين أيوب لعمه الملك الصالح عماد الدين إسماعيل، فخرج بنعشه نحو العشرة مشمرين، ودفنوه بمقابر الصوفية! وقبره ظاهر يزار في طرف المقبرة من غربيها على الطريق، وعاش ستا وستين سنة.
وقد سمع منه " علوم الحديث " له الشيخ تاج الدين وأخوه، والفخر الكرجي، والزين الفارقي، والمجد بن المهتار، والمجد بن الظهير، وظهير الدين محمود الزنجاني، وابن عربشاه، والفخر البعلي، والشريشي، والجزائري، ومحمد بن الخرقي، ومحمد بن أبي الذكر، وابن الخويي، والشيخ أحمد الشهرزوري، والصدر الأرموي، والصدر خطيب بعلبك، والعماد محمد بن الصائغ، والكمال بن العطار، وأبو اليمن بن عساكر، وعثمان بن عمر المعدل، وكلهم أجازوا لي سوى الأول.(أعلام/661)
ابن الضريس
الحافظ، المحدث، الثقة، المعمر، المصنف أبو عبد الله، محمد بن أيوب بن يحيى بن ضريس، البجلي، الرازي، صاحب كتاب: " فضائل القرآن " مولده في حدود عام مائتين.
وسمع: مسلم بن إبراهيم، والقعنبي، وأبا الوليد الطيالسي، ومحمد بن كثير العبدي، وعلي بن عثمان اللاحقي، ومسدد بن مسرهد، وأبا سلمة التبوذكي، وأحمد بن يونس، ومحمد بن سنان العوقي، وعبيد الله بن محمد العيشي.
وإسحاق بن محمد الفروي، ويحيى بن هاشم السمسار، وحفص بن عمر الحوضي، وعبد الله بن الجراح، وعبد الأعلى بن حماد، وأبا الربيع الزهراني، وسهل بن بكار، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، ومحمد بن المنهال، وطبقتهم. وانتهى إليه علو الإسناد بالعجم مع الصدق والمعرفة.
روى عنه: عبد الرحمن بن أبي حاتم، وقال: هو ثقة، وعلي بن شهريار، وأحمد بن إسحاق الطيبي وأبو عمرو إسماعيل بن نجيد، وأحمد بن عبيد الهمذاني، وخلق كثير آخرهم موتا: أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي.
قال أبو يعلى الخليلي: ابن الضريس ثقة، وهو محدث ابن محدث، وجده يحيى بن الضريس من أصحاب سفيان الثوري. .
ولما سمع أبو بكر الإسماعيلي بموت ابن الضريس -وكان يود أن يرحل إليه- صاح، ولطم، وقال لأهله: منعتموني من الرحلة إليه. قال: فرقوا وسفروني مع خالي إلى الحسن بن سفيان.
مات ابن الضريس يوم عاشوراء، سنة أربع وتسعين ومائتين بالري. وأما ابن عقدة، فأورد وفاته في سنة خمس وتسعين والأول أصح.(أعلام/662)
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله وأبو عبد الله بن أبي عصرون، وزينب بنت عمر عن المؤيد بن محمد الطوسي، أخبرنا محمد بن الفضل الفراوي (ح) : وأخبرونا عن أبي روح الهروي، أخبرنا تميم بن أبي سعيد، (ح) : وأخبرونا عن زينب الشعرية، أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم، قالوا: أخبرنا عمر بن أحمد بن مسرور، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، حدثنا محمد بن أيوب بن ضريس، حدثنا محمد بن سنان العوقي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن بديل، عن عبد الله بن شقيق، عن ميسرة الفجر، قال: قلت: يا رسول الله! متى كتبت نبيا؟ قال: كتبت نبيا وآدم بين الروح والجسد.
وبه، إلى محمد بن الضريس: أخبرنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، عن محمد بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، قال: رفعت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صبيا لها في محفة، فقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر.
أخبرنا عيسى بن يحيى، أخبرنا منصور بن الدماغ، أخبرنا السلفي، أخبرنا ابن مردويه، أخبرنا محمد بن سليمان الوكيل، أخبرنا علي بن الفصل بن شهريار، حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا خالد، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا حضرت الصلاة فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما.
ومات في سنة أربع معه: جبرون بن عيسى البلوي ومحمد بن إسحاق بن راهويه وعبيد بن محمد العجل والحسن بن مثنى العنبري ومحمود بن أحمد بن الفرج بأصبهان، وعبد الله بن أحمد بن عبد السلام الخفاف بمصر، وأحمد بن يحيى بن خالد الرقي، ومحمد بن نصر المروزي الفقيه، وموسى بن هارون الحافظ.(أعلام/663)
ابن الطراح
الشيخ العالم الصالح المسند أبو محمد، يحيى بن علي بن محمد بن علي بن الطراح البغدادي المدير.
ولد سنة بضع وخمسين وأربعمائة.
وسمع عبد الصمد بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتدي بالله، وأبا بكر الخطيب، وأبا الحسين بن النقور، ومحمد بن أحمد بن المهتدي بالله، وجماعة.
وعنه: ابن عساكر، وابن السمعاني، وابن الجوزي، وابن طبرزد، وابن الأخضر، والكندي، وعبد الكريم بن مبارك البلدي، وسليمان بن محمد الموصلي، ويحيى بن ياقوت، وحفيدته ست الكتبة بنت علي، وآخرون.
قال السمعاني: كتبت عنه الكثير، وكان صالحا ساكنا، مشتغلا بما يعنيه، كثير الرغبة في الخير وفي زيارة القبور، سمعه أبوه، وحصل له الأجزاء، وكان مدير قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي.
توفي في رابع عشر رمضان سنة ست وثلاثين وخمس مائة وقد ناطح الثمانين.
وفيها مات أبو سعد أحمد بن محمد الزوزني وأبو القاسم إسماعيل بن السمرقندي وأبو العباس بن العريف الزاهد بالغرب، وأبو عبد الله بن فطيمة البيهقي وعبد الجبار بن محمد الخواري والزاهد أبو الحكم عبد السلام بن برجان والعلامة عمر بن عبد العزيز بن مازة الحنفي وشرف الإسلام عبد الوهاب ابن الشيخ أبي الفرج الحنبلي وأبو عبد الله محمد بن علي المازري وأبو الكرم نصر الله بن محمد بن الجلخت الواسطي والإمام هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن طاوس المقرئ وأبو منصور محمود بن أحمد بن ماشاذة الواعظ(أعلام/664)
ابن العربي
العلامة صاحب التواليف الكثيرة محيي الدين أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد الطائي الحاتمي المرسي بن العربي، نزيل دمشق.
ذكر أنه سمع من ابن بشكوال وابن صاف، وسمع بمكة من زاهر بن رستم، وبدمشق من ابن الحرستاني، وببغداد. وسكن الروم مدة، وكان ذكيا كثير العلم، كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب، ثم تزهد وتفرد، وتعبد وتوحد، وسافر وتجرد، وأتهم وأنجد، وعمل الخلوات وعلق شيئا كثيرا في تصوف أهل الوحدة. ومن أردأ تواليفه كتاب " الفصوص " فإن كان لا كفر فيه، فما في الدنيا كفر، نسأل الله العفو والنجاة فواغوثاه بالله.
وقد عظمه جماعة وتكلفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات، وقد حكى العلامة ابن دقيق العيد شيخنا أنه سمع الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول عن ابن العربي: شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا.
قلت: إن كان محيي الدين رجع عن مقالاته تلك قبل الموت، فقد فاز، وما ذلك على الله بعزيز.
توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
وقد أوردت عنه في " التاريخ الكبير ". وله شعر رائق، وعلم واسع، وذهن وقاد، ولا ريب أن كثيرا من عباراته له تأويل إلا كتاب " الفصوص ".
وقرأت بخط ابن رافع أنه رأى بخط فتح الدين اليعمري أنه سمع ابن دقيق العيد يقول: سمعت الشيخ عز الدين، وجرى ذكر ابن العربي الطائي فقال: هو شيخ سوء مقبوح كذاب.(أعلام/665)
ابن العربي
الإمام العلامة الحافظ القاضي أبو بكر، محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله، ابن العربي الأندلسي الإشبيلي المالكي، صاحب التصانيف.
سأله ابن بشكوال عن مولده، فقال: في سنة ثمان وستين وأربعمائة.
سمع من خاله الحسن بن عمر الهوزني وطائفة بالأندلس.
وكان أبوه أبو محمد من كبار أصحاب أبي محمد بن حزم الظاهري بخلاف ابنه القاضي أبي بكر ; فإنه منافر لابن حزم، محط عليه بنفس ثائرة.
ارتحل مع أبيه، وسمعا ببغداد من طراد بن محمد الزينبي، وأبي عبد الله النعالي، وأبي الخطاب ابن البطر، وجعفر السراج، وابن الطيوري، وخلق، وبدمشق من الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وأبي الفضل بن الفرات، وطائفة، وببيت المقدس من مكي بن عبد السلام الزميلي، وبالحرم الشريف من الحسين بن علي الفقيه الطبري، وبمصر من القاضي أبي الحسن الخلعي، ومحمد بن عبد الله بن داود الفارسي وغيرهما.
وتفقه بالإمام أبي حامد الغزالي، والفقيه أبي بكر الشاشي، والعلامة الأديب أبي زكريا التبريزي، وجماعة.
وذكر أبو القاسم بن عساكر أنه سمع بدمشق -أيضا- من أبي البركات ابن طاوس، والشريف النسيب، وأنه سمع منه عبد الرحمن بن صابر، وأخوه، وأحمد بن سلامة الأبار، ورجع إلى الأندلس في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
قلت: رجع إلى الأندلس بعد أن دفن أباه في رحلته -أظن ببيت المقدس - وصنف، وجمع، وفي فنون العلم برع، وكان فصيحا بليغا خطيبا.(أعلام/666)
صنف كتاب " عارضة الأحوذي في شرح جامع أبي عيسى الترمذي " وفسر القرآن المجيد، فأتى بكل بديع، وله كتاب " كوكب الحديث والمسلسلات " وكتاب " الأصناف " في الفقه، وكتاب " أمهات المسائل "، وكتاب " نزهة الناظر " وكتاب " ستر العورة "، و " المحصول " في الأصول، و " حسم الداء في الكلام على حديث السوداء "، كتاب في الرسائل وغوامض النحويين، وكتاب " ترتيب الرحلة للترغيب في الملة " و " الفقه الأصغر المعلب الأصغر " وأشياء سوى ذلك لم نشاهدها.
واشتهر اسمه وكان رئيسا محتشما، وافر الأموال بحيث أنشأ على إشبيلية سورا من ماله.
حدث عنه: عبد الخالق بن أحمد اليوسفي الحافظ، وأحمد بن خلف الإشبيلي القاضي، والحسن بن علي القرطبي، وأبو بكر محمد بن عبد الله الفهري، والحافظ أبو القاسم عبد الرحمن الخثعمي السهيلي، ومحمد بن إبراهيم بن الفخار، ومحمد بن يوسف بن سعادة، وأبو عبد الله محمد بن علي الكتامي، ومحمد بن جابر الثعلبي، ونجبة بن يحيى الرعيني، وعبد المنعم بن يحيى بن الخلوف الغرناطي، وعلي بن أحمد بن لبال الشريشي، وعدد كثير، وتخرج به أئمة، وآخر من حدث في الأندلس عنه بالإجازة في سنة ست عشرة وستمائة أبو الحسن علي بن أحمد الشقوري، وأحمد بن عمر الخزرجي التاجر، أدخل الأندلس إسنادا عاليا، وعلما جما.
وكان ثاقب الذهن، عذب المنطق، كريم الشمائل، كامل السؤدد، ولي قضاء إشبيلية، فحمدت سياسته، وكان ذا شدة وسطوة، فعزل، وأقبل على نشر العلم وتدوينه.
وصفه ابن بشكوال بأكثر من هذا، وقال أخبرني أنه ارتحل إلى المشرق في سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وسمعت منه بقرطبة وبإشبيلية كثيرا.
وقال غيره: كان أبوه رئيسا وزيرا عالما أديبا شاعرا ماهرا، اتفق موته بمصر في أول سنة ثلاث وتسعين فرجع ابنه إلى الأندلس.(أعلام/667)
قال أبو بكر محمد بن طرخان: قال لي أبو محمد بن العربي: صحبت ابن حزم سبعة أعوام، وسمعت منه جميع مصنفاته سوى المجلد الأخير من كتاب " الفصل " وقرأنا من كتاب " الإيصال " له أربع مجلدات ولم يفتني شيء من تواليفه سوى هذا.
كان القاضي أبو بكر ممن يقال: إنه بلغ رتبة الاجتهاد.
قال ابن النجار: حدث ببغداد بيسير، وصنف في الحديث والفقه والأصول علوم القرآن والأدب والنحو والتواريخ، واتسع حاله، وكثر إفضاله، ومدحته الشعراء، وعلى بلده سور أنشأه من ماله.
وقد ذكره الأديب أبو يحيى اليسع بن حزم، فبالغ في تقريظه، وقال: ولي القضاء فمحن، وجرى في أعراض الإمارة فلحن وأصبح تتحرك بآثاره الألسنة، ويأتي بما أجراه عليه القدر النوم والسنة، وما أراد إلا خيرا، نصب السلطان عليه شباكه، وسكن الإدبار حراكه، فأبداه للناس صورة تذم، وسورة تتلى لكونه تعلق بأذيال الملك، ولم يجر مجرى العلماء في مجاهرة السلاطين وحزبهم ; بل داهن، ثم انتقل إلى قرطبة معظما مكرما حتى حول إلى العدوة، فقضى نحبه.
قرأت بخط ابن مسدي في " معجمه "، أخبرنا أحمد بن محمد بن مفرج النباتي سمعت ابن الجد الحافظ وغيره يقولون: حضر فقهاء إشبيلية: أبو بكر بن المرجى وفلان وفلان، وحضر معهم ابن العربي، فتذاكروا حديث المغفر، فقال ابن المرجى: لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري. فقال ابن العربي: قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك فقالوا: أفدنا هذا. فوعدهم، ولم يخرج لهم شيئا، وفي ذلك يقول خلف بن خير الأديب:
يا أهل حمص ومن بها أوصيكم
بالبر والتقوى وصية مشفق
فخذوا عن العربي أسمار الدجى
وخذوا الرواية عن إمام متق
إن الفتى حلو الكلام مهذب
إن لم يجد خبرا صحيحا يخلق(أعلام/668)
قلت: هذه حكاية ساذجة لا تدل على تعمد، ولعل القاضي -رحمه الله- وهم، وسرى ذهنه إلى حديث آخر، والشاعر يخلق الإفك، ولم أنقم على القاضي -رحمه الله- إلا إقذاعه في ذم ابن حزم واستجهاله له، وابن حزم أوسع دائرة من أبي بكر في العلوم، وأحفظ بكثير، وقد أصاب في أشياء وأجاد، وزلق في مضايق كغيره من الأئمة، والإنصاف عزيز.
قال أبو القاسم بن بشكوال توفي ابن العربي بفاس في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وفيها ورخه الحافظ أبو الحسن بن المفضل وابن خلكان.
وفيها توفي المسند الكبير أبو الدر ياقوت الرومي السفار صاحب ابن هزارمرد، والمعمر أبو تمام أحمد بن محمد بن المختار بن المؤيد بالله الهاشمي السفار صاحب ابن المسلمة بنيسابور، والفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي الرقي الذي يروي الخطب والحافظ أبو علي الحسن بن مسعود ابن الوزير الدمشقي كهلا بمرو، وقاضي القضاة أبو القاسم علي بن نور الهدى الحسين بن محمد الزينبي والمعمر أبو غالب محمد بن علي ابن الداية ومسند دمشق أبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان، ومفيد بغداد أبو بكر المبارك بن كامل الظفري الخفاف والشهيد شيخ المالكية أبو الحجاج يوسف بن دوناس الفندلاوي بدمشق.
قتل بأيدي الفرنج -رحمه الله.
أخبرنا محمد بن جابر القيسي المقرئ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد القاضي بتونس، أخبرنا أبو الربيع بن سالم الحافظ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن جيش الحافظ، حدثنا القاضي أبو بكر بن العربي، حدثنا طراد الزينبي، حدثنا هلال بن محمد، حدثنا الحسين بن عياش، حدثنا أبو الأشعث، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا شعبة، حدثنا جبلة بن سحيم، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من جر ثوبا من ثيابه من مخيلة فإن الله لا ينظر إليه.(أعلام/669)
وأخبرناه عاليا بدرجتين إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو محمد بن قدامة، أخبرتنا شهدة وطائفة قالوا: أخبرنا طراد النقيب. . فذكره.(أعلام/670)
ابن الفراء
شيخ الحنابلة، المفتي القاضي أبو يعلى الصغير، محمد بن أبي خازم محمد بن القاضي الكبير أبي يعلى بن الفراء البغدادي، من أنبل الفقهاء وأنظرهم.
تخرج به خلق.
سمع من أبي الحسن بن العلاف، والحسن بن محمد التككي، وطائفة.
وولي قضاء واسط مدة، ثم عزل، ولزم الإفادة.
روى عنه: أبو الفتح المندائي، وابن الأخضر.
توفي في جمادى الأولى سنة ستين وخمسمائة وله ست وستون سنة.
تفقه بأبيه وبعمه أبي الحسين محمد.
وقد أضر بأخرة، وكان أحد الأذكياء.(أعلام/671)
ابن القشيري
الشيخ الإمام، المفسر العلامة أبو نصر عبد الرحيم ابن الإمام شيخ الصوفية أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري، النحوي المتكلم، وهو الولد الرابع من أولاد الشيخ.
اعتنى به أبوه، وأسمعه، وأقرأه حتى برع في العربية والنظم والنثر والتأويل، وكتب الكثير بأسرع خط، وكان أحد الأذكياء، لازم إمام الحرمين، وحصل طريقة المذهب والخلاف، وساد، وعظم قدره، واشتهر ذكره.
وحج، فوعظ ببغداد، وبالغ في التعصب للأشاعرة والغض من الحنابلة، فقامت الفتنة على ساق، واشتد الخطب، وشمر لذلك أبو سعد أحمد بن محمد الصوفي عن ساق الجد، وبلغ الأمر إلى السيف، واختبطت بغداد، وظهر مبادر البلاء، ثم حج ثانيا، وجلس، والفتنة تغلي مراجلها، وكتب ولاة الأمر إلى نظام الملك ليطلب أبا نصر بن القشيري إلى الحضرة إطفاء للنائرة، فلما وفد عليه، أكرمه وعظمه، وأشار عليه بالرجوع إلى نيسابور، فرجع، ولزم الطريق المستقيم، ثم ندب إلى الوعظ والتدريس، فأجاب، ثم فتر أمره، وضعف بدنه، وأصابه فالج، فاعتقل لسانه إلا عن الذكر نحوا من شهر، ومات.
سمع أبا حفص بن مسرور، وأبا عثمان الصابوني، وعبد الغافر الفارسي، وأبا الحسين بن النقور، وسعد بن علي الزنجاني، وأبا القاسم المهرواني، وعدة.
حدث عنه: سبطه أبو سعد عبد الله بن عمر بن الصفار، وأبو الفتوح الطائي، وخطيب الموصل أبو الفضل الطوسي، وعبد الصمد بن علي النيسابوري، وعدة، وبالإجازة: أبو القاسم بن عساكر، وأبو سعد السمعاني.(أعلام/672)
ذكره عبد الغافر في " سياقه " فقال: هو زين الإسلام أبو نصر عبد الرحيم، إمام الأئمة، وحبر الأمة، وبحر العلوم، وصدر القروم، أشبههم بأبيه خلقا، حتى كأنه شق منه شقا، كمل في النظم والنثر، وحاز فيهما قصب السبق، ثم لزم إمام الحرمين، فأحكم المذهب والأصول والخلاف، ولازمه يقتدي به، ثم خرج حاجا، ورأى أهل بغداد فضله وكماله، ووجد من القبول ما لم يعهد لأحد، وحضر مجلسه الخواص، وأطبقوا على أنهم ما رأوا مثله في تبحره. إلى أن قال: وبلغ الأمر في التعصب له مبلغا كاد أن يؤدي إلى الفتنة.
وقال أبو عمرو ابن الصلاح قال شيخنا أبو بكر القاسم بن الصفار: ولد أبي أبو سعد سنة ثمان وخمسمائة، وسمع من جده وهو ابن أربع سنين أو أزيد، والعجب أنه كتب بخطه الطبقة، وحيي إلى سنة ستمائة.
مات أبو نصر في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وخمسمائة في عشر الثمانين.(أعلام/673)
ابن الماجشون (س، ق)
العلامة الفقيه مفتي المدينة أبو مروان، عبد الملك بن الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة بن الماجشون التيمي مولاهم المدني المالكي، تلميذ الإمام مالك.
حدث عن أبيه، وخاله يوسف بن يعقوب الماجشون، ومسلم الزنجي، ومالك، وإبراهيم بن سعد، وطائفة.
حدث عنه: أبو حفص الفلاس، ومحمد بن يحيى الذهلي وعبد الملك بن حبيب الفقيه، والزبير بن بكار، ويعقوب الفسوي، وسعد بن عبد الله بن عبد الحكم، وآخرون.
قال مصعب بن عبد الله: كان مفتي أهل المدينة في زمانه.
وقال ابن عبد البر: كان فقيها فصيحا، دارت عليه الفتيا في زمانه، وعلى أبيه قبله، وكان ضريرا. قيل: إنه عمي في آخر عمره، قال: وكان مولعا بسماع الغناء.
وقال أحمد بن المعذل الفقيه: كلما تذكرت أن التراب يأكل لسان عبد الملك بن الماجشون صغرت الدنيا في عيني. .
وكان ابن المعذل من الفصحاء المذكورين، فقيل له: أين لسانك من لسان أستاذك عبد الملك؟ فقال: لسانه إذا تعايى أحيى من لساني إذا تحايى.
وقال أبو داود: كان لا يعقل الحديث يعني: لم يكن من فرسانه، وإلا فهو ثقة في نفسه.
قال يحيى بن أكثم: كان عبد الملك بحرا لا تكدره الدلاء.
توفي سنة ثلاث عشرة ومائتين وقيل: سنة أربع عشرة.(أعلام/674)
ابن المسلمة
الشيخ الإمام، الثقة، الجليل، الصالح، مسند الوقت أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن حسن بن عبيد بن عمرو بن خالد بن الرفيل السلمي، البغدادي، ابن المسلمة. أسلم الرفيل المذكور على يد عمر رضي الله عنه.
ومولد أبي جعفر في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلاثمائة.
وسمع أبا الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، فكان خاتمة أصحابه والقاضي أبا محمد بن معروف، وإسماعيل بن سويد، ومحمد بن أخي ميمي، وعيسى بن الوزير، وأبا طاهر المخلص.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب، وأبو علي البرداني، وتمرتاش بن بختكين، والقاسم بن طاهر المعقلي، ومحمد بن مطر العباسي، وأبو سعد المبارك بن علي المخرمي الفقيه، وأبو الحسن بن الزاغوني. وأبو عبد الله الحميدي، وأبو الغنائم النرسي، وأبو بكر قاضي المرستان، وأبو الفتح عبد الله بن البيضاوي، ومحمد بن الفرج المعلم، وهبة الله بن محمد الرفيلي، ومحمد بن محمد السلال، وأبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز، وأبو منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون، وأبو الفضل محمد بن عمر الأرموي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، ومحمد بن علي بن الداية، وأبو تمام أحمد بن محمد بن المختار الهاشمي نزيل نيسابور، وخلق كثير.
وكان صحيح الأصول، كثير السماع، جميل الطريقة.
قال أبو الفضل بن خيرون: كان ثقة صالحا.
وقال أبو سعد السمعاني: سمعت إسماعيل بن الفضل الحافظ يقول: أبو جعفر ثقة محتشم.
قلت: توفي في تاسع جمادى الأولى سنة خمس وستين وأربعمائة.(أعلام/675)
ابن المعتز
الشيخ أبو الحسن ; عبيد الله بن المعتز بن منصور بن عبد الله بن حمزة، النيسابوري، راوي الأجزاء الأربعة من حديث علي بن حجر.
سمع من: أبي الفضل بن خزيمة، وأبي الفضل الفامي، وأبي بكر الجوزقي، وحدث بأصبهان وبالري.
روى عنه: أبو علي الحداد، وإسحاق الراشتيناني ومحمد بن عبد الله بن خوروست.
توفي سنة سبع وأربعين وأربعمائة وهو أخو منصور شيخ إسماعيل بن المؤذن.(أعلام/676)
ابن المواز
الإمام، العلامة، فقيه الديار المصرية أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن زياد الإسكندراني المالكي، ابن المواز، صاحب التصانيف.
أخذ المذهب عن: عبد الله بن عبد الحكم، وعبد الملك بن الماجشون، وأصبغ بن الفرج، ويحيى بن بكير. وقيل: إنه لحق أشهب، وأخذ عنه، ولم يصح هذا.
انتهت إليه رئاسة المذهب، والمعرفة بدقيقه وجليله. وله مصنف حافل في الفقه، رواه عنه علي بن عبد الله بن أبي مطر، وابن مبشر. وآخر من حدث عنه: ولده بكر بن محمد. وقد قدم دمشق في صحبة السلطان أحمد بن طولون.
وقيل: إنه انملس وتزهد، وانزوى ببعض الحصون الشامية، في أواخر عمره، حتى أدركه أجله -رحمه الله تعالى- وكذا، فلتكن ثمرة العلم.
قال أبو سعيد بن يونس: توفي سنة تسع وستين ومائتين وحدث عن: يحيى بن بكير.
قلت: فهذا الصحيح من وفاته، وبعضهم أرخ موته في سنة إحدى وثمانين ومائتين.(أعلام/677)
ابن النحاس
العلامة إمام العربية أبو جعفر، أحمد بن محمد بن إسماعيل، المصري النحوي، صاحب التصانيف.
ارتحل إلى بغداد، وأخذ عن الزجاج، وكان ينظر في زمانه بابن الأنباري، وبنفطويه للمصريين.
حدث عن: محمد بن جعفر بن أعين، وبكر بن سهل الدمياطي، والحسن بن غليب، والحافظ أبي عبد الرحمن النسائي، وجعفر الفريابي، ومحمد بن الحسن بن سماعة، وعمر بن أبي غيلان، وطبقتهم. ووهم ابن النجار في قوله: إنه سمع من المبرد، فما أدركه.
