للجهل فقال له الحمل إنما أتكلم بالواقع المشاهد فقال الذئب لا ينبغي أن تسفه قولاً قلته وما عليك إلاّ أن تسمع وتطيع فمشى الحمل وهو يقول قاتل الله القوة ما أشد ولوعها يسلب حقوق الضعفاء.
حرب الأقلام بجيوش الأوهام
معلوم أن الحرب المتداولة في العالم داعيتها نشر دين أو حب استبداد على الغير وقد تنوعت صور الحروب لإعدام الإنسان بقدر ما توصل إليه قوة الاختراع وما عند المعتدي من حب الأثرة والانفراد بالسلطة فكانت الحروب الأولى مضاربة بالعصيّ ثم مراشقة بالنبال ثم مطاعنة بالرماح ثم مجالدة بالسيوف ثم انتهت إلى المراماة بالبنادق والمقاذفة بالمدافع وكل نوع أخذ لُه دوراً وأعدم خلائق لا يحصون كثرة وترك لهُ في النفوس أقبح وقع وقد اخترعت الدول الآن نوعاً أخف كلفة وأكبر تأثيراً وهو الإيهام المحير للأفكار الموقع في الارتباك والاضطراب فأخذت كل دولة تزيد في جنودها وتعبئُ الجيوش وتحشدها في حدودها وتصدر الأوامر بعمل الاستحكامات وبناء السفن وتكثير الآلات وإعداد المهمات ولا حديث لكل دولة بين وزرائها ونوابها إلا الاستعداد للحرب حتى إن من نظر إلى الأهبة التي عليها أوروبا الآن وصوّر أنها أثارت الحرب يوماً ما أيقن أن نصف العالم على وشك العدم ومعظم العواصم عرضة للدمار والخراب. ومعلوم أن كل دولة مطالبة بحق وأخذ ثار أو متوقعة هجوم جارتها عليها فالخوف واقع في كل أمة من سكان الأرض وليس هناك أمة تبيت تحت سماء الأمن حتى همج أواسط أفريقية فإنهم وصلتهم عدوى أوروبا(1/793)
وامتدت إليهم الإطماع فأصبحوا بين مخلب المنون بدعوى توسيع الاستعمار وتعميم المدنية وقطع عروق الجهالة والخشونة من العالم وهي علل باطلة ودعاوٍ كاذبة يبعث على افترائها حب الاستبداد من أمم تدعي الحرية وهم لم يشموا لها رائحة إلى الآن. وبهذا الاهتمام بشأن الجند والأساطيل والحصون أصبح الكون يموج في بعض حدساً وتخميناً. ثم برز فرسان الأقلام في ميدان الإرهاب والتحذير والإيهام والتخويف والإنذار والوعيد فشغلوا الأفكار وتركوا الناس في حكم الفوضى يتجارون على مكاتب الجرائد والتلغرافات يتساءلون عن الأخبار اليومية والأقوال الوهمية وقد ارتجفت قلوبهم وبلغت الرهبة منهم مبلغ تصديق تلك الأيهامات فخافوا من تهديد هذا الوكيل ووعيد ناظر خارجية كذا وإنذار دولة كذا وزيادة الجند بين أمة كذا كأن تلك الأمور حقيقية محققة الوقوع وما هي إلا حروب وهمية التزمتها الدول تخفيفاً لمصرف الحروف وحقنا للدماء. فإن كل عقل يعلم أن الدول موزعة المطامع في العالم وكل دولة ترى أنها أحق بإقليم كذا لكونه طريقها إلى أملاكها والأخرى تقول بل أنا أحق به لكونه مجاوراً الأملاكي وفيه مصالحي وهذه تقول أن
هذا إقليمي وملكي الشرعي يشهد بذلك فلان وفلان وبهذا التخالف لا يمكن لأمة أن تسطو على أمة ولها رقيب يعارضها أو مثيل يدافعها إلا إذا اجتمع الدول على قسمة الكرة قسمة إفراز وانعقد إجماعهم على تعيين النقط وتحديد الحدود فإن المطامع تنقطع عند ذلك وتمتنع المعارضات خشية أن ينقض الجميع على المعارضة بحكم الاتفاق وهذه نقطة يعز الوصول إليها فإن كل دولة تمني نفسها بأنها ستكون مالكة لدنيا يوماً ما وما دامت هذه الأفكار جائلة في رؤوس رجالها أنه يستحيل الوصول(1/794)
إلى مجمع الإجماع الآن إلاّ أن بقاء الدول على ماهي عليه من تكثير الجند وأعداد العدد مما يقطع العقل باستحالته لتحملها في سبيل تأييده وبقائه ما يعود على ما ليتها بالإفلاس وعلى رجالها بالملل والسآمة فلابد وأن يأتي يوم فيه تخفف الدول أثقالها وتطرح عن عواتقها أحمالاً أضعفتها ولا تصل لذلك إلا باتفاق على سلم محدودة وهذا موهوم أو حرب اشتراكية وهذه هي مرجع الأفكار غير أن العلة لم تزل في غموض ومعظم العالم يظنها القطعة المباركة الواقفة في باب إفريقية التي لا تحمل سلاحاً ولا تريد قتالاً وهي التي حركت العالم للمحالفات والمعاهدات بإصبع من يريد أن يعبث بالدول ليتناول طاووس الشرق بيد الصيد والقنص وقد اتخذ له كتاباً ينازلون الضعفاء بأقوال الإيهام والوعيد ليمكنوا الرهبة من قلوب من قصدوا استعبادهم وإذلالهم ظانين إن كل ما تصوروه يقع في قلوب الناس وهو وهم دعا إليه الجهل بحقائق العالم والاغترار بأغرار يقفون بأبوابهم لا يدرون لأية علة وقفوا ولا يعاب على طاووس الشرق وجود أفراد أوقعتهم الجهالة في حبالة الأوهام فظنوا خلف السراب ماء وغابوا عن الحقوق المقدسة المكفولة بضمانة الدول ولئن سكتت الدول ساعة فستقول أعواماً ولئن سكنت أعواماً فستتحرك أياماً فليبرق كتاب الأوهام ويرعدوا حتى تنكشف الحقائق وترفع ستارة الأوهام عن نار مؤصدة أو سلم دائمة قاعدتها رد الحقوق لأهلها ووقوف كل دولة عند حدودها التي عينتها لها المعاهدات. وبهذا نرى أن السكون أحسن ما تحلى به الشرقيون الآن طارحين إيهام المهددين خلف ظهورهم ضاربين بأقوال المنذرين حائط الإهدار منصرفين عن هذه الترهات إلى ما يهمهم من(1/795)
التعلق بملوكهم وأمرائهم والتوصل إلى حفظ الحقوق برعاية جانب الدول والمحافظة على الأمن العام وقيام كل عامل بعمله على قانون العدل وطريق الاستقامة ليحق الله الحق ويبطل ولو كره المجرمون. وليعلموا أن مصيبتهم
بهذه المبارزات قبضت نفوس إخوانهم في جميع الأقطار فعادوا للتساؤُل فيما كانوا يسمعونه عن مهدديهم من أنهم محبون للأمة الشرقية مدافعون عنها لا يتعرضون لإضرارها ولا لسلب سلطتها من سلطنها وأمرائها وقد تبين لهم أن تلك الكلمات كانت بروقاً خلبية وحيلاً سيماوية استمالوا بها النفوس وجذبوا القلوب حتى وقع في حبالهم من وقع وقد انكشف الغطاء ووضح الصبح لذي عينين وأيقن الكل أن القصد الاستعباد بسوط الاستبداد. وحركات النفوس لا تزال تختلج في الصدور والقوّة تمانعها والعوارض تدفعها حتى تخرج من مقارّها إلى ساحة حياة أو موت والكون شاهد عدل على تربية أمم كثيرة تحت أحضان أمم أُخرى وعودتها لعز الاستقلال والتخلص من قيد الاستعباد. ومن هذا نعلم أن ضغط أوروبا على أفكار الشرقيين ومسارعة ملوكها للتغلب على أقطارهم هو عين الحياة للشرق وأهله وباعث المحافظة على الحقوق والمطالبة بها عند تمكنهم من فرصة الظفر فإن أعمال أوروبا في الشرق ما هي إلا دروس تعطى لأهله وتمرين على الأعمال الجديدة وأعداد لقوى يكونها الاحتكاك في الأفكار والتربية تحت الأحضان. ولو لم تتداخل أوروبا في الشؤُون الشرقية بالتجول في هذه الأقطار والتغلب على بعضها ونقل التجارة إليها ونشر جرائدها بين قوم ما كانوا يعلمون شيئاً من أحوال أوروبا لبقي الشرق على اغتراره بكلام أهل الأطماع وظنه الصدق في أخبار محبي الاستعباد وتوهمه الحق في(1/796)
فعل ملوك الاستبداد وما كشف لأهل الشرق حقائق الأوهام إلا تلك المخالطة المباركة التي استفاد بها الأوروبيون مالاً واستفاد الشرقيون منها علوماً ولئن تجزأت أقطارهم ووقع الكثير منها تحت سوط استعباد أوروبا ولم يبق إلا رأس الجسم الشرقي وقلب حياته فلسوف ترينا الأيام من تدافع القوى الفكرية في جميع الأمم الشرقية ما يحملها على التخلص من ذلك الاستعباد بضغط المستعبد وسلبه حقوقهم وإكراههم على التخلي عما ألفوه واعتقدوه فإن الشرقيين ليسوا نوعاً غير نوع الإنسان حتى يحكم عليهم بعدم مجاراة الأمم التي خضعت لغيرها بحكم الضعف والجهل حتى تربت وقويت مادتها العلمية فحملتها على الرجوع إلى ما كان عليه السابقون من سكان أرض هم أحق بها وأهلها. وكأني بجاهل بحقائق الأمم وكيفية تكوين الدول بالتربية والاختلاط يعترض على هذا الكلام بل يسخر منه اغتراراً بقوّة من اشتروه بثمن نعل فنكل أمره إلى المستقبل حتى تناديه أمم الشرق قائلة أن تسخروا
منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون. ولا يظن جاهل أن تلك الحركات الشرقية ثورة عدوانية أو اضطراب فوضوي فإنما هي قوّة فكرية تمكنها منها حركات أوروبا بين دافع ومدفوع فيخلوا الجو لأمم الشرق تحت مراقبة الغرب يوم يساوي الشرقي الغربي في التصرُّف في الأمور بالحذق والدهاء والصبر على الشدائد ولئن استبعدنا حصول ذلك في قرن نحن في أوله كما يزعم المموهون فإننا لا نستبعد حصول ذلك في قرن نحن في أوله كما يزعم الموهون فإننا لا نستبعد أن تلد الأيام من حوادث أوروبا ما يمتعنا بنوال تلك الأمنية عن قريب فكم في بطون الليالي من بواعث لم تستعد لها أوروبا الآن وما دامت الأطماع تزيد والأفكار تتوارد على الأمم رغبة ورهبة فالسكون يكون نسبياُ(1/797)
مؤقتاً بين الملوك وما علينا إلا أن نقعد على بساط الأمن متفرجين على العالم حتى تنتهي الدول إلى مضمار الانبعاثات العدوانية وهناك نرى السابق من اللاحق ونتحقق من إحراز الرهان. وقعودنا بهذه الصورة يقضي بعدم ارتجافنا من الوعيد الوهمي وخوفنا من التهديد الخيالي ولإعراض عمن يغمسون أقلامهم في نعمة الشرقيين ليكتبوا بها معايب لمن أغنوهم ويجلبوا بها مصائب على من آووهم فما يضرك إلا رجل يدعي أنه أخوك ويزعم أنه شريك لك في الحقوق يناديك بلهجتك ليخرجك من بيتك ويسلمك إلى النخاسين الذين طافوا الأرض لاسترقاق الأحرار. فلو ترك الشرقيون والأوربيين لتمتع الفريقان بثمرة المخالطة وتمكنت مهما دواعي المحبة وتأكدت روابط الألفة بالاشتراك في المعاملة والمساكنة وما أوغر الصدور وأفسد النيات إلا هؤلاء الكتاب الذين قبحوا الشرقي للغربي وافتروا عليه الأكاذيب وملأُوا بها جرائدهم وكتبهم ونشروها بين العالمين الشرقي والغربي فظن الغربي أن الشرقي بهيم لا يصلح للملك ولا يليق إلا للاستعباد والقهر وظن الشرقي أن الغربي عدوه إلا لد الساعي في سلب سلطته ونهب ثروته وإعدام دينه واستعباد إخوانه فوقعت النفرة بهذه المفتريات وما زاد النار احتداماً إلاّ بعض الشرقيين الذين استخدمهم الغربيون بأجرة لا تزيد عن ثمن نعل فأخذوا يبارزون من كانوا إخوانهم قبل أن يبيعوا أنفسهم ويوهمونهم بكلمات لا طائل تحتها فكانوا أشد على الشرقيين من الغربيين فهم الأعداء إلا لداء والخوّنة العادون فيجب على كل شرقي أن يحذر من فتنهم وينتبه لدسائسهم ويفتش كلامهم ليستخرج منه ما شابوه به من دعوى(1/798)
المماثلة في الجنس والموافقة في التابعية والمحافظة على
المصلحة الشرقية تغريراً للمغفلين واستجلاباً لقلوب الحمقى فإنك لا تجد مصدقاً لدعاويهم إلا أن كان أبله أو معتوهاً وليست هذه الشرذمة ناصرة على فردين أو ثلاثة في أرض مخصوصة بل هي أفراد منتشرون في الشرق والغرب يستهيجون الشرقيين بدعوى التحميس والتشجيع ويستدعون أوروبا بدعوى المحافظة على الأمن والخوف من الحركات الدينية التي لا يعرفها الشرقي وهي نصب عين كل غربي. وكم كتب هذا الفريق كتباً ونشرها بين الغربيين ليبيع وطنه وإخوانه بلقمة يتماطاها طيبة ويخرجها منتنة وبئسما اختاروا لأنفسهم فإن أظلم الناس لنفسه من يظلم الناس للناس.
وإذا ضلت العقول على علـ_م فماذا تفيده النصحاء
فنحذر إخواننا الشرقيين من مقاربة المضلين ومخالطتهم ونطلب منهم أن يقرأُوا عواقب ما هم فيه من الشدة وينظروا المستقبل بعين البصراء الذين لا تزعزعهم العواصف ولا تستميلهم إلا أباطيل وأن يجعلوا معاملة الأجنبي بالمعروف ومخالطته مخالطة المثيل نصب أعينهم مع التزام الهدوء والسكون وعدم الميل إلى الأوهام وما ينصبه الأعداء من إشراك الهيجان والاضطراب فإنهم أن لزموا هذه الحالة قاوموا كل تهديد ووعيد وأظهروا لأوروبا أنهم بقصدهم وحسن تصرفهم في الأمور قد قاوموا بقوة مدنيتهم حرب الأقلام بجيوش الأوهام.
تهنئة قدوم
لقد عاد إلى مصر حضرة الأديب الكاتب السياسي الفاضل(1/799)
سليم بك الحموي صاحب جريدة الفلاح الغراء بعد أن غاب زماناً في الآستانة العلية كان فهي مظهر الاحترام والإجلال وكيف لا يكون كذلك وقد وقف نفسه وفكره وجريدته على خدمة الدولة العلية في سفره ومقامه مخلصاً في النصح قياماً بالواجب على أمثاله ممن لم تلعب بهم نزغات الوساوس ولا زخارف الدسائس فنهنئُ حضرته بهذا القدوم السعيد ونرجو له دوام الرعاية وحسن الالتفات.
الزيارة العيدية
أيام العيد هي أيام الفراغ من العمل والتفرُّغ للزيارة والتهنئة وقد اختلفت عادات الناس في الزيارة العيدية فجرى المسلمون بل الشرقيون على زيارة بعضهم بعضاً في البيوت وتناول الأشربة السكرية والطعام في بعض البلاد وفي عموم الأرياف ولا يخلو اجتماع من مذاكرة في الأحوال الجارية بينهم وفي الأعمال المعاشية والأحكام الإدارية فإن المسلمين خصوا بمزايا دعاهم إليها الدين وهي الاجتماع في الحج والجمعة والعيدين ففي الحج يجتمع أفرقاء من المسلمين من جميع أقطار العالم ويتبادلون الحديث فيقفون على أخبار بعضهم وأحوالهم في بلادهم ويتعلم الجاهل من العالم وقد حاولت دول أوروبا منع الناس من الحج بدعوى أنه منشأُ الكوليره (الهيضة * وغلى الآن يحاولون ذلك مع أن منشأها الهند وقد استوطنت أوروبا ومنها تتنقل في أقطار العالم بدليل أن الحج في العام الماضي مع كثرته وشدة الحر لم يصب فيه واحد بهذا المرض مع أنه كان منتشراً في أوروبا لم يدخلها حاج(1/800)
وكذلك بقية الحميات الأوروبية وداء الزهري المسمى بالإفرنجي نسبة إلى محل نشأته ولله در الفاضل النطاسي العلامة سالم باشا سالم أستاذ الطب المصري حيث طلب منه أن يقرر ظهور الهيضة من الحجاج بسبب اجتماعهم فأبى وهدد على ذلك فقال ذمتي تأبى أن اتهم الحجاج بما ليس فيهم فإن محل نشأتها الهند لا البلاد الحجازية وهي أكبر حسنة من حسناته أطال الله أجله، وعلى كل ففي مشروعية الحج فوائد لا تحصى منها تعارف المسلمين واجتمع المصري بالهندي والاثنين بالعراقي والثلاثة بالتركي والأربعة بالمغربي وهؤلاء بالشامي والأفغاني والطاغستاني والتركماني والتونسي والجزائري والبرنوي واليمني والزنجباري والصيني والبخاري والأرمني والفارسي والزيلعي والشنقيطي والمسقطي والحضرمي والسوداني والبلغاري والهرسكي والجركسي والأرنؤُطي والمروزي والخوارزمي والغزنوي والفلاَّتي وغيره من المسلمين الآتين من مشارق الأرض ومغاربها فيعود كل فريق لقومه بعلم جديد عن إخوانه المسلمين الذين لا يعرفهم وهو في وطنه وهي فائدة عظمى ومنقبة كبرى للإسلام. وفي مشروعية الجمعة كذلك فوائد أدبية منها اجتماع أهل البلد كل أسبوع في مكان أو أمكنة يسمعون خطيباً يقف فيهم آمراً ناهياً واعظاً مبلغاً معلماً مرشداً لما فيه الصلاح والنجاح ثم ينفضون وقد رأى الصديق صديقه والحبيب حبيبه واجتمع الغائب بالحاضر وتساءلوا عن أحوالهم وأمور دينهم ودنياهم. وفي مشروعية صلاة العيدين
وخطبتيهما ما في الجمعة وزيادة لكونه يوم سرور وفرح وتهنئة وتبريك ثم إذا انفضوا من الصلاة زار بعضهم بعضاً ولكن جل الناس يجعل الزيارة قاصرة على رؤية أخيه وشرب القهوة لا يزيد على قوله كل(1/801)
عام وأنتم بخير ثم يقوم ليتردد على بيوت الأخوان ويرجع إلى بيته مستعداً لزيارة من زارهم وهي طريقة عديمة الجدوى فإن الاجتماع الجامع لابد أن يكون فيه تساؤُل عن الأحوال والطوارئ إلا ترى أن الفرنساويين مثلاً إذا جاء يوم 14 يوليو الذي هو عيد الجمهورية عندهم جمعهم إليه قنصلهم وخطب فيهم بالأحوال الماضية والحاضرة وسألهم عن أحوالهم وما يلزم لهم وما يرونه من أعماله وأعمال الدول ليفيدهم ويستفيد منهم ولا يخلي العيد من فوائد تعود على الدولة والأمة بلا نفع العظيم فلو جمع مثل رئيس نظارنا الذوات والأعيان وخطب فهيم بما يراه من مقتضيات الأحوال وسألهم عن آرائهم في الحال الحاضرة وما عندهم من الأفكار فيها لاستفدنا منه أحسن فائدة ولسنّ للأمة سنة حسنة يخلد بها ذكره الجميل وكذلك لو كان مثل سماحة أفضل الفضلاء شيخ الجامع الأزهر يخطب في العلماء وسماحة الحسيب النسيب نقيب الأشراف يخطب في جموع الشيوخ وكل شيخ طائفة يخطب في طائفته لكان يوم العيد يوم دراسة الأحوال وجمع الآراء وتنبيه الأمة على ما يجب لها من الضروريات. وأما جعل الزيارة قاصرة على كل عام وأنتم بخير فإنه تضييع للفوائد المرادة من الزيارة العيدية ونرى أن بعض الناس يريد أن يقتصر على إرسال ورق الزيارة بالبوسطة وهذا إعدام لثمرة العيد بالمرة فإن قال أنه مقلد للأوروبيين في ذلك قلنا أن الذي دعا الأوروبي للاكتفاء بورق الزيارة كون امرأته تقعد مع الرجال وتتلقاهم وهو لا يحب أن تقعد مع أجنبي في غيبته غالباً فلو التزموا التهنئة باجتماعهم في البيوت لخشي من دخول الناس عليها وهو غير موجود وربما(1/802)
اغتنم عدوه فرصة العيد ودخل بيته وهو غائب لا فساد أهله فلهذه العلة اكتفوا بالأوراق أما نحن فإن نساءنا خلف الحجاب لا يصل إليهن واصل من الزائرين فاستعمال الورق جهالة وتضييع لثمرة العيد وبهجة النفوس التي تحصل عند مقابلة الأحباب والأصدقاء فعلى إخواننا المسلمين أن يلاحظوا هذه المزايا في زياراتهم ويغتنموا فرصة الاجتماع في أوقات الهناء والسرور فإن الخطب في المجامع والأفراح أصل نشأتها العرب المسلمون ثم تناقلها الأوروبيون وصرنا نستشهد بفعلهم كأننا لمن نعرف ذلك قبل أن نراهم يفعلونه وإنها
لمصيبة حلت بالشرقيين حيث جهلوا كل شيء هو لهم وصاروا يتلقونه من الغربيين على أنه مبتكر لهم وبالجملة فإننا بيناً ما عندنا في هذا المقام تبصرة وذكرى لأولى الألباب. ولا يقال أن خطبة العيد في المسجد كافية فإن الخطيب لا يقرب من الأمور الإدارية والأحوال الدولية والضروريات الوطنية والقصد من خطب الأمراء والأشياخ أن تكون فيه هذه المواضيع فيخطب رئيس الحقانية مثلاً في أعمال القضاة وتقدم المحاكم ولزوم العدل وتقبيح الرشوة والعدول عن القانون ويبين فضيلة من يرى له فضائل قدمها في أحكامه وسيره مع الناس ويحذر من رذيلة اقترفها مقصر في وظيفته ويخطب بقية النظار بأحوال إداراتهم وما فيها وما قاموا به من الأعمال وما يلزم لهم من مساعدة الأمة وهكذا كل شيخ طريقة وحرفة وليس في هذا ما يسميه متعصب تهييجاً ولا دعاء للتعصب كما يفترون فإن هذا طريق مسلوك في أوروبا وليس فيه غير تنبيه الأمة على المجريات وما يلزم لصيانة المستقبل من العبث والخلل وجمع الأفكار على ما فيه الإصلاح ونجاح الأحوال وهو رأي يعرض لا إلزام فيه ولا تحتيم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.(1/803)
المربّي
تقدمت لنا كتابة من ثلاث وعشرين سيدة يطلبن بها إنشاء جريدة تختص بهن لاتعلق لها بالرجال وشؤُنهم ويكون موضوعها تربية البنت والولد والتكلم عليهما من يوم وضعهما فيلزم التكلم على الحمل والرضاع وأمراض الأطفال والحوامل والمراضع وبيان مضار التربية القديمة ومنافعها وما يترتب على الاجتماع في الأفراح والمآتم من المنافع والمضار وما يجب على المرأة من حقوق الزوج ولأبناء وما يجب لها على الزوج والأبناء وبيان الأخلاق المحمودة في النساء والمذمومة وترتيب معيشة الفقيرة والمتوسطة والغنية وفوائد التعلم والاشتغال بمصالح البيوت وتفصيل أبواب الاقتصاد البيتي والإسراف المذموم وتهذيب البالغات وتأديب القاصرات وبيان منافع الأعطار ومضارها واتخاذ الطرق الصحية في المآكل والمشارب والنوم واليقظة وتبيين الزيارات الأدبية النافعة من الزيارات الخارجة عن حد الأدب والكمال وكيفية معاشرة الأزواج على اختلاف أخلاقهم وما يلزم للمتزوجة والعزباء من الآداب وترتيب النفقات وكيفية تنظيم محال النون والأكل والجلوس والمطبخ والمخزن وغير ذلك مما هو من ضروريات النساء وتكون مشتملة كذلك على أخبار السيدات اللاتي لهن فضل ليقلدن في فعلهن ونوادر اللاتي لهن رذائل لتجتنب وعلى حكايات تقدمها الأمهات للبنين والبنات للتهذيب ونزع ما يدخل في أذهانهن من الخرافات التي يسمعنها ممن يعاشرنه وشرطن أن تكون بلغة النساء والأطفال وعللن ذلك بعلتين الأولى أن الأستاذ تجرد من اللغة العادية فيختص بالرجال الثانية جعل الكتابة باللغة العادية وسيلة للتعود على القراءة حتى إذا(1/804)
تمرنت البنت على قراءتها ترقت لقراءة الكتابة الصحيحة فإن الغالب أن قراءة النساء ضعيفة فإذا أكثرن القراءة في شيء مألوف لهن انبعثت فيهم محبة المطالعة والاشتغال بكتب العلم والآداب. وهذا الذي حملني على إجابة طلبهن في نشر جريدة أسبوعية تسمى (المربي) 16 صحيفة قيمة اشتراكها في الديار المصرية خمسون قرشاً وفي خارجها خمسة وخمسون وسنشرك معنا بعض أفاضل الأطباء لتحرير ما يختص بالأمراض والحوامل ونحن نسبكه في قالب لغتهن ليفهم بسهولة وقد سمع بهذا المشروع جملة من الأفاضل فاشتركوا في الحال وأخذوا يحثون أمثالهم على الاشتراك فإذا اجتمع لنا عدد يقوم بنفقة الجريدة أصدرناها باحثة في هذه المواضيع المقترحة. وأنا نشكر السيدات اللاتي اقترحن هذا الاقتراح البديع كما نثني عليهن في
اختيار هذا الضعيف لهذه الخدمة وقد عللن ذلك بقولهن ((أنه لا يقدر على تحرير جريدة بلساننا ولسان الأطفال إلا مثلك فلذلك رجوناك هذا الرجاء)) وإني كذلك أرجوهن أن يبعثن لي أفكارهن في المواضيع التي تطرأُ عليهن وما يقع لبعضن من نادرة أدبية أو واقعة مفيدة مما يصدر وهن خلف الحجاب نشراً لفضائل سيدات العصر كما نشر المتقدمون فضائل من عاصروهن ولهن أن لا نصرح باسم واحدة منهم إلا من شاءت ذلك. فمن أرادت الاشتراك فلتخاطبنا بواسطة بعلها أو ابنها أو محرم لها وكذلك من أراد الاشتراك لتهذيب بناته وأبنائه فليكتب لنا عن اسمه ولقبه ومحل إقامته وحيث كان القصد جعل لغتهن العادية وسيلة لقراءة الكتب الصحيحة كان ذلك تعميماً للكتابة الصحيحة في المستقبل وتكثيراً لقرائها وبهذا يسقط اعتراضنا عليهن وإنما الأعمال بالنيات والله تعالى يوفقنا لما فيه رضاه ونفع الأمة ذكراناً وإناثاً.(1/805)
هناء المحبين
هي الرواية الأدبية التي أنشأها حضرة الأديب الكاتب المدره إسماعيل بك عاصم ونشرت الجرائد اليومية خبر التأهب لتمثيلها في ليلة الأحد الثاني والعشرين من شهر رمضان الجاري فما دنا الميعاد حتى توافد سراة المصريين وأكابرهم وأدباؤُهم على ملهى الأوبرة الخديوي يقدمهم صاحب الدولة الغازي مختار باشا وحضرات النظار الكرام وكان المقر (اللوج) الخديوي مهيأ لتشريف الجناب العالي لسابق وعد كان قد تفضل حفظه الله به فلما قارب وقت التشخيص أقبل صاحب السعادة محافظ القاهرة ودعا بمنشئ الرواية فأطلعه على إفادة واردة إليه من سعادة تشريفاتي أول خديوي هذا نصها.
((سبق أخبار سعادتكم بأن الجناب العالي سيشرف الأوبره واليوم اقتضت الإرادة السنية أن ينيب عنه دولت الباشا رئيس مجلس النظار وعلى هذا ينبغي أخبار إسماعيل أفندي عاصم بذلك كما صدر به النطق العالي))
وقد شرف بالفعل دولة الوزير الأكرم بالنيابة عن الجناب الأفخم الخديوي وأخذ المشخصون بإدارة البارع اسكندر أفندي فرح يشخصون الخيالات في صور حقائق واقعية أخذت بمجامع القلوب وأطلقت السن الحضور بشكر المؤلف والثناء على هيأة التشخيص ولا تسل عما كان لذلك المنظر ليلتها من البهجة والرواء فقد شمل السرور لفيف الأفاضل شمولاً عاماً حتى أنه لم يكن هناك موقف قدم خالياً بل أن كثيراً من الناس طلبوا أماكن بضعف قيمتها فلم يصلوا إليه وبالجملة فإنها كانت ليلة من محاسن الدهر التي تدفع سيئات الأيام أما دخلها فقد خصص لمساعدة الجمعيات الأدبية(1/806)
بالقاهرة جزى الله مؤلفها وأعان رجال الخير على كل عمل حسن مبرور.
نهاية الأوطار في عجائب الأقطار
هو كتاب صغير الحجم كبير الفائدة جمع فأوعى مع سلاسة العبارة وجزالة التركيب من تعريب حضرة الشاب النبيه ألكسي أفندي جاسبارولي المهندس بديوان الأشغال وهو عبارة عن خلاصة الرِحل الأربع التي قام بها في جوف أفريقية السياح الشهير المستر ستانلي مع ترجمة حياته العجيبة منذ كان فقيراً بائساً خملاً على أن نمت شهرته وعمت في شرق البلاد وغربها بما اكتشفه من الفوائد الجليلة التي عادت على العالم الجغرافي بعدة منافع كبرى لو لم يكن منها إلا اكتشاف نهر الكنغو ومنبع النيل السعيد لكفاه فضلاً عظيماً وشرفاً عميماً. وهذا الكتاب في أربع وستين صحيفة لم يخلُ فيها سطر من فائدة وثمنه ثلاثة قروش مصرية فنستنهض همم الكرماء ومحبي الإطلاع على الغرائب الكونية أن يتسابقوا للحصول عليه حتى تكون المنفعة مزدوجة خصوصاً وهو يغني الواقف عليه عن كثير من كتب السياحات المطولة التي وضعت في هذا الباب. وهو يطلب من شقيق صاحبه اسكندر أفندي جاسبارولي بالمدرسة التوفيقية. ولمؤلف هذا الكتاب معرفة تامة بالتصوير المعبر عنه بالرسم النظري ومن أعماله البديعة فيه صورة للجناب العالي الخديوي أهداها لمدرسة عباس فلما حل الركاب السعيد بها يوم زيارتها وأطلعت الحضرة العباسية عليها تكرمت بنظرة استحسان إليها بعثت في صانعها روح النشاط وبشرته بطالع سعيد وحظ حسن في مستقبل أيامه يضمن له الفوز والنجاح.
رثاء عظيم
رزئ المجد وفجع الشرف بوفاة عين أعيان مديرية المنيا بل أحد(1/807)
أفراد المصريين المرحوم حسن باشا الشريعي فامتلأت النفوس حزناً وغماً على عظيم قضى حياته الطيبة في أعمار مبرورة ومساع مشكورة وقد خدم الحكومة المصرية خدمة صدق وإخلاص وآخر خدمته نظارة الأوقاف العمومية أيام كانت من النظارات العالية في الوزارة السامية وهو ممن شهدت لهم أعمالهم بقوة الإدراك وحسن التبصر ولم ينسب إليه شيء يشين مجده أو يثلم شرفه مما يتدنس به مجد كثير من الذين حظهم من المناصب جمع المال وتكثير الأطيان توفي رحمه الله تعالى يوم الأحد 15 رمضان سنة 1310 ببلده سمالوط وما انتشر خبره حتى وقد الناس مئات على بيته الكريم فاجتمع خلق لا يحصون واعتنى حضرة الفاضل الكامل حسين بك واصف مدير المنيا بمشهده فأصدر أمره على معاون بوليس المركز بالمشي أمامه بالعساكر والمحافظة على نظام الجنازة كما عرض الأمر بالتلغراف على الداخلية إعلاناً بموت عظيم من عظماء البلاد وأهتم حضرة الهمام محمد بك رسمي مفتش المعصرة ومن معه من المأمورين وجميع مستخدمي المركز وبكاوات المديرية بترتيب المشهد فكان على أحسن ما يكون من الاعتبار إلا أنه كان مشهد حزن عظيم على رجل جليل له في كل قلب منزلة كبرى وبعد الصلاة عليه أدخل جسده الممطور بالرحمات وحيل بينه وبين أهله ومحبيه بالتراب فنعزي أنجاله الكرام وآل بيته في ركن مجد تداعى وما مات من ترك له ذكراً جميلاً يخلد في بطون الأوراق أسكنه الله تعالى فسيح جنته وغمره بالمغفرة والرضوان.(1/808)
العدد 35 - بتاريخ: 25 - 4 - 1893
تشرف أهل القطر برؤية أميرهم في عيد الفطر
من لم ير ساحة عابدين العامرة يوم عيد الفطر لا يمكنه أن يتصوّر ما كانت عليه من الأبهة والجلال والبهجة والسرور. فما راءٍ كمن سمع غاية ما يسمعه أن يقال له وفد على بابها أمراء مصر وعظماؤُها وعلماؤُها وأعيانها وتجارها ونبهاؤُها من برنسات ونظار وذوات عسكرية وملكية من جميع الإدارات يصحبهم قناصل الدول وأعيان الأجانب والرؤَساء الرحانيون من كل صنف وتلامذة المدارس ليتشرف المجموع بلثم يد السيد السند البطل المقدام الأمير المفخم والخديوي المعظم أفندينا عباس باشا الثاني أيده الله تعالى وأدامه عضداً لأمة لا حديث لها إلا الأخبار عن محاسن صفاته وجميل أفعاله وحسن أخلاقه ولا شغل لها إلا الدعاء لذاته الفخيمة بالحفظ والتأييد والنصر والتعزيز قد سكنت محبته قلوب الأكابر والأصاغر والوطنيين والمستوطنين فأصبح كالشمس يستضاء بنور أفكاره وكالسيف يستعان بعلو همته وكالسحاب(1/809)
يستنبت غرس المجد بفيض فضله وهو الأمير الذي يفتخر بالانتماء إلهي ويعتمد في المهمات عليه وقد حظى كل فرد من هذا المجموع الكثير العدد برؤية هذا الهمام الذي ملاء النفوس هيبة وزان الإمارة بالوقار والجلال ومن أحسن ما تزينت به هذه الساحة الفيحاء استعراضه الجند المصري تحت العلم العثماني المؤيد المنصور فكان لهذا المنظر الغريب بهجة وحسن وقع في النفوس حتى أنه لما نودي بالدعاء. أفند مزجوق يشاء أجاب الجند والأهالي فكان لهذه الأصوات ضجيج كضجيج الحاج في عرفة وبالجملة فإن القلم لا يمكنه أن يسطر ما يقرب عظم ذلك اليوم إلى الأفهام إلا بإيماء كهذا ولقد تقدمت للحضرة الخديوية الفخيمة قصائد التهاني وفي مقدمة المهنئين أفضل الفضلاء وأبلغ الشعراء وأعلى ذوي المظاهر همة الفاضل الأستاذ الشيخ علي الليثي فقدم قصيدة غراء تتحلى الجرائد بدرجها لتمتع بها الأنظار وتشنف برقائقها الأسماع وبعد أداء واجب التبريك في هذه الساحة الآهلة بالمحاسن انصرف الناس لأداء واجب التهنئة في باب ذات العصمة والفخامة الوالدة المصونة الملحوظة بالعناية الربانية ثم إلى أبواب أصحاب الدولة والسماحة والعطوفة والسعادة الرنسات الكرام والنظار الفخام والأمراء العظام والعلماء الأعلام ثم أخذوا يتبادلون الزيارة فيما بينهم فرحين مسرورين متحدثين بمكارم الأخلاق العباسية جعله الله تعالى عيد هناء وسرور وأعاده على هذا الأمير المحبوب والأمة الإسلامية بكل خير ونصر وتأييد. وهذا نص القصيدة الليثية الجليلة قال
حفظه الله.(1/810)
قلائد التهاني
لسمو عباس مصر الثاني
عيد فوز به الخديوي تهلل ... في مقام به الفخار تجمل
84 93 7 661 465 سنة 1310
ساحة تدهش النواظر مجداً ... كل ذي عزة لديها تذلل
صدرت بالجلال لولا جمال ... ما دري وصفها أريب تمثل
كل راء رأي بقدر قواه ... هكذا الناس فاضل ثم أفضل
يا رعى الله يوم عيد حبانا ... صفوه المجد منعماً وتطول
وأرانا من ازدشير مليكاً ... لا يرى الدهر غيره منه أعدل
سيد ساد والزمان كبحر ... زاخر بالفخار في كل محفل
ترقب الناس يره في مدار ... وهو دارٍ بسيره إذ تجوّل
ساسة العصر تجتليه بعين ... قد رأى نفسه بها وهو أمثل
وإذا ما رأى العظيم علاه ... طاب نفساً إذا علا أو تنزل
هل دري الشيب ما أفاد شباب ... من يساوي وللشبيبة منهل
وهل الدوح في الذبول يحاكي ... ناضر الغصن بالثمار تهدل
أن ترم شاهد الفروق فهذا ... مجد عباسنا العزيز المبجل
الخديوي الذي به مصر نالت ... صفو عيش نعيمه لا يحول
ذو السجايا الحسان خلقاً وخُلقاً ... مظهر الحلم والثناء المرتل
إن تزره تزر كريماً عطوفاً ... عالماً صارماً يقول ويفعل(1/811)
صاغه الله من نعوت كمال ... كيفما شاء فاستوى وتعدل
يا عظيم الزمان وابن المعالي ... وسليل الأُلى علاهم تأثل
إن ذا العيد مثلنا جاء يرجو ... حسن تشريفه وللباب قبل
فأنله مراده وعلينا ... بشريف القبول منّاً تفضل
فهو راق على السماء ومثن ... بالذي نال من نداك المذلل
يغبط الصوم والصلاة ويطري ... عيد عفو ثوابه قد تسجل
وغدا شاكراً وباهي بسعد ... كل عيد مضى وتيهاً تدلل
ولنا مثله إذا ما رجعنا ... لبلاد لها عليك المعوّل
نجعل الدر للمسامع حليا ... وجليل الدعا من الدرّ أجمل
ونقول الذي شهدنا عياناً ... وسمعناه من حديث مسلسل
كي يرى السامعون أنا ظفرنا ... مثله بالعلا ونلنا المؤمل
وينادوا يعيش عباس فينا ... خير ثان سليل توفيق الأول
كلهم أخلصوا الولاء بصدق ... واعتلوا بالوفاء فوق السمؤال
يسألون الإله حسن صفاء ... في بقاءٍ ودولة لا تبدل
فابق وأسعد وسد ودم وأنه وأمر ... وأحتكم واعتزم فسعدك أقبل
وأقبلن مدحة أبانت قصورى ... عن بلوغ الكمال فالقدر أكمل
هذا عندكم فما مقابله عندنا
كثيراً ما ترمينا جرائد إنكلترة بالتعصب الديني تشويشاً لأذهان أهلها وترويجاً لأفكار سياسييها التي تبعثها المطامع ولو تأملنا حال المسلمين وقابلنا(1/812)
بين سكونهم وعدم تعرضهم لدين غيرهم وبين سعي غيرهم في تنصيرهم لرأينا أمراً يذهل العاقل ويحير الأفكار بهذه الدعوى الباطلة فأننا لم نسمع أن مسلماً دخل أوروبا لدعوة أهلها للإسلام ولا أن جمعية عقدت لنشر دين الإسلام بين النصارى ولا أن أناساً اجتمعوا للمذاكرة في كيفية إخراج النصارى من دينهم ولكننا نرى ونسمع هذا كله من أوروبا ومع ذلك يقول عنا ذوو المطامع الملكية إننا متعصبون تعصباً دينياً والله يعلم أن هذا التعصب لا رائحة له في جميع بلاد الأمة الإسلامية وأنه لا يوجد إلا بين رجال أوروبا ولتأييد هذه الدعوى بالبرهان نقول إننا رأينا في تقرير جمعية التوراة الإنجيلية الإنكليزية عن سنة 1892 ما ترجمته. تأسست هذه الجمعية سنة 1804 بقصد نشر كلمة الله في الدنيا كلها وقد صرفت على الآن 11000000 جنيه في الترجمة وطبع الكتب المقدسة ونشرها وصرفت من مخازنها 130000000 كتاباً تقريباً وترجمت الإنجيل بثلثمائة لغة ومنها لغات كثيرة لم تكتب بها كتب قبل ذلك. وقد ساعد هذه الجمعية كل علماء النصرانية ولم يبق إقليم في الأرض إلا وحصل فيه تأثير من هذه الجمعية ولم تقتصر على اتخاذ عمالها وباعة كتبها ومكاتبها من أوروبا بل اتخذت لها عمالاً في جميع أقطار العالم وهي تطلب المساعدة من كل أوروبا بنشر كتبها والكتابة إليها. ثم أنه يصرف من مخزنها العمومي الموجود بلندرة وحده ستة آلاف كتاب كل يوم ولها مخازن أخرى في لوندرة وغيرها من أوروبا ولها مطابع في لوندرة واكسفرد وكمبريج وباريس وبروكسل وامستردام وبرلين وكولونيا وفينا ورومة ومدريد ولسبون وكوبنهاجن وسنت بطرسبورج واسلامبول وبيروت وبومباي ومدراس(1/813)
وكلكوتا وشانجاي وكابتاون وسدنه وجهات كثيرة أخرى ملخصاً.
فهل هذا عمل المتساهلين مع غيرهم البعيدين عن التعرض لدين الغير أم هذا عمل المجدين في تعميم دينهم ومحو غيره وهل هؤلاء مع هذا الاجتهاد الغريب غير متعصبين والمسلمون مع بعدهم عن هذا كله وعدم وجود جمعيات لنشر دينهم كهذه يقال أنهم متعصبون سبحانك هذا بهتان عظيم. وكأني بمغفل أو منافق يقول أن كل أمة تسعى لنشر دينها وهذا اجتهاد لدينهم لا لدين الغير فلا تعاب الجمعية ولا تنسب للتعصب ما دامت لا
تتعرض لدين غيرها فلاجل الجامع بلجام من نار نذكر له فصلاً من كتاب يوحنا هوري الألماني المطبوع في لايدن سنة 1882 الذي سماه الإسلام وتأثيره في تابعيه وهو كتاب ألف بناء على سؤال عرضه القسوس من جمعية (هاجر) على الناس وطلبوا الجواب عنه وصنعوا نيشاناً من الذهب لمن يحسن الجواب وهذه الجمعية تأسست للدفاع عن الدين المسيحي ونص السؤال؟
ما هو تأثير الدين الإسلامي على تابعيه وما هي واجبات الأمم النصرانية ضد هذا الدين وتابعيه.
فلما كتب يوحنا كتابه هذا أحرز النيشان وطبع كتابه على نفقة الجمعية وهو كتاب حافل قال في الفصل الثالث عشر منه ما ترجمته بالنص حيث أن الدين الإسلامي دين غير صحيح وأنه لا تأثير له في حياة تابعيه الدينية ولا على تقدمهم في العلوم ويستحيل إصلاح فحينئذٍ يلزمنا أن نضع الدين النصراني محله وهل ذلك ممكن وكيف يحصل. ثم أظهر صعوبة(1/814)
كلية في معالجة تنصير المسلمين وشبَّههم بجسم مريض مرضاً مزمناً يحتاج لعلاجات شتى في أزمان طويلة وقال. نحن لم نكن المخترعين لهذا السير بل الحروب الكتابية ضد الدين الإسلامي ابتدأت من القرن الثامن وأول كتابة جاءتنا هي من يوحنا الدمشقي وقد سمى كتابه. مجادلة الشرقي مع النصراني. ثم أن تلميذه تيودرس أبو كاره بطريق كاريا سار على سيره ولكنه لم يفد فائدة. ولم تحصل فائدة كذلك من كتاب الكندي المنسوب لعربي نصراني كان بمعية المأمون (هو كتاب مكذوب وضعوه من عند أنفسهم ونسبوه للكندي ترويجاً لأعمالهم إذ لا ذكر له في أي تاريخ خصوصاً والمأمون كان في العصر الذي كان فيه الدين قوي الشوكة والعلماء ملء مجلسه وفي كل بلد فلو حصل إسلام كندي كما قيل وكتابة هذا الكتاب لنبه عليه بعض العلماء من المؤرخين وغيرهم فعدم وجود رائحة لذكره أكبر دليل على افترائه) وفي القرن الحادي عشر اجتهد سموناس بطريق غزة في مجادلة المسلمين بالكتابة والحط عليهم. وفي القرنين الحادي عشر والثاني عشر كتب كثير من العلماء منهم ألانوس رئيس كلية باريس ضد الإسلام بدون فائدة. والقديس فرنسيسكوس أيام حصار دمياط طلب من السلطان الكامل أن يتنصر وطلب أن يدخل النار مع أحد علماء المسلمين فالذي يحترق يكون دينه باطلاً ولما لم يرض العالم الموجود قال
إني أدخل النار فإن لم تحرقني تتنصر أنت ورعيتك ولكن الكامل لم يقبل (هذا كلام شبيه بالهذيان أو الهذيان مأخوذ منه إذ لو كان يمكن دخول أحدهم النار من غير أن يكون مطلياً بمادة تقيه حرها وحرقها لطافوا العالم بهذه الآية الكبرى(1/815)
يدعونهم إلى دينهم ويقيمونها برهاناً على صحته ولكنهم لا يجرأُون على دعواها فإن النار تكذب المدعي في الحال) وهذا القديس جرب أموراً كثيرة لتنصير المسلمين فلم ينجح كما أن القديس دومونيكوس ومن جاء بعده تبعوه في ذلك ولم ينجحوا. ثم من الجمعيات الدينية (المسماة كونسيل) جمعية اجتمعت في فينا سنة 1312 وقررت فتح جملة مدارس في باريس وسلمنكه واكسفرد ومدن أُخرى لتعليم اللغات الشرقية لإخراج المبشرين منها. وفي سنة 1345 دخل راهب على أكبر مسجد في القاهرة وطلب من سلطانها أن يتنصر ثم خطب خطبة شديدة أثرت في رجل كان نصرانياً وأسلم حديثاً فارتد ولم تفد شيئاً غير ذلك. وفي الأجيال الأخيرة استمر الجهاد القلمي وظهرت كتب كثيرة ومن نصارى الشرق والغرب ضد الإسلام ولا لزوم لتعدادها فإنها لم تفد أدنى فائدة. وقد سافر خلق كثير للدعاء للدين النصراني منهم هنري مارتان فإنه سافر بلاد العجم لتنصيرهم ولم ينجح والجمعية التي تأسست في مدينة بال من سويسره وسافرت لتنصير الشركس فصدر أمر القيصر سنة 1833 بإبعادها عن بلادهم خشية أن يقتل الشركس أهلها. ثم تكلم على جمعية تأسست في انكلترة سنة 1861 تحت عنوان ((جمعية المبشرين للمسلمين)) وهي التي جعلت قوتها ووجهتها تنصير المسلمين بالهند وغيره والأخبار الواردة عن هذه الجمعية مختلفة فإن أخبار كلكته ومدارس وبومباي تقول أن جعل المسلم نصرانياً من المستحيل أما أخبار البلاد الهندية الوسطى فإنه يقال فيها أن كثيراً من المسلمين تنصر ومنهم واحد اسمه خير الدين وقد صار مبشراً للمسلمين سبع سنين ثم عاد لدينه الإسلام بعد ذلك (وهذا كلام لا أصل(1/816)
له فإنهم يشيعون تنصر بعض المسلمين ليستمر الأغنياء على الصرف عليهم بدليل هذا الذي يدعون أنه صار مبشراً ثم عاد لدينه ولا شك أن مثل هذا ما تنصر إلا بعد ما ظهر له حقية الدين المسيحي فما كان يعود لدين غير صحيح كما يزعمون والحقيقة أنهم لا يتصيدون إلا بعض المعاتيه ولم يقدروا على تنصير أكثر من أربعة معاتيه أو خمسة كما سيأتي في كلامه ثم تكلم على البلاد التي لا سلطة للأجانب عليها فقال) يندر تنصير واحد في البلاد التي فيها القوّة
السياسية للإسلام (يشير بهذا أن الجمعيات الدينية تجتهد في تنصير من أوقعته المقادير تحت سلطة أجنبية حسب اعترافه) واحد المبشرين الذي أقام بين المسلمين كثيراً كتب في سنة 1878 وقال أني بذلت جهدي لمعرفة حقيقة انتشار الدين النصراني في المسلمين وعملت تحقيقات من كل جهة فالذي وصلني من الأخبار الحقيقة أنه تنصر في اسلامبول ثلاثة وفي مصر اثنان وفي القدس ثلاثة وغير ذلك لم يحصل (هذا دليل على شدة اعتنائهم بتنصير المسلمين وفرحهم بتنصر رجل أو رجلين ومع ذلك فإن اللذين تنصرا بمصر معتوه في طنطا ومجنون في مصر وقد عاد أحدهما لدينه عند شفائه من الجنون وإذا بحثنا فيمن تنصروا في القدس واسلامبول وجدناهم من الروم الذين أسلموا لطلب الرزق فلما زادهم البروتستانت نقوداً عادوا لدينهم) ومن هذا كله نعلم أنه لا ينبغي أن نعامل المسلمين معاملة الوثنيين بل لابد لهم من معاملة أخرى فإن الأمة التي لها دين ترى أنه مبني على أساس لا ينبغي أن تعامل معاملة الوثني الذي لا يبنى دينه على أساس قوي. وعرض الإنجيل على ضعفاء الوثنيين أسهل من عرضه على(1/817)
المسلمين بلا شك فإنهم يدعون أن دينهم سيغلب كافة الأديان وينسخها فما دامت لهم حياة وقوّة يستحيل عرض الإنجيل عليهم (يريد بذلك تحريض دول أوروبا على التغلب على المسلمين ليسهل عليهم ألزامهم بالتنصر أما بالقوّة أو بالتعليم المدرسي كما هو حاصل في بعض البلاد التي أوقعها سوء البخت في يد الأجانب) وبالجملة فإن كل قطعة من الأرض بقي فيها للإسلام قوّة سياسية فإن التبشير فيها بالإنجيل لا يفيد شيئاً فإن الداعي منا والمجيب له منهم تحت حكم القتل عندهم نعم أنه صدر أمر من الدولة العلية سنة 1839 بعدم قتل المتنصرين ولكنه لم ينفذ (انظر اضطراب الأجانب عندما يسلم واحد منهم وتعصبهم عليه وأخذه من الحكومة بالقهر وسجنه في دير أو كنيسة حتى يعود ثم تأمل في اعتراضهم على المسلمين بغير حق تعرف قدر تعصبهم واعتذاراهم لمن ينفقون عليهم بصعوبة الحال ما دام المسلمون تحت سلطة سلطانهم ولو قدر المسلمون هذا الكلام قدره لربطوا قلوبهم على حب ملوكهم وأمرائهم وعقدوا عزائمهم على عدم الاعتراف بغير سلطة سلطانهم وأمرائهم فإن سيف السياسة البروتستانتية ما جرد إلا لنشر الدين ودعوى الاستعمار ومنع التوحش والهمجية دعوى صورية تكذبها أعمال القسوس والجمعيات الدينية الكثيرة العدد) ولما أراد المسيحيون تنفيذ
هذا الأمر توقف العلماء توقفاً كلياً. وقال المبشر المذكور أن أبواب الدولة العثمانية كلها مقفلة الآن أمام كل شيء. اسمه تبشير للمسلمين بالإنجيل ولذلك جعل المبشرون الأمريكان قوتهم في تنوير كنائس النصرانية الشرقية في تركية أوروبا ومصر والأناضول. أما جمعية التبشير الإنجليزية فإنها قررت إقفال محالها في مصر وأسلامبول وأزمير لعدم فائدتها(1/818)
(هي جمعية من عدة جمعيات إنجليزية لا أن الإنجليز لم يبق لهم جمعيات بهذه الجهات فإن الجمعية المصدرة بتقريرها هذه المقالة إنجليزية النشأة والأعضاء والقسوس والمقر) وبعد البحث الدقيق والتحقيق التام وصلنا على النتيجة الآتية وهي - ما دام الحال هكذا في الدولة العثمانية فانتشار كلمة الله بالحرية وتوزيع الكتب النصرانية وتعميد المتنصر من المسلمين يعد من المستحيلات. ثم أن أحد المبشرين المسمى القسيس فولترس الذي أقام بين المسلمين مدة قال إني أخاف أن أعمّد مسلماً بسبب الصعوبات الكثيرة الموجودة أمامنا. ثم هناك عقبة أخرى لتعميد المسلمين توجد في الكنائس الشرقية التي بين المسلمين وهي أن أقباط مصر وباقي نصارى الشرق بسبب بعدهم عن كنائس أوروبا وقعوا في وهدة الانحطاط وما بقي عندهم من الديانة النصرانية غير بعض الظواهر أما أفكارهم وعوائدهم وأخلاقهم واحساساتهم الدينية فإنها تميل إلى أخلاق المسلمين وعوائدهم أكثر من ميلها إلى النصارى ومن المعلوم أن حالة النصرانية الشرقية بهذه الحالة تمنع كل مسلم أن يتنصر (تأمل هذا التعصب الخارج عن الحد حيث يرى معاشرة الأقباط ونصارى الشرق للمسلمين بلا تعصب ضعفاً في الدين ويرى عدم تعصبهم كتعصب أوروبا نقصاً في دينهم مع أنهم لا يدخلون بلداً إسلامياً بالقوة إلا بعلة راحة المسيحيين من تعصب المسلمين وما يريدون إلا إفساد ما بينهم من الألفة ومبادلة المحبة والمعاملة يعلم ذلك من يقابل بين حالة المسيحيين الشرقيين قبل تعلقهم بالمتعصبين وبين حالتهم بعده فإنه يراهم كلما ازدادوا قرباً من المتعصبين زاد نفورهم من المسلمين الذين كانوا معهم كعائلة في بيت(1/819)
ولذا نرى المتعلق بالمتعصبين يبعد عن مجامع المسلمين وإخوانه الباقين على عهدهم القديم ولا يجلس إلا في مجالسهم ولا يحب إلا ما يحبونه اغتراراً بما يراه من التظاهر بحبه وما اتخذوه إلا هدفاً يرمون إليه سهام أغراضهم) ولو تكلمنا مع عقلاء المسلمين وأظهرنا لهم أن حالة الدين في أوروبا أحسن فإنهم يعترضون علينا بالشقاق والجدال الحاصل بين الكنائس ثم بعبادة
الصور عند الكاثوليك ثم بالجزويت ثم يسخرون بالقول بأن الباب معصوم ثم بحدوث أمور مخلة بالهيئة الاجتماعية مما يقع من الاشتراكيين وغيرهم خصوصاً وأنهم الآن صاروا يعلمون سقطات أوروبا وأمورها التي لا تؤلف. ونحن نوجه المسئولية على أناس كثيرين من المرتحلين إلى بلاد الإسلام فإننا إذا بحثنا فيهم وجدناهم من أرباب السوابق الفظيعة في أوروبا فعندما يراهم الشرقيون يظنون أن النصارى كلهم من قبيلهم ولهذا كان تأثيرهم في الشرق قبيحاً فإنهم من الرحالة خلف اللقمة ولا مقصد لهم غير المكاسب المادية ويقبلون كل طريقة توصلهم إلى الغنى ولا ينكر أحد منهم حتى الذين تربوا وتهذبوا أنهم لا مقصد أهم إلا المكاسب المادية. فحالتهم توجب المسلمين أن يقولوا أن النصارى ليسوا أفضل منابل إننا أحسن منهم لما يرونه من سوء سيرهم (انظر سخط القسوس على الشرق ومن حل به حيث رموا الأوربيين المقيمين فيه بأنهم رعاع من أهل السوابق وأن ارتحالهم إلى الشرق إنما هو فرار من العقوبة وأنهم في أسوء حال دينية مع أن معظم الأوروبيين المرتحلين إنما دخلوا الشرق للتجارة التي لا يمتنع الاشتغال بها في أوروبا ولم يقصروا في بناء الكنائس وإظهار الشعائر الدينية وتمسكهم(1/820)
بدينهم وإنما عيبهم عند القسوس إنهم لم يسعوا في تنصير المسلمين ومعاكستهم فبئس ما يلتزمه هذا المؤلف من ذم قومه ومن أخذوا بدينه لدخولهم في جلد الإنسانية وعدم رضاهم بالتوحش الذي يسعى فيه. وهل سمع ذو روح أن المسلمين تعصبوا على أخوانهم الذين يعاشرون النصارى بالحسنى كتعصب هذا أو رموهم بنقص الدين لعدم سعيهم في إسلام النصارى كما يرمي هذا قومه بسبب تقاعدهم عن تنصير المسلمين. إن في ذلك لعبرة) ومن هنا يعلم أن المسلمين حتى الذين يعترفون باحتياج القرآن إلى التنقيح ويقولون لو كان رسولهم موجوداً لغير بعض أشياء لا يحبون الديانة النصرانية ولا يسمعون كلامها (هذا كذب يروج به بضاعته على من ينفقون عليه فإنه لا يوجد مسلم في الأرض يقول أن القرآن محتاج للتنقيح فإن من يقول ذلك لا يكون مسلماً وإنما لنفوذ كلمتهم يفترون هذه المفتريات كما يفترون أشياء كثيرة على نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم لا يسّلم العقل بوقوعها من طفل فضلاً عن أعقل العقلاء ولكنهم يسعون بهذه الترهات بين بسطاء أوروبا الذين لا يعرفون من الدنيا غير ما يسمعونه من القسوس فإنه يوجد فرق كبير بين عامي الشرق وعامي الغرب فإن الأول سريع التصور
قريب الفهم والثاني يأخذ بالتقليد الأعمى بلا بحث ولا تصور ولا يعترض بعقلائهم ونبهائهم فإنهم في معزل عما نحن فيه) ومن أصعب ما يوجد لتنصير المسلمين ما غرسه رسولهم في قلوبهم من اشارك من يقول بالتثليث فإنهم يبشعون من القواعد الأساسية النصرانية لأن المسلم يرى أن تثليثنا هو القول بتعدد الآلهة وكيفما حاولنا تفهيمه فإننا لا يمكننا صرفه عن هذا(1/821)
الفكر وهم معذورون فإن تعليم الكنيسة يؤدي إلى ذلك بلا شك. ثم أننا كيفما جاهدنا في تفهيمه أن لله ابناً وضع أمامنا في الحال قول القرآن {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد} وقوله {وخرفوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون} وقوله {لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون} ومن هنا يعلم أن القواعد الإسلامية سهلة جداً وقريبة للعقل منيرة له أسهل من قواعد الدين النصراني ولو أنها بعيدة عن الأفكار الغريصة. وإذا جاهدنا في تنصير مسلم قال كل شيء طيب عندكم فإنه عندنا وكل ما تريدون منا غيره فإنه قبيح. وهذا التوقف العظيم الحاصل من المسلمين يوقعنا في شك قوي من إمكان إدخال الإنجيل الأصلي بين المسلمين بطريقته القديمة وما دامت الكنيسة النصرانية ملتزمة عرض تعاليمها بالكيفية التثليثية التي نتجت من المنازعات الدينية في القرون الأولى بعد المسيح فإن الإسلام لا يزال معارضاً لهذه التعاليم. وفي الكنائس البروتستانتية يوجد شعور باطني شديد بأن الأصول النصرانية يلزم تغييرها والآن قد أخذ في تغيير بعض القواعد شيئاً فشيئاً ولابد أن يأتي يوم فيه تقهر التعاليم القديمة بالتعاليم الجديدة وغذ ذاك يمكن نجاح التبشير بالإنجيل في بلاد الإسلام وعلاوة على ذلك لا يصح أن تتصور بلوغ الأمل كيفما كان الجسم الإسلامي متعفناً (تأمل هذا التعصب القبيح وسعي القسوس في تغيير قواعد دينهم ليكون مقبولاً عند المسلمين على زعمهم وكيف يثق النصارى بهم إذا رأوهم غيروا الأوضاع الدينية بشيء من عند أنفسهم فيكون الدين وضعياً لا إلهيّاً وهل يسلم لهم ذلك ومثل هذه الأقوال تدلنا على جنون هؤلاء الساعين(1/822)
في تنصير المسلمين وهم يتلاعبون بدينهم هذا التلاعب وينشرون هذه الأقوال بين الناس من غير نكير فقد طبع من هذا الكتاب ملايين من النسخ ووزعت كلها بين الناس ولا ندري كيف يسكت المسيحي عندما يرى قوماً شارعين في تغيير دينه بما يرونه) ولا يفهم مما تقدم أن مرادنا تغيير بعض حقائق الإنجيل
لإدخاله بين المسلمين فقد بل المراد تغييره لنا ولهم ليكون مقبولاً عند الجميع فإننا ما دمنا نحس بأن الدين لم يزل مستحقاً للترقي فإنه لا يمكننا عرض الإنجيل على المسلمين بهمة ونشاط وأين البروتستانتي الحقيقي الذي لا يحس باحتياج الدين للترقي فما دمنا كذلك فالنجاح قليل ولا يمكننا إدخال التعاليم النصرانية على هؤلاء الخوارج (يريد المسلمين) لأننا أنفسنا نعترف بنقصان هذه التعاليم وهؤلاء لم يخرجوا عنا إلا بسبب غلط تعاليمنا انتهى.
