قال أحمد أبي الحواري: إني لأقرا القرآن و أنظر في آيِه فيحير عقلي بها، و أعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم، و يسعهم أن يشغلوا بشيء من الدنيا و هم يتلون كلام الله، أما إنهم لو فهموا ما يتلون، و عرفوا حقه و تلذذوا به و استحلوا المناجاة به، لذهب عنهم النوم فرحاً بما قد رزقوا.
أنشد ذو النون المصري:
منع القرآنُ بوعده و وعيده مُقَل العيون بليلها لا تهجع
فهموا عن الملك العظيم كلامه فهماً تذل له الرقاب و تخضع
فأما من كان معه القرآن فنام عنه بالليل و لم يعمل به بالنهار، فإنه ينتصب القرآنُ خصماً له يطالبه بحقوقه التي ضيعها "
فيا من ضيع عمره في غير الطاعة، يا من فرط في شهره بل في دهره و أضاعه، يا من بضاعته التسويف و التفريط، و بئست البضاعة، يا من جعل خصمه القرآن و شهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة؟!!!
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه و الصور في يوم القيامة ينفخ.
الصوم سبب للنجاة من النار
ـ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: " مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " من صام يوما في سبيل الله ـ عز وجل ـ زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفا "
ـ عن أبي أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض "
ـ عن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " من صام يوما في سبيل الله ـ عز وجل ـ باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام "
ـ عن مطرف قال: دخلت على عثمان بن أبي العاص ـ رضي الله عنه ـ فدعا بلبن فقلت: إني صائم فقال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: " الصوم جنة من النار كجنة أحدكم من القتال "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إن ربكم يقول: كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والصوم لي وأنا أجزي به، الصوم جنة من النار، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل: إني صائم "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " من صام يوما ابتغاء وجه الله تعالى، بعده الله ـ عز وجل ـ من جهنم كبعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرما "
ـ عبيد الله بن أحمد قال: سمعت شيخاً يقول:: بلغنا أن أبا ذر ـ رضي الله عنه ـ كان يقول يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا في الدنيا لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير، يا أيها الناس إني لكم ناصح إني عليكم شفيق "
عتقاء الله في كل ليلة من رمضان
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة "
ـ عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إن لله عتقاء من النار في كل يوم وليلة، ولكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة (يعني في رمضان) "
قال المناوي: " (دعوة مستجابة) أي عند فطره أو عند بروز الأمر بعتقه وهذه منقبة عظيمة لرمضان وصوامه وللدعاء والداعي.
تنبيه، قال الحكيم: دعاء كل إنسان إنما يخرج على قدر ما عنده من قوة القلب، فربما يخرج شديد النور شمس تطلع، وقد يخرج دعاء بمنزلة قمر يطلع، ودعاء يخرج ببعض تقصير فنوره كالكواكب "
اشتراط سلامة الصيام للنجاة من النار
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/247)
ـ عن عياض بن غطيف قال: " دخلنا على أبي عبيدة بن الجراح نعوده من شكوى أصابه، وامرأته تحيفة قاعدة عند رأسه، قلت: كيف بات أبو عبيدة؟ قالت: والله لقد بات بأجر، فقال: أبو عبيدة ما بت بأجر، وكان مقبلا بوجهه على الحائط، فأقبل على القوم بوجهه فقال: ألا تسألونني عما قلت؟ قالوا: ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه، قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبعمائة، ومن أنفق على نفسه وأهله أو عاد مريضا أو ماط أذى فالحسنة بعشر أمثالها، والصوم جنة ما لم يخرقها، ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حِطة "
ـ عن أبي عبيدة بن الجراح ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: الصوم جنه ما لم يخرقها. (قال أبو محمد: يعني بالغيبة) "
ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "
ـ عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " من لم يدع الخنا والكذب فلا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إن الصيام ليس من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم "
قال ابن رجب: " و سر هذا: أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات، فمن ارتكب المحرمات ثم تقرب إلى الله تعالى بترك المباحات كان بمثابة من يترك الفرائض و يتقرب بالنوافل، و إن كان صومه مجزئاً عند الجمهور بحيث لا يؤمر بإعادته، لأن العمل إنما يبطل بارتكاب ما نهي عنه فيه لخصوصه دون ارتكاب ما نهي عنه لغير معنى يختص به، هذا هو قول جمهور العلماء ................................ و لهذا المعنى ـ و الله أعلم ـ ورد في القرآن بعد ذكر تحريم الطعام و الشراب على الصائم بالنهار ذكر تحريم أكل أموال الناس بالباطل، فإن تحريم هذا عام في كل زمان و مكان بخلاف الطعام و الشراب، فكان إشارة إلى أن من امتثل أمر الله في اجتناب الطعام و الشراب في نهار صومه، فليمتثل أمره في اجتناب أكل الأموال بالباطل فإنه محرم بكل حال لا يباح في وقت من الأوقات "
ـ عن طليق بن قيس قال: قال أبو ذر: " إذا صمت فتحفظ ما استطعت ". وكان طليق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلا لصلاة.
ـ عن سلمان بن موسى قال: قال جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ: " إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الخاصة، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك وصومك سواء "
ـ عن أبي المتوكل عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: " أنه وأصحابه كانوا إذا صاموا قعدوا في المسجد وقالوا: نطهر صيامنا "
ـ عن الشعبي قال: قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: " ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو والحلف "
ـ عن جعفر قال: " سمعت ميمونا يقول: إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب "
ـ عن ليث عن مجاهد قال:" خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة والكذب "
ـ عن هشام عن حفصة عن أبي العالية قال: " الصائم في عبادة ما لم يغتب "
ـ عن يونس بن عبيد قال: " لا تجد شيئا من البر يتبعه البر كله غير اللسان، فإنك تجد الرجل يكثر الصيام ويفطر على الحرام، ويقوم الليل ويشهد الزور بالنهار، وذكر أشياء نحو هذا، ولكن لا تجده لا يتكلم إلا بحق فيخالف ذلك عمله أبدا "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/248)
ـ عن عبيد مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أن امرأتين صامتا وأن رجلا قال: يا رسول الله إن ها هنا امرأتين قد صامتا وإنهما قد كادتا أن تموتا من العطش، فأعرض عنه أو سكت ثم عاد، (وأراه قال: بالهاجرة) قال: يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا أن تموتا، قال: ادعهما، قال: فجاءتا، قال: فجيء بقدح أو عس فقال لإحداهما: قيئي فقاءت قيحا أو دما وصديدا ولحما حتى قاءت نصف القدح، ثم قال للأخرى: قيئي، فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملأت القدح، ثم قال: إن هاتين صامتا عما أحل الله، وأفطرتا على ما حرم الله ـ عز وجل ـ عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يأكلان لحوم الناس "
إذا لم يكن في السمع مني تصاون و في بصري غض و في منطقي صمت
فحظي إذاً من صوميَ الجوع و الظما فإن قلت إني صمت يومي فما صمت.
قال ابن رجب: " و اعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله في كل حال من الكذب و الظلم و العدوان على الناس في دمائهم و أموالهم و أعراضهم "
وقال أيضا: " فصيامنا هذا يحتاج إلى استغفار نافع، و عمل صالح له شافع.
كم نخرق صيامنا بسهام الكلام ثم نرقعه و قد اتسع الخرق على الراقع، كم نرفو خروقه بمخيط الحسنات ثم نقطعه بحسام السيئات القاطع.
كان بعض السلف إذا صلى صلاة استغفر من تقصيره فيها كما يستغفر المذنب من ذنبه.
إذا كان هذا حال المحسنين في عباداتهم فكيف حال المسيئين مثلنا في عباداتهم؟ ارحموا من حسناته كلها سيئات و طاعاته كلها غفلات.
أستغفر الله من صيامي طول زماني و من صلاتي
صيامنا كله خروق و صلاتنا أيما صلاة
مستيقظ في الدجى و لكن أحسن من يقظتي سناتي "
ـ عن همام أخي وهب بن منبه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: " الغيبة تخرق الصوم والاستغفار يرقعه، فمن استطاع منكم أن يجيء غدا بصومه مرقعا فليفعل "
فرحتا الصائم
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله: " كل عمل بن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه "
ـ عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إن الله ـ عز وجل ـ جعل حسنة بن آدم بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم، والصوم لي وأنا أجزي به، وللصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة يوم القيامة، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك "
قال البيهقي: " وأما قوله (للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه) فمعناه ـ والله أعلم ـ فرحة عند إفطاره بما يجب له من الثواب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، أو يأذن له في الإفطار ولم يأذن له في وصل الليل بالنهار فيتعجل هلاكه، وإنما جاء في الحديث من أن للصائم عند فطره دعوة مستجابة، وفرحة يوم القيامة بما يصل إليه من الثواب والجزاء "
وقال ابن رجب: " و قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره و فرحة عند لقاء ربه) أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم و مشرب و منكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه خصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعاً فإن كان ذلك محبوباً لله كان محبوباً شرعاً، و الصائم عند فطره كذلك. فكما أن الله تعالى حرم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات، فقد أذن له فيها في ليل الصيام، بل أحب منه المبادرة إلى تناولها في أول الليل و آخره، فأحب عباده إليه أعجلهم فطراً، و الله و ملائكته يصلون على المتسحرين. فالصائم ترك شهواته لله بالنهار تقرباً إلى الله و طاعة له، و يبادر إليها في الليل تقرباً إلى الله و طاعة له فما تركها إلا بأمر ربه، و لا عاد إليها إلا بأمر ربه فهو مطيع له في الحالين
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/249)
............................... و أما فرحه عند لقاء ربه: فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخراً فيجده أحوج ما كان إليه كما قال تعالى: (و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً و أعظم أجراً)، و قال تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً)، و قال: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره)
و قد تقدم قول ابن عيينة: أن ثواب الصيام لا يأخذه الغرماء في المظالم بل يدخره الله عنده للصائم حتى يدخله به الجنة "
أعظم الصائمين أجرا أكثرهم لله ذكرا
ـ عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أن رجلا سأله فقال: أي الجهاد أعظم أجرا؟ قال: أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا، قال: فأي الصائمين أعظم أجرا؟ قال: أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا، ثم ذكر لنا الصلاة والزكاة والحج والصدقة، كل ذلك ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا، فقال أبو بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ لعمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ: يا أبا حفص، ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجل "
من أفطر في رمضان متعمدا
ـ عن أبي أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: " بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا فقالا: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلقا بي، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، قال: قلت: من هؤلاء؟ قالا: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: من أفطر يوما في رمضان من غير مرض ولا رخصة لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه "
الشتاء غنيمة الصوام القوام
ـ عن عامر بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء "
ـ عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال: " كان يقول: إذا جاء الشتاء يا أهل القرآن طال الليل لصلاتكم وقصر النهار لصيامكم فاغتنموا "
ـ عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " الشتاء ربيع المؤمن، قصر نهاره فصام وطال ليله فقام "
فضل من كان آخر عمله الصيام
ـ عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال: " أسندت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى صدري فقال: من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يوما ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة "
ـ عن محمد بن جحادة، عن طلحة اليامي قال: سمعته يقول: " كنا نتحدث أنه من ختم له بإحدى ثلاث (إما قال وجبت له الجنة وإما قال برئ من النار) من صام شهر رمضان فإذا انقضى الشهر مات، ومن خرج حاجا فإذا قدم من حجته مات، ومن خرج معتمرا فإذا قدم من عمرته مات "
ـ عن أبي علي الحسن بن سلمان النهرواني أنه سئل: " ما علامة قبول صوم رمضان؟
قال أن يموت في شوال قبل التلبس برديء الأعمال، فمات في سادس شوال سنة خمس وعشرين وخمس مئة ـ رحمه الله ـ وأظهر عليه أهل بغداد من الجزع ما لم يُعهد مثله "
فضل خلوف فم الصائم
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/250)
ـ قال ابن رجب: " قوله: (و لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) خلوف الفم: رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة لخلو المعدة من الطعام بالصيام، و هي رائحة مستكرهة في مشام الناس في الدنيا لكنها طيبة عند الله حيث كانت ناشئة عن طاعته و ابتغاء مرضاته، كما أن دم الشهيد يجيء يوم القيامة يثعب دماً لونه لون الدم و ريحه ريح المسك. و بهذا استدل من كره السواك للصائم أو لم يستحبه من العلماء، وأول من علمناه استدل بذلك عطاء بن أبي رباح Kو روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه استدل به لكن من وجه لا يثبت، و في المسألة خلاف مشهور بين العلماء ............ ..........................
و في طيب ريح خلوف الصائم عند الله ـ عز و جل ـ معنيان:
1ـ المعنى الأول: أن الصيام لما كان سراً بين العبد و بين ربه في الدنيا أظهره الله في الآخرة علانية للخلق ليشتهر بذلك أهل الصيام و يعرفون بصيامهم بين الناس جزاء لإخفائهم صيامهم في الدنيا. ...................
حُكي عن سهل بن عبد الله التستري الزاهد ـ رحمه الله ـ: أنه كان يواظب على الصيام، فمر يوماً بثمار و بين يديه رطب حسن فاشتهت نفسه فرد شهوتها، فقالت نفسه: فعلت بي كل بلية من سهر الليالي و ظمأ الهواجر فأعطني هذه الشهوة و استعملني في الطاعة كيف شئت، فاشترى سهل من الرطب و خبز الحواري و قليل شوى و دخل موضعاً ليأكل فإذا رجلان يختصمان، فقال أحدهما: إني محق وأنت مبطل أتريد أن أحلف لك أني محق وأن الأمر على ما زعمت، قال: بلى، فحلف فقال: و حق الصائمين إني محق في دعواي، فقال سهل: هذا مبعوث الحق تعالى إلى هذا السوط بي ثم أخذ بلحيته و قال: يا سهل بلغ من شرفك و شرف صومك حتى يحلف العباد بصومك فيقول: و حق الصائمين ثم تفطر أنت على قليل رطب ...........................
و قد تفوح رائحة الصيام في الدنيا و تستنشق قبل الآخرة، و هو نوعان:
أ ـ أحدهما: ما يدرك بالحواس الظاهرة.
كان عبد الله بن غالب من العباد المجتهدين في الصلاة و الصيام، فلما دفن كان يفوح من تراب قبره رائحة المسك، فرؤي في المنام فسئل عن تلك الرائحة التي توجد من قبره؟ فقال: تلك رائحة التلاوة و الظمأ.
ب ـ و النوع الثاني: ما تستنشقه الأرواح و القلوب فيوجب ذلك للصائمين المخلصين المودة و المحبة في قلوب المؤمنين. و حديث الحارث الأشعري عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ: (أن زكريا ـ عليه السلام ـ قال لبني إسرائيل: آمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم تعجبه ريحه، و إن ريح الصيام أطيب عند الله من ريح المسك) خرجه الترمذي و غيره.
لما كان أمر المخلصين بصيامهم لمولاهم سراً بينه و بينهم، أظهر الله سرهم لعباده فصار علانية، فصار هذا التجلي و الإظهار جزاء لذلك الصون و الإسرار ...............................
2 ـ و المعنى الثاني: أن من عبد الله و أطاعه و طلب رضاه في الدنيا بعمل فنشأ من عمله آثار مكروهة للنفوس في الدنيا فإن تلك الآثار غير مكروهة عند الله بل هي محبوبة له و طيبة عنده لكونها نشأت عن طاعته و اتباع مرضاته، فإخباره بذلك للعاملين في الدنيا فيه تطييب لقلوبهم لئلا يكره منهم ما وجد في الدنيا .................................................. .....................
كل شيء ناقص في عرف الناس في الدنيا حتى إذا انتسب إلى طاعته و رضاه فهو الكامل في الحقيقة. خلوف أفواه الصائمين له أطيب من ريح المسك
. عري المحرمين لزيارة بيته أجمل من لباس الحلل.
نوح المذنبين على أنفسهم من خشيته أفضل من التسبيح.
انكسار المخبتين لعظمته هو الجبر.
ذل الخائفين من سطوته هو العز.
تهتك المحبين في محبته أحسن من الستر.
بذل النفوس للقتل في سبيله هو الحياة.
جوع الصائمين لأجله هو الشبع.
عطشهم في طلب مرضاته هو الري.
نصب المجتهدين في خدمته هو الراحة.
ذل الفتى في الحب مكرمة و خضوعه لحبيبه شرف
هبت اليوم على القلوب نفحة من نفحات نسيم القرب.
سعى سمسار المواعظ للمهجورين في الصلح،
وصلت البشارة للمنقطعين بالوصل، و للمذنبين بالعفو، و المستوجبين النار بالعتق.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/251)
لما سلسل الشيطان في شهر رمضان، و خمدت نيران الشهوات بالصيام انعزل سلطان الهوى و صارت الدولة لحاكم العقل بالعدل، فلم يبق للعاصي عذر.
يا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي،
يا شموس التقوى و الإيمان اطلعي،
يا صحائف أعمال الصائمين ارتفعي،
يا قلوب الصائمين اخشعي،
يا أقدام المتهجدين اسجدي لربك و اركعي،
يا عيون المجتهدين لا تهجعي،
يا ذنوب التائبين لا ترجعي،
يا أرض الهوى ابلعي ماءك و يا سماء النفوس أقلعي،
يا بروق العشاق للعشاق المعي،
يا خواطر العارفين ارتعي،
يا همم المحبين بغير الله لا تقنعي،
قد مدت في هذه الأيام موائد الإنعام للصوام فما منكم إلا من دعي: (يا قومنا أجيبوا داعي الله) و يا همم المؤمنين أسرعي، فطوبى لمن أجاب فأصاب، و ويل لمن طرد عن الباب و ما دعي "
أخلاق الصائمين
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " الصيام جُنة فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " لا تساب وأنت صائم، فان شتمك أحد فقل: إني صائم، وان كنت قائما فاقعد، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك "
الصيام نصف الصبر
ـ عن جرير النهدي عن رجل من بني سليم قال: " عَدهُن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في يدي أو في يده: التسبيح نصف الميزان، والحمد يملأه، والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض، والصوم نصف الصبر، والطهور نصف الإيمان "
" وإنما سمي الصيام صبرا لأن الصبر في كلام العرب الحبس، والصائم يحبس نفسه عن أشياء جعل الله تعالى قوام بدنه بها، وسمي الصبر ضياء لأن الشهوات إذا انقمعت به وانجلى عن القلب الظلام الغاشي إياه باستيلاء الشهوات على النفس، نظر مواضع النفع له من عبادة الله تعالى فآثرها وابتدر إليها ومواضع الضر الذي يلحق من معاصي الله فاعتزلها وكف عنها، وقد سماه في خبر آخر نصف الصبر "
" قال الحليمي ـ رحمه الله ـ: وهذا ـ والله أعلم ـ على أن جماع العبادات فعل أشياء وكف عن أشياء، والصوم يقمع الشهوات، فيتيسر به الكف عن المحارم وهو شطر الصبر، لأنه صبر عن الشهوات، فيتيسر به الكف عن المحارم وهو شطر الصبر، لأنه صبر عن الشهوات، ويبقى وراءه الصبر عن المشاق وهو تخلف الأفعال المأمور بها، فهما صبران: صبر عن أشياء، وصبر على أشياء والصوم يعين على أحدهما (وهو الصبر عن الشهوات)، فهو إذا نصف الصبر، ومنها أنه سماه 0 (فرضا مجزيا)، وفي خبر آخر (زكاة)، ويرجع معناهما إلى أنه ينقص من قوة البدن وينحل الجسم فيكون الصائم كأنه أخرج شيئا من جسده لوجه الله وهو يجزيه به "
قال ابن رجب: " و الصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، و صبر عن محارم الله، و صبر على أقدار الله المؤلمة.
و تجتمع الثلاثة في الصوم فإن فيه صبراً على طاعة الله، و صبراً عما حرم الله على الصائم من الشهوات، و صبراً على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع و العطش و ضعف النفس و البدن، و هذا الألم الناشىء من أعمال الطاعات يثاب عليه صاحبه كما قال الله تعالى في المجاهدين: (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين) "
ـ سعيد بن عامر قال كان صالح المري يدعو اللهم ارزقنا صبرا على طاعتك وارزقنا صبرا عند عزائم الأمور "
أجر الصوم يخرج عن ميزان التقدير
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إن ربكم يقول: كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والصوم لي وأنا أجزي به، الصوم جُنة من النار
ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل: إني صائم "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/252)
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك "
قال البيهقي: " قال أبو عبيد: قد علمنا أن أعمال البر كلها لله تعالى وهو يجزي بها، فنرى ـ والله أعلم ـ أنه إنما خص الصوم بأن يكون هو الذي يتولى جزاءه، لأن الصوم ليس يظهر من ابن آدم بلسان ولا فعل فيكتبه الحفظة، إنما هو نية القلب وإمساك عن حركة المطعم والمشرب. يقول: فأنا أتولى جزاءه على ما أحب من التضعيف، وليس على كتاب كتب له، ومما يبين ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
(ليس في الصوم رياء).
قال أبو عبيد: حدثنيه عن ليث عن عقيل عن ابن شهاب رفعه، قال: وذلك لأن الأعمال كلها لا تكون إلا بالحركات إلا الصوم خاصة فإنما هو بالنية التي قد خفيت على الناس، فإذا نواها فكيف يكون ها هنا رياء؟ هذا عندي وجه الحديث والله أعلم.
قال أبو عبيد: بلغني عن سفيان بن عيينة أنه فسر قوله في الصوم (والصوم لي وأنا أجزي به)، قال: لأن الصوم هو الصبر، يصبر الإنسان عن المطعم والمشرب والنكاح، ثم قرأ قوله تعالى:
(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)
يقول: فثواب الصوم ليس له حساب يُعلم من كثرته. "
قال البيهقي: " قال الشيخ أحمد ـ رحمه الله ـ: وقوله (الصوم لي وأنا أجزي به) فمعناه ـ والله أعلم ـ أني العالم بجزائي والمالك له وليس ذلك مما أخبرتكم به من أن الحسنة بعشر أمثالها، وأن مثل النفقة في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، لكن جزاء الصوم يجل عن هذا كله، وأنا أعلم به وإلي أمره، وهذا لأن كل عمل يعمله ابن آدم من الطاعات فإنما هو تبرر لا تنقص من بدنه شيئا إلا الصيام فإنه تعريض من الصائم نفسه للنقصان الذي قد يُضعف وقد يؤدي إلى الهلاك، والصائم بصيامة مؤثر للرجوع إلى ربه مستسلم لذلك منشرح الصدر، فكان صومه له عز اسمه من هذا الوجه .......................... ، وأما الخلوف فإنما جعله أطيب عند الله من ريح المسك ليبين انه وإن كان في الطباع من باب الأذى فإنه عند الله مرضي لا ينبغي إزالته بالسواك وغيره كما لا يزال دم الشهيد عنه بالغسل وأنه يثاب على الصبر عليه كما يثاب على الطعام والشراب والله أعلم "
قال ابن رجب: " و أما قوله: (فإنه لي) فإن الله خص الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال، و قد كثر القول في معنى ذلك من الفقهاء و الصوفية و غيرهم، و ذكروا فيه وجوهاً كثيرة. و من أحسن ما ذكر فيه وجهان:
أحدهما: أن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها لله ـ عز و جل ـ و لا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام، لأن الإحرام إنما يترك فيه الجماع و دواعيه من الطيب دون سائر الشهوات من الأكل و الشرب، وكذلك الاعتكاف مع أنه تابع للصيام، و أما الصلاة فإنه و إن ترك المصلي فيها جميع الشهوات إلا أن مدتها لا تطول فلا يجد المصلي فقد الطعام و الشراب في صلاته، .. و هذا بخلاف الصيام فإنه يستوعب النهار كله فيجد الصائم فقد هذه الشهوات، و تتوق نفسه إليها خصوصاً في نهار الصيف لشدة حره و طوله ...............
فإذا اشتد توقان النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه ثم تركته لله ـ عز وجل ـ في موضع لا يطلع عليه إلا الله كان ذلك دليلاً على صحة الإيمان، فإن الصائم يعلم أن له رباً يطلع عليه في خلوته، و قد حرم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل إليها في الخلوة فأطاع ربه و امتثل أمره و اجتنب نهيه خوفاً من عقابه و رغبة في ثوابه فشكر الله تعالى له ذلك و اختص لنفسه عمله هذا من بين سائر أعماله، و لهذا قال بعد ذلك: (إنه إنما ترك شهواته و طعامه و شرابه من أجلي) قال بعض السلف: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/253)
لما علم المؤمن الصائم أن رضا مولاه في ترك شهواته قدم رضا مولاه على هواه فصارت لذته في ترك شهواته لله لإيمانه باطلاع الله و ثوابه أعظم من لذته في تناولها في الخلوة إيثاراً لرضا ربه على هوى نفسه، بل المؤمن يكره ذلك في خلوته أشد من كراهته لألم الضرب، و لهذا كثير من المؤمنين لو ضرب على أن يفطر في شهر رمضان لغير عذر لم يفعل لعلمه لكراهة الله لفطره في هذا الشهر، و هذا من علامات الإيمان أن يكره المؤمن ما يلائمه من شهواته إذا علم أن الله يكرهه فتصير لذته فيما يرضى مولاه و إن كان مخالفاً لهواه، و يكون ألمه فيما يكره مولاه و إن كان موافقاً لهواه، و إذا كان هذا فيما حرم لعارض الصوم من الطعام و الشراب و مباشرة النساء فينبغي أن يتأكد ذلك فيما حرم على الإطلاق: كالزنا، و شرب الخمر، و أخذ الأموال أو الأعراض بغير حق، و سفك الدماء المحرمة فإن هذا يسخطه الله على كل حال و في كل زمان و مكان. فإذا كمل إيمان المؤمن كره ذلك كله أعظم من كراهته للقتل و الضرب.
إن كان رضاكم في سهري فسلام الله على وسني.
و قال آخر:
عذابه فيك عذب و بعده فيك قرب
و أنت عندي كروحي بل أنت منها أحب
حسبي من الحب أني لما تحب أحب
الوجه الثاني: أن الصيام سر بين العبد و ربه لا يطلع عليه غيره لأنه مركب من نية باطنة لا يطلع عليها إلا الله، و ترك لتناول الشهوات التي يستخفي بتناولها في العادة. و لذلك قيل: لا تكتبه الحفظة، و قيل: إنه ليس فيه رياء. كذا قاله الإمام أحمد و غيره. و فيه حديث مرفوع مرسل. و هذا الوجه اختيار أبي عبيد و غيره ...................... و أهل محبته يحبون أن يعاملوه سراً بينهم و بينه بحيث لا يطلع على معاملتهم إياه سواه حتى كان بعضهم يود لو تمكن من عبادة لا تشعر بها الملائكة الحفظة، و قال بعضهم: لما اطلع على بعض سرائره إنما كانت تطيب الحياة لما كانت المعاملة بيني و بينه سراً، ثم دعا لنفسه بالموت فمات.
المحبون يغارون من اطلاع الأغيار على الأسرار التي بينهم و بين من يحبهم و يحبونه "
ـ عن يزيد بن قودر عن كعب الأحبار أنه قال: " ينادي في يوم القيامة مناد: أن كل حارث يعطى بحرثه ويزاد غير أهل القرآن والصيام يعطون أجورهم بغير حساب "
أجر الصائم يسبق النفقة في سبيل الله
ـ عن سهل بن معاذ عن أبيه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إن الصلاة والصيام والذكر تضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف "
قال المناوي: " (بسبع مئة ضعف) على حسب ما اقترن به من إخلاص النية والخشوع وغير ذلك، وفي بعض الروايات إن الصوم يضاعف فوق ذلك بما لا يعلم قدر ثوابه إلا الله لأنه أفضل أنواع الصبر، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، وفي خبر: من قال سبحان الله كتب له مئة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة. وما ذكر بالنسبة للصلاة والصوم ظاهر، وأما الذكر فالظاهر أنه خرج جوابا لسؤال سائل عجز عن الجهاد أو فقير ليس معه ما ينفقه، فأخبره بأن ثواب العبادة في حقه يربو على ثواب ذي المال الصارف له في شؤون الغزو ومتعلقاته، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، بل قد يعرض للجهاد ما يصيره أفضل من الصلاة والصيام وباقي أركان الإسلام كما مر "
الصوم وجاء
ـ عن علقمة قال: كنت مع عبد الله فلقيه عثمان بمنى فقال: يا أبا عبد الرحمن إن لي إليك حاجة فخلوا، فقال عثمان: هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكرا تذكرك ما كنت تعهد؟ فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إلي فقال: يا علقمة، فانتهيت إليه وهو يقول: أما لئن قلت ذلك لقد قال لنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "
ـ عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال جاء رجل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: " يا رسول الله ائذن لي أن أختصي فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خِصاء أمتي الصيام والقيام "
الصوم يذهب الحقد ويطهر القلب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/254)
ـ عن أبي العلاء بن الشخير قال: " كنت مع مطرف في سوق الإبل فجاءه إعرابي معه قطعة أديم أو جراب فقال: من يقرأ أو فيكم من يقرأ؟ قلت: نعم، فأخذته فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبني زهير بن أقيش ـ حي من عُكل ـ إنهم إن شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وفارقوا المشركين، وأقروا بالخمس في غنائمهم وسهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصفيه، فإنهم آمنون بأمان الله ورسوله) فقال له بعض القوم: هل سمعت من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئا تحدثناه؟ قال: نعم، قالوا: فحدثنا رحمك الله، قال: سمعته يقول: (من سره أن يذهب كثير من وحر صدره فليصم شهر الصبر أو ثلاثة أيام من كل شهر) فقال له القوم أو بعضهم: أأنت سمعت هذا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ألا أراكم تتهمونى أن أكذب على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرة تخافون، والله لا حدثتكم حديثا سائر اليوم ثم انطلق "
ـ عن رجل من بنى تميم قال: كنا عند باب معاوية بن أبي سفيان وفينا أبو ذر ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: " صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من
كل شهر صوم الدهر، ويذهب مغلة الصدر، قال: قلت: وما مغلة الصدر؟ قال: رجس الشيطان "
الصومُ درجة عالية
ـ عن عبد الله بن عمرو يقول سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: " إن المسلم المسدد ليدرك درجه الصوام القوام بآيات الله بحسن خلقه وكرم ضريبته "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر "
فضلُ خدمةِ الصائمين
ـ عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في السفر فمنا الصائم ومنا المفطر قال: فنزلنا منزلا في يوم حار أكثرنا ظلا صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذهب المفطرون اليوم بالأجر "
مَثَلُ الصائم
ـ عن الحرث الأشعري أن نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: إن الله ـ عز وجل ـ أمر يحيى بن زكريا ـ عليهما السلام ـ بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن وكاد أن يبطئ، فقال له عيسى: إنك قد أُمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن، فقال: يا أخي إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي، قال: فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد فقعد على الشرف، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله ـ عز وجل ـ أمرني بخمس كلمات أن اعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن: أولهن أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا، فإن مثل ذلك مثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بورِق أو ذهب، فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده، فأيكم سره أن يكون عبده كذلك؟ وإن الله ـ عز وجل ـ خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا.
وآمركم بالصلاة فإن الله ـ عز وجل ـ ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت فإذا صليتم فلا تلتفتوا.
وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك وإن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك.
وآمركم بالصدقة فان مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يديه إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: هل لكم أن أفتدي نفسي منكم؟ فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/255)
وآمركم بذكر الله ـ عز وجل ـ كثيرا وأن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله ـ عز وجل ـ قال: فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: بالجماعة، والسمع والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جُثاء جهنم، قالوا: يا رسول الله وإن صام وإن صلى؟ قال: وإن صام وإن صلى وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله ـ عز وجل ـ المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل "
صوم كصيام الدهر
ـ عن أبي قتادة أن رجلا أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: " كيف تصوم فغضب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما رأى عمر ـ رضي الله عنه ـ غضبه قال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر ـ رضي الله عنه ـ يردد هذا الكلام حتى سكن غضبُه، فقال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر، أو قال: لم يصم ولم يفطر، قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال: ويطيق ذلك أحد؟ قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال: ذاك صوم داود ـ عليه السلام ـ قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طوقت ذلك، ثم قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله، وصيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله "
ما يقول إذا أفطر؟
ـ عن معاذ بن زهرة أنه بلغه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا صام ثم أفطر قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت.
قال: وكان الربيع بن خثيم يقول: الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت "
طبقات الصوام
قال ابن رجب: " و الصائمون على طبقتين:
إحداهما: من ترك طعامه و شرابه و شهوته لله تعالى يرجو عنده عوض ذلك في الجنة، فهذا قد تاجر مع الله و عامله و الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولا يخيب معه من عامله، بل يربح عليه أعظم الربح، وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله إلا أتاك الله خيراً منه " خرجه الإمام أحمد، فهذا الصائم يعطى في الجنة ما شاء الله من طعام و شراب و نساء. قال الله تعالى:" كلوا و اشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية " قال مجاهد و غيره: نزلت في الصائمين.
الطبقة الثانية من الصائمين: من يصوم في الدنيا عما سوى الله فيحفظ الرأس وما حوى، و يحفظ البطن وما وعى، ويذكر الموت و البلى، و يريد الآخرة فيترك زينة الدنيا، فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه و فرحه برؤيته:
أهل الخصوص من الصوام صومهم صون اللسان عن البهتان و الكذب
و العارفون و أهل الإنس صومهم صون القلوب عن الأغيار و الحجب
العارفون لا يسليهم عن رؤية مولاهم قصر، ولا يرويهم دون مشاهدته نهر، هممهم أَجَل من ذلك:
كبرت همةُ عبد طَمِعت في أن تراك
من يَصُم عن مُفطرات فصِيامي عمن سواك
من صام عن شهواته في الدنيا أدركها غداً في الجنة، و من صام عما سوى الله فعيده يوم لقائه. (من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت).
و قد صمت عن لذات دهري كلها و يوم لقاكم ذاك فطر صيامي "
ـ وقال الإمام الغزالي: " اعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص.
أما صوم العموم: فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله.
وأما صوم الخصوص: فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام.
وأما صوم خصوص الخصوص: فصوم القلب عن الهضم الدنية والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله ـ عز وجل ـ بالكلية، ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله ـ عز وجل ـ واليوم الآخر، وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين، فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/256)
من أكل أو شرب ناسيا
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " من أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله "
فضل تعجيل الفطر وعلام يفطر
ـ عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر "
ـ عن بن أبي أوفى ـ رضي الله عنه ـ قال: " كنت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سفر فصام حتى أمسى قال لرجل: انزل فاجدح لي، قال: لو انتظرت حتى تمسي قال انزل فاجدح لي، إذا رأيت الليل قد أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم "
ـ عن عمارة بن عمير عن أبي عطية قال: " دخلت أنا ومسروق على عائشة ـ رضي الله عنها ـ فقلنا: يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة قال قلنا عبد الله (يعني ابن مسعود) قالت: كذلك كان يصنع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (زاد أبو كريب والآخر أبو موسى) "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون "
ـ عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لا تزال أمتى على سنتى ما لم تنتظر بفطرها النجوم " قال: " وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على شيء فإذا قال: غابت الشمس أفطر "
ـ عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء "
ـ عن سلمان بن عامر الضبي ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر " زاد بن عيينة " فإنه بركة فمن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله ـ عز وجل ـ: " إن أحب عبادي إلى أعجلهم فطرا "
إفطار الصالحين
ـ " كان أبو بكر أحمد بن علي العلبي يُقرئ القرآن ويؤم الناس ويعمل بيده ولا يقبل من أحد شيئا، ويذهب بنفسه في كل ليلة إلى دجلة فيأخذ في كوز له ماء يفطر عليه ويمشي في حوائج نفسه ولا يستعين بأحد.
وكان إذا حج يزور القبور بمكة ويجيء إلى قبر الفضيل بن عياض ويخط بعصاه ويقول: يا رب ها هنا، يا رب ها هنا.
فاتفق أنه خرج للحج في سنة ثلاث وخمس مائة، فشهد عرفة محرما، وتوفي عشية ذلك اليوم في أرض عرفات فحمل إلى مكة وطيف به حول البيت، ودفن يوم منحر إلى جانب الفضيل بن عياض "
ـ عن الوليد بن عقبة قال: " كان يخبز لداود الطائي ستون رغيفا يلعقها بشريط، يفطر كل ليلة على رغيفين بملح وماء: فأخذ ليلة فطره فجعل ينظر إليه. قال: ومولاة له سوداء تنظر إليه، فقامت فجاءته بشيء من تمر على طبق فأفطر ثم أحيا ليلته وأصبح صائما. فلما جاء وقت الإفطار أخذ رغيفيه وملحا وماء "
ما يقول إذا أفطر
ـ عن مروان بن سالم المقفع قال: " رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف وقال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أفطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله "
ـ عن معاذ بن زهرة أنه بلغه: " أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا أفطر قال اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت "
الدعاء مستجاب للصائم حال صومه بل وفي رمضان كله
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " ثلاثة لا يرد دعاؤهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب ـ عز وجل ـ: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين "
ـ عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذاكر الله في رمضان مغفور له، وسائل الله فيه لا يخيب "
دعوة خاصة عند الإفطار
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/257)
ـ عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إن لله عند كل فطر عتقاء، وذلك في كل ليلة (يعني من رمضان) "
ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد " قال ابن أبي مليكة: سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر: (اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي).
ـ عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: " للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة " فكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر دعى أهله وولده ودعا.
ـ عن نافع قال ابن عمر: " كان يُقال: إن لكل مؤمن دعوة مستجابة عند إفطاره إما أن تُعجل له في دنياه، أو تُدخر له في آخرته.
قال: فكان ابن عمر يقول عند إفطاره: يا واسع المغفرة اغفر لي "
أجر من فطر صائما
ـ عن زيد بن خالد الجهني ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا "
ـ عن يحيى بن أبي كثير قال: " إن أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ دعته امرأة ليفطر عندها ففعل وقال: إني أخبركِ أنه ليس من رجل يفطر عند أهل بيت إلا كان لهم مثل أجره، فقالت: وددت أنك تتحين (أو نحو ذلك) لتفطر عندي، قال: إني أريد أن أجعله لأهل بيتي "
ثواب الصائم إذا أطعم مفطرا وهو صائم
ـ عن أم عمارة بنت كعب الأنصارية ـ رضي الله عنها ـ: " أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل عليها فقدمت إليه طعاما فقال: كُلي، فقالت: إني صائمة، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إن الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أُكل عنده حتى يفرغوا، وربما قال حتى يشبعوا "
ما يقول لمن فطره وهو صائم
ـ عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: " كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أفطر عند أهل بيت قال: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامَكم الأبرار، وتنزلت عليكم الملائكة "
ـ عن عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ قال: " أفطر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند سعد بن معاذ ـ رضي الله عنه ـ فقال: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة "
فضل السحور والأمر بتأخيره
ـ عن أنس عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ قال: " تسحرنا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية "
ـ عن عدي قال: سمعت زر بن حبيش ـ رضي الله عنه ـ قال: " تسحرت مع حذيفة ثم خرجنا إلى الصلاة، فلما أتينا المسجد صلينا ركعتين وأقيمت الصلاة وليس بينهما إلا هُنيهة "
ـ عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " تسحروا فإن في السحور بركة "
ـ عن عبد الحميد صاحب الزيادي قال: سمعت عبد الله بن الحرث يحدث عن رجل من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " دخلت على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يتسحر فقال إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه "
ـ عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فان الله وملائكته يصلون على المتسحرين "
ـ عن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " نِعمَ سحور المؤمن التمر "
ـ عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ قال: " كان عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ يأمرنا أن نصنع له الطعام يتسحر به فلا يصيب منه كثيرا، فقلنا: تأمرنا به ولا تصيب منه كثيرا، قال: إني لا آمركم به أني أشتهيه، ولكني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أُكلة السحر "
الدعوة إلى السحور
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/258)
ـ عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك عند السحور: " يا أنس إني أريد الصيام أطعمني شيئا، فأتيته بتمر وإناء فيه ماء، وذلك بعد ما أذن بلال، فقال: يا أنس انظر رجلا يأكل معي، فدعوت زيد بن ثابت فجاء فقال: إني قد شربت شربة سويق وأنا أريد الصيام، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وأنا أريد الصيام، فتسحر معه ثم قام فصلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة "
ـ عن العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ قال: " دعاني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى السحور في رمضان فقال: هلم إلى الغداء المبارك "
ـ عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " البركة في ثلاثة: في الجماعة والثريد والسحور "
اعتكاف العشر الأواخر من رمضان
تعريف الاعتكاف:
" هو في اللغة الحبس والمكث واللزوم.
وفي الشرع المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة مخصوصة، ويسمى الاعتكاف جوارا "
وعرفه بعض العلماء بقوله: " فمعنى الاعتكاف و حقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق "
التعاريف تختلف بحسب منهج المُعَرف، فالتعريف الأول نظر إلى حد الاعتكاف الشرعي، ليُخرج به ما ينافيه من مبطلات ومكروهات.
والتعريف الثاني نظر إلى ثمرة الاعتكاف التي لا تحصل إلا بقطع القلب عما سوى الله، وهذه حقيقة الاعتكاف عند ذوي البصائر؛ لأنه لا يؤتي ثماره إلا بتحقق تلك الحقيقة، فاعتكاف الصالحين انقطاع عن الخلق، وأنس بالله، ونسيان للشهوات والرغبات الطبعية، ولعل هذا هو السر في امتناع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مثل ذلك، فقد كان يشد مئزره، وذلك كناية عن الإقلال من الطعام والشراب والجماع.
" و كلما قويت المعرفة بالله و المحبة له و الأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية
على كل حال.
كان داود الطائي يقول في ليله: همك عطل على الهموم و حالف بيني و بين السهاد، و شوقي إلى النظر إليك أوثق مني اللذات و حال بيني و بين الشهوات.
مالي شغل سواه مالي شغل ما يصرف عن قلبي هواه عذل
ما أصنع إن جفا و خاب الأمل مني بدل و منه مالي بدل
وكان بعضهم لا يزال منفرداً في بيته خالياً بربه. فقيل له: أما تستوحش؟ قال: كيف أستوحش و هو يقول: أنا جليس من ذكرني.
أوحشتني خلواتي بك من كل أنيسي
و تفردت فعاينـ تك بالغيب جليسي "
ـ قال الإمام البخاري: (باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها لقوله تعالى {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون})
ـ عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: " إن مثل المعتكف مثل المحرم ألقى نفسه بين يدي الرحمان فقال: والله لا أبرح حتى ترحمني "
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله "
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر "
ـ قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيره "
ـ عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال: " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوقظ أهله في العشر الأواخر من شهر رمضان، وكل صغير وكبير يطيق الصلاة "
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/259)
ـ عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين ـ وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه ـ قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر، فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد فبصرت عيناي رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين "
ـ عائشة ـ رضي الله عنها ـ زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت: " وإن كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا "
ـ عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: " كان أبو بكر يصلي في رمضان كصلاته في سائر السنة، فإذا دخلت العشر اجتهد "
اعتكاف النساء
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصةُ عائشةَ أن تضرب خباء فأذنت لها فضربت خباء، فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر، فلما أصبح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى الأخبية فقال: ما هذا؟ فأُخبر فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم، آلبر تُردن بهن، فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرا من شوال "
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " اعتكفت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ امرأة من أزواجه مستحاضة، فكانت ترى الحمرة والصفرة، فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي "
الإكثار من نوافل الصوم عند أمن المضرة
الحض على صيام النفل مطلقا دون تقييد بزمن:
ـ عن علي قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إن في الجنة لغرفا يُرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، فقام إليه أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام "
ـ عن حميد قال: سألت أنسا ـ رضي الله عنه ـ عن صيام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: " ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما إلا رأيته، ولا مفطرا إلا رأيته، ولا من الليل قائما إلا رأيته، ولا نائما إلا رأيته، ولا مسست خزة ولا حريرة ألين من كف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا شممت مسكة ولا عبيرة أطيب رائحة من رائحة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "
ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: " ما صام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهرا كاملا قط غير رمضان، ويصوم حتى يقول القائل: لا والله لا يفطر، ويفطر حتى يقول القائل: لا والله لا يصوم "
ـ عن عبد الله بن شقيق قال:: قلت لعائشة ـ رضي الله عنها ـ أكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم شهرا كله؟ قالت: ما علمته صام شهرا كله إلا رمضان ولا أفطره كله حتى يصوم منه حتى مضى لسبيله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "
قال ابن رجب: " و قد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك و غيره: أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لم يستكمل صيام شعبان، و إنما كان يصوم أكثره.
و يشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ما علمته (تعني النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ) صام شهراً كله إلا رمضان
. و في رواية له أيضاً عنها قالت: ما رأيته صام شهراً كاملاً منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان. و في رواية له أيضاً: أنها قالت: لا أعلم نبي الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ قرأ القرآن كله في ليلة، و لا صام شهراً كاملاً غير رمضان
. و في رواية له أيضاً قالت: ما رأيته قام ليلة حتى الصباح و لا صام شهراً متتابعاً إلا رمضان.
وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: ما صام رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ شهراً كاملاً غير رمضان.
و كان ابن عباس يكره أن يصوم شهراً كاملاً غير رمضان. و روى عبد الرزاق في كتابه عن ابن جريج عن عطاء قال: كان ابن عباس بنهى عن صيام الشهر كاملاً و يقول: ليصمه إلا أياماً "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/260)
ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل، فقلت: نعم، قال: إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ونفهت له النفس، لا صام من صام الدهر، صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله، قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك، قال: فصم صوم داود ـ عليه السلام ـ كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى "
ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صم وأفطر وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها وإن ذلك صيام الدهر كله، قال: فشددت فشُدد علي، قلت: يا رسول الله إني أجد قوة، قال: فصم صيام نبي الله داود ـ عليه السلام ـ ولا تزد عليه، قلت: وما كان صيام نبي الله داود ـ عليه السلام ـ قال: نصف الدهر، فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "
ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: " كنت أصوم الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة، قال: فإما ذكرت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وإما أَرسل إلي فأتيته فقال لي: ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟ فقلت: بلى يا نبي الله، ولم أُرِد بذلك إلا الخير، قال: فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فإن لزوجك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا، قال: فصم صوم داود نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه كان أعبد الناس، قال: قلت: يا نبي الله وما صوم داود؟ قال: كان يصوم يوما ويفطر يوما، قال: واقرأ القرآن في كل شهر، قال: قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأه في كل عشرين، قال: قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأه في كل عشر، قال: قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا، قال: فشددت فشُدد علي، قال: وقال لي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر، قال: فصرت إلى الذي قال لي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "
قال ابن رجب: " ما أشار إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: (إن لنفسك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه) يشير إلى أن النفس وديعة لله عند ابن آدم، و هو مأمور أن يقوم بحقها، و من حقها اللطف بها حتى توصل صاحبها إلى المنزل.
قال الحسن: نفوسكم مطاياكم إلى ربكم، فأصلحوا مطاياكم توصلكم إلى ربكم.
فمن وفى نفسه حظها من المباح بنية التقوى به على تقويتها على أعمال الطاعات كان مأجوراً في ذلك. كما قال معاذ بن جبل: إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. و من قصر في حقها حتى ضعفت و تضررت كان ظالماً، و إلى هذا أشار النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ بقوله لعبد الله بن عمرو بن العاص: (إنك إذا فعلت ذلك نفهت له النفس، و هجمت له العين) ومعنى نفهت: كلت و أعيت. و معنى هجمت العين: غارت. و قال لأعرابي جاءه فأسلم ثم أتاه من عام قابل و قد تغير فلم يعرفه، فلما عرفه سأله عن حاله؟ قال: ما أكلت بعدك طعاماً بنهار، فقال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ: (و من أمرك أن تعذب نفسك؟!) فمن عذب نفسه بأن حملها ما لا تطيقه من الصيام و نحوه، فربما أثر ذلك في ضعف بدنه و عقله فيفوته من الطاعات الفاضلة أكثر مما حصله بتعذيبه نفسه بالصيام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/261)
و كان النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ يتوسط في إعطاء نفسه حقها و يعدل فيها غاية العدل فيصوم و يفطر، و يقوم و ينام و ينكح النساء، و يأكل ما يجد من الطيبات كالحلواء و العسل و لحم الدجاج، و تارة يجوع يربط على بطنه الحجر و قال: (عرض علي ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهباً فقلت: لا يا رب، و لكن أجوع يوماً و أشبع يوماً، فإذا جعت تضرعت إليك، و ذكرتك، و إذا شبعت حمدتك و شكرتك) فاختار لنفسه أفضل الأحوال ليجمع بين مقامي الشكر و الصبر و الرضا "
ـ عن عبد الله بن عمرو قال: " أُخبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أني أقول: والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت، فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي، قال: فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوما وأفطر يومين، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوما وأفطر يوما فذلك صيام داود ـ عليه السلام ـ وهو أفضل الصيام، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا أفضل من ذلك "
ـ عن أبي قِلابة قال: أخبرني أبو المليح قال: دخلت مع أبيك على عبد الله بن عمرو فحدثنا: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذُكر له صومي، فدخل علي فألقيت له وسادة من آدم حشوها ليف، فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه فقال: أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام؟ قال: قلت: يا رسول الله، قال: خمسا، قلت: يا رسول الله، قال: سبعا، قلت: يا رسول الله، قال: تسعا، قلت: يا رسول الله، قال: إحدى عشرة، ثم قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لا صوم فوق صوم داود ـ عليه السلام ـ شطر الدهر، صم يوما وأفطر يوما "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لو أن رجلا صام يوما تطوعا ثم أعطي ملء الأرض ذهبا لم يستوف ثوابه دون يوم الحساب "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم " زاد محرز في حديثه وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " الصيام نصف الصبر "
صوم النوافل عند الصالحين:
ـ عن أنس أن أبا طلحة كان يكثر الصوم على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان لا يفطر إلا من وجع "
ـ عن الزبير بن عبد الله عن جدة له يقال لها زهيمة قالت: " كان عثمان (تعني ابن عفان) يصوم الدهر ويقوم الليل إلا هجعة من أوله "
ـ عن سعد بن إبراهيم قال: " كان ممن يكثر الصوم ابن عمر وعائشة وسعيد بن المسيب "
ـ عن نافع عن بن عمر: " أن عمر سرد الصوم قبل موته بسنتين "
ـ ذكر عبيد الله بن أحمد الصيرفي عمن حدثه: " أن القاضي أبا العباس الأبيوردي كان يصوم الدهر، وأن غالب إفطاره كان على الخبز والملح، وكان فقيرا يظهر المروءة.
قال: ومكث شتوة لا يملك جبة يلبسها "
ـ عن هشام بن عروة قال: " صام أبي أربعين سنة أو ثلاثين سنة ما أفطر إلا يوم فطر أو يوم نحر، ولقد قبض وإنه لصائم "
ـ عن هشام بن عروة: " أن أباه مات وهو صائم وجعلوا يقولون له أفطر فلم يفطر "
ـ وكان المسور بن مخرمة ـ رضي الله عنه ـ: " لا يشرب من الماء الذي يوضع في المسجد ويكرهه، ويرى أنه صدقة، وكان يصوم الدهر "
ـ قال عمر بن هارون: " كان شعبة يصوم الدهر كله "
ـ عن أبي إسحاق الطبري قال: " كان أحمد بن سليمان يصوم الدهر، ويفطر كل ليلة على رغيف، ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة تصدق بذلك الرغيف، وأكل تلك اللقم التي استفضلها "
ـ وعن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: " كان سليمان بن يسار يصوم الدهر، وكان عطاء بن يسار يصوم يوما ويفطر يوما "
ـ قال محمد بن طلحة: " كان أبو عمرو متعبدا مجتهدا يصلي الليل، وكان شديد النظر إلى النساء، فدعا الله أن يذهب بصره فذهب بصرُه، فلم يحتمل العمى فدعا الله أن يرد عليه بصره، فبينا هو في المسجد إذ رفع رأسه فنظر إلى القنديل فدعا غلامه فقال: ما هذا؟ قال: القنديل. قال: وذاك، وذاك، يعد قناديل المسجد، وخر ساجدا، شكر لله إذ رد عليه بصره، فكان بعد ذلك إذا رأى المرأة طأطأ رأسه وكان يصوم الدهر "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/262)
ـ عن سلمة الفراء قال: " كان عتبة الغلام من نساك البصرة، وكان من أصحاب الفلق، وكان قد قوت لنفسه ستين فلقة يتعشى كل ليلة بفلقة ويتسحر بأخرى، وكان يصوم الدهر ويأوي السواحل والجبابين "
ـ عن محمد بن عمر قال: " كان محمد بن عبد الرحمن يكنى أبا الحارث، وكان من أورع الناس، وكانوا يرمونه بالقدر وما كان قدريا. وكان يصلي الليل أجمع.
وأخبرني أخوه قال: كان يصوم يوما ويفطر يوما فوقعت الرجفة بالشام، فقدم رجل من أهل الشام فحدثه عن الرجفة وكان يوم إفطاره فقلت له: قم تغذى، قال: دعه اليوم فسرد الصوم من ذلك اليوم إلى أن مات، وكان يتعشى بالخبز والزيت، وله طيلسان وقميص يشتو فيه ويصيف، ويحفظ حديثه كله "
ـ عن عبد المؤمن الصائغ قال: " دعوت رياحا (يعني رياح بن عمرو القيسي) ذات ليلة إلى منزلي ونحن بعبادان فجاء في السحر، فقربت إليه طعاما فأصاب منه شيئا، فقلت: ازدد فما أراك شبعت، قال: فصاح صيحة أفزعني وقال: كيف أشبع في أيام الدنيا وشجرة الزقوم طعام الأثيم بين يدي، قال: فرفعت الطعام من بين يديه فقلت: أنت في شيء ونحن في شيء "
ـ عن أحمد بن بكار قال: " غزا معنا إبراهيم بن أدهم غزاتين كل واحدة أشد من الأخرى، غزاة عباس الأنطاكي وغزاة محكاف فلم يأخذ سهما ولا نفلا، وكان لا يأكل من متاع الروم، نجيء بالطرائف والعسل والدجاج فلا يأكل منه ويقول: هو حلال ولكني أزهد فيه، كان يأكل مما حمل معه وكان يصوم "
ـ عن عبدة بن سليمان قال: " سمعت رجلا يسأل ابن المبارك عن الرجل يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال: هذا رجل يضيع نصف عمره وهو لايدري (يعني لم لا يصومها جميعا) "
قال الذهبي: أحسب ابن المبارك لم يذكر حينئذ حديث: (أفضل الصوم صوم داود) ولا حديث (النهي عن صوم الدهر).
ـ قال يحيى بن معين: " أخرج غندر إلينا ذات يوم جرابا فيه كُتب فقال: " اجهدوا أن تخرجوا فيها خطأ، قال: فما وجدنا فيه شيئا، وكان يصوم يوما ويفطر يوما منذ خمسين سنة "
ـ عن محمد بن واسع قال: " كان خليد العصري يصوم الدهر "
ـ قال قرة بن خالد: " كنا نعجب من ورع محمد بن سيرين فأنساناه ابنُ عون. قال بكار بن محمد: كان ابن عون يصوم يوما ويفطر يوما "
ـ عن بكار بن محمد قال: " ما رأيت ابن عون يمازح أحدا ولا يماري أحدا، وكان مشغولا بنفسه، وكان إذا صلى الغداة مكث مستقبلا القبلة في مجلسه يذكر الله ـ عز وجل ـ فإذا طلعت الشمس صلى ثم أقبل على أصحابه، وما رأيته شاتما أحدا قط عبدا ولا أمة ولا دجاجة ولا شاة، ولا رأيت أحدا أملك للسانه منه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما حتى مات، وكان إذا توضأ لا يعينه أحد، وكان طَيب الريح لَين الكسوة، وكان إذا خلا في منزله إنما هو صامت لا يزيد على: الحمد لله ربنا، وما رأيته دخل حماما قط، وكان إن وصل إنسانا بشيء وصله سرا، وإن صنع شيئا صنعه سرا، يكره أن يطلع عليه أحد، وكان له سُبع يقرؤه كل ليلة فإذا لم يقرأه بالليل أتمه بالنهار، وكان لا يُحفي شاربه، وكان يأخذه أخذا وسطا "
ـ قال ابن عمار: " كان وكيع يصوم الدهر ويفطر يوم الشك والعيد، وأخبرت أنه كان يشتكي إذا أفطر في هذه الأيام "
ـ عن شعبة قال: " كان ثابت البناني يقرأ القرآن في يوم وليلة ويصوم الدهر "
ـ عن عبد القدوس بن بكر بن خنيس قال: " كان الحسن بن صالح وأخوه علي، وكان علي يفضل عليه، وكان يقرآن القرآن وأمهما يتعاونون على العبادة، بالليل لا ينامون وبالنهار لا يفطرون، فلما ماتت أمهما تعاونا على القيام والصيام عنهما وعن أمهما، فلما مات علي قام الحسن عن نفسه وعنهما، وكان يقال للحسن: حية الوادي (يعني لا ينام بالليل)، وكان يقول: إني أستحيي من الله تعالى أن أنام تكلفا حتى يكون النوم هو الذي يصير عني، فإذا أنا نمت ثم استيقظت ثم عدت نائما فلا أرقد الله عيني، وكان لا يقبل من أحد شيئا، فيجيء إليه صبيه وهو في المسجد فيقول أنا جائع فيعلله بشيء حتى يذهب الخادم إلى السوق فيبيع ما غزلت مولاته من الليل ويشتري قطنا ويشتري شيئا من الشعير فيجيء به فتطحنه ثم تعجنه فتخبز ما يأكل الصبيان والخادم وترفع له ولأهله لإفطارهما، فلم يزل على ذلك رحمه الله "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/263)
ـ عن محمد بن عبد الله الأنصاري قال: " كان التيمي (يعني سليمان التيمي) عامة دهره يصلي العشاء والصبح بوضوء واحد، وليس وقت صلاة إلا وهو يصلي، وكان يسبح بعد العصر إلى المغرب ويصوم الدهر، وانصرف الناس يوم عيد من الجبان فأصابتهم السماء فدخلوا مسجدا فتعاطوا فيه، فإذا رجل متقنع قائم يصلي فنظروا فإذا سليمان التيمي "
ـ عن العباس بن يوسف الشكلي قال: " دخلت الإسكندرية فسألت: هل بها أحد من الزهاد؟ فقالوا: فتى قد كان يصوم النهار ويقوم الليل فإذا أفطر أفطر على الشهوات، فرأى رؤيا هالته فأخذ في التقلل وصار فطره في كل خمسة عشر يوما مرة. فقلت: فعلى أي شيء يفطر إذا أفطر؟ فقيل لي: على شيء من الكسب وتمرات يعجنها فهي فطره من الوقت إلى الوقت. فقلت: فما الرؤيا التي رآها؟ قالوا: رأى فتى وقف عليه فقال له:
تجوع فإن الجوع يورث أهله مصادر بر خيرها الدهر دائم
ولا تك ذا بطن رغيب وشهوة فتصبح في الدنيا وقلبك هائم. "
ـ عن محمد بن بهرام قال: " كان محمد بن واسع يصوم الدهر ويخفي ذلك "
ـ عن شعبة قال: " كان سعد بن إبراهيم الزهري يصوم الدهر "
وزاد ابن الجوزي: " ويقرأ القرآن في كل يوم وليلة "
ـ عن عبيد الله بن سعد الزهري قال: " قال عمي عن أبيه، قال: سرد أبي سعد ابن إبراهيم الصوم أربعين سنة "
ـ وسئل معروف الكَرخي: " كيف تصوم؟ فغالط السائل وقال: صوم نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان كذا وكذا، وصوم داود كذا وكذا، فألح عليه فقال: أُصبح دهري صائما فمن دعاني أكلت ولم أقل إني صائم "
ـ قال المروذي: " رأيت أبا عبد الله (أحمد بن حنبل) قد وهب لرجل قميصه " وقال: " ربما واسى من قوته، وكان إذا جاءه أمر يهمه من أمر الدنيا لم يفطر وواصل "
ـ سمعت جماعة من شيوخ قزوين يقولون: " لم يَر أبو الحسن ـ رحمه الله ـ مثل نفسه في الفضل والزهد، أدام الصيام ثلاثين سنة، وكان يفطر على الخبز والملح وفضائله أكثر من أن تعد "
ـ وقال منجا بن سليم: قال لي الحسن بن محمد بن أحمد بن جميع: " إن جده صام وله اثنتا عشرة سنة يعني وسرد الصوم إلى أن توفي سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة "
ـ عن هشام بن حسان: " أن العلاء بن زياد كان قوت نفسه رغيفا كل يوم، وكان يصوم حتى يخضر ويصلي حتى يسقط، فدخل عليه أنس بن مالك والحسن ـ رضي الله عنهما ـ فقال: إن الله تعالى لم يأمرك بهذا كله، فقال: إنما أنا عبد مملوك لا أدع من الاستكانة شيئا إلا جئته به "
ـ عن يحيى بن بِسطام الأصفر التميمي - وكان جارا لحسان بن أبي سنان ـ قال: " وكان حسان يصوم الدهر، ويفطر على قرص ويتسحر بآخر، فنحل وسقم جسمه جدا حتى صار كهيئة الخيال. فلما مات فأُدخل مُغتَسله ليُغسل، كُشف الثوب عنه فإذا هو كهيئة الخيط الأسود، قال: وأصحابه حوله يبكون "
ـ عن الحسن بن عمرو الفزاري قال: حدثني مولى لعمرو بن عتبة قال: " استيقظنا يوما حارا في ساعة حارة فطلبنا عمرو بن عتبة فوجدناه في جبل وهو ساجد وغمامة تظله، وكنا نخرج إلى العدو فلا نتحارس لكثرة صلاته، ورأيته ليلة يصلي فسمعنا زئير الأسد فهربنا وهو قائم يصلي لم ينصرف، فقلنا له: أما خفت الأسد، فقال: إني لأستحي من الله أن أخاف شيئا سواه "
ـ وقال السكن بن جميع: " سمعت الموطأ من جدي سنة سبع وخمسين ولي الآن سبع وثمانون سنة، وقد سردت الصوم ولي ثمان وعشرون سنة، وكذا سرد الصوم أبي وجدي "
ـ وقيل: " كان أبو الخير أحمد بن إسماعيل الطالقاني يختم كل يوم، مع دوام الصوم، ويفطر على قرص واحد "
ـ قال ابن النجار: سمعت حمزة بن علي الحراني يقول: " كان شيخنا علي اليزدي يقول لنا: إذا مت فلا تدفنوني إلا بعد ثلاث فإني أخاف أن يكون بي سكتة، قال: وكان جثيثا صاحب بلغم، وكان يصوم شهر رجب، فقبل أيام منه قال لنا: قد رجعت عن قولي فإذا مت فادفنوني في الحال فإني رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في النوم يقول: يا علي صم رجبا عندنا. قال: فمات ليلة رجب "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/264)
ـ ذكر الذهبي: " أن الخطيب شيخ القراء أبا الفضل محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن الخليفة المهتدي بالله محمد بن الواثق هارون الهاشمي العباسي الرشيدي البغدادي وكان خطيبا بجامع القصر ثقة صالحا سرد الصوم أزيد من خمسين سنة "
ـ ذكر الذهبي: " أن ذاكر بن كامل الخفاف روى الكثير وتفرد، وكان صالحا خيرا قليل الكلام ذاكرا الله يسرد الصوم، ويتقوت من عمله، وكان أميا لا يكتب "
ـ وروى أحمد بن أبي خيثمة عن محمد بن يزيد قال: " كان محمد ابن عبد الله الأسدي يصوم الدهر، فكان إذا تسحر برغيف لم يصدع، فإذا تسحر بنصف رغيف صدع من نصف النهار إلى آخره، فإن لم يتسحر صدع يومه أجمع "
ـ عن ابن وهب قال حدثني مالك: " أن عامر بن عبد قيس كان يمر بالخربة فينادي مرارا يقول: يا خرب أين أهلك؟ يا خرب قم، يقول: بادوا وعامر بالأثر.
وأنه كان بالشام فأتاه أسد فقام إلى جنبه حتى أصبح فكلمه راهب (يعني فيما رأى من صلاته ومن فعل الأسد) فقال: ما نَبأُك؟ فقال معاوية أخرجني إلى ههنا.
فقال له الراهب: إن ناسا أنت شرهم لخيار.
وكان معاوية قال له: كيف أنت منذ قدمت هذه البلاد؟ قال: بخير إلا أني قعدت هاهنا ثلاثا كنت بالعراق أسمع التأذين فأقوم لذلك بالأسحار وها هنا أسمع النواقيس، وكنت أصوم بالعراق فيصيبني الحر وشدة العطش وهذه أرض باردة، وكنت أجلس مع قوم ينتقون الكلام كما ننتقى التمر ولم أجدهم ها هنا "
ـ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: " كنا نغازي ومعنا عطاء الخراساني وكان يحيي الليل صلاة فإذا كان في جوف الليل نادى من فسطاطه:
يا يزيد بن جابر يا عبد الرحمن بن زيد بن جابر يا هشام بن الغاز.
قوموا فتوضئوا فصلوا قيام هذا الليل وصيام هذا النهار فذلك أهون من مقطعات الحديد ولباس القطران الوحا ثم الوحا النجا ثم النجا ثم يقبل على صلاته "
ـ عن حنش بن الحارث قال: " رأيت الأسود بن يزيد وقد ذهبت إحدى عينيه من الصوم "
ـ عن علقمه بن مرثد قال: " انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم الأسود بن زيد. وكان يجتهد في العبادة، ويصوم حتى يصفر ويخضر، فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ فقال: ومالي لا أجزع؟ ومن أحق بذلك مني؟ والله لو أُتيت بالمغفرة من الله ـ عز وجل ـ لأهمني الحياء منه بما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه ولا يزال مستحيا منه "
ـ عن هنيدة امرأة إبراهيم النخعي: " أن إبراهيم كان يصوم يوما ويفطر يوما "
ـ عن رباح النخعي قال: " كان الأسود يصوم في السفر حتى يتغير لونه من العطش في اليوم الحار، ونحن نشرب مرارا قبل أن يفرغ من راحلته في غير رمضان "
ـ عن علي بن مدرك: أن علقمة كان يقول للأسود: " ما تعذب هذا الجسد؟ فيقول إنما أريد به الراحة "
ـ عن الهيثم بن جماز قال: " دخلت على يزيد الرقاشي وهو يبكي في يوم حار وقد عطش نفسه أربعين سنة فقال لي: ادخل تعال نبكي على الماء البارد في اليوم الحار. حدثني أنس بن مالك أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
(كل من ورد القيامة عطشان) "
ـ عن قتادة: " أن عامر بن قيس لما حضره الموت جعل يبكي فقيل له ما يبكيك؟
قال: ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وعلى قيام الليل في الشتاء "
ـ عن الحسن قال: " كان عامر بن عبد قيس إذا صلى الصبح تنحى في ناحية المسجد فقال: من أُقرئه؟ قال: فيأتيه قوم فيقرئهم، حتى إذا طلعت الشمس وأمكنته الصلاة قام يصلي إلى أن ينتصف النهار ثم يرجع إلى منزله فيقيل، ثم يرجع إلى المسجد إذا زالت الشمس فيصلي حتى يصلي الظهر، ثم يصلي إلى العصر فإذا صلى العصر في ناحية المسجد ثم يقول: من أقرأه؟ قال: فيأتيه قوم فيقرئهم حتى إذا غربت الشمس صلى المغرب ثم يصلي حتى يصلي العشاء الآخرة ثم يرجع إلى منزله فيتناول أحد رغيفيه فيأكل ثم يهجع هجعة خفيفة ثم يقوم، فإذا أسحر تناول رغيفه الآخر فأكله ثم شرب عليه شربة من ماء ثم يخرج إلى المسجد "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/265)
ـ عن سحيم مولى بني تميم قال: " جلست إلى عامر بن عبد الله وهو يصلي فتجوز في صلاته ثم أقبل علي فقال: أرحني بحاجتك فإني أبادر؟ قلت: وما تبادر؟ قال: ملك الموت رحمك الله؟ قال: فقمت عنه وقام إلى صلاته "
ـ عن يزيد الرقاشي قال: " بلغنا أن عامر بن عبد الله لما احتضر بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: هذا الموت غاية الساعين وإنا الله وإنا إليه راجعون، والله ما أبكي جزعا من الموت ولكني أبكي على حر النهار وبرد الليل، وإني أستعين بالله على مصرعي هذا بين يديه "
ـ عن عبيد الله بن محمد التيمي قال حدثني بعض أشياخنا: " أن رجلا من عامة هذه الأمة حضرته الوفاة فجزع جزعا شديدا وبكى بكاء كثيرا فقيل له في ذلك فقال: ما أبكي إلا على أن يصوم الصائمون لله ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم، ويذكره الذاكرون ولست فيهم، فذاك الذي أبكاني "
ـ عن سعير بن الخمس قال: " بلغنا أن روح بن زنباع دعا أعرابيا إلى طعامه فقال: لست أطعم إياها ثم قال له روح: الصوم في مثل هذا اليوم؟ فقال الأعرابي: ادع أيامي تذهب باطلا؟
فقال روح: لئن كنت يا أعرابي ضننت بأيامك أن تذهب باطلا لقد جاد بها روح "
ـ عن سعيد بن سالم (و ليس بالقداح) قال: " نزل روح بن زنباع منزلا بين مكة والمدينة في يوم عاصف وقرب غداءه فانحط عليه راع من جبل فقال: يا راعي هلم إلى الغذاء. قال: إني صائم. قال روح أو تصوم في هذا الحر الشديد. قال: فقال الراعي أفأدع أيامي تذهب باطلا؟ قال: وأنشأ روح يقول:
لقد ضننت بأيامك يا راعِ إذ جاد بها روح بن زِنباعِ "
ـ عن عبد العزيز بن رفيع أنه قال في قوله تعالى: (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) قال: الصوم "
ـ عن علقمة قال: " أُتي عبد الله بشراب فقال: أعط علقمة أعط مسروقا فكلهم قال: إني صائم فقال: (يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) "
ـ عن ابن شوذب قال: " كان ابن سيرين يصوم يوما ويفطر يوما وكان الذي يفطر فيه يتغدى فلا يتعشى ثم يتسحر ويصبح صائما "
ـ عن معمر بن عيسى عن مالك قال: " بلغني أن حسين بن رستم الأيلي دخل على قوم وهو صائم فقالوا له: افطر. فقال: إني وعدت الله وعدا وأنا أكره أن أخلف الله ما وعدته "
ـ قال أبو بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس قال: " دخل ناس من أهل دمشق على أبي مسلم وهو غاز في أرض الروم وقد احتفر جورة في فسطاطه وجعل فيها نطعا وأفرغ فيه الماء وهو يتلصق فيه فقالوا: ما حملك على الصيام وأنت مسافر؟ قال: لو حضر قتال لأفطرت ولتهيأت له وتقويت، إن الخيل لا تجري الغايات وهن بدن، إنما تجرى وهن ضمر ألا وإن أيامنا باقية جائية لها نعمل "
ـ قال أبو عاصم النبيل: " كان ابن جريج من العباد، كان يصوم الدهر سوى ثلاثة أيام من الشهر، وكان له امرأة عابدة "
ـ عن أبي بكر بن أبي الدنيا حدثني بعض أهل العلم قال: " دعا قوم رجلا إلى طعام فقال: إني صائم فقالوا: افطر اليوم وصم غدا. فقال ومن لي بغد "
ـ " رأى بعضهم بشر بن الحارث في المنام و بين يديه مائدة و هو يأكل و يقال له: كل يا من لم يأكل و اشرب يا من لم يشرب.
كان بعض الصالحين قد صام حتى انحنى و انقطع صوته فمات، فرآه بعض أصحابه في المنام فسأله عن حاله فضحك و أنشد
قد كسي حلة البهاء و طافت بالأباريق حوله الخدام
ثم حلى و قيل يا قارىء ارقه فلعمري لقد براك الصيام
اجتاز بعض الصالحين بمناد ينادي على السحور في رمضان: يا ما خبأنا للصوام، فتنبه بهذه الكلمة و أكثر من الصيام "
ـ قال ابن رجب: " باع قوم من السلف جارية، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له و يستعدون بالأطعمة و غيرها، فسألتهم؟ فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان، فقالت: و أنتم لا تصومون إلا رمضان؟!!! لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان ردوني عليهم.
ـ وقال: " باع الحسن بن صالح جارية له، فلما انتصف الليل قامت فنادتهم: يا أهل الدار الصلاة الصلاة. قالوا: طلع الفجر؟ قالت: أنتم لا تصلون إلا المكتوبة، ثم جاءت الحسن فقالت: بعتني على قوم سوء لا يصلون إلا المكتوبة ردني ردني.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/266)
وقال: " قال بعض السلف: صم الدنيا و اجعل فطرك الموت، الدنيا كلها شهر صيام، المتقين يصومون فيه عن الشهوات المحرمات، فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم و استهلوا عيد فطرهم.
و قد صمت عن لذات دهري كلها و يوم لقاكم ذاك فطر صيامي
من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته، و من تعجل ما حرم عليه قبل وفاته عوقب بحرمانه في الآخرة و فواته، و شاهد ذلك قوله تعالى: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها)، و قول النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ: (من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة) و (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة).
أنت في دار شتات فتأهب لشتاتك
و اجعل الدنيا كيوم صمته عن شهواتك
و ليكن فطرك عند اللـ ـه في يوم وفاتك "
ـ قال ابن رجب: " كان بعض الصالحين كثير التهجد و الصيام فصلى ليلة في المسجد و دعا فغلبته عيناه، فرأى في منامه جماعة علم أنهم ليسوا من الآدميين بأيديهم أطباق عليها أرغفة بياض الثلج فوق كل رغيف در كأمثال الرمان فقالوا: كل، فقال: إني أريد الصوم. قالوا له: يأمرك صاحب هذا البيت أن تأكل، قال: فأكلت و جعلت آخذ ذلك الدر لاحتمله فقالوا له: دعه نغرسه لك شجراً يُنبت لك خيراً من هذا، قال: أين؟ قالوا: في دار لا تخرب، و ثمر لا يتغير، و ملك لا ينقطع، و ثياب لا تبلى، فيها رضوى و عيناً، وقرة أعين أزواج رضيات مرضيات راضيات لا يغرن و لا يغرن فعليك بالانكماش فيما أنت، فإنما هي غفوة حتى ترتحل فتنزل الدار، فما مكث بعد هذه الرؤيا إلا جمعتين حتى توفي، فرآه ليلة وفاته في المنام بعض أصحابه الذين حدثهم برؤياه و هو يقول: لا تعجب من شجر غرس لي في يوم حدثتك، و قد حَمل فقال له: ما حَمل؟ قال: لا تسأل، لا يقدر أحد على صفته،لم ير مثل الكريم إذا حل به مطيع.
يا قوم ألا خاطب في هذا الشهر إلى الرحمن، ألا راغب فيما أعده الله للطائعين في الجنان، ألا طالب لما أخبر به من النعيم المقيم مع أنه ليس الخبر كالعيان.
من يرد ملك الجنان فليدع عنه التواني
و ليقم في ظلمة الليـ ـل إلى نور القرآن
و ليصل صوماً بصوم إن هذا العيش فاني
إنما العيش جوار اللـ ـه في دار الأمان "
ـ قال ابن رجب: " رؤي بشر في المنام فسئل عن حاله؟ فقال: علم قلة رغبتي في الطعام فأباحني النظر إليه.
و قيل لبعضهم: أين نطلبك في الآخرة؟ قال: في زمرة الناظرين إلى الله، قيل له: كيف علمت ذلك؟ قال: بغض طرفي له عن كل محرم، و باجتنابي فيه كل منكر و مأثم، و قد سألته أن يجعل جنتي النظر إليه "
لا صام من صام الأبد:
ـ عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: بلغ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أني أسرد الصوم وأصلي الليل، فإما أرسل إلي وإما لقيته فقال: " ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر وتصلي ولا تنام؟ فصم وأفطر وقم ونم، فإن لعينك عليك حظا وإن لنفسك وأهلك عليك حظا. قال: إني لأقوى لذلك. قال: فصم صيام داود ـ عليه السلام ـ قال: وكيف؟ قال: كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى. قال: من لي بهذه يا نبي الله؟ قال عطاء: لا أدري كيف ذكر صيام الأبد. قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لا صام من صام الأبد مرتين "
ـ عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: من صام الأبد فلا صام ولا أفطر "
قال ابن رجب: " قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ في صيام الدهر: (لا صام و لا أفطر) يعني أنه لا يجد مشقة الصيام و لا فقد الطعام و الشراب و الشهوة، لأنه صار الصيام له عادة مألوفة فربما تضرر بتركه، فإذا صام تارة و أفطر أخرى حصل له بالصيام مقصوده بترك هذه الشهوات و في نفسه داعية إليها، و ذلك أفضل من أن يتركها و نفسه لا تتوق إليها "
قال ابن رجب: " قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ في حق داود ـ عليه السلام ـ: (كان يصوم يوماً و يفطر يوماً، و لا يفر إذا لاقى) يشير إلى أنه كان لا يضعفه صيامه عن ملاقاة عدوه و مجاهدته في سبيل الله. و لهذا روي عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ أنه قال لأصحابه يوم الفتح و كان في رمضان: (إن هذا يوم قتال فافطروا)، و كان عمر إذا بعث سرية قال لهم: لا تصوموا فإن التقوي على الجهاد أفضل من الصوم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/267)
فأفضل الصيام أن لا يضعف البدن حتى يعجز عما هو أفضل منه من القيام بحقوق الله تعالى أو حقوق عباده اللازمة، فإن أضعف عن شيء من ذلك مما هو أفضل منه كان تركه أفضل.
فالأول: مثل أن يضعف الصيام عن الصلاة أو عن الذكر أو عن العلم كما قيل في النهي عن صيام الجمعة و يوم عرفة بعرفة أنه يضعف عن الذكر و الدعاء في هذين اليومين، و كان ابن مسعود يقل الصوم و يقول: (إنه يمنعني من قراءة القرآن، و قراءة القرآن أحب إلي) فقراءة القرآن أفضل من الصيام، نص عليه سفيان الثوري و غيره من الأئمة، و كذلك تعلم العلم النافع و تعليمه أفضل من الصيام، و قد نص الأئمة الأربعة على أن طلب العلم أفضل من صلاة النافلة، و الصلاة أفضل من الصيام المتطوع به، فيكون العلم أفضل من الصيام بطريق الأولى، فإن العلم مصباح يستضاء به في ظلمة الجهل و الهوى، فمن سار في طريق على غير مصباح لم يأمن أن يقع في بئر بوار فيعطب.
قال ابن سيرين: إن قوماً تركوا العلم و اتخذوا محاريب فصلوا و صاموا بغير علم، و الله ما عمل أحد بغير علم إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح.
و الثاني: مثل أن يضعف الصيام عن الكسب للعيال أو القيام بحقوق الزوجات فيكون تركه أفضل، و إليه الإشارة بقوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: (إن لأهلك عليك حقا)
المتطوع أمير نفسه:
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتاها فقال: هل عندكم طعام؟ فقلت: لا. قال: إني صائم، ثم جاء يوما آخر فقالت عائشة: يا رسول الله إنا قد أهدى لنا حيس فدعا به فقال: أما إني قد أصبحت صائما فأكل "
ـ عن أم هانئ ـ رضي الله عنها ـ قالت: " لما كان يوم الفتح فتح مكة جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأم هانئ عن يمينه قالت: فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته فشرب منه ثم ناوله أم هانئ فشربت منه فقالت: يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة. فقال لها أكنت تقضين شيئا؟ قالت: لا. قال: فلا يضرك إن كان تطوعا "
ـ عن أبي الزبير عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصل "
ورواه نافع عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ بمعناه وزاد "فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليدع "
ـ عن عكرمة قال: " كان ابن عباس يفطر من صوم التطوع ولا يبالي "
ـ عن مجالد عن الشعبي قال: " كان لا يرى بأسا أن يصبح الرجل صائما ثم يفطر "
أحب الصيام إلى الله:
ـ عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ـ عليه السلام ـ وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما "
الحض على صيام أيام مخصوصة
فضل صيام شعبان ولو بعد انتصافه:
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم حتى نقول: لا يفطر ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان "
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ حدثته قالت: " لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وأحب الصلاة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما داوم عليه وإن قلت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها "
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " كان أحب الشهور إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يصومه شعبان بل كان يصله برمضان "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لا تقدموا صيام رمضان بيوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فيصومه "
ـ عن أبي سلمة عن أم سلمة ـ رضي الله عنهما ـ: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان لا يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/268)
ـ عن أبي سلمة عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " لم يكن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لشهر أكثر صياما منه لشعبان كان يصومه أو عامته "
ـ عن أبي سلمة قال: سألت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن صيام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: " كان يصوم حتى نقول: قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر، ولم أره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا "
ـ عن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم "
قال ابن رجب: " في حديث أسامة معنيين: أحدهما: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب و رمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام و شهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولاً عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام و ليس كذلك. و روى ابن وهب قال: حدثنا معاوية بن صالح عن أزهر بن سعد عن أبيه عن عائشة قالت: ذُكر لرسول الله ناس يصومون رجباً؟ فقال: فأين هم عن شعبان "
قال: " و فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، و أن ذلك محبوب لله ـ عز و جل ـ كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة و يقولون: هي ساعة غفلة. و لذلك فُضل القيام في وسط الليل المشمول بالغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر، و قد قال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ: (إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الليلة فكن) و لهذا المعنى كان النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ يريد أن يؤخر العشاء إلى نصف الليل، و إنما علل ترك ذلك لخشية المشقة على الناس، و لما خرج على أصحابه و هم ينتظرونه لصلاة العشاء قال لهم: (ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم) وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بذكر الله في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر له "
ـ عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: " سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أفضل الصيام قال: شعبان تعظيما لرمضان "
قال ابن رجب: " أفضل التطوع ما كان قريباً من رمضان قبله و بعده، و ذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها و بعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان و بعده. فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة، فكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه. و يكون قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: (أفضل الصيام بعد رمضان المحرم) محمولاً على التطوع المطلق بالصيام، فأما ما قبل رمضان و بعده فإنه يلتحق به في الفضل كما أن قوله في تمام الحديث: (و أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل) إنما أُريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن الرواتب عند جمهور العلماء خلافاً لبعض الشافعية والله أعلم "
قال ابن رجب: " و قد قيل: في صوم شعبان معنى آخر: أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل قد تمرن على الصيام و اعتاده، و وجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام و لذته فيدخل في صيام رمضان بقوة و نشاط، و لما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام و قراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان و ترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا "
قال أبو عيسى: " حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ، ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم: أن يكون الرجل مفطرا فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شهر رمضان، وقد روي عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يشبه قولهم حيث قال ـ صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا شهر رمضان بصيام إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم) وقد دل في هذا الحديث أنما الكراهية على من يتعمد الصيام لحال رمضان " انتهى.
أنشد بعضهم:
مضى رجب و ما أحسنت فيه و هذا شهر شعبان المبارك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/269)
فيا من ضيع الأوقات جهلاً بحرمتها أفق و احذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قسراً و يخلي الموت كرهاً منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا بتوبة مخلص و اجعل مدارك
على طلب السلامة من جحيم فخير ذوي الجرائم من تدارك.
وأنشد آخر:
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضاً شهر عصيان
و اتل القرآن و سبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح و قرآن
فاحمل على جسد ترجو النجاة له فسوف تضرم أجساد بنيران
كم كنت تعرف ممن صام في سلف من بين أهل و جيران و إخوان
أفناهم الموت و استبقاك بعدهم حياً فما أقرب القاصي من الداني
و معجب بثياب العيد يقطعها فأصبحت في غد أثواب أكفان
حتى يعمر الإنسان مسكنه مصير مسكنه قبر لإنسان.
الخلاف في فضل ليلة النصف من شعبان وصيام يومها:
ـ قال ابن رجب: " و أما صيام يوم النصف منه فغير منهي عنه فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر "
ـ عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقة إلا لمشرك أو مشاحن "
قال ابن رجب: " قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور، و سخاوة النفوس، والنصيحة للأمة. و بهذه الخصال بلغ من بلغ لا بكثرة الاجتهاد في الصوم و الصلاة " انتهى.
ـ عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " يطلع الله ـ عز وجل ـ إلى خلقة ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا لاثنين مشاحن وقاتل نفس "
فاحذر أيها الغافل أن تمر عليك تلك الليلة إلا وأنت فيها على حال يؤهلك لمغفرة الله تعالى، وجاهد نفسك طوال العام على سلامة الصدر ونقاء السريرة، حتى إذا جاءت ليلة النصف كنت أهلا لاستحقاق الهبات، ومحلا لمغفرة رب البريات، ولا تؤمل امتداد العيش فإن الأجل قريب، ولعل هذه هي آخر ليلة نصف شعبان تدركها، وإن كنت من ذلك في ريب، فابحث عن إخوانك الذين فقدتهم، وقد أدركوا تلك الليلة في العام الماضي، فأين هم الآن؟
تخطفهم الموت، وهو ينادي عليك بصوت مرتفع: لا فوت، (وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب)
يا مغروراً بطول الأمل، يا مسروراً بسوء العمل، كن من الموت على وجل، فما تدري متى يهجم الأجل.
كل امرىء مصبح في أهله و الموت أدنى من شراك نعله
قال بعض السلف: كم من مستقبل يوماً لا يستكمله، ومن مؤمل غداً لا يدركه، إنكم لو رأيتم الأجل و مسيره لأبغضتم الأمل وغروره
أؤمل أن أخلد و المنايا تدور علي من كل النواحي
و ما أدري و إن أمسيت يوما لعلي لا أعيش إلى الصباح
كم ممن راح في طلب الدنيا أو غدا أصبح من سكان القبور غدا
أنشد بعضهم:
كأنك بالمضي إلى سبيلك و قد جد المجهز في رحيلك
و جيء بغاسل فاستعجلوه بقولهم له أفرغ غسيلك
و لم تحمل سوى كفن و قطن إليهم من كثيرك أو قليلك
و قد مد الرجال إليك نعشا فأنت عليه ممدود بطولك
وصلوا ثم إنهم تداعوا لحملك من بكورك أو أصيلك
فلما أسلموك نزلت قبرا و من لك بالسلامة في نزولك
أعانك يوم تدخله رحيم رؤوف بالعباد على دخولك
فسوف تجاور الموتى طويلا فذرني من قصيرك أو طويلك
أخي لقد نصحتك فاسمع لي و بالله استعنت على قبولك
ألست ترى المنايا كل حين تصيبك في أخيك و في خليلك
ـ عن العلاء بن الحارث أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الليل يصلي فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك فرجعت، فلما رفع إلي رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال:
يا عائشة أو يا حميراء أظننت أن النبي قد خاس بك؟
قلت: لا والله يا رسول الله ولكنني ظننت أنك قبضت لطول سجودك. فقال:
أتدرين أي ليلة هذه؟
قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله ـ عز وجل ـ يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/270)
وقال: " و ليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول و لقمان بن عامر و غيرهم يعظمونها و يجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها و تعظيمها و قد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عباد أهل البصرة و غيرهم، و أنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة، و نقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، و هو قول أصحاب مالك و غيرهم و قالوا: ذلك كله بدعة.
و اختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد. كان خالد بن معدان و لقمان بن عامر و غيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم و يتبخرون و يكتحلون و يقومون في المسجد ليلتهم تلك. و وافقهم إسحاق بن راهوية على ذلك و قال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.
و الثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة و القصص و الدعاء، و لا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه. و هذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام و فقيههم و عالمهم، و هذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى "
وأنشد بعضهم:
فقم ليلة النصف الشريف مصليا فأشرف هذا الشهر ليلة نصفه
فكم من فتى قد بات في النصف آمناً و قد نسخت فيه صحيفة حتفه
فبادر بفعل الخير قبل انقضائه و حاذر هجوم الموت فيه بصرفه
و صم يومها لله و أحسن رجاءه لتظفر عند الكرب منه بلطفه.
صيام ستة من شوال:
ـ عن أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ أنه حدثه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر "
ـ عن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام صيام السنة "
ـ عن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام سنة "
ـ عن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: " من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} "
استحباب صيام آخر شهر شعبان وقيل: وسطه:
ـ عن عمران بن حصين ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أنه سأله أو سأل رجلا وعمران يسمع فقال: يا أبا فلان أما صمت سرر هذا الشهر؟ (قال: أظنه قال: يعني رمضان). قال الرجل: لا يا رسول الله، قال: فإذا أفطرت فصم يومين " لم يقل الصلت أظنه يعني رمضان قال أبو عبد الله وقال ثابت عن مطرف عن عمران عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (من سرر شعبان)
ـ عن عبد الله بن أبي قيس سمع عائشة ـ رضي الله عنها ـ تقول: " كان أحب الشهور إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان "
ـ عن ليث عن مجاهد قال: " إذا كان رجل يديم الصوم فلا بأس أن يصله "
المشهور أن سرر الشهر آخره، وقد جمع أصحاب هذا القول بين الروايات التي فيها النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، والروايات التي معنا هنا.
قال ابن رجب: " و قد اختلف في تفسير السرار، و المشهور أنه آخر الشهر، يقال: سِرار الشهر، و سَراره بكسر السين و فتحها ذكره ابن السكيت و غيره. و قيل: إن الفتح أفصح قاله الفراء. و سمي آخر الشهر سراراً: لاسترار القمر فيه. و ممن فسر السرار بآخر الشهر أبو عبيد و غيره من الأئمة. و كذلك بوب عليه البخاري صيام آخر الشهر، و أشكل هذا على كثير من العلماء "
قال ابن رجب: " فصيام آخر شعبان (على هذا القول) له ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يصوم بنية الرمضانية احتياطاً لرمضان فهذا منهي عنه و قد فعله بعض الصحابة، و كأنهم لم يبلغهم النهي عنه، و فرق ابن عمر بين يوم الغيم و الصحو في يوم الثلاثين من شعبان، و تبعه الإمام أحمد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/271)
و الثاني: أن يصام بنية الندب أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة و نحو ذلك فجوزه الجمهور، و نهى عنه من أمر بالفصل بين شعبان و رمضان بفطر يوم مطلقاً و هم طائفة من السلف، و حكي كراهته أيضاً عن أبي حنيفة و الشافعي و فيه نظر.
و الثالث: أن يصام بنية التطوع المطلق فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان و رمضان بالفطر منهم الحسن و إن وافق صوماً كان يصومه، و رخص فيه مالك و من وافقه، وفرق الشافعي والأوزاعى وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا، وكذلك يفرق بين صيامه بأكثر من يومين و وصله برمضان فلا يكره أيضاً إلا عند من كره الابتداء بالتطوع بالصيام بعد نصف شعبان فإنه ينهى عنه إلا أن يبتدىء الصيام قبل النصف ثم يصله برمضان.
و في الجملة فحديث أبي هريرة هو المعمول به في هذا الباب عند كثير من العلماء وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة ولا سَبَق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلاً بآخره "
صيام ثلاثة أيام من كل شهر:
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: " أوصاني خليلي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام "
ـ عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة ـ رضي الله عنها ـ زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم. فقلت لها من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت:لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم "
ـ عن أبي قتادة الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن صومه. قال: فغضب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: عمر ـ رضي الله عنه ـ رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وببيعتنا بيعة. قال: فسئل عن صيام الدهر فقال: لا صام ولا أفطر، أو ما صام وما أفطر. قال: فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم قال: ومن يطيق ذلك؟ قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يومين قال: ليت أن الله قوانا لذلك. قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم قال: ذاك صوم أخي داود ـ عليه السلام ـ. قال: وسئل عن صوم يوم الاثنين قال: ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه. قال: فقال: صوم ثلاثة من كل شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدهر. قال: وسئل عن صوم يوم عرفة فقال: يكفر السنة الماضية والباقية. قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: يكفر السنة الماضية " وفي هذا الحديث من رواية شعبة قال " وسئل عن صوم يوم الاثنين والخميس فسكتنا عن ذكر الخميس لما نراه وهما "
ـ عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر، فأنزل الله ـ عز وجل ـ تصديق ذلك في كتابه {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} اليوم بعشرة أيام "
ـ عن أبي فراس أنه سمع عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ يقول: " سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: " صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر وأفطر الدهر "
ـ عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: " أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض ثلاث عشر وأربع عشرة وخمس عشرة "
ـ عن حفصة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم ثلاثة أيام من الشهر الإثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى "
ـ عن عثمان بن أبي العاص قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: " صيام حسن ثلاثة أيام من الشهر "
ـ عن أبي إسحاق عن الحارث قال: " صوم شهر الصبر وصوم ثلاثة أيام من كل شهر يذهبون بلابل الصدر قال أبو إسحاق: وقال مجاهد: يذهبن وغر الصدر. قيل وما وغر الصدر؟ قال: غشه "
ـ عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء أن أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال ثلاث لا أدعهن حتى ألقى أبا القاسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن أبيت كل ليلة علي وتر وصلاة الضحى وأن أصوم من كل شهر ثلاثة أيام "
صوم عشر ذي الحجة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/272)
ورد في بعض الأحاديث ما يدل بظاهره على عدم مشروعية صيام عشر ذي الحجة، لكنها مؤولة بما يوافق نصوص الأحاديث الصريحة بمشروعية صيامها بل باستحبابها، وأن النصوص التي استدلوا بها إنما هي في إثبات عدم صيامها جميعا، لا في نفي صيامها مطلقا.
ـ عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " ما رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صائما في العشر قط "
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يصم العشر "
ـ عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه قالوا ولا الجهاد قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء "
ـ عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء "
ـ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما من عمل أذكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في العشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء.
قال: وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه "
ـ عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس "
ـ عن ليث قال كان مجاهد يصوم العشر قال وكان عطاء يتكلفها "
ـ قال النووي: " قال العلماء: هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا: الأيام التسعة من أول ذي الحجة. قالوا: وهذا مما يتأول فليس في صوم هذه التسعة كراهة بل هي مستحبة استحبابا شديدا لاسيما التاسع منها وهو يوم عرفة، وقد سبقت الأحاديث في فضله وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه (يعنى العشر الأوائل من ذي الحجة) فيتأول قولها (لم يصم العشر) أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما أو أنها لم تره صائما فيه، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر، ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر الاثنين من الشهر والخميس " ورواه أبو داود وهذا لفظه وأحمد والنسائي وفي روايتهما (وخميسين) " انتهى.
صوم يوم عرفة لغير الحاج:
ـ عن أم الفضل بنت الحارث ـ رضي الله عنها ـ: " أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه "
ـ عن أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: " كيف تصوم؟ فغضب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما رأى عمر ـ رضي الله عنه ـ غضبه قال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر ـ رضي الله عنه ـ يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه. فقال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر أو قال:لم يصم ولم يفطر. قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال: ويطيق ذلك أحد. قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال: ذاك صوم داود ـ عليه السلام ـ. قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طوقت ذلك. ثم قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله، وصيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله "
ـ عن عكرمة عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ: " أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفطر بعرفة وأرسلت أليه أم الفضل بلبن فشرب "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/273)
ـ عن عائشة قالت ما من السنة يوم أحب إلي أن أصومه من يوم عرفة "
يعني إن لم تكن محرمة بحج.
ـ عن مسروق: " أنه دخل على عائشة ـ رضي الله عنها ـ يوم عرفة فقال: " اسقوني فقالت عائشة: يا جارية اسقيه عسلا وما أنت يا مسروق بصائم؟ فقال: لا إني أتخوف أن يكون يوم أضحى. فقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ليس كذلك يوم عرفة يوم يعرف الأيام ويوم النحر يوم ينحر الأيام، أو ما سمعت يا مسروق أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعدله بصوم ألف يوم "
ـ عن حميد الطويل قال: ذُكر عند الحسن أن صيام عرفة يعدل صيام سنة فقال الحسن: ما أعلم ليوم فضلا على يوم ولا لليلة على ليلة إلا ليلة القدر فإنها خير من ألف شهر، ولقد رأيت عثمان بن أبي العاص صام يوم عرفة يُرش عليه الماء من إداوة معه يتبرد به "
فضل الصوم في المحرم والأشهر الحرم:
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ يرفعه قال: " سئل أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم "
ـ عن نافع: " أن ابن عمر كان لا يكاد أن يفطر في أشهر الحرم ولا غيرها "
ـ عن عبد الله بن يسار وسليط أخيه قالا: " كان ابن عمر يصوم بمكة أشهر الحرام "
ـ عن يونس عن الحسن: " أنه كان يصوم أشهر الحرام "
صوم عاشوراء:
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه "
ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: " قدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه "
ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: " ما رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان "
ـ عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: " حين صام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "
ـ عن سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: " بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلا من أسلم يوم عاشوراء فأمره أن يؤذن في الناس: من كان لم يصم فليصم ومن كان أكل فليتم صيامه إلي الليل "
ـ عن الربيع بنت معوذ بن عفراء ـ رضي الله عنها ـ قالت: " أرسل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه. فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناهم إياه عند الإفطار "
ـ عن أبي قتادة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " صيام يوم عاشوراء إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله "
ـ عن ابن عباس قال: " أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصوم عاشوراء يوم العاشر "
صوم الاثنين والخميس:
ـ عن أبي قتادة الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن صوم الإثنين فقال: " فيه ولدت وفيه أنزل علي "
ـ عن مولى أسامة بن زيد أنه انطلق مع أسامة إلى وادي القرى في طلب مال له فكان يصوم يوم الإثنين ويوم الخميس فقال له مولاه لم تصوم يوم الإثنين ويوم الخميس وأنت شيخ كبير فقال: " إن نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يصوم يوم الإثنين ويوم الخميس وسئل عن ذلك فقال إن أعمال العباد تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/274)
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يصوم الاثنين والخميس. فقيل: يا رسول الله إنك تصوم الاثنين والخميس. فقال: إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا متهاجرين يقول: دعهما حتى يصطلحا "
حرص السلف على هذه السنة:
ـ عن أبي عقبة قال كان أبو هريرة يصوم الاثنين والخميس "
ـ عن برد عن مكحول: " أنه كان يصوم الاثنين والخميس "
وفي الحلية عن برد عن مكحول أيضا: " أنه كان يصوم يوم الاثنين والخميس وكان يقول: ولد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الاثنين وبعث يوم الاثنين وتوفي يوم الاثنين وترفع أعمال بني آدم يوم الاثنين والخميس "
ـ عن محمد بن إبراهيم كان أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ يصوم أياما من الجمعة يتابع بينهن فقيل له: أين أنت من الاثنين والخميس. قال: فكان يصومهما "
ـ عن عاصم عن زر عن عبد الله: " أنه كان يصوم الاثنين والخميس "
ـ قال ابن رجب: " روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في قوله ـ عز و جل ـ: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) قال: يكتب كل ما تكلم به من خير و شر حتى أنه ليكتب قوله: أكلت و شربت، و ذهبت وجئت ورأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله و عمله فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر وألقى سائره، فذلك قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب) خرجه ابن أبي حاتم و غيره "
ـ قال ابن رجب: " و كان إبراهيم النخعي يبكي إلى امرأته يوم الخميس و تبكي إليه و يقول: اليوم تعرض أعمالنا على الله ـ عز و جل ـ. فهذا عرض خاص في هذين اليومين غير العرض العام كل يوم فإن ذلك عرض دائم بكرة و عشيا "
يا من عمله معروض على من يعلم السر و أخفى لا تبهرج فإن الناقد بصير.
السقم على الجسم له ترداد والعمر ينقص و الذنوب تزداد
ما أبعد شقتي و مالي زاد ما أكثر بهرجي و لي نقاد
صوم يوم الجمعة:
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده "
ـ عن جويرية بنت الحارث ـ رضي الله عنها ـ: " أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: أصمت أمس؟ قالت: لا. قال: تريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا. قال: فأفطري. وقال حماد بن الجعد سمعت قتادة حدثني أبو أيوب: أن جويرية حدثته فأمرها فأفطرت "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم "
ـ عن محمد بن عباد بن جعفر قال: " سألت جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ وهو يطوف بالبيت أنهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن صيام يوم الجمعة؟ فقال: نعم ورب هذا البيت "
صوم يوم السبت:
ـ عن عبد الله بن بسر عن أخته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه "
استحباب إخفاء التطوع من الصيام وغيره
ـ روى الفلاس عن الخريبى قال: " كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: " إذا كان أحدكم صائما فليدهن حتى لا يُرى عليه أثر صومه، وإذا بزق فليستتر ببزاقه، وأشار يزيد بيده كأنه يغطي بها فاه "
ـ عن مسروق عن عبد الله: " قال إذا أصبحتم صياما فأصبحوا مدهنين "
ـ عن معمر عن قتادة قال: " يستحب للصائم أن يدهن حتى تذهب عنه غبرة الصائم "
ـ قال خلف بن تميم حدثنا زائدة: " أن منصورا صام أربعين سنة وقام ليلها، وكان يبكي فتقول له أمه: يا بني قتلت قتيلا؟ فيقول: أنا أعلم بما صنعت بنفسي، فإذا كان الصبح كحل عينيه ودهن رأسه وبرق شفتيه وخرج إلى الناس "
ـ قال عمر بن هارون: " كان شعبة يصوم الدهر كله لا ترى عليه، وكان سفيان الثوري يصوم ثلاثة أيام من الشهر ترى عليه "
ـ عن هلال بن يساف قال: " قال عيسى ابن مريم: إذا كان يوم يصوم أحدكم فليدهن شفتيه "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/275)
وفي رواية عبد الرزاق: " عن هلال بن يساف قال: كان عيسى ابن مريم يقول: إذا كان يوم صوم أحدكم فليدهن لحيته وليمسح شفتيه حتى يخرج إلى الناس فيقولوا: ليس بصائم، وإذا صلى أحدكم فليدن عليه ستر بابه فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق، وإذا أعطى أحدكم فليعط بيمينه وليخف من شماله "
ـ عن أبي حازم قال: " اكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك "
ـ عن وهب بن منبه قال: " كان رجل من أفضل أهل زمانه وكان يُزار فيعظهم، فاجتمعوا إليه ذات يوم فقال: إنا قد خرجنا من الدنيا وفارقنا الأهل والأولاد والأوطان والأموال مخافة الطغيان، وقد خفت أن يكون قد دخل علينا في حالنا هذه من الطغيان أكثر مما يدخل على أهل الأموال في أموالهم، وإنما يحب أحدنا أن تقضى حاجته، وإن اشترى أن يُقارَب لمكان دينه، وإن لُقي حُيي ووُقِر لمكان دينه. فشاع ذلك الكلام حتى بلغ الملك فأُعجب به فركب إليه ليسلم عليه وينظر إليه، فلما رآه الرجل وقيل له: هذا الملك قد أتاك ليسلم عليك فقال: وما يصنع بي؟ فقيل: للكلام الذي وعظت به، فسأل ردءه هل عندك طعام؟ فقال: شيء من ثمر الشجر مما كنت تفطر به، فأتى به على مسح فوضع بين يديه فأخذ يأكل منه، وكان يصوم النهار لا يفطر، فوقف عليه الملك فسلم عليه فأجابه بإجابة خفيفة وأقبل على طعامه يأكله، فقال الملك: فأين الرجل؟ قيل له: هو هذا، فقال: هذا الذي يأكل؟ قيل: نعم. قال: فما عند هذا من خير، فأدبر وانصرف فقال الرجل: الحمد لله الذي صرفك عني بما صرفك به "
ـ عن حماد بن زيد قال: كان أيوب يقول: ليتق الله ـ عز وجل ـ رجل، وإن زهد فلا يجعلن زهده عذابا على الناس، فلأن يخفي الرجل زهده خير من أن يعلنه، وكان أيوب ممن يخفي زهده، فدخلنا عليه مرة فإذا على فراشه محبس أحمر فرفعته أو رفعه بعض أصحابنا فإذا خصفة محشوة بليف "
ـ عن شعبة قال: " ربما ذهبت مع أيوب في الحاجة أريد أن أمشي معه فلا يدعني، فيخرج فيأخذ ههنا وههنا لكي لا يفطن له. قال شعبة وقال أيوب: ذُكرت وما أحب أن أُذكر.
وعن حماد بن زيد قال: قال أيوب: لأن يستر الرجل الزهد خير له من أن يظهره.
وعن أبي بكر بن المفضل قال: سمعت أيوب يقول والله ما صدق عبد إلا سَره أن لا يُشعر بمكانه.
وعن حماد قال: غلب أيوبَ البكاءُ يوما فقال: الشيخ إذا كبر مج وغلبه فوه، فوضع يده على فيه وقال الزكمة ربما عرضت "
قلت: هذه هي حقيقة التعبد، فإن العابد حقا هو الذي لا يبالي بغير نظر الله، فيكون عمل سره أحب إلى قلبه من عمل جهره، بل لا يريد أن يراه أحد وهو يتعبد سوى الله.
ـ عن ابن عيينة قال: " كان هارون بن رباب يخفي الزهد، وكان يلبس الصوف تحت ثيابه "
ـ عن حمزة ابن دِهقان قال: " قلت لبشر بن الحارث: أحب أن أخلو معك، قال: إذا شئت فيكون يوما، فرأيته قد دخل قبة فصلى فيها أربع ركعات لا أُحسن أصلى مثلها فسمعته يقول في سجوده: اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل أحب إلي من الشرف، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أني لا أوثر على حبك شيئا. فلما سمعته أخذني الشهيق والبكاء فقال: اللهم أنت تعلم أني لو أعلم أن هذا هاهنا لم أتكلم "
ـ قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لابن المبارك: إبراهيم بن أدهم ممن سمع؟ قال: قد سمع من الناس، وله فضل في نفسه، صاحب سرائر، وما رأيته يُظهر تسبيحا ولا شيئا من الخير، ولا أكل مع قوم قط إلا كان آخر من يرفع يده "
قلت:كان يفعل ذلك لئلا يقال: زهد في الطعام، وهذا لعمري الإخلاص في أجمل صوره.
ـ عن محمد بن مسعر قال: " كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن، فإذا فرغ من ورده لف رداءه ثم هجع هجعة خفيفة، ثم يثب كالرجل الذي قد ضل منه شيء فهو يطلبه، فإنما هو السواك والطهور، ثم يستقبل المحراب كذلك إلى الفجر، وكان يجهد على إخفاء ذلك جدا "
ـ قال مغيرة: " كان لشريح بيت يخلو فيه يوم الجمعة لا يدري الناس ما يصنع فيه "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/276)
ـ قال الفيض: " قال لي الفضيل: لو قيل لك: يامُرائي غضبت وشق عليك، وعسى ما قيل لك حق، تزيَنْتَ للدنيا وتصنعت، وقصرت ثيابك وحسنت سمتك، وكففت أذاك حتى يقال: أبو فلان عابد ما أحسن سمته، فيُكرمونك وينتظرونك ويقصدونك ويهدون إليك، مثل الدرهم الستوق (أي الزائف المخلوط بالنحاس) لا يعرفه كل أحد، فإذا قُشر قُشر عن نحاس "
ـ قال محمد بن القاسم: " صحبت محمد بن أسلم أكثر من عشرين سنة لم أره يصلي حيث أراه ركعتين من التطوع إلا يوم الجمعة، وسمعته كذا وكذا مرة يحلف لو قدرت أن أتطوع حيث لا يراني ملكاي لفعلت خوفا من الرياء، وكان يدخل بيتا له ويغلق بابه ولم أدر ما يصنع حتى سمعت ابنا له صغيرا يحكي بكاءه فنهته أمه. فقلت لها: ما هذا؟ قالت: إن أبا الحسن يدخل هذا البيت فيقرأ ويبكي فيسمعه الصبي فيحكيه، وكان إذا أراد أن يخرج غسل وجهه واكتحل فلا يُرى عليه أثر البكاء "
ـ عن الثوري عن سُرية للربيع: " أنه كان يدخل عليه الداخل وفي حجره المصحف فيغطيه "
ـ قال ابن معين: " وكان يَحيى يجيء معه بمسباح فيدخل يده في ثيابه فيسبح "
ـ ومن كلام الحسن بن منصور: " رب معتزل للدنيا ببدنه مخالطها بقلبه، ورب مخالط لها ببدنه مفارقها بقلبه وهو أكيسهما "
ـ قيل: " التقى سفيانُ والفضيلُ فتذاكرا فبكيا فقال سفيان: إني لأرجو أن يكون مجلسنا هذا أعظم مجلس جلسناه بركة. فقال له فضيل: لكني أخاف أن يكون أعظم مجلس جلسناه شؤمأ، أليس نظرت إلى أحسن ما عندك فتزينت به لي وتزينت لك فعبدتني وعبدتك؟ فبكى سفيان حتى علا نحيبه ثم قال: أحييتني أحياك الله "
ـ عن أبي بكر بن عياش عن عاصم قال: " كان أبو وائل إذا صلى في بيته ينشج نشيجا، ولو رجعت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه ما فعله "
ـ عن سلام قال: " كان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة "
ـ عن خلف بن تميم قال: " سمعت أبي تميم بن مالك يقول: " كان منصور بن المعتمر إذا صلى الغداة أظهر النشاط لأصحابه فيحدثهم ويكثر إليهم، ولعله إنما بات قائما على أطرافه، كل ذلك ليخفي عليهم العمل "
قلت: أدرك منصورُ أيوبَ السختياني، وسمع منه، فما أشبه التلميذ بشيخه!!!!!
فالشيخ إما أن يكون لطلابه رحمة، وإما أن يكون عليهم عقوبة، فإذا علمهم ما ينفعهم كان لهم رحمة، وإذا شغلهم بسفاسف الأمور كان عليهم نقمة.
فرحم الله أساتذة السلف، الذين كانوا يستفاد من لحظهم قبل لفظهم، لألسنتهم صائنين، وللقرآن تالين، ولحق العلم راعين.
ـ عن كعب قال: " رجال يباهى الله بهم ملائكته: الغازي في سبيل الله، ومقدمة القوم إذا حملوا، وحاميتهم إذا هزموا، والذي يخفى صلاته، والذي يخفي صيامه، والذي يخفي صدقته، والذي يخفي كل عمل صالح ما ينبغي أن يُخفى "
ـ عن أبي حفص بن شاهين قال: قرأت على جعفر بن محمد الثقفي، سمعت سهل بن عبد الله يقول: " أول الحجاب الدعوى فإذا أخذوا في الدعوى حرموا "
ـ عن أبي بكر أحمد بن محمد السائح قال: سمعت القاسم بن محمد صاحب سهل يقول: سمعت سهل بن عبد الله يقول: " ليس بين العبد وبين الله حجاب أغلظ من الدعوى، ولا طريق أقرب إليه من الافتقار "
فما أكثر أدعياء العلم والتعبد، الذين ليس لهم نصيب سوى الحرمان، فالمتشبع بما لم يُعطى كلابس ثوبي زور، والمفتقر إليه مع كثرة عمله أهل لنيل الهبات، فتوفيق الله لعباده منه إليهم صدقات، وأولى الناس بالصدقات الفقراء (إنما الصدقات للفقراء).
ـ عن علي بن سالم قال: سمعت سهل بن عبد الله، وقيل له: " أي شيء أشد على النفس؟ فقال: الإخلاص، لأنه لها فيه نصيب "
ـ عن الأعمش قال: " كان عبد الرحمن بن أبي ليلى يصلي فإذا دخل الداخل نام على فراشه "
ـ عن عبد الله بن الشخير قال: " كنا نأتي عامر بن عبد الله وهو يصلي في مسجده، فإذا رآنا تجوز في صلاته ثم انصرف فقال لنا: ما تريدون؟ وكان يكره أن يرونه يصلي "
ـ قال رجاء بن أبي سلمة: " نظر الرجاء بن حيوة إلى رجل ينعس بعد الصبح فقال انتبه لا يظنون أن ذا عن سهر "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/277)
ـ قال ابن رجب: ". و قد صام بعض السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد كان يخرج من بيته إلى سوقه و معه رغيفان فيتصدق بهما و يصوم فيظن أهله أنه أكلهما، و يظن أهل السوق أنه أكل في بيته "
وقال: " قال أبو التياح: أدركت أبي ومشيخة الحي إذا صام أحدهم ادهن، و لبس صالح ثيابه "
وقال: " اشتهر بعض الصالحين بكثرة الصيام فكان يجتهد في إظهار فطره للناس، حتى كان يقوم يوم الجمعة و الناس مجتمعون في مسجد الجامع فيأخذ إبريقاً فيضع بلبلته في فيه و يمصه و لا يزدرد منه شيئاً، ويبقى ساعة كذلك ينظر الناس إليه فيظنون أنه يشرب الماء، وما دخل إلى حلقه منه شيء. كم ستر الصادقون أحوالهم و ريح الصدق ينم عليهم.
ريح الصيام أطيب من ريح المسك، تستنشقه قلوب المؤمنين و إن خفي، و كلما طالت عليه المدة ازدادت قوة ريحه.
كمْ أكتم حبكم عن الأغيار و الدمع يُذيع في الهوى أسراري
كمْ أستركَم هتكتموا أسراري من يُخفي في الهوى لهيب النار
ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية.
وهبني كتمت السرا و قلت غيره أتَخفي على أهل القلوب السرائر
أبى ذاك أن السر في الوجه ناطق و أن ضمير القلب في العين ظاهر "
لا تصوم المرأة تطوعا بغير إذن زوجها
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه "
قال جمهور الفقهاء - بناء على هذا الحديث وغيره: إن الزوجة إذا صامت تطوعا بغير إذن زوجها، فله أن يفطرها، وخص المالكية جواز تفطيرها بالجماع فقط، دون الأكل والشرب، لأن احتياجه إليها الموجب لتفطيرها إنما هو من جهة الوطء. فإن أذن لها في الصوم، ثم رغب في فطرها للجماع أو غيره جاز لها الفطر عند جمهور العلماء، لأن الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء أتم صومه، وإن شاء أفطر، ولا يلزمه القضاء، وإنما يستحب له ذلك.
لا تترك صيام النوافل إلا لعمل صالح ينفعك
ـ عن عبد الرحمن بن يزيد قال كان عبد الله (يعني ابن مسعود) يُقل الصيام فقلنا له: إنك تُقل الصيام. قال: إني إذا صمت ضعفت عن الصلاة والصلاة أحب إلي من الصيام "
ـ عن علقمة قال: كنا عند عبد الله (يعني ابن مسعود) فأُتي بشراب فقال: ناوِله القوم. فقالوا: نحن صيام. فقال: لكني لست صائما فشرب ثم قرأ (يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) "
فضل قيام رمضان
يا رجال الليل جِدوا رُب داع لا يُرد
ما يقوم الليلَ إلا من له عزمٌ وجِد.
لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار و رفعوا قصص الاعتذار مضمونها: (يا أيها العزيز مسنا و أهلنا الضر و جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل و تصدق علينا) لبرز لهم التوقيع عليها: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم و هو أرحم الراحمين)
أشكو إلى الله كما قد شكى أولاد يعقوب إلى يوسف
قد مسني الضر و أنت الذي تعلم حالي و ترى موقفي
بضاعتي المزجاة محتاجة إلى سماح من كريم وفي
فقد أتى المسكين مُستمطراً جودَك فارحم ذله واعطف
فأوف كيلي و تصدق على هذا الْمُقل البائس الأضعف.
وقال آخر:
إذا أوجعتك الذنوب فداوِها برفع يدٍ بالليل و الليلُ مظلم
و لا تقنطن من رحمة الله إنما قُنوطك منها من ذنوبك أعظم
فرحمته للمحسنين كرامةٌ ورحمته للمذنبين تَكَرمُ.
ـ عن محمد بن أحمد الشمشاطي قال: سمعت ذا النون المصري يقول: " إن لله عبادا أسكنهم دار السلام فأخمصوا البطون عن مطاعم الحرام، وأغمضوا الجفون عن مناظر الآثام، وقيدوا الجوارح عن فضول الكلام، وطووا الفرش وقاموا جوف الظلام، وطلبوا الحور الحسان من الحي الذي لا ينام، فلم يزالوا في نهارهم صياما، وفي ليلهم قياما حتى أتاهم ملك الموت ـ عليه السلام ـ "
ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه. قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر ـ رضي الله عنهما ـ "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/278)
ـ عن عبد الرحمن بن عبد القارىء أنه قال: " خرجت مع عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. (يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله) "
قال ابن حجر في الفتح: " والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق: أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح، وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة "
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أخبرت: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فصلى فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: أما بعد فإنه لم يَخْفَ علي مكانكم ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها، فتوفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأمر على ذلك "
ـ عن جبير بن نفير عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: " صمنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يصل بنا حتى بقي سبعٌ من الشهر فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا له: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه. فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة، ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر وصلى بنا في الثالثة ودعا أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح. قلت له: وما الفلاح؟ قال: السحور "
هل يصلى القيام في رمضان وحده أم أن الجماعة أفضل؟
ـ عن مجاهد قال: جاء رجل إلى ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فقال: " أُصلي خلف الإمام في رمضان؟ قال: أتقرأ القرآن؟ قال: نعم. قال: أفتنصت كأنك حمار؟!! صل في بيتك "
ـ عن نافع عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: " أنه كان لا يقوم خلف الإمام في رمضان "
ـ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: " أنه سأل عائشة ـ رضي الله عنها ـ كيف كانت صلاة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا، فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي "
ـ عرفجة الثقفي قال: " كان علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماما وللنساء إماما. قال عرفجة: فكنت أنا إمام النساء "
ـ عن السائب بن يزيد: " أن عمر ـ رضي الله عنه ـ جمع الناس في رمضان على أُبي بن كعب وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة يقرؤون بالمئين وينصرفون عند فروع الفجر "
قال أبو عيسى الترمذي: " واختار بن المبارك وأحمد وإسحاق الصلاة مع الإمام في شهر رمضان، واختار الشافعي أن يصلي الرجل وحده إذا كان قارئا وفي الباب عن عائشة والنعمان بن بشير وابن عباس " انتهى.
قلت: والقول المنقول عن الشافعي هنا ليس على إطلاقه بل هو مقيد بثلاثة شروط نقلها ابن حجر في الفتح فقال: " وعند الشافعية في أصل المسألة ثلاثة أوجه ثالثها: من كان يحفظ القرآن، ولا يخاف من الكسل، ولا تختل الجماعة في المسجد بتخلفه؛ فصلاته في الجماعة والبيت سواء، فمن فقد بعض ذلك فصلاته في الجماعة أفضل " انتهى.
وعلى هذا تحُمل الآثار الواردة في مشروعية صلاة التراويح في بيته منفردا، والله أعلم.
قيام الصالحين في رمضان وفي غيره
تعب القيام والسهر راحة الأبد:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/279)
ـ عن أبي إسحاق الفزاري قال: " كان إبراهيم بن أدهم في شهر رمضان يحصد الزرع بالنهار ويصلي بالليل، فمكث ثلاثين يوما لا ينام بالليل ولا بالنهار "
ـ عن إبراهيم عن همام بن الحارث أنه كان يدعو: " اللهم اشفني من النوم باليسير وارزقني سهرا في طاعتك فكان لا ينام إلا هنيهة وهو قاعد "
ـ عن حماد بن سلمة قال: " كان سليمان التيمي طوى فراشه أربعين سنة، ولم يضع جنبه بالأرض عشرين سنة (يعني كان ينام جالسا) وكانت له امرأتان "
ـ عن أنس وابن سيرين أن امرأة مسروق قالت: " كان يصلي حتى تورمت قدماه، فربما جلست خلفه أبكي مما أراه يصنع بنفسه.
عن إبراهيم قال: كان مسروق يرخي السترة بينه وبين أهله ثم يقبل على صلاته ويخليهم ودنياهم "
ـ حَكى حفيد يحيى بن جَميع الغساني الصيداوي عن خادم جده طلحة: " أن جده أبا بكر كان يقوم الليل كله فإذا صلى الفجر نام إلى الضحى، وإذا صلى الظهر يركع إلى العصر، إلى أن قال: وكانت هذه عادته "
ـ قال محمد بن أبي حاتم الوراق: سمعت البخاري يقول: " ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها. قال: وكان أبو عبد الله يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة، وكان لا يوقظني في كل ما يقوم، فقلت: أراك تحمل على نفسك ولم توقظني؟ قال: أنت شاب ولا أحب أن أفسد عليك نومك "
ـ عن مالك بن أنس قال: كان صفوان يصلي في الشتاء في السطح وفي الصيف في بطن البيت يتيقظ بالحر والبرد حتى يصبح ثم يقول: هذا الجهد من صفوان وأنت أعلم، وإنه لترم رجلاه حتى تعود مثل السفط من قيام الليل ويظهر فيها عروقٌ خضرٌ "
ـ عن أمِّ عباد امرأة هشام بن حسان قالت: " كنا نزولا مع محمد بن سيرين في داره فكنا نسمع بكاءه بالليل وضَحِكَهُ بالنهار "
ـ عن سفيان بن عيينة، أنه ذكر منصور بن المعتمر، فقال: " قد كان عمش من البكاء.
وعن الثوري قال: لو رأيت منصوراً يصلي لقلت يموت الساعة "
ـ عن ابراهيم ابن مهدي يقول سمعت أبا الأحوص يقول: " قالت ابنة لجار منصور بن المعتمر لأبيها يا أبت أين الخشبة التي كانت في سطح منصور قائمة قال يا بنية ذاك منصور كان يقوم بالليل "
ـ عن سفيان قال بلغنا أن أم الربيع ابن خيْثم كانت تنادي ابنها الربيع فتقول: " يا بني يا ربيع ألا تنام؟ فيقول: يا أُمَّه من جنَّ عليه الليلُ وهو يخاف البيات حُق له أن لا ينام، قال: فلما بلغ ورأت ما يلقى من البكاء والسهر نادته فقالت: يا بني لعلك قتلت قتيلا؟ فقال: نعم يا والدتي قد قتلت قتيلا، قالت: ومن هذا القتيل يا بني حتى نتحمل على أهله فيعفون؟ والله لو يعلمون ما تلقى من البكاء والسهر بعد لقد رحموك، فيقول: يا والده هي نفسي "
ـ عن يحيى بن سعيد القطان قال: " خرج سليمان التيمي إلى مكة فكان يصلي الصبح بوضوء عشاء الآخرة، وكان يأخذ بقول الحسن: أنه إذا غلب النوم على قلبه توضأ، وكان يحيى يتعجب من صبر التيمي "
ـ عن محمد بن إبراهيم الهروي يقول: " قال أبي: من أراد ألا يُحجب دعاؤه من السماء فليتعاهد من نفسه خمسة أشياء: أولا أن يكون أكله غليه لا يأكل إلا ما لا بد منه، ولباسه غلبة لا يلبس إلا مالا بد منه، ونومه غلبه لا ينام إلا مالا بد منه، وكلامه غلبه لا يتكلم إلا مالا بد منه، والخامس أن يكون متضرعا حافظا لإرادته دائما حافظا لأعضائه كلها "
ـ عن سجف بن منظور قال: " صنع عبد الواحد طعاما وجمع عليه نفرا من إخوانه وكان فيهم عتبة. قال: فأكل القوم غير عتبة فإنه كان قائما على رؤوسهم يخدمهم. قال: فالتفت بعضهم إلى عتبة فنظر إلى عينيه والدموع تنحدر منها فسكت وأقبل على الطعام، فلما فرغ القوم من طعامهم تفرقوا، وأخبر الرجل عبد الواحد بما رأى من عتبة فقال له عبد الواحد: بأبي لم بكيت والقوم يطعمون؟ قال: ذكرت موائد أهل الجنة والخدم قيام على رؤوسهم، فشهق عبد الواحد شهقة خر مغشيا عليه. قال سجف: حدثني حصين بن القاسم قال فما رأيت عبد الواحد بعد ذلك اليوم دعا إنسانا إلى منزله ولا أكل طعاما إلا دون شبعه ولا يشرب الا أقل من ريه ولا أفتر ضاحكا حتى مضى لوجهه. قال: وأما عتبة فإنه جعل لله على نفسه أن لا يأكل إلا أقل من شبعه ولا يشرب إلا أقل من ريه ولا ينام من الليل والنهار إلا أقل من نبهه. قال: فقال له بعض أصحابه: لا تنم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/280)
يا عتبة بالليل ونم بالنهار في الساعات اللاتي لا تحل فيها الصلاة فهذا أقل من نبهك ووفاء لنذرك. قال: فقال: أنا إذاً يا أبا عبد الله أريد أن أطلب الحيل فيما بيني وبين ربي، لا أنام ليلا ولا نهارا إلا وأنا مغلوب. قال: فكنت إذا رأيته رأيته شبه الواله، وما ظنك برجل لا ينام إلا مغلوبا؟ قال: وكان يلبس الشعر تحت ثيابه، فإذا كان يوم الجمعة ألقاه عنه ولبس من صالح الثياب "
ـ عن المسيب بن واضح أراه عن المبارك أو غيره قال: " أقام سليمان التيمي أربعين سنة إمام الجامع بالبصرة يصلي العشاء الآخرة والصبح بوضوء واحد "
ـ عن عبد الملك بن قريب الأصمعي قال: " بلغني أن سليمان التيمي قال لأهله هلموا حتى نجزئ الليل فان شئتم كفيتكم أوله وإن شئتم كفيتكم آخره "
ـ عن أم جعفر بنت النعمان عن أسماء بنت أبي بكر قالت: " كان ابن الزبير، قوام الليل وصوام النهار، وكان يسمى حمام المسجد "
ـ قال سفيان: " زار قيس بن مسلم محمد بن جحادة ذات ليلة فأتاه وهو في المسجد بعد صلاة العشاء، قال: ومحمد قائم يصلي. فقام قيس بن مسلم في الناحية الأخرى يصلي. فلم يزالا على ذلك حتى طلع الفجر "
ـ عن هارون بن عبد الله قال: حدثنا سيار قال: قلت لبكر بن أيوب: " يا أبا يحيى كان أبوك يجهر بالقرآن من الليل قال نعم جهرا شديدا وكان يقوم السحر الأعلى "
ـ عن الحسن بن علي بن مسلم الباهلي قال: سمعت أبا النوار العدوي يقول: " بنو عدي أشد أهل هذه البلدة اجتهادا، هذا أبو الصهباء لا ينام ليله ولا يفطر نهاره، وهذه امرأته معاذة ابنة عبد الله لم ترفع رأسها إلى السماء أربعين عاما "
ـ عن الحسن بن سالم قال: " عرفت سهلا سنين من عمره كان يقوم الليل بفرد رجل يناجي ربه حتى يصبح "
ـ عن محمد بن الحجاج بن جعفر بن إياس بن نذير الضبي قال: " كان أبو بكر بن عياش يقوم الليل في قباء صوف وسراويل وعكازة يضعها في صدره فيتكئ عليها حين كبر فيحيي ليلته "
ـ عن شيبان بن جسر عن أبيه قال: " أنا والله الذي لا إله إلا هو أدخلت ثابتا البُناني لحده ومعي حميد الطويل أو رجل غيره (شك محمد) قال: فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة فإذا أنا به يصلي في قبره فقلت للذي معي: ألا ترى؟!! قال: اسكت فلما سوينا عليه وفرغنا أتينا ابنته فقلنا لها: ما كان عمل أبيك ثابت؟ فقالت: وما رأيتم؟ فأخبرناها فقالت: كان يقوم الليل خمسين سنة فإذا كان السحر قال في دعائه: اللهم إن كنت أعطيت أحدا من خلقك الصلاة في قبره فأعطنيها فما كان الله ليرد ذلك الدعاء "
ـ قال ابن الجوزي وقال لي أبو محمد عبد الله بن المقرىء: " كان أبو المعالي لا ينام إلا جالسا ولا يلبس إلا ثوبا واحدا شتاء كان أو صيفا، وكان إذا اشتد البرد عليه يشد المئزر بين كتفيه "
ـ عن سفيان قال: " كان قيس بن مسلم الجدلي يصلي حتى السحر، ثم يجلس فيمسح البكاء ساعة بعد ساعة وهو يقول: لأمر ما خُلقنا، لئن لم نُعَنْ على الآخرة بخير لنهلكن "
ـ عن محمد بن عباد قال حدثني أبي قال: " ربما زارني عاصم الأحول وهو صائم فيفطر، فإذا صلى العشاء تنحى فصلى فلا يزال يصلي حتى يطلع الفجر لا يضع جنبه "
ـ عن هشام قال: " ما رأيت قط أصبر على طول القيام والسهر من ثابت البناني، صحبناه مرة إلى مكة فكنا إن نزلنا ليلا فهو قائم يصلي وإلا فمتى شئت أن تراه أو تحس به مستيقظا ونحن نسير إما باكيا وإما تاليا "
ـ جعفر بن سليمان قال: حدثنا ثابت البناني قال: كان رجل من العباد يقول: " إذا أنا نمت ثم استيقظت ثم أردت أن أعود إلى النوم فلا أنام الله عيني إذاً. قال جعفر: كنا نراه يعني نفسه "
ـ عن محمد بن الفضيل بن غزوان عن أبيه قال: " كان لكرز عود عند المحراب يعتمد عليه إذا نعس "
ـ عن مالك بن إسماعيل قال: سمعت سفيان بن عيينة (وأعانه على بعض الحديث أخوه محمد) قال: " آلى صفوان ابن سليم أن لا يضع جنبه إلى الأرض حتى يلقى الله ـ عز وجل ـ فلما حضره الموت وهو منتصب قالت له ابنته: يا أبت أنت في هذه الحالة لو ألْقيْتَ نفسك؟ قال: يا بنية إذاً ما وفيت له بالقول "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/281)
ـ عن عيسى بن عمرو قال: " كان عمرو بن عتبة بن فرقد يخرج على فرسه ليلا فيقف على القبور فيقول: يا أهل القبور، طويت الصحف، ورفعت الأعمال. ثم يبكي، ثم يصف بين قدميه حتى يصبح فيرجع فيشهد صلاة الصبح "
ـ عن الحسن بن عمرو الفزاري قال: حدثني مولى عمرو بن عتبة قال: " استيقظنا يوما حارا في ساعة حارة، فطلبنا عمرو بن عتبة فوجدناه في جبل وهو ساجد، وغمامة تظله وكنا نخرج إلى العدو فلا نتحارس، لكثرة صلاته، ورأيته ليلة يصلي فسمعنا زئير الأسد فهربنا وهو قائم يصلي لم ينصرف. فقلنا له: أما خفت الأسد؟ فقال: إني لأستحي من الله أن يخاف شيئا سواه "
ـ عن شرحبيل بن مسلم: " أن رجلين أتيا أبا مسلم الخولاني في منزله فقال بعض أهله: هو في المسجد، فأتيا المسجد فوجداه يركع فانتظرا انصرافه وأحصيا ركوعه فأحصى أحدهما أنه ركع ثلثمائة والآخر أربعمائة قبل أن ينصرف "
ـ عن عيسى ابن يونس عن ابن أبي خالد قال: " رأيت مرة بن شراحيل يصلي على لبد وهو يمسك بوتد في الحائط وكان في قيامه يثنى على الله ويركع ويسجد "
ـ عن ابن أبي الهذيل قال: " قلت لمرة الهمداني وكان قد كبر: كم بقي من صلاتك؟ قال: شطر مائتان وخمسون ركعة في كل يوم "
ـ عن مالك بن مغول قال: " كان بالبصرة ثلاثة متعبدون صلة ابن أشيم وكلثوم بن الأسود ورجل آخر، فكان صلة إذا كان الليل خرج إلى أجمة يعبد الله تعالى فيها، ففطن له رجل فقام له في الأكمة لينظر إلى عبادته فأتى سبُع فبصر به صلةُ فأتاه فقال: قم أيها السبُع فابتغ الرزق، فتمطى السبع وذهب ثم قام لعبادته، فلما كان في السحر قال: اللهم إن صلة ليس بأهل أن يسألك الجنة ولكن سترا من النار "
ـ عن القاسم بن راشد الشيباني قال: " كان زمعةُ نازلاً عندنا، وكان له أهلٌ وبنات، وكان يقوم فيصلي ليلا طويلا فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته:
يا أيها الركب الْمُعرِّسونا أكل هذا الليل ترقدونا؟
ألا تقومون فترحلونا؟
قال: فيتواثبون فيسمع من ههنا باكٍ، ومن ههنا داعٍ، ومن ههنا قارىء، ومن ههنا متوضىء، فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته: عند الصباح يحمد القومُ السرى ـ رحمه الله ـ "
ـ عن المحاربي قال: قال لي سفيان: " عمرو بن قيس هو الذي أدبني، علمني قراءة القرآن وعلمني الفرائض، وكنت أطلبه في سوقه فإن لم أجده في سوقه وجدته في بيته، إما يصلي وإما يقرأ في المصحف، كأنه يبادر أمورا تفوته، فإن لم أجده في بيته وجدته في بعض مساجد الكوفة في زاوية من زوايا المسجد كأنه سارق قاعدا يبكي، فإن لم أجده وجدته في المقبرة قاعدا ينوح على نفسه "
ـ عن مسعر عن رجل قال: " أتى طاووسُ رجلاً في السحر فقالوا: هو نائم، قال: ما كنت أرى أن أحدا ينام في السحر "
ـ عن محمد بن سعد قال: سمعت يزيد بن هارون يقول في وصف أبو المعتمر سليمان بن طرخان التيمي: " وكان من العباد المجتهدين يصلي الغداة بوضوء العشاء الآخر، وكان هو وابنه المعتمر يدوران بالليل في المساجد فيصليان مرة في هذا المسجد ومرة في هذا حتى يصبحا "
ـ عن ابن شُبرمة قال: " صحبت كرزا في سفر وكان إذا مر ببقعة نظيفة نزل فصلى "
ـ عن أبي عبد الله الكِسائي قال: " بلغني أن رجلا رأى في المنام كأن ملكا يقول لآخر وهو على سور المدينة: اقلب. قال: كيف أقلب والنعمان بن عبد السلام قائم يصلي؟ "
ـ عن مهدي بن ميمون قال: " كان واصل مولى أبي عيينة جارا لي، وكان يسكن في غُرفة، فكنت أسمع قراءتَه من الليل، وكان لا ينام من الليل إلا يسيرا، قال: فغاب غيبة إلى مكة، وكنت أسمع القراءة من غرفته على نحو من صوته كأني لا أنكر من الصوت شيئا. قال: وباب الغرفة مغلق، فلم يلبث أن قدم من سفره فذكرت له ذلك، فقال: وما أنكرتَ من ذلك؟ هؤلاء سكان الدار يصلون بصلاتنا ويسمعون لقراءتنا. قال: قلت: أفتراهم؟ قال: لا. ولكني أحس بهم وأسمع تأمينهم عند الدعاء، وربما غلب علي النوم فيوقظوني "
ـ قال ابن رجب: " كانت امرأة حبيب أبي محمد تقول له بالليل: قد ذهب الليل و بين أيدينا طريق بعيد و زاد قليل، و قوافل الصالحين قد سارت قدامنا و نحن قد بقينا.
يا نائم الليل كم ترقد قم يا حبيبي قد دنا الموعدُ
و خذ من الليل و أوقاته ورداً إذا ما هجع الرُّقدُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/282)
من نام حتى ينقضي ليلُه لم يبلغ المنزل أو يجهدُ
قل لذوي الألباب أهل التقى قنطرة العرض لكم موعدُ.
دعاء القائمين وابتهال الخاشعين:
ـ يُحكي عن بعض أصحاب أبي العباس الخواص قال: " كنت أحب الوقوف على شيء من أسرار سهل بن عبد الله فسألت بعض أصحابه عن قُوتِه فلم يخبرني أحد منهم عنه بشيء، فقصدت مجلسه ليلة من ا لليالي فإذا هو قائم يصلي فأطلت القيام وهو قائم لا يركع فإذا أنا بشاة جاءت فرجمت باب المسجد وأنا أراها، فلما سمع حركة الباب ركع وسجد وسلم وخرج وفتح الباب، فدنت الشاة منه ووقفت بين يديه فمسح ضرعها، وكان قد أخذ قدحا من طاق المسجد فحلبها وجلس فشرب، ثم مسح بضرعها وكلمها بالفارسية فذهبت في الصحراء ورجع هو إلى محرابه "
ـ عن جامع بن أعين الفراء قال: " وجهني أخي إلى إبراهيم ابن أدهم وهو يرعى الخيل في الملون، وملأ جرابا من السويق والتمر، وأعطاني لحما مشويا فقال: أعطه إبراهيم ابن أدهم وأقره مني السلام، قال: فجئته بعد العصر فإذا هو في الغابة، فنظرت إلى فَرَسِنَا وقعدت حتى خرج إبراهيم عند اصفرار الشمس وعليه عباءة على كتفيه وجبة صوف وهو يسبح فقالوا: قد أقبل إبراهيم وقد رمضوا له كفا من شعير وعجوة وهيئوا له منها ثلاثة أقراص، فقمت فسلمت عليه وأقرأته سلام أخي فقال لهم: أروه فرس أخيه يفرح، فقلت: قد رأيته، ووضعت الجراب بين يديه وقلت: هدية أخي لك، فقال لأصحابه: متى جاء هذا؟ قالوا: بعد العصر، قال: فهلا أكلتموه؟ ثم قال: ابسطوا العباءة، ونفض الجراب عليها ثم جعل يقول: ادعوا فلانا ادعوا فلانا ثم قال لهم: كلوا، وهو قائم يقول لهم: كلوا كلوا فقلت لأصحابه: إن أخي إنما بعث بهذا إلى إبراهيم ليأكل منه ولم تتركوا له شيئا، فقالوا: إن إبراهيم ليس يأكل إلا ثلاثة أقراص من شعير بملح جريش، ثم صلى بنا العتمة ثم ما زال راكعا وساجدا ومتفكرا حتى الصبح، ثم صلى بنا الصبح على وضوء العتمة "
ـ عن أبي جعفر الداني قال: " كنت في دار إبراهيم ابن عيسى، وكان إذا فرغ من صلاته وقت السحر يدعو لليهود والنصارى والمجوس ويقول: اللهم اهدهم، فإذا فرغ من دعائه يرفع يديه يقول: اللهم إن كنت مُدخِلي النار فعَظِّم خِلقَتي حتى لا يكون لأمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها موضع. ومن كلامه: المؤمن حسنٌ بالله ظنه واثق بوعده، اتخذ التقوى رقيبا والقرآن دليلا والخوف مَحجَّة والشوق مطية والوجل شعارا والصلاة كنزا والصبر وزيرا والحياء أميرا، لا يزداد لله برا وصلاحا إلا ازداد الله عليه خوفا، أحسن الظن بالله فأحسن العمل "
ـ عن أم سعيد بن علقمة (وكان سعيد من نساك النخع وكانت أمه طائية) قالت: " كان بيننا وبين داود الطائي جدار قصير فكنت أسمع حنينه عامة الليل لا يهدأ. قالت: ولربما سمعته في جوف الليل يقول: اللهم همك عطل عليَّ الهموم وحال بيني وبين السهاد، وشوقي إلى النظر إليك منع مني اللذات والشهوات، فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب. قالت: ولربما ترنم في السحر بشيء من القرآن فأرى أن جميع نعيم الدنيا جُمع في ترنمه تلك الساعة. قالت: وكان يكون في الدار وحده، وكان لا يُصَبِّح (تعني لا يُسرج) "
ـ عن رجاء بن مسلم العبدي قال: " كنا نكون عند عَجردة العمية في الدار. قال: فكانت تحيي الليل صلاة. وربما قال: تقوم من أول الليل إلى السحر، فإذا كان السحر نادت بصوت لها محزون: إليك قطع العابدون دجى الليالي بتبكير الدُّلج إلى ظُلَمِ الأسحار يستبقون إلى رحمتك وفضل مغفرتك، فبك إلهي لا بغيرك أسألك أن تجعلني في أول زمرة السابقين إليك، وأن ترفعني إليك في درجة المقربين، وأن تُلحقني بعبادك الصالحين، فأنت أكرم الكرماء، وأرحم الرحماء، وأعظم العظماء، يا كريم. ثم تخر ساجدة فلا تزال تبكي وتدعو في سجودها حتى يطلع الفجر فكان ذلك دأبها ثلاثين سنة.
وعن عبد الرحمن بن عمرو الباهلي قال: حدثتني دلال بنت أبي المدل قالت: حدثتني أمي آمنة بنت يعلى بن سهيل قالت: " كانت عجردة العمية تغشانا فتظل عندنا اليوم واليومين. قالت: فكانت إذا جاء الليل لبست ثيابها وتقنعت ثم قامت إلى المحراب فلا تزال تصلي إلى السحر ثم تجلس فتدعو حتى يطلع الفجر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/283)
قالت: فقلت لها، أو قال لها بعض أهل الدار: لو نمت من الليل شيئا. فبكت وقالت: ذكر الموت لا يدعني أنام.
وعن جعفر بن سليمان قال: حدثني بعض نسائي، أمي أو غيرها من أهلي قالت: " رأيت عجردة العمية في يوم عيد عليها جبة صوف، وقناع صوف، وكساء صوف. قالت: فنظرت فإذا هي جلد وعظم. قالت: وسمعتهم يذكرون عنها أنها لم تفطر ستين عاما "
ـ عن هلال بن دارم بن قيس الدارمي قال: " كان خليفة العبدي جارا لنا فكان يقوم إذا هدأت العيون فيقول: اللهم إليك قمت أبتغي ما عندك من الخيرات، ثم يعمد إلى محرابه فلا يزال يصلي حتى يطلع الفجر. قال: وحدثتني عجوز كانت تكون معه في الدار قالت كنت أسمعه يدعو في السجود يقول: اللهم هب لي إنابةَ إخبات منيب، وزيني في خلقك بطاعتك، وحسني لديك بحسن خدمتك، وأكرمني إذا وفد إليك المتقون فأنت خير مقصود وخير معبود خير محمود وخير مشكور "
وفي رواية أخرى عن هلال بن دارم أيضا قال: " وحدثتني عجوز تكون معه (يعني خليفة) في الدار قالت: فكنت أسمعه إذا دعا في السحر يقول: قام البطَّالون وقمت معهم، قمنا إليك ونحن متعرضون لجودك فكم من ذي جرم عظيم قد صفحت له عن جرمه، وكم من ذي كرب عظيم قد فرجت له عن كربه، وكم من ذي ضر كثير قد كشفت له عن ضره، فبعزتك ما دعانا إلى مسألتك بعدما انطوينا عليه من معصيتك إلا الذي عرفنا من جودك وكرمك، فأنت المؤمل لكل خير والمرجو عند كل نائبة 0"
ـ قال منصور بن عمار: " حججت حجة فنزلت سكة من سكك الكوفة فخرجت في ليلة مظلمة فإذا بصارخ يصرخ في جوف الليل وهو يقول: إلهي وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وقد عصيتك إذ عصيتك وما أنا بنكالك جاهل، ولكن خطيئة عرضت وأعانني عليها شقائي وغرني سترك المرخى علي، وقد عصيتك بجهدي وخالفتك بجهلي فالآن من عذابك من يستنقذني وبحبل من أتصل إن أنت قطعت حبلك، واشباباه واشباباه. قال: فلما فرغ من قوله تلوت آية من كتاب الله تعالى (نارا وقودها الناس والحجارة .... الآية) فسمعت دكدكة لم أسمع بعدها حِسَّا فمضيت، فلما كان من الغد رجعت في مدْرَجَتي فإذا أنا بجنازة قد أُخرجت، وإذا أنا بعجوز قد ذهب متنها (يعني قوتها) فسألتها عن أمر الميت؟ ولم تكن عرفتني فقالت: هذا رجل لا جزاه إلا جزاءه (تعنيه هو)، مر بابني البارحة وهو قائم يصلي فتلا آية من كتاب الله تعالى فتفطرت مرارته فوقع ميتا ـ رحمه الله تعالى ـ "
وفي رواية أخرى: " قال منصور: ثم سمعت للصوت اضطرابا شديدا وسكن الصوت فقلت: إن هناك بلية، فعلَّمتُ على الباب علامةً ومضيت لحاجتي، فلما رجعت من الغداة إذ أنا بجنازة منصوبة وعجوزٌ تدخل وتخرج باكية فقلت لها: يا أمة الله من هذا الميت منك؟ قالت: إليك عني لا تجدد علي أحزاني. قلت: إني رجل غريب أخبريني. قالت: والله لولا أنك غريب ما خبَّرتك، هذا ولدي من موالي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان إذا جن عليه الليل قام في محرابه يبكي على ذنوبه، وكان يعمل هذا الخوص فيقسم كسبه ثلاثا: فثلث يطعمني وثلث للمساكين وثلث يفطر عليه، فمر علينا البارحة رجل لا جزاه الله خيرا فقرأ عند ولدي آيات فيها النار، فلم يزل يضطرب ويبكي حتى مات ـ رحمه الله ـ قال منصور: فهذه صفة الخائفين إذا خافوا السطوة "
إعانة أولياء الرحمن على ختم آي القرآن:
ـ عن أحمد بن عبد الله بن يونس قال: " كان معروف بن واصل التيمي إمام مسجد بني عمرو بن سعد، وكان يختم القرآن في كل ثلاث سفرا وحضرا. أم قومه ستين سنة لم يسه في صلاة قط لأنها كانت تهمه "
وزاد ابن الجوزي: " وليس في وقت صلاة إلا وهو يصلي، وكان يسبح بعد العصر إلى المغرب، ويصوم الدهر "
ـ وعن ابن سعد بن إبراهيم قال: " كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يقرأ القرآن "
ـ عن أبي الملهب، عن أبي بن كعب: " أنه كان يختم القرآن في كل ثماني ليال، وكان تميم الداري يختمه في سبع "
ـ عن مسبح بن سعيد قال: " كان محمد بن إسماعيل البخاري إذا كان في أول ليلة من رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلي بهم فيقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال، ويقول عند كل ختمة: دعوة مستجابة "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/284)
ـ قال الحاكم حدثنا محمد بن خالد المطوعي حدثنا مسبح بن سعيد قال: " كان محمد بن إسماعيل يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة ويقوم بعد التروايح كل ثلاث ليال بختمة "
ـ عن علي بن المديني قال: " كان عبد الرحمن بن مهدي يختم في كل ليلتين، وكان ورده في كل ليلة نصف القرآن "
ـ عن مهدي بن ميمون قال: " مكثت حفصة بنت سيرين في مصلاها ثلاثين سنة لا تخرج إلا لحاجة أو لقائلة "
ـ عن عبد الكريم بن معاوية قال: " ذكر لي عن حفصة أنها كانت تقرأ نصف القرآن في كل ليلة وكانت تصوم الدهر وتفطر العيدين وأيام التشريق "
ـ عن مسلم بن يناق المكي قال: " ركع ابن الزبير يوما ركعة، فقرأت البقرة وآل عمران والنساء والمائدة، وما رفع رأسه "
ـ عن محمد بن صالح العجلي عن أبيه قال: " كان يختم القرآن في بيته كل ليلة: أمهم الثلث وعلي الثلث وحسن الثلث، فماتت أمهما فكانا يختمانه، ثم مات علي فكان حسن يختمه كل ليلة "
ـ قال الدار قطني: " كان سُليم بن عِتر يقص وهو قائم. قال: وروي عنه أنه كان يختم كل ليلة ثلاث ختمات، ويأتي امرأته ويغتسل ثلاث مرات، وأنها قالت بعد موته: رحمك الله لقد كنت ترضي ربك وترضي أهلك "
ـ عن صالح بن عمر خالي قال: " كان الحسن يقعد مع أصحابه فلا يقوم حتى يختم منصور بن زاذان القرآن.
ـ عن هشام بن حسان قال: صليت إلى جنب منصور بن زاذان فيما بين المغرب والعشاء الآخرة فقرأ القرآن وبلغ بالثانية إلى النحل.
ـ عن مخلد بن حسين قال: كان منصور بن زاذان يختم القرآن في كل يوم وليلة "
ـ عن محمد بن خالد الضبي قال: " لم يكن يُدرى كيف يقرأ خيثمة القرآن حتى مرض فجاءته امرأته فجلست بين يديه فبكت فقال لها: ما يبكيك؟ الموت لا بد منه، فقالت له المرأة: الرجال بعدك علي حرام، فقال لها خيثمة: ما كل هذا أردت منك، إنما كنت أخاف رجلا واحدا وهو أخي محمد بن عبد الرحمن، وهو رجل فاسق يتناول الشراب فكرهت أن يشرب في بيتي الشراب بعد إذ القرآن يتلى فيه في كل ثلاث "
ـ عن شعبة قال: " كان ثابت البُناني يقرأ القرآن في يوم وليلة ويصوم الدهر "
ـ جعفر قال: سمعت ثابتا يقول: ما تركت في المسجد الجامع سارية إلا وقد ختمت القرآن عندها وبكيت عندها "
ـ عن محمد بن خالد: " أن خيثمة بن عبد الرحمن كان يختم القرآن في ثلاث "
ـ عن هشام قال: " كان ابن سيرين يحي الليل في رمضان "
ـ عن محمد بن ذكوان قال سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يحدث عن أبيه عبد الله: " أنه كان يقرأ القرآن من الجمعة إلى الجمعة ويقرأه في رمضان في ثلاث "
ـ عن الهيثم بن خارجة قال: " رأيت أبا بكر بن عياش في النوم قدامه طبق رطب سكر، فقلت له: يا أبا بكر ألا تدعونا إليه، وقد كنت شهيا على الطعام فقال لي: يا هيثم هذا طعام أهل الجنة لا يأكله أهل الدنيا، قال قلت: وبم نلت؟ قال: تسألني عن هذا وقد مضى علي ست وثمانون سنة أختم في كل ليلة فيها القرآن "
ـ عن ابن سعد بن إبراهيم قال: " كان أبي سعد بن إبراهيم إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع عشرين لم يفطر حتى يختم القرآن، وكان يفطر فيما بين المغرب والعشاء الآخرة، وكان كثيرا إذا أفطر يرسلني إلى مساكين فيأكلون معه ـ رحمه الله ـ "
ـ عن أبي عثمان النهدي قال: " دعا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ بثلاث قراء فاستقرأهم، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ للناس ثلاثين آية، وأمر أوسطهم أن يقرأ خمسا وعشرين، وأمر أبطأهم أن يقرا للناس عشرين آية، وكذلك رواه الثوري عن عاصم "
ـ عن السائب بن يزيد أنه قال: " أمر عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وكان القارىء يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر "
ـ عن داود بن الحصين عن عبد الرحمن بن هرمز قال: سمعته يقول: " ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرةَ في شهر رمضان. قال: فكان القراء يقومون بسورة البقرة في ثمان ركعات فإذا قام بها القراء في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف عنهم "
ـ عن الحسن قال: " كان الناس يقومون في رمضان فيصلون العشاء حين يذهب ربع الليل وينصرفون وعليهم ربع آخر "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/285)
ـ عن إبراهيم قال: " كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين وكان ينام بين المغرب والعشاء وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليال "
ـ عن إبراهيم النخعي: " أنه كان يختم القرآن في شهر رمضان في كل ثلاث فإذا دخلت العشر ختم في ليلتين واغتسل كل ليلة "
ـ قال الذهبي: الزاهد العابد المتأله أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدمي البغدادي: " كان له في كل يوم ختمة وفي رمضان تسعون ختمة وبقي في ختمة مفردة بضع عشرة سنة يتفهم ويتدبر "
وفي رواية في صفة الصفوة: " كان له في كل يوم ختمة، وفي شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث ختمات، وبقي في ختمة يستنبط مودع القرآن بضع عشرة سنة فمات قبل أن يختمها "
ـ قال الخطيب: " لم أر أحسن قراءة منه (يعني عبد الله بن محمد التيمي ابن العباس) أدرك رمضان ببغداد فصلى التراويح بالناس ثم يحيي بقية الليل صلاة فسمعته يقول لم أضع جنبي للنوم في هذا الشهر ليلا ولا نهارا "
ـ أبو الأشهب قال: " كان أبو رجاء يختم بنا في رمضان كل عشرة أيام "
ـ قال الذهبي في ترجمة ابن العفيف أبي الجود حاتم بن المسلم بن أبي العرب الشيخ الإمام المقرىء المحدث أبو الحسن الحارثي المصري الحوفي: " قال المنذري: كان على طريقةٍ حسنةٍ، كثير التلاوة ليلا ونهارا، وأبوه أحد المنقطعين المشهورين بالصلاح.
وقال التقي عبيد: كان فقيرا صبورا له قبول، يختم في الشهر ثلاثين ختمة، وله في رمضان ستون ختمة ـ رحمه الله ـ "
ـ وعن المأمون الخليفة العباسي: " أنه تلا في رمضان ثلاثا وثلاثين ختمة "
ـ عن محمد بن فضيل بن غزوان عن أبيه قال: " دخلت على كرز بن وبرة بيته فإذا عند مصلاه حُفيرة قد ملأها تبنا وبسط عليها كساءً من طول القيام، فكان يقرأ في اليوم والليلة القرآن ثلاث مرات "
الظاهر أنه تعمد حفر هذا المكان ثم ملأه تبنا لِيَلِينَ، فإذا قام بعد ذلك خففت عنه آلام القيام، فانظر كيف كانوا يعدون العدة ـ رحمهم الله ـ.
ـ عن عبد الملك بن حبيب قال: " رحلت من القيروان وما أظن أن أحدا أخشع من البُهلول ابن راشد حتى لقيت وكيعاً، وكان يقرأ في رمضان في الليل ختمة وثلثا ويصلي ثنتي عشرة من الضحى ويصلي من الظهر إلى العصر "
ـ عن سلام بن أبي مطيع عن قتادة: " أنه كان يختم القرآن في كل سبع "
زاد ابن الجوزي: " فإذا جاء العشر (يعني الأواخر من رمضان) ختم في كل ليلة مرة "
ـ عن عبد الكريم يقول كان طلق بن حبيب لا يركع إذا افتتح القراءة حتى يبلغ العنكبوت وكان يقول إني أشتهي أن أقوم حتى يشتكي صلبي "
ـ قال البغوي: " ما رأيت بعد أحمد بن حنبل أفضل منه (يعني زهير بن محمد بن قُمير) سمعته يقول: أشتهي لحماً من أربعين سنة ولا آكله حتى أدخل الروم فآكل من مغانم الروم.
وحدثني ولده محمد بن زهير قال: كان أبي يجمعنا في وقت ختمه للقرآن في شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث مرات يختم تسعين ختمة في رمضان "
ـ عن محمد بن مِسْعَر قال: " كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن فإذا فرغ من ورده لف رداءه ثم هجع عليه هجعة خفيفة ثم يثب كالرجل الذي ضل منه شيء فهو يطلبه، وإنما هو السواك والطهور، ثم يستقبل المحراب فكذلك إلى الفجر، وكان يجهد على إخفاء ذلك جدا "
ـ حكى أبو طالب بن عبد السميع عن أبيه: " أن المستظهر بالله طلب من يُصلي به ويلقن أولاده وأن يكون ضريرا، فوقع اختياره على القاضي أبي الحسن المبارك بن محمد بن الدَّواس مقرئ واسط قبل القلانسي، فكان مكرما له حتى إنه من كثرة إعجابه به كان أول رمضان قد شرع في التراويح فقرأ في الركعتين الأوليين آية آية، فلما سلم قال له المستظهر: زدنا من التلاوة فتلا آيتين آيتين فقال له: زدنا، فلم يزل حتى كان يقوم كل ليلة بجزء، وإنه ليلة عطِش فناوله الخليفةُ الكوزَ فقال خادم: ادع لأمير المؤمنين فإنه شرفك بمناولته إياك، فقال: جزى العمى عني خيرا ثم نهض إلى الصلاة ولم يزد على ذلك "
ـ قالت أم منصور بن المعتمر لما مات منصور ـ رحمه الله ـ: "بُنَيَّ صام رمضان وقامه فما أكل ولا نام حتى صامه وقامه.
ورواه غيره عن محمد بن عبد الوهاب وقال في الحديث: كان يصوم رمضان ويقومه فما يضع جنبه حتى ينسلخ "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/286)
ـ عن أبي عمار قال: سمعت عطاء بن جبلة يقول: " سألوا أم منصور بن المعتمر عن عمله؟ فقالت: كان ثلث الليل يقرأ، وثلثه يبكي وثلثه يدعو "
ـ عن عبد الله بن مغيث بن سعدان اليشكري قال: حدثتني ابنة بنت عمران عن أبيها (وكان قد عاهد الله أن لا ينام بليل أبدا إلا مُستغلَبا) قالت: قال أبي: جئت إلى طاعة الله طول الحياة ولولا الركوع والسجود وقراءة القرآن ما باليت أن أعيش في الدنيا فُواقا. قال: فلم يزل مجهودا على ذلك حتى مات ـ رحمه الله ـ قالت: فرأيته في منامي فقلت: يا أبت إنه لا عهد بك منذ فارقتنا. قال: يا بنية فكيف تعهدين من فارق الحياة وصار إلى ضيق القبور وظلمتها؟ قالت: فقلت: يا أبت كيف حالك منذ فارقتنا؟ قال: خير حال يا بنية بُوِّئنا المنازل ومُهدت لنا المضاجع، نحن ههنا نُغدى ونُراح برزقنا من الجنة. قالت: فقلت: فما الذي بلَّغكم هذا؟ قال: الضمير الصالح وكثرة التلاوة لكتاب الله "
ـ قال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت الدارقطني سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد النسوي المعدل بمصر يقول: سمعت أبا بكر بن الحداد يقول: " أخذت نفسي بما رواه الربيع عن الشافعي أنه كان يختم في رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة، فأكثر ما قدرت عليه تسعا وخمسين ختمة وأتيت في غير رمضان بثلاثين ختمة "
ـ عن هشام بن حسان قال: " كنت أُصلي أنا ومنصور بن زاذان جميعا وأشار مخلد بأُصبُعيه السبابة والتي تليها، فكان إذا جاء شهر رمضان ختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء ختمتين، ثم يقرأ إلى الطواسين قبل أن تقام الصلاة، قال: وكانوا إذ ذاك يؤخرون العشاء في شهر رمضان إلى أن يذهب ربع الليل، فكان منصور يجيء والحسن جالس مع أصحابه فيقوم إلى عمودٍ يُصلي فيختم القرآن، ثم يأتي الحسن فيجلس قبل أن يفترق أصحابه، وكان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر، ويختمه فيما بين المغرب والعشاء في غير شهر رمضان، وكان يأتي وقد سدل عمامته على عاتقه فيقوم فيصلي ويبكي ويمسح بعمامته عينيه فلا يزال حتى يبلها كلها بدموعه ثم يلفها ويضعها بين يديه. قال مخلد: ولو أن غير هشام يخبرني بهذا ما صدقته. قال مخلد: وكان هو وهشام يصليان جميعا "
لعله يقصد بختم القرآن هنا: أنه كان إذا أراد أن يختم تربص بختمته هذه الأوقات، لا أنه كان يقرأ القرآن كاملا في هذا الوقت اليسير، والله أعلم.
ـ قال ابن رجب: " و كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال و بعضهم في كل سبع منهم قتادة، و بعضهم في كل عشرة منهم أبو رجاء العطاردي.
وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة و غيرها،
كان الأسود يقرأ في كل ليلتين في رمضان،
و كان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، و في بقية الشهر في ثلاث،
و كان قتادة يختم في كل سبع دائماً و في رمضان في كل ثلاث، و في العشر الأواخر كل ليلة،
و كان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة،
و عن أبي حنيفة نحوه،
و كان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان،
و كان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن و إطعام الطعام.
قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث و مجالسة أهل العلم، و أقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة و أقبل على قراءة القرآن.
و كانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت.
و قال سفيان: كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف و جمع إليه أصحابه.
و إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان و المكان و هو قول أحمد و إسحاق و غيرهما من الأئمة، و عليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره "
هكذا يتدبرون ويخشعون:
ـ عن حوْشب عن الحسن قال: " تفقدوا الحلاوة في ثلاث في الصلاة وفي القرآن وفي الذكر فإن وجدتموها فامضوا وأبشروا، فإن لم تجدوها فاعلم أن بابك مغلق "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/287)
ـ عن معمر مؤذن التيمي قال: " صلى إلى جنبي سليمان التيمي بعد العشاء الآخرة وسمعته يقرأ تبارك الذي بيده الملك قال: فلما أتى على هذه الآية (فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا) جعل يرددها حتى خف أهل المسجد فانصرفوا قال فخرجت وتركته قال وغدوت لأذان الفجر فنظرت فإذا هو في مقامه قال فسمعت فإذا هو فيها لم يجزها وهو يقول فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا "
ـ عن يحيى بن الفضل الأنيسي قال: " سمعت بعض من يذكر عن محمد بن المنكدر أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى وكثر بكاؤه حتى فزع أهله وسألوه ما الذي أبكاه؟ فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم فأخبروه بأمره فجاء أبو حازم إليه فإذا هو يبكي، قال: يا أخي ما الذي أبكاك قد رُعتَ أهلك؟ أفمن علة أم ما بك؟ قال: فقال: إنه مرت بي آية في كتاب الله ـ عز وجل ـ، قال: وما هي؟ قال: قول الله تعالى (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)، قال: فبكى أبو حازم أيضا معه واشتد بكاؤهما، قال: فقال بعض أهله لأبي حازم: جئنا بك لتفرج عنه فزدته، قال: فأخبرهم ما الذي أبكاهما "
ـ عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: " ما رأيت أحداً الخوف أظهر على وجهه والخشوع من الحسن بن صالح بن حيي قام ليلة بـ (عم يتسآءلون) فغشي عليه فلم يختمها حتى طلع الفجر "
ـ قال أبو يوسف الفولي: " سمعت إبراهيم ابن أدهم يقول: لقيت عابدا من العباد قيل إنه لا ينام الليل فقلت له:لم لا تنام؟ فقال لي: منعتني عجائب القرآن أن أنام "
ـ عن عون بن موسى قال: " سقط حائط المسجد ومسلم بن يسار قائم يصلي فما علم به "
ـ عن عبد الله بن أبي سليم قال: " كان علي بن الحسين إذا مشى لا تجاوز يده فخذه، ولا يخطر بيده، وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له: مالك؟ فقال: ما تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي؟ "
ـ عن أبي نوح الأنصاري قال: " وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد، فجعلوا يقولون له: يا ابن رسول الله النار، يا ابن رسول الله النار، فما رفع رأسه حتى أطفئت. فقيل له: ما الذي ألهاك عنها؟ قال: ألهتني عنها النار الأخرى "
ـ وكان ثابت البُناني يقول: " ما شيء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام الليل "
ـ عن حبيب بن الشهيد: " أن مسلم بن يسار كان قائما يصلي فوقع حريق إلى جنبه فما شعر به حتى طفئت النار
ـ وعن عبد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه: أنه كان يصلي ذات يوم فدخل رجل من أهل الشام ففزعوا واجتمع له أهل الدار، فلما انصرفوا قالت له أم عبد الله: دخل هذا الشامي ففزع أهل الدار فلم تنصرف إليهم أو كما قالت، قال: ما شعرت.
ـ قال معتمر: وبلغني أن مسلما كان يقول لأهله: إذا كانت لكم حاجة فتكلموا وأنا أصلي.
وعن عبد الله ابن مسلم بن يسار عن أبيه قال: ما رأيته يصلي قط إلا ظننت أنه مريض.
وعن ابن شوذب قال: كان مسلم بن يسار يقول لأهله إذا دخل في صلاته في بيته: تحدثوا فلست أسمع حديثكم.
ـ وعن عون بن موسى قال: سقط حائط المسجد ومسلم بن يسار قائم يصلي فما علم به.
ـ وعن ميمون بن حيان قال: ما رأيت مسلم بن يسار ملتفتا في صلاته قط خفيفة ولا طويلة، ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع أهل السوق لهدمه وإنه لفي المسجد في الصلاة فما التفت.
ـ وعن عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه قال: كان مسلم بن يسار إذا دخل المنزل سكت أهل البيت فلا يسمع لهم كلام وإذا قام يصلي تكلموا وضحكوا.
ـ وعن غيلان بن جرير قال: كان مسلم بن يسار إذا رُؤي وهو يصلي كأنه ثوب ملقى.
ـ وعن ابن عون قال: كان مسلم بن يسار إذا كان في غير صلاة كأنه في صلاة.
ـ وعن عبد الله بن المبارك قال سفيان عن رجل عن مسلم ابن يسار: أنه سجد سجدة فوقعت ثنيتاه فدخل عليه أبو إياس فأخذ يعزيه ويهون عليه، فذَكر مسلمٌ من تعظيم الله ـ عز وجل ـ.
ـ وعن ابن عون قال: رأيت مسلم بن يسار يصلي كأنه وتد لا يميل على قدم مرة ولا على قدم مرة ولا يتحرك له ثوب "
عاشوا سجودا فماتوا سجودا: (من عاش على شيء مات عليه)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/288)
ـ عن محمد بن حميد قال: " كان عبد الله بن الزبير يحيي الدهر أجمع، ليلة قائما حتى يصبح، وليلة يحييها راكعا حتى الصباح، وليلة يحييها ساجدا حتى الصباح "
ـ عن ابن حرملة قال: " حفظت صلاة ابن المسيب وعمله بالنهار فسألت مولاه عن عمله بالليل فأخبرني فقال: كان لا يدع أن يقرأ بصاد والقرآن كل ليلة فسألته عن ذلك؟ فأخبر أن رجلا من الأنصار صلى إلى شجرة فقرأ بصاد فلما مر بالسجدة سجد وسجدة الشجرة معه فسمعها تقول: اللهم أعطني بهذه السجدة أجرا وضع عني بها وزرا وارزقني بها شكرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود "
ـ قال الزبير بن بكار: وحدثني يحيى بن مسكين قال: " ما رأيت أحدا قط أكثر ركوعا وسجودا من مصعب بن ثابت، كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة ويصوم الدهر "
ـ عن محمد بن ذكوان قال سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يحدث عن أبيه عبد الله: " أنه كان يقرأ القرآن من الجمعة إلى الجمعة ويقرأه في رمضان في ثلاث "
ـ عن أبي إسحاق قال: " حج مسروق فما بات إلا ساجدا "
ـ عن علي بن فضيل قال: " رأيت سفيان الثوري ساجداً حول البيت، فطفت سبعة أسابيع قبل أن يرفع رأسه "
ـ عن ابن وهب قال: " رأيت الثوري في المسجد الحرام بعد المغرب صلى ثم سجد سجدة فلم يرفع رأسه حتى نودي بصلاة العشاء "
ـ عن عمرو بن أبي عاصم قال: " سمعت الخليل البصري يقول سمعت يزيد بن يزيد يقول في سجوده خبثنا أنفسنا بالذنوب فطيبنا بالمغفرة "
ـ عن العلاء بن عبد الكريم الإيامي قال: " كنا نأتي مُرة الهمداني فيخرج إلينا فنرى أثر السجود في جبهته وكفيه وركبتيه وقدميه قال: فيجلس معنا هنيهة ثم يقوم فإنما هو ركوع وسجود "
ـ عن أصبغ بن زيد قال: " كان أويس القرني إذا أمسى يقول: هذه ليلة الركوع فيركع حتى يصبح، وكان يقول إذا أمسى: هذه ليلة السجود فيسجد حتى يصبح، وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب ثم يقول: اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذني به ومن مات عريانا فلا تؤاخذني به "
ـ عن عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار قال: حدثني أبي قال: " رأيت مسلماً وهو ساجدٌ وهو يقول في سجوده: متى ألقاك وأنت عني راض؟ ويذهب في الدعاء ثم يقول: متى ألقاك وأنت عني راض؟ "
ـ عن يوسف بن الحسين قال: " سمعت ذا النون يقول: مررت برجل بجبل اللكام وهو ساجد يقول في سجوده: إلهي، بك عرفتك فما حاجتي إلى غيرك "
ـ عن الربيع بن صبيح قال: قال مكحول: " رأيت سيدا من ساداتكم يا أهل البصرة دخل الكعبة فصلى ركعتين بين العمودين المقدَّمَين وهو ساجد فبكى حتى بل المرمر فسمعته يقول: اغفر لي ذنوبي وما قدمته يداي قال: فإذا هو مسلم بن يسار "
ـ عن قيس بن الربيع عن عاصم قال: " سمعت شقيق بن سلمة يقول وهو ساجد: رب اغفر لي رب اعف عني، إن تعف عني فطَوْلاً من فضلك، وإن تعذبني تعبني غير ظالم لي ولا مسبوق، قال: ثم يبكي حتى أسمع نحيبه من وراء المسجد "
ـ عن أبي بكر بن عياش قال: " رأيت حبيبَ بن أبي ثابت ساجدا فلو رأيته قلتَ: ميت (يعني من طول السجود) "
ـ عن إبراهيم عن همام قال: ": انتهيت إلى معضد (هو أبو زيد العجلي) وهو ساجد فأتيته وهو يقول: اللهم اشفني من النوم باليسير ثم مضى في صلاته "
ـ وقال أبو محمد الحريري: " كنت واقفا على رأس الجنيد في وقت وفاته وكان يوم جمعة وهو يقرأ القرآن فقلت: يا أبا القاسم أرفق بنفسك، فقال: يا أبا محمد ما رأيت أحدا أحوج إليه مني في هذا الوقت، وها هي ذا تطوى صحيفتي.
وعنه قال: حضرت عند الجنيد قبل وفاته بساعتين، فلم يزل باكيا وساجدا فقلت له: يا أبا القاسم قد بلغ بك ما أرى من الجهد، فقال: يا أبا محمد أحوج ما كنت إليه هذه الساعة، فلم يزل باكيا وساجدا حتى فارق الدنيا.
وعن فارس بن محمد قال: كان أبو القاسم الجنيد كثير الصلاة ثم رأيناه في وقت موته وهو يدرس ويُقدِّم إليه الوسادة فيسجد عليها. فقيل له: ألا روحت عن نفسك؟ فقال: طريق وصلت به إلى الله لا أقطعه "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/289)
ـ عن الأعمش قال: " كان شاب من شباب أهل الكوفة من التابعين ذَبُل من غير سَقم، وانحنى من غير كِبر، وقرَحَتْ الجبهة من السجود وصار للدموع في خده أُخدود. قال: فدخلَتْ عليه والدتُه ليلة من الليالي فقالت له: يا بني إن القليل من العمل الدائم لا يُمل خير من الكثير يُمل، وإني أتخوف أن يكون الله قد رآك على وجه من وجوه عبادته ثم يراك بعد هذه قد مللت وفترت فيمقتك، يا بني مالي أرى الناس يفرحون وأراك حزينا لا تفرح، وأراهم يهدءون وينامون وأراك صائما لا تأكل ولا تشرب؟ قال لها: يا والدتي أُدن مني جزيت عني الحسنى، إني تفكرت في الموت فرأيت الموت لا يترك الكبير ولا يرحم الصغير، يا أماه جُزيت عني الحسنى إن لابنك غدا في القبر نوما طويلا، وإن لابنك غدا في البرزخ لحبسا طويلا وإن لابنك غدا في البِلى ذلا كثيرا، يا أمتاه إني أُمرت بالسباق وغاية السباق الجنة، إن بلغتُ الغايةَ فلحتُ وإن قصرت عن الغاية هلكت، يا أمتاه إني في طلب منزل عسى أن ينفعني وينفعك يوما. قال: فانصرفتْ فرقدتْ فلما أصبحت أتت عبد الله بن مسعود صاحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: يا صاحب رسول الله إن لي ابنا قد ذبل من غير سقم وانحنى من غير كبر وقرحت جبهته من السجود وصارت دموعه في خده أخدوود! يا صاحب رسول الله إن الناس ينامون وابني لا يهدأ ولا ينام، والناس يأكلون وابني صائم لا يأكل ولا يشرب، ويفرح الناس ويضحكون وابني حزين لا يفرح ولا يضحك، وأنت رجل من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد جربت من الأمور مالم نجرب ورأيت منها مالم نر فهل لك أن تمشي معي لعلك ترى أثر ذلك عليه. قال: فمشى معها فلما دخل إلى ابنها نظر إلى نور العبادة يتقد بين عينيه فقال له عبد الله بن مسعود: بأبي أنت وأمي يا خاطب الحور العين، بأبي أنت وأمي يا طالب دار السلام، بأبي أنت وأمي يا من قد اشتاق إلى أبي القاسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه. قال: فحدثني. قال: شعرت أنه من دخل النار جريح لا يُداوى جرحه أبدا، وشعرت أنه من دخل النار كسيرا لا يجبر كسره أبدا، إن أهل النار منها يأكلون ومنها يشربون وفي أدراكها يتقلبون وبمقامع الحديد إلى قعرها يضربون ويردون. قال: فصعق الفتى صعقة خر مغشيا عليه. قال: فأتت أمه فوضعت يدها على رأسه ثم قالت: يا صاحب رسول الله إنما جئت بك إلى ابني لتعظه ولم أجئ بك لتقتله. قال: فصب على وجهه من الماء فأفاق. قال عبد الله بن مسعود: يا هذا إن لنفسك عليك حقا ولبدنك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه. قال: يا صاحب رسول الله ما رأيتَ الخيل وهي في الميدان؟ قال: بلى قد رأيتها. قال: فأيها رأيت المبادر؟ قال: الْمُضمر الْمُخف. قال: فأنا أحب أن أضمر نفسي لعل الله يبلغ بي غاية المتقين. فقال له: وفقك الله وأرشدك "
ـ قال أبو نعيم: " مات مجاهد وهو ساجد "
ـ قال نوح بن حبيب: " كان أبو بشر ساجدا خلف المقام حين مات ـ رحمه الله ـ "
ـ قال ابن سعد: " ولد عبد العزيز بن أبي حازم سنة سبع ومئة، وتوفي وهو ساجد في سنة أربع وثمانين ومئة ـ رحمه الله ـ "
ـ قال الذهبي: " محمد بن شجاع الفقيه أحد الأعلام أبو عبد الله البغدادي الحنفي ويعرف بابن الثلجي وكان صاحب تعبد وتهجد وتلاوة مات ساجدا "
ـ قال الذهبي: " الإمام شيخ الإسلام أبو الفضل جعفر بن الحسن الفقيه الحنبلي المقرئ صاحب القاضي أبي يعلى، أثنى عليه ابن النجار وبالغ في تعظيمه وذكر أنه كان يختم كل يوم في ركعة واحدة، مات في الصلاة ساجدا "
ـ عن يحيى بن سعيد يقول: " مات موسى الصغير خلف المقام وهو ساجد. قلت: شهدته. قال: كنت بمكة فقالوا: مات وهو ساجد. قلت: شهدته قال كنت بمكة فقالوا مات وهو ساجد "
ـ قال الذهبي: " ابن الحاج شيخ الأندلس ومفتيها وقاضي الجماعة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خلف بن إبراهيم بن لب التجيبي القرطبي المالكي ابن الحاج، كان كثير الخشوع والذكر قتل ظلما يوم الجمعة وهو ساجد "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/290)
ـ عن الوليد بن مسلم أن أبا ثعلبة كان يقول: " إني لأرجو أن لا يخنقني الله ـ عز وجل ـ كما يخنقكم، قال: فبينما هو في صَرحةِ داره إذ نادى: يا عبد الرحمن، وقد قتل عبد الرحمن مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما أحس بالموت أتى مسجد بيته فخر ساجدا فمات وهو ساجد "
ـ قال الذهبي: " الشيخ الإمام العلامة مفتي الشام جمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد بن علي بن الفتح السلمي الدمشقي الشافعي الفرضي، كان عالما بالتفسير والأصول والفقه والتذكير والفرائض والحساب وتعبير المنامات توفي في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة ساجدا في صلاة الفجر "
أفضل القيام
ـ عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ـ عليه السلام ـ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ويصوم يوما ويفطر يوما "
الضاحك المقر بذنبه خير من الباكي الْمُدِلُّ بصلاته وعمله
ـ عن ابن أبي غنية عن سفيان الثوري قال: " مر عابد براهب فقال العابد: يا راهب ما بلغ (أحسبه قال) من عبادتك؟ قال الراهب: ينبغي لمن يعلم أن الجنة حق والنار حق أن لا تأتي عليه ساعة إلا وهو قائم يصلي. قال العابد: إني لأبكي حتى ينبت العشب من دموع عيني. قال الراهب: إن الذي يضحك ويقر خير من الذي يبكي ويدل؛ لأن المدل لا تجاوز صلاته رأسه "
ـ عن أبي داود الْجِفْري قال: " دخلت على كرز بن وبرة بيته فإذا هو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ قال: إن بابي، مغلق وإن ستري لمسبل، ومُنعت حزبي أن أقرأه البارحة وما هو إلا من ذنب أحدثته "
ـ عن جعفر قال: " كان مالك بن دينار من أحفظ الناس للقرآن، وكان يقرأ علينا كل يوم جزءا من القرآن حتى يختم، فإن أسقط حرفا قال: بذنب مني وما الله بظلام للعبيد "
فضل ليلة القدر
ـ قال البخاري: " باب فضل ليلة القدر وقول الله تعالى {إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر} قال بن عيينة ما كان في القرآن {ما أدراك} فقد أَعلمه وما قال {وما يدريك} فإنه لم يَُعلمه "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله ـ عز وجل ـ عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتُغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حُرم خيرها فقد حُرم "
ـ عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: " دخل رمضان فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرمها فقد حُرم الخيرَ كلَّه، ولا يُحرم خيرها إلا محروم "
ـ عن أبي إسحاق عن الشعبي: " في قوله (من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر). قال: تُسلم الملائكةُ ليلةَ القدر على أهل المساجد حتى يطلع الفجرُ "
ـ عن مالك بن أنس أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: " إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أُري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرُهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر "
ـ عن مجاهد في قوله (سلام هي) قال: " هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوء ولا يُحدِث فيها أذى "
النيات خير من الأعمال
قال ابن رجب: " قال جويبر: قلت للضحاك: أرأيت النُّفساء و الحائض و المسافر و النائم لهم في ليلة القدر نصيب؟ قال: نعم، كل من تقبل الله عمله سيعطيه نصيبه من ليلة القدر.
إخواني المعول على القبول لا على الاجتهاد، و الاعتبار ببر القلوب لا بعمل الأبدان.
رب قائم حظه من قيامه السهر، كم من قائم محروم و كم من نائم مرحوم نام و قلبه ذاكر، و هذا قام و قلبه فاجر.
إن المقادير إذا ساعدت ألحقت النائم بالقائم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/291)
لكن العبد مأمورٌ بالسعي في اكتساب الخيرات و الاجتهاد في الأعمال الصالحات، و كل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، و أما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة: (فأما من أعطى و اتقى * و صدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * و أما من بخل و استغنى * و كذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى) فالمبادرة إلى اغتنام العمل فيما بقي من الشهر فعسى أن يستدرك به ما فات من ضياع العمر.
تولى العمر في سهو و في لهو و في خسر فيا ضيعة ما أنفقت في الأيام من عمري
و مالي في الذي ضيعت من عمري من عذر فما أغفلنا من واجبات الحمد و الشكر
أما قد خصنا الله بشهر أيما شهر بشهر أنزل الرحمن فيه أشرف الذكر
و هل يشبه شهر و فيه ليلة القدر فكم من خبر صح بما فيها من الخير
روينا عن ثقات أنها تطلب في الوتر فطوبى لامرىء يطلبها في هذه العشر
ففيها تنزل الأملاك بالأنوار و البر قد قال سلام هي حتى مطلع الفجر
ألا فادخرها إنها من أنفس الذخر فكم من معلق فيها من النار و لا يدري
ـ عن جعفر قال سمعت ثابتا البناني يقول: " نية المؤمن أبلغ من عمله، إن المؤمن ينوي أن يقوم الليل ويصوم النهار ويخرج من ماله فلا تتابعه نفسه على ذلك فنيته أبلغ من عمله "
ـ عن يعقوب بن المغيرة قال: " كنا مع إبراهيم ابن أدهم في الحصاد في شهر رمضان فقيل له: يا أبا إسحاق لو دخلت بنا إلى المدينة فنصوم العشر الأواخر بالمدينة لعلنا ندرك ليلة القدر فقال: أقيموا ههنا وأجيدوا العمل ولكم بكل ليلة ليلة القدر "
فضل الوتر من العشر الأواخر
ـ عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ: " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه، وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله، ثم قال: كنت أُجاور هذه العشر ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في مُعتكفه، وقد أُريت هذه الليلة ثم أُنسيتُها، فابتغوها في العشر الأواخر وابتغوها في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين، فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت فوكف المسجد في مصلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلة إحدى وعشرين، فبصرت عيني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونظرت إليه وقد انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينا وماء "
ـ عن الزهري عن سالم عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ قال: " رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرى رؤياكم في العشر الأواخر فاطلبوها في الوتر منها "
ـ عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: اعتكف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تُبان له، فلما انقضين أمر بالبناء فقُوض، ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر فأمر بالبناء فأعيد، ثم خرج على الناس فقال: يا أيها الناس إنها كانت أبينت لي ليلة القدر وإني خرجت لأخبركم بها فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان فنُسِّيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة، قال: قلت: يا أبا سعيد إنكم أعلم بالعدد منا، قال: أجل نحن أحق بذلك منكم، قال: قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها ثنتين وعشرين وهي التاسعة، فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة، فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة. (وقال ابن خلَّاد مكان يحتقان: يختصمان) "
ـ عن أبي قِلابة قال: " ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر في الوتر منها "
ـ عن ابراهيم بن سعد عن أبيه قال: " كان أبي سعد بن ابراهيم إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين لم يفطر حتى يختم القرآن، وكان يفطر فيما بين المغرب والعشاء الآخرة، وكان كثيرا إذا أفطر يرسلني إلى مساكين يأكلون معه "
ـ عن هشام قال: " كان لحفصة كفن مُعد، فإذا حجت وأحرمت لبسته، وكانت إذا كانت العشر الأواخر من رمضان قامت من الليل فلبسته "
من رأى أن ليلة القدر في سبع وعشرين
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/292)
ـ عن عبدة وعاصم بن أبي النجود سمعا زر بن حبيش يقول: " سألت أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ فقلت: إن أخاك بن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر، فقال: ـ رحمه الله ـ أراد أن لا يتكل الناس، أمَا إنه قد علم أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر، وأنها ليلة سبع وعشرين، ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين، فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها (يعني الشمس) "
ـ عن أُبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال أبي في ليلة القدر: " والله إني لأعلمها. قال: شعبة وأكبر علمي هي الليلة التي أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين. وإنما شك شعبة في هذا الحرف: هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: وحدثني بها صاحب لي عنه "
ـ عن أبي عقرب الأسدي قال: " أتينا ابن مسعود في داره فوجدناه فوق البيت فسمعناه يقول قبل أن ينزل: صدق الله ورسوله، فلما نزل قلنا: يا أبا عبد الرحمن سمعناك تقول: صدق الله ورسوله، فقال: ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر، وذلك أن الشمس تطلع يومئذ بيضاء لا شعاع لها، فنظرت إلى الشمس فوجدتها كما حدَّثتُ فكبرت "
ـ عن عبد الله ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلا أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: " يا نبي الله إنى شيخ كبير عليل يشق على القيام فأْمُرني بليلة لعل الله يوفقني فيها ليلة القدر، قال: عليك بالسابعة "
ـ عن حسان بن عبد الله السهمي قال: سألت زر بن حبيش ـ رضي الله عنه ـ عن ليلة القدر فقال كان عمر وحذيفة ـ رضي الله عنهما ـ وناس من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يشكون فيها أنها ليلة سبع وعشرين. قال زر: فواصلها "
ـ عن عبد الله بن شريك قال: سمعت أنسا وزِرَّاً ـ رضي الله عنهما ـ يقولان: " ليلة سبع وعشرين، وإذا كانت تلك الليلة فليغتسل أحدكم وليفطر على لبن وليؤخر فطره إلى السحر "
الأدلة على ذلك:
" و استدل من رجح ليلة سبع و عشرين:
بأن أبي بن كعب كان يحلف على ذلك و يقول: بالآية أو بالعلامة التي أخبرنا بها رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها. خرجه مسلم و خرجه أيضاً بلفظ آخر عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: " و الله إني لأعلم أي ليلة هي هي الليلة التي أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ بقيامها هي ليلة سبع و عشرين.
و في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام فمرني بليلة يوفقني الله فيها لليلة القدر قال: عليك بالسابعة) و إسناده على شرط البخاري.
و روى الإمام أحمد أيضاً قال حدثنا يزيد بن هارون: أنبأنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: من كان منكم مُتحريها فليتحرها ليلة سبع و عشرين، أو قال: تحروها ليلة سبع و عشرين، يعني ليلة القدر).
و رواه شبابة و وهب بن جرير عن شعبة مثله، ورواه أسود بن عامر عن شعبة مثله، و زاد: (في السبع البواقي)
قال شعبة: و أخبرني ثقة عن سفيان أنه إنما قال: في السبع البواقي يعني لم يقل: ليلة سبع و عشرين قال أحمد في رواية ابنه صالح الثقة هو يحيى بن سعيد قال شعبة: فلا أدري أيهما قال.
و رواه عمرو عن شعبة و قال في حديثه: (ليلة سبع و عشرين)، أو قال: (في السبع الأواخر) بالشك فرجع الأمر إلى أن شعبة شك في لفظه.
و رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمرو قال: (كانوا لا يزالون يقصون على النبي صلى الله عليه و سلم إنها الليلة السابعة من العشر الأواخر فقال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: أرى رؤياكم أنها قد تواطأت إنها ليلة السابعة في العشر الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها ليلة السابعة من العشر الأواخر) كذا رواه حنبل بن إسحاق عن عارم عن حماد و كذا خرجه الطحاوي عن إبراهيم بن مرزوق عن عارم.
و رواه البخاري في صحيحه عن عارم إلا أنه لم يذكر لفظة: (ليلة السابعة) بل قال: (من كان متحريها فليتحرها في العشر الأواخر)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/293)
ورواه عبد الرزاق في كتابه عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: (جاء رجل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فقال: يا رسول الله إني رأيت في النوم ليلة القدر كأنها ليلة سابعة فقال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: إني أرى رؤياكم قد تواطأت، إنها ليلة سابعة فمن كان متحريها منكم فليتحرها في ليلة سابعة)
قال معمر: فكان أيوب يغتسل في ليلة ثلاث و عشرين يشير إلى أنه حملها على سابعة تبقى.
و خرجه الثعلبي في تفسيره من طريق الحسن بن عبد الأعلى عن عبد الرزاق بهذا الإسناد و قال في حديثه: (ليلة سابعة تبقى). فقال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: (إني أرى رؤياكم قد تواطأت على ثلاث و عشرين فمن كان منكم يريد أن يقوم من الشهر شيئاً فليقم ليلة ثلاث و عشرين)، و هذه الألفاظ غير محفوظة في الحديث، و الله أعلم.
و في سنن أبي داود بإسناد رجاله كلهم رجال الصحيح عن معاوية عن النبي صلى الله عليه و سلم في ليلة القدر: (ليلة سبع و عشرين)، و خرجه ابن حبان في صحيحه و صححه ابن عبد البر و له علة، و هي وقفه على معاوية و هو أصح عند الإمام أحمد و الدارقطني و قد اختلف أيضاً عليه في لفظه.
و في المسند عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً أتى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فقال: متى ليلة القدر؟ فقال: (من يذكر منكم ليلة الصهباوات. قال عبد الله: أنا بأبي أنت و أمي و إن في يدي لتمرات أتسحر بهن مستتراً بمؤخرة رحل من الفجر و ذلك حين طلع القمر)
و خرجه يعقوب بن شيبة في مسنده و زاد: (و ذلك ليلة سبع و عشرين)، و قال: صالح الإسناد.و الصهباوات: موضع بقرب خيبر.
و في المسند أيضاً من وجه آخر عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إن ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر من رمضان) و إذا حسبنا أول السبع الأواخر ليلة أربع و عشرين كانت ليلة سبع و عشرين نصف السبع، لأن قبلها ثلاث ليال و بعدها ثلاث.
و مما يرجح أن ليلة القدر ليلة سبع و عشرين: أنها من السبع الأواخر التي أمر النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ بالتماسها فيها بالاتفاق. و في دخول الثالثة و العشرين في السبع اختلاف سبق ذكره، و لا خلاف أنها آكد من الخامس و العشرين.
و مما يدل على ذلك أيضاً حديث أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ في قيام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهم في أفراد السبع الأواخر و أنه قام بهم في الثالثة و العشرين إلى ثلث الليل، و في الخامسة إلى نصف الليل، و في السابعة إلى آخر الليل حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح، و جمع أهله ليلتئذ وجمع الناس، و هذا كله يدل على تأكدها على سائر أفراد السبع و العشر.
و مما يدل على ذلك ما استشهد به ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ بحضرة عمر ـ رضي الله عنه ـ و الصحابة معه واستحسنه عمر ـ رضي الله عنه ـ، و قد روي من وجوه متعددة: فروى عبد الرزاق في كتابه عن معمر عن قتادة و عاصم أنهما سمعا عكرمة يقول: (قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ دعا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا أنها في العشر الأواخر. قال ابن عباس: (فقلت لعمر ـ رضي الله عنه ـ: (إني لأعلم أو إني لأظن أي ليلة هي؟ قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: و أي ليلة هي؟: قلت: سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر، فقال عمر رضي الله عنه: و من أين علمت ذلك؟ قال: فقلت: إن الله خلق سبع سموات و سبع أرضين و سبعة أيام، وإن الدهر يدور على سبع، و خلق الله الإنسان في سبع، و يأكل من سبع، و يسجد على سبع، و الطواف بالبيت سبع، و رمي الجمار سبع لا يشاء ذكرها، فقال عمر رضي الله عنه: لقد فطنت لأمر ما فطنا له)
وكان قتادة يزيد على ابن عباس في قوله: (يأكل من سبع قال هو قول الله ـ عز وجل ـ: (فأنبتنا فيها حباً * وعنباً وقضباً * و زيتوناً ونخلا * وحدائق غلبا * وفاكهة ً وأباً) و لكن في هذه الرواية: أنها في سبع تمضي أو تبقى بالترديد في ذلك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/294)
و خرَّجه ابن شاهين من رواية عبد الواحد بن زياد عن عاصم الأحول حدثني لاحق بن حميد و عكرمة قالا: قال عمر رضي الله عنه: (من يعلم ليلة القدر؟ فذكر الحديث بنحوه و زاد: أن ابن عباس قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: (هي في العشر سبع تمضي أو سبع تبقى) فخالف في إسناده و جعله مرسلاً و رفع آخره.
روى ابن عبد البر بإسناد صحيح من طريق سعيد بن جبير قال: (كان ناس من المهاجرين وَجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس، فجمعهم ثم سألهم عن ليلة القدر؟ فأكثروا فيها فقال بعضهم: كنا نراها في العشر الأوسط ثم بلغنا أنها في العشر الأواخر فأكثروا فيها، فقال بعضهم: ليلة إحدى و عشرون، وقال بعضهم: ليلة ثلاث وعشرين، وقال بعضهم: ليلة سبع و عشرين، فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ:يا ابن عباس تكلم فقال: الله أعلم، قال عمر: قد نعلم أن الله يعلم، و إنما نسألك عن علمك، فقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: إن الله وتر يحب الوتر خلق من خلقه سبع سموات فاستوى عليهن، و خلق الأرض سبعا، و جعل عدة الأيام سبعاً، و رمي الجمار سبعاً و خلق الإنسان من سبع، وجعل رزقه من سبع، فقال عمر: خُلق الإنسان من سبع، و جُعل رزقه من سبع هذا أمرٌ ما فهمته؟ فقال: إن الله تعالى يقول: (و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) حتى بلغ آخر الآيات و قرأ: (أنا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الأرض شقا * فأنبتنا فيها حباً * و عنباً وقضبا * وزيتوناً و نخلا * وحدائق غلبا * وفاكهة و أباً * متاعاً لكم ولأنعامك) ثم قال: و الأب للدواب.
و خرَّجه ابن سعد في طبقاته عن إسحاق الأزرق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير فذكره بمعناه، و زاد في آخره: (قال: و أما ليلة القدر فما تراها إن شاء الله إلا ليلة ثلاث و عشرين يمضين أو سبع يبقين) و الظاهر أن هذا سمعه سعيد بن جبير من ابن عباس فيكون متصلاً.
وروى عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: (دعا عمر الأشياخ من أصحاب محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ ذات يوم فقال لهم: (إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في ليلة القدر ما قد علمتم، التمسوها في العشر الأواخر وتراً ففي أي الوتر ترونها؟ فقال رجل برأيه: أنها تاسعة، سابعة، خامسة، ثالثة، ثم قال: يا ابن عباس تكلم فقلت: أقول برأيي. قال: عن رأيك أسألك، فقلت: إني سمعت رسول الله أكثَرَ من ذِكْرِ السبع) و ذكر باقيه بمعنى ما تقدم و في آخره (قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: أعجزتم أن تقولوا مثل ما قال هذا الغلام الذي لم تستوي شؤون رأسه) خرجه الإسماعيلي في مسند عمر و الحاكم، و قال: صحيح الإسناد.
و خرجه الثعلبي في تفسيره و زاد: (قال ابن عباس: (فما أراها إلا ليلة ثلاث و عشرين لسبع بقين)
و خرَّج علي بن المديني في كتاب العِلل المرفوع منه و قال: هو صالح و ليس مما يحتج به.
و روى مسلم الملائي ـ و هو ضعيف ـ عن مجاهد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن عمر قال له: (أخبرني برأيك عن ليلة القدر فذكر معنى ما تقدم) و فيه: (أن ابن عباس قال: لا أراها إلا في سبع يبقين من رمضان فقال عمر وافق رأيي رأيك)
و روي بإسناد فيه ضعف عن محمد بن كعب عن ابن عباس: (أن عمر ـ رضي الله عنه ـ جلس في رهط من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فتذاكروا ليلة القدر فذكر معنى ما تقدم) و زاد فيه عن ابن عباس أنه قال: (و أُعطى من المثاني سبعاً، و نهى في كتابه عن نكاح الأقربين عن سبع، و قسم الميراث في كتابه على سبع، و نقعُ في السجود من أجسادنا على سبع، و قال: فأراها في السبع الأواخر من رمضان) و ليس في شيء من هذه الروايات أنها ليلة سبع و عشرين جزماً بل في بعضها الترديد بين ثلاث و سبع، و في بعضها: أنها ليلة ثلاث و عشرين لأنها أول السبع الأواخر على رأيه.
و قد صح عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه كان ينضح على أهله الماء ليلة ثلاث و عشرين خرجه عبد الرزاق، و خرجه ابن أبي عاصم مرفوعاً و الموقوف أصح.
و قد استنبط طائفة من المتأخرين من القرآن أنها ليلة سبع و عشرين موضعين:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/295)
أحدهما: أن الله تعالى ذكر ليلة القدر في سورة القدر في ثلاثة مواضع منها، و ليلة القدر حروفها تسع حروف و التسع إذا ضربت في ثلاثة فهي سبع و عشرون.
و الثاني: أنه قال: (سلام هي)، فكلمة هي: هي الكلمة السابعة و العشرون من السورة فإن كلماتها كلها ثلاثون كلمة.
قال ابن عطية: هذا من ملح التفسير لا من متين العلم. و هو كما قال.
و مما استدل به من رجح ليلة سبع و عشرين بالآيات و العلامات التي رأيت فيها قديماً و حديثاً، و بما وقع فيها من إجابة الدعوات.
فقد تقدم عن أبي بن كعب أنه استدل على ذلك بطلوع الشمس في صبيحتها لا شعاع لها، و كان عبدة ابن أبي لبابة يقول: هي ليلة سبع وعشرين. و يستدل على ذلك فإنه قد جرب ذلك بأشياء و بالنجوم، خرجه عبد الرزاق.
و روي عن عبدة: (أنه ذاق ماء البحر ليلة سبع و عشرين فإذا هو عذب) ذكره الإمام أحمد بإسناده.
(و طاف بعض السلف ليلة سبع و عشرين بالبيت الحرام فرأى الملائكة في الهواء طائفين فوق رؤوس الناس)
و روى أبو موسى المديني من طريق أبي الشيخ الأصبهاني بإسناد له عن حماد بن شعيب عن رجل منهم قال: (كنت بالسواد فلما كان في العشر الأواخر جعلت أنظر بالليل فقال لي رجل منهم: إلى أي شيء تنظر؟ قلت: إلى ليلة القدر قال: فنم فإني سأخبرك، فلما كان ليلة سبع وعشرين جاء و أخذ بيدي فذهب بي إلى النخل فإذا النخل واضع سعفه في الأرض فقال: لسنا نرى هذا في السنة كلها إلا في هذه الليلة.
و ذكر أبو موسى بأسانيد له: (أن رجلاً مقعداً دعا الله ليلة سبع و عشرين فأطلقه)، و عن امرأة مقعدة كذلك.
و عن رجل بالبصرة: (كان أخرس ثلاثين سنة فدعا الله ليلة سبع و عشرين فأطلق لسانه فتكلم)
و ذكر الوزير أبو المظفر ابن هبيرة: (أنه رأى ليلة سبع و عشرين و كانت ليلة جمعة باباً في السماء مفتوحاً شامي الكعبة قال: فظننته حيال الحجرة النبوية المقدسة قال: ولم يزل كذلك إلى أن التَفَتُ إلى المشرق لأنظر طلوع الفجر ثم التفت إليه فوجدته قد غاب. قال: وإن وقع في ليلة من أوتار العشر ليلة جمعة فهي أرجى من غيرها)
و اعلم أن جميع هذه العلامات لا توجب القطع بليلة القدر، و قد روى سلمة بن شبيب في كتاب فضائل رمضان، حدثنا إبراهيم بن الحكم حدثني أبي قال: حدثني فرقد: (أن أناساً من الصحابة كانوا في المسجد فسمعوا كلاماً من السماء ورأوا نوراً من السماء و باباً من السماء و ذلك في شهر رمضان فأخبروا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما رأوا فزعم أن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال: أما النور فنور رب العزة تعالى، و أما الباب فباب السماء، و الكلام كلام الأنبياء فكل شهر رمضان على هذه الحال، و لكن هذه ليلة كشف غطاؤها) و هذا مرسل ضعيف "
من رأى ليلة القدر في ثلاث وعشرين
ـ عن بن عبد الله بن أنيس الجهني عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: " يا رسول الله إن لي بادية أكون فيها وأنا أصلي فيها بحمد الله فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد فقال: أنزل ليلة ثلاث وعشرين، فقلت لابنه: كيف كان أبوك يصنع؟ قال: كان يدخل المسجد إذا صلى العصر فلا يخرج منه لحاجة حتى يصلي الصبح، فإذا صلى الصبح وجد دابته على باب المسجد فجلس عليها فلحق بباديته "
ـ عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ قال: " كنت في مجلس بني سلمة وأنا أصغرهم فقالوا: من يسأل لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ليلة القدر وذلك صبيحة إحدى وعشرين من رمضان فخرجت فوافيت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلاة المغرب ثم قمت بباب بيته فمر بي فقال: ادخل فدخلت فأتى بعَشائه فرآني أكف عنه من قلته، فلما فرغ قال: ناولني نعلي، فقام وقمت معه فقال: كأن لك حاجة؟ قلت: أجل، أرسلني إليك رهط من بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر؟ فقال: كم الليلة؟ فقلت: اثنتان وعشرون، قال: هي الليلة، ثم رجع فقال: أو القابلة يريد ليلة ثلاث وعشرين "
ـ عن إبراهيم عن الأسود قال: " كانت عائشة توقظنا ليلة ثلاث وعشرين من رمضان "
ـ عن معمر عمن سمع الحسن يقول: " نظرت الشمس عشرين سنة فرأيتها تطلع صبيحة أربع وعشرين من رمضان ليس لها شعاع "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/296)
ـ عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: " رأيت ابن عباس يرش على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين "
تفصيل القول في تعيين ليلة القدر
" وقد اختلف الناس في ليلة القدر كثيراً فحكى عن بعضهم أنها رفعت و حديث أبي ذر يرد ذلك.
و روي عن محمد بن الحنفية أنها في كل سبع سنين مرة و في إسناده ضعف.
و عن بعضهم أنها في كل السنة حُكي عن ابن مسعود و طائفة من الكوفيين، و روي عن أبي حنيفة.
و قال الجمهور: هي في رمضان كل سنة.
ثم منهم من قال: هي في الشهر كله.
و حكي عن بعض المتقدمين: أنها أول ليلة منه.
و قالت طائفة: هي في النصف الثاني منه، و قد حكي عن أبي يوسف و محمد.
و قد تقدم قول من قال: إنها ليلة بدر على اختلافهم هي ليلة سبع عشرة أو تسع عشرة.
و قال الجمهور: هي منحصرة في العشر الأواخر و اختلفوا في أي ليالي العشر أرجى:
فحكي عن الحسن و مالك أنها تطلب في جميع ليال العشر، أشفاعه و أوتاره و رجحه بعض أصحابنا، و قال: لأن قول النبي صلى الله عليه و سلم: التمسوها في تاسعة تبقى أو سابعة تبقى أو خامسة تبقى إن حملناه على تقدير كمال الشهر كانت أشفاعاً، و إن حملناه على ما بقي منه حقيقة كان الأمر موقوفاً على كمال الشهر فلا يعلم قبله، فإن كان تاماً كانت الليالي المأمور بها بطلبها أشفاعاً، و إن كان ناقصاً كانت أوتاراً، فيوجب ذلك الاجتهاد في القيام في كلا الليلتين الشفع منها و الوتر.
وقال الأكثرون (يعني من الجمهور): بل بعض لياليه أرجى من بعض. و قالوا: الأوتار أرجى في الجملة، ثم اختلفوا أي الأوتار أرجى: فمنهم من قال: ليلة إحدى و عشرين، وهو المشهور عن الشافعي لحديث أبي سعيد الخدري، و قد ذكرناه فيما سبق، وحُكي عنه أنها تطلب ليلة إحدى و عشرين، وثلاث وعشرين، قال في القديم: كأني رأيت والله أعلم أقوى الأحاديث فيه ليلة إحدى و عشرين، و ليلة ثلاث و عشرين، و هي التي مات فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه.وقد جاء في ليلة سبع عشرة، و ليلة أربع و عشرين، و ليلة سبع و عشرين انتهى.
وقد روي عن علي و ابن مسعود رضي الله عنهما: أنها تطلب ليلة إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين، وحكى للشافعي قول آخر: أرجاها ليلة ثلاث و عشرين، و هذا قول أهل المدينة، و حكاه سفيان الثوري عن أهل مكة و المدينة. و ممن روي عنه أنه كان يوقظ أهلها فيها ابن عباس و عائشة و هو قول مكحول.
و روى رشدين بن سعد عن زهرة بن معبد قال: (أصابني احتلام في أرض العدو وأنا في البحر ليلة ثلاث وعشرين في رمضان، فذهبت لأغتسل فسقطت في الماء فإذا الماء عذب، فناديت أصحابي أعلمهم أني في ماء عذب. قال ابن عبد البر: هذه الليلة تعرف بليلة الْجُهني بالمدينة (يعني عبد الله بن أنيس). و قد روي عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمره بقيامها.
و في صحيح مسلم عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في ليلة القدر: (أريت أني أسجد صبيحتها في ماء و طين، فانصرف النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ من صلاة الصبح يوم ثلاث و عشرين و على جبهته أثر الماء و الطين).
و قال سعيد بن المسيب: (كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نفر من أصحابه فقال: (ألا أخبركم بليلة القدر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فسكت ساعة ثم قال: لقد قلت لكم ما قلت آنفاً و أنا أعلمها ثم أُنسيتها، أرأيتم يوماً كنا بموضع كذا و كذا ـ أي ليلة هي في غزوة غزاها ـ فقالو
: سرنا فقفلنا حتى استقام ملأ القوم على أنها ليلة ثلاث و عشرين.) خرجه عبد الرزاق في كتابه.
و رجحت طائفة ليلة أربع و عشرين و هم: الحسن و أهل البصرة، و قد روي عن أنس، و كان حميد و أيوب و ثابت يحتاطون فيجمعون بين الليلتين أعني ليلة ثلاث و أربع.
و رجحت طائفة ليلة سبع وعشرين، وحكاه الثوري عن أهل الكوفة وقال: نحن نقول: هي ليلة سبع و عشرين لِمَا جاءنا عن أبي بن كعب و ممن قال بهذا أبي بن كعب، وكان يحلف عليه و لا يستثني وزر بن حبيش، و عبده بن أبي لبابة. وروي عن قنان بن عبد الله النهي قال: سألت زِرَّاً عن ليلة القدر؟ فقال: كان عمر و حذيفة و أناس من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يشكون أنها ليلة سبع وعشرين، خرجه ابن أبي شيبة، و هو قول أحمد و إسحاق.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/297)
و ذهب أبو قِلابة إلى أنها تنتقل في ليالي العشر. و روي عنه أنها تنتقل في أوتاره خاصة.
و ممن قال بانتقالها في ليال العشر: المزني و ابن خزيمة، و حكاه ابن عبد البر عن مالك و الثوري و الشافعي و أحمد و أبي ثور و في صحة ذلك عنهم بعد، و إنما قول هؤلاء أنها في العشر و تطلب في لياليه كله "
قال الترمذي: " وفي الباب عن عمر وأبي وجابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وابن عمر والفلتان بن عاصم وأنس وأبي سعيد وعبد الله بن أنيس والزبيري وأبي بكرة وابن عباس وبلال وعبادة بن الصامت.
قال أبو عيسى: " وأكثر الروايات عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (التمسوها في العشر الأواخر في كل وتر) وروي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ليلة القدر أنها ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين وآخر ليلة من رمضان.
قال أبو عيسى: قال الشافعي: كأن هذا عندي والله أعلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يجيب على نحو ما يُسأل عنه، يقال له: نلتمسها في ليلة كذا؟ فيقول: التمسوها في ليلة كذا، قال الشافعي: وأقوى الروايات عندي فيها ليلة إحدى وعشرين "
قال أبو عيسى: وقد روي عن أبي بن كعب: (أنه كان يحلف أنها ليلة سبع وعشرين ويقول: أخبرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعلامتها فعددنا وحفظنا) وروي عن أبي قِلابة أنه قال: (ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر) حدثنا بذلك عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قِلابة بهذا " انتهى.
ما يقول وما يفعل في ليلة القدر
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قلت: " يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني "
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " لو أدركت ليلة القدر ما سألت الله إلا العفو والعافية "
العفوُّ من أسماء الله تعالى، و هو المتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لأثارها عنهم، و هو يحب العفو فيحب أن يعفو عن عباده، و يحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه، و عفوه أحب إليه من عقوبته، وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: أعوذ برضاك من سخطك، وعفوك من عقوبتك "
ـ قال يحيى بن معاذ: " لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه لم يبتل بالذنب أكرم الناس عليه "
يشير إلى أنه ابتلى كثيراً من أوليائه و أحبابه بشيء من الذنوب ليعاملهم بالعفو فإنه يحب العفو.
ـ قال بعض السلف الصالح: " لو علمت أحب الأعمال إلى الله تعالى لأجهدت نفسي فيه، فرأى قائلاً يقول له في منامه: إنك تريد ما لا يكون، إن الله يحب أن يعفو و يغفر. و إنما أَحب أن يعفو ليكون العباد كلهم تحت عفوه، و لا يُدِل عليه أحد منهم بعمل "
ـ قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو سعد الشعيبي قالا: سمعنا أبا عمرو بن أبي جعفر الحيري يقول: سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل كثيرا يقول في مجلسه وفي غير المجلس: " عفوك ثم يقول: عفوك يا عفو. في المحيا عفوك، وفي الممات عفوك، وفي القبور عفوك، وعند النشور عفوك، وعند تطاير الصحف عفوك، وفي القيامة عفوك، وفي مناقشة الحساب عفوك، وعند ممر الصراط عفوك، وعند الميزان عفوك، وفي جميع الأحوال عفوك، يا عفو عفوك.
قال أبو عمرو: ورؤي أبو عثمان في المنام بعد وفاته بأيام فقيل له: بماذا انتفعت من أعمالك في الدنيا؟ فقال: بقولي عفوك عفوك "
ـ كان بعض المتقدمين يقول في دعائه: (اللهم إن ذنوبي قد عظمت فجلت عن الصفة، و إنها صغيرة في جنب عفوك، فاعف عني)
و قال آخر منهم: (جرمي عظيم، و عفوك كثير، فاجمع بين جرمي و عفوك يا كريم)
يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبرُ
أكبر الأوزار في جنب عفو الله يصغُرُ. "
قال ابن رجب: " و إنما أَمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحاً ولا حالاً ولا مقالاً فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر.
قال يحيى بن معاذ: (ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله العفو)
إن كنتُ لا أصلح للقُرب فشأنك عفوٌ عن الذنب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/298)
كان مطرف يقول في دعائه: (اللهم ارض عنا فإن لم ترض عنا فاعف عنا * فإن ا المولى قد يعفو عن عبده وهو عنه غير راض *)
من عظمت ذنوبه في نفسه لم يطمع في الرضا، و كان غاية أمله أن يطمع في العفو، و من كملت معرفته لم ير نفسه إلا في هذه المنزلة."
يا رب عبدك قد أتا ك و قد أساء و قد هفا
يكفيه منك حياؤه من سوء ما قد أسلفا
حمل الذنوب على الذنو ب الموبقات و أسرفا
و قد استجار بذيل عف وك من عقابك ملحفا
يارب فاعف و عافه فلأنت أولى من عفا.
ـ قال سفيان الثوري: " الدعاء في تلك الليلة أحب إلي من الصلاة. قال: و إذا كان يقرأ و هو يدعو و يرغب إلى الله في الدعاء و المسألة لعله يوافق، انتهى "
و مراده أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء و إن صلى و دعا كان حسناً.
ـ و قد قال الشعبي في ليلة القدر: " ليلها كنهارها، و قال الشافعي في القديم: استحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها. و هذا يقتضي استحباب الاجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر ليله و نهاره و الله أعلم "
ـ قال ابن رجب: " قال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر، وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة.
ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر فأمر زر بن حبيش بالاغتسال ليلة سبع و عشرين من رمضان.
و روي عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ: (أنه إذا كان ليلة أربع و عشرين اغتسل و تطيب و لبس حلة إزار أو رداء، فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل.
و كان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث و عشرين و أربع و عشرين و يلبس ثوبين جديدين و يستجمر ويقول: (ليلة ثلاث و عشرين هي ليلة أهل المدينة و التي تليها ليلتنا، يعني البصريين)
و قال حماد بن سلمة: (كان ثابت البناني و حميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما و يتطيبان و يطيبون المسجد بالنضوح و الدخنة في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر)
و قال ثابت: (كان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم و كان يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر)
فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين، والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن كما يشرع ذلك في الجمع الأعياد وكذلك يشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات كما قال تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)
. و قال ابن عمر: الله أحق أن يتزين له. و روي عنه مرفوعاً.
و لا يكمل التزين الظاهر إلا بتزين الباطن بالتوبة و الإنابة إلى الله تعالى وتطهيره من أدناس الذنوب وأوضارها، فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغني شيئاً قال الله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم و ريشاً و لباس التقوى ذلك خير.)
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عُرياناً و إن كان كاسيا
لا يصلح لمناجاة الملك في الخلوات إلا من زين ظاهره و باطنه و طهرهما خصوصاً لملك الملوك الذي يعلم السر و أخفى، وهو لا ينظر إلى صوركم و إنما ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم، فمن وقف بين يديه فليزين له ظاهره باللباس و باطنه بلباس التقوى. أنشد الشبلي:
قالوا غداً العيد ماذا أنت لابسه فقلت خلعة ساق حبه جوعا
فقر و صبرهما ثوبان تحتهما قلب يرى ألفه الأعياد و الجمعا
أحرى الملابس أن تلقى الحبيب به يوم التزاور فبالثوب الذي خلعا
الدهر لي مأتم إن غبت يا أملي والعيد ما كنت لي مرأى و مستمتعا.
التورع من قول: صمت رمضان كله أو قمت رمضان كله إذ لا بد من غفلة
ـ عن أبي بكرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لا يقولن أحدكم إني صمت رمضان كله وقمته كله، فلا أدري أكره التزكية أو قال: لا بد من نومة أو رقدة "
ختام رمضان نسأل الله القبول
ترحل شهر الصبر والهفاه وانصرما و اختص بالفوز في الجنات من خدما
و أصبح الغافل المسكين منكسراً مثلي فيا ويحه يا عظم ما حرما
من فاته الزرع في وقت البِدار فما تراه يحصد إلا الهمَّ والندما
وقال آخر:
سلام من الرحمن كل أوان على خير شهر قد مضى و زمان
سلام الله على الصيام فإنه أمان من الرحمن كل أمان
لئن فنيت أيامك الغر بغتة فما الحزن من قلبي عليك بفان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/299)
كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل و إكماله و إتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله و يخافون من رده و هؤلاء الذين: (يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة)
ـ روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال: (كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز و جل يقول: إنما يتقبل الله من المتقين)
ـ و عن فَضالة بن عبيد قال: (لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا و ما فيها لأن الله يقول: إنما يتقبل الله من المتقين)
ـ قال ابن دينار: الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل.
ـ و قال عطاء السلمي: الحذر: الاتقاء على العمل أن لا يكون لله.
ـ و قال عبد العزيز بن أبي رواد: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا.
ـ قال بعض السلف كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم.
ـ خرج عمر بن عبد العزيز رحمه الله في يوم عيد فطر فقال في خطبته: أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوماً و قمتم ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم.
ـ كان بعض السلف يظْهَرُ عليه الحزن يوم عيد الفطر فيقال له: إنه يوم فرح وسرور فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فلا أدري أيقبله مني أم لا؟
ـ رأى وهب بن الورد قوماً يضحكون في يوم عيد فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين. و إن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين.
ـ و عن الحسن قال: إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا و تخلف آخرون فخابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون و يخسر فيه المبطلون.
لعلك غضبان و قلبي غافل سلام على الدارين إن كنت راضيا
ـ روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنُهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه.
ـ و عن ابن مسعود أنه كان يقول: من هذا المقبول منا فنهنيه ومن هذا المحروم منا فنعزيه، أيها المقبول هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك.
ليت شعري من فيه يقبل منا فيهنا يا خيبة المردود
من تولى عنه بغير قبول أرغم الله أنفه بخزي شديد
ماذا فات من فاته خير رمضان، وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان، كم بين من حظه فيه القبول والغفران، ومن كان حظه فيه الخيبة والخسران، رب قائم حظه من قيامه السهر وصائم حظه من صيامه الجوع والعطش.
ما أصنع هكذا جرى المقدور الجبر لغيري و أنا المكسور
أسير ذنب مقيد مهجور هل يمكن أن يغير المقدور
وقال غيره
سار القوم والشقاء يقعدني حازوا القرب والجفا يبعدني
حسبي حسبي إلى متى تطردني أعدائي دائي وكلهم يقصدني
وقال غيره
أسباب هواك أوهنت أسبابي من بعد جفاك فالضنى أولى بي
ضاقت حيلي و أنت تدري ما بي فارحم فالعبد واقف بالباب
ـ كان أبو قِلابة يعتق في آخر الشهر جارية حسناء مزينة يرجو بعتقها العتق من النار.
الاستغفار لجبر التقصير ومحو الأوزار
ـ والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها فيختم به الصلاة و الحج وقيام الليل، ويختم به المجالس فإن كانت ذكراً كان كالطابع عليها، وإن كانت لغواً كان كفارة لها، فكذلك ينبغي أن تختم صيام رمضان بالاستغفار.
ـ وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر، فإن الفطر طُهرة للصائم من اللغو و الرفث، والاستغفار يرقع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث.
ـ و لهذا قال بعض العلماء المتقدمين: إن صدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو للصلاة.
ـ و قال عمر بن عبد العزيز في كتابه: قولوا كما قال أبوكم آدم: ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين، و قولوا كما قال نوح ـ عليه السلام ـ: وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين، وقولوا كما قال موسى ـ عليه السلام ـ: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، وقولوا كما قال ذو النون ـ عليه السلام ـ: سبحانك إني كنت من الظالمين.
ـ ويروى عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: الغيبة تخرق الصيام والاستغفار يرقعه، فمن استطاع منكم أن يجيء بصوم مرقع فليفعل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/300)
و قريب من هذا أمر النبي ـ عليه السلام ـ لعائشة ـ رضي الله عنها ـ في ليلة القدر بسؤال العفو. فإن المؤمن يجتهد في شهر رمضان في صيامه و قيامه فإذا قرب فراغه و صادف ليلة القدر لم يسأل الله تعالى إلا العفو كالمسيء المقصر. كان صلة بن أشيم يحي الليل ثم يقول في دعائه عند السحر: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار، و مثلي يجترىء أن يسألك الجنة. كان مطرف يقول: اللهم ارض عنا فإن لم ترض عنا فاعف عنا. قال يحيى بن معاذ: ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله العفو.
إن كنت لا أصلح للقرب فشأنكم عفو عن الذنب
ـ قال الحسن: أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة.
ـ عن علي بن أبي مريم قال: قال رياح القيسي: " لي نيف وأربعون ذنبا قد استغفرت لكل ذنب مئة ألف مرة "
ـ سئل ابن الجوزي: أيما أفضل أسبح أو أستغفر؟ قال: الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور "
ـ قال الشعبي: " خطب عبد الملك فقال: اللهم إن ذنوبي عظام وهي صغار في جنب عفوك يا كريم فاغفرها لي "
ـ قال عطاء بن مسلم: " كان الأعمش يقول حدثني يحيى بن وثاب وكنت إذا رأيته قد جثا قلت: هذا وقف للحساب فيقول: أي رب أذنبت كذا فعفوت عني فلا أعود، وأذنبت كذا فعفوت عني فلا أعود "
* مقدمة
* الكون يستقبل رمضان فاستقبلوه
ـ موعظة لعمر بن عبد العزيز في مبادرة الأجل بالأعمال
* خصال الخير في رمضان
* يا باغي الخير أقبل
* رمضان شهر مبارك
* رمضان سيد الشهور
* يكمل الأجر وإن نقص الشهر
* الجود في رمضان
* عرض القرآن في رمضان
* العمرة في رمضان
* لا يعدل الصوم عمل
* الصيام عبادة وإن كنت نائما
* صوموا تصحوا
* صيام رمضان للمسافر والمرضع والحامل
* تعويد الصبيان على الصيام
* الجزاء من جنس العمل
* للصائمين في الجنة باب يخصهم
* الصوم كفارة
* متى تتم مغفرة ذنوب الصائمين القائمين؟
* صفة الصوم الذي يكون كفارة
* الصوم سبب لدخول الجنة
* الصيام والقرآن يشفعان لصحابهما
* الصوم سبب للنجاة من النار
* عتقاء الله في كل ليلة من رمضان
* اشتراط سلامة الصيام للنجاة من النار
* فرحتا الصائم
* أعظم الصائمين أجرا أكثرهم لله ذكرا
* من أفطر في رمضان متعمدا
* الشتاء غنيمة الصوام القوام
* فضل من كان آخر عمله الصيام
* فضل خلوف فم الصائم
* أخلاق الصائمين
* الصيام نصف الصبر
* أجر الصوم يخرج عن ميزان التقدير
* أجر الصائم يسبق النفقة في سبيل الله
* الصوم وجاء
* الصوم يذهب الحقد ويطهر القلب
* الصومُ درجة عالية
* فضلُ خدمةِ الصائمين
* مَثَلُ الصائم
* صوم كصيام الدهر
* ما يقول إذا أفطر؟
* طبقات الصوام
* من أكل أو شرب ناسيا
* فضل تعجيل الفطر وعلام يفطر
* إفطار الصالحين
* ما يقول إذا أفطر
* الدعاء مستجاب للصائم حال صومه بل وفي رمضان كله
* دعوة خاصة عند الإفطار
* أجر من فطر صائما
* ثواب الصائم إذا أطعم مفطرا وهو صائم
* ما يقول لمن فطره وهو صائم
* فضل السحور والأمر بتأخيره
* الدعوة إلى السحور
* اعتكاف العشر الأواخر من رمضان
* اعتكاف النساء
* الإكثار من نوافل الصوم عند أمن المضرة:
ـ الحض على صيام النفل مطلقا دون تقييد بزمن
ـ صوم النوافل عند الصالحين
ـ لا صام من صام الأبد
ـ المتطوع أمير نفسه
ـ أحب الصيام إلى الله
* الحض على صيام أيام مخصوصة:
ـ فضل صيام شعبان ولو بعد انتصافه
ـ الخلاف في فضل ليلة النصف من شعبان وصيام يومها
ـ صيام ستة من شوال
ـ استحباب صيام آخر شهر شعبان وقيل: وسطه
ـ صيام ثلاثة أيام من كل شهر
ـ صوم عشر ذي الحجة
ـ صوم يوم عرفة لغير الحاج
ـ فضل الصوم في المحرم والأشهر الحرم
ـ صوم عاشوراء
ـ صوم الاثنين والخميس
ـ حرص السلف على هذه السنة
ـ صوم يوم الجمعة
ـ صوم يوم السبت
* استحباب إخفاء التطوع من الصيام وغيره
* لا تصوم المرأة تطوعا بغير إذن زوجها
* لا تترك صيام النوافل إلا لعمل صالح ينفعك
* فضل قيام رمضان
* هل يصلى القيام في رمضان وحده أم أن الجماعة أفضل؟
* قيام الصالحين في رمضان وفي غيره:
ـ تعب القيام والسهر راحة الأبد
ـ دعاء القائمين وابتهال الخاشعين
ـ إعانة أولياء الرحمن على ختم آي القرآن
ـ هكذا يتدبرون ويخشعون
ـ عاشوا سجودا فماتوا سجودا: (من عاش على شيء مات عليه)
* أفضل القيام
* الضاحك المقر بذنبه خير من الباكي الْمُدِلُّ بصلاته وعمله
* فضل ليلة القدر
* النيات خير من الأعمال
* فضل الوتر من العشر الأواخر
* من رأى أن ليلة القدر في سبع وعشرين:
ـ الأدلة على ذلك
* من رأى ليلة القدر في ثلاث وعشرين
* تفصيل القول في تعيين ليلة القدر
* ما يقول وما يفعل في ليلة القدر
* التورع من قول: صمت رمضان كله أو قمت رمضان كله إذ لا بد من غفلة
* ختام رمضان نسأل الله القبول(20/301)
للتحميل: المراسيل لأبي داود.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[05 - 09 - 05, 07:19 م]ـ
للتحميل: المراسيل لأبي داود.
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:17 ص]ـ
جزاكم الله خيرا يا شيخ أشرف
ـ[عزت المصرى]ــــــــ[06 - 09 - 05, 08:13 ص]ـ
جزاكم الله خيرا كثيرا
ـ[ابن هشام المصري]ــــــــ[20 - 01 - 06, 04:08 م]ـ
الكتاب، موجود وورد، و pdf
وذلك في موقع طريق الإسلام
http://www.islamway.com/index.php?iw_s=library&iw_a=bk&lang=1&id=1475(20/302)
عاجل ... موسوعة التراجم والرجال والعلل لأخينا الشيخ حسام الكيلاني
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 08:11 م]ـ
وصلتني بحمد الله موسوعة الأخ الفاضل / حسام الكيلاني أعزه الله بطاعته وهي عبارة عن كتاب الكتروني حجمه 104 ميجا بايت، فهنيئا لأهل الملتقى، وبارك الله في وقت وجهد الأخ حسام، وقريبا إن شاء الله أحمّل لكم أيضا (موسوعة التراجم الحديثية الكبرى) يسر الله إكمالها
محبكم أبو تراب
الملفات مضغوطة بالـ winrar ، وعددها خمسة وسبعون ملفاً، عند الانتهاء من تحميلها أشّر على الأول منها ثم انقر بزر الفأرة الأيمن واختر Extract Here
عموما نظرا لبطء السرعة نسبيا فسيتم تحميلها ملفا ملفا أو اثنين اثنين
ختاما (أسأل الله أن ينفع بها من قام بصنعها أو ساهم في نشرها)، وأرجو من رواد ملتقانا الحبيب نثر آرائهم حول كتب الموسوعة، وما يرجون رؤيته في إصدارها الثاني، ولكم جزيل الشكر
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 08:24 م]ـ
الملف الثاني
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[05 - 09 - 05, 08:31 م]ـ
جزاك الله ألف خير
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 08:50 م]ـ
الثالث
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 09:13 م]ـ
وهاكم الرابع
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 09:19 م]ـ
الملف الخامس
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 09:32 م]ـ
وهذا الملف السادس
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 09:37 م]ـ
وهذا السابع
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 09:42 م]ـ
الملف الثامن
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 10:03 م]ـ
الملفات التاسع و العاشر والحادي عشر
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[05 - 09 - 05, 10:09 م]ـ
تعليق:
لقد راسلت الشيخ الفاضل: حسام الدين هذا الصباح بخصوص تأخر وصول الموسوعة إلى الأخ الكريم أبي تراب 0 وجاء في رسالتي:
" إن كنتم أرسلتموها بالبريد الإلكتروني فقد كان من المفترض وصولها في نفس وقت الإرسال أي في نفس اليوم وكونها لم تصل قهذا يدل على أن هناك خطأ ما حدث في طريقة الإرسال أدى إلى عدم وصولها 0 لذلك أطلب من فضيلتكم التكرم على المسلمين برفع الموسوعة 000أعلم أن الموضوع فيه جهد ومشقة ولكن أدعو الله تعالى أن يجعل ذلك صدقة جارية لكم يدفع الله تعالى بها عنكم حر جهنم ويرفعكم في جناته درجات 0كما أدعو الله تعالى – بما ستبذلونه من مشقة في رفعها – أن يُخفف بها عنكم من مشاق الدنيا قبل الآخرة وجزاكم الله خير الجزاء " انتهى
وبعدها بحوالي ساعة جاء رد فضيلته من خلال مشاركته هنا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=37126
وجاء في رده:
" كنت أقرأ كل يوم ما يكتب هنا من مشاركات وأستغرب استعجال الكثيرين لرفع الموسوعة (وكأن الأمر بسيط مقارنة بما أجده من سرعة للنت عندي في منزلي فهي لا تتجاوز 28 كيلو بت في الثانية)، علماً أن رفعها بعد تقسيمها يحتاج مني إلى جهد أسابيع كثيرة وأنا جالس أما جهاز الكمبيوتر أرفع وأحمل بملفات الموسوعة إليكم، لأنني لن أستطيع رفع أكثر من (5) ميغا يومياً وهذا يحتاج إلى ساعات عندي من منزلي، هذا إن وجدت وقتاً فارغاً لذلك، و ذلك بسبب انشغالي بالتدريس والتعليم، 000والموسوعة الآن في مركز الإنترنت لرفعها إليكم، مع الرجاء الصبر القليل وأن تعذروني بسبب التأخير، وما هي إلا أيام وتكون الموسوعة بين أيديكم.إن شاء الله تعالى.
أخوكم ومحبكم في الله حقاً
حسام الدين الكيلاني " انتهى
إنما ذكرتُ لكم ذلك لسببين:
الأول:
لتعلموا أن الشيخ الفاضل قد وفى بوعده في نفس اليوم وبالطبع قد كلفه ذلك ماديا لذلك علينا نحن أيضا الوفاء بوعدنا بالدعاء له جميعا بظهر الغيب " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء" والدعاء كذلك لأخينا الفاضل أبى تراب لما في هذا العمل من جهد ومشقة كبيرين
الثاني:
أن هذا العمل هو صدقة جارية للشيخ فلا يصح حبس نفعها عليك وحدك
فعلينا أن ننفع الآخرين بها ممن لم يسمع بها فينالنا من الثواب بإذن الله تعالى
وقد اشتكى الشيخ الفاضل أبو المعاطي ممن يأخذون منه الكثير من الكتب المفيدة والنادرة ثم يحبسونها على أنفسهم ولا يفيدون بها إخوانهم
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 10:21 م]ـ
الثاني عشر حتى الخامس عشر
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 10:55 م]ـ
من السادس عشر وحتى العشرون
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 11:02 م]ـ
عودء البطء في السرعة
ملف ملف (ابتسامة)
الحادي والعشرون
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 11:08 م]ـ
الثاني والعشرون
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 11:14 م]ـ
الثالث والعشرون
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 11:20 م]ـ
الرابع والعشرون
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 11:30 م]ـ
الخامس والعشرون
ـ[أبو تراب]ــــــــ[05 - 09 - 05, 11:44 م]ـ
السادس والعشرون
ـ[ابو عبدالله الرفاعي]ــــــــ[06 - 09 - 05, 12:03 ص]ـ
جزاكم الله تعالى خيرا واعانكم على الاتمام وتقبل منكم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/303)
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 12:11 ص]ـ
من السابع والعشرين وحتى الثلاثين
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 12:24 ص]ـ
الحادي والثلاثون
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 12:30 ص]ـ
الثاني والثلاثون
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 12:38 ص]ـ
الثالث والثلاثون
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 12:38 ص]ـ
عذرا فالنوم يداهمني
فلنستكمل بعد الفجر إن شاء الله
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[06 - 09 - 05, 08:06 ص]ـ
ما شاء الله 000 ما كل هذا النشاط 000 استيقظ يا رجل 00 أما زلت نائما (ابتسامة)
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 08:10 ص]ـ
لست نائم لكن أعاني بطْ التصفح يا رجل (ابتسامة)
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 08:13 ص]ـ
عموما أنا بصدد استكمال بقية الملفات توا:)
من الرابع والثلاثين وحتى الثامن والثلاثين
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 08:15 ص]ـ
الرابع والثلاثون وحتى الثامن والثلاثون
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 08:36 ص]ـ
من التاسع والثلاثين وحتى الثالث والأربعين
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 08:48 ص]ـ
من الرابع والأربعين و حتى السادس والأربعين
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 08:49 ص]ـ
نلتقي عصرا إن شاء الله
ـ[أبوأحمد العلوي]ــــــــ[06 - 09 - 05, 04:18 م]ـ
بارك الله فيكم على هذا الجهد الرائع
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[06 - 09 - 05, 04:24 م]ـ
أخي الحبيب: أبو تراب
بعد عودتك سالما بإذن الله تعالى أنصحك بما يلي:
1 - لا تغتسل بالماء لأن الجسم يحتاج فترة كي يعود إلى درجة حرارته الطبيعية
2 - لا تتناول الطعام لأن عضلات المعدة تحتاج فترة كي تتخلص من الإرهاق قبل أن تستقبل الطعام وإلا حدثت أضرار
3 - لا تحاول النوم لأنه يُقال أن النوم في هذه الأوقات - بعد العصر - ضار جدا
الخلاصة: أن العمل الوحيد السالم من الأضرار والمفيد للصحة بعد عودتكم مباشرة هو إكمال تنزيل الموسوعة
(ابتسامة)
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 04:27 م]ـ
من 47 إلى 50
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 04:47 م]ـ
من 51 وحت 55
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 04:48 م]ـ
أخي الحبيب: أبو تراب
بعد عودتك سالما بإذن الله تعالى أنصحك بما يلي:
1 - لا تغتسل بالماء لأن الجسم يحتاج فترة كي يعود إلى درجة حرارته الطبيعية
2 - لا تتناول الطعام لأن عضلات المعدة تحتاج فترة كي تتخلص من الإرهاق قبل أن تستقبل الطعام وإلا حدثت أضرار
3 - لا تحاول النوم لأنه يُقال أن النوم في هذه الأوقات - بعد العصر - ضار جدا
الخلاصة: أن العمل الوحيد السالم من الأضرار والمفيد للصحة بعد عودتكم مباشرة هو إكمال تنزيل الموسوعة
(ابتسامة)
................................................ من غير ما تقول (ابتسامة)
ـ[أبو تراب]ــــــــ[06 - 09 - 05, 05:11 م]ـ
من 56 ل 60
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[06 - 09 - 05, 07:43 م]ـ
ما شاء الله تعالى
لقد أديت الأمانة حق أداءها 00 بارك الله فيكم واعانكم على الإتمام
ـ[المقدادي]ــــــــ[06 - 09 - 05, 08:57 م]ـ
بارك الله فيك اخي ابو تراب و كان الله في عونك
و الشكر موصول للشيخ حسام الدين الكيلاني وفقه الله
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[07 - 09 - 05, 12:13 ص]ـ
أخي الكريم أبو تراب
يبدو أننا قد حسدناك 0000 أدعو الله تعالى ان يكون سبب غيابكم خيرا
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 01:29 ص]ـ
أعتذر لكم لأن الشبكة فاصلة منذ 6 أ 7 ساعات ونستكمل الآن بإذن الله تعالى
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[07 - 09 - 05, 01:32 ص]ـ
كنتُ أتأهب للنوم 000 ولكن سأواصل المتابعة معكم الآن 000 في الإنتظار00 أعانكم الله تعالى
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 01:35 ص]ـ
الملف الحادي والستين
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 01:50 ص]ـ
وهذه 62، 63، 64
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 04:30 م]ـ
من 65 إلى 69
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 04:44 م]ـ
70 71 72
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 04:55 م]ـ
وهذا آخر الملفات
وكما ذكرت لكم في أول المشاركة
1 جمّع الملفات الخمس والسبعين في مجلد واحد
2 انقر فوق الملف الأول (موسوعة التراجم والرجال والعلل 1.0. part01.rar ) بزر الفأرة الأيمن ثم اختر extract here .
3 انتظر قليلا لتر عينك (موسوعة التراجم والرجال والعلل) نفعك الله بها
ـ[أبو حطب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 05:26 م]ـ
شكر الله جهدكم وتقبل منكم ونفع الجميع بما بذلتموه
ـ[ابن هشام المصري]ــــــــ[07 - 09 - 05, 05:43 م]ـ
جزاكم الله خيرا، وبارك فيكم
ـ[أبو عبد الله المكي]ــــــــ[07 - 09 - 05, 06:12 م]ـ
جزاكم الله خيرا
هناك بعض العناوين لم تفتح وكأن الكتاب ليس موجودا
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 06:16 م]ـ
لاحظت ذلك
لكن بعضها مكرر يفتح في موضع ولا يفتح في الاخر
يرفع للشيخ حسام الكيلاني
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 08:18 م]ـ
..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/304)
ـ[ابو عبدالله الرفاعي]ــــــــ[07 - 09 - 05, 09:35 م]ـ
الأخ المفضال (أبو تراب) حفظه الله
جزاكم الله خيرا على هذا الجهد الطيب، ونسأل الله تعالى أن يجعله في موازين اعمالكم، انتم والأخ حسام
وهذا العمل يعتبر من باب الصدقات الجارية التي يتعدى أجرها الحياة الدنيا، فتقبل الله تعالى منكم
وأود أن أعلمكم أن الملف رقم 4 لا يفتح وقد يكون غيره كذلك، فكما شوقتمونا الى انتهائكم من هذه الموسوعة، نتمنى عليكم ان تسارعوا باسعافنا بالصالح من ملفاتها، وبورك فيكم
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[07 - 09 - 05, 10:13 م]ـ
الملفات كلها سليمة وتفتح ولكن قد تكون أسماء الملفات غير متناسقة وقد حدث ذلك معي
لذلك عليك التاكد من أن الأسماء كلها على نظام واحد حرفا حرفا فيما عدا رقم الملف
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 10:44 م]ـ
ملاحظة هامة
الموسوعة تم تقسيمها ببرنامج ال winrar ، ويتم تسمية الملفات أثناء التقسيم بنسق واحد، فقط يتغير رقم الملف 1 - 2 - 3 - 4 - وهكذا، وعند التجميع يتم الضغط على الأول بركلة يمنى بالفأرة ثم اختيار extract here
المسألة الثانية: لاحظت الان أن الملفات تنزل بلاحقة php وباسم واحد هو aatachment ، وهنا يلزم ممن أراد تنزيل الموسوعة أن يسميها بالأرقم المعتادة 1 - 2 - 3 - 4 - وهكذا حتى 75، كما أن عليه أن يغير امتداد الملفات من php إلى rar .
وجزى الله الإخوة الذين شاركوا خير الجزاء، وأتمنى أن يتم تصفح الكتب ومراجعة المحتوى
ـ[الابراشى]ــــــــ[07 - 09 - 05, 11:11 م]ـ
لم تأتى الموسوعة بجديد وعموما نشكركم على مجهودكم
ولى نصيجة لابد من توحيد الجهود حتى لا يضيع وقتنا هباءا
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 11:31 م]ـ
لقد نكأت جرحاً قديما، فهذه أحد آفات العمل الإسلامي في الجملة، ليس في مجال الموسوعات فحسب لأكن الأمر يتعدىذلك بكثير، لكن هذا أنموذج صغير، لذا اقترحت أكثر من مرة أن نشارك جميعا في صنع موسوعاتنا وكلنا نشارك، لا أن يتعب البعض ويكد ويجلس الباقون ينتظروا خروج موسوعة، ولذلك عند طرحي لمشروعي (موسوعة التراجم الحديثية الكبرى) آثرت الانتظار في بادئ الأمر، ولما ألح الأخوة أخبرتهم أنه لابد من تنقيح الموجود وزيادة الخدمات، وتصنيف الكتب، وزيادة إمكانيات البحث، إلى غير ما هنالك
في الختام توحيد الجهود ثم توحيد الجهود
لكن أود أن أقول وبإنصاف: لابد من إعطاء موسوعة الشيخ حسام حقها، ومن لايشكر الناس لايشكر الله، فجزاه الله خيرا وبارك فيه، وقد لا تأتى الموسوعة بجديد بالنسبة لك لكنه بالنسبة للكثيرين جديد، وهذا هو الحاصل، ثم لم لا نعتبرها تقميشا يعقبه تفتيش.
ونحن في هذا المنتدى المبارك حقا نبني قاعدة بيانات ضخمة، فالكتاب الواحد يتم تنزيله بالمرات في نسخ متعددة وطبعات مختلفة كأننا دار تحقيق، فنحن نستفيد من الموسوعة حتى وإن قال الابراشي:لم تأتى الموسوعة بجديد.
شكرا لك والشكر موصول للشيخ حسام الكيلاني أعزه الله
وأرجو من الأخ الابراشي التواصل معنا على الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=36797
ـ[ابو عبدالله الرفاعي]ــــــــ[07 - 09 - 05, 11:32 م]ـ
جزيتم خيرا، نعم كان وقع بعض الخلل والعطب في بعض الملفات فاسترجعتها مرة ثانية فعملت الموسوعة، وهي موسوعة طيبة، نسأل الله تعالى أن يعظم لكم الأجر، وان يفتح عليكم بخير
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 11:36 م]ـ
جزيتم خيرا، نعم كان وقع بعض الخلل والعطب في بعض الملفات فاسترجعتها مرة ثانية فعملت الموسوعة، وهي موسوعة طيبة، نسأل الله تعالى أن يعظم لكم الأجر، وان يفتح عليكم بخير
............... وخيرا جزاك الله، والرجا التفاعل معنا على الرابط
................. http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=36797
ـ[الابراشى]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:59 ص]ـ
لكن أود أن أقول وبإنصاف: لابد من إعطاء موسوعة الشيخ حسام حقها، ومن لايشكر الناس لايشكر الله، فجزاه الله خيرا وبارك فيه، وقد لا تأتى الموسوعة بجديد بالنسبة لك لكنه بالنسبة للكثيرين جديد، وهذا هو الحاصل، ثم لم لا نعتبرها تقميشا يعقبه تفتيش.
ونحن في هذا المنتدى المبارك حقا نبني قاعدة بيانات ضخمة، فالكتاب الواحد يتم تنزيله بالمرات في نسخ متعددة وطبعات مختلفة كأننا دار تحقيق، فنحن نستفيد من الموسوعة حتى وإن قال الابراشي:لم تأتى الموسوعة بجديد.
شكرا لك والشكر موصول للشيخ حسام الكيلاني أعزه الله
وأرجو من الأخ الابراشي التواصل معنا على الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=36797
العزيز أبو تراب:
أنا لا أنتقص من عمل أحد فقد سبق أن أنزلت موسوعة شبيهة بهذه وكل ما أردته هو تضافر الجهود فجزاكم الله كل خير ولا تغضب أخى الحبيب
من أراد تحميل الموسوعة دفعة واحدة فهذا رابط التحميل أهديه للأخ أبو تراب والأخ حسام الكيلانى
http://www.filefactory.com/get/f.php?f=c4b498a19b6668b61972f440
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/305)
ـ[أبو تراب]ــــــــ[08 - 09 - 05, 01:11 ص]ـ
والله يعلم الله أني لم أغضب منك، وإني لأحبك في الله، لكنني أردت استعمال العدل واستكمال العمل، فأيدتك في تنافر الجهود، لكن حتى لايشعر من أهدانا الموسوعة أن عمله هباءً أردت إنصافه بما يستحقه
فعذرا ثم عذرا ثم عذرا
ولتعلم أخي الحبيب أنني طفت المنتديات الإسلامية، فأرهقني تشنج البعض وحدتهم فضلا عن سوء أدب مغلف بقالب النصح حينا وبدافع الغيرة أحيانا، ومذ دخلت هذا المنتدى المبارك وأنا أشعر أن أهله أهلي كأني أعرفهم، شعارهم (لأني أحبكم في الله) (جزاكم الله خيرا) (بارك الله فيكم) هكذا لاتخلوا دعواتهم فضلا عن أسمائهم وكناهم، فحياك الله معهم وفيهم وحشرنا في زمرة الأنبياء و المرسلين
ـ[الابراشى]ــــــــ[08 - 09 - 05, 01:35 ص]ـ
أخى الحبيب:
بارك الله فيك يا أخى ولا داعى للاعتذار فيبدو أنى فى المشاركة الأولى لى كنت متعب ومرهق (وقليل الذوق) فقد أخجلتنى والله بأدبك وحسن أخلاقك فحبك لى يعادله حبى لك وللأخوة جميعا فبارك الله فيك وفى الأخ حسام الكيلانى
ـ[أبو الربيع السلفي]ــــــــ[08 - 09 - 05, 03:14 ص]ـ
الابراشى!
Sorry, this file is no longer available. It may have been deleted by the uploader, or removed by FileFactory
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[08 - 09 - 05, 05:09 ص]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ..... وبعد:
فكل المشاركات لاقت آذاناً صاغية وعيوناً مفتوحةً، والنقد والإشارة إلى وجود عيوب في موسوعة التراجم والرجال والعلل لا يعطينا إلا دافعاً إلى استكمال النقص الموجود، حتى تخرج بأبهى حلة، وترضي الله أولاً في أداء حقوق رجالات هذه الأمة المحمدية، ثم ترضي المشتغلين بعلوم الحديث الشريف.
مع الأخذ بالعلم أن جميع ما أشير إليه من استدراكات سابقة في المشاركات السابقة حتى كتابتي هذه الأحرف، قد تم تداركه الآن في الموسوعة التي أعدها لتكون الإصدار الثاني والتي تحوي كل ملاحظاتكم واستدراكاتكم.
والشكر موصول لأخي أبي تراب وأخي أبي إسلام وكل من نصح أو لمح ...
أخوكم ومحبكم
حسام الدين الكيلاني
ـ[أبو حطب]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:44 م]ـ
الأخ الكريم فضيلة الشيخ حسام الدين الكيلاني حفظه الله
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
أولا: شكر الله لكم ما تبذلونه وجعلها في ميزانكم يوم تلقونه ولي بعض الملاحظات أرجو أن تتداركوها لو كان بإمكانكم ولو كانت تستحق فعلا أن تتدارك فأنت أهل الدراية والخبرة
ثانيا: لاحظت بطء عملية البحث في الموسوعة خاصة وأنها ملىء بالكتب القيمة فماذا لو برمجتها على مثال برنامج الموسوعة الشاملة او برامج مؤلفات الألباني وماذا لو تعاون الأخوة المبرمجين مع فضيلتكم كالأخ مجرد إنسان وغيره في تصميم برنامج ناجح للموسوعة وينتج عنه سرعة البحث وتطور إمكاناته
ثالثا: لاحظت وجود بعض الكتب كالأعلام للزركلي بنسخ أقل جودة من المتوفرة حاليا على الشبكة وفي يعسوب كما تعلمون نسخة من الكتاب مرقمة ومرتبة حسب المطبوع فماذا لو تم الاستبدا بعض الملفات بالأجود المتوفر منها وماذا لو تم الاستفادة من بعض المكتب الموجودة على الموسوعة الشاملة الإصدار الأول حيث بها إمكانية تحويل الكتب لملفات وورد
هذه بعض الملاحظات وأعتذر عن عرضها فما أردت إلا استكمال هذا العمل الضخم والرقي به
وشكرا جزيلا وأعانكم الله على فعل الخير
أخوكم المحب والمقدر لجهدكم
والسلام عليكم ورحمة الله
أبو حطب
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[09 - 09 - 05, 02:49 ص]ـ
الأخ الكريم فضيلة الشيخ حسام الدين الكيلاني حفظه الله
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
.................................................. .................................................. ...................
هذه بعض الملاحظات وأعتذر عن عرضها فما أردت إلا استكمال هذا العمل الضخم والرقي به
وشكرا جزيلا وأعانكم الله على فعل الخير
أخوكم المحب والمقدر لجهدكم
والسلام عليكم ورحمة الله
أبو حطب
أقول إن الذي تقوم به من تقديم الملاحظات حول الموسوعة هو الواجب،،، ولا شكر على واجب.
أما الاعتذار عن عرض نصائحك لي، فهذا من دماسة أخلاقك ولين جانبك، فلا حاجة للاعتذار فإنما أنت أخ ناصح.
أرجو الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه.
ـ[أبو حطب]ــــــــ[09 - 09 - 05, 09:43 م]ـ
شكر الله لكم وأعاننا على رد الجميل
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 08:50 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[حسن شريف]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:05 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احبتي في الله، بارك الله فيكم جميعا، والله لا تدرون كم ادعو لكم دائما في ظهر الغيب لان يوفقكم الله، واقول كثيرا الحمد لله الذي جعلكم في زماننا هذا وتقدموا لامتكم مثل هذا السفر الضخم {تقريب وتيسير علم الحديث لطلبة العلم}
واقول سيروا على بركة الله ونحن معكم بدعائنا الله تعالى لكم بالتوفيق الى ما يحب ويرضى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبكم في الله تعالى: ابو حفص
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/306)
ـ[المحلاوي]ــــــــ[16 - 10 - 05, 05:08 م]ـ
جزاكم الله خيرا على هذا العمل وأسأل الله أن يثيبكم(20/307)
أين أجد تكملة أشرطة شرح العثيمين عب\لى مختصر التحرير
ـ[محمد سيف]ــــــــ[05 - 09 - 05, 11:05 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ....
قام الشيخ العلامة الفقيه محمد صالح العثيمين رحمة الله عليه
بشرح كتاب مختصر التحرير في أصول الفقه للفتوحي
و هو كتاب أكثر تفصيلا من كتابه الأصول في علم الأصول ...
لكن و بكل أسف المتوافر على موقع الشيخ رحمه الله 17 شريطا فقط
يشرح فيهم فقط إلى حوالي ربع الكتاب .... !!!
و كتاب الكوكب المنير ((شرح المختصر)) يشق علي في كثير من المواضع ..
فهل يوجد على الشبكة باقي أشرطة الشيخ
((مع العلم أني فهمت من كلام الشيخ في شرحه لكتاب الاصول أنه أتم شرح هذا الكتاب))
فإن لم يكن فهل تباع هذه الأشرطة في المملكة ((على أسطوانات مثلا))
فإن لم يكن فهل يعلم أحد من الأخوة الكرام و المشايخ شرحا مسموعا لعالم آخر ..
فإن لم يكن فهل هناك شرحا مكتوبا ((بخلاف الكوكب المنير)) ....
و كيف يمكنني الحصول عليه ....
أرجو من الأخوة خاصة الذين يعيشون في المملكة أو دول الخليج المساعدة
و جزاكم الله خيرا على الاهتمام و مساعدة أخيكم ...
سيف
ـ[ابو سعد الحميّد]ــــــــ[07 - 09 - 05, 01:43 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الموجود في تسجيلات الإستقامة هو شرح الشيخ محم رحمه الله في 17 شريط فقط وهي الموجودة فقط، والذي أعلم أن الشيخ لم يشرح الكتاب كامل، وهناك شرح آخر على مختصر التحرير نسيت اسمه الآن حقق رسالة علمية وسيطبع قريباً إن شاء الله أفادني شيخنا الشيخ عبدالله بن عقيل حفظه الله أنه أفضل وأسهل شروح مختصر التحرير.(20/308)
الناسخ والمنسوخ: السدوسي (محقق).
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[05 - 09 - 05, 11:13 م]ـ
الناسخ والمنسوخ: السدوسي (محقق).
يعسوب.
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:24 ص]ـ
نفع الله بكم.
ـ[أبو عبدالله العمري]ــــــــ[10 - 09 - 05, 04:35 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
اخي الحبيب اشرف بن محمد ارجو التكرم بتعريفي عن طريقة تشغيل هذا البرنامج وجزاك الله خيرا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللهم اني اسألك الاخلاص في القول والعمل
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[10 - 09 - 05, 04:42 م]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=37039
مشاركة 37.
ـ[أبو تراب]ــــــــ[10 - 09 - 05, 06:01 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[ابوالمنذر]ــــــــ[10 - 09 - 05, 08:05 م]ـ
جزاك الله خيرا(20/309)
هنا: مجمع لشهر الخير
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:21 ص]ـ
سوف أضع هنا إن شاء الله تعالى , كل ما يتعلق بشهر الخير والبركة , نسأل الله عز وجل أن يبلغنا إياه.
أحكام السواك
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:24 ص]ـ
أحكام الصيام
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:28 ص]ـ
أحكام الصيام وتنبيهات عامة للصائمين
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:29 ص]ـ
آداب الصيام وأحكامه
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:31 ص]ـ
أفكار رمضانية
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:32 ص]ـ
التائبون في رمضان
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:33 ص]ـ
استمع إلى: سلسلة قطايف رمضان للشيخ أحمد بحيري:
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=711
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:37 ص]ـ
الشهر المبارك
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:38 ص]ـ
استمع إلى:
أحكام الصيام
أحمد بن نافع المورعي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6477
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:39 ص]ـ
الصوم، أحكام ومسائل - إحسان بن محمد بن عايش العتيبي
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:40 ص]ـ
استمع إاى:
سلسلة مجالس رمضان
للشيخ: أحمد فريد
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=291
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:42 ص]ـ
الصيام
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:44 ص]ـ
الصيام للفريابي
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:45 ص]ـ
سلسلة فقه الصيام الميسر
للشيخ: أيمن سامي
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=1856
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:27 م]ـ
العشر الأواخر
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:29 م]ـ
الليلة رمضان
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:30 م]ـ
إلى من أدرك رمضان 150 باباً من أبواب الخير
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:30 م]ـ
تفسير آيات الصوم
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:32 م]ـ
حال السلف في رمضان
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:34 م]ـ
لماذا نخسر رمضان؟
إبراهيم بن عبدالله الدويش
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=237
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:35 م]ـ
الفائزون في رمضان
إبراهيم بن عبدالله الدويش
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=1366
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:37 م]ـ
40 وسيلة لاستغلال رمضان
إبراهيم بن عبدالله الدويش
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6595
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:38 م]ـ
محروم في شهر الصوم
إبراهيم بن عبدالله الدويش
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6640
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:42 م]ـ
رمضان و التغيير في حياتنا
إبراهيم بن عبدالله الدويش
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33394
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:44 م]ـ
صيام رمضان
إحسان بن محمد العتيبي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=18303
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:48 م]ـ
حالنا مع القرآن ويليه القرآن في رمضان
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:49 م]ـ
خواطر رمضانية
ـ[الاستاذ]ــــــــ[06 - 09 - 05, 01:52 م]ـ
أحكام الصيام
أبو سعيد الجزائري
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=13591&scholar_id=397&series_id=573
ـ[الاستاذ]ــــــــ[07 - 09 - 05, 12:49 ص]ـ
سلسلة شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال شهر رمضان
للشيخ: أحمد حطيبة
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=1962
ـ[الاستاذ]ــــــــ[07 - 09 - 05, 12:50 ص]ـ
سلسلة خطب الجمعة لرمضان 1423هـ
للشيخ: أسامة عبدالعظيم
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=1329
ـ[الاستاذ]ــــــــ[07 - 09 - 05, 12:52 ص]ـ
سلسلة خير الأعمال في رمضان
ـ[الاستاذ]ــــــــ[07 - 09 - 05, 12:54 ص]ـ
تابع
ـ[الاستاذ]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:31 ص]ـ
رسالة شهر رمضان المبارك
ـ[الاستاذ]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:34 ص]ـ
رمضان شهر الجود والقرآن
ـ[الاستاذ]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:36 ص]ـ
رمضان فرصة للشباب
ـ[الاستاذ]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:39 ص]ـ
روحانية صائم - الدويش
ـ[الاستاذ]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:40 ص]ـ
رمضان فرصة لتثبيت القلوب
خطب الحرمين الشريفين
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6664
ـ[الاستاذ]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:41 ص]ـ
اغتنام رمضان لشحذ الهمم
خطب الحرمين الشريفين
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6760
ـ[الاستاذ]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:43 ص]ـ
الإستقامة يا عباد الله في رمضان وبعده
رضا أحمد صمدي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=17215
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/310)
ـ[الاستاذ]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:45 ص]ـ
سبعين مسألة في الصيام
ـ[الاستاذ]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:46 ص]ـ
رمضان يا حسرة المحرومين
سعد بن عبدالله البريك
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=1381
ـ[الاستاذ]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:47 ص]ـ
رمضان بين العادة والعبادة
سعد بن عبدالله البريك
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=1430
ـ[الاستاذ]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:48 ص]ـ
صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلّم
ـ[الاستاذ]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:50 ص]ـ
لصوص رمضان
سلطان بن حمد العويد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33725
ـ[الاستاذ]ــــــــ[10 - 09 - 05, 02:26 م]ـ
صوموا لعلكم تتقون
ـ[الاستاذ]ــــــــ[10 - 09 - 05, 02:27 م]ـ
صيام رمضان، أحكام ومسائل
ـ[الاستاذ]ــــــــ[10 - 09 - 05, 02:28 م]ـ
الصوم فضله وفوائده
عبدالحميد كشك
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=4935
ـ[الاستاذ]ــــــــ[10 - 09 - 05, 02:32 م]ـ
فضل الصيام
عبدالحميد كشك
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6558
ـ[الاستاذ]ــــــــ[10 - 09 - 05, 02:36 م]ـ
شهر رمضان
عبدالحميد كشك
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6647
ـ[الاستاذ]ــــــــ[10 - 09 - 05, 02:38 م]ـ
حكم من أفطر يوما عامدا من رمضان
عبدالحميد كشك
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=7826
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:17 م]ـ
صيام رمضان، أحكام ومسائل
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:18 م]ـ
صيام رمضان فضله مع بيان أحكام مهمة تخفى على بعض الناس
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:19 م]ـ
عشر وسائل لإستقبال رمضان
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:20 م]ـ
سلسلة من دروس التراويح [آيات وتفاسير]
للشيخ: عبدالحي يوسف
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=524
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:23 م]ـ
ثمرات الصيام
عبدالرحمن بن عبدالخالق اليوسف
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=17441
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:27 م]ـ
أقبل رمضان
عبداللطيف مشتهري
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=15308
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:28 م]ـ
كيف نستقبل رمضان
عبداللطيف مشتهري
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=16554
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:31 م]ـ
رمضان شهر الجوائز
عبداللطيف مشتهري
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=26155
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:40 م]ـ
سلسلة شرح كتاب وظائف شهر رمضان
للشيخ: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=678
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:41 م]ـ
عشر وسائل لإستقبال رمضان
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:45 م]ـ
هدي السلف في رمضان
عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=1428
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:48 م]ـ
أسئلة في الصيام -1 -
عطية صقر
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=12323&scholar_id=388&series_id=531
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:49 م]ـ
أسئلة في الصيام -2 -
عطية صقر
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=12324&scholar_id=388&series_id=531
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:51 م]ـ
فتاوى في الصيام - محمد صالح المنجد
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:54 م]ـ
فتاوى نسائية رمضانية
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:57 م]ـ
فضل الصيام
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:58 م]ـ
كيف تستقبل رمضان
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:00 م]ـ
كيف نعيش رمضان
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:01 م]ـ
كيف نغتنم رمضان ..
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:02 م]ـ
كيفية قضاء شهر رمضان
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:03 م]ـ
للشباب فقط في رمضان
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:05 م]ـ
معذرة يا رمضان
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:05 م]ـ
مفطرات الصوم و مسائل القضاء
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:06 م]ـ
ملخص أحكام الكفارات
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:08 م]ـ
نبذة عن الصيام
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:09 م]ـ
وظائف العشر الأواخر من رمضان والعيد وما بعده
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:11 م]ـ
بين يدي رمضان
محمد بن إسماعيل المقدم
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=369
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:14 م]ـ
ربانيون لا رمضانيون
محمد بن عبدالرحمن العريفي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6681
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/311)
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:16 م]ـ
مجموعة جلسات رمضانية
للشيخ: محمد بن صالح العثيمين
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=groups&scholar_id=50&group_id=6
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:18 م]ـ
من فقه الصيام
محمد بن صالح العثيمين
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=529
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:20 م]ـ
أربعون سؤالا في فقه الصيام وفضل القيام
محمد بن صالح العثيمين
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=1426
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:24 م]ـ
أحكام الصيام
محمد بن صالح العثيمين
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6294
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:25 م]ـ
فتاوى رمضانية -عام 1415 هـ-
محمد بن صالح العثيمين
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6296
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:26 م]ـ
ماذا يجب أن نفعله في رمضان؟
محمد بن صالح العثيمين
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=10780
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:28 م]ـ
نيل المرام من أحكام الصيام
محمد بن صالح العثيمين
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=13454
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:29 م]ـ
وقفات مع صائم
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:30 م]ـ
وماذا بعد رمضان
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:34 م]ـ
أفيقي أمتي .. قبل رمضان
محمد حسين يعقوب
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=717
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:36 م]ـ
كيف نستقبل رمضان؟
محمد حسين يعقوب
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=5302
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:37 م]ـ
هل ستصوم رمضان حقاً؟
محمد حسين يعقوب
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6399
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:38 م]ـ
كيف نعيش رمضان؟
محمد حسين يعقوب
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6646
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:39 م]ـ
ثمرات الصيام
محمد حسين يعقوب
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=7282
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:41 م]ـ
الإستعداد لرمضان
محمد حسين يعقوب
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=17099
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:44 م]ـ
لرمضان فاستعد
محمد حسين يعقوب
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33235
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:57 م]ـ
فضائل الصيام
محمد سعيد رسلان
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=7617
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:01 م]ـ
حتى يكون رمضان منحة لا محنة
محمد سعيد رسلان
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33238
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:03 م]ـ
قيمة الصيام في الإسلام
محمد سعيد رسلان
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33343
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:05 م]ـ
كيف تصوم رمضان؟
محمد سعيد رسلان
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33695
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:07 م]ـ
أحكام الصيام
محمد سعيد رسلان
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33720
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:10 م]ـ
الصوم مدرسة الإسلام الكبرى
محمد سعيد رسلان
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33721
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:12 م]ـ
فضل الصوم
محمد سعيد رسلان
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33722
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:16 م]ـ
نصائح وتوجيهات مهمة في رمضان
محمد سعيد رسلان
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33858
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:17 م]ـ
حال المسلم في رمضان
محمد سعيد رسلان
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=34319
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:25 م]ـ
كيف تستقبل رمضان؟
ناصر بن سليمان العمر
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=508
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:29 م]ـ
وصية للصائمين
محمد بن محمد المختار الشنقيطي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=4554
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:31 م]ـ
بين يدي رمضان
محمد بن محمد المختار الشنقيطي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=4562
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:33 م]ـ
قيام رمضان
محمد بن محمد المختار الشنقيطي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=5747
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/312)
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:35 م]ـ
أبواب الخير في رمضان
محمد بن محمد المختار الشنقيطي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6636
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:38 م]ـ
وصية لصائم
محمد بن محمد المختار الشنقيطي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=7039
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:42 م]ـ
رمضان موسم الطاعات
محمد حسان
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=311
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:48 م]ـ
أهلا رمضان
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=1184
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:50 م]ـ
الزاد الرمضاني
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=1378
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:54 م]ـ
رمضان على الأبواب
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6320
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:57 م]ـ
مائة فائدة من أحكام الصيام
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6633
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 08:53 م]ـ
مواعظ وأحكام شهر الصيام
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=16904
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 08:56 م]ـ
فتاوى لأهل الصيام
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=16910
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 08:58 م]ـ
حتى لا نصاب بالفتور في رمضان
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=17611
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 08:59 م]ـ
ودخل شهر رمضان
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=17917
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:01 م]ـ
رمضان وإعداد العدة
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=17983
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:02 م]ـ
مفهوم العبادة في رمضان
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=18129
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:03 م]ـ
قيام رمضان
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=18298
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:05 م]ـ
الحماس للصالحات في رمضان
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=25054
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:06 م]ـ
الصيام وأحكامه سؤال وجواب
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=26118
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:09 م]ـ
شيء مهم في رمضان
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33707
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:10 م]ـ
ماذا نفعل في رمضان
محمد صالح المنجد
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33716
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:14 م]ـ
سلسلة أحكام الصيام
للشيخ: محمد عبدالمقصود
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=24
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:16 م]ـ
سلسلة فقة الصيام من كتاب المجموع للنووى
للشيخ: محمد نجيب المطيعي
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=715
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:20 م]ـ
مخالفات شرعية في رمضان
نبيل بن علي العوضي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=5341
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:21 م]ـ
مخالفات نسائية في رمضان
نبيل بن علي العوضي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6380
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:22 م]ـ
العبادة في رمضان
نبيل بن علي العوضي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6381
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:23 م]ـ
فضل الصيام
نبيل بن علي العوضي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=6382
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:28 م]ـ
نسائم رمضان
نبيل بن علي العوضي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33446
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:32 م]ـ
أفضل الأعمال في شهر رمضان
نبيل بن علي العوضي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33580
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:36 م]ـ
برنامج الصائم في رمضان
وحيد عبدالسلام بالي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=33763
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:39 م]ـ
اللهم بلغنا رمضان
وليد إدريس المنيسي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=25361
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/313)
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:40 م]ـ
فضائل وأحكام شهر الصيام
وليد إدريس المنيسي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=26168
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:42 م]ـ
رمضان والإنتصار على النفس
ياسر برهامي
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=26277
ـ[الاستاذ]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:45 م]ـ
كيف تستقبل رمضان؟
وجدي غنيم
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=670(20/314)
المنظومة الميمية في الوصايا والآداب العلمية للشيخ حافظ حكمي
ـ[أم اليمان]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:21 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المنظومة الميمية في الوصايا والآداب العلمية للشيخ حافظ حكمي
نبذة عن المنظومة:
من أهم قصائد حافظ الحكمي الشعرية التي أنشأها في الوصايا والآداب العلمية، وهي طويلة جداً،يصف فيها العلم ومنزلته ويرغب في العلم، ويحض طالبه على الحرص عليه، والسعي قدر المستطاع لنيل أكبر قسط منه، وعدم الرضا بغيره عوضاً عنه، فمن حصل عليه فقد ظفر. ويوصي طلبة العلم بمساعدة غيرهم في تحصيله وتقريب مباحثه، ويشير عليهم قبل ذلك كله بأن يخلصوا نياتهم - في طلبه - لوجه الله الكريم.
وهي من أروع ما كتب في الوصايا والآداب العلمية.
::::: لتحميل المنظومة::::: ( http://www.almeshkat.com/books/open.php?cat=32&book=1986)
<!-- / message --><!-- / message -->
ـ[حسن البركاتي]ــــــــ[09 - 04 - 08, 03:17 م]ـ
الآن بتسجيلات الراية شرح لهذه المنظومة للشيخ العلامة عبدالكريم الخضير حفظه الله (خمسة أشرطة).
ـ[أبو سلمى المغربي]ــــــــ[09 - 04 - 08, 11:10 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماشاء الله بارك الله فيك
الحَمْدُللهِ ربِّ العالمينَ عَلى ... آلائه وهْوَ أهلُ الحَمْدِ والنِّعَمِ
ذي الملكِ والملكوتِ الواحِدِ الصمَدِ ل ... بَرِّ المهيْمِنِ مُبدِي الخلْقِ مِن عَدَمِ
مَنْ عَلَّمَ الناسَ ما لا يعْلمونَ وبِالْ ... بَيانِ أنْطَقَهُمْ والخَطِّ بالقَلَمِ
ثمَّ الصلاةُ على المُخْتارِ أكرَمِ ii مَبْ ... عُوثٍ بِخيْرِ هُدًى في أفضَلِ الأُمَمِ
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[23 - 01 - 09, 03:21 م]ـ
أحسن الله إليكم
ـ[محمد الجعبة]ــــــــ[16 - 03 - 09, 11:14 م]ـ
جزاكم الله خيرا ...(20/315)
أرجوا ممن عنده هذه الأجزاء الحديثية أن يفيدني
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[06 - 09 - 05, 02:35 ص]ـ
أرجوا ممن عنده هذه الأجزاء الحديثية أن يفيدني:
1 - صفة التصوف لأبي زرعة المقدسي.
2 - حديث مالك للنسائي (لا أطنه مطبوعا).
3 - التاسع من الفوائد المنتقاة، لأبي الفتح بن أبي الفوارس (لا أطنه مطبوعا).
4 - حديث الصفار (لا أطنه مطبوعا).
5 - الثاني من أجزاء أبي علي بن شاذان (لا أطنه مطبوعا).
6 - فوائد أبي عبد الله الفراء.
7 - الترغيب والترهيب للأصبهاني.
8 - جزء بانتخاب أبي طاهر السلفي (لا أطنه مطبوعا).
9 - الرسالة القشيرية.
10 - فوائد أبي الحسن بن طلحة النعالي (لا أطنه مطبوعا).
ـ[العاصمي]ــــــــ[06 - 09 - 05, 03:31 ص]ـ
حفظك الله، أخانا الكريم أبا المقداد، أسأل الله أن ييسر لك الحصول على كل ماتصبو اليه ...
كتاب الترغيب و الترهيب، ليس جزءا حديثيا في اصطلاحهم، بل هو كتاب كبير، نشر مرتين في مجلدين، مصنفه أبو القاسم اسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني، المعروف بقوام السنة، رحمه الله رحمة واسعة.
و أذكر أني رأيت الأخ الفاضل نبيلا الجرار - زاده الله توفيقا - أعلن عن عزمه على اخراج مجموعة من أجزاء الصفار ... أعانه الله و وفقه.
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[06 - 09 - 05, 03:38 ص]ـ
جزاكم الله خيرا، أعلم ما ذكرتم بشأن الترغيب والترهيب، لكن لعلكم تلتمسون لي عذرا، فإنه (يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا) (ابتسامة)
ـ[نبيل جرار]ــــــــ[07 - 09 - 05, 03:16 م]ـ
جزء من حديث الصفار رواية ابن مهدي الفارسي
جزء الصفار رواية ابن رزقوية
السادس من حديث الصفار
هذه الأجزاء الثلاثة وفقني الله لإخراجها في المجموع الثالث من مجاميع الأجزاء الحديثية، وطبعته دار البشائر الإسلامية قبل أكثر من عام، والحمد لله على توفيقه.
أما الجزء التاسع من الفوائد المنتقاة الحسان، انتقاء أبي الفتح ابن أبي الفوارس الحافظ، من رواية أبي طاهر محمد بن عبدالرحمنِ المخلص، فهو عندي ضمن معظم أجزاء وفوائد وأمالي المخلص، إذ في نيتي التفرغ لتحقيقها، ولعلها تكون مادة المجموع السادس من مجاميع الأجزاء الحديثية، والله ولي التوفيق.
ـ[عبد الرحمن الناصر]ــــــــ[19 - 11 - 05, 08:27 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأنا أبحث عن جزء لأبي علي الفارسي النحوي عن خالد بن معدان عن إسحاق بن راهوية (تفرد به)
ذكره الذهبي في السير فقال:
سير أعلام النبلاء (16/ 379)
حدث بجزء من حديث إسحاق بن راهويه سمعه من علي بن الحسين بن معدان تفرد به
فمن يعرف عنه شيئا فليدلني عليه
جزاكم الله خيرا،
ـ[عبد الرحمن الناصر]ــــــــ[20 - 11 - 05, 02:22 م]ـ
عفوا
عن علي بن الحسين بن معدان عن إسحاق بن راهوية (تفرد به)
وليس عن خالد بن معدان ـ جل من لايسهو ـ
ـ[خالد الأنصاري]ــــــــ[20 - 11 - 05, 02:29 م]ـ
أرجوا ممن عنده هذه الأجزاء الحديثية أن يفيدني:
1 - صفة التصوف لأبي زرعة المقدسي.
2 - حديث مالك للنسائي (لا أطنه مطبوعا).
3 - التاسع من الفوائد المنتقاة، لأبي الفتح بن أبي الفوارس (لا أطنه مطبوعا).
4 - حديث الصفار (لا أطنه مطبوعا).
5 - الثاني من أجزاء أبي علي بن شاذان (لا أطنه مطبوعا).
6 - فوائد أبي عبد الله الفراء.
7 - الترغيب والترهيب للأصبهاني.
8 - جزء بانتخاب أبي طاهر السلفي (لا أطنه مطبوعا).
9 - الرسالة القشيرية.
10 - فوائد أبي الحسن بن طلحة النعالي (لا أطنه مطبوعا).
هذه الأجزاء جميعها لدي , وقد وفقني الله للانتهاء من تحقيق (فوائد أبي عبدالله الفراء المصري) , وسيطبع قريباً بإذن الله تعالى.
محبكم / أبومحمد.
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[11 - 02 - 06, 01:04 ص]ـ
يرفع،، بانتظار الجواب، فالشيخ خالد غائب عنا منذ فترة.(20/316)
للتحميل: رسائل في الجرح والتعديل.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[06 - 09 - 05, 06:48 م]ـ
1 - منهج أبي حاتم في الجرح والتعديل.
2 - رسالة في الجرح والتعديل.
3 - معنى ألفاظ الجرح والتعديل.
4 - اجتماع الجرح والتعديل في راوٍ واحد.
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[06 - 09 - 05, 07:47 م]ـ
جزاكم الله خير الجزاء
ـ[ابو عبدالله الرفاعي]ــــــــ[07 - 09 - 05, 02:49 ص]ـ
جزاكم الله تعالى خيرا يا شيخ أشرف
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[07 - 09 - 05, 03:20 ص]ـ
جزاكم الله تعالى خيرًا يا شيخ أشرف، وبارك الله فيك.
ـ[المعتزة بدينها]ــــــــ[11 - 03 - 06, 03:37 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
جزاك اللخ الف خير
ليس لدي البرنماج رار
كيف استطيع تنزيل البرنماج
ـ[المعتزة بدينها]ــــــــ[11 - 03 - 06, 03:38 م]ـ
عفوا
اللخ خطا
اقصد
جزاك الله خير
ـ[أبو وئام]ــــــــ[11 - 03 - 06, 03:52 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أبو عمر]ــــــــ[11 - 03 - 06, 03:58 م]ـ
جزاكم الله خيراً
ـ[المعتزة بدينها]ــــــــ[11 - 03 - 06, 04:22 م]ـ
خلاص الحمدالله تمكنت من انزال البرنماج والملفات جميعا الحمدالله بارك الله فيكم
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[11 - 03 - 06, 05:16 م]ـ
جزاكم الله خيرا يا شيخ أشرف
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[12 - 03 - 06, 04:53 ص]ـ
جزاك الله خيراً
ـ[مصطفي سعد]ــــــــ[08 - 09 - 06, 04:54 م]ـ
وفقتم للخير وهديتم
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[08 - 09 - 06, 07:01 م]ـ
جزاك الله خيرا(20/317)
للتحميل: فوائد أبي ذر الهروي.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[06 - 09 - 05, 10:40 م]ـ
للتحميل: فوائد أبي ذر الهروي.
ـ[مصطفي سعد]ــــــــ[13 - 02 - 07, 01:16 ص]ـ
شكرا للاخ اشرف بن محمد هل انت سكندرى يا اخى
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[13 - 02 - 07, 02:15 ص]ـ
شكرا لك أخي أشرف، وجزاك الله خيرا
وعن بغداد فلا تسل، فقد غطت الدماء الحناجر
وعلى رقاب الأحرار سلط سيف الأحقاد
وحرقت المصاحف ودمرت المنابر
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[14 - 02 - 07, 09:48 ص]ـ
جَزَاكُمْ اللهُ خَيْرَاً
[تَنْبِيهٌ أَوَّلٌ] الْمَلَفُّ الْمُرْفَقُ يَحْتَوِي عَلَى جُزْئَيْنِ:
[1] فَوَائِدُ حَديثِ أَبِي ذَرٍّ عَبْدِ بْنِ أَحْمَدَ الْهَرَوِيِّ
وَيَنْتَهِي هَذَا الْجُزْءُ بِهَذَا النَّصِ:
[22] أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ دَاسَةَ بِالْبَصْرَةِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ: حَدَّثنا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الأَصْمَعِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ أَعْرَابِيَّةَ، وَقَدْ أَرَادَ ابْنٌ لَهَا سَفَرَاً، فَقَالَتْ لَهُ: أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي مُوصِيَتُكَ بِوَصِيَّةٍ، فَإِنْ كَانَ رَأْيُكَ قَبُولَ وَصِيَّتِي، وَإِلاَّ فَامْضِ رَاشِدَاً، قَالَ: فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّهْ، بَلَى، رَأْيِي قَبُولُ وَصِيَّتِكِ إِنْ شَاءَ اللهُ، قَالَتْ: يَا بُنَيَّ صَلِّ الصَّلَوَاتِ بِحَقَائِقِهَا، فَإِنَّهُ دَيْنٌ لا يَقْبَلُهُ اللهُ إِلاَّ مِنْ مَحِلِّهِ، يَا بُنَيَّ ابْتَغِ الرِّزْقَ مِمَّنْ رَزَقَ لا مِمَّنْ رُزِقَ، يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَمُجَاوَرَةَ الأَوْغَادِ، فَإِنَّكَ تَصْغُرُ فِي أَعْيُنِ الأَشْرَافِ بِمُجَاوَرَتِهِمْ، امْضِ جَنَّبَكَ اللهُ مَا كَرِهَ لَكَ مَا أَطَعْتَهُ، فَإِذَا حُلْتَ عَنْ طَاعَتِهِ، فَمَا يَنْفَعُ دُعَائِي لَكَ شَيْءٌ.
آخَرُ الْجُزْءِ وَالْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ.
[2] فَوَائِدُ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ الْبَغْدَادِيِّ
وَيَبْتَدِئُ هَذَا الْجُزْءُ بِهَذَا النَّصِ:
[1] أَنْبَأ أبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْكَرْخِيُّ الْبَزَّازُ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الذَّهَبِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَنِيعِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَاصِمٍ النَّسَائِيُّ أبُو طَالِبٍ ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ نَفْسَاً مُسْلِمَاً كَانَتْ فَدِيَتُهُ مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَتْ لَهُ نُورَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
[تَنْبِيهٌ ثَانٍ] سَقَطَ مِنَ الْجُزْءِ الأَوَّلِ «فَوَائِدُ حَديثِ أَبِي ذَرٍّ» هَذَا الْحَدِيثُ:
[4] وَحَدَّثَنِي جَابِرٌ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا نَكَحَ الْعَبْدُ - أَوْ قَالَ: إِذَا تَزَوَّجَ - الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذَنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ».
[تَنْبِيهٌ ثَالِثٌ] وَقَعَ فِي الْجُزْءِ الأَوَّلِ «فَوَائِدُ حَديثِ أَبِي ذَرٍّ» هَذَا الْحَدِيثُ:
[3] أَخْبَرَنَا أبُو مُسْلِمٍ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ اللَّيْثِيُّ الْبُخَارِيُّ أَنْبَأَ أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْحُلْوَانِيُّ الإِمَامُ ثَنَا أبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَلِيٍّ إِمَامُ الْجَامِعِ بِبُخَارَى ثَنَا أبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ ثَنَا أبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ ثَنَا عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي فَاخِتَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بن يَزِيدَ قَالَ قَالَ عبدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسِنُوا، فَإِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ، قَالُوا: فَقُلْنَا: عَلِّمْنَا، قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْعالمينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ، وَقَائِدِ الْخَيْرِ، وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ، اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامَاً مَحْمُودَاً يَغْبِطُهُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخَرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا هو مِنْ أحاديث الجزءِ الثَّانِي لأَبِي بَكْرٍ الشَّاِِشِيِّ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/318)
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[14 - 02 - 07, 10:03 ص]ـ
فَوَائِدُ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَبْدِ بْنِ أَحْمَدَ الْهَرَوِيِّ
لِلْحَافِظِ أَبِي ذَرٍّ عَبْدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ الْهَرَوِيِّ ت 434 هـ
طُبِعَ بِاسْمِ: الْجُزْءُ مِنْ فَوَائِدِ حَديثِ أَبِي ذَرٍّ عَبْدِ بْنِ أَحْمَدَ الْهَرَوِيِّ
بِتَحَقِيقِ أَبِي الْحَسَنِ سَمِيْرِ بْنِ حُسَيْنٍ وَلَدِ سَعْدي الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ الْحُسَيْنِيِّ.
طَبْعةُ مَكْتَبَةِ الرُّشْدِ وَشَرِكَةِ الرِّيَاضِ لِلنِّشْرِ وَالتَّوْزِيعِ بِالْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السَّعُودِيَّةِ / 1418 هـ.
حَمَّلْ نُسْخَةً word مُنَسَّقَةً وَمَشْكُولَةً:
ـ[أبو محمد العدني]ــــــــ[15 - 02 - 07, 11:21 م]ـ
بارك الله فيك(20/319)
للتحميل: البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[06 - 09 - 05, 10:43 م]ـ
للتحميل:
البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف
تأليف
ابن حمزه الحسيني الحنفي الدمشقي
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[06 - 09 - 05, 10:53 م]ـ
يراجع ترجمته في: " معجم المطبوعات العربية " 1/ 88، وغيره ...
ـ[عصمت الله]ــــــــ[07 - 09 - 05, 11:11 ص]ـ
شكرا أخي الكريم على هذا الكتاب القيم و الأسهل لنا- و نحن لا نملك معجم المطبوعات العربية - أن تضع ترجمته هنا مثل الكتاب و جزاك الله ألف خير
ـ[حسيني]ــــــــ[07 - 09 - 05, 01:07 م]ـ
ترجمة ابن حمزه الحسيني الحنفي الدمشقي
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[07 - 09 - 05, 09:31 م]ـ
جزاكم الله خيراً أخي الحبيب حسيني، على المسارعة في تلبية طلب أخي الحبيب عصمت الله.
وجزاكما الله خيراً
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[14 - 09 - 05, 07:05 م]ـ
.........
ـ[أنس الحلو]ــــــــ[18 - 04 - 09, 08:09 م]ـ
أحبتي / بحثت عنه في الشبكة مصوراً فلم أجده!
هل من أحد يدلني عليه ,
وبارك الله فيكم(20/320)
بشرى _ مؤلفات فضيلة الشيخ عبدالعزيز الراجحي حفظه الله، موجودة بموقع طريق الإسلام
ـ[ابن هشام المصري]ــــــــ[06 - 09 - 05, 11:34 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الكرام _ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أراد تحميل كتاب فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله، سيجدها على هذا الرابط
http://www.islamway.com/index.php?iw_s=library&iw_a=sh&lang=1&id=171
ـ[ابن هشام المصري]ــــــــ[23 - 10 - 05, 12:45 ص]ـ
للرفع
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[06 - 11 - 05, 01:14 ص]ـ
كل الشكر لك(20/321)
بشرى _ مؤلفات فضيلة الشيخ محمد بن العثيمين رحمه الله، موجودة بموقع طريق الإسلام
ـ[ابن هشام المصري]ــــــــ[06 - 09 - 05, 11:37 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الكرام _ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أراد تحميل كتاب فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، سيجدها على هذا الرابط
http://www.islamway.com/index.php?iw_s=library&iw_a=sh&lang=1&id=50
ـ[ابن هشام المصري]ــــــــ[03 - 10 - 05, 06:41 م]ـ
للفائدة
ـ[معاذ جمال]ــــــــ[04 - 10 - 05, 07:36 م]ـ
نعم أخي الحبيب و هي موجودة ايضا في موقع الشيخ على شكل كتب إلكترونية، نفع الله الجميع
ـ[ابن هشام المصري]ــــــــ[23 - 10 - 05, 12:41 ص]ـ
للرفع(20/322)
للتحميل:الأمالي في آثار الصحابة للحافظ عبد الرزاق بن همام الصنعاني.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[07 - 09 - 05, 03:50 ص]ـ
للتحميل: الأمالي في آثار الصحابة للحافظ عبد الرزاق بن همام الصنعاني رحمه الله.
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[07 - 09 - 05, 04:09 ص]ـ
جزاكم الله تعالى خيرًا يا شيخ أشرف، وبارك الله فيك.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[14 - 09 - 05, 07:07 م]ـ
وإياك يا شيخ مسعد
ـ[ابو عبدالله الرفاعي]ــــــــ[14 - 09 - 05, 11:48 م]ـ
جزاكم الله تعالى خيرًا يا شيخ أشرف، وبارك الله فيك.
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[07 - 11 - 05, 09:10 م]ـ
جزاكم الله خيرًا
ـ[طالب علوم الحديث]ــــــــ[10 - 11 - 05, 10:24 م]ـ
جزاك الله خيرا(20/323)
حمل كتاب الرد العلمى على كتاب "تذكير الاحباب بتحريم النقاب" للشيخ محمد إسماعيل
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[07 - 09 - 05, 07:18 ص]ـ
الرد العلمى على كتاب "تذكير الاحباب بتحريم النقاب" للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم
تقديم الشيخ: صالح ال الشيخ
الحجم: 20 ميجا
pdf
عدد الصفحات: 240
http://www.ahlalhdeeth.com/twealib/alneqab.pdf
هذا الكتاب جزء من "المشروع الجديد فى عالم نشر كتب العلم الشرعى على الانترنت" على الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=23249
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[07 - 09 - 05, 07:26 ص]ـ
الأخ الفاضل الحبيب: طويلب علم،،
ألا مِن وسيلة لتحويل هذه الكتب القيمة، ومن قبل - علو الهمة - لفضيلة الشيخ المقدَّم حفظه الله، إلى صيغة وورد، وهناك كتب أخرى تم رفعها صيغة bdf ، نريدها وورد.
جزاكم الله خيراً.
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[07 - 09 - 05, 07:32 ص]ـ
بارك الله فيك شيخنا الكريم أشرف بن محمد
لا اعرف طريقه للتحويل لكن الاخ الفاضل عمر رحال مع اخوه اخرين يقومون على كتابه علو الهمه و كتب اخرى على الوورد نسأل الله ان ييسر الامر لهم
ـ[عمر رحال]ــــــــ[07 - 09 - 05, 07:49 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورضوانه
أخي الحبيب/ طويلب علم ...... وفقه الله.
جزاك الله عنا وعن الشيخ/محمد بن إسماعيل ... كُل خير.
وأسأل المولى أن يكتب لك الأجر العظيم.
أخنا الأكبر/ أشرف بن محمد ..... سلمه الله.
قريباً، لا تتعجل .... الخير قادم، إذا كان لنا في العُمر بقية.
تابعونا!!!
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[07 - 09 - 05, 08:02 ص]ـ
أخوَيَّ الفاضلين:
طويلب علم،،
عمر رحال،،
جزاكما الله خير الجزاء، وجعل جهدكما في ميزان حسناتكما، وغفر الله لكما.
ـ[عمر رحال]ــــــــ[07 - 09 - 05, 08:18 ص]ـ
اللهم آمين.
أخ/ أشرف، راجع الخاص.
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[07 - 09 - 05, 03:25 م]ـ
الأخ الفاضل: طويلب علم صغير
برجاء تجربة البرنامج التالي:
http://www.rdi-eg.com/site/Development/development6.asp
الشركة تقول انه يحول الصور الممسوحة بسكانر إلى وورد وهذه نسخة تجريبية منه
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 05:02 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أسامة عباس]ــــــــ[07 - 09 - 05, 05:41 م]ـ
لا أظن برامج التحويل تفلح مع النصوص العربية .. فقد كان عندي نص عربي على صيغة pdf و (غلبت) في تحويله .. وأقصى ما حصلت عليه هو ملفًا حروفه معكوسة ..
أما موضوع تحويل الصور الممسوحة بالسكانر فالذي بلغ إليّ أنه لا يفلح أيضًا مع النص العربي ..
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[23 - 11 - 05, 11:38 م]ـ
اخوانى هذا هو الكتاب بعد تخفيض الحجم مجزأ حتى يتوفر سيرفر لرفعه كاملا و ساعمل تباعا على باقى الكتب والله المستعان
الكتاب 11 ميجا
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[23 - 11 - 05, 11:39 م]ـ
البقيه(20/324)
للتحميل: ذكر أخبار أصبهان (الحافظ أبو نعيم الأصبهاني).
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[07 - 09 - 05, 07:27 ص]ـ
للتحميل: ذكر أخبار أصبهان (الحافظ أبو نعيم الأصبهاني).
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[07 - 09 - 05, 07:29 ص]ـ
الأخير
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[07 - 09 - 05, 07:31 ص]ـ
نسخة أخرى من الكتاب:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=32450&highlight=%C3%D5%C8%E5%C7%E4
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[14 - 09 - 05, 07:06 م]ـ
..........(20/325)
لأول مرة:: خُدَّعَة هَّرّمَجِّدّونْ::: لفضيلة الشيخ/ محمد بن إسماعيل المُقدَّم.
ـ[عمر رحال]ــــــــ[07 - 09 - 05, 08:02 ص]ـ
خدعة هرمجدون
لفضيلة الشيخ/ الدكتور
محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدَّم.
عفا الله عنه، وعن المسلمين آجمعين
الدعوة السِلفية
ـ[عبد الله الحويني]ــــــــ[08 - 09 - 05, 08:25 ص]ـ
جزاك الله خيرا
وزادك الله حرصا
0
ـ[عمر رحال]ــــــــ[10 - 09 - 05, 04:15 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله الحويني ..... وفقه الله.
وإِيَّاك أخي الحبيب.
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[10 - 09 - 05, 04:55 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[عمر رحال]ــــــــ[11 - 09 - 05, 03:25 ص]ـ
الحبيب/ عبد الله الخليفي ... سلمه الله.
وإياك أخي الحبيب.(20/326)
موسوعة فقه المعاملات
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[07 - 09 - 05, 09:05 ص]ـ
السلام عليكم اخواني الكرام هذه الموسوعة عندي منذ فترة فأحببت ان أقدمها لأخواني اهل السنة الذين احبهم وارجو ان تنال اعجابكم الموسوعة علي اجزاء ببرنامج المجزئ مساحتها مضغوطة 29ميجا وهذا هو الملف الاول والبرنامج بعد فكه ستجدونه معمول بنظام الاسطوانات الوهمية ضعه في البرنامج ثم اعمل عليه
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[07 - 09 - 05, 09:08 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أبا هاني
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[07 - 09 - 05, 09:14 ص]ـ
تابع الملف الثالث والرابع وسوف اكمل بعد مجيئ من العمل واللفات في ثلاثين جزئا ان شاء الله
ـ[أبو عمر]ــــــــ[07 - 09 - 05, 10:47 ص]ـ
أخي الكريم سدد الله خطاك هل هي موسوعة صخر؟؟
ـ[خليل إبراهيم]ــــــــ[07 - 09 - 05, 07:29 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
جزاك الله خيرا على تلك الموسوعة وجعلها الله في ميزان حسناتك
سؤالي لفضيلتك الآن هو:
هل تعمل هذه الموسوعة على الإكس بي أم لا؟
لأن الاسطوانة عندي كاملة لكنها لا تعمل على الإكس بي
أفيدونا جزاكم الله خيرا.
ـ[نجم الدين كوني تركي]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:28 م]ـ
السلام عليكم،
أخي ابوهاني المصري،
جزاك الله خيرا لما تفعله من خير (وخصوصا مع أني في تركيا بعيد عن المنتجات في المجال الإسلامية.)
عندي سؤال أيضا: قلت: ستجدونه معمول بنظام الاسطوانات الوهمية. أي برنامج تستعمله؟
شكرا مقدما وجزاك الله خيرا.
نجم الدين كُونَيْ من تركيا.
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 06:42 م]ـ
معذرة علي التأخير نظرا لأن النت كان فاصلا عندي واكمل الان
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 06:52 م]ـ
الاخ كوني اظن ان ليس لها علاقة بصخر والاخ خليل هذه تعمل علي الاكس بي والاخ ابو منذر وجزاك الله خيرا ونتابع باقي الملفات
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 07:09 م]ـ
تابع
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 07:18 م]ـ
تابع
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 07:26 م]ـ
تابع
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 07:40 م]ـ
تابع
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 07:49 م]ـ
تابع
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 07:56 م]ـ
تابع
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 08:05 م]ـ
تابع
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 08:16 م]ـ
تابع
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 08:35 م]ـ
تابع
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 08:43 م]ـ
تابع
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 08:47 م]ـ
تابع آخر ملفين والحمدلله أولا و آخرا وأي سؤال انا في الخدمة أخوكم أبو هاني المصري
ـ[أبو النفير]ــــــــ[08 - 09 - 05, 10:32 م]ـ
جزاك الله خيرا يا أخي فهي موسوعة هامة حيث أن المعاملات من أكثر الجوانب العملية في الدين التي يجهلها الناس رغم اهميتها فهي التي تأخذ أغلب وقت الانسان في اليوم ويترتب على الجهل بها وقوع الانسان في الذنوب أو المال الحرام فنسأل الله أن ينفعنا بها
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 11:40 م]ـ
جزاكم الله خيرا علي الرد البرنامج هو vcd 4 Xp
ـ[أبو النفير]ــــــــ[08 - 09 - 05, 11:49 م]ـ
البرنامج لا يعمل في ال xp
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[09 - 09 - 05, 12:14 ص]ـ
أخي الكريم: أبو هاني
جزاكم الله خير الجزاء على هذه الموسوعة
أرجو التكرم بذكر نبذة عن هذه الموسوعة مثل:
هل هي كتب: معاصرة ام تراث؟
أم هي فتاوى فقط لعلماء: معاصرين ام قدامى؟
هل فيها مثلا قرارات مجمع الفقه الإسلامي أم هي فتاوي فردية؟
أرجو التكرم بتوضيح ذلك لأن تنزيلها عندي يستغرق عدة ساعات 0 كما أن التكلفةعندنا بعدد الساعات
وجزاكم الله خيرا
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[09 - 09 - 05, 07:15 ص]ـ
اخى الكريم ابوهاني المصري
بارك الله فيك على رفع البرنامج
البرنامج هو لشركه صخر و يعمل على xp لكن قد يعطى رساله خطأ و يغلق من نفسه عند فتح بعض الخيارات
ـ[أبو النفير]ــــــــ[09 - 09 - 05, 07:52 ص]ـ
البرنامج يعمل على xp ولكي تستعرض محتويات اي عنوان قم بسحبه الى شاشة العرض (العارض)
ـ[صالح تايلاندي]ــــــــ[11 - 09 - 05, 07:38 م]ـ
أخي الكريم أبو هاني
جزاكم الله خيرا
بالنسبة لقولكم (والبرنامج بعد فكه ستجدونه معمول بنظام الاسطوانات الوهمية ضعه في البرنامج ثم اعمل عليه)
ما المراد بنظام الاسطوانات الوهمية؟
أي برنامج أضعه؟
ثم اعمل عليه. كيف أعمل عليه؟
ارجوكم الشرح
أخوكم
صالح تايلاندي
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:04 م]ـ
ياأخي التايلاندي أولا السلام عليكم بنامج الاسطوانات الوهمية هو vcd 4 Xp
وقولك كيف اضعه -1 - عندما تقوم بعملية التجميع سوف يظهر لك ملف باسم موسوعة فقه المعاملات فك الضغطسوف تكون في حوالي 350 ميجا سوف تجد بعد فك الضغط ملفان ملف عادي وملف يشبه الاسطوانة قم بأدخل الملف الذي يشبه الاسطوانة في البرنامج وسوف تفتح معك وبعد ذلك سوف تجد ملف اسمه DISk 1 به ملف التسطيب وهنا اشتغل به
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/327)
ـ[الفاضل]ــــــــ[14 - 09 - 05, 12:11 ص]ـ
نزلت البرنامج لكنه لم يفتح معي (علما أني أستخدم إكس بي) فبعد فك الضغط عنه أصبح حج الملفات الظاهرة 53 ميجا و 2 كيلو بايت!
انظر الصورة المرفقة
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[14 - 09 - 05, 11:17 م]ـ
معذرة البرنامج بعد فك الضغط 52 ولكن ضع التي تشبهالاسطوانة في برنامج الاسطوانات الوهمية ثم افتح البنامج سوف تجد عدة فلدرات افتح المكتوب عليها disk1 سوف تجد ملف exe قم بتسطيبه ثم اكمل(20/328)
التِّبْيَانُ لِمَا لَدَى الشِّيعَةِ مِنْ الْكَذِبِ وَالْبُهَتَانِ
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[07 - 09 - 05, 11:57 ص]ـ
التِّبْيَانُ لِمَا لَدَى الشِّيعَةِ مِنْ الْكَذِبِ وَالْبُهَتَانِ
الْمَقَالَةُ السَّادِسَةُ مِنْ ((الْمَقَالاتُ الْقِصَارْ فِي فَتَاوَى الأَحَادِيثِ وَالأَخْبَارْ)) ج2
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[تنبيه] لِقِرَاءَةِ الآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَرُمُوِز لَفْظِ الْجَلالَةِ، وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ، وَنَحْوِهَا يَنْبَغِي تَحْمِيل بِرْنَامِجِ الْخُطُوطِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَهُوَ عَلَى الْمُلْتَقَى.
ـ[هانىء المنصورى]ــــــــ[24 - 05 - 07, 05:14 م]ـ
جزاكم الله خيراً
ـ[محمد سمير]ــــــــ[24 - 05 - 07, 06:21 م]ـ
جزاكم الله خيراً
ـ[معاذ جمال]ــــــــ[24 - 05 - 07, 06:36 م]ـ
بارك الله فيك أيها الشيخ الحبيب
ليتك ترفع باقي المقالات على رابط واحد، أو تضع روابط لها في هذه الصفحة إتماما للفائدة.
و جزاك الله كل خير(20/329)
جامع الكتب والابحاث فى الرد على الالحاد والمذاهب الفكرية
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[07 - 09 - 05, 02:07 م]ـ
قام بتجميع هذه الكتب الأخ حازم من منتدى التوحيد
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2456
======================================
جامع الكتب والابحاث فى الرد على الالحاد والمذاهب الفكرية المعاصرة
هذه مجموعة من الكتب والابحاث قمت بتجميعها.بعضها تم نشره هنا والبعض الاخر تم نشره فى مواقع اخرى كصيد الفوائد والمشكاة. والهدف من هذا الجمع ان تكون مرجعا للاخوة عند الرد على الملحدين والشيوعيين والعلمانيين والليبراليين حتى لا تضيع هذه الكتب فى الصفحات الاخيرة فلا يعلم بها احد مع اهميتها لتعلم اصول المخالفين وكيفية الرد عليهم.كذلك ينبغى الاعتناء باقتناء هذه الكتب وقرائتها وذلك لقلة المؤلفات التى ترد على اهل الالحاد ومن تبعهم مع كثرتهم فى زمننا الحالى. لهذا فالكتب المطروحة هنا لا ينبغى ان تخلو منها مكتبة مسلم فضلا عن محاور للملاحدة واذنابهم.
على رجاء ان يتقبل الله منا هذا العمل ويوفق الاخوة فى اقتناء هذه الكتب للاستفادة منها وافادة الاسلام والمسلمين.
الكتب
حوار مع صديقي الملحد
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=1472
كتاب العلم فى منظوره الجديد
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?p=16433
كتاب/الإسلام يتحدى / وحيد الدين خان
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2056
كتاب / الله / عباس محمود العقاد
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2168
قدم العالم و تسلسل الحوادث بين شيخ الإسلام ابن تيمية والفلاسفة
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=657
تهافت الفلاسفه
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2106
كتاب رحلتي من الشك إلى الإيمان .. د. مصطفى محمود
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2484
كتاب (الفيزياء ووجود الخالق) لجعفر شيخ إدريس
http://www.albayan-magazine.com/mon.../phiz/index.htm
المقاصد والمناورة العلمانية
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=1676
كتاب كيف انحرف العالم
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=1046
نقض الجذور الفكرية للديمقراطية الغربية
http://www.albayan-magazine.com/mon...s/nkd/index.htm
الإسلام لعصرنا
http://www.albayan-magazine.com/mon...slam/iindex.htm
خديعة التطور لهارون يحيى
http://www.harunyahya.com/arabic/do...ad.php?id=14766
معجزة خلق الانسان لهارون يحيى
http://www.55a.net/body1.htm
القرآن والعلم الحديث: موريس بوكاى
http://www.islam-for-everyone.com/A...rabic/intro.htm
القومية العربية
http://www.almeshkat.net/books/open...at=21&book=1689
القومية
http://www.almeshkat.net/books/open...at=21&book=1690
موسوعة الأديان
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=21&book=649
الليبرالية نشأتها ومجالاتها
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=21&book=613
نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=21&book=610
الرأسمالية
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=21&book=594
الماسونية
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=21&book=575
الاستشراق
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=21&book=553
القومية العربية
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=21&book=542
السرطان الأحمر (الشيوعية)
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=21&book=539
بحوث في الاستشراق الأمريكي المعاصر
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=892
الاستشراق
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=891
العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة
http://www.alhawali.com/index.cfm?m...ent&*******ID=1
مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة
http://www.alhawali.com/index.cfm?m...ent&*******ID=2
القومية
http://www.alhawali.com/index.cfm?m...nt&*******ID=10
مذاهب فكرية معاصرة (العلمانية)
http://saaid.net/book/open.php?cat=89&book=305
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/330)
العلمانية .. التاريخ والفكرة
http://saaid.net/book/open.php?cat=89&book=303
العلمانية وثمارها الخبيثة
http://saaid.net/book/open.php?cat=89&book=49
العلمانية وموقف الإسلام منها
http://saaid.net/book/open.php?cat=89&book=1218
لماذا تسلط الملاحدة على المسلمين؟ درس صوتى
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesso...lesson_id=10790
رسالة المسلم في حقبة العولمة
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=1750
الغارة على العالم الإسلامي وصدام الحضارات
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=1613
واقعنا المعاصر
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=844
قضية التنوير
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=840
العصرانية قنطرة العلمانية
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=580
المسلمون ودراسات المستقبل
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=545
المشابهة بين قاسم أمين في كتابه تحرير المرأة و دعاة التحرير في هذا العصر
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=575
التبيين لمخاطر التطبيع على المسلمين
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=235
العولمة
http://www.almeshkat.net/books/open...at=21&book=1679
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=21&book=550
موقف الغزالي من الفلاسفة
http://www.almeshkat.net/books/open...at=21&book=1463
كُتب ومؤلفات الدكتور الأستاذ محمد قطب (مهم جدا)
http://www.almeshkat.net/books/open...at=28&book=1225
كُتب ومحاضرات فضيلة الشيخ سفر الحوالي (مهم جدا)
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=28&book=771
كتاب دمروا الإسلام أبيدوا أهله
رابط للتحميل:
http://www.aljame3.com/modules.php?...> أبيدوا%20أهله
رابط للاطلاع فقط:
http://www.al-eman.com/Islamlib/vie...p?BID=268&CID=
ـ[الفطاني]ــــــــ[07 - 09 - 05, 09:09 م]ـ
جزاكم الله خير
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[10 - 09 - 05, 04:31 م]ـ
واياك أخى الكريم
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[22 - 10 - 05, 06:22 ص]ـ
جديد جامع الكتب والأبحاث
كتاب مناهجنا بين التطوير والتغريب
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2873
كتاب أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة ...
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2872
كتاب: التاريخ الكاذب للفراعنة فى مصر
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2802
الوعد المنجز في نقد النص المؤسس
http://saaid.net/book/open.php?cat=88&book=1630
قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية دراسة نقدية في الإسلام (جزئين)
http://www.dorar.net/files/women1.zip
http://www.dorar.net/files/WOMEN2.zip
ـ[لطفي بن محمد الزغير]ــــــــ[22 - 10 - 05, 07:35 ص]ـ
بارك الله فيك أخانا الكريم.
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[22 - 10 - 05, 03:34 م]ـ
وفيك الله بارك أخى الكريم
ـ[ماجد محروس]ــــــــ[22 - 10 - 05, 05:21 م]ـ
أعزك الله يا أخي وبارك فيك على جهدك الطيب فهي كتب مهمة وأنا كنت أبحث عنها فقد أسديت لي خدمة رائعة فبارك الله فيك ونفع بك
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[23 - 10 - 05, 02:54 ص]ـ
أعزك الله يا أخي وبارك فيك على جهدك الطيب فهي كتب مهمة وأنا كنت أبحث عنها فقد أسديت لي خدمة رائعة فبارك الله فيك ونفع بك
اسأل الله ان ينفعك بها وسائر المسلمين
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[23 - 10 - 05, 03:15 م]ـ
تنبيه:
من يواجه هنا مشاكل مع بعض روابط الكتب يتوجه إلى الموضوع الأصلى على هذا الرابط ( http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2456) ، وذلك لانى نقلت بعض الروابط بشكل خاطئ.
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[25 - 12 - 05, 02:09 م]ـ
المرأة في القرآن
http://al-mostafa.info/data/arabic/islam/pdf/alaqaad-almaraah_fi_alquran-www.al-mostafa.com.pdf
الانسان في القرآن
http://al-mostafa.info/data/arabic/islam/pdf/alaqaad-alensan_fi_alquran-www.al-mostafa.com.pdf
الفلسفة القرآنية
http://al-mostafa.info/data/arabic/islam/pdf/alaqaad-alfalsafa_alquraniah-www.al-mostafa.com.pdf
التفكير فريضة اسلامية
http://al-mostafa.info/data/arabic/islam/pdf/alaqaad-altafkir_faridha_islamyah-www.al-mostafa.com.pdf
الله
http://al-mostafa.info/data/arabic/islam/pdf/alaqaad-allah-www.al-mostafa.com.pdf
حقيقة الاسلام واباطيل خصومه
http://al-mostafa.info/data/arabic/islam/pdf/alaqad-haqa'aq_alislam_w_abateel_khesomo-www.al-mostafa.com.pdf
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[15 - 01 - 06, 05:54 م]ـ
العلمانية تحارب الإسلام
http://saaid.net/book/open.php?cat=89&book=2178
العلمانية في ميزان العقل
http://saaid.net/book/open.php?cat=89&book=1762
لماذا نرفض العلمانية
http://saaid.net/book/open.php?cat=89&book=1872
أخطار (الجامعة الأمريكية) في البلاد الإسلامية
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=582
نقض أصول العقلانيين
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=559
المستشرقون بين الحقائق .. والأوهام ... (عدة دراسات عن المستشرقين)
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=3494
كتاب سقوط الغلو العلمانى .. د. محمد عمارة
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=3744
كتاب: حقيقة الروتارى فى مصر
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=4002
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/331)
ـ[طالب علوم الحديث]ــــــــ[16 - 01 - 06, 05:00 ص]ـ
جزاكم الله خيرا، إخواني هناك روابط لا تعمل
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[14 - 02 - 06, 05:56 ص]ـ
أخى طالب علوم الحديث إن واجهت أى مشاكل فى بعض الروابط فلتتجه إلى المشاركة الأصلية فى منتدى التوحيد، حيث انى نقلت بعض الروابط فى البداية بشكل خاطىء مما تسبب فى عطب بعضها.
اما اذا ذهبت إلى الموضوع الأصلى ولم يعمل معك الرابط أيضاً فالراجح انه لم يعد يعمل على الاطلاق .. والله المستعان
ـ[طالب علوم الحديث]ــــــــ[14 - 02 - 06, 11:20 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[16 - 02 - 06, 12:28 ص]ـ
وإياكم ايها الكريم
كتاب الرسول لسعيد حوى
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=4402
ـ[طلال العولقي]ــــــــ[16 - 02 - 06, 12:43 ص]ـ
بارك الله فيكم
قريباًَ إن شاء الله، رسالة دكتوراة عن الليبرالية، وهي من جامعة أم القرى للباحث عبدالرحيم بن صمايل السلمي
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=lessons&scholar_id=601
اسأل الله له التوفيق والسداد.
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[17 - 02 - 06, 11:45 ص]ـ
بارك الله فيكم اخى طلال وفى الأخ عبد الرحمن صمايل
ـ[حذيفة المصري]ــــــــ[20 - 02 - 06, 04:54 م]ـ
جزاك الله والأخ حازم خير الجزاء.
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[12 - 03 - 06, 02:07 م]ـ
لغز الموت لمصطفى محمود
لقراءة الكتاب
http://www.proud2bemuslim.com/montada/showthread.php?p=24277
للتحميل:
http://www.proud2bemuslim.com/montada/showpost.php?p=24277&postcount=17
ملف العولمة ...
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=4462
ملف حقوق الإنسان ...
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=4529
كواشف زيوف - عبد الرحمن حسن حبنّكة الميداني (هام)
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=4581
مصطلح التنوير مفاهيمه واتجاهاته فى العالم الإسلامى
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=4613
ـ[ضفيري عزالدين]ــــــــ[15 - 03 - 06, 08:30 م]ـ
اللهم جاز عنا الإخوان خير الجزاء على مجهودهم.
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[24 - 08 - 06, 10:07 م]ـ
جزاك الله والأخ حازم خير الجزاء.
اللهم جاز عنا الإخوان خير الجزاء على مجهودهم.
اللهم آمين
بارك الله فيكما
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[03 - 10 - 06, 02:56 م]ـ
جامع الدروس والخطب فى الرد على الالحاد والمذاهب الفكرية المعاصرة
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=4954
المذاهب الفلسفية الإلحادية الروحية وتطبيقاتها المعاصرة
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=4806
ملف الديمقراطية
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=4767
صراع مع الملاحدة حتى العظم-عبد الرحمن الميداني
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=5210
تطوير الخطاب الديني
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=1263
ثوابت الأمة في ظل المتغيرات الدولية
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=1427
المرأة في المؤتمرات الدولية
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=2255
تجديد الخطاب الديني بين التأصيل والتحريف
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=2485
ـ[مصطفي سعد]ــــــــ[06 - 10 - 06, 09:57 م]ـ
شكرا للجندى المسلم
ـ[الطيب وشنان]ــــــــ[07 - 10 - 06, 11:57 ص]ـ
جزاكم الله خيرا و بارك فيكم و نفع بكم
ـ[محمد بن صادق]ــــــــ[08 - 10 - 06, 06:26 ص]ـ
جزاكم الله خيراً
ـ[علي الابنوي]ــــــــ[08 - 10 - 06, 04:07 م]ـ
القرآنيون وشبهاتهم حول السنه
د. خادم حسين الهى بخش
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[09 - 11 - 06, 04:40 م]ـ
جزاكم الله خيرا و بارك فيكم و نفع بكم
شكرا للجندى المسلم
جزاكم الله خيراً
القرآنيون وشبهاتهم حول السنه
د. خادم حسين الهى بخش
جزاكم الله خيرا
تابعوا معنا جديد الجامع
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[26 - 11 - 06, 12:18 م]ـ
ينشر لأول مرة على الانترنت
كتاب "الله" لسعيد حوى
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=6942
وكتاب أجنحة المكر الثلاثة (التبشير-الاستشراق-الاستعمار) - لعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=7048
ـ[مهتاب]ــــــــ[26 - 11 - 06, 10:57 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[21 - 01 - 07, 12:44 م]ـ
واياك أخى الفاضل
تنبيه:
كتاب اجنحة المكر الثلاثة تغير رابطه إلى التالى:
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=7048
وكتاب الله لسعيد حول يمكن تحميله من هنا:
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=1289
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[30 - 01 - 07, 01:17 م]ـ
الإسلام بين كينز وماركس وحقوق الإنسان في الإسلام
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=2553
التطبيع .. أيصبح العدو اللدود صديقاً حميماً!
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=2584
الاستعمار في العصر الحديث ودوافعه الدينية
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=2608
حقيقة الديمقراطية
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=2685
العلمانية .. «إمبراطورية النفاق» من مهد لها الطريق
http://saaid.net/book/open.php?cat=89&book=2375
عجز العقل العلماني
http://saaid.net/book/open.php?cat=89&book=2329
الليبرالية الضائعة
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=89&book=3133
الإسلام والعلمانية وجها لوجه
http://www.waqfeya.com/open.php?cat=26&book=216
التعددية السياسية في الدولة الإسلامية
http://www.waqfeya.com/open.php?cat=26&book=171
معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية
http://www.waqfeya.com/open.php?cat=26&book=79
التطرف الديني الرأي الآخر
http://www.waqfeya.com/open.php?cat=26&book=74
التجديد في الفكر الإسلامي
http://www.waqfeya.com/open.php?cat=26&book=35
أباطيل وأسمار
http://www.waqfeya.com/open.php?cat=20&book=229
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/332)
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[05 - 04 - 07, 12:03 ص]ـ
العلمانية (أسباب ظهورها،آثارها ,عوامل انتقالها إلى العالم الإسلامي ,أبرز دعاتها)
http://saaid.net/book/open.php?cat=89&book=3162
موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين
http://www.waqfeya.com/open.php?cat=20&book=904
دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين
http://www.waqfeya.com/open.php?cat=20&book=258
كتب للرد على منكرى السنة
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=3845
ـ[محمد مسعد ياقوت]ــــــــ[05 - 04 - 07, 12:26 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[11 - 04 - 07, 11:39 ص]ـ
وإياك أخى الفاضل
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[17 - 05 - 07, 12:12 م]ـ
جذور العلمانيه: الجذور التاريخيه للصراع بين العلمانيه و الاسلاميه في مصر منذ البدايه و حتي عام 1948 م
http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=011601.pdf
العلمانيه تحت المجهر .. عبد الوهاب المسيرى
http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=010974.pdf
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[04 - 08 - 07, 01:13 م]ـ
الانتقاد على كتاب التمدن الإسلامى لجرجي زيدان - شبلي النعماني - مطبعة اسي يس
http://dar1.bibalex.org/DLP30D-Dar/Files/jreogz45j5o4dq452dth3gmb-633159599119316250-190452_OU_Al_Entaqad-ar.pdf
موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين - لشيخ الاسلام مصطفى صبري
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=9014
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[27 - 10 - 07, 01:56 م]ـ
رابط بديل لكتاب الانتقاد على كتاب التمدن الإسلامي
http://www.aljame3.net/ib/index.php?showtopic=4854
ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[09 - 08 - 08, 09:59 ص]ـ
الله يتجلى في عصر العلم
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=13339
كتاب: الله يتحدى الملحدين
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=13377(20/333)
التطوير الجديد لموقع العلم - المكتبة العلمية
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[07 - 09 - 05, 07:26 م]ـ
http://www.3llm.com/main/news.php?action=view&id=1
الكاتب أبو أنس - التطوير الجديد لموقع العلم
تم ولله الحمد إطلاق النسخة الثانية من الموقع لطلاب العلم والباحثين وزار الموقع ..
وهذه مواصفات التطوير الذي تم خلال الأيام السابقة:
- ترقية الموقع من الاصدار 1.4 إلى 2.0 من نظام البوابة العربية.
- " تحميل الكتب وتصفح الموقع " بالكامل بدون تسجيل عضوية بالموقع.
- فتح قسم " المقالات والأخبار " وهي لمتابعة أخبار الموقع وطرح مقالات تهتم بطرق البحث والتحصيل العلمي.
ويمكن للزوار والأعضاء من طرح مقالاتهم "بدون تسجيل" .. وعرضها على الموقع بعد مشاهدة الإدارة للمقالة والسماح لها بالنشر ..
- تطوير التصميم والشكل عما هو عليه في السابق.
- إضافة خدمة rss لمتابعة أخبار أهم المواقع.
- إضافات أخرى يمكن أن يكتشفها الزوار بعد تصفح الموقع.
- والشكر موصول للأخ رفيع العتيبي وعبقري العرب والمبرمجين المشاركين في تطوير برنامج البوابة العربية .. وجميع الإخوة الذين راسلونا واتصلوا بنا هاتفياً فجزاهم المولى خيراً ..
ونشكر الأخ محمد حسام على إهدائنا " محرك بحث المواقع العلمية " .. ومساهمته في الإعلان عن الموقع ..
ومستقبل للموقع سيكون أكثر إبداعاً وتطويراً .. بإذن الله.
http://www.3llm.com/main/download.php(20/334)
البلاغة العالية في آية المداينة للدكتور / سعيد جمعة
ـ[أبو أنس المليجي]ــــــــ[07 - 09 - 05, 07:50 م]ـ
البلاغة العالية في آية المداينة
دكتور / سعيد جمعة
الأستاذ المساعد في جامعة الأزهر
فرع المنوفية
يقول الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً
فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ
يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ
وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْه
ِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ
وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا
رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ
إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة:282)
تقديم
الحمد لله رب العالمين ’ والصلاة والسلام على خاتم النبيين , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين , أما بعد:
فإن المتابع للاقتصاد العالمي – فضلا عن الاقتصاد الإسلامي – لايخفى عليه ملاحظة هذه الظاهرة - ظاهرة التعامل بالدين –التي سادت الأسواق , واتسع نطاقها حتى عمّت جل المعاملات , بين الشركات , والمؤسسات , والبنوك , والأفراد حتى بين الدول بعضها وبعض.
والمعلوم سلفًا أن الديون و المعاملات التي تدور في فلكها كثيرة , منها: (بيع السلم , والبيع بالأجل , والبيع بالتقسيط , والقرض الصريح) وما شابه ذلك ....
ولقد دخلت الديون بيوتا كثيرة في عصرنا الحاضر في ظل ظروف اقتصادية صعبة زاد فيها الكساد , وقل فيها الإنتاج , وكثر فيها الاستيراد , وزاد من تفاقم الأمر رغبة الكثير من الناس في التمتع بكماليات الحياة الحديثة التي باتت تعلن عن نفسها في كل مكان , وتزينت في إعلاناتها بكثير من سبل الإغراء , من شاكلة:
تمتع بكل ما تريد ولا تدفع الآن.
بدون مقدم.
بدون فوائد.
على خمسين قسطا.
أول قسط بعد ثلاثة أشهر ......
إلى آخر تلك المغريات الكثيرة , والنفس راغبة إذا رغبتها , فيجد الإنسان نفسه قد امتلك السلعة في وقته الحاضر دون أن يدفع شيئا , ولم ينظر في عاقبة أمره , وغالباً ما تكون عاقبة أمره خسراً .. !!
وهكذا صار المجتمع إلى هذه الهاوية , وهي دائرة لا تكاد تنتهي , وبخاصة بعد تعذر السداد , إما بسبب
إعسار المدين , أو المماطلة وادعاء الفقر.
هذا في نوع واحد من أنواع التعامل بالدين - وهو بيع التقسيط - , فإذا نظرت إلى البنوك وما تعطيه من قروض , وإلى معاملات الشركات , والمؤسسات , هالك المشهد , ورأيت الصورة قاتمة , حتى كثرت الخلافات والقضايا المطروحة أمام القضاء بسبب الديون , وحتى أصبح الإنسان المسلم الآن لا هم له , ولا شاغل إلا كيفية سداد ما عليه من ديون , والخروج من التبعات التي فرضت عليه حينا , وسعى إليها أحيانا أخرى , وكأنني أرى الأمر مدبراً للعالم الإسلامي حتى يظل أهله في هذه الدائرة التي لا تنتهي.
ولما كانت هذه المشكلة تمس الكثيرين _ حيث هي من البلاوي العامة _ كان لابد من البحث لها عن علاج , لنخرج من هذا الطوفان الجديد , طوفان الديون.
ولا شك أن علاج مشكلات الحياة كلها كامن في كتاب الله تعالى , وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم- ولقد جاءت آية واحدة في القرآن الكريم لتعالج هذه المشكلة , وتنظم , وتضمن الحقوق المالية بين الناس , وهي أطول آية في القرآن الكريم.
فالمشكلة إذن قائمة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/335)
والحل في كتاب الله تعالى.
والذي يبقى هو إماطة اللثام عن مقصود الآية , ودلالاتها , وجذب أنظار الناس إلي العلاج الرباني لهذه الآفة التي نحن بصددها , حتى يكون الناس على بينة من أمرهم.
كما أنه لاشك في أن علم البلاغة هو العلم الذي يضع في مقدمة أولوياته محاولة الوصول إلى أقرب مقصود من المعنى القرآني , ولذلك كان تناول هذه الآية تناولا بلاغيا يبتغى من خلاله الوصول إلى أقرب المرادات الإلهية من الآية القرآنية. وبهذا توفر للبحث مقوماته الأساسية:
فمحل البحث: آية الدين.
ونوع البحث: بحث بلاغي.
والسبب الداعي إليه: ما ألم بالمجتمع من أعباء بسبب الديون.
والغاية من البحث: محاولة الوصول إلى مراد الآية وحكمها الفصل في هذه المشكلة؛ ليتبين لنا أيها
حق؟
هل هو إطلاق هذا النوع من التعامل _ كما هو حادث الآن في المجتمع الإسلامي _؟
أم الإبقاء عليه ودعمه , ولكن بالقيود التي تهذبه؟
أم محاربته والقضاء عليه وتجريم التعامل به؟
والإجابة سنتعرف عليها من خلال مدارسة هذه الآية مدارسة بلاغية.
وبعد كل هذا يبقى المنهج.
فما هو المنهج الذي ينتهجه هذا البحث؟ وما هي الخطة المرسومة لإظهاره للقارئ الكريم؟
التمهيد وفيه
1) منهج البحث
2) خطة البحث
******
منهج البحث
وهو منهج قائم على ثلاثة محاور:
المحور الأول:
النظر إلى النص نظرة كلية عامة من الخارج؛ لبيان موقعه ومقاصده الكلية ,
ومقصوده الأعظم , وسياقه العام والخاص .. ونحو ذلك.
المحور الثاني:
قائم على التحليل البياني , وينطلق من أعلى جزئياته , ثم ينتهي إلى أصغر جزئياته؛
لبيان الخصوصيات البلاغية ودلالاتها , وعلاقات هذه الأجزاء ببعضها , والصور
المرسومة من خلالها , وعلاقة كل ذلك بالغرض العام.
المحور الثالث:
وهي النظرة الختامية؛ أو ما يسمى بإعادة تركيب هذه الجزئيات لبيان الأسلوب
الشائع فيها وأثره في فهم مراد الآية , وعلاقة باقي الأساليب به.
وهذا المنهج يتيح النظر إلى النص ثلاث مرات
: (رؤية عامة , ثم رؤية تحليلية , ثم رؤية عامة مرة أخرى)
ولاشك أن كل رؤية من هذه الثلاث تحاول الربط أو تحاول البحث عن مقصود النص عامة , أو أقرب مقصود إليه , وتلك مهمة البلاغة العُليا؛ حيث إنني أوقن بأن علم البلاغة ليس قاصرا على تذوق الأساليب وإبراز ما فيها من جمال؛ لأن ذلك يبعد البلاغة عن دائرة العلوم , ويلحقها بعالم الفنون.
وكل علم لابد أن يكون له دور في خدمة الإنسان ومساعدته في إعمار الحياة على وفق منهج الله تعالى؛ ليتحقق بذلك استخلافه المأمور به من رب العزة.
ومن هنا تكون البلاغة من أشرف العلوم؛ إذ إنها أقرب العلوم لبيان المراد من الكلام من خلال الوقوف على مفرداته , وتراكيبه , وعلاقاته , ومقاصده.
خطة البحث
يتكون هذا الكتاب من مقدمة , وتمهيد , وستة فصول , وخاتمة , وفهارس.
· في المقدمة:
أتناول وجه الحاجة إلى هذا الموضوع , ونوع الدراسة , ومحلها , والسبب الداعي إليها , ثم الغاية منها.
· وفي التمهيد:
أبين منهج البحث وخطته.
أما المنهج: فهو منهج تحليلي ذو ثلاث خطوات:
الأولى: نظرة كلية عامة.
الثانية: تحليل النص بداية , من أكبر الوحدات , وانتهاءً بأصغرها.
الثالثة: نظرة كلية أخيرة , وفيها يتم إعادة تركيب ما تم تحليله.
أما الخطة: فأظهر فيها خطوات , وتقسيمات هذا العمل من خلال فصوله المتنوعة.
· ثم يأتي الفصل الأول: النظرة الكلية الأولى للآية:
وفيه أتناول النظر إلى النص من خلال عدة أمور:
1) موقع سورة البقرة على مدرجة القرآن الكريم.