روى عنه: أبو بكر محمد بن علي الأدفوي تواليفه، ووصفه أبو سعيد بن يونس بمعرفة النحو.
ومن كتبه " إعراب القرآن "، " اشتقاق الأسماء الحسنى "، " تفسير أبيات سيبويه "، كتاب " المعاني "، " الكافي " في النحو، " الناسخ والمنسوخ ".
وروى كثيرا عن علي بن سليمان الصغير. وكان من أذكياء العالم.
وقيل كان مقترا على نفسه ; يهبونه العمامة، فيقطعها ثلاث عمائم.
ويقال: إنه جلس على درج المقياس يقطع عروض شعر، فسمعه جاهل، فقال: هذا يسحر النيل حتى ينقص. فرفسه، ألقاه في النيل، فغرق في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة.(أعلام/678)
ابن النقور
الشيخ الجليل، الصدوق، مسند العراق أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن النقور البغدادي، البزاز.
مولده في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة.
وسمع علي بن عمر الحربي، وعبيد الله بن حبابة وأبا حفص الكتاني، ومحمد بن عبد الله الدقاق، ابن أخي ميمي، وأبا طاهر المخلص، وعيسى بن الوزير، وعلي بن عبد العزيز بن مردك، وطائفة.
وتفرد بأجزاء عالية كنسخة هدبة بن خالد، ونسخة كامل بن طلحة، ونسخة طالوت، ونسخة مصعب الزبيري، ونسخة عمر بن زرارة، وأشياء.
وكان صحيح السماع، متحريا في الرواية.
حدث عنه: الخطيب، والحميدي، وابن الخاضبة ومحمد بن طاهر، ومؤتمن الساجي، والحسين سبط الخياط، وإسماعيل بن السمرقندي، وعمر بن إبراهيم الزيدي، ومحمد بن أحمد بن صرما، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وأبو نصر إبراهيم بن الفضل البآر، وأبو البدر إبراهيم بن محمد الكرخي، وأبو الفضل محمد بن عمر الأرموي، وأبو الفتح عبد الله بن محمد البيضاوي.
قال الخطيب كان صدوقا.
وقال ابن خيرون: ثقة.
قال الحسين سبط الخياط: كان إذا تكلم أحد في مجلس ابن النقور قال لكاتب الأسماء: لا تكتبه.
وقال أبو الحسن بن عبد السلام: كان أبو محمد التميمي يحضر مجلس ابن النقور، ويسمع منه، ويقول: حديث ابن النقور سبيكة الذهب.
وكان يأخذ على نسخة طالوت بن عباد دينارا.
قال الحافظ ابن ناصر: إنما أخذ ذلك لأن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أفتاه بذلك، لأن أصحاب الحديث كانوا يمنعونه من الكسب لعياله، وكان أيضا يمنع من ينسخ حالة السماع.
قال أبو علي الحسن بن مسعود الدمشقي: كان ابن النقور يأخذ على جزء طالوت دينارا، فجاء غريب، فأراد أن يسمعه، فقرأه عليه، وما صرح، بل قال: حدثنا أبو عثمان الصيرفي. فما تفطن لها ابن النقور، وحصل للغريب الجزء كذلك.(أعلام/679)
مات ابن النقور في سادس عشر رجب سنة سبعين وأربعمائة عن تسعين سنة.(أعلام/680)
ابن باطيش
العلامة المتفنن عماد الدين أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الموصلي الشافعي.
ولد سنة خمس وسبعين.
وسمع من ابن الجوزي، وابن سكينة، وحنبل.
وله كتاب " طبقات الشافعية "، و " مشتبه النسبة "، و " المغني في لغات المهذب ورجاله ". وكان أصوليا متفننا.
روى عنه الدمياطي، والتاج صالح، والبدر بن التوزي وجماعة.
درس مدة بالنورية بحلب.
وتوفي في جمادى الآخرة سنة خمس وخمسين وستمائة.(أعلام/681)
ابن برهان
العلامة الفقيه أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان بن الحمامي، البغدادي الشافعي.
كان أحد الأذكياء، بارعا في المذهب وأصوله، من أصحاب ابن عقيل ثم تحول شافعيا، ودرس بالنظامية.
تفقه بالشاشي والغزالي.
وسمع من النعالي، وابن البطر، وبقراءته سمع ابن كليب الصحيح من أبي طالب الزينبي.
قال ابن النجار: كان خارق الذكاء، لا يكاد يسمع شيئا إلا حفظه، حلالا للمشكلات، يضرب به المثل في تبحره، تصدر للإفادة مدة وصار من أعلام الدين، مات كهلا سنة ثماني عشرة وخمسمائة.(أعلام/682)
ابن بطال
شارح صحيح البخاري، العلامة أبو الحسن ; علي بن خلف بن بطال البكري، القرطبي، ثم البلنسي، ويعرف بابن اللجام.
أخذ عن: أبي عمر الطلمنكي وابن عفيف، وأبي المطرف القنازعي، ويونس بن مغيث.
قال ابن بشكوال كان من أهل العلم والمعرفة، عني بالحديث العناية التامة ; شرح " الصحيح " في عدة أسفار، رواه الناس عنه واستقضي بحصن لورقة.
توفي في صفر سنة تسع وأربعين وأربعمائة
قلت: كان من كبار المالكية. ذكره القاضي عياض.(أعلام/683)
ابن بطة
الإمام القدوة، العابد الفقيه المحدث، شيخ العراق أبو عبد الله، عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الحنبلي، ابن بطة، مصنف كتاب " الإبانة الكبرى " في ثلاث مجلدات.
روى عن: أبي القاسم البغوي، وابن صاعد، وأبي ذر بن الباغندي، وأبي بكر بن زياد النيسابوري، وإسماعيل الوراق، والقاضي المحاملي، ومحمد بن مخلد، وأبي طالب أحمد بن نصر الحافظ، ومحمد بن أحمد بن ثابت العكبري، ورحل في الكهولة فسمع من علي بن أبي العقب بدمشق، ومن أحمد بن عبيد الصفار بحمص، وجماعة.
حدث عنه: أبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو نعيم الأصبهاني، وعبيد الله الأزهري وعبد العزيز الأزجي، وأحمد بن محمد العتيقي، وأبو إسحاق البرمكي، وأبو محمد الجوهري، وأبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى السعدي، وآخرون، وآخر من روى عنه بالإجازة علي بن أحمد بن البسري.
قال عبد الواحد بن علي العكبري: لم أر في شيوخ الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة رحمه الله.
قال الخطيب: حدثني أبو حامد الدلوي، قال: لما رجع ابن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة، لم ير في سوق ولا رئي مفطرا إلا في عيد، وكان أمارا بالمعروف، لم يبلغه خبر منكر إلا غيره.
وقال أبو محمد الجوهري: سمعت أخي الحسين، يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله قد اختلفت علي المذاهب، فقال: عليك بابن بطة، فأصبحت ولبست ثيابي، ثم أصعدت إلى عكبرا، فدخلت وابن بطة في المسجد، فلما رآني قال لي: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال العتيقي: توفي ابن بطة -وكان مستجاب الدعوة - في المحرم سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.(أعلام/684)
قال ابن بطة: ولدت سنة أربع وثلاثمائة، وكان لأبي ببغداد شركاء، فقال له أحدهم: ابعث بابنك إلى بغداد ليسمع الحديث، قال: هو صغير، قال: أنا أحمله معي، فحملني معه، فجئت فإذا ابن منيع يقرأ عليه الحديث. فقال لي بعضهم: سل الشيخ أن يخرج إليك " معجمه "، فسألت ابنه، فقال: نريد دراهم كثيرة، فقلت: لأمي طاق ملحم آخذه منها وأبيعه، قال: ثم قرأنا عليه " المعجم " في نفر خاص في نحو عشرة أيام، وذلك في آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة، فأذكره قال: حدثنا إسحاق الطالقاني سنة أربع وعشرين ومائتين، فقال المستملي: خذوا هذا قبل أن يولد كل محدث على وجه الأرض اليوم، وسمعت المستملي وهو أبو عبد الله بن مهران، يقول له: من ذكرت يا ثبت الإسلام.
قلت: لابن بطة مع فضله أوهام وغلط.
أنبأنا المؤمل بن محمد، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا الشيباني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثني عبد الواحد بن علي الأسدي، قال لي أبو الفتح بن أبي الفوارس: روى ابن بطة، عن البغوي، عن مصعب بن عبد الله، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم.
قال الخطيب: هذا باطل، والحمل فيه على ابن بطة.
قلت: أفحش العبارة، وحاشى الرجل من التعمد، لكنه غلط ودخل عليه إسناد في إسناد.
وبه قال الخطيب: أخبرنا العتيقي، أخبرنا ابن بطة، حدثنا البغوي، حدثنا مصعب عن مالك، عن هشام بن عروة بحديث: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا قال الخطيب: وهو باطل بهذا الإسناد.
قال الخطيب: أخبرنا عبد الواحد بن علي، قال لي الحسن بن شهاب: سألت ابن بطة: أسمعت من البغوي حديث علي بن الجعد؟ قال: لا. قال عبد الواحد: وكنت قد رأيت في كتب ابن بطة نسخة بحديث علي بن الجعد قد حكها، وكتب بخطه سماعه فيها، فذكرت ذلك للحسن بن شهاب، فعجب منه.(أعلام/685)
قال عبد الواحد: وروى ابن بطة، عن النجاد، عن العطاردي، فأنكر علي بن ينال عليه، وأساء القول فيه، حتى همت العامة بابن ينال، فاختفى، ثم تتبع ابن بطة ما خرجه كذلك، وضرب عليه.
وقال عبيد الله الأزهري: ابن بطة ضعيف، وعندي عنه " معجم البغوي "، ولا أخرج عنه في الصحيح شيئا.
وقال حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق: لم يسمع ابن بطة الغريب من بن عزيز، وقال: ادعى سماعه.
قال الخطيب: وروى ابن بطة كتب ابن قتيبة، عن ابن أبي مريم الدينوري، عنه، ولا يعرف ابن أبي مريم.
وروى ابن بطة في " الإبانة ": حدثنا إسماعيل الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا خلف بن خليفة، عن حميد، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن مسعود حديث: " كلم الله موسى وعليه جبة صوف ونعلان من جلد حمار غير ذكي، فقال: من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة؟ قال: أنا الله ". فتفرد ابن بطة برفعه، وبما بعد " غير ذكي ".
وكذا غلط ابن بطة في روايات عن حفص بن عمر الأردبيلي، أنبأنا رجاء بن مرجى، فأنكر الدارقطني هذا، وقال: حفص يصغر عن هذا، فكتبوا إلى أردبيل يسألون ابنا لحفص، فعاد جوابهم بأن أباه لم ير رجاء قط فتتبع ابن بطة النسخ، وجعل ذلك عن ابن الراجيان، عن الفتح بن شخرف، عن رجاء.
قلت: فبدون هذا يضعف الشيخ.
ومر موته في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.
وفيها مات القدوة أبو علي أحمد بن محمد بن علي القومساني النهاوندي -صحب الشبلي - وأبو القاسم بن الثلاج، وعبيد الله بن أبي غالب المصري، وعلي بن عبد العزيز بن مردك، وصاحب الري فخر الدولة علي بن ركن الدولة بن بويه، وشيخ الحنابلة أبو حفص العكبري، وأبو ذر عمار بن محمد التميمي، ببخارى، وأبو الحسين بن سمعون، وحفيد أبي بكر بن خزيمة، وآخرون.(أعلام/686)
ابن جريج (ع)
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، الإمام، العلامة، الحافظ شيخ الحرم، أبو خالد، وأبو الوليد القرشي الأموي، المكي، صاحب التصانيف، وأول من دون العلم بمكة. مولى أمية بن خالد. وقيل: كان جده جريج عبدا لأم حبيب بنت جبر زوجة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد الأموي، فنسب ولاؤه إليه. وهو عبد رومي. وكان لابن جريج أخ اسمه محمد لا يكاد يعرف. وابن اسمه محمد.
حدث عن عطاء بن أبي رباح فأكثر وجود، وعن ابن أبي مليكة، ونافع مولى ابن عمر، وطاوس حديثا واحدا قوله. وذكر أنه أخذ أحاديث صفية بنت شيبة، وأراد أن يدخل عليها، فما اتفق. وأخذ عن مجاهد حرفين من القراءات، وميمون بن مهران، ويوسف بن ماهك، وعمرو بن شعيب، وعمرو بن دينار، وعكرمة العباسي مرسلا، وعكرمة بن خالد المخزومي، وابن المنكدر، وعبيد الله بن أبي يزيد، والقاسم بن أبي بزة، وعبد الله بن كثير الداري، وأيوب بن هانئ، وحبيب بن أبي ثابت، وزيد بن أسلم، والزهري، وصفوان بن سليم، وعبد الله بن طاوس، وعبد الله بن عبيد بن عمير، وعبد الله بن كثير بن المطلب، وعبد الله بن كيسان، وعبدة بن أبي لبابة، ومحمد بن عباد بن جعفر، وخلق كثير. وينزل إلى أقرانه، بل وأصحابه. فحدث عن زياد بن سعد شريكه، وجعفر الصادق، وزهير بن معاوية، وإبراهيم بن محمد بن أبي عطاء وهو ابن أبي يحيى، وسعيد بن أبي أيوب المصري، وإسماعيل ابن علية، ومعمر بن راشد، ويحيى بن أيوب المصري. وكان من بحور العلم.(أعلام/687)
حدث عنه: ثور بن يزيد، والأوزاعي، والليث، والسفيانان، والحمادان، وابن علية، وابن وهب، وخالد بن الحارث، وهمام بن يحيى، وعيسى بن يونس، وابن إدريس، ويحيى بن سعيد الأموي، ويحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن حرب الأبرش، ويحيى بن أبي زائدة، ووكيع، والوليد بن مسلم، وهشام بن يوسف، وحجاج بن محمد الأعور، وأبو أسامة، وروح، وأبو عاصم، والخريبي، وعبد الله بن رجاء المكي، وعبد الرزاق بن همام، وعبيد الله بن موسى، وغندر، والأنصاري، وعثمان بن الهيثم المؤذن، ويحيى بن سليم الطائفي، ومحمد بن بكر البرساني وأمم سواهم.
قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: من أول من صنف الكتب؟ قال: ابن جريج، وابن أبي عروبة. وروى علي بن المديني، عن عبد الوهاب بن همام، عن ابن جريج قال: أتيت عطاء وأنا أريد هذا الشأن، وعنده عبد الله بن عبيد بن عمير، فقال لي ابن عمير: قرأت القرآن؟ قلت: لا. قال: فاذهب فاقرأه ثم اطلب العلم. فذهبت، فغبرت زمانا حتى قرأت القرآن، ثم جئت عطاء، وعنده عبد الله. فقال: قرأت الفريضة؟ قلت: لا. قال: فتعلم الفريضة، ثم اطلب العلم. قال: فطلبت الفريضة ثم جئت. فقال: الآن فاطلب العلم، فلزمت عطاء سبع عشرة سنة.
قلت: من يلزم عطاء هذا كله يغلب على الظن أنه قد رأى أبا الطفيل الكناني بمكة، لكن لم نسمع بذلك، ولا رأينا له حرفا عن صحابي.
وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: اختلفت إلى عطاء ثماني عشرة سنة. وكان يبيت في المسجد عشرين سنة.
قال ابن عيينة: سمعت ابن جريح يقول: ما دون العلم تدويني أحد. وقال: جالست عمرو بن دينار بعدما فرغت من عطاء تسع سنين.(أعلام/688)
وروى حمزة بن بهرام، عن طلحة بن عمرو المكي، قال: قلت لعطاء: من نسأل بعدك يا أبا محمد؟ قال: هذا الفتى إن عاش. يعني ابن جريج. وروى إسماعيل بن عياش، عن المثنى بن الصباح وغيره، عن عطاء بن أبي رباح قال: سيد شباب أهل الحجاز ابن جريج، وسيد شباب أهل الشام سليمان بن موسى، وسيد شباب أهل العراق حجاج بن أرطاة.
قال علي بن المديني: نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة. فذكرهم، ثم قال: صار علمهم إلى أصحاب الأصناف ممن صنف العلم منهم من أهل مكة ابن جريج. يكنى أبا الوليد، لقي ابن شهاب، وعمرو بن دينار. يريد من الستة المذكورين.
قال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وابن جريج: لمن طلبتم العلم؟ كلهم يقول: لنفسي. غير أن ابن جريج فإنه قال: طلبته للناس.
قلت: ما أحسن الصدق! واليوم تسأل الفقيه الغبي: لمن طلبت العلم؟ فيبادر ويقول: طلبته لله، ويكذب إنما طلبه للدنيا، ويا قلة ما عرف منه.
قال علي: سألت يحيى بن سعيد: من أثبت من أصحاب نافع؟ قال: أيوب، وعبيد الله، ومالك، وابن جريج أثبت من مالك في نافع.
وروى صالح بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: عمرو بن دينار، وابن جريج أثبت الناس في عطاء. وروى أبو بكر بن خلاد، عن يحيى بن سعيد قال: كنا نسمي كتب ابن جريج كتب الأمانة، وإن لم يحدثك ابن جريج من كتابه لم تنتفع به.
وروى الأثرم، عن أحمد بن حنبل قال: إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان وأخبرت، جاء بمناكير. وإذا قال: أخبرني وسمعت، فحسبك به. وروى الميموني عن أحمد: إذا قال ابن جريج: " قال " فاحذره. وإذا قال: " سمعت أو سألت "، جاء بشيء ليس في النفس منه شيء. كان من أوعية العلم.(أعلام/689)
قال عبد الرزاق: قدم أبو جعفر -يعني الخليفة - مكة، فقال: اعرضوا علي حديث ابن جريج، فعرضوا فقال: ما أحسنها لولا هذا الحشو -يعني قوله: " بلغني "، و " حدثت ". قال أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين: ابن جريج ثقة في كل ما روي عنه من الكتاب. وروى إسماعيل بن داود المخراقي، عن مالك بن أنس قال: كان ابن جريج حاطب ليل. وقال محمد بن منهال الضرير، عن يزيد بن زريع قال: كان ابن جريج صاحب غثاء. وقال محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة الحلبي، عن إبراهيم بن أبي يحيى قال: حكم الله بيني وبين مالك، هو سماني قدريا، وأما ابن جريج فإني حدثته عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من مات مرابطا مات شهيدا فنسبني إلى جدي من قبل أمي، وروى عني: من مات مريضا مات شهيدا وما هكذا حدثته.
روى عثمان بن سعيد، عن ابن معين، قال: ابن جريج ليس بشيء في الزهري. وقال أبو زرعة الدمشقي، عن أحمد بن حنبل قال: روى ابن جريج عن ست عجائز من عجائز المسجد الحرام، وكان صاحب علم. وقال جعفر بن عبد الواحد، عن يحيى بن سعيد قال: كان ابن جريج صدوقا. فإذا قال: " حدثني " فهو سماع، وإذا قال: " أنبأنا، أو: أخبرني " فهو قراءة، وإذا قال: " قال " فهو شبه الريح.
وقال عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان: أعياني ابن جريج أن أحفظ حديثه. فنظرت إلى شيء يجمع فيه المعنى، فحفظته، وتركت ما سوى ذلك.
قال سليمان بن النضر الشيرازي، عن مخلد بن الحسين قال: ما رأيت خلقا من خلق الله أصدق لهجة من ابن جريج.
وروى أحمد بن حنبل، عن عبد الرزاق قال: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج.(أعلام/690)
أنبأني المسلم بن محمد، أنبأنا الكندي، أنبأنا القزاز، أنبأنا أبو بكر بن ثابت، أنبأنا علي بن محمد المعدل، حدثنا إسماعيل الصفار، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق قال: أهل مكة يقولون: أخذ ابن جريج الصلاة من عطاء، وأخذها عطاء من ابن الزبير، وأخذها ابن الزبير من أبي بكر، وأخذها أبو بكر من النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وكان ابن جريج يروي الرواية بالإجازة وبالمناولة ويتوسع في ذلك، ومن ثم دخل عليه الداخل في رواياته عن الزهري، لأنه حمل عنه مناولة، وهذه الأشياء يدخلها التصحيف. ولا سيما في ذلك العصر، لم يكن حدث في الخط بعد شكل ولا نقط.
قال أبو غسان زنيج: سمعت جريرا الضبي يقول: كان ابن جريج يرى المتعة، تزوج بستين امرأة. وقيل: إنه عهد إلى أولاده في أسمائهن لئلا يغلط أحد منهم ويتزوج واحدة مما نكح أبوه بالمتعة.
قال عبد الوهاب بن همام: قال ابن جريج: كنت أتتبع الأشعار العربية والأنساب. فقيل لي: لو لزمت عطاء. فلزمته.
وقال يحيى القطان: لم يكن ابن جريج عندي بدون مالك في نافع، وقال علي بن عبد الله: لم يكن في الأرض أحد أعلم بعطاء من ابن جريج.
قال عبيد الله العيشي، حدثنا بكر بن كلثوم السلمي قال: قدم علينا ابن جريج البصرة، فاجتمع الناس عليه فحدث عن الحسن البصري بحديث، فأنكره عليه الناس، فقال: ما تنكرون علي فيه؟ قد لزمت عطاء عشرين سنة فربما حدثني عنه الرجل بالشيء لم أسمعه منه. ثم قال العيشي: سمى ابن جريج في ذلك اليوم محمد بن جعفر غندرا، وأهل الحجاز يسمون المشغب غندرا. قال ابن معين: لم يلق ابن جريج وهب بن منبه. وقال أحمد بن حنبل: لم يلق عمرو بن شعيب في زكاة مال اليتيم، ولا أبا الزناد.(أعلام/691)
قلت: الرجل في نفسه ثقة، حافظ، لكنه يدلس بلفظة " عن " و " قال " وقد كان صاحب تعبد وتهجد وما زال يطلب العلم حتى كبر وشاخ. وقد أخطأ من زعم أنه جاوز المائة، بل ما جاوز الثمانين، وقد كان شابا في أيام ملازمته لعطاء.
وقد كان شيخ الحرم بعد الصحابة: عطاء، ومجاهد، وخلفهما: قيس بن سعد، وابن جريج، ثم تفرد بالإمامة ابن جريج، فدون العلم، وحمل عنه الناس، وعليه تفقه مسلم بن خالد الزنجي، وتفقه بالزنجي الإمام أبو عبد الله الشافعي. وكان الشافعي بصيرا بعلم ابن جريج، عالما بدقائقه. وبعلم سفيان بن عيينة.
وروايات ابن جريج وافرة في الكتب الستة، وفي مسند أحمد، ومعجم الطبراني الأكبر، وفي الأجزاء.
قال عبد الرزاق: كنت إذا رأيت ابن جريج، علمت أنه يخشى الله.
وقال ابن جريج: لم أسمع من الزهري، إنما أعطاني جزءا كتبته، وأجازه لي.
قال يحيى بن معين: ولاء ابن جريج لآل خالد بن أسيد الأموي. وقال يحيى بن سعيد: سمع ابن جريج من مجاهد حديث: فطلقوهن في قبل عدتهن. وسمع من طاوس قوله في محرم أصاب ذرات. قال: قبضات من طعام.
قال أبو عاصم النبيل: كان ابن جريج من العباد. كان يصوم الدهر سوى ثلاثة أيام من الشهر. وكان له امرأة عابدة. وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: استمتع ابن جريج بتسعين امرأة، حتى إنه كان يحتقن في الليل بأوقية شيرج طلبا للجماع. وروي عن عبد الرزاق قال: كان ابن جريج يخضب بالسواد، ويتغلى بالغالية، وكان من ملوك القراء، خرجنا معه وأتاه سائل، فناوله دينارا.(أعلام/692)
قال أبو محمد بن قتيبة مولد ابن جريج سنة ثمانين عام الجحاف. أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنبأنا أبو اليمن الكندي، أنبأنا علي بن هبة الله، أنبأنا أبو إسحاق الفيروزابادي قال: ومنهم أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وجريج عبد لآل أم حبيب بنت جبير، ومات سنة خمسين ومائة.
وبه قال أبو إسحاق، قال ابن جريج: ما دون هذا العلم تدويني أحد. جالست عمرو بن دينار بعدما فرغت من عطاء سبع سنين. وقال: لم يغلبني على يسار عطاء عشرين سنة أحد، فقيل له: فما منعك عن يمينه؟ قال: كانت قريش تغلبني عليه.
قلت: قد قدم عبد الملك بن جريج إلى العراق قبل موته، وحدث بالبصرة وأكثروا عنه.
قال ابن المديني، وأبو حفص الفلاس: مات ابن جريج سنة تسع وأربعين ومائة. وهذا وهم. فقد قال يحيى القطان ومكي بن إبراهيم، وأبو نعيم، وعدة: مات سنة خمسين ومائة. وعن ابن المديني أيضا: سنة إحدى وخمسين.
قلت: عاش سبعين سنة. فسنه وسن أبي حنيفة واحد، ومولدهما وموتهما واحد.
قرأت على عمر بن عبد المنعم، أخبركم عبد الصمد بن محمد القاضي حضورا، أنبأنا علي بن المسلم، أنبأنا الحسين بن طلاب، أنبأنا محمد بن أحمد بن جميع، حدثنا واهب بن محمد بالبصرة، حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا محمد بن بكر البرساني، عن ابن جريج، عن ابن المنكدر، عن أبي أيوب، عن مسلمة بن مخلد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فك عن مكروب فك الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.
هذا حديث جيد الإسناد، ومسلمة له صحبة. ولكن لا شيء له في الكتب إلا في سنن أبي داود، من روايته عن رويفع بن ثابت.(أعلام/693)
وبه أخبرنا ابن جميع، حدثنا جعفر بن محمد الهمذاني، حدثنا هلال بن العلاء، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا ابن جريج، حدثني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من جلس في مجلس كثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم: سبحانك ربنا وبحمدك، لا إله إلا أنت أستغفرك ثم أتوب إليك -إلا غفر له ما كان في مجلسه هذا حديث صحيح غريب.