فمن قرأ هذا الفصل وعلم سعي الجمعيات في نشر دينها واجتهادها في تنصير المسلمين خصوصاً والعالم عموماً رأى الفرق بين لطف الشرقيين وخشونة قسوس الغربيين ولو كتب مسلم كتاباً مثل هذا لقامت على المسلمين قيامة أوروبا وقالوا هذا دعاء للحرب الدينية وتعرُّض للدين المسيحي وسحبوا قناصلهم ونادوا بين إتباعهم المقيمين في الشرق بالرحيل بدعوى فقد الأمن العام وتوحش المسلمين فنحن نسأل من ملأوا أعمدة التيمس وغيرها من نسبة التعصب الديني إلى المصريين خصوصاً والمسلمين عموماً هل رأوا المسلمين اجتمعوا لتغيير دين النصارى ليكونوا معهم أو تعرَّضوا لمسيحي بالمجادلة والمناظرة أو طعنوا في دين غيرهم أو قالوا أن دين النصارى أو دين غيرهم غير صحيح يلزم أن يمحى كما قال يوحنا أو عقدوا جمعيات كجمعيات البروتستانت والجزويت والفرير وتصدوا لتعليم أولاد النصارى دينهم كما(1/823)
يصنع هؤلاء في بلاد المسلمين وأبنائهم تالله أنهم لا يجدون لهذا السؤال جواباً سوى قولهم إننا مفترون عليكم لنستهيج أفكار أوروبا ضدكم فيحل لنا ما يحرمه الهدوء والسكون. ومع ذلك فإننا معاشر المصريين نفتخر بحسن معاملتنا كل من سكن بلادنا وبأنصاف مواطنينا ومقاسمتهم الوظائف والأعمال والسكنى والزراعة وعدم تعرضنا لدين من الأديان بالتقبيح والقدح كما يفتخر المسلمون جميعاً بأنهم أدركوا فضيلة ما أدركتها أوروبا وهي رعايتهم حقوق الأمم وتركهم كل ذي دين ودينه وهذه فضيلة سلبتها القسوس من جميع أنحاء أوروبا وغرست مكانها التعصب الذميم والاعتداء الفظيع يشهد بذلك قول القسيس سيروس هملن وقد أقام مدة طويلة في بلاد المسلمين بصفة مبشر أمريكاني فإنه خطب خبطة في مدينة بوسطن من أمريكا المتحدة في أكتوبر سنة 1876 قال فيها أن موظفي حكومة الترك رجال قلوبهم سليمة ميالة للخير وكل مضادة أضرت
بالإرساليات البروتستانتية في بلاد الترك فإنها نتجت من قسوس النصارى وجمعياتهم ومن الكنائس المضادة للبروتستانت أما المسلمون فإنهم فطروا على عدم معارضة أحد في دينه خصوصاً وأن قرأنهم يمنعهم من التعرض لأهل الكتاب وبناءً على هذا تأسست عندهم الحرية التامة لكل الطوائف النصرانية ولليهود ثم أننا نجد رقاً كبيراً بين الترك والموسكوف فإنك في تركية ترى الطوائف النصرانية وغيرها ممتعة بالحرية التامة في الكنائس والمدارس حتى تراهم مجتهدين في جذب أناس لدينهم من المسلمين ولكنك في بلاد الموسكوف لا ترى مسكوفياً يترك الكنيسة الوطنية فإنه أن تركها عوقب أشد العقاب حتى أن الوثنيين والتتار المسلمين لو فرض وأراد واحد منهم ترك(1/824)
دينه لابد وأن يكون على مذهب الأرثوذكس. ثم أنه لصالح الدين النصراني يلزم أن نأمل المسلمين معاملتهم لنا فإنهم أحسن الناس أخلاقاً وألينهم جانباً فأين هذا الكلام الصدق من الأكاذيب التي تنشر عن المسلمين في جرائد انكلترة وغيرها وكيف يحصل التعصب المكذوب علينا ونحن بين يدي أمير يحب الهدوء والسلام ولا يرضى لرعيته غير ائتلافهم مع سكان بلاده من أي جنس كانوا وبأي دين دانوا فهو يفتخر بكونه يسوس أمة هينة لينة تعاشر الناس على ما هم عليه وتعرف لكل إنسان حقه ولا يوجد عندها ما يوجد في أوروبا من هذا التعصب الذميم. وكأني بمغفل يقول لا ينبغي ترجمة مثل هذه الكتب ونشرها فإنها تؤثر في النفوس فنقول له كان الأولى عدم تأليفها ونشرها بين سكان الكرة أما وقد طبعت ونشرت بين المسلمين والنصارى واليهود والمجوس وغيرهم فلم يبق هناك محذور في ترجمتها خصوصاً وإن أمة البروتستانت ترمينا بالتعصب وتشيع ذلك عنا في أوروبا على ألسنة جرائدها وأجراؤها عندنا يتمدحون بتساهلها وعدم تعصبها ويرمون الشرقيين بالتعصب الدينين وما يريدون إلا المسلمين فإظهاراً لحقائق التعصب وجهات وجود التزمنا نشر هذا الفصل إلجاماً لمن يفترون علينا الأكاذيب وردعاً لمن يطيلون ألسنتهم بذم الشرقيين ونسبتهم للتعصب القبيح. وقد فات المؤلف طريقة الأمريكان والجزويت والفرير الملتزمة في المدارس حيث يعلمون أبناء المسلمين وبناتهم عقائدهم ويلزمونهم بصلواتهم وحفظ الكلمات الإنجيلية المتعبد بتلاوتها وقد تعددت مدارسهم في بلاد المسلمين شرقاً وغرباً ولم يسمع أن أحداً تعرض لهم بسوء أو منعهم من إجراء عوائدهم الدينية مع أن أحد أعضاء الوفد(1/825)
المصري العلمي عند دخوله جنيفيا الطربوش منع من الدخول حتى يلبس البرنيطة أسمع مثل هذا التعصب الذميم في بلاد المسلمين ويوحنا هوري يقول في رسالته المتقدة أن جمعية التبشير للمسلمين تأسست في إنكلترة سنة 1861 لتنصير المسلمين بالهند وغيره فهل سمع أن مسلماً سعى في إسلام إنكليزي وهل يبعد عمل هذه الجمعية تمدناً وعدم تعرض المسلمين لغيرهم تعصباً. وإذا تنصر معتوه من المسلمين يؤخذ إلى قبرص أو غيرها خوفاً عليه من تعدي المسلمين ولا يتعرض له أحد وإذا أراد نصراني أن يسلم استحضر رئيسه الديني في ديوان الحكومة العثمانية وسئل عن سبب إسلامه وإذن لرئيسه أن يختلي به برهة فهل هذا هو التعصب الموجود في بلاد الدولة العثمانية كما يقول البروتستانت وغيرهم من المستأجرين لإشاعة الأكاذيب. وإذا علم المفترون أن النصارى ابتدأوا بالطعن في الدين الإسلامي والسعي في تنصير رجاله من القرن الثامن أي من عهد ألف سنة كما قال يوحنا والمسلمون باقون على سكونهم ومعاشرتهم جميع طوائف العالم بالألفة والتساوي في الأعمال والسكنى تاركين كل إنسان وما يريد من العبادة والأديان أفلا يخجلون من تكذيب العالم لهم وقد أسودت وجوههم وكلحت وهم لا يرتدعون كأنهم خلقوا للدعاوي الباطلة. ومهما يكن عندهم وعند غيرهم من التعصب فإن المسلمين لا يغرون طريقتهم التي جبلوا عليها ويلزمهم الدين الإسلامي بالأخذ بها وهي معاملة كل وطني ومستوطن في بلادهم بالحسنى وعدم التعرض لمغايريهم في الدين ولا في الكنائس ولا في العوائد إذ كل معامل لهم ومساكنٍ له ما لهم وعليه ما عليهم وقد أعرض العلماء عن تهييج الأفكار بمثل كتابة القسوس حفظاً للنظام العام(1/826)
وحرصاً على بقاء الألفة مبتادلة بين المسلمين وبين وطنييهم ونزلائهم يشهد بذلك كل مسيحي سكن البلاد الإسلامية وتمتع فيها بما يحب ويرضى فهذه طائفة الأقباط في مصر وغيرهم من النصارى في الشام والعراق وبلاد العرب ومراكش وتونس وأرمينية وكريد وغيرها من الجزائر والقارات التي اختلط فيها النصارى بالمسلمين توطناً واستعماراً واتجاراً كلهم ممتعون بالحرية التامة التي لا توجد في أوروبا صاحبة الدعاوي العريضة ولاسيما مصر محل الاعتراض المدعى عليها بالبهتان فإنها عبارة عن مجتمع إنساني جمع جميع الأصناف والأديان واللغات والدول وقد قضى أهلها عصوراً وهم على أحسن ما يكون من معاملة الأجانب فضلاً عن الوطنيين وقد
عاب يوحنا الأقباط ونصارى أوروبا بعدم تعرضهم لتنصير المسلمين مع أنهم ما فعلوا إلا واجبات الإنسانية ولوازم المدنية ومقابلة الجميل بمثله فنحن نقول ليوحنا وأرباب جمعيان الدين المتعصبين قد تعودنا على مخالطة الناس ومعاشرة أهل الأديان على ما هم عليه من ألف وثلثمائة سنة فلا نغير سيرنا ولا نتخلق بأخلاق المتعصبين ولا نكدر صفو الراحة العامة بمثل هذا التعصب الفظيع فإن كل مسلم ممنوع من التعصب بقول الله تعالى: {لا إكراه في الدين} وإذا قابل المخلفين له هش وبش وقال {لكم دينكم ولي دين} فإن عارضه متصعب أجنبي ذكر له أعمال الجمعيات البروتستانتية وغيرها وقال له هذا عندكم فما مقابله عندنا.(1/827)
الطرق وإصلاحها
وعدنا في العدد الماضي بالتكلم على أصل الطرق وفوائدها الدنيوية والأخروية وما أحدث فيها من البدع التي ليست من الدين ولا من الطريق ولو قدر الناس الطرق حق قدرها لأجلوها ونزهوها عن البدع والأهواء فإنها في الأمة أكبر داع لاجتماع العصبية وتأليف القلوب وتوحيد الكلمة ويؤدي بها ما لم يؤده صاحب السوط فإن صاحب السوط يحرك الأجسام وصاحب الطريق يحرك القلوب وفرق عظيم بين من يعمل بظاهره وبين من يعمل بالظاهر والباطن وسنبسط الكلام على هذا في عدد آخر إن شاء الله تعالى. والآن نتكلم على حقيقة الطرق التي أُخذت عن الأشياخ فإننا إذا عرفنا ما قاله أشياخنا المتقدمون فيها سهل علينا تمييز الحق من الباطل فيما نسمعه ونراه من شيوخ الوقت قال كبير القوم وحجتهم سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه طريقنا الكتاب والسنة ألا أن الفقير على الطريق ما دام على السنة فمتى انحرف عنها ضل عن الطريق. طريقنا أن لا تسأل ولا ترد ولا تدخر وإن تتحقق أن الكل بيد الله وكل ميسير لما خلق له وأن تقف عند حد الشرع ولا تتعداه. هذا الطريق واضح أغلق منهاجه جماعة اضطرب عليهم الحال وما بلغوا مقام التمكين فتجاوزوا بالشطح والدعوى الحدود فتبعهم فريقان فريق انقاد بحسن الظن وفريق قاده الجهل وكلاهما على شفا جرف ألا أن الطريق محجة بيضاء كل ما فيه من قول وفعل بطن أو ظهر لا يتجاوز دائرة الشرع إلا أن كل طريقة خالفت الشرع زندقة الطريق أن تقول آمنت بالله(1/828)
ووقفت عند حدود الله وعظمت الله وانتهيت عما نهى الله ولا طريق بعد هذا أبداً إذ ليس بعد الحق إلا الضلال - وقال إمام أئمة الصوفية على الإطلاق أبو القاسم الجنيد رضي الله تعالى عنه مذهبنا هذا التقيد بالكتاب والسنة وأفراد القِدم عن الحدوث وهجر الإخوان والأوطان ونسيان ما يكون وكان - وقال أبو بكر الشبلي المحبة ابتاع أوامر المحبوب واجتناب نواهيه ومع ذلك يجب الصدق والإخلاص وكتمان الحال مع بذل الجهد في المجاهدة لا توصل للمحبوب إلا بفضله قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا - وقال رجل لرويم البغدادي دلني على الطريق فقال ليس لك إلا بذل الروح وإلا فلا تشتغل بترهات المتصوفة. وقال الطريق يطلب بالله ويسلك لله ويوصل على الله وإلا فيمن يطلب الطريق بنفسه يسلك بها بسبيل البدعة - وقال أبو القاسم السندوسي هذا الطريق مبني على الغيرة لله ولرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فمن كان يعد نفسه في إعداد أهل
هذا الطريق وليس له غيرة على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فهو دجال والغيرة لله تعالى ولرسوله هي الغيرة على حركة الأوامر الإلهية والنبوية أن تهتك ومن رأيتموه ينتصر لأبيه وجده وشيخه على الأوامر الشرعية فهو منافق مبتدع فاجتنبوه ولا تخالطوه - وقال العارف الشيخ علي القرشي الشهير بالعجمي من لم يكتف بالكتاب والسنة وإجماع الأمة فهو على الضلال - وقال أبو يعقوب إسحق النهر جوري وقد سأله رجل عن الطريق استعمل العلم وداوم الذكر وأنت إذا من أهل الطريق - وقال أبو عمرو محمد الزجاجي النيسابوري من انحرف عن جادة الظاهر فلا باطن(1/829)
له هكذا وجدنا السلف الصالح - ونال جعفر الخواص البغدادي من أخلص لله في المعاملة وطرح حب الجاه والرفعة والتعالي والتقد والتعزز عن قلبه حفظ الله تعالى لسانه من الشطحات وأراحه من الدعاوي الكاذبة - وقال أحمد الجريري طريقنا الأدب مع الفتح والتباعد عن الشطح والسكون تحت مجاري الأقدار - وقال عمرو بنعثمان المكي علامة المعرفة الخاصة التجرد من الدعوى والتواضع لله وللخلق ودوام الذكر وعلامة القطيعة الدعوى والتعالي على الخلق والغفلة - وقال أبو يزيد البسطامي إذا نظرتم إلى رجل يطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف هو عند حفظ الشريعة - وقال بشر الحافي أخباراً عن أهل الطريق كانوا لا يأكلون تلذذاً ولا يلبسون تنعماً وهذا طريق الآخرة والأنبياء والصالحين فمن زعم أن الأمر في غير هذا فهو مفتون. الفكرة في أمر الآخرة تقطع حب الدنيا وتذهب شهواتها - وقال ذو النون المصري علامة محب الله متابعة الرسول في كل ما أمر به - وقال أحمد ابن أبي الحواري الدمشقي من عمل بلاد إتباع سنة فعمله باطل - وقال الإمام معز الدين طلحة الشنبكي الأنصاري من أدعى سراً مع الله تعالى لا يشهد له حفظ ظاهره فاتهمه في دينه ومن ادعى حالة مع الله تعالى تخرجه عن حد علم الشريعة فلا تقربن منه ومن رأيته يسكن إلى الرآسة والتعظيم ويدعي الفوقية ويطمح إلى التعالي فانقطع عنه وإياك وأياه ومن رأيته مستغنياً بنفسه فاحكم عليه بالجهل القاطع ون رأيته راضيا عن نفسه ساكنا إلى وقته فاعلم أنه مخدوع ومن رأيته مطمئناً لقوة حاله منبسطاً للكرامات فاشهد بسخافة عقله ومن رايته يشطح(1/830)
ولا يقدر على ضبط لسانه فاعلم أنه ناقص ولا يرجي خيره ومن رأيته اتخذ الذل باباً والانكسار محراباً ووقف مع الحدود وحفظ العهود وضبط لسانه بالآداب المرضية
وقيد أفعاله بالقيود الشرعية وحاسب نفسه على الأنفاس وأعرض بقلبه عن الناس وأخلص بطرحه على باب الله فاعلم أنه قد بلغ حقيقة المعرفة وصار من أهلها - وقال الشيخ منصور الباز الأشهب البطائحي الأنصاري المنتهي بنسبه لأبيه على زيد الأنصاري الصحابي الجليل من عرف الله تعالى آثر رضاه ومن لم يعرف نفسه فهو مغرور وما ابتلى الله العبد بشيء أشد من الغفلة والقسوة ومن فر بدينه إلى الله تعالى وهو يتهمه في رزقه فهو يفر منه لا إليه وكل موجود في الدنيا لا يكون عوناً على تركها فهو عليك لا لك. وكان الإمام عبد القادر الجيلاني الشريف الحسني يطلب علم الشريعة ويقول هذا هو السلوك وكان أبو النجيب السهرودي يحافظ على الشريعة ويقول هي الطريق وما عداها قواطع - وسئل الواسطي عن أعلى حالة للصديقين فقال هو الطائع والمحدث قال عليه الصلاة والسلام أن في أمتي مكلمين ومحدثين وأن عمر منهم - وقال سيدي عبد العزيز الدباغ رضي الله تعالى عنه إذا أردتم الشيخ الملك فاطلبوه من رجال السنة ولا تخطوهم إلى أهل البدع والأهواء وقال من يدعي الوصول بغير الشريعة فهو كاذب فإنه لا وصول إلا بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولا باب ندخل منه عليه إلا شريعته فمن حاد عنها فقد انقطع عن الله تعالى وعن رسوله. وقال ابن المنير يستحيل أن تكون الولاية شيئاً غير الاستقامة قال تعالى فاستقم كما أمرت.
فهؤلاء هم رجال السلاسل الذين أخذت الطرق عنهم وإيهم تعزى(1/831)
وكلهم قيد الطريق بالشريعة الغراء رجوعاً إلى قوله تعالى {قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببك الله} وقوله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وقوله تعالى {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} وقوله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وفراراً من وعيد ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} ومن زجره صلى الله عليه وسلم بقوله كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد. إذا تحققنا ذلك علمنا أن الطريق الموصل على الله تعالى فتحاً وشهودا هو طريق النبي صلى الله عليه وسلم. ما ذلك إلا التمسك بالكتاب والسنة وإجماع أئمة الدين فإن طرأ علينا أمر عرضناه على الكتاب ثم على السنة ثم على الإجماع ثم على القياس فإن لم نجده في واحد من هذه الأصول فهو باطل يؤيد هذا الأمر السماوي وهو أطيعوا الله أي كتابه والرسول أي سنته وأولى الأمر منكم أي الأئمة العلماء وهم أهل
الإجماع فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله أي كتابه والرسوله أي سنته بطريق القياس وليس لنا طريق لمعرفة الحق من الباطل إلا هذه الأصول الأربعة وقد عرضنا عليها كثيراً من البدع المستعملة الآن فلم نجدها فيها ثم عرضنا عليها القول بوحدة الوجود فلم نجدها في كتاب الله ولا في سنة رسوله فتكلمنا على القائلين بها في العدد الماضي وقد اهتم سماحة ذي الفضيلة السيد توفيق أفندي البكري بهذا الشأن وبحث فيه فوجد هذا القول اشتهرت نسبته إلى الفاضل الأستاذ الشيخ علي الجربي فاستحضره وجاء معه الشيخ محمد الخيامي قاضي مركز كفر الشيخ وبعض تابعيه وصادف أني توجهت لزيارة هذا السيد لما بيننا من المحبة فرايتهم هناك فقال السيد للشيخ علي تكلم فأخذ يسرد عبارة مؤداها إني أخبرته بكلام عن الشيخ الخيامي وأنه سأله عنه فأنكره فطلب(1/832)
السيد مني الكلام فقلت له دع عنك مسموعي بالذات وعلي أن آتيك بمحاضر من ألوف من الناس بما سمعوه فقال الشيخ ماذا يقولون فقلت سمعت من فاض بالمنصورة إنك قلت له اجلس معي نصف ساعة وأنا أدعك تقول أنا الله - فقال فاضل آخر هو لا يقول أن الله وإنما يقول الله أنا. فقال له الفاضل الشيخ الطاهري العبارة واحدة ولا ينبغي أن يقال مثل هذا بين العامة فقال والله ما قلت ذلك فقلت قلت لبعض الناس لا اتصال ولا انفصال بين العبد والرب فإن الحقيقة واحدة فقال والله ما قلت فقلت سمعك جماعة توصي إتباعك في كفر الشيخ وأنت مسافر وتقول لهم اشتغلوا بما أمرتكم به ولا تظنوا أنكم تغيبون عني ببعدي عنكم فإني أرى غائبكم كما أرى حاضركم فقال والله ما قلت فقلت قال لي شيخي وشيخك الأستاذ الشيخ محمد العشري أنه سألك وقال بلغني عنك أنك تنكر صفات المعاني فقلت له وماذا علي لو أنكرت الصفات كلها ليس الله إلا صفة الوجود وأنك لا تتقيد بمذهب إمامك فقال والله ما قلت (ومقام شيخنا يجل عن الافتراء) فقلت اشتهر عنك القول بوحدة الوجود وأن كل شيء في الوجود هو الله فقال ابرأ إلى الله من ذلك ولا أقول به فقلت قال لي أحد تلامذتك أنك قلت في قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فيمن نفسك إن الحسنة والسيئة صادرتان من واحد وهو الله بدليل قل كل من عند الله فجعلت العبد والرب شيئاً واحداً فقال والله يكذب فقلت نسب إليكم في تفسير آية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم إني شئتم} أن تلميذكم الشرباتلى كتب عليها فأتوا حرثكم أنى شئتم كيف شئتم أن ناسوتيا وأن لا هوتيا فقال ما
حصل ذلك فقلت أنها نشرت(1/833)
في جريدة النيل فقال أعداؤنا كثير ويكذبون علينا - ثم قال السيد الفاضل البكري وماذا سمعت من الشيخ الخيامي فقلت سمع منه في مجمع قوله أن الذين يبايعونك يا محمد إنما يبايعون الله الذي هو أنت يد الله التي هي يدك فوق أيديهم وقال في وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى أن الرامي محمد فهو هو وذكر حديث ولا يزال عبدي يتقرب إلي الخ فقلت له أن عدم التأويل يؤدي للإثبات الجارحة لله تعالى فقال الأستاذ الشيخ علي عدم التأويل مذهب السلف فقلت كان إيمان الناس قوياً ولم يخالطهم أهل شبه ولا بدع ولا نحل ولما كثرت المذاهب الظنية أول العلماء فراراً من تجسيم الحق سبحانه وتعالى ثم قلت وسمع منه الشيخ علي المبيض قوله أن نديماً يريد أن يردني عما أنا فيه وهذا لا يكون فإني مع الله حيث كان حتى لو دخل الله جهنم فأنا معه وسمع منه غيره أنه قال لامرأة طلقها زوجها أن الذي طلقك هو الله وقرأ علي رسالة للشرباتلي ملخصها أن اشتغال الأزهريين بعلومهم اشتغال بالباطل ولما أنكرت عليهم ذلك وسفهت رأيه وضعها في جيبه وراجعته في كلام كثير لابن العربي يوهم الحلول والاتحاد في مولد سيدي غازي وقلت له أن أربعة أخماس الفتوحات مدسوس على ابن العربي ثم استنطقه سماحة السيد البكري عما سمعه مني فقال أن الندي نصحني وقال لي ألزم الكتاب والسنة فقبلت نصيحته ومن يومها لم أجتمع بأحد في الذكر حتى إني ما نزلت ليلة في رمضان من بيتي ثم أوردت أشياء كثيرة من المكفرات التي يقولها من يدعون الانتماء والتلمذة على الشيخ الجربي فأقسم عليها إيماناً أنها لم تصدر منه ولا يقول بها ثم قال لي أنت تعرف عقيدتي من الصغر فقلت أعرف أنك(1/834)
متمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة ولكن هذا الكلام المنسوب إليك بلغ حد التواتر على السنة ثقات مختلفي المراكز والأزمنة يجل مقامهم عن الافتراء فحلف إيماناً أنه لم يصدر منه شيء مما ينسب إليه من القول بوحدة الوجود وما يتبعها وأن ذلك صادر من أعدائه وأنه رجل كثير الأعداء فقال له السيد البكري إذاً بين عقيدتك في مقالة تنشر في الأستاذ ليتحقق الناس كذب المفترين عليك وليقفوا على عقيدتك فإن بقاء الأمر على ما هو عليه مضر جداً فإن الشيخ جمال الدين عند دخوله الآستانة قال له السلطان المفخم قد اشتهر عنك كلام يخالف عقيدتنا فأذهب لباب المشيخة وبين عقيدتك هناك فذهب وسرد عقيدة أهل السنة وأنت يلزمك أن تبين حقيقة ما تعتقده لردع المفترين
عليك خصوصاً في مثل قولهم أنك تقول أنا أنت أنت أنا أنا الله الله حشو خلقه كل شيء في الوجود هو الله ما اشتهر عنك على السنة ابتاعك أو أعدائك إظهاراً لحقيقة شأنك حتى لا يبقى في أذهان الناس شك ويعلم المفترون عليك أنك سنيٌ لا تقول بهذه المكفرات فقال الأستاذ الجربي - إني أشهد الله سبحانه وتعالى بأني أبرأ مما أشيع عني مما يخالف الكتاب والسنة وما يوهم القول بالحلول والاتحاد والاتصال والانفصال وكل ما يأباه تنزيه الباري جل شأنه وأني احترم الأئمة رضي الله تعالى عنهم وأقول آمنت باله وبما جاء عن الله على مراد الله سبحانه وتعالى فقلت له أنشر عنك أنك تكفر القائل بالحلول والاتحاد والاتصال والانفصال والمكالمة والمشاهدة العينية ومن يذكر ويقول أنا الله أو أنت أنا أو أنا أنت فقال نعم فإني أنكر ذلك كله ولقد عجبت لانتشار هذا الأمر عني حتى(1/835)
أن الفاضل الشيخ محمد بخيت قاضي إسكندرية قابلني وقال لي بلغني أن أبتعك يذكرون ويقولون أنت أنا فحلفت له أني ما قلت شيئاً من ذلك ومن هذه المناظرة يتحقق القارئ أن الأستاذ الجربي بريءٌ من القائلين بوحدة الوجود وأن الله حشو خلقه وأن الجواهر الفردة هي الله وإن كلاّ من المكان والزمان وما فيهما من العوالم هو الله وإن حقيقة الحق واحدة وهذه العوالم مظاهر لا حقائق لها إذ كل هذه مكفرات لا يقولها إلا مارق من الدين فإنه ينبني على هذه الأباطيل تعطيل الشرائع وتكذيب الكتب السماوية وتوجيه اللعنة إلى الله تعالى في مثل قوله خطاباً لإبليس وأن عليك اللعنة إلى يوم الدين إذ ليس لإبليس حقيقة وإنما هو على زعمهم مظهر للحقيقة الإلهية المتوغلة في الأحدية وإذا قال الجهلة أن حقيقة الحق سبحانه وتعالى تجلت وظهرت في محمد فماذا يقولون في قوله تعالى قل إنما أنا بشر مثلكم وقوله وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم وقوله وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وقوله ليس لك من الأمر شيء وقوله ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين وإذا كان لا اتصال ولأنفصال بين العبد وربه بل هما واحد في المكلّف ومن المكلّف وما معنى وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه والمخاطبون غير المخاطب وقوله أنّا خلقنا الإنسان من نطفة أفيكون خالقاً مخلوقاً ورازقاً مرزوقاً وعابداً معبوداً وطائعاً ومطاعاً وعاصياً ومعصياً وإلهاً وعبداً سبحانك هذا بهتان عظيم. وقد تمسك هؤلاء الضالون بأبيات في تائية ابن الفارض وكلمات من الكتاب المسمى بالإنسان الكامل المنسوب إلى
عبد الكريم الجيلي زوراً وبهتاناً وبعض عبارات نسبت لابن العربي(1/836)
وكلما عارضتهم بالقرآن والسنة أوردوا عليك هذه الأقوال الفاسدة فكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لك الإسلام ديناً} فلم يكن الدين ناقصاً حتى يتممهُ مثل ابن العربي والجيلي وابن الفارض وكيف نترك القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقد تناقلته العصور من غير أن يشك واحد في أنه كلام الله تعالى ونتبع مثل ابن العربي وأمثاله مع عدم الثقة بأن هذا كتابه أو قوله إذ لم نعاصره ولا شافهناه وإنما تناولنا أوراقاً من أيدي أناس يقولون بهذه الأقوال الخارجة عن السنة فيحتمل أنها كلامهم ويحتمل أن تكون كلامه على أننا لو وجدنا قولاً لأي عظيم ولو كان من الصحابة عرضناه على الأصلين المحفوظين الكتاب والسنة فإن وجدناه فيهما أو في أحدهما أخذنا به وإلا ضربنا به الحائط ولا نبالي بنسبته لعظيم من عظماء الأمة بعد مخالفته الكتاب والسنة والإجماع وحيث أن كثيراً من الضالين المحتكين في الأستاذ الجربي بدعواهم يدورون بين الناس متمسكين على إلهية كل شيء بمثل وما رميت غذ رميت ولكن الله رمى. أن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به إلى آخر الحديث. لما خلقت بيدي. كل شيء هالك إلا وجهه. فإنك بأعيننا وغير ذلك مما يوهم الجسمية أو الاتحاد فسنفرد هذه الآيات وما ماثلها من الأحاديث بمقالة تنشر في الأستاذ نبين فيها قول أهل الحق من رجال السنة خوفاً على ضعفاء العقول من هذه الشرذمة الضالة التي انتشرت في البلاد انتشار الهيضة وظلمت هذا الأستاذ بدعوى الانتماء إليه والأخذ عنه وقد حلف على براءته من مقالتهم(1/837)
الشنعاء في مجلس شيخ الشيوخ السيد البكري حفظه الله تعالى فصرف عن الأفكار ما كان خالطها من تصديق هذه الأخبار المتواترة المتعددة المصادر المنتشرة على ألسنة ألوف من الناس والحمد لله على سلامة عقيدة صاحبنا القديم من هذه المكفرات ونزع تلك الأوهام من الأذهان بعد علمنا بطهارتها وقد قال له العلامة الفاضل الأستاذ السيد محمد الشنقيطي ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله شيء من وحدة الوجود فيمن أين جاء القول بها وكيف نأخذ بما لم يأت به وحي ولا قاله النبي صلى الله عليه وسلم على ظنه صحة نسبة القول إليه فتبرأ كذلك وأقسم إيماناً أنه لا يقول بشيء مما اشتهر عنه. وأول ظهور هذا المذهب القبيح الآن بعد موته كان في
عكاء ثم انتشر منها حتى دخل مصر وغيرها ونقله هؤلاء المفترون ونسبوه إلى الأستاذ الجربي الذي تربى بيننا وما سمعنا منه كلمة من هذا الانتحال قبل المدة الأخيرة التي أدعي عليه فيها زوراً وبهتاناً كاعترافه ومن هذا الوقت كلما سمعنا من رجل كلاماً من هذا القبيل نشرناه معزوّاً إليه ليستحضره سماحة شيخ شيوخ الطريق ويرده إلى الحق سداً لباب المكفرات والبدع وقد علمت أن هذا السيد الفاضل وضع نظاماً لأهل الطرق وسيكون العمل به شيئاً فشيئاً وأنه يبذل جهده في إصلاح الطرق إصلاحاً سنياً حتى لا ترى فيها بدعة وهو أحق من يقوم بذلك فإنه واسع الإطلاع طويل الباع في العلوم مقتدر على التصرف في الأمور بحذق وحسن تدبر ولقد رأيت منه تأففاً كلياً وانقباضاً ظاهراً عند ما كان يسمع تلك الأقوال الفظيعة استبشاعاً لها وتعجباً من التقول بها في مثل هذا الوقت الذي رفعت فيه ستارة العلوم وتنورت فيه الأفكار ولا أظن(1/838)
إلا خلل عقول الناس الذين يتقولون على الأستاذ الجربي فإننا نسمع الرجل منهم يقول أن شيخنا يجلسنا في مجلس المراقبة ويطفئ النور ويقول تجرد عن نفسك تخاطب ربك وترما غاب عنك ثم إذا حققنا الأمر أنكر ذلك وهذا دليل على أنهم تعتريهم نوبة خلل في العقل فلا يفرقون بين الإيمان والكفر وإلا فلو كانوا عقلاء ما اتهموا شيخهم ولا افتروا عليه هذه الأقوال القبيحة. وبالجملة فإننا نعجز عن الثناء على سماحة السيد البكري الفاضل الماجد حيث أزال عن الأمة غمة ومحا ضلالة وأظهر حقاً ولله در الأستاذ الجربي حيث أظهر افتراء الناس عليه بما أنكره من تلك الأقوال وما أبداه من التبرؤ مما يخالف الكتاب والسنة.
وهنا ينبغي أن نورد ما قاله القاضي عياض في الشفاء مما وقع عليه إجماع الأمة أنه مكفر فمنه قوله. وكذلك نكفر من أدعى مجالسة الله تعالى والعروج إليه ومكالمته وحلوله في أحد الأشخاص كقول بعض المتصوفة والباطنية وغيرهم.
وكذلك نقطع على كفر من قال بعدم العالم أو بقائه أو شك في ذلك أو قال بتناسخ الأرواح وانتقالها أبد الآباد في الأشخاص وتعذيبه أو تنعمها فيها بحسب ذكائها أو خبثها ومن اعترف بالإلهية والوحدانية ولكنه جحد النبوة من أصلها عموماً أو نبوة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم خصوصاً. ومن دان بالوحدانية وصحة النبوة ولكن جوّز على الأنبياء الكذب فيما أتوا به أدعى في ذلك المصلحة أو لم يدعها كالمتفلسفين وبعض الباطنية
والروافض وغلاة المتصوفة والإباحية فإن هؤلاء زعموا أن ظواهر الشرع وأكثر ما جاءت به الرسل من الأخبار عما كان ويكون من أمور الآخرة والحشر والقيامة والجنة والنار ليس فيها شيء على مقتضى لفظها ومفهوم خطابها وإنما خاطبوا بها الخلق على جهة(1/839)
المصلحة لهم إذ لم يمكنهم التصريح لقصور إفهامهم فمضمن مقالاتهم أبطال الشرائع وتعطيل الأوامر والنواهي وتكذيب الرسل والارتياب فيما أتوا به. ومن أدعى النبوة لنفسه أو جو اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب على مرتبتها كالفلاسفة وغلاة المتصوفة. وكذلك من أدعى منهم أنه يوحي إيه وأن لم يدع النبوة أو أنه يصعد إلى السماء ويدخل في الجنة ويأكل من ثمارها ويعانق الحور العين فهؤُلاء كلهم كفار مكذبون للنبي لأنه أخبر أنه خاتم النبيين وأخبر عن الله أنه خاتم النبيين وأنه أرسل كافة للناس وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره وإن مفهومه المراد منه دون تأويل ولا تخصيص فلا شك في كفر هؤلاء الطوائف كلها قطعاً إجماعاً وسمعاً. وكذلك وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب أو خص حديثاً مجمعاً على نقله مقطوعاً به مجمعاً على حمله على ظاهره وتكفير كل من استحل القتل أو شرب الخمر أو الزنا مما حرم الله تعالى بعد علمه بتحريمه كأصحاب الإباحة من القرامطة وبعض غلاة المتصوفة. وكذلك نقطع بتكفير كل من كذب وأنكر قاعدة من قواعد الشرع وما عرف يقيناً بالنقل المتواتر من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام ووقع الإجماع المتصل عليه. وكذلك أجمع المسلمون على تكفير من قال من المتصوفة أن العبادة وطول المجاهدة إذا صفّت نفوسهم أفضت بهم على إسقاطها وإباحة كل شيء لهم ورفع عهد التشريع عنهم. ومن أنكر الجنة أو النار أو البعث والحساب أو القيامة فهو كافر بإجماع للنص عليه وإجماع الأمة على صحة نقله متواتراً. وكذلك من اعترف بذلك ولكنه قال إن المراد بالجنة والنار والحشر والنشر والثواب والعقاب معنى غير ظاهره وإنها(1/840)
لذات روحانية ومعان باطنة كقول الفلاسفة والباطنية وبعض المتصوفة وغيرهم. ومن زعم أن معنى القيامة الموت أو فناء محض وانتفاض هيئة الأفلاك وتحليل العالم. ومن أنكر القرآن أو حرفاً منه أو غير شيئاً منه أو زاد فيه أو زعم أنه ليس بحجة للنبي ولا معجزة ولا يدل على الله تعالى ولا على ثواب ولا عقاب - انتهى ملخصاً من محال متفرقة ولولا خشية الإطالة لاستقصينا المكفرات التي وقع الإجماع عليها ولعلنا
نوردها في كلام آخر إذا دعت الضرورة ولله در العلامة الشيخ جمال الدين حيث أخبر السيد البكري أن القول بوحدة الوجود أصله دين قدماء اليونان ودخل في العرب عند ترجمتهم كتبهم فهو دين متداخل في دين من غير شعور الآخذين به. قلت يشهد بذلك قتل العلماء والخلفاء لمن قال أنا الله أو ما في الجبة إلا الله كالحلاج وحطهم على مثل ابن سبعين وابن العربي وغيرهما فيما شطحوا فيه مما يوهم القول بالوحدة.
وليكن في علم إخواننا المسلمين أن صاحب السماحة السيد البكري مستعد لإبطال هذه النحل والبدع فكل من سمع قولاً مكفراً من رجل يشهد عليه ويكتب إليه لردع ذلك المارق والنداء عليه بأنه ليس من أهل الطريق حتى لا يدنس رجالاً يدعون إلى الله تعالى وقد أقاموا أنفسهم في وظيفة تطهير القلوب وتهذيب النفوس وتصفية الخواطر وتهيئة الرجال للكمالات فهم أساتذة مدرسة دينية لا يوجد لها مثيل في العالم ومن كانوا بهذه الدرجة العليا كان حقاً على كل إنسان أن يحافظ على قدرهم ومراتبهم الرفيعة وما ذلك إلا بالأخبار عن الضالين والمنتحلين. والأستاذ مستعد لنشر ما يلزم نشره(1/841)
ردعاً للضالين والمبتدعين وإعلاناً للأجانب وغيرهم أن ذلك ليس من ديننا وإنما هي كلمات صادرة من قوم لا خلاق لهم في الدين وإلا فإن مصاحفنا وعقائدنا أصولاً وفروعاً محفوظة مأمونة من الدس فما يفتري عليها رجل شيئاً إلا ظهر وأنكره عليه العامي قبل العالم. وإننا نسأل الله تعالى أن يهدي هؤلاء الناس ويزيل عنهم هذه الشبهات الوهمية ويكفي الدين ما يلاقيه من الحروب المعنوية الخارجية فإذا حاربه هؤلاء من الداخل كانوا يداً ثانية للأجنبي في تمزيق ثوب الاجتماع الإسلامي وشق عصا الجماعة وإيقاع النفرة والعداوة بين المسلمين فتكون خدمتهم للغير لا للأمة ودينها وبئس ما يصنعون. والله تعالى يحفظنا جميعاً من الابتلاء بهذه الشبهات الوهمية والنزغات الشيطانية. والأستاذ الفاضل الجربي مستعد كذلك لقبول كل مكاتبة ترد إليه عما يقوله الناس وينسبونه إليه ليظهر البراءة منهم وهي خدمة يحمد عليها وتلجم كل من يدعي أنه على ذلك المذهب الباطل حماه الله تعالى. ولقد أعدت على حضرة الأستاذ الجربي ما قلته له في مجلس سماحة السيد البكري في مجلس آخر بحضور الفاضل أحمد بك ذكي باشكاتب الأوقاف والأستاذ الكامل العلامة الشيخ محمد المنصوري وزدته مما يقوله بعض المنتمين إيه من أنه يوصل المريد في ساعة وأنهم يرون الله تعالى ويكلمونه
في مجلس المراقبة وغير ذلك من الخرافات فأنكر كل ذلك وشدد في النكير على المفترين علية فقال له الشيخ المنصوري يلزمك أن لا تصحبهم بعد علمك أنهم يفترون عليك ذلك فقد علمت أن بعض المنتسبين إليك تهيأُ وللرد على الأستاذ بمقالة يثبتون فيها صحة القول بوحدة الوجود فقال له الأستاذ الجربي هذا لا يكون(1/842)
وقل له الفاضل ذكي بك تعدد الرواة في أماكن مختلفة يثبت أن للإشاعة أصلاً فقال أنا ابرأُ إلى الله تعالى من كل هذه الأقوال - واتباعاً لإشارة سماحة شيخ شيوخ الطرق ونقيب الأشراف بنشر ما جرى في مجلسه تماماً إظهاراً لبراءة الأستاذ الجربي وإعلاناً لإحقاق الحق نشرنا هذه الرسالة بالإيضاح والتفصيل ولقد قرأناها قبل طبعها على سماحته فأقر ما فيها وأمر بنشرها من غير تصرف في شيء منها لكونها بالنسبة لمقام المشيخة رسمية فتمعنها أيها القارئ ونزه جانب الأستاذ الجربي عما تبرأ منه وقل جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا.
التهاني الخديوية
تقدمت للحضرة الخديوية الفخيمة قصائد بديعية تهنئة بالعيد غير قصيدة الأستاذ الفاضل الشيخ علي الليثي فمن ذلك قصيدة للفاضل الشيخ سليمان العبد مطلعها وختامها
لك الدهر يا عباس لا زال باسما=ولا زال بالإقبال سعدك خادماً
فقد قام داعي البشر فينا مؤرخاً=سعود الخديوي صير العيد باسماً
وأنشد في الحضرة الجليلة بيتين وهما
مولاي عيد الفطر أقبل باسماً=يهدي لسدتك الهناء الأكبرا
فاهناء به فالسعد قال مؤرخاً=عيد العزيز قد ازدهى واستبشرا
ومنها قصية للشاب النبيه محمود أفندي خاطر من تلامذة المدرسة الخديوية مطلعها.(1/843)
سعدت بك الدنيا ودام سرورها=وتبسمت مصر وأنت أميرها
ومنها قصيدة لحضرة التحرير النبيه محمود أفندي حسني معاون محافظة مصر مطلعها وفيه التاريخ وهو:
أوقات عباس أعياد لنا بسمت=وشمس إسعادها قد أشرقت وسمت
ومنها قصيدة للشاعر الماهر الشيخ أحمد الكناني وقد حظيت بالقبول مطلعها وتاريخها.
بنيل الأماني وعده الدهر أنجزا=وألبسنا ثوب التهاني مطرزا
ودم في صفا فاليمن قال مؤرخاً=يعيش الخديوي كل عيد معززا
ومنها قصيدة للفاضل محمد أفندي فتحي ناظر مدرسة بنها مطلعها
أدم لمصرك رغما عن أعاديكا=مراسم العز فالدنيا مواليكا
ولدينا قصائد شتى منعتنا كثرة المواد من استيفائها ولولا استيفاء الجريدة بالمواد لأوردناها ولكننا نثني على هؤلاء الأفاضل الذين اخلصوا في خدمة أميرنا المويد المحبوب ونتقدم معهم بالتهنئة والتبريك ففي هذا المقام تحسن المزاحمة والمسابقة أدامه الله تعالى وأيده بنصره آمين.
تواردت الرسائل بطلب العودة إلى كان ويكون وسنعود لتذييل الجريدة به من العدد الآتي إن شاء الله تعالى.
المكرر أحلى
أدام الله سيدنا ومولانا الخديوي الأكرم نصيراً للأدب وأهليه فقد بعث في أذكياء المصريين روح النشاط والجد في توسيع دائرة الآداب بما(1/844)
يبديه من العناية بأهلها وتوجيه نظره العالي إليهم كما تشهد بذلك زيارته المدارس والأزهر الشريف وسعيه في توسيع نطاق التعليم وتشريفه دوائر التشخيص خصوصاً إذا كان المشخصون من الوطنيين فإنه سيشرف الاوبره الخديوية بعد غد ليحضر إعادة تشخيص رواية هناء المحبين تأليف الألمعي التحرير إسماعيل بك عاصم الذي سيكون دوره فيها أحسن الأدوار في حضرة من تشرف به المحافل وتتحلى به أندية المعارف والآداب أيده الله تعالى.
يا بني الإنسان أدركوا إخوانكم
تتفطر الأكباد وتنقبض النفوس عندما تسمع خبر القحط الواقع في بلاد الجزائر فقد تناقلت الجرائد والرواة خبر هذا الخطب المحزن ووقوع إخواننا في شرك الفاقة ووهدة الاحتياج لما تحفظ به الحياة بعد أن كانوا في أعلى ذروة الرفاهة وسعة العيش وليس لما قضاه الله تعالى مرد. وقد تحركت همم ذوي المكارم والغيرة الإنسانية شرقاً وغرباً فافتتحوا قوائم الاكتتاب في المجامع والمحافل تداركاً لبلاد عربية وقبائل إنسانية فاستحقوا الثناء على هذه النجدة والإغاثة خصوصاً ما كان من المحافل المصرية التي عقدت الاجتماعات المتتالية وفتحت أبواب الاكتتاب ووزعت جوابات الطلب والحث على الإعانة والإغاثة وعينت وجوها من ذوي الفضل لجمع تلك الإعانات حتى إذا توفر لديها من النقود ما يقوم بالمساعدة مع المساعدات الشرقية والغربية قدمت ذلك لجهة الحاجة ولقد أثرت حالة هذه المجاعة في جميع النفوس فتسابق النساء مع الرجال وبرزت الستات في ميدان المساعدة والدعاء إليها فعلى رجال الهمم(1/845)
أن لا يتأخروا حتى يسبقهن ربات الحجال في مضمارٍ هم أحق بالركض فيه.
رثاء
قدمنا في العدد الماضي خبر وفاة المرحوم حسن باشا الشريعي عين أعيان مديرية المنيا وقد تفضل مولانا الخديوي المعظم بتوجيه عنايته إلى أنجاله الكرام وآل بيت الشريعي العظام فأرسل يعزيهم ويسليهم تعطفاً من جانبه السامي ورعاية لبيت من كبار البيوت المصرية وقد حضر ولداه وشقيقه الأماجد لتقديم واجب الشكر للحضرة العباسية أدامها الله تعالى ووفد الناس على بيتهم بمصر معزين لما للمرحوم من المنزلة الكبرى عند كل مصري وقد رثاه أفضل الفضلاء الأستاذ الشيخ علي الليثي فقال:
أبكي وجودي أم أبكي لمفقود=أودى وغادرني في حال مفؤُد
لم يعص دمعي عيني إذ دها أذني=صوت النعيّ بترجيع وترديد
وقد ذهلت وصار اللب مندهشا=من هول خطب رمى جفني بتسهيد
نقد تخير فيه كل معدود
ليت المنية لما أنشبت قرنت=نفساً براها الأسى وجدا بملحود
ذب يا فؤادي أسى وأترك شجاك على=غير الفقيد ولا تجزع لتجديد
فبعد ذا الرزء لا تبك العيون دما=وأين منه سواء عند تعديد
الماجد الأصل فياض الندى أبدا=مستحكم العقل في أمن وتهديد
جليل بيت الشريعي الأُلى ورثوا=عز المكارم من شيب ومولد
لا ينظر الطرف منهم غير مطرف=بالصدق والسبق في وعد وموعود(1/846)
قد قلدوا كل جيد من صنائعهم=لذا الملوك حبتهم خير تقليد
هم الأهلة إلا أنّ بدرهمو=أبو عليّ حليف المجد والجود
من للنزيل وللراجي وذي أمل=سواه أن عزّ قصد دون مقصود
قد كان للبرّ بحراً جود راحته=فالحمد والمال في جمع وتبديد
رحب المجالس هشاش لزائره=والصدر أرحب في غيب ومشهود
كنا نؤمل أن يبقى ويسعدنا=عيد الصيام به في يوم تعييد
لكن أبى الله إلا أن يجيب وقد=دعاه للفطر في جنات تخليد
فارتاح أُنساً وأهدى الروح من فرح=وقد حوى فرحتي فطر وتمجيد
وراح بالرَّوح في الجنات مبتهجا=ونحن من فقده في نار أخدود
دنياك ليست بسلم جافها أبداً=ولا يغرنك منها ميسم الغيد
بينا تراها خداعاً أقبلت وصفت=إذ أدبرت وصغت غدراً بتنكيد
ذا شأنها والأريب الندب في حذر=منها فكن لصفاها غير معمود
كم ذا نعد نفوساً للبقاء سمت=مرغومة بقضاء غير مردود
فليت أنا على ما كان من أسف=قد اتعظنا وسرنا سير محمود
نلهوا ونلعب في أمن وفي دعة=ونجهد النفس في تحصيل مزهود
وغاية الأمر أنا إثر من سبقوا=يُسعى بنا لمقام غير محدود
عزّ الإخلاء والأنجال محتسباً=وزر ضريحاً عليه نور تحميد
وقل له أن تغب يا بدر عن نظري=فلي التفات إلى أنجالك الصيد
أهداه مولاه في دار النعيم علا=وزاد أنجاله من خير تأييد
فهم ثمار معاليه التي بسقت=والأصل ينبي عن طيب العود(1/847)
صبرا وأن قال ناعيه يؤرخه=مات الشريعي عهيد الحلم والجود
441 621 89 109 50
رثاء فاضل
فجأتنا أخبار إسكندرية بوفاة العالم العلامة الثقة الحجة شيخنا الشيخ خفاجة سيف الله المالكي يوم الخميس الثالث من شوّال سنة 1310 وقد كان أمة وحده في فهم الدقائق وإظهار الحقائق وحل المعضلات قضى عمره الطيب في تعليم الناس فربى أشياخاً وتلامذة منهم هذا المقصر في خدمته محرر جريدة الأستاذ ولم يختلف اثنان في كونه كان نسيج وحده حجة فيما يقرره مقتدرا على التصرف كأنه بحر تغترف منه الطلبة ولكم استدرك على المتقدمين بما لم ينكره عليه جهبذ من جهابذة الأزهر المنير لما له من اتساع الملكة وقوة التصور أمطر الله روضة إيوائه صيب الرحمة والرضوان وألهمنا مع آله الصبر الجميل فكلنا فيه معزى وبفراقه مصاب فأنا الله وأنا إليه راجعون.
تعيين
قد تعين الشيخ فتح الله سعد من وكلاء التحصيل لجريدتنا بعد تقديم محمد أفندي خليل استعفاءه فاعفي من توكيل جريدتنا موشحاً بالثناء عليه.