2) المقاصد الكلية داخل سورة البقرة.
3) وجه البلاغة في موقع الآية.
4) المقصود الأعظم لسورة البقرة وعلاقة الآية به.
5) وجه اختصاص سورة البقرة بآية الدين.
6) السياق العام والخاص للآية.
7) علاقة الآية بأول السورة وآخرها.
8) وجه البلاغة في طول الآية
9) آية المداينة بين التثقيف والتكليف.
10) مصطلحات وحدود.
· الفصل الثاني: المعجم اللغوي للآية ودلالته:
وفيه أتناول أساليب الآية , وأفعالها , وأسماءها , وحروفها , ثم أقف على ماوراء ذلك من معان.
· الفصل الثالث: التحليل البلاغي للآية:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/336)
وهذا هو المبحث الرئيس؛ حيث أتناول فيه التراكيب والجمل , والمفردات بالتحليل , مبينا قدر الطاقة وجه البلاغة خلف كل لفظة وموقعها , وصيغتها , وعلاقتها , وأضع لكل جملة في الآية عنواناً من خلال الأسلوب البلاغي البارز فيها.
· الفصل الرابع: الإيقاع في آية الدين:
وأحاول في هذا الفصل تسمُّع دلالات النغم في الكلمات , والجمل , والأساليب , وأثر ذلك في بناء المعنى.
· الفصل الخامس: إعادة التركيب:
وفي أعيد النظر إلى الآية بعد التحليل؛ لبيان ما ظهر من خلاله من أساليب مهيمنة؛ وعلاقات هذه الأساليب.
· الفصل السادس: الأحاديث النبوية الواردة في شأن الديون:
وفيه أجمع بعض الأحاديث النبوية التي وردت في شأن الديون؛ لبيان ما ترمي إليه الآية في مجملها , وبيان وجه الاعتلاق بين هذه الأحاديث ومضمون الآية.
ثم تأتي الخاتمة:
وفيها أحاول الوقوف على ثمرة هذا البحث , وما ينبغي علينا الأخذ به في شأن الديون.
ثم تكون الفهارس العامة للموضوعات والمراجع ..... إلخ
والله تعالى من وراء القصد وهو حسبي ونعم الوكيل
دكتور / سعيد جمعة
الأستاذ المساعد في جامعة الأزهر
كلية اللغة العربية فرع شبين الكوم
الفصل الأول
النظرة الكلية الأولى للآية
أولاً: موقع سورة البقرة على مدرجة القرآن الكريم
غير خفي أن ترتيب السور في المصحف الشريف يخالف ترتيبها نزولا , وذلك لاقتران النزول بملابسات ووقائع في حياة الناس زمن البعثة.
والثابت أن سورة البقرة ظلت تتوالى أياتها نزولا سنوات عدة , وكان في أثناء نزول آياتها تنزل آيات سور أخرى , وكان جبريل -عليه السلام - ينزل بالآية , وموضعها من سورتها على النبي –صلى الله عليه وسلم فيأمر النبي عليه الصلاة والسلام كُتّاب الوحي بأن توضع آية كذا في سورة كذا , محدداً موضعها (1)
حتى إذا ماتم القرآن الكريم نزولاً كانت كل آية في كل سورة في موضعها المحكم , وكذلك كل سورة في موضعها من النسق الكلي للقرآن الكريم على النحو الذي هو عليه في اللوح المحفوظ وفي بيت العزة من السماء الدنيا (2)
وإذا كانت الفاتحة هي أم القرآن (3)؛ فإن البقرة هي السورة البكر , وهي أول الذرية , وهي بداية التفصيل الذي جُمِع في الفاتحة.
كما أنها أطول السور القرآنية , ومن أعلاها قدراً؛ ولذلك أطلق عليها رسول الله –صلى الله عليه وسلم (سنام القرآن) (4).
والسنام هو أعلى شيء في الجمل , وهو الموضع الذي لا يلتصق أبداً بالتراب , وهو مع ذلك كله مخزن الغذاء عند الجوع.
وكما أن السنام هو أعلى الشيء مكاناً , فهو أعلاه مكانةً أيضاً؛ حيث يقال: مجد مُسنّم؛أي عظيم.
وعليه فإن السورة تجمع بين عظم المكان والمكانة.
ولما كانت سورة البقرة في بداية القرآن الكريم فقد جمعت أصول العلاج لمشاكل الإنسان , وهي:
(العقيدة –والشريعة – والمعاملات).
وهكذا؛ فموقع السورة يشير إلى هذا القدر الكبير من التكاليف؛ فالولد البكر يحمل من الأعباء بقدر ما يحظى من الحب والتقدير.
وكأن القرآن الكريم أريد في بدايته ترسيخ جل هذه الأمور؛ حتى تستقر في القلوب من أول وهلة , فلا يفتح المسلم كتاب الله تعالى , ويستفتح بالفاتحة , ثم يردفها بالبقرة إلا ويجد هذا التفصيل للأمور التي تدور في خلده – من عقيدة , وشريعة , ومعاملات؛ فجاء موقع السورة متناغماً مع حال المؤمن الذي امتلأت السورة بالإشارة إليه والحديث معه.
فبعد انفتاح النفوس بالفاتحة , واستشرافها إلى الوحي السماوي , تأتي سورة البقرة لتكون الجرعة الأولى من الدواء الشافي لكل داء , تماما ً كما يعطى المريض أول جرعة , وغالباً ما تكون هي أكبر الجرعات وأكثرها تركيزا , ثم تقل حتى تكون أصغر شيء؛ وهذا ما حدث في القرآن الكريم
********
ثانياً: المقاصد الكلية داخل سورة البقرة
يقول الشيخ دراز- رحمه الله – ما خلاصته: (إن هذه السورة على طولها تتألف وحدتها من مقدمة , وأربعة مقاصد , وخاتمة:
المقدمة من الآية 1 _ 20 في التعريف بشأن هذا القرآن وبيان أن ما فيه من هداية قد بلغ من الوضوح مبلغا لا يتردد فيه ذو قلب سليم , وإنما يُعرض عنه مَن لا قلب له , أو من كان في قلبه مرض.
المقصد الأول: دعوة الناس كافة إلى اعتناق الإسلام من الآية (21 _ 40).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/337)
المقصد الثاني: في دعوة أهل الكتاب دعوة خاصة إلى ترك باطلهم , والدخول في هذا الدين الحق من (40 _ 162).
المقصد الثالث: في عرض شرائع الدين الإسلامي مفصلاً من (163 _ 283).
المقصد الرابع: آية واحدة , وفيها الوازع الديني الباعث على ملازمة الشرائع , والعاصم من مخالفتها , وهى الآية رقم (284).
ثم الخاتمة: في التعريف بالذين استجابوا , وما أعد لهم من (285 _ 286). (5)
ويقول أستاذي محمود توفيق سعد_ حفظه الله _ (الذي أذهب إليه أن تقسيم العلاّمة دراز أفضل من تقسيمات أخرى إلا أنني أميل إلى أن السورة مكونة من مقدمة وقسمين كبيرين وخاتمة.
المقدمة من الآية (1 _ 20) مثلما أبان عنه الدكتور دراز.
والقسم الأول: من الآية (21 _ 167) من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21) إلى آخر قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (البقرة:167)
وهذا القسم قائم بالحقائق والتكاليف العقدية الإيمانية.
القسم الثاني: من الآية (168 _ 283) من أول قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:168) إلى آخر قوله تعالى
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (البقرة:283).
وآيات هذا القسم معقودة لبيان أحكام الشريعة؛ لتكتمل بها صورة الإسلام, وهديه؛عقيدةً وشريعةً.
واستهلال هذا الشطر بدعوة الناس كافة إلى أن يأكلوا مما في الأرض حلالاً طيبا , ولا يتبعوا خطوات الشيطان؛ فهو عدوهم المبين يتناغم مع ما عُقدت له آياته من بيان أحكام الشريعة , وأبرزها أحكام المطعم؛ لأنها أساس الأعمال؛ فإن كل جسم نبت من حرام فإن مآله إلى النار , ولا تقبل صلاته وصيامه ولا زكاته ولا حجه ولا جهاده إلى آخر تلك الشرائع التي فصلتها آيات هذا العقد.
فالتوحيد رأس الجانب العقدي.
وطيب المطعم رأس الجانب التشريعي.
فكانت الدعوة إلى الجانب الأول للناس كافة في مستهل آيات القسم الأول العقدي.
وكانت الدعوة إلى الجانب الآخر للناس كافة في مستهل آيات القسم الثاني التشريعي.
ثم توالت التشريعات؛ ليحقق الأمن من طيب المطعم وأحكام الصيام والجهاد والحج والإنفاق والقتال في الأشهر الحرم , والخمر والميسر , وأحكام الأسرة , وأحكام المعاملات المالية من صدقة ورباً وقرض ورهن , فختم آيات هذا القسم بأطول آية: (آية المداينة) , فآية الرهن؛ مؤكدا الدعوة إلى الأمانة والقيام بحق الشهادة.
ثم تأتي الخاتمة: في ثلاث آيات (284 _ 286) مقررة أن الكون كله لله وحده , وأن ما في الأنفس يحاسب عليه؛ فيغفر لمن يشاء , ويعذب من يشاء , فكأن في هذه الآية تعقيباً على القسمين معاً (العقدي والتشريعي) , وفي الوقت نفسه توطئة لذكر الذين قاموا بحق هذين القسمين فكان فيه رد عجز السورة على صدرها) (6)
وهذا التقسيم يضع السورة _ على طولها _ في إطارين اثنين مع وجود مقدمة وخاتمة , وهذا أقرب إلى واقع السورة , وأكثر تحديداً لأركانها , وأضبط لمعاقدها.
وتحديد هذه الفصول والمعاقد يبتغي من ورائه الوقوف على وجه البلاغة في موقع الآية من السورة. .
ثالثا: وجه البلاغة في موقع الآية
لقد تبين أن آية الدين تقع في ختام القسم التشريعي , بعدما تكون النفوس قد هُذّبت , وترسخ فيها أصول التوحيد , وتمرست على أنواع العبادات _ من صلاة وصيام وحج وجهاد _ وكأن الدَّين أعلى قدراً من حيث حاجته إلى نفوس عالية , وهمم سامقة , وقلوب صافية؛ حتى تمتثل لما فيه من ضوابط وقوانين.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/338)
وفرق بين أن تلقي خطاباً لنفس خالية من البواعث والمحرضات، وبين أن تلقي الخطاب نفسه إلى نفوس تشبعت بالإيمان , واستحضرت الآخرة واستعدت لها بأنواع العبادات _ لا شك أن هذا الأمر سيكون محل استجابة وموضع قبول .... ومن أجل ذلك وضعت آية الدين بعد كل هذه الرحلة الطويلة من حديث عن العقيدة وموقف الناس منها , ومن حديث عن التشريع وأعمدته الرئيسة؛ فالنفوس صارت مهيئةً ,والإيمان في أعلى درجاته , وهذا يصور أهمية استثارة النفوس لتلقي الأوامر والنواهي عامةً؛ ومنها المتعلقة بالأموال.
ثم يأتي الختام الزاخر بما أعده للممتثلين الطائعين الطامعين في عطاء الله تعالى وعفوه.
وكأن ما تقدم من توطئة لا يكفي , فلابد من إحاطة هذه الأوامر والنواهي من جانبيها بسياج منيع؛ حتى لا يترك للنفوس مخرج , أو محيص عنها؛ فيذكر بعد آية الدَّين آيات الختام , وهي آيات باعثة ومحرضة أيضاً على الامتثال والطاعة , لما تحمله من جزاء الطائعين وثواب الممتثلين , بالإضافة إلى ترهيب المعرضين , والتنويه بما ينتظرهم من عذاب أليم.
*********
رابعاً: المقصود الأعظم لسورة البقرة وعلاقة آية المداينة به
-------------------------------------
الإيمان بالغيب – وبخاصة البعث – هو أقرب المعاني إلى مقصود سورة البقرة , وقد انتشر ذلك في السورة على نحو ظاهر؛ فلقد بدأت السورة بقوله تعالى: (ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (البقرة 1 - 3)
· فكان أول صفات المتقين: الإيمان بالغيب.
· وفي قصة آدم عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى للملائكة (َ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30)
· * وتقرّ الملائكة بهذه الحقيقة فتقول (سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (البقرة:32).
· ثم يقول مرة أخرى: (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (البقرة:33).
· (وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (البقرة:72).
· (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) (البقرة:77)
· (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) (البقرة 255)
وفي شأن البعث قيل
· (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة:28)
· (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة:46)
· ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة:56)
· (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (البقرة:73)
· (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ) (البقرة:243)
· (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) (البقرة:258)
·) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ٌ) (البقرة:260)
· وكانت آخر آية نزلت هي (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) (البقرة:281)
كما أنه لا توجد سورة جمعت بين أركان الإسلام , والصلاة والزكاة والصيام والحج كما جاءت في سورة البقرة , وهي كلها مبنية على الإيمان بالغيب , والبعث , حتى الجهاد لا يُقدِم عليه إلا من آمن بالغيب , والبعث.
وإذا كان الإيمان بالغيب هو البرهان على صحة العقيدة , وسلامتها من الخلل؛ فلا عجب في أن تجد سورة البقرة دائرة حول هذا المقصد العام , ومن مظاهر ذلك أنها ذكرت في مفتتحها تصنيف الناس من خلال عقيدتهم؛ فهم: إما مؤمنون , أو كافرون , أو منافقون , وهذا تصنيف عقدي في المقام الأول.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/339)
وهنا يمكن القول إن ذكر آية المداينة في هذه السورة وتحت مظلة هذه الغاية إنما هو أحد مقومات الحفاظ على العقيدة الصحيحة , وهذا يشير إلى أهمية الشفافية في علاقات الناس المالية , وأثر هذه المعاملات على عقائد الناس.
علاقة الآية بالمقصود الأعظم للسورة:
لاشك أن هذا النوع من المعاملات يشترك فيه أطراف عدة: الدائن , والمدين , والكاتب , والشهود , وهؤلاء جميعا تلحقهم تبعات وتكاليف وقيود لايمكن القيام بحقها إلا إذا وجد باعث ومحرض قوي يدفعهم إلى الالتزام , وأداء ما يطلب منهم.
ولست أرى باعثًا ومحرضاً على التزام ذلك أقوى من تدبر أمر البعث والإيمان به؛ فصاحب المال مشترياً كان أو بائعاً أو مقرضاً يحتاج إلى شحنة إيمانية؛ كي يترك ماله فترة من الوقت عند الغير وهو مطمئن النفس.
والذي يأخذ الدَّين يحتاج أيضا إلى الإيمان بالبعث؛ ليكون حاجزا له عن المماطلة أو الإنكار.
وكذلك الشهود والكاتب: لأنهم وسطاء بين متناكرين في الغالب , والأصل في الشهود أنهم لا يأخذون عوضاً عن شهادتهم؛ فالذي يدفعهم إلى الشهادة غالباً إيمانهم بالبعث والحساب.
وهكذا اتصلت الآية بالإيمان بالبعث اتصالاً وثيقاً.
كما أن اسم السورة (البقرة) وهي حادثة حدثت بين موسى عليه الصلاة والسلام وقومه حين جادلوه في ذبح البقرة وقالوا: (أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً) (البقرة:67)
فكأنهم حين أنكروا الغيب أنكروا ذبح البقرة؛ إذ لا علاقة _ في نظرهم _ بين ذبح البقرة ومعرفة القاتل , ولو أنهم آمنوا بالغيب لما سألوا عن ماهيتها , ولونها , وتحديدها .. إلخ.
ومن هنا يتبين لنا أن قصة البقرة ذات علاقة وثيقة بالإيمان بالغيب؛ ذلك لأن البقرة كانت سبباً في عدة أمور؛ منها: إحياء الميت , وانفراج الغم الذي أحاط بالناس , والأهم من كل ذلك تعليم بني إسرائيل أن الإيمان بالغيب يستوجب التجرد من الأساليب الظاهرة.
كما أن هذا الاسم يحمل تحذيراً من منهج اليهود في المجادلة , وتنبيهاً على خطأ أسلوبهم الذي استخدموه مع رب العزة ومع أنبيائه.
أضف إلى ذلك أن حادثة البقرة كانت لإظهار الحق وحفظه من الضياع , كما هو حال آية الدين.
فالبقرة أظهرت الحق في الدماء ,
وآية الدين تظهر الحق وتحفظه في شأن الأموال والديون.
********
خامساً: وجه اختصاص سورة البقرة بآية الدين
---------------------------------------
في القرآن الكريم قد ترى المعنى الواحد مبثوثاً ومصروفاً في أكثر من سورة , لكن هناك معانٍ لم تذكر إلا في سورة واحدة ولا شك أن هذا المعنى الفريد له علاقة وثيقة بمقصود السورة الأعظم , بل إن هذا المعنى يعدُّ رافدا من روافد الوصول إلى هذا المقصود الأعظم.
يقول أستاذنا محمود توفيق- حفظه الله -: قصة البقرة مثلاً لم ترد في غير سورة البقرة وكذلك قصة هاروت وماروت , وقصة تحويل القبلة , وفريضة الصيام وبيان أحكامه , وقصة طالوت وجالوت , وقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت , وقصة الذي حاج إبراهيم في ربه , وقصة الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها , وقصة إبراهيم والطير , وكذلك أحكام المداينة (7).
والذي يعنينا هنا هو آية المداينة.
وبالنظر في تلك المقاصد التي اختصت بها السورة دون غيرها يلحظ أنها وضعت في إطار القصة عدا الحديث عن الصيام وعن المداينة؛ فقد جاءا في إطار قوله (كُتب عليكم).
أما الصيام فقد كتبه الله تعالى علينا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183).
وأما المداينة فلقد أُمرنا بكتابتها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) (البقرة:282).
أما وجه اختصاص السورة بآية المداينة فيقف من ورائه عدة أسباب:
منها: أن السورة جمعت بين الكليات الخمس التي جاء الإسلام لحفظها , وهي (الدِّين _ والنسل _ والعقل _ والنفس _ والمال) وحفظ المال يشمل وضع الضوابط للتداين حتى لا يضيع بعجز المدين أو مماطلته.
ومنها: أن المعاني التي حوتها سورة البقرة تمثل الركائز التي يقام عليها بنيان الأمة , ومن أخطرها المعاملات المادية؛ فكان البدء بها في أول سورة قرآنية من الضرورة بمكان.
******
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/340)
سادساً: السياق العام والخاص للآية
لكل آية قرآنية عدة سياقات: سياق مباشر يتعلق بالمعاني الجزئية المحيطة بالآية.
وسياق أشمل داخل السورة يستعرض المعاني التي تناولتها , وعلاقاتها بالآية محل البحث.
ثم سياق عام قد يمتد ليشمل القرآن الكريم كله وبهذا يتحقق مقصود العلماء في أن القرآن الكريم كالكلمة الواحدة.
(وكلما ضاقت دائرة السياق كان أثره _ في النظم البياني أولاً وفي فقهه ثانياً _ أكثر جلاءً , وكان إدراكه أيسر , ومن ثم خفَّت مؤنة فقهه على الكثيرين.
وكلما كانت دائرة السياق أوسع كان أثره في النظم أعمق , وكان فقهه أخفى , وإدراكه أعسر فثقل على كواهل الكثيرين , فقلّتْ الدراسات التي تعنى بسياق السورة , وسياق القرآن الكريم كله) (8)
والنظر البلاغي في السياق القرآني ليس مجاله الدائرة الصغرى من دائرة السياق , ومَن اقتصر عليه يكون قد غبن الدرس البلاغي.
بل رسالته الفريضة أن يمد نظره إلى سياق السورة كلها , وسياق القرآن الكريم كله , إن استطاع؛ ذلك لأنه يستشرف إلى ما يؤدي تمام المعنى القرآني في دقائقه , ورقائقه , ولطائفه , وذلك لا يتحقق إلا في سياق السورة , ثم في سياق القرآن الكريم كله.
(وأهل العلم يدركون قيمة البناء البياني للسورة؛ إذ هي وحدة التحدي الصغرى الذي جاء به القرآن الكريم , وتمام المعنى لا يدرَك في سياقه الجزئي , وإنما يُدرك في سياق السورة كلها التي هي وحدة التحدي .. وكل درس لآية خارج سياق سورتها هو درس خداج , عاجز عن استبصار كثير من وجوه المعنى القرآني التي تُغزو الروح , والقلب) (9)
وفي سياق سورة البقرة تُعدّ آية الدين حلقة من حلقات الحديث عن الاقتصاد الإسلامي , والتي قامت على أساس الحلال , والحض عليه , ونبذ الحرام , والتحذير منه.
فالجذر الذي بنيت عليه كل المعاملات هو قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:168).
فهذا هو أصل المعاملات , وهو بداية القسم التشريعي في سورة البقرة , بعد القسم العقدي , والذي بدأ بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21).
فكأن السورة يمكن جمعها في سطرين؛ حيث جاءت نداءً للناس كافة بأمرين:
الأول: عبادة الله تعالى , والآخر: أكل الحلال.
وفي السياق التشريعي جانب كبير يتعلق بالأموال , والمكاسب المالية , ثم جانب آخر يتعلق بالإنفاق , ودار السياق على هذين المحورين:
1 – مصدر المال
2 – إنفاق المال.
والملاحظ أن هناك خطابين:
الأول: للجميع بلفظ (الناس) وهو (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:168).
والآخر: جاء للمؤمنين , وقد فصل هذا الأخير إلى قسمين: (أمر ونهي).
فقيل في الأمر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (البقرة:172)
وقيل في النهي: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) (البقرة:188).
وهذه دعائم ثلاث توضح المرتكزات التي تُبنى عليها القواعد الاقتصادية , وقد صيغت في قالب الجمع , ثم التقسيم: الجمع في قوله (يا أيها الناس).
والتقسيم في قوله (يا أيها الذين آمنوا كلوا) , ثم , (ولا تأكلوا أموالكم).
ثم جاء بعد ذلك حديث عن الإنفاق , وهو الركيزة الثانية , أو الجناح الآخر للاقتصاد.
فالاقتصاد (كسب , وإنفاق)؛ فقيل أولاً: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:195).
ثم يتصاعد هذا الحديث عن وجوه الإنفاق , فيذكر مرة أن الإنفاق (َلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (البقرة:215).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/341)
ثم وجوه الإنفاق على النكاح ومستتبعاته , ثم الصدقات , ثم تحديد نوع المال المنفق , وأنه لابد أن يكون من الطيبات , ويظل الإلحاح على النفقة , وتهذيبها وتحري الطيبات منها , والتوجه بها إلى الله تعالى وحده ...... إلخ
وهذا يوضح أن الحديث عن الإنفاق زاد بكثير على الحديث عن الكسب , فَلِمَ؟
في نظري لأن القصد من الكسب هو الإنفاق , ولم يكن الكسب يوماً غايةً لذاته.
ثم تعاود السورة الحديث عن ضرب آخر من الكسب , وهو الكسب الربوي , وبينت خطورته , وإثم من يتعاطاه ........
ثم جاءت آية المداينة , لكنها فصلت عن الحديث عن الربا بآية تحذيرية , وهي آخر آية نزلت من القرآن الكريم , وهي قوله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة:281).
ووضعها بين آيات الربا وآية الدين يفيد أنها تحذر من الربا وما يؤدي إليه.
أما الربا فقدّم عليها , وأما ما يؤدي إليه فتأخر عنها , فكأن الآية توسطت بين الربا وبين الديون , وهي الباب المؤدي إلى الربا غالباً.
وهذا الترتيب _ أعني وضع آيات الربا , ثم التذكير بالرجوع إلى الله تعالى , ثم آية المداينة _ هذا الترتيب يعد من أبلغ ألوان التحذير؛ لأن النفوس مازالت في خوف وترقب , واستشعار الغضب الإلهي بسبب الربا.
وحين تأتي آية المداينة في هذا الجو المفعم بالخشية , والرعب , والحذر , والترقب؛ فإن النفوس تضفي على المداينة , وأنواعها ألواناً من التحذيرات التي مازالت عالقة بها من الربا الذي هو حرب لله تعالى ورسوله , ومن مشاهد القيامة التي تجعل الولدان شيبا , ولا شك أن آية المداينة حين صاحبت آيات الربا قد أصابها من وعيدها , وتهديد أصحابها , والمبالغة في إنذارهم الكثير.
ولم لا والديون بوابة الربا , ومفتاح من مفاتيحه؟!
ولم لا وأكثر الخصام بين الناس يكون بسبب تلك المعاملات؟!
ولم لا وآية المداينة قد امتلأت بالأشواك التي تحتاج إلى حذر شديد عند التعامل بها؟!
فإذا توجه البحث إلى النظر في وجود آية االمداينة في خواتيم سورة البقرة لتبين أنها جاءت بعد طريق طويل , سلكت فيه السورة كل سبيل لترسخ قواعد التوحيد , وتفصل شرائع الإسلام , وتربط كل ذلك بالبعث والنشور والرجوع إلى الله تعالى.
وهذا يعني أن النفوس في تعاملاتها المادية تحتاج إلى توطئة طويلة من الأوامر الدينية , كما تحتاج إلى ضوابط صارمة من الأوامر والنواهي , في هذا المضمار؛ ولذلك لا توجد آية قرآنية حوت من المحاذير ما حوته آية المداينة.
إن الحديث عن الاقتصاد الإسلامي من الأهمية بمكان؛ لأنه ركيزة من ركائز ثبوت الدين , ودوامه , وانتشاره؛ ولذلك وضع في أول سورة قرآنية بعد الفاتحة.
والبدايات دائماً تكون كالأسس والدعائم لكل بنيان , فإذا نظرنا إلى الإسلام كبنيان نلحظ أنه يقوم على ركيزتين:
الأولى: عقيدة راسخة تثمر عبادة وأخلاقاً.
والأخرى: قوة ٌ تحمي هذه العقيدة وتلك العبادة , وتضمن بقاء الأخلاق وانتشارها , ومن أجل ذلك كان محور سورة البقرة يدور حول هذين الأمرين؛ لأن الخلل فيهما هدمٌ لمعالم الأمة المسلمة وتفتيت لأركانها , ولا يقوى أحدهما إلا في قوة الآخر؛ فالأمة التي تُعنى بالعقيدة ولا تعنى بالقوة التي تحمي هذه العقيدة لابد أن يأتيها عدو يزلزل هذه العقيدة.
ومن هنا تتبين علاقة هذه الآية بالسورة عامة , وبالمقصود الأعظم منها , وهذه العلاقة تتضح , وتنكشف في مواضع , وتخفى وتستكن في مواضع أخرى , لكن في النهاية تظل علاقة الآيات كعلاقة الأنساب في عالم الإنسان , وكأن السورة في الذكر الحكيم قبيلة في أمة يربطها أصل واحد , وإن اختلفت صور أفرادها وأشكالهم , وألوانهم , لكنهم جميعا إلى رجل واحد (10)
*******
سابعا: علاقة الآية بأول سورة البقرة وآخرها
لاشك أن آية المداينة خيط من خيوط السورة , وعنصر من عناصرها , وهذا العنصر يستقي ماءه من جذر السورة , أو المقصود الأعظم , ويرتبط بالباقي برباط يدق في موضع , ويعظم في آخر.
والذي لابد من الالتفات إليه هو النظر إلى الآية على أنها ختام آيات التشريع في سورة البقرة , والتشريع ما هو إلا رافد كبير من روافد النهر الذي أشارت إليه المقدمة.
كيف هذا؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/342)
إن الجمع بين آية المداينة وأول سورة البقرة يلحظ فيه مايلي:
أولاً: حدثتنا السورة في بدايتها عن عدة معان:
* الكتاب * نفي الريب عنه * هداية المتقين * الإيمان بالغيب
وهذه المعاني شاخصة في آية المداينة ,فأول شيء في الآية بعد النداء هو قوله تعالى (فاكتبوه).
ثم تتابعت هذه اللفظة بصور متعددة فقيل: (وليكتب- كاتب – كاتب –يكتب –فليكتب –تكتبوه – كاتب)
وهذه الكثرة في مادة الكتابة ليست إلا لحفظ وضمان الحقوق من الضياع أو النسيان أو الإنكار , وكل ذلك يتصل بالكتابة اتصالاً وثيقا.
ثانيا: تحدثت الآية عن الغاية من الكتابة , والتوثيق؛ وهي نفي الريب , وذلك في قوله تعالى:
(ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا) (البقرة:282).
وكذلك أول البقرة حيث قيل: (لا ريب فيه هدى).
فكأن نفي الريب عن الكتاب اشتق منه نفي الريب عن الكاتبين للديون.
ثالثاً: تحدثت الآية عن أن هذا التشريع يؤدي إلى تقوى الله تعالى؛ فقالت: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة:282).
وكذا أول البقرة قيل فيه: (هدى للمتقين).
ففي آية المداينة يحقق التوثيق تقوى الله تعالى , وفي أول البقرة يحقق الكتاب تقوى الله تعالى.
وهكذا نجد لُحمة النسب , والماء الجاري بين الآيات ماءً واحداً وإن اختلفت مجاريه.
علاقة الآية بختام سورة البقرة
جاء في ختام سورة البقرة قوله تعالى (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) (البقرة:284)
وهذا تذكير بأن أخذ الديون وردها أو أكلها سحتاً لن يخرج عن ملكوت الله تعالى وتقديراته.
ثم إن ختام السورة تعرض لما يجول في نفوس الناس وهذه الخواطر وتلك الخلجات لها علاقة وثيقة بالديون: من حيث نية الأداء , أو نية الإتلاف , كما جاء في الحديث: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّ الله عنه , ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) (11)
فالنية وما يدور في النفس هو ما عليه مدار الحساب.
أضف إلى ذلك امتلاء الآية بهذه الأوامر وتلك النواهي , والشروط , مما يستوجب السمع والطاعة , كما جاء في ختام البقرة: (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
ثم إن الدَّين وهو عبء ثقيل , بل هو هم بالليل وذل بالنهار لايبعد عن قول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ َ) (البقرة:286
وهكذا تتشابك الخيوط وإن بعدت المسافات بين الآية وأول السورة , وختام السورة مما يزيد من وحدة الهدف , وهذا يقوي معني أن السورة القرآنية شبكة واحدة يجمعها نمط من الخيوط المتوازية تارة , والمتقابلة تارة أخرى , والمتجانسة تارة ثالثة .... إلخ
*****
ثامناً: وجه البلاغة في طول الآية
لا يشك أحد في أن تحديد فواصل الآيات , ورؤوسها توقيف من الله تعالى (حيث تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن رب العزة جل وعلا) (12)
والسؤال الذي يطرح نفسه:
ما وجه جمع كل هذه المعاني والأغراض في آية واحدة , وقد كان من الممكن _ عقلاً _ أن تُجزّأ هذه الآية إلى عدة آيات؟
لكن هذا لم يحدث؛ حيث احتلت الآية صفحة كاملة من المصحف الشريف , وضم بعضها إلى بعض , حتى صارت آية واحدة.
والذي أراه أن هذا الطول لون من ألوان التحذير؛ لأن طريق الديون طريق طويل , مليء بالعقبات , كما أن آثار الديون لا تزول سريعا , بل تبقى عالقة بالنفوس ,مثل الألم الذي لا يزول حتى بعد العلاج , وكأن طول الآية يوحي بأفضلية عدم التداين؛ لأنه بابُ خطرٍ؛ فالصبر أولى منه لمن يريد الاقتراض.
وهكذا تحاول الآية أن تصرف الناس عن دروب التداين إلى طريق آخر؛ فطالت؛ ليشق عليهم جمعها وقراءتها.
وأمر آخر:
وهو أن الآية جمعت شروطا وضوابط لضمان الحقوق , فموضوعها واحد , فلما اتحد موضوعها جُمعت في آية واحدة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/343)
فإن قيل: فإن الآية التي بعدها موصولة بها , قلت: إن الآية التي بعدها في شأن الرهن , وهو باب آخر , حتى وإن كان فيه تداين , لكنه خاص بما يكون أثناء السفر حالة عدم توفر الكاتب , وآية الدين في أثناء الإقامة , فلما كان هناك نوع اختلاف فصلت هذه عن تلك.
ووجه ثالث:
وهو أن الآية بطولها هذا أصبحت من الشهرة بمكان , مما جعلها موطن حضور في حديث المسلمين , وتدارسهم للقرآن الكريم , وهذا يستتبعه استحضار ما فيها من قيود دائما.
فإذا ضم هذا المعنى إلى ما بين الناس من تعاملات مالية , وأغلبها في ميدان الديون لعرفنا أن هناك علاقة وثيقة بين طول الآية وما شاع بين الناس من تعاملات؛ حيث وضع القرآن الكريم أشهر آية لتكون علاجاً لأشهر المعاملات.
فالمشهور الشائع في القرآن علاج للمشهور الشائع في المعاملات , وهذا توافق عجيب.
ووجه رابع:
وهو أن هذه الآية ذكرت في أطول سورة في القرآن الكريم , فهناك مناسبة بين طول الآية وطول السورة , وبخاصة أنها من آيات الأحكام , ومن سمات هذا الضرب من الآيات التفصيل والإسهاب؛ حتى لا تكون المعاملات موضع اجتهاد أو أخذ ورد وبخاصة أن الآية تتحدث عن المعاوضات المالية التي هي أصل كثير من النزاعات بين الناس , ولما كانت هذه المعاوضات متنوعة إلى ديون وتجارات , استلزم ذلك الإسهاب؛ استقصاءً لهذه الحالات المشار إليها.
وزاد من ذلك: أن الآية سلكت في معالجتها سبيل درء الشبهات , وسد الذرائع المؤدية إلى المنازعات , وأخذ الحيطة , وذلك كله يستلزم الإسهاب والإطناب في العرض؛ ليواكب زخم هذه الأساليب العلاجية التي حوتها الآية.
...
تاسعاً: آية المداينة بين التثقيف والتكليف
إن القرآن الكريم - والذي تمثل آية المداينة لبنة من لبناته- معنيٌ بتثبيت الحكم , كما أنه معنيٌ في الوقت نفسه بتهيئة القلوب لتقبّل هذا الحكم؛ ولتقتنع به , وتقبل عليه إقبال الشغوف , وليس من البلاغة بيان الحكم دون تهيئة النفوس لاستقباله , كما أنه ليس من البلاغة أيضاً الكشف عن المعاني الوجدانية الآسرة للقلوب الباعثة على الأريحية دون تحديد المراد.
والمقصود من الكلام أن البلاغة العالية هي التي تمزج بين الرافدين: بين أحكام الشريعة الضابطة لحركة الحياة , والمعاني الروحية الباعثة على النشاط للتمسك بهذه الأحكام.
(من هنا كان المعنى القرآني مزيجا متفاعلاً من عنصرين: التشريعي – وينطوي فيه العَقَدي – والروحي؛ الماثل في غرس القناعة الفكرية , والطمأنينة الوجدانية بهذا العنصر التشريعي في قلب المكلَّف.
ولا تكاد تجد معنى قرآنيا إلا وهو وليد التفاعل بين هذين العنصرين , على اختلاف في مقادير هذين العنصرين ودرجات ظهورها.
وقد يظن أن ثم ما هو مشغلة الفقهاء وحدهم , وهو المسمى بآيات الأحكام , ولا سبيل للبلاغي إلى تدبره إذ إن مشغلة البلاغي عندهم المعاني الروحية , وأن ثمة ما هو مشغلة البلاغيين دون الفقهاء كالقصص القرآني.
وذلك نهج خاطئ , إن لم يكن آثما؛ فما من آية إلا قد تَشكَّل معناها من الشرع والروح معاً , ومنزلها من السياق الكلي للسورة هو الذي يبرز عنصرا على آخر , وبناؤها اللغوي هو الذي يمنح عنصرا جلاءً وقرباً إلى الإدراك دون الآخر. (13)
وفي جميع الأحوال يظل ارتباط الحكم بالمحرضات على قبوله , وارتباط الشرع بالدوافع المؤثرة في قبوله ,يظل هذا الارتباط قائماً لا ينفك في جميع آي القرآن؛ يقول المرحوم سيد قطب في قيام هذا الرابط في آية المداينة: ارتباط التشريع بالوجدان الديني في الآية ارتباط لطيف المدخل , عميق الإيحاء , قوي التأثير , دون الإخلال بترابط النص من ناحية الدلالة القانونية , وحيث يلحظ كل المؤثرات المحتملة في موقف طرفي التعاقد , وموقف الشهود والكتاب , فينفي هذه المؤثرات كلها , ويحتاط لكل احتمال من احتمالاتها.
إن الإعجاز هو صياغة آيات التشريع هنا لهو الإعجاز في صياغة آيات الإيحاء , والتوجيه , بل هو أوضح وأقوى؛ لأن الغرض هنا دقيق يُحرِّفه لفظ واحد , ولا ينوب فيه لفظ عن لفظ) (14)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/344)
وعلى سبيل المثال: لقد صُدّرت الآية بذلك النداء: (يا أيها الذين آمنوا) وفي خصائص نظمه واصطفاء عناصره على هذا النحو دلالة على إلزامهم بما دخلوا فيه طوعاً من إيمان وتسليم , وإشارة إلى أن إيمانهم لا يزال فعلاً , وأنهم ما يزال فيهم بقية من غفلة , لكن أيضا فيهم تشريف لهم بتعريفهم بخير صفاتهم , وتشريفهم بمباشرة الحق _ عز وجل _ نداءهم دون قوله: - قل يا أيها الذين آمنوا - , وهذا التكليف والتذكير والتشريف المحتضن في رحم النظم , متناسق أيما تناسق مع ما هو آت من بعد) (15)
هذا نمط واحد يحمل التشريف والتكريم , كما يحمل التذكير بالغفلة , والحث على نقضها , وهكذا تفاعلَ في العنصر الواحد عاملان من عوامل الحض والتهيئة لاستقبال الأوامر والنواهي القادمة في: (فاكتبوه _ وليكتب _ واستشهدوا .. إلخ)
ثم تعاود الآية ذكر ما يهيج النفوس وُيزجي أوارها , فيقال للكُتّاب: (كما علمه الله) , هذا عنصر من عناصر التثقيف المحرضة على قبول الأمر ...
ثم يؤتى بالتكليف فيقال: (فليكتب وليملل الذي عليه الحق) ثم يأتي تثقيف آخر , أو محرض آخر فيقال: (وليتق الله ربه) فيتبعه تكليف وهو (ولا يبخس منه شيئا) .... وهكذا تظل الآية تراوح وتمازج بين التكليف والتثقيف على نحو بارز؛ لتُقبل النفوس على التكاليف إقبال رغبةٍ وشغف , وتلذذ , فترى فيما كلفت به من شرائع لذة ومتعة واسترواح ...
بل إن هذا المزج لا تحس معه أي نفس مرهفة بأي شيء من التباين والتفاضل , على الرغم مما قد يظن أن البيان التكليفي يقتضي غير ما يقتضيه البيان التثقيفي , ألفاظاً وتوقيعاً صوتياً ... إلخ (16)
وهذا المزج (الذي لا يكاد يفصل بعضه عن بعض) بين الخطاب التكليفي والخطاب التثقيفي يشير إلى حرص القرآن الكريم على إحاطة التكاليف بالبواعث التي تضعها موضع التنفيذ السريع , وذلك ضرب من ضروب علاقات المعاني , وهي لب البلاغة ومعدنها , والذهب الإبريز الذي يتطلب البحث عنه والتعب من أجله؛ يقول الإمام عبد القاهر: (واعلم أن غرضي من هذا الكلام الذي
ابتدأته , والأساس الذي وضعته , أن أتوصل إلى بيان أمر المعاني , كيف تختلف وتتفق , ومن أين تجتمع وتفترق , وأفصل أجناسها وأنواعها , وأتتبع خاصها و مشاعها ... إلخ) (17)
أضف إلى ذلك أن قمة الجمال اللغوي أن يأتي الكلام موافقاً لطبيعة النفس البشرية , ومنسجماً مع مداخلها , ومخارجها.
ولاشك أن النفس البشرية تنفر من التكاليف المجردة , وتتأبى على الأوامر العارية من النصح , ومن المثيرات والمحرضات , لكنها في الوقت نفسه تحب المقدمات وتُثار للمحرضات , وتسرع إلى كل شيء كانت قد هُيئت له , وكما قال عبد القاهر: (إن إعلامك الشيء بغتة ليس كإعلامك له بعد توطئة) (18)
تلك فطرة النفس البشرية التي لم يغفلها القرآن الكريم , حيث وضع المحرضات قبل , أو بعد , أو في أثناء التكاليف حتى ترغب في أدائها النفوس.
والعجيب أن آية الدين جمعت بين الأصناف الثلاثة؛ حيث سُبقت بأبلغ آية_ وآخر الآيات نزولاً _ وأكثرها دفعاً وتحريضا ً إلى الامتثال , وهي قول الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة:281)
ثم جاءت بعد آية المداينة عدة آيات أخرى باعثة ومحرضة , وذلك قوله تعالى: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:284)
كما اختلطت الآية بالبواعث والمحرضات من مثل: (وليتق الله ربه) ومثل (ذلكم أقسط عند الله) ومثل (واتقوا الله ويعلمكم الله).
وهذا يعني: أن الدَّين حمل ثقيل على كلا الطرفين , بل على جميع الأطراف: الدائن والمدين والشهود والكاتب , بل على الأمة كلها , وهذا يفسر وجه استعاذة النبي _ صلى الله عليه وسلم _ منه , حيث يقول (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن , وأعوذ بك من العجز والكسل , وأعوذ بك من الجبن والبخل , وأعوذ بك من غلبة الدين , وقهر الرجال) (19)
...
عاشراً: مصطلحات وحدود
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/345)
الواقع أن هذه الآية لها اتصال وثيق ببعض المصطلحات الفقهية , منها ما هو قديم مثل [السَلَم] , ومنها ماهو حديث مثل [البيع بالتقسيط] , ولقد رأيت من المناسب أن أشير إلى هذه المصطلحات , وأُعرِّف بها تعريفاً موجزاً يكشف النقاب عنها , وبالقدر الذي يتناسب مع طبيعة هذه الدراسة البلاغية , مع الإشارة إلى أن جميع هذه المصطلحات متصل بدائرة الديون من قريب أو من بعيد.
(قال الشافعي – رحمه الله -: قول الله تعالى: " إذا تداينتم بدين " يحتمل كل دين , ويحتمل السلف خاصة , وقد ذهب فيه ابن عباس إلى أنه في السلف ..... وإن كان كما قال ابن عباس في السلف قلنا به في كل دين قياساً عليه لأنه في معناه) (20)
ويقول القرطبي: (قال ابن عباس: هذه الآية نزلت في السلم خاصة , معناه: أن سَلَم أهل المدينة كان سبب الآية , ثم هي تتناول جميع المداينات إجماعاً) (21)
وأول ما ينبغي الوقوف عنده هو مصطلح:
الدَّيْن
(وحقيقته: عبارة عن معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً , والآخر في الذمة نسيئة , فإن العين عند العرب ما كان حاضراً , والدين ما كان غائباً , قال الشاعر:
لترمِ بي المنايا حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحُفرتين
إذا ما أوقدوا حطبا ًوناراً فذاك الموت نقدا غير دَيْن
وقد بيّن الله تعالى هذا المعنى في قوله سبحانه (إلى أجل مسمى) (22)
ويستعمل الفقهاء كلمة الدَّيْن بمعنيين: أحدهما أعمّ من الآخر.
أما بالمعنى الأعم فيريدون به مطلق الحق اللازم في الذمة؛ بحيث يشمل كل ما يثبت في الذمة من أموال, أياً كان سبب وجوبها , أو حقوق محضة كسائر الطّاعات: من صلاة , وصوم , وحج ... إلخ.
وأما بالمعنى الأخص – أي في الأموال – فهو ما يثبت في الذمة من مال في معاوضة , أو إتلاف , أو قرض (23)
ومن صفات الله تعالى الديان , وقيل من أسمائه , وفي معناه يقول ابن منظور: (هو القهار , وقيل: هو الحاكم , والقاضي , وهو فَعَّال من: دان الناس؛ أي: قهرهم على الطاعة , يقال: دنتهم فدانوا؛ أي قهرتهم فأطاعوا .. ومنه: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت , أي: أذلها واستعبدها , وقيل: حاسبها , وفيه: ثلاثة حق على الله عونهم _ منهم: المدين الذي يريد الأداء , والمديان: الكثير الدين , الذي علته الديون , وهو مفعال من الدَّين للمبالغة) (24)
القرض:
(وهو نوع من السلف , وهو جائز بالسنُّة والإجماع وقيل: هو كل ما يضمن بالمثل عند الاستهلاك , وقيل: هو في اللغة: ما تعطيه لتتقاضاه , وقيل: هو دفع المال لمن ينتفع به على أن يرد بدله) (25)
ويصح القرض بلفظ السلف , والقرض؛ لورود الشرع بهما.
أما الفرق بين القرض والدين: فهو أن القرض أكثر ما يستعمل في العين والورق , وهو أن نأخذ من مال الرجل درهماً لترد عليه بدله درهماً , فيبقى ديناً عليك إلى أن ترده؛ فكل قرض دين , وليس العكس , وذلك أن أثمان ما يشترى بالنسئ ديون وليست بقروض , فالقرض يكون من جنس ما اقترض وليس كذلك الدين) (26)
ويجوز أن نفرق بينهما فنقول: قولنا: يداينه , يفيد أنه يعطيه ذلك ليأخذ منه بدله , ولهذا يقال: قضيت قرضه , وأديت دينه , وواجبه , ومن أجل ذلك أيضاً يقال: أديت صلاة الوقت , وقضيت ما نسيت من الصلاة؛ لأنه منزلة القرض. (27)
السلم:
بالتحريك: السلف , وأسلم في الشيء , وسلم , وأسلف , بمعنى واحد , والاسم: السلم وهو أن يعطي ذهبا وفضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم , فكأنك قد أسلمت الثمن , بمعنى السلف , ويقول: الإسلام لله عز وجل , كأنه ضن بالاسم الذي هو موضع الطاعة , والانقياد لله عز وجل عن أن يسمى به غيره , وأن يستعمل في غير طاعة الله , ويذهب به إلى معنى السلف. (28)
وعند القرطبي: (حدّ علماؤنا السلم فقالوا: هو بيع معلوم في الذمة محصور بالصفة , بعين حاضرة أو ما هو في حكمها إلى أجل معلوم. فتقييده بـ (معلوم في الذمة) يفيد التحرُّز من المجهول , ومن السلم في الأعيان المعيَّنة مثل الذي كانوا يستلفون في المدينة حين قدم عليهم النبي _ صلى الله عليه وسلم _ فإنهم كانوا يستلفون في ثمار نخيل بأعينها , فنهاهم عن ذلك لما فيه من الغرر؛ إذ قد تخلف تلك الأشجار فلا تثمر شيئا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/346)
وقولهم: (محصور في الصفة) تحرز عن المعلوم على الجملة دون التفصيل كما لو أسلم في تمر أو ثياب أو حيتان ولم يبين نوعها ولا صفتها المعينة.
وقولهم: (بعين حاضرة) تحرز من الدين بالدين.
وقولهم: (أو ما هو في حكمها) تحرز من اليومين , أو الثلاثة التي يجوز تأخير رأس مال السلم إليه؛ فإنه يجوز تأخيره عندنا , ذلك القدر , بشرط , وبغير شرط لقرب ذلك ....
وقولهم: (إلى أجل مسمى) تحرز من السلم الحال؛ فإنه لا يجوز على المشهور ....
ووصف الأجل (بالمعلوم): تحرز من الأجل المجهول الذي كانوا في الجاهلية يسلمون إليه (29)
وقيل في السلم: (أن يسلم عوضا حاضراً في عوض موصوف في الذمة إلى أجل مسمى , ويسمى سلماً وسلفاً , يقال: أسلم , وسلّف , وهو نوع من البيع ينعقد بما ينعقد به البيع , ... ويعتبر فيه من الشروط ما يعتبر في البيع , وهو جائز بالكتاب والسنة , أما الكتاب , فقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ .... )
وروى سعيد بإسناده عن ابن عباس أنه قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه , ثم قرأهذه الآية.
ولأن هذا اللفظ – أي الدين –يصلح للسلم , ويشمله بعمومه.
وأما السنة , فروى ابن عباس عن الرسول _صلى الله عليه وسلم _ أنه قدم المدينة , وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث , فقال (من أسلف في شيء , فليسلف في كيل معلوم , ووزن معلوم , إلى أجل معلوم) متفق عليه.
وروى البخاري عن محمد بن أبي مجاهد قال: أرسلني أبو بردة وعبد الله بن أبي شداد إلى عبد الرحمن بن أبزى , وعبد الله بن أبي أوفى فسألتهما عن السلف فقالا: كنا نصيب المغانم مع رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ فكان يأتينا أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب , فقلت: أكان لهم زرع , أم لم يكن لهم زرع؟
قال: ما كنا نسألهم عن ذلك.
وأما الإجماع: فقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنهم من أهل العلم على أن السلم جائز؛ ولأن الثمن في البيع أحد عوضي العقد ,فجاز أن يثبت في الذمة , ولأن بالناس حاجة إليه؛ لأن أرباب الزروع , والثمار , والتجارات يحتاجون إلى النفقة على أنفسهم , وعليها لتكمل , وقد تعوزهم النفقة , فجوّز لهم السلم ليرتفقوا , ويرتفق المسلم بالاسترخاص (30)
السلف:
(سلف يسلُف سلفاً وسلوفا ً, يجيء على معان:
السلف: القرض , والسلم , والسلف أيضا كل عمل قدمه العبد ...
وأسلف في الشيء: سلم , والاسم منها: السلف , وهو نوع من البيوع يعجل فيه الثمن , وتضبط السلعة بالوصف إلى أجل معلوم.
والسلف: القرض , يقال: أسلفته مالاً؛ أي: أقرضته.
قال الأزهري: كل مال قدمته في سلعة مضمونة اشتريتها بصفة فهو سلف وسلم , وروي عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أنه قال: (من سلّف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم).
أراد: من قدم مالاً , ودفعه إلى أجل في سلعة مضمونة ....
والسلف في المعاملات له معنيان:
أحدهما: القرض الذي لامنفعة للمقرض فيه غير الأجر والشكر , وعلى المقترض رده كما أخذه
والعرب تسمي القرض سلفاً كما ذكره الليث.
والمعنى الثاني: هو أن يعطي مالاً في سلعة إلى أجل معلوم بزيادة في السعر الموجود عند السلف؛ وذلك منفعة للمسلف , ويقال له سلم دون الأول؛ وفي الحديث (أنه استسلف من أعرابي بَكْراً؛ أي: استقرض) (31).
وقيل: السَلَف بفتحتين هو: السلم وزناً ومعنىً , قيل هو لغة أهل العراق , والسلف لغة أهل الحجاز.
وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّ الله عنه , ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى) (32)
والتعبير بأخذ أموال الناس يشمل أخذها بالاستدانة , وأخذها لحفظها , والمراد من إرادته التأدية: قضاؤها في الدنيا , وتأدية الله تعالى عنه يشمل تيسيره لقضائها في الدنيا , بأن يسوق إلى المستدين ما يقضي به دينه , وقضاؤها في الآخرة: بإرضائه غريمه بما شاء الله تعالى ....
وقوله: (يريد إتلافها): الظاهر أنه من يأخذها بالاستدانة فعلاً , لا لحاجة , ولا لتجارة , بل لا يريد إلا إتلاف ما أخذ على صاحبه ولا ينوي قضاءها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/347)
وقوله (أتلفه الله): الظاهر إتلاف الشخص نفسه في الدنيا بإهلاكه , وهو يشمل ذلك ويشمل إتلاف طيب عيشه , وتضييق أموره , وتعسر مطالبه , ومحق بركته , ويحتمل إتلافه في الآخرة _ بتعذيبه: (33).
وقد يلحظ فرق آخر بين السلف والسلم؛ ذاك أن (السلف أعم , فالسلف: تقديم رأس المال , والسلم: تسليمه في المجلس) (34).
العينة:
هي في اللغة السلف , يقال: تعيَّن فلان من فلان عينه؛ أي: تسلف , وقد فسر الفقهاء العينة بأن يبيع المرء شيئا من غيره بثمن مؤجل , ويسلمه إلى المشتري , ثم يشتريه بائعه قبل قبض الثمن بنقد حالٍ أقل من ذلك القدر.
وحقيقة العينة: قرض في صورة بيع لاستحلال الفضل مقابل الأجَل؛ إذ تؤول العملية إلى قرض عشرة لرد خمسة عشر , والبيع وسيلة صورية إلى تلك الزيادة , وقد قيل لهذا البيع: عينة؛ لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها من البائع عيناً؛ أي نقدا حاضراً , واستحسن الدسوقي أن يقال: (إنما سُميت عينة لإعانة أهلها للمضطر على تحصيله مطلوبه التحليل بدفع قليل في كثير) (35).
وهكذا تتشابك هذه المعاملات وتدخل في زمرة الديون , وهذا يعني أن كل معاملة بين اثنين يبقى شيء منها في ذمة الآخر تنطبق عليها الآية؛ فالآية من إعجازها أنها شملت الكثير من أوجه التعامل , ولعل ذلك من أسباب طولها وكثرة التفصيل فيها.
البيع بالتقسيط:
(وهو لون من ألوان بيع النسيئة , فهو: بيع يُتفق فيه على تعجيل السلعة , وتأجيل الثمن كله , أو بعضه , على أقساط معلومة لآجال معلومة , وهذه الآجال قد تكون منتظمة المدة في كل شهر , أو في كل سنة , أو غير ذلك.
كما أنها قد تكون متساوية المقدار , أو متزايدة , أو متناقصة (36)
_ وهذا كله يجوز متى كان ثمة تراهن بين المتبايعين، وإذا كان الثمن مؤجلا , وزاد البائع فيه من أجل االتأجيل جاز؛ لأن للأجل حصة من الثمن) (37)
الفصل الثاني
المعجم اللُّغوي للآية ثم رؤية بيانية لهُ
تعددت الأساليب داخل الآية وتفاعلت عناصرها لتكوِّن في النهاية هذه اللوحة الكاملة , ولكي تقرأ اللوحة كاملة , ويستشف مقصودها الأعظم , وهدفها الأعلى , كان لابد من تتبع هذه الخيوط المتشابكة , ومعرفة أعدادها , وتفاعلاتها , وعلاقاتها المتداخلة؛ ليُتوصل في الختام إلى رؤية واضحة يمكن من خلالها القول بأن هذه الصورة يقصد بها كذا ... أو كذا.
ولذلك كان من فريضة البيان الأولى إحصاء عدد الخيوط , وأنواعها في الآية , وهاهي تي:
أسلوب الشرط:
بلغ عدد أساليب الشرط في الآية ستة؛ وهي على التوالي كما يلى:
1 - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ)
2 – (فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل)
3 - ِ (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)
4 - (وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا)
5 – (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ)
6 – (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ)
هذا , وهناك أساليب شرط مفهومة من سياق الآية؛ لكنها ليست محكومة بأدواته المعروفة , ومن هذه الأساليب _ على سبيل المثال قوله تعالى (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)؛ حيث يفهم منه: (إذا ضلت إحداهما فلتذكرها الأخرى) , وهذا النوع سيكشف عنه التحليل في حينه.
أساليب الأمر:
لأسلوب الأمر صورتان صريحتان وهما: (افعل) و (لتفعل) , وقد ورد في الآية منها تسعة أساليب هي على الترتيب كما يلي:
1 – (فاكتبوه)
2 – (وليكتب بينكم كاتب بالعدل)
3 – (فليكتب)
4 – (وليملل الذي عليه الحق)
5 – (وليتق الله ربه)
6 – (فليملل وليه بالعدل)
7 – (واستشهدوا شهيدين من رجالكم)
8 – (وأشهدوا إذا تبايعتم)
9 – (واتقوا الله).
ولا يعني هذا انحصار الأمر في هاتين الصورتين , بل قد يفهم الأمر في صور أخرى , لكنها ليست نصاً في الأمر؛ لأن الأمر فيها مأخوذ من السياق والمقام والغرض العام ... إلى آخر ذلك من العوامل المساعدة على فهم الأمر.
...
أساليب النهي:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/348)
ليس لأساليب النهي في لغة الضاد إلا صيغة واحدة صريحة , وهي (لا تفعل) , أو (لا) الداخلة عل المضارع , لكن قد يفهم النهي أيضاً من إدخال مادة (نهى) وما في معناها على الكلام , وقد جاء ذلك في القرآن الكريم؛ نحو قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90) ,
ونحو: (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) (النساء:171)
ونحو: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:9) ,
ونحو: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) (المائدة:3).
وما سوى ذلك من النهي قد يفهم من مضمون الكلام.
وقد جاء في الآية خمسة أساليب نهي صريحة , وهي كما يلي:
1 – (وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ)
2 - (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً
3 - وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا)
4 - (وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ)
5 - (ْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (البقرة:282).
هذا , بالإضافة إلى أساليب أخرى فاعلة , لكنها تخدم ما سبق من أمر ونهي وشرط , ومن تلك الأساليب _ مثلاً _:
أسلوب النداء في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ... آية).
وأسلوب التفضيل في قوله تعالى: (ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا)
وأسلوب الاستثناء في نحو: (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم).
وأساليب بلاغية:
كالتشبيه , كما في قوله تعالى: (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله).
ووضع الظاهر موضع المضمر , كما في قوله تعالى: (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما
الأخرى) , وقوله: (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم).
وأسلوب الحذف , نحو: (وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم).
وهكذا تتعدد الأساليب , لكنها جميعاً محكومة بهذه الثلاثة , وداخلة في إطارها , وخادمة لمضمونها؛ فالشرط والأمر والنهي أساليب تفرض هيمنتها على الآية , من أولها إلى آخرها , وسوف يتبين وجه ذلك لاحقاً , _ إن شاء الله تعالى _.
الأدوات:
أولا: حروف الجر:
تعددت حروف الجر في الآية؛ حيث ورد فيها:
(الباء _ إلى _ الكاف _ من _ اللام).
وهي على النحو التالى:
الباء: خمس مرات.
إلى: مرتان.
الكاف: مرة واحدة.
من: أربع مرات.
اللام: مرة واحدة.
والمجموع ثلاثة عشر حرف جر.
...
أدوات النصب:
وهي إما ناصبة للمضارع , وقد وردت سبع مرات (أنْ).
أو حرفاً ناسخا , وقد جاء مرة واحدة (إنَّ).
الأفعال الناسخة:
وقد ورد منها أربعة أفعال , جاءت على هذا الترتيب:
1 – (فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً .... )
2 – (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ .. )
3 - (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ ... )
4 – (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ... )
أدوات الشرط:
وقد ورد منها أداتان فقط , وهما (إنْ _ إذا) , وكل منهما كرر ثلاث مرات.
أما (إذا) ففي:
1 – (إذا تداينتم)
2 - (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا)
3 – وأشهدوا إذا تبايعتم)
وأما (إنْ) ففي:
1 – (فإن كان الذي عليه الحق سفيها).
2 - (فإن لم يكونا رجلين)
3 – وإن لم تفعلوا فإنه فسوق بكم).
...
حروف العطف:
وقد ورد منها ثلاثة أنواع:
الواو: وجاءت سبع عشرة مرة.
الفاء: وجاءت ست مرات.
أو: وجاءت ثلاث مرات
...
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/349)
الأفعال:
وقد ورد منها تسعة وعشرون فعلاً, منها اثنان وعشرون فعلاً معرباً , وستة أفعال مبنية , منها ثلاثة مبنية , وثلاثة أفعال أمر.
...
الأسماء الموصولة:
وقد ورد منها: (الذين _ الذي _ مَنْ).
********
رؤية بيانية لهذا المعجم
بعد حصر هذه اللبنات تبين بجلاء شيوع بعضها , وقلة البعض الآخر , والفريضة التي أراها في الدرس البلاغي التحليلي هي النظر في وجه البيان خلف ما أشيع , وقلة ما ندر؛ ذاك لأن اليقين _ الذي لا محيد عنه _ أن الخالق الكريم أحكم هذا الكتاب الكريم , وقد قال سبحانه: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود:1)
فكل حرف مضبوط بضوابط تسير في فلك المراد , وتتواءم مع المقصود.
ومن هنا يلحظ ما يلي:
· كثرة الأمر , والنهي , والشرط , حتى كادت الآية تُحصر بينهم , وهذه الأساليب - بلا شك - قيود وعوائق تقف في وجه هذا النوع من التعامل بين المؤمنين , وكأن الآية تقول لا ينبغي إتمام هذا الأمر إلا بعد تحقيق هذه الضوابط , فإن اختل منها شيء خرجت _ حينئذٍ _ تلك المعاملة عن منهج الله المرسوم , وأدى ذلك إلى خلاف وشقاق لانهاية له.
وإذا كان الأصل في المعاملات الإباحة مالم يرد الدليل بخلاف ذلك , فإن التعامل بالدين , وهو مباح شرعاً أحيط بسياج من المحاذير (أوامر , ونواهٍ , وشروط) التي تحدُّ من شيوع هذا التعامل؛ لأن طريق الدين وعر , صعب , والزلل فيه كثير , فقد يؤدي إلى الربا , وقد يؤدي إلى الخلاف والشقاق بين الناس.
إن القيود لا توضع إلا عند استشعار الخطر , كما توضع علامات المرور في الطريق لتشير إلى الحذر , ولما كانت الديون تترك في النفوس حرجاً , وتؤدي إلى ما يغضب الله تعالى _ من رباً ونحوه _ أحيط بالشرط , والأمر , والنهي.
وكثرة هذه القيود إعلاء من شأن التحذير؛ لتضييق هذه المعاملة من جهة , ولأخذ الحذر عند التعامل بها من جهة أخرى , حتى الأساليب المساعدة في الآية مثل أسلوب النداء _ مثلاً _ يتواءم مع هذا التحذير؛ لأن النداء ضرب من التنبيه.
وأسلوب الاستثناء: إنما هو انتقاء جزء من كل؛ إذ ليس كل المعاملات سواء.
وأسلوب التفضيل: يصرِّح بهذا المعنى أيضاً؛ لأن هناك معاملات بديلة للديون أولى بالاتباع , كالبيع الناجز ونحو ذلك.
فإذا جئنا إلى الأدوات نلحظ ما يلي:
في حروف الجر شاع حرف الباء؛ حيث ذكر خمس مرات , ثم (من) حيث ذكر أربع مرات.
وحرف الباء يدور بين معاني الإلصاق , والاستعانة , والزيادة , وهي معانٍ لا تبعد كثيرا عن الديون؛ فالمَدِين ملصق بالدائن , مستعين به؛ لأخذ بعض الزيادة من ماله , أو هو ملصق بالأرض من الفقر , مستعين بغيره رغبة في زيادة ماله , والإلصاق هو أشهر معاني الباء , (وقيل: إنه لا يفارقها , ويعني تعلق أحد المعنيين بالآخر) (38).
فالتعلق هو أبرز ما يميز الباء , والتعلق أيضاً هو أبرز ما يميز الديون.
أما (مِنْ): فمن معانيها التبعيض , وابتداء الغاية , والتقليل , والبدل , بل إنها تأتي أيضا بمعنى الباء , كما في قوله تعالى: " ينظرون من طرف خفي " أي: به) (39)
وعلى هذا , فإن ما أشيع من حروف جر في الآية لا يخرج معناه عن حمى الديون , بل يرتع فيه , حتى تكتمل اللوحة التي تصور أطراف المعاملة , وضوابطها.
أما (أن) فإنها وردت في الآية مصدرية فقط , وإن كانت تأتي لمعانٍ كثيرة , لكن تأويلها مع ما بعدها بمصدر يشير إلى دخولها في الفعل بعدها , وانضمامها إليه والتصاقها به , وهذا أيضا لا يخرج عن الإطار الذي تدور في فلكه الآية.
أما الأفعال الناسخة , فقد استعمل منها (كان _ ليس).
(والأصل في معنى _ كان _ المضيّ , والانقطاع) (40).وكأنها تشير إلى أن مصير كثير من الديون الانقطاع , بل والضياع , إلا المضبوطه , وهنا تبرز (ليس) التي ذكرت مرة واحدة؛ لتفيد استثناء الديون المأخوذة بحق , والمحفوظة بالشرع.
وهكذا كلما تتبعتَ اللبنات الصغرى داخل الآية وحصَرتَ الشائع منها , وجدت أن الكل يدور في فلك واحد , وتتشابك خيوطه في نسيج واحد؛ لتكوّن صورة واحدة لمضمون واحد , وهو التحذير من الديون , وأخذ الحذر عند التعامل بها.
الفصل الثالث
التحليل البلاغي للآية
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/350)
التحليل البلاغي لأسلوب النداء في:} يا أيها الذين آمنوا {
(الخطاب هنا موجه للمؤمنين؛ أي لمجموعهم , والمقصود منه: خصوص المتداينين , والأخص بالخطاب هو المدين؛ لأنه من الحق عليه أن يجعل دائنه مطمئن البال على ماله , فعلى المستقرض أن يطلب الكتابة , وإن لم يسألها الدائن.
ويؤخذ هذا مما حكاه الله تعالى في سورة القصص عن موسى وشعيب _ عليهما السلام _؛ إذ استأجر شعيب موسى , فلما تراوضا على الإجارة وتعيين أجلها , قال موسى: (والله على ما نقول وكيل) فذلك إشهاد على نفسه لمؤاجرِه دون أن يسأله شعيب ذلك). (41)
وحرف النداء (يا) له من الخصائص ما ليس لغيره , فهو (أصل حروف النداء , وأكثر حروف النداء استعمالا , ولا يُقدَّر عند الحذف سواه , ولا ينادى اسم الله _ عز وجل _ واسم المستغاث , وأيها , وأيتها , إلا به.
قال النحاة: (يا) أم الباب , ولها خمسة أوجه من التصرف:
أولها: نداء القريب والبعيد. وثانيها: وقوعها في باب الاستغاثة دون غيرها.
ثالثها: وقوعها في باب الندبة ورابعها: دخولها على أي.
وخامسها: أن القرآن المجيد مع كثرة النداء فيه لم يات فيه غيرها) (42)
ومن دلالة هذا النداء (وخصائص نظمه , واصطفاء عناصره على هذا النحو يبدو فيه ما يدل على إلزامهم بما دخلوا فيه طوعا من إيمان وتسليم) (34)
فهم الذين ارتضوا هذا الدين وآمنوا به وسلموا لأوامره ونواهيه , وكأن النداء تذكير لهم بما التزموا به , وارتضوا؛ فقيل لهم: (يا أيها الذين آمنوا) (44)
كما أن في اصطفاء لفظ (آمنوا) على هذا النمط _ حيث جاء فعلاً _ إشارة أخرى إلى (أن إيمانهم لا يزال فعلاً , وأنه ما يزال فيهم بقية من غفلة) (45) وليدخل فيه عموم من دخلوا في الإيمان , وليس خصوص المؤمنين؛ لأنه مما لا شك فيه أن هناك فرقاً بين أن يقال: (يا أيها المؤمنون) و (يا أيها الذين آمنوا)؛ فالمؤمنون أعلى منزلة , وأكثر إيماناً من الذين آمنوا؛ ذلك لأن الإيمان في المؤمنين صار اسمًا لهم , وصفة ثابتة , أما الذين آمنوا؛ فالإيمان لديهم لا يزال فعلاً , ولم يرق إلى مرحلة الثبوت , وفرق بين هذا وذاك.
وعلى كلٍّ , فإن النداء عليهم (تشريف لهم بتعريفهم بخير صفاتهم) (46)
وزد على ذلك أن النداء عليهم صادر عن الحق _ سبحانه وتعالى _ وليس هناك وسيط بينه وبينهم , وفي ذلك أيضا من التشريف ما فيه (وهذا التكليف والتذكير , والتشريف المحتَضَن في رحم النظم متناسق أيما تناسق مع ما هو آت من بعد) (47)
ونخلص من كل ذلك أن هذا النداء يحمل عدة معانٍ:
1 – عموميته؛ حيث يدخل فيه القريب والبعيد.
2 – تذكير المنادى بما التزم به من إيمان؛ ليكون دافعاً له إلى التسليم والطاعة.
3 – الإلماح إلى نقص إيمانهم؛ فما زالوا يُؤمرون ويُنهون؛ ففي التزامهم إكمال لهذا الإيمان
, وإتمام لهذا البناء.
4 – إرفاق كل ذلك بالتشريف , والتقدير , فهم موصولون بالله تعالى ,لمباشرته ندائهم.
تلك بعض المعاني الملحوظة من خلال هذا النداء.
******
فقه دلالة أداة الشرط في قوله تعالى (إذا تداينتم بدين)
يرى النحاة أن هذه الأداة ليست نصا في الشرط , (والسبب الذي من أجله لا يستخدمونها في الشرط أنها تجيء وقتاٍ معلوماً , ومعنى ذلك أنها إنما تعيّن نقطة التقاء حدثين في المستقبل , دون أن تجعل حدوث أحدهما مشروطاً بحدوث الآخر , ولكنها في الشعر تضطلع بتلك الوظيفة الشرطية , فتجمع إلى تعيينها نقطة التقاء الحدثين في المستقبل ترتب حدوث أحدهما على الآخر. (48)
(والنحاة يشعرون بأن الأصل في الأدوات الشرطية العمل , وأن الجزم سمة من سمات الأداة الشرطية , لذلك وصفوا الأدوات العوامل بأن ّ فيها معنى الشرط) (49).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/351)
وعلى هذا فإن (إذا الشرطية تختص بالدخول على الجملة الفعلية , وما جاء على غير ذلك فمؤول؛ محافظة على قاعدة الاختصاص (50) (وفعل الشرط لا يكون إلا مستقبل المعنى , فإن جاء ماضياً كما هو الحال في الآية _ أُوِّل بالمستقبل) (51) , كما أن من لوازم (إذا) الشرطية (أنها تختص بدخولها على المتيقن , والمظنون , والكثير الوقوع , بخلاف (إن) فإنها تستعمل في المشكوك , والموهوم النادر؛ ولهذا قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ثم قال: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (المائدة:6) فأتى بـ (إذا) في الوضوء لتكراره وكثرة أسبابه , و بـ (إن) في الجنابة , , لقلة وقوعها , بالنسبة إلى الحدث.
وقيل (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ) (لأعراف:131
وقيل: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) (الروم:36).
أتى في جانب الحسنة بـ (إذا)؛ لأن نعم الله على العباد كثيرة , ومقطوع بها , و بـ (إن) في جانب السيئة؛ لأنها نادرة الوقوع , ومشكوك فيها.
ولعل (إذا هنا تصف واقعاً يعيشه المسلمون الآن , مع أن الأصل في الدَّين أن يكون استثناءً , واضطراراً , أو على الأقل يكون في منزلة أقل من البيع الناجز , لكن شيوع (إذا) في الآية يثبت العكس , وكأن القرآن الكريم يقول: إن الناس سيتخذون التداين أساساً للبيع والشراء , وهذا واقع
نحياه الآن؛ فالمعاملات التجارية جلها الآن تقوم على الديون , حتى أصبح البيع الناجز هو الاستثناء , وهنا تكمن الخطورة.
البيان بالفعل: " تداينتم "
وهو فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك , مع وجود الميم الدالة على الجمع , والفعل على وزن (تفاعلتم) , وهو بمعنى: " اداينتم " وكل منهما يأتي بمعنى الآخر , مثل: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (البقرة:72).
قال الزركشي: (هو تفاعلتم , وأصله: تدارأتم , فأريد منه الإدغام تخفيفاً , وأُبدل من التاء دالٌ فسكن للإدغام , فاجتُلبت لها ألف الوصل , فحصل على " افّاعلتم ") (52).
والأصل في الصيغتين , أعني (افّاعلتم , وتفاعلتم) هي الثانية , وهي التي معنا في (تداينتم)؛ لأن الأولى حدث فيها إدغام , وهو لاحق على عدم الإدغام , كما أن في ألف الوصل , وهي مجلوبة للنطق بالساكن؛ ولذلك اوِّل المفسرون صيغة (افاعلتم) بـ (تفاعلتم).
ومن ذلك قول الطبري في قول الله تعالى: (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً َ) (لأعراف:38).
: إنما هو تداركوا) (53).
وفي نحو: (اثّاقلتُم) يقول القرطبي: (أصله: تثاقلتم) أُدغمت الثاء في التاء لقربها منها , واحتاجت إلى ألف الوصل لتصل إلى النطق بالساكن , ومثله: (اداركوا , وادّارأتم , واطّيرنا , وازّينت) (54).
وعند العكبري في التبيان يقول: (قوله " فادّرأتم " أصل الكلمة تدارأتم , ووزنه: " تفاعلتم " , ثم أرادوا التخفيف , فقلبوا التاء دالاً؛ لتصير من جنس الدال , التي هي فاء الكلمة؛ لتمكن الإدغام , ثم سكّنوا الدال؛ إذ شرط الإدغام أن يكون الأول ساكناً , فلم يمكن الابتدء بالساكن , فاجتلبت له همزة الوصل , فوزنه الآن " افاّعلتم " بتشديد الفاء , مقلوب من " تفاعلتم " , والفاء الأولى زائدة , ولكنها صارت من جنس الأصل؛ فيُنطق بها مشددة ,لا لأنهما أصلان , بل لأن الزائد من جنس الأصل) (55).
ومع كل هذا يبقى السؤال:
ما وجه اصطفاء " تداينتم " دون " اداينتم "؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/352)
إن صيغة " اداينتم " تشعر بأنهم الغُرماء , وأن المؤمنين جميعاً مدينون لغيرهم , وهذا غير مقصود؛ لأن الدائن , والمدين في الآية من المؤمنين , وهذا مفهوم من الفعل " تداينتم "؛ ولذلك قال ابن جريج: " من ادَّان فليكتب , ومن باع فليُشهد ,) (56)
فاختيار صيغة " افتعل " لأن المقصود: مَنْ أخذ ديناً , أو اشترى بدين , فعليه الكتابة.
أما لو قيل: (من تداين) لفُهِم منه: من تعامل بدين , سواء أكان دائناً أم مديناً , وعليه فالصيغة الواردة في الآية توحِي بأن الأصل في المجتمع المسلم أن تكون حركة بيعه وشرائه وتعاملاته بينه وبين بعضه , وأنّ تعامله مع الآخرين يخرج عن الأصل إلى الضرورة.
كما أن وضع الفعل " تداينتم " في إطار الشرط يفيد هذا النوع من التعامل , فالديون والتعامل بها لابد أن يكون في إطار الضرورات , وليس العكس , مما يترتب عليه التضييق على هذا النوع من التعامل.
فإذا أضيف إلى كل ذلك معنى الدّين , وأنه يفيد الخضوع , والذل , لعلمنا أن الآية من بدايتها تحذر المؤمنين حتى يحُدُّوا من هذه المعاملات القائمة على الديون.
******
دلالات البيان في قوله: " بدين "
يرى البعض أن الجار والمجرور (بدين) تأكيد لقوله: (تداينتم) , مثل قول الله تعالى (ولا طائر يطير بجناحيه) , وقوله: (فسجد الملائكة كلهم أجمعون).
(فإن قال قائل: وما وجه قوله: " بدين " وقد دل بقوله " تداينتم " عليه؟
وهل تكون مداينة بغير دين , فاحتيج إلى أن يقال (دَيْن)؟
قيل: إن العرب لمَّا كان مقولا ًعندهم (تداينا) بمعنى: تجازينا , وبمعنى: تعاطينا الأخذ والإعطاء بِدَيْن , أبان الله تعالى بقوله (بدين) المعنى الذى قصد تعريفه من قوله: (تداينتم) حكمته , وأعلمهم أن حكم الدين دون حكم المجازاة.
وقد زعم بعضهم أن ذلك تأكيد كقوله: (فسجد الملائكة كلهم أجمعون).
ولا معنى لما قالوا في هذا الموضع (57).
يقول العلامة أبو السعود: (إن فائدة قوله _ بدين _ هي: تخليص المشتَرك , ودفع الإيهام قصدا؛ لأن تداينتم يجيء بمعنى: تعاملتم بدين , وبمعنى: تجازيتم , ولا يُرَدُّ عليه بأن السياق يرفع الإيهام؛ لأن السياق قد لا ينتبه إليه الفَطِن ,وقد ذُكر ليرجع الضمير إليه؛ إذ لولاه لقيل: (فاكتبوا الدين) , فلم يكن النظم بذلك الحسن عند ذوي الذوق بأساليب الكلام.
واعتُرض بأن التداين يدل عليه فيكون من باب: (اعدلوا هو أقرب للتقوى).
وأجيب بأن الدين لا يراد به المصدر , بل هو أحد العوضين , ولا دلالة للتداين عليه إلا من حيث السياق , ولا يُكتفى به في معرض البيان , لاسيما وهو مُلبس.
وقيل: ذكر؛ لأنه أبين؛ لتنويع الدين إلى مؤجل , وحال؛ لما في التنكير من الشيوع , والتبعيض , لما خص بالغاية , ولو لم يذكر لاحتُمل أن الدين لا يكون إلا كذلك (58).
وقد يكون استعمال لفظ (بدين) دفعاً لتوهم المجاز؛ ذلك لأن التداين قد يفهم منه معنى الوعد , كما قال رؤبة:
داينت أروى والديون تقضى ... فمطلت بعضاً وأدت بعضاً.
فذكر قوله: (بدين) دفعاً لتوهم المجاز) (59)
أي: دفعاً لفهم الوعد؛ أي: واعدت أروى , والوعود تقضى.
فلما كان المجاز غير مراد في الآية , ذكر لفظ (بدين).
ويلمح الزركشى في ذكر (بدين) مَلْمَحاً آخر يقول فيه: (أما قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين " فإنما ذكر قوله: (بدين) مع (تداينتم) لوجوه:
أحدها: ليعود الضمير في (فاكتبوه) عليه؛ إذ لو لم يذكره لقال: فاكتبوا الدين.
والثاني: أن تداينتم , مفاعلة من الدَّين بتشديد وفتح الدال , ومن الدِّين بتشديد وكسر الدال , فاحتيج إلى قوله: (بدَين)؛ ليبين أنه من (الدَّين) لا من (الدِّين).
وهذا أيضا فيه نظر؛ لأن السياق يرشد إلى التداين.
الثالث: أن قوله (بدين) إشارة إلى امتناع بيع الدين , بالدين كما فسره قوله _ صلى الله عليه وسلم _ (هو بيع الكالئ بالكالئ) , وبيانه: أن قوله تعالى: (تداينتم) مفاعلة من الطرفين يقتضي وجود الدين من الجهتين , فلما قال (بدين) عُلم أنه دين واحد من الجهتين.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/353)
الرابع: أنه أتى به ليفيد أن الإشهاد مطلوب سواء كان الدين صغيراً أو كبيراً , كما سبق نظيره في قوله تعالى: (فإن كانتا اثنتين) , ويدل على هذا ههنا قوله بعد ذلك: (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله).
الخامس: أن (تداينتم) مشترك بين الاقتراض والمبايعة والمجازاة , وذكر الدين لتمييز المراد (60).
وهذا الجار والمجرور (بدين) يعدُّ قيداً آخر , وعقبة أخرى أمام انتشار هذا الضرب من المعاملات؛ لأنه يفيد العموم , ومعنى أن كل دين ينبغي فيه الكتابة؛ فإنه تضييق لهذا الباب , وإلجاء إلى البيع الناجز الذي لا يتبقى فيه شيء في ذمة أحد , والإسلام حريص على صفاء النفوس من كل شاغل.
بلاغة وصف الأجل بـ (مسمى)
في قوله تعالى: (إلى أجل مسمى) جاء الجار والمجرور ليكون وصفاً لقوله مسبقاً (بدين) , وكأن المعنى: _ إذا تداينتم بدين مؤجل _ ثم وصف الأجل أيضا بقوله (مسمى).
وسيأتي حديث عن وصف آخر , وهو وصف الكاتب بأنه (عَدْل) في قوله: وليكتب بينكم كاتب بالعدل)؛ أي: عادل , وكثرة هذه الأوصاف تشير إلى عدة أمور:
منها: ضبط وتحديد الشروط اللازمة في عملية الديون , حتى لا يترك الأمر لاجتهاد أحد ,
فتختلف الرؤى ,’ فيحدث الشقاق.
ومنها: أن هذه الأوصاف إنما تضيِّق التعامل ولا توسعه.
وهذا معنًى يسري في جنبات الآية؛ أعني: وضع القيود والعقبات
التي تقلل من هذه المعاملة , وفي ذات الوقت تضبط ما يتم منها.
ومنها: أن المفهوم من هذه الضوابط , والشروط أن من خالف شيئا منها كان آثما , أو على الأقل متهاوناً فيما أقره القرآن الكريم.
وقد يكون قوله: (إلى أجل) متعلقاً بالفعل (تداينتم) , والأجل هو: الوقت , أو هو: (مدة من الزمان محدودة النهاية , مجعولة ظرفاً لعمل غير مطلوب فيه المبادرة؛ لرغبة ِتمام ذلك العمل عند انتهاء تلك المدة , أو في أثنائها.
والأجل: اسم وليس بمصدر؛ لأن المصدر: التأجيل , وهو إعطاء الأجل , ولما كان فيه من معنى التوسعة في العمل أطلق الأجل على التأخير (61) , ولما نكّر الأجل وصف بقوله:
(مسمى)؛ أي: معلوم بالأيام والأشهر , ونحو ذلك., و (إلى) هنا هي الغائية , ومن معاني الغاية فيها: تحديد الوقت المخصوص للسداد بأن يكون عصراً أو ظهراً أو صباحاً أو في ساعة كذا , وهذا مفهوم من معنى الغائية الكامن في (إلى).
بلاغة الاستعارة في قوله (مسمى)
يرى الطاهر بن عاشور –رحمه الله – أن في كلمة (مسمى) استعارة تصريحية؛ حيث يقول: (المسمى: حقيقته المميز باسم – يميزه عما يشابهه في جنسه أو نوعه ... والمسمى هنا مستعار للمُعَيَّن المحدود , وإنما يقصد تحديده بنهاية من الأزمان المعلومة عند الناس , فشبه ذلك بالتحديد بوضع الاسم , بجامع التعيين؛ إذ لا يمكن تمييزه عن أمثاله إلا بذلك , فأطلق عليه لفظ التسمية , ومنه قول الفقهاء: المهر المسمى؛ فالمعنى: أجل معين بنهايته) (62).
ولعل هذه الاستعارة تعيدنا إلى بيان النبي –صلى الله عليه وسلم – في تحديد الأجل؛ حيث استعمل لفظاً آخر , ففي الحديث الصحيح: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم , ووزن معلوم , إلى أجل معلوم).
ولا شك أن كلمة (معلوم) مع موافقتها لما سبق في تحديد الأجل , إلا أن لفظ (مسمى) أكثر إيضاحاً؛ لأن العلم قد يتحصل عن غير نطق وتصريح , لكن الأجل المسمى لا يقال له (مسمى) إلا إذا صُرِّح به لفظاً وكتابة أيضاً؛ فتسمية الأجل أكثر جلاءً من مجرد العلم به , وهذا يشير إلى أن هذه المعاملات ينبغي أن تقوم على الشفافية والتصريح؛ حتى لا يتلاعب الشيطان بالعقول والقلوب.
أضف إلى هذا: أن (المعلوم) قد يكون على العموم , كما في نحو البيع بالأجل إلى الحصاد , أو دخول الشتاء , أو انتهاء الصيف.
أما المسمى , فإنه معلوم باليوم , والشهر , والساعة , وهذا يتناغم مع دلالة (إلى) السابقة , ثم إن الأجل في القرآن الكريم لم يوصف قط بلفظ (معلوم) , لكنه وصف بكلمة (مسمى) وذلك كما في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (الأنعام:2
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/354)
وقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الأنعام:60).
وقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (الرعد:2)
وقوله تعالى: (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ... ) (الحج:5).
أما لفظ (معلوم) فإنه جاء وصفا ًفي القرآن الكريم لألفاظ مثل (الكتاب - القدر - يوم – رزق - مقام - حق - وقت .... إلخ) (62).
وهذا يشير إلى الاتساع في معنى اللفظة.
لكن يبقى سؤال:
ما وجه استخدام النبي –صلى الله عليه وسلم – لهذا اللفظ (معلوم) مع الأجل , مع أن السياق سياق تحديد؟.
لعله من باب المشاكلة؛ أعني أنه لما قال: (فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم) قال (إلى أجل معلوم) ليشاكل ما سبق من الكلام.
كما أن في قوله تعالى: (إلى أجل مسمى) إدماج , والإدماج: (أن يضمَّّن كلام سيق لمعنى معنى آخر) (63).
وفي الآية أدمج تشريع الأجل في تشريع التسجيل , وكتابة الديون , وهذا ضرب من الإيجاز الموحِي إلى مكانة الأجل في البناء الحاكم , والضابط للدَّين؛ فالأجل جزء ولبنة من هذا البناء.
وأمر آخر , وهو أنه لو قيل: فاكتبوه , وأجلوا أجلاً , لَظُنَّ أن كتابة الدين مقصود بها المقدار فقط , ولظُن أيضاً إمكانية خلوّ العقد من تحديد الأجل , وهذا غير مراد – كما أفهم – لأن القصد إلى تضمين العقد موعد السداد , فهو جزء من العقد , وبند من بنوده , رتبت الكتابة عليه , وجاءت بعده لتشمله.
بلاغة التعبير عن كتابة الديون
جاء الأمر بكتابة الدين في صورتين:
الأولى: في قوله تعالى: (إذا تدينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه).
والأخرى في قوله تعالى: (وليكتب بينكم كاتب بالعدل).
وهذان الجزآن قد جاءا بصيغة الأمر , وأول ما يلفت الانتباه هو اختلاف الصيغة , فالأمر بالكتابة عامة اصطُفي له صيغة " افعل " , وتعيين الكاتب اصطُفي له صيغة "ليفعل".
(وإذا تأملنا صورة الأمر " ليفعل " , وصورته " افعل " ألفينا أن دلالة " ليفعل " على حقيقة معنى الأمر أكثر من دلالتها على غيرها , بينما دلالة " افعل " على غير حقيقة معنى الأمر كثيرة جداً , بل متنوعة الدلالة , وفي هذا ما قد يُعرب عن أن صيغة " ليفعل " لمَّا كانت هي الأصل في الوضع الأول وأقلّ استعمالاً كانت أليط بحقيقة معنى الأمر , بينما صيغة " افعل " أقدر على أن تتسع لدلالات عديدة على لاحب مساقات متباينة – مثل: الإباحة أو الندب , أو نحو ذلك. (64)
فكان فقه الدلالة البيانية لصيغة " افعل " أصعب مراساً , وأدعى إلى طول مراجعة , ونفاذ بصيرة في أغوار السياق المقالي والمقامي , فإن هذه المعاني السياقية لتلك الصيغة كثيراً ما تتداخل , أو يستدعي بعضها بعضاً , مما يُدخل المرء في إشكالية الوعي بدقائق الوجوه الدلالية للصيغة. (65)
ومن هنا يقف البحث أمام الأمر الأول:
(فاكتبوه)
وأول ما يلفت الانتباه في هذا التركيب ضمير المفرد (الهاء) الغائبة , فهل تعود إلى الدين , أم إلى الأجل؟
كلا الأمرين يجوز , وقد تكون الكتابة للدين والأجل معاً , وهنا يطرح سؤال آخر.
لِمَ أفرد الضمير؟
إن الأولى بالفهم – عندي- هو عود الضمير إلى الدَيْن , وسبب إفراد الضمير هو دخول الأجل في بنود العقد المكتوب , فلا يقال: كتب الدين إلا وهو يريد كُتِب مقداره وأجله , ونحو ذلك.
يقول القرطبي: " وفي قوله: "فاكتبوه " إشارة ظاهرة إلى أنه يكتبه بجميع صفته المبينة له , المُعرِبة عنه؛ للاختلاف المتوهم بين المتعاملين , المُعرِّفة للحاكم ما يحكم به عند ارتفاعهما إليه " (66)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/355)
وعليه يكون في الكلام إيجاز؛ حيث كتابة قيمة الدين وصاحبة , وموعد السداد , ومكان السداد .... إلى آخر هذه الأمور التي يُنصُّ عليها في العقد المكتوب؛ ولذلك يقول القرطبي أيضاً: " فاكتبوه ": يعني الدين والأجل ... ويقال: أُمر بالكتابة , ولكن المراد: الكتابة والإشهاد؛ لأن الكتابة بغير شهود لا تكون حجة " (67)
أثر السياق في تحديد حكم الكتابة:
ذهب البعض إلى أن كتب الديون واجب على أربابها فرضٌ بهذه الآية – بيعاً كان أو قرضاً؛ لئلا يقع فيه نسيان أو جحود.
قال ابن جُريج: " من ادَّان فليكتب , ومن باع فليُشهد ".
وقال الشعبي: " كانوا يرون أن قوله: " فإن أمن بعضكم بعضاً " ناسخ لأمره بالكتب .... "
وذهب الربيع إلى أن ذلك واجب بهذه الألفاظ , ثم خففه الله تعالى بقوله: " فإن أمن بعضكم بعضاً.
وقال الجمهور: " الأمر بالكتب ندبٌ إلى حفظ الأموال , وإزالة الريب , وإذا كان الغريم تقياً فلا يضره الكتب ... "
وقال بعضهم: " إن أشهدتَ فحزمٌ , وإن ائتمنت ففي حلٍ وسعة؛ فالندب: إنما هو على جهة الحيطة للناس ... ") (68)
وقال الشافعي – رحمه الله -: (لما أمر الله تعالى بالكتاب , ثم رخص في الإشهاد إن كانوا على سفر ولم يجدوا كاتباً , احتمل أن يكون فرضاً , وأن يكون دلالة .. , فلما قال جل ثناؤه:: " فرهان مقبوضة ... " والرهن غير الكتاب والشهادة .. ثم قال: " فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه " , دل كتابُ الله عز وجل على أن أمره بالكتاب ثم الشهود ثم الرهن إرشاد لا فرض عليهم؛ لأن قوله: " فليؤد الذي اؤتمن أمانته " إباحة لأن يأمن بعضهم بعضاً , فيدعَ الكتاب والشهود والرهن.
قال: وأحب الكتاب والشهود؛ لأنه إرشاد من الله تعالى , ونظرٌ للبائع والمشتري , وذلك أنهما إن كانا أمينين فقد يموتان , أو أحدهما فلا يُعرف حق البائع على المشتري فيتلف على البائع , أو ورثته حقه.
وقد يتغير عقل المشتري .. وقد يغلط فلا يقر؛ فيدخل في الظلم من حيث لا يعلم ويصيب ذلك البائع فيدي ما ليس له , فيكون الكتَّاب والشهادة قاطعاً عنهما وعن ورثتهما) (69)
وكل ما سبق يبين أن القضية مثار خلاف , وأن الرؤى فيها لم تتحد , ولكل وجهة هو موليها , لكن السياق الذي وضعت فيه الآية , وهو سياق تهديد ووعيد وزجر , حيث سبقها قوله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة:281) , ولحقها قوله تعالى: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) (البقرة:284).
هذا السياق يميل بالكفة تجاه الوجوب والفرض , حتى لو افترض جدلاً أنه إرشاد وندب ..
فالسؤال الذي يطرح نفسه:
هل إذا أرشدنا الله تعالى وندبنا إلى كتابة الدين نستحسن نحن غير ذلك؟!!!!
لقد أحسن الشافعي – رحمه الله – حين قال: إني أحب الكتاب والشهود وذكر مبررات وعللاً لا تجعل من الكتابة أمراً مندوباً , بل تجعله مفروضاً , وبخاصة أن هذا الندب والإرشاد جاء في تراكيب صارمة من الأمر والنهي والشرط.
فالسياق الداخلي للآية , وبناء العبارة , واصطفاء الألفاظ , يحمل من الصرامة , والشدة ما يميل بالكفة تجاه الوجوب , ولذلك أرى أن الرأي رأي الطبري؛ حيث يقول:
(الصواب من القول في ذلك عندنا: أن الله عز وجل أمر المتداينين إلى أجل مسمى باكتتاب كتب الدين بينهم , وأمر الكاتب أن يكتب ذلك بينهم بالعدل., و أَمْرُ الله فرضٌ لازم إلا أن تقوم الحجة بأنه إرشاد وندب , ولا دلالة تدل على أن أمره – جل ثناؤه – باكتتاب الكتب في ذلك ندب وإرشاد.
فذلك فرض ٌعليهم لا يسعهم تضييعه , ومن ضيعه منهم كان حرجاً بتضييعه.
ولا وجه لاعتلال من اعتل بأن الأمر بذلك منسوخ بقوله: (فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الذي اؤتمن أمانته)؛ لأن ذلك إنما أذن الله به حيث لا سبيل إلى الكتاب أو إلى الكاتب؛ فأما والكتاب , والكاتب موجودان؛ فالفرض إذا كان الدين إلى أجل مسمى ما أمر الله تعالى ذكره – في قوله: (فاكتبوه).
وإنما يكون الناسخ ما لم يجز اجتماع حكمه , وحكم المنسوخ في حالٍ واحدة؛ فأما ما كان أحدهما غير نافٍ حكمَ الآخر , فليس من الناسخ والمنسوخ في شيء.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/356)
ولو وجب أن يكون قوله: (وإن كنتم على سفر) ناسخاً قوله: (إذا تداينتم) لوجب أن يكون قوله: (وإن كنتم مرضى) ناسخاٍ الوضوء بالماء في الحضر عند وجود الماء فيه , وفي السفر الذي فرضه الله عز وجل , لقوله (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) ,وأن يكون قوله في كفارة الظهار: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) , ناسخاً قوله: (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا).
فيسأل القائل: إن قول الله عز وجل: (فإن أمن بعضكم بعضاً) ناسخٌ قوله: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) ما الفرق بينه وبين القائل في التيمم وما ذكرنا قوله , فزعم أن ثمَّ ما أبيح في حال الضرورة لعلة الضرورة ناسخ حكمه في حال الضرورة حكمه في كل أحواله , نظير قوله في أن الأمر باكتتاب كتْب الديون , والحقوق منسوخ بقوله: (وإن كنتم على سفر .. )؟
فإن قال: الفرق بيني وبينه أن قوله: (فإن أمن بعضكم بعضاً) كلام منقطع عن قوله: (وإن كنتم على سفر) , وقد انتهى الحكم في السفر إذا عدم فيه الكاتب بقوله: (فرهان مقبوضة) , وإنما عنى بقوله: (فإن أمن بعضكم بعضاً) (إذا تداينتم بدين) , قيل له: وما البرهان على ذلك من أصل ٍ أو قياس , وقد انقضى الحكم في الدين الذي فيه إلى الكاتب , والكتاب بقوله: (ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم)؟!!!!
وأما الذين زعموا أن قوله: (فاكتبوه) , وقوله: (ولا يأب كاتب) على وجه الندب , والإرشاد , فإنهم يُسألون البرهان على دعواهم في ذلك , ثم يُعارضون بسائر أمر الله عز وجل الذي أمر في كتابه , ويُسألون الفرق بين ما ادعوا في ذلك وأنكروه في غيره , فلم يقولوا في شيء من ذلك قولاً إلا ألزموا في الآخر مثله) (70).
وكلام الطبري- رحمه الله - هو الأقرب إلى السياق لعدة أسباب:
منها: (أن القصد من الأمر بالكتابة التوثق للحقوق , وقطع أسباب الخصومات , وتنظيم معاملات الأمة , وإمكان الاطلاع على العقود الفاسدة , وهذا يجعل الأرجح أن الأمر للوجوب؛ لأنه الأصل في الأمر , وقد تأكد بهذه المؤكدات.
وأما قوله: (فإن أمن بعضكم بعضاً) , فهي رخصة خاصة بحالة الائتمان بين المتعاقدين , وحالة الائتمان حالة سالمة من تطرق التناكر والخصام؛ لأن الله تعالى أراد من الأمة قطع أسباب التهارج والفوضى , فأوجب عليهم التوثق في مقامات المشاحنة؛ لئلا يتساهلوا ابتداءً , ثم يفضوا إلى المنازعة في العاقبة , ويظهر لي أن في الوجوب نفياً للحرج عن الدائن إذا طلب من مدينه الكتب؛ حتى لا يعدُّ المدين هذا من سوء الظن به؛ فإنّ في القوانين معذرةً للمتعاملين أما قول ابن عطية بأن الصحيح عدم الوجوب؛ لأن للمرء أن يهب هذا الحق ويتركه بإجماع , فكيف يجب عليه أن يكتبه؟ وإنما هو ندب للاحتياط.
فهذا كلام قد يروج في بادئ الرأي , ولكنه مردود بأن مقام التوثق غير مقام التورع.
ومقصد الشريعة تنبيه أصحاب الحقوق؛ حتى لا يتساهلوا ثم يندموا , وليس المقصود إبطال ائتمان بعضهم بعضاً. كما أن من مقاصدها دفع موجدة الغريم من توثق دائنه إذا علم أنه بأمر من الله تعالى , ومن مقاصدها قطع أسباب الخصام) (71)
(إن المبدأ العام الذي يريد القرآن الكريم تقريره أن الكتابة أمر مفروض بالنص غير متروك للاختيار) (72)
ومن الأسباب أيضًا أن قوله: (فإن أمن بعضكم بعضا) لمْ تُرتَّبْ على التداين , وإنما رتبت على الرهن , وعطفت عليه بالفاء , والفاء دليل الترتيب على السابق وليس على الأسبق؛ إذ لا
دليل على نقله إلى العموم.
ومنها أيضا: أن كتابة الدين أصل في التداين حتى أثناء السفر؛ لأن الآية تقول: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً)؛ فالأصل أن يُبحث عن كاتب , وهذا يؤكد أن قوله تعالى: (فإن أمن بعضكم بعضاً) ليس مرتبطاً بالتداين العام , وإنما هو مرتبط بعدم وجود الكاتب , وكأن المعنى ,: وإن كنتم على سفر فابحثوا عن كاتب واكتبوا الدين , فإن عُدم الكاتب لضيق الوقت فرهان مقبوضة
ومنها: أن الأمن لو كان مرتبطاً بالتداين العام لوُضع أولاً؛ إذ هو الأصل بين المسلمين , ولكان قيل: إذا تداينتم بدين وأمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الذي اؤتمن أمانته, وإلا فاكتبوا الدين ....
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/357)
وهكذا .. لكن سياق الآية وبناء جملها يميل بالمعنى إلى ارتباط الكتابة بالدين ارتباط تلازم , في الوقت الذي يشير فيه صراحةً إلى ارتباط جملة الأمن , وأداء الأمانة بحالة السفر , وخلط الأمرين دعوى بلا بينة واضحة.
ومنها: أن تصدير جملة (فإن أمن بعضكم بعضاً) بأداة الشرط (إن) , وهي تفيد الندرة والشك , ولو ارتبط هذا بالتداين العام؛ بمعنى: أن المسلمين يقل الأمن بينهم عند التداين , لكان – ذمّا وهجاءً.
أما ربط جملة: (فإن أمن بعضكم بعضاً) بالسفر , وهو مظنة ضياع المال , وحدوث المخاطر يجعل المعنى متساوقاً مع سياق الآية , ولو ربطنا هذا المعنى بالمفهوم العام من الآية لحدث خلاف وتناقض.
كيف؟
إن الآية نفسها تشير إلى أمن المؤمنين بعضهم بعضاً؛ إذ إنها تتحدث عن البيع بالأجل أو بالتقسيط أو القرض , وفي كل ذلك يعطي المؤمن أخاه السلعة أو المال ولا يأخذ شيئا , ... نعم: لا يأخذ إلا وعداً مكتوباً بالسداد , وهذا دليل الأمن , فإذا كان جوهر الآية يدفع القارئ دفعاً إلى وجود الأمن بين المسلمين , فكيف ينسجم هذا مع جملة (فإن أمن بعضكم بعضاً)؟!!
إذاً فلا بد أن يتعين الأمر حالة السفر , والآية تنطق بهذا؛ حيث تقول: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) (البقرة:283)
فلِمَ نعمم والآية تنطق بالتخصيص , والمنطوق مقدم على المفهوم عند العلماء , والسفر مظنة ضياع المال , وهكذا ضياع السلعة, ومن هنا كان الإلحاح على الكتابة أشد , لكن أن عدم الكاتب , وضاق الوقت فواحدة من أمرين: إما عدم التداين , وإما الرهن.
نعم؛ لأن هذا هو المفهوم من ربط التداين أثناء السفر بهاتين الحالتين؛ إما الأمن , وإما الرهن , حيث يطرح العقل سؤالاً عفوياً: فإن عدم الأمن والرهن؟
فالجواب: لا تداين.
وهذا يعيدنا إلى القضية التي نحن بصددها , وهي أن الأمر في قوله: (فاكتبوه) للوجوب , وأن قوله (فإن أمن بعضكم بعضاً) لا علاقة له بهذا الوجوب , فالوجوب من دلالة الأمر , ومن نسق التركيب , ومن عوامل أخرى ذكرتها , كما أن واقع الناس الآن يميل إلى هذا الوجوب , فالمخاطر التي تحيط بعلاقات المسلمين عند عدم الكتابة ظاهرة وواضحة , مما يعنى أن كتابة الدين مصلحةٌ للجميع , وغلقٌ لأبواب الشياطين.
وكلام الإمام الشافعي _ رحمه الله تعالى – من أن موت البائع أو المشتري أو نسيانهما أو فساد عقيدة أحدهما , أو جنونه , أو غير ذلك من الأمور التي يمكن أن تعتور الإنسان , كل ذلك يبرهن بجلاء حكمة الوجوب.
وهذا لا يطعن في ذمة أو أمانة أحد , إنما هو للاحتراز والضمان وحفظ الأموال من الضياع.
كما أنه لا يخفى أن المعاملات المادية هي المحك الشديد , وهي الخطر الأكيد على علاقة الأخوة الإسلامية؛ لذلك كان التأكيد على أخذ الضمانات الحافظة لها ...
****
بلاغة الإدماج في قوله –سبحانه-:
(وليكتب بينكم كاتب بالعدل)
وهذه الجملة تفجر عدة أسئلة بلاغية , من أهمها:
1 – ما الإدماج؟ ,وما موطنه في الآية؟ , وما وجه جماله؟
2 – لَمن الأمر في الجملة؟ وما وجه العطف بينها وبين سابقتها؟
3 – لِم تأخرت هذه الجملة عن سابقتها؟
4 – أين مفعول الفعل " ليكتب "؟ وما وجه تقييد الفعل بقوله: " بينكم "؟ وبِم تعلق الجار والمجرور " بالعدل "؟
5 – هل في الكلام كناية؟
أما الإدماج: ففي اللغة يدل على " الانطواء والستر , يقال: أدمجت الحبل: إذا أدرجته وأحكمت فتله ... " (73)
وفي الاصطلاح: " أن يُضَمَّن كلام سيق لمعنى معنى آخر لم يصرح به " (74)
" والمعنى الآخر وهو المضمن المدموج يجب ألا يكون مصرحاً به ولا يكون في الكلام إشعار بأنه مسوق لأجله , وإلا لم يكن ذلك من الإدماج " (75)
أما موطنه في الجملة القرآنية فيشير إليها الطيبي فيقول:
" الكلام هنا – يعني في قوله: " وليكتب بينك كاتب بالعدل " مسوق لمعنى , ومدمج فيه آخر بإشارة النص , وهو اشتراط الفقاهة في الكاتب؛ لأنه لا يقدر على التسوية في الأمور الخطرة , إلا من كان فقيهاً " (76)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/358)
والناظر في الجملة يستطيع أن يلحظ بسهولة أنها جاءت لتحديد وتخصيص نوع خاص من الكُتَّاب ليقوم بهذه المهمة , أو إن شئت فقل: لتشترط أداءً خاصاً لهذه الكتابة المأمور بها سابقاً وهي أن تكون كتابةً عادلةً ضامنةً للحقوق , مانعة من التحايل؛ ذلك لأن الأمر كما قال الطيبي: " خطير " , ولذلك جاز تعلق الجار والمجرور " بالعدل " بكلٍ من الفعل والفاعل , أعني: يجوز تعلقه بالفعل
" يكتب " , ويجوز تعلقه بالفاعل " كاتب ".
فإذا قدرنا تعلقه بالفعل " يكتب " يكون المعنى المدمج هو: وليكتب بينكم كاتب كتابة عادلة , تكون محل ثقة من أهل الاختصاص عند التنازع؛ بحيث تخلو من الثغرات التي تمكن أحدهما من المراوغة , أو الانفكاك مما في ذمته؛ فالعدل هنا ناتج عن موافقة الكتابة للشروط الواجب توافرها لضمان الحقوق؛ فهي صفة للكتابة.
وقد يكون الجار والمجرور متعلقاً بالفاعل " كاتب " فيكون المعنى المدمج هو: وليكتب بينكم كاتب مشهور بالفقه والعدل وعدم الميل إلى هذا أو ذاك , وهذا يعرف من خلال كتاباته السابقة بين الناس؛ " فالأصل ألا يكتب الوثيقة إلا العدل في نفسه , وقد يكتبها الصبي والعبد ... إذا أقاموا فقهها , أما المنتصبون لكتبها؛ فلا يجوز للولاة أن يتركوهم إلا عدولاً مرضيين , قال مالك –رحمه الله تعالى -: " لا يكتب الوثائق بين الناس إلا عارف بها , عدلٌ في نفسه , مأمون؛ لقوله تعالى: " وليكتب بينكم كاتب بالعدل ".
وعلى هذا فالجار والمجرور في موضع الصفة للكاتب ") (77)
"ففقه الكاتب , ومعرفته بأنواع الوثائق معنى مدمج في الجملة، مقصود منها في النهاية.
أما الأمر في الجملة فمتوجه إلى المتداينين , والسر في ذلك: " المبالغة في أمر المتعاقدين بالاستكتاب " (78)
ولا أرى أن الأمر هنا للكاتب لأنه ليس منوطاً بالحكم , كما أنه إما أن يكون أجيراً أو متفضلاً , وفي كلتا الحالتين لا يمكن أمره وإرغامه على الكتابة , لكن الأقرب إلى الفهم هو توجيه الأمر إلى المتداينين أن يبحثا عن كاتب فقيه عدل ليقوم بكتابة الدين , وهذا ما جعل الألوسي – رحمه الله – يقول: " والمراد أمر المتداينين على طريق الكناية , بكتابة عدلٍ , فقيهٍ , ديِّن؛ حتى يكون ما يكتبه موثقوقاً به , متفقاً عليه بين أهل العلم " (79)
وهو لا يعني هنا الكناية الاصطلاحية , وإنما أراد – كما أفهم – مخاطبة الكاتب وأمره بالكتابة عن طريق المتداينين.
ومن بلاغة ذلك إشعار الكاتب بأهمية الأمر , حتى يرفع الحرج عن المتداينين , ويلبي دعوتهما , ويكتب؛ لأن رفضه قد يوقعهما في الحرج , لكنه على جميع الأحوال في حل من الأمر , وإن كان الأولى تلبية الطلب؛ إذ ليس كل من كتب صالحاً لهذه المهمة؛ لأن الجملة جاءت لتحديد الفقيه , وهذا بلا شك قيد آخر من القيود التي تكاد تعرقل إتمام مثل هذه المعاملات , وهو أمر مقصود , فوضع العقبات في هذا النوع من التعامل قُصد به التضييق عليه؛ حتى لا يشيع , لما يترتب عليه من أضرار عند التساهل في ضوابطه.
ولقد جمعت الواو بين جملة " فاكتبوه " وجملة " وليكتب بينك كاتب بالعدل "؛ لأنهما من باب التوسط بين الكمالين؛ فكل منهما أمر لفظاً ومعنى , وهذا الربط بالواو يشير إلى أن كل جملة من الجملتين تمثل خيطا من خيوط هذا النسيج الواحد , وهي خيوط متشابهة , متشاكلة ترسم في النهاية صورة وغرضاً واحدا تتشابك ملامحه , وتتعانق جوانبه.
وأخرت جملة " وليكتب بينكم " عن جملة " فاكتبوه "؛ لأنه لم يكن ثمة هاجس في تحديد الكاتب , إنما الهاجس الذي النفوس , ولا يزال هو:
هل نكتب الدين أم لا؟
وهل إذا أمن بعضنا بعضاً في الحضر يكتب أيضاً أم لا؟
هذا هو ما يشغل النفوس , ولا يزال يتردد في الأفئدة حتى صار محل خلاف؛ لذا , كان تقديمه والتنصيص عليه أولاً قبل تعيين الكاتب.
وإن كنتُ أرى أن تعيين الكاتب ما هو إلا تأكيد للكتابة وفرضيتها , ولو كان الأمر في " فاكتبوه " للإرشاد لتُرك تعيين الكاتب للمتعاقدين ليختاروا مَن يرونه مناسباً؛ إذ كيف يكون الأمر للإرشاد ثم يؤمرون بتعيين كاتب فقيه عدل؟
وفي حذف المفعول من الجملة شمول وإحاطة لكل ما يتعلق بالدين من قيمة , وموعد سداد ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/359)
وفي ذكر المفعول تضييق على هذه المعاني , وضياع لكثير من الضوابط , وفتح باب الخلاف في المقصود من الدين , هل هو قيمته أم ماذا؟
فالحذف هنا وسّع المعنى , وتساوق مع الروح المهيمنة على الآية الداعية إلى أخذ كافة الضمانات.
وفي الوقت الذي حذف فيه المفعول من جملة "وليكتب بينكم كاتب " نجد في الجملة قيداً مذكوراً , وهو: " بينكم " , وجيء به " حتى لا ينفرد بالكاتب أحد المتعاملين , دفعاً للتهمة " (80) , ويقول الألوسي في علته: " إنما قال " بينكم " ولم يقل " أحدكم "؛ لأنه لما كان الذي له الدين يتهم في الكتابة الذي عليه الدين , وكذلك بالعكس شرع الله كاتباً غيرهما يكتب بالعدل , لا يكون في قلبه , ولا قلمه موادّة لأحدهما على حساب الأخر .. " (81)
كما أن في هذا اللفظ " بينكم " ما يشير إلى اجتماع الأطراف: الدائن والمدين , وكذلك الشهود؛ولو
اقتصر الاجتماع على الدائن والمدين والكاتب لقيل: وليكتب بينكما , لكن في صيغة الجمع ما يفيد حضور جميع الأطراف حتى الشهود , وفي ذلك إبلاغ في التوثيق والحيطة.
وفي مجيء لفظ " كاتب " نكرةً , ثم تعريفه بالصفة , وهي شبه الجملة " بالعدل " قصد إلى المعنيين؛ أعني: النكرة والمعرفة المخصوصة , فمجيء لفظ " كاتب " نكرة قصد به عدم تحديد كاتب بعينه , أو باسمه , أو بقرابته , وهذا قد يُفهم إن عرِّف اللفظ بغير الصفة؛ كأن يقال " وليكتب بينك كاتبكم , أو كاتب المسلمين , أو الكاتب , أو نحو ذلك؛ فمجيء اللفظ – في ذاته – نكرة قُصد به البحث عن الوصف , وليس عن الشخص؛ ولذلك جاء بعد اللفظ النكرة تعريف لها بالوصف , وهو قوله: " بالعدل ".
وفي هذا الوصف مجاز مرسل علاقته المسببية؛ لأن المقصود هنا: " وليكتب بينكم كاتب فقيه , عالم بضوابط العقود , وهذا الفقه - بلا شك – سبب في حدوث العدل بين المتداينين.
لكن يبقى السؤال:
لمَ عبّر بالمسبب عن السبب؟
الذي أراه أن وجه ذلك هو أن الفقه وسيلة للوصول إلى العدل , والعدل غاية , ولما كان الفقه لا يقتصر على معرفة الضوابط الشرعية , بل يشمل معرفة الزمان والمكان والأحوال , وكل ما يوصل إلى العدل عبر بـ " العدل " ليراعي الكاتب كل ذلك , وهذا إيجاز بديع يلفت النظر إلى الغاية من الكتابة , وهي ضمان الحقوق , فيدفع الكاتب إلى الأخذ بها ما دامت في إطار الشرع.
أوجه البيان في قوله تعالى:
" ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله "
وهذا حكم جديد متوجه إلى الكاتب , وليس إلى المتداينين , وحمله البعض على الوجوب والفريضة: فرضية عين على الوجوب, وآخرون على أنه فرض عين إذا لم يكن في البلدة غيره , فإذا كان فهو واجب على الكفاية , وحمله البعض على الوجوب حال فراغه. (82)
والسؤال الذي يلح على العقل هنا هو:
ما وجه توجيه النهي إلى الكاتب , وإشراكه في زمرة المتعاملين؟
إن الجملة تجعل الكاتب فرداً من أفراد هذه المعاملة , حيث تشرط عليه , وتلزمه , وتأمره بالكتابة الحقّة , والكاتب في الواقع أجير يُستدعى لكتابة جميع المعاملات التي يُطلب فيها التوثق بالكتابة والإشهاد , ولا أرى أن هناك خلافاً في أخذ الأجر؛ لأن الكتابة عمل وحرفة يجوز أخذ الأجرة عليها , وهذا ما نص عليه القرطبي؛ حيث يقول: " لو كانت الكتابة واجبة ما صح الاستئجار بها؛ لأن الإجارة على فعل الفروض باطلة , ولم يختلف العلماء في جواز أخذ الأجرة على كتب الوثيقة " (83)
وكلام العلماء في الوجوب والندب والإرشاد بعيد - كما أرى – عن سياق الآية؛ لأن المطلوب من الكاتب ليس الكتابة العامة , وإنما كتابة خاصة , موصوفة بقوله: " كما علمه الله " , وعلى هذا فالنهي ليس متوجهاً إلى عموم الكتابة , وإنما النهي متوجه إلى هذا القيد؛ فالكاتب ليس منهياً عن الإباء عموماً , ولكن النهي توجه إليه عند كتابته , ومباشرته الفعل؛ بمعنى: أن الكاتب إذا أخذ في الكتابة قيل له: لا تأب أن تكتب كما علمك الله؛ لأن الخطر ليس متوقَعاً إن أبى الكاتب مباشرة الكتابة , بل العكس هو الصحيح؛ لأنه سيوقف هذه المعاملة , ويرد المال إلى صاحبه , ويعيد السلعة إلى صاحبها , ولكن الخطر يُتوقع إن كتب الكاتب كتابةً تضيع معها الحقوق , تلك هي الخطورة , وهو ما حذرت منه الآية فنهت الكاتب – ليس الإباء عن الكتابة – بل عن عدم الكتابة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/360)
الحقّة الموصوفة بقوله: " كما علمه الله " , وفرق كبير بين الأمرين.
ولعل أفعال الكثير من المحامين , وهم الذين يكتبون العقود في زمانناً غالباً , لعل أفعال الكثير منهم في بنود تلك العقود , وتغيير بعض الصيغ في العقد , وإضافة أو حذف بعض الكلمات مما يفوت الفرصة على صاحب الحق عند مطالبته بحقه , لعل كل ذلك يشرح لنا المقصود من النهي.
وكم من حقوق ضاعت بسبب هذه الثغرات التي تضمنتها تلك العقود؛ لذا أدخلت الآية الكاتب في
زمرة هذه المجموعة _ مجموعة الدين _ حيث ناله قسط وفير من الزجر والتهديد؛ لتوقُّف ثبوت أو ضياع الحقوق على كتابته , .......
أدخلته لأن عليه عبئاً كبيراً مادام قد رضي الكتابة.
وعليه؛ فالأمر المفهوم من قوله: " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " لا يحتمل إلا وجهاً واحداً وهو أنه فرض عين؛ لأن ضد ذلك يعني أنه خان الأمانة , وكتب ليس كما علمه الله , وتلك جريمة تضيع بسببها الحقوق , ويشيع بسببها الفساد.
وقد توجه النهي إلى صيغة الغائب " لا يأب " , والأصل في النهي أن يكون لمخاطب , لكن لما كان الكاتب حاضراً في السياق من خلال قوله تعالى: " فاكتبوه " , وقوله تعالى " وليكتب بينكم كاتب " صح أن يُسند النهي إليه بعد حضوره البارز من قبل.
الصورة التشبيهية في هذه الجملة:
يرى بعض العلماء أن الكاف هنا للتعليل , ويقول: " كما علمه الله "؛ أي: لأجل ما علمه الله تعالى من كتابة الوثائق , وتفضل به عليه , وهو متعلق بـ
" يكتب " , والكلام على حد قوله: " وأحسن كما أحسن الله إليك " , أي: لا يأب أن يتفضل على الناس بكتابته , لأجل أن الله تعالى تفضل عليه وميَّزه " (84).
" والقول بدلالة الكاف عموماً على التعليل قليل عند النحاة وقيده جماعة بأن تكون الكاف مكفوفة بـ " ما " نحو: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) (البقرة:151)
ونحو: (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) (البقرة:198)
وهؤلاء لم يقولوا بأنها للتعليل في –كما علمه الله -: لأن " ما " مصدرية (85)
والذي أميل إليه: أن الكاف هنا ليست للتعليل , حتى وإن توقف ما قبلها على وجود ما بعدها؛ لأن السياق ليس سياق منٍّ وتفضُّل على الكاتب , بل سياق أمر ونهي , بأن يكتب كتابةً موثقة ضامنة للحقوق , خالية من الثغرات؛ فالأولى في هذا السياق تذكيره بهذه الضوابط , وتلك الشروط التي تعلَّمها؛ حتى يجعلها في ذهنه عند الكتابة , ثم يجعل ما يكتبه مطابقاً ومشابهاً لما تعلمه.
وعلى هذا , ففي الجملة تشبيه , وهذه أركانه:
المشبه: الكتابة المأمور بها.
المشبه به: الكتابة التي علمه الله إياها.
والأداة: الكاف.
ووجه الشبه: الدقة والعدل , وذكرُ اسم الذي عليه الحق دون غيره , وتحديدُ قيمة الدين , وموعد أخذه ومكانه وزمانه , ثم تحديد صاحب الحق , وموعد السداد , وزمانه ومكانه , وغير ذلك مما تعلمه من أمور تحفظ الحقوق لأصحابها.
وجمال هذه الصورة ينبع من عدة أشياء:
منها: التذكير بنعمة الله تعالى على الكاتب؛ حيث جعل ذلك جزءاً من الصورة , ومن
خطوطها الأساسية , ليكون ذلك دافعاً له , ومحرضاً , وحاجزاً عن الميل إلى شهوات
الدنيا , بالميل إلى طرف على حساب طرفٍ آخر.
ومنها:الإشارة إلى الدقة العالية , والالتزام الشديد بضوابط الكتابة؛ لأنها منسوبة إلى الله تعالى
(كما علمه الله).
ومنها: حثُّ الكاتب على إخراج هذه الوثيقة في أبهى صورة؛ لأن الله تعالى كتب الإحسان
على كل شيء.
ومنها: الترهيب من مخالفة الأصول , والقواعد الضابطة للحقوق , وذلك من خلال استعمال
اسم (الله) تعالى , الباعث على الرهبة؛ ولذلك لم يقل: كما علمه ربه.
ومنها: الإشارة إلى أن ضبط هذه المعاملات لا يكون إلا بما شرعه الله تعالى وحدده , وأن
العدول عما أنزله الله تعالى يحمل الفساد , والإفساد للبشرية جميعاً.
كما أن من خيوط هذه الصورة التشبيهية تنكير كلمة " كاتب " لتعميم الحكم على كل
من تصدى لهذا الأمر , حتى وإن دان بغير الإسلام.
يقول أبو حيان: " و – كاتب – نكرة في سياق النهي فتعمّ (86)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/361)
كما أن في اصطفاء هذا اللفظ [كاتب] تذكيراً للكاتب بأن منفعته , وسمعته , ومصداقيته في هذا العمل مرتبط بالعدل , والإنصاف؛ ولذلك لم يقل: ولا يأب مؤمن , أو مسلم , وإنما قال: كاتب , وكأنه معروف بين الناس بمهنته , فإذا جار أو ظلم , أو مال إلى واحدٍ دون الآخر , فإن مهنته سوف تكون محل تهمة من الناس , فلن يكون كاتباً , بل سيصبح مخادعاً , وسيشتهر بين الناس بقلة ضبطه , أو فساد عمله؛ فكأن كلمة [كاتب] تحذير له بأن مهنته وعمله , ودوام ذلك مرهون بعدله , وضبطه للكتابة , وهذا واضح.
أما اصطفاء المصدر المؤول _ ولا يأب كاتب أن يكتب _ دون الصريح , -كتابته – فلأن الكاتب يراعِي مقام كل حالة , ويعرف الشروط الضابطة لكل نوع , ولمَّا كانت أنواع المداينات ذات
أوصاف مختلفة كان الإلمام بكل حالة , وضوابطها على حدة من لزوميات الكاتب , وهذا يتواءم مع المصدر المؤول الدال على التغير , والتجدد والحدوث ,وكل ذلك مفهوم من المضارع " يكتب " , أما لو قيل: ولا يأب كاتب كتابة ما علمه الله , لظُنّ أن هناك صيغة واحدة لجميع العقود , ولَحفظها الجميع , ولاستُغني عن الكاتب , وهذا بعيد.
إذ إن لكل نوع ما يناسبه من صيغ , كما أن لكل حالة ما يتوافق معها من شروط , وضوابط , وأحوال تخالف غيرها.
ومع أن الفعل _ يكتب _ متعدّ إلا أن مفعوله حذف لدلالة السياق عليه.
وختام الجملة يحمل من التفضّل والتشريف للكاتب الكثير؛ ذاك لأن الجملة جعلت عملية التعليم مباشرة من الله تعالى , فهو كالأنبياء من حيث دوره في الإصلاح , فإذا كان الأنبياء يصلحون عقائد الناس وعبادتهم , فإن الكُتّاب يصلحون أنواع المعاملات بين الناس , والتي قد ينشأ عنها خلاف أو نزاع.
أضف إلى ذلك: أن اسم الله تعالى في قوله: " كما علمه الله " يحمل من الرهبة والزجر ما يجعل الكاتب يلتزم , كما أنها تشير إلى أن العدول عن هذه الضوابط إساءة إلى هذا العلم , ومن بعد ذلك إساءة إلى المعلم – سبحانه وتعالى -.
وبعد ُ:
فإن هذه الجملة تسير في الطريق نفسه الذي بدأ بوضع القيود , والعوائق أمام هذا النوع من المعاملات , حتى لا يلجأ إليها إلا المضطرون , لما يترتب عليه من حرج , ومن خلاف متوقع بين الناس , فلا توجد نفس سوية تحب أن يكون لها أو عليها حق لأحد , وبخاصة الحقوق المالية , لذلك كثرت الأوامر والنواهي والشروط المعرقلة لهذه المعاملات , ليكون سبيلها سبيلاً حَزَنَاً ينبغي ويحسُن تجنبه , وهذا هو الأقرب إلى الفهم.
...
الكناية في جملة " كما علمه الله "
إن جملة – كما علمه الله – تعني أن " يكتب ما يعتقده , ولا يحجب , ولا يواري؛ لأن الله تعالى ماعلَّم إلا الحق , وهو المستقرّ في فطرة الإنسان , وإنما ينصرف الناس عنه بالهوى , فيبدلون , ويغيرون , وليس ذلك التبديل بالذي علمهم الله تعالى , وهذا يشير إليه قول النبي – صلى الله عليه وسلم: " استفت نفسك , وإن أفتاك الناس " (87)
وهذا يفيد أن جملة " كما علمه الله " جملة كنائية , فهي كناية عن موصوف , وهو الحق الذي ودعه الله تعالى في فطرة كل إنسان , لكنه عبّر عن هذا الحق بتاليه , ورادفه , وهو: ما علمه الله؛ لأن الله تعالى حين خلق الحق أودعه في نفوس البشر؛ ليكون مرجعاً , وملاذاً يلوذ به الناس حين تختلط المعايير.
ودمج الصورة التشبيهية بالصورة الكنائية تشعر الكاتب بفضل الله تعالى عليه , ورفع قدره بهذا العلم الذي لا يجيده كل أحد؛ مما يستوجب عليه شكر هذه النعمة بإعطاء الحقوق والمواثيق كل العناية؛ حتى تخرج في صورةٍ يرضى عنها الله تعالى.
*****
اجتماع الأمر والنهي على الكتابة
جاء بعد قوله تعالى: " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " قوله تعالى: " فليكتب ".
وفي المصحف الشريف وضعت علامة الوقف الجائز دون ترجيح , بعد قوله " كما علمه الله "
وهي (ج)
والنظم يحتمل صورةً أخرى , وأداءً آخر , ويكون بقراءة الجملتين هكذا:
ولا يأب كاتب أن يكتب , كما علمه الله فليكتب
ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله , فليكتب.
ففي الصورة الأولى: الجملتان محمولتان على شبه كمال الاتصال , فلما قيل: ولا يأب كاتب أن يكتب.
قيل: كيف؟
فأجيب: كما علمه الله فليكتب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/362)
و الصورة الثانية تشير إلى أن جملة " فليكتب " تفريع لتوكيد الأمر المفهوم من قوله " ولا يأب كاتب .. .
والمعنى العام لا يرفض أياً من الصورتين , لكن الذي يلفت الانتباه أن جملة " كما علمه الله " وقعت واسطة بين الأمر , والنهي , ولنرجع النظر مرة أخرى:
ولا يأب كاتب أن يكتب " كما علمه الله " فليكتب؛ فالأمر والنهي متعلقان بجملة التشبيه؛ إذ هي محط النظر , ولب القصد , والغاية من الأمر والنهي.
فالكاتب مأمور بالكتابة , ليست أي كتابة , بل مأمور بالكتابة كما علمه الله.
والكاتب منهي عن الإباء عن الكتابة , ليست أي كتابة , بل هو منهيٌ عن عدم الكتابة التي علمه الله إياها.
وهذا يعني: أن الجملتين _ جملة الأمر وجملة النهي _ تتوجهان إلى شيء واحد , وهو إلزام الكاتب بنوع خاص من الكتابة , وموصوف بأنه على وفق ما أنزله الله وبينه.
ويبقى سؤال هنا , وهو: لم تقدم النهي على الأمر؟
والذي يظهر لي أن " النهي عن الشيء أقوى في الدعوة إلى الاعتصام منه , وإلى مجانبته , من الأمر بنقيضه (88).
ولذلك جاء في الحديث:
" إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه , وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " (89)
والقاعدة الأصولية تقول:
" إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح "
, فلما كان الضرر الواقع من الكتابة الباطلة ضرراً بالغاً نُهِىَ عنه أولاً , كما أن تقديم النهي آنس بالسياق المفعم بالقيود , والعراقيل الزاجرة عن التساهل في توثيق تلك العقود.
****
التفريع في قوله تعالى: "فليكتب "
" وهذا التفريع تأكيد للأمر , وتأكيد للنهي أيضاً؛ وإنما أعيد ليرتب عليه قوله: " وليملل الذي عليه الحق "؛ لبعد الأمر الأول عما وَليَه , ومثله قوله تعالى: " اتخذوه وكانوا ظالمين " بعد قوله تعالى " واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم " (الأعراف 148). (90)
والتفريع عند البلاغيين " أن يُثبت حكم لمتعلق أمر بعد إثباته لمتعلق آخر؛ كقول الكميت:
أحلامكم لسنام الجهل شافية **** كما دماؤكم تشفي من الكلِب
فرّع من وصفهم بشفاء أحلامهم لسقام الجهل وصفهم بشفاء دمائهم من داء الكلِب ...
والحاصل أن المراد بتفرع الثاني على الأول كونه ناشئاً ذكره عن ذكر الأول؛ حيث جعل الأول وسيلة للثاني؛ أي كالتقدمة , والتوطئة له؛ حتى أن الثاني في قصد المتكلم لا يستقل عن ذكر الأول , " (91).
وهذا التفريع – يحمل إيحاءً بتشعب دروب الدين , وكثرة التبعات فيه , ووحشة الطرق المؤدية إليه مما يؤدي إلى تنفير الناس منه.
لكن التفريع هنا – كما أرى – ليس على جملة: " ولا يأب كاتب " , بل على قوله: " فاكتبوه "؛ حيث فرَّع عن الأمر العام بالكتابة أمراً آخر خاصاً للكاتب بأن يتحرى الكتابة الشرعية التي يعتقدها
أما ذكر قوله: " فليكتب " بعد قوله: " ولا يأب كاتبي " , فهو ضرب من التأكيد اللفظي لمضمون النهي , فمضمون النهي هو " فليكتب " ... ثم قيل صراحة " فليكتب " , وهذا يعني أن أمر الكاتب بالكتابة ذكر مرتين: مرةً في جوف النهي , حين قيل: " ولا يأب كاتب أن يكتب " , ومرة صريحا ً في قوله: " فليكتب ".
وهذا التلوين والتنوع – في أداء المعنى وترسيخه يوضح مدى أهميتة, مما حدا بهم إلى أن قالوا: إن الأمر للوجوب " ولا ينبغي أن يعدل عن الوجوب ......
ويلحق بالتداين جميع التعاملات التي يطلب فيها التوثق بالكتابة والإشهاد " (92)
أثر السياق في دلالة قوله تعالى: " وليملل الذي عليه الحق "
على القصر
إن جملة " وليملل الذي عليه الحق " نوع ثالث من الخطاب بعد النوعين السابقين:
فالخطاب الأول: متوجه إلى الأمة عامة؛ فقيل لها: "إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ".والخطاب الثاني: متوجه إلى الكاتب خاصة؛ لما له من دور بارز في حفظ الحقوق , فقيل له:
" يكتب كما علمه الله ".
والخطاب الثالث: توجه إلى آخذ الدين , أو الذي عليه الحق.
والأنواع الثلاثة جاءت بصيغة الأمر لأن المنظومة واحدة , والسياق واحد , والغاية المنشودة من الآية غاية واحدة , ومسؤولية الأطراف الثلاثة في حفظ هذه الأموال على درجة واحدة , ومن أجل كل ذلك عم الأمر كل الأطراف.
والسبب في أن الذي عليه الحق هو المعنيُ بإملاء الدين:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/363)
أن الغبن قد يقع عليه لو أملى الدائن فزاد في الدين أو قرب الأجل, أو ذكر شروطا ً معينةً في مصلحته , وبخاصةٍ أن المدين في موقف ضعيف قد لا يملك معه إعلان المعارضة؛ رغبة في إتمام الصفقة لحاجته إليها , فيقع عليه الغبن.
فإذا كان المدين هو الذي يُملي , لم يملِ إلا ما يريد الارتباط به عن طيب خاطر , ثم ليكون إقراره بالدين أقوى , وأثبت , فهو الذي يُملي. (93)
وقد علّق الألوسي على هذه الجملة فقال: " لابد أن يكون هو المُقِر لا غيره " (94).
ثم قال: " وانفهام الحصر من تعلق الحكم بالوصف؛ فإن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعليّة , والأصل عدم علة أخرى " (95).
ولا شك أن قوله: " لا بد أن يكون هو المقر لا غيره " يشير إلى أن الأسلوب أسلوب قصر , لكن طريقه غير اصطلاحي؛ فللقصر طرقه الاصطلاحية التي ارتضاها أهل هذا الفن , وليس من بينها تعليق الحكم بالوصف؛ أعني: تعليق قوله: " وليملل " بقوله: " الذي عليه الحق ".
وهذا الفهم ناشئ من وجود عدة أطراف في عملية التداين , وهم:
الذي عليه الحق.
والذي له الحق.
والكاتب.
والشاهدان.
وهذه الأطراف لا بد أن تجتمع عند الكتابة ليتحقق الأمر كما يقتضيه النص القرآني , وعند هذا الاجتماع تأتي جملة " وليملل الذي عليه الحق "؛ لتحدد واحداً بعينه ليقوم بالإملال , وهو الذي عليه الحق.
وهذا التعيين والتحديد مع وجود كل هذا العدد مشعر بقصر الإملال عليه دون غيره.
وهذا , وإن لم يكن منصوصاً عليه لفظاً لكنه مفهوم من النظم , وإيحاءات المعنى؛ لأن " مفهوم القصر يقوم على أمرين لا كيان له بغيرهما:
1 – تخصيص شيء بشيء.
2 – أن يكون التخصيص بطريق معهود.
فليس كل تخصيص داخلاً في القصر , وإنما المراد هنا تخصيصٌ ذو سمات محددة.
* أن يكون جامعاً بين إثبات ونفي.
· أن يكون جمعها في جملة واحدة.
· أن يكون القصد الأول إلى الإثبات , والنفي تأكيد للإثبات.
· ذلك التخصيص ذو السمات الآنفة لا يعتد به البلاغيون إلا إذا انداح في تضاعيف تراكيب معينة سميت بطرق القصر.
والكلام في تحقيق أنواع الحصر محرر في علم البيان , وله صور كثيرة تزيد على خمس عشرة نوعاً (96) ,وليس منها تعليق الحكم بالوصف وهذا يفيد أن معنى الحصر في الجملة مفهوم من السياق , وليس مدلولاً عليه باللفظ؛ فدلالته غير اصطلاحية , وهذا كثير في لغة العرب.
وجه البلاغة في تعريف الدَّين بجملة الصلة
أعني: ما الفرق بين أن يقال " وليملل المدين " وأن يقال: " وليملل الذي عليه الحق.؟
الذي يبدو أن كلمة " المدين " لن تفيد معنى جديداً في هذا السياق لكن لما أريد التأكيد على المدين بأن يعترف بما عليه أمام الشهود , والكاتب , ولما أريد تذكيره بأن ما أخذه ليس حقه , بل هو حق الدائن , والحقوق لابد أن ترجع إلى أصحابها , عرّف المدين بجملة الصلة؛ كي تجمع كل هذه المعاني في وسيلة واحدة للتعريف.
يقول الإمام عبد القاهر: " إن اسم الموصول (الذي) اجتلب ليكون وصلة إلى وصف المعارف بالجمل , وإنما اجتلب حتى إذا كان قد عرف رجل بقصة , وأمرٍ جَرَى له , فتخصص بتلك القصة , وبذلك الأمر عند السامع , ثم أريد القصد إليه ذكر (الذي) {(97).
وكأن من مقاصد جملة الصلة هنا إشهار المدين , وتعريفه للناس بأنه (الذي عليه الحق).
أترى إلى أي مدى يكون هذا مؤثراً في المدين بين الناس؟
حيث يشتهر بهذا الوصف العجيب , وكأنه لا يعرف باسمه , ولكن يعرف بأنه (الذي عليه الحق) , وفي ذلك ما فيه من التنفير لهذا النوع من المعاملات.
كما أن في اصطفاء اسم (الحق) تذكيراً للجميع , وعلى رأسهم المدين بوجوب عودته إلى صاحبه , ووجوب إحقاقه , والحرص على عدم تضييعه.
كما أنه متوجه أيضاً إلى الدائن؛ طمأنة له , وتسكيناً لفؤاده من أن ماله لن يضيع.
كما أنه متوجه إلى الشاهدَين , بأن ما يشهدان عليه ليس إلا الحق , فعليهما الإقدام , وعدم التخاذل , كما أن عليهما الشهادة الصادقة التي تحفظ الحقوق.
كما أنه متوجه إلى الكاتب بأن ما سيكتبه ليس إلا الحق؛ فلا ينبغي أن يحيد عنه , وإلا فقد ضيعه؛ فالكلمة جرس إنذار للجميع؛ (ويحق الله الحق بكلماته).
البناء التركيبي لجملتي: " وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/364)
والجملتان معطوفتان على ما سبق , من قوله " وليملل الذي عليه الحق " وهما أمر ونهي , والجملة المعطوف عليها هي الأخرى أمر.
وكل هذه الأوامر موجهة إلى " الذي عليه الحق "؛ فقيل له:
" أملل – واتق الله – ولا تبخس منه شيئاً ".
وهذه الدقَّات الثلاث إنما هي إنذار وتحذير من أن يوسوس له شيطانه , بأن يتملص من بعض الحق , أو أن يأكل بعض الأموال , أو أن يفعل شيئاً يضيّع به الحق على صاحبه.
كل هذا استلزم تتابع هذه الأوامر على نحو خاص , ووضعت فيه التقوى بين الأمر بالإملال , والنهي عن البخس , لتأخذ التقوى بحُجز هذين الأمرين , فتكون كالقلب الذي يغذوهما.
فوضع التقوى في الوسط هكذا " وليملل الذي عليه الحق – وليتق الله ربه – ولا يبخس منه شيئاً.
هذا النسق يشير إلى أن الأمر بالإملال يحتاج إلى شيء من التقوى.
والنهي عن البخس يحتاج إلى شيء من التقوى؛ فوضعت التقوى بينهما؛ لتمدهما بحاجتهما؛ كي يتم الأمر , والنهي على وفق مراد الشارع.
ولو قدمت التقوى , أو أخرت لزاد التشديد في جانب على حساب جانب آخر.
وتقديم الأمر بالتقوى على النهي عن البخس يفيد تهيئة النفوس التي عليها الحق لتلقي الأوامر والنواهي , بالامتثال , والطاعة.
وأسند الفعل " يتقي " إلى ضمير الغائب؛ لأن الذي عليه الحق في مقام ضعف , ولا يرقى ليكون محل تشريف , وإعزاز؛ حتى يباشره الله تعالى بالخطاب , وفي ذلك ما فيه من التنفير الخفي من الديون , وفي الحديث الشريف أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يقول:
" اللهم إني أعوذ بك من الكفر والدين.
فقال رجل: يا رسول الله أيعدل الدين الكفر؟
قال: نعم.
وفي الجملة الأولى جمع ٌ بين اسم " الله " واسم " الرب "؛ حيث قيل: " وليتق الله ربه " لحكمة بليغة , وهي كما يقول أبو حيان: " أن الله تعالى مربياً له مصلحاً لأمره , باسطاً عليه نعمه.
وقدم اسم " الله " لأن مراقبته من جهة العبودية والألوهية أسبق من جهة النعم " (98)
كما أن مقام الذي عليه الحق يحتاج إلى صفات الجلال الكامنة في اسم " الله.
وكذا إلى صفات الجمال الشاخصة في اسم " الرب ".
أما صفة الجمال , فمن حيث تذكيره بأن سداد الدين يحتاج إلى عون الله تعالى , وفتح أبواب الرزق
وأما صفة الجلال فمن حيث زجره وتهديده حتى لا يبخس أو يماطل , أو ينكر الدين.
إذاً الذي عليه الحق ينبغي أن يتذكر أمرين:
الأول: يتذكر قوة الله وسلطانه وانتقامه , فلا يأكل أموال الناس.
والآخر: يتذكر رحمة الله تعالى وعطفه وامتنانه عليه , حيث أحل هذا الضرب من المعاملات والتي استطاع بسببها أن يأخذ من أموال الناس إلى حين.
أما اصطفاء لفظ البخس هنا دون غيره:
فلأن من دلالته النقص والإخفاء , وأقرب الألفاظ إلى معناه هو: الغبن.
والبخس في لسان العرب هو النقص بالتعييب , والتزهيد , أو المخادعة عن القيمة , أو الاحتيال في التزيد في الكيل , أو النقصان منه , أي: عن غفلة من صاحب الحق.
وتعدي الفعل إلى كلمة " شيئاً " وهي نكرة لإفادة العموم والإحاطة , أي: أي شيء , ولو كان حقيراً , ولذلك كله , أسند لفظ " رب " إلى الضمير العائد على المدين , فقيل: " ربه " , ولم يقل: ربكم , أو ربهم , بل " ربه " أي: الذي أنعم عليه , وأحل له أخذ هذه الأموال لينتفع بها إلى حين , ووعده
بأن يسد عنه إن هو أخلص النية في السداد.
وقد جاء في الصحيح عن أبي هريرة , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّ الله عنه , ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى " (99)
وكأنه رقيب عليه وحده , كما أن فيها معنى التحذير؛ لأن ربه رقيب عليه.
وفي ذكر الجار والمجرور " منه " حيث قيل: " ولا يبخس منه شيئاً " تذكير بالحق مرة أخرى , حتى تكون الأذهان على ذكر منه دائماً , إما صراحة , وإما تقديراً فتكون العقول والقلوب مرتبطة به , فتراعي الوفاء , والضبط عند كتابته , لأنه حق.
الاستثناء بالشرط في قوله تعالى:
" فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع"
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/365)
للاستثناء أدوات كثيرة , منها: [إلا , وغير , وسوى] , وقد يستثنى بجملة الشرط , كما هو حال الجملة هنا؛ ولذلك لما قيل: " وليملل الذي عليه الحق " , تبين أن هذا الحق قد يكون على أناس لا يستطيعون القيام بعملية الإعلام , وهم: السفيه , والضعيف , ومن به سبب عارض يمنعه من الكتابة , فاستُثنوا – ليس من الكتابة – وإنما من الإملال؛ إذ الكتابة واجبة على الجميع , ولعل إدخال هؤلاء في دائرة الكتابة يزيد من معنى الوجوب الذي مال البحث إليه.
إلا أن الاستثناء هنا سلك طريق الشرط؛ وذلك لأن الشرط في الأصل قيدٌ , والقيود والعقبات تتواءم مع سياق الآية , الذي يسير في فلك التشديد والتضييق.
ولكن: إذا كانت الديون تنشأ من قرض , أو بيع , أو شراء بأجل , وهؤلاء لايمكن لهم مباشرة هذه المعاملات بأنفسهم , فكيف يقع عليهم دين ثم يكتب عنهم وليُّه؟!
ولعل أولياءهم هم الذين يبيعون لهم بأجل , أو يشترون بأجل , أو يقترضون لهم , أو أن لبعضهم رخصة من ولي الأمر , بأن يبيع أو يشتري , كما رخص النبي صلى الله عليه وسلم لمنقذ بن عمرو , حيث قال يا رسول الله إني لا أصبر على البيع , فقال له صلى الله عليه وسلم: قل: لا خلابة "
(100) أي: لا خداع.
ترتيب الأصناف الثلاثة:
الوقوف أمام بلاغة ترتيب هذه الأصناف الثلاثة يأتي بعد معرفة المقصود بكل صنف , " فالسفيه: من السفه , " والسين , والفاء , والهاء , أصل واحد يدل على خفة , وسخافة , وهو قياس مضطرد , فالسفه ضد الحلم " (101)
ولذلك قيل: " السفيه هو: الجاهل بالصواب في الذي عليه أن يُمله على الكاتب , أو هو الجاهل بالإملاء , والأمور .... ويدخل في ذلك كل جاهل بصواب ما يُمل , من صغير وكبير , وذكر وأنثى.
وقيل إن السفيه: هو مختل العقل ...
والضعيف هو: الصغير؛ لقوله تعالى " وله ذرية ضعفاء " (البقرة 266) ,
أما الذي لا يستطيع أن يمل: فهو العاجز , كمن به بكم , وعمى , وصمم جميعاً ... " (102)
ومما سبق يتضح وجه الترتيب بين هذه الأصناف؛ فأشد الناس حاجة إلى وليّ ليقوم عنه بالإملاء هو السفيه؛ لأنه مختل العقل , لا يُحكم الأشياء.
ثم يأتي الضعيف , وهو الذي يملك قوة لكنها ضعيفة؛ إما لصغر سن , أو لكبر سن , أو لقلة تجربة في الحياة , وهذا يلي السفيه في حاجته إلى من يملي عنه ,.
أما الأخير فهو: " الذي لا يستطيع أن يُمل هو ... "؛ ويقصد به الذي لا يملك الصيغة المثلى , أو الأسلوب الأمثل في العقود , مع امتلاكه لمقومات العقل والقوة.
فترتيب هذه الأصناف ترتيب أولوية في حاجة كل صنف إلى من يقوم عنه بالإملاء؛ فالسفيه أشدهم احتياجاً , ثم الضعيف , ثم الذي لا يستطيع الإملاء.
وقد صيغ الصنف الأخير في جملة فعلية , مع أن الصنفين الأولين جاءا في صورة الاسم –" السفيه , والضعيف " , أما الأخير فقيل: " أو لا يستطيع أن يمل هو " , وكان يمكن أن يقال: " أو غير مستطيع ".
ووجه ذلك , الإشارة إلى أن عدم استطاعته ليست على الدوام؛ لأنها عارضة , وطارئة , فلما كانت غير ثابتة , عُدل بها عن الاسم إلى الفعل.
أما الضمير " هو " في قوله: " أن يمل هو " , فإنه" توكيد للضمير المستتر في " أن يمل " , وفائدة التوكيد به: رفع المجاز الذي كان يحتمله إسناد الفعل إلى الضمير , فيقال: أو لا يستطيع أن يمل؛ فالضمير " هو " أفاد التنصيص على أنه غير مستطيع بنفسه " (103).
وجاء الفعل هنا " يُمل " بإدغام اللام في اللام , في حين أنه جاء قبل ذلك مفكوك الإدغام , في قوله تعالى: " وليملل الذي عليه الحق , وجاء أيضاً بعد ذلك مفكوك الإدغام , في قوله: " فليملل وليه بالعدل " , فما الحكمة في ذلك؟
لابد أولاً أن أشير إلى أن الإدغام والفك لهجتان فصيحتان للعرب؛ فالحجازيون لهجتهم الفك , والتميميون لهجتهم الإدغام.
وهذا لا يكفي لمعرفة وجه اصطفاء الإدغام في قوله: " أو لا يستطيع أن يملّ هو " , واصطفاء الفك في الباقي.
وبالنظر يتضح أن الإدغام جاء مع الإنسان العاجز عن الإملاء , وهو الذي لا يستطيع الإملاء , كأن في لسانه حُبسة , أو نحو ذلك , وهو لا يستطيع التوضيح والتفصيل؛ ولذلك استخدم معه " يُملّ " بالإدغام؛ ليرسم صورةً له؛ حيث تتداخل ألفاظه , أو تنبهم معانيه؛ ولذلك يوكل عنه من يقوم بالإملاء.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/366)
أما الآخران اللذان يستطيعان الإملاء ويباشران ذلك بأنفسهما فجاء الفعل معهما مفكوكاً ليصور قدرتهما على التوضيح والبيان.
وعلى هذا: كانت كل صورة من صور الفعل متناغية مع حالة المتكلم , وهذا توافق عجيب معجز , بين الفعل وفاعله.
فإن كان الفاعل فصيحاً , صريحاً يؤتى معه بالفعل صريحاً , وإن كان الفاعل في لسانه , أو عقله خلل من: احتباس , أو همهمة , أو غمغمة , أو سوء فهم , أو نحو ذلك , يؤتى معه بالفعل المدغم.
******
أثر التكرار في بناء جملة: " فليملل وليه بالعدل:
وهذه الجملة هي جواب الشرط السابق؛ أعني قوله: " فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً , أو ضعيفاً , أو لا يستطيع أن يُملّ هو ".
والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الشرط هو التخفيف عنهم؛ بأن يقال مثلاً: فلا حرج عليهم ألا يكتبوا .... أو نحو ذلك.
لكن جواب الشرط جاء بالإملال , وبصيغة المضارع المقترن بلام الأمر , وهي ألزم وأشد في الوجوب , وهذا يشير إلى أن وجوب الكتابة ليس مقصوراً على أحد دون أحد فلا تسامح في هذا الأمر , حتى وإن كان الذي عليه الحق سفيهاً , أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل.
وهذه الفاء هي الواقعة في جواب الشرط؛ لأنه فعل أمر , والمجيء بالمضارع المقترن بلام الأمر يدل على أن الوجوب الكامن في الإملال الأول على الذي عليه الحق لم يُنقض , ولم يتسامح فيه , بل هو ما عليه من الإلزام , والفرضية.
ويلحظ هنا تكرار لفظ الإملال؛ حيث ذكر ثلاث مرات , وكأنه ركن من أركان العقد؛ لما فيه من رفع الصوت , وسماع الجميع لقيمة الدين , وموعد سداده , فالأمر أمر إعلان , وإشاعة لمن له الحق , ومن عليه الحق , ليعلم الناسُ ذلك , وفي هذا ما فيه من إشراك للمجتمع في الشهادة؛ ليكون ألزم للمدين بالسداد.
واللفظ الآخر في هذه الجملة هو " بالعدل "؛ حيث ذكر قبل ذلك في قوله: " وليكتب بينكم كاتب بالعدل ".
وليس العدل هنا أو هناك بمعنى العدالة التي يوصف بها الشاهد؛ فيقال: " رجل عدل , لأن وجود الباء يصرف عن ذلك " (104)
فكلمة العدل هنا تعني الحق؛ أي: بما يعتقده , وليس غيره , فإن إملاء ما يعتقده هو إملاء الحق.
فإذا رجعنا إلى معنى التكرار لهذا الحق , فإننا نجد أن هذا الحق ذكر عدة مرات:
1 - في قوله تعالى: "ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " فإنها تصب في معنى الحق
2 – ثم التصريح بها في قوله: " وليملل الذي عليه الحق ".
3 - ثم التعبير عنه بالضمير في قوله: " ولا يبخس منه شيئاً " أي من الحق.
4 – ثم التصريح به مرة رابعة , في قوله: " فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً ".
فصرح به مرة أخرى.
5 –ثم التعبير عنه بالكناية في قوله: " ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا "؛ فالضمير
في " تكتبوه " يمكن حمله أيضا على الحق.
فهذه المواضع تشير إلى أن "الحق " كلمة سارية في أوصال الآية ومقررة بعدة صور؛ لتملأ على الجميع حواسهم , فلا تغيب عنهم , وفي ذلك ما فيه من إثارة النفوس إلى حفظ هذا الحق , وضمانه , والاجتهاد في إيصاله إلى أصحابه.
فإذا أضفنا إلى كل ذلك أن كلمة " العدل " يمكن حملها على معنى الحق؛ أي يملل بالحق؛ لظهر جلياً قيمة هذه اللفظة , وحرص الآية على إشاعتها في النفوس.
******
عوامل التوكيد في جملة: " واستشهدوا شهيدين "
هذا هو الطرف الثالث في الآية , بعد الحديث عن المتداينين , والكاتب؛ ليكتمل بذلك توثيق العقد.
وتأخرت جملة الإشهاد عن جملة الكتابة؛ لأنها مؤخرة عنها في الواقع , فالشاهدان يشهدان بعد تحرير الوثيقة , وليس قبلها وشهادتهما ليس مقصودا بها رؤية الأخذ والعطاء فقط , بل مقصود بها أيضاً توقيعهما على تلك الوثيقة , وإقرارهما عليها كتابة ً؛ وذلك مستفاد من قوله تعالى: " وليكتب بينكم " , فصيغة الجمع في " بينكم " تدل على حضور الشهود , وإقرارهما بما في العقد كتابةً.
والجملة معطوفة على جملة " فاكتبوه ".
وحقيقية الشهادة: الحضور , والمشاهدة , لكن المراد بها هنا حضور خاص , وهو حضور لأجل الاطلاع على التداين " (105)
و قد جاء في هذه الجملة عدة مؤكدات تبين أهميَّة الشهادة , وأثرها في حفظ الحقوق.
وأول هذه المؤكدات:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/367)
اصطفاء لفظ الشهادة دون العلم , فقال: " واستشهدوا " ولم يُقل: وأعلموا؛ لأن الشهادة أخص من العلم؛ وذلك أنها: علم بوجود الأشياء , لا من قبل غيرها.
والشاهد نقيض الغائب في المعنى؛ ولهذا سمي ما يدرك بالحواس , ويعلم ضرورةً شاهداً.
فالشهادة: علم يتناول الموجود , أما العلم فيتناول الموجود والمعدوم.
كما أن الشاهد للشيء يقتضي أنه عالم به , ولهذا قيل: الشهادة على الحقوق؛ لأنها لا تصح إلا مع العلم بها ,وذلك أن أصل الشهادة الرؤية , وقد شاهدت الشي: رأيته رؤية وسمعاً " (106)
ومن المؤكدات في الجملة: السين والتاء:
يقول ابن حجر: " والاستفعال بمعنى الإفعال , كالاستجابة بمعنى الإجابة " وقال الطيبي " السين للطلب وهو المبالغة " (107)
وقال ابن عاشور: " إن السين والتاء لمجرد التوكيد ... ولك أن تجعلهما للطلب؛ أي: اطلبوا شهادة شاهدين , فيكون تكليفا بالسعي للإشهاد , وهو التكليف المتعلق بصاحب الحق " (108)
وعلى هذا:
فإن الألف والسين والتاء مع دلالة الطلب ,تفيد: التوكيد والتحقيق, وهو من معانيها النحوية.
ومن المؤكدات في الجملة أيضاً: تعدية الفعل إلى المفعول المطلق:
والأصل في المفعول المطلق التوكيد , أو البيان للنوع , أو للعدد , وفي بيان النوع والعدد ضرب من التوكيد أيضاً , فلما قيل: " واستشهدوا شهيدين " فُهم وجوب الإشهاد من طريقين:
الأول: من الأمر المسبوق بالسين والتاء.
والآخر: من تعدية الفعل إلى المفعول المطلق.
واشترط العدد في الشاهد , ولم يكتف بشهادة عدل واحد , لأن الشهادة لما تعلقت بحق معين لمعين
اتُهم الشاهد باحتمال أن يتوسل إليه الظالمُ , الطالب لحق مزعوم ,فيحمله على تحريف الشهادة , فاحتيج إلى حيطة تدفع التهمة , فاشترط فيه الإسلام- وكفى به وازعاً - والعدالة؛ لأنها تزع من حيث الدين والمروءة, وزيد انضمام ثان إليه؛ لاستبعاد أن يتواطأ كلا الشاهدين على الزور" (109)
وفي صيغة " شهيد " نغم له مردود عظيم في قلوب المسلمين , فالصيغة تحمل معنى التضحية , والإقدام على المخاطر, ولعل في السين والتاء أيضا من المعاني ما يشعر بالجهد المبذول في السعي الجاد في طلب الشهيدين؛ لأنهما عزيزان بين الناس , لأنه طلب وبحث " عمن تكررت منه الشهادة فهو عالم بموقعها , مقتدر على أدائها , وكأن فيها رمزاً إلى العدالة؛ لأنه لا يتكرر ذلك من الشخص عند الحكام إلا وهو مقبول عندهم , ولعله لم يقل رجلين لذلك " (110)
وإنما قال: " من رجالكم " ليضيف إلى العدل معنى الذكورة القادرة على تحمل تبعات الشهادة , ولأوائها , ثم أضيف لفظ " الرجال " إلى ضمير الخطاب , ليشير إلى شهرتهم بين الناس , فهم المعروفون المعدودون من الرجال؛ وذلك لأن القصد من الإشهاد إحقاق الحق عند الخصومة , وهذا يتطلب معرفة الشاهدين , وسهولة إحضارهما , كما أن في هذه الإضافة معنى آخر أشار إليه ابن عاشور بقوله: " والضمير المضاف إليه أفاد وصف الإسلام " (111) , وعليه فلا يجوز شهادة الكافر على المسلم؛ لأنه ليس من رجالنا.
وبعدُ: فما زلت ألمح هذا الخيط الساري بين جنبات الآية , والذي يصل أولها بآخرها , ويربط بين تراكيبها , ويبرز مع كل جملة , بل كل كلمة , هذا الخيط الذي تحدثت عنه آنفاً , والذي يضع العقبات والعراقيل أمام إشاعة الديون , فهناك الآن في بعض الدول رغبة جامحة لجعل الشعب كله مديون , وانظر قليلاً إلى هذا الطوفان الذي يهجم على الناس من خلال وسائل الإعلام , بل انظر أيضا إلى الوعود المقدمة للشباب العاطل عن العمل , فبدلا من تحريره من البطالة , وتوفير فرص للعمل يريدون تقييده بالديون , ليزداد الخناق عليه , فلا يرى , ولا يسمع , ولا يهتم بعد استدانته إلا بدينه , أو العقوبة!!!!
بلاغة التعريف بالوصف في جملة:
(فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)
وهذه الجملة الشرطية مترتبة على سابقتها , ومكونات الشرط هنا كما يلي:
أداة الشرط: " إن " الدالة على ندرة الوقوع , فكأن الحديث هنا عن حالة نادرة.
وفعل الشرط: " يكونا رجلين " وفي دلالته ما يشير إلى أن الأصل هو البحث عن شهود
عدول , رجالاً كانوا أم نساءً , ولو كان البحث عن الرجال خاصة لقيل: فإن لم
يوجد رجلان " ...
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/368)
أما جواب الشرط فهو " فرجل وامرأتان "
وهما إما فاعل لفعل محذوف , تقديره: فإن يشهد رجل وامرأتان , أو فليستشهد رجل وامرأتان
وإما مبتدأ , والخبر محذوف تقديره - يشهدان -.
وإما خبر لمبتدأ محذوف , تقديره: فالشاهد رجل وامرأتان.
وأولى هذه التقديرات – في رأيي – أن يكون قوله: " فرجل وامرأتان " فاعلاً لفعل محذوف تقديره: فليستشهد , ليوافق قوله من قبل: " فاستشهدوا " , ولأن طلب هؤلاء الثلاثة يكون أصعب , وبخاصة إذا ضم إلى هذا المعنى قوله: " ممن ترضون ".
والسياق العام للآية يضيِّق الخناق على التعامل بالدين , فكان البحث عن رجل وامرأتين يرضى عنهم المتداينين من الصعوبة بمكان؛ لذلك كان أقرب رحماً بالغرض العام للآية.
" وجيء في الآية بـ " كان " الناقصة , مع إمكان القول – فإن لم يكن رجلان؛ لئلا يتوهم منه أن شهادة المرأتين لا تقبل إلا عند تعذر الرجلين. .
وفيه مرمى آخر , وهو تعويدهم على إدخال المرأة في شؤون الحياة؛ فإذا كانت في الجاهلية لا تشترك في مثل هذه الشؤون , فجعل الله المرأتين مقام الرجل الواحد " (112).
وهذا وإن كان فيه توسعة – إلا أن في إشراك النساء في الشهادة على مثل هذه المعاملات هدفاً آخر , وهو إحراج المدين , والتضييق عليه.
فالرجل إذا استدان وشهد عليه الرجل يكون في حالة من الذل والضعف , ولذلك يستعيذ بالله تعالى من غلبة الدين , فهو يخجل أن يعرف عنه الناس أنه مدين , فما بالك إذا كان الشاهد عليه رجلاً وامرأتين.؟!!!
إن في إشهاد النساء على الديون ضرباً آخر من التنفير؛ فطبيعة المرأة لا تقوى على كتم الأسرار , وهذا يعني أن إشهادها على الديون فيه إشاعة لذلك الأمر بين الناس , وهو ما يخشاه المدين , مما يترتب عليه العزوف عن هذه الديون قدر الطاقة.
والذي يظهر في هذه الجملة من الأساليب هو أسلوب تعريف الشهود بالوصف؛ حيث قيل: " فرجل وامرأتان ممن ترضون " , وهذا التعريف يشير إلى أن كل واحد منهم مُختَبر في مثل هذه المواقف؛ حيث ثبت عدلُه , وصدقهُ , وهذا يقارب معنى " شهيدين من رجالكم ".
لكن قوله: " شهيدين " فيه من الشهرة ما لا يوجد في " فرجل وامرأتان "؛ إذ الأصل في المرأة عدم الشهرة , وإن كان لا يمنع تجربة الشهادة عليها؛ ولذلك زيد بعد الوصف قوله: " من الشهداء " , ولم يقل – من المسلمين , أو من الناس -.
فهذا يعني أن الرضا هنا رضا شهادة سابقه، كما أن تمام الوصف قوله من الشهداء ـوقيل اللفظ المذكر إما تغليباً كما هي عادة العربية، أو إشارة إلي أن الأصل في الشهود أن يكونوا رجالاً.
ويلحظ هنا أن الكلام جاء بالأسلوب الصريح المكشوف الخالي من الصور البلاغية، أو اللون البديعي؛ وذلك لأن السياق يحتاج إلي هذا الوضوح والصراحة في هذه المعاملة؛ فالأخذ والعطاء والكتابة والشهادة كلها أمور تحتاج إلي هذه الشفافية.
لكن الزمخشري عدّ هذا اللفظ من قبيل المجاز المرسل؛حيث قال: " وقيل لهم:شهداء قبل التحمل تنزيلاً لما يشارف منزلة الكائن" (113)
يعني: أن العلاقة هنا اعتبار ما سيكون , كما في قوله تعالى: " إني أراني أعصر خمراً ".
فلما كانوا قبل الشهادة ليسوا شهوداً أطلق اللفظ عليهم , باعتبار أنهم سيكونون شهودا ً.
وهذا وإن كان مقبولاً شكلاً إلا أنه لا يتناغم مع السياق الرامي إلى البحث عن رجل وامرأتين , ذات صفات مخصوصة.
منها: قبولهما عند كلٍّ من الدائن , والمدين.
ومنها: تجريب الشهادة عليهما من قبل.
وكل من الأمرين متعلق بالآخر كما لا يخفى.
******
أثر القراءات في تصوير المعنى في جملة:
" أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى "
" اختلف القراء في قراءة هذه الجملة؛ فقرأ عامة أهل الحجاز , والمدينة , وبعض أهل العراق: " أن تضل إحداهما فتذكرَ إحداهما الأخرى " , بفتح الألف من " أن " ونصب " تضل " و " تذكرَ "؛ بمعنى: فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان كي تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت.