وفي تاريخ القاضي تاج الدين عبد الباقي: أن ابن جريج قدم وافدا على معن بن زائدة لدين لحقه، فأقام عنده إلى عاشر ذي القعدة. فمر بقوم تغني لهم جارية بشعر عمر بن أبي ربيعة
هيهات من أمة الوهاب منزلنا
إذا حللنا بسيف البحر من عدن
واحتل أهلك أجيادا فليس لنا
إلا التذكر أو حظ من الحزن
تالله قولي له في غير معتبة
ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها
فما أصبت بترك الحج من ثمن
قال: فبكى ابن جريج وانتحب، وأصبح إلى معن وقال: إن أردت بي خيرا فردني إلى مكة، ولست أريد منك شيئا. قال: فاستأجر له أدلاء، وأعطاه خمسمائة دينار، ودفع إليه ألفا وخمسمائة. فوافى الناس يوم عرفة.
عن ابن جريج قال: أقمت على عطاء إحدى وعشرين حجة، يخرج أبواي إلى الطائف وأقيم أنا تخوفا أن يفجعني عطاء بنفسه. قال بعض الحفاظ: لابن جريج نحو من ألف حديث -يعني المرفوع- وأما الآثار والمقاطيع والتفسير فشيء كثير.(أعلام/694)
ابن جني
إمام العربية، أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، صاحب التصانيف.
كان أبوه مملوكا روميا لسليمان بن فهد الموصلي.
وله ترجمة طويلة في " تاريخ الأدباء " لياقوت.
لزم أبا علي الفارسي دهرا، وسافر معه حتى برع وصنف، وسكن بغداد، وتخرج به الكبار.
وله " سر الصناعة " و " اللمع "، و " التصريف " و " التلقين في النحو "، و " التعاقب "، و " الخصائص " و " المقصور والممدود "، و " ما يذكر ويؤنث "، و " إعراب الحماسة "، و " المحتسب في الشواذ ".
وله نظم جيد.
خدم عضد الدولة وابنه، وقرأ على المتنبي " ديوانه "، وشرحه، وله مجلد في شرح بيت لعضد الدولة.
أخذ عنه: الثمانيني وعبد السلام البصري.
توفي في صفر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
ولد قبل الثلاثين وثلاثمائة، وكان أعور.(أعلام/695)
ابن حبان
الإمام العلامة الحافظ المجود شيخ خراسان أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد بن سهيد بن هدية بن مرة بن سعد بن يزيد بن مرة بن زيد بن عبد الله بن دارم بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي الدارمي البستي، صاحب الكتب المشهورة.
ولد سنة بضع وسبعين ومائتين. وأكبر شيخ لقيه أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، سمع منه بالبصرة، ومن زكريا الساجي، وسمع بمصر من أبي عبد الرحمن النسائي، وإسحاق بن يونس المنجنيقي وعدة، وبالموصل من أبي يعلى أحمد بن علي، وبنسا من الحسن بن سفيان، وبجرجان من عمران بن موسى بن مجاشع السختياني، وببغداد من أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي وطبقته، وبدمشق من جعفر بن أحمد، ومحمد بن خريم، وخلق، وبنيسابور من ابن خزيمة، والسراج، والماسرجسي، وبعسقلان من محمد بن الحسن بن قتيبة، وببيت المقدس من عبد الله بن محمد بن سلم، وبطبرية من سعيد بن هاشم، وبهراة من محمد بن عبد الرحمن السامي، والحسين بن إدريس، وبتستر من أحمد بن يحيى بن زهير، وبمنبج من عمر بن سعيد، وبالأبلة من أبي يعلى بن زهير، وبحران من أبي عروبة، وبمكة من المفضل الجندي، وبأنطاكية من أحمد بن عبيد الله الدارمي، وببخارى من عمر بن محمد بن بجير.
حدث عنه: أبو عبد الله بن منده، وأبو عبد الله الحاكم، ومنصور بن عبد الله الخالدي، وأبو معاذ عبد الرحمن بن محمد بن رزق الله السجستاني، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن هارون الزوزني، ومحمد بن أحمد بن منصور النوقاتي، وخلق سواهم.
قال أبو سعد الإدريسي: كان على قضاء سمرقند زمانا، وكان من فقهاء الدين، وحفاظ الآثار، عالما بالطب، وبالنجوم، وفنون العلم.
صنف المسند الصحيح، يعني به: كتاب " الأنواع والتقاسيم " وكتاب " التاريخ "، وكتاب " الضعفاء ". وفقه الناس بسمرقند.(أعلام/696)
وقال الحاكم: كان ابن حبان من أوعية العلم في الفقه، واللغة، والحديث، والوعظ، ومن عقلاء الرجال. قدم نيسابور سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، فسار إلى قضاء نسا، ثم انصرف إلينا في سنة سبع، فأقام عندنا بنيسابور، وبنى الخانقاه، وقرئ عليه جملة من مصنفاته، ثم خرج من نيسابور إلى وطنه سجستان عام أربعين، وكانت الرحلة إليه لسماع كتبه.
وقال أبو بكر الخطيب: كان ابن حبان ثقة نبيلا فهما.
وقال أبو عمرو بن الصلاح في " طبقات الشافعية ": غلط ابن حبان الغلط الفاحش في تصرفاته.
قال ابن حبان في أثناء كتاب " الأنواع ": لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ.
قلت: كذا فلتكن الهمم، هذا مع ما كان عليه من الفقه، والعربية، والفضائل الباهرة، وكثرة التصانيف.(أعلام/697)
قال الخطيب: ذكر مسعود بن ناصر السجزي تصانيف ابن حبان، فقال: " تاريخ الثقات "، " علل أوهام المؤرخين " مجلد، " علل مناقب الزهري " عشرون جزءا، " علل حديث مالك " عشرة أجزاء، " علل ما أسند أبو حنيفة " عشرة أجزاء، " ما خالف فيه سفيان شعبة " ثلاثة أجزاء، " ما خالف فيه شعبة سفيان " جزءان، " ما انفرد به أهل المدينة من السنن " مجلد، " ما انفرد به المكيون " مجيليد، " ما انفرد به أهل العراق " مجلد، " ما انفرد به أهل خراسان " مجيليد، " ما انفرد به ابن عروبة عن قتادة، أو شعبة عن قتادة " مجيليد، " غرائب الأخبار " مجلد، " غرائب الكوفيين " عشرة أجزاء، " غرائب أهل البصرة " ثمانية أجزاء، " الكنى " مجيليد، " الفصل والوصل " مجلد، " الفصل بين حديث أشعث بن عبد الملك، وأشعث بن سوار " جزءان، كتاب " موقوف ما رفع " عشرة أجزاء، " مناقب مالك "، " مناقب الشافعي "، كتاب " المعجم على المدن " عشرة أجزاء، " الأبواب المتفرقة " ثلاثة مجلدات، " أنواع العلوم وأوصافها " ثلاثة مجلدات، " الهداية إلى علم السنن " مجلد، " قبول الأخبار "، وأشياء.
قال مسعود بن ناصر: وهذه التواليف إنما يوجد منها النزر اليسير، وكان قد وقف كتبه في دار، فكان السبب في ذهابها مع تطاول الزمان ضعف أمر السلطان، واستيلاء المفسدين.(أعلام/698)
قال أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري مؤلف كتاب " ذم الكلام ": سمعت عبد الصمد بن محمد بن محمد، سمعت أبي يقول: أنكروا على أبي حاتم بن حبان قوله: النبوة: " العلم والعمل " فحكموا عليه بالزندقة، هجر، وكتب فيه إلى الخليفة، فكتب بقتله. قلت: هذه حكاية غريبة، وابن حبان فمن كبار الأئمة، ولسنا ندعي فيه العصمة من الخطأ، لكن هذه الكلمة التي أطلقها قد يطلقها المسلم، ويطلقها الزنديق الفيلسوف، فإطلاق المسلم لها لا ينبغي، لكن يعتذر عنه، فنقول: لم يرد حصر المبتدأ في الخبر، ونظير ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام -: الحج عرفة ومعلوم أن الحاج لا يصير بمجرد الوقوف بعرفة حاجا، بل بقي عليه فروض وواجبات، وإنما ذكر مهم الحج. وكذا هذا ذكر مهم النبوة، إذ من أكمل صفات النبي كمال العلم والعمل، فلا يكون أحد نبيا إلا بوجودهما، وليس كل من برز فيهما نبيا؛ لأن النبوة موهبة من الحق تعالى، لا حيلة للعبد في اكتسابها، بل بها يتولد العلم اللدني والعمل الصالح.
وأما الفيلسوف فيقول: النبوة مكتسبة ينتجها العلم والعمل، فهذا كفر، ولا يريده أبو حاتم أصلا، وحاشاه، وإن كان في تقاسيمه - من الأقوال والتأويلات البعيدة، والأحاديث المنكرة - عجائب، وقد اعترف أن " صحيحه " لا يقدر على الكشف منه إلا من حفظه، كمن عنده مصحف لا يقدر على موضع آية يريدها منه إلا من يحفظه.
وقال في " صحيحه ": شرطنا في نقله ما أودعناه في كتابنا ألا نحتج إلا بأن يكون في كل شيخ فيه خمسة أشياء: العدالة في الدين بالستر الجميل.
الثاني: الصدق في الحديث بالشهرة فيه. الثالث: العقل بما يحدث من الحديث. الرابع: العلم بما يحيل المعنى من معاني ما روى. الخامس: تعري خبره من التدليس. فمن جمع الخصال الخمس احتججنا به.(أعلام/699)
وقال أبو إسماعيل الأنصاري: سمعت يحيى بن عمار الواعظ، وقد سألته عن ابن حبان، فقال: نحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين، قدم علينا، فأنكر الحد لله، فأخرجناه. قلت: إنكاركم عليه بدعة أيضا، والخوض في ذلك مما لم يأذن به الله، ولا أتى نص بإثبات ذلك ولا بنفيه. ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وتعالى الله أن يحد أو يوصف إلا بما وصف به نفسه، أو علمه رسله بالمعنى الذي أراد بلا مثل ولا كيف ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
قرأت بخط الحافظ الضياء في جزء علقه مآخذ على كتاب ابن حبان، فقال في حديث أنس في الوصال فيه دليل على أن الأخبار التي فيها وضع الحجر على بطنه من الجوع كلها بواطيل، وإنما معناها الحجز، وهو طرف الرداء، إذ الله يطعم رسوله، وما يغني الحجر من الجوع.
قلت: فقد ساق في كتابه حديث ابن عباس في خروج أبي بكر وعمر من الجوع، فلقيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه، فقال: أخرجني الذي أخرجكما فدل على أنه كان يطعم ويسقى في الوصال خاصة.
وقال في حديث عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: أصمت من سرر شعبان شيئا؟ قال: لا. قال: إذا أفطرت فصم يومين فهذه لفظة استخبار، يريد الإعلام بنفي جواز ذلك، كالمنكر عليه لو فعله، كقوله لعائشة: تسترين الجدر؟ ! وأمره بصوم يومين من شوال أراد به انتهاء السرار. وذلك في الشهر الكامل والسرار في الشهر الناقص يوم واحد.
قلنا: لو كان منكرا عليه لما أمره بالقضاء.
وقال في حديث: مررت بموسى وهو يصلي في قبره أحيا الله موسى في قبره حتى مر عليه المصطفى عليه السلام. وقبره بمدين، بين المدينة وبين بيت المقدس.
وحديث: كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله تسع نسوة وفي رواية الدستوائي عن قتادة وهي: إحدى عشرة.(أعلام/700)
قال ابن حبان: فحكى أنس ذلك الفعل منه أول قدومه المدينة، حيث كانت تحته إحدى عشرة امرأة. والخبر الأول إنما حكاه أنس في آخر قدومه المدينة، حيث كانت تحته تسع؛ لأن هذا الفعل كان منه مرات.
قلنا: أول قدومه فما كان له سوى امرأة، وهي سودة، ثم إلى السنة الرابعة من الهجرة لم يكن عنده أكثر من أربع نسوة، فإنه بنى بحفصة، وبأم سلمة في سنة ثلاث، وقبلها سودة وعائشة، ولا نعلم أنه اجتمع عنده في آن إحدى عشرة زوجة.
وقال: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن بين إسماعيل وداود ألف سنة، فروى خبر أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله كم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى؟ قال: أربعون سنة.
حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في رجب قال: فيه البيان بأن الحبر الفاضل قد ينسى، قال؛ لأن المصطفى ما اعتمر إلا أربعا: أولاها عمرة القضاء عام القابل من عام الحديبية، قال: وكان ذلك في رمضان.
ثم الثانية حين فتح مكة في رمضان. ولما رجع من هوازن اعتمر من الجعرانة وذلك في شوال. والرابعة مع حجته. فوهم أبو حاتم كما ترى في أشياء.
ففي " الصحيحين " لأنس: اعتمر نبي الله أربع عمر، كلهن في ذي القعدة إلا التي من حجته، عمرة الحديبية، وعمرته من العام المقبل، وعمرته من الجعرانة.
وقال: ذكر ما كان يقرأ - عليه السلام - في جلوسه بين الخطبتين، فما ذكر شيئا.
توفي ابن حبان بسجستان بمدينة بست في شوال سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وهو في عشر الثمانين. وما ظفرت بشيء من حديثه عاليا.(أعلام/701)
كتب إلي المسلم بن محمد العلاني، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الحافظ، أخبرنا أبو معاذ عبد الرحمن بن محمد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة - قدم للحج - أخبرنا أبو حاتم التميمي، حدثنا أبو خليفة، حدثنا القعنبي، عن شعبة، عن منصور، عن ربعي، عن أبي مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو بكر البيهقي، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن منصور النوقاني، أخبرنا أبو حاتم محمد بن حبان، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي (ح) وأخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا أحمد بن صرما والفتح بن عبد الله قالا: أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا ابن النقور، أخبرنا علي بن عمر الحربي، حدثنا الصوفي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن عمرو الأودي، عن ابن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يحرم على النار كل هين لين قريب سهل.
أخرجه الترمذي من حديث عبدة بن سليمان، وحسنه.
قرأت على سليمان بن حمزة القاضي، أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أخبرنا عبد المعز بن محمد، أن تميما الجرجاني أخبرهم، أخبرنا علي بن محمد البحاثي، أخبرنا محمد بن أحمد الزوزني، أخبرنا محمد بن حبان، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا يزيد بن صالح، ومحمد بن أبان الواسطي قالا: حدثنا جرير بن حازم، سمعت أبا رجاء العطاردي، سمعت ابن عباس على المنبر يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يزال أمر هذه الأمة موائما أو مقاربا ما لم يتكلموا في الولدان والقدر.
هذا حديث صحيح ولم يخرج في الكتب الستة.(أعلام/702)
أنبأنا يحيى بن أبي منصور، أخبرنا عبد القادر الحافظ، أخبرنا مسعود بن الحسن، أخبرنا أبو عمرو بن منده، أخبرنا أبي، أخبرنا أبو حاتم بن حبان، حدثنا عمر بن محمد بن بجير، حدثنا ابن السرح، حدثنا ابن وهب، حدثنا بكر بن مضر، عن الأوزاعي قال: " بلغني أن الله إذا أراد بقوم شرا، ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل ".
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا ابن اللتي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، أخبرنا عبد الصمد بن محمد بن محمد بن صالح، أخبرنا أبي، أخبرنا محمد بن حبان، سمعت أسامة بن أحمد بمصر، سمعت السرح، سمعت عبد الرحمن بن القاسم، سمعت مالكا، يقول: " ما أحد ممن تعلمت منه العلم إلا صار إلي حتى سألني عن أمر دينه ".(أعلام/703)
ابن حبيب
الإمام العلامة، فقيه الأندلس أبو مروان، عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جاهمة بن الصحابي عباس بن مرداس، السلمي العباسي الأندلسي القرطبي المالكي، أحد الأعلام.
ولد في حياة الإمام مالك بعد السبعين ومائة وأخذ عن: الغاز بن قيس، وزياد شبطون، وصعصعة بن سلام. ثم ارتحل في حدود سنة عشر ومائتين، وحج، وحمل عن: عبد الملك بن الماجشون، ومطرف بن عبد الله اليساري، وأسد بن موسى السنة، وأصبغ بن الفرج، وأبي صالح، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وعدة من أصحاب مالك والليث، ورجع إلى قرطبة بعلم جم، وفقه كثير. وكان موصوفا بالحذق في الفقه، كبير الشأن، بعيد الصيت، كثير التصانيف إلا أنه في باب الرواية ليس بمتقن، بل يحمل الحديث تهورا كيف اتفق، وينقله وجادة وإجازة، ولا يتعانى تحرير أصحاب الحديث.
صنف كتاب " الواضحة " في عدة مجلدات، وكتاب " الجامع "، وكتاب " فضائل الصحابة "، وكتاب " غريب الحديث "، وكتاب " تفسير الموطأ "، وكتابا في " حروب الإسلام "، وكتاب " فضل المسجدين "، وكتاب " سيرة الإمام فيمن ألحد "، وكتاب " طبقات الفقهاء "، وكتاب " مصابيح الهدى ".
قال أبو الوليد بن الفرضي كان فقيها نحويا شاعرا عروضيا أخباريا نسابة، طويل اللسان، متصرفا في فنون العلم. حدث عنه: بقي بن مخلد، ومحمد بن وضاح، ويوسف بن يحيى المغامي، ومطرف بن قيس، وخلق. وآخر أصحابه موتا المغامي.
سكن إلبيرة من الأندلس مدة، ثم استقدمه الأمير عبد الرحمن بن الحكم، فرتبه في الفتوى بقرطبة، وقرر معه يحيى بن يحيى في النظر والمشاورة، فتوفي يحيى بن يحيى، وانفرد ابن حبيب برئاسة العلم. وكان حافظا للفقه نبيلا، إلا أنه لم يكن له علم بالحديث، ولا يعرف صحيحه من سقيمه، ذكر عنه أنه كان يتسهل في سماعه، ويحمل على سبيل الإجازة أكثر روايته.(أعلام/704)
وعن محمد بن وضاح أن إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال له: أتاني صاحبكم عبد الملك بن حبيب بغرارة مملوءة كتبا، فقال لي: هذا علمك تجيزه لي؟ فقلت له: نعم. ما قرأ علي منه حرفا، ولا قرأته عليه. وكان محمد بن عمر بن لبابة، يقول: ابن حبيب عالم الأندلس، ويحيى بن يحيى عاقلها، وعيسى بن دينار فقيهها.
قال أبو القاسم بن بشكوال: قيل لسحنون: مات ابن حبيب. فقال: مات عالم الأندلس! بل - والله - عالم الدنيا.
حكى بعضهم قال: هاجت الريح، فرأيت عبد الملك بن حبيب رافعا يديه، متعلقا بحبال المركب، يقول: اللهم إن كنت تعلم أني إنما أردت ابتغاء وجهك وما عندك فخلصنا. قال: فسلم الله.
قال أبو عمر أحمد بن سعيد الصدفي: قلت لأحمد بن خالد: إن " الواضحة " عجيبة جدا، وإن فيها علما عظيما فما يدخلها؟ قال:: أول ذلك أنه حكى فيها مذاهب لم نجدها لأحد من أصحابه، ولا نقلت عنهم.
قال أبو عمر الصدفي في " تاريخه ": كان كثير الرواية، كثير الجمع، يعتمد على الأخذ بالحديث، ولم يكن يميزه، ولا يعرف الرجال، وكان فقيها في المسائل. قال: وكان يطعن عليه بكثرة الكتب. وذكر أنه كان يستجيز الأخذ بلا رواية ولا مقابلة، وأنه أخذ بالإجازة كثيرا. قال: وأشير إليه بالكذب، سمعت أحمد بن خالد يطعن عليه بذلك، ويتنقصه غير مرة. وقال: ظهر كذبه في " الواضحة " في غير شيء، فسمعت محمد بن وضاح، يقول: أخبرني ابن أبي مريم، قال: كان ابن حبيب بمصر، فكان يضع الطويلة، وينسخ طول نهاره. فقلت له: إلى كم ذا النسخ، متى تقرؤه على الشيخ؟ قال: قد أجاز لي كتبه، يعني: أسد بن موسى، فأتيت أسدا، فقلت: تمنعنا أن نقرأ عليك، وتجيز لغيرنا؟ فقال: أنا لا أرى القراءة، فكيف أجيز؟ فأخبرته. فقال: إنما أخذ مني كتبي، فيكتب منها، ليس ذا علي.(أعلام/705)
وقال أحمد بن محمد بن عبد البر في " تاريخه ": ابن حبيب أول من أظهر الحديث بالأندلس، وكان لا يفهم طرقه، ويصحف الأسماء، ويحتج بالمناكير، فكان أهل زمانه ينسبونه إلى الكذب، ولا يرضونه. وممن ضعف ابن حبيب أبو محمد بن حزم، ولا ريب أنه كان صحفيا، وأما التعمد، فكلا.(أعلام/706)
قال أحمد بن محمد بن عبد البر: وكان بينه وبين يحيى بن يحيى وحشة. كان كثير المخالفة له، لقي أصبغ بمصر، فأكثر عنه. فكان يعارض يحيى عند الأمر، ويرد قوله، فيغتم لذلك. قال: فجمعهم القاضي مرة في الجامع، فسألهم عن مسألة، فأفتى فيها يحيى بن يحيى، وسعيد بن حسان بالرواية، فخالفهما عبد الملك، وذكر خلافهما رواية عن أصبغ، وكان عبد الأعلى بن وهب شابا، قد حج ولحق أصبغ، فحدثنا أحمد بن خالد، عن ابن وضاح، عن عبد الأعلى قال: دخلت على سعيد بن حسان، فقال: ما تقول في كذا للمسألة المذكورة؟ هل يذكر فيها الأصبغ شيئا؟ قلت: نعم. يقول فيها بكذا وكذا، فذكر موافقة سعيد ويحيى، فقال لي سعيد: انظر ما تقول، أنت على يقين منها؟ قلت: نعم. قال: فأتني بكتابك، فخرجت مسرعا، ثم ندمت فأخرجتها من قرطاس، فسررت، وأتيته بالكتاب. قال: تمضي به إلى أبي محمد، فمضيت به إلى يحيى بن يحيى، فأعلمته، فاجتمعا بالقاضي، وقالا: هذا يخالفنا بالكذب، فاردعه وكفه. فجمعهم القاضي ثانيا، فتكلموا، فقال عبد الملك: قد أعلمتك بما يقول فيها أصبغ، فبدر عبد الأعلى، فقال: تكذب على أصبغ، أنا رويت هذه المسألة عنه على وفق ما قالا، وهذا كتابي، فقرأه القاضي، وقال لعبد الملك: ما ساءه، وخرح عليه، وقال: تفتينا بالكذب والخطأ، وتخالف أصحابك بالهوى! لولا البقيا عليك، لعاقبتك. قال عبد الأعلى: فلما خرجت خطرت على دار ابن رستم الحاجب، فرأيت عبد الملك خارجا من عنده في وجهه البشر، فقلت: لأدخلن على ابن رستم، فدخلت، فلم ينتظر جلوسي، وقال: يا مسكين، من غرك، أو من أدخلك في هذا؟ تعارض مثل ابن حبيب وتكذبه؟ فقلت: أصلحك الله، إنما سألني القاضي، فأجبت بما عندي. قال: وبعث الأمير إلى القاضي: يقول: من أمرك أن تشاور عبد الأعلى، فبعث يثني علي، ويقول: لم أر نفسي في سعة من ترك مشاورة مثله.(أعلام/707)
فسأل الأمير وزراءه عن عبد الأعلى، فأثنوا عليه، ووصفوا علمه وولاءه.
قال سعيد بن فحلون مات عبد الملك بن حبيب يوم السبت لأربع مضين من رمضان سنة ثمان وثلاثين ومائتين. بعلة الحصى، رحمه الله. ونقل آخر أنه مات في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين. فالله أعلم.(أعلام/708)
ابن حزم
الإمام الأوحد، البحر، ذو الفنون والمعارف أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد، الفارسي الأصل، ثم الأندلسي القرطبي اليزيدي مولى الأمير يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي -رضي الله عنه- المعروف بيزيد الخير، نائب أمير المؤمنين أبي حفص على دمشق، الفقيه الحافظ، المتكلم، الأديب، الوزير الظاهري، صاحب التصانيف. فكان جده يزيد مولى للأمير يزيد أخي معاوية. وكان جده خلف بن معدان هو أول من دخل الأندلس في صحابة ملك الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ; المعروف بالداخل.
ولد أبو محمد بقرطبة في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.
وسمع في سنة أربعمائة وبعدها من طائفة، منهم: يحيى بن مسعود بن وجه الجنة ; صاحب قاسم بن أصبغ، فهو أعلى شيخ عنده، ومن أبي عمر أحمد بن محمد بن الجسور، ويونس بن عبد الله بن مغيث القاضي، وحمام بن أحمد القاضي، ومحمد بن سعيد بن نبات، وعبد الله بن ربيع التميمي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، وعبد الله بن محمد بن عثمان، وأبي عمر أحمد بن محمد الطلمنكي، وعبد الله بن يوسف بن نامي، وأحمد بن قاسم بن محمد بن قاسم بن أصبغ. وينزل إلى أن يروي عن أبي عمر بن عبد البر، وأحمد بن عمر بن أنس العذري. وأجود ما عنده من الكتب سنن النسائي، يحمله عن ابن ربيع، عن ابن الأحمر، عنه. وأنزل ما عنده صحيح مسلم، بينه وبينه خمسة رجال، وأعلى ما رأيت له حديث بينه وبينه وكيع فيه ثلاثة أنفس.
حدث عنه: ابنه أبو رافع الفضل، وأبو عبد الله الحميدي، ووالد القاضي أبي بكر بن العربي، وطائفة. وآخر من روى عنه مروياته بالإجازة أبو الحسن شريح بن محمد.(أعلام/709)
نشأ في تنعم ورفاهية، ورزق ذكاء مفرطا، وذهنا سيالا، وكتبا نفيسة كثيرة، وكان والده من كبراء أهل قرطبة ; عمل الوزارة في الدولة العامرية، وكذلك وزر أبو محمد في شبيبته، وكان قد مهر أولا في الأدب والأخبار والشعر، وفي المنطق وأجزاء الفلسفة، فأثرت فيه تأثيرا ليته سلم من ذلك، ولقد وقفت له على تأليف يحض فيه على الاعتناء بالمنطق، ويقدمه على العلوم، فتألمت له، فإنه رأس في علوم الإسلام، متبحر في النقل، عديم النظير على يبس فيه، وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول.