وقع في السطر 12 من الصحيفة 832 خطاءٌ صوابه والرسول وفي السطر 13 منها الأربع وصوابه الأربعة وقد تداركناه في بعض النسخ.(1/848)
العدد 36 - بتاريخ: 2 - 5 - 1893
تشريف الجناب العالي مدينة إسكندرية
من يوم إعلان عزم الحضرة الخديوية العباسية على القيام من مصر إلى المنصورة ثم إلى إسكندرية وأهل البلاد والأجانب القاطنون بها آخذون في أعداد الزين بالمحطات التي يمر بها الركاب السعيد حتى كان خط السكة الحديدية من مصر على بنها على الزقازيق إلى المنصورة إلى طنطا من طريق طلخا إلى إسكندرية من طريق الخط الأصلي كأنه ساحة فرح نشرت فيها الإعلام وأقيمت فيها أندية الأفراح وفي صبيحة يوم السبت قام الذوات الفخامة من البرنسات والنظار ودولة الغازي مختار باشا والعلماء وأعيان العاصمة على محطة مصر ينتظرون تشريف أمير لم ير في قلوب المصريين أمير مثله فقد سكنت محبته القلوب وما زجت الأرواح وتعلق الناس بصدق ولائه تعلق الأبناء بالأب الرحيم وبينما هم يرقبون الطرق التي اصطفت فيها العساكر من الجانبين أشرقت عليهم الأنوار العباسية فحظى الجميع بمشاهدتها وأطلقت المدافع إيذاناً بتحرك الركاب العالي وقد تشرف بركوب العربية الخديوية مع(1/849)
رجال المعية النظار الكرام والمستشار المالي والمستشار القضائي ومفتش عموم البوليس ومديرو السكة الحديدية ومدير القلوبية وبعض أعضاء صندوق الدين العمومي وكلما مر بمحطة وجد الناس صفوفاً من الجانبين ينتظرون شروق شمس أميرهم الساكن في الأفئدة فلا تسمع إلا أصوات الداعين والمداح وقد وقف القطار بمحطة بنها ثم بمينا القمح ثم في الزقازيق وكان الأهالي والأجانب قد أعدوا من الزين وضربوا من الخيام حول المحطات ما أشعر عن عظم تعلق القلوب بالحضرة الخديوية خصوصاً ما كان من البيت الاباظى الجليل وسعادة مدير الشرقية وحضرة حكمدارها إبراهيم بك صبري والوجيه أمين بك الشمسي وحسين بك أبي حسين وطنطاوي بك ومحمد أفندي صبح وأولاد شديد المحترمين وغيرهم فإنهم اعتنوا بالزينة كل الاعتناء أما ما قام به أهل المنصورة فأمر يجل عن الوصف ولا يسع القلم بسه فقد كانت المدينة بجملتها بيت فرح كله سرور وحبور والزينة عامة في المحطة والطرق والمنازل وشاطئ النيل واستيفاء ذكر القائمين بهذا الاحتفال يوجب الطول فاكتفينا بالتلويح عن التصريح وفي محطة المنصورة تفرج الجناب العالي على الكوبري الجديد الذي يصل خط دمياط بخط المنصورة وبعد أداء رسوم التشريفات وتمتع الأمة بأميرها برهة ركب تصحبه السالمة وقد ركب بعربية الخاصة تشرفاً بمعيته السنية سعادة مدير الغربية فسار والعيون تنظره والقلوب سائرة معه حتى
وصل طنطا وهناك كان الناس أفواجاً والزينة باهرة ومنها إلى دمنهور وقد اهتمت بالزينة والاحتفال بما لم يسبق له مثال أما تشريفه اسكندرية واستعداد الأهلين له هناك فأمر يرى ولا يعبر عنه فقد كان(1/850)
الناس كالكواكب من جانبي الطريق والسطوح والبلكونات ممتلئة بالستات المتفرجات على هذا المنظر البهج والاحتفال البديع والزينة ممتدة إلى سراي رأس التين ولم يبق في الثغر وطني ولا مستوطن إلا وقد وقف لاستقبال هذا السيد الذي اتخذ له في القلوب مركزاً لم يحل فيه غيره ولله در أعيان إسكندرية وذواتها الذين جعلوا الثغر باسماً بالأنوار والأعلام وتفننوا في صنوف الزينة تفنناً صير بلدهم العامر المحروس كأنه بيت عروس أعد للزفاف وهذه المظاهر العجيبة والتظاهر الحبي الأدبي من الأهلين والأجانب أكبر دليل على رضا المجموع عن أعمال الحضرة الخديوية وحبهم لاستقلاله بإدارة أعمال بلاده بواسطة رجاله المصريين الأمناء وليس للمجموع إلا هذه الوجهة العزيزة وأما دعوى تعلق الأهلين بالوجهة الأُخرى فدعوى لا حقيقة لها بل لا وجود لها إلا في عالم خيال ذوي الأطماع فنهنيءُ إخواننا الوطنيين بما نالوه من شرف المشاهدة وما أظهروا من أدلة صدق الوطنية وبراهين الإخلاص في التابعية والولاء ونشكر المستوطنين على ما أبدوه من مشاركتنا في هذه الشعائر الإنسانية وإظهار علامات الحب والوداد للذات الخديوية الفخيمة ولو أردنا بسط مجريات هذا السفر الحميد لاحتجنا على مجلد نستوفي فيه شرح الاحتفالات وما كان فيها ولكننا اكتفينا بهذا الملخص لضيق العبارة وكثرة أسماء من يجب علينا ذكرهم وبيان ما قاموا به من الزين من أمراء البلاد ووجهائها وأعيانها والله تعالى يحفظ لنا هذه الذات الفخيمة ويديم لمولانا الخديوي العز والإجلال مؤيداً بالعناية الربانيّة والرعاية الصمدانية أمين.(1/851)
وردت لنا هذه القصيدة الغراء على لسان نهر النيل المبارك من إنشاد الألمعي الفاضل الشيخ طه محمود الدمياطي من مصححي المطبعة الميرية ولرقتها وتشخيص حالة النيليين بلسان الوعظ والنصيحة نشرناها برمتها قال حفظه الله تعالى
يا قوم ادُّوا لنهر النيل ما وجبا ... ألم ترَوا كلّ قلب نحوهُ وجبا
ألم تروا كلّ عين نحوه طمحت ... كأنه الشمس للعباد مرتقبا
مالي أراكم نياماً عنه وهو لكم ... مستيقظ في هواكم يسرع الطلبا
كم قام فيكم خطيباً لا يشق له ... عند البيان غبارا أفصحُ الخطبا
يقول يا أيها الناس اسمعوا عظة ... من مشفق قد حباكم خيره وجبى
يا هؤُلاء اقتدوا بين إنَّ لي شيماً ... بيضا بها قد تحلى السادة النجبا
أخلاق صدق عليها قد جبلتُ ولم ... أجد لها بينكم صهراً ولا نسبا
لم أستفدها بتعليم ولا كتب ... وكم حمار رأينا يحمل الكتبا
ألستُ يا قوم قد لبيت دعوتكم ... يوم الكريهة أجلو عنكم الكربا
ومن مكان بعيد قد سعيت لكم ... سعى الرؤُم التي لا تشتكي تعبا
كم جبت قفراً إلى مرضاتكم عجلا ... وهمت في كل وادٍ لأن أو صلبا
وكل دار أواسيها وأضحكها ... فهل سمعتم بمثلي مضحكا دعبا
سيّان عندي في محض الوداد أخو ... قرب وبعد ومن أثرى ومن تربا
وكم أروح وأغدو سائلاً لكم ... أعطى الجزيل وأحبوكم مزيد حبا
فأكرموا السائل المعطي فما حسنٌ ... أن تنهروا سائلاً نلتم به الإربا
ألست نيلا وفي قلبي لعيشكم ... لين غدوت به أُما لكم وأبا(1/852)
إني لكم منية لا شيء يعدلها ... وابن الخصيب إلى خصبي قد انتسبا
ولم أعدكم بوعدٍ قط أخلفه ... وكم وعدتم فاخلفتم فيما عجبا
سعيي لكم كل عام في رخائكم ... وسعيكم في جزائي عكس ما طلبا
يا أهل مصرانا الظهر الذلول لكم ... وكم عزيز أذقت الذل والحربا
اثقلتموني بأعباء فقمت بها ... وشيمة الحر حمل الأمر أن صعبا
كم بالأذى والقذى ترمونني سفهاً ... أن السفيه يداري عند من لببا
دنستموني فلم أقطع مودّتكم ... على صفائي ولا أدري لذا سببا
أغرّكم أن تروني ساكناً دمثا ... فإن من شيمتي الطغيان والغضبا
لو شئت يوما أُجاريكم وأُوسعكم ... ضرباً ولكنني أوسعتكم ضربا
وكم مررت بوَهدٍ في تواضعه ... أترعتُ كأسي له حتى انتشى وربا
ولم أُبالِ بعالٍ أن حفرتُ له ... تحت القواعد حتى خر منقلبا
إني غريبٌ فإن ذلّ القريبُ بكم ... فعزّزوني كما عزّزتم الغُربا
لو كان غيركم أهلي سعدت بهم ... واظمؤُوكم من الماء الذي عذبا
مالي أٌقيم بأرض لا مكانة لي ... فيها وقد نيل ملءُ الأرض بي ذهبا
تلكم مكارم أخلاق عرفت بها ... قدما وأحسن لي ربي بها الأدبا
عليكم البرّ والإحسان واستبقوا ... إلى الرشاد وخلوا اللهو واللعبا
وقوّموا منكم المعوّج واجتهدوا ... فيما يكون لكم مجدا وحسن نبا
وما لكم معقل إلا تألفكم ... بأقوم فأووا إليه تأمنوا العطبا
والصدق ما الصدق لا تبغوا به بدلا ... فليس خير بغير الصدق مكتسبا
ولو صدقتم لراج الصدق عندكم ... وهو الكتاب الذي قد حرَّم الكذبا(1/853)
قد جاءكم جيداً لا زيف فيه فلم ... يجد لكم في سوى زيف العدا رغبا
والدين لا تجعلوه خلف أظهركم ... إنّ الحياة بغير الدين محض هبا
فقد بذلت لكم نصحي وملتمسي ... يا قوم قلبٌ سليمٌ للقبول صبا
الصنائع والصنّاع
بقلم حضرة البارع رفله أفندي تاوضروس من سوهاج
من يلتفت إلى الصنائع ببلادنا وما صارت إليه أحوالها من التقهقر والاضمحلال حتى أمست في زوايا النسيان مسدولاً عليها حجاب الإهمال بين غالب الوطنيين ويرى أن الصنّاع بعد ما صرفوا النفس والنفيس وجاهدوا كل الجهد لحفظ حالتها كما كانت ولم يجدوا مساعداً ولا نصيراً يئست نفوسهم وتركوها ورضوا بما دونها مسلمين للمقادير تجري في أعنتها لا يسعه إلا أن يأسف عل تلك الحالة التعيسة.
ولو نظرنا على حالة أوروبا من جهة الصنائع لرأيناها كل يوم في تقدم باهر ونرى السياسيين وأصحاب الثروة يشتغلون بأنفسهم لتقدمها ويساعدون بأموالهم لنجاحها والحكومات هناك تعيرها جل الالتفات وتتخذ كل الطرق التي يتوصل بها لترويج بضائع المشتغلين فيها وتعقد المعاهدات التجارية مع الدول الأخرى توصلاً على ازدياد تداولها وقد وضعتها في المركز الأسمى فكم من صانع عنده من أبدع في عمله فنال من حكومته الجوائز المالية والنياشين العلية مثل المسيوجيكار الفرنساوي الذي اخترع نولاً للمنسوجات المنقوشة وعرضه في معرض الصنائع الذي صار في باريز فنال عليه نيشاناً ثم زاره(1/854)
الرئيس كرنوا بنفسه وهنأه بنجاحه في هذا الاختراع ومثل هلمن الذي اخترع آلة للتطريز تحرك عشرين إبرة في وقت واحد ونال عليها نيشاناً ذهبياً ونيشان الشرف سنة 1834 ويوشيا ووجود الخزاف الإنكليزي الذي نال من أجل براعته في صناعة الخزف لقب خزافاً ملكيّاً واعتبر هذا اللقب أكثر مما لو لقب بأمير فانهالت عليه بسببه الثروة أي انهيال ومثل كثير ممن يضيق بي المقام لو أردت تعدادهم.
وهذا الذي أحدث غيرة عظيمة في الآخرين فسرى في عروقهم حب الاختراع والشهرة وقام كل منهم يسعى لاكتساب ذلك والنفس ميالة إلى العلياء طبعاً فكم منهم من ركب البحار وسار من بلاده قاصداً أبعد الجهات ليطلع على بعض الصنائع وينقل منها لبلاده ما كان غير موجود فيها وكم نقلوا عن آثارنا المصرية جملة اختراعات ونسبوها لأنفسهم ونحن عن ذلك لأهون فتقدمت على أيديهم الصنائع واشتهروا بإتقانها وزاحموا جميع الجهات ببضائعهم فاليوم لا يخلو منها مكان في العالم فحيثما وجهت نظرك في الأسواق ببضائعهم
فاليوم لا يخلو منها مكان في العالم فحيثما وجهت نظرك في الأسواق تجد الدكاكين والخانات مشحونة بها وقد صدق فيهم قول الشاعر:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم=وتأتي على قدر الكرام الكرائم
على أن من يجول في أسواق المدن المصرية ويتفحص البضائع الموجودة فيها ليرى ما كان وطنياً منها فإنما يجد نزراً يسيراً قد ترك في زوايا الإهمال لا يطلبه طالب ولا يؤمل صاحبه أن يستفيد منه شيئاً إذ من عهد طويل قد قضى على صنائعنا بالبوار وقد كانت بلادنا ممتلئة بالصناع الماهرين والصنائع كانت رائجة فيها وقد عاش أجدادنا ولم يروا شيئاً من بضائع أوروبا(1/855)
وعاش أجدادهم وأسواق أوروبا غاصة بمصنوعاتهم والدهر بالناس قُلب.
فهل يرضى بهذه الحالة وطني وفينا العقلاء الأذكياء وذوو الهمم الذين لا مال عندهم والأموال متوفرة لدينا ولا يعوزنا شيء سوى أن نرى ذوي المال يعيرون ذلك جانب التفاتهم ويستسهلون دفع الدرهم والدينار للحصول على رد مجد قد فقدناه ولهم أكبر عضد ونصير حزم سمو الأمير المعظم حليف الإصلاح الذي منذ رقي عرش الخديوية المصرية وأفكاره العلية متوجهة إلى أحوال الصنائع فأمر بمدرسين من أوروبا لأجل هذا الغرض وحادث مشاهير التجار عن تفح معامل وفابريقات.
وقد سمعنا في خلال هذا الشهر أنه قد تألفت جمعية بالقاهرة من نخية رجال هذا العصر يبحثون عن أحسن الصنائع والفنون لهذا القطر السعيد فرجونا الله أن يوفقهم إلى ما فيه حسن المآل وتحقيق الآمال صرنا نتوقع أن نرى قريباً بعض نفحاتها ولا نعدم من رجالها أفكاراً صائبة وفوائد جمة إذ قد اشتهروا بسمو لأفكار وعلو الهمة وأن كنا نؤكد أن حضراتهم في غنى عن أي إرشاد إلا أننا قد تعودنا من لطف وطنيينا إصغاءً على بعض المطالب فنرجوهم رعاية الصنائع التي لا تزال بقية ببلادنا نظير صناعة الأنسجة القطيفة والكتانية والصوفية والحريرية التي تحتاج فقط إلى إصلاح قليل وهي متينة عن المشغولات الأجنبية وألوانها حسنة واتمانها زهيدة وتصلح أن تكون مفروشات لجميع المنازل وكثير من الأجانب قد فرشوا منازلهم منها ويوجد بين تلك الأنسجة ما يصلح أن يكون ملبوساً فحبذا لو حصل الاهتمام بترقيتها وعقدت الشركات لابتياع مصنوعاتها
وتداولها بني الوطنيين فتشتد عزائم المشتغلين فيها ويعيش بها كثير من الصناع الذين أصبحوا يقاسون سوء المعيشة بسبب عدم تعضيد صنائعهم.
وتوجد جملة صنائع أُخرى بالقطر لو اهتممنا بترقية أحوالها لاكتفينا بها وأمكننا أن نأخذ منها كل ما نحتاج إليه وتبقى أموالنا بين أيدينا لا يلتقطها غريب وبما أن ترقية أمور الصنائع لا تتم إلا بالاختراع فمتى رأى الصناع أن هناك اهتماماً بأحوال الصناعة يميلون إلى التفنن والإبداع فيها فنؤمل ممن يعنيهم هذا الأمر أن يضعوا جوائز للمخترعين ولا نعدم من حكومتنا السنية أعمال نياشين الشرف لهم فنرى بلادنا مرتقبة إلى أوج السعادة والنجاح.
وحيث أن تكل الجمعية مركزها القاهرة فحبذا لو صار لها فروع بباقي المدن المصرية فتعقد في تلك المدن جمعيات تابعة لها تتلقى منها النبذ والآراء ويبحثون فيما كان مهما من الصنائع والفنون ويقدمون نتيجة البحث إليها.
وإذا كانت مطالب تلك الجمعيات لا تتم إلا بكم يا رجال أعيان الوطن وأنتم عضد الأمة فشمروا عن ساعد الجد وانخرطوا في سلك هذه الاجتماعات واعقدوا النية على ما فيه خيرنا ونجاحنا وأنشدوا هذا النشيد الحر
اغمد السيف وأطرح مرّانا=وأخلع الدرع وازدر التيجانا
وترجل عن النعامة واهجر=كل حصن وأن يكن أيوانا
وتقلد مطارقاً وفؤُساً=وتخير من الحلى سندانا
وترحل على البواخر وألف=كل بيت لذي الصناعة صانا
تحي أهلاً وصنعة وثراءً=بل تقوى بعزمك الأوطانا(1/)
النشأة المصرية
الحمد لله الرحمن رب الأكوان مرسل رسوله بالرحمه
مولى له فضل وإحسان عم العبدان وكل شيء منوُّ نعمه
حاشا العَبَث يدخل فعله أو كون فضله بل كل شيء كان لحكمه
كل العباد صنعه وخلقه تطلب رزقه أو صرف غمه أو نقمه
يعطي ويمنع من يسأل ما شاء يفعل والكل مستور في حلمه
من رحمته أهدى للناس نور العباس حتى انجلت تلك الظلمة
نبه بعزموا أهل النوم خوف اللوم فسار ثباتو في قومه
عتق البلاد من رق الغير صرف الضير عن كل من ذاق الأزمه
صبحت بلادنا بوجوده تحكي سعوده نِفِدت وفرت مِن الغمه
انظر إلى بلد الأخيار مصر الأمصار تلقى الجميع عرف الصدمه
وانتبهت كل الأفكار من دي الأسرار والخير قد عم الأمه
تقول وجوده شمس النور فوق الدور وما بقي في الاكون عتمه
انظر إلى جمع الأمرا ويّا الوزرا تلقى فريق عالي الهمه
وانظر إلى العلما الأعلام أهل الأحكام تعرف بهم حسن اللمه
وارجع إلى أهل الأقلام ويّا الأقسام تلقى المجدين في الخدمه
وانظر إلى مفتي وقاضي تلقى الراضيعن حسن ترتيبنا ونظمه
وأدخل مجامع أعيانه مع شبانه تلقى الجميع قام من نومه
دارت دواليب الأفكار حول الإنكار على فعال أهل التهمه(1/858)
والكل قد عرف الاعدا بين الاندا واللي يريد مقتو بلومه
دبت حرارة الوطنية في الجمعية والكل خايف من ذمه
ما أحلى اجتماع شبان مصر في دار العصر بسر توحيد الكلمه
حملت جموعنا الأدبية عَ العصبية كثرة كلام ناقض الذمه
وحط أعداء ذموهم بل شتموهم وعنونوهم باللخمه
قالوا رجال مصر العرفا مثل الضعفا ما يعرفوش غير البرمه
والشيخ والشبان ناموا بل لو قاموا ما كان قيامهم غير زحمه
أثر كلامهم في العقلا ويّا النبلا فما رضي حد بشتمه
ومن يرى شتم اللؤَما لبني الكرما وينام على فرشة غمه
انظر لشبانّا الظرفا ابنا اللطفا وضمهم مثل الحزمه
واللي استعانوا بجرايد تبدي فوايد تخلص الشيخ من وهمه
ظهروا دعاة للعرفان بين الأخوان والكل مسرور بفهمه
ردوا كلام جمع الغربا عمن طربا جهلا بتشويش النغمه
وبينوا غش الأجرا والكل جرى يبدي النصائح من حزمه
فنهبوا فكر الأمة بعد النومه وحركوا أهل الهمه
فما ترى إلا أعلام نظموا الأحكام وجد مجموعنا بعزمه
والأغنياء عقدوا شركه فيها البركه عملت سهام لأجل القسمه
وانظر ترى جمع الشبان فاق الأعيان لما بدا لو سعود نجمه
تحوا مجامع أدبية بل علميه تشفي الوطن من سوء سقمه
مهلاً ترى نور العرفان ملاء الأوطان وأنزل الغير عن زعمه(1/859)
وأسكت الأُجرا الكذَبه عن دي الغلبه ورد كلاًّ عن نمه
وحيات أبوك بكره تسمع عن ذا المجمع لما تجي أوقات غنمه
وتشوف سعوده بجموعه وسط ربوعه وسطوته بعزم الضمه
ما تغرك الغوغا وحالها شوف أوحالها بكره تجيف مثل الرمه
مصر العزيزه محبوبه بل مرغوبه وكل دوله مهتمه
فيها مصالح لأوروبا لا تتخبا والكل يفيدها بدمه
وبحزم عباس وثباته في وثباته يرجع عدو عن ظلمه
كل الملوك تعرف حقه في نور شرقه وتؤيد القول باللكمه
واللي يقول لك ضاع حقه أقطع حلقه وحط صخره في فمه
هوّ أميرنا ذا الشرعي حقو مرعي ما حد ينئيه عن حكمه
والأجنبي عندو خدام أي مثل غلام ويرفتوا ببيان جرمه
اسمع كلامي وأتعلم واوعا تكلم من يُشتَرَى بحتة لحمه
وأثبت على حب أميرنا ويا وزيرنا والهي العدا عنو بعضمه
وأوعا تهيج أفكارك أو أنصارك فالشر يبدو من كلمه
وألزم سكونك وهدوك تلقى عدوّك يعض من غيظه الجزمه
لا بد المحال من آخر لا تتأخر وأصبر تنل حفظ الحرمه
ما يغرك الشنّه ورَنه ولاّ الزنة فظلمة الكون من غيمه
سحابة الصيف تتبدد لا تتمدد وتذهب الشمس الغمه
سر الجرائد بيهذب بل بيأدب إذ كل أقوالها حكمه
شوف المؤيد ولسانه حسن بيانه شكم العدا أحسن شكمه(1/860)
ياما هجم هجمة فرسان في الميدان فداخ عدوه من هجمه
وكل من يقرأ الأهرام عن إفهام يلقاه بيضرب بالجزمه
فرد دراعه واتمطع ضرب المدفع في وش من نقض الذمه
والنيل جري في أرض القول جلب الهول على الأعادي بالصدمه
والحسن يظهر في الآداب للألباب وكل من كره اللخمه
وفرصة الأوقات قامت بعد ما هامت تهدي النصايح بالرُزمه
أما الوطن حرك أهله تشرب نهله وتقوم بأحكام الخدمه
لله در المحروسة دي المأنوسه حفظت حقوق كل الأمه
قل للفلاح شمر أيدك الله يزيدك من حسن فضله والنعمه
والاتحاد أعني الفك ما شي خلفك يبدي النصايح من رقمه
وادي النديم طرد حصانه في ميدانه فرتك من الأعدا الحزمه
أما الهدى الجدع الطيب ما يتعيب رد الضلالي عن زعمه
حسن الشرائع يعجبني بل يطربني فهي الضيا وسط الظلمه
قل للمهندس يا كامل أنت الشامل لفضل من يهدي بعلمه
والفرس والدنيا حكمت من نور حِكمت بأنه عالي الهمه
أما الحقوق ما أحلاها من مولاها لزمت طريق حافظ النعمه
والحق عند المحاكم تهدي الحاكم بما تريه من حال قومه
أما الهلال نوره ظاهر فضله باهر كله محاسن في رقمه
مرقى النجاح والفوائد كالفرائد نشم من بابها النسمه
أما الرشاد مثل الراوي فضله داوى والمدرسة صارت نعمه(1/861)
أنعم بتلميذنا المعلوم مثل المنظوم نبه أخا الذوق من نومه
سير الزراعة بتقدم دون تندم أما الرياض صبحت ضمه
قل للفتاة المنصانة يا إنسانه نبهت ربات العصمه
هذي الجرائد المصرية صافيه النية والكل خالي من ذمه
قل للأُلى صانوا لسانهم عن إخوانهم صرتم نيشان فوق العمه
خدموا البلاد خدمة صادق غير منافق يحفظ لأوطانه الحرمه
جعلوا المعارف كالأنوار للأفكار وأبرزوها للحومه
فنبهوا من كان نايم فصبح هايم خلف الأمير أعني شهمه
حامي البلاد مع أنداها من أعداها وسلب أولاد الهرمه
والله يصلح أحوالنا مع أقوالنا ويدرك الناس بالرحمه
ويزحزح الأعداء عنا لو كانوا منا ويبدل النقمة بنعمه
فكل شيء عنده بميقات في الأوقات وكل شيء فعلوا لحكمه
وردت لنا هذه الرسالة من إنشاء الفاضل الشيخ أحمد جندية من المحلة الكبرى وهي بنصها:
النصيحة العامة بأوجز مقالة في النهي عن البطالة
والجهاله
هذا النوع الإنساني قد تنوعت فيه الحقائق والصفات وتباينت فيه المحسوسات والمشاهدات واختلفت فيه الأجناس والهيأت وتقاربت وتباعدت فيه درجات الإدراك والتمييز والفهم والتعليم أبدعه موجد الكائنات على غير سبق مثال ولا تقدم نظام وأتاح له أسباب الرزق على التنويع(1/862)
وجعل بين أفرده الرابطة العمومية لتمام الغرض المقصود بالذات وتنظيم دائرة الاكتساب على أحكام بديع فحملني باهر هذا النظام على التأمل في هذا المجتمع فبعثت الفكر فجال في ذوي الصنائع فرأيتهم مميزين في صناعاتهم ومهارتهم مثابرين على أعمالهم وفي ذوي الفلاحة والزراعة ما بين ذي بسطة في المال والغنى ودرجات في الضيق والفقر وفي ذوي التجارة على تفاوت درجاتهم وتفاضل أموالهم وفي ذوي الوظائف المختلفي الدرجات ما بين أرباب الإدارة والجباة العاملين بمقتضى القوانين وذوي الأوامر المطلقة والمقيدة وغير ذلك وفي ذوي العلوم والفضائل على اختلافهم في الطبقات وأرباب الفنون المختلفة المواضيع وتفاوتهم في المقاصد مع تنوعهم في المشارب واختلاف مشاربهم في المذاهب وكل من هذه الأقسام مع مباينة بعضها لبعض بينه وبين الآخر رابطة الاحتياج حتى في كل قسم أو نوع يحتاج أفراد بعضه لبعض احتياجا حسياً أو معنوياً ومع استغراق الفكر في ذلك طويلاً فما رأيت من احتاج لذوي البطالة والجهالة والقد جاس قدمي خلال الديار فأريت المأخوذين بذنوبهم والمشحونة بهم السجون والمرتكبين سفاسف الأمور أغلبهم من ذوي البطالة والجهالة فقف بنظر المتأمل عند بيوت المومسات ومحال الخمور والملاهي ترها ملآنة بذوي البطالة والجهالة كما أن اللصوص والمقامرين بأنواعها من ذوي البطالة والجهالة غالباً فيا بني الوطن العزيز هاتان اللفظتان (البطالة والجهالة) مع اختصارهما جامعتان لمعاني الخسة والدناءة مانعتان من مراقي الفلاح داعيتان إلى سوء الأعمال يتبرأ منهما المنعوت بهما حاملتان على الاشتغال باللهر واللعب أهلهما كلٌّ على كاهل النوع الإنساني لا(1/863)
يرجى منهم فلاح ولا يؤمل فيهم نجاح محجوبون
بجالهتهم عن المعارف لا تثقف أذهانهم المواعظ ولا تنور أفهامهم النصايح فلو كان لهم قلوب يعقلون بها ما تمادوا على البطالة والجهالة بل كان أولى لهم أن يسلكوا سبل الرشاد ويشتغل كل منهم بعمل يليق به لا ينفك عنه بجد واجتهاد حتى يكون له حسن الذكر في الهيئة الاجتماعية ولا يشوه محيا تاريخه بهدم ما شاده أسلافه ويخمد ذكرهم ببطالته وجهالته.
إن الإنسان أشرف الحيوانات وخلاصة المخلوقات ركبه الله في أحسن صورة بشهادة (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) وخصه بالعقل والنطق وزين ظاهرهُ بالحواس وباطنه بالقوي (صنع الله الذي أتقن كل شيءٍٍ) وجعل على يمينه ويساره كراما كاتبين ومعقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه وذلل له الحيوانات لركوبه ومأكوله وحمل أثقاله وأداء مصالح وغير ذلك فهل مع هذا التكوين العجيب والأسرار التي أودعها الخالق فيه والمذللات التي أكرمه الله بها دون سائر مخلوقاته يحسن أو ينبغي له أن يضيع أوقاته في البطالة والجهالة وفضلاً عما ذكر فإن الإنسان لو نظر إلى اللقمة التي يأكلها في غذائه كم استعملت فيها القدرة الإلهية من التأثيرات الجوية والأرضية كإرسال الرياح والأمطار والشمس والقمر والحرارة والبرودة وغير ذلك ومن الحرث والبذر والنضج والدراس وعاجن يعجن ونار تنضج ونحو ذلك وعرف بفكره تلك المسخرات الإلهية خدمة لهذا النوع الإنساني وتحقق هذه النعم المتعددة التي أسبغها الله ظاهرة وباطنة لم يرض البطالة شعاراً والجهالة دثاراً بل يستغرق أزمان عمره في الأعمال النافعة لمعاده(1/864)
والأشغال التي يقوم بها أود معاشه ويقوم بشكر الخالق الأكبر الكفيل بدفع ما لم يقدر عليه من المهمات والملمات العظام فيا بني الأوطان ولا أريد العموم لقد جئتم شيئاً إدّا ما هذه النفرة وتفرق هذه الكلمة هل تأمركم أحلامكم بهذا أم اتخذتم التحاسد والتباغض ديدنا أم سولت لكم أنفسكم حتى تخلل بينكم ذوو البطالة والجهالة بسوء أعمالهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً فلو صفت منا السرائر وأخلصنا الضمائر وتركنا العجب والكبر والحقد والبغضاء ومالت القلوب لبعضها ظاهراً وباطناً وخدمنا الوطن بأهله وأدينا ما تطالبنا به الشرائع والقوانين فلا ريب كنا تسنمنا ذروة سنام المجد والسعادة ووصلنا إلى ما وصل إليه غيرنا وزيادة وأدركنا ما أدركه أسلافنا الأقدمون الذين لم يزل ذكرهم حياً باقياً في صفحات التاريخ يشهد لهم بين أيدي
الإعصار بشامخ المجد ولم يزاحمنا الغير في أشغالنا وصنائعنا. فهذه الجرائد الوطنية كالأستاذ الأغر والمؤيد والآداب والفرصة وغيرها من جرائد فضلاء المصريين تنادي على إسماعنا بالنصائح غير مرة وترشدنا إلى أقوم الطرق وضربوا لنا الأمثال وحضُّونا على إدراك ما فيه المجد والشرف عاجلاً وآجلاً ولم يزالوا على مقاصدهم في خدمة الوطن عاملين بما يجب من عهد نشأتهم لم يتغير مشربهم ونحن لم نسترشد بهذه النصائح ولم نتعظ بهذه الزواجر بل لم يزد البعض منا على النظر في بعض الجرائد التي تصل إليه وينبذها ورآه ظهرياً ولم يدر ما استعمله أربابها فيها من القوى الفكرية والجسمانية لمقصد النفع العام والأتعاب التي كابدوها في الإنشاء والأوقات التي صرفوها من نفيس الأعمار ليلية أو نهارية كل ذلك في خدمة الملة والوطن (ليس إلا)(1/865)
مع أن الأجدر بنا أن نقابل نصائحهم ونتناولها بيد الشكر والامتنان ونجعلهم القدوة العامة إلى الهدى إلى الصراط المستقيم كيف يكون المتقاعد وقد أظلتكم شمس السعادة بسمو خديوينا المعظم الذي لم يأل جهداً في ترقي الوطن بما فيه النجاح والفلاح وفتح لنا طرقاً إصلاحية كانت خيمت عليها العناكب فكونوا له أعواناً وأنصاراً وأرفعوا كف الضراعة متوجهين بحسن نياتكم إلى خلاق البرايا أن يحفظ لنا ذاته العلية ويحرسه بعين عنايته ويجعله مؤيداً منصوراً في كل آونة ودعوا من يتربص بكم دوائر السوء من الذين جاسوا خلال الديار مظهرين خلاف ما يبطنون متسترين باسم الوطنية وهي بمعزل غير جانحين لترهات أقوالهم فإن السم في الدسم وكونوا بالاتحاد على قلب رجل واحد متعاونين بالائتلاف على إيجاد المنافع العمومية والأعمال المرضية العايدة ثمراتها على الوطن وذويه تصلوا إلى الغاية المطلوبة وتدوا من سمو الخديوي حفظه الله بعنايته أكبر نصير وأعظم مساعد والتزموا جانب الهدوء والسكينة واسألوا الله من فضله صلاح الحال والتوفيق لما فيه سعادة المال وما لم تقدروا على دعه من الملمات فدعوا أمره إلى القاهر القادر على إصلاح الأمور عامة وخاصة فإن إليه في أمورنا المنتهى وكل شيء بلغ الحد انتهي.
محاسن أمير المؤمنين أيده الله
من علم أحوال دولتنا العلية وما كانت عليه قبل أن يتحلى كرسي الخلافة بجلوس سيدنا ومولانا سلطاننا الأعظم وخليفتنا المفخم السلطان عبد الحميد أيده الله تعالى وقابل بين تلك الحالة وما آلت إليه الآن من التقدم(1/866)
والنمو عرف قدر هذا السلطان المؤيد بالعناية الربانية ووقف على بعض ما له من المكارم والمناقب الحميدة فقد تعلقت إرادته السنية بجعل التعليم إجبارياً في جميع بلاده وفتح في كل بلد وقرية مكاتب ابتدائية تعلم الخط والحساب والقرآن الشريف والفقه والتوحيد وشدد في إقامة شعائر الدين من الصلاة والصوم بحيث تجبر التلامذة على أداء الفرائض وبهذا السعي الحميد لا يمضي على بلاده العامرة قليل من الزمن حتى تقطع منها عروق الأمية وتنتشر المعارف في جميع أنحائها وتنهض الأمة أمام الأمم نهضة الباحث عن مجده المجاري لأمثاله المحافظ على سلطانه القائم بخدمة وطنه وهذا سعي ما مشى فيه أحد قبله من الخلفاء فقد علم حفظه الله تعالى أن لا قوّة إلا بالعلم ولا نمو للأمة إلا بمعارفها ولا تقدم للتجارة والزراعة إلا بالعلماء فجعل وجهته الشريفة تعميم المعارف بالتعليم الإلزامي توصلاً لسعادة الأمة. ومن محاسنه سعيه في عماية كثير من الأقطار الطيبة التربة الخالية من السكان بإعطائها لأُناس من الجركس والعرب والكرد ماداً يد المساعد بإعطاء ما يلزم من الآلات والماشية وجعل ذلك ديناً يفيه المدين عند ثروته بأن يعطي خمس محصوله ليخصم من دينه وكذلك أعطى أراضيه الواسعة للفلاحين على أن يأخذ منهم خمس المحصول في مقابلة الإيجار وما يأخذونه من النقود إعانة لهم وبهذا عمر كثيراً من الأودية والأقاليم التي كانت جنة وأقفرها الإهمال كمعمورة العزيز والبلقا والكرك وتخوم حوران وبامتداد هذه العمارية لا نلبث أن نرى البلاد العثمانية نامية بالغة من العمران أحسن ما يرجى. ومن محاسنه فتح المجالس والمحاكم والتسوية بين رعاياه في تنفيذ القانون في كل خاضع(1/867)
لحكومته السنية من مسلم ومسيحي وإسرائيلي لا يفرق بين تابع وتابع وقد رفع بهذا القانون وترتيب المحاكم يد الاستبداد عن العباد فأصبح كل تابع للدولة حرّاً في عمله ممتعاً بحقوقه وهذا الذي غرس محبته في قلوب رعاياه مع اختلاف الجنس والدين. وما يتشدق به بعض المنافقين فإنما هو أداءٌ لما استؤجروا له من المفتريات والأكاذيب لإيغار الصدور وإثارة الفتن. ومن محاسنه تقريبه العلماء من مجلسه العالي استجلاباً لخواطرهم واستعانة بأفكارهم وفتاويهم وقد انتقى لهذا المجلس كل عالم محقق
وصالح تقي وشريف نقي كصاحب السماحة والفضيلة والسيادة السيد أبي الهدى الشريف الحسيني الصيادي فإنه من أفضل الفضلاء الذين حازوا فضيلة العلم والسياسة بما له من حسن الاستعداد وقوة الإدراك وسعة الإطلاع وغزارة مواد الأدب وصدق الفراسة وقد وقف حياته الطيبة على خدمة سلطانه الأعظم ودولته العلية موشحاً سعيه الجليل بالمحافظة على الشريعة الغراء وإحياء السنة ومساعدة الضعفاء والسعي لذوي الحاجات على اختلاف طبقاتهم وأديانهم حتى استحق المنزلة التي أنزله فيها مولانا أمير المؤمنين لما رأه من إخلاصه وعلو مقامه وصحة نسبه وكثرة فضله فأصبح ممدوحاً بالسنة الأهلين والأجانب لا يؤثر في علو رتبته ولا يحط من مقامه شيء لما له من المكانة العظمة عند جميع الناس ولطهارته من دنس الذاتيات ووضر الضرر وتجمله بمكارم الأخلاق وأحاسن الصفات. ومثل السيد جمال الدين الأفغاني الشهير الغني عن التعريف فإنه رجل جرب الأمور وساح الأقطار وخالط الأمم وداخل السياسيين ودرس التاريخ الحاضر والماضي(1/868)
وامتد باعه في العقليات فأصبح أمة واحده بين ذوي الفضل وهذا الذي دعا مولانا الخليفة الأعظم لاستدعائه وإدخاله في لفيف العلماء الخاص بمجلسه العالي فقد أهلته المعارف والتجارب والمخالطة العامة لمسامرة الملوك والنظر في السياسيات العالية وهذا كله من فضل السيد الأعظم حفظه الله تعالى. ومن محاسنه أيده الله تعالى بسط الأمن في جميع أنحاء المملكة وسهره في تطلع أخبار الأمم والنظر في شؤُون دولته ومشاركة الوزراء والأمراء في جميع الأعمال السياسية والقضائية والإدارية وبحثه في التجارة والزراعة وما به تتقدم البلاد حضارة وخصباً وعمارية وسنعود لهذا الموضوع بتفصيل أعمال لا علم لإخواننا المصريين بها ليقفوا على مكارم هذا الخليفة المفخم وفضائله التي أمتز بها بين بني عثمان بل بين الملوك والسلاطين خلد الله ملكه وقوى شوكته وجعله ملجأ القاصدين.
تهاني
عند تشريف الجناب العالي ثغر إسكندرية المأنوس تسابق أُدباؤُه بتقديم القصائد البديعية فرحاً بطلعة أميرهم المحبوب فمن ذلك قصيدة غراء لفرع شجرة العز الذكي إبراهيم بك العرب حفيد المرحوم مصطفى باشا العرب قال منها:
ثغر تبسم عن سنا العباس ... فروى محاسن في بني العباس
ولا حديث الشكر وهو مفاخر ... عن شعر حسان وفكر إياس
فاقرأ مدائح من به المدح اكتسى ... ثوب البهاء وحلة الإيناس
فالقول يحسن في عزيز مدحه ... فرض يقدمه جميع الناس(1/869)
لله يوم فيه شرّف ثغرنا ... وكساه منه النور خير لباس
وهي تسعة وعشرون بيتاً كلها محاسن وآداب. ومنها قصيدة غراء لحضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي علي الأزهري معاون المكتبة البلدية بإسكندرية قال منها:
شيدت للعليا رفيع معاهد ... ومنحت أيدي العدل عهد معاهد
سدت البلاد وشدْتها فلك الهنا ... من سائد بالمكرمات وشائد
#وأقمت مُناد الزمان بحكمة ... صدعت بنيرها فؤاد الجاحد
#لله در شبيبة لك ناهزت ... سن المشيب وجاوزت بتصاعد
#الله أكبر أي عقل راجح ... يزن الأمور وأي طرف ناقد
#رعت الكهول بنهضة وطنية ... وشهامة أخذت بعين الحاسد
يحدوك طبعك للسيادة والعلي ... والطبع للإنسان أعظم قائد
لم يلف مرقى في المعالي باذخاً ... إلا وأنت إليه أول صاعد
ومنها
أعزيز مصر فداك نفسي والورى ... من أروع ماضي العزيمة ماجد
لا زلت بدر سمائها في دولة ... سمحاء باسمة وملك خالد
إلى أن قال
يا سعد يوم عدت فيه مشرفاً ... ثغر الصفاء وأنت أكرم عائد
تقضى به في الصيف عادتك التي ... تلقى بعودتها سعود عوائد
فتبسمت أرجاؤُه وتنسمت ... وغدت تميس صفا كميس خرائد
وتزينت فرحاً بأحسن زينة ... وتبينت بمناظر ومشاهد(1/870)
حتى رأينا الأرض نافست السما ... بمشارق وشوارق وفرائد
وهناك أفواه البشائر أرخت ... وافي الخديوي بالسرور الزائد
سنة 1310=97 661 499 43
وتقدم غيرها من القصائد الرنانة منعنا ازدحام الجريدة من نشرها فنهنئ إخواننا بنعمة التشرف بالأنوار الخديوية أيدها الله تعالى بنصره
عند تشريف الركاب العالي المحلة الكبرى قدمت له قرينة الخواجا ملتيادي أفرينو مع أختها باقة ورد وقصيدة من نظمها فتضل بقبولهما فنهنئهما بهذا القبول
رياض التوفيق
مجلة علمية أدبية تاريخية تصدر كل شهر مرة وتحرره جمعية رياض التوفيق بأسيوط وقد وصل غلينا العدد الأول منها فأبصرنا رياضاً مثمرة بالمعارف والآداب فنرجو لها انتشاراً وإقبالاً
طب الركه
كتاب وضعه الدكتور الفاضل عبد الرحمن أفندي إسماعيل صاحب رواية غادة الأندلس جمع فيه الأمراض التي تعرفها العامة بأسماء وضعوها لها كشوكة الريح ووجع الشقة والتقريفة وبزلة العين والكبسة والمشاهرة والقرينة وغيره وبين ما يستعمله الجهلة والدجالون علاجاً لهذه الأمراض وما يترتب عليه من التلف أو الموت واتبع ذلك بالنافع لكل مرض طباً فجاء كتاباً نافعاً ما سبقه بمثله سابق وقد طبع الجزءُ الأول منه فجاء 112 صحيفة في الحجم اللطيف ويباع بخمسة قروش فمن أراده فليطبه من مؤلفه ومن السيد محمد الزمزمي وهو ضروري لكل إنسان ليتخلص من شرك عجائز الركة ودجالي الغجر والنور.(1/871)
البصبرة والرأي العام
الأولى جريدة أسبوعية سياسية تصدر في تونس المحروسة صاحب امتيازها أنجلي أفندي نجيب ملحمه ومحررها النبيه فرج الله أفندي نمور وقد افتتحت أعدادها بالكلام على الإنكليز في مصر كما هو لازم مركزها. والثانية جريدة أسبوعية سياسية أدبية صدرت بمصر بامتياز ألكسندر أفندي زهيري وتحرير الألمعي نجيب أفندي الحاج فتمنينا لذوي الأقلام نجاح أعمالهم التي تبني على الإخلاص وحسن النية تكثيراً للفوائد الأدبية وتعاضداً على تقدم الأمم بكثرة المنشأت العلمية والسياسية.
تهنئة بنجاح
نهنئ صديقنا الفاضل حسن أفندي أحمد العلاف بقبوله محامياً أمام المحاكم الأهلية إذ قد توفرت فيه شروط المحامين بما له من حسن الإطلاع وطول الباع وقوة الجأش في المرافعات وقد اتخذ له مركزاً ببندر الزقازيق ولا نشك في نجاح أعماله وسرور من يعتمدون عليه في التوكيل من أرباب القضايا بما يرونه منه من الصدق والأمانة وعلو الهمة والله تعالى يجعل أعماله مقرونة بالنجاح.
أعجب ما كان في الرق عند الرومان
كتاب لطيف عرّبه وجمعه صديقنا الفاضل مصطفى أفندي كامل محرر جريدة المدرسة الغراء فجاء عشرين صحيفة وفيه نبذ تاريخية يهم أهل الأدب الإطلاع عليها وثمنه ثلاثة قروش ويباع بإدارة النديم والمدرسة وعند السيد حسن مصطفى المصري وكيل الأستاذ بإسكندرية.(1/872)
العدد 37 - بتاريخ: 9 - 5 - 1893
التربية والتعليم
معلوم أن سعادة كل أمة موقوفة على تربيتها وانتشار العلوم فيها فإن الجهل يسوق أهله إلى الدمار والخراب وتواصل الفتن والحروب الداخلية والخارجية مع حيلولته بين أهله وبين ما يوصلهم إلى الظفر وبلوغ المقاصد بسبب فقد المعدات والآلات التي حرمهم منها وقد كانت الممالك قديماً محاطة بسور الجهل فكانت الحضارة فيها قليلة والرفاهية متعذرة والأمن معارضاً بالغارات والثورات الأهلية والخارجية الصناعة متأخرة تأخراً أوقفها عند الضروري الذي تلجئُ إليه شدة الحاجة. وللجهل تاريخ في كل أمة ومملكة يحفظه العقلاء ويعلمون مقدار ما جلبه من المصائب وما ترتب عليه من الخسائر. وقد أخذ الشرق دوره الأول ففي التربية والتعليم حتى أهّل غيره للأخذ عنه فكانت أوروبا أسرع في التقليد وأدق في(1/873)
التعليم وآداب في طلب المعارف بترجمة الكتب العربية والتركية والفارسية كما ترجم العرب اليونانية واللاطينية والنبطية وغيرها من لغات الأمم السابقة في التقدم العلمي فانتهت أوروبا الآن إلى غاية لم يلها غيرها ووسعت دوائر التعليم وأكثرت مواد العلوم وآلاتها وانتهت إلى الاختراع حتى زينت العالم الأرضي بثمرات أتعابها من علم وصناعة وزراعة وعمارية وتجارة وآلات حربية وفنون سياسية وقوانين إدارية ولو قابلنا بين وقفتها الأولى وحركتها الجارية لرأينا فرقاً عظيماً وتقدماً غريباً أوصلها إليه التربية والتعليم. والنفس تشتاق لمعرفة الطرق التي بها تخلصت من أسر الجهل ووصلت بها إلى حرية العمل والقول ولا نجد من تواريخ التربية فيها إلا بعض كلمات يلتقطها الكتاب من لائحة أو واقعة تاريخية لا تفي بالمقصود فكانت النفس متطلعة لكتاب شامل لقوانين التربية والتعليم في كل مملكة أوروبية ليتمكن الإنسان من المقابلة بين الأمم وليستنتج ما عساه أن ينتفع به أهل بلاده حتى رأيت ما للعلامة الفاضل خادم وطنه الوزير الخطير علي باشا مبارك من تعريب وجمع ما فيه الكفاية في هذا الباب فإنه لم يضع وقته سدى بل قضى عمره المبارك إما مستخدماً فيشتغل بمصلحته وأما مشتغلاً بالكتابة النافعة أيام خلوه من الخدمة وهذه خصوصية لم يشاركه فيها إلا القليل من أمثاله وقد بين حالة كل دولة وما كانت عليه من الانحطاط أيام الجهل وما صارت إليه من العز والحضارة والقوة أيام تحليها بحلية المعارف ونحن نلخص ما كان خاصاً بالتربية والتعليم تبصرة وذكرى لأولى الألباب وتنشيطاً لهمم إخواننا الشرقيين وحثهم على المجاراة.(1/874)
مملكة بروسيا
إن هذه الأمة اجتهدت في التربية والتعليم قروناً طويلة وسبقت أوروبا في الطريق وقد لازمت الجد والاجتهاد وقلبت أنواع التعليم ونقحت القوانين مرة بعد أخرى حتى وصلت إلى ما هي عليه ن القوة والاستعداد بسبب اجتهادها في التربية والتعليم. والذي ساعد الحكومة على التقدم والنجاح اتحاد مقصدي الدين والحكومة وتوحيد الوجهة فإن أمناء الدين بنوا الطرق التي توصل إليه ولم يحجروا على الأهلين شيئاً من العلوم الضرورية لهم والحكومة لم تقصر في نشر التعلم وحث الناس عليه وبذلك ما في وسعها إجابة لطلب رؤساء الدين وحباً في نجاح الأمة وارتقائها. ومن سنة 1540 إلى الآن صدرت أوامر ملكية وظهرت قوانين تنظيمية تتعلق بالتعليم ونشرت في المدن والقرى وكان التعليم اختياراً فمن شاء أن يعلم ولده من أهل البلاد أرسله إلى المكتب ومن لم يرد لا يجبر على ذلك حتى كانت سنة 1713 حيث أمر الملك فردريك بجعل التعليم إلزامياً وجاء من بعده من الملوك فأنشأوا لوائح ودونوا قوانين للتعليم والصحة ومجال التربية وفي سنة 1737 صدرت أوامر الحكومة لجميع جهات المملكة ببناء المكاتب في البلاد من طرف الأهالي وإلزامهم بمرتبات المعلمين وجعلت لكل معلم قطعة أرض تزرع على ذمته ليتعيش منها وقطعة أُخرى ترعى فيها ماشيته وأقطعت الدولة أراضي واسعة خصصت حاصلها للصرف على الطلبة الذين أعدتهم لطبقة المعلمين وعينت مفتشين فيها البلاد للإطلاع على ما هو جار من التربية ولتنبيه المعلمين على ما يجب(1/875)
عليهم وما ينبغي من القوانين وطرق التعليم وهؤُلاء المفتشون إذا رأوا أمراً يقتضي التغيير أو الزيادة أو التحوير فيما يختص بالتربية والتعليم نبهوا الحكومة عليه لتحسن حالة التربية ويتقدم التلامذة فنجم عن ذلك فوائد جمة وتحصلت الحكومة والأمة على نتائج جليلة. وعندما ظهرت هذه النتائج اشتغل الملوك والأهالي بما يقوي التربية حتى صارت عند الأهالي من أهم الواجبات. وما نزلت بهذه المملكة نازلة أو حرب أهلية أو خارجية إلا كانت داعية لزيادة التعليم وتحسين طرق التربية حتى بلغ عدد المكاتب في سنة 1840 ثلاثين ألف مكتب غير ست مدارس عامة ومائة وعشرين محلاً لتعليم الجنباز وقد كان عدد الأهالي في تلك السنة خمسة عشر مليوناً. والأساس الذي بني عليه التعليم فيها وضع على أمرين الأول كل ناحية مكلفة ببناء مدرسة لأبنائها والصرف عليها. والثاني إلزام الأهالي بإرسال أبنائهم إلى المكاتب ومعاقبة من
تأخر عن ذلك بغرامة أو حبس. ومن قوانينها أن سن التعليم من خمس سنين إلى 14 سنة فرئيس كل ناحية مكلف بتحرير قائمة بأسماء الأطفال الذين دخلوا في السنة الخامسة على رأس كل سنة وإرسالها إلى القسس القائمين بالتعليم لطلب الأولاد من آبائهم. وإن من رغب تربية ابنه عنده لا يمنع وإنما يتحصل على رخصة من رئيس مجلس بلده ومن أراد استخدام طفل من الأطفال وهو في سن التعلم لا يسلم له إلا إذا تعهد بعدم منعه من التوجه إلى المكتب. وقد أنشأت مكتباً بجوار كل معمل وورشة لتعليم الشغالين بها وجعلت رئيس كل مكتب قسيس الناحية ليرغب الأهالي ويحث على التعلم ويرأف بالأولاد في العقوبة وما زالت المملكة(1/876)
تترقى شيئاً فشيئاً حتى بلغ عدد المعاقبين بالحبس بعض مئين وعدد الغرامة النقدية ثلاثة آلاف فرنك في الأيام الأخير حال كون التعداد صار تسعة عشر مليوناً. ومن هذا يعلم أن جميع المأمورين ورجال الحكومة صاروا معاً يداً واحدة وإن المتأخر عن تعليم ولده قليل جدّاً. وقد اختصت الحكومة بإصدار الأوامر وترتيب طرق التعليم أما الصرف على تلامذة المكاتب فمما يؤخذ على الأطفال ومن جهات معينة لذلك ومن ضريبة مقدرة على الأهالي بحسب اقتدارهم وقد تساعدهم الحكومة إذا رأت عدم اقتدار ناحية على ما يلزم للمكتب. وكانت المكاتب الابتدائية مؤسسة على تعليم الأمور الدينية وفن القراءة والكتابة الذي هو المقصد الأعظم والذي سهل هذه الطرق ظهور المذهب البروتستانتي فإنه حتم على كل إنسان قراءة الإنجيل بنفسه ولذلك عظمت رغبة الأهالي في تعلم القراءة ليتمكنوا من قراءة الإنجيل بأنفسهم. واستمرت الحال كذلك مدة إلى أن سعى بعض النواحي في فصل التربية الدينية من التربية المعاشية كما هو حاصل في بلاد النيمسا ولكن الحكومة البروسيانية لم توافق على ذلك وألزمت الطفل بتعلم ما يلزم لدينه ودنياه في المكتب بحسب ما يرى لرجال الديانة خوفاً من أن يعدل عن طريق الفضل وليشب الطفل على الطاعة والامتثال واعتبار الناس على اختلاف درجاتهم وحب ذوب القربى والميل إلى اصطناع المعروف وفعل الخير واجتناب السوء وأهله فإذا انتهى من تعلم القواعد الدينية والحكم الأدبية بلغ الشجاعة من غير تفاخر والأقدام من غير نكير والحرية من غير تعد للحدود ويحصل على علم ما له وما عليه فلا يتساهل في طلب(1/877)
ما هو له ولا يتوقف ما هو له ولا يتوقف في أداء ما هو عليه. وكان الواجب على الطفل معرفته سنة 1853 أن يتعلم أصول
الديانة في ست ساعات من كل أسبوع والقراءة والكتابة في 12 ساعة والحساب في خمس والألحان في ثلاث ثم يتعلم الجنباز ويأخذ في أثناء تعلم القراءة بعض فصول تاريخية وحوادث طبيعية ومواد نافعة تمريناً له ويقتصر في التاريخ على الوقائع والحوادث الوطنية ليغرس المعلم في ذهنه حب وطنه ويبين له ما يجب عليه في حفظه والدفاع عنه ثم يشرح له بعض التاريخ الطبيعي ليقف على حقائق الحيوان والنبات والمعدن بعبارات تناسب سنه. ومعلم الجغرافية يبدأ بشرح حال الناحية التي هم فيها ثم يتكلم على الخط التابعة له ثم على القسم الجامع للاخطاط ثم على المديرية ثم على الولاية ثم ينتقل إلى شرح الكرة الأرضية ثم يعلمون الأطفال أدعية وأناشيد دينية ووطنية يترنمون بها في المكتب ليغرسوا في قلوبهم حب الوطن والدين من الصغر. وفي سنة 1850 تقرر أن تكون التربية في جميع البلاد مجاناً ولكن هذا الأمر لم يتم في بعض الجهات إلى الآن ثم بعد أن كنت طرق التعليم قاصرة على العلم صارت الآن شاملة هل وللعمل وبعد أن كان الأهالي لا يعرفون شيئاً مما تفعله الحكومة أصبحوا مشتركين معها في جميع ما تجريه معهم من الأعمال النافعة اللازمة لتوسيع دائرة الثروة في الداخل ورد العدو وإرغامه في الخارج. وهذه المملكة أول مملكة رأت وجوب إنشاء مدارس خصوصية لأُناس تجعلهم معلمين في المكاتب الأهلية فكان عدد هذه المدارس سنة 1764 اثنتين وستين مدرسة فيها من الشبان 3614 وهي تكون في المدن غالباً في معابد مهجورة. ومن قوانينها أن كل من كان بيده شهادة وفيه(1/878)
قدرة على التعليم له أن يفتح مدرسة يعلم فيها من يشاء التعلم وللحكومة النظر والتفتيش على تعليمه بحيث لا يخرج عن القوانين المتبعة في جميع المملكة. ومدة التعليم في المدارس الابتدائية ثلاث سنين يتعلم فيها التلميذ ما هو آت.