فهو عندهم من المقدم الذي معناه التأخير؛ لأن التذكير عندهم هو الذي يجب أن يكون مكان" تضل "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/369)
وقالوا: إنما نصبنا " تذكر "؛ لأن الجزاء لما تقدم اتصل بما قبله , فصار جوابه مردودا عليه , كما تقول في الكلام: " إنه ليعجبني أن يسأل السائل فيعطي " , بمعنى إنه ليعجبني أن يعطى السائل إن سأل , أو إذا سأل , فالذي يعجبك هو الإعطاء , دون المسألة.
ولكن قوله " أن يسأل " لما تقدم اتصل بما قبله , وهو قوله: " ليعجبني ".
وقرأ ذلك آخرون كذلك , غير أنهم كانوا يقرؤونه بتسكين الذال من " تُذْكِر: وتخفيف كافها.
... وكان بعضهم يوجهه إلى أن معناه: فتصيِّر إحداهما الأخرى ذكَراً باجتماعهما , بمعنى أن شهادتها إذا اجتمعت وشهادة صاحبتها: جازت , كما تجوز شهادة الواحد من الذكور في الدين؛ لأن شهادة كل واحدة منهما منفردة غير جائزة فيما جازت فيه من الديون , إلا باجتماع اثنتين على شهادة واحدة , فتصير شهادتهما حينئذٍ بمنزلة شهادة واحد من الذكور.
فكأن كل واحدة منهما _ في قول متأولي ذلك بهذا المعنى- صيَّرت صاحبتها معها ذكراً , وكان آخرون منهم يوجهونه إلى أنه بمعنى الذِكرِ بعد النسيان.
وقرأ آخرون: " إن تضل إحداهما فتُذكَّرُ إحداهما الأخرى "بكسر " إن " , ورفع " فتذكر " وتشديده , كأنه بمعنى ابتداء الخبر عما تفعل المرأتان إن نسيت إحداهما شهادتها تذكرها الأخرى , من تثبيت الذاكرة الناسية , وتذكيرها ذلك ....
ومعنى الكلام: واستشهدوا شهيدين من رجالكم , فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء؛ فإنْ إحداهما ضلت ذكرتها الأخرى , ...
يقول قتادة: " علِم اللهُ تعالى أن ستكون حقوق فأخذ لبعضهم من بعض الثقة , فخذوا ثقة الله تعالى , فإنه أطوع لربكم , وأدرك لأموالكم , ولعمري لئن كان تقياً لا يزيده الكتاب إلا خيراً , وإن كان فاجراً فبالأحرى أن يؤدي إذا علم أن عليه شهوداً (114)
والضلال هنا: النسيان – كما قال أبوعبيدة – معنى " تضل ": تنسى , والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها , وذكر جزء , ويبقى المرء حيران بين ذلك , ضالاً , ومن نسي الشهادة جملة فليس يقال: " ضلَّ " (115).
وقد جعل الزمخشري هذا اللفظ من قبيل المجاز المرسل؛ حيث قال " أن تضل ... أي: إرادة أن تضل , فإن قلت: كيف يكون ضلالهما مرادا لله تعالى "؟
قلت: لما كان الضلال سبباً للإذكار , والإذكار مسبباً عنه , وهم ينزلون كل و احد من السبب , والمسبب منزلة الآخر؛ لالتباسهما , واتصالهما كانت إرادة الضلال المسبب عنه الإذكار إرادة للإذكار , فكأنه قيل: إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت , ونظيره: - أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه - , وأعددت السلاح أن يجيء عدو فأدفعه " (116).
والسؤال الذي يعنُّ من خلال السورة المجازية هو:
ما وجه البلاغة في إيثار " أن تضل " بدلاً من " أن تنسى " إذا كانا بمعنى واحد؟
الذي أراه أن في الضلال معنى زائداً وهو ترتب الهلاك على النسيان؛ ولذلك " قيل: ضلت الناقة: إذا هلكت بضياعها , وفي القرآن الكريم (وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ) (السجدة:10) أي: هلكنا بتقطع أوصالنا ... كما أن من معانيها: الضياع , يقال: هو ضال في قومه؛ أي: ضائع , ومنه قوله تعالى: " (وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى) (الضحى:7)؛ أي: ضائعاً في قومك , لا يعرفون منزلتك ...
وقيل: الضلال بمعنى القصد إلى الشيء؛ (أن تضل)؛ أي تقصد إلى الشهادة فتذكرها الأخرى عوناً لها , وهذا من المقلوب المستفيض في كلامهم ... (117)
-----
وكل ذلك يصب في نهر واحد , وهو بيان الحكمة من وضع المرأتين موضع الرجل الواحد؛ إذ أن الغالب على عقول النساء الانشغال بأمور المنزل , والأولاد , والقيام بأمر التربية؛ فصلتها بالحياة العامة ضعيفة بالنسبة للرجل , لذلك كانت في حاجة إلى تذكير ....
وصياغة الجملة كان من الممكن أن يقال فيها: لتذكر إحداهما الأخرى إن ضلت ... لكن قدم الضلال إيماءً إلى شدة الاهتمام بشأن الإنكار عليه.
ولما كان " أن تضل " في معنى " لضلال إحداهما " صارت العلة في الظاهر هي الضلال , وليس كذلك , بل العلة هي ما يترتب على الضلال من إضاعة المشهود به , فتفرع عليه: " فتذكر إحداهما الأخرى " لأن - فتذكر – معطوف على – تضل – بفاء التعقيب , فهو من تكملته , والعبرة بآخر الكلام ...
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/370)
ومن شأن العرب في لغتهم إذا ذكروا علة , وكان للعلة علة قدَّموا ذكر علة العلة , وجعلوا العلة معطوفة عليها بالفاء؛ لتحصل الدلالتان معاً بعبارة واحدة ... " (118)
ولا شك أن هناك " ظروفاً معينة قد لا تجعل وجود شاهدين أمراً ميسوراً , فهنا يسَّر التشريع , فيستدعي النساء للشهادة , وهو إنما دعا الرجال؛ لأنهم هم الذين يزاولون الأعمال عادة في المجتمع المسلم السويّ الذي لا تحتاج المرأة فيه أن تعمل لتعيش , فتجور بذلك على أمومتها , وأنوثتها , وواجبها في رعاية أثمن الأرصدة الإنسانية , وهي الطفولة الناشئة الممثلة لجيل المستقبل , في مقابل لقيمات أو دريهمات تنالها من العمل , كما تضطر إلى ذلك المرأة في المجتمع النكد , المنحرف الذي نعيش فيه اليوم.
فإذا لم يوجد رجلان , فليكن رجل واحد وامرأتان.
ولكن لماذا امرأتان؟
إن النص لا يدعنا نحدس , ففي مجال التشريع يكون كل شيء محدداً , وواضحاً ومعللاً فيقول
" أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " , والضلال هنا ينشأ من أسباب كثيرة ..
فقد ينشا من قلة خبرة المرأة , بموضوع التعاقد؛ مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه , وملابساته , ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها؛ بحيث تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء , فتذكرها الأخرى بالتعاون معاً على تذكر ملابسات الموضوع كله.
وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية؛ فإن وظيفة الأمومة العضوية البيلوجية تستدعي مقابلاً نفسيا في المرأة يجعلها شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية , لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية , لا ترجع فيها إلى التفكير البطيء , وذلك من فضل الله تعالى على المرأة , وعلى الطفولة , وهذه الطبيعة لا تتجزأ فالمرأة شخصية موحدة , هذا طابعها حيث تكون امرأة سوية , بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال , ووقوف عند الوقائع , بلا تأثر ولا إيحاء , ووجود امرأتين فيه ضمانة أن تذكر إحداهما الأخرى إذا انحرفت مع أي انفعال؛ فتتذكر وتفيء إلى الوقائع المجردة " (119).
ومن الإضافات التي يمكن الاستئناس بها هنا ما ذكره الشيخ عبد المجيد الزنداني في برنامجه التلفزيوني " معجزة القرآن المتجددة " في قناة (إقرأ) قال:
" إن عقل الرجل يوجد به مركز للنطق , ومركز للتذكر , في حين أن الموضعين نفسيهما في عقل المرأة يعملان في الكلام , وهما هما يعملان في التذكر أو الذاكرة: فالرجل إذا شهد تكلم بجزء , وتذكر بجزء آخر , أما المرأة إذا شهدت فهي تحتاج إلى عمليتين: عملية الكلام , وعملية التذكر.
ولما كان الموضعان لا يستطيعان العمل بالمهمتين في وقت واحد , كان لا بد من وجود امرأتين , إحداهما تتكلم , والأخرى تتذكر؛ لأن الفصين في العقل يعملان نفس الوظيفة – وظيفة الكلام ووظيفة التذكر – فالمرأة الواحدة إذا تكلمت غطت المنطقة التي تتكلم على الذاكرة؛ لذا كان لا بد من وجود امرأتين " (120)
الإظهار في موضع الإضمار في قوله تعالى:
" فتذكر إحداهما الأخرى "
" إن مقتضى الظاهر أن يقال: أن تضل إحداهما فتذكرها الأخرى؛ وذلك أن – إحدى والأخرى – وصفان مبهمان , لا يتعين شخص المقصود بهما , فكيفما وضعتهما في موضع الفاعل والمفعول كان المعنى واحدا ...
والنكتة من إعادة لفظ " إحداهما " وكان يمكن التعبير عنه بالضمير هي: الإيهام.
لأن كل واحدة من المرأتين يجوز عليها ما يجوز على صاحبتها من الضلال والتذكير , فدخل الكلام في معنى العموم؛ لئلا يتوهم أن إحدى المرأتين لا تكون إلا مذكرة , ولا تكون شاهدة بالأصالة.
وأصل هذا الجواب لشهاب الدين الغزنوي , عصري الخفاجي عن سؤال وجهه إليه الخفاجي , وهذا السؤال هو:
يا رأس أهل العلوم السادة البررة ومن نداه على كل الورى نشره
ما سر تكرار إحدى دون تُذكرها فآية لذوي الأشهاد في البقرة
وظاهر الحال إيجاز الضمير على تكرار إحداهما لو أنه ذكره
وحملُ إحدى على نفس الشهادة في أولاهما ليس مرضياً لدى المهرة
فغص بفكرك لاستخراج جوهره من بحر علمك ثم ابعث لنا درره
فأجاب الغزنوي بقوله:
يا من فوائده بالعلم منتشرة ومَنْ فضائله في الكون مشتهرة
(تضل إحداهما) فالقول محتمل كليهما فهي للإظهار مفتقرة
ولو أتى بضمير كان مقتضياً تعيين واحدة للحكم معتبرة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/371)
ومن رددتم عليه الحال فهو كما أشرتم ليس مرضياً لمن سبره
هذا الذي سمح الذهن الكليل به والله أعلم بالفحوى بما ذكره
وكأن المراد هنا الإيماء إلى أن كلتا الجملتين علة لمشروعية تعدد المرأة في الشهادة؛ فالمرأة معرضة لتطرق النسيان إليها , وقلة ضبط ما يهم ضبطه , والتعدد مظنةٌ لاختلاف مواد النقص والخلل , فعسى ألا تنسى إحداهما ما نسيته الأخرى.
فقوله " أن تضل إحداهما " تعليل لعدم الاكتفاء بالواحدة ,, وقوله " فتذكر إحداهما الأخرى " تعليل لإشهاد امرأة ثانية؛ حتى لا تبطل شهادة الأولى من أصلها (121)
وعلى هذا فكل من المرأتين مُذكرة لصاحبتها , كما أن كلاً منهما ناسية لبعض التفصيلات؛ فقوله: " إحداهما " لا يقصد به واحدة بعينها , بل على العموم , وكذلك " الأخرى ".
هذا , وقد قرئ: " فتذاكر إحداهما الأخرى " , وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والحسن: " فتُذْكِر " بسكون الذال وكسر الكاف.
فأما قراءة " فتذاكر " فإشارة إلى المفاعلة القائمة بين المرأتين , واستعانة كل منهما بالأخرى , في استرجاع الضوابط الحافظة للحقوق , والعودة إلى تفاصيل ما تم بين الدائن والمدين , حتى تكون الشهادة بالعدل , وفي هذا تناغم واضح مع سياق الآية.
كما أن هناك هدفاً آخر: وهو سكوت الآية عن تحديد وقت التذكير؛ فالتذكير قد يكون وقت الاستدعاء لإحقاق الحق , وقد يكون قبل ذلك؛ بمعنى أن كلاً من المرأتين تُداوِم على تذكير الأخرى قبل حلول موعد السداد , فإذا حان موعده كانت شهادتهما كاملة , وهذا بلا شك يوافق طبائع النساء , من حيث مداومة سرد هذه الأحاديث , ولا يُتصوَّر هنا ما ذكره القرطبي من أن إحداهما تجعل الأخرى ذكراً , (122).
أما قراءة " فتُذْكر " فهي هي" فتذكِّر ", لكن التشديد , وعدم التشديد يشير إلى كمية المعلومات التي تنساها كل منهما , فإن كانت قليلة ناسبِ التعبير بالفعل " تُذكِر" بعدم التشديد , وإن كانت كثيرة ناسَبَ التعبير بالفعل " تذكَّر " بالتشديد؛ فلكل من القراءتين وجه معتبر في المراد.
ويتوافق مع هذين الفعلين قراءة: " إن تضل " وقراءة " أن تضل ".
فالأولى توافق " تُذكِر " من حيث ندرة حدوث النسيان المدلول عليه بـ " إن " الشرطية.
والثانية توافق " تذكِّر " بالتشديد من حيث كثرة حدوث النسيان؛ لأن النساء لسن على درجة واحدة في النسيان؛ فمنهن من تنسى الكثير , ومنهن من هي حاضرة الذهن قليلة النسيان.
أثر السياق في تصوير المعنى في قوله تعالى:
"ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا "
دعوة الشهداء إلى الشهادة على وجهين:
الأول: دعوتهم إلى تحمل الشهادة وقت كتابة العقد.
والآخر: دعوتهم إلى أداء الشهادة عند حدوث خلاف.
فما المراد من دعوتهم؟ هل إلى الأداء أم إلى التحمل؟
إن الجملة القرآنية حذفت المدعو إليه , " فجمعت بين الأمرين وهما:
ألا تأبى إذا دعيت إلى تحصيل الشهادة , ولا إذا دعيت إلى أداءها " (123)
وهذا من سعة دلالة الحذف , كما قال الإمام عبد القاهر عنه: " إنه باب دقيق , المسلك لطيف المأخذ , عجيب الأمر , شبيه بالسحر؛ فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر , والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة , وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق , وأتم ما تكون بياناً إذا لم تُبنْ " (124)
وإذا كان المحذوف هو تحمل الشهادة؛ فإنه يستفاد منه أن تحمل الشهادة فرض كفاية , وإذا كان المعنى: إذا دُعِي إلى الأداء فعليه أن يجيب , أي أنها فرض عين.
قال مجاهد: " إذا دعيت لتشهد فأنت بالخيار , وإذا شهدت فدعيت فأجب .. "
وروي عن ابن عباس والحسن البصري: أنها تعم الحالين , " التحمل والأداء " (125)
والذي أميل إليه في تعيين المحذوف هو: تحمل الشهادة , وذلك لعدة أسباب , ومنها:
1 – أن السياق في الحديث عن الدعوة للشهادة , ولو كان السياق في شأن الأداء لأمر الشاهد بالحضور قصراً؛ لأنه لم يشهد غيره على التداين.
2 – أن الحديث هنا عن توثيق العقد , وليس عن فض نزاع , وهذا يناسبه أن تكون الدعوة للتحمل , وليس للأداء.
3 – أن الآية التالية تناولت الأداء , وحذرت من كتمان الشهادة فقيل فيها " ولا تكتموا الشهادة " ولا داعي هنا للتكرار , فالحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/372)
4 – لو كان الأمر لأداء الشهادة لما جاز لأحد أن يتخلف عنها , " ولقد جاء عن الربيع: أن الرجل كان يطوف في القوم الكثير يدعوهم ليشهدوا , فلا يتبعه أحد منهم , فأنزل الله عز وجل: " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ".
6 – أن الآية تحدثت من قبل عن نهي الكاتب عن الإباء, فقالت"ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله"والكتابة والشهادة جناحان للتوثيق, وضبط الحقوق , وقد جاء عن ابن جريج أنه سأل عطاء: ما شأنه إذا دعي أن يكتب وجب عليه ألا يأبى , وإذا دعي أن يشهد لم يجب إن شاء؟
قال: كذلك يجب على الكاتب أن يجيب, ولا يجب على الشاهد أن يشهد ,فالشهداء كثير" (126).
فقوله: " الشهداء كثير ": محمول كما لا يخفى على التحمل , وليس الأداء.
المجاز المترتب على تقدير المحذوف:
إذا كان الأمر متعلقاً بتحمل الشهادة , فكيف يجوز إطلاق اسم الشهداء عليهم من قبل؟
لقد ذهب الطبري إلى عدم جواز هذا فقال: " غير جائز أن يلزمهم اسم الشهداء , إلا وقد استشهدوا قبل ذلك , فشهدوا على ما ألزمهم شهادتهم عليه اسم الشهداء , فأما قبل أن يستشهدوا على شيء فغير جائز أن يقال لهم شهداء؛ لأن ذلك الاسم لو كان يلزمهم , ولما يستشهدوا على شيء يستوجبون بشهادتهم عليه هذا الاسم , لم يكن على الأرض أحد له عقل صحيح إلا وهو مستحق أن يقال له: شاهد , بمعنى أنه سيشهد , أو أنه يصلح لأن يشهد.
وعليه كان معلوماً أن المعنيّ بقوله: " ولا يأب الشهداء " مَنْ وصفنا صفته ممن قد شهد فدُعي إلى القيام بها؛ لأن الذي لم يشهد غير مستحق اسم شهيد , ولا شاهد ". (127)
والأمر – كما أرى – أبسط من كل هذا؛ لأن من الأصول المعتمدة في علم البلاغة أن الشيء يجوز تسميته باسم ما يؤول إليه على سبيل المجاز المرسل , الذي علاقته اعتبار ما سيكون؛ مثل قوله تعالى: (إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً) (يوسف:36).
وهو ما عليه الأمر هنا. (128).
وعليه , يجوز تسمية الرجال باسم الشهداء؛ لأنهم سيصيرون شهداء , وفي ذلك نكتة , وهي أنهم بمجرد دعوتهم إليها فقد تعينت عليهم الإجابة فصاروا شهداء. (129)
كما لا يخفى أن فيها تحريضاً لهم بالمدح بهذا اللقب , بالإضافة إلى أنهم ذو خبرة , ومجربون في الشهادة.
يقول ابن عاشور: " وإنما جيء في خطاب المتعاقدين بصيغة الأمر , وجيء في خطاب الشهداء بصيغة النهي؛ اهتماماً بما فيه التفريط؛ فإن المتعاقدين يُظن بهما إهمال الإشهاد , فأُمرا به.
والشهود يُظن بهم الامتناع فنهوا عنه , وكل يستلزم ضده " (130).
أما لبنات هذه الجملة فإنها تحمل من الكنوز الدلالية الكثير التي تتناغم مع دلالة الأساليب: وأول ما يلقانا هنا هو " لا " الناهية في قوله: " ولا يأب الشهداء ".
والنهي بـ " لا" مشعر برغبة المنهي في ارتكاب المنهي عنه إن كانت له مندوحة , فحين يقال: لا تفعل كذا .. يفهم منه أن له رغبة في فعله , أو أنه يفعله الآن , فنهي عنه , وهذا يصور نفرة النفوس من تبعات الشهادة , ومحاولة الفكاك منها , ولولا طاعة الله تعالى لما شهد أحد ...
أما اصطفاء الفعل " يأبى " دون " يمتنع " مثلاً؛ فلأن الإباء فيه من الرفض المصحوب بالعلة , وخوف المستقبل , والحذر من الإقدام , فهو ليس امتناعاً ساذجاً , بل امتناع معلل , وهذه أقصى درجات الرفض , ولا يعنى هذا أن القرآن أباح الامتناع عن الشهادة؛ لأن من سنن القرآن الكريم أنه يوجه النهي إلى أعلى درجات الفعل ليكون ما دون ذلك داخلاً فيه ً, وهو المعروف بالتنبيه بالأعلى على الأدنى.
كما أن الكلمة بجرسها العالي تشعر بالدفع , والإعراض عن هذا الأمر , ومَنْ من المؤمنين يحب الشهادة في أمور تحفها المخاطر؟!!!!
أما لفظ " الشهداء " فجاء جمعا لدخول النساء في هذا اللفظ , فصاروا جمعاً , وفي كلمة " إذا " ما يشير إلى كثرة ذلك منهم ً وأنهم صاروا معروفين بالشهادة , وقد يلوح من هذه الآية دليل على أنه يجوز للإمام أن يقيم للناس شهوداً , ويجعل لهم من بيت المال كفايتهم , فلا يكون لهم شغل إلا تحمل حقوق الناس حفظاً لها , وإن لم يكن ذلك ضاعت الحقوق وبطلت " (131)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/373)
" وقد أحسن قضاة تونس المتقدمون , وأمراؤها في تعيين شهود منتصبين للشهادة بين الناس , ويُعرفون بالعدالة , وكذلك كان الأمر في الأندلس , وذلك من حسن النظر للأمة , ولم يكن ذلك
متبعاً في بلاد المشرق ..
وكان مما يعد في ترجمة بعض العلماء أن يقال: كان مقبولاً عند القاضي فلان " (132)
دلالة " ما " في قوله: " إذا ما دعوا ":
قيل " " ما " مزيدة (33) , وراعى بعضهم اللفظ فقال " ما" حرف زائد للتوكيد عند جميع البصريين , ويؤيده سقوطها في قراءة ابن مسعود" بعوضة " في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) (البقرة:26).
وتأتي " ما " على ستة معان منها: " التوكيد , ويسميه بعضهم صلة , وبعضهم زائدة , والأُولى
أولى؛ لأنه ليس في القرآن حرف إلا وله معنى , والنحاة إنما يقولون زائدة , يقصدون أنها لا تؤثر على إعراب الجملة , ولا يقصدون خلوها من المعنى , أو إنها يمكن الاستغناء عنها.
والذي ينبغي الوقوف عليه هنا أن السياق يستدعي هذا التوكيد؛ لأن إعراض الشهداء عن الشهادة كثير , بل إن المسلم ليتهرب منها؛ خشية الوقوع في الزلل أو النسيان , أو معاداة أحد المتداينين إن
شهد عليه , ومن أجل كل ذلك كان التوكيد هنا حسناً؛ ليعلم أن شهادته ضمان للحقوق , ودفع للشبهات , وإغلاق لأبواب الشقاق .... ولكن هل يمكن ملاحظة النفي في " ما " هنا؟
إن ملاحظة النفي هنا مقبول أيضاً؛ لأن المعنى حينئذ هو أن: على الشهداء الإدلاء بشهادتهم , حتى وإن لم توجه إليهم الدعوة للشهادة؛ لأن فيها إحقاقاً للحق.
كما أن من دلالة " ما " المفهومة من خلال السياق هنا أنها تومئ إلى الإسراع في تلبية الدعوة , دون تأجيل أو تسويف , فكأنها تدل على الحينية , وتخصيص المستقبل الكامن في " إذا " , فإن قيل: ولا يأب الشهداء إذا دعوا " , جاز أن يلبوا اليوم أو غداً أو بعد أسبوع.
أما حين يقال: " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " فيعني وجوب أن تكون الإجابة للدعوة في حينها , وفي ذلك تعجيل بحفظ الحقوق , وإيحاء للشهود بخطورة الأمر , ووجوب حسمه في حينه.
ويؤيد هذا أن الآيات التي جاءت فيها " ما " غالباً ما تدل على ربط الفعل بالزمن الحاضر العاجل دون تأخير , وذلك في مثل:
1 – " (قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ) (الانبياء:45)
2 – (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ) (فصلت:20)
3 - (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) (التوبة:92) وغير ذلك كثير
وأيضاً من الدلالات التي يمكن فهمها أنهم في أي وقت يدعون فيه للشهادة فعليهم التلبية؛ وذلك لأن " ما " تحمل معنى الوقت , وهذه من أوجه دلالتها , كما قال ابن هشام في نحو قوله تعالى: " مادمت حياً " مريم 31 " أصله: مدة دوامي حياً .. وفي نحو "كلما أضاء لهم مشوا فيه " البقرة 20
أي: كل وقت إضاءة , واستدل ابن مالك على مجيئها للزمان ... (135)
أما اصطفاء الفعل " دعوا " فيشير إلى الرفق , واللين والتودد إلى الشهداء؛ لأنهم لايبتغون من شهادتهم إلا رضى الله تعالى؛ لذلك حملت من الترغيب ما يجذبهم إليها , ولو كانت الشهادة شهادة أداء لأمروا بالحضور؛ إذ ليس هناك غيرهم.
******
الكناية في قوله " ولا تسأموا "
" لقد انتقل الشارع إلى غرض آخر , غرض عام للتشريع , يؤكد ضرورة الكتابة – كَبُرَ الدَّين أم صغر , بحجة أن الدين الصغير لا يستحق , أو أنه لا ضرورة للكتابة بين صاحبيه لملابسة من الملابسات كالتجمل , والحياء , أو الكسل وقلة المبالاة , ثم يعلل تشديده في وجوب الكتابة تعليلاً وجدانياً وتعليلا علمياً. (136).
والساْم في لغة العرب " يعني: الكسل والتهاون والملل في تكرير فعل ما , أو الملل مما يكثر فعلاً كان أو اسماً " (137).
وعليه ففي الفعل كناية عن صفة؛ " لأن المراد من السأم هو الكسل , إلا أنه كُنِّي به عنه؛ لأنه وقع في القرآن صفةً للمنافقين " (138)
وقيل: كُني بالسأم عن الكسل؛ لأنه صفة المنافق؛ ولذلك قال – صلى الله عليه وسلم – لا يقول المؤمن كسلت " (139)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/374)
وكأن النهي هنا " نهي عن أثر السأم , وهو ترك الكتابة؛ لأن السآمة تحصل للنفس عن غير اختيار , فلا يُنهى عنها في ذاتها ".
وعليه , فإن الأمر بالكتابة آكد من ذي قبل؛لأن الصغير والكبير من الديون داخل في دائرة النهي.
كما يلحظ في دلالة الكناية هنا التحرز من وصف المؤمنين بصفةٍ التصقت بالمنافقين , وهي الكسل؛ فحين قال الله تعالى في وصف المنافقين: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى) (النساء:142) آثر أن يجنب المؤمنين وصفهم بالصفة التي اشتهر بها المنافقون؛ تكريماً لهم , فقال " ولا تسأموا " بدلاً من – ولا تكسلوا.
وهذا الفعل _ تسأموا – قد يرد لازماً , وقد يتعدى بحرف الجر , وقد يتعدى بنفسه , وذلك نحو " وهم لا يسأمون " (فصلت 38) , ونحو " لا يسأم الإنسان من دعاء الخير " (فصلت 49) وقد يتعدى بنفسه كما هو في الآية هنا " ولا تسأموا أن تكتبوه .. "
ودوران الفعل بين اللزوم , والتعدي بحرف , والتعدي بنفسه يشير إلى دورانه بين القوة والضعف , وهذا يعني أن السأم في الآية سأم شديد , فنهي عن هذا السأم الشديد الناتج من كثرة الكتابة , أو من قلة الدين.
وأوقع الفعل على المفعول المؤول دون الصريح , فقال: ولا تسأموا أن تكتبوه " دون " كتابته " , إيماءً إلى أن كتابته تكون مرة واحدة , وتنتهي مهمة التوثيق , أما إضمار المكتوب , وعدم إظهاره في " أن تكتبوه " فللإشارة إلى ثقله على النفوس , ورغبتها في إخفائه , وعدم الكشف عنه , أو أن الضمير يُذكِّر المتعاملَين بالديْن وبالحق معاً؛ إذ يمكن إرجاعه إلى كل منهما , أي ولا تسأموا أن تكتبوا الحق , وهذا من الإيجاز البديع.
وجه التعبير بالصغير والكبير:
التعبير بهما يفيد الإحاطة والشمول لكل دين , وقد بدأ بالصغير؛ لأنه الأقرب إلى التهاون والكسل في كتابته , فأراد تعميم الكتابة , فبدا بما يمكن الكسل فيه.
ولفظ الصغير والكبير " يستعملان في الأجسام و لا يستعملان في الأعداد , فالأعداد يستعمل معها القليل والكثير والاستعمال هنا من قبيل الاستعارة كما قال الراغب , وأبو هلال (140)
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن التعبير بهما هنا " يعني " على أي حال " (141) وكأن لا فرق , حتى أنهم فسروا هذا بذاك (142)
لكنني أرى في هذا الاستعمال ما يصرف الذهن إلى شيء آخر غير المال , إن العبارة تصرف الذهن إلى الحق , وإلى "الدَّيْن" , وهي أمور ألصق بالصغر والكبر منها بالكثرة والقلة.
إعادة لفظ " الأجل ":
ذكر الأجل في أول الآية , وأعيد ذكره هنا في شبه جملة وقعت حالاً من الهاء في جملة " تكتبوه " والمعنى " ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً مستقراً في ذمة المدين إلى وقت حلوله الذي أقر به.
فالضمير في " أجله " عائد إلى المدين , أي الأجل الذي ضربه للدائن لأنه أعلم بموعد سداده , وقدرته على هذا السداد , فجعل الأجل وتحديده من خصائصه؛ حتى لا يكون له عذر عند حلوله.
وتكرار ذكر الأجل؛ لأن السياق سياق سأم من الكتابة , مما يُشعر بالتهاون في الضوابط السابقة , فأعيد التنصيص على الأجل؛ لبيان أنه لا فرق بين ما سبق وما هو لاحق , فالحق أحق أن يتبع.
******
التحريض بالخبر في جملة
(ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا)
هذه جملة تحريضية , جاءت بعد تتابع الأوامر والنواهي، وكأنها علمت أن النفوس قد زادت عليها الأعباء فجاءت بما يقويها ويشد من أزرها , وهذه الجملة مكونة من مبتدأ وهو " ذلكم " , وعدة أخبار معطوف بعضها على بعض.
ولنقف أولاً على هذا المبتدأ وهو " ذلكم " حيث تكون منة [ذا , واللام , وكم].
أما " ذا ".
فهي اسم إشارة " والإشارة هنا تعود إلى أقرب مذكور , وهو: الكتابة , وقيل: الكتابة والاستشهاد , وجميع ما تقدم مما يحصل به الضبط] (143).
ومعلوم أن اسم الإشارة يفيد وضوح المشار إليه حتى كأن المخاطب ينظر إليه , أوأن اسم الإشارة هنا يعيد أطراف المعاملة إلى رؤية ما وضع من ضوابط مرة أخرى , ليتبينوا ما فيه, وكأنها مراجعة أخيرة للدين ومن هو الذي عليه الحق ومن هو صاحب الحق , ومتى السداد .... إلخ
إنها مراجعة سريعة , أو نظرة أخيرة للأمر جملة قبل انفضاض الموقف ... كل ذلك مفهوم من قوله " ذلكم "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/375)
وجيء بالام في " ذلكم " تنبيها على صعوبة تحقق كل هذه الضوابط: من كتابة الدين على يد كاتب , وشهود عدول , وتحديد موعد السداد ... وغير ذلك من الضوابط الدالة على ندرة تحققها كاملة.
ثم خوطب المؤمنون جميعاً فجيء بكاف الخطاب , والميم الدالة على الجمع؛ ليكون الأمر أشبه بالإعلان العام غير المحصور في فئة دون فئة , مما يستدعي التريث قبل الإقدام عليه من كل إنسان يفكر في الاستدانة , فالأمر لن يخل من عناء , وإعلام الناس بأنه مدين.
ثم جاء الخبر الأول وهو: أقسط عند الله:وعن أبي عبيدة: [قسط: جار , وقسط: عدل , وأقسط بالألف: عدل لا غير .. ] (144)
وإيثار لفظ القسط دون العدل هنا [لأن القسط هو: العدل البين الظاهر , ومنه سمي المكيال قسطاً , والميزان: قسطاً لأنه يصور لك العدل في الوزن حتى تراه ظاهراً , وقد يكون من العدل ما يخفى , ولهذا قلنا: إن القسط هو النصيب الذي بَيَّنْتَ وجوهه (145).
وقيل: [عند] والعندية هنا عندية علم, وتعني التقدير والحكم؛ أي أقسط في قدر الله تعالى وحكمه.
وقيل [عند الله] ولم يقل عند ربك؛ لأن السياق سياق حكم وميزان , وهو أليق بالجلال منه بالجمال.
وأقوم للشهادة:
وهذان اللفظان أحدث تركيبهما غموضاً عندي من حيث دلالة لفظ أقوم وإضافته إلي الشهادة، ثم علاقة كل ذلك بالقضية الأساسية هنا وهي (ولا تسئموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلي أجله).
أما دلالة لفظ (أقوم) فقيل فيه:يعني: [أعون علي إقامة الشهادة] (146).
وقيل: [أصح وأحفظ] (147).
وقيل: [أثبت لها وأعون عن إقامتها] (148).
كما قيل إنها: [أثبت للشاهد إذا وضع خطهُ ثم رآه تذكر به الشهادة؛ لاحتمال أنه لو لم يكتبه؛ أن ينساه كما هو الواقع غالباً] (149).
[وأصله من قول القائل:أقمته من عوجه: إذا سَّويته فاستوي، وإنما كان الكتب أعدل عند الله تعالي وأصوب لشهادة الشهود علي ما فيه؛ لأنه يحوي الألفاظ التي أقرّ بها البائع والمشتري .. فلا يقع بين الشهود اختلاف في ألفاظهم بشهادتهم؛ لاجتماع شهادتهم علي ما حواه الكتاب.
وإذا اجتمعت شهادتهم علي ذلك كان فصل الحكم بينهم أبين لمن احتكم إليه من الحكام مع غير ذلك من الأسباب] (150).
وهذا يفتح الباب لمعني آخر،وهو أن هناك من يشهد فقط ولا يكتب،فلما قيل: (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً)، فهم منه أن الشهادة حينئذٍ تكون علي مكتوب؛ فلا يتخللها نسيان أو ضلال، أو اختلاف بين الشاهدين.
وعليه؛ [فالشهادة علي شيء مكتوب أقوم من الشهادة التي تعتمد علي الذاكرة وحدها] (151)
لأن تتابع الأيام يُنسي،مما يترتب عليه عوج في الشهادة،أو نسيان بعضها،أو اختلاف بين الشاهدين، ويترتب علي كل ذلك ضياع الحقوق وبزوغ الخلاف.
يقول القرطبي "وأقوم للشهادة،دليل علي أن الشاهد، إذا رأي الكاتب ولم يذكر الشهادة لا يؤديها؛
لما دخل عليه من الريبة، ولا يؤدي إلا ما علم، لكنه يقول: هذا خَطّي ولا أذكر الآن ما كتبت فيه ".
قال ابن المنذر [أكثر من يُحفظ عنه من أهل العلم يمنع أن يشهد الشاهد على خطه إذا لم يذكر الشهادة
واحتج مالك على جواز ذلك بقوله تعالى" وما شهدنا إلا بما علمنا " – يوسف 81
وقال بعض العلماء:
لمَّا نَسَب الله تعالى الكتابة إلى العدول جعلهم يشهدون على خطهم , وإن لم يذكروا.
ذكر ابن المبارك عن معمر عن بن طاووس عن أبيه: يُشهد على شهادة فينساها؟
قال: لا بأس أن يشهد إن وجد علامته في الصك , أو خط يده.
قال ابن المبارك: استحسنت هذا جداً.
وفيما جاءت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم _ أنه حكم في أشياء غير واحدة بالدلائل والشواهد] (152)
لكن الثابت أن الإمام مالك – رحمه الله – [كان يحكم بالخط إذا عرف الشاهد خطه ... ثم رجع عن ذلك حين ظهر في الناس ما ظهر من الحيل , والتزوير] (153).
وعليه , فإذا كان هناك شك في الشهادة خرجت الشهادة عن وجهها , وفي القرآن الكريم:
(ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا) (المائدة:108)
وبعد:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/376)
فإن الهدف الأسمى من كل هذه الضوابط سلامة الصدر بإحقاق الحق , وذلك من خلال الكتابة , والشهادة , فكأن الكتابة وحدها لاتكفي , والشهادة وحدها لا تكفي , فلا بد من اجتماع الأمرين , حتى نصل إلى نفي الريب: " وأدنى ألا ترتابوا " فالعقول تنسى , وقد تغضب فتكتم , وقد تمالئ فتجور , وما يمنعها من كل ذلك إلا الكتابة والشهادة.
قوله تعالي (وأدني ألا ترتابوا .. )
----------------
والدنو هو القرب: من دنا يدنو؛أي أقرب إلي عدم الارتياب، [والارتياب شك مع تهمه،فإنك
تقول إني مرتاب في فلان،إذا شككت في أمره،واتهمته،والارتياب أمر قلبي،ومع ذلك استخدم معه لفظ "أدني "،وهو مخصوص بالقرب المكاني؛ لأنه:" لا يكون إلا في المسافة بين شيئين "] (154).
وفي ذلك إخراج للمعنوي، وهو الارتياب في صورة المحسوس؛ لأن هذا المعنوي يترك أثاره علي الحواس من غضب ونحو ذلك.
ويبقي السؤال:
هل بعد كل هذه الضوابط لا تنتفي الريبة انتفاءً كاملاً؛ فيقال "وأدني ألا ترتابوا "، ولا يقال وانفي للريبة؟
إن هذا يعطي معنيً مهماً, وهو أنه بالرغم من كل هذه الضمانات إلا أن نفس الإنسان تظل في قلق وتوجس من ضياع هذا المال؛ فهي بعد كل هذا تقترب من الضمان، لكنها لا تحصل علي الضمان التام
ولما كان قائل هذا الكلام هو خالق تلك النفس، كان لابد من فهم طبيعة هذه النفوس وعلاقاتها بالمال , فهي علاقة ذات خصوصية شديدة , بحيث لا تطمئن إلا بوجود المال في حوزتها , أما إذا كان في حوزة الغير فمهما أعطيت من ضمانات؛ فإنها لا تنفك عن الريب , وخوف الضياع.
حذف المفضل عليه:
حُذف المفضل عليه في الجمل الثلاث؛ إذ التقدير:
ذلكم أقسط عند الله من عدم الكتابة.
وأقوم للشهادة من عدم التحيّز في الشهود.
وأدنى إلى عدم الريبة من ترك كل هذا.
[وحسن حذف المفضل عليه لكون أفعل الذي للتفضيل وقع خبراً, وتقديره: الكتب أقسط , وأقوم , وأدنى من عدم الكتب] (155).
ووجه الحسن هنا هو اختزال التفضيل في تلك الألفاظ الثلاثة , حتى لا ينصرف الذهن إلا إليها , فيقبل على الأمر والنهي إقبال المحب الموقن بحكمة ما وضع من ضوابط ,وأنه في صالحه.
ترتيب الجمل الثلاث:
يقول أبو حيان [نسق هذه الأخبار في غاية الحسن؛ إذ بدئ بالأشرف , وهو قوله: " أقسط عند الله " أي في حكم الله ,فينبغي أن يتّبع ما أمر به , إذ اتباعه متعلّق الدين الإسلامي , وبني عليه قوله " وأقوم للشهادة " لأن ما بعد امتثال أمر الله هو الشهادة بعد الكتابة , وجاء بقوله " وأدنى ألا ترتابوا " أخيرا؛ لأن انتفاء الريبة مترتب على طاعة الله تعالى في الكتاب والإشهاد , فعنهما ينشأ أقربية انتفاء الريبة , إذ ذاك هو الغاية في أن لا يقع ريبة , وذاك لا يتحصل إلا بالكتب والإشهاد غالبا فيُثلج الصدر بما كتب وأشهد عليهً وما ضبط بالكتابة والإشهاد لا يكاد يقع فيه شك , ولا لبس , ولا نزاع] (156)
وهذا يؤكد أن الترتيب ترتيب تصاعدي , فبدأ بالالتزام بأمر الله تعالى , إذ هو الأساس الذي يبنى عليه , وانتهى بنفي الريبة , إذ هي العلة الملاحظة من وراء كل هذه الضوابط.
فهذه الضمانات وإن كانت أوامر ينبغي السمع لها والطاعة , تعبداً لله تعالى إلا أن من ورائها علة عظيمة , وهي سلامة المجتمع , والمحافظة على علاقاته وروابطه , وهذا ما أكدته جملة: " وأدنى ألا ترتابوا .. "
أسلوب الاستثناء في قوله تعالى:
(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ)
وهذه الجملة تبين أن التجارة الحاضرة بيوعها مستثناة من قيد الكتابة , وتكفي فيها شهادة الشهود؛ تيسيراً للعمليات التجارية التي يعرقلها التقييد , والتي تتم في سرعة , وتتكرر في أوقات قصيرة؛ ذلك أن الإسلام وهو يشرع للحياة , قد راعى كل ملابساتها , وكان شريعةً عملية واقعية ,لا تعقيد فيها ولا تعويق لجريان الحياة في مجراها. (157)
ولكني ألحظ هنا في هذه العبارة دلالة أخرى خافية , وهي: لفت أنظار المؤمنين إلى التيسيرات في غير الديون , فالآية تعرض العوائق الكثيرة في شأن الديون , وتضع في الإطار نفسه الأبواب الميسرة ,والطرق الممهدة , حتى تفر النفوس من عقبات الديون إلى تيسيرات البيع الناجز.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/377)
كما أن الجملة من باب الاستثناء المنقطع , حيث فَصَلَ كلام كثير بين المستثنى والمستثنى منه , وأصل جملة الاستثناء هي: " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه إلا أن تكون تجارة حاضرة ... " (158).
ومعنى الانقطاع هنا: أن التجارة الحاضرة ليست من باب الديون في شيء , لكن لمّا كانت في حاجة إلى توثيق عقد البيع , كما يوثق عقد الديون أُلحقت التجارة بالديون من وجه احتياجها إلى توثيق , لكن توثيق عقد البيع أقل كلفة وشروطاً من عقد المداينة.
وجه البلاغة في وصف التجارة بالحضور والدوران:
يرى الزمخشري – رحمه الله – أن قوله: [حاضرة تديرونها بينكم] مفهوم من لفظ التجارة نفسها , ويسأل فيقول: [فإن قلت ما معنى " تجارة حاضرة " وسواء كانت المبايعة بدين أو بعين , فالتجارة حاضرة؟
وما معنى إدارتها بينهم؟.
قلت: أريد بالتجارة ما يُتَّجر فيه من الأبدال , ومعنى إدارتها بينهم: تعاطيهم إياها يداً بيد , والمعنى: إلا أن تتبايعوا بيعاً ناجزاً يداً بيد , فلا بأس أن تكتبوه؛ لأنه لا يتوهم فيه ما يتوهم في التداين] (159).
لكن هذا الاستفسار في حاجة إلى مراجعة فليست كل تجارة حاضرة , وبخاصة تلك الصفقات التجارية التي تعقد في الغرف المغلقة , وعن طريق الحاسبات الالكترونية.
كما أنه ليست كل تجارة حاضرة دائرة , فالدوران والحضور صفتان لازمتان لإباحة منع الكتابة.
أما الحضور فيعني وجود السلعة والثمن في مكان واحد , ويتم فيها البيع يداً بيد.
وأما الدوران: فيعني التجارة السريعة , ولقد كان الفقهاء يقولون إنها ذات المطعومات , أو ذات الثمن القليل؛ لأن هذه هي الدائرة بين الناس , لكن اللفظ أعم من ذلك , وبخاصة في عالمنا المعاصر , وقد رأينا السلعة الواحدة تباع في المجلس الواحد أكثر من مرة , ولأكثر من شخص , وذلك في السوق المصرفي , أو ما يسمى بالبورصة , أو ما يطلق عليه المزاد العلني , فهذا الدوران للسلعة الواحدة يبيح ترك الكتابة , بل يستلزمها إذ لا يمكن الكتابة في مثل هذه المبايعات الحاضرة السريعة توسعة على الناس , ورفعاً للحرج.
وجملة: " تديرونها بينكم "؛ فيها استحضار لعملية الانتقال من تاجر إلى آخر , ومن ثالث إلى رابع , مما يصعب معه التوثيق.
وقوله " بينكم " يعطي معنى اجتماعهم , وتداول البيع يداً بيد , وانتفاء الحرج؛ لأن البيع قائم على الإيجاب والقبول.
*******
وجه اصطفاء النفي بـ" ليس" في قوله تعالى:
(فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا)
جاء في القرآن الكريم النفي بـ" لا " والنفي بـ " ليس " فما الفرق؟
لقد جاء النفي ب " ليس " تسع مرات في حين ورد النفي ب " لا " ست عشرة مرة.
وأول ما يُلحظ من خلال سياقات الآيات أن النفي بـ " لا " كائن في الأمور التكليفية؛ التي يظن فيها المكلف أن عليه جناحاً إذا فعلها؛ مثل قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) (البقرة:158).
كما أنه كائن أيضاً في نفي الجناح المفيد للإباحة في مقابل الحظر , فكل ما يصدق عليه أنه جناح يكون منفياً؛وذلك نحو: " (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ (الأحزاب:51).
ونحو: " (لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ .. ) (الأحزاب:55).
هذا بالإضافة إلى أن النفي ب " لا " للجناح كائن في الغالب في الأمور التكليفية شديدة الحكم؛ أي التي يكون الحكم فيها واجباً في مقابل محرَّم؛ كما في إقامة حدود الله تعالى , أو ركن في مقابل باطل , كما في السعي بين الصفا والمروة , أو مباح في مقابل محرم؛ كما في التعريض بخطبة النساء.
النفي بـ" ليس ":
أما النفي بـ " ليس": فهو كائن فيما ليس بذنب أصلاً , وعليه فإن نفي الجناح عنه لكمال التنزيه؛ نحو: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:5
والخطأ معفوُّ عنه في الأصل كما أنه كائن فيما لم يرد في مقابله نفي يُنهى عنه غالباً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/378)
هذا بالإضافة إلى أن " ليس " تنفي الوحدة , ولا تنفي الجنس مثل " لا " , ومن ثم فهي أضعف في النفي منها , وعليه يمكن فهم أن الجناح في قوله " فليس عليكم جناح ألا تكتبوها " غير مقصور , أو غير متأكد في نفوسهم؛ لذلك جاء نفيه بـ " ليس " دون " لا ".
وعند عرض الأسلوبين لبيان الفرق بينهما من خلال السياقات المتنوعة تبين أن جملة:
" لا جناح عليكم " تأتي في سياق الأحكام والفرائض.
أما قوله: " وليس عليكم جناح " فإنها تأتي في سياق المباحات , وما يستحسن من الأمور.
فمن الأولى كتابة التجارة الحاضرة الدائرة بين المسلمين , وإن كان الحرج مرفوعاً.
بلاغة التقديم في قوله تعالى:
(وأشهدوا إذا تبايعتم)
وهذه الجملة: [تشريع للإشهاد عند البيع , ولو بغير دين؛ إذا كان البيع تجارة حاضرة ...
وهي إكمال لصورة المعاملة؛ فإنها إما تداين , أو آيل إلى التداين؛ كالبيع بدين وإما تناجز في تجارة , وإما تناجز في غير تجارة؛ كبيع العقار , والعروض في غير التُجْر] (160).
والجملة هنا جملة شرطية تقدم فيها جواب الشرط علي الفعل والأداة، وهذا النمط من التركيب يفيد التوكيد للجواب؛ أعني التوكيد للإشهاد، لكن هذا التوكيد يحمل في معطفه شيئاً آخر، وهو الإشارة إلي كثرة التبايع، وشيوع ذلك بين الناس؛ فنََّبه بالتقديم على الإشهاد وأهميته وذلك نحو: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ).
والأمر في (وأشهدوا): قال الطبري رحمه الله ـ بوجوبه، فعنده [الإشهاد علي كل مبيع ومشترى حقٌ واجب وفرضٌ لازم؛ لأن كل أمر لله فرض، إلا ما قامت حجته من الوجه الذي يجب التسليم له بأنه ندب وإرشاد] (161).
ولقد قال بالوجوب أيضاً جمعٌ من الصحابة والتابعين: ومن أشهرهم في ذلك عطاء؛ حيث قال: أشهد إذا بعت وإذا اشتريت بدرهم أو نصف درهم أو ثلث درهم، أو أقل من ذلك؛ فإن الله عز وجل يقول: "وأشهدوا إذا تبايعتم " ...
وقال الطبري أيضاً: " لا يحل لمسلم إذا باع وإذا اشتري إلا أن يشهد، وإلا كان مخالفًا كتاب الله عز وجل] (162).
وهذا التوجه قد يكون مقبولاً في زمان آخر، لكن حركة البيع الآن والشراء يستحيل معها الإشهاد في كثير من الأحيان؛ إذ ليس من المعقول عند شراء قلم مثلاً أو كتاب أن أشهد اثنين، فهذا أمرٌ عسير،ولا أظن أن الآية ترمي إليه.
لكن الإشهاد قد يكون لازماً عند مظنة النزاع، أو عند بيع الأشياء الثمينة التي يكتنفها الطمع.
وجاء الفعل الماضي بصيغة التفاعل؛ حيث قيل: " تبايعتم " وتلك الصيغة تحمل بعض الإيحاءات ومنها:
أن المجتمع المسلم عند تبايعه ينبغي أن يكفي نفسه أولاً،ولا يلتفت إلي المجتمعات الأخرى إلا بعد الاكتفاء الداخلي؛ لأن الفعل قال: " تبايعتم " وهذا توجيه إلي إقامة سوق إسلامية.
ومنها: الإشارة إلي تراضي الطرفين [وقد ذكر الزهري عن عمارة بن خزيمة أن عمّه حدثه
ـ وهو من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ـ أن النبي صلي الله عليه وسلم ابتاع فرساً من
أعرابي، فاستتبعه النبي صلي الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبطأ الأعرابي , فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومون في الفرس , ولا يشعرون أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد ابتاعه , حتى زاد بعضهم في السوم على ثمن الفرس , فنادى الأعرابي النبي – صلى الله عليه وسلم , فقال: إن كنت مبتاعا ً هذا الفرس فابتعه ’ وإلا بعته.
فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – حين سمع نداء الأعرابي: أوليس قد ابتعته منك؟!
فقال الأعرابي: لا والله ما بعتك.
فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – بل قد ابتعته منك.
فطفق الناس يلوذون بالنبي – صلى الله عليه وسلم – والأعرابي وهما يتراجعان.
فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيداً يشهد أن بعتك.
قال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بعته.
فأقبل النبي – صلى الله عليه وسلم – على خزيمة فقال: بم تشهد؟
فقال بتصديقك يا رسول الله.
فجعل رسول الله شهادة خزيمة بشهادة رجلين.] (163)
وفي هذا ما يؤكد أهمية الشهادة في الأمور التي يمكن النزاع فيها.
******
بلاغة التوجيه في قوله تعالى:
" ولا يضار كاتب ولا شهيد "
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/379)
[لما أمرت الآية بالكتابة , ثم أمرت بالإشهاد انتقلت إلى معنى آخر متصل به , وهو النهي عن الإضرار بهما , ولم يُقصد بذكر الأول التوصل إلى ذكر الثاني , وهذا عند علماء البلاغة يسمى الاستطراد (164)
وهو مشعر بامتداد الغرض ...... وكل ذلك يدل على خطورة الديون , وكثرة تبعاتها.
والمضارَّة هي: إدخال الغير بأن يوقع المتعاقدان الشاهدين والكاتب في الحرج والخسارة , أو ما يجرّ إلى العقوبة] (165)
والفعل " يضار " يجوز أن يكون مسنداً إلى الفاعل , كأنه قال لا يُضارِر ....
وأن يكون مفعولاً , أي: لا يضارَر , بأن يُشغل عن صنعته , ومعاشه باستدعاء شهادته ..
بمعنى أنه يحتمل البناء للمعلوم , والبناء للمجهول , ولعل اختيار هذه المادة هنا مقصود , لاحتمالها حكمين] (166)
وعليه؛ ففي الكلام توجيه , والتوجيه هو: " إيراد الكلام محتملاً لوجهين مختلفين "؛ كقول الله تعالى حكاية عن المشركين: " واسمع غير مسمع وراعنا ".
قال الزمخشري: [غير مسمع: حال من المخاطب؛ أي: اسمع وأنت غير مسمع , وهو قول ذو وجهين , يحتمل الذم , أي اسمع منا مدعواً عليك بـ " لا سمعت "
أو اسمع غير مجاب ماتدعو إليه] (167)
فقوله: " ولا يضار " على معنى إدخال الشاهدين والكاتب في الحرج , والخسارة , أو إيذائهما لشهادتهما الحقة.
وقد يفهم منه معنى آخر, وهو أن يتواطأ الشاهدان والكاتب في التوثيق فيضيعا حق الدائن أو المدين
[لكن الأولى بالسياق مخاطبة المتداينين بألا يضارُّوا الكاتب أو الشهيد؛ لأنه لو كان خطاباً للكاتب أو الشهيد لقيل بعد: وإن تفعلا فإنه فسوق بكما] (168)
وقد أخذ فقهاؤنا من هاته الآية أحكاماً كثيرة تتفرع عن الإضرار:
ومنها: ركوب الشاهد من المسافة البعيدة.
ومنها: ترك استفساره بعد المدة الطويلة التي هي مظنة النسيان.
ومنها: استفساره استفساراً يوقعه في الاضطراب.
ومنها: أنه ينبغي لولاة الأمور جعل جانب من مال بيت المال لدفع مصاريف انتقال الشهود , وإقامتهم في غير بلدهم , وتعويض ما سينالون من ذلك الانتقال من الخسائر المالية في إضاعة عائلتهم؛ إعانةً على إقامة العدل بقدر الطاقة والسعة] (169).
وفي تقديم الكاتب على الشهيد إشعار بأن الأصل في التوثيق هو الكتابة ,. وأن ضبط هذه الديون واقع في المقام الأول على الكاتب.
أما إفراد اللفظين [الكاتب والشهيد] مع تنكيرهما؛ فلقصد التعميم , بمعنى: أي كاتب, وأي شهيد.
كما أن هناك ملمحاً آخر , وهو ترغيب كل منهما في تلبية الأمر دون النظر إلى وجود كاتب آخر , أو شاهد آخر , فتلبية الأمر – وبخاصة الشاهد – ضرورية , حتى وإن ذهب وحده , حتى وإن لم يحضر غيره.
أما اصطفاء صيغة البناء للمجهول في قوله: " ولا يضار كاتب ولا شهيد " فإنه مشعر بأن ذلك مترسخ في الفطر السليمة , حتى وإن لم تكن في دين الإسلام.
فبناء الجملة يضعها في قالب الحِكَم , والأمثال , وكأنه ليس تشريعاً للمسلمين , بل إخبار ببديهة تفرضها العقول الصحيحة , وهذا يُكسب المعنى قوة ولزوماً , وحرصاً من الجميع على الالتزام به , ويؤيد هذا قراءة: " ولا يضارُّ " بالرفع؛ إذ إن المعنى على أنه خبر , وليس إنشاءً , وكأن قراءة الرفع والنصب تشير إلى أن الجملة خبرٌ غُلِّف في صورة الإنشاء ليحمل من كلٍّ خصائصه , وميزاته.
فهو يحمل من الخبر لزومه وثبوته.
ويحمل من الإنشاء فريضته ووجوبه , وإثم من يخلفه.
وهذا ما أكدته الجملة التالية , وهي: " وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم ".
*******
البناء التركيبي لجملة:
" وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم "
هذه الجملة تثير عدة أسئلة: ومنها:
1 – ما وجه البلاغة في إيثار الفعل " تفعلوا " دون " تضاروا "؟
2 – ما وجه حذف المفعول للفعل " تفعلوا "؟
3 – لم بني جواب الشرط على الجملة الاسمية؟
4 – لم أضيف الفسوق إليهم؟ وكان يمكن أن يقال: فإنه فسوق , وكفى.
وبدايةً:
فالجملة تحذير من إضرار الكاتب , أو الشاهد بإلحاق حكم الفسوق بكل من يرتكب ذلك.
وبناء الجملة على الشرط يفيد احتمال وقوع هذا الإضرار , لكن الأصل , أو الشائع انتفاء هذا , كما أن اصطفاء أداة الشرط " إنْ " يشعر بندرة حدوثه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/380)
أما بلاغة ذكر الإضرار بلفظ " تفعلوا " فإنه يكمن في تقبيح من يفعل ذلك , وأنه ارتكب أمراً لا يمكن ذكره أو وصفه , وهو إضرار الكاتب أو الشاهد , وما هما إلا وسيلتان لحفظ الحقوق , ولا يعقل أن يقابل الإحسان إلا بالإحسان , فلما حدث هذا الإضرار عبَّر عنه بلفظ الفعل؛ استبشاعاً له وتهويلاً , كما قيل لموسى – عليه الصلاة والسلام – " وفعلت فعلتك التي فعلت " – الشعراء 19 -
كما أن إيثار صيغة المضارع " تفعلوا " يشعر بأن المضارة أضحت عادة في الناس تتجدد , وتتكرر كثيراً بينهم.
أما حذف المفعول من قوله "وإن تفعلوا "؛ فلكي تذهب فيه العقول كُلّ مذهب، حتى يدخل فيه كل نوع من الإضرار، سواء في النفس أو المال أو الولد أو غير ذلك.
وجاء جواب الشرط جملةً اسمية مفتتحة بإنّ؛للإشارة إلي مضمون الجملة، وهو ثبوت الفسوق
بكل ما يضر الكاتب أو الشهيد؛ لأن في ذلك إغلاقاً لبابٍ أباحه الله تعالي، وفي ذلك تضيق علي الناس أو دفعاً لهم إلي الربا أو ما حرم الله ...
وجاء اسم " إنّ " ضميراً للشأن , ولضمير الشأن شأنٌ في بلاغة العرب، فلقد مضي العلماء علي أن [فائدته الدلالة علي تعظيم المخبر عنه، وتفخيمه بأن يذكر أولاً مبهما ًثم يفسَّر وكذلك يسمَّي ضمير المجهول , وهو عائد على ما بعده لزوماً إذ لا يجوز للجملة المفسرة له أن تتقدم عليه] (170)
وعليه فتقدير المعنى: فإن الفسوق بكم.
وكون ضمير الشأن مفخماً, ومعظماً للمخبر عنه يعني أن التفخيم للفسوق , وأن المبالغة في الفسوق. وهذا لون من ألوان التنفير , وزجر لكل من تسول له نفسه الإضرار بالكاتب أو الشاهد , لأن فسقه سيكون مؤكداً ومبالغاً فيه , أو أن الضمير يعود على الإضرار المفهوم من قوله:" ولا يضار " , ويكون المعنى: فإن الإضرار فسوق.
ثم إنه كان يمكن أن يقال: فإنه فسوق وكفى , لكنه زاد النسبة , فقال [بكم] لإشعارهم بأن ضرراً وأذى قد لحق بهم , فعليهم الإسراع للتخلص منه , وكأن الفسوق يتعلق بهم حال إضرارهم بالكاتب , أو الشهيد , وليس المراد هنا لزومه لهم , أو أنهم لا ينفكون عنه كما قال البعض] (171)
ولقد جاء في الحديث: " سباب المؤمن فسوق , وقتاله كفر " ولا يمكن حمل المعنى على أن من سب مسلماً لزمه الفسوق , ولا ينفك عنه , بل المعنى: على أن الفسوق لاحق به حال سبه , وأن الكفر لاحق به حال قتاله لأخيه المؤمن , ويزول عنه إذا كف عن ذلك.
أما قوله " بكم " وكان يمكن أن يقال – لأنه فسوق _ فوجهه إرادة الحكم على الفاعل تنفيراً من الإضرار , وزجراً له عن الوقوع فيه.
*****
بلاغة التكرار في قوله تعالى:
(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
وهذه ثلاث جمل جاءت في ختام الآية , والواو في الجملة الأولى استئنافية؛ لختم التكاليف السابقة بالبواعث والمحرضات , على قبول ما سبق , والامتثال له؛ ذلك لأن التكاليف السابقة فيها من الثقل ما فيها , والنفس حين يثقل عليها العبء تحتاج إلى ما ينشطها , فذكرتها الآية بتقوى الله تعالى؛ [لأنها ملاك الخير , وبها يكون ترك الفسوق] (172).
أما تكرار , [وإظهار اسم الجلالة في الجمل الثلاث , فلقصد التنويه لكل جملة؛ حتى تكون مستقلة الدلالة , غير محتاجة إلى غيرها المشتمل على مُعاد ضميرها , حتى إذا استمع السامع لكل واحدة منها حصل له علم مستقل , وقد لا يسمع إحداها فلا يضره ذلك في أخراها, ونظير هذا قول الحماسي:
اللؤم أكرم من وبر ووالده واللؤم أكرم من وبر وما ولدا
واللؤم داء لوبرٍ يُقتلون به لا يقتلون بداءٍ غيره أبدا
فإنه لما قصد التشنيع بالقبيلة , ومن ولدها , وما ولدته أظهر " اللؤم " في الجمل الثلاث , ولما كانت الجملة الرابعة كالتأكيد للثالثة لم يظهر اسم اللؤم بها.
هذا ولإظهار اسم الجلالة , وتكراره نكتة أخرى , وهي التهويل , وللتكرير مواقع يحسن فيها , ومواقع لا يحسن فيها.
قال عبد القاهر في خاتمة دلائل الإعجاز [الذوق قد يدرك أشياء لا يُهتدى لأسبابها , وأن بعض الأئمة قد يعرض له الخطأ في التأويل , ومن ذلك ما حُكي عن الصاحب أنه قال: كان الأستاذ ابن العميد يختار من شعر ابن الرومي , ويُنقِّط على ما يختاره , قال الصاحب , فدفع إليَّ القصيدة التي أوّلها:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/381)
أتحت ضلوعي جمرة تتوقد على ما مضى أم حسرة تتجددُ
وقال لي: تأملها , فتأملتها , فوجدته قد ترك خير بيت فيها لم ينقط عليه , وهو قوله:
بجهل كجهل السيف والسيف منقض وحلم كحلم السيف والسيف مغمدُ
فقلت: لم ترك الأستاذ هذا البيت؟
فقال: لعل القلم تجاوزه , ثم رآني من بعدُ فاعتذر بعذر كان شراً من تركه , فقال: إنما تركته؛ لأنه أعاد السيف أربع مرات.
قال الصاحب: لو لم يُعده لفسد البيت.
قال الشيخ عبد القاهر: والأمر كما قال الصاحب .... ثم قال:
إن الكناية والتعريض لا يعملان في العقول عمل الإفصاح والتكشيف , لأجل ذلك كان لإعادة اللفظ في قوله تعالى:"وبالحق أنزلناه وبالحق نزل"وقوله: قل هو الله أحد الله الصمد " عمل لولاه لم يكن.
وقال الراغب: قد استكرهوا التكرير في قوله:
· فما للنوى جُدّ النوى قُطع النوى *
حتى قيل: لو سلط بعير على هذا البيت لرعى ما فيه من النوى , ثم قال: إن التكرير المستحسن: هو تكرير يقع على طريق التعظيم أو التحقير , في جمل متواليات , كل جملة منها مستقلة بنفسها , والمستقبح هو أن يكون التكرير في جملة واحدة , أو في جمل في معنى .... ولم يكن في معنى التعظيم أو التحقير.
فالراغب موافق للأستاذ ابن العميد , وعبد القاهر موافق للصاحب بن عباد ...
قال المرزوقي في شرح الحماسة عند قول يحيى بن زياد:
لما رأيت الشيب لاح بياضه بمفرق رأسي قلت للشيب مرحباً
كان الواجب أن يقول: قلت له: مرحبا لكنهم يكررون الأعلام , وأسماء الأجناس كثيراً والقصد بالتكرير التفخيم.] (173)
وسواء أطلق العلماء على هذا مصطلح: وضع الظاهر موضع المضمر , أو الخروج على خلاف الأصل , أو التكرار؛ فإن القصد هو التعظيم , [وإدخال الروعة وتربية المهابة في النفوس] (174).
وعليه فتكرير اسم " الله " في ختام الآية حيث قيل " واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم " إنما قصد به تربية المهابة في القلوب الدائنة , والمدينة , والشاهدة , والكاتبة , وكذا تربية المهابة في قلوب المجتمع الإسلامي ليحتاط في هذه المعاملات , ويسمع لأوامر , ويطيع.
تعلق العلم بالتقوى:
ذهب البعض إلى التلازم بين العلم والتقوى: تلازماً شرطياً , بمعنى: أن العلم متعلق بالتقوى , فمتى حدثت التقوى حدث العلم وترتب عليها اعتماداً على قوله تعالى:" واتقوا الله ويعلمكم الله "
يقول القرطبي: [إن الآية وعد من الله بأن من اتقاه علَّمه, أي: يجعل في قلبه نوراً يفهم به ما يُلقى إليه] (175)
ويقول الصابوني: [العلم نوعان: كسبي ووهبي.
أما الأول: فيكون تحصيله بالاجتهاد والمثابرة والمذاكرة.
وأما الثاني: فطريقه التقوى , والعمل الصالح , كما قال الله تعالى: " واتقوا الله ويعلمكم الله " وهذا العلم يسمى العلم اللدني: " وآتيناه من لدنا علما " – الكهف 65 - , وهو العلم النافع الذي يهبه الله تعالى لمن يشاء من عباده المتقين , وعليه أشار الإمام الشافعي بقوله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني أن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاص
لكن الزركشي – رحمه الله – خالف هذا , فقال [وأما قول الله تعالى " واتقوا الله ويعلمكم الله " فظن بعض الناس أن التقوى سبب التعليم , والمحققون على منع ذلك؛ لأنه لم يربط الفعل الثاني بالأول ربط الجزاء بالشرط , فلم يقل " واتقوا الله يعلمكم الله " ولا قال " فيعلمكم الله " ..... وإنما أتى بواو العطف , وليس فيه ما يقتضي أن الأول سبب للثاني , وإنما غايته الاقتران والتلازم , كما يقال: زرني وأزورك , وسلم علينا ونسلم عليك ... ونحوه مما يقتضي اقتران الفعلين , والتقارض من الطرفين , كما لو قال عبد لسيده: اعتقني ولك عليّ ألف , أو قالت امرأة لزوجها: طلقني ولك ألف , فإن ذلك بمنزلة قولها: بألف , أو على ألف.
وحينئذ يكون متى علّم الله العلم النافع اقترنت به التقوى بحسب ذلك , ونظير الآية قوله:
(فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) (هود:123).
ولا أظن أن هناك خلافاً على العلم اللدني , لقوله تعالى: (فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف:65).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/382)
فالعلم الوهبي علم يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم , وإليه الإشارة في الأثر: " من علم بما علم ورثّه الله علم ما لم يعلم] (178)
هذا .... وإن كان العلم الوهبي لا يختلف عليه أحد إلا أن سياق الآية في شأن تعليم المسلمين الضوابط الحافظة للديون , ولا علاقة لها بالعلم اللدني.
ولعل من أقحم هذا الأمر نظر إلى ورود قوله تعالى " ويعلمكم الله " عقب قوله تعالى: واتقوا الله " وهذا بعيد – كما أرى -.
أما جملة ":" والله بكل شيء عليم "
فقد ختمت بها الآية , وهي مكونة من مبتدأ وخبر , ووضع بينهما الجار والمجرور " بكل شيء " لأن ما سبق كان تعليماً للمسلمين قواعد , وأصول الضبط , فأحاط المبتدأ والخبر (الله عليم) بكل شيء يتعلق بالديون ,
وقدم الجار والمجرور على الخبر لأن الآية في شأن التعليم والتوجيه ووضع الضوابط فقدم كل ذلك على الخبر , ولو كان السياق في تمجيد الله تعالى لقيل: " والله عليم بكل شيء.
وهذا الختام تذكير للمسلمين بأن ما وضعه الله تعالى من ضوابط إنما جاء من علم محيط بما قد ينشأ في النفوس من ريب عند ترك هذه الضوابط , أو مخالفتها مما يحتم عليهم الأخذ بها والإذعان لكل جزئياتها.
*******
الفصل الرابع
الإيقاع داخل الآية
لا شك أن روافد الجمال والبلاغة في اللغة العربية كثيرة , ومن أعلاها: تآلفها الصوتي , وانسجام حروفها وكلماتها وجملها في منظومة تجعل من الكلام وجبة متفاعلة العناصر متآلفة الأجزاء؛ ولذلك كان الشعر ذا مكانة عالية عند العرب؛ لما يفيض به من موسيقي ونغم.
لكن الذي ينبغي الالتفات إليه عند ملاحظة هذه النغمات وتلك التوافقات الموسيقية، هو ملاحظة العلاقة بينها وبين الغرض العام؛ ولذلك يقول أستاذنا محمود توفيق
: "إن العربية في أي أفق من أفاق البيان بها هي لغة الإيقاع المتجدد " (179).
والنغم في اللغة ينبعث من عدة مصادر .. ويجمعها طريقان:
الأول: النغم الصوتي.
والآخر: النغم المعنوي.
ففي النغم الصوتي: تأتيك الموسيقي من خلال أصوات الحروف والحركات داخل الكلمة، ومن اختيار الكلمات واصطفاء موقعها داخل الجملة، كما يأتي من حجم الكلمة والختام بها في الفاصلة.
أما النغم المعنوي: فيأتي من التقابل، والتناظر، والتوازن، والتكافؤ , ورد العجز على الصدر , ومراعاة النظير ....... إلى آخر ذلك من علاقات المعاني , ويجمع كل ذلك [الانسجام] (180)
والآن فلنحاول أن نرهف السمع إلى ما يبدو من تلك النغمات
إن البداية تبدو في حجم الجملة داخل الآية , فالجملة العربية وحدة صوتية كبيرة , لها ما يميزها من إيقاع نغمي , وطول هذه النغمة أو قصرها لا شك له دلالته , أو ينبغي أن يكون له دلالته.
ومجموع الجمل في الآية ثلاثٌ وعشرون جملة.
أربع منها طويلة ممتدة , وإحدى عشرة جملة متوسطة الطول , وثماني جمل قصيرة.
وعليه , فالكثرة الكاثرة للجمل المتوسطة والقصيرة , من نحو (فليكتب) , (وليملل الذي عليه الحق) (وليتق الله ربه).
وهي نغمات تشعرك بالحدة , والحسم , وسرعة اللهجة وعلو الصوت , وكأنها أمور لا تحتمل النقاش أو التأجيل , أو النظر , وهذا يصب في دائرة الإلزام بالكتابة , فالقضية متعلقة بالحقوق من جهة , وبوحدة الصف من جهة أخرى , وهذه قضايا لا تهاون فيها, لذا كانت النبرة عالية وسريعة.
أما من حيث الحروف:
فإن الحروف الثلاثة [الكاف , والتاء , والباء] في لفظ [كتب] هي النغمة الشائعة في الآية.
واسمع إلى ذلك:
[فاكتبوه – وليكتب – كاتب – كاتب – يكتب – فليكتب – تكتبوه – تكتبوها – كاتب -].
فهي نغمة لا تكاد تنقطع عن الأذن , ولا ينفك القارئ منها حتى ينتهي من الآية , وهي نغمة موزعة في جنبات الآية من أولها إلى آخرها؛ فلا يكاد القارئ يسمعها إلا وتعاوده مرة أخرى؛ لتشيع هذا الجو من الحفظ , والضمان الموجود في دلالتها.
ودلالة هذه الكلمة في اللغة تفيد [جمع الشيء إلى الشيء].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/383)
فإذا جمع كل ذلك من النغمات التي ختمت بها الجمل والفواصل لَتَبيَّن ما في الآية من دقَّات عالية الصوت , وكأنها دقات إنذار وتحذير عالي اللهجة من خوض هذا المعترك الخطر , أعني: معترك الديون , ولنسمع سوياً إلى ختام هذه النغمات , أو الجمل والحظ معي آخر كل جملة وخلوها من الامتداد الصوتي او كما يقول الموسيقيون _ القفلات الحادة _ , لنسمع:
وليكتب بينكم كاتب بالعدل.
فليكتب وليملل الذي عليه الحق.
وليتق الله ربه.
واستشهدوا شهيدين من رجالكم.
ذلكم أقسط عند الله.
وأقوم للشهادة.
وأشهدوا إذا تبايعتم.
وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم.
واتقوا الله.
ويعلمكم الله.
إن هذه النهايات المبنية على كلمات خالية من المد تُشعر بهذا الحزم , والحسم , والقطع؛ لأن الشائع في القرآن الكريم ختمُ الآيات والجمل بكلمة فيها حرف مد في الآخر , أو قبل الآخر نحو:
(وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) (الضحى1 – 2) أو نحو:
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون1 – 2)
وهذا الامتداد الصوتي له وقع نغمي ممتد , وكل نغمة تناسب الغرض الذي سيقت من أجله , لكن الذي عليه الحال هنا – في آية الدين – يختلف , وقد لاحظتَ هذا في نحو: [بالعدل – الحق – رجالكم – أجله – ربه – تبايعتم – بكم].
تلك بعض نهايات الجمل داخل الآية , وهي بلا شك تتوافق مع غرضها العام الداعي إلى ضمان الحقوق , وحفظها , وأخذ المواثيق عليها , وتوعُّد المخالف.
كما أن من روافد النغم في الآية هذه التقابلات بين الألفاظ والجمل.
ففي الألفاظ يُلحظ الطباق بين [رجل وامرأتان] , [وإحداهما والأخرى] , [وصغيراً أو كبيراً] , وكذا بين [أن تضل - وتُذكر] , وفي المقابلة تلحظ أيضاً هذه النماذج:
مثل المقابلة بين جملتي: [لا يستطيع أن يُمل هو] و [فليملل الذي عليه الحق] , وبين جملتي [أن تضل إحداهما] و [فتذكر إحداهما الأخرى] , وبين جملتي [يأبى الشهداء] و [إذا ما دعوا] وبين جملتي: [ولا يضار كاتب ولا شهيد] و [إن تفعلوا]. حيث يفهم منها المضارة.
وهذه التقابلات بين الجمل والمفردات تعمق المعاني المسكوت عنها في الآية؛ فالآية تضع ضوابط لمنع الخلاف بين المسلمين , وهذا يعني أن النفوس على شفا هذه الهاوية؛ فهي إذاً في وضع متقابل , أو تكاد , ومن ثم جيء بالمعاني لتصور هذا الوضع القائم بين الأطراف , ولترسم طبيعته المضادة في شأن الأموال , والتي من أجلها جاءت الآية لتطمئن , ولتضع الروابط بين هذه المتنافرات؛ حتى لا يؤدي التعامل بالديون إلى المحذور , وهو الخلاف والشقاق.
كما أن من روافد النغم في الآية مراعاة النظير:
حيث جمع مع الكلمة الأم – وهي كلمة (الكتابة) جُمعَ معها بعض الألفاظ التي تمُتُّ بالصلة إلى أسرتها الدلالية؛ وذلك نحو: [علمه - يملل – تضل - تذكر – أقْوَم – يعلمكم – عليم].
فكل هذه كلمات ذات وشائج , وروابط لا تخفى , وهذا يعني أن أسرة كلمة (الكتابة) جاءت لتضيف إلى المعنى المفهوم منها قوة وتأصيلاً؛ إذ ليس التوثيق عارضاً , أو ثانوياً , بل هو هدف حُشدت له الألفاظ والتراكيب والصور.
الفصل الخامس
إعادة التركيب
بعد هذا التحليل , وبعد الوقوف أمام العناصر بأشكالها المختلفة؛ من كلمات وجمل , وتراكيب , وصور , وعلاقة كل ذلك بالغرض العام , والسياق الكلي , والجزئي , وبعد رؤية النص من خلال السورة , وموقعه , وعلاقاته المتشابكة , ونغماته , وربط كل ذلك بغرض الآية الكلي .....
بعد كل هذا يبقى إعادة جمع هذه العناصر من منظور آخر؛ ليكتمل المنهج الكلي.
وذلك بالنظر إلى الأسلوب الذي بنيت عليه هذه الآية: أعني الأسلوب الأعلى , والأكثر شيوعاً , والذي هو عمود الآية ومحورها , ثم النظر إلى علاقات الأساليب الأخرى به , وكيف
انعطفت عليه انعطاف الفرع على الأصل , وكيف دارت في فلكه , وتجمعت حوله؟
والذي لا يخفى بعد التحليل أن الأسلوب المهيمن على الآية هو:
[الأمر بالكتابة].
فهو عمود الآية , وقطب رحاها , ومحور بنيانها؛ فإنك تلحظه صريحاً ومفهوماً.
فهو مثلاً صريح في نحو:
· إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه.
· وليكتب بينكم كاتب بالعدل.
· ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله.
· فليكتب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/384)
· ولا تسأموا أن تكتبوه.
· فليس عليكم جناح ألا تكتبوها.
وهو مفهوم في نحو:
· وليملل الذي عليه الحق؛ لأن الإملال للكتابة.
· واستشهدوا شهيدين من رجالكم؛ أي: على المكتوب.
· ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا؛ أي: إلى توثيق الكتابة ...... وغير ذلك كثير.
أما الأساليب وعلاقاتها بأسلوب الأمر بالكتابة فتتضح فيما يلي:
1 – بين النداء والأمر: " يا أيها الذين آمنوا ..... فاكتبوه ... "
فعلاقة الأمر بالنداء جد وثيقة؛ إذ إن الأمر بعد النداء من مظاهر العظمة , كما قال الإمام في آية: " (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ) (هود:44)
يقول: [ومعلوم أن مبدأ العظمة في أن نوديت الأرض ثم أمرت.] (181).
ذلك لأن النداء توطئة للأمر , وفتح للعقول , حتى تستقبله استقبال المتوثب للامتثال , فهو في الأصل تنبيه.
2 – بين الشرط والأمر:
وكلاهما قيد ولكن الملاحظ أن أسلوب الشرط في الآية قد اقترن بأسلوب الأمر في أكثر من موضع
نحو: " إذا تداينتم ... فاكتبوه." ونحو: " فإن كان الذي عليه الحق سفيهاًً ... فليملل. "
ونحو: " وأشهدوا إذا تبايعتم ".
وكأن هناك صلة رحم بين كل منهما , وامتزاج؛ مما أباح تقديم كل منهما على الآخر , مع أن الأصل تقدم الشرط.
3 – بين الأسلوب الخبري والأمر:
تكاد تكون أساليب الخبر في الآية استرواحاً بعد الأوامر , أو استنهاضاً للهمم , لِتُواصل سماع التكاليف من جديد , بعد الأوامر في: " واستشهدوا ... "
والأمر المفهوم من النهي في: " ولا تسأموا أن تكتبوه .. " حيث قيل:
" ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا ... "
فكأن الإخبار بذلك لقبول الأمر أيضاً.
4 – بين الأمر والنهي:
إن أسلوب النهي هو الوجه الآخر لأسلوب الأمر – غالباً -؛ فالنهي عن شيء أمرٌ بضده , أو العكس في الغالب؛ فقوله: " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله .. " نهيٌ أريد به الأمر؛ أي: فليكتب كما علمه الله.
والنهي في قوله: " ولا يبخس منه شيئاً ": أمرٌ بالوفاء , كانه قيل له: لتكتبه كاملاً.
والنهي في قوله: " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا .. " أمرٌ بتلبية الدعوة؛ كأنه قيل: وليلبِّ الشهداء الدعوة.
والنهي في قوله: " ولا يضارّ كاتب ولا شهيد .. ": أمرٌ بضده , والمعنى: أحسنوا إلى الكاتب والشهيد ... وهكذا.
ومن هنا تتبين علاقة الأساليب بأسلوب الأمر , وأنها تتصل به من خلال السياق اتصالاً وثيقاً؛ لتكوّن في الختام منظومةً واحدة دافعة إلى اتجاه واحد وهو حفظ الحقوق , وإغلاق أبواب الشقاق قبل أن تفتح ....
الفصل السادس
ما ورد من أحاديث في شأن الديون
هذه مجموعة من الأحاديث النبوية , وكلام السلف الصالح في شأن الديون , تضع أمام القارئ صورة جلية لموقف الإسلام من الديون , وتبرز له مقدار الحرج الذي يلحق صاحبه , وهي بهذا تصب في ذات الهدف الذي جاءت الآية لترسخه في قلوب المؤمنين ,فهي أحاديث تحذر تارة ’ وتضيق تارة أخرى , وتتوعد تارة ثالثة , وما كل ذلك إلا محاذير وعوائق أمام هذا الضرب من المعاملات الذي – وإن كان مباحاً لكنه ينبغي أن يكون في أضيق الحدود وسوف أعرض هنا جزءا من هذه الأحاديث لتأكيد ما دلت عليه الآية الكريمة.
" عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ـ قال: كنا جلوساً عند النبي صلي الله عليه وسلم؛ إذ أتي بجنازة،فقالوا: صلِّ عليها، فقال: هل عليه دين؟ قالوا: لا، قال:فهل ترك شيئاً؟ قالوا: لا، فصلَّي عليه.
ثم أتي بجنازة أخري فقالوا: يا رسول الله صل ِّ عليها، قال: هل عليه دين؟ قيل:نعم، قال: فهل ترك شيئاً؟ قالوا: ثلاث دنانير،فصلي عليه.
ثم أتي بجنازة ثالثة فقالوا: صلِّ عليها، قال: هل ترك شيئاً؟ قالوا: لا , فقال: فهل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: صلوا علي صاحبكم، قال أبو قتادة: صلِّ عليها يا رسول الله، وعلي دينه، فصلي عليه " (182).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/385)
وعن محمد بن جحش قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلي الله عليه وسلم، فرفع رأسه إلي السماء ثم وضع راحته علي جبهته، ثم قال: سبحان الله ماذا نزل من التشديد؟! فسكتنا وفزعنا، فلما كان من الغد،سألته يا رسول الله، ما هذا التشديد الذي نزل؟ فقال: "والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل،ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضي عنه دينه " (183).
وعن أبي هريرة أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال: نفس المؤمن معلقةٌ ما كان عليه دين " (148).
" وعن أبي قتادة أنه قال: جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنْ قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، أيكفر الله عني خطاياي؟! فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: نعم، فلما أدبر الرجل ناداه فقال له: كيف قلت، فأعاد عليه قوله فقال له النبي صلي الله عليه وسلم: نعم إلا الدين، كذلك قال لي جبريل " (185)
وعن أبي طلحة أنه قال: كنت أسمع رسول الله كثيراً يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن،والعجز والكسل،والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال " (186).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال:" يُغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين" (187)
وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " أعوذ بالله من الكفر والدين "، قال رجل: يا رسول الله: أتعدل الدين بالكفر؟! فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم " نعم " (188).
وعن ثوبان مولي رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: " من فارق الروح الجسد وهو برئ من ثلاث دخل الجنة: من الكبر، والغلول، والدين " (189).
وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " من مات وعليه دينار أو درهم قُضي من حسناته؛ ليس ثمَّ دينا أو درهم " (190).
وعن صُهيب الخير أن رسول الله قال: " أيما رجل يدين ديناً، وهو مُجْمِعٌ علي ألا يوفيه إياه لقي الله سارقاً " (191).
وعن سعيد بن الطوال أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، فأردت أن أنفقها علي عياله، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: " إن أخاك محتبس بدَيْنِه،فاقض عنه " فقلت يا رسول الله قد أديت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة , وليس لها بينة , قال: فأعطها فإنها محقة " (192).
وعن عائشة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أكثر ما يتعوذ من المأثم , والمغرم , قلت: يا رسول الله ما أكثر ما تتعوذ من المغرم؟
قال إنه من غرم حدَّث فكذب , ووعد فأخلف " (193).
وروى الطحاوي , وأبو جعفر , والحارث عن أسامة في مسنده عن عقبة بن عامر أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: " لا تخيفا الأنفس بعد أمنها , قالوا: يا رسول الله وما ذاك؟
قال: الدَّيْن "
وقال – صلى الله عليه وسلم -: الدَّيْن شِيْن ".
ورُوي عنه أنه قال: " الدَّين هم بالليل ومذلة بالنهار ".
قال علماؤنا: وإنما كان شيناً ومذلة لما فيه من شغل القلب والبال , والهم اللازم في قضائه , والتذلل للغريم عند انقضائه , وتحمل منّته بالتأخير على حين أوانه , وربما بعد من نفسه القضاء فيحلف , أو يُحدّث الغريم بسببه فيكذب , أو يحلف له فيحنث ..... إلى غير ذلك. .
ولهذا يتعوذ منه النبي – صلى الله عليه وسلم - , وكل هذه الأسباب مشائن في الدَّيْن] (194)
وعن عمر بن الخطاب أنه قال: " إياكم والدين؛ فإن أوله هم , وآخره حرب " (195)
وعن أبي موسى الأشعري , عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: إن أعظم الذنوب عند الله تعالى أن يلقاه بها عبد – بعد الكبائر التي نهى الله عنها – أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاءً " (196).
وعن مالك بن يحيي بن سعيد أنه بلغه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يدعو فيقول: " اللهم فالق الإصباح , وجاعل الليل سكناً , والشمس والقمر حسباناً , اقض عني الدين , وأغنني من الفقر , وأمتعني بسمعي , وبصري ,وقوتي في سبيلك " (197)
وعن أبي هريره رضي الله عنه , أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه , ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله " (198)
الخاتمة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/386)
الحمد لله خير ما بدئ به الكلام وختم , سبحانه! لا منتهى لعطاياه ومنحه , أحمده حمداً يقوم بالواجب من شكره , ويحسن به التخلص من هوى النفس , وتسلط الشياطين , إلى حسن الختام , وأصلي , وأسلم على خير الأنام – سيدنا محمد خير من دعا إلى الله على بصيرة , وتركنا على شريعة واضحة منيرة , وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , الذي أحسن ابتداء خلقنا بصنعته , وشرع لنا ما ينفعنا بحكمته , وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله , وهدايته إلى خلقه ورحمته ....... أما بعد:
فإن دارس العلم لا يعيش بمعزل عن مجتمعه , لأن العلم وُجد لينفع , ونعوذ بالله من علم لا ينفع ...
وإن من شأن أي مجتمع كثير الأفراد , متعدد الطبقات أن يعج بالكثير من المشاكل , والأمراض الاجتماعية , وإن من أخطر هذه المشاكل – في نظري اليوم – قضية الديون , والقروض التي أحاطت بالناس – وبخاصة الشباب – فقد أريد لهؤلاء الفتية أن يقترضوا , وفتحت لهم الأبواب على مصراعيها قصدا لأخذ القروض ليس تيسيراً عليهم كما يُدَّعَى , ولكن لإدخالهم في دائرة لا يخرجون منها حتى تشيب منهم النواصي , والعلة الجاهزة للرد على المحذرين هي أن القرض شيء مباح في الإسلام , لذلك شمرت عن ساعد الجد في دراسة هذه الآية , لأن الأمر – في نظري – خرج من دائرة المعاملات إلى دائرة القضايا الاجتماعية التي تؤثر بالسلب على المجتمع , وتشيع فيه روح المذلة , والخضوع , والانشغال بالديون وسدادها عما يدور حولهم من مشكلات تنال من دينهم قبل أن تنال من وطنهم.
ولقد أًصبح شبابنا اليوم أسيراً لهذا الغول الذي انتشر في المجتمع , ولا يكاد يخلو بيت منه.
فإذا أضفنا إلى ذلك الربا الذي ألحق بهذه المعاملات , والتي تسمى فوائد القرض رأينا أنفسنا أمام مخطط لإلهاء الناس , وإخضاعهم , بل واستعمارهم , ومن لم يأخذ دينا وضعت أمامه كماليات الدنيا يحوذ منها ما يشاء مع تقسيط ثمنها على فترات متباعدة , وهذا ضرب من الديون الخفية التي لا يكاد يسلم منها أحد.
وإذا تتبعت المشاكل اليومية , والقضايا المرفوعة أمام المحاكم لعلمت أن أكثرها يرجع إلى هذا الأمر , حتى تحللت عُرى المجتمع , وانتقض غزله , وذهبت قوته في خلافات ترجع كلها إلى الديون.
لذلك كله , ولغيره أيضاً جعلت هذه القضية محل بحثي في ضوء آية الدين , وهي آية جامعة مانعة , فتناولتها من الوجهة اللاغية التحليلية , لبيان منهج الله تعالى في شأن الديون , وعلاقة ذلك بما يفعله الناس , ولقد وددت من خلال هذه الدراسة أن أصرخ في الناس لينتبهوا إلى خطورة ما هم واقعون فيه.
ولقد تناولت في بحثي آية الدين من عدة محاور:
أظهرت في البداية موضع الآية من خلال سورة البقرة , وأنها جاءت بعد تمهيد للنفوس بالإيمان؛ لتتلقى الأوامر بالقبول.
ثم أظهرت علاقة الآية بمقصود السورة الأعظم , وهو - كما تبين لي – الإيمان بالغيب فهو الباعث والمحرض على الالتزام والقبول بكل التكاليف.
ثم تناولت السياق الخاص العام والخاص للآية , فالآية تدور في فلك الضوابط التي تحفظ المجتمع من الانهيار اقتصادياً, وتضمن له القوة الحامية للعقيدة الصافية.
ثم تناولت وجه الطول لهذه الآية وكشفت عن أن هذا الطول ما هو إلا إشارة إلى المشاق التي تكتنف هذه المعاملات , لذلك مزجتْ الآية بين التكليف والباعث عليه:
فالتكليف مثل: (فاكتبوه _ واستشهدوا).
والباعث والمحرض مثل: (كما علمه الله - وليتق الله ربه .... إلخ).
ثم قمت بتحليل الآية جملةً جملة , وكلمةً كلمة , ووضعت لكل جملة أو تركيب عنواناً يبرز أهم ما في التركيب من أسلوب بلاغي , وأظهرت من خلال هذا التحليل أن هناك خيطاً يسلك كل لفظة , وكل جملة , وكل أسلوب , ولا يضيع هذا الخيط من اليد أبداً بداية من أول الآية وحتى ختامها.
وهذا الخيط هو
التضييق , والتشديد , ووضع القيود على الديون لتنفير الناس منها , ووضعها في أضيق الحدود؛ حتى لا تشيع في المجتمع المسلم .....
ثم بعد هذا التحليل حاولت الوقوف على ما في الآية من نغمات , وبينت علاقة هذه النغمات بالغرض الذي تهدف إليه الآية , وأن هذه النغمات رافد مهم من روافد المعنى , وخيط بارز من خيوط النسيج داخل الآية.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/387)
وبعد هذا التحليل أعدت النظر مرة أخرى إلى ما تم فكه من أساليب وألفاظ , وظهر من خلال ذلك أن أسلوب الأمر بالكتابة هو الأسلوب المهيمن على الآية إذ به يتم التوثيق , وتحفظ الحقوق , وأن الأساليب الأخرى تدور في فلكه وتساعده على إظهار المقصود.
ثم أردفت هذا كله بذكر بعض الأحاديث النبوية التي لا تبعد عن مقصود الآية , بل تبرز خطورته على المسلم في حياته , وبعد مماته.
ففي الحياة يدفعه الدين إلى الكذب وإخلاف الوعد , والهم , والذل ... إلخ
وبعد الموت – إن مات وعليه دين – حجزه الدين عن الجنة.
فالآية والأحاديث في الختام يرفعان إشارات التحذير لأمة غارقة في الديون؛ لتعود إلى رشدها , وتسلك منهج ربها , إن أرادت لنفسها العزة والكرامة.
هذا , وصلى الله علي سيدنا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , والحمد لله رب العالمين.
وكتبه:
الفقير إلى عفو ربه
سعيد أحمد جمعة
28 من رجب 1426 هـ
الهوامش
1 - في سنن الترمذي من حديث عثمان رضي الله عنه قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو تتنزل عليه السورة ذوات العدد , فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا , وإذا نزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا (دار إحياء التراث العربي حديث رقم 3086, وأخرجه أحمد في المسند 1/ 57 , نشر مؤسسة طيبة ت/ أحمد محمد شاكر)
2 - منهج البحث البياني عن المعنى القرآني لمحمود توفيق صـ 19 - مطبعة الأخوة الأشقاء – مصر
3 - في حديث مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج , أي: ناقصة 1/ 296, حديث رقم 395
4 - جاء عند الترمذي , وأحمد والمستدرك للحاكم من حديث أبي هريرة: " لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة " واللفظ للترمذي , كتاب فضائل القرآن 5/ 275 رقم 2878
5 - النبأ العظيم – نظرات جديدة في القرآن الكريم للدكتور محمد عبد الله دراز صـ 163وما بعدها طبعة دار الثقافة – الدوحة قطر 1405 هـ
6 - منهج البحث البياني عن المعني القرآني لمحمود توفيق ص 137 – 141
7 - السابق صـ 111
8 - السابق صـ 57
9 - السابق صـ 155 – 158
10 - إشكالية الجمع بين الحقيقة والمجاز في ضوء البيان القرآني لمحمود توفيق صـ 153 – مطبعة الأمانة – القاهرة 1412هـ ط الأولى
11 - الجامع الصحيح المختصر – صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري 2/ 841 رقم 2257 دار ابن كثير – اليمامة – دمشق ط / الثانية 1407 هـ ت/ مصطفى ديب البغا.
12 - إتقان ما يحسن من الأخبار الدائرة على الألسن لمحمد بن محمد العزي ط / الأولى – دار الفاروق الحديثة ت/ خليل محمد العربي 2/ 260.
13 - سبل الاستنباط من القرآن والسنة – دراسة بيانية ناقدة لمحمود توفيق ص 483 – مطبعة الأمانة – مصر ط/ الأولى 1413هـ.
14 - في ظلال القرآن لسيد قطب 1/ 342 ط/ دار الشروق – مصر.
15 - إشكالية الجمع بين الحقيقة والمجاز 1/ 342.
16 - منج البحث البياني صـ 72 – 74.
17 - أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني ت/ هـ ريتر صـ 25 مكتبة المتنبي – القاهرة.
18 - دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني صـ132 ت/ محمود شاكر – مكتبة الخانجي – القاهرة.
19 - سنن أبي داود – كتاب الصلاة – باب الاستعاذة 2/ 93 حديث رقم 1555 – دار الفكر –بيروت – ت/ محمد محيي الدين عبد الحميد.
20 - الأم لمحمد بن إدريس الشافعي 3/ 93 – دار المعرفة – بيروت 1393 هـ ط/ الثانية.
21 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/ 377 – دار الشعب – القاهرة –ط/ الثانية – ت/ أحمد عبد العليم البردوني.
22 - السابق 3/ 378.
23 - معجم المصطلحات الاقتصادية لنزيه حماد صـ 13 – المعهد العالمي للفكر الإسلامي –ط / الأولى.
24 - لسان العرب لابن منظور الأفريقي مادة (دين) دار صادر بيروت –ط/ الأولى
25 - المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني لابن قدامة المقدسي 5/ 720 – دار الفكر – بيروت 1405 هـ.
26 - المغني لابن قدامة 6/ 5
27 - الفروق لأبي هلال العسكري صـ 193 ت/ محمد باسل عيون السود – مكتبة عباس الباز – مكة المكرمة.
28 - القاموس المحيط للفيروزبادي مادة (سلم) مؤسسة الرسالة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/388)
29 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي – دار الشعب – القاهرة.
30 - المغني لابن قدامة 5/ 720 – ت / محمد شرف الدين وغيره ط/ دار الحديث – القاهرة.
31 - القاموس المحيط – سلف.
32 - صحيح البخاري – كتاب الاستقراض – باب من اخذ أموال الناس - 2 841 رقم 2257
33 - سبل السلام للصنعاني 3/ 68 دار الحديث – القاهرة.
34 - نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار - الشوكاني – دار الجيل – بيروت 5/ 343.
35 - معجم المصطلحات الاقتصادية – صـ 39
36 - السابق صـ 105.
37 - فقه السنة للسيد سابق 3/ 184 – مكتبة الرشد – الرياض – ط / الأولى 1422هـ
38 - الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/ 462، جلال الدبن أبو بكر بن عبد الرحمن السيوطي، ت 913 هـ - دار الفكر بيروت.
39 - السابق 1/ 517.
40 - الإتقان 1/ 490.
41 - التحرير والتنوير لسماحة الأستاذ الإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ج 3/ 98 دار سحنون للنشر والتوزيع تونس.
42 - الأشباه والنظائر لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار الكتب العلمية –بيروت 2/ 124.
43 - إشكالية الجمع بين الحقيقة والمجاز لمحمود توفيق 120، 121 – مطبعة الأمانة – القاهرة 1412 هـ.
44 - ولذلك فسر القرطبي رحمة الله معني " آمنوا " بقوله: "يا أيها الذين آمنوا صدقوا الله ورسوله [إذا تدينتم] يعني إذا تبايعتم بدين أو اشتريتم بدين, أو تعاطيتم , أو أخذتم به إلى أجل مسمى 3/ 116.
45 - إشكالية الجمع بين الحقيقة والمجاز ص 120.
46 - السابق ص 119.
47 - السابق ص 120.
48 - الجملة الشرطية عند النحاة لأبي أوس إبراهيم الشمسان ص 199 مطبعة الدعوة – عابدين – مصر
49 - السابق ص 198.
50 - شرح قصيدة ابن القيم لأحمد إبراهيم بن عيسى – المكتب الإسلامي – بيروت ط / الثالثة ت / زهير الشاويش.
51 - البرهان في علوم القرآن للزركشي – دار المعرفة – بيروت – ت/ محمد أبو الفضل إبراهيم.
52 - البرهان في علوم القرآن للزركشي 1/ 299.
53 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن لمحمد بن جرير الطبري طبعة دار الفكر – بيروت.
54 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/ 85 \.
55 - التبييان في إعراب القرآن محب الدين عبد الله العكبري ص 271 – دار إحياء الكتب العربية – ت/ علي محمد البجاوي.
56 - الجامع لأحكام القرآن – 3/ 382.
57 - الجامع لأحكام القرآن 3/ 377.
58 - إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم تفسير أبي السعود - دار إحياء التراث العربي – بيروت 1/ 269.
59 - التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور 3/ 96 دار سحنون للنشر والتوزيع.
60 - البرهان في علوم القرآن للزركشي 2/ 398 – 400 – دار المعرفة – بيروت - ت/ محمد أبو الفضل إبراهيم.
61 - التحرير والتنوير 3/ 99.
62 - التحرير والتانوير 3/ 99.
63 - الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني ص 327 – ت / عبد الحميد هنداوي – مؤسسة المختار – القاهرة.
64 - اللاحب هو: الطريق الممهد المستقيم.
65 - صيغة الأمر والنهي في الذكر الحكيم للدكتور محمود توفيق – ص 35 – مطبعة الأمانة – مصر.
66 - الجامع لأحكام القرآن 3/ 382.
67 - السابق 3/ 382.
68 - السابق 3/ 383.
69 - الأم للإمام الشافعي – 3/ 89 – دار المعرفة – بيروت – 1993 هـ - ط / الثانية.
70 - جامع البيان في تأويل آي القرآن للطبري 3/ 119 – 131 – دار الفكر بيروت -.
71 - التحرير والتنوير 3/ 100.
72 - في ظلال القرآن للسيد قطب 1/ 652 – دار الشروق " / الأولى – 1987 م.
73 - مقاييس اللغة لابن فارس – دمج – ص 364 – دار الفكر – بيروت – ت/ شهاب الدين أبو عمرو – ط / الأولى 1415 هـ.
74 - الإيضاح في علوم البلاغة ص 327 ت / عبد الحميد هنداوي – مؤسسة المختار.
75 - حاشية الدسوقي على التلخيص 4/ 399 – دار السرور – بيروت – لبنان.
76 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسي ص1/ 460 - دار إحياء التراث العربي – بيروت ت / محمد السيد الجلينيد.
77 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/ 154.
78 - روح المعاني 1/ 101.
79 - روح المعاني 4/ 250.
80 - روح المعاني 4/ 390.
81 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/ 54.
82 - التحرير والتنوير 3/ 102.
83 - الجامع لأحكام القرآن 3/ 384.
84 - روح المعاني 3/ 58.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/389)
85 - مغني اللبيب لابن هشام 1/ 151 – المكتبة العصرية.
86 - البحر المحيط لأبي حيان 2/ 360 –ت / مجموعة من العلماء – دار الكتب العلمية – بيروت.
87 - التحرير والتنوير 3/ 102.
88 - صورة الأمر والنهي في الذكر الحكيم لمحمود توفيق ص 65.
89 - صحيح البخاري – كتاب الاعتصام , وفتح الباري 13/ 222 , ومسلم – كتاب الحج رقم 412.
90 - التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور 3/ 102.
91 - شروح التلخيص 4/ 385 – 386 – دار السرور – بيروت.
92 - التحرير والتنوير 3/ 103.
93 - التحرير والتنوير 3/ 102.
94 - روح المعاني 3/ 67.
95 - السابق 3/ 67.
96 - دقائق القصر تحريراً وتصويراً لمحمود توفيق 1405 هـ ص 44.
97 - دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني ص 199 – مكتبة الخانجي – ت / محمود شاكر.
98 - البحر المحيط 2/ 360.
99 - صحيح البخاري – كتاب الاستقراض – باب من أخذ أموال الناس 2/ 841 رقم 2257.
100 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/ 387.
101 - التحرير والتنوير 3/ 104 , وانظر القرطبي 3/ 387.
102 - مقاييس اللغة لابن فارس – سفه -.
103 - روح المعاني للألوسي 3/ 68.
104 - التحرير والتنوير 3/ 101.
105 - التحرير والتنوير 3/ 106.
106 - الفرووق اللغوية لأبي هلال العسكري – ص 110 , ت / محمد باسل عيون السود – مكتبة عباس الباز – مكة المكرمة.
107 - فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 6/ 38 – عالم المعرفة – بيروت – لبنان.
108 - التحرير والتنوير 3/ 105.
109 - روح المعاني للألوسي 3/ 69.
110 - روح المعاني للألوسي 3/ 70.
111 - التحرير والتنوير 3/ 106.
112 - التحرير والتنوير 3/ 109.
113 - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل للزمخشري 1/ 403 – ط / مصطفى الحلبي 1392 هـ - القاهرة.
114 - تفسير الطبري 3/ 18.
115 - إتحاف فضلاء البشر من القراءات الأربعة عشر لشهاب الدين أحمد بن محمد الدمياطي البناء – وضع حواشيه الشيخ أنس مهرة ص 213 – مكتبة عباس الباز – مكة المكرمة.
116 - الكشاف 1/ 403 , وانظر أيضاً لسان العرب لابن منظور – ضل - , والقرطبي 3/ 397.
117 - الفروق اللغوية لأبي هلال ص 241. , وانظر المفردات في غريب القرآن للأصفهاني – دار المعرفة – بيروت.
118 - التحرير والتنوير 3/ 110.
119 - في ظلال القرآن لسيد قطب 3/ 390 – ط / دار الشروق القاهرة.
120 - محطة اقرأ الفضائية، برنامج معجزة القرآن المتجددة، لفضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني، في يوم الثلاثاء – 1423 هـ.
121 - التحرير والتنوير 3/ 111، 112.
122 - الجامع لأحكام القرآن 2/ 397.
123 - الجامع لأحكام القرآن 3/ 398.
124 - دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني ص 146. الخانجي ت / محمود شاكر.
125 - تفسير االقرآن العظيم لابن كثير ص 146 – دار الفكر بيروت.
126 - تفسير الطبري 3/ 118.
127 - تفسير الطبري 3/ 119.
128 - تفسير النسفي 1/ 137 , وتفسير الثعالبي 1/ 145.
129 - تفسير التحرير والتنوير 3/ 112.
130 - تفسير التحرير والتنوير 3/ 112.
131 - الجامع لأحكام القرآن 3/ 398.
132 - تفسير التحريروالتنوير 3/ 112.
133 - تفسير البيضاوي 1/ 580 - دار الفكر – بيروت , ت/ عبد القادر حسونة.
134 - تفسير الجلالين 1/ 63 –محمد بن أحمد وعبد الرحمن بن أبى بكر المحلي السيوطي –.
135 - مغني اللبيب لابن هشام ت/ محمد محيي الدين عبد الحميد ص 335 – المكتبة العصرية – بيروت.
136 - في ظلال القرآن 1/ 625.
137 - لسان العرب – سأم –والمفردات للراغب – سأم – 1/ 251.
138 - روح المعاني 3/ 60.
139 - تفسير البيضاوي 1/ 580, والطاهر بن عاشور 3/ 114.
140 - المفردات للراغب الأصفهاني ص 140 – قل – وانظر الفروق لأبي هلال ص 282.
141 - الكشاف 2/ 403 , وابن كثير 1/ 337 , والألوسي 3/ 60.
142 - تفسير الطبري 3/ 130.
143 - البحر المحيط2/ 368.
144 - التبيان في تفسير غريب القرآن 1/ 140 لشهاب الدين المصري – دار الصحابة بطنطا – مصر ط/ الأولى.
145 - الفروق اللغوية ص 263.
146 - الكشاف 2/ 404.
147 - القرطبي 3/ 401.
148 - معاني القرآن لأبي جعفر النحاس –جامعة أم القرى – مكة المكرمة 1/ 321.
149 - تفسير ابن كثير 1/ 337
150 - تفسير الطبري 3/ 131.
151 - في ظلال القرآن 1/ 562.
152 - تفسير القرطبي 3/ 402.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/390)
153 - تفسير القرطبي 3/ 402.
154 - الفروق اللغوية 343.
155 - البحر المحيط 2/ 268.
156 - البحر المحيط 2/ 268 , 269.
157 - في ظلال القرآن 1/ 628.
158 - حاشية البحر المحيط 2/ 269.
159 - الكشاف 2/ 204.
160 - التحرير والتنوير 3/ 116.
161 - تفسير القرطبي 3/ 399.
162 - تفسير القرطبي 3/ 402.
163 - سنن أبي داوود – كتاب الأقضية – باب إذا علم الحاكم صرفَ الشاهد 3/ 308 رقم 3607 – دار الفكر بيروت.
164 - الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني ص 310.
165 - التحرير والتنوير 3/ 117.
166 - التحرير والتنوير3/ 328.
167 - الإيضاح ص 328.
168 - البحر المحيط 2/ 37 - .
169 - التحري والتنوير 3/ 117.
170 - الإتقان في علوم القرآن 1/ 552.
171 - تفسير ابن كثير 1/ 338 , وروح المعاني للألوسي 3/ 61.
172 - التحريروالتنوير 3/ 118.
173 - دلائل الإعجاز لعبد القاهر ص 554 , وانظر المفردات للراغب – كرَّ _.
174 - صفوة التفاسير للصابوني 1/ 164 دار القرآن الكريم – بيروت -ط الأولى 1401 هـ.
175 - صفوة التفاسر للصابوني 1/ 165.
176 - تفسير القرطبي 3/ 406.
177 - البرهان في علوم القرآن للزركشي 4/ 143.
178 - الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 2/ 181 , والتبيان في آداب حملة القرآن 1/ 20 – الوكالة العامة للتوزيع – دمشق 1402هـ -ط / الأولى.
179 - البحث البياني ص 203.
180 - السابق ص 203
181 - دلائل الإعجاز ص 45 ت / شاكر.
182 - صحيح البخاري – كتاب الحوالات 2/ 799 رقم 2168.
183 - سنن النسائي – كتاب البيوع – باب التغليظ في الدين 7/ 314 رقم 4684.
184 - صحيح ابن حبان – كتاب الجنائز – فصل في الصلاة على الجنازة 7/ 231 رقم 3061.
185 - الموطأ للإمام مالك – كتاب الجهاد – باب الشهداء 2/ 461 رقم 986.
186 - صحيح البخاري – كتاب الجهاد والسير – باب من غزا 3/ 1059 رقم 2736.
187 - صحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب من قتل في سبيل الله 3/ 1502 رقم 1886.
188 - سنن النسائي كتاب الاستعاذة من الدين 8/ 264 رقم 5473.
189 - سنن ابن ماجة – كتاب الصدقات 2/ 805 رقم 2410.
190 - سنن ابن ماجة – كتاب الصدقات باب القرض 2/ 813 رقم 2410.
191 - السابق باب الحبس في الدين 2/ 808 رقم 2416.
192 - السابق 2/ 813 رقم 2433.
193 - سنن النسائي باب في الاستعاذة من المغرم 8/ 258 رقم 5454.
194 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/ 417.
195 - الموطأ للإمام مالك – كتاب الوصية 2/ 707 رقم 1460.
196 - سنن أبي داود – كتاب البيوع – باب التشديد في الدين 2/ 246 رقم 3342.
197 - الموطأ كتاب القرآن باب ما جاء في الدعاء 1/ 212 رقم 495.
198 - صحيح البخاري – كتاب الاستقراض – باب من أخذ أموال الناس 2/ 814 رقم 2257.
ثبت بأهم المصادر والمراجع
1 – إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر لشهاب الدين أحمد بن محمد الدمياطي البنا ,
ت / 1117 هـ , وضع حواشيه الشيخ أنس مهره , مكتبة عباس الباز , مكة الكرمة.
2 – الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين السيوطي – دار الفكر – بيروت – لبنان.
3– إتقان ما يحسن من الأخبار الدائرة على الألسن لمحمد بن محمد الغزي – ت / 1061 هـ ط /
الأولى – دار الفاروق الحديثة ت / خليل محمد العربي.
4– إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لمحمد بن العمادي أبي السعود – دار إحياء التراث
العربي – بيروت ط / الأولى 1409 هـ.
5 – أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني – ت / ريتر – مكتبة المتنبي – القاهرة.
6 – الأشباه والنظائر لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي – دار الكتب العلمية – بيروت –ط/
الأولى 1403 هـ.
7 – إشكالية الجمع بين الحقيقة والمجاز في ضوء البيان القرآني لمحمود توفيق – مطبعة الأمانة – القاهرة – الأولى 1412هـ.
8 الأم لأبي عبد الله محمد بن أدريس الشافعي – دار المعرفة – بيروت 1393 هـ - الثانية – ت / محمد النجار.
9 – الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني – ت / عبد الحميد هنداوي – مؤسسة المختار – القاهرة – الأولى 1419هـ.
10 - البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي – ت / مجموعة من العلماء – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان.
11 - البرهان في علوم القرآن لمحمد بن بهادر الزركشي – دار المعرفة – بيروت – لبنان – ت / محمد أبو الفضل إبراهيم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/391)
12 – التبيان في آداب حملة القرآن لأبي زكريا بن شرف الدين النووي – الوكالة العامة للتوزيع – دمشق 1403 هـ - ط / الأولى.
13 – التبيان في إعراب القرآن لأبى البقاء العكبري – ت/ علي محمد البجاوي – دار إحياء الكتب العربية – بيروت.
14 – التبيان في تفسير غريب القرآن لشهاب الدين أحمد بن محمد الهائم المصري ت / 815 هـ‘ – دار الصحابة للتراث بطنطا – مصر – الأولى – ت / محمد أنور.
15 التحرير والتنوير للأستاذ الإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور – دار سحنون للنشر والتوزيع – تونس.
16 - تفسير البيضاوي – ت/ عبد القادر عرفات – دار الفكر – بيروت– الأولى 1416هـ.
17 - تفسير الجلالين محمد بن أحمد , وعبد الرحمن بن أبي بكر المحلي والسيوطي – دار الحديث – القاهرة – ط / الأولى.
18 - تفسير القرآن العظيم لإسماعيل بن عمر بن كثير – دار الفكر – بيروت –1401 هـ.
19 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري – دار الفكر – بيروت 1405 هـ.
20 - الجامع الصحيح المختصر – صحيح البخاري – دار بن كثير- اليمامة- دمشق 1407 هـ - ط/ الثالثة – ت / مصطفى ديب البغا.
21 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي – دار الشعب بالقاهرة-الثانية – ت / أحمد البردوني.
22 - الجملة الشرطية عند النحاة لأبي أوس إبراهيم الشمسان – مطبعة الدعوة عابدين – مصر – ط/ الأولى 1991 مـ.
23 - الجواهر الحسان في تفسير القرآن لابن مخلوف الثعالبي – تفسير الثعالبي – مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت.
24 - دقائق القصر تحريراً وتصويراً لمحمود توفيق سعد -1405 هـ.
25 - دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني – ت / محمود شاكر – مكتبة الخانجي - القاهرة.
26 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسي – دار إحياء التراث
العربي – ت / محمد السيد الجليند.
27 - سبل الاستنباط من القرآن والسنة – دراسة بيانية ناقدة – لمحمود توفيق سعد – مطبعة
الأمانة 1413هـ - القاهرة –ط/ الأولى.
28 - سنن أبي داوود – دار الفكر – ت / محمد محيي الدين عبد الحميد – بيروت – لبنان.
29 - سنن الترمذي – الجامع الصحيح – دار إحياء التراث- بيروت – ت /أحمد محمد شاكر.
30 - شرح قصيدة ابن القيم لأحمد بن إبراهيم بن عيسى ت / 1329هـ المكتب الإسلامي – بيروت – لبنان ط / الثالثة – ت/ زهير الشاويش.
31 - شروح التلخيص – دار السرور – بيروت – لبنان.
32 - صيغة الأمر والنهي في الذكر الحكيم لمحمود توفيق سعد _ مطبعة الأمانة – القاهرة.
33 - فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني- عالم المعرفة – بيروت لبنان.
34 - الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري –ت/ محمد باسل – مكتبة عباس الباز – مكة المكرمة.
35 - فقه السنة للسيد سابق – مكتبة الرشد – الرياض ط/ الأولى 1422هـ.
36 - في ظلال القرآن لسيد قطب – دار الشروق – مصر –ط/ الأولى 1987مـ.
37 - القاموس المحيط للفيروزبادي - -دار الرسالة للنشر والتوزيع.
38 - الكشاف للزمخشري –ط / مصطفى الحلبي 1392هـ القاهرة ومعه حاشية السيد الشريف , وحاشية ابن المنير.
39 - لسان العرب لابن منظور الإفريقي- دار صادر بيروت –لبنان ط/ الأولى.
40 - معاني القرآن لأبي جعفر النحاس – نشر جامعة أم القرى – مكة المكرمة 1409هـ ط / الأولى – ت / محمد على الصابوني.
41 - معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء لنزيه حماد – المعهد العالمي للفكر الإسلامي – سلسلة المعاجم والأدلة والكشافات – ط / الأولى 1414هـ
42 - المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني لابن قدامة المقدسي – دار الفكر – بيروت 1405 هـ ط / الأولى.
43 مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام المصري – ت / محمد محيي الدين عبد الحميد – المكتبة العصرية – صيدا – بيروت – لبنان 1992م.
44 - المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني – دار المعرفة – بيروت.
45 - مقاييس اللغة لابن فارس – ت / شهاب الدين أبو عمرو –ط / لأولى 1415هـ - دار الفكر – بيروت.
46 - منهج البحث البياني عن المعنى القرآني في سياق السورة لمحمود توفيق سعد – مطبعة الأخوة الأشقاء – مصر.
47 - النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم للدكتور / محمد عبد الله دراز – طبعة دار الثقافة – الدوحة – قطر 1405 هـ.
48 - النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير – ت / 606هـ ت / طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي – المكتبة العلمية – بيروت – 1399هـ.
ـ[أبو خميس]ــــــــ[09 - 12 - 07, 08:47 م]ـ
بارك الله فيك أخي العزيز
ـ[بنت الأزهر]ــــــــ[10 - 12 - 07, 11:32 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أبو الحارث البقمي]ــــــــ[03 - 10 - 08, 04:45 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[ايهاب الزين]ــــــــ[11 - 11 - 08, 10:54 ص]ـ
هكذا يكون البحث والعلم
جزاك الله خيرا
ـ[ايهاب الزين]ــــــــ[11 - 11 - 08, 11:01 ص]ـ
هكذا يكون البحث والعلم
جزاك الله خيرا(20/392)
ملاحظات هامة جدا على "موسوعة الرجال والتراجم والعلل للشيخ حسام الدين"
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[07 - 09 - 05, 10:15 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أدعو الله تعالى أن يجزي الشيخ الفاضل حسام الدين خير الجزاء على ما بذله في سبيل هذا العمل
كما أدعوه عز وجل أن يبارك في الشيخ الفاضل أبى تراب لما بذله من وقت وجهد في أداء الأمانة برفعها للملتقى
وبعد الإطلاع على محتوى الموسوعة تبين لي عدة ملاحظات لا تقلل من قدر الموسوعة 0 وإنما هي استدراك لما فاتها وإتمام للفائدة
وهذه الصفحة مفتوحة للجميع لإضافة ملاحظاتهم على الموسوعة
الملاحظة الأولى:
كتاب العلل الواردة في الأحاديث النبوية للدارقطني في الموسوعة ناقص 0 فهو فيها 9 أجزاء والتاسع لم يكتمل
لذلك رفعتُ لكم تتمة الجزء التاسع مع الجزءين 10 و 11 بالملف المرفق من مكتبتي بفضل الله تعالى
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 10:52 م]ـ
جزاك الله خيرا
كما عهدناك أبا إسلام .... أسداً هصوراً
بس يا ريت تشد حيلك معانا شوية في بقية كتب موسوعة التراجم الكبرى (ابتسامة)
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[07 - 09 - 05, 11:03 م]ـ
جزاكم الله خيرا أخي الكريم: أبو تراب
وقد أنتهى من كتاب الإحاطة اليوم أو صباحا ان شاء الله تعالى ولكن العمل فيه شاق لأسباب سأذكرها عند رفعه
ـ[أبو تراب]ــــــــ[07 - 09 - 05, 11:09 م]ـ
بارك الله فيكم
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:21 ص]ـ
الملاحظة الثانية:
كتاب الضعفاء والمتروكين بالموسوعة غير محقق وبدون مقدمة
والرابط المذكور هنا فيه نسخة
تحقيق / عبد الرحيم محمد القشقري
محاضر بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية
وفيها الهوامش حيث ينقل المحقق أقوال البخاري والذهبي وابن حجر وغيرهم في الراوي
وهذه النسخة منشورة بمجلة الجامعة كما يتضح من قول المحقق في المقدمة:
" ولعل نشره في مجلة جامعية يعفيني من المطالبة بتكثير الحواشي لأن الغرض هو الكتاب وليست الحاشية."
وبها أيضا مقدمة المحقق ومقدمة البرقاني حيث قال:
" قال أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي البرقاني: "طالت محاورتي مع أبو منصور إبراهيم بن الحسين بن حمكان لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني - عفا الله عنه وعنهما- في المتروكين من أصحاب الحديث فتقرر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات ".
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=27473&highlight=%C7%E1%D6%DA%DD%C7%C1+%E6%C7%E1%E3%CA%D1 %E6%DF%E6%E4+%E1%E1%CF%C7%D1%DE%D8%E4%ED
الملاحظة الثالثة:
كتاب تهذيب الكمال للحافظ المزي: النسخة الموجودة بالموسوعة ليس فيها تحقيقات د0بشار عواد
وقد أوصى الشيخ عمرو عبد المنعم سليم في أحد كتبه بالإطلاع على هذه التحقيقات لاحتوائها على فوائد
وقد بحثتُ على النت عن كتاب:"إكمال تهذيب الكمال" لمغلطاي فلم أجده
وقد نقل المحقق في الهامش كثيرا عن مغلطاي ومن ذلك قوله في أحد المواضع بالجزء الأول بالهامش:
" وقال مغلطاي: " وقال مسلمة في كتاب الصلة: أحمد بن إبراهيم بن محمد القرشي، أبو عبد الملك دمشقي صالح، وأحمد بن إبراهيم القرشي، ثقة روى عنه العقيلي. كذا فرق بينهما وخرج الحاكم حديثه في المستدرك " (إكمال: 1 / الورقة: 6). "
وفي هامش آخر نقل عنه:
" قال العلامة مغلطاي: " قال أبو عبد الله الحاكم وخرج حديثه هو باجماعهم ثقة. وقال في تاريخ نيسابور: هو محدث عصره، روى عنه يحيى بن يحيى، ولعل متوهما يتوهم أن أبا الازهر فيه لين لقول أبي بكر بن إسحاق " حدثنا أبو الأزهر وكتبته من كتابه " وليس كما يتوهم لان أبا الازهر كف بصره رحمه الله تعالى وكان لا يحفظ حديثه فربما قرأ عليه الوقت بعد الوقت فنقل ابن إسحاق سماعه منه لهذه العلة " (إكمال، الورقة: 6)." انتهى
وهذا رابط النسخة بالهوامش كاملة:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=32205&highlight=%CA%E5%D0%ED%C8+%C7%E1%DF%E3%C7%E1
ويراجع هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=27311&highlight=%CA%E5%D0%ED%C8+%C7%E1%DF%E3%C7%E1
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[08 - 09 - 05, 12:46 ص]ـ
الملاحظة الرابعة:
كتب الوفيات التي بالموسوعة هي:
1 - الوفيات لابن رافع السلامي
2 – فوات الوفيات لابن شاكر
وينقصها كتب أخرى هامة منها:
1 - تاريخ مولد العلماء ووفياتهم"
"ذيل تاريخ مولد العلماء ووفياتهم"
"ذيل ذيل تاريخ مولد العلماء"
"وفيات الأعيان لابن خلكان"
"وفيات المصريين"
الوافي بالوفيات:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15446
الوفيات لابن قنفذ:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=31532&highlight=%C7%E1%E6%DD%ED%C7%CA
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[08 - 09 - 05, 01:03 ص]ـ
تنبيه هام:
كما ذكرتُ أن هذه الملاحظات لا تقلل من قدر الموسوعة ففي الموسوعة كتب قيمة جدا كنتُ أبحث عنها
وقد طلب الشيخ الفاضل حسام الدين من الجميع التعاون بذكر الكتب المراد إضافتها للإصدار الثاني
وهذا هو الهدف من هذا الموضوع
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/393)
ـ[أبو تراب]ــــــــ[08 - 09 - 05, 01:25 ص]ـ
لأني أحبكم في الله
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[08 - 09 - 05, 05:21 ص]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ..... وبعد:
فكل المشاركات لاقت آذاناً صاغية وعيوناً مفتوحةً، والنقد والإشارة إلى وجود عيوب في موسوعة التراجم والرجال والعلل لا يعطينا إلا دافعاً إلى استكمال النقص الموجود، حتى تخرج بأبهى حلة، وترضي الله أولاً في أداء حقوق رجالات هذه الأمة المحمدية، ثم ترضي المشتغلين بعلوم الحديث الشريف.
مع الأخذ بالعلم أن جميع ما أشير إليه من استدراكات سابقة في المشاركات السابقة حتى كتابتي هذه الأحرف، قد تم تداركه الآن في الموسوعة التي أعدها لتكون الإصدار الثاني والتي تحوي كل ملاحظاتكم واستدراكاتكم.
والشكر موصول لأخي أبي تراب وأخي أبي إسلام وكل من نصح أو لمح ...
أخوكم ومحبكم
حسام الدين الكيلاني(20/394)
بعض سلسلة الهدى والنور للألباني مفرغه - موقع الألباني
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[08 - 09 - 05, 01:13 ص]ـ
هنا بعض سلسلة الهدى والنور الألباني مفرغه - مشروع تفريغ سلسلة الهدى والنور
قائمة بما تم تفريغه من سلسلة الهدى والنور
http://www.alalbany.info/showthread.php?t=170
منتديات موقع الألباني > القسم الرئيسي > قسم سلسلة الهدى والنور
http://www.alalbany.info/forumdisplay.php?f=31
ـ[أبو تراب]ــــــــ[08 - 09 - 05, 01:21 ص]ـ
مع التحذير من المنتديات المجاورة لما فيها من عصبية مقيتة وحقد أعمى على بعض أهل العلم، لاسيما محدث الديار المصرية العلامة أبي إسحاق الحويني الأثري عاملة الله بلطفه الخفي، ولقد كلمت القوم هناك وناصحتهم أن كفوا أيديكم، فما وجدت إلا إصرارا على رميه يالبدعة بل والفسوق وذلك في مراسلات خاصة أظهروا فيها دفين حقدهم،بل إنني شاركت معهم بمواضيع ومشاركات كان جزاؤها الحذف لأني فقط قلت (كفوا أيديكم) فهدانا الله وأياهم وردنا وإياهم إلى الحق ردا جميلا
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[08 - 09 - 05, 01:32 ص]ـ
مع التحذير من المنتديات المجاورة لما فيها من عصبية مقيتة وحقد أعمى على بعض أهل العلم، لاسيما محدث الديار المصرية العلامة أبي إسحاق الحويني الأثري عاملة الله بلطفه الخفي، ولقد كلمت القوم هناك وناصحتهم أن كفوا أيديكم، فما وجدت إلا إصرارا على رميه يالبدعة بل والفسوق وذلك في مراسلات خاصة أظهروا فيها دفين حقدهم،بل إنني شاركت معهم بمواضيع ومشاركات كان جزاؤها الحذف لأني فقط قلت (كفوا أيديكم) فهدانا الله وأياهم وردنا وإياهم إلى الحق ردا جميلا
بارك الله فيك اخى الكريم أبو تراب
كنت على وشك ان اكتب كلمات بنفس المعنى
و يمكن نقل المحاضرات المفرغه هنا للتيسير على الاخوه الافاضل
شريط رقم 001, 002, 003 , 004
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[08 - 09 - 05, 01:41 ص]ـ
شريط رقم 222, 013, 009 , 008
ـ[ابوالمنذر]ــــــــ[08 - 09 - 05, 02:18 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[محمد زكريا يوسف]ــــــــ[30 - 01 - 09, 12:24 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[31 - 01 - 09, 09:12 م]ـ
جزاكم الله خيرًا(20/395)
حمل لأول مرة: الإحاطة في أخبار غرناطة في ملف وورد
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[08 - 09 - 05, 02:00 ص]ـ
بحثت كثير على النت عن طريق محرك جوجل عن كتاب" الإحاطة في أخبار غرناطة" فوجدت أن كل النتائج تعود تقريبا إلى نسخة واحدة وهي الموجودة بموقع "نداء الإيمان" وهي عبارة عن 94 ملف html ففكرت في جمعها في ملف وورد واحد حتى يتيسر البحث فيه وكانت مراحل العمل كالتالي:
المرحلة الأولى:
أخذ نسخة من كل صفحة html وذلك ليس عن طريق Ctrl+A لأن هذه الطريقة تنسخ كل عناصر الصفحة لذلك أضطر إلى البدء بنسخ أول سطر ثم أتدرج بالماوس حتى آخر الصفحة فاجتمع الكتاب في ما يقارب 900 صفحة بحجم خط 16
المرحلة الثانية:
التأكد من عدم وقوع خطأ أثناء النسخ وذلك بأخذ نسخة من أول سطر من كل صفحة ثم البحث عنها في ملف الوورد للتأكد من وجودها في ترتيبها
المرحلة الثالثة:
وضع علامتين \\ في أول كل صفحة وورد حتى تساعد الأخ الفاضل أبو تراب في برمجتها في موسوعته
ويقع في 3 أجزاء
وها هو الجزء الأول
ـ[حميد النهاري]ــــــــ[08 - 09 - 05, 07:07 ص]ـ
واصل بارك الله فيك.
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[08 - 09 - 05, 07:53 ص]ـ
وبارك الله فيكم أخي الكريم
وها هما الجزءين 2 و 3 وبهما يتم الكتاب
سؤال للأخ الفاضل: " أبو تراب"
هل من الممكن أن تتم برمجة موسوعتكم بحيث يمكننا إضافة كل كتاب جديد إليها؟
أي أن كل مستخدم يمكنه أن يفعل ذلك؟ بمعنى أن تكون مفتوحة للجميع للإضافة؟
ـ[أبو تراب]ــــــــ[08 - 09 - 05, 03:01 م]ـ
الأخ الكريم أبو إسلام
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بكم
وبالنسبة لإضافة الكتب، فهذه الميزة بالضوابط التي وضعتها لموسوعة الرجال لا تتناسب معها، وتفصيل ذلك سأعرضه عليكم في وقت لاحق لضيق الوقت وجزاكم الله خيرا
ـ[أشرف عبد الله]ــــــــ[08 - 09 - 05, 03:14 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أبو زُلال]ــــــــ[08 - 09 - 05, 04:24 م]ـ
من الأعلام للزركلي:
(لسان الدين ابن الخطيب) * (713 - 776 ه = 1313 - 1374 م) محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الاصل، الغرناطي الاندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب: وزير مؤرخ أديب نبيل. كان أسلافه يعرفون ببني الوزير. ولد ونشأ بغرناطة. واستوزره سلطانها أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل (سنة 733 ه) ثم ابنه (الغني بالله) محمد، من بعده. وعظمت مكانته. وشعر بسعي حاسديه في الوشاية به، فكاتب السلطان عبد العزيز ابن علي المريني، برغبته في الرحلة إليه. وترك الاندلس خلسة إلى جبل طارق، ومنه إلى سبتة فتلمسان (سنة 773) وكان السلطان عبد العزيز بها، فبالغ في إكرامه، وأرسل سفيرا من لدنه إلى غرناطة بطلب أهله وولده، فجاؤوه مكرمين. واستقر بفاس القديمة. واشترى ضياعا وحفظت عليه رسومه السلطانية. ومات عبد العزيز، وخلفه ابنه السعيد بالله، وخلع هذا، فتولى المغرب السلطان (المستنصر) أحمد بن إبراهيم، وقد ساعده (الغني بالله) صاحب غرناطة مشترطا عليه شروطا منها تسليمه (ابن الخطيب) فقبض عليه المستنصر. وكتب بذلك إلى الغني بالله، فأرسل هذا وزيره (ابن زمرك) إلى فاس، فعقد بها مجلس الشورى، وأحضر ابن الخطيب، فوجهت إليه تهمة (الزندقة) و (سلوك مذهب الفلاسفة) وأفتى بعض الفقهاء بقتله، فأعيد إلى السجن. ودس له رئيس الشورى (واسمه سليمان بن داود) بعض الاوغاد (كما يقول المؤرخ السلاوي) من حاشيته، فدخلوا عليه السجن ليلا، وخنقوه. ثم دفن في مقبرة (باب المحروق) بفاس. وكان يلقب بذي الوزارتين: القلم والسيف، ويقال له (ذو العمرين) لاشتغاله بالتصنيف في ليله، وبتدبير المملكة في نهاره. ومؤلفاته تقع في نحو ستين كتابا، منها (الاحاطة في تاريخ غرناطة - ط) جزآن منه، و (الاعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام - خ) في مجلدين، منه مصورة في الرباط (1318 د) عن أصل في القرويين، طبعت نبذة منه، و (الحلل الموشية في ذكر الاخبار المراكشية - ط) ويجزم سيبولد C . E . Ceybold بأنه ليس من تأليفه، و (اللمحة البدرية في الدولة النصرية - ط) و (رقم الحلل في نظم الدول - ط) و (نفاضة الجراب - ط) في أخبار الاندلس، و (معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار - ط) و (الكتيبة الكامنة - خ) في أدباء المئة الثامنة في الاندلس، طبع منه بفاس 64 صفحة، و (روضة التعريف بالحب الشريف - ط) و (التاج المحلى في مساجلة القدح المعلى - خ) و (خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف - خ) و (درة التنزيل - خ) والخلاف قائم في نسبته إليه. وقد رأيت مخطوطة في في الرباط (120 أوقاف) وعليها: أملاه محمد بن عبد الله الخطيب. وفيها أوراق بخط الزركشي. و (السحر والشعر - خ) رأيت منه نسخة نفيسة في خزانة الرباط (د 121) و (عمل من طب لمن حب - خ) و (طرفة العصر في دولة بني نصر) و (ريحانة الكتاب - ط) مجموع رسائل، و (ديوان شعر - خ) و (الدكان بعد انتقال السكان - خ) يشتمل على رسائل كتبها في مدينة (سلا). وعلى اسمه صنف المقري كتابه العظيم (نفح الطيب، من غصن الاندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب) ومما كتب في سيرته (ابن الخطيب من خلال كتبه - ط) جزآن، لمحمد ابن أبي بكر التطواني، و (الفلسفة والاخلاق عند ابن الخطيب - ط) لعبد العزيز بن عبد الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/396)
ـ[محمد الأندلسي]ــــــــ[24 - 09 - 05, 09:11 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إلى الإخوة في المنتدى حفظهم الله تعالى
بارك الله في جهودكم وأجزل لكم المثوبة عنها،وبعد
أنا طالب باحث من المغرب أشتغل هذه الأيام على إجراء دراسة لتحقيقات كتاب الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب السلماني، وأمامي تحقيق للدكتور يوسف علي طويل أستاذ الأدب الأندلسي في الجامعة اللبنانية،فأرجو أن تمدوني بسيرة هذا الباحث العلمية إن توفرت عندكم.
وجزاكم الله بأفضل ما جزى به عباده العاملين. foufi_12@hotmail.com
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[07 - 11 - 05, 07:40 م]ـ
جوزيت خيرا وبوركت عمرا(20/397)
موقع البينة - 131 كتاب و دراسه عن الشيعه للتحميل
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[08 - 09 - 05, 04:46 ص]ـ
موقع البينة .. رؤية سُنية تحليلية للحالة الشيعية في العالم من جوانبها العقدية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والتوسعية
131 كتاب و دراسه عن الشيعه للتحميل
http://www.albainah.net/index.aspx?function=Category&id=28(20/398)
حمل كتاب كشف الشبهات بتعليقات الشيخ طلعت مرزوق وتقديم الشيخ ياسر برهامي
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[08 - 09 - 05, 05:34 ص]ـ
كتاب كشف الشبهات بتعليقات الشيخ طلعت مرزوق وتقديم الشيخ ياسر برهامي
الحجم 7 ميجا
pdf
عدد الصفحات: 78
http://www.ahlalhdeeth.com/twealib/Borhami.pdf
هذا الكتاب جزء من "المشروع الجديد فى عالم نشر كتب العلم الشرعى على الانترنت" على الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=23249
ـ[عمر رحال]ــــــــ[08 - 09 - 05, 06:28 ص]ـ
وفقكم الله، راجع الخاص!(20/399)
حمل كتاب "نظريه النسخ فى الشرائع السماويه" للشيخ الدكتور شعبان محمد إسماعيل pdf
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[08 - 09 - 05, 06:05 ص]ـ
كتاب "نظريه النسخ فى الشرائع السماويه" للشيخ الدكتور شعبان محمد إسماعيل pdf
الحجم: 12 ميجا
pdf
عدد الصفحات: 224
http://www.ahlalhdeeth.com/twealib/Sha3ban.pdf
هذا الكتاب جزء من "المشروع الجديد فى عالم نشر كتب العلم الشرعى على الانترنت" على الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=23249
ـ[أحمد فلاح]ــــــــ[12 - 03 - 08, 12:19 ص]ـ
الرابط لا يعمل(20/400)
حمل كتاب البلاغة العالية في آية المداينة للدكتور سعيد جمعة
ـ[أبو أنس المليجي]ــــــــ[08 - 09 - 05, 06:49 ص]ـ
ولقد دخلت الديون بيوتا كثيرة في عصرنا الحاضر في ظل ظروف اقتصادية صعبة زاد فيها الكساد , وقل فيها الإنتاج , وكثر فيها الاستيراد , وزاد من تفاقم الأمر رغبة الكثير من الناس في التمتع بكماليات الحياة الحديثة التي باتت تعلن عن نفسها في كل مكان , وتزينت في إعلاناتها بكثير من سبل الإغراء , من شاكلة:
تمتع بكل ما تريد ولا تدفع الآن.
بدون مقدم.
بدون فوائد.
على خمسين قسطا.
أول قسط بعد ثلاثة أشهر ......
إلى آخر تلك المغريات الكثيرة , والنفس راغبة إذا رغبتها , فيجد الإنسان نفسه قد امتلك السلعة في وقته الحاضر دون أن يدفع شيئا , ولم ينظر في عاقبة أمره , وغالباً ما تكون عاقبة أمره خسراً .. !!
وهكذا صار المجتمع إلى هذه الهاوية , وهي دائرة لا تكاد تنتهي , وبخاصة بعد تعذر السداد , إما بسبب
إعسار المدين , أو المماطلة وادعاء الفقر.
هذا في نوع واحد من أنواع التعامل بالدين - وهو بيع التقسيط - , فإذا نظرت إلى البنوك وما تعطيه من قروض , وإلى معاملات الشركات , والمؤسسات , هالك المشهد , ورأيت الصورة قاتمة , حتى كثرت الخلافات والقضايا المطروحة أمام القضاء بسبب الديون , وحتى أصبح الإنسان المسلم الآن لا هم له , ولا شاغل إلا كيفية سداد ما عليه من ديون , والخروج من التبعات التي فرضت عليه حينا , وسعى إليها أحيانا أخرى , وكأنني أرى الأمر مدبراً للعالم الإسلامي حتى يظل أهله في هذه الدائرة التي لا تنتهي.
ولما كانت هذه المشكلة تمس الكثيرين _ حيث هي من البلاوي العامة _ كان لابد من البحث لها عن علاج , لنخرج من هذا الطوفان الجديد , طوفان الديون.
وهذا البحث يحاول الوصول إلى مراد الله تعالى في آية الدين من خلال تحليلها تحليلا بلاغياً ثم يوصل للناس الرسالة الكامنة داخل تضاعيف هذه الآية(20/401)
تنبيه الغيور بتهافت شبه دعاة السفور د. رياض المسيميري
ـ[عبد الواحد]ــــــــ[08 - 09 - 05, 03:09 م]ـ
http://almosimiry.islamlight.net/index.php?option=*******&task=view&id=1822&Itemid=25(20/402)
مطلوب شرح الأشموني على الألفية
ـ[وادي ريم]ــــــــ[08 - 09 - 05, 03:12 م]ـ
أرجو ممن لديه شرح الأشموني على ألفية ابن مالك إنزالها في المنتد ى وجزاه الله خيرا
ـ[الفاضل]ــــــــ[16 - 11 - 08, 09:57 م]ـ
هل الكتاب متوفر بصيغة PDF ?
ـ[ابو سلمان]ــــــــ[17 - 11 - 08, 12:46 ص]ـ
تفضل شرح الاشموني كتاب الكتروني رائع
نفعك الله به
http://adel-ebooks.mam9.com/montada-f8/topic-t745.htm?sid=7709b31e24afc127f291d54e5817ca57
ـ[محمد المراكشي]ــــــــ[18 - 11 - 08, 03:11 م]ـ
بسم الله لرحمان الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله
حاشية الصبان على شرح الاشمونى على الفية بن مالك
http://www.archive.org/details/hashiateelsaben
ـ[منير الجزائري]ــــــــ[19 - 11 - 08, 11:43 م]ـ
بارك الله فيكم و في جهودكم
ـ[الفاضل]ــــــــ[03 - 12 - 08, 08:46 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ولكن شرح الأشموني مفردا متوفر pdf ?
ـ[أبو أحمد العجمي]ــــــــ[03 - 12 - 08, 07:52 م]ـ
أذكر أن نسخة الوررد ناقصة للأسف فهل أكملت
ـ[الفاضل]ــــــــ[04 - 12 - 08, 06:51 م]ـ
أذكر أن نسخة الوررد ناقصة للأسف فهل أكملت
ما زالت ناقصة أيضا!(20/403)
هل من شرح لهذه الكتب الاعتصام للشاطبي -الاشباه والنظائر للسيوطي-الموافقات للشاطبي-
ـ[جمعة العيد]ــــــــ[08 - 09 - 05, 04:45 م]ـ
الاعتصام للشاطبي -الاشباه والنظائر للسيوطي-الموافقات للشاطبي- القواعد لابن رجب-
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[09 - 09 - 05, 12:40 ص]ـ
هذا شرح صوتي لكتاب الاعتصام للشيخ مصطفى محمد شيخ حلون -حفظه الله وبارك فيه -:
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=1258
ـ[سليمان بطيخ]ــــــــ[09 - 11 - 09, 02:45 م]ـ
للرفع
ـ[أبو أسامه]ــــــــ[09 - 11 - 09, 05:11 م]ـ
هناك دروس صوتية للشيخ يوسف الغفيص.
وهي تعليقات على الموافقات للشاطبي. تجدها في موقع البث الإسلامي.
وهناك أيضا شرح صوتي على إذاعة القرآن للشيخ عبدالمحسن الزامل
يشرح فيه تحفة أهل الطلب في تجريد أصول قواعد ابن رجب؛ للسعدي.
ربما تجده على الشبكة ولا أعلم هل هو موجود أم لا.
ـ[جمال سعدي الجزائري]ــــــــ[09 - 11 - 09, 06:04 م]ـ
بالنسبة لكتاب الموافقات فهناك شرح للشيخ عبد الكريم الخضير و الشيد الغديان تجده في موقع طريق الاسلام
ـ[جمال سعدي الجزائري]ــــــــ[09 - 11 - 09, 06:07 م]ـ
القواعد ابن رجب أفضل شرح لها شرح الشيخ ابن عثمين رحمه الله
ـ[سليمان بطيخ]ــــــــ[10 - 11 - 09, 02:51 م]ـ
للعلامة الشافعى سعد مصطفى كامل شرح على الاشباه والنظائر لعلك تجده
ولقواعد ابن رجب شرح للجهنى يغلب على ظنى عجم كماله
ولعل أحد ساكنى البلد الحرام ان يتكرم برفع شرح تحفة اهل الطلب للزامل
ـ[محمد النفيعي العتيبي]ــــــــ[10 - 11 - 09, 10:13 م]ـ
الشيخ أحمد الحازمي حفظه الله يشرح (الفرائد البهية في نظم القواعد الفقهية) وهو نظم ملخص لكتاب الاشباه والنظائر) لسيوطي والشرح موجود على موقعه.(20/404)
القواعد الحسان في أسرار الطاعة والاستعداد لرمضان
ـ[محمد محمود الحنبلي]ــــــــ[09 - 09 - 05, 01:13 ص]ـ
القواعد الحسان في أسرار الطاعة والاستعداد لرمضان
كتاب مفيد للشيخ رضا أحمد صمدي .. (حفظه الله)
يتكلم عن قواعد تساعدك في الأستعداد لرمضان.إن شاء الله ..
القواعد هي:-
القاعدة الأولى (بعث واستثارة الشوق إلى الله)
القاعدة الثانية (معرفة فضل المواسم ومنة الله فيها وفرصة العبد منها)
القاعدة الثالثة (تمارين العزيمة والهمة)
القاعدة الرابعة (نبذ البطالة والبطالين ومصاحبة ذوي الهمم)
القاعدة الخامسة (الاستعداد للطاعات والتوبة النصوح من المعاصي
القاعدة السادسة (الإعداد للطاعة ومحاسبة النفس عليها)
القاعدة السابعة (مطالعة أحكام الصوم وما يتعلق بشهر رمضان)
القاعدة الثامنة – أهم القواعد- (إعداد النفس لتذوق عبادة الصبر)
القاعدة التاسعة (كيفية تحصيل حلاوة الطاعات)
القاعدة العاشرة (إحياء الطاعات المهجورة والعبادات الغائبة)
القاعدة الحادية عشر (معرفة قطاع الطريق إلى الله)
الكتاب حملّه من هنا http://saaid.net/Doat/rida-samadi/k.htm
فهيّ بنا نستعد لرمضان ..
والله المستعان , ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
ـ[سعيد الحلبي]ــــــــ[09 - 09 - 05, 01:34 ص]ـ
جزاك الله خيرا
وليت شيخنا الحبيب رضا أحمد صمدي
يعود إلى أسرته
ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[09 - 09 - 05, 08:40 ص]ـ
الشيخ يكتب بمنتدى انا المسلم
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[10 - 09 - 05, 12:36 ص]ـ
جزاك الله خيرا
وليت شيخنا الحبيب رضا أحمد صمدي
يعود إلى أسرته
ويا ليت الأخوة تستخدم خاصية البحث للتأكد من عدم وجود ما يضعونه من كتب وما يطرحونه من موضوعات!!!!!!!!!!!!!!!!! والله المستعان
القواعد الحسان في أسرار الطاعة والاستعداد لرمضان .. الشيخ رضا صمدي (كتاب وأشرطة):
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=36887
رابط السلسلة الصوتية:
http://www.islamway.com/?iw_s=Schol...s&series_id=655
ـ[أشرف عبد الله]ــــــــ[20 - 09 - 05, 12:11 ص]ـ
/للرفع/
ـ[نياف]ــــــــ[20 - 09 - 05, 01:48 ص]ـ
جزاك الله خير وغفر لك وللكاتب
ـ[محمد محمود الحنبلي]ــــــــ[21 - 09 - 05, 03:06 م]ـ
جزاك الله خير وغفر لك وللكاتب
اللهم آميييييييييييييين,
جزاكم الله خيرا.(20/405)
حمل كتاب "الاسرائيليات فى التفسير و الحديث" للشيخ محمد حسين الذهبى pdf
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[09 - 09 - 05, 04:21 ص]ـ
كتاب "الاسرائيليات فى التفسير و الحديث" للشيخ محمد حسين الذهبى
الحجم 14 ميجا
pdf
عدد الصفحات: 176
http://www.ahlalhdeeth.com/twealib/Zahabi.pdf
هذا الكتاب جزء من "المشروع الجديد فى عالم نشر كتب العلم الشرعى على الانترنت" على الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=23249
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[09 - 09 - 05, 04:37 ص]ـ
يا أخي لا أدري ماذا أقول لك!
جزاك الله عنا الخير الجزيل، وأدام الله عليكم توفيقه.
أخوك المحب
أشرف
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[09 - 09 - 05, 05:31 ص]ـ
جزاك الله خيرا شيخنا الكريم على كلماتك الرقيقه التى لا استحقها و لله تعالى الفضل و المنه
للفائده:
كتاب التفسير و المفسرون - د. محمد حسين الذهبى pdf
د. محمد حسين الذهبى - التفسير و المفسرون - الجزء الاول
348 صفحه - 26 ميجا
http://www.ahlalhdeeth.com/twealib/mofaseroon1.rar
د. محمد حسين الذهبى - التفسير و المفسرون - الجزء الثانى
465 صفحه - 36 ميجا
http://www.ahlalhdeeth.com/twealib/mofaseroon2.rar
د. محمد حسين الذهبى - التفسير و المفسرون - الجزء الثالث
240 صفحه - 21 ميجا
http://www.ahlalhdeeth.com/twealib/mofaseroon3.rar
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[11 - 09 - 05, 09:21 ص]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم فقد كنت في حاجة لكتاب الشيخ الذهبي غفر الله له.
ـ[ابو عبدالله هاشم]ــــــــ[29 - 01 - 07, 11:28 م]ـ
اخي الكريم الرابط لا يعمل
ـ[أحمد عرعور]ــــــــ[16 - 04 - 07, 01:22 م]ـ
السلام عليكم
أحاول تحميل الكتاب لكن الرابط لا يشتغل، هل من مرشد إلى الصواب ?
ـ[صهيب الجواري]ــــــــ[21 - 11 - 10, 09:19 م]ـ
الرابط لا يعمل
لكن على كل حال
جزاك الله خير
ـ[صهيب الجواري]ــــــــ[21 - 11 - 10, 09:20 م]ـ
الرابط لا يعمل
لكن على كل حال
جزاك الله خير(20/406)
حمل كتاب "معوقات تطبيق الشريعه الاسلاميه" للشيخ مناع القطان PDF
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[09 - 09 - 05, 05:22 ص]ـ
كتاب "معوقات تطبيق الشريعه الاسلاميه" للشيخ مناع القطان
الحجم 10.0 MB
pdf
عدد الصفحات: 180
http://www.ahlalhdeeth.net/twealib/0064.pdf
هذا الكتاب جزء من "المشروع الجديد فى عالم نشر كتب العلم الشرعى على الانترنت" على الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=23249
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[11 - 09 - 05, 08:34 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[القعقاع محمد]ــــــــ[01 - 12 - 05, 11:16 ص]ـ
اللهم اجزهم عنا خير الجزاء
ـ[أبو الفضل مهدي المغربي]ــــــــ[31 - 03 - 07, 04:46 ص]ـ
بارك الله فيك(20/407)
برنامج راقي جدا جدا جدا لصناعة الكتب الإلكترونية
ـ[الطيماوي]ــــــــ[09 - 09 - 05, 05:49 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الكرام
هذا برنامج راقي جدا لصناعة الكتب
وقد أرفقت ثلاث ملفات
1 - البرنامج
2 - ملف صغير فيه نموذج مصغر عن موسوعة الرواة الشاملة التي أعمل بها والتي كنت قد وعدتكم بإنزالها بعد 15 يوما من إنزالي للنسخة التجريبية، وسيستغرف الانتهاء من الملف كاملا قرابة الشهر إن يسر الله الأمور فأنا أعمل لوحدي
3 - ملف به موسوعة الرواة الشاملة من خلال برنامج صناعة الكتب القديم الذي اعتمدت عليه في بداية الأمر، وهذا الملف فيه عيوب كثيرة، وقد قررت عدم إنزاله ولكن لا أرفقته لكم للأسباب التالية
أ- لا يعلم الآجال إلا الله
ب- أنه تم فيه الانتهاء من ترجمة ما يربو 400 راو وهم الذين تبدأ أسماءهم بحرف التاء مما يربوع على سبعين مرجعا وهي:
الآحاد والمثاني - الإبانة - أحوال الرجال - الإرشاد - أسامي مشايخ الإمام البخاري - الاستيعاب - أسد الغابة - أسماء التابعين - أسماء المدلسين - الإصابة - إعتاب الكتاب - الأعلام - الإكمال للحسيني - انتخاب العوالي - بحر الدم - البدر الطالع - تاريخ الإسلام - تاريخ أصبهان - تاريخ بغداد - تاريخ جرجان - تاريخ الخلفاء - تاريخ دمشق - تاريخ الصحابة - تاريخ علماء دمشق -التاريخ الكبير - تاريخ بن معين/الدارمي - تاريخ بن معين/الدوري- التبيين لأسماء المدلسين - تجريد أسماء الصحابة - التحبير -تحرير التقريب - التذكرة - تذكرة الحفاظ - ترتيب أسماء الصحابة - تعجيل المنفعة - التعديل والتجريح - تقريب التهذيب - التقييد - التمهيد - تهذيب التهذيب- تهذيب الكمال - ثقات ابن شاهين - ثقات بن حبان - ثقات العجلي - جامع التحصيل - الجرح والتعديل - الجمع بين رجال الصحيحين - الخلاصة- خلاصة الأثر - الدرر الكامنة - ذيل التقييد - ذيل وفيات الأعيان - ذيل الكاشف - رجال تفسير الطبري - رجال صحيح البخاري - رواة مسند الشاميين - سنن الترمذي - سنن النسائي- سؤالات البرقاني للدارقطني - سؤالات ابن الجنيد للدارقطني - سؤالات حمزة - سؤالات السجزي للحاكم - سؤالات السلفي - سؤالات بن أبي شيبة - سير أعلام النبلاء - شيوخ أبي داود - شيوخ الإسماعيلي - شيوخ الذهبي - شيوخ السيوطي - الصحابة الرواة - صفة الصفوة - الضعفاء لابن الجوزي - الضعفاء للدارقطني - الضعفاء للأصبهاني - الضعفاء الكبير - الضعفاء للنسائي -الضوء اللامع - طبقات خليفة - الطبقات/ لمسلم - طبقات الأسماء المفردة- طبقات الحفاظ - طبقات القراء - الطبقات الكبرى - طبقات المحدثين بأصبهان - طبقات المدلسين - طبقات المفسرين/ السيوطي - طبقات المفسرين/ الداوودي - العبر - علل الدارقطني - علل ابن المديني - العلل ومعرفة الرجال / عبد الله - العلل ومعرفة الرجال / المروذي - غوامض الأسماء -فوات الوفيات - قلائد العقيان - الكاشف- الكامل في الضعفاء- الكشف الحثيث - الكنى للدولابي - الكواكب السائرة - لسان الميزان - لواقح الأنوار - المجروحين - المختار - المدلسين - مسائل أحمد بن حنبل - مسند أحمد - مشاهير علماء الأمصار - مشيخة ابن حجر - معجم السفر -معجم الشيوخ/ الصيداوي - معجم الشيوخ / الفاسي -معجم المؤلفين - المعرفة والتاريخ - المغني في الضعفاء - من أخرجهم الشيخان - من ترجم لهم الألباني - من روى عنه من أولاد العشرة - من كلام بن معين في الرجال - ميزان الاعتدال - وفيات المشاهير والأعلام - وفيات الأعيان -
وإليكم المرفقات عل الترتيب
البرنامج - ملف صغير يمكن فهم ميزات البرنامج من خلاله وهو نموذج مصغر من النسخة الجديدة لموسوعة الرواة الشاملة - موسوعة الرواة الشاملة النسخة القديمة
ـ[الطيماوي]ــــــــ[09 - 09 - 05, 06:56 ص]ـ
البرنامج الذي يصنع الكتب
ـ[الطيماوي]ــــــــ[09 - 09 - 05, 07:40 ص]ـ
مرفق البرنامج مع وصلة ل34 برنامجا لصناعة الكتب الإلكترونية
http://www.ebookcompilers.com/
ـ[أبو تراب]ــــــــ[09 - 09 - 05, 08:09 ص]ـ
حمل الآن برامج الكتب الإلكترونية
http://www.absba.com/modules.php?name=Downloads&d_op=search&query=#searchresults
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[09 - 09 - 05, 05:21 م]ـ
أخي الحبيب .....
نعم صيغة chm من أفضل الصيغ ..... لكن هلا علمتنا طريقة استعمال البرنانج ..... وجزاك الله خيرا.
ـ[الطيماوي]ــــــــ[10 - 09 - 05, 12:24 ص]ـ
يوجد مع البرنامج أيقونة اسمها help فيها ثلاث خيارات اختر ******* وفيها شرح انجليزي مع الصور بمجرد رويتك للصور سوف تفهم الشرح لوحدك بدون حاجة لشرح آخر
إذا لم تتمكن من فهم آلية البرنامج فأخبرني وسوف أرفق ملف شرح بالصور مع ميزات البرنامج
وعيوبه إذا احتاج الأمر
أخوكم الشراري
وملاحظة هامة
الملفات ترتيبها كما يلي
1 - برنامج مصغر لتراجم الأعلام يصلح كنموذج لمعرفة ميزات البرنامج وخدماته
2 - ملف موسوعة الرواة الشاملة والتي تحتوي على 400 راو تبدأ أسماءهم بحرف التاء من 70 مرجع
3 - ملفات البرنامج الذي يقوم بصناعة الكتب الإلكترونية
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/408)
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[10 - 09 - 05, 01:08 ص]ـ
أخي الحبيب .....
نحتاج إلى شرحك لا محالة .... مثلا كيف يمكن وضع مجلدات فرعية .. داخل المجلد الأم .....
ثم هل البرنامج مؤقت أم دائم ..... كامل أم تجريبي فقد لاحظت عدادا للثواني عند فتح البرنامج .. فعند كل تشغيل يتأخر الفتح بثانية وهكذا .......
ـ[الطيماوي]ــــــــ[10 - 09 - 05, 05:51 م]ـ
مرفق ملف فيه شرح آلية استخدام البرنامج ووصفه وميزاته
مع تحيات أخوكم الشراري
الشرح كتابة وبالصور
وإذ قمت بشراء النسخة الأصلية سوف أرفق شرح بالصوت والصورة لكم إن شاء الله
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[10 - 09 - 05, 10:45 م]ـ
بارك الله فيك ...... وفي وقتك وفى مجهودك ....(20/409)
برنامج المنسق العجيب
ـ[أبو يوسف المكي]ــــــــ[09 - 09 - 05, 06:55 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
إخواني الكرام يسرنا أن نقدم لكم البرنامج العجيب لتنسيق المواضيع والردود والذي قام بتصميمه وبرمجته اخوانكم في منتديات طريق الهداية ونأمل الاستفادة منه وبه تستطيع تنسيق الموضوع وإعداده للنشر بدون اتصال ثم تقصه وتلصقه أو تحفظه على جهازك لنشره وقت ماتريد
وهو هدية من اخوانكم في منتديات طريق الهداية
http://www.hedayaway.net/vb/attachment.php?attachmentid=37
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[09 - 09 - 05, 07:48 ص]ـ
اخى أبو يوسف المكي
الرجاء تحميل البرنامج هنا لأن الرابط اعلاه يحتاج الى تسجيل فى منتديات طريق الهداية!!
ـ[أبو تراب]ــــــــ[09 - 09 - 05, 08:28 ص]ـ
هذا هو البرنامج
ـ[أبو تراب]ــــــــ[09 - 09 - 05, 08:32 ص]ـ
وهذا الملف المرفق يرجى فك ضغطه وجعله مع البرنامج في مجلد واحد، هذا لمن لم يكن عنده visual basic على جهازه
وشكرا
ـ[أبو يوسف المكي]ــــــــ[10 - 09 - 05, 03:12 ص]ـ
جزاكم الله خيرا على تشريفكم وتعاونكم لأفادة الأخوة
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 01:02 م]ـ
جزاكم الله خيا(20/410)
ملف ضعيف سنن ابن ماجة داخل برنامج صخر + برنامج موسوعة الرواة الشاملة حرف التاء
ـ[الطيماوي]ــــــــ[09 - 09 - 05, 09:12 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخوكم الشراري
قمت بإدخال حكم الشيخ الألباني موثقا بالجزء والصفحة وذكرت الطبعة التي اعتمدت عليها
في اول حديث في سنن ابن ماجة
طبعا ستجدون ذلك كله في تعليقات المستخدم في اعلى الصفحة في برنامج الحديث الشريف صخر
وحتى يتسنى لكم أنتم اضافة ذلك قوموا بتحميل الملف ومن ثم اضافته على الامتداد التالي في جهازكم
C:\HADITH\DATA
على اعتبار أن c هو القرص الذي عليه تم تنصيب برنامج الحديث الشريف المهم أينما نصبت البرنامج اذهب وادخل إلى مجلد DATA ومن ثم قم بلصق الملف فيه، عند الضغط على تعليق المستخدم داخل برنامج الحديث سوف يطلب منك مسار الملف قم باستعراضه حتى تجده واضغط على زر موافق ومن ثم سيصبح حكم الألباني في ضعيف سنن ابن ماجة لديك داخل برنامج صخر
وهذا مريح في أمرين عدم الرجوع لبرنامج مكتبة الألباني لمعرفة الحديث الذي يوجد داخل سنن ابن ماجة هل هو صحيح أم ضعيف، فإذا قمت بالضعط على تعليق المستخدم ولم تجد حكم الألباني عليه بالضعف فاعلم أن الحديث مقبول
كما يفيد الاخوة الذين يعملون في الرسائل ذات الطابع الموضوعي حيث تعطيهم فكرة سريعة عن عدد الأحاديث الصحيحة والضعيفة لموضوع رسالتهم بالوقوف على درجة الحديث
ومشروعي إكمال الحكم (فقط الضعيف) على بقية الكتب التسعة داخل برنامج صخر خاصة أحمد
البرنامج الثاني: وهو موسوعة تراجم الرواة الذين تبدأ أسماءهم بحرف التاء وقد بينت طريقة الترجمة والكتب التي ترجمت منها وعيوب البرنامج والإصدار الأحدث وذلك في مشاركتي التي هي بعنوان:
برنامج راقي جدا جدا جدا لصناعة الكتب الإلكترونية
وهذا هو الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=37639
وهذا هو الملف المرفق: ضعيف سنن ابن ماجة داخل صخر
ـ[أبو تراب]ــــــــ[10 - 09 - 05, 12:47 ص]ـ
أين أجد تعليق المستخدم في برنامج صخر (الكتب التسعة)؟؟؟
ـ[الطيماوي]ــــــــ[10 - 09 - 05, 04:58 م]ـ
بسم الله
وجدت الملف معطوبا وهذا هو الملف السليم(20/411)
للتحميل: برنامج الدرر السنية - الإصدار الثالث [جميع المجلدات-الإصدار المكتمل والأخير]
ـ[إسلام إبراهيم]ــــــــ[09 - 09 - 05, 09:56 ص]ـ
قد انتهيت بحمد الله من إصدر جديد من برنامج الدرر السنية، ويضم البرنامج في إصداره الثالث جميع مجلدات مجموعة رسائل ومسائل علماء نجد الأعلام المعروفة بـ " الدرر السنية في الأجوبة النجدية " جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ويتيح البرنامج التصفح والبحث حسب الأبواب أو الفتاوى والرسائل.
وهذه لقطة للبرنامج:
http://www.islamspirit.com/temp/dorar_shot.jpg
حجم ملف البرنامج: 5 ميجا بايت.