قيل: إنه تفقه أولا للشافعي، ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه، والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث، والقول بالبراءة الأصلية، واستصحاب الحال، وصنف في ذلك كتبا كثيرة، وناظر عليه، وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بل فجج العبارة، وسب وجدع فكان جزاؤه من جنس فعله، بحيث إنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة وهجروها، ونفروا منها، وأحرقت في وقت، واعتنى بها آخرون من العلماء، وفتشوها انتقادا واستفادة، وأخذا ومؤاخذة، ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجا في الرصف بالخرز المهين، فتارة يطربون، ومرة يعجبون، ومن تفرده يهزءون. وفي الجملة فالكمال عزيز، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وكان ينهض بعلوم جمة، ويجيد النقل، ويحسن النظم والنثر. وفيه دين وخير، ومقاصده جميلة، ومصنفاته مفيدة، وقد زهد في الرئاسة ولزم منزله مكبا على العلم، فلا نغلو فيه، ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار:
قال أبو حامد الغزالي وجدت في أسماء الله -تعالى- كتابا ألفه أبو محمد بن حزم الأندلسي يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه.(أعلام/710)
وقال الإمام أبو القاسم صاعد بن أحمد: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر، والمعرفة بالسير والأخبار ; أخبرني ابنه الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه أبي محمد من تواليفه أربعمائة مجلد، تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة.
قال أبو عبد الله الحميدي كان ابن حزم حافظا للحديث وفقهه، مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة، متفننا في علوم جمة، عاملا بعلمه، ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ، وكرم النفس والتدين، وكان له في الأدب والشعر نفس واسع وباع طويل، وما رأيت من يقول الشعر على البديه أسرع منه، وشعره كثير جمعته على حروف المعجم.
وقال أبو القاسم صاعد: كان أبوه أبو عمر من وزراء المنصور محمد بن أبي عامر، مدبر دولة المؤيد بالله بن المستنصر المرواني، ثم وزر للمظفر، ووزر أبو محمد للمستظهر عبد الرحمن بن هشام، ثم نبذ هذه الطريقة، وأقبل على العلوم الشرعية، وعني بعلم المنطق وبرع فيه، ثم أعرض عنه. قلت: ما أعرض عنه حتى زرع في باطنه أمورا وانحرافا عن السنة. قال: وأقبل على علوم الإسلام حتى نال من ذلك ما لم ينله أحد بالأندلس قبله.(أعلام/711)
وقد حط أبو بكر بن العربي على أبي محمد في كتاب " القواصم والعواصم " وعلى الظاهرية، فقال: هي أمة سخيفة تسورت على مرتبة ليست لها، وتكلمت بكلام لم نفهمه تلقوه من إخوانهم الخوارج حين حكم علي -رضي الله عنه- يوم صفين، فقالت: لا حكم إلا لله. وكان أول بدعة لقيت في رحلتي القول بالباطن، فلما عدت وجدت القول بالظاهر قد ملأ به المغرب سخيف كان من بادية إشبيلية يعرف بابن حزم، نشأ وتعلق بمذهب الشافعي، ثم انتسب إلى داود، ثم خلع الكل واستقل بنفسه وزعم أنه إمام الأمة يضع ويرفع، ويحكم ويشرع، ينسب إلى دين الله ما ليس فيه، ويقول عن العلماء ما لم يقولوا تنفيرا للقلوب منهم، وخرج عن طريق المشبهة في ذات الله وصفاته، فجاء فيه بطوام، واتفق كونه بين قوم لا بصر لهم إلا بالمسائل، فإذا طالبهم بالدليل كاعوا فيتضاحك مع أصحابه منهم، وعضدته الرئاسة بما كان عنده من أدب، وبشبه كان يوردها على الملوك، فكانوا يحملونه، ويحمونه، بما كان يلقي إليهم من شبه البدع والشرك. وفي حين عودي من الرحلة ألفيت حضرتي منهم طافحة، ونار ضلالهم لافحة، فقاسيتهم مع غير أقران، وفي عدم أنصار إلى حساد يطئون عقبي، تارة تذهب لهم نفسي، وأخرى ينكشر لهم ضرسي، وأنا ما بين إعراض عنهم أو تشغيب بهم، وقد جاءني رجل بجزء لابن حزم سماه " نكت الإسلام " فيه دواهي، فجردت عليه نواهي، وجاءنى آخر برسالة في الاعتقاد فنقضتها برسالة " الغرة " والأمر أفحش من أن ينقض. يقولون: لا قول إلا ما قال الله، ولا نتبع إلا رسول الله، فإن الله لم يأمر بالاقتداء بأحد، ولا بالاهتداء بهدي بشر. فيجب أن يتحققوا أنهم ليس لهم دليل، وإنما هي سخافة في تهويل، فأوصيكم بوصيتين: أن لا تستدلوا عليهم، وأن تطالبوهم بالدليل، فإن المبتدع إذا استدللت عليه شغب عليك، وإذا طالبته بالدليل لم يجد إليه سبيلا.(أعلام/712)
فأما قولهم: لا قول إلا ما قال الله، فحق، ولكن أرني ما قال. وأما قولهم: لا حكم إلا لله. فغير مسلم على الإطلاق، بل من حكم الله أن يجعل الحكم لغيره فيما قاله وأخبر به. صح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: وإذا حاصرت أهل حصن فلا تنزلهم على حكم الله، فإنك لا تدري ما حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك وصح أنه قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء. . . " الحديث.
قلت: لم ينصف القاضي أبو بكر -رحمه الله - شيخ أبيه في العلم، ولا تكلم فيه بالقسط، وبالغ في الاستخفاف به، وأبو بكر فعلى عظمته في العلم لا يبلغ رتبة أبي محمد، ولا يكاد، فرحمهما الله وغفر لهما.
قال اليسع ابن حزم الغافقي وذكر أبا محمد فقال: أما محفوظه فبحر عجاج، وماء ثجاج، يخرج من بحره مرجان الحكم، وينبت بثجاجه ألفاف النعم في رياض الهمم، لقد حفظ علوم المسلمين، وأربى على كل أهل دين، وألف " الملل والنحل " وكان في صباه يلبس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلا بالسرير. أنشد المعتمد، فأجاد، وقصد بلنسية وبها المظفر أحد الأطواد. وحدثني عنه عمر بن واجب قال: بينما نحن عند أبي ببلنسية وهو يدرس المذهب، إذا بأبي محمد بن حزم يسمعنا ويتعجب، ثم سأل الحاضرين مسألة من الفقه، جووب فيها، فاعترض في ذلك، فقال له بعض الحضار: هذا العلم ليس من منتحلاتك، فقام وقعد، ودخل منزله فعكف ووكف منه وابل فما كف، وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصدنا إلى ذلك الموضع، فناظر أحسن مناظرة، وقال فيها: أنا أتبع الحق وأجتهد ولا أتقيد بمذهب.(أعلام/713)
قلت: نعم، من بلغ رتبة الاجتهاد، وشهد له بذلك عدة من الأئمة، لم يسغ له أن يقلد، كما أن الفقيه المبتدئ والعامي الذي يحفظ القرآن أو كثيرا منه لا يسوغ له الاجتهاد أبدا، فكيف يجتهد، وما الذي يقول؟ وعلام يبني؟ وكيف يطير ولما يريش؟ والقسم الثالث: الفقيه المنتهي اليقظ الفهم المحدث، الذي قد حفظ مختصرا في الفروع، وكتابا في قواعد الأصول، وقرأ النحو، وشارك في الفضائل مع حفظه لكتاب الله وتشاغله بتفسيره وقوة مناظرته، فهذه رتبة من بلغ الاجتهاد المقيد، وتأهل للنظر في دلائل الأئمة، فمتى وضح له الحق في مسألة، وثبت فيها النص، وعمل بها أحد الأئمة الأعلام كأبي حنيفة مثلا أو كمالك، أو الثوري، أو الأوزاعي، أو الشافعي، وأبي عبيد، وأحمد، وإسحاق، فليتبع فيها الحق ولا يسلك الرخص، وليتورع، ولا يسعه فيها بعد قيام الحجة عليه تقليد، فإن خاف ممن يشغب عليه من الفقهاء فليتكتم بها ولا يتراءى بفعلها، فربما أعجبته نفسه، وأحب الظهور، فيعاقب، ويدخل عليه الداخل من نفسه، فكم من رجل نطق بالحق، وأمر بالمعروف، فيسلط الله عليه من يؤذيه لسوء قصده، وحبه للرئاسة الدينية، فهذا داء خفي سار في نفوس الفقهاء، كما أنه داء سار في نفوس المنفقين من الأغنياء وأرباب الوقوف والترب المزخرفة، وهو داء خفي يسري في نفوس الجند والأمراء والمجاهدين، فتراهم يلتقون العدو، ويصطدم الجمعان وفي نفوس المجاهدين مخبآت وكمائن من الاختيال وإظهار الشجاعة ليقال، والعجب ولبس القراقل المذهبة، والخوذ المزخرفة، والعدد المحلاة على نفوس متكبرة، وفرسان متجبرة، وينضاف إلى ذلك إخلال بالصلاة، وظلم للرعية وشرب للمسكر، فأنى ينصرون؟ وكيف لا يخذلون؟ اللهم فانصر دينك، ووفق عبادك.(أعلام/714)
فمن طلب العلم للعمل كسره العلم وبكى على نفسه، ومن طلب العلم للمدارس والإفتاء والفخر والرياء، تحامق واختال، وازدرى بالناس، وأهلكه العجب، ومقتته الأنفس قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها أي: دسسها بالفجور والمعصية. قلبت فيه السين ألفا.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام -وكان أحد المجتهدين-: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل " المحلى " لابن حزم، وكتاب " المغني " للشيخ موفق الدين.
قلت: لقد صدق الشيخ عز الدين. وثالثهما: " السنن الكبير " للبيهقي. ورابعها " التمهيد " لابن عبد البر. فمن حصل هذه الدواوين، وكان من أذكياء المفتين وأدمن المطالعة فيها فهو العالم حقا.(أعلام/715)
ولابن حزم مصنفات جليلة أكبرها كتاب " الإيصال إلى فهم كتاب الخصال " خمسة عشر ألف ورقة، وكتاب " الخصال الحافظ لجمل شرائع الإسلام " مجلدان وكتاب " المجلى " في الفقه مجلد، وكتاب " المحلى في شرح المجلى بالحجج والآثار " ثماني مجلدات، كتاب " حجة الوداع " مائة وعشرون ورقة، كتاب " قسمة الخمس في الرد على إسماعيل القاضي " مجلد، كتاب " الآثار التي ظاهرها التعارض ونفي التناقض عنها " يكون عشرة آلاف ورقة، لكن لم يتمه، كتاب " الجامع في صحيح الحديث " بلا أسانيد، كتاب " التلخيص والتخليص في المسائل النظرية " كتاب " ما انفرد به مالك وأبو حنيفة والشافعي "، " مختصر الموضح " لأبي الحسن بن المغلس الظاهري، مجلد، كتاب " اختلاف الفقهاء الخمسة مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وداود "، كتاب " التصفح في الفقه " مجلد، كتاب " التبيين في هل علم المصطفى أعيان المنافقين " ثلاثة كراريس، كتاب " الإملاء في شرح الموطأ " ألف ورقة، كتاب " الإملاء في قواعد الفقه " ألف ورقة أيضا، كتاب " در القواعد في فقه الظاهرية " ألف ورقة أيضا، كتاب " الإجماع " مجيليد، كتاب " الفرائض " مجلد، كتاب " الرسالة البلقاء في الرد على عبد الحق بن محمد الصقلي " مجيليد، كتاب " الإحكام لأصول الأحكام " مجلدان، كتاب " الفصل في الملل والنحل " مجلدان كبيران، كتاب " الرد على من اعترض على الفصل " له، مجلد، كتاب " اليقين في نقض تمويه المعتذرين عن إبليس وسائر المشركين " مجلد كبير، كتاب " الرد على ابن زكريا الرازي " مائة ورقة، كتاب " الترشيد في الرد على كتاب " الفريد " لابن الراوندي في اعتراضه على النبوات، مجلد، كتاب " الرد على من كفر المتأولين من المسلمين " مجلد، كتاب " مختصر في علل الحديث " مجلد، كتاب " التقريب لحد المنطق بالألفاظ العامية " مجلد، كتاب " الاستجلاب " مجلد، كتاب " نسب البربر " مجلد، كتاب " نقط(أعلام/716)
العروس " مجيليد، وغير ذلك.
ومما له في جزء أو كراس: " مراقبة أحوال الإمام "، " من ترك الصلاة عمدا "، " رسالة المعارضة "، " قصر الصلاة "، " رسالة التأكيد "، " ما وقع بين الظاهرية وأصحاب القياس "، " فضائل الأندلس " " العتاب على أبي مروان الخولاني "، " رسالة في معنى الفقه والزهد "، " مراتب العلماء وتواليفهم "، " التلخيص في أعمال العباد "، " الإظهار لما شنع به على الظاهرية "، " زجر الغاوي " جزآن، " النبذ الكافية "، " النكت الموجزة في نفي الرأي والقياس والتعليل والتقليد " مجلد صغير " الرسالة اللازمة لأولي الأمر "، " مختصر الملل والنحل " مجلد، " الدرة في ما يلزم المسلم " جزآن، " مسألة في الروح "، " الرد على إسماعيل اليهودي الذي ألف في تناقض آيات "، " النصائح المنجية " " الرسالة الصمادحية في الوعد والوعيد "، " مسألة الإيمان "، " مراتب العلوم "، " بيان غلط عثمان بن سعيد الأعور في المسند والمرسل "، " ترتيب سؤالات عثمان الدارمي لابن معين "، " عدد ما لكل صاحب في مسند بقي "، " تسمية شيوخ مالك "، " السير والأخلاق " جزآن، " بيان الفصاحة والبلاغة "، رسالة في ذلك إلى ابن حفصون، " مسألة هل السواد لون أو لا "، " الحد والرسم "، " تسمية الشعراء الوافدين على ابن أبي عامر "، " شيء في العروض "، " مؤلف في الظاء والضاد "، " التعقب على الأفليلي في شرحه لديوان المتنبي "، " غزوات المنصور بن أبي عامر "، " تأليف في الرد على أناجيل النصارى ".(أعلام/717)
ولابن حزم " رسالة في الطب النبوي "، وذكر فيها أسماء كتب له في الطب منها: " مقالة العادة " و " مقالة في شفاء الضد بالضد "، و " شرح فصول بقراط "، وكتاب " بلغة الحكيم "، وكتاب " حد الطب " وكتاب " اختصار كلام جالينوس في الأمراض الحادة "، وكتاب في " الأدوية المفردة "، و " مقالة في المحاكمة بين التمر والزبيب "، و " مقالة في النخل " وأشياء سوى ذلك. وقد امتحن لتطويل لسانه في العلماء، وشرد عن وطنه، فنزل بقرية له، وجرت له أمور، وقام عليه جماعة من المالكية، وجرت بينه وبين أبي الوليد الباجي مناظرات ومنافرات، ونفروا منه ملوك الناحية، فأقصته الدولة، وأحرقت مجلدات من كتبه، وتحول إلى بادية لبلة في قرية.
قال أبو الخطاب ابن دحية: كان ابن حزم قد برص من أكل اللبان وأصابه زمانة، وعاش ثنتين وسبعين سنة غير شهر.
قلت: وكذلك كان الشافعي -رحمه الله- يستعمل اللبان لقوة الحفظ، فولد له رمي الدم.
قال أبو العباس بن العريف: كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين.
وقال أبو بكر محمد بن طرخان التركي: قال لي الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد -يعني والد أبي بكر بن العربي -: أخبرني أبو محمد بن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة، فدخل المسجد، فجلس ولم يركع، فقال له رجل: قم فصل تحية المسجد.(أعلام/718)
وكان قد بلغ ستا وعشرين سنة. قال: فقمت وركعت، فلما رجعنا من الصلاة على الجنازة، دخلت المسجد، فبادرت بالركوع، فقيل لي: اجلس اجلس، ليس ذا وقت صلاة -وكان بعد العصر- قال: فانصرفت وقد حزنت وقلت للأستاذ الذي رباني: دلني على دار الفقيه أبي عبد الله بن دحون. قال: فقصدته وأعلمته بما جرى، فدلني على " موطأ " مالك، فبدأت به عليه، وتتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحوا من ثلاثة أعوام، وبدأت بالمناظرة. ثم قال ابن العربي صحبت ابن حزم سبعة أعوام، وسمعت منه جميع مصنفاته سوى المجلد الأخير من كتاب " الفصل "، وهو ست مجلدات، وقرأنا عليه من كتاب " الإيصال " أربع مجلدات في سنة ست وخمسين وأربعمائة، وهو أربعة وعشرون مجلدا، ولي منه إجازة غير مرة.(أعلام/719)
ابن خزيمة
محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر. الحافظ الحجة الفقيه، شيخ الإسلام، إمام الأئمة أبو بكر السلمي النيسابوري الشافعي، صاحب التصانيف.
ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وعني في حداثته بالحديث والفقه، حتى صار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان.
سمع من إسحاق بن راهويه، ومحمد بن حميد، ولم يحدث عنهما، لكونه كتب عنهما في صغره وقبل فهمه وتبصره، وسمع من محمود بن غيلان، وعتبة بن عبد الله المروزي، وعلي بن حجر، وأحمد بن منيع، وبشر بن معاذ، وأبي كريب، وعبد الجبار بن العلاء، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وأخيه يعقوب، وإسحاق بن شاهين، وعمرو بن علي، وزياد بن أيوب، ومحمد بن مهران الجمال، وأبي سعيد الأشج، ويوسف بن واضح الهاشمي، ومحمد بن بشار، ومحمد بن مثنى، والحسين بن حريث، ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني، ومحمد بن يحيى، وأحمد بن عبدة الضبي، ونصر بن علي، ومحمد بن علي، ومحمد بن عبد الله المخرمي، ويونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي، ويوسف بن موسى، ومحمد بن رافع، ومحمد بن يحيى القطعي، وسلم بن جنادة، ويحيى بن حكيم، وإسماعيل بن بشر بن منصور السليمي والحسن بن محمد الزعفراني، وهارون بن إسحاق الهمداني، وأمم سواهم، ومنهم: إسحاق بن موسى الخطمي، ومحمد بن أبان البلخي.(أعلام/720)
حدث عنه: البخاري، ومسلم في غير " الصحيحين "، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم - أحد شيوخه، وأحمد بن المبارك المستملي، وإبراهيم بن أبي طالب، وأبو حامد بن الشرقي، وأبو العباس الدغولي، وأبو علي الحسين بن محمد النيسابوري، وأبو حاتم البستي، وأبو أحمد بن عدي، وأبو عمرو بن حمدان، وإسحاق بن سعد النسوي، وأبو حامد أحمد بن محمد بن بالويه، وأبو بكر أحمد بن مهران المقرئ، وحفيده محمد بن الفضل بن محمد بن خزيمة، ومحمد بن أحمد بن علي بن نصير المعدل، وأبو بكر بن إسحاق الصبغي، وأبو سهل الصعلوكي، والحسين بن علي التميمي حسينك.
وبشر بن محمد بن محمد بن ياسين، وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني وأبو الحسين أحمد بن محمد البحيري، والخليل بن أحمد السجزي القاضي، وأبو سعيد محمد بن بشر الكرابيسي، وأبو أحمد محمد بن محمد الكرابيسي الحاكم، وأبو نصر أحمد بن الحسين المرواني، وأبو العباس أحمد بن محمد الصندوقي، وأبو الحسن محمد بن الحسين الآبري، وأبو الوفاء أحمد بن محمد بن حمويه المزكي، وخلق كثير.(أعلام/721)
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله -فيما قرأت عليه سنة ست وتسعين وستمائة- عن عبد المعز بن محمد الهروي: أخبرنا تميم بن أبي سعيد القصار، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن سنة تسع وأربعين وأربعمائة، أخبرنا محمد بن محمد النيسابوري الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن إسحاق، حدثنا علي بن حجر، حدثنا عبد العزيز بن حصين، عن أبي أمية: أن حبيبا أخبره، عن زر بن حبيش: أنه أتى صفوان بن عسال، وكان من الصحابة، فقال له: ما جاء بكم؟ قالوا: خرجنا من بيوتنا لابتغاء العلم. قال: إنه من خرج من بيته لابتغاء العلم، فإن الملائكة تضع أجنحتها لمبتغي العلم. فسأله عن المسح على الخفين، قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعل للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة، لا أقول من جنابة، ولكن من غائط، أو بول، أو نوم.
قال محمد بن محمد الحافظ: غريب من حديث حبيب بن أبي ثابت، لا أعلم حدث به غير أبي أمية عبد الكريم بن أبي المخارق واسم أبيه قيس.
أخبرنا أحمد بن هبة الله بن أحمد، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعد الكنجرودي، حدثنا بشر بن محمد الحاكم، أخبرنا ابن خزيمة، أخبرنا أحمد بن نصر المقرئ، أخبرنا محمد بن الحسن البصري - محبوب، حدثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة قال: كانت الركبان تأتينا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتلقى منهم الآية والآيتين، فكانوا يخبروننا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ليؤمكم أكثركم قرآنا وكنت أؤم قومي وأنا صغير السن.(أعلام/722)
وبه إلى ابن خزيمة: حدثنا أبو حصين بن أحمد بن يونس، حدثنا عبثر بن القاسم، حدثنا حصين، عن الشعبي، عن محمد بن صيفي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء: أمنكم أحد أكل اليوم؟ قالوا: منا من صام، ومنا من لم يصم. قال: فأتموا بقية يومكم، وابعثوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم هذا حديث صحيح غريب، أخرجه النسائي عن أبي حصين، فوافقناه.
قال الحاكم في " تاريخه ": أخبرني محمد بن أحمد بن واصل الجعفي ببيكند حدثني أبي، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني محمد، حدثنا أحمد بن سنان، حدثني مهدي -والد عبد الرحمن بن مهدي - قال: كان عبد الرحمن يكون عند سفيان عشرة أيام أو أكثر، لا يجيء إلى البيت، فإذا جاءنا ساعة جاء رسول سفيان، فيذهب ويتركنا.
وقال الحاكم: محمد: هو ابن إسحاق بن خزيمة بلا شك، فقد حدثنا أبو أحمد الدارمي، حدثنا ابن خزيمة بالحكاية.
قال الحاكم: قرأت بخط مسلم: حدثني محمد بن إسحاق -صاحبنا-، حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان، حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا إسماعيل بن ربيعة بحديث في الاستسقاء.
قال الحاكم: كتب إلي أحمد بن عبد الرحمن بن القاسم من مصر: أن محمد بن الربيع الجيزي حدثهم: حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثني محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا موسى بن خاقان، حدثنا إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد، عن ابن عباس قال: لما أخرجوا نبيهم، قال أبو بكر - رضي الله عنه -: علمت أنه سيكون قتال.
قال أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري: حدثنا ابن خزيمة قال: كنت إذا أردت أن أصنف الشيء أدخل في الصلاة مستخيرا حتى يفتح لي، ثم أبتدئ التصنيف. ثم قال أبو عثمان: إن الله ليدفع البلاء عن أهل هذه المدينة لمكان أبي بكر محمد بن إسحاق.(أعلام/723)
الحاكم: أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر، سمعت ابن خزيمة وسئل: من أين أوتيت العلم؟ فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ماء زمزم لما شرب له وإني لما شربت سألت الله علما نافعا.
الحاكم: سمعت أبا بكر بن بالويه، سمعت أبا بكر بن إسحاق وقيل له: لو حلقت شعرك في الحمام؟ فقال: لم يثبت عندي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل حماما قط، ولا حلق شعره، إنما تأخذ شعري جارية لي بالمقراض.
قال الحاكم: وسألت محمد بن الفضل بن محمد عن جده؟ فذكر أنه لا يدخر شيئا جهده ; بل ينفقه على أهل العلم، وكان لا يعرف سنجة الوزن، ولا يميز بين العشرة والعشرين، ربما أخذنا منه العشرة، فيتوهم أنها خمسة.
الحاكم: سمعت أبا بكر القفال يقول: كتب ابن صاعد إلى ابن خزيمة يستجيزه كتاب الجهاد، فأجازه له.
قال محمد بن سهل الطوسي: سمعت الربيع بن سليمان وقال لنا: هل تعرفون ابن خزيمة؟ قلنا: نعم. قال: استفدنا منه أكثر ما استفاد منا.
محمد بن إسماعيل السكري: سمعت ابن خزيمة يقول: حضرت مجلس المزني، فسئل عن " شبه العمد " فقال له السائل: إن الله وصف في كتابه القتل صنفين: عمدا وخطأ، فلم قلتم: إنه على ثلاثة أقسام، وتحتج بعلي بن زيد بن جدعان؟ فسكت المزني، فقلت لمناظره: قد روى الحديث أيضا أيوب وخالد الحذاء، فقال لي: فمن عقبة بن أوس؟ قلت: شيخ بصري قد روى عنه ابن سيرين مع جلالته، فقال للمزني: أنت تناظر أو هذا؟ قال: إذا جاء الحديث، فهو يناظر ; لأنه أعلم به مني، ثم أتكلم أنا.
قال محمد بن الفضل بن محمد: سمعت جدي يقول: استأذنت أبي في الخروج إلى قتيبة، فقال: اقرأ القرآن أولا حتى آذن لك. فاستظهرت القرآن، فقال لي: امكث حتى تصلي بالختمة. ففعلت، فلما عيدنا، أذن لي، فخرجت إلى مرو، وسمعت بمرو الروذ من محمد بن هشام -صاحب هشيم -، فنعى إلينا قتيبة.(أعلام/724)
قال الحافظ أبو علي النيسابوري: لم أر أحدا مثل ابن خزيمة.
قلت: يقول مثل هذا وقد رأى النسائي؟! .
قال أبو أحمد حسينك: سمعت إمام الأئمة أبا بكر يحكي عن علي بن خشرم، عن ابن راهويه: أنه قال: أحفظ سبعين ألف حديث. فقلت لابن خزيمة: كم يحفظ الشيخ؟ فضربني على رأسي، وقال: ما أكثر فضولك! ثم قال: يا بني، ما كتبت سوداء في بياض إلا وأنا أعرفه.
قال أبو علي الحافظ: كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة.
أخبرنا أبو علي الحسن بن علي، أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن صالح، حدثنا أبي، حدثنا أبو حاتم بن حبان التميمي قال: ما رأيت على وجه الأرض من يحفظ صناعة السنن، ويحفظ ألفاظها الصحاح، وزياداتها، حتى كأن السنن كلها بين عينيه - إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة فقط.