سنة أولىسنة ثانية سنة ثالثة
ساعات من كل أسبوع ساعات من كل أسبوع ساعات من كل أسبوع
تمرين2 2 2
الديانة 6 6 6
اللسان الألماني 5 5 3
التاريخ 0 2 2
جغرافية 2 2 0
علوم طبيعية 2 2 2
حساب 3 3 1
كتابة2 1 0
رسم2 1 0
غناء2 2 2
موسيقى 1 2 1
ومن هذا يعلم أنهم يعتنون بفن الموسيقى اعتناءً كبيراً حتى أن الأطفال يجتمعون ليلاً للترنم بالأناشيد ولا يقبل في الفن إلا من فيه قابلية واستعداد له وأما الجمباز وفن البستاني فهما من ضمن التعاليم ومعدود أن من مواد التسلية والرياضة. وفي السنة الثالثة يكلف تلميذ هذه المدارس بإعطاء(1/879)
بعض دروس في المكاتب الأهلية ليتمرن على التعليم وتفهيم الغير ويكون ذلك تحت ملاحظة المعلم وفي المدة التي يقيمها الطلبة في المدارس يعلمون الخدم الداخلية بأنفسهم ليتعودوا على تأدية وظائفهم بعد خروجهم من المدرسة إلى الأرياف. وفي آخر السنة الثالثة يعمل امتحان عام بحضور جميع المعلمين تحت رئاسة مجلس تربية المديرية وبحضور رئيس مجلس تربية الدائرة فإنه هو الذي يعين الجهة المحتاجة إلى معلم. وبعد سنتين من خروج التلميذ يصير امتحانه في العمل المختص بوظيفته إمام المعلمين ومتى وجدت فيه الأهلية قيدوا اسمه وصار معلماً مثلهم وعلى المعلمين أن يجتمعوا في أوقات معلومة ليتمرنوا ويتفننوا في طرق التعليم بما يمارسونه فيما بينهم. وفي كل شهر يجتمع معلموا الخط مرة تحت رئاسة القسيس ويجتمع معلموا الاخطاط في القسم كل شهرين مرة تحت رياسة قسيس يعينه مجلس القسم ويجتمع معلموا الأقسام في الدائرة كل ستة أشهر ومعلموا المديرية كل سنة مرة تحت رئاسة مجلس تربية المديرية في هذه الاجتماعات يتذاكرون في طرق التعليم المتبعة وما يجب إصلاحه منها وما يوجب التقدم أكثر من الحاصل. وبسبب قلة ثروة الحكومة وكثرة مصروف العسكرية لم تكن مكاتبها كافية للمتعلمين ففي سنة 1822 كان العدد المتوسط من الأطفال لكل مكتب سبعين وفي سنة 1840 كان المتوسط لكل مكتب خمسة وتسعين وفي سنة 1852 بلغ المتوسط مائة
وخمسة وفي سنة 1864 بلغ مائة وثلاثة عشر. وبسبب بكثرة الأطفال وتعدد الطبقات لم يكن المعلمون كافين للعمل فإنه بمقارنة عددهم بعدد التلامذة علم أن المتوسط معلم واحد لكل 79 تلميذاً وفي الجهات الكثيرة العمران معلم لكل 90 تلميذاً. وما يوجب تعب المعلم التعب(1/880)
الشديد أنه يوجد في كل مدرسة ثمان طبقات من طبقات التعليم فإن مدة التعليم ثمان سنين فيلزمه أن يشتغل بتعليم كل طبقة على حدتها. ومرتبات المعلمين في هذه المملكة قليلة جداً غير كافية لمعاشهم فمتوسط المرتب للمعلم يبلغ كل سنة 218 تالير أعين 817 فرنكاً ونصف فرنك وفي الأرياف يبلغ 181 تاليراي 678 فرنكاً وفي ولاية سكس يبلغ 268 تاليراً وفي ولاية الوسفالي 226 وفي بعض المديريات لا يزيد المتوسط عن مائة تالير وفي بعضها يكن 150 تاليراً ويوجد في جملة المعلمين 1926 معلماً مرتب الواحد منهم 100 تالير ومن هذا يعلم أن معظم المعلمين لا يزيد مرتبهم عن 500 فرنك. وبالنسبة لغلو الأسعار الآن صار ما يتحصل عليه المعلم أقل من أجرة الأجير مع أنه لم يتحصل على درجة معلم إلا بعد امتحانات احتاج فيها إلى الاستعداد وصرف الوقت فيما يؤهله للتعليم ثم أنه لا يصل إلى هذه الرتبة إلا إذا بلغ العشرين من عمره فيكون قد قضى شبيبته في الوصول إلى هذه الدرجة ثم لا يجد ما يكفيه من المرتب ولهذا نقص طلاب هذه الوظيفة فبعد أن كانوا يزيدون عن المحال المحتاجة لهم صار المحال محتاجة إلى معلمين. وهذا بيان إحصاء سنة 1864.
عدد الأهالي 139 ر255 ر19 مكاتب الأرياف الميرية 35058 مكاتب ريفية غير ميرية 906 عدد المعلمين في المكاتب الميرية 30805 عدد المعيدين أعني العرفاء 2427 عدد المعلمات في المكاتب الميرية 2815 عدد المعلمين في المكاتب غير الميرية 995 عدد المعلمات فيها 688 عدد الأطفال في المكاتب الميرية 1427191 عدد الإناث فيها 1398131 عدد الأطفال(1/881)
في المكاتب غير الميرية 25226 عدد الإناث فيها 27406 وفي السبع مدارس العامة 6047 من الشبان وفي الاثنين وستين مكتباً المعدة لتعليم المعلمين 3610 فيخص كل 740 شخصاً من الأهالي مكتب ويكون على كل ستة أشخاص وستة أعشار شخص من الأهالي طفل واحد في المكاتب وهذه نتيجة طيبة بالنسبة إلى عدد الأطفال غير طيبة بالنسبة لعدد المكاتب. ومن الإطلاع على هذا الإحصاء يعلم أن درجة
التعليم أخذت في التقدم تدريجاً ففي سنة 1822 كان يوجد 2و12 من الأطفال في كل مائة وفي سنة 1831 بلغ 15 وفي سنة 1852 زاد بقدر العشر وفي سنة 1864 نقص وصار 14 وسبعة أعشار وبمقارنة الذكور بالإناث يرى أن النسبة للذكور 14 وسبعة أعشار في المائة وللإناث 14 وأربعة أعشار فالفرق بينهما قيل جداً. ومقدار المنصرف على المكاتب ومحال التعليم في سنة 1864 هكذا مرتب المعلمين والمعلمات في مملكة بروسيا 224 و449 و7 تالير. وباقي المصروف لجهات سائرة 472 و453 و2 تالير يكون ذلك بالفرنك باعتبار التالير ثلاثة فرنكات وثلاثة أرباع 110 و135 و37 وبتوزيع هذا المبلغ على الأهالي يخص كل شخص فرنكان ويخص كل طفل ثلاثة عشر فرنكاً. ومن سنة 1861 إلى سنة 1864 حصلت زيادة المتعلمين في مدينة برلين فإنه انتقل من 73196 إلى 84829 مع أن عدد الأهالي في هذه المدينة سنة 1864 كان 607309 وفي سنة 1861 كان عدد مكاتب المدينة 21 مكتباً فيها مائتا فصل وفي سنة 1864 بلغ عددها 37 وفصولها 300 وبناءً على قانون التربية المدون سنة 1864 زيد مرتب المعلمين بالصورة الآتية من(1/882)
أمضى في الخدمة ثلاث سنين فمرتبه 450 تاليراً ومن أمضى ست سنين فمرتبه 500 ومن أمضى تسعاً فمرتبه 600 ومن أمضى أربع عشرة سنة 650 ومن أمضى 19 سنة 700 ومن أمضى 24 سنة 750. ومن عهد قريب أنشئت مدارس لتكميل تعليم الأطفال الذين خرجوا من المكاتب واشتغلوا بالصنائع والحرف وتسمى مكاتب التمرين والغرض منها أن التلامذة الذين خرجوا من المدارس بعد أن أمضوا ثماني سنين يجدون محلاَّ يمكنهم الاجتماع فيه للمذاكرة في العلوم التي درسوها حتى لا ينسوها أو لتلقون أموراً عملية مطبقة على ما قرأُوه ولتساعدهم على كسب الضروري لمعاشهم وكان أول وجود هذه المحال في ولاية ويرتمبرغ من ألمانيا ف سن 1735 وانتشرت في ولاية باد سنة 1756 وفي بلاد بروسيا سنة 1763 وفي ولاية باويره سنة 1803 وكان فن الرسم لا يوجد إلا في هذه المدارس ثم توسعوا فيها حتى فتحوا عدة مدارس من ذلك على أسلوب بديع وغالب هذه المدارس لا يفتح إلا يوم الأحد وفيها من فروع التعليم الحساب والرسم والخط ويوجد في بعضها زيادة فرع أو فرعين كالهندسة والطبيعة والتاريخ الطبيعي والجغرافيا والتاريخ والأصول التجارية والاصطلاحات والقوانين وكيفية مسك الدفاتر
وغير ذلك. وأهم المدارس ما يوجد في المدن المشتملة على مدارس الصنائع بقرب المدارس المذكورة والمدرسون مرّة أو مرتين في الليل لمن يحضر ومعه ما يلزم من مواد التعلم المهمة وأما ما يدفعه التلميذ في السنة فهو تالير واحد.(1/883)
أسباب الحرب
بقلم الأديب المجيد محمد رفيق بك العظم الدمشقي
أسباب الحرب هي بواعثها الجوهرية وتنحصر في أمرين الأول مجرد حب التغلب والثاني العداوة السابقة أما حب التغلب الذي هو ثمرة الطمع فإنه ملكة تدفع صاحبا إلى استجلاب المنفعة إلهي بالخروج عن دائرة السكون إلى براح الحركة طلباً للمزيد على ما لديه من القوة والسلطان والممالك والبلدان كما هو شأن المجتمع الدولي المنتظم من هيئة الدول العظام بخلاف الشعوب المتبربرة والأمم المتوحشة ممن يؤثرون الرحلة على المقام فإنما منفعتهم عبارة عن مجرد السلب والنهب اللذين هما مادة ارتزاق أولئك الأقوام. ويحسن أن نسمي الحرب الناشئة عن هذا السبب حرباً مجردة.
وأما العداوة السابقة فهي أما أن تكون ناشئة عن تعدٍ قديم يوجب إيغار الصدور حتى إذا جاء ألقت المناسب للانتقام وأمكنت الفرصة استحال السكون إلى حركة تضطر للتألب سعياً وراء الأخذ بالثأر واسترجاعاً للحق المغصب أو الشرف المسلوب فإن الإنسان مطبوع على إباء الضيم والأنفة من اهتضام الحقوق ومن هنا نشأت المخاصمات والمنازعات التي كانت علة لوضع القوانين بين الناس. وأما أن تكون منبعثة عن حب الرآسة والرغبة في الاستئثار بالمنفعة مما لا مصدر له إلا الحسد الذميم الذي يتولد في عناصر الأمم فيدعو إلى البغضاء ويبعث على الشحناء ويهيج النفوس لحب إزالة النعم ويناسب أن تلقب الحرب المنبعثة عن هذا السبب حرباً غير مجردة.
فهذه هي أسباب الحروب المستمرة التي فطر الإنسان على إثارتها فجرّ(1/884)
على أبناء نوعه بها الهلاك ودوام الارتباك فليته لم يكن شيئاً مذكورا.
ولما كانت الأمة المحاربة لا تَقدم على الحرب إلا إذا تيقنت من نفسها الفوز والغلبة على عدوّها كان لابد لها من قوة تستند عليها وتعوّل في نوال النصرة عليها. وتلك القوة تختلف باختلاف الدول والأمم فإنها أربعة أقسام قوة المال وقوة الرجال وقوة الموقع الجغرافي وقوة المركز السياسي.
فقوّة المال مرجعها تقدم الأمة في التجارة والصناعة والزراعة وما يتبع ذلك من العلوم والفنون التي عليها مجار التقدم في الثروة والغنى. وقوّة الرجال مرجعها عمارة البلدان
واتساعها ووفرة السكان وانتظام الجند وصبرهم على تحمل مشاق الحروب ودُرْبة القوّاد وأمانتهم. وقوّة الموقع الجغرافي الصدفة. وقوّة المركز السياسي مرجعها انضمام أطراف المملكة وخلوّها من الاضطرابات الداخلية وتوفر دواعي الأمن والانتظام فهيا واتفاق أهليها على المصلحة الوطنية وإن اختلفوا فيها طرقاً وانقسموا احزاباً وفرقاً مع ما يلحق ذلك من عدم طموح الدولة إلى طلب المزيد على ما لديها محافظة على مركزها ودفعاً لأسباب العداوة مع سواها وقد ينضم إلى مراجع هذه القوّة الأخيرة كون وجود الدولة في العالم السياسي فيه مصلحة لدولة أو عدة دول ترى نفسها مراعاة لمصلحتها مضطرة عند مسيس الحاجة للمدافعة عن تلك الدولة حسياً أو معنوياً.
ولكل من هذه القوى الأربع دخل عظيم في الظفر والانتصار فإذا اجتمعت لدى دولة كانت إلى الربح أقرب منها إلى الخسران والعكس(1/885)
بالعكس ومثله ما إذا كانت الدولة ذات قوة جندية يسعها بواسطتها أن تحشد لساحة القتال عدداً عظيماً من الرجال فإنها أن لم تكن مصادر القوة المالية متوفرة لديها فلن تستطيع القايم بمؤونة الجند إلا بالتقتير أو جلب المال من أوجه المظالم وذلك مما يفضي بداخليتها إلى الوهن والضعف بخلاف ما إذا اجتمع لديها قوتا الجند والمال مثلاُ فإنها تنفق عن سعة لتتأهب بما يجعلها ترجح سواها.
وعلاوة على ذلك فإن لكل قوة من هذه القوى على انفرادها فعلاً خاصاً لا تنكر أهميته كقوة الموقع الجغرافي مثلاُ فإن المملكة التي تكون محصنة الجواب بالمضائق البرّية والبحرية ممنعة الأطراف لا يقدر العدوّ إن يأتيها إلا من طريق واحدة ليست كالمملكة التي تكون متفرقة الأجزاء والقوة محاطة بالأجزاء وقس على ذلك بواقي القوات وفعلها بالنسبة لحال المتحاربين.
ثم أنا لو قابلنا بين الحروب القديمة والحديثة لوجدنا الحديثة أشد بلاء وأقوى خطراً وأدعى إلى الهلاك وإن كانتا كلتاهما سبباً فيه فكم من أمم تلاشت ودول دخلت أخبار عظمتها في خبر كان بما جنته عليها الحروب التي يسعى إليها الإنسان مجداً في كل زمان كأنما نسي أن الحروب من أعظم مصائب النوع الأناني فأصبح عاملاً على حتفه بيديه يخترع لذلك الآلات المهلكة ويعد المعدّات التي لم تقف به عند حد معلوم بل كلما ترقى في المدنية درجة ترقت معه مثلها حتى كأن المدنية الحديثة عدوّة للإنسان أقامت عليه رقيباً بتأثره إنّي ذهب
وكيفما صعد حتى إذا أصاب(1/886)
منه غرة ألقاه من أعلى درجات المدنية إلى مهاوي الهلاك وذلك بحكم القياس على من تولى من الأمم القديمة التي أبادتها الحروب وذهبت بحضارتها وعمران ممالكها أيدي الغارات كالمصريين والفرس والرومان واليوانان وغيرهم من الأمم العظيمة التي كانت لها المنعة والسلطان.
فقد ذكر بعض المؤرخين أن أقدم دولة رتبت جيشاً خاضعاً لقوانين منظمة فرقت بها بينه وبني طبقات الناس دولة الفراعنة في مصر. وأعظم من أعتنى من الفراعنة بالجيوش وتنظيمها وإحراز معدات الحروب هو رمسيس الثاني فإن بعوثه وصلت إلى ممالك الهند والتتار والآشوريين وغيرهم.
فلو تأملنا تدويخه معظم هذه الممالك لوجدناه بلا ريب أعظم قواد المصريين القدماء ومع هذا العظم وذلك الاقتدار وما وصلت إليه المدنية في تلك العصور كما تدل عليه الآثار الخالدة إلى هذه الأيام لم يكن السلاح إذ ذاك إلا من السهام والفؤس سيوف النحاس ولم تكن الدروع إلا من اللبد. وكذلك أمة الفرس التي فاقت بنظامها الحربي من تقدمها من الأمم لم يكن سلاحها إلا كسلاح المصريين وقد أبادتهم جميعاً الحروب وأتت على مدنيتهم الغرات حتى لم يبق لهم إلا أثر يبصر أو خبر يذكر.
ولا جرم فإن عقول رجال العصور المتمدنة الأولى لم تتوصل إلى اختراع آلات وإبداع أدوات لإهلاك الإنسان الضعيف أكثر مما ذكر فماذا يقال في شأن المدنية الجديدة الغربية وما هي عليه الآن من التقدم كيف يتفنن رجالها في اختراع الآلات الحربية المهلكة للإنسان كالمدفع الرشاش والارمسترنغ والكروب والبندق السريع الطلق والبارود غير ذي الصوت(1/887)
وغير ذي الدخان والتوربيد والديناميت والمنطاد الحربي إلى غير ذلك من الأسباب التي تسدّ في وجه المدنية المذاهب وتفضي إلى اضمحلالها وصيرورة أهليتها أخباراً تحار عند ذكرها الأذهان.
فلا ريب أن مضار هذه المدنية على النوع الإنساني أكثر من نفعها بل أيّ نفع يرجى ن مدنية صيرت العالم على شفا جرف هار من البوار وفتحت على الممالك أفواه البنادق والمدافع كمن ينتظر إشارة ليلهب الأرض ومن عليها بنيران الهلاك والتدمير.
ولا عجب فالحرب أخت الإنسان نشأت معه وتربت بين يديه فلما لم يتق شرها انقلبت
بالوبال عليه.
ومن يجعل الصِل الخبيث ربيبه=ويأْمل منه الخير بشره بالشر
وهل يرتجي ممن نشا طبعه الأذي=سوى بثّه سمّ الأذية والضرّ
والحمد لله الذي جعل البلاد المصرية في مأمن واق من الحروب وحصن حصين دون الكروب وجعل بأسها عباسها فدفع له عنها كل محظور فنسأل الله تعالى لمقامه العالي تأييداً وإعزازاً حتى تصل به مصر إلى معنى التقدم الحق والكمال المطلوب أمين.
انتهى المولد الأحمدي الصغير وكان خفيفاً قليل الزوّار بائر التجارة لم يربح فهي إلا بعض الخمارات فإن معظم أصحاب الأطيان بأع7وها أو رهنوها ولم يبق بيدهم ما يشترون بضاعة أو يضيعون به شرفاً ومالاً وديناً أم أصحاب الطرق وأهل الخير فكانوا على أحسن ما يكون من الهدوء والنظام والاشتغال بأنواع الطاعة والقربات ولنا في هذا الموضوع كلام نؤجلهُ إلى فرصة أخرى.(1/888)
صبر جميل
بارت تجارة الإجراء فلم يجدوا طريقاً تنفق به سلعتهم إلا السعاية من جهة والحط على الأمراء الصادقين في الخدمة من جهة أخرى ولما لم يفدهم ذلك ارجفوا بأن محرر الأستاذ سيبعد عن مصر إقعاداً لهمم المشتركين وسداً لباب تحصيل قيم الاشتراك فنحن ننادي في مشارق الأرض ومغاربها إننا من رجال الهيئة الوطنية المشمولين برعاية الحضرة الخديوية وحياطة الحكومة المصرية لا ننطق بكلمة ولا نتحرك حركة إلا وهي أعلم بها وكذلك رجال بريطانيا العظمة يعلمون من حركاتنا وسكناتنا ما هو مقرر بالتقارير المتتالية ممن لا نخطو خطوة إلا وهم على أثرنا ولم نزد في جريدتنا على النصح وتقبيح القبيح وتحسين الحسن وهو الذي تريد انكلترة أن تهدينا إليه ولا ينكر أحد أن حرية المبطوعات انتهت في مصر إلى أن يطعن الإجراء في المصريين طعناً شخصياً ويقبحوا أعمال من يرون صرف الأفكار عنه لا يبالون في أي عظيم كتبوا ولا بأية عبارة نطقوا ولا يليق بدولة عظيمة كدولة بريطانيا أن تحجر على زيد ما أباحته لعمر أو أن تبعد سيبويه لتنفق بضاعة نفطويه وعلى كل فإن ما أرجف به المرجفون من أبعادنا عن أوطاننا محض افتراء وكذب لا يكون في حكومة نظامية مقيدة بمجالس قانونية لا تستبد عليا بفعل من الأفعال وإذ دار إنسان على دوائر حكومتنا السنية وسأل عن هذه الإشاعة فإنه لا يجد لها أثراً ولا خبراً عند أصاغر الخدمة فضالً عن الأمراء الفخام وهناك يعلم أن المرجف بهذه هو المرجف بإغلاق الأستاذ أولاً ونفي صاحبه ثانياً على السنة أمثاله في الأرياف والمدن(1/889)
وكلما زادونا أرجافاً وسعاية زدناهم إعراضاً وإهداراً ووقفنا أمامهم وقوف الجبل في مهب الرياح ولنا في مثل هذا المقام قصيدة قلناها في الاحتفاء وقد أحاطت بنا الجواسيس وتواترت أخبار الأراجيف ففترت همم الإخوان وداخلهم الخوف والرعب وثبتنا أمام تلك المزعجات وأخذنا ننشدها محاربة للنوائب وإظهاراً لما في الطوية من الصبر والثبات وإذا كان لساننا ذلك في حالة الشدة أفيرى المرجف أنه يحرك منا ساكناً بإرجافه في وقت الرخاء ونحن بين يدي أمير حكيم خبير بأحوال رعيته ووزير خطير هو أدق الناس في اختبار الناس ومعرفة ما هم عليه ولنورد بعض القصيدة هنا ترويحاً للنفس وتذكيراً بأيام التجلد للمحن والنوائب وقد أنشدناها توسلاً بالجد الأعظم صلى الله عليه وسلم وهي:
أتحسبنا إذا قلنا بُلينا ... بَلينا أو يروم القلب لينا
نعم للمجد نقتحم الدواهي ... فيحسب خامل أن دهينا
تناوشنا فنقهرها خطوب ... ترى ليث العرين لها قرينا
سواءٌ حربها والسلم أنا ... أناس قبل هدنتها هدينا
سُررنا بالصلى والبشر بادٍ ... وكيُّ السر يستديع إلا نينا
ومرضعنا تغذينا بصبر ... مرِير حين مازجنا حلينا
فطمنا بالظماء على ثبات ... فصمنا عن شراب الجازعينا
إذا ما الدهر صافانا مرضنا ... فإن عدنا إلى خطب شفينا
لنا جلد على جَلَد يقينا ... فإن زاد البلاد زدنا يقينا
ألفنا كلّ مكروه تفدّى ... له فرسانه بالرّاجلينا(1/890)
فأعيا الخطبَ ما يلقاه منا ... ولكنا صحاح ما عيينا
صلينا يا خطوب فقد عُرفنا ... بأنّا الصُلب صُلنا أو صُلينا
وقرّي فوق عاقتنا وقولي ... نزلت اليوم أعلى طور سينا
علينا للعلا دين وضعنا ... عليه الروح لا الدنيا رهينا
فهل يمسي رهين في سرور ... وهل تلقى بلا كدر مدينا
إذا ما المجد نادانا أجبنا ... فيظهر حين ينظرنا حنينا
يغنينا فيلهبنا التغنيّ ... عن الباكي وينسينا الحزينا
ولسنا الساخطين إذا رزئنا ... عم يلقى القضا قلباً رزينا
فإنا في عداد الناس قوم ... بما يرضى الإله لنا رضينا
إذا طاش الزمان بنا حلمنا ... ولكنا نُهينا إن نهينا
فبيت المجد يهدمه التغابي ... وزند الفضل ينتن أن أُبينا
وإنا والورى قسمان لكن ... إذا ماتوا بنازلة حيينا
وإن لاذوا بعترتن ضعفنا ... فإن رفعوا أنوفهم قوينا
وإن شئنا نشرنا القول درا ... وإن شئنا نظمناه ثمينا
وإن شئنا سلبنا كل لب ... وإن شئنا سحرنا المنشئينا
ومسطرنا يناجي كل حبر ... بما يهوى ويعلى الكاتبينا
سلوا عنا منابرنا فإنا ... تركنا في منصتها فطينا
لحكمتنا تقول إذا هذرتم ... الاهبي بصحنك فاصجينا
ورثناها عن الآباء بحق ... فإن سرنا نورّثها البنينا
بعيد أن يرى حبر غبياً ... وسيد عترة يلفى هجينا(1/891)
سرى فينا من الآباء سر ... يسوق البر نحو الموذينا
فإن عشنا منحنا سائلينا ... وإن متنت نفحنا الزائرينا
_ ومنها بعد التخلص والمديح _
أأنسى يوم مصر والبلايا ... تطاردني ولا ألقى معينا
فكنتَ الغوث في ويم كريه ... أخاف الشهم والحبر ألسمينا
مدحا فيه في إشراق شمس ... فلما جاء مغربه هجينا
وهل أنسى هجوم الجند عصرا ... بلا علم وقد كنا فجينا
أحاطوا بي وسدوا كل باب ... وصرنا بين أيدي الباحثينا
وكان السطح مملوءاً بجند ... وخلف البيت كم وضعوا كمينا
فأدركت الوحيد وكان صيداً ... قريباً من فخاخ الطالبينا
وأرشدت النديم إلى مكان ... رآهُ بعد حيرته مكينا
وأعمى الله عنا كل عين ... وكان للعساكر ناظرينا
وصرنا فوق سطح فيه علو ... يحطم هاوياً منه متينا
فلم أرهب وثوبي من طمار ... ولم أنظر شمالاً أو يمينا
فقد كنا بلا ستر يرانا ... أمام العين كل القاصدينا
وكم سرنا بلا خوف جهارا ... ركبنا الخيل أو جئنا السفينا
وهل أنسى تصدّي بعض قوم ... لأن أُمسي بحيهم طعينا
فخلفت العيال وسرت ليلاً ... ولم أحمل حمول الظاعنينا
فكنت الغوث يا جداه دوما ... وقعنا في المهالك أو قُفينا(1/892)
وإني الآن في خطب عظيم ... أرى في طيه داءً دفينا
أتانا مخبر عن قوم سوءٍ ... أرادوا وصفنا للحاكمينا
وخاف الضُرّا حبابي جميعا ... وقالوا بالوشاية قد رمينا
فعجل بالرحيل بلا توانٍ ... ولا تخبر صديقنا أو خدينا
فأدرك يا أبي نجلاً دهاه ... من الأهوال ما يوهي البدينا
فما خفت المنون ولا الأعادي ... نعم خفت انشراح الشامتينا
فسرت الليل يصحبني ثبات ... لخلّ نحو منزله دعينا
ورافقني خليل كان قبلا ... يوافي حين كنا ظاهرينا
وأدركنا القطار بغير خوف ... وكنا بالثياب منكَّرينا
وألقى الله ستر الحفظ فضلاً ... فلم ترنا عيون المبلسيا
وكان الخل منتظرا قدومي ... بخيل أوصلتنا سالمينا
ونجى الله بعد اليأْس عبداً ... يرى الرحمن خير المنقذينا
ومن كامنت هذه عقيدته في الشدة وهذا صبره في الخطوب التي كان يجهل عاقبتها لا تؤثر فيه أوهام المرجفين بعد سكاه دار الأمن بأمر وعفو الحضرة الخديوية أيدها الله تعالى وأدام علينا سوابغ نعمها.
الكسوة الشريفة
احتفل ليلة السبت في ديوان محافظة مصر احتفالاً جليلاً دعى إليه العلماء والأمراء وأرباب الطرق وكثير من الوجهاء والأعيان سروراً بإنجاز كسوة مقام سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وقد بلغت مصارفها 1700(1/893)
جنيهاً وفي الصباح انتظم الموكب مركباً من فرق العساكر الخيالة والمشاة والمدفعية وكان + الوزراء الكرام يقدمهم صاحب الدولة رياض باشا نائباً عن الحضرة الخديوية قد اجتمعوا في سقيفة المنشية يصحبهم لفيف من العلماء الإعلام في مقدمتهم صاحب السماحة والفضيلة شيخنا الأستاذ الشيخ الانبابي وفي مقدمة رجال الطرق وأصحاب الأشاير صاحب السماحة والسيادة السيد توفيق أفندي البكري الصديقي وسماحة قاضي أفندي مصر أي أن هؤُلاء الإعلام وجدوا مع النظار الكرام بالملابس الرسمية في مقدمة من وجد معهم من العلماء والأشياخ ومن ساحة المنشية سار الموكب حتى دخل مسجد الغمام الحسين رضي الله تعالى عنه وقد هرع الناس إلى الشوارع التي مر بها حتى لم يبق في مصر أحد ممن يميلون لرؤية هذا الموكب المنف إلا وقف له داعياً للحضرة الخديوية الفخيمة بطول العمر ودوام العز والاقبا متفرجاً.
مصنوع البلاد
معلوم للمصريين أنه يوجد بالمحلة الكبرى صناع يصنعون الأقمشة اللطيفة المحتا إليها لباساً وأثاثاً مع إتقان الصنع وجودة القماش وحسن المنظر فيصنع فيها العصائب والملآت الحريرية والقطنيه والبشاكير والمناديل والناموسيات والفرش البهيجة الحريرية والقصبية والقطنية ولكن الناس مغرمون بمصنوع الأجنبي الذي لا يساوي شيئاً في جانب مصنوع البلاد لما أشتمل عليه من رداءة المغزول وغلو السعر وفقد المتانة وقد تنبه الأمراء لمصنوع المحلة ومصر والفيوم وغيرها من البلاد المشتغلة بعمل الأصواف ونسج(1/894)
السجاجيد والقطني والشاهي والغزالي والفوط والبشاكير وملأت النساء والفرش والستائر والناموسيات والمناديل أحياءً لصنعة البلاد وأهلها فقد رأيت صاحب السعادة والفضل سعد الدين باشا مدير الغربية استحضر أصنافاً كثيرة من أقمشة الفرش الملونة وملأت الفرش القطنية اللطيفة والبشاكير المتينة والمناديل الرقيقة من مصنوع المحلة ليأخذ منها ما يلزم وليقتدي به في استعمال المنسوجات الوطنية ترويجاً لأهليها وتزييناً للبيوت بما يفتخر به وإننا لنشكرهُ على هذا المقصد الحسن ونرجو أن يقتدي به الناس في التمتع بمصنوع البلاد على أنه أرخص سعراً من القماش الأجنبي بالنسبة لمتانته وحسن منظره وبقائه زمناً طويلاً يغير فيه الإنسان أمثاله من المصنوع الأجنبي كما نحث عمال المحلة وبقية البلاد المصرية ذات الأعمال النسيجية أن يجتهدوا في تنميق الألوان والتفنن في النقوش المبهجة وتوسيع دائرة المصنوعات أملاً في انتشارها ورجوع الناس إليها وما ذلك على الله بعزيز.
رجاء
نرجو من مديري مصلحة السكة الحديد أن يوجهوا النظر نحو محطة الشين التي هي عبارة عن صدوق من الخشب طوله ثلاثة أمتار وعرضه متران وفي هذا الصندوق التلغراف والتذاكر والبوسطة ودفاتر المحطة ومحل جلوس ناظر المحطة ومن معه وأضيق منه بيته المنحط عن الجسر أربعة أمتار والماء يرشح من أرضه فهو بيت المرض وسجن الهلاك ومصلحة كهذه ملاءت جهاتها نظاماً وتحسيناً وسبقت الإدارات بنباهة رجالها وسعيهم في(1/895)
تقدمها حقيقة بأن تلتفت لهذه المحطة وما كان على شاكلتها من المحطات المستجدة التي وضعت لاه الصناديق الخشبية موقتة وعلى كل فإننا نثني على مديريها ونظارها ومفتشيها أحسن الثناء ولسان أعمالهم أحسن ثناء من لسان الأستاذ.
المسويو بطرون
تناقل الناس عبارته التي جعل بها المصريين كالأغنام وجعل من وافقه على خلطه عنوان المصريين ولا أرى أن تتعرض الآن له برد أو تبكيت بعد علمنا أنه عدو لمصر وأهلها والعدو يقول ما يشاء ولو علم أنه أدخل الريب من فرنسا في قلب كل مصري بهذه العبارة لحثا التراب على رأسه توبة واستغفار ولله در القائل
لي حيلة فيمن ينم=وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقو_ل فحيلتي فيه قليله
فاجعه
رزئ الفضل والأدب بوفاة الشاب الفطن اللبيب إسماعيل أفندي عزت خريج مدرسة المعلمين التوفيقية ومعلم اللغة الفرنساوية بمدرسة عباس غير بالغ من العمر إلا اثنتين وعشرين سنة وقد كان رحمه الله من دعة الأخلاق وكرم النفس وقوة الحافظة على جانب عظيم فنحن نعزي عترته وإخوانه ونشاركهم في حق الأسف عليه أسبغ عليهم جميعاً ثوب الصبر الجميل وأسكنه فراديس جنته وأولاده مغفرة ورضوانا.(1/896)
العدد 38 - بتاريخ: 16 - 5 - 1893
دفع اعتراض البشر عن اعتقاد القضاء والقدر
لأحد أفاضل مصر
مضت سنة الله في خلقه بأن يكون للعقائد القلبية سلطان على الأعمال البدنية فما يكون فيها من صلاح أو فساد فإنما مرجعه فساد العقيدة وصلاحها على ما بينه الشارع ورب عقيدة واحدة تأخذ بأطراف الأفكار فيتبعها عقائد ومدركات أخرى ثم تظهر على البدن بأعمال تلائم أثرها في النفس. ورب أصل من أصول الخير والكمال إذا عرض على الأنفس في تعليم أو تبلغ شرع وقع فيه الاشتباه عند السامع فيلتبس عليه بما ليس من قبيلة أو يصادف بعض الصفات الرديئة والعقائد الباطلة فيعلق به عند الاعتقاد فاسدة مبنية على الخطأ في الفهم أو على خبث الاعتقاد فتنشأُ عنها أعمال غير صالحة على غير علم من المعتقد كيف اعتقد هذا ولا كيف يصرفه اعتقادهُ والمغرور(1/897)
بالظواهر يظن أن تلك الأعمال إنما نشأت عن اعتقاد ذلك الأصل ومن مثل هذا الانحراف وقع التحريف والتبديل في بعض أصول الأديان غالباً وهو علة البدع والنحل في كل دين وكثيراً ما كان هذا الانحراف وما يتبعه من البدع منشأ لفساد الطباع وقبائح الأعمال حتى أفضى بمن ابتلاهم الله تعالى به إلى الهلاك وهذا يحمل بعض من لا خبرة لهم على الطعن في دين من الأديان أو عقيدة من العقائد ألحقة استناداً على أعمال بعض السذج المنتسبين إلى الدين أو العقيدة. ومن ذلك عقيدة القضاء والقدر التي تعد من أصول العقائد في الديانة الإسلامية فقد كثر فيها لغط بعض الإفرنج وزعموا أنها ما تمكنت من نفوس قوم إلا وسلبتهم الهمة والقوة وحكمت فيهم الضعف والضعة ورموا المسلمين بصفات ونسبوا إليهم أطوارا حصروا علتها في اعتقاد القضاء والقدر وقالوا أن المسلمين في فقر وتأخر في القوى الحربية والسياسية عن سائر الأمم وقد نشأ فيهم الكذب والنفاق والخيانة والتحاقد والتباغض وتفرقت كلمتهم وجهلوا أحوالهم الحاضرة والمستقبلة وغفلوا عما ينفعهم وما يضرهم وقنعوا بحياة يأكلون ويشربون فيها وينامون ثم لا ينافسوا غيرهم في فضيلة ومتى أمكن أحدهم أتن يضر أخاه لا يقصر في ذلك فجعلوا بأسهم بنهم والأمم من ورائهم تبتلعهم لقمة لقمة وقد رضوا بكل عارض واستعدوا لقبول كل حادث وركنوا إلى السكون في زوايا بيتهم. والأمراء منهم يقطعون أزمنتهم في اللهو واللعب ومعاطاة الشهوات وعليهم فروض وواجبات تستغرق أعمارهم في
أدائها ولا يؤدون شيئاً منها يصرفون أموالهم فيما يقطعون به زمانهم أسرافاً وتبذيراً ولا ينال ملتهم وأوطانهم منهم شيء. وقد خلطوا المصالح العامة بالمصالح(1/898)
الذاتية فكم من تنافر بين أميرين أضاع أمة. وكل منهم يخذل صاحبه ويستعدي عليه جاره فيدخل بينهم الأجنبي وقد وجد قوة ضعيفة ونفوساً متخاذلة فيتمكن من بلادهم بغير عدد ولا عدد شملهم الجبن وعمهم الخوف وقعدوا عن الحركة وخالفوا في ذلك كله أوامر دينهم مع رؤيتهم جيرانهم بل بعضه من هم تحت سلطتهم يتقدمون عليهم ويباهونهم بما يكسبون. ولا توجد فيهم جمعيات ملية لا سرية ولا جهرية يكون من مقاصدها أحياء الغيرة وتنبيه الحمية ومساعدة الضعفاء وحفظ الحقوق من تعدي الأقوياء وتسلط الغرباء. هكذا نسبوا هذه الصفات إلى المسلمين وزعموا أن لا منشأ لها إلاّ اعتقادهم القضاء والقدر وإحالة جميع وقائعهم على قدرة الله وحكموا بأن المسلمين إذا داموا على هذه العقيدة لا تقوم لهم قائمة ولا يعود لهم مجد ولا يرجع إليهم حق ولا يؤيدون سلطاناً ولا يحفظون ملكاً ولا يزال الضعف يعمل بهم حتى يفنيهم بالمنازعات وما يسلم من أيدي بعضهم تحصده الأجانب. واعتقد أولئك الناس أنه لا فرق بين الاعتقاد بالقضاء والقدر وبين الاعتقاد بمذهب الجبرية القائلين بأن الإنسان مجبور في جميع أفعاله وتوهموا أن المسلمين باعتقادهم هذا يرون أنفسهم كالريشة المعلقة في الهواء تقلبها الرياح كيفما تميل ومتى رسخ في نفوس قوم أنهم لا اختيار لهم في قول ولا عمل ولا حركة ولا سكون وإنما ذلك بقوة قاهرة تتعطل قواهم ويفقدون ثمرة ما وهبهم الله تعالى من المدارك والقوى وتمحي من خواطرهم داعية السعي والكسب هكذا ظنت طائفة من الإفرنج أيضاً وذهب مذهبها كثير من ضفعاء العقول في المشرق. وقد أخطاء أصحاب هذا الزعم فإنه لا(1/899)
يوجد مسلم في هذا الوقت سنياً كان أو شيعياً أو زيديا أو إسماعيلياً أو وهابياً أو خارجياً يرى مذهب الجبر المحض ويعتقد سلب الاختيار من نفسه بالمرة بل كل هذه الطوائف المسلمة يعتقدون بأن لهم جزءاً اختيارياً في أعمالهم ويسمى بالكسب وهو مناط الثواب والعقاب عند جميعهم وأنهم محاسبون بما وهبهم الله تعالى من هذا الجزء الاختياري ومطالبون بامتثال جميع الأوامر الإلهية والنواهي الربانية وإن هذا النوع من الاختيار هو مدار الكتليف الشرعي وبه تتم الحكمة والعدل. نعم كان بين المسلمين طائفة تسمى بالجبري ذهبت على أن الإنسان مضطر في جميع أفعاله اضطراراً
لا يشوبه اختيار وزعمت أنه لا فرق بين أن يحرك الشخص فكه للأكل وبين أن يرتعد بشدة البرد. ومذهبه يعده المسلمون من منازع السفسطة الفاسدة وقد انقرض أرباب هذا المذهب في أواخر القرن الرابع من الهجرة ولم يبق لهم أثر وليس الاعتقاد بالقضاء والقدر هو عين الاعتقاد بالجبر ولا من مقتضياته ما ظنه أولئك الواهمون فإن الاعتقاد بالقضاء يؤيده الدليل القاطع بل ترشد إليه الفطرة ويسهل على من له فكران يلتفت إلى أن كل حادث له سبب يقارنه في الزمان وأنه لا يرى من سلسلة الأسباب إلا ما هو حاضر لديه ولا يعلم ماضيها إلا الله مبدع نظامها وإن لكل منها مدخلاً ظاهراً فيما بعده بتقدير العزيز العليم. وإرادة الإنسان إنما هي حلقة من حلقات تلك السلسلة وليست الإرادة إلا أثراً من آثار الإدراك والإدراك انفعال النفس بما يعرض على الحواس وشعورها بم أودع في الفطرة من الحاجات فلظواهر الكون من السلطة على الفكر والإرادة ما لا ينكره عاقب وإن مبدأ هذه(1/900)
الأسباب التي ترى مؤثرة في الظاهر إنما هو بيد الله مبدع الكون الذي خلق الأشياء على وفق حكمته وجعل كل حادث تابعاً لشبهه كأنه جزء له خصوصاً في العالم الإنساني. ولو فرضنا أن جاهلاً ضل عن الاعتراف بوجود آله صانع للعالم وليس في إمكانه أن يتخلص من الاعتراف بتأثير الفواعل الطبيعية والحوادث الدهرية في الإرادات البشرية فهل يستطيع أن يخرج بنفسه عن السنة التي سنّها الله تعالى في خلقه. هذا أمر يعترف به طلاب الحقائق وإن بعضاً من حكماء الإفرنج وعلماء سياستهم التجأوا إلى الخضوع لسلطة القضاء والقدر وأطالوا البيان في إثباتها ولا حاجة لإثبات آرائهم هنا ثم إننا نعلم أن التاريخ هو العلم الباحث عن سير الأمم في صعودها وهبوطها ومنا ينشأ عن الحوادث من التغيير والتبديل في العادات والأخلاق والأفكار بل في خصائص الإحساس الباطن والوجدان وما يلحق ذلك من نشأة الأمم وتكون الدول واندراس بعض الممالك. وهذا الفن عد من أجل الفنون الأدبية وأعظم فوائده بناء البحث فيه على القضاء والقدر واعتقاد أن قوى البشر في قبضة مدبر الكائنات ومصرف الحادثات وهو الله الفاعل المختار ولو استقلت قدرة البسر بالتأثير ما انحط رفيع ولا ضعف قوي ولا ذهب سلطان والاعتقاد بالقضاء والقدر إذا تجرد عن شناعة الجبر تتبعه صفة الجراءة والإقدام والشجاعة والبسالة ويبعث على اقتحام المهالك التي ترجف لها قلوب الأسود ويطبع الأنفس على الثبات
واحتمال المكاره ومقارعة الأهوال ويحليها بحلية الجود والسخاء بل يحملها على بذلك الأرواح والتخلي عن نضرة الحياة في سبيل الحق الذي دعاها لاعتقاد هذه العقيدة التي منها اعتقاد(1/901)
تحديد الأجل والرزق وإن الأشياء بيد الله تعالى يصرفها كيف يشاء. فكيف يرهب الموت في الدفاع عن حقه وإعلاء كلمة ملته والقيام بما فرض الله عليه من ذلك من هذا اعتقاده وكيف يخشى الفقر مما ينفق في سبيل تعزيز الحق وتشييد المجد وتنفيذ الأوامر الإلهية. وقد امتدح الله المسلمين بهذا الاعتقاد مع بيان فضيلته بقوله. الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم. وقد اندفع المسلمون في أول نشأتهم إلى الممالك والأقطار يفتحونها فأدهشوا العقول وحيروا الألباب عندما دوّخوا الدول وقهروا الأمم وامتدت سلطتهم من جبال بيريني الفاصلة بين أسبانيا وفرنسا إلى جدار الصين مع قلة عددهم وعُددهم وعدم تعودهم على الأهواء المختلفة وطبائع الأقطار المتباعدة وقد أرغموا الملوك والقياصرة والأكاسرة في مدة لا تتجاوز ثمانين سنة وهذا يعد من خوارق العادات وعظائم المعجزات. وما ارجفوا قلباً ولا أذلوا ملكاً ولا فتحوا بلداً غلا وقائدهم اعتقاد القضاء والقدر الذي ثبتت به أقدام هذه الجنود القليلة أمام جيوش لا عدد لها فكشفوهم عن مواقعهم وردوهم على أعقابهم وهو الذي حملهم على بذل أموالهم وأرواحهم في سبيل إعلاء كلمتهم وامتداد سلطتهم وسهل عليهم حمل أولادهم ونسائهم إلى ساحات القتال في أقصى بلاد العالم كأنهم سائرون إلى الجدائق والرياض وكأنهم أخذوا لأنفسهم بالتوكل على الله أماناً من كل غادرة وأحاطوها بحصن الاعتماد عليه من كل طارقة. وكان أولادهم ونساؤُهم يخدمون الجنود بلا رهبة(1/902)
ولا خوف كأنهم في قصور الأمن والدعة وهو الذي رفع قدرهم وأسكن هيبتهم القلوب فكانوا ينصرون بالرعب يقذف به في قلوب أعدائهم. والتاريخ يخبرنا أنه من أول الاجتماع البشري إلى اليوم ما وجد فاتح عظيم ولا محارب شهير نبت في أوسط الطبقات ثم ارتفع بهمة إلى أعلى الدرجات وبلغ من بسطة الملك ما فيه العجب إلا كان معتقداً بالقضاء والقدر. سبحان الله. الإنسان حريص على حياته شحيح بوجوده على مقتضى الفطرة والجبلة فما الذي يهون عليه اقتحام المخاطر وخوض بحار المشاق والمهالك إلا اعتقاده بالقضاء والقدر وركون
قلبه إلى أن المقدر كائن لا محالة وقد أثبت التاريخ أن كورش الفارس (كيخسرو) ما حمله على الأقدام واقتحام غمرات الحروب التي فاز فيها بالنصر إلا اعتقاده بالقضاء والقدر وإن اسكندر الأكبر كان ممن رسخ في نفوسهم اعتقاد القضاء والقدر بل عدو نابليون الأول بونابرت من أشد الناس تمسكاً بعقيدة القضاء وهي التي كانت تدفعه فعسكره القليل على الجماهير الكثيرة. فنعم الاعتقاد الذي يطهر النفوس من الرذائل. ولا ننكر أن هذه العقيدة قد خالطها شوائب من عقيدة الجبر في بعض العامة وربما كان هذا سبباً في أحاطتهم بالمصائب التي أخذتهم بها الحوادث في العصور الأخيرة فرجاؤنا من العلماء العصريين أن يسعوا جهدهم في تخليص هذه العقيدة الشريفة من بعض ما طرأ عليها من لواحق البدع خصوصاً هذا المذهب الفاسد الذي نبه عليه الأستاذ وبين بطلانه فقد انتشر في كثير من بلاد الوجهين القبلي والبحري وفسدت به الأخلاق وتهافت عليه الرعاع والأوباش الفارغون من المعارف اغتراراً بشقشقة لا طائل تحتها(1/903)
إلا غرس الجبن في الطباع وشق عصا المسلمين وإيقاع العداوة بينهم بتفريق لكلمة وتوزيع الأهواء بكثرة البدع والنحل وعليهم أن يذكروا العامة بسنن السلف الصالح وما كانوا عليه من الاعتقاد والعمل وينشروا بينهم ما أثبته الأئمة الإعلام ووقع عليه إجماع الأمة. وأن يرشدوا الأمة إلى أن التوكل والركون إلى القضاء إنما طلبه الشرع منا في العمل لا في البطالة والكسل وما أمرنا الله أن نهمل فروضنا وننبذ ما أوجبه علينا بحجة التوكل عليه فإنها حجة الحائدين عن الصراط المستقيم ولا يرتاب أحد من أله الملة الإسلامية في أن الدفاع عنها في هذه الأوقات من الفروض العينية في مقابلة دفاع الأمم عن مللهم وليس في ذلك تعصب كما يقول المفسدون فإن تدافع الأمم في حفظ عقائدهم يقضي علينا بمجاراتهم فيما هم فيه. ومن هنا يعلم أن ما زعمه الإفرنج ومن كان على شاكلتهم من أن تأخر المسلمين منشاؤُه اعتقاد القضاء والقدر لم يصادف الحقيقة بل أن نسبته إليه كنسبة النقيض إلى نقيضه وإنما حدث للمسلمين بعد شأتهم الأولى نشوة من الظفر وثمل من العز فركنوا إلى الرفاهية وأخلدوا إلى الراحة ثم فجاءهم صدمتان صدمة التتار من الشرق وصدمة الحروب الصليبية وتدافع أوروبا بعدها من الغرب ثم تدالوتهم حكومات متنوعة ووسد الأمر فيها إلى غير أهله وولى أمورهم من لا يحسن سياستهم فتمكن الضعف من نفوسهم وأخذ كل منهم بناصية الآخر يطلب له
الضرر ويلتمس له السوء لفساد الأخلاق وعدم التربة وإهمال الحاكم شأن المعارف واقتصاره على اللذائذ البدنية فانتهى بهم الإهمال إلى ما صاروا إليه. ومع ما آلت إليه الأمة من الضعف فإنها(1/904)
لن تموت ما دامت هذه العقيدة فهيا فإن رسوخها في نفوسهم وثبوتها في قلوبهم يدفع عنهم الأمراض النفسية والأعراض الخيالية ويبعثهم على النظر في العواقب ويحيى ما مات من العزم والثبات حتى يعود مجدهم القديم ويرد حقهم المسلوب ولا يتوقف ذلك إلا على عقد جميعات علمية وسياسية هذه تعلم العقيدة وتنشرها بين الناس على نفقة المثرين كما تفعل جميعات أوروبا وهذه تربي الأفكار وتقرأُ التاريخ وتعلم الفنون السياسية فتمشي الأمة بقوتي العلم والعمل بباعث الاعتقاد الحق ومن قال نريد أن نقلد الأمم المتمدنة في سيرهم وتقلباتهم لا ينسب إلى خشونة ولا تعصب ديني فإن عورض في سيره علم أن دعوى الحرية والمساواة دعوى احتيال على التغلب بغير حرب وإذلال الأمم بطريقة التمويه والتغرير وإلا فإنهم أن انصفونا تركونا نضارعهم في اجتهادهم حتى إذا ظهر لهم صدق معاملتنا لمن غايرنا وطناً وجنساً وحبنا لانتظام أحوالنا بائتلافنا مع جميع الأمم تحققوا أن فساد الأخلاق إنما نشأ عن ترك العقيدة وأصبحوا ممن ينادون بدفع اعتراض البشر على اعتقاد القضاء والقدر.
سؤال
بعض وكلاء الجرائد يوهمون الناس أن من لم يشترك في جريدة كذا أو من اشترك فيها ورفضها ربما ناله ضرر في معاشه أو ربما تعطلت عليه مصالحه في الحكومة أو صودر بما لا تحمد عقباه وقد أثرت هذه الإيهامات في بعض الضعفاء فاعتقدها وأخذ يتكلم بها ولابد أن يكون لكم علم بما للجرائد في دوائر الحكومة فهل هناك ارتباط بين بعض الجرائد وبين الحكومة أو جماعة من رجالها(1/905)
القائمين بأمر الأمة أم الجرائد مستوية في استقلالها وبعدها عن الالتصاق بدوائر الحكومة والناس أحرار في أميالهم وأموالهم يشتركون مع من يشأون وينفصلون متى شأوا وأية جريدة يلزم الأمة الأخذ بناصرها ومساعدتها والانكباب على مطالعتها وأية جريدة يلزم الأمة البعد عنها والإعراض عن قراءتها وأي دليل تقيمونه على أن الجرائد منفصلة عن الحكومة كل الانفصال أفتونا فقد طال الجدال وكثر القيل والقال وعول الكل على طلاب الجواب من الأستاذ ولكم من الأمة الثناء ومن الله الثواب.
الجواب
الحمد لله وحده
لا تعلق لجريدة من الجرائد المصرية بالحكومة إلا الجريدة الرسمية وما عداها فإنه خاص بأصحابه وبمحرريه وهذا الذي تذكرونه من توهيم بعض الوكلاء لا حقيقة له في دوائر الحكومة ولا ترضى به الحضرة الخديوية الفخيمة ولا النظار الفخام بل لو رفعت قضية على مدعي ذلك لكان على الحكومة الحكم عليه بمقتضى القانون حتى لو كان الموهم الملزم بالاشتراك من رجال الإدارة أو رجال الضبط ورفعت عليه الشكوى لأنصف الحكومة الشمتيك وعاقبت المتصدي لذلك م رجال الحكومة فقد أصدرت قبل ذلك منشوراً بأنه لا تعرض ولا تداخل لأحد من رجال الحكومة في شأن الجرائد أفبعد هذا يفهم الضعفاء أن أقوال تجار الأباطيل صحيحة لها أثر يعول عليه نعم تقدم هذا الوقت زمن كان للحكام يد في توزيع بعض الجرائد وتحصيل قيم اشتراكها بمعرفتهم كمال الميري حتى أنهم الزموا كثيراً من الأميين بدفع قيم(1/906)
اشتراك جرائد رموها عليهم وعندما اعتذروا إليهم بعدم معرفتهم القرأة قيل لأحدهم سد بورقها شبابيك البيت أو أعمل عليها القهوة في الصبح ولكن حالنا اليوم غير حالنا بالأمس فقد جاء الحق وزهق الباطل ولكل فرد من الأفراد الذين الزموا
بأخذ بعض الجرائد أن يردها حتى على الرئيس الذي ألزمه بها من غير أن يتحاشى شيئاً فإن أعيدت إلهي كان عليه أن يقدمها لدائرة من دوائر الحكومة ومعها ورقة الشكوى لترفع تلك الدائرة مظلمته التي ظلمها بالإرهاب والإلزام ولا يخشى مستخدم أو شيخ بلد أو عمدة على وظيفته أرفض جريدة فرغت رغبته منها أو رآها ضد حكومته أو لا توافق مشربه فإن الحكومة متنبهة لذلك مستعدة لدفع أي عدوان عن الأمة. فكل ما تسمعونه من هذا القبيل إنما هو سمسرة لإنفاق ما كسد من بضاعة الذين ما ارتفعوا إلا على سلم النفاق ولا ربحوا إلا من الأضاليل والمفتريات وقلب الحقائق. أما طلبكم بيان الجريدة التي يلزم الأخذ بناصرها ومساعدتها والتي يلزم رفضها والإعراض عنها فإنكم أدرى بمصالح بلادكم ومن كان عارفاً بمصالح بلاده أمكنه أيميز بين الضار والنافع فما وجده من الجرائد يخدم وطنه وسلطانه وأميره وينتصر لرجال وطنه وذوات بلاده ويذكر مفاخر أمرائه وأعمال أهل بلاده نويرشد على طرق الإصلاح ويبين الخل الواقع في الإدارات وما يجب اتخاذه لتلافيه وينبه على الحقوق الملية والروابط الاختلاطية وينهاه عن الهيجان والفتن كان له أن يشترك فيها أن أراد ليهتدي بها إلى طرق الفلاح والنجاح وما رآه منها سالكاً طريق الغش والخيانة وقلب الحقائق وسب الأمراء والحكام وتهجين أعمال الوطنيين والتمدح(1/907)
بالأجنبي وإن لم يكن مخلصاً وتحسين الانحياز إلى غير سلطانه والخضوع لغير أميره والقدح فيمن خالف مذهبه القبيح من الحكام الوطنيين فهذه يحرم على الأمة الاشتراك فيها وتحرم قراءتها ومساعدة أصحابها ويعظم الإثم بعظم الرغبة فيها فكلما كانت رغبة وطني في قراءتها عظيمة كلما تزايد أثمه وساء مصيره فإنه يكون عاقاً لسلطانه وأميره مصادر الحاكمة ساعياً في إضاعة وطنه مساعداً على توهين قوته وإذلال أهل بلاده معيناً لأعداء سلطانه وأميره وبلاده وأي وزر أعظم من هذا عند الله تعالى وقد وقف المشترك في مثل هذه الجريدة وقفة من حارب الله ورسوله وأعلن بالمعصية وجاهر بعداوته للأمة وأصبح بغيضاً مذلولا كل من رأى تلك الورقة في يده قال هذا عدو السلطان والخديوي والحكومة الأمة هذا الذي يعصي الله جهاراً ويرتكب الإثم نهاراً هذا الذي جهل حقوق الوطنية وفضل الجنسية هذا الذي طار مع الأكاذيب والترهات من غير بحث في العواقب هذا الذي باع مجده وشرفه بكلمة مدح أو عبارة ثناء ممن يضحك عليه بما يكسب به ماله وإلا فأي وطني
صادق يساعد عدو وطنه على إفساد الوطنيين وتحسين القبيح في أعينهم وأي حر يعلم ذلك ولا يضرب الحائط بأوراق الأعداء التي ملئت شتماً لأمرائنا وتزييفاً لأعمالنا وذماً لأسلافنا. نرى بين أيدينا جرائد شتى تكتب بغير لغة البلاد ولا نرى فيها إلا بعض جرائد تسعى سعي المفسدين المضلين وكلها بين فرنساوية وايتاليانية ويونانية تنادي بسياسة معتدلة وتنبيه الأمة على ما فيه صلاحها وإن شذ بعض محرريها بقول في جانب أحد كان من الشخصيات(1/908)
التي لا تمس العموميات أما التي وقفت منها لذم الأمة وتضليلها فحق على كل مصري أن لا يقبل عليها ولا يتحمل بالاشتراك فيها من العار ما يلحقه بالسفلة الرعاع والأوباش الأدنياء الذين لا يفرقون بين النافع والضار وإلا كان يداً ثانية لعدو المصريين يساعده على إفساده وتغريره. ويمكنك أن تمر في الطرقات وتنظر الجرائد التي في أيدي الناس فمن وجدت في يده جريدة مصرية أو إفرنجية مخلصة في خدمتها فاعلم انه وطني مخلص ومن وجدت في يده جريدة لخائن أو غاش أو مستأجر فأعلم أنه عدو لك وإن شاركك في مسمى الوطنية واللغة والجنس إذ يستحيل على وطني غيور على سلطانه وأميره وحكومته ومصالح بلاده أن يشترك في جريدة تضاده وتكون على غير طريقه المسلوك للأمة التي هو فرد منها ولا يشترط في الإخلاص أن تكون الجريدة مصرية بحتة بل كل جريدة اعتدلت في سيرها وأخلصت في نصحها وخدمتها فتلك المحبوبة المألوفة مصري كانت أو سورية أو إفرنجية وكل جريدة خالفت هذه الطريقة فهي العدوة المبغوضة المزدراة التي وجودها أثقل من وجود الوباء مصرية كانت أو غير مصرية وأعلم أن رجال الضب ورجال الإنكليز لم يكن لهم دخل الآن في شأن الجرائد فإنك تعلم أن أنكلترة ما أرادت من مصر إلا وضع حكومة حرّة نظامية وإلزام الأمة بقراءة ما تكره بعيد عن هذا المقصد فلهذا قلت لك أنهم يريدون أن يتألفوا الأمة بما تحب ولا ينفروها بما تكرهه. وقد أخطأت الجرائد المستأجرة هذا المرمى فجعلت شتم الأمراء المصريين وتهجين أعمال المسلمين والأقباط كشكولاً تمده لرجال الإنكليز لتنال به العيش ففرقت بين(1/909)
الأمتين المصرية والإنكليزية بتقبيحها الحسن وتحسينها القبيح تعصباً للتطفل وتغرضاً للشحاذة فخدمت المصريين أكثر من خدمتها الإنكليز ولك بغير قصد منها شأن الأحمق يريد أن ينفع صاحبه فيضره ولا نلبث أن نرى الإنكليز تنبهوا لما جلبته عليهم من ضياع أتعابهم وعكس
آمالهم ينفروا منها نفور المصري بل أشد. ولا يغرنك ما قدمته من أن بعض الحكام كان يساعد بعض الجرائد فإن ذلك كان في فترة قبل العصر العباسي كانت فيه الحكومة شبيهة بالفوضى فكل مأمور مستقل بأعماله مستبد على محكوميه. وليس ذلك لقصد أو بأمر من صاحب العطوفة مصطفى فهمي باشا فإننا ننزه وطنيته عن ذلك وإنما تكاثرت عليه الآراء وتعدّدت الأيدي العاملة وفترت همم أعضاء وزارته فأصبح وحيداً لا يقوى على دفع تلك السيول المندفعة على حد قول القائل.