رابط التحميل:
http://www.islamspirit.com/click/go.php?id=55
ـ[ابن هشام المصري]ــــــــ[09 - 09 - 05, 11:44 ص]ـ
جزاكم الله خير الجزاء
وايضا تجد البرنامج على موقع طريق الإسلام، الإصدار الثالث والأخير
http://www.islamway.com/index.php?iw_s=library&iw_a=bk&lang=1&id=1286
ـ[أبو تراب]ــــــــ[09 - 09 - 05, 12:17 م]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
ـ[إسلام إبراهيم]ــــــــ[10 - 09 - 05, 07:45 ص]ـ
وجزاكم وبارك فيكم ..
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 08:31 ص]ـ
لك منا جزيل الشكر ووافر الإمتنان شيخ إسلام على هذا العلم المميز.
ـ[إسلام إبراهيم]ــــــــ[10 - 09 - 05, 08:38 م]ـ
جزاك الله خيرا ..
ـ[أبو محمد]ــــــــ[11 - 09 - 05, 03:22 ص]ـ
أحسن الله إليك وجزاك خيرا ..
ولو أمكنك أخي الحبيب أن تفعل الشيء نفسه مع مجموعة الرسائل والمسائل النجدية فإنك تكون قد خدمت إخوانك من أهل التوحيد خدمة عظمى.
عودتني الإحسان منك فلا تدع متعودي
ـ[أشرف عبد الله]ــــــــ[11 - 09 - 05, 07:13 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[إسلام إبراهيم]ــــــــ[11 - 09 - 05, 07:40 ص]ـ
وجزاكم الله خيرا وبارك فيكم ..
وبالنسبة لطلبك أخي أبو محمد .. فأبشر أخي الكريم .. ولكني لم أجد من مجموعة الرسائل والمسائل إلا الجزئين الأول والثالث مكتملين .. وتحقيقات متفرقة أخرى من المطبوع ضمن الجزئين الثاني والرابع .. وعليه فسأعمل المكتمل -أي الأول والثالث- ولكن كل منهما في كتاب الكتروني مستقل حتى تتوفر البقية كاملة فنجمعها في عمل واحد ..
والله الموفق ..
ـ[عبد الكريم العراقي]ــــــــ[02 - 12 - 05, 12:47 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[المخلافي]ــــــــ[02 - 12 - 05, 04:11 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[إسلام إبراهيم]ــــــــ[03 - 12 - 05, 05:12 ص]ـ
وإياكم جميعاً ..
ـ[باحث عن الحق]ــــــــ[04 - 12 - 05, 01:14 م]ـ
جزاك الله خيراً وبارك فيك وسدد خطاك للحق وكثر من أمثالك(20/412)
أين أجد مصنف عبد الرزاق وابن ابي شيبة مخرجا و محققا على الشبكة؟
ـ[أبو رواحة]ــــــــ[09 - 09 - 05, 07:32 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته:
أين أجد مصنف عبد الرزاق وابن ابي شيبة مخرجا و محققا على الشبكة؟
ويا حبذا سنن البيهقي والدارقطني ..
اريدها مذيله ببعض احكام اهل العلم كما هو حال سنن الدارمي و مسند ابي يعلى وجدها وعليها تعليقات قيمة ....
نرجو المساعدة بارك الله فيكم.
ـ[الفهد الجريح]ــــــــ[19 - 03 - 09, 10:23 م]ـ
hjhhjhhhjhj
للرفع(20/413)
حَمِّل الْمَنظُومَةُ الفَضْفَرِيَّةُ فِي القَواعِدِ الفِقهِيَّةِ
ـ[بن سالم]ــــــــ[09 - 09 - 05, 09:02 م]ـ
الْمَنظُومَةُ الفَضْفَرِيَّةُ
فِي القَواعِدِ الفِقهِيَّةِ
تَألِيفُ الشَّيخِ أَنوَرِ عَبدَ اللهِ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ الفَضفَرِيِّ
جَزاهُ اللهُ خَيراً وَبارَكَ فيهِ
قَدَّمَ لَها فَضيلَةُ الشَّيخِ العَلاَّمَةِ
عَبدِ اللهِ بنِ عَبدِ العَزيزِ بنِ عَقيلِ
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى
وَهِي مَنظُومَةٌ جَميلَةٌ قَيِّمة سَلِسَةٌ وَضِحَةٌ؛ أَتَعَب الشَّيخُ الفَاضِل نَفسَهُ في نَظمِها؛ أَسألُ اللهَ تَعالَى أَن يَجزيه الخَيرَ والعَافِيَة.
قُمتُ بِكِتابَتِها وضَبطِها (وَهِي مَضبوطَةٌ فِي الأَصل؛ وزِدتهُ تَوضيحاً).
فَلا تَنسونا مِن دُعائِكُم.
ـ[عمر الدّاوودي]ــــــــ[10 - 09 - 05, 06:45 ص]ـ
جزاك الله خيرا يا أخي ابن سالم، هل من الممكن أن تجعل المنظومة على ملف وورد فإني لم أتمكن من تحميلها.
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 08:31 ص]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
ـ[أشرف عبد الله]ــــــــ[11 - 09 - 05, 07:58 ص]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
ـ[بن سالم]ــــــــ[23 - 09 - 07, 04:27 م]ـ
... ... ...(20/414)
حَمِّلْ شَرحُ (كلمة الإخلاص) لابن رجب للشيخ عبد الرحمن البراك
ـ[بن سالم]ــــــــ[09 - 09 - 05, 09:12 م]ـ
- السَّلامُ عَلَيكُم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُهُ:
(شَرحُ (كلمة الإخلاص) لابن رجب)
شَرحُ الشَّيخِ عبد الرحمن بن ناصر البرَّاك
حفظه اللهُ(20/415)
تقسيمات موسوعة التراجم الحديثية الكبرى
ـ[أبو تراب]ــــــــ[09 - 09 - 05, 09:18 م]ـ
تصنيفات الموسوعة
المتاح حاليا
أ - كتب الصحابة
1 - الاستيعاب
2 - أسعد الغابة
3 - الإصابة
4 - معجم الصحابة
5 - العواصم من القواصم
6 - معرفة الصحابة لأبي نُعيم
ب - رجال الكتب الستة
1 - تقريب التهذيب
2 - تهذيب التهذيب
3 - تهذيب الكمال
4 - الكاشف
5 - رجال حيح البخاري
6 - رجال مسلم
7 - تلخيص تذهيب تهذيب الكمال
8 - التجريح والتعديل
ج كتب التراجم العامة:
1 - التاريخ الكبير للبخاري"
2 - التاريخ الصغير للبخاري"
3 - الجرح و التعديل"
4 - التجريح و التعديل"
5 - الإكمال لرجال أحمد"
6 - تكملة الإكمال"
7 - سير أعلام النبلاء"
8 - حلية الأولياء"
9 - صفة الصفوة"
10 - التحبير في المعجم الكبير"
11 - إسعاف المبطأ برجال الموطأ"
12 - التقييد لمعرفة رواة الأسانيد"
13 - ذيل التقييد في رواة السنن الأسانيد"
14 - ذكر من اختلف العلماء و نقاد الحديث فيه"
د - كتب الثقات
1 - الثقات لابن حبان
2 - معرفة الثقات للعجلي
3 - تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين
4 - ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق
5 - الرواة المتكلم فيهم بما لايوجب ردهم
6 - تذكرة الحفاظ
7 - ذيل تذكرة الحفاظ
8 - مشاهير علماء الأمصار
وانتظروا البقية
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[10 - 09 - 05, 02:47 ص]ـ
الحقيقة أننا بانتظار الموسوعة التي وعدتنا بها!
وفقك الله لما يحبه ويرضاه ويسر لك إتمام هذا المشروع الكبير لخدمة العلم والدين.
ـ[أبو تراب]ــــــــ[10 - 09 - 05, 03:55 م]ـ
أبشر شيخ حسام، فستراها إن شاء الله قريباً، وسأعرض المتاح عندي من الكتب التي تم جدولتها في قواعد بيانات، ولو كان عندكم من شيء من الكتب تتحفنا به فلكم جزيل الشكر والأجر من الله تعالى
محبك أبو تراب(20/416)
كتب مفيدة في إدارة الذات لطالب العلم بخاصة ولغيره بعامة
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:42 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
جاءتني هذه الكتب فرأيت بعضها مفيد لطالب العلم بخاصة ولغيره بعامة فأردت إنزالها هنا عسى يستفد منها الأخوة بارك الله فيهم وليعذر امرؤ أخاه إن وجد مكررا.
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:43 ص]ـ
تابع:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:43 ص]ـ
وهذا:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:45 ص]ـ
تابع:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:46 ص]ـ
تابع:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:47 ص]ـ
تابع:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:49 ص]ـ
تابع:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:50 ص]ـ
تابع:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:50 ص]ـ
وهذا أيضا:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:51 ص]ـ
وهذا:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:52 ص]ـ
وهذا:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:53 ص]ـ
وهذا أيضا:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:54 ص]ـ
وهنا أيضا:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:55 ص]ـ
وهنا:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:56 ص]ـ
وهنا:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:58 ص]ـ
وهنا أيضا:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:59 ص]ـ
وهذا أيضا:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 12:00 م]ـ
وهذا التالي:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 12:01 م]ـ
وهذا التالي والأخير:
نسأل الله تعالى أن ينفعكم بها، ويبارك فيكم.
ـ[أبو خالد الحضرمي]ــــــــ[10 - 09 - 05, 12:35 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أخي أبو المنذر وجزاك الله خير
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 12:46 م]ـ
وفيكم بارك أخي الحبيب في الله تعالى أبي خالد ونفع بكم.
ـ[حافظ محمد أفضل]ــــــــ[10 - 09 - 05, 02:27 م]ـ
أحسن الله إلى والديك و كتب لك الأجر و المثوبة
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 02:39 م]ـ
وإليكم أحسن، ولكم كتب الأجر والمثوبة والمغفرة والرحمة أخي الحبيب حافظ.
ـ[أشرف عبد الله]ــــــــ[11 - 09 - 05, 07:41 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أخي الحبيب
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[11 - 09 - 05, 08:24 ص]ـ
وجزاكم خير الجزاء أخي الحبيب المبارك أشرف.
ـ[كوكبان]ــــــــ[11 - 09 - 05, 09:27 ص]ـ
الأخ أبو المنذر جزاك الله خيرا، ولكن أود أن أنبه إلى أن كتاب التوازن في الشخصية الإسلامية أظنه لكاتب شيعي لأنه يحيل إلى مراجع الشيعية في الحاشية كأصول الكافي وأمالي الطوسي وغيرها فأرجو أن يتنبه الإخوة لذلك
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:48 ص]ـ
جزاكم الله خير الجزاء على التنبيه.
ـ[أبوعمرو المصري]ــــــــ[11 - 09 - 05, 06:59 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي الكريم، وحبذا لو وضعت هذه الملفات في ملفين فقط حتى يسهل تحميلها؛ نظرا لضيق الوقت.
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[11 - 09 - 05, 07:59 م]ـ
كنت أرجو ذلك يا أبا عمرو لكني والله في شغل شاغل الآن، وقلب مشتت، وهم غير مجتمع، فادع الله تعالى لي بظهر الغيب أن يهديني إلى سواء الصراط فيما أنا فيه الآن وسامحني على عدم تلبية طلبك.
ـ[المقدادي]ــــــــ[12 - 09 - 05, 01:29 م]ـ
جزاك الله خيرا اخي أبو المنذر النقاش
ـ[أبو أنس الوطيباني]ــــــــ[12 - 09 - 05, 02:09 م]ـ
جميع الكتب موجودة هنا:
http://www.3llm.com/main/download.php?action=list&cat_id=48
118 كتاب ..
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[12 - 09 - 05, 03:06 م]ـ
وأنتم جزاكم الله تعالى الخير كل الخير أخي الحبيب المبجل المقدادي.
ـ[أبوعمرو المصري]ــــــــ[13 - 09 - 05, 08:23 م]ـ
وفقنا الله وإياكم أبا المنذر وجمع الله لك شملك وسددك ووفقك وجميع إخواننا.
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[07 - 11 - 05, 09:48 م]ـ
بارك الله فيك يا أخي.
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[08 - 11 - 05, 09:19 ص]ـ
وفيك بارك أبا ذر الحبيب.
ـ[طالب علوم الحديث]ــــــــ[10 - 11 - 05, 10:15 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[14 - 11 - 05, 02:01 م]ـ
وجزاكم بمثله وأكثر منه أخي الحبيب طالب علوم الحديث.
ـ[خالد بن عبيد]ــــــــ[14 - 11 - 05, 07:44 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[15 - 11 - 05, 09:23 ص]ـ
وجزاكم شيخ خالد وبارك فيكم.(20/417)
بعض الكتب المهمة عن فلسطين وما يتعلق بها
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 12:11 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم:
هذه بعض الكتب المهمة عن فلسطين وما يتعلق بها، أسال الله أن ينفع بها أهل الحديث والأثر الأمجاد.
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 12:12 م]ـ
وهذا أيضا:
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[10 - 09 - 05, 12:13 م]ـ
وهنا الأخير:
أسأل الله أن ينفعكم بها.
ـ[ابو عبدالله الرفاعي]ــــــــ[10 - 09 - 05, 04:22 م]ـ
جزاكم الله تعالى خيرا أبا المنذر وتقبل منكم، ولا عدمنا فوائدكم
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[11 - 09 - 05, 08:40 ص]ـ
وأنتم بارك الله تعالى فيكم ونفع بكم، وزادكم علما وفهما أبا عبد الله.(20/418)
اين اجد نص مراقي السعود ولامية الافعال على الشبكة
ـ[ناجي1]ــــــــ[10 - 09 - 05, 04:01 م]ـ
اخواني اعضاء المنتدى الكرام
اين اجد نص مراقي السعود ولامية الافعال على الشبكة
وبارك الله فيكم
ـ[الحضرمي]ــــــــ[11 - 09 - 05, 08:18 ص]ـ
هذا شرح موسع للامية الأفعال: (كتاب)
http://www.iu.edu.sa/Magazine/105-106/4.htm
وشرح اللامية للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي (صوتي)
http://www.chadarat.com/Saotiyat.htm
ـ[ناجي1]ــــــــ[14 - 09 - 05, 05:04 م]ـ
بارك الله فيك اخي الحضرمي
والمراقي!!! ???
ـ[ابوحمزة]ــــــــ[14 - 09 - 05, 09:09 م]ـ
ممكن ان تضعوها علي ورد
ثم تضعوها في المنتدي في خزانة الكتب
أعني شرح لامية الافعال
لا يفعلها احد الا اذا كان الشرح مكتمل
ولكن يبدوا لي الشرح ليس بكامل
ـ[ناجي1]ــــــــ[16 - 09 - 05, 01:56 ص]ـ
نعم صدقت ياأخي.
لكن الا ينشط أحد الاخوان في البحث عن نص مراقي السعود؟
وله مني دعاء أخصه به.
ـ[الحضرمي]ــــــــ[17 - 09 - 05, 11:44 ص]ـ
و هذا شرح المراقي
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=1573
ولم أجد المتن، والسلام عليكم
ـ[ناجي1]ــــــــ[18 - 09 - 05, 02:14 ص]ـ
بارك الله فيك اخي الحضرمي وجزاك الله خيرا
والشرح يبدو انه لا يتجاوز مقدمة الكتاب وبداية الكتاب الاول.(20/419)
موسوعة الرواة الشاملة الإصدار الأول / حرف التاء 400 راو وأكثر من 70 مرجع
ـ[الطيماوي]ــــــــ[10 - 09 - 05, 05:07 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا هو الإصدار الأول لموسوعة الرواة الشاملة وتحتوي على أسماء الرواة الذين تبدأ أسماءهم بحرف التاء وقد بلغ عددهم ما يزيد على 400 راو وكانت الترجمة من الكتب التالية:
ش بطاقات الكتب: الآحاد والمثاني - الإبانة - أحوال الرجال - الإرشاد - أسامي مشايخ الإمام البخاري - الاستيعاب - أسد الغابة - أسماء التابعين - أسماء المدلسين - الإصابة - إعتاب الكتاب - الأعلام - الإكمال للحسيني - انتخاب العوالي - بحر الدم - البدر الطالع - تاريخ الإسلام - تاريخ أصبهان - تاريخ بغداد - تاريخ جرجان - تاريخ الخلفاء - تاريخ دمشق - تاريخ الصحابة - تاريخ علماء دمشق -التاريخ الكبير - تاريخ بن معين/الدارمي - تاريخ بن معين/الدوري- التبيين لأسماء المدلسين - تجريد أسماء الصحابة - التحبير -تحرير التقريب - التذكرة - تذكرة الحفاظ - ترتيب أسماء الصحابة - تعجيل المنفعة - التعديل والتجريح - تقريب التهذيب - التقييد - التمهيد - تهذيب التهذيب- تهذيب الكمال - ثقات ابن شاهين - ثقات بن حبان - ثقات العجلي - جامع التحصيل - الجرح والتعديل - الجمع بين رجال الصحيحين - الخلاصة- خلاصة الأثر - الدرر الكامنة - ذيل التقييد - ذيل وفيات الأعيان - ذيل الكاشف - رجال تفسير الطبري - رجال صحيح البخاري - رواة مسند الشاميين - سنن الترمذي - سنن النسائي- سؤالات البرقاني للدارقطني - سؤالات ابن الجنيد للدارقطني - سؤالات حمزة - سؤالات السجزي للحاكم - سؤالات السلفي - سؤالات بن أبي شيبة - سير أعلام النبلاء - شيوخ أبي داود - شيوخ الإسماعيلي - شيوخ الذهبي - شيوخ السيوطي - الصحابة الرواة - صفة الصفوة - الضعفاء لابن الجوزي - الضعفاء للدارقطني - الضعفاء للأصبهاني - الضعفاء الكبير - الضعفاء للنسائي -الضوء اللامع - طبقات خليفة - الطبقات/ لمسلم - طبقات الأسماء المفردة- طبقات الحفاظ - طبقات القراء - الطبقات الكبرى - طبقات المحدثين بأصبهان - طبقات المدلسين - طبقات المفسرين/ السيوطي - طبقات المفسرين/ الداوودي - العبر - علل الدارقطني - علل ابن المديني - العلل ومعرفة الرجال / عبد الله - العلل ومعرفة الرجال / المروذي - غوامض الأسماء -فوات الوفيات - قلائد العقيان - الكاشف- الكامل في الضعفاء- الكشف الحثيث - الكنى للدولابي - الكواكب السائرة - لسان الميزان - لواقح الأنوار - المجروحين - المختار - المدلسين - مسائل أحمد بن حنبل - مسند أحمد - مشاهير علماء الأمصار - مشيخة ابن حجر - معجم السفر -معجم الشيوخ/ الصيداوي - معجم الشيوخ / الفاسي -معجم المؤلفين - المعرفة والتاريخ - المغني في الضعفاء - من أخرجهم الشيخان - من ترجم لهم الألباني - من روى عنه من أولاد العشرة - من كلام بن معين في الرجال - ميزان الاعتدال - وفيات المشاهير والأعلام - وفيات الأعيان -
وأنا بصدد تطوير البرنامج لما هو أفضل، وسيتم انزال الاصدار الثاني ويحتوي الرواة بحرف الضاد
إن شاء الله قريبا وبحلة جديدة للبرنامج مع خدمات كثيرة وأفضل
ـ[الطيماوي]ــــــــ[10 - 09 - 05, 05:54 م]ـ
بسم الله
الرجاء إدارج ملاحظاتكم على البرنامج لكي يتم استدراكها في الاصدار الثاني(20/420)
بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى كِتَابِ ((فَضَائِلُ الْقُرْآنِ)) لابْنِ الضَّرَيْسِ
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[10 - 09 - 05, 05:24 م]ـ
إِنَّنِي بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى كِتَابِ ((فَضَائِلُ الْقُرْآنِ)) لابْنِ الضُّرَيْسِ الرَّازِيَّ (ت294).
وَشَكَرَ اللهُ مَنْ أَجَابَنِي
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[10 - 09 - 05, 05:46 م]ـ
شيخنا الكريم ..
تجد الكتاب على هذا الرابط:
http://204.97.230.60/BookTabweeb.aspx?RootID=255798
لكنه للتصفح، لا للتحميل، وحتى النسخ لا يمكن إلا بعد لأْيٍ.
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[11 - 09 - 05, 02:42 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قريبًا جدًّا سيكون الكتاب بين أيديكم، على وورد، ونسخة إلكترونية
ـ[أبو سارة حسام]ــــــــ[11 - 09 - 05, 02:52 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ممكن النسخ منها من خلال View ثم Source وتنسخ من السورس
أو تشغل الموقع من خلال برنامج opera
ملحوظة
يمكن سحب أحزاء كثيرة من الموقع بواسط برامج الشفط مثل Telport pro و Webzip او off line Explorer
وشكراً
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[11 - 09 - 05, 07:42 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قريبًا جدًّا سيكون الكتاب بين أيديكم، ((على وورد)).
ذَلِكَ مَا أَبْغِيهِ، لَوْ كَانَ بِمَقْدُورِكُمْ، بَارَكَ اللهُ لَكُمْ.
ـ[ابوخالد الحنبلى]ــــــــ[26 - 10 - 06, 05:00 م]ـ
الاخ الاستاذ محمد بن عبدالله الرابط لا يعمل
ـ[عصمت الله]ــــــــ[26 - 10 - 06, 05:44 م]ـ
هذا هو الكتاب أيها الشيخ الكريم
ـ[مسك]ــــــــ[27 - 10 - 06, 01:27 ص]ـ
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=7&book=2018
تاريخ الإضافة 9/ 8/1426
جزى الله الجميع خيراً
ـ[الطيب وشنان]ــــــــ[27 - 10 - 06, 02:00 ص]ـ
بارك الله فيك(20/421)
هل هناك كتب جمعت السنة النبوية
ـ[حسن شريف]ــــــــ[10 - 09 - 05, 11:12 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أحبتي في الله تعالى،
1 - هل جمعت احاديث رسول الله تعالى جميعا في مكان واحد، ورتبت على الابواب الفقهية؟
2 - هل رتب مسند احمد على الابواب الفقهية؟
فان كان جواب الاول: نعم، فهل ممكن ان ترفقوا لنا هذه المؤلفات؟
وان كان جواب الثاني: بنعم ايضا فهل ممكن ايضا ان ترفقوا لنا هذه الكتب والمؤلفات؟
وجزاكم الله تعالى خيرا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[ابو عبدالله الرفاعي]ــــــــ[11 - 09 - 05, 12:31 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بالنسبة للأحاديث فقد حاول السيوطي استيعابها في مصنف واحد وهو جمع الجوامع، وقام المتقي الهندي بترتيبها في كنز العمال
وكذا المسند الجامع من تأليف جماعة من المحققين وهو موجود في هذا الملتقى المبارك قد جمعه ورتبوه على المسانيد وكذا على الأبواب الفقهية لكل صحابي.
اما مسند الامام احمد فقد رتبه الشيخ أحمد عبدالرحمن البنا الساعاتي والد الشيخ حسن البنا رتبه على الأبواب الفقهية(20/422)
فضائل القرآن لابن الضريس [وورد ـ إلكتروني]
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[11 - 09 - 05, 08:33 ص]ـ
فضائل القرآن
لابن الضريس
لا تنسونا من دعائكم
محبكم في الله / مسعد الحُسيني
حمّل الكتاب ملف وورد
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[11 - 09 - 05, 08:35 ص]ـ
حمّل الكتاب على هيئة كتاب إلكتروني
ـ[عمر رحال]ــــــــ[11 - 09 - 05, 08:39 ص]ـ
الأخ الفاضل/ مُسعد الحسيني ... وفقه الله.
بارك الله فيكم
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[11 - 09 - 05, 08:49 ص]ـ
جزاكم الله خيرًا وبورك فيك.
ولا حرمنا الله من فوائدكم.
محبكم في الله / مسعد الحُسيني
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[11 - 09 - 05, 09:21 ص]ـ
أحسنت،حفظك الله وجزاك خيرا وبارك فيك.
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[11 - 09 - 05, 09:33 ص]ـ
أحسنت،حفظك الله وجزاك خيرا وبارك فيك.
وفيكم شيخنا الحبيب بارك، وجزاكم الله خير الجزاء، وأحسن الله إليك.
محبكم في الله / مسعد الحُسيني
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[11 - 09 - 05, 09:58 ص]ـ
أَجْزَلَ اللهُ عَطَاكُمْ، وَجَعَلَ جَنَّةَ الْخُلْدِ مَثْوَاكُمْ
أَحْسَنْتُمُ وَاللهِ غَايَةَ الإِحْسَانِ ... وَقَضَى بِفَضْلِكَ شَاهِدُ الْبُرْهَانِ
ـ[المخلافي]ــــــــ[11 - 09 - 05, 10:01 ص]ـ
بارك الله فيكم
ـ[أنس صبري]ــــــــ[11 - 09 - 05, 10:24 ص]ـ
أحسن الله إليكم
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[14 - 09 - 05, 07:04 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[07 - 11 - 05, 09:16 م]ـ
حقا إنه لكتاب قيم
ـ[طالب علوم الحديث]ــــــــ[10 - 11 - 05, 10:50 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[كاتب]ــــــــ[12 - 11 - 05, 06:51 ص]ـ
السلام عليكم أبا عبد الرحمن مسعد الحسيني
السلام عليكم جميعا
جزاكم الله خيرا
ـ[العكاشى]ــــــــ[14 - 11 - 05, 05:15 ص]ـ
السلام عليكم
اولا جزاكم الله خيرا واحسن اليكم
ثانيا لما كنت اعمل فى تحقيق فضائل القران للفريابى بطبع كنت فى احتياج لهذا الكتاب ثم علمت
انه عند بعض الناس وطلبته منه اكثر من مرة لكنه كان يتحجج بحجج واهية
فالحمد الذى اغنانى عنه
ولكم جزيل الشكر
اخوكم العكاشى
ـ[القعقاع محمد]ــــــــ[01 - 12 - 05, 01:45 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيراً
بل ألف خير
بل مليون خير
جزاك الله خيراً بلا حدّ ولا عدّ
ـ[احمد اليماني]ــــــــ[23 - 02 - 06, 11:44 ص]ـ
حفظك الله وجزاك خيرا وبارك فيك جزاك الله خيراً وادخلك الجنة وثبتك على الاسلام
ـ[أبو وئام]ــــــــ[23 - 02 - 06, 11:50 ص]ـ
جزاك الله خيرا ونفع بك الامة ووفقك إلى الخير والفلاح(20/423)
تاريخ ابن أبي خيثمة (وورد)؟؟
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[11 - 09 - 05, 10:35 ص]ـ
تاريخ ابن أبي خيثمة (وورد)؟؟
وجزاكم الله خيراً.(20/424)
التمثيل حقيقته تاريخه حُكمه
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:10 ص]ـ
التمثيل حقيقته تاريخه حُكمه(20/425)
الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:11 ص]ـ
الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر(20/426)
الرسالة الفصيحة في فهم حديث الدين النصيحة
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:12 ص]ـ
الرسالة الفصيحة في فهم حديث الدين النصيحة(20/427)
المنظومة الميمية في الوصايا والآداب العلمية
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:12 ص]ـ
المنظومة الميمية في الوصايا والآداب العلمية
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:46 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[سعيد الحلبي]ــــــــ[12 - 09 - 05, 11:03 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[بن سالم]ــــــــ[08 - 03 - 06, 10:58 م]ـ
... جَزَاكَ اللهُ خَيْراً وَنَفَعَ بِكَ.(20/428)
جزيرة العرب بين التشريف والتكليف
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:14 ص]ـ
جزيرة العرب بين التشريف والتكليف
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[07 - 11 - 05, 10:05 م]ـ
بوركتجهودك يا أخي
ـ[طالب علوم الحديث]ــــــــ[10 - 11 - 05, 10:34 م]ـ
جزاك الله خيرا(20/429)
خطبة الحاجة أصلها ومدلولها
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:15 ص]ـ
خطبة الحاجة أصلها ومدلولها
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:46 ص]ـ
جزاك الله خيرا(20/430)
شرح ديوان المتنبي
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:17 ص]ـ
شرح ديوان المتنبي
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:45 ص]ـ
جزاكم الله خيرا(20/431)
كتاب مختصر التصريف
ـ[مسعد الحسيني]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:18 ص]ـ
كتاب مختصر التصريف
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[11 - 09 - 05, 11:44 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أشرف عبد الله]ــــــــ[13 - 09 - 05, 11:03 ص]ـ
جزاك الله خيرا(20/432)
أمراض القلوب وشفائها
ـ[محمد محمود الحنبلي]ــــــــ[11 - 09 - 05, 06:48 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة في أمراض القلوب وشفاؤها
لشيخ الإسلام بن تيمية (رحمه الله)
وقد هممت في نقل هذه الرسالة حتى يستعد الذي ما زال غافل عن ذلك لشهر رمضان وليتذكر قول سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) (لو أنكم طهّرتم قلوبكم , ما شبعتم من كلام ربكم)
أو كما قال رضي الله عنه.
ومع الرسالة:-
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=25&book=869
رسالة في أمراض القلوب وشفاؤها
شيخ الإسلام ابن تيمية
وقال شيخ الإسلام تقي الدين أحمد ابن تيمية رحمه الله تعالى الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما
فصل " في مرض القلوب وشفائها "
قال الله تعالى عن المنافقين: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا} وقال تعالى: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم} وقال: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا} وقال: {ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا} وقال تعالى: {قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} وقال: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} وقال: {ويشف صدور قوم مؤمنين} {ويذهب غيظ قلوبهم}. و " مرض البدن " خلاف صحته وصلاحه وهو فساد يكون فيه يفسد به إدراكه وحركته الطبيعية فإدراكه إما أن يذهب كالعمى والصمم. وإما أن يدرك الأشياء على خلاف ما هي عليه كما يدرك الحلو مرا وكما يخيل إليه أشياء لا حقيقة لها في الخارج. وأما فساد حركته الطبيعية فمثل أن تضعف قوته عن الهضم أو مثل أن يبغض الأغذية التي يحتاج إليها ويحب الأشياء التي تضره ويحصل له من الآلام بحسب ذلك؛ ولكن مع ذلك المرض لم يمت ولم يهلك؛ بل فيه نوع قوة على إدراك الحركة الإرادية في الجملة [فيتولد من ذلك] ألم يحصل في البدن إما بسبب فساد الكمية أو الكيفية: (فالأول أما نقص المادة فيحتاج إلى غذاء وأما بسبب زياداتها فيحتاج إلى استفراغ. و (الثاني كقوة في الحرارة والبرودة خارج عن الاعتدال فيداوى.
فصل وكذلك " مرض القلب "
هو نوع فساد يحصل له يفسد به تصوره وإرادته فتصوره بالشبهات التي تعرض له حتى لا يرى الحق أو يراه على خلاف ما هو عليه وإرادته بحيث يبغض الحق النافع ويحب الباطل الضار؛ فلهذا يفسر المرض تارة بالشك والريب. كما فسر مجاهد وقتادة قوله: {في قلوبهم مرض} أي شك. وتارة يفسر بشهوة الزنا كما فسر به قوله: {فيطمع الذي في قلبه مرض}. ولهذا صنف الخرائطي " كتاب اعتلال القلوب " أي مرضها وأراد به مرضها بالشهوة والمريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح فيضره يسير الحر والبرد والعمل ونحو ذلك من الأمور التي لا يقوى عليها لضعفه بالمرض. والمرض في الجملة يضعف المريض بجعل قوته ضعيفة لا تطيق ما يطيقه القوي والصحة تحفظ بالمثل وتزال بالضد والمرض يقوى بمثل سببه. ويزول بضده فإذا حصل للمريض مثل سبب مرضه زاد مرضه وزاد ضعف قوته حتى ربما يهلك. وإن حصل له ما يقوي القوة ويزيل المرض كان بالعكس. و " مرض القلب " ألم يحصل في القلب كالغيظ من عدو استولى عليك فإن ذلك يؤلم القلب. قال الله تعالى: {ويشف صدور قوم مؤمنين} {ويذهب غيظ قلوبهم} فشفاؤهم بزوال ما حصل في قلوبهم من الألم ويقال: فلان شفي غيظه وفي القود استشفاء أولياء المقتول ونحو ذلك. فهذا شفاء من الغم والغيظ والحزن وكل هذه آلام تحصل في النفس. وكذلك " الشك والجهل " يؤلم القلب قال النبي صلى الله عليه وسلم {هلا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال}. والشاك في الشيء المرتاب فيه يتألم قلبه حتى يحصل له العلم واليقين ويقال للعالم الذي أجاب بما يبين الحق: قد شفاني بالجواب. والمرض دون الموت فالقلب يموت بالجهل المطلق ويمرض بنوع من الجهل فله موت ومرض وحياة وشفاء وحياته
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/433)
وموته ومرضه وشفاؤه أعظم من حياة البدن وموته ومرضه وشفائه فلهذا مرض القلب إذا ورد عليه شبهة أو شهوة قوت مرضه وإن حصلت له حكمة وموعظة كانت من أسباب صلاحه وشفائه. قال تعالى: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض} لأن ذلك أورث شبهة عندهم والقاسية قلوبهم ليبسها فأولئك قلوبهم ضعيفة بالمرض فصار ما ألقى الشيطان فتنة لهم وهؤلاء كانت قلوبهم قاسية عن الإيمان فصار فتنة لهم. وقال: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة} كما قال: {وليقول الذين في قلوبهم مرض} لم تمت قلوبهم كموت الكفار والمنافقين وليست صحيحة صالحة كصالح قلوب المؤمنين بل فيها مرض شبهة وشهوات وكذلك {فيطمع الذي في قلبه مرض} وهو مرض الشهوة فإن القلب الصحيح لو تعرضت له المرأة لم يلتفت إليها بخلاف القلب المريض بالشهوة فإنه لضعفه يميل إلى ما يعرض له من ذلك بحسب قوة المرض وضعفه فإذا خضعن بالقول طمع الذي في قلبه مرض. والقرآن شفاء لما في الصدور ومن في قلبه أمراض الشبهات والشهوات ففيه من البينات ما يزيل الحق من الباطل فيزيل أمراض الشبهة المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه وفيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب فيرغب القلب فيما ينفعه ويرغب عما يضره فيبقى القلب محبا للرشاد مبغضا للغي بعد أن كان مريدا للغي مبغضا للرشاد. فالقرآن مزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة حتى يصلح القلب فتصلح إرادته ويعود إلى فطرته التي فطر عليها كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي ويغتذي القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويؤيده كما يغتذي البدن بما ينميه ويقومه فإن زكاة القلب مثل نماء البدن. و " الزكاة في اللغة " النماء والزيادة في الصلاح. يقال: زكا الشيء إذا نما في الصلاح فالقلب يحتاج أن يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح كما يحتاج البدن أن يربى بالأغذية المصلحة له ولا بد مع ذلك من منع ما يضره فلا ينمو البدن إلا بإعطاء ما ينفعه ومنع ما يضره كذلك القلب لا يزكو فينمو ويتم صلاحه إلا بحصول ما ينفعه ودفع ما يضره وكذلك الزرع لا يزكو إلا بهذا. و " الصدقة " لما كانت تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار صار القلب يزكو بها وزكاته معنى زائد على طهارته من الذنب. قال الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} وكذلك ترك الفواحش يزكو بها القلب. وكذلك ترك المعاصي فإنها بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن ومثل الدغل في الزرع فإذا استفرغ البدن من الأخلاط الرديئة كاستخراج الدم الزائد تخلصت القوة الطبيعية واستراحت فينمو البدن وكذلك القلب إذا تاب من الذنوب كان استفراغا من تخليطاته حيث خلط عملا صالحا وآخر سيئا فإذا تاب من الذنوب تخلصت قوة القلب وإراداته للأعمال الصالحة واستراح القلب من تلك الحوادث الفاسدة التي كانت فيه. فزكاة القلب بحيث ينمو ويكمل. قال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا} وقال تعالى: {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} وقال: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون} وقال تعالى: {قد أفلح من تزكى} {وذكر اسم ربه فصلى} وقال تعالى: {قد أفلح من زكاها} {وقد خاب من دساها} وقال تعالى: {وما يدريك لعله يزكى} وقال تعالى: {فقل هل لك إلى أن تزكى} {وأهديك إلى ربك فتخشى} فالتزكية وإن كان أصلها النماء والبركة وزيادة الخير فإنما تحصل بإزالة الشر؛ فلهذا صار التزكي يجمع هذا وهذا. وقال: {وويل للمشركين} {الذين لا يؤتون الزكاة} وهي التوحيد والإيمان الذي به يزكو القلب فإنه يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب وإثبات إلهية الحق في القلب وهو حقيقة لا إله إلا الله. وهذا أصل ما تزكو به القلوب. والتزكية جعل الشيء زكيا: إما في ذاته وإما في الاعتقاد والخبر؛ كما يقال عدلته إذا جعلته عدلا في نفسه أو في اعتقاد الناس قال تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم} أي تخبروا بزكاتها وهذا غير قوله: {قد أفلح من زكاها} ولهذا قال: {هو أعلم بمن اتقى} وكان اسم زينب برة فقيل تزكي نفسها فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب. وأما
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/434)
قوله: {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء} أي يجعله زاكيا ويخبر بزكاته كما يزكي المزكي الشهود فيخبر بعدلهم. و " العدل " هو الاعتدال والاعتدال هو صلاح القلب كما أن الظلم فساده ولهذا جميع الذنوب يكون الرجل فيها ظالما لنفسه والظلم خلاف العدل فلم يعدل على نفسه؛ بل ظلمها؛ فصلاح القلب في العدل وفساده في الظلم وإذا ظلم العبد نفسه فهو الظالم وهو المظلوم كذلك إذا عدل فهو العادل والمعدول عليه فمنه العمل وعليه تعود ثمرة العمل من خير وشر. قال تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}. والعمل له أثر في القلب من نفع وضر وصلاح قبل أثره في الخارج فصلاحها عدل لها وفسادها ظلم لها قال تعالى: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها} وقال تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} قال بعض السلف: إن للحسنة لنورا في القلب وقوة في البدن وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة لظلمة في القلب وسوادا في الوجه ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضا في قلوب الخلق. وقال تعالى: {كل امرئ بما كسب رهين} وقال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة} وقال: {وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا} وتبسل أي ترتهن وتحبس وتؤسر؛ كما أن الجسد إذا صح من مرضه قيل قد اعتدل مزاجه والمرض إنما هو بإخراج المزاج مع أن الاعتدال المحض السالم من الأخلاط لا سبيل إليه لكن الأمثل؛ فالأمثل؛ فهكذا صحة القلب وصلاحه في العدل ومرضه من الزيغ والظلم والانحراف. والعدل المحض في كل شيء متعذر علما وعملا ولكن الأمثل فالأمثل؛ ولهذا يقال: هذا أمثل ويقال للطريقة السلفية: الطريقة المثلى. وقال تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} وقال تعالى: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها}. والله تعالى بعث الرسل وأنزل الكتب ليقوم الناس بالقسط وأعظم القسط عبادة الله وحده لا شريك له ثم العدل على الناس في حقوقهم ثم العدل على النفس. والظلم " ثلاثة أنواع ": والظلم كله من أمراض القلوب والعدل صحتها وصلاحها. قال أحمد بن حنبل لبعض الناس: لو صححت لم تخف أحدا أي خوفك من المخلوق هو من مرض فيك كمرض الشرك والذنوب. وأصل صلاح القلب هو حياته واستنارته قال تعالى: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}. لذلك ذكر الله حياة القلوب ونورها وموتها وظلمتها في غير موضع. كقوله: {لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين} وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} ثم قال: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون} وقال تعالى: {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي}. ومن أنواعه أنه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن. وفي الحديث الصحيح {مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت} وفي الصحيح أيضا: {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا}. وقد قال تعالى: {والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات} وذكر سبحانه آية النور وآية الظلمة فقال: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور} فهذا مثل نور الإيمان في قلوب المؤمنين ثم قال: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور}. (فالأول مثل الاعتقادات الفاسدة والأعمال التابعة لها يحسبها صاحبها شيئا ينفعه فإذا جاءها لم يجدها شيئا ينفعه فوفاه الله حسابه على تلك الأعمال. و (الثاني: مثل للجهل البسيط وعدم الإيمان والعلم فإن صاحبها في ظلمات بعضها فوق بعض لا يبصر شيئا؛ فإن البصر إنما هو بنور الإيمان والعلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/435)
قال تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} وقال تعالى. {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} وهو برهان الإيمان الذي حصل في قلبه فصرف الله به ما كان هم به وكتب له حسنة كاملة ولم يكتب عليه خطيئة إذ فعل خيرا ولم يفعل سيئة. وقال تعالى: {لتخرج الناس من الظلمات إلى النور} وقال: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} وقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به}. ولهذا ضرب الله للإيمان " مثلين ". مثلا بالماء الذي به الحياة وما يقترن به من الزبد ومثلا بالنار التي بها النور وما يقترن بما يوقد عليه من الزبد. وكذلك ضرب الله للنفاق " مثلين " قال تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال} وقال تعالى في المنافقين: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون} {صم بكم عمي فهم لا يرجعون} {أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين} {يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير}. فضرب لهم مثلا كالذي أوقد النار كلما أضاءت أطفأها الله والمثل المائي كالمثل النازل من السماء وفيه ظلمات ورعد وبرق يرى. ولبسط الكلام في هذه الأمثال موضع آخر. وإنما المقصود هنا ذكر حياة القلوب وإنارتها وفي الدعاء المأثور {اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا}. و " الربيع " هو المطر الذي ينزل من السماء فينبت به النبات قال النبي صلى الله عليه وسلم {إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم}. والفصل الذي ينزل فيه أول المطر تسميه العرب الربيع لنزول المطر الذي ينبت الربيع فيه وغيرهم يسمي الربيع الفصل الذي يلي الشتاء؛ فإن فيه تخرج الأزهار التي تخلق منها الثمار وتنبت الأوراق على الأشجار. والقلب الحي المنور؛ فإنه لما فيه من النور يسمع ويبصر ويعقل والقلب الميت فإنه لا يسمع ولا يبصر. قال تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون} وقال تعالى: {ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون} {ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون} وقال تعالى: {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين} الآيات. فأخبر أنهم لا يفقهون بقلوبهم ولا يسمعون بآذانهم ولا يؤمنون بما رأوه من النار كما أخبر عنهم حيث قالوا: {قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب}. فذكروا الموانع على القلوب، والسمع والأبصار وأبدانهم حية تسمع الأصوات وترى الأشخاص؛ لكن حياة البدن بدون حياة القلب من جنس حياة البهائم لها سمع وبصر وهي تأكل وتشرب وتنكح ولهذا قال تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء}. فشبههم بالغنم الذي ينعق بها الراعي وهي لا تسمع إلا نداء. كما قال في الآية الأخرى: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} وقال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل} فطائفة من المفسرين تقول في هذه الآيات وما أشبهها كقوله: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه} وأمثالها مما ذكر الله في عيوب الإنسان وذمها فيقول هؤلاء: هذه الآية في الكفار والمراد بالإنسان هنا الكافر فيبقى من يسمع ذلك يظن أنه ليس لمن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/436)
يظهر الإسلام في هذا الذم والوعيد نصيب؛ بل يذهب وهمه إلى من كان مظهرا للشرك من العرب أو إلى من يعرفهم من مظهري الكفر كاليهود والنصارى ومشركي الترك والهند. ونحو ذلك فلا ينتفع بهذه الآيات التي أنزلها الله ليهتدي بها عباده. فيقال: - أولا -: المظهرون للإسلام فيهم مؤمن ومنافق والمنافقون كثيرون في كل زمان والمنافقون في الدرك الأسفل من النار. ويقال: " ثانيا " الإنسان قد يكون عنده شعبة من نفاق وكفر وإن كان معه إيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا عاهد غدر. وإذا خاصم فجر} فأخبر أنه من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق. وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه قال لأبي ذر رضي الله عنه {إنك امرؤ فيك جاهلية} وأبو ذر - رضي الله عنه - من أصدق الناس إيمانا وقال في الحديث الصحيح: {أربع في أمتي من أمر الجاهلية: الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والنياحة والاستسقاء بالنجوم} وقال في الحديث الصحيح {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا: اليهود والنصارى قال: فمن} وقال أيضا في الحديث الصحيح: {لتأخذن أمتي ما أخذت الأمم قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع. قالوا: فارس والروم قال: ومن الناس إلا هؤلاء}. وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه وعن علي - أو حذيفة - رضي الله عنهما ما - قال: القلوب " أربعة ". قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وقلب أغلف فذاك قلب الكافر وقلب منكوس. فذاك قلب المنافق وقلب فيه مادتان: مادة تمده الإيمان ومادة تمده النفاق فأولئك قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا. وإذا عرف هذا علم أن كل عبد ينتفع بما ذكر الله في الإيمان من مدح شعب الإيمان وذم شعب الكفر وهذا كما يقول بعضهم في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم}. فيقولون المؤمن قد هدي إلى الصراط المستقيم فأي فائدة في طلب الهدى ثم يجيب بعضهم بأن المراد ثبتنا على الهدى كما تقول العرب للنائم: نم حتى آتيك أو يقول بعضهم ألزم قلوبنا الهدى فحذف الملزوم ويقول بعضهم زدني هدى وإنما يوردون هذا السؤال لعدم تصورهم الصراط المستقيم الذي يطلب العبد الهداية إليه؛ فإن المراد به العمل بما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه في جميع الأمور. والإنسان وإن كان أقر بأن محمدا رسول الله وأن القرآن حق على سبيل الإجمال فأكثر ما يحتاج إليه من العلم بما ينفعه ويضره وما أمر به وما نهى عنه في تفاصيل الأمور وجزئياتها لم يعرفه وما عرفه فكثير منه لم يعمل بعلمه ولو قدر أنه بلغه كل أمر ونهي في القرآن والسنة فالقرآن والسنة إنما تذكر فيهما الأمور العامة الكلية لا يمكن غير ذلك لا تذكر ما يخص به كل عبد ولهذا أمر الإنسان في مثل ذلك بسؤال الهدى إلى الصراط المستقيم. والهدى إلى الصراط المستقيم يتناول هذا كله يتناول التعريف بما جاء به الرسول مفصلا ويتناول التعريف بما يدخل في أوامره الكليات ويتناول إلهام العمل بعلمه فإن مجرد العلم بالحق لا يحصل به الاهتداء إن لم يعمل بعلمه ولهذا قال لنبيه بعد صلح الحديبية: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما} وقال في حق موسى وهارون: {وآتيناهما الكتاب المستبين} {وهديناهما الصراط المستقيم} والمسلمون قد تنازعوا فيما شاء الله من الأمور الخبرية والعلمية الاعتقادية والعملية مع أنهم كلهم متفقون على أن محمدا حق والقرآن حق فلو حصل لكل منهم الهدى إلى الصراط المستقيم فيما اختلفوا فيه لم يختلفوا ثم الذين علموا ما أمر الله به أكثرهم يعصونه و [لا] يحتذون حذوه فلو هدوا إلى الصراط المستقيم في تلك الأعمال لفعلوا ما أمروا به وتركوا ما نهوا عنه والذين هداهم الله من هذه الأمة حتى صاروا من أولياء الله المتقين كان من أعظم أسباب ذلك دعاؤهم الله بهذا الدعاء في كل صلاة مع علمهم بحاجتهم وفاقتهم إلى الله دائما في أن يهديهم الصراط المستقيم. فبدوام هذا الدعاء والافتقار صاروا من أولياء الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/437)
المتقين. قال سهل بن عبد الله التستري ليس بين العبد وبين ربه طريق أقرب إليه من الافتقار وما حصل فيه الهدى في الماضي فهو محتاج إلى حصول الهدى فيه في المستقبل وهذا حقيقة قول من يقول: ثبتنا واهدنا لزوم الصراط. وقول من قال: زدنا هدى يتناول ما تقدم؛ لكن هذا كله هدى منه في المستقبل إلى الصراط المستقيم؛ فإن العمل في المستقبل بالعلم لم يحصل بعد ولا يكون مهتديا حتى يعمل في المستقبل بالعلم وقد لا يحصل العلم في المستقبل بل يزول عن القلب وإن حصل فقد لا يحصل العمل فالناس كلهم مضطرون إلى هذا الدعاء؛ ولهذا فرضه الله عليهم في كل صلاة فليسوا إلى شيء من الدعاء أحوج منهم إليه وإذا حصل الهدى إلى الصراط المستقيم حصل النصر والرزق وسائر ما تطلب النفوس من السعادة والله أعلم.
واعلم أن حياة القلب وحياة غيره ليست مجرد الحس والحركة الإرادية أو مجرد العلم والقدرة كما يظن ذلك طائفة من النظار في علم الله وقدرته كأبي الحسين البصري. قالوا: إن حياته أنه بحيث يعلم ويقدر بل الحياة صفة قائمة بالموصوف وهي شرط في العلم والإرادة والقدرة على الأفعال الاختيارية وهي أيضا مستلزمة لذلك فكل حي له شعور وإرادة وعمل اختياري بقدرة وكل ما له علم وإرادة وعمل اختياري فهو حي. والحياء مشتق من الحياة؛ فإن القلب الحي يكون صاحبه حيا فيه حياء يمنعه عن القبائح فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {الحياء من الإيمان} وقال: {الحياء والعي شعبتان من الإيمان. والبذاء والبيان شعبتان من النفاق} فإن الحي يدفع ما يؤذيه؛ بخلاف الميت الذي لا حياة فيه [فإنه] يسمى وقحا والوقاحة الصلابة وهو اليبس المخالف لرطوبة الحياة فإذا كان وقحا يابسا صليب الوجه لم يكن في قلبه حياة توجب حياءه، وامتناعه من القبح كالأرض اليابسة لا يؤثر فيها وطء الأقدام بخلاف الأرض الخضرة. ولهذا كان الحي يظهر عليه التأثر بالقبح وله إرادة تمنعه عن فعل القبح بخلاف الوقح الذي ليس بحي فلا حياء معه ولا إيمان يزجره عن ذلك. فالقلب إذا كان حيا فمات الإنسان بفراق روحه بدنه كان موت النفس فراقها للبدن ليست هي في نفسها ميتة بمعنى زوال حياتها عنها. ولهذا قال تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء} وقال تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء} مع أنهم موتى داخلون في قوله: {كل نفس ذائقة الموت} وفي قوله: {إنك ميت وإنهم ميتون} وقوله: {وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم} فالموت المثبت غير الموت المنفي. المثبت هو فراق الروح البدن والمنفي زوال الحياة بالجملة عن الروح والبدن. وهذا كما أن النوم أخو الموت فيسمى وفاة ويسمى موتا وإن كانت الحياة موجودة فيهما. قال الله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى}. وكان {النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من منامه يقول: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور} وفي حديث آخر: {الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا} وإذا أوى إلى فراشه يقول: {اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها لك مماتها ومحياها إن أمسكتها فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين} ويقول: {باسمك اللهم أموت وأحيا}
فصل ومن أمراض القلوب " الحسد " كما قال بعضهم في حده: إنه أذى يلحق بسبب العلم بحسن حال الأغنياء فلا يجوز أن يكون الفاضل حسودا؛ لأن الفاضل يجري على ما هو الجميل وقد قال طائفة من الناس: إنه تمني زوال النعمة عن المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها بخلاف الغبطة فإنه تمني مثلها من غير حب زوالها عن المغبوط. والتحقيق أن الحسد هو البغض والكراهة لما يراه من حسن حال المحسود وهو نوعان: (أحدهما كراهة للنعمة عليه مطلقا فهذا هو الحسد المذموم وإذا أبغض ذلك فإنه يتألم ويتأذى بوجود ما يبغضه فيكون ذلك مرضا في قلبه ويلتذ بزوال النعمة عنه وإن لم يحصل له نفع بزوالها؛ لكن نفعه زوال الألم الذي كان في نفسه ولكن ذلك الألم لم يزل إلا بمباشرة منه وهو راحة وأشده كالمريض الذي عولج بما يسكن وجعه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/438)
والمرض باق؛ فإن بغضه لنعمة الله على عبده مرض فإن تلك النعمة قد تعود على المحسود وأعظم منها وقد يحصل نظير تلك النعمة لنظير ذلك المحسود. والحاسد ليس له غرض في شيء معين؛ لكن نفسه تكره ما أنعم به على النوع. ولهذا قال من قال: إنه تمني زوال النعمة فإن من كره النعمة على غيره تمنى زوالها بقلبه. و (النوع الثاني: أن يكره فضل ذلك الشخص عليه فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه فهذا حسد وهو الذي سموه الغبطة وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حسدا في الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: {لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ورجل آتاه الله مالا وسلطه على هلكته في الحق} هذا لفظ ابن مسعود. ولفظ ابن عمر {رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه في الحق آناء الليل والنهار} رواه البخاري من حديث أبي هريرة ولفظه: {لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه الليل والنهار فسمعه رجل فقال: يا ليتني أوتيت مثل ما أوتي هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال رجل: يا ليتني أوتيت مثل ما أوتي هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا} فهذا الحسد الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم إلا في موضعين هو الذي سماه أولئك الغبطة وهو أن يحب مثل حال الغير ويكره أن يفضل عليه. فإن قيل: إذا لم سمي حسدا وإنما أحب أن ينعم الله عليه؟. قيل مبدأ هذا الحب هو نظره إلى إنعامه على الغير وكراهته أن يتفضل عليه ولولا وجود ذلك الغير لم يحب ذلك فلما كان مبدأ ذلك كراهته أن يتفضل عليه الغير كان حسدا؛ لأنه كراهة تتبعها محبة وأما من أحب أن ينعم الله عليه مع عدم التفاته إلى أحوال الناس فهذا ليس عنده من الحسد شيء. ولهذا يبتلى غالب الناس بهذا القسم الثاني وقد تسمى المنافسة فيتنافس الاثنان في الأمر المحبوب المطلوب كلاهما يطلب أن يأخذه وذلك لكراهية أحدهما أن يتفضل عليه الآخر كما يكره المستبقان كل منهما أن يسبقه الآخر والتنافس ليس مذموما مطلقا بل هو محمود في الخير. قال تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم} {على الأرائك ينظرون} {تعرف في وجوههم نضرة النعيم} {يسقون من رحيق مختوم} {ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} فأمر المنافس أن ينافس في هذا النعيم لا ينافس في نعيم الدنيا الزائل وهذا موافق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم فإنه نهى عن الحسد إلا فيمن أوتي العلم فهو يعمل به ويعلمه ومن أوتي المال فهو ينفقه فأما من أوتي علما ولم يعمل به ولم يعلمه أو أوتي مالا ولم ينفقه في طاعة الله فهذا لا يحسد ولا يتمنى مثل حاله فإنه ليس في خير يرغب فيه بل هو معرض للعذاب ومن ولي ولاية فيأتيها بعلم وعدل أدى الأمانات إلى أهلها وحكم بين الناس بالكتاب والسنة فهذا درجته عظيمة؛ لكن هذا في جهاد عظيم كذلك المجاهد في سبيل الله. والنفوس لا تحسد من هو في تعب عظيم فلهذا لم يذكره وإن كان المجاهد في سبيل الله أفضل من الذي ينفق المال؛ بخلاف المنفق والمعلم فإن هذين ليس لهم في العادة عدو من خارج فإن قدر أنهما لهما عدو يجاهدانه. فذلك أفضل لدرجتهما وكذلك لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم المصلي والصائم والحاج؛ لأن هذه الأعمال لا يحصل منها في العادة من نفع الناس الذي يعظمون به الشخص ويسودونه ما يحصل بالتعليم والإنفاق. والحسد في الأصل إنما يقع لما يحصل للغير من السؤدد والرياسة وإلا فالعامل لا يحسد في العادة ولو كان تنعمه بالأكل والشرب والنكاح أكثر من غيره بخلاف هذين النوعين فإنهما يحسدان كثيرا ولهذا يوجد بين أهل العلم الذين لهم أتباع من الحسد ما لا يوجد فيمن ليس كذلك وكذلك فيمن له أتباع بسبب إنفاق ماله فهذا ينفع الناس بقوت القلوب وهذا ينفعهم بقوت الأبدان والناس كلهم محتاجون إلى ما يصلحهم من هذا وهذا. ولهذا ضرب الله سبحانه " مثلين ": مثلا بهذا ومثلا بهذا فقال: {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/439)
هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم}. و (المثلان ضربهما الله سبحانه لنفسه المقدسة ولما يعبد من دونه؛ فإن الأوثان لا تقدر لا على عمل ينفع ولا على كلام ينفع فإذا قدر عبد مملوك لا يقدر على شيء وآخر قد رزقه الله رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوي هذا المملوك العاجز عن الإحسان وهذا القادر على الإحسان المحسن إلى الناس سرا وجهرا وهو سبحانه قادر على الإحسان إلى عباده وهو محسن إليهم دائما فكيف يشبه به العاجز المملوك الذي لا يقدر على شيء حتى يشرك به معه وهذا مثل الذي أعطاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل والنهار. و (المثل الثاني إذا قدر شخصان أحدهما أبكم لا يعقل ولا يتكلم ولا يقدر على شيء وهو مع هذا كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير فليس فيه من نفع قط بل هو كل على من يتولى أمره وآخر عالم عادل يأمر بالعدل ويعمل بالعدل فهو على صراط مستقيم. وهذا نظير الذي أعطاه الله الحكمة فهو يعمل بها ويعلمها الناس. وقد ضرب ذلك مثلا لنفسه؛ فإنه سبحانه عالم عادل قادر يأمر بالعدل وهو قائم بالقسط على صراط مستقيم. كما قال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} وقال هود: {إن ربي على صراط مستقيم}. ولهذا كان الناس يعظمون دار العباس كان عبد الله يعلم الناس وأخوه يطعم الناس فكانوا يعظمون على ذلك. ورأى معاوية الناس يسألون ابن عمر عن المناسك وهو يفتيهم فقال: هذا والله الشرف أو نحو ذلك. هذا وعمر بن الخطاب رضي الله عنه نافس أبا بكر رضي الله عنه الإنفاق كما ثبت في الصحيح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: {أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما. قال: فجئت بنصف مالي قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك قلت مثله وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء أبدا}. فكان ما فعله عمر من المنافسة والغبطة المباحة؛ لكن حال الصديق رضي الله عنه أفضل منه وهو أنه خال من المنافسة مطلقا لا ينظر إلى حال غيره. وكذلك {موسى صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج حصل له منافسة وغبطة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى لما تجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أبكي؛ لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي} أخرجاه في الصحيحين وروي في بعض الألفاظ المروية غير الصحيح {مررنا على رجل وهو يقول ويرفع صوته: أكرمته وفضلته قال: فرفعناه إليه فسلمنا عليه فرد السلام فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أحمد قال: مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته قال: ثم اندفعنا فقلت من هذا يا جبريل؟ قال: هذا موسى بن عمران قلت: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربه فيك قلت: ويرفع صوته على ربه قال إن الله عز وجل قد عرف صدقه}. وعمر رضي الله عنه كان مشبها بموسى ونبينا حاله أفضل من حال موسى فإنه لم يكن عنده شيء من ذلك. وكذلك كان في الصحابة أبو عبيدة بن الجراح ونحوه كانوا سالمين من جميع هذه الأمور فكانوا أرفع درجة ممن عنده منافسة وغبطة وإن كان ذلك مباحا ولهذا استحق أبو عبيدة رضي الله عنه أن يكون أمين هذه الأمة فإن المؤتمن إذا لم يكن في نفسه مزاحمة على شيء مما اؤتمن عليه كان أحق بالأمانة ممن يخاف مزاحمته؛ ولهذا يؤتمن على النساء والصبيان الخصيان ويؤتمن على الولاية الصغرى من يعرف أنه لا يزاحم على الكبرى ويؤتمن على المال من يعرف أنه ليس له غرض في أخذ شيء منه وإذا اؤتمن من في نفسه خيانة شبه بالذئب المؤتمن على الغنم فلا يقدر أن يؤدي الأمانة في ذلك لما في نفسه من الطلب لما اؤتمن عليه. وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن {أنس رضي الله عنه قال: كنا يوما جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة قال: فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوء قد علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/440)
على مثل حاله فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مقالته فطلع ذلك الرجل على مثل حاله فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم اتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت قال: نعم قال أنس رضي الله عنه فكان عبد الله يحدث أنه بات عنده ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئا؛ غير أنه إذا تعار انقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم إلى صلاة الفجر فقال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما فرغنا من الثلاث وكدت أن أحقر عمله قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرات فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي بذلك فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت غير أنني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشا ولا حسدا على خير أعطاه الله إياه قال عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق}. فقول عبد الله بن عمرو له هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق يشير إلى خلوه وسلامته من جميع أنواع الحسد. وبهذا أثنى الله تعالى على الأنصار فقال: {ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} أي مما أوتي إخوانهم المهاجرون قال المفسرون لا يجدون في صدورهم حاجة أي حسدا وغيظا مما أوتي المهاجرون ثم قال بعضهم من مال الفيء وقيل من الفضل والتقدم فهم لا يجدون حاجة مما أوتوا من المال ولا من الجاه والحسد يقع على هذا. وكان بين الأوس والخزرج منافسة على الدين فكان هؤلاء إذا فعلوا ما يفضلون به عند الله ورسوله أحب الآخرون أن يفعلوا نظير ذلك فهو منافسة فيما يقربهم إلى الله كما قال: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.
وأما الحسد المذموم كله فقد قال تعالى في حق اليهود: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} يودون أي يتمنون ارتدادكم حسدا فجعل الحسد هو الموجب لذلك الود من بعد ما تبين لهم الحق؛ لأنهم لما رأوا أنكم قد حصل لكم من النعمة ما حصل؛ بل ما لم يحصل لهم مثله حسدوكم وكذلك في الآية الأخرى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} {فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا} وقال تعالى: {قل أعوذ برب الفلق} {من شر ما خلق} {ومن شر غاسق إذا وقب} {ومن شر النفاثات في العقد} {ومن شر حاسد إذا حسد}. وقد ذكر طائفة من المفسرين أنها (نزلت بسبب حسد اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم حتى سحروه: سحره لبيد بن الأعصم اليهودي فالحاسد المبغض للنعمة على من أنعم الله عليه بها ظالم معتد والكاره لتفضيله المحب لمماثلته منهي عن ذلك إلا فيما يقربه إلى الله فإذا أحب أن يعطى مثل ما أعطي مما يقربه إلى الله فهذا لا بأس به وإعراض قلبه عن هذا بحيث لا ينظر إلى حال الغير أفضل. ثم هذا الحسد إن عمل بموجبه صاحبه كان ظالما معتديا مستحقا للعقوبة إلا أن يتوب وكان المحسود مظلوما مأمورا بالصبر والتقوى فيصبر على أذى الحاسد ويعفو ويصفح عنه كما قال تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره} وقد ابتلي يوسف بحسد إخوته له حيث قالوا: {ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين} فحسدوهما على تفضيل الأب لهما ولهذا قال يعقوب ليوسف: {لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين}. ثم إنهم ظلموه بتكلمهم في قتله وإلقائه في الجب وبيعه رقيقا لمن ذهب به إلى بلاد الكفر فصار مملوكا لقوم كفار ثم إن يوسف ابتلي بعد أن ظلم بمن يدعوه إلى الفاحشة ويراود عليها ويستعين عليه بمن يعينه على ذلك فاستعصم واختار السجن على الفاحشة وآثر عذاب الدنيا على سخط الله فكان مظلوما من جهة من أحبه لهواه وغرضه الفاسد. فهذه المحبة أحبته لهوى محبوبها شفاؤها وشفاؤه إن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/441)
وافقها وأولئك المبغضون أبغضوه بغضة أوجبت أن يصير ملقى في الجب ثم أسيرا مملوكا بغير اختياره فأولئك أخرجوه من إطلاق الحرية إلى رق العبودية الباطلة بغير اختياره وهذه ألجأته إلى أن اختار أن يكون محبوسا مسجونا باختياره فكانت هذه أعظم في محنته وكان صبره هنا صبرا اختياريا اقترن به التقوى بخلاف صبره على ظلمهم فإن ذلك كان من باب المصائب التي من لم يصبر عليها صبر الكرام سلا سلو البهائم. والصبر الثاني أفضل الصبرين؛ ولهذا قال: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}. وهكذا إذا أوذي المؤمن على إيمانه وطلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان وإن لم يفعل أوذي وعوقب فاختار الأذى والعقوبة على فراق دينه: إما الحبس وإما الخروج من بلده كما جرى للمهاجرين حيث اختاروا فراق الأوطان على فراق الدين وكانوا يعذبون ويؤذون. وقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم بأنواع من الأذى فكان يصبر عليها صبرا اختياريا فإنه إنما يؤذى لئلا يفعل ما يفعله باختياره وكان هذا أعظم من صبر يوسف: لأن يوسف إنما طلب منه الفاحشة وإنما عوقب إذا لم يفعل بالحبس والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طلب منهم الكفر وإذا لم يفعلوا طلبت عقوبتهم بالقتل فما دونه وأهون ما عوقب به الحبس فإن المشركين حبسوه وبني هاشم بالشعب مدة ثم لما مات أبو طالب اشتدوا عليه فلما بايعت الأنصار وعرفوا بذلك صاروا يقصدون منعه من الخروج ويحبسونه هو وأصحابه عن ذلك ولم يكن أحد يهاجر إلا سرا إلا عمر بن الخطاب ونحوه فكانوا قد ألجئوهم إلى الخروج من ديارهم ومع هذا منعوا من منعوه منهم عن ذلك وحبسوه. فكان ما حصل للمؤمنين من الأذى والمصائب هو باختيارهم طاعة لله ورسوله لم يكن من المصائب السماوية التي تجري بدون اختيار العبد من جنس حبس يوسف لا من جنس التفريق بينه وبين أبيه وهذا أشرف النوعين وأهلها أعظم درجة - وإن كان صاحب المصائب يثاب على صبره ورضاه وتكفر عنه الذنوب بمصائبه - فإن هذا أصيب وأوذي باختياره طاعة لله يثاب على نفس المصائب ويكتب له بها عمل صالح. قال تعالى: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين}. بخلاف المصائب التي تجري بلا اختيار العبد كالمرض وموت العزيز عليه وأخذ اللصوص ماله فإن تلك إنما يثاب على الصبر عليها لا على نفس ما يحدث من المصيبة؛ لكن المصيبة يكفر بها خطاياه فإن الثواب إنما يكون على الأعمال الاختيارية وما يتولد عنها. والذين يؤذون على الإيمان وطاعة الله ورسوله ويحدث لهم بسبب ذلك حرج أو مرض أو حبس أو فراق وطن وذهاب مال وأهل أو ضرب أو شتم أو نقص رياسة ومال هم في ذلك على طريقة الأنبياء وأتباعهم كالمهاجرين الأولين فهؤلاء يثابون على ما يؤذون به ويكتب لهم به عمل صالح كما يثاب المجاهد على ما يصيبه من الجوع والعطش والتعب وعلى غيظه الكفار وإن كانت هذه الآثار ليست عملا فعله يقوم به لكنها متسببة عن فعله الاختياري وهي التي يقال لها متولدة. وقد اختلف الناس هل يقال إنها فعل لفاعل السبب أو لله أو لا فاعل لها والصحيح أنها مشتركة بين فاعل السبب وسائر الأسباب ولهذا كتب له بها عمل صالح. والمقصود أن " الحسد " مرض من أمراض النفس وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا قليل من الناس ولهذا يقال: ما خلا جسد من حسد لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه. وقد قيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن؟ فقال ما أنساك إخوة يوسف لا أبا لك ولكن عمه في صدرك فإنه لا يضرك ما لم تعد به يدا ولسانا. فمن وجد في نفسه حسدا لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر. فيكره ذلك من نفسه وكثير من الناس الذين عندهم دين لا يعتدون على المحسود فلا يعينون من ظلمه ولكنهم أيضا لا يقومون بما يجب من حقه بل إذا ذمه أحد لم يوافقوه على ذمه ولا يذكرون محامده وكذلك لو مدحه أحد لسكتوا وهؤلاء مدينون في ترك المأمور في حقه مفرطون في ذلك؛ لا معتدون عليه وجزاؤهم أنهم يبخسون حقوقهم فلا ينصفون أيضا في مواضع ولا ينصرون على من ظلمهم كما لم ينصروا هذا المحسود وأما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب. ومن اتقى الله وصبر فلم يدخل في الظالمين نفعه الله بتقواه: كما جرى لزينب بنت
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/442)
جحش - رضي الله عنها - فإنها كانت هي التي تسامي عائشة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وحسد النساء بعضهن لبعض كثير غالب لا سيما المتزوجات بزوج واحد فإن المرأة تغار على زوجها لحظها منه فإنه بسبب المشاركة يفوت بعض حظها. وهكذا الحسد يقع كثيرا بين المتشاركين في رئاسة أو مال إذا أخذ بعضهم قسطا من ذلك وفات الآخر؛ ويكون بين النظراء لكراهة أحدهما أن يفضل الآخر عليه كحسد إخوة يوسف كحسد ابني آدم أحدهما لأخيه فإنه حسده لكون أن الله تقبل قربانه ولم يتقبل قربان هذا؛ فحسده على ما فضله الله من الإيمان والتقوى - كحسد اليهود للمسلمين - وقتله على ذلك؛ ولهذا قيل أول ذنب عصي الله به ثلاثة: الحرص والكبر والحسد. فالحرص من آدم والكبر من إبليس والحسد من قابيل حيث قتل هابيل. وفي الحديث {ثلاث لا ينجو منهن أحد: الحسد والظن والطيرة. وسأحدثكم بما يخرج من ذلك إذا حسدت فلا تبغض وإذا ظننت فلا تحقق وإذا تطيرت فامض} رواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة. وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم {دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء وهي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين} فسماه داء كما سمى البخل داء في قوله: {وأي داء أدوأ من البخل} فعلم أن هذا مرض وقد جاء في حديث آخر {أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء} فعطف الأدواء على الأخلاق والأهواء. فإن " الخلق " ما صار عادة للنفس وسجية. قال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} قال ابن عباس وابن عيينة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم عنهم: على دين عظيم وفي لفظ عن ابن عباس: على دين الإسلام. وكذلك قالت عائشة - رضي الله عنها -: كان خلقه القرآن. وكذلك قال الحسن البصري: أدب القرآن هو الخلق العظيم. وأما " الهوى " فقد يكون عارضا والداء هو المرض وهو تألم القلب والفساد فيه وقرن في الحديث الأول الحسد بالبغضاء؛ لأن الحاسد يكره أولا فضل الله على ذلك الغير؛ ثم ينتقل إلى بغضه؛ فإن بغض اللازم يقتضي بغض الملزوم فإن نعمة الله إذا كانت لازمة وهو يحب زوالها وهي لا تزول إلا بزواله أبغضه وأحب عدمه والحسد يوجب البغي كما أخبر الله تعالى عمن قبلنا: أنهم اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم فلم يكن اختلافهم لعدم العلم بل علموا الحق ولكن بغى بعضهم على بعض كما يبغي الحاسد على المحسود. وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا تحاسدوا ولا تباغضوا؛ ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام} وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من رواية أنس أيضا {والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}. وقد قال تعالى: {وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا} {ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما}. فهؤلاء المبطئون لم يحبوا لإخوانهم المؤمنين ما يحبون لأنفسهم بل إن أصابتهم مصيبة فرحوا باختصاصهم وإن أصابتهم نعمة لم يفرحوا لهم بها بل أحبوا أن يكون لهم منها حظ فهم لا يفرحون إلا بدنيا تحصل لهم أو شر دنيوي ينصرف عنهم إذا كانوا لا يحبون الله ورسوله والدار الآخرة ولو كانوا كذلك لأحبوا إخوانهم وأحبوا ما وصل إليهم من فضله وتألموا بما يصيبهم من المصيبة ومن لم يسره ما يسر المؤمنين ويسوءه ما يسوء المؤمنين فليس منهم. ففي الصحيحين عن عامر قال سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول: {سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد. إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر} وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه}. والشح مرض والبخل مرض والحسد شر من البخل كما في الحديث الذي رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار} وذلك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/443)
أن البخيل يمنع نفسه والحسود يكره نعمة الله على عباده وقد يكون في الرجل إعطاء لمن يعينه على أغراضه وحسد لنظرائه وقد يكون فيه بخل بلا حسد لغيره والشح أصل ذلك. وقال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا} وكان عبد الرحمن بن عوف يكثر من الدعاء في طوافه يقول: اللهم قني شح نفسي فقال له رجل: ما أكثر ما تدعو بهذا فقال: إذا وقيت شح نفسي وقيت الشح والظلم والقطيعة. والحسد يوجب الظلم.
فصل فالبخل والحسد مرض يوجب بغض النفس لما ينفعها بل وحبها لما يضرها ولهذا يقرن الحسد بالحقد والغضب وأما مرض الشهوة والعشق فهو حب النفس لما يضرها وقد يقترن به بغضها لما ينفعها والعشق مرض نفساني وإذا قوي أثر في البدن فصار مرضا في الجسم إما من أمراض الدماغ كالماليخوليا؛ ولهذا قيل فيه هو مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونحو ذلك. والمقصود هنا " مرض القلب " فإنه أصل محبة النفس لما يضرها كالمريض البدن الذي يشتهي ما يضره وإذا لم يطعم ذلك تألم وإن أطعم ذلك قوي به المرض وزاد. كذلك العاشق يضره اتصاله بالمعشوق مشاهدة وملامسة وسماعا بل ويضره التفكر فيه والتخيل له وهو يشتهي ذلك فإن منع من مشتهاه تألم وتعذب وإن أعطي مشتهاه قوي مرضه وكان سببا لزيادة الألم. وفي الحديث: {أن الله يحمي عبده المؤمن الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الطعام والشراب} وفي مناجاة موسى المأثورة عن وهب التي رواها الإمام أحمد في (كتاب الزهد " {يقول الله تعالى: إني لأذود أوليائي عن نعيم الدنيا ورخائها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مراتع الهلكة. وإني لأجنبهم سكونها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة وما ذلك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا لم تكلمه الدنيا ولم يطفئه الهوى}. وإنما شفاء المريض بزوال مرضه بل بزوال ذلك الحب المذموم من قلبه. والناس في العشق على قولين: قيل إنه من باب الإرادات وهذا هو المشهور. وقيل: من باب التصورات وأنه فساد في التخييل حيث يتصور المعشوق على ما هو به قال هؤلاء: ولهذا لا يوصف الله بالعشق ولا أنه يعشق؛ لأنه منزه عن ذلك ولا يحمد من يتخيل فيه خيالا فاسدا. وأما الأولون فمنهم من قال: يوصف بالعشق فإنه المحبة التامة؛ والله يحب ويحب وروي في أثر عن عبد الواحد بن زيد أنه قال: {لا يزال عبدي يتقرب إلي يعشقني وأعشقه} وهذا قول بعض الصوفية. والجمهور لا يطلقون هذا اللفظ في حق الله؛ لأن العشق هو المحبة المفرطة الزائدة على الحد الذي ينبغي والله تعالى محبته لا نهاية لها فليست تنتهي إلى حد لا تنبغي مجاوزته. قال هؤلاء: والعشق مذموم مطلقا لا يمدح لا في محبة الخالق ولا المخلوق لأنه المحبة المفرطة الزائدة على الحد المحمود و (أيضا فإن لفظ " العشق " إنما يستعمل في العرف في محبة الإنسان لامرأة أو صبي لا يستعمل في محبة كمحبة الأهل والمال والوطن والجاه ومحبة الأنبياء والصالحين وهو مقرون كثيرا بالفعل المحرم: إما بمحبة امرأة أجنبية أو صبي يقترن به النظر المحرم واللمس المحرم وغير ذلك من الأفعال المحرمة. وأما محبة الرجل لامرأته أو سريته [محبة] تخرجه عن العدل بحيث يفعل لأجلها ما لا يحل ويترك ما يجب كما هو الواقع كثيرا حتى يظلم ابنه من امرأته العتيقة؛ لمحبته الجديدة وحتى يفعل من مطالبها المذمومة ما يضره في دينه ودنياه مثل أن يخصها بميراث لا تستحقه أو يعطي أهلها من الولاية والمال ما يتعدى به حدود الله أو يسرف في الإنفاق عليها أو يملكها من أمور محرمة تضره في دينه ودنياه وهذا في عشق من يباح له وطؤها. فكيف عشق الأجنبية والذكران من العالمين؟ ففيه من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد وهو من الأمراض التي تفسد دين صاحبها وعرضه ثم قد تفسد عقله ثم جسمه. قال تعالى: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}. ومن في قلبه مرض الشهوة وإرادة الصورة متى خضع المطلوب طمع المريض والطمع الذي يقوي الإرادة والطلب ويقوي المرض بذلك بخلاف ما إذا كان آيسا من المطلوب فإن اليأس يزيل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/444)
الطمع فتضعف الإرادة فيضعف الحب فإن الإنسان لا يريد أن يطلب ما هو آيس منه فلا يكون مع الإرادة عمل أصلا بل يكون حديث نفس إلا أن يقترن بذلك كلام أو نظر ونحو ذلك فيأثم بذلك. فأما إذا ابتلي بالعشق وعف وصبر فإنه يثاب على تقواه الله وقد روي في الحديث: {أن من عشق فعف وكتم وصبر ثم مات كان شهيدا} وهو معروف من رواية يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا وفيه نظر ولا يحتج بهذا. لكن من المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقولا وعملا وكتم ذلك فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلام محرم إما شكوى إلى المخلوق وإما إظهار فاحشة وإما نوع طلب للمعشوق وصبر على طاعة الله وعن معصيته وعلى ما في قلبه من ألم العشق كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة؛ فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} وهكذا مرض الحسد وغيره من أمراض النفوس وإذا كانت النفس تطلب ما يبغضه الله فينهاها خشية من الله كان ممن دخل في قوله: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى} {فإن الجنة هي المأوى} فالنفس إذا أحبت شيئا سعت في حصوله بما يمكن حتى تسعى في أمور كثيرة تكون كلها مقامات لتلك الغاية فمن أحب محبة مذمومة أو أبغض بغضا مذموما وفعل ذلك كان آثما مثل أن يبغض شخصا لحسده له فيؤذي من له به تعلق إما بمنع حقوقهم؛ أو بعدوان عليهم. أو لمحبة له لهواه معه فيفعل لأجله ما هو محرم أو ما هو مأمور به لله فيفعله لأجل هواه لا لله وهذه أمراض كثيرة في النفوس والإنسان قد يبغض شيئا فيبغض لأجله أمورا كثيرة بمجرد الوهم والخيال. وكذلك يحب شيئا فيحب لأجله أمورا كثيرة؛ لأجل الوهم والخيال كما قال شاعرهم: أحب لحبها السودان حتى أحب لحبها سود الكلاب فقد أحب سوداء؛ فأحب جنس السواد حتى في الكلاب وهذا كله مرض في القلب في تصوره وإرادته. فنسأل الله تعالى أن يعافي قلوبنا من كل داء؛ ونعوذ بالله من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء. والقلب إنما خلق لأجل " حب الله تعالى " وهذه الفطرة التي فطر الله عليها عباده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه؛ كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه اقرءوا إن شئتم: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله}} أخرجه البخاري ومسلم. فالله سبحانه فطر عباده على محبته وعبادته وحده؛ فإذا تركت الفطرة بلا فساد كان القلب عارفا بالله محبا له عابدا له وحده لكن تفسد فطرته من مرضه كأبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه وهذه كلها تغير فطرته التي فطره عليها وإن كانت بقضاء الله وقدره - كما يغير البدن بالجدع - ثم قد يعود إلى الفطرة إذا يسر الله تعالى لها من يسعى في إعادتها إلى الفطرة. والرسل صلى الله عليهم وسلم بعثوا لتقرير الفطرة وتكميلها لا لتغيير الفطرة وتحويلها وإذا كان القلب محبا لله وحده مخلصا له الدين لم يبتل بحب غيره [أصلا] فضلا أن يبتلى بالعشق. وحيث ابتلي بالعشق فلنقص محبته لله وحده. ولهذا لما كان يوسف محبا لله مخلصا له الدين لم يبتل بذلك بل قال تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}. وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها فلهذا ابتليت بالعشق وما يبتلى بالعشق أحد إلا لنقص توحيده وإيمانه وإلا فالقلب المنيب إلى الله الخائف منه فيه صارفان يصرفان عن العشق: (أحدهما إنابته إلى الله ومحبته له فإن ذلك ألذ وأطيب من كل شيء فلا تبقى مع محبة الله محبة مخلوق تزاحمه. و (الثاني خوفه من الله فإن الخوف المضاد للعشق يصرفه وكل من أحب شيئا بعشق أو غير عشق فإنه يصرف عن محبته بمحبة ما هو أحب إليه منه إذا كان يزاحمه وينصرف عن محبته بخوف حصول ضرر يكون أبغض إليه من ترك ذاك الحب فإذا كان الله أحب إلى العبد من كل شيء وأخوف عنده من كل شيء لم يحصل معه عشق ولا مزاحمة إلا عند غفلة أو عند ضعف هذا الحب والخوف بترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فكلما فعل العبد الطاعة محبة لله وخوفا منه وترك المعصية حبا له وخوفا منه قوي حبه له وخوفه منه فيزيل ما في القلب من محبة غيره ومخافة غيره. وهكذا أمراض الأبدان: فإن الصحة تحفظ بالمثل والمرض يدفع بالضد فصحة القلب بالإيمان تحفظ بالمثل وهو ما يورث القلب إيمانا من العلم النافع والعمل الصالح فتلك أغذية له كما في حديث ابن مسعود مرفوعا وموقوفا {إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وأن مأدبة الله هي القرآن} والآدب المضيف فهو ضيافة الله لعباده. مثل آخر الليل وأوقات الأذان والإقامة وفي سجوده وفي أدبار الصلوات ويضم إلى ذلك الاستغفار؛ فإنه من استغفر الله ثم تاب إليه متعه متاعا حسنا إلى أجل مسمى. وليتخذ وردا من " الأذكار " في النهار ووقت النوم وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف فإنه لا يلبث أن يؤيده الله بروح منه ويكتب الإيمان في قلبه. وليحرص على إكمال الفرائض من الصلوات الخمس باطنة وظاهرة فإنها عمود الدين وليكن هجيراه لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها بها تحمل الأثقال وتكابد الأهوال وينال رفيع الأحوال. ولا يسأم من الدعاء والطلب فإن العبد يستجاب له ما لم يعجل فيقول: قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي وليعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا ولم ينل أحد شيئا من ختم الخير نبي فمن دونه إلا بالصبر. والحمد لله رب العالمين وله الحمد والمنة على الإسلام والسنة حمدا يكافئ نعمه الظاهرة والباطنة وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وسلم تسليما كثيرا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/445)
ـ[أبو عامر السلفي]ــــــــ[30 - 11 - 05, 03:38 م]ـ
جزاك الله خيراً يا أخي علي الاهتمام بهذا الموضوع
فأنا لم أري في المنتدي من يهتم بالقلوب وأمراضها مع أن هذا الموضوع من أهم الأمور التي يجب الاهتمام بها، والتذكير بها دائماً ...
ـ[محمد محمود الحنبلي]ــــــــ[01 - 12 - 05, 10:27 م]ـ
نعم والله أخي أبو عامر, إن من أهم الأمور التي يجب أن يهتم بها الإنسان عامة وطالب العلم خاصة هي إصلاح قلبه مستعين بالله على ذلك ...
والله المستعان
...
ـ[محمد أفندي]ــــــــ[02 - 12 - 05, 06:11 ص]ـ
جزاك الله خيراً أخي محمد محمود علي هذه الرسالة(20/446)
كتاب قرة عيون الموحدين
ـ[العطيفي]ــــــــ[11 - 09 - 05, 06:59 م]ـ
السلام عليكم يا أخواني أريد من يدلني على كتاب قرة عيون الموحدين للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل شيخ على النت ويكون على الوورد
و جزاكم الله خيرا
ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[16 - 03 - 06, 07:28 م]ـ
وعليكم السلام ..
يرفع للدلالة على الكتاب ..(20/447)
أريد مساعدتكم في البحث عن كتاب صول الاعتقاد للإمام اللالكائي؟
ـ[محمد محمود الحنبلي]ــــــــ[11 - 09 - 05, 07:21 م]ـ
وجزاكم الله خيرا؟؟
ـ[الاستاذ]ــــــــ[11 - 09 - 05, 07:48 م]ـ
تفضل أخي الحبيب
ـ[محمد محمود الحنبلي]ــــــــ[12 - 09 - 05, 03:30 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي الحبيب أبو مالك ,
ونسأل الله لك ولي ولجميعنا الإخلاص في القول والعمل.
ـ[سعيد الحلبي]ــــــــ[12 - 09 - 05, 11:02 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي الحبيب أبو مالك ,
ونسأل الله لك ولي ولجميعنا الإخلاص في القول والعمل.
آمين(20/448)
السبل السوية لفقه السنة المروية للحافظ الحكم
ـ[عبد العزيز أبو ياسر]ــــــــ[11 - 09 - 05, 09:07 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني أعضاء المنتدى الكرام
أين يمكن أن أجد منظومة "لسبل السوية لفقه السنة المروية" للحافظ الحكمي في الشبكة
جزاكم الله خيرا(20/449)
هدية لطلاب الماجستير والدكتوراه!!
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[12 - 09 - 05, 06:58 ص]ـ
هذا برنامج يعين طلبة الماجستير والدكتوراه على كتابة رسائلهم الجامعية وذلك بأن يضيف قالباً في الوورد لهذه الغاية.
وقد استفدت شخصياً منه فأحببت أن ينتفع به طلاب الدراسات العليا.
وإليكم البرنامج
ـ[محمد الجبالي]ــــــــ[12 - 09 - 05, 05:04 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[بنت الأمارات]ــــــــ[12 - 09 - 05, 05:41 م]ـ
جزاك الله الف خير اخي الكريم
ولكن لدي مشكله عندما اقوم بتحميله واود ان افتحه تظهر لي رساله يقول فيهاا "تأكد من وجود جميع الأجزاء المجزءه؟؟!
ـ[أبو تراب]ــــــــ[12 - 09 - 05, 06:04 م]ـ
جمع الملفات الأربعة في مجلد واحد ثم اجمع الكل بزر الفأرة ثم اضغط ركة يمنى واختر extract here
سيظهر لك مجموعة من الملفات أحدها اسمه المجمع اضغط عليه يتم تجميع ملف مضغوط اعمل extract مرة أخرى يظهر لك القالب
لكن المفاجأة أنه لايعمل!!! عندي؟؟
ـ[أبو عمر]ــــــــ[12 - 09 - 05, 08:11 م]ـ
وأنا كذلك لا يعمل عندي
ويعطيني رسالة تقول
Connont create file : normal.dot
وقد حمله فيما سبق أحد الأخوة وكانت المشكلة ولا تزال بارك الله تعالى فيكم
فلو سمحت أيها الشيخ الكريم أن تنزل القالب كملف ننسخه ونلصقه في مجلد القوالب
وفقك الله تعالى
ـ[أشرف عبد الله]ــــــــ[13 - 09 - 05, 11:17 ص]ـ
البرنامج تجمع عندي وفتح شاشته، لكن عند إضافة قالب جديد تخرج رسالة خطأ
ـ[ماجد الشيحاوي]ــــــــ[07 - 09 - 07, 03:44 ص]ـ
جزاكم الله خيرا شيخي العزيز ولكن الملف لا يعمل عندي وانا فرحت كثيرا عندما رايته لاني طالب دكتوراه فعجل لنا باصلاحه بارك الله فيكم
ـ[علاءالدين]ــــــــ[07 - 09 - 07, 12:11 م]ـ
إخوانى الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حملت البرنامج والحمد لله وقد قمت بفك الضغط وعمل البرنامج معى بنجاح والحمد لله مما يدل على أن الملفات سليمة وجزاكم الله خيرا.
ـ[هيثم شبانه]ــــــــ[07 - 09 - 07, 12:37 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
أولا: أشكر الأخ الكريم الذي تكرم علينا بهذا البرنامج الرائع
و أسأل الله العلي العظيم أن يجعل ما قدمه في ميزان حسناته
ثانياً:
البرنامج يعمل و الحمد لله بشكل سليم
بارك الله فيكم
و شكراً
أخوكم هيثم
ـ[صالح الشاعر]ــــــــ[07 - 09 - 07, 12:43 م]ـ
جعله الله في ميزان حسناتك
ـ[البشير الزيتوني]ــــــــ[08 - 09 - 07, 10:35 ص]ـ
جزاكم الله خيرا، وأرجو منك بشدة أن تشرح لنا – ولو باختصار – كيفية عمل البرنامج، وكيف نستفيد منه.
ـ[ابو عبد الرحمن الجزائري]ــــــــ[08 - 09 - 07, 12:08 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[صادق صبور]ــــــــ[10 - 09 - 07, 11:32 م]ـ
جزاكم الله خيرا، وأرجو منك بشدة أن تشرح لنا – ولو باختصار – كيفية عمل البرنامج، وكيف نستفيد منه.
أؤيد بشدة ماذكره أخونا البشير
مالمقصود بهذا البرنامج ومافائدته
ـ[أبو غالية]ــــــــ[26 - 10 - 07, 10:55 م]ـ
إذا أردت الاستغناء عن القالب ... كيف أحذفه من الوورد؟(20/450)
رسالة:قبائح اليهود للشيخ عبدالحق الهاشمي
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[12 - 09 - 05, 09:07 ص]ـ
قبائح اليهود للشيخ عبدالحق الهاشمي رحمه الله تعالى.
المصدر شبكة الرد
ـ[محمد الجبالي]ــــــــ[12 - 09 - 05, 05:15 م]ـ
جزاكم الله خيرا
لعن الله أبناء القردة والخنازير
وشفى صدور قوم مؤمنين(20/451)
افيدوني جزاكم الله خير
ـ[بنت الأمارات]ــــــــ[12 - 09 - 05, 02:40 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اولاً جزاكم الله الف خير على هذا المنتدى الرائع والمفيد وجعله الله في ميزان حسناتكم ان شاء الله
ارجو منكم اخواني واخواتي ان تساعدوني في ايجاد هذا الكتاب "فتح المغيث للسخاوي
علماً بأني في دولة الإمارات لذا لم اجد في اي مكتبه هذا الكتاب
ارجو منكم إعطائي رابط لتحميل هذا الكتاب او ان يدلني على اي مكتبه في دولة الإمارات
وجزاكم الله خير
ـ[طويلبة علم]ــــــــ[12 - 09 - 05, 02:54 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة
يمكنك أختي الفاضلة تحميل الكتاب من هنا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=94997#post94997
وفقنا الله وإياك للعلم النافع
ـ[بنت الأمارات]ــــــــ[12 - 09 - 05, 02:57 م]ـ
اشكرك اختي الغاليه على تجاوبك السريع ولدي سؤال عندك إذا تفضلت
انا ام لأربعة اطفال وليس لدي وقت كافي لقراءة كل هي الأجزاء ارد معرفة اي من هذي الأجزاء الثلاثة
يمكنني ان اجد معلومات عن ما جاء في هذا الكتاب حول المزيد في منصل الأسانيد
وجزاك الله الف خير
ـ[طويلبة علم]ــــــــ[12 - 09 - 05, 03:55 م]ـ
ستجدين ذلك في الجزء الثالث ص: 88
وهذا هو الكلام المتعلق بالمسألة
وحينئذ فهذا هو النوع المسمى بالمزيد في متصل الأسانيد المحكوم فيه يكون الزيادة غلطا من راويها أو سهوا وباتصال السند النقص بدونها كقصة الخولاء بيت ثوبية فإنه رواها عبد الله بن سالم عن الزبيدي عن الزهري عن حبيب مولى عروة عن عروة عن عائشة وصوابه رواية شعيب والحفاظ عن الزهري عن عروة نفسه بلا واسطة وكحديث السواك مطهرة للفم مرضاه للرب رواه علي بن عبد الحميد الفطائري عن ابن أبي عمر عن ابن عيينة عن مسعر عن ابن إسحاق عن عبد الله ابن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي عتيق عن عائشة فقوله عن مسعر زيادة رواه الحميدي والحفاظ عن ابن عيينة بدونها ولكن قد رواه داود بن الزبرقان عن ابن إسحاق فأدخل بين أبي عتيق وعائشة القاسم وهو وهم وإن رواه مؤمل عن شعبة والثوري عن ابن إسحاق عن رجل عن القاسم عنها وكذا قال مصعب ابن ماهان عن الثوري فذكر القاسم فيه ليس بمحفوظ ولا يمتنع الحكم بالغلط أو السهو فيما يكون كذلك إذ المدار في هذا الشأن على غلبة الظن فمهما غلب على ظن الناقد أنه الراجح حكم به وبالعكس هذا كله مع احتمال كونه أي الراوي قد حمله عن كل من الراويين إذ لا مانع أن يسمع من شخص عن آخر ثم يسمع من شيخ شيخه وذلك موجود في الروايات والرواة بكثرة
منه قول ابن عيينة قلت لسهيل بن أبي صالح إن عمرو بن دينار حدثني عن القعقاع عن أبيك أبي صالح عن عطاء بن يزيد بحديث كذا قال ابن عيينة ورجوت أن يسقط عني سهيل رجلا وهو القعقاع ويحدثني به عن أبيه فقال سهيل بل سمعته من الذي سمته منه أبي ثم حدثني به سهيل عن عطاء ويتأكد الاحتمال بوقوع التصريح في الطريقين بالتحديث ونحوه اللهم إلا أن توجد قرينة تدل لكونه حيث ما زيد هذا الراوي في هذه الرواية وقع وهما ممن زاده فيزول بذلك الاحتمال وبالجملة فلا يطرد الحكم بشيء معين كما تقرر في تعارض الوصل والإرسال وفي ذين أي النوعين الخطيب الحافظ قد جمع تصنيفين مفردين سمى الأول التفصيل لمبهم المراسيل والثاني تمييز المزيد في متصل الأسانيد.
ـ[بنت الأمارات]ــــــــ[12 - 09 - 05, 04:03 م]ـ
جزاك الله الف خير اختي الغاليه "طويلبة علم"
وجعلة في ميزان اعمالك ان شاء الله
شكراً لك ووفقك الله لما يحبة ويرضاه(20/452)
حياة البخاري للقاسمي
ـ[البهي]ــــــــ[12 - 09 - 05, 03:06 م]ـ
أخواني الكرام: أين أجد كتاب (حياة البخاري للقاسمي) وفي أي دار نشر أجد الكتاب في مصر.
ولكم جزيل الشكر
ـ[أبو زُلال]ــــــــ[12 - 09 - 05, 03:26 م]ـ
بارك الله فيكم. طبع بعناية دار النفائس 1412 - 1992 ببيروت. حققه: محمود الأرناؤوط. وعدد أوراقه: 73 بدون قائمة المارجع والفهارس.
ـ[البهي]ــــــــ[12 - 09 - 05, 04:06 م]ـ
جزاك الله خيرا. وشكر الله لك(20/453)
ارغب فى الحصول على كتاب الناسخ والمنسوخ -السدوسي
ـ[أبو عبدالله العمري]ــــــــ[12 - 09 - 05, 03:26 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
احبتي ارجو تزويدي بكتاب الناسخ والمنسوخ على نظام الوورد
وجزاكم الله خير
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[12 - 09 - 05, 03:43 م]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=37453
ـ[أبو عبدالله العمري]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:28 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
اخي الحبيب اشرف بن محمد اشكرك على تلبية طلبي ولكن اخيك الفقير الى عفو ربه يجد صعوبة فى فتح الملف بعد التحميل او ان جهازي لايستجيب.
حفظك الله من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله(20/454)
شرح كتاب الصيام من بلوغ المرام (العلوان)
ـ[نياف]ــــــــ[12 - 09 - 05, 05:41 م]ـ
شرح كتاب الصيام من بلوغ المرام
للشيخ سليمان ناصر العلوان حفظه الله
ـ[نياف]ــــــــ[01 - 09 - 06, 09:51 م]ـ
يرفع بمناسبة اقتراب شهر رمضان
وبارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا
ونسأل الله العلم النافع والعلم الصالح
ـ[ابن جبير]ــــــــ[02 - 09 - 06, 12:39 ص]ـ
جزاكم الله خيراً
مجهود طيب .. وكذا العمل مع شرح ابن عثيمين .. نفع الله بك(20/455)
هكذا ليكن العالم حمل وثيقة هامة جدا للعلامة بن باز رحمه الله تعالى
ـ[أبو تراب]ــــــــ[12 - 09 - 05, 06:16 م]ـ
طالع نص الوثيقة لتعلم جرأة الرجل رحمه الله تعالى، وقد أرفقتها مع ما فيه من الصور توثيقا للمادة العلمية كما يوجد في الرابط نص المادة الصوتية
http://www.muslemoon.net/audio/alma/binbaz.RA(20/456)
هدية متواضعة مني لاهل الملتقى -شرح لنظم العوامل الجرجانية لعلامة شنقيطي
ـ[صخر]ــــــــ[12 - 09 - 05, 07:22 م]ـ
فتح القدير على نظم التيسير
هذه هدية متواضعة مني لملتقى اهل الحديث
وهي عبارة عن شرح لعلامة شنقيطي على نظمه للعوامل الجرجانية للعالم الجليل ابي بكر عبد القاهر الجرجاني المتوفى سنةاربعمائة واحدى وسبعين هجرية وهي لا تخلوا من بعض الملاحظات في استقامة وزن بعض الابيات فجل من لا عيب فيه وعلا و اترك لشيخنا الشاعر عصام البشير- بشره الله بالفردوس الاعلى-المجال لاجراء التعدبلات ان احب ذلك , كما أعتذر عن سوء التنسيق و الترتيب لقلة خبرتي في الكتابة وارجوا منكم الدعاء لي ولوالدي وعائلتي بالهداية و التوفيق والرشاد.
واسلك مناقل العلوم والسلف**ترقى الى اعلى معالم الشرف
واسأل الله العلي العالي** توفيقك لتدرك المعالي
اخوكم صخر المصمودي الاثري
الحمد لله المتفضل على العبيد بالاعراب عن كلمة التوحيد, و الصلاة و السلام على افصح من نطق بالضاد, و على اله و اصحابه الامجاد, والتابعين لهم باحسان الى يوم الميعاد.
وبعد فهذا تعليق وجيز على نظمنا المسمى (بتيسير الاعراب) الجامع لاهم مااشتمل عليه كتاب (العوامل) للعالم الجليل ابي بكر عبد القاهر الجرجاني المتوفى سنةاربعمائة واحدى وسبعين هجرية وقد سميت هذا الشرح (بفتح القدير على نظم التيسير) وكانت عوامل الجرجاني نثرا ولم يكن فيها تمييز الاسم من الفعل و الحرف, ولم نر عليها شرحا ,و لكني اتكلت على الله في محاولة تقريب علم النحو للمبتدئين في اسلوب محصور بالعدد لكل عامل ومعمول مع علامات الاعراب , وقد كان المؤلف حصر تاليفه في ثلاثة ابواب: الباب الاول منها:في العوامل , و الباب الثاني في المعمول والباب الثالث: في علامات الاعراب , فاتبعت اسلوبه في الابواب وفي ترتيب احكام كل باب , و زدت في البداية مقدمة في تمييز الاسم من الفعل و الحرف وما يعرف به كل واحد منها من العلامات الاولية.
قال الناظم وهو المحفوظ بن محمد الامين بن ابا التنواجيوي الشنقيطي الحوضي:
1 - حمدا لمن اعرب عن وجوده ** بصنعه الكون بمحض جوده
2 – صلى و سلم على محمد ** و اله و صحبه للابد
3 - و بعد ذي مائة حكم شملت**احكام نحو للمهمات حوت
4 - سميتها التيسير للاعراب ** لخدمة السنة و الكتاب
لقد بدا بالحمد و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم اقتداءا بما ورد في الاحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم بين كون النظم يشتمل على مائة حكم متعلقة بالاعراب , وبين ان هذه المائة قد اشتملت و احتوت على مهمات المسائل المتعلقة بالاعراب , كما سيتبين ذلك فيما ياتي من النظم , و قال ان النظم قد سماه (بتيسير الاعراب) ولا شك ان حصر عوامل الاعراب في ستين عاملا , و حصر المعمول فيه من الاسناء والافعال في ثلاثين عاملا , وحصر علامات الاعراب في عشر علامات , و كل هذه الاحكام في اربعة و اربعين بيتا باسلوب يمكن ان يفهمه كل مبتدئ , لا شك ان هذا يظهر فيه تيسير الله عز و جل المقرب للاعراب , وقد بين ان القصد من خدمة فن الاعراب هو ان يكون ذلك وسيلة لخدمة الكتاب و السنة اللذين وردا بلسان عربي مبين
بالاعراب عن مضمون الكلام , ثم قال:
مقدمة
5 - الكلام نحو لفظ للمعنى يتم**واسم وفعل حرف اقسام الكلم
6 - فالاسم بالحس وتنوين وجر**فعل بسين قد وتا و الحرف ذر
الكلام عند النحاة هو اللفظ المركب المفيد بالوضع , فلا بد فيه من ان يكون ملفوظا باللسان و مركبا من كلمتين فاكثر, و لو كان تركيبا معنويا مثل اقرا التي تتركب من فعل الامر و فاعله المستتر , و لابد ان تحصل منه افائدة يحسن سكوت المتكلم عليها , ولا بد ان يكون المتكلم به يقصد الافادة به.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/457)
فخرج باللفظ الخط والاشارة ونحوهما , وخرج بالمركب الكلمة الواحدة مثل المعلم او المدرسة من دون ان يسند خبرا لذلك , و بالمفيد , التركيب غير المفيد نحو: ان قام المعلم , فهذا تركيب لا يشتمل على افادة بهذه الصفة و وقولنا:بالوضع خرج به الكلام الصادر عن النائم مثلا اذا كان مركبا فيه افادة , فلا يسمي كلاما في النحو , لان صاحبه لم يقصد به الافادة لانه نائم , ثم قال: ان الاسم يعرف بالحس, وهو كل ما يدرك باحدى الحواس الخمس مثل , السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و ويعرف بحروف الجر التي سياتي حصرها , ويعرف بالتنوين , والفعل يعرف بالسين وفد , و بالتاء الساكنة, و لا علامة للحرف, ثم قال:
الباب الاول: في العوامل
7 - فللعوامل ستون ثم ذي ** لفظية او معنوية خذي
8 - وقسموا لفظية الى السماع ** مع القياس وللاولى لا نزاع
9 - جاءت حروف جر الاسم من الى ** حتى خلا حاشا عدا في عن على
10 - ومذ ومنذ رب كي واو ولام** و التا لعلى لولا با كاف تمام
يعني ان العوامل تبلغ ستين عاملا , وهذه الستون منقسمة الى عوامل لفظية و اخرى معنوية فاللفظية هي العوامل التي توجد منطوقا بها نطقا صريحا, والعوامل المعنوية هي التي لا ينطق بها بل يكون عملها معمويا لزوما , مثل العامل في رفع المبتدا مثلا , ثم ان العوامل اللفظية تنقسم الى قسمين , فمنها عوامل سماعية محصورة في الفاظ معنوية , و قسمها الاخر قياسي , وسنقدم الكلام على العوامل السماعية , و هي تبلغ تسعة واربعين عاملا كما سيصرح بذلك النظم , و جاء في مقدمتها حروف الجر وهي عشرون حرفا , فمنها (من والى) ومنها (حتى) مثل * حتى مطلع الفجر*ومنها (خلا و عدا و حاشا) وهذه الثلاثة حروف للجر و للاستثناء و يستثنى بها اسما منصوبا فتجعل افعالا , ومنها (في , وعن, وعلى , ومذ, ومنذ, ورب) ومنها (كي) وهي لا تجر الا (ما) الاستفهامية مثل (كيمه) بحذف الف ما و الوقف على هاء السكت بعدها , ومثال ما المصدرية قول الشاعر:
_اذا انت لم تنفع فضر فانما**برجى الفتى كيما يضر و ينفعا
ومثال ان المصدرية قول الشاعر:
اكل الناس اصبحت مانحا**لسانك كيما ان يغر وتخدعا
وهي في هذه المواضع بمعنى اللام , ومنها (لعل) على القول الصحيح عند غالبية النحاة و شاهد ذلك قول الشاعر:
لعل الله فضلكم علينا**بشيءان امكم شريم
بجر كلمة (الله) بعد لعل , ومنها (متى) وه ي في لغة هذيل مثل (من) ومثال ذلك قولهم:اخرج الرسالة متى كمه, اي من كمه , ومن حروف الجر (الواو) و (التاء) في القسم ومنها (الباء) و (الكاف) و (اللام) و (لولا) , ولحروف الجرمعاني جميلة للغاية اعرضنا عن تتبعها للاختصار فطالعوها في المطولات, [1] ثم قال:
11 - حروف نصب الاسم ان ان ثم**كان ليت عل لكن تضم
12 - كذا الا عند تمام الموجب**ولالنفي الجنس ايضا تحسب
13 - ماقبل الا بعد نصب يرفع**اسما كذاك لا لذا فاستمعوا
يعني ان الحروف التي تنصب الاسم ثمانية وهي (ان) بكسر الهمزة و (ان) بفتحها و (كأن) و (ليت) و (لعل) وفيها لغة ب (عل) بحذف اللام الاول , وهي التي مشى عليها النظم للوزن, و (لكن) , ومنها (الا) التي جاءت للاستثناء من كلام تام غير منفي , اما اذا كان تاما منفيا فالاستثناء بها قد ينصب فيه المستثنى و قد يرفع ,ورجح بعضهم في هذه الحالة رفع الاسم المستثنى بعد الكلام التام المنفي اذا كان الاستثناء متصلا, اي المستثنى فيه يعد من جنس المستثنى منه او من نوعه مثل , ما تاخر احد الا رجل اعرج , برفع رجل , واما اذا كان الاستثناء بعد الكلام التام المنفي فالاولى فيه النصب مثل:لم يبق في دارهم احد الا وتدا , فالوتد ليس من جنس المستثنى منه.
ومن الحروف التي ينصب الاسم بعدها (لا) النافية للجنس مثل: لا رجل يرضى بالعار وهذا المثال وارد في عملها في الاسم الذي ليس مضافا و لا شبيها بالمضاف , وهي تركب معه , ويبني على الفتح مثل: لاحول ولا قوة الا بالله , ويظهر النصب تماما في المضاف و شبيه المضاف , مثال المضاف قولهم: لا طال علم محروم , ومثال شبيه بالمضاف وهو (كل اسم يعمل فيما بعده اي عمل) (لا طالعا جبلا عندنا) ,ثم ذكر ان ما قبل (الا) من هذه الحروف وهي (ان وان وليت ولكن ولعل وكأن) فانها بعد نصبها الاسم ترفع الخبر مثل *ان الله غفور رحيم* (وليت الاستاذ حاضر) , وكذلك ما بعد (الا) من هذه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/458)
الحروف الثمانية وهي (لا) التي لنفي الجنس فانها بعد نصبها للاسم ترفع الخبر مثل:لا طالبَ علم محرومُ, ثم قال:
14 - وما ولابمعنى ليس ترفعان**اسما وتنصي المتم فاستبان
يعني ان (ما) النافية و (لا) النافيةالمشبهتان بليس ,ترفعان الاسم وتنصبان الخبر مثل عمل ليس , ولكن (لا) لاتعمل الا في الاسماء النكرة مثل قول الشاعر:
تعز فلا شيءٌ في الارض باقيا**ولا مما قضى الله وافيا
فرفع (شيءٌ) وهو نكرة على انه اسم لها و نصب (باقيا) وهونكرة كذلك على انه خبر لها.
واما (ما) فانها تعمل عمل ليس باربعة شروط , وهي: كونها لاتزاد بعدها (ان) لانها لاتزاد بعد (ليس) وما لايقبل في المشبه به فوجوده مع المشبه ببعده عن المشبه به , و الثاني: ان لا يبطل النفي عن خبرها , والا فلا تعمل مثل: ما زيد الا كريم , فخبرها بطل عنه النفي فبقيت هي بدون عمل , وصارت الجملة من مبتدا و خبر قبلهما حرف نفي وبينهما حرف حرف حصر , والشرط الثالث: لا يتقدم خبرها على اسمها فلا بد لصحة عملها من ان يكون اسمها قبل خبرها مثل: ما زيد لئيما , فلو قدم الخبر على الاسم بطل عملها , و الشرط الرابع: ان لا يتقدم معمول خلرها على اسمها , الا اذا كان معمول خبرها ظرفا او جارا او مجرورا, ثم قال الناظم:
15 - احرف نصب للمضارع كأن**ولن وكي ومع هذه اذن
16 - وجزمه بكلمات مثل لم**لما ولام الامر ثم لا وثم
17 - فعلين ان مهما ومن كذاك ما **اين متى ثم انىواي حيثما
18 - اذما اذا ما شرطها مقدم**وبعده الجزا بذا قد جزموا
لقد كان المصنف في السابق يتكلمعلى عوامل الاسماء السماعية, و الان شرع يتكلم على العوامل لبتي تعمل في الفعل المضارع , وبدأ بعومل نصبه فذكر منها اربعة , وهي (ان) بفتح الهمزة و سكون النون و (لن) و (كي) و (اذن) مثل *وان تصوموا خير لكم*و*لن يفبح قوم ولوا امرهم امرأة*و *كي تقر عينها * وماترك من نواصب الفعل المضارع فهو فرع عن الاربعة المذكورة , ومشبه بها مثل لام كي , وفاء الجواب وواوه , والواو التي بنعنى حتى ,فان كل واحد منها تقدر بعده (ان) مستترة.
واما جوازم الفعل المضارع فذكر منها خمسة عشر, وهي (لم ولما) التي لنفي الماضي مثل *لم يلدولم يولد* و (لما) النفي بها يستغرق الماضي كله بخلاف (لم) فانك يمكن ان تقول:لم يرتكب ذلك الا في اخر حياته , ولا يمكن ان تجعل محلها (لما) لشدة استغراق نفيها لما مضى الى الحالي , ولام الامر مثل *لينفق ذو سعة من سعته* و لا الناهية مثل *لا تحزن عليهم* ومثلها (لا) للدعاء مثل:*لاتواخذنا ان نسينا او اخطانا* والفرق بين (لا) التي للنهي و التعي للدعاء هو كون (لا) اذا كانت صادرة من الاعلى لعبده او من تحته فهي نهي , وان كانت صادرة من الاسفل فهي دعاء ومثلها (لام) الامر ,وهذه الجوازم الاربعة حروف , ومعها جازمان اخران من الحروف وسننبه عليها بعد, وباقي الجوازم اسماء, ثم ان الجوازم التي سبقت لا تجزم الا فعلا واحدا اما ما ياتي منها فانه يجزم فعلين , وهذا هو ما اشار اليه الناظم بقوله في اخر البيت الثاني من الابيات السابقة واول الثالث الى تمام الربع (ثم. فعلين ان مهما ومن) الخ بمعنى ان الجوازم يوجد فيهامايجزم فعلين مثل (ان) و (مهما) نحو *ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف * *ان يشأ يرحمكم* و *مهما تاتنا به من اية لتسحرنا بها *الاية, ومثال (مهما) هنا لا يظهر فيه جزم الجواب لانه جملة , وجزمها معنوي فهي في محل جزم , وهي قوله سبحانه *فما نحن لك بمومنين* و (من) مثل *من يعمل سوءا يجز به* و (ما) مثل*وما تفعلوا من خير يعلمه الله*و (اين) فثي ظرف مكان مثل *اينماتكونوا يدرككم الموت* و (متى) فهي ظرف زمان مثل قول الشاعر:
ولست بحلال التلاع مخافة**ولكن متى يسترفد القون ارفد
والشاهد في الشطر الاخير و (انى) مثل قول الشاعر:
خليلي انى تاتياني تاتيا**اخا غير مايرضيكما لا يحاول
و الشاهد في الشطر الاول منه , وهي ظرف مكان , و (اي) معناها بحسب ما تضاف اليه وهي اسم , ومثال الجزم بها , اي شيء تفعله افعله معك , بجزك فعلين ,او:اي وقت تسافر اسافر انا و (حيثما) وهي ظرف مكان نحو: حيثما تذهب اذهب معك , ومثله قول الشاعر:
حيثما تستقم يقدر لك الله ** نجاحا في غابر الازمان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/459)
و (اذما) وهي حرف عند سيبويه, وقال المبرد انها اسم , وهي بمعنى (ان) مثل قول الشاعر:
وانك اذ ما تاتي ما انت امر**به تلف من اياه تامر اتيا
و (اذا ما) مثلها.
فهذه هي جوازم الفعل المضارع , و الجوازم التي تجزم فعلين, الاول منها يسمى فعل الشرط والثاني يسمى فعل الجواب او الجزاء , ثم قال:
19 - فذي عوامل سماع عد طم**وتسعة فيها القياس منحتم
يعني ان الجزء السماعي من العوامل هو الذي تقدم ذكرع وعدده يساوي عدد نقط حروف (طم) بحساب الجمل , وهو تسعة و اربعون, و القسم الثاني من العوامل اللفظية هو العوام القياسية وهو تسعة و الى تعدادها اشار بقوله:
20 - فالفعل مطلقاان تم اونقص*يرفع وقد ينصب بنسخ اواخص
21 - كذاك اسم فاعل كفعله**واسم لمفعول ركب لجهله
يعني ان العوامل اللفظية القياسية ياتي في مقدمتها الفعل سواء كان فعلا تاما او ناقصا و الفعل التام هو الذي يكتفي بفاعله المرفوع , والناقص هو الذي لا يكتفي بمرفوعه , وغالبا ما يكون من اخوات كان مثل (فتيء) و (ليس) و (زال) , فلا يكتفي واحد منها بمرفوعه فيكون تاما , وقد لا يكتفي به فيكون ناقصا , وعلى كل حال فكل فعل يعمل الرفع للاسماء سواء كان تاما او ناقصا ,وقد يعمل النصب للاسماء على وجه النسخ بالابتداء مثل ظن و اخواتها , ومثل كان واخواتها في نصبها للخبر , وقد تنصب الافعال الاسماء على وجه انها مفاعيل لها على وحه ليس فيه نسخ للابتداء , وهذا هو معنى قول الناظم (وقد ينصب بنسخ او اخص).
ثم قال: ان من العوامل اللفظية القياسية اسم الفاعل ,فانه يعمل كعمل فعله بشرطين
احدهما:ان يكون بعيدا عن الدلالة على الماضي , بان يكون دالا على الحال او الاستقبال , والشرط الثاتي:ان يستند و يعتمدعلى شيء قبله يقربه من معنى الفعل , مثل الاستفهام, او النفي , او يكون صفة , او مسندا الى اسم اخر نحو: اقائم زيد , او: ماقام زيد الان او غدا.
ومن العوامل اللفظية القياسية كذلك:اسم المفعول ,فانه يعمل عمل الفعل المسند للمجهول نحو: مكره اخوه لا بطل , برفع (اخيه) على انه مفعول لم يسمى فاعله , فهو مرفوع بالنيابة عن فاعله, وشرط عمل اسم المفعول مثل شروط عمل اسم الفاعل تماما , وهي الدلالة على الحال او الاستقبال مع الاستناد على ما يقربه من الفعل , مثل الاستفهام او النفي او كونه صفة او مسندا الى اسم اخر , ومعنى قول الناظم (ركب لجهله) يعني ان اسم المفعول بمنزلة الفعل الذي جهل فاعله فانه يركب في اللفظ مع مفعوله و يرفع به من اجل فاعله
ثم قال:
22 - وصفة مشبهة بالفاعل**وافعل التفضيل ايضا قابل
23 - الحاق مصدر بفعل نقلوا**و الاسم ان اضيف جرا يعمل
24 - ونصب التمييزاسما انبهم**وما بمعنى الفعل يعطي ماارتسم
يعني ان الصفة المشبهة باسم الفاعل تعمل عمل الفعل الذي اشتقت منه , وهي من العوامل اللفظية القياسية , وهي تفترق مع اسم الفاعل بكومها تضاف لفاعلها في الاصل مع استحسان ذلك و اسم الفاعل ليس كذلك فاضافته الى فاعله علة غير مستحسنه , واسم الفاعل يكون من الفعل المتعدي و اللازم , والصفة المشبهةبه لا تكون غالبا الا من اللازم , وشروط اسم الفاعل التي اشترطت لعمله مشترطة في الصفة المشبهة به وقد تقدمت , الاانها هي لا تعمل في المستقبل بخلاف اسم الفاعل , وهي ترفع الفاعل و تنصب المفعول و تجر بالاضافة , ولها احكام كثيرة تراجع في المطولات.
ومن العوامل اللفظية القياسية (افعل) الدالة على التفضيل , و الغالب فيها انها ترفع الضمير في لغة جميع العرب مثل قولك:زيد افضل من عمرو, واما رفعها للاسم الظاهر ففيه خلاف بين العرب , وقد حكى سيبويه عن بعض العرب كونه يرفع الظاهر ولو لم يعاقب الفعل ,اما ان عاقب الفعل وكان في موضع لو ازيل منه وجيء بفعل مكانه لكان صالحا , فانه في هذه الحالة يرفع الظاهر بكثرة مثل ,مارايت رجلا احسن في عينيه الكحل منه في عين زيد, فالكحل مرفوع بافعل التفضيل على وجه القياس لانه هنا يمكن ان ينوب عنه الفعل فنقول: مارايت رجلا يحسن في عينيه الكحل كحسنه في عين زيد , وهي تجر بالاضافة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/460)
ثم ان من العوامل اللفظية القياسبة: (المصدر) ,فهو يعمل عمل فعله بشرط ان يمكن ان يحل محله الفعل مقرونا ب (ان) او (ما) المصدرية مثل: اعجبني قيامك , اي ان تقوم , وعجبت من قيامك, اي مما تقوم , ويعمل في الجر بالاضافة وكل اسم اضيف فانه يعمل الجر فيما اضيف اليه بكيفية قياسية, وعليه فالاضافةمن العوامل اللفظية القياسية.
ومن العوامل القياسية: النصب على التمييز بالمبهم ,فعندما يقع ابهام والتباس بين الذوات فالاسم المفسر الذي قد انبهم ينصب التمييز فالمبهم هو العامل اللفظي الذي نصب الاسم.
ومن العوامل اللفظية القياسية كذلك:جميع الالفاظ التي تاتي بمعنى الفعل مثل اسم الفعل ونحوه فانه يعمل الفعل مثل:دونكزيد, اي خذه, فدونك هنا اسم فعل بمعنى الفعل.
ثم قال:
25 - وعامل المعنى لرفع المبتدا**ورفع ماضارع ايضا قد بدا
يعني ان العوامل المعنوية اثنان فقط ’ وهما: عامل رفع المبتدا , فانه يعد عاملا معنويا ,وع ان البعض يقول انه مرفوع بالخبر , فالصحيح انه مرفوع من اجل كونه عمدة في الكلام يعتمد عليه و هي مايصلح المعنى لوجوده و يختل لعدمه , ومن حق العمدة الرفع ,وهذا عامل معنوي , و العامل المعنوي الثاني: هو رافع الفعل المضارع المجرد من عوامل النصب و الجزم ’ فانه عامل معنوي , ولعله ملحوق بالمبتدا في الرفع بالعامل المعنوي , ثم قال:
الباب الثاني: في المعمول
26 - ثم ثلاثون من الاحكام**اتت في معمول فخذ كلام
27 - وهو على ضربين معمول اصيل**ومعمل بالاتباع كالدخيل
28 - واول بالرفع و النصب وجر**لاسم وجزم للمضارع استقر
يعني ان المعمول يبلغ تعداده ثلاثون معمولا , خمسة و عشرون منها معمولات بالاصالة, وخمس معمولات بالتبعية ,و المعمولات بالاصالة منها مجموعة مرفوعة , ومجموعة منصوبة و الرفع و النصب مشتركان بين الاسماء , ومنها ماهو مجزوم و الجزم خاص بالافعال , وقد شرع في تبيين المرفوعات فقال:
29 - فالرفع في الفاعل مع نائبه**ومبتداو خبر فانتبه
30 - واسم لباب كان و الخبر من**باب لان مثلها لا فاستبن
31 - واسم ما ولا بمعنى ليس ثم**مضارع من نصب اوجزم سلم
يعني ان الرفع وهو يشمل تسعة انواع ياتي في الفاعل ,وهوالاسم المرفوع المذكور قبله فعل تام اصلي الصيغة مثل:جاء المعلم , وكتبت الدرس , فالمعلم هو فاعل فعل جاء ,وهو ظاهر غير ضمير واما الفاعل هو ضمير فمثاله التاء من قولك:كتبت الدرس
والمرفوع الثاني:النائب عن الفاعل وهو الاسم المرفوع المذكور بعد فعل جهل فاعله , او حذف للاختصار ,اواريد اخفاء اسمه على الناس ,مثاله: سرق المتاع وانت لا تعرف من سرقه, او تريد اخفاءه , ولا بد في الفعل المسند للنائب عن الفاعل من ضم حرفه الاول وكسر ما قبل اخره ان كان ماضيا كالمثال السابق ,وان كان مضارعا ضم اوله وفتح ما قبل اخره كقولك: يكرم زيد بضم الياء وفتح الراء.
و المرفوع الثالث:المبتدا: وهوالاسم المرفوع الذي لم يعمل فيه عامل ظاهر وخبره المفرد مرفوع كذلك وهو الرابع , مثالها: العلم نور.
و المرفوع الخامس:هو اسم باب (كان) واخواتها وهي (امسى وظل وبات واثبح وصار و ليس و زال و برح و ما فتئ وماانفك ومادام) فهذه العوامل ترفع الاسم و سياتي انها تنصب الخبر , مثال ذلك *وكان الله غفورا رحيما* وبات:بات الليل مقمرا و اصبح الجو جميلا.
و المرفوع السادس: خبر (ان) واخواتها وهي: (ان وليت ولعل وكأن ولكن) فهذه العوامل الستة سياتي انها تنصب الاسم وهنا المراد ذكر كون خبرها مرفوعا بعد الاسم المنصوب نحو: ان زيدا عالم ولكن اخاه جاهل , وليت الاستاذ عالم بذلك.
والمرفوع السابع:خبر (لا) التي لنفي الجنس مثل:لا طالب علم محروم , برفع (محروم) على انها خبر لا, اما اسمها فمنصوب و سيذكر مع المنصوبات.
و المرفوع الثامن: اسم (ما) و (لا) المشبهتين بليس مثل: مازيد بجاهل ,م (لا) مثالها: لا شيء على ارض باقيا انت تتعلم الادب , وتكتب الدرس, ثم قال:
والمرفوع التاسع: الفعل المضارع الذي لم يدخل عليه عامل نصب و لاجزم مثل:
32 - والنصب في ثلاثة اعشر لزم**مفعول مطلق ومفعول علم
33 - والظرف و المفعول له ومعه **و الحال و التمييز فاعرف حده
34 - ومستثنى وخبر لباب كان**واسم لباب ان فاعرف البيان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/461)
يعني ان المنصوبات تبلغ ثلاثة عشر منصوبا ,اولها:المفعول المطلق ,و يعرفه بعض الطلبة بالمصدر, وهو الاسم الذي ياتي في الدرجة الثانية عند تصريف الفعل على المذهب الكوفي الذي يقول: ان الفعل هو الاصل , مثل:تعلم يتعلم تعلما وحفظ يحفظ حفظا.
و المنصوب الثاني:المفعول به وهو معروف عند الطلبة بكونه الاسم المنصوب بعد فاعل الفعل , نحو:كتبت الدرس, وفهمت الحكم.
و المنصوب الثالث:الظرف وهو الاسم الدال على وقت من الزمن , او مكان من الامكنة نحو:جاء الامام يوم الجمعة و جلس امام بعض الصفوف وتاخر وراء صفوف , فكلمة (يوم) ظرف زمان , وكلمة (امام ووراء) كل منهما ظرف مكان , و المنصوب بالظرفية اكثر من ان يحصر.
الرابع: المفعول لاجله, وهو الاسم الدال على ان بعض الاعمال يقام بها من اجل حصوله مثل: قمت اجلالا لمعلمي , وتعبت في التعلم طردا للجهل ,فكلمة (طردا) مفعول لاجله وكذلك كلمة (اجلالا)
و المنصوب الخامس [2]:المفعول معه
المنصوب السادس: الحال ,وهو اسم تفسر به الحالات المنبهمة اي الغامضة ,مثلا: اذا كان صديقك في اجتماع فيه مزاحمة على الحصول على شيء , وهو يؤيد بعض الحاضرين و اخبروك انه قدم وانت تريد ان تعرف هل نجح قومه ام لا تقول: كيف كان حاله وقت قدومه , فاذا قالوا لك: جاء ضاحكا مبتهجا , فقد بينوا الحالة التي لم تكن تعرفه قبل ذكر الحال , وهو لا يكون الا اسما نكرة و الكلام يتم دونه و الاسم الذي يراد تبيين حاله لا يكون في الغالب الا معرفة.
و المنصوب السابع: التمييز , وهو الاسم الذي تفسر به الذوات المنبهمة اي الملتبسة على السامع مثل قولك: قد قدمت على المدرسة و معي خمسة لله الحمد , فهذه الخمسة لم نعرف من اي شيء هي , فاذا قلت: دفاتر فقد ميزتها , او تقول هذا التلميذ له علي اربعون في ذمتي , فان هذه الاربعين لم يتميزلنا من اي الذوات هي , فاذا قلت اوقية فقد ميزتها لنا عن غيرها.
و المنصوب الثامن: المستثنى (بالا) ينصب بعد الكلام التام الموجب نحو: كل البشر سيدخلون الجنة الا الكفار , بنصب الكفار على الاستثناء.
و المنصوب التاسع: خبر كان واخواتها , مثل:ان زيدا عالمُ ولكن ابنه كسول ولعل الله يتداركه بالعناية فينجح ويترك الكسل. ثم قال:
25 - واسم لا لنفي جنس او خبر** لنا ولا مشبهتا ليس استقر
26 - وبدخول عامل النصب على**مضارع فانصبه ايضا تفصيلا
والمعمول الحادي عشر: هو اسم (لا) النافية للجنس , والتي قد سبق ان ذكرنا كون خبرها مرفوعا , واما اسمها, فهو منصوب وقد فصلنا بعض الكلام عليها عند ذكرها بين العوامل و قلنا انها تنصب الاسم المفرد , ويبنى معها على الفتح نحو:*لا حول ولاقوة الا بالله* واما الاسم المضاف وشبيه المضاف فانها تنصبها نحو:لا طالع جبل عندنا.
و المنصوب الثاني عشر: خبر ما ولا اللتان شبهتا بليس نحو * لا احد خيرا من احد الا بالعلم و التقى , و ما الباذل لواجبات المال ببخيل
والمنصوب الثالث عشر:المضارع الذي دخلت عليه عوامل النصب , نحو *لن نبرح الارض* ثم قال:
37 - والجر جا في اثنين حرف الجر** مع الاضافة كقبح الشر
38 - والجزم في مضارع قد دخلا**عليه جازم كما للفصلا
يعني ان الجر في مسالتين وهما: الجر بأحد حروف الجر , و الجر بالاضافة و قد مثل لهما النظم بقوله (كقبح شر) فقوله (كقبح) جار و مجرور و الشر مجرور بالاضافة.
وذكر عامل الجزم الذي هو خاص بالافعال , فقال: ان الفعل المضارع اذا دخل عليه احد عوامل الجزم التي تقدم ذكرها , وحصرها في خمسة عشر عاملا , اذا دخل احدهما على الفعل المضارع فانه يجزم مثل *لم يلد ولم يولد* و*ان يمسك بخير فلا راد لفضله*, ثم قال:
39 - اما العوامل التي بالتبع ** فخمسة كالنعت و العطف فع
40 - مؤكد وبدل عطف البيان ** فذي ثلاثون اتت مع البيان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/462)
يعني ان العوامل التي تاتي معمولا فيها بالتبعية خمسة , وهي (النعت) مثل: العالم السني افضل الناس, و (العطف) مثل *محمد رسول الله و الذين معه اشداء على الكفار* و (ابوبكر و عمر افضل الصحابة) و التاكيد مثل قولك الصحابة كلهم عدول, و (البدل) نحو قولك: جاء صديقي صالح متعلما , و (عطف البيان) مساو للبدل في اكثر الاحوال و لا يفترقان الا في حالتين تنظر لهما المطولات , فهذه هي اخر افراد المعمول التي بلغ عددها ثلاثين مسالة , ثم قال:
الباب الثالث: في علامات الاعراب
41 - علامة الاعراب حرف حركة**وعنهم قد جاء حذف فاتركه
42 - و الحركات ضم فتح كسر زد**و الحرف واو يا الف نون ترد
43 - و الحذف للنون وحرف العلة ** في جزم ماضارع و الحركة
يعني ان علامات الاعراب عشرة , وهي اما حركة , او حروف تنوب عن الحركات , او حذف يكون علامة للاعراب في بعض المواضع , و الحركات ثلاث , وهي الضمة و تظهر في الاسم المفرد و جمع التكسير, و جمع المؤنث السالم , و الفعل المضارع الذي لم يتصل شيء باخره , و الفتحة , وتظهر في الاسم المفرد , و جمع التكسير و الفعل المضارع , اذا دخل عليه ناصب , والكسرة تكون علامة في ثلاثة مواضع , و هي الاسم المفرد وجمع التكسير وجمع المؤنث السالم , واما الحروف فاربعة وهي (الواو والياء والالف و النون) ,فاما (الواو) فتكون علامة للرفع في موضعين هما جمع المذكر السالم, مثل:الصالحون , والاسماء الخمسة وهي (ابوك واخوك وحموك وذو مال وفوك) , واما الالف فتكون علامة للرفع في تثنية الاسماء فقط وتكون علامة للنصب في الاسماء الخمسة اعني: اباك و اخاك وحماك وذا مال وفاك) , واما (الياء) فتكون علامة للنصب في موضعين هما: حمع المذكر السالم , و تثنية الاسماء , مثل:رايت رجلين من القادمين على القرية , وتكون علامة للجر في ثلاثة مواضع , وهي الاسماء الخمسة , وتثنية الاسماء وجمع المذكرالسالم مثل: رأيت بابيك واخيك وحميك وذي مال, وبرجلين من العالمين , واما النون فتكون علامة لرفع المضارع الذي اتصل باخره الف تثنية, او ياء مخاطبة, او واو جناعة مثل: يفعلان و تفعلين وتفعلون , واما الحذف فانواعه ثلاثة:اما حذف الحركة ويسمى بالسكون , وذلك يكون علامة للجزم في المضارع الصحيح الاخر , واما بحذف حرف العلة وهو (الواو والياءوالالف) وذلك يكون علامة للجزم في المضارع المعتل الاخر , مثل: (لم يخش ولم يدع ولم يرم) , واما حذف النون فيكون علامة للجزم في الفعل المضارع الذي اتصل باخره الف تثنية ,او واو جماعة, او ياء مخاطبة, نحو: لم يفعلا , ولم يفعلوا, ولم تفعلي وكذلك جميع هذه الافعال الثلاثة اذا دخل عليها عامل تصب نحو: لن يفعلا , ولن يفعلوا , ولن تفعلي.
فهذه العلامات العشر للاعراب و التي هي الحركات الثلاثة: (الضمة و الفتحة و الكسرة) , والحروف النائبة عن الحركات , وهي اربعة: الالف و الواو و الياء و النون و الحذف في اقسامه الثلاثة وهي: حذف الحركة , وحذف حرف العلة ,وحذف النون , فهذه العشرة اذااجتمعت مع المعمول , وهو ثلاثون , و ضم الجميع الى العوامل , وهي ستون , فان ذلك يكون تمام مائة حكم وافية , ومن استحضر هذه المائة فقد استكمل خيرا كثيرا مما ينفعه في حل مشاكل القران و الحديث الشريف.
وبهذا ينتهي التعليق الذي اردنا وضعه على نظمنا المسمى (بتيسير الاعراب) اللذين نرجوا من الله عز وجل ان يجعلهما خالصين لوجه سبحانه , وان ينفع بها ابناء اهل الاسلام نفعا كبيرا , وان يجعل فيها البركة و التيسير , انه على كل شيء قدير, و بالاجابة جدير.
وفي الختام قال:
44 - فهذه عشر اتت في الاعراب**عوامل الجرجان جاءت بانتخاب
45 - و الحمد والصلاة و السلام**على الذي كان به الختام
انتهى بحمد الله و حسن عونه , على يد كاتبه و جامعه (محمد المحفوظ ولد محمد الامين ولد اب التنواجيوي الشنقيطي الحوضي) غفر الله له و لوالديه و لجميع المسلمين امين, وكان الفراغ منه ليلة الاحد السادسة و العشرين من شهر جمادى الاولى عام الف و اربعمائة وثمان هجرية, الموافق للسادس عشر من يناير عام الف و تسعمائة وثمان و ثمانين , والحمد لله رب العالمين , والصلاة و السلام على اشرف المرسلين و على اله و صحبه اجمعين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظرها في التعليق على الايضاح المفهوم ص (6)
[2] وهو اسم وقع بعد واو نائب عن _مع) مثل:جاء زيد والطريق. اي مع الطريق
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[12 - 09 - 05, 07:39 م]ـ
جزاكم الله خيرا أخي الفاضل .. أكمل بارك الله فيك فأنت على ثغر ..
فنشر علوم المغاربة لا سيما الشناقطة ضروري جدا لحفظ تراث هذا الجزء الهام من الامة، وتراثها لاسيما التعليمية في القمة زادهم الله علما وفضلا ....
وماذا في جعبتك أيضًا؟!!!!!! بشرنا بشرك الله بالجنة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/463)
ـ[صخر]ــــــــ[12 - 09 - 05, 07:58 م]ـ
عندي مجموع -المداخل الاولية لدراسة علوم اللغة العربية- فيه شرحه لنظم عبيد ربه -الايضاح المفهوم- وشرح لمتن في البلاغة -لا ادكر اسمه- واختصار للامية الافعال مع شرحه له ولكنني بطيء في الكتابة حبدا لو كان عندي برنامج الكتابة الصوتي-بحيث اتكلم-والبرنامج يكتب-ولكنني لم اجده فارجوا من الاخوة المساعدة
ـ[أبو تراب]ــــــــ[12 - 09 - 05, 08:01 م]ـ
جزاكم الله خيرا أخي الفاضل .. أكمل بارك الله فيك فأنت على ثغر ..
فنشر علوم المغاربة لا سيما الشناقطة ضروري جدا لحفظ تراث هذا الجزء الهام من الامة، وتراثها لاسيما التعليمية في القمة زادهم الله علما وفضلا ....
وماذا في جعبتك أيضًا؟!!!!!! بشرنا بشرك الله بالجنة
وماذا في جعبتك أيضًا؟!!!!!! بشرنا بشرك الله بالجنة
ـ[سعود3]ــــــــ[12 - 09 - 05, 10:13 م]ـ
بارك الله في عملك
لو نسختها على ملف وورد لكان أعم للفائدة
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[14 - 09 - 05, 12:28 م]ـ
ها هي لكنها ليست منسقة كما ينبغي:
ـ[ابو سعد الحميّد]ــــــــ[16 - 09 - 05, 11:09 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بارك الله فيك أخي الغالي صخر، إني أبحث عن شرح الفطاني على العوامل للجورجاني منذ أمد بعيد فهل أحد يفيدنا عن هذا الكتاب أي معلومة ولو كانت بسيطة؟؟؟؟(20/464)
حمل شرح العلامة محمد بن محمد المختار الشنقيطي على جامع الترمذي
ـ[أبو تراب]ــــــــ[12 - 09 - 05, 09:41 م]ـ
على الله توكلنا
و مع كتاب الطهار ة ج 1
1. حقوق العلم والعلماء
2. مقدمة شرح كتاب سنن الترمذي
3. بَاب مَا جَاءَ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ
4. بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الطُّهُورِ
5. بَاب مَا جَاءَ أَنَّ مِفْتَاحَ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ
6. بَاب مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ (آداب الخلاء)
وانتظروا البقية تباعاً
محبكم أبو تراب
ـ[أبو تراب]ــــــــ[12 - 09 - 05, 11:32 م]ـ
الجزء الثاني
7. شرح حديث: ((مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ الصَّلَاةُ وَمِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الْوُضُوءُ))
8. بَاب فِي النَّهْيِ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ
9. بَاب مَا جَاءَ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ
10. بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ قَائِمًا
11. "بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ قَائِمًا "و"بَاب الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ
12. بَاب مَا جَاءَ فِي الِاسْتِتَارِ عِنْدَ الْحَاجَةِ "و"بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ "
13. "بَاب الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ
14. "بَاب مَا جَاءَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرَيْنِ" و"بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ مَا يُسْتَنْجَى بِهِ" و"بَاب مَا جَاءَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ"
وانتظروا البقية(20/465)
هل تم اصدار الموسوعة الشاملة الاصدار الثاني؟
ـ[أشرف المصرى]ــــــــ[12 - 09 - 05, 10:51 م]ـ
هل تم اصدار الموسوعة الشاملة الاصدار الثاني؟
وما هي اخر اخبار الموسوعة الشاملة
ـ[محمد سعيد]ــــــــ[13 - 09 - 05, 04:57 ص]ـ
نحن جميعا بانتظارها , وقد كان من المفترض أن تنزل منذ فترة لكنهم تأخروا علينا , ولعل المانع خيرا بإذن الله
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[13 - 09 - 05, 05:19 ص]ـ
نعم لقد تأخرت الموسوعه نسأل الله عز و جل ان يوفق كل العاملين فيها و على رأسهم الاخ الكريم الدكتور نافع و الشيخ الفاضل ابو المعاطى الى ما فيه الخير
عمل ضخم مثل الموسوعة الشاملة يحتاج الى مراجعه و تمحيص للكتب و الخدمات و لو تأخر قليلا ليس مشكله
ـ[أسامة عباس]ــــــــ[13 - 09 - 05, 01:31 م]ـ
وليس مطلوبًا منا الآن إلا الدعاء لهم أولاً بأن يجزيهم الله أحسن ما عملوا .. وأن يرزقهم الإخلاص في عملهم هذا .. وأن يدخلهم الجنة ويزحزحهم عن النار .. وأن يرزقهم لذة النظر إلى وجهه .. وثانيًا ندعو الله أن ييسر لهم ويعينهم ويسددهم ..
ـ[أبو يوسف القحطاني]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:22 م]ـ
جزى الله الإخوة خيرا، وأتمنى مراجعة هذا الكتاب الرافضي في الموسوعة والتأكد من صلاحيته.
كتاب: فرج المهموم
ـ[الطيماوي]ــــــــ[05 - 10 - 05, 10:07 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تقبل الله منا ومنكم رمضان
وعدتكم بإنزال الشاملة كاملة معدلة بمعنى ليس عليك سوى تنزيل الملف مكان الشاملة القديمة
وستعمل لديك مع التعديلات جاهزة ومجهزة بس نزلها علما بأنها ملف واحد حجمة 400 ميجا
ملاحظة هامة جدا:
لا بد من تنزيل الملف بدلا من الشاملة القديمة حيث أجريت تعديلات على الأكسس بحيث في المرات القادمة لن تحمل ملف كبير الحجم فقط سأنزل ملف واحد صغير الحجم وستنزل من خلاله التعديلات مباشرة، ومن لم يحمل ملف الموسوعة الشاملة المعدلة (1) لن تظهر عنده هذه التعديلات فيما بعد، لذلك أشدد على وجوب إنزال الملف
ملاحظة هامة: احذف الشاملة القديمة، وأنزل بدلا منها الشاملة المعدلة (1)، أو في نفس المكان الذي نزلت عليه الشاملة القديمة نزل الملف وقم بفكه بواسطة win rar، وستخرج لك رسالة تقول الملف موجود مسبقا هل تريد استبداله: الجواب: نعم، أما عملية التنصيب فهي هي لم تتغير
غير انك لست بحاجة لفك ضغط ملفات data حيث فككتها وأرحتك منها.
اذهب للرابط التالي: ستجد في داخلة زر مكتوب عليه dawnload اضغط عليه وسيبدأ التنزيل
http://s46.yousendit.com/d.aspx?id=361PJKIP1LU0
[تعليق مُعِدّ الكتاب للشاملة]
3S8CFZPSGIBV3
إذا قامت ادارة الملتقى بحذف المشاركة أرسل لي رسالة خاصة: وسأبعث لك بالرابط:
ـ[أشرف عبد الله]ــــــــ[05 - 10 - 05, 12:05 م]ـ
الرابط محجوب!
ـ[محمد سليم]ــــــــ[05 - 10 - 05, 02:53 م]ـ
الرابط محجوب
ـ[الطيب وشنان]ــــــــ[06 - 10 - 05, 01:22 ص]ـ
الرابط محجوب
ـ[أبو الربيع السلفي]ــــــــ[06 - 10 - 05, 01:34 ص]ـ
File Transfer: Unavailable
Unfortunately, the link you have clicked is not available.
Your transfer cannot be completed. The file has most likely exceeded its allotted bandwidth or has been removed by the original sender or a recipient.
ـ[علاء شعبان]ــــــــ[06 - 10 - 05, 01:37 ص]ـ
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته:
هذا ما ظهر في بعد الضغط على الرابط فماذا أفعل؟
Unfortunately, the link you have clicked is not available.
Your transfer cannot be completed. The file has most likely exceeded its allotted bandwidth or has been removed by the original sender or a recipient.
A D V E R T I S E M E N T
وجزاكم الله خيراً
ـ[أبو المعاطي]ــــــــ[06 - 10 - 05, 08:06 ص]ـ
السلام عليكم
أكتب إليكم مضطرًا بعد أن رأيت أسئلتكم عن الإصدار الثاني
وذلك لحقكم علينا، وللعهد الذي قطعناه
1ـ الإصدار الأول، وكما قرأتم، كان فيه اعتداء على حقوق الآخرين، وظهر ذلك بعد المواجهة والتحقيق عرضًا على شرع الله، ولا أريد إعادة التفاصيل التي تعرفونها جميعًا.
2ـ احتوى الإصدار الأول على ملفات في غاية السوء والتحريف
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/466)
3 - احنوى الإصدار الأول على كتب للروافض تطعن في أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وعلى كتب تدعو إلى الشرك بالله عز وجل، بالطواف حول قبور الموتى (الأولياء) وطلب المدد والغوث والحرث والنسل.
4 - أرشدنا الإخوة هنا إلى كتب في الإصدار الأول تحكم على ابن تيمية بالكفر والفسوق والعصيان.
ــــ وعلى هذا
1 - حذفنا هذا الإصدار جملة وتفصيلاً لأن فيه اعتداء على حقوق الناس.
2 - حرمنا على أنفسنا توزيعه على المسلمين، حتى لا يكون أداةً للضلال.
والحمد لله رب العالمين؛ أبدلنا الله سبحانه هذا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
والأخ الفاضل الدكتور نافع يواصل الليل بالنهار في العمل على إصدارها الثاني، وأتصل به يوميًّا تقريبا، وهناك تقدمٌ كبيرٌ في العمل.
وهذا الإصدار لا يوجد فيه شبهة اعتداء على حق أي مسلم حتى نبحث ونعمل في إطار شرع الله
وقد وصلني بالفعل ما أنجزه، وهو شيء أعجز عن وصفه، لدرجة أنني لم أعد أقوم بتحميل أي كتب لكم في الموقع هنا، لأن الموسوعة ستحوي ذلك كله
وأنا أعمل عليها الآن في عملي، رغم عدم اكتمالها، وإذا أعطينا ملفات الإصدار الأول نسبة 10% للإتقان، فهذه تحصل على 70%.
وفيها من المراجع ما تفرحون به
ويكفي أنك إذا كان لديك (كتاب ما على ملف وورد) تستطيع إدخاله في الموسوعة خلال لحظات، وتقوم بتصنيفه، وتبديل اسم أي كتاب، وإصلاح أي خطأ في أي كتاب، وإضافة أي نقص، وحذف أي كتاب
وأمامي الآن أيقونة: إنشاء كتاب جديد، وأيقونة استيراد ملفات
لذا يُرجى الصبر علينا، وكما نقول في مصر: فات الكثير وبقي القليل
وصدقوني لقد بذل أخي نافع جهدا لإنزالها لكم أول رمضان، وترك أهله وزوجته وبلده، وجاء عندي ومعه أدواته وملابسه، وحبس نفسه في غرفة، ولكن كثرة الخدمات التي لابد منها حالت دون تحقيق الهدف
هل تصدقون أنه توجد أيقونة تستدعي بها أي ملف به آيات بالحرف العثماني، فيحوله لك في لحظات إلى الحرف العادي؟!!
وقد جربت ذلك وغيره
اصبروا، وأنا أشعر بهذا الصبر في داخلكم
ونحن على العهد، والعمل مستمر
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[06 - 10 - 05, 08:26 ص]ـ
شيخنا الكريم ابو المعاطى
بارك الله فيكم و جزاكم خير الجزاء
سلامى للاخ الفاضل الدكتور نافع
ـ[أسامة عباس]ــــــــ[06 - 10 - 05, 08:56 ص]ـ
شيخنا الحبيب أبا المعاطي ..
لي سؤال فقط .. هل الأخ الشراري ليس له علاقة بالإصدار الثاني أم ماذا .. ؟ أم أنه قام بإنزال إصدار آخر .. ؟!!
لقد ظننت أن الذي قام بوضعه هو الإصدار الثاني .. ويبدو أني كنت مخطئًا .. !!
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[06 - 10 - 05, 09:04 ص]ـ
اخى الفاضل أسامة عباس
الأخ الكريم الشراري ليس له علاقة بالإصدار الثاني
ما قام به الاخ الكريم الشراري هو تعديل على الإصدار الاول و لتسميه مثلا Ver. 1.1
اما ما يتحدث عنه شيخنا الكريم ابو المعاطى فهو الإصدار الثاني Ver. 2
ـ[حسن شريف]ــــــــ[06 - 10 - 05, 04:05 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
شيخنا ابا المعاطي واخانا نافع نفع الله به الدين والامة والمسلمين
جزاكم الله خيرا ووفقكم لما يحبه ويرضى، ونسال الله ان يسدد خطاكم ويتقن اعمالكم ويجعلها في ميزان حسناتكم
محبكم في الله: حسن شريف
ـ[علاء شعبان]ــــــــ[06 - 10 - 05, 06:22 م]ـ
جزاكم الله خيراً، ووفقكم ويسر لكم كل عسير، وجعل ما تقومون به في ميزان حسناتكم
ـ[ابومالك البصري]ــــــــ[07 - 10 - 05, 03:24 م]ـ
جزاكم الله خيراً، ووفقكم ويسر لكم كل عسير، وجعل ما تقومون به في ميزان حسناتكم
ـ[أبو الحسن السلفي]ــــــــ[07 - 10 - 05, 03:43 م]ـ
جزاكم الله خيراً، ووفقكم ويسر لكم كل عسير، وجعل ما تقومون به في ميزان حسناتكم
اللهم آمين
ـ[معاذ جمال]ــــــــ[15 - 10 - 05, 03:15 ص]ـ
ما هي اخر أخبار المكتبة الشاملة، فالكل على أحر من الجمر
ـ[الطيماوي]ــــــــ[15 - 10 - 05, 10:59 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أعطاني الإخوة الكرام روابط لتحميل الشاملة المعدلة أو الشاملة إصدار 1.1
لكن تلك الروابط بها أمران سيئان:
1 - المدة المؤقتة لتحميل الملف.
2 - البطء في رفع الملفات أو تنزيلها بحيث سنحتاج من 4 - 8 ساعات ولو قطع الخط الله يعوض علينا
لذلك قررت مع أسفي الشديد لكم:
تنزيلها على مشكاة ورغم علمي المسبق بأن عدد الملفات المرفقة سيكون كثيرا قد يصل لـ (300ملف) بسبب صغر حجم المرفقات في مشكاة لكن الله هو المستعان، سنضطر لذلك مرة واحدة حيث أن التعديلات التي أجريتها تشمل الأكسس بما يمكننا فيما بعد من تنزيل التعديلات القادمة بدون تنزيل الموسوعة كاملة بل ملف التعديلات فقط ولن يكون حجمه كبيرا إن شاء الله حيث راعيت ذلك عند اجرائي للتعديلات
رابط الشاملة 1.1 من موقع مشكاة
http://www.almeshkat.net/vb/showthr...5044#post235044
ـ[معاذ جمال]ــــــــ[15 - 10 - 05, 05:14 م]ـ
الرابط لا يعمل أخي الشراري و شكراعلى جهودك القيمة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/467)
ـ[أبو بكر السلفي]ــــــــ[15 - 10 - 05, 05:55 م]ـ
ذهبت إلى الرابط الموضوع أخي الكريم أكثر من مرة فوجدته تالف
فبرجاء وضع الرابط السليم وجزاك الله عنا خيرا
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[15 - 10 - 05, 06:05 م]ـ
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?threadid=40356(20/468)
لأول مرة على النت حمِّل كتاب البيان في أحكام تجويد القرآن
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[13 - 09 - 05, 05:52 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ....
هذا كتاب كنت قد ألفته منذ سنين طويلة لطلابي في معهد تحفيظ القرآن الكريم بحمص.
وطبعته طبعات متعددة وكثيرة ووزع مجاناً على الطلبة.
وأحببت أن أهديه لأهل الحديث عسى أن يدعو واحد منهم لي في ظهر الغيب فتصيب دعوته ساعة إجابة من الله تعالى , فيتحقق المأمول.
وهذه هي أول مرة يرفع الكتاب على النت بعد نشره وطبعه بحوالي خمس سنوات.
وإليكم الكتاب .........
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[13 - 09 - 05, 07:21 ص]ـ
بارك الله فيك شيخنا الكريم
لقد قمت بازاله الفراغات الزائده فى الصفحات و خفضت حجم الملف الى الملف الوحيد الكامل المرفق بواسطه برنامج الاكروبات
مع خالص تحياتى لكم
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[13 - 09 - 05, 07:04 م]ـ
أشكر لك أخي الكريم هذا الصنيع وأدعو الله أن يوفقك إنه جواد كريم.
الحقيقة أن سرعة النت عندي بطيئة جداً، وأعمل على قدر استطاعتي وما أتيح لي من إمكانات، بغية الحصول على الأجر والثواب، ولذلك قسمت الكتاب على هذه الأجزاء لأتمكن من رفعه للنت، ومع ذلك أخذ ساعة من الزمن لأتمكن من رفعه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
ولذلك فإن قمت بضم أجزائه على الكيفية التي فعلت سابقاً، فلك الأجر والثواب من الله تعالى، ولك مني الشكر الكبير.
ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[13 - 09 - 05, 08:57 م]ـ
جزاك الله خيرا وبارك فيك وبيَّض وجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
وجعلنا وإياك والإخوة ممن يقال لهم (اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ... )
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[14 - 09 - 05, 12:14 م]ـ
بوركتم فضيلة الشيخ المبجل الكيلاني ونفع الله بكم وبعلمكم.
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[30 - 09 - 05, 10:20 ص]ـ
جزاكم الله كل خير
ونفع الله بكم وبعلمكم(20/469)
دروس الشيخ صالح آل الشيخ عن المنهجية (مفرغة)
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[13 - 09 - 05, 06:15 ص]ـ
دروس الشيخ صالح آل الشيخ عن المنهجية (مفرغة) وادعوا لأبي فهر
ـ[أبو يوسف المكي]ــــــــ[13 - 09 - 05, 10:52 م]ـ
جزاك الله خيرا
وكم نحن بحاجة الى مثل هذه الدروس
ـ[أحمد بن شاهد]ــــــــ[06 - 01 - 10, 10:57 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[ابوعمر الدغيلبي]ــــــــ[06 - 01 - 10, 11:01 م]ـ
غفر الله لك وللمفرغ هذه الدروس التي من إعداد الأخ/ سالم الجزائري بارك الله في جهوده
ـ[ابوعمر الدغيلبي]ــــــــ[07 - 01 - 10, 12:48 ص]ـ
غفر الله لك وللمفرغ هذه الدروس التي من إعداد الأخ/ سالم الجزائري بارك الله في جهوده
ـ[أمين نواري]ــــــــ[18 - 01 - 10, 08:21 ص]ـ
بارك الله فيك وفي المفرغ وحفظ الله الشيخ وأطال في عمره(20/470)
أصول نشأة الإنسان من معجزات القرآن
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[13 - 09 - 05, 07:25 ص]ـ
أصول نشأة الإنسان من معجزات القرآن
د. محمد دودح 12/ 1/1425
المقال الأول على هذا الرابط
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_*******.cfm?catid=73&artid=3369
الدراسة الدلالية
أمام عجيبة بيانية بهرت الأساطين بسمو أغراضها وصدق دلالتها وفصاحة تركيبها وإحكام نظمها وحسن إيقاعها لا يملك من يعاين مشاهدها سوى العجب, وبديهي أن يَحار الفطاحل في دلالاتها العلمية حتى يُعاينوا كيفياتها, ومع ذلك فصَّل القرآن ما أجمل فيَسَّر إدراكها, تأمل قول العلي القدير: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ" [الطارق 5 - 10] , تركيب عجيب فريد كأنه "سمط اللآليء"؛ مشرق مثل حبات عقد الجواهر النفيس, دعنا إذاً نتأمله عن قرب مستأنسين بجهود أجيال مختلفي المشارب, ونعمل بالقواعد مع الحقائق في تمييز المختلط وتحرير الدلالة, والقاعدة لتحقيق الغاية في الفهم يوجزها لك فقهاء البيان العالمون بأساليب القرآن وتميز تركيبه بكلمة واحدة هي: السياق, فينبغي الانتباه لأن الصورة ليست كظاهر اللفظ, والألفاظ كالأمثال مستمدة من بيئة التنزيل لكنها مميزة الدلالة تخصصها قرائن السياق, وكل التركيب بمفرداته وأساليبه وإيقاعه متآزر متساوق متناسق الوجهة بلا اختلاف؛ في سياق موحد الاتجاه لا يناقض الحقائق, والحقيقة العلمية إذا استوثقت أنها كذلك وبلغت اليقين فهي شهادة الواقع ومفتاح الحل أو الترجيح لأن كلام الخالق لا يعارض فعله.
(أولاً) لماذا خرج القرآن عن المعهود ووصف المني بالماء الدافق بدلا عن المدفوق؟:
وصفَ القرآن الماء المعبر عن المني بالدافق مما يعني أنه حي التكوين فاعل تتسابق مكوناته في نشاط, وجرده من صفة البشرية بجعله مادة أولية يتخلق منها الإنسان, وهذا ما يطابق الحقيقة العلمية لأن الخلية البشرية الأولى التي تحتوي على العدد الكامل من الفتائل الوراثية المستمدة من الأبوين هي "البويضة الملقحة" في المصطلح الطبي الحديث أو "النطفة الأمشاج" في مصطلح القرآن, ولكن تلك الحقيقة العلمية كانت خفية طيلة قرون عديدة بعد نزول القرآن مما جعل المفسرين في حيرة أمام وصف المني ذاته بالفاعل, قال ابن تيمية: "لفظ الماء عند الإطلاق لا يتناول المني وإن كان يسمى ماء مع التقييد كقوله تعالى: "خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ" (1)، وقال ابن كثير: (خلق من ماء دافق) يعني المني (2)، وقال النيسابوري: "يحتمل أن يقال: أريد به ماء الرجل فقط؛ إما بناء على حكم التغليب وإما بناء على مذهب من لا يرى للمرأة ماء (أصلا) ولا سيما دافقا (3)، وقال الثعالبي: و "دَافِقٍ" قال كثير من المفسرين هو بمعنى مدفوق (4)، وقال النسفي: "والدفق صب فيه دفع والدفق في الحقيقة لصاحبه والإسناد إلى الماء مجاز" (5)، وقال ابن القيم: "أخبر سبحانه أنه خلقه من ماء دافق, والدفق صب الماء يقال دفقت الماء فهو مدفوق ودافق .. فالمدفوق الذي وقع عليه فعلك .. والدافق قيل إنه فاعل بمعنى مفعول .. , وقيل .. أي ذي دفق .. , وقيل وهو الصواب انه اسم فاعل" (6)، وقال أيضاً: "الدافق على بابه ليس فاعلا بمعنى مفعول كما يظنه بعضهم" (7)، وقال الشوكاني: "خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ" .. الماء هو المنى, والدفق الصب يقال دفقت الماء أي صببته, يقال ماء دافق أي مدفوق مثل عيشة راضية أي مرضية, قال الفراء والأخفش ماء دافق أي مصبوب في الرحم, قال الفراء وأهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم, كقولهم سر كاتم أي مكتوم وهم ناصب أي منصوب وليل نائم ونحو ذلك, وقال الزجاج من ماء ذي اندفاق (8) , وقال القرطبي: "مِن مّآءٍ دَافِقٍ" أي من المني, والدفق صب الماء, دفقت الماء أدفقه دفقا صببته فهو ماء دافق .. "قال" الزجاج من ماء ذي إندفاق .. وهذا مذهب سيبويه فالدافق هو المندفق بشدة قوته (9)، وقوله تعالى: "أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ" [القيامة:37]؛ أي من قطرة ماء تمنى في الرحم أي تراق فيه ولذلك سميت مِنَى (مبيت الحجيج بمكة) لإراقة الدماء .. , والنطفة الماء
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/471)
القليل يقال نطف الماء إذا قطر (10)، وقال أبو السعود: "وقوله تعالى: "مّآءٍ دَافِقٍ" .. ذي دفق وهو صَبٌ فيه دفع وسيلان بسرعة .. (و) قالوا أن النطفة .. مقرها عروق ملتف بعضها بالبعض عند البيضتين" (11)، وقال ابن الجوزي: "قال الزجاج ومذهب سيبويه وأصحابه أن معناه النسب إلى الإندفاق, أي صفة تكوينه الإندفاق, والمعنى من ماء ذي اندفاق" (12)، , وفي تفسير الجلالين: "ذي اندفاق" (13)، وقال الألوسي: "الدفق صب فيه دفع وسيلان بسرعة وأريد بالماء الدافق المني, ودافق قيل بمعنى مدفوق على تأويل اسم الفاعل بالمفعول .. وقال الخليل وسيبويه هو على النسب .. أي ذي دفق, وهو صادق على الفاعل والمفعول, وقيل هو اسم فاعل وإسناده إلى الماء مجاز, وأسند إليه ما لصاحبه مبالغة, أو هو استعارة .. كما ذهب إليه السكاكي .. بجعله دافقا لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق أي يدفع بعضه بعضا, وقد فسر ابن عطية الدفق بالدفع فقال الدفق دفع الماء بعضه ببعض يقال تدفق الوادي والسيل إذا جاء يركب بعضه بعضا, ويصح أن يكون الماء دافقا لأن بعضه يدفع بعضاً, فمنه دافق ومنه مدفوق" (14)، وقال ابن عاشور: "معنى (دافق) خارج بقوة وسرعة والأشهر أنه يقال على نطف الرجل, وصيغة دافق اسم فاعل .. وهو قول فريق من اللغويين, وقال الجمهور .. دافقا بمعنى اسم المفعول .. وسيبويه جعله من صيغ النسب .. ففسر دافق بذي دفق, والأحسن أن يكون اسم فاعل .. , وأطنب العجاج في وصف هذا الماء الدافق لإدماج التعليم والعبرة بدقائق التكوين ليستيقظ الجاهل الكافر ويزداد المؤمن علما ويقينا" (15). ها أنت ترى كم كانت حيرة المفسرين أمام هذا السر الدفين وهو الحركة الذاتية لعناصر حية في المني ومع ذلك بلغوه بترك تعبير القرآن (ماء دافق) على ظاهره حتى كشفت الأيام تأويله.