قال أبو الحسن الدارقطني: كان ابن خزيمة إماما ثبتا، معدوم النظير.
حكى أبو بشر القطان قال: رأى جار لابن خزيمة -من أهل العلم- كأن لوحا عليه صورة نبينا -صلى الله عليه وسلم- وابن خزيمة يصقله. فقال المعبر: هذا رجل يحيي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال الإمام أبو العباس بن سريج -وذكر له ابن خزيمة - فقال: يستخرج النكت من حديث رسول الله بالمنقاش.(أعلام/725)
وقد كان هذا الإمام جهبذا بصيرا بالرجال، فقال -فيما رواه عنه أبو بكر محمد بن جعفر- شيخ الحاكم: لست أحتج بشهر بن حوشب، ولا بحريز بن عثمان لمذهبه ولا بعبد الله بن عمر، ولا ببقية، ولا بمقاتل بن حيان، ولا بأشعث بن سوار، ولا بعلي بن جدعان لسوء حفظه، ولا بعاصم بن عبيد الله، ولا بابن عقيل، ولا بيزيد بن أبي زياد، ولا بمجالد، ولا بحجاج بن أرطاة إذا قال: عن، ولا بأبي حذيفة النهدي، ولا بجعفر بن برقان، ولا بأبي معشر نجيح، ولا بعمر بن أبي سلمة، ولا بقابوس بن أبي ظبيان. ثم سمى خلقا دون هؤلاء في العدالة ; فإن المذكورين احتج بهم غير واحد.
وقال أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري: سمعت ابن خزيمة يقول: ليس لأحد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قول إذا صح الخبر.
قال الحاكم: سمعت محمد بن صالح بن هانئ، سمعت ابن خزيمة يقول: من لم يقر بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته - فهو كافر حلال الدم، وكان ماله فيئا.
قلت: من أقر بذلك تصديقا لكتاب الله، ولأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وآمن به مفوضا معناه إلى الله ورسوله، ولم يخض في التأويل ولا عمق، فهو المسلم المتبع، ومن أنكر ذلك، فلم يدر بثبوت ذلك في الكتاب والسنة فهو مقصر، والله يعفو عنه، إذ لم يوجب الله على كل مسلم حفظ ما ورد في ذلك، ومن أنكر ذلك بعد العلم، وقفا غير سبيل السلف الصالح، وتمعقل على النص، فأمره إلى الله، نعوذ بالله من الضلال والهوى.
وكلام ابن خزيمة هذا -وإن كان حقا- فهو فج، لا تحتمله نفوس كثير من متأخري العلماء.
قال أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه: سمعت ابن خزيمة يقول: القرآن كلام الله تعالى، ومن قال إنه مخلوق. فهو كافر، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، ولا يدفن في مقابر المسلمين.
ولابن خزيمة عظمة في النفوس، وجلالة في القلوب لعلمه ودينه، واتباعه السنة.(أعلام/726)
وكتابه في " التوحيد " مجلد كبير، وقد تأول في ذلك حديث الصورة فليعذر من تأول بعض الصفات. وأما السلف فما خاضوا في التأويل ; بل آمنوا وكفوا، وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده -مع صحة إيمانه، وتوخيه لاتباع الحق- أهدرناه، وبدعناه، لقل من يسلم من الأئمة معنا. رحم الله الجميع بمنه وكرمه.
قال الحاكم: فضائل إمام الأئمة ابن خزيمة عندي مجموعة في أوراق كثيرة، ومصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتابا سوى المسائل، والمسائل المصنفة أكثر من مائة جزء. قال: وله فقه حديث بريرة في ثلاثة أجزاء.
قال حمد بن عبد الله المعدل: سمعت عبد الله بن خالد الأصبهاني يقول: سئل عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبي بكر بن خزيمة فقال: ويحكم! هو يسأل عنا ولا نسأل عنه! هو إمام يقتدى به.
قال الإمام أبو بكر محمد بن علي الشاشي: حضرت ابن خزيمة، فقال له أبو بكر النقاش المقرئ: بلغني أنه لما وقع بين المزني وابن عبد الحكم، قيل للمزني: إنه يرد على الشافعي. فقال المزني: لا يمكنه إلا بمحمد بن إسحاق النيسابوري. فقال أبو بكر: كذا كان.
وعن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن المضارب قال: رأيت ابن خزيمة في النوم، فقلت: جزاك الله عن الإسلام خيرا، فقال: كذا قال لي جبريل في السماء.(أعلام/727)
قال الحاكم: حدثني أبو بكر محمد بن حمدون وجماعة من مشايخنا -إلا أن ابن حمدون كان من أعرفهم بهذه الواقعة-، قال: لما بلغ أبو بكر بن خزيمة من السن والرئاسة والتفرد بهما ما بلغ، كان له أصحاب صاروا في حياته أنجم الدنيا، مثل أبي علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي، وهو أول من حمل علوم الشافعي ودقائق ابن سريج إلى خراسان، ومثل أبي بكر أحمد بن إسحاق -يعني الصبغي - خليفة ابن خزيمة في الفتوى، وأحسن الجماعة تصنيفا، وأحسنهم سياسة في مجالس السلاطين، وأبي بكر بن أبي عثمان، وهو آدبهم، وأكثرهم جمعا للعلوم، وأكثرهم رحلة، وشيخ المطوعة والمجاهدين، وأبي محمد يحيى بن منصور، وكان من أكابر البيوتات، وأعرفهم بمذهب ابن خزيمة وأصلحهم للقضاء.
قال: فلما ورد منصور بن يحيى الطوسي نيسابور، وكان يكثر الاختلاف إلى ابن خزيمة للسماع منه، وهو معتزلي، وعاين ما عاين من الأربعة الذين سميناهم حسدهم، واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ القدري بباب معمر في أمورهم غير مرة فقالا: هذا إمام لا يسرع في الكلام، وينهى أصحابه عن التنازع في الكلام وتعليمه، وقد نبغ له أصحاب يخالفونه وهو لا يدري، فإنهم على مذهب الكلابية فاستحكم طمعهما في إيقاع الوحشة بين هؤلاء الأئمة.
قال الحاكم: سمعت الإمام أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول: كان من قضاء الله -تعالى- أن الحاكم أبا سعيد لما توفي أظهر ابن خزيمة الشماتة بوفاته، هو وجماعة من أصحابه -جهلا منهم- فسألوه أن يتخذ ضيافة، وكان لابن خزيمة بساتين نزهة. قال: فأكرهت أنا من بين الجماعة على الخروج في الجملة إليها.(أعلام/728)
وحدثني أبو أحمد الحسين بن علي التميمي: أن الضيافة كانت في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثمائة، وكانت لم يعهد مثلها، عملها ابن خزيمة، فأحضر جملة من الأغنام والحملان، وأعدال السكر، والفرش، والآلات، والطباخين، ثم إنه تقدم إلى جماعة المحدثين من الشيوخ والشباب، فاجتمعوا بجنزروذ وركبوا منها، وتقدمهم أبو بكر يخترق الأسواق سوقا سوقا، يسألهم أن يجيبوه، ويقول لهم: سألت من يرجع إلى الفتوة والمحبة لي أن يلزم جماعتنا اليوم. فكانوا يجيئون فوجا فوجا حتى لم يبق كبير أحد في البلد -يعني نيسابور - والطباخون يطبخون، وجماعة من الخبازين يخبزون، حتى حمل أيضا جميع ما وجدوا في البلد من الخبز والشواء على الجمال والبغال والحمير، والإمام -رحمه الله- قائم يجري أمور الضيافة على أحسن ما يكون، حتى شهد من حضر أنه لم يشهد مثلها.
فحدثني أبو بكر أحمد بن يحيى المتكلم قال: لما انصرفنا من الضيافة اجتمعنا عند بعض أهل العلم، وجرى ذكر كلام الله: أقديم هو لم يزل، أو نثبت عند إخباره تعالى أنه متكلم به؟ فوقع بيننا في ذلك خوض، قال جماعة منا: كلام البارئ قديم لم يزل.
وقال جماعة: كلامه قديم غير أنه لا يثبت إلا بإخباره وبكلامه. فبكرت إلى أبي علي الثقفي، وأخبرته بما جرى، فقال: من أنكر أنه لم يزل فقد اعتقد أنه محدث. وانتشرت هذه المسألة في البلد، وذهب منصور الطوسي في جماعة إلى ابن خزيمة، وأخبروه بذلك حتى قال منصور: ألم أقل للشيخ: إن هؤلاء يعتقدون مذهب الكلابية؟ وهذا مذهبهم. قال: فجمع ابن خزيمة أصحابه، وقال: ألم أنهكم غير مرة عن الخوض في الكلام؟ ولم يزدهم على هذا ذلك اليوم.(أعلام/729)
قال الحاكم: وحدثني عبد الله بن إسحاق الأنماطي المتكلم قال: لم يزل الطوسي بأبي بكر بن خزيمة حتى جرأه على أصحابه، وكان أبو بكر بن إسحاق وأبو بكر بن أبي عثمان يردان على أبي بكر ما يمليه، ويحضران مجلس أبي علي الثقفي، فيقرءون ذلك على الملأ، حتى استحكمت الوحشة.
سمعت أبا سعد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ، سمعت ابن خزيمة يقول: القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق، ومن قال: شيء منه مخلوق. أو يقول: إن القرآن محدث، فهو جهمي، ومن نظر في كتبي، بان له أن الكلابية -لعنهم الله- كذبة فيما يحكون عني بما هو خلاف أصلي وديانتي، قد عرف أهل الشرق والغرب أنه لم يصنف أحد في التوحيد والقدر وأصول العلم مثل تصنيفي، وقد صح عندي أن هؤلاء -الثقفي، والصبغي، ويحيى بن منصور - كذبة، قد كذبوا علي في حياتي، فمحرم على كل مقتبس علم أن يقبل منهم شيئا يحكونه عني، وابن أبي عثمان أكذبهم عندي، وأقولهم علي ما لم أقله.
قلت: ما هؤلاء بكذبة ; بل أئمة أثبات، وإنما الشيخ تكلم على حسب ما نقل له عنهم. فقبح الله من ينقل البهتان، ومن يمشي بالنميمة.
قال الحاكم: وسمعت محمد بن أحمد بن بالويه، سمعت ابن خزيمة يقول: من زعم بعض هؤلاء الجهلة: أن الله لا يكرر الكلام، فلا هم يفهمون كتاب الله. إن الله قد أخبر في مواضع أنه خلق آدم، وكرر ذكر موسى، وحمد نفسه في مواضع، وكرر " فبأي آلاء ربكما تكذبان " ولم أتوهم أن مسلما يتوهم أن الله لا يتكلم بشيء مرتين، وهذا قول من زعم أن كلام الله مخلوق، ويتوهم أنه لا يجوز أن يقول: خلق الله شيئا واحدا مرتين.(أعلام/730)
قال الحاكم: سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول: لما وقع من أمرنا ما وقع، وجد أبو عبد الرحمن ومنصور الطوسي الفرصة في تقرير مذهبهم، واغتنم أبو القاسم، وأبو بكر بن علي، والبردعي السعي في فساد الحال، انتصب أبو عمرو الحيري للتوسط فيما بين الجماعة، وقرر لأبي بكر بن خزيمة اعترافنا له بالتقدم، وبين له غرض المخالفين في فساد الحال، إلى أن وافقه على أن نجتمع عنده، فدخلت أنا، وأبو علي، وأبو بكر بن أبي عثمان، فقال له أبو علي الثقفي: ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه؟ قال: ميلكم إلى مذهب الكلابية، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره.
حتى طال الخطاب بينه وبين أبي علي في هذا الباب، فقلت: قد جمعت أنا أصول مذاهبنا في طبق، فأخرجت إليه الطبق، فأخذه وما زال يتأمله وينظر فيه، ثم قال: لست أرى هاهنا شيئا لا أقول به. فسألته أن يكتب عليه خطه أن ذلك مذهبه، فكتب آخر تلك الأحرف، فقلت لأبي عمرو الحيري: احتفظ أنت بهذا الخط حتى ينقطع الكلام، ولا يتهم واحد منا بالزيادة فيه. ثم تفرقنا، فما كان بأسرع من أن قصده أبو فلان وفلان وقالا: إن الأستاذ لم يتأمل ما كتب في ذلك الخط، وقد غدروا بك وغيروا صورة الحال.(أعلام/731)
فقبل منهم، فبعث إلى أبي عمرو الحيري لاسترجاع خطه منه، فامتنع عليه أبو عمرو، ولم يرده حتى مات ابن خزيمة، وقد أوصيت أن يدفن معي، فأحاجه بين يدي الله -تعالى- فيه وهو: القرآن كلام الله تعالى، وصفة من صفات ذاته، ليس شيء من كلامه مخلوقا، ولا مفعولا، ولا محدثا، فمن زعم أن شيئا منه مخلوق أو محدث، أو زعم أن الكلام من صفة الفعل، فهو جهمي ضال مبتدع، وأقول: لم يزل الله متكلما، والكلام له صفة ذات، ومن زعم أن الله لم يتكلم إلا مرة، ولم يتكلم إلا ما تكلم به، ثم انقضى كلامه، كفر بالله، وأنه ينزل تعالى إلى سماء الدنيا فيقول: هل من داع فأجيبه.
فمن زعم أن علمه تنزل أوامره ضل، ويكلم عباده بلا كيف الرحمن على العرش استوى لا كما قالت الجهمية إنه على الملك احتوى، ولا استولى. وإن الله يخاطب عباده عودا وبدءا، ويعيد عليهم قصصه وأمره ونهيه، ومن زعم غير ذلك، فهو ضال مبتدع. وساق سائر الاعتقاد.
قلت: كان أبو بكر الصبغي هذا عالم وقته، وكبير الشافعية بنيسابور، حمل عنه الحاكم علما كثيرا.
ولابن خزيمة ترجمة طويلة في " تاريخ نيسابور " تكون بضعا وعشرين ورقة، من ذلك وصيته، وقصيدتان رثي بهما.
وضبط وفاته في ثاني ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، عاش تسعا وثمانين سنة. وقد سمعنا " مختصر المختصر " له عاليا بفوت لي.
وفيها مات: أبو جعفر بن حمدان الحيري -صاحب الصحيح-، وأبو جعفر أحمد بن عمرو الإلبيري -حافظ أهل الأندلس-، وشيخ الحنابلة أبو بكر الخلال، وشيخ الصوفية بالعراق أبو محمد أحمد بن محمد الجريري، وقيل: اسمه حسن، وشيخ العربية أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج البغدادي، وصدر الوزراء حامد بن العباس، وحماد بن شاكر النسفي - صاحب البخاري.(أعلام/732)
ومسند بغداد أبو محمد عبد الله بن إسحاق المدائني الأنماطي، وحافظ هراة أبو محمد عبد الله بن عروة، وحافظ مرو عبد الله بن محمود، ومحدث أنطاكية أبو طاهر بن فيل الهمداني، وشيخ الطب محمد بن زكريا الرازي الفيلسوف، ومسند نيسابور أبو العباس محمد بن شادل بن علي - مولى بني هاشم.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر المستملي، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم المقرئ، أخبرنا محمد بن الفضل بن محمد بن خزيمة، أخبرنا جدي، حدثنا أبو موسى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من نسي صلاة أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها.(أعلام/733)
ابن داسة
الشيخ الثقة العالم أبو بكر محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق بن داسة، البصري التمار، راوي " السنن ".
سمع أبا داود السجستاني، وأبا جعفر محمد بن الحسن بن يونس الشيرازي، وإبراهيم بن فهد الساجي، وغيرهم.
روى عنه: أبو سليمان حمد الخطابي، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو بكر بن لال، وأبو الحسين بن جميع، وأبو علي حسين بن محمد الروذباري، وعبد الله بن محمد بن عبد المؤمن القرطبي شيخ ابن عبد البر، وآخرون.
وهو آخر من حدث بالسنن كاملا، عن أبي داود، وقد عاش بعده أبو بكر النجاد عامين وعنده عن أبي داود أحاديث من السنن، وجزء الناسخ والمنسوخ.
وآخر من روى عن ابن داسة بالإجازة الحافظ أبو نعيم الأصبهاني.
توفي سنة ست وأربعين وثلاثمائة.
أخبرنا عمر بن غدير، أخبرنا أبو القاسم الأنصاري، أخبرنا جمال الإسلام علي، أخبرنا أبو نصر الخطيب، أخبرنا أبو الحسين الغساني، أخبرنا محمد بن بكر بالبصرة، حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن، حدثنا الحسن بن مالك، حدثنا مبارك بن فضالة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن القزع.(أعلام/734)
ابن سريج
الإمام، شيخ الإسلام، فقيه العراقين أبو العباس، أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، القاضي الشافعي، صاحب المصنفات.
ولد سنة بضع وأربعين ومائتين وسمع في الحداثة، ولحق أصحاب سفيان بن عيينة، ووكيع. فسمع من: الحسن بن محمد الزعفراني تلميذ الشافعي، ومن علي بن إشكاب، وأحمد بن منصور الرمادي، وعباس بن محمد الدوري، وأبي يحيى محمد بن سعيد بن غالب العطار، وعباس بن عبد الله الترقفي، وأبي داود السجستاني، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، والحسن بن مكرم، وحمدان بن علي الوراق، ومحمد بن عمران الصائغ، وأبي عوف البزوري، وعبيد بن شريك البزار، وطبقتهم.
وتفقه بأبي القاسم عثمان بن بشار الأنماطي الشافعي، صاحب المزني، وبه انتشر مذهب الشافعي، ببغداد، وتخرج به الأصحاب.
وحدث عنه: أبو القاسم الطبراني، وأبو الوليد حسان بن محمد الفقيه، وأبو أحمد بن الغطريف الجرجاني، وغيرهم.
يقع لي من عالي روايته في الغطريفي.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم: أنبأنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا علي بن عبد السلام، أخبرنا الإمام أبو إسحاق في " طبقات الفقهاء " قال: كان يقال لابن سريج: الباز الأشهب. ولي القضاء بشيراز، وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي، حتى على المزني. وإن فهرست كتبه كان يشتمل على أربع مائة مصنف، وكان الشيخ أبو حامد الإسفراييني يقول: نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون دقائقه تفقه على أبى القاسم الأنماطي، وأخذ عنه خلق، ومنه انتشر المذهب.
وقال أبو علي بن خيران: سمعت أبا العباس بن سريج يقول: رأيت كأنما مطرنا كبريتا أحمر، فملأت أكمامي وحجري، فعبر لي: أن أرزق علما عزيزا كعزة الكبريت الأحمر.
وقال أبو الوليد الفقيه: سمعت ابن سريج يقول: قل ما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح، يفوته الفقه ولا يصل إلى معرفة الكلام.(أعلام/735)
وقال الحاكم سمعت حسان بن محمد يقول: كنا في مجلس ابن سريج سنة ثلاث وثلاثمائة، فقام إليه شيخ من أهل العلم فقال: أبشر أيها القاضي، فإن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد -يعني للأمة- أمر دينها وإن الله تعالى بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وبعث على رأس المائتين محمد بن إدريس الشافعي، وبعثك على رأس الثلاثمائة، ثم أنشأ يقول:
اثنان قد ذهبا فبورك فيهما
عمر الخليفة ثم حلف السؤدد
الشافعي الألمعي محمد
إرث النبوة وابن عم محمد
أبشر أبا العباس إنك ثالث
من بعدهم سقيا لتربة أحمد
قال: فصاح أبو العباس، وبكى، وقال: لقد نعى إلي نفسي. قال حسان الفقيه: فمات القاضي أبو العباس تلك السنة.
قلت: وقد كان على رأس الأربعمائة الشيخ أبو حامد الإسفراييني، وعلى رأس الخمسمائة أبو حامد الغزالي، وعلى رأس الستمائة الحافظ عبد الغني، وعلى رأس السبعمائة شيخنا أبو الفتح ابن دقيق العيد.
وإن جعلت " من يجدد " لفظا يصدق على جماعة -وهو أقوى- فيكون على رأس المائة عمر بن عبد العزيز خليفة الوقت، والقاسم بن محمد، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وأبو قلابة، وطائفة. وعلى رأس المائتين مع الشافعي يزيد بن هارون، وأبو داود الطيالسي، وأشهب الفقيه، وعدة. وعلى رأس الثلاثمائة مع ابن سريج أبو عبد الرحمن النسائي، والحسن بن سفيان، وطائفة.
وممن مات في سنة ست مسند بغداد أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وشيخ الصوفية أبو عبد الله بن الجلاء أحمد بن يحيى بالشام، والمحدث حاجب بن أركين الفرغاني، والحافظ عبدان بن أحمد بن موسى الأهوازي، والمحدث علي بن إسحاق بن زاطيا المخرمي، والقاضي محمد بن خلف وكيع الأخباري، ومحدث قزوين أبو عبد الله محمد بن مسعود بن الحارث الأسدي، ومفتي الشافعية بمصر أبو الحسن منصور بن إسماعيل الضرير.(أعلام/736)
أخبرنا أبو محمد بن أبي عمر إذنا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا أحمد بن محمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا طاهر بن عبد الله، أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد، حدثنا أبو العباس بن سريج، حدثنا علي بن إشكاب، حدثنا أبو بدر ; حدثنا عمر بن ذر، حدثنا أبو الرصافة الباهلي من أهل الشام: أن أبا أمامة حدث عن رسول الله قال: ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة فيتوضأ عندها، فيحسن الوضوء، ثم يصلي فيحسن الصلاة إلا غفر الله له بها ما كان بينها وبين الصلاة التي كانت قبلها من ذنوبه. .
وبه: حدثنا ابن سريج: حدثنا الزعفراني، حدثنا وكيع، حدثنا الثوري، عن ربيعة الرأي، عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد، قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن اللقطة؟ فقال: عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فاستنفقها.(أعلام/737)
ابن سعد
الصدر الأديب البليغ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن نمير الأنصاري المقدسي ثم الصالحي الحنبلي الكاتب.
ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة.
وسمع من يحيى الثقفي، وأبي الحسين بن الموازيني، وعبد الرحمن بن الخرقي، وابن صدقة، وإسماعيل الجنزوي وأحمد بن ينال الترك، وابن شاتيل، وأبي موسى المديني، وله النظم والترسل والفضائل والسؤدد، كتب الإنشاء للصالح عماد الدين إسماعيل.
حدث عنه ابنه سعد الدين يحيى، والحافظ الضياء، والدمياطي، والقاضي تقي الدين، والعفيف إسحاق، وآخرون، توفي في شوال سنة خمسين وستمائة.(أعلام/738)
ابن سينا
العلامة الشهير الفيلسوف، أبو علي، الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، البلخي ثم البخاري، صاحب التصانيف في الطب والفلسفة والمنطق.
كان أبوه كاتبا من دعاة الإسماعيلية، فقال: كان أبي تولى التصرف بقرية كبيرة، ثم نزل بخارى، فقرأت القرآن وكثيرا من الأدب ولي عشر، وكان أبي ممن آخى داعي المصريين، ويعد من الإسماعيلية.
ثم ذكر مبادئ اشتغاله، وقوة فهمه، وأنه أحكم المنطق وكتاب إقليدس. . . إلى أن قال: ورغبت في الطب، وبرزت فيه، وقرءوا علي، وأنا مع ذلك أختلف إلى الفقه، وأناظر ولي ست عشرة سنة.
ثم قرأت جميع أجزاء الفلسفة، وكنت كلما أتحير في مسألة، أو لم أظفر بالحد الأوسط في قياس، ترددت إلى الجامع، وصليت، وابتهلت إلى مبدع الكل حتى فتح لي المنغلق منه، وكنت أسهر، فمهما غلبني النوم، شربت قدحا. . . إلى أن قال: حتى استحكم معي جميع العلوم، وقرأت كتاب " ما بعد الطبيعة "، فأشكل علي حتى أعدت قراءته أربعين مرة، فحفظته ولا أفهمه، فأيست. ثم وقع لي مجلد لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب " ما بعد الحكمة الطبيعية " ففتح علي أغراض الكتب، ففرحت، وتصدقت بشيء كثير.
واتفق لسلطان بخارى نوح مرض صعب، فأحضرت مع الأطباء، وشاركتهم في مداواته، فسألت إذنا في نظر خزانة كتبه، فدخلت فإذا كتب لا تحصى في كل فن، فظفرت بفوائد. . . إلى أن قال: فلما بلغت ثمانية عشر عاما، فرغت من هذه العلوم كلها، وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ، ولكنه معي اليوم أنضج، وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي شيء، وصنفت " المجموع "، فأتيت فيه على علوم، سألني جارنا أبو بكر البرقي وكان مائلا إلى الفقه والتفسير والزهد، فصنفت له " الحاصل والمحصول " في عشرين مجلدة، ثم تقلدت شيئا من أعمال السلطان، وكنت بزي الفقهاء إذ ذاك; بطيلسان محنك، ثم انتقلت إلى نسا، ثم أباورد وطوس وجاجرم، ثم إلى جرجان.(أعلام/739)
قلت: وصنف الرئيس بأرض الجبل كتبا كثيرة، منها: " الإنصاف " عشرون مجلدا، " البر والإثم " مجلدان، " الشفاء "، ثمانية عشر مجلدا، " القانون " مجلدات " الإرصاد " مجلد، " النجاة " ثلاثة مجلدات، " الإشارات " مجلد، " القولنج " مجلد، " اللغة " عشر مجلدات، " أدوية القلب " مجلد، " الموجز " مجلد، " المعاد " مجلد، وأشياء كثيرة ورسائل.