تكاثرت الظباء على خراش=فما يدري خراش ما يصيد
وقد ذهب أمس بما فيه وجاء اليوم يطالبنا بسد الخلل ودرء المفاسد وكل إنسان حر في ماله وأعماله الخاصة به فلا إلزام ولا إرغام وإن مسموعكم مجرد إيهام من قوم لا يستطيعون أن يظهروا أمام الحكومة بشيء من هذا ولا يستطيع أحدهم أن ينسب عمله أو يسند ظهره إلى إنكليزي معين فإنه يكذبه في الحال فإن انكلترة جرّبت الأجنبي في القول والفعل فلم تنجح فعادت إلى الوطني تستعين به على الإصلاح المأمول لها فإنه أدرى ببلاده وأعرف بأخلاق إخوانه وأعلم بما يصلح شؤُنهم ولو فوّضت إليه الأمر تفويض إطلاق لرأت من همم الوطنيين ما يبهرها ويكذب كل دعوى ادعاها بغيض(1/910)
المصريين بأنه لا يصلحون لعمل ولا يحسنون التصرُّف في الأمور فإن الخلط والخبط الذي وقعت فيه البلاد مدة العشر سنين أكبر دليل على أن الإصلاح موقوف على تسليم الأعمال إلى الوطنيين. ولا يقال أن الأعمال كانت في أيدي الوطنيين كل هذا المدة فإنا نقول أن الوطنيين مقيدون بالنظامات والمنشورات التي تلزمهم الإنكليز بالعمل بها فكل خلل نشأ في إدارتهم فإنما نشأ من المنشورات والتراتيب الأجنبية والحال أكبر شاهد. نعم أننا لا ننكر أن لإنكلترة محاسن أظهرتها في البلاد منها حرية الأفكار والمجامع بحيث يتمكن كل ذي لهجة من إبداء آرائه والمحادثة مع إخوانه في بيته وفي القهوة والطريق من غير حجر وإن كل مع هذا الإطلاق بعض تجسس بواسطة البوليس السري ولكن هذا لا يضر بحرية الأفكار ما دامت في غير تهييج أو تعصب ديني أو حث على فتنة وكل أمة لابد وأن يقف حاكمها على خفاياها بواسطة أناس يختارهم لذلك حفظاً للأمن والنظام نعم أن معظم رجال البوليس السري عندنا أغبياء كذبة إذا رأى أحدهم أنه مشى يوماً ولم يعثر على خبر ينقله افترى على رجل فرية
يثبت بها عملاً لنفسه فكثيراً ما علمنا أنهم أخبروا بأخبار مختلفة وذلك بسبب جهلهم وسوء أخلاقهم. ولا يقال أنهم وطنيون فكيف تذمهم فإننا نقول أن غالبهم رعاع فإن وظيفة التجسس عند الشرقيين أقبح الوظائف ولا يرضى بها إلا أرذل الناس وأوقحهم فلذا يندر أن يكون فيهم مهذب خصوصاً إذا علم أحدهم أن رئيسه يحب أن يقف على عثرة لفلان فإنه يكتب عنه تقارير مفتراة أرضاءً لرئيسه وتنفيذ لآرائه. على أن رجال البوليس في أوروبا منتقون من الناس المؤدبين(1/911)
المهذبين ولهم حسن تصرف في أعمالهم وتأدب في معاشرة الناس ومعاملتهم ويندر أن يفتري أحدهم على أحد شيئاً ولهذا كانت تقاريرهم مصدقة من غير طلب دليل عليها فمعاملة بولييسنا بهذه المنقبة مجاراة لأوروبا مع فساد أخلاق معظمهم تخليط في العمل وتشويش للأفكار وعلى كل فإن هذا لم يؤثر في حرية الأفكار والمجامع تأثيراً سيئاً. ومن محاسن الإنكليز إطلاق حرية المطبوعات إطلاقاً كاد أن لا يدخلها تحت نظام فإننا نرى بعض الجرائد تتعرض لمسند الخلافة العظمة ورجالها الفخام وتلحق ذلك بالأمراء المصريين والحكام الوطنيين ولا تؤاخذ بقول ولا تنذر على خروج عن حد وحبذا لو سدّ رجال إنكلترة آذانهم عن سعاية الشحاذين وأكاذيبهم وتركت المصري مع غيره يتبادل المناظرة والدفاع تصريحاً لا تلويحاً لنرى أي الفريقين أحق بلازجر ومع ما فيه من بعض التضييق على المصري في بعض شؤون التحرير فإن الحرية التي نالها تكفيه الآن مع ما يلاقيه في جانبها من سعاية المكذبين ووشاية النازحين خلف ما يسكت عصافير بطونهم من لقمة يغمسونها في قذر الكذب ويلو كونها على أضراس النفاق ليسهل نزولها في معدة الشره والدناءة. نعم أن هناك حرية مدنية ينفر منها البهيم وهي حرية أغراض النساء فإنها لا توافق عوائد أهل الشرق ولا أديانهم فقد أتفق المسلمون والنصارى واليهود والمجوس على الغيرة على الناس وصيانتهن وأجمعوا على تحريم الزنا وقبحه فإطلاق الحرية في هذا الباب مذمومة لا تحمد الحكومة عليها وأقبح من إطلاقها الكشف على البغايا بمعرفة أطباء الحكومة ليصلحن للزنا وما سمعنا بمثل هذا في الجاهلية الأولى فإنه توسع محذور وانتهاك لحرمات تجب على الحكومة المحافظة عليها. وبالجملة(1/912)
فإن انكلترة أثرت تأثيراً ما في بعض المواد المدنية وإن عجز معظم رجالها عن إصلاح الأعمال المسلمة إليهم إنما قلنا المعظم لأن في رجالها رجالاً صرفوا أوقاتهم في ترتيب ما نيط بهم من
الأعمال وسهروا في تنقيح قوانين إداراتهم واجتهدوا في كسب الشرف بحسن تصرفهم واستخدموا من الوطنيين من استعانوا به على أداء مصالحهم وأرضوا به كل وطني كالمستر سكوت. ومنهم من ترك هذه الطريقة وأبعد الوطنيين واستبدلهم بأغراب فاستحق المقت والنفور منه والحط عليه وليته مع استعانته بالأغراب أصلح ما وسد إليه من الأعمال كلاً فإنك لا تجد الخلل إلا بين الغرباء كما لا تجد الإصلاح إلا بين الوطنيين. ورجال الإنكليز يعلمون أن الجرائد المخلصة وقفت موقف الناصح المرشد م عهد نشأتها فلو سمعوا نصحها وأعرضوا عن الجرائد التي يعلمون من سيرها تنفير المصريين بتفريق الكلمة وتوزيع الأهواء لرأوا من الأمة استحساناً لعملهم وميلاً لأفكارهم الإصلاحية وما دامت تقرب إليها الشحاذين (الشحاتين) وهم يستعملون إهانة المصريين بعبارتهم الخشنة وسياستهم السخيفة فإنها لا تربح ولا رجلاً واحداً من المصريين حتى الذين يرون معاشهم مربوطاً بتنفيذ آرائهم فإنهم أنما يفعلون ذلك تقيّة بخلاف ما إذا استعانوا بأهل البلاد على الإصلاح فإنهم يجدون رجالاً نصحاء شرفاء أذكياء فضلاً أمناء أقوياء على الأعمال والأقوال مع إخلاص وحسن نية. فإن الإصلاح موقوف على توحيد الفكرين الوطني والإنكليزي لينتج من ذلك نتائج تأتي بالمقصود وما دامت تستعمل أهل الكدية الجهلة فإنها لا ترى إلا تفريقاً في الكلمة وتشتيتاً في الأهواء وإيغاراً للصدر وأين هذا من وعودها وطنطنة(1/913)
جرائدها بأنها ما تريد إلا إصلاح مصر وإن مصر للمصريين. وبالجملة فإن اتكاء انكلترة على جرائد تنافر المصريين اتكاءٌ على محضاءٍ (عود تحرك به النار) كلما حرّكت عضدها عليه أضرم ما خمد من نار النفرة. والعجب للإجراء حيث يقولون في بعض العمال المصريين أنهم مسالمون للإنكليز وهم لا يدرون ما تحت هذه العبارة من التفريق ومعاكسة الإنكليز فإنهم يوهمون أن العمال قسمان قسم مسالم للإنكليز وقسم مسالم للحكومة أو الحضرة الخديوية بالضرورة إذ لا مقابل للأول لا هذا فيكون هناك تضاد بين سعي الحكومة الوطنية وبين سعي الإنكليز والإنكليز تنكر ذلك إمام أوروبا وتقول إنها إنما تشير على الحكومة المصرية بما فيه الإصلاح فإن صدقت كان الإجراء جارين على ما استؤجروا لأجله من الكذب والافتراء على أنهم يعلمون أن المديرين وبقية العمال الملوحين بهم مصريون ربتهم الحكومة المصرية على نفقتها وهذبتهم برجالها ورقتهم بإحسانها
وحلتهم بالرتب والنياشين بتفضلها وهم إلى الآن يأخذون أجورهم من مالها ولم يروا في مسند الخديوية غير العائلة التي نشأُوا في نعمتها وعظموا تحت ظلها واستلموا إدارة الأحكام باسم المولى العباس الأفخم صاحب الحق الشرعي والبيعة المأخوذة عليهم وعلى كل مصري فنسبتهم إلى الإنكليز بعد ذلك هو عين رميهم بأنهم خانوا مواليهم وكفروا نعم ساداتهم وجهلوا حقوق وطنهم وغفلوا عن خصائصهم وأهدروا واجبات إنسانيتهم وأنهم قوم لا يميزون بين الوطنية والأجنبية حتى أصبحوا يخدمون الغير بتقديم بلادهم طعمة لمن لم يتعب في تربيتهم ولا صرف لهم درهما من جيبه ولا يعرفهم بعد قضاء الوطر منهم إلا بصفة الخدم ويسميهم الخائنين(1/914)
كما عرف من خدمه أيام دخوله مصر من الخائنين ونحن نبرئُ إخواننا الوطنيين من هذه المعرة الشنعاء وننزه جانبهم العالي عن الجهل الذي وسمهم به الإجراء وعن السعي مع الغير ضد الحكومة الوطنية التي هم هيئتها ويد حركتها ونكذب هؤلاء الأدعياء بسير الأحكام على نظام واحد بين من سمى من الحكام مسالمين وبين غيرهم فاللوائح والمنشورات لا يخص بها مدير دون أخر ولا مأمور دون غيره ولا ضابط أو محافظ دون سواه بل تصدر من النظارات لكل مرؤوس ولا يتوقف عامل في تنفيذها والقايم بما تدعو إليه فسير الأعمال على وتيرة واحدة أكبر دليل على كذب الإجراء وأعظم برهان على أنه لا يوجد خائن ولا بائع لشرفه ولا خارج على أميره ولا مقصر في عمله ولا منتظر لقمة يطعمها من الأجنبي وهو غارق في نعم سيده ومولاه الخديوي الأفخم. وإن كان الإجراء يعرفون أن هناك أعداد اللاجئين أعداد للحكومة فليسموهم لنا رجلاً رجلاً لعلنا نتبصر على زعمهم ولو كانوا يفقهون لعلموا أن نفس الإنكليز الموجودين بالإدارات المصرية إنما هم خدم للحكومة تستعملهم في ضرورياتها بأجور تنفق عليها من ماليتها ولكنهم قوم وُجدوا لإثارة الفتن وقلب الحقائق يشهد بذلك ترجمتهم كل مقالة يكتبها الحمقى مثلهم ذماً في أمرائنا أو هجوا في عمالنا كذباً وزوراً فلا ينشرون عن الإنكليز إلا الشتائم والقبائح التي أبعدت المصريين عمواً عن محبتهم لما يرونه من التهكم بملوكهم وأمرائهم والحط عليهم بما ليس فهيم فالأجراء والمغفلون من كتبة جرائد انكلترة سواء في الذنب أمام رجال الإنكليز والطامة الكبرى أن الإنكليز لا يعرفون العربية وإنما يترجم لهم أعداءُ المصريين ما يقال وما ينشر في جرائدنا فإن رأونا نقول يلزمنا الهدوء والسكون(1/915)
ومعاشرة
نزلاء بلادنا بالحسنى قالوا لهم أنهم يقولون ما هذا السكون والهدوء فوموا فخلصوا بلادكم من الإنكليز وإن رأونا نمدح إنكلترة على فعل نافع قالوا لهم أنهم يذمونكم ويشتمونك وإذا رأوا واحداً مثلي سافر إلى بلد لزيارة ولي أو صديق أو أهل أو لغرض معاشي قالوا أنه توجه ليستهيج الأفكار ضد الإنكليز وليخطب في الناس بإثارة فتنة فهذا هو قلب الحقائق الذي تربص له الأعداء. وأرى الناس يتسألون عن الإنكليز متى يرحلون عن بلادنا وكان الأولى أن يسألوا عن هؤلاء متى تطهر البلاد منهم وتبقى المحبة متبادلة بين المصريين والسوريين والأجانب على ما كانت عليه قبل أن تصاب بلادنا بمصيبة الإجراء ولله در المصريين حيث وقفوا على سوء مقصدهم فنبذوا تلك الجرائد وراء ظهورهم وعلموا أن المشترك فيها يأثم إثماً كبيراً وإن استحل قراءتها بعد علمه بأنها تشتم سلطانه وأمراءه وتسعى به في طريق الفتنة والالتجاء إلى الغير مرق من الدين وفارق الجماعة وكفر باستحلاله أمراً محرماً ولو خُلى الضعفاء الملزمون بها وشأنهم ما مسها واحد منهم بيده ولا نظرها بعينه لخروجها على سلطانه وأمرائه وانتهاكها حرمة حكامه ورميهم بالجهل وعدم التبصر وهي في كل ذلك ظالمة باغية كافرة لنعم من تنفق على ذمهم من أموالهم. فنحن ننبه رجال الإنكليز على الفساد الذي أحدثه الأجراء ليتداركوه قبل أن تزهق النفوس وتنحرف عنهم كل الانحراف إذ يظن الناس أن انكلترة تستعمل هؤلاء قصدا لإهانتهم وإيقاع العداوة بينهم وتفريق كلمة الحاكم والمحكوم فيكون ذلك أكبر عيب للإنكليز أمام أوروبا التي تعهدت لها أن تدخل الإصلاح في مصر ولم ير المصريون منها غير رجال استعملتهم فلم يحسنوا السير حتى ولا في طرق البهتان الذي هم فيه والأستاذ مع(1/916)
كونه متمحضاً في الوطنية عريقاً في المصرية لا يخدم غير سلطانه ولا يعرف غير أميره ولا يرجع عن نصح إخوانه فإنه مستعد لذكر أعمال الإنكليز إذا رآهم يعملون أعمالاً نافعة للبلاد منصرفين عن أهل الكدية والفساد ولا يتأخر عن مدح المخلص منهم كما يمدح الوطني الصادق وكذلك بقية الجرائد المخلصة. ولا يقول ذلك استرضاءً لخاطر أو استجداءً للقمة أو اتقاء لشر فإنه غني برضا مولاه الخديوي المفخم وميسور عيشه عن جانب لا يصل إليه إلا بالخيانة والنفاق إن جره الطمع الذي جر غيره على وجهه حتى شخبت منه دماء الوقاهة ولحقه اصفرار الذل والهوان. ومن قال أخدم من خدم وطني وعرف حق
سيدي واستعان بإخواني الوطنيين لا يكون معرّضاً بما ذل به الغير وكيف يرضى لنفسه مذلة ارتقى إليها الضعفا يجذب الغير حتى إذا وصلوا لغاية سقطوا على أم ناصيتهم فأصبحوا يعضون الأنامل من الغيظ وقد خابت ظنونهم وانعكست آمالهم وبارت تجارتهم فإنهم لا ينوا المصريين فلا نوا واستعانوا بهم على سد خلة الفاقة فأعانوهم ثم عادوا فكفروا بالنعمة ونقضوا الذمة وانكروا المعروف وأخذوا يشتمونهم بعد المدائح الطنانة ويغشونهم بعد ظهورهم في مظهر النصحاء فغدوا ولهم في القلوب منازل وراحوا وهم كالقذى في العين وكالمغص في المعدة فقد هدموا سور الألفة بمعول التفريق. ولله الحضرة الخديوية الفخيمة أيدها الله في عنايتها برجال حكومتها ورعيتها وتمييز الأمين من الخائن ومعرفتها الغاش من المخلص فإنها وقفت على غاية كل محرر وسعيه وعرفت أميال الأمة واتجاهها لأية الجهة وقد عرفت الأمة هذا من سيدها المعظم فانبعثت فيها روح الغيرة لوطنية ففرقت بين مشارب أرباب الأقلام وميزت الأجير(1/917)
من الخديم الوطني وأصبح كل فريق يتلو على مثيله ((لا تتخذوا بطانة نم دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر)) فها أنا بينت لك أحوال الجرائد وأخبرتك أن الحكومة المصرية ورجال الإنكليز لا يتعرّضون الآن ليشيء مما يختص بها وكيف يكون ذلك في عهد وزير خطير غاية سعيه إصلاح حال الأمة ووقوف كلٍ عند حدِّه وتصرف كل إنسان في شؤونه الخاصة بحرية لا يدخلها حجر ولا يشوبها تضييق. فأنت بالخيار في الاشتراك فأية جريدة مخلصة أردت الاشتراك فيها فاشترك ممتعاً باختيارك وإياك وجرائد أعداء الوطن الخائفين.
فمن ينصر الخوان فهو شريكه=ومن يألف الكذاب ساءت مقاصده
ومن يصحب النصاح يعليه نصحهم=ويمسي وفوق النيرين مراصده
الأزهر الشريف بمصر وجامع الزيتونة بتونس
هذان المسجدان هما روضتا العلم اليانعتا الثمر الطيبتا الأثر أما الأزهر فلا ينكر أحد ما له من الأهمية في العالم الإسلامي أجمع ومن تخرج فيه من الجهابذة والأساتذة والمؤلفين الذين هدوا العالم الإنساني إلى طرق المدنية والفضل بتأليفهم المفيدة ومبتكراتهم البديعة وهو يزداد كل يوم حسناً ويزهوا جمالاً بأفاضله القائمين بحفظ الشريعة ونشرها بواسطة تعاليمهم فقد ملئ بالأئمة الأعلام الحائزين رتب المزايا والفضائل وكلهم قائم بتدريس ما نيط به من فنون التفسير والحديث والأصول والفقه والتوحيد والمنطق والبيان والبديع وأدب البحث والوضع والتجويد والقرآت والمصطلح والحساب(1/918)
والتاريخ والإنشاء والعروض والقوافي وغيرها من العلوم النقلية والعقلية التي لابد للعالم الشرعي منها والهمة مبذولة في تحسين طرق التدريس وترتيب حال الطلبة من أفضل الفضلاء شيخ لإسلام العلامة صاحب السماحة والفضيلة الشيخ محمد الأنبابي الذي وجه كل عنايته في تنظيم هذا المسجد المبارك وقد علمنا أن ديوان لأوقاف المشمول بنظارة الحضرة الخديوية الفخيمة ساع في ترتيبه مساعدة لحضرة شيخ الإسلام على هذه الخدمة الجليلة فأملنا من هذا الديوان معرفة استقلال هذا الجامع واحترام شيخه وعدم إدخاله في الملحقات التي تصيره فرعاً وهو أصل لا يصح أن يلحق بغيره استتباعاً فإن تقلبات الأحوال حذرتنا من التهاون في مثل هذا الاستتباع لاختلاف العمال الموردين على إدارة الأوقاف ولا ينجي الأزهر الشريف من تلاعب الأفكار به إلا استقلاله تحت إدارة شيخ شيوخه وأولى أن يكون التفات الأوقاف نحو صرف المستحق له فإنه يوجد نحو الثلاثين من العلماء الذين تم امتحانهم لا راتب لهم والبعض من السابقين راتبه لا يقوم بمعاشه مع انقطاعه للتدريس فحبذا لو كان توجيه عناية أوقاف لهذه الوجهة وسنعود لهذا الموضوع بعبارة أوسع وأعم. أما جامع الزيتونة فحكمه حك الأزهر ولكننا علمنا من جرائد تونس أنه حجر على طلبته إعطاء الشهادة إلا لمن يمتحن في الرياضيات والطبيعيات وهذه علوم لا تقرأ فيه ولا يعول عليها علماء الشريعة فكيف يكلف الإنسان بأداء ما لم يره ولا يقول به وأملنا في الدولة الفرنساوية أن تسعى في راحة إخواننا التونسيين وتتركهم وما اعتادوا عليه في مسجدهم الشرعي الذي لا يتعرض للسياسيات فإن إلزام أهله بتدريس هذه العلوم(1/919)
مع عدم اعتقادهم لها بل مع علمهم بضرر معظمها بالعقيدة الزم بترك الدين شيئاً فشيئاً وحكمة فرنسا في
سيرها تأبى أن توغر صدور المسلمين بضغطها على أفكار علمائهم فإن المسلمين كالجسد الواحد إذا أصيب بعضه تألم كله فنرفع لحضرة الوزير التونسي هذا الرجاء على لسان جريدتنا وإنما هو على لسان المسلمين موقنين أنه يصدر أمره بترك العلماء وشأنهم يدبرون شؤُونهم بأنفسهم ويجرون في تدريسهم وامتحانهم على عاداتهم ولا يعز ذلك على عناية فخامة الباي المعظم. وهذا الذي نتخذه نذيراً لإلحاق الأزهر بالأوقاف إدارة وترتيب فإن ثقتنا بالقائمين بالأعمال الآن لا تمنع من تخوفنا من المستقبل إذا استمر الاحتلال لأجل طويل معاذ الله تعالى.
حظينا بمقابلة الوجيه المحترم عزتلو محمود بك العظم صهر صاحب السماحة والفضيلة السيد الماجد أبي الهدي أفندي الصيادي الحسينين قادماً من الآستانة العلية ومعه عائلته وصاحبة العصمة حر السيد أبي الهدى أفندي ووالدتها الكريمة قاصدين الأقطار الحجازية لأداء فريضة الحج وقد نزلوا مكرمين مبجلين بسراي سماحة الفضل السيد توفيق أفندي البكري بالخرنفش وعين حفظه الله من يلزم من الأغوات لاستقبالهم وكان ألم بالمصونة والدة الحرم انحراف في الصحة فبادر بإحضار طبيبه الخاص لمعالجتها فنقهت ورزقت تمام الشفاء وقد رأينا من هذا الصهر أدباً وكمالاً وتهذيباً وسيقوم الجميع لبيت الله بعد أدائهم زيارة آل البيت النبوي هنا صحبتهم السلامة ورافقتهم العناية الإلهية وجعله الله حجاً مبروراً موشحاً بالقبول.(1/920)
العدد 39 - بتاريخ: 23 - 5 - 1893
الأعداء
ولو أني بليت بهاشمي ... خُولته بنو عبد المدانِ
لهان عليَّ ما ألقى ولكن ... تعالوا فانظرا بمن ابتلاني
ربّ أعوذ بك من همزات الشياطين. ولمزات أمثال الخراطين. واستعين بك على نزع قلوب المردة. وقلع أعين الحسدة. وإخماد أنفاس الخائنين. وإعدام ذكر المارقين. فاجعل كلامي سماً بال ترياق. وجمراً قوي الإحراق. يصير به يانع نبات الأعداء هشيماً. ويعود به موجود المنافقين عديماً. لا يمر على الخائنين إلا طلاهم بالقطران والقار. ليكونوا مثلة لأهل النار. وصبه على رؤوسهم صبّ حميم آن. أجعله لهم رداء خزي في كل آن وأعني على إزالة هذا المنكر. حتى لا يرى ولا يذكر. فقد أطلعني بعض المصريين على وريقه. وجدها تحت الأرجل في سويقه. فدحرجتها عني درجة اللاعب الحلقه. ورميتها رمي النعل الخلقه. وقلت لو غير بعوض حطمتني. أو غير ذات سوار لطمتني. لحليت رمح البيان بالسنان.(1/921)
وقمت للوخز والطعان. ولكن ما لهؤلاء الجهلة تمد الخُطا. ولا على مثلهم يعد الخطأ. فأقسم عليّ بحرمة الوطن. ومن فيه لإصلاح قطن. أن أعيرها نظره. تعود على أهلها بحسره. فاستعذت بالله من الشيطان وقباح الفعل. وتناولتها برجلي وهي في النعل. ولو وجدتها من ذوات البال لبسلمت. أو من النعم الحقيرة لحمدلت. فإنها من الخبث والخبائث. وإن لم تكنها فمن البواعث. خرج فيها كتابها من الزمنيات إلى الشخصيات. والتزموا ما لا يجدي من السعايه. التي هيه لهم مبدأ وغاية. ظانّين أنهم يخدمون الإنكليز بترهاتهم. ويشوشون الأفكار بمفترياتهم. موهمين إنهم يسعون في صالح الأمة المصرية. بل الأمم الشرقية. وإذا انكشفت الحقائق تبين المخلص من المنافق ومحب الأمم من العدو والداعي إلى الحركة من الهدوء فنحن نسرد من الحقائق ما يلحقهم بأهل الفهاهة والعي. ويبين الأصيل في الوطنية من الدعي فاسمع وُقيت الشر براهين تذهل بها أفكارهم وتعمي أبصارهم وتنخلع قلوبهم وتشق لها جيوبهم وتكرى بها كبودهم. وتنضج جلودهم وتهصر بها أمعاؤُهم. وتذوب أحشاؤهم وحججاً تقطع ألسنتهم البذيه. وتدفع عن الأمة الأذيه. فقد نطق لسان الحق. وقال قول الصدق انهزم الشجعان بربات الحجب. إن هذا لمن العجب أم هل تشن الغارات على الأسود الأرانب. لقد ذلك من بالت عليه الثعالب. أبعوض مع أبل ترى. استنت الفصال حتى القرعا. لئن قال جاهلهم ما قال وهو فرحان. فقد سقط العشاء به
على سرحان. فلا قلبنه فوق أحر من الجمر حتى يقول بيدي لا بيد عمرو. ويطوي خبره في أحد يومي النعمان يوم يحمل خرجه(1/922)
ذاهباً إلى الأوطان. أقضية وأبو حسن لها لا جد ولا لها؟؟ أراهم يستغيثون من سقوطهم ويستعدون الحكومة لقنوطهم ومن ينصر الغاش الخوان على خادم سلطانه وأميره والأوطان فلا لبسنهم ثوب خزي بأيديهم نسجوه. وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه. يسبون سادة الأستاذ ويسكت عنهم ويذمون حكامه ولا ينتقم منهم ما بعد حرق الزرع جيره وليس لأوضاع الرجال سيره قفوا قفوا أيها الشاردون وعلى رسلكم أيها الجاحدون فخلفكم من يسل الألسن ن القفا. ويعيدكم إلى حالة الجوع والحفا. فلا غنمن الأجر ببيان مخازيكم وولا جعلنكم ترضون بالإياب من مغازيكم. ولا ظهرن قبائحكم للأمة وللخديوي العزيز ولا يبنن إفسادكم سياسة الإنكليز ولا مطرنّ عليكم من سحب البيان الغزير الصيب. ليميز الله الخبيث من الطيب. فميز أيها القارئ الجيد من الرثيث. فإنه لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث. فقد قرب طهر الوطن من هؤلاء الجهلة العلوج. يوم يسمعون الصحية بالحق ذلك يوم الخروج.
أعداء الله وأنبيائه
عدو الله تعالى من يرتكب النواهي ويهدر الأوامر ويضل الناس ويقدح في الأنبياء ويتبع شيطانه وهواه ولا يزال يعاني الوساوس والأوهام حتى ينكر على الله تعالى أفعاله بجهالته ويثهم أنبياء بما هم منه بريئون وينسب إليهم ما هم منه معصومون والأستاذ يعرف ذلك كله فهو يحث على تعلم العقائد والتمسك بالدين وعبادة الله تعالى ومعرفة حقوق أنبيائه ورسله ويعلم الناس ما عساهم ينتفعون به من الأصول التوحيدية والفروع الفقهية ويحث على إتباع(1/923)
الأوامر واجتناب النواهي ويعلم الأمة حقوق الحاكم والمحكوم واحترام الشرائع المعتبرة المعمول بها بين الأمم ويخلص النصح للمسلمين والمسيحيين ولإسرائيليين ويرشد الأطفال والنساء إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب قاصداً بذلك كله إرجاع العامة إلى بارئهم بالعبادة والطاعة وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه فإن الخير كل الخير في التمسك بالدين لا بالصورة التي يسميها الأعداء تعصباً بل بالصورة التي هي الأخذ بما جاء به الرسول والمحافظة عليه من غير تعرض للغير بمجادلة أو تقبيح أو ازدراء لا يضركم من ضل إذ اهتديتم والأجراء انشاؤا لهم جريدة جعلوها خزانة لترجمة كلام م لم يدينوا بدين مم
ينسبون معجزات الأنبياء إلى الظواهر الطبيعية والتراكيب الكيماوية ويرجعون بالمكونات إلى المادة والطبيعة منكرين وجود الإله الحق وقد ستروا هذه الأباطيل تحت اسم فصول علمية وما هي إلا معاول يهدمون بها عموم الأديان فهم يحاربون الله ورسله بما ملأوا به أوراقهم المحفوظة بأيدي الناس حتى زحزحوا كثيراً من ضعفاء العقول عن عقائدهم التقليدية لعدم رسوخ قدمهم في التوحيد ومن وقفوا يحاربون الله ورسله يعز عليك أن تستميلهم إلى الحق وتلزمهم بقول الصدق فإنهم أعداء الله ورسله قارنهم الشيطان فصحبوه ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قرينا.
أعداء السلطان الأعظم
سلطان المسلمين والخليفة القائم بأمر الأمة الإسلامية ومن استوطن معها من بقية الطوائف هو السلطان المفخم والخليفة المعظم السلطان عبد الحميد أيده الله تعلى وله على مصرنا السيادة الثابتة فهي له بحكم التابعة وكونها قطعة(1/924)
من مملكته العظيمة والدول العظام تعترف بذلك بل هو مقرر في معاهداتها ومذكور في مخاطباتها فنحن نؤدي الخراج السنوي إلى خزانته العامرة ونخطب باسمه ونضرب السكة باسمه ورتبنا ونياشينا والقاينا عثمانية ممنوحة منه ومن أسلافه للبيت الخديوي الجيل وأعلامنا أعلامه نساعده بأنفسنا وأموالنا في الحروب وندعو إليه ونعول عليه في السلم لا نخرج عليه بعصيان ولا ننبذ طاعته ولا نلتجيء إلى غيره من الملوك ولا نعترف بغير سيادته له علينا حق البيعة الشرعية التي نودي بها في أنديتنا وعلى منابرنا فقابلنا الداء بالسمع والطاعة ووجب علينا الدفاع عن منصبه الرفيع والرد على أعدائه بما في الوسع والاستطاعة وتنبيه لأمة على حقوقه المقدسة وواجباته المرعية. والأستاذ من أول عدد ينادي باسم سلطانه ويدفع صدر الأعداء بما يبعدهم عن تشويش أفكار الأمة يحث الرعية على الخضوع إليه والتعويل عليه والتمسك بحبل الولاء والتابعية وينهى عن الاغترار بترهات الأعداء والميل مع الأهواء ويحذر من الفتنة والتلبس بها ومن معاكسة السياسة العثمانية بالتعصب والتخاذل لم يقصد بذلك الاتجار بنصائحه ولا التزلف بمواعظه وإنما هو يقضي واجباً عليه تطالبه بعد الذمة والشرف وما المقام الخلافة العظمى من النعم في عنقه وقد لاحظ في جانب الدول المتحابة مع دولته العلية ما لها من الحقوق فحافظ على روابط المحبة بينه وبين إتباع الدول وحث
أخوانه العثمانيين على حسن المعاملة ورعاية الحقوق المدنية والآداب الإنسانية والإجراء انشؤوا لهم جريدة يومية التزموا فيها تقبيح أعمال دولتنا العلية وذكر عمالها بالنقائص ونسبتهم إلى الظلم والجهل والعدوان ونددوا بنفس الأعمال(1/925)
السلطانية فسخروا بالمعرض العثماني واستهزأوا بالدونمة العثمانية وطعنوا في أكبر رجال دولتنا والتزموا نشر مقالات أعدائها بين إتباعها تنفيراً للنفوس وإيغاراً للصدور وتفريقاً للكلمة وسعوا بمن اغتر بأقوالهم في طريق الالتجاء إلى الغير شقاً لعصا الجماعة وفتحاً لباب الفساد وهم مع هذا الارتداء يغرون ضعفاء العقول بأنهم عثمانيون محبون للدولة وما هم إلا أجانب صورة وحقيقة وملء جوانحهم العداوة والبغضاء لدولة عاشوا في ظلها آمنين ثم خرجوا عليها كافرين نعمها منكرين إحسانها أولئك حزب الشيطان إلا أن حزب الشيطان هم الخاسرون.
أعداء الحضرة الخديوية الفخيمة
خديوي مصر الحالي أيده الله تعالى هو أفندينا عباس باشا ابن أفندينا المرحوم توفيق باشا ابن أفندينا الأسبق إسماعيل باشا ابن أفندينا المرحوم إبراهيم باشا ابن أفندينا المرحوم محمد علي باشا أقر خلفاؤُنا الفخام أمراء هذا البيت الكريم على خديوية مصر وقرّروا حقهم التوارثي بالفرامانات الشاهانية فقابل أسلافنا هذه الأوامر السلطانية بالسمع والطاعة وجئنا على عقبهم سامعين مطيعين خاضعين للخديوي الأفخم موقنين أن حقه الواجب علينا هو حق الخليفة الأعظم وأن الانقياد إليه انقياد إلى السلطان إلا كرم فقد أقامه علينا مقامه وأنابه عنه وفوض إليه تدبير شؤُننا وترتيب أحكامنا وحياطة بلادنا والمحافظة على أرواحنا وأموالنا وأعراضنا وميزه بإطلاق التصرف في هذا كله مع حرية مخابرة الدول وعقد المعاهدات التجارية والقروض السلفية وأوجب علينا الأمر السلطاني الكريم الاعتراف بذلك كله والسير تحت لواء خديويتا(1/926)
الأفخم والدفاع عن حقوقه والارتباط بمحبته وعدم الاعتراف بغيره وقد عرف ذلك الأستاذ فالتزم التنبيه عليه من أول عدد وحث الأمة على التمسك بمحبة المولى الخديوي والخضوع إلهي والانصراف عن غيره والبعد عن الهيجان وتشويش الأذهان والتعصب الديني وخدش الأمن العام وألزم الأمة بالسكون والهدوء ومعاشرة النزلا. وحسن معاملة لأجانب وبذل النصح لإخوانه المصريين وأرشدهم إلى ما فيه توحيد الكلمة ومنع التنافر والتخاذل وعمم النصح في المسلمين والمسيحيين
والإسرائيليين الخاضعين للسلطة الخديوية ونادة بجمع القلوب المتنافرة وبين أعداء الوطن وحذر من سماع أقوالهم وقد عرف ما لحكومته المصرية من الارتباط بالدولة المحتلة فحفظ لها من الحقوق ما لا يمس حقاً من حقوق أميره ولا يذهب بواجب من واجبات وطنه. والإجراء التزموا في جريدتهم اليومية تنفير الأمة وتحسين الاعتراف بسلطة الغير والتلويح بما يشف عن سوء مقاصدهم في الجانب الخديوي والتزموا ترجمة أوهام مستأجريهم التي توهم الوعيد والتهديد ليظهروا للأمة وهن المسند الخديوي وقوّة مستأجريهم وهم في ذلك كله كافرون لنعمه التي أطلقت ألسنتهم فما سكنوا إلا في بلاده ولا نامو إلا تحت ظله ولا أثروا إلا بماله ولا تمتعوا إلا بنعمه ثم خرجوا عليه خروج البغاة وتظاهروا بالانسلاخ عن الإنسانية والتلبس بالبهيمية فهمهم ملء بطونهم لا يبالون بأية وسيلة وصلوا لهذا المقصد السيئ فهم أعداء المسند الخديوي الجليل وإن كانوا لا يضرونه بشيء فإن نبيح الكلاب لا يؤذي القمر في مداره خصوصاً والأمة عالمة بأن هؤلاء المناحيس ما خرجوا من بلادهم إلا مفسدين ولا نطقوا بكلمة إلا وهم(1/927)
يريدون بهم شرّاً فتمسكوا بحبل ولاء خديويهم الأفخم وأعرضوا عمن دفعتهم يد الناقة إلى بلاد الخصب والرفاعية فجاؤُا لا يحملون إلا لحوم أجسامهم حتى إذا أثروا بمال الحضرة الخديوية أخذوا ينفقون على تنفير الأمة منها بمالها شأن الخائنين الكافرين للنعم يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
أعداء وزراء مصر وحكامها
وزراء مصرهم الأمراء الذين كلفهم الخديوي الأعظم بالنظر في شؤون الأمة تحت رعايته ومراقبته وترتيب الأحكام والنظام بمشاركته ومشورته وواجب على الأمة الاعتراف بما خلوهم من السلطة وحرية العمل بالقوانين والنظامات المقررة باسمه وأمره فقاموا بما كلفوا به أحسن قيام وبذلوا جهدهم في تنظيم المصالح وترتيب الأعمال وحفظ الأمن وتأييد القوانين وتربية الأمة على مكارم الأخلاق وإحسان الصفات وقد حفظوا الوكلاء الدول المتحابة مع الحكومة المصرية حقوقهم المرعية وشملوا إتباع دولهم بالرعاية والوقاية والمحافظة على أموالهم وأرواحهم وأطلقوا لهم حرية ألأعمال الدينية داخل معابدهم وخارجها وأقاموا لتنفيذ هذه الأحكام وضبط النظام قضاة ومديرين ومحافظين ومأمورين بثوهم في البلاد فقاموا بأعمالهم وتنفيذ أوامر رؤسائهم بهمة ونشاط وعفة وشرف وطهارة
ذمة وقد اجتهد الوزراء الكرام والحكام العظام في التوفقي بين العمال الوطنيين والعمال الأجانب من إنكليز وفرنساويين وايتليايين وغيرهم لسير الأحكام والأعمال الإدارية وغيرها على طريق وطني يرضاه الخديوي الأعظم ويظهر به الأجانب أمام(1/928)
أوروبا مصلحين ومساعدين. وقد عرف الأستاذ هذا كله فالتزم بيانه من أول عدد وإظهار حقائق أعمال الحكومة وحث على إتباع الأوامر واجتناب النواهي والخضوع إلى السلطة القانونية وبين مآثر الوطنيين من ترك وعرب وجركس وارنؤط وأقباط وما لهم من سابق التأسيس والاجتهاد في وضع حكومة نظامية نحن في ظلها الآن. والإجراء التزما تقبيح أعمال الوطنيين وتحسين أعمال الغير وغشوا الأمة بالأكاذيب وما يفترونه على الوزراء والحكام بغياً وعدواناً لينفروا الأمة من رجال يسهرون وهم نائمون ويتعبون وهم في راحة لا نصب فيها وليظهروا للأجانب سوء إدارة رجالنا بما يفترونه عليهم ليشوشوا أفكار الأوروبيين بمختلقاتهم وما يخدمون بذلك إلا شهواتهم البهيمية ومطامعهم الجهنمية والعجب أنهم لا يثبتون على طريق من طرق النفاق فتراهم يمدحون اليوم من ذموه بالأمس ويقبحون من الأعمال ما حسنوه قبل ويتقلبون في سور النفاق تقلب الحريق على الجمر يزعمون أنهم يخدمون إنكلترة بهذا البهتا وقد جلبوا عليها الشرور بسوء تصرفهم في أفكارهم الجنونية وصدع القلوب بأقوال البله والعته. وقد تبين لكل مصري عداوتهم للوزراء والحكام فسخطوا عليهم وتشأموا مهم ونفروا من قراءة جريدتهم وتركوهم في ضلالتهم كالذي يتخبطه الشيطان من المس فلا تلقي جريدتهم المسؤُمة إلا في يد منافق ولا ترى وطنياً يقرب منها أو يرغب فيها الأمن أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولا أمل في علاج هؤلاء المجانين مما أصيبوا به من فقد الإدراك والشعور فقد أضلهم الله عن طريق الهداية ومن يضلل الله فما له من هاد.(1/929)
أعداء المصريين
المصريون أمة مؤلفة من عرب وترك وجركس وارناؤُط وأقباط وسودانيين وإسرائيليين وهم بين مسلم ومسيحي ويهودي تضمهم البقعة المباركة الطيبة التربة عاشوا العصور الطويلة مرتبطين ببعضهم محبة ومعاشرة ومساكنة ومعاملة لم يفرق بينهم اختلاف دين ول تباين جنس ولا تغاير لغة وقد رحل إليهم كثير من السوريين والأوروبيين ونزلوا بلادهم
متجرين ومستخدمين فبلادهم المعاملة والمؤانسة وأنزلوهم منزلة أنفسهم فصاروا كأنهم مصريون أصليبون لما بين الجميع من الارتباط والاختلاط وقد عرف الأستاذ هذا فلزم إرشاد المجموع إلى ما فيه الصلاح والحث على الألفة والتحابب والتواد ومعرفة حقوق الجار والصاحب والصديق ونهى عن تفريق الأهواء وشعب شمل الاجتماع المصري وبين طرق التعاضد والتعاون على حفظ الأمن والنظام بتوحيد الكلمة والسر وأخذ على نفسه أن لا يميل إلى الخصائص الجنسية والمزايا الملية إلا في ييان ما لكل جنس وملة من ذلك حفظاً لفضيلة وتخليداً لمأثرة وتذكيراً بسابقة تاريخ وسالف أعمال لما يراه من احتياج الوطن إلى راحة الأفكار وتأليف النفوس ووصل الروابط الوطنية بالاستيطانية ليكن مجموع سكان البلاد أمة قائمة بحفظ حقوق الحاكم ورعاية القانون فتعم المدنية وتتسع العمارية وينتظم شمل الاجتماع المصري. والأجراء سعوا في تفريق الكلمة فميزوا بين فريق وفريق وأخذوا يذمون المصريين ويرمونهم بعدم قدرتهم على الأعمال وينسبوهم إلى الجهل وفساد الأخلاق ويقذفون حكامهم ويسفهون آراء نوابهم ويتطاولون على أمرائهم وينسبوهم إلى التعصب الديني(1/930)
مرة والسعي في إثارة الفتن تارة وأن رأوا حسنة ستروها وأغمضوا عنها وإن رأوا سيئة شنعوا عليها ونشروها مشفوعة بأفكار الخلل والخبل وأوهام الجنون والسفه فهم لهم بالمرصاد كأنهم خلقوا لأضرار الناس وإفساد ذات بينهم ولو انصفوا المصريين لأكبروهم وأعظموهم فقد لفظتهم بلادهم لفظ الدُبر للعذرة فخرجوا منها أذلاء مستضعفين يزر أحدهم سترته على غير قميص ونزلوا على المصريين ضيوفاً مكرمين فتخللوا مجامعهم مؤاخين ومتعارفين حتى إذ ذهب الخوف وسكن الروع وشبع البطن وسترت العورة ولعبت الراحة بالذهب الرنان وأخذت نشوة الثروة المصرية ما بتلك الرؤوس البهيمية من الإلهام والإدراك قاما فعربدوا بين من ناولوهم كؤوس العز بأيديهم وسقوهم شراب الفضل إحساناً وتصدقاً وأخذوا يغشونهم ويخدعونهم بأقوال النفاق ويتلونون تلون الحرباء فلا ترى فصلاً شبه الآخر بل ولا سطراً يناسب ما بعده لقلة بضاعتهم وسوء جهالتهم وفراغهم من المعدات الكمالية فإن كثرة نعم المصريين لم تؤثر في طباعهم السيئة ولا حوّلتهم عن شهواتهم البهيمية فهم بين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم وقد نفر منهم سكان مصر على اختلاف جنسياتهم ودينهم فتركوهم ترك المصلى
نعله وأصبحوا مبغوضين حتى لأقاربهم ومستأجريهم فيهم في فقد إدراكهم وذهولهم من هذا الخذلان كأنهم خشب مسندة يرى الواحد منهم أنه كالميت وما هو يميت ومن ورائه عذاب غليظ.
أعداء السوريين
السوريون أمة تسكن الأرض المباركة التي تجاور مصر جوار التصاق(1/931)
قد سكنت بعرب وترك وكنعانيين وإسرائيليين تبادلوا التجارة مع المصريين والاختلاط بهم قديماً وحديثاً جاهلية وإسلاماً وقد دخلت تلك الديار السورية والشامية تحت سلطة المصريين المرة بعد المرة وانتهى الأمر بخضوعها للسلطة العثمانية التي تشمل مصر بسيادتها الملوكية فرحل الكثير من أهلها إلى مصر استيطاناً واتجاراً واستخداماً فتلقاهم أهلها بما عهد فيهم من البشر والطلاقة وكرم الأخلاق حتى ملئت بهم دوائر الحكومة والمدن والقرى ممتعين بأحسن ما يتمتع به عظيم بين قومه آمنين على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم بين أخوانهم وقد عرف الأستاذ ذلك فنادى بالجامعة العثمانية والعصبية الشرقية وبين ما كان بين الفينيقيين والمصريين من قديم الألفة والاختلاط وتبادل التجارة والاستيطان وحث على قطع عروق الشقاق والتباغض واعتدال كل فريق في سيره من غير تعصب على أخيه بما يسلبه فضيلة المحبة الأخوية ولكنه صودر في سعيه بأجراء فتحوا لهم جريدة لشق عصا الاجتماع الشرقي وتفريق كلمة الفريقين فأخذوا يذمون المصريين أخوان السوريين ويتهكمون بمن آووهم بعد الضياع وأعزوهم بعد الهوان وأغنهم بعد ألفافة فكان لصدى صوتهم سوء الوقع في قلوب المصريين والسوريين معاً لما في ذلك من دواعي النفرة والبغضاء وقد زادوا الطين بلة بالسعي في إذلال الفريقين وإخضاعهم لغير سلطانهم وهم يعلمون أن فيهم العثماني والفرنساوي فنفر الجميع من سياسة السخافة والذهول وقامت الجرائد السورية تذم تلك الجريدة البلهاء نثراً ونظماً وتبين فساد عقيدة محرريها وسوء نياتهم ومساعيهم المذمومة فما أرادوا إلا إيقاع النفرة بين المصريين والسوريين تسهيلاً لطريق التمكن(1/932)
الأجنبي بما يفترونه من وجود التعصب الديني أو التحامل على الأجانب كأنهم غفلوا عن أن كثيراً من المصريين أبعد إلى سورية والشام فما وجدوا غير أخوان كرام قابلوهم بوجوه مستبشرة ونفوس طيبة وأحلوهم محل الكرامة والتجلة حتى قضى الكل
مدته وهو في أحسن ما يكون من الأنس والراحة ومنهم هذا الضعيف محرر الأستاذ فقد غمره أهل يافا والقدس الشريف بفضلهم وأروه من مكارم الأخلاق ما لا يحصى الثناء عليه فقد أجلوه وأكرموه وبادلوه الزيارة والضيافة وساعدوه في تنقلاته وخدموه بما زادهم شرفاً وفضلاً ولم يقصر المسيحيون في مشاركة المسلمين في الزيارة والمودة حتى جئت ولساني رطب بالثناء عليهم ولا انثني عن ذلك ما ذكرت سورية وأهلها. فهؤُلاء الإجراء شذوا ونزعوا إلى الأجانب فصاروا أعداء السوريين كما أنهم أعداء المصريين ولكن إفسادهم وسوء سياستهم لم يؤثر في فضلاء المصريين شيئاً لكونهم لا يبخسون فضلاء السوريين شيئاً مما يقدمونه من الأعمال وأن ضغط هؤلاء المناحيس على أفكارهم بسوء تصرفهم وذم المصريين توصلاً للقمة يلقمها الكلب تحت وضم الجزار من غير تعب ولا شقاء ولا يُرى أحقر من قوم أصبحوا عالة على الناس فلا يتألم أخواني المصريون من السوريين المخلصين بفعل هؤلاء الخائنين فإنهم جماعة لا هم منكم ولا منهم بل هم قوم غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاباً عظيماً.
أعداء انكلترة وفرنسا
الإنكليز هم الأمة البريطانية صاحبة الأملاك العظيمة والمستعمرات الوسيعة والثروة الكبيرة اشتهرت بأغنيائها وحسن تصرفهم في تجارتهم التي(1/933)
تبتدئ في الممالك الشرقية بالقروض وشراء الأملاك وتنتهي بالتداخل القوة أو التغلب بدعوى بث المدنية ومنع الهمجية ونشر التعاليم الأوروبية بين الطوائف الشرقية وبهذه السياسة الخفية دخلت ممالك كثيرة في الهند واستعمرت كثيراً من سواحل آسيا وأفريقيا واستوطنت بعض جزائر البحر الأبيض والمحيط الهندي وامتندت سياستها إلى أن دخلت مصر بصورة لا نبحث فيها الآن لشهرتها حتى بين رجال برلمانها وتدوينها في كتبهم وجرائدهم وكانت علة التداخل بالقوة تأييد الحضرة الخديوية في سندها ووضع حكومة نظامية تشابه حكومات أوروبا ونشر التعليم المدرسي في إنحاء البلاد حتى تذهب الخشونة بالعالمية ويتأهل المصريين للقيام بأعمال حكومتهم على زعمهم. فهذه المقدمات حسنّت للمصريين مساعدتهم على الوصول لهذه الغاية الحميدة فشاركوهم في الأعمال واستشاروهم وأخذوا بآرائهم وقبلوا نصائحهم وأخلصوا في محبتهم ومودتهم حتى كاد أن يتم الامتزاج بين الأمتين المصرية والإنكليزية
وقد لاحظ الأستاذ ذلك فأخذ يحث المصريين على مجاراة الأوروبيين في الإدارة والصناعة والتجارة والزراعة والسياسة ويرشدهم إلى طرق الوصول إلى ذلك ولك حال بينه وبين أمنيته إجراء زعموا أنهم خدم للإنكليز وعبيدهم الواقعون على أعتابهم فأخذوا ينشرون سلطانهم وخليفتهم وافتراء مكاتبيهم على أميرهم المفخم وحكامهم الطاهرين من دنس اللؤم والخيانة ويرمون المصريين بأنهم ضعفاء الإدراك لا يحسنون صناعة ولا يصلحون إدارة ثم داروا حول أبواب الإنكليز يوهمونهم أنهم عبيدهم(1/934)
الخاضعون وخدمهم المخلصون وجواسيسهم الناقلون وتراجمتهم المتبرعون فوسوسوا لهم وسوسة إفساد وإغراء وخوفوهم من المصريين وحذروهم من الركون إليهم والاعتماد عليهم فأبعدوهم عن الخدمة فرادى وجماعات وحشروا مكانهم طوائف من الغرباء مختلفي الجنسية والتابعية حتى كأنّ ثمرة مصر ما حرمت إلا على أبنائها ثم نشروا تلك الجريدة الخرقاء يوهمونهم أنه مقبولة عند المصريين ولها تأثير في نفوسهم ولجهل الإنكليز باللغة العربة صدقوا هؤلاء إلا بالسة وألزم إتباعهم كثيراً من الناس بالاشتراك فيها وفي غيرها من جرائد هؤلاء الإجراء ليعمموا نشرها في البلاد ظناً منهم أنهم ينتفعون بشيء من جهالة محرريها وما دروا أنهم مكروا بهم لتروج بضاعتهم الكاسدة وليربحوا من سعي الإنكليز ما يصيرهم من ركاب العربيات بعد ركوب الحذاء أميالاً فوق الصخور والجبال. وقد أفسدوا سياسة الإنكليز ونزعوا من قلوب المصريين الميل الذي كان فيها للإنكليز وغرسوا مكانه النفور والبغضاء لما يرونه من اعتماد كثير من رجال الإنكليز على أوهام هؤلاء الجهلة الذين فرقوا الناس شيعاً وقهقروا رجا الإنكليز بسوء أقوالهم وأفعالهم حتى صار المصري لا يثق بوعد إنكليزي ولا يعتمد على مستخدم منهم إلا بحكم الضعف فإن جريدة الإجراء أظهرت لهم أن الإنكليز أعداؤهم وأعداء سلطانهم وأعداء أميرهم وأعداء حكامهم بما تنشره عنهم مما كان مستوراً عن المصريين وما تفتريه عليهم من ترجمة أقوالهم بعكس ما تؤدي إليه ونسبتهم إلى التعصب الديني زوراً وبهتاناً. ولو حاسبت انكلترة نفسها على محبة المصريين لها قبل أن يفتح الإجراء جريدتهم ونفرتهم منها بعد فتحها لرأت أنها خسرت شيئاً كثيراً(1/935)
وأن إجراءها كانوا عليها لا لهاز ولا تنسى انكلترة إفساد هؤُلاء الإجراء ما بينها وبين فرسنا من المحبة والوفاق لا نقول أنهم أثروا في سياستها الخارجية عن مصر فإنهم أحقر من أن
يسمع لهم صوت خارج إسكندرية وإنما جرحوا حواس الفرنساويين المقيمين هنا فأحدثوا في قلوبهم من النفرة ما زاد عن نفرة المصريين فخسرت انكلترة محبة أمة تحاول أن تؤكد المودة السياسية بينها وبينها لتستريح من أوهام تبدد التحالف الثلاثي الذي إذا انحل صيرها وحيدة لا تقوى على دفع الجارة ولا دخول الغارة. ثم ما كفى هذه الجريدة الحمقاء ذلك حتى أخذت تندد بسياسة دول أوروبا وتناديه بعدم وجود مصالح لهم في مصر تقتضي مشاركتهم للإنكليز في التداخل في إدارتها ولو انصفوا السياسة لقالوا أن مصر آمن من سويسرة والبلجيك على استقلالها بأميرها الشرعي لما لها من الروابط مع دول أوروبا وما لمركزها الجغرافي من الأهمية عند دولة العالم وكان يمكن لانكلترة أن تدفع كل دولة بجذب المصريين إليها والنداء باسمهم ولكنها استعانت بجهلة لا تعلق لهم بالسياسة ولا يعرفون شيئاً من العلوم التي تقربهم منها فافسدوا الأخلاق وحولوا النفوس وملاؤُا القلوب ضغائن فأصبت لا تتمكن من دفع الدول عن مصر إلا بقوتها وهيهات أن نجحت بين أمم طامعة ودول متناظرة ويمكنها أن تسترجع ما فات من المحبة بالتبري من الجهلة وأبعادهم عن أبوابها التي انطبعت صورهم في موطئ الجزم منها لكثرة ترددهم عليها تطفلاً ليتحقق المصريون أنها تريد صلاحهم وإصلاح بلادهم وإلا فما دام هؤُلاء حول رجالها فإنها لا ترى من أحد ثقة بها ولا تسترضي المصري بأية حيلة احتالت عليه بها فإن المعلول يدوم(1/936)
بدوم العلة والعلة في تهييج الغربي هؤُلاء الأوباش الذين شوشوا ضروب السياسة بجبالتهم العمياء وإني لأعجب لرجال انكلترة الذين اشتهروا بالدهاء والتصرف في الأمور كيف غاب عنهم سوء مصير هذا السعي بواسطة الحمقى وكيف لا يحسون بالآلام التي يحس بها المصريون من التعرض لسلطانهم وأميرهم ووزرائهم وحكامهم وكيف اغتروا بكذب هؤُلاء الأوضاع وكتبوا لوزرائهم وجرائدهم بما لم يقله مصري ولا تحركت به شفة أمير. أما آن للإنكليز أن يتبصروا ويعلموا أن لإصلاح لمصر إلا بالمصريين ولا سبيل لمدحهم إلا بالمصريين ولا طريق لتأييد سياستهم إلا بالمصريين. لا تريد أنها تطرد جميع المستخدمين الأجانب وتستبدلهم بمصريين فإننا لا ننكر احتياجنا لمساعدة فريق منهم وإنما نريد أن تعرف حق خديوينا لأفخم ووزرائنا الكرام وتطلق لهم حرية العمل في لإدارات فإنها أن فعلت ذلك مع مراقبتها أعمالا واستجلبت خاطر الخديوي المفخم بمعرفة حقوقه وعدم
التعرض إليها جلبت قلوب المصريين وقادتهم بحبل محبتهم لأميرهم المعظم ومن هذا تعلم أن الجرائد الوطنية خصوصاً الإسلامية لم تكن ضد الإنكليز وإنما تدافع عنت المصريين أعداءهم وأعداء الإنكليز لتحفظ وحدة الاجتماع المدني بما تبينه من فساد سياسة الإجراء وسوء جهلهم الذي أوقعهم في وهدة الخزي والوبال ولعل الإنكليز يتبصرون ويعرفون قدر الوطنيين وطهارة نية جرائدهم فيصبح الكل لهم من الشاكرين.