(ثانياً) ما هو الصلب وما هي الترائب؟:
لفظ "التّرَآئِبِ" اسم صفة لا اسم ذات يدل بأصل اشتقاقه على التماثل والتناظر فيصدق على الأضلاع التي تكون عظام الصدر, وقد يصرفه السياق إلى بعض هذا الإطلاق كما نقلت معاجم اللغة, والدلالات المعجمية مقيدة بقرائن السياق التي تحددها وتتخير منها الأنسب للمقام, ومن اشتقاق اللفظ (أتراب) أي لِدَّات يعني متماثلات, وقد يجعل السياق التماثل في الحسن والجمال والبهاء وفيض الأنوثة ونضارة الشباب كما في تصوير حال زوجات الجنة في قوله تعالى: "وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطّرْفِ أَتْرَابٌ" [ص:52] , وقوله تعالى: "إِنّآ أَنشَأْنَاهُنّ إِنشَآءً. فَجَعَلْنَاهُنّ أَبْكَاراً. عُرُباً أَتْرَاباً" [الواقعة:35 - 37] , وقوله تعالى: "وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً" [النبأ:33] , قال الجوهري: "والتَرِب بالكسر اللدَّة وجمعه أتراب, والتريبة واحدة الترائب وهي عظام الصدر" (16)، ولفظ "الصّلْبِ" بالمثل اسم صفة لا اسم ذات يدل بأصل اشتقاقه على قائم أمتن كتلةً وأمكن يُصلب عليه الشيء ويُشد محمولاً عليه فيصدق على العمود الفقري الذي يحمل بدن الإنسان وعلى المنطقة الظهرية حيث ينشأ, وفي قوله تعالى: "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ"؛ يتعلق السياق ببداية انفصال وتميز عضو إنتاج الذرية وتكونه خلال فترة تكون بقية أعضاء الجسم, والمقابلة بين لفظي (الصلب والترائب) تميز دلالة كل منهما لتتعين منطقة تقع بين موضعي نشأة العمود الفقري والأضلاع حيث تتميز الغدة التناسلية بالفعل وتمتد في الجهة الظهرية بجوار الكلية في كل جانب, وكأن القرآن يصف قطاع عرضي تحت المجهر تتميز فيه مناطق الأعضاء الثلاث بوضوح, ولفظي "الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" تعبيران وصفيان والتعريف فيهما يبين أن مسمى كل منهما عضو بدني مألوف أحدهما مفرد والآخر جمع, وفعل (الخروج) الذي يدال على موضع الانفصال على طريق الهجرة في غاية الدقة حيث لا يدل بالضرورة على موضع النشأة لأن الغدة التناسلية تنشأ في الكتلة الظهرية أو الصلب قبل أن تنفصل وتتمايز مع تمايز بقية أعضاء الجسم, والعجيب أن القرآن ينسب بداية تكوين الذرية إلى الظهر أو الصلب بالفعل حيث تجتمع الأصول الخلوية لتكون الغدة التناسلية قبل انفصالها وتمايزها, وذلك عند بيان فطرية الإيمان في قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/472)
بَلَىَ شَهِدْنَآ" [الأعراف: 172]؛ وهذا التصوير يبين تحقق الإيمان لو استخدم الإنسان أدوات العلم والفكر التي تميز بها عن الحيوان, وعند بيان محرمات الزواج مع التمييز بين الأبناء حقيقةً والأبناء بالتبني في قوله تعالى: "وَحَلَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَلابِكُمْ" [النساء:23] , وللوجدان أن يقشعر من تلك الدقة المتناهية التي ميزت بين موضع تكون أعضاء إنتاج الذرية في الظهور وموضع خروجها على طريق هجرتها!.
(ثالثاً) هل الوصف بالإخراج والإرجاع يخص الإنسان أم الماء؟:
يتعلق السياق بالإنسان ذكوراً وإناثاً, وإليه يُوَجَّه الحديث بدلالة الاستهلال: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ"، وفيه استدلال بالأصل علي غفلة الناكر للبعث, وذلك لمجيء التعبير بالغيبة إعراضاً مما يفيد أن المراد من جنس الإنسان من كَذَّب حديث القرآن وأنكر قدرة الخالق وتشكك في البعث خاصة؛ بدلالة التذييل "إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" والظرف الذي يتم فيه إرجاع الإنسان حياً "يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ" وهو يوم الحساب, ودل فعل (الخلق) على ضرورة وجود الخالق, واستشهاداً بالنقلة الواسعة على الاقتدار قدمت البينة بالإنسان الشاخص متكامل البناء, وأفادت (مِن) في (مِمَّ) الابتداء وأفادت (ما) إبهام ما عادت إليه بياناً لضآلة الأصل إلى حد الخفاء, والاستدلال بقوله "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" يتوغل أكثر نحو ماضي الإنسان ويدل على مرحلة أسبق ذات ابتداء أدق ولها نفس مزية النقلة الهائلة, وفعل (الإخراج) يفيد الانتقال ويجعل (من) لابتداء انفصال وتميز عضو الإنجاب على طريق الهجرة, ويتعلق السياق إذاً بوصف مرحلة تتكون فيها أعضاء تماثل الصلب والترائب وتختص بالإنجاب وليس مجرد بيان لمصدر الماء, إنها ولا شك بداية أبعد في تاريخ الإنسان تماثل في البعد النقلة الكبيرة من قطرة من سائل كالماء لا بشرية فيه إلى إنسان مفكر, وتلمس في كلام الأعلام – رحمهم الله – أن النقلة الأبعد منذ الابتداء الأول بلوغاً إلى الإنسان لا إلى الماء فحسب أعظم في الاستدلال على البعث لذا قصروا نسبة الابتداء على الإنسان, وتعبير القرطبي: "أول أمره وسنته الأولى" (17)، , وتعبير ابن الجوزي: "أول حاله" (18)، وفي قوله تعالى: "إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ"؛ الضمير في "إِنّهُ" يعود على فاعل غير مذكور إعلاماً بأن فعله المتجسد في ذلك الإنسان الشاخص يغني عن الدلالة عليه باسمه أو صفته, تقديره (الله الخالق القادر) بدلالة اسم الفاعل الدال على لزوم الصفة "لَقَادِرٌ" والمؤكد للشاك بأداتين (اللام) و (إن) , بالإضافة إلى الفعل المبني للمجهول "خُلِقَ" العائد قطعاً إلى "الإِنسَانُ"، والمعنى يتعلق إذاً بالخالق والمخلوق أما الماء فمرحلة عابرة, ولذا يقصر السياق عود الضمائر إلى جنس الإنسان في التعابير "مِمّ خُلِقَ" و "خُلِقَ" و "رَجْعِهِ" و "فَمَا لَه" والفعل "يَخْرُجُ" وبذلك يتسع الوصف للذكر والأنثى, وفي كليهما تنشأ بالفعل أعضاء إنتاج الذرية مع الكليتين من بين أصول العمود الفقري والضلوع في الجهتين.
قال ابن عاشور: ضمي "إِنّهُ" عائد إلى الله تعالى وإن لم يسبق ذكر مُعاد ولكن بناء الفعل للمجهول في قوله "خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ" يؤذن بأن الخالق معروف لا يحتاج إلى ذكر اسمه وأسند الرجع إلى ضميره .. لأن المقام مقام إيضاح وتصريح بأن الله هو فاعل ذلك, وضمير "رَجْعِهِ" عائد إلى "الإِنسَانُ" ... و "يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ" متعلق برجعه أي يرجعه يوم القيامة, والسرائر جمع سريرة وهي ما يسره الإنسان ويخفيه من نواياه وعقائده .. ولما كان بلو السرائر مؤذنا بأن الله عليم بما يستره الناس من الجرائم وكان قوله "يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ" مشعرا بالمؤاخذة .. فرَّع عليه قوله "فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ" , فالضمير عائد على الإنسان والمقصود المشركون من الناس لأنهم المسوق لأجلهم هذا التهديد, أي فما للإنسان المشرك من قوة يدفع بها عن نفسه وما له من ناصر يدافع عنه (19).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/473)
ودفعاً لتوهم الخروج من صلب الرجل وترائب المرأة في قوله تعالى "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" كما أدى إليه اجتهاد البعض باعتبار نشأة الجنين من نطفة أمشاج خلائط من الجنسين؛ قال الألوسي: "وظاهر الآية أن أحد طرفين البينية (التوسط) الصلب والآخر الترائب .. , فكان الصلب والترائب لشخص واحد فلا تغفل .. , قال الحسن وروي عن قتادة أيضا أن المعنى يخرج من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائب كل منهما .. , (و) الترائب .. الأشهر أنها عظام الصدر .. (و) المني .. مستقره عروق يلتف بعضها بالبعض عند البيضتين وتسمى أوعية المني .. , وقوله سبحانه "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" عبارة مختصرة جامعة .. وقيل ابتداء الخروج منه كما أن انتهاءه بالأحليل .. , وزعم بعضهم جواز كون الصلب والترائب للرجل أي يخرج من بين صلب كل رجل وترائبه" (20)، ومعنى البينية بين شيئين التوسط, قال الأصفهاني: " (بين) ظرف لا يضاف إلا إلى متعدد لفظاً أو معنىً وهو يفيد الخلالة والتوسط" (21)، ودفعاً لتوهم الخروج من الصلب والترائب لا من منطقة بينهما وتوهم عدم اختصاص الماء الدافق بالذكر؛ قال ابن القيم: "سبحانه قال "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" ولم يقل يخرج من الصلب والترائب, فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجا من بين هذين المختلفين, كما قال في اللبن "نّسْقِيكُمْ مّمّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ" [النحل: 66] , وأيضا فإنه سبحانه أخبر أنه خلقه من نطفة في غير موضع, والنطفة هي ماء الرجل كذلك .. , قال الجوهري والنطفة الماء الصافي قل أو كثر والنطفة ماء الرجل والجمع نطف, وأيضا فإن الذي يوصف بالدفق والنضح إنما هو ماء الرجل, ولا يقال نضحت المرأة الماء ولا دفقته, والذي أوجب لأصحاب القول الآخر ذلك أنهم رأوا أهل اللغة قالوا الترائب موضع القلادة من الصدر, قال الزجاج أهل اللغة مجمعون على ذلك وأنشدوا لامرىء القيس (مهفهفة بيضاء غير مفاضة ترائبها مصقولة كالسجنجل) , وهذا لا يدل على اختصاص الترائب بالمرأة بل يطلق على الرجل والمرأة" (22)، وإذا شملهما الإخراج فلا بد من عودة ضمير "يَخْرُجُ" على الإنسان لا على الماء الدافق المقصور على الرجل وحده.
وقد شغل موضوع عود الضمائر المحققين فحرروه استناداً للسياق بجعلها عائدة إلى المذكور الأبعد "الإِنسَانُ" لامتناع عودها على الأقرب وهو الماء, ومن شواهد عود الضمير إلى المذكور الأبعد في القرآن قوله تعالى: "وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إِلَيْهَا" [الجمعة:11] , أي إلى التجارة, وقوله تعالى: "آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمّا جَعَلَكُم مّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ" [الحديد: 7] , أي جعلكم الله مستخلفين, قال ابن تيمية: "عود الضمير إلى الأقرب أولى إلا إذا كان هناك دليل يقتضي (عوده إلى) البعيد" (23)، وقال الزركشي: "وإن كانت القاعدة عود الضمير إلى الأقرب ولكن قد يعود إلى .. غير الأقرب" (24)، وقال السيوطي: " الضمير قد يدل عليه السياق فيضمر ثقةً بفهم السامع نحو "كل من عليها فان" [الرحمن: 26] , (و) "ما ترك على ظهرها من دابة" [فاطر:45] أي الأرض أو الدنيا, .. وقد يعود على بعض ما تقدم" (25)، وفي قوله تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ"؛ يتعلق الحديث ببيان الاقتدار على بعث الإنسان الفرد استدلالا بنشأته, فالحديث إذاً كما ترى يتعلق بالإنسان بداية ومصيراً والماء مرحلة عارضة في ثنايا قصة ممتدة الأحداث عبر أجيال, ولذا الأولوية أن تعود إلى الإنسان كل الضمائر بلا تشتيت باعتباره محور الحديث والمذكور الرئيس, قال القرطبي: "قوله تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" أي إبن آدم .. توصية للإنسان بالنظر في أول أمره وسنته الأولى حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه فيعمل ليوم الإعادة والجزاء" (26).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/474)
وفي قوله تعالى "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ"؛ قال الطبري: "يقول تعالى ذكره فلينظر الإنسان المكذب بالبعث بعد الممات المنكر قدرة الله على إحيائه بعد مماته, "مِمّ خُلِقَ" يقول من أي شيء خلقه ربه" (27)، وقال البغوي: أي فليتفكر من أي شيء خلقه ربه أي فلينظر نظر المتفكر" (28)، وقال ابن القيم: "لقد دعا سبحانه الإنسان إلى النظر في مبدأ خلقه .. فقال تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" , وقال "يَأَيّهَا النّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مّنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْنَاكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمّ مِن مّضْغَةٍ مّخَلّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلّقَةٍ لّنُبَيّنَ لَكُمْ وَنُقِرّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى ثُمّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمّ لِتَبْلُغُوَاْ أَشُدّكُمْ وَمِنكُمْ مّن يُتَوَفّىَ وَمِنكُمْ مّن يُرَدّ إِلَىَ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً" [الحج: 5] , وقال: "وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ. وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ" [الذاريات: 20و21] , وهذا في القرآن كثير لمن تدبره وعقله وهو شاهد منك عليك فمن أين للطبيعة .. هذا الخلق والإتقان والإبداع" (29)، وقال أيضاً: "نبه سبحانه الإنسان على دليل المعاد بما يشاهده من حال مبدئه على طريقة القرآن في الاستدلال على المعاد بالمبدأ فقال "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" , أي فلينظر نظر الفكر والاستدلال ليعلم أن الذي ابتدأ أول خلقه .. قادر على إعادته" (30).
وقال ابن كثير: "قوله تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خلق منه وإرشاد له إلى الاعتراف بالمعاد لأن من قدر على البداءة فهو قادر على الإعادة بطريق الأولى كما قال تعالى: "وَهُوَ الّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ" [الروم: 27] (31)، وقال أيضاً: "قال تعالى مقررا لوقوع المعاد والعذاب بهم الذين أنكروا كونه واستبعدوا وجوده مستدلا عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها وهم معترفون بها فقال تعالى: "إِنّا خَلَقْنَاهُم مّمّا يَعْلَمُونَ" [المعارج: 39] , أي من المني الضعيف كما قال تعالى: "أَلَمْ نَخْلُقكّم مّن مّآءٍ مّهِينٍ" [المرسلات:20] , وقال: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" وتقدير الكلام ليس الأمر كما يزعمون أن لا معاد ولا حساب ولا بعث ولا نشور بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة .. , ولهذا قال تعالى: "لَخَلْقُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ" [غافر:57] , وقال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّ اللّهَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنّ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىَ" [الأحقاف: 33] , وقال تعالى: "أَوَلَيْسَ الَذِي خَلَقَ السّمَاواتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىَ وَهُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ. إِنّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" [يس: 81و82] , وقال: "فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنّا لَقَادِرُونَ. عَلَىَ أَن نّبَدّلَ خَيْراً مّنْهُمْ" [المعارج: 40و41] , أي يوم القيامة نعيدهم" (32).
وقال الشوكاني: "قوله: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" يوجب على الإنسان أن يتفكر في مبتدأ خلقه ليعلم قدره الله على ما هو دون ذلك من البعث, قال مقاتل يعني المكذب بالبعث, "مِمّ خُلِقَ" من أي شيء خلقه الله, والمعنى فلينظر نظر التفكر والاستدلال حتى يعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادر على إعادته" (33)، وقال الثعالبي: "قوله تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" توقيف لمنكري البعث على أصل الخلقة الدال على أن البعث جائز ممكن ثم بادر اللفظ إلى الجواب اقتضاباً وإسراعاً إلى إقامة الحجة فقال: "خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" (34)، فكما ترى يتعلق الحديث
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/475)
بالإنسان, والخلق من ماء والإخراج من بين الصلب والترائب بدايتان؛ آيتان منفصلتان, حجتان, وحملهما على سعة النقلة بياناً لقدرة الله تعالى أولى لأن المقام يتضمن وجوب الامتنان لسعة الفضل والإنعام, ولم يوصف المني في القرآن كثمرة يتجلى بها الاقتدار بل وُصف بالقلة والمهانة, وعود الضمير في (يخرج) على الماء سيجعل الوصف تشريحياً في البالغ وسيناقض الواقع لأن المني يخرج فعلياً من الخصية وليس من بين العمود الفقري والضلوع, والتعبير بالخروج لا يجمعه مع خبر الخلق من ماء اتصال في آية واحدة ليتعلق به وإنما ورد مستقلاً عنه متصلاً بأصل الحديث عن الإنسان, وحينئذ يتسع بيان سبق التقدير ليشمل سلسلة الأجيال, وبهذا تكون النقلة أكبر والمفارقة أعظم وبيان سبق التقدير أتم والدلالة على قدرة الله أظهر.
وفي قوله تعالى: "إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِر"؛ قال الطبري: "يقول تعالى ذكره إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق فجعلكم بشرا سويا .. "عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ", واختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله: "عَلَىَ رَجْعِهِ" على ما هي عائدة؟ , فقال بعضهم هي عائدة على الماء, وقالوا معنى الكلام إن الله على رد النطفة في الموضع التي خرجت منه لقادر .. , عن عكرمة .. قال إنه على رده في صلبه لقادر .. , (و) عن عكرمة .. قال للصلب .. , (و) عن مجاهد .. قال على أن يرد الماء في الإحليل .. , (وفي رواية) قال على رد النطفة في الإحليل .. , (وفي رواية أخرى) قال في الإحليل .. , وقال آخرون بل معنى ذلك إنه على رد الإنسان ماء كما كان قبل أن يخلقه منه .. , (عن) الضحاك يقول .. إن شئت رددته كما خلقته من ماء, وقال آخرون بل معنى ذلك إنه على حبس ذلك الماء لقادر .. , قال ابن زيد .. على رجع ذلك الماء لقادر حتى لا يخرج كما قدر على أن يخلق منه ما خلق قادر على أن يرجعه, وقال آخرون بل معنى ذلك أنه قادر على رجع الإنسان من حال الكبر إلى حال الصغر .. عن الضحاك .. يقول إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة, وعلى هذا التأويل تكون الهاء في قوله "عَلَىَ رَجْعِهِ" من ذكر الإنسان, وقال آخرون ممن زعم أن الهاء للإنسان معنى ذلك أنه على إحيائه بعد مماته لقادر .. , عن قتادة .. (قال) إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر, وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معنى ذلك إن الله على رد الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حيا كهيئته قبل مماته لقادر, وإنما قلت هذا أولى الأقوال في ذلك بالصواب لقوله "يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ" فكان في إتباعه قوله "إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" نبأ من أنباء القيامة دلالة على أن السابق قبلها أيضا منه .. , يقول تعالى ذكره إنه على إحيائه بعد مماته لقادر يوم تبلى السرائر, فاليوم من صفة الرجع لأن المعنى إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر, وعني بقوله "يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ" يوم تختبر سرائر العباد فيظهر منها يومئذ ما كان في الدنيا مستخفياً" (35).
وقال ابن كثير: "وقوله تعالى: "إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" فيه قولان؛ أحدهما: على رجع هذا الماء الدافق إلى مقره الذي خرج منه لقادر على ذلك, قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما, والقول الثاني: إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق أي إعادته وبعثه إلى الدار الآخرة لقادر, لأن من قدر على البداءة قدر على الإعادة, وقد ذكر الله عز وجل هذا الدليل في القرآن في غير ما موضع, وهذا القول قال به الضحاك واختاره ابن جرير, ولهذا قال تعالى: "يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ" , أي يوم القيامة تبلى فيه السرائر, أي تظهر وتبدو ويبقى السر علانية والمكنون مشهورا .. , وقوله تعالى: "فَمَا لَهُ" أي الإنسان يوم القيامة "مِن قُوّةٍ" أي في نفسه "وَلاَ نَاصِر" أي من خارج منه أي لا يقدر على أن ينقذ نفسه من عذاب الله ولا يستطيع له أحد ذلك (36).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/476)
وقال أبو السعود: "إِنّهُ":الضمير للخالق تعالى فإن قوله: "خُلِق" يدل عليه, أي أن ذلك الذي خلقه ابتداء مما ذكر على رجعه, أي على إعادته بعد موته, لقادر .. "فَمَا لَهُ" أي للإنسان "مِن قُوّةٍ" في نفسه يمتنع بها "وَلاَ نَاصِر" ينتصر به" (37)، وقال الشوكاني: "الضمير في "إِنّهُ" يرجع إلى الله سبحانه لدلالة قوله "خُلِق" عليه, فإن الذي خلقه هو الله سبحانه والضمير في "رَجْعِهِ" عائد إلى الإنسان, والمعنى أن الله سبحانه على رجع الإنسان أي إعادته بالبعث بعد الموت لقادر, هكذا قال جماعة من المفسرين, وقال مجاهد على أن يرد الماء في الإحليل, وقال عكرمة والضحاك على أن يرد الماء في الصلب, وقال مقاتل ابن حيان يقول إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة, وقال ابن زيد إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج لقادر, والأول أظهر ورجحه ابن جرير والثعلبي والقرطبي .. , "فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِر" أي فما للإنسان من قوة في نفسه يمتنع بها عن عذاب الله ولا ناصر ينصره مما نزل به" (38)، وقال البغوي: "قال قتادة إن الله تعالى على بعث الإنسان وإعادته بعد الموت قادر, وهذا أولى الأقاويل لقوله "يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ" وذلك يوم القيامة .. , فما له من قوة ولا ناصر أي ما لهذا الإنسان المنكر للبعث من قوة يمتنع بها من عذاب الله ولا ناصر ينصره من الله" (39)، والحاصل كما ترى بجلاء هو إجماع المحققين على إعادة الضمائر إلى الإنسان وإن كان هو المذكور الأبعد ذكراً من الماء, وليس عود الضمير إذاً في الفعل (يخرج) إلى الماء بأولى من عوده للإنسان مثلها, ولا توجد قرينه لتشتيت مرجع الضمائر, قال السيوطي: "الأصل توافق الضمائر في المرجع حذرا من التشتيت ولهذا لما جوز بعضهم في "أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمّ" [طه: 39] أن الضمير في الثاني للتابوت وفي الأول لموسى عابه الزمخشري وجعله تنافرا مخرجا للقرآن عن إعجازه, فقال: والضمائر كلها راجعة إلى موسى ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت فيه هجنة لما يؤدي إليه من تنافر النظم الذي هو أم إعجاز القرآن ومراعاته أهم ما يجب على المفسر, وقال في "لّتُؤْمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً" [الفتح: 9] الضمائر لله تعالى والمراد بتعزيره تعزير دينه ورسوله ومن فرق الضمائر فقد أبعد" (40).
وقال ابن القيم: "وقوله: "إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" الصحيح أن الضمير يرجع على الإنسان, أي أن الله على رده إليه لقادر يوم القيامة وهو اليوم الذي تبلى فيه السرائر, ومن قال أن الضمير يرجع على الماء؛ أي إن الله على رجعه في الإحليل أو في الصدر أو حبسه عن الخروج لقادر فقد أبعد, وإن كان الله سبحانه قادرا على ذلك, ولكن السياق يأباه, وطريقة القرآن وهي الاستدلال بالمبدأ والنشأة الأولى على المعاد والرجوع إليه, وأيضا فإنه قيده بالظرف وهو "يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ" والمقصود أنه سبحانه دعا الإنسان أن ينظر في مبدأ خلقه ورزقه فإن ذلك يدله دلالة ظاهرة على معاده ورجوعه إلى ربه, وقال تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَىَ طَعَامِهِ. أَنّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً. ثُمّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقّاً. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدَآئِقَ غُلْباً. وَفَاكِهَةً وَأَبّاً" [عبس: 24 - 31] , فجعل سبحانه نظره في إخراج طعامه من الأرض دليلا على إخراجه هو منها بعد موته, استدلالا بالنظير على النظير, ومن ذلك قوله سبحانه ردا على الذين قالوا "أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا": "أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّ اللّهَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ عَلَىَ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ" [الإسراء: 99] , أي مثل هؤلاء المكذبين, والمراد به النشأة الثانية وهي الخلق الجديد, وهي المثل المذكور في غير موضع, وهم هم بأعيانهم فلا تنافي في شيء من ذلك بل هو الحق الذي دل عليه العقل والسمع ومن لم يفهم ذلك حق فهمه تخبط عليه أمر المعاد وبقي منه في أمر مريج, والمقصود أنه دلهم سبحانه بخلق السموات والأرض على الإعادة والبعث وأكد هذا القياس بضرب من الأولى وهو أن خلق
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/477)
السموات والأرض أكبر من خلق الناس فالقادر على خلق ما هو أكبر وأعظم منكم أقدر على خلقكم, وليس أول الخلق بأهون عليه من إعادته, فليس مع المكذبين بالقيامة إلا مجرد تكذيب الله ورسوله وتعجيز قدرته ونسبة علمه إلى القصور والقدح في حكمته, ولهذا يخبر الله سبحانه عمن أنكر ذلك بأنه كافر بربه جاحد له لم يقر برب العالمين فاطر السموات والأرض, كما قال تعالى: "وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنّا تُرَاباً أَإِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلََئِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ" [الرعد: 5] , وقال المؤمن للكافر الذي قال: "وَمَآ أَظُنّ السّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رّدِدتّ إِلَىَ رَبّي لأجِدَنّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً" [الكهف: 36] , فقال له "أَكَفَرْتَ بِالّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ سَوّاكَ رَجُلاً" [الكهف: 37] , فمنكر المعاد كافر برب العالمين وإن زعم أنه مقر به, ومنه قوله تعالى: "قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ" [العنكبوت:20] , يقول تعالى انظروا كيف بدأت الخلق فاعتبروا الإعادة بالابتداء, ومنه قوله تعالى: "يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ" [الروم: 19] , وقوله تعالى: "فَانظُرْ إِلَىَ آثَارِ رَحْمَةِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِيِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنّ ذَلِكَ لَمُحْييِ الْمَوْتَىَ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [الروم:50] , وقوله: "وَنَزّلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً مّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنّاتٍ وَحَبّ الْحَصِيدِ. وَالنّخْلَ بَاسِقَاتٍ لّهَا طَلْعٌ نّضِيدٌ. رّزْقاً لّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ" [ق: 9 - 11] , وقال تعالى: "يَوْمَ نَطْوِي السّمَآءَ كَطَيّ السّجِلّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوّلَ خَلْقٍ نّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ" [الأنبياء: 104] , والسجل الورق المكتوب فيه, والكتاب نفس المكتوب, واللام بمنزلة على, أي نطوي السماء كطي الدرج على ما فيه من السطور المكتوبة, ثم استدل على النظير بالنظير فقال "كَمَا بَدَأْنَآ أَوّلَ خَلْقٍ نّعِيدُهُ" (41).
وقال ابن القيم أيضاً: "ذكر الأمر المستدل عليه و (هو) المعاد بقوله: "إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" أي على رجعه (يعني الإنسان) إليه يوم القيامة كما هو قادر على خلقه .. هذا هو الصحيح في معنى الآية, وفيها قولان ضعيفان أحدهما قول مجاهد على رد الماء في الإحليل لقادر, والثاني قول عكرمة والضحاك على رد الماء في الصلب, وفيه قول ثالث قال مقاتل إن شئت رددته (يعني الإنسان) من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا إلى النطفة, والقول الصواب هو الأول لوجوه: (أحدهما) أنه هو المعهود من طريقة القرآن من الاستدلال بالمبدأ على المعاد, (الثاني) أن ذلك أدل على المطلوب من القدرة على رد الماء في الإحليل, (الثالث) أنه لم يأت لهذا المعنى في القرآن نظير في موضع واحد ولا أنكره أحد حتى يقيم سبحانه الدليل عليه, (الرابع) أنه قيد الفعل بالظرف وهو قوله "يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ" وهو يوم القيامة أي أن الله قادر على رجعه إليه حيا في ذلك اليوم, (الخامس) أن الضمير في "رَجْعِهِ" هو الضمير في قوله: "فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِر" وهذا للإنسان قطعا لا للماء, (السادس) أنه لا ذكر للاحليل حتى يتعين كون المرجع إليه, فلو قال قائل على رجعه إلى الفرج الذي صب فيه لم يكن فرق بينه وبين هذا القول ولم يكن أولى منه, (السابع) أن رد الماء إلى الأحليل أو الصلب بعد خروجه منه غير معروف ولا هو أمر معتاد جرت به القدرة وإن كان مقدورا للرب تعالى, ولكن هو لم يجره ولم تجر به العادة ولا هو مما تكلم الناس فيه نفيا أو إثباتا, ومثل هذا لا يقرره الرب ولا يستدل عليه وينبه على منكريه, وهو سبحانه إنما يستدل على أمر واقع ولا بد إما قد وقع ووجد أو سيقع, .. (الثامن) أنه سبحانه دعا الإنسان إلى النظر فيما خُلق منه ليرده عن تكذيبه بما أخبر به وهو لم يخبره بقدرة خالقه على رد الماء في إحليله بعد مفارقته له حتى يدعوه إلى النظر فيما
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/478)
خلق منه ليستقبح منه صحة إمكان رد الماء, (التاسع) أنه لا ارتباط بين النظر في مبدأ خلقه ورد الماء في الإحليل بعد خروجه ولا تلازم بينهما حتى يجعل أحدهما دليلا على إمكان الآخر بخلاف الارتباط الذي بين المبدأ والمعاد والخلق الأول والخلق الثاني والنشأة الأولى والنشأة الثانية فإنه ارتباط من وجوه عديدة ويلزم من إمكان أحدهما إمكان الآخر ومن وقوعه صحة وقوع الآخر فحسن الاستدلال بأحدهما على الآخر, (العاشر) أنه سبحانه .. نبه بقوله: "إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" على بعثه لجزائه على العمل الذي حفظ وأحصى عليه فذكر شأن مبدأ عمله ونهايته فمبدؤه محفوظ عليه ونهايته الجزاء عليه ونبه على هذا بقوله: "يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ" أي تختبر .. والسرائر جمع سريرة" (42).
وبغض النظر عن الاجتهادات الواسعة لتفهم الكيفيات قبل أن يكشفها العلم لا صارف عن عود ضمير "يخرج" إلى الأصل وهو "الإنسان" وإن شاركه (الماء) في الاحتمال, قال ابن عطية: "والضمير في يخرج يحتمل أن يكون للإنسان ويحتمل أن يكون للماء" (43). وقال القرطبي: "من جعل المني يخرج من بين صلب الرجل وترائبه فالضمير في يخرج للماء ومن جعله من بين صلب الرجل وترائب المرأة فالضمير للإنسان" (44)، ولك أن تستفظع القول بخروج المني من بين صلب الرجل وترائبه وأنت تعلم بتكونه في الخصية إلا إذا اعتبرت تكون أصل الأصل عند النشأة, ولكن لا تتوهم أنهم يعتقدون بخروج مني الرجل من ترائب المرأة, لأنهم يعلمون كما لو كانوا أبناء عصر العلم مثلي ومثلك باحتياجه لنظير أنثوي ليتخلق الجنين, فجعلوا للمرأة دوراً وقدموا فروضاً لأصل المني النظير مجتهدين في استمداد المعرفة من القرآن في غياب حقائق العلم, يقول العلي القدير: "إِنّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ" [الإنسان: 2] , قال الشوكاني: "وأمشاج صفة لنطفة وهي جمع مشج أو مشيج وهي الأخلاط والمراد نطفة الرجل ونطفة المرأة واختلاطهما" (45)، وقال ابن القيم: "الجنين يخلق من ماء الرجل وماء المرأة خلافا لمن يزعم من الطبائعيين أنه إنما يخلق من ماء الرجل وحده" (46). , ويقول عز وجل: "يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ" [الحجرات: 13] , قال القرطبي: "بَيَّنَ الله تعالى في هذه الآية أنه خلق الخلق من الذكر والأنثى .. وقد ذهب قوم من الأوائل إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده ويتربى في رحم الأم ويستمد من الدم الذي يكون فيه .. والصحيح أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة لهذه الآية فإنها نص لا يحتمل التأويل" (47). والاقتصار إذاً على جنس الذكر بقرينة الماء الدافق يفسره اعتبار المعلوم وسبق المني للنطفة الأمشاج التي يبدأ منها الخلق, ولكن ها أنت ترى أنهم يعرفون بتكون الجنين من الأبوين ويدخلونهما في تفسير الإخراج مما يجعل الأولوية في عود ضمير (يخرج) إلى الإنسان فيصدق الوصف على الجنسين, وبإغفال دلالة السياق على أن "الإِنسَانُ" محور الحديث والموضوع الرئيس؛ يستقيم عود الضمير في "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" إلى الماء, وباعتبار الأصل هو علمياً معنى صحيح لخروج الخصية من ذلك الموضع, ومن الأعلام من احتمله وإن قصر ذلك الاجتهاد الوصف على الذكر واستبعد الأنثى معارضاً دلالة لفظ "الإِنسَانُ" على الجنس بنوعيه من الذكر والأنثى.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) مجموع الفتاوى ج: 32 ص: 305.
(2) تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 499.
(3) تفسير غرائب القرآن للنيسابوري ج6ص480.
(4) تفسير الثعالبي ج: 4 ص: 403.
(5) تفسير النسفي ج: 4 ص: 331.
(6) التبيان في أقسام القرآن ج: 1 ص: 64.
(7) إعلام الموقعين لابن القيم ج: 1 ص: 145 - 148.
(8) فتح القدير ج: 5 ص: 420.
(9) تفسير القرطبي ج: 20 ص: 6.
(10) تفسير القرطبي ج: 19 ص: 117.
(11) تفسير أبي السعود ج: 9 ص: 142.
(12) زاد المسير ج: 9 ص: 84.
(13) تفسير الجلالين ج: 1 ص: 802.
(14) روح المعاني ج30ص99.
(15) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور, ج30ص261.
(16) مختار الصحاح ج: 1 ص: 32.
(17) تفسير القرطبي ج: 20 ص: 6.
(18) زاد المسير ج: 9 ص: 84.
(19) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور, ج30ص261.
(20) روح المعاني ج: 30 ص: 99.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/479)
(21) المفردات في غريب القرآن ص67.
(22) إعلام الموقعين لابن القيم ج: 1 ص: 145 - 148.
(23) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج: 17 ص: 512.
(24) البرهان في علوم القرآن ج: 1 ص: 124.
(25) الإتقان ج: 1 ص: 548.
(26) تفسير القرطبي ج: 20 ص: 6.
(27) تفسير الطبري ج: 30 ص: 147.
(28) تفسير البغوي ج: 4 ص: 473.
(29) تحفة المولود ج: 1 ص: 272.
(30) التبيان في أقسام القرآن ج: 1 ص: 64.
(31) تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 499.
(32) تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 424.
(33) فتح القدير ج: 5 ص: 420.
(34) تفسير الثعالبي ج: 4 ص: 403.
(35) تفسير الطبري ج: 30 ص: 147.
(36) تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 499.
(37) تفسير أبي السعود ج: 9 ص: 142.
(38) فتح القدير ج: 5 ص: 420.
(39) تفسير البغوي ج: 4 ص: 473.
(40) الإتقان ج: 1 ص: 548.
(41) إعلام الموقعين لابن القيم ج: 1 ص: 145 - 148.
(42) التبيان في أقسام القرآن ج: 1 ص: 64 - 66.
(43) المحرر الوجيز ج15ص399.
(44) تفسير القرطبي ج: 20 ص: 6و7.
(45) فتح القدير ج: 5 ص: 345.
(46) تحفة المولود ج: 1 ص: 272.
(47) تفسير القرطبي ج: 16 ص: 342و343.
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_*******.cfm?catid=73&artid=3406
________________________________
أصول نشأة الإنسان من معجزات القرآن (3/ 3)
د. محمد دودح 20/ 1/1425
(رابعاً) ما معنى الخروج من بين الصلب والترائب؟: يكشف القرآن أن بدء خلق الإنسان مما يماثل نطفة من ماء, ويستدل بتلك النقلة الهائلة على الاقتدار, قال تعالى: "خَلَقَ الإِنْسَانَ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ" [النحل:4] , وقال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌٌ" [يس 77, وقال تعالى: "قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ. مِنْ أَيّ شَيءٍ خَلَقَهُ. مِن نّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدّرَهُ. ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ" [عبس 17 - 20] , وقال تعالى: "أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ. ثُمّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّىَ. فَجَعَلَ مِنْهُ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ. أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىَ" [القيامة:36 - 40] , ولو تأملت الحقائق التي كشفها العلم فستدهش من ذلك اليقين الصارم على خلق الإنسان من مكون للمني يماثل أقل وحدة تركيب من الماء؛ نطفة, لأنه يستحيل أن يدرك هذا بشر قبل اكتشاف المجهر بعشرة قرون واكتشاف تلقيح البويضة بحوين منوى واحد منتخب من نخبة من ملايين الحوينات, والتعبير الوصفي "نطفة" يكاد ينطق بالمصطلح الحديث "خلية" وهي أقل وحدة تركيب, وبالمثل يقول العلي القدير: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ " , وتلك النقلة الأبعد الممتدة في مرأى العين إلى العدم حيث لم يبلغ الإنسان حتى أن يكون مجرد ماءً هي دليل القرآن على بالغ الاقتدار, يقول العلي القدير: "وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً. أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً" [مريم:66و67] , وهو مثل قوله تعالى: "هَلْ أَتَىَ عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مّنَ الدّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مّذْكُوراً. إِنّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ" [الإنسان: 1و2] , فقبل أن يصبح إنساناً كان كنطفة من ماء منها كان بَدء خلقه, وقبلها في جيل أسبق لم يكن شيئاً بينما الماء في مرأى العين شيء, ولا يليق مع تلك النقلة الهائلة مما يماثل نطفة ماء إلى إنسان والتي استوعبت قصة خلق إنسان من الجنسين إلا أن يكون ما يسبقها نقلة مماثلة تنقله إلى ما قبل خلقه لتستوعب قصة خلق جيل يسبقه من الجنسين, وحينذاك لم يكن له في مرأى العين وجود يذكر إلا تقديره كذرية لاحقة, وبهذا الامتداد يحكي فعل (يخرج) قصة خلق جيل وجيل يسبقه من جيل أسبق فتتجلى غاية الاقتدار, والعدول إلى المضارع يجعل المشهد نموذجاًً للبدء والإعادة يشمل كل الأجيال من الجنسين, ولكن مع التوهم بعود ضمير (يخرج) إلى الماء يضعف أداء الغرض, أنت إذاً أمام وصفٍ لتاريخ ضارب في القدم مر فيه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/480)
الإنسان بمرحلتين أشبه ما يكونا بالولادة, انتهت الأولى به وكذلك الثانية, قال المناوي: "إن للإنسان ولادتين أحدهما الخروج من الصلب والترائب إلى مستودع الأرحام وهو في الرحم في قرار مكين إلى قدر معلوم, وله في سلوكه إلى الكمال منازل وأطوارا من نطفة وعلقة ومضغة وغيرها حتى يخرج من مضيق الرحم إلى فضاء العالم" (1)، وقال ابن الجوزي: "قوله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمّ صَوّرْنَاكُمْ" [الأعراف: 11] فيه .. أقوال أحدها .. خلقناكم .. (من بين) أصلاب .. وترائب .. , ثم صورناكم عند اجتماع النطف في الأرحام, قاله ابن السائب .. , قال ابن قتيبة .. معناه خلقنا أصلكم .. كهيئة الذر" (2). والعجيب في القرآن أنه لا يتركك نهباً للتصورات أمام الحقيقة الخفية التي يدخرها للعالِمين ويعلنها بتلطف لا يلفت عن الغرض, فترى "مثانية النبأ" التي قد تبلغ حد الإسهاب تحجبك عن الزلل خاصةً إذا كنت من الحقيقة في يقين, وتعبير "ماء دافق" يعني أنه دافق حقيقةً لا مجازاً يعني ذو حركة ذاتية زيادةً على أنه مدفوق كما هو معلوم, ولذا ينطوي التعبير على وصف المني بالحياة, وتتضافر الأوصاف في القرآن على قصر الماء بالذكر وحده تشبيهاً للسائل المنوي المعلوم لدى المخاطبين بالماء, لقوله تعالى: "إِنّا خَلَقْنَاهُم مّمّا يَعْلَمُونَ" [المعارج:39] , وقوله: "أَلَمْ نَخْلُقكّم مّن مّآءٍ مّهِينٍ" [المرسلات:20] , وقوله: "وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَآبّةٍ مّن مّآءٍ" [النور:45] , وقوله: "أَفَرَأَيْتُمْ مّا تُمْنُونَ. أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ" الواقعة 58و59, وقوله: "أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ" [القيامة:36و37] , وإذا صدق وصف البشرية على "النطفة الأمشاج" التي تمثل بَدء خلق الإنسان فلا يصدق على "الماء الدافق" الذي يمثل مرحلة أسبق, ولذا يدل حصر ابتداء فعل الخلق بالنطفة على المرحلة قبيل خلق الإنسان وأما الوصف أمشاج فيلزم بضرورة وجود النطفة النظير, وقوله تعالى: "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" يبين موضع خروج عضو انتاج الذرية قبل هجرته لمستقره في الجنسين, والخروج من بينهما يجعل الظهور أو الأصلاب موضع نشأة الذرية واجتماع أصولها الخلوية, وهو ما صرح به قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هََذَا غَافِلِينَ" [الأعراف: 172] , وهذا يدفع وهم عود ضمير (يخرج) إلى الماء وينسبه للإنسان, والمفسرون يجعلون أخذ الذرية لأفراد جنس الإنسان بمعنى إخراجهم للدنيا مفطورين على الإيمان, قال القرطبي: "قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ" .. (وفي قراءة ذرياتهم)؛ قال قوم معنى الآية أن الله تعالى أخرج من ظهور بني آدم بعضهم من بعض قالوا, ومعنى "وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ" دلهم بخلقه على توحيده, لأن كل بالغ يعلم ضرورة أن له ربا واحدا, "أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ" أي قال, فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم والإقرار منهم (أي فطرهم على الإيمان والطاعة) , كما قال تعالى في السماوات والأرض: "قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ" [فصلت: 11] (3)، وقال الألوسي: "أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ" قيل هو ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الآمرة بعبادة الله تعالى الزاجرة عن عبادة غيره عز وجل فكأنه استعارة لإقامة البراهين" (4). , وقال ابن الجوزي: "وجماعة أهل العلم .. من أنه استنطق الذر وركب فيهم عقولا وأفهاما عرفوا بها ما عرض عليهم, وقد ذكر بعضهم أن معنى أخذ الذرية إخراجهم إلى الدنيا بعد كونهم نطفا ومعنى إشهادهم على أنفسهم اضطرارهم إلى العلم بأنه خالقهم بما أظهر لهم من الآيات والبراهين ولما عرفوا ذلك ودعاهم كل ما يرون ويشاهدون إلى التصديق كانوا بمنزلة الشاهدين والمشهدين على أنفسهم بصحته, كما قال: "شَاهِدِينَ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ" [التوبة: 17] , يريدهم بمنزلة الشاهدين وإن لم يقولوا نحن كفرة, كما يقول الرجل قد شهدت جوارحي بصدقك أي قد عرفته, ومن هذا الباب قوله: "شَهِدَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/481)
اللّهُ" [آل عمران: 18] , أي بين وأعلم (5). وقال الواحدي: "أخرج الله تعالى ذريه آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الأباء (6)، وقال البغوي: "فلا تقوم الساعة حتى تولد كل ذريتهم" (7). وفي التبيان في تفسير غريب القرآن: "الذرية أولاد وأولاد الأولاد, قال بعض النحويين ذرية تقديرها فعلية من الذر" (8)، قال القرطبي: ذكر بعض أهل اللغة أن الذر أن يضرب الرجل بيده على الأرض فما علق بها من التراب فهو الذر, وكذا قال إبن عباس إذا وضعت يدك على الأرض ورفعتها فكل واحد مما لزق به من التراب ذرة (9). وقال: "قوله تعالى: "إِنّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرّةٍ" [النساء:40] , أي لا يبخسهم ولا ينقصهم من ثواب عملهم وزن ذرة بل يجازيهم بها ويثيبهم عليها, والمراد من الكلام أن الله تعالى لا يظلم قليلا ولا كثيرا, كما قال تعالى "إِنّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً" [يونس: 44] , والذرة النملة الحمراء عن ابن عباس وغيره وهي أصغر النمل, وعنه أيضا رأس النملة, وقال يزيد بن هارون زعموا أن الذرة ليس لها وزن .. , قلت والقرآن والسنة يدلان على أن للذرة وزنا .. , وقيل الذرة الخردلة, كما قال تعالى: "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىَ بِنَا حَاسِبِينَ" [الأنبياء: 47] , وقيل غير هذا, وهي في الجملة عبارة عن أقل الأشياء وأصغرها" (10)، وقال ابن الجوزي: "قوله تعالى "وَآيَةٌ لّهُمْ أَنّا حَمَلْنَا ذُرّيّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ" [يس: 41و42] , قال المفسرون أراد في سفينة نوح فنسب الذرية (وفي قراءة ذرياتهم) إلى المخاطبين لأنهم من جنسهم, كأنه قال ذرية الناس, وقال الفراء أي ذرية من هو منهم فجعلها ذرية لهم وقد سبقتهم, وقال غيره هو حمل الأنبياء في أصلاب الآباء حين ركبوا السفينة (11) , وفي قوله تعالى: "وَحَلَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَلابِكُمْ" [النساء: 23]؛ قال ابن كثير: "أي وحرمت عليكم زوجات أبنائكم الذين ولدتموهم من أصلابكم، يحترز بذلك عن الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية" (12). وقال الأصفهاني: "تَنْبيهٌ أنّ الوَلدَ جُزْءٌ مِنَ الأب" (13)، قال تعالى: "ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ" [آل عمران:34] , وقال تعالى: "بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ" [آل عمران: 195] , قال ابن الجوزي: "أخرج بعضهم من ظهور بعض" (14)، وفي تفسير الجلالين: "نسلا بعد نسل" (15)، والاستدلال إذاً على بعث الإنسان بأصل خلقه وامتداد تقديره إلى جيل أسبق من الجنسين حين خلقه في القرآن كثير, قال القرطبي: "الإنسان اسم للجنس" (16). وقال أيضاً مساوياً في الدلالة بين تعبيرين: "قال تعالى: "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" وقال: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً" [النحل: 72] (17)، وتعبير "مّنْ أَزْوَاجِكُم" يدل على عناصر وراثية تنشأ منها الذرية وتمتد لتشمل الأحفاد يصدق على كلٍّ من الجنسين؛ الذكر والأنثى, وقال الثعالبي: "قوله تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" توقيف لمنكري البعث على أصل الخلقة .. قال الحسن وغيره معناه من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائبه" (18). وقال الألوسي: "روي عن قتادة أيضا أن المعنى يخرج من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائب كل منهما (19)،, فالقرآن إذن يحدد موضع اجتماع أصول تكوين عضو إنتاج الذرية من الجنسين بالظهور أو الأصلاب ويكشف موضع انفصاله وتميزه على طريق هجرته.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/482)
وقد يعبر القرآن عن المني ضمناً كما في قوله تعالى: "قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ. مِنْ أَيّ شَيءٍ خَلَقَهُ" [عبس:17و18] , وقوله: "إِنّا خَلَقْنَاهُم مّمّا يَعْلَمُونَ" [المعارج: 39] , وقوله: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" أو يصرح به بلفظ (مني) كما في قوله: "أَفَرَأَيْتُمْ مّا تُمْنُونَ. أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ" [الواقعة: 58و59] , أو يصف تكوينه الفاعل حتى يصبح مشيجاً تشبيهاً بالقطيرة الضئيلة من الماء بلفظ (نطفة) كما في قوله تعالى: "أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ. ثُمّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّىَ" [القيامة: 36 - 38] , وقوله: "أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ" [يس: 77] , وقوله: "خَلَقَ الإِنْسَانَ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ" [النحل:4] , وقوله: "إِنّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجًٍ" [الإنسان:2] , أو يصفه تشبيها بلفظ (ماء) , كما في قوله: "أَلَمْ نَخْلُقكّم مّن مّآءٍ مّهِينٍ. فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مّكِينٍ" [المرسلات:20و21] , ومثله قوله تعالى: "وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَآبّةٍ مّن مّآءٍ" [النور: 45] , وكما ترى يعبر القرآن بلا استثناء عن ابتداء خلق الفرد من السائل المنوي لحين تكون النطفة الأمشاج بفعل (الخلق) وما بعده بفعل (الجعل) , وبالمثل يصف ابتداء الحياة من الطين بفعل (الخلق) ويعبر عما بعده كذلك بفعل (الجعل) , كما في قوله تعالى: "الّذِيَ أَحْسَنَ كُلّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ. ثُمّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مّن مّآءٍ مّهِينٍ" [السجدة:7و8] , وقوله تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مّن طِينٍ. ثُمّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مّكِينٍ" [المؤمنون:12و13] , وهكذا لم يرد في القرآن فعل (الإخراج) متعلقاً بالسائل المنوي, وإنما ورد التعبير عن مرحلة المني في تاريخ نشأة الإنسان إما بفعل (الخلق) أو فعل (الجعل) , بينما فاض التعبير بفعل (الإخراج) متعلقاً بالإنسان للدلالة على معانٍ منها الإنبات تمثيلاً بالنبات والانتقال والإحياء والبعث والولادة.
وينطوي التعبير بفعل (الإخراج) بدلالته على البروز والظهور على معنى التحول لشيء غير موجود أو خفي ليصبح منظورا تتأمله العين, وأظهر مثال هو النبات فأصله بذور ضئيلة خالطت الماء, كما في قوله تعالى: "إِنّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ" [يونس: 24] , وقوله: "وَاضْرِبْ لَهُم مّثَلَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ" [الكهف:45] , ولذا يرد فعل (الإخراج) بمعنى فعل (الإنبات) كما في قوله تعالى: "وَهُوَ الّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مّتَرَاكِباً" [الأنعام:99] , وقوله: "وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقاً لّكُمْ" [البقرة:22] , وقوله تعالى: "أَلاّ يَسْجُدُواْ للّهِ الّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ" [النمل:25] , وقوله تعالى: "سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ. الّذِي خَلَقَ فَسَوّىَ. وَالّذِي قَدّرَ فَهَدَىَ. وَالّذِيَ أَخْرَجَ الْمَرْعَىَ. فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىَ" [الأعلى: 1 - 5] , وبهذا يؤدي فعل (الإخراج) وظيفة فعل (الإنبات) في مثل قوله تعالى: "وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ" [النمل: 60] , وقوله تعالى: "وَنَزّلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً مّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنّاتٍ وَحَبّ الْحَصِيدِ" [ق:9] , وقوله تعالى: "وَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ" [لقمان: 10] , وقوله تعالى: "يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزّرْعَ وَالزّيْتُونَ وَالنّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ" النحل 11, ويشترك الإنسان مع بقية الأحياء في الأصل الميت وهو الطين أو مكوناته؛ الماء أو التراب, ولذا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/483)
يوحدهما القرآن في الأصل في قوله تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلّ شَيْءٍ حَيّ" [الأنبياء:30] , وقد يمد التعبير النقلة لتبلغ الأصل الأول لمزيد من بيان الاقتدار والعظمة كما في قوله تعالى: "وَهُوَ الّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَراً" [الفرقان:54] , قال الألوسي: "المراد بالماء الماء المعروف وتعريفه للجنس" (20)، ولبيان الاقتدار في نشأة الحيوان دون بقية الأحياء التي تتناسل بطرق غير المني يقصر القرآن دلالة لفظ الماء على المني بإيراده بالتنكير الدال على التعدد بياناً للعلم بتميز كل حيوان بمني يخصه؛ في قوله تعالى: "وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَآبّةٍ مّن مّآءٍ" [النور:45] , قال السيوطي: قوله: "وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَآبّةٍ مّن مّآءٍ" أي كل نوع من أنواع الدواب من نوع من أنواع الماء وكل فرد من أفراد الدواب من فرد من أفراد النطف (21)، وقد بلغ التماثل في تعبير القرآن بين الإنسان والنبات في الأصل الأول إلى حد وصف نشأة الإنسان بفعلي (الإنبات) و (الإخراج) كما لو كان نباتاً حقيقةً في قوله تعالى: "وَاللّهُ أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرْضِ نَبَاتاً. ثُمّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً" [نوح: 17و18] , ولذا بياناً لوحدة الأصل الميت من الطين أو مكوناته الأصلية وتماثل الإنشاء جعل القرآن إنشاء النبات مثالاً لبعث الإنسان حياً يوم قيامة الأموات كما في قوله تعالى: "وَالّذِي نَزّلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ" [الزحرف:11] , وقوله: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزّتْ وَرَبَتْ إِنّ الّذِيَ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَىَ إِنّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [فصلت:39] , وقوله: "يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ" [الروم:19] , وفي قوله تعالى: "وَهُوَ الّذِي يُرْسِلُ الرّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّىَ إِذَآ أَقَلّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مّيّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلّ الثّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَىَ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ" [الأعراف:57]؛ تلاحظ أن فعل (الإخراج) يتضمن تمثيل الإنسان بالنبات ويعبر عن نشأة كلٍّ منهما ويجعله نظيراً للثمرات, وتلمس تشبيه وليد الإنسان والحيوان الولود مع الثمرات في قوله تعالى: "وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىَ وَلاَ تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ" [فصلت:47] , بينما لا تجد أي من تلك الأوصاف المميزة للإنسان منسوباً للمني.
ويرد فعل (الإخراج) في القرآن في سياق الهجرة للدلالة على الانتقال متعلقاً بالإنسان كما في قوله تعالى: "فَالّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لاُكَفّرَنّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ" [آل عمران:195] , وقوله تعالى: "وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ اللّهِ" [النساء:100] , ويرد للدلالة على الإحياء والبعث متعلقاً بالإنسان كما في قوله تعالى: "وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَإِذَا كُنّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنّا لَمُخْرَجُونَ" [النمل:67] , وقوله تعالى: "يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنّهُمْ جَرَادٌ مّنتَشِرٌ" [القمر:7] , وقوله تعالى: "قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ" [الأعراف:25] , وقوله تعالى: "وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَإِذَا كُنّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنّا لَمُخْرَجُونَ" [النمل:67] , وقوله تعالى: "وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَىَ بِإِذْنِيِ" [المائدة:110] , وقوله تعالى: "وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً" [مريم:66] , وقوله تعالى: "مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىَ" [طه:55] , ويرد للدلالة على الولادة متعلقاً بالإنسان كما في قوله تعالى: "وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمّهَاتِكُمْ لاَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/484)
تَعْلَمُونَ شَيْئاً" [النحل:78] , وقوله تعالى: "وَنُقِرّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى ثُمّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً" [الحج:5] , وقوله تعالى: "هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً" [غافر:67] , وكما ترى يرد فعل (الإخراج) متعلقاً بالإنسان في مواضع كثيرة بينما لم يرد ولا مرة واحدة متعلقاً بالمني, وهكذا تتآزر الشواهد العديدة مؤكدةً على تعلق فعل (الإخراج) في القرآن بالإنسان لا المني.
(خامساً) استفادة القدامى والمعاصرون من معارف عصورهم في التفسير:
في اجتهادات متفاوتة الخطوات لمطابقة الدلالات العلمية العميقة الغور؛ قال الشوكاني: "قيل إن ماء الرجل ينزل من الدماغ, ولا يخالف هذا ما في الآية لأنه إذا نزل من الدماغ نزل من بين الصلب والترائب, وقيل إن المعنى يخرج من جميع أجزاء البدن, ولا يخالف هذا ما في الآية لأن نسبة خروجه إلى بين الصلب والترائب باعتبار أن أكثر أجزاء البدن هي الصلب والترائب" (22)، وقال السيوطي: "عن الأعمش قال يخلق العظام والعصب من ماء الرجل ويخلق اللحم والدم من ماء المرأة" (23)، وقال ابن كثير: "عن معمر بن أبي حبيبة المدني أنه بلغه في قول الله عز وجل "يخرج من بين الصلب والترائب" قال هو عصارة القلب من هناك يكون الولد" (24). وقال القاسمي: "ومعنى الآية أن المني باعتبار أصله وهو الدم يخرج من شيء ممتد بين الصلب أي فقرات الظهر في الرجل والترائب أي عظام صدره, وذلك الشيء الممتد بينهما هو الأبهر (الأورطى) وهو أكبر شريان في الجسم يخرج من القلب خلف الترائب ويمتد إلى آخر الصلب تقريبا, ومنه تخرج عدة شرايين عظيمة, ومنها شريانان طويلان يخرجان منه بعد شرياني الكليتين, وينزلان إلى أسفل البطن حتى يصلا إلى الخصيتين فيغذيانهما, ومن دمهما يتكون المني في الخصيتين ويسميان شرياني الخصيتين أو الشريانين المنويين, فلذا قال تعالى عن المني "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" لأنه يخرج من مكان بينهما وهو الأورطي أو الأبهر, وهذه الآية على هذا التفسير تعتبر من معجزات القرآن العلمية" (25)، وقال ابن عاشور: "الخروج مستعمل في ابتداء التنقل من مكان إلى مكان .. , والصلب العمود العظمي الكائن في وسط الظهر وهو ذو الفقرات .. , والترائب جمع تريبة .. تضاف إلى الرجل وإلى المرأة ولكن أكثر وقوعها في كلامهم في أوصاف النساء .. , وقوله
"يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" الضمير عائد على ماء دافق وهو المتبادر .. أي يمر ذلك الماء بعد أن يفرز من بين صلب الرجل وترائبه, وبهذا قال سفيان والحسن .. (ولكن المراد) أن أصل تكون ذلك الماء وتنقله من بين الصلب والترائب, وليس المعنى أنه يمر بين الصلب والترائب إذ لا يتصور ممر بين الصلب والترائب لأن الذي بينهما هو ما يحويه باطن الصدر والضلوع من قلب ورئتين .. , ولا شك أن النسل يتكون من الرجل والمرأة فيتكون من ماء الرجل وهو سائل فيه أجسام صغيرة تسمى في الطب الحيوانات المنوية .. مقرها الأنثيان وهما الخصيتان .. ومن ماء هو للمرأة كالمني للرجل .. وهو بويضات دقيقة .. يشتمل عليها مبيضان للمرأة وهما بمنزلة الأنثيين للرجل فهما غدتان تكونان في جانبي رحم المرأة, (و) الحبل المنوي .. ينتهي إلى الأنثيين وهما الغدتان اللذان تفرزان المني .. , وهذا من الإعجاز العلمي في القرآن الذي لم يكن علم به للذين نزل بينهم" (26)، وقال سيد قطب: "فلينظر الإنسان من أي شيء خلق وإلى أي شيء صار. . إنه خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، خلق من هذا الماء الذي يجتمع من صلب الرجل وهو عظام ظهره الفقارية ومن ترائب المرأة وهي عظام صدرها .. ولقد كان هذا سرا مكنونا في علم الله لا يعلمه البشر حتى كان نصف القرن الأخير حيث اطلع العلم الحديث على هذه الحقيقة بطريقته؛ وعرف أنه في عظام الظهر الفقارية يتكون ماء الرجل، وفي عظام الصدر العلوية يتكون ماء المرأة حيث يلتقيان في قرار مكين فينشأ منهما الإنسان! والمسافة الهائلة بين المنشأ والمصير. . بين الماء الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب وبين الإنسان المدرك العاقل المعقد التركيب العضوي والعصبي والعقلي والنفسي. . هذه المسافة الهائلة التي يعبرها الماء الدافق" (27).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/485)
وذكر الدكتور محمد وصفي في كتاب "القرآن والطب" أنه نقل ما كتبه في مجلة "هدى الإسلام" عام 1354هـ (1936م) فقال: "الماء الدافق هو السائل المنوي الذي يحتوي على الحيوانات المنوية الحية, وسمي دافقاً لأنه يصب .. بوساطة الانقباضات الخاصة التي تدفع بها القناة الناقلة والحويصلة المنوية هذا السائل .. , وهو قوله تعالى: "أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ" [القيامة: 37] , ويقول القاموس المحيط دفقه ويدفقه صبه, وهذا ما يجعل الماء الدافق خاصاً بالذكر وحده دون الأنثى, إذ ليس للمرأة ماء يصب ويتدفق بشدة كماء الرجل, بل إن ماء المرأة إفراز يسيل لمجرد تليين الجهاز التناسلي وترطيبه, مثل سيلان اللعاب والعرق, وبذلك يكون قوله تعالى: "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" أي يخرج من بين صلب الرجل وترائبه ولا دخل هنا لصلب المرأة وترائبها مطلقاً .. , والصلب هو السلسلة الفقرية .. والترائب هي عظام الصدر .. , (و) النطفة .. تتكون حقيقةً في القناة المنوية في الأنثيين (الخصيتين) ولا تتكون في الصلب ولا تتكون كذلك من الترائب, فقوله تعالى: "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" ليس معناه أنه يخرج منهما ولكن معناه أنه يخرج بينهما, أي يخرج من مكان يقع بينهما, وهذا من عظيم أسرار الإسلام في الطب .. , (و) في الذكر والأنثى .. مكان الغدة التناسلية يكون في أول الأمر في الفراغ البطني .. (و) يقع تماماً بين الصلب والترائب .. , فالآية الكريمة ترشدنا بذلك إلى أصل تكوين الغدة التناسلية في الإنسان وتدلنا على مكان وجودها الأولي فيه .. (و) يخرج باعتبار نشأته الأولى وأصل وجوده في الجنين" (28).
وقال المراغي (تُوفِّي عام 1371هـ - 1952م): "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" أي فلينظر بعقله وليتدبر في مبدأ خلقه ليتضح له قدرة واهبه وأنه .. على إعادته أقدر .. "خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" حقائق علمية تأخر العلم بها والكشف عن معرفتها وإثباتها ثلاثة عشر قرنا, بيان هذا أن صلب الإنسان هو عموده الفقري (سلسلة ظهره) وترائبه هي عظام صدره .. وإذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا في منشأ خصية الرجل ومبيض المرأة ما يفسر لنا هذه الآيات التي حيرت الألباب .. فكل من الخصية والمبيض في بدء تكوينهما يجاور الكلى ويقع بين الصلب والترائب, أي ما بين منتصف العمود الفقري تقريبا ومقابل أسفل الضلوع .. , فإذا كانت الخصية والمبيض في نشأتهما وفي إمدادهما بالدم الشرياني وفي ضبط شئونهما بالأعصاب قد اعتمدتا في ذلك كله على مكان في الجسم يقع بين الصلب والترائب فقد استبان صدق ما نطق به القرآن الكريم وجاء به رب العالمين ولم يكشفه العلم إلا حديثا بعد ثلاثة عشر قرنا من نزول ذلك الكتاب, هذا وكل من الخصية والمبيض بعد كمال نموه يأخذ في الهبوط إلى مكانه المعروف فتهبط الخصية حتى تأخذ مكانها في الصفن ويهبط المبيض حتى يأخذ مكانه في الحوض بجوار بوق الرحم, وقد يحدث في بعض الأحيان ألا تتم عملية الهبوط هذه فتقف الخصية في طريقها ولا تنزل إلى الصفن فتحتاج إلى عملية جراحية .. , وإذا هدي الفكر إلى كل هذا في مبدأ خلق الإنسان سهل أن نصدق بما جاء به الشرع وهو البعث في اليوم الآخر ..
"إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" أي إن الذي قدر على خلق الإنسان ابتداءً .. قادر أن يرده حيا بعد أن يموت" (29).
ويقول الدكتور محمد علي البار في كتاب "خلق الإنسان بين الطب والقرآن": "لنبق قليلا مع الآية الكريمة التي تتحدث عن الماء الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب نتملى معانيها المعجزة الباهرة .. والآية الكريمة تحثنا على النظر في الإنسان الذي خلق من هذا الماء الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب, وسبب تدفقه .. هو تقلصات جدار الحويصلة المنوية والقناة القاذفة للمني .. تقول الآية الكريمة أن الماء الدافق يخرج من بين الصلب والترائب, ونحن قد قلنا أن هذا الماء (المني) إنما يتكون في الخصية وملحقاتها, كما تتكون البويضة في المبيض لدى المرأة, فكيف تتطابق الحقيقة العلمية مع الحقيقة القرآنية؟: إن الخصية والمبيض إنما يتكونان من الحدبة التناسلية بين صلب الجنين وترائبه, والصلب هو العمود الفقري والترائب هي الأضلاع, وتتكون الخصية والمبيض في هذه المنطقة بالضبط
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/486)
أي بين الصلب والترائب, ثم تنزل الخصية تدريجيا حتى تصل إلى كيس الصفن (خارج تجويف البطن) في أواخر الشهر السابع من الحمل بينما ينزل المبيض إلى حوض المرأة .. , ومع هذا فإن تغذية الخصية والمبيض بالدماء والأعصاب واللمف تبقى من حيث أصلها أي من بين الصلب والترائب, فشريان الخصية أو المبيض يأتي من الشريان الأبهر (الأورطي البطني) من بين الصلب والترائب, كما أن وريد الخصية يصب في نفس المنطقة أي بين الصلب والترائب, كما أن الأعصاب المغذية للخصية أو للمبيض تأتي من المجموعة العصبية الموجودة تحت المعدة من بين الصلب والترائب, وكذلك الأوعية اللمفاوية تصب في نفس المنطقة أي بين الصلب والترائب, فهل يبقى بعد كل هذا شك أن الخصية أو المبيض إنما تأخذ تغذيتها ودماءها وأعصابها من بين الصلب والترائب؟ , فالحيوانات المنوية لدى الرجل أو البويضة لدى المرأة إنما تستقي مواد تكوينها من بين الصلب والترائب, كما أن منشأها ومبدأها هو من بين الصلب والترائب, والآية الكريمة إعجاز كامل حيث تقول: "مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" , ولم تقل من الصلب والترائب, فكلمة "بَيْنِ" ليست بلاغية فحسب وإنما تعطي الدقة العلمية المتناهية .. , والعلم الحديث يقرر أن الماء الذي لا يقذف ولا يندفع وإنما يسيل .. إنما هو إفرازات المهبل وغدد بارثولين المتصلة به وأن هذه الإفرازات ليس لها دخل في تكوين الجنين وإنما وظيفتها ترطيب المهبل .. ولكن العلم الحديث يكشف شيئا مذهلا؛ أن الحيوانات المنوية يحملها ماء دافق هو ماء المني, كذلك البويضة في المبيض تكون في حويصلة جراف محاطة بالماء فإذا انفجرت الحويصلة تدفق الماء .. وتلقفت أهداب البوق البويضة لتدخلها إلى قناة الرحم حيث تلتقي بالحيوان المنوي لتكون النطفة الأمشاج .. هذا الماء يحمل البويضة تماما كما يحمل ماء الرجل الحيوانات المنوية, كلاهما يتدفق, وكلاهما يخرج من بين الصلب والترائب: من الغدة التناسلية؛ الخصية أو المبيض .. وتتضح مرة أخرى معاني الآية الكريمة في إعجازها العلمي الرائع: ماء دافق من الخصية يحمل الحيوانات المنوية, وماء دافق من حويصلة جراف بالمبيض يحمل البويضة" (30).
ويقول الدكتور مأمون شقفة في كتاب "القرار المكين": "الذرية هي النسل, واشتقاق كلمة الذرية من الذرة يدل على أن النسل يحصل بعناصر صغيرة جدا تبين الآن أنها الخلايا الجنسية .. ولكن ما يهمني هو أن الإشهاد هذا إنما حصل لذرية بني آدم من بعده كما فسر الحسن البصري إذ قال: "وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ" ولم يقل من آدم "مِن ظُهُورِهِمْ" ولم يقل من ظهره .. , فإنما يأخذ الميثاق من البشر كأفراد قبل أن يخرجوا من عالم الذر إلى عالم المجسمات, وهذا الميثاق من نعم الله علينا فقد فطرنا على الشعور بحاجة ماسة إلى الإيمان بالخالق العظيم .. "وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ" [لقمان: 25] .. المهم أننا نشعر بنداء الفطرة هذا في أعماقنا يشدنا إلى الله عز وجل ويذكرنا كلما ألم بنا طائف .. ولقد حيرت آية الصلب والترائب الألباب وذهب فيها المفسرون مذاهب شتى على قدر ما أوتي كل منهم من علم .. تحير المفسرون في خروج الماء من بين الصلب والترائب .. لعدم وجود معلومات طبية تشريحية بين أيديهم تدلهم .. منشأ الغدد التناسلية ليس في الواقع بين الصلب والترائب ولكن في الأصلاب بالذات (وإنما الخروج من بينهما) .. , إن القرآن لا يقول أبدا: يخرج الماء الدافق من بين الصلب والترائب, ولكنه يقول "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" وهذه الآية مثل آيات الله تعالى الأخرى تشير إلى قدرة الله تعالى المتجلية في أمر عظيم هو الولادة أي إخراج الإنسان من بين الصلب والترائب .. فالضمائر هنا تتعلق بالإنسان رغم كون الماء أقرب .. لأن المعنى يختل ولا يستقيم إذا تعلقت هذه الضمائر بالماء .. وفي قواعد اللغة أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور له في الكلام, وقد يعود إلى البعيد بقرينة دالة عليه .. , أما وقد وجدت القرينة القوية بما عندنا من علم حديث فلم يبق شك في أن هذا الضمير (في يخرج) يعود للإنسان, فما هي هذه القرينة؟ إن هذه القرينة هي أن الجنين (أي الإنسان) يكون أثناء الحمل وفي تمامه وحين يخرج (أي أثناء الولادة) بالضبط بين الصلب والترائب,
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/487)
ويكون الخط الواصل بين الصلب والترائب منطبقا على محور الجنين في أكثر من 97% من الحالات في المجيئات الطولانية الرأسية أو المقعدية .. ولا يخرج جنين واحد أبدا عن مدلول الآية الكريمة, إذن لم يعد هناك شك في أن ضمير "يَخْرُجُ" عائد إلى الإنسان, وفي أن الله تعالى يلفت نظرنا إلى عملية الولادة المعقدة" (31).
(سادساً) موجز الدراسة الدلالية: في قوله تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ"؛ الماء الدافق تعبير وصفي للمني لأنه سائل تركيبه يماثل قطيرات الماء إلا أنه حي تتدفق تكويناته وتتحرك بنشاط ويصدق عليها الوصف بصيغة اسم الفاعل (دافق) لدلالته على الحركة الذاتية, وجميع الأوصاف عدا وصف الماء بالدافق تتعلق بالإنسان لأن بدء خلقه هو محور الحديث والموضوع الرئيس, وهو المستدل به على إمكان الإرجاع, وضمير (له) في قوله تعالى: "فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ" لا يستقيم عوده إلى الماء وإنما الإنسان, وضمير (رجعه) في قوله تعالى: "إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" الأظهر عوده إلى الإنسان والإرجاع هو إعادة الخلق للحساب بقرينة وقت الإرجاع "يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ", ولا توجد ضرورة لتشتيت مرجع الضمائر في "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" و"خُلِقَ مِن مّآءٍ" و (رجعه) في "إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" و"فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ" ولذا الأولى عود ضمير (يخرج) في "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" إلى الإنسان كذلك مثلها, خاصة أن المني لا يخرج بذاته كذلك وإنما من الخصية, والوصف بالإخراج آية مستقلة كبيان متصل بأصل الحديث عن الإنسان, وبيان القدرة الإلهية وسبق التقدير أجلى والاستدلال على إمكان الإعادة أوثق في إخراج الذرية من ظهور الأسلاف, والتلازم قائم بين (إخراج) الإنسان للدنيا وليداً و (إرجاعه) حياً بينما لا تلازم بين (إخراج) المني و (إرجاع) الإنسان, والخروج من الظهور مُبَيَّن في قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ" [الأعراف:172] , وقوله: "أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَلابِكُمْ" [النساء: 23] , ولم يرد في القرآن فعل (الإخراج) متعلقا بالمني بينما ورد كثيرا متعلقا بالإنسان لبيان خروجه للدنيا وليداً وخروجه حياً للحساب.
والحقيقة العلمية هي أن الأصول الخلوية للخصية في الذكر أو المبيض في الأنثى تجتمع في ظهر الأبوين خلال نشأتهما الجنينية ثم تخرج من الظهر من منطقة بين بدايات العمود الفقري وبدايات الضلوع ليهاجر المبيض إلى الحوض بجانب الرحم وتهاجر الخصية إلى كيس الصفن حيث الحرارة أقل وإلا فشلت في إنتاج الحيوانات المنوية وتصبح معرضة للتحول إلى ورم سرطاني إذا لم تُكمل رحلتها, والتعبير "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" يفي بوصف تاريخ نشأة الذرية ويستوعب كافة الأحداث الدالة على سبق التقدير وبالغ الاقتدار والإتقان منذ اجتماع الأصول الخلوية في الأصلاب ونشأة عضو إنتاج الذرية وهجرته خلف أحشاء البطن ابتداءً من المنطقة بين الصلب والترائب إلى المستقر, وحتى يولد الأبوان ويبلغان ويتزاوجان وتخلق الذرية مما يماثل نطفة ماء في التركيب عديمة البشرية لكنها حية تتدفق ذاتياً لتندمج مع نطفة نظير فتتكون النطفة الأمشاج من الجنسين, ويستمر فعل الإخراج ساري المفعول ليحكي قصة جيل آخر لجنين يتخلق ليخرج للدنيا وليداً وينمو فيغفل عن قدرة مبدعه, وكل هذا الإتقان المتجدد في الخلق ليشمل تاريخ كل إنسان عبر عنه العليم الحكيم بلفظة واحدة تستوعب دلالاتها كل الأحداث: "يَخْرُجُ" , فأي اقتدار وتمكن في الخلق والتعبير!.
إحكام في البيان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/488)
وردت في القرآن 42 مفردة عدا اللفظ "فَلْيَنظُرِ" تماثله في البناء هي: فَلْيَتَوَكّلِ (تسع مرات) فَلْيَعْمَلْ (مرتين) فَلْيَأْتُواْ (مرتين) فَلْيَسْتَجِيبُواْ (مرتين) فَلْيَمْدُدْ (مرتين) فَلْتَقُمْ (مرة) فَلَنَأْتِيَنّكَ (مرة) فَلَنَأْتِيَنّهُم (مرة) فَلَنُحْيِيَنّهُ (مرة) فَلَنُذِيقَنّ (مرة) فَلَنَسْأَلَنّ (مرة) فَلَنَقُصّنّ (مرة) فَلَنُنَبّئَنّ (مرة) فَلَنُوَلّيَنّكَ (مرة) فَلْيَأْتِكُمْ (مرة) فَلْيَأْتِنَا (مرة) فَلْيُؤَدّ (مرة) فَلْيَأْكُلْ (مرة) فَلْيُؤْمِن (مرة) فَلَيُبَتّكُنّ (مرة) فَلْيَتّقُواّ (مرة) فَلْيَتَنَافَسِ (مرة) فَلْيَحْذَرِ (مرة) فَلْيَدْعُ (مرة) فَلْيَذُوقُوهُ (مرة) فَلْيَرْتَقُواْ (مرة) فَلْيَسْتَأْذِنُواْ (مرة) فَلْيَسْتَعْفِفْ (مرة) فَلْيُصَلّواْ (مرة) فَلْيَصُمْهُ (مرة) فَلْيَضْحَكُواْ (مرة) فَلْيَعْبُدُواْ (مرة) فَلَيَعْلَمَنّ (مرة) فَلَيُغَيّرُنّ (مرة) فَلْيَفْرَحُواْ (مرة) فَلْيُقَاتِلْ (مرة) فَلْيَكْتُبْ (مرة) فَلْيَكْفُرْ (مرة) فَلْيَكُونُواْ (مرة) فَلْيُلْقِهِ (مرة) فَلْيُمْلِلْ (مرة)
فَلْيُنفِقْ (مرة) ويستقيم فيها جميعا أن تكون (اللام) للأمر و (الفاء) تفصح عن محذوف بأصل دلالتها على التعقيب إن لم يسبقها ما لا يحتاج معه إلى تقدير محذوف, ولذا تسمى فاء الفصيحة في اصطلاح النحاة.
وورد اللفظ "فَلْيَنظُرِ" في أربعة مواضع؛ قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هََذِهِ إِلَىَ الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيّهَآ أَزْكَىَ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مّنْهُ وَلْيَتَلَطّفْ وَلاَ يُشْعِرَنّ بِكُمْ أَحَداً" [الكهف:19] , وقوله تعالى: "مَن كَانَ يَظُنّ أَن لّن يَنصُرَهُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السّمَآءِ ثُمّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ" [الحج:15] , وقوله تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَىَ طَعَامِهِ" [عبس:24] , وقوله تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" [الطارق:5] , وفي تلك المواضع الأربعة جميعاً يتبع اللفظ (فَلْيَنظُرِ) نتيجة حسية معاينة مؤكَّدة تلزمها مقدمات وردت بالتصريح في حالتين لفظاً مما يقتضي في البقية ورودها ضمناً ويلزم تقديرها, وقوله: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَىَ طَعَامِهِ" جواب لسؤال تفرضه حالة المنكرين الغافلين عن تقدير النعمة قبل إيجاد المُنْعَم عليه, وكأنهم يتساءلون مستنكرين فلزمهم الإسهاب في بيان سبق الإعداد في قوله تعالى:
"أَنّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً. ثُمّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقّاً. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدَآئِقَ غُلْباً. وَفَاكِهَةً وَأَبّاً. مّتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ" [عبس: 25 - 32] , وكشف حالة الكفر بالنعمة التصريح بها في التذييل: "أُوْلََئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ" [عبس: 42] , وبالمثل جاء قوله: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" جواباً لسؤال تطرحه حالة منكري البعث الغافلين عن المصير, وكشف التصريح بالإعادة حالة الإنكار مؤكداً لقدرة الله تعالى بداهةً على إرجاع الإنسان وذلك في التذييل: "إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ".
وصيغة الفعل (يُخْرِجْ) بضم الياء تُصَرِّح بخروج الشيء بتدبير فاعل غيره بينما الصيغة (يَخْرُجُ) بفتحها تصف الشيء نفسه فتعني أنه المُؤَدِّي للفعل ولا تصرح بفاعل التدبير؛ هل هو الشيء نفسه أم فاعل غيره؟ , ولكن الفعل المبني للمجهول "خُلِقَ" والعائد على الإنسان يصرح بضرورة وجود الخالق, وكأنه قال: (يُخْرِجُهُ اللهُ من بين الصلب والترائب) , وبهذا الاحتياط يقطع التركيب في قصر تدبير (الإخراج) على الخالق وحده, وصيغة المضارع "يَخْرُجُ" تدل على تجدد الفعل ودوامه دفعاً للصدفة وبياناً للتقدير, واقتدار الخالق شاخص في كل العرض بينما يتملى الخيال مشاهد أعرضت عن الإنسان فعبرت عنه بالغائب في ومضات تُعَرِّيه من الخيلاء وتفاجئه بأصله ومصيره طاويةً حياته ومماته وكأنه لم يكن, في
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/489)
مقابل مشهد استكباره في تبجح صارخ يعلنه الاحتجاج المستهل بحرف (الفاء) ليفصح بأصل دلالته على التعقيب عن محذوف يكشف ما يجول في طوية نفسه: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" كأنه صيحة مدوية مؤنبة تقول: ألم تحدثك نفسك؟ , وليس للإنسان في تلك المحاكمة إلا حضورا باهتا داخل قفص الاتهام في زاوية من المخيلة بينما تشخص عياناً أدلة التجريم؛ وكأنه تعالى يقول: "أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىَ" القيامة:40, وهذا المشهد الأصغر لتعري السرائر مثال لمشهد يوم عظيم
"يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ", فتأمل الاتساق في عرض المشاهد! , تصوير عجيب يكشف ما قبل فتح الستار وحتى بعد ضمه تبقى في الخاطر شتى صور العقاب وتأز في المسامع نيران تتشوق لمن يشك لحظة في قدرة الخالق سبحانه!.
وتجاوباً مع الإعراض عن الإنسان الغافل عن مبتداه الناكر لمصيره لم يستفته التعبير ولم ينتظر منه جواباً بل يجرده من الأعذار, فعدل عن أداة الاستفهام (مِما؟) إلى الأداة "مِمّ" بغير ألف لأن المقام هنا لا يتعلق بالاستفهام وإنما بالتقرير, ومثله قول العلي القدير: "عَمّ يَتَسَآءَلُونَ" [النبأ: 1] , وقوله تعالى: "فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا" [النازعات:43] , وقوله: "قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ" [البقرة:91] , ويصلح التقرير فيها جميعاً مع التمييز بين "ما" الاستفهامية والخبرية بحذف الألف والاكتفاء بالميم مع حرف الجر (32). وأصل تركيب "مِمّ" ": (مِن) للابتداء و (مَا) بمعنى (الذي) لكن الإبهام زاد بداية الإنسان إيغالاً في الضآلة إلى حد العدم في مرأى العين, ودليل البَدء حجة دامغة لذا فاضت به محاكمات القرآن لتجريم الغافلين عن البعث وأدانهم مراراً سؤاله: (كيف بدأ الخلق؟) , مثل قول العلي القدير: "أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ" [يس: 77] , وقوله: "أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً" [مريم: 67] , وقوله: "هَلْ أَتَىَ عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مّنَ الدّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مّذْكُوراً" [الإنسان: 1] , وقوله: "أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ" [القيامة: 37] , وقوله: "أَفَرَأَيْتُمْ مّا تُمْنُونَ. أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ" [الواقعة: 58و59] , وقوله: "كَلاّ إِنّا خَلَقْنَاهُم مّمّا يَعْلَمُونَ" [المعارج: 39] , وقوله: "مّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلّهِ وَقَاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً" [نوح 13و14] , وقوله: "يَأَيّهَا الإِنسَانُ مَا غَرّكَ بِرَبّكَ الْكَرِيمِ. الّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ" " [الانفطار 6و7] , وقوله: "أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلّن نّجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَىَ قَادِرِينَ عَلَىَ أَن نّسَوّيَ بَنَانَهُ" [القيامة 3و4] , وكذلك قوله: "قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ. مِنْ أَيّ شَيءٍ خَلَقَهُ" عبس 17و18, وهو كقوله تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِر", وكأنه يقول: كيف يجرؤ أحد أن ينكر قدرة الله على البعث والحساب ولو حديثاً في النفس! ألم يعلم كيف كان قبل خلقه ويدرك تلاحق الذرية! , فالظاهر السؤال والمعنى التقرير والاحتجاج للإفحام, وتلمس تعجب وإعراض وتبكيت وتقريع في جو تشوبه هيبة وغلبة وتمكن واستعلاء ويصاحبه إيقاع كأنما هو في الحس قرع الطبول في ساحة معركة أو كما لو كانت قاعة المحاكمة ليست لإصدار الحكم فحسب بل ساحة لتنفيذ حكم الإعدام؛ فلا يملك المعاند إلا أن يسمع الحكم مأخوذاً بكشف السرائر مستسلماً لهدير دلائل التجريم, وهذا أسلوب عجيب فريد جامع لا يبلغه اليوم أي كتاب يُنسب للوحي قد بلغ الذروة في التصوير وثراء المعني مع الغاية في إيجاز اللفظ, وهكذا يتصل العرض وينقلك في ومضة من مشاهد بدايات مقدرة تسبق وجود الإنسان إلى حيث يقف عاجزا معرَُى السريرة ليواجه مصيره وحده بلا أعوان فيتجلى بتلك النقلة الكبيرة الفارق في أحواله, وسرعة النقلة تؤكد سبق التقدير وتجلي قدرة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/490)
الله وواسع تدابيره وحكمته؛ ناطقةً:
"إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ". قال ابن عاشور: "التقدير: إن رأيتم البعث محالاً "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" ليعلم أن الخلق الثاني ليس بأبعد من الخلق الأول, فهذه الفاء مفيدة مفاد فاء الفصيحة, والنظر نظر العقل وهو التفكر المؤدي إلى علم شيء بالاستدلال, فالمأمور به نظر المنكر للبعث في أدلة إثباته" (33). وقال ابن القيم: "والتفكر في القرآن نوعان: تفكر فيه ليقع على مراد الرب تعالى منه وتفكر في معاني ما دعا عباده إلى التفكر فيه, فالأول تفكر في الدليل القرآني والثاني تفكر في الدليل العياني, الأول تفكر في آياته المسموعة والثاني تفكر في آياته المشهودة, ولهذا أنزل الله القرآن ليتدبر ويتفكر فيه ويعمل به .. , قال تعالى:
"أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ. ثُمّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّىَ. فَجَعَلَ مِنْهُ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ. أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىَ" [القيامة: 36 - 40] , وقال تعالى: "أَلَمْ نَخْلُقكّم مّن مّآءٍ مّهِينٍ. فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مّكِينٍ. إِلَىَ قَدَرٍ مّعْلُومٍ. فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ" [المرسلات: 20 - 23] , وقال:
"أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ" [يس: 77] , وقال: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مّن طِينٍ. ثُمّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مّكِينٍ. ثُمّ خَلَقْنَا النّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" [المؤمنون: 12 - 14] , وهذا كثير في القرآن يدعو العبد إلى النظر والتفكر في مبدأ خلقه .. إذ نفسه وخلقه من أعظم الدلائل على خالقه وفاطره, وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه, وفيه من العجائب الدالة على عظمة الله ما تنقضي الأعمار في الوقوف على بعضه, وهو غافل عنه معرض عن التفكر فيه, ولو تفكر في نفسه لزجره ما يعلم من عجائب خلقه عن كفره, قال الله تعالى: "قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ. مِنْ أَيّ شَيءٍ خَلَقَهُ. مِن نّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدّرَهُ. ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ. ثُمّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ. ثُمّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ" [عبس: 17 - 22] , فَلَمْ يكرر سبحانه على أسماعنا وعقولنا ذكر هذا لنسمع لفظ النطفة والعلقة والمضغة والتراب ولا لنتكلم بها فقط ولا لمجرد تعريفنا بذلك, بل لأمر وراء ذلك كله هو المقصود بالخطاب وإليه جرى ذلك الحديث, فانظر الآن إلى النطفة (الأمشاج) بعين البصيرة وهي (مثل) قطرة من ماء .. كيف استخرجها رب الأرباب العليم القدير "من بين الصلب والترائب" منقادة لقدرته مطيعة لمشيئته مذللة الانقياد على ضيق طرقها واختلاف مجاريها (في أصلاب الأسلاف) إلى أن ساقها إلى مستقرها! " (34). ولا يملك أحد أن يستوعب كل تفصيلات الإبداع في هذا الوجود والتي أجملها قول العلى القدير: "أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىَ"! [القيامة40] , وأما التفاصيل العلمية التي يستحيل أن يدركها بشر زمن التنزيل فهي بعض دلائل النبوة الخاتمة التي تسطع اليوم أمام النابهين.
(1) فيض القدير ج: 5 ص: 3.
(2) زاد المسير ج: 3 ص: 173.
(3) تفسير القرطبي ج: 7 ص: 314.
(4) روح المعاني ج: 23 ص: 40.
(5) زاد المسير ج: 3 ص: 286.
(6) تفسير الواحدي ج: 1 ص: 420.
(7) تفسير البغوي ج: 2 ص: 212.
(8) التبيان في تفسير غريب القرآن ج: 1 ص: 107.
(9) تفسير القرطبي ج: 20 ص: 151.
(10) تفسير القرطبي ج: 5 ص: 195.
(11) زاد المسير ج: 7 ص: 22.
(12) تفسير ابن كثير ج2ص216.
(13) المفردات في غريب القرآن ج1ص284.
(14) زاد المسير ج3ص284.
(15) الجلالين ج1ص220.
(16) تفسير القرطبي ج: 10 ص: 68.
(17) تفسير القرطبي ج: 10 ص: 125.
(18) الثعالبي ج: 4 ص: 402.
(19) الألوسي 30/ 97.
(20) روح المعاني ج: 19 ص: 35.
(21) الإتقان ج: 1 ص: 556.
(22) فتح القدير ج: 5 ص: 420.
(23) الدر المنثور ج: 8 ص: 476.
(24) تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 499.
(25) محاسن التأويل للقاسمي ج10ص120.
(26) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور, ج30ص261.
(27) الظلال ص3878.
(28) القرآن والطب, ط1, 1416هـ (1995م) , ص57.
(29) تفسير المراغي ج10ص112.
(30) خلق الإنسان بين الطب والقرآن, ط5, 1984, ص114 - 124,
(الطبعة الأولى عام: 1400هـ - 1980م).
(31) القرار المكين, ط1, 1406هـ (1985) ,
ص154 - 159 و276 - 285.
(32) البرهان في علوم القرآن ج3ص213.
(33) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور, ج30ص261.
(34) مفتاح دار السعادة ج: 1 ص: 190.
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_*******.cfm?catid=73&artid=3450
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/491)
ـ[عصمت الله]ــــــــ[13 - 09 - 05, 08:57 ص]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم أبو مهند النجدي
موضوع مهم و مفيد و قد سبق أن اقتنيته
و أرفق الموضوع في ملف مضغوط واحد فهو أسهل للقراء وأنفع والفضل لك
فبعد إذنك!
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[07 - 11 - 05, 09:36 م]ـ
هذا أفضل حقا
ـ[طالب علوم الحديث]ــــــــ[10 - 11 - 05, 10:40 م]ـ
جزاك الله خيرا(20/492)
الرجاء تزويدنا بالمعجم الوسيط إن وجد
ـ[نضال دويكات]ــــــــ[13 - 09 - 05, 07:37 ص]ـ
بحثت عنه طويلا ولم أجده
ـ[أبو سارة حسام]ــــــــ[24 - 01 - 06, 02:27 ص]ـ
ونحن كذلك بحثنا عن طويلاً ولم نجده
ـ[أبو عمر]ــــــــ[24 - 01 - 06, 02:41 ص]ـ
المعجم الوسيط
أنزله الأخ طالب العلم على المكتبة الوقفية كما أذكر بصيغة pdf
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[24 - 01 - 06, 10:31 ص]ـ
حمل المعجم الوسيط من الوقفية
http://www.waqfeya.com/pdf/books/0163.pdf
وينظر هذا الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68269&highlight=%C7%E1%E3%DA%CC%E3+%C7%E1%E6%D3%ED%D8(20/493)
كيف أضع كتابا هنا؟
ـ[عزت المصرى]ــــــــ[13 - 09 - 05, 08:42 ص]ـ
لدى كتاب فى الرد على شبهات النصارى حول الحديث كيف أضعه هنا؟
ـ[ابوهاني المصري]ــــــــ[13 - 09 - 05, 09:12 ص]ـ
السلام عليكم اخي الكريم
1 - قم بضغط الكتاب عندك
2 - افتح صفحة ملتقي اهل الحديث
3 - سوف تجد في اعلي الصفحة مكتوب موضوع جديد اضغط عليها
4 - سوف تفتح معك صفحة لكتابة الموضوع والعنوان
5 - بعد ان تنتهي من الكتابة تريد طبعا ان ترفق الملف الذي تريد رفعه اعمل الآتي
انزل اسفل الصفحةسوف تجد عنوان باسم التحكم بالملفات المرفقة اضغط عليه سوف تفتح لك صفحةمكتوب بها بحث بالنجليزية اضغط عليها وشوف انت واضع الملف اين ويكون بالامتداتات المطلوبة ثم اضغط رفع وانتظر قليلا ثم اعتمد الموضوع بالغضط علي اعتمد الرد
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[07 - 11 - 05, 09:59 م]ـ
أنا أيضاً أعاني من هذه المشكلة، فلا يوجد في أعلى الصفحة عنوان (موضوع جديد) بل (موضوعات جديدة) وهي لا تتضمن إضافة أي كتاب؟ أرجو التوضيح أكثر مع الشكر سلفاً(20/494)
مقالات الشيخ المحدث د ـ علي الصياح
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[13 - 09 - 05, 10:18 ص]ـ
أحبتي الكرام هذه مجموعة من مقالات الشيخ أنقلها لكم عسى الله أن ينفع بها وإن حصل مني نقص فالأحبة ينقلون ما نقص منها
_____________________
الثورة على السنة النبوية
د. علي بن عبد الله الصيّاح
إنَّ مِنْ أسبغ نعم الله على هذه الأمة حفظ دينها بحفظ كتابه العزيز، وسنة نبيه الكريم، قال - تعالى -: {إِنّا نَحْنُ نَزّلنا الذِّكرَ وإِنّا لهُ لحافظون} وهذا الوعد والضمان بحفظ الذكر يشمل حفظ القرآن، وحفظ السنة النبوية - التي هي المفسرة للقرآن وهي الحكمة المنزلة كما قال - تعالى - {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} -وقد ظهر مصداقُ ذلك مع طول المُدّة، وامتدادِ الأيام، وتوالي الشهور، وتعاقبِ السنين، وانتشارِ أهل الإسلامِ، واتساعِ رُقعتهِ، فقيض الله للقرآن من يحفظه ويحافظ عليه.
وأما السُّنَّةُ فإنَّ الله - تعالى -وَفَّق لها حُفَّاظاً عارفين، وجهابذةً عالمين، وصيارفةً ناقدين، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المُبْطلين، وتأويل الجاهلين، فتفرغوا لها، وأفنوا أعمارهم في تحصيلها، وبيانها والاستنباط منها، وتمييزِ ضعيفها من صحيحها، فجزاهم اللهُ عن الإسلامِ والمسلمينَ خيرَ الجزاءِ وأوفرَهَ.
هذا وفهم السنة النبوية وبيانُ حِكَمها وأحكامها له أصول وقواعد يُنطلق منها وفق منهج علميّ رصين، فمن لم يراع هذه القواعد العلمية والأسس المنهجية كان فهمه للسنة النبوية في الواقع- ثورة عليها وتغييراً لدلالتها، وبالتالي يصبح الأمر فوضى، وتضيع كل قواعد العلم، وتصبح السنة النبوية حمى مستباحاً لكل من هبّ ودب!، يقرأ أحدهم كتاباً في "السنة النبوية" يوم السبت، ويصنف فيه يوم الأحد، ويدعو كلَّ أحد للاستنباط يوم الاثنين، أما يوم الثلاثاء فيطاول الأئمة ويقول: نحن رجال وهم رجال!! ..
قال ابنُ حزم في السير ((لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويظنون أنهم مصلحون)).
وقال الجرجاني في دلائل الإعجاز: ((إذا تعاطى الشيء غير أهله، وتولى الأمر غير البصير به، أعضل الداء واشتد البلاء)).
إنَّ مسألة فَهْم السنةِ النبوية وبيان حِكَمها وأحكامها والاستنباط منها، وتمييزِ ضعيفها من صحيحها، ليست من قبيل الثقافة العامة التي يتناولها الكتاب والمفكرون والمثقفون والشعراء بالنقد والتعليق كما يتناولون نقد القصيدة أو المقالة، وإنما هي مسألة علمية، تتعلق بدين الله وشرعه، والقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغير علم كالقول على الله بلا علم لأنه - صلى الله عليه وسلم - ما ينطق عن الهوى إن هو إلا هو وحي يوحي.
قال ابنُ القيم في إعلام الموقعين: ((وقد حرَّم الله القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء وجعله من أعظم المحرَّمات؛ بل جعله في المرتبة العليا منها؛ قال - تعالى -: "قلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ... " الآية، فرتَّب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها، وهو الفواحش، وثنّى بما هو أشد تحريمًا منه، وهو الإثم والظلم، ثم ثلَّث بما هو أعظم تحريمًا منهما، وهو الشرك به - سبحانه -، ثم ربَّع بما هو أعظم تحريمًا من ذلك كله، وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعمُّ القول عليه - سبحانه - بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه)) وقال - تعالى - {[وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.
وهنا أصول ينبغي لمن أراد الاستنباط من السنة النبوية أن يراعيها لكي يكون كلامه من جنس كلام أهل العلم والإيمان المؤصل تأصيلاً علمياً:
1 - استشعار عظمة وخطورة الكلام عن الله ورسوله بدون علم مؤصل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/495)
2 - التأكد من درجة الحديث من حيثُ الصحة والضعف، فلا تبنى الأحكام والاستنباطات على أحاديث موضوعة أو ضعيفة، وهذا الأصل له فنٌّ خاص عند دارسي السنة النبوية اسمه "علوم الحديث" أو "مصطلح الحديث" وهو قائم على "النقد العلمي للإسناد والمتن"، و"ضوابط توثيق الأخبار" وتنقية السنة مما قد يشوبها، وقد سئل عبد الله بن المبارك- الإمام المشهور -: عن الأحاديث الموضوعية؟ فقال: "تعيش لها الجهابذة، قال - تعالى - {إنا نحن نزلنا الذِّكر وإنا له لحافظون} "، وأخذ هارونُ الرشيد زنديقا فأمر بضرب عنقه فقال له الزنديق: لم تضرب عنقي يا أمير المؤمنين؟ قال: أريح العباد منك، قال: فأين أنتَ من ألف حديث وضعتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها ما فيها حرف نطق به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلى أهل علم الحديث، كما نرجع إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب ونحو غير العرب، ونرجع إلى علماء اللغة فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة، وكذلك علماء الشعر والطب وغير ذلك، فلكل علم رجالٌ يعرفون به، والعلماء بالحديث أجلّ هؤلاء قدراً، وأعظمهم صدقاً، وأعلاهم منزلة، وأكثرهم ديناً، وهم من أعظم الناس صدقاً و أمانة وعلماً وخبرة فيما يذكرونه من الجرح والتعديل، مثل: مالك وشعبة وسفيان ... "
وعلم الإسناد وما ترتب عليه لم يظهر في الأمم السابقة، وهو من أعظم إنجازات المسلمين في مجال البحث العلمي، ومثار الثناء والإعجاب من الأعداء قبل الأصدقاء.
3 - جمعُ روايات وألفاظ الحديث الواحد فالحديث بمجموعه يفسر بعضه بعضاً، قال أحمد بن حنبل: ((الحديث إذا لم تُجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يُفسر بعضه بعضاً))، قال ابن حجر في الفتح: ((المتعين على من يتكلم على الأحاديث أن يجمع طرقها ثم يجمع ألفاظ المتون إذا صحت الطرق ويشرحها على أنه حديث واحد فإن الحديث أولى ما فسر بالحديث))، لذا تجد الشراح البارعين أمثال: ابن عبد البر في كتبيه "التمهيد" و"الاستذكار"، وابن رجب في كتابه "فتح الباري" وبقية كتبه، و ابن حجر شارح صحيح البخاري في كتابه "فتح الباري" - يُعنون في بيانهم لسنة النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بجمع روايات وألفاظ الحديث الواحد، وقد ذكر العلائيّ في كتابه " نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد" -ص111 - قاعدة شريفة عظيمة الجدوى في هذا الباب يحسن بالمتخصص أن يتقنها.
ومما يمثل به على هذا الأصل حديث أم حرام بنت ملحان المتفق على صحته - فله طرق كثيرة وألفاظ عديدة ففي بعض طرقه أنَّ أم حرام "قالت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت" قد يفهم بعضهم من هذه الرواية أنها خرجت بدون محرم، ولكن هذا الفهم مردود بالرواية الأخرى المتفق على صحتها- "فقال: أنت من الأولين، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية ... " وهكذا الروايات والألفاظ يفسر بعضها بعضاً لمن طلب الحق بصدق وعدل.
4 - جمع الأحاديث الواردة في المسالة المستنبطة، ومراعاة قواعد وأصول الاستدلال التي وضعها الأئمة، والفقهاءُ المحققون إذا أرادوا بحث قضية ما، جمعوا كل ما جاء في شأنها من الكتاب والسنة،، وأحسنوا التنسيق بين شتى الأدلة،
قال الشاطبي: " من يأخذ الأدلة من أطراف العبارة الشرعية ولا ينظم بعضها ببعض، فيوشك أن يزل، وليس هذا من شأن الراسخين وإنما هو من شأن من استعجل طلبا للمخرج في دعواه".
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/496)
وقال أيضاً: " ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد: وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض، فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها، وعامّها المرتب على خاصّها، ومطلقها المحمول على مقيدها، ومجملها المفسر بِبَيّنها، إلى ما سوى ذلك من مناحيها، -إلى أن قال - فشأن الراسخين: تصور الشريعة صورة واحدة، يخدم بعضها بعضاً كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة مثمرة، وشأنُ متبعى المتشابهات أخذ دليلٍ مَا أيّ دليل كان عفواً وأخذاً أولياً وإنْ كان ثم ما يعارضه من كلى أو جزئى، فكأن العضو الواحد لا يعطى في مفهوم أحكام الشريعة حكما حقيقيا، فمتبعه متبع متشابه، ولا يتبعه إلا من في قلبه زيغ ما شهد الله به ومن أصدق من الله قيلا ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إذا ميّز العالم بين ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما لم يقله، فإنه يحتاج أن يفهم مراده ويفقه ما قاله، ويجمع بين الأحاديث ويضم كل شكل إلى شكله، فيجمع بين ما جمع الله بينه ورسوله، ويُفرق بين ما فرق الله بينه ورسوله؛ فهذا هو العلم الذي ينتفع به المسلمون، ويجب تلقيه وقبوله، وبه ساد أئمة المسلمين كالأربعة وغيرهم ".
أما اختطاف الحكم من حديث عابر، وقراءة عجلى من غير مراعاة لما ورد في الموضوع من آثار أخرى فليس من عمل العلماء.
ومما يمثل به على هذا الأصل حديث أم حرام بنت ملحان المتقدم ذكره فقد اختطف بعضهم من الحديث جواز العسكرية للنساء هكذا بدون قيد ولا شرط ولا حال ولا زمان، و من غير مراعاة لما ورد في الموضوع من أحاديث تأمر بالستر ومجانبة الرجال، ولهذا كان جهاد النساء الحج كما ثبت في الصحيح.
قال أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار: " قال ابنُ وهب: أم حرام إحدى خالات النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة فلذلك كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه، قال أبو عمر: لولا أنها كانت منه ذات محرم ما زارها ولا قام عندها والله أعلم، وقد روي عنه - عليه السلام - من حديث عمر وبن عباس: لا يخلون رجل بامرأة إلا أن تكون منه ذات محرم، على أنه - صلى الله عليه وسلم - معصوم ليس كغيره ولا يقاس به سواه، وهذا الخبر .. فيه إباحة النساء للجهاد وقد قالت أم عطية: كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنداوي الجرحى ونمرض المرضى وكان يرضخ لنا من الغنيمة"
وليس هذا موضع الحديث عن هذه المسألة إذ المقصود هنا الإشارة والتنبيه فقط.
5 - الإحاطة بقدر كاف من العلوم الأساسية و علوم الآلة المعينة على الفهم والاستنباط.
وأذكر هنا وقفات سريعة:
1 - جميلٌ أنْ تقرأ في "السنة النبوية" وتعيش مع أخباره - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه وتطبقها عملياً، ولكن قبيحٌ أن تتصدر للفتيا والاستنباط والتصنيف من غير مقدمات علمية متخصصة، إذْ لا بدَّ من احترام التخصص، و إتيان البيوت من أبوابها، وكل من تكلم بغير فنه أتى بالعجائب.
2 - قال ابنُ الوزير ((ومن المعلوم لدى الفرق الإسلامية على اختلاف طبقاتها ولدى جميع العقلاء في الأرض الاحتجاج في كل فن بكلام أهله، ولو لم يرجعوا إلى ذلك لبطلت العلوم لأنّ غير أهل الفن إما أن لا يتكلموا فيه بشيء ألبته أو يتكلموا فيه بما لا يكفي ولا يشفي، ألا ترى أنك لو رجعت في تفسير غريب القرآن والسنة إلى القراء وفي القراءات إلى أهل اللغة وفي المعاني والبيان والنحو إلى أهل الحديث، وفي علم الإسناد وعلل الحديث إلى المتكلمين وأمثال ذلك لبطلت العلوم وانطمست منها المعالم والرسوم وعكسنا المعقول وخالفنا ما عليه أهل الإسلام)).
3 - ما أحسن وأصدق قول الشاطبي: " وكذلك كل من اتبع المتشابهات، أو حرف المناطات، أو حمل الآيات مالا تحمله عند السلف الصالح، أو تمسك بالأحاديث الواهية، أو أخذ الأدلة ببادى الرأى، له أن يستدل على كل فعل أو قول أو أعتقاد وافق غرضه بآية أو حديث لا يفوز بذلك أصلا، والدليل عليه استدلال كل فرقة شهرت بالبدعة على بدعتها بآية أو حديث من غير توقف ... فمن طلبَ خلاصَ نفسهِ تثبّت حتى يتضحَ له الطريق، ومن تساهل رمته أيدي الهوى في معاطب لا مخلص له منها إلا ما شاء الله". من كتاب "الاعتصام" وهو كتابٌ جديرٌ بالقراءة والتأمل فإنْ ضعفتَ فقرأ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/497)
البابَ الرابع منه.
4 - التجرد المسبق أكبر معين على الاستنباط فلا يعتقد ثم يبحث؛ ولكن يبحث أولاً ثم يعتقد - بالضوابط العلمية -، ويتحلى بالنصفة والعدل والاستقلال، قال الإمام الشافعي: " ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ "، وقال أيضا: " ما كلمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان، وما كلمت أحداً قط إلا ولم أبال بَيّنَ الله الحق على لساني أولسانه ".
5 - سُئل الإمام أحمد عن حرف من الغريب فقال: (سلوا أصحاب الغريب فإني أكره أن أتكلم في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالظن).
ولو كان لي من الأمر شيء لوضعت في كل دور الطباعة والنشر عبارة " إذا تكلم المرءُ في غير فنه أتى بالعجائب والغرائب فكن على حذر"، والله الموفق.
وما تقدم من الحقائق العلمية الشرعية التأصيلية سطرتها لمّا قرأتُ كتاب "ثورة في السنة النبوية" تأليف. غازي بن عبد الرحمن القصيبي، سائلاً المولى للجميع التوفيق والهداية.
و صلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.
__________________________
المنهج السليم في دراسة الحديث المعل
د. علي بن عبد الله الصيّاح
تمهيد:
إنّ مما يسر الباحث في علمِ الحديثِ الشريف ما يَرى من انتشارِ المنهجيةِ السليمة في دراسةِ الحديثِ وعلومِهِ، والعنايةِ بعلوم سلفنا الزاخرة؛ جمعاً ودراسةً وتحليلاً واستنطاقاً.
ومن ذلك العناية بأدق أدق وأجل علوم الحديث: «علم العلل» قَالَ الحافظُ ابنُ حجر - رحمة الله عليه -: «المُعَلَّل: وهو من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها، ولا يقوم به إلاّ من رزقه الله فَهْماً ثاقباً، وحفظاً واسعاً، ومعرفةً تامةً بمراتب الرواة، وملكةً قويةً بالأسانيد والمتون، ولهذا لم يتكلم فيه إلاّ القليل من أهل هذا الشأن؛ كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم، وأبي زرعة .. » (1).
قال أبو عبد الله الحميديُّ - رحمة الله عليه -: «ثلاثُ كتبٍ من علوم الحديث يجبُ الاهتمامُ بها: كتابُ العلل، وأحسنُ ما وضع فيه كتاب الدّارقُطنيّ، والثاني: كتابُ المؤتلف والمختلف، وأحسنُ ما وضع فيه الإكمال للأمير ابنِ ماكولا، وكتابُ وفيات المشايخ، وليس فيه كتابٌ (2)» (3). وقال ابنُ رجب - رحمة الله عليه -: «ولما انتهى الكلام على ما ذكره الحافظ أبو عيسى الترمذي - رحمة الله عليه - في كتاب الجامع ... أحببتُ أن أتبع كتاب العلل بفوائد أُخر مهمة .. وأردت بذلك تقريب علم العلل على من ينظر فيه، فإنه علمٌ قد هُجر في هذا الزمان، وقد ذكرنا في كتاب العلم أنَّه علمٌ جليلٌ قلَّ من يعرفه من أهل هذا الشأن، وأنَّ بساطه قد طُوي منذ أزمان» (4).
وبفضل الله انتشر بين طلبة الحديث العناية بهذا الفن الدقيق، وحرص الباحثون في الدراسات العليا على تسجيلِ الموضوعات في هذا الفن، من ذلك مثلاً: «مرويات الزهري المعلة في كتاب العلل للدارقطني»، و «مرويات الإمامين قتادة بن دعامة ويحيى بن أبي كثير المعلة في كتاب العلل للدارقطني»، و «مرويات أبي إسحاق السبيعي المعلة في كتاب العلل للدارقطني»، و «علل ابن أبي حاتم تحقيق وتخريج ودراسة» (5)، و «الأحاديثُ التي أعلها الإمامُ يحيى بنُ معين من خلال سؤالات الدوري وابن محرز والدارمي وابن الجنيد والدّقاق» و «الأحاديثُ التي أعلها البخاريُّ في التاريخ الكبير»، و «الأحاديثُ التي أعلها البخاريُّ في التاريخ الأوسط»، و «الأحاديث التي أعلها علي بن المديني»، و «الأحاديث التي أعلها الإمامُ أحمد بن حنبل في مسنده»، و «الأحاديثُ التي أعلها العُقيليّ في كتابهِ الضعفاء»، و «الأحاديثُ المرفوعةُ المعلة في كتاب الحِلْية لأبي نُعيم»، و «الأحاديثُ التي أعلها أبو داود في سننه» وغيرها.
وما أحسنَ ما قال الدكتور أحمد محمد نور سيف - وفقه الله -: «بدأنا نَقْربُ من وضع منهج متقاربٍ يُصور لنا مناهج النُّقاد في تلك الحقبة من الزمن، هذه الحقبة هي العصور الذهبية لنُقَّاد الحديث، مدرسة علي بن المديني، ويحيى بن معين، و أحمد بن حنبل والمدرسة التي قبلهم، والمدرسة التي بعدهم. هذه المدارس في الواقع قد تكون مدارس، وقد تكون مدرسة، قد تتقارب المناهج وقد تفترق وقد تختلف، ولكن لا يمكن أنْ نتصور أو أن نستطيع أنْ نُلِمَّ بتلك المناهج في إطارٍ عامٍّ محددٍ إلاَّ بمثلِ هذه الدراسة .. » (6).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/498)
وقبل الدخول في موضوع البحث أنبه على أمورٍ ينبغي للباحث أن يتنبه لها لكي يصلَ للغاية والفائدة المرجوة من الدراسة، وهي:
1 - أن لا يحاكم الباحثُ الأئمةَ والنقادَ المتقدمين على ضوء معلوماته ومعارفه التي استمدها من بعض الكتب المتأخرة التي قد تخالف بعض مصطلحات الأئمة المتقدمين وعباراتهم، فيعمد إلى تغليط الأئمة في مصطلحاتهم فيفوّت على نفسِهِ علماً كثيراً؛ من ذلك مثلاً لفظة (مرسل) معناها عند المتأخرين: ما أضافه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكنَّ الأئمة المتقدمين يوسعون معناها بحيثُ تشمل الانقطاع؛ من ذلك مثلاً قول ابن أبي حاتم - رحمة الله عليه - في كتاب العلل: «سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيث رَوَاهُ الفِرْيابِيُّ، عَنْ عُمَر بنِ رَاشِد، عَنْ يَحْيَى بنِ إسْحَاقَ بنِ عَبْد اللّه ابن أَبِي طَلْحة، عَنْ الْبَرَاء، عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: الْرِّبَا اثنان وسَبْعُون بَاباً، أدناها مِثْلُ إتيانِ الرَّجُلِ أُمَّهُ»، قَالَ أَبِي: هو مرسل، لم يدرك يَحْيَى بنُ إِسْحَاق الْبَرَاء، ولا أدرك والدُهُ الْبَرَاء» (7)، ومن ذلك أيضاً لفظ التدليس عند المتقدمين يطلق على الإرسال بخلاف تعريف المتأخرين له، ومن ذلك لفظة (حسن)، ولفظة (منكر)، ولفظة (مجهول) وغيرها من المصطلحات.
2 - اتباعُ الأئمةِ المتقدمين في تعليلهم للأخبار، وعدم التسرع في الرد عليهم، وهذا من باب الاتباع المحمود لا التقليد المذموم، قال ابنُ رجب: «قاعدةٌ مهمةٌ: حذّاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال، وأحاديث كل واحد منهم، لهم فهم خاص يفهمون به أنَّ هذا الحديث يشبه حديث فلان، ولا يشبه حديث فلان، فيعللون الأحاديث بذلك، وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة تحصره، وإنما يرجع فيه إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عَنْ سائر أهل العلم» (8)، وما قاله ابنُ رجب يتعذر في مثل هذه الأزمنة مما يجعل الأمر كما قال ابنُ حجر: «قد تقصرُ عبارة المعلل منهم فلا يفصحُ بما استقر في نفسه من ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى كما في نقد الصيرفي سواء؛ فمتى وجدنا حديثاً قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله فالأوْلى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه، وهذا الشافعيّ مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: «وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث»، وهذا حيث لا يوجد مخالف منهم لذلك المعلل، وحيثُ يصرح بإثبات العلة، فأمَّا إن وجد غيره صححه فينبغي حينئذ توجه النظر إلى الترجيح بين كلاميهما، وكذلك إذا أشار إلى المعلل إشارةً ولم يتبين منه ترجيح لإحدى الروايتين، فإنْ ذلك يحتاج إلى الترجيح، والله أعلم» (9)، وقال أيضاً: «وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين وشدة فحصهم وقوة بحثهم وصحة نظرهم وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك والتسليم لهم فيه، وكل من حكم بصحة الحديث مع ذلك إنما مشى فيه على ظاهر الإسناد» (10).
وتأمل هذه القصة التي ذكرها ابنُ أبي حاتم قال: «سمعتُ أبي - رحمه الله - يقولُ: جاءني رجلٌ من جِلَّةِ أصحابِ الرأي مِنْ أهلِ الفهم منهم، وَمَعَه دفترٌ فعرضه عليَّ، فقلتُ في بعضها: هذا حديثٌ خطأ قد دَخَل لصاحبه حديثٌ في حديث، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ باطل، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ منكر، وقلتُ في بعضهِ: هذا حديثٌ كذب، وسائرُ ذلك أحاديثُ صحاح، فقال: من أين علمتَ أنّ هذا خطأ، وأنَّ هذا باطل، وأنّ هذا كذب، أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطتُ وأني كذبتُ في حديث كذا؟ فقلتُ: لا؛ ما أدري هذا الجزء من رواية مَنْ هو، غير أني أعلم أن هذا خطأ، وأنّ هذا الحديث باطل، وأن هذا الحديث كذب، فقال: تدعي الغيب؟ قال: قلت: ما هذا ادعاء الغيب، قال: فما الدليل على ما تقول؟ قلتُ: سلْ عما قلتُ من يحسن مثل ما أُحسن؛ فإن اتفقنا علمتَ أنَّا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم، قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبو زرعة، قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلتَ؟ قلت: نعم: قال: هذا عجب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/499)
فأخذ فكتب في كاغَدٍ (11) ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إليّ وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث؛ فما قلت إنه باطل قال أبو زرعة: هو كذب، قلتُ: الكذب والباطل واحد، وما قلت إنه كذب قال أبو زرعة: هو باطل، وما قلت إنه منكر قال: هو منكر كما قلتُ، وما قلت إنه صحاح قال أبو زرعة: هو صحاح، فقال: ما أعجب هذا! تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما؟ فقلت: فقد علمت أنَّا لم نجازف، وإنما قلناه بعلم ومعرفة قد أوتينا، والدليل على صحة ما نقوله أن ديناراً نَبَهْرَجاً (12) يحمل إلى الناقد فيقول: هذا دينار نبهرج، ويقول لدينار: هو جيد، فإن قيل له: من أين قلت إن هذا نبهرج؛ هل كنت حاضراً حين بهرج هذا الدينار؟ قال: لا. فإن قيل له: فأخبرك الرجل الذي بهرجه أني بهرجت هذا الدينار؟ قال: لا، قيل: فمن أين قلتَ إن هذا نبهرج؟ قال: علماً رزقت، وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك، قلتُ له: فتحمل فصّ ياقوت إلى واحدٍ من البصراء من الجوهريين فيقول: هذا زجاج، ويقول لمثله: هذا ياقوت، فإن قيل له: من أين علمت أن هذا زجاج، وأن هذا ياقوت هل حضرت الموضع الذي صنع فيه هذا الزجاج؟ قال: لا، قيل له: فهل أعلمك الذي صاغه بأنه صاغ هذا زجاجاً، قال: لا، قال: فمن أين علمت؟ قال: هذا علم رزقت، وكذلك نحن رزقنا علماً لا يتهيأ لنا أن نخبرك كيف علمنا بأنّ هذا الحديث كذب، وهذا حديث منكر إلا بما نعرفه» (13).
وتأمل أيضاً هذه القصة التي ذكرها أبو يعلى الخليليُّ. قال: أخبرنا علي بنُ عُمَر الفقيه قال: حدّثنا أبو محمد عبد الرحمن بنُ أبي حاتم قال: سمعتُ أبي يقول: دخلتُ قَزوين سنةَ ثلاث عشرة ومائتين مع خالي محمد بن يزيد، وداود العقيلي قاضيها، فدخلنا عليه فدفع إلينا مَشْرَساً (14) فيه مسند أبي بكر؛ فأولُ حديثٍ رأيتُه فيه: حدثنا شعبةُ عَنْ أبي التَيّاح عَنْ المغيرة بن سُبَيْع عَنْ أبي بكر الصديق قال: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج الدجالُ من أرضٍ يقال لها: خراسان يتبعه أقوامٌ كأنّ وجهوهم المجانُّ المُطرَقَةُ" (15)، فقلتُ: ليس هذا من حديث شعبة عَنْ أبي التَيّاح، وإنما هو من حديثِ سعيد بن أبي عَرُوبة وعبد الله بن شَوْذَب عَنْ أبي التَيّاح، فقلتُ لخالي: لا أكتبُ عنه إلاّ أن يرجع عَنْ هذا، فقال خالي: أستحي أن أقول، فخرجتُ ولم أسمعْ منه شيئاً» (16).
وذكرها ابنُ أبي حاتم في الجرح والتعديل (17) باختصار فقال: «سمعتُ أبي يقول: داود بن إبراهيم هذا متروك الحديث كان يكذب، قدمتُ قزوين مع خالي فحمل إليَّ خالي مسنده فنظرتُ في أول مسند أبي بكر - رضي الله عنه - فإذا حديث كذب عَنْ شعبة، فتركته وجهد بي خالي أن أكتب منه شيئاً، فلم تطاوعني نفسي، ورددتُ الكتب عليه».
هذه القصة التي وقعت لأبي حاتم وعمره ثمانية عشر تبيّن مدى ما وَصَل إليه القوم من سعة حفظ، وسرعة استحضار، ودقة نقد، وقوة في الحق؛ فالحديثُ ورجالهُ وطرقهُ تجري مع أنفاسهم كما يجري الهواء، وعندما يسمعون الخطأ والوهم لا يقاومون الدافع الشرعي المتأصل في نفوسهم في رد وتصحيح هذا الوهم والخطأ مهما كانت منزلة الواهم والمخطئ، فلا محاباة في الذّب والدّفاع عَنْ سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لا لقريبٍ ولا لشريفٍ، وهذا في الحقيقة من حفظ الله لهذا الدين.
وقصصُ أئمةِ الحديثِ وأخبارهُم في هذا البابِ كثيرةٌ جداً؛ فعلى طالب العلم أنْ يعرفَ للقومِ منزلتهم، وقدم صدقهم فيتأنّى كثيراً عندما يهمُّ بمخالفتهم أو تعقبهم خاصةً في جوانب الحديث الدقيقة كالعلل.
3 - جمعُ طرقِ الحديث، والنظر فيها مجتمعةً، ومعرفة مراتب رواتها، قالَ الخطيبُ البغداديّ - رحمة الله عليه -: «والسبيلُ إلى معرفةِ علة الحديث أنْ يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط، كما أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأشناني بنيسابور قال: سمعتُ أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي يقول: سمعتُ عثمان بن سعيد الدارمي يقول: سمعتُ نعيم بن حماد يقول: سمعت ابن المبارك يقول: إذا أردتَ أن يصحَّ لكَ الحديث فاضرب بعضه ببعض» (18).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(20/500)
وقال علي بنُ المديني - رحمة الله عليه -: «البابُ إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه» (19)، وقال يحيى بنُ معين - رحمة الله عليه -: «اكتب الحديث خمسين مرة، فإنّ له آفات كثيرة» (20)، وقال ابن رجب: «معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف، إمّا في الإسناد، وإمّا في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع ونحو ذلك، وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث» (21). وقال ابنُ حجر: «ويحصل معرفة ذلك بكثرة التتبع وجمع الطرق» (22)، وقال ابن الصلاح - رحمة الله عليه -: «ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك» (23).
4 - اتباعُ منهجٍ منضبطٍ عند دراسةِ الحديثِ المُعل يوافق طريقة الأئمة المتقدمين، وهذا هو المقصود من هذا البحث، وقد رأيتُ دراسةً لحديثٍ مُعل كَتَبه أحدُ الباحثين وَقَع فيه بأوهام عجيبة وغَلّط الأئمة، وجره الإسنادُ - من حيثُ لا يشعر - إلى أسانيد أخرى لا علاقة لها بالعلة ولا بالطريق فأعلها؛ لأنه لم يتبع المنهج السليم في دراسته؛ فكانت النتيجة المتوقعة. وعدمُ اتباعِ المنهج السليم في دراسة الحديث المُعل على طريقة الأئمة المتقدمين يُنْتج لنا مَنْ يقول لإمامِ العللِ في زمانهِ علي بنِ المديني (24): «ما هكذا تُعَل الأحاديث يا بنَ المديني»!!، - كما قد وَقَع مِنْ بعضِ المعاصرين هداهم اللهُ وفتح عليهم، والله المستعان وعليه التكلان.
* تعريف العلة والحديث المُعل في الاصطلاح:
ترد كلمة عِلة ومُعَلّ، ومعلول في لسان الأئمة المتقدمين على معنيين:
المعنى الأوَّل: معنى عام ويراد به الأسباب التي تقدح في صحة الحديث المانعة من العمل به. قال ابن الصلاح: «اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المُخرِجة له من حال الصحة إلى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل؛ ولذلك نجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب، والغفلة، وسوء الحفظ، ونحو ذلك من أنواع الجرح، وسمّى الترمذيُّ النسخَ علةً من علل الحديث» (25).
وما قاله ابن الصلاح ظاهر؛ ففي كتاب العلل لابن أبي حاتم، وكتاب العلل للدارقطني أمثلةٌ كثيرةٌ تدلُّ على ما قال، وكذلك في تطبيقات الأئمة المتقدمين؛ فالعلة عندهم لها معنى واسع وشامل، بحيث تشمل ما قاله ابن الصلاح، والمعنى الخاص الآتي الذكر - وإن كان المعنى الخاص هو مراد من نبه على قلة من تكلم في هذا الفن، وأنَّه علمٌ عزيزٌ وشريف، طُوي بساطه منذ أزمان -.
المعنى الثاني: معنى خاص، ويشمل:
- الاختلاف في إسناد الحديث كرفعه ووقفه، ووصله وإرساله، وغير ذلك.
- الاختلاف في متن حديث كاختصار المتن، أو الإدراج فيه، أو روايته بالمعنى وغير ذلك.
- العلة الغامضة في إسنادٍ ظاهرهُ الصحة حتى لو كان الإسناد فرداً، وهذه العلةُ الغامضةُ لا يمكن أن يوضع لها ضابط محدد لأنّ لها صوراً كثيرةً ومتعددةً، وفي بعضها دقة وغموض، لا يعلمها إلاّ حذاق هذا الفن؛ فمن ذلك مثلاً: ما قاله يعقوب بن شيبة السدوسيّ: «كان سفيان بن عيينة ربما يحدث بالحديث عَنْ اثنين، فيسند الكلام عَنْ أحدهما، فإذا حدّث به عَن الآخر على الانفراد أوقفه أو أرسله» (26)، قال ابنُ رجب: «ومن هذا المعنى: أنّ ابن عيينة كان يروي عَنْ ليث، وابن أبي نجيح جميعاً عَنْ مجاهد عَنْ أبي معمر عَنْ علي حديث القيام للجنازة، قال الحميديُّ: فكنا إذا وقفناه عليه لم يُدخل في الإسناد أبا معمر إلاَّ في حديث ليث خاصة، يعني أنّ حديث ابن أبي نجيح كان يرويه مجاهد عَنْ علي منقطعاً» (27).
والاستعمال الثاني هو المراد في كلام كثير من المتأخرين، وهو الذي ذكروه في كتب المصطلح، وهو مراد من تكلم عَنْ أهمية العلل ودقتها وقلة من برز فيها، وقد أشار إليه الحاكم في معرفة علوم الحديث (28)، وعرّفه ابنُ الصلاح بقوله: «هو الحديث الذي اطلع فيه على علةٍ تقدحُ في صحته مع أنّ ظاهره السلامة منها» (29)، وعرّفه ابنُ حجر بقوله: «هو حديث ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح» (30).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/1)
وعليه يكون الحديث المُعل متفاوتاً من حيثُ الظهور والخفاء، والوضوح والغموض، وقد يكون الكلام على الحديث المعل من حيثُ الصناعة الحديثية ولا يلزم من ذلك القدح في صحته، والله أعلم.
* تنبيه:
يجتهد بعضُ طلبة الحديث - وفقهم الله - لالتماس تعريفٍ دقيقٍ للحديثِ المُعل من خلال كتاب علل ابن أبي حاتم فقط، وفي هذا عندي نظر: من جهة أنّ ابنَ أبي حاتم مات عَن الكتاب وهو مسودة لم يبيض (31)، وقد أورد أحاديث استطراداً ليبين أحكامها الفقهية (رقم0011، 3121، 7121)، أو العقدية (2/ 902 رقم 8112).
وللخروجِ بمعنى دقيق لا بدَّ من استقراء:
1 - كتب العلل الخاصة، أو المتضمنة للعلل: كعلل ابن المديني، والترمذي، والدّارقُطنيّ، وابن الشهيد مع علل ابن أبي حاتم، وكتاب التمييز لمسلم بن الحجاج وغيرها.
2 - استعمالات الأئمة المتقدمين أمثال: شعبة بن الحجاج، ويحيى القطان، وابن المديني، وابن معين، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم بن الحجاج، ويعقوب بن شيبة، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والترمذي، والعقيلي .. إلى الدّارقُطنيّ.
* خطوات دراسة الحديث المُعل:
سننطلق في بيان هذه الخطوات من نصِّ إمامين من أئمة العلل هما: الإمام أبو يوسف يعقوب بن شيبة السدُوسِي المتوفى سنة (ت 262هـ) (32)، والإمام أبو الحسن علي بن عُمَر الدّارقُطنيّ (ت 583هـ) - رحمة الله عليهما -، قال عبدُ الغني بنُ سعيد الأزدي (ت 409هـ): «ولم يتكلم أحدٌ على علل الأحاديث بمثل كلام يعقوب، وعلي بن المديني، والدّارقُطنيّ» (33).
* كلامُ يعقوب بنِ شيبة:
قال أبو القاسم علي بنُ الحسن ابن عساكر في تاريخه بعد أنْ ساقَ حديثَ: «تابعوا بين الحج والعمرة» من طريق أبي يوسف يعقوب بن شيبة السدوسي قال: «قال أبو يوسف: «تابعوا بين الحج» حديثٌ رواه عَاصِم بن عُبَيد الله بن عَاصِم بن عُمَر بن الخطاب وهو مضطرب الحديث، فاختلف عنه فيه، فرواه عَنْ عاصم: عبيد الله بن عُمَر، وشريك بن عبد الله، وسفيان بن عيينة؛ فأمَّا: عبيدُ الله بن عُمَر فإنه وَصَله وجوّده فرواه عنه عَنْ عبد الله بن عَامِر بن ربيعة، عَنْ أبيه، عَنْ عُمَر (34) عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يذكر فيه عُمَر، رواه مرة أخرى عَنْ عُمَر عَن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا نرى هذا الاضطراب إلا من عَاصِم وقد بين ابنُ عيينة ذلك في حديثه قال علي بن المديني: قال سفيان بن عيينة: كان عَاصِم يقول: عَنْ عبد الله بن عَامِر بن ربيعة عَنْ أبيه عَنْ عُمَر، ومرة يقول: عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ عُمَر ولا يقول عَنْ أبيه» (35).
* كَلامُ الدّارقُطنيّ:
فقد سئل عَنْ حديثِ عَامِر بنِ ربيعة العدوي عَنْ عُمَر عَن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقرَ والذنوبَ» الحديث، فقالَ: «يرويه عَاصِمُ بنُ عُبَيد الله بن عَاصِم بن عُمَر بن الخطاب - ولم يكن بالحافظ - رَواهُ عَنْ عبدِ الله بنِ عَامِر بن ربيعة عَنْ أبيه عَنْ عُمَر، وكان يضطربُ فيه، فتارةً لا يذكر فيه عَامِر بنَ ربيعة فيجعله عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ عُمَر، وتارةً يذكر فيه، حَدّث به عنه: عُبيد الله بن عُمَر، ومحمد بن عَجلان، وسفيان الثوري، وشريك بن عبد الله، واختلف عنهم؛ رواه ابنُ عُيينة عنه فبانَ الاضطراب في الإسناد من قبل عَاصِم بن عُبَيد الله لا من قِبل من رواه عنه، فأمّا روايةُ عبيد الله بن عُمَر عَنْ عَاصِم فرواهُ زُهير، وابن نمير، وعبدة بن سليمان، وأبو حفص الأبار، وأبو بدر، ومحمد ابن بشر عَنْ عبيد الله، فاتفقوا على قولٍ واحدٍ، وأسندوه عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ أبيه عَنْ عُمَر، وخالفهم علي بن مسهر، وأبو أسامة، ويحيى بن سعيد الأموي فرووه عَنْ عبيد الله، ولم يذكروا في الإسناد عَامِر بن ربيعة، ورواه ابنُ عجلان عَنْ عَاصِم فَجَوّد إسناده خالدُ بنُ الحارث عنه، وخَالفه بكرُ بنُ صدقة عَنْ ابن عَجلان فلم يذكر في الإسناد عَامِر بن ربيعة، وتابعه الليثُ بنُ سعد على إسناده إلا أنه وقفه، ورواه الثوريُّ عَنْ عَاصِم واختلف عنه؛ فقال حسينُ بنُ حفص: عَنْ سفيان عَنْ عَاصِم عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ أبيه عَنْ عُمَر، وخَالفه أبو أحمد الزبيريّ فرواه عَنْ الثوري فنقَصَ من إسنادهِ عَامِر بنَ ربيعة، ورواه محمدُ بنُ كثير عَنْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/2)
الثوري عَنْ عَاصِم عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ أبيه عَن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر فيه عُمَر، ورواهُ شَريكُ ابن عبد الله عَنْ عَاصِم، واختلف عنه فأسنده يحيى بن طلحة عَنْ شَريك وجوّد إسنادَه، وخَالفه أسباطُ بنُ محمد عَنْ شريك فلم يذكر في الإسناد عامراً. وقال عثمانُ بنُ أبي شيبة عَنْ شريك عَنْ عَاصِم عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ أبيه عَنْ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر عُمَر. ورواهُ سفيانُ بنُ عيينة عَنْ عَاصِم فجوّد إسنادَه وبين أنّ عاصماً كان يضطرب فيه؛ فمرةً ينقصُ من إسنادهِ رجلاً، ومرةً يزيد فيه، ومرةً يقفه على عُمَر، وقال ابنُ عُيينة: وأكثر ذلك كان يقوله عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ أبيه عَنْ عُمَر عَنْ النبي - صلى الله عليه وسلم - .. » (36).
بيّن يعقوبُ بنُ شيبة، والدّارقُطنيّ في كلامِهمَا السابق علةَ حديث عُمَر بن الخطاب عَنْ النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تابعوا بين الحج والعمرة ... » بياناً شافياً، واشتمل بيانهما لعلة الحديث على عدة خطوات مرتبة:
1 - تحديد مدار الحديث:
بدأ يعقوبُ بذكرِ الراوي الذي تلتقي عنده الأسانيد وهو مدار الحديث وذكر اسمه كاملاً فقال: «تابعوا بين الحج» حديثٌ رواه عَاصِم بن عُبَيد الله بنِ عَاصِم بنِ عُمَر بن الخطاب»، ونحوه قول الدّارقُطنيّ.
فالخطوة الأولى تحديد الراوي مدار الحديث من حيثُ اسمُهُ ونسبُهُ ومولدهُ ووفاتهُ وموطنهُ وأشهر أو أبرز أو أجل شيوخه، وأشهر تلاميذه (37)، وقد عُني المحدثون بمعرفة الرجال من جميع النواحي المتقدمة؛ فمن الناحية الاسمية عُنُوا بإزالة الإبهام وتعيين أسماء الرواة وآبائهم وكناهم وألقابهم وأنسابهم، وضبطوا ذلك بغاية الدقة، وبينوا ما هو على ظاهره من الأنساب وما ليس على ظاهره، وميزوا كلَّ راوٍ عما سواه تمييزاً دقيقاً (38)، وكذلك عُنُوا بتواريخ الرواة مولداً ووفاةً وسماعاً (39)، قال السخاويُّ: «تواريخ الرواة والوفيات ... وهو فنٌّ عظيم الوقع من الدين، قديم النفع به للمسلمين، لا يستغنى عنه .. » (40).
وللمتقدمين أقوال كثيرة دقيقة دالة على مدى اهتمامهم بهذا الجانب من علوم الحديث؛ فمن تلك الأقوال: قولُ سفيان الثوري: «لما استعمل الرواةُ الكذب، استعملنا لهم التاريخ» (41)، وقولُ حفص بن غياث: «إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين» (42)، وقولُ حسّان بن زيد: «لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ، نقول للشيخ: سنة كم ولدت؟ فإذا أقر بمولده عرفنا صدقه من كذبه» (43).
وهذه الخطوة من الأهمية بمكان حيث إنّ أسماء الرجال وأنسابهم وكناهم قد تتشابه مما يوقع الباحث في أوهام كبيرة. قال المعلميُّ - رحمة الله عليه - «الأسماء كثيراً ما تشتبه ويقع الغلط والمغالطة فيها ... وقد يقول المحدث كلمة في راوٍ فيظنها السامع في آخر، ويحكيها كذلك وقد يحكيها السامع فيمن قيلت فيه ويخطئ بعض من بعده فيحملها على آخر؛ ففي الرواة المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، والمغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام الحزامي، والمغيرة بن عبد الرحمن بن عوف الأسدي، حكى عباس الدوري عَنْ يحيى بن معين توثيق الأوّل، وتضعيف الثالث، فحكى ابنُ أبي حاتم عَن الدوريّ عَنْ ابن معين توثيق الثاني ووَهّمه المزيُّ، ووثق أبو داود الثالث وضعف الأوَّل، فذكرت له حكاية الدوريّ عَن ابن معين فقال: غَلِط عباس، وفي الرواة محمد بن ثابت البناني ومحمد بن ثابت العبدي وغيرهما ... وفي الرواة عُمَر بن نافع مولى ابن عُمَر، وعمر بن نافع الثقفي .. » (44).
وقد كَثُرتْ أوهام المحققين المعاصرين في تسمية الرواة وأنسابهم، وتجرؤوا على كتب السلف، بل قد وَهّموا الأئمة في ذلك!! والله المستعان.
ولا بدَّ هنا من التنبه إلى:
1 - عدم التوسع في هذه الخطوة بحيث تخرج عَنْ مقصودها الأصلي وهو التعريف بالراوي المدار لا ترجمته ترجمةً مستوفية؛ فمثلاً سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله بن عُمَر، ونافع مولى ابن عُمَر، والزهري، ومالك بن أنس وغيرهم من كبار الأئمة المشهورين بالثقة والعدالة لا حاجة للإطالة في تراجمهم لشهرتهم بل يكتفى بتعريف مختصر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/3)
2 - العناية بالرجوع إلى المصادر الأصلية المتقدمة التي عُنيت بهذا الجانب - كتاريخي البخاري الكبير، والأوسط، والجرح والتعديل وغيرها - قدر الإمكان؛ لأنّ في رجوع الباحث للمصادر الأصلية المتقدمة تعميقاً لعلاقة طالب العلم بها، وفهماً لكلامهم في هذا الشأن، ودُرْبة على طرائقهم في التأليف وغير ذلك من الفوائد.
2 - بيان حال الراوي الذي تلتقي عنده الأسانيد:
بعد تحديد المدار بيّن يعقوبُ بنُ شيبة حالَ المدار من حيثُ القوة والضعف فقال: «وهو مضطرب الحديث»، وقال الدّارقُطنيّ: «ولم يكن بالحافظ».
فالخطوة الثانية دراسة حال الراوي من حيث القوة والضعف، ويراعى في دراسة حال المدار أمور:
1 - هل هو ثقة أو ضعيف أم فيه تفصيل؟
2 - هل حديثه عَنْ جميع شيوخه متساوٍ أو فيه تفصيل؛ فقوي عَنْ بعضهم، وضعيف عَن البعض الآخر.
3 - هل حديث تلاميذه عنه متساوٍ أو فيه تفصيل؛ فبعضهم أقوى من بعض.
4 - هل حديثه مستقيم طوال عمره أم طرأ عليه تغير واختلاط؟ وهل هذا التغير ضار أم غير ضار؟ وهل حدّث بعد التغير أم لا؟ وهل ظهرت له مناكير بعد التغير أم لا؟ ولا بدَّ من تحديد مبدأ التغير والاختلاط بدقة.
5 - هل حديثه في جميع الأماكن متساوٍ، أم فيه تفصيل؟ وسببُ ذلكَ.
6 - هل وُصف بالتدليس؟ وهل ثبت عنه ذلك؟ وما نوعُ تدليسه؟ وهل هو مكثر منه أم مقل؟ وهل تدليسه عام في شيوخه أم خاص ببعض الشيوخ؟ وهل يدلس عَن الثقات فقط أم عَن الثقات والضعفاء؟ وكيفية تعامل الأئمة مع حديثه المدلس (45).
7 - هل هو يرسل عَنْ شيوخه؟ وهل ثبت عنه ذلك؟ فإن ثبت أنه يرسل ينظر في ثبوت سماعه من شيوخه؟ ويعتنى بكلام الإمام البخاري في تاريخه الكبير والأوسط وتصرفاته في الصحيح.
وللشيخ عبد الرحمن المعلمي - رحمة الله عليه - كلامٌ نفيسٌ في كيفية البحث عَنْ أحوال الرواة في كتب الجرح والتعديل في كتابه القيّم «التنكيل» ولعلي أذكرها باختصار خشية الإطالة، وإنْ كانت جديرة بأن تذكر كاملة بحروفها، قال (46): «من أحب أن ينظر في كتب الجرح والتعديل للبحث عَنْ حال رجل وقع في سندٍ فعليه أن يراعي أموراً:
الأوَّل: إذا وجد ترجمة بمثل ذاك الاسم فليتثبت حتى يتحقق أن تلك الترجمة هي لذاك الرجل.
الثاني: ليستوثق من صحة النسخة وليراجع غيرها إن تيسر له ليتحقق أنّ ما فيها ثابت عَنْ مؤلف الكتاب.
الثالث: إذا وجد في الترجمة كلمة جرح أو تعديل منسوبة إلى بعض الأئمة فلينظر أثابتةٌ هي عَنْ ذاك الإمام أم لا؟
الرابع: ليستثبت أن تلك الكلمة قيلت في صاحب الترجمة فإنّ الأسماء تتشابه.
الخامس: إذا رأى في الترجمة «وثقه فلان» أو «ضعفه فلان» أو «كذبه فلان» فليبحث عَنْ عبارة فلان؛ فقد لا يكون قال «هو ثقة» أو «هو ضعيف» أو «هو كذاب».
السادس: أصحاب الكتب كثيراً ما يتصرفون في عبارات الأئمة بقصد الاختصار أو غيره، وربما يخل ذلك بالمعنى ..
السابع: قال ابن حجر في لسان الميزان (1/ 71): وينبغي أن يتأمل أيضاً أقوال المزكين ومخارجها ... فمن ذلك أن الدوري قال عَن ابن معين إنه سئل عَن ابن إسحاق وموسى بن عبيدة الربذي أيهما أحب إليك؟ فقال: ابن إسحاق ثقة. وسئل عَنْ محمد بن إسحاق بمفرده فقال: صدوق وليس بحجة. ومثله أن أبا حاتم قيل له: أيهما أحب إليك يونس أو عقيل؟ فقال: عقيل لا بأس به. وهو يريد تفضيله على يونس. وسئل عَنْ عقيل وزمعة ابن صالح فقال: عقيل ثقة متقن. وهذا حكم على اختلاف السؤال. وعلى هذا يحمل أكثر ما ورد من اختلاف كلام أئمة أهل الجرح والتعديل ممن وثق رجلاً في وقت وجرحه في وقت آخر.
الثامن: ينبغي أن يبحث عَنْ معرفة الجارح أو المعدل بمن جرحه أو عدله.
التاسع: ليبحث عَنْ رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه مستعيناً على ذلك بتتبع كلامه في الرواة واختلاف الرواية عنه في بعضهم مع مقارنة كلامه بكلام غيره.
العاشر: إذا جاء في الراوي جرح وتعديل فينبغي البحث عَنْ ذات (47) بين الراوي وجارحه أو معدله من نفرة أو محبة ... ».
والحق أنّ كلام المعلمي هذا ينبغي أن يقرر على طلاب السنة وعلومها في الدراسات العليا مع شرحٍ وتطبيق، وأرجو أن يتحقق هذا، والله الموفق.
ومما تقدم يتبين:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/4)
أ - أنّ دراسة حال الراوي ليست بالأمر الهيّن - كما يظن البعض - بل ربما راجع الباحث عشرات الكتب، ودرس عشرات الأسانيد للبحث عَنْ فائدة معينة، أو التحقق منها، وربما بدأ بدراسة حال الراوي من مولده ونشأته إلى وفاته لاستخلاص حكم دقيق لحاله، وتأمل حال السلف في هذا الباب:
1 - قال محمدُ بنُ إبراهيم بن أبي شيخ الملطي: «جاء يحيى ابن معين إلى عفّان ليسمع منه كتب حماد بن سلمة فقال: أما سمعتها من أحد؟ قال: نعم حدثني سبعة عشر نفساً عَنْ حماد، قال: والله لا حدثتك، فقال: إنما هو درهم، وأنحدرُ إلى البصرة فأسمع من التبوذكيّ قال: شأنك، فانحدر إلى البصرة، وجاء إلى التبوذكي، فقال له: أما سمعتها من أحد؟ قال: سمعتها على الوجه من سبعة عشر وأنت الثامن عشر، قال: وما تصنع بهذا؟ قال: إنّ حماد بن سلمة كان يخطئ فأردت أن أميّزَ خطأه من خطأ غيره؛ فإذا رأيتُ أصحابه اجتمعوا على شيء علمتُ أنّ الخطأ من حماد نفسه ... » (48).
2 - قال ابن حبان: «ولقد دخلتُ حمص وأكثر همي شأن بقية، فتتبعت حديثه وكتبت النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه، فرأيته ثقة مأموناً؛ ولكنه كان مدلساً .. » (49).
ب - أنَّ من يعتمد على الكتب المتأخرة فقط - كما هو الجاري في كثير من الأحيان - دون الرجوع إلى المصادر الأصلية المتقدمة من تواريخ وسؤالات وعلل وغيرها قد قصّر وربما فاته الشيء الكثير عَنْ هذا الراوي المعين، والله المستعان.
3 - ذكر الرواة عَن المدار وبيان اختلافهم عنه:
بعد تحديد المدار، وبيان درجته في الرواية ذكر يعقوب بن شيبة الرواة عَن المدار وبين اختلافهم فقال: «فاختلف عنه فيه، فرواه عَنْ عاصم: عبيد الله بن عُمَر، وشريك بن عبد الله، وسفيان بن عيينة؛ فأمَّا عبيدُ الله بن عُمَر فإنه وَصَله وجوّده، فرواه عنه عَنْ عبد الله بن عَامِر بن ربيعة، عَن أبيه، عَن عُمَر (50) عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يذكر فيه عُمَر، رواه مرة أخرى عَنْ عُمَر عَن النبي - صلى الله عليه وسلم -». وقال الدّارقُطنيّ: «حدّث به عنه: عبيد الله بن عُمَر ومحمد بن عجلان وسفيان الثوري وشريك بن عبد الله، واختلف عنهم ... ».
فالخطوة الثالثة ذكر الرواة عَن المدار وبيان اختلافهم واتفاقهم عَن المدار، قال ابن حجر: «فمدار التعليل في الحقيقة على بيان الاختلاف» (51) ويراعى هنا أمور:
1 - التأكد من سلامة الإسناد إلى الراوي عَن المدار، وأنه ثابت عنه؛ فإن لم يكن ثابتاً فلا يعتمد عليه ولا يذكر إلاّ من باب التنبيه عليه.
2 - التأكد من عدم وجود اختلاف على الراوي عَن المدار؛ فإن كان هناك اختلاف يُدْرس للتحقق من الرواية الراجحة.
3 - دراسة حال الراوي وبيان درجته من حيثُ الرواية، ولا يتوسع في ترجمته بل يذكر ما يفي بالغرض.
4 - ترتيب الروايات عَن المدار حسب الاتفاق والاختلاف؛ فيُقال مثلاً: اختلف عَن الزهري على خمسة أوجه:
الأوّل: رواه فلان، وفلان - في الراجح عنه - عَن الزهري ..... يذكر الوجه.
الثاني: رواه فلان، وفلان - في الراجح عنه - عَن الزهري ..... يذكر الوجه. وهكذا.
4 - الموازنة بين الروايات وبيان الراجح وأسباب الترجيح:
بعد الخطوات السابقة بين يعقوب بن شيبة، والدّارقُطنيّ أنّ سبب الاضطراب في الحديث من عَاصِم بن عُبَيد الله نفسه لا من الرواة عنه، وذكَرَا ما يدلُّ على ذلك فقالَ يعقوبُ: «ولا نرى هذا الاضطراب إلا من عَاصِم، وقد بين ابنُ عيينة ذلك في حديثه قال علي بن المديني: قال سفيان بن عيينة: كان عَاصِم يقول: عَنْ عبد الله بن عَامِر بن ربيعة عَنْ أبيه عَنْ عُمَر ومرة يقول: عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ عُمَر ولا يقول عَن أبيه»، وقال الدّارقُطنيّ: «ورواه سفيانُ بنُ عيينة عَن عَاصِم فجوَّد إسناده وبين أن عاصماً كان يضطرب فيه؛ فمرة ينقص من إسناده رجلاً ومرة يزيد ومرة يقفه على عُمَر ... ».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/5)
إذاً الخطوة الرابعة الموازنة بين الروايات وبيان الراجح وأسباب الترجيح؛ وهذه من أهم خطوات الدراسة وبها يتميز الناقد البصير من غيره، ومن خلالها يتبين دقة نظر الباحث، وعمق معرفته بالعلل، ومنها يعرف فضل علم الأئمة المتقدمين وبراعتهم ودقتهم؛ فهناك قرائن وقواعد طبقها الأئمة للموازنة بين الروايات المعلة، قال ابن حجر: «والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد، بل يرجحون بالقرائن» (52)، وقال ابنُ عبد الهادي عَنْ قبول زيادة الثقة: «فيه خلاف مشهور؛ فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقاً، ومنهم من لا يقبلها؛ والصحيح التفصيل وهو أنها تُقبل في موضع؛ دون موضع فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظاً ثبتاً والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله: «من المسلمين» في صدقة الفطر، واحتج بها أكثر العلماء، وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذلك حكماً عاماً فقد غلط؛ بل كل زيادة لها حكم يخصها؛ ففي موضع يجزم بصحتها .. وفي موضع يغلب على الظن صحتها .. وفي موضع يجزم بخطأ الزيادة .. وفي موضع يغلب على الظن خطؤها .. وفي موضع يتوقف في الزيادة» (53).
وقال العلائيُّ - رحمة الله عليه -: «وأمَّا أئمةُ الحديثِ فالمتقدمون منهم كيحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ومن بعدهما كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل، ويحيى ابن معين، وهذه الطبقة، وكذلك من بعدهم كالبخاريّ، وأبي حاتم، وأبي زرعة الرازيين، ومسلم، والنسائي، والترمذي، وأمثالهم، ثم الدارقطني والخليلي كلُّ هؤلاء يقتضي تصرفهم في الزيادة قبولاً وردّاً الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند الواحد منهم في كل حديث، ولا يحكمون في المسألة بحُكْمٍ كُليّ يعم جميعَ الأحاديث، وهذا هو الحق الصواب كما سنبينه إن شاء اللهُ - تعالى - .. » (54).
والأئمةُ يصرحون - أحياناً - بهذه القرائن والطرق، وأحياناً تفهم وتستنبط من صنيعهم؛ فمن تلك الطرق والقرائن (55):
1 - الترجيح بالحفظ والإتقان والضبط.
2 - الترجيح بالعدد والكثرة.
3 - سلوك الراوي للجادة والطريق المشهور.
4 - الترجيح بالنظر إلى أصحاب الراوي المقدمين فيه.
5 - الترجيح باعتبار البلدان واتفاقها.
6 - الترجيح بالزيادة.
7 - عدمُ وجودِ الحديث في كتب الراوي الذي رُوي الحديث عنه.
8 - شهرة الحديث وانتشاره من طريق يدل على غلط من رواه من طريق آخر.
9 - وجود قصة في الخبر تدل على صحة الطريق.
10 - التفرد عَنْ إمام مشهور وله تلاميذ كثيرون.
11 - تحديثُ الراوي في مكان ليس معه كتبه.
12 - التحديث بنزول مع إمكانية العلو في السماع.
13 - عدم العلم برواية الراوي عمن روى عنه، أو عدم سماعه منه.
14 - إمكانية الجمع بين الروايات عند التساوي.
15 - رواية الراوي عَنْ أهل بيته.
16 - اختلاف المجالس وأوقات السماع.
17 - ورود الحديث بسلسلة إسناد لم يصح منها شيء.
18 - التحديث من كتاب.
19 - ضعف الراوي أو وهمه أو اضطرابه.
20 - مشابهة الحديث لحديث راوٍ ضعيف.
21 - أن يروي الرجل الحديثَ على وجهين: تارةً كذا، وتارةً كذا، ثم يجمعهما معاً؛ فهذا قرينة على صحتهما معاً.
22 - قبول الراوي للتلقين.
23 - ورود الحديث عَنْ راوٍ وقد ورد عنه ما يدل على خلافه موقوفاً.
24 - مخالفة الراوي لمَا روى سواء وُجِد اختلاف أو لم يوجد - على تفصيل في ذلك -.
25 - اضطراب إحدى الروايات.
26 - دلالة الرواية على الكذب.
27 - شهرة الراوي بأمر معين؛ كاختصار المتون، أو الإدراج فيها، أو الرواية بالمعنى، أو التصحيف في الألفاظ أو الأسماء، أو قصر الأسانيد، أو جمع الرواة حال الرواية.
والحق أنَّ قرائن الترجيح كثيرة لا تنحصر؛ فكلُّ حديثٍ له نقدٌ خاص. قال ابنُ حجر: «ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص، وإنّما ينهض بذلك الممارس الفطن الذي أكثر من الطرق والروايات، ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة بل يختلف نظرهم بحسب ما يقوم عندهم في كل حديث بمفرده» (56).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/6)
وقال ابنُ رجب: «قاعدةٌ مهمةٌ: حذّاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال، وأحاديث كل واحد منهم، لهم فهم خاص يفهمون به أنَّ هذا الحديث يشبه حديث فلان، ولا يشبه حديث فلان، فيعللون الأحاديث بذلك، وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة تحصره، وإنما يرجع فيه إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عَنْ سائر أهل العلم» (57).
وفي الختام أنبه على أمور:
1 - ضرورة العنايةِ بعلم علل الحديث بالنسبة للمشتغلين بالحديث وعلومه، ومن لا يحسنه ولا يفهمه لا يحل له الحكم على الأحاديث حتى يتعلمه ويفهمه، وينبغي تشجيع الطلبة على دراسته، وتقرير مقرر خاص لطلبة الدراسات العليا في هذا الفن والبحث فيه.
2 - ضرورة فهم مصطلحات أئمة الحديث المتقدمين حسب استعمالهم لها عَن طريق الجمع والاستقراء والدراسة والموازنة.
3 - اتباع الأئمةِ المتقدمين في تعليلهم للأخبار، وعدم التسرع في الرد عليهم، وهذا من باب الاتباع المحمود لا التقليد المذموم.
4 - جمع طرقِ الحديث، والنظر فيها مجتمعةً، ومعرفة مراتب رواتها.
5 - اتباع منهجٍ منضبطٍ عند دراسةِ الحديثِ المُعل يوافق طريقة الأئمة المتقدمين، فيبدأ أوّلاً بتحديد مدار الحديث، ثم بيان حال المدار من حيثُ القوة والضعف، ثم يذكر الرواة عَنْ المدار ويبين اختلافهم واتفاقهم عنه، ثم يوازن بين الروايات ويبين الراجح وأسباب الترجيح.
6 - خطأ من يقول إنَّ زيادة الثقة مقبولة مطلقاً، فإنّ طريقة الأئمة المتقدمين الحكم حسب القرائن، وتقدم قريباً النقل في ذلك عَن ابن عبد الهادي، والعلائيّ، وابن حجر، وقال ابن رجب: «ثم إنّ الخطيبَ تناقضَ فذكر في كتاب «الكفاية» للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله كلها لا تعرف عَنْ أحد من متقدمي الحفاظ، إنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين، ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقاً كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء، وهذا يخالف تصرفه في كتاب «تمييز المزيد» (58).
7 - خطأ وضع حكمٍ أو قاعدةٍ كليةٍ في الترجيح بين الأحاديث المعلة، بل الأمر كما قال ابنُ حَجَر: «كل حديث يقوم به ترجيح خاص ... ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة بل يختلف نظرهم بحسب ما يقوم عندهم في كل حديث بمفرده»، وقال البقاعي - عند كلامه على تعارض الوصل والإرسال -: «إنّ ابنَ الصلاح خَلَطَ هنا طريقةَ المحدثين بطريقةِ الأصوليين، فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة نظراً لم يحكه، وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه، وذلك أنهم لا يحكمون فيها بحكمٍ مطرد، وإنما يديرون ذلك على القرائن» (59).
8 - أنَّ الأئمة المتقدمين أمثال شعبة بن الحجاج، ويحيى القطان، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدّارقُطنيّ، وغيرهم في باب التعليل - كمسألة زيادة الثقة، والتعليل بالتفرد بضوابط - متفقون بالجملة وإن وقع منهم بعض الاختلاف الجزئي لأسباب معينة؛ ومما يدل على ذلك:
قصة السائل مع أبي حاتم التي ذكرتها في أوَّل البحث؛ وفيها يقول أبو حاتم: «جاءني رجلٌ من جِلَّةِ أصحابِ الرأي مِنْ أهلِ الفهم منهم، وَمَعَه دفترٌ فعرضه عليَّ، فقلتُ في بعضها: هذا حديثٌ خطأ قد دَخَل لصاحبه حديثٌ في حديث، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ باطل، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ منكر، وقلتُ في بعضهِ: هذا حديثٌ كذب، وسائرُ ذلك أحاديثُ صحاح، فقال: من أين علمتَ أنّ هذا خطأ، وأنَّ هذا باطل، وأنّ هذا كذب؟ أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطتُ وأني كذبتُ في حديث كذا؟ فقلتُ: لا، ما أدري هذا الجزء من رواية مَنْ هو، غير أني أعلم أن هذا خطأ، وأنّ هذا الحديث باطل، وأن هذا الحديث كذب، فقال: تدعي الغيب؟ قال قلت: ما هذا ادعاء الغيب، قال: فما الدليل على ما تقول؟ قلتُ: سلْ عما قلتُ من يحسن مثل ما أحسن؛ فإن اتفقنا علمتَ أنَّا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم، قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبو زرعة ... ».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/7)
وقال محمدُ بنُ صالح الكِيلِينِي: «سمعتُ أبا زرعة وقالَ لهُ رجلٌ: ما الحُجةُ في تعليلكم الحديث؟ قال: الحجة أنْ تسألني عن حديثٍ لهُ عِلةٌ فأذكرُ علتَه ثم تقصدُ محمد بن مسلم بن وارة، وتسأله عنه، ولا تخبره بأنّك قد سألتني عنه فيذكر علته، ثم تقصدُ أبا حاتم فيعلله، ثم تميزُ كلامَ كلّ منّا على ذلكَ الحديث، فإنْ وجدتَ بيننا خلافاً في علته، فاعلم أنّ كلاً منا تكلم على مراده، وإنْ وجدتَ الكلمة متفقة، فاعلمْ حقيقةَ هذا العلم، قال: فَفَعَلَ الرجلُ، فاتفقت كلمتُهم عليه، فقال: أشهدُ أنَّ هذا العلمَ إلهام» (60).
9 - أنّ تعاليل الأئمة للأخبار مبنيةٌ - في الغالب - على الاختصار، والإجمال، والإشارة، فيقولون مثلاً: «الصواب رواية فلان»، أو «وَهِمَ فلان» أو «حديث فلان يشبه حديث فلان» أو «دَخَلَ حديثٌ في حديث» ولا يذكرون الأدلة والأسباب التي دعتهم إلى ذلك القول - مع وجودها عندهم واستحضارهم إياها - وسببُ ذلك أنّ كلامهم في الغالب موجه إلى أناسٍ يفهمون الصناعة الحديثية والعلل والإشارة فيدركون المراد بمجرد إشارة الإمام للعلة وذكرها، وقد خشي الأئمة من أنْ يساء الظن بهم إذا تكلموا بهذا الفن عند من لا يحسنه ولا يفهمه.
قالَ الإمامُ مسلم بنُ الحجاج: «أمّا بعد: فإنك - يرحمك الله - ذكرتَ أنّ قِبَلكَ قوماً ينكرون قولَ القائلِ مِنْ أهلِ العلم إذا قالَ: هذا حديثٌ خطأ، وهذا حديثٌ صحيحٌ، وفلانٌ يخطئ في روايته حديث كذا، والصوابٌ ما روى فلانٌ بخلافهِ، وذكرتَ أنهم استعظموا ذلكَ مِن قولِ من قاله ونسبوه إلى اغتيابِ الصالحين مِن السلف الماضين، وحتى قالوا: إن مِن ادعى تمييز خطأ روايتهم من صوابها متخرص بما لا علم له به، ومدعٍ علمَ غيب لا يوصل إليه، واعلم - وفقنا الله وإياكَ - أنْ لولا كثرة جهلة العوام مستنكري الحق ورايه بالجهالة (61) لما بان فضل عالم على جاهل، ولا تبين علم من جهل، ولكن الجاهل ينكر العلم لتركيب الجهل فيه، وضد العلم هو الجهل؛ فكلُّ ضد نافٍ لضده، دافع له لا محالة، فلا يهولنك استنكار الجهالِ وكثرة الرعاع لما خص به قوم وحرموه؛ فإن اعتداد العلم دائر إلى معدنه، والجهل واقف على أهله» (62).
وقال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة: «لأنه ضرر على العامة أن يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث؛ لأنَّ علم العامة يقصر عَنْ مثل هذا» (63) - وانظر تعليق ابن رجب على كلام أبي داود في شرح العلل (64) -.
وقد حصل ما خشي الأئمة منه فتجد بعض المشتغلين بالحديث - فضلاً عَنْ غيرهم - يُغْلظ القول للأئمة عند نقله تعاليلهم للأخبار وأنه ما هكذا تُعل الأخبار ونحو ذلك من العبارات؛ لعدم فهمه لمرادهم وكيفية معرفة ذلك، وفي الأمثلة التطبيقية سأذكر حديثاً قال عنه أبو حاتم: «والحديثُ عندي ليس بصحيح كأنه موضوعٌ» فتعقبه بعضُ المعاصرين بقولهِ: «كذا قال أبو حاتم - رحمه الله - في العلل، وهل نترك ظاهر إسناد الحديث لكلام الإمام الحافظ أبي حاتم الرازي: (كأنه موضوع) أم نحكم بصحة الحديث بناءً على ظاهر إسناده؟!! علمها عند ربي، ولكن ما شهدنا إلاّ بما علمنا وما كنا للغيب حافظين. فحكمنا على الإسناد بظاهر الصحة وتركنا ما وراء ذلك» - راجع كلام مسلم وتأمله!! -.
وهنا كلامٌ نفيسٌ لابنِ رجب أرى لزاماً عليَّ أنْ أذكره بطولهِ؛ لأنَّه يُعبر عَنْ مرادي في هذا البحث، ومقصدي منه. قالَ: «عَنْ أبي هريرةَ - رضي اللهُ عنه - عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا حُدِّثتم عني حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوه، فإني أقولُ ما يُعرف ولا ينكر، وإذا حُدِّثتم عني بحديث تنكرونه ولا تعرفونه فلا تصدقوا به؛ فإني لا أقولُ ما يُنكر ولا يُعرف»، وهذا الحديثُ معلولٌ أيضاً، وقد اختلفوا في إسنادهِ على ابنِ أبي ذئب، ورواهُ الحفاظُ عنه عَنْ سعيد مرسلاً، والمرسلُ أصحُّ عند أئمة الحفاظ منهم: ابن معين والبخاري وأبو حاتم الرازي وابن خزيمة وقال: «ما رأيتُ أحداً من علماءِ الحديث يثبت وصله».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/8)
وإنما يحملُ مثل هذه الأحاديث على تقدير صحتها على معرفة أئمةِ أهلِ الحديث الجهابذة النقّاد الذين كثرت دراستهم لكلام النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولكلام غيرهِ لحال رواةِ الأحاديثِ ونَقَلةِ الأخبارِ ومعرفتهم بصدقهم وكذبهم وضبطهم وحفظهم؛ فإنَّ هؤلاءِ لهم نقدٌ خاصٌ في الحديثِ مختصونَ بمعرفتهِ كَمَا يختصُّ الصيرفيُّ الحاذقُ بمعرفةِ النقودِ جيدها ورديئها وخالصها ومشوبها، والجوهريُّ الحاذقُ في معرفةِ الجوهر بانتقاد الجواهر.