ثم نزل الري وخدم مجد الدولة وأمه، ثم خرج إلى قزوين وهمذان، فوزر بها، ثم قام عليه الأمراء، ونهبوا داره، وأرادوا قتله، فاختفى، فعاود متوليها شمس الدولة القولنج، فطلب الرئيس، واعتذر إليه، فعالجه، فبرأ، واستوزره ثانيا، وكانوا يشتغلون عليه، فإذا فرغوا، حضر المغنون، وهيئ مجلس الشراب. ثم مات الأمير، فاختفى أبو علي عند شخص، فكان يؤلف كل يوم خمسين ورقة، ثم أخذ، وسجن أربعة أشهر، ثم تسحب إلى أصبهان متنكرا في زي الصوفة هو وأخوه وخادمه وغلامان، وقاسوا شدائد، فبالغ صاحب أصبهان علاء الدولة في إكرامه. . . إلى أن قال خادمه: وكان الشيخ قوي القوى كلها، يسرف في الجماع، فأثر في مزاجه، وأخذه القولنج حتى حقن نفسه في يوم ثمان مرات، فتقرح معاه، وظهر به سحج ثم حصل له الصرع الذي يتبع علة القولنج، فأمر يوما بدانقين من بزر الكرفس في الحقنة، فوضع طبيبه عمدا أو خطأ زنة خمسة دراهم، فازداد السحج، وتناول مثروذيطوس لأجل الصرع، فكثره غلامه، وزاده أفيون، وكانوا قد خانوه في مال كثير، فتمنوا هلاكه، ثم تصلح، لكنه مع حاله يكثر الجماع، فينتكس، وقصد علاء الدولة همذان، فسار معه الشيخ، فعاودته العلة في الطريق، وسقطت قوته، فأهمل العلاج، وقال: ما كان يدبر بدني عجز، فلا تنفعني المعالجة. ومات بهمذان بعد أيام وله ثلاث وخمسون سنة.(أعلام/740)
قال ابن خلكان ثم اغتسل وتاب، وتصدق بما معه على الفقراء، ورد المظالم، وأعتق مماليكه، وجعل يختم القرآن في كل ثلاث، ثم مات يوم الجمعة في رمضان سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.
قال: ومولده في صفر سنة سبعين وثلاثمائة.
قلت: إن صح مولده، فما عاش إلا ثمانيا وأربعين سنة وأشهرا، ودفن عند سور همذان، وقيل: نقل تابوته إلى أصبهان. ومن وصية ابن سينا لأبي سعيد، فضل الله الميهني: ليكن الله تعالى أول فكر له وآخره، وباطن كل اعتبار وظاهره، ولتكن عينه مكحولة بالنظر إليه، وقدمه موقوفة على المثول بين يديه، مسافرا بعقله في الملكوت الأعلى وما فيه من آيات ربه الكبرى، وإذا انحط إلى قراره، فلينزه الله في آثاره، فإنه باطن ظاهر تجلى لكل شيء بكل شيء، وتذكر نفسه وودعها، وكان معها كأن ليس معها، فأفضل الحركات الصلاة، وأمثل السكنات الصيام، وأنفع البر الصدقة، وأزكى السر الاحتمال، وأبطل السعي الرياء، ولن تخلص النفس عن الدون ما التفتت إلى قيل وقال وجدال، وخير العمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية ما انفرج عن علم، ومعرفة الله أول الأوائل، إليه يصعد الكلم الطيب. . . إلى أن قال: والمشروب فيهجر تلهيا لا تشفيا ولا يقصر في الأوضاع الشرعية، ويعظم السنن الإلهية.
قد سقت في " تاريخ الإسلام " أشياء اختصرتها، وهو رأس الفلاسفة الإسلامية، لم يأت بعد الفارابي مثله، فالحمد لله على الإسلام والسنة.
وله كتاب " الشفاء "، وغيره، وأشياء لا تحتمل، وقد كفره الغزالي في كتاب " المنقذ من الضلال " وكفر الفارابي.(أعلام/741)
وقال الرئيس: قد صح عندي بالتواتر ما كان بجوزجان في زماننا من أمر حديد لعله زنة مائة وخمسين منا نزل من الهواء، فنشب في الأرض، ثم نبا نبوة الكرة، ثم عاد، فنشب في الأرض، وسمع له صوت عظيم هائل، فلما تفقدوا أمره، ظفروا به، وحمل إلى والي جوزجان، فحاولوا كسر قطعة منه، فما عملت فيه الآلات إلا بجهد، فراموا عمل سيف منه، فتعذر. نقله في " الشفاء ".(أعلام/742)
ابن صاعد
يحيى بن محمد بن صاعد بن كاتب، الإمام الحافظ المجود، محدث العراق أبو محمد الهاشمي البغدادي، مولى الخليفة أبي جعفر المنصور، رحال جوال، عالم بالعلل والرجال.
قال: ولدت في سنة ثمان وعشرين ومائتين، وكتبت الحديث عن ابن ماسرجس سنة تسع وثلاثين.
قلت: سمع يحيى بن سليمان بن نضلة، وعبد الله بن عمران العابدي، ومحمد بن سليمان لوينا، وأحمد بن منيع، وسوار بن عبد الله القاضي، والحسن بن عيسى بن ماسرجس، ويعقوب الدورقي، ومحمد بن بشار، وعبد الجبار بن العلاء العطار، وعمرو بن علي الصيرفي، وجميل بن الحسن الجهضمي، والحسن بن عرفة، ومؤمل بن هشام اليشكري، ومحمد بن عبد الله بن حفص الأنصاري، وأبا هشام الرفاعي.
وإبراهيم بن سعيد الجوهري، ومحمد بن هشام المروزي، وسفيان بن وكيع، والقاسم بن محمد المروزي، وعمر بن شبة، ومحمد بن يحيى بن أبي حزم القطعي، وأزهر بن جميل، وأبا عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي المكي، وعلي بن الحسين الدرهمي، ومحمد بن عمرو بن سليمان، وأبا همام الوليد بن شجاع، وسعيد بن يحيى الأموي.(أعلام/743)
وإسحاق بن شاهين، وعبيد الله بن يوسف الجبيري، والربيع بن سليمان المرادي، وبحر بن نصر الجولاني، وبكار بن قتيبة، وأبا مسلم الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، وعبد الله بن شبيب الربعي، ويحيى بن المغيرة المخزومي، ومحمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ، وأبا سعيد الأشج، وأحمد بن المقدام العجلي، وحميد بن الربيع، وزيد بن أخزم، وعباد بن الوليد الغبري، وعبد الوهاب بن فليح المقرئ، ومحمد بن ميمون الخياط المكي، ومحمد بن عبد الله المخرمي، ومحمد بن منصور الجواز، والحسين بن الحسن المروزي، والزبير بن بكار، وسلمة بن شبيب، ومحمد بن زنبور المكي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومحمد بن هشام بن ملاس الدمشقي، وسعيد بن محمد البيروتي، وخلقا كثيرا، وجمع، وصنف، وأملى.
حدث عنه: أبو القاسم البغوي وهو أكبر منه، والجعابي، والشافعي، والطبراني، وابن عدي، والإسماعيلي، وأبو سليمان بن زبر، وأبو عمر بن حيويه، وأبو طاهر المخلص، وعيسى بن الوزير، وأبو مسلم الكاتب، وخلق كثير، وعبد الرحمن بن أبي شريح.
قال أبو يعلى الخليلي: كان يقال: أئمة ثلاثة في زمان واحد: ابن أبي داود، وابن خزيمة، وعبد الرحمن بن أبي حاتم.
قال الخليلي: ورابعهم أبو محمد بن صاعد، ثقة إمام يفوق في الحفظ أهل زمانه، ارتحل إلى مصر والشام والحجاز والعراق، منهم من يقدمه في الحفظ على أقرانه، منهم: أبو الحسن الدارقطني، مات في سنة ثماني عشرة.
قلت: ويقع لنا -بل لأولادنا ولمن سمع منا- جملة من عوالي حديثه.(أعلام/744)
كتب إلينا المسلم بن علان، عن القاسم بن عساكر، أخبرنا أبي، أخبرنا علي بن أحمد بن البقشلان، أخبرنا أبو الحسن بن الأبنوسي، أخبرنا عيسى بن علي، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد - ثقة من أصحابنا، حدثنا الحسن بن مدرك الطحان، حدثنا يحيى بن حماد، عن أبي عوانة، عن داود بن عبد الله الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن قال: دخلنا على أسير - رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: قال رسول الله: لا يأتيك من الحياء إلا خير.
قال الدارقطني: لابن صاعد أخوان: يوسف بن محمد، يروي عن خلاد بن يحيى وغيره، وأحمد الأوسط، حدث عن أبي بكر بن أبي شيبة، ولهم عم اسمه: عبد الله بن صاعد.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عن يحيى بن محمد بن صاعد، فقال: ثقة ثبت حافظ، وعمهم يحدث عن سفيان بن عيينة في التصوف والزهد.
وقال حمزة بن يوسف السهمي: سألت أبا بكر أحمد بن عبدان، فقلت: ابن صاعد أكثر حديثا أو الباغندي؟ فقال: ابن صاعد أكثر حديثا، ولا يتقدمه أحد في الدراية، والباغندي أعلى إسنادا منه.
قال الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ يقول: لم يكن بالعراق في أقران أبي محمد بن صاعد أحد في فهمه، والفهم عندنا أجل من الحفظ.
قال الحاكم: وسمعت أبا أحمد الحافظ يقول: كان أبو عروبة لحقه وصدقه، فقال لي: بلغني أن أبا محمد بن صاعد حدث عن محمد بن يحيى القطعي، عن عاصم بن هلال، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا: " لا طلاق قبل نكاح " فقلت: حدثنا به من أصله فقال: هذه مسألة مختلف فيها من لدن التابعين، لو كان ثم أيوب، عن نافع، عن ابن عمر لكان علم النظار في الشهرة، ولما كانوا يحتجون ضرورة لحسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.(أعلام/745)
وقال محمد بن المظفر الحافظ: حدثنا ابن صاعد من أصله بحديث محمد بن يحيى القطعي في: لا طلاق قبل نكاح قال: فارتجت بغداد، وتكلم الناس بما تكلموا به، فبينما نحن ذات يوم عند علي بن الحسين الصفار نكتب من أصوله، إذ وقع بيدي جزء من حديث محمد بن يحيى القطعي، فنظرت فوجدت الحديث في الجزء، فلم أخبر أصحابي، وعدوت إلى باب ابن صاعد، فسلمت عليه وقلت: البشارة. فأخذ الجزء ورمى به، ثم أسمعني فقال: يا فاعل، حديث أحدث به، أنا، أحتاج أن يتابعني عليه علي بن الحسين الصفار.
قال البرقاني: قال لي الفقيه أبو بكر الأبهري: كنت عند ابن صاعد، فجاءته امرأة، فقالت له: أيها الشيخ، ما تقول في بئر سقطت فيه دجاجة فماتت، هذا الماء طاهر أو نجس؟ فقال يحيى: ويحك! كيف سقطت الدجاجة؟ ألا غطيته؟ قال الأبهري: فقلت لها: إن لم يكن الماء تغير، فهو طاهر، ولم يكن عند يحيى من الفقه ما يجيب المرأة.
قال الخطيب قد كان ابن صاعد ذا محل من العلم عظيم، وله تصانيف في السنن وترتيبها على الأحكام، ولعله لم يجب المرأة ورعا، فإن المسألة فيها خلاف.
قال ابن شاهين وغيره: توفي ابن صاعد بالكوفة في ذي القعدة سنة ثماني عشرة وثلاثمائة عن تسعين سنة وأشهر.
وقد ذكرنا مخاصمة بينه وبين ابن أبي داود، وحط كل واحد منهما على الآخر في ترجمة ابن أبي داود، ونحن لا نقبل كلام الأقران بعضهم في بعض، وهما -بحمد الله- ثقتان.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد العلوي بالثغر: أخبرنا محمد بن أحمد القطيعي، أخبرنا محمد بن عبيد الله، أخبرنا محمد بن محمد الزينبي، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا إسحاق بن شاهين، حدثنا خالد بن عبد الله، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أسامة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " إنما الربا في النساء ".(أعلام/746)
وبه: عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: ما احتذى النعال ولا ركب المطايا، ولا ركب الكور رجل أفضل من جعفر.
هذا ثابت عن أبي هريرة ولا ينبغي أن يزعم زاعم أن مذهبه: أن جعفرا أفضل من أبي بكر وعمر ; فإن هذا الإطلاق ليس هو على عمومه، بل يخرج منه الأنبياء والمرسلون، فالظاهر أن أبا هريرة لم يقصد أن يدخل أبا بكر ولا عمر -رضي الله عنهم.
ومات مع ابن صاعد أبو عروبة الحراني الحافظ، والقاضي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول التنوخي، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن المغلس البغدادي - صاحب لوين. وإسماعيل بن داود بن وردان المصري - صاحب ابن رمح. والحسن بن علي بن أحمد بن بشار البغدادي العلاف المقرئ، والمسند أبو عثمان سعيد بن عبد العزيز الحلبي، والحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن مسلم الإسفراييني، وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي، وشيخ الفقهاء أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر بمكة.
وأبو بكر محمد بن يوسف بن حماد الأستراباذي - روى عن: أبي بكر بن أبي شيبة الكتب - وزنجويه بن محمد النيسابوري اللباد، وأبو يعلى محمد بن زهير الأبلي.(أعلام/747)
ابن صدقة
الإمام الحافظ المتقن الفقيه أبو بكر، أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة البغدادي.
حدث عن أحمد بن حنبل بمسائل، وعن إسماعيل بن مسعود الجحدري، ومحمد بن مسكين اليمامي، ومحمد بن حرب النشاستجي، وصالح بن محمد بن يحيى القطان، وعدة.
حدث عنه عبد الباقي بن قانع، وأبو بكر الشافعي، وسليمان الطبراني، والفقيه أبو بكر الخلال، وأبو بكر بن مجاهد.
وكان نقالا لكتب من القراءات، ومسائله عن الإمام أحمد مدونة، وكان موصوفا بالإتقان والتثبت.
توفي سنة ثلاث وتسعين ومائتين.
أنبأنا ابن قدامة، أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن علان، أخبرنا محمد بن عبد الله، حدثني أحمد بن محمد بن صدقة الحافظ، حدثنا صالح بن محمد بن يحيى، حدثنا أبي، عن عثمان بن مرة، عن القاسم، عن عائشة، قال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون عذابا لا يعذبه أحد من العالمين، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم.
قال ابن المنادي: كان ابن صدقة من الضبط والحذق على نهاية.(أعلام/748)
ابن طاهر
الأمير أبو أحمد، عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي، من بيت إمارة وتقدم، ولي شرطة بغداد نيابة عن أخيه الأمير محمد بن عبد الله، ثم استقل بها بعد موت أخيه.
وكان رئيسا جليلا، وشاعرا محسنا، ومترسلا بليغا.
له تصانيف منها: كتاب " الإشارة " في أخبار الشعراء، و " رئاسة السياسة "، وكتاب: " البراعة في الفصاحة " وغير ذلك. مات في شوال سنة ثلاثمائة وله سبع وسبعون سنة.(أعلام/749)
ابن عبد البر
الإمام العلامة، حافظ المغرب، شيخ الإسلام أبو عمر، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الأندلسي، القرطبي، المالكي، صاحب التصانيف الفائقة.
مولده في سنة ثمان وستين وثلاثمائة في شهر ربيع الآخر. وقيل: في جمادى الأولى. فاختلفت الروايات في الشهر عنه.
وطلب العلم بعد التسعين وثلاثمائة، وأدرك الكبار، وطال عمره وعلا سنده، وتكاثر عليه الطلبة، وجمع وصنف، ووثق وضعف، وسارت بتصانيفه الركبان، وخضع لعلمه علماء الزمان، وفاته السماع من أبيه الإمام أبي محمد فإنه مات قديما في سنة ثمانين وثلاثمائة فكان فقيها عابدا متهجدا، عاش خمسين سنة، وكان قد تفقه على التجيبي وسمع من أحمد بن مطرف، وأبي عمر بن حزم المؤرخ.(أعلام/750)
نعم، وابنه صاحب الترجمة أبو عمر سمع من: أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن سنن أبي داود، بروايته عن ابن داسة وحدثه أيضا عن إسماعيل بن محمد الصفار، وحدثه ب " الناسخ والمنسوخ " لأبي داود، عن أبي بكر النجاد، وناوله مسند أحمد بن حنبل بروايته عن القطيعي، نعم، وسمع من المعمر محمد بن عبد الملك بن ضيفون أحاديث الزعفراني بسماعه من ابن الأعرابي عنه، وقرأ عليه تفسير محمد بن سنجر في مجلدات، وقرأ على أبي القاسم عبد الوارث بن سفيان " موطأ " ابن وهب بروايته عن قاسم بن أصبغ، عن ابن وضاح، عن سحنون، وغيره، عنه. وسمع من سعيد بن نصر - مولى الناصر لدين الله - " الموطأ " وأحاديث وكيع ; يرويها عن قاسم بن أصبغ، عن القصار، عنه. وسمع منه في سنة تسعين وثلاثمائة كتاب " المشكل " لابن قتيبة، وقرأ عليه " مسند " الحميدي وأشياء. وسمع من أبي عمر أحمد بن محمد بن أحمد بن الجسور " المدونة ". وسمع من خلف بن القاسم بن سهل الحافظ تصنيف عبد الله بن عبد الحكم، وسمع من الحسين بن يعقوب البجاني. وقرأ على عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الوهراني " موطأ " ابن القاسم، وقرأ على أبي عمر الطلمنكي أشياء، وقرأ على الحافظ أبي الوليد بن الفرضي مسند مالك، وسمع من يحيى بن عبد الرحمن بن وجه الجنة، ومحمد بن رشيق المكتب وأبي المطرف عبد الرحمن بن مروان القنازعي، وأحمد بن فتح بن الرسان، وأبي عمر أحمد بن عبد الله بن محمد بن الباجي، وأبي عمر أحمد بن عبد الملك بن المكوي، وأحمد بن القاسم التاهرتي، وعبد الله بن محمد بن أسد الجهني، وأبي حفص عمر بن حسين بن نابل، ومحمد بن خليفة الإمام، وعدة.(أعلام/751)
حدث عنه: أبو محمد بن حزم، وأبو العباس بن دلهاث الدلائي، وأبو محمد بن أبي قحافة، وأبو الحسن بن مفوز، والحافظ أبو علي الغساني، والحافظ أبو عبد الله الحميدي، وأبو بحر سفيان بن العاص، ومحمد بن فتوح الأنصاري، وأبو داود سليمان بن أبي القاسم نجاح، وأبو عمران موسى بن أبي تليد، وطائفة سواهم. وقد أجاز له من ديار مصر أبو الفتح بن سيبخت صاحب البغوي، وعبد الغني بن سعيد الحافظ، وأجاز له من الحرم أبو الفتح عبيد الله السقطي، وآخر من روى عنه بالإجازة علي بن عبد الله بن موهب الجذامي.
قال الحميدي أبو عمر فقيه حافظ مكثر، عالم بالقراءات وبالخلاف، وبعلوم الحديث والرجال، قديم السماع، يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي.
وقال أبو علي الغساني: لم يكن أحد ببلدنا في الحديث مثل قاسم بن محمد، وأحمد بن خالد الجباب. ثم قال أبو علي: ولم يكن ابن عبد البر بدونهما، ولا متخلفا عنهما، وكان من النمر بن قاسط، طلب وتقدم، ولزم أبا عمر أحمد بن عبد الملك الفقيه، ولزم أبا الوليد بن الفرضي، ودأب في طلب الحديث، وافتن به، وبرع براعة فاق بها من تقدمه من رجال الأندلس، وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه والمعاني له بسطة كبيرة في علم النسب والأخبار، جلا عن وطنه، فكان في الغرب مدة، ثم تحول إلى شرق الأندلس، فسكن دانية، وبلنسية، وشاطبة وبها توفي.
وذكر غير واحد أن أبا عمر ولي قضاء أشبونة مدة.(أعلام/752)
قلت: كان إماما دينا، ثقة، متقنا، علامة، متبحرا، صاحب سنة واتباع، وكان أولا أثريا ظاهريا فيما قيل، ثم تحول مالكيا مع ميل بين إلى فقه الشافعي في مسائل، ولا ينكر له ذلك، فإنه ممن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين، ومن نظر في مصنفاته بان له منزلته من سعة العلم، وقوة الفهم، وسيلان الذهن، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده، لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه، ونغطي معارفه، بل نستغفر له، ونعتذر عنه.
قال أبو القاسم بن بشكوال: ابن عبد البر إمام عصره، وواحد دهره، يكنى أبا عمر، روى بقرطبة عن خلف بن القاسم، وعبد الوارث بن سفيان، وسعيد بن نصر، وأبي محمد بن عبد المؤمن، وأبي محمد بن أسد، وجماعة يطول ذكرهم. وكتب إليه من المشرق السقطي، والحافظ عبد الغني، وابن سيبخت، وأحمد بن نصر الداودي، وأبو ذر الهروي، وأبو محمد بن النحاس.
قال أبو علي بن سكرة: سمعت أبا الوليد الباجي يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البر في الحديث، وهو أحفظ أهل المغرب.
وقال أبو علي الغساني: ألف أبو عمر في " الموطأ " كتبا مفيدة، منها: كتاب " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " فرتبه على أسماء شيوخ مالك، على حروف المعجم، وهو كتاب لم يتقدمه أحد إلى مثله، وهو سبعون جزءا.
قلت: هي أجزاء ضخمة جدا.
قال ابن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه؟ .
ثم صنع كتاب " الاستذكار لمذهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار " شرح فيه " الموطأ " على وجهه، وجمع كتابا جليلا مفيدا وهو " الاستيعاب في أسماء الصحابة " وله كتاب " جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله " وغير ذلك من تواليفه.(أعلام/753)
وكان موفقا في التأليف، معانا عليه، ونفع الله بتواليفه، وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه ومعاني الحديث له بسطة كبيرة في علم النسب والخبر.
وذكر جماعة أن أبا عمر ولي قضاء الأشبونة وشنترين في مدة المظفر بن الأفطس.
ولأبي عمر كتاب " الكافي في مذهب مالك ". خمسة عشر مجلدا، وكتاب " الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو "، وكتاب " التقصي في اختصار الموطأ " وكتاب " الإنباه عن قبائل الرواة " وكتاب " الانتقاء لمذاهب الثلاثة العلماء مالك وأبي حنيفة والشافعي " وكتاب " البيان في تلاوة القرآن " وكتاب " الأجوبة الموعبة " وكتاب " الكنى " وكتاب " المغازي " وكتاب " القصد والأمم في نسب العرب والعجم " وكتاب " الشواهد في إثبات خبر الواحد " وكتاب " الإنصاف في أسماء الله " وكتاب " الفرائض " وكتاب " أشعار أبي العتاهية " وعاش خمسة وتسعين عاما.
قال أبو داود المقرئ: مات أبو عمر ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر، سنة ثلاث وستين وأربعمائة واستكمل خمسا وتسعين سنة وخمسة أيام، رحمه الله.
قلت: كان حافظ المغرب في زمانه.
وفيها مات حافظ المشرق أبو بكر الخطيب ومسند نيسابور أبو حامد أحمد بن الحسن الأزهري الشروطي عن تسع وثمانين سنة، وشاعر الأندلس الوزير أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي القرطبي ورئيس خراسان أبو علي حسان بن سعيد المخزومي المنيعي واقف الجامع المنيعي بنيسابور، وشاعر القيروان أبو علي الحسن بن رشيق الأزدي ومسند هراة أبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي ومسند بغداد أبو الغنائم محمد بن علي بن علي بن الدجاجي المحتسب ومسند مرو أبو بكر محمد بن أبي الهيثم عبد الصمد الترابي وله ست وتسعون سنة، والمسند أبو علي محمد بن وشاح الزينبي مولاهم البغدادي.
وقيل: إن أبا عمر كان ينبسط إلى أبي محمد بن حزم، ويؤانسه، وعنه أخذ ابن حزم فن الحديث.(أعلام/754)
قال شيخنا أبو عبد الله بن أبي الفتح: كان أبو عمر أعلم من بالأندلس في السنن والآثار واختلاف علماء الأمصار.
قال: وكان في أول زمانه ظاهري المذهب مدة طويلة، ثم رجع إلى القول بالقياس من غير تقليد أحد، إلا أنه كان كثيرا ما يميل إلى مذهب الشافعي. كذا قال. وإنما المعروف أنه مالكي.
وقال الحميدي: أبو عمر فقيه حافظ، مكثر، عالم بالقراءات وبالخلاف وعلوم الحديث والرجال، قديم السماع، لم يخرج من الأندلس، وكان يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي.
قلت: وكان في أصول الديانة على مذهب السلف، لم يدخل في علم الكلام، بل قفا آثار مشايخه، رحمهم الله.
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الحافظ، أخبرنا علي بن هبة الله الخطيب، أخبرنا أبو القاسم الرعيني، أخبرنا أبو الحسن بن هذيل، أخبرنا أبو داود بن نجاح قال: أخبرنا أبو عمر بن عبد البر، أخبرنا سعيد بن نصر، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن وضاح، حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة، عن أبيه، عن جده قال: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول -أو نقوم- بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم.
وأخبرناه عاليا بدرجات إسماعيل بن عبد الرحمن أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا أبو الفضل المبارك بن المبارك السمسار بقراءتي سنة 561، أخبرنا أبو عبد الله بن طلحة، أخبرنا عبد الواحد بن محمد، حدثنا الحسين بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن إسماعيل المدني، حدثنا مالك. فذكره.(أعلام/755)
أخرجه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك. كتب إلي القاضي أبو المجد عبد الرحمن بن عمر العقيلي، أخبرنا عمر بن علي بن قشام الحنفي بحلب، أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد الأشيري أخبرنا أبو الحسن بن موهب، أخبرنا يوسف بن عبد الله الحافظ، أخبرنا خلف بن القاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، حدثنا محمد بن عبد الأعلى. حدثنا سلمة بن رجاء، عن الوليد بن جميل، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله وملائكته، وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر، ليصلون على معلم الخير تفرد به الوليد، وليس بمعتمد.
أنبأنا عدة، عن أمثالهم، عن أبي الفتح بن البطي، عن محمد بن أبي نصر الحافظ، عن ابن عبد البر، حدثنا محمد بن عبد الملك، حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي، حدثنا إبراهيم العبسي، عن وكيع، عن الأعمش قال: حدثنا أبو خالد الوالبي قال: كنا نجالس أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيتناشدون الأشعار، ويتذاكرون أيام الجاهلية.
قال ابن الأبار في " الأربعين " له: وفي " التمهيد " يقول مؤلفه:
سمير فؤادي مذ ثلاثون حجة
وصيقل ذهني والمفرج عن همي
بسطت لكم فيه كلام نبيكم
بما في معانيه من الفقه والعلم
وفيه من الآثار ما يقتدى به
إلى البر والتقوى وينهى عن الظلم(أعلام/756)
ابن عدي
هو الإمام الحافظ الناقد الجوال أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن مبارك ابن القطان الجرجاني، صاحب كتاب " الكامل " في الجرح والتعديل، وهو خمسة أسفار كبار.