أعداء أنفسهم
هم جماعة دفعتهم يد الطرد إلى النزوح عن وطنهم إلى مصر المحروسة(1/937)
من الأذي وعند ما حلوا بها للتجأُوا إلى بعض أمرائها فأكرمهم ومد إليهم يد المساعدة فضلاً وإحساناً يظن أنهم من أرباب الأقلام أو ذوي الأفهام بما يراه في جريدتهم التي ما فيها إلا تراجم عن جرائد أوروبا العلمية وهذه درجة يستوون فيها مع حمارة إسكندرية بل أن الحمارة يفضلونهم بمعرفتهم كثيراً من اللغات ولكن هؤُلاء يفضلون الحمارة بمعرفة القراءة والكتابة وقد صادف دخولهم مصر غيبة طبقة المنشئين المصريين الموجودين إذ ذاك كأفضل الفضلاء وإمام محراب الإنشاء الأستاذ الشيخ محمد عبده والجهابذة المتفنين والكتبة المقتدرين حسن بك حسني وإبراهيم أفندي علي اللغاني وإبراهيم أفندي الهلباري وحسن أفندي الشمسي وأحمد أفندي سمير ووفا أفندي محمد وسعد أفندي زغلول والطيب الذكر أديب أفندي أسحق وغيرهم من الفضلاء الذين عرفتهم الأقلام بما أودعوها من أسرار الإنشاء وضروب التحرير فقربهم أمراءُ مصر اعتماداً على أنهم شرقيون عثمانيون لا يخدمون إلا دولتهم ولا يغشون أخوانهم فما لبثوا أن كفروا بالنعمة وانكروا المعروف وانحازا إلى الغير يخدمونه بفض لما أعطاهم أمراء مصر فقد أبت النفس الخبيثة أن تخرج من الدنيا حتى تسيء من أحسن إليها والعجب أنهم مع علمهم أنهم ليسوا على شيء لم ينتصحوا بنصيحة المؤيد الأغر ولا تعلموا من سياسة الأهرام التي قدمها لهم ولا أخذوا بقول الفلاح وهو يرشدهم ولا أدركوا سياسة الاتحاد التي دعاهم إليها ولو أرادوا الخير لأنفسهم لتعلموا من هذه الجرائد كيفية السير وفنون السياسة ولكنهم اغتروا بعناوينهم وظنوا أن العلم محصور في تعلم الإنسان لغة غير لغته يترجم بها كتب قومها ويغرب بها على من لم يعرفوها موهماً أن المسطر(1/938)
تصنيفه والجموع تأليفه وهذا هو الجهل المركب الذي صيرهم أعداء لأنفسهم
وهم لا يشعرون وأعجب نتائج جهلهم إنكارهم من أكرمهم وتلقاهم وعيبهم سياسته ورميه بحب الأثرة والمغالات في القول ورمى الحكام الذي انتقاهم واختارهم لإدارة لأعمال بأنهم جهلة أو متعصبون لأفكارهم مستبدون على الأهلين وقد كانوا بالأمس أمناء أجلاء فضلاء معصومين من الخطأ منزهين عن العيوب أيام كانوا يقرؤون ورقة تخاريفهم الشبيهة بتخريف الرومانيين. وأعجب من كفرانهم النعم عودتهم إلى واضع أساس ثروتهم يستنصرونه ويستصرخونه استعداءً على الأستاذ ظانين أن مخازيهم نسيت وشتأمهم نسخت وصحائفهم مسخت وما دروا أنهم يستعدونه على رجل هو أعرف به من غيره وأعلم بسيره وما هو عليه وما يذكرونه من ماضي شأنه أمر معلوم يحفظه الخاص والعام فكل الحاضرين شهدوا ذلك الوقت وكانوا فيه شركاء وقد قلدني المرحوم أفنادينا توفيق بابا بنعمة العفو من الانتقام وطوّقني بطوق إحسانه بما أفاضه عليّ من المال وجاء محبوب المصريين أفندينا عباس باشا المعظم فتفضل بالعتق من رق الغربة من غير توسط أحد فجئت لأقضي بقية حياتي في خدمته وما يعدونه لآن إثارة للأفكار وإعداداً للفتنة نما نشأ من سوء الطوية وكساد بضاعتهم ولقد تقدم للأستاذ أنه أفتتح جريدته بشكر كل من كان له سعي في جانبه أيام المرحوم أفندينا توفيق باشا كاللورد كرومر والمسترسكوت والموسيولوجريل والجرائد التي لوحت ببعض العبارات فلم يكفر لأحد نعمة ولا لاذ بغير باب مولاه الخديوي وهذه خطته التي لا يرجع عنها وطريقه المسلوك له لا يكتب إلا نصحاً لإخوانه وإرشادا لمواطنيه وثناءً على سلطانه(1/939)
وأمير وذكر الفضائل وزراء بلاده وحكامها ولا يغمد سيف بيانه وبين يديه كتبة منافقون ومحررون خائنون حتى يقطع ألسنتهم التي طالت بغير حق ونطقت بغير صدق وما عليه إذا أكثروا من الشتم والسب فهم بذلك جديرون ولا يجاريهم في الوقاحة مجار فإن الغير يكتب الكلمة والكلمتين تكلفاً وهم يسطرون كتباً من القبائح فطرة وجبلة ويكفي أعداء أنفسهم أنهم أعداء لله ولأنبيائه ولسلطان المسلمين وللخديوي ولإنكلترة وللمصريين وللسوريين ولملوك أوروبا وهذا تأديب لهم الآن
فإن عادت العقرب عدنا لها=بالنعل والنعل لها حاضرة
أعداء الأمن العام
هم الأجراءُ الأغبياءُ الذين شقوا عصا الألفة بالتفريق والتنفير وأصبحوا يخدشون الأذهان بالإرهاب والتخويف عادتهم التي اعتادوها وفطرتهم التي جبلوا عليها فإنهم عندما بارت تجارتهم ولم يصدقوا أمام الإنكليز حيث أوهموهم أنهم كتبة يمكنهم جمع قلوب المصريين على محبتهم فعجزوا عن ذلك بجهلهم طرق التأليف والتوفيق وصدعوا القلوب بما ملأوا به جرائدهم من لمطاعن الذاتية فيهم وفي حكامهم وأمرائهم وملوكهم برزوا الآن بصيغة الفتنة يدعون إليها ويذكون الناس بما كان من أمثالهم المستأجرين من تلوثهم بدماء الأبرياء بقصد اتهام المصريين بها فنحن نحذر إخواننا الوطنيين على اختلاف أديانهم من هؤلاء الجزارين المعنويين ونؤكد لهم أن البلاد في غاية الأمن والسكون وإن الحكومة المصرية ساهرة على مراقبة أحوال البلاد وأهليها وإن رجال الإنكليز متيقظون لما يعلمونه من أنهم متعهدون(1/940)
أمام أوروبا بتأييد لأمن وتوطيده ومساعدة الحكومة المصرية على إحسان النظام فما يرجف به المضلون محض بهتان وتأسيس للفتن والفظائع التي خلقوا لجلبها على العالم وقد جربنا معاشر المصريين فتن الإجراء وكلنا شاهد تلك الفظائع التي أسستها اليد المستأجرة الأجنبية ويكفينا ما ألحقوه بنا من العار الذي هم باعثوه والعاقل من اعتبر بماضيه فألزموا السكون واشتغلوا بمصالحكم منصرفين عن هذه المفتريات وإياكم ووساوس رسلهم الذين يسرهم ما يسؤُنا فإن كلام هؤُلاء الإجراء كالإنذار لان معاشر المصريين فلنتمسك جميعاً بمحبة أميرنا وتنفيذ أوامر وزرائه القاضية بالخضوع والطاعة والبعد عن الفتن والمهيجات ولنعش آمنين في ظله منقادين لأمره بعيدين عن كل مالا يرضاه مقامه السامي متمتعين بمعاشرة الأجانب معاشرة الأنس والمجاملة ضار بين صفحاً عن تهور الأجراء الذين غايتهم الإفساد بيننا وبين الأجانب بما يفترونه علينا فإياكم والاغترار بأقوالهم والتأثر بما يرجفون به فالبلاد ممتلئة بالأمن محاطة بالقوتين المصرية والإنكليزية لا يكدر صفو راحتها شيءُ وليس فينا معاشر المصريين عموماً من يميل لفتنة أو يذهب لثورة كما يقول الإجراء المفسدون وإنما نحن قوم قد رضينا بما يرضى به خديوينا الأفخم ووزراؤُنا الكرام وهم لا يرضون إلا بسط الأمن وائتلافنا بالأجانب وتبادلنا المحبة معهم فنحن ننصح كل مصري غيور على وطنه ونحذره من متابعة المفسدين فما تحت كلام السفهاء الإجراء إلا الشرور التي تكنها صدورهم فنعيذ بلادنا وأهليها من شياطين لا يعرفون للإصلاح سبيلاً.(1/941)
أعداءُ الصدق
هم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه وتحملهم العداوة على افتراء ما يوافق طبائعهم السيئة فلا يخجلون من مخالفة الواقع وقلب الحقائق يعرفهم بسيماهم من قرأ جريدة الإجبسيان غازت ثم رأى ترجمتها في الجريدة الساقطة الموقوفة للكذب والأخلاق فإن الغازت قالت في ضمن مقالتها قرأنا الأستاذ بالدقة فوجدناه ينادي باسم الإنكليز ويمدحنا ولكنه يشتكي من الخائنين الأعداء الشحاذين الذين ينتهزون فرصة جهلنا باللغة العربية ويترجمون كلام المصريين الأصليين وكتاباتهم على غير صحة وسندفع تظلم الأستاذ حتى تنتهي هذه الحالة الشنيعة وسنكون نحن تراجمة الأستاذ أمام الرأي العام الإنكليزي وتكون أعمدة جريدتنا من الآن فصاعداً مهيأة للأستاذ الخ فهل يرى القراء موافقة هذا لما جاء في جريدة المحرفين ومن هذا تعلم الغازت أنهم لم يكذبوا في ترجمة كلامن إلى الإنكليزية فقط بل هم يكذبون أيضاً في ترجمة الإنكليزي إلى العربي للعداوة التي بينهم وبين الصدق. أما ما قدمته الغازت في صدر مقالتها أن قصدت به الجد أو الهزل فإنها تعذر لأنها جريدة إنكليزية المنشيء والتابعية. وتعجبها من مقابلة بعض الناس لنا حول زيارة إخواننا إنما حملها عليه سوء فهم المكاتبين الذين هم من قبيل الإجراء وإلا فقد جرت عادة الشرقيين والغربيين أن يشبع بعضهم بعضاً في الأسفار ويرحب بعضهم ببعض عند القدوم فلا غرابة في الأمر ولا إنكار وركوبنا مع مدير أو وزير أمر غير خارق للعادة فإن هذا إنما يستبعد حصوله في جانب من تربي على كسب أمه ومن قضى عمره بجوارها وهي تبيع الخبز في الطرقات لتنفق عليه وهو يأكل(1/942)
من كسبها بشراهة وطيب نفس ومن تربى لقيطاً في حجر مراضع الصدقة وتعلم في مدارس الغير على نفقة أهل الخير فخرج مصطنعاً لا يعرف له وطناً ولا شرفاً ولا قبيلة. وما طرأ على الغازت من نزغات هؤلاء ستتبين كذبه عندما تتمعن فصول الأستاذ وتعرف من إخلاص طويته أنه ما مال يوماً للتعصب الديني الذي اشتهر به البروتستانت والجزويت وغيرهم ولا دعا لثورة كما يقول الكيذُبان ولا نفر وطنياً من أجنبي من عهد أن خط بالقلم إلى الآن فهذه أعداد التجارة ومصر أيام كنت أكتب فيهما مع طيب الذكر أديب أفندي أسحق وهذه أعداد المحروسة والعصر الجديد أيام كنت أكتبهما باسم باقي الذكر سليم أفندي النقاش وهذه أعداد التكبت والتبكيت والطائف من يوم كتبت
فيهما إلى يوم ضرب الإنكليز إسكندرية فليفنشها القراء سطراً سطراً وما وجدوه منها تحريضاً على الأجانب أو دعاءً لثورة أو خروجا ع حد الحث على مشابهة الدول المتمدنة ورفع يد العدوان عن الأمة فليقدموه لنا تكذيباً لدعوانا أما ما كان يكتب في الطائف بعد ضرب إسكندرية فيسأل عنه الكتبة الكثيرون من ضباط الجند ورجال أركان حرب الذين كانوا يكتبون للمكتب بما يأتيهم من أخبار الجواسيس أو الكذبة إذ ليس لي فيه إلا ما كان يكتب باسم ناظر الجهادية إذ ذاك إلى وكيلها من الأخبار الرسمية ومن هنا يعلم جميع القراء أن ما يطنطن به الأجراء ومكاتبهم الوهمي من وقوع الطائف في جانب المسند الخديوي السابق إنما هو سعاية بغير حق وتعرض لما لم يجر به قلمنا ولقد سئل البرنسات والأمراء والوجهاء والعلماء عن اشتراكهم في الحركة العرابية فكان جواب كل منهم أنه أكره أو أتقى الشر(1/943)
فتخلص بما أمكنه وما وسع هؤلاء يسع الطائف ذاته إنما قلنا ذاته لأننا لم يقع منا بالذات ما يوجب التبري منه فهذه مقالاتنا وخطبنا كلها مسطورة محفوظة عندنا وعند غيرنا من يوم كتبنا وخطبنا إلى يوم ضرب إسكندرية على أن العفو محا الذنب فليمضغ العدو نعله. وإذا أضفنا سعاية هؤُلاء ومكاتبهم على شتمه وقبحه وطلبه أبعاد محرر الأستاذ وافترائه عليه أنه يسعى في مذبحة أو فتنة علمنا قدر خسة هؤُلاء المناحيس ومساعيهم الضارة فإن ما يضمره الزنديق يظهر في فلتات لسانه فلعل لهم مساعي في مثل ما تقدم من الفظائع التي كان لمثلهم من أعداء مصر فيها اليد السوداء بشهادة المستر لا بوشير واللورد شرشل أمام جموع إنكلترة يوهمون الأجانب بما لا حقيقة له فإنهم جميعاً يعلمون أن القوّة العسكرية وقوّة الضبط والربط بيد رؤساء من الإنكليز فلا يمكن لثائر أن يدعوا إلى ثورة إلا إذا كان هؤلاء معه وإذا اتحد هؤلاء على الثورة كان المصري بريئاً منها وهل يعقل هذا أو يتصوّره مجنون وانكلترة إنما تسعى في حفظ الأمن العام ومن هذا يعلم الوطنيون والأجانب أن الإجراء هم رجال الفتنة وأهل الفساد لا صاحب الأستاذ.
قاتل الله الأعداء
فإنهم ما وجدوا طريقاً للفتنة إلا سلكوه ولا باباً للدسائس إلا فتحوه فقد نقل لصاحب العطوفة مصطفى باشا فهمي أن الأستاذ يذمه ويهجوه ولو قالوا أنه يمدح ويثني عليه لصدقوا ولكنهم قوم شأنهم تحريف الكلم وقلب الحقائق وهل ينسى الأستاذ عناية عطوفته به ورده أعداءه
خائبين(1/944)
مدحورين وكيف يرضى لنفسه ذم أمراءٍ بلاده كم يأكلون لقمتهم بذم هذا أرضاء لذاك وأن ذكرنا شيئاً من لوازم السياسة في مدته فإنما هو منسوب للزمنيات لا لذاته ولا لأفكاره فإن وطنيته الصادقة وشرفه الذاتي لا ينكرهما إلا قوم عن الحق عمون.
الحكاكه في الركاكة
كتب كتاب جريدة الإجراء فصولاً منسوبة إلى مكاتبين لجهلهم أن أنفاس الكتاب تشم من بعد فيفرق ذو الذوق بين الفصول وينسبها لأهلها وأن لم يرهم وهم يكتبون وكيفما كانت الحالة فإنهم يذمون مديراً امتلأت أعدادهم السابقة بمدحه والثناء عليه ونشر فضائله وماله من الهمة وعلو القدر ونزاهة النفس وهو على ما كان عليه شرفاً وهمة وفضلاً وحسن تبصر وتصرف والحقيقة أنهم يطعنون في نفس الداخلية فإن تغيير المشايخ وترغيب البلاد لا يكون إلا بأمرها والتصديق على انتخاب الأهلين لمشايخهم لا يصدر إلا منها فالمديرية واسطة بين أهل البلاد والداخلية. ونسبتهم قضاء الحاجات على يد رجل يرضيه الناس بالالتجاء إليه فيسعى معهم فهذه نشأت عن ميلهم لشيخ سوء يكره أن يشد عضده بأخيه وله في مثل هذه الدسائس الراية السوداء والذكر القبيح وما أشعل نار السفاهة والبذاءة في هؤُلاء الجهلة إلا حرمانهم من أجر المطبوعات التي كانت تقدم إليهم على ما يقولن ورفض جريدتهم عدوة المصريين ورجوعها إليهم قُففاً وأفراداً من أمة عرفت خيانتهم وسعيهم في الفتن والهيجان فردت ما ألزمت به من قبل ولا ينكر الإلزام إلا من جهل قضية المعاون المرفوت بسبب توقفه(1/945)
في إلزام مشايخ ميت الغرقى وديرين بالاشتراك في عدوة المصريين أيام كانت ترمى على البلاد رمي فراخ المعامل على بيوت الفلاحين وعندنا من الأوراق التي تحررت منهم ومن أعضادهم ما تسودُّ به وجوههم ويشهد بأنهم سكروا بشراب اللتجاء فخرجوا عن حدودهم وصاروا يخاطبون الحكام بما يشبه أوامر المصادر العالية وهذا الذي يبكون عليه الآن ويندبون زمانه ولو أحسنوا السري لاتخذوا لهم مركزاً في القلوب ودوائر الحكومة ولكنهم جهلة والجاهل عدو نفسه. يزعم مكاتبهم الوهمي الثاني أنه مخلص في خدمته وأن جريدته الخائنة تنبه الحكومة على أمور غير معلومة لها شأن سخيف الفكر قليل العقل البعيد عن الإدراك وما حمله على ذلك إلا جهله الأيدي الأجنبية التي حركت حركة إسكندرية بنقود مضروبة في أوروبا موزعة على أيدي رجال منها أرادوا أن يمهدوا لضرب إسكندرية طريقاً يدخلونه إمام أوروبا بعلة تأديب الثائرين والمحافظة على الأجانب وحقوقهم مع أن الأجنبي الحقير في بلادنا أعز م اللورد والسر والبارون في بلاده فضلاً عن عظمائهم الذين لهم التجلة والتعظيم وليس في تاريخ مصر أن أهلها تعرضوا لأجنبي مستوطن أو مجتاز في عصر من العصور حتى تقاس عليه تلك الفظائع الأجنبية التي
نسبت للمصرين زوراً وبهتاناً بدعوى التعصب الديني الذي التزموا نشره في أوروبا وجعلوه محللاً لأغراضهم وأكبر دليل الآلاف المؤلفة من إخوان الوطنية الأقباط في الوجه القبلي والبحري ومخالطتهم المسلمين دارا وغيطاً لغيط ولم يسمع أن مسلماً تعدي على قبطي فقتله(1/946)
في بلد من البلاد فلو كانت فتنة اسكندرية إسلامية كما زعموا لجرت الدماءُ أنهراً في الصعيد فسكون المصريين وامتزاجهم بالأقباط امتزج الأهلية أيام الفتنة أكبر دليل على أن المصري لا يعرف التعصب الديني ولا ينقض عهداً ولا يخفر ذمة ولا يتعدى على وطني أو مستوطن. والخفايا التي ستروها عن أوروبا تسهيلاً لمقاصدهم قد ظهرت ظهور الشمس حتى في مجامع انكلترة وبعض الإنكليز كتب فيها كتباً وبين حقائق الواقعيات على ما هي عليه فالمكاتب الذي يرمينا بخيان الوطن وتهيج الأكفار والسعي في إثارة الفتن يعذر بفقده الإدراك وعدم بلوغه مبلغ الرجال فإنه من جماعة جهلة يتجرون بذاتهم ونفاقهم وأكاذيبهم ولو لقنوا كلمة الحق ما نطقوا بها لعدم تعود ألسنتهم على ذلك فليهدأ روعاً وليسكن جاشاً فإنه لا في العير ولا في النفير وهو أوهي وأحقر من أن يدخل مع الكتاب في ميدان لا تتطاول إليه أعناق ساداته إذ لولا اليد الأجنبية التي حملتهم على أصابعها ما دار لسان أحدهم في فمه تهيأ لكلمة ينطق بها أمام المصريين. إلا يرى أن ساداته الجهلة اطردوا من بلادهم مدحورين مذمومين بهذه المساعي الخبيثة وإفساد أفكار مواطنيهم تذرعاً للفتنة وتهيئاً لثورة يمهدون بها طريق التداخل الأجنبي في بلاد مس جلدهم ترابها وكيف يرجى الصدق والإخلاص ممن خانوا وطنهم وسلطانهم وأهلهم وخلانهم وكانت بلادهم أولى بالخدمة أن كانوا من المصلحين. وأقرب الحوادث منا وجود أحد الأجراء خطيياً في محفل من محافل بيروت الماسونية يحرض الناس فيه على نبذ الطاعة السلطانية والإنجاز إلى الغير فاستحق هذا الخائن الطرد والإبعاد. فأية عصبية ينتسب إليها الإجراء وهم(1/947)
يذمون المصريين خصوصاً والعثمانيين عموماً أما دروا أن ذم المصري ذم للسوري فإنه أخوه ومثيله فقوم لا عصبية لهم ولا شرف ولا ذمة ولا عهد ولا أمانة من أي طريق يصلون إلى الإخلاص وقد سدت عليهم طرقه فهم حيرى في طرق البهتان كالذي يتخبطه الشيطان من المس. وبالجملة فإن المصريين حريصون على تفتيش قلوب الإجراء من كلامهم وقد أدبتهم الأيام وحذرتهم المصائب من سماع أقوال الغرباء والاغترار بما ف جريدتهم من النداء
بالثورة والهيجان وتحريك الأجانب على المصريين بدعوى أن فيهم من يدعو للتعصب أو يحرك الفتنة كل هذا موضوع أمام أعيننا نقراؤُه ونحذر وختم عاقبته فإن ترك الأدعياء طريق الإضلال وتحريك الفتنة وسلكوا طريق النصح والخدمة الإنسانية غفرنا لهم تلك السيئات التي ملئت بها صحفهم ولزمنا مخالطتهم والسير معهم في طريق شرقي نحن فيه سائرون وإن أبوا إلا البقاء على الخيانة والإفساد حصنا أفكار إخواننا المصريين على اختلاف أديانهم بما نبينه من فساد عبارتهم وسوء مقاصدهم وأظهرنا لهم الخفيّ من سعيهم العدواني ليتذكروا ويحفظوا الأمن في بلادهم وما يتذكر إلا أولو الألباب.
علمنا أن بعض الناس استأجر أُجراء آخرين للاستعانة بهم على الأستاذ بما يفترونه عليه من الأكاذيب تهييجاً للأفكار الأوروبيين فنحن على خطتنا الأمنية متمثلين بقول القائل
أن قوماً تجمعوا ... وبقتلي تحدثوا
لا أبالي بجمعهم ... كل جمع مؤنث(1/948)
جريدة بروج
هي جريدة خاصة بالسكارى والبقالين وبعض الحمارة تكتب فيها كلمات السخرية والمضحكات وما يناسب أخلاق السكارى والحشاشين وقيمة اشتراكها مرور محرره أعلى الخمارات والقهاوي فيتناول كأساً أو كأسين كل ليلة على حساب السكارى قيمة أتعابه في جمع المضحكات ونشر الهذيان والتخريف وقد مر صاحبها يوماً فوجد شاباً يمسح بها جزمته فظن أنه يقراؤُها فقال له هل أعجبك مشربي ولذّ لك كلامي فأزيدك من بهتاني وزوري فضحك على عقله وقال له أنا مشترك فيها فذهل عندما علم أن عاقلاً مسكها بيده وتوجه في الحال إلى مكتبه وأراد أن يكتب أن جريدة بروجـ. . صار لها قبول عند السكارى وغيرهم لما فيها من الترهات والأضاحيك فكتب غلطاً نطلب من الحكومة أبعاد محرر الأستاذ عن مصر لما في وجوده من الضرر علينا والصحيح أنه لم يغلط فإن الأستاذ ضد السكارى وجريدته إنما فتحت لهم فهو معذور إذا طلب أبعاد محرره لتروج جريدته بكثرة السكارى. وإلا فإن الأستاذ ما سرق حلق أمه ولا صفعه على قفاه ولا عرض بجريدته التي لا توجد إلا في محلات الضرورة ولولا مساعدة الغير له بما ينقده له ما وجد حق الدخان ولا كان له في عالم التحرير وجود.
هذا بيان حاله أما شتمه وبذاؤُه فإني=أعرض عن شتم اللئيم تكرما
وأعجب من هذا المسكين وطلبه أبعادنا تهوره بطلب الجواب من دولة رئيس النظار عن ذلك بوقاحة وسماجة كأنه دولة مستقلة تطلب حقاً لها ثابتاً ولكن لو كان هو المحرر لتركناه وإنما نوجه هذا الكلام لحضرة. . . الذي احتمى(1/949)
في اسم هذا المسكين وتصدي لتحريرها بقلمه وغاية ما عندنا أن نقول أنفلق أو أشرب من البحر فما في جريدتنا غير تكذيبك وإظهار تخريفك.
من رأى البيتين المصدر بهما الأستاذ في وريقة الأجراء تحقق تلصصهما وتجسسهما حتى على المطابع فإن ملزمة الأستاذ الأُولى طبعت في يوم الأحد
الغرب الأقصى
أسعدتنا العناية بمقابلة الأستاذ الفاضل والمولى الكامل العلامة الجهبذ الصالح السيد عبد الهادي بن السيد أحمد الصقلي السيد عبد الهادي بن السيد أحمد الصقلي الحسيني قاضي القضاة بمدينة فاس المحروسة أي شيخ الإسلام بالغرب الأقصى قادماً من الديار المغربية قاصداً الأقطار الحجازية برفقة من بني عمه السادة الإشراف وكانت المقابلة بمنزل صاحب السماحة والفضيلة السيد توفيق أفندي البكري الصديقي حيث نزلوا عند أمس ضيوفاً مكرمين فتلقاهم بالبشر والترحاب ولشغفه بالتطلع لأخبار الممالك الإسلامية أخذ يسأل هذا العلامة عن أحوال بلادهم وما عندهم من العلماء والعساكر وغير ذلك فلخصنا من محاضرتهماً أن مولاي السلطان حسن أعزه الله تعالى حسني النسب ينتهي إلى سيدي محمد المهدي الملقب بذي النفس الذكية وأنه مالكي المذهب كجميع أهل الغرب وله أولاد أعزهم عده سيدي الأمير عبد العزيز وقد استحضر من بنادق رامنتون ومدافع كروب جانباً عظيماً وأن العساكر الموجودين إنما هل لحفظ داخلية البلاد في وقت السلم أما في وقت الحرب فالأمة كلها تحمل السلاح لا يتأخر صغير ولا كبي ولا توجد في فاس وبقية بلاد المملكة خمارات ولا بيوت للعاهرات ما عدا طنجة لسكن كثير من الأجانب فيها وإن الحدود الشرعية(1/950)
مقامة على العظم والحقير والعلم يقرأ بجامع القرويين كما يقرأ في جامع الزيتونة بتونس والأزهر بمصر غير أن العلماء هناك يقرأون الدروس عن حفظ لا من الورق وإن السلطان حسنا أيده الله تعالى يقرأ البخاري الشريف ويجمع العلماء للمناظرة والمذاكرة في مجلسه العالي ولا يوجد في داخلية البلاد مع المسلمين إلا اليهود المغاربة سكان البلاد وهم يستوون معهم في الحكم والانتفاع بالأمور الوطنية. وسألته عما نشرته بعض جرائد الإجراء من أن السلطان عند ما قبض على الشقي المحرك للفتنه أمر أن تشق راحته وتحشى بالمليح وتربط فقال معاذ الله فإن الحك صدر بحضوري وذلك أن الله تعالى قال. إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض فالسلطان اختار له الأخف ونفاه فعلمت أن هذه الجرائد تريد أن تخدم الأجنبي هناك على بعد كما خدمته في مصر. وقال أن الجرائد غير معروفة عندهم وإنما يقرأُها نفر قليل جدّاً وليس عندهم سوى مطبعة في فاس. ورأيت معه ابن عمه السيد عبد الغني الصقلي الشاعر المفلق وأسمعنا شيئاً من ديوانه الذي
خمّس به وتريات ابن رشيد البغدادي في المديح النبوي فسمعنا أحسن شعر وأجوده وكان بمعية هؤُلاء السادة الأفاضل الأستاذ العلامة السيد محمد الشنقيطي وهم على وشك القيام إلى الأقطار الحجازية بلغهم الله تعالى السلامة وفي هذا السيد هيبة وعليه وفار واعتبار وله حسن عبارة منحية وقد تربى مع جلالة السلطان في مكتب واحد أيده الله تعالى وحفظه.(1/951)
الكرباج والعفريت
علمنا أن ستصدر جريدتان تسمى أحداهما الكرباج والثانية العفريت تناديان بالجامعة الشرقية وتطالبان بالحقوق الإنسانية أوروبية كانت أو شرقية وتدافعان عن المصريين والحضرة الخديوية كل الدفاع ويصدر الكرباج يوم الخميس والعفريت يوم الأحد منكل أسبوع وقيمة الاشتراك في كل جريدة عشرون قرشاً بمصر وخمسة وعشرون بغيرها وعلى ما فهمناه من صاحبيهما أنهما يحرران بقلم مصري لا قصد له إلا الدفاع عن المصريين خصوصاً والشرقيين عموماً وبهذا نرى أن سيقبل عليهما المصريون إقبالاً عظيماً لانتصارهما لهم انتصار من لا تأخذه في الحق لومة لائم.
تهنئة
نهنئُ حضرة المنشيء البليغ هيكالس بك محرر جريدة الفار الغراء بما ناله من النيشان المجيدي المهدي إليه من دولتنا العلية لصدق خدمته لها فإنه ممن لهم في خدمة الشرق يد بيضاء.
علمنا أن الحضرة الخديوية الفخيمة كلفت العالم الميكانيكي الشهير محمد أفندي حسبو الإسكندري بتركيب قزانات وأبور المحروسة لما له من وثيق المعرفة بهذا الفن ومثل هذه العنابة لا تستغرب من خديوي غاية آماله تقدم رعيته وسنعود لهذا الموضوع في العدد الآتي أن شاء الله تعالى.
كتاب طب الركه
موجود منه جملة في مطبعة المحروسة تباع للراغب في هذا الكتاب المفيد وثمن النسخة خمسة قروش ميرية فنحث طلاّب الحقائق على اقتنائه فإنه من الكتب العزيزة.(1/952)
العدد 40 - بتاريخ: 30 - 5 - 1893
حفظ الصحة
لما كان من أهم واجبات الوالدين معرفة سن الطفولية وكيفية تربية المولود وتنقله في أطواره الابتدائية وعلم الوسائط الواقية لصحته من العوارض كتب الطبيب الفاضل أحمد أفندي صادق ذكي أحد متخرجي مدرسة قصر العيني رسالة في هذا الباب ملأها بالفوائد العلمية والأصول الطبية فأحببنا نشرها لضرورة معرفة المربين بها قال حفظه الله تعال
السن
هو تعاقب الأطوار المختلفة للحياة وتعرف تلك الأطوار بظهور بعض وظائف أو أعضاء وبزوال البعض الآخر ومع ذلك فإنه لا يمكن معرفة حد واضح يفصل أحد الأطوار عن الذي يليه حيث لا يظهر عند ذلك تغيير تشريحي في الجسم عند انتهاء أحد الأطوار وابتداء الثاني ولذا قال بعضهم لا يوجد فاصل واضح بين أطوار الحياة غير البلوغ ويختلف ظهور تلك(1/953)
الأطوار على حسب الطقس والمعيشة والعوائد والأمزجة فمتى ولد الطفل يزداد في النمو شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى سن البلوغ وفي هذا الوقت يقال أنه انتهى سن الطفولية الذي يمكن قسمته إلى ثلاث أقسام. القسم الأول الطفولية الأولى ويبتدئُ من الولادة إلى انقطاع الحبل السري أي على اليوم الخامس والسادس. والقسم الثاني من انقطاع الحبل السري إلى سبع سنوات. والقسم الثالث من سبع سنوات إلى البلوغ. والأولى تقسيم الطفولية إلى قسمين فقط الأول من الولادة إلى سبع سنوات. والثاني إلى البلوغ وأما البلوغ فظهوره يختلف على حسب النوع والطقس والمعيشة والعوائد والأمزجة ففي القطر المصري تبلغ الرجال من 14 - 15 سنة حداً متوسطاً وتبلغ النساء من 12 - 14 سنة وفي البلاد الباردة قد يتأخر البلوغ إلى أربعين سنة وفي البلاد الحارة قد يحصل البلوغ في سن العشر سنوات. وقد ثبت بالمشاهدات أن الأغنياء يبلغون بسرعة عن الفقراء لكثرة توفر الشروط الصحية التي تساعد نمو أجسامهم وكثيراً ما يشاهد أن سكان المدن يبلغون بسرعة عن سكان القرى وذلك لكثرة الملاهي والمناظر المنبهة للقوة التناسلية عند سكان المدن أكثر من سكان القرى. وكذلك أصحاب المزاج الدموي والعصبي يبلغون بسرعة عن أصحاب المزاج الليمفاوي والصفراوي وذلك لكثرة كمية الدم الذي منه يتكون المنى وبتنبه المخ في الدموي وكثرة تأثر العصبي من أي منظر بهج وينتهي البلوغ في سن العشرين ثم
يبتدي سن الشبوبية من 20 - 40 ثم سن الكهولة من 40 - 60 ثم سن الشيخوخة من 60 الموت ويوجد تقسيم آخر لسن الطفولية فيجعل قسمين سن بلوغ(1/954)
وسن شيخوخة وصاحب هذا الرأي يقول أن سن البلوغ يبتديءُ من الحُلُم إلى ستين سنة وهناك تقسيم آخر مذكور في قول الشاعر:
أصح صفات الآدمي وضبطها=لتلقط دراً تقتنيه بديعا
جنين إذا ما كان في بطن أمه=ومن بعد يدعى بالصبي رضيعا
فإن فطموه فالغلام لسبعة=كذا يافع للعشر قله مطيعا
إلى خمس عشر بالحزوّر سمه=لتحسن فيما تقتنيه صنيعا
كذاك إلى خمس وعشرين حجةً=فتى قد دعاه الفاضلون بديعا
. . . لحد الأربعين وبعده=بكهل إلى الخمسين فادع سميعا
وشيخاً إلى حد الثمانين فادعه=بها ثم هِمّاً للممات رجيعا
والحد المتوسط لزمن الحياة من 70 - 80 سنة وقال بعضهم أنه يمكن وصوله إلى مائتي سنة. وقد اتبعت في رسالتي هذه التقسيم الثاني وهو سن الطفولية وسن البلوغ وسن الشيخوخة تسهيلاً للقاريء وبالله التوفيق
سن الطفولية
يبتديء هذا السن من الولادة إلى البلوغ وينقسم إلى قسمين طفولية أولى وطفولية ثانية. فالطفولية الأولى تبتديء من الولادة إلى سبع سنوات ومتى ولد الطفل وكان كامل الترتيب يكون طول قامته نصف متر للذكر و483 ملليمتر للأنثى ويزن 3250 جراماً أي ستة أرطال ونصف رطل وينقص هذا الوزن من 100 - 300 جرام مدة الثلاثة أو الأربعة أيام الأول التي تعقب الولادة بسبب خروج العقي (وهو ما يخرج من المولود عند ولادته من المادة البرازية) والتبخير الجلدي ثم يزداد وزن الطفل كل يوم(1/955)
من 20 - 30 جراماً مدة خمسة شهور ثم يزيد كل يوم من 10 - 15 جراماً إلى تمام السنة فتصير زنته عند انتهاء السنة الأولى تسعة كيلوجرام وفي انتهاء السنة السابعة تكون زنته 18 كيلوجرام. وحرارة الطفل حال الولادة تكون 37. 5 أي ارفع من درجة حرارة الشاب نصف درجة ثم بعد مضي بعض دقائق تصل إلى 36 أو 35 درجة بسبب التبخير الجلدي الذي ينزع من
الجسم كمية عظيمة من الحرارة ثم ترتفع ثانياً إلى 37 وكسور ونبض حديثي الولادة من 120 - 140 في الدقيقة الواحدة ثم ينزل في السنة الثانية إلى 110 وفي الخامسة إلى 100 وفي الثامنة إلى 90 ثم من العاشرة إلى الثانية عشرة يصل الحد الطبيعي أي من 72 - 85 وعدد حركات التنفس بعد الولادة 44 في الدقيقة الواحدة ثم يصل إلى 35 في السنة الثالثة وفي الخامسة يصل على 25 وفي الثامنة يصير التنفس اعتيادياً أي من 12 - 20 مرة في الدقيقة. ودم الطفل المولود حديثاً كدم الشبان مع اختلاف في نسب عناصره فقط لكثرة كراته الحمراء عن البلاسما (أي سائل الدم) ولكثرة احتوائه على كراة بيضا بنسبة أكثر مما يكون عند الشبان. ومقدار وزن دم الطفل يساوي عشر وزن جسمه وبول حديثي الولادة يكون 1003 ثم يزداد إلى أن يصل 1006 في اليوم العاشر ثم يزداد إلى أن يصل إلى الحد الطبيعي وهو من 1015 - 1025 وبرازهم يكون أخضر اللون لكثرة احتوائه على الصفراء المنفرزة مدة الحمل والحبل السري يسقط من اليوم الخامس إلى السادس. ولون جلد حديثي الولادة يكون أحمر بنفسجياً ثم يستبدل بلون أصفر إلا في الوجنتين من اليوم الثالث إلى الخامس ولا يظهر اللون الأصلي الخاص بشكل الإنسان إلا بعد(1/956)
أسبوعين أو ثلاثة وأما شكل حديثي الولادة فإنهم يحفظون أولاً الانحناء إلى الإمام برأسه وأطرافه وجذعه فيكون شبيهاً بالحالة التي كان عليها في بطن أمه ثم يحرك يديه وفي الشهر الثاني يمكنه حفظ رأسه ومن الشهر الرابع إلى الخامس يمكنه حفظ الوضع الجلوسي ومن السابع إلى الثامن يمكنه التحرُّك إلى جميع الجهات وأما هيئة سحنة الأطفال المولودين حديثاً فإنها لا تدل إلا على اللذة والألم فمتى علم ذلك نقول أنه متى ولد الطفل متصفاً بالصفات المتقدمة فإنه يخرج صائحاً وليس ذلك دليلاً على آلام كما يظن بل لاستنشاقه الهواء ووصوله إلى الرئتين كي يمددهما وهذا الصياح يطمئن خاطر أمه وينسبها ما قامته من الأتعاب وأما إذا ولد في حالة موت ظاهري فإنه يكون ناشئاً أما عن انقذافه من يد القابلة مباشرة بعد الولادة في السائل الذي خرج من الرحم أو من التفاف الحبل السُري حول عنقه حال الولادة أو من امتلاء فمه أو أنفه أو هماً معاً بمواد مخاطية أو من عائق اعتراه أثناء سير زمن الولادة فيجب في مثل هذه الأحوال وضع الطفل على ظهره ويدخل الإصبع المغطي بقماش نظيف في فمه لإخراج المواد المخاطية التي ربما تكون هي السبب في
إعانة التنس الذي نجم عنه هذا الموت الظاهري ثم يدلك الصدر ثم تضرب الأقدام ضرباً خفيفاً لتحويل الدم من الدماغ إليها لأنه ربما يكون سبب هذا الموت الظاهري اختناق دماغي وإن لم يفد كل ذلك وجب عمل التنفس الصناعي الذي غايته مسك يدي الطفل من معصميهما مع قبضة اليد ويبعدان عن الجذع دفعة واحدة لأتساع جدر الصدر ثم يرجع بهما إلى جدر الصدر ثانياً مع الضغط الخفيف فيضيق بذلك(1/957)
التجويف الصدري ويستمر على ذلك فبهذه الصفة يقلد التنفس الطبيعي. وإن لم يفد ذلك يستحضرانا آن أحدهما مملوء بماء بارد جدّاً والثاني مملوء بماء حار فيغمر الطفل في الإناء الممتليء بالماء الحار ثم يرفع منه ويوضع في الحال في الماء البارد فيتنبه مجموعه العصبي أو يشمم النشادر أو البصل وأن لم يفد كل ذلك يسرع بانتداب طبيب أو طبيبة ليتدارك هذا الخطر كان يجري قطع الحبل السري وإخراج قليل من دم الجنيين يسيل إلى الخارج إذا كان سبب الموت اختناق رئوي أو مخي ومتى تنبه الطفل من إحدى هذه الوسائط وجب الألتفات إلى الفتحات الخلقية كالأعين والآذان والفم والأنف والشرج والفرج وفتحة الصماخ البولي وجميع أعضاء النين فإنه كثيراً ما شوهد ولادة الطفل مصاباً بجملة تشوهات فالأعين قد تكون مغمضة بالكلية وقد تكون مفتوحة إنما الحدقة تكون مدورة وقد يولد الطفل ومعه كتركتا (المائية) فيجب تقديم الطفل المولد بهذه الصفة إلى الطبيب ليفعل ما يلزم له من العمليات. وقد تكون الأذنان مسدودتين من الظاهر فيجب ثقبهما وكذا الأنف والفم. وقد يكون مصاباً بالشفة الأرنبية وهي ما كانت قصارة على الشفة وغالباً تكون العليا وقد تكون مزدوجة أي أنه يوجد شقاق في الشفة فيقسمها إلى ثلاثة أقسام وقد تكون مزدوجة أي أنه يوجد شقاق في الشفة يصطحب بانشقاق سقف الحنك وفي مثل هذه الأحوال يعشر الرضاع وقد توجد تشوهات كثيرة جداً يولد بها الطفل لا يسعنا ذكرها الآن فإن ذلك ليس من موضوعنا.(1/958)
رسالة
وردت لنا هذه الرسالة بقلم أحد أفاضل دار العلوم العامرة قال أيده الله تعالى:
قال تعالى {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم أذية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً} إذا نظرت إليها المتبصر بثاقب فكرك إلى هذه الحكمة البالغة وتفكرت أيها العاقل فيما اشتملت عليه آية الله من لطف العبارة وعبير الموعظة رأيت أن الله سبحانه وتعالى أمر بهذه الآية الشريفة كل من ولي أمر الذرية التي بها العمران ونظام النوع الإنساني بالقيام بجميع أمورهم والاعتناء بواجباتهم من احترام وتنمية أموالهم وأمعان النظر في تربيتهم وتقويم أودهم ونحو ذلك م لك ما يجب للصغير على الكبير ولكن الحكيم سبحانه لم يأمر بذلك أمراً صريحاً بل جعل الأمر بعبارة أخرى ليكون أوعى إلى الامتثال وأقرب إلى الانقياد فقال جل ذكره (وليخش الآية) أي وليخف أولو الأمر من أن يتركوا ذريتهم الخ ومن البين أن العاقل إذا علم أنه سيترك ذريته وأنهم محتاجون إلى من يرشدهم إلى حسن مستقبلهم وما به نجاحهم فلا ريب أنه يجتهد في أن يقوم حق القايم بجميع ما عهد إليه من أمر هؤلاء الضعفاء عسى الله أن يقيض لذريته من يعاملهم بمثل معاملته ويكفلهم كفالته اللهم إلا من استولت عليه أوهام الطمع وأحاطت به جيوش الغي فنبذ تلك الحقوق وراءه ظهرياً أولئك أضلهم الله فاتبعوا أهواءهم وأكلوا أموال اليتامى ظلماً ولم يعلموا أنهم قد ملأوا بطونهم ناراً غافلين عن وعيد ذي البطش بأنه يجازيهم على ذلك في الدنيا بالذل والإهانة وضياع مستقبل أولادهم ولا يكونون الأكثر الحنظل بل هم أسوأ حالا منه وسيصلون سعيراً في الدار الآخرة وياليتهم نظروا إلى قوله تعالى {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان(1/959)
تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك} ويا حبذا لو جعلوا أسلافهم مدرسة لهم فدرسوا أحوالهم ووزنوا أعماله بقسطاس العقل المستقيم وميزان الحكمة {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} فالعم شغف باغتيال حقوق أبناء أخيه ولوع بسلب ما أدخره له أبوه ساع في حلول الخيبة بهم مخافة مزاحمته في مكانته أو أخذ حقوقهم منه والخال محتال في أكل ميراث أخته يرى تحريمه عليهم وإذا استأنس ذلك المسكين رشداً رغماً عما يلاقيه منهم وأراد أن يأخذ ما تركه أبواه بدت العداوة والبغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر كل ذا وذاك الغلام ينظر إلى هذه الأمور الذميمة فلا يستطيع لها رداً ولا يجد عنها محيصاً
إلا أنه يمسي ويصبح في حرجته مكرراً قول القائل
وكم عم أتت منه هموم=وخالٍ من جنى الخيرات خالِ
اللهمّ إلا أن يسعف برجال الحق فينقذونه من ربقة الظلم وقل من نصادفه تلك العناية الربانية وغير خاف أن الآية الشريفة ليست قاصرة على الأوصياء فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فكما أنها تشملهم كذلك تأمر جميع أولياء الأمر بالاعتناء بأمر الذرية من حسن تربيتهم وتسهيل طرق نجاحهم من رفع كل صعوبة تكون أمامهم وإرشادهم إلى ما به سعادة البلاد وتسهيل طرق نجاحهم وبث روح الأمل فيهم وتثقيف عقولهم بنشر المعارف وإذ ذاك تحسن تربيتهم فيعول عليهم في مهام الأمور وتعظم الثقة بهم. شبان المصريين الذين قد ارتضعوا لبان المعارف في عصرنا الحالي أعظم شاهد على ذلك فإنا نجد المربي منهم يكون أعظم وأنجب من غيره ذلك(1/960)
أمر أذعنت به عقلاء الأمم واعترف به فلاسفتهم فلا التفات لما نراهُ من بعض الأغبياء الذين يرمونهم بسفاسف الكلام وما علينا معاشر المصريين إلا أن نربي أبناءنا ونوطد دعائم المعارف بينهم حتى يكونوا مثل من نبغوا من أعاظم الرجال ذلك هو الفوز العظيم فعلى كل عاقل أن يخاف من سطوة الجبار سبحانه ويراعي تلك الحقوق المقدسة ولاسيما من بأيديهم زمام الحل والعقد فإنه يجب عليهم وجوباً عينياً تقديس تلك الواجبات وذلك بأن ينظروا نظر الخائف من المحاسبة على النقير والقطمير فيقولوا قولاً سديداً ناشئاً عن روية وفكر ثاقب وعظيم أخلاص لا عن أغراض شخصية وأعراض دنيوية كما أنه يجب على كل مصلحة من المصالح أن توجه العناية نحو المترشحين للوظائف من الوطنيين كي تعظم الرغبة في المعارف ويربوا الأمل ولئن قالت المصالح نحن ناهجون هذا المنهج وسالكون هذا الطريق خاطبتهم المهند سخانة بصوت خاشع وقلب خاضع قائلة - أيها القابضون على زمام الإشغال المطالبون بحقوقي بين يدي ذي الجلال ما بال حظي دائماً في انحناء وزاويتي في انزواء وشكلي غير منظم ومتواليتي تنازلية وكسري لم يجبر أما أنا التي كنت بالأمس تالله أن أخذت حظي وأعطيت حقي لأكون في مقدمة من تقدم وأعود على بلدي بل وعلى سائر المعمورة بالنجاح فأبنائي أبنائي وأبائي أبائي لم يغيرهم سوى طلوع الشمس من مغربها وأجابهم الطب بلسان عليل وقلب كسير يا من هو على الصحة محافظ ولأنواع العقاقير حافظ نظراً إلى شبح أنتم
روحه وجسم أنتم حواسه لم يبق منه إلا خياله حتى لم يكن له حظ من الوجود إلا في عالم المثال فالله الله في تلافيه قبل أتلافه وإلا فليس له عيش بدون صحة وكيف تبصر عين بغير ضياء(1/961)
وسبب كل ذلك تنوع المرض وتبادل العلل وتغاضي الطبيب حتى صار يعافني كل ذي أمل فلا يرد موردي لما وقر عنده من ملوحة مائي الذي كان عذباً (فطرة الله التي فطر الناس عليها).
ذلك مطلب شريف عائد بجليل المنافع على الأمة عموماً وعلى المتعلمين الذين بهم صلاح البلاد خصوصاً كما لا يخفى ولما أن الولد يتعلم واجباته الضرورية من الخط والحساب وبعض العقائد وبعض ما يجب له وعليه فيخرج من ذلك الدور على نور من ربه وإذا أراد أن يثبت على اقتطاف أزهار المعارف كان ذلك نوراً على نور وأن أراد أن يسلك طريقاً آخر من طرق المعيشة يسهل عليه السير بنبراس عقله والله يهدي إليه من أناب.
تابع التربية والتعليم
لخادم وطنه عطوفة علي باشا مبارك
مملكة النمسا
هذه المملكة لم تعتن بأمر التربية مع مجاورتها لألمانيا التي تقدمت درجة التربية فيها في وسط القرن السادس عشر إلا في أواخر القرن الثامن عشر وقد كانت حالة التربية في غاية الإهمال وإنما كان هناك بعض مكاتب في بعض جهات قليلة جداً وفي سنة 1770 كان كل مائة طفل من أطفال المملكة يدخل في المكاتب منهم أربعة وعشرون وفي عهد المملكة مارية تريز ملكة النمسا بعد حرب السبع سنين تيقظت الحكومة لهذا الأمر والتفتت إليه وشكلت مجلساً للنظر في تحسين التربية وتعميمها وصار إنشاء مدرسة للمعلمين في مدينة فينا قاعدة مملكة النمسا الآن وفي سنة 1774(1/962)
انتظم القانون الذي على مقتضاه تكون حالة التعليم في المملكة ومن المقرر فيه أنه يجب على كل ناحية أن تبني مكتباً لتعليم أولاد أهاليها وتكون مصاريفه من طرف تلك الناحية مع ما يضاف لذلك من الإعانة وتقرر أيضا بناء مكاتب للبنات وإن جميع الأطفال من ست سنين إلى اثنتي عشرة سنة مكلفون بدخول المكاتب وإن يكون تعليم قواعد الديانة موكولاً للقسوس وترتب جزاء على من يمنع ولده من الدخول في المكتب فحصل من ذلك نوع تقدم وأخذ الأهالي يشتغلون بالتعليم وفي مدة يسيرة زاد عدد المكاتب في جميع جهات المملكة ووصل عدد الأطفال الموجودين في المكاتب إلى ستة وستين في كل مائة طفل من أطفال المملكة وقد بي في ولاية بهيميا خمسمائة مكتب في مدة أربع سنوات. ولما جلس على تخت المملكة الملك يسوف الثاني سلك مسلك والدته المذكورة وأصدر أوامره بتكليف جميع الأطفال بالحضور إلى المكاتب ورتب المفتشين في البلاد وحكم على أمراء النواحي ببناء المكاتب على طرفهم وعين ما يلزم المعلمين من المرتبات ولما انتهت مدته آل أمر التربية إلى القسوس فتهاونوا وتراخوا فيها ونشأ من اختلاف الألسن والمذاهب وحدوث حوادث شتى زمنية عدم تقدم التربية في المملكة وعدم جريانها على نصوص القوامين المتعلقة بأمر التربية وفي سنة 1748 شرعت الحكومة في تنظيم هذا الأمر المهم وجعله على سير مستحسن فرتبت ديواناً مخصوصاً وعينت مفتشين من ذوي الدراية والهمة فأخذوا في البحث عن أسباب التقدم
ونشرها وأسباب التأخير إزالتها وصدرت أوارم شتى في هذا الخصوص ومع ذلك لم يحصل النجاح التام لأسباب كثيرة منها اختلاف(1/963)
الملة واللسان ومنها توالى حوادث شغلت الحكومة والأهالي وكانت سبباً في تعطيل كل منهما عن النظر في التربية العمومية وفي سنة 1855 تقرر أن يكون جميع درجات التعليم تحت نظر أمناء المذهب الكاثوليكي ثم أن سنة 1868 تقرر انفصالها عنهم وجعل أمرها مفوضاً إلى الحكومة وقررت المجالس التي انعقدت للنظر في ذلك أن المدارس الجاري صرف إعانة لها من طرف الحكومة لا مانع من أن يدخلها جميع الأطفال بقطع النظر عن دين الطفل ومذهبه وأضافوا إلى العلوم المعتاد تعليمها ما يلزم من مواد التاريخ الطبيعي والجغرافيا والتاريخ ومعرفة الأشكال الهندسية والجنباز وجعل مفتشون من طرف الحكومة على المكاتب للنظر فيما هو جار فيها فثقل ذلك على رجال المذاهب ولم يمتثلوا لهم بل حصل طردهم وإهانتهم في جهات كثيرة والمكاتب الآن على نوعين نوع لتعليم الأطفال العلوم الابتدائية ونوع لتعليم المواد العالية وفي أغلب المكاتب يشترك الذكور والإناث في الحضور إلهيا وأما في ولاية التيرول فنصف المكاتب لهما معاً والنصف الآخر بعضه للذكور وبعضه للإناث. ومتوسط المكاتب بالنسبة إلى الأهالي ليس واحداً في جميع جهات المملكة ففي سنة 1863 كان لكل 447 من الأهالي مكتب واحد في ولاية التيرول وأما في ولاية سالزبيور فلكل 972 من الأهالي وفي النمسا الواطية لكل 1198 مكتب وفي ولاية السليزي لكل 1093 مكتب وفي ولاية المورادي لكل 1112 من الأهالي مكتب وفي بوهيميا لكل 1264 مكتب وفي بوقونيا لكل 2000 مكتب وفي ولاية الدلمسيا 2264 م الأهالي مكتب واحد ومن هذا يظهر أن عدد المكاتب قليل في جميع ولايات المملكة ما عدا ولاية التيرول. ويعلم من(1/964)
جدول الإحصاءات إن الجهات المعمورة بالألماني أكثر أولادهم يدخلون المكاتب وكل جهة عليها مصروف المكتب الكائن بها ما عدا بعض جهات فيعطي لمكاتبها إعانات من طرف الحكومة. وقد تقرّر في قانون سنة 1869 إن جميع الأطفال مكلفون بالدخول في المكاتب من سن ست سنين إلى أربع عشرة سنة وكان الدخول قبل ذلك من سنة إلى 12 سنة وتقرر أيضاً أن المعلم مكلف بتحرير جرائد يبين فيها من غاب من الأطفال ويقدمها إلى حكومة الناحية التي لها القوّة التنفيذية في إجراء الجزاء على الأهالي فإن تكرر الذنب عرض ذلك على
حكومة القسم للأمر بما تراه من القصاص. ومن منذ عهد قريب صدرت أوامر زيد فيها مرتب المعلمين ومساواة مرتب المعلمات بمرتبهم وفوض أمر التربية الدينية إلى رجال الدين وصار للمعلم زيادة على مرتبه ما يؤخذ من كل طفل وأما أصل المرتب فيدفع من الناحية والعادة أن يعطي أرضاً تقوم بالمرتب أو يصرف له أصناف معاشية تاسوي المرتب ولا يسوغ عزل معلم إلا بأمر المديرية. وأما مرتب كل طفل فمن سبعة ستأتيم إلى عشرة إلى اثني عشر أي ثمانية عشر فضة في كل أسبوع وذلك بحسب عمر الطفل ومركزه فيدفع في السنة فرنكين في الأرياف ومن سبعة إلى ثمانية في المدن وأما محال التمرين فإنها تكون ملحقة بالمكتب عادة وفيها تدخل التلامذة من عمر 12 إلى 15 سنة وعدد محال التمرين في بلاد النمسا الواطية مساو لعدد المكاتب الابتدائية بها وأما في بعض الولايات فمحال التمرين 94 في كل مائة مكتب ابتدائي وفي بعضه 95 في المائة. وفي كثير من الولايات لا توجد أماك للتمرين وأن وجدت فنادر جداً. وأما مدة الدرس فيها فساعتان أو(1/965)
ثلاثة وتكون في الليل أو في يوم الأحد وجميع الأطفال مكلفون بالحضور فيها إلى سن 15 ومن تأخر عوقب أهله على تأخيره. ولأجل تعليم المعلمين ألحقت ببعض المكاتب فصول لتعليم الأمور اللازمة لهم وأما التلامذة فإنهم مكلفون بالصرف على أنفسهم والجاري صرفه عليهم فإنه شيء جزئي جداً. ودرجة التعليم غير واحدة في جهات المملكة ففي الولايات الألمانية بلغ عدد من له معرفة بالقراءة والكتابة في المنتخبين للعسكرية 88 في المائة وفي ولاية المجر 16 في المائة وفي ولاية دلماسيا 1 في المائة. ومع أن هذه المملكة عرضت لها حوادث عظيمة من ابتداء سنة 1847 لم يحصل بها تقهقر لسير التربية بل حصل تقدم عظيم وبنيت مدارس ومكاتب عديدة في جميع الجهات وزاد عدد المتعلمين زيادة بالغة ومع ذلك لم تكن درجة التعليم هي الدرجة المرغوبة. ويعلم من جداول الإحصاءات الأخيرة أنه في سنة 1862 كانت أهالي المملكة 35 مليوناً وكان عدد المكاتب 30000 مكتب ابتدائي وكان في مملكة البروسيا في هذا التاريخ 27000 مكتب موزعة على أهاليها البالغين 17500000 يعني أن مكاتب النمسا نصف ما يلزم لها إذا أريد مقارنتها بمملكة بروسيا ولأجل أن تكون معها على قدم واحد يقتضي أن يكون عدد المكاتب بها 72000 مكتب. وبمقارنة عدد المكاتب مع عدد الأهالي يوجد مكتب واحد لكل
1170 من الأهالي مع أنه يوجد في بروسيا لكل مكتب 650 وفي مملكة سويسة مكتب لكل 450 وبمقارنة عدد الأطفال بعدد الأهالي في بلاد المجر يوجد طفل على 13 من الأهالي وكذلك مملكة أسبانيا وأما مملكة فرنسا فعلى كل تسعة من الأهالي طفل.(1/966)
وفي سنة 1851 كان بولاية المجر 8083 مكتباً فيها 15423 معلماً ومن الأطفال 647954 وفي ترانسا لوانيا 2116 مكتباً ومن الأطفال 80718 وفي سنة 1857 كان في دوقية النمسا 2323 شخصا يعرفون القراءة من ضمن المنتخبين للعسكرية وهم 2649 وفي ولاية بوهيميا 6597 شخصاً يعرفون القراءة من ضمن 11213 وفي ولاية دلماسيا 9 من ضمن 928 وهاك بيان حال التربية في جميع المملكة سنة 1862.