وكلٌّ من هؤلاء لا يمكن أن يعبر عَنْ سَبَب معرفتهِ ولا يقيمُ عليه دليلاً لغيرهِ، وآيةُ ذلكَ أنَّه يُعرَضُ الحديث الواحد على جماعةٍ ممنْ يعلمُ هذا العلم فيتفقون على الجوابِ فيهِ مِنْ غيرِ مواطأة، وقد امتحن منهم غير هذا مرّة في زمنِ أبي زرعة وأبي حاتم فوجد الأمر على ذلكَ، فقال السائلُ: «أشهدُ أنَّ هذا العلم إلهام»، قال الأعمشُ: «كان إبراهيمُ النخعيُّ صيرفياً في الحديثِ، كنتُ أسمعُ من الرجال فأعرض عليه ما سمعتهُ»، وقال عَمرو بنُ قيس: «ينبغي لصاحبِ الحديثِ أنْ يكونَ مثلَ الصيرفيّ الذي ينقد الدرهمَ الزائفَ والبهرج وكذا الحديث».
وقال الأوزاعيُّ: «كنا نسمعُ الحديثَ فنعرضه عَلى أصحابنا كما نعرضُ الدرهمَ الزائفَ على الصيارفة؛ فما عرفوا أخذنا وما أنكروا تركنا»، وقيل لعبدِ الرحمن بنِ مهدي: إنك تقولُ للشيءِ: هذا يصحُ، وهذا لم يثبتْ؛ فعمن تقولُ ذلكَ؟ فقالَ: أرأيتَ لو أتيتَ الناقدَ فأريته دراهمك فقال: هذا جيدٌ، وهذا بهرج، أكنتَ تسأله عَن ذلك أو تسلم الأمرَ إليهِ؟ قال: «لا بل كنتُ أسلمُ الأمرَ إليهِ، فقالَ: فهذا كذلك لطولِ المجادلةِ والمناظرةِ والخبرةِ، وقد رُوي نحو هذا المعنى عَن الإمامِ أحمد أيضاً وأنه قيل له: يا أبا عبد الله! تقولُ: هذا الحديثُ منكرٌ؛ فكيف علمتَ ولم تكتبْ الحديثَ كلَّه؟ قالَ: مثلنا كمثلِ ناقد العين لم تقع بيده العين كلها؛ فإذا وقع بيده الدينار يعلم بأنه جيّد، أو أنه رديء، وقال ابنُ مهدي: «معرفةُ الحديثِ إلهام»، وقالَ: «إنكارنا الحديثَ عند الجهال كهانة». وقال أبو حاتم الرازي: «مثل معرفةِ الحديثِ كمثلِ فصّ ثمنه مائة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة دراهم»، قال: «وكما لا يتهيأ للناقدِ أن يخبر بسبب نقدهِ؛ فكذلكَ نحن رزقنا علماً لا يتهيأ لنا أن نخبر كيف علمنا بأنَّ هذا حديثٌ كذب، وأنّ هذا حديثٌ منكر إلا بما نعرفه، قال: «ويعرف جودة الدينار بالقياس إلى غيره، فإن تخلف عنه في الحمرة والصفاء علم أنه مغشوش، ويعلم جنس الجوهر بالقياس إلى غيره فإن خالفه في المائية والصلابة علم أنه زجاج، ويعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه وأن يكون كلاماً يصلح مثل أن يكون كلام النبوة ويعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته. والله أعلم» (65).
وبكل حال؛ فالجهابذةُ النقادُ العارفون بعللِ الحديثِ أفرادٌ قليلٌ من أهل الحديث جداً، وأوَّل من اشتهر في الكلام في نقد الحديث ابنِ سيرين، ثم خَلفه أيوب السختياني، وأخَذَ ذلك عنه شعبةُ، وأخذ عَنْ شعبة: يحيى القطان وابن مهدي، وأخذ عنهما: أحمدُ وعلي بنُ المديني وابنُ معين، وأخذ عنهم مثل: البخاريّ وأبي داود، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وكان أبو زرعةَ في زمانه يقول: «مَنْ قَالَ يفهم هذا - وما أعزّه - إلا رفعت هذا عَنْ واحد واثنين؛ فما أقلّ من تجد من يحسن هذا!»، ولما ماتَ أبو زرعة قال أبو حاتم: «ذهب الذي كان يحسن هذا المعنى، يعني أبا زرعة، أي ما بقي بمصر ولا بالعراق واحد يحسن هذا، وقيل له بعد موت أبي زرعة: يُعرَفُ اليوم واحد يَعرِف هذا؟ قال: لا، وجاءَ بعد هؤلاء جماعة منهم النسائي والعُقيلي وابن عدي والدّارقُطنيّ، وقلّ مَن جَاء بعدهم مَنْ هو بارع في معرفة ذلكَ حتى قال أبو الفرج الجوزي في أول كتابه الموضوعات: «قلَّ من يفهم هذا بل عُدم»، والله أعلم» (66).
هذا ما تيسر كتابته؛ فإن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطانِ واللهُ منه بريء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــــ
(1) نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر (ص43).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/9)
(2) مراد الحميديّ بقوله: (وليس فيه كتاب) يريد كتاباً جامعاً وشاملاً لجميع الوفيات - بيّن ذلك ابنُ الصلاح، والذهبيّ - وإلاَّ فقد أُلفت كتبٌ كثيرة في معرفة الوفيات.
(3) سير أعلام النبلاء 19: 124 - 521. (4) شرح علل الترمذي (2/ 467).
(5) أُخذ هذا الموضوع رسائل دكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومن نعمةِ اللهِ عليّ أنْ كنتُ أحد المشاركين في هذا المشروع القيم. (6) مقدمة كتاب «الإمام علي بن المديني ومنهجه في نقد الرجال»، ص 7.
(7) العلل (1/ 381 رقم1136)، وانظر أيضاً المسألة رقم (1184).
(8) شرح علل الترمذي (2/ 757 - 758)، نقد بعضُ المعاصرين كلامَ ابنِ رجب هذا، ولو تأمل في تعاليل الأئمة للأخبار لوجد ذلك بيناً واضحاً، وإنّما أُوتي من عدم التوسع في قراءة كتب العلل، وعدمِ معرفةِ مناهج الأئمة في ذلك.
(9) النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 711). (10) النكت (2/ 726). (11) الكاغد: الورق.
(12) النبهرج: هو الباطل، والرديء من الشيء، لسان العرب (2/ 217). (13) تقدمة الجرح والتعديل، ص 943 - 153.
(14) هو الجلد المدبوغ. القاموس (2/ 696).
(15) أخرجه: الترمذي في سننه، كتاب الفتن، باب ما جاء من أين يخرج الدجال (4/ 441 رقم 2237)، وابن ماجه في سننه كتاب الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج (2/ 3531 - 4531رقم 2704)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 494)، وأحمد بن حنبل في مسنده (1/ 091رقم21) وغيرهم وقال الترمذي: «حسن غريب»، وإسناده قويّ لا ينزل عَنْ درجة الحسن، وقد كتبتُ في تقويته جزءاً.
(16) الإرشاد (2/ 696 - 796)، وذكرها القزويني في التدوين في أخبار قزوين (3/ 2)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (71/ 26) وإسنادها صحيح. (17) (3/ 704 رقم 6681). (18) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 592 - 692).
(19) المرجع السابق (2/ 212). (20) المرجع السابق. (21) شرح علل الترمذي 2/ 764 - 864).
(22) نزهة النظر، ص54. (23) علوم الحديث (ص81 - 82).
(24) قال الإمامُ البخاريُّ - رحمة الله عليه - «ما استصغرتُ نفسي عند أحدٍ إلاّ عند علي بنِ المديني» تاريخ بغداد (2/ 17).
(25) علوم الحديث (ص84)، وانظر: ألفية السيوطي شرح أحمد شاكر (ص59 - 60). (26) شرح علل الترمذي (2/ 765).
(27) المرجع السابق (2/ 764 - 765). وانظر: علل ابن أبي حاتم (رقم1130، 1185، 1194، 1227).
(28) (ص107). (29) علوم الحديث (ص81). (30) فتح الباقي على ألفية العراقي (1/ 226).
(31) أوردتُ الحجج الدالة على ذلك في القسم الذي حققته من علل ابن أبي حاتم (1/ 58 - 64).
(32) يعقوبُ مع الإمام البخاريّ (ت 256هـ) من أبرز تلاميذ إمام العلل في زمانه علي بن المديني (ت 234هـ)، قال الذهبيُّ في ترجمته: «صاحب المسند الكبير العديم النظير المُعَلل، الذي تم من مسانيده نحوٌ من ثلاثين مجلداً»، وقال أيضاً في تذكرة الحفاظ: «صاحب المسند الكبير المعلل، ما صُنف مسندٌ أحسن منه». انظر: السير 12/ 476، تذكرة الحفاظ 2/ 775.
(33) ترتيب المدارك2/ 75.
(34) كذا وقع في المطبوع والمخطوط، وسياق الكلام يدل على أنّ الأصوب حذف (عُمَر) هنا، والله أعلم.
(35) تاريخ دمشق (25/ 259). (36) علل الدّارقُطنيّ (2/ 127 - 131).
(37) يستفاد أشهر الشيوخ وأشهر التلاميذ من الاستقراء، أو من نصوص النقاد في ترجمته، أو من اختيار البخاري في التاريخ الكبير، أو ابن أبي حاتم في الجرح، أو الذهبي في الكاشف.
(38) انظر لمعرفة المصنفات في هذا: بحوث في تاريخ السنة المشرفة (183 - 191)، وموارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (396 - 402) وكلاهما للدكتور: أكرم العمري.
(39) انظر لمعرفة المصنفات في هذا المرجعين السابقين. (40) فتح المغيث3/ 013.
(41) الكامل 1/ 84، الكفاية، ص 911. (42) الكفاية، ص 911. (43) الجامع للخطيب1/ 131.
(44) التنكيل (1/ 62 - 63).
(45) يستفاد في هذا الباب من كتاب «منهج المتقدمين في التدليس» تأليف: ناصر الفهد، تقديم الشيخ: عبد الله السعد.
(46) التنكيل (1/ 62 - 72). (47) كذا وقع، ويبدو أنّ في الكلام سقطاً، والله أعلم.
(48) المجروحين (1/ 32). (49) المرجع السابق (1/ 200). (50) كذا وقع، وتقدم التنبيه على ما فيه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/10)
(51) النكت (2/ 711). (52) النكت (2/ 687). (53) نقله الزيلعي في نصب الراية (1/ 336 - 337).
(54) نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد، ص 902.
(55) كان في النية أنْ أذكر لكل قرينةٍ مثالاً مع دراسته حسب الخطوات السابقة - وهي ولله الحمد معدة - ولكن رأيتُ أنَّ المقام لا يسمح بذلكَ؛ لأنَّ البحث سيطول جداً على القارئ في مثل هذا الموضع، وسأفرد البحث بكتاب، وأذكر لكل قرينة مثالاً يوضحها - إنْ شاء الله - تعالى -. (56) النكت (2/ 712). (57) شرح علل الترمذي (2/ 757 - 758).
(58) شرح علل الترمذي (2/ 638). (59) توضيح الأفكار (1/ 339 - 340).
(60) معرفة علوم الحديث (113)، الجامع لأخلاق الراوي (2/ 255 - 256). (61) هكذا في التمييز.
(62) التمييز (169). (63) (ص30). (64) (2/ 806 - 807).
(65) الجرح والتعديل (1/ 351)، وانظر: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 255). (66) جامع العلوم والحكم (ص241 - 242).
http://albayan-magazine.com المصدر
______________________________
كيف نقرب علم علل الحديث لطلاب الحديث ونحببه لهم؟
د. علي بن عبد الله الصياح
آراء ومقترحات:
لا يخفى أنَّ علم «علل الحديث» من أهم فنون الحديث التي تُكوّن عند طالب الحديث ملكة حديثية، وتعلمه الدقة في النقد، والبراعة في التعامل مع ألفاظ ومصطلحات أئمة الحديث ونقاده.
وقد لمستُ من خلال مشاركتي في «ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية» (1) ببحثٍ عنوانه «جهود المحدِّثين في بيان علل الأحاديث» أنَّ هناك توجساً وتخوفاً من هذا الفن، ولمستُ تَرسُّخ فكرة أنَّ علم «عِلَل الحديث» ضربٌ من الكهانة، ونوعٌ من الإلهام، وربما ظنَّ بعضهم أنَّ هذا العلم ينقدح في الذهن بلا مقدمات.
وهذه الفكرة ولّدت عزوفاً وبُعْداً عن هذا الفن «الشيق» والذي لا بدَّ لطالب الحديث من الإلمام به لكي تَكون أحكامه على الأحاديث موافقة - في الجملة - لأحكام أئمة الحديث ونقاده.
ومما تقدم رأيتُ المشاركة في تسهيل هذا الفن ـ «علل الحديث» ـ ووضع مقترحات تُيسر التعامل مع مباحثه، وذلك من خلال النقاط التالية: (هو علم يتم تعلمه وليس إلهاماً).
النقطة الأولى:
على مَنْ يُعلِّم هذا الفن ـ أوَّلاً ـ أنْ يوضح لطلابه أنّ علم «علل الحديث» لا يأتِي من فراغ، ولا ينقدح في الذهن بلا مقدمات!، بل هو عِلمٌ يتعلم ويحسنُ معرفتَه من يأخذ بأسبابه كأي علم من العلوم.
ويبين هنا أنَّ فكرة أنَّ عِلْم «علل الحديث» ضربٌ من الكهانة، ونوعٌ من الإلهام ناتجةٌ عن فهمٍ غير صحيح لقول بعض أئمة الحديث يخاطبون فيها من لا يُحْسِن هذا الفن، ولا يدرك أسراره، أو يبينون لتلاميذهم أهمية هذا الفن ودقته؛ وأنَّ الناقد ربما لم يستطع أنْ يُعبِّر عن العلة بعبارة واضحة تبين وجه الخطأ ومأخذه. قال السخاويّ تعليقاً على قول ابن مهدي: لو قلت للقيم بالعلل: من أين لك هذا؟ لم تكن له حجة -: «يعني يُعَبّر بها غالباً، وإلا ففي نفسه حجج للقبول وللرفض»، وهذا ليس خاصاً بعلل الحديث، بل كل ذي اختصاص - بحكم ممارسته - يُمَيّز بين الأمور، ويحكم عليها وربما لا يستطيع أن يُعَبّر عن السبب والعلة.
قد عالجتُ هذه الفكرة في البحث الآنف الذكر فقلتُ - بعدما سقتُ عدداً من الأقوال التي يُفْهَم منها هذه الفكرة -:
تنبيه:
ربما يُفْهَم من بعضِ الأقوال المتقدمة أنّ علم العلل يَحْصُل في القلب من فراغ بدون عمل ولا طلب، وهذا الفهم غير مراد قطعاً، لكن لمَّا كان علم العلل خفياً ودقيقاً وبحاجةٍ إلى كثرةِ طلبٍ، وسعةِ حفظٍ، وجودةِ فكر ودقةِ نظر، وتوفيق من الله أولاً وآخراً ـ وهو ما توافر لأولئك النقاد ـ أصبح عند من لا يُحْسِنه نوعاً من الكهانة والإلهام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/11)
وهذا التوجيه يتبين من مجموع أقوالهم وأحوالهم؛ فمن الخطأ أخذ جزء من الكلام وبناء الأحكام عليه، فلا بدّ من ضم الكلام بعضه إلى بعض ليتضح ويتبين المراد، ومما يوضح ذلك قول أبي حاتم لمّا قَالَ له السائل: تدَّعي الغيب؟ قَالَ: قلت: ما هذا ادعاء الغيب، قال: فما الدليل على ما تقول؟ قلتُ: سلْ عما قلتُ من يُحْسِن مثل ما أُحْسِن فإن اتفقنا علمتَ أنَّا لم نجازف ولم نَقُله إلا بفهم، قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبو زُرْعة ... » (2) فقول أبي حاتم: «سلْ عما قلتُ من يحسن مثل ما أحسن» يدل على أنه عِلْم يُتَعلّم ويُحْسِنُ معرفتَه من يأخذ بأسبابه، وكذلك قول عبد الرحمن بن مهدي: «إنكارنا للحديث عند الجهال كهانة»، فتأملْ التعبير «الجهال» أي من ليس عندهم علم بهذا الفن.
قال المعلميُّ: «وهذه الْمَلَكة لم يُؤْتَوْها من فراغ، وإنما هي حصاد رحلة طويلة من الطلب، والسماع، والكتابة، وإحصاء أحاديث الشيوخ، وحفظ أسماء الرجال، وكُناهم، وألقابهم، وأنسابهم، وبلدانهم، وتواريخ ولادة الرواة ووفياتهم، وابتدائهم في الطلب والسماع، وارتحالهم من بلد إلى آخر، وسماعهم من الشيوخ في البلدان؛ من سمع في كل بلد؟ ومتى سُمِع؟ وكيف سمع؟ ومع من سمع؟ وكيف كتابه؟ ثم معرفة أحوال الشيوخ الذين يحدِّث الراوي عنهم، وبلدانهم، ووفياتهم، وأوقات تحديثهم، وعادتهم في التحديث، ومعرفة مرويات الناس عن هؤلاء الشيوخ، وعرض مَرْوِيات هذا الراوي عليها، واعتبارها بها، إلى غير ذلك مما يطول شرحه.
هذا مع سعة الاطلاع على الأخبار المروية، ومعرفة سائر أحوال الرواة التفصيلية، والخبرة بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم، وبالأسباب الداعية إلى التساهل والكذب، وبمظنات الخطأ والغلط، ومداخل الخلل.
هذا مع اليقظة التامة، والفهم الثاقب، ودقيق الفطنة، وغير ذلك» (3).
وبعد: فهذه النقطة الأولى تعالج ترسخ فكرة أنَّ علم «علل الحديث» ضربٌ من الكهانة، ونوعٌ من الإلهام، وأنّه ينقدح في الذهن بلا مقدمات، وتبين أنّ هذا العلم كسائر العلوم التي من أتاها مِنْ أَبْوَابِهَا وصل إليها.
وأذكر هنا كلاماً رائعاً للعلاّمة السعدي - رحمه الله - يقول فيه: فائدةٌ: قوله - تعالى -: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189] يؤخذ من عمومها اللفظي والمعنوي أن كل مطلوب من المطالب المهمة ينبغي أن يؤتى من بابه، وهو أقرب طريق ووسيلة يتوصل بها إليه، وذلك يقتضي معرفة الأسباب والوسائل معرفة تامة ليسلك الأحسن منها، والأقرب والأسهل، والأقرب نجاحاً، لا فَرْق بين الأمور العلمية والعملية، ولا بين الأمور الدينية والدنيوية، ولا بين الأمور المتعدية والقاصرة وهذا من الحكمة» (4).
النقطة الثانية:
(أخطار التقصير في هذا العلم)
بيان أهمية هذا الفن وضرورة العنايةِ به بالنسبة للمشتغلين بالحديث وعلومه، وتوضيح أنَّ كثيراً من الخلل في الأحكام على الأحاديث ناتجٌ عن القصور في علم العلل وعدم التفطن لدقائقه.
قَالَ ابنُ رجب ـ بعد ذكره لحديث أبي إسحاق قال: سألتُ الأسودَ بنَ يزيد عمّا حَدّثَتْ عائشة عن صلاةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: «كان ينام أول الليل ويُحْيِي آخره، وإن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ولم يمسَّ ماء حتى ينام» ـ: «وهذا الحديثُ مما اتفق أئمةُ الحديثِ من السلف على إنكاره على أبي إسحاق، منهم: إسماعيلُ بنُ أبي خالد، وشعبةُ، ويزيدُ بنُ هارون، وأحمدُ بنُ حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومسلمُ بنُ الحجاج، وأبو بكر بن الأثرم، والجوزجانيّ، والترمذيّ، والدارقطنيّ، …وَقَالَ أحمدُ بنُ صالح المصري الحافظ: لا يَحِلُّ أن يُروى هذا الحديث - يعني أنه خطأ مقطوع به فلا تَحِلُّ روايته من دون بيان علته.
وأمّا الفقهاء المتأخرون: فكثيرٌ منهم نظر إلى ثقةِ رجالهِ فظنَّ صحته، وهؤلاء يظنون أنَّ كلَّ حديثٍ رواه ثقة فهو صحيحٌ، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث، ووافقهم طائفة من المحدثين المتأخرين كالطحاوي والحاكم والبيهقي» ثم قال - بعد ذكره مسالك توجيه الحديث عند المُصححين، وذكره ألفاظ الروايات عن أبي إسحاق: «وهذا كله يدل على أنَّ أبا إسحاق اضطرب في هذا الحديث ولم يُقِم لفظه كما ينبغي، بل ساقه بسياقات مختلفة متهافتة .. » (5).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/12)
وقال ابنُ القيم: «قال ابن مفوّز (6): حديثُ أبي إسحاق من رواية الثوريِّ وغيره ِفأجمعَ من تقدم من المحدثين ومن تأخر منهم أنه خطأ منذ زمان أبي إسحاق إلى اليوم، وعلى ذلك تَلقّوه منه وحملوه عنه، وهو أولُ حديثٍ أو ثانٍ مما ذكره مسلم في كتاب التمييز له، مما حمل من الحديث على الخطأ، وذلكَ أنَّ عبد الرحمن بن يزيد وإبراهيم النخعيّ - وأين يقع أبو إسحاق من أحدهما؟ فكيف باجتماعهما على مخالفته - رويا الحديث بعينه عن الأسود بن يزيد عن عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان جُنُباً فأراد أن ينام توضأ وضوءه للصلاة، فحكم الأئمة برواية هذين الفقيهين الجليلين عن الأسود على رواية أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة: أنَّه كان ينام ولا يمس ماء، ثم عضدوا ذلك برواية عروة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعبد الله بن أبي قيس عن عائشة، وبفتوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بذلك حين استفتاه، وبعض المتأخرين من الفقهاء الذين لا يعتبرون الأسانيد، ولا ينظرون الطرق يجمعون بينهما بالتأويل، فيقولون لا يمس ماء للغسل، ولا يصح هذا، وفقهاء المحدثين وحفاظهم على ما أعلمتك ... تَمّ كلامه. والصواب ما قاله أئمةُ الحديثِ الكبار مثل يزيد بن هارون ومسلم والترمذيّ وغيرهِم من أنَّ هذه اللفظة وَهْم وغلط، والله أعلم» (7).
وينبه هنا أنَّ بعض الباحثين ـ وفقهم الله ـ ينقل شواهد للحديث ومتابعات من كتب العلل مما استنكره الأئمة على الرواة، ولم يقف وقفةَ نَظَرٍ لماذا ذُكِرَ هذا الحديث أو الطريق في كتب العلل؟ ولربما كان هذا الحديث المذكور في كتب العلل يُعلُّ حديثه كأن يكون موقوفاً وحديثه مرفوعاً، ونحو ذلك؛ وهذا من القصور في هذا الفن.
وأستحسن هنا أن يذكر المعلم بعضَ الأحاديثِ التي اتفق كبار علماء الحديث على إعلالها - كحديث «من غسّل ميتاً فليغتسل» وحديث «المسح على الجوربين» وغيرهما - وَمَعَ ذلكَ صححها بعضُ المعاصرين (8)، فيبين هنا سبب الاختلاف في الحُكْم، والفَرْق منهجياً وعلمياً بين نظر المضعفين ونظر المُصَحّحِين، مبيناً أنَّ للفقهاء منهجاً يخالف منهج المحدّثين في هذا الباب قال ابنُ دقيق العيد: «كثير من العلل التي يعلل بها المحدِّثون الحديث لا تجري على أصول الفقهاء» (9)، وقال أيضاً: «والذي تقتضيه قواعدُ الأصوليين والفقهاء أنَّ العمدة في تصحيح الحديث على عدالة الراوي وجزمه بالرواية، ونظرهم يميل إلى اعتبار التجويز الذي يمكن معه صدق الراوي وعدم غلطه؛ فمتى حصل ذلك، وجاز ألا يكون غلطاً، وأمكن الجمع بين روايته ورواية من خالفه بوجه من الوجوه الجائزة لم يترك حديثه. وأمَّا أهلُ الحديث فإنهم قد يروون الحديثَ من رواية الثقات العدول، ثم تقومُ لهم عللٌ فيه تمنعهم من الحكم بصحته، كمخالفة جمع كثير له، أو من هو أحفظ منه، أو قيام قرينة تؤثر في أنفسهم غلبة الظن بغلطه، ولم يجر ذلك على قانون واحد يستعمل في جميع الأحاديث، ولهذا أقولُ: إنَّ مَنْ حكى عن أهل الحديث - أو أكثرهم - أنّه إذا تعارض رواية مُرْسِل ومُسْندٍ أو واقفٍ ورافعٍ أو ناقصٍ وزائدٍ أنَّ الحُكْم للزائد فلم نجد هذا في الإطلاق، فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً، وبمراجعة أحكامهم الجزئية يعرف صواب ما نقول، وأقربُ الناس إلى اطراد هذه القواعد بعض أهل الظاهر» (10)، وقال أبو يعلى: «واُلمحَدِّثون يضعفون بما لا يوجب تضعيفه عند الفقهاء، كالإرسال، والتدليس، والتفرد بزيادة في الحديث لم يروها الجماعة» (11).
النقطة الثالثة: كيف يعالج القصور في هذا العلم؟
من طرق علاج القصور في هذا الفن ـ في رأيي ـ طريقان:
أ - كثرة القراءة في كتب العلل النظرية والتطبيقية - كعلل الترمذي الكبير، وعلل ابن أبي حاتم، وعلل الدارقطني وكتابه: التتبع، وعلل ابن عمّار الشهيد، ومبحث «الحديث المعلول» في كتب علوم الحديث - فإنْ غلب على قراءتها فلا يغلب على كتابين: الأوَّل: التمييز للإمام مسلم بن الحجاج، والثاني: كتاب «شرح علل الترمذي» لابن رجب، وأرى أنَّ الكتابين ـ من أولهما إلى آخرهما ـ من أحسن ما يقرر على طلاب الحديث لفهم العلل ومعرفة طريقة النقاد فيها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/13)
ب - تتبّع أقوال كبار نقاد الحديث على الحديث المراد بحثه، والاستفادة من كل كلمة يقولونها عن الحديث؛ لأنَّ تعاليل الأئمة للأخبار مبنيةٌ في الغالب على الاختصار، والإجمال، والإشارة، فيقولون مثلاً: «الصواب رواية فلان»، أو «وَهِمَ فلان» أو «حديث فلان يشبه حديث فلان» أو «دَخَلَ حديثٌ في حديث» ولا يذكرون الأدلة والأسباب التي دعتهم إلى ذلك القول؛ لأنّ كلامهم في الغالب موجه إلى أناسٍ يفهمون الصناعة الحديثية والعلل، فيدركون المراد بمجرد إشارة الإمام للعلة وذكرها - ومِنْ ثمّ دراسة أسباب هذا الحُكْم من الناقد، ومدى موافقة بقية النقاد له، ومع كثرة الممارسة لكلام النقاد تتكون عند الباحث مَلَكة تؤدي - بتوفيق من الله وإعانة - إلى موافقتهم قبل أنْ يطَّلعَ على كلامهم المعين في الحديث المراد بحثه، وتفيده في دراسة الأحاديث التي لم يتكلموا عليها.
النقطة الرابعة: حول المنهجية لدراسة هذا العلم:
ضرورة اتباع منهجٍ منضبطٍ عند دراسةِ الحديثِ المُعَلّ، فيبدأ أوّلاً بجمع طرقِ الحديث، والنظر فيها مجتمعةً، ومعرفة مراتب رواتها بتحديد مدار الحديث، ثم بيان حال المدار من حيثُ القوة والضعف، ثم يذكر الرواة عَن المدار ويبين اختلافهم واتفاقهم عليه، ثم يوازن بين الروايات ويبين الراجح وأسباب الترجيح.
ولا بدّ في هذه النقطة من مراعاة ما يلي:
1 - أنْ يُعْرَض على طالب هذا الفن ـ في البداية ـ أحاديث خفيفة العلة، سهلة الفهم بحيث لا يجد الطالب صعوبة في فهمها واستيعابها، وهذا يوسع مدارك طالب الحديث، ويجعله يتشوق للمزيد من هذه الأمثلة.
2 - طريقة عرض ودراسة الحديث المُعلّ لها دورٌ كبير في تحبيب طلبة العلم بهذا الفن؛ فلا بدّ من ملاحظة هذا الأمر، ومحاولة عرض الحديث المعل بصورة مبسطة وواضحة تسهل على الطالب الفهم، ولا شك أنّ عرض العلة بصورة مشوشة متداخلة يجعل الطالب يشعر بأنَّ هذا الفن صعب فيصاب بنوع من النفرة.
ومما يذكر هنا أنَّ الحافظ ابن عبد الهادي - ت 744هـ - في تعليقه على «علل ابن أبي حاتم» (12) سلك مسلكاً بديعاً ومتميزاً في عرض وبيان كلام ابن أبي حاتم على علل الأحاديث، فلينظر في محله - تركتُ ذكره خشية الإطالة، والمقام لا يناسب ذلك -.
3 - أرى عدم تعويد الطلاب على الرسم الشجري عند دراسة الحديث المعل إلاّ إذا كان الاختلاف شديداً وواسعاً، ووجه ذلك -في رأيي - أنّ الطالب سيعتاد عدم فهم الاختلاف إلاّ من خلال هذا الرسم، وربما يصاب ببلادة في الذهن، وكأني بطالب الحديث -وقد سُئل عن اختلاف في حديث مُعَلّ في درسٍ أو محاضرةٍ - يخرج ورقةً وقلماً ثم يبدأ بالرسم الشجري ... ! هذا غير لائق - في نظري - والله أعلم.
وفي الختام: أنبه على قاعدةٍ جميلةٍ نصّ عليها إمام العلل في زمانه عَلِيّ بن الْمَدِينِيّ، وهذه القاعدة يغفل عنها كثيرٌ من الناس. قال يعقوب بن شيبة: قَالَ عَلِيّ بن الْمَدِينِيّ: لا يقاس الرجل إلا بأقرانه وأهل زمانه؛ فلقد قُلْتُ مَرَّةً: سَعِيد (13) أَعْلَم من حَمَّاد بن زَيْد، فبلغ ذَلِكَ يَحْيَى بن سَعِيد، فشق ذَلِكَ عليه؛ لئلا يقاس الرجل بمن هو أرفع منه لا يَقُول: سُفْيَانُ أَعْلَم من الشعبي، وأيُّ شيء كَانَ عند الشعبي مما عند سُفْيَان؟ وقيل لعلي بن الْمَدِينِيّ: إن إنساناً قَالَ: إنَّ مالكاً أفقه من الْزُّهْرِيّ، فَقَالَ عَلِيّ: أنا لا أقيس مالكاً إِلَى الْزُّهْرِيّ، ولا أقيس الْزُّهْرِيّ إِلَى سَعِيد بن الْمُسَيَّب، كل قوم وزمانهم.
لذا ينبغي التفطن إلى هذه القاعدة وعدم المفاضلة بين مختلفي الأزمنة، وكذلك ملاحظة - وهذا الشاهد للمقال - أنه من الصعوبة - وربما من المستحيل - أن يبرز أحدٌ في علل الحديث كما برز أولئك، ولكن في زماننا هذا - والضعف العلمي والعملي سمةٌ بارزة فيه - أرى أنّ من عَرَف مصطلحات علماء الحديث - بالجملة - ومناهج أئمة العلل وطرائقهم في هذا الفن، وأدمن النظر في كتب العلل - المتقدم ذكرها - مع جودة الفهم، ودِقَّة في النظر، وحفظ الرجال الذين تدور عليهم الأسانيد، ومراتب الرواة وطبقاتهم، وطرق وقرائن الترجيح والجمع أنَّ هذا من العارفين بعلل الحديث.
هذه آراء ومقترحات لتسهيل هذا الفن، وإني لَطَمِعٌ في الاستفادة من مداخلات أهل العلم والفضل.
----------------------------------------
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/14)
(1) كانت هذه الندوة بعناية «مجمع الملك فهد لطباعة المصحفة الشريف بالمدينة المنورة».
(2) تقدمة الجرح والتعديل (ص349 - 351).
(3) النكت الجياد (1/ 10)، وانظر: مقدمة الجرح والتعديل (ب -ج)، (فتح المغيث (1/ 273 - 274).
(4) تيسير اللطيف المنان (ص: 449).
(5) فتح الباري (1/ 362 - 363).
(6) في المطبوع (ابن معاد) وهو تصحيف، وابن مفوَّز هو: مُحمَّد بن مفوَّز المعافريٌّ أبو بكر الشاطبي (463 ـ 505 هـ) وهو أحد أئمة العلل. طبقات علماء الحديث (4/ 27)، السير (19/ 421).
(7) تهذيب سنن أبي داود (1/ 154)، وانظر: شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (2/ 731 - 737).
(8) لعل من نافلة القول ومكرور الكلام أنْ يقال:
1 ـ إنَّ على المعلم أنْ يربي طلابه على الأدب مع العلماء ـ المتقدمين منهم والمتأخرين ـ والأدب مع الأقران، وأن يعودهم على طهارة اللسان وعفته، وعدم الخوض في أعراض الناس ـ فضلاً عن العلماء وطلاب العلم ـ بغير حقٍ بيّنٍ واضحٍ، ويذكرهم ـ بين فترة وأخرى ـ بالنصوص الواردة في التحذير من هذه الأخلاق. وما أجمل قول الإمام الذهبي في ترجمة الإمام محمد بن نصر المروزي: (ولو أنَّا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفوراً له قمنا عليه وبدَّعناه وهجرناه، لمَا سَلِم معنا ابن نصر، ولا ابن مندة، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، هو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة) [سير أعلام النبلاء: 40/ 14]. وقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «نعوذ بالله - سبحانه - مما يفضي إلى الوقيعة في أعراض الأئمة، أو انتقاص أحد منهم، أو عدم المعرفة بمقاديرهم وفضلهم، أو محادتهم وترك محبتهم وموالاتهم، ونرجو من الله - سبحانه - أن نكون ممن يحبهم ويواليهم ويعرف من حقوقهم وفضلهم ما لا يعرفه أكثر الأتباع، وأن يكون نصيبنا من ذلك أوفر نصيب وأعظم حظ، ولا حول ولا قوة إلا بالله» [الفتاوى الكبرى: 6/ 92].
2 ـ على المعلم أن يبين الفرق بين النقد العلميّ المبني على النصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وبين النقد الشخصيّ المبني على الهوى والتشفي، وحب الصدارة.
فالأوّل ـ النقد العلميّ ـ مطلوبٌ شرعاً.
والثاني ـ النقد الشخصيّ ـ محرم شرعاً.
3 - ويُذكّر طلابه ـ دائماً ـ بالعبارات الأدبية التي قالها سلفنا الصالح كقول. «قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب» ونحوها من العبارات الجميلة التربوية.
وبعد: فمن المؤسف ـ ونحن نتكلم عن مسائل علمية تخصصية - أن نضطر لهذا التنبيه، ولكن مَنْ عَرَفَ الواقع طلب السلامة لدينه. قال الشيخ بكر أبو زيد: «أهلُ الإسلام ليس لهم سمةٌ سوى الإسلام والسلام، فيا طالب العلم - بارك الله فيك وفي علمك ـ: اطلب العلم، واطلب العمل، وادع إلى الله - تعالى - على طريقة السلف، ولا تكن خرّاجاً ولاّجاً في الجماعات، فتخرج من السعة إلى القوالب الضيّقة؛ فالإسلام كله لك جادّة ومنهج، والمسلمون جميعهم هم الجماعة، وإنَّ يد الله مع الجماعة، فلا طائفيّة ولا حزبيّة في الإسلام، وأعيذك بالله أن تتصدّع فتكون نهّاباً بين الفرق والطوائف والمذاهب الباطلة والأحزاب الغالية، تعقد سلطان الولاء والبراء عليها، فكن طالب علم على الجادّة تقفو الأثر، وتتّبع السنن تدعو إلى الله على بصيرة .. ».
(9) الاقتراح في بيان الاصطلاح (ص186).
(10) النكت على مقدمة ابن الصلاح (1/ 104).
(11) العدة (3/ 938).
(12) طُبع هذا الكتاب بعنوان: «تعليقةٌ على العلل لابن أبي حاتم» تحقيق: سامي بن محمد جاد الله، ط 1، 1423، مكتبة أضواء السلف، وهذه الطبعة أحسن تحقيقاً من الطبعة الأخرى.
(13) هو: ابن الْمُسَيَّب.
رجب 1425هـ * أغسطس / سبتمبر 2004م
http://www.albayan-magazine.com المصدر
___________________________
من سنن المحدثين عند تأليف كتبهم
د. علي الصياح
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/15)
مِن الأدبياتِ العلمية والأخلاقِ الزكيّة عِند علماءِ الحديث عَرْضُ مؤلفاتهم عَلَى مشايخهِم وأقرانهم المتميزين قبلَ إخراجها للنّاس، وهذا أمرٌ ملفتٌ لنظر القارئ في سيرهِم وأخبارهِم، فأحببتُ في هذا المقالِ القصير الإشارة إلى هذه القضية الأدبية العلمية عند المحدثين، وَجَمْع مَا مرّ عليّ ـ من غير تتبعٍ واستقصاء ـ ومن ثمَّ تلمَّس الفوائد العلمية والتربوية من هذا العرض وأثره على مؤلفات هؤلاء الأعلام الكبار.
والناظر في واقعنا المعاصر يرى أنَّ التأليف والتصنيف أصبح حِمىً مستباحاً لكل من هبَّ ودبَّ من غير مراعاةٍ لتخصصٍ أو حاجةٍ أو مصلحةٍ، والعذر في ذلك دعوى التعبير وحق المشاركة؛ فرجل السياسة والفن يفتي في الأحكام الشرعية، ويحكم على الأحاديث النبوية، فضلَّ وأضلّ. والله المستعان.
ولو أنَّ كلَّ من ألف طَبّقَ سنة المحدِّثين في عرض الكتب قبل إخراجها على المتخصصين وأهل الفن من أساتذته وأقرانه المتميزين لسلمنا من تبعات مُعْضلةٍ، وتفردات منكرة، واجتهادات شاذة، واختيارات غريبة.
وأنبه أنَّ الحاجة لعرض الكتاب تختلف باختلاف المؤلفين والموضوعات التي يبحث فيها الكتاب؛ فإذا كان المؤلف في بداية تأليفه، أو كان الموضوع الذي يبحث فيه دقيقاً أو خطيراً أو له أثر عام في المجتمع المسلم كانت الحاجة إلى العرض أشدّ وأوْلى.
وبعد: فممن وقفتُ عليه ممن عَرَضَ كتابه عَلَى مشايخهِ وأقرانهِ:
1 - الإمام البخاري: مُحمَّد بن إسماعيل الجعفيّ أبو عبد الله البخاريّ (194 ـ 256هـ) عرض صحيحه «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه» (1)، على جمع من مشايخه. قال أبو جعفر العقيلي (ت 322هـ): «لما صنّف البخاريُّ كتابَ الصحيح عَرَضَه على ابنِ المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحاديث». قال العقيلي: «والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة» (2).
2 - والإمام مسلم بن الحجاج القُشيري أبو الحسين النَّيْسَابوريّ (204 ـ 261 هـ)، عرض صحيحه «المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» (3)، على بعض مشايخه. قال مكيّ بنُ عبدان ـ أحد حفاظ نيسابور ـ: «سمعتُ مسلم بن الحجاج يقول: عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة الرازي؛ فكل ما أشار أن له علة تركته، وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة أخرجته» (4).
3 - والإمام سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني (202 ـ 275 هـ) عَرَضَ كتابه «السنن» على شيخه الأوَّل الإمام أحمد بن حنبل. قال الخطيب البغداديّ: «يقال: إنّه صنف كتابه السنن قديماً، وعرضه على أحمد بن حنبل فاستجاده واستحسنه» (5).
4 - والإمام مُحمَّد بن عيسى أبو عيسى الترمذيّ (209 - 279هـ) عَرَضَ كتابه «الجامع» على جمعٍ من مشايخه. قال منصورٌ الخالديُّ قال أبو عيسى الترمذيُّ: «صنفتُ هذا الكتاب يعني المسند الصحيح فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به» (1).
5 - والإمام محمد بن يزيد بن ماجه أبو عبد الله (209 ـ 273هـ) عَرَضَ كتابه «السنن» على شيخه أبي زرعة الرازيّ، قال ابنُ ماجه: «عرضتُ هذه السنن على أبي زرعة الرازي فنظر فيها، وقال: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع، أو أكثرها، ثم قال: لعله لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثاً مما في اسناده ضعف أو نحو ذا» (2).
قال الذهبيّ: «قلت: قد كان ابن ماجه حافظاً ناقداً صادقاً واسع العلم، وإنما غض من رتبة سننه ما في الكتاب من المناكير وقليل من الموضوعات وقول أبي زرعة ـ إن صح ـ فإنما عنى بثلاثين حديثاً الأحاديث المطَّرحة الساقطة، وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة لعلها نحو الألف».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/16)
وقال الحافظ ابن الملقن: «وأما سنن أبي عبد الله ابن ماجه القزويني: فلا أعلم له شرطاً، وهو أكثر السنن الأربعة ضعفاً، وفيه موضوعات، منها ما ذكره في إتيانه بحديث في فضل قزوين، لكن قال أبو زرعة فيما رويناه عنه: طالعت كتاب أبي عبد الله بن ماجه فلم أجد فيه إلا قدراً يسيراً مما فيه شيء، وذكر قدر بضعة عشر، أو كلاماً هذا معناه، وهذا الكلام من أبي زرعة - رحمه الله - لولا أنه مروي عنه من أوجه لجزمت بعدم صحته عنه؛ فإنه غير لائق لجلالته، لا جرم أن الشيخ تقي الدين قال في الإلمام: هذا الكلام من أبي زرعة لا بد من تأويله وإخراجه عن ظاهره وحمله على وجه صحيح، وعجيب قول ابن طاهر: (حسبك من كتاب يعرض على أبي زرعة الرازي ويذكر هذا الكلام بعد إمعان النظر والنقد)، وقوله: ولعمري إن كتاب أبي عبد الله بن ماجه من نظر فيه علم منزلة الرجل من حسن الترتيب وغزارة الأبواب وقلة الأحاديث وترك التكرار، ولا يوجد فيه من النوازل والمقاطيع والمراسيل والرواية عن المجروحين إلا هذا القدر الذي أشار إليه أبو زرعة. وروى ابن عساكر عن أبي الحسن بن بالويه قال: أبو عبد الله ابن ماجة: عرضت هذه النسخة على أبي زرعة فنظر فيه، وقال: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع كلها أو أكثرها، ثم قال: لعله لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثاً مما في إسناده ضعف، أو قال: عشرين ونحوها من الكلام، قال: وحكى عنه أنه نظر في جزء من أجزائه وكان عنده في خمسة أجزاء، قال الشيخ تقي الدين: لا بد من تأويله جزماً، ولعله أراد ذلك الجزء الذي نظر فيه أو غيره مما يصح» (3). وفي المسألة مناقشات ليس هذا موضع ذكرها.
6 - والحافظ عبد الرحمن بن محمد الاستراباذي المعروف بالإدريسي (ت 405هـ)، قال ابنُ كثير: «وسكن سمرقند، وصنف لها تاريخاً، وَعَرَضه على الدار قطني فاستحسنه» (4).
7 - والحافظ أحمد بن طاهر أبو العباس الدَّاني الأندلسيّ (467 ـ 532 هـ)، قال ابنُ الأبّار: «وله تصنيف على الموطأ سماه كتاب الإيماء ضاهى به كتاب أطراف الصحيحين لأبي مسعود الدمشقي، وعرضه على شيخه أبي عليّ الصَّدَفي فاستحسنه، وأمره ببسطه فزاد فيه» (5).
هذا ما تيسر ذكره من غير استقصاء ومن عُني بهذه المسألة فسيجد الكثير من ذلك في جميع الفنون وخاصة علم الحديث الشريف (6)، ولعل هذا المقال أن يكون نواة لبحث دقيق حول هذه المسألة وذيولها.
ومما يُذكرُ أنّ عدداً من العلماء والفضلاء المعاصرين سلكوا هذه السنَّة المحمودة فكان لمؤلفاتهم عظيم الأثر والقبول.
قلتُ: وفي ضمن عَرْض العالمِ كِتابهُ على مشايخه وأقرانه فوائد عديدة تعود على المؤلف وعلى الكتاب؛ فمن ذلك:
1 - طلب الفائدة العلمية والمنهجية التي يبديها من عُرض عليه الكتاب من المشايخ والأقران؛ فكثيرٌ من الإشكالات والأوهام تزول بعد عرض الكتاب على المتخصصين وأهل الفن والمتميزين فيه، وأحياناً يطلب من المؤلف الزيادة أو الحذف أو التقديم أو التأخير مما يضيف على الكتاب دقة وجودة، ولذا ترى أنَّ غالب الكتب الستة التي وضع لها القبول والعناية من لدن الأمة جمعاء عُرِضت على العلماء قبل إخراجها كما تقدم.
2 - التنبه والتنبيه لما قد يقع من شذوذ وتفرد ربما يسبب جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية مما يشغل أهل العلم في قيل وقال، وكثرة السؤال.
3 - تربية النفس على التواضع وعدم الكبر والغرور، وعدم الاعتداد في الرأي كثيراً، وفي الغالب أنه لا يعرض أحدٌ كتابه على غيره من مشايخه وأقرانه إلاّ من تواضع وطلب الحق.
قال - تعالى -: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76].
وقال: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85].
وقال: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
----------------------------------------
(*) قسم الثقافة الإسلامية ـ جامعة الملك سعود بالرياض.
(1) ذكره: ابن خير: 94، والتجيبي: 68، وانظر: رسالة «تحقيق اسمي الصحيحين واسم جامع الترمذي» لأبي غدة، ط 1، 1414هـ.
(2) تغليق التعليق (5/ 423)، مقدمة فتح الباري (ص7، 489).
(3) ذكره ابن خير: 98، والتجيبي: 83.
(4) صيانة صحيح مسلم، ص 67، 100، شرح النووي على صحيح مسلم (1/ 15)، سير أعلام النبلاء (12/ 568)، مقدمة فتح الباري، ص 347.
(5) تاريخ بغداد (9/ 56).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/17)
(1) التقييد (1/ 97)، سير أعلام النبلاء (13/ 274)، تهذيب التهذيب (9/ 344).
(2) تاريخ مدينة دمشق (56/ 271)، سير أعلام النبلاء (13/ 278)، وقد كتب د. سعدي الهاشمي دراسة نقدية لقول أبي زرعة هذا نشر في مجلة الجامعة الإسلامية العدد (47 ـ 48) عام 1400هـ.
(3) البدر المنير (1/ 307). (4) البداية والنهاية (11/ 354).
(5) التكملة لكتاب الصلة (1/ 43). قال محقق كتاب الإيماء: «والناظر في كتابه هذا يلاحظ أنّ الكتاب وضع لهذا الشأن، فلا يكاد يمر حديث من الأحاديث فيه علة ما قادحة أو غير قادحة إلاّ ويذكر المصنف تحته ما خالفه، وقول أهل العلم في الترجيح بين ذلك، وقد ذكر في ديباجة كتابه أنَّه سيعتني بذكر العلل فقال: وأتقصى عللها، وأجبر خللها .... » الإيماء (1/ 135).
(6) قلتُ: ومن عجائب ما مرَّ بي من عرض المؤلفات ما قاله ابن كثير في ترجمة محمد بن محمد بن يوسف بن الحجاج الفقيه الطّوسي: «كان عالماً ثقةً عابداً يصوم النهار ويقوم الليل، ويتصدق بالفاضل من قوته، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وقد رحل في طلب الحديث إلى الأقاليم النائية والبلدان المتباعدة، وكان قد جزّأ الليل ثلاثة أجزاء: فثلث للنوم، وثلث للتنصيف، وثلث للقراءة. وقد رآه بعضهم في النوم بعد وفاته فقال له: وصلت إلى ما طلبت؟ فقال: إي والله! نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد عرضتُ مصنفاتي في الحديث عليه فقبلها» البداية والنهاية (11/ 229).
ذو القعدة 1425هـ * ديسمبر/يناير 2005م
________________________________
كيف يكون قلبك إذا اجتمع الناس حولك؟!
د. علي الصياح
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوسف الأَصْبَهَانِيّ (1) لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ (2): «حَدِّثِ النَّاسَ وَعَلِّمهُم، وَلكن انظرْ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَكَ كَيْفَ يَكُونُ قَلْبكَ؟» (3).
وقال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: كنتُ أجلسُ يومَ الجُمُعة في مَسْجِدِ الْجَامِعِ، فيجلس إليَّ النَّاس؛ فإذا كَانوا كثيراً فَرحتُ، وإذا قَلُّوا حَزنتُ، فسألتُ بشرَ بنَ منصور (4)، فَقَالَ: هَذا مجلسُ سوء لا تعدْ إليه، قَالَ: فَمَا عُدتُ إليهِ. وقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يوماً ـ وقام من المجلس وتبعه الناس ـ فَقَالَ: يَا قومِ! لا تطؤوا عَقبي، ولا تمشوا خَلْفي، وَوَقَفَ فَقَالَ: حَدّثَنا أبو الأشهب عَن الحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بنُ الخطّاب: إنَّ خَفْقَ النّعالِ خَلْفَ الأحمق قلَّ مَا يبقي مِنْ دِينهِ (5).
وقال عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ـ رضي الله عنه ـ: «أَخِّرُوا عَلَيَّ خَفْقَ نِعَالِكُمْ؛ فإنها مُفْسدةٌ لِقُلُوبِ نَوْكَى (6) الرِّجَال» (7).
إنَّ المُسْلمَ ـ وَخَاصةً العالِم المُرَبّي، والدّاعية ـ لأنَّهُما عُرْضةٌ لخَفْق النّعالِ خَلْفَهُما أكثر مِنْ غَيرهِما ـ بحاجةٍ مُلحة لتفقد قلبه وما يَرِدُ عَليهِ مِنْ خَطَرات وأفكار وهواجس؛ فالقلبُ إنَّما سُمي قلباً لكثرة تقلبهِ.
والمُسْلمُ الفطن لدينه يستشعرُ قَوْلَهُ - تعالى -: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24] إنَّ هذه الآية تستوجب اليقظة الدائمة، والحذر الدائم، والاحتياط الدائم؛ اليقظة لخلجات القلب، والحذر من كل هاجسة فيه وكل ميل مخافةَ أن يكون انزلاقاً، والاحتياط الدائم للمزالق والهواتف والهواجس.
كما تستوجب التعلق الدائم بالله - سبحانه - مخافة أنْ يقلّب هذا القلب في سهوة من سهواته.
إنَّ هذه الآية تهز القلب حقاً، ويجد لها المؤمن رجفة في نفسه حين يخلو إليها لحظات ناظراً إلى قلبه الذي بين جنبيه، وهو في قبضة الواحد القهار، وهو لا يملك من تصريف قلبه شيئاً، وإن كان يحمله بين جنبيه.
وقد كَانَ أكثر حَلف النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: لا، ومقلب القلوب. قَالَ البخاريُّ في صَحيحهِ (1): بَاب مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ وَقَوْلِ اللَّهِ - تعالى -: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} [الأنعام: 110]، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عُمر قَالَ: «أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْلِفُ: لا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/18)
وعَنْ أَنَس بنِ مَالك قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ؛ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ! إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ ـ - عز وجل - ـ يُقَلِّبُهَا» (2). فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر من ذلك وهو سيّد الخلق؛ فكيف بالناس وهم غير مرسلين ولا معصومين؟!
ولذا كان مِنْ دعاء الراسخين في العلم: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8].
وقد تفاوت الفضلاء في العناية بهذا الجانب ـ أعني ملاحظة القلب وما يَرِدُ عليه ـ:
1 - فصنفٌ لا يلتفت لهذا أصلاً، وكأنه في مأمنٍ من هذه الخطرات والواردات، بل ربما عدَّ الخوف من هذا والعناية به ضرباً من الوسوسة والتنطع.
وهذا التصور فيهِ غفلةٌ عن نصوص الكتاب والسنة التي تبين أهمية القلب، وأنَّ عليه مدارَ القولِ والعملِ. وفي الحَدِيث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» (3).
وأدلُّ شيءٍ عَلَى أهميةِ العنايةِ بالقلب وأحوالهِ قولُه - صلى الله عليه وسلم -: «أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ» (4).
وفي الأثرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «الْقَلْبُ مَلِكٌ، وَلَهُ جُنودٌ؛ فَإذا صَلَحَ المَلِكُ صَلَحَتْ جُنُودُهُ، وإذا فَسَدَ المَلِكُ فَسَدَتْ جُنُودُهُ» (5).
كمَا أنَّهُ فيهِ غفلةٌ عن سير الصحابة والتابعين والعلماء المحققين الذين كانت لهم عناية عظيمة بجانب الإخلاص والصدق والخوف من الرياء والنفاق.
قال البُخاريُّ في صَحيحهِ (6): بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لا يَشْعُرُ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ. وَيُذْكَرُ عَنْ الْحَسَنِ: مَا خَافَهُ إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا أَمِنَهُ إِلا مُنَافِقٌ، وَمَا يُحْذَرُ مِنْ الإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ ـ - تعالى - ـ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. [آل عمران: 135].
قال ابنُ رَجَب: «كان الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق، ويشتد قلقهم وجزعهم منه، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر، ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر. كما تقدم أنَّ دسائس السوء الخلفية توجب سوء الخاتمة» (7).
وتجد عند بعض هذا الصنف من الجرأة في إظهار النفس، وحب الشهرة ما يعجب منه الناظر، وقد قالَ إبراهيمُ بنُ أدهم: «مَا صَدَقَ اللهَ عَبْدٌ أحبَّ الشهرة» (1):
- فمنهم من يسجل تلاوته ليُعرف (2).
- ومنهم من يكتب ويؤلف ليشتهر.
- وربما يحزن هذا الصنف إذا رأى فلاناً يحضر عنده المئات والألوف من النّاس، وهو لا يحضر عنده إلاّ عددٌ قليل، وربما وَقَعَ في الحسد المحرم، ورُبّما استعدى عليه الولاة كما وقع ذلك من خصوم شيخ الإسلام ابنِ تيمية. قال الشيخُ بكر أبو زيد مبيناً ذلك: «ولمَّا بلغ - رحمه الله - الثانية والثلاثين من عمره وبعد عودته من حجته، بدأ تعرضه ـ - رحمه الله - ـ لأخبئة السجون، وبلايا الاعتقال، والترسيم عليه ـ الإقامة الجبرية ـ خلال أربعة وثلاثين عاماً، ابتداء من عام 693هـ إلى يوم وفاته في سجن القلعة بدمشق يوم الاثنين 20/ 11/728هـ، وكان سجنه سبع مرات: أربع مرات بالقاهرة وبالإسكندرية، وثلاث مرات بدمشق، وجميعها نحو خمس سنين، وجميعها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/19)
كذلك باستعداء السلطة عليه من خصومه الذين نابذ ما هم عليه في الاعتقاد والسلوك والتمذهب عسى أنْ يفتر عنهم، وأنْ يُقصر لسانه وقلمه عمَّا هم عليه، لكنه لا يرجع» (3).
- وهذا المُعجب لا يقنع بأن يكونَ عضواً في لجنة، بل لا بدَّ أن يكون رئيساً يُرجع إليه في هذه اللجنة. فليتنبه الدعاة الفضلاء الذين يتنافسون على رئاسة المراكز الإسلامية لهذا المدخل على قلوبهم، والذي ربما كان على حساب دينهم وقلوبهم، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إبراهيم الكَرْجيّ (4)، يَقولُ لسبط أخيهِ ـ والنّاس ينتابون بابه على طبقاتهم لسؤدده ـ: يا أسفي على ابن أبي القاسم! سَالَ بهِ السيلُ أينَ هُوَ ـ والحالة هذه ـ مِنْ دِينهِ؟ وكان يقولُ إذا خلا بهِ: يا بنيَّ! عليك بدينك؛ فإن خَفْقَ النّعالِ خَلْفَ الإنسان وعلى بَابِ دَارهِ مَعَاول تهدم دينه وعقله (5).
- ورأيه هو الصواب المعتمد، ورأي غيره خطأ دائماً.
- وأيّ كتابٍ أوْ مَقال يُعْرضُ عليه: ضعيف.
- وأي محاضرة: هزيلة.
- وأيّ عالمٍ أو طالبِ علمٍ أو داعيةٍ: منهجه كيتَ وكيت .. ، عنده قصور في كذا وكذا .. مِنْ غيرِ عَدلٍ ولا نَصَفة.
فهو لا يبقي ولا يذر.
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وعنده رَجلٌ، تخوَّفتُ إنْ قمتُ مِنْ عنده أنْ يَقَعَ فيَّ، قَالَ: فَجَلَستُ حَتى قَامَ؛ فَلمَّا قَامَ ذَكرتُهُ لإيَاس قَالَ: فَجَعَلَ يَنْظر في وَجهي، وَلا يقولُ لي شيئاً حَتى فَرغتُ، فَقَالَ لي: أغزوتَ الدَّيْلمَ؟ قُلتُ: لا، قَالَ: فغزوتَ السِّند؟ قُلتُ: لا، قَالَ: فغزوتَ الهند؟ قُلتُ: لا، قَالَ: فغزوتَ الرُّوم؟ قُلتُ: لا، قَالَ: يَسْلمُ مِنْكَ الدَّيلم والسِّند والهند والرُّوم، وَلَيسَ يَسْلمُ مِنْكَ أَخُوكَ هذَا؟!! قَالَ: فلمْ يَعُدْ سُفْيَانُ إلى ذاكَ» (6).
2 - وصنفٌ بالغَ في الحذر والتحري حتى وصل به الأمر إلى ترك بعض العبادات والعمل، وربما حصل لهذا الصنف نوعٌ من الوسوسة، وقد قال بعضُ العلماء: الوسوسة إنما تحصل للعبد من جهل بالشرع أو خبل في العقل، وكلاهما من أعظم النقائص والعيوب.
قال ابنُ رَجَب: «والقدرُ الواجبُ مِن الخَوفِ مَا حَمَلَ عَلَى أداءِ الفَرائضِ وَاجتنابِ المَحَارمِ؛ فَإنْ زَادَ عَلَى ذَلكَ بحيث صَارَ بَاعِثاً للنّفوسِ عَلَى التشميرِ في نوافل الطاعاتِ وَالانكفافِ عَنْ دقائق المكروهاتِ وَالتبسطِ في فُضولِ المُبَاحاتِ كَانَ ذَلكَ فَضْلاً مَحْموداً، فَإنْ تَزايدَ عَلَى ذَلكَ بأنْ أورثَ مَرَضاً أوْ مَوتاً أوْ هَمّاً لازماً بحيث يَقْطعُ عَنْ السّعي في اكتسابِ الفضائلِ المطلوبةِ المحبوبةِ لله ـ - عز وجل - ـ لم يكنْ مَحْموداً ... ، والمقصودُ الأصلي هُوَ طاعةُ الله ـ - عز وجل - ـ وَفعل مراضيه ومحبوباته، وترك مناهيه ومكروهاته، وَلا نُنكر أنَّ خشيةَ اللهِ وَهيبته وعظمته في الصدور وإجلاله مقصودٌ أيضاً، ولكن القدر النافع من ذلكَ مَا كَانَ عوناً عَلى التقرب إلى الله بفعل ما يحبه، وترك ما يكرههُ، وَمَتى صَارَ الخوفُ مانعاً مِنْ ذلكَ وقاطعاً عنه فَقد انعكس المقصود منه، وَلكنْ إذَا حَصَلَ ذَلكَ عَنْ غَلَبة كَانَ صاحبه مَعْذوراً» (7).
3 - وصنفٌ توسط واعتدل فلم يُغِفل هذا الجانب، وكذلك لم يبالغ في الحذر، بل يعملْ ويدعُ، ويتحرز من تقلُّب القلب؛ فهو دائماً يدعو: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ. وَمِنْ عَلاَمةِ هذا الصنف أنَّه لا يبالي إذا ظَهَرَ الحق والخير على لسان مَنْ كان. قال الإمام الشافعي: «ما كلمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفَّقَ ويُسدَّد ويُعان، وما كلمت أحداً قط إلا ولم أبالِ بَيّنَ الله الحق على لساني أو لسانه» (8)، وقال أيضاً: «ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ».
فأسأل الله - تعالى - مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ أنْ يثبتَ قَلْبِي وَقَلْبَكَ عَلَى دينهِ، وأنْ لا يزيغه عَنْ سبيل الهدى والإيمان بعد أنْ هداه.
----------------------------------------
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/20)
(1) من عُبّاد أهل البصرة وقرائها، يروي الرقائق، ويروى عنه في الورع الحكايات الكثيرة، وكان ابن المبارك يسميه عروس الزّهاد، قال الذهبيُّ: «الزاهد العابد القدوة .. عروس الزّهاد»، قال ابنُ مَهْدِيّ: كَتَبَ أخو مُحَمَّدُ بنُ يُوسف إلى أخيه يشكو إليه جور العمّال، فكتب إليه مُحَمَّدُ: يا أخي! بَلَغني كِتابك، وإنه ليسَ ينبغي لمن عَمِلَ بالمعصيةِ أنْ ينكرَ العقوبة، وما أرَى ما أنتم فيه إلا من شؤم الذنوب. الثقات لابن حبان (9/ 74)، طبقات المحدثين بأصبهان (2/ 24)، حلية الأولياء (8/ 225)، سير أعلام النبلاء (9/ 125).
(2) هو: أبو سعيد البصري ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال، والحديث قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه، مات سنة ثمان وتسعين ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. تقريب التهذيب (ص 351).
(3) حلية الأولياء (8/ 234).
(4) هو: السليمي ـ بفتح المهملة وبعد اللام تحتانية ـ أبو محمد الأزدي، من خيار أهل البصرة وعُبَّادهم، قال الذهبيُّ: «الإمام المحدث الرباني القدوة .. »، قال غسان بن الفضل: كان بشر بن منصور من الذين إذا رؤوا ذُكِرَ الله، وإذا رأيت وجهه ذكرت الآخرة؛ رجل منبسط ليس بمتماوت، ذكي فقيه. وقال أسيد بن جعفر: بشر بن منصور ما فاتته التكبيرة الأولى قط، ولا رأيته قام في مسجدنا سائل قط فلم يُعطَ شيئاً إلا أعطاه، مات سنة ثمانين ومائة. الثقات لابن حبان (8/ 140)، حلية الأولياء (6/ 240)، سير أعلام النبلاء (8/ 359).
(5) حلية الأولياء (9/ 12)، شعب الإيمان (2/ 310).
(6) النُّوكُ: بالضم: الحُمْق؛ والأَنْوَك: الأحمق، وجمعه نَوْكَى.
قال الشاعرُ:
ودَاءُ الجِسْمِ مُلْتَمِسٌ شِفاءً وداءُ النُّوكِ ليسَ له دَواءُ
لسان العرب (10/ 501)، وانظر: القاموس (ص1234).
(7) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (1/ 548)، الدارمي في سننه (1/ 144)، المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص 319).
(1) (6/ 2691رقم 6956).
(2) أخرجه: الترمذي (2140)، وأحمد بن حنبل في المسند (3/ 112) وغيرهما.
قال الترمذيّ: «وَفِي الْبَاب عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَنَسٍ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَحَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَنَسٍ أَصَحُّ». وإسنادهُ قويّ، وللحديث شواهد تقويه.
(3) أخرجه: مسلم في صحيحه (4/ 1987رقم 2564).
(4) أخرجه: البخاري في صحيحه (1/ 28رقم 52)، ومسلم في صحيحه (3/ 1219رقم 1599) من حديث النُّعْمَان بْنِ بَشِيرٍ.
(5) أخرجه: معْمَر في جامعه ـ ضمن مصنف عبد الرزاق ـ (11/ 221رقم 20375)، والبيهقيّ في شعب الإيمان (1/ 133)، وإسنادهُ جيّد.
(6) (1/ 26).
(7) جامع العلوم والحكم (1/ 58).
(1) التاريخ الكبير للبخاريّ (4/ 363).
(2) نعم! ربما يكون هناك من يكون مقصده صحيحاً سليماً فيريد نفع الناس، ورفع الجهل، وهذا مأجور على نيته، ولكن مع ذلك عليه دوام المراقبة لقلبه ونواياه.
(3) الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيميّة (ص 28).
(4) هو: أبو بكر العجلي الكرجي القَزوينيّ، قَالَ عبدُ الكريم القَزوينيّ: «شيخٌ مُعمّر، موصوفٌ بالعلمِ والورع، وفي بيته أئمة مقدمون، وإليهم إمامة لجامع العتيق بقزوين». التدوين في أخبار قزوين (1/ 148).
(5) التدوين في أخبار قزوين (1/ 149).
(6) شعب الإيمان (5/ 314)، تاريخ مدينة دمشق (10/ 18).
قلتُ: وهذا أسلوبٌ تربويٌّ عميق ولطيفٌ، ولكَ أنْ تتصور ـ أخي الكريم ـ حالنا لو فعلنا كما فعل إياس عند مَنْ جعَلَ أعراض الناس فاكهةً له، هل تراه يعود؟!.
(7) التخويف من النار (ص: 20).
(8) آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم (ص 326)، حلية الأولياء (9/ 118)، والفقيه والمتفقه (2/ 26).
___________________
تنبيه مهم: هذه المقالات منقوله من مجلة البيان
ـ[العويشز]ــــــــ[04 - 03 - 06, 07:15 ص]ـ
بارك الله في جهود الشيخ وعلمه.
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[04 - 03 - 06, 06:49 م]ـ
جزاك الله خيراً
ـ[الناصح]ــــــــ[05 - 03 - 06, 12:28 م]ـ
لقد اتصلت على الدكتور الشيخ علي الصياح
فوجدته يملك من اللباقة وحسن الاستماع ودقة التوجيه ما أفرحني فقد وجدت ضالتي بعد الشيخ سليمان العلوان فك الله أسره
اللهم وفقه في دينه ودنياه(21/21)
الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[13 - 09 - 05, 10:49 ص]ـ
الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم
د. حكمت الحريري
ذكرت في بعض المباحث السابقة موضوع الربط والتناسب بين الآيات والسور، وتبين لنا بالأدلة الوافية الانسجام التام والتناسق الكامل بين الآيات والسور فإنها وإن اشتملت على نجوم متعددة وأغراض مختلفة ومعان متنوعة، لكنها ترمي إلى هدف واحد، وتندرج تحت مقصد واحد لا تنفك عنه.
وهذا وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم، ذلك بأن آيات القرآن نزلت في أوقات متباعدة، والطريقة التي اتبعت في ترتيب آياته حيث كان يقول - عليه الصلاة والسلام -: "ضعوا آية كذا في موضع كذا".
ولو كان هذا الأمر من تأليف البشر لما خلا من تناقض واضطراب وعيب ومؤاخذة، لكنه ((تنزيل من حكيم حميد)).
تقرأ السورة الطويلة المنجمة في نزولها، فلا تحس بشيء من تناكر الأوضاع، بل ترى بين الأجناس المختلفة تمام الألفة، فلم يكن الانتقال بين الأغراض المختلفة في السورة الواحدة أمراً اعتباطياً بلا هدف فهذا لا يليق بكلام العقلاء من البشر فكيف بكلام أحكم الحاكمين- إنما هناك صلات وثيقة بين هذه المعاني والأغراض بحيث تتظافر جميعاً لتصل إلى الغاية القصوى والهدف العام الذي تدور حوله السورة، وهو ما يطلق عليه بعض العلماء الوحدة الموضوعية أو عمود السورة ونظامها.
وللوقوف على هذه الحقيقة ومعرفتها، لابد من تدبر القرآن، فإنها لا تظهر إلا بالتدبر والتأمل الصادق وقد وبخ - سبحانه - من يقرأ القرآن ولا يتدبره فقال: ((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)) فالقرآن لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الردّ.
قال - تعالى -: ((ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم)) [لقمان: 27].
كيف نستدل على الوحدة الموضوعية في سور القرآن؟
يستدل على الوحدة الموضوعية في السورة من خلال الأمور التالية:
1 - عرض السورة عرضاً واحداً، نرسم به خط سيرها إلى غايتها، ونبرز به وحدة نظامها المعنوي في جملتها لكي ترى في ضوء هذا البيان كيف وقعت كل حلقة في الموقع المناسب لها. والسياسة الرشيدة في دراسة النسق القرآني تقضي بأن يكون هذا النحو من الدرس هو الخطوة الأولى فيه، فلا يتقدم الناظر إلى البحث في الصلات الموضعية بين جزء جزء منه إلا بعد أن يحكم النظر في السورة كلها بإحصاء أجزائها وضبط مقاصدها على وجه يكون له عوناً على السير في تلك التفاصيل [1].
(إن السورة مهما تعددت قضاياها فهي كلام واحد يتعلق آخره بأوله، وأوله بآخره، ويترامى بجملته إلى غرض واحد، كما تتعلق الجمل بعضها ببعض في القضية الواحدة، وإنه لا غنى لمتفهم نظم السورة عن استيفاء النظر في جميعها، كما لا غنى عن ذلك في أجزاء القضية) [2].
2 - اسم كل سورة مترجم عن مقصودها.
هنالك ارتباط وثيق بين المعاني والأغراض المختلفة التي تتعرض لها آيات السورة وبين اسم السورة الذي يحتوي على الهدف العام منها.
الأمر الكلي المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن هو أنك تنظر الغرض الذي سيقت له السورة، وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات، وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب، وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إلى الأحكام واللوازم التابعة له [3].
قال برهان الدين البقاعي بعد أن ذكر كلام شيخه محمد البجائي: وقد ظهر لي باستعمالي لهذه القاعدة بعد وصولي إلى سورة سبأ في السنة العاشرة من ابتدائي في عمل هذا الكتاب أن اسم كل سورة مترجم عن مقصودها لأن اسم كل شيء تظهر المناسبة بينه وبين مسماة عنوانه الدالّ إجمالاً على تفصيل ما فيه؛ وذلك هو الذي أنبأ به آدم - عليه الصلاة والسلام - عند العرض على الملائكة عليهم الصلاة والسلام ومقصود كل سورة هادٍ إلى تناسبها، فأذكر المقصود من كل سورة وأطبق بينه وبين اسمها [4].
3 - العود على البدء: ترى في كثير من سور القرآن أن الكلام ينتقل من معنى إلى آخر ومنه إلى معنى آخر ثم يعود على ما بدأ منه ولم يكن هذا الانتقال والانجرار من معنى إلى آخر إلا لوجود رابطة مهمة تربط بين الآيات والمقاصد يقتضيها السياق.
قال الشيخ عبد الحميد الفراهي:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/22)
إني رأيت في ترتيب كلام الله وله الحمد على ما أراني أن الكلام ينجر من أمر إلى أمر وكله جدير بأن يكون مقصوداً، فيشفي الصدور ويجلو القلوب، ثم يعود إلى البدء فيصير كالحلقة [5].
وإن من عادة العرب وفطرة البلاغة أن ينجر الكلام من أمر إلى آخر، ثم يعود إلى الأول أو الوسط وإذا كان المخاطب عالماً بأسباب الكلام عاقلاً له بقلبه لم يشكل عليه نظمه [6].
ومن أمثلته في القرآن الكريم سورة الممتحنة حيث بدئت بقوله - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء)) وختمت بقوله - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور)) الممتحنة (22)
وسورة الحشر بدئت بقوله - تعالى -: ((سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم)) وختمت بقوله - تعالى -: ((يسبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم))
وسورة المؤمنون بدئت بقوله - تعالى -: ((قد أفلح المؤمنون)) وختمت بقوله: ((إنه لا يفلح الكافرون)) وغيرها من السور.
فالوحدة الموضوعية في الممتحنة تدور حول البراءة من أعداء الله وعدم موالاتهم، والوحدة الموضوعية في سورة المؤمنون حول صفات المؤمنين المفلحين، وأوصاف الكافرين الخائبين.
4 - تكرار بعض الآيات أو معانيها في السورة: تكررت في بعض السور الآيات مرات عديدة، مثل سورة المرسلات، وسورة الرحمن، وسورة هود، وسورة القمر ...
والآيات التي تكرر ذكرها قوله - تعالى -: ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)) وقوله - تعالى -: ((ويل يومئذ للمكذبين)) وقولهِ - تعالى -: ((ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)) وقوله - تعالى -: ((فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)).
فتكرار الآيات في السورة الواحدة، رغم أنها تتطرق لعدة معان وتنجر من غرض إلى آخر، لكن هذا التكرار يدل على وحدة الموضوع الذي تدور حوله آيات السورة والهدف العام الذي تقصده.
متى بدأ الاهتمام بدراسة الوحدة الموضوعية عند العلماء؟
للتفسير أربعة أساليب هي:، التفسير التحليلي، وهو أقدمها، والتفسير الإجمالي، والتفسير المقارن، والتفسير الموضوعي والوحدة الموضوعية من جزئيات التفسير الموضوعي.
والتفاسير التي صنفت حسب هذه الأساليب كثيرة جداً تعد بالمئات، لكن المصنفات على طريقة التفسير الموضوعي قليلة جداً إذا ما قورنت بأساليب التفسير الأخرى، فلم يكتب فيها إلا القليل من العلماء.
التفسير الموضوعي حديث النشأة، فلم يظهر هذا المصطلح إلا في القرن الرابع عشر الهجري عندما قررت هذه المادة ضمن مناهج كلية أصول الدين بالجامع الأزهر.
وإن كان هنالك كتابات قليلة في هذا العلم ظهرت قبل القرن الرابع عشر الهجري، لكنها كما قلت لم تكن تعرف باسم التفسير الموضوعي، ولم يكن هذا العلم شائعاً مثلما هو الحال في زمننا.
فقد ألف العلماء في موضوعات مختلفة تتعلق بالقرآن الكريم كتب فيه أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224هـ (الناسخ والمنسوخ) وكتب الماوردي المتوفى سنة 450هـ (أمثال القرآن)، وكتب الراغب الأصفهاني المتوفى سنة 502هـ (المفردات في غريب القرآن)، وكتب ابن الجوزي المتوفى سنة 597هـ (نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر)
وكتب ابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751هـ (أقسام القرآن)، وكتب برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885هـ (مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور).
الوحدة الموضوعية في القرآن كله:
إن الإقرار بوجود التناسب بين الآيات يؤدي إلى انتظامها في وحدة موضوعية معينة تحت هدف عام ومقصد معين بالرغم من تنوع أغراض السورة.
وقد ذكرنا أن ترتيب الآيات أمر توقيفي، وأن الراجح في ترتيب السور أمر توقيفي أيضاً.
ومما أجمع عليه أهل التأويل من السلف والخلف على أن القرآن يفسر بعضه بعضاً، وأنه أوثق تعويلاً وأحسن تأويلاً، فإن أصح طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر [7].
فالله - سبحانه وتعالى- يقول: ((الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد)) [الزمر: 23]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/23)
فمعنى قوله متشابهاً: أي يشبهُ بعضه بعضاً، مثاني: ثنيت موضوعاته مرة بعد مرة، وهذا يقودنا إلى القول بوجود الوحدة الموضوعية في القرآن كله.
فسورة الفاتحة جامعة كالديباجة، ففيها مفاتيح لجميع ما في القرآن [8]، ولذلك كان من أسمائها: أم القرآن وأم الكتاب والأساس.
وقال الحسن البصري: أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتبٍ من السماء أودع علومها أربعة منها: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. ثم أودع علوم هذه الأربعة الفرقان، ثم أودع علوم القرآن المفصل، ثم أودع علوم المفصل فاتحة الكتاب، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع كتب الله المنزلة، ومن قرأها فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان [9] جمعت هذه السورة على إيجازها علوماً جمة تضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية يؤخذ من قوله ((رب العالمين))، وتوحيد الإلهية من قوله: ((إياك نعبد وإياك نستعين)) فهو المألوه بعبادته والاستعانة به، وتوحيد الأسماء والصفات وقد دل عليها قوله ((الحمد لله))، فالأسماء الحسنى والصفات العليا كلها محامد ومدائح لله - تعالى -.
وتضمنت السورة أيضاً إثبات الرسالة في قوله: ((اهدنا الصراط المستقيم)) لأنه الطريق الذي دلنا عليه النبي - عليه الصلاة والسلام -.
وتضمنت إثبات الجزاء بالعدل، وذلك مأخوذ من قوله - تعالى -: ((مالك يوم الدين)) وأن جميع الأشياء بقضاء الله وقدره، وأن العبد فاعل على الحقيقة ليس مجبوراً على أفعاله، وذلك يفهم من قوله - تعالى -: ((إياك نعبد وإياك نستعين)) فلولا أن مشيئة العبد مضطر فيها إلى إعانة ربه وتوفيقه لم يسأل الاستعانة.
وتضمنت السورة أيضاً أصل الخير ومادته وسبب قبول العمل، وهو الإخلاص الكامل لله في قول العبد: ((إياك نعبد وإياك نستعين)) [10].
وفي الحديث عن أبي هريرة قال: خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أقرأ عليكم ثلث القرآن فقرأ قل هو الله أحد الله الصمد حتى ختمها" [11].
وعن قتادة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله جزّأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزءاً من أجزاء القرآن" [12].
قال النووي في شرح الحديث: قال المازري، قيل: معناه أن القرآن على ثلاثة أنحاء: قصص وأحكام وصفات لله - تعالى -، وقل هو الله أحد متضمنة للصفات فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء [13].
وقال ابن حجر: هي ثلث باعتبار معاني القرآن، لأنه أحكام وأخبار وتوحيد، وقد اشتملت هي على القسم الثالث فكانت ثلثاً بهذا الاعتبار [14].
وعن أبي العباس بن سريج في تفسيره لسورة ((قل هو الله أحد)): بأن الله أنزل القرآن على ثلاث أقسام: ثلث منه أحكام، وثلث منه وعد ووعيد، وثلث منه الأسماء والصفات. وهذه السورة جمعت الأسماء والصفات [15].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مضمون هذا القول أن معاني القرآن ثلاثة أصناف: الإلهيات والنبوات والشرائع [16].
ونقل الثعالبي في تفسيره عن ابن العربي قوله: اعلم أن علوم القرآن ثلاثة أقسام: توحيد وتذكير وأحكام، وعلم التذكير هو معظم القرآن، فإنه مشتمل على الوعد والوعيد والخوف والرجاء، والقرب وما يرتبط بها ويدعو إليها ويكون عنها، وذلك معنى تتسع أبوابه وتمتد أطنابه [17].
ثم تأمل في بعض سور القرآن كيف تثنى موضوعاتها مرة بعد مرة، فتجد المعنى واحداً ولكن يختلف الأسلوب وطريقة السياق، ولاشك أن هذا مؤداه إلى القول بالوحدة الموضوعية.
اقرأ مثلاً بتدبر وتأمل سورة البقرة وهي أطول سور القرآن الكريم، ثم اقرأ بالطريقة نفسها سورة لقمان كيف تكررت المعاني مع اختلاف الأسلوب وطريقة السياق، فالمعاني نفسها التي وردت في البقرة جاءت بطريقة مختصرة في سورة لقمان، لقد اتحدت السورتان في افتتاحيتيهما ((ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)).
((ألم، تلك آيات الكتاب الحكيم، هدى ورحمة للمحسنين))، ثم جاء في سورة البقرة قوله - تعالى -: ((يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)).
وجاء في سورة لقمان قوله - تعالى -: ((ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد))، وقوله - تعالى -: ((فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى)).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/24)
وفي لقمان: ((ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور)).
واقرأ أيضاً سورة التوبة كيف افتتحت بالأمر بالبراءة من المشركين، قال - تعالى -: ((براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين)) وقال - تعالى - في سورة الممتحنة ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء)).
فقد جاءت سورة الممتحنة كخلاصة لسورة براءة، ثم إن هاتين السورتين أوجزتا في سورة (الكافرون)
ثم تدبر سورة (العصر) فقد أوجزت فيها مضامين أربع سور: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، فقد احتوت على أربع صفات:
- الذين آمنوا - وعملوا الصالحات.
- وتواصوا بالحق - وتواصوا بالصبر.
فسورة البقرة وسورة آل عمران تضمنتا الإسلام والإيمان، حيث تضمنت معظم الأحكام الشرعية المفصلة في سورة البقرة، ولذا فقد أوجزت بقوله - تعالى -: ((إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)) وسورة النساء فصلت حقوق الأرحام والأمر بالقسط وإيفاء الحقوق، ولذا أوجزت بقوله - تعالى - في العصر ((وتواصوا بالحق))
وسورة المائدة سورة العقود عقود الحل والحرمة والأمر بالوفاء بالعقود، والتزام الحلال واجتناب الحرام ولذا أوجزت بقوله - تعالى -: ((وتواصوا بالصبر)) فالحرص على الحلال واجتناب الحرام يحتاج إلى الصبر [1] ...
----------------------------------------
[1]- انظر النبأ العظيم ص199.
[2]- انظر الموافقات (3/ 413).
[3]- انظر: نظم الدرر (1/ 17).
[4]- نظم الدرر (1/ 19).
[5]- دلائل النظام ص 54.
[6]- انظر: دلائل النظام ص 55.
[7]- انظر مقدمة في أصول التفسير، ودلائل النظام ص 71.
[8]- دلائل النظام ص 93.
[9]- التفسير الكبير لابن تيمية 7/ 122، وانظر تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي ص 61.
[10]- انظر تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن للسعدي ص 12.
[11]- صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب (فضل قراءة قل هو الله أحد) رقم الحديث 812.
[12]- صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب (فضل قراءة قل هو الله أحد) رقم الحديث 811.
[13]- شرح صحيح مسلم للنووي 4/ 419.
[14]- فتح الباري لابن حجر 8/ 678.
[15]- التفسير الكبير لابن تيمية 7/ 121.
[16]- التفسير الكبير لابن تيمية 7/ 226.
[17]- الجواهر الحسان 1/ 386، تفسير الآية (113) من سورة النساء.
[18]- إمعان النظر في نظام الأي من السور ص 315 للدكتور: محمد عناية الله سبحاني.(21/25)
مقالات الشيخ د. محمد الخضيري
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[13 - 09 - 05, 12:10 م]ـ
أحبتي الكرام هذه مجموعة من مقالات الشيخ أنقلها لكم عسى الله أن ينفع بها وإن حصل مني نقص فالأحبة ينقلون ما نقص منها
_____________________
حديث القرآن عن الجهاد في سبيل الله
محمد بن عبد العزيز الخضيري
الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وناشر لوائه، وحامي حماه، بل لا قيام لهذا الدين في الأرض إلا به، به نال المسلمون العز والتمكين في الأرض، وبسبب تعطيله حصل للمسلين الذُّل والهوان والصغار، واستولى عليهم الكفار، بل تداعت عليهم أرذل أمم الأرض كما تتداعى الأكلةَ إلى قصعتها، وأصبحوا مع كثرتهم غُثاءٌ كغُثاء السيل، نزع الله المهابةَ من قلوب أعدائهم ووضعها في قلوبهم.
ولقد حرص الأعداء على تشويه صورة الجهاد والمجاهدين، وتخذيل المسلمين عنه، ووضع العراقيل دونه، وعلى قصر معناه على الدفاع فقط، كل ذلك وغيره خوفاً من أن يؤوب المسلمون إليه، فيهزموهم ويُذلوهم ويلزموهم الذل والصغار لأنهم يعلمون أنه متى أعيد الجهاد بصورته التي كان عليها الرعيل الأول، فإنه لن تقوم لهم قائمة، ولن يقدروا على الصمود أمام زحف جحافل الحق التي وعدت بالنصر والتمكين (ولينصرّن الله من ينصره) (الحج40).
ولهذا حرصنا على تجلية معنى الجهاد وعرض صوره وذكر فضائله وأنواعه وحِكمه وأحكامه وغير ذلك من زاوية قرآنية، فنقول مستعينين بالله ....
أولاً: تعريف الجهاد:
أ- لغة: الجهاد مأخوذ من الجهد: وهو الطاقة والمشقة، وقيل: هو بالفتح المشقة، وسمي بذلك لما فيه من المشقة، وبالضم: الطاقة والوُسْع وسمي الجهاد به لما فيه من بذل الوسع واستفراغ الطاقة في تحصيل المحبوب أو دفع مكروه،
ب- شرعًا: تطلق كلمة الجهاد في الشرع مرادًا بها أحد معين
1 - المعنى العام: بذل الوُسْع في حصول محبوبِ الحَّق ودفع ما يكرهه الحَّق، وهذا تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية.
2 - المعنى الخاص: بذل الجهد في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله والنصوص الواردة تدل أحيانًا على العموم كما في قوله - تعالى -: (المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) رواه أحمد وابن حبّان والحاكم وصححاه، وقوله - صلى الله عليه وسلم - للذي استأذنه في الجهاد: (أحيّ والداك، قال نعم، قال ففيهما فجاهد) رواه البخاري.
ولكن لفظ الجهاد إذا أطلق فالمراد به قتل الكفار لإعلاء كلمة الله - تعالى - قال ابن رشد في مقدماته (1/ 369) <<الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقع بإطلاق إلا على مجاهدة الكفار بالسيف حتى يدخلوا الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ومما يدل على ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه- قال قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مؤمن يجاهد يتقي الله ويدع الناس من شده>> رواه البخاري فالثاني مجاهد لنفسه ولكنه أطلق الجهاد على الأول.
وليس جهاد النفس هو والجهاد الأكبر على الإطلاق كما يزعمه بعضهم، فإن (وصف قتال الكفار بالجهاد الأكبر مغالطة لم يدل عليها دليل من كتاب ولا سنة، ثم إن من جاهد نفسه حقيقة ً حتى تغلب عليها فإنه يسرع إلى امتثال أمر الله - عز وجل -، ومن تأخر عن قتال الكفار فليس بمجاهد لنفسه على امتثال أمر الله، فالتذرع بجهاد النفس قد يكون من الحيل الشيطانية الصارف للمسلمين عن جهاد أعدائهم، وجهاد النفس يندرج تحته أنواع كثيرة من أهمها جهاد: العبد نفسه على إخلاص العبودية لله - سبحانه -، والبراءة من الشرك وأهله، ولا شك أن المجاهد في ميدان القتال إذا لم يحقق إخلاص العبودية لله ... لا يستفيد من جهاده، فعلى هذا لا يقال: ما مرادك بجهاد النفس، هل تريد جهادها على تحقيق التوحيد .. أم تريد تهذيبها وتزكيتها بالأذكار والنوافل، فإن كنت تريد الأول فلا شك أنه أكبر لكن ينبغي أن يقال جهاد النفس على تحقيق التوحيد أكبر من غيره، وإذا أردت الثاني فلا شك أن الجهاد أكبر منه وأفضل، وأما الحديث المروى (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) فهو ضعيف .. ) (بتصريف من كتاب أهمية الجهاد للعلياني/121)
ثانيًا: حكم الجهاد:
قد ذكرنا أن الجهاد له معنيان في الشرع وعلى هذا فيختلف الحكم:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/26)
- فأما حكمه بمعناه العام فإنه فرض عين على كل مسلم؛ لأن المسلم لا يخلو في لحظة من لحظاته من مجاهدة نفسه وشيطانه وأعدائه وهواه، وهذا يفهم من قوله - تعالى - (وجاهدوا في الله حق جهاده ... ) -سورة الحج آية 78 - قال ابن القيم - رحمه الله - (زاد المعاد 2/ 65): <<والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين إما بالقلب وإما باللسان وإما بالمال، وإما باليد، فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع).
- وأما حكمه بمعناه الخاص: فنقول: إنه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: جهاد الطلب: وهو تطلب من الكفار في عقر دارهم ودعوتهم إلى الإسلام وقتالهم إذا لم يقبلوا الخضوع لحكم الإسلام، وهذا فرض كفاية على المسلمين إذا قام به من تكون به الكفاية سقط الإثم عن الباقين ..
والدليل على فرضًا: قوله - تعالى -: (فإذا انسخ الأشهر الحرم قتلوا المشركون كافة كما يقاتلوكم كافة) -سورة التوبة آية 36 - وقوله: (انفروا خفافًا وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) -التوبة آية36 - وقوله: (إلا تنفروا يعذبكم عذابًا أليما ويستبدل قومًا غيركم) -التوبة آية39 - وقوله: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) -البقرة آية193 - وغير ذلك من الآيات الدالة على وجوب جهاد الطلب والدليل على كونه ليس على الأعيان وإنما هو على الكفاية قوله - تعالى -: (وما كان المؤمنين لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذر قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) -التوبة آية 122 - فقوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) دال على أن النفرة لا تكون على جميع المؤمنين لما في ذلك من ضياع العيال والأموال وترك النفقة في الدين ونحوه. وفي قوله: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ... ) أي أنه يبقى من كل مجموعة من يقوم بتعلم العلم وحفظه ليكونوا نذر الهداية في قومهم أو أن الطائفة النافرة هي المتفقهة في الدين فالدلالة من كلا المعنيين واحدة ..
وكذلك قوله - تعالى -: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً) -سورة النساء آية 95 - ووجه الدلالة أنه وعد كلا الفريقين بالحسنى القاعد والمجاهد ولو كان زمن عين لما وعد بها القاعد.
ومما يدل لذلك أيضاً سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يخرج للغزو تارة ويبقى تارة، ولم يكن جميع أصحابه يخرجون في كل غزوة بل تخرج ثلة وتبقى بقية.
القسم الثاني: جهاد الدفاع: وهو فرض عين على كل مسلم بالإجماع، فإذا هجم الكفار على بلد من بلدان المسلمين وجب على كل قادم مدافعتهم وصد عدوانهم قال - تعالى -: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) -البقرة آية 190 - وقال - تعالى -: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها .. ) -سورة النساء آية 75 -
*ويتعين الجهاد أيضًا في الأحوال الآتية:
أ-النفير العام: أي إذا استنفد الإمام الناس لقتال العدو كان يستنفد أهل قرية فإنه يجب على كل قادر منهم قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل، إلا تنفروا يعذبكم عذابًا أليمًا ويستبدل قومًا غيركم ولا تضروه شيئًا والله على كل شيء قدير) -سورة التوبة آية 28، 29 - وفي حديث ابن عباس-رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الفتح<<لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا>>-رواه البخاري- قال الحافظ ابن حجر (فيه وجوب تعيين الخروج في الغزو وعلى من عينه الإمام) -فتح الباري6/ 39 - . وقال الكاساني (فإذا عم النفير لا يتحقق القيام به إلا بالكل، فبقي فرضًا على الكل عينًا بمنزلة الصوم والصلاة) -بدائع الصنائع 9/ 4301 - .
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/27)
ب- إذا التقى الصفان حرم على المسلم الفرار، بل هو من كبائر الذنوب قال - تعالى - (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفًا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متميزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير) -سورة الأنفال آية 15، 16 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يارسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر ... والتوالي يوم الزحف ... ) -رواه البخاري ومسلم.
وقد استثني في الآية جواز الفرار في حالتين:
الأولى: التحّرف وهو أن ينتقل المجاهد من موقع إلى آخر احتيالاً على العدد، وقد يدبر عنه يوهمه بالهرب ثم يكرُّ عليه.
الثانية: التحيز إلى فئة، وذلك أن يعلم المجاهدون أن لا طاقة لهم بقتال العدو إما لكثرته أو قوة عدته فينحازون إلى طائفة من جيش المسلمين لمناصرتهم بعيدة كانت أو قريبة،
واستثنيت حالة ثالثة: وهي في آية المصابرة في قوله: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون، الآن خفف الله عنكم وعلم أن منكم ضعفًا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين) -سورة الأنفال آية 65، 66 - أي فإذا كان عدد العدو أكثر من ضعف عدد المجاهدين أقل من إثني عشر ألفًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولن يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة)، ويرى آخرون من أهل العلم بأن هذه الآية ليست مستثناة من آية تحريم التوالي، بل يحرم على المجاهدين أن يفروا من عدوهم إذا قابلوهم لقوله - تعالى - (ومن يولهم يومئذ دبره إلا محترفًا لقتال أو متميزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ... ) ولحديث: (اجتنبوا السبع الموبقات ... ) وقالوا: إذا كان عدد العدو لا يطيقه المجاهدون فإن لهم مخرجًا بواحد من أمرين، إما التميز إلى فئة، وإما التحرف لقتال بأن ينتقلوا إلى مكان آخر يمكنهم الثبات فيه. وعلى هذا يكون الخلاف شبه لفظي. والله أعلم.
جـ- إذا كان للمسلمين أسرى عند الكفار حتى يستنقذوهم منهم، قال - تعالى -: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ... الآية) -سورة النساء آية 75 - .
د- إذا عين الإمام رجلاً وجب عليه القتال وقد تقدم دليل في الفقرة (أ)
*المعذورون عن الجهاد: -
يعذر عن الخروج في الجهاد أنواع من الناس ذكر منهم في القرآن:
1 - الضعفاء 2 - المرضى 3 - الذين لا يجدون ما ينفقون، قال - تعالى -: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا الله ورسوله، ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم، ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم، قلت: لا أجد ما أحميكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون) -سورة التوبة آية92، 93 -
1 - وقال - تعالى - (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) -سورة الفتح آية17 - قال ابن كثير في تفسيره لآيتي سورة التوبة (ثم بين الله الأعذار التي لا حرج على من قعد معها عن القتال، فذكر منها:
1 - ما هو لازم للشخص لا ينفذه عنه وهو الضعيف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد، ومنه العمى والعرج ونحوه، ولهذا بدأ به.
2 - ومنها: ما هو عار من بسبب مرض عنّ له في بدنه شغله عن الخروج في سبيل الله
3 - أو بسبب فقر لا يقدر على التجهيز للحرب، فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم، ولم يرجفوا بالناس ولم يثبطوهم).
وهؤلاء المعذورون يكتب لهم كأجر القائمين بالجهاد إذا علم الله منهم الصدق في أنهم لولا العذر لخرجوا ولذا فهم متحسرون على تخلفهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/28)
أما كونهم يكتب لهم الأجر فلقوله - تعالى -: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر- والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم) فاستثنى من القاعدين أولي الضرر وألحقهم بالمجاهدين، ويدل ذلك ما رواه مسلم عن جابر قال: (كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، فقال: <<إن بالمدينة لرجالاً ماسرتم مسيراً، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر>>) ويدل له أيضاً ما رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال: <<لما نزلت (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيداً فجاء بكتف فكتبها، وشكا ابن أم مكتوم ضرارته فنزلت (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) >> قال القرطبي- رحمه الله - (فهذا يقتضي أن صاحب العذر يعطي أجر الغازي، فقيل: يحتمل أن يكون أجره مساويًا، وفي فضل الله متسع، وثوابه فضل لا استحقاق، فيثيب على النية الصادقة مالا يثيب على الفعل، وقيل: يعطي أجره من غير تضعيف فيفضله الغازي للمباشرة والله أعلم>>.
وأما كونهم لا يكتب لهم ذلك الأجر إلا إذا نصحوا لله ورسوله أي: لم يقارن تخلفهم بسبب العذر مزح بتخلصهم من الجهاد، بل يجب أن يكونوا قد عقدوا العزيمة على أن لو زالت أعذارهم لم يتخلفوا ولم يتوانوا ويتباطؤا عنه لحظة، قال - تعالى -: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله، ما على المحسنين من سبيل، والله غفور رحيم) ثم ضرب الله - تعالى - مثلاً لهؤلاء الناصحين بالتكاين الذين طلبوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحملهم ليخرجوا معه لجهاد الأعداء، فاعتذر بأنه لا يجد ما يحملهم عليه فخرجوا يبكون مغمومين بسبب ذلك<<ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون>>سورة التوبة آية 92 - .
ومع أن الله - تعالى - قد عذرهم كما تقدم فإن بعضهم يحمله حبه للشهادة وإعلاء كلمة الله والاستجابة لله حيث يقول - تعالى -: (انفروا خفافًا وثقالاً) -سورة التوبة آية41 - كما فعل عمرو بن الجموح-وكان شديد العرج- في غزوة أحد حين هم بالخروج فاعترضه أبناؤه بأن الله قد عذره، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن بني يريدان أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما أنت فقد عذرك الله، فلا جهاد عليك> وقال لبنيه<< ما عليكم ألا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة، فخرج معه، فقتل يوم أحد>>-السيرة النبوية2/ 90 - .
ثالثًا: فضائل الجهاد:
قد وردت في الكتاب والسنة فضائل كثيرة للجهاد نجتزئ بذكر طرف مما ورد في كتاب الله منها:
1 - طرف حركات المجاهد كلها مكتوبة له من حين يخرج من بيته قال - تعالى - <<ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله، ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله، ولا يطأؤون موطناً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين، ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديًا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون>>-سورة التوبة آية 121، 120 - .
2 - أنه أفضل من نوافل العبادات قال - تعالى - (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المساجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله لا يستوون عند الله، والله لا يهدي القوم الظالمين، الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون، يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان، وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم) -سورة التوبة آية 19، 21 - قال ابن القيم- رحمه الله -: (فأخبر - سبحانه وتعالى- أنه لا يستوي عنده عمار المسجد الحرام- وهم عمارة بالاعتكاف والطواف والصلاة هذه هي عمارة مساجده المذكورة في القرآن- وأهل سقاية الحاج، لا يستوون هم وأهل الجهاد في سبيل الله، وأخبر أن المؤمنين المجاهدين أعظم درجة عنده، وأنهم هم الفائزون، وأنهم أهل البشارة بالرحمة والرضوان والجنات، ففي التوبة بين المجاهدين وعمار المسجد الحرام مع أنواع العبادة،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/29)
مع ثنائه على عماره بقوله - تعالى -: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) فهؤلاء هم عمار المساجد ومع هذا فأهل الجهاد أرفع درجة عند الله منهم) -طريق الهجرتين/623 -
3 - أنه سبب للحصول على رحمة الله للآية السابقة.
4 - أنه سبب للحصول على رضوان الله للآية السابقة.
5 - أنه سبب للفوز بمرتبة الشهادة والتي جعل الله أصحابها في مصاف النبيين فقال - تعالى -: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً) -سورة النساء آية 69 - وأخبر الله عن منزلتهم فقال: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) -سورة آل عمران آية 169، 171 - .
6 - حصول المجاهد على الأجر العظيم قال - تعالى -: << فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً>>-سورة النساء آية 74، 76 - وقال (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً، درجات منه ومغفرة ورحمة) ..
7 - أنه سبب لدخول الجنة قال - تعالى -: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقاتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم) -سورة التوبة آية111 - وقال - تعالى -: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله، وأولئك هم الفائزون، يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم، خالدين فيها أبداً، إن الله عنده أجرا عظيم) -سورة التوبة آية 22، 20 - وقال: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم، وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب، وبشر المؤمنين) -سورة الصف آية 40، 31 -
8 - أنه سبب لمغفرة الله، لآية الصف السابقة.
9 - أنه سبب للنجاة من العذاب الأليم ودليل ذلك آية الصف السابقة.
11 - أنه سبب للفلاح قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون) -سورة المائدة آية 35 - .
12 - أنه سبب لتحقيق الإيمان قال - تعالى -: (والذين آمنوا وهاجروا في سبيل الله، والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنين حقاً لهم مغفرة ورزق كريم) - سورة الأنفال آية74، 72 - .
13 - أنه سبب لحفظ الحق وتمكينه ودفع الباطل، قال - تعالى -: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز) -سورة الحج آية 40 - (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين) -سورة البقرة آية 251 - .
هذه جملة من فضائل وما تركناه أكثر من ذلك.
رابعًا: مراحل تشريع الجهاد:
مر الجهاد الإسلامي بمراحل قبل أن يصل إلى حكمه النهائي الآنف الذكر، وهي:
المرحلة الأولى: مرحلة الكف عن المشركين والإعراض عنهم والصبر على أذاهم مع الاستمرار في دعوتهم إلى دين الحق، وقد دلت على ذلك كثير من الآيات المكية، منها قوله - تعالى -: (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله .. ) -سورة الجاثية آية 14 - وقال - تعالى - (فمهل الكافرين أمهلهم رويداً) -سورة الطارق آية 17 - وقال - تعالى -: (لست عليهم بمسيطر) -سورة الغاشية آية 22 - وقال تقدس (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون) -سورة الزخرف آية 89، 88 - وغير ذلك من الآيات المكية.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/30)
وبينت ذلك بعض الآيات المدنية قال - تعالى -: (ألم إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس تخشية الله أو اشد خشية، وقالوا: ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب) -سورة النساء آية 77 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحاب مكة (إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا .. ) -رواه النسائي والحاكم، وقال: على شرط البخاري- ولما استأذنه أهل يثرب ليلة العقبة أن يميلوا على أهل منى فيقتلوهم قال: << إني لم أوحر بهذا>> أخرجه أحمد والطيالسى ..
ولعل من حكم الكف-والله أعلم- ما يأتي:
1 - تربية الصحابة على الصبر على الظلم الذي يواجهونه من قومهم، فيتعودون على ضبط أعصابهم عند استشارتها، لأنهم تربوا في بيئة لا ترضى بذلك ولا تصبر عليه، وذلك ليتم الاعتدال في طبائعهم، وليكون في ذلك تربية على الانقياد والطاعة للعبادة التي لا يعرفها العرب.
1 - وقد يكون لأن الدعوة السلمية أكثر أثراً في قبيلة ذات عنجهية وثارت وثارت إذ قد يدفعها قتالها إلى زيادة العناد، فتقوله من ذلك ثاراتٍ لا تنطفئ أبداً، وتكون مرتبطة بالدعوة إلى الإسلام فتتحول فكرة الإسلام من دعوةٍ إلى ثاراتٍ تنسى معها فكرته الأساسية.
2 - ولو أمروا بذلك وهم ليسوا سلطةٍ منتظمة لوقعت مقتلة في كل بيت فيه مؤمن ثم يقال: هذا هو الإسلام بأمر بقتل الأهل والذرية، فتكون سلاحاً إعلامياً ضد المسلمين.
3 - ولعلم الله السابق بأن كثيراً من هؤلاء المعاندين يكونون من جند الله بل من خلصهم وقادتهم، وعمر بن الخطاب خير شاهد على ذلك.
4 - ولقلة عدد المسلمين وانحصارهم في مكة فلو أووا بالقتال لكان سبباً إلى فناء المؤمنين ولا بد قبل الخوض في معركة مع الباطل من تأسيس القاعدة العريضة التي لا تتأثر بفناء ثلة منها في معركة حاسمة مع الطغاة.
5 - وربما كان ذلك أيضاً لأن النخوة العربية في بيئة قبلية من عادتها أن تثور للمظلوم الذي يحتمل الأذى ولا يتراجع، وبخاصة إذا كان الأذى واقعاً على كرام الناس فيهم، وقد وقع ما يدل لهذا فابن الدغنة ثار لأبي بكر لما رآه خارج مكة يريد مفارقتها، وكذلك خبر نقض الصحيفة الجائرة، وصل العبدني هذه المواطن يكسب الدعوة والدعاة تعاطفاً شعبياً، ولو أنهم لجئوا إلى القوة لخسروا هذا التعاطف بل قد يزداد الأمر شدة من كل الناس.
6 - ولأن الصبر في مثل هذه المواطن يدعو إلى تفكر المجتمع في حال هؤلاء المؤمنين وإلى تساؤلٍ مفاده، ما الذي يدعوهم إلى كل هذا التحمل؟ إن الذين يدعوهم إليه حق يحملونه في قلوبهم ويقين بصدق ماهم عليه لا يمكنهم التراجع عنه، فيكون ذلك سبباً في إيمانهم.
7 - ولم تكن هناك ضرورة ملحة للقتال؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث في أمة تعيش على النظام القبلي، فالقبيلة لا ترضى أن يخلص إلى رجل منها وإن كان على غير دينها من قبيل النخوة، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمياً من بني هاشم وكان يقوم بدعوته ولم تقدر قريش على قتله خوفاً من بني هاشم.
هذه بعض الحكم المستفادة من تلك المرحلة أطنب في ذكر بعضها سيد قطب في كتابه الظلال (2/ 715، 713).
المرحلة الثانية: إباحة القتال من غير فرض في المدينة قال - تعالى -: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور، أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع .. الآية) -سورة الحج آية40، 38 - .
المرحلة الثالثة: فرض القتال على المسلمين لمن يقاتلهم فقط قال - تعالى -: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا، ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها، فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم و أولئك جعلنا سلطاناً مبيناً) -سورة النساء آية 91، 90 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولم يؤمروا بقتال من طلب مسالمتهم، بل قال: (فإن تولوا فخذوهم .. الآيات) وكذلك من هادنهم ولم يكونوا مأمورين بقتاله وإن كانت الهدنة عقداً جائراً غير لازم) -الجواب الصحيح 1/ 73 - وقال أيضاً: (فمن المعلوم من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - الظاهر علمه عند
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/31)
كل من له علم بالسيرة أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة لم يحارب أحداً من أهل المدينة بل ودعاهم حتى اليهود خصوصاً بطون الأوس والخزرج فإن كان يسالمهم ويتألفهم بكل وجه، وكان الناس إذا قدمها على طبقات: منهم المؤمن وهم الأكثرون، ومنهم الباقي على دينه وهو متروك لا يحارب ولا يحارب. وهو والمؤمنون من قبيلته وحلفائهم أهل سم لا أهل وب، حتى حلفاء الأنصار أقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على حلفهم) -الصارم المعلول99 - .
المرحلة الرابعة: قتال جميع الكفار من كل الأديان ابتداءً وإن لم يبدئوا بقتال حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية على الخلاف المعروف فيمن تؤخذ منه، وهذه المرحلة بدأت من انقضاء أربعة أشهر من بعد حج العام التاسع من الهجرة ومن بعد انقضاء العهود المؤقتة، وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعمل على هذه المرحلة وعليها استقر حكم الجهاد، قال - تعالى - (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) -سورة التوبة آية 29 - قال ابن القيم- رحمه الله - (فاستقر أمر الكفار معه بعد نزول براءة على ثلاثة أقسام: محاربين له، وأهل عهد، وأهل ذمة، ثم آل حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام فصاروا معه قسمين: محاربين، أهل ذمة) -زاد المعاد 3/ 160 -
وهل هذه المرحلة ناسخة لما قبلها من المراحل؟ نقول: إنها ناسخة بالنسبة لأقوام غير ناسخة بالنسبة لآخرين، فمن كان ذا قوة ومنعة ودولة وحاله كالحال التي آلت إليها دولة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن المراحل السابقة منسوخة في حقه لا يجوز له العمل بها ألبتة، ومن كان في ضعف وذل بل ولا دولة له فإن المراحل السابقة غير منسوخة في حقه بل يعمل بالذي يناسب ظروفه الذي يعيش فيه، كما كان عليه المسلمون أول الأمر قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( .. فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) -الصارم المسلول 221 - .
خامساً: أهداف الجهاد وغايته:
لم يشرع الجهاد عبثا، ولا لتحقيق أهداف شخصية، أو مطامع مادية، أو مكارب سياسية، أو لبسط نفوذ وتوسيع الرقعة، ولا لإزهاق النفوس وسفك الدماء، والتسلط على الناس واستعبادهم، وإنما شرع لأهداف جليلة، وغايات نبيلة، نذكر بأهمها بعد ذكر هدفه الأساسي:
أما هدفه الأساسي: فهو تعبيد الناس لله وحده، وإعلاء كلمة الله في الأرض، وإظهار دينه على الدين كله ولو كره المشركون.
قال - تعالى -: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) -سورة البقرة آية 193 - وقال - سبحانه -: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير) -سورة الأنفال آية39 - وقال - سبحانه -: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) -سورة التوبة آية33/سورة الصف آية9 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) رواه مسلم.
* ومن أهداف الجهاد:
1 - رد اعتداء المعتدين على المسلمين: قال - تعالى -: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) -سورة البقرة آية 190 - وقال - تعالى -: (ألا تقاتلوا قوماً نكثوا أيمانهم وهو بإخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة أتخشوهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) -سورة التوبة آية13 - .
2 - إزالة الفتنة عن الناس حتى يستمتعوا إلى دلائل التوحيد من غير عائق، وحتى يروا نظام الإسلام مطبقاً ليعرفوا ما فيه من عدل وإصلاح للبشر، قال - تعالى - (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) والفتنة أنواع:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/32)
(أ) - ما يمارسه الكفار من تعذيب المستضعفين من المؤمنين والضيق عليهم ليرتدوا عن دينهم قال - تعالى -: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ... ) -سورة النساء آية75 - ومن ذلك أيضاً فك أسرى المسلمين كيلا يفتنهم الكفار.
(ب) - الأوضاع والأنظمة الشركية وما ينتج عنها من فساد في شتى مجالات الحياة فإن هذه من شأنها أن تفتن المسلم عن دينه، وبهذا فسر بعض السلف قوله - تعالى -: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) قالوا: إن الفتنة الشرك ونحوه، ولذالك فإن أهل الجزية من أهل الذمة ونحوهم يمنعون من المهاجرة بدينهم والتعال بالربا وإظهار الزنا والخنا؛ لأن هذه الأوضاع تفتن المسلم عن دينه.
(ج) - فتنة الكفار أنفسهم وصدهم الناس ومن تحت ولا ... عن استماع الحق وإقامتهم سياجاً منيعة أمام دين الله لئلا يدخله الناس، فيجب أن يقام على هؤلاء الجهاد حتى يفسح المجال لدين الله يراه الناس ويعرفونه وتقوم عليه الحجة به، وبهذا يدخل الناس في الإسلام إذا غالب ما يصد الشعوب عن دين الله إقامة دول الكفر الحواجز والسدود أمام دين الله كيلا يدخل إلى الشعوب.
3 - حماية الدولة الإسلامية من شر الكفار: قال - تعالى -: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم .. ) ومن أجل ذلك شرع الرباط على الثغور لحماية دولة الإسلام من المتربصين بها (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) -سورة آل عمران آية200 - .
4 - تأديب المتمردين والناكثين للعهود المنتهزين سماحة الإسلام وأهله: قال - تعالى - في حق من نقضوا العهود والمواثيق: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر، إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون، ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول) -سورة التوبة آية13، 12 - وكذلك من كان بينه وبين المسلمين عهد وتوجس المسلمون منه شراً و ... ، فإنه ينبذ إليه عهده ويكشف له حقيقة الأمر ثم يقاتل قال - تعالى -: (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليه على سواء إن الله لا يحب الخائنين) -سورة الأنفال آية58 - ، وكذلك البغاة من المسلمين وهم الذين يخرجون على الإمام العادل بتأويل، (فيقاتلون حتى تذهب ريحهم فإن بغت إحداهن على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء أمر الله) -سورة الحجرات آية9 - ومثل البغاة، من أجمعوا على ترك واجب أو فعل محرم وتواطؤا عليه فيقاتلون حتى يستقيموا، وأشد منهم المرتدون، فيقاتلون حتى يسلموا أو يبادوا كما فعله ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه- مع المرتدين.
5 - دفع الظلم والدفاع عن الأنفس والحرسات والأوطان والأموال قال - تعالى -: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) -سورة الحج آية40، 39 - .
6 - إذهاب الكفار وإخزاؤهم وإذلالهم وإغاظتهم (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) -سورة الأنفال آية60 - وقال - سبحانه - (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) سورة التوبة آية14 -
سادساً: الترهيب من ترك الجهاد وبيان عواقبه:
ترك الجهاد مع القدرة عليه كبيرة من كبائر الذنوب، بل لا خلاف بين العلماء على أن أي طائفة امتنعت عن جهاد الكفار أو ضرب الجزية عليهم تجاهد هي بذاتها حتى ترجع إلى الصواب وتلتزم هذه الفريضة المحكمة التي ورد بها الكتاب والسنة والإجماع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام ... أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتَلُ عليها وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء ... " (الفتاوى 28/ 503).
وقد وردت نصوص كثيرة تحذر من ترك الجهاد وتبين عواقب تركه وتصف الناكلين عنه بأقبح الأوصاف، وإليك بعضاً منها:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/33)
1 - ترك الجهاد سبب للهلاك في الدنيا والآخرة، أما هلاك الدنيا فبالذلة والاستعباد وتسلط الكفار عليهم، وأما هلاك الآخرة فمعلوم، قال - تعالى -: ((وأنفقوا في سبيل الله، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)) [البقرة/195] قال أسلم بن عمران: حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فقال أناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا، صحبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار نجياً فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ونصره حتى فشا الإسلام وكثر أهله، وكنا آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما، فنزل فينا ((وأنفقوا ... الآية)) فكانت التهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد" رواه ابن حبان والحاكم وصححاه.
2 - ترك الجهاد سبب لعذاب الله وبطشه قال - تعالى -: ((إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير)) [التوبة/39].
3 - ترك الجهاد والفرح بالقعود من صفات المنافقين قال - تعالى -: ((لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين، إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون)) [التوبة/44 - 45]. وقال - سبحانه -: ((فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا: لا تنفروا في الحر، قل: نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون، فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاء بما كانوا يكسبون)) [التوبة/81 - 82].
4 - ترك الجهاد سبب لإفساد أهل الأرض بالقضاء على دينهم، قال - تعالى -: ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)) [البقرة/251]. وقال - سبحانه -: ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا)) [الحج/40].
5 - ترك الجهاد يفوت مصالح عظيمة وفضائل جمة منها الأجر والثواب والشهادة والمغنم والتربية ودفع شر الكفار وإذلالهم، ورفع شأن المسلمين وإعزازهم.
6 - ترك الجهاد قد يعرض لعقوبة عاجلة تنزل بالقاعدين عن الجهاد، كما قص الله - تعالى - من خبر بني إسرائيل لما طلب إليهم موسى - عليه الصلاة والسلام - أن يدخلوا الأرض المقدسة فقالوا: ((يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، قال: رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين، قال: فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين)) [المائدة/20 - 26]. وقد وعى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الدرس جيداً، ففي يوم بدر لما استشارهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القتال؛ قال له المقداد: يا رسول الله: إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن امض ونحن معك" رواه البخاري. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاءً فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم" رواه أحمد.
7 - ترك الجهاد سبب للذل والهوان قال - تعالى -: ((إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم، ولا تضروه شيئاً، والله علىكل شيء قدير)) [التوبة/39]. قال - صلى الله عليه وسلم -: "لئن تركتم الجهاد وأخذتم بأذناب البقر وتبايعتم بالعينة ليلزمنكم الله مذلة في رقابكم لا تنفك حتى تتوبوا إلى الله، وترجعوا إلى ماكنتم عليه" رواه أحمد.
هذه بعض عواقب ترك الجهاد، وتفصيلها يطول، فاللهم أقم علم الجهاد واقمع أهل الزيغ والفساد، وانشر رحمتك على العباد.
سابعاً: ثمرات الجهاد وفوائده:
للجهاد فوائد عظيمة وثمرات يانعة ومصالح جمة تتحقق للأمة، بل وللعالم كله نذكر على سبيل المثال منها:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/34)
1 - كشف المنافقين، فإنهم في حال الرخاء لا يتميزون عن غيرهم فإذا جاءت الشدة والبأساء تبينوا للمؤمنين وانكشفوا. قال - تعالى - ((ماكان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب)) [آل عمران/179]. وقال - سبحانه -: ((أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)) [آل عمران/142]. وقال عنهم في بدر: ((إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم)) [الأنفال/49]. وقال عنهم في غزوة الأحزاب: ((وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ماوعدنا الله ورسوله إلا غروراً)) [الأحزاب/12]، وقال - سبحانه -: ((فإذا ما أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت)) [محمد/20].
2 - تمحيص المؤمنين من ذنوبهم. قال - تعالى -: ((وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا، ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين)) [آل عمران/140 - 141]
3 - اتخاذ الشهداء منهم، للآية السابقة.
4 - محق الكافرين، للآية السابقة.
5 - تربية المؤمنين على الصبر والثبات والطاعة وبذل النفس والإيثار. قال - تعالى -: ((أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)).
6 - دخول الناس في دين الله - تعالى - فإن كثيراً من الناس لا ينقادون للحق الذي لا تحميه قوة ولا يكون له بأس، وعامة الخلق ينفرون من الضعيف والضعف ولذلك قال - تعالى -: ((لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب، إن الله قوى عزيز)) [الحديد/25] قال ابن كثير: "وجعلنا الحديد رادعاً لمن أبى الحق وعانده من بعد قيام الحجة عليه، ولهذا أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية وكلها جدال مع المشركين وبيان وإيضاح للتوحيد وتبيان ودلائل، فلما قامت الحجة على من خالف، شرع الله الهجرة، وأمرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن وكذب به وعانده" [ابن كثير/ تفسير سورة الحديد] ودعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكبر شاهد على هذا إذ لما تكونت للمؤمنين في المدينة قوة يضربون بها في الأرض وفتحوا مكة جاءت العرب مسلمة مذعنة.
7 - محو الفساد من الأرض؛ لأنه إن لم يجاهد المسلمون المفسدين ارتفع منار الفساد وقويت شوكة المفسدين، وتلك سنة جارية قال الله عنها: ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين)) [البقرة/251]. وقال - سبحانه -: ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)) [الحج/40]. قال ابن زيد: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض: لولا القتال والجهاد" (الطبري 7/ 124]. وقال مقاتل: "لولا دفع الله المشركين بالمسلمين لغلب المشركون على الأرض فقتلوا المسلمين وخربوا المساجد" (زاد المسير 1/ 30]. وقال - سبحانه -: ((كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة)) [التوبة/8]. وقال - تعالى -: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)) [البقرة/120].
8 - ظهور صدق الدعوة للناس وذلك من وجوه:
أ- أن يشاهد الناس الدعاة إلى الله وهم يبذلون من أجله كل شيء مع خلوه من المطامع فيدعوهم ذلك إلى التفكر فيهم وفيما يدعون إليه.
ب- أن يرى الناس معاني ومبادئ تلك الدعوة تتحرك في أهلها بلا مواربة ولا خفاء ولذلك هاجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ليتموا أمر الله ويعملوا بكل ما يؤمرون به، ولو كان أداء بعض شعائر الإسلام خفية كافياً في أداء حق الله - تعالى - على المسلم لما كان القاعد عن الهجرة بين ظهراني المشركين آثماً ((إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض، قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً، إلا المستضعفين .. الآية)) [النساء/97 - 99].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/35)
ج- ما يمنحه الله للمجاهدين من أسباب النصر التي تخرق الأسباب المادية المألوفة، والتي تكون سبباً لتصديق الناس بهذه الدعوة. قال - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها)) [الأحزاب/9] وهذا في غزوة الأحزاب. ومثله صار في بدر وغيرها من المشاهد.
9 - أنه سبب لرأب صدع المسلمين وتآلفهم وقلة خلافاتهم: إذ يكون جل همهم ملاحقة عدوهم ونشر دينهم ودعوة الناس إلى الله. قال - تعالى -: ((هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم لو أنفقت مافي الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم)) [الأنفال/26 - 63] وقال ((وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين)) [الأنفال/46]. وقال: ((يسألونك عن الأنفال؟ قل: الأنفال لله والرسول، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين)) [الأنفال/1].
10 - أنه سبب للهداية قال - تعالى -: ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)) [العنكبوت/69]، قال سفيان بن عيينة لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور، فإن الله - تعالى - يقول: (لنهدينهم) [القرطبي 13/ 364] وقال ابن جرير: "لنهدينهم سبلنا، يقول: لنوفقنهم لإصابة الطرق المستقيمة، وذلك إصابة دين الله الذي هو الإسلام الذي بعث الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم -" (الطبري 21/ 15].
11 - أنه سبب لاستمساك المسلمين بدينهم، وحرصهم على الحفاظ عليه، وذلك لأنهم بذلوا في سبيله الغالي والرخيص، فلا يمكن أن يفرطوا فيه أو يتهاونوا به. قال سيد قطب: "ولابد من تربية النفوس بالبلاء ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف ... ليؤدي المؤمنون تكاليف هذه العقيدة كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف، والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها، لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى، فالتكاليف هنا هي الثمن الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في نفوس الآخرين" [الظلال 2/ 145].
ثامناً: عوامل النصر:
الأول: الإيمان والتقوى. قال - تعالى -: ((إن الله يدافع عن الذين آمنوا)) [الحج/38] وقال - تعالى -: ((إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)) [غافر/51]. وقال - تعالى -: ((ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا، وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)) [الروم/47] وقال - سبحانه -: ((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ... الآية)) [النور/55] والآيات الدالة على أن الإيمان عامل مهم من عوامل النصر على الأعداء كثيرة جداً.
وأما التقوى فقال - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين)) [التوبة/123] وقال - تعالى -: ((تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين)) [القصص/83] وقال: ((ومن يتق الله يجعل له مخرجاً)) [الطلاق/2] وقال جل وعز: ((وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً)) [آل عمران/120] وقال - سبحانه -: ((بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربك بخمسة آلاف من الملائكة مسومين)) [آل عمران/125] وغير ذلك من الآيات.
الثاني: الإعداد، وذلك بإعداد الآتي:
أ- إعداد القوة الضاربة.
ب- إعداد المال اللازم.
ج - إعداد الجنود الصالحين للجهاد.
ويجمع هذه الألوان من الإعداد قوله - تعالى -: ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)) [الأنفال/60].
الثالث: الثبات.
الرابع: ذكر الله كثيراً.
الخامس: طاعة الله وطاعة رسوله.
السادس: عدم التنازع، ومما يدل على هذه الثلاثة أول سورة الأنفال.
السابع: الصبر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/36)
والدليل على هذه الخمسة قوله - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله ورسوله، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)) [الأنفال/45 - 46] وقد لقن المؤمنون درساً شديداً في أحد حينما تنازعوا وعصوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى -: ((ولقد صدقكم الله وعده، إذ تحسونهم بإذنه، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعدِ ما أراكم ما تحبون، منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم، ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين)) [آل عمران/152].
الثامن: الإخلاص لله - تعالى - في القتال، فلا يقاتلون حمية ولا عصبية ولا رياء وسمعة قال - تعالى -: ((ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)) [محمد/7]، وقال: ((ولينصرن الله من ينصره ... )) [الحج/40]، ومثل ذلك الآيات التي وصفت القتال بأنه في سبيل الله، وهي كثيرة جداً، وقد نهى الله المؤمنين عن التشبه بالكافرين في قوله جل ذكره: ((ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله، والله بما يعملون محيط)) [الأنفال/47].
التاسع: تطهير الجيش من العناصر الفاسدة والضعيفة قال - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ... )) [آل عمران/118]، وقال - تعالى - مبيناً ضرر خروج المنافقين في صفوف المجاهدين: ((لو خرجوا فيكم مازادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة، وفيكم سماعون لهم، والله عليم بالظالمين)) [التوبة/47]، وقد اختبر طالوت جنوده قبل لقاء العدو ليطهر جيشه من العناصر المخذلة ((فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر، فمن شرب منه فليس مني، ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلاً منهم، فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)) [البقرة/249] وظهر أثر هذا التطهير بغلبة طالوت على جالوت: ((فهزموهم بإذن الله، وقتل داود جالوت)).
العاشر: التوكل على الله: إن المجاهدين إذا أعدوا عدتهم وأخذوا بأسباب النصر لزمهم أن يتوكلوا على الله ولا يتكلوا على أسبابهم المادية، فإن الأسباب لا تغني من الحق شيئاً إذا لم يأذن الله بالنصر قال - تعالى -: ((إن ينصركم الله فلا غالب لكم، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده، وعلى الله فليتوكل المؤمنون)) [آل عمران/160]. وقال: ((ومن يتوكل على الله فهو حسبه)) [الطلاق/3].
الحادي عشر: الدعاء، قال - تعالى - في حق قوم طالوت: ((ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا: ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين)) [البقرة/250]. وقال - تعالى -: ((وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين، وماكان قولهم إلا أن قالوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين)) [آل عمران/ 146، 147]. والآيات الدالة على وجوب الدعاء كثيرة.
الثاني عشر: التوبة، لاشك أن التوبة من أعظم وسائل النصر، ولذلك كان أتباع الأنبياء يلهجون بالاستغفار قبل الدخول في المعركة كما في الآية السابقة، وقال - تعالى -: ((وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير] [الشورى/30]. وقال جل شأنه: [أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها، قلتم: أنى هذا؟ قل: هو من عند أنفسكم)) [آل عمران/165].
الثالث عشر: التحريض على القتال وترغيب المؤمنين في الجهاد وذلك بإقامة الخطباء المؤثرين والوعاظ والأناشيد الحماسية ((ياأيها النبي حرض المؤمنين على القتال ... الآية)) [الأنفال/ 65] وقال جل وعز: ((فقاتل في سبيل الله، لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ... )) [النساء/84].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/37)
الرابع عشر: الحذر من تغرير الشيطان بالمؤمنين، وذلك بأن يتكلوا على أسبابهم المادية، أو يعجبوا بأعمالهم وينسوا ذنوبهم كما فعل بالمشركين في بدر: ((وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم، وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه، وقال: إني بريء منكم، إني أرى مالا ترون إني أخاف الله، والله شديد العقاب)) [الأنفال/ 48]. قال ابن عباس: لما كان يوم بدر سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين، وألقى في قلوب المشركين أن أحداً لن يغلبكم وإني جار لكم، فلما التقوا ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة نكص على عقبيه وقال: إني أرى مالا ترون .. الآية.
الخامس عشر: إيهام العدو بغير الحقيقة، كأن يوهمهم المجاهدون أن عددهم قليل، ليتقدم العدو ثم ينقض عليهم المجاهدون، أو يوهمهم بكثرة عدوهم ليرهبوهم قال - تعالى -: ((إذ يريكهم الله في منامك قليلاً، ولو أراكهم كثيراً لفشلتم وتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم، إنه عليم بذات الصدور، وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، وإلى الله ترجع الأمور)) [الأنفال/ 43 - 44] فأرى الله نبيه قلة عدد العدو ليخبر أصحابه فيكون تثبيتاً لهم ولو أراه العدو كثيراً فأخبرهم لوهنوا وضعفوا، فلما التقوا أرى الله المؤمنين قلة عدد العدو ليقدموا على قتالهم حتى قال ابن مسعود لرجل بجواره: أتراهم سبعين فقال: أراهم مائة. وقلل المؤمنين في أعين العدو ليجترئوا على المسلمين ولا يستعدوا لقتالهم حتى قال أبو جهل:» إنما أصحاب محمد أكلة جزور" أي لقلتهم يكفيهم جزور واحد في اليوم ... قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحرب خدعة" [متفق عليه].
السادس عشر: أخذ الحذر من العدو قال - تعالى -: ((ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً)) [النساء/71] وقال - تعالى - في آية صلاة الخوف: ((وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك، وليأخذوا أسلحتهم، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معكم، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة، ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم، وخذوا حذركم، إن الله أعد للكافرين عذاباً مهينا)) [النساء/ 102].
السابع عشر: التنظيم، ومنه قوله - تعالى -: ((إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص)) [الصف/ 4]، ومنه الاستئذان عند الانصراف قال - تعالى -: ((إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه، إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله، فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم، واستغفر لهم الله، إن الله غفور رحيم)) [النور/62] ومنه الآية في صلاة الخوف.
الثامن عشر: إذكاء روح العزة في نفوس المؤمنين، واستشعارهم أنهم الأعلون أصحاب الحق الخالد في الدنيا والآخرة قال - تعالى -: ((ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)) [آل عمران/139] ومن صور إظهار العزة: الخيلاء وله صورتان:
أ - إظهار التجلد للكافرين وإبراز القوة وشدة البأس، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في عمرة القضاء: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وقد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا مابين الركنين، ولا يمنع جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار إرهاباً لهم، ولا يعد ذلك من الرياء المذموم «(فتح البارى 3/ 470].
ب - أن يختال المجاهد في مشيته أمام العدو ليظهر عزته على الكافرين ((أعزة على الكافرين)) وفي حديث جابر بن عتيك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ... وأن من الخيلاء ما يبغض الله ومنها مايحب الله، فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل بنفسه عند القتال ... " رواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود.
تلك بعض وسائل النصر الواردة في كتاب الله وما تركناه منها كثير، والله المستعان ...
من مراجع هذا البحث:
- تفسير الطبري.
- زاد المسير لابن الجوزي.
- تفسير القرطبي.
- تفسير ابن كثير.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/38)
- مدارج السالكين وطريق الهجرتين وزاد المعاد لابن القيم.
- الجواب الصحيح ومجموع الفتاوى والصارم المسلول لابن تيمية.
- أهمية الجهاد للعلياني.
- الجهاد في سبيل الله لعبد الله القادري.
- المقدمات الممهدات لابن رشد.
- في ظلال القرآن لسيد قطب.
- بدائع الصنائع للكاساني.
- الجهاد في سبيل الله لمحمد شديد.
- فتح الباري لابن حجر.
----------------------------------------
----------------------------------------
مقدمة في قواعد التفسير
محمد بن عبد العزيز الخضيري
التعريف:
القاعدة لغةً: الأصل الذي يبنى عليه غيره.
اصطلاحاً: حكمٌ كلي يتعرف به على أحكام جزئياته.
التفسير لغة: الكشف والبيان.
واصطلاحاً: بيان معاني كلام الله - تعالى -.
وقواعد التفسير: هي الأحكام الكلية التي يتوصل بها إلى استنباط معاني القرآن الكريم، ومعرفة الراجح مما فيه خلاف.
أهمية معرفة القواعد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية تُرَدُّ إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت؛ وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وظلم وجهل في الكليات، فيتولد فساد عظيم» (1).
وقال الزركشي: «أما بعد: فإن ضبط الأمور المنتشرة المتعددة في القوانين المتحدة. هو أوعى لحفظها، وأدعى لضبطها، وهي إحدى حكم العدد التي وضع لأجلها، والحكيم إذا أراد التعليم لا بد أن يجمع بين بيانين: إجمالي تتشوَّف إليه النفس، وتفصيلي تسكن إليه» (2).
والحاصل أن من عرف قواعد التفسير انفتح له من المعاني القرآنية ما يجل عن الوصف، وصار بيده آلة يتمكن بها من الاستنباط والفهم مع ملكة ظاهرة تصيره ذا ذوق واختيار في الأقوال المختلفة في التفسير (3).
ميزة القواعد:
تتميز القواعد بالإيجاز في الصياغة مع عموم المعنى وسعة استيعابه للجزئيات وسهولة الحفظ والإشارة إلى المناط والعلة.
المؤلفات في قواعد التفسير:
غالب ما ألف في قواعد التفسير إنما هو في علوم القرآن الكريم ككتاب (التيسير في قواعد علم التفسير) لمحمد بن سليمان الكافيجي (ت 879)، و (أصول التفسير وقواعده) لخالد بن عبد الرحمن العك.
أما التأليف في القواعد ذاتها جمعاً ودراسة ففيه رسالتان فريدتان:
1 ـ قواعد التفسير جمعاً ودراسة، لخالد بن عثمان السبت في مجلدين وهي رسالة دكتوراه مقدمة في الجامعة الإسلامية.
2 ـ قواعد الترجيح عند المفسرين، لحسين بن علي الحربي في مجلدين، وهي رسالة ماجستير مقدمة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وموضوع الثانية أخص من الأولى؛ إذ هي في القواعد الترجيحية.
وقد ضمَّن الكاتبون في علوم القرآن وفي أصول التفسير كتبهم فصولاً في قواعد التفسير ككتاب البرهان لبدر الدين الزركشي (794هـ)، والإتقان لجلال الدين السيوطي (911هـ).
إضافة إلى ما زخرت به مقدمات المفسرين في تفاسيرهم كـ مقدمة (النكت والعيون) للماوردي، ومقدمة (التسهيل) لابن جزي الكلبي، ومقدمة (التحرير والتنوير) للطاهر بن عاشور. ومقدمة ابن كثير في تفسيره والتي استفادها من كتابة شيخ الإسلام في أصول التفسير.
أما المصدر التطبيقي الثّر فهي كتب المفسرين المؤصلة كتفسير الطبري، والمحرر الوجيز لابن عطية، وأضواء البيان للشنقيطي.
أنواع القواعد:
للقواعد تقسيمات باعتبارات مختلفة، ومن ذلك تقسيمها باعتبار الغاية منها، وهي على نوعين:
الأول: قواعد عامة يستفاد منها في فهم القرآن؛ كقاعدة: «المفرد المضاف يفيد العموم».
كقوله - تعالى -: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]. وقوله: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا [إبراهيم: 34] المقصود: نعم الله.
الثاني: قواعد ترجيحية يستفاد منها في الموازنة بين الأقوال، ومعرفة الراجح منها والمرجوح؛ كقاعدة: «القول الذي تؤيده قرائن السياق مرجح على ما خالفه»، كقوله - تعالى -: {مّا يّكٍونٍ مٌن نَّجًوّى" ثّلاثّةُ إلاَّ هٍوّ رّابٌعٍهٍمً} [المجادلة: 7] أي بعلمه، قالوا: لأن الله افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم (1)، وقوله - تعالى -: {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30] قال ابن جرير: «وأوْلى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/39)
رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30] من المطر والنبات. ففتقنا السماء بالغيث والأرض بالنبات، وإنما قلنا: ذلك أوْلى بالصواب؛ لدلالة قوله - تعالى -: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] على ذلك».
وليعلم أن الأقوال إذا كانت محتملة في الآية وبنفس القوة فإنه لا ترجيح بينها، كقوله: {اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى} [الرعد: 8] «الله يعلم ما تحمل كل أنثى» فما يحتمل أن تكون (موصولة) والمعنى: يعلم الذي تحمله كل أنثى من ولد على أي حال كقوله: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان: 34]. ويحتمل أن تكون (مصدرية) والمعنى: يعلم حمل كل أنثى كقوله: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11].
ويكون الترجيح بين الأقوال إذا تعارضت، أو عارض بعضها نصاً أو إجماعاً، أو لم يكن بينها تعارض ولا مع غيرها؛ لكن كان بعضها أوْلى من بعض.
مثال الأول: خلافهم في تفسير (القُرْء).
ومثال الثاني: من ادعى جواز الجمع بين تسع حرائر مستدلاً بقوله: {مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1] فهو خلاف إجماع الأمة وما روي عن سعيد بن المسيب: «ما سكر آدم من الشجرة وهو يعقل، ولكن سقته حواء من الخمر حتى إذا سكر قادته إليها فأكل» فهذا معارض لقوله - تعالى -: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} [الصافات: 47] (2).
ومثال الثالث: قوله - تعالى -: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس: 20] قيل: طريق خروجه من بطن أمه لدلالة السياق، وقيل: طريق الخير والشر. لقوله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}. [الإنسان: 3].
تنازع القواعد:
إذا تنازعت القواعد المثالَ الواحدَ؛ بحيث صار لكل قول قاعدة ترجحه فإن المعتبر به غلبة ظن المجتهد كما قال الزركشي: «واعلم أن التراجيح كثيرة، ومناطها: ما كان إفادته للظن أكثر فهو الأرجح، وقد تتعارض هذه المرجحات كما في كثرة الرواة وقوة العدالة وغيره، فيعتمد المجتهد ما غلب على ظنه» (3).
وقال الشنقيطي: «والمرجحات يرجع بعضها على بعض؛ وضابط ذلك عند الأصوليين هو قوة الظن» (4).
مثال ذلك: قوله - تعالى -: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء} [النساء: 22] ففيها قولان:
الأول: ولا تنكحوا من نكح آباؤكم من النساء؛ فمنكوحة الأب حرام على ابنه و (ما) في الآية موصولة، ويدل عليه سبب نزول الآية؛ حيث إن قيس بن صيفي بن الأسلت خطب امرأة أبيه فأنزل الله الآية.
الثاني: ولا تنكحوا نكاح آبائكم الفاسد الذي يتعاطونه في الجاهلية، و (ما) مصدرية؛ قالوا: لأن (ما) لا تكون إلا لغير العاقل غالباً، والقاعدة: وجوب حمل كلام الله على المعروف المشهور من كلام العرب.
ولا شك أن القول الأول هو الصواب لاعتماده على سبب النزول، هذا فضلاً عن كون (ما) وردت للعاقل في غير ما آية من غير نكارة ولا شذوذ كقوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62] وقوله: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي} [آل عمران: 35].
نماذج من قواعد التفسير:
القاعدة الأولى: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
أي: إذا وردت الآية على سبب خاص فإنها لا تُقصَر عليه، بل يُنظر إلى عموم لفظها؛ ومثالها: قوله - تعالى -: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] قيل: نزلت في العاص بن وائل السهمي، وقيل: نزلت في عقبة بن أبي معيط، وقيل: نزلت في جماعة من قريش. قال ابن جرير: «وأوْلى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال إن الله - تعالى - ذِكْرُه ـ أخبر أن مبغض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الأقل الأذل المنقطع عقبه؛ فذلك صفة كل من أبغضه من الناس، وإن كانت الآية نزلت في شخص بعينه».
القاعدة الثانية: الخبر على عمومه حتى يأتي ما يخصصه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/40)
مثالها: قوله - تعالى -: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد: 3]. قيل: آدم وولده، وقيل: إبراهيم وولده. وقيل: بل هي عامة في كل والد وولده. وهو الصحيح، قال ابن جرير: والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا: أقسم الله بكل والد وولده؛ لأن الله عمَّ كل والد وما ولد. وغير جائز أن يخص ذلك إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل، ولا خبر بخصوص ذلك، ولا برهان يجب التسليم له بخصوص؛ فهو على عمومه كما عمه».
القاعدة الثالثة: إذا اختلف المعنى الشرعي والمعنى اللغوي فالمقدم الشرعي إلا بدليل؛ لأن القرآن نزل لبيان الشرع لا لبيان اللغة.
مثالها: قوله - تعالى -: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] فالصلاة في اللغة: الدعاء.
وفي الشرع: صلاة الجنازة والمقدم المعنى الشرعي.
فإن دل الدليل على اعتبار اللغوي دون الشرعي وجب الأخذ به كما في قوله - تعالى -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أي: ادع لهم؛ ودليله حديث عبد الله ابن أبي أوفى؛ حيث قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صلِّ على آل فلان! فأتاه أبي بصدقته: فقال: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى!» (1).
القاعدة الرابعة: تحكيم السياق عند الاختلاف.
مثالها: قوله - تعالى -: {عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187] قيل: هو الولد، وقيل: ليلة القدر، وقيل: ما أحله لكم ورخص لكم، والأول أرجح لمناسبته السياق؛ حيث جاء عقيب قوله: {فّّالآنّّ بّّاشٌرٍوهٍنَّ} [البقرة: 187].
القاعدة الخامسة: تحكيم الرسم عند الاختلاف.
مثالها: قوله - تعالى -: {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى} [الأعلى: 6] قيل: (لا) نافية، وقيل: ناهية. والصواب الأول؛ لأنها لو كانت ناهية لجزم الفعل بحذف حرف العلة.
وكذلك قوله - تعالى -: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3] ففي الضمير (هم) في الفعلين قولان:
1 ـ أنه يعود على الناس؛ ويكون الضمير في موضع نصب.
2 ـ أنه يعود على واو الجماعة في (كالوا ووزنوا) ويكون في موضع رفع مؤكداً لواو الجماعة.
والراجح الأول؛ لأنه لو كانت كلمة (كالو) مستقلة و (هم) مؤكدة لأتبعت (كالو) في الرسم بألف الفرق ( ü) لكتبت (كالوا هم) وليس الأمر كذلك.
القاعدة السادسة: يجب تفسير المعنى على الأغلب من استعمال العرب. أي دون الشاذ والقليل والمنكر.
مثالها: قوله - تعالى -: {لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا} [النبأ: 24] قيل في البرد قولان:
الأول: برد الهواء الذي يبرد جسم الإنسان.
والثاني: النوم.
قال ابن جرير: «والنوم وإن كان يبرد غليل العطش، فقيل له من أجل ذلك: البرد؛ فليس هو باسمه المعروف، وتأويل كتاب الله على الأغلب من معروف كلام العرب دون غيره»، وبمثله قال النحاس (2).
القاعدة السابعة: وجوب مراعاة معهود القرآن وطريقته في البيان.
والمراد: أن اختيار التأويل الموافق لطريقة القرآن ومعهوده الكلي أو الأغلبي هو المتعين:
مثالها: قوله - تعالى -: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق: 8] في مرجع الضمير في (رجعه) قولان:
1 ـ أنه يعود إلى الإنسان، والمعنى: أن الله قادر على رده للحياة بعد موته.
2 ـ أنه يعود إلى الماء، والمعنى: أن الله قادر على رد الماء إلى الصلب أو الإحليل؛ والصواب الأول؛ لأن المعهود في القرآن الاستدلال بالمبدأ على المعاد.
وأما القول الثاني «فلم يأت لهذا المعنى نظير في موضع من القرآن» (3).
وأيضاً قوله - تعالى -: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة: 75] قيل: آيات القرآن، ومواقعها نزولها شيئاً بعد شيء، وقيل: هي النجوم المعروفة في السماء. وهو الراجح؛ لأن النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد بها الكواكب؛ كما قال ابن القيم (4).
-------------
(1) الفتاوى 19/ 203.
(2) المنثور في القواعد 1/ 65.
(3) قواعد التفسير 1/ 38.
(1) قواعد الترجيح، 1/ 301.
(2) البحر المحيط 1/ 261.
(3) البحر المحيط، للزركشي 6/ 159.
(4) أضواء البيان 5/ 371.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/41)
(1) أخرجه البخاري، رقم 1497، ومسلم، رقم 1077.
( ü) وتسمى أيضاً ألف التفريق أو ألف الجماعة.
(2) إعراب القرآن 5/ 132.
(3) البيان، ص 66.
(4) التبيان، 136.
صفر 1423 هـ - أبريل- مايو 2002 م
---------------------------------
---------------------------------
مقدمة في التفسير الموضوعي
محمد بن عبد العزيز الخضيري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين وبعد:
فإن أجلَّ علم صرفت فيه الهمم، علم الكتاب المنزل، إذ هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فيه الهدى والشفاء، والرحمة والبيان، والموعظة الحسنة والتبيان، فلو أنفقت فيه الأعمار ما أدركت كل غوره، ولو بذلت الجهود كلها ما أنضبت من معينه شيئاً يذكر، ومن هنا اجتمعت كلمة علماء الأمة على العناية بتفسيره، وبيانه ودراسته، واستدرار كنوزه، والنهل من معينه العذب النمير، ولأجل انكبابهم على دراسته، تنوعت طرائقهم في عرض علومه، واختلفت مشاريعهم في إيضاح مكنوناته، وكان القدح المعلى لعلم التفسير من ذلك كله، ولهم في تناول هذا العلم والكتابة فيه أربعة أساليب:
أولاً: التفسير التحليلي:
يتولى فيه المفسرون بيان معنى الألفاظ في الآية، وبلاغة التركيب والنظم، وأسباب النزول، واختلاف المفسرين في الآية، ويذكر حكم الآية وأحكامها، وقد يزيد بتفصيل أقوال العلماء في مسألة فقهية أو نحوية أو بلاغية، ويهتم بذكر الروابط بين الآيات والمناسبات بين السور ونحو ذلك. وهذا اللون من التفسير هو أسبق أنواع التفسير وعليه تعتمد بقيتها، ويتفاوت فيه المفسرون إطناباً وإيجازاً، ويتباينون فيه من حيث المنهج، فمنهم من يهتم بالفقهيات، ومنهم من يهتم بالبلاغيات، ومنهم من يطنب في القصص وأخبار التاريخ، ومنهم من يستطرد في سرد أقوال السلف، ومنهم من يعتني بالآيات الكونية أو الصور الفنية أو المقاطع الوعظية أو بيان الأدلة العقدية. وبذلك يكون هذا اللون من التفسير هو الغالب على تواليف العلماء وأكثر كتب التفسير على هذا النمط.
ثانياً: التفسير الإجمالي:
وهو بيان الآيات القرآنية بالتعرض لمعانيها إجمالاً مع بيان غريب الألفاظ والربط بين المعاني في الآيات متوخياً في عرضها وضعها في إطار من العبارات التي يصوغها من لفظه ليسهل فهمها وتتضح مقاصدها، وقد يضيف ما تدعو الضرورة إليه من سبب نزول أو قصة أو حديث ونحو ذلك.
وهذا اللون أشبه ما يكون بالترجمة المعنوية للقرآن الكريم، وهو الذي يستخدمه من يتحدث بالإذاعة والتلفاز لصلاحيته لعامة الناس ومن أمثلته (تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي).
ثالثاً: التفسير المقارن:
وهو بيان الآيات القرآنية باستعراض ما كتبه المفسرون في الآية أو مجموعة الآيات المترابطة، والموازنة بين آرائهم، وعرض استدلالاتهم، والكرّ على القول المرجوح بالنقض وبيان وجهه، وتوجيه أدلته، وبيان الراجح وحشد الأدلة وغير ذلك.
رابعاً: التفسير الموضوعي:
وهذا اللون من التفسير هو مجال بحثنا، ومدار حديثنا، ولأجله كتبت هذه الخلاصة:
أولاً: تعريفه:
يتألف مصطلح (التفسير الموضوعي) من جزأين ركبا تركيباً وصفياً فنعرف الجزأين ابتداء ثم نعرف المصطلح المركب منهما.
فالتفسير لغةً: من الفسر وهو كشف البيان، قال الراغب: "هو إظهار المعنى المعقول ".
واصطلاحاً: الكشف عن معاني القرآن الكريم ..
والموضوع لغةً: من الوضع؛ وهو جعل الشيء في مكان ما، سواء أكان ذلك بمعنى الحط والخفض، أو بمعنى الإلقاء والتثبيت في المكان، تقول العرب: ناقة واضعة: إذا رعت الحمض حول الماء ولم تبرح، وهذا المعنى ملحوظ في التفسير الموضوعي، لأن المفسر يرتبط بمعنى معين لا يتجاوزه إلى غيره حتى يفرغ من تفسير الموضوع الذي أراده.
أما تعريف (التفسير الموضوعي) علماً على فن معين، فقد عرِّف عدة تعريفات نختار منها ما نظنه أجمعها وأخصرها وهو: علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر ..
ثانياً: نشأة التفسير الموضوعي:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/42)
لم يظهر هذا المصطلح عَلَمَاً على علم معين إلا في القرن الرابع عشر الهجري، عندما قُرِّرت هذه المادة ضمن مواد قسم التفسير بكلية أصول الدين بالجامع الأزهر، إلا أن لبنات هذا اللون من التفسير كانت موجودة منذ عهد النبوة وما بعده، ويمكن إجمال مظاهر وجود هذا التفسير في الأمور التالية:
1 - تفسير القرآن بالقرآن: لا ريب أن تفسير القرآن بالقرآن هو لب التفسير الموضوعي وأعلى ثمراته. وجميع الآيات التي تناولت قضية واحدة والجمع بين دلالاتها والتنسيق بينها كان أبرز ألوان التفسير التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يربي أصحابه عليها، فقد روى البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسر مفاتح الغيب في قوله - تعالى -: ((وعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ)) [الأنعام 59]، فقال: مفاتح الغيب خمسة: ((إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ ومَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ومَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [لقمان 34].
ومن هذا القبيل ما كان يلجأ إليه الصحابة -رضوان الله عليهم- من الجمع بين الآيات القرآنية التي يُظنُّ بينها تعارضٌ. وقد وضع العلماء بعده قاعدة في أصول التفسير تقتضي بأن أول ما يرجع إليه المفسر القرآن الكريم، إذ ما أجمل في مكان قد فصل في آخر، وما أطلق في آية إلا قد قيد في أخرى، وما ورد عاماً في سورة، جاء ما يخصصه في سورة أخرى، وهذا اللون من التفسير هو أعلى مراتب التفسير وأصدقها إذ لا أحد أعلم بكلام الله من الله.
2 - آيات الأحكام: قام الفقهاء بجمع آيات كل باب من أبواب الفقه على حدة، وأخذوا في دراستها واستنباط الأحكام منها، والجمع بين ما يظهر التعارض، وذكروا ما نص عليه وما استنبط من القرآن بطريق الإشارة والدلالة الخفية، ونحو ذلك، وكله داخل تحت مسمى التفسير الموضوعي.
3 - الأشباه والنظائر: وهو اتجاه نحاه بعض العلماء في تتبع اللفظة القرآنية، ومحاولة معرفة دلالاتها المختلفة، مثال ذلك: كلمة (خير) وردت في القرآن على ثمانية أوجه حسبما ذكره الدامغاني في كتابه (إصلاح الوجوه والنظائر)، وهي: المال: كقوله ((إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إن تَرَكَ خَيْراً)) [البقرة 180]، والإيمان كقوله: ((ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ)) [الأنفال 23]، والإسلام كقوله: ((مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ)) [القلم 2]، وبمعنى أفضل كقوله: ((وأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)) [المؤمنون 109]، والعافية كقوله: ((وإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ وإن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [الأنعام 17]، والأجر كقوله: ((لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)) [الحج 36]، والطعام كقوله: ((فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)) [القصص 24]،، وبمعنى الظفر والغنيمة والطعن في القتال كقوله: ((ورَدَّ اللَّهُ الَذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً)) [الأحزاب 25]
وهذا كما ترى لون من التفسير الموضوعي، وهو أول وسيلة يلجأ إليها الباحثون في البحث عن موضوعات القرآن حيث يجمعون ألفاظ ذلك الموضوع من سور القرآن ثم يتعرفون على دلالة اللفظ في أماكن وروده.
4 - الدراسات في علوم القرآن: اهتم العلماء بموضوعات علوم القرآن فأشبعوها، ومن بين هذه الموضوعات والدراسات، لون ينصبُّ على دراسة وجمع الآيات التي لها رابطة واحدة، كآيات النسخ والقسم والمشكل والجدل والأمثال وغير ذلك، ومؤلفاتهم في ذلك يعز على الباحث حصرها وهي أشهر من أن تذكر.
كل هذه الأمور والحقائق تدلنا على أن التفسير الموضوعي ليس بدعاً من العلوم أفرزته عقول المتأخرين، وغفلت عن الاهتمام به أفهام الأولين. لكن بروزه لوناً من التفسير له كيانه وطريقته لم يوجد إلا في العُصُر الأخيرة - تلبية لحاجات أهلها - التى وجد فيها من المذاهب والأفكار كما وجد فيها من الآراء والموضوعات ما اضطر علماء الشريعة إلى بحثها من وجهة النظر القرآنية ليقينهم بأنه الكتاب الذي يحوي دراسة وعلاج كل موضوع يطرأ في حياة الناس، علمه من علمه، وجهله من جهله، ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ)) [الملك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/43)
14].
ومن ثم كثرت الدراسات القرآنية، وأصبحت المكتبة القرآنية تستقبل كل يوم مواداً جديدة من عالم المطبوعات، ونظرة خاطفة إلى فهارس المكتبة تنبيك بكثرة ما كتب في هذا المجال، وإن كان في الحقيقة قليلاً على مادة القرآن. ولشدة عناية الكاتبين بهذا الفن من التفسير قام جمع من الباحثين بخدمة هذا اللون من التفسير بوضع فهرسة للقرآن على حسب الموضوعات منها ما هو في عداد المخطوطات، ومنها ما طبع ككتاب المستشرق "جون لابوم " والذي عنوانه (تفصيل آيات القرآن الكريم)، وقد ترجمه إلى العربية محمد فؤاد عبد الباقي وترجم المستدرك الذي وضعه (إدوار مونتيه) وخرجا في كتاب واحد، وهو خطوة أولى في طريق طويل لا بد وأن تجد مستدركاً ومعقباً كعادة ما يكتب أولاً.
ثالثاً: ألوان التفسير الموضوعي:
الأول: أن يتتبع الباحث لفظة من كلمات القرآن الكريم، ثم يجمع الآيات التي ترد فيها اللفظة أو مشتقاتها من مادتها اللغوية. وبعد جمع الآيات والإحاطة بتفسيرها يحاول استنباط دلالات الكلمة من خلال استعمال القرآن الكريم لها. وقد أصبح كثير من الكلمات القرآنية مصطلحات قرآنية كـ (الأمة، والجهاد، والذين في قلوبهم مرض، والخلافة .. )، وهذا اللون كما ترى قد اهتمت به كتب الأشباه والنظائر إلا أنها بقيت في دائرة الكلمة في موضوعها، ولكن يحاول مؤلفوها أن يربطوا بينها في مختلف السور، مما أبقى تفسيرهم للكلمة في دائرة الدلالة اللفظية ..
أما المعاصرون فقد تتبعوا الكلمة وحاولوا الربط بين دلالاتها في مختلف المواطن، وأظهروا بذلك لوناً من البلاغة والإعجاز القرآني، وقد كان من نتائجها استنباط دلالات قرآنية بالغة الدقة، لم يكن بمقدورهم العثور عليها لولا انتهاجهم هذا السبيل، وممن اعتنى بهذا اللون من المعاصرين الدكتور أحمد حسن فرحات في سلسلة سماها (بحث قرآني وضرب من التفسير الموضوعي) أصدر منها كتاب (الذين في قلوبهم مرض)، و (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، و (الأمة في دلالاتها العربية والقرآنية) وغيرها ..
الثاني: تحديد موضوع ما، يلحظ الباحث تعرض القرآن المجيد له بأساليب متنوعة في العرض والتحليل والمناقشة والتعليق، أو تطرأ مشكلة أو تطرح قضية فيراد بحثها من وجهة نظر قرآنية وهنا نشير إلى عجيبة من عجائب القرآن الكريم المعجزة، تدلنا على أن القرآن دستور حياة، ومنهج عمل، فيه الشمول والعموم والكمال والبيان.
خلاصتها: أنه ليس بمستغرب أن يجد باحث اهتمام القرآن صريحاً بموضوع معين فيرى جوانب معالجة الموضوع ودراسته في القرآن كافية وافية، ولكن الغريب حقاً أن تقترح موضوعاً فتلج إلى عالم القرآن كأنما أنزل فيه فيدهشك أن الموضوع قد استوفيت جوانب دراسته في القرآن كأنما أنزل القرآن من أجله.
وطريقة الكتابة في هذا اللون تتم باستخراج الآيات التي تناولت الموضوع، وبعد جمعها والإحاطة بها تفسيراً وتأملاً يحاول الباحث استنباط عناصر الموضوع من خلال ما بين يديه من آيات، ثم ينسق بين تلك العناصر بحيث يقسمها إلى أبواب وفصول حسب حاجة الموضوع ويقدم لذلك بمقدمة حول أسلوب القرآن في عرض أفكار الموضوع.
ويكون منطلق العرض والاستدلال والدراسة هو آيات القرآن الكريم لا غير، مع ربط كل ذلك بواقع الناس ومشكلاتهم، وإن ذكر شيء من غير القرآن في الموضوع فيذكر من باب الاعتضاد لا الاعتماد.
وعلى الباحث أن يتجنب خلال بحثه التعرض للأمور الجزئية في تفسير الآيات، فلا يذكر القراءات، ووجوه الإعراب ونحو ذلك إلا بمقدار ما يخدم الموضوع ويتصل به اتصالاً أساسياً مباشراً. والباحث في كل ذلك يهتم بأسلوب العرض لتوضيح مرامي القرآن وأهدافه ومقاصده، ليتمكن القارئ من فهم الموضوع وإدراك أسراره من خلال القرآن بجاذبية العرض الشائق وجودة السبك والحبك ورصانة الأسلوب ودقة التعبيرات، وبيان الإشارات بأوضح العبارات. وهذا اللون من التفسير الموضوعي هو المشهور في عرف أهل الاختصاص، وحتى أن اسم (التفسير الموضوعي) لا يكاد ينصرف إلا إليه، والمتتبع لهذا يجده جلياً، وسبب ذلك يتلخص في أمرين:
ا - غزارة الموضوعات التي طرقها القرآن وأشبعها دراسة وبحثاً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/44)
2 - تجدد الموضوعات والمشكلات التي تحتاج إلى بحث من وجهة نظر قرآنية فالأولون صدروا من القرآن، والآخرون وردوا إلى القرآن. وكلاهما بحر و لا ساحل له، لا تكاد تنتهي موضوعاته أو تقف عند حد.
3 - البحث عن موضوع من خلال سورة من القرآن بتحديد الهدف الأساسي للسورة أو غيره من الأهداف ودراسته من خلال تلك السورة. وهذا اللون شبيه بسابقه إلا أن دائرته أضيق.
وطريقة البحث فيه: أن يحدد الباحث الهدف أو الأهداف الأساسية للسورة ثم يختاره أو يختار إحداها إن كانت ثمة أهداف متعددة ثم يحاول إبراز عناصر بحث هذه السورة للموضوع وتقسيمها وتبويبها، ثم يدرس علاقة كل المقاطع بهذا الهدف بدءاً بمقدمة السورة، وانتهاءً بخاتمتها، مع التعرف على أسباب نزولها، ومكان نزولها، وترتيبها من بين سور القرآن ويبين علاقة كل ذلك بهدف السورة عنوان البحث، وسيجد الباحث الصلة بينه وبين الرابطة جلية عند إحالة النظر وإمعان الفكر، وسيعلم أن للسورة هدفاً واضحاً ترمي إلى إيضاحه وبيانه والاستدلال له وبه، وتفصيل جوانبه وأبعاده، وكل سورة من القرآن لها شخصية مستقلة تعلم عند البحث فيها، بل ويمكن أن يكون للسورة أهداف متعددة بينها من الترابط والتعاضد والتداخل شيء يصعب معه التفريق بينهما أو إفراد إحداهما بالبحث مع إغفال البواقي.
وليعلم أنه ينبغي عند البحث في هذا اللون ألا ينطلق الباحث في دراسة موضوع السورة من آيات لم ترد فيها، بل يكون منطلقه آيات ومباحث ومقاطع السورة وأما غيرها فتذكر استئناساً لا تأسيساً، وتوكيداً لا تأصيلاً، واستشهاداً لا استناداً.
وهذا اللون ظفر بعناية القدماء بل جاءت في ثنايا تفاسيرهم الإشارات إلى بعض أهداف السورة ومحاولة الانطلاق منها لبيان تفسيرها، كالذي فعله البقاعي في كتابه (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور). وأما في العصر الحديث فقد أولع به سيد قطب في تفسيره (الظلال) حيث يقدم لكل سورة ببيان أهدافها الرئيسية أو هدفها الوحيد، وينطلق في باقي تفسير السورة من خلال هذا المحور الذي تتحدث السورة عنه، وقد أفردت بحوث كثيرة في هذا اللون من التفسير الموضوعي منها سلسلة (من مواضيع سور القرآن) التي يكتبها الشيخ (عبد الحميد طهماز) وقد صدر منها (العواصم من الفتن في سورة الكهف).
رابعاً: أهمية التفسير الموضوعي:
ويمكن تلخيص أجدر جوانبها في الأمور التالية:
الأول: إبراز وجوه جديدة من إعجاز القرآن الكريم، فكلما جَدّت على الساحة أفكار جديدة - من مُعطيات التقدم الفكري والحضاري - وجدها المفسر جلية في آيات القرآن لا لبس فيها ولا غموض بعد تتبع مواطن ذكرها في القرآن، فيسجل عندها سبق القرآن إليها، ويدلل بذلك على كونه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي غرائبه ودلائل إعجازه.
الثاني: التأكيد على أهمية تفسير القرآن بالقرآن، الذي هو أعلى وأجل أنواع التفسير، إذ قد يوجد من لا يلجأ إلى القرآن عند إرادة إيضاحه وتفسيره لقصور فيه أو تقصير منه، وبالتفسير الموضوعي ندرك أهمية هذا اللون من التفسير فتزداد عنايتنا به، وتتعاضد جهودنا لبيانه، فَنُكفى بذلك الوقوف عند كثير من مشكل القرآن أو مواطن الخلاف بين علماء الأمة في تفسير آياته، لورود ما يوضح المراد ويشفي العليل ويروي الغليل بالقرآن نفسه.