مولده في سنة سبع وسبعين ومائتين، وأول سماعه كان في سنة تسعين، وارتحاله في سنة سبع وتسعين.
فسمع بهلول بن إسحاق التنوخي، ومحمد بن عثمان بن أبي سويد، ومحمد بن يحيى المروزي، وأنس بن السلم، وعبد الرحمن بن القاسم بن الرواس الدمشقيين، وأبا خليفة الجمحي، وأبا عبد الرحمن النسائي، وعمران بن موسى بن مجاشع، والحسن بن محمد المديني، والحسن بن الفرج الغزي صاحبي يحيى بن بكير، وجعفر بن محمد الفريابي، وأبا يعلى الموصلي، والحسن بن سفيان النسوي، وعبدان الأهوازي، وأبا بكر بن خزيمة، والبغوي، وأبا عروبة، وخلقا كثيرا في الحرمين، ومصر، والشام، والعراق، وخراسان، والجبال، وطال عمره وعلا إسناده. وجرح وعدل وصحح وعلل، وتقدم في هذه الصناعة على لحن فيه، يظهر في تأليفه.
حدث عنه شيخه أبو العباس بن عقدة، وأبو سعد الماليني، والحسن بن رامين، ومحمد بن عبد الله بن عبدكويه، وحمزة بن يوسف السهمي، وأبو الحسين أحمد بن العالي، وآخرون.
قال الحافظ ابن عساكر: كان ثقة على لحن فيه. وقال حمزة بن يوسف سألت الدارقطني أن يصنف كتابا في الضعفاء، فقال: أليس عندك كتاب ابن عدي؟ قلت: بلى. قال: فيه كفاية، لا يزاد عليه. بلغني أن ابن عدي صنف كتابا سماه " الانتصار " على أبواب " المختصر " للمزني.
قال حمزة السهمي: كان ابن عدي حافظا متقنا، لم يكن في زمانه أحد مثله، تفرد برواية أحاديث وهب منها لابنيه عدي وأبي زرعة فتفردا بها عنه.
وقال أبو يعلى الخليلي: كان أبو أحمد عديم النظير حفظا وجلالة، سألت عبد الله بن محمد الحافظ، فقال: زر قميص ابن عدي أحفظ من عبد الباقي بن قانع.(أعلام/757)
قال الخليلي: وسمعت أحمد بن أبي مسلم الحافظ يقول: لم أر أحدا مثل أبي أحمد بن عدي فكيف فوقه في الحفظ؟ ! وكان أحمد هذا لقي الطبراني وأبا أحمد الحاكم، وقال لي: كان حفظ هؤلاء تكلفا، وحفظ ابن عدي طبعا. زاد " معجمه " على ألف شيخ.
وقال أبو الوليد الباجي: ابن عدي حافظ لا بأس به.
قلت: يذكر في " الكامل " كل من تكلم فيه بأدنى شيء لو كان من رجال " الصحيحين "، ولكنه ينتصر له إذا أمكن، ويروي في الترجمة حديثا أو أحاديث مما استنكر للرجل. وهو منصف في الرجال بحسب اجتهاده.
قال حمزة السهمي: مات في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وثلاثمائة.
أخبرنا محمد بن الحسين القرشي بمصر، ويحيى بن أحمد الجذامي بالثغر قالا: أخبرنا محمد بن عماد، أخبرنا ابن رفاعة، أخبرنا أبو الحسن الخلعي، أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا عبد الله بن عدي الحافظ، حدثنا الحسن بن الفرج، حدثني يحيى بن بكير، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رجلا لاعن امرأته في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانتفى من ولدها، ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما، وألحق الولد بالمرأة.(أعلام/758)
ابن عساكر
الإمام العلامة الحافظ الكبير المجود، محدث الشام، ثقة الدين أبو القاسم الدمشقي الشافعي، صاحب " تاريخ دمشق ".
نقلت ترجمته من خط ولده المحدث أبي محمد القاسم بن علي، فقال: ولد في المحرم في أول الشهر سنة تسع وتسعين وأربعمائة وسمعه أخوه صائن الدين هبة الله في سنة خمس وخمسمائة وبعدها، وارتحل إلى العراق في سنة عشرين، وحج سنة إحدى وعشرين.
قلت: وارتحل إلى خراسان على طريق أذربيجان في سنة تسع وعشرين وخمسمائة.
وهو علي بن الشيخ أبي محمد الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين. فعساكر لا أدري لقب من هو من أجداده، أو لعله اسم لأحدهم.
سمع: الشريف أبا القاسم النسيب، وعنده عنه الأجزاء العشرون التي خرجها له شيخه الحافظ أبو بكر الخطيب سمعناها بالاتصال.
وسمع من قوام بن زيد صاحب ابن هزارمرد الصريفيني، ومن أبي الوحش سبيع بن قيراط صاحب الأهوازي، ومن أبي طاهر الحنائي، وأبي الحسن بن الموازيني، وأبي الفضائل الماسح، ومحمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، والأمين هبة الله بن الأكفاني، وعبد الكريم بن حمزة، وطاهر بن سهل الإسفراييني، وخلق بدمشق.
وأقام ببغداد خمسة أعوام، يحصل العلم، فسمع من هبة الله بن الحصين، وعلي بن عبد الواحد الدينوري، وقراتكين بن أسعد، وأبي غالب بن البناء، وهبة الله بن أحمد بن الطبر، وأبي الحسن البارع، وأحمد بن ملوك الوراق، والقاضي أبي بكر، وخلق كثير.
وبمكة من عبد الله بن محمد المصري الملقب بالغزال.
وبالمدينة من عبد الخلاق بن عبد الواسع الهروي.
وبأصبهان من الحسين بن عبد الملك الخلال، وغانم بن خالد، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وخلق.
وبنيسابور من أبي عبد الله الفراوي، وأبي محمد السيدي، وزاهر الشحامي، وعبد المنعم بن القشيري، وفاطمة بنت زعبل، وخلق. وبمرو من يوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد، وخلق.(أعلام/759)
وبهراة من تميم بن أبي سعيد المؤدب، وعدة.
وبالكوفة من عمر بن إبراهيم الزيدي الشريف. وبهمذان وتبريز والموصل.
وعمل أربعين حديثا بلدانية.
وعدد شيوخه الذي في " معجمه " ألف وثلاثمائة شيخ بالسماع، وستة وأربعون شيخا أنشدوه، وعن مائتين وتسعين شيخا بالإجازة، الكل في " معجمه "، وبضع وثمانون امرأة لهن " معجم " صغير سمعناه.
وحدث ببغداد والحجاز وأصبهان ونيسابور.
وصنف الكثير.
وكان فهما حافظا متقنا ذكيا بصيرا بهذا الشأن، لا يلحق شأوه، ولا يشق غباره، ولا كان له نظير في زمانه.
حدث عنه: معمر بن الفاخر، والحافظ أبو العلاء العطار، والحافظ أبو سعد السمعاني، وابنه القاسم بن علي، والإمام أبو جعفر القرطبي، والحافظ أبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم بن صصرى، وقاضي دمشق أبو القاسم بن الحرستاني، والحافظ عبد القادر الرهاوي، والمفتي فخر الدين عبد الرحمن بن عساكر، وأخواه زين الأمناء حسن، وأبو نصر عبد الرحيم، وأخوهم تاج الأمناء أحمد، وولده العز النسابة، ويونس بن محمد الفارقي، وعبد الرحمن بن نسيم.
والفقيه عبد القادر بن أبي عبد الله البغدادي، والقاضي أبو نصر بن الشيرازي، وعلي بن حجاج البتلهي، وأبو عبد الله محمد بن نصر القرشي ابن أخي الشيخ أبي البيان، وأبو المعالي أسعد، والسديد مكي ابنا المسلم بن علان، ومحمد بن عبد الكريم بن الهادي المحتسب، وفخر الدين محمد بن عبد الوهاب بن الشيرجي، وأبو إسحاق إبراهيم وعبد العزيز ابنا أبي طاهر الخشوعي، وعبد الواحد بن أحمد بن أبي المضاء، ونصر الله بن عبد الرحمن بن فتيان الأنصاري، وعبد الجبار بن عبد الغني بن الحرستاني، ومحمد بن أحمد الماكسيني.(أعلام/760)
ومحاسن بن أبي القاسم الجوبراني، وسيف الدولة محمد بن غسان، وعبد الرحمن بن شعلة البيت سوائي، وخطاب بن عبد الكريم المزي، وعتيق بن أبي الفضل السلماني، وعمر بن عبد الوهاب بن البراذعي، ومحمد بن رومي السقباني، والرشيد أحمد بن المسلمة، وبهاء الدين علي بن الجميزي، وخلق.
وقد روى لشيوخي نحو من أربعين نفسا من أصحاب الحافظ أفردت لهم جزءا.
وكان له إجازات عالية، فأجاز له مسند بغداد الحاجب أبو الحسن بن العلاف، وأبو القاسم بن بيان، وأبو علي بن نبهان الكاتب، وأبو الفتح أحمد بن محمد الحداد، وغانم البرجي، وأبو علي الحداد المقرئ، وعبد الغفار الشيروي صاحب القاضي أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري، وخلق سواهم أجازوا له وهو طفل.
قال ابنه القاسم: روي عنه أشياء من تصانيفه بالإجازة في حياته، واشتهر اسمه في الأرض، وتفقه في حداثته على جمال الإسلام أبي الحسن السلمي وغيره، وانتفع بصحبة جده لأمه القاضي أبي المفضل عيسى بن علي القرشي في النحو، وعلق مسائل من الخلاف عن أبي سعد بن أبي صالح الكرماني ببغداد، ولازم الدرس والتفقه بالنظامية ببغداد، وصنف وجمع فأحسن. قال:(أعلام/761)
فمن ذلك " تاريخه " في ثمانمائة جزء -قلت: الجزء عشرون ورقة، فيكون ستة عشر ألف ورقة- قال: وجمع " الموافقات " في اثنين وسبعين جزءا، و " عوالي مالك "، و " الذيل " عليه خمسين جزءا، و " غرائب مالك " عشرة أجزاء، و " المعجم " في اثني عشر جزءا -قلت: هو رواية مجردة لم يترجم فيه شيوخه - قال: وله " مناقب الشبان " خمسة عشر جزءا، و " فضائل أصحاب الحديث " أحد عشر جزءا، " فضل الجمعة " مجلد، و " تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري " مجلد، و " المسلسلات " مجلد، و " السباعيات " سبعة أجزاء، " من وافقت كنيته كنية زوجته " أربعة أجزاء، و " في إنشاء دار السنة " ثلاثة أجزاء، " في يوم المزيد " ثلاثة أجزاء، " الزهادة في الشهادة " مجلد، " طرق قبض العلم "، " حديث الأطيط "، " حديث الهبوط وصحته "، " عوالي الأوزاعي وحاله " جزآن.
ومن تواليف ابن عساكر اللطيفة: " الخماسيات " جزء، " السداسيات " جزء، " أسماء الأماكن التي سمع فيها "، " الخضاب "، " إعزاز الهجرة عند إعواز النصرة "، " المقالة الفاضحة "، " فضل كتابة القرآن "، " من لا يكون مؤتمنا لا يكون مؤذنا "، " فضل الكرم على أهل الحرم "، " في حفر الخندق "، " قول عثمان: ما تغنيت " " أسماء صحابة المسند ".
" أحاديث رأس مال شعبة "، " أخبار سعيد بن عبد العزيز "، " مسلسل العيد "، " الأبنة "، " فضائل العشرة " جزآن، " من نزل المزة "، " في الربوة والنيرب "، " في كفر سوسية "، " رواية أهل صنعاء "، " أهل الحمريين "، " فذايا "، " بيت قوفا "، " البلاط "، " قبر سعد "، " جسرين "، " كفر بطنا "، " حرستا "، " دوما مع مسرابا "، " بيت سوا "، " جركان " " جديا وطرميس "، " زملكا "، " جوبر "، " بيت لهيا " " برزة "، " منين "، " يعقوبا ".(أعلام/762)
" أحاديث بعلبك "، " فضل عسقلان "، " القدس "، " المدينة "، " مكة "، " كتاب الجهاد "، " مسند أبي حنيفة ومكحول "، " العزل " وغير ذلك، و " الأربعون الطوال " مجيليد، و " الأربعون البلدية " جزء، و " الأربعون في الجهاد "، و " الأربعون الأبدال "، و " فضل عاشوراء " ثلاثة أجزاء، و " طرق قبض العلم " جزء، كتاب " الزلازل " مجيليد، " المصاب بالولد " جزآن، " شيوخ النبل " مجيليد، " عوالي شعبة " اثنا عشر جزءا، " عوالي سفيان " أربعة أجزاء، " معجم القرى والأمصار " جزء، وسرد له عدة تواليف.
قال: وأملى أربعمائة مجلس وثمانية.
قال: وكان مواظبا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، يحيي ليلة النصف والعيدين بالصلاة والتسبيح، ويحاسب نفسه على لحظة تذهب في غير طاعة.
قال لي: لما حملت بي أمي، رأت في منامها قائلا يقول: تلدين غلاما يكون له شأن. وحدثني أن أباه رأى رؤيا معناه يولد لك ولد يحيي الله به السنة، ولما عزم على الرحلة، قال له أبو الحسن بن قبيس أرجو أن يحيي الله بك هذا الشأن.
وحدثني أبي قال: كنت يوما أقرأ على أبي الفتح المختار بن عبد الحميد وهو يتحدث مع الجماعة، فقال: قدم علينا أبو علي بن الوزير، فقلنا: ما رأينا مثله، ثم قدم علينا أبو سعد السمعاني، فقلنا: ما رأينا مثله، حتى قدم علينا هذا، فلم نر مثله.
قال القاسم: وحكى لي أبو الحسن علي بن إبراهيم الأنصاري الحنبلي، عن أبي الحسن سعد الخير قال: ما رأيت في سن أبي القاسم الحافظ مثله.(أعلام/763)
وحدثنا التاج محمد بن عبد الرحمن المسعودي، سمعت الحافظ أبا العلاء الهمذاني يقول لبعض تلامذته -وقد استأذنه أن يرحل- فقال: إن عرفت أستاذا [أعلم مني] أو في الفضل مثلي، فحينئذ آذن إليك أن تسافر إليه، اللهم إلا أن تسافر إلى الحافظ ابن عساكر، فإنه حافظ كما يجب، فقلت: من هذا الحافظ؟ فقال: حافظ الشام أبو القاسم، يسكن دمشق. . وأثنى عليه.
وكان يجري ذكره عند ابن شيخه، وهو الخطيب أبو الفضل بن أبي نصر الطوسي، فيقول: ما نعلم من يستحق هذا اللقب اليوم -أعني الحافظ - ويكون حقيقا به سواه. كذا حدثني أبو المواهب بن صصرى.
وقال: لما دخلت همذان أثنى عليه الحافظ أبو العلاء، وقال لي: أنا أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد، فلو خالق الناس ومازجهم كما أصنع، إذا لاجتمع عليه الموافق والمخالف.
وقال لي أبو العلاء يوما: أي شيء فتح له، وكيف ترى الناس له؟ قلت: هو بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلا بالجمع والتصنيف والتسميع حتى في نزهه وخلواته، فقال: الحمد لله، هذا ثمرة العلم، ألا إنا قد حصل لنا هذه الدار والكتب والمسجد، هذا يدل على قلة حظوظ أهل العلم في بلادكم. ثم قال لي: ما كان يسمى أبو القاسم ببغداد إلا شعلة نار من توقده وذكائه وحسن إدراكه.
وروى زين الأمناء، حدثنا ابن القزويني، عن والده مدرس النظامية قال: حكى لنا الفراوي قال: قدم علينا ابن عساكر، فقرأ علي في ثلاثة أيام فأكثر، فأضجرني، وآليت أن أغلق بابي، وأمتنع، جرى هذا الخاطر لي بالليل، فقدم من الغد شخص، فقال: أنا رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليك، رأيته في النوم، فقال: امض إلى الفراوي، وقل له: إن قدم بلدكم رجل من أهل الشام أسمر يطلب حديثي، فلا يأخذنا منه ضجر ولا ملل. قال: فما كان الفراوي يقوم حتى يقوم الحافظ أولا.(أعلام/764)
قال أبو المواهب: وأنا كنت أذاكره في خلواته عن الحفاظ الذين لقيهم، فقال: أما ببغداد، فأبو عامر العبدري، وأما بأصبهان، فأبو نصر اليونارتي، لكن إسماعيل الحافظ كان أشهر منه.
فقلت له: فعلى هذا ما رأى سيدنا مثل نفسه. فقال: لا تقل هذا، قال الله تعالى: فلا تزكوا أنفسكم قلت: فقد قال: وأما بنعمة ربك فحدث فقال: نعم، لو قال قائل: إن عيني لم تر مثلي لصدق.
قال أبو المواهب: وأنا أقول: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة من لزوم الجماعة في الخمس في الصف الأول إلا من عذر، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه.
وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عرضت عليه، وقلة التفاته إلى الأمراء، وأخذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم.
قال لي: لما عزمت على التحديث والله المطلع أنه ما حملني على ذلك حب الرئاسة والتقدم، بل قلت: متى أروي كل ما قد سمعته، وأي فائدة في كوني أخلفه بعدي صحائف؟ فاستخرت الله، واستأذنت أعيان شيوخي ورؤساء البلد، وطفت عليهم، فكل قال: ومن أحق بهذا منك؟
فشرعت في ذلك سنة ثلاث وثلاثين، فقال لي والدي أبو القاسم الحافظ: قال لي جدي القاضي أبو المفضل لما قدمت من سفري: اجلس إلى سارية من هذه السواري حتى نجلس إليك، فلما عزمت على الجلوس اتفق أنه مرض، ولم يقدر له بعد ذلك الخروج إلى المسجد. . .(أعلام/765)
إلى أن قال أبو محمد القاسم: وكان أبي -رحمه الله- قد سمع أشياء لم يحصل منها نسخا اعتمادا على نسخ رفيقه الحافظ أبي علي بن الوزير، وكان ما حصله ابن الوزير لا يحصله أبي، وما حصله أبي لا يحصله ابن الوزير، فسمعت أبي ليلة يتحدث مع صاحب له في الجامع، فقال: رحلت وما كأني رحلت، كنت أحسب أن ابن الوزير يقدم بالكتب مثل " الصحيحين "، وكتب البيهقي والأجزاء، فاتفق سكناه بمرو، وكنت أؤمل وصول رفيق آخر له يقال له: يوسف بن فاروا الجياني، ووصول رفيقنا أبي الحسن المرادي، وما أرى أحدا منهم جاء، فلا بد من الرحلة ثالثة وتحصيل الكتب والمهمات.
قال: فلم يمض إلا أيام يسيرة حتى قدم أبو الحسن المرادي، فأنزله أبي في منزلنا، وقدم بأربعة أسفاط كتب مسموعة ففرح أبي بذلك شديدا، وكفاه الله مؤنة السفر، وأقبل على تلك الكتب، فنسخ واستنسخ وقابل، وبقي من مسموعاته أجزاء نحو الثلاثمائة، فأعانه عليها أبو سعد السمعاني، فنقل إليه منها جملة حتى لم يبق عليه أكثر من عشرين جزءا، وكان كلما حصل له جزء منها كأنه قد حصل على ملك الدنيا.
قال ابن النجار: قرأت بخط معمر بن الفاخر في " معجمه ": أخبرني أبو القاسم الحافظ إملاء بمنى، وكان من أحفظ من رأيت، وكان شيخنا إسماعيل بن محمد الإمام يفضله على جميع من لقيناهم، قدم أصبهان ونزل في داري، وما رأيت شابا أحفظ ولا أورع ولا أتقن منه، وكان فقيها أديبا سنيا، سألته عن تأخره عن الرحلة إلى أصبهان، قال: استأذنت أمي في الرحلة إليها، فما أذنت.(أعلام/766)
وقال السمعاني: أبو القاسم كثير العلم، غزير الفضل، حافظ متقن، دين خير، حسن السمت، جمع بين معرفة المتون والأسانيد، صحيح القراءة، متثبت محتاط. . . إلى أن قال: جمع ما لم يجمعه غيره، وأربى على أقرانه، دخل نيسابور قبلي بشهر، سمعت منه، وسمع مني، وسمعت منه " معجمه "، وحصل لي بدمشق نسخة به، وكان قد شرع في " التاريخ الكبير " لدمشق، ثم كانت كتبه تصل إلي، وأنفذ جوابها.
سمعت الحافظ علي بن محمد يقول: سمعت الحافظ أبا محمد المنذري يقول: سألت شيخنا أبا الحسن علي بن المفضل الحافظ عن أربعة تعاصروا، فقال: من هم؟ قلت: الحافظ ابن عساكر، والحافظ ابن ناصر، فقال: ابن عساكر أحفظ. قلت: ابن عساكر وأبو موسى المديني؟ قال: ابن عساكر. قلت: ابن عساكر وأبو طاهر السلفي؟ فقال: السلفي شيخنا، السلفي شيخنا.
قلت: لوح بأن ابن عساكر أحفظ، ولكن تأدب مع شيخه، وقال لفظا محتملا أيضا لتفضيل أبي طاهر، فالله أعلم.
وبلغنا أن الحافظ عبد الغني المقدسي بعد موت ابن عساكر نفذ من استعار له شيئا من " تاريخ دمشق "، فلما طالعه، انبهر لسعة حفظ ابن عساكر، ويقال: ندم على تفويت السماع منه، فقد كان بين ابن عساكر وبين المقادسة واقع، رحم الله الجميع.
ولأبي علي الحسين بن عبد الله بن رواحة يرثي الحافظ ابن عساكر:
ذرا السعي في نيل العلى والفضائل
مضى من إليه كان شد الرواحل
وقولا لساري البرق إني نعيته
بنار أسى أو دمع سحب هواطل
وما كان إلا البحر غار ومن يرد
سواحله لم يلق غير جداول
وهبكم رويتم علمه عن رواته
وليس عوالي صحبه بنوازل
فقد فاتكم نور الهدى بوفاته
وعز التقى منه ونجح الوسائل
خلت سنة المختار من ذب ناصر
فأقرب ما نخشاه بدعة خاذل
نحا للإمام الشافعي مقالة
فأصبح شافي عي كل مجادل
وسد من التجسيم باب ضلالة(أعلام/767)
ورد من التشبيه شبهة باطل
قتل ناظمها على عكا سنة خمس وثمانين.
ومن نظم الحافظ أبي القاسم:
ألا إن الحديث أجل علم
وأشرفه الأحاديث العوالي
وأنفع كل نوع منه عندي
وأحسنه الفوائد والأمالي
فإنك لن ترى للعلم شيئا
تحققه كأفواه الرجال
فكن يا صاح ذا حرص عليه
وخذه عن الشيوخ بلا ملال
ولا تأخذه من صحف فترمى
من التصحيف بالداء العضال
وله:
أيا نفس ويحك جاء المشيب
فماذا التصابي وماذا الغزل
تولى شبابي كأن لم يكن
وجاء مشيبي كأن لم يزل
كأني بنفسي على غرة
وخطب المنون بها قد نزل
فيا ليت شعري ممن أكون
وما قدر الله لي في الأزل
ولابن عساكر شعر حسن يمليه عقيب كثير من مجالسه، وكان فيه انجماع عن الناس، وخير، وترك للشهادات على الحكام وهذه الرعونات.
توفي في رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة ليلة الاثنين حادي عشر الشهر، وصلى عليه القطب النيسابوري وحضره السلطان صلاح الدين، ودفن عند أبيه بمقبرة باب الصغير.
أخبرنا الإمام أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني ببعلبك سنة ثلاث وتسعين، أخبرنا القاضي عبد الواحد بن أحمد بن أبي المضاء في سنة ست وعشرين وستمائة بقراءة الحافظ أبي موسى المقدسي، قال: حدثنا علي بن الحسن الشافعي إملاء ببعلبك سنة إحدى وخمسين وخمسمائة.(أعلام/768)
أخبرنا الحسين بن عبد الملك بأصبهان، أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، ومحمد بن الفيض، والحسين بن عبد الله الرقي قالوا: حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، حدثني أبي، عن عروة بن رويم اللخمي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من كان ذا وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في تبليغ بر أو تيسير عسير، أعانه الله على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بقراءتي، أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد، أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن، أخبرنا أبو القاسم النسيب، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن التميمي، أخبرنا يوسف بن القاسم الميانجي، أخبرنا أحمد بن علي التميمي، حدثنا أحمد بن حاتم الطويل، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذات، ونفث، أو نفث عليه.
متفق عليه. أما أحمد بن حاتم بن مخشي عن مالك، فشيخ بصري، وأما الطويل فبغدادي.(أعلام/769)
ابن عفان (د، ق)
المحدث الثقة، المسند أبو محمد، الحسن بن علي بن عفان العامري الكوفي، أخو محمد.
سمع: عبد الله بن نمير، وأبا يحيى عبد الحميد الحماني، وأسباط بن محمد، وأبا أسامة، وجعفر بن عون، وطائفة. ولم يرحل.
حدث عنه: ابن ماجه في " سننه "، وعبد الرحمن ابن أبي حاتم، وقال: صدوق. وعلي بن محمد بن كاس القاضي، وإسماعيل بن محمد الصفار، وعلي بن محمد بن الزبير القرشي، وآخرون.
وله بضعة وعشرون شيخا كوفيون.
سمعنا من طريقه كتاب " الخراج " ليحيى بن آدم وسمعنا جزءا من حديثه انفرد به ابن اللتي.
فأما قول الحافظ ابن عساكر في " شيوخ النبل " إن أبا داود روى عن هذا، فوهم قديم، والذي في النسخ القديمة " بالسنن ": أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا يزيد بن هارون، وأبو عاصم، عن أبي الأشهب، عن عبد الرحمن، عن عرفجة: أنه أصيب أنفه يوم الكلاب.
ورواه ابن داسة وحده، فقال فيه: حدثنا الحسن بن علي بن عفان. ولا ريب أن الانفصال عن مثل هذا صعب، لكن أجزم بأن قوله: ابن عفان، زيادة من كيس ابن داسة.
وقد خالفه جماعة، وحذفوا ذلك، ولا نعلم لأبي داود، عن ابن عفان رواية، ولا علمنا أن ابن عفان رحل إلى يزيد، ولا إلى أبي عاصم، وإنما هو الحسن بن علي الحلواني، الحافظ الرحال.
قال الدارقطني: الحسن بن علي بن عفان، وأخوه محمد ثقتان.