عدد المكاتب 15588
عدد المعلمين والمعلمات 30012
عدد الذكور في المكاتب 919858
عدد الإناث 808410
عدد مكاتب الكاثوليك 14588
عدد مكاتب العبادة والتمرين 12575
عدد ما فيها من الذكور 361205
عدد ما فيها من الإناث 304302
مجموع الأطفال ذكوراً وإناث في جميع المكاتب 2393925
ثم أخذت الحالة تتحسن وقوة التعليم تتقدم بمشابهة الدول المتقدمة حتى بلغت الدرجة أقصاها الآن وانتشر التعليم في جميع أنحاء المملكة وبعد أن كان إجبارياً صار اختيارياً لمعرفة الآباء ثمرة التعليم ورؤيتهم فوائده ونكتفي بهاذ الملخص الآن نموذجاً للمقابلة والمقارنة بين الدول وبعضها في التربية والتعليم.(1/967)
مملكة البلجيك
كان تعليم الأطفال في هذه المملكة في القرون الوسطة من الأمور المعتني بها وقد اتبدأت الأرياف والمدن في الكثرة من سنة 1192 وكان التعليم منتشراً بين الأهالي حتى أن بعض السياحيين لفرنسا وبين تعجب من كثرة عدد من لهم إلمام بالمعارف وبالقراءة والكتابة بين
الأهالي حيث كان وجود ذلك في ذاك الوقت نادراً في فرنسا وغيرها فكانت مملكة البلجيك مستنيرة بشموس المعارف المشقة في أفاقها ومتحلية بحلي السعادة والرفاهية رافلة في حللها إلى أن استولت عليها أمة الأسبانيوليين في القرن الرابع عشر فتغيرت أحوالهم وأدبر عن ميدان المعارف إقبالهم وأخذت تلك المعارف تزول عن ناديهم وانتشر الجهل في جميع الجهات يصحبهم ويعاديهم وما ذلك إلا بسبب ما لحق الأهالي من الفقر والإهانة بحيث صاروا إلى الحضيض بعد بلوغهم أرفع مكان وقد استمرت هذه الحال إلى انضمام هذه المملكة إلى هولانده وصارتا مملكة واحدة فاجتهد الملك جيوم في أمر التربية فابتدأت تظهر ثمرات همته ولكن حصلت بعد ذلك حوادث عطلت سيره ثم بعد سنة 1830 زاد تراخي الأهالي وتركوا المكاتب هملاً فتركها المعلمون لما لحقهم من الفقر والفاقة وسعى كل منهم في طريقة لمعاشه يكون بها حال انتعاشه ولم يبق فيهم إلا من ليس لهم قدرة على الحصول على المعاش بطريق آخر وفي سنة 1842 صار الألتفات لهذا الأمر من طرف الحكومة وصار تنظيم القانون الذي على مقتضاه تكون التربية في المملكة وقد تقرر فيه أن كل ناحية بجعل فيها مكتب وجعل لجميع الأطفال الحق في الدخول بلا(1/968)
استثناء وتوضحت فيه مواد التعليم كتعليم الأمور الدينية وقواعد الأدب الأساسية وتعليم القراءة والكتابة و؟؟ الموازين والمقاييس وقواعد الحساب واللسان وفوض تعليم الديانة إلى القسوس وترخص للأطفال أن من لم يرد أن يتبع مذهب القسوس لا يحضر درس القسيس وجعلت إدارة المدرسة للحكومة المحلية ما عدا ما يتعلق بالأمور الدينية فهو من خصائص رجال الدين وقد تعين مفتشون من طرف الحكومة للتفتيش في المكاتب فيما لا يتعلق بالأمور الدينية فإن ذلك له مفتشون من رجال الديانة يفتشون على ما يتعلق بالدين وكل من الفريقين مفتشي الحكومة ومفتشي الديانة يقرر ما رآه على مقتضى تفتيشه وأما انتخاب المفتشي فهو بمعرفة المجلس المحلي ومما يشترط في حقهم أن يكونوا قد احضروا دروس المدارس المعدة لتعلم المعلمين الواقعون تحت تفتيش الحكومة مدة سنين فإن لم يكن مع الشخص المقتضي انتخابه شهادة من الحكومة لزم أن يعرض أمره على الديوان للحصول على رخصة انتخابه وللمجلس المحلي أن يوقف المفتش عن وظيفته بحيث لا تزيد مدة التوقيف عن ثلاثة أشهر والحكومة هي التي تأمر بانفصاله ع وظيفته أو رجوعه إليها وفي كل سنة
يجتمع المفتشون تحت رأسة ناظر الداخلية ليقدم كل منهم نتيجة ما أجرى التفتيش عليه من المكاتب ويبين المجلس ما يلزم زيادته من المكاتب ومن التحسينات ولا مانع من حضور أعضاء من المذاهب على اختلافها في المجلس المذكور لتقرير ما يرومون تقريره بخصوص التربية فينظر في ذلك ويعطي عنه القرار وكل ثلاثة أشهر يجتمع مفتشو كل قسم للمداولة فيما يتعلق بطرق التربية ومما تقرّر في القانون أن جميع مصروف المكتب على الناحية لكن متى زاد(1/969)
المصروف عن مقدار معين طلبت الزيادة من المديرية إلى حد معين فإن تجاوز ذلك الحد طلبت الإعانة من الحكومة وكان مرتب المعلم قبل ذلك مائتي فرنك ومبلغاً مقرراً يأخذه على تعليم الفقراء من الأطفال وذلاك زيادة على مسكنه وأما الآن فمرتبه على ما يأتي بيانه وفي سنة 1869 كان في كل مديرية من التسع مديريات التي هي عبارة عن الحكومة بتمامها مفتش ماهيته أربعة آلاف وخمسمائة فرنك للتفتيش على إدارة المكاتب والذي صار تفتيشه من المكاتب بمعرفة المفتشين في سنة 1863 هو 1851 مكتباً وعدد مفتشي مكاتب البنات 16 وعدد مفتشي الديانة تسعة وجميع المعلمين والمعلمات 10578 من هذا العدد 3680 بيدهم شهادات ومرتب المعلم 850 فرنكاً في النهاية الصغرى في المكتب الذي عدد أطفاله 60 و950 إذا زاد عدد الأطفال عن ستين إلى مائة ويكون 1050 إذا زاد على المائة وأما مرتب المساعدين للمعلمين فهو 750 فرنكاً فإذا أخذنا المتوسط مما يتحصل عليه المعلم والمعلمة نجده يبلغ 1262 فرنكاً ما عدا محل السكني وقطعة أرض مجعولة على سبيل الإحسان وقد يتحصل من بعض أعمال خصوصية باعتبار المتوسط على 233 فرنكاً فيكون إيراده حينئذ 1500 فرنك تقريباً وفي سنة 1869 كان عدد الأطفال في المكاتب الابتدائية 953375 منهم 494590 في المكاتب الجاري عليها التفتيش ومن هذا القدر المذكور 267688 ذكور و226902 إناث وفي المكاتب الأخرى 98789 منهم 35181 ذكور والباقي إناث وعدد أطفال مكاتب النواحي من الذكور 257298 ومن الإناث 1667051 مجموع ذلك 434349 وعدد(1/970)
الإناث فيها أكثر منهن في المكاتب الخصوصية وسببه أن البنات يشتغلن فيها بصنعة اليد كعمل الدنتله بأجرة يأخذنها وكان عدد أهالي البلجيك 5021336 وحينئذٍ فبمقارنة عدد أطفال المكاتب بعدد الأهالي يتحصل طفل على ثمانية أشخاص وأربعة أعشار أو قليل من اثنى عشر في
المائة وفي كل مديرية صندوق لمعاش المعلمين يدفع فيه ما يحجز من كل معلم وما تدفعه الحكومة والمديرية ن الإعانة وقد بلغ إيراد التسعة صناديق في سنة 1869 - 208095 فرنكاً ومبلغ المعاشات بلغ في سنة المذكورة 637322 فرنكاً وقد تقرر في سنة 1862 أن المعلمين الذين يتحصلون على شهادة تدل على اجتهادهم في التعليم يكافؤُن بنقود وكتب ونياشين شرف فإنهم أعطوا في سنة 1869 مائة وتسعة وستين مكافأة وصرف لهم من النقود 25250 فرنكاً و184 مكافأة كتب تبلغ قيمتها 9000 فرنك وإبعادية المكاتب والمدارس بلغت 14300518 فرنكاً وما صرف على المكاتب الابتدائية يبلغ تقريباً ثلاثة عشر مليوناً وبتخصيص هذا المبلغ على تعداد الأهالي يخص الواحد فرنكان وستون سنتيما وما دفعته الحكومة من الأربعة عشر مليوناً السابق ذكرها هو 568503 6 فرنكاً وما دفعته المديريات 1633318 وما دفعته النواحي 5258366 وما دفعه أهل الخير 477990 وما تحصل من المخصص على الأهالي 1009951 وأما مصروف المكاتب الابتدائية المعتاد السنوي فهو 7888484 فرنكاً على 324245 طفلاً فيكون المنصرف على الطفل في السنة أربعة وعشرين فرنكاً وقد كان عدد من ليس له معرفة بالقراءة والكتابة من ضمن المنتخبين للعسكرية سنة 1849 أربعين في المائة وفي سنة 1869 صار 24 في المائة وهذه النسبة تقرب(1/971)
مما هو في مملكة فرنسا ولكن لا يصدق هذا على المملكة جميعها وقد أتضح من الإحصاءات في هذا الأيام الأخيرة أن نصف المملكة ليس له معرفة بالقراءة والكتابة وبالجملة فجميع الجهات المفوض أمر التربية فيها إلى القسوس درجة الجهل فيها عظيمة جداً ومع أن هذه المملكة تصرف على التربية مبالغ عظيمة لم تتحصل على التقدم المرغوب وما ذلك إلا بسبب أن القانون لم يسوغ جبر جميع لأطفال على الحضور للمكاتب مع تصريحه بأن قسوس الديانة لهم التكلم على هذا الأمر فينبغي لأجل الحصول على الثمرة التي تكافئ ما هو جار صرفه عليها من المبالغ منع تصرف القسوس وجعل الأمر الديني منوطاً بهم فقط فبهذا يحصل بهذه المملكة في زمن قريب ما حصل في غيرها من الممالك المجاورة لها.
ورشة حسبو أفندي محمد بإسكندرية
هذا الوطني اجتهد في فتح هذه الورشة وأخذ يزيدها آلة فآلة حتى صارت أحسن ورش اسكندرية وليس حسن الورشة هو الداعي لشهرتها وإقبال الناس عليها بل علم هذا الوطني وتفننه هو الذي أوجب الثقة به فأقبل عليه أرباب البابورات والآلات المحتاجة للتصليح أو التجديد وانتشر خبر براعته حتى وصل الحضرة الخديوية العباسية أيدها الله تعالى فأقبلت عليه وابتدأ خدمته لها بعمل طاحونة هواء للماء أحسن صنعها وأتقنها فوقعت عند مولانا الخديوي الموقع الحسن ثم أمر حفظه الله تعالى أن يركب هذا الوطني قزانات وأبور المحروسة وهو عمل لا يسلم إلا إلى مهرة الميكانيكية فنحن نثني(1/972)
على الحضرة الخديوية الجليلة لعنايتها بأبناء البلاد ومساعدتهم على تقدمهم كما نهنئ هذا الوطني الفاضل بما فاز به من حسن توجهات سيدنا ومولانا ونتمنى له زيادة النجاح وهذه الورشة عند باب السدة بإسكندرية وقد تواتر أن الحضرة الخديوية ستشرفها بالزيارة فعلى الوطنيين أن يقلدوا مولاهم الأفخم في مساعدة أخيهم على اتساع نطاق ورشته بإرسال ما يحتاجون لتصليحه إلهي تكثيراً للفوائد الوطنية فإنه تساوي أعظم ورشة أوروبية بمصر.
تهنئة
أقام صديقنا الماجد الشيخ حنفي فرغل ليالي أفراح أنجاله وكريمته من ليلة السبت وستنتهي ليلة الجمعة بخير فمن جاء بيته الكائن ببولاق وجده ساحة أُنس وميدان أفراح ومنتزه طرب وقد دعا لولائمه الكثير من الذوات والعلماء والأعيان لا زالت الأفراح تتوارد على باب هذا البيت الفرغلي وكذلك تم عقد اقتران نجل حضرة أحمد بك أبو حمر من أعيان مديرية الغربية على كريمة المرحوم موسى بك ناظر الترسانة سابقاً وقد حضره لفيف من أعيان ووجهاء ثغر اسكندرية وفي المساء كانت الموسيقى العسكرية تطرب الجمهور مع تخت محمد أفندي عثمان المطرب الشهير وكان حضرة إسماعيل بك توفيق قائماً بمقابلة الوفود وبنظام الحفلة وانصرف العموم يدعون للعروسين بالهناء ويثنون على حضرة إسماعيل بك فنهنئ نجل صديقنا بليالي أنسه التي نتمنى دوامها وندعو له بالرفاء والبنيين
القول المفيد في آثار الصعيد
هو كتاب جمعه جماعة من طلبة دار العلوم العامرة وتصدى لوضعه وجمعه(1/973)
على هذا النسق الفاضلان الشيخ محمد عاطف والشيخ محمد مهدي وكانا قد توجها إلى الصعيد على وأبورات كوك ضمن ستين تلميذاً من المعارف منهم اثنى عشر من دار العلوم وقد بينا فيه الآثار والمباني والصحاري والأماكن القديمة التي يهم المتفرج معرفتها فجاء كتاباً حافلاً مملوءاً بالفوائد وإننا نرى حسنات طلبة دار العلوم تتوالى بعناية الأستاذ الفاضل العلامة إبراهيم بك مصطفى ناظرها واجتهاد المدرسين الأفاضل فإن هذا الناظر له اليد الطولى في العلوم الرياضية والطبيعية وله حب لتقدم الطلبة في العلوم الشرعية والعقلية وقد نجحت المدرسة في مدته نجاحاً لم يعهد مثله قبل ذلك فهنيء الطلبة بنظارته عليهم ونثني على عطوفة الفاضل المحقق خادم وطنه على باشا مبارك فإنها أثره الشاهد بفضله حفظه الله تعالى.
المنتقد
جريدة علمية أدبية تصدر كل شهر مرة يحررها الفاضلان المنشآن أحمد أفندي الأزهري ومصطفى أفندي الدمياطي وقد أخذا على أنفسهما انتقاد بعض المواد الكتابية قديمة أو حديثة وبعض العوائد الشرقية والغربية وابتداء النقد الكتابي برواية والعادات بكذبة ابريل ولو فرض إلينا الاشتراك معهما في الرأي لقلنا يلزم أن يكون انتقادها على الجرائد الحاضرة خاصة فنتمنى لها التقدم والنجاح فما ظهرت إلا لخدمة الأفكار بما فيه تنويرها.
الكمال
جريدة علمية أدبية إخبارية تصدر مرة في الأسبوع لصاحبيها الأديبين توفيق أفندي عزوز وبطرس أفندي وقد صدر العدد الأول منها مشحوناً(1/974)
بالفوائد نجح الله مقاصدها وأعان محرريها على هذه الخدمة العامة
ثناء
نثني على حضرات الأفاضل محرري جرائد الفارد اكسندري والمؤيد والوطن الونيل والإهرام والاتحاد والفلاح واليوسفور الذين دافعوا عن الأستاذ دفاع المحقين وردوا عنه رد الصادقين كيف وهم إنما يدفعون أراجيف يختلقها عليها المضادون له فلهم منا الثناء الحسن الجميل فإنهم إنما خدموا الأمة برد المفتريات وحفظ الأفكار من وساوس أصحاب الغايات وهذه وظيفة الجرائد متع الله البلاد فيها من النصح والإرشاد.
بروجر
شاع أن قد وجد في زبالة الحمامات جريدة تسمى بروجر. . مخصوصة بنشر الكذب والبهتان وبالسؤال عن لغتها قيل أنها تطبع بالفرنسية فحصل كدر عظيم لجراءة هذه الكذابة على استعمالها لغة خص أهلها باللطف وحسن الأخلاق وتميزت بين اللغات برقتها وبالبحث على نسخة منها لم نجدها فأوصينا باعة الهلاهيل والبطارخ والكسبة والنشوق الذين يلزمهم الورق عديم المنفعة عسى أن نعثر على نسخة منها فقد قيل أن كذبها لم يسبقها به سابق ولا يلحقها فيه لاحق فكل أيامها أول إبريل وقد ترجانا صديق أن نكذبها بذكر عباراتها والرد عليها فقلت له:
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً ... لأصبح الصخر مثقالاً بدينار
المقطم
خصتنا جريدة المقطم بسب شخصي وقذف ذاتي افتراءً فقابلناها بحلم(1/975)
الأدباء وصفح الكرماء وصمت الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس.
وكيل تحصيل
تعين الشيخ أحمد الزهيري من وكلاء جريدتنا المحليين وكيلاً متجهولاً مع وكلاء التحصيل وتسلمت إليه قسائم من الإدارة فالمرجو من مشتركي مديرية الشرقية وغيرها ممن يمر عليهم اعتماده وتسليمه قيم الاشتراك بوصول الإدارة ولهم الفضل.
رثاء
انتقل إلى رحمة الله المرحوم فوده بك حسم حمدار الآلاي الثالث من الجيش الملغي بعد داء إعياء ألزمه الفراش ثلاثين شهراً وكان رجلاً صادقاً محباً لوطنه قانتاً لم يرتكب المنكرات وقد احتفل بجنازته احتفالاً عظيماً مشي فيه العدد الكثير من الأعيان والذوات والفقهاء وأبناء المدارس إلى قرافة السيدة نفيسة وصلى عليه في مقام السيدة سكينة بنت سيدنا الحسين رضي الله تعالى عنهم وكانت وفاته بعد ظهر يوم السبت عن ستين سنة ووضع في جدثه مودعاً يوم الأحد أسكنه الله تعالى فسيح جنته وأمطره الرحمة والرضوان والهم أه8له الصبر الجميل. وكما نعزي أهل هذا الصديق وأصهاره نعزي صديقنا الفاضل سليم بك رحمي في والدته البارة التقية فقد فارقت الدنيا راغبة في فردوس الآخرة تاركة فاضلاً يواصل الصدقات عليها والدعاء لها فإنه من الأعمال التي لم تنقطع بعد الوفاة رحمها الله تعالى رحمة واسعة وأسكنها فسيح جنته.(1/976)
ورد لنا هذا الحمل من إنشاء الفاضل الشيخ علي سالم من أفاضل طنطا قال أيده الله تعالى.
الحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
وللي يسير فيه بالنيه ... عمره مينضمشي واصل
والحق له سكنه واحده ... وألف سكه للباطل
وللي يفوت في السير واحده ... دا مذهبه باطل عاطل
ياللي هجرت اليوم للذوق ... بالله يا هاجر واصل
سيف الحقيقة يودي الطوق ... وفي رقاب الزور فاصل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
يللي تميل نحو يقينك ... اسأل عليه أهل معارف
يعطيك كتابك بيمينك ... هو الجهول زي العارف
حسك تميل يم مخاوز ... يقل فهمك ويقارف
ويسلبك ويقول عاوز ... جنيه مشنير ويحارف
واحذر تسير بطريق انثى ... ولاّ جدع حاتف ناتف
تلقاه تمام زي الخش ... وللي يشوفه يقول راجل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
حال المزور ما يخفاش ... تلقاه يبيع مجده بلقمه
عن الصباح أعمى خفاش ... للزور يفتح في الضلمه
أن كان بيستفتاه جاهل ... في مسائله أو عن حرمه
يقول له هات أمرك ساهل ... ويركبو في الحال حرمه(1/977)
ياللي بتنقد في العالم ... ما يعجبك كبر العمه
ولا التخين في الناس ما لم ... يكون جليل عالم عامل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
وللي أدعى ما لم يدري ... بالامتحان تكشف حاله
وللي يتقيّ من بدري ... قبل الجميع يجمع ماله
وللي يزكي بمعاده ... في البحر يحفظ أمواله
وللي تساعده أوعاده ... في الناس تكتر عماله
يبقى مشرف ومسيد ... والدهر جي في إقباله
والناس تقول هذا مسعد ... حقيقة أنه فاضل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
يللي بتعصى للمولى ... والله ذنبك على جنبك
وربنا العالي الأعلى ... بكره يواخذك على ذنبك
أمشي صحيح وأمسك صابعك ... في كل شيء ترضي ربك
وأرعى الجميل واحفظ تابعك ... وَوْعى تبيح بعيوب صاحبك
وإن كنت في كربه منه ... دار ربنا يخفف كربك
وكل شاطر في فنه ... يقرأ العواقب في الآجل
والحق له ناس بالعنية ... وله طريق لله واصل
أوعى الجماعة اللي ابتاعوا ... علوم ولكن بالتدليس
ياما من التزوير جمعوا ... اهوا رووها عن إبليس
وإن رأوا واحد حشاش ... سرح مراته دي الخرسيس(1/978)
جابوا كتاب بدع الأوباش ... وطلعوا رجعة تفليس
وينطقوا جهلاً بالقاف ... ويلبسوا المعنى تلبيس
ولهم كلام كله أجحاف ... شرك يقع فيه الجاهل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
وكل قول محدث بدعه ... والبدعه لاشك ضلاله
أما الضلاله في جهنم ... والنار عليهم شغاله
أما الصحيح قوله يغنم ... في الجنه له ألف دلاله
اتبع كلام أهل السنه ... واترك كلام الخماله
اللي كلامهم له صنه ... على الخلاف طالع نازل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
أوصيك يا عاقل أن ترجع ... عن الأذيه للأخوان
بينك وبين الموت مرجع ... والدهر من عادته خوان
شف الحصان لما ينزل ... على لطحونه زي الجان
يبقى مفرعن ويزلزل ... ما يلحقه ولاميت هجان
أما الطحونه متفكرشي ... ولو دخلها ألف حصان
تصبر عليه ما تقلقشي ... أكمنها عارفه الفاضل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
دتقول له مهلاً يا سريخ ... دا بكره تطلع متجرجر
يا ما الجمل كسر بطيخ ... هوا كمان كسر اكتر
وللي ميقراش في العاقبه ... ويكون بها أدرى أخبر(1/979)
لابد ما يلقى عقبه ... وأن مشى لازم يعتر
وللي يحب الله لازم ... يطيع ولا يفعل منكر
ويكون على التقوى ملازم ... أن كان بيرجاه في القابل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
البحر واسع بيموج ... وللي على شطُّه عايم
وللي بيمشي ويتعوج ... عن الزمان غفلان نايم
وللي مالوش في الناس حرفه ... وفي طريقه السوء هايم
أدي الحرامي بالوصفه ... ولو يسج يا دايم
تبقى تشوفه في اللمه ... غراب على الرمه حايم
ومكسبه وقت الوخمه ... عمال يعربد في الداخل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
أوعى من الشيخ الكذاب ... الي يدوّر عَ الفته
وللي بيذكر بالأحباب ... أنا أنا أنتا انته
وللي يقول أصل الشرعه ... تهذيب يراه أهل النكته
وللي يدور حول البدعه ... ويدور على الناس في لفته
ومقصده الذهب الرنان ... يجمع الوفو في سكته
ومذهبه هتك العرفان ... ويقول أنا الله دي الجاهل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
أوعى تصدق للكاذب ... ولو يكون من بيت عالي
تسمع كلامه كلام عادب ... تملي شايل في العالي(1/980)
بالله متستفتاس فاسق ... قلبه من التقوى خالي
ووعى بقوله تكون واثق ... ولو يكون ابن الحالي
واحذر من البدعة تدعى ... على الدوام قدرك غالي
وأمشي ورا القرآن وأسعى ... وذق طعام وعظ القايل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
وللي يبيح مرّه بسرك ... أوعى تعاتبه على فعله
وارجع لكن عاتب نفسك ... وصن لسانك من أصله
وشريك سنه ما تحاسبوشي ... ولو يروح مالك كله
وللي مضى ما تعيدوشي ... وللي يسيئك أحسن له
ووعى تشيل هم الأرزاق ... والكل يرزق من فضله
وأترك حمولك ع الخلاق ... سبحانه حاكم عادل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
شف السكوت كله سلامه ... على الدوام فيها راحه
أما الكلام كتره ندامه ... وربما يجر قباحه
اسمع وذق طعم الكلمه ... تعرف معاني روّاحه
وكن أدوب عالي الهمه ... تبقى معظم في الساحه
وإن كنت تحكي في السكنه ... يكون كلامك بفصاحه
لازم كمان يا ابن النكته ... عن بعض أشياء نتغافل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
واحفظ مقام صاحبك ديمه ... وإن جنى أعفي عنه(1/981)
ربما تأتي جريمه ... وتطلب الغفران منه
وأوعى تآمن للظالم ... ولو عليك يسيل أمنه
لابد يوم يبقى حاكم ... عليك وتنزل في سجنه
حسك تنام يوم لعدوك ... اللي العقارب في ذهنه
ومقصده أنه يسوّك ... ويعظمك حين يتقابل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
أعدى العدا ما كان لين ... والشر كامن في قلبه
يخفي العداوة ويبين ... من الكلام أنك صاحبه
لحين يشوف منك فرصه ... يضحك ويظهر لك حبه
وبعدها يسقيك غصه ... ويحذفك جوا جبّه
آدي العدو ولاّ بلاشي ... اللي الكهانه من دأبه
السن يضحك عالماشي ... وتخشىّ قلبه بمشاعل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
وللي يريد يأخذ مالك ... والاصل جالك يضيّف
اصبر عليه بكره تخامره ... داهيه تخليه يتأفاف
يروح وحبله على ظهره ... ذليل ووشه بيخوف
لما يريد ربك سعدك ... تضرب عصاتك متهبف
حتى الزمان يبقى عبدك ... وتشوف هناك ضدك راحل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
وللي حفر لأخيه نقره ... لابد فيها يتكربس(1/982)
وللي نوى أي مضره ... لابد من توبها يلبس
والرزق ما هش بالحيله ... ولا بعزمك يا ريس
والحق ما فيهشي جميله ... والزور تملي مدّخمس
والصدق مركب مشروعه ... تسير ونورها متونس
والكذب بدعه مصنوعه ... يلوذ بها الشخص الميل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
الحر يصبر ما يقلق ... والندل ما يشكر خيره
والقلب مهما كان يخفق ... من الزعل ما لوش غيره
ما كل إنسان في الدنيه ... بين الورى يأكل طيره
والناس ما هياش بالميه ... ومن الشجاع تعرف سيره
يمكن تشوف واحد مفرد ... كل الأنام تخشى ضيره
وله مقام عالي أمجد ... والناس تقول ملاّ عاقل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
أمشي على قدم العباس ... اللي عواقبه محموده
ملك وله يوم الميدان ... بالنصر رايات مفروده
والعز كله له ديدان ... وله طوالع مسعوده
وله على كيد الأعدا ... في الفتح آيات مشهوده
ياما نياشين له تهدى ... من الملوك من غير حائل
والحق له ناس بالعنيه ... وله طريق لله واصل
ودي نصيحه للعارف ... عملتها ساده باده(1/983)
على كتافه وقطايف ... والسمن ووفقها بزياده
أوعى تقطع وتخالف ... وتسير على غير العاده
ولا تسئني بلطايف ... مقطفه عَ اللباده
أحسن أنا قلبي عايف ... باش حداده وبداده
وحيات أبويا أنا شايف ... كلام ولكن مش قايل
الحق له ناس بالعنيه ... ولو طريق لله واصل
هدية
أهدانا الفاضل وهبي بك ناظر مدرسة حارة السقايين كتاباً من تأليفه سماه مرآة الظرف في فن الصرف وهو كتاب أشتمل على مائة صحيفة ملئت فوائد نحوية وصرفية ولغوية يهم كل متعلم معرفته وقد اعتنى حضرة مؤلفه به كما اعتنة بجميع مؤلفاته الكثيرة الفوائد وفقه الله لمثل هذه الخدمة العامة.
وكذلك أهدانا صديقنا الألمعي بشاره بك تقلا كتاباً يشتمل على 182 صحيفة شحنت بالمراثي التي قدمها الفضلاء من أرباب الأقلام وأهل الأدب نظماً ونثراً يرثون بها شقيقه المأسوف عليه سليم بك تقلا مؤسس جريدة الأهرام فبالنيابة عن صديقنا نشكر هؤلاء الأفاضل الذين دونوا تاريخ الفقيد بتعداد محاسنه وآثاره ونثني عليهم ثناءً جميلاً.(1/984)
العدد 41 - بتاريخ: 3 - 8 - 1893
محمدةٌ عُدت مذمة
لا يخفى على أهل العلم أن الزجل من أبواب الشعر كالدوبيت والقوما وكان وكان والموشح موقد تناظر به كثير من الشعراء وافتخر بأحكامه بعض الأدباء حتى عدت صناعته أصعب من قرض الشعر إذا كان مشتملاً على المعاني الغريبة مسبوكاً في قوالب لطيفة فالتفنن فيه من محامد الشعراء لا من مذامّهم وقد كنت أحاول نظم شيء منه في الأيام الخالية فيتعاصى لعدم الباعث ثم اتفق لي أني كنت بمولد سيدي أحمد البدوي رضي الله تعالى عنه سنة 1294 هجرية وكان معي السيد علي أبو النصر والشيخ رمضان حلاوة والسيد محمد قاسم والشيخ أحمد أبو الفرج الدمنهوري فجلسنا على قهوة الصباغ نتفرّج على أديب وقف يناظر آخر فلما فطن أحدهما لانتقادنا عليهما استأنف أخاه إلينا وخصانا بالكلام فأخذا يمدحاننا واحداً فواحداً إلى أن جاء دورهم إليَّ فقال أحدهما يخاطبني(1/985)
أنعم بقرشك يا جندي ... وإلاّ اكسنا أمال يا أفندي
إلا لا وحياتك عندي ... بقي لي شهرين طول جيعان
فقلت على سبيل المزح معه
أما الفلوس أنا مدّبشي ... وأنت تقول لي ما مشيشي
يطلع عليَّ حشيشي ... أقوم أملَّص لك لِودان
ثم أخذنا نتبادل الكلام نحو ساعة حتى غلباً عند ما فرغ محفوظهما فلما قمنا وتوجهنا منزل المرحوم شاهين باشا وكنا نازلين عنده جميعاً أخبره السيد على أبو النصر بما كان مني مع الأديبين فلما أصبحنا استدعى شاهين باشا شيخ الأدبية وطلب منه أن يستحضر أمهر الأدبية عنده ووعده أنهم أن غلبوني يعطهم ألف قرش وأن غلبتهم يضرب كل واحد منهم عشرين كرباجاً فرضي بذلك واستحضر الشيخ داود والحاج إسماعيل الشهيرين بعمل الزجل وإنشاده ارتجالاً في أي غرض واستحضر معهما ستة من أشهر الحفظة المقتدرين على ارتجالاً في أي غرض واستحضر معهما ستة من أشهر الحفظة المقتدرين على الارتجال أيضاً وعقد الباشا لذلك مجلساً إمام بيته بطنطا وأجلسني بينه وبين المرحوم جعفر باشا مظهر وقد وقف الناس أُلوفاً والعساكر تدفعهم عنا ثم ابتدأ الشيخ فقال:
أول كلام حمد الله ... ثم الصلاة على الهادي
ماذا تريد يا عبد الله ... قدَّام أميرنا وأسيادي
فقلت
أنا أريد أحمد ربي ... بعد الصلاة على المختار
وإن كنت تطمع في أدبي ... أسمعك حسن الأشعار(1/986)
فقال
دعنا من الأدب المشهور ... وأدخل بنا باب الدعكه
ندخل على أسيادنا بسرور ... ونغنم الخير والبركه
فقلت
هياّ احتكم في البحر وشوف ... فن النديم ولاّ فنك
دلوقت تسمع يا متحوف ... أحسن أدب وحياة دقنك
فقال هات مدح في الحضرة على قد:
تعمل عمايلك يا منصان ... يابو الشفيفه العسليه
يا صاحب الحجل الرنان ... ودي الأمور الحيِليه
ماذا تريد من دي الولهان ... قل لي وأسعف
أحسن أنا من خمر الحان ... قصدي أرشف
وإن كنت تسمح يابو الخير ... يبقى الوصال الدّواليه
فقلت
المجلس العالي محمود ... فيه الأمارا والأعيان
واليومُ دا يومٌ مشهود ... خلعت عليه حلة إحسان
شاهين باشا فيه موجود ... حظو أزهر
أما المدير هذا المسعود ... جعفر مظهر
فإنه في الناس معدود ... من ضمن أرباب العرفان
دور
مجلس عليه حسن مهابه ... كأنه مجلس سلطان(1/987)
والحاضرين أهل نجابه ... وينقدوا قول الإنسان
اترك بقي شرب الغابه ... وأنشد نسمع
وإن كان تغني بربابه ... تطرب مجمع
حسن الكلام مثل سحابه ... تمطر على شجر البستان
فقال
القصد منك يانديمنا ... تعمل زجل هِيله بِيله
إلا أنت دلوقت غريمنا ... قصدي أحدفك بالفلفيله
وإن كنت تجهل تقريمنا ... اسأل عنا
أوعا تعيب في تكليمنا ... وأحذر منا
أحسن أوديك لعظيمنا ... يشيّلك الفين شيله
فقلت
أننا صغرا له نُونُو ... وفي الزجل منتش مجدع
اتبع نديم تلقى فنونو ... تأتيك من المعنى الابدع
أما عظيمك وجنونو ... يأكل نفسه
وإن كان يعارض بمجونو ... يطلب عكسه
لأن فني وشجونو ... لكل متعنطظ يردع
وبعد أن دار الكلام بيني وبينه في كثير من هذا الوزن قام الشيخ داود وقال:
قصدي أقولُ كلاماًيحكي لضمات الزهورهات أشجنا بنظام
من فن كان وكان
ادخل بنا لمعانكالبكر من خلف الستورفي قلب متحلٍّ(1/988)
في النظم إلاتقان
فقلت
اسمع كلام نديممن طيه كل السرور وأعقل نصيحة حبر
يدعوك للعرفان
لا تستخف بخصم لو كان من أوهى الطيوروأصفح فكل صفوح
يعلو على الأعيان
وأخش اللئيم دواماًفاللؤْم داع للشرورواحفظ مودة حر
في عهده ما خان
لا تصطحب بوضيعينزلك عن سرج الظهوروأصحب أخيّ شريفاً
وأطلب رضا الأخوان
وأنزل ببيت كريمإن كنت ضيفاً في العبور واسمع سؤال فقير
أودى به الحرمان
هذى نصيحة حرقد جرب الدهر الجسورإن كان يعجب هذا
أولا فخذ تبيان
فالبحر بحر لآلٍإن قُلدت زانت نحوروالفكر فكر ذكيّ
لا يعرف النسيان
فأعرض عن كان وكان عجزاً منه وقال هات فخراً على؟؟
يا صبا نجد ورامه ... هجت للمشتاق وجدا
كل صبّ في غرامهُ ... ما اشتكى في الليل سهداً
عنفوني عذبوني ... ذقت في التعذيب شهداً(1/989)
والهوى أحرق ضرامه ... كل أحشائي وقلبي
فقلت
فخر مثلي في بيانُه ... والغبي يفخر بمالهُ
والأدب أحسن صفاتي ... فالذكي حسنوُ كماله
واللبيب يظهر بعلمو ... والغلام مجده جماله
كل قول المرء يفنى ... غير محمود المآثر
فقال
فخر مثلي في نكايت ... تضحك الشيخ العبوس
ألحس المعنى برجلي ... وأشرب القول بالكؤُس
لا تلم من قال حظي ... وائتناسي بالفلوس
لا تقل زيد وعمرو ... ليس في النحو مفاخر
فقلت
الفلوس حظ المفلس ... والجعيدي والحرامي
والعلوم روض الأكابر ... لطفها في العقل نامي
والمضاحك والمساخر ... مالها دخل فْ كلامي
كل مضحك بين قومو ... مسخره للمجد خاسر
فقال
ساعة الحظ وحيده ... عند محبوب وحان
لا أُبالي يوم أُنسي ... بالمعاني والبيان
منتهى قصدي فلوس ... تملأ البيت بالأوان(1/990)
إن كيسي أن كيسي ... مجمع الدنيا ولآخر
فقلت
كل ما في الكيس بفارق ... يادَوُد فاسمع وفكر
والفخار والمجد كلوُّ ... في العلوم فاطلب وبكّر
وإن تكن شيخ حق عالمٍ ... فامش بين الناس وذكر
تحي كل الناس بعملك ... بل ترى المجموع شاكر
وبعد مبادلة الكلام في هذا الوزن نحو نصف ساعة قال هات عزلاً على قد:
مدود حمارك مطرحو في الغيط ... في جنب بستان الأمير
وإن كان يجي لك لدارك أربطو في الحيط ... أحسن يبرطع في الحمير
وإن كان مكسر فأنو يمنعك مِن الميط ... وقت السفر في الهجير
أوعا حمارك يا فتى أوعاه ... أحسن ما تمشي عَ القدم
فقلت
من يوم عرفتك والفؤَاد ولهان ... في حسنك الزاهي النصير
والخد من دمع العيون ريان ... تجري عليه كالغدير
أبيت ليلي بالأرق سهران ... بين الكراسي والسرير
وكل وِردي في الدجى آه آه ... من يستطع من يصبرِ
دور
قلبي المعذب في لهيب الخدود ... والوجد في الأحشا جحيم
بالله من أوراك باب الصدود ... لقتل مضناك العديم(1/991)
أين الوفا يا منيتي بالوعود ... ورقة القلب الرحيم
أواه من نار الجفا أوّاه ... لو يعشق الريم يعذرِ
دور
قد كان لي سعد السعود خدام ... لما التقينا في الطريق
وقلت بالحاجب أروح قدام ... وأنت ورايا يا صديق
فصرت أنظر للقوام القوام ... وعادل القد الرشيق
حتى ملكت الروح وأروحاه ... لو يرجع اليوم ينظرِ
دور
قال المدلَّع عاشقي ما الحال ... جفني جرح منك الفؤَاد
طم من شجي مثلك سباه الحال ... حتى غدا خصم الرقاد
قلت أرحمو من في التصابي مال ... عن كل أبواب الرشاد
قال أن ترم مني الوصال وصفاه ... هات اليمين الأكبر
ثم طلبت منه أن يأتي باليمين من هذا الوزن فوقف فقصدت الحاج إسماعيل فوقف فطلبت من الستة فوقفوا فقال المرحوم شاهين باشا نحسبها لك واحدة ثم قال الشيخ هات غزلاً بمعنى بديع على قد:
اهيف رشقني بقوام مثل المران والوجد عذبني بناره
فقلت له أقول تحميلة وتقولون أخرى من جنسها فقال هات فقلت:
يأهل الصبابا يا عشاق سلوا المشتاق فالعشق مالو غير أهلُه
فوقف الجميع ولم يستطع واحد منهم الدخول معي في هذا المضيق فقلت ومشيت إلى آخر الأدوار الآتية:(1/992)
أشكو إليكم أحزانيبل هجرانيمن أهيف صادني نبُله
أهيف بنظره في خدهخدني عبدهوجت سقامي تشهد له
وأدمعي نزل تجريتنظر صدريرأت فؤَادي بيرقص له
قالت لو اتلفت عيونيقال سيبونيسيد الملاح يعرف شغله
ما دمت إني في رقهياخد حقهوأن مال لعتقي من أصله
أنا خديم ولاّ أكترالله أكبرالعشق ما ينكر فضله
العشق ترياق الأرواحوياّ الأشباحوَنضا الذي طاب لي نهله
ما يعرف العشق الأجلافياهْل الأنصافما للعذول يكثر عذله
عاقل رأى مجنون يشربحتى يطربفراح شعوره مع عقله
ومال لعذلي يتفرَّجبل يدّرّجللعشق لما حان قتله
ظن الغرام قصعة فنهفوقها حتهمن لحم قد طاب لو أكله
لما رآه سلب الألبابخاف الأسبابوراح يعضعض في نعله
وصرت وحدي متهنيأفضل أغنيللحب أن شخشخ حجله
أرى النجوم والنار تكويقلبي المشويوالوجد كتفني بحبله
قد بعت روحي للفتانمن غير أثمانوبعت ملكي من أجله
كيف الخلاص والقلب كسيروالصب أسيروالجفن يجرحني بنصله
والشهد في ثغر المحبوبهوّا المطلوبلكن أخاف قرصة نحله
خالو يلوح كالشمسيةفي الظهريهوالخد نايم في ظله
عزمت وجدي يتعشّىجوا الأحشافجِه بخيله مع رجله
والصدر وسع لو النادييا أسياديوالكبد قامت تطبخ له(1/993)
والعين كبت خمرتهامن فرحتهاوالقلب قابلنا بطبلُه
قعد وربّع في صدريوالنار تجريمثل الصواريخ من حلوُله
لما رأى روحي وجديأتلف كبديبعث رساله مع رُسله
يقول يا مسكين مالكبين حالك عسى يكون عندي حله
فقلت يا سيد عبدكمن نار خدك حرق اللهيب جسمه كله
أخذت حبيب قلبي النخوهبعد القسوهوجا يغازلني بدلّه
خطر ولكن في قلبيبهجة لبيوجاد لمسكيغو بوصله
من فرحتي هرولت أبكيمن غير ما شكيوالدمع من كترو بلّه
حركت قلبو للرحمهمن دي الفحمهفجاد بياسمينو وفُلّه
فقلت أحييت الفاني يا إنسانيالله يجازيك بفضله
وكان ما يرجو العاشقغير الفاسقوالسر لا يحسُن نقله
وإلى هنا صفق الباش والحاضرون ثم عدنا للزجل المعتاد بما يطول ذكره فإن الشيخ رمضان كتب من زجل هذا المجلس خمسة كراريس وكله محفوظ عندنا لم يضع منه شيء وقد استمرت هذه المناظرة ثلاث ساعات فرجل تكون بديهته هكذا لا يذم بمجلس كهذا بل يمدح فإنه قل أن يدخل معه قوّال في هذا المضيق البديهي ولو أن أصحاب المقطم يعلمون حقيقة هذا المجلس ما قبلوه من المكاتب على أنه ذم فإنه من أحسن ضروب المدح والفخر أما مسألة المنصورة فسنأتي عليها في عدد آخر فإنها لا تقل عن هذه بل تزيد لما فيها من بداهة الشعر الجيد في مجلس خاص بالشعراء وما دعانا لهذا البيان إلا لكون هذه الحالة محمدة عدت(1/994)
مذمة. ولقد عدل المرحوم شاهين باشا عن ضرب الأدبية وأعطاهم خمسة جنيهات وقد شهد هذا المجلس عدد لا يحصى وناهيك بمجلس يعقد في الشارع في المولد الكبير وقد قلبنا فيه أوزان الزجل وتكلمنا في فنون الشعر الثمانية مع الإسهاب في القول وكنا إذا دخلنا في باب الزجل العادي يتكاثر عليّ جميع الأدباء بسرعة غريبة ومع ذلك فإني لم أقف معهم في شيء وكانت الشروط أن من تنحنح أو بلع ريقه أو سكت بعد فراغ صاحبه عد مغلوباً وقد تناقل الناس هذا المجلس وما قيل فيه حتى بلغ حد التواتر وحفظ بعض الشراء كثيراً من أحماله الأدبية والبديهة تدفع عنا اعتراض مكاتب عاجز عنها فإنها مزلق أقدام فحول الشعراء ومحل أحجام كثير من الأدباء.
تابع حفظ الصحة
للدكتور أحمد أفندي ذكي المصري
وإنما الواجب فعله هو أنه متى شوهد انسداد إحدى الفتحات الخلفية يرسل الطفل إلى الطبيب ليجري فتحها خوفاً من امتصاص الخلط الذي يخرج منها كالبراز مثلاً في حال انسداد الشرج والبول في حال انسداد مجرى البول. وقد يولد الطفل مصاباً ببعض أمراض كالرمد الصديدي البلينوراجي والليكوري والزهري والدرن والسرطان والفتوق. أما الرمد الصديدي فيعرف بحصول احمرار الأجفان وانتفاخها ثم يحصل إفراز من مادة صديدية لو بحثت بالنظارة المعظمة لوجد فيها الميكروب (كائن حي مولد للمرض) المسمي اسنافيلوكوكيس أي ذات الرأُس ومتى استمر هذه الأعراض تصاب القرنية فتلتهب وتتقرح ويحصل فتق قرحي ثم ينتهي الأمر بفقد الأبصار أن لم يتدارك(1/995)
بالمعالجة وفي هذا المرض يحصل ألم ناخس شديد للأطفال يجبرهم على الصياح الدائم والمشاهد أن هذا الرمد يقطع أدواره الثلاثة وهي دور الهجوم ودور الارتقاء ودور الانحطاط بكل سرعة بحيث لا يمكن تمييز أحدها عن الآخر فيجب على أهل هؤلاء الأطفال المبادرة بمعالجتهم ويكون ذلك باستعمال الغسيل المتكرر بالماء المرشح أو المضاف إليه قليل من عصارة الليمون ويمس باطن الأجفان بمحلول خفيف لعصارة الليمون والأحسن إرسال الطفل إلى طبيب ماهر يفعل له المس بمحلول نترات الفضة أو والغسيل المتكرر بمحلول حمض البوريك أو السليماني أو وأسباب هذا الرمد لم تعلم إلى الآن وبعضهم قال أنه يصيب الأطفال الآتين من أُمهات مصابات بسيلان نوعي ومع ذلك فقد شوهد هذا المرض في أطفال آتين من أمهات خاليات من هذا المرض ونسب إلى وساخة أيدي القابلات ولكن بعد اعتنائهن بتنظيف أيديهن لم تزل تصاب به الأطفال فنسب إلى الكؤل وما شاكله من المواد المهيجة التي تستعملها أهالي بعض البلاد لتنظيف الطفل وهذا أيضاً غير مقبول والجمهور يقول أنه مرض يأتي من العدوى ومتى وجد ميكروبه في العين أحدث الأعراض السابق ذكرها. وحيث أنه معد فيجب بعد الأطفال عن الطفل المصاب به وكذلك يبعد غيرهم من المتقدمين سناً ويعتني بالنظافة جيداً ويمنع الذباب من وصوله إلى عين الطفل المصاب فإنه يحمل برجليه القذى المحتوي على الأصل المعدي ويوصله إلى عين شخص آخر.
أما الرمد البلينوراجي أي الآتي من السيلان النوعي فإنه يأتي للطفل حال ولادته إذا كانت أُمه مصابة بسيلان نوعي وأعراضه كأعراض الرمد(1/996)
الصديدي ويحتوي على ميكروب يسمى جوتوكوكيس وهذا الرمد أكثر شدة وألماً من الرمد الصديدي ومواد إفرازه أقل ميوعة من الأول وإتلافه للعين أن أهمل يكون في زمن أقل من زمن الصديدي ومعالجته كمعالجته - أما الرمد الليكوري أي الآتي من السيلان الأبيض فإنه يصيب الطفل حال ولادته متى كانت أُمه مصابة بسيلان أبيض وأعراضه أخف من أعراض الصديدي والبلينوراجي والمعالجة واحدة.
أما لزُهري الوراثي فإنه أما أن يصاب به الطفل في الرحم ويولد به وأما أن يصاب به بعد الولادة بأسابيع أو أشهر وقد لا يظهر إلا في سن البلوغ ويصاب الجنين به إذا كانت الأم مصابة به حال تكوُّن البيضة وإذا كان أبوه هو المصاب فيأتي للجنين حال تلقيح المنيّ للبيضة التي يتخلق منها لجنين أي أنه يكون في المنيّ نفسه وقد تصاب الأم بالزهري قبل الولادة ببعض أيام وتظهر عندها القرحة في مزلق الطفل فند نزول الجنين يحتك بالقرحة ولرقة جلده يدخل الفيروس الزهري في جسده فيصاب به وقد يتفق إصابة الأبوين معاً أو أحدهما بالزهري ولا يصاب به الجنين وذلك إذا كانت إصابة الوالدين قديمة جداً. وإذا ولد الجنين مصاباً به تظهر عليه هيئة حويصلات نفاطية خصوصاً في أخمص القدمين وراء حتى اليدين ثم تتفجر وتترك الجلد متعرياً وقد يصحب ذلك طفح زهري يمتد إلى أعضاء التناسل فيحدث تشققا في الشرج يحصل منه ألم للطفل وقت التغوط وقد تتولد لطخ مخاطية في الفم فيعسر إرضاع الطفل وضحكه وبكاؤُه وقد يحصل تقرحات متسعة في الجلد أو الأغشية المخاطية فتتآكل وتتآكل معها الأنسجة حتى تصل إلى العظم(1/997)
ويعالج الزهري الوراثي بدلك الجسم بالمرهم الزئبقي بأن تؤخذ منه قطعة قدر القمحة ويدلك بها الفخذ الأيمن ابتداءً دلكاً جيداً وفي اليوم الثاني يدلك الفخذ الأيسر مثلاً وفي اليوم الثالث يدلك الزراع الأيمن وهكذا ثم يعطي هـ من الباطن المركبات الزئبقية كالزئبق الحلو أو السليماني أو ثاني يودور الزئبق أو ألخ ويغيّر على القروح بحسب ما يناسبها ويلزم استحمام الطفل الآتي من أبوين زهريين يومياً لأن النظافة تسهل التبخير الجلدي بإزالتها الأوساخ التي لو تراكمت لهيجت الجلد المستعد للتقرح أو التسلخ من أقل سبب. ويجب تجنب العادة القبيحة
المستعملة في مصر وهي عدم غسل الطفل الآتي من أبوين زهريين إلا بعد مضي سنة فإنها من أضر العادات إذ لا يخفى أنه يعدم الغسيل تتراكم الأوساخ على الجلد فيمتنع التنفس الجلدي فيتراكم حمض الكربونيك فيتلف الدم فيحدث فساد في التغذية العمومية للأنسجة فيضعف الطفل ويصير عرضة لظهور أعراض الزهري الخبيث وبمخالطة الأوساخ للجلد يصاب الطفل بجميع الأمراض الجلدية أيضاً.