الثالث: إن تجدد حاجة البشرية، وبروز أفكار جديدة على الساحة الإنسانية وانفتاح ميادين للنظريات العلمية الحديثة لا يمكن تغطيتها ولا رؤية الحلول لها إلا باللجوء إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم. إذ عندما نجابه بنظرة جديدة أو علم مستحدث فإننا لا نقدر على تحديد الموقف من هذا العلم وتلك النظرية وحل المشكلة القائمة، وبيان بطلان مذهب إلا عن طريق تتبع آيات القرآن، ومحاولة استنباط ما يجب نحو كل أولئك.
إن جمع أطراف موضوع ما من خلال نصوص القرآن والسنة يمكن الباحث من القيام بدور اجتهادي للتوصل إلى تنظير أصول لهذا الموضوع، وعلى ضوء هدايات القرآن ومقاصده نستطيع معالجة أي موضوع يَجدّ على الساحة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/45)
الرابع: إثراء المعلومات حول قضية معينة. غالباً ما يُطرح موضوع أو قضية أو فكرة أو مشكلة للبحث ويبقى أيُّ من ذلك محتاجاً إلى إشباع البحث ومزيد الدراسة، ويتم تحقيق ذلك من خلال التفسير الموضوعي بحيث تتبين لذوي الشأن أدلة جديدة، ورؤى مستفيضة، وتفتيق لشيء من أبعاد القضية المطروحة.
الخامس: تأصيل الدراسات أو تصحيح مسارها:
لقد نالت بعض علوم القرآن حظاً وافراً من البحث والدراسة، إلا أن هناك علوماً أخر برزت جديدة تحتاج إلى تأصيل بضبط مسارها حتى يؤمن عثارها مثل (الإعجاز العلمي في القرآن)، فقد كثر الكاتبون حوله إلا أنه بحاجة ماسة إلى ضبط قواعده لِيُتَجَنَب الإفراط فيه أو التفريط، وهذا إنما يتم عبر دراسة موضوعية لآيات القرآن وهداياته في هذا المجال.
وهناك علوم ودراسات قائمة منذ القدم لكن المسار الذي تنتهجه يحتاج إلى تصحيح وتعديل، وإعادة تقويم كعلم التاريخ الذي أخذ منهجاً في سرد الوقائع والأحداث من غير تعرض لسنن الله في الكون والمجتمع، علماً بأن هذه السنن قد أبرزتها آيات القرآن خلال قصصه بشكل واضح، وهناك انحرافات مبثوثة في كتب التاريخ تخالف ما نص عليه في القرآن الكريم، ولن يتم تعديلها وتقويم مثل هذه العلوم إلا بطريق استقصاء منهج القرآن في عرضها ودراستها ..
مراجع هذه النبدة:
ا- مباحث في التفسير الموضوعي للدكتور مصطفى مسلم.
2 - دراسات في التفسير الموضوعي للدكتور زاهر عواض الألمعي.
3 - الفتوحات الربانية في التفسير الموضوعي للآيات.
4 - دراسات في القرآن الكريم للدكتور محمد عبد السلام محمد.
5 - دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني للدكتور أحمد جمال العمري.
-----------------------------------
----------------------------------
منهج القران في استدلاله على إمكان البعث
محمد بن عبد العزيز الخضيري
ولقد نهج القران الكريم في استدلاله على إمكان البعث وتحقق وقوعه منهجا قويما يجمع بين ما فطرت عليه النفوس من الإيمان بما تشاهد وتحس ويقع منه تحت تأثير السمع والبصر وبين ما تقرره العقول السليمة ولا يتنافى مع الفطر المستقيمة، وتلك الطريقة تميز بها القرآن الكريم مما لا تجده في كتب الحكمة النظرية. وكان منهج القرآن ن في استدلاله على البعث كما يلي:
أولا: الاستدلال على البعث بمن أماتهم الله ثم أحياهم، كما اخبر الله - تعالى - عن ذلك ومنهم:
1 - قوم موسى قال - تعالى -: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصعقة وانتم تنظرون ثم بعثنا كم من بعد موتكم لعلكم تشكرون)
2 - المضروب بعضو من أعضاء البقرة كما قال - تعالى -: (وإذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون (72) فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون). قيل إن المقتول ضرب بعضو من أعضاء تلك البقرة التي أمرهم الله إن يذبحوها كما قال موسى لهم (إن الله يأمركم إن تذبحوا بقرة) فلما ضرب به حيي واخبر بقاتله ثم عاد ميتا كما كان.
3 - الذين اخبر الله عنهم بقوله - تعالى -: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال الله لهم موتوا ثم أحياهم).
وهؤلاء قوم من بني إسرائيل وقع فيهم الوباء ففروا هاربين، قال ابن عباس: " كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا نأتي أرضا ليس بها موت فأماتهم الله - تعالى - فمر بهم نبي فدعا الله فأحياهم "
4 - (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال آني يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعله آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم إن الله على كل شيء قدير).
5 - سؤال إبراهيم - عليه السلام - عن كيفية أحياء الموتى، قال - تعالى -: (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم إن الله عزيز حكيم).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/46)
وقد ذكر المفسرون لسؤال إبراهيم - عليه السلام - هذا أسبابا منها: أنه لما قال لنمرود (ربي الذي يحي ويميت) أ حب أن يترقى من علم اليقين بذلك إلى عين اليقين وأن يرى ذلك مشاهدة.
أما قوله - تعالى -: (فصرهن إليك) فقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: أوثقهن فلما أوثقهن ذبحهن، ثم جعل على كل جبل منهن جزءا فذكروا أنه عمد إلى أربع من الطير فذبحهن ثم قطعهن ونتف ريشهن ومزقهن وخلط بعضهن ببعض ثم جزأهن أجزاء، وجعل على كل جبل منهن جزءا، قيل أربعة وقيل سبعة، قال ابن عباس: أخذ رؤوسهن بيده ثم أمره الله - عز وجل - أن يدعوهن فدعاهن كما أمره الله - عز وجل -. فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش، والدم إلى الدم واللحم إلى اللحم، والأجزاء من كل طائر يتصل بعضها إلى بعض، حتى قام كل طائر على حدته وأتينه يمشين سعيا ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها، وجعل كل طائر يجيء ليأخذ رأسه الذي في يد إبراهيم - عليه السلام - فإذا قدم له غير رأسه يأباه فإذا قدم إليه رأسه تركب مع بقية جسده بحول الله وقوته ".
6 - ما أخبر الله به عن عيسى - عليه السلام - من أنه كان يحيي الموتى بإذن الله كما قال - تعالى -: (ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ ألاكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله).
7 - ما أخبر الله من قصة أصحاب الكهف.
وهذه الأدلة المتقدمة أدلة مادية حسية، وقعت كلها لتدل على أحياء الموتى بعد مماتهم وهذا برهان قطعي على القدرة الإلهية وقد أخبر الله ورسله عن وقوع البعث والحشر فوجب القطع بذلك لأنه أخبر به من ثبت صدقه عمن ثبتت قدرته.
ثانيا الاستدلال على البعث بالنشأة الأولى:
ومن الآيات الدالة على ذلك ما يلي:
1 - قال - تعالى -: (يا أيها الناس كنتم في ريب من البعث فِانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقه ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شئ قدير (6) وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور).
في هذه الآيات دليلان على إمكان البعث، أحدهما دليل في الأنفس والآخر دليل في الآفاق، فأما الدليل الذي في الأنفس فهو ما اشتمل عليه صدر الآية وهو متعلق بالنشأة الأولى، وأما الدليل الآفاقي فهو قو له - تعالى -: (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج).
وهو الاستدلال بخلق النبات على إمكان البعث كما سيأتي.
1 - قوله - تعالى -: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهى رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم).
قال مجاهد وعكرمة وعروة بن الزبير والسدي وقتادة جاء أبي بن خلف لعنه الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده عظم رميم وهو يفته ويذروه في الهواء وهو يقول: يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " نعم يميتك الله - تعالى - ثم يبعثك ثم يحشرك إلى النار " ونزلة هذه الآيات من آخر يس،.
وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: إن العاص بن وائل أخذ عظما من البطحاء ففتته بيده ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " نعم يميتك الله ثم يدخلك جهنم " قال: ونزلت من آخر يس.
وسواء كانت هذه الآيات قد نزلت في أبي بن خلف أو العاص أو فيهما فهي عامة في كل من أنكر البعث، ذكره ابن كثير.
3 - قوله - تعالى -: (وقالوا أئذا كنا عظما ورفاتا أءنا لمبعوثون خلقا جد يدا قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/47)
إن شبهات المنكرين للبعث تكاد تكون متجانسة لأنها تدور حول استبعاد جمع الأجزاء بعد تفرقها وإعادة الحياة إليها بعد فنائها وهذه الشبه لا تكون إلا بالقدح في كمال علم الله المحيط بكل شيء وكمال قدرته على كل شيء، وقد قام البرهان على كمال العلم والقدرة لله - تعالى -، فلا وجه للاستبعاد والاستغراب بعد ذلك، وفي قوله - تعالى -: (قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم). يعنى به أنكم مهما تفرقتم وعلى أية حال كنتم فالله قادر على إعادة الحياة إليكم مرة أخرى، مع أن المنافاة بين الحجرية والحديدية وبين قبول الحياة أشد من المنافاة بين العظمة وبين قبول الحياة وذلك أن العظم قد كان جزءا من بدن الحي، أما الحجارة والحديد فما كانا البتة موصوفين بالحياة.
وفي قوله - تعالى -: (فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة). استدلال بالنشأة الأولى على الثانية وهذا هو الشاهد من الآية، أما قولهم (متى هو؟) فهو سؤال فاسد كما ذكره الرازي، لأنهم حكموا بامتناع الحشر والنشر بناء على الشبهة التي حكيناها، ثم إن الله - تعالى - بين بالبرهان الباهر كونه ممكنا في نفسه فقولهم متى هو؟ كلام لا تعلق له بالبحث الأول فانه متى ثبت بالدليل العقلي كونه ممكن الوجود في نفسه وجب الاعتراف بإمكانه، فأما أنه متى يوجد فذاك لا يمكن إثباته من طريق العقل بل إنما يمكن إثباته بالدلائل السمعية فان أخبر الله - تعالى - عن ذلك الوقت المعين عرف و إلا فلا سبيل إلى معرفته.
2 - قوله - تعالى -: (وهو الذي يبدؤوا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) في هذه الآية استدلال على البعث بالقياس الأولوي، وفي قوله - تعالى -: (وهو أهون عليه) ضرب مثل لأنه لا يوجد بالنسبة لله - تعالى - شيء هو أسهل وشيء هو أصعب وإنما المقدورات عندنا نحن متفاوتة في العسر واليسر باختلاف القدرة التي تزيد وتنقص في حقنا، ولما كان إيجاد شيء لا من شيء مستحيلا منا، وإيجاد شيء من شيء ممكنا استعار كلمة أفعل، وضرب ذلك مثلا، ولما استحال في حقه العجز والضعف عن إيجاد شيء لا من شيء قال: (وله المثل الأعلى) وذلك مطرد في سائر صفاته - سبحانه - من العلم والقدرة والحياة والرحمة والرضى والغضب، وكل صفة وصف بها الإنسان من ذلك فان لله - تعالى - من ذلك ما يليق بجلاله وعظمته وللمخلوق ما يليق بعجزه وضعفه.
3 - قوله - تعالى -: (ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف ابعث حيا (66) أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يكن شيئا).
بهذا المنطق الصحيح والبرهان القاطع يرد القرآن الكريم على ذلك المنكر ويجادله في أسلوب هادئ محكم فيلزمه الحجة الواضحة في أقل من نصف سطر، وفي الآية كما ترى استدلال على المعاد بالنشأة الأولى.
ثالثا: الاستدلال على إمكان البعث بخلق الأكوان، مثل السماوات والأرض، فان خلقها أعظم من خلق الإنسان، ومن الآيات الدالة عليه ما يلي:
1 - قوله - تعالى -: (وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أءنا لمبعوثون خلقا جديدا (98) أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه).
2 - قوله - تعالى -: (أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم).
3 - وقال - تعالى -: (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعيا بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى بلى انه على كل شيء قدير).
وجميع الآيات السابقة وما في معناها من الآيات أكبر برهان على قدرة الله المطلقة التي لا تقيد بقيود ولتنتهي عند حدود، فان تلك الآيات الكونية مما هو معروف ببداهة العقول أن خلقها أعظم من إعادة خلق الإنسان.
رابعا: الاستدلال على إمكان البعث بخلق النباتات المختلفة: ومن الآيات ما يلي:
1 - قوله - تعالى -: (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه إلى بلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون).
2 - قوله - تعالى -: (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/48)
3 - قوله - تعالى -: (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى انه على كل شيء قدير).
4 - قوله - تعالى -: (وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزروع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك للآيات لقوم يعقلون)
وقوله: (وان تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أءنا لفي خلق جديد).
وفي هذه الآيات السابقة استدلال بتبدل أحوال النباتات من حياة إلى موت فحياة، وسلب خاصية النشوء والنماء في بعض النباتات فتهمد وتتفتت ثم تسقى بالماء فتعود إلى إليها تلك الخاصية، فلو كان مستحيلا إعادة الحياة إلى الإنسان مرة أخرى لما عادت الحياة إلى النباتات المختلفة بعد موتها لأن المشابهة واضحة في القدرة الإلهية في إعادة الحياتين سيرتهما الأولى ولهذا لفت القرآن الكريم أنظار المنكرين إلى التبصر في الموجودات الحسية واستنتاج العظات والعبر منها ليعود للنفس إيمانها فتسعد بالطمأنينة والاستقرار، وقد تقدمت المشابهة بين إعادة الحياة إلى النبات بالمطر وإعادة بناء الأجساد وإنباتها بالمطر الذي يجعله الله عند البعث وهو مطر كمني الرجال فتنبت منه الأجساد. وفي قوله - تعالى -: (وان تعجب فعجب قولهم) .. الآية إشارة إلى إن العجب يكون من إنكارهم لا من البعث ومعناه: إن كان لك عجب من شيء فمن إنكارهم البعث، فاعجب لأن العجب ما ندر وجوده وخفي سببه، وليس البعث مما ندر، وهم يشاهدون أحياء الأرض بعد موتها، واكتساء الأشجار بعد عريها، وعود النهار بعد زواله، والليل بعد ذهابه، وإخراج الحي من الميت والميت من الحي، ولا مما خفي سببه فان الله - سبحانه - هو الفاعل لذلك والمخترع له والقادر عليه وحكمته إظهار ما استتر عن خلقه من تدبيره، وما النشأة الثانية بأعجب من الأولى.
خامسا: الاستدلال على إمكان البعث بحصول أحد المتضادين، فان الأحياء بعد الموت لا يستنكر من حيث أنه يحصل الضد بعد حصول الضد، إلا أن ذلك غير مستنكر في قدرة الله - تعالى - لأنه لما جاز حصول الحياة مرة أخرى بعد الموت؟ فان حكم الضد ين واحد قال - تعالى - مقررا لهذا المعنى: (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين).
سادسا: الاستدلال على البعث والإعادة بإخراج النار من الشجر الأخضر:
1 - قال - تعالى -: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون).
2 - قال - تعالى -: (أفرءيتم النار التي تورون (71) ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون).
وفي الآيتين السابقتين استلال بتوليد النار مع حرها ويبسها من الشجر الأخضر مع برده ورطوبته
قال الفخر الرازي في قوله - تعالى -: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا). الآية " ووجهه هو أن الإنسان مشتمل على جسم يحس به حياة سارية فيه وهي كحرارة جارية فيه، فان استبعدتم وجود حرارة وحياة فيه فلا تستبعدوه فان النار في الشجر الخضر الذي يقطر منه الماء أعجب وأغرب، وأنتم تحضرون حيث منه توقدون وان استبعدتم خلق جسمه فخلق السماوات والأرض أكبر من خلق أنفسكم فلا تستبعدوه فان الله خلق السماوات والأرض "، وفي هذا عبرة عظيمة فان الله - تعالى - جمع في الأخضر بين الماء والنار والخشب فلا الماء يطفئ النار ولا النار تحرق الخشب. وفي قوله - تعالى -: (أفر أيتم النار التي تورون) الآيات إما أن يراد من الشجرة النار الشجرة التي توري النار منها بالزند والزندة كالمرخ والعفار، أو يراد بها الشجرة التي تصلح لإيقاد النار كالحطب فإنها لو لم تكن لم يسهل إيقاد النار، ووجه دلالة النار على البعث أن النار تكمن في الشجر والحجر ثم تظهر بالقدح وتشب بالنفخ، فالحجر، والشجر كالقبر والقدح والنفخ كالنفخة في الصور.
ثامنا: الاستدلال على البعث بأن حكمة الله وعدله يقتضيان البعث والجزاء. فان الله - تعالى - لم يخلق الناس عبثا ولن يتركهم سدى قال - تعالى -: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى).
وقال - تعالى -: (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) ’ فعدل الله وحكمته وإحقاقه الحق وإبطاله الباطل وإعطاؤه كل ذي حق حقه وتميزه بين الخبيث والطيب والمحسن والمسيء كل ذلك يأبى إلا أن يكون هناك يوم آخر بعد نهاية الدنيا ينال فيه كل إنسان جزاؤه وما يستحقه من الثواب والعقاب على ما قدم من خير أو شر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/49)
فإننا نرى أناسا يفارقون الدنيا وهم ظالمون لم يقتص منهم، ونرى أناسا آخرين يفارقون الدنيا مظلومين لم ترد إليهم مظالمهم، ونرى أشرارا في الدنيا منعمين ونرى أخيارا فيها معذبين فإذا ذهب كل إنسان بما فعل إن ظالما أو مظلما محظوظا أو مهضوما كان ذلك خدشا في عظمة الألوهية وعدلها وقضائها، فلابد إذن من يوم يحضر الجميع فيه بين يدي الله ليقتص من الظالم للمظلوم ولينال كل من المحسن والمسيء جزاءه كما قال - تعالى -: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين).
وقال - تعالى -: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محيا هم ومماتهم ساء ما يحكمون) ولهذا ه المعاني قال بعض الحكماء " ثبت أن الله - عز وجل - حكيم والحكيم لا ينقض ما بنى إلا لحكمة أتم من حكمة النقض ولا يجوز أن تكون أنقص ولا مماثلة على مالا يخفى ".
تاسعا: الاستلال على البعث بحصول اليقظة بعد النوم، فان النوم أخو الموت واليقظة شبيهة بالحياة بعد الموت.
قال - تعالى -: (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعلمون). ثم ذكر عقبه أمر الموت والبعث فقال - تعالى -: (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون (61) ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين)، قال - تعالى - في آية أخرى (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).
والمراد منه الاستدلال بحصول هذه الأحوال على صحة البعث والحشر والنشر كما ذكره الرازي وغيره.
هذه لمحة موجزة عن إمكان البعث وتحقق حصوله في ضوء القرآن الكريم.
-------------------------------
-------------------------------
الجوانب الدعوية في حياة المجدد 12/ 4/1425
محمد بن عبد العزيز الخضيري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد:
إن من القضايا المغفلة في حياة شيخ الإسلام الإمام المجدد: محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – دراسة الجوانب الدعوية في حياة الشيخ ودعوته إذ كان التركيز في غالب ما كتب عنه منصباً على حياته وحقيقة دعوته ومؤلفاته ورسائله وأثر دعوته على الأمة جمعاء وعلى من جاؤوا بعده من أهل الإصلاح خاصة.
ولم تستوف بعد الجوانب الدعوية في حياته، بحيث تكون هناك دراسات حول دعوة الشيخ وأساليبه الدعوية ومقومات نجاح الدعوة، وصفات الشيخ الدعوية، وسمات دعوته، وقد عثرت على بعض الدراسات لكنها قليلة من جهة أو قد اقتصرت على جانب ولم تشتمل على الجوانب كلها، ولا يفوتني في هذا المقام الإشادة بالرسالة الماتعة التي كتبها الشيخ عبد المحسن الباز _وفقه الله_، وعنوانها (رسائل الإمام محمد بن عبد الوهاب الشخصية دراسة دعوية)، فقد أجاد فيها وأفاد، وأبدع في إبراز الجانب الدعوي في رسائل الشيخ، لكن بقيت بقية الجوانب والأبعاد الدعوية في حاجة إلى دراسات مماثلة والميدان شحيح والحاجة ماسة.
والذي يدعونا إلى طرق هذا الجانب عدة أسباب:
1 - حاجة الدعاة إلى رؤية تجارب دعوية ناجحة.
2 - إن دعوة الشيخ تعد قريبة نسبياً من واقعنا الذي نعيشه.
3 - إن دعوة الشيخ كتب لها النجاح، وحققت ما أخفقت في تحقيقه كثير من الدعوات.
4 - كون الشيخ ممن جمعوا بين العلم والدعوة والعمل.
5 - حرص الشيخ على اتباع السلف وإحياء السنن، فالدعوة تكون أقل عثاراً، وأفضل في جانب الاقتداء.
وبما أن الحديث عن الجوانب الدعوية في حياة المجدد طويل لا تكفيه مقالة ولا محاضرة فإني سأكتفي هنا بذكر أهم ما يتعلق بالموضوع في نقاط مختصرة إيقاظاً وتنبيهاً، ولعل الله ييسر الكتابة حول هذا الموضوع بتفصيل وبيان، والله الموفق والمعين.
1 – الاتصال بولاة الأمر ودعوتهم:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/50)
منذ بدأ الشيخ دعوته في العيينة لم يجعل بينه وبين الأمراء حاجزاً يمنعه من الوصول إليهم وتبليغهم دين الله، وقد حصل الشيخ مراده عندما استجاب له أمير العيينة عثمان بن معمر، ولما تغير عليه، انتقل الشيخ بدعوته إلى أمير الدرعية محمد بن سعود الذي وفقه الله لقبول هذه الدعوة وحماية قائدها.
2 – توزيع المسؤوليات:
لم يستأثر الشيخ في إدارة الدعوة بجميع الأدوار لمعرفته بأن الدعوة جهد جماعي يجب أن تتضافر فيه الجهود ويجتمع على القيام به ذوو التخصصات المختلفة، ولذا كان الشيخ يرسل بعض طلابه إلى أهل المناطق لتعليمهم أو لمناظرة المخالفين، كما أرسل مجموعة من الطلبة ليقوموا بدعوة بعض المخالفين ومذاكرته وتوضيح التوحيد له، وكان يعين الأمراء، ويدعو الوفود للالتقاء بهم وتذكيرهم بواجبهم.
3 – تنظيم الأوقات:
كانت دعوة الشيخ وحياته تسير بانضباط لتحقيق أقصى الثمرات بأقل جهد ووقت ممكن، ولذا كان الشيخ ينظم أوقاته بين إلقاء الدروس والتأليف ومراسلة السائلين وكتابة الفتاوى وفي الليل كان هناك وقت للعبادة والتهجد.
4 – التدرج في الدعوة والإنكار:
لا يخفى أن قبول الناس لأي دعوة لا يمكن أن يتم دفعة واحدة، بل يؤخذ جرعات حتى يستسيغ الناس ذلك ويقبلوه، وهذا مما طبعت عليه النفوس لا يشذ عنه إلا نزر يسير من البشر، ولذا كان الشيخ يكتفي بالإنكار على الناس عندما يراهم حول قبة زيد بن الخطاب بقوله: الله خير من زيد، ولكنه - رحمه الله – لما وجد قبولاً من أمير العيينة شجعه ذلك على أن ينكر على أهل القبور شركهم وبدعهم باليد بعد أن أخذ الإذن من عثمان بن معمر بهدمها، بل إنه أصر على أن يصحبه الأمير عثمان بنفسه لهدمها.
5 – التخطيط للدعوة:
التخطيط لأي أمر جوهر النجاح له، وقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يخطط لدعوته ونشر دين الله في الأرض وعلى منهجه سار المصلحون في الأرض، لقد كان الشيخ المجدد يخطط للدعوة بطريقة فذة، ويظهر ذلك في ميادين كثيرة، منها: أنه لما أراد قطع شجرة الذيب خرج إليها بنفسه سراً يريد قطعها، إذ إن قطعها علانية له آثار سلبية على الدعوة والداعية لا تحمد عقباها، ومنها: مراعاة أحوال المدعوين، فللعامة كتب ورسائل وللعلماء وطلبة العلم كتب أخرى مناسبة لهم.
6 – مشاركته الفاعلة في أمور الدولة:
لم يكن الشيخ أستاذاً في جامعة أو محاضراً في مسجد أو داعية بين الجمهور فقط، بل كان _رحمه الله_ يمارس الإصلاح الاجتماعي، والتوجيه السياسي، والإدارة بكل صورها وأبعادها، لقد كان – رحمه الله – يعين الأمراء أحياناً، وربما ذهب بنفسه لحل بعض المشاكل في المناطق المجاورة، ويتولى قسمة الأموال ويختار القضاة ويرسل الدعاة.
7 – توظيف التأليف لخدمة الدعوة:
تكاد تكون مؤلفات الشيخ كلها في خدمة دعوته ولم تكن بمنأى عنها، وما كان الشيخ يكتب ويؤلف ترفاً فكرياً أو ليثري المكتبة الإسلامية أو ليزيد من أعداد المؤلفات، لكنه كان يؤلف ليعدو ويصلح، وتكون مؤلفاته رافداً عظيماً من روافد انتشار الدعوة، ولذا كتب لتلك المؤلفات البقاء، وسارت مسير الشمس، وشرقت بها الركبان وغربت، وكثرت شروحها، وعظم انتفاع الخلق بها، ولم تقتصر مؤلفاته على التأصيل لجوانب علمية بحتة لا يفهمها إلا طلاب العلم وشراة المعرفة، بل كتب حتى لعامة الناس وخطباء المساجد ومصلحي المدارس.
8 – محو الأمية الدينية:
جاء الشيخ في وقت تكاد معالم الإسلام فيه أن تندرس، وحل بالمسلمين زمان عاد فيه كثير منهم إلى أفعال الجاهلية، ونسيت معالم الدين وأركانه، فقام الشيخ - رحمه الله – بجهد عظيم في هذا الباب قل من يتفطن له من الدعاة، وهو محو الأمية الدينية في المجتمع، وكان هذا المشروع الجبار من أبرز مشاريع الشيخ العملية، حيث كتب الشيخ بعض مؤلفاته لخدمة هذا الجانب كالأصول الثلاثة والقواعد الأربع، وتلقين أصول العقيدة للعامة، وثلاث مسائل يجب تعلمها على كل مسلم ومسلمة؛ لتدرس للعامة من رجال ونساء وبادية وحاضرة، وتقرأ عليهم في مساجدهم، ويرددها الدعاة والأئمة عليهم صباح مساء، ويطالبونهم بحفظها كل يوم بعد صلاة الفجر، حتى صار العامة من أتباع الشيخ خيراً من بعض العلماء في مناطق أخرى لمعرفتهم بأصول الدين وحفظهم لها واستمساكهم بها وإدراكهم التام لها.
9 - المراسلة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/51)
كان الشيخ يراسل المدعوين، سواء كانوا من طبقة العلماء أو طلاب العلم أو الأمراء والأعيان أو عموم الناس، وكان الشيخ يدرك ما لهذه الوسيلة من أثر بالغ في مخاطبة المدعو والوصول إلى عقله وقلبه، وتحريك عوامل التأثر في نفسه، وكانت أحياناً جواباً لخطاب أرسل إليه، أو دفعاً لشبهة، أو حلاً لمعضلة، أو دعوة مباشرة، أو إيضاحاً لحقيقة ما يدعو إليه وإزالة الغبش الذي يطرح حوله، وغالب تلك الرسائل كان بعد المعاهدة المشهورة التي وقعت بينه وبين الإمام محمد بن سعود، وكان _رحمه الله_ يطلب أحياناً من بعض الشخصيات المهمة التعليق على رسائله أو تقريظها ليكون سبباً لقبولها، وكان يأمر بنسخ بعض رسائله المهمة لتبعث إلى الأقطار لقراءتها على الناس، وقد أفاض الأستاذ عبد المحسن الباز في رسالته الآنفة الذكر في هذا الجانب بما لا مزيد عليه، وقد بلغت رسائل الإمام الشخصية ستاً وستين رسالة ضمنها الكثير من الأساليب والمضامين الدعوية المهمة.
10 – الدعوة الفردية:
وهي الدعوة الموجهة إلى فرد بعينه يستعمل فيها الداعية عدداً من الأساليب والوسائل للتأثير عليه، وهذا النوع من الدعوات من أنفع الأساليب في التأثير على المدعوين وكسبهم وإقناعهم وإزالة الحواجز الوهمية بينهم وبين الداعية، وتحتاج من الداعية إلى مخالطة المدعو والتعرف على أحواله وأخلاقه، وقد كان ا لمجدد - رحمه الله – يمارس هذا الدور بقوة وكسب عن طريقه أنصاراً كان لهم أعظم الأثر في نشر الدعوة، ومن ذلك:
لما قام الشيخ بترك حريملاء قاصداً العيينة نزل على أميرها عثمان بن معمر، وعرض عليه دعوته ونصرته، ووعده بالعز والتمكين إن هو نصر دين الله، وقَبِل ابن معمر ذلك ونصر الدعوة إلا أن تهديدات أمير الأحساء خوفته، ولذا قام الإمام بزيارة ابن معمر ووعظه وذكره بالله، ودعا مرة أحد المدعوين لزيارته، وأخبره أن الأمر إن كان شاقاً عليه فإن الإمام سيتوجه إليه ويزوره بنفسه، بل كان - رحمه الله – يدعو مخالفيه إلى الجلوس معه للمناقشة وإزالة الإشكال.
ولا يخفى أن كثيراً من الوسائل تبقى صامتة تخاطب عقل المدعو دون أن تحرك عواطفه وحواسه ولا يتعرف المدعو على الداعية إلا من جانب واحد لكن عبر اللقاء تزول كثير من الأوهام ويتعرف المدعو بحواسه كلها سمعه وبصره وفكره وقلبه على الداعية، وهذا أبلغ في التأثير وأوقع في النفس ولذا لما أطال في إحدى رسائله إلى عبد الله بن عيسى وابنه عبد الوهاب اعتذر عن الإطالة خوفاً مما قد تحدثه من سوء الفهم وأكد على ضرورة اللقاء، فقال: "وأخاف أن يطول الكلام فيجري فيه شيء يزعلكم، وأنا فيّ بعض الحدة، فأنا أشير عليكم وألزم أن عبد الوهاب يزورنا، سواء كان يومين وإلا ثلاثة، وإن كان أكثر يصير قطعاً لهذه الفتنة، ويخاطبني وأخاطبه من الرأس" (مجموع مؤلفات الشيخ 5/ 315).
11 - الفتاوى:
لم يكن الشيخ داعية محنكاً فحسب، ولكن كان عالماً متضلعاً من فنون الشريعة متأهلاً للفتيا، رحل في طلب العلم ولقي المشايخ الكبار وقرأ الأمهات وحصل المطولات، ولذا تلقى الناس فتاواه بالقبول، وراسلوه طلباً للإجابة على أسئلتهم، وقد استثمر الشيخ هذا الجانب في نشر دعوته وبيانها وإزالة اللبس عنها وكان لبعض فتاواه أثر كبير في هداية بعض المدعوين واستبانة الحق لهم بعد أن أثارت جدلاً واسعاً في المجتمع وقوبلت بتأييد ورد عريضين، ومن ذلك: أنه لما كان في العيينة أفتى بكفر بعض الطواغيت الذين زينوا للناس أن يصرفوا لأشخاصهم بعض العبادة التي لا تكون إلا لله، فأشكل الأمر على بعض علماء الدرعية وأئمة المساجد فيها فأرسل لهم الشيخ رسالة يوضح لهم فيها حقيقة القضية ويبين الأدلة الشرعية للفتوى، وكانت هذه الفتوى سبباً في هداية كثير من الناس واستبانتهم للحق، ولم يكن ممن يتعصبون لآرائهم أو يتنقصون علماء الإسلام في فتاواهم، بل كان متواضعاً يخضع للحق ويعلن على الملأ قبوله متى استبان، ويقول: "فإذا أفتيت أو عملت بشيء وعلمتم أني مخطئ وجب عليكم تبيين الحق لأخيكم المسلم" (مجموع مؤلفات الشيخ 5/ 241).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/52)
ولم يكن الشيخ يتبرم من كثرة أسئلة الناس أو يستثقلها، بل كان يستحث المدعوين على الأسئلة، ويؤكد أنه (لا يزعل من ذلك)، وكان - رحمه الله – يؤكد على عدم انتقاص العالم واطراح محاسنه لأجل مسألة أو مئة أو مئتين أخطأ فيها هذا العالم، بل الواجب إرشاده للصواب والإبقاء على مودته وعلو منزلته (المرجع السابق ورسالة الباز 1/ 133).
12 - الموعظة:
لا شك أن المواعظ سياط ا لقلوب تحرك الكسلان وتوقظ الغافل وتنبه المهمل، ولذا نجد الشيخ – رحمه الله – لا يكتفي بذكر الأدلة والبراهين على صحة الدعوة، بل إذا وجد من يعرف الحكم ولم ينقد له ذكره بالجنة والنار والقبر وعذابه، ورهبة الوقوف بين يدي الله _جل وعلا_ يقول لأحد المدعوين: "فتضرع إلى الله بقلب حاضر خصوصاً في الأسحار أن يهديك للحق ويريك الباطل باطلاً، وفر بدينك فإن الجنة والنار قدام، والله المستعان" (مجموع المؤلفات 5/ 305)، ويحذر أحدهم من معاونة المشركين لأجل تنمية المال قائلاً له في رسالته إليه: "فإن الخلود في النار جزاء الردة الصريحة ما يُسوى (أي: يساوي) بُضَيعة (تصغير بضاعة) " (المرجع السابق 5/ 224).
13 – الإغلاظ بالقول:
عندما لا تنفع الملاينة ولا تجدي البراهين فإنه قد تنفع الغلظة بالقول مع مراعاة حدود الشرع وإدراك العواقب، ولذا قال موسى لفرعون: "قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً" (الإسراء:102)، وقد أغلظ الشيخ بالقول لأقوام بعد أن استنفذ كافة الأساليب اللينة معهم، فقال: "وأنت لا تلمني على هذا الكلام، تراني استدعيته أولاً بالملاطفة، وصبرت منه على أشياء عظيمة، والآن أشرفت منه على أمور ما ظننتها" (مؤلفات الشيخ 5/ 141).
14 – التهديد والتخويف:
وهو آخر دواء يستنفذه الداعية عندما لا تجدي كافة الوسائل مع المدعو، ولا شك أن بعض النفوس قد لا ينفع معها إلا هذا الأسلوب من الإنكار، وقد خاطب الإمام مرة أحد خصومه، الذي ظهر له أنهم يعادونه عناداً بعد قيام الحجة عليهم، فيقول الشيخ مهدداً متوعداً إن لم يتوبا إلى الله ويكفا عن محاربة دينه فإنه يفتي الناس بعدم الصلاة خلفهما، وعدم قبول شهادتهما، ووجوب عداوتهما (مجموع المؤلفات 5/ 226)، بل إنه دعا إلى المباهلة بعض مخالفيه تهديداً لهم وبياناً بأنهم مبطلون وإعلاماً باستيقان الشيخ بما يدعو إليه، فقال: "وأنا أدعو من خالفني إلى أحد أربع: إما إلى كتاب الله، وإما إلى سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وإما إلى إجماع أهل العلم، فإن عاند دَعَوْته إلى المباهلة، كما دعا إليها ابن عباس في بعض مسائل الفرائض" (مؤلفات الشيخ 5/ 226).
15 – الحوار والمناظرة:
قال _تعالى_: "وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل: من الآية125)، وقد حير الشيخ خصومه عندما استخدم هذه الوسيلة لما أوتيه من قوة حجة وسعة علم ودعوة حق وحدة ذكاء، وكان يناظر الإنسان بمذهبه إن كان شافعياً فبكلام الشافعية، أو مالكياً فبكلامهم، وهكذا.
وكان - رحمه الله – من شدة تمرسه يواجه الخصم بحججه، ويضرب أقوال الخصوم بعضها ببعض، وكان ينكر على من يحيد عن الموضوع حال المناظرة ويعرض بالذين يتهربون عن المواجهة، وكان يعلن أنه يقبل الحق متى استبان له، فليس جداله عن عصبية أو إثبات ذات أو لتعجيز خصم وإحراجه.
16 – التجرد ونشدان الحق:
كان الشيخ – رحمه الله – لا يتعصب لقول أحد كائناً من كان إلا قول الله _تعالى_ ورسوله _صلى الله عليه وسلم_، يقول - رحمه الله-: "ولست – ولله الحمد – أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم، مثل: ابن القيم، والذهبي، وابن كثير، وغيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_" (مجموع مؤلفات الشيخ 5/ 252).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/53)
ولا يخفى أن المدعو يتأثر كثيراً بمن ينشد الحق، ويسعى لطلبه ولا ينافح عن قول أحد لكونه معظماً عنده، ولا يطلب شيئاً لنفسه من محمدة أو جاه أو مال أو غير ذلك من مكاسب الدنيا ومراتبها، ولذا كان الأنبياء يصرحون لأممهم بأنهم لا يسألونهم على دعوتهم أجراً، قال الله _تعالى_ عن هود: "يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ" (هود:51)، ومثل ذلك ورد عن صالح وإبراهيم وغيرهم من أنبياء الله _صلوات الله وسلامه عليهم_.
17 – رد الشبهات والإجابة عليها:
لم يدع الشيخ – رحمه الله – الشبهات تعبث في قلوب الناس وتفسد عقولهم، فكان يرد على الشبهة أو الشبه، سواء أرسلت إليه أو سمعها أو كان يتوقع أن يقولها خصومه، ولذا كانت للشيخ مبادرات في رد الشبه قبل فشوها حماية للدعوة والمدعوين من التأثر بها، وكان رد الشيخ يتسم بالوضوح وعدم التعقيد فيستفيد منه العامي وطالب العلم وغيرهما، كما يقسم بالأصالة حيث يدفع الشبهة بالدليل من كتاب الله وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ لا بزخارف القول وتنميق الكلام، ولعل أوضح مثال على ذلك كتابه (كشف الشبهات)، وكتاب (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد).
18 – استشراف المستقبل:
هذا لون من التخطيط لمستقبل الدعوة، حين يقوم الداعية بدراسة الأوضاع الراهنة فيضع بدائل متعددة يقابل بها أي طارئ يستجد على صعيد الصراع بين الحق والباطل، ولعل من أجَلِّ الأمثلة على ذلك وأوضحها: عقد صلات مع بعض أهل الدرعية قبل أن يفارق العيينة أو يطرد منها، فكانت له صلة مع آل سويلم واثنين من إخوة محمد بن سعود، وهما: ثنيان ومشاري، بل إن كتاب تفسير سورة الفاتحة كتبه الشيخ حين كان في العيينة بناءً على طلب من ابن أمير الدرعية آنذاك، وهو: عبد العزيز بن محمد آل سعود.
19 – هجر المكان الذي لا يقبل الدعوة:
إن هجر الداعية للمكان الذي رفض الدعوة أو تردد في قبولها ولم يعرها اهتمامه، والبحث عن مكان آمن يستقبل الدعوة ويهيئ الجو المناسب لانتشارها، ولذا خرج الشيخ من حريملاء إلى العيينة؛ لأن بعض أهلها هموا بالاعتداء عليه، ولأن أمير العيينة تأثر بدعوة الشيخ وقبلها فكانت الفرصة مناسبة للانتقال؛ لأن المقصود نشر الدعوة وقيامها، وهجر الأوطان من أشق الأمور على النفوس وأصعبها، لكن الذي يحمل هم إصلاح الخلق ورفع راية الحق لا يبالي أي أرض حلّ ما دامت مصلحة الدعوة تقتضي ذلك، ولما حصل التهديد لأمير العيينة حول الشيخ وأمره بالخروج منها خرج إلى الدرعية طالباً الملاذ الآمن له ولدعوته لعل الله أن يجعل ذلك سبب انتشار الدين ورفعة أمره.
20 – مراعاة أحوال المدعوين:
إن مراعاة حال المدعو ضرورة تتوقف عليها نجاحات الداعية، والفرق بين الداعية وغيره أن الداعية يتبع الحكمة ويراعي المدعو لعله يوافق من قلبه قبولاً ومن ذهنه فهماً ومن عاطفته ميلاً واستجابة، ولذا كان تعامل الشيخ مع المدعوين مختلفاً حسب أحوالهم وظروفهم ومستويات تفكيرهم ومناصبهم، ومن تأمل كتب الشيخ ورسائله وجد ذلك جلياً ظاهراً حتى إنه ليكتب بعض عباراته بالعامية لتحقيق هدفه ومراعاته لمدعويه، لا كما في كتاب تلقين أصول العقيدة للعامة، ولما خرج إلى الدرعية وتعاقد مع محمد بن سعود راعى جانب السلطة والإمارة عنده فلم ينازعه إياها أو يدعي لنفسه ما يدعو الأمير إلى التلكؤ والرد، بل حفظ للمدعو حقه ومكانته، ومن قرأ خطب الشيخ وجد هذا المعنى في خطبه من مراعاة أحوال المدعوين، ورسائله – رحمه الله – يختلف أسلوبها باختلاف المدعو.
وختاماً:
هذه بعض الجوانب الدعوية في دعوة الشيخ وهي غيض من فيض، وقد بقيت فيها بقية، كما أن ما ذكر يحتاج في بعض الأحيان إلى بسط وتوضيح وتمثيل، أسأل الله _تعالى_ أن يوفق للقيام بذلك، ويعين عليه ويخلص الأقوال والأعمال، والله المستعان وعليه التكلان.
----------------------------
----------------------------
دعوة إبراهيم عليه السلام في القرآن
محمد بن عبد العزيز الخضيري
إن الدعوة إلى الله - تعالى - طريق الأنبياء - عليهم السلام - وأتباعهم كما قال - تعالى -: ((قُلْ هَذِهِ سَبيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبْحَانَ اللَّهِ ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ)).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/54)
وكان مما اعتنى به القرآن الكريم ذكر قصص دعوات الأنبياء، وتصويرها بأبلغ أسلوب، وعرضها بأدق عبارة، حتى أصبحت أخبارهم في القرآن نماذج حيّة يحتذيها الدعاة ويقتبسون من نورها، ويهتدون بهداها ((أُوْلَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)). وقد اخترنا دراسة موضوع الدعوة إلى الله من خلال قصة إمام الحنفاء وأبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - ولم يكن اختياري لهذه الدعوة جزافاً بل لأسباب أوجزها فيما يلي:
أولاً: أنها دعوة خليل الرحمن، ومؤسس الحنيفية، وأحد أولي العزم الخمسة من الرسل.
ثانياً: أن رسولنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد أمر باتباع ملته ((ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ)).
ثالثاً: تلك الصفات العظيمة التي تحلى بها إبراهيم حتى قال الله - تعالى - فيه (( .. وإبْرَاهِيمَ الَذِي وفَّى)) فكانت نبراساً يقتفى أثره فيها الدعاة إلى الله.
رابعاً: استغراق القرآن واستقصاؤه لأساليب إبراهيم المتنوعة في عرض دعوته على قومه، حتى إنه ليعز على الباحث أن يجد لنبي من الأنبياء خلا نبينا - صلى الله عليه وسلم - مثلما يجد لهذه الأيام من الطرائق والسبل في إقناع المدعوين وترويضهم على قبول الدعوة. ولا غرو فقد سنَّ للناس من بعده من الدعوة أساليب لم تعهد لأحد من قبله ولم تقف عند حد الكلمة بل تخطتها إلى الحركة والفعل.
خامساً: رسمت هذه الدعوة للدعاة منهاجاً في الصبر يحق لهم أن يقتدوا به، فقد صبر إبراهيم - عليه السلام - في أحوال مختلفة وظروف متباينة وأعمال متنوعة كالصبر على جفاء الأبوة، وعدوان العشيرة، وهجران الأرض، والفتنة بالنار، والأمر بذبح الولد، وغير ذلك.
وسنعرض الموضوع من خلال نماذج من صفات إبراهيم - عليه السلام - الدعوية وأساليبه في نشر دعوته.
نماذج من صفات إبراهيم الدعوية:
لن يتسع المقام لحصر تلك الصفات التي اتسم بها إبراهيم - عليه السلام - فلقد وصفه ربه بأنه وفّي جميع مقامات العبد مع ربه ولذلك سنقتصر. على جملة من الصفات ونخص بالذكر منها ما له صلة ظاهرة بدعوته، وله أثر ظاهر في الاهتداء والاقتداء به.
1 - أمة:
قال - تعالى -: ((إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً .. )) وهذه الكلمة تأتي لعدة معان، منها الجماعة ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً))، ومنها الزمان والحين ((وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ)) ومنها: الرجل الجامع لخصال الخير حتى يقوم مقام أمة من الناس، وهذا هو المقصود في حق إبراهيم، وهذه تدلنا على عظيم ما كان يتصف به إبراهيم من عبادة ودعوة وخلق حري بأن يحتذي به الدعاة في حياتهم وتزكية أنفسهم، واجتهاد أحدهم في تقويم أخلاقه والنشاط في دعوته ليقوم مقام أمة في ذلك. وقيل أن المقصود بالأمة هنا: أي الإمام، أي قدوة يقتدى به في الخير، وممن قال به ابن جرير الطبري وابن كثير.
2 - قانت:
قال - تعالى -: ((إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِّلَّهِ حَنِيفاً))، والقنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع، وكذا يجب أن يكون الداعية ملازماً لطاعة الله على كل حال، فلا يكون كالمنبت يجتهد حتى تكلّ راحلته، ثم ينقطع، بل يلازم ويستقيم.
3 - حنيفاً:
والحَنَف: الميل عن الضلال إلى الاستقامة، والحنيفُ: المائل والجنف: ضده. والأحنف: مَنْ في رجله ميل سمي بذلك تفاؤلاً، وقيل لمجرد الميل.
قال ابن كثير: الحنيف: المنحرف قصداً عن الشرك إلى التوحيد. وقد كان ذلك من إبراهيم حتى عُدَّ إمام الحنفاء الموحدين، قال - تعالى -: ((ولَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ))، وقال: ((ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ))، وهكذا فليكن أولياء الله.
4 - شاكر:
قال - تعالى -: ((شَاكِراً لأَنْعُمِهِ)) أي قائماً بشكر نعم الله عليه (وأصل الشكر) ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهوراً بيناً. يقال: شكرت الدابة: أي سمنت وظهر عليها العلف، وكذلك حقيقته في العبودية: وهذا ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافاً، وعلى قلبه: شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه: انقياداً وطاعة. والشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه، وأن لا يستعملها فيما يكره (1)، وقد كان ذلك من إبراهيم - عليه السلام -.
5 - الحلم:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/55)
قال - تعالى -: ((إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)).
والحلم: ضبط النفس والطبع عن الهيجان عند الاستثارة. والحليم: الكثير الحلم وموقف إبراهيم من مقالة أبيه ((لأَرْجُمَنَّكَ)) ومن العتاة قوم لوط حينما مرت به الملائكة وأخبرته بما أمرت بها قال: ((فلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وجَاءَتْهُ البُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ))، ولم يكن حلم إبراهيم ذريعة يتذرع للسكوت عن المنكر بل كان يعلن الحق وينكر الباطل ((وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)).
6 - أوّاه:
قال الراغب الأصفهاني: "الذي يكثر التأوه وهو أن يقول: أوّه وكل كلام يدل على حزن يقال له التأوّه، ويعبر بالأوّاه، عمن يظهر خشية الله - تعالى -" (*)، والذي يتحقق من معنى الأوّاه أنه الخاشع الدعّاء المتضرع، وكثرة تأوّه إبراهيم وتضرعه بين يدي ربه قد ذكرت في آيات كثيرة تدل على تحقيق إبراهيم ((رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وإلَيْكَ أَنَبْنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ)) وجدير بمن سلك طريق الدعوة أن يجعل تعجيل الإنابة من أبرز سماته ليكسب عون ربه وتسديده ومحبته.
7 - السخاء:
قال - تعالى -: ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ * إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًاً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ)) فذكر أن الضيف مكرمون لإكرام إبراهيم لهم، ولم يذكر استئذانهم ليدل على أنه قد عرف بإكرام الضيفان، مع أنهم قوم منكرون لا يعرفهم فقد ذبح لهم عجلاً واستسمنه، ولم يعلمهم بذلك بل راح: أي ذهب خفية حتى لا يُشعر به، تجاوباً لضيافة، فدل على أن ذلك كان معداً عندهم مهيئاً للضيفان، وخدمهم بنفسه، فجاء به ومرّ به إليهم ولم يقربهم إليه، وتلطف مبالغة في الإكرام فقال: ((أَلا تَأْكُلُونَ)). قال ابن القيم: "فقد جمعت هذه الآية آداب الضيافة التي هي أشرف الآداب، وما عداها من التكلفات التي هي تَخَلف وتكلف: إنما هي من أوضاع الناس وعوائدهم، وكفى بهذه الآداب شرفاً وفخراً فصلى الله على نبينا وعلى إبراهيم وعلى آلهما وعلى سائر النبيين" (2).
8 - الصبر:
كان إبراهيم مثلاً يحتذى في الصبر حتى استحق أن يكون من أولي العزم الذين أمر رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن يصبر كصبرهم ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)). وكان صبر إبراهيم شاملاً لابتلاءات كثيرة، سيأتي بيان جملة منها بإذن الله.
9 - رعايته لأهله:
لم يكن إبراهيم ممن يلتفت إلى الناس بدعوته ويترك أهله، بل بدأ بهم وخصهم بمزيد الرعاية والعناية وقد قال الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ((وأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) وكذلك كان إبراهيم، فدعا أباه ((يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ))، ووصى أبناءه بالتمسك بالدين ((ووَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ .. ))، وكان يدعو ((واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ))، ويتضرع بقوله: ((رَبَّنَا إنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)).
10 - شجاعته:
واجه إبراهيم قومه ولم يخش كيدهم وقال مقسماً: ((وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ))، وقوله لهم: ((أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ .. )).
وكان ذلك لعلم إبراهيم بأن معه القوة التي لا تهزم، وأن ما أصابه لم يكن يخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فرسم للدعاة منهجاً في الشجاعة المنضبطة بضوابط الشرع بلا تهور يحتذونه في مواجهة الباطل من إقرار الحق.
11 - تحقيقه الكامل لعقيدة الولاء والبراء:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/56)
قال - تعالى - عن ((فَمَن تَبِعَنِي فَإنَّهُ مِنِّي))، وقال: ((وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إلاَّ الَذِي فَطَرَنِي فَإنَّهُ سَيَهْدِينِ)) فكل عدو لله وإن قربه النسب تجب البراءة منه، وكل ولي لله وإن باعدت به الأوطان والأزمان تجب موالاته ومحبته وقد أمرنا أن نتأسى بإبراهيم في ذلك: ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدَا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحْدَهُ .. )).
12 - سلامة القلب:
قال - تعالى -: ((وإنَّ مِن شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ * إذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)) وسلامة القلب نوعان: كلاهما داخل في مضمون الآية، أحدهما: في حق الله وهو سلامة قلبه من الشرك، وإخلاصه العبودية لله، وصدق التوكل عليه. والثاني: في حق المخلوقين بالنصح لهم وإيصال الخير إليهم، وسلامة القلب من الحقد والحسد وسوء الظن والكبر وغير ذلك.
وبعد فهذه جملة مختصرة من الصفات الدعوية لإبراهيم - عليه السلام - سائلاً الله - تعالى - أن يوفقنا لاتباع ملته والسير على منهجه وبالله التوفيق.
مراحل دعوة إبراهيم
ذكر القرآن الكريم لدعوة إبراهيم - عليه السلام - ثلاث مراحل، نوجزها فيما يلي:
المرحلة الأولى:
دعوته لأبيه، وقد صورتها أبلغ تصوير آيات سورة مريم حيث يقول الله - جل وعلا - ((واذْكُرْ فِي الكِتَابِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِياً (41) إذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً (42) يَا أَبَتِ إنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِياً (43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِياً (44) يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ ولِياً (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ واهْجُرْنِي مَلِياً (46) قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إنَّهُ كَانَ بِي حَفِياً (47) وأَعْتَزِلُكُمْ ومَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِياً)) [مريم41/ 48].
لقد كانت كلمات إبراهيم تفيض حناناً وشفقة وتتدفق عطفاً ورقة، فبيّن لأبيه أن ما يعبده فاقد لأوصاف الربوبية من السمع والبصر فضلاً عن الخلق فكيف يضر أو ينفع ثم أردف ذلك ببيان ما قد أوتيه من علم وحكمة وأن دعوته فد بنيت عليهما ففي اتباعه سلوك الصراط السوي، ثم حذره من عدو البشرية الذي تلبس بمعصية الرحمن فهو جدير بأن يتخذ عدواً وأن لا يطاع بل يعصى، ثم أعلمه بشدة خوفه عليه من أن يمسه مجرد مس عذاب من الرحمن فيكون ولياً للشيطان، وأمام هذه الدعوة الحانية الرفيقة المتزنة نسمع عبارات الأب الفجة الغليظة التي تمثل صورة التقليد الأعمى وإغلاق القلب عن النظر والتأمل، ومع ذلك كله فإن الابن البار لم يواجه تلك السيئة إلا بالتي هي أحسن (سلام عليك) كحال عباد الرحمن الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا: (سلاماً) بل وعد بالاستغفار لأبيه، وذلك قبل أن يتبين له أنه عدو لله ((فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)) ثم قرر اعتزاله ليراجع الأب نفسه، ولينأى إبراهيم بنفسه عن الشر ومواطنه، وكانت رحمة الله لإبراهيم أن عوضه بأبناء صالحين بررة عن أولئك القوم الفجرة.
المرحلة الثانية:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/57)
دعوته لقومه. بعد أن دعا إبراهيم أباه لقربه توجه بالدعوة إلى قومه، وكانوا فيما قبل قسمان، منهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد الكواكب، وقيل: إنهم كانوا يعبدون الكواكب ويصورون أصناماً على صورها يعبدونها ويعكفون عليها، وعلى أي، فقد أبطل كلا المعبودين بالأدلة القطعية وبين وهاء ما هم عليه من العبادة، وبدأهم بالدعوة إلى توحيد الله بالعبادة وتقواه وبين لهم أن ما يعبدون ما هو إلا إفك مفترى، وأنها لا تملك لهم رزقاً فليعبدوا من يملك رزقهم، ثم أخبرهم بأنه مبلغ لا يستطيع هدايتهم إلا بإذن الله، ولفت أنظارهم إلى أن مصيرهم إن لم يستجيبوا للدعوة مصير أمثالهم فقد سبقهم على ذلك أمم ولحقهم من ربهم من النكال والعذاب ما لا يخفي عليهم، قال - تعالى - ((وإبْرَاهِيمَ إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * إنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وتَخْلُقُونَ إفْكاً إنَّ الَذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ واشْكُرُوا لَهُ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وإن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ومَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ)) [العنكبوت: 16 - 18].
- ولقد سلك إبراهيم في إقناع قومه مسلك المساءلة عن جدوى أصنامهم، هل تنفع أو تضر أو تسمع الدعاء، فما وجد إلا التبعية العمياء ((واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إبْرَاهِيمَ * إذْ قَالَ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)) فما كان من إبراهيم إلا أن أعلن البراءة مما هم عليه، وأوضح سبب ذلك وسبب قصره العبادة على الله ((قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ * الَذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ * وإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ… الآيات)) [الشعراء: 69 - 80].
- وبدأ القوم يراوغون فيما عرضه عليهم إبراهيم إلا أنه ما كان من إبراهيم إلا إعلان النكير، وبيان الحق فعلاً لا قولاً فحسب ودخل بهذا مرحلة خطرة من مراحل إقناع القوم بعدم جدوى أصنامهم وفي هذا يقول الله - تعالى - ((ولَقَدْ آتَيْنَا إبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إذْ قَالَ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ الَذِي فَطَرَهُنَّ وأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ)) [للأنبياء: 51 - 56] ولم يكتف القوم بهذه المراوغة مع إبراهيم بل دعوه للخروج معهم إلي عيد من أعيادهم ولكنه اعتذر عن الخروج بتورية ((فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ)) [الصافات: 88 - 90] وقال عند ذلك ((وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)) فسمعها بعض القوم، وبادر إبراهيم ((فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)) لقد ورطهم إبراهيم في هذه الإجابة وهذا ما كان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/58)
يريده ليندفع بكل قوة مخاطبا عقولهم إن كانت لهم عقول: ((قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً ولا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) وهنا لم يجد القوم بدا من تدبير المؤامرة عليه والتخلص منه ((قَالُوا حَرِّقُوهُ وانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وسَلاماً عَلَى إبْرَاهِيمَ * وأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ)) [الأنبياء: 51 - 70].
أما عبادتهم للكواكب فقد سلك في دحض تعلقهم بها سبيل المناظرة وذلك فيما حكاه الله عنهم في سورة الأنعام، وسيأتي إن شاء الله تفصيل ذلك في رسائل إبراهيم العملية.
المرحلة الثالثة:
دعوته للملك، حين ناظره في ربه وذلك فيما حكاه الله - تعالى - عنهم في سورة البقرة فقال: ((أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ إذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ: ... )) وتفصيل ما وقع فيها آت بإذن الله في الوسائل، وهذه المناظرة كانت فيما يظهر بعد نجاة الخليل من النار كما ذكره السدي ويدل عليه: أن العادة جارية بأن الأنبياء يبدأون بتكوين قاعدة شعبية حتى يكون للدعوة ثقل ثم يلتفتون إلى القيادة ليدعوها، وأيضاً، فمن عادة خصوم الدعوة ملاحقة الداعية وإحراجه ليفضح أمام الناس خصوصاً وأن إبراهيم بعد نجاته من النار بمعجزة التفتت إليه الأنظار وتعجب الناس من ربه الذي نجاه فبادر الملك إلى مناظرته ليوقعه في الحرج ظنا منه أن إبراهيم قد ينهزم في المناظرة، وما علم أنه المؤيد من عند الله وهو سيد المناظرين، ومنظرهم الأكبر، والمجادل عن حوزة التوحيد وحمى الملة بكل ألوان الجدل.
- ولا نستطيع الجزم بأن هذه المناظرة كانت بعد النجاة لكنه الذي يظهر من خلال ما تقدم من الأدلة والله أعلم.
أساليب إبراهيم في الدعوة
أولاً: الأساليب النظرية
1 - تقرير توحيد الألوهية ببيان دلائل الربوبية:
جميع دعوات الرسل قائمة على تقرير توحيد الألوهية الذي من أجله خلق الله الثقلين ((ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ))، وهو الذي اختلف الناس فيه، ووقع لديهم بسببه زيغ عظيم، ولذلك أخبرنا الله عن هدف بعث الرسل بقوله ((ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)).
أما توحيد الربوبية: فأكثر الناس متفقون عليه، وهو الإقرار لله بالخلق والتدبير والملك ((ولَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)) وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، فالذي يستحق العبادة وحده هو الذي يخلق ويرزق، ويحي ويميت، وينفع ويدفع، ويملك ويدبر، وقد بيّن الأنبياء لأقوامهم هذا أتم بيان، ومنهم إبراهيم ((إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * إنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وتَخْلُقُونَ إفْكاً إنَّ الَذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ واشْكُرُوا لَهُ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) فبين أن الله هو الرزاق، فهو إذن المستحق للعبادة دون سواه ممن لا يملكون لأنفسهم - فضلاً عن غيرهم - رزقاً ولا نفعاً ولا ضراً، وقال: ((أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ * الَذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ * وإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ... )) وأمثلة ذلك كثيرة.
2 - التصريح بقصد النصيحة وأنه لا هدف للداعي إلا نفع المدعوين وأنه لا يريد على ذلك حظا من الدنيا:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/59)
إن إعلان الداعية عن هذا للمدعوين من شأنه أن يلين قلوبهم، ويدعوهم إلى تأمل ما يُدعون إليه، ولقد درج على ذلك الأنبياء جميعاً، فقال نوح: ((ويَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى اللَّهِ .. )) وقال هود: ((يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى الَذِي فَطَرَنِي)) وفي سورة الشعراء ذكر الله: ((ومَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ)) ذكرها عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، وقال محمد - صلى الله عليه وسلم -: ((قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى الله وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)).
وحكى الله عن إبراهيم أنه قال لأبيه: ((يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ ولِياً)) فهو لا يريد شيئاً من أبيه، وإنما يخاف عليه من عذاب الرحمن، فيكون ولياً للشيطان، وتأمل في العبارات التي نطق بها إبراهيم: (أخاف) و (يمسك) و (عذاب من الرحمن) تُلفها تعبر بصدق عما يكنه إبراهيم لأبيه.
3 - الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة:
وقد جاءت جلية في دعوته لأبيه وخطابه الرقيق الحاني المتدفق ليناً - وعطفاً ولطفاً، اتباعاً للحكمة التي تقرب المدعو من الدعوة وتلين قلبه للاستجابة.
4 - التشنيع على المعبودات الباطلة وعابديها:
لما بين إبراهيم لقومه دعوته، وألان لهم الخطاب، لعنهم يستجيبون، وما زادهم ذلك إلا التمادي في باطلهم، فما كان من إبراهيم إلا أن أظهر تهافت معبوداتهم وأحنق النكير عليهم، فقال: ((مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ)) فسماها تماثيل ولم ينعتها بوصف (الألوهية)، ولما ظهر له أنهم لا يعتمدون فيما فعلوا على حجة وبرهان قال لهم: ((لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)) وزاد فقال: ((أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) ولقد برهن لهم على سفههم ما سوغ في تهكمه بتصرفاتهم حيث سألهم: ((هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ)) فإن أقل ما يقال في هؤلاء المعبودين أنهم لا يسمعون كعابدين فكيف يجلبون لهم نفعاً أو يدفعون عنهم ضراً؟
5 - التذكير بنعم الله على عباده:
جبلت النفوس على حب من أحسن إليها ولذلك عنىَ الدعاة إلى الله بتذكير الخلق إحسان الله إليهم ليكون ذلك أدعى إلى قبول الدعوة فهذا هود يقول: ((واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وزَادَكُمْ فِي الخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)). وقال صالح: ((واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) وأما إبراهيم فقال: ((أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ * الَذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ * وإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * والَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ))
6 - التذكير بأيّام الله:
ما من أمة تَخْلف في الأرض إلا وتنظر في أحوال من سلف من الأمم تتبع مواطن العبرة فيها، فتستفيد من الإيجابيات، وتحذر من السلبيات، وكان أنبياء الله يذكرون أممهم بأحوال الغابرين ممن كذبوا أو آمنوا، فيذكرونهم بعاقبتهم، وينذرونهم أن يحل بهم ما حل بمن كفر من أمم الأرض، لعلهم يتعظون أو يرتدعون، ولذا قال إبراهيم لقومه: ((وإن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ومَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ)) أي فقد كذبت أممٌ أنبياءهم فحل بهم ما تعلمون من العذاب، فإن فعلتم عوقبتم بمثل عقابهم، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
7 - المناظرة والتدرج في إفحام الخصم:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/60)
قال ابن القيم في مناظرات إبراهيم: " وهو الذي فتح للأمة باب مناظرة المشركين وأهل الباطل، وكسر حججهم، وقد ذكر الله مناظرته في القرآن مع إمام المعطلين، ومناظرته مع قومه المشركين، وكسر حجج الطائفتين بأحسن مناظرة، وأقربها إلى الفهم وحصول العلم (1) " وسنذكر هنا مناظرتين وقعتا لإبراهيم، وذكرهما القرآن الكريم:
- الأولى: مناظرته لعبدة النجوم قال الله - تعالى - ((وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إنِّي أَرَاكَ وقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * وكَذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى القَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إنِّي وجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ حَنِيفاً ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ * وحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وقَدْ هَدَانِ ... الآية)) إلى قوله ((وتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)) *
لقد عني إبراهيم وإخوانه من الأنبياء بالتوحيد وإيضاحه، والاستدلال له أيما عناية، وسلك في سبيل بيان الحق، وتزييف الباطل كل وسيلة تؤدي إلى ذلك، ومنها هذه المناظرة التي قامت بينه وبين قومه لبيان حقيقة ما هم عليه من الضلال.
فأنكر على أبيه اتخاذ الأصنام آلهة، ولما أشرك قومه معه شدد في إعلان النكير عليهم، وبين أن ما هم فيه ما هو إلا ضلال يبُين عن نفسه، وذلك ليثير عواطفهم، ويدفعهم إلى التفكير الجاد العميق فيما هم فيه، وكان إبراهيم قد بصره الله بالدلائل الكونية الدالة على وحدانية الله - تعالى -، فآراه آياته في ملكوته، ليعلم حقيقة التوحيد، أو ليزداد علما به، ويقينا إلى يقينه.
وأرشده إلى طريقة الاستدلال بها على المراد من العباد.
ودخل إبراهيم مع قومه الصابئة الذين يعبدون النجوم، ويقيمون لها الهياكل في الأرض، دخل معهم في مناظرة لبيان بطلان ربوبية هذه الكواكب المعبودة، ولم يشأ أن يقرر التوحيد مباشرة. بل جعل دعوى قومه موضوع بحثه، وفرضها فرض المستدل لما لا يعتقده، ثم كر عليها بالنقض والإبطال، وكشف عن وجه الحق، فحينما أظلم الليل ورأى النجم قال: هذا ربي فرضا وتقديرا، وقال: أهذا ربي، فلما غاب عن أعينهم علم أنه مسخر ليس أمره إليه، بل إلى مدبر حكيم يصرفه كيف شاء، ثم انتقل بهم في البحث إلى كوكب هو في أعينهم أضوأ وأكبر من الأول، وهو القمر، فلما رآه قال مثل مقالته الأولى، فلما ذهب عن أعينهم تبين أنه ليس بالرب الذي يجب أن تألهه القلوب، ويضرع العباد إليه في السراء والضراء، ثم انتقل بهم إلى معبود لهم آخر أكبر جرماً من السابقين فلما أفل، قال: يا قوم إني بريء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، فاستدل بما يعرض لها من غيرها على أنها مأمورة مسخرة بتسخير خالقها.
فإذا كانت هذه الكواكب الثلاثة في نظرهم أرفع الكواكب السيارة وأنفعها قد قضت لوازمُها بانتقاء سمات الربوبية والألوهية عنها، وأحالت أن تستوجب لنفسها حقاً في العبادة فما سواها من الكواكب أبعد من أن يكون لها حظ ما في الربوبية أو الألوهية، ولذا أعلن إبراهيم في ختام مناظرته براءته مما يزعمون من الشركاء، وأسلم وجهه لفاطر السماوات والأرض ومبدعهما، دون شريك أو ظهير، وضمَّن إعلان النتيجة الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، وهذا هو معنى (لا إله إلا الله) فإن ما فيه من البراءة من الشركاء نظير نفي الألهية الحقة عن الشركاء في كلمة التوحيد، وبهذا يكون إبراهيم قد سنَّ للدعاة إلى الله أسلوبا متميزا في دعوة المنحرفين، وذلك بالتنزل معهم بالتسليم بأباطيلهم فرضاً، ثم يرتب عليها لوازمها الباطلة، وآثارها الفاسدة، ثم يكر
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/61)
عليها بالنقض والإبطال، فإن الدعوة إلى الحق - كما تكون بتزيينه، وذكر محاسنه - تكون بتشويه الباطل، وذكر مساويه ومخازيه (بتصرف من مقالة الشيخ عبد الرازق عفيفي في مجلة التوعية الإسلامية عدد 6، 7).
وقد اختلف المفسرون هل كان إبراهيم ناظراً أو كان منظراً * [والصحيح أن إبراهيم في هذا الموطن كان مناظرا لقومه لا ناظرا بنفسه ويدل على ذلك:
أ - قوله - تعالى -: ((ولَقَدْ آتَيْنَا إبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ)) والمراد بالقَبْلية ما كان قبل النبوة على الصحيح، وأي رشد آتاه الله إبراهيم إن لم يكن موحداً مؤمنا بالله.
ب - قوله - تعالى -: ((ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ)) يقتضي نفي الشرك عن إبراهيم في كل مراحل عمره السابقة.
جـ - أن الله ذكر هذه الحادثة بعد إنكاره على أبيه وقومه، مما يدل على المناظرة.
د - أن الله - تعالى - ذكر القصة بعد أن ذكر منته على إبراهيم برؤية ملكوت السماوات والأرض ليكون من المؤمنين، ولذلك ذكر الفاء التعقيبية ((فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ)).
ر - أن الله ذكر فيها ((وحَاجَّهُ قَوْمُهُ)) مما يدل على قيام المناظرة بينه وبينهم.
و - أن الله - تعالى - ذكر في خاتمتها ((وتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ)) فقال (على قومه) ولم يقل (على نفسه). وبهذا القول قال كثير من علماء السلف والخلف وهو الذي تدل عليه الأدلة.
الثانية: مناظرته للملك في قوله - تعالى - ((أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ إذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَذِي يُحْيِي ويُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وأُمِيتُ قَالَ إبْرَاهِيمُ فَإنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَذِي كَفَرَ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ)) [البقرة: 258].
لقد جادل الملكُ إبراهيم في ربه، وفي ذكر الرب وإضافته إلى الضمير العائد على إبراهيم تشريف لإبراهيم وإشعار بأن الله سيتولاه وينصره.
ولماذا يجادله؟ لأن الله آتاه الملك، فحمله كبره وبطره على طلب المخاصمة، ولم يكن بسبب إيثاره الحق وطلبه له.
وكان الملك قد طلب من إبراهيم - عليه السلام - أن يقيم له الدليل على وجود الرب الذي يدعو إليه، فقال إبراهيم:» ربي الذي يحيي ويميت «أي أن الدليل على وجوده هو: هذه المعجزة المتكررة الظاهرة المستترة، معجزة الحياة والموت، عندئذ قال الملك» أنا أحيي وأميت «فآتى برجلين استحقا القتل فأمضيه في أحدهما دون الآخر، فأكون قد أحييت الثاني، وأمت الأول، وهذه مكابرة صريحة، وعناد ظاهر، يعلمه كل ذي عقل، ولذلك ترك إبراهيم الخوض معه في مكابرته، وجاءه بواقعة لا يحير معها جوبا، قال:» فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب «أي إذا كنت قادراً على الإحياء والإماتة، وهما من صفات الرب، فيلزم أن يكون بمقدورك التصرف في الكون، وأن تأتي بالشمس من المغرب، عندئذ بهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين.
إن انتقال إبراهيم من دليل إلى آخر دون مناقشة لإجابة الملك الساذجة ليس عن هزيمة؛ لأن حجته كانت قائمة، إذ إبراهيم وكل عاقل يعلم أن المراد حقيقة الإحياء والإماتة، أما ما فعله الملك فأمر يقدر عليه كل أحد، حتى إبراهيم كان يمكن أن يقول له: إني أردت حقيقة الإحياء والإماتة، أما هذا فأنا أفعل مثله، ولكن إن قدرت على الإماتة والإحياء فأمت هذا الذي أطلقته من غير استخدام آلة وسبب، وأحي هذا الذي قتلته، فيظهر به بهت اللعين، إلا أن القوم لما كانوا أصحاب ظواهر، وكانوا لا يتأملون في حقائق المعاني خاف إبراهيم الاشتباه والالتباس عليهم، فضم إلى الحجة الأولى حجة ظاهرة، لا يكاد يقع فيها أدنى اشتباه.
وهذا الانتقال من أحسن ما يكون، لأن المحاجج إذا تكلم بكلام يدق على سامعيه فهمه، ولجأ الخصم إلى الخداع والتلبيس جاز له أن يتحول إلى كلام يدركه السامعون، وأن يأتي بأوضح مما جاء به، ليثبت ما يريد إثباته، وهذا لأن الحجج مثل الأنوار، وضم حجة إلى حجة كضم سراج إلى سراج، وهذا لا يكون إلا دليلا على ضعف أحدهما أو بطلان أثره.
9 - استثارة الخصم:
والمقصود بذلك: تحريك نفوس المدعوين، وتنبيه عقولهم، ولفت أنظارهم إلى الأمر الذي يدعوهم إليه الداعية.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/62)
لقد فعل إبراهيم ذلك حين ترك كبير الأصنام بلا هدم (فجعلهم حطاماً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون) وذلك من أجل أن تدور في أذهانهم الأسئلة التالية؟
- من فعل هذا بآلهتنا؟
- لِم لمْ يدافع الصنم الكبير عن صغاره؟ وهل كان ذلك عن عجز أو عدم إدراك لما يقع حوله؟
- لِم لمْ يوقع الصنم. الكبير سوءاً بمن فعل ذلك؟
ثم استشارهم مرة أخرى حينما جاؤا إليه يسألونه عمن أوقع ذلك بآلهتهم فقال:
- بل فعله كبيرهم هذا، فنسكب التكسير إلى جماد لا يتحرك، ليقولوا له مباشرة: إنه لا يفعل شيئاً، وليقروا بضعف هذه الآلهة.
- ولم يكتف بذلك، بل أمرهم أن يوجهوا إليها الأسئلة إن أخبرهم بمن أوقع بها ذلك، ولذلك أجابوا بكل سذاجة: " لقد علمت ما هؤلاء ينطقون " وعند ذلك انطلق مبادرا " أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم، أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون".
ثانياً: الأساليب العملية:
وهي كثيرة نختار منها:
1 - القدوة: لقد كان إبراهيم مثالاً يحتذى في الخير، ولذلك وصفه الله بقوله ((إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً)) أي جامعا للخير، كلفه الله بأمور فقام بها خير قيام ((وإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ)) وكان الجزاء: ((إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً)) فالسبب الذي أهله للإمامة إتمامه الكلمات التي ابتلاه ربه بها، ومن أجل ذلك أُمر نبينا - صلى الله عليه وسلم - باتباع ملته (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) وأُمرت هذه الأمة أن تأتسي بإبراهيم ومن معه، لكونهم قدوة (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) والأمر الذي نهينا عن الإقتداء بإبراهيم فيه استغفاره لأبيه " إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك، وما أملك لك من الله من شيء " وقد تقدم ذكر بعض من صفات هذا النبي الكريم وأساليبه وأعماله وما كان به قدوة للمصلحين من بعده (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه).
2 - البداءة بالأهم: بدأ إبراهيم بالدعوة إلى توحيد العبادة، وهو أهم ما يدعي إليه، وأول ما يبدأ به (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).
3 - اللين والشدة: وهذا ظهر جليا في دعوته لأبيه، وفي دعوته لقومه، فقد دعا كلا منهم باللين والاستعطاف، لعل كلامه يتخلل قلوبهم، ولينه يعطف أفئدتهم لقبول الحق الذي جاء به، ولكن ما زادهم إلا عتوا، فما كان منه إلا أن أغلظ لهم القول، وشدد اللهجة، ففي اللين قال: ((يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً)) وفي الشدة قال: ((وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إنِّي أَرَاكَ وقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)).
4 - البراءة والمعاداة: التي تعني البراءة من الشرك وأهله واعتزالهم، وهي أصل من أصول العقيدة ومن مستلزمات (لا اله إلا الله). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:» أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله «ومفاصلة خصوم الدعوة ارتفاع بالنفس والعقيدة إلى المستوى اللائق بهما، فلا يستوي حزب الله الذى كتب الله له العزة والكرامة وحزب الشيطان الذي كتب الله له الذلة والهوان، وفيها إشعار لأولئك الخصوم بأنهم على باطل، وأن الأمر ما وصل بالداعية إلى المقاطعة إلا لحق يعتنقه ويدعو إليه، فيكون ذلك ردعا لهم عما هم فيه. وفيها قطع لآمال أعداء الدعوة في الحصول على تنازلات من الدعاة، يستدرجونهم بها.
وقد قال إبراهيم لأبيه حين استنكف واستكبر: (واعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي ... ) وجعله الله في براءته من المشركين قدوة، فقال: ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدَا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحْدَهُ إلاَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ومَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وإلَيْكَ أَنَبْنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ)). وقد اشتملت هذه الآية على أمور نوجزها فيما يلي: -
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/63)
- أن البراءة قائمة على الإيمان بالله فمن كان مؤمنا بالله أحب في الله.
- أنها نهج الأنبياء، فمن أراد النجاة فليلحق بركابهم، ويستن بهديهم.
- أن البراءة ليست من أشخاصهم فحسب، بل ومن آلهتهم، وأفكارهم، ومذاهبهم.
- أنها مستمرة علنية، وليست مجرد شعور قلبي إلا عند الضرورة.
- أنها مما اتفقت عليه الشرائع، وليست لهذه الأمة الخاتمة فحسب.
- أن دعامتها التوكل على الله والدعاء كما ذكر في ختام الآية ((ربنا لجيك رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وإلَيْكَ أَنَبْنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ)).
- أنه لا فرق في البراء بين قريب أو بعيد مادام قد وحد بينهم كفر أو شرك.
5 - الدعاء والتضرع: وهو السلاح الذي لا يحق للمؤمن أن يسير في ركاب الحياة بدونه، وقد امتدح الله خليله بدعائه فقال: ((إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)) وقد تقدم معنى (الأواه)، ولذا تل أن نجد موطنا تذكر فيه دعوة إبراهيم إلا ويذكر معها جانب من تضرعه ودعائه ومن ذلك: ((رَبَّنَا وابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً ... ))، ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ))، ((وتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))، ((واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ))، ((رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وتَقَبَّلْ دُعَاءِ))، ((رَبَّنَا اغْفِرْ لِي ولِوَالِدَيَّ ... ))، ((رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ... )). إلى آخر ما هناك من الدعوات المباركات، التي تضرّع بها إبراهيم، وخلدها القرآن، فكان قدوة في اللجوء إلى الدعاء.
6 - تحطيمه للأصنام: لم يكتفي إبراهيم في دعوته بالكلمة والحجة التي أبطل بها حجج الخصوم، بل عضد ذلك بعمل كبير، أقدم عليه بشجاعة وعلو همة، وهو تحطيم الأصنام التي تعلق بها قومه، حتى صرفهم تعلقهم بها عن التفكير في حقيقتها، والنظر في ماهيتها، فأراد إبراهيم أن يبين عن ذلك بالقول والفعل فكان بيانه القولي الذي شرحنا طرفا منه فيما تقدم، وكان بيانه الفعلي بما أقدم عليه من تحطيم الأصنام، وجعلها جذاذاً ((إلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إلَيْهِ يَرْجِعُونَ)). والآية هذه تشير إلى مدي البيان الذي أراد إبراهيم إبلاغه لقومه، فلم تأخذه فورة التكسير بتحطيمها كلها، بل ترك كبيرها لا لعجز ولا لخوف بل لعلهم إليه يرجعون، فيحقق إبراهيم غرضه من هذا الأسلوب الدعوي الرائع، وفعلاً لقد كان ما أراده إبراهيم حين قالوا: ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)) وحينها انقض عليهم كالشهاب: ((أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً ولا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) وتحقق لإبراهيم مراده حين قالوا: ((قَالُوا حَرِّقُوهُ وانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)) فالآلهة تحتاج إلى من ينصرها، ويدافع عنها، وتحقق له كذلك حين (رجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون) ولكنه التعصب الذي ردهم على أعقابهم ((ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)).
7 - الهجرة: ذكر الله - تعالى - هجرة الخليل في ثلاثة مواطن فقال: ((ونَجَّيْنَاهُ ولُوطاً إلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)) ((وقَالَ إنِّي ذَاهِبٌ إلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ)).
فهو أول من هاجر لله - كما ذكره بعض المحققين - وكانت سنة لمن بعده من الأنبياء وأتباعهم، وممن عمل بها محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه، فكانت هذه من ثمرات تلك التجربة الإبراهيمية ولونا من الإقتداء به.
إن الهجرة أسلوب يلجأ الدعاة إليه لأن أرضهم ما عادت تقبل الكلمة الطيبة، فهم يبحثون عن أرض طيبة تحمل دعوتهم، أو لأن القوم المعرضين بدأوا يناوشون الداعية، ويوصلون الأذى إليه فهو يفر بدينه من الفتن ((ومَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وسَعَةً)).
ـ[صالح بن علي]ــــــــ[29 - 01 - 06, 10:28 م]ـ
جزاك الله خير وهل توجد هذه الكلمات المباركات في أشرطة صوتية(21/64)
اريد كتاب {رفع الملام عن الأئمه الأعلام} {{مختصر}}
ـ[احمد التويجري]ــــــــ[13 - 09 - 05, 02:45 م]ـ
مرحبا
ابي بارك الله فيكم كتاب {رفع الملام عن الأئمه الأعلام} مختصر
يعني اختصار ال 10 اسباب بارك الله فيكم
الأختصار لا يتعدى 2 الى 3 اوراق A4 جزاكم الله خيراً
" اما الكتاب كامل موجود عندي محمله من الموقع الي هو ال 10 اسباب"
با رك الله في الجميع
ـ[احمد التويجري]ــــــــ[15 - 09 - 05, 12:37 ص]ـ
ضرووووووووووري تكفون
ـ[عبد الجبار]ــــــــ[15 - 09 - 05, 04:40 ص]ـ
تلخيص هذه الرسالة صعب جدا وهذه محاولة ارجو ان تنتفع بها
ـ[احمد التويجري]ــــــــ[15 - 09 - 05, 02:37 م]ـ
مشكوووووووور اخوي عبدالجبار
جعله الله في ميزان حسناتك انشالله(21/65)
قريبا الإعلام بآخر أحكام الألباني الإمام
ـ[أبو تراب]ــــــــ[13 - 09 - 05, 07:24 م]ـ
مشروع جديد يقوم به بعض الإخوة الأفاضل بتقديم كتابين واحد بعد الآخر
الأول: الإعلام بآخر أحكام الألباني الإمام جمع وترتيب: محمد كمال السيوطي
والثاني: توجيه الساري للاختيارات الفقهية للشيخ الألباني جمع وترتيب محمود أحمد الراشد
لاتنسوا إخوانكم من صالح دعائكم
ـ[أبو محمد القحطاني]ــــــــ[13 - 09 - 05, 07:44 م]ـ
الكتاب الأول رأيته قبل سنة، فأين الجديد؟
ـ[أبو تراب]ــــــــ[13 - 09 - 05, 07:56 م]ـ
الجديد وضعهم على الملتقى هذا إذا كنت مخطئا وكانوا موجودين!!!
أرجو الرد ...........
ـ[أبو محمد القحطاني]ــــــــ[13 - 09 - 05, 08:01 م]ـ
لا علم لي بارك الله فيك، كنت أظنك تقصد في المكتبات
ـ[أبو تراب]ــــــــ[13 - 09 - 05, 08:02 م]ـ
جزاك الله خيرا وانتظر الأول وبعده الثاني إن شاء الله تعالى
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[15 - 09 - 05, 09:21 ص]ـ
جزاك الله خيراً أخي الكريم:
ننتظرك ...
ـ[الاستاذ]ــــــــ[15 - 09 - 05, 01:49 م]ـ
وليتك تضع لنا: فرائد الشوارد لما في كتب الألباني من فوائد. جمع وترتيب محمد حامد محمد
ـ[أبو تراب]ــــــــ[15 - 09 - 05, 03:42 م]ـ
....
ـ[أبو تراب]ــــــــ[15 - 09 - 05, 04:04 م]ـ
مقدمة الكتاب
ـ[أبو تراب]ــــــــ[15 - 09 - 05, 04:08 م]ـ
المقدمة
ـ[أبو تراب]ــــــــ[15 - 09 - 05, 05:12 م]ـ
نتجاوز مقدمة المؤلف لنلج للفصل الأول
من صحيح لضعيف
ـ[أبو تراب]ــــــــ[15 - 09 - 05, 06:24 م]ـ
يتبع ...............
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[15 - 09 - 05, 07:19 م]ـ
بارك الله فيك اخى الكريم ابو تراب
راجع الخاص من فضلك
ـ[أبو عمر]ــــــــ[15 - 09 - 05, 08:42 م]ـ
أخي الكريم أبو تراب بارك الله تعالى فيك وفي عملك لو عملت الكتاب على ملفات Djvu
فهو أفضل بكثير ويضغط الحجم إلى النصف تقريبا وهو خير من الوينرار في ذلك
فمثلا صحيح البخاري الطبعة السلطاينة الموجود في الملتقى صار 103 ميغا بايت مع العلم أنه أكثر من ذلك
على الملتقى وحجم الملفات بدونه 203 ميغا بايت تقريبا وقد استفدت منه فصار كالكتاب العادي
وأرجو منك مراجعة هذا الموضوع بارك الله تعالى فيك
http://72.29.70.243/vb/showthread.php?t=29401
وهذا جزء من السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله تعالى على ملفات Djvu لتقيم الفكرة
http://72.29.70.243/vb/showthread.php?t=28072
وجزاك الله تعالى خيرا
ـ[أبو تراب]ــــــــ[16 - 09 - 05, 12:07 ص]ـ
الاخوة الكرام
عند الانتهاء من تنزيل الكتاب سيتم وضعه في صورة Pdf إن شاء الله تعالى
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[16 - 09 - 05, 12:47 ص]ـ
جزاك الله خيرا اخى الكريم أبو تراب
انا على استعداد ان احول اصور كلها بمجرد انتهائك من رفع الكتاب الى ملف واحد pdf لانى استطيع الدخول على سيرفر الملتقى ftp
ولمن يرغب من الاخوه تحويله الى djvu بعد ذلك فلا مانع
انا افضل ال pdf لان امكانيات البرنامج اكبر بكثير
اخى ابو تراب اذا كان ايسر بالنسبه لك ارسال الكتاب الى بريدى و اقوم بالتحويل الى pdf فلا مانع
maa67@yahoo.com
راجع الخاص من فضلك
ـ[أبو عمر]ــــــــ[16 - 09 - 05, 03:57 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
جزاكم الله تعالى خيرا
وأرجو من الأخ أبي تراب والأخ طويلب علم بورك فيهما أن يبعث أحدهما نسخة إلي على البريد
تكون صورا كما هي فأنا أفضل صيغة Djvu على Pdf وخاصة التمييز اللوني وضغط الحجم وغير ذلك وحسبنا به فائدة أن مكتبة الاسكندرية اختارته لتضع الكتب مصورة عليه
والبريد
Aboomar80@gawab.com
وجزاكما الله تعالى خيرا
ـ[أبو تراب]ــــــــ[16 - 09 - 05, 05:03 م]ـ
من 86 وحتى 90
ـ[أبو تراب]ــــــــ[16 - 09 - 05, 05:07 م]ـ
من ص 91 وحتى 95
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[16 - 09 - 05, 05:08 م]ـ
هل بعد الإنتهاء ستكمل المقدمة إن شاء الله التي تخطيتها؟
ـ[أبو تراب]ــــــــ[16 - 09 - 05, 05:16 م]ـ
من 96 وحتى ص 100
ـ[أبو تراب]ــــــــ[16 - 09 - 05, 05:24 م]ـ
وهذا آخر القسم الأول من الكتاب
ص 101، 102
وإلى القسم الثاني نلتقي قريبا إن شاء الله تعالى
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 04 - 06, 03:52 م]ـ
وهذه هي مقدمة المؤلف
ـ[المخلافي]ــــــــ[14 - 04 - 06, 05:04 م]ـ
ليت أحد الإخوة يجمعه في ملف واحد ليكون أيسر
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 04 - 06, 05:14 م]ـ
باقي المقدمة
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 04 - 06, 05:23 م]ـ
باقي المقدمة
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 04 - 06, 08:34 م]ـ
بقية المقدمة
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 04 - 06, 08:58 م]ـ
البقية(21/66)
حمل هذا البرنامج القيم عن شهر رمضان
ـ[علي 56]ــــــــ[14 - 09 - 05, 09:29 ص]ـ
هذا البرنامج من عمل موقع عمل أم الكتاب فجزاهم الله خيرا
وقد اشتمل هذا البرنامج الهام على ما يلي:
فضل شهر رمضان
حياة النبي صلى الله عليه وسلم بشكل مختصر مركز
صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم
أحكام الصيام
سبعون مسألة في الصوم
أربعون وسيلة لاستغلال شهر رمضان
مسائل مهمة تتعلق بفقه الصوم
فضل الصيام
روحانية صائم
كيف نستقبل ونغتنم شهر رمضان؟
للشباب فقط في رمضان
وقفات للنساء في رمضان
العشر الأواخر من رمضان
زكاة الفطر
رمضان والرحيل المر
العيد لمن؟
ـ[سميرة]ــــــــ[23 - 09 - 05, 12:30 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله الف خير على هذا المجهود الرائع
ـ[علي 56]ــــــــ[09 - 09 - 07, 08:40 ص]ـ
وأنت أختي الفاضلة جزاك الله خيرا
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[09 - 09 - 07, 09:56 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله خيرًا و بارك الله فيك.
أسأل الله أن يمدك بالصحة والخير والعافية وأن يبارك لك في جهدك ووقتك وأهلك ومالك.
حياك الله.
ـ[علي 56]ــــــــ[09 - 09 - 07, 01:59 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وأنت أخي الحبيب
جزاك الله خيرًا و بارك الله فيك. ووفقك لكل خير
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[10 - 09 - 07, 05:42 م]ـ
جزاك الله خيرا يا أخي علي
حفظك الله من كل سوء
ـ[علي 56]ــــــــ[10 - 09 - 07, 06:28 م]ـ
وأنت أخي الحبيب
جزاك الله خيرا
ـ[عادل القلماوي]ــــــــ[10 - 09 - 07, 06:50 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[علي 56]ــــــــ[11 - 09 - 07, 01:41 ص]ـ
وأنت أخي الحبيبب
بارك الله بك
ـ[شبيب القحطاني]ــــــــ[11 - 09 - 07, 06:10 ص]ـ
بارك الله فيك
ـ[علي 56]ــــــــ[11 - 09 - 07, 07:15 ص]ـ
وأنت أخي الحبيب بارك الله بك
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[11 - 09 - 07, 01:11 م]ـ
جزاك الله خيرًا
و بارك الله فيك
ـ[أبو أكرم الحلبي]ــــــــ[11 - 09 - 07, 01:28 م]ـ
جزاك الله خيراً
ـ[علي 56]ــــــــ[11 - 09 - 07, 04:16 م]ـ
وأنتم جزاكم الله خيرا
ـ[احمد محمود محمد]ــــــــ[11 - 09 - 07, 11:20 م]ـ
جزاكم الله الف خير على هذا المجهود
ـ[محمد عبدالمقيت]ــــــــ[12 - 09 - 07, 03:32 ص]ـ
وفقنا الله واياكم في هذا الشهر المبارك ونشكرك على هذا المجهود الطيب
ـ[علي 56]ــــــــ[12 - 09 - 07, 08:17 م]ـ
وأنتم تقبل الله منا ومنكم جميعا(21/67)
المعاملات المالية المعاصرة الشيخ خالد المشيقح
ـ[أبو مريم مغربي]ــــــــ[14 - 09 - 05, 09:29 ص]ـ
السلام عليكم ورحة الله وبركاته:
شرح المعاملات المالية المعاصرة للشيخ خالد المشيقح1424
وهذا هو الرابط الصوتي:
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=2024
ـ[أبو مريم مغربي]ــــــــ[14 - 09 - 05, 09:36 ص]ـ
المسائل الطبية والمعاملات المعاصرة 1425
الرابط الصوتي: http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=2054
ـ[أبو مريم مغربي]ــــــــ[14 - 09 - 05, 09:41 ص]ـ
وإن شاء الله سأنزل مذكرة الشيخ اهذا العام 1426
وهذا الرابط الصوتي:
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=2389
ـ[أبو مريم مغربي]ــــــــ[14 - 09 - 05, 09:20 م]ـ
للرفع
ـ[أبو مريم مغربي]ــــــــ[14 - 09 - 05, 09:23 م]ـ
للرفع
ـ[حذيفة المصري]ــــــــ[16 - 02 - 06, 12:24 م]ـ
أخي أبو مريم مغربي جزاك الله خير الجزاء وجعل عملك هذا في ميزان حسناتك وأثابك بثواب كل من ينتفع به.(21/68)
أبحث على كتاب الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد
ـ[العذب الزلال]ــــــــ[14 - 09 - 05, 10:41 ص]ـ
أبحث عن كتاب الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد للشيخ طارق عبد الحليم
و كتاب التبصير في معالم الدين للإمام الطبري
بصيغة الوورد
الرجاء من الإخوة الافاضل المساعدة
و جزاكم الله خيرا و بارك الله في جهودكم
ـ[عبدالباري]ــــــــ[14 - 09 - 05, 01:11 م]ـ
السلام عليكم ..
كتب الدكتور طارق عبدالحليم: الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد، و حقيقة الإيمان، و المعتزلة بين القديم و الحديث و غيرها، تجدها على هذا الرابط:
http://www.alarqam.com/alarqam/ar/books.htm
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 09 - 05, 04:46 م]ـ
هذا هو رابط الكتاب
http://www.alarqam.com/docs/books/HukmJahelAlTawheed.pdf(21/69)
من تراث ابن العماد الحنبلي ..... معطية الأمان من حِنث الأيمان
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 09 - 05, 05:24 م]ـ
معطية الأمان من حِنث الأيمان(21/70)
من تراث الإمام الصنعاني .......... الأمالي في آثار الصحابة
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 09 - 05, 05:27 م]ـ
الأمالي في آثار الصحابة
ـ[أشرف عبد الله]ــــــــ[18 - 09 - 05, 01:33 م]ـ
جزاك الله خيرا(21/71)
فضائل القرآن لابن الضريس
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 09 - 05, 05:29 م]ـ
فضائل القرآن(21/72)
هديتي لكل شيعي: إلقام الحجر لمن زكى ساب أبي بكر وعمر
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 09 - 05, 05:31 م]ـ
إلقام الحجر لمن زكى ساب أبي بكر وعمر للإمام السيوطي
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[07 - 11 - 05, 09:20 م]ـ
ياليت السيوطي يرى كيف يسب أبا بكر وعمر اليوم
ـ[أبو تراب]ــــــــ[09 - 11 - 05, 06:49 ص]ـ
هذا هو دعاء صنمي قريش للشيعة لعنهم الله
http://www.fut4tech.com/vb/showpic.php?id=15838
ـ[طالب علوم الحديث]ــــــــ[10 - 11 - 05, 09:28 م]ـ
جزاك الله خيرا(21/73)
حمل: البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 09 - 05, 05:36 م]ـ
البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف(21/74)
حمّل: ذكر أخبار إصبهان
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 09 - 05, 05:41 م]ـ
ذكر أخبار إصبهان
لقد أفصح الحافظ أبو نعيم عن مقصده من هذا الكتاب، ومنهجه فيه، والداعي إلى تأليفه بقوله:
" .. فإن بعض الإخوان رعاهم الله سأل الاحتذاء بمن تقدمنا من السلف ورواة الحديث في نظم كتاب يشتمل على أسامي الرواة والمحدثين من أهل بلدنا بلد إصبهان ممن حدث بها ويضاف إلى ذكرهم ممن حدث بها ويضاف إلى ذكرهم من قدمها من القضاة والفقهاء مقدمًا طرفًا من ذكر بدئها وبنائها وفتحها وخصائصها وابتغى أن يكون ذلك مرتبًا على ترتيب حروف المعجم ليسهل الوقوف عليه فأجبته إلى ذلك .. فبدأت أولًا بذكر أحاديث رويت في فضيلة الفرس والعجم والموالي، وإنهم المبشرون بمنال الإيمان والتحقيق به وإن كان عند الثريا فقدمتها .. ".
وقد سار المؤلف على النهج الذي وصفه؛ فهو يبدأ في الترجمة بذكر اسم المترجم وكنيته ونسبه، كما يذكر سنة قدومه أصبهان إن كان من غير أهلها، ويذكر شيوخه وما طلبه من العلم وما تركه من المؤلفات ومن سمع منه من التلاميذ، ورحلاته وتاريخ وفاته ... إلخ حسبما توفر لديه عن المترجم.
ثم يختم الترجمة بذكر عينة من مرويات المترجم يسوقها المؤلف بسنده مرورًا بصاحب الترجمة، والمؤلف في هذا يوثق ويجرح ويفيد من حفظه الواسع الكثير، مع عزوه ما ينقل عن غيره إلى قائله.
وأما في المقدمة التي جمعها عن بلده ـ قبل الشروع في التراجم ـ فهو يخرج الأحاديث من الكتب المشهورة فيروي الحديث ثم يقول: متفق عليه مثلًا، وينظر في الأسانيد بنظره الثاقب، فيجمع الطرق ويصحح ويضعف ويعل بعض المرويات ببعض ويفصح عن الراجح من المرجوح(21/75)
إعراب لا إله إلا الله لابن هشام
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 09 - 05, 05:43 م]ـ
إعراب لا إله إلا الله(21/76)
رحلة الخط العربي من المسند… إلى الحديث
ـ[أبو تراب]ــــــــ[14 - 09 - 05, 05:47 م]ـ
رحلة الخط العربي من المسند… إلى الحديث
تناولت هذه الرسالة المتواضعة رحلة الخط العربي منذ أن كان في أعماق الجزيرة العربية (مسنداً) على القبور والآثار إلى أن أصبح لوحات حديثة في المتاحف ومعارض الخط،
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[14 - 09 - 05, 07:57 م]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بكم
ـ[ابو عبدالله الرفاعي]ــــــــ[14 - 09 - 05, 11:49 م]ـ
--------------------------------------------------------------------------------
جزاكم الله تعالى خيرًا، وبارك الله فيك.
ـ[أبو تراب]ــــــــ[15 - 09 - 05, 12:08 ص]ـ
...............
............... جزاكم الله تعالى خيرًا، وبارك الله فيك.
............... [ابو عبدالرحمن الدرعمي]
............... جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بكم
............... و إياكم جميعا
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[07 - 11 - 05, 09:07 م]ـ
بارك الله هذه الجهود
ـ[طالب علوم الحديث]ــــــــ[10 - 11 - 05, 10:22 م]ـ
جزاك الله خيرا(21/77)
هل يمكن أن يمدني أحد بنسخة إلكترونية من هذه الكتب؟
ـ[عادل العمري]ــــــــ[14 - 09 - 05, 07:39 م]ـ
أرجو أن يمدني أحد الزملاء بنسخة إلكترونية من أي من الكتب التالية:
1 - الناسخ والمنسوخ للنيسابوري
2 - كتاب الخراج لأبي يوسف
3 - فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم
4 - فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم
5 - تفسير البيان لرشيد رضا
وشكرا .. عادل العمري(21/78)
"ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين" للسيوطي
ـ[أبو غازي]ــــــــ[14 - 09 - 05, 07:41 م]ـ
قال الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما رواه الأساطين، في عدم المجيء إلى السلاطين:
أخرج أبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي، والبيهقي في «شعب الإيمان»، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلاطين افتتن».
وأخرج أو داود، والبيهقي، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بدا فقد جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلاطين افتتن، وما ازداد عبد من السلطان دنوا إلا ازداد من الله بعدا».
وأخرج أحمد في مسنده، والبيهقي بسند صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد أحد من السلطان قرباً، إلا ازداد من الله بعداً».
وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في جهنم وادياً تستعيذ منه كل يوم سبعين مرة، أعده الله للقراء المرائين في أعمالهم وإن أبغض الخلق إلى الله عالم السلطان».
وأخرج ابن لال والحافظ أبو الفتيان الدهستاني في كتاب «التحذير من علماء السوء»، والرافعي في «تاريخ قزوين»، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبغض الخلق إلى الله تعالى العالم يزور العمال».
ولفظ أبي الفتيان: «إن أهون الخلق على الله: العالم يزور العمال».
وأخرج ابن ماجه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبغض القراء إلى الله تعالى الذين يزورون الأمراء».
وأخرج الديلمي في «مسند الفردوس» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة فاعلم أنه لص».
وأخرج ابن ماجه بسند رواته ثقات، عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أناسا من أمتي سيتفقهون في الدين، ويقرؤون القرآن، ويقولون نأتي الأمراء، فنصيب من دنياهم، ونعتزلهم بديننا ولا يكون ذلك كما لا يجتني من القتاد إلا الشوك، كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا».
وأخرج الطبراني في «الأوسط» بسند رواته ثقات، عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله من أهل البيت أنا؟ فسكت، ثم قال في الثالثة: «نعم ما لم تقم على باب سدة، أو تأتي أميراً فتسأله».
قال الحافظ المنذري في «الترغيب والترهيب» المراد بالسدة هنا، باب السلطان ونحوه.
وأخرج الترمذي وصححه، والنسائي، والحاكم وصححه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني، وأنا منه، وهو وارد علي الحوض».
وأخرج أحمد، وأبو يعلى، وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «تكون أمراء تغشاهم غواش وحواش من الناس».
وأخرج أحمد، والبزار، وابن حبان، في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون أمراء، من دخل عليهم وأعانهم على ظلمهم، وصدقهم بكذبهم، فليس مني ولست منه، ولن يرد علي الحوض. ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض».
وأخرج الشيرازي في «الألقاب» عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون أمراء، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، وغشي أبوابهم، فليس مني ولست منه، ولا يرد علي الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يغش أبوابهم، فهو مني وسيرد علي الحوض».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/79)
وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده، والحاكم في تاريخه، وأبو نعيم، والعقيلي، والديلمي، والرافعي في تاريخه، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان فإذا خالطوا السلطان، فقد خانوا الرسل فاحذروهم، واعتزلوهم».
وأخرج العسكري، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفقهاء أمناء الرسل، ما لم يدخلوا في الدنيا ويتبعوا السطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم».
وأخرج الحاكم في تاريخه، والديلمي، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عالم أتى صاحب سلطان طوعاً، إلا كان شريكه في كل لون يعذب به في نار جهنم».
وأخرج أبو الشيخ في «الثواب» عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ الرجل القرآن وتفقه في الدين، ثم أتى باب السطان، تَمَلُّقاً إليه، وطمعا لما في يده، خاض بقدر خطاه في نار جهنم».
وأخرج الديلمي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان علماء يرغبون الناس في الآخرة ولا يرغبون، ويزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون، وينهون عن غشيان الأمراء ولا ينتهون».
وأخرج الديلمي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب الأمراء إذا خالطوا العلماء، ويمقت العلماء إذا خالطوا الأمراء، لأن العلماء إذا خالطوا الأمراء رغبوا في الدنيا، والأمراء إذا خالطوا العلماء رغبوا في الآخرة».
وأخرج أبو عمرو الداني في كتاب «الفتن» عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وكنفه، ما لم يماري قراؤها أمراءها».
وأخرج الحاكم، وصححه، عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقلوا الدخول على الأغنياء، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله».
وأخرج الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أعرف الحزن في وجهه، فأخذ بلحيته، فقال: «إِنّا لِلَّهِ وَإِنّا إِلَيهِ راجِعون أتاني جبريل آنفاً، فقال لي: إن أمتك مفتتنه بعك بقليل من الدهر، غير كثير، قلت: ومن أين ذلك!؟ قال: من قبل قرائهم وأمرائهم، يمنع الأمراء الناس حقوقهم، فلا يعطونها، وتتبع القراء أهواء الأمراء قلت: يا جبريل! فبم يسلم من يسلم منهم؟ قال: بالكف والصبر، إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه».
وأخرج الحاكم، عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون بعدي سلاطين، الفتن على أبوابهم كمبارك الإبل، لا يعطون أحداً شيئاً، إلا أخذوا من دينه مثله».
وأخرج الديلمي، عن أبي الأعور السلمي رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم، وأبواب السلطان».
وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده والديلمي، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا أبواب السلطان وحواشيها، فإن أقرب الناس منها أبعدهم من الله، ومن آثر سلطان على الله، جعل الفتنة في قلبه ظاهرة وباطنة، وأذهب عنه الورع وتركه حيران».
وأخرج ابن عساكر، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: «سيكون قوم بعدي من أمتي، يقرؤون القرآن، ويتفقهون في الدين، يأتيهم الشيطان، فيقول: لو أتيتم السلطان، فأصلح من دنياكم، واعتزلوهم بدينكم! ولا يكون ذلك، كما لا يجتنى من القتاد، إلا الشوك، كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا».
وأخرج هناد بن السري في «الزهد»، عن عبيد بن عمير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما ازداد رجل من السلطان قرباً إلا ازداد من الله بعداً».
وأخرج الديلمي، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تقرب من ذي سلطان ذراعاً، تباعد الله منه باعاً».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/80)
وأخرج الديلمي، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مشى إلى سلطان جائر طوعاً، من ذات نفسه، تملقاً إليه بلقائه، والسلام عليه، خاض نار جهنم بقدر خطاه، إلى أن يرجع من عنده إلى منزله، فإن مال إلى هواه، أو شد على عضده لم يحلل به من الله لعنة إلا كان عليه مثلها، ولم يعذب في النار بنوع من العذاب، إلا عذب بمثله».
وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن، وتفقه في الدين ثم أتى صاحب سلطان طمعاً لما في يديه، طبع الله على قلبه، وعذب كل يوم بلونين من العذاب، لم يعذب به قبل ذلك».
وأخرج الحاكم في تاريخه عن معاذ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن وتفقه في الدين ثم أتى صاحب سلطان طمعاً لما في يديه خاض بقدر خطاه في نار جهنم».
وأخرج البيهقي، عن رجل من بني سليم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم وأبواب السلطان».
وأخرج الديلمي، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومجالسة السلطان، فإنه ذهاب الدين، وإياكم ومعونته فإنكم لا تحمدون أمره».
وأخرج ابن أبي شيبة، والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون أمراء تعرفون، وتنكرون فمن ناوأهم نجا، ومن اعتزلهم سلم، أو كاد، ومن خالطهم هلك».
وأخرج البيهقي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: «اتقوا أبواب السلطان».
وفي «الفردوس» من حديث علي رضي الله عنه مرفوعاً: «أفضل التابعين من أمتي من لا يقرب أبواب السلاطين».
وأخرج البيهقي، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: «إن على أبواب السلطان فتناً كمبارك الإبل، لا تصيبون من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينكم مثله».
وأخرج الدارمي في مسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «من أراد أن يكرم دينه، فلا يدخل على السلطان، ولا يخلون بالنسوان ولا يخاصمن أصحاب الأهواء».
وأخرج البخاري في تاريخه وابن سعد في «الطبقات» عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «يدخل الرجل على السلطان ومعه دينه، فيخرج وما معه شيء».
وأخرج ابن سعد في «الطبقات» عن سلمة بن نبيط قال: «قلت لأبي - وكان قد شهد النبي صلى الله عليه وسلم ورآه وسمع منه - يا أبت لو أتيت هذا السلطان فأصبت منهم وأصاب قومك في جناحك؟ قال: أي بني إني أخاف أن أجلس منهم مجلساً يدخلني النار».
وأخرج الدارمي، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «من طلب العلم لأربع دخل النار: ليباهي به العلماء، ويماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه، أو يأخذ به من الأمراء».
وأخرج ابن ماجه، والبيهقي، عن ابن مسعود، قال: لو أن أهل العلم صانعوا العلم، ووضعوه عند أهله، لسادوا به أهل زمانهم ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا به من دنياهم، فهانوا عليهم.
سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «من جعل الهم هماً واحداً هم آخرته، كفاه الله ما همه من أمر دنياه ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك».
وأخرج ابن أبي شيبة، عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: «ألا! لا يمشين رجل منكم شبراً إلى ذي سلطان».
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو نعيم في «الحلية»، عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: «إياكم ومواقف الفتن! قيل وما مواقف الفتن؟ قال أبواب الأمير؛ يدخل الرجل على الأمير، فيصدقه بالكذب، ويقول ما ليس فيه».
وأخرج ابن عساكر، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبعد الخلق من الله، رجل يجالس الأمراء، فما قالوا من جور صدقهم عليه».
وأخرج البيهقي، عن وهب بن منبه، أنه قال لعطاء: «إياك وأبواب السلطان! فإن على أبواب السلطان فتناً كمبارك الإبل، لا تصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينك مثله».
وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي، عن سلمة بن قيس، قال: لقيت أبا ذر، فقال: «يا سلمة بن قيس! ثلاث فاحفظها: لا تجمع بين الضرائر فإنك لن تعدل ولو حرصت، ولا تعمل على الصدقة، فإن صاحب الصدقة زائد وناقص، ولا تغش ذات سلطان فإنك لا تصيب من دنياهم شيئاً، إلا أصابوا من دينك أفضل منه».
فصل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/81)
ذهب جمهور العلماء من السلف، وصلحاء الخلف إلى أن هذه الأحاديث والآثار جارية على إطلاقها سواء دعوه إلى المجيء إليهم أم لا، وسواء دعوه لمصلحة دينية أم لغيرها. قال سفيان الثوري: «إن دعوك لتقرأ عليهم: قل هو الله أحد، فلا تأتهم» رواه البيهقي، كما تقدم وروى أبو نعيم في الحلية عن ميمون بن مهران: أن عبد الله بن عبد الملك بن مروان قدم المدينة، فبعث حاجبه إلى سعيد بن المسيب فقال له: أجب أمير المؤمنين! قال: وما حاجته؟ قال: لتتحدث معه. فقال: لست من حداثه. فرجع الحاجب إليه فأخبره، قال: دعه.
قال البخاري في تاريخه: «سمعت آدم بن أبي إياس يقول: شهدت حماد بن سلمة ودعاه السلطان فقال: اذهب إلى هؤلاء! لا والله لا فعلت».
وروى الخطيب، عن حماد بن سلمة: أن بعض الخلفاء أرسل إليه رسولا يقول له: إنه قد عرضت مسألة، فأتنا نسألك. فقال للرسول: قل له: «إنا أدركنا أقواما لا يأتونا أحدا لما بلغهم من الحديث فإن كانت لك مسألة فاكتبها في رقعة نكتب لك جوابها».
وأخرج أبو الحسن بن فهر في كتاب «فضائل مالك»، عن عبد الله بن رافع وغيره قال: قدم هارون الرشيد المدينة، فوجه البرمكي إلى مالك، وقال له: احمل إليّ الكتاب الذي صنفته حتى أسمعه منك». فقال للبرمكي: «أقرئه السلام وقل له: إن العلم يزار ولا يزور» فرجع البرمكي إلى هارون الرشيد، فقال له: يا أمير المؤمنين! يبلغ أهل العراق أنك وجهت إلى مالك في أمر فخالفك! أعزم عليه حتى يأتيك. فأرسل إليه فقال: قل له يا أمير المؤمنين لا تكن أول من وضع العلم فيضيعك الله.
وروى غنجار في تاريخه عن ابن منير: أن سلطان بخاري، بعث إلى محمد بن إسماعيل البخاري يقول: احمل إليّ كتاب «الجامع» و «التاريخ» لأسمع منك. فقال البخاري لرسوله: «قل له أنا لا أذل العلم، ولا آتي أبواب السلاطين فإن كانت لك حاجة إلى شيء منه، فلتحضرني في مسجدي أو في داري».
وقال نعيم بن الهيصم في جزئه المشهور: «أخبرنا خلف بن تميم عن أبي همام الكلاعي، عن الحسن أنه مر ببعض القراء على بعض أبواب السلاطين، فقال: أقرحتم جباهكم، وفرطحتم نعالكم، وجئتم بالعلم تحملونه على رقابكم إلى أبوابهم؟! أما إنكم، لو جلستم في بيوتكم لكان خيرا لكم، تفرقوا فرق الله بين أعضائكم».
وقال الزجاجي في أماليه: «أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسن، أخبرني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، عن عمه قال: مر الحسن البصري بباب عمر بن هبيرة وعليه القراء فسلم، ثم قال: «ما لكم جلوسا قد أحفيتم شواربكم وحلقتم رؤوسكم، وقصرتم أكمامكم، وفلطحتم نعالكم! أما والله! لو زهدتم فيما عندهم، لرغبوا فيما عندكم، ولكنكم رغبتم فيما عندهم، فزهدوا فيما عندكم فضحتم القراء فضحكم الله».
وأخرج ابن النجار، عن الحسن أنه قال: «إن سركم أن تسلموا ويسلم لكم دينكم، فكفوا أيديكم عن دماء المسلمين، وكفوا بطونكم عن أموالهم، وكفوا ألسنتكم عن أعراضهم ولا تجالسوا أهل البدع، ولا تأتوا الملوك فيلبسوا عليكم دينكم».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهيب بن الورد قال: «بلغنا أن العلماء ثلاث، فعالم يتعلمه للسلاطين، وعالم يتعلمه لينفذ به عند التجار، وعالم يتعلمه لنفسه، لا يريد به إلا أنه يخاف أن يعمل بغير علم، فيكون ما يفسد أكثر مما يصلح».
وأخرج أبو نعيم، عن أبي صالح الأنطاكي، قال: سمعت ابن المبارك يقول: «من بخل بالعلم ابتلى بثلاث: إما بموت فيذهب علمه، وإما ينسى، وإما يلزم السلطان فيذهب علمه».
وقال الخطيب البغدادي في كتاب رواه مالك: «كتب إلىّ القاضي أبو القاسم الحسن بن محمد بن الأنباري، من مصر، أنبأنا محمد بن أحمد بن المسور، نبأنا المقدام بن داود الرعيني، نبأنا علي ابن معبد، نبأنا إسحاق بن يحيى، عن مالك بن أنس رحمه الله، قال: «أدركت بضعة عشر رجلا من التابعين يقولون لا تأتوهم، ولا تأمروهم، يعني السلطان».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/82)
وقال ابن باكويه الشيرازي في «أخبار الصوفية»: «حدثنا سلامة بن أحمد التكريني أنبأنا يعقوب ابن اسحاق، نبأنا عبيد الله بن محمد القرشي، قال: كنا مع سفيان الثوري بمكة، فجاءه كتاب من عياله من الكوفة: بلغت بنا الحاجة أنا نقلي النوى فنأكله فبكى سفيان. فقال له بعض أصحابه: يا أبا عبد الله! لو مررت إلى السلطان، صرت إلى ما تريد! فقال سفيان: «والله لا أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها».
حدثنا عبد الواحد، نبأنا أحمد بن محمد بن حمدون، نبأنا أبو عيسى الأنباري، نبأنا، فتح بن شخرف، نبأنا عبد الله بن حسين، عن سفيان الثوري: إنه كان يقول: «تعززوا على أبناء الدنيا بترك السلام عليهم».
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، نبأنا ابن حسان، نبأنا أحمد بن أبي الحواري قال: قلت لأبي سليمان تخالف العلماء؟ فغضب وقال: «أرأيت عالماً يأتي باب السلطان فيأخذ دراهمهم».
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: سمعت محمد بن داود الدينوري يقول: سمعت أحمد بن الصلت يقول: «جاء رجل إلى بشر بن الحارث، فقال له: يا سيدي! السلطان يطلب الصالحين، فترى لي أن أختبئ؟ فقال له بشر: «جز من بين يدي، لا يجوز حمار الشوك فيطرحك علينا».
أخبرنا أبو العلاء، سمعت أحمد بن محمد التستري، سمعت زياد بن علي الدمشقي يقول: سمعت صالح بن خليفة الكوفي، يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: «إن فجار القراء اتخذوا سلّماً إلى الدنيا فقالوا: ندخل على الأمراء نفرج عن مكروب ونكلم في محبوس».
وقال أبو علي الآمدي في تعليقه: «حدثني أبو محمد جعفر بن مصعب ابن الزبير، عن جدة الزبير بن بكار، قال: حدثني أبو المكرم عقبة بن مكرم بن عقبة الضبي عن بريد بن كميت، عن عمار بن سيف، أنه سمع سفيان الثوري يقول: «النظر إلى السلطان خطيئة».
وأخرج ابن باكويه، عن الفضيل بن عياض، قال: «لو أن أهل العلم أكرموا على أنفسهم وشحوا على دينهم، وأعزوا العلم وصانوه، وأنزلوه حيث أنزله الله، لخضعت لهم رقاب الجبابرة وانقاد لهم الناس، واشتغلوا بما يعنيهم، وعز الإسلام وأهله لكنهم استذلوا أنفسهم ولم يبالوا بما نقص من دينهم، إذا سلمت لهم دنياهم وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا ليصيبوا ما في أيديهم، فذلوا وهانوا على الناس».
قال الآمدي: حدثني أبو العباس، قال: سمعت: قدم طاهر بن عبد الله بن طاهر من خراسان في حياة أبيه يريد الحج: فنزل في دار إسحاق بن إبراهيم فوجه إسحاق إلى العلماء، فأحضرهم ليراهم طاهر، ويقرأ عليهم فحضر أصحاب الحديث والفقه وأحضر ابن الأعرابي، وأبا نصر صاحب الأصمعي ووجه إلى أبي عبيد القاسم بن سلام في الحضور، فأبى أن يحضر وقال: العلم يُقصد فغضب إسحاق من قوله ورسالته، وكان عبد الله بن طاهر جرى له في الشهر ألفي درهم فلم يوجه إليه إسحاق، وقطع الرزق عنه، وكتب إلى عبد الله بالخبر فكتب إليه: قد صدق أبو عبيد في قوله، وقد أضعفت الرزق له من أجل فعله فأعطاه فأته ورد عليه بعد ذلك ما يستحقه.
وأخرج ابن عساكر، من طريق ابن وهب، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: حدثنا أبو حازم أن سليمان بن هشام بن عبد الملك قدم المدينة فأرسل إلى أبي حازم فدخل عليه فقال: فسلمت وأنا متكئ على عصاي فقيل ألا تتكلم!؟ قلت: وما أتكلم به!؟ ليست لي حاجة فأتكلم فيها، وإنما جئت لحاجتكم التي أرسلتم إليّ فيها، وما كل من يرسل إلى آتيه، ولولا الخوف من شركم ما جئتكم. إني أدركت أهل الدنيا تبعا لأهل العلم حيث كانوا، يقضي أهل العلم لأهل الدنيا حوائج دنياهم وأخراهم، ولا يستغني أهل الدنيا عن أهل العلم لنصيبهم من العلم ثم حال الزمان، فصار أهل العلم تبعا لأهل الدنيا حيث كانوا، فدخل البلاء على الفريقين جميعا. ترك أهل الدنيا النصيب الذي كانوا يتمسكون به من العلم حيث رأوا أهل العلم قد جاؤوهم، وضيّع أهل العلم جسيم ما قسم لهم باتباعهم أهل الدنيا».
وأخرج ابن أبي الدنيا، والخرائطي، وابن عساكر، عن زمعة بن صالح، قال: كتب بعض بني أمية إلى أبي حازم أن يرفع إليه حوائجه، فكتب إليه: «أما بعد فقد جاءني كتابك بعزم أن ترفع حوائجي إليك وهيهات! رفعت حوائجي إلى مولاي فما أعطاني منها قبلت، وما أمسك عني منها رضيت».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/83)
وأخرج ابن عساكر، عن عبد الجبار بن عبد العزيز أبي حازم عن أبيه، عن جده: أن سليمان بن عبد الملك دخل المدينة، فأقام بها ثلاثا. فقال: ههنا رجل ممن أدرك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويحدثنا؟ فقيل له: بلى ههنا رجل يقال له أبو حازم فبعث إليه، فجاءه، فقال له سليمان: يا أبا حازم! ما هذا الجفاء أتاني وجوه المدينة كلهم ولم تأتني!؟ قال أبو حازم: إن الناس لما كانوا على الصواب، كانت الأمراء تحتاج إلى العلماء، وكانت العلماء تفر بدينها من الأمراء، فلما رأى ذلك قوم من أذلة الناس تعلموا العلم وأتوا به إلى الأمراء فاستغنت به عن العلماء، واجتمع القوم على المعصية فسقطوا أو تعسوا أو تنسكوا ولو كان علماؤنا هؤلاء يصونون علمهم، لم تزل الأمراء تهابهم».
وأخرج البيهقي، وابن عساكر، عن زمعة بن صالح قال: قال الزهري لسليمان أو هشام: ألا تسأل أبا حازم ما قال في العلماء؟ قال يا أبا حازم: ما قلت في العلماء؟ قال: «وما عسيت أن أقول في العلماء إلا خيرا، إني أدركت العلماء وقد استغنوا بعملهم عن أهل الدنيا، ولم تستغن أهل الدنيا بدنياهم عن علمهم فلما رأى ذلك هذا وأصحابه تعلموا العلم فلم يستغنوا به واستغنى أهل الدنيا بدنياهم عن علمهم .. فلما رأوا ذلك، قذفوا بعلمهم إلى أهل الدنيا ولم ينلهم أهل الدنيا من دنياهم شيئا، إن هذا وأصحابه ليسوا علماء إنما هم رواة».
وأخرج أبو نعيم، وابن عساكر، عن يوسف بن أسباط قال: أخبرنا نجم: أن بعض الأمراء أرسل إلى أبي حازم فأتاه، وعنده الإفريقي، والزهري وغيرهما فقال له: تكلم يا أبا حازم فقال أبو حازم: «إن خير الأمراء من أحب العلماء، وأن شر العلماء من أحب الأمراء. وكانوا فيما مضى إذا بعث الأمراء إلى العلماء لم يأتوهم، وإذا سألوهم لم يرخصوا لهم وكان الأمراء يأتون العلماء في بيوتهم فيسألونهم، وكان في ذلك صلاح للأمراء وصلاح للعلماء. فلما رأى ذلك ناس من الناس، قالوا: ما لنا لا نطلب العلم حتى نكون مثل هؤلاء! وطلبوا العلم فأتوا الأمراء فحدثوهم فرخصوا لهم فخربت العلماء على الأمراء، وخربت، الأمراء على العلماء.
وأخرج البيهقي في «الزهد»، وابن عساكر، عن سفيان: قال: قال بعض الأمراء لأبي حازم: ارفع إلي حاجتك قال: هيهات! هيهات! رفعتها إلى من لا تختزن الحوائج دونه، فما أعطاني منها قنعت، وما زوى عني منها رضيت، كان العلماء فيما مضى يطلبهم السلطان وهم يفرون منه، وأن العلماء اليوم طلبوا العلم حتى إذا جمعوه بحذافيره، أتوا به أبواب السلاطين، والسلاطين يفرون منهم، وهم يطلبونهم».
وأخرج ابن عساكر، عن محمد بن عجلان المدني، قال: أرسل سليمان بن هشام إلى أبي حازم، فقال له: تكلم! قال: «ما لي من حاجة أتكلم بها، ولولا اتقاء شركم ما جئتكم لقد أتى علينا زمان وإنما الأمراء تطلب العلماء فتأخذ مما في أيديهم فتنتفع به، فكان في ذلك صلاح للفريقين جميعا، فطلبت اليوم العلماء الأمراء وركنوا إليهم واشتهوا ما في أيديهم، فقالت الأمراء ما طلب هؤلاء ما في أيدينا حتى كان ما في أيدينا خيرا مما في أيديهم، فكان في ذلك فساد للفريقين كليهما» فقال سليمان بن هشام: صدقت.
وأخرج ابن عساكر، من طريق أبي قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي قال: حدثنا أبو سعيد الأصمعي، عن أبي الزناد، عن أبيه، قال: «كان الفقهاء كلهم بالمدينة يأتون عمر بن عبد العزيز، خلا سعيد بن المسيب، فإن عمر كان يرضى أن يكون بينهما رسول، وكنت الرسول بينهما.
وأخرج ابن عساكر، عن الأوزاعي، قال: قدم عطاء الخراساني على هشام بن عبد الملك فنزل على مكحول، فقال عطاء لمكحول: ههنا أحد يحركنا؟ - يعني يعظنا - قال: «نعم، يزيد بن ميسرة فأتوه، فقال له عطاء: حركنا رحمك الله، قال: نعم، كانت العلماء إذا علموا عملوا، فإذا عملوا شغلوا، فإذا شغلوا فقدوا، فإذا فقدوا طلبوا، فإذا طلبوا هربوا» قال: أعد علي، فأعاد عليه. فرجع ولم يلق هشاما.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/84)
وأخرج الخطيب وابن عساكر، عن مقاتل بن صالح الخراساني قال: دخلت على حماد بن سلمة، فبينا أنا عنده جالس، إذ دق داق الباب فقال: «يا صبية أخرجي فانظري من هذا! فقالت: هذا رسول محمد بن سليمان الهاشمي - وهو أمير البصرة والكوفة - قال: قولي له يدخل وحده، فدخل وسلم فناوله كتابه، فقال: اقرأه فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم من سليمان إلى حماد بن سلمة. أما بعد: فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته. وقعت مسألة فأتينا نسألك عنها» فقال: «يا صبية هلمي الدواة!» ثم قال: لي: «اقلب الكتاب وكتب: أما بعد فقد صبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته، إنا أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحدا، فإن وقعت مسألة فأتنا فاسألنا عما بدا لك! وإن أتيتني، فلا تأتني إلا وحدك، ولا تأتني بخيلك ورجلك، فلا أنصحك ولا أنصح نفسي، والسلام» فبينما أنا عنده، إذ دق داق الباب فقال: «يا صبية أخرجي فانظري من هذا!» قالت: «هذا محمد بن سليمان، قال: «قولي له يدخل وحده» فدخل، فسلم ثم جلس بن يديه، ثم ابتدأ، فقال: ما لي إذا نظرت إليك امتلأت رعبا!؟ فقال حماد: «سمعت ثابت البناني يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء، وإذا أراد به أن يكثر به الكنوز، هاب من كل شيء» وذكر بقية القصة.
وأخرج ابن النجار في تاريخه عن مفلح بن الأسود، قال: قال المأمون ليحيى بن أكثم: إني أشتهي أن أرى بشر بن الحارث. قال: إذا اشتهيت يا أمير المؤمنين، فإلى الليلة ولا يكون معنا بشر. فركبا، فدق يحيى الباب فقال بشر: من هذا؟ قال: من تجب عليك طاعته. قال: وأي شيء تريد؟ قال: أحب لقاك فقال بشر: طائعا أو مكرها قال: ففهم المأمون، فقال ليحيى: اركب فمر على رجل يقيم الصلاة صلاة العشاء الآخرة فدخلا يصليان فإذا الإمام حسن القراءة فلما أصبح المأمون وجه إليه، فجاء به فجعل يناظره في الفقه، وجعل الرجل يخالفه، ويقول: القول في هذه المسألة خلاف هذا فغضب المأمون. فلما كثر خلافه قال: «عهدي بك، كأنك تذهب إلى أصحابك فتقول: خطأت أمير المؤمنين. فقال: والله يا أمير المؤمنين إني لأستحي من أصحابي أن يعلموا أني جئتك! فقال المأمون: الحمد لله الذي جعل في رعيتي من يستحي أن يجيئني، ثم سجد لله شكرا. والرجل إبراهيم بن إسحاق الحربي.
«وأخرج ابن النجار في تاريخه عن سفيان الثوري قال: «ما زال العلم عزيزا، حتى حمل إلى أبواب الملوك فأخذوا عليه أجرا، فنزع الله الحلاوة من قلوبهم ومنعهم العلم به».
وأخرج البيهقي في «شعب الإيمان» عن بشر الحافي قال: «ما أقبح أن يطلب العالم، فيقال: هو بباب الأمير».
وأخرج أيضا عن الفضيل بن عياض، قال: إن آفة القراء العجب، واحذروا أبواب الملوك فإنها تزيل النعم فقيل: كيف؟ قال: الرجل يكون عليه من الله نعمة ليست له إلى خلق حاجة فإذا دخل إلى هؤلاء فرأى ما بسط لهم في الدور والخدم استصغر ما هو فيه من خير ثم تزول النعم».
فصل
عقد الغزالي في «الإحياء» بابا في مخالطة السلاطين، وحكم غشيان مجالستهم، والدخول عليهم، قال فيه: «اعلم أن لك مع الأمراء والعمال الظلمة، ثلاثة أحوال: الحال الأولى: وهي شرها، أن تدخل عليهم.
والثانية: وهي دونها أن يدخلوا عليك.
والثالثة: - وهي الأسلم -: أن تعتزل عنهم، ولا تراهم ولا يروك.
أما الحالة الأولى: وهي الدخول عليهم، فهي مذمومة جدا في الشرع وفيه تغليظات وتشديدات تواردت بها الأخبار والآثار فننقلها لتعرف ذم الشرع له. ثم نتعرض لما يحرم منه، وما يباح وما يكره، على، ما تقتضيه الفتوى في ظاهر العلم» ثم سرد كثيرا من الأحاديث والآثار التي سبق ذكرها. ومما أورده مما لم يسبق له ذكر: «قال سفيان: في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزوارون للملوك».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/85)
وقال الأوزاعي: «ما شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا». وقال إسحاق: «ما أسمج بالعالم يؤتى مجلسه ولا يوجد فيسأل عنه فيقال: إنه عند الأمير. وكنت أسمع أنه يقال: إذا رأيتم العالم يزور السلطان فاتهموه على دينكم. أنا ما دخلت قط على هذا إلا وحاسبت نفسي بعد الخروج، فأرمي عليها الدرك مع ما أواجههم به من الغلظة والمخالفة لهواهم». وكان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت ويقول: «إن في هذا لغنى عن هؤلاء السلاطين».
وقال وهب: «هؤلاء الذين يدخلون على الملوك، لهم أضر على الأمة من المقامرين». وقال محمد ابن مسلمة: «الذباب على العذرة، أحسن من قارئ على باب هؤلاء» ولما خالط الزهري السلطان كتب له أخ في الدين: «عافانا الله وإياك يا أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن يعرفك أن يدعو لك ويرحمك، أصبحت شيخا كبيرا وقد أثقلتك نعم الله لما فهمك من كتابه وعلمك من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء. واعلم أن أيسر ما ارتكبت، وأخف ما احتملت، أنك أنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغي، بدنوك ممن لم يؤد حقا، ولم يترك باطلا حين أدناك، اتخذك قطبا تدور عليك رحايا ظلمهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم وسلما يصعدون فيه إلى ضلالتهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويغتالون بك قلوب الجهال، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما أخربوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك فيما أفسدوا عليك من دينك فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله فيهم: {فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعوا الصَلواةَ وَاِتَبَعوا الشَهَواتِ}، وإنك تعامل من لا يجهل، ويحفظ عليك من لا يغفل، فداو دينك فقد دخله سقم وهيء زادك فقد حضره سفر بعيد، وما يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء والسلام».
قال: «فهذه الأخبار والآثار تدل على ما في مخالطة السلاطين من الفتن وأنواع الفساد ولكنا نفصل ذلك تفصيلا فقهيا، نميز فيه المحظور عن المكروه والمباح.
فنقول: الداخل على السلطان متعرض لأن يعصي الله إما بفعله، وإما بسكوته، وإما بقوله، وإما باعتقاده ولا ينفك عن أحد هذه الأمور.
أما الفعل: فالدخول عليهم في غالب الأحوال يكون إلى دار مغصوبة، وتخطيها والدخول فيها بغير إذن المالك حرام والتواضع للظالم لا يباح إلا بمجرد السلام. فأما تقبيل اليد والانحناء في الخدمة فمعصية.
وقد بالغ بعض السلف، حتى امتنع عن رد جوابهم في السلام. والإعراض عنهم استحقارا لهم من محاسن القربات. والجلوس على بساطهم، إذا كان أغلب أموالهم حراما، لا يجوز.
وأما السكوت فإنه يرى في مجلسهم من الفرش الحرير، وأواني الفضة والحرير والملبوس عليهم، وعلى غلمانهم ما هو حرام. وكل من رأى سيئة وسكت عليها، فهو شريك في تلك السيئة. بل يسمع من كلامهم ما هو فحش، وكذب وشتم، وإيذاء، والسكوت عن جميع ذلك حرام. فإن ما هو فحش، وكذب وشتم، وإيذاء، والسكوت عن جميع ذلك حرام. فإن قلت: إنه يخاف على نفسه، وهو معذور في السكوت فهذا حق ولكنه مستغن عن أن يعرض نفسه لارتكاب ما لا يباح إلا بعذر، فإنه لو لم يدخل ولم يشاهد لم يتوجه عليه الخطاب بالحسبة، حتى يسقط عنه بالعذر. ومن علم فسادا في موضع، وعلم أنه لا يقدر على إزالته لا يجوز له أن يحضر ليجري ذلك بين يديه، وهو يشاهده ويسكت بل يحتزر عن مشاهدته.
وأما القول: فإنه يدعو للظالم، أو يثني عليه، أو يصدقه فيما يقول من باطل بصريح قوله، أو بتحريك رأسه، أو باستبشار في وجهه أو يظهر له الحب والموالاة، والاشتياق إلى لقائه، والحرص على طول عمره وبقائه.
فإنه في الغالب لا يقتصر على السلام، بل يتكلم ولا يعدو كلامه هذا الإمام.
وأما دعاؤه فلا يحل له إلا أن يقول: «أصلحك، أو وفقك الله للخيرات أو طول الله عمرك في طاعته» أو ما يجري في هذا المجرى. فأما الدعاء له بالحراسة وطول البقاء وإسباغ النعمة، مع الخطاب بالمولى وما في معناه، فغير جائز، وقال صلى الله عليه وسلم: «من دعى لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يعصى الله في أرضه». فإن جاوز الدعاء إلى الثناء فيذكر ما ليس فيه، فيكون كاذبا أو منافقا أو مكرما لظالم. وهذه ثلاث معاص، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق». وفي خبر آخر: «من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام فإن جاوز ذلك إلى التصديق له فيما
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/86)
يقول، والتزكية على ما يعمل، كان عاصيا بالتصديق وبالإعانة. فإن التزكية، والثناء إعانة على المعصية وتحريك للرغبة فيها كما أن التكذيب والمذمة والتقبيح زجر عنه وتضعيف لدواعيه. والإعانة على المعصية معصية ولو بشطر كلمة. وقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية: هل يسقى شربة ماء؟ فقال: «لا، دعه يموت فإن ذلك إعانة له». وأيضا فلا يسلم من فساد يتطرق إلى قلبه فإنه ينظر إلى توسعه في النعمة ويزدري نعمة الله عليه ويكون مقتحما نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «يا معشر المهاجرين لا تدخلوا على أهل الدنيا فإنها مسخطة للرزق». وهذا مع ما فيه من اقتداء غيره في الدخول، ومن تكثير سواد الظلمة بنفسه وتحميله إياهم إن كان ممن به وكل ذلك إما مكروهات أو محظورات فلا يجوز الدخول عليهم إلا بعذرين.
أحدهما: أن يكون من جهتهم أمر إلزام، لا إكرام، وعلم أنه لو امتنع أوذي.
والثاني: أن يدخل عليهم في دفع الظلم عن مسلم، فذلك رخصة بشرط أن لا يكذب، ولا يدع نصيحة يتوقع لها قبولا».
ثم قال: «فإن قلت: فلقد كان علماء السلف يدخلون على السلاطين فأقول: نعم تعلم الدخول منهم، ثم أدخل عليهم! فقد حكي: أن هشام بن عبد الملك، قدم حاجا إلى مكة فلما دخلها قال: ائتوني برجل من الصحابة» فقيل: يا أمير المؤمنين! فقد تفانوا قال: من التابعين. فأتي بطاوس اليماني فلما دخل عليه، خلع نعليه بحاشية البساط، ولم يسلم بإمرة المؤمنين، ولكن قال: «السلام عليك يا هشام!» ولم يكنه وجلس بإزائه وقال: «كيف أنت يا هشام!» فغضب هشام غضبا شديدا حتى هم بقتله وقال له: «ما حملك على ما صنعت؟!» قال: «وما الذي صنعت؟!».
فازداد غضبا وغيظا، فقال: «خلعت نعلك بحاشية بساطي، وما قبلت يدي، ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين، ولم تكنني وجلست بإزاي بغير إذن، وقلت: «كيف أنت يا هشام؟» فقال: أما قولك: «خلعت نعلي، بحاشية بساطك، فأنا أخلعها بين يدي رب العالمين كل يوم خمس مرات ولا يعاقبني ولا يغضب علي. وأما قولك: «لم تقبل يدي فإني سمعت علي بن أبي طالب قال: «لا يحل لرجل أن يقبل يد أحد، إلا امرأته بشهوة أو ولده برحمة». وأما قولك: لم تسلم بإمرة المؤمنين، فليس كل الناس راض بإمرتك، فكرهت أن أكذب. وأما قولك: «لم تكنني فإن الله تعالى سمى أولياءه وقال: يا داود، يا يحيى، يا عيسى وكني أعداءه فقال:» تَبَّت يَداَ أَبي لَهَبٍ «وأما قولك: جلست بإزائي فإني سمعت علي بن أبي طالب يقول: «إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، انظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام» فقال هشام: عظني؟.
قال: «سمعت علي بن أبي طالب يقول: «إن في جهنم حيات كالقلال، وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته» ثم قام وخرج.
وعن سفيان الثوري قال: «دخلت على أبي جعفر بمنى، فقال لي: ارفع حاجتك؟ فقلت له: «اتق الله! فإنك قد ملأت الأرض جورا وظلما». قال: فطأطأ رأسه، ثم رفع وقال: ارفع لنا حاجتك؟ فقلت: «إنما أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعا، فاتق الله وأوصل إليهم حقوقهم». قال: فطأطأ رأسه ثم رفع وقال: ارفع إلينا حاجتك؟ قلت: «حج عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهما، وأرى هاهنا أمورا لا تطيق الجمال حملها».
فهكذا كانوا يدخلون على السلاطين إذا أكرهوا فكانوا يفرون بأرواحهم في الله أعني علماء الآخرة، فأما علماء الدنيا فيدخلون ليتقربوا إلى قلوبهم، فيدلونهم على الرخص، ويستنبطون بدقائق الحيل السعة فيما يوافق أغراضهم» انتهى كلام الغزالي ملخصا.
وفي «أمالي» الشيخ عز الدين بن عبد السلام التي علقها عنه تلميذه الشيخ شهاب الدين القرافي أحد أئمة المالكية، ما نصه: «ومن جملة كلامه - يعني الشيخ عز الدين رضي الله عنه - وقد كتب إليه بعض أرباب الدولة يحضه على الاجتماع بملك وقتهم، والتردد إليه ليكون ذلك مقيما لجاهه وكاتبا لعدوه. فقال رضي الله عنه: «قرأت العلم لأكون سفيراً بين الله وبين خلقه، وأتردد إلى أبواب هؤلاء!» قال القرافي: «فأشار رضي الله تعالى عنه إلى من حمل العلم، فقد صار ينقل عن الله إلى عباده، فهو في مقام الرسالة ومن كان له هذا الشرف لا يحسن منه ذلك».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/87)
وقال ابن الحاج في «المدخل»: «ينبغي للعالم، بل يتعين عليه أن لا يتردد لأحد من أبناء الدنيا، لأن العالم ينبغي أن يكون الناس على بابه، لا عكس الحال أن يكون هو على بابهم ولا حجة له في كونه يخاف من عدو أو حاسد وما أشبههما بمن يخشى أن يشوش عليه، أو يرجو أحد منهم دفع شيء مما يخشاه أو يرجو أن يكون ذلك شيئا لقضاء حوائج المسلمين من جلب مصلحة لهم أو دفع مضرة عنهم فهذا ليس فيه عذر ينفعه. أما الأول: فلأنه إذا أخذ ذلك بإشراف نفس لم يبارك فيه. وإذا كان خائفا مما ذكر، فذلك أعظم من إشراف النفس، وقد يسلط عليه من يتردد إليه في مصلحة عقوبة له معجلة. وأما الثاني: فهو يرتكب أمرا محظورا محققا لأجل محذور مظنون توقعه في المستقبل. وقد يكون، وقد لا يكون وهو مطلوب في الوقت بعدم ارتكاب ذلك الفعل المذموم شرعا، بل الإعانة على قضاء حوائجه وحوائج المسلمين إنما هو بالانقطاع عن أبواب هؤلاء، والتعويل على الله سبحانه والرجوع إليه فإنه سبحانه هو القاضي للحوائج، والدافع للمخاوف، والمسخر لقلوب الخلق، والمقبل بها على ما شاء، كيف شاء. قال تعالى خطابا لسيد الخلق:» لَو أَنفَقتَ ما في الأَرضِ جَميعاً مّا أَلَّفتَ بَينَ قُلوبِهِم وَلَكِنَّ اللَهَ أَلَّفَ بَينَهُم «. فذكر سبحانه هذا في معرض الامتنان على نبيه صلى الله عليه وسلم. والعالم إذا كان متبعا له عليه أفضل الصلاة والسلام سيما في التعويل على ربه سبحانه والسكون إليه دون مخلوقاته فإنه سبحانه يعامله بهذه المعاملة اللطيفة التي عامل نبيه صلى الله عليه وسلم، ولبركة الاتباع له صلى الله عليه ويسلم بذلك من التردد إلى أبواب هؤلاء كالذي يفعله بعض الناس، وهو سم قاتل. ويا ليتهم لو اقتصروا على ما ذكر لا غير. بل يضمون إلى ذلك ما هو أشد وأشنع، وهو أنهم يقولون أن ترددهم إلى أبوابهم من باب التواضع، أو من باب إرشادهم إلى الخير إلى غير ذلك مما يخطر لهم، وهو كثير قد عمت به البلوى، وإذا اعتقدوا ذلك فقد قل الرجاء من توبتهم ورجوعهم. وقد نقل بعض علمائنا أن العدل إذا تردد إلى باب القاضي يكون ذلك حرجة في حقه وترد به شهادته. فإذا كان هذا في التردد إلى باب القاضي وهو عالم من علماء المسلمين، سالم مجلسه مما يجري من مجالس هؤلاء، فكيف التردد إلى غير القاضي، فمن باب أولى وأوجب المنع من ذلك». وقال في موضع آخر: «ينبغي للعالم أنه إذا قطع عنه معلوم المدرسة لا يترك ما كان منه من الاجتهاد ولا يتبرم، ولا يضجر لأنه قد يكون المعلوم قد قطع عنه اختبارا من الله تعالى لكي يرى صدقه في علمه وعمله، فإن رزقه مضمون له لا ينحصر في جهة غير أخرى. قال عليه الصلاة والسلام: «من طلب العلم تكفل الله برزقه» ومعناه يسره له من غير تعب ولا مشقة، وإن كان الله تعالى تكلف برزق الخلق أجمعين، لكن حكمة تخصيص العالم بالذكر أن ذلك ييسر له بلا تعب، ولا مشقة، فجعل نصيبه من التعب والمشقة في الدرس والمطالعة والتفهم للمسائل وإلقائها وذلك من الله تعالى على سبيل اللطف به والإحسان إليه وهذا من كرامات العلماء، أعني فهم المسائل وحسن إلقائها، والمعرفة بسياسة الناس في تعلمها، كما أن كرامات الأولياء فيها أشياء أخرى يطول تعدادها مثل المشي على الماء والطيران في الهواء. وينبغي له أن يصون هذا المنصب الشريف من التردد لمن يرجى أن يعين على إطلاق المعلوم، أو التحدث فيه أو إنشاء معلوم عوضه. وقد حدثني من أثق به أنه رأى بعض العلماء، وكان يدرس في مدرسة وانقطع المعلوم عنه وعن طلبته فقالوا للمدرس: لعلك أن تمشي إلى فلان! وكان من أبناء الدنيا لتجتمع به عسى أن يأمر بإطلاق المعلوم فقال: «والله إني لأستحي من ربي عز وجل أن تكذب هذه الشيبة عنده» فقالوا له: وكيف ذلك!؟ فقال: «إني أصبح كل يوم، أقول: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت» فأقول هذا وأقف بين يدي مخلوق أسأله في ذلك والله لا فعلته» والعالم أولى من يثق بربه عز وجل في المنع والعطاء، ولا عذر له في الطلب لأجل العائلة لأنه إن ترك ذلك تقية على هذا المنصب الشريف لم يضيع الله الكريم قصده وأتاه به أو فتح له من غيبه ما هو أحسن له من ذلك وأعانه وسد خلته على ما شاء، كيف شاء، وليس رزقه بمخصوص في جهة بعينها، وعادة الله أبدا المستمرة على أنه سبحانه وتعالى يرزق من هذا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/88)
حاله من غير باب يقصده، أو يؤمله، لأن مراد الله تعالى من العلماء انقطاعهم إليه، وتعويلهم في كل أمورهم عليه، ولا ينظرون إلى الأسباب وإلى مسبب الأسباب ومدبرها، والقادر عليها، وكيف لا يكون العالم كذلك وهو المرشد للخلق والموضح الطريق المستقيم للسلوك إليه سبحانه، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه من حيث لا يحتسب» انتهى.
وفي «طبقات الحنفية» في ترجمة علي بن الحسن الصندلي: «أن السلطان ملك شاة قال له: «لم لا يجيء إلي؟ قال: أردت أن تكون من خير الملوك، حيث تزور العلماء، ولا أكون من شر العلماء حيث أزور الملوك».
وقال ابن عدي في «الكامل»: «سمعت أبا الحسين محمد بن المظفر يقول: سمعت مشائخنا بمصر يعترفون لأبي عبد الرحمن النسائي بالتقدم والإمامة ويصفون من اجتهاده في العبادة بالليل، ومواظبته على الاجتهاد، وأنه خرج إلى الغزو مع والي مصر فوصف من شهامته، وإقامته السنن المأثورة، واحترازه عن مجالسة السلطان الذي خرج معه ولم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد رضي الله عنه».
وفي «تهذيب الكمال» للمزي في ترجمة أبي يحيى أحمد بن عبد الملك الحراني شيخ البخاري، ما نصه: «قال أبو الحسن الميموني: سألت أحمد بن حنبل عنه فقال: «قد كان عندنا ورأيته كيسا، وما رأيت به بأسا، رأيته حافظا لحديثه، وما رأيت إلا خيرا فقلت: رأيت جماعة يسيئون الثناء عليه. قال: هو يغشى السلطان بسبب ضيعة له».
وفي «تهذيب الكمال» أيضا بسنده عن رشدين بن سعد قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: سمعت «أعز الأشياء في آخر الزمان ثلاثة: أخ في الله يؤتسى وكسب درهم من حلال، وكلمة حق عند سلطان».
وعن خلف بن تميم قال: سمعت إبراهيم بن أدهم ينشد:
أَرى أُناساً بِأَدنى الدينِ قَد قَنَعوا وَلا أَراهُم رَضوا في العَيشِ بِالدونِ
فَاِستَغنِ بِاللَهِ عَن دُنيا المُلوكِ كَما اِستَغنى المُلوكُ بِدُنياهُم عَنِ الدينِ
وقال القالي في أماليه: «حدثنا أبو بكر ابن الأنباري، حدثني أبي قال: بعث سليمان المهلبي إلى الخيل بن أحمد بمائة ألف درهم، وسأله في صحبته فرد عليه المائة ألف وكتب إليه بأبيات:
أَبلِغ سُلَيمانَ أَنّي عَنهُ في سَعَةٍ وَفي غِنى غَيرَ أَنّي لَستُ ذا مالِ
سَخِيٌّ بِنَفسي أَنّي لا أَرى أَحَداً يَموتُ هُزلاً وَلا يَبقى عَلى حالِ
فَالرِزقُ عَن قَدرٍ لا العَجزِ يُنقِصُهُ وَلا يَزيدَكَ فيهِ حَولَ مُحتالِ
وَالفَقرُ في النَفسِ لا في المالِ تَعرِفُهُ وَمِثلُ ذاكَ الغِنى في النَفسِ لا المالِ
وأخرج أبو نعيم في «الحلية» عن محمد بن وهيب بن هشام قال: أنشدني بعض أصحابي لابن المبارك رحمه الله تعالى:
كُلِ الجاوُرسَ وَالأَرُزَ بِالخُبزِ الشَعيرِ وَاِجعَلَن ذلِكَ طَعاماً تَنجُ مِن حَرِّ السَعيرِ
وانأى ما استطعت هداك الله عن باب الأمير
وأخرج أبو نعيم في «الحلية» عن أحمد بن جميل المروزي قال: قيل لعبد الله بن المبارك رضي الله عنه وأرضاه أن إسماعيل بن علية قد ولي الصدقات فكتب إليه ابن المبارك:
يا جاعِلَ العِلمِ لَهُ بازِياً يَصطادُ أَموالَ المَساكينِ
اِحتَلتَ الدُنيا وَلَذّاتَها بِحيلَةٍ تَذهَبُ بِالدَينِ
فَصِرتَ مَجنوناً بِها بَعدَما كُنتَ دَواءً لِلمَجانينِ
أَينَ رِوايَتُكَ في سَردِها لِتَركِ أَبوابِ السَلاطينِ
أَينَ رِوايَتُكَ فيما مَضى عَنِ اِبنِ عَونِ وَاِبنِ سيرينِ
إِن قُلتُ أُكرِهتُ فَذا باطِلٌ زَلَّ عَمّارُ العِلمِ في الطينِ
قال: فلما قرأ الكتاب بكى واستعفى.
ونظير هذا ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريق البيهقي، عن الحاكم قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، نبأنا علي بن الحسن بن حبيب الدمشقي، قال: سمعت الناقوسي، وكان من أهل القرآن والعلم، قال سمعت محمد بن عبد الله بن الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: «كان لي صديق يقال له حصين، وكان يبرني ويصلني فولاه أمير المؤمنين السيبن، قال فكتب إليه:
خُذها إِلَيكَ فَإِنَّ وُدَّكَ طالِقٌ مِنّي وَلَيسَ طَلاقُ ذاتِ البَينِ
فَإِنِ اِرعَوَيتَ فَإِنَّها تَطليقَةٌ وَيَدومُ وُدُّكَ عَلى ثِنتَينِ
وَإِنِ اِلتَوَيتَ شَفَعتَها بِمِثالِها وَتَكونُ تَطليقَتَينِ في حَيضَينِ
فَإِذا الثَلاثُ أَتَتكَ مِنّي طائِعاً لَم تُغنِ عَنكَ وِلايَةَ البَحرَينِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(21/89)
لَم أَرضَ أَن أَهجُرَ حَصيناً وَحدَهُ حَتّى اِسوَدَّ وَجهُ كُلِّ حَصينِ
وأخرج أبو نعيم عن محمد بن وهب، قال: أنشدني بعض أصحابنا لابن المبارك:
أَلا اِقتَدَيتُم بِسُفيانَ وَمِسعَرِكُم وَبِاِبنِ مَغولٍ إِذ يَجمَعهُمُ الوَرَعُ
وَبِالتَقِيِّ أَخي طَيءّ فَرابِعُهُم زَينُ البِلادِ جَميعاً خَيرُةُ فَرِعُ
مِثلُ الفِراخِ تَراهُم في تَهَجُّدِهِم سُهدُ العُيونِ فَلا غُمضٌ وَلا هَجَعُ
جُلَّسُ البُيوتِ جُثوماً في مَنازِلِهِم إِلّا النَوائِبَ أَو تُزعِجهُمُ الجُمَعُ
خُمصُ البُطونِ مَعَ الأَكبادِ جائِعَةٌ لا يَطمَعونَ حَراماً خِشيَةَ الفَزَعِ
لِلناسِ هَمّ وَهُمُّ القَومِ أَنفُسُهُم عِندَ الحَصادِ القَومُ ما زَرَعوا
وقال بعضهم:
هَيهاتَ اِغتَر بِالسُلطانِ تَأتيهِ قَد ضَلَّ والِجُ أَبوابَ السَلاطينِ
وقال الإمام أبو القاسم الشاطبي صاحب القصيدة المشهورة:
يَلومونَني إِذ ما وَجَدتُ مُلائِماً وَمالي مُليماً حينَ سِمتُ الأَكارِما
وَقالوا تَعَلَّمَ العُلومَ نِفاقَها بِسِحرِ نِفاقٍ يَستَحِقُّ العَزائِما
وَقَلِّب جِناها حَولاً قَلباً بِما يُدني أُنوفَ الشامِخاتِ رَواغِما
وَلا بُدَّ مِن مالٍ بِهِ العِلمُ يُعتَلى وَجاهٍ في الدُّنيا يَكُفُّ المَظالِما
وَلَولا مَصابيحُ السَلاطينِ لَم تَجِد عَلى ظُلُماتِ السّبيلِ بِالحَقِ قائِما
فَخالِطهُم وَاِصبِر لِذُلِّ حُجّابِهِم تَنَل بِهِم عِزّاً يُسَمّيكَ عالِماً
وقال الجمال اللغوي في كتاب «المعجب» ومن خطه نقلت: أخبرني بعض الفضلاء: أن الأمير عز الدين حرسك بعث إلى الشيخ الشاطبي يدعوه للحضور عنده، فأمر الشيخ بعض أصحابه أن يكتب إليه هذه الأبيات وهي قوله:
قُل لِلأَميرِ مَقالَةً مِن ناصِحٍ فَطنٍ نَبيهِ
إِنَّ الفَقيهَ إِذا أَتى أَبوابَكُم لا خَيرَ فيهِ
وفي «التذييل» للبدر النابلسي: قال سعيد بن إبراهيم بن عبد ربه وقد انقبض عن الملوك في آخر عمره:
أَمِن بَعدِ غَوصي في عُلومِ الحَقائِقِ وَطولِ اِنبِساطي في مَذاهِبِ خالِقِ
وَفي حينِ إِشرافي عَلى مَلَكوتِهِ أَرى طالِباً رِزقاً إِلى غَيرِ رازِقي
وَقَد أَذِنَت نَفسي بِتَفويضِ خِلِّها وَأَسرَعَ في سوقي إِلى المَوتِ سابِقي
دونَكَ يا مَن يَرى النُصحَ ذِلَةً اِستَوسَعَ فيكَ الشامِتينَ المَراجِما
إِذ لَعِبَت صِبيانُهُم بِكَ وَاِبتَغَت شُيوخُهُم فيكَ الصُروفَ الفَواتِحا
فَقُلتُ مُجيباً لَيسَ يُسعِدُني سِوى نَجى الحَشا وَالدَمعُ يَنهَلُ حاجِما
إِلى اللَهِ أَشكو وَحدَتي في مَصائِبي وَهَذا زَمانُ الصَبرِ لَو كُنتُ حازِما
وَكَم زَفَرٌ تَحتَ الضُلوعِ لَهيجُها حَكيمٌ يَبيعُ العِلمَ بِالجورِ حاكِما
وَكَأَنَّ جِنابَ العِلمِ يَسمو بِأَهلِهِ إِلى أَطيَبَ أَنفاسِ الحَياةِ تَواسِما
يَرُدّونَ دُرتَ بِهِ زَهرَةَ الدُنيا إِلى نَجعَةِ الأُخرى فَيَرتادُ حائِما
وقال الحافظ أبو نصر بن ما كولا:
تَجَمَّعَت أَبوابُ المُلوكِ لِآتي عَلِمتُ بِما لَم يَعلَمِ الثَقِلانِ
رَأَيتُ سُهَيلاً لَم يَحُد عَن طَريقِهِ مِنَ الشَمسِ إِلّا مِن مَقامِ هَوانِ
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن زيد بن أسلم قال: كنت مع أبي حازم فأرسل إليه عبد الرحمن بن خالد الأمير أن ائتنا حتى نسألك وتحدثنا. فقال أبو حازم: «معاذ الله أدركت أهل العلم لا يحملون العلم لأهل الدنيا فلن أكون أول من فعل ذلك فإن كان لك حاجة، فأبلغنا» فأرسل إليه عبد الرحمن قد ازددت عندنا بهذا كرامة.
انتهى
وحسبنا الله ونعم الوكيل
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[07 - 11 - 05, 09:19 م]ـ
سلمت يمينك
ـ[طالب علوم الحديث]ــــــــ[10 - 11 - 05, 10:45 م]ـ
جزاك الله خيرا(21/90)
كتاب الكتروني: مجموعة الرسائل والمسائل النجدية - الجزء الأول
ـ[إسلام إبراهيم]ــــــــ[14 - 09 - 05, 08:32 م]ـ
قد انتهيت بحمد الله من كتاب الكتروني بعنوان " مجموعة الرسائل والمسائل النجدية - الجزء الأول "، تأليف بعض علماء نجد الأعلام.
قال الشيخ ابن جبرين في المقدمة:
فإن علماء الإسلام وحملة هذه الشريعة لم يزالوا في كل زمان ومكان يجاهدون في سبيل الله أعظم جهاد، وذلك بإظهار الحق والدعوة إليه، وقمع الباطل ودَحْض أهله، ونشر العلم الصحيح الذي ورثوه، وتوارثوه عن أسلافهم قَرْنًا بعد قرن، والذي خلَّفه لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم. وكم لقوا وقابلهم من أعداء السنة والدين مِن ظلم، وقذف واعتراض، وتضليل وتخطئة، ونحو ذلك؛ ولكن ذلك لم يزدهم إلا صمودا وتصلبا في تمسكهم بالحق، وتشبثهم بأهداب هذا الدين، وسعيهم في الرد على أولئك المبطلين، وتفنيد ما يلفقونه من شُبَهٍ وأوهامٍ يُرَوِّجُون بها باطلَهم. وإن من جملة علماء السنة والجماعة: أئمة الدعوة النجدية، الذين أقامهم الله تعالى ـ وله الحمد والفضل ـ في هذه البلاد بعد اندراسٍ من أعلام الدين، وبعد فُشُوِّ البدع والشركيات، فألهمهم الحق وبَصَّرَهم به، وفتح على قلوبهم بمعرفة التوحيد وما يضاده. فقاموا في بيانه على قَدَمٍ وساقٍ، ونشروا العقيدة السلفية، والشريعة الإسلامية، وأعلنوا الحق وأظهروه، وجَدُّوا واجتهدوا في إيضاحه بدليله، وفي دحض اعتراضات أعدائهم من الدعاة إلى الشرك والبدع، حتى اتضح الحق واستبان لكل ذي علم وبصيرة. وقد حرص تلاميذهم على نسخ كتاباتهم، وأجوبتهم، وفتاويهم ورسائلهم، ونصائحهم، وعلومهم، وما أبدوه من فوائد، وما فتح الله عليهم من أنوار العلوم. ولأهمية تلك الفوائد وندرتها كان من الأهمية حفظها، والحرص على تدوينها، وإثباتها في مؤلفات، ليطلع عليها مَنْ بعدهم، فيسترشد ويستفيد، وتعرف الأحكام والحوادث التي تجري في زمان أولئك العلماء، وكيف أجابوا على الأسئلة التي رُفعت إليهم، ومراجعهم ومذاهبهم في تلك الأجوبة. ولقد اجتمع من تلك الرسائل هذه المجموعة الكبيرة التي عرفت باسم:"مجموعة الرسائل والمسائل النجدية"، والتي جمعها ورتبها بعض تلاميذهم الذين تخرجوا على أيديهم، وانتفعوا بعلومهم، فأهمهم أمر تلك الفتاوى والرسائل، وأحبوا أن يشاركهم مَن بعدهم في الاستفادة. وقد طُبِعَتْ هذه المجموعة قبل ستين عاما أو أكثر في عهد جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن -رحمه الله-، وانتشرت داخل المملكة وخارجها، وحصل بها نفع كبير، واستفاد منها الصغير والكبير؛ وعرفت بها عقيدة هؤلاء الأئمة، وما يدعون إليه، وزالت بها الشبهات التي تُلَفَّقُ عليهم، ويحاول الأعداء بها الصد عن سبيل الله وذلك لاشتمالها على علوم وفنون كثيرة ومتنوعة، يُدْرَكُ مِن خلالها تَوَسُّعُ هؤلاء الأئمة في أنواع العلم الشرعي ووسائله، حيث يوجد بها الفقه، والتفسير، والحديث وعلومه، والأصول، والعقيدة، والتاريخ، والأدب، والنحو والصرف، وغيرها بتوسعٍ واختصارٍ أحيانا.
حجم ملف البرنامج: 900 كيلو بايت.
رابط التحميل:
http://www.ebooks-center.net/click/go.php?id=27
ـ[أبو محمد]ــــــــ[16 - 09 - 05, 07:07 ص]ـ
جزاك الله خيرا كثيرا وأحسن إليك .. ونحن في انتظار بقية الكتاب .. لا حرمك الله الأجر الجزيل.
ـ[إسلام إبراهيم]ــــــــ[16 - 09 - 05, 03:19 م]ـ
وجزاك الله خيرا وبارك فيك ..
وهنا الجزء الثالث:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=209712
ـ[محمد البحار]ــــــــ[17 - 09 - 05, 10:32 ص]ـ
جزاك الله خيرا لكن أين الجزء الثاني؟؟:) ..
ـ[إسلام إبراهيم]ــــــــ[17 - 09 - 05, 12:56 م]ـ
وجزاك خيرا وبارك فيك ..
أما الجزء الثاني وبقية الأجزاء فلم أجدها مكتملة .. إنما هو تحقيقات متفرقة من المطبوع ضمنها ..
ـ[إسلام إبراهيم]ــــــــ[25 - 12 - 06, 07:31 م]ـ
الرابط الجديد بهذه الصفحة:
http://www.islamspirit.com/ebooks/ebooks_c_bok_0026.php
ـ[أبو إبراهيم الحائلي]ــــــــ[08 - 04 - 07, 06:34 م]ـ
بارك الله فيك أخي إسلام .. عمل عظيم .. نفع الله بك
ـ[السليماني]ــــــــ[01 - 07 - 07, 06:44 م]ـ
جزاك الله خيرا(21/91)