وقال ابن عقدة: توفي الحسن لليلة خلت من صفر سنة سبعين ومائتين.
أخبرنا الحسن بن علي ومحمد بن قيماز الدقيقي وجماعة، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا مسعود بن محمد بن شنيف سنة (551) ، أخبرنا الحسن بن محمد السراج، وأبو غالب محمد بن محمد العطار.(أعلام/770)
قالا: أخبرنا الحسن بن أحمد البزاز، أخبرنا علي بن محمد القرشي، حدثنا الحسن بن علي بن عفان سنة خمس وستين ومائتين، حدثنا جعفر بن عون، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: إذا أعتق الرجل وليدته، فله أن يطأها ويستخدمها وينكحها، وليس له أن يبيعها أو يهبها. وولدها بمنزلتها.(أعلام/771)
ابن عقيل (بخ، د، ت، ق)
الإمام المحدث أبو محمد عبد الله بن محمد بن عقيل ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- أبي طالب، الهاشمي، الطالبي المدني، وأمه هي زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب.
حدث عن ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعبد الله بن جعفر، وخاله محمد ابن الحنفية، وعلي بن الحسين، والربيع بنت معوذ الصحابية، وسعيد بن المسيب، وطائفة.
وعنه: الثوري، وزائدة، وفليح، وحماد بن سلمة، وبشر بن المفضل، وسفيان بن عيينة، وزهير بن معاوية، وزهير بن محمد، وعدة. احتج به الإمام أحمد وغيره، وقال أبو حاتم: لين الحديث، وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه. وقال الترمذي: سمعت محمدا يقول: كان أحمد، وإسحاق، والحميدي يحتجون بحديثه، وعن البخاري: هو مقارب الحديث، وقال ابن معين: ضعيف، وقال ابن المديني: لم يدخله مالك في كتبه، وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه. وقال آخر: كان من العلماء العباد. وقال الفسوي: صدوق في حديثه ضعف.
قلت: لا يرتقي خبره إلى درجة الصحة والاحتجاج. قال خليفة، وابن سعد: مات ابن عقيل بعد الأربعين ومائة. رحمه الله.(أعلام/772)
ابن علية (ع)
إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، الإمام، العلامة، الحافظ، الثبت أبو بشر الأسدي، مولاهم البدري الكوفي الأصل، المشهور بابن علية، وهي أمه.
ولد سنة مات الحسن البصري سنة عشر ومائة.
قال أبو أحمد الحاكم: أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن سهم بن مقسم البصري مولى بني أسد بن خزيمة، وأمه علية مولاة لبني أسد. سمع أبا بكر محمد بن المنكدر التيمي، وأبا بكر أيوب بن أبي تميمة، ويونس بن عبيد.
قلت: وإسحاق بن سويد، وعلي بن زيد، وحميدا الطويل، وعطاء بن السائب، وعبد الله بن أبي نجيح، وسهيل بن أبي صالح، وليث بن أبي سليم، وعبد العزيز بن صهيب، وأبا التياح الضبعي، وسعيدا الجريري، وحبيب بن الشهيد، وابن جريج، وحجاج بن أبي عثمان الصواف، وحنظلة السدوسي، وخالدا الحذاء، وروح بن القاسم، وسليمان التيمي، وعاصم بن سليمان، وعوف بن أبي جميلة، ومحمد بن الزبير الحنظلي، وبرد بن سنان الدمشقي، نزيل البصرة، وداود بن أبي هند، وعلي بن الحكم البناني، ومنصور بن عبد الرحمن الأشل، والوليد بن أبي هشام، ويحيى بن عتيق، ويحيى بن ميمون العطار، ويحيى بن يزيد الهنائي، وأبا ريحانة السعدي، وخلقا كثيرا.
روى عنه: ابن جريج، وشعبة - وهما من شيوخه - وحماد بن زيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، ويحيى بن معين، وأبو حفص الفلاس، وعمرو بن رافع القزويني، وأحمد بن منيع، وزياد بن أيوب، وعلي بن حجر، وأحمد بن حرب، ومحمد بن بشار، ويعقوب الدورقي، ونصر بن علي، والحسن بن عرفة، ومؤمل بن هشام، وعبيد الله بن معاذ، وخليفة بن خياط، ومحمد بن المثنى، والحسن بن محمد الزعفراني، وخلق كثير، خاتمتهم موسى بن سهل بن كثير الوشاء الباقي إلى سنة ثمان وسبعين ومائتين.(أعلام/773)
وكان فقيها، إماما، مفتيا، من أئمة الحديث، وكان يقول: من قال: ابن علية، فقد اغتابني.
قلت: هذا سوء خلق - رحمه الله - شيء قد غلب عليه، فما الحيلة؟ قد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - غير واحد من الصحابة بأسمائهم مضافا إلى الأم، كالزبير ابن صفية، وعمار ابن سمية. قال مؤمل بن هشام: سمعت إسماعيل يقول: لقيت محمد بن المنكدر، وسمعت منه أربعة أحاديث - قلت: هو أكبر شيخ له - قال: فقلت: ذا شيخ! . فلما قدمت البصرة، إذا أيوب السختياني يقول: حدثنا محمد بن المنكدر
قال غندر: نشأت في الحديث يوم نشأت، وليس أحد يقدم في الحديث على ابن علية.
وقال أبو داود السجستاني: ما أحد من المحدثين إلا وقد أخطأ إلا إسماعيل ابن علية، وبشر بن المفضل.
قال يحيى بن معين: كان ابن علية ثقة تقيا ورعا.
وقال يونس بن بكير: سمعت شعبة يقول: إسماعيل ابن علية سيد المحدثين.
وقال عمرو بن زرارة النيسابوري: صحبت ابن علية أربع عشرة سنة، فما رأيته تبسم فيها.
قلت: ما في هذا مدح ولكنه مؤذن بخشية وحزن.
قال عفان بن مسلم: حدثنا خالد بن الحارث قال: كنا نشبه ابن علية بيونس بن عبيد.
وقال إبراهيم بن عبد الله الهروي: سمعت يزيد بن هارون يقول: دخلت البصرة، وما بها خلق يفضل على ابن علية في الحديث.
وقال زياد بن أيوب: ما رأيت لإسماعيل ابن علية كتابا قط. وكان يقال: ابن علية بعد الحروف.
قال حماد بن سلمة: ما كنا نشبه شمائل إسماعيل ابن علية إلا بشمائل يونس حتى دخل فيما دخل فيه.
قلت: يريد ولايته الصدقة. وكان موصوفا بالدين والورع والتأله، منظورا إليه في الفضل والعلم، وبدت منه هفوات خفيفة، لم تغير رتبته إن شاء الله.
وقد بعث إليه ابن المبارك بأبيات حسنة يعنفه فيها، وهي:
يا جاعل العلم له بازيا
يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها(أعلام/774)
بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونا بها بعدما
كنت دواء للمجانين
أين رواياتك فيما مضى
عن ابن عون وابن سيرين
ودرسك العلم بآثاره
في ترك أبواب السلاطين
تقول: أكرهت، فماذا كذا
زل حمار العلم في الطين
لا تبع الدين بالدنيا
كما يفعل ضلال الرهابين
وروى الخطيب في " تاريخه " أن الحديث الذي أخذ على إسماعيل شيء يتعلق بالكلام في القرآن.
دخل على الأمين محمد بن هارون، فشتمه محمد، فقال: أخطأت. وكان حدث بهذا الحديث: تجيء البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان تحاجان عن صاحبهما فقيل لابن علية: ألهما لسان؟ قال: نعم. فقالوا: إنه يقول: القرآن مخلوق، وإنما غلط.
قال الفضل بن زياد: سألت أحمد بن حنبل عن وهيب وابن علية: أيهما أحب إليك إذا اختلفا؟ فقال: وهيب، ومازال إسماعيل وضيعا من الكلام الذي تكلم فيه إلى أن مات. قلت: أليس قد رجع، وتاب على رءوس الناس؟ قال: بلى، ولكن مازال لأهل الحديث بعد كلامه ذلك مبغضا، وكان لا ينصف في الحديث، كان يحدث بالشفاعات، وكان معنا رجل من الأنصار يختلف إلى الشيوخ، فأدخلني عليه، فلما رآني، غضب، وقال: من أدخل هذا علي؟ .
قلت: معذور الإمام أحمد فيه.
قال الإمام أحمد: بلغني أنه أدخل على الأمين، فلما رآه، زحف، وجعل يقول: يا ابن الفاعلة تتكلم في القرآن؟ وجعل إسماعيل يقول: جعلني الله فداك، زلة من عالم. ثم قال أحمد: إن يغفر الله له - يعني الأمين - فيها. ثم قال أحمد: وإسماعيل ثبت.
قال الفضل بن زياد: قلت: يا أبا عبد الله، إن عبد الوهاب قال: لا يحب قلبي إسماعيل أبدا، لقد رأيته في المنام كأن وجهه أسود. فقال أحمد: عافى الله عبد الوهاب، ثم قال: لزمت إسماعيل عشر سنين إلى أن أعيب، ثم جعل يحرك رأسه كأنه يتلهف. ثم قال: وكان لا ينصف في التحدث.(أعلام/775)
قلت: توفي إسماعيل في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة عن ثلاث وثمانين سنة.
وحديثه في كتب الإسلام كلها.
وله أولاد مشهورون، منهم قاضي دمشق أبو بكر محمد بن إسماعيل ابن علية شيخ للنسائي، ثقة حافظ، مات أبوه، وهو صبي، فما لحق الأخذ عن أبيه، وسمع من ابن مهدي، وإسحاق الأزرق، ويزيد بن هارون، يروي عنه مكحول البيروتي، وابن جوصا، وطائفة. مات سنة أربع وستين ومائتين.
ولابن علية ابن آخر، جهمي شيطان، اسمه إبراهيم بن إسماعيل، كان يقول بخلق القرآن، ويناظر
وابن آخر اسمه حماد بن إسماعيل، لحق أباه، وهو من شيوخ مسلم
قال محمد بن سعد الكاتب: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، مولى عبد الرحمن بن قطبة الأسدي أسد خزيمة، كوفي، كان جده، مقسم من سبي القيقانية، وهي ما بين خراسان وزابلسان وكان إبراهيم بن مقسم تاجرا من الكوفة، كان يقدم البصرة للتجارة، فتخلف، وتزوج علية بنت حسان مولاة لبني شيبان، وكانت نبيلة عاقلة، لها دار بالعوقة بالبصرة تعرف بها، وكان صالح المري وغيره من وجوه البصرة وفقهائها يدخلون عليها، فتبرز لهم، وتحادثهم، وتسائلهم، وأقام ابنها إسماعيل بالبصرة.
وقال خليفة بن خياط مات أبو بشر ببغداد سنة أربع وتسعين.
وروى علي بن الجعد، عن شعبة، قال: ابن علية ريحانة الفقهاء.
وروى علي بن المديني، عن يحيى القطان، قال: ابن علية أثبت من وهيب.
وقال ابن مهدي: هو أثبت من هشيم
وروى عفان قال: كنا عند حماد بن سلمة، فأخطأ في حديث، وكان لا يرجع إلى قول أحد، فقيل له: قد خولفت فيه. فقال: من؟ قالوا: حماد بن زيد. فلم يلتفت. فقيل: إن إسماعيل ابن علية يخالفك. فقام، ودخل ثم خرج، فقال: القول ما قال إسماعيل.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: إليه - يعني إسماعيل - المنتهى في التثبت بالبصرة.(أعلام/776)
وعن أبيه قال: فاتني مالك، فأخلف الله علي سفيان بن عيينة، وفاتني حماد بن زيد، فأخلف الله علي إسماعيل ابن علية، كان حماد بن زيد لا يفرق من مخالفة وهيب والثقفي، ويفرق من إسماعيل إذا خالفه. وكذلك رواه مسلم عن أحمد بن حنبل.
وروى أبو بكر بن أبي الأسود قال: نشأت في الحديث يوم نشأت، وما أحد يقدم في الحديث على إسماعيل ابن علية.
وروى أحمد بن محمد بن محرز، عن يحيى بن معين: كان إسماعيل ثقة مأمونا صدوقا مسلما ورعا تقيا.
وقال قتيبة: كانوا يقولون: الحفاظ أربعة: إسماعيل، ووهيب، وعبد الوارث، ويزيد بن زريع.
وروى يعقوب السدوسي عن الهيثم بن خالد قال: اجتمع حفاظ البصرة، فقال أهل الكوفة لهم: نحوا عنا إسماعيل، وهاتوا من شئتم
قال زياد بن أيوب: ما رأيت لابن علية كتابا قط، وكان يقال: ابن علية يعد الحروف.
وقال أبو داود: ما أحد من المحدثين إلا وقد أخطأ إلا إسماعيل بن علية وبشر بن المفضل.
وقال النسائي: ابن علية ثقة ثبت.
وقال ابن سعد: كان ثبتا حجة، ولي صدقات البصرة، وولي ببغداد المظالم في آخر خلافة هارون، فنزل هو وولده بغداد، واشترى بها دارا، وتوفي بها، وصلى عليه ابنه إبراهيم أحد كبار الجهمية، وممن ناظر الشافعي وله تصانيف، ودفن في مقابر عبد الله بن مالك.
قال الخطيب: وزعم علي بن حجر أن علية إنما هي جدته لأمه.
قال العيشي قال لي عبد الوارث بن سعيد: أتتني علية بابنها. فقالت: هذا ابني يكون معك، ويأخذ بأخلاقك. قال: وكان من أجمل غلام بالبصرة.
قال علي بن المديني: ما أقول: إن أحدا أثبت في الحديث من إسماعيل.
قال أبو داود: أرواهم عن الجريري إسماعيل ابن علية.
وقال أبو جعفر أحمد بن سعيد الدارمي: لا يعرف لابن علية غلط إلا في حديث جابر في المدبر، جعل اسم الغلام اسم المولى، واسم المولى اسم الغلام(أعلام/777)
قال أحمد بن إبراهيم الدورقي: أخبرنا بعض أصحابنا أن ابن علية لم يضحك منذ عشرين سنة.
وقال محمد بن المثنى: بت ليلة عند ابن علية، فقرأ ثلث القرآن، وما رأيته ضحك قط.
قال عبيد الله العيشي: حدثنا الحمادان أن ابن المبارك كان يتجر، ويقول: لولا خمسة ما تجرت: السفيانان، وفضيل بن عياض، وابن السماك، وابن علية. فيصلهم. فقدم ابن المبارك سنة، فقيل له: قد ولي ابن علية القضاء. فلم يأته، ولم يصله، فركب إليه ابن علية، فلم يرفع به رأسا، فانصرف، فلما كان من الغد، كتب إلى عبد الله رقعة يقول: قد كنت منتظرا لبرك، وجئتك، فلم تكلمني، فما رأيت مني؟ فقال ابن المبارك: يأبى هذا الرجل إلا أن نقشر له العصا. ثم كتب إليه:
يا جاعل العلم له بازيا
يصطاد أموال المساكين
الأبيات المذكورة. فلما قرأها، قام من مجلس القضاء، فوطئ بساط هارون الرشيد، وقال: الله الله ارحم شيبتي. فإني لا أصبر على الخطأ. فقال: لعل هذا المجنون أغرى عليك. ثم أعفاه، فوجه إليه ابن المبارك بالبصرة.
هذه حكاية منكرة من جهة أن العيشي يرويها عن الحمادين، وقد ماتا قبل هذه القصة بمدة، ولعل ذلك أدرجه العيشي.
قال سهل بن شاذويه: سمعت علي بن خشرم يقول: قلت لوكيع: رأيت إسماعيل ابن علية يشرب النبيذ حتى يحمل على الحمار، يحتاج من يرده إلى منزله! فقال وكيع: إذا رأيت البصري يشرب، فاتهمه. قلت: وكيف؟ قال: إن الكوفي يشربه تدينا، والبصري يتركه تدينا.
وهذه حكاية غريبة، ما علمنا أحدا غمز إسماعيل بشرب المسكر قط، وقد انحرف بعض الحفاظ عنه بلا حجة، حتى إن منصور بن سلمة الخزاعي تحدث مرة، فسبقه لسانه، فقال: حدثنا إسماعيل ابن علية، ثم قال: لا، ولا كرامة، بل أردت زهيرا. وقال: ليس من قارف الذنب كمن لم يقارفه، أنا والله استتبته.(أعلام/778)
قلت: يشير إلى تلك الهفوة الصغيرة، وهذا من الجرح المردود، وقد اتفق علماء الأمة على الاحتجاج بإسماعيل بن إبراهيم العدل المأمون. وقد قال عبد الصمد بن يزيد مردويه: سمعت إسماعيل ابن علية يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق.
وقد كان بين ابن طبرزد وبين ابن علية أربعة أنفس في حديثين مشهورين من " الغيلانيات "، وهذا غاية في العلو، رواهما عن ابن الحصين، أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا موسى بن سهل، حدثنا إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو.
أخبرناه أحمد بن عبد السلام، وجماعة، كتابة بسماعهم من عمر بن طبرزد.
قرأت على أبي الحسن علي بن أحمد الغرافي، أخبركم محمد بن أحمد القطيعي، أخبرنا محمد بن عبيد الله، أخبرنا محمد بن محمد الهاشمي، أخبرنا أبو طاهر الذهبي، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا المؤمل بن هشام اليشكري، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا أيوب، عن محمد، قال: مكثت عشرين سنة يحدثني من لا أتهم أن ابن عمر طلق امرأته ثلاثا، وهي حائض، فأمر أن يراجعها، فجعلت لا أتهمهم، ولا أعرف الحديث حتى لقيت أبا غلاب يونس بن جبير الباهلي - وكان ذا ثبت - فحدثني أنه سأل ابن عمر فحدثه أنه طلقها واحدة، وهي حائض، فأمر أن يراجعها. قال: فقلت له: أفحسبت عليه؟ قال: فمه أو إن عجز.
قال أحمد، والفلاس، وزياد بن أيوب، ومحمود بن خداش وطائفة: مات ابن علية في سنة ثلاث وتسعين ومائة.
وقال يعقوب السدوسي: ابن علية ثبت جدا، توفي يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من ذي القعدة، سنة ثلاث وتسعين.(أعلام/779)
وقال يعقوب بن سفيان الحافظ: عن محمد بن فضيل، قال: كنا بمكة سنة ثلاث وتسعين، فقدم علينا راشد الخفاف، فقال: دفنا إسماعيل ابن علية يوم الخميس لخمس أو ست بقين من ذي القعدة، وقال: سرنا تسعة أيام - يريد سار من بغداد إلى مكة في هذه المدة اليسيرة، وهذا سير سريع - وأما من قال: مات سنة أربع وتسعين. فقد غلط.(أعلام/780)
ابن فورك
الإمام العلامة الصالح، شيخ المتكلمين، أبو بكر، محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني.
سمع " مسند " أبي داود الطيالسي من عبد الله بن جعفر بن فارس، وسمع من ابن خرزاذ الأهوازي.
حدث عنه: أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو بكر بن خلف، وآخرون.
وصنف التصانيف الكثيرة.
قال عبد الغافر في " سياق التاريخ ": الأستاذ أبو بكر قبره بالحيرة يستسقى به.
وقال القاضي ابن خلكان فيه: أبو بكر الأصولي، الأديب النحوي الواعظ، درس بالعراق مدة، ثم توجه إلى الري، فسعت به المبتدعة -يعني: الكرامية - فراسله أهل نيسابور، فورد عليهم، وبنوا له مدرسة ودارا، وظهرت بركته على المتفقهة، وبلغت مصنفاته قريبا من مائة مصنف، ودعي إلى مدينة غزنة، وجرت له بها مناظرات، وكان شديد الرد على ابن كرام، ثم عاد إلى نيسابور، فسم في الطريق، فمات بقرب بست، ونقل إلى نيسابور، ومشهده بالحيرة يزار، ويستجاب الدعاء عنده.
قلت: كان أشعريا، رأسا في فن الكلام، أخذ عن أبي الحسن الباهلي صاحب الأشعري.
وقال عبد الغافر: دعا أبو علي الدقاق في مجلسه لطائفة، فقيل: ألا دعوت لابن فورك؟ قال: كيف أدعو له، وكنت البارحة أقسم على الله بإيمانه أن يشفيني؟ ! .
قلت: حمل مقيدا إلى شيراز للعقائد.
ونقل أبو الوليد الباجي أن السلطان محمودا سأله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: كان رسول الله، وأما اليوم فلا. فأمر بقتله بالسم.
وقال ابن حزم: كان يقول: إن روح رسول الله قد بطلت، وتلاشت، وما هي في الجنة.
قلت: وقد روى عنه الحاكم حديثا، وتوفي قبله بسنة واحدة.(أعلام/781)
ابن قانع
الإمام الحافظ البارع الصدوق -إن شاء الله- القاضي أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق بن واثق الأموي مولاهم، البغدادي، صاحب كتاب " معجم الصحابة " الذي سمعناه.
ولد سنة خمس وستين ومائتين.
سمع الحارث بن أبي أسامة، وإبراهيم بن الهيثم البلدي، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، ومحمد بن مسلمة الواسطي، وإسماعيل بن الفضل البلخي، وبشر بن موسى، وأحمد بن موسى الحمار، وعبيد بن شريك البزار، وأحمد بن إسحاق الوزان، ومحمد بن يونس الكديمي، وأبا مسلم الكجي، وعلي بن محمد بن أبي الشوارب، وعبيد بن غنام، ومطينا، ومعاذ بن المثنى، وأحمد بن إبراهيم بن ملحان.
وكان واسع الرحلة، كثير الحديث، بصيرا به.
حدث عنه: الدارقطني، وأبو الحسن بن رزقويه، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو الحسين بن الفضل القطان، وأحمد بن علي البادي، وأبو علي بن شاذان، وأبو الحسن الحمامي، وأبو القاسم بن بشران، وأبو الحسن بن الفرات، وعدد كثير.
قال البرقاني: البغداديون يوثقونه، وهو عندي ضعيف.
وقال الدارقطني: كان يحفظ، ولكنه يخطئ ويصر.
وروى الخطيب عن الأزهري، عن أبي الحسن بن الفرات، قال: كان ابن قانع قد حدث به اختلاط قبل موته بنحو من سنتين، فتركنا السماع منه، وسمع منه قوم في اختلاطه.
قال الخطيب: توفي في شوال سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة.(أعلام/782)
ابن قتيبة
العلامة الكبير، ذو الفنون أبو محمد، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وقيل: المروزي، الكاتب، صاحب التصانيف. نزل بغداد، وصنف وجمع، وبعد صيته.
حدث عن: إسحاق ابن راهويه، ومحمد بن زياد بن عبيد الله الزيادي، وزياد بن يحيى الحساني، وأبي حاتم السجستاني، وطائفة.
حدث عنه: ابنه القاضي أحمد بن عبد الله، بديار مصر، وعبيد الله السكري، وعبيد الله بن أحمد بن بكر، وعبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي، وغيرهم.
قال أبو بكر الخطيب: كان ثقة دينا فاضلا. ذكر تصانيفه: " غريب القرآن "، " غريب الحديث "، كتاب " المعارف "، كتاب " مشكل القرآن "، كتاب " مشكل الحديث "، كتاب " أدب الكاتب "، كتاب " عيون الأخبار "، كتاب " طبقات الشعراء "، كتاب " إصلاح الغلط "، كتاب " الفرس "، كتاب " الهجو "، كتاب " المسائل "، كتاب " أعلام النبوة "، كتاب " الميسر "، كتاب " الإبل "، كتاب " الوحش "، كتاب " الرؤيا "، كتاب " الفقه "، كتاب " معاني الشعر "، كتاب " جامع النحو "، كتاب " الصيام "، كتاب " أدب القاضي "، كتاب " الرد على من يقول بخلق القرآن "، كتاب " إعراب القرآن "، كتاب " القراءات "، كتاب " الأنواء "، كتاب " التسوية بين العرب والعجم "، كتاب " الأشربة ". وقد ولي قضاء الدينور، وكان رأسا في علم اللسان العربي، والأخبار وأيام الناس.
وقال أبو بكر البيهقي: كان يرى رأي الكرامية. ونقل صاحب " مرآة الزمان "، بلا إسناد عن الدارقطني، أنه قال: كان ابن قتيبة يميل إلى التشبيه.
قلت: هذا لم يصح، وإن صح عنه، فسحقا له، فما في الدين محاباة.
وقال مسعود السجزي: سمعت أبا عبد الله الحاكم يقول: أجمعت الأمة على أن القتبي كذاب.(أعلام/783)
قلت: هذه مجازفة وقلة ورع، فما علمت أحدا اتهمه بالكذب قبل هذه القولة، بل قال الخطيب: إنه ثقة. وقد أنبأني أحمد بن سلامة، عن حماد الحراني أنه سمع السلفي ينكر على الحاكم في قوله: لا تجوز الرواية عن ابن قتيبة. ويقول: ابن قتيبة من الثقات، وأهل السنة. ثم قال: لكن الحاكم قصده لأجل المذهب.
قلت: عهدي بالحاكم يميل إلى الكرامية، ثم ما رأيت لأبي محمد في كتاب " مشكل الحديث " ما يخالف طريقة المثبتة والحنابلة، ومن أن أخبار الصفات تمر ولا تتأول، فالله أعلم.
وكان ابنه أحمد حفظة، فحفظ مصنفات أبيه، وحدث بها بمصر لما ولي قضاءها من حفظه، واجتمع لسماعها الخلق سنة نيف وعشرين وثلاثمائة، وكان يقول: إن والده أبا محمد لقنه إياها. وما أحسن قول نعيم بن حماد، الذي سمعناه بأصح إسناد عن محمد بن إسماعيل الترمذي، أنه سمعه يقول: من شبه الله بخلقه، فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه، فقد كفر، وليس ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيها.
قلت: أراد أن الصفات تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف تعالى: ليس كمثله شيء في ذاته المقدسة، فكذلك صفاته لا مثل لها، إذ لا فرق بين القول في الذات والقول في الصفات، وهذا هو مذهب السلف.
قال أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي: مات أبو محمد بن قتيبة فجاءة، صاح صيحة سمعت من بعد، ثم أغمي عليه، وكان أكل هريسة، فأصاب حرارة، فبقي إلى الظهر، ثم اضطرب ساعة، ثم هدأ، فما زال يتشهد إلى السحر، ومات -سامحه الله- وذلك في شهر رجب، سنة ست وسبعين ومائتين.(أعلام/784)