باب الأدبيات
نفتح هذا الباب بكتاب نضعه للمطارحة ترويحاً للنفوس وقد وضعنا له المقدمة الآتية ليكون مستقلاً عند الفراغ منه وهي
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على أشرف رسله سيدنا محمد وعلى(1/998)
آله وصحبه فهذا كتاب أفقر العباد إلى مولاه الكريم. عبد الله النديم الإدريسي الحسني الأشعري. الشافعي الخلوتي الأسكندري. سميته نظم (ألف باب لمطارحة الألباّ). ورتبته على حروف أب ت ث ألخ ملتزماَ بدء كل بيت بحرف بابه آتيا بالقافية على بقية الحروف غير ملتزم بحراً من أبحر الشعر لما في ذلك من السآمة والملل ورمي المطارح بأنه يحفظ قصيدة واحدة ولم ألتزم التزام الارتقيات لما فيها من التكلف ولمنع دخولها في المطارحة سالكاً بالنظم مسلك الأمثال في غالبه وقد آتى في بعضه بمدح أو غزل أو هزل ترويحاً للنفس مذيلاً كل حرف من الحروف العشرة القليلة الاستعمال بعشرين بيتاً والحروف هي ث خ ذ ز ش ص ض ط ظ غ وبإتمام نظمه يكون مجموع ما فيه 1041 بيتاً وهي كفاية لمجالس متعددة خصوصاً إذا ضم إليها ما يحفظه المطارح من غيرها وقد أخبرني شقيقي السيد عبد الفتاح أفندي النديم أنه رأى كتاباً للمرحوم العلامة الفاضل عبد الله باشا فكري في هذا الموضوع فكدت انثني عن عزمي لولا أنه قال أن ذلك من منقوله لا من مقوله كهذا فلذلك عدت للعزيمة وأنشدت
حرف الألف
الحمد الله البديع الأول ... من انشأ الأكوان طُرا كيف شا
أوحى إلى خير الورى قرآنه ... يهدي به الأكفار والألبابا
أنواره كالشمس تهدي مؤمنا ... كي لا يرى في زمرة الأموات
آياته الحق المبين المرتضى ... من هديه تنأى العقول عن العبث
أضرب بها شكاً وظناً واتبع ... للحق أمراً ترتقي أعلى درج(1/999)
أحسن إلى الاعداء تجذب قلبهم ... واصفح عن الزلات تعرف بالسماح
أن رمت أن تدري الوجود وما به ... جبُه بحسن قراءة التاريخ
أيام سعدك فرصة فاجعل لها ... شكر الإله وسيلة تتجدد
إن كنت تدعى سيداً في معشر ... كن للجميع من الخطوب معاذا
اسأل عن الأحساب قبل الإصطفا ... واستفت فعل المرء تظفر بالخبر
أقبل على الملهوف بالوجه الذي ... ترضاه إن كنت اللهيف المعُوِزا
اصبر على صرف الزمان فإنه ... أمر يدور على جميع الناس
أكرم ذوي الهيئات عند سقوطهم ... وأرفعهمُ عن خطة الأوباش
أشرب كؤُس الصبر أن ... رمت النجاة من الغصص
أترك جميع الناس أن ... كنت الذي يخشى المرض
أيام دهرك كلها ... تأتي على هذا النمط
أدبار يوم واحد ... يُنسى النعيم وكلّ حظ
أسأك من والى عدوك لحظة ... وسرك من زار الصديق بلا وجع
أجرت إذا كنت الدليل لخائف ... يريد مجيراً عاقه الخصم أو بلغ
أجب لم تسُد بالعلم أو أصل عزة ... أو الجود أو عقل فأنت رقيق
أُصول مجدك لا تُعليك مرتبة ... وكل فعلك بين الناس متروك
إذا كتبت فأوجز مظهرا غرضاً ... وأجعل كتابك رأساً ما له ذيل
أذاقك الفضل من أولاك مكرمة ... فكن شكوراً تحرك هِزّة الكَرَم
أجد جوابك في وقت الجدال تسُد ... فجوهر اللفظ للألباب عنوان(1/1000)
الطاف الله لها مَدد ... يأتيك لتنجو من شُبه
أقبل عذر المغلوب ولا ... تبخل بالعفو تنل صفوا
ابدأ أهل الإحسان بما ... يرضون تنل منهم أملا
اختم بالخير مطارحة ... واردد منشورك للطيّ
حرف الباء
باسم الإله تسهّل الأشياء ... وتنال بعد إبائها العلياء
بعث النبي مؤيداً في شأنه ... فدعا إليه ونور الألبابا
بادت به زمر الردى وتعززت ... فرق الهدى بالنصر والآيات
باعوا النفوس فعوضوها جنة ... مُدت لها الأعناق من كل الجثث
بالله أن السابقين تدرعوا ... بالصبر حتى أعدموا كل الهمج
بات العذول بوصل الحب في خبل ... يقلب الفكر حتى جاءه الصبح
بارت تجارة من يمشي على دغل ... بين الرجال ولم يرجع بتوبيخ
بدر التمام وقد حفته هالته ... أدنى ارتفاعاً من المغمور بالمجد
بعر الجمال على تلٍ بمزبلة ... أعلى اعتباراً من الغالي لأستاذ
بادل الأفكار مصقول النهي ... تلتقط من رأيه أغلى الدرر
باطل الأقوال يردى ربه ... بين أهل الحق مارَى أو عجز
بارز الشجعان وأحذر خدعةً ... وأسهر الداحي إذا كنت الحرَس
كل علم جاَء في سن الصبا ... فوق لوح الفكر يا صاح انتقش
بعدتَ وقلبي بين جنبي خافق ... فإن ثبت الهجران طار من القفص
بُقول أراضي النز يكره أكلها ... فإن أُكلت حُم المكابر وانتفض(1/1001)
بغيضك من تلقى الصدور بذكره ... تضيق فحاذر أن تكلفها الشطط
بلاء جميع الناس في خطأ الحجا ... وصبحة أرباب البلادة والغلظ
برّ الوصول وجانب قاطعاً أشراً ... وألزم نصوحاً له في النصح إبداع
بعد العلو إذا زاحمت من سفلوا ... سلواك عبد وصناع وصوّاغ
بين النفوس وبين الفضل مضطرَم ... لايصطليه من الطلاب إجلاف
بسم الحبيب رسول للوصال فإن ... أو ما بلحظ فقد حياك أشفافا
باب المعالي ظاهر ... لكنه فوق الفلك
بحر المعاني زاخر ... من خاضه يأبى الملل
يظن الأماني واسع ... ما شقه إلا الهمم
بيع المحيا بالُّلهي ... موت تعجله المنن
باذل الأموال فضلاً ... لا تُبخّله بمهْ
بادر المأمول تغنم ... قبل أن تعييك لو
بدّل السُوآى بحُسنى ... تلقى كل الناس أهلاً
بعد برءٍ من غرام ... لا تقل سُعدى ومَى
منقبة
من محاسن أمير المؤمنين وخليفة الله في أرضه سيدنا ومولانا السلطان عبد الحميد أيده الله تعالى صدور أمره السامي بصرف تسعين ألف قرش وخمسمائة برسم ترميم مقام ابن بينت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سيدنا ومولانا الحسين رضي الله عنه بكربلأ عناية منه بهذا الضريح الشريف(1/1002)
الذي هو محل تنزلات الرحمة فنقدم الشكر للحضرة السلطانية الجليلة والثناء الدائم على الذات الشاهانية المنتشر ظلها في على الممالك العثمانية المحروسة أيدها الله تعالى. كذلك علمنا من أخبار نابلس أن عطوف تلو حسين أفندي متصرفها شرع في ترميم مسجد سيدنا زكريا وهو مسجد كائن بسبسطية من أعمال نابلس كان في العهد السابق كنيسة للسامرة وأخذه يوسف صلاح الدين وصيره مسجداً إلى الآن وهو بني بناءً محكماً بالأحجار الضخمة ولكن بابه الشرقي تهدم وكذلك الباب الغربي آيل للسقوط وقد بسطنا الكلام عليه في رحلتنا الشامية فتجديد هذا المسجد يعد من محاسن عطوفة المتصرف وقبر سيدنا زكريا في مغارة ينزل له بدرج ويقال أن جسد سيدنا يحيى معه فقد اشتهر أن رأسه الشريف بجامع دمشق وذراعه ببيروت وبقية جسده بسبسطية ويوجد قبر بمقبرة اليهود بالقدس الشريف على صورة هرمية تقول له العامة طرطور فرعون والبعض يقول أنه قبر سيدنا زكريا عليه السلام والصحيح أن قبره بسبسطية وحيث أن همة عطوفة المتصرف تعلقت بتجديد هذا المسجد الذي بنيت دور سبسطيته من أحجاره فنرجوه أن يجدد مسجد سيدنا يعقوب الكائن أما قبر سيدنا يوسف بنابلس على ما اشتهر فإن هذا المسجد تهدم ودفنت عمده في التراب ولكن بقي منها ثلاثة ظاهرة وأثر محرابه يرى بالعين وبجواره بئر يعقوب التي وقف عليها المسيح عليه السلام واستقى من السامرية كما هو منصوص في الإنجيل وقد اشترى بعض أهل نابلس قطعة ارض بجار هذا المسجد وجعلها بستاناً ولكنه أدخل قطعة منه وما يريد إلا إعفاء أثره فنرجو من جرائد طرابلس وثمرات الفنون وبيروت أن تنبه على(1/1003)
ذلك وتستنهض همة عطوفة المتصرف للمحافظة على هذا الأثر القديم فإن ذلك مما يهم الأمم الثلاث الإسلامية والإسرائيلية والمسيحية وهو مسجد صغير يكفي لإقامته عشرون ألف قرش وعسى أن تتحرك همة بعض رجال الخير في الآستانة للعرض عن ذلك لأعتاب مولانا الخليفة الأعظم فإننا على يقين من صدور أمره العالي بتجديده أن رفع أمره إلى مسامعه الكريمة حفظه الله تعالى.
من أحد السوريين
صورة ما ورد لا من أحد نابغي السوريين المسيحيين بمدينة بطرسبورج عندما أرسلت إليه جريدة الأستاذ بناء على طلبه قال بعد العنوان
بعد الإطلاع على مضمون العدد 35 من مجلتكم تحققت أنكم لا تزالون على خطتكم الوطنية العربية التي بها وبنشرها بني كل ناطق بالضاد يقطع النظر عن اختلاف الأديان والأخلاق حتى تتقدم الوحدة العربية وتقف أمام صدمات الأعداء من جميع الأوجه. هذا ولما كنت ممن يوافقكم قلباً وقالباً على هذا المبدأ الوطني ولا يتوخى سواه بعثت بهذه الدراهم (سبع روبلات روسية ثمن الفرد منها 14 قرشاً) طلباً للاشتراك بمجلتكم الغراء التي لابد أنها ستصبح آجلا أو عاجلاً آلة فعالة لبث هذه المبادئ الوطنية العربية بين أفراد الأمة العربية التي لا ينقصها أمر سوى جمع شتاتها تحت راية هذه الوحدة فالأمل م وطنيتكم المعروفة والمشهود بها حتى لدى أعدائكم أن تبعثوا لنا عند استلام هذا التحرير ما صدر وما سيصدر من أعداد مجلتكم الغراء لحولها الأول ونحن نعدكم بترويج مجلتكم بين الأهل والأحباب من إسلام ونصارى وذلك بحسب الاستطاعة ثم إرسال ما سطعنا كتابته من المقالات(1/1004)
العلمية وغيرها مما يتعلق بالأمة العربية وما يوافق ذوق أبناء الشرق ومشتركيكم الأدباء إلى أخر كتابه والإمضاء محفوظ.
فهذا الكتاب يرد على من ينسبون الأستاذ إلى التعصب الديني أو إلى تفريق الكلمة الشرقية فأعداده شاهدة بأنه ما حام حول هذا المقصد وما اختزله الغير منه إنما فعل مثل ما فعل رجل رأى في كتاب لعدوه أنه يعتقد أن لا إله إلا الله فقال ورأيت في كتابه أنه يعتقد ألا إله والحقائق لا تستر إلا بقدر ما ينجلي الحق ويظهر ظهور الشمس للعيان ولو قال هذا الفاضل أننا ننادي بحفظ الوحدة الشرقية من عرب وعجم وترك وجركس وكرد وأرمن وغيرهم على اختلاف الدين لأصاب الغرض فإننا ننادي بها لا بالجامعة العربية وحدها.
لا حر في الدنيا بل الكل رقيق
وردت لنا رسالة بهذا العنوان من إنشاء الكاتب الماهر مصطفى أفندي أحمد أحد المقبولين في امتحان اللجنة المستديمة قال:
ما سود المداد وجه القرطاس بكلمة انخدع بها الإنسان مثل كلمة حرية التي اعتبرناها كلمة حق بغير ترو وأخذنا نبني عليها بيوتاً أو هي من العنكبوت وقاد التصور الوهمي بني الإنسان فأهدروا دماءهم خف هذه الكلمة المشؤمة مع أنها لا وجود لها إلاّ في الأوهام وقد أساء الكتاب والعلماء الذين بنوا عليها أموراً تخيلية ودليلنا على عدم وجدودها أن الكواكب السيارة وسيارة السيارة والثوابت (أي ثبوتاً نسبا لا إنها ثابتة بالفعل) لا تتحرك بذاتها ولا تثبت بذاتها بل الذي يدفعها للحركة عامل قائم بذاته وهو الجاذبية المخلوقة(1/1005)
لله تعالى وهذا أمر لا ريب فيه فإذا كان كذلك كانت هذه العوالم خاضعة لقوة لا تقدر على مقاومتها فهي منقادة لها بحكم القهر والغلبة فهي رقيقة لا تعرف الحرية ولا تقرب منها. ونرى السحاب لا يسير إلا بحكم الهواء عليه فيمشي معه إنيّ سار ولا يمكنه مخالفته فهو عبد للهواء يسير بسيره. وإذا تأملنا حالة الهواء الناتج من دوران الأرض نجده يسير سيراً مستقيماً ما لم تعارضه قوة ثابتة كالجبال والسدود الخلقية فيكون الهواء منقاداً لقوتين قوة دفعه التي بها يسير وقوة الجبال التي تحوله من مجراه إلى مجرى آخر فهو رق لهاتين القوتين. وهكذا بقية العوالم نجدها منفعلة لفاعل قاهر متسلط عليها بالقهر والتسخير. والإنسان وجد على ظهر هذه البسيطة وأخذ يناضل عن الحرية ويدعى البعض أنه حر مطلق التصرف ولو أمعن النظر لوجد نفسه عبداً مقيداً بسلاسل العبودية لا يستطيع فراراً من سلطاتها ليس بينه وبين الحرية وصلة ولا فرق في ذلك بين الغني والفقير والملك والمملوك والصغير والكبير فإن الجميع مستورون في العبودية وهكذا الطيور والحشرات وجميع الحيوان والنبات. فإن قيل إننا لا نجد من الاستعباد شيئاً بل نحن أحرار قلنا أنتم مقيدون بقانون الآداب وعبيد لسلطان العلم أن كنتم علماء وأرقأ للمنكران أن كنتم جهلاء والكل عبد للجوع والعطش والحر والبرد والنوم والسهر والحب والبغضا والحزن والفرح والصحة والمرض وغير ذلك مما يطرأ على الإنسان فأولى بكم أن تنبذوا هذه الأوهام وتتحققوا أن لا حرية في الوجود فما فيه غير عبيد كلما تخلصوا من قيد ارتبطوا بقيد آخر وأن كان هناك من ذاق طعم الحرية خالياً من الطوارئ والعوارض فليأتنا بإنبائه إن كان(1/1006)
من الصادقين.
(الأستاذ) لم ينظر الكتاب للحرية من هذه الحيثية وإنما هم ينظرون إليها من حيث التصرفات الشخصية فإذا وجدوا أمة تبيح تمتع كل إنسان بماله وتصرفه في أقواله وأفعاله التي لا تمس القانون قالوا أنها أمة حرة تحب الحرية وأن رأوا أمة مستبدة تحب الانفراد بالرأي ولا تبالي بالظلم في جانب غرضها الذاتي قالوا أنها أمة ظالمة محبة الاسترقاق فلا تمكن أحداً من التصرف في أمواله وأقواله وأفعاله إلا إذا كان في ذلك فائدة لها وهذا الذي جرت فيه أقلام العلماء في تعريف الحرية الإنسانية وعلى هذا فالحرية توجد في أمة باعتبار قانونها الحر وتعدم في أخرى باعتبار استبدادها والكلام في هذا الباب كثير سبقنا لتحريره جمع من الفضلاء أما ما ذكرتموه من خضوع بعض العوالم إلى البعض الآخر فهذا أمر يتوقف النظام عليه فلا تصلح الناس فوضى ولا الطبائع مسترسلة بل لابد من قواسر تقف بها المنفعلات عند حدودها وحوافظ تربط العوالم ربط وقاية وانتظام وفعل الله تعالى منزه عن العبث فما من فاعل ومنفعل إلا ووجوده لحكمة تارة نعرفها وتارة نجهلها لغموضها عن إفهامنا فراجعوا أنفسكم في ارتباط السفلى بالعلوي وتوقف وجود هذا على سبق وجود ذاك تجدوا أن الحرية المرادة لكم في العوالم غير ممكنة لوقوع الكون في التشويش والتعاكس إذا انعدمت الروابط وكان كل شيء فاعلاً بذاته غير منفعل ولا متأثر بغيره فلابد من الارتباط والانفعال بالجذب والتأثر ذلك تقدير العزيز العليم.(1/1007)
سؤال
هل يتيسر للأستاذ وضع جدول يتضمن أسماء الخلفاء ومددهم وأسنانهم ووفاتهم من سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه إلى آخر خيفة عباسي كان يمصر فإن أمكن ذلك فليتفضل بنشره وله الفضل محمود محمد بإسكندرية
الجواب
نعم أن ذلك متيسر على ما حرره المؤرخون فقد اعتنوا بشأن الخلافة والقائمين بها نم العرب إلى أن أفرغت إلى العائلة العثمانية التركية القائمة بأمر الأمة الآن ومن تحريرهم أخذ الجدول الآتي وفيه الجواب بأحسن بيان.
مدة الولاية
أيامشهورأعوامسنة الولايةسنة الوفاةالسناسم الشهرأسماء الخلفاء
00 3 2 11 13 63 22 جمادى الأخرةأبو بكر الصديق رضي الله عنه أول الخلفاء قيل مسموم
5 6 10 13 23 63 27 ذي الحجةعمر بن الخطاب رضي الله عنه شهيد
22 11 11 23 35 80 15 ذي الحجةعثمان بن عفان رضي الله عنه شهيد
00 9 4 35 40 63 رمضانعلي بن أبي طالب رضي الله عنه شهيد
27 5 00 40 50 47الحسن بن علي رضي الله عنه مسموم بعد تنازله(1/1008)
مدة الولاية
أيامشهورأعوامسنة الولايةسنة الوفاةالسناسم الشهرأسماء الخلفاء
00 03 19 41 60 75 غرة رجبمعاوية بن أبي سفيان
00 06 03 60 64 35 ربيع الأوليزيد بن معاوية
10 01 00 64 64 23معاوية بن يزيد خلع نفسه
00 10 00 64 65 63 شهر رمضانمروان بن الحكم قتلته زوجته
00 00 21 65 68 63 15 شوالعبد الملك بن مروان
22 00 09 64 73 73عبد الله بن الزبير في وسط مدة عبد الملك
00 07 09 86 96 42 15 جمادى الأخرةالوليد بن عبد الملك
05 05 02 96 99 39 20 صفرسليمان بن عبد الملك
00 05 02 99 101 40 رجبعمر بن عبد العزيز
00 01 04 101 105 40 25 شعبانيزيد بن عبد الملك(1/1009)
مدة الولادة
أيامشهورأعوامسنة الولايةسنة الوفاةالسناسم الشهرأسماء الخلفاء
21 09 19 105 125 55 6 ربيع الآخرهشام بن عبد الملك
22 02 01 025 126 42 28 جمادى الأخرةالوليد بن يزيد ابن عبد الملك قتيل
12 05 00 126 126 42 ذي الحجةيزيد بن الوليد بن عبد الملك
10 02 00 126 127 00إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك خلع
10 02 05 127 132 56 27 ذي الحجةمروان بن محمد قتل
00 08 04 132 136 33 13 ذي الحجةعبد الله السفاح أول خلفاء بني العباس من مدته ثمانية شهور كان يقتل فيها مروان
06 11 21 136 158 63 6 ذي الحجةأخوهُ أبو جعفر المنصور أبن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب
00 01 10 158 168 43 22 محرممحمد المهدي ابن المنصور(1/1010)
مدة الولادة
أيامشهورأعوامسنة الولايةسنة الوفاةالسناسم الشهرأسماء الخلفاء
00 03 01 168 170 026 15 ربيع الأولموسى الهادي ابن المهدي قتله الجواري
18 02 23 170 193 047 3 جمادى الأولىهارون الرشيد ابن المهدي
05 08 04 193 198 028 24 محرممحمد الأمين ابن هارون قتل
23 05 20 198 218 049 18 رجبعبد الله المأمون ابن هارون
02 08 08 218 226 047 18 ربيع الأولالمعتصم بالله ابن هارون
05 09 05 226 232 032 24 ذي الحجهالواثق بالله هارون ابن المعتصم
03 10 14 232 247 040 4 شوالالمتوكل على الله جعفر ابن المعتصم قتله ابنة بواسطة خدمه
02 06 00 247 248 025 25 ربيع الآخرأبو جعفر المنتصر ابن المتوكل بن المعتصم
00 09 02 248 252 031 رمضانأحمد المستعين ابن محمد ابن المعتصم قتل بعد خلعه وعودته فصافي مدته ما ذكر(1/1011)
مدة الولاية
أيامشهورأعوام سنة الولايةسنة الوفاة السناسم الشهرأسماء الخلفاء
23 06 04 252 255 024 2 شعبانمحمد المعتز ابن المتوكل خلع وقتل بما في مدته أيام وجوده في عهد المستعين
15 11 00 255 256 038 18 رجبمحمد المهتدي ابن الواثق بالله قتل بعد تقطيع أطرافه
00 06 23 256 279 050 19 رجبالمعتمد على الله أحمد ابن المتوكل
13 09 08 279 289 047 22 ربيع الآخرأبو العباس المعتضد بالله أحمد ابن الموفق ابن المتوكل
19 06 06 289 295 033 ذي القعدة أبو محمد المكتفي بالله على ابن المعتضد
00 00 00 295 000 000أبو الفضل جعفر المتقدر ابن المعتضد ثم خلع
01 00 00 296 296 050 20 ربيع الأول المنتصف بالله عبد الله ابن المعتز ابن المتوكل قتل ليومه
00 00 00 296 317 000عود المقتدر بعد قتل ابن المعتز ثم خلع مرة ثانية
02 00 00 296 296 000القاهر بالله محمد بن المعتضد خلع
16 11 24 296 320 038 27 شوالعود المقتدر ثم قتل(1/1012)
مدة الولاية
أيامشهورأعوامسنة الولايةسنة الوفاةالسناسم الشهرأسماء الخلفاء
08 06 01 320 322 00القاهر بالله محمد ابن المعتضد خلع وسملت عيناه
10 10 06 322 329 32 15 ربيع الأولأبو العباس الراضي بالله أحمد ابن المقتدر بالله
18 05 03 329 333 00 صفرإبراهيم المتقي لله ابن المقتدر خلع وسملت عيناه
00 04 01 333 334 00 22 جمادى الآخرةأبو القاسم المستكفي بالله عبد الله ابن المكتفي بالله ابن المعتضد خلع وسملت عيناه
00 05 29 334 363 00 15 ذي القعدة أبو القاسم المطيع لله الفضل ابن المقتدر
06 08 17 363 381 76أبو الفضل عبد الكريم الطائع لله ابن المطيع لله خلع ومات بعد خلعه بمدة
20 03 41 381 422 86 ذي الحجة أبو العباس القادر بالله أحمد ابن اسحق ابن المقتدر
00 08 44 422 467 76 13 شعبانالقائم بأمر الله أبو جعفر عبد الله ابن القادر بالله
28 07 19 467 487 38 15 محرمالمتقدي بأمر الله عبد الله بن محمد ابن القائم بأمر الله(1/1013)
مدة الولاية
أيامشهورأعوامسنة الولاية سنة الوفاةالسناسم الشهرأسماء الخلفاء
11 03 24 487 512 41 16 ربيع الآخرأحمد المستظهر بالله ابن المقتدي بأمر الله
20 06 17 512 529 43 17 ذي القعدة المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله قتل
18 09 02 529 532 47 25 رمضانأبو جعفر الراشد بالله ابن المسترشد بالله خلع وقتل
16 03 24 532 555 67 2 ربيع الأولمحمد المقتفي بأمر الله ابن المستظهر
16 00 11 555 566 56 9 ربيع الآخرالمستنجد بالله يوسف بن المقتفي بأمر الله
00 07 09 566 575 39 2 القعدةأبو محمد الحسن المستضيء بأمر الله ابن المستنجد بالله
28 10 46 575 622 70 غاية رمضانالناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بالله
14 09 00 622 623 00 14 رجبالظاهر بأمر الله محمد بن الناصر لدين الله
03 11 16 623 640 51 10 جمادي الثانيأبو جعفر المنصور المستنصر بالله ابن الظاهر بأمر الله
10 06 15 640 656 00 20 محرمالمستعصم بالله عبد الله بن المستنصر بالله قتله هولاكو التتاري وهو آخر بني العباس ببغداد(1/1014)
مدة الولاية
أيام شهورأعوامسنة الولايةسنة الوفاةالسناسم الشهرأسماء الخلفاء
العباسيون بمصر سقط ستة أشهر مدة الهرج
07659 660 أولهم أحمد المستنصر بالله ابن الظاهر ابن الناصر بايعه الظاهر بيبرس في 13 رجب سنة 659
04 40 660 7018 جمادى الأولىالحاكم بأمر الله أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن أبي علي بن جعفر الراشد بالله الخ
01 39 701 740شعبانالمستكفي بالله سليمان ابن الحاكم المتقدم نفي إلى قبرص وبها مات
05 01 740 742 الواثق بالله إبراهيم بن محمد بن الحاكم بأمر الله خلع
07 11 742 753رجب الحاكم بأمر الله أحمد بن المستكفي بن الحاكم الأول تولى وخلع ثم عاد
01 10 753 763 المعتضد بالله أبو بكر بن المستكفي بالله
763 785خلعالمتوكل على الله محمد بن المعتضد بن المستكفي وسنذكر مدته بعد عودته(1/1015)
مدة الولاية
أيامشهورأعوامسنة الولايةسنة الوفاةالسناسم الشهر أسماء الخلفاء
04 03 785 788خلع 28 رجبالواثق بالله ابن إبراهيم ابن ابن محمد المستمسك بالله ابن الحاكم
01 03 788 791 المعتصم بالله زكريا بن إبراهيم المتقدم
02 45 791 808 عودة المتوكل بن المعتضد ومدته في الخلافتين
04 07 808 815 المستعين بالله العباس ابن المتوكل خلع وأعيد
30 815 845 المعتضد بالله داوود بن المتوكل
09 845 854 المستكفي بالله سليمان بن المتوكل
11 04 854 859 القائم بأمر الله حمزة ب المتوكل خلع
25 859 884 المستنجد بالله يوسف بن المتوكل
03 19 884 903 عبد العزيز المتوكل على الله بن يعقوب ابن المتوكل الأول
903المستمسك بالله يعقوب بن عبد العزيز وهو أخرهم ومدته مجهولة(1/1016)
العدد 42 - بتاريخ: 10 - 8 - 1893
مذهب النباتيين
النباتيون هم القائلون بتحريم ذبح الحيوان لأية مصلحة كانت ويرون أن الإنسان من الحيوان وكل حيوان إنما يعيش بالتغذية بالنبات فالإنسان مفطور كذلك على التغذي بالنباتات والأثمار والألبان والبيض وأكله اللحم أمر عرض عليه لم يكن من فطرته ولا عادته وهو مذهب قديم في العالم كتبت فيه كتب وعللت فيها أحكامهم بعلل شتى والنفس تشتاق للوقوف على هذا المذهب وأحكام أهله وقد أطلعنا حضرة الفاضل السيد محمد عبد الواحد الطوبي على رسالة فيه فأحببنا نشرها بعد التصرف في عبارتها تصرفاً يكسرها ثوب إنشاء سهل التناول ومن عباراتها يظهر أنها لأحد المسيحيين المنشئين ولا يخفى على أهل العلم والفضل أن كثيراً من المتقدمين كان يميل لهذا المذهب كأفلاطون وفيثاغورس وكذلك وجد في المتأخرين من أخذ به كأبي العلا المعري ولقد وصف له الطبيب لحم الفراريج في مرض(1/1017)
موته فطلب أهله ذبح ديك عندهم فهرب منهم ودخل عليه فأمسكه وصار يمسحه ويقول له روّعوك وأبي عليهم ذبحه ووجد في اليونان جماعة يقال لهم الأعشابيون لهم بقية إلى الآن وإذا نظرنا إلى كثير من سكان القرى والأودية والصحارى نراهم يعيشون على أكل الخبز والخضر والثمار واللبن والبيض من غير أن يتمذهبوا بهذا المذهب وربما كان فيهم من لا يأكل اللحم إلا في عيد أو فرح فحكمه حكم من لم يأكله تمذهباً للندرة ولوقوف القراء على هذا المذهب وعلله ننشر الرسالة طالبين من أفاضل الأطباء الأجلاء كالنطاسي سالم باشا سام وحسن باشا محمود وصدقي باشا ودري بك وبدر بك وغيرهم ممن هو في طبقتهم أو دونها من تلامذتهم أن يوافونا بشرح للأغذية النباتية والحيوانية نقضاً لمذهب النباتيين أو تأييداً له ليقوم الأستاذ مقام مبلغ عنهم يتلو على الناس ما يريدون تعليمه لهم شاكراً لعنايتهم عارفاً لكل ذي فضل فضله وكان النباتيين لم يراعوا الشرائع الإلهية المبيحة ذبح الحيوان للتغذي به قال قائلهم
أخذ القوم من أعوام بإنكلترا يبالغون في البحث في أمر المعاش ومقتضياته ووضعوا في ذلك التأليف النفيسة ونشروا التعاليم المفيدة وألفوا جمعيات خصوصية منها جمعية. البقول والنباتات. وهي عبارة عن قوم تألفوا تحت لواء واحد جعلوا مركزهم الأول في مدينة منشستر ووضعوا لتأليف واستنبطوا المسائل ونشروا المنشورات في مذهبهم القائم بعدم أكل اللحوم أي بعدم قتل الحيوان وإنما يقتاتون من النبات كالبقول والثمار ثم الحليب
والبيض وقد تسموا نباتيين وتغلب عليهم هذا الاسم لتغلب البقول في الأقوات البشرية. فإن الإنسان يصبو إلى قوته الطبيعي الفاكهة والبقول(1/1018)
لا اللحوم وقد رأينا كل حيوان أهلي يقوم بخدمة الإنسان قوته من الأعشاب كالفرس والبقر وغيرها لا من اللحوم فإذا لا الإنسان في أول فطرته ولا ما يقوم بخدمته من الحيوان يعد نم الضواري فإن قوت القسمين من الثمار والبقول لا من الحيوان المذبوح. وإما اغتذاء الإنسان فيما بعد باللحوم فإنما هو أمر على غير فطرته ونشأته الأولى واستدلوا على ذلك ببراهين ساطعة وأدلة قاطعة. قالوا عار على الإنسان أن يستولى عليه الجوع أو أن يرى قوم بل أطفال وأحداث يهلكون جوعاً لقلة القوت ولو انتفع الناس بما يستغلونه من الأرض بمساعدة الماء والهواء لكان نصف الدخل وافياً بمعاش أضعاف أضعافهم من البشر فما بال الناس يتعامون عن حرق الأرض وإحيائها حتى تضعضعت أحوالهم مأكلاً ومشرباً ومركباً وأصبح هذا يهلك شبعاً وذاك يموت جوعاً وهم يتحاسدون ويتنازعون في المعاش وأرض الله واسعة كثير ثمارها فما ضرهم لو حرثوا الأرض واستثمروها على ما ينبغي وخدموها خدمة جد واجتهاد فإنا نراها الآن مع ما عليه الزراعة من التقهقر ووجود أراض واسعة لا يستنبت الإنسان فيها شيئاً في محصولها بالمطلوب لقوت الموجود من الإنسان والبهيم ويزيد ع مؤنه فما الظن إذا أحكمت الزراعة واتسع نطاقها وعمرت الأراضي المتروكة وحسنت تربية الحيوان للانتفاع بدرّه وبيضه وصوفه وشعره ووبره وجلده عند انتهاء أجله بالموت العادي. ثم قالوا ليس من المكروه قتل الحيوان لتغذية الإنسان أن ذلك أمر يمجه الذوق السليم وتمقته النفس لما في ذلك من القسوة بل التوحش فضلاً عما هناك مما ينفر الذوق منه فما(1/1019)
اللحوم إلا جثث مقتولة وهل يوجد شيء أكره من أكل الجثث. ولو فرضن أن جماعة بلغوا من العمر عشرين سنة ولم يأكلوا لحماً ولا عرفوا مسلخاً هل يطيق أحدهم مشاهدة القصابة وما فيها من الذبح والسلخ والتقطيع والكسر ثم تميل نفسه لأكل هذا اللحم بعد ذلك. لا. وإنما العادة أخذت تتدرج في التألف بالإنسان حتى غالبت فطرته ثم غلبتها بالفعل وجعلته يأكل شيئاً لم يكن اعتاد أكله. ولنا في أهل آسيا الجنوبية وأهل البراري وسكان الجبال أعظم شاهد فإنهم قلما يقتاتون بلحوم الحيوان ومع ذلك فإنهم أحسن الناس بنية وأشدهم قوة وأعظمهم بسالة. وأعظم الناس وأشهرهم من الفلاسفة قد ألف أكل البقول ونبذ اللحوم وأمتاز بذلك كثير منهم
في العصور الأولى كفيثاغورث الشهير والجميع ينادى بفضل الأقوات البقلية والنباتية وما نسميه الآن الصيامية (يعلم من هذه العبارة أن صاحب الرسالة مسيحي الدين كما تقدم) وللنباتيين في هذا الباب حجة واضحة فإن ما نطلبه في الحيوان من الغذاء إنما أخذه عن النباتات فلم نعدل عن طريقته التي هي تناول القوت من النبات رأساً ونطلبه بطريقة أكل لحم الحيوان. وقد بحث القوم في المسألة بحثاً كيماوياً واقتصادياً ومزاجياً فوجدوا الغذاء باللحوم بعدة من البدع وأتوا بأدلة لا يختلف اثنان في قوتها فقالوا في تصنيف تكرر طبعه تسعين مرة. لم نأكل اللحوم وهي أغلى قوت وأضره وأكرهه فإن الاغتذاء بالدقيق والفاكهة والبقول والبيض والحليب أرخص وأسلم وألذ فإنك تجد فيها عناصر الألومونيا والنشا والسكر والزيت إلى غير ذلك وأما الغذاء باللحوم فإنه غير كاف وحده لخلوه من النشا ولذا اضطررنا أن نزيد على اللحوم ما(1/1020)
يتم به الغذاء كالخبز وما في معناه. ولا توجد خاصة في اللحوم إلا وهي موجودة في سواها من البقول والثمار والحليب والبيض وربما كانت أكثر وأحسن وأسلم عاقبة فإن أكل البقول يلائم مزاج الإنسان في كل مكان ويقدر أن يتحصل عليه بكل سهولة وهو غذاء مفضل على أكل اللحوم فإنك إذا أخذت درهماً من لحم البقر أو الضمان ودرهماً من اللوبيا والعدس والحمص كانت الخلاصة الغذائية 3 من 19 من البقول (كذا يقول صاحب الرسالة ولعله محل نظر) وبالجملة فإنه ليس في أكل اللحم ما يرغب فيه فإنه يقتضي لتناوله استعداد عظيم من إنضاج وتتبيل ومعاناة ذلك. النباتيون لأجل تأييد مدعاهم وترجيح مذهبهم أتوا بأدلة وبراهين نأتي بها مفصلة.
البرهان الأول إن الإنسان يغتذي طبعاً بثمار النبات وبقول الأرض لأن أسنانه أسنان كل حيوان يقتات بذلك وإنما أضراسه دون نيوب الضواري ويستعملها في تكسير الثمر ذي النوى والصلب مما جف م الثمار وأمعاؤُه كأمعاء الحيوان الذي يقتات بالحشيش لا أنه كأمعاء الضواري والكواسر فينتج من ذلك أن الإنسان حيوان يقنات بالثمار طبعاً وفطرة فضلاً عن أن البقول أسهل هضماً وأقل ضرراً وأكثر قو وأثم تمثيلاً. البرهان الثاني. ليس في اللحم عنصر قابل للتمثيل إلاّ وهو مأخوذ عن العالم النباتي فهو غذاء ناقص لا يحتوي على سكر ولا نشا ولك الحبوب والدقيق والثمار تحتوي على هذه العناصر التي لابد منه وقد قرر أهل النظر عدم وجود فرق معتبر بين الفبرين النباتي والحيواني ولا بين
الألبومين النباتي والألبومين الحيواني. البرهان الثالث. أن اللحوم مهما كانت نظيفة وملائمة فلابد من(1/1021)
احتوائها على مواد فاسدة مضرة من ذلك الدم الباقي في الأهلية الشعرية والعناصر الآخذة في الانحلال عند الذبح والعلل الثابتة الضرر ما قد يوجد من الخميرية والطفيلية والأدواء التي قل أن يلتفت إليها البرهان الرابع أجمع أهل العرفان أن ربع المذبوح من الحيوان في المدن معتل لقلة الغذاء أو لكثرته أو لفساد بنيته وأن أكثر أمراض البقر والغنم تسري إلى الإنسان كالتيفوس والسل الرئوي وعلل الرئة والطاعون البقري وغير ذلك. البرهان الخامس أن جميع النباتيين يصرحوا بكونهم على أحسن صحة وأجود مزاج مما كانوا عليه قبل تركهم أكل اللحوم واقتصارهم على النبات والثمر فضلاً عن أن النبات كثيراً ما يشفي من داء المفاصل والصرع والفالج والأمراض الجلدية واستعمال الخضر والبقول والحليب والبيض يلائم سرعة الشفاء في الجرح والرض وما ينشأ عن العمليات الجراحية حتى قالوا لم نرى إنساناً اغتذى بالبقول وحدها وأصيب بلعة الهواء الأصفر البرهان السادس إن ضرر المسكرات ظاهر وإنما عوّل عليها السكارى لكثرة أكل اللحم فإذا شئت إرجاع سكير عن غيه فحوله عن الأغذية اللحمية إلى النباتية (لم يكن آكل اللحم علة في تناول المسكرات فإنا نجد الهمج الذين يعيشون على النباتات في الجبال والصحارى يصنعون مثل البوزة ويشربونها ونرى بعض العرب الذين لا غذاء لهم إلا التمر واللبن ينتبذون فهذا برهان واه) السابع أن الاغتذاء بالبقول يسبب حسن الخصال وتطهير الأخلاق وارتفاع الأفكار وحسن الألفة والمعاشرة وحب السلام فهي خير إذا يناسب الصحة أدبياً وعقلياً ومالياً في كل فرد وأمة (هذه النتائج ليست مطردة فإننا كما لا ننكر(1/1022)
صفاء فكر المرتاض الذي لم يأكل غير النباتات ووصوله إلى علوم ومعان لم يصل إليها لو كان آكلاً للحوم لا ننكر وجود الكثير من النباتيين الجبايين مشتغلين بالإفساد وقتل المارّين بهم مع جهلهم الجهل الشنيع وشراسة أخلاقهم فهذا برهان غير مطرد) الثامن. الاغتذاء النباتي يناسب الجمال الطبيعي جداً فإنه يخول الهيئة ومنظر الجسم سمة خصوصية من الرقة والخفة ويعطي اللون والبشرة بهاء خصوصياً حتى قال بعض أهل النظر أننا نرى أجمل النساء في بريطانيا من أهل إيرلانده أي من نساء القرى اللاتي يغتذين بالكمأة (البطاطة) (وكذلك نساء العرب اللاتي لا يأكلن الحم إلا في الأعياد والأفراح فإنهم في
جمال خلقي لا يبلغه الجمال الصناعي وإنما يضاف للنبات جودة الهواء وعدم اختلاط الأنساب فكل قبيلة تمتاز بسحنة معلومة لعدم اختلاطها بغيرها بخلاف المدن فإنها لكثرة الاختلاط التناسلي توجد فروق كثيرة في السحن وربما وجدت بين شقيين أو توأمين أخذ كل واحد منهما شكلاً من أشكال أبويه وأجداده) التاسع. أن شعائر الإنسانية تأنف من تلك المشاهد الفظيعة من ذبح وسلخ وغير ذلك مما يكرهه الذوق (كل إنسان وما اعتاد فلا يلزم من استبشاع البعض استبشاع الكل فإننا نجد الاختلاف في نفس النبات فنرى قوماً يأكلون نباتاً يستقبح أكله قوم آخرون) العاشر. من ألزام أن نفصل عن الألفة طبقة من الناس مهنتهم اليومية ذبح الحيوانات وسلخها فلو كلف كل منا بذبح ما يلزم لأكله لعدل عن أكل اللحم من تلقاء نفسه وفضل عليه أكل البقول (هذا برهان ضعيف جداً فإن فصل طبقة من الناس تنزح المراحيض وتشتغل في مناجم الفحم ودبغ الجلود أظلم لو كانت(1/1023)
القصابة ظلماً ومعاناة الإنسان صنع البر خبزاً والخضر طبيخاً أكثر مشقة من ذبح الحيوان وسلخه) الحادي عشر. إننا إذا خصصنا بقعة من الأرض للزرع والاستثمار فأن محصولها يقيت عدداً كثيراً من الناس الذين لو اقتاتوا بحيوان يرعى في تلك البقعة ما كفاهم. الثاني عشر. المشتغلون بالزراعة أكثر من المشتغلين بتربية الحيوان. الثالث عشر. النتيجة من الاغتذاء بالبقول واللحوم واحدة والبقول أرخص من اللحوم سبعة أمثال والرابع عشرة أن من الظلم قتل الحيوان الذي يساعد الإنسان ويشاركه في أعماله ويعينه على حملانه وغزواته وضروريات معاشه ومع ما نراه في الحيوان من الشدة والشجاعة والإقدام فإن هلا يغتذى بغير أحشائش والأعشاب الخامس عشر أن الشعوب الأشد نشاطاً وأكثر كداً وسعياً هي التي تقتات بالبقول فأهل سكسونيا يقتاتون بمغلي الشوفان وأهل أيرلندا بالكماءة وهم أكبر من الإنكليز وأقدر على العمل وفلاح أوفزنيا يأكل الكستنا (أبو فروة) والطلياني يأكل شربة الذرة الصفراء وقد اشتهر الجندي العثماني والبستاني الصيني والحمال الجزائري بجَلدهم على التعب وهم لا يأكلون من اللحوم كغيرهم (قلت وفلاح مصر وسورية وعرب الحجاز واليمن بل وجزيرة العرب بأجمعها لا يأكلون اللحوم إلا في أيام قلائل وهم أصح أجساماً من سكان المدن ولكن لجودة هواء القرى أكبر دخل في تقدم صحة أهلها) السادس عشر من الشعوب الشهيرة في التاريخ بثباتها وشجاعتها السبرتيون وما كانوا يقتاتون إلا بالنباتات
وكذلك الرومانيون أيام عظمتهم واليونان كانوا على جانب عظيم من القوة والشدة قبل أن يألفوا أكل اللحوم فلما أكلوها قلت(1/1024)
همتهم وقهروا السابع عشر. إن كثيراً من المشاهير ألفوا البقول منهم فيثاغورث وأفلاطون وبلوتدرك ويوليونوس وغشندي وميلتون وينطون وروسو وفولتير وفرنكلن ولا مرتين وغيرهم. الثامن عشر. لما كان الغذاء النباتي طبيعياً للإنسان وأسلم عاقبة وأكثر تضاداً للسكر وسائر الرذائل وأحسن لنمو القوى العقلية وأخص كان عدم التعويل عليه جنوناً بل أثماً.
وهذه أدلة النباتيين وتعاليمهم وقد تتصور أن القوت بالنبات يضيق النطاق فإذا استبصرت أنفسح أمامك وقد ذكر القوم خمسمائة شكل على الأقل تصنع من الخضر والألبان فلا عدول عنها سخافة وقلة عقل.
الأستاذ لا يعول على هذه الأقوال بعد أن أحلت الشرائع ذبح الحيوان للتغذي بلحمه فمنكر الأوامر السماوية منكر للشرائع اللهم إلا أن يقول لا نحرم ذبح ما أحله الله ولكن نأنف من أكل حيوان في حكم القتيل فيرجع الأمر للعادة والله أعلم.
إعلان
طبع من الجزء الأول من كان ويكون 32 ملزمة وبقى 8 سيباشر طبعها مدير الأستاذ وترسل لمن دفع قيمة اشتراك السنة الأولى وسيباع هذا الجزء مطبوعاً في ورق جيد النسخة بعشرين قرشاً في القاهرة واثنين وعشرين خارجها وأربعة وعشرين خارج القطر المصري فمن أراده فليخابر مدير الأستاذ مع إرسال القيمة فإننا لا نرسله إلا لمن قدم قيمته وسنباشر طبع الجزءين الثاني والثالث منه وكتاب الأحتفا في الأختفا. والسانحه في علوم الفاتحة. والآلام(1/1025)
واللذات في اتصال الروح بالذات. وصرف الوضمه عن صرف العصمة. ووفد البديع على باب الشفيع. وخلاقة ما كان في ليس في الإمكان أبدع مما كان والفرائد. وطهارة القلوب والأفواه شرح لا إله إلا الله. وحلة الأنوار لمادح المختار. وسيف الموحد في نحر الملحد. وترصيع الماس في خير الناس. ومأتم البُكى على آل النبي. ووطنية الشرق. والنحله في الرحلة. والسكر النبات في تربية البنين والبنات. ونحن وأنتم. وإنقاذ البليد من ورطة التقليد. والدر النفيس في تاريخ بني أدريس. ونيل الأرب في أخبار العرب. وكلها تأليف شقيقنا الفاضل محرر الأستاذ وكلما بدأا في كتاب أعلنا عنه في الجرائد المحلية ليخابرنا عنه من يطلبه بقيمته وما حملني على ذلك إلا علمي بأن شقيقي ما كتب كتاباً إلا أخلص في وضعه وبذل الجهد في تنقيحه ويقيني بأن المصريين بل الشرقيين يميلون لكلك ما خطه بقلمه خصوصاً هذه الكتب العلمية الأدبية التي خدم بها الشرق وأهله أيام اختفائه الذي لم يقعد همته عن خدمة قومه وهو في أشد ما يكون من صعوبة الحال وقد عقدنا العزم على مباشرة طبعها في مطبعة الأستاذ الخاصة بنا وبالله يستعين.
عبد الفتاح النديم
تابع حفظ الصحة
الدرن. يولد الطفل الذي يكون أحد أبويه مصاباً بالدرَن أو هما معاً ضعيفاً معرضاً لأمراض شتى وتكون بنيته درنية وينتهي بأن يصاب بالدرن في السحايا أو الرئتين أو بعض الأحشاء المهمة وقد أخرت الشرح للدرن والبنية(1/1026)
الدرنية وقواعدها الصحية إلى فصل آخر سيأتي قريباً. واللازم معرفته الآن بيان أن الطفل المولود من آبادرنيين تكون بنيته درنية ويكون جسمه مشتملاً على باسيلوس الدرن وهو الأصل المولد له.
السرطان. يولد الطفل الآتي من أبوين مصابين بهذا المرض ضعيف البنية معرضاً لجملة أمراض ويكون جسمه مشتملاً على ميكروب السرطان في سن الشيخوخة.
الفتوق. كثيراً ما شوهد أطفال ولدوا مصابين بفتوق مخية وسحائية وشوكية وسرية وأربية فخذية وهي تأتي من عدم تمام نمو الأعضاء فالفتوق المخية تحصل من اليوافيخ أو التداريز (أي محل انضمام العظام) وقد تحصل من نفس العظم أي أن جزأَ من المخ يخرج من نفس العظم ويولد المولود بهذه الصفة وهذان يحصلا من وقوف في نمو العظم. وأما الفتق الشوكي فهو عبارة عن خروج النخاع مع غُلُفه فقط المسماة بالسحايا وهذا يحدثه وقوف في نمو السلسلة الفقرية بحيث لم يتم التحام قطعها ببعضها وهكذا يقال في كل فتق والغالب عدم حياة الأطفال التي تولد ومعها فتوق مخية أو شوكية أما باقي الفتوق فتستعمل لها الأربطة اللازمة لمثلها. ومتى ولد الطفل تام الأعضاء سليم البنية ممتعاً بالحياة جب قطع الحبل السري بأن يربط من أعلى السرة بنحو قيراطين ثم يربط أعلى من ذلك بقيراطين أيضاً ويقعط ما بين الرباطين ثم يغير عليه بوضع رفادة مدهونة بالمرهم البسيط ويربط وبغير عليه يومياً إلى أن يسقط في اليوم الخامس أو السادس وبعد ذلك يمسح جسمه بخرقة نظيفة لإزالة الطبقة الدسمة الآتية من الإفراز الجلدي الدهني مدة الحمل ثم يلبس(1/1027)
ملابسه التي يلزم أن تكون متعسة لعدم ضغطها على جدر الصدر فتحدث عسر التنفس ولا على الحبل السري المقطوع حديثاً فتحدث آلاماً شديدة ولا يلزم استعمال القماط الضاغط الذي يستعمله بعض أهالي مصر.
تحية وسلام
عبد الله النديم الإدريسي الحسني يتقدم بين يدي أخوانه المصريين بل الشرقيين الذين اشتركوا في قراءة جريدتنا الأستاذ بتحية وسلام لائقين بهم مذكراً هؤُلاء الأفاضل أني عندما لبست ثوب العفو الخديوي العباسي وعدت من غربتي بعد اختفائي عشر سنين لم أجد شيئاً تقرب به إلى الله تعالى وأخدم به سلطاني المعظم وأميري المفخم وأخواني الشرقيين غير إنشاء جريدة علمية تهذيبية أخلص فيها النصح للشرقيين عموماً والمصريين خصوصاً ففتحت جريدة الأستاذ في غرة صفر سنة 1310 وما رأيت باب نصح أو إرشادا أو موعظة أو تعليم أو إنذاراً وتحذير إلا دخلته جاعلاً الإخلاص مطيتي في هذا الطريق الوعر والمسلك الحزن ولقد لاقيت من الصعوبات ما لا يطاق وهددت الجريدة بما صيرها تحت الخطر فصبرت وثبت أمام تلك النوائب حتى طلبت بقلم المطبوعات والداخلية ورأيت من الشدة والتعصب ما زادني ثباتاً ثم ظهر لعطوفة مصطفى باشا فهمي سوء سعاية المفسدين فأعرض عن التعرض للأستاذ لما علم من إخلاصه في النصح واجتهاده في التهذيب وأقبل الناس على الاشتراك فيه من غير أن نقدم لأحد طلباً لاشتراكه بل تواردت كتب الاشتراك حتى بلغ(1/1028)
المشتركون فيه خارج العاصمة والديار المصرية ألفاً وسبعمائة وثمانين مشتركاً كان يرسل إليهم بواسطة البوسطة واشترك فيه من سكان العاصمة ثمانمائة وستون كان يوزع عليهم بواسطة خدمة الإدارة من هذا المجمع أربعمائة وعشرون مسيحياً مصرياً وسورياً ويباع منه مائتا نسخة مفرقة فمجموع ما كان يوزع منه كل طبعة 2840 ومعلوم أن مثل الجرائد الأدبية لا يشترك فيها إلا الأفاضل والنبهاء فكل مشتركي الأستاذ من الأفاضل والأمراء والأعيان الذين هم من الطبقة الأولى في العالم الشرقي. ولقد عز على بعض أناس غربيين تنبه الشرقي واستعداده لمضاهاة الأوروبي وتقليده في أعماله وأقواله الحرة ورأى أن ذلك ضار بسعيه الخاص وعلم أن الأستاذ صار في مقدمة الجرائد المرشدة إلى طرق الإصلاح والنجاح فأثار بعض الجرائد الإنكليزية في مصر وفي انكلترة كالغازت وبروغريه والتيمس والدلينيوز والمقطع على الأستاذ ثورة عدوان فرمته بأنه متعصب للدين زورا وبهتاناً فإن هذا لا يوجد في صفحاته وافترت عله أنه يقبح أعمال جميع الأوروبيين ويذم المقلد لهم في أفعالهم لإثارة الأفكار ضده مع أنه لم يزد على تبيين عوائد الشرقيين والغربيين وأخلاقهم ومعلوم أن الناس تختلف في العادات فما يناسب
إيطاليا لا يناسب فرنسا غالباً إلا في الأمور العامة فإذا كان للشرقي عادة ينبغي أن ينبه على المحافظة عليها لا يقال أن ذلك طعن في شخص الأوروبي وتقبيح لفعله ولكن المفسد يحتال لغرضه بما يراه وقالت وهي كاذبة أن محرره ثوروي مهيج مع أنه لزم السكون والهدوء ودعا إليهما وما أهاج الأفكار إلا هذه الجرائد الثائرة ولعلم الناس أن ثورتها لغاية شخصية لم تؤثر دسائسها في نفوس كبار القوم الواقفين(1/1029)
على الحقائق ثم انقشعت تلك السحب وتبين لأعاظم الناس فساد تلك الآراء حتى لبعض رجال انكلترة فخمدت ثورتها المصطنعة كل ذلك والأستاذ ثابت القدم لم تتزلزل قواعد أركانه بالرعود الوهمية. ولقد كان معظم الجرائد العربية في مصر خصوصاً المؤيد والإهرام والوطن وبعض الفرنساوية فيها وفي أوروبا خصوصاً الفار والكوريه دي فرائس تدافع عن الأستاذ وتبين مقاصد تلك الجرائد السيئة بما استحقت عليه الشكر والثناء.
وكان الفضل الأكبر في رعاية الأستاذ والعناية به لأَثبت أمراء الوقت جأشاً وأحسنهم سيرة وسيراً سيدي وأميري وولي نعمتي وحافظ حياتي مولاي عباس باشا حلمي الثاني ورجل مصر ووحيدها ذي الهمة العالية والدولة مصطفى رياض باشا وإخوانه النظار الكرام فإنهم علموا من أخلاص الأستاذ في خدمة سلطانه وأميره ووطنه وإخوانه ما استمالهم للعطف عليه وتوجيه العناية إليه ولا أنسى همة بعض قناصل الدول في دفع الثائرين على الأستاذ خصوصاً ما كان من عناية قنصلي دولتي فرنسا والروسيا المحترمين كما لا أنسى التأثر الذي حصل في نفوس جميع المصريين وإشفاقهم على جريدة قامت بينهم مقام الخطيب الواعظ حتى كثر اللغط في المدن والقرى والكفور وانقبضت النفوس من هيجان تلك الجرائد عليه بغير حق بعد أن عرفهم حقوقهم وثمرة الاختلاط بالأوروبي ونزع من النفوس ما غرسه أصحاب الغايات الفاسدة من النفرة والتباغض والتحاسد وبين لهم الجرائد المخلصة في خدمتهم والتي تخدم غيرهم باسمهم فأثني على أصحاب المكاتيب التي لا أحصيها الواردة في هذا الشأن وأقول لهم مازلت أحثكم على التمسك بحب أميركم والانقياد له ولحاكمكم وحسن معاشرة الأوروبي(1/1030)
المقيم بينكم والمحافظة على روابط المحبة بينكم وبين الأجناس المختلفة النازلة ببلادكم ولا يحملنكم تحامل بعض الجرائد عليكم على الطيش والخفة فإن ذلك ضارّ بكم ما فيه غير مصلحة الغير ولا تنسوا تعاونكم على البر
والتقوى وتعاضدكم على تكثير المعارف في بلادكم فليس لكم طريق إلى المعالي غير تكثير المتعلمين والقراء. وكنت أود أن لو دامت لي صحتي فأدوم على خدمتي ولكني أصبت بضعف فيها وأشار عليّ جمع من الأطباء بتغيير الهواء خارج القطر المصري حتى يقوي ضعيفكم ويشفى مريضكم فيعود لخدمة وطنه وأهله وعلى ذلك فإني سأقضي فصل الصيف خارج البلاد وأرجو من أخواني الوطنيين أن يذكروا هذا الخديم مدة غيبته بما قدمه من النصح والموعظة وما تركه بين أيديهم من أجزاء هي كتاب العبر وباب المبتدأ والخبر. ولا يأسفن أخ شرقي على احتجاب الأستاذ عنه مدة حتى يعود محرره يخطر في ثياب الصحة ولباس السلامة لعدم وجود من يقوم مقامه. وإني أقدم لحضرات المشتركين شكراً جميلاً على إقبالهم وعنايتهم بقراءة الأستاذ كما أثنى على مكارم من سارعوا بدفع قيم الاشتراك وأعذر المتأخرين في الدفع لعدم مرور الوكلاء عليهم وهم ألف وأربعمائة وثلاثون مشتركاً تمتعوا بقراءة الجريدة عشرة شهور وأقتنوا مجلداً فيه ألف وثلثمائة صحيفة بما في ذلك كان ويكون ومن رأي مقدار هذا المتأخر علم أني لم أتجر بأفكاري وإنما أخدم وطني وأهله بما أقدر عليه من قول ومال لا أرجو غير الصلاح والنجاح. وأخص أخواني المحررين بشكر جميل وثناء طيب على خدمتهم هذا الوطن العزيز حتى جريدة المقطم فإنها خدمت الأفكار بمادتها الجرائد المصرية وأفادت الوطنيين فوائد لم يروها في غيرها غير أني(1/1031)
أرجو أن يكف محرروها عما كان من التعصب لذواتهم فإن كلاّ منا راعي مصلحته الأستاذ يرى خدمة وطنه بأهله وهم يرون خدمته من طريق إنكليزي وكل يؤيد حجته ببرهانه فلا لوم ولا تثريب بعد انكشاف الحقائق التي كانت مستترة بستر المحاباة. وحرفة الأدب تدفع تلك العوارض التي أخذت دورها وانتهت بسلام. وقد تركت شقيقي السيد عبد الفتاح أفندي يشتغل بطبع رحلة الاختفاء وكان ويكون وبعض كتبي التي لا تتعلق بسياسة ولا دولة فمن أراد شيئاً منها فليخاطبه في إدارة مطبعته الخاصة التي ستكون معدة لطبع كتب علمية وأوراق تجارية وغيرها حتى نعود من تغيير الهواء ولتك الفاتحة والخاتمة الدعاء للحضرة السلطانية الحميدية الشاهانية والذات الخديوية العباسية وجميع الأخوان الشرقيين الذين تجمعنا وإياهم جوامع الشرق المعلومة ولا يظن شرقي أن ما أُلاقيه من المشاق والمتاعب في خدمته يكدرني أو يؤلمني أو أن تزندق بعض
المستعقلين وإظهارهم شبه الحنو والترحم على الأستاذ نفاقاً لجلسائهم يسيئني كلا فاتفاق الجمهور على إخلاص الأستاذ يدفع عنه من يدعي خدمة وطنه وهي تصعب على مثله. وما خلقت الرجال إلا لمصابرة الأهوال ومصادمة النوائب والعاقل يتلذذ بما يراه في فصول تاريخه من العظم والجلالة وإن كان المبدأُ صعوبة وكدراً في أعين الواقفين عند الظواهر وعلى هذا فإني أودع إخواني قائلاً:
أودعكم والله يعلم أنني ... أحب لقاكم والخلودَ إليكمُ
وما عن قلى كان الرحيل وإنما ... دواعٍ تبدت فالسلام عليكمُ(1/1